الكتاب: سير أعلام النبلاء المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م عدد الأجزاء: 25 (23 ومجلدان فهارس)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مشكول، ومذيل بالحواشي، ومضاف لخدمة التراجم] ---------- سير أعلام النبلاء ط الرسالة الذهبي، شمس الدين الكتاب: سير أعلام النبلاء المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م عدد الأجزاء: 25 (23 ومجلدان فهارس)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مشكول، ومذيل بالحواشي، ومضاف لخدمة التراجم] ـ[سير أعلام النبلاء]ـ المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م عدد الأجزاء: 25 (23 ومجلدان فهارس) [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مشكول، ومذيل بالحواشي، ومضاف لخدمة التراجم] الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 1 بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 2 تقديم الكتاب بقلم الدكتور بشار عواد معروف أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة بغداد الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 5 الذهبي وكتابه سير أعلام النبلاء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي، وعلى آله وأصحابه الطيبين نجوم الهدى في كل حين، وبعد: فهذا مختصر نافع إن شاء الله في سيرة مؤرخ الإسلام الإمام الثقة المتقن الناقد البارع شمس الدين الذهبي، وفي كتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " ومنزلته بين الكتب التي من بابته، جعلته في فصلين: الأول في سيرة الذهبي والثاني في كتابه " السير ". تناول الفصل الأول البيئة الدمشقية التي نشأ بها الذهبي بكل ما كان فيها من نهضة علمية واسعة، وما اعتراها من صراعات عقائدية، وانتشار الجهل، والاعتقاد بالمغيبات بين العوام. وحاولت أن أقدم صورة لبيئته العائلية المتدينة المعنية بالعلم التي ربته على حب العلم والعلماء منذ نعومة أظفاره مما هيأه لمستقبل علمي مرسوم، فرأيناه عند اكتمال شخصيته يعنى بطلب العلم من قراءات وحديث، ثم تتبعت رحلاته في طلب العلم، واستطعت أن أحددها بالبلاد الشامية والمصرية والحجازية، وبينت نتيجة تتبعي لنشاطه أن رحلته إلى البلاد المصرية كانت بين شهر رجب، وذي القعدة من سنة 695 هـ، فصححت بذلك آراء بعض المؤرخين في هذه المسألة. وأوضحت طبيعة دراساته، وذكرت أنها كانت متنوعة لم تقتصر على جانب واحد، لكنها في الوقت نفسه لم تخرج عن دائرة العلوم الدينية عموما والعلوم المساعدة لها من تاريخ ونحو ولغة وأدب. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 7 وتناول الفصل صلات الذهبي الشخصية بابن تيمية والمزي والبرزالي وأثرها في تبلور فكره السلفي المتمثل بميله إلى آراء الحنابلة ودفاعه عن مذهبهم في العقائد، وارتباطه الشديد بالحديث والمحدثين، ونظرته إلى العلوم والعلماء وفلسفتهم تجاه العلوم العقلية، مما أثر في منهجه التاريخي تأثيرا واضحا، فظهر في اهتمامه الكبير بالتراجم التي صارت تكون أسس كتبه، ومحور تفكيره التاريخي، وفي نظرته إلى الأحداث التاريخية وأسس انتقائها، ثم فيما وجه إلى كتاباته من نقد أثار نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء الذين جاءوا بعده. أما نشاطه العلمي، فقد بينت أنه اتخذ وجهتين رئيستين: أولاهما كتاباته الكثيرة، وثانيتهما تدريسه الحديث في أمهات دور الحديث بدمشق بحيث استطعنا التعرف على خمس دور للحديث كان يتولى مشيختها في آن واحد قبيل وفاته. وأبنت منزلة الذهبي العلمية استنادا إلى دراسة مسهبة لآثاره الكثيرة التي خلفها. وقد أظهرت الدارسة أن منزلته العلمية وبراعته ظهرتا في أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستي له محدثا ومؤرخا وناقدا. وعلى الرغم من أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل والتلخيص، فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته. وكان مفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث النبوي الشريف وعلومه، وقد ظهر ذلك في عنايته التامة بكتب التراجم التي قامت عليها شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا. وقد جعلت منه معرفته الرجالية الواسعة ناقدا ماهرا، ظهر ذلك في مؤلفاته المعنية بالنقد وفي التفاتاته البارعة في أصول النقد، ورده لكثير من الروايات، وتخطئته لكبار النقاد، وقدرته الفائقة على البحث والاستدلال. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 8 وختمت الفصل بتذكرة مختصرة في تآليفه واختصاراته وتخريجاته مرتبة حسب موضوعاتها، وأشرت إلى ما طبع منها وما هو مخطوط مع بيان مكان النسخة الخطية على سبيل الاختصار. وقد تمكنت أن أعد له مئتين وخمسة عشر مؤلفا ومختصرا وتخريجا. أما الفصل الثاني الذي خصصته لمنهج " السير " وأهميته، فقد بدأته بالكلام على عنوان الكتاب وتأليفه، وتمكنت فيه أن أحدد تاريخ تأليف الكتاب بسنة 732 هـ خلافا لما هو شائع عند الناس. ثم عرجت على نطاق الكتاب وعدد مجلداته وتوصلت إلى أن الذهبي لم يكتب المجلدين الأول والثاني منه إنما طالب النساخ باستلالهما من تاريخه الكبير " تاريخ الإسلام "، وأن المجلدين لم يفقدا كما نصت وقفية الكتاب على المدرسة المحمودية، ثم أثبت بما لا يقبل الشك أن المجلد الثالث عشر الذي وصل إلينا ليس هو آخر الكتاب، كما ادعى الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد، وتابعه الناس عليه، بل إن هناك مجلدا آخر يتمم الكتاب هو المجلد الرابع عشر ومنه رجحت أن يكون الذهبي قد رتب كتابه على أربعين طبقة تقريبا وليس على خمس وثلاثين كما هو شائع. وتناولت في هذا الفصل أيضا ترتيب الكتاب على الطبقات فرأيت أن مستلزمات البحث تقتضي استعراضا لظهور هذا الترتيب في تاريخ الحركة التأليفية عند المسلمين، ومحاولة لتحديد هذا المفهوم التنظيمي عند الذهبي عن طريق دراسة مؤلفاته التراجمية المرتبة على الطبقات، ومنها كتابه " السير ". وقد تمكنت فيما أعتقد من تفسير التناقض الظاهري الناتج عن اختلاف عدد الطبقات في مؤلفاته ضمن وحدة زمنية محددة معلومة، باختلاف نوعية المترجمين بين كتاب وآخر. وأوضحت بعد ذلك أن فائدة الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 9 الترتيب على الطبقات إنما تظهر في العصور الإسلامية الأولى، لذلك صرنا لا نشعر بوجود " الطبقة " في كتاب " السير كلما مضى الزمن بالكتاب، وضربت لكل ذلك أمثلة من الكتاب تعزز هذه الآراء وتقويها. وكان لا بد لي، وأنا أبحث في منهج الكتاب، أن أتناول طبيعة التراجم المذكورة فيه، والأسس التي استند عليها الذهبي في ذكر ترجمة وإسقاط أخرى، فأبنت أنه ذكر " الأعلام " وأسقط المشهورين والمغمورين، وحاول أن يوجد موازنة بين الأعلام في النوعية والأزمان والأمكنة، واجتهد أن يقدم ترجمة كاملة، ومختصرة في الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات التي تتوافر عنده. ولما كان الذهبي فنانا تراجميا متميز الأسلوب في صياغة الترجمة وأساليب عرضها، فقد حاولت استشفاف منهجه الذي انتهجه في " السير " في هذا المجال. ثم تناولت بالدراسة منهجه النقدي، فوجدته معنيا بكل أنواعه، لم يقتصر فيه على مجال واحد من مجالاته، فقد عني بنقد المترجمين وتبيان أحوالهم، وأصدر أحكاما وتقويمات تاريخية، وانتقد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفيها، وبرع في إصدار الأحكام على الأحاديث إسنادا ومتنا، وسحب ذلك على الروايات التاريخية. وحاولت بعد ذلك أن أستبين مدى تعصبه، أو إنصافه في النقد، فتبين لي، بعد دراسته لجملة من كتاباته، أن الرجل قد وفق إلى حد كبير أن يكون منصفا، ونبهت إلى وجوب التفريق بين التعصب وبين الإيمان بالشيء، والدفاع عنه بكل ممكن. أما أهمية كتاب " السير " فقد اجتهدت أن أستشرفها من دراسة علاقته بكتاب " تاريخ الإسلام " إذ كان قد شاع بين أوساط الدارسين أن " السير " الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 10 مختصر من " تاريخ الإسلام "، وقد أبانت دراستي للكتابين بطلان هذه الدعوى، ثم تكلمت على أهمية الكتاب في دراسة الحركة الفكرية العربية الإسلامية، وأهميته في دراسة المجتمع الإسلامي. وحاولت بعد ذلك توضيح العوامل التي يسرت ظهور هذا الكتاب محققا بهذه الهيئة العلمية الرائعة، والصفة البارعة النافعة التي تسر كل محب للتراث، حريص عليه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 11 الفصل الأول: حياة الذهبي ومنزلته العلمية أولا - بيئة الذهبي ونشأته قامت دولة المماليك البحرية على أنقاض الدولة الأيوبية بمصر والشام وتمكن المماليك أن يكونوا دولة قوية كان لها أثر في إيقاف التقدم المغولي، وتصفية الإمارات الصليبية في بلاد الشام (1) . وكانت دمشق في نهاية القرن السابع الهجري ومطلع القرن الثامن قد أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الحياة الفكرية، فيها من المدارس العامرة ودور الحديث والقرآن العدد الكثير، عمل على تعميرها حكامها وبعض المياسير من أهلها لا سيما منذ عهد نور الدين زنكي (2) . وكانت العناية بالدراسات الدينية، من تفسير وحديث وفقه وعقائد، هي السمة البارزة لهذا العصر، ولم بعد هناك اهتمام كثير بدراسة العلوم الصرفة التي كانت قد أصبحت من " الصنائع المظلمة " (3) و " الهذيان " (4) .   (1) راجع عن عصر المماليك: الدكتور علي إبراهيم حسن: " دراسات في تاريخ المماليك البحرية "، ط 2 (القاهرة 1948) والدكتور سعيد عاشور: " العصر المماليكي في مصر والشام "، وغيرهما. والكتاب الأخير أحسن ما كتب في الموضوع. (2) يتضح ذلك من العدد الذي ذكره النعيمي في كتابه " تنبيه الدارس ". (3) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 263 (أيا صوفيا 3008) . (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2، الورقة 4. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 12 ثم لا حظنا تباينا شديدا في قيمة الإنتاج الفكري لهذه الفترة وأصالته، فوجدنا الكثير من المؤلفات الهزيلة التي لم تكن غير تكرار لما هو موجود في بطون الكتب السابقة، ووجدنا القليل من المؤلفات التي امتازت بالأصالة والإبداع والمناهج العلمية المتميزة. وقد زاد من صعوبة الإبداع أن الواحد من العلماء كان يجد أمامة تراثا ضخما في الموضوع الذي يروم التأليف فيه، وهو في وضعه هذا يختلف عن المؤلفين الأولين الذين لم يجابهوا مثل هذا التراث. وشهدت دمشق في هذا العصر نزاعا مذهبيا وعقائديا حادا، كان الحكام المماليك يتدخلون فيه في كثير من الأحيان، فيناصرون فئة على أخرى (1) . وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عنوا عناية كبيرة بنشر مذهب الإمام الشافعي، فأسسوا المدارس الخاصة به، وأوقفوا عليها الوقوف (2) . وعنوا في الوقت نفسه بنشر عقيدة الأشعري، واعتبروها السنة التي يجب اتباعها (3) . لذلك أصبحت للأشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام. وقد أثر ذلك على المذاهب الأخرى، فأصابها الوهن والضعف عدا الحنابلة الذين ظلوا على جانب كبير من القوة، وكانت لهم في دمشق مجموعة من دور الحديث والمدارس (4) . وكان النزاع العقائدي بين الحنابلة والأشاعرة مضطرما، زاده اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة العقائد، واعتماد الأشاعرة على الاستدلال   (1) ابن كثير: البداية، 14 / 28، 38، 49، وابن حجر: " الدرر " 1 / 61 وغيرهما. (2) انظر التفاصيل في كتابنا: المنذري وكتابه " التكملة "، ص 38 فما بعد. (3) وكان صلاح الدين أشعريا متعصبا كما هو معروف من سيرته. (4) انظر النعيمي:: " تنبيه الدارس " 2 / 126 29. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 13 العقلي والبرهان المنطقي في دراستها (1) . وبقدر ما ولد هذا التعصب من تمزق في المجتمع، فإنه ولد في الوقت نفسه نشاطا علميا واضحا في هذا المضمار، تمثل في الكتب الكثيرة التي ألفت فيه. كما ظهر تحيز واضح في كثير من كتابات العصر. وكان الجهل والاعتقاد بالخرافات والمغيبات سائدا بين العوام في المجتمع الدمشقي. وكان التصوف منتشرا في أرجاء البلاد انتشارا واسعا، وظهر بينهم كثير من المشعوذين الذين أثروا على العوام أيما تأثير. بل عمل الحكام المماليك على الاهتمام بهم، وكان لهم اعتقاد فيهم، فكان للملك الظاهر بيبرس البندقداري " ت 676 هـ " شيخ اسمه الخضر بن أبي بكر بن موسى العدوي، كان " صاحب حال، ونفس مؤثرة، وهمة إبليسية، وحال كاهني "، وكان الظاهر يعظمه، ويزوره أكثر من مرة في الأسبوع، ويطلعه على أسراره، ويستصحبه في أسفاره لاعتقاده التام به (2) . وانتشر تقديس الأشياخ، والاعتقاد فيهم، وطلب النذور عند قبورهم، بل كانوا يسجدون لبعض تلك القبور، ويطلبون المغفرة من أصحابها (3) . في هذه البيئة الفكرية والعقائدية المضطربة، ولد مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي في شهر ربيع الآخر سنة 673 (4) . وكان من أسرة تركمانية الأصل، تنتهي بالولاء   (1) أبو زهرة: ابن تيمية، ص 25. (2) الذهبي: " تاريخ الإسلام " الورقة 36 (أيا صوفيا 3014) . (3) المصدر نفسه، الورقة 75 (أيا صوفيا 3007) . (4) انظر مثلا: الذهبي: " طبقات القراء "، ص 549، الصفدي: " الوافي "، 2 / 164، و " نكت الهميان "، ص 242، وذكر ابن حجر أن مولده في الثالث من الشهر المذكور (الدرر، 3 / 426) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 14 إلى بني تميم (1) ، سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار بكر (2) . ويبدو أن جد أبيه قايماز قضى حياته فيها (3) ، وتوفي سنة 661 هـ وقد جاوز المئة، قال الذهبي: " قايماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي جد أبي. قال لي ابن عم والدي علي بن فارس النجار: توفي جدنا عن مئة وتسع سنين. قلت عمر، وأضر بأخرة، وتوفي سنة إحدى وستين وست مئة " (4) ، وكان قد حج (5) . وكان جده فخر الدين أبو أحمد عثمان أميا لم يكن له حظ من علم، قد اتخذ من النجارة صنعة له، لكنه كان " حسن اليقين بالله " (6) . ويبدو أنه هو الذي قدم إلى دمشق، واتخذها سكنا له، وتوفي بعد ذلك بها سنة 683 هـ وهو في عشر السبعين (7) . أما والده شهاب الدين أحمد، فقد ولد سنة 641 هـ تقريبا، وعدل عن صنعة أبيه إلى صنعة الذهب المدقوق، فبرع بها، وتميز، وعرف بالذهبي، وطلب العلم، فسمع " صحيح البخاري " سنة 666 هـ، من المقداد القيسي،   (1) كتب الذهبي بخطه على طرة المجلد التاسع عشر من " تاريخ الإسلام " (نسخة أيا صوفيا 3012) " تأليف محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز مولى بني تميم ". (2) ياقوت: معجم البلدان، 4 / 703، فما بعد. (3) لم يذكر الذهبي في نسبته أنه دمشقي، بل قال: " الفارقي "، مما يدل على أنه لم ينتقل إلى دمشق. وذكر الدكتور صلاح الدين المنجد في مقدمة الجزء الذي طبعه من " سير أعلام النبلاء " أن قايماز هو الذي قدم دمشق، وأشار إلى معجم الشيوخ، ولم نجد لذلك دليلا في مصدره 1 / 15 وانظر معجم الشيوخ (م 1 الورقة 89) . (4) الذهبي: أهل المئة فصاعدا، ص 137، و " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 89. (5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 89. (6) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 89. (7) المصدر نفسه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 15 وحج في أواخر عمره، وكان دينا يقوم من الليل (1) . وقد يسرت له صنعته رخاء وغنى، فأعتق من ماله خمس رقاب (2) ، وتزوج من ابنة رجل موصلي الأصل هو علم الدين أبو بكر سنجر بن عبد الله عرف بغناه، وكان " خيرا عاقلا مديرا للمناشير بديوان الجيش..وخلف خمسة عشر ألفا " (3) من الدنانير، وأحله علمه وغناه ومروءته مكانا جعلت خلقا من أهل دمشق يشيعونه يوم وفاته في آخر جمادى الأولى سنة 697 هـ،، يؤمهم قاضي القضاة يومئذ عز الدين ابن جماعة الكناني (4) . وعرف محمد بابن الذهبي، نسبة إلى صنعة أبيه، وكان هو يقيد اسمه " ابن الذهبي " (5) . ويبدو أنه اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عرف عند بعض معاصريه ب " الذهبي " مثل الصلاح الصفدي (6) ، وتاج الدين السبكي (7) ، والحسيني (8) ، وعماد الدين ابن كثير (9) ، وغيرهم.   (1) الذهبي: " تاريخ الإسلام " (وفيات 697) نسخة أيا صوفيا 3014، و " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 13، والصفدي: " الوافي "، م 7 ورقة 86. (2) كان من بينهم فك أسر امرأتين من أسر الفرنجة من عكا (انظر المصادر في الهامش السابق) . (3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 55 وتوفي سنة 686. (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 13. (5) ونسبة ب " ابن الذهبي " مقيدة بخطه في معظم الكتب والطباق التي بخطه مثل طبقة سماع كتاب أهل المئة فصاعدا (ص 111 بتحقيقنا) ، وطرر المجلدات التي وصلت بخطه من " تاريخ الإسلام " (نسخة أيا صوفيا) وطبقة سماع لكتاب " الكاشف " له (نسخة التيمورية رقم 1936) وجاء في أول " معجم شيوخه ": " أما بعد، فهذا معجم العبد المسكين محمد بن أحمد..ابن الذهبي ". (6) " الوافي "، 2 / 163 و " نكت الهميان "، ص 241. (7) " طبقات الشافعية الكبرى " 9 / 100. (8) " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 34. (9) " البداية والنهاية "، 14 / 225. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 16 وعاش طفولته بين أكناف عائلة علمية متدينة، فكانت مرضعته وعمته ست الأهل بنت عثمان، الحاجة أم محمد، قد حصلت على الإجازة من ابن أبي اليسر، وجمال الدين بن مالك، وزهير بن عمر الزرعي، وجماعة آخرين، وسمعت من عمر بن القواس وغيره، وروى الذهبي عنها (1) . وكان خاله علي قد طلب العلم، وروى عنه الذهبي في " معجم شيوخه "، وقال: " علي بن سنجر بن عبد الله الموصلي، ثم الدمشقي الذهبي الحاج المبارك أبو إسماعيل خالي. مولده في سنة ثمان وخمسين وست مئة. وسمع بإفادة مؤدبه ابن الخباز من أبي بكر ابن الأنماطي، وبهاء الدين أيوب الحنفي، وست العرب الكندية. وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق وجماعة. وكان ذا مروءة وكد على عياله وخوف من الله. توفي في الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وسبع مئة " (2) . وكان زوج خالته فاطمة، أحمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي، المعرف بابن الحرستاني، قد سمع الحديث، ورواه، وكان حافظا للقرآن الكريم، كثير التلاوة له، وتوفي بمصر سنة 700 (3) هـ. وطبيعي أن تعتني مثل هذه العائلة المتدينة التي كان لها حظ من العلم بأبنائها، لذلك وجدنا أخاه من الرضاعة علاء الدين أبا الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي: " 724 654 هـ " (4) يسرع، ويستجيز   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 57، ولدت سنة الأهل سنة 653 هـ وتوفيت سنة 729 هـ. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 6. (3) المصدر السابق، م 1 ورقة 12. (4) الذهبي: " ذيل العبر "، ص 136، و " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 1، ابن كثير: = سير 1 / 2 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 17 للذهبي جملة من مشايخ عصره في سنة مولده (1) منهم من دمشق: أحمد بن عبد القادر، أبو العباس العامري " 673 609 هـ " (2) ، وابن الصابوني " 680 604 هـ " (3) ، وأمين الدين ابن عساكر " 686 614 هـ " (4) ، وجمال الدين ابن الصيرفي " 678 583 هـ " (5) . ومن حلب: أحمد بن محمد ابن النصيبي " 692 609 هـ " (6) ، ومن مكة: الإمام محب الدين الطبري محدث الحرم ومفتيه " 694 615 هـ " (7) ، وغيره (8) . ومن المدينة: كافور بن عبد الله الطواشي (9) . ويبدو أن علاء الدين ابن العطار قد حج في تلك السنة (10) فحصل بعض الإجازات من مكة والمدينة. وذكر ابن حجر أن الذين أجازوه في هذه السنة " جمع جم (11) " وقال في ترجمة ابن   = " البداية "، 14 / 117، ابن حجر: " الدرر "، 3 / 74 73، النعيمي: " تنبيه الدارس "، 1 / 70 68، 99، 112. ورأينا لأبي الحسن ابن العطار هذا رسالة في السماع في خزانة كتب جستربتي بدبلن ضمن مجموع برقم 3296. (1) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 12. (3) المصدر السابق، م 2 الورقة 55. (4) المصدر السابق، م 1 الورقة 80. (5) المصدر السابق، م 2 الورقة 87. (6) المصدر السابق، م 1 الورقة 18. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م الورقة 8. (8) انظر مثلا: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 90، م 2 الورقة 6، 31، 60 59، 88، وابن حجر: " الدرر "، 3 / 436. (9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 26. (10) المصدر السابق، م 2 الورقة 60 59. (11) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 18 العطار: " وهو الذي استجاز للذهبي سنة مولده، فانتفع الذهبي بعد ذلك بهذه الإجازة انتفاعا شديدا " (1) . ويمضي الطفل إلى أحد المؤدبين هو علاء الدين علي بن محمد الحلبي المعروف بالبصبص، وكان من أحسن الناس خطا، وأخبرهم بتعليم الصبيان، فيقيم في مكتبه أربعة أعوام (2) ، وفي أثناء ذلك كان جده عثمان يدمنه على النطق بالراء يقوم بذلك لسانه (3) . ولا نعرف في أية سنة ترك المكتب، ولكنه كان في سنة 682 هـ، لم يزل عنده حيث أنشده في هذه السنة شعرا لأبي محمد القاسم الحريري (4) . وقد اتجه الذهبي بعد ذلك إلى شيخة مسعود بن عبد الله الصالحي، فلقنه جميع القرآن، ثم قرأ عليه نحوا من أربعين ختمة، وكان الشيخ مسعود إمام مسجد الشاغور، وكان خيرا متواضعا برا بصبيانه، لقن خلقا. وتوفي سنة 720 هـ (5) . وبدأ الصبي بالحضور إلى مجالس الشيوخ ليسمع كلام بعضهم (6) . ولما قدم عز الدين الفاروثي، عالم العراق، إلى دمشق سنة 690 هـ، ذهب الفتى وسلم عليه، وحدثه (7) ، مما يدلل على حبه للعلم والعلماء منذ الصغر.   (1) المصدر السابق، 3 / 73. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 11. (3) المصدر السابق، م 1 الورقة 89. (4) المصدر السابق، م 2 الورقة 11 ومات مؤدبه في حدود سنة 690 هـ. (5) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 2 الورقة 78. (6) المصدر السابق، م 2 الورقة 58. (7) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 544. وتوفي الفاروثي سنة 694 هـ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 19 ثانيا - بدء عنايته بطلب العلم بدأ الذهبي يعتني بطلب العلم حينما بلغ الثامنة عشرة من عمره، وتوجهت عنايته إلى ناحيتين رئيستين هما: القراءات، والحديث الشريف. أ - القراءات: اهتم الذهبي بقراءة القرآن الكريم، والعناية بدراسة علم القراءات، فتوجه سنة 691 هـ هو ورفقة له، إلى شيخ القراء جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني، ثم الدمشقي، المعروف بالفاضلي، فشرع عليه بالجمع الكبير (1) ، وكان الفاضلي قد صحب الشيخ علم الدين السخاوي المتوفى سنة 643 هـ، وهو الذي انتهت إليه رياسة الإقراء في زمانه (2) ، وجمع عليه القراءات السبع، وتصدر للإقراء بتربة أم الصالح، ولكنه أصيب بطرف من الفالج، فكان يقرئ في بيته وينتهي الذهبي عليه إلى أواخر سورة القصص، ويزداد الفالج على الشيخ، فيمنع الطلبة من الدخول عليه، ثم يموت سنة 692 هـ، وتظل قراءة الذهبي على الفاضلي ناقصة (3) . ولكنه كان في أثناء شروعه بالجمع الكبير على الفاضلي، قد شرع في الوقت نفسه يقرأ بالجمع الكبير على الشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالي المقرئ الدمشقي " ت 708 (4) هـ ". وقرأ ختمة جامعة لمذاهب القراء   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، " ومعرفة القراء "، ص 562 - 563 ابن الجزري: " غاية "، 2 / 71. (2) سبط ابن الجوزي: " مرآة "، 8 / 758، القفطي: " إنباه "، 2 / 311، الحسيني: " صلة التكملة "، (وفيات 643) ، الذهبي: " العبر "، 5 / 178، ابن كثير: " البداية "، 13 / 17، ابن الجزري: " غاية " 1 / 568. (3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، و " معرفة القراء "، ص 563 562، 576، 592. (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 30، و " معرفة القراء "، ص 576. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 20 السبعة بما اشتمل عليه كتاب " التيسير " للداني، وكتاب " حرز الأماني " للشاطبي على ابن جبريل المصري نزيل دمشق (1) . وما لبث الذهبي أن أصبح على معرفة جيدة بالقراءات، وأصولها ومسائلها، وهو لما يزل فتى لم يتعد العشرين من عمره، قال في ترجمة قاضي القضاة شهاب الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن خليل الخويي ثم الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 693 هـ: " جلست بين يديه، وسألني عن غير مسألة من القراءات، فمن الله وأجبته وشهد في إجازتي من الحاضرين، وأجاز لي مروياته (2) ". على أنه استمر في تحصيل هذا الفن، فكتب في سنة 691 هـ " المقدمة في التجويد " عن مؤلفها المقرئ المجود أبي عبد الله محمد بن جوهر التلعفري المتوفى سنة 696 (3) هـ، وتلا ختمة للسبعة على مجد الدين أبي بكر بن محمد المرسي نزيل دمشق المتوفى سنة 718 هـ (4) وجمع الختمة على شيخ القراء ببعلبك موفق الدين المتوفى سنة 695 هـ (5) ، وقرأ بالسبع أيضا على المقرئ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن منصور الحلبي المتوفى سنة 700 هـ، وكان الحلبي هذا من المتصدرين بالعادلية وبالجامع الأموي (6) . وقرأ كتاب " المبهج في القراءات السبع (7) " لسبط الشيخ أبي منصور الخياط البغدادي، و " السبعة " لابن مجاهد، وغيرهما على   (1) (1) الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 36. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 31. (3) المصدر السابق، م 2 الورقة 39. (4) المصدر السابق، م 2 الورقة 39. (5) المصدر السابق، م 2 الورقة 74. (6) المصدر السابق، م 2 الورقة 66 65. (7) عندي منه نسخة مصورة عن نسخة معهد إحياء المخطوطات (رقم 75 قراءات وتجويد) وهو كتاب نفيس للغاية. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 21 شيخه أبي حفص عمر ابن القواس المتوفى سنة 698 هـ، وسمع " الشاطبية " من غير واحد من القراء (1) . وتميز الشاب في دراسة القراءات، وبرع فيها براعة جعلت شيخه شمس الدين أبا عبد الله محمد بن عبد العزيز الدمياطي ثم الدمشقي الشافعي، وهو من المقرئين المجودين، يتنازل له عن حلقته بالجامع الأموي في أواخر سنة 692 هـ، أو أوائل سنة 693 هـ، حينما أصابه المرض الذي توفي فيه، وكان الذهبي قد أكمل عليه القراءات قبل ذلك (2) ، فكان هذا أول منصب علمي يتولاه الذهبي فيما نعلم، وإن لم يدم فيه أكثر من سنة واحدة (3) . ب - الحديث: وفي الوقت نفسه كان الذهبي، وهو في الثامنة عشرة من عمره، قد مال إلى سماع الحديث، واعتنى به عناية فائقة (4) . وانطلق في هذا العلم حتى؟ طغى على كل تفكيره، واستغرق كل حياته بعد ذلك، فسمع ما لا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء، ولقي كثيرا من الشيوخ والشيخات، وأصيب بالشره في سماع الحديث وقراءته، ورافقه ذلك طيلة حياته، حتى كان يسمع من أناس قد لا يرضى عنهم، قال في ترجمة علاء الدين أبي الحسن علي بن مظفر   (1) انظر مثلا الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 35، 69. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 48، توفي شيخه بعد ذلك في صفر من سنة 693 (3) قال الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن علي شمس الدين أبي عبد الله الرضي الحنفي من معرفة القراء: " ولما سافرت إلى بعلبك، سنة ثلاث وتسعين، وتعوقت بالقراءة على الموفق، وثب على حلقتي، فأخذها لكوني لم أستأذن الحاكم في الغيبة، وهو الآن يقرئ بالجامع " ص 600. (4) السبكي: " طبقات الشافعية الكبرى "، 9 / 102، والسيوطي: " طبقات الحفاظ "، الورقة 84. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 22 الإسكندراني، ثم الدمشقي، شيخ دار الحديث النفيسية، المتوفى سنة 716 هـ: " ولم يكن عليه ضوء في دينه، حملني الشره على السماع من مثله، والله يسامحه كان يخل بالصلوات، ويرمى بعظائم الأمور (1) "، وقال في ترجمة شيخه شهاب الدين غازي بن عبد الرحمن الدمشقي المتوفى سنة 709 هـ: " وكان ذا سيرة غير محمودة، فالله يعفو عنه، كتب عنه خلق من أبناء البلد " (2) ، وقال في ترجمة شيخه أبي عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المتوفى سنة 706 هـ: " فقير مسكين..ورأيتهم يذمونه..روى لنا عن خطيب مردا جزء البطاقة (3) "، وذكر عن شيخه محمود بن يحيى التميمي الدمشقي المتوفى سنة 733 هـ أنه كان " سيء الحال، سفيها (4) "، وقال عن أحد شيوخه: " لا ينبغي الرواية عنه، حكوا لي عنه مصائب (5) "، وقال عن آخر: إنه كان " من عوام الطلبة " (6) ، وقال في ترجمة شيخه محمد بن النصير المؤذن المتوفى سنة 715 هـ: " شويخ عامي سمعنا منه، ولم يكن بذاك (7) "، بل إنه ليذهب به حبه للحديث إلى القراءة على الصم، فقد ذكر في ترجمة شيخه محمود بن محمد الخرائطي الصالحي الأصم المتوفى سنة 716 هـ: " قرأت عليه بأقوى صوتي في أذنه (8) ".   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 12. (3) المصدر نفسه، م 2 الورقة 21. (3) المصدر نفسه، م 2 الورقة 30. (4) المصدر نفسه، م 2 الورقة 77. (5) المصدر نفسه، م 1 الورقة 72. (6) المصدر نفسه، م 2 الورقة 55. (7) المصدر نفسه، م 2 الورقة 67. (8) المصدر نفسه، م 2 الورقة 76. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 23 ثالثا - رحلاته في طلب العلم كان الذهبي يتحسر على الرحلة إلى البلدان الأخرى، لما لذلك من أهمية بالغة في تحصيل علو الإسناد، وقدم السماع، ولقاء الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة عنهم (1) . إلا أن والده لم يشجعه على الرحلة، بل منعه في بعض الأحيان، قال في ترجمة أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد بن وريدة البغدادي الحنبلي شيخ المستنصرية " 599 697 (2) هـ ": " وقد هممت بالرحلة إليه، ثم تركته لمكان الوالد (3) "، وقال في ترجمته من " معرفة القراء الكبار ": " وانفرد عن أقرانه، وكنت أتحسر على الرحلة إليه، وما أتجسر خوفا من الوالد، فإنه كان يمنعني (4) "، وقال في ترجمة المكين الأسمر المقرئ الإسكندراني المتوفى سنة 692 هـ: " ولما مات شيخنا الفاضلي، فازددت تلهفا وتحسرا على لقيه، ولم يكن الوالد يمكنني من السفر (5) ". ولم يكن الذهبي ابنا عاقا يخالف إرادة والده، لا سيما أن آداب طلب العلم تقتضي استئذان الأبوين في الرحلة (6) ، ووجوب طاعتهما وبرهما، وترك الرحلة مع كراهتهما ذلك وسخطهما (7) . ويبدو لنا أن الذهبي   (1) راجع عن أهمية الرحلة: الخطيب البغدادي: " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، " باب الرحلة في الحديث إلى البلاد النائية للقاء الحفاظ وتحصيل الأسانيد العالية " الورقة 168 169 (نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية 3711 ج 1) . (2) الدكتور ناجي معروف: " تاريخ علماء المستنصرية "، 1 / 345 342. (3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 74. (4) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 556 وقال في " تاريخ الإسلام ": " وكنت في سنة أربع وتسعين وسنة خمس أتلهف على لقيه، وأتحسر، وما يمكنني الرحلة إليه لمكان الوالد ثم الوالدة " الورقة 268 (أيا صوفيا 3014) . (5) المصدر نفسه، ص 551 وانظر أمثلة أخرى في " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 5. (6) الخطيب البغدادي. " الجامع لأخلاق الراوي "، الورقة 170. (7) الخطيب البغدادي: " الجامع "، الورقة 175 171. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 24 كان وحيد أبيه، أو كان هو البارز بين أبنائه في الأقل (1) ، بحيث كان يخاف عليه هذا الخوف كله. ويظهر أن والده قد سمع له بالرحلة حينما بلغ العشرين من عمره، وذلك سنة 693 هـ (2) . على أنه سمح له برحلات قصيرة لا يقيم في كل منها أكثر من أربعة أشهر (3) في الأغلب، ويرافقه فيها بعض من يعتمد عليهم (4) . أ - رحلاته داخل البلاد الشامية: تشير المصادر إلى رحلات الذهبي عرضا، ولكنها لا تقدم لنا عنها الكثير. على أننا استطعنا أن نتبين أن أول رحلة له ربما كانت إلى بعلبك سنة 693 هـ (5) حيث قرأ فيها القرآن جمعا على الموفق النصيبي المتوفى سنة 695 هـ (6) ، وأكثر عن المحدث الأديب الإمام تاج الدين أبي محمد المغربي، ثم البعلبكي، المتوفى سنة 696 (7) . وسوف نجده مرة أخرى في بعلبك سنة 707 (8) هـ، وقد سمع في هاتين الرحلتين على كثير من شيوخ   (1) لم نقف على أخ لمحمد بن أحمد الذهبي في جميع الكتب المطبوعة والمخطوطة التي اطلعنا عليها، مع أن الذهبي كثير العناية بذكر أقربائه. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 65. (3) قال الذهبي في ترجمة شرف الدين أبي الحسين يحيى بن أحمد الجذامي الإسكندراني وكان قد بلغ السابعة والثمانين من عمره، ووجد الذهبي بعض صعوبات وتأخير في قراءة القراءات عليه، فخاف أن يذهب وقته سدى: " وكنت قد وعدت أبي، وحلفت له أني لا أقيم في الرحلة أكثر من أربعة أشهر، فخفت أعقه " " معرفة القراء "، ص 558. (4) كان والده يرافقه في رحلته إلى حلب سنة 693 هـ وقد سمع معه فيها، وكان رفيقه في رحلته إلى البلاد المصرية سنة 695 ابن أمه في الرضاع داود بن إبراهيم بن داود ابن العطار الفقيه الشافعي، وهو أكبر من الذهبي بثمانية أعوام " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 47) . (5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، 1 / الورقة 65 (6) ابن الجزري: " غاية "، 2 / 71، الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 74. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 71، السبكي: " طبقات "، 9 / 102. (8) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 52. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 25 البلد (1) . ورحل بعد ذلك إلى حلب، وأكثر فيها عن علاء الدين أبي سعيد سنقر بن عبد الله الأرمني، ثم الحلبي، قال: " رحلت إليه، وأكثرت عنه، ونعم الشيخ كان دينا ومروءة وعقلا وتعففا (2) "، وسمع من جملة من شيوخها (3) . وتشير المصادر إلى أنه قد سمع ببلدان عديدة منها: حمص (4) ، وحماة (5) ، وطرابلس (6) ، والكرك (7) ، والمعرة (8) ، وبصرى (9) ، ونابلس (10) ، والرملة (11) ، والقدس (12) ، وتبوك (13) . ب - رحلته إلى البلاد المصرية: على أن رحلة الذهبي إلى البلاد المصرية كانت من أبرز رحلاته   (1) انظر مثلا الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 24، 83، 88، م 2 الورقة 9، 72، 74، 81. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 55، و " ذيل العبر "، ص 36، السبكي: " طبقات " 9 / 102، الطباخ: " أعلام النبلاء "، 4 / 540. (3) انظر مثلا: الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، 34، 39، السبكي: " طبقات "، 9 / 102. (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 63، والصفدي: " الوافي "، 2 / 165. (5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 82، م 2 الورقة 68، 82. (6) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 7، 22: 29، م 2 الورقة 6، 9 وذكر أنه نزل في مدرسة القاضي شمس الدين أحمد بن أبي بكر بن منصور الإسكندراني الفقيه قاضي طرابلس " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 22. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 61، م 2 الورقة 16، 43 42 وقد سمع بها سنة 698 من قاضي القضاة عز الدين محمد بن سلمان الحلبي. (8) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 89. (9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 83. (10) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 1 الورقة 76، م 2 الورقة 7. (11) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 47، والصفدي: " الوافي "، 2 / 165. (12) الصفدي: " الوافي " 2 / 165. (13) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 65. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 26 المبكرة، ويقول الدكتور صلاح الدين المنجد: إنه لا يعرف متى سافر الذهبي إلى مصر، ثم يقول: " ولعل سفره إلى مصر كان بعيد وفاة أبيه سنة 697 هـ، وقد عاد سنة 699 هـ (1) ". واستند في ذلك على ما نقله ابن حجر عن مشيخة بدر الدين النابلسي الذي قال: " وأول ما ولي تصدير حلقة إقراء بجامع دمشق في أول رواق زكريا عوضا عن شمس الدين العراقي الضرير المقرئ في المحرم سنة 699 هـ بعد رجوعه من رحلته من مصر بقليل (2) ". وقد استطعنا، نتيجة تتبعنا لنشاط الذهبي أن نحدد رحلته إلى البلاد المصرية، وأنها كانت بين رجب وذي العقدة من سنة 695 هـ، فقد تبين أنه ابتدأ سفرته في رجب سنة 695 هـ متوجها إلى فلسطين، قال في ترجمة شيخته أم محمد سيدة بنت موسى بن عثمان المارانية المصرية المتوفاة سنة 695 هـ: " وقد رحلت إلى لقيها، فماتت وأنا بفلسطين، في رجب سنة خمس وتسعين وست مئة (3) " وقال في ترجمتها من " تاريخ الإسلام ": " كنت أتلهف على لقيها، ورحلت إلى مصر، وعلمي أنها باقية، فدخلت فوجدتها قد ماتت من عشرة أيام..توفيت يوم الجمعة سادس رجب وأنا بوادي فحمة (4) "، وبذلك نستنتج أنه وصل إلى البلاد المصرية في السادس عشر من رجب سنة 695 هـ. وأول ما افتتح سماعه بمصر على شيخه جمال الدين أبي العباس أحمد ابن محمد بن عبد الله الحلبي المعروف بابن الظاهري (5) " 626 - 696 هـ "،   (1) انظر مقدمته للجزء الذي طبعه من سير أعلام النبلاء، 1 / 18. (2) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 427. (3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 59. (4) الورقة 246 (أيا صوفيا 3014) ولم يذكر ياقوت وادي فحمة هذا. (5) كان والده محمد مولى الملك الظاهر صاحب حلب، فنسب إليه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 27 قال في " تاريخ الإسلام ": " وبه افتتحت السماع في الديار المصرية، وبه اختتمت، وعنده نزلت، وعلى أجزائه اتكلت. وقد سمع منه علم الدين (يعني البرزالي) أكثر من مئتي جزء (1) "، وقال في ترجمته من " معجم شيوخه ": " ودعته في ذي القعدة سنة خمس وتسعين، فقال لي: قل للجماعة يجعلوني في حل.. (2) ". وطبيعي أن يرجع الإمام الذهبي في ذي القعدة من السنة لأنه كان قد وعد أباه، وحلف له أنه لا يقيم في الرحلة أكثر من أربعة أشهر، فخاف أن يعقه إذا تأخر (3) . وقد توفي ابن الظاهري بعد ذلك في ربيع سنة 696 (4) هـ. وقد ذكر مترجمو الذهبي أنه سمع من الحافظ ابن الظاهري (5) فكيف يصح القول عندئذ أنه سافر بعيد 697 هـ! ؟ وسمع بمصر بعد ذلك من جماعة كبيرة، من أشهر هم: مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد الأبرقوهي (6) المتوفى سنة 701 هـ (7) ، وشيخ الإسلام المجتهد قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي المعروف بابن   (1) الورقة 257 (أيا صوفيا 3014) . (2) م 1 الورقة 18. (3) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 558. (4) الذهبي: " تاريخ الإسلام " الورقة 257 (أيا صوفيا 3014) ، و " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 18، ابن الجزري: " تاريخ " م 2 الورقة 60 (باريس 6739) . (5) أنظر مثلا: السبكي: " طبقات "، 9 / 102، وسبط ابن حجر: " رونق الألفاظ "، الورقة 180. (6) نسبة إلى (أبرقوه) بلد قرب يزد، ياقوت: " معجم البلدان "، 1 / 85 وقد ولد بها حينما كان أبو قاضيا عليها، الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 5. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 1 الورقة 5 و " ذيل العبر "، ص 18، السبكي: " طبقات "، 9 / 102، ابن حجر: " الدرر " 1 / 110، 3 / 426، سبط ابن حجر: " رونق الألفاظ " (نسخة الخالدية) ، الفاسي: " العقد الثمين "، 3 / 15، ابن تغري بردي: " النجوم "، 8 / 198 و " المنهل الصافي "، 1 / 218 وغيرها. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 28 دقيق العيد القشيري المتوفى سنة 702 هـ (1) والعلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفى سنة 705 هـ (2) ، وغيرهم (3) . وفي أثناء وجوده بالبلاد المصرية رحل إلى الإسكندرية، وكان بها في شوال من السنة، قال في ترجمة شيخه أبي الحجاج يوسف بن الحسن التميمي القابسي ثم الإسكندراني: " وكنت في شوال هذه السنة في الإسكندرية وهو حي، وسمعت منه التجريد (4) ". ويظهر أنه سافر إليها في رمضان لأنه قرأ على صدر الدين سحنون ختمة لورش وحفص، وتوفي شيخه في الرابع من شوال سنة 695 هـ (5) . وفي ثغر الإسكندرية مضى الذهبي إلى أسند أهلها في القراءات، الإمام شرف الدين أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز ابن الصواف الجذامي الإسكندراني المقرئ المشهور " 609 705 (6) هـ " فأدخل عليه، فوجده قد أضر وأصم، وهو في سبع وثمانين سنة، فقرأ عليه جزءا، ورفع صوته، فسمع، ثم كلمه في أن يجمع عليه القراءات   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 ورقة 55، و " ذيل العبر "، ص 21، و " تذكرة الحفاظ " 4 / 1484 1481، ابن سيد الناس: " أجوبة "، الورقة 65 (الأسكوريال 1160) ، الأدفوي: " الطالع السعيد "، ص 338 317، الصفدي: " الوافي "، 4 / ص 193، ابن حجر: " رفع الإصر "، الورقة 112 وغيرها. (2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 87، و " تذكرة الحفاظ "، 4 / 1479 1477، ابن شاكر: " فوات "، 2 / 17، ابن كثير: " البداية "، 14 / 40، ابن قاضي شهبة: " منتقى المعجم المختص "، الورقة 162 " (أوقاف) ، الصفدي: " الوافي "، م 17 ورقة 236، و " معجم شيوخه " لخصه وترجمه إلى الفرنسية الأستاذ جورج فايدا وطبع بباريس سنة 1926 م. وفي خزانة كتبي الجزء الثالث من إحدى نسخه الخطية. (3) انظر مثلا: الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 21، 42، 64، 96. (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25. (5) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 247 (أيا صوفيا 3014) . (6) الذهبي: " ذيل العبر "، ص 32، ابن حجر: " الدرر "، 5 / 186 185، الجزري: " غاية "، 2 / 366، المقريزي: " السلوك "، 2 / قسم 1 ص 21. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 29 السبع، فوافق، وبدأ الذهبي بالقراءة، فقرأ عليه الفاتحة وآيات من البقرة والشيخ يرد الخلاف، ويرد رواية يعقوب وغيره، ولما ذكر له الذهبي أن قصده القراءة بالسبع حسب، تخيل الشيخ منه نقص المعرفة، وطلب منه أن يذهب إلى أحد تلامذته، قال الذهبي: " وزهدني فيه أني كنت لا أدخل عليه إلا بمشقة وأمنع، ويؤذن لي مرة، وأيضا فكنت لا أقرأ ربع حزب جمعا، حتى ينقطع صوتي لمكان صممه " فخاف الذهبي ضياع الوقت القصير، فتركه (1) ، وذهب إلى الإمام المقرئ صدر الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الدكالي المعروف بسحنون " 610 - 695 هـ (2) " وكان قد ضعف وأضر، فختم عليه بقراءتي ورش وحفص، في مدة أحد عشر يوما مع جماعة من رفاقه (3) . وسمع بالإسكندرية من جملة من علمائها المتميزين (4) من أبرزهم: تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن الهاشمي الحسيني الواسطي الغرافي ثم الإسكندراني " 628 - 704 هـ " شيخ دار الحديث النبيهية بالإسكندرية (5) كما رحل إلى بلبيس، وسمع بها (6) . لقد كانت هذه الرحلة قصيرة، وكان الذهبي يجهد نفسه في قراءة أكبر كمية ممكنة على شيوخ تلك البلاد، فقد ذكر مثلا أنه قرأ جميع سيرة ابن هشام على شيخه أبي المعالي الأبرقوهي في سنة أيام فقط (7) .   (1) الذهبي: " طبقات القراء "، ص 558، و " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 84. (2) الذهبي، " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 73. (3) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 247 (أيا صوفيا 3014) و " معرفة القراء " ص 555. (4) انظر مثلا " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 21، 22، 75، 86، م 2 الورقة 17، 60، 74، 83، 85. (5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 3 2، و " ذيل العبر "، ص 3 28 "، الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 94، ابن حجر: " الدرر "، ج 3 ص 86 85، المقريزي: " السلوك "، 2 / ص 13. وانظر أيضا: السبكي: " طبقات "، 9 / 102. (6) الصفدي: " الوافي "، 2 / 164. (7) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 135 (أيا صوفيا 3007) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 30 ج - رحلته للحج وسماعه هناك: وفي سنة 698 هـ، أي بعيد وفاة والده رحل الذهبي للحج، قال في حوادث السنة من " تاريخ الإسلام ": وحج بنا الأمير شمس الدين العينتابي (1) "، وكان يرافقه في حجه جماعة من أصحابه وشيوخه (2) ، منهم شيخ دار الحديث بالمدرسة المستنصرية (3) العالم المسند أبو عبد الله محمد ابن عبد المحسن المعروف بابن الخراط الحنبلي " 728 - 638 هـ "، وكان ابن الخراط قد قدم دمشق في تلك السنة، وجلس للوعظ بدمشق في شهر رمضان (4) ، قال الذهبي: " ورافقنا في الحج، فسمعت منه بالعلى ومعان كتاب " الفرج بعد الشدة " (5) . وقد سمع بمكة (6) ، وعرفة (7) ، ومنى (8) ، والمدينة (9) من مجموعة من الشيوخ.   (1) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 333 (أيا صوفيا 3014) . (2) انظر مثلا: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 72، م 2 الورقة 16. (3) الدكتور ناجي معروف: " تاريخ علماء المستنصرية "، 1 / 360 354. (4) ذكر ذلك علم الدين البرزالي المتوفى سنة 639 هـ ابن رجب: " الذيل "، 2 / 385 والذهبي في " معجم شيوخه "، م 2 الورقة 50. (5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 50 والكتاب المذكور للتنوخي كما هو معروف. (6) السبكي: " طبقات "، 9 / 102. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 80. (8) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 83، 84. (9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 50. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 31 رابعا - طبيعة دراساته لم ينقطع الذهبي طيلة حياته عن الدراسة والسماع لا يشغله عنهما شاغل، تدل على ذلك معجمات شيوخه لا سيما " المعجم الكبير ". وكانت دراسته وسماعاته متنوعة لم تقتصر على القراءات والحديث. وقد عني بدراسة النحو، فسمع " الحاجبية " في النحو على شيخه موفق الدين أبي عبد الله محمد بن أبي العلاء النصيبي البعلبكي المتوفى سنة 695 هـ (1) . ودرس على شيخ العربية، وإمام أهل الأدب في مصر آنذاك الشيخ بهاء الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن النحاس المتوفى سنة 698 هـ (2) . إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والآداب (3) . واهتم بالكتب التاريخية، فسمع عددا كبيرا منها على شيوخه، في المغازي (4) ، والسيرة (5) ، والتاريخ العام (6) ، ومعجمات الشيوخ والمشيخات (7) ، وكتب التراجم الأخرى (8) .   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 74. (2) المصدر نفسه، م 2 الورقة 30، " وتاريخ الإسلام "، الورقة 287 (أيا صوفيا 3014) . (3) انظر مثلا " تاريخ الإسلام "، 3 / 65 (مطبوعة) والورقة 117 (أحمد الثالث 2917 / 9) والورقة 157 (أيا صوفيا 3008) والورقة 49 (أحمد الثالث 2917 / 10) " ومعجم الشيوخ " م 2 الورقة 50. (4) انظر مثلا " تاريخ الإسلام "، 6 / 133 (مطبوعة) . (5) انظر مثلا " تاريخ الإسلام "، الورقة 135 (أيا صوفيا 3007) . (6) المصدر نفسه، مثلا الورقة 198 (حلب) . (7) انظر مثلا " معجم الشيوخ " م 1، الورقة 15، 22، 26، 28، 33، 42، 46، 55، 80 م 2 الورقة 9، 10، 50، 71، 100، " وتاريخ الإسلام "، الورقة 96 (أيا صوفيا 3008) والورقة 22 (أيا صوفيا 3009) والورقة 4 (أحمد الثالث 2917 / 10) والورقة 185 (أحمد الثالث 2917 / 11) . (8) مثلا " تاريخ الإسلام " الورقة 68، 79 (أيا صوفيا 3002) وغيرها. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 32 إلا أن عنايته الرئيسة في السماع كانت منصبة على الحديث، فقد سمع الذهبي مئات الكتب والأجزاء الحديثية طيلة حياته في طلب العلم، يعرف ذلك من يقرأ معجمات شيوخه وكتبه بروية وإمعان، فضلا عن أن هذه الكتب والأجزاء هي ليست كل ما قرأ الذهبي علي شيوخه، فهناك العدد الهائل من الأحاديث النبوية الشريفة لم يورد في معجمات شيوخه منها إلا أمثلة حسب. يضاف إلى ذلك أنه كان ربما سمع الكتاب أو الجزء على أكثر من شيخ حتى يبلغ في بعضها عشرات المرات أو عددا كبيرا منها، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة، فقد سمع " جزء الحسن بن عرفة " وهو من الأجزاء الحديثية المشهورة أكثر من أربعين مرة على أكثر من أربعين شيخا (1) ، وسمع " نسخة أبي مسهر " عبد الأعلى بن مسهر المتوفى سنة 218 (2) أكثر من اثنتي عشرة مرة (3) ، وسمع " جزء ابن فيل (4) " لأبي طاهر الحسن بن أحمد بن فيل البالسي على أكثر من عشرة من الشيوخ (5) . وأرى من الواجب أن أشير إلى أن الذهبي لم يعن بذكر مسموعاته بصورة مفصلة في معجم شيوخه كما فعل ابن حجر مثلا في " المعجم المفهرس " الذي رتبه   (1) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 9، 16، 17، 33، 36، 38، 49، 53، 64، 72، 79، 80، 81، 86، م 2 ورقة 8، 11، 13، 24، 31، 32، 37، 39، 44، 45، 46، 59، 77، 79، 82، 85، 86، 88، 98، 100. (2) منه نسخة بدار الكتب المصرية، رقم 25551 ب. (3) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 38، 50، 66، 72، 75، م 2 ورقة 20، 32، 35، 37، 51، 65. (4) منه نسخة بدار الكتاب المصرية برقم 25568 ب. (5) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 6، 20، 72، 74، م 2 الورقة 31، 37، 53، 77، 88. سير 1 / 3 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 33 أساسا على الكتب (1) ، وفي " المجمع المؤسس " الذي رتبه على الشيوخ ولكن ذكر فيه المرويات أيضا (2) . ومع ذلك فإن المرويات لا تمثل أصلا دراسات الطالب أو العالم، لان الكتب المروية محدودة عموما، بينما يستطيع الطالب أن يقرأ ما يشاء من الكتب الفقهية والتاريخية والأدبية ودواوين الشعراء ونحوها وطائفة كبيرة منها لا تروى. على أننا نستطيع القول من دراستنا لكتب الذهبي واهتماماته، أنه عني بالعلوم الدينية عموما، والعلوم المساعدة لها كالنحو واللغة والأدب والشعر. كما أنه اطلع على بعض الكتب الفلسفية. ونشك أنه درس كتبا في العلوم الصرفة لعدم اعتقاده بجدواها.   (1) ابن حجر: " المعجم المفهرس " (دار الكتب 82 مصطلح الحديث) . (2) نسختي المصورة (عن دار الكتب 75 مصطلح الحديث) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 34 خامسا - صلاته الشخصية وأثرها في تكوينه الفكري اتصل الذهبي اتصالا وثيقا بثلاثة من شيوخ ذلك العصر وهم جمال الدين أبو الحجاج يوسف (1) بن عبد الرحمن المزي الشافعي " 654 - 742 هـ " وتقي الدين أبو العباس أحمد (2) بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني، " 661 - 728 هـ " وعلم الدين أبو محمد القاسم (3) بن محمد البرزالي " 665 - 739 هـ "، وترافق معهم طيلة حياتهم. وكان الذهبي أصغر رفاقه سنا، وكان أبو الحجاج المزي أكبرهم. وكان بعضهم يقرأ على بعض، فهم شيوخ وأقران في الوقت نفسه. وقد ساعد من شد أواصر هذه الرفقة اتجاههم نحو طلب الحديث منذ فترة مبكرة، وميلهم إلى آراء الحنابلة ودفاعهم عن مذهبهم، مع أن المزي والبرزالي   (1) راجع الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 90، و " تذكرة الحفاظ "، 2 / 1498، الحسيني: " الذيل على ذيل العبر "، ص 229، السبكي: " طبقات "، 6 / 251 (القاهرة 1324) ، ابن كثير: " البداية " 14 / 192 191، ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 128، و " التبيان " الورقة 166، ابن حجر: " الدرر "، 5 / 237 233، ابن تغري بردي: " النجوم " 10 / 76، ابن طولون: " المعزة "، ص 10، ابن العماد: " شذرات "، 6 / 136، الكتاني: " فهرس " 1 / 107. وراجع ما كتبناه في سيرته في مقدمة المجلد الأول من تهذيب الكمال. (2) ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية معروفة تناولها معظم المؤرخين الذين تناولوا عصره ومنهم الذهبي. ومن الذين كتبوا عنه مفردا ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (بيروت 1393 هـ) وابن قدامة: " العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ". ومن المحدثين: محمد كرد علي في " ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية " (لم يذكر مكان الطبع ولا تاريخه) ومحمد بن بهجة البيطار في " حياة شيخ الإسلام ابن تيمية " (دمشق 1961) ومحمد أبو زهرة: " ابن تيمية، حياته وعصره، آراؤه وفقهه " (القاهرة 1952) . (3) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25، " ذيل العبر " ص 209، الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 2 18!، السبكي: " طبقات " 6 / 246 (القاهرة 1324) ، ابن كثير: " البداية "، 14 / 185، ابن شاكر: " فوات "، ص 119، ابن حجر: " الدرر " 3 / 323 321، ابن تغري بردي: " النجوم " 9 / 319، ابن العماد: " شذرات "، 6 / 124. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 35 والذهبي كانوا من الشافعية. وكان كل واحد منهم محبا للآخر ذاكرا فضله. ويذكر الذهبي جيدا أن علم الدين البرزالي هو الذي حبب إليه العناية بالحديث النبوي الشريف، فقال في " معجم شيوخه الكبير ": " الإمام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا ومعلمنا ورفيقنا محدث الشام مؤرخ العصر (1) "، وقال في موضع آخر: " وهو الذي حبب إلي طلب الحديث، فإنه رأى خطي، فقال: خطك يشبه خط المحدثين! فأثر قوله في، وسمعت منه، وتخرجت به في أشياء (2) "، وكان على غاية من الإعجاب بعلمه، ولا سيما " معجم شيوخه " (3) الذي خرجه لنفسه، وفيه ثلاثة آلاف شيخ، منهم ألفان بالسماع وألف بالإجازة (4) . وكتب الذهبي عن شيخه ورفيقه المزي بأنه: " العلامة الحافظ البارع أستاذ الجماعة..محدث الإسلام (5) وأنه كان " خاتمة الحفاظ وناقد الأسانيد والألفاظ وهو صاحب معضلاتنا وموضح مشكلاتنا (6) ". أما ابن تيمية، فكانت شخصيته قد اكتملت منذ أن كان الذهبي شابا في أول طلبه العلم، وكان قد أصبح مجتهدا، له؟ ؟ الخاصة التي تقوم في أصلها   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 25. (2) ابن حجر: " الدرر " 3 / 323. (3) نظم الذهبي في هذا المعجم بيتين من الشعر، قال: إن رمت تفتيش الخزائن كلها ... وظهور أجزاء حوت وعوالي ونعوت أشياخ الوجود وما رووا ... طالع أو اسمع معجم البرزالي ابن حجر: " الدرر "، 3 / 322، ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 120. (4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25، و " ذيل العبر "، ص 208، ابن حجر: " الدرر "، 3 / 322، ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 120. (5) " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 70، وانظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1499 1498. (6) ابن حجر: " الدرر " 5 / 236 235. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 36 على اتباع آثار السلف، وابتدأ منذ سنة 698 هـ يدخل في خصومات عقائدية حادة مع علماء عصره من المخالفين له (1) ، ويقيم الحدود بنفسه، ويحلق رؤوس الصبيان (2) ، ويحارب المشعوذين من أدعياء التصوف (3) ، ويمنع من تقديم النذور (4) ، ويدور هو وأصحابه على الخمارات والحانات، ويريق الخمور (5) ، ويقاتل بعض من يعتقد فساد عقيدته (6) ، ويشتط على القضاة (7) ، بل بلغ الأمر به في إحدى المرات أن دخل السجن، وأخرج رفيقه المزي منه بنفسه (8) . وظهرت شخصيته السياسية في الحرب الغازانية سنة 699 هـ وما بعدها، لا سيما سنة 702 هـ فقد كان له الدور البارز في انتصار المماليك على المغول في وقعة شقحب (9) . وقد أحب الذهبي شيخه ورفيقه، وأعجب به، فقال بعد أن مدحه مدحا عظيما: " وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت، أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم (10) ". ولما مات،   (1) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 332 (أيا صوفيا 3014) ، الصفدي: " الوافي " 5 / 22، ابن كثير " البداية 14 / 4، ابن حجر: " الدرر " 1 / 155. (2) ابن كثير: " البداية "، 14 / 19. (3) الصفدي: " الوافي " 5 / 18، ابن كثير: " البداية " 14 / 33، وانظر فتواه في " الصوفية والفقراء " (نشرها رشيد رضا بالقاهرة 1348 ط 2) . (4) ابن كثير: " البداية " 14 / 34. (5) المصدر نفسه، 14 / 11. (6) المصدر نفسه، 14 / 12. (7) ابن حجر: " الدرر " 1 / 156. (8) السبكي: " طبقات " 6 / 254 (القاهرة 1324) ، ابن كثير: " البداية " 14 / 37، ابن حجر: " الدرر " 5 / 234. (9) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 334 فما بعد (أيا صوفيا 3014) ، الصفدي: " أعيان العصر " 8 / الورقة 7 1 (أيا صوفيا 2968) ، ابن كثير: " البداية " 14 / 9 فما بعد. (10) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 35، وقارن ابن حجر: " الدرر " 1 / 169 168. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 37 رثاه بقصيدة (1) ، وذكر أن مصنفاته قد جاوزت الألف (2) ، وبالغ في ذكر مساوئ من حط عليه مثل الأمير سيف الدين تنكز (3) نائب الشام. ولم تكن محبة رفيقيه وإعجابهما بابن تيمية بأقل من محبة الذهبي له، بل ربما كان المزي أكثرهم إعجابا ومحبة له مع أنه أكبر منه سنا (4) . ومع أن الذهبي قد خالف رفيقه وشيخه " في مسائل أصلية وفرعية (5) " وأرسل إليه نصيحته الذهبية (6) التي يلومه، وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها، إلا أنه بلا ريب قد تأثر به تأثرا عظيما، بحيث قال تاج الدين السبكي المتوفى سنة 771 هـ: " إن هذه الرفقة المزي والذهبي والبرزالي أضر بها أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا وحملها من عظائم الأمور أمرا ليس هينا، وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم (7) ". إن هذه الصلة بين الرفقة، وما اختطوه لأنفسهم فيما ارتضوه، ومالوا إليه من آراء الحنابلة، قد أدت في كثير من الأحيان إلى إيذائهم والتحامل عليهم بما   (1) ابن ناصر الدين: " بديعة الزمان "، الورقة 165، و " الرد الوافر " ص 36 35. (2) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 35، وقارن ابن حجر: " الدرر " 1 / ص 160. وقال الصفدي: " ومن الذي يأتي على مجموعها! " وذكر منها جملة كبيرة " الوافي " 5 / 30 23. (3) ابن حجر: " الدرر "، 1 / 61. وعاتب الذهبي تلميذه تاج الدين السبكي بسبب كلام وقع منه في ابن تيمية، فاعتذر منه السبكي برسالة أرسلها إليه. ابن حجر: " الدرر "، 1/ 169. (4) انظر أقوال المزي في ابن تيمية في كتاب " الرد الوافر " ص 128 - 130 وأقوال البرزالي في الكتاب نفسه ص 119 - 123. وكان ابن تيمية شديد الإعجاب بالمزي، فلما باشر دار الحديث الأشرفية بعد الشريشي، قال ابن تيمية: " لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه " انظر: ابن كثير: " البداية "، 14 / 89، ابن حجر: " الدرر " 5 / 234، النعيمي: " تنبيه "، 1 / 35. (5) ابن حجر: " الدرر " 1 / 166. (6) الذهبي: " النصيحة الذهبية لابن تيمية " (دمشق 1347 هـ) . (7) السبكي: " طبقات " 6 / 254 (القاهرة 1324 هـ) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 38 ليس فيهم. وقد أوذي المزي بسبب ذلك (1) ، وحرم الذهبي بسبب آرائه من تولي أكبر دار للحديث بدمشق، هي دار الحديث الأشرفية (2) التي شغرت مشيختها بعد وفاة رفيقه المزي سنة 742 هـ، فأشار قاضي القضاة علي بن عبد الكافي السبكي أن يعين الذهبي لها، فتكلم الشافعية بأن الذهبي ليس بأشعري، وأن المزي ما وليها إلا بعد أن كتب بخطه، وأشهد على نفسه بأنه أشعري، واتسع النقاش بينهم، ورفض الشافعية أن يتولاها الذهبي بعد أن جمعهم نائب الشام ألطنبغا بالرغم من إلحاح السبكي، ولم يحسم الأمر إلا بتولية السبكي نفسه (3) . ثم أثرت صلة الذهبي بابن تيمية فيما اختصر (4) أو ألف (5) من كتب، وفي بلورة بعض آرائه، وحبه للحنابلة (6) ، وموقفه من بعض المتصوفة (7) ولا سيما طائفة الأحمدية، أتباع الشيخ أحمد الرفاعي (8) . وهو يذكر   (1) من ذلك ما حدث سنة 705 هـ حينما وقعت المناظرة بين ابن تيمية والشافعية فقرأ الشيخ جمال الدين المزي فصلا بالرد على الجهمية من كتاب خلق أفعال العباد للبخاري تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين، وشكاة إلى القاضي الشافعي ابن صصرى، وكان من أعداء ابن تيمية، فأمر بسجن المزي، ولما بلغ ابن تيمية ذلك، تألم كثيرا، وذهب إلى السجن، فأخرجه منه بنفسه، فغضب نائب دمشق فأعيد المزي، ثم أفرج عنه. ابن كثير: " البداية " 14 / 37، ابن حجر: " الدرر " 5 / 234) . (2) منسوبة إلى الملك الأشرف ومظفر الدين موسى ابن العادل الأيوبي، ابتدأ عمارتها سنة 628 هـ، وافتتحت سنة 630 هـ، وأول من وليها محدث عصره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح المتوفى سنة 643 هـ انظر الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 243 (أيا صوفيا 3012) ، والنعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 19 فما بعد. (3) السبكي: " طبقات الشافعية "، 6 / 171 170 (القاهرة 1324) ، ابن قاضي شهبة: " طبقات الشافعية "، الورقة 105 (أحمد الثالث 2836) . (4) من ذلك مثلا " المنتقى من منهاج الاعتدال لشيخه ابن تيمية (وانظر القسم الخاص بكتبه) . (5) من ذلك مثلا كتاب " العلو " (وانظر القسم الخاص بكتبه) . (6) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 4. (7) قال في ترجمة شيخه بهاء الدين أبي المحاسن عبد المحسن بن محمد المعروف بابن العديم المتوفى سنة 704 هـ: " وكان يدخل في ترهات الصوفية " " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 85. (8) قال في ترجمة ثعلب بن جامع الصعيدي الأحمدي الباز دار المتوفى سنة 725 هـ: " كان من كبار الأحمدية، وله أتباع، ثم أنه تاب وترك تلك الرعونات " " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 40. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 39 أن علم المنطق " نفعه قليل وضرره وبيل وما هو من علوم الإسلام (1) " ويقول عن الفلسفة: " الفلسفة الإلهية ما ينظر فيها من يرجى فلاحه، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه، فإن هذا العلم في شق، وما جاءت به الرسل في شق، ولكن ضلال من لم يدر ما جاءت به الرسل كما ينبغي بالحكمة أشر ممن يدري، واغوثاه بالله إذا كان الذين قد انتدبوا للرد على الفلاسفة قد حاروا، ولحقتهم كسفة، فما الظن بالمردود عليهم (2) ؟ ! ". ثم كان لهذه الرفقة، أعني رفقة ابن تيمية، أن جعلت بعض الناس يجدون فيها سببا لطعنهم في كتاباته بسبب اعتقادهم بتحيزها (3) . وقد أثارت هذه المطاعن نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء الذين جاؤوا بعده (4) وهو ما سوف نبحثه عند كلامنا على منهجه في " سير أعلام النبلاء " (5) . ومع أن كثيرا من الانتقادات التي وجهت إلى الذهبي بسبب العقائد كان يغلب عليها طابع التحامل والتعصب، إلا أننا في الوقت نفسه يجب أن نعترف بأن تكوينه الفكري العام قد ارتبط ارتباطا شديدا بالحديث والمحدثين ونظرتهم إلى العلوم والعلماء وفلسفتهم تجاه العلوم العقلية، وقد أثر ذلك، كما سنرى، في منهجه التاريخي تأثيرا واضحا حينما ربطه بالحديث النبوي الشريف وعلومه، فاهتم اهتماما كبيرا بالتراجم حتى صارت أساس كثير من كتبه، ومحور تفكيره.   (1) الذهبي: " بيان زغل العلم "، ص 24 وقال في ترجمة أحد شيوخه: " ثم دخل في؟ ؟، فالله يسلم، ثم أقبل على شأنه " " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 67 66. (2) الذهبي: " بيان زغل العلم " ص 26 25 وانظر " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 49. (3) السبكي: " معيد النعم "، ص 74، و " الطبقات "، 2 / 15 13، 25 22، 9 / 103. (4) السخاوي: " الإعلان "، ص 499 فما بعد، وابن عبد الهادي: " معجم الشافعية " الورقة 47 48. (5) انظر الفصل الثاني. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 40 سادسا - نشاطه العلمي ومناصبه التدريسية بدأت حياة الذهبي العلمية في الإنتاج في مطلع القرن الثامن الهجري كما يبدو، فبدأ باختصار عدد كبير من أمهات الكتب في شتى العلوم التي مارسها، ومن أهمها التاريخ والحديث. ثم توجه بعد ذلك إلى تأليف كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " الذي انتهى من إخراجه لأول مرة سنة 714 (1) هـ. وقد تولى الذهبي في سنة 703 هـ الخطابة بمسجد كفر بطنا (2) ، وهي قرية بغوطة دمشق (3) ، وظل مقيما بها إلى سنة 718 هـ. وفي هذه القرية الهادئة ألف الذهبي خيرة كتبه، وقد ساعده على ذلك كما يبدو تفرغه التام للتأليف. وفي شوال سنة 718 هـ توفي الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد ابن الشريشي الوائلي، وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث بتربة أم الصالح وغيرها (4) ، وكانت هذه الدار من كبريات دور الحديث بدمشق آنذاك (5) ، تولاها كمال الدين ابن الشريشي مدة ثلاث وثلاثين سنة ابتداء من سنة 685 هـ وإلى حين وفاته وكان والده قد تولاها قبله (6) . قال ابن كثير في حوادث سنة 718 هـ: " وفي يوم الاثنين العشرين من   (1) انظر الورقة الأخيرة من نسخة أيا صوفيا 3014. (2) الحسيني: " ذيل العبر " ص 269، ابن كثير: " البداية " 14 / 28. (3) محمد كرد علي: " غوطة دمشق " ص 24. (4) الذهبي: " ذيل العبر " ص 99، ابن كثير: " البداية "، 14 / 91، النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 34 33. (5) النعيمي: " تنبيه " 1 / 316، وواقفها هو الصالح إسماعيل ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر. (6) ابن كثير: " البداية " 14 / 88، 91، النعيمي: " تنبيه " 1 / 34. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 41 ذي الحجة باشر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي المحدث الحافظ بتربة أم الصالح عوضا عن كمال الدين ابن الشريشي..وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة (1) ". وقد اتخذها الذهبي سكنا له وبقي فيها إلى حين وفاته. وفي يوم الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة سنة 729 هـ ولي شمس الدين الذهبي دار الحديث الظاهرية (2) بعد الشيخ شهاب الدين أحمد بن جهيل ونزل عن خطابة كفر بطنا (3) . ولما توفي الشيخ علم الدين البرزالي، شيخ الذهبي ورفيقه، سنة 739 هـ، تولى الذهبي تدريس الحديث بالمدرسة النفيسية وإمامتها عوضا عنه، وكتب له تلميذه صلاح الدين الصفدي توقيعا بذلك (4) . وفي هذه السنة أيضا، أعني سنة 739 هـ، كمل تعمير دار الحديث والقرآن التنكزية (5) ، وباشر الذهبي مشيخة الحديث بها (6) . وقد أخطأ محيي   (1) ابن كثير: " البداية " 14 / 88. (2) أسسها الملك الظاهر بيبرس البندقداري سنة 676 هـ، هي والمدرسة الظاهرية وهي اليوم مقر دار الكتب الظاهرية الواقعة قبالة المجمع العلمي العربي بدمشق، انظر عنها: النعيمي: " الدارس " 1 / 348. (3) ابن كثير: " البداية " 14 / 143. (4) الصفدي: " الوافي " 2 / 166 وتجد نص التوقيع في كتابه. (5) منسوبة إلى الأمير تنكز نائب الشام، وليها سنة 712 هـ ومات معتقلا بالإسكندرية في أوائل سنة 741 هـ (الحسيني: " ذيل العبر " ص 220 219، ابن حجر: " الدرر " 2 / 55 / 62) قال ابن كثير في حوادث سنة 739 هـ: " ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية (كذا والصحيح: التنكزية) وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الإمام الحافظ مؤرخ الإسلام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز، وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز، وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين، ورتب لها إمام، وقارئ حديث، ونواب، ولقارئ الحديث عشرون درهما وثماني أواق خبز وجاءت في غاية الحسن..الخ، 14 / 184. (6) ابن كثير: " البداية " 14 / 184، النعيمي: " تنبيه " 1 / 123. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 42 الدين عبد القادر النعيمي المتوفى سنة 927 هـ حينما جعل الذهبي يخلف تقي الدين ابن تيمية في دار الحديث السكرية (1) ، فترجمه فيها (2) وكرر ذلك، مع أن الذهبي لم يتول هذه الدار كما يبدو. ويظهر أن " التنكزية " تحرفت إلى " السكرية (3) فظن الرجل أنه تولاها، مع أنه ذكر أن الذهبي تولى دار الحديث التنكزية ونقل النصوص الدالة نفسها، قال في دار الحديث السكرية بعد أن ترجم لشيخها تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ: " ثم وليها بعده الحافظ الذهبي وهو محمد.. ثم ولي مشيخة السكرية هذه بعده الصدر المالكي ". قال الشيخ شمس الدين السيد في " ذيل العبر " (في) (4) سنة تسع وأربعين وسبع مئة: " والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكم (5) المالكي مدرس الشرابيشية وشيخ السكرية بعد الذهبي ". انتهى. وقال الصلاح الصفدي في " تاريخه " في حرف السين: " سليمان بن عبد الحكم..إلخ (6) " ثم قال في " دار القرآن والحديث التنكزية " من كتابه بعد ذكر عمارتها ووقوفها: " قال السيد الحسيني في " ذيل العبر " في سنة تسع وأربعين (وسبع مئة) (7) : والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكي   (1) " تنبيه الدارس " 1 / 78 77. (2) المصدر نفسه 1 / 79 78. (3) علما بأنها محرفة في النسخة المطبوعة من " البداية والنهاية " وهذه النسخة كثيرة الأغلاط كما هو معروف. (4) زيادة مني يقتضيها السياق. (5) هكذا في الأصل. وفي " ذيل العبر " (ص 276) و " ذيل تذكرة الحفاظ " (ص 119) : عبد الحكيم. وهو الصحيح. (6) النعيمي: " تنبيه " 1 / 80 77. (7) زيادة من عندي يقتضيها السياق. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 43 شيخهم ومدرس الشرابيشية وشيخ التنكزية بعد الذهبي. انتهى. وقد تقدمت ترجمة الذهبي في دار الحديث السكرية. وقال الصلاح الصفدي في " تاريخه " في حرف السين: " سليمان ابن عبد الحكم..إلخ (1) ". وهذا النص الأخير هو الصحيح وهو الذي أورده الحسيني في " ذيل العبر " (2) . إن هذا الاختلاط والتحريف بالنصوص جعل الدكتور صلاح الدين المنجد يذهب إلى القول بأن الذهبي خلف ابن تيمية سنة 728 هـ في دار الحديث السكرية وهو وهم لا أساس له (3) . ومن دور الحديث التي تولاها الذهبي دار الحديث الفاضلية (4) ، التي أسسها القاضي الفاضل وزير صلاح الدين المتوفى سنة 596 هـ. وهكذا تولى الذهبي كبريات دور الحديث بدمشق في أيامه، لما وصل إليه من المعرفة الواسعة في هذا الفن. وحينما توفي سنة 748 هـ كان يتولى مشيخة الحديث في خمسة أماكن هي: 1 - مشهد عروة، أو دار الحديث العروية، ودرس فيها بعده شرف الدين ابن الواني الحنفي، نزل الذهبي له عنها في مرض موته (5) .   (1) النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 127. (2) الحسيني: " ذيل ذيل العبر " ص 276. (3) مقدمة الجزء الذي طبعه من " سير أعلام النبلاء " 1 / 22 والطريف أن ابن تيمية لم يكن متوليا لهذه المدرسة سنة 728 فقد اعتقل في 16 شعبان سنة 726 وظل معتقلا بالقلعة إلى حين وفاته في ليلة العشرين من ذي القعدة سنة 728 (ابن كثير: " البداية " 14 / 123، 135) . (4) النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 94. (5) ابن قاضي شهبة: " الأعلام " الورقة 86 وهي منسوبة إلى شرف الدين محمد بن عروة الموصلي المتوفى سنة 620 هـ (النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 82) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 44 2 - دار الحديث النفيسية، وقد نزل الذهبي عنها إلى الشيخ شرف الدين ابن الواني الحنفي في مرض موته أيضا فدرس فيها في ذي القعدة (1) . 3 - دار الحديث التنكرية، ودرس فيها بعده الإمام صدر الدين سليمان ابن عبد الحكيم المالكي كما مر بنا قبل قليل (2) . 4 - دار الحديث الفاضلية بالكلاسة، ودرس فيها بعده تلميذه تقي الدين أبو المعالي محمد بن رافع بن هجرس السلامي المتوفى سنة 774 هـ (3) . 5 - تربة أم الصالح، درس فيها بعده تلميذه الحافظ أبو الفداء عماد الدين ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ (4) .   (1) ابن قاضي شهبة: " الأعلام " الورقة 86. (2) وانظر أيضا ابن قاضي شهبة: " الأعلام " الورقة 86. (3) ابن قاضي شهبة: " الأعلام " الورقة 86، والنعيمي: " تنبيه " 1 / 94. (4) قال في كتابه " البداية والنهاية " في حوادث سنة 748 هـ: " وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة حضرت تربة أم الصالح رحم الله واقفها عوضا عن الشيخ شمس الدين الذهبي، وحضر جماعة من أعيان الفقهاء وبعض القضاة، وكان درسا مشهودا ولله الحمد والمنة..إلخ " 14 / 225. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 45 سابعا - منزلة الذهبي العلمية لعل خير ما يصور منزلة الذهبي العلمية واتجاهاته الفكرية هو دراسة آثاره الكثيرة التي خلفها، وتبيان قيمتها مقارنة بمثيلاتها، ومدى اهتمام العلماء والدارسين بها في العصور التالية، والمساهمة الفعلية التي قدمتها للحضارة الإسلامية. وسيرة الذهبي العلمية، استنادا إلى آثاره، ذات وجوه متعددة يستبينها الباحث الفاحص من نوعية تلك الآثار. وأول ما يلاحظ الدارس هذا العدد الضخم من الكتب التي اختصرها والتي تربي على خمسين كتابا، معظمها من الكتب الكبيرة التي اكتسبت أهمية عظيمة عند الدارسين، والتي تعد من بين أحسن الكتب التي وضعت في عصرها وأكثرها أصالة، مما يدل على استيعاب الذهبي لمؤلفات السابقين، ومعرفته بالجيد الأصيل منها، وتمتعه بقدرة ممتازة على الانتفاء. ومما يثير الانتباه أن مختصرات الذهبي لم تكن اختصارات عادية يغلب عليها الجمود والنقل، بل إن المطلع عليها الدارس لها بروية وإمعان يجد فيها إضافات كثيرة، وتعليقات نفيسة، واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات لمؤلف الأصل إذا شعر بوهمه أو غلطه، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره في فن الكتاب المختصر، فهو اختصار مع سد نقص وتحقيق ونقد وتعليق وتدقيق، وهو أمر لا يتأتى إلا للباحثين البارعين الذين أوتوا بسطة في العلم ومعرفة بفنونه. والذهبي حين يضيف إلى الكتاب المختصر يشعر بضرورة ذلك لسد نقص يعتري ذلك الكتاب. فحينما اختصر مثلا كتاب " أسد الغابة في الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 46 معرفة الصحابة " لعز الدين ابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ زاده من عدة تواريخ منها: " تاريخ الصحابة الذين نزلوا حمص " لأبي القاسم عبد الصمد ابن سعيد الحمصي المتوفى سنة 324 هـ، و " مسند " الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ، و " مسند " بقي بن مخلد المتوفى سنة 276 هـ، و " طبقات " ابن سعد المتوفى سنة 230 هـ، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، ومن كتابات ابن سيد الناس المتوفى سنة 734 (1) هـ. وقال سبط ابن حجر عند كلامه على اختصار الذهبي " للمعجم المشتمل على ذكر شيوخ الأئمة النبل " لابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ: " زاده فوائد ومحاسن " (2) . ويجد الباحث في مختصرات الذهبي تعليقات نفيسة، ومن ذلك مثلا ما عمله في كتاب " الكاشف " الذي اختصره من " تهذيب الكمال " لأبي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 هـ، فعلى الرغم من محافظة الذهبي على روح النص الأصلي، فقد بث فيه من روحه ونشر فيه من علمه ما جعله يكاد يكون مؤلفا من تآليفه مخالفا للأصل المختصر منه في كثير من الأمور. وآية ذلك أنه علق على آراء بعض أئمة الجرح والتعديل فيه تعديلا أو إبطالا، كما حقق كثيرا من التراجم وزاد تدقيقا لا نجده في الأصل. فضلا عن بيان رأيه في كثير من الرواة على أسس من دراساته الواسعة، وخبرته العميقة بعلم الحديث النبوي الشريف مما حدا بتاج الدين السبكي أن يصف هذا المختصر بأنه " كتاب نفيس " (3) .   (1) أنظر أدناه قائمة المختصرات في مؤلفات الذهبي وما كتبناه عنه في كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 218 217. (2) " رونق الألفاظ " الورقة 180. (3) " طبقات الشافعية " 9 / 104. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 47 وتظهر براعة الذهبي في النقد والتحقيق في كثير من هذه المختصرات، فمن ذلك مثلا ما ظهر في مختصره لكتاب " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ الذي قصد فيه مؤلفه أن يورد أحاديث على شرط البخاري ومسلم مما لم يذكراه في صحيحيهما، حيث يتبين لنا من مطالعة المختصر وتعليقات الذهبي عليه وتخريجاته ونقده أنه لم يصحح من أحاديث الكتاب سوى النصف، وبين أن نصف النصف الآخر يصح سنده وإن كان فيه علة، أما الربع الأخير فهو أحاديث مناكير وواهيات لا تصح، بل إن في بعضها أحاديث موضوعة (1) . وهذا يعني أن الذهبي قد أعاد دراسة جميع أحاديث المستدرك مجددا ونقدها، فخرج بهذه النتيجة. وغالبا ما يقوم الذهبي بتخريج الأحاديث الواردة في الكتب التي يقوم باختصارها، فغالب التخريج في كتاب " تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " الذي لخصه من كتاب " العلل " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ هو من كلام الذهبي (2) . ولما اختصر الذهبي كتاب " السنن الكبرى " للبيهقي المتوفى سنة 458 هـ. تكلم على أسانيد الكتاب بنفائس تدل على تبحره بهذا الفن، ووضع رموزا على الحديث لمن خرجه من أصحاب الصحيحين والسنن الأربع، وخرج الأحاديث التي لم ترد في هذه الكتب الستة. وكثيرا ما كان الذهبي يخرج تراجم الكتب التي يختصرها في علم الرجال.   (1) انظر ما كتبناه عن " مختصر المستدرك " في كلامنا على مؤلفات الذهبي من كتابنا: 248 249. (2) الذهبي: " تلخيص العلل " ورقة 85 (نسخة الأزهر رقم 290 حديث) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 48 من ذلك مثلا ما عمله في اختصاره لتاريخ ابن الدبيثي المتوفى سنة 637 هـ حيث زاد في كثير من تراجمه ولا سيما الرجال الذين أخذوا عن صاحب الترجمة، وهو ما أغفله ابن الدبيثي في " تاريخه " (1) . كما تظهر مقارنات دقيقة بالكتب والتواريخ التي من بابته " كتاريخ محب الدين ابن النجار " المتوفى سنة 643 هـ الذي ذيل به على تاريخ الخطيب المتوفى سنة 463 هـ (2) ، و " وفيات الأعيان "، لابن خلكان المتوفى سنة 681 (3) هـ، و " التكملة لوفيات النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 (4) وغيرها. أو من كتب الشعر ككتاب " الخريدة " للعماد الأصبهاني القرشي المتوفى سنة 596 (5) هـ. أو من كتابات كبار العلماء الذين أخذوا عن المترجم له، مثل زكي الدين البرزالي المتوفى سنة 636 (6) هـ، وفخر الدين ابن البخاري المتوفى سنة 690 هـ صاحب " المشيخة " المشهورة (7) ، وشهاب الدين أحمد بن إسحاق الأبرقوهي المتوفى سنة 701 هـ (8) ، وضياء الدين المقدسي المتوفى سنة   (1) انظر " المختصر المحتاج " مثلا 1 / 18، 20، 21، 25، 26، 27، 28، 35، 40، 42، 44، 47، 101، 116، 117، 119، 148، 179، 199. إلخ. (2) انظر " المختصر المحتاج " مثلا 1 / 21، 49، 51، 69، 72، 77، 80، 101، 136، 149، 150، 158، 169، 170، 172، 175، 178، 181، 183، 184، 188، 200، 201، 211، 212، 215، 216، 220، 223، 227، 228..الخ. (3) المصدر السابق، مثلا 1 / 175. (4) المصدر نفسه 1 / 158. (5) " المختصر " 1 / 225. (6) " المختصر " مثلا 2 / 62. (7) المصدر نفسه، مثلا 2 / 63. (8) " المختصر " مثلا 2 / 36. سير 1 / 4 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 49 643 هـ (1) وغيرهم كثير. أو من خطوط العلماء نحو قوله: " قرأت بخط ابن قدامة " (2) . فضلا عما أضاف هو من الأسانيد قرأها على شيوخه مما يتصل بتلك التراجم، وهي إضافة أصيلة للترجمة، فهو حينما يقول مثلا: " وروى لنا عنه بمصر أبو المعالي الأبرقوهي (3) " أو " روى لنا عنه أبو العباس ابن الظاهري وأبو الحسين اليونيني وعلي بن عبد الدائم ومحمد بن يوسف الإربلي..إلخ (4) " فمعنى ذلك أن هؤلاء الشيوخ قد أخذوا عن صاحب الترجمة (5) . ومن إضافاته إلى تلك المختصرات أيضا تواريخ وفيات المترجمين الذين لم يذكر صاحب الكتاب الأصلي وفياتهم. فنحن نعلم مثلا أن ابن الدبيثي لم يذكر وفاة أحد ممن ذكر هم في تاريخه ممن تأخرت وفاته عن سنة 621 هـ وهي السنة التي حدث ابن الدبيثي فيها بتاريخه والتي تمثل آخر إخراج له (6) ، في حين أن وفيات بعضهم قد تأخرت إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري، فاستخرج الذهبي وفياتهم وذكرها ليكون اختصاره أكمل ولتكون معلومات الكتاب أتم (7) . يضاف إلى ذلك أنه يروي بعض الأحاديث الواردة في هذه المختصرات   (1) المصدر نفسه، مثلا 2 / 36، 62. (2) المصدر نفسه، مثلا 1 / 65. (3) المصدر نفسه، 1 / 21. (4) المصدر نفسه 1 / 23. (5) انظر مزيدا من الأمثلة، " المختصر " مثلا 1 / 76، 130، 136، 140، 152، 226، 231. (6) انظر كتابنا: " تاريخ بغداد لابن الدبيثي، منهجه، موارده، أهميته " ص 4 (بغداد 1974) . (7) انظر " المختصر المحتاج إليه " مثلا 1 / 76، 86، 106، 133، 151، 152..إلخ. ونجدا أيضا ذكرا لوفيات من يرد اسمه عرضا في بعض الأحيان 1 / 103. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 50 بسنده إذا وجد مجالا لذلك (1) . وأعاد الذهبي تنظيم بعض الكتب التي اختصرها، فحينما اختصر كتاب " الكنى " لأبي أحمد الحاكم المتوفى سنة 378 هـ أعاد ترتيبه على حروف المعجم بعد أن أضاف إليه أشياء أخرى مما ليس فيه (2) . كما رتب " المجرد من تهذيب الكمال " على عشر طبقات ورتب كل طبقة على حروف المعجم، في حين كان كتاب " تهذيب الكمال " للمزي مرتبا على حروف المعجم (3) . وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه عني بالقراءات ودرسها على كبار شيوخ عصره من المقرئين المشهورين حتى أصبح " الأستاذ الثقة الكبير (4) " فيها. وذكر ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 هـ أنه كان " إماما في القراءات (5) ". لكننا نلاحظ في الوقت نفسه أنه لم يتخرج عليه في القراءات سوى عدد قليل جدا (6) ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه عني بهذه الناحية في مطلع حياته العلمية، ثم اتجه بعد ذلك إلى الحديث والتاريخ وغيرهما. ولم نعرف من آثاره في هذا الفن غير كتاب " التلويحات في علم القراءات (7) " وكتاب " معرفة   (1) " المختصر المحتاج إليه " 1 / 49، 65. (2) انظر مقدمة نسخة فيض الله رقم 1531 من الكتاب. (3) انظر كلامنا على كتاب " المجرد من تهذيب الكمال " في كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 230. (4) ابن الجزري: " غاية " 2 / 71. (5) " الرد الوافر " ص 31. (6) ابن الجزري: " غاية " 2 / 71، قال: " ولم أعلم أحدا قرأ عليه القراءات كاملا، بل شيخنا الشهاب أحمد بن إبراهيم المنبجي الطحان قرأ عليه القرآن جميعه بقراءة أبي عمرو والبقرة جمعا. وروى عنه الحروف إبراهيم بن أحمد الشامي ومحمد بن أحمد ابن اللبان وجماعة. وسمع منه الشاطبية يحيى بن أبي بكر البوني وحدث بها عنه في اليمن ". (7) انظر أدناه كلامنا على آثار الذهبي (القراءات) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 51 القراء الكبار على الطبقات والأعصار " الذي هو إلى كتاب التراجم أقرب منه إلى القراءات وإن كانت محتوياته غالبا ما تتعلق بموضوع القراءات. وقد شهد له ابن الجزري بالإحسان فيه (1) ، لذلك سلخه بأجمعه في كتابه " غاية النهاية " كما نص على ذلك في المقدمة (2) ، ووصفه شمس الدين السخاوي بأنه " كتاب حافل " (3) . ومع كل ذلك فإن هذا الوجه من حياة الذهبي العلمية هو أضعف الوجوه وأقلها آثارا. على أن مكانة الذهبي العلمية وبراعته تظهران في أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستنا له محدثا يعنى بهذا الفن، فقد مهر الذهبي في علم الحديث وجمع فيه الكتب الكثيرة " حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا (4) ". وقد رأينا إقباله العظيم عليه وشرهه لسماعه، وذلك العدد الضخم من الشيوخ الذين حوتهم معجمات شيوخه الثلاثة، والكتب، والأجزاء، والمجاميع الكثيرة التي قرأها على الشيوخ أكثر من مرة. وقد فتحت له هذه المعرفة الواسعة آفاقا عظيمة في هذا الفن فاختصر عددا كبيرا من الكتب، وألف عددا أكبر يستبينه الباحث عند إلقائه نظرة على قائمة مؤلفاته في هذا المجال. كما ألف في مصطلح الحديث كتبا، وخرج التخاريج الكثيرة من الأربعينات، والثلاثينات، والعوالي، والأجزاء، ومعجمات الشيوخ، والمشيخات، وغيرها مما فصلنا القول فيه عند كلامنا على آثاره (5) . ومع أن الذهبي قد عاش في عصر غلب عليه الجمود والنقل والتخليص،   (1) " غاية " 2 / 71. (2) المصدر نفسه 1 / 3. (3) " الإعلان " ص 564. (4) ابن حجر: الدرر 3 / 426. (5) كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 139 فما بعد. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 52 فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته. قال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 هـ: " لم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة (1) النقلة بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات. وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده (2) . إن هذه البراعة في علم الحديث، والتمكن منه ذاك التمكن، جعلت الذهبي ينطلق بعد ذلك يجرح، ويعدل، ويفرع، ويصحح، ويعلل، ويستدرك على كبار العلماء (3) ، " فدخل في كل باب من أبوابه " على حد تعبير تلميذه تاج الدين السبكي (4) ، حتى أطلق عليه معاصروه " محدث العصر (5) ". وبلغ اعتراف حافظ عصره الإمام ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ بفضل الذهبي وبراعته إلى درجة أنه شرب ماء زمزم سائلا الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ وفطنته (6) .   (1) الكودنة: البلادة. (2) " الوافي " 2 / 163. (3) الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 35. (4) " الطبقات الوسطى " (ترجمة الذهبي من نسخة دار الكتب المصرية رقم 554) . (5) السبكي: " الطبقات " 9 / 100، العيني: " عقد الجمان " ورقة 37 (أحمد الثالث رقم 2911) . (6) استنادا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ماء زمزم لما شرب له " وقد ذكر ذلك تلميذه السخاوي في " الإعلان " (ص 472) . وقديما شرب ابن خزيمة المتوفى سنة 311 هـ ماء زمزم وطلب علما نافعا (الذهبي: تذكرة، 2 / 721) . وقال الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405: " شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف " (الذهبي: تذكرة، / 3 / 1044) . وألف شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي المتوفى سنة 953 هـ رسالة في " التزام ما لا يلزم فيما ورد في ماء زمزم " منها نسخة في خزانة كتب جستربتي في دبلن ضمن مجموع برقم 3317. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 53 ومفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث النبوي وعلومه، ويظهر ذلك من كتب الرجال التي يطلق الذهبي عليها اسم التاريخ ". وقد أصبح واضحا أن الغاية الرئيسة من العناية بالرجال أتى لضبط الرواة أولا (1) ، وهو ما يظهر في معظم مقدمات كتبه في هذا الفن، وهو مفهوم ساد عند المحدثين المؤرخين لا سيما في ذلك العصر (2) . وعلى علم الرجال، وعلى آثار الذهبي فيه، قامت شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا، كما نرى. وقد خلف الذهبي في هذا الفن عددا ضخما من الآثار ابتدأها باختصار أمهات الكتب المؤلفة فيه، كالتواريخ المحلية مثل " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، والذيول عليه: لابن السمعاني المتوفى سنة 562 هـ، وابن الدبيثي المتوفى سنة 637 هـ وابن النجار المتوفى سنة 643 هـ. ومنها أيضا " تاريخ دمشق " لابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، و " تاريخ مصر " لابن يونس المتوفى سنة 347 هـ، و " تاريخ نيسابور " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ، و " تاريخ خوارزم " لابن أرسلان الخوارزمي المتوفى سنة 568 هـ. ومن كتب الوفيات: " التكملة لوفيات   (1) انظر كتابنا: " أثر الحديث في نشأة التاريخ عند المسلمين ". بغداد، مطبعة الحكومة 1966 م، وبحثنا: " مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ عند المسلمين " المنشور في مجلة الأقلام البغدادية، السنة الأولى، العدد الثالث 1965 م. (2) حينما شعر الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ أن من بين مستدركاته على الذهبي في كتابه " المشتبه " أسماء لشعراء وفرسان في الجاهلية وما أشبه ممن ليست لهم رواية حديثية، اعتذر عن ذلك بقوله: " إن غالب من ذكرت يأتي ذكره في كتب المغازي والسير والمبتدأ والأنساب والتواريخ والأخبار ولا يستغني طالب الحديث عن ضبط ما يرد في ذلك من الأسماء ولو لم يكن لهم رواية " " تبصير المنتبه " 4 / 1513. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 54 النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 هـ وصلته للحسيني المتوفى سنة 695 هـ. ومن كتب الأنساب: كتاب " الأنساب " لأبي سعد السمعاني المتوفى سنة 562 هـ. ومن كتب الصحابة كتاب " أسد الغابة " لابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ. ومن كتب رجال الصحاح والسنن مثل كتاب " تهذيب الكمال في معرفة الرجال " لأبي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 هـ، و " المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الأئمة النبل " لابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ وغيرها (1) . فكانت هذه المختصرات المادة الرئيسة التي كونت شخصيته العلمية ومعرفته بالعصور السابقة. أما تراجم المعاصرين فيعد الذهبي من بين أحسن الذين كتبوا فيهم، وقد أدرك أهمية هذا الأمر فكان كتابه " المعجم المختص بمحدثي العصر " خير دليل على ذلك. ولا عبرة بعد ذلك بمن انتقده لتناوله التاريخ المعاصر كابن الوردي (2) ، لأن هذا هو التاريخ الأكثر أهمية وخطرا، وهو الذي يعطي المؤرخ أهميته البالغة بين المؤرخين ويميزه عن غيره، وهو مما لم يدركه كثير من المعنيين بالتاريخ ومنهم ابن الوردي. لقد أنتجت هذه المعرفة الرجالية الواسعة مؤلفات كثيرة لعل من أهمها كتابه العظيم " تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام " الذي هو إلى كتب التراجم أقرب منه إلى التاريخ بمفهومه الحديث، وكتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " الذي لم يتضمن غير التراجم، ثم ذلك العدد الضخم من المؤلفات التي عرفناها له.   (1) انظر كلامنا على " المختصرات " من كتابنا: الذهبي ومنهجه: 264 215. (2) ابن الوردي: تتمة المختصر، 2 / 349. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 55 ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال والتراجم أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة معينة، أو تنظيم معين، بل تناولت مؤلفاته رجال الإسلام من أول ظهوره حتى عصره، بله المعاصرين له. وهو في كتابته للترجمة فنان تراجمي ملئ بفن التراجم يجد الباحث فيها دقة متناهية في التعبير، وحبكا للترجمة تشد القارئ إليها مع تعدد الموارد وانتقاء لأفضلها وإبداء لآرائه الشخصية فيها (1) . وقد عانى الذهبي كتابة " السيرة " وهو فن خاص له مميزاته التي تجعله يختلف عن كتابة " الترجمة " المجردة، فكتب في سير الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه، والحديث، وغيرهم (2) . ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي الذي انتقده في بعض المواضع إلى القول: " إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها (3) ". وقد ازداد شأنه بعد عصره بحيث اعتبر هو والمزي مؤرخي القرن الثامن اللذين لا ينافسهما أحد (4) ، وعده الإمام السيوطي المتوفى سنة 911 هـ رأس طبقة ذكر فيها القطب الحلبي المتوفى سنة 735 هـ وابن سيد الناس المتوفى سنة 734 هـ وشمس الدين المقدسي المتوفى سنة 744 هـ   (1) انظر الفصل الثاني من هذا البحث عند كلامنا على منهج الذهبي في " السير " وما كتبناه عن منهجه في كتابه " تاريخ الإسلام " في كتابنا المذكور عنه. (2) انظر أدناه " السير " من آثار الذهبي. (3) السبكي: " طبقات " 9 / 101. (4) السخاوي: " الإعلان " ص 604. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 56 وتقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 هـ وعلم الدين البرزالي المتوفى سنة 739 هـ وشهاب الدين النابلسي المتوفى سنة 758 (1) هـ وهم من أعلام الحفاظ المحدثين المؤرخين، وذكر أن المحدثين في عصره عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة أحدهم الذهبي (2) . ومع أن براعة الذهبي التاريخية أكثر ما ظهرت في الرجال فإنه قد درس التاريخ السياسي، واختصر عددا من المؤلفات الرئيسية فيه مثل تاريخ أبي شامة المتوفى سنة 665 هـ وتاريخ أبي الفداء المتوفى سنة 732 هـ وغيرهما، وأفاد من معظم التواريخ المعروفة في عصره ودرسها كسيرة ابن إسحاق المتوفى سنة 151 هـ وتواريخ: الطبري المتوفى سنة 310 هـ وابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ وابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ وغيرهما مما يطول تعداده (3) . وقد ظهرت هذه الكتابات في تواريخه المرتبة على الحوادث والوفيات مثل " تاريخ الإسلام " و " العبر " و " دول الإسلام " وغيرها. ونستبين من نطاق كتاباته هذه أنه كان مؤرخا جوال الذهنية استطاع استيعاب عصور التاريخ الإسلامي من أول ظهوره حتى زمانه الذي كتب فيه مؤلفاته، وهي فترة تزيد على السبعة قرون، فألف في كل هذه العصور بعد أن درسها دراسة عميقة قامت على دعامتين رئيستين هما: الرواية الشفوية والكتب وهذا أمر لم يتأت لكثير من العلماء الذين سبقوه أو عاصروه. وحينما كتب الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " ورتبه على الطبقات تكلم في   (1) السيوطي:: " طبقات الحفاظ " ورقة 85 فما بعد (نسخة الإسكندرية) . (2) المصدر نفسه، ورقة 86. (3) انظر كلامنا على نهج الذهبي في الموارد من كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 284 فما بعد. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 57 نهاية أكثرها على الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الوقت الذي تناولته فأجمل الأوضاع العامة بفقرات قليلة دللت على سعة أفقه التاريخي وقدرته الفائقة على تصوير حقبة كاملة من الزمن وعلى امتداد العالم الإسلامي المترامي الأطراف بعبارة وجيزة. وهذا أمر لا يتأتى إلا لمن استوعب العصر ودرسه دراسة عميقة بحيث حصل له مثل هذا التصور والفهم العام (1) . ثم إن هذه المعرفة الرجالية الواسعة مع ما أوتي من ذكاء وإدراك واسعين جعلت منه ناقدا رجاليا ماهرا، تدل على ذلك مؤلفاته في النقد وأصوله والتي من أبرزها كتابه العظيم " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " الذي اعتبره معاصروه (2) ومن جاء بعدهم (3) من أحسن كتبه وأجلها. وقد تناوله عدد كبير من الحفاظ والعلماء والمعنيين بالنقد استدراكا وتعقيبا وتلخيصا بحيث قال شمس الدين السخاوي: " وعول عليه من جاء بعده (4) ". وللذهبي التفاتات بارعة في أصول النقد، فقد ألف رسالة في " ذكر من يؤتمن قوله في الجرح والتعديل " تكلم فيها على أصول النقد وطبقات النقاد وكيفية أخذ أقوالهم (5) . وأورد في مقدمة " الميزان " عبارات الجرح والتعديل من أعلى مراتبها إلى أدناها وبين مدلولاتها في النقد (6) . وهو في كتبه يشرح بعض هذه الأصول،   (1) انظر مثلا الذهبي: " تذكرة الحفاظ " 1 / 70، 160 158، 244، 328، 2 / 530، 627 - 628، 4 / 1266، 1485 (2) السبكي: " طبقات " 9 / 104، الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 35 (3) ابن حجر: " لسان الميزان " 1 / 4 (4) " الإعلان " ص 587 وانظر كلامنا على الميزان في كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 201 193 (5) نسخة أيا صوفيا رقم 2953 (6) " ميزان الاعتدال " 1 / 4 3 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 58 من ذلك مثلا ما ذكره في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي، قال: " شيعي جلد، ولكنه صدوق فلنا صدقه، وعليه بدعته. وقد وثقة أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي، وقال: كان غاليا في التشيع. وقال السعدي: زائغ مجاهر. فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة..ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا، بل قد يعتقد عليا أفضل منهما (1) ". وقال في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: " أحد الأعلام صدوق، تكلم فيه بلا حجة، ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى، قال الخطيب: " رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أنه يطلق في الإجازة أخبرنا ولا يبين. وقلت (يعني الذهبي) : هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره، وهو ضرب من التدليس. وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع، لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها..قلت: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء   (1) " ميزان الاعتدال " 1 / 6 5 وانظر أمثلة أخرى في " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 256، م 2 الورقة 72، " وتاريخ الإسلام " الورقة 93 (أحمد الثالث 2917 / 9) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 59 والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (1) ". ولم يكن الذهبي ليصدر اتباعا لآراء الآخرين في النقد فهو يخالفهم في بعض الأحيان حين لا يجد لآرائهم من سند قوي يؤيدها، فمن ذلك - مثلا ما جاء في ترجمة زيد بن وهب الجهني، أحد التابعين، وهو الذي تكلم فيه أبو يعقوب الفسوي في " تاريخه " وذكر أن في حديثه خللا كبيرا، فقال: " ولا عبرة بكلام الفسوي (2) " وأورد في " ميزان الاعتدال " مآخذ الفسوي عليه ورد عليها ثم قال: " فهذا الذي استنكره الفسوي من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثيرا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد (3) " والميزان ملئ بمثل هذه النقدات لا مجال لتكثير الأمثلة منها. بل وجدناه يؤلف كتابين، يرد فيهما على جملة من علماء الجرح والتعديل هما: " رسالة في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم "، وكتاب " من تكلم فيه وهو موثق ". ولم يقتصر نقد الذهبي على الرجال حسب، بل تعدى ذلك إلى نقد الموارد التي يطالعها أو يختصرها أو يأخذ منها، وهو ما يعرف اليوم بنقد المصادر، من ذلك مثلا نقده لكتاب " الضعفاء " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ الذي اختصره وذيل عليه، فقال في ترجمة أبان بن يزيد العطار: قد أورده أيضا العلامة ابن الجوزي في " الضعفاء " ولم يذكر فيه أقوال من وثقه. وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق " (4) . وقال في ترجمة حفص   (1) نفسه، ج 1 ص 111 وانظر " تاريخ الإسلام " الورقة 334 (أيا صوفيا 3008) . (2) الذهبي: " تذكرة " 1 / 67 (3) الذهبي: " ميزان الاعتدال " 2 / 107 وانظر: " تاريخ الإسلام " الورقة 485 (أيا صوفيا 3009) . (4) المصدر نفسه، 1 / 16. وقد تكلم في هذه المسألة ابن حجر في " اللسان " فراجعه هناك تجد فائدة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 60 ابن؟ ؟ من الميزان: " قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف قلت: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره مما يدل على عدالته. وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل (1) ". وانتقد الذهبي كتاب " الضعفاء " لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المتوفى سنة 322 هـ لإيراده بعض الثقات ومنهم حافظ عصره علي بن المديني المتوفى سنة 234 فقال في ترجمة ابن المديني من الميزان: " ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، فبئس ما صنع " ورد عليه حينما نقل قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: " كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه..ثم ترك حديثه "، بقوله: " بل حديثه عنه في مسنده " وهذا رد مفحم من الذهبي بل قال بعد ذلك: " وهذا أبو عبد الله البخاري وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث ابن المديني (2) ". ولا يقتصر الذهبي عند نقد الكتب على إيراد مساوئها، بل كثيرا ما يذكر محاسنها ومميزاتها، فقد سبق أن قال إن كتاب العقيلي مفيد (3) ، وقال عن كتاب " الكامل " لابن عدي المتوفى سنة 365 هـ إنه " أكمل الكتب وأجلها في ذلك (4) "، وقال في ترجمة الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ: " وإذا شئت أن تتبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك (5) ".   (1) " ميزان الاعتدال " 1 / 556 (2) " ميزان الاعتدال " 3 / 140 138. (3) المصدر نفسه 1 / 2. (4) المصدر نفسه، 1 / 2. (5) " تذكرة الحفاظ " 3 / 994 993. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 61 ونحن نعلم أيضا أن الذهبي قد عانى النقد في تآليف خاصة رد بها على كتب معينة، فقد ألف كتابا في الرد على ابن القطان المتوفى سنة 628 هـ (1) كما ألف كتاب " من تكلم فيه وهو موثق " رد به على جملة من كتب الضعفاء كما بينا. وبسبب هذا الذي قدمنا ذكره من براعة الذهبي في النقد والتمكن منه، فقد أصبح " شيخ الجرح والتعديل " كما ذكر تاج الدين السبكي (2) . وقال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 هـ: " ناقد المحدثين وإمام المعدلين والمجرحين..وكان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل (3) "، وقال شمس الدين السخاوي المتوفى سنة 902: " وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال (4) "، فأصبحت أقوال الذهبي فيمن يترجم لهم تعتبر عند النقاد والمؤرخين الذين جاءوا بعده أقصى حدود الاعتبار، وظهرت بصورة جلية في المؤلفات التي كتبت بعد عصره، ولا سيما في مؤلفات مؤرخ القرن التاسع وحافظه ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ (5) . وتطالعنا عند قراءة كتب الذهبي العديد من الأمثلة التي تدل على قوته في البحث والاستدلال، ومناقشة آراء الغير بروح علمي يعتمد الدليل والإقناع، من ذلك مثلا مناقشة لمن اتهم الحافظ أبا حاتم محمد بن حيان البستي التميمي المتوفى سنة 354 هـ بالزندقة لقوله: " إن النبوة هي العلم والعمل " وما تبع ذلك من كتابة الخليفة أمرا بقتله لهذا السبب، قال الذهبي: " وهذا   (1) الذهبي: " الرد على ابن القطان " (نسخة الظاهرية، مجموع رقم 70) . (2) " الطبقات " 9 / 101. (3) " الرد الوافر " ص 31. (4) " الإعلان " ص 722. (5) انظر مثلا كتابه: " لسان الميزان ". الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 62 أيضا له محمل حسن ولم يرد حصر المبتدأ بالخبر، ومثله: الحج عرفة. فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجا بمجرد الوقوف بعرفة، وإنما ذكر مهم الحج، ومهم النبوة، إذ أكمل صفات النبي العلم والعمل، ولا يكون أحد نبيا إلا أن يكون عالما عاملا. نعم، النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبدا، وبها يتولد العلم النافع الصالح، ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن أبي حاتم لا يسوغ، وذلك نفس فلسفي (1) ". ومن الأمثلة الطريفة أيضا مناقشة لمسألة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم - الكتابة، فقال في ترجمة الحافظ العلامة أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة 474 هـ: " ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر ابن الصائغ وكفره بإجازة الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي وأنه تكذيب بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة ما أتى به خطباؤهم في الجمع وقال شاعرهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال: إن رسول الله قد كتبا وصنف أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة فرجع بها جماعة. قلت: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا لأنه لا يسمى كاتبا. وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام: " إنا أمة أمية " أي أكثر هم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: [هو الذي بعث في   (1) الذهبي: " تذكرة " 3 / 922 921 وراجع " تاريخ الإسلام " ورقة 17 16 (أحمد الثالث 2917 / 10) وانظر أيضا " ميزان الاعتدال " ج 3 / 508 507 ففيه تفصيل أكثر في هذه المسألة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 63 الأميين رسولا منهم] (1) . وقال في موضع آخر معقبا على هذه المسألة أيضا: " قلت: وما المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم - يسير الكتابة بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة، فلعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي وكتاب السنن والكتب إلى الملوك عرف من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله، وليست كتابته لهذا القدر اليسير ما يخرجه من كونه أميا ككثير من الملوك أميين ويكتبون العلامة " (2) . ومثل هذا كثير في كتب الذهبي. وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه كان سلفي العقيدة قد أثرت فيه البيئة الدمشقية وصحبته لشيخ الإسلام ابن تيمية. ومع أن الذهبي لم يكن متحمسا للخوض في مضايق العقائد ويعتر السكوت فيها أولى وأسلم (3) ، لكنه في الوقت نفسه أبدى آراءه في كثير من المواضع، وألف فيها. وقد اعتبر " الاعتزال بدعة " (4) وهاجم الفلاسفة اليونانيين هجوما عنيفا (5) . وكان على غاية من الإعجاب بأعمال السلف وإنجازاتهم (6) ، واهتم اهتماما كبيرا بذكر أخبار العلماء في المحنة التي أصيبوا بها حينما أعلن المأمون رأيه وألزم الناس القول بخلق القرآن، وبين مواقفهم الجريئة من هذا الأمر (7) .   (1) الذهبي: " تذكرة " 3 / 1181 - 1182. والآية الكريمة من سورة الجمعة (2) (2) المصدر نفسه، 2 / 742 (3) " تذكرة " 2 / 600، 4 / 1499 (4) انظر مثلا " تذكرة الحفاظ " 3 / 1122 (5) " أهل المئة فصاعدا " ص 115 (6) " تذكرة الحفاظ " ج 2 / 628 627 (7) انظر مثلا " تذكرة " 1 / 476، 477، 561، 589، 2 / 730، 733، 747.. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 64 لقد اختصر الذهبي عددا من الكتب المهمة في العقائد منها مثلا كتاب " البعث والنشور " وكتاب " القدر " اللذان للبيهقي المتوفى سنة 458 هـ، وكتاب " الفاروق في الصفات " لشيخ الإسلام الأنصاري المتوفى سنة 481 هـ وكتاب " منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال " لرفيقه وشيخه تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ. وخلف الذهبي عددا من الآثار في هذا العلم منها كتاب " الكبائر وبيان المحارم " وكتاب " الأربعين في صفات رب العالمين " وكتاب " العرش " و " كتاب مسألة الوعيد " وغيرها. ولعل من أشهرها كتابه المعروف " العلو للعلي الغفار " الذي يعد أوسع هذه الكتب وأكثرها شهرة (1) . بحث الذهبي العقائد على طريقة السلف من أهل الحديث، فكانت المادة الرئيسية التي تكون هذه الكتب والأدلة المستعملة فيها من الأحاديث النبوية الشريفة. وقد انتقد الذهبي من قبل مخالفيه على تأليفه لبعض هذه الكتب واعتقاده مثل هذه العقائد، قال الشيخ محمد زاهد الكوثري عن كتاب " العلو ": " ولو لم يؤلفه لكان أحسن له في دينه وسمعته لان فيه مآخذ كثيرة، وقد شهر عن الذهبي أنه كان شافعي الفروع حنبلي المعتقد (2) ". ولم يشتهر الذهبي بوصفه فقيها أو عالما بالفقه مع أنه درسه على أعلام العصر آنذاك مثل الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، وبرهان الدين الفزاري، وكمال الدين ابن قاضي شهبة، وغيرهم (3) . وقد ألف في   (1) انظر أدناه كلامنا على آثار الذهبي. (2) " ذيل تذكر الحفاظ " 348 هامش 2 (3) انظر أعلاه كلامنا على سيرته و " رونق الألفاظ " لسبط ابن حجر، ورقة 180 سير 1 / 5 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 65 أصوله، وعني باختصار كتاب " المحلى " لابن حزم (1) ، وهو من كبار الكتب الفقهية، وألف عددا من الكتب والأجزاء التي تناولت موضوعات فقهية، وكانت له خواطر وآراء ونقدات جاءت في ثنايا كتبه، من ذلك مثلا كلامه في مسألة الطلاق ومناقشته لابن تيمية (2) . وهو كغيره من علماء الحنابلة يعتبر القرآن والحديث هما أساس الفقه، ويظهر مفهوم الفقه عند الذهبي واضحا في بيتين من الشعر له ذكرهما غير واحد ممن ترجم له وهما: الفقه قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين النبي وبين رأي فقيه (3) وهذا الذي قدمناه لا يعني أن الذهبي لم يكن عارفا بالفقه، لكنه كان عزوفا عنه لانشغاله بالحديث وروايته الذي هو الأصل الثاني للفقه بعد الكتاب العزيز، قال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 هـ: " له دربة بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات قائما بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف (4) ". ولغة الذهبي في كتبه لغة جيدة قياسا بالعصر الذي عاش فيه، ويكفي أننا قلما وجدنا له لحنا في كتبه. وهو باعتباره محدثا كبيرا وناقدا ماهرا دقيق في تعابيره، لما لذلك من أهمية في وضع الكلمة المناسبة أو العبارة في موضعها الملائم لا سيما في تحبير التراجم، فضلا عن أسلوبه السلس الممتع لمن أدمن قراءة مثل هذه الكتب.   (1) وهو كتاب " المستحلى في اختصار المحلى " وانظر أدناه كلامنا على آثار الذهبي (2) الذهبي: " تذكرة الحفاظ " 2 / 715 713 (3) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 31. الصفدي: " الوافي " 2 / 166 (4) المصدر نفسه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 66 وقد عني الذهبي في مطلع حياته العلمية برواية الشعر وأورد طائفة من الأشعار عن شيوخه (1) . وذكرت لنا مصادر ترجمته بعضا من نظمه في المدح (2) ، والرثاء (3) . وله شعر تعليمي، فقد علمنا أنه نظم أسماء المدلسين بقصيدة أوردها السبكي في طبقاته (4) ، كما نظم أسماء الخلفاء بقصيدة أخرى (5) . وكان كثير الاعتناء بالشعراء تدل على ذلك تراجمهم الواسعة في كتابيه " تاريخ الإسلام " " وسير أعلام النبلاء " والنماذج الشعرية الكثيرة التي أوردها وعنايته الفائقة بتتبع دواوين الشعراء بحيث قال في ترجمة أبي الحسن محمد بن المظفر البغدادي الخرقي في وفيات سنة 455 هـ " ولا يكاد يوجد ديوانه (6) ". وكان للذهبي خط متقن قد أعجب به علم الدين البرزالي منذ أن بدأ الذهبي يطلب العلم (7) . وقد وصل إلينا الكثير من كتبه وكتب غيره مكتوبا بخطه، وهو وإن لم يكن جميلا مراعيا لأصول الخطاطين والكتاب، لكنه يمتاز بالدقة والإتقان لا سيما للذي يدمن عليه.   (1) انظر مثلا " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 3، 7، 15، 20، 24، 29، 34، 35، 45، 48، 52، 55، 61، 62، 63، 65، 66، 69، 75، 77، 81، 83، 89. م 2 ورقة 6 1، 11، 12، 30، 33، 36، 40، 52، 56، 59، 60، 66، 74، 85، 86، 88، 99 96. (2) من بين الذين مدحهم الذهبي ووصل إلينا شعره فيهم: إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي النحاس المتوفى سنة 710 هـ (معجم الشيوخ، م 1 ورقة 34) وتقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 هـ وولده التاج المتوفى سنة 771 هـ (طبقات السبكي، ج 9 ص 106، والسيوطي: طبقات الحفاظ، ورقة 86) والبرزالي (ابن ناصر الدين: الرد الوافر، ص 120) . (3) من ذلك قصيدته في رثاء رفيقه وشيخه ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ (ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 36 35 و " التبيان " ورقة 165) . (4) 9 / 109 107. (5) " تاريخ الإسلام " ورقة 179 (أحمد الثالث 2917 / 11) . (6) السخاوي: " الإعلان " ص 547. (7) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 25، ابن حجر: " الدرر " 3 / 323. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 67 وعرف الذهبي بزهده وورعه وديانته المتينة، وقد رأينا عند دراستنا لمجمل سيرته أنه كان يأنس إلى الاجتماع بمشاهير الفقراء والصوفية من ذوي الديانة والتمسك بالآثار. قال تلميذه تقي الدين ابن رافع السلامي المتوفى سنة 774 هـ: " كان خيرا صالحا متواضعا حسن الخلق حلو المحاضرة، غالب أوقاته في الجمع والاختصار والاشتغال بالعبادة، له ورد بالليل، وعنده مروءة وعصبية وكرم (1) " وقال الزركشي المتوفى سنة 794 هـ: " مع ما كان عليه من الزهد التام والإيثار العام والسبق إلى الخيرات والرغبة بما هو آت (2) " ويكفي الذهبي أنه أفنى حياته في دراسة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتدريسه. لقد أصبحت كتب الذهبي متداولة في عصره والعصور التالية له، واعتبرت من أعظم الموارد التي استقى منها الكتاب الذين جاءوا بعده. قال ابن حجر: " ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها وتداولوها قراءة، ونسخا، وسماعا (3) ". وقال تلميذه الحسيني: " وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان (4) ". وحسبنا أن نلقي نظرة عجلى على المستدركات والتلخيصات والذيول التي عملت على كتبه لندرك أهميتها البالغة. وكان الذهبي مدرسة قائمة بذاتها خرجت العديد من الحفاظ والعلماء. وقد أتاحت له معرفته العظيمة الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه مكانة   (1) سبط ابن حجر: " رونق الألفاظ " الورقة 180. (2) " عقود الجمان " (نسخة مكتبة فاتح رقم 4435) . (3) ابن حجر: " الدرر " 3 / 427. (4) " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 36. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 68 مرموقة بين أساتيذ العصر، فأمه طلبة العلم من كل حدب وصوب. ونحن نعلم أن الذهبي تولى مناصب تدريسية كثيرة، نعرف منها مشيخة الحديث في تربة أم الصالح، ودار الحديث الظاهرية، والمدرسة النفيسية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث العروية. وقد أتاحت له هذه المناصب أن يدرس عليه عدد كبير من الطلبة يفوق الحصر، قال تلميذه الحسيني: " وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق (1) " وقال ابن قاضي شهبة الأسدي: " سمع منه السبكي والبرزالي والعلائي وابن كثير وابن رافع وابن رجب وخلائق من مشايخه ونظرائه..وتخرج به حفاظ (2) ". وإن كتب القرن الثامن لتزخر بمئات من تلاميذ الذهبي النجب لم نجد في إيرادهم كثير فائدة في مثل هذا البحث. ونرى من المفيد أن نقتطف في نهاية هذا الفصل آراء العلماء فيه لما لذلك من أهمية في تقويمه، وكنا نقلنا في أثناء هذا البحث بعضا منها، فقد وصفه رفيقه وشيخه علم الدين البرزالي المتوفى سنة 739 هـ في " معجم شيوخه " والذهبي ما زال في مطلع حياته العلمية بقوله: " رجل فاضل، صحيح الذهن. اشتغل ورحل، وكتب الكثير. وله تصانيف واختصارات مفيدة. وله معرفة بشيوخ القراءات (3) ". وقال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 هـ: " الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي. حافظ لا يجارى ولا فظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس. ذهن يتوقد   (1) " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 36. (2) " الأعلام " م 1 ورقة 90 (نسخة باريس 1398) . (3) سبط ابن حجر: " رونق الألفاظ " ورقة 180. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 69 ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه. جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف..اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة النقلة " (1) . وعلى الرغم من مخالفة تاج الدين السبكي لشيخه الذهبي في بعض المسائل ورده عليه، فإنه قال في حقه: " شيخنا وأستاذنا، الإمام الحافظ..محدث العصر. اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم..وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل..وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة (2) "، وقال أيضا: " وسمع منه الجمع الكثير. وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليالي. وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد " (3) . ووصفه تلميذه الحسيني المتوفى سنة 765 هـ بأنه " الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث الشام ومؤرخه ومفيده (4) " وقال في موضع آخر: " وكان أحد   (1) " الوافي " 2 / 163. (2) " الطبقات " 9 / 101 100 (3) المصدر نفسه، 9 / 103 (4) " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 34 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 70 الأذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين (1) ". وقال تلميذه عماد الدين بن كثير المتوفى سنة 774 هـ: " الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين..وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه (2) ". وحينما قدم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي الأصل الاطرابلسي (3) إلى دمشق سنة 734 هـ ودرس على الذهبي في تلك السنة قال فيه: ما زلت بالسمع أهواكم وما ذكرت * أخباركم قط إلا ملت من طرب وليس من عجب أن ملت نحوكم * فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب (4) ووصفه الحافظ ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 هـ بأنه " الحافظ الهمام مفيد الشام، ومؤرخ الإسلام (5) ". وقال ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ " قرأت بخط البدر النابلسي في مشيخته: كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم حديد الفهم ثاقب الذهب وشهرته تغني عن الإطناب فيه (6) ". وقال بدر الدين العيني المتوفى سنة 855 هـ: " الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ المؤرخ شيخ المحدثين (7) ". وذكره سبط ابن حجر المتوفى سنة 899 هـ في " رونق الألفاظ " وبالغ في الإطناب فيه، وقال: " الشيخ الإمام العالم العلامة حافظ الوقت الذي صار هذا اللقب علما عليه..فلله دره من إمام محدث..فكم دخل في جميع الفنون وخرج وصحح، وعدل وجرح، وأتقن هذه الصناعة..فهو الإمام سيد الحفاظ إمام المحدثين قدوة الناقدين ". وقال في موضع آخر:   (1) المصدر نفسه ص 36 (2) " البداية والنهاية " 14 / 225 (3) توفي سنة 774 هـ وقد ترجمه ابن حجر في " الدرر " 4 / 307 306 (4) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 32 31 (5) المصدر نفسه، ص 31 (6) الدرر، 3 / 427 (7) " عقد الجمان " ورقة 37 (نسخة أحمد الثالث 2911) الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 71 " وكتب بخطه كثيرا من الأجزاء والكتب وحصل الأصول وانتقى على جماعة من شيوخه..وعني بهذا الفن أعظم عناية، وبرع فيه وخدمه الليل والنهار (1) ".   (1) الورقة 180 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 72 ثامنا - وفاته وأولاده أضر الذهبي في أخريات سني حياته، قبل موته بأربع سنين أو أكثر، بماء نزل في عينيه، فكان يتأذى ويغضب إذا قيل له: لو قدحت هذا لرجع إليك بصرك، ويقول: ليس هذا بماء، وأنا أعرف بنفسي، لأنني ما زال بصري ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل عدمه (1) . وتوفي بتربة أم الصالح ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة قبل نصف الليل سنة 748 هـ ودفن بمقابر باب الصغير، وحضر الصلاة عليه جملة من العلماء كان من بينهم تاج الدين السبكي (2) وقد رثاه غير واحد من تلامذته منهم الصلاح الصفدي (3) والتاج السبكي (4) . وترك الذهبي ثلاثة من أولاده عرفوا بالعلم هم: 1 - ابنته أمة العزيز، وقد أجاز لها غير واحد باستدعاء والدها منهم: شيخ المستنصرية رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي المتوفى سنة 707 (5) . ويظهر أنها تزوجت في حياة والدها وخلفت ولدا اسمه عبد القادر   (1) الصفدي: " نكت الهميان " ص 242، ابن دقماق: " ترجمان الزمان " الورقة 99. (2) السبكي: " طبقات " 9 / 106 105 وقد زاره والده تقي الدين السبكي قبل المغرب وسأله عن حاله. الصفدي: " الوافي " 2 / 156، " ونكت الهميان " ص 242، ابن حجر: " الدرر " 3 / 427 وغيرهم، ممن ترجم له. (3) " الوافي " 2 / 165 (4) " طبقات " 9 / 111 109 وهي طويلة أورد بعضها، وابن قاضي شهبة: " الأعلام " م 1 ورقة 90 (5) الذهبي: " منتقى المعجم المختص " الورقة 39 (باريس 2076) و " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 46، وانظر أيضا م 1 ورقة 78 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 73 سمع مع جده من أحمد بن محمد المقدسي المتوفى سنة 737 (1) هـ، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الإسلام " (2) . 2 - ابنه أبو الدرداء عبد الله، ولد سنة 708 هـ وأسمعه أبوه من خلق كثير، وحدث ومات في ذي الحجة سنة 754 (3) . 3 - ابنه شهاب الدين أبو هريرة عبد الرحمن، ولد سنة 715 هـ وسمع مع والده أجزاء حديثية كثيرة (4) ، وسمع من عيسى المطعم الدلال المتوفى سنة 719 هـ، وخرج له أبوه أربعين حديثا عن نحو المئة نفس، وحدث منذ سنة 740 هـ وتأخرت وفاته إلى ربيع الآخر سنة 799 (5) هـ وخلف ولدا اسمه محمد، سمع مع جده (6) ، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الإسلام " (7) .   (1) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 17. (2) راجع طرة المجلد الحادي والعشرين من " تاريخ الإسلام " الذي بخط الذهبي (أيا صوفيا 3014) . (3) ابن حجر: " الدرر " 2 / 392. (4) انظر مثلا: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 38، 70 69، 75 74، 78، 85، م 2 الورقة 44، 45، 53. (5) ابن حجر: " الدرر " 2 / 449، والتونسي: " دستور الإعلام بمعارف الأعلام " الورقة 116 (نسخة ولي الدين جار الله 697 1605) . (6) " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 44. (7) انظر طرة المجلد الحادي والعشرين (أيا صوفيا 3014) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 74 تاسعا - آثار الذهبي وهذه تذكرة في آثار مؤرخ الإسلام الذهبي عنيت فيها بذكر ما ألف واختصر، وخرج على أخصر ما يمكن، إذ تفاصيلها مبسوطة في كتابي " الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام " (1) ، واقتفيت فيها المنهج الآتي: 1 - قسمت المؤلفات حسب موضوعاتها، ورتبت الكتب الواردة في كل موضوع على حروف المعجم. أما المختصرات، والمنتقيات، والتخاريج، فاكتفيت بسردها وفق ذلك الترتيب من غير تقسيم لها. 2 - نبهت فيما إذا كان الكتاب موجودا: مخطوطا أو مطبوعا، وأشرت إلى إحدى طبعاته أو نسخه بين قوسين، وتركت الذي لم أعثر له على نسخة غفلا من ذلك. أولا: القراءات: 1 - التلويحات في علم القراءات (بروكلمان: الملحق 2 / 47) . ثانيا: الحديث: 2 - الأربعون البلدانية. 3 - الثلاثون البلدانية. 4 - طرق حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه ". 5 - الكلام على حديث الطير. 6 - المستدرك على مستدرك الحاكم. (الظاهرية: 62 مجاميع) .   (1) القاهرة: 1976 ص: 276 139 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 75 ثالثا: مصطلح الحديث وآدابه: 7 - كتاب الزيادة المضطربة. 8 - طريق أحاديث النزول. 9 - العذب السلسل في الحديث المسلسل. 10 - منية الطالب لا عز المطالب. 11 - الموقظة في علم مصطلح الحديث (باريس: 4577) . رابعا: العقائد: 12 - أحاديث الصفات. 13 - الأربعين في صفات رب العالمين (منها جزء في الظاهرية، وانظر الألباني: 280) . 14 - جزء في الشفاعة. 15 - جزآن في صفة النار. 16 - الرسالة الذهبية إلى ابن تيمية (طبعت بدمشق: 1347 هـ) . 17 - الروع والاوجال في نبأ المسيح الدجال. 18 - رؤية الباري. 19 - العرش (انظر بروكلمان: الملحق: 1 / 47) . 20 - العلو للعلي الغفار. (طبع غير مرة منها بمصر: 1332 هـ) . 21 - الكبائر. (مطبوع، القاهرة: 1356 هـ) . 22 - ما بعد الموت. 23 - مسألة دوام النار. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 76 24 - مسألة الغيبة. 25 - مسألة الوعيد. خامسا: أصول الفقه: 26 - مسألة الاجتهاد. 27 - مسألة خبر الواحد. سادسا: الفقه: 28 - تحريم أدبار النساء. 29 - تشبيه الخسيس بأهل الخميس (دار الكتب المصرية) . 30 - جزء في الخضاب. 31 - جزء من صلاة التسبيح. 32 - جزء في القهقهة. 33 - حقوق الجار. (كوبرلي.1584 / 3) . 34 - فضائل الحج وأفعاله. 35 - اللباس. 36 - مسألة السماع. 37 - الوتر. سابعا: الرقائق: 38 - جزء في محبة الصالحين. 39 - دعاء المكروب. 40 - ذكر الولدان. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 77 41 - التعزية الحسنة بالأعزة. 42 - كشف الكربة عند فقد الأحبة. ثامنا: التاريخ والتراجم: 43 - أخبار السد. 44 - أخبار قضاة دمشق. 45 - أسماء من عاش ثمانين سنة بعد شيخ أو بعد تاريخ سماع. (أيا صوفيا: 2953) . 46 - الإشارة إلى وفيات الأعيان والمنتقى من تاريخ الإسلام. (الأحمدية بحلب: 328) . 47 - الإعلام بوفيات الأعلام (نسخه كثيرة منها بالظاهرية: مجموع 117) . 48 - الأمصار ذوات الآثار. (منه نسخة في استانبول وأخرى بالمدينة) . 49 - أهل المئة فصاعدا (مطبوع، بغداد: 1973) . 50 - البيان عن اسم ابن فلان. 51 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (طبع اليسير منه، ونسخه مشتتة في خزائن الكتب، وعندي نسخة كاملة مصورة) . 52 - التاريخ الممتع. 53 - تذكرة الحفاظ. (مطبوع، حيدر آباد 1958 1955 وهي أحسن الطبعات) . 54 - تراجم رجال روى عنهم محمد بن إسحاق. (مطبوع، ليدن: 1890) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 78 55 - تسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم عن البخاري (لا له لي باستانبول: 2089) . 56 - تقييد المهمل. 57 - التلويح بمن سبق ولحق. 58 - جزء أربعة تعاصروا. 59 - دول الإسلام. (مطبوع، حيدر آباد: 1337 هـ) . 60 - ديوان الضعفاء والمتروكين (مطبوع) . 61 - ذكر من اشتهر بكنيته من الأعيان (جستربتي بدبلن: مجموع 3458) . 62 - ذكر من يؤتمن قوله في الجرح والتعديل (أيا صوفيا: 2953) . 63 - ذيل الإشارة إلى وفيات الأعيان. 64 - ذيل دول الإسلام (مطبوع، حيدر آباد: 1337) . 65 - ذيل سير أعلام النبلاء. 66 - ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين. (الظاهرية: مجموع 369 حديث) . 67 - ذيل كتاب الضعفاء لابن الجوزي. 68 - الذيل على ذيل كتاب الضعفاء لابن الجوزي. 69 - ذيل العبر في خبر من عبر (مطبوع، الكويت - بدون تاريخ) . 70 - الرد على ابن القطان (مختصر (1) منه في الظاهرية: مجموع: 70) .   (1) ظنه الألباني أصل الكتاب (انظر الفهرس: 282) وهو وهم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 79 71 - الزلازل. 72 - سير أعلام النبلاء (وهو هذا الكتاب) . 73 - طبقات الشيوخ. 74 - العباب في التاريخ. 75 - العبر في خبر من عبر (مطبوع بالكويت وفيه نقص) . 76 - عنوان السير في ذكر الصحابة. 77 - القبان (في أصحاب التقي ابن تيمية) . 78 - المجرد في أسماء رجال كتب سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد الصحيحين (الظاهرية: 531 حديث) . 69 - المرتجل في الكنى (بروكلمان: 2 / 59) . 80 - المشتبه في الرجال: أسمائهم وأنسابهم (مطبوع، وأعيد طبعه بالقاهرة 1962) . 81 - معجم الشيوخ الكبير. (دار الكتب المصرية: 65 حديث) 82 معجم الشيوخ الأوسط. 83 - المعجم الصغير (اللطيف) . (الظاهرية: مجموع: 12) . 84 - المعجم المختص بمحدثي العصر (منه انتقاء لابن قاضي شهبة بباريس: 2076 عربيات، والأوقاف العراقية: مجموع رقم: 2841) . 85 - معرفة آل مندة. 86 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (مطبوع، القاهرة: 1969) . 87 - المعين في طبقات المحدثين. (فيض الله باستانبول: 1528) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 80 88 - المغني في الضعفاء. (مطبوع بحلب: 1971) . 89 - المقدمة ذات النقاط في الألقاب. (دار الكتب المصرية: 4423 ج) . 90 - من تكلم فيه وهو موثق. (عندي منه نسخة) وهو غير: 91 - الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم (المطبوع بالقاهرة: 1906) . 92 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال (مطبوع مشهور، منها طبعة القاهرة 1963) . 93 - هالة البدر في عدد أهل بدر (لعله هو الذي في الظاهرية ضمن مجموع: 47) . تاسعا: السير والتراجم المفردة: 94 - أخبار أبي مسلم الخراساني. 95 - أخبار أم المؤمنين عائشة (1) . 96 - التبيان في مناقب عثمان. 97 - ترجمة ابن عقدة الكوفي. 98 - ترجمة أبي حنيفة. (مطبوع بالقاهرة بدون تاريخ) . 99 - ترجمة أبي يوسف القاضي (مطبوع بالقاهرة بدون تاريخ) . 100 - ترجمة أحمد بن حنبل (2) .   (1) نشر الأستاذ الأفغاني ترجمتها من سير أعلام النبلاء (دمشق: 1945) . (2) نشر المرحوم الشيخ أحمد شاكر ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام. سير 1 / 6 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 81 101 - ترجمة الخضر. 102 - ترجمة السلفي (1) . 103 - ترجمة الشافعي. 104 - ترجمة الشيخ الموفق (2) . 105 - ترجمة مالك بن أنس. 106 - ترجمة محمد بن الحسن الشيباني (مطبوع بالقاهرة بدون تاريخ) . 107 - توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق. 108 - الدرة اليتيمية في سيرة التيمية. 109 - الزخرف القصري (في ترجمة الحسن البصري) . 110 - سيرة الحلاج. 111 - سيرة أبي القاسم الطبراني. 112 - سيرة سعيد بن المسيب. 113 - سيرة عمر بن عبد العزيز. 114 - السيرة النبوية (وهي في تاريخ الإسلام) . 115 - فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب.   (1) أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني المحدث المشهور المتوفى سنة 576 هـ. (2) أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب التصانيف المشهورة المتوفى سنة 620 هـ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 82 116 - قض نهارك بأخبار ابن المبارك. 117 - مناقب البخاري (دار الكتب المصرية طلعت، مجموع: 965) . 118 - نعم السمر في سيرة عمر. 119 - نفض الجعبة في أخبار شعبة. 120 - سيرة لنفسه. عاشرا: المنوعات: 121 - بيان زغل العلم والطلب (1) . (مطبوع، دمشق: 1347) . 122 - التمسك بالسنن. 123 - جزء في فضل آية الكرسي. 124 - الطب النبوي (طبع غير مرة، وينسب لغيره أيضا) . 125 - كسر وثن رتن (2) . أحد عشر: المختصرات والمنتقيات: 126 - أحاديث مختارة من الموضوعات من " الأباطيل " للجوزقاني (3) . (المكتبة الأزهرية، مجموع: 290 حديث) . 127 - بلبل الروض.   (1) وجاء عنوانه في نسخة برلين (5570) : " رسالة فيما يذم ويعاب في كل طائفة ". (2) رتن هذا هندي دجال ظهر بعد سنة ست مئة وادعى التعمير وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم. (3) كتاب الأباطيل لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين الجوزقاني المتوفى سنة 543 هـ، وقد نسبه الشيخ الألباني لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى سنة 259 هـ، وتابعه سزكين، وهو وهم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 83 اختصره من " الروض الأنف " للسهيلي المتوفى سنة 581 هـ. 128 - تجريد أسماء الصحابة. (مطبوع، حيدر آباد: 1315 هـ) . اختصره من " أسد الغابة " لابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ. 129 - تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (أحمد الثالث: 2949 / 4 1) . 130 - ترتيب " الموضوعات " لابن الجوزي. (المكتبة الأزهرية، مجموع: 290 حديث) . 131 - تلخيص " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " لابن الجوزي (المكتبة الأزهرية، مجموع: 290 حديث) . 132 - تنقيح كتاب " التحقيق في أحاديث التعليق " لابن الجوزي. (فيض الله: 296) . 133 - تهذيب تاريخ (1) علم الدين البرزالي. 134 - ذكر الجهر بالبسملة مختصرا. (الظاهرية، مجموع: 55) . اختصره من تصنيف في هذا الموضوع للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ. 135 - الرخصة في الغناء والطرب بشرطه. (الظاهرية: 7159) . اختصره من كتاب " السماع " للإدفوي المتوفى سنة 748 هـ 136 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. (مطبوع، القاهرة: 1972) .   (1) تاريخ البرزالي هو " المقتفي لتاريخ أبي شامة " عندي منه نسخة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 84 اختصره من " تهذيب الكمال " لشيخه ورفيقه المزي المتوفى سنة 742 هـ. 137 - المجرد من " تهذيب الكمال " (الفاتيكان: 1032) . 138 - مختصر " إنباه الرواة على أنباه النحاة " لابن القفطي. (لبدن) 139 - مختصر " الأنساب " لأبي سعد السمعاني. 140 - مختصر " البعث والنشور " للبيهقي. 141 - مختصر " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي. 142 - مختصر " تاريخ دمشق " لابن عساكر. 143 - مختصر " تاريخ مصر " لابن يونس. 144 - مختصر " تاريخ نيسابور " لأبي عبد الله الحاكم. 145 - مختصر " تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " للمزي. 146 - مختصر " تقويم البلدان " لأبي الفدا. 147 - مختصر " التكملة لكتاب الصلة " لابن الأبار. 148 - مختصر " التكملة لوفيات النقلة " للمنذري. 149 - مختصر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر. 150 - مختصر " الجهاد " لبهاء الدين ابن عساكر. 151 - مختصر " ذيل تاريخ بغداد " لأبي سعد السمعاني. 152 - مختصر " الرد على ابن طاهر (1) " لابن المجد (2) . 153 - مختصر " الروضتين في أخبار الدولتين " وذيله لأبي شامة.   (1) أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، ابن القيسراني المتوفى سنة 507 هـ وكتابه الذي رد عليه ابن المجد في " السماع ". (2) سيف الدين أبو العباس أحمد ابن المجد عيسى المقدسي المتوفى سنة 643 هـ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 85 154 - مختصر " الزهد " للبيهقي. (عارف حكمت بالمدينة المنورة) . 155 - مختصر " سلاح المؤمن في الأدعية المأثورة " لابن الإمام (1) . 156 - مختصر " صلة التكملة لوفيات النقلة " لعز الدين الحسيني. 157 - مختصر " الضعفاء " لابن الجوزي. 158 - مختصر " الفاروق في الصفات " لشيخ الإسلام الأنصاري. 159 - مختصر " القدر " للبيهقي. 160 - المختصر المحتاج إليه من تاريخ الحافظ أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد ابن الدبيثي. (طبع ببغداد: 1976 1951) . 161 - مختصر " المدخل إلى كتاب السنن " للبيهقي. 162 - مختصر " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبد الله الحاكم (طبع بهامش المستدرك) . 163 - مختصر " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " للمراكشي. 164 - مختصر " مناقب سفيان الثوري " لابن الجوزي. 165 - مختصر " وفيات الأعيان " لابن خلكان. 166 - مختصر " الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام " لابن القطان. (الظاهرية، مجموع: 70) . 167 - المستحلى في اختصار " المحلى " لابن حزم. 168 - معرفة التابعين من " الثقات " لابن حبان (الاسكوريال: 1689) .   (1) أبو الفتح محمد بن محمد بن علي المصري المتوفى سنة 745 هـ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 86 169 - المقتضب من " تهذيب الكمال " للمزي. 170 - المقتنى في سرد الكنى. (الأحمدية بحلب: 328) . اختصره من كتاب " الكنى " لأبي أحمد الحاكم المتوفى سنة 378) . 171 - المنتخب من " التاريخ المجدد لمدينة السلام " لابن النجار البغدادي. 172 - منتقى " الاستيعاب في معرفة الأصحاب "، لابن عبد البر. 173 - المنتقى من تاريخ أبي الفدا. 174 - المنتقى من " تاريخ خوارزم " لابن أرسلان الخوارزمي. 175 - المنتقى من " مسند " أبي عوانة. 176 - المنتقى من " مسند " عبد بن حميد. 177 - المنتقى من " معجم شيوخ " يوسف بن خليل الدمشقي. 178 - المنتقى من معجمي الطبراني الأوسط والكبير ومن مسند المقلين لدعلج. (منه قطعة في الظاهرية، مجموع: 71) . 179 - المنتقى من " معرفة الصحابة " لابن مندة. 180 - مهذب " السنن الكبرى " للبيهقي. (مكتبة مدنية باستانبول 258، 259، 260 وطبع بالقاهرة باسم " المهذب في اختصار السنن الكبير " وهو عنوان غير صحيح) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 87 182 - نبذة من فوائد تاريخ ابن الجزري (1) كوبرلي: 1147) . 183 - النبلاء في شيوخ السنة. اختصره من كتاب " المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الأئمة النبل " لابن عساكر. اثنا عشر: التخاريج: قام الذهبي بتخريج عدد كبير من معجمات الشيوخ والمشيخات والأربعينات والأجزاء الحديثية الكبيرة والصغيرة، منها: أ - معجمات الشيوخ: 184 - معجم شيوخ ابن البالسي المتوفى سنة 711 هـ. 185 - معجم شيوخ ابن حبيب الدمشقي المتوفى سنة 779 هـ. 186 - معجم شيوخ علاء الدين ابن العطار الدمشقي المتوفى سنة 724 هـ. 187 - المعجم العلي للقاضي الحنبلي (أبي الفضل سليمان بن حمزة المقدسي المتوفى سنة 715 هـ) . ب - المشيخات: 188 - مشيخة التلي (محمد بن أحمد الصالحي الخياط المتوفى سنة 741 هـ) . 189 - مشيخة الجعبري المتوفى سنة 706 هـ.   (1) توفي ابن الجزري سنة 739 وهو غير ابن الجزري صاحب " غاية النهاية في طبقات القراء " وتاريخه هذا يعرف باسم " حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه " عندي قطع منه، وهو من التواريخ المستوعبة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 88 190 - مشيخة ابن الزراد الحريري المتوفى سنة 726 هـ. 191 - مشيخة عز الدين المقدسي المتوفى سنة 700 هـ. 192 - مشيخة ابن القواس المتوفى سنة 698 هـ. 193 - مشيخة زين الدين الكحال المتوفى سنة 730 هـ. ج - الأربعينات: 194 أربعون حديثا بلدانية من " المعجم الصغير " للطبراني. (التيمورية بمصر: 438 حديث) . 195 - أربعون حديثا بلدانية من " معجم " ابن جميع الصيداوي. 196 - أربعون حديثا بلدانية من " معجم شيوخ " أبي بكر المقدسي المتوفى سنة 718 هـ. 197 - أربعون حديثا بلدانية من " معجم شيوخ " ابن زاذان المتوفى سنة 481 هـ. 198 - أربعون حديثا لأبي المعالي الأبرقوهي المتوفى سنة 701 هـ. 199 - أربعون حديثا لابنه أبي هريرة عبد الرحمان المتوفى سنة 799 هـ د - الثلاثينات: 200 - ثلاثون حديثا من " المعجم الصغير " للطبراني. هـ - العوالي: 201 - عوالي الشمس ابن الواسطي المتوفى سنة 699 هـ. 202 - عوالي الطاووسي المتوفى سنة 704 هـ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 89 203 - عوالي أبي عبد الله ابن اليونيني المتوفى سنة 747 هـ. 204 - العوالي من حديث مالك بن أنس. 205 - العوالي المنتقاة من حديث الذهبي (الظاهرية، مجموع: 4512 عام) . والأجزاء: 206 - الجزء الملقب بالدينار من حديث المشايخ الكبار (دار الكتب المصرية: 1508 حديث) . 207 - جزء من حديث القزويني المتوفى سنة 704 هـ. 208 - جزء من حديث أبي بكر المرسي المتوفى سنة 718 هـ. 209 - جزء من حديث ابن المحب المقدسي المتوفى سنة 730 هـ. 210 - جزء من حديث ابن الكويك المتوفى سنة 734 هـ. 211 - جزء من حديث أمين الدين الواني المتوفى سنة 735 هـ. 212 - جزء من حديث ابن جماعة الكناني المتوفى سنة 767 هـ. 213 - أحاديث " مختصر " ابن الحاجب المتوفى سنة 646 هـ. (ومختصر ابن الحاجب من كتب أصول الفقه المشهورة وهو " منتهى السؤال والأمل في علمي الأصول والجدل " وقد طبع) . 214 - ثلاثيات ابن ماجة. (الظاهرية، مجموع: 59) . 215 - المنتقى من حديث تقي الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن المجد البعلي. (الظاهرية، مجموع: 25) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 90 الفصل الثاني: سير أعلام النبلاء منهجه وأهميته أولا - عنوان الكتاب وتأليفه : سماه صلاح الدين الصفدي (1) وابن دقماق (2) : " تاريخ النبلاء "، وابن شاكر الكتبي (3) : " تاريخ العلماء النبلاء "، وتاج الدين السبكي (4) : " كتاب النبلاء "، وسبط ابن حجر (5) : " أعيان النبلاء ". وسماه كل من الحسيني (6) ، وابن ناصر الدين (7) ، وابن حجر (8) ، والسخاوي (9) : " سير النبلاء ". أما " سير أعلام النبلاء " فقد جاء مخطوطا على طرر المجلدات الموجودة في مكتبة السلطان أحمد الثالث ذوات الرقم 2910 / A، وهي النسخة الأولى التي   (1) الوافي: 2 / 163. (2) ترجمان الزمان، الورقة: 98. (3) فوات الوفيات: 2 / 183، وعيون التواريخ، الورقة 86 (كيمبرج 2923) . (4) طبقات الشافعية: 9 / 104. (5) رونق الألفاظ، الورقة: 180. (6) الذيل على ذيل العبر: 268. (7) الرد الوافر: 31. (8) الدرر الكامنة: 3 / 426. (9) الإعلان بالتوبيخ: 674. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 91 نسخت عن نسخة المؤلف التي بخطه وكتبت في حياته في السنوات 739 - 743 هـ، وهو العنوان الأكثر دقة وكمالا، لذلك اعتمده محققو الكتاب. وقد ألف الذهبي كتابه هذا بعد كتابه العظيم " تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام " الذي انتهى من تأليفه أول مرة سنة 714 هـ ثم أعاد النظر فيه، وبيض قسما منه سنة 726 هـ (1) . وقد أشار المؤلف إلى بعض كتبه الأخرى، وأحال عليها في كتابه " السير ". وحينما ذكر تلميذه الصلاح الصفدي بعض كتب الذهبي الخاصة بتراجم الأعيان مثل " نفض الجعبة في أخبار شعبة " و " قض نهارك بأخبار ابن المبارك " وغيرهما قال: " وله في تراجم الأعيان لكل واحد مصنف قائم الذات مثل الأئمة الأربع ومن جرى مجراهم، لكنه أدخل الجميع في " تاريخ النبلاء " (2) . وهذا النص يوضح أنه ألف " السير " بعد تأليفه لكل تلك التراجم المفردة الكثيرة، ويلاحظ أن ناسخ أول نسخة من الكتاب قد بدأ بنسخها في سنة 739 هـ وانتهى من المجلد الثالث عشر في أوائل سنة 743 هـ، وهذا يعني أن المؤلف كان قد انتهى من تأليف كتابه سنة 739 هـ، أو قبلها. وقد جزم الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد بتأليف الكتاب سنة 739 هـ، من غير دليل (3) سوى أن الناسخ ابن طوغان قد بدأ بنسخ نسخته في هذه السنة. أما نحن فنعتقد أنه بدأ في تأليف الكتاب سنة 732 هـ أو قبيلها بقليل، ودليلنا على ذلك قول المؤلف الذهبي في ترجمة العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم: " وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى وقتنا هذا، وذلك ست مئة عام، أولهم السفاح. وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري، والعقد والحل بيد   (1) انظر التفاصيل في كتابي: الذهبي: 25 فما بعد. (2) الوافي بالوفيات، 2 / 164. (3) انظر مقدمته للجزء الأول الذي نشره من السير ص 38. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 92 السلطان الملك الناصر، أيدهما الله " (1) . ولما كان العباسيون قد تقلدوا الحكم سنة 132 هـ كما هو مشهور فيكون زمانه الذي أشار إليه هو سنة 732 هـ، والمستكفي بالله هذا هو أبو الربيع سليمان بن أحمد، ولد سنة 683 هـ، وخطب له بمصر بعد وفاة أبيه سنة 701 هـ، وقد ساءت حاله مع السلطان الناصر في آخر أيامه، فأخرجه السلطان إلى قوص من صعيد مصر سنة 738 هـ فأقام بها إلى حين وفاته سنة 740 هـ (2) . وليس من المعقول أن يستغرق تأليف الكتاب سبع سنوات ومعظم مادته كانت جاهزة عند مؤلفه بسبب أنه ألفه بعد تاريخ الكبير " تاريخ الإسلام ". ثانيا - نطاق الكتاب وعدد مجلداته : جعل الذهبي كتابه " سير أعلام النبلاء " في أربعة عشر مجلدا راعى فيها التناسق من حيث عدد الأوراق، ولم يراع في الأغلب ناحية تنظيمية أخرى، لذلك وجدنا النساخ فيما بعد لم يلزموا أنفسهم بتقسيم المؤلف (3) . وقد أفرد الذهبي المجلدين الأول والثاني للسيرة النبوية الشريفة وسير الخلفاء الراشدين، لكنه لم يعد صياغتهما، وإنما أحال على كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " ليؤخذا منه ويضما إلى " السير " فقد جاء في طرة المجلد الثالث من نسخة أحمد الثالث الأولى تعليق بخط الذهبي كتب على الجهة   (1) سير أعلام النبلاء: 2 / الترجمة: 11 (طبعة مؤسسة الرسالة المحققة) . (2) البداية لابن كثير: 14 / 187، والسلوك للمقريزي: 2 / 504، والدرر لابن حجر: 2 / 336 وغيرها. (3) انظر وصف النسخ في مقدمة هذا الجزء الأول من السير. وقد أشار ناسخ المجلد السابع عشر من النسخة المصورة في المجمع العلمي العربي بدمشق إلى أن نسخته تتكون من عشرين مجلدا. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 93 اليسرى منها نصه: " في المجلد الأول والثاني سير النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة تكتب من تاريخ الإسلام ". ويلاحظ أن الذهبي قد أشار في حاشية الورقة (98) من المجلد الثاني من تاريخ الإسلام وهو المجلد الذي يبدأ بالسيرة النبوية وعند الفصل الخاص بمعجزاته صلى الله عليه وسلم إلى مكونات " السيرة النبوية " بقوله: " من شاء من الإخوان أن يفرد الترجمة النبوية، فليكتب إذا وصل إلى هنا جميع ما تقدم من كتابنا في السفر الأول بلا بد، فليفعل، فإن ذلك حسن، ثم يكتب بعد ذلك " فصل في معجزاته " إلى آخر الترجمة النبوية وهذا يعني أن " السيرة النبوية " التي أرادها الذهبي تشمل جميع المجلد الأول وهو المجلد الخاص بالمغازي ثم جميع " الترجمة النبوية " وهي المئة والثلاثون ورقة من المجلد الثاني الذي بخطه. وهذا في رأينا هو المجلد الأول من " سير أعلام النبلاء ". أما سير الخلفاء الأربعة فهي التي تستغرق بقية المجلد الثاني من نسخة المؤلف التي بخطه وتتضمن الأوراق: 131 - 241، وقسما من المجلد الثالث من نسخة المؤلف وهذا هو المجلد الثاني من " السير " في رأينا. والظاهر أن ابن طوغان صاحب النسخة لم يقم باستنساخ المجلدين: الأول والثاني، من " تاريخ الإسلام " كما طلب المؤلف، فظن كاتب الوقفية على المدرسة المحمودية أن هذين المجلدين مفقودان، فتابعه الناس على هذا الوهم. وكان من المظنون أن المجلد الثالث عشر (1) من نسخة ابن طوغان وهو   (1) كان هذا المجلد هو حصتي من تحقيق الكتاب، وقد حققته بمشاركة زميلي السيد محيي هلال السرحان. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 94 المجلد الذي يبتدئ بترجمة المحدث الكبير أبي طاهر السلفي المتوفى سنة 576 هـ، وينتهي بترجمة السلطان الملك المنصور نور الدين علي ابن السلطان الملك المعز أيبك التركماني الصالحي المعزول من السلطنة سنة سبع وخمسين وست مئة، والذي تأخرت وفاته إلى حدود سنة سبع مئة أقول: كان من المظنون أن هذا هو المجلد الأخير من الكتاب، لكنني أعتقد بل أكاد أجزم أن هناك مجلدا آخر يتمم الكتاب هو المجلد الرابع عشر، وهو المجلد الذي ظنه الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد ذيلا لسير أعلام النبلاء وتابعه الناس عليه، وإليك آيات ذلك ودلالاته: 1 - من المعلوم أن الذهبي ألف " سير أعلام النبلاء " عبد تأليف " تاريخ الإسلام " وتابع فيه النطاق الزمني للكتاب المذكور، والذي نعرفه أن " تاريخ الإسلام " يمتد من أول الهجرة النبوية إلى آخر سنة (700 هـ) ، بينما تبين دراستنا لتراجم الطبقة الخامسة والثلاثين وهي آخر المجلد الثالث عشر أن أصحابها توفوا في المدة المحصورة بين السنوات 660 651 هـ، فأين هي تراجم من توفي بين 700 661 هـ؟ وهي مدة طويلة عاصر المؤلف كثيرا من أحداثها واتصل بالعديد من المترجمين فيها، وكان الكثير منهم شيوخه، والباقون من شيوخ شيوخه، وفيهم أعلام الدنيا من مثل أبي شامة، وابن الساعي، والنووي، وفخر الدين ابن البخاري، وابن الظاهري ومئات غيرهم بحيث لا يعقل أن يتركهم الذهبي ولا يترجم لهم، وقد ترجم في كتابه هذا لمن هم أدنى منهم بكثير، فهذه المدة المذكورة البالغة قرابة الأربعين سنة تحتمل من غير شك أن تكون المجلد الرابع عشر من " السير ". 2 - ولكن كيف ظن الفضلاء أن هذا هو المجلد الأخير من " السير " وكيف ذكروا أن تراجمه تصل إلى سنة 700 هـ؟ الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 95 والذي عندي أن الذي أوقع الناس (1) في هذه المزلقة أمران: أولهما عدم دراسة المجلد الثالث عشر دراسة جيدة والنظر إلى المترجمين فيه نظرة فاحصة منقبة. وثانيهما: هو ترجمة السلطان الملك المنصور نور الدين علي ابن السلطان الملك المعز أيبك التركماني الذي ذكر المؤلف الذهبي أنه تأخر إلى قريب سنة (700) هـ، لكن الدارسين لم ينتبهوا إلى أن الذهبي، إنما ذكره بسبب توليه الحكم بعد مقتل والده المعز أيبك سنة 655 هـ، وأنه لم يبق في السلطنة غير سنتين ونصف إذ عزل في أواخر سنة 657 هـ حينما تولى سيف الدين قطز السلطنة، فالذي ذكره الذهبي عن بقائه فيما بعد إنما هو من باب الاستطراد لا غير، وقد كان من منهج الذهبي في هذا الكتاب أن يجمع الأقرباء في مكان واحد كما سيأتي بيانه لاحقا. 3 - قلنا إن الذهبي ألف كتابه هذا في أربعة عشر مجلدا، وطلب من النساخ أن يستخرجوا المجلدين الأول والثاني من " تاريخ الإسلام " وهما اللذان يتضمنان السيرة النبوية، وسير الخلفاء الأربعة، كما هو مثبت بخطه في طرة المجلد الثالث من الكتاب. وقد نصت وقفية الكتاب على المدرسة المحمودية بالقاهرة وهي الوقفية المثبت نصها على جميع المجلدات أن الموقوف منه اثنا عشر مجلدا، وقد جاء في نص الوقفية المدونة على المجلد الثالث، وهو أول المجلدات التي وصلت إلينا - ما نصه: " وقف وحبس وسبل المقر الأشرف العالي الجمالي محمود أستادار   (1) أول من قال بذلك هو الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد، وتابعته في وهمه أنا في كتابي " الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام: 170 من طبعة القاهرة " وعذري أنني كنت آنذاك معنيا " بتاريخ الإسلام "، وكان كلامي على السير عارضا، أما هو فقد كان من المفروض أنه خبر الكتاب وسبر غوره. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 96 العالية الملكي الظاهري..جميع هذا المجلد وما بعده من المجلدات إلى آخر الكتاب، وعدة ذلك اثنا عشر مجلدا متوالية من هذا المجلد إلى آخر الرابع عشر..". فانظر إلى قوله " إلى آخر الكتاب " وقوله " إلى آخر الرابع عشر ". والواضح البين أن الوقفية لم تشر إلى أن المجلد الرابع عشر هو ذيل سير أعلام النبلاء كما ظن الفاضل الدكتور صلاح الدين المنجد. 4 - وقد جرت عادة النساخ، أو المؤلفين، أوكليهما على الإشارة والنص على انتهاء الكتاب، إلا أننا حينما نقرأ آخر المجلد الثالث عشر لا نجد أية إشارة من المؤلف، أو الناسخ إلى انتهاء الكتاب، وقد وجدت الذهبي رحمه الله ينص دائما عند انتهاء كتبه، فلماذا يشذ في هذا الكتاب! ؟ أما الناسخ فإن عباراته التي استعملها في نهاية المجلد الثالث عشر لا تنبئ بأي حال على أن هذا هو آخر الكتاب، وهي لا تختلف عن ما جاء في بقية المجلدات (1) . ثالثا - ترتيب الكتاب : نظم الذهبي كتاب " السير " على الطبقات، فجعله في أربعين طبقة تقريبا، وآخر ما في المجلد الثالث عشر من نسخة ابن طوغان هي آخر الطبقة   (1) وفي خزانة كتب خليل الله المدراسي بحيدر آباد مجلد صورته بعثة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ووضعته في فهرس (التاريخ) من فهارسها (رقم 1100 ج - 2، قسم 3 ص 183) ، قالوا: " مجلد فيه من سنة 550 - سنة 740 ويبدأ بترجمة أبي البركات هبة الله بن ملكا البغدادي، وينتهي بآخر الكتاب وبآخر المجلد فهرست تفصيلي لجميع تراجم الكتاب من أوله لآخرة حسب ترتيب الطبقات من وضع الذهبي نفسه ينقص قليلا ". وهذا الوصف يثير كثيرا من الإرباك إذ كيف يتصور أن مجلدا واحدا يحوي كل هذه الفترة الزمنية، ثم إن الكتاب غير مرتب على السنين حتى يقال من سنة كذا إلى سنة كذا. ولم استطع الوقوف عليه في الوقت الحاضر فلا أتمكن من الحكم عليه. سير 1 / 7 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 97 الخامسة والثلاثين ولا أستبعد أن يتضمن المجلد الرابع عشر خمس طبقات إذا قايسنا ذلك ببقية المجلدات. وقد استعمل المؤلفون المسلمون هذا الأسلوب في عرض التراجم منذ فترة مبكرة من تاريخ الحركة التأليفية، وهو فيما يرى روزنتال تقسيم إسلامي أصيل قد يبدو أقدم تقسيم زمني وجد في التفكير التاريخي الإسلامي، ولم يكن نتيجة مؤثرات خارجية، بل هو نتيجة طبيعية لفكرة: صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتابعون..الخ (1) ، ومما يؤيد هذا حديث أورده البخاري ونصه: " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " (2) وقد أشار العيني في شرحه إلى أن خير القرون الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين (3) . وهذا المفهوم يظهر واضحا في كتب الإمام ابن حبان البستي المتوفى سنة 354 هـ حيث قسم الرواة في كتابيه " الثقات " و " مشاهير علماء الأمصار " إلى ثلاث طبقات هم: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، فصارت الطبقة هنا تعني الجيل. وقد حاول بعض العلماء أن يجعل للطبقة تحديدا زمنيا واضحا، فجعلها بعضهم عشرين سنة (4) ، وجعلها آخرون أربعين سنة (5) ، وهلم جرا.   (1) علم التاريخ عند المسلمين: 134 133. (2) الصحيح 5 / 3 2 (ط. الشعب) باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من حديث عمران ابن حصين. (3) عمدة القاري: 16 / 170. (4) انظر " طبق " من لسان العرب. (5) استنادا إلى حديث " أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما ". (سنن ابن ماجة: 2 / 1349) ولا يصح، بل أورده ابن الجوزي في " الموضوعات ". الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 98 لكن الدراسات الحديثة (1) أظهرت أن كثيرا من المؤلفين المتقدمين كابن سعد، وخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج وغيرهم لم يستعملوا " الطبقة " باعتبارها وحدة زمنية ثابتة، كما لم يستعملوها بمعنى " الجيل " أيضا ففي الوقت الذي عد فيه خليفة بن خياط الصحابة طبقة واحدة عدهم ابن سعد عدة طبقات استنادا إلى سابقتهم في الإسلام. أما طبقات التابعين ومن بعدهم، فقائم عند خليفة وابن سعد على اعتبار اللقيا بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وهم الطبقة الأولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن صغار الصحابة ولم يلتقوا بكبارهم لعدم لحاقهم بهم، فيكونون طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك فإن من روى عن سعيد بن المسيب مثلا وغيرهم من كبار التابعين فإنهم يكونون الطبقة الأولى من أتباع التابعين. رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي نظم الإمام الذهبي مجموعة من كتابه على الطبقات إضافة إلى " السير " منها: " تذكرة الحفاظ " (2) ، و " معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (3) "، و " المعين في طبقات المحدثين " (4) " و " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد   (1) أنظر دراسة صديقنا العزيز العالم الفاضل الدكتور أكرم العمري لأسس تنظيم طبقات خليفة وابن سعد في كتابه الماتع " بحوث في تاريخ السنة المشرفة " ص: 184 فما بعد (الطبعة الثانية) . (2) مطبوع منتشر مشهور. (3) نشرته دار الكتب الحديثة بالقاهرة سنة 1969 باعتناء رجل جاهل يدعى سيد جاد الحق، وهي نشرة رديئة جدا يكثر فيها التصحيف والتحريف السقط وعندي منه نسخة مصورة نفيسة. (4) عندي من الكتاب نسخة مصورة عن فيض الله. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 99 الصحيحين (1) ، و " طبقات الشيوخ " (2) ، وقد وصلت إلينا جميع هذه الكتب خلا الكتاب الأخير. وتشير دراستنا لهذه الكتب أن الذهبي لم يراع إيجاد تقسيم واحد في عدد الطبقات بين هذه الكتب، ولا راعى التناسق في عدد المترجمين بين طبقة وأخرى في الكتاب الواحد، كما لم يلتزم بوحدة زمنية ثابتة للطبقة في جميع كتبه فيما عدا " تاريخ الإسلام " الذي لا يدخل في هذا التنظيم كما سيأتي بيانه. 1- عدد الطبقات: فقد قسم الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " على إحدى وعشرين طبقة (3) ، وقسم " معرفة القراء " على سبع عشرة طبقة، بينما جعل " سير أعلام النبلاء " في أربعين طبقة تقريبا مع أن الكتب الثلاثة المذكورة تناولت نطاقا زمنيا واحدا يمتد من الصحابة إلى عصره الذي عاش فيه. 2- عدد المترجمين: ونجد اختلافا كبيرا جدا في أعداد المذكورين في الطبقات في الكتاب الواحد، ففي " تذكرة الحفاظ " مثلا نجد أن أعداد المترجمين في الإحدى والعشرين طبقة تتضمن الأعداد الآتية حسب تسلل الطبقات: 23، 42، 30، 58، 78، 81، 106، 130، 106، 117، 77، 79، 74، 31، 46، 18، 25، 26، 12، 10، 8، وهكذا نجدها تتراوح بين ثمانية أشخاص ومئة وسبعة عشر شخصا. وهذا الذي ذكرته عن " التذكرة " ينطبق على " السير " أيضا فإن عدد تراجم الطبقة الثلاثين مثلا بلغ (77) ترجمة بينما بلغ عدد تراجم الطبقة التي تليها (130) ترجمة، وهلم جرا.   (1) عندي منه نسخة مصورة عن الظاهرية. (2) ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 876 ولا أعرف له نسخة. (3) وقال في الطبقة الثالثة عشرة: " وقد سميت منهم بضعة وسبعين إماما وقسمت الطبقة طبقتين أولا هما ثمانية وأربعون والثانية خمسة وعشرون نفسا " الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 100 3- الوحدة الزمنية: ولم يراع الذهبي وحدة زمنية ثابتة في كتبه التي نظمها على الطبقات، وهو بذلك لم يدخل سني وفيات المترجمين باعتباره بشكل دقيق حيث نجدها متداخلة بين طبقة وأخرى من جهة، كما نلاحظ في الوقت نفسه تباينا كبيرا جدا في المدة الزمنية التي تستغرقها كل طبقة من الطبقات. ففي " تذكرة الحفاظ " مثلا نجد أن وفيات المترجمين في الطبقة الأولى تمتد من سنة 13 هـ وهي سنة وفاة الصديق - إلى سنة 93 هـ وهي السنة التي توفي فيها أنس بن مالك، وهذا يعني أن مدتها ثمانون سنة. أما التابعون فقد جعلهم في " التذكرة " ثلاث طبقات: كبار التابعين وتمتد وفيات أصحابها من سنة 62 وهي سنة وفاة علقمة بن قيس النخعي إلى سنة 107 هـ وهي سنة وفاة رجاء العطاردي في ترجيح الذهبي، فتكون مدتها (45) سنة. ثم الطبقة الوسطى منهم وتمتد وفيات المترجمين فيها من سنة 93 هـ إلى سنة 117 هـ، فتكو مدتها (24) سنة. ثم طبقة ثالثة من التابعين تمتد وفيات أصحابها من سنة 113 هـ إلى سنة 151، فمدتها (38) سنة. أما الطبقة الخامسة فتمتد من 144 هـ إلى سنة 180 هـ، فهي (36) سنة وهلم جرا. وهذا الذي ذكرته عن التباين في مدد الطبقات الأولى من " التذكرة " ينطبق على الطبقات المتأخرة أيضا، فالطبقة العشرون تمتد من سنة 667 إلى سنة 708، فتكون مدتها (41) سنة أما الحادية والعشرون وهي آخر الطبقات فتمتد من سنة 672 هـ إلى سنة 742 هـ سنة وفاة الحافظ المزي فتكون مدتها (70) سنة. وهذا الذي أبنته من الخلف في مدة الطبقات في " التذكرة " والتباين الشديد نجده أيضا في " سير أعلام النبلاء "، فقد بلغت مدة الطبقة الثلاثين الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 101 من السير (19) سنة تمتد من سنة 568 هـ سنة وفاة خوارزم شاه إلى سنة 587 هـ سنة وفاة ابن مغاور الشاطبي وامتدت وفيات المترجمين في الطبقة الحادية والثلاثين من سنة 575 هـ سنة وفاة ابن عياد الأندلسي إلى سنة 601 هـ وهي سنة وفاة الارتاحي، فتكون مدتها (26) سنة. أما الطبقة الخامسة والثلاثون فلم تتجاوز تسع سنوات حيث أن جميع وفيات المذكورين فيها تمتد من سنة 651 إلى سنة 660 (1) . أما كتابه " المعين في طبقات المحدثين " فقد جعل الذهبي الطبقات الأولى فيه تتخذ أسماء المشهورين فيها نحو قوله مثلا " طبقة الزهري وقتادة " (2) ، و " طبقة الأعمش وأبي حنيفة (3) " و " طبقة ابن المديني وأحمد (4) " ونحو ذلك. ثم غير هذه الطريقة حينما وصل إلى مطلع القرن الثالث الهجري، فصار يستعمل السنوات التقريبية في الطبقة نحو قوله: " الطبقة الذين بقوا بعد الثلاث مئة وإلى حدود العشرين والثلاث مئة (5) " و " طبقة من الثلاثين وإلى ما بعد الخمسين وخمس مئة (6) "، وهلم جرا. وقد تبين لنا من دراسة هذه الوحدات الزمنية التي ذكرها أن الطبقة قد تكون في هذا الكتاب في حدود عشرين سنة (7) ، أو خمس وعشرين (8) ، أو   (1) استثنينا من ذلك ما ذكره الذهبي من تأخر وفاة المنصور ابن المعز أيبك إلى سنة (700) تقريبا وقد بينا أنه إنما ذكره بسبب توليه السلطنة بين 657 655 حسب (نسختي المصورة) . (2) المعين، الورقة: 7 (3) نفسه، الورقة: 8 (4) نفسه، الورقة: 14 (5) نفسه، الورقة: 19 (6) نفسه، الورقة: 32 (7) نفسه، الورقة: 21، 32 (8) نفسه، الورقة 22، 24 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 102 ثلاثين سنة (1)) . أما كتابه " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الإمام أبي عبد الله بن ماجة " فقد جعله في ثماني طبقات اتخذت كل طبقة أسماء أعلام فيما عدا طبقة الصحابة (2) ، فالطبقات السبع الباقية هي: طبقة زمن الأعمش وابن عون (3) ، وطبقة الزهري وأيوب (4) ،، وطبقة ابن المسيب ومسروق (5) ، وطبقة الحسن وعطاء (6) ، وطبقة عفان وعبد الرزاق (7) ، وطبقة علي ابن المديني وأحمد بن حنبل (8) ، وطبقة البخاري ومن تبقى (9) ، ويلاحظ أن هذه الطبقات لم تراع التناسق الزمني أيضا. ولكن الذهبي جعل الطبقة عشر سنوات في كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " فتألف كتابه من سبعين طبقة، فهل يعني هذا أنه وضع تحديدا زمنيا واضحا للطبقة مخالفا طريقته في كتبه الأخرى؟ علما أن عمله هذا لم يسبقه فيه أحد فيما نعلم. وقد أدى عمل الذهبي هذا إلى دفع بعض الباحثين المعنيين بعلم التاريخ إلى القول: بأنه خالف الأقدمين، بل خالف نهجه هو في كتبه الأخرى (10) . على أن دراستنا الموسعة لكتاب " تاريخ الإسلام " قد أبانت أنه لم يقصد بالطبقة هنا غير " العقد "، وهو مفهوم يدل على وحدة   (1) نفسه، الورقة: 20، 21 (2) المجرد، الورقة: 6 1 (3) المجرد، الورقة: 8 - 12 (4) المجرد، الورقة: 12 8 (5) نفسه، الورقة: 13 12 (6) نفسه، الورقة: 14 13 (7) نفسه، الورقة: 14 - 15 (8) نفسه، الورقة: 16 15 (9) نفسه، الورقة 20 16 (10) نظر: روزنثال: علم التاريخ: 121، والعمري: بحوث: 191 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 103 زمنية محددة قدرها عشر سنوات، وأنه إنما استخدم هذا المفهوم لحاجات تنظيمية صرفة جاءت في الأغلب من عدم توافر تواريخ وفيات المترجمين بصورة كاملة، كثرة الاختلاف فيها لا سيما في المئات الثلاث الأولى. وقد أبانت دراستي أن هذا التنظيم لا علاقة له بأدب الطبقات بل من الأفضل أن يربط بأدب التنظيم على السنين (1) . من كل الذي مر يتضح أن الذهبي استعمل الطبقة للدلالة على القوم المتشابهين من حيث اللقاء أي: في الشيوخ الذين أخذوا عنهم، ثم تقاربهم في السن من حيث المولد والوفاة تقاربا لا يتناقض مع اللقيا، وهو أمر يتيح تفاوتا في وفيات المترجمين من جهة، وتفاوتا في عدد الطبقات أيضا. ولكن كيف نفسر هذا الاختلاف الكبير في تقسيم الطبقات عند مؤلف واحد مثل الذهبي. بحيث جعل " معرفة القراء " في سبع عشرة طبقة. بينما قسم " السير " إلى أربعين طبقة تقريبا؟ وجواب ذلك فيما نرى يعتمد بالدرجة الأولى على نوعية المذكورين في الكتاب الواحد، فإن كتابا مثل " التذكرة " ليس فيه غير كبار الحفاظ من الممكن أن ينظم بطبقات أقل من غيره نظرا لنوعية المذكورين فيه، وكلهم أو معظمهم من ذوي الإسناد العالي، بحيث تتباعد المدة الزمنية بين طبقة وأخرى، فيقل عدد الطبقات، وهو أمر لا يناقض مبدأ اللقيا. أما " السير " فنوعية المترجمين فيه تشمل كل رجال " التذكرة " تقريبا مضافا إليهم من هم أقل منهم مرتبة بحيث يضطر إلى زيادة عدد الطبقات. وطبيعي أنه ليس من المفروض أن يكون كل أحد من طبقة ما قد التقى   (1) انظر تفاصيل موسعة في كتابي: الذهبي ومنهجه: 282 - 302. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 104 بجميع رجال الطبقة السابقة مع إمكان التقائهم. ومن أجل توضيح هذا الذي ذكرته عن نوعية المترجمين أشير إلى أنه من الممكن نظم جميع الرواة من الصحابة في طبقة واحدة، ولكن من الممكن تقسيم الصحابة إلى أكثر من طبقة حسب الرواية أيضا، لان الصحابي قد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يروي عن الصحابي أيضا. ومن الممكن إذا ذكرنا كبار التابعين أن نجعلهم طبقة واحدة، ولكن التوسع في ذكر التابعين يقضي من أجل الدقة تقسيمهم إلى أكثر من طبقة، فكبار التابعين إنما هم الذين رووا عن كبار الصحابة، وصغار التابعين هم الذين رووا عن صغار الصحابة، لعدم لحاقهم بكبار الصحابة، فضلا عن أن بعض التابعين لم يرو عن غير التابعين، وهو أمر يعرفه أهل العناية بهذا الفن الجليل. وعليه فإن الذهبي لو أراد مثلا أن يؤلف كتابا في جميع القراء وليس في " الكبار " منهم لاضطره الأمر إلى زيادة عدد الطبقات، وهم جرا. وبهذا يتضح أن كل مترجم إنما تتحدد طبقته حسب الكتاب المذكور فيه وأننا لا يمكن أن نجد توزيعا موحدا للمترجمين في جميع كتب الذهبي المرتبة على الطبقات فلا نستطيع القول: إن فلانا من أهل الطبقة الفلانية عند الذهبي، بل يصح القول: إنه من أهل الطبقة الفلانية في الكتاب الفلاني. فإذا كان الأمر كذلك، فمن البداهة أن لا نجد تقسيما موحدا للطبقات عند المؤلفين المسلمين، فمكحول - مثلا - في الطبقة الثالثة من أهل الشام عند ابن سعد (1) ، بينما هو في الطبقة الثانية عند خليفة (2) ، وفي الطبقة الرابعة عند الذهبي في " التذكرة " (3) ، وهو من أهل الطبقة الخامسة عند ابن حجر في   (1) الطبقات: 7 / 453 (2) طبقات خليفة: 310 (ط. العمري) (3) التذكرة: 1 / 107 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 105 " التقريب " (1) . لقد اخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة الحديث النبوي الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذي يؤدي إلى معرفة فيما إذا كان الإسناد متصلا، أو ما في السند من إرسال (2) أو انقطاع (3) أو عضل (4) أو تدليس (5) ، أو اتفاق في الأسماء مع اختلاف في الطبقة (6) . وكان نظام الطبقات على غاية من الأهمية في العصور الأولى التي لم يعتن المؤلفون فيها بضبط مواليد الرواة ووفياتهم إنما كانت تحدد طبقاتهم بمعرفة شيوخهم والرواة عنهم. على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسا جيدا، فضلا عن عدم وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين. وحينما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد والوفيات ازداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية على الوفيات، أو على حروف المعجم. وقد كان من جملة انتقادات أبي الحجاج المزي للحافظ عبد الغني المقدسي في تنظيمه لكتابه " الكمال في أسماء الرجال " أنه أفرد تراجم الصحابة عن بقية التراجم المذكورة في كتابه، قال: " وقد كان صاحب الكتاب رحمه الله ابتدأ بذكر الصحابة، أولا الرجال منهم والنساء على حدة، ثم ذكر من بعدهم على حدة، فرأينا ذكر الجميع   (1) التقريب: 2 / 273. (2) المرسل: ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) المنقطع: أن يسقط من السند رجل ليس بصحابي. (4) المعضل: ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي. (5) المدلس: هو الذي يروي عمن لقيه أحاديث لم يسمعها منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه. (6) وذلك كثير فيعرف الشخص من طبقته وشيوخه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 106 على نسق واحد أولى، لان الصحابي ربما روى عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيظنه من لا خبرة له تابعيا فيطلبه في أسماء التابعين فلا يجده، وربما روى التابعي حديثا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيظنه من لا خبرة له صحابيا فيطلبه في أسماء الصحابة فلا يجده، وربما تكرر ذكر الصحابي في أسماء الصحابة وفيمن بعدهم، وربما ذكر الصحابي الراوي عن غير النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصحابة، وربما ذكر التابعي المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة، فإذا ذكر الجميع على نسق واحد، زال ذلك المحذور، وذكر في ترجمة كل إنسان منهم ما يكشف عن حاله إن كان صحابيا أو غير صحابي (1) "، لذلك رتب المزي الرجال في كتابه على حروف المعجم وصعد في الترتيب إلى آبائهم وأجدادهم، ثم رتب النساء على ذلك النسق أيضا (2) . وفائدة التنظيم على الطبقات إنما تظهر في العصور الإسلامية الأولى كما ذكرت، وكلما مضى الزمن بالكتاب صرنا لا نشعر بوجود الطبقة شعورا واضحا، لذلك وجدنا في " سير أعلام النبلاء " نوعا من التسلسل الزمني في الأقسام التي تلت تلك الأعصر الأولى، فضلا عن وجود عدد ليس بالقليل من التراجم التي لا علاقة لأصحابها بالرواية أو العلم فضلا عن اللقيا، مثل الملوك والوزراء والخلفاء والسلاطين والأطباء والشعراء ونحوهم، ولكن مفهوم الذهبي للتاريخ، وتكوينه الفكري المتصل بالحديث والمحدثين جعله يتمسك بهذا التنظيم إلى آخر الكتاب بالرغم من عدم جدواه في القرون المتأخرة ودخول غير أهل الرواية في الكتاب.   (1) انظر المجلد الأول من تهذيب الكمال بتحقيقنا (منشورات مؤسسة الرسالة) . (2) وقد وجدنا العلماء المتأخرين يعنون بإعادة تنظيم كتب الطبقات على حروف المعجم كما فعل نور الدين الهيثمي في إعادة ترتيب " ثقات " ابن حبان، وغيره. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 107 إن نظرة واحدة للتراجم المذكورة في المجلد الثالث عشر مثلا تشير إلى نوع من التسلسل في ذكر المترجمين حسب وفياتهم، وإن لم يكن ذلك بالدقة التي رتبت فيها الكتب المؤلفة على السنين. وقد وجدنا الذهبي في " السير " كثيرا ما يجمع تراجم الأقرباء في مكان واحد، ولا سيما الإخوة والآباء والأبناء، وهو بعمله هذا إنما راعى الوحدة التاريخية، لكنه في الوقت نفسه كان على حساب " الطبقة " والزمان. فحينما ترجم الذهبي لعاقل بن البكير أحد شهداء بدر أتبعه بتراجم إخوته الثلاثة: خالد بن البكير الذي استشهد يوم الرجيع سنة أربع، وإياس بن البكير المتوفى سنة 34 هـ، وعامر الذي استشهد يوم اليمامة. وحينما ترجم لأبي جندل بن سهيل ترجم بعد ذلك لأخيه عبد الله بن سهيل، ثم لأبيهما سهيل بن عمرو، وحينما ترجم لأبي الحارث نوفل بن الحارث، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترجم أيضا لابنه الحارث بن نوفل، ثم لابن ابنه: عبد الله ابن الحارث بن نوفل، ثم لابن ابن ابنه: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأتبعهم بعد ذلك بأخويه: سعيد بن الحارث وأبي سفيان بن الحارث، ثم ولد الأخير جعفر بن أبي سفيان بن الحارث. وهذا الذي ذكرته عن الجمع بين الأقرباء وتجاوز الطبقة منهج سار عليه الذهبي في جميع الكتاب، وإن لم يلتزم به دائما، وقد وجدناه في الأقسام الأخيرة من كتابه يتبع هذا النهج، ففي الطبقة الثلاثين ترجم لأبي العلاء الهمذاني المتوفى سنة 569 هـ، ثم أتبعه بابنه محمد بن الحسن المتوفى سنة 605 وهو من أهل الطبقة التي بعدها. وترجم لكمال الدين ابن الشهرزوري المتوفى سنة 572 هـ ذكر والده الملقب بالمرتضى المتوفى سنة 511 هـ وهو من أهل طبقة سابقة. وترجم في الطبقة الثلاثين لقوام الدين أبي المحامد حماد الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 108 ابن إبراهيم الصفاري المتوفى سنة 576 هـ، ثم ذكر والده ركن الدين الذي بقي إلى سنة 532 هـ، كما ذكر جده إسماعيل بن إسحاق الذي بقي إلى حدود سنة 500 هـ. وترجم لأبي المواهب ابن صصرى المتوفى سنة 586 هـ، وأتبعه بترجمة أبيه أبي البركات ابن صصرى المتوفى سنة 573 هـ ثم ترجمة جده محفوظ المتوفى سنة 545 هـ. وحينما ترجم للسلطان الهمام صلاح الدين يوسف المتوفى سنة 589 هـ ترجم معه لأبنائه: العزيز المتوفى سنة 595 هـ، والظاهر المتوفى سنة 613 هـ، والأفضل المتوفى سنة 622 هـ وهلم جرا خامسا - طبيعة تراجم " السير " وأسس انتقائها : عرفنا من دراستنا لسيرة الذهبي أنه كان عالما، واسع الاطلاع، غزير المعارف ولا سيما في التراجم، وهو الحقل الذي ألف فيه مجموعة من الكتب وبرع فيه البراعة التي جعلت العلماء يجمعون على أنه " مؤرخ الإسلام "، وألف كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " الذي احتوى على قرابة أربعين ألف ترجمة، وبذلك كانت لديه حصيلة ضخمة من التراجم كان عليه أن ينتقي منها ما يراه مناسبا لكتابه " السير "، فهل كانت لديه خطة معينة سار عليها في ذلك؟ والجواب: إن دراستنا للكتاب تبين أنه سار وفق خطة مرسومة في الانتقاء، سواء أكان ذلك في انتقاء التراجم أم في انتقاء المادة المذكورة في كل ترجمة، وقد انطلق في كل ذلك من ميزانه الذي وزن به المترجم من جهة، والأخبار التي تجمعت لديه عنه من جهة أخرى، وهو في كل ذلك إنما يصدر عن مفهومه المعين لفائدة كتاب من مثل " السير ". ولعلنا نستطيع فيما يأتي أن نتبين أسس انتقاء التراجم: 1- العلمية: كان الذهبي قد أورد في " تاريخ الإسلام " جميع المشاهير والأعلام، ولم الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 109 يورد المغمورين والمجهولين، بعرف أهل الفن في كل عصر لا بعرفنا نحن، إذ لا ريب في أن هناك آلافا من التراجم التي ذكرها لم يسمع بها كثير من المتخصصين في عصرنا. أما في " السير " فإنه اقتصر فيه على ذكر " الأعلام "، وأسقط المشهورين. وقد استعمل الذهبي لفظ " الأعلام (1) ليدل على المشهورين جدا بعرفه هو لا بعرف غيره، ذلك أن مفهوم " العلم " يختلف عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ونظرته إلى البراعة في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو عمل من الأعمال، أو أي شيء آخر، لذلك وجدنا أن سعة ثقافة الذهبي، وعظيم اطلاعه، وكثرة معاناته ودربته بهذا الفن قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم بحيث صرنا نجد تراجم في " السير " مما لا نجده في كتب تناولت المشهورين، مثل " المنتظم " لابن الجوزي، و " الكامل " لابن الأثير، و " البداية " لابن كثير، و " عقد الجمان " لبدر الدين العيني، وغيرها. 2- الشمول النوعي: ولم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع معين من " الأعلام " بل تنوعت تراجمه فشملت كثيرا من فئات الناس، من الخلفاء، والملوك، والأمراء والسلاطين، والوزراء، والنقباء، والقضاة، والقراء، والمحدثين، والفقهاء، والأدباء، واللغويين، والنحاة، والشعراء، وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة، ومجموعة من المعنيين بالعلوم الصرفة. ومع أن المؤلف قصد أن يكون " السير " شاملا لجميع " أعلام " الناس، إلا أننا وجدناه يؤثر المحدثين على غيرهم، لذلك جاءت الغالبية العظمى من   (1) كانت تراجم الأعلام في تاريخ الإسلام أوسع من تراجم المشهورين، وقد أشار الذهبي في تراجمهم من هذا التاريخ بلفظة " أحد الأعلام " انظر على سبيل المثال الأعلام في الجزء الخامس من تاريخ الإسلام، ص: 44، 68، 69، 89، 98، 116، 121، 128، 136، 152، 155، 179، 184، 228، 233، 257..الخ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 110 المترجمين من أهل العناية بالحديث النبوي الشريف رواية ودراية، وهي فيما نرى ظاهرة طبيعية لما عرفنا من تربية الذهبي ونشأته الحديثية، وحبه لرواية الحديث وشغفه به، ذلك الشغف العظيم الذي ملك عليه قلبه، فهو من صنفهم واسع المعرفة بهم، عظيم الإكبار لهم، شديد الكلف بهم، فضلا عن أن المحدثين هم من أكثر الفئات التي عنيت بالرواية نظرا للأهمية البالغة التي يحتلها الحديث الشريف في الحياة الإسلامية، ولذلك فإن دراسة أحوال نقلة الحديث وبيان مواليد هم ووفياتهم وآراء العلماء فيهم وشيوخهم والرواة عنهم ونحو ذلك، من الأمور التي تقوم عليها دراسة الأسانيد، ثم معرفة صحيح الحديث من سقيمه. 3- الشمول المكاني: وقد عمل المؤلف أن يكون كتابه شاملا لتراجم الأعلام من كافة أنحاء العالم الإسلامي من الأندلس غربا إلى أقصى المشرق، وهو شمول قل وجوده في كثير من الكتب العامة التي تناولت تراجم المسلمين، إذ كثيرا ما كانت مثل تلك الكتب تعنى بإيراد تراجم أعلام بلدها أو منطقتها، فابن الجوزي في " المنتظم " مثلا عني بتراجم البغداديين عناية فاقت غيرهم من علماء وأعلام البلدان الأخرى مع أنه أراد لكتابه أن يكون عاما شاملا، ولم يعن كثير من المؤلفين المشارقة الذين ألفوا في التراجم العامة بتراجم المغاربة والأندلسيين (1) ، كما لم يعن كثير من المؤلفين المغاربة والأندلسيين بتراجم المشارقة عنايتهم بتراجم أهل بلدهم، بينما نجد نوعا جيدا من التوازن   (1) ألف زكي الدين المنذري " التكملة لوفيات النقلة " ليكون كتابا عاما في " النقلة " لكل العالم الإسلامي، لكننا وجدناه يقصر تقصيرا كبيرا في تراجم الأندلسيين والمغاربة (انظر كتابنا: المنذري وكتابه التكملة: 238 فما بعد النجف 1968) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 111 في كتاب " السير " يقل نظيره في الكتب التي من بابته، وهو منهج سار عليه الذهبي في كثير من كتبه ولا سيما في كتابه الكبير " تاريخ الإسلام "، مما يشير إلى شمول نظرته، واتساع اطلاعه على المؤلفات في هذا الفن في كل منطقة، من مناطق العالم الإسلامي وصلته بها. 4 - التوازن الزماني: حاول الذهبي في هذا الكتاب أن يوازن في عدد الأعلام الذين يذكرهم على امتداد المدة الزمنية الطويلة التي استغرقها الكتاب والبالغة سبعة قرون، فلم نجد عنده تفضيلا لعصر على آخر في هذا المجال. ومع أننا نجد تفاوتا في عدد المترجمين بين طبقة وأخرى، لكننا لو نظمنا الكتاب على وفيات المترجمين ونظرنا إلى عدد المذكورين في كل سنة لوجدنا نوعا من التناسق في عدد المذكورين في كل سنة. نعم، قد نجد كثيرا من السنوات مما يخرج عن هذا القول لكن هذا لا يناقض المسار العام الذي أشرنا إليه، بسبب وفاة عدد من الأعلام في بعض هذه السنوات لعوامل كثيرة منها الأوبئة والحروب وغيرها. 5 - طول التراجم وقصرها: وجد الذهبي، بسبب سعة اطلاعة وتمكنه العظيم في الرجال، مادة وفيرة احتوتها مئات الموارد التراجمية، يساعده على ذلك سعة النطاق الزماني لكتابه الذي يمتد من أول تاريخ الإسلام حتى نهاية المئة السابعة، والنطاق المكاني الذي يشمل العالم الإسلامي كله. وقد رأينا قبل قليل كيف استطاع أن يحدد نوعية المترجمين باختيار الأعلام منهم، إلا أن ما يبدو أكثر أهمية هو أن هؤلاء الأعلام تتوفر عنهم عند مثل هذا المؤلف الواسع الاطلاع كمية الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 112 عظيمة من المادة التاريخية التي لا بد أن ينتقي منها ما يتفق وخطته في صياغة الترجمة من أجل أن لا يتضخم الكتاب أزيد من هذا التضخم الكبير الذي قدره له. من هذا الذي ذكرت اجتهد الذهبي أن يقدم ترجمة كاملة ومختصرة في الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات التي تتوافر لديه، فتخرجه عن خطته العامة. وقد تمكن الذهبي أن يتخلص من مثل تلك المادة الضخمة التي تحصلت لديه عن بعض كبار الأعلام بإحالة القارئ إلى مصادر أوسع تناولت ذلك العلم بتفصيل أكثر مما ذكره هو في بعض جوانب الترجمة، نحو قوله في ترجمة عكرمة بن أبي جهل: " استوعب أخباره أبو القاسم بن عساكر "، وقوله في ترجمة يزيد بن أبي سفيان: " له ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي القاسم "، وقوله في ترجمة بلال بن رباح: " ومناقبه جمة استوفاها الحافظ ابن عساكر "، وقوله في ترجمة الكمال ابن الأنباري بعد أن ذكر عددا من تصانيفه: " وسرد له ابن النجار تصانيف جمة "، والأمثلة كثيرة. ومع هذا الذي ذكرت فإن طول التراجم وقصرها في " السير " من الأمور الواضحة لمطالع الكتاب، فقد نجد ترجمة لا تزيد على بضعة أسطر، بينما نجد ترجمة أخرى قد تبلغ صفحات عديدة. وقد انتقده تلميذه التاج السبكي المتوفى سنة 771 هـ على خطته في تطويل التراجم وتقصيرها في كتبه التاريخية وعد ذلك من باب التعصب والهوى العقائدي (1) . إلا أن دراساتنا لهذه المسألة توضح أن السبكي قد بالغ في نقده بسبب من تعصبه الشديد للأشاعرة، وتبين لنا أن الذهبي راعى في أكثر الأحايين قيمة الإنسان وشهرته بين أهل علمه، أو مكانته بين الذين هم من بابته سواء أكان متفقا معه في   (1) انظر الطبقات الكبرى: 2 / 23 - 24. سير 1 / 8 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 113 العقيدة أم مخالفا، فنراه مثلا يطول في تراجم الشعراء البارزين، أو كبار النحويين، أو أعلام الصوفية، أو كبار الخلفاء والملوك والسلاطين، وقد ترجم للشهاب السهروردي المقتول سنة 587 هـ ترجمة طويلة باعتباره " العلامة الفيلسوف السماوي المنطقي..من كان يتوقد ذكاء، مع قوله " إنه قليل الدين " وأن مصنفاته " سائرها ليست من علوم الإسلام " وأن الذين أفتوا بقتله " أحسنوا وأصابوا " (1) ، وترجم ترجمة حافلة لراشد الدين سنان صاحب الدعوة النزارية الذي كان في رأيه: " سخط وبلاء " (2) ، وأمثلة ذلك في " السير " كثيرة لا نرى كبير فائدة في إيراد المزيد منها. ومع أن الذهبي كان عظيم الاهتمام بالمحدثين، مكبرا لهم، شديد الكلف بهم، إلا أننا وجدناه يترجم لهم تراجم قصيرة عموما إذا استثنينا بعض كبار أعلامهم مقارنة بكثير من التراجم الطويلة التي خص بها بعض الشعراء والصوفية والمتكلمين والفلاسفة. على أن هذا الذي قلته لا يعني أنه لم يتأثر إطلاقا بعقيدته وآرائه ونظرته إلى العلوم في فهم المترجمين وتطويل تراجمهم أو تقصيرها، فهذا أمر يجانب الطبيعة البشرية، وهو موجود عند جميع المؤرخين، لكننا نشير إلى محاولاته الجدية في الموازنة، وإلى أنه لم يفعل ذلك عن هوى وتقصد، إنما انطلق من تكوينه الفكري الذي كان يحدد أهمية " العلم " في خدمة الإسلام، أو الإضرار به، فكان ينطلق ليبين هذا أو ذاك فتطول التراجم. إن تقدير الإمام الذهبي للعلم الذي يترجم له ويطول في ترجمته بسبب المكانة التي يحتلها هي التي دفعت به إلى تخصيص مجلد كامل للسيرة النبوية الشريفة، فسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي المثل الأعلى الذي يحتذيه   (1) سير أعلام النبلاء: 21 / الترجمة 99 (بتحقيقنا) . (2) السير: 21 / الترجمة: 90. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 114 المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها فضلا عن الأحكام المستفادة منها. وهذا الأمر هو الذي أدى به إلى تخصيص مجلد كامل عن سير الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم لما تمثله من قدوة للمسلمين، ولما يستفاد من دراستها في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ولما تحتله من المكانة في بناء الإنسان المسلم. سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها : تختلف المادة الموجودة في ترجمة ما من تراجم " السير " عن الأخرى حسب طبيعة المترجم له وقيمته العلمية أو الأدبية أو مكانته السياسية من جهة، وتتوحد في الأسس العامة لمكونات الترجمة من جهة أخرى. ولا نجد تناقضا في ذلك، فالذهبي يعنى في معظم التراجم بذكر اسم المترجم ونسبه، ولقبه وكنيته ونسبته، ثم مولده أو ما يدل على عمره (1) ، ونشأته ودراسته وأخذه عن الشيوخ الذين التقى بهم وروى عنهم، وأفاد منهم، ثم تلامذته الذين أخذوا عنه وانتفعوا يعلمه، وتخرجوا به، وما خلف من آثار علمية أو أدبية أو اجتماعية، ويبين بعد ذلك منزلته العلمية وعقيدته من خلال أقاويل العلماء الثقات فيه جرحا وتعديلا ممن كان وثيق الصلة به، ثم غالبا ما ينهي الترجمة بتحديد تاريخ وفاة المترجم ويدقق في ذلك تدقيقا بارعا. والمؤلف في الوقت نفسه يذكر في كل ترجمة أمورا متفرقة تتصل بطبيعتها، فهو يعنى مثلا بإيراد أعمال   (1) لقد اعتنى الذهبي بذكر الولادات جهد طاقته فذكرها دائما حينما توفرت له لما لذلك من أهميته كبيرة في الاطمئنان على لقاء المترجم لمشايخه وسماعاته عليهم أو إجازاته منهم. وكان المحدثون يعنون بتتبع المواليد ويسألون الشيخ عن مولده قبل السماع منه أو الأخذ عنه، فإذا ما وجدوا له رواية قبل هذا التاريخ أو في سن لا تحتمل السماع حكموا بكذبه في هذه الرواية. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 115 الخلفاء والملوك والأمراء والمتولين في تراجمهم، ويركز عنايته على ما قاموا به من نشر عدل أو بث ظلم أو سفك دماء. وهو يعنى بإيراد نماذج من شعر الشعراء ومختارات من نثر الأدباء، وأقوال للمتفلسفين وأرباب المقالات بما ينبئ عن حسن عقيدتهم أو سوئها ونحو ذلك. والذهبي له أسلوبه المتميز في صياغة التراجم، وأساليب عرضها يختلف من الموارد التي ينقل منها، وقد دفعه هذا الأمر في أغلب الأحيان إلى إعادة صياغة المادة التاريخية المنقولة عن المؤلفات السابقة بأسلوبه الخاص، ولم ير في ذلك ضيرا طالما قد توخى الدقة والأمانة في نقل معاني الأقوال، لا سيما تلك التي لا تؤثر في قيمتها إعادة الصياغة مثل تاريخ وفاة، أو ميلاد، أو قيام بعمل ما، أو اختصار في أسماء الشيوخ ونحو ذلك، وقد بلغ الأمر به حدا أنه أعاد تركيب الترجمة في كثير من المواضع التي اعتمد فيها مصدرا واحدا. ولكنه ألزم نفسه في الوقت نفسه بنقل النصوص بألفاظها في الحالات التي تستحق ذلك. وتتطلبها، مثل أقوال العلماء في الجرح والتعديل، ونصوص الكتب والتوقيعات التي أوردها في " السير "، والقطع النثرية، والقصائد الشعرية، والمناقشات بين العلماء، فضلا عن الروايات المسندة، ونصوص الأحاديث النبوية الشريفة. أما إذا انتقى من النص أو لخصه، فإنه يشير إلى ذلك للأمانة العلمية من جهة وبما يدفع عنه تهمة التلاعب به من جهة أخرى. أما أسلوبه الأدبي في عرض الترجمة، فقد تميز بالطراوة والحبك. ولم يعن بالصنعة البيانية وتزويق الألفاظ مثل غيره من معاصريه وتلامذته، كابن سيد الناس اليعمري وتاج الدين السبكي وصلاح الدين الصفدي وغيرهم. وهذا أمر طبيعي فيما نرى، لان للكلمة مكانتها عند الذهبي، وهو الناقد الذي يختار الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 116 العبارة المناسبة للتعبير عما يريد بدقة وأمانة، ويصف المترجم بالعبارة التي تزنه جرحا أو تعديلا، فهو أسلوب علمي قبل كل شيء. ومن الواضح لكل ذي بصيرة أنه لا يمكن وصف المترجمين بشكل متقن عند اتباع أسلوب الصنعة البلاغية الذي يتجلى فيه العناية بالأسلوب على حساب دقة المعاني ودلالات الألفاظ. وقد عرفنا من سيرة الذهبي ومكانته العلمية أنه قد حصل طرفا صالحا من العربية في نحوها وصرفها وآدابها، كما أنه عني عناية كبيرة في مطلع حياته بالقراءات التي تقوم في أساسها على علم تام بالعربية، وقد تعاطى الشعر، فنظم اليسير منه، وأورد من شعر غيره جملة كبيرة في هذا الكتاب وغيره من كتبه. لكل ذلك أصبحت لغته قوية جدا بحيث يصعب أن نجد في كتابه لحنا أو غلطا لغويا، أو استعمالا عاميا، فإذا كان النادر من ذلك، فإنه من سهو القلم، أو الذهول، أو بعض ما يغلط فيه الخواص، وليس ذاك بشيء. وقد أدت دراساته لعدد ضخم من المؤلفات التاريخية والأدبية والحديثية واشتهاره بقوة الحافظة إلى وقوفه على أساليب عدد كبير من الكتاب والمؤلفين على مدى عصور طويلة تنوعت أساليب الكتابة فيها، فأكسبه كل ذلك خبرة أدبية قوية، وملكة جيدة على التعبير. إن معرفة اللغة العربية معرفة جيدة والتمتع بالأسلوب الرصين من العوامل المهمة التي تخرج ترجمة جيدة ينتفع بها، والقول بأن المعني بعلم التراجم لا يحتاج كل هذه المعرفة قول فاسد، وقد أشار شيخ الذهبي ورفيقه الحافظ أبو الحجاج المزي في نهاية تقديمه لكتابه العظيم " تهذيب الكمال " إلى هذه الضرورة فقال: " وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصل طرفا صالحا الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 117 من علم العربية نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الأصول والفروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيام الناس، فإنه إذا كان كذلك، كثر انتفاعه به وتمكن من معرفة صحيح الحديث وضعيفه وذلك خصوصية المحدث التي من نالها وقام بشرائطها ساد أهل زمانه في هذا العلم، وحشر يوم القيامة تحت اللواء المحمدي إن شاء الله تعالى (1) . سابعا - المنهج النقدي : كان الإمام الذهبي من المعنيين بالنقد كل العناية بحيث صار يحتل مكانا بارزا في كتبه، وألف الكتب النافعة الخاصة به، ولذلك وجدناه عظيم الاهتمام به في كتبه، ومنها كتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " مارسه في كل مادته، واعتبره جزءا أساسيا من منهجه في تأليف الكتاب. والذهبي إنما ينطلق في هذه العناية وذاك الاهتمام من تكوينه الفكري المتصل بدراسة الحديث النبوي الشريف وروايته وداريته، والذي يؤكد ضرورة تبيين أحوال الرواة، ودرجة الوثوق بهم بتمييز الصادقين منهم عن الكاذبين، فسحبه بعد ذلك على جميع كتابه، سواء أكان ذلك في تراجم المحدثين، أم في تراجم غيرهم وسواء أكانوا من المتقدمين، أم من المتأخرين. والحق أن المحدثين اخترعوا مناهج للبحث العلمي تعد من أرقي المناهج العلمية التي لم يعرفها الأوربيون إلا في عصور متأخرة جدا. وقد انتفع بها المؤلفون في الفنون والعلوم الأخرى، منهم: المؤرخون واللغويون والأدباء والفقهاء وغيرهم (2) .   (1) انظر مقدمة تهذيب الكمال، بتحقيقنا. (2) انظر ما كتبناه عن " أثر دراسة الحديث في تطور الفكر العربي " في كتاب " رحلة في الفكر والتراث " بغداد: 1980. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 118 وقد اعتنى الذهبي في " السير " بكل أنواع النقد، فلم يقتصر على مجال واحد من مجالاته، فقد عني بنقد المترجمين، وتبيان أحوالهم، وأصدر أحكاما وتقويمات تاريخية، وانتقد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفيها، وبرع في إصدار الأحكام على الأحاديث إسنادا ومتنا، وسحب ذلك على الروايات التاريخية. 1 - نقد المترجمين: يقوم نقد المترجم عند الذهبي عادة على إصدار حكم في الرجل وتبيان حاله جرحا أو تعديلا، ويكون ذلك في الأغلب بإيراد آراء الثقات المعاصرين فيه وأحكامهم على وانطباعاتهم الشخصية عنه مما تحصل لديهم نتيجة لصلتهم به، ومعرفتهم بعلمه وسيرته. وفي مثل هذه الحال قد يكتفي بآرائهم، أو يرد عليها، أو يرجح رأيا منها، وتكون نتيجة التعديل أو التجريح إصدار أحكام بعبارات فنية لها دلالاتها الدقيقة جدا نحو " ثقة " و " صدق "، و " وصويلح "، و " دجال "، و " متروك "، و " كذاب "، و " مجهول "، وما إلى ذلك مما فصله في مقدمة كتابه النفيس " ميزان الاعتدال ". وكانت الغاية الأساسية من نشوء هذا النقد هو تبيان أحوال رجال الحديث لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه، لكننا وجدنا الذهبي في الوقت نفسه يسحبه على معظم المترجمين في كتابه هذا وغيره من الكتب وإن لم يكونوا من المحدثين، بل سحبه إلى مترجمين لا علاقة لهم بالرواية أيا كانت. وقد أدى هذا الأمر إلى اعتراض بعض معاصريه عليه في عنايته الكبيرة باعتبار أن الدواعي التي دعت إلى قيام النقد عند المتقدمين هي الوصول إلى تصحيح الحديث النبوي الشريف، وأن الحديث قد استقر في الكتب الرئيسة الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 119 فما عادت هناك من حاجة إليه، وأن فائدته قد انقطعت منذ مطلع القرن الرابع الهجري (1) ، كما أخذ عليه بعضهم نقده لغير الرواة واعتبروا أن ذلك لا فائدة فيه وأنه محض غيبة (2) . وقد أثارت هذه القضية نقاشا بين العلماء فيما بعد، ولا حظنا أن العلماء المسلمين، ومنهم السخاوي، قد سوغوا استعمال النقد في غير مجال الرواة بالفائدة المتوخاة منه للنصيحة ودفع الضرر (3) . لكننا لاحظنا في هذا التفسير سذاجة، وآية ذلك أنه قد يصح في حالة نقد المعاصرين من غير الرواة، فكيف نفسر نقد الرواة المتأخرين، وكيف نفسر استمرار الذهبي وغيره في نقد السابقين وتأليف الكتب الخاصة بالجرح والتعديل إن كانوا يعتقدون بانقطاع الفائدة؟ الحق أن مثل هذا الأمر لا يفسر بالسذاجة التي ناقشوها، فإن هناك عوامل أكثر عمقا دفعت الإمام الذهبي إلى مثل هذه العناية لعل من أبرزها: أ - استمرار العناية بالرواية في العصور التالية لظهور دواوين الإسلام في الحديث، وبعض المجاميع الحديثية الأخرى، بل ازدادوا عناية بها تقليدا للسابقين من جهة، وتدينا وحبا بالحديث من جهة أخرى، ولأنها صارت جزءا من الحركة التعليمية والفكرية عند المسلمين من جهة ثالثة. وهذا يعني استمرار الإسناد ومن ثم ضرورة استمرار النقد في كل عصر لتبيان أحوال الرواة. ومع أن الإمام الذهبي ركز في كتابه " الميزان " على الرواة القدماء،   (1) ممن صرح بهذا أبو عمر ومحمد بن عثمان الغرناطي المعروف بابن المرابط المتوفى سنة 752 هـ (انظر الإعلان للسخاوي: 460، 470، 474) . (2) السبكي: طبقات الشافعية: 2 / 14. (3) الإعلان: 462 461. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 120 واعتبر مطلع القرن الرابع الهجري هو الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر، وأنه لو فتح على نفسه تناول المتأخرين لما سلم معه إلا القليل (1) ، إلا أنه فتح هذا الباب في كتبه الأخرى ومنها " معجم الشيوخ " و " تاريخ الإسلام "، و " سير أعلام النبلاء " وغيرها. ب - إن الذهبي هو الناقد العظيم الم يتقبل آراء النقاد السابقين باعتبارها مسلمات لا يمكن ردها أو الطعن فيها دائما بالرغم من احترامه الشديد للثقات منهم، ومدحه الكثير لهم، وهو بهذا اعتبر باب الاجتهاد في النقد ما زال مفتوحا، فعني به كل هذه العناية، يدل على ذلك رده لآراء كثير من كبار النقاد وعدم قبولها مثل أحمد بن صالح المصري المتوفى سنة 248 هـ، وأحمد بن عبد الله العجلي المتوفى سنة 261 هـ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي المتوفى سنة 259 هـ، والبرذعي المتوفى سنة 292، والنسائي المتوفى سنة 303 هـ، والعقيلي المتوفى سنة 322 هـ، وابن عدي الجرجاني المتوفى سنة 323 هـ، وابن حبان البستي المتوفى سنة 354 هـ، وأبي الفتح الأزدي المتوفى سنة 367، وابن مندة المتوفى سنة 395 هـ، والخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، وابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، وابن الصلاح المتوفى سنة 643 هـ، وغيرهم مما يطول ذكرهم وتعدادهم. ج - إن النقد أصبح جزءا من مفهومه التاريخي لذلك حاول تطبيقه في كل كتبه. وقد أخطأ كثير ممن فسر نقده لكبار العلماء من غير الرواة، أو الملوك، أو أرباب الولايات أو نحوهم بأنه من صنف " نقد الرجال "، بل هو حكم تاريخي كانت الغاية منه تقويم المترجم.   (1) الميزان: 1 / 4. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 121 والحق أن الذهبي لم ينظر إلى أمثال هؤلاء بالمنظار الذي نظر به إلى الرواة وأشباههم في الأغلب، بل نظر إلى كل طائفة منهم بمنظار يختلف عن الآخر، وهي مسألة قلما انتبه إليها الباحثون، فوقعوا بآفة التعميم، وخرجوا بما ظنوا أنه حقيقة، فذكروا أن المؤرخين المسلمين المتأثرين بالحديث الشريف وعلومه نظروا إلى جميع الناس بمنظار واحد هو منظار الحديث والمحدثين. وقد استطاع الذهبي في " السير " وغيره أن ينظر إلى كل طائفة منهم بمنظار آخر كون في الأغلب صورة لجماع رأيه في المترجم. إن تعدد المناظير هذا جعل آراء الذهبي في المترجمين تبدو لأول وهلة متناقضة مضطربة، نحو قوله في ترجمة صدقة بن الحسين الحداد المتوفى سنة 573 هـ " العلامة..الفرضي المتكلم المتهم في دينه " (1) ، فهو هنا قد فرق بين علم الرجل ودينه، وأعطى لكل ناحية تقويما خاصا. ومن ذلك قوله في ترجمة الشهاب السهروردي المقتول سنة 587 هـ: " العلامة الفيلسوف. من كان يتوقد ذكاء، إلا أنه قليل الدين " ثم علق الذهبي على إفتاء علماء حلب بقتله، بقوله: " أحسنوا وأصابوا "، وأنه " كان أحمق طياشا منحلا (2) "، ومثل هذا كثير. وهذا الاختلاف في المناظير وتعددها عند الذهبي جعله يراعي في كل طائفة صفات معينة بصرف النظر عن اتفاقه أو اختلافه معهم، فكان ينظر إلى الخلفاء والملوك والوزراء وأرباب الولايات مثلا من زاوية الحزم والدهاء، والقوة والضعف، والسياسة، والظلم والعدل، وحب العلم والعلماء ونحوها،   (1) السير: 21 / الترجمة: 21. (2) السير: 21 / الترجمة: 99. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 122 مثل قوله في ترجمة قايماز مولى المستنجد " كان سمحا كريما. قليل الظلم " (1) ، وقوله في ابن غانية: " الأمير المجاهد " (2) ، وقوله في مجد الدين ابن الصاحب: " وكان قد تمرد وسفك الدماء وسب الصحابة وعزم على قلب الدولة فقصمه الله " (3) ، وقوله في الملك المظفر تقي الدين عمر صاحب حماة: " كان بطلا شجاعا مقداما جوادا ممدحا له مواقف مشهودة مع عمه السلطان صلاح الدين " (4) ، وغير ذلك كثير (5) . أما العلماء فكان يراعي فيهم البراعة والمعرفة في العلم الذي تخصصوا فيه، ومن ذلك مثلا الشعراء، فإنه نظر إلى إبداعهم وجودة شعرهم فقومهم استنادا إلى ذلك (6) . ثم كثيرا ما نجده يقوم بعض المترجمين بعد دراسة بعض كتبهم، ويبين قيمتها العلمية بين الكتب التي من بابتها. 2- نقد الأحاديث والروايات: أكثر الإمام الذهبي من إيراد الأحاديث النبوية الشريفة في كتبه التاريخية وغيرها، ومنها كتابه " سير أعلام النبلاء ". وقد عني دائما بالتعليق على هذه الأحاديث من حيث الإسناد والمتن ما استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تلميذه   (1) السير: 21 / الترجمة: 20. (2) السير: 21 / الترجمة: 23. (3) السير: 21 / الترجمة: 79. (4) السير: 21 / الترجمة: 97. (5) انظر مثلا لا حصرا بعض تراجم المجلد الحادي والعشرين من السير: 11، 18، 25، 80، 100، 119..الخ. (6) انظر مثلا: 21 / التراجم: 14، 24، 63، 84، 85، 101، 102..الخ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 123 الصلاح الصفدي: " وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده " (1) . وقد انتقد الإمام الذهبي الحافظين: أبا نعيم الأصبهاني والخطيب البغدادي، وذنبهما بروايتهما الموضوعات في كتبهما وسكوتهما عنها (2) . ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك يسحب هذا النقد الحديثي ويطبقه على الروايات التاريخية والأدبية ونحوها، وبذلك تحصلت في هذا الكتاب ثروة نقدية على غاية من الضخامة، ويلمسها كل من يطالع الكتاب، أو يتصفحه لا سيما في مجلداته الأولى. وقد وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يقتصر على أسلوب واحد في النقد، بل يتوسل بكل ممكن يوصله إلى الحقيقة، فنقد السند والمتن، واستعمل عقله في رد كثير من الروايات. أ - نقد السند: ويكون هذا النقد عادة بتضعيف السند بسبب الكلام في أحد من رواته أو أكثر، أو تقويته استنادا إلى مقاييس المحدثين، ويحكم عليه وفقا لذلك ويستعمل التعبيرات الفنية الدالة على قولة الإسناد أو تقويته نحو قوله (3) . " إسناده صالح "، و " إسناده جيد "، و " رواته ثقات "، و " له علة غير مؤثرة "، أو العبارات الدالة على ضعف الإسناد أو تضعيفه نحو قوله: " إسناده ليس بقوي "، و " في إسناده لين "، و " فيه انقطاع "، و " إسناده ضعيف "، و " إسناده   (1) الوافي: 2 / 163. (2) الميزان: 1 / 111. (3) أمثلة ذلك مبثوثة في جميع الكتاب ولم نر كثير فائدة في إيراد أماكن وجودها حيث يستطيع القارئ الوقوف على مئات من ذلك بمجرد تصفحه للكتاب. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 124 واه "، و " إسناده مظلم "، وهلم جرا. أو يبين سبب ضعف السند بتعيين أحد رواته أو ما يشبه ذلك نحو قوله في إسناد فيه داود بن عطاء " وداود ضعيف " (1) ، وقوله عن سند فيه صهيب مولى العباس: " وصهيب لا أعرفه " (2) ، وقوله: " الحسن مدلس لم يسمع من المغيرة " (3) . ويؤدي هذا النقد إلى إصدار أحكام دقيقة تبين مرتبة الحديث يشير إليها الذهبي من مثل قوله: " صحيح "، أو " متفق عليه "، أو " هو في الصحيحين "، أو " صحيح غريب "، أو " حسن "، أو " غريب " أو " غريب جدا "، أو " منكر "، أو " موضوع " ونحو ذلك مما يعرفه أهل العناية بهذا الفن الجليل. ومن أجل توثيق الأحاديث والروايات عني الذهبي بنقل الأسانيد التي وردت في المصادر التي نقل عنها، ولم يكتف بإيراد المصدر حسب، وهي طريقة تعينه على تقديم المصادر الأصلية التي اعتمدها المصدر الذي ينقل منه وتتيح له، وللقارئ، الفرصة لتقويم الحديث أو الخبر استنادا إلى ذلك الإسناد، ولعل المثال الآتي يوضح هذه المسألة، قال في ترجمة الزبير بن العوام (4) : " وقال الزبير بن بكار: حدثني أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر، قال:.."، وقوله: " الدولابي في " الذرية الطاهرة ": حدثنا الدقيقي، حدثنا يزيد، سمعت شريكا، عن الأسود بن قيس.."، فهو كان يستطيع أن يكتفي بالقول " وقال الزبير بن بكار " أو " الدولابي في الذرية   (1) السير: 2 / الترجمة: 11. (2) نفسه. (3) السير: 1 / الترجمة: 4 (بتحقيق العالم شعيب الأرناؤوط) . (4) السير: 1 / الترجمة: 3. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 125 الطاهرة ". وهذا منهج انتهجه في معظم أقسام كتابه وهو يدل على دقة ومنهج متميز وعقلية نقدية في غاية الرقي. ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يكتفي بنقد السند في كثير من الأحاديث والروايات التي يوردها ويضعفها استنادا إلى ضعف في سندها، بل يحاول جاهدا إيراد ما يقوي هذا التضعيف من الأدلة التاريخية التي تتوافر له، من ذلك مثلا ما جاء في ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1) : " أبو الحسن المدائني، عن يزيد بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده عائشة وذلك قبل أن يضرب الحجاب فقال: من هذه الحميراء يا رسول الله..الحديث " حيث علق الذهبي بقوله: " هذا حديث مرسل، ويزيد متروك، وما أسلم عيينة إلا بعد نزول الحجاب "، ثم أفاض في نقد الحديث وكان يكفيه بعض من هذا لرد الحديث. ب - نقد المتن: وهو الذي يقوم على نقد متن الرواية وتحليلها وعرضها على الوقائع التي هي أقوى منها، ومعارضتها بها، ودراسة لغة الخبر وغيرها، واستخدام جميع الوسائل المتاحة للناقد التي تثبت دعواه. وقد عني الإمام الذهبي في هذا النوع من النقد عناية بالغة في هذا الكتاب، فرد مئات الروايات وأبطلها بنقده المتين وأسلوبه العلمي المتزن الذي ينبئ عن غزارة علم ونبالة قصد، وقدرة فائقة، وسعة اطلاع. فمن ذلك مثلا تعليقه على الخبر الذي يشير إلى أن العباس بن عبد المطلب أسلم قبل بدر وأنه طلب القدوم إلى المدينة وأن   (1) السير: 2 / الترجمة: 19. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 126 الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه البقاء فأقام بأمره، بقوله: " ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر " (1) . ومن ذلك حكاية عن عائشة: " فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية..الحكاية "، قال: وإسنادها فيه لين. واعتقد لفظة ألف الواحدة باطلة، فإنه يكون أربعين ألف درهم، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر، وقد أنفق ماله في ذات الله. ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم فأخذها صحبته، أما ألف ألف أوقية فلا تجتمع إلا لسلطان كبير " (2) . ومثل هذا كثير في كتابه وهو أمر يدحض رأي من قال: إن المحدثين قصروا نقدهم على إسناد الحديث ولم ينظروا إلى متنه. 3 - التعصب والإنصاف في النقد: كان من منهج الذهبي نقل آراء الموافقين والمخالفين في المترجم ليقدم صورة كاملة عنه، وهو طابع عام في كتابه تجده في كل ترجمة من تراجمه، بينما اقتصر آخرون على إيراد المدائح في كتبهم مثل السبكي " ت 771 هـ " وغيره. كما أن الذهبي عني بترجمة عدد كبير من المعاصرين له ولا سيما في معجمه الكبير، ومعجمه المختص بالمحدثين، ولا ريب أنه نقد بعضهم، فلم يعجبهم ذلك، وتأذى البعض منهم، وغضب غضبا شديدا مثل شمس الدين محمد بن أحمد بن بصخان المقرئ المتوفى سنة 743 هـ الذي ترجم له الذهبي، وأورد بعض ما فيه من القدح. فكتب ابن بصخان هذا بخط غليظ على الصفحة التي بخط الذهبي كلاما أقذع فيه بحق الذهبي بحيث صار خط الذهبي لا يقرأ غالبه (3) .   (1) السير: 2 / الترجمة: 11. (2) السير: 2 / الترجمة: 19. (3) السخاوي: " الإعلان " ص 470، وانظر الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 31 30. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 127 وقد عرفنا من حياة الذهبي أنه رافق الحنابلة، وتأثر بشيخه ابن تيمية لا سيما في العقائد، فكان شافعي الفروع، حنبلي الأصول، ولذلك عني عند النقد بإيراد العقائد على طريقة أهل الحديث، وعدها جزءا منه كما بينا قبل قليل. ووجدنا في البيئة الدمشقية في الوقت نفسه من يتعصب للأشاعرة غاية التعصب. وبسبب العقائد انتقد الذهبي من بعض معاصريه لا سيما تلميذه تاج الدين عبد الوهاب السبكي " 728 - 771 هـ " (1) في غير موضع من كتابه " طبقات الشافعية الكبرى " (2) وفي كتابه الآخر " معيد النعم " (3) ، فقال في ترجمته من الطبقات: " وكان شيخنا - والحق أحق ما قيل، والصدق أولى ما آثره ذو السبيل شديد الميل إلى آراء الحنابلة، كثير الازدراء بأهل السنة، الذين إذا حضروا كان أبو الحسن الأشعري فيهم مقدم القافلة، فلذلك لا ينصفهم في التراجم، ولا يصفهم بخير إلا وقد رغم منه أنف الراغم. صنف التاريخ الكبير، وما أحسنه لولا تعصب فيه، وأكمله لولا نقص فيه وأي نقص يعتريه " (4) وقال في ترجمة أحمد بن صالح المصري من الطبقات أيضا: " وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين أعني الفقراء الذين هم   (1) اتصل السبكي بالذهبي سنة 739 هـ ولم يبلغ آنذاك اثني عشر عاما، ولازمه، فكان يذهب إليه في كل يوم مرتين، وقد ترجم له الذهبي في " معجمه المختص " انظر مقدمة " طبقات الشافعية ". (2) انظر مثلا 2 / 13 فما بعد، 3 / 299، 353 352، 356، 4 / 33، 133، 147، 9 / 104 103 وغيرها. (3) " معيد النعم "، ص 74، 77. (4) 2 / 22. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 128 صفوة الخلق، واستطال بلسانه على أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسمة، هذا وهو الحافظ المدره، والإمام المبجل، فما ظنك بعوام المؤرخين " (1) . وذكر في موضع آخر أنه نقل من خط صلاح الدين خليل بن كيلكلدي العلائي " 761 694 هـ "، وهو من تلاميذ الذهبي والمتصلين به (2) ، أنه قال ما نصه: " الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات، ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه، حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه، وميلا قويا إلى أهل الإثبات، فإذا ترجم لواحد منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه، ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما أمكن، وإذا ذكر أحدا من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحو هما لا يبالغ في وصفه، ويكثر من قول من طعن فيه، ويعيد ذلك ويبديه، يعتقده دينا، وهو لا يشعر، ويعرض عن محاسنهم الطافحة، فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحد منهم بغلطة، ذكرها. وكذلك فعله في أهل عصرنا، إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته: والله يصلحه، ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقائد " (3) . ثم ذكر السبكي أن الحال أزيد مما وصف العلائي، ثم قال: " والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرئ أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه " (4)   (1) 9 / 104 103. (2) ابن حجر: " الدرر " 2 / 179 - 182. (3) " الطبقات " 2 / 13. (4) نفسه 2 / 14 13. سير 1 / 9 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 129 وبالغ السبكي بعد ذلك، فقال: " إن الذهبي متقصد في ذلك، وأنه كان يغضب عند ترجمته لواحد من علماء الحنيفية والمالكية والشافعية غضبا شديدا، ثم يقرطم الكلام ويمزقه، ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي، فربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها، لما نطق بها " (1) . وقد أثارت انتقادات السبكي هذه نقاشا بين المؤرخين، فرد عليه السخاوي " ت 902 - هـ " حيث اتهم السبكي بالتعصب الزائد للأشاعرة، ونقل قول عز الدين الكناني " ت 819 هـ " في السبكي: " هو رجل قليل الأدب، عديم الإنصاف، جاهل بأهل السنة ورتبهم (2) . وقال يوسف بن عبد الهادي " ت 909 هـ " في معجم الشافعية: " وكلامه هذا في حق الذهبي غير مقبول فإن الذهبي كان أجل من أن يقول ما لا حقيقة له ... والإنكار عليه أشد من الإنكار على الذهبي لا سيما وهو شيخه وأستاذه فما كان ينبغي له أن يفرط فيه هذا الإفراط (3) ". والحق أن السبكي أشعري جلد متعصب غاية التعصب، ولا أدل على ذلك من شتيمته المقذعة في حق الذهبي في ترجمة أبي الحسن الأشعري من الطبقات، فقد سف بها إسفافا كثيرا بسبب عدم قيام الذهبي بترجمته ترجمة طويلة في " تاريخ الإسلام " ولأنه اكتفى بإحالة القارئ إلى كتاب " تبيين كذب المفتري " لابن عساكر، فعد ذلك نقيصة كبيرة في حق الأشعري (4) . وقد قرأ   (1) نفسه 2 / 14. (2) " الإعلان " ص 469 فما بعد. (3) " معجم الشافعية "، الورقة 48 47 (ظاهرية) . (4) الذهبي: " تاريخ الإسلام "، الورقة 133 132 (أحمد الثالث 2917 / 9) . وقد وصف الذهبي الأشعري بأحسن الأوصاف، وذكر تصانيفه: وقال " من نظر في هذه الكتب عرف محله، ومن أراد أن يتبحر في معرفة الأشعري، فليطالع كتاب تبيين كذب المفتري..". الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 130 السخاوي بخطه تجاه ترجمة سلامة الصياد المنبجي الزاهد ما نصه: " يا مسلم استحي من الله، كم تجازف، وكم تضع من أهل السنة الذين هم الأشعرية، ومتى كانت الحنابلة، وهل ارتفع للحنابلة قط رأس " (1) . ومع ذلك فإن هذه القضية جديرة بالدرس لأنها توضح أهمية كتاب الذهبي من جهة، ومنهجه ومدى عدالته في النقد والتحري من جهة أخرى. ولقد أبانت دراستنا لتاريخ الإسلام أن الذهبي قد وفق إلى أن يكون منصفا إلى درجة غير قليلة في نقده لكثير من الناس، وما رأينا عنده تفريقا كبيرا بين علماء المذاهب الأربعة، وما كان يرضى الكلام بغير حق ولا حتى نقله في بعض الأحيان، قال في ترجمة الحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه الحنفي " قد ساق في ترجمة هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها (2) " وقال في ترجمة ابن الحريري الدمشقي الحنفي " ت 728 ": " قاضي القضاة علامة المذهب ذو العلم والعمل (3) وقوله في قاضي الحنفية شمس الدين الأذرعي " ت 673 ": " لم يخلف بعده مثله " (4) وترجم لأبي جعفر الطحاوي ترجمة رائقة، ودلل على سعة معرفته وفضله وعلمه الجم (5) وقال في ترجمة عماد الدين الجابري الحنفي المتوفى سنة 584 هـ من " السير ": " شيخ الحنفية نعمان الزمان " (6) ، وقال في ترجمة المرغيناني الحنفي: " كان من أوعية العلم " (7)   (1) " طبقات "، 3 / 352 - 353. (2) الورقة 18 (أيا صوفيا 3007) . (3) " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 51 (4) الورقة 18 (أيا صوفيا 3014) . (5) الورقة 114 (أحمد الثالث 2917 / 9) . (6) سير أعلام النبلاء 21 / الترجمة: 82. (7) (نفسه 21 / الترجمة 115 وانظر أمثلة أخرى في التراجم: 3، 36، 114 من المجلد المذكور. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 131 وهذا هو منهجه في معظم الحنفية لم نره تكلم في أحدهم بسبب المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية، ولا الحنفية. ولو قال السبكي: إنه كان يتعصب على الأشاعرة حسب، لوجد بعض الآذان الصاغية، ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد رأيه، علما أني بحثت في " تاريخ الإسلام " " وسير أعلام النبلاء " وغيرهما فلم أستطع أن أحصل على مثل يصلح أن يسمى انتقادا لأشعري. نعم قد نجد بعض تقصير في تراجم قسم من الأشاعرة. وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الأشاعرة، قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبا منه للعافية، كما في ترجمة أبي الحسن الأشعري الذي لم يأت الذهبي بكلمة نقد فيه مع أن الأشعري قضى القسم الأكبر من حياته معتزليا، ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة. والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه عده مجددا في أصول الدين على رأس المئة الرابعة (1) أما كلام الذهبي في الصوفية، فصحيح ما قاله السبكي، ولكن في النادر منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي، واعتقد فيه وآمن به، فقد ميز بين طائفتين منهم. أولا هما: كانت متمسكة بالدين القويم، متبعة للسنة، احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري السبتي عند رحلته إلى مصر (2) ، وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد، ويعنى بإيرادها في كتابه، بل يكثر منها عادة (3) ، ويورد بعض   (1) تفسير للحديث الشريف " يبعث الله من يجدد..الحديث " وقد فسر الذهبي " من " لصيغة الجمع. انظر السبكي " طبقات " 3 / 26. (2) تاريخ الإسلام، الورقة 126 (أيا صوفيا 3012) . (3) انظر تاريخ الإسلام مثلا الورقة 6، 18، 20، 100، 175 (أحمد الثالث 2917 / 9) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 132 أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه (1) . أما الثانية: فقد عدهم الذهبي مارقين عن الدين، مشعوذين، بهم مس من الجنون، ومنهم الأحمدية (2) أتباع الشيخ أحمد الرفاعي، والقلندرية (3) وشيخها جمال الدين محمد الساوجي فقد ذكر ترهاته وانغشاش الناس به، وبحاله الشيطاني (4) ، ووصف بعض أحوالهم في ترجمة يوسف القميني " ت 657 هـ " فقال: " وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين، ولما توفي، شيعه خلق لا يحصون من العامة، وقد بصرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج.. فقد عم البلاء في الخلق بهذا الضرب..ومن هذا الأحوال الشيطانية التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في الهواء ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات. وقد يجئ الجاهل، فيقول: اسكت، لا تتكلم في أولياء الله، ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله، وأهانهم إذ أدخل فيهم هؤلاء الأوباش المجانين أولياء الشيطان (5) ". ولم يكن الذهبي متعصبا للحنابلة بالمعنى الذي صوره السبكي، فالرجل كان محدثا يحب أهل الحديث، ويحترمهم، إلا أن هذا لم يمنعه من تناول مساوئ بعضهم، فقد نقل عن الإمام ابن خزيمة في ترجمة الطبري المؤرخ قوله: " ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته   (1) تاريخ الإسلام، مثلا الورقة 15، 20، 26، 123، 155، 166، 154، 187، 202، 215، 237 (أحمد الثالث 2917 / 9) ، وسير أعلام النبلاء، مثلا: 21 / التراجم: 89، 93، 106، 132..الخ. (2) " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 40 علما بأنه ترجم في " السير " للرفاعي ترجمة رائعة ووصفه بأنه " الإمام القدوة العابد الزاهد شيخ العارفين " 21 / الترجمة 26. (3) القلندرية: المحلقون أي الذي يحلقون رؤوسهم ولحاهم. (4) الورقة 104 (أيا صوفيا 3012) . (5) الورقة 174 (أيا صوفيا 3013) . وقمين الحمام: أتونه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 133 الحنابلة "، ثم قال الذهبي معقبا: " كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد (1) ". وقال في ترجمة عبد الساتر ابن عبد الحميد تقي الدين الحنبلي المتوفى سنة 679 هـ: " ومهر في المذهب. وقال من سمع منه لأنه كان فيه زعارة، وكان فيه غلو في السنة، ومنابذة للمتكلمين ومبالغة في اتباع النصوص..وهو فكان حنبليا خشنا متحرقا على الأشعري..كثير الدعاوى قليل العلم (2) ". ومع ما كان للذهبي من إعجاب بشيخه ابن تيمية فإنه أخذ عليه " تغليظه وفظاظته وفجاجة عبارته وتوبيخه الأليم المبكي المنكي المثير النفوس (3) " كما أخذ عليه " الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار (4) ". وقد رأى في بعض فتاويه انفرادا عن الأمة، قال: " وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه فما رأيت مثله، وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا (5) ؟ ". وقد بلغ حرص الذهبي في النقد وشدة تحريه أنه تكلم في ابنه أبي هريرة عبد الرحمن فقال: إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتى نسيه (6) . ولست هنا في حال دفاع عن الرجل فكتاباته خير مدافع عنه، وهي   (1) الورقة 45 (أحمد الثالث 2917 / 9) . (2) الورقة 66 (أيا صوفيا 3014) . (3) الورقة 332 من النسخة السابقة. (4) " بيان زغل العلم " ص 18 17. (5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1497. (6) السخاوي: " الإعلان " ص 488. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 134 الحكم في تقويمه، ولكنني أقول: إن تحقيق كثير من الانصا، وإن لم يكن كله، أمر له قيمته العظمى في كل عصر. ثامنا أهمية كتاب السير : السير ليس مختصرا لتاريخ الإسلام: ذكرنا عند الكلام على منهج " السير " أن الذهبي عني بذكر " الأعلام " وأسقط المشهورين، ولكن هذا لا يعني أن المؤلف استل جميع تراجم الأعلام من " تاريخ الإسلام " فذكرهم في هذا الكتاب وإن كان كل علم مذكور في هذا الكتاب قد تناوله المؤلف في " تاريخ الإسلام " تقريبا، فقد وجدنا بعد دراستنا للكتابين جملة فروق أساسية بينهما، إضافة لما ذكرنا، من أبرزها: 1 - أن المؤلف كتب تراجم الصدر الأول من " السير " بشكل يختلف اختلافا تاما عما كتبه في " تاريخ الإسلام "، فمعظم تراجم الصدر الأول هذه تراجم حافلة لا يمكن مقارنتها من حيث غزارة الأخبار، وجودة التنظيم بمثيلاتها في " تاريخ الإسلام "، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا يلمسها الباحث عند دراسته للكتابين المذكورين، واكتفي هنا بمثل واحد يدعم هذا الذي أذهب إليه: فقد ترجم الذهبي في " السير " لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته تراجم حافلة استغرقت عشرات الصفحات (1) مما لا نجد له مثيلا من حيث غزارة المادة والسعة في تاريخه حيث لم يذكر عنهن هناك إلا النزر اليسير. 2 - ألف الذهبي مجموعة كبيرة من السير الخاصة بالرجال البارزين في تاريخ الإسلام وأفردها بمؤلفات مستقلة (2) ، فلما ألف " سير أعلام النبلاء "   (1) أنظر المجلد الثاني من " السير " وقارن تاريخ الإسلام: 2 / 419 414 (ط. القدسي الثانية) . (2) أنظر كتابي: الذهبي ومنهجه: 211 202. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 135 أدخل معظم هذه المادة الواسعة في الكتاب الجديد، وقد أشار تلميذه الصلاح الصفدي إلى هذا الأمر حينما قال: " وله في تراجم الأعيان لكل واحد مصنف قائم الذات..ولكنه أدخل الكل في تاريخ النبلاء " (1) ، وهذه المادة لا نجد لها مثيلا من حيث السعة والدقة في تاريخه الكبير، والتراجم الموجودة في " السير " تشهد بذلك مثل تراجم: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وابن حزم، وغيرها. 3 - وقد لاحظنا في الوقت نفسه أن إضافات الذهبي إلى تراجم " الأعلام" في الأقسام الوسطى والأخيرة من الكتاب قليلة عما ذكره في " تاريخ الإسلام " لكننا وجدنا أيضا استدراكات وتصحيحات وتصويبات ونقدات، فضلا عن إعادة صياغة الترجمة والانتقاء. 4 - ووجدنا الذهبي يضيف عناصر جديدة للترجمة في " السير" مما لم يذكره في " تاريخ الإسلام "، من ذلك مثلا عناية بذكر عدد الأحاديث التي رواها أصحاب الكتب المشهورة في الحديث للمترجم، كالصحيحين والسنن الأربع ومسند بقي بن مخلد وغيرها نحو قوله في ترجمة أبي عبيدة ابن الجراح: " له في صحيح مسلم حديث واحد، وله في جامع أبي عيسى حديث، وفي مسند بقي له خمسة عشر حديثا"، وقوله في ترجمة سعد بن أبي وقاص: " وله في الصحيحين خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا..وقع له في مسند بقي بن مخلد مئتان وسبعون حديثا "، وقوله في ترجمة عبد الله بن مسعود: " اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين   (1) الوافي: 2 / 163. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 136 حديثا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا، وله عند بقي بالمكرر ثمان مئة وأربعون حديثا "، وهلم جرا، وقلما ترك أحدا من رواة الحديث من غير الإشارة إلى ذلك، وهذه الإضافات، فضلا عن عدم ورودها في " تاريخ الإسلام "، فإنها ثروة كبيرة مضافة يعرف حق قدرها الفضلاء المتخصصون، وهي تدل على اطلاع عظيم وتدقيق كبير (1) . 5 - يضاف إلى كل الذي ذكرت أن الذهبي قد ألف " السير " بعد " تاريخ الإسلام " بل بعد تأليف عدد من كتبه الأخرى، وهو أمر يؤدي إلى ميزتين رئيستين: أولاهما الإضافات الجديدة وإعادة التنظيم، وثانيتهما تشير إلى أنه أعاد النظر في المادة المقدمة طيلة تلك المدة فذكرها بعد أن زادها تحقيقا وتمحيصا وأنها تمثل الشكل الذي ارتضاه في أواخر حياته العلمية الحافلة بجلائل المؤلفات. أهميته في تاريخ الحركة الفكرية: وكتاب " السير " من أضخم مؤلفات، الإمام الذهبي بعد كتابه العظيم " تاريخ الإسلام "، وقد حصر مادة ضخمة في تراجم الأعلام لمدة امتدت قرابة السبع مئة سنة فضلا عن التوازن في نطاقه المكاني الذي شمل جميع الرقعة الواسعة التي امتد إليها الإسلام من الأندلس غربا إلى أقصى المشرق، وفي الشمول النوعي للمترجمين في كل ناحية من نواحي الحياة وعدم اقتصاره على فئة أو فئات معينة منهم، بحيث صار واحدا من الكتب التي يقل نظيرها ويعز وجودها في تاريخ الحركة الفكرية العربية الإسلامية، ونتيجة لذلك   (1) أنظر أمثلة من ذلك في " السير ": 2 / التراجم: 1، 2، 4، 11، 19، 20، 21، 23، 24، 25، 26، 27..إلخ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 137 أصبح الكتاب مصورا لجوانب كثيرة من الحركة الفكرية وتطورها عبر سبع مئة سنة، لان الإنسان هو العنصر الحاسم في هذه الحركة، وبه تتحدد مميزاتها وسماتها، ويؤثر تكوينه الفكري على تطورها سلبا أو إيجابا. أهميته في دارسة المجتمع : ولما كان الكتاب قد اقتصر على التراجم، فإنه أشار إلى اتجاه الذهبي وجملة كبيرة من المؤرخين المسلمين نحو تخليد المبرزين في المجتمع، ولذا فهو في غاية الأهمية لدارسة أحوال المجتمع الإسلامي، ومنها الأصول الاجتماعية والاقتصادية لمن عرفوا في التاريخ الإسلامي باسم " العلماء ". ودراسة مثل هذه الكتب تشير إلى انعدام الطبقية بين المتعلمين، وأن تقدير الإنسان إنما يكون وفق مقاييس راقية أبرزها علمه ومعرفته ودرايته التي تجعله في مكانة بارزة بين الناس، وهي موازين على غاية من الرقي الإنساني. وقد جربنا المؤلف وهو يمدح فقيرا ويذم غنيا، ويثني على عبد أسود، ويتكلم في سيد كبير. وقد أبانت دراستنا لهذا الكتاب أن الغالبية العظمى من هؤلاء " العلماء " قد ظهرت من بين عوائل الحرفيين والمغمورين والمعدمين، تدل على ذلك انتساباتهم التي ذكرها المؤلف، وهو أمر أتاحه الإسلام لكل متعلم حينما جعل طلب العلم من الضرورات، وحض عليه في غير ما مناسبة، كما تميزت الدراسات بحرية التفكير والإبداع، وكانت متوفرة لكل واحد يطلبها متى أراد ومن غير كلفة، لأنها كانت في الأغلب في بيوت الله، من مساجد وجوامع مما يستطيع كل مسلم دخولها، والإفادة من الدروس التي تلقى فيها. نقول هذا في الوقت الذي اقتصرت فيه النواحي العلمية ومحتويات كتب التراجم عند كثير من الأمم ومنهم الأوربيون في هذه الأعصر على فئات معينة من الناس. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 138 هذا التحقيق : ومما يزيد في قيمة هذا الكتاب النفيس، ويعلي مكانته بين الكتب أن الله سبحانه قد يسر ظهوره بهيئة علمية رائعة، وصفة بارعة نافعة تسر كل محب للتراث، حريص عليه. وهذا المجهود العلمي الجليل في أعسر فن من فنون التاريخ وهو فن التراجم لم يتحقق عبثا، فقد هيأ الله جل جلاله لتحقيق هذا الكتاب ونشره عوامل النجح كلها، إذ يسر له ناشرا فاضلا هو الأستاذ رضوان دعبول الذي وجد نفسه بحق صاحب رسالة في نشر العلم النافع من عيون التراث العربي الإسلامي. وقد وجدت الرجل يبذل ماله ويسخر كل قدراته لهذا الغرض النبيل، ويركب الصعب والذلول، فيقدم على مشروع أقل ما يقال فيه: إنه أعجز جامعة الدول العربية التي أرادت نشر هذا الكتاب منذ ثلاثين عاما ولم تخرج منه غير نزر يسير شوهه التصحيف والتحريف وأقل قيمته ونفعه كثرة السقط حتى انعدمت فائدته أو كادت، فضلا عن توقفها عن إتمامه، وعجزها فيه. وحين أزمع هذا الفاضل على تحقيق " السير " وفر له سبل التوفيق والنجاح على أحسن موفر بأن ندب إلى الاشتغال فيه عددا من المحققين البارعين الكفاة، أجزل لهم العطاة، وحفظ حقوقهم كافة، وهيأ لهم مستلزمات التحقيق الدقيق: من نسخ موثقة، ومصادر مكدسة في متناول أيديهم، فضلا عن بذل المال الوافر في الطباعة الأنيقة الدقيقة والورق الفاخر، والصناعة المتقنة. ثم توج عمله، وركب جدة من الأمر بأن ندب لمراجعة الكتاب والإشراف على تحقيقه، وإصلاح ما قد يطرأ عليه من الغلط عالما برع الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 139 أصحابه في علمه، متأبها عن الشهرة، قديرا على تذليل الصعب، فطينا لإيضاح المبهم، كفيا بتيسير العسير، هو الأستاذ المحدث الشيخ شعيب الأرنؤوط. وقد عرفت لهذا العالم القدير فضله الكبير على هذا السفر النفيس آثر ذي أثير حين اشترط أن يقام التحقيق على أفضل قواعده، لأنه وصاحبه، ليسا ممن يؤثرون العاجل ويذرون الآجل. وشاهدته وهو يمسك أصل النسخة الخطية والمحقق يقرأ عليه عمله وهو لا يسهو ولا يغفل لحظة يبين المبهم، ويوضح الخفي، ويصرف الوقت الطويل الثمين في تدقيق لفظ، أو ضبط حركة، ويعيد ذلك ويبديه، ويعده أمانة وديانة، يشد به أزر المحققين، فضلا عن قيامه بتخريج جميع الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب وهي بليغة الكثرة وفق الأصول والقواعد المتبعة في علم المصطلح، وهو اليوم فارس هذا الميدان الخطير الذي ضرب آباطه ومغابنه، واستشف بواطنه. ولست هنا في حال ذكر ما عليه تحقيق الكتاب من تجود في الصنعة، وبراعة وإتقان تمثلت في العناية الفائقة بتدقيق المقابلة، وتنظيم النص، ووضع النقط، والفواصل، والأقواس المتنوعة، وضبط كثير من الألفاظ التي يتعين ضبطها، والإشارة إلى مناجم الكتاب بمقابلة نصوصه وأخباره على الموارد التي استقى منها المؤلف، وتخريج التراجم على أمهات الكتب المعنية بها، وتخريج الأحاديث والآثار وبيان درجتها من الصحة والسقم، وغيره مما يطول ذكره وتعداده، فإن العمل الذي بين يدي القارئ هو المنبئ بكل ذلك [وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون] (التوبة: 105) كتبه الدكتور بشار عواد معروف الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 140 مقدمة التحقيق بقلم الشيخ شعيب الأرنؤوط الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 141 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فإن هذا السفر العظيم الذي نقدمه للقراء يعد من أعظم كتب التراجم التي انتهت إلينا من تراث الأقدمين ترتيبا وتنقيحا، وتوثقا وإحكاما، وإحاطة وشمولا، فهو يبين عن سعة اطلاع المؤلف رحمه الله على كل ما سبقه من تواليف في موضوعه، ودراية تامة بأحوال المترجمين، وبكل ما قيل في حقهم، وقدرة بارعة على غربلة الأخبار وتمحيصها وتنقيدها، وبيان حالها. ويتميز عن غيره من الكتب التي ألفت في بابه أنه أول كتاب عام للتراجم في تراثنا، تناول جميع العصور التي سبقت عصر المؤلف، واشتملت تراجمه على الأعلام المختارة من جميع العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ولم يقتصر على نوع معين من الأعلام، بل تنوعت تراجمه، فشملت كل فئات الناس من الخلفاء والملوك، والأمراء والوزراء، والقضاة والقراء، والمحدثين والفقهاء، والأدباء واللغويين، والنحاة والشعراء، والزهاد والفلاسفة والمتكلمين، إلا أنه آثر المحدثين على غيرهم، فإنه كان عظيم الإكبار لهم، شديد الكلف بهم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 143 وقد ترجم فيه للأعلام النبلاء من بداية الإسلام إلى سنة (700 هـ) تقريبا، وكسره على خمس وثلاثين طبقة (1) ، كل طبقة تستوعب عشرين سنة، تقريبا وأفراد المجلدين الأول والثاني للسيرة النبوية الشريفة، وسير الخلفاء الراشدين، ولكنه لم يعد صياغتهما، وإنما أحال على كتابه العظيم " تاريخ الإسلام " لتؤخذ منه، وتضم إلى السير، كما سنوضحه فيما بعد. والمنهج العام الذي اتبعه الذهبي في الترجمة هو أنه يذكر اسم المترجم ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته، ثم يذكر تاريخ مولده (2) ، وأحوال نشأته ودراسته، وأوجه نشاطه، والمجال الذي اختص به، وأبدع فيه، والشيوخ الذين التقى بهم، وروى عنهم، وأفاد منهم، والتلاميذ الذين أخذوا عنه، وانتفعوا، بعلمه، وتخرجوا به، وآثاره العلمية، أو الأدبية، أو الاجتماعية، ثم يبين منزلته من خلال أقاويل العلماء الثقات فيه معتمدا في ذلك على أوثق المصادر ذات الصلة الوثيقة بالمترجم، ثم يذكر تاريخ وفاته، ويدقق في ذلك تدقيقا بارعا، وربما رجح قولا على آخر عند اختلاف المؤرخين (3) . وقد نثر غير ما حديث في تراجم المحدثين مما وقع له من طريقهم بإسناد عال موافقة أو بدلا أو مساواة. وهو على الأغلب يراعي في طول الترجمة أو قصرها قيمة المترجم   (1) هذا إذا كان المجلد الرابع عشر ذيلا للكتاب. وأما إذا كان من أصل الكتاب، وهو الذي رجحه الدكتور بشار عواد في تقديمه لهذا الكتاب فتكون أربعين طبقة. (2) عني المؤلف بذكر تاريخ الولادة لما لذلك من أهمية في الاطمئنان على لقاء المترجم لمشايخه، وسماعاته عليهم، ويذكر أحيانا عمر المترجم إذا لم يذكر تاريخ مولده وذلك في نهاية الترجمة. (3) وقد يجد القارئ في بعض التراجم اختلافا طفيفا عما ذكرناه من المحتويات والتنظيم، وغير خاف أن طبيعة المترجم هي التي تحدد نوعية الأخبار، فقد عني الذهبي مثلا بإيراد أعمال الخلفاء والملوك والأمراء والولاة في تراجمهم، وأورد نماذج من شعر الشعراء، ومختارات من نثر الأدباء. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 144 وشهرته بين أهل علمه، أو منزلته بين الذين هم من بابته، سواء أكان موافقا له في المعتقد أو مخالفا، وربما تخلص من المادة الضخمة التي تحصلت له عن بعض المترجمين الأعلام بإحالة القارئ إلى مصادر أوسع تناولته بتفصيل أكثر. وقد اتسم الذهبي رحمه الله بالجرأة النادرة التي جعلته ينتقد كبار العلماء والمؤرخين، وينبه على أوهامهم التي وقعت لهم فيما أثر عنهم بأسلوب علمي متزن ينبئ عن غزارة علم، ونبالة قصد، وقدرة فائقة في النقد، والأمثلة على ذلك كثيرة تجدها مبثوثة في تضاعيف هذا الكتاب. ولما كان الذهبي قد استوعب في " تاريخ الإسلام " فئتين من المترجمين: المشهورين، والأعلام، فقد اقتصر في كتابه هذا على تراجم الأعلام النبلاء، إلا أنه قد يذكر في نهاية بعض التراجم غير واحد من المشهورين للتعريف بهم على سبيل الاختصار، وتحديد وفياتهم. وقد يضطره اتفاق اسم أحد المشهورين باسم أحد الأعلام الذي يترجمه إلى ترجمة المشهور عقبه للتمييز. وكثيرا ما جمع بعض الأسر المتقاربين في الطبقة في مكان واحد وإن لم يكونوا من تلك الطبقة، فهو يترجم لإخوة المترجم وأولاده ومن يلوذ به. وكتاب " سير أعلام النبلاء " وإن كان قد استل من " تاريخ الإسلام " فقد ألفه بعده، وأضاف إليه أخبارا كثيرة لا وجود لها في " التاريخ "، وتناول أشياء بالنقد والتحقيق لم يتعرض لها في " تاريخه "، وصياغة الترجمة فيه تختلف في كثير من الأحيان عما عرضه في " تاريخ الإسلام ". وإن هذا الكتاب القيم بما تضمنه من مزايا يندر أن توجد في غيره من بابته سير 1 / 10 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 145 قد استحق به مؤلفه مع كتابه الآخر العظيم " تاريخ الإسلام " أن يسمى إمام المؤرخين. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 146 وصف النسخ كان لدينا عند البدء بالعمل النسخ التالية: 1 - نسخة مصورة عن أصل محفوظ في مكتبة أحمد الثالث في استنبول برقم (2910) ، وتقع في أربعة عشر مجلدا، المفقود منها المجلد الأخير. 2 - نسخة مصورة عن نسخة أحمد الثالث الثانية، والموجود منها سبع مجلدات. 3 مجلدان صورا من مكتبة الإمام اللكنوي بالهند. 4 - مجلدان مصوران يملكهما المجمع العلمي العربي بدمشق. وقد اعتمدنا من بين تلك النسخ النسخة المصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث في استنبول برقم (2910) ، وهي نسخة نفيسة، كتبت بخط نسخي جميل في حياة المؤلف عن نسخته التي بخطه، ثم قوبلت عليها، وقد قام بنسخها لنفسه فرج بن أحمد بن طوغان الذي لم نظفر له بترجمة تبين منزلته العلمية، إلا أن هذه النسخة وهي غاية في الدقة والإتقان وندرة الخطأ، وكونها مقابلة على أصل المؤلف تشهد له أنه من أهل المعرفة والضبط والإتقان. وقد فرغ من نسخ المجلد الثالث وهو أول الكتاب ليلة الجمعة، مستهل شهر شعبان المبارك سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، وفرغ من المجلد الثالث عشر سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة كما جاء في آخر ورقة منه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 147 وقد جاء على الورقة الأولى: المجلد الثالث من سير أعلام النبلاء تصنيف الشيخ الإمام العالم الأوحد الناقد البارع، إمام الحفاظ، مؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن أحمد بن عثمان الذهبي، أمتع اله ببقائه، ونفع المسلمين ببركة دعائه آمين يا رب العالمين. وإلى جانبه من الجهة اليسرى كتب بخط دقيق هو خط المصنف رحمه الله كما تبين لنا وللدكتور بشار عواد المتخصص بدراسته ما يلي: " في المجلد الأول والثاني سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة تكتب من تاريخ الإسلام ". وإلى الأسفل من ذلك جاء نص الوقفية التالي: وقف وحبس وسبل المقر الأشرف العالي الجمالي محمود (1) استادار العالية الملكي الظاهري أعز الله أنصاره، وختم بالصالحات أعماله جميع هذا المجلد وما بعده من المجلدات إلى آخر الكتاب، وعدة ذلك اثنا عشر مجلدا متوالية من هذا المجلد إلى آخر الرابع عشر، وما قبل ذلك وهما الأول والثاني مفقودان، وقفا شرعيا على طلبة العلم الشريف ينتفعون به على الوجه الشرعي، وجعل مقر ذلك بالخزانة السعيدة المرصدة لذلك بمدرسته التي   (1) ترجمه ابن حجر في " الدرر الكامنة " 6 / 87، فقال: هو محمود بن علي بن أصفر عينه جمال الدين الاستادار في أيام الملك الظاهر برقوق، جاء إلى حلب قبل أن يلي الاستادارية، ثم سافر إلى مصر، وبنى بالقاهرة مدرسة خارج باب زويلة، ووقف عليها كتب ابن جماعة التي اشتراها بعد موته وهي كثيرة جدا، وتنقلت به الأحوال، وحصل أموالا جزيلة تفوق الحصر، وصودر مرارا بعد الحرمة العظيمة والوجاهة بالدولة الظاهرية. مات سنة 797 هـ 1 هـ. وقد ذكر المقريزي أنه كان في هذه المدرسة خزانة لا يعرف يومئذ بديار مصر ولا الشام مثلها، فقد كان فيها كتب الإسلام من كل فن. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 148 أنشأها بخط الموازين بالشارع الأعظم بالقاهرة المحروسة. وشرط الواقف المشار إليه أن لا يخرج ذلك ولا شيء منه من المدرسة المذكورة برهن ولا بغيره، وجعل النظر في ذلك لنفسه أيام حياته، ثم من بعده لمن يؤول إليه النظر على المدرسة المذكورة على ما شرح في وقفها، وجعل لنفسه أن يزيد في شرط ذلك وينقص ما يراه دون غيره من النظار، كما جعل ذلك لنفسه في وقف المدرسة المذكورة [فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم] [البقرة: 181] . بتاريخ الخامس والعشرين من شعبان المكرم سنة سبع وتسعين وسبع مئة. حسبنا الله ونعم الوكيل. شهد بذلك عبد الله بن علي..شهد بذلك عمر بن عبد الرحمن البرماوي وهذه النقول تدل على جملة أمور: 1 - أن المجلد الأول والثاني من هذا الكتاب الضخم لم يعد الذهبي صياغتهما، وإنما اكتفى بما كتبه في تاريخ الإسلام وقد أحال عليه (1) . 2 - أن من قال: المجلد الأول والثاني مفقودان هو واهم. 3 - أن النسخة الموجودة في مكتبة أحمد الثالث الآن كانت وقفا على المكتبة المحمودية في القاهرة. 4 - أن المجلد الرابع عشر كان موجودا في المكتبة المحمودية قبل أن   (1) وفيهما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم الخلفاء الراشدين، وكان علينا أن أن نبدأ بنشرها أولا، ولكن عاقنا عن ذلك عدم توفر أصل جيد حينذاك، وأما الآن، فقد تيسر لنا بفضل الله وتوفيقه مجلد السيرة النبوية بخط المؤلف رحمه الله، وسنشرع في تحقيقه إن شاء الله. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 149 تنتقل النسخة إلى مكتبة أحمد الثالث باستنبول. وهل هذا المجلد هو من تمام الكتاب كما هو ظاهر من نص الوقفية المثبت على كل المجلدات، أم أن الكتاب انتهى بالجزء الثالث عشر، وأن هذا الجزء هو الذيل على الكتاب للمؤلف، الذي استمد منه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 3. كل ذلك محتمل، ولكن الجزم بواحد منهما ينتظر الدليل القاطع. وصف مجلدات هذه النسخة: 1 - المجلد الثالث: يبدأ بترجمة أبي عبيدة عامر بن الجراح، وينتهي بترجمة أبي هريرة، ويبلغ عدد أوراقه (252) ورقة. وقد جاء في آخره: وكان الفراغ من نسخه ليلة الجمعة لمستهل شهر شعبان المبارك سنة تسع وثلاثين وسبع مئة. 2 - المجلد الرابع: يبدأ بترجمة أبي بكرة نفيع بن الحارث مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وينتهي ببداية ترجمة سعيد بن أبي الحسن البصري، ويبلغ عدد أوراقه (286) ورقة عدا الورقة الأخيرة التي جاء فيها ما نصه: تم الجزء الرابع من سير أعلام النبلاء للشيخ الإمام الحجة شمس الدين بن الذهبي فسح الله في مدته، وهو أول نسخة نسخت من خط المصنف وقوبلت عليه، ويتلوه في الجزء الذي يليه وهو الخامس: أبو بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري رضي الله عنه، وكان الفراغ من نسخه في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وسلم. وما بين الورقة (286) وهذه الورقة نقص يقدر بثماني ورقات، وفيه من التراجم على التوالي تتمة ترجمة سعيد بن أبي الحسن البصري والأخطل، الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 150 والفرزدق، وجرير، وبشير بن يسار، وبسر بن عبيد، والأحوص الشاعر، ويزيد بن أبي مسلم، وأبو بحرية بسر بن سعيد، وسبلان، وسليمان، وزياد الأعجم، والراعي، والضحاك، وطلق بن حبيب، والضحاك عبد الله، وابنه عبيد وزياد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين. وما ندري: هل هذا النقص من الأصل الأم المودع في مكتبة أحمد الثالث أم أنه سقط عند التصوير، ولم يتيسر لنا التأكد من ذلك إلى الآن، ونرجو أن نوفق إليه في المستقبل إن شاء الله، وقد استدركنا هذا النقص من النسخة الأخرى كما هو مبين في مكانه. 3 - المجلد الخامس: يبدأ بترجمة أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري، وينتهي بترجمة سعيد بن أبي عروبة، وعدد أوراقه (293) ورقة. وجاء في آخره: وكان الفراغ من نسخة سنة أربعين وسبع مئة. 4 - المجلد السادس: يبدأ بترجمة معمر بن راشد اليماني، وينتهي بترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري، وعدد أوراقه (293) ورقة، وقد جاء في آخره: وكان الفراغ من نسخة سنة أربعين وسبع مئة. 5 - المجلد السابع: يبدأ بترجمة الحافظ المحدث زياد بن عبد الله البكائي، وينتهي بترجمة ابن أبي سمينة الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الهاشمي، وعدد أوراقه (291) ورقة، وقد جاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته ليلة الاثنين لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة أربعين وسبع مئة. 6 - المجلد الثامن: يبدأ بترجمة الحكم بن موسى البغدادي، وينتهي بترجمة اليسع بن زيد بن سهل الزينبي، وعدد أوراقه (291) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته ليلة الاثنين لخمس مضين من شهر رمضان المعظم سنة أربعين وسبع مئة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 151 7 - المجلد التاسع: يبدأ بترجمة عبد الله بن روح المدائني، وينتهي بترجمة أبي جعفر أحمد بن عمرو بن منصور الالبيري، وعدد أوراقه (282) ورقة، وينقص الورقة (50) وقد استدركناها من نسخة أحمد الثالث الثانية، وجاء في آخره: وكان الفراغ منه لليلتين خلتا من شهر ذي الحجة سنة أربعين وسبع مئة. 8 - لمجلد العاشر: يبدأ بترجمة حماد بن شاكر، وينتهي بترجمة ابن أخي ميمي أبي الحسن محمد بن عبد الله البغدادي الدقاق، وعدد أوراقه (290) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ منه ليلة الأحد لعشر خلون من شهر رجب سنة إحدى وأربعين وسبع مئة. وقد نقص من هذا المجلد الورقة (281) . 9 - المجلد الحادي عشر: يبدأ بترجمة صاحب الموصل حسام الدولة مقلد بن المسيب، وينتهي بترجمة أبي يوسف القزويني المعتزلي، وعدد أوراقه (288) ورقة. 10 - المجلد الثاني عشر: يبدأ بترجمة أبي سعيد الدباس، وينتهي بترجمة ابن بنيمان الهمذاني المؤذن المؤدب، وعدد أوراقه (278) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة. وينقص هذا المجلد الورقة (45) . 11 - المجلد الثالث عشر: ويبدأ بترجمة الحافظ أبي طاهر السلفي، وينتهي بترجمة علي بن المعز الملقب بالمنصور، وعدد أوراقه (318) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ منه لليلتين خلتا من شهر صفر سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 152 وصف نسخة أحمد الثالث الثانية: 1 - المجلد الثالث: يبدأ بترجمة أبي بردة الأشعري، وينتهي بترجمة ابن أبي عروبة، ويبلغ عدد أوراقه (204) ورقات، وتاريخ نسخه (1002) هـ. 2 - المجلد الخامس: يبدأ بترجمة هشام بن عبد الملك، وينتهي بترجمة صالح بن موسى، وعدد أوراقه (200) ورقة، وتاريخ نسخه (1002) هـ. 3 - المجلد السادس: يبدأ بترجمة زهير بن معاوية، وينتهي بترجمة ابن أبي سمينة، وعدد أوراقه (259) ورقة، وتاريخ نسخة (1004) هـ. 4 - المجلد السابع: ويبدأ بترجمة الحكم بن موسى، وينتهي بترجمة أبي زرعة الرازي، وعدد أوراقه (234) ورقة، وتاريخ نسخه (1002) هـ. 5 - المجلد التاسع: يبدأ بترجمة ابن مروان، وينتهي بترجمة الإمام الداوودي، وعدد أوراقه (251) ورقة، وتاريخ نسخه (1003) هـ. 6 - المجلد العاشر: يبدأ بترجمة القشيري، وينتهي بترجمة الشيخ أرسلان الجعبري الدمشقي، وعدد أوراقه (252) ورقة، وتاريخ نسخه (1003) هـ. 7 - المجلد الحادي عشر: يبدأ بترجمة أبي الحسين الزاهد، وينتهي بترجمة ابن البيطار، وعدد أوراقه (214) ورقة، وتاريخ نسخه (1211) هـ. وصف المجلدين المصورين عن مكتبة الإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي في الهند: 1 - المجلد السابع: يبدأ بترجمة الحكم بن موسى، وينتهي بترجمة. سير 1 / 11 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 153 إبراهيم الحربي، وعدد صفحاته (680) صفحة، ويعود تاريخ نسخه إلى القرن التاسع. 2 - الخامس عشر: يبدأ بترجمة زهير بن حسن السرخسي، وينتهي بترجمة رضوان بن السلطان تتش، وعدد أوراقه (255) ورقة وتاريخ نسخه القرن التاسع. ومن مصورة المجمع العلمي العربي بدمشق مجلدان من نسخة مؤلفة من عشرين جزءا، هما: 1 - الخامس: ويبدأ بترجمة أبي بردة الأشعري، وينتهي بترجمة حماد بن سلمة، ولم نجد فيه ما يشير إلى المصدر الذي أخذ عنه، وليس فيه تاريخ النسخ. 2 - السابع عشر: ويبدأ بترجمة أبي البركات الفيلسوف، وينتهي بترجمة ابن حمويه، وفي آخره: تم المجلد السابع عشر من سير أعلام النبلاء، يتلوه المجلد الثامن عشر من تجزئة عشرين، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 154 منهج التحقيق لقد اتبع في تحقيق الكتاب المنهج التالي: 1 - تجزئة المجلدات الإحدى عشر إلى اثنين وعشرين جزءا، لأنه يتعذر إخراج المجلد في جزء واحد لكبر حجمه، ثم دفع كل جزء إلى الأستاذ الذي سيقوم بتحقيقه ليتولى نسخه، وقد اتبع في النسخ الرسم الإملائي الحديث. 2 - قابلنا المنسوخ على الأصل مقابلة دقيقة متأنية، وكان الأستاذ شعيب الأرنؤوط وهو المشرف على تحقيق الكتاب يمسك الأصل بيده، ويقرأ منه، والأستاذ الموكل إليه تحقيق جزء يضبط المنسوخ، ويدون الملاحظات التي يبديها الأستاذ المشرف، وقد كان لهذه المقابلة فائدة عظمي في تدارك السقط والتحريف اللذين وقعا في المنسوخ، والاهتداء إلى معرفة أسماء الأعلام على الوجه الصحيح، فإن كثيرا منها جاء في الأصل مهملا غير منقوط (1) . 3 - ذكرنا المصادر التي عنيت بأخبار المترجم، سواء منها التي تقدمت   (1) وقد أدى التهاون بمقابلة المنسوخ على الأصل إلى وقوع ما يزيد على مئة سقط يتراوح ما بين كلمة وجملة وسطر في الجزء الأول من هذا الكتاب المطبوع بدار المعارف بمصر سنة 1953، وقد بيناه في مواضعه من طبعتنا هذه، ودللنا عليه، كما بينا أيضا السقط والتحريف اللذين وقعا في الجز أين الثاني والثالث من الطبعة المذكورة. وقد قال أئمة النقد: لا يجوز أن ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف دون مقابلة، ولا على نسخ نفسه بيده ما لم يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 155 عصر المؤلف، أو جاءت بعده، متوخين في ذلك الاستيعاب في حدود ما يتيسر لنا من مراجع. 4 - راجعنا نصوص الكتاب وأخباره على الموارد التي نقل عنها المؤلف واستمد منها مما أمكننا الوقوف عليه ما طبع منه وما لم يطبع، وهو عمل شاق ومجهد، لكنه أعان على تدارك ما وقع للمؤلف في بعض الأخبار التي يرويها بالمعنى من سقط، أو وهم، أو اضطراب، وقد بين كل ذلك في التعليقات المنثورة في الأجزاء، وما أضفناه من الزيادة على الأصل، فقد ميزناه بوضعه بين حاصرتين. 5 - نسقنا مادة الكتاب تنسيقا يعين على فهم النص فهما صحيحا، ففصلنا كل خبر عن غيره، وميزنا النقول عن التعقبات، وجعلنا ابتداء النقول والأخبار من أول السطر. 6 - وقد تحرينا التحري البالغ في ضبط النص، وبخاصة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب والمواضع والبلدان، وهي أكثر الألفاظ تعرضا للغلط لأنها كما قال بعض القدماء: شيء لا يدخله القياس، ولا قبله شيء ولا بعده شيء يدل عليه فقد قمنا بضبطها، وإزالة الاشتباه عنها، بالشكل تارة وهو الأغلب وبالكتابة بالحرف تارة أخرى، معتمدين على أوثق المصادر التي تكفلت ببيان ذلك، مثل: الإكمال: لابن ماكولا، والمشتبه: للذهبي، وتوضيحه: لابن ناصر الدين الدمشقي، وتبصير المنتبه: لابن حجر، والأنساب: للسمعاني، واللباب: لابن الأثير، ومعجم البلدان: لياقوت الحموي، والروض المعطار: للحميري. وما كان من الألفاظ يضبط بوجهين أو أكثر، فقد أغفلنا ضبطه إشارة إلى ذلك. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 156 7 - وقد تولى الأستاذ شعيب الأرنؤوط تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب وهي كثيرة جدا لا سيما في الأجزاء الأولى من دواوين السنة ومصادرها المطبوع منها وما لم يطبع مما أمكن الوقوف عليه، فيذكر الجزء والصفحة التي فيها الخبر، وحين يكون للمصدر أكثر من طبعة يضيف ذكر الكتاب والباب تيسيرا للقارئ الذي لا تتيسر له الطبعة التي رجع إليها. ثم أبان عن درجة كل حديث من الصحة وغيرها حسب الأصول والقواعد المتبعة في علم مصطلح الحديث. ونحب أن نؤكد هنا أن تنقيد الروايات، والتمييز بين صحيحها وسقيمها أمر تجدر العناية به أكثر من غيره في تحقيق التراث، لا سيما في عصرنا هذا الذي كاد أن ينقرض فيه هذا العلم، وندر أن تجد من يحسن أن يتولاه، ويصبر على معاناته، فإن كثيرا من الأحاديث والأخبار الضعيفة والموضوعة المبثوثة في كتب التاريخ والتراجم، يتلقفها الأدباء والكتاب والخطباء والمدرسون على عواهنها، فتدور على ألسنتهم، أو يستشهدون بها في مؤلفاتهم وخطبهم، فيتلقاها عنهم عامة الناس، ويعتدون بها، ويعملون بما يستفاد منها، وحدث ولا حرج عما تلحقه تلك الأحاديث والأخبار من الضرر بجوانب كثيرة في الأمور الاعتقادية والعبادية، والسلوكية والفكرية والاجتماعية، وما ينجم عنها من آثار سيئة، وانحرافات خطيرة، وتشويه لحقائق الإسلام، وهذا ما دعانا إلى دراسة أسانيد الأخبار في هذا الكتاب، وتنقيد رواتها، ومعرفة ما يصح منها وما لا يصح، وبيان ذلك كله ليتسنى للقارئ أن يكون على بينة من أمرها، فيطرح كل ما هو ضعيف منها، ويتجنبه، ويحذر من الوقوع فيه. ونرى أنه ينبغي لكل من يتصدى لتحقيق كتاب في التاريخ، أو التراجم، الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 157 أو الحديث، أو التفسير أن تتحقق فيه مهارة المحدث البارع الخبير بعلل الروايات ومواطن الضعف فيها، وإذا لم يتيسر له ذلك، فليستعن بذوي الخبرة والاختصاص بهذا الفن الشريف. 8 - وقد اشتملت التعليقات على شرح غريب الألفاظ والتعريف بالمواضع والأماكن، وبيان المصطلحات الحديثية التي استخدمها المؤلف كالوجادة والبدل والموافقة وغيرها، والتعريف ببعض أرباب المقالات من الإسلاميين، وتنقيد المؤلف في بعض المواطن التي ترجح لدينا أنه قد جانب الصواب فيها. 9 - وضعنا أرقاما متسلسلة للتراجم الأصلية لكل جزء في بداية الترجمة، وتنتهي الأرقام عند نهاية كل جزء، ثم يبدأ الجزء الثاني بأرقام جديدة تبدأ من الواحد وهكذا. 10 - استعمل المؤلف رموزا جرى المحدثون على استعمالها، فكتب من " حدثنا ": " ثنا "، وربما حذف الثاء، واقتصر على " نا "، وكتب من " أخبرنا ": " أنا " أو " أبنا "، وقد استعضنا عن الرمز بإثبات اللفظ بتمامه. أما الرموز التي استعملها إشارة إلى من روى للمترجم من أصحاب الكتب الستة فأثبتناها كما هي في الجانب الأيسر من عنوان الترجمة، فاستعمل (ع) لأصحاب الكتب الستة، و (4) لأصحاب السنن الأربعة، و (خ) للبخاري في الصحيح، و (خت) لما استشهد به في الصحيح تعليقا، و (بخ) لما أخرجه في الأدب المفرد، و (م) لمسلم، و (د) لأبي داود، و (ت) للترمذي، و (س) للنسائي، و (ق) لابن ماجه القزويني. وما كان من هذه الرموز في معرض سياق الخبر، فقد حذفناه، وأثبتنا الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 158 مكانه الاسم بتمامه. 11 - وقد صنعنا لكل جزء فهرسا للمترجمين كما أوردهم المؤلف، وآخر على ترتيب حروف المعجم، وسنقوم بعون الله وتوفيقه عند نهاية طبع الكتاب بصنع فهارس مفصلة تشمل الآيات، والأحاديث، والأعلام، والأماكن، والشعر. وقد بذلنا الجهد في تحقيق هذا السفر العظيم، وإخراجه على الوجه الذي يروق ويعجب، في حدود ما حبانا الله من علم، ومعرفة، وقدرة، فالمأمول من أهل العلم والفضل أن لا يبخلوا علينا بما يبدو لهم أثناء مطالعة الكتاب من استدراكات وملاحظات سيكون لها أثر حميد في استكمال النفع، وتوثيق التحقيق. نسأل الله العظيم التوفيق والإعانة على إتمام تحقيق الأجزاء المتبقية من الكتاب، وإخراجها على غرار ما سبق، وعلى الله نتوكل وبه نستعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين. دمشق 12 / ربيع الأول 1401 هـ 17 / كانون الثاني 1981 م الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 159 الورقة الأولى من المجلد الثالث نسخة أحمد الثالث الأولى وفيها إحالة المؤلف على كتابه " تاريخ الإسلام " ليؤخذ منه الأول والثاني المتضمنان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الخلفاء الأربعة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 160 الورقة الأخيرة من المجلد الثالث نسخة أحمد الثالث الا ولى. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 161 الورقة الأولى من المجلد السابع نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 162 الورقة الأخيرة من المجلد السابع نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 163 الورقة الأخيرة من المجلد التاسع نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 164 الورقة الأخيرة من المجلد الثاني عشر نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 165 الورقة الأولى من المجلد الثالث عشر نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 166 الورقة الأخيرة من المجلد الثالث عشر نسخة أحمد الثالث الأولى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 167 الورقة الأخيرة من المجلد الرابع نسخة أحمد الثالث الثانية. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 168 أسماء الأساتذة الذين قاموا بتحقيق كتاب سير أَعْلَام النُّبَلَاء - أشرف على تحقيق الكتاب وتخريج أحاديثه: الشيخ شعيب الأرنؤوط الجزء الأول: حسين أسد الجزء الثاني: شعيب الأرنؤوط الجزء الثالث: محمد نعيم العرقسوسي، مأمون الصاغرجي الجزء الرابع: مأمون الصاغرجي الجزء الخامس: شعيب الأرنؤوط الجزء السادس: حسين أسد الجزء السابع: علي أبو زيد الجزء الثامن: محمد نعيم العرقسوسي الجزء التاسع: كامل الخراط الجزء العاشر: محمد نعيم العرقسوسي الجزء الحادي عشر: صالح السمر الجزء الثاني عشر: صالح السمر الجزء الثالث عشر: علي أبو زيد الجزء الرابع عشر: أكرم البوشي الجزء الخامس عشر: إبراهيم الزيبق الجزء السادس عشر: أكرم البوشي الجزء السابع عشر: محمد نعيم العرقسوسي الجزء الثامن عشر: محمد نعيم العرقسوسي الجزء التاسع عشر: شعيب الأرنؤوط الجزء العشرون: شعيب الأرنؤوط، محمد نعيم العرقسوسي الجزء الحادي والعشرون: بشار عواد معروف، محيي هلال السرحان الجزء الثاني والعشرون: بشار عواد معروف، محيي هلال السرحان الجزء الثالث والعشرون: بشار عواد معروف، محيي هلال السرحان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 قَالُوا فِي الإِمَام الذَّهَبِيّ 1 - لم أجد عِنْده جُمُود الْمُحدثين، وَلَا كودنة النقلَة، بل هُوَ فَقِيه النّظر، لَهُ دُرْبَة بِأَقْوَال النَّاس، وَمَذَاهِب الْأَئِمَّة من السّلف، وَأَرْبَاب الْمَقَالَات. 2 - وَأَعْجَبَنِي مِنْهُ مَا يُعَانِيه فِي تَصَانِيفه من أَنه لَا يتَعَدَّى حَدِيثا يُورِدهُ حَتَّى يبين مَا فِيهِ من ضعف متن، أَو ظَلام إِسْنَاد، أَو طعن فِي رُوَاته، وَلم أر غَيره يُرَاعِي هَذِه الْفَائِدَة فِيمَا يُورِدهُ. الصّلاح الصَّفَدِي (ت 764) 3 - أما أُسْتَاذنَا أَبُو عبد الله، فَبَصر لَا نَظِير لَهُ، وَكَنْز هُوَ الْملْجَأ إِذا نزلت الْمُعْضِلَة، إِمَام الْوُجُود حفظا، وَذهب الْعَصْر مَعْنَى وَلَفْظا، وَشَيخ الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وَرجل الرِّجَال فِي كل سَبِيل، كَأَنَّمَا جمعت الْأمة فِي صَعِيد وَاحِد، فَنَظَرهَا، ثمَّ أَخذ يخبر عَنْهَا إِخْبَار من حَضَرهَا. التَّاج السُّبْكِيّ (ت 771) 4 - الْحَافِظ الْكَبِير، مُؤَرخ الْإِسْلَام، وَشَيخ الْمُحدثين، وَخَاتِمَة الْحفاظ. ابْن كثير الدِّمَشْقِي (ت 774) 5 - إِن الْمُحدثين عِيَال فِي الرِّجَال وَغَيرهَا من فنون الحَدِيث عَلَى أَرْبَعَة: الْمزي، وَالذَّهَبِي، وَالْعِرَاقِي، وَابِن حجر. جلال الدّين السُّيُوطِيّ (ت 911) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 [السيرة النبوية] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من مولده -صلى الله عليه وسلم- إلى هجرته الشريفة: ذكر نسب سيد البشر: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو القاسم سيد المرسلين وخاتم النبيين. هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسم عبد المطلب شيبة, ابن هاشم واسمه عمرو, ابن عبد مناف واسمه المغيرة، ابن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة، واسمه عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم -صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم- بإجماع الناس. لكن اختلفوا فيما بين عدنان وبين إسماعيل من الآباء، فقيل: بينهما تسعة آباء، وقيل: سبعة، وقيل مثل ذلك عن جماعة. لكن اختلفوا في أسماء بعض الآباء، وقيل: بينهما خمسة عشر أبا، وقيل: بينهما أربعون أبا وهو بعيد وقد ورد عن طائفة من العرب ذلك. وأما عروة بن الزبير، فقال: ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا قحطان إلا تخرصا. وعن ابن عباس قال: بين معد بن عدنان وبين إسماعيل ثلاثون أبا، قاله هشام ابن الكلبي النسابة، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، ولكن هشام وأبوه متروكان. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 29 وجاء بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى إلى عدنان أمسك ويقول: "كذب النسابون" قال الله تعالى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] . وقال أبو الأسود يتيم عروة: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وكان من أعلم قريش بأنسابها وأشعارها يقول: ما وجدنا أحدا يعلم ما وراء معد بن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم. قال هشام ابن الكلبي: سمعت من يقول: إن معدا كان على عهد عيسى ابن مريم، عليه السلام. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان قوم من السلف منهم عبد الله بن مسعود، ومحمد بن كعب القرظي، وعمرو بن ميمون الأودي إذا تلوا: {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} [إبراهيم: 9] ، قالوا: كذب النسابون. قال أبو عمر: ومعنى هذا عندنا على غير ما ذهبوا إليه، وإنما المعنى فيها والله أعلم: تكذيب من ادعى إحصاء بني آدم. وأما أنساب العرب فإن أهل العلم بأيامها وأنسابها قد وعوا وحفظوا جماهيرها وأمهات قبائلها، واختلفوا في بعض فروع ذلك. والذي عليه أئمة هذا الشأن أنه: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور ابن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ابن آزر، واسمه تارح، ابن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ ابن خنوخ، وهو إدريس عليه السلام بن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام قال: وهذا الذي اعتمده محمد بن إسحاق في السيرة، وقد اختلف أصحاب ابن إسحاق عليه في بعض الأسماء. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 30 قال ابن سعد: الأمر عندنا الإمساك عما وراء عدنان إلى إسماعيل. وروى سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق هذا النسب إلى يشجب سواء، ثم خالفه فقال: يشجب بن يانش بن ساروغ بن كعب بن العوام بن قيذار بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهم السلام. وقال ابن إسحاق: يذكرون أن عمر إسماعيل مائة وثلاثون سنة، وأنه دفن في الحجر مع أمه هاجر. وقال عبد الملك بن هشام: حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي، عن شيبان بن زهير، عن قتادة، قال: إبراهيم خليل الله هو ابن تارح بن ناحور بن أشرع بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن هنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم. وروى عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه، أنه وجد نسب إبراهيم -عليه السلام- في التوراة: إبراهيم بن تارح بن ناحور بن شروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متشالخ بن خنوخ، وهو إدريس بن يارد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وقال ابن سعد: حدثنا هشام ابن الكلبي، قال: علمني أبي وأنا غلام نسب النبي صلى الله عليه وسلم محمد، الطيب المبارك ولد عبد الله بن عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 31 مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال أبي: وبين معد وإسماعيل نيف وثلاثون أبا، وكان لا يسميهم ولا ينفذهم. قلت: وسائر هذه الأسماء أعجمية، وبعضها لا يمكن ضبطه بالخط إلا تقريبا. وقد قيل في قوله تعالى: {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] ، فصيلة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب أعمامه وبنو أعمامه، وأما فخذه فبنو هاشم. قال: وبنو عبد مناف بطنه، وقريش عمارته، وبنو كنانة قبيلته، ومضر شعبته. قال الأوزاعي: حدثني شداد أبو عمار، قال: حدثني واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم" رواه مسلم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 32 مولده المبارك صلى الله عليه وسلم: أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح بن عبد الله، قالا: أخبرنا محمد بن عمر الفقيه، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن النقور، قال: أخبرنا علي بن عمر الحربي، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، قال: حدثنا يحيى ابن معين، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل". صحيح. وقال ابن إسحاق: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة بن عبد المطلب، قال: "ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. كنا لِدَّينِ" أخرجه الترمذي، وإسناده حسن. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا سليمان النوفلي، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل. وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل. وقال شباب العصفري: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني الزبير بن موسى، عن أبي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 33 الحويرث، قال: سمعت قباث بن أشيم يقول: "أنا أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكبر مني، وقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل" يحيى هو أبو زكير، وشيخه متروك الحديث. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، وكان بين مبعثه وبين أصحاب الفيل سبعون سنة كذا قال. وقد قال إبراهيم بن المنذر وغيره: هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا. إن رسول الله ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل. وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، قال: كان بين الفيل وبين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وهذا قول منقطع. وأضعف منه ما روى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو ضعيف قال: حدثنا عقبة بن مكرم، قال: حدثنا السيب بن شريك، عن شعيب بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم في عاشوراء المحرم وولد يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل. وهذا حديث ساقط كما ترى. وأوهى منه ما يروى عن الكلبي -وهو متهم ساقط- عن أبي صالح باذام، عن ابن عباس، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفيل بخمس عشرة سنة قد تقدم ما يبين كذب هذا القول عن ابن عباس بإسناد صحيح. قال خليفة بن خيا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 34 ط: المجمع عليه أنه ولد عام الفيل. وقال الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن حسن عن عبد السلام بن عبد الله عن معروف بن خربوذ، وغيره من أهل العلم، قالوا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وسميت قريش "آل الله" وعظمت في العرب. ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وقيل: من رمضان يوم الإثنين حين طلع الفجر. وقال أبو قتادة الأنصاري: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقول في صوم يوم الإثنين؟ قال: "ذاك يوم ولدت فيه وفيه أوحي إليّ". أخرجه مسلم. وقال عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في ليلة الإثنين من ربيع الأول عند ابهرار النهار. وروى ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، قال: حدثني من شئت من رجال قومي، عن حسان بن ثابت، قال: إني والله لغلام يفعة، إذ سمعت يهوديا وهو على أطمة يثرب يصرخ: يا معشر يهود، فلما اجتمعوا إليه، قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة. وقال ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن حنش عن ابن عباس قال: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وقدم المدينة يوم الإثنين وفتح مكة يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين، وتوفي يوم الإثنين. رواه أحمد في مسنده، وأخرجه الفسوي في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 35 تاريخه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي في "السيرة" من تأليفه، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في النصف من المحرم. وقال أبو معشر نجيح: ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. قال الدمياطي: والصحيح قول أبي جعفر، قال: ويقال: إنه ولد في العشرين من نيسان. وقال أبو أحمد الحاكم: ولد بعد الفيل بثلاثين يوما. قاله بعضهم. قال: وقيل: بعده بأربعين يوما. قلت: لا أبعد أن الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عاما أو أربعين عاما فكأنه أراد أن يقول يوما فقال عاما. وقال الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس أن عبد المطلب: ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمدا. وهذا أصح مما رواه ابن سعد: أخبرنا يونس بن عطاء المكي، قال: حدثنا الحكم بن أبان العدني، قال حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه العباس قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن. تابعه سليمان بن سلمة الخبائري، عن يونس، لكن أدخل فيه بين يونس والحكم: عثمان ابن ربيعة الصدائي. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 36 قال شيخنا الدمياطي: ويروى عن أبي بكرة، قال: ختن جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طهر قلبه. قلت: هذا منكر. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 37 أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته: الزهري, عن محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب". قال الزهري: والعاقب: الذي ليس بعده نبي. متفق عليه وقال الزهري: وقد سماه الله رءوفا رحيما. وقال حماد بن سلمة، عن جعفر بن أبي وحشية، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر، وأنا الماحي، والخاتم، والعاقب". وهذا إسناد قوي حسن. وجاء بلفظ آخر، قال: "أنا أحمد، ومحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة". وقال عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال عن عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم: أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: أتحصي أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان جبير يعدها؟ قال: نعم هي ستة: محمد، وأحمد، وخاتم وحاشر وعاقب وماحي. فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم، وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى الأشعري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: "أنا محمد، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 38 وأحمد، والحاشر، والمقفى، ونبي التوبة، والملحمة" رواه مسلم. وقال وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح, عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، قال: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة". ورواه زياد بن يحيى الحساني، عن سعير بن الخمس، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولا. وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] . وقال وكيع، عن إسماعيل الأزرق، عن ابن عمر، عن ابن الحنفية، قال: يس محمد صلى الله عليه وسلم. وعن بعضهم، قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن خمسة أسماء: محمد، وأحمد، وعبد الله، ويس، وطه. وقيل: طه، لغة لعك، أي: يا رجل، فإذا قلت لعكي: يا رجل لم يلتفت، وإذا قلت له: طه التفت إليك نقل هذا الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس والكلبي متروك. فعلى هذا القول لا يكون طه من أسمائه. وقد وصفه الله تعالى في كتابه فقال: رسولا، ونبيا أميا وشاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، ورءوفا رحيما، ومذكرا، ومدثرا ومزملا وهاديا، إلى غير ذلك. ومن أسمائه: الضحوك، والقتال. جاء في بعض الآثار عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا الضحوك أنا القتال". وقال ابن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 39 وفي التوراة فيما بلغنا أنه حرز للأميين، وأن اسمه المتوكل. ومن أسمائه: الأمين. وكانت قريش تدعوه به قبل نبوته. ومن أسمائه: الفاتح، وقثم. وقال علي بن زيد بن جدعان: تذاكروا أحسن بيت قالته العرب، فقالوا: قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وقال عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، فقال: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، والمقفى، وأنا الحاشر، ونبي الملحمة" قالك المقفى الذي ليس بعده نبي. رواه الترمذي في "الشمائل" وإسناده حسن، وقد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم، فقال: عن زر، عن حذيفة نحوه. ويروى بإسناد واه عن أبي الطفيل، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لي عشرة أسماء، فذكر منها الفاتح، والخاتم. قلت: وأكثر ما سقنا من أسمائه صفات له لا أسماء أعلام، وقد تواتر أن كنيته أبو القاسم. قال ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي". متفق عليه. وقال محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجمعوا اسمي، وكنيتي، أنا أبو القاسم، الله يعطي وأنا أقسم". وقال ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس، قال: لما ولد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 40 إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية كاد يقع في نفسه منه، حتى أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم. ابن لهيعة ضعيف. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 41 ذكر ما ورد في قصة سطيح , وخمود النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان: قال ابن أبي الدنيا وغيره: حدثنا علي بن حرب الطائي، قال: أخبرنا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي، قال: حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي، عن أبيه، وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة، قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة, وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى من شأن إيوانه فصبر عليه تشجعا، ثم رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم، فلما اجتمعوا عنده، قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك، فبينا هم على ذلك أورد عليهم كتاب بخمود النار، فازداد غما إلى غمه، فقال الموبذان: وأنا قد رأيت -أصلح الله الملك- في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب، وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب كسرى عند ذلك: "من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد، فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجه إليه بعبد المسيح بن حيان الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 42 ابن بقيلة الغساني، فلما قدم، عليه قال له: هل لك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك فإن كان عندي علم وإلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فائته فسله عما سألتك وائتني بجوابه، فركب حتى أتى على سطيح وقد أشفى على الموت، فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح جوابا، فأنشأ عبد المسيح يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاد فازلم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن ... أزرق بهم الناب صرار الأذن أبيض فضفاض الرداء والبدن ... رسول قيل العجم يسرى للوسن يجوب في الأرض علنداة شجن ... ترفعني وجن وتهوي بي وجن لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ... كأنما حثحث من حضنى ثكن حتى أتى عاري الحآجي والقطن ... تلفه في الريح بوغاء الدمن فقال سطيح: عبد المسيح، جاء إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نار فارس, فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه، وسار عبد المسيح إلى رحله، وهو يقول: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 43 شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير فربما ربما أضحضوا بمنزلة ... تهاب صولهم الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشر مصفودان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور فلما قدم على كسرى أخبره بقول سطيح، فقال كسرى: إلى متى يملك منا أربعة عشر ملكا تكون أمور، فملك منهم عشرة أربع سنين، وملك الباقون إلى آخر خلافة عثمان -رضي الله عنه- هذا حديث منكر غريب. وبإسنادي إلى البكائي، عن ابن إسحاق، قال كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة, فرأى رؤيا هالته وفظع منها، فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه، فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها وبتأويلها. قالوا: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها. قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، إنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها. فقيل له: إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما، فبعث إليهما فقدم سطيح قبل شق، فقال له: رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تهمة، فأكلت منها كل ذات جمجمة. قال: ما أخطأت منها شيئا، فما تأويلها؟ فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 44 فليملكن ما بين أبين إلى جرش. فقال الملك: وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن أفي زمانه أم بعده؟ قال: بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين، قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون ويخرجون هاربين. قال: من يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن فلا يترك منهم أحدا باليمن. قال: أفيدوم ذلك؟ قال: بل ينقطع بنبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي. قال: وممن هو؟ قال: من ولد فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون. قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم والشفق والغسق، والفلق إذا اتسق، إن ما أنبأتك به لحق. ثم قدم عليه شق، فقال له كقوله لسطيح، وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان. قال: نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت بين روضة وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة. فلما قال ذلك عرف أنهما قد اتفقا فوقع في نفسه فجهز أهل بيته إلى العراق، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ولد ربيعة بن نصر: النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن: النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 45 باب: منه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح". هذا حديث ضعيف، فيه متروكان: الواقدي، وأبو بكر بن أبي سبرة. وورد مثله عن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين, عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، عن علي، وهو منقطع إن صح عن جعفر بن محمد، ولكن معناه صحيح. وقال خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء، قال قلت: يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد". وقال منصور بن سعد، وإبراهيم بن طهمان واللفظ له: قال: حدثنا بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة الفجر، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد". وقال الترمذي: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة, عن أبي هريرة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ قال: "بين خلق آدم ونفخ الروح فيه" قال الترمذي: حسن غريب. قلت: لولا لين في الوليد بن مسلم لصححه الترمذي. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 46 عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام". وروينا بإسناد حسن -إن شاء الله- عن العرباض بن سارية أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى لي، ورؤيا أمي التي رأت". وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام. ورواه الليث، وابن وهب، عن معاوية بن صالح، سمع سعيد بن سويد يحدث عن عبد الأعلى بن هلال السلمي، عن العرباض، فذكره. ورواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن سعيد بن سويد، عن العرباض نفسه. وقال فرج بن فَضالة: حدثنا لقمان بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، قال قلت: يا رسول الله، ما كان بدء أمرك؟ قال: "دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام". رواه أحمد في "مسنده" عن أبي النضر، عن فرج. قوله: "لمنجدل" أي ملقى، وأما دعوة إبراهيم فقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة: 129] ، وبشارة عيسى قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدْ} [الصف: 6] . وقال أبو ضمرة: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 47 على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشا من العرب، ثم اختار بني هاشم من قريش ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب". هذا حديث مرسل. وروى زحر بن حصن، عن جده حميد بن منهب، قال: سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، فسمعت العباس، يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال: "لا يفضض الله فاك". فقال: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الـ ... ـأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النْـ ... ـنُور وسبل الرشاد نخترق الظلال: ظلال الجنة قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات: 41] ، والمستودع: هو الموضع الذي كان فيه آدم وحواء يخصفان عليهما من الورق، أي: يضمان بعضه إلى بعض يتستران به، ثم هبطت إلى الدنيا في صلب آدم، وأنت لا بشر ولا مضغة. وقوله: "تركب السفين" يعني: في صلب نوح. وصالب لغة غريبة في الصلب، ويجوز في الصلب الفتحتان كسقم وسقم. والطبق: القرن، أي: كلما مضى عالم وقرن جاء قرن، ولأن القرن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 48 يطبق الأرض بسكناه بها. ومنه قوله -عليه السلام- في الاستسقاء: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا طبقا غدقا"، أي: يطبق الأرض. وأما قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] ، أي: حالا بعد حال. والنطق: جمع نطاق وهو ما يشد به الوسط ومنه المنطقة. أي: أنت أوسط قومك نسبا. وجعله في علياء وجعلهم تحته نطاقا. وضاءت: لغة في أضاءت. وأرضعته ثويبة: وأرضعته ثويبة جارية أبي لهب عمه، مع عمه حمزة، ومع أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، رضي الله عنهما. قال شعيب، عن الزهري، عن عروة: إن زينب بنت أبي سلمة وأمها أخبرته، أن أم حبيبة أخبرتهما، قالت: قلت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: "أوتحبين ذلك؟ ". قلت: لست لك بمخلية وأحب إلي من شركني في خير أختي. قال: "إن ذلك لا يحل لي". فقلت: يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة. فقال: "والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن". أخرجه البخاري. وقال عروة في سياق البخاري: ثويبة مولاة أبي لهب، أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم بشر حيبة، يعني: حالة فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم رخاء غير أني أسقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة. وأشار إلى النقرة التي بين الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 49 الإبهام والتي تليها. ثم أرضعته حليمة السعدية: ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وأخذته معها إلى أرضها، فأقام معها في بني سعد نحو أربع سنين، ثم ردته إلى أمه. قال يحيى بن أبي زائدة: قال محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم، عن عبد الله جعفر، عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدية، قالت: خرجت في نسوة نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء قد أذمت بالركب، وخرجنا في سنة شهباء لم تبق شيئا، ومعنا شارف لنا، والله إن تبض علينا بقطرة، ومع صبي لي لن ننام ليلنا مع بكائه، فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعه من أبيه، وكان يتيما، فلم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيا، غيري. فقلت لزوجي: لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، فأتيته فأخذته، فقال زوجي: عسى الله أن يجعل فيه خيرا. قالت: فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن، فشرب وشرب أخوه حتى رويا، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل، فإذا بها حافل، فحلب وشربنا حتى روينا، فبتنا شباعا رواء، وقد نام صبياننا، قال أبوه: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة، ثم خرجنا، فوالله لخرجت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 50 أتاني أمام الركب قد قطعتهن حتى ما يتعلق بها أحد، فقدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر، فقدمنا على أجدب أرض الله، فوالذي نفسي بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم ويسرح راعي غنمي، فتروح غنمي بطانا لبنا حفلا، وتروح أغنامهم جياعا، فيقول لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟ فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا، فتروح أغنامهم جياعا ما بها من لبن، وتروح غنمي لبنا حفلا. شق الصدر: فكان صلى الله عليه وسلم يشب في يومه شباب الصبي في الشهر، ويشب في الشهر شباب الصبى في سنة، قالت: فقدمنا على أمه فقلنا لها: ردي علينا ابني فإنا نخشى عليه وباء مكة قالت: ونحن أضن شيء به مما رأينا من بركته، قالت: ارجعا به، فمكث عندنا شهرين فبينا هو يلعب وأخوه خلف البيوت يرعيان بهما لنا، إذ جاء أخوه يشتد، فقال: أدركا أخي قد جاءه رجلان فشقا بطنه، فخرجنا نشتد، فأتيناه وهو قائم منتقع اللون، فاعتنقه أبوه وأنا، ثم قال: ما لك يا بني؟ قال: "أتاني رجلان فأضجعاني ثم شقا بطني فوالله ما أدري ما صنعا". فرجعنا به. قالت: يقول أبوه: يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله. فرجعنا به إليها، فقالت: ما ردكما به؟ فقلت: كفلناه وأدينا الحق، ثم تخوفنا عليه الأحداث. فقالت: والله ما ذاك بكما، فأخبراني خبركما، فما زالت بنا حتى أخبرناها. قالت: فتخوفتما عليه؟ كلا والله إن لابني هذا شأنا إني حملت به فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان، وقع واضعا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 51 يديه بالأرض رافعا رأسه إلى السماء، دعاه، والحقا شأنكما. هذا حديث جيد الإسناد. قال أبو عاصم النبيل: أخبرني جعفر بن يحيى، قال: أخبرنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلت إليه امرأة حتى دنت منه، فبسط لها رداءه فقلت: من هذه؟ فقالوا: أمه التي أرضعته. أخرجه أبو داود. قال مسلم: حدثنا شيبان، قال: حدثنا، حماد، قال: حدثنا ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني مرضعته، فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه منتقع اللون. قال أنس: قد كنت أرى أثر المخيط في صدره. وقال بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن عتبة بن عبد، فذكر نحوا من حديث أنس. وهو صحيح أيضا، وزاد فيه: "فرحلت -يعني ظئره - بعيرا، فحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت، فلم يعرها ذلك، وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاء منه قصور الشام. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 52 وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت وأنا في أهلي، فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري، ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة حكمة وإيمانا فحشى بها صدري -قال أنس: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا أثره- فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا" وذكر حديث المعراج. وقد روى نحوه شريك بن أبي نمر، عن أنس، عن أبي ذر وكذلك رواه الزهري، عن أنس، عن أبي ذر أيضا. وأما قتادة فرواه عن أنس، عن مالك بن صعصعة، نحوه. وإنما ذكرت هذا ليعرف أن جبريل شرح صدره مرتين: في صغره ووقت الإسراء به. وفاة والده: وتوفي "عبد الله" أبوه، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهرا. وقيل: أقل من ذلك. وقيل: وهو حمل توفي بالمدينة غريبا، وكان قدمها ليمتار تمرا، وقيل: بل مر بها مريضا راجعا من الشام، فروى محمد بن كعب القرظي وغيره: أن عبد الله بن عبد المطلب خرج إلى الشام إلى غزة في عير تحمل تجارات، فلما قفلوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضا مدة شهر، فبلغ ذلك عبد المطلب، فبعث إليه الحارث وهو أكبر ولده؛ فوجده قد مات؛ ودفن في دار النابغة أحد بني النجار؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل، على الصحيح. وعاش عبد الله خمسا وعشرين سنة، قال الواقدي: وذلك أثبت الأقاويل في سنة وفاته. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 53 وترك عبد الله من الميراث أم أيمن وخمسة أجمال وغنما، فورث ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وفاة أمه وكفالة جده وعمه: وتوفيت أمه "آمنة" بالأبواء وهي راجعة به -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بني عدي ابن النجار، وهو يومئذ ابن ست سنين ومائة يوم. وقيل: ابن أربع سنين. فلما مات ودفنت، حملته أم أيمن مولاته إلى مكة إلى جده، فكان في كفالته إلى أن توفي جده، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، فأوصى به إلى عمه أبي طالب. قال عمرو بن عون: أخبرنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عباس بن عبد الرحمن، عن كندير بن سعيد، عن أبيه، قال: حججت في الجاهلية، فإذا رجل يطوف بالبيت ويرتجز يقول: رب رد إليّ راكبي محمدا ... يا رب رده واصطنع عندي يدا قلت: من هذا؟ قال: عبد المطلب، ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها، ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها، وقد احتبس عليه فما برحت حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم وجاء بالإبل. فقال: يا بني لقد حزنت عليك حزنا؛ لا تفارقني أبدا. وقال خارجة بن مصعب، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده، أن حيدة بن معاوية اعتمر في الجاهلية، فذكر نحوا من حديث كندير عن أبيه. وقال إبراهيم بن محمد الشافعي، عن أبيه، عن أبان بن الوليد، عن أبان بن تغلب، قال: حدثني جلهمة بن عرفطة، قال: إني لبالقاع من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 54 نمرة، إذ أقبلت عير من أعلى نجد، فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير، فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة، ثم نادى يا رب البنية أجرني؛ وإذا شيخ وسيم قسيم عليه بهاء الملك ووقار الحكماء، فقال: ما شأنك يا غلام، فأنا من آل الله وأجير من استجار به؟ قال: إن أبي مات وأنا صغير، وإن هذا استعبدني، وقد كنت أسمع أن لله بيتا يمنع من الظلم، فلما رأيته استجرت به. فقال له القرشي: قد أجرتك يا غلام، قال: وحبس الله يد الجندعي إلى عنقه. قال جلهمة: فحدثت بهذا الحديث عمرو بن خارجة وكان قعدد الحي، فقال: إن لهذا الشيخ ابنا يعني أبا طالب. قال: فهويت رحلي نحو تهامة، أكسع بها الجدود، وأعلوا بها الكذان، حتى انتهيت إلى المسجد الحرام، وإذا قريش عزين، قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون، فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى؛ وقائل يقول: اعتمدوا لمناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم -عليه السلام- وسلالة إسماعيل؟ قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب. قال: إيهًا. فقاموا بأجمعهم، وقمت معهم فدققنا عليه بابه، فخرج إلينا رجل حسن الوجه مصفر، عليه إزار قد اتشح به، فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العباد فهلم فاستسق؛ فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح؛ فلما زاغت الشمس أو كادت، خرج أبو طالب معه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة؛ فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأصبعه الغلام، وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 55 وههنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفضائل وميزان عدل لا يخيس شعيرة ... ووزان صدق وزنه غير عائل وقال عبد الله بن شبيب وهو ضعيف: حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي، قال: حدثني سعيد بن سالم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: كنا مع عطاء، فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسنهم وجها، ما رآه أحد قط إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس عليه معه أحد، وكان الندي من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش؛ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام لم يبلغ فجلس على المفرش، فجبذه رجل فبكى؛ فقال عبد المطلب -وذلك بعدما كف بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: إنه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال: دعوا ابني يجلس عليه، فإنه يحس من نفسه شرفا، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده. قال: ومات عبد المطلب، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. وقد رعى الغنم: فروى عمرو بن يحيى بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد رعى الغنم". قالوا: وأنت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 56 يا رسول الله؟ قال: "نعم، كنت أرعاها بالقراريط لأهل مكة". رواه البخاري. وقال أبو سلمة، عن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث، فقال: "عليكم بالأسود منه فإنه أطيب". قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: "نعم وهل من نبي إلا قد رعاها". متفق عليه. سفره مع عمه إن صح: قال قراد أبو نوح: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه محمد صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش؛ فلما أشرفوا على الراهب نزلوا فخرج إليهم، وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم، فجعل يتخللهم وهم يحلون رحالهم؛ حتى جاء فأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال أشياخ قريش: وما علمك بهذا؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني لأعرفه بخاتم النبوة، أسفل "عرصوف" كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما؛ فلما أتاهم به كان صلى الله عليه وسلم في رعية الإبل، قال: فأرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه -يعني إلى فيء شجرة- فلما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 57 جلس مال فيء الشجرة عليه, فقال: انظروا فيء الشجرة مال عليه, قال: فبينا هو قائم عليه يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم لو رأوه عرفوه بصفته فقتلوه؛ فالتفت فإذا بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم الراهب، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا قد بعث إليه ناس، وإنا أخبرنا فبعثنا إلى طريقك هذا؛ قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فتابعوه وأقاموا معه، قال: فأتاهم فقال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا؛ فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت. تفرد به قراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، ثقة، احتج به البخاري والنسائي؛ ورواه الناس عن قراد، وحسنه الترمذي. وهو حديث منكر جدا؛ وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين، فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف؛ وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث، ولم يكن ولد بعد؛ وأيضا، فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها، ولم نر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش، ولا حكته أولئك الأشياخ، مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده صلى الله عليه وسلم حس من النبوة؛ ولما أنكر مجيء الوحي إليه، أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه صلى الله عليه وسلم. وأيضا فلو أثر هذا الخوف في أبي طالب ورده، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 58 كيف كنت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟ وفي الحديث ألفاظ منكرة، تشبه ألفاظ الطرقية، مع أن ابن عائذ روى معناه في مغازيه دون قوله: "وبعث معه أبو بكر بلالا" إلى آخره، فقال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني أبو داود سليمان بن موسى، فذكره بمعناه. وقال ابن إسحاق في "السيرة": إن أبا طالب خرج إلى الشام تاجرا في ركب، ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فلما نزلوا بصرى، وبها بحيرا الراهب في صومعته، وكان أعلم أهل النصرانية؛ ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير إليه علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا؛ عن كابر قال: فنزلوا قريبا من الصومعة، فصنع بحيرا طعاما، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم، فنزل بظل شجرة، فنزل بحيرا من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فجاءوه فقال رجل منهم: يا بحيرا ما كنت تصنع هذا، فما شأنك؟ قال: نعم، ولكنكم ضيف، وأحببت أن أكرمكم، فاجتمعوا، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغره في رحالهم. فلما نظر بحيرا فيهم ولم يره، قال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد عن طعامي هذا. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا. قال: فلا تفعلوا، ادعوه. فقال رجل: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا، ثم قام واحتضنه، وأقبل به فلما رآه بحيرا جعل يلحظه شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا شبعوا وتفرقوا قام بحيرا، فقال: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 59 عما أسألك عنه، فزعموا أنه قال: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط. فقال له: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، فتوافق ما عنده من الصفة. ثم نظر فيه أثر خاتم النبوة، فأقبل على أبي طالب، فقال: ما هو منك؟ قال: ابني. قال: ما ينبغي أن يكون أبوه حيا. قال: فإنه ابن أخي. قال: ارجع به واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفته ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك شأن. فخرج به أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته. وذكر الحديث. وقال معتمر بن سليمان: حدثني أبي، عن أبي مجلز: أن أبا طالب سافر إلى الشام ومعه محمد، فنزل منزلا، فأتاه راهب، فقال: فيكم رجل صالح، ثم قال: أين أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب: ها أنذا وليه. قال: احتفظ به ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهود قوم حسد، وإني أخشاهم عليه. فرده. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن جعفر وجماعة، عن داود بن الحصين، أن أبا طالب خرج تاجرا إلى الشام، ومعه محمد، فنزلوا ببحيرا ... الحديث. وروى يونس عن ابن شهاب حديثا طويلا فيه: فلما ناهز الاحتلام، ارتحل به أبو طالب تاجرا، فنزل تيماء فرآه حبر من يهود تيماء، فقال لأبي طالب: ما هذا الغلام؟ قال: هو ابن أخي، قال: فوالله إن قدمت به الشام لا تصل به إلى أهلك أبدا، لتقتلنه اليهود إنه عدوهم. فرجع به أبو طالب من تيماء إلى مكة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 60 قال ابن إسحاق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما ذكر لي- يحدث عما كان الله تعالى يحفظه به في صغره، قال: "لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب الغلمان به، كلنا قد تعرى وجعل إزاره على رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراها، لكمة وجيعة، وقال: شد عليك إزارك، فأخذته فشددته، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي". قال ابن إسحاق: وهاجت حرب الفجار ولرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، سميت بذلك لما استحلت كنانة وقيس عيلان في الحرب من المحارم بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت أنبل على أعمامي". أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم. وكان قائد قريش حرب بن أمية. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 61 شأن خديجة: قال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهي أقرب منه صلى الله عليه وسلم إلى قصي برجل، كانت، امرأة تاجرة ذات شرف ومال، وكانت تستأجر الرجال في مالها، وكانت قريش تجارا، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مال لها إلى الشام، ومعه غلام اسمه ميسرة، فخرج إلى الشام، فنزل تحت شجرة بقرب صومعة، فأطل الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا؟ فقال: رجل من قريش، قال: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. ثم باع النبي صلى الله عليه وسلم تجارته وتعوض ورجع، فكان ميسرة -فيما يزعمون- إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير. روى قصة خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام تاجرا، المحاملي، عن عبد الله بن شبيب وهو واه، قال: حدثنا أبو بكر بن شيبة، قال: حدثني عمر بن أبي بكر العدوي، قال: حدثني بن شيبة، قال: حدثتني عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية أخت يعلى، قالت: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة. فذكر الحديث بطوله، وهو حديث منكر. قال: فلما قدم مكة باعت خديجة ما جاء به فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعن الملكين، وكانت لبيبة حازمة، فبعثت إليه تقول: يابن عمي، إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك وصدق وحسن خلقك، ثم عرضت عليه نفسها، فقال ذلك لأعمامه، فجاء معه حمزة عمه حتى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 62 دخل على خويلد فخطبها منه، وأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة، فلم يتزوج عليها حتى ماتت، وتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة. وقال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس -فيما يحسب حماد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت هي طعاما وشرابا، فدعت أبها وزمرا من قريش، فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت لأبيها: إن محمدا يخطبني فزوجني إياه، فزوجها إياه، فخلقته وألبسته حلة كعادتهم، فلما صحا نظر، فإذا هو مخلق، فقال: ما شأني؟ فقالت: زوجتني محمدا. فقال: وأنا أزوج يتيم أبي طالب! لا لعمري، فقالت: أما تستحيي؟ تريد أن تسفه نفسك عند قريش بأنك كنت سكران، فلم تزل به حتى رضي. وقد روى طرفا منه الأعمش، عن أبي خالد الوالبي، عن جابر بن سمرة أو غيره. وأولاده كلهم من خديجة سوى إبراهيم، وهم: القاسم، والطيب, والطاهر، وماتوا صغارا رضعا قبل المبعث، ورقية، وزينب، وأم كلثوم, وفاطمة -رضي الله عنهم- فرقية، وأم كلثوم زوجتا عثمان بن عفان، وزينب زوجة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، وفاطمة زوجة علي، رضي الله عنهم أجمعين. بنيان الكعبة: قال ابن إسحاق: فلما بلغ صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 63 قريش لبنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها، وإنما كانت رضما فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها, وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة فتحطمت، فأخذوا خشبها وأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة نجار قبطي، فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها, وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم، فتشرف على جدار الكعبة، فكانت مما يهابون، وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة بعث الله إليها طائرا فاختطفها، فذهب بها, قال: فاستبشروا بذلك، ثم هابوا هدمها. فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وهو يقول: اللهم لم ترع، اللهم لا نريد إلا خيرا. ثم هدم من ناحية الركنين، وهدموا حتى بلغوا أساس إبراهيم -عليه السلام- فإذا حجارة خضر آخذ بعضها ببعض. ثم بنوا، فلما بلغ البنيان موضع الركن، يعني الحجر الأسود، اختصموا فيمن يضعه، وحرصت كل قبيلة على ذلك حتى تحاربوا ومكثوا أربع ليال. ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتناصفوا فزعموا أن أبا أمية بن المغيرة, وكان أسن قريش، قال: اجعلوا بينكم فيما تختلفون أول من يدخل من باب المسجد، ففعلوا، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا به، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر فقال: "هاتوا لي ثوبا". فأتوا به، فأخذ الركن بيده فوضعه في الثوب، ثم قال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا". ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو صلى الله عليه وسلم بيده وبنى عليه. وقال ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، قال: لما بلغ رسول الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 64 صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت، فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن: أي القبائل تضعه؟ قالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا. فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة، حكموه، فأمر بالركن فوضع في ثوب, ثم أخذ سيد كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن، فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا حتى دعوه الأمين، قبل أن ينزل عليه وحي، وطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها. ويروى عن عروة ومجاهد وغيرهما: أن البيت بني قبل المبعث بخمس عشرة سنة. وقال داود بن عبد الرحمن العطار: حدثنا ابن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: قلت له: يا خال، حدثني عن شأن الكعبة قبل أن تبنيها قريش. قال: كان برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق، وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلى، ثم إن سفينة للروم أقبلت، حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت، فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها، ورومي يقال له: بلقوم نجار بان، فلما قدموا مكة، قالوا: لو بنينا بيت ربنا -عز وجل- فاجتمعوا لذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل إذ انكشفت نمرته فنودي: يا محمد عورتك، فذلك أول ما نودي، والله أعلم. فما رؤيت له عورة بعد. وقال أبو الأحوص، عن سماك بن حرب: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بنى البيت -وذكر الحديث- إلى أن قال: فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته العمالقة، فمر عليه الدهر فانهدم، فبنته جرهم، فمر عليه الدهر فانهدم فبنته الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 65 قريش. وذكر في الحديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود مكانه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة، عن عائشة, قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة -رجل وامرأة من جرهم- زنيا في الكعبة فمسخا حجرين. وقال موسى بن عقبة: إنما حمل قريشا على بناء الكعبة أن السيل كان يأتي من فوقها من فوق الردم الذي صنعوه فأخربه، فخافوا أن يدخلها الماء، وكان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة، فأرادوا أن يشيدوا بناءها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءوا، فأعدوا لذلك نفقة وعمالا. وقال زكريا بن إسحاق: حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع جابرا يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل الحجارة للكعبة مع قريش وعليه إزار، فقال له عمه العباس: يابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكب دون الحجارة، ففعل ذلك، فسقط مغشيا عليه، فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانا. متفق عليه. وأخرجاه أيضا من حديث ابن جريج. وقال معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: لما بنى البيت كان الناس ينقلون الحجارة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، فأخذ الثوب فوضعه على عاتقه فنودي: "لا تكشف عورتك" فألقى الحجر ولبس ثوبه. رواه أحمد في "مسنده". وقال عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي: حدثنا عمرو بن أبي قيس، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 66 عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه، قال: كنت أنا وابن أخي ننقل الحجارة على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا الناس اتزرنا فبينا هو أمامي خر على وجهه منبطحا، فجئت أسعى وألقيت حجري، وهو ينظر إلى السماء، فقلت: ما شأنك؟ فقام وأخذ إزاره وقال: "نهيت أن أمشي عريانا". فكنت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون. رواه قيس بن الربيع بنحوه، عن سماك. وقال حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي -رضي الله عنه- قال: لما تشاجروا في الحجر أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب، فكان أول من دخل النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد جاء الأمين. مسلم الزنجي، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، قال: جلس رجال من قريش فتذاكروا بنيان الكعبة، فقالوا: كانت مبنية برضم يابس، وكان بابها بالأرض، ولم يكن لها سقف، وإنما تدلى الكسوة على الجدر، وتربط من أعلى الجدر من بطنها، وكان في بطن الكعبة عن يمين الداخل جب يكون فيه ما يهدي للكعبة منذ زمن جرهم، وذلك أنه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا ما به، فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة، وما فيها خمسمائة سنة إلى أن بنتها قريش، وكان قرنا الكبش معلقين في بطنها مع معاليق من حلية. إلى أن قال: حتى يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا يحرك الحجر منها، فترتج جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض، فأدخل الوليد بن المغيرة عتلة بين إصبعين حجرين فانفلقت منه فلقة، فأخذها رجل فنزت من يده الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 67 حتى عادت في مكانها، وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم، ورجفت مكة بأسرها، فأمسكوا. إلى أن قال: وقلت النفقة عن عمارة البيت، فأجمعوا على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون ويتركوا بقيته في الحجر، ففعلوا ذلك وتركوا ستة أذرع وشبرا، ورفعوا بابها وكسوها بالحجارة حتى لا يدخلها السيل ولا يدخلها إلا من أرادوا، وبنوها بساف من حجارة وساف من خشب، حتى انتهوا إلى موضع الركن فتنافسوا في وضعه. إلى أن قال: فرفعوها بمدماك حجارة ومدماك خشب، حتى بلغوا السقف، فقال لهم باقوم النجار الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكنسا أو مسطحا؟ قالوا: بل مسطحا. وجعلوا فيه ست دعائم في صفين, وجعلوا ارتفاعها من ظاهرها ثمانية عشر ذراعا وقد كانت قبل تسعة أذرع، وجعلوا درجة من خشب في بطنها يصعد منها إلى ظهرها، وزوقوا سقفها وحيطانها من بطنها ودعائمها، وصوروا فيها الأنبياء والملائكة والشجر، وصوروا إبراهيم يستقسم بالأزلام، وصوروا عيسى وأمه، وكانوا أخرجوا ما في جب الكعبة من حلية ومال وقرني الكبش، وجعلوه عند أبي طلحة العبدري، وأخرجوا منها هبل، فنصب عند المقام حتى فرغوا فأعادوا جميع ذلك ثم ستروها بحبرات يمانية. وفي الحديث عن أبي نجيح، عن أبيه، عن حويطب بن عبد العزى وغيره: فلما كان يوم الفتح دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت, فأمر بثوب فبل بماء وأمر بطمس تلك الصور، ووضع كفيه على صورة عيسى وأمه وقال: "امحوا الجميع إلا ما تحت يدي". رواه الأزرقي. ابن جريج, قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 68 رباح، وأنا أسمع: أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى؟ قال: نعم أدركت تمثال مريم مزوقا في حجرها عيسى قاعد، وكان في البيت ستة أعمدة سواري، وكان تمثال عيسى ومريم في العمود الذي يلي الباب: فقلت لعطاء: متى هلك؟ قال: في الحريق زمن ابن الزبير، قلت: أعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني كان؟ قال: لا أدري، وإني لأظنه قد كان على عهده. قال داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج: ثم عاودت عطاء بعد حين فقال: تمثال عيسى وأمه في الوسطى من السواري. قال الأزرقي: حدثنا داود العطار، عن عمرو بن دينار، قال: أدركت في الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى وأمه، قال داود: فأخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا شيبة امح كل صورة إلا ما تحت يدي". قال: فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه. قال الأزرقي، عن سعيد بن سالم: حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة، عن ابن شهاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها صورة الملائكة، فرأى صورة إبراهيم فقال: "قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام". ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها فقال: "امحو ما فيها إلا صورة مريم". ثم ساقه الأزرقي بإسناد آخر بنحوه، وهو مرسل، لكن قول عطاء وعمرو ثابت، وهذا أمر لم نسمع به إلى اليوم. أخبرنا سليمان بن حمزة، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد، أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم، قالت: أخبرنا ابن بريدة، قال: أخبرنا الطبراني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 69 عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم، ليس فيها مدر، وكانت قدر ما نقتحمها، وكانت غير مسقوفة، إنما توضع ثيابها عليها، ثم تسدل عليها سدلا، وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة، فأقبلت سفينة من أرض الروم فانكسرت بقرب جدة، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها، فوجدوا رجلا روميا عندها، فأخذوا الخشب، وكانت السفينة تريد الحبشة، وكان الرومي الذي في السفينة نجارا، فقدموا به وبالخشب، فقالت قريش: نبني بهذا الذي في السفينة بيت ربنا، لما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت، مثل قطعة الجائز سوداء الظهر، بيضاء البطن، فجعلت كلما دنا أحد إلى البيت ليهدم أو يأخذ من حجارته، سعت إليه فاتحة فاها، فاجتمعت قريش عند المقام فعجوا إلى الله وقالوا: ربنا لم ترع، أردنا تشريف بيتك وتزيينه، فإن كنت ترضى بذلك، وإلا فما بدا لك فافعل. فسمعوا خوارا في السماء، فإذا هم بطائر أسود الظهر، أبيض البطن، والرجلين، أعظم من النسر، فغرز مخلابه في رأس الحية، حتى انطلق بها يجرها، ذنبها أعظم من كذا وكذا ساقطا، فانطلق بها نحو أجياد، فهدمتها قريش، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، تحملها قريش على رقابها، فرفعوا في السماء عشرين ذراعا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد، وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضعها على عاتقه، فبرزت عورته من صغر النمرة، فنودي: يا محمد، خمر عورتك، فلم ير عريانا بعد ذلك. وكان بين بنيان الكعبة، وبين ما أنزل عليه خمس سنين. هذا حديث صحيح. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 70 وقد روى نحوه داود العطار، عن ابن خثيم. ورواه محمد بن كثير المصيصي، عن عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن نافع بن سرجس، قال: سألت أبا الطفيل، فذكر نحوه. وقال عبد الصمد بن النعمان: حدثنا ثابت بن يزيد، قال: حدثنا هلال بن خباب، عن مجاهد، عن مولاه، أنه حدثه أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية، قال: ولى حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله، فأجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه، ثم يشغر فيبول، فبنينا حتى بلغنا الحجر، وما يرى الحجر منا أحد، فإذا هو وسط حجارتنا، مثل رأس الرجل، يكاد يتراءى منه وجه الرجل، فقال بطن من قريش: نحن نضعه، وقال آخرون: بل نحن نضعه. فقالوا: اجعلوا بينكم حكما. قالوا: أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فأخذوا بنواحيه معه، فوضعه هو. اسم مولى مجاهد: السائب بن عبد الله. وقال إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن جاهد عن عبد الله بن عمرو، قال: كان البيت قبل الأرض بألفي سنة {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق: 3] ، قال: من تحته مدا. وروى نحوه عن منصور، عن مجاهد. ما عصمه الله به من أمر الجاهلية: ومما عصم الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من أمر الجاهلية أن قريشا كانوا يسمون الحمس، يعني الأشداء الأقوياء، وكانوا يقفون في الحرم بمزدلفة، ولا يقفون مع الناس بعرفة، يفعلون رياسة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 71 وبأوا، وخالفوا بذلك شعائر إبراهيم عليه السلام في جملة ما خالفوا. فروى البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم، قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه بعرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس، فما شاء ههنا؟ . وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن الحسن بن محمد بن الحنفية، عن أبيه، عن جده، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين، عصمني الله، قلت ليلة لفتى من قريش: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان. قال: نعم، فخرجت حتى جئت أدنى دار من دور مكة، فسمعت غناء وصوت دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج، فلهوت بذلك حتى غلبتني عيني، فنمت، فما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي، ثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمله أهل الجاهلية، حتى أكرمني الله بنبوته". وروى مسعر، عن العباس بن ذريح، عن زياد النخعي، قال: حدثنا عمار بن ياسر أنهم سألوا رسول الله صلى لله عليه وسلم: هل أتيت في الجاهلية شيئا حراما؟ قال: "لا، وقد كنت معه على ميعادين، أما أحدهما فحال بيني وبينه سامر قومي، والآخر غلتني عيني" أو كما قال. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 72 ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن، قالت: كان بوانة صنما تحضره قريش، تعظمه وتنسك له النساك، ويحلقون رءوسهم عنده، ويعكفون عنده يوما في السنة، وكان أبو طالب يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد، فيأبى، حتى رأيت أبا طالب غضب، ورأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا، فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إلينا مرعوبا، فقلن: ما دهاك؟ قال: "إني أخشى أن يكون بي لمم". فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان، وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الذي رأيت؟ قال: "إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح: وراءك يا محمد لا تمسه". قالت: فما عاد إلى عيد لهم حتى نبئ. وقال أبو أسامة: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، قال: كان صنم من نحاس يقال له: إساف أو نائلة يتمسح المشركون به إذا طافوا، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمسه" قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي: لأمسنه حتى أنظر ما يكون، فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تنه؟ ". هذا حديث حسن. وقد زاد فيه بعضهم عن محمد بن عمرو بإسناده: قال زيد: فوالله ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أنزل عليه. وقال جرير بن عبد الحميد، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين خلفه، وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 73 حتى نقوم خلف رسول الله، فقال: كيف نقوم خلفه، وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ قال: فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم. تفرد به جرير، وما أتى به عنه سوى شيخ البخاري عثمان بن أبي شيبة. وهو منكر. وقال إبراهيم بن طهمان: أخبرنا بديل بن ميسرة, عن عبد الكريم، عن عبد الله بن شقيق، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي الحمساء، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعا قبل أن يبعث، فبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك. قال: فنسيت يومي والغد, فأتيته في اليوم الثالث، فوجدته في مكانه، فقال: "يا فتى لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك" أخرجه أبو داود. وأخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: أخبرنا أبو محمد بن البن، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي العلاء، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر، قال: أخبرنا علي بن أبي العقب، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم, قال: حدثنا محمد بن عائذ, قال: حدثني الوليد، قال: أخبرني معاوية بن سلام، عن جده أبي سلام الأسود، عمن حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا بأعلى مكة، إذا براكب عليه سواد فقال: هل بهذه القرية رجل يقال له: أحمد؟ فقلت: ما بها أحمد ولا محمد غيري, فضرب ذراع راحلته فاستناخت، ثم أقبل حتى كشف عن كتفي حتى نظر إلى الخاتم الذي بين كتفي فقال: أنت نبي الله؟ قلت: ونبي أنا؟ قال: نعم. قلت: بم أبعث؟ قال: بضرب أعناق قومك، قال: فهل من زاد؟ فخرجت حتى أتيت خديجة فأخبرتها، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 74 فقالت: حريا أو خليقا أن لا يكون ذلك، فهي أكبر كلمة تكلمت بها في أمري، فأتيته بالزاد فأخذه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى زودني نبي الله صلى الله عليه وسلم طعاما، وحمله لي في ثوبه". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 75 ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، رحمه الله: قال موسى بن عقبة: أخبرني سالم أنه سمع أباه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل أسفل بلدح، وذلك قبل الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل وقال: لا آكل مما يذبحون على أنصابهم، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. رواه البخاري؛ وزاد في آخره: فكان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك وإعظاما له. ثم قال البخاري: قال موسى: حدثني سالم بن عبد الله، ولا أعلم إلا يحدث به عن ابن عمر: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم، قال: إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالما من النصارى، فذكر له مثله فقال: لن تكون على ديننا، حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: ما أفر إلا من لعنة الله، فقال له كما قال اليهودي، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج، فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. وهكذا أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 76 وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب، وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل، فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة ترة لي فيهم, ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فقدمت الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فخرجت فقال لي شيخ منهم: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة، فأتيته، فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله، قال: من أهل الشوك والقرظ؟ إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي قد طلع نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال. قال: فلم أحس بشيء، قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: شاة ذبحت للنصب قال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال: فتفرقا. وذكر باقي الحديث. وقال الليث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والله ما منكم أحد على دين إبراهيم غيري. وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: "مه! لا تقتلها أنا أكفيك مئونتها". فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: "إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها". هذا حديث صحيح. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، أن زيد بن عمرو بن نفيل مات، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده". إسناده حسن. أنبئت عن أبي الفخر أسعد، قال: أخبرتنا فاطمة، قالت: أخبرنا ابن ريذة، قال: أخبرنا الطبراني، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الله بن رجاء، قال: أخبرنا المسعودي، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 77 أبيه، عن جده قال: خرج أبي وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى مرا بالشام، فأما ورقة فتنصر، وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك، فانطلق حتى الموصل، فإذا هو براهب، فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة، قال: من بيت إبراهيم، قال: ما تطلب؟ قال: الدين، فعرض عليه النصرانية، فأبى أن يقبل وهو يقول: لبيك حقا، تعبدا ورقا، البر أبغي لا الخال، وما مهجر كمن قال: عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم أنفي لك اللهم عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم ثم يخر فيسجد للكعبة. قال: فمر زيد بالنبي صلى الله عليه وسلم وبزيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة لهما، فدعياه فقال: يابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب، قال: فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذاك حتى بعث. قال: وجاء سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن زيدا كان كما رأيت، أو كما بلغك، فاستغفر له؟ قال: "نعم، فاستغفروا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 78 له، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده". وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كانت قريش حين بنوا الكعبة يتوافدون على كسوتها كل عام تعظيما لحقها، وكانوا يطوفون بها، ويستغفرون الله عندها، ويذكرونه مع تعظيم الأوان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله. وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث بن أسد، وهو ابن عم ورقة، وعبيد الله بن جحش بن رئاب، وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض وقالوا: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء, لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه، وما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابغوا لأنفسكم، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها، يتبعون الحنفية دين إبراهيم، فأما ورقة فتنصر، ولم يكن منهم أعدل شأنا من زيد بن عمرو، اعتزل الأوثان وفارق الأديان إلا دين إبراهيم. وقال الباغندي: حدثنا أبو سعيد الأشج, قال: حدثنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين". وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني هشام، عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 79 مسندا ظهره إلى الكعبة، وهو يقول: يا معشر قريش، والذي نفسي بيده! ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ثم يسجد على راحلته". قال ابن إسحاق: فقال زيد في فراق دين قومه: أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور في أبيات. قال ابن إسحاق: وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخوه لأمه يعاتبه ويؤذيه حتى أخرجه إلى أعلى مكة، فنزل حراء مقابل مكة، فإذا دخل مكة سرا آذوه وأخرجوه، كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد. ثم خرج يطلب دين إبراهيم، فجال الشام والجزيرة، إلى أن قال ابن إسحاق: فرد إلى مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه. باب: أخبرتنا ست الأهل بنت علوان، قالت: أخبرنا البهاء عبد الرحمن، قال: أخبرنا منوجهر بن محمد، قال: أخبرنا هبة الله بن أحمد، قال: حدثنا الحسين بن علي بن بطحا، قال: أخبرنا محمد بن الحسين الحراني، قال: أخبرنا محمد بن سعيد الرسعني، قال: أخبرنا المعافى بن سليمان, قال: حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 80 قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص, فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] ، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا. قال عطاء: ثم لقيت كعب الأحبار فسألته، فما اختلفا في حرف، إلا أن كعبا يقول بلغته: أعينا عمومى وآذانا صمومى وقلوبا غلوفى. أخرجه البخاري عن العوقي، عن فليح. وقد رواه سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن سلام، فذكره نحوه. ثم قال عطاء: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال ابن سلام. قلت: وهذا أصح فإن عطاء لم يدرك كعبا. وروى نحوه أبو غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم, أن عبد الله بن سلام قال: صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وذكر الحديث. وروى عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة، فدخل الكنيسة، فإذا هو بيهود، وإذا بيهودي يقرأ التوراة، فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا، وفي ناحية الكنيسة رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لكم أمسكتم؟ " قال المريض: أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 81 يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فقال هذه صفتك وأمتك أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوا أخاكم". أخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده". أخبرنا جماعة عن ابن اللتي أن أبا الوقت أخبره، قال: أخبرنا الداوودي، قال: أخبرنا ابن حمويه، قال: أخبرنا عيسى السمرقندي، قال: أخبرنا الدارمي، قال: أخبرنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي فروة، عن ابن عباس أنه سأل كعبا: كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: نجده محمد بن عبد الله، يولد بمكة، ويهاجر إلا طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق، ولا يكافئ بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمادون، يحمدون الله في كل سراء، ويكبرون الله على كل نجد، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل، يسمع مناديهم في جو السماء. قلت: يعني الأذان. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل، عن أم الدرداء، قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة. فذكر نحو حديث عطاء. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 82 قصة سلمان الفارسي: قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد, عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي، قال: كنت رجلا من أهل فارس من أهل أصبهان، من قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقان أرضه, وكان يحبني حبا شديدا، لم يحبه شيئا من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها، فلا أتركها تخبو ساعة، فكنت لذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا إلا ما أنا فيه، حتى بنى أبي بنيانا له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بني، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بد لي من اطلاعها، فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا، ولا تحتبس علي فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء. فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعت أصواتهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: النصارى، فدخلت فأعجبني حالهم، فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضعيفته فقال: أين كنت؟ قلت: مررت بالنصارى، فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون. قال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله، ويدعونه ويصلون له، ونحن نعبد نارا نوقدها الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 83 بأيدينا، إذا تركناها ماتت. فخاف فجعل في رجلي حديدا وحبسني، فبعثت إلى النصارى فقلت: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني. قالوا: نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم فآذنوني بهم, فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم، فقدمت معهم الشام، فقلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة. فجئته فقلت: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأبعد الله فيها معك، وأتعلم منك الخير. قال: فكن معي قال: فكنت معه، فكان رجل سوء، يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوها له اكتنزها ولم يعطها المساكين، فأبغضته بغضا شديدا، لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة ويكتنزها. قالوا: وما علامة ذلك؟ قلت: أنا أخرج إليكم كنزه، فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدا، فصلبوه ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل فجعلوه مكانه، ولا والله يا ابن عباس، ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه، وأشد اجتهادا، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب ليلا ونهارا، وما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: قد حضرك ما ترى من أمر الله فماذا تأمرني؟ وإلى من توصيني؟ قال لي: أي بني، والله ما أعلمه إلا بالموصل، فأته فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد، فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك. قال: فأقم أي بني، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة، فقلت: إن فلانا أوصى بي إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني؟ قال: والله ما أعلمه إلا رجلا بنصيبين. فلما دفناه لحقت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 84 بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم، حتى حضره الموت فأوصى بي إلى رجل من عمورية بالروم، فأتيته فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقيرات، ثم احتضر فكلمته، فقال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين؛ أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأنا أعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى، فوالله لقد رأيت النخل، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي، وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة فابتاعني، فخرج بي حتى قدمنا المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها فأقمت في رقي. وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة لا يذكر لي شيء من أمره، مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخله، فوالله إني لفيها، إذ جاء ابن عم له فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة، يزعمون أنه نبي. فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء -يقول الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك ولهذا، أقبل على عملك. فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه، فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فقلت له: بلغني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 85 أنك رجل صالح، وأن معك أصحابا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاكها فكل منه، فأمسك وقال لأصحابه: "كلوا". فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجمعت شيئا ثم جئته به، فقلت: هذا هدية، فأكل وأكل أصحابه، فقلت: هذه خلتان، ثم جئته وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي، وهو في أصحابه، فاستدرت لأنظر إلى الخاتم، فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت شيئا وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه، كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال: تحول يا سلمان هكذا. فتحولت، فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه، فحدثته يابن عباس كما حدثتك. فلما فرغت قال: "كاتب يا سلمان". فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية، فأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل ثلاثين ودية وعشرين ودية وعشر, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقر لها، فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي". ففقرتها وأعانني أصحابي، يقول: حفرت لها حيث توضع حتى فرغنا منها، وخرج معي، فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوس عليها، فوالذي بعثه ما مات منها ودية واحدة وبقيت علي الدراهم، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب فقال: "أين الفارسي؟ " فدعيت له فقال: "خذ هذه فأد بها ما عليك". قلت: يا رسول الله! وأين تقع هذه مما عليّ؟ قال: "فإن الله سيؤدي بها عنك". فوالذي نفس سلمان بيده، لوزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان. وحبسني الرق حتى فاتتني بدر وأحد، ثم شهدت الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 86 قوله: قطن النار: جمع قاطن، أي: مقيم عندها، أو هو مصدر، كرجل صوم وعدل. وقال يونس بن بكير وغيره، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز، قال: وجهت هذا من حديث سلمان, قال: حدثت عن سلمان: أن صاحب عمورية قال له لما احتضر: ائت غيضتين من أرض الشام، فإن رجلا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة، يعترضه ذوو الأسقام، فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي، فسله عن هذا الدين دين إبراهيم، فخرج حتى أقمت بها سنة، حتى خرج تلك الليلة، وإنما كان يخرج مستجيزا، فخرج وغلبني عليه الناس، حتى دخل في الغيضة، حتى ما بقي إلا منكبه، فأخذت به فقلت: رحمك الله! الحنيفية دين إبراهيم؟ فقال: تسأل عن شيء ما سأل عنه الناس اليوم، قد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت بهذا الحرم، ويبعث بسفك الدم. فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى ابن مريم". وقال مسلمة بن علقمة المازني: حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي، قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له: قدامة، فقال: أحب أن ألقى سلمان الفارسي فأسلم عليه، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن، وهو يومئذ على عشرين ألفا، ووجدناه على سرير يسف خوصا فسلمنا عليه، فقلت: يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قدم علي من البادية، فأحب أن يسلم عليك. قال: وعليه السلام الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 87 ورحمة الله وبركاته. قلت: يزعم أنه يحبك. قال: أحبه الله. فتحدثنا وقلنا: يا أبا عبد الله، ألا تحدثنا عن أصلك؟ قال: أما أصلي فأنا من أهل رامهرمز، كنا قوما مجوسا، فأتى رجل نصراني من أهل الجزيرة كانت أمه منا، فنزل فينا واتخذ فينا ديرا وكنت من كتاب الفارسية، فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي، قد ضربه أبواه، فقلت له يوما: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي. قلت: ولم يضربانك؟ فقال: آتي صاحب هذا الدير، فإذا علما ذلك ضرباني، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا. قلت فاذهب بي معك، فأتيناه، فحدثنا عن بدء الخلق وعن الجنة والنار، فحدثنا بأحاديث عجب، فكنت أختلف إليه معه، وفطن لنا غلمان من الكتاب، فجعلوا يجيئون معنا، فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه، فقالوا: يا هناه إنك قد جاورتنا فلم تر من جوارنا إلا الحسن، وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك، ونحن نخاف أن تفسدهم علينا، اخرج عنا. قال: نعم فقال لذلك الغلام الذي كان يأتيه: اخرج معي. قال: لا أستطيع ذلك. قلت: أنا أخرج معك، وكنت يتيما لا أب لي، فخرجت معه، فأخذنا جبل رامهرمز، فجعلنا نمشي ونتوكل، ونأكل من ثمر الشجر، فقدمنا نصيبين، فقال لي صاحبي: يا سلمان، إن ههنا قوما هم عباد أهل الأرض، فأنا أحب أن ألقاهم. قال: فجئناهم يوم الأحد، وقد اجتمعوا، فسلم عليها صاحبي، فحيوه وبشوا به، وقالوا: أين كانت غيبتك؟ فتحدثنا، ثم قال: قم يا سلمان، فقلت: لا، دعني مع هؤلاء. قال: إنك لا تطيق ما يطيقون، هؤلاء يصومون من الأحد إلى الأحد، ولا ينامون هذا الليل. وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة، فكنت فيهم حتى أمسينا، فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه، فلما أمسينا قال ذاك الرجل الذي من أبناء الملوك: هذا الغلام ما تضيعوه ليأخذه رجل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 88 منكم. فقالوا: خذه أنت، فقال لي: هلم فذهب بي إلى غاره، وقال لي: هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت، وصم إذا نشطت، وصل ما بدا لك، ونم إذا كسلت. ثم قام في صلاته فلم يكلمني، فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد، حتى كان الأحد، وانصرف إلي، فذهبنا إلى مكانهم الذي يجتمعون فيه في الأحد، فكانوا يفطرون فيه، ويلقى بعضهم بعضا ويسلم بعضهم على بعض، ثم لا يلتقون إلى مثله، قال: فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال أول مرة، ثم لم يكلمني إلى الأحد الآخر، فحدثت نفسي بالفرار فقلت: اصبر أحدين أو ثلاثة فلما كان الأحد واجتمعوا، قال لهم: إني أريد بيت المقدس. فقالوا: ما تريد إلى ذلك؟ قال: لا عهد لي به. قالوا: إنا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا. قال: فلما سمعته يذكر ذاك خرجت، فخرجنا أنا وهو، فكان يصوم من الأحد إلى الأحد، ويصلي الليل كله، ويمشي بالنهار، فإذا نزلنا قام يصلي، فأتينا بيت المقدس، وعلى الباب مقعد يسأل فقال: أعطني. قال: ما معي شيء. فدخلنا بيت المقدس، فلما رأوه بشوا إليه واستبشروا به، فقال لهم: غلامي هذا فاستوصوا به، فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما، ودخل في الصلاة، فلم ينصرف إلى الأحد الآخر، ثم انصرف. فقال: يا سلمان إني أريد أن أضع رأسي، فإذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني. فبلغ الظل الذي قال، فلم أوقظه مأواة له مما دأب من اجتهاده ونصبه، فاستيقظ مذعورا، فقال: يا سلمان، ألم أكن قلت لك: إذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني؟ قلت: بلى، ولكن إنما منعني مأواة لك من دأبك. قال: ويحك إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل لله فيه خيرا، ثم قال: اعلم أن أفضل دين اليوم النصرانية قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية -كلمة ألقيت على لساني- قال: نعم، يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 89 ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإذا أدركته فاتبعه وصدقه. قلت: وإن أمرني أن أدع النصرانية؟ قال: نعم فإنه نبي لا يأمر إلا بحق ولا يقول إلا حقا، والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعتها. ثم خرجنا من بيت المقدس، فمررنا على ذلك المقعد، فقال له: دخلت فلم تعطني، وهذا تخرج فأعطني، فالتفت فلم ير حوله أحدا، قال: أعطني يدك. فأخذه بيده، فقال: قم بإذن الله، فقام صحيحا سويا، فتوجه نحو أهله فأتبعته بصري تعجبا مما رأيت، وخرج صاحبي مسرعا وتبعته، فتلقاني رفقة من كلب، فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا، فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة، فاشتراني رجل من الأنصار، فجعلني في حائط له ومن ثم تعلمت عمل الخوص، أشتري بدرهم خوصا فأعمله فأبيعه بدرهمين، فأنفق درهما، أحب أن آكل من عمل يدي. وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا. قال: فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث، فهاجر إلينا، فقلت: لأجربنه، فذهبت فاشتريت لحم جزور بدرهم، ثم طبخته، فجعلت قصعة من ثريد، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه. فقال: "أصدقة أم هدية؟ " قلت: صدقة فقال لأصحابه: "كلوا بسم الله". وأمسك ولم يأكل، فمكثت أياما، ثم اشتريت لحما فأصنعه أيضا وأتيته به، فقال: "ما هذه؟ " قلت: هدية. فقال لأصحابه: "كلوا بسم الله" وأكل معهم. قال: فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، فأسلمت، ثم قلت له: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: "لا خير فيهم". ثم سألته بعد أيام قال: "لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم". قلت في نفسي: فأنا والله أحبهم، قال: وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف، فسرية تدخل وسرية تخرج، والسيف يقطر. قلت يحدث بي الآن أني أحبهم، فيبعث الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 90 فيضرب عنقي، فقعدت في البيت، فجاءني الرسول ذات يوم فقال: يا سلمان أجب. قلت: هذا والله الذي كنت أحذر. فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم وقال: "أبشر يا سلمان فقد فرج الله عنك". ثم تلا علي هؤلاء الآيات: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} ، إلى قوله: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 52-54] ، قلت: والذي بعثك بالحق، لقد سمعته يقول: لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها. هذا حديث منكر غريب، والذي قبله أصح، وقد تفرد مسلمة بهذا، وهو ممن احتج به مسلم، ووثقه ابن معين، وأما أحمد بن حنبل فضعفه، رواه قيس بن حفص الدارمي شيخ البخاري عنه. وقال عبد الله بن عبد القدوس: حدثنا عبيد المكتب، قال: أخبرنا أبو الطفيل، قال: حدثني سلمان، قال: كنت من أهل جي، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إن الدين الذي تطلب بالمغرب، فخرجت حتى أتيت الموصل، فسألت عن أفضل رجل بها، فدللت على رجل في صومعة، ثم ذكر نحوه. كما قال الطبراني، قال: وقال في آخره: فقلت لصاحبي: بعني نفسي. قال: على أن تنبت لي مائة نخلة، فإذا نبتن جئني بوزن نواة من ذهب. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: اشتر نفسك بالذي سألك، وائتني بدلو من ماء النهر التي كنت تسقي منها ذلك النخل. قال: فدعا لي، ثم سقيتها، فوالله لقد غرست مائة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 91 فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن النخل قد نبتن، فأعطاني قطعة من ذهب، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان، ووضع في الجانب الآخر نواة، قال: فوالله ما استعلت القطعة الذهب من الأرض، قال: وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأعتقني. علي بن عاصم، قال: أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان، أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين ولهما إخاء، وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف كان أول إسلامك؟ قال: فقال سلمان: كنت يتيما من رامهرمز، وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته لأكون في كنفه، وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنيا في نفسه، وكنت غلاما فقيرا، فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه فإذا تفرقوا خرج فتقنع بثوبه، ثم يصعد الجبل متنكرا، فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ فقال: أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء. قلت: لا تخف. قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيل، لهم عبادة يزعمون أنا عبدة النيران، وأنا على غير دين فأستأذن لك. قال: فاستأذنهم ثم واعدني وقال: اخرج في وقت كذا، ولا يعلم بك أحد، فإن أبي إن علم بهم قتلهم. قال: فصعدنا إليهم. قال علي -وأراه قال- وهم ستة أو سبعة. قال: وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون الشجر وما وجدوا، فقعدنا إليهم فذكرنا الحديث بطوله، وفيه: أن الملك شعر بهم، فخرجوا، وصحبهم سلمان إلى الموصل، واجتمع بعابد من بقايا أهل الكتاب، فذكر من عبادته وجوعه شيئا مفرطا، وأنه صحبه إلى بيت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 92 المقدس، فرأى مقعدا فأقامه، فحملت على المقعد أثاثه ليسرع إلى أهله، فانملس مني صاحبي، فتبعت أثره، فلم أظفر به، فأخذني ناس من كلب وباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار، فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراني أبو بكر فأعتقني. وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المازني، لأن الحديثين يرجعان إلى سماك، ولكن قال هنا عن زيد بن صوحان، فهو منقطع، فإنه لم يدرك زيد بن صوحان، وعلي بن عاصم ضعيف كثير الوهم، والله أعلم. عمرو العنقزي: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي قرة الكندي، عن سلمان، قال: كان أبي من الأساورة فأسلمني الكتاب، فكنت أختلف ومعي غلامان، فإذا رجعا دخلا على راهب أو قس، فدخلت معهما، فقال لهما، ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا. فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما، فقال لي: يا سلمان، إني أحب أن أخرج من هذه الأرض. قلت: وأنا معك فأتى قرية فنزلها, وكانت امرأة تختلف إليه، فلما حضر قال: احفر عند رأسي، فحفرت فاستخرجت جرة من دراهم، فقال: ضعها على صدري، فجعل يضرب بيده على صدره ويقول: ويل للقنائين! قال: ومات فاجتمع القسيسون والرهبان، وهممت أن أحتمل المال، ثم إن الله عصمني، فقلت للرهبان، فوثب شباب من أهل القرية، فقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تختلف إليه، فقلت لأولئك: دلوني على عالم أكون معه. قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص. فأتيته فقال: ما جاء بك إلا طلب العلم. قلت: نعم. قال: فإني لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 93 المقدس كل سنة في هذا الشهر. فانطلقت فوجدت حماره واقفا، فخرج فقصصت عليه، فقال: اجلس ههنا حتى أرجع إليك. فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل، فقال: وإنك لههنا بعد؟ قلت: نعم. قال: فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبي وهذا زمانه، وإن انطلقت الآن وافقته، وفيه ثلاث: خاتم النبوة، ولا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية. وذكر الحديث. وقال ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثني السلم بن الصلت، عن أبي الطفيل، عن سلمان، قال: كنت رجلا من أهل جي مدينة أصبهان، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس، فسألته: أي الدين أفضل؟ قال: ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل، فذهبت إليه. وذكر الحديث، وفيه: فأتيت حجازيا، فقلت: تحملني إلى المدينة؟ قال: ما تعطيني؟ قلت: أنا لك عبد. فلما قدمت جعلني في نخله، فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك، ولا أجد أحدا يفقه كلامي، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي، فقلت لها: أين هذا الرجل الذي خرج؟ فدلتني عليه، فجمعت تمرا وجئت فقربته إليه. وذكر الحديث. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 94 ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم: قال الزهري، عن عروة عن عائشة، قالت: أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، أي: يتعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: "فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني الثانية فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ". حتى بلغ إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] ، قالت: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني". فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: "يا خديجة ما لي! ". وأخبرها الخبر وقال: "قد خشيت [على نفسي] ". فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل [وتكسب المعدوم، وتقري الضيف] ، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الخط العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمي. فقالت: اسمع من ابن أخيك. فقال: يابن أخي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 95 ما ترى؟ فأخبره، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا حين يخرجك قومك، قال: "أومخرجي هم"؟. قال: نعم، إنه لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي وأوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي. فروى الترمذي، عن أبي موسى الأنصاري، عن يونس بن بكير، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقة، فقالت له خديجة: إنه -يا رسول الله- كان صدقك، وإنه مات قبل أن تظهر. فقال: "رأيته في المنام عليه ثياب بيض، ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك". وجاء من مراسيل عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت لورقة جنة أو جنتين". وقال الزهري، عن عروة، عن عائشة: "وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا، وغدا مرارا يتردى من شواهق الجبال، وكلما أوفى بذروة ليلقي نفسه، تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك. رواه أحمد في "مسنده" والبخاري. وقال هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة، فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 96 رواه البخاري. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، قال: أنزل على رسول الله صلى الله وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، فمكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا. وقال محمد بن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة، ومات وهو ابن ثلاث وستين. أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، قال: أخبرنا عبد القوي بن الجباب، قال: أخبرنا عبد الله بن رفاعة، قال: أخبرنا علي بن الحسن الخلعي، قال: أخبرنا أبو محمد بن النحاس، قال: أخبرنا عبد الله بن الورد، قال: أخبرنا عبد الرحيم بن عبد الله البرقي، قال: حدثنا عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق، قال: كانت الأحبار والرهبان وكهان العرب قد تحدثوا بأمر محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه، أما أهل الكتاب فعمَّا وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه، وما كان عهد إليهم أنبياؤهم من شأنه وأما الكهان فأتتهم الشياطين بما استرقت من السمع، وأنها قد حجبت عن استراق السمع ورميت بالشهب. قال الله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] ، فلما سمعت الجن القرآن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 97 من النبي صلى الله عليه وسلم عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس الأمر فآمنوا وصدقوا وولوا إلى قومهم منذرين. حدثني يعقوب بن عتبة أنه بلغه أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم ثقيف، فجاءوا إلى عمرو بن أمية وكان أدهى العرب، فقالوا: ألا ترى ما حدث؟ قال: بلى، فانظروا فإن كان معالم النجوم التي يهتدى بها وتعرف بها الأنواء هي التي يرمى بها، فهي والله طي الدنيا وهلاك أهلها، وإن كانت نجوما غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا أمر أراد الله به هذا الخلق فما هو. قلت: روى حديث يعقوب بنحوه حصين، عن الشعبي، لكن قال: فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفي، وكان قد عمي. وقد جاء غير حديث بأسانيد واهية أن غير واحد من الكهان أخبره رئية من الجن بأسجاع ورجز، فيها ذكر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وسمع من هواتف الجان من ذلك أشياء. وبالإسناد إلى ابن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا، أنا كنا نسمع من يهود، وكنا أصحاب أوثان، وهم أهل كتاب، وكان لا يزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم قالوا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا، وعرفنا ما كان يتوعدونا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به، ففي ذلك نزل: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 98 {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 89] ، الآيات. حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد، عن سلمة بن سلامة بن وقش، قال: كان لنا جار يهودي، فخرج يوما حتى وقف على بني عبد الأشهل، وأنا يومئذ أحدثهم سنا، فذكر القيامة والحساب والميزان والجنة والنار، قال ذلك لقوم أصحاب أوثان لا يرون بعثا بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، أوترى هذا كائنا أن الناس يبعثون! قال: نعم. قالوا: فما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد، وأشار إلى مكة واليمن. قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليَّ وأنا حدث فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا له: ويحك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت! قال: بلى، ولكن ليس به. حدثني عاصم بن عمر، عن شيخ من بني قريظة، قال لي: هل تدري عم كان الإسلام لثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، نفر من إخوة بني قريظة، كانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام؟ قلت: لا والله، قال: إن رجلا من يهود الشام يقال له: ابن التيهان قدم علينا قبل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا فكان إذا قحط عنا المطر يأمرنا بالصدقة ويستسقي لنا، فوالله ما يبرح من مجلسه حتى نسقى، قد فعل ذلك غير مرتين ولا ثلاث، ثم حضرته الوفاة، فلما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 99 عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير، إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا: أنت أعلم. قال: إنما قدمت أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه، وهذه البلدة مهاجره، كنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود، إنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه. فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وحاصر خيبر قال هؤلاء الفتية، وكانوا شبابا أحداثا: يا بني قريظة، والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن التيهان. قالوا: ليس به فنزل هؤلاء وأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم. وبه، قال ابن إسحاق: وكانت خديجة قد ذكرت لعمها ورقة بن نوفل، وكان قد قرأ الكتب وتنصر، ما حدثها ميسرة من قول الراهب وإظلال الملكين، فقال: لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أن لهذه الأمة نبيا ينتظر زمانه، قال: وجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول: حتى متى؟ وقال: لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا بما خبرتا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا بأن محمدا سيسود قوما ... ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا فيا ليتني إذا ما كنت ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 100 فإن يبقوا وأبق تكن أمور ... يضج الكافرون لا ضجيجا وقال سليمان بن معاذ الضبي، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بمكة لحجرا يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن". رواه أبو داود. وقال يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو سلمة، قال: سألت جابرا: أي القرآن أنزل أول {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] ، أو {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ؟ فقال: ألا أحدثكم بما حدثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "إني جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وشمالي، فلم أر شيئا، ثم نظرت إلى السماء، فإذا هو على عرش في الهواء -يعني الملك- فأخذني رجفة، فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثروني، ثم صبوا عليّ الماء، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ} ". [المدثر: 1، 2] . وقال الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي، قال: "بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا، فرجعت، فقلت: زملوني فدثروني، ونزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ". [المدثر: 1-5] ، وهي الأوثان. متفق عليه. وهو نص في {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نزلت بعد فترة الوحي الأول، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فكان الوحي الأول للنبوة والثاني للرسالة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 101 فأول من آمن به خديجة رضي الله عنها: قال عز الدين أبو الحسن ابن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة. وقال الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي، وغيرهم: أول من آمن بالله ورسوله: خديجة، وأبو بكر، وعليّ. وقال حسان بن ثابت وجماعة: أبو بكر أول من أسلم. وقال غير واحد: بل علي. وعن ابن عباس: فيهما قولان، لكن أسلم علي وله عشر سنين أو نحوها على الصحيح، وقيل: وله ثمان سنين، وقيل: تسع، وقيل: اثنتا عشرة، وقيل: خمس عشرة، وهو قول شاذ، فإن ابنه محمدا، وأبا جعفر الباقر، وأبا إسحاق السبيعي وغيرهم، قالوا: توفي وله ثلاث وستون سنة. فهذا يقضي بأنه أسلم وله عشر سنين، حتى إن سفيان بن عيينة روى عن جعفر الصادق، عن أبيه، قال: قتل علي وله ثمان وخمسون سنة. وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله علي -رضي الله عنه- وهو ابن عشر سنين، ثم أسلم زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم أبو بكر. وقال الزهري: كانت خديجة أول من آمن بالله، وقبل الرسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 102 رسالة ربه وانصرف إلى بيته، وجعل لا يمر على شجرة ولا صخرة إلا سلمت عليه، فلما دخل على خديجة قال: "أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام، فإنه جبريل استعلن لي، أرسله إليّ ربي". وأخبرها بالوحي. فقالت: أبشر، فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا، فاقبل الذي جاءك من الله فإنه حق، ثم انطلقت إلى عداس غلام عتبة بن ربيعة، وكان نصرانيا من أهل نينوى فقالت: أذكرك الله إلا ما أخبرتني، هل عندك علم من جبريل؟ فقال عداس: قدوس قدوس. قالت: أخبرني بعلمك فيه. قال: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى، وعيسى -عليهما السلام- فرجعت من عنده إلى ورقة. فذكر الحديث. وقد رواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير بنحو منه، وزاد: ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فوضأ وجه ويديه إلى المرفقين، ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم نضح فرجه، وسجد سجدتين مواجه البيت، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يفعل. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 103 من معجزاته الأول: وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، عن بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، وكان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه. وقال سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث". أخرجه مسلم. وقال الوليد بن أبي ثورة وغيره، عن إسماعيل السدي، عن عباد بن عبد الله، عن علي -رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله. أخرجه الترمذي، وقال: غريب. وقال يوسف بن يعقوب القاضي: حدثنا أبو الربيع، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من مكة، قد خضبه أهل مكة بالدماء، قال: ما لك؟ قال: "خضبني هؤلاء بالدماء وفعلوا وفعلوا". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 104 قال: تريد أن أريك آية؟ قال: "نعم". قال: ادع تلك الشجرة. فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تخط الأرض حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع إلى مكانها قال: ارجعي إلى مكانك فرجعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبي". هذا حديث صحيح. وقال ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد الله عن كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل. فقال عبيد بن عمير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث التبرر. قال ابن إسحاق: فكان يجاور ذلك في كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره، كان أول ما يبدأ به الكعبة، فيطوف ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله كرامته، وذلك الشهر رمضان، خرج صلى الله عليه وسلم إلى حراء ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال اقرأ. قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: وما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: وما أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 105 بمثل ما صنع بي فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] ، فقرأتها ثم انتهى عني، وهببت من نومي، فكأنما كتبت في قلبي كتابا". في هذا المكان زيادة، زادا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وهي: "ولم يكن في خلق الله أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد -يعني نفسه- لشاعر أو مجنون، ثم قلت: لا تحدث عني قريش بهذا أبدا، لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي فلأستريحن، فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل، سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، فقال: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. فوقفت أنظر إليه، فما أتقدم ولا أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك. ثم انصرف عني، فانصرفت إلى أهلي، حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفا إليها فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا. ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يابن عمي واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة". ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان قد تنصر وقرأ الكتب، فأخبرته بما رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس، والذي نفسي بيده لئن كنت صدقت يا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 106 خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة، فلما قضى جواره طاف الكعبة، فلقيه ورقة وهو يطوف فقال: أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره، فقال: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذنه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه. وقال موسى بن عقبة في "مغازيه": كان صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا أول ما رأى أن الله أراه رؤيا في المنام، فشق ذلك عليه، فذكرها لخديجة، فعصمها الله وشرح صدرها بالتصديق، فقالت: أبشر. ثم أخبرها أنه رأى بطنه شق ثم طهر وغسل ثم أعيد كما كان، قالت: هذا والله خير فأبشر. ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة، فأجلسه في مجلس كريم معجب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ، فبشره برسالة الله -عز وجل- حتى اطمأن. الذي فيها من شق بطنه يحتمل أن يكون أخبرها بما تم له في صغره ويحتمل أن يكون شق مرة أخرى، ثم شق مرة ثالثة حين عرج به إلى السماء. وقال ابن بكير عن ابن إسحاق، فأنشد ورقة: إن يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من الله وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به العاني الغوي المظلل فسبحان من تهوى الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 107 ومن عرشه فوق السماوات كلها ... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل وقال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم أن خديجة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ابن عم، إن استطعت أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك. قال: "نعم" قال: فلما جاءه قال: "يا خديجة هذا جبريل". قالت: ابن عم قم فاجلس على فخذي اليسرى، فقام فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم". قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى. فتحول فقعد على فخذها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم". قالت: فاجلس في حجري. ففعل، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم". فتحسرت فألقت خمارها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: "لا". قالت: اثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان. قال: وحدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث هذا الحديث، عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل، فقالت: إن هذا لملك وما هو بشيطان. وقال أبو صالح: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على نبيه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] ، فقالوا: هذا صدرها الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء، ثم أنزل آخرها بعد بما شاء الله. وقال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في رمضان، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [القدر: 1] ، وقال تعالى: {إِنَّا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 108 أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] . قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: همز جبريل بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت عين، فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام ثم صلى ركعتين ورجع، قد أقر الله عينه، وطابت نفسه، فأخذ بيد خديجة، حتى أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم صلى ركعتين هو وخديجة، ثم كان هو وخديجة يصليان سرا، ثم إن عليا جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي: ما هذا يا محمد؟ فقال: "دين اصطفاه الله لنفسه وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وحده وكفر باللات والعزى". فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب. وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن عليه أمره، فقال له: "يا علي! إن لم تسلم فاكتم". فمكث علي تلك الليلة ثم أوقع الله في قلبه الإسلام، فأصبح فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم إسلامه. وأسلم زيد بن حارثة فمكثا قريبا من شهر، يختلف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مما أنعم الله على علي أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. وقال سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 109 بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أصابت قريشا أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس عمه -وكان موسرا: "إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى، فانطلق لنخفف عنه من عياله". فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليا، فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي وآمن به. وقال الدراوردي، عن عمر بن عبد الله، عن محمد بن كعب القرظي، قال: إن أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وإن عليا كان يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبوه فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عتم منه حين ذكرته وما تردد فيه". وقال إسرائيل، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا برز، سمع من يناديه، يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان نديما له في الجاهلية. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 110 إسلام السابقين الأولين: قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة، خرج إلى شعاب مكة ومعه علي فيصليان فإذا أمسيا رجعا، ثم إن أبا طالب عبر عليهما وهما يصليان، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يابن أخي ما هذا؟ قال: "أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين إبراهيم، بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني وأعانني". فقال أبو طالب: أي ابن أخي لا أستطيع أن أفارق دين آبائي، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت، ولم يكلم عليا بشيء يكره، فزعموا أنه قال: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فاتبعه. ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول ذكر أسلم، وصلى بعد علي، رضي الله عنهما. وكان حكيم بن حزام قدم من الشام برقيق، فدخلت عليه خديجة بنت خويلد فقال: اختاري أي هؤلاء الغلماء شئت فهو لك، فاختارت زيدا، فأخذته، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فاستوهبه، فوهبته له، فأعتقه وتبناه قبل الوحي، ثم قدم أبوه حارثة لموجدته عليه وجزعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك". قال: بل أقيم عندك، وكان يدعى زيد بن محمد، فلما نزلت {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] ، قال: أنا زيد بن حارثة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 111 قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف، فجعل لما أسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه، ويجلس إليه، فأسلم بدعائه: عثمان، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلموا وصلوا، فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق بالإسلام وصلوا وصدقوا. ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله المخزومي، والأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي، وعثمان بن مظعون الجمحي، وأخواه قدامة وعبد الله، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، وامرأته فاطمة أخت عمر بن الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وخباب بن الأرت حليف بني زهرة، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد، وعبد الله بن مسعود، وسليط بن عمرو بن عبد شمس العامري، وأخوه حاطب، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وامرأته أسماء, وخنيس بن حذافة السهمي، وعامر ابن ربيعة حليف آل الخطاب، وعبد الله وأبو أحمد ابنا جحش بن رئاب الأسدي، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحي، وامرأته فاطمة بنت المجلل، وأخوه خطاب، وامرأته فكيهة بنت يسار، ومعمر بن الحارث أخوهما، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف العدوي الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنحام وهو نعيم بن عبد الله بن أسد العدوي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 112 سعيد بن العاص بن أمية، وامرأته أمينة بنت خلف، وحاطب بن عمرو، وأبو حذيفة مهشم ابن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبد الله حليف بني عدي، وخالد، وعامر، وعاقل، وإياس بنو البكير حلفاء بني عدي، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم، وصهيب بن سنان النمري حليف بني تميم. وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان الوالبي، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: قال طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: قلت: نعم أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي، فأسرعت إلى مكة، فقلت: هل من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة، فدخلت عليه فقلت: اتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق فاتبعه. فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج به حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد، ولم تمنعهما بنو تيم، وكان نوفل يدعى "أسد قريش"، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة: القرينين. وقال إسماعيل بن مجالد، عن بيان بن بشر، عن وبرة، عن همام، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 113 قلت: ولم يذكر عليا لأنه كان صغيرا ابن عشر سنين. وقال العباس بن سالم، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة مستخفيا، فقلت: ما أنت؟ قال: "نبي". قلت: وما النبي؟ قال: "رسول الله" قلت: الله أرسلك؟ قال: "نعم". قلت: بم أرسلك؟ قال: "بأن يعبد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام". قلت: نعم ما أرسلك به، فمن تبعك؟ قال: "حر وعبد". يعني أبا بكر وبلال، فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا رابع أو ربع، فأسلمت وقلت: أتبعك يا رسول الله، قال: "لا، ولكن الحق بقومك، فإذا أخبرت بأني قد خرجت فاتبعني" أخرجه مسلم. وقال هاشم بن هاشم، عن ابن المسيب، أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد مكثت سبعة أيام، وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري. وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمار وأمه، وصهيب، وبلال، والمقداد. تفرد به يحيى بن أبي بكير. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن سعيد بن زيد، قال: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام، قبل أن يسلم عمر, ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 114 وقال الطيالسي في "مسنده": حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وقد فرا من المشركين فقالا: "يا غلام هل عندك لبن تسقينا"؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما. فقالا: "هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل". قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا، فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها، ثم شربا وسقياني، ثم قال للضرع: "اقلص". فقلص فلما كان بعد، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني من هذا القول الطيب، يعني القرآن فقال: "إنك غلام معلم". فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 115 فصل: في دعوة النبي صلى الله عليه وسله عشيرته إلى الله وما لقى من قومه وقال جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، دعا النبي صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا فعم وخص، فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها". أخرجه مسلم عن قتيبة وزهير، عن جرير، واتفقا عليه من حديث الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة. وقال سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن قبيصة بن المخارق، وزهير بن عمرو، قالا: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل، فعلاها ثم نادى: "يا بني عبد مناف، إني نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله، فخشي أن يسبقوه فهتف: يا صباحاه". أخرجه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 116 مسلم. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل، واستكتمني اسمه، عن ابن عباس، عن علي، قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفت أني إن بادأت قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت عليها، فجاءني جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك". قال علي: فدعاني فقال: "يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمت، ثم جاءني جبريل فقال: إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب". ففعلت, فاجتمعوا له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب، فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية، فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها وقال: "كلوا باسم الله". فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم يأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقهم يا علي". فجئت بذلك القعب، فشربوا منه حتى نهلوا جميعا، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بدره أبو لهب فقال: لهدما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلمهم، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم من الغد: "عد لنا يا علي بمثل ما صنعت بالأمس". ففعلت وجمعتهم، فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا، وشربوا من ذلك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 117 القعب حتى نهلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة". قال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث. وقال يونس، عن ابن إسحاق: فكان بين ما أخفى النبي صلى الله عليه وسلم أمره إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف؛ يا صباحاه. قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي". قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا، ثم قام، فنزلت: "تبت يدا أبي لهب وقد تب". كذا قرأ الأعمش. متفق عليه إلا "وقد تب" فعند بعض أصحاب الأعمش، وهي في صحيح مسلم. وقال ابن عيينة: حدثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ، أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 118 مذمما أبينا ... ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت وأخاف أن تراك. قال: إنها لن تراني، وقرأ قرآنا فاعتصم به وقرأ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] ، فوقفت على أبي بكر، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أخبرت أن صاحبك هجاني, فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. روى نحوه علي بن مسهر، عن سعيد بن كثير، عن أبيه، عن أسماء. وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انظروا قريشا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمد". أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: وفشا الإسلام بمكة ثم أمر الله رسوله فقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] ، وقال: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: 89] قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر بشعب، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم وقاتلوهم، فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه، فكان أول دم في الإسلام، فلما بادأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وصدع بالإسلام، لم يبعد منه ولم يردوا عليه -فيما بلغني- حتى عاب آلهتهم، فأعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته، فحدب عليه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 119 عمه أبو طالب، ومنعه وقام دونه، فلما رأت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، ورأوا أن عمه يمنعه مشوا إلى أبي طالب فكلموه، وقالوا: إما أن تكفه عن آلهتنا وعن الكلام في ديننا، وإما أن تخلي بيننا وبينه. فقال لهم قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا. ثم بعد ذلك تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحض بعضهم بعضا عليه، ومشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا: إن لك نسبا وشرفا فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله ما نصبر على شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا حتى تكفه أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوته لهم، ولم يطلب نفسا أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا أن يخذله. وقال يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله، عن موسى بن طلحة قال: أخبرني عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا، فانهه عنا، فقال: يا عقيل انطلق فائتني بمحمد. فانطلقت إليه فاستخرجته من حفش أو كبس -يقول: بيت صغير- فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم. فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال: "أترون هذه الشمس"؟ قالوا: نعم، قال: "فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة". فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا. رواه البخاري في "التاريخ" عن أبي كريب، عن يونس. وقال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة أن قريشا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 120 حين قالت لأبي طالب ما قالوا، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يابن أخي إن قومك قد جاءوا إليَّ فقالوا: كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك, ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه بداء وأنه خاذله ومسلمه، فقال: "يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته". ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي. فأقبل إليه فقال: اذهب فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك أبدا. قال ابن إسحاق فيما رواه عنه يونس: ثم قال أبو طالب في ذلك شعرا. والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا فامض لأمرك ما عليك غضاضة ... أبشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت قدما أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا وقال الحارث بن عبيد: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، فأخرج رأسه من القبة فقال لهم: "أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله". وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن المنكدر، عن ربيعة بن عباد الدؤلي، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه، وهو يقول: لا يغرنكم عن دينكم ودين آبائكم. قلت: من هذا؟ قالوا: أبو لهب. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 121 وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه, عن ربيعة بن عباد من بني الديل، وكان جاهليا فأسلم، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بذي المجاز، وهو يمشي بين ظهراني الناس يقول: "يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا". ووراءه أبو لهب. فذكر الحديث. قال ربيعة: وأنا يومئذ أزفر القربة لأهلي. وقال شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن رجل من كنانة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز، وهو يقول: "قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا". وإذا خلفه رجل يَسفي عليه التراب، فإذا هو أبو جهل ويقول: لا يغرنكم هذا عن دينكم، فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى. إسناده قوي. وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: حدثني نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقا من نار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا". أخرجه مسلم. وقال عكرمة، عن ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عيانا". أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 122 وقال محمد بن إسحاق: ثم إن قريشا أتوا أبا طالب فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك نقتله، فإنما رجل كرجل. فقال: بئس والله ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وشهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا. فقال: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك. فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، فقال أبو طالب: ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثلما ينبذ الجمر وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني شيخ من أهل مصر، منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة طويلة جرت بين المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قام عنهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر، فإذا سجد فضخت به رأسه فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 123 فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وجلس، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقام يصلي بين الركنين الأسود واليماني، وكان يصلي إلى الشام، وجلست قريش في أنديتها ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع مرعوبا منتقعا لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف به من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل -عليه السلام- لو دنا مني لأخذه. وقال المحاربي وغيره، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك عن أن تصلي يا محمد؟ لقد علمت ما بهذا أحد أكثر ناديا مني. فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 17، 18] ، والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب. وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، قال: أخبرنا محمد بن علي الصنعاني بمكة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن أبن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأن رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 124 أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر لها، أو أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدته مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] ، يعني الآيات. هكذا رواه الحاكم موصولا. ورواه معمر، عن عباد بن منصور، عن عكرمة مرسلا. ورواه مختصرا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة مرسلا. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم، فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا. قالوا: فقل وأقم لنا رأيا. قال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع. قالوا: نقول كاهن. فقال: ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن وسحره. فقالوا: نقول مجنون. فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون، وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قال: فنقول شاعر. قال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر. قال: ما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده. فقالوا: ما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 125 تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله حلاوة وإن أصله لغدق وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن نقول ساحر يفرق بين المرء وبين ابنه وبين المرء وبين أخيه وبين عشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه. فأنزل في الوليد: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} إلى قوله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 11-26] ، وأنزل الله في الذين كانوا معه: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] ، أي: أصنافا، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] . وقال ابن بكير، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قام النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، فقال: يا معشر قريش، إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، ولا بكاهن، ولا بشاعر، قد رأينا هؤلاء وسمعنا كلامهم، فانظروا في شأنكم. وكان النضر من شياطين قريش، ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة. وقال محمد بن فضيل: حدثنا الأجلح، عن الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبد الله، قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر، فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره. فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علماء، وما يخفى عليّ إن كان كذلك. فأتاه، فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 126 خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه، قال: فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك ألويتنا، فكنت رأسنا ما بقيت, وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ". [فصلت: 2] ، فقرأ حتى بلغ {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] ، فأمسك عتبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه. فأتوه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته، فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ". [فصلت: 1-3] ، حتى بلغ {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] ، فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب. رواه يحيى بن معين عنه. وقال داود بن عمرو الضبي: حدثنا المثنى بن زرعة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة بن ربيعة {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أتى أصحابه فقال لهم: يا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 127 قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قط كلاما مثله، وما دريت ما أرد عليه. قال ابن إسحاق: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، لما أسلم حمزة قالوا له: يا أبا الوليد كلم محمدا. فأتاه فقال: يابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة والمكان في النسب، وإنك أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به بينهم، وسفهت أحلامهم، وعبت به آلهتهم، فاسمع مني. قال: قل يا أبا الوليد. قال: إن كنت تريد مالا جمعنا لك، حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سودناك وملكناك، وإن كان الذي يأتيك رئيا طلبنا لك الطب. حتى إذا فرغ قال: فاسمع مني. قال: أفعل. قال: {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 1-3] ، ومضى، فأنصت عتبة، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة سجد، ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك". فقام إلى أصحابه، فقال بعضهم: نحلف والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس قالوا: ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله بلسانه. قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 128 وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري. قال: حدثت أن أبا جهل، وأبا سفيان, والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يلتمسون يتسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في جوف بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسا، وكلا لا يعلم بمكان صاحبه، فلما أصبحوا تفرقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقالوا: لا نعود فلو رآنا بعض السفهاء لوقع في نفسه شيء، ثم عادوا لمثل ليلتهم، فلما تفرقوا تلاقوا فتلاوموا كذلك، فلما كان في الليلة الثالثة وأصبحوا جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا، ثم إن الأخنس بن شريق أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم أتى أبا جهل فقال: ما رأيك؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه، والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. فقام الأخنس عنه. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن المغيرة بن شعبة، قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل: "يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله". فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا، هل تريد إلا أن نشهد أن قد بلغت، فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حقا ما اتبعتك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عليَّ فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، فقالوا: ففينا الندوة، قلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 129 اللواء، فقلنا: نعم، وقالوا: فينا السقاية، فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي. والله لا أفعل. وقال ابن إسحاق: ثم إن قريشا وثبت كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، فمنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب، فقام أبو طالب فدعا بني هاشم وبني عبد المطلب إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه، إلا ما كان من الخاسر أبي لهب، فجعل أبو طالب يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في ذلك أشعارا، ثم إنه لما خشي دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، لما انتشر ذكره قال قصيدته التي منها: ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملح بباطل وفيها يقول: كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم نحوكم غير عزل ... ببيض حديث عهدها بالصياقل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في رحمة وفواضل لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... وإخوته دأب المحب المواصل فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 130 حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلها ليس عنه بغافل فوالله لولا أن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل فأصبح فينا أحمد ذو أرومة ... يقصر عنها سورة المتطاول حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل فلما انتشر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العرب ذكر بالمدينة، ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر، وقبل أن يذكر، من الأوس والخزرج, وذلك لما كانوا يسمعون من الأحبار، وكانوا حلفاء يعني اليهود في بلادهم. وكان أبو قيس بن الأسلت يحب قريشا, وكان لهم صهرا، وعنده أرنب ابنة أسد بن عبد العزى, وكان يقيم بمكة السنين بزوجته، فقال: أيا راكبا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب رسول امرئ قد راعه ذات بينكم ... على النأي محزون بذلك ناصب أعيذكم بالله من شر صنعكم ... وشر تباغيكم ودس العقارب متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... هي الغول للأقصين أو للأقارب أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم ... لنا غاية قد نهتدي بالذوائب فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب فعندكم منه بلاء مصدق ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم ... جنود المليك بين ساف وحاصب فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله ملجيش غير عصائب الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 131 أبو يكسوم: ملك أصحاب الفيل. وقال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت أصابت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر, فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، قد سفه أحلامنا، وسب آلهتنا, وفعل وفعل. فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستلم الركن وطاف بالبيت، فلما مر غمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجهه، فلما مر الثانية غمزوه، فلما مر الثالثة غمزوه، فوقف, فقال: "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح". قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائرا واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولا. فانصرف صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه. فبينا هم في ذلك، إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيقول: "نعم". فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونهم يبكي ويقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] ، ثم انصرفوا عنه، فحدثني بعض آل أبي بكر، أن أم كلثوم بنت أبي بكر قالت: لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته، وكان كثير الشعر. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 132 إسلام أبي ذر، رضي الله عنه: وقال سليمان بن المغيرة: حدثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا, فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا علينا ما قيل له. فقلت له: أما ما مضى من معروفك، فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا فنزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتينا الكاهن فخير أنيسا، فأتانا بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صليت يابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، فقلت: لمن؟ قال لله. قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء, حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء -يعني الثوب- حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك. فأتى مكة فراث -أي أبطأ- عليَّ، ثم أتاني فقلت ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك. قلت: ما يقول الناس؟ قال: يقولون: إنه شاعر، وساحر، وكاهن، وكان أنيس أحد الشعراء. فقال: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولو وضعت قوله على أقوال الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 133 الشعراء, فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، ووالله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون قال: قلت له: هل أنت كافيني حتى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد شنفوا له وتجهموا. فأتيت مكة، فتضعفت رجلا، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلى الصابئ. قال: فمال عليَّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشيا عليَّ، فارتفعت حين ارتفعت، كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فشربت من مائها، وغسلت عني الدم، فدخلت بين الكعبة وأستارها، ولقد لبثت يابن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم، وما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فبينما أهل مكة، في قمراء إضحيان، قد ضرب الله على أصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين، فأتتا عليَّ، وهما تدعوان إسافا ونائلة، فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى. قال: فما تناهتا عن قولهما -وفي لفظ: فما ثناهما ذلك عما قالتا- فأتتا علي فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكنى. فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما هابطان من الجبل، فقالا لهما: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فاستلم الحجر، ثم طافا، فلما قضى صلاته أتيته، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام. فقال: "وعليك ورحمة الله". ثم قال: "ممن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 134 أنت؟ " قلت: من غفار، فأهوى بيده فوضعها على جبينه فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار، فأهويت لآخذ بيده، فقدعني صاحبه، وكان أعلم به مني, ثم رفع رأسه، فقال: "متى كنت ههنا؟ " قلت: قد كنت ههنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوما. قال: "فمن كان يطعمك؟ " قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم. فقال: "إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم". فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة. ففعل، فانطلقا، وانطلقت معهما، حتى فتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها. قال: فغبرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟ ". فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت. ثم أتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما. فأسلمت، ثم احتملا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا، فقدم المدينة فأسلم بقيتهم. وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله إخواننا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا فقال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله". أخرجه مسلم عن هدبة، عن سليمان. وفي الصحيحين من حديث مثنى بن سعيد، عن أبي جمرة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 135 الضبعي، أن ابن عباس حدثهم بإسلام أبي ذر، قال: أرسلت أخي فرجع وقال: رأيت رجلا يأمر بالخير. فلم يشفني, فأتيت مكة، فجعلت لا أعرفه، وأشرب من زمزم، فمر بي عليٌّ، فقال: كأنك غريب. قلت: نعم قال: انطلق إلى المنزل فانطلقت معه، فلم أسأله، فلما أصبحنا، جئت المسجد، ثم مر بي عليٌّ، فقال: أما آن لك أن تعود؟ قلت: لا. قال: ما أمرك؟ قلت: إن كتمت عليَّ أخبرتك, ثم قلت: بلغنا أنه خرج نبي. قال: قد رشدت فاتبعني. فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اعرض عليَّ الإسلام. فعرضه عليَّ، فأسلمت، فقال: اكتم إسلامك وارجع إلى قومك. قلت: والله لأصرخن بها بين أظهرهم، فجاء في المسجد, فقال: يا معاشر قريش أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا، فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ وقال: تقتلون، ويلكم رجلا من بني غفار، ومتجركم وممركم على غفار؟! فأطلقوا عني. ثم فعلت من الغد كذلك، وأدركني العباس أيضا. وقال النضر بن محمد اليمامي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك بن الوليد، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ربع الإسلام، أسلم قبل ثلاثة نفر، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجهه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 136 إسلام حمزة، رضي الله عنه: وقال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم، كان واعية، أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتمه، فلم يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد الله بن جدعان، تسمع، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة, فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه، راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص، وكان إذا رجع من قنصه بدأ بالطواف بالكعبة، وكان أعز فتى في قريش، وأشده شكيمة، فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة ما لقي ابن أخيك آنفا من أبي الحكم، وجده ههنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه، ولم يكلمه محمد. فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى مغذا لأبي جهل، فلما رآه جالسا في القوم أقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه بها، فشجه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه! فأنا على دينه أقول ما يقول، فرد على ذلك إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فوالله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا، وتم حمزة على إسلامه، فلما أسلم، عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة -رضي الله عنه- سيمنعه، فكفوا بعض الشيء. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 137 إسلام عمر, رضي الله عنه: قال عبد بن حميد وغيره: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا خارجة بن عبد الله بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام". وروى نحوه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. وقال مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الدين بعمر". وقال عبد العزيز الأويسي: حدثنا الماجشون بن أبي سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة". قال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا قيس، قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. أخرجه البخاري. وقال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا صفوان, قال: حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 138 تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، 41] الآيات، فوقع في قلبي الإسلام كل موقع. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كان أول إسلام عمر أن عمر قال: ضرب أختي المخاض ليلا، فخرجت من البيت، فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر، وعليه تبان، فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئا لم أسمع مثله، فخرج، فاتبعته فقال: "من هذا؟ " قلت: عمر. قال: "يا عمر ما تدعني ليلا ولا نهارا"، فخشيت أن يدعو عليَّ فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: "يا عمر أسره". قلت: لا والذي بعثك بالحق لأعلننه، كما أعلنت الشرك. وقال محمد بن عبيد الله ابن المنادى: حدثنا إسحاق الأزرق، قال: حدثنا القاسم بن عثمان البصري، عن أنس بن مالك، قال: خرج عمر -رضي الله عنه- متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا. قال: فكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمدا؟ فقال: ما أراك إلا قد صبوت. قال: أفلا أدلك على العجب، إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خباب، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت، فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرءون "طه"، قالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك. فوثب عليه فوطئه وطئا شديدا, فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده فدمّى وجهها، فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرؤه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ: {طه} حتى انتهى إلى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 1-14] ، فقال عمر: دلوا على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة، وطلحة، وناس، فقال حمزة: هذا عمر، إن يرد الله به خيرا يسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا. قال: والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: "ما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ فهذا عمر! اللهم أعز الإسلام بعمر". فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 139 الله وأنك عبد الله ورسوله. وقد رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وقال فيه: زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو. وقال ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عمر، قال: إني لعلى سطح، فرأيت الناس مجتمعين على رجل وهم يقولون: صبأ عمر، صبأ عمر. فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج، فقال: إن كان عمر قد صبأ فمه أنا له جار. قال فتفرق الناس عنه. قال: فعجبت من عزه. أخرجه البخاري عن ابن المديني، عنه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 140 قال البكائي, عن ابن إسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر، قال: لما أسلم عمر، قال: أي قريش أثقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي. فغدا عليه، قال ابن عمر: وغدوت أتبع أثره وأنا غلام أعقل، حتى جاءه، فقال: أعلمت أني أسلمت؟ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم، ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم. قال: وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. فبينا هو على ذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة حبرة، وقميص موشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. قال: فمه! رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون! أترون بني كعب بن عدي يسلمون! خلوا عنه. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه، فقلت لأبي بعد أن هاجر: يا أبة، من الرجل الذي زجر القوم عنك؟ قال: العاص بن وائل. أخرجه ابن حبان، من حديث جرير بن حازم، عن ابن إسحاق. وقال إسحاق بن إبراهيم الحنيني، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة، في بعض طريق مكة، إذ لقيني رجل فقال: عجبا لك يابن الخطاب، إنك تزعم أنك وأنك، وقد دخل علينا الأمر في بيتك. قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت. فرجعت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 141 مغضبا حتى قرعت الباب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء له ضمهما إلى من في يده سعة فينالان من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين, فلما قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: عمر. فتبادروا فاختفوا مني, وقد كانوا يقرءون صحيفة بين أيديهم وتركوها أو نسوها، فقامت أختي تفتح الباب، فقلت: يا عدوة نفسها، أصبوت. وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم وبكت، فقالت: يابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة فقلت: ما هذا؟ ناولنيها. قالت: لست من أهلها، أنت لا تطهر من الجنابة، وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون. فما زلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها، فإذا فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم", فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها، فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فذعرت، فقرأت إلى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد: 1-7] ، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله. فخرجوا متبادرين وكبروا، وقالوا: أبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك إما أبو جهل وإما عمر". ودلوني على النبي صلى الله عليه وسلم في بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت الباب، فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما اجترأ أحد يفتح الباب، حتى قال: "افتحوا له". ففتحوا لي، فأخذ رجلان بعضدي، حتى أتيا بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خلوا عنه". ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه، ثم قال: "أسلم يابن الخطاب, اللهم اهده". فتشهدت، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين, فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب ويضرب إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء، فجئت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 142 خالي وكان شريفا، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب وقد صبوت. قال: لا تفعل. ثم دخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا شيء. فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته، فخرج إليّ، فقلت مثل مقالتي لخالي، وقال لي مثل ما قال خالي، فدخل وأجاف الباب دوني, فقلت: ما هذا شيء، إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال لي رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانا -لرجل لم يكن يكتم السر- فقل له فيما بينك وبينه: إني قد صبوت، فإنه قلما يكتم السر. فجئت، وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه: إني قد صبوت. قال: أوقد فعلت؟ قلت: نعم. فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادروا إليَّ، فما زلت أضربهم ويضربوني، واجتمع عليَّ الناس، قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ، فقام على الحجر، فأشار بكمه: ألا إني قد أجرت ابن أختي، فتكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرِب ويضرَب إلا رأيته، فقلت: ما هذا شيء حتى يصيبني, فأتيت خالي فقلت: جوارك رد عليك، فما زلت أضرِب وأضرَب حتى أعز الله الإسلام. ويروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف، قال: سألت عمر، لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، فخرجت إلى المسجد، فأسرع أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسبه، فأخبر حمزة، فأخذ قوسه وجاء إلى المسجد، إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، فنظر إليه، فعرف أبو جهل الشر في وجهه، فقال: ما لك يا أبا عمارة, فرفع القوس فضرب بها أخدعيه، فقطعه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 143 فسالت الدماء، فأصلحت ذلك قريش مخافة الشر، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، فانطلق حمزة فأسلم. وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان المخزومي فقلت: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني، قلت: ومن هو؟ قال: أختك وختنك. فانطلقت فوجدت همهمة، فدخلت فقلت: ما هذا؟ فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني ضربته وأدميته، فقامت إليَّ أختي فأخذت برأسه، وقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك. فاستحييت حين رأيت الدماء، فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب. فقالت: إنه لا يمسه إلا المطهرون. فقمت فاغتسلت، فأخرجوا إليَّ صحيفة فيها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قلت: أسماء طيبة طاهرة. {طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} إلى قوله: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [ط: 1-8] ، فتعظمت في صدري، وقلت: مِنْ هذا فرت قريش. فأسلمت، وقلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فإنه في دار الأرقم. فأتيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر. قال: وعمر! افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فتشهد عمر، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. قلت: يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال: "بلى". قلت: ففيم الاختفاء. فخرجنا صفين أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخلنا المسجد، فنظرت قريش إليَّ وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة شديدة, فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم "الفاروق" يومئذ، وفرق بين الحق والباطل. وقال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة، فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 144 وقال الواقدي: حدثنا معمر، عن الزهري أن عمر أسلم بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء، فلما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من الصحابة إلى الحبشة. فحدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر ابن ربيعة، عن أمه ليلى، قالت: كان عمر من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى الحبشة، جاءني عمر، وأنا على بعير، نريد أن نتوجه، فقال: إلى أين يا أم عبد الله؟ فقلت: قد آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى في عبادة الله. فقال: صحبكم الله، ثم ذهب، فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب، فقال: ترجين أن يسلم؟ قلت: نعم. قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب. يعني من شدته على المسلمين. قال يونس، عن ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا، وإحدى عشرة امرأة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 145 الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية: قال يعقوب الفسوي في "تاريخه": حدثني العباس بن عبد العظيم، قال: حدثني بشار بن موسى الخفاف، قال: حدثنا الحسن بن زياد البرجمي -إمام مسجد محمد بن واسع- قال: حدثنا قتادة, قال: أول من هاجر إلى الله بأهله عثمان بن عفان. قال: سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك، يقول: خرج عثمان برقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة، فأبطأ خبرهم، فقدمت امرأة من قريش, فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته، فقال: "على أي حال رأيتهما؟ " قالت: رأيته حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة، وهو يسوقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صحبهما الله، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط". ورواه يحيى بن أبي طالب، عن بشار. عن عبد الله بن إدريس، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، وعروة، وعبد الله بن أبي بكر، وصلت الحديث عن أبي بكر، عن أم سلمة, قالت: لما أمرنا بالخروج إلى الحبشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما يصيبنا من البلاء: "الحقوا بأرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، فأقيموا ببلاده حتى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 146 يجعل الله مخرجا مما أنتم فيه". فقدمنا عليه فاطمأننا في بلاده ... الحديث. قال البغوي في تاسع "المخلصيات": وروى ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن عمرو بن العاص بعض هذا الحديث. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية بمكانة من الله، ومن عمه، وأنه لا يقدر أن يمنعهم من البلاء، قال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة, فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه" فخرج عند ذلك المسلمون مخافة الفتنة، وفرارا بدينهم إلى الله. فخرج عثمان بزوجته، وأبو حذيفة ولد عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو فولدت له بالحبشة محمدا، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير العبدري، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وزوجته أم سلمة أم المؤمنين، وعثمان بن مظعون الجمحي، وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري، وسهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن وهب الحارثين, فكانوا أول من هاجر إلى الحبشة. قال: ثم خرج جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون إلى الحبشة. ثم سمى ابن إسحاق جماعتهم، وقال: فكان جميع من لحق بأرض الحبشة، أو ولد بها، ثلاثة وثمانين رجلا، فعبدوا الله وحمدوا جوار النجاشي, فقال عبد الله بن الحارث بن قيس السهمي: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 147 يا راكبا بلغن عني مغلغلة ... من كان يرجو بلاغ الله والدين كل امرئ من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون أنا وجدنا بلاد الله واسعة ... تنجي من الذل والمخزاة والهون فلا تقيموا على ذل الحياة وخز ... ي في الممات وعيب غير مأمون إنا تبعنا نبي الله واطرحوا ... قول النبي وعالوا في الموازين فاجعل عذابك في القوم الذي بغوا ... وعائذ بك أن يعلوا فيطغوني وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف ابن عمه، وكان يؤذيه: أتيم بن عوف والذي جاء بغضة ... ومن دونه الشرمان والبرك أكتع أأخرجتني من بطن مكة أيمنا ... وأسكنتني في سرح بيضاء نقذع تريش نبالا لا يواتيك ريشها ... وتبري نبالا ريشها لك أجمع وحاربت أقواما كراما أعزة ... وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع ستعلم إن نابتك يوما ملمة ... وأسلمك الأرياش ما كنت تصنع وقال موسى بن عقبة: ثم إن قريشا ائتمروا واشتد مكرهم، وهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إخراجه، فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلوه، فأبوا حمية. ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعب بني عبد المطلب، أمر أصحابه بالخروج إلى الحبشة فخرجوا مرتين؛ رجع الذين خرجوا في المرة الأولى حين أنزلت سورة "النجم"، وكان المشركون يقولون: لو كان محمد يذكر آلهتنا بخير قررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من حالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم، والشر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى هداهم، فأنزلت: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ، فألقى الشيطان عندها كلمات "وإنهن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 148 الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن ترتجى" فوقعت في قلب كل مشرك بمكة, وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا. فلما بلغ آخر النجم سجد صلى الله عليه وسلم وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان شيخا كبيرا رفع ملء كفيه ترابا فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود، بسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، عجب المسلمون بسجود المشركين معهم، ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان، وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله صلى الله عله وسلم وأصحابه، لما ألقى في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وحدثهم الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة، فسجدوا تعظيما لآلهتهم. وفشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين؛ عثمان بن مظعون وأصحابه، وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا، وأن المسلمين قد آمنوا بمكة، فأقبلوا سراعا، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأنزلت: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] الآيات، فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 149 بضلالتهم وعداوتهم. وكان عثمان بن مظعون وأصحابه، فيمن رجع، فلم يستطيعوا أن يدخلوا مكة إلا بجوار، فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون، فلما رأى عثمان ما يلقى أصحابه من البلاء، وعذب طائفة منهم بالسياط والنار، وعثمان معافى لا يعرض له، استحب البلاء، فقال للوليد: يا عم قد أجرتني، وأحب أن تخرجني إلى عشيرتك فتبرأ مني. فقال: يابن أخي لعل أحدا آذاك أو شتمك؟ قال: لا والله ما اعترض لي أحد ولا آذاني. فلما أبى إلا أن يتبرأ منه أخرجه إلى المسجد، وقريش فيه، كأحفل ما كانوا، ولبيد بن ربيعة الشاعر ينشدهم، فأخذ الوليد بيد عثمان وقال: إن هذا قد حملني على أن أتبرأ من جواره، وإني أشهدكم أني بريء منه، إلا أن يشاء. فقال عثمان: صدق، أنا والله أكرهته على ذلك، وهو مني بريء. ثم جلس مع القوم فنالوا منه. قال موسى: وخرج جعفر بن أبي طالب وأصحابه فرارا بدينهم إلى الحبشة، فبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد ابن المغيرة، وأمروهما أن يسرعا ففعلا، وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج، وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا، فقبل النجاشي هديتهم، وأجلس عمرا على سريره، فقال: إن بأرضك رجالا منا سفهاء ليسوا على دينك ولا ديننا، فادفعهم إلينا. فقال: حتى أكلمهم وأعلم على أي شيء هم. فقال عمرو: هم أصحاب الرجل الذي خرج فينا، وإنهم لا يشهدون أن عيسى ابن الله، ولا يسجدون لك إذا دخلوا. فأرسل النجاشي إلى جعفر وأصحابه، فلم يسجد له جعفر ولا أصحابه وحيوه بالسلام، فقال عمرو: ألم نخبرك خبر القوم. فقال النجاشي: حدثوني أيها الرهط، ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من قومكم؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى وما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: أفيهود أنتم؟ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 150 قالوا: لا. قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ قالوا: الإسلام. قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا. قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل منا قد عرفنا وجهه ونسبه، بعثه الله كما بعث الرسل إلى من كان قبلنا، فأمرنا بالبر والصدقة والوفاء والأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان، وأمرنا أن نعبد الله، فصدقناه، وعرفنا كلام الله، فعادانا قومنا وعادوه وكذبوه، وأرادونا على عبادة الأصنام، ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا. فقال النجاشي: والله إن خرج هذا الأمر إلا من المشكاة التي خرج منها أمر عيسى. قال: وأما التحية فإن رسولنا أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام، فحييناك بها، وأما عيسى فهو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض، وأخذ عودا فقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت هذا الحبشة لتخلعنك. فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا، وما أطاع الله الناس فيَّ حين رد إليَّ ملكي، فأنا أطيع الناس في دين الله! معاذ الله من ذلك. وكان أبو النجاشي ملك الحبشة، فمات والنجاشي صبي، فأوصى إلى أخيه أن إليك ملك قومك حتى يبلغ ابني، فإذا بلغ فله الملك. فرغب أخوه في الملك، فباع النجاشي لتاجر، وبادر بإخراجه إلى السفينة، فأخذ الله عمه قعصا فمات، فجاءت الحبشة بالتاجر، وأخذوا النجاشي فملكوه، وزعموا أن التاجر قال: ما لي بد من غلامي أو مالي. قال النجاشي: صدق، ادفعوا إليه ماله. قال: فقال النجاشي حين كلمه جعفر: ردوا إلى هذا هديته -يعني عمرا- والله لو رشوني على هذا دبر ذهب -والدبر بلغته الجبل- ما قبلته، وقال لجعفر وأصحابه: امكثوا آمنين، وأمر لهم بما يصلحهم من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 151 الرزق. وألقى الله العداوة بين عمرو وعمارة بن الوليد في مسيرهما، فمكر به عمرو وقال: إنك رجل جميل، فاذهب إلى امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا. فراسلها عمارة حتى دخل عليها، فلما دخل عليها انطلق عمرو إلى النجاشي، فقال: إن صاحبي هذا صاحب نساء، وإنه يريد أهلك فاعلم علم ذلك. فبعث النجاشي، فإذا عمارة عند امرأته، فأمر به فنفخ في إحليله شحوة ثم ألقي في جزيرة من البحر فجن، وصار مع الوحش، ورجع عمرو خائب السعي. وقال البكائي قال ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى، لا نؤذي، ولا نسمع ما نكره، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين, وأن يهدوا للنجاشي، فبعثوا بالهدايا مع عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص. وذكر القصة بطولها، وستأتي إن شاء الله، رواها جماعة، عن ابن إسحاق. وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية كانت سنة خمسة من المبعث. وقال حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، ونحن ثمانون رجلا، ومعنا جعفر، وعثمان بن مظعون، وبعثت قريش عمارة، وعمرو بن العاص، وبعثوا معهما بهدية إلى النجاشي، فلما دخلا عليه سجدا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 152 له، وبعثا إليه بالهدية، قالا: إن ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا، وقد نزلوا أرضك. فبعث إليهم، فقال لنا جعفر: أنا خطيبكم اليوم. قال: فاتبعوه حتى دخلوا على النجاشي، فلم يسجدوا له، فقال: وما لكم لم تسجدوا للملك؟ فقال: إن الله قد بعث إلينا نبيه, فأمرنا أن لا نسجد إلا لله. فقال النجاشي: وما ذاك؟ قال عمرو: إنهم يخالفونك في عيسى. قال: فما تقولون في عيسى وأمه؟ قال: نقول كما قال الله، هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، التي لم يمسها بشر، ولم يفرضها ولد. فتناول النجاشي عودا، فقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذا، فمرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، وأنا أشهد أنه نبي، ولوددت أني عنده فأحمل نعليه -أو قال أخدمه- فانزلوا حيث شئتم من أرضي. فجاء ابن مسعود فشهد بدرا. رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن حديج. وقال عبيد الله بن موسى: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر إلى الحبشة. وساق كحديث حديج. ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه، دخل عليه حديث في حديث، وإلا أين كان أبو موسى الأشعري ذلك الوقت. رجعنا إلى تمام الحديث الذي سقناه عن أم سلمة قالت: فلم يبق بطريق من بطارقة النجاشي إلا دفعا إليه هدية، قبل أن يكلما النجاشي, وأخبرا ذلك البطريق بقصدهما، ليشير على الملك بدفع المسلمين إليهم، ثم قربا هدايا النجاشي فقبلها، ثم كلماه فقالا: أيها الملك إنه قدم إلى بلادك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 153 دينك، جاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن، ولا أنت، فقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من أقاربهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم. قالت: ولم يكن أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي، فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم من دينهم، فأسلمهم إليهما. فغضب ثم قال: لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما تقولان. فأرسل إلى الصحابة فدعاهم، فلما جاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم، سألهم فقال: ما دينكم؟ فكان الذي كلمه جعفر، فقال: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك, حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة، وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم -وعدد عليه أمور الإسلام- فصدقناه واتبعناه، فعدا علينا قومنا فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، وضيقوا علينا، فخرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال: وهل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال جعفر: نعم، وقرأ عليه صدرا من {كهيعص} [مريم: 1] ، فبكى والله النجاشي، حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال النجاشي: إن هذا، والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكاد. قالت: فلما خرجا من عنده قال عمرو: والله لآتينهم غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال له ابن أبي ربيعة، وكان الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 154 أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. ثم غدا عليه، فقال له ذلك، فطلبنا، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول, والله، ما قال الله، كائنا في ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول: هو عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته، ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فأخذ النجاشي عودا ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله، فقال: وإن نخرتم، والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضى -والسيوم: الآمنون- من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرا من ذهب، وأني آذيت رجلا منكم، ردوا هداياهما فلا حاجة لي فيها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. قالت: فإنا على ذلك، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنًا حزنا قط كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. فسار إليه النجاشي، وكان بينهما عرض النيل، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر الوقعة، ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها يلتقي القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، ودعونا الله تعالى للنجاشي، فإنا لعلى ذلك، إذ طلع الزبير يسعى فلمع بثوبه، وهو يقول: ألا أبشروا، فقد ظهر النجاشي، وقد أهلك الله عدوه، ومكن له في بلاده. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 155 قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير هذا الحديث فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة إلى آخره؟ قلت: لا. قال: فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم من صلبه اثنا عشر رجلا، فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا هذا وملكنا أخاه، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، ولأخيه اثنا عشر ولدا، فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعد دهرا، فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه، وملكوا أخاه. فمكثوا حينا، ونشأ النجاشي مع عمه، فكان لبيبا حازما فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها: والله لقد غلب هذا على عمه، وإنا لنتخوف أن يملكه علينا، وإن ملك ليقتلنا بأبيه، فكلموا الملك، فقال: ويلكم، قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم. قالت: فخرجوا به فباعوه لتاجر بستمائة درهم، فقذفه في سفينة وانطلق به، حتى إذا كان آخر النهار، هاجت سحابة، فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو محمق ليس في ولده خير، فمرج الأمر، فقالوا: تعلموا، والله إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتموه غدوة. فخرجوا في طلبه فأدركوه، وأخذوه من التاجر، ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير ملكه، فجاء التاجر فقال: مالي. قالوا: لا نعطيك شيئا، فكلمه، فأمرهم فقال: أعطوه دراهمه أو عبده. قالوا: بل نعطيه دراهمه، فكان ذلك أول ما خبر من عدله، رضي الله عنه. وروى يزيد بن رومان، عن عروة، قال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان، رضي الله عنه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 156 أخبرنا إبراهيم بن حمد، وجماعة، قالوا: أخبرنا ابن ملاعب، قال: حدثنا الأرموي، قال: أخبرنا جابر بن ياسين، قال: أخبرنا المخلص، قال: حدثنا البغوي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، قال: حدثنا أسد بن عمرو البجلي، عن مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر, عن أبيه، قال: بعثت قريش عمرا وعمارة بهدية إلى النجاشي ليؤذوا المهاجرين، وذكر الحديث، فقال النجاشي: أعبيد هم لكم؟ قالوا: لا. قال: فلكم عليهم دين؟ قالوا: لا. قال: فخلوهم فقال عمرو: إنهم يقولون في عيسى غير ما تقول فأرسل إلينا، وكانت الدعوة الثانية أشد علينا، فقال: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال: يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول. فقال: ادعوا لي فلانا القس، وفلانا الراهب، فأتاه أناس منهم، فقال: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: أنت أعلمنا. قال: وأخذ شيئا من الأرض، فقال: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا. ثم قال: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم. فنادى: من آذى أحدا منهم فأغرمه أربعة دراهم، ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا. فأضعفها، قال: فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر أخبرناه، قال فرودنا وحملنا، ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إليكم، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، وقل له يستغفر لي. فأتينا المدينة، فتلقاني النبي صلى الله عليه وسلم فاعتنقني وقال: "ما أدري أنا بقدوم جعفر أفرح أم بفتح خيبر؟ "، وقال: "اللهم اغفر للنجاشي". ثلاث مرات، وقال المسلمون: آمين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 157 إسلام ضماد: داود بن أبي هند، عن عمرو بن سعيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قدم ضماد مكة، وهو من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الرياح، فسمع سفهاء من سفهاء الناس يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: آتي هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي. قال: فلقيت محمدا فقلت: إني أرقي من هذه الرياح، وإن الله يشفي على يدي من يشاء، فهلم. فقال محمد: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له". "ثلاث مرات"، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد. فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات ولقد بلغن قاموس البحر، فهلم يدك أبايعك على الإسلام. فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: "وعلى قومك". فقال: وعلى قومي. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فمروا بقوم ضماد، فقال صاحب الجيش للسرية: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 158 إسلام الجن: قال الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] ، وقال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وأنزل فيهم سورة الجن. وقال أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ, وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. قال: فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله وهو بنخلة، عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} ، فأنزلت: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1] ، متفق عليه. ويحمل قول ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ على الجن ولا رآهم، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 159 يعني أول ما سمعت الجن القرآن، ثم إن داعي الجن أتى النبي صلى الله عليه وسلم كما في خبر ابن مسعود، وابن مسعود قد حفظ القصتين، فقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر، عن عبد الله قال: هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه أنصتوا، قالوا: صه، وكانوا سبعة أحدهم زوبعة، فأنزل الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] . وقال مسعر، عن معن، قال: حدثنا أبي، قال: سألت مسروقا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك، يعني ابن مسعود: أنه آذنته بهم شجرة. متفق عليه. وقال داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ فقال: ما صحبه منا أحد، ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة، فقلنا اغتيل، استطير، ما فعل؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما كان في وجه الصبح -أو قال: في السحر- إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فقلنا: يا رسول الله، فذكروا الذي كانوا فيه، فقال: "إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم". فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. رواه مسلم. وقد جاء ما يخالف هذا، فقال عبد الله بن صالح: حدثني الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي من أهل الشام، أنه سمع ابن مسعود يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه، وهو بمكة: "من أحب منكم أن يحضر الليل أمر الجن فليفعل". فلم يحضر منهم أحد غيري حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا، ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 160 فغشيته أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى سمعت ما أسمع صوته، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب، ذاهبين، حتى ما بقي منهم رهط، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر، فانطلق فتبرز، ثم أتاني فقال: "ما فعل الرهط؟ " فقلت: هم أولئك يا رسول الله، فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث. أخرجه النسائي من حديث يونس. وقال سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، أن ابن مسعود أبصر زطًّا في بعض الطريق فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن، وكانوا مستثفرين يتبع بعضهم بعضًا. صحيح. يقال: استثفر الرجل بثوبه، إذا أخذ ذيله من بين فخذيه إلى حجزته فغرزه. وكذا يقال في الكلب، إذا جعل ذنبه بين فخذيه، ومنه قوله للحائض: استثفري. وقال عثمان بن عمرو بن فارس، عن مستمر بن الريان، عن أبي الجوزاء، عن ابن مسعود، قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، حتى أتى الحجون فخط عليَّ خطًّا، ثم تقدم إليهم، فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له وردان: إني أنا أرحلهم عنك، فقال: إني لن يجيرني من الله أحد. وقال زهير بن محمد التميمي، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "الرحمن"، ثم قال: "ما لي أراكم سكوتًا؟ لَلْجن كانوا أحسن ردًّا منكم، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] ، إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 161 نكذب، فلك الحمد". زهير ضعيف. وقال عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص، عن جده سعيد، قال: كان أبو هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإداوة لوضوئه. فذكر الحديث، وفيه: "أتاني جن نصيبين فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بروثة، ولا بعظم إلا وجدوا طعامًا". أخرجه البخاري. ويدخل هذا الباب في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوة قلبه. ومنه حديث محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتًا من الجن تفلَّتَ عليَّ البارحة ليقطع عليَّ صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] ، فرددته خاسئًا". وفي لفظ: "فأخذته فذغته". يعني خنقته، متفق عليه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 162 فصل: فيما ورد من هواتف الجان وأقوال الكهان قال ابن وهب: أخبرنا عمر بن محمد، قال: حدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن، فبينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، على الرجل، فَدُعيَ له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية، أو لقد كنت كاهنهم. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني. فقال: كنت كاهنهم في الجاهلية. فقال: ما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينا أنا جالس جاءتني أعرف فيها الفزع قالت: ألم تر الجن وإبلاسها ... ويأسها بعد وإبلاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها ... وإياسها من أنساكها قال عمر: صدق، بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: لا إله إلا الله. فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 163 هذا، فأعاد قوله، قال: فقمت فما نشبت أن قيل هذا نبي. أخرجه البخاري عن رجل عنه هكذا. وظاهره أن عمر بنفسه سمع الصارخ من العجل، وسائر الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي سمع. فروى يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن سليمان، عن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن نافع، عن ابن عمر، قال: بينما رجل مار، فقال عمر: قد كنت مرة ذا فراسة، وليس لي رئي، ألم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة، ادعوه لي، فدعوه، فقال عمر: من أين قدمت؟ قال: من الشام. قال: فأين تريد؟ قال: أردت هذا البيت، ولم أكن أخرج حتى آتيك. قال: هل كنت تنظر في الكهانة؟ قال: نعم. قال: فحدثني. قال: إني ذات ليلة بواد، إذ سمعت صائحا يقول: يا جليح، خبر نجيح، رجل يصيح، يقول: لا إله إلا الله، الجن وإياسها، والإنس وإبلاسها، والخيل وأحلاسها، فقلت: من هذا؟ إن هذا لخبر يئست منه الجن، وأبلست منه الإنس، وأعلمت فيه الخيل، فما حال الحول حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الوليد بن مزيد العذري، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن مسكين الأنصاري، قال: بينا عمر جالس. وهذا منقطع. ورواه حجاج بن أرطاة، عن مجاهد. ويروى عن ابن كثير أحد القراء، عن مجاهد موقوفا. ويشبه أن يكون هذا الكاهن هو سواد بن قارب المذكور في حديث أحمد بن موسى الحمار الكوفي، قال: حدثنا زياد بن يزيد القصري، قال: حدثنا محمد بن تراس الكوفي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: بينا عمر يخطب إذ قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 164 أفيكم سواد بن قارب؟ فلم يجبه أحد تلك السنة، فلما كانت السنة المقبلة قال: أفيكم سواد بن قارب؟ قالوا: وما سواد بن قارب؟ قال: كان بدء إسلامه شيئا عجبا، فبينا نحن كذلك، إذ طلع سواد بن قارب، فقال له: حدثنا ببدء إسلامك يا سواد، قال: كنت نازلا بالهند، وكان لي رئي من الجن، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءني في منامي ذلك، قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول من لؤي بن غالب, ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وأنجاسها ... وشدها العيس بأحلاسا تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل أرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... وآسم بعينيك إلى راسها يا سواد! إن الله قد بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد، فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني، ثم قال: عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس قداماها كأذنابها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى نابها فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فأنبهني، ثم قال: عجبت للجن وتخبارها ... وشدها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشر كأخيارها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجن ككفارها فوقع في قلبي حب الإسلام، وشددت رحلي، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بالمدينة، والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآني قال: "مرحبا بسواد بن قارب، قد علمنا ما جاء بك". قلت: يا رسول الله قد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 165 قلت شعرا فاسمعه مني: أتاني رئي بعد ليل وهجعة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك نبي من لؤي بن غالب فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت ... بي الذغلب الوجناء عند السباسب فأشهد أن الله لا شيء غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين شفاعة ... إلى الله يابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: "أفلحت يا سواد! " فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ قال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب الله من الجن. هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما، وأخاف أن يكون موضوعا على أبي بكر بن عياش، ولكن أصل الحديث مشهور. وقد قال أبو يعلى الموصلي، وعلي بن شيبان: حدثنا يحيى بن حجر الشامي، قال: حدثنا علي بن منصور الأبناوي، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينما عمر جالس إذ مر به رجل، فقال قائل: أتعرف هذا؟ قال: ومن هو؟ قال: سواد بن قارب، فأرسل إليه عمر فقال: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم. قال: أنت الذي أتاه رئيه بظهور النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فأنت على كهانتك. فغضب وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت. قال عمر: سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم، قال: فأخبرني بإتيانك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 166 رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي واعقل، إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى عبادة الله، ثم ذكر الشعر قريبا مما تقدم، ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم: آل ذريح, وقد ذبحوا عجلا، والجزار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا هو يقول: يا آل ذريح، أمر نجيح، صائح يصيح، بلسان فصيح، يشهد أن لا إله إلا الله. أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن، متفق على تركه، وعلي بن منصور فيه جهالة، مع أن الحديث منقطع. وقد رواه الحسن بن سفيان، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، عن بشر بن حجر أخي يحيى بن حجر، عن علي بن منصور، عن عثمان بن عبد الرحمن، بنحوه. وقال ابن عدي في "كامله": حدثنا الوليد بن حماد، بالرملة، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا الحكم بن يعلى المحاربي، قال: حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال: سمعت سعيد بن جبير، يقول: أخبرني سواد بن قارب قال: كنت نائما على جبل من جبال الشراة، فأتاني آت فضربني برجله وقال: قم يا سواد أتى رسول من لؤي بن غالب، فذكر الحديث. كذا فيه سعيد يقول: أخبرني سواد، وعباد ليس بثقة يأتي بالطامات. وقال معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، قال: أول ما سمع بالمدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة، كان لها تابع من الجن، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 167 فجاء يوما فوقع على جدارها، فقالت: ما لك لا تدخل؟ فقال: إنه قد بعث نبي يحرم الزنى. فحدثت بذلك المرأة عن تابعها من الجن، فكان أول خبر تحدث به بالمدينة. وقال يحيى بن يوسف الزمي: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: أول خبر قدم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن امرأة كان لها تابع، فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دراهم، فقالت له المرأة: انزل. قال: لا. إنه قد بعث بمكة نبي يحرم الزنى، قد منع منا القرار. في الباب عدة أحاديث عامتها واهية الأسانيد. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 168 انشقاق القمر: قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [القمر: 1-3] ، قال: شيبان، عن قتادة، عن أنس: إن أهل مكة سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين. أخرجاه من حديث شيبان، لكن لم يقل البخاري مرتين. وقال معمر، عن قتادة، عن أنس مثله، وزاد: "فانشق فرقتين". وللبخاري نحو منه، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة. وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة. وقال ابن عيينة وغيره: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، قال: رأيت القمر منشقا شقتين بمكة، قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء، فقالوا: سحر القمر. لفظ عبد الرزاق، عن ابن عيينة، وأراد "قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم" يعني إلى المدينة. أخرجاه من حديث ابن عيينة، ولفظه: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 169 وأخرجاه عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، قال: حدثنا إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله، قال: انفلق القمر، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصارت فلقة من وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا". وأخرجاه من حديث شعبة، عن الأعمش. وقال أبو داود الطيالسي في "مسنده": حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء السفار فقالوا: ذلك صحيح. وقال هشيم، عن مغيرة، نحوه. وقال بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن ابن عباس أنه قال: إن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه من حديث بكر. وقال شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر، في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] ، قال: قد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فلقتين، فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشهد". أخرجه مسلم. وقال ابراهيم بن طهمان، وهشيم، عن حصين، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده، قال: انشق القمر، ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا رواه أبو كدينة، والمفضل بن يونس، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 170 عن حصين. ورواه محمد بن كثير، عن أخيه سليمان بن كثير، عن حصين، عن محمد بن جبير، عن أبيه. والأول أصح. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 171 باب: ويسألونك عن الروح قال يحيى بن أبي زائدة, عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [الإسراء: 85] ، قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا؟ وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا. قال: فنزلت: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] ، وهذا إسناد صحيح. وقال يونس، عن ابن إسحاق، قال: حدثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن مشركي قريش، بعثوا النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره ببعض قوله، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو. فقدما مكة، فقالا: يا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 172 معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، وسألوه، فقال: "أخبركم غدا"، ولم يستثن، فانصرفوا عنه، فمكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولم يأته جبريل، حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا غدا واليوم خمس عشر. وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي، ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه، وخبر الفتية والرجل الطواف، وقال: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] . وأما حديث ابن مسعود، فيدل على أن سؤال اليهود عن الروح كان بالمدينة. ولعله صلى الله عليه وسلم سئل مرتين. وقال جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا فيها. فقال الله: إن شئت آتيناهم ما سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم، وإن شئت أن أستأني بهم. لعلنا نستحيي منهم، وأنزل الله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59] ، حديث صحيح. ورواه سلمة بن كهيل، عن عمران، عن ابن عباس، وروي عن أيوب، عن سعيد بن جبير. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 173 ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: حدثني عروة، قال: سألت عبد الله بن عمرو قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] أخرجه البخاري. ورواه ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله. ورواه سليمان بن بلال، وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرو بن العاص. وهذه علة ظاهرة، لكن رواه محمد بن فليح، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، فهذا ترجيح للأول. وقال سفيان، وشعبة، واللفظ له، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش، وثم سلى بعير، فقالوا: من يأخذ سلى هذا الجزور فيقذفه على ظهره. فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره صلى الله عليه وسلم، وجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره، ودعت على من صنع الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 174 ذلك، قال عبد الله: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم إلا يومئذ فقال: "اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف" -أو أبي ابن خلف، شك شعبة، ولم يشك سفيان أنه أمية- قال عبد الله: فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب، غير أن أمية كان رجلا بادنا، فتقطع قبل أن يبلغ به البئر. أخرجاه من حديث شعبة، ومن حديث سفيان. وقال مسلم: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، قال: أخبرنا عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال: أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلى جزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقاهم، فأخذه فوضعه بين كتفيه، فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض، وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته، والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع رأسه، فجاءت فاطمة، وهي جويرية فطرحته عنه وسبتهم، فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاثا، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، ثم قال: "اللهم عليك بأبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 175 بن أبي معيط". وذكر السابع ولم أحفظه. فوالذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر. وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: إن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وأوقفوهم في الشم، فما من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا غير بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد. حديث صحيح. وقال هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله، وهم يعذبون، فقال: "أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة". وقال الثوري، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أول شهيد في الإسلام أم عمار سمية، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة، فذكر منهم الزنيرة، قال: فذهب بصرها، وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كلا والله، ما هو كذلك. فرد الله عليها بصرها. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 176 وقال إسماعيل بن أبي خالد وغيره: حدثنا قيس، قال: سمعت خبابا يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: "إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل". متفق عليه، وزاد البخاري من حديث بيان بن بشر: "والذئب على غنمه". وقال البكائي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير, قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم، يجيعونه ويعطشونه، حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولون له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له: أهذا الجعل إلهك من دون الله، فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده. وحدثني الزبير بن عكاشة، أنه حدث، أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد، حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد، وكانوا قد أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا، منهم سلمة بن هشام، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 177 وعياش بن أبي ربيعة، قال: فقالوا له وخشوا "شرهم": إنا قد أردنا أن تعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي قد أحدثوا، فإنا نأمن بذلك في "غيرهم". قال: هذا فعليكم به فعاتبوه، يعني أخاه الوليد، ثم إياكم ونفسه، وقال: ألا لا تقتلن أخي عييش ... فيبقى بيننا أبدا تلاحي احذروا على نفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا، [قال: فقالوا: اللهم العنه، ومن يغزر بهذا الخبيث، فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلا. قال: فتركوه ونزعوا عنه] . فتركوه، فكان ذلك مما دفع الله به عنه. وقال عمرو بن دينار، فيما رواه عنه ابن عيينة: لما قدم عمرو بن العاص من الحبشة جلس في بيته فقالوا: ما شأنه، ما له لا يخرج؟ فقال: إن أصحمة يزعم أن صاحبكم نبي. ويروى عن ابن إسحاق، من طريق محمد بن حميد الرازي، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام، وذلك مع عمرو بن أمية الضمري، وأن النجاشي كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة بن أبجر، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك أريحا ابني، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت، يا رسول الله. قال يونس، عن ابن إسحاق: كان اسم النجاشي مصحمة، وهو بالعربية عطية، وإنما النجاشي اسم الملك، كقولك كسرى وهرقل. وفي حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي، وأما قوله: "مصحمة" فلفظ غريب. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 178 ذكر شعب أبي طالب والصحيفة: قال موسى بن عقبة، عن الزهري، قال: ثم إنهم اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا، حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية. فلما رأى أبو طالب عملهم جمع بني أبيه وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانا، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل. فلبث بنو هاشم في شعبهم، يعني ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء، وقطعوا عنهم الأسواق، وكان أبو طالب إذا نام الناس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش ذلك فينام عليه. فلما كان رأس ثلاث سنين، تلاوم رجال من بني عبد مناف، ومن بني قصي، ورجال أمهاتهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 179 من نساء بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه. وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق، ويقال: كانت معلقة في سقف البيت، فلم تترك اسما لله إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم، فأطلع الله رسوله على ذلك، فأخبر به أبا طالب، فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبني. فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب، حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش، فأنكروا ذلك، فقال أبو طالب: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. فأتوا بها وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد، جعلتموه خطرا للهلكة. قال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني، أن الله برئ من هذه الصحيفة، ومحا كل اسم هو له فيها، وترك فيها غدركم وقطيعتكم، فإن كان كما قال، فأفيقوا، فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا، دفعناه إليكم، فرضوا وفتحوا الصحيفة، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب، قالوا: والله إن كان هذا قط إلا سحرا من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا لكفرهم، فقال بنو عبد المطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا، فكيف ترون، وإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد الصحيفة، وهي في أيديكم، أفنحن السحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختري، ومطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة، وزمعة بن الأسود، وهشام بن عمرو -وكانت الصحيفة عنده، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 180 وهو من بني عامر بن لؤي- في رجال من أشرافهم: نحن برآء مما في هذه الصحيفة. فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل. وذكر نحو هذه القصة ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وذكر ابن إسحاق نحوا من هذا، وقال: حدثني حسين بن عبد الله أن أبا لهب -يعني حين فارق قومه من الشعب- لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: هل نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقها؟ قالت: نعم فجزاك الله خيرا أبا عتبة. وأقام بنو هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا، لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفى به. وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد، ومعه غلام يحمل قمحا، يريد به عمته خديجة -رضي الله عنها- وهي في الشعب فتعلق به، وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم، والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فجاءه أبو البختري بن هشام، فقال: ما لك وله! قال: يحمل الطعام إلى بني هاشم! قال: طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها، خل سبيل الرجل. فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ له أبو البختري لحي بعير، فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا، وحمزة يرى ذلك، يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيشمتوا بهم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا، سرا وجهرا. وقال موسى بن عقبة: فلما أفسد الله الصحيفة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطه، فعاشوا وخالطوا الناس. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 181 باب: إنا كفيناك المستهزئين قال الثوري، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله -عز وجل: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر: 95] ، قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، وأبو زمعة الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فأراه الوليد، وأومأ جبريل إلى أبجله فقال: "ما صنعت"؟ قال: كفيته. ثم أراه الأسود، فأومأ جبريل إلى عينيه، فقال: "ما صنعت"؟ قال: كفيته. ثم أراه أبا زمعة، فأومأ إلى رأسه، فقال: "ما صنعت"؟ قال: كفيته، ثم أراه الحارث، فأومأ إلى رأسه أو بطنه، وقال: كفيته. ومر به العاص فأومأ إلى أخمصه، وقال: كفيته. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة، وهو يريش نبلا له فأصاب أبجله فقطعها، وأما الأسود فعمي، وأما ابن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه، حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها، وأما العاص فدخل في رأسله شبرقة، حتى امتلأت فمات منها، وقال الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 182 غيره: إن ركب إلى الطائف حمارا فربظ به على شوكة، فدخلت في أخمصه فمات منها. حديث صحيح. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 183 دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالسِّنَة: قال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: بينما رجل يحدث في المسجد، إذ قال فيما يقول: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ، قال: دخان يكون يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكمة، فقمنا فدخلنا على عبد الله بن مسعود فأخبرناه، فقال: أيها الناس من علم منكم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم الله أعلم، قال الله لرسوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] . وسأحدثكم عن الدخان: إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطئوا عن الإسلام قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف". فأصابتهم سنة فحصت كل شيء حتى أكلوا الجيف والميتة، حتى إن أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، ثم دعوا فكشف عنهم، يعني قولهم: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] ، ثم قرأ عبد الله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] ، قال: فعادوا فكفروا فأخروا إلى يوم بدر {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] ، قال عبد الله: يوم بدر فانتقم منهم. متفق عليه. وقال علي بن ثابت الدهان -وقد توفي سنة تسع عشرة ومائتين: أخبرنا أسباط بن نصر، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 184 عبد الله، قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا قال: "اللهم سبع كسبع يوسف". فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام، فجاءه أبو سفيان وغيره، فقال: إنك تزعم أنك بعثت رحمة، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فدعا فسقوا الغيث. قال ابن مسعود: مضت آية الدخان، وهو الجوع الذي أصابهم، وآية الروم، والبطشة الكبرى، وانشقاق القمر. وأخرجا من حديث الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال عبد الله: خمس قد مضين: اللزام، والروم، والدخان، والقمر، والبطشة. وقال أيوب وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث من الجوع، لأنهم لم يجدوا شيئا، حتى أكلوا العِلهز بالدم، فنزلت: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] . الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 185 ذكر الروم: وقال أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، لأنهم أهل أوثان، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما إنهم سيظهرون". فذكر أبو بكر لهم ذلك، فقالوا: اجعل بيننا وبينكم أجلا، فجعل بينهم أجلَ خمسِ سنين فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا جعلته -أراه قال- دون العشرة"، قال: فظهرت الروم بعد ذلك. فذلك قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 2-4] . قال سفيان الثوري: وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر. وقال الحسين بن الحسن بن عطية العوفي: حدثني أبي، عن جدي، عن ابن عباس: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2] قال: قد مضى ذلك وغلبتهم فارس، ثم غلبتهم الروم بعد ذلك، ولقي نبي الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب، والتقت الروم وفارس، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، ونصر الروم على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب. قال عطية: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك، فقال: التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ومشركو العرب، والتقت الروم وفارس، فنصرنا الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 186 على المشركين، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصرنا ونصرهم. وقال الليث: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: لما نزلت هاتان الآيتان -يعني أول الروم- ناحب أبو بكر بعض المشركين -يعني راهن قبل أن يحرم القمار- على شيء، إن لم تغلب فارس في سبع سنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم فعلت؟ فكل ما دون العشر بضع". فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم فعلت"؟ فكان ظهور فارس على الروم في تسع سنين، ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبية، ففرح بذلك المسلمون. وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 3] ، قال: غلبهم أهل فارس على أدنى الشام، قال: فصدق المسلمون ربهم، وعرفوا أن الروم سيظهرون بعد، فاقتمروا هم والمشركون على خمس قلائص، وأجلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكر، وولي قمار المشركين أبي بن خلف، وذلك قبل أن ينهى عن القمار، فجاء الأجل، ولم تظهر الروم، فسأل المشركون قمارهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر, فزايدوهم ومدوهم في الأجل". ففعلوا، فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأول، وكان ذلك مرجعهم من الحديبية، وفرح المسلمون بذلك. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 187 وقال الوليد بن مسلم: حدثنا أسيد الكلابي، أنه سمع العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه، قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، وظهورهم على الشام والعراق، كل ذلك في خمس عشرة سنة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 188 ثم توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة: يقال في قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26] أنها نزلت في أبي طالب ونزل فيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] . قال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه. ورواه حمزة الزيات، عن حبيب، فقال: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وقال معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عم قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله". فقالا: أي أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب! قال: فكان آخر كلمة أن قال: على ملة عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113، 114] الآيتين، ونزلت: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] ، أخرجه مسلم. وللبخاري مثله من حديث شعيب بن أبي حمزة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 189 وقد حكى عن أبي طالب، واسمه عبد مناف، ابنه علي، وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عون، عن عمرو بن سعيد، أن أبا طالب، قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي، فعطشت، فشكوت إليه، فأهوى بعقبه إلى الأرض، فنبع الماء فشربت. وعن بعض التابعين، قال: لم يكن أحد يسود في الجاهلية إلا بمال، إلا أبو طالب وعتبة بن ربيعة. قلت: ولأبي طالب شعر جيد مدون في السيرة وغيرها. وفي "مسند أحمد" من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن حبة العرني، قال: رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه، ثم ذكر قول أبي طالب، ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلي ببطن نخلة فقال: ماذا تصنعان يابن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال: ما بالذي تصنعان من بأس، ولكن الله لا تعلوني استى أبدا، فضحكت تعجبا من قول أبي. وروى معتمر بن سليمان، عن أبيه أن قريشا أظهروا لبني عبد المطلب العداوة والشتم، فجمع أبو طالب رهطه، فقاموا بين أستار الكعبة يدعون الله على من ظلمهم، وقال أبو طالب: إن أبى قومنا إلا البغي علينا فعجل نصرنا، وحل بينهم، وبين الذي يريدون من قتل ابن أخي، ثم دخل بآله الشعب. ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب قال: "أي عم، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 190 قل: لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة". قال: يابن أخي، والله لولا أن تكون سبة على أهل بيتك، يرون أني قلتها جزعا من الموت، لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه، فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع عنه فقال: يا رسول الله! قد والله قالها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أسمع". قلت: هذا لا يصح، ولو كان سمعه العباس يقولها لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل نفعت عمك بشيء، ولما قال علي بعد موته، يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات. صح أن عمرو بن دينار روى عن أبي سعيد بن رافع، قال: سألت ابن عمر: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] ، نزلت في أبي طالب؟ قال: نعم. زيد بن الحباب، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن العباس، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما ترجو لأبي طالب؟ قال: "كل الخير من ربي". أيوب، عن ابن سيرين، قال: لما اختصر أبو طالب دعا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يابن أخي إذا أنا مت فأت أخوالك من بني النجار، فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم. قال عروة بن الزبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت قريش كاعة عني حتى مات عمي. كاعة: جمع كائع، وهو الجبان، يقال: كع: إذا جبن وانقبض. وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: "قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة". فقال: لولا أن تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك. فأنزل الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية. أخرجه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 191 مسلم. وقال أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن العباس أنه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم. هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". أخرجاه وكذلك رواه السفيانان، عن عبد الملك. وقال الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه". أخرجاه. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهون أهل النار عذابا أبو طالب منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه". مسلم. وقال الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي رضي الله عنه قال: لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: "اذهب فوار أباك ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني". فأتيته فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء. ورواه الطيالسي في "مسنده" عن شعبة. عن أبي إسحاق فزاد بعد اذهب فواره: "فقلت: إنه مات مشركا" الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 192 قال: "اذهب فواره" وفي حديث تصريح السماع من ناجية قال: شهدت عليا يقول: وهذا حديث حسن متصل. وقال عبد الله بن إدريس: حدثنا محمد بن إسحاق، عمن حدثه، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن جعفر، قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من قريش، فألقى عليه ترابا، فرجع إلى بيته، فأتت بنته تمسح عن وجهه التراب وتبكي فجعل يقول: "أي بنية لا تبكين، فإن الله مانع أباك"، ويقول ما بين ذلك: "ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب". غريب مرسل. وروي عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب، فقال: "وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا" تفرد به إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي. وهو منكر الحديث يروي عنه عيسى غنجار، والفضل السيناني. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طالب في مرضه قال: "أي عم، قل: لا إله إلا الله أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة". فقال: يابن أخي والله لولا أن تكون سبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي يرون أني قلتها جزعا حين نزل بي الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه، فأصغى إليه العباس ليستمع قوله، فرفع العباس عنه، فقال: يا رسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 193 الله، قد والله قال الكلمة التي سألته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم أسمع". إسناده ضعيف لأن فيه مجهولا، وأيضا، فكان العباس ذلك الوقت على جاهليته، ولهذا إن صح الحديث لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم روايته وقال له: لم أسمع، وقد تقدم أنه بعد إسلامه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك، فلو كان العباس عنده علم من إسلام أخيه أبي طالب لما قال هذا، ولما سكت عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هو في ضحضاح من النار"، ولقال: إني سمعته يقول: لا إله إلا الله، ولكن الرافضة قوم بهت. وقال ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاكهما. وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، كان يسكن إليها. وذكر الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وأنهما توفيا في ذلك العام، وتوفيت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يوما. وذكر أبو عبد الله الحاكم أن موتها كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام، وكذا قال غيره. وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدية. قال الزبير بن بكار: كانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم العامرية. وكانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، واختلف في اسم أبي هالة، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 194 بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: بل تزوجها أبو هالة بعد عتيق. وكانت وزيرة صدق على الإسلام. وعن عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، وقيل: كان موتها في رمضان، ودفنت بالحجون، وقيل: إنها عاشت خمسا وستين سنة. وقال الزبير: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها أربعون سنة، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة. قال مروان بن معاوية الفزاري، عن وائل بن داود، عن عبد الله البهي، قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، فذكرها يوما، فاحتملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن، فرأيته غضب غضبا أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد إلى ذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت قال: "كيف قلت! والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت منها الولد، وحرمتموه مني". قالت: فغدا وراح عليَّ بها شهرا. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متفق عليه. وقال الزهري: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 195 وقال ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة، أتتك معها إناء فيه إدام طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. متفق عليه. وقال عبد الله بن جعفر: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران". أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 196 ذكر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى: قال موسى بن عقبة، عن الزهري: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل الهجرة بسنة. وكذا قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقال أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي بن زبريق، قال: حدثا عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي محمد بن الوليد، قال: حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، أن جبير بن نفير قال: حدثنا شداد بن أوس، قال: قلنا يا رسول الله كيف أسري بك؟ قال: "صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعب عليّ، فرازها بأذنها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فأنزلني فقال: صل. فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة. فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا، فقال: انزل فصل. ففعلت، ثم ركبنا. قال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال صليت بمدين عند شجرة موسى -عليه السلام- ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور، فقال: انزل، فصليت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 197 وركبنا. فقال لي: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين لبن وعسل، أرسل إليَّ بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثراة له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي". قلت: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: "مثل الحمأة السخنة. ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش، بمكان كذا وكذا، قد ضلوا بعيرا لهم، قد جمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر فقال: أين كنت الليلة، فقد التمستك في مظانك؟ قلت: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة، فقال: يا رسول الله إنه مسيرة شهر، فصفه لي. قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه. قال: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة. فقال: إني مررت بعير لكم، بمكان كذا، وقد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا، ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا، يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود، وغرارتان سوداوان. فلما كان اليوم، أشرف الناس ينظرون حتى كان قريبا من نصف النهار، حين أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل". قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 198 قلت: ابن زبريق تكلم فيه النسائي. وقال أبو حاتم: شيخ. قال حماد بن سلمة: حدثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أتيت بالبراق فركبته خلف جبريل، فسار بنا، فكان إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه، فسار بنا في أرض فيحاء طيبة، فأتينا على رجل قائم يصلي، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: أخوك محمد، فرحب ودعا بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر". ثم سار, فذكر أنه مر على موسى وعيسى، قال: "ثم أتينا على مصابيح فقلت: ما هذا؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم، تحب أن تدنو منها؟ قلت: نعم. فدنونا منها، فرحب بي، ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس, ونشر لي الأنبياء من سمى الله ومن لم يسم، وصليت بهم إلا هؤلاء النفر الثلاثة: موسى، وعيسى، وإبراهيم، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فقربت لي الأنبياء، من سمى الله منهم، ومن لم يسم، فصليت بهم". هذا حديث غريب، وأبو حمزة هو ميمون، ضعف. وقال يونس، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك. متفق عليه. قرأت على القاضي سليمان بن حمزة، أخبركم محمد بن عبد الواحد الحافظ, قال: أخبرنا الفضل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسن الموازيني، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا يوسف الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 199 القاضي, قال: أخبرنا أبو يعلى التميمي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الوساوسي, قال: حدثنا ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغَلَس وأنا على فراشي فقال: "شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتى جبريل فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض، فوق الحمار، ودون البغل، مضطرب الأذنين, فركبته، وكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه، وقصرت رجلاه، وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل لا يفوتني، حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقه بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها، فنشر لي رهط من الأنبياء، فيهم إبراهيم، وموسى، وعيسى، فصليت بهم وكلمتهم، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض، فشربت الأبيض فقال لي جبريل: شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك. ثم ركبته إلى المسجد الحرام، فصليت به الغداة". قالت: فتعلقت بردائه، وقلت: أنشدك الله يابن عم أن تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك. فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه فوق إزاره وكأنه طي القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده، يكاد يختطف بصري، فخررت ساجدة، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي نبعة: ويحك اتبعيه فانظري. فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى قريش في الحطيم، فيهم المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقص عليهم مسراه، فقال عمرو كالمستهزئ: صفهم لي. قال: "أما عيسى ففوق الربعة، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد الشعر، تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى فضخم، آدم، طوال، كأنه من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 200 رجال شنوءة كثير الشعر، غائر العينين، متراكب الأسنان، مقلص الشفتين، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم، فوالله لأشبه الناس بي خَلْقا وخُلُقا". فضجوا وأعظموا ذلك، فقال المطعم: كل أمرك كان قبل اليوم أممًا، غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كاذب! نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا، أتيته في ليلة! وذكر باقي الحديث، وهو حديث غريب، الوساوسي ضعيف تفرد به. وقال مسلم: حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا حجين بن المثنى، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي، أنظر إليه، ما يسألونني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي, أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم -يعني نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه, فالتفت إليه, فبدأني بالسلام". وقد رواه أبو سلمة أيضا، عن جابر مختصرا. قال الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة، قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدث، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 201 "لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه". أخرجاه. وقال إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى، وعيسى، ثم أخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه. وذكر الحديث وهذا مرسل. وقال محمد بن كثير المصِّيصي: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن آمن، وسعوا إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: وتصدقه! قال: نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. وقال معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، سمع أنسا يقول: حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره. وذكر الحديث. وقال عبد العزيز بن عمران بن مقلاص الفقيه، ويونس، وغيرهما: حدثنا ابن وهب قال: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك، قال: لما جاء جبريل -عليه السلام- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 202 كأنها أمرت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق! فوالله إن ركبك مثله. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: "ما هذه يا جبريل؟ " قال له: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال جبريل: سر يا محمد. فسار ما شاء الله أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق فقالوا: السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر فرد السلام، فانتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء، والخمر، واللبن، فتناول اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت أمتك وغرقت، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك. ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم قال له جبريل: أما العجوز فلم يبق من الدنيا إلى ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدو الله إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم، وموسى، وعيسى. أنبئنا عن ابن كليب، عن ابن بيان، قال: أخبرنا بشر ابن القاضي، قال: حدثنا محمد بن الحسن اليقطيني، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا أبو عمر ابن النحاس، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثني الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: رؤي عبادة بن الصامت على حائط بيت المقدس يبكي فقيل: ما يبكيك؟ فقال: من ههنا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى ملكا يقلب جمرا كالقطف. إسناده جيد. وقال النضر بن شميل، وروح، وغندر: أخبرنا عوف، قال: حدثنا زرارة بن أوفى، قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كانت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 203 ليلة أسري بي، ثم أصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعلمت بأن الناس يكذبوني". قال: فقعد معتزلا حزينا، فمر به أبو جهل، فجاء فجلس فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قال: ما هو؟ قال: "إني أسري بي الليلة" قال: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس". قال: ثم أصبحت بين أظهرنا! قال: "نعم". قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث، فدعا قومه، فقال: أرأيت إن دعوت إليك قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال: "نعم". فدعا قومه فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي هلم، فانتقضت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما، فقال: حدثهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أسري بي الليلة". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس". قالوا: ثم أصبحت بين ظهرينا! قال: "نعم". قال: فمن بين مصفر وواضع يده على رأسه مستعجب للكذب، زعم, قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذهبت أنعت، فما زلت حتى التبس علي بعض النعت"، قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال قال: فنعته وأنا أنظر إليه. فقالوا: أما النعت فقد والله أصاب ورواه هوذة، عن عوف. مسلم بن إبراهيم: قال: حدثنا الحارث بن عبيد، قال: حدثنا أبو عمران، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا قاعد ذات يوم، إذا دخل جبريل، فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 204 الطائر، فقعد في واحدة، وقعدت في أخرى، فارتفعت حتى سدت الخافقين، فلو شئت أن أمس السماء لمسست، وأنا أقلب طرفي فالتفت إلى جبريل، فإذا هو لاطئ، فعرفت فضل علمه بالله، وفتح لي باب السماء ورأيت النور الأعظم، ثم أوحى الله إليَّ ما شاء أن يوحى". إسناده جيد حسن، والحارث من رجال مسلم. سعيد بن منصور: حدثنا أبو معشر، عن أبي وهب مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، قال: "يا جبريل إن قومي لا يصدقوني" قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق. رواه إسحاق بن سليمان، عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا مسعر، عن أبي وهب هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: فحدثهم صلى الله عليه وسلم بعلامة بيت المقدس، فارتدوا كفارا، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل. وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم، هاتوا تمرا وزبدا، فتزقموا ورأى الدجال في صورته رؤيا عين، ليس برؤيا منام، وعيسى، وموسى، وإبراهيم. وذكر الحديث. وقال حماد بن سلمة عن عاصم عن زر، عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، فلم يزايلا ظهره هو وجبريل، حتى انتهيا به إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء، فاستفتح جبريل، فأراه الجنة والنار، ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت: نعم. قال: اسمك يا أصلع. قلت: زر بن حبيش. قال: فأين تجده صلاها؟ فتأولت الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 205 قال: فإنه لو صلى لصليتم كما تصلون في المسجد الحرام قلت: لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء؟ قال: أكان يخاف أن تذهب منه وقد أتاه الله بها. كأن حذيفة لم يبلغه أنه صلى في المسجد الأقصى, ولا ربط البراق بالحلقة. وقال ابن عيينة، عن عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قال: هي شجرة الزقوم. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 206 ذكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء: قال الله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 5-11] ، وقال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14] ، تفسير ذلك: قال زائدة وغيره، عن أبي إسحاق الشيباني، قال: سألت زر بن حبيش عن قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فقال: حدثنا عبد الله بن مسعود، أنه رأى جبريل له ستمائة جناح أخرجاه. وروى شعبة، عن الشيباني هذا، لكن قال: سألته عن قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] ، فذكر أنه رأى جبريل له ستمائة جناح. وقال البخاري: قبيصة: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال: رأى رفرفا أخضر قد ملأ الأفق. وقال حماد بن سلمة: حدثنا عاصم، عن زر، عن عبد الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جبريل عند سدرة، عليه ستمائة جناح، ينفض من ريشه التهاويل الدر والياقوت. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 207 عاصم بن بهدلة القارئ، ليس بالقوي. وقال مالك بن مغول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة بن مصرف، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة -كذا قال- وإليها ينتهي ما يصعد به، حتى يقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، حتى يقبض منها {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] ، قال: غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لا يشكر بالله من أمته المقحمات. أخرجه مسلم. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] ، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ، قال: رأى جبريل -عليه السلام- أخرجه مسلم. وقال زكريا بن أبي زائدة، عن ابن أشوع، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قلت لعائشة: فأين قوله تعالى: {دَنَا فَتَدَلَّى} ؟ قالت: إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجل، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد أفق السماء. متفق عليه. وقال ابن لهيعة: حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة أن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 208 نبي الله -عليه السلام- كان أول شأنه يرى المنام، فكان أول ما رأى جبريل بأجياد، أنه خرج لبعض حاجته، فصرخ به: يا محمد يا محمد فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا، ثم نظر، فلم ير شيئا، فرفع بصره، فإذا هو ثانيا إحدى رجليه على الأخرى في الأفق، فقال: يا محمد جبريل جبريل، يسكنه، فهرب حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئا، ثم رجع فنظر فرآه، فذلك قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1-2] . محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن ابن عباس {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قال: دنا ربه منه فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. إسناده حسن. أخبرنا التاج عبد الخالق، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا أبو زرعة، قال: أخبرنا المقدمي، قال: أخبرنا القاسم بن أبي المنذر، قال: حدثنا ابن سلمة، قال: أخبرنا ابن ماجة، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا الحسن بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي الصلت، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم، بطونهم كالبيوت، فيها الحيات، ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا" رواه أحمد في "مسنده" عن الحسن، وعفان، عن حماد وزاد فيه: "رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء السابعة". أبو الصلت مجهول. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، قال: أخبرنا أبو محمد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 209 عبد الله بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا هبة الله بن الحسن بن هلال، قال: أخبرنا عبد الله بن علي بن زكرى سنة أربع وثمانين وأربعمائة, قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو، قال: حدثنا سعدان بن نصر، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون، قال: أنبأنا القاسم بن محمد، عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته وخلقه، سادا ما بين الأفق. أخرجه البخاري عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، عن الأنصاري. قلت: قد اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه، فأنكرتها عائشة، وأما الروايات عن ابن مسعود، فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله. وذكرها في الصحيح وغيره. وقال يونس، عن ابن شهاب، عن أنس، قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل -عليه السلام- ففرج صدري, ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ثم أفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا، فقال لخازنها: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم محمد. قال: أرسل إليه؟ قال: نعم ففتح، فلما علونا السماء الدنيا، إذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح. قلت: يا جبريل من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 210 هذا؟ [قال هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى] ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا، ففتح". قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات: آدم، وإدريس، وعيسى، وموسى، وإبراهيم، ولم يثبت -يعني أبا ذر- كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة، فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس، قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قال: ثم مر، "قلت: من هذا؟ قال: إدريس، قال: ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: موسى. ثم مررت بعيسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: عيسى. ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح. قلت: من هذا؟ قال: إبراهيم". قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 211 الأنصاري كانا يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام". قال ابن شهاب: قال ابن حزم، وأنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ففرض الله -عز وجل- على أمتي خمسين صلاة، قال: فرجعت بذلك حتى أمر بموسى، فقال: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة. قال موسى: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. قال: فراجعت ربي، فوضع عني شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته، قال: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي. فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك. فقلت: قد استحييت من ربي. قال: ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". أخبرنا بهذا الحديث يحيى بن أحمد المقرئ بالإسكندرية، ومحمد بن حسين الفوى بمصر، قالا: أخبرنا محمد بن عماد، قال: أخبرنا عبد الله بن رفاعة، قال: أخبرنا علي بن الحسن الشافعي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر البزار، قال: حدثنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو، المديني، قال: حدثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، فذكره. رواه مسلم عن حرملة، عن ابن وهب. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 212 وروى النسائي شطره الثاني من قول ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس، وأبا حبة، إلى آخره، عن يونس، فوافقناه بعلو. وقد أخرجه البخاري من حديث الليث، عن يونس وتابعه عقيل، عن الزهري. وقال همام: سمعت قادة يحدث، عن أنس، أن مالك بن صعصعة حدثه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: "بينما أنا في الحطيم" وربما قال قتادة: في الحجر "مضطجعا إذ أتاني آت" فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال: فأتاني وقد سمعت قتادة يقول: "فشق ما بين هذه إلى هذه"، قال قتادة: قلت لجارود، وهو إلى جنبي: ما يعني؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته؟ قال: "فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل، وفوق الحمار أبيض" فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم. "يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قال: مرحبا به ونعم المجيء جاء. ففتح له، فلما خلصت فإذا آدم فيها، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه. فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 213 الصالح، والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ [قال: نعم قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي] حتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت ورد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلما خلصت فإذا موسى -عليه السلام- فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال: فلما جاوزت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنه غلام بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي. ثم صعد حتى أتى السماء السابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم فقال: مرحبا به ونعم المجيء جاء. ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم -عليه السلام- قال: هذا [أبوك] فسلم عليه فسلمت عليه، فرد، وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفعت إلى سدرة المنتهى. فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى. وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 214 الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع البيت المعمور، [ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل] ، فأخذت اللبن. فقال: هذه الفطرة التي أنت عليها وأمتك. قال: ثم فرضت عليَّ الصلاة، خمسون صلاة في كل يوم، فرجعت فمررت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة في كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فإني قد خبرت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: بأربعين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيعها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فرجعت فوضع عني عشرا أخر، ثم رجعت إلى موسى". فذكر الحديث إلى أن قال: "إن أمتك لا تستطيع بخمس صلوات كل يوم، وإني خبرت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قلت: قد سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم. فلما نفرت ناداني مناد: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي". أخرجه البخاري، عن هدبة عنه. وقال معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس، عن مالك بن صعصعة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر نحوه، وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، فغسل بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا. أخرجه مسلم بطوله. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 215 وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا عند البيت، بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين. قال: فأتيت فانطلق بي، ثم أتيت بسطت من ذهب فيه من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا". قال قتادة: قلت لصاحبي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني. "فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، وحشي". أو قال: كنز إيمانا وحكمة -شك سعيد- "ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه ومعي صاحبي لا يفارقني، فانطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا". وساق الحديث كحديث همام، إلى قوله: البيت المعمور فزاد: "يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، حتى إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم". قلت: وهذه زيادة رواها همام في حديثه، وهو أتقن من ابن أبي عروبة، فقال: قال قتادة، فحدثنا الحسن، عن أبي هريرة أنه رأي البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه. ثم رجع إلى حديث أنس، وفي حديث ابن أبي عروبة: "في سدرة المنتهى" إن ورقها مثل آذان الفيلة، ولفظه: "ثم أتيت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة، قال: إني قد بلوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فرجعت، فحط عني خمس صلوات، فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى كلما أتيت عليه، قال لي مثل مقالته، حتى رجعت بخمس صلوات، كل يوم، فلما أتيت على موسى قال كمقالته، قلت: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم. فنوديت أن قد أمضيت، وخففت عن عبادي، وجعلت بكل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 216 حسنة عشر أمثالها". أخرجه مسلم. وقد رواه ثابت البناني، وشريك بن أبي نمر، عن أنس، فلم يسنده لهما، لا عن أبي ذر، ولا عن مالك بن صعصعة، ولا بأس بمثل ذلك، فإن مرسل الصحابي حجة. قال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض، فركبته حتى أتينا ببيت المقدس، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فأتاني بإناءين خمر ولبن، فاخترت اللبن، فقال: أصبت الفطرة. ثم عرج بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: أنا جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل، ففتح لنا، فإذا بآدم". فذكر الحديث وفيه: "فإذا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير". إلى أن قال لما فتح له السماء السابعة: "فإذا بإبراهيم -عليه السلام- وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، فرحب بي، ودعا لي بخير، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، قال: فدنا فتدلى وأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليّ في كل يوم خمسون صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك؛ فإني قد بلوت بني إسرائيل وجربتهم وخبرتهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 217 قال: فرجعت فقلت: أي رب خفف عن أمتي. فحط عني خمسا، فرجعت حتى انتهيت إلى موسى، فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حط عني خمسا، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: هي خمس صلوات في كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة". أخرجه مسلم دون قوله: فدنا فتدلى، وذلك ثابت في رواية حجاج بن منهال، وهو ثبت في حماد بن سلمة. وقال سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنسا يقول، وذكر حديث الإسراء، وفيه: ثم عرج به إلى السماء السابعة، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. أخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان. وقال شيبان، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عباس، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي موسى -عليه السلام- رجلا طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس". قال: ورأى مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه قال: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] ، فكان قتادة يفسرها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى. أخرجه مسلم. وفي الصحيحين، من حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به: "لقيت موسى وعيسى -ثم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 218 نعتهما- ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به". وقال مروان بن معاوية الفزاري، عن قنان النهمي، قال: حدثنا أبو ظبيان الجنبي، قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، فقال محمد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة: لا، بل حدثنا أنت عن أبيك. قال: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت. فأنشأ أبو عبيدة يحدث، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه، فانطلق يهوي بنا، كلما صعد عقبة استوت رجلاه مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال أزد شنوءة، وهو يقول ويرفع صوته ويقول: أكرمته وفضلته، فدفعنا إليه، فسلمنا، فرد السلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد. قال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته. قال: ثم اندفعنا، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: موسى. قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه! قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج وتحتها شيخ وعياله، فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم، فسلمنا عليه فرد السلام وقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: ابنك أحمد. فقال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بني إنك لاق ربك الليلة، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل. قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن، فأخذت اللبن فشربته، فضرب جبريل منكبي، وقال: أصبت الفطرة ورب محمد. ثم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 219 أقيمت الصلاة، فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا". هذا حديث حسن غريب. فإن قيل: فقد صح عن ثابت، وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، هو قائم يصلي في قبره"، وقد صح عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى يصلي، وذكر إبراهيم، وعيسى قال: فحانت الصلاة فأممتهم". ومن حديث ابن المسيب أنه لقيهم في بيت المقدس، فكيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدم، من أن رأى هؤلاء الأنبياء في السموات، وأنه راجع موسى؟ فالجواب: أنهم مثلوا له، فرآهم غير مرة، فرأى موسى في مسيرة قائما يصلي في قبره، ثم رآه ببيت المقدس، ثم رآه في السماء السادسة هو وغيره، فعرج بهم، كما عرج بنبينا صلوات الله على الجميع وسلامه، والأنبياء أحياء عند ربهم كحياة الشهداء عند ربهم، وليست حياتهم كحياة أهل الدنيا، ولا حياة أهل الآخرة، بل لون آخر، كما ورد أن حياة الشهداء بأن جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فهم أحياء عند ربهم بهذا الاعتبار كما أخبر سبحانه وتعالى، وأجسادهم في قبورهم. وهذه الأشياء أكبر من عقول البشر، والإيمان بها واجب كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] . أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، قال: أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد كتابة، أن تميم بن أبي سعيد الجرجاني أخبرهم، قال: أخبرنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 220 أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا هدبة بن خالد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله. قالت بنت فرعون: أبي. قالت: ربي ورب أبيك. قالت: أقول له إذا. قالت: قولي له. قال لها: أولك رب غيري! قالت: ربي وربك الذي في السماء. قال: فأحمى لها بقرة من نحاس، فقالت: إن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: أن تجمع عظامي وعظام ولدي. قال: ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق. فألقى ولدها في البقرة، واحدا واحدا واحدا، فكان آخرهم صبي، فقال: يا أمه اصبري فإنك على الحق". قال ابن عباس: فأربعة تكلموا وهم صبيان: ابن ماشطة بنت فرعون، وصبي جريج، وعيسى ابن مريم، والرابع لا أحفظه. هذا حديث حسن. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن أبي بكر بن أبي سبرة وغيره، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته أتاه جبريل بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا، فعرج به إلى السموات سماء سماء، فلقي فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 221 قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أسامة بن زيد، الليثي، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال محمد بن عمر: وحدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبيه، عن جده، عن أم سلمة. وحدثنا موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة. وحدثني إسحاق بن حازم، عن وهب بن كيسان، عن أبي مرة، عن أم هانئ. وحدثني عبد الله بن جعفر، عن زكريا بن عمرو، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس، وساق الحديث إلى أن قال: وقال بعضهم في الحديث: فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه حين فقد يلتمسونه، حتى بلغ العباس ذا طوى، فجعل يصرخ: يا محمد يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك". فقال: يابن أخي عنيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال: "أتيت من بيت المقدس". قال: في ليلتك! قال: "نعم". قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: "ما أصابني إلا خير". وقالت أم هانئ: ما أسري به إلا من بيتنا: نام عندنا تلك الليلة بعد ما صلى العشاء، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح، فقام، فلما صلى الصبح قال: "يا أم هانئ جئت بيت المقدس، فصليت فيه، ثم صليت الغداة معكم". فقالت: لا تحدث الناس فيكذبونك، قال: "والله لأحدثنهم". فأخبرهم فتعجبوا، وساق الحديث. فرق الواقدي، كما رأيت، بين الإسراء والمعراج، وجعلهما في تاريخين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 222 وقال عبد الوهاب بن عطاء: أخبرنا راشد أبو محمد الحماني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، فقرأ أول {سُبْحَانَ} وقال: "بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم، ثم أيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم نمت، فأيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، فإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري، حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبهه بدوابكم هذه بغالكم، مضطرب الأذنين، يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره مد بصره، فركبته، فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد انظرني أسألك. فلم أجبه، فسرت، ثم دعاني داع عن يساري: يا محمد انظرني أسألك. فلم أجبه، ثم إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة، فقالت: يا محمد انظرني أسألك. فلم ألتفت إليها، حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة، فأتاني جبريل بإناءين: خمر ولبن، فشربت اللبن، فقال: أصبت الفطرة. فحدثت جبريل عن الداعي الذي عن يميني، قال: ذاك داعي اليهود، لو أجبته لتهودت أمتك، والآخر داعي النصارى، لو أجبته لتنصرت أمتك، وتلك المرأة الدنيا، لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلينا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيتم الميت حيث يشق بصره طامحا إلى السماء، فإنما يفعل ذلك عجبه به، فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوْ} [المدثر: 31] ، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 223 جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته من الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين. ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة - يعني بالخوان المائدة- عليها لحم مشرح، ليس يقربها أحد، وإذا أنا بأخونة أخرى، عليها لحم قد أروح، ونتن، وعندها أناس يأكلون منها: قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام. قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة، وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة فتطؤهم، فسمتهم يضجون إلى الله، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا. ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، فتفتح أفواههم ويلقمون الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فيضجون، قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما. ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن يضججن إلى الله، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الزناة من أمتك. ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمون، فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون. ثم صعدت إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، قد فضل على الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، ومعه نفر من قومه. فسلمت عليه وسلم علي، ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما. ثم صعدت إلى الرابعة، فإذا أنا بإدريس، ثم صعدت إلى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 224 السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه. فسلمت عليه، ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، وإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله مني. قلت: من هذا؟ قال: موسى ثم صعدت السابعة، فإذا أنا بإبراهيم، ساند ظهره إلى البيت المعمور، فدخلته ودخل معي طائفة من أمتي، عليهم ثياب بيض، ثم دفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة، وإذا فيها عين تجري، يقال لها سلسبيل، فيشق منها نهران، أحدهما الكوثر والآخر نهر الرحمة، فاغتسلت فيه، فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم إني دفعت إلى الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة. ثم عرضت علي النار، ثم أغلقت، ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى فتغشى لي، وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، وفرضت علي الصلاة خمسين، ثم دفعت إلى موسى" -فذكر مراجعته في التخفيف. أنا اختصرت ذلك وغيره إلى أن قال- فقلت: "رجعت إلى ربي حتى استحييته". ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب، فقال: إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء، ورأيت كذا، ورأيت كذا، فقال أبو جهل: ألا تعجبون مما يقول محمد، وذكر الحديث. هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النصف منه، رواه يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب، وهو صدوق، عن راشد الحماني، وهو مشهور، روى عنه حماد بن زيد، وابن المبارك، وقال أبو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 225 حاتم: صالح الحديث، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي، وهو ضعيف شيعي. وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم، ونوح بن قيس الحداني بطوله نحوه، حدث به عنهما قتيبة بن سعيد. ورواه سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن روح بن القاسم، عن أبي هارون العبدي بطوله. ورواه أسد بن موسى، عن مبارك بن فضالة. ورواه عبد الرزاق، عن معمر. والحسن بن عرفة، عن عمار بن محمد، كلهم عن أبي هارون، وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا. عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] ، قال: رأي عين. ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أسري بروح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على فراشه. معمر عن قتادة عن الحسن، قال: أسري بروح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على فراشه. وقال إبراهيم بن حمزة الزبيري: حدثنا حاتم بن إسماعيل، قال: حدثني عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة. "ح". وقال هاشم بن القاسم، ويونس بن بكير، وحجاج الأعور: حدثنا أبو جعفر الرازي، وهو عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] ، قال: أتي بفرس فحمل عليه، خطوه منتهى بصره، فسار وسار معه جبريل، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبع مائة ضعف {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] ، ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت! قال: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع والزقوم، ورضف جهنم، قال: يا جبريل ما هؤلاء؟ قال: الذين لا يؤدون الزكاة. ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته، يقول الله تعالى: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} [الأعراف: 86] ، ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها، قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة، لا يستطيع أداءها، وهو يزيد عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت. قال: يا جبريل من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 226 هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم نعت الجنة والنار، إلى أن قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فدخل وصلى، ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم. وذكر حديثا طويلا في ثلاث ورقات كبار. تفرد به أبو جعفر الرازي، وليس هو بالقوي، والحديث منكر يشبه كلام القصاص، إنما أوردته للمعرفة لا للحجة. وروى في المعراج إسحاق بن بشير، وليس بثقة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس حديثا. وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 227 فرضت أربعا، وأقرت صلاة السفر ركعتين أخرجه البخاري. آخر الإسراء. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 228 زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة أمي المؤمنين: قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة، قبل الهجرة، وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع سنين جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة، وأنا مجممة، فهيأنني وصنعنني، ثم أتين بي إليه. قال عروة: ومكثت عنده تسع سنين. وهذا حديث صحيح. وقال أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي ابنة تسع. أخرجه البخاري هكذا مرسلا. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتك في المنام مرتين، أرى أن رجلا يحملك في سرقة حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف فأراك فأقول: إن كان هذا من عند الله يمضه". متفق عليه. وقال عبد الله بن إدريس، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألا تزوج؟ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 229 قال: "ومن"؟ قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: "من البكر ومن الثيب"؟ فقالت: أما البكر فعائشة ابنة أحب خلق الله إليك. وأما الثيب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. قال: "اذكريهما علي". قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: ماذا؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة. قالت: انتظري فإن أبا بكر آت. فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له. فقال: أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي". قالت: وقام أبو بكر، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، ووالله ما أخلف وعدا قط، تعني أبا بكر. قالت: فأتى أبو بكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية. قالت: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصبئه وتدخله في دينك. فأقبل عليه أبو بكر فقال: ما تقول أنت؟ فقال: إنها لتقول ما تسمع. فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء، فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها، قالت: ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة، وأبوها شيخ كبير قد جلس عن الموسم فحييته بتحية أهل الجاهلية وقلت: أنعم صباحا. قال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم. فرحب بي وقال ما شاء الله أن يقول، قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة. قال: كفؤ كريم، ماذا تقول صاحبتك؟ قلت: تحب ذلك. قال: قولي له فليأت. قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها. قالت: وقدم عبد بن زمعة فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثو على رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة. إسناده حسن. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 230 عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل: قال إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: "هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير، عن إسرائيل، وهو على شرط البخاري. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحدا منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من الفتك، حتى أبلغ رسالات ربي، وحتى يقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء. فلم يقبله أحد ويقولون: قومه أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه، ولفظوه، فكان ذلك مما ذخر الله للأنصار. وتوفي أبو طالب، وابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان، فعمد لثقيف بالطائف، رجاء أن يؤوه، فوجد ثلاثة نفر منهم، هم سادة ثقيف: عبد ياليل، وحبيب، ومسعود بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه. فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك قط. وقال الآخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك. وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا، والله لئن كنت رسول الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 231 لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت أشر من أكلمك. وتهزؤوا به، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، ودموا رجليه، فخلص منهم وهما تسيلان الدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم، واستظل في ظل سمرة حبلة منه، وهو مكروب موجع، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة أخوه، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عدواتهما، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداسا، وهو نصراني من أهل نينوى، معه عنب، فلما جاء عداس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أي أرض أنت يا عداس"؟ قال: من أهل نينوى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى"؟ فقال: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: "أنا رسول الله، والله أخبرني خبر يونس" فلما أخبره خر عداس ساجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة، وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلما أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ قال: هذا رجل صالح، أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى، فضحكا به، وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. وقال يونس بن يزيد، عن الزهري: أخبرني عروة، أن عائشة حدثته، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: "ما لقيت من قومك كان أشد منه، يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا هو جبريل، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 232 فناداني: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قومك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت يطبق عليهم الأخشبين". فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أسرارهم -أو قال: من أصلابهم- من يعبد الله لا يشرك به شيئا". أخرجاه. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، وهم يومئذ سادتهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمر، وأخواه مسعود، وحبيب، وعند أحدهم امرأة من قريش من جمح، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله من يرسله غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك. وذكره كما في حديث ابن شهاب، وفيه زياد وهي: فلما اطمأن صلى الله عليه وسلم قال فيما ذكر لي: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 233 ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك". وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، قال: سمعت ربيعة بن عباد يحدث أبي، قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبائل من العرب، يقول: "يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوه لا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه، وأن تؤمنوا وتصدقوني وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به". قال: وخلفه رجل أحول وضيء، له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله قال: يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الحي من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه عبد العزى أبو لهب. وحدثني ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أتى كندة في منازلهم، وفيهم سيد لهم يقال له مليح، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فأبوا عليه. وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين، أنه أتى كلبا في منازلهم، إلى بطن منهم يقال له: بنو عبد الله، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول: يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم، فدعاهم إلى الله فلم يقبلوا. وحدثني بعض أصحابنا أنه أتى بني حنيفة في منازلهم، ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا منهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 234 وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء". قال: أفنهدف نحورنا للعرب دونك؟ فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه. وقال يونس بن بكير، عن إسحاق: حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة، عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد يسميه قومه فيهم "الكامل" لسنه وجلده وشعره، فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الله، فقال سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما الذي معك"؟ قال: مجلة لقمان، يعني: حكمة لقمان، قال: "اعرضها". فعرضها عليه، فقال: "إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل منه، قرآن أنزله الله علي". فتلا عليه القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن. ثم انصرف فقدم المدينة على قومها، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فكان رجال من قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم، وكان قتله يوم بعاث. وقال البكائي، عن ابن إسحاق، قال: وسويد الذي يقول: ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى مقالته كالشهد ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر يسرك باديه وتحت أديمه ... تميمة غش تبترى عقب الظهر الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 235 تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 236 حديث يوم بعاث: قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال لهم: "هل لكم إلى خير مما جئتم له"؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: "أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد". ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس، وكان غلاما حدثا: يا قوم هذا والله خير مما جئتم له. فيأخذ أبو الحيسر حفنة من الحصباء، فضرب بها وجه إياس، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فسكت، وقام النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، وكانوا لا يشكون أنه مات مسلما. وقد كان استشعر من الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 237 وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم -يعني: وجرحوا- قدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 238 ذكر مبدأ خبر الأنصار والعقبة الأولى: قال أحمد بن المقدام العجلي: حدثنا هشام بن محمد الكلبي، قال: حدثنا عبد الحميد بن أبي عيسى بن خير، عن أبيه، قال: سمعت قريش قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بن بكر، سعد تميم؟ فلما كان في الليلة الثانية سمعوا الهاتف يقول: أيا سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: لما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه الأنصار، فعرض نفسه على القبائل، كما كان يصنع، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لقيهم قال: "من أنتم"؟ قالوا: نفر من الخزرج. قال: "أمن موالي يهود"؟ قالوا: نعم. قال: "أفلا تجلسون أكلمكم"؟ قالوا: بلى. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 239 الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وكان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا أهل شرك وأوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبيا مبعوث الآن، قد أظل زمانه، نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي تواعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه. فأجابوه وأسلموا، وقالوا: إنا تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك, ونعرض عليهم الذي أجبناك به، إن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا. قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر ستة من الخزرج: أسعد بن زرارة، وعوف بن عفراء، ورافع بن مالك الزرقي، وقطبة بن عامر السلمي، وعقبة بن عامر. رواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق، فقال بدل عقبة: معوذ بن عفراء، وجابر بن عبد الله أحد بني عدي بن غنم. فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام، وفشا فيهم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، وهي "العقبة الأولى"، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب، وهم أسعد بن زرارة، وعوف، ومعوذ ابنا الحارث وهما ابن عفراء، وذكوان بن عبد قيس، ورافع بن مالك، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة البلوي، وعباس بن عبادة بن نضلة، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وهم من الخزرج، وأبو الهيثم ابن التيهان، وعويم بن ساعدة، وهما من الأوس. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 240 وقال يونس وجماعة، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة، قال: حدثني عبادة بن الصامت، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى، ونحن اثنا عشر رجلا، فبايعناه بيعة النساء على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، وذلك قبل أن تفترض الحرب، فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء غفر، وإن شاء عذب. أخرجاه عن قتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب. أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن أبي عمرو، قالا: أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البن، قال: أخبرنا جدي أبو القاسم الحسين، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء سنة تسع وسبعين وأربعمائة، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان المعدل، قال: أخبرنا علي بن يعقوب، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم القرشي، قال: أخبرنا محمد بن عائذ، قال: أخبرني إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن عبادة بن الصامت، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله عز وجل، لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع أنفسنا وأزواجنا، ولنا الجنة. رواه زهير بن معاوية، عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أن عبادة قال نحوه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 241 خالفه داود بن عبد الرحمن العطار ويحيى بن سليم، فرويا عن ابن خثيم هذا المتن بإسناد آخر، وهو عن أبي الزبير عن جابر. وسيأتي. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فلما انصرف القوم, بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير العبدري يقرئهم ويفقههم في الدين، فنزل على أسعد بن زرارة، فحدثني عاصم ابن عمر أنه كان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض. قال ابن إسحاق: وكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ. وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة، واستغفر، فقلت: يا أبه مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة! قال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة يقال له نقيع الخضمات. قلت: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار، منهم معاذ بن عفراء، وأسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان، وعبادة بن الصامت، وأبو عبد الرحمن بن تغلب، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره، وقرأ عليهم القرآن، فأيقنوا به واطمأنوا، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب، فصدقوه، ثم قالوا: قد علمت الذي كان بين الأوس والخزرج من سفك الدماء، ونحن حراص على ما أرشدك الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 242 به، مجتهدون لك بالنصيحة, وإنا نشير عليك برأينا، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنذكر لهم شأنك, وندعوهم إلى الله، فلعل الله يصلح ذات بينهم، ويجمع لهم أمرهم فنواعدك الموسم من قابل. فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وتلوا عليهم القرآن، حتى قل دار من الأنصار إلا قد أسلم فيها ناس، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء، ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا. فبعث مصعب بن عمير، فنزل في بني تميم على أسعد يدعو الناس سرا، ويفشو فيهم الإسلام ويكثر، ثم أقبل مصعب وأسعد، فجلسا عند بئر بني مرق، وبعثا إلى رهط من الأنصار، فأتوهما مستخفين، فأخبر بذلك سعد بن معاذ -ويقول بعض الناس: بل أسيد بن حضير -فأتاهم في لأمته معه الرمح، حتى وقف عليهم، فقال لأبي أمامة أسعد: علام أتيتنا في دورنا بهذا الوحيد الغريب الطريد، يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه، لا أراك بعدها تسيء من جوارنا. فقاموا، ثم إنهم عادوا مرة أخرى لبئر بني مرق، أو قريبا منها، فذكروا لسعد بن معاذ الثانية فجاءهم، فتواعدهم وعيدا دون وعيده الأول، فقال له أسعد: يابن خالة، اسمع من قوله، فإن سمعت حقا فأجب إليه، وإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 1-3] ، فقال سعد: ما أسمع إلا ما أعرفه. فرجع سعد وقد هداه الله، ولم يظهر لهما إسلامه، حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام، وأظهر لهم إسلامه وقال: من شك منكم فيه فليأت بأهدى منه، فوالله لقد جاء أمر لتحزَّنَّ منه الرقاب. فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ، إلا من لا يذكر. ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير، واشتدوا على أسعد، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 243 فانتقل مصعب إلى سعد بن معاذ يدعو آمنا ويهدي الله به. وأسلم عمرو بن الجموح، وكسرت أصنامهم، وكان المسلمون أعز من بالمدينة، وكان مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا قال ابن شهاب: إن مصعبا أول من جمع بالمدينة. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر، وقالا: على بئر مرق، فاجتمع إليهما ناس، وكان سعد وأسيد بن حضير سيدي بني عبد الأشهل، فلما سمعا به قال سعد لأسيد: انطلق إلى هذين فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا، فلولا، أسعد بن زرارة ابن خالتي كفيتك ذلك. فأخذ أسيد حربته، ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال: فوقف عليهما، فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كان لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره. قال: أنصف. ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما بلغنا: والله لعرفنا في وجه الإسلام، قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا: تغتسل وتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي. فقام فاغتسل وأسلم وركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 244 قومه أحد، وسأرسله إليكما. ثم انصرف إلى سعد بن معاذ وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما رآه سعد مقبلا قال: أقسم بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ولى به، ثم قال له: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فما رأيت بهما بأسا، وقد تهيبتهما فقالا: لا نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. فقام سعد مغضبا مبادرا متخوفا، فأخذ الحربة، وقال: والله ما أراك أغنيت عنا شيئا. ثم خرج إليهما، فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متبسما. ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة، والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت مني هذا، أتغشانا في دارينا بما نكره! وقد قال أسعد لمصعب: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان. فقال: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره. قال: أنصفت. فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، فعرفنا في وجهه، والله، الإسلام قبل أن يتكلم به، لإشراقه وتسهله. ثم فعل كما عمل أسيد، وأسلم، وأخذ حربته، وأقبل عامدا إلى نادي قومه، ومعه أسيد, فلما رآه قومه، قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعرفون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا. فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة، ورجع مصعب وأسعد إلى منزلهما، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء ومسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وتلك أوس الله وهم من الأوس بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 245 حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت، وهو صيفي، وكان شاعرا لهم وقائدا، يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام، فلم يزل على ذلك حتى مضت أحد والخندق. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 246 العقبة الثانية: قال يحيى بن سليم الطائفي، وداود العطار, وهذا لفظه: حدثنا ابن خثيم، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم: مجنة وعكاظ، ومنى، يقول: "من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة"؟ فلا يجد، حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر أو اليمن، فيأتيه قومه أو ذو رحمه يقول: احذر فتى قريش لا يفتنك، يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل، يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله له من يثرب، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من يثرب إلا وفيها رهط يظهرون الإسلام. ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا منا، فقلنا: حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف. فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين، حتى توافينا عنده، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: "على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة". فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 247 إلا أنا، فقال: رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل. قلنا: أمط يدك يا أسعد، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه، ويعطينا على ذلك الجنة. زاد في وسطه يحيى بن سليم: فقال له عمه العباس: يابن أخي لا أدري ما هذا القوم الذين جاءوك، إني ذو معرفة بأهل يثرب. قال: فاجتمعا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا، قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم أحداث، فقلنا: علام نبايعك. وقال أبو نعيم: حدثنا زكريا، عن الشعبي، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم معه عمه العباس، إلى السبعين من الأنصار، عند العقبة تحت الشجرة، قال: ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة، فإن عليكم من المشركين عينا. فقال أسعد: سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك، ثم أخبرنا ما لنا على الله. قال: "أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "لكم الجنة". قالوا: فلك ذلك. وقال أبو نعيم: حدثنا زكريا، عن الشعبي، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم معه عمه العباس، إلى السبعين من الأنصار، عند العقبة تحت الشجرة، قال: ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة، فإن عليكم من المشركين عينا. فقال أسعد: سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك، ثم أخبرنا ما لنا على الله. قال: "أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا, وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "لكم الجنة". قالوا: فلك ذلك. ورواه أحمد بن حنبل، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن أبي مسعود الأنصاري بنحوه، قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 248 وكان أبو مسعود أصغرهم سنا. وقال ابن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر، أن العباس بن عبادة بن نضلة أخا بني سالم قال: يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود، فإن كنتم ترون أنها إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل، تركتموه وأسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم مستضلعون به وافون له، فهو والله خير الدنيا والآخرة. قال عاصم: فوالله ما قال العباس هذه المقالة إلا ليشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بها العقد. وقال ابن أبي بكر: ما قالها إلا ليؤخر بها أمر القوم تلك الليلة، ليشهد أمرهم عبد الله بن أبي، فيكون أقوى. قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله؟ قال: "الجنة". قالوا: ابسط يدك. وبايعوه، فقال عباس بن عبادة: إن شئت لنملين عليهم غدا بأسيافنا، فقال: "لم أؤمر بذلك". وقال الزهري -ورواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة- وقاله موسى بن عقبة، وهذا لفظه: إن العام المقبل حج من الأنصار سبعون رجلا، أربعون من ذوي أسنانهم وثلاثون من شبانهم، أصغرهم أبو مسعود عقبة بن عمرو، وجابر بن عبد الله، فلقوه بالعقبة، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس، فلما أخبرهم بما خصه الله من النبوة والكرامة، ودعاهم إلى الإسلام وإلى البيعة أجابوه، وقالوا: اشترط علينا لربك ولنفسك ما شئت. فقال: "أشترط لربي أن لا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". فلما طابت بذلك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 249 أنفسهم من الشرط أخذ عليهم العباس المواثيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء، وعظم العباس الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار. وذكر الحديث بطوله. قال عروة: فجميع من شهد العقبة من الأنصار سبعون رجلا وامرأة وقال ابن إسحاق: سبعون رجلا وامرأتان، إحداهما أم عمارة وزوجها وابناهما. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: فحدثني معبد بن كعب بن مالك بن القين، عن أخيه عبيد الله، عن أبيه كعب رضي الله عنه قال: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا، ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا، حتى إذا كنا بظاهر البيداء، قال: يا هؤلاء تعلمون أني قد رأيت رأيا، والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إني قد أردت أن أصلي إلى هذه البنية ولا أجعلها مني بظهر. فقلنا: لا والله لا تفعل، والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام. قال: فإني والله لمصل إليها. فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة، وتوجهنا إلى الشام, حتى قدمنا مكة، فقال لي البراء: يابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أسأله عما صنعت، فلقد وجدت في نفسي بخلافكم إياي. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليبه وسلم فلقينا رجلا بالأبطح، فقلنا: هل تدلنا على محمد؟ قال: وهل تعرفانه إن رأيتماه؟ قلنا: لا والله. قال: فهل تعرفان العباس؟ فقلنا: نعم، وقد كنا نعرفه، كان يختلف إلينا بالتجارة، فقال: إذا دخلتما المسجد فانظرا العباس، فهو الرجل الذي معه. قال: فدخلنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 250 المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس ناحية المسجد جالسين، فسلمنا، ثم جلسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعرف هذين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاعر"؟ قال: نعم. فقال له البراء: يا رسول الله إني قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا، وقد أحببت أن أسألك عنه. قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كنت على قبلة لو صبرت عليها". فرجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهله يقولون: قد مات عليها، ونحن أعلم به، قد رجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام. ثم واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، أوسط أيام التشريق، ونحن سبعون رجلا للبيعة، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، وإنه لعلى شركه، فأخذناه فقلنا: يا أبا جابر والله إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه، فتكون لهذه النار غدا حطبا، وإن الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته، وقد أسلم رجال من قومك، وقد واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة. فأسلم وطهر ثيابه، وحضرها معنا فكان نقيبا، فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أول الليل مع قومنا، فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا تسلل القطا، حتى اجتمعنا بالعقبة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه العباس، ليس معه غيره، أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، فكان أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم، وهو في منعة من قومه وبلاده، قد منعناه ممن هو على مثل رأينا منه، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم، وإلى ما دعوتموه إليه، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه، فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه، فإنه في منعة من عشيرته وقومه. فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلم يا رسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 251 الله. فتكلم ودعا إلى الله، وتلا القرآن، ورغب في الإسلام، فأجبناه بالإيمان والتصديق له، وقلنا له: خذ لربك ولنفسك. فقال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم. فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق نمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن الله أظهرك ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال: "بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم". فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا". فأخرجوهم له، فكان نقيب بني النجار: أسعد بن زرارة، ونقيب بني سلمة: البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، ونقيب بني ساعدة: سعد بن عبادة، والمنذر ابن عمرو، ونقيب بني زريق: رافع بن مالك، ونقيب بني الحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، ونقيب بني عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت -وبعضهم جعل بدل عبادة بن الصامت خارجة بن زيد- ونقيب بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة، ونقيب بني عبد الأشهل -وهم من الأوس- أسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان، قال: فأخذ البراء بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها، وكان أول من بايع، وتتابع الناس فبايعوا، فصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ -والله- صوت سمعته قط، فقال: يا أهل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 252 الجباجب هل لكم من مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب، أما والله لأفرغن لك، ارفضوا إلى رحالكم". فقال العباس بن عبادة أخو بني سالم: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا. فقال: "إنا لم نؤمر بذلك" فرحنا إلى رحالنا فاضطجعنا، فلما أصبحنا، أقبلت جلة من قريش فيهم الحارث بن هشام، فتى شاب وعليه نعلان له جديدتان، فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا، وإنه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. فانبعث من هناك من قومنا من المشركين يحلفون لهم بالله، ما كان من هذا من شيء، وما فعلناه. فلما تثور القوم لينطلقوا قلت كلمة كأني أشركهم في الكلام: يا أبا جابر -يريد عبد الله بن عمرو- أنت سيد من سادتنا وكهل من كهولنا، لا تستطيع أن تتخذ مثل نعلي هذا الفتى من قريش. فسمعه الحارث، فرمى بهما إليّ وقال: والله لتلبسنهما. فقال أبو جابر: مهلا أحفظت لعمر الله الرجل -يقول: أخجلته- اردد عليه نعليه. فقلت: لا والله لا أردهما، فأل صالح إني لأرجو أن أسلبه. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: ثم انصرفوا عنهم فأتوا عبد الله بن أبي يعني ابن سلول فسألوه، فقال: إن هذا الأمر جسيم وما كان قومي ليتفوتوا عليّ بمثله. فانصرفوا عنه. وقال ابن إدريس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 253 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "ابعثوا منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم". فقال أسعد بن زرارة: نعم يا رسول الله، قال: فأنت نقيب على قومك، ثم سمى النقباء كرواية معبد بن مالك. وقال ابن وهب: حدثني مالك، قال: حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل -عليه السلام- كان يشير للنبي صلى الله عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا. قال مالك: كنت أعجب كيف جاء من قبيلة رجل، ومن قبيلة رجلان، حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل كان يشير إليهم يوم البيعة، قال مالك: وهم تسعة نقباء من الخزرج، وثلاثة من الأوس. وقال: ابن إسحاق: تسمية من شهد العقبة: قلت: تركت النقباء لأنهم قد تقدموا. فمن الأوس: سلمة بن سلامة بن وقش. مومن بني حارثة: ظهير بن رافع، وأبو بردة بن نيار، وبهير بن الهيثم. ومن بني عمرو بن عوف: رفاعة بن عبد المنذر -وعده ابن إسحاق نقيبا عوض أبي الهيثم بن التيهان- وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة يوم أحد ويومئذ استشهد، ومعن بن عدي قتل يوم اليمامة، وعويم بن ساعدة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 254 فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا. ومن الخزرج من بني النجار: أبو أيوب خالد بن زيد, ومعاذ بن عفراء وأخوه عوف، وعمارة بن حزم، وقتل يوم اليمامة. ومن بني عمرو بن مبذول: سهل بن عتيك، بدري. ومن بني عمرو بن النجار، وهم بنو حديلة: أوس بن ثابت، وأبو طلحة زيد بن سهل. ومن بني مازن بن النجار: قيس بن أبي صعصعة، وعمرو بن غزية. ومن بلحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد، استشهد يوم أحد، وبشير بن سعد، وعبد الله بن زيد صاحب النداء، وخلاد بن سويد، استشهد يوم قريظة، وأبو مسعود عقبة بن عمرو. ومن بني بياضة: زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، وخالد بن قيس. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، وكان خرج إلى مكة، فكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقال له: مهاجري أنصاري، واستشهد يوم أحد، وعباد بن قيس، والحارث بن قيس. ومن بني سلمة: بشر بن البراء بن معرور ابن أحد النقباء، وسنان ابن صيفي, والطفيل ابن النعمان، واستشهد يوم الخندق، ومعقل بن المنذر، ومسعود بن يزيد, والضحاك بن حارثة، ويزيد بن حرام، وجبار بن صخر، والطفيل بن مالك. ومن بني غنم بن سواد: سليم بن عمرو، وقطبة بن عامر، ويزيد بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 255 عامر، وأبو اليسر كعب بن عمرو، وصيفي بن سواد. ومن بني نابي بن عمرو: ثعلبة بن غنمة، وقتل بالخندق، وأخوه عمرو، وعبس بن عامر، وعبد الله بن أنيس، وخالد بن عدي. ومن بني حرام: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، وثابت بن الجذع، استشهد بالطائف، وعمير بن الحارث، وخديج بن سلامة, ومعاذ بن جبل. ومن بني عوف بن الخزرج: العباس بن عبادة، استشهد يوم أحد، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف لهم، وعمرو بن الحارث. ومن بني سالم بن غنم بن عوف: رفاعة بن عمرو، وعقبة بن وهب. ومن بني ساعدة: النقيبان سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو الذي كان أميرا يوم بئر معونة فاستشهد. وأما المرأتان: فأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، حضرت ومعها زوجها زيد بن عاصم بن كعب، وابناها حبيب وعبد الله، وحبيب هو الذي مثل به مسيلمة الكذاب وقطعه عضوا عضوا. قال ابن إسحاق: فلما تفرق الناس عن البيعة، فتشت قريش من الغد عن الخبر والبيعة، فوجدوه حقا، فانطلقوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة، وهرب منذر بن عمرو، فشدوا يدي سعد إلى عنقه بنسعة، وكان ذا شعر كثير، فطفقوا يجبذونه بجمته ويصكونه ويلكزونه، إلى أن جاء مطعم بن عدي، والحارث بن أمية، وكان سعد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 256 يجبرهما إذا قدما المدينة فأطلقاه من أيديهم وخليا سبيله. قال: وكان معاذ بن عمرو بن الجموح قد شهد العقبة، وكان أبوه من سادة بني سلمة، وقد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناف، فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو وغيرهما، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيأخذونه ويطرحونه في بعض الحفر، وفيها عذر الناس، منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا في هذه الليلة! ثم يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزيته. فإذا أمسى ونام فعلوا به مثل ذلك، وفعل مرات، وفي الآخر علق عليه سيفه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، وهذا السيف معك. فلما كان الليل أخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميتا فعلقوه وربطوه به وألقوه في جب عذره، فغدا عمرو فلم يجده، فخرج يتبعه حتى وجدوه في البئر منكسا مقرونا بالكلب، فلما رآه أبصر شأنه، وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه، وقال: تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن أف لمصرعك إلا مستدن ... الآن فتشناك عن سوء الغبن الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرزق وديان الدين هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 257 ذكر أول من هاجر إلى المدينة: عقيل وغيره، وعن الزهري عن عروة، عن عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بمكة: "قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين". وهما الحرتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة عند ذلك، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". فقال أبو بكر: وترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: "نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين عنده ورق السمر أربعة أشهر. أخرجه البخاري. وقال البكائي، عن ابن إسحاق، قال: فلما أذن الله لنبيه في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بالأنصار، فخرجوا أرسالا، فكان أول من هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد إلى المدينة، هاجر إليها قبل العقبة الكبرى بسنة، وقد كان قدم من الحبشة مكة، فآذته قريش، وبلغه أن جماعة من الأنصار قد أسلموا، فهاجر إلى المدينة. فعن أم سلمة، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج رحل لي بعيره، ثم حملني وابني عليه، ثم خرج بي يقودني. فلما رأته رجال بني المغيرة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 258 قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد! فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، وغضب عند ذلك رهط أبي سلمة، فقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، فانطلق زوجي إذ فرقوا بيننا، فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فلا أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها. حتى مر بي رجل من بني عمي فرحمني، فقال: ألا تحرجون من هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين ولدها؟ فقالوا لي: الحقي بزوجك. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. فارتحلت بعيري، ثم وضعت سلمة في حجري، وخرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة العبدري، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال: والله ما لك من مترك. فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب، أرى أنه أكرم منه، كان أبدا إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة, ثم تنحى إلى الشجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فرحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية، ثم انصرف راجعا. ثم كان أول من قدمها بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب مع امرأته، ثم عبد الله بن جحش حليف بني أمية، مع الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 259 امرأته وأخيه أبي أحمد، وكان أبو أحمد ضرير البصر، وكان يمشي بمكة بغير قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب، فنزل هؤلاء بقباء على مبشر بن عبد المنذر. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: فلما اشتدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة، فخرجوا رسلا رسلا، فخرج منهم قبل مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو سلمة وامرأته، وعامر بن ربيعة، وامرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة، ومصعب بن عمير، وعثمان بن مظعون، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وعثمان بن الشريد، وعمار بن ياسر, ثم خرج عمر وعياش بن أبي ربيعة وجماعة، فطلب أبو جهل والحارث بن هشام عياشا، وهو أخوهم لأمهم، فقدموا المدينة فذكروا له حزن أمه، وأنها حلفت لا يظلها سقف، وكان بها برا، فرق لها وصدقهم، فلما خرجا به أوثقاه وقدما به مكة، فلم يزل بها إلى قبل الفتح. قلت: وهو الذي كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت: "اللهم أنج سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة". الحديث. قال ابن شهاب: وخرج عبد الرحمن بن عوف، فنزل على سعد بن الربيع، وخرج عثمان، والزبير، وطلحة بن عبيد الله، وطائفة ومكث ناس من الصحابة بمكة، حتى قدموا المدينة بعد مقدمه، منهم: سعد بن أبي وقاص، على اختلاف فيه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 260 أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس. فأصبحت عندها أنا وعياش، وحبس هشام وفتن فافتتن وقدمنا المدينة فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة, قوم عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا رسوله، ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم في الدنيا فأنزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] ، فكتبتها بيدي كتابا، ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت عليَّ خرجت بها إلى ذي طوى أصعد فيها النظر وأصوِّبه لأفهمها، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت إنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقتل هشام بأجنادين. وقال عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قدمنا من مكة فنزلنا العصبة عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، فكان يؤمهم سالم، لأنه كان أكثرهم قرآنا. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، فقلنا له: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعد عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر، ثم عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وبلال، ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه، فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 261 وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود, عن عروة قال: ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وإن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم، على أن يأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما أن يقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه، فأخبره الله بمكرهم في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] ، الآية, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر تحت الليل قِبَل الغار بثور، وعمد عليٌّ فرقد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يواري عنه العيون. وكذا قال موسى بن عقبة، وزاد: فباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يجثم على صاحب الفراش فيوثقه، إلى أن أصبحوا، فإذا هم بعلي -رضي الله عنه- فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أنه لا علم له به، فعلموا عند ذلك أنه قد خرج فارا منهم، فركبوا في كل وجه يطلبونه. وكذا قال ابن إسحاق، وقال: لما أيقنت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بويع، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة، توامروا فيما بينهم فقالوا: الآن، فأجمعوا في أمر محمد فوالله لكأنه قد كر عليكم بالرجال، فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه. فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه، فلما دخلوا الدار اعترضهم الشيطان في صورة رجل جميل في بَتٍّ له فقال: أأدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد، سمع بالذي اجتمعتم له، فأراد أن يحضره معكم فعسى أن لا يعدمكم منه نصح ورأي. قالوا: أجل فادخل. فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم، فأجمعوا رأيا في هذا الرجل، فقال قائل: أرى أن تحبسوه. فقال الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 262 النجدي: ماذا برأي، والله لئن فعلتم ليخرجن رأيه وحديثه إلى من وراءه من أصحابه، فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم، ثم يغلبونكم على ما في أيديكم من أمركم. فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه, فإذا غيب عنا وجهه وحديثه ما نبالي أين وقع؟ قال النجدي: ماذا برأي، أما رأيتم حلاوة منطقه، وحسن حديثه، وغلبته على من يلقاه، ولئن فعلتم ذلك ليدخل على قبيلة من قبائل العرب فأصفقت معه على رأيه، ثم سار بهم إليكم حتى يطأكم بهم. فقال أبو جهل: والله إن لي فيه لرأيا، ما أراكم وقعتم عليه، قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا نهدا نسيبا وسيطا، ثم تعطوهم شفارا صارمة، فيضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل، فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقووا على حرب قومهم، وإنما غايتهم عند ذلك أن يأخذوا العقل فتدونه لهم. قال النجدي: لله در هذا الفتى، هذا الرأي وإلا فلا شيء، فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة، فلم يبت موضعه، بل بيَّتَ عليا في مضجعه. رواه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، عن أبيه. حدثنا ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس "ح". قال ابن إسحاق: وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانئ, عن ابن عباس، فذكر معنى الحديث، وزاد فيه: وأذن الله عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بالمدينة "الأنفال" يذكر نعمته عليه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 263 وبلاءه عنده {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} [الأنفال: 30] . الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 264 سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا: قال عقيل: قال ابن شهاب: وأخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا, فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة, قال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي، فأريد أن أسبح في الأرض وأعبد ربي. قال: إن مثلك لا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق, وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك. وارتحل ابن الدغنة مع أبي بكر، فطاف في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرُج مثله ولا يخرَج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وقالوا له: مر أبا بكر يعبد ربه في داره, فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن أبناؤنا ونساؤنا. فقال ذلك لأبي بكر، فلبث يعبد ربه ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز، فيصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر لا يكاد يملك دمعه حين يقرأ، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 265 الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، وابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناؤنا ونساؤنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك جوارك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إليَّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: "قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين". وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي". قال: هل ترجو بأبي أنت ذلك؟ قال: "نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر. فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، قيل لأبي بكر: هذا رسول الله مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، أما والله إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء واستأذن، فأذن له فدخل، فقال لأبي بكر: "أخرج من عندك". قال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. فقال: "اخرج فقد أذن لي في الخروج". قال: فخذ مني إحدى راحلتي. قال: "بالثمن". قالت عائشة: فجهزتهما أحث الجهاز، فصنعنا لهما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 266 سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، فبذلك كانت تسمى "ذات النطاقين"، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح في قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكيدون به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة، ويريح عليهما حين تذهب ساعة من الليل، فيبيتان في رسل منحتهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث. واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا، قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل، وهو على جاهليته، فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث، فارتحلا، وانطلق عامر بن فهيرة والدليل الديلي، فأخذ بهما في طريق الساحل. أخرجه البخاري. عن عمر -رضي الله عنه- قال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من أهل مكة ليلا، فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه يحرسه، فمشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته حتى حفيت رجلاه، فلما رآهما أبو بكر حمله على كاهله، حتى أتى به فم الغار، وكان فيه خرق فيه حيات، فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه، فجعلن يضربنه ويلسعنه -الحيات والأفاعي- ودموعه تتحدر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تَحْزَنْ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 267 إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ، وأما يومه، فلما ارتدت العرب قلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فقال: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام، بم أتألفهم أبشعر مفتعل أم بقول مفترى! وذكر الحديث. وهو منكر، سكت عنه البيهقي، وساقه من حديث يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، قال: حدثني فرات بن السائب، عن ميمون، عن ضبة بن محصن، عن عمر. وآفته من هذا الراسبي فإنه ليس بثقة، مع كونه مجهولا، ذكره الخطيب في تاريخه فغمزه. وقال الأسود بن عامر: حدثنا إسرائيل، عن الأسود، عن جندب، قال: كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، فأصاب يده حجر فقال: إن أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت الأسود: هو ابن قيس، سمع من جندب البجلي، واحتجا به في الصحيحين. وقال همام: حدثنا ثابت، عن أنس أن أبا بكر حدثه، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما". متفق عليه. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به، ويجعلون لهم الجعل العظيم إلى أن قال: فأجاز بهما الدليل أسفل مكة، ثم مضى بهما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 268 حتى جاء الساحل أسفل من عسفان ثم سلك في أمج، ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا، ثم سلك في الخرار، ثم أجاز على ثنية المرة، ثم سلك نقعا، مدلجة ثقيف، ثم استبطن مدلجة محاج، ثم بطن مرجح ذي العصوين، ثم أجاز القاحة، ثم هبط للعرج، ثم أجاز في ثنية الغابر عن يمين ركوبة، ثم هبط بطن رئم ثم قدم قباء من قبل العالية. وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا عون بن عمرو القيسي, قال: سمعت أبا مصعب المكي، قال: أدركت المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم، فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله بشجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش بعصيهم وسيوفهم، فجاء رجل ثم رجع إلى الباقين فقال: رأيت حمامتين بفم الغار، فعلمت أنه ليس فيه أحد. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى رحلي، فقال له عازب: لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما، والمشركون يطلبونكما. قال: أدلجنا من مكة ليلا، فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه، فإذا صخرة فانتهيت إليها، فإذا بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة، ثم قلت: اضطجع يا رسول الله. فاضطجع, ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا، فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 269 الصخرة, ويريد منها الذي أريد، يعني الظل، فسألته: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش، فسماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. فأمرته، فاعتقل شاة من غنمه، وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال هكذا، فضرب إحداهما على الأخرى، فحلب لي كثبة من لبن، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة، على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيته وقد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل. قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. قال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] ، فلما أن دنا منا، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة، قلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. وبكيت، فقال: "ما يبكيك"؟ قلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكني إنما أبكي عليك. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اكفناه بما شئت". فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها، فوثب عنها، ثم قال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهما، فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لنا في إبلك وغنمك". ودعا له، فانطلق راجعا إلى أصحابه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا. أخرجاه من حديث زهير بن معاوية، سمعت أبا إسحاق، قال سمعت البراء. وأخرج البخاري حديث إسرائيل، عن عبد الله بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 270 رجاء، عنه. وقال عقيل، عن الزهري: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي أن أباه أخبره، أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما في قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج، أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم ليسوا بهم، ولكن رأيت فلانا وفلانا، انطلقوا باغين، ثم قلَّ ما لبثتُ في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها عليَّ، فأخذت برمحي وخرجت من ظهر البيت، فخططت بزجه الأرض، وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي، حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فخررت, فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها أضرهم أو لا أضرهم، فخرج الذي أكره: لا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، فرفعتها تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر التلفت, ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يداها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره "لا أضرهم"، فناديتهما بالأمان، فوقفا لي وركبت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 271 فرسي حتى جئتهما، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما، أنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيكما الدية، وأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزءوني شيئا، ولم يسألني، إلا أن قال: "أخف عنا". فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أدم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة: حدثنا ابن شهاب الزهري، قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه أخبره، أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره، ثم ساق الحديث، وزاد فيه: وأخرجت سلاحي ثم لبست لأمتي، وفيه: فكتب لي أبو بكر، ثم ألقاه إلي فرجعت فسكت، فلم أذكر شيئا مما كان حتى فتح الله مكة، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت لألقاه ومعي الكتاب، فدخلت بين كتيبة من كتائب الأنصار، فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، فرفعت يدي بالكتاب فقلت: يا رسول الله هذا كتابك. فقال: "يوم وفاء وبر ادن". قال: فأسلمت، ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: سأله عن الضالة وشيء آخر، قال: فانصرفت وسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، أتى نفر من قريش، فيهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 272 أبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري والله أين أبي، فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشا خبيثا- فلطمني على خدي لطمة طرح منها قرطي. وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة -وقد ذهب بصره- فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبه، قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك على هذا المال فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن, وفي هذا بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ. وحدثني الزهري، أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه، عن أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده، قال: فبينا أنا جالس، أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، فأومأت إليه، يعني أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، فمكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، فذكر نحو ما تقدم. قال: وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت: فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 273 يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، وإن الناس ليتبعونه، ويسمعون صوته، حتى خرج من أعلى مكة، وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر ثم تروحا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قالت: فعرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة. قلت: قد سقت خبر أم معبد بطوله في صفته صلى الله عليه وسلم، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت متنحيا، فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة، فقالت: يا عبدي الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى. قال: فلم يجبها، وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها، فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إليهما فقل: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا، فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "انطلق بالشفرة وجئني بالقدح" قال: إنها قد عزبت وليس لها لبن. قال: "انطلق". فانطلق فجاء بقدح، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها، ثم حلب حتى ملأ القدح، ثم قال: "انطلق به إلى أمك". فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال: "انطلق بهذه وجئني بأخرى". ففعل بها كذلك، ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بأخرى، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 274 ففعل بها كذلك، ثم شرب صلى الله عليه وسلم، قال: فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا، فكانت تسميه "المبارك"، وكثر غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر فرآه ابنها فعرفه فقال: يا أمه إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك. فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: وما تدرين من هو! قالت: لا، قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأدخلني عليه، فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها. رواه محمد بن عمران بن أبي ليلى، وأسد بن موسى، عن يحيى، وإسناده نظيف لكن منقطع بين أبي بكر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. أوس بن عبد الله بن بريدة: أخبرنا الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل، وكانت قريش قد جعلت مائة من الإبل لمن يرده عليهم، فركب بريدة في سبعين من بني سهم، فلقي نبي الله ليلا فقال له: "من أنت"؟ قال: بريدة. فالتفت إلى أبي بكر فقال: "برد أمرنا وصلح". ثم قال: "وممن"؟ قال: من أسلم. قال لأبي بكر: "سلمنا". ثم قال: "ممن"؟ قال: من بني سهم. قال: "خرج سهمك". فأسلم بريدة والذين معه جميعا، فلما أصبحوا قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله تنزل عليَّ. قال: إن ناقتي مأمورة فسار حتى وقفت على باب أبي أيوب فبركت. قلت: أوس متروك. وقال الحافظ أبو الوليد الطيالسي: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، قال: حدثنا أبي، عن قيس بن النعمان، قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفيين مروا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن ههنا عناقا حملت أول الشتاء، وقد أخدجت وما بقي لها لبن. فقال: "ادع بها". فدعا بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت، وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 275 ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال: الراعي: بالله من أنت، فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: "أتكتم علي حتى أخبرك"؟. قال: نعم. قال: "فإني محمد رسول الله". فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: "إنهم ليقولون ذلك". قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك. قال: "إنك لن تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا". وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، عن رجال من قومه، قالوا: لما بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كنا نخرج كل غداة فنجلس له بظاهر الحرة، نلجأ إلى ظل الجدر حتى تغلبنا عليه الشمس, ثم نرجع إلى رحالنا، حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا رجعنا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه رجل من اليهود، فنادى: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء، فخرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أناخ إلى ظل هو وأبو بكر، والله ما ندري أيهما أسن، هما في سن واحدة، حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل، فعرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد قال قائل منهم: إن أبا بكر قام فأظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، فعرفناه. وقال محمد بن حمير، عن إبراهيم بن أبي عبلة: حدثني عقبة بن وساج، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم، يعني المدينة، وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر، فغفلها بالحناء والكتم أخرجه البخاري، من حديث محمد بن حمير. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 276 وقال شعبة: أنبأنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: أول من قدم علينا من الصحابة مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان القرآن، ثم جاء عمار، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء قط فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يسعون في الطرق يقولون: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قدم المدينة حتى تعلمت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] في مثلها من المفصل. خ. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء، في حديث الرحل، قال أبو بكر: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، حتى قدمنا المدينة ليلا، فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك". وقدم الناس حين قدمنا المدينة، في الطريق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: جاء رسول الله، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. متفق عليه. وقال هاشم بن القاسم: حدثنا سليمان -هو ابن المغيرة- عن ثابت، عن أنس، قال: إني لأسعى في الغلمان يقولون: "جاء محمد"، وأسعى ولا أرى شيئا، ثم يقولون: "جاء محمد"، فأسعى، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض جدار المدينة، ثم بعثا رجلا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار، قال: استقبلهما زهاء خمس مائة من الأنصار، حتى انتهوا إليهما، فقالوا: انطلقا آمنين مطاعين. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة، حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ أيهم هو؟ قال: فما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 277 رأينا منظرا شبها به يومئذ. صحيح. وقال الوليد بن محمد الموقري وغيره، عن الزهري، قال: فأخبرني عروة أن الزبير كان في ركب تجار بالشام، فقفلوا إلى مكة، فعارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بثياب بياض، وسمع المسلمون بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه، حتى يردهم نحر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لشأنه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العريب هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، حتى نزل في بني عمرو بن عوف من الأنصار، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر يذكر الناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرفوا رسول الله عند ذلك، فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة. وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، فصلى فيه، ثم ركب راحلته فسار، فمشى معه الناس، حتى بركت بالمدينة عند مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل، غلامين يتيمين أخوين في حجر أسعد بن زرارة من بني النجار، فقال حين بركت به راحلته: "هذا إن شاء الله المنزل". ثم دعا الغلامين فساومهما المربد ليتخذه مسجدا، فقال: بل نهبه لك. فأبى حتى ابتاعه وبناه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 278 وقال عبد الوارث بن سعيد وغيره: حدثنا أبو التياح، عن أنس، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علوم المدينة في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب. متفق عليه. وقال عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مر على عبد الله بن أبي وهو جالس على ظهر الطريق، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر أن يدعوه إلى المنزل، وهو يومئذ سيد أهل المدينة في أنفسهم، فقال عبد الله: انظر الذين دعوك فأتهم، فعمد إلى سعد بن خيثمة، فنزل عليه في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال، واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه، ثم بناه بنو عمرو، فهو الذي أسس على التقوى والرضوان. ثم إنه ركب يوم الجمعة، فمر على بني سالم، فجمع فيهم, وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة، واستقبل بيت المقدس، فلا أبصرته اليهود صلى قبلتهم طمعوا فيه للذي يجدونه مكتوبا عندهم، ثم ارتحل فاجتمعت له الأنصار يعظمون دين الله بذلك، يمشون حول ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة، فقال: "خلوا سبيل الناقة، فإنما أنزل حيث أنزلني الله". حتى انتهى إلى دار أبي أيوب في بني غنم، فبركت على الباب، فنزل، ثم دخل دار أبي أيوب، فنزل عليه حتى ابتنى مسجده ومسكنه في بني غنم، وكان المسجد موضعا للتمر لابني أخي أسعد بن زرارة، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطى ابني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 279 أخيه مكانه نخلا له في بني بياضة، فقالوا: نعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نأخذ له ثمنا، وبنى النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة ولعلي ولجعفر، وهم بأرض الحبشة، وجعل مسكنهم في مسكنه، وجعل أبوابهم في المسجد مع بابه، ثم إنه بدا له، فصرف باب حمزة وجعفر. كذا قال: وهم بأرض الحبشة، وإنما كان علي بمكة. رواه ابن عائذ، عن محمد بن شعيب، عنه. وقال موسى بن عقبة: يقال: لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من المدينة، وقدم طلحة بن عبيد الله من الشام، خرج طلحة عامدا إلى مكة، لما ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، خرج إما متلقيا لهما، وإما عامدا عمده بمكة، ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه الثياب، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر منها. وقال الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فأقام بالمدينة عشر سنين. وقال ابن إسحاق: المعروف أنه قدم المدينة يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، قال: ومنهم من يقول لليلتين مضتا منه. رواه يونس وغيره، عن ابن إسحاق. وقال عبد الله بن إدريس: حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عويم، قال: أخبرني بعض قومي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، فأقام بقباء بقية يومه وثلاثة أيام, وخرج يوم الجمعة على ناقته القصواء، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه لبث فيهم ثماني عشرة ليلة. وقال زكريا بن إسحاق: حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 280 قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. متفق عليه. وقال سفيان بن عيينة: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عجوز لهم، قالت: رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس الأنصاري, كان يروي هذه الأبيات: ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو ألفى صديقا مواتبا ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا فلما أتانا واطمأنت به النوى ... وأصبح مسرورا بطيبة راضيا وأصبح ما يخشى ظلامه ظالم ... بعيد ولا يخشى من الناس راعيا بذلنا له الأموال من جل مالنا ... وأنفسنا عند الوغي والتآسيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم ... جميعا وإن كان الحبيب المواسيا ونعلم أن الله لا شيء غيره ... وأن كتاب الله أصبح هاديا وقال عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف -يريد دخول الشيب في لحيته دونه لا في السن- قال أنس: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا رجل يهديني السبيل. فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق، وإنما يعني طريق الخير. فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا نبي الله هذا فارس قد لحق، فقال: "اللهم اصرعه" فصرعه فرسه، ثم قامت تحمحم. فقال: يا نبي الله مرني بم شئت. قال: "تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا" قال: فكان أول النهار جاهدا على الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 281 رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر النهار مسلحة له، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة، وأرسل إلى الأنصار، فجاءوا رسول الله، فسلموا عليهما. فقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركبا وحفوا حولهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء رسول الله، جاء رسول الله وأقبل حتى نزل إلى جانب بيت أبي أيوب، قال: فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله، يخترف لهم منه، فعجل أن يضع التي يخترف فيها فجاءه وهي معه، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي بيوت أهلنا أقرب"؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري، قال: "اذهب فهيء لنا مقيلا" فذهب فهيأ لهما مقيلا، ثم جاء فقال: يا نبي الله قد هيأت لكما مقيلا، قوما على بركة الله فقيلا. فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، جاء عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول الله حقا، وأنك جئت بحق، ولقد علمت يهود أني سيدهم وأعلمهم. وذكر الحديث أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 282 السنة الأولى من الهجرة: روى البخاري في صحيحه من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة أن المسلمين بالمدينة سمعوا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانوا يغدون إلى الحرة ينتظرونه، حتى يردهم حر الشمس، فانقلبوا يوما، فأوفى يهودي على أطم فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فأخبرني عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض. قال: فلم يملك اليهودي أن صاح، يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوه بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف يوم الإثنين مع ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس فطفق من لم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر يظله بردائه، فعرف الناس عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس مسجدهم. ثم ركب راحلته وسار حوله الناس يمشون، حتى بركت به مكان المسجد، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين -وكان مربدا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 283 لسهل وسهيل- فدعاهما فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله. ثم بناه مسجدا، وكان ينقل اللبن معهم ويقول: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره وخرج البخاري من حديث أبي إسحاق عن البراء حديث الهجرة بطوله. وخرج من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر. وأبو بكر شيخ يعرف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: رجل يهديني الطريق، وإنما يعني طريق الخير إلى أن قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركبا، وحفوا دونهما بالسلاح. فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله، فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب، وذكر الحديث. وروينا بإسناد حسن، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فأقام في المدينة عشر سنين. وقال محمد بن إسحاق: فقدم ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، فأقام في بني عمرو بن عوف؛ فيما قيل؛ يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم ظعن يوم الجمعة، فأدركته الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 284 الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاها بمن معه. وكان مكان المسجد؛ مربدا لغلامين يتيمين، وهما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو من بني النجار فيما قال موسى بن عقبة، وكانا في حجر أسعد بن زرارة. وقال ابن إسحاق: كان المربد لسهل وسهيل ابني عمرو، وكانا في حجر معاذ بن عفراء. وغلط ابن مندة فقال: كان لسهل وسهيل ابني بيضاء، وإنما ابنا بيضاء من المهاجرين. وأسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء. وصلى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي. فخرج معه رجال منهم، وهم: العباس بن عبادة، وعتبان بن مالك، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم، فقال: "خلوا الناقة فإنها مأمورة". وسار والأنصار حوله حتى أتى بني بياضة، فتلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، فدعوه إلى النزول فيهم، فقال: "دعوها فإنها مأمورة". فأتى دور بني عدي بن النجار؛ وهم أخوال عبد المطلب؛ فتلقاه سليط بن قيس، ورجال من بني عدي، فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال: "دعوها فإنها مأمورة". ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النجار، فبركت الناقة في موضع المسجد، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وخرب، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها، فقامت ومشت قليلا، وهو صلى الله عليه وسلم لا يهيجها، ثم التفت فكرت إلى مكانها وبركت فيه، فنزل عنها فأخذ أبو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 285 أيوب الأنصاري رحلها فحمله إلى داره. ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت من دار أبي أيوب. فلم يزل ساكنا عند أبي أيوب حتى بنى مسجده وحُجَرَه في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النجار من بيعه، وبذلوه لله وعوضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت. وبنى عضادتيه بالحجارة، وجعل سواريه من جذوع النخل، وسقفه بالجريد, وعمل فيه المسلمون حسبة. فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري تلك الأيام بالذبحة. وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبي صلى الله عليه وسلم وجدا لموته، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النجار بعده نقيبا وقال: أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك. وكانت يثرب لم تمصر، وإنما كانت قرى مفرقة: بنو مالك بن النجار في قرية، وهي مثل المحلة، وهي دار بني فلان. كما الحديث: "خير دور الأنصار دار بني النجار". وكان بنو عدي بن النجار لهم دار، وبنو مازن بن النجار كذلك، وبنو سالم كذلك، وبنو ساعدة كذلك، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك، وبنو عمرو بن عوف كذلك، وبنو عبد الأشهل كذلك وسائر بطون الأنصار كذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي كل دور الأنصار خير". وأمر -عليه السلام- بأن تبنى المساجد في الدور. فالدار -كما قلنا- هي القرية. ودار بني عوف هي قباء. فوقع بناء مسجده صلى الله عليه وسلم في بني مالك بن النجار، وكانت قرية صغيرة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 286 وخرج البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة. ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا. وآخى في هذه المدة بين المهاجرين والأنصار. ثم فرضت الزكاة. وأسلم الحبر عبد الله بن سلام، وأناس من اليهود، وكفر سائر اليهود. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 287 قصة إسلام ابن سلام: قال عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، قال: جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقا. ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت. فأرسل إليهم فأتوا، فقال لهم: "يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله فأسلموا". قالوا: ما نعلمه، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا. ثم قال: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام"؟ قالوا: ذلك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: "أفرأيتم إن أسلم"؟ قالوا: حاش لله، ما كان ليسلم. قال: "يابن سلام اخرج عليهم". فخرج عليهم، فقال: ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا، قالوا: كذبت. فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري بأطول منه. وأخرج من حديث حميد عن أنس، قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أرض، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: "أخبرني بهن جبريل آنفا". قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: ثم قرأ: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة: 97] ، "أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج على الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وغذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 288 إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزع إلى أمه". فتشهد وقال: إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني. فجاءوا، فقال: "أي رجل عبد الله بن سلام فيكم" قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: "أرأيتم إن أسلم"؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. وقال عوف الأعرابي، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله، قالوا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت لأنظر، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته منه أن قال: "أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". صحيح. وروى أسباط بن نصر، عن السدي عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] ؛ قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم وكانوا يجدون محمدا في التوراة، فيسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب. فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 289 قصة بناء المسجد: قال أبو التياح، عن أنس: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملأ بني النجار فجاءوا فقال: "يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا". قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. فكان فيه ما أقول لكم: كان فيه قبور المشركين، وكان فيه خرب ونخل. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع. فصفوا النخل قبلة، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، ويقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره متفق عليه. وفي رواية: فاغفر للأنصار. وقال موسى بن عقبة, عن ابن شهاب، في قصة بناء المسجد: فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن، ويقول وهو ينقل اللبن معهم: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره قال ابن شهاب: فتمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعر رجل من المسلمين لم يسم في الحديث. ولم يبلغني في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر غير هذه الأبيات. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 290 ذكره البخاري في صحيحه. وقال صالح بن كيسان: حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل. فلم يزد فيه أبو بكر شيئا. وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا. وغيره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن يعلى بن شداد، عن عبادة، أن الأنصار جمعوا مالا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابن بهذا المسجد وزينه، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد؟ فقال: "ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى". وروي عن الحسن البصري في قوله: "كعريش موسى"؛ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف. وقال عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه قال: بنيت مع النبي صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة، فكان يقول: قربوا اليمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء. وقال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا أخرجه مسلم بأطول منه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 291 وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة". صحيح. وقال أبو سعيد: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين؛ يعني في بناء المسجد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفض عنه التراب ويقول: "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار". أخرجه البخاري دون قوله: "تقتله الفئة الباغية"، وهي زيادة ثابتة الإسناد. ونافق طائفة من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم. فممن ذكر منهم: من أهل قباء: الحارث بن سويد بن الصامت، وكان أخوه خلاد رجلا صالحا، وأخوه الجلاس، دون خلاد في الصلاح. ومن المنافقين: نبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، وأبو حبيبة ابن الأزعر أحد من بنى مسجد الضرار، وجارية بن عامر، وابناه: زيد ومجمع -وقيل: لم يصح عن مجمع النفاق، وإنما ذكر فيهم لأن قومه جعلوه إمام مسجد الضرار- وعباد بن حنيف، وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصحابة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 292 ومنهم: بشر، ورافع، ابنا زيد، ومربع، وأوس، ابنا قيظي، وحاطب بن أمية، ورافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس؛ ثلاثتهم من بني النجار، والجد بن قيس الخزرجي؛ من بني جشم، وعبد الله بن أبي بن سلول، من بني عوف بن الخزرج، وكان رئيس القوم. وممن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، ورافع بن حرملة، ورفاعة بن زيد بن التابوت، وكنانة بن صوريا. ومات فيها: البراء بن معرور السلمي أحد نقباء العقبة -رضي الله عنه- وهو أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكان كبير الشأن. وتلاحق المهاجرون الذين تأخروا بمكة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا محبوس أو مفتون، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا أوس الله، وهم حي من الأوس؛ فإنهم أقاموا على شركهم. ومات فيها: الوليد بن المغيرة المخزومي والد خالد، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بمكة على الكفر. وكذلك: أبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي توفي بماله بالطائف. وفيها: أرِيَ الأذان عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فشرع الأذان على ما رأيا. وفي شهر رمضان عقد النبي صلى الله عليه وسلم لواء لحمزة بن عبد المطلب يعترض عيرا لقريش. وهو أول لواء عقد في الإسلام. وفيها: بعث النبي صلى الله عليه وسلم حارثة وأبا رافع إلى مكة لينقلا بناته وسودة أم المؤمنين. وفي ذي القعدة عقد لواء لسعد بن أبي وقاص، ليغير على حي من الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 293 بني كنانة أو بني جهينة. ذكره الواقدي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول راية عقدها راية عبيدة بن الحارث. وفيها: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، على المواساة والحق. وقد روى أبو داود الطيالسي، عن سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] . والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز، أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- بل وقبلها انتشر الإسلام في الأقاليم، فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين فمن بعدهم. وكان في هذا القرب أبو قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الشاعر، وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر، وكان يحض الأوس على الإسلام، وكان قبل الهجرة يتأله ويدعي الحنيفية، ويحض قريشا على الإسلام، فقال قصيدته المشهورة التي أولها: أيا راكبا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 294 أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتمو ... لنا قادة قد يقتدى بالذوائب روى الواقدي عن رجاله قالوا: خرج ابن الأسلت إلى الشام، فتعرض آل جفنة فوصلوه، وسأل الرهبان فدعوه إلى دينهم فلم يرده، فقال له راهب: أنت تريد دين الحنيفية، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنه قدم مكة معتمرا، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقص عليه أمره، فكان أبو قيس بعد يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ وقد أسلمت الخزرج والأوس، إلا ما كان من أوس الله فإنها وقفت مع ابن الأسلت، وكان فارسها وخطيبها، وشهد يوم بعاث، فقيل له: يا أبا قيس، هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: رجل قد بعث بالحق. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه شرائع الإسلام، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، أنظر في أمري. وكاد أن يسلم، فلقيه عبد الله ابن أبي، فأخبره بشأنه فقال: كرهت والله حرب الخزرج. فغضب وقال: والله لا أسلم سنة. فمات قبل السنة. فروى عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: لقد سمع يوحد عند الموت، والله أعلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 295 سنة اثنتين من الهجرة: غزوة الأبواء: في صفرها غزوة الأبواء، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة غازيا، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان يريد قريشا وبني ضمرة، فوادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بن عمرو، ثم رجع إلى المدينة. وودان على أربع مراحل. بعث حمزة: ثم في أحد الربيعين بعث عمه حمزة في ثلاثين راكبا من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقي أبا جهل في ثلاث مائة. وقال الزهري: في مائة وثلاثين راكبا. وكان مجدي بن عمرو الجهني وقومه حلفاء الفريقين جميعا، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني. بعث عبيدة: وبعث في هذه المدة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، في ستين راكبا أو نحوهم من المهاجرين، فنهض حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقي بها جمعا من قريش، عليهم عكرمة بن أبي جهل، وقيل مكرز بن حفص، فلم يكن بينهم قتال. إلا أن سعد بن أبي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 297 وقاص كان في ذلك البعث، فرمى بسهم، فكان أول سهم رمي في سبيل الله. وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان المازني حليف بني عبد مناف، وكان مسلمين, ولكنهما خرجا ليتوصلا بالمشركين. غزوة بواط، وغزوة العشيرة غزوة بواط: وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول غازيا، فاستعمل على المدينة السائب أخا عثمان بن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حربا. غزوة العشيرة: وخرج غازيا في جمادى الأولى, واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، حتى بلغ العشيرة، فأقام هناك أياما، ووادع بني مدلج. ثم رجع فأقام بالمدينة أياما. والعشيرة من بطن ينبع. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن محمد بن خشيم عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني أبوك محمد بن خثيم المحاربي، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع. فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بها شهرا، فصالح الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 298 بها بني مدلج، فقال لي علي: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء؛ نفرا من بني مدلج يعملون في عين لهم؛ ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فنمنا، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدمه، فجلسنا، فيومئذ قال لعلي: "يا أبا تراب". لما عليه من التراب. بدر الأولى: وخرج في جمادى الآخرة في طلب كرز بن جابر الفهري، وكان قد أغار على سرح المدينة، فبلغ صلى الله عليه وسلم وادي سَفَوان من ناحية بدر، فلم يلق حربا، وسميت بدرا الأولى، ولم يدرك كُرْزا. سرية سعد بن أبي وقاص: وبعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية من المهاجرين، فبلغ الخوار، ثم رجع إلى المدينة. بعث عبد الله بن جحش: قال عروة: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم -في رجب- عبد الله بن جحش الأسدي، ومعه ثمانية، وكتب معه كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين. فلما قرأ الكتاب وجده: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف، فترصد لنا قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 299 أمضي إلى نخلة، ونهاني أن أستكره أحدا منكم. فمن كان يريد الشهادة فلينطلق، ومن كره الموت فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله. فمضى ومضى معه الثمانية، وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وسهيل بن بيضاء الفهري، وخالد بن البكير. فسلك بهم على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفُرْع يقال له بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، فتخلفا في طلبه. ومضى عبد الله بمن بقي حتى نزل بنخلة. فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما، وفيها عمرو بن الحضرمي وجماعة. فلما رآهم القوم هابوهم. فأشرف لهم عكاشة؛ وكان قد حلق رأسه؛ فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر رجب، فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام. وترددوا, ثم أجمعوا على قتلهم وأخذ تجارتهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله، واستأسروا عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله. وأقبل ابن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين، حتى قدموا المدينة وعزلوا خمس ما غنموا للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن كذلك. وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي، فنزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] ، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين فأما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 300 عثمان فمات بمكة كافرا، وأما الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة. وصرفت القبلة في رجب، أو قريبا منه، والله أعلم. غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي قال ابن إسحاق: سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام في عير لقريش وتجارة عظيمة، فيها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش، منهم: مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها". فانتدب الناس، فخف بعضهم, وثقل بعض، ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلقى حربا. واستشعر أبو سفيان فجهز منذرا إلى قريش يستنفرهم إلى أموالهم. فأسرعوا الخروج، ولم يتخلف من أشرافهم أحد، إلا أن أبا لهب قد بعث مكانه العاص أخا أبي جهل. ولم يخرج أحد من بني عدي بن كعب. وكان أمية بن خلف شيخا جسيما فأجمع القعود. فأتاه عقبة بن أبي معيط -وهو في المسجد- بمجمرة وبخور وضعها بين يديه، وقال: أبا علي، استجمر! فإنما أنت من النساء. قال: قبحك الله، ثم تجهز وخرج معهم. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثامن رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم على الصلاة. ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان؛ إحداهما مع علي، والأخرى مع رجل أنصاري. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 301 فكان مع المسلمين سبعون بعيرا يعتقبونها، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا. وكان أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. فلما قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الصفراء بعث اثنين يتجسسان أمر أبي سفيان. وأتاه الخبر بخروج نفير قريش، فاستشار الناس، فقالوا خيرا. وقال المقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم له خيرا ودعا له. وقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وقال: "سيروا وأبشروا، فإن ربي قد وعدني إحدى الطائفتين: إما العير وإما النفير". وسار حتى نزل قريبا من بدر. فلما أمسى بعث عليا والزبير وسعدا في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر. فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم وأبو يسار من مواليهم، فأتوا بهما النبي صلى الله عليه وسلم. فسألوهما فقالا: نحن سقاة لقريش. فكره الصحابة هذا الخبر ورجوا أن يكونوا سقاة للعير. فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما سلم قال: "إذا صدقا ضربتموهما، وإذا كذبا تركتموهما". ثم قال: "أخبراني أين قريش"؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب. فسألهما: "كم ينحرون كل يوم"؟ قالا: عشرا من الإبل أو تسعا: فقال: "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف". وأما اللذان بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم يتجسسان، فأناخا بقرب ماء بدر واستقيا في شنهما، ومجدي بن عمرو بقربهما لم يفطنا به، فسمعا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 302 جاريتين من حواري الحي تقول إحداهما للأخرى: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك. فصرفهما مجدي، وكان عينا لأبي سفيان. فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فذكر له الراكبين، فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب. فرجع سريعا فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجى، وأرسل يخبر قريشا أنه قد نجا فارجعوا. فأبى أبو جهل، وقال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم عليه ثلاثا، فتهابنا العرب أبدا. ورجع الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ببني زهرة كلهم، وكان فيهم مطاعا. ثم نزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادي. وسبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم لم يصب المسلمين منه إلا ما لبد لهم الأرض. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فقال الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول الله، إنّ هذا ليس لك بمنزِل، فانهضْ بنا حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزله ونُغَورَ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماءً، فنشرب ولا يشربون. فاستحسن النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك من رأيه، وفعل ما أشار به، وأمر بالقُلُب فغُوّرت، وبنى حوضاً وملأه ماءً. وبُني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريشٌ يكون فيه، ومشى النبي - صلى الله عليه وسلم - على موضع الوقعة، فأرى أصحابَه مَصَارعَ قُريش، يقول: هذا مَصْرع فلان، وهذا مَصْرع فلان. قال: فما عدا واحدٌ منهم مصرعه ذلك. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 303 ثم بعثت قُرَيش فَحَزَرُوا المسلمين، وكان فيهم فارسان: المِقداد والزُّبير. وأراد عُتبة بن ربيعة، وحكيم بن حِزام قُريشأ على الرجوع فأبَوْا، وكان الذي صمّم على القتال أبو جهل. فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُقْبلين قال: اللهم هذه قُريش قد أقبلت بخُيَلائها وفخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولَك، اللهم فنصْرك الذي وعدتني، الفهئمَ أحْتِفْهم الغَدَاة. وقال - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى عُتْبة ابن ربيعة في القوم على جملٍ أحمر- إنْ يكن في أحدٍ من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إنْ يُطيعوه يَرْشُدُوا. وكان خُفَاف بن إيماء بن رَحَضة الغِفاريّ بعث إلى قُرَيش، حين مَرّوا به، ابناً بجزائر هديّة، وقال: إنْ أحببتم أن نمدّكم بسلاحٍ ورجالٍ فَعَلْنا. فأرسلوا إليه: أنْ وصلتك رَحِمٌ، قد قضيتَ الذي ينبغي، فَلَعَمْري لئنْ كنّا إنّما نقاتل النّاسَ فما بنا ضَعْفٌ، وإنْ كنّا إنّما نقاتل الله، كما يزعُمُ محمد، ما لأحدٍ بالله من طاقة. فلمّا نزل النّاس أقبل نفرٌ من قُرَيش حتى وردوا حوْضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دَعُوهم. فما شرب رجل يومئذٍ إلاّ قُتل، إلاّ ما كان من حكيم بن حزام، ثم إنّه أسلم بعد ذلك، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نَجاني يوم بدر. ثم بعثتْ قُريشٌ عُمَيْر بن وهب الجُمَحي ليَحْزر المسلمين، فجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع فقال: هم ثلاث مئة يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر لِلقَومِ كمينٌ أو مَدَد؟ وضرب في الوادي، فلم ير شيئاً. فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئاً، ولكني قد رأيتُ- يا معشر قريش- البلايا تحملُ المنايا، نواضحُ يثرب تحملُ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 304 الموتَ النّاقع، قومٌ ليس لهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أنْ يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خيرُ العيش بعد ذلك؟ فَرَوْا رأيَكم. فلما سمع حكيم بن حِزام ذلك مشى في النّاس، فأتى عُتْبة بن رَبيعة فقال: يا أبا الوليد إنّك كبير قريش وسيّدها والمُطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تُذكر بخيرٍ إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت، أنت علي بذلك، إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية -والحنظلية أم أبي جهل- فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره. ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا, والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه وابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون. قال حكيم: فأتيت أبا جهل فوجدته قد شد درعا من جرابها فهو يهيؤها فقلت له: يا أبا الحكم، إن عتبة قد أرسلني بكذا وكذا. فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلا، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه قد تخوفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر فكشف رأسه وصرخ: واعمراه، واعمراه. فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس رأي عتبة الذي دعاهم إليه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 305 فلما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ والله سحره، قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره. ثم التمس عتبة بيضة لرأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته، فاعتجر على رأسه ببرد له. وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي -وكان شرسا سيئ الخلق- فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. وأتاه فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- فالتقيا فضربه حمزة فقطع ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما. ثم جاء إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبر يمينه، واتبعه حمزة فقتله في الحوض. ثم إن عتبة بن ربيعة خرج للمبارزة بين أخيه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، ودعوا للمبارزة، فخرج إليه عوف ومعوذ ابنا عفراء وآخر من الأنصار. فقالوا: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا عبيدة بن الحارث، ويا حمزة، ويا علي". فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فتسموا لهم. فقال: أكفاء كرام فبارز عبيدة -وكان أسن القوم- عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله. واختلف عتبة وعبيدة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه. وكر علي وحمزة على عتبة فدففا عليه. واحتملا عبيدة إلى أصحابهما. والصحيح كما سيأتي إنما بارز حمزة عتبة، وعلي شيبة, والله أعلم. ثم تزاحف الجمعان. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 306 يأمرهم وقال: "انضحوهم عنكم بالنبل". وهو صلى الله عليه وسلم في العريش، ومعه أبو بكر، وذلك يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة رمضان. قال سفيان، عن قتادة: إن وقعة بدر صبيحة يوم الجمعة سابع عشر رمضان. وقال قرة بن خالد: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن ليلة القدر، فقال: كان زيد بن ثابت يعظم سابع عشرة ويقول: هي وقعة بدر. وكذلك قال إسماعيل السدي وغيره في تاريخ يوم بدر، وقاله عروة بن الزبير، ورواه خالد بن عبد الله الواسطي عن عمرو بن يحيى عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: كانت صبيحة بدر سبع عشرة من رمضان؛ لكن روى قتيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود في ليلة القدر قال: تحروها لإحدى عشرة بقين، صبيحتها يوم بدر، كذا قال ابن مسعود والمشهور ما قبله. ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف بنفسه، ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر فقط، فجعل يناشد ربه ويقول: "يا رب إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض". وأبو بكر يقول: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك. ثم خفق صلى الله عليه وسلم فانتبه وقال: "أبشر يا أبا بكر، أتاك النصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثنايا النقع". فرمي مهجع -مولى عمر- بسهم، فكان أول قتيل في سبيل الله. ثم رمي حارثة بن سراقة النجاري بسهم وهو يشرب من الحوض، فقتل. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يحرضهم على القتال، فقاتل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 307 عمير بن الحمام حتى قتل، ثم قاتل عوف ابن عفراء -وهي أمه- حتى قتل. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى المشركين بحفنة من الحصباء وقال: "شاهت الوجوه". وقال لأصحابه: "شدوا عليهم". فكانت الهزيمة، وقتل الله من قتل من صناديد الكفر: فقتل سبعون وأسر مثلهم. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العريش، وقام سعد بن معاذ على الباب بالسيف في نفر من الأنصار، يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله، ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها". فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: "يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف"؟. فقال عمر: دعني فلأضرب عنق هذا المنافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا، إلا أن تكفرها عني الشهادة. فاستشهد يوم اليمامة. وكان أبو البختري أكف القوم عن رسول الله، وقام في نقض الصحيفة، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك. فقال: وزميلي جنادة الليثي؟ فقال المجذر: لا والله ما أمرنا إلا بك وحدك. فقال: لأموتن أنا وهو، لا يتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 308 فقتله المجذر. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر، فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني. وعن عبد الرحمن بن عوف: كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة، قال: فمررت به ومعي أدراع قد استلبتها، فقال لي: هل لك فيَّ، فأنا خير لك من الأدراع؟ قلت: نعم، ها الله إذًا. وطرحت الأدراع، فأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط. أما لكم حاجة في اللبن؟ يعني: من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن. ثم جئت أمشي بهما، قال لي أمية: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: حمزة قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. فوالله إني لأقودهما، إذ رآه بلال؛ وكان يعذب بلالا بمكة، فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف؟ لا نجوت إن نجا. قلت: أي بلال، أبأسيري؟ قال: لا نجوت إن نجا. قال: أتسمع يابن السوداء ما تقول؟ ثم صرخ بلال بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: فأحاطوا بنا، وأنا أذب عنه. فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة عظيمة، فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء، فوالله ما أغني عنك شيئا. فهبروهما بأسيافهم، فكان يقول: رحم الله بلالا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري. وعن ابن عباس، عن رجل من غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الدائرة على من تكون، فننتهب مع من ينتهب. فبينا نحن في الجبل، إذ دنت منا سحابة، فسمعت فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 309 فكدت أهلك ثم تماسكت. رواه عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عمن حدثه، عن ابن عباس. وروى الذي بعده ابن حزم عمن حدثه من بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: لو كان معي بصري وكنت ببدر لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة. قال ابن إسحاق: فحدثني أبي، عن رجال، عن أبي داود المازني، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري. وعن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وأما أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة -وهو الشجر الملتف- وبقي أصحابه يقولون: أبو الحكم لا يوصل إليه. قال معاذ بن عمرو بن الجموح: فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه. فوالله ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي, فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي. فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. قال: ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان. ثم مر بأبي جهل معوذ ابن عفراء، فضربه حتى أثبته, وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، وقتل أخوه عوف قبله، واسم أبيهما: الحارث بن رفاعة بن الحارث الزرقي. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 310 ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه، وقال فيما بلغنا: "إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان؛ وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبته فجحش فيها". قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه. وقد كان ضبث بي مرة بمكة، فآذاني ولكزني. فقلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني، وهل فوق رجل قتلتموه؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قلت: لله ولرسوله، ثم قال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا. قال: فاحتززت رأسه وجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! هذا رأس عدو الله أبي جهل. قال: "آلله الذي لا إله غيره"؟. قلت: نعم. وألقيت رأسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب هناك. فطرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل، فأقروه به، وألقوا عليه التراب فغيبوه. فلما ألقوا في القليب، وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقالوا: يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا؟ فقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 311 وفي رواية: فناداهم في جوف الليل: "يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام". فعدد من كان في القليب. زاد ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس". وعن أنس: لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه، فإذا هو كئيب متغير. فقال: "لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء"؟. قال: لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف منه رأيا وحلما، فكنت أرجو أن يسلم، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا. وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج قد أسلموا، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم، وفتنوهم عن الدين فافتتنوا -نعوذ بالله من فتنة الدين- ثم ساروا مع قومهم يوم بدر، فقتلوا جميعا. وفيهم نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] . وعن عبادة بن الصامت قال: فينا أهل بدر نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله، فقسمه بين المسلمين على السواء. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، بشيرين إلى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 312 المدينة. قال أسامة: أتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان. ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأسارى؛ فيهم: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل، فلما أتى الروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بالفتح، فقال لهم سلمة بن سلامة: ما الذي تهنئونا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة فنحرناها. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أي ابن أخي، أولئك الملأ". يعني الأشراف والرؤساء. ثم قتل النضر بن الحارث العبدري بالصفراء، وقتل بعرق الظبية عقبة بن أبي معيط، فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وقيل: علي. وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: "نعم، أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها، فما رفع حتى ظننت أن عيني ستندران، وجاء مرة أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي". واستشهد يوم بدر: مهجع وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي، وعاقل بن البكير، وصفوان بن بيضاء، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد، وعبيدة بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 313 الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي الذي قطع رجله عتبة، مات بعد يومين بالصفراء. وهؤلاء من المهاجرين. وعمير بن الحمام، وابنا عفراء، وحارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث فُسحُم، ورافع بن المعلى الزرقي، وسعد بن خيثمة الأوسي، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة. فالجملة أربعة عشر رجلا. وقتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهما ابنا أربعين ومائة سنة. وكان شيبة أكبر بثلاث سنين. قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش: الحسمان بن عبد الله الخزاعي. فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة، وشيبة, وأبو جهل، وأمية، وزمعة بن الأسود، ونبيه، ومنبه، وأبو البختري بن هشام. فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني. فقالوا: ما فعل صفوان؟ قال: ها هو ذاك جالسا، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا. وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره الخلاف ويكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه. وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر بمصاب قريش كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزة, وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أنحت الأقداح في حجرة زمزم، فإني لجالس أنحت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 314 أقداحي، وعندي أم الفضل، وقد سرنا الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. فقال أبو لهب: إليَّ، فعندك الخبر. قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال: يابن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسرونا، وايم الله ما لمت الناس، لقينا "رجالا بيضا" على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة قال: وثاورته، فحملني وضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا. فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة, فلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده؟ فقام موليا ذليلا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال, حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما يتقى الطاعون، حتى قال رجل من قريش لابنيه: ويحكما؟ ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته ألا تدفنانه؟ فقالا: نخشى عدوى هذه القرحة. فقال: انطلقا فأنا أعينكما فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 315 الحجارة. رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: حدثني أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاها ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم. وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث فكان يحب أن يبكي عليهم. قال ابن إسحاق: ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فقال عمر: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا، فقال: "لا أمثل به فيمثل الله بي، وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه". فقام في أهل مكة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من خطبة أبي بكر الصديق، وحسن إسلامه. وانسل المطلب بن أبي وداعة، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، وانطلق به. وبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 316 أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها, وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها". قالوا: نعم، يا رسول الله. وأطلقوه. فأخذ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب, وكانت من المستضعفين من النساء، واستكتمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, وبعث زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر. فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فتجهزت فقدم أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا، فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقودها. فتحدث بذلك رجال، فخرجوا في طلبها، فبرك كنانة ونثر كنانته لما أدركوها لذي طوى، فروعها هبار بن الأسود بالرمح. فقال كنانة: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما. فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان في جلة من قريش، فقال: أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك. فكف فوقف عليه أبو سفيان فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية أن ذلك على ذل أصابنا، وأن ذلك منا وهن وضعف، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصوات، وتحدث الناس أنا رددناها، فسلها سرا وألحقها بأبيها. قال: ففعل، ثم خرج بها ليلا، بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه، فقدما بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقامت عنده. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 317 فلما كان قبل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله، وبمال كثير لقريش، فلما رجع لقيته سرية فأصابوا ما معه، وأعجزهم هاربا، فقدموا بما أصابوا. وأقبل أبو العاص في الليل، حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا ماله فقال: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به". قالوا: بل نرده فردوه كله. ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس قال: رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول، لم يحدث شيئا. ومن الأسارى: الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أسره عبد الله بن جحش، وقيل: سليط المازني. وقدم في فدائه أخواه: خالد بن الوليد، وهشام بن الوليد، فافتكاه بأربعة آلاف درهم، وذهبا به. فلما افتدي أسلم، فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن يظنوا بي أني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 318 جزعت من الأسر، فحبسوه بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت، ثم هرب ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وتوفي قديما؛ لعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبكته أم سلمة، وهي بنت عمه: يا عين فابكي للوليـ ... ـد بن الوليد بن المغيره قد كان عيثا في السنيـ ... ـن ورحمة فينا وميره ضخم الدسيعة ماجدا ... يسمو إلى طلب الوتيره مثل الوليد بن الوليد ... أبي الوليد كفى العشيره ومن الأسرى: أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي. كان محتاجا ذا بنات، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت أني لا مال لي، وأني ذو حاجة وعيال، فامنن عليَّ. فمن عليه، وشرط عليه أن لا يظاهر عليه أحدا. وقال عروة بن الزبير: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية، بعد مصاب أهل بدر بيسير، في الحجر، وكان عمير من شياطين قريش، وممن يؤذي المسلمين، وكان ابنه وهيب في الأسرى، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: "والله ما في العيش بعدهم خير". فقال عمير: صدقت، والله لولا دين عليّ ليس عندي له قضاء، وعيال أخشى عليهم، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة؛ ابني أسير في أيديهم. فاغتنمها صفوان فقال: عليّ دينك وعيالك. قال: فاكتم عليّ. ثم شحذ سيفه وسمه، ومضى إلى المدينة. فبينا عمر في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، إذ نظر عمر إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف. فقال: هذا الكلب عدو الله عمير، قال: وهو الذي حزرنا يوم بدر. ثم دخل على الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 319 النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عمير. قال: أدخله عليّ. فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه به، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث. ثم دخل به, فقال عليه السلام: "أرسله يا عمر، ادن يا عمير". فدنا، ثم قال: أنعموا صباحا، قال: "فما جاء بك"؟. قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم. قال: "فما بال السيف في عنقك"؟. قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: "اصدقني ما الذي جئت له". قال: ما جئت إلا لذلك. قال: "بلى، قعدت أنت وصفوان في الحجر". وقص له ما قالا. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره". ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله، لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم. فأذن له ولحق بمكة. وكان صفوان يعد قريشا يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكبا فأخبره عن إسلامه، فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بشيء أبدا. ثم أقام يدعو إلى الإسلام، ويؤذي المشركين، فأسلم على يديه ناس كثير. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 320 بقية أحديث غزوة بدر: وهي كالشرح لما قدمناه، منها: قال إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا: فنزل على أمية بن خلف -وكان أمية ينزل عليه إذا سافر إلى الشام- فقال لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس فطف قال: فبينما هو يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال: من أنت. قال: سعد. قال: أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه، وتلاحيا. فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. فقال: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك بالشام. وجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك. فغضب وقال: دعنا منكم، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد فكاد أن يحدث، فرجع فقال لامرأته: أتعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي. قالت: فوالله ما يكذب. فلما خرجوا لبدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما علمت ما قال اليثربي! قال: فإني إذن لا أخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوما أو يومين. فسار معهم، فقتل. أخرجه البخاري. وأخرجه أيضا من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، وفيه: فلما استنفر أبو جهل الناس وقال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 321 أدركوا عيركم، كره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس تخلفت -وأنت سيد أهل الوادي- تخلفوا معك فلم يزل به حتى قال: إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير مكة. ثم قال: يا أم صفوان جهزيني فما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا. فلما خرج أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذاك حتى قتله الله ببدر. البخاري. وذكر الزهري قال: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن خرج من أصحابه يريدون عير قريش التي قدم بها أبو سفيان من الشام، حتى جمع الله بين الفئتين من غير ميعاد. قال الله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42] . رؤيا عاتكة: قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس. "ح" قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، قالا: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش مكة بثلاث ليال، رؤيا، فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 322 رؤيا ليدخلن منها على قومك شر وبلاء. فقال: وما هي؟ قالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلا أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فاجتمعوا إليه، ثم أرى بعيره دخل به المسجد واجتمع الناس إليه. ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أرى بعيره مثل به على رأس أبي قبيس، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت في أسفله ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها. فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها. فقالت: أنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذننا. فخرج العباس من عندها، فلقي الوليد بن عتبة -وكان له صديقا- فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه، فتحدث بها، ففشا الحديث، فقال العباس: والله إني لغاد إلى الكعبة لأطوف بها، فإذا أبو جهل في نفر يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل تعال. فجلست إليه فقال: متى حدثت هذه النبية فيكم؟ ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن ينبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم، سنتربص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقا فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال: فوالله ما كان إليه مني من كبير، إلا أني أنكرت ما قالت، وقلت: ما رأت شيئا ولا سمعت بهذا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلى أتتني فقلن: صبرتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 323 رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، فلم يكن عندك في ذلك غير. فقلت: قد والله صدقتن وما كان عندي في ذلك من غير إلا أني أنكرت، ولا تعرضن له، فإن عاد لأكفينه. فغدوت في اليوم الثالث أتعرض له ليقول شيئا فأشاتمه، فوالله إني لمقبل نحوه، وكان رجلا حديد الوجه، حديد النظر، حديد اللسان، إذ ولى نحو باب المسجد يشتد، فقلت في نفسي: اللهم العنه، كل هذا فرقا أن أشاتمه. وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو، وهو واقف بعيره بالأبطح؛ قد حول رحله وشق قميصه وجدع بعيره؛ يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد، فالغوث الغوث! فشغله ذلك عني، وشغلني عنه، فلم يكن إلا الجهاز حتى خرجنا، فأصاب قريشا ما أصابهم يوم بدر، فقالت عاتكة: ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم ... بتصديقها فل من القوم هارب فقلتم ولم أكذب كذبت وإنما ... يكذبنا بالصدق من هو كاذب وقال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وكنا -أصحاب محمد- نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، وما جازه إلا مؤمن. أخرجه البخاري. وقال: سمعت البراء يقول: كان المهاجرون يوم بدر نيفا وثمانين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 324 أخرجه البخاري. وقال ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثني أسلم أبو عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: "هل لكم أن نخرج فنلقى العير لعل الله يغنمنا"؟. قلنا: نعم. فخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا أن نتعاد، ففعلنا، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأخبرناه بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله، وقال: "عدة أصحاب طالوت". وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر بثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج فقال: "اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم". ففتح الله لهم، فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا. وقال أبو إسحاق، عن البراء، قال: لم يكن يوم بدر فارس غير المقداد. وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب: إن عليا قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا أحد إلا وهو نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح، ولقد رأيتنا وما منا أحد فارس يومئذ إلا المقداد. رواه شعبة عنه. ومن وجه آخر عن علي، قال: ما كان معنا إلا فرسان. فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 325 وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي، قال: كان يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسان، الزبير على الميمنة، والمقداد على الميسرة. وقال عروة: كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيما الزبير. وقال حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، فكان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان إذا حانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان له: اركب حتى نمشي فيقول: "إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني". المشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد الغنوي بدل أبي لبابة، فإن أبا لبابة رده النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه على المدينة. وقال معمر: سمعت الزهري يقول: لم يشهد بدرا إلا قرشي أو أنصاري أو حليف لهما. وعن الحسن، قال: كان فيهم اثنا عشر من الموالي. وقال عمرو العنقزي: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي عنه قال: أخذنا رجلين يوم بدر، أحدهما عربي والآخر مولى، فأفلت العربي وأخذنا المولى؛ مولى لعقبة بن أبي معيط؛ فقلنا: كم هم؟ قال: كثير عددهم شديد بأسهم, فجعلنا نضربه، حتى انتهينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم ينحرون من الجزر"؟. فقال: في كل يوم عشرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، لكل جزور مائة". وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، أن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 326 سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نبني لك عريشا، فتكون فيه، وننيخ لك ركائبك ونلقى عدونا، فإن أظهرنا الله عليهم فذاك، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، ويوادونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له. فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما. وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، سمع ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه كان أحب إلي مما عدل به: أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق لذلك، وسره. وقال مسلم وأبو داود: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه فانطلق إلى بدر، فإذا هم بروايا قريش, فيها عبد أسود لبني الحجاج، فأخذه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان؟ فيقول: والله ما لي بشيء من أمره علم، ولكن هذه قريش قد جاءت، فيهم أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف. قال: فإذا قال لهم ذلك ضربوه، فيقول: دعوني دعوني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 327 أخبركم. فإذا تركوه قال كقوله سواء، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يسمع ذلك فلما انصرف، قال: "والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم، هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان". قال أنس: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرع فلان غدا". ووضع يده على الأرض, "وهذا مصرع فلان" , ووضع يده على الأرض، "وهذا مصرع فلان"، ووضع يده على الأرض. قال: والذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم قال: فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأرجلهم، فسحبوا فألقوا في قليب بدر. صحيح. وقال حماد أيضا، عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة -كذا قال، والمعروف ابن معاذ- فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم. ورواه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة أخصر منه عن ثابت، عن أنس: حدثنا عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا عن مصارع القوم بالأمس: هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا، هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا. فوالذي بعثه بالحق، ما أخطئوا تلك الحدود، وجعلوا يصرعون حولها، ثم ألقوا في القليب. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 328 وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقلت: يا رسول الله أتكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ". وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة يصلي ويبكي، حتى أصبح. وقال أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال: أخبرني إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل، فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضا. غريب. وقال الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة, عن عبد الله، قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر, جعل يقول: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد". ثم التفت وكأن شق وجهه القمر؛ فقال: "كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية". وقال خالد, عن عكرمة، عن ابن عباس, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 329 قبته يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا". فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك؛ وهو في الدرع. فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45، 46] ، أخرجه البخاري. وقال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، قال: حدثني ابن عباس، عن عمر، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف, وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] ، فأمده الله بالملائكة فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس: أقدم حيزوم. إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري، فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة". فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم. وقال سلامة بن روح، عن عقيل، حدثني ابن شهاب قال: قال أبو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 330 حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال أبو أسيد الساعدي بعدما ذهب بصره: يابن أخي، والله لو كنت أنا وأنت ببدر، ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة، غير شك ولا تمار. وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وحدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا بكر أبشر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض، تغيب عني ساعة ثم طلع، على ثناياه النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته". وقال عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب". أخرجه البخاري. وقال موسى بن يعقوب الزمعي: حدثني أبو الحويرث، قال: حدثني محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا -رضي الله عنه- خطب الناس فقال: بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها، فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة, وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة، وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرافيل في ألف. فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه, فجرت بي، فوقعت على عقبي، فدعوت الله فأمسكت، فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا، وأشار إلى إبطه. غريب، وموسى فيه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 331 ضعف. وقوله: "حملني على فرسه" لا يعرف إلا من هذا الوجه. وقال يحيى بن بكير: حدثني محمد بن يحيى بن زكريا الحميري، قال: حدثنا العلاء بن كثير، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال: حدثني أبو أمامة بن سهل، قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا. وجاء في قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12] ؛ ذكر الواقدي، عن إبراهيم بن أبي حبيبة؛ حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس، يثبتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا. إلى غير ذلك من القول. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر. فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وهي بئر- فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 332 رجلين: رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. أما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "كم القوم"؟ قال: هم كثير عددهم شديد بأسهم، فجهد أن يخبره كم هم فأبى, ثم سأله: "كم ينحرون كل يوم من الجزور"؟ فقال: عشرة. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، كل جزور بمائة وتبعها". ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها. وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض". فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة جامعة". فجاء الناس من تحت الشجر والحجف والجرف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض على القتال، ثم قال: "إن جمع قريش عند هذه الضلع الحمراء من الجبل". فلما دنا القوم منا وضايقناهم إذا رجل منهم يسير في القوم على جمل أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي ناد لي حمزة -وكان أقربهم من المشركين- من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم"؟. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر". فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول: يا قوم إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة. وقد تعلمون أني لست الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 333 بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته. قد ملئت جوفك رعبا، فقال: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا أجبن؟ فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه حمية، فقال: من يبارز؟ فخرج من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث". فقتل الله عتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل: إن هذا والله ما أسرني، ولقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق, ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله فقال: "اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم". قال: فأسر من بني عبد المطلب: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث. وقال إسحاق بن منصور السلولي: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. فأسرنا رجلا, فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفا. وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض". قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله عرضها السموات والأرض؟ فقال: "نعم". قال: بخ بخ! قال: "ما يحملك على قولك: بخ بخ"؟. قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 334 فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بهن، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم. وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد, عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر: إذا أكثبوهم؛ يعني: إذا غشوكم، فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم. أخرجه البخاري. وروى عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة بن الزبير، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وسمى خيله: خيل الله. أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، وابنة عمه ست الأهل بنت علوان -سنة ثلاث وتسعين- وآخرون قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه، قال: أنبأتنا شهدة بنت أحمد، قالت: أخبرنا الحسين بن طلحة، قال: أخبرنا أبو عمر بعد الواحد بن مهدي، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمود بن خداش، قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر -رضي الله عنه- يقسم قسما: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] ، أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث -رضي الله عنهم- وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 335 أخرجه البخاري عن يعقوب الدورقي وغيره، ومسلم عن عمرو بن زرارة، عن هشيم، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرماني الواسطي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي. وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، أمه ثقفية, وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت. وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مربوعا مليحا، توفي بالصفراء. وهو الذي بارز عتبة بن ربيعة، فاختلفا ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، كما تقدم. وقد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا من المهاجرين أمره عليهم؛ فكان أول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة، فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق. وقال ابن إسحاق وغيره عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن المستفتح يوم بدر أبو جهل، قال لما التقى الجمعان: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة. فقتل، ففيه أنزلت: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] . وقال معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنسا يقول: قال أبو جهل: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 336 فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، [الأنفال: 32] ، فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 32] ، فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ، متفق عليه. وعن ابن عباس في قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] ، قال: يوم بدر بالسيف قاله عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عنه. وبه عنه في قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7] ، قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام -كذا قال- فبلغ أهل المدينة ذلك, فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين. وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة وأحضر مغنما. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل؛ يعني ملبدا. وأمدهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال للمشركين: {لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48] ، فلما اصطف القوم قال أبو جهل: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 337 اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: "يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا". فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين, وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبرا وشيعته. فقال الرجل: يا سراقة، أما زعمت أنك لنا جار؟ قال: {إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} [الأنفال: 48] . وقال يوسف بن الماجشون: أخبرنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: إني لواقف يوم بدر في الصف, فنظرت عن يمين وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: "هل مسحتما سيفيكما"؟ قالا: لا. قال: فنظر في السيفين، فقال: "كلاهما قتله". وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو، والآخر معاذ بن عفراء. متفق عليه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 338 وقال زهير بن معاوية: حدثنا سليمان التيمي، قال: حدثني أنس، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته. فقال: هل فوق رجل قتلتموه، أو قتله قومه؟ أخرجه البخاري ومسلم. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس, عن عبد الله أنه أتى أبا جهل فقال: قد أخزاك الله. فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه؟ أخرجه البخاري. وقال عثام بن علي: حدثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع، وعليه بيضة, ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث. فجعلت أنقف رأسه بسيفين وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة، حتى ضعفت يده، فأخذت سيفه, فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة، لنا أو علينا؟ ألست رويعينا بمكة؟ قال: فقتلته. ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم, فقلت: قتلت أبا جهل. فقال: "آلله الذي لا إله إلا هو"؟. فاستحلفني ثلاث مرار. ثم قام معي إليهم, فدعا عليهم. وروي نحوه عن سفيان الثوري, عن أبي إسحاق وفيه: فاستحلفني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 339 وقال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده, ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه". فانطلقت فأريته. فقال: "هذا فرعون هذه الأمة". وروي عن أبي إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله خر ساجدا. وقال الواقدي: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال: "يرحم الله ابني عفراء، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر". فقيل: يا رسول الله، ومن قتله معهما؟ قال: "الملائكة، وابن مسعود قد شرك في قتله". وقال أبو نعيم: حدثنا سلمة بن رجاء، عن الشعثاء؛ امرأة من بني أسد، قالت: دخلت على عبد الله بن أبي أوفى، فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل. وقال مجالد، عن الشعبي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر, فرأيت رجلا يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة". وقال البخاري ومسلم من حديث ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس، عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث، أمر براحلته فشد عليها، ثم مشى ما تبعه أصحابه، فقالوا: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 340 ما نراه إلا ينطلق لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حق ا"؟. فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. صحيح. وقال هشام، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: إنهم ليسمعون ما أقول. قال عروة: فبلغ عائشة فقالت: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق، إنهم قد تبوءوا مقاعدهم من جهنم، إن الله يقول: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22، 23] ، أخرجه البخاري. ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم قوله -عليه السلام- وأما إنك لا تسمع الموتى، فحق لأن الله أحياهم ذلك الوقت كما يحيي الميت لسؤال منكر ونكير. وقال عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] ، قال: هم كفار من قريش {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] ؛ قال: النار يوم بدر. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 341 وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك. قال: لم؟ قال: لأن الله -عز وجل- وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك. هذا إسناد صحيح، رواه جعفر بن محمد بن شاكر، عن أبي نعيم، عنه. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب بن عدي يوم بدر فمال شقه، فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأمه ورده، فانطبق. أحمد بن الأزهر: حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس أو غيره قال: شهد عمير بن وهب الجمحي بدرا كافرا، وكان في القتلى. فمر به رجل فوضع سيفه في بطنه، فخرج من ظهره. فلما برد عليه الليل لحق بمكة فصح. فاجتمع هو وصفوان بن أمية فقال: لولا عيالي ودَيني لكنت الذي أقتل محمدا. فقال صفوان: وكيف تقتله؟ قال: أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال: عيالك في عيالي ودَينك عليَّ. فانطلق فشحذ سيفه وسمه، وأتى المدينة، فرآه عمر فقال للصحابة: احفظوا أنفسكم فإني أخاف عميرا إنه رجل فاتك، ولا أدر ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمير، متقلدا سيفه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنعم صباحا. قال: "ما جاء بك يا عمير"؟. قال: حاجة. قال: "فما بال السيف"؟. قال: قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال: "فما قولك لصفوان وأنت في الحجر"؟. وأخبره بالقصة فقال عمير: قد كنت تحدثنا عن خبر السماء فنكذبك، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 342 وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، بأبي أنت وأمي، أعطني منك علما يعلم أهل مكة أني أسلمت. فأعطاه، فقال عمر: لقد جاء عمير وإنه لأضل من خنزير، ثم رجع وهو أحب إليَّ من ولدي. وقال يونس، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عكاشة الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب، فقال: "قاتل بهذا". فلما أخذه هزه فعاد سيفا في يده، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة. فقاتل بها، حتى فتح الله على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتل في قتال أهل الردة وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى القوي. هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند. وقد رواه الواقدي، قال: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، عن عمته، قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت به. وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن داود بن الحصين، عن جماعة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين، فقال: اضرب به. فإذا هو سيف جيد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 343 ذكر غزوة بدر: من مغازي موسى بن عقبة فإنها من أصح المغازي قد قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثني مطرف ومعن وغيرهما أن مالكا إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصح المغازي. قال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب "ح" وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة -وهذا لفظه- عن عمه موسى بن عقبة، قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين، ثم أقبل أبو سفيان في عير لقريش، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش؛ منهم: مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، وكانوا تجارا بالشام، ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال: كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقية فما فوقها إلا بعثوا بها مع أبي سفيان؛ إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك تخلف عن بدر فلم يشهدها. فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك، فبعث عدي ابن أبي الزغباء الأنصاري، وبسبس بن عمرو، إلى العير، عينا له، فسارا، حتى أتيا حيا من جهينة، قريبا من ساحل البحر، فسألوهم عن العير، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 344 فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير، في رمضان. قدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من المسلمين, فسألهم فأخبروه خبر الراكبين، فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيريهما. ففته فوجد النوى فقال: هذه علائف أهل يثرب. فأسرع وبعث رجلا من بني غفار يقال له، ضمضم بن عمرو، إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه. وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم؛ فذكر رؤيا عاتكة، إلى أن قال: فقدم ضمضم فصاح: يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان. ففزعوا، وأشفقوا من رؤيا عاتكة، ونفروا على كل صعب وذلول، وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا؟ فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقوا مائة فرس, ولم يتركوا كارها للخروج. فأشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وأخاه عقيلا، إلى أن نزلوا الجحفة. فوضع جهيم بن الصلت بن مخرمة المطلبي رأسه فأغفى، ثم نزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا. قالوا: لا، إنك مجنون فقال: قد وقف عليَّ فارس فقال: قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف، فعد جماعة. فقالوا: إنما لعب بك الشيطان. فرفع حديثه إلى أبي جهل، فقال: قد جئتمونا بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم، سترون غدا من يقتل. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العير، فسلك على نقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع، فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 345 رجلا، وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا. وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام. فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد. وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، ليس مع الثلاثة إلا بعير واحد فساروا، حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة، فسألوه عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به. فقالوا: سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. وأشاروا إليه فقال له: أنت رسول الله؟ قال: "نعم". قال: إن كنت رسول الله فحدثني بما في بطن ناقتي هذه فغضب سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري، فقال: وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه. ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علينا. فقال أبو بكر: أنا أعلم بمسافة الأرض، أخبرنا عدي بن أبي الزغباء: أن العير كانت بوادي كذا. وقال عمر: يا رسول الله، إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك، فتأهب لذلك. فقال: "أشيروا عليَّ". قال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 346 فقال: "أشيروا عليَّ". فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه، أو قال: أن لا يستجلبوا معه على ما يريد، فقال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك، ولا يرونها حقا عليهم، إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركته علينا، فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن لسرنا معك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على اسم الله -عز وجل- فإني قد أريت مصارع القوم. فعمد لبدر. وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر، وأحرز ما معه، فأرسل إلى قريش، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة، فأبوا وعصوه، فرجع ببني زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى شيء من بدر, ثم بعث عليا والزبير وجماعة يكشفون الخبر، فوجدوا وارد قريش عند القليب، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير، فطفقا يحدثانهم عن قريش، فضربوهما. وذكر الحديث، إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا عليَّ في المنزل. فقام الحباب بن المنذر السلمي: أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها؛ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 347 إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة، فتنزل عليها وتسبق القوم إليها ونغوِّر ما سواها. فقال: سيروا، فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين. فوقع في قلوب ناس كثير الخوف, فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا؛ فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم الأرض، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل، فاقتحم القوم في القليب فماحوها حتى كثر ماؤها، وصنعوا حوضا عظيما، ثم غوروا ما سواه من المياه. ويقال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان؛ على أحدهما: مصعب بن عمير، وعلى الآخر: سعد بن خيثمة. ومرة الزبير بن العوام، والمقداد. ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض، فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيما زعموا: "اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك". واستنصر المسلمون الله واستغاثوه، فاستجاب الله لهم. فنزل المشركون وتعبئوا للقتال، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم. قال: فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت؟ قال: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس وتحمل دية بن الحضرمي، وبما أصاب محمد في تلك العير، فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذا. قال عتبة: نعم قد فعلت، ونعما قلت، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 348 فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك. وركب عتبة جملا له، فسار عليه في صفوف المشركين فقال: يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل؛ فإن كان كاذبا ولى قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحنا وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبيا لم تقتلوا النبي فتسبوا بهز ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادكم، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم. فحسده أبو جهل على مقالته: وأبى الله إلا أن ينفذ أمره, وعتبة يومئذ سيد المشركين. فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي -وهو أخو المقتول- فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معهن وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم وقال لعتبة: انتفخ سحرك. وأمر النساء أن يعولن عمرا، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه؛ تحريضا على القتال. وقام رجال فتكشفوا؛ يعيرون بذلك قريشا، فأخذت قريش مصافها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال: فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري, فإنه أبى أن يستأسر, فذكروا له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر، فأبى. ويزعم ناس أن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 349 أبا اليسر قتل أبا البختري, ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. بل قتله أبو داود المازني. قال: ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا, بينه وبين المعركة غير كثير, مقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح, ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا، وهو منكب ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه، وأبو جهل مقنع بالحديد، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحا، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا, فأتاه من ورائه, فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا, وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك ضرب الملائكة. قال: وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين, فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر. وكان ذلك يوم الفرقان؛ يوم فرق الله بين الشرك والإيمان. وقالت اليهود: تيقنا أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة, والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت. وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح بمكة شهرا. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فدخل من ثنية الوداع. ونزل القرآن فعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] ، وثلاث آيات معها. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 350 ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها. وقال رجال ممن أسر: يا رسول الله، إنا كنا مسلمين، وإنما أخرجنا كرها، فعلام يؤخذ منا الفداء؟ فنزلت: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70] . حذفت من هذه القصة كثيرا مما سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدم. وقد ذكر هذه القصة -بنحو قول موسى بن عقبة- ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري، وزاد يسيرا. وقال هو وابن عقبة: إن عدد من قتل من المسلمين ستة من قريش، وثمانية من الأنصار. وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا، وأسر تسعة وثلاثون رجلا. كذا قالا. وقال ابن إسحاق: استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا. وقال الزهري عن عروة: هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر مثل ذلك. ويشهد لهذا القول حديث البراء الذي في البخاري؛ قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 351 أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة؛ سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، وأصابوا منا يوم أحد سبعين. وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقية أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة على العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة. قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه. وقال عبدان بن عثمان: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن -رجل من أهل صنعاء- قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت، عليه خلقان جالس على التراب. قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فقال: أبشركم بما يسركم؛ إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي -رجل من بني ضمرة- إبله. فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى -عليه السلام- أن حقا على عباد الله أن يحدثوا تواضعا عندما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت له هذا التواضع. ذكر مثل هذه الحكاية الواقدي في مغازيه بلا سند. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 352 في غنائم بدر والأسرى: قال خالد الطحان، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا". قال: فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات. فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءا لكم، لو انهزمتم، فئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى. فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، فأنزل الله -تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} إلى قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 1-5] ، يقول: فكان ذلك خيرا لهم. فكذلك أيضا: أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم. أخرجه أبو داود. ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده. وقال: فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر. وقال عمر بن يونس: حدثني عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر قال: لما كان يوم بدر، فذكر القصة. قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترون في هؤلاء"؟. فقال أبو بكر: هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 353 فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟. قلت: لا والله يا رسول الله لا أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم؛ فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان؛ نسيب لعمر؛ فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت: فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان, قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكيان، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما. فقال: "أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة"؛ شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 67-69] ، فأحل الله لهم الغنيمة. أخرجه مسلم. وقال جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: لما كان يوم بدر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى"؟. فقال عبد الله بن رواحة: أنت في واد كثير الحطب فأضرم نارا ثم ألقهم فيها. فقال العباس: قطع الله رحمك. فقال عمر: قادتهم ورءوسهم قاتلوك وكذبوك، فاضرب أعناقهم. فقال أبو بكر: عشيرتك وقومك. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته. فقالت طائفة: القول ما قال عمر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تقولون في هؤلاء إن مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم؛ قال نوح: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 354 َ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] ، وقال موسى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88] ، وقال إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] ، وقال عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية، وأنتم قوم بكم عيلة، فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو بضربة عنق". فقلت: إلا سهيل بن بيضاء فإنه لا يقتل، قد سمعته يتكلم بالإسلام. فسكت, فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله عليَّ حجارة من السماء من يومي ذلك، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا سهيل بن بيضاء". وقال ابن إسحاق، عن البراء أو غيره, قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس: ليس هذا أسرني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد آزرك الله بملك كريم". وقال ابن إسحاق: حدثني من سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو السلمي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف أسرته"؟. فقال: لقد أغلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد، هيئته كذا وكذا. فقال: "لقد أعانك عليه ملك كريم". وقال للعباس: "افد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث". فأبى وقال: إني كنت مسلما وإنما استكرهوني. قال: "الله أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك". وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهبا، فقال: يا رسول الله احسبها لي من فدائي. قال: "لا، ذاك شيء أعطانا الله منك". وقال عبد العزيز بن عمران الزهري، وهو ضعيف: حدثني محمد بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 355 موسى، عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر، عن أبيه, عن جده قال: نظرت إلى العباس يوم بدر، وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان، فقلت: جزاك الله من ذي رحم شرا، تقاتل ابن أخيك مع عدوه؟ قال: ما فعل، أقتل؟ قلت: الله أعز له وأنصر من ذلك. قال: ما تريد إليَّ؟ قلت: إسار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك. قال: ليست بأول صلته. فأسرته. وروى ابن إسحاق، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: فبعثت قريش في فداء أسراهم. وقال العباس: إني كنت مسلما. فنزل فيه: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70] ، قال العباس: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من المغفرة. وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة، عن علي، وبعضهم يرسله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر: "إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم". وكان آخر السبعين ثابت بن قيس، قتل يوم اليمامة. هذا الحديث داخل في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد، فكان كما قال. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني نبيه بن وهب العبدري، قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فرقهم على المسلمين، وقال: "استوصوا بهم خيرا". قال نبيه: فسمعت من يذكر عن أبي عزيز, قال: كنت في الأسارى يوم بدر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "استوصوا بالأسارى خيرا". فإن كان ليقدم إليهم الطعام فما تقع الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 356 بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلى أسيره، ويأكلون التمر. فكنت أستحيي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الذي رمى بها إليَّ، فيرمي بها إليَّ. أبو عزيز هو أخو مصعب بن عمير، يقال: إنه أسلم. وقال ابن الكلبي وغيره: إنه قتل يوم أحد كافرا. وعن ابن عباس، قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة. أخرجه أبو داود من حديث شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشعثاء عنه. وقال أسباط، عن إسماعيل السدي: كان فداء أهل بدر: العباس، وعقيل ابن أخيه، ونوفل، كل رجل أربعمائة دينار. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "إني قد عرفت أن ناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها". فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف"؟. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة بعد يقول: والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال منها خائفا، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة. فاستشهد يوم اليمامة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 357 قال ابن إسحاق: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. وكان العباس أكثر الأسرى فداء لكونه موسرا، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب. وقال ابن شهاب: حدثني أنس أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا فداءه. فقال: "لا والله لا تذرن درهما". أخرجه البخاري. وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالوا: يا رسول الله، بعدما فرغ من بدر، عليك بالعير ليس دونها شيء. فقال العباس وهو في وثاقه: لا يصلح. قال: "ولِمَ"؟. قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك. وقد ذكر إرسال زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادتها في فداء أبي العاص زوجها، رضي الله عنهما. وقال سعيد بن أبي مريم: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا ابن الهاد، قال: حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة -أو ابن كنانة- فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها وأهريقت دما. فتحملت فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية. فقالت بنو أمية: نحن أحق بها. وكانت تحت أبي العاص، فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة, وكانت تقول لها هند: ها من سبب أبيك. قالت: فقال رسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 358 الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "ألا تنطلق فتأتي بزينب"! فقال: بلى يا رسول الله قال: "فخذ خاتمي فأعطها إياه". فانطلق زيد, فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال له: لمن ترعى؟ قال: لأبي العاص قال: فلمن هذه الغنم؟ قال: لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه، ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم فأعطاه الخاتم وانطلق الراعي حتى داخل فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم، فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا. فسكتت، حتى إذا كان الليل خرجت إليه فقال لها: اركبي بين يدي على بعيره. فقالت: لا، ولكن اركب أنت بين يدي. وركبت وراءه حتى أتت المدينة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي أفضل بناتي، أصيبت فيَّ". قال: فبلغ ذلك علي بن الحسين، فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تنتقص به فاطمة؟ فقال عروة: والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أتنقص فاطمة حقا هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدثه أبدا. أسماء من شهد بدرا: جمعها الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد في جزء كبير. فذكر من أجمع عليه ومن اختلف فيه من البدريين، ورتبهم على حروف المعجم. فبلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة وثلاثين رجلا. وإنما وقعت هذه الزيادة في عددهم من جهة الاختلاف في بعضهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 359 وقد جاء في فضلهم حديث سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرث الغنوي، والزبير، والمقداد، وكلنا فارس، فقال: "انطلقوا حتى تأتو روضة خاخ". وهو موضع بين مكة والمدينة فذكرت الحديث، ومكاتبة حاطب بن أبي بلتعة قريشا, قال عمر: دعني أضرب عنقه فقد خان الله ورسوله. فقال: "أليس هو من أهل بدر؟ وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم". فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. متفق عليه. وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكوه فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال: "كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية". أخرجه مسلم. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي -وكان أبوه بدريا- أنه كان يقول لابنه: ما أحب أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة قال: سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أهل بدر فيكم؟ قال: "خيارنا". قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة. أخرجه البخاري. ذكر طائفة من أعيان البدريين: أبو بكر, وعمر, وعلي, واحتبس عنها عثمان يمرض زوجته رقية الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 360 بنت النبي صلى الله عليه وسلم فتوفيت في العشر الأخير من رمضان يوم قدوم المسلمين المدينة من بدر، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. ومن البدريين: سعد بن أبي وقاص وأما سعيد بن زيد، وطلحة بن عبيد الله فكانا بالشام فقدما بعد بدر وأسهم لهما النبي صلى الله عليه وسلم. الزبير بن العوام، أبو عبيدة بن الجراح، عبد الرحمن بن عوف، حمزة بن عبد المطلب، زيد بن حارثة، عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخواه: الطفيل، والحصين، وابن عمه: مسطح بن أثاثه بن عباد بن المطلب، وأربعتهم لم يعقبوا، مصعب بن عمير العبدري، المقداد بن الأسود، عبد الله بن مسعود، صهيب بن سنان، أبو سلمة بن عبد الأسد، عمار بن ياسر، زيد بن الخطاب أخو عمر. ومن أعيان الأنصار، من الأوس: سعد بن معاذ. ومن بني عبد الأشهل: عباد بن بشر، محمد بن مسلمة أبو الهيثم بن التيهان. ومن بني ظفر: قتادة بن النعمان. ومن بني عمرو بن عوف: مبشر بن عبد المنذر، وأخوه: رفاعة. ولم يحضرها أخوهما أبو لبابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رده فاستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره. ومن بني النجار: أبو أيوب خالد بن زيد، عوف، ومعوذ، ومعاذ, بنو الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن عوف، وهم بنو عفراء، أبي بن كعب، أبو طلحة زيد بن سهل، بلال مولى أبي بكر، عبادة بن الصامت، معاذ بن جبل الخزرجي، عاصم بن ثابت بن أبي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 361 الأقلح، عتبان بن مالك الخزرجي، عكاشة بن محصن، كعب بن عمرو أبو اليسر السلمي، معاذ بن عمرو بن الجموح حشرنا الله في زمرتهم وقد ذكرنا من استشهد منهم. وقتل من المشركين: حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، وعبيد بن سعيد بن العاص، وأخوه: العاص، وعتبة، وشيبة، ابنا ربيعة، وولد عتبة: الوليد، وعقبة بن أبي معيط، قتل صبرا، والحارث بن عامر النوفلي، وابن عمه طعيمة بن عدي، وزمعة بن الأسود، وابنه: الحارث, وأخوه: عقيل، وأبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد -واسمه العاص- ونوفل بن خويلد أخو خديجة، والنضر بن الحارث, قتل صبرا بعد يومين، وعمير بن عثمان التيمي عم طلحة بن عبيد الله، وأبو جهل، وأخوه: العاص بن هشام، ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد، والسائب بن أبي السائب المخزوم، وقيل: لم يقتل، بل أسلم بعد ذلك, وقيس بن الفاكه بن المغيرة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي، وولدا منبه: الحارث والعاص، وأمية بن خلف الجمحي، وابنه: علي. وذكر ابن إسحاق وغيره سائر المقتولين، وكذا سمى الذين أسروا. تركتهم خوفا من التطويل. وفي رمضان: فرض الله صوم رمضان, ونسخ فرضية يوم عاشوراء. وفي آخره: فرضت الفطرة. وفي شوال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة, وهي بنت تسع سنين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 362 وفي صفر: توفي أبو جبير المطعم بن عدي بن نوفل -ونوفل هو أخو هاشم بن عبد مناف بن قصي- توفي مشركا عن سن عالية، وكان من عقلاء قريش وأشرافهم. وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء النتن لأجبته". وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد، لأنه قام في نقض الصحيفة. وفيها توفي أبو السائب عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي، بعد بدر بيسير. وقد شهدها هو وأخواه: قدامة، وعبد الله. وعثمان هذا أحد السابقين، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ولما قدم أجاره الوليد بن المغيرة أياما. ثم رد على الوليد جواره. وكان صواما قواما قانتا لله. وفيها: توفي أبو سلمة "ت ق" عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم -رضي الله عنه- مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وأمه برة بنت عبد المطلب. من السابقين الأولين, شهد بدرا، وتزوجت أم سلمة بعده بالنبي صلى الله عليه وسلم، وروت عنه القول عند المصيبة، وقيل: توفي سنة ثلاث بعد أحد أو قبلها. وفيها: ولد عبد الله بن الزبير، بالمدينة، والمسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: بمكة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 363 قصة النجاشي: من السيرة ثم إن قريشا قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة، فانتدب إليها عمرو بن العاص، وابن أبي ربيعة. قال الزهري: بلغني أن مخرجهما كان بعد وقعة بدر. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مخرجهما، بعث عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي. وقال سعيد بن المسيب وغيره: فبعث الكفار مع عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة للنجاشي، ولعظماء الحبشة هدايا فلما قدما على النجاشي قبل الهدايا، وأجلس عمرو بن العاص على سريره. فكلم النجاشي فقال: إن بأرضكم رجالا منا ليسوا على دينك ولا على ديننا، فادفعهم إلينا. فقال عظماء الحبشة للنجاشي: صدق، فادفعهم إليه فقال: حتى أكلمهم. وقال الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، قالت: نزلنا الحبشة، فجاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله -عز وجل- لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريش ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي مع رجلين بما يستطرف من مكة. وكان من أعجب ما يأتيه منها: الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا بطريقا عنده إلا أهدوا له. وبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص وقالوا: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 364 فقدما، وقالا لكل بطريق: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، خالفوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم. وقد بعثنا أشرافنا إلى الملك ليردهم، فإذا كلمناه فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا. فقالوا: نعم. ثم قربا هداياهما إلى النجاشي فقبلها، فكلماه فقالت بطارقته: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم, فغضب النجاشي، ثم قال: لاها الله أبدا، لا أرسلهم إليهم. قوم جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولون. ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء رسوله اجتمعوا، وقال بعضهم لبعض: ما تقولون إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا الله، وأمرنا به نبينا، كائن في ذلك ما كان, فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته ونشروا مصاحفهم حوله سألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل. قالت: فكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنعبده وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 365 وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعد أمور الإسلام. قال: فصدقناه واتبعناه، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك. قال: فهل معك شيء مما جاء به عن الله؟ قال جعفر: نعم فقرأ: {كهيعص} . قالت: فبكى النجاشي وأساقفته حتى أخضلوا لحاهم، حين سمعوا القرآن. فقال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا, فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا. قالت: فلما خرجنا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما أستاصل به خضراءهم. فقال له ابن أبي ربيعة؛ وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: فوالله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. قالت: ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إلينا ليسألنا. قالت: ولم ينزل بنا مثلها. فقال: ما تقولون في عيسى؟ فقال جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، وأخذ منها عودا، وقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار. قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 366 والله ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهوا آمنين. ما أحب أن لي دبر ذهب، وأني آذيت واحدا منكم -والدبر بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هديتهما، فلا حاجة لنا فيها، فوالله ما أخذ الله فيَّ الرشوة فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. قالت: فوالله إنا لعلى ذلك، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر عليه من لا يعرف حقنا. فسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا؟ فقال الزبير بن العوام: أنا أخرج. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره, وسبح عليها إلى الناحية التي فيها الوقعة، ودعونا الله للنجاشي، فوالله إنا لعلى ذلك، متوقعون لما هو كائن، إذ طلع علينا الزبير يسعى ويلوح بثوبه: ألا أبشروا, فقد ظهر النجاشي، وأهلك الله عدوه فوالله ما علمنا فرحة مثلها قط. ورجع النجاشي سالما، واستوسق له أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. أخرجه أبو داود من حديث ابن إسحاق عن الزهري. وهؤلاء قدموا مكة، ثم هاجروا إلى المدينة، وبقي جعفر وطائفة بالحبشة إلى عام خيبر. وقد قيل إن إرسال قريش إلى النجاشي كان مرتين، وأن المرة الثانية كان مع عمرو: عمارة بن الوليد المخزومي أخو خالد ذكر ذلك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 367 ابن إسحاق أيضا وذكر ما دار لعمرو بن العاص مع عمارة بن الوليد من رميه إياه في البحر، وسعي عمرو به إلى النجاشي في وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله. فتبرر ولزم البرية، وهام، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه فمات. وقال ابن إسحاق، قال الزهري: حدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر عن أم سلمة، فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه, وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه؟ قلت: لا. قال: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، لم يكن له ولد إلا النجاشي. وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة. فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده، ولبقيت الحبشة دهرا. قالت: فقتلوه وملكوا أخاه. فنشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما، فغلب على أمر عمه. فلما رأت الحبشة ذلك قالت: إنا نتخوف أن يملكه بعده، ولئن ملك ليقتلنا بأبيه فشموا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فقال: ويلكم! قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم؟ بل أخرجه قال: فخرجوا به فباعوه من تاجر بستمائة درهم فانطلق به في سفينة فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمرج الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 368 على الحبشة أمرهم وضاق عليهم ما هم فيه. فقال بعضهم لبعض: تعلموا، والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم قال: فخرجوا في طلبه وطلب الذي باعوه منه، حتى أدركوه فأخذوه منه. ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سرير الملك فجاء التاجر فقال: إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك فقالوا: لا نعطيك شيئا قال: إذن والله أكلمه قالوا: فدونك. فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم حتى إذا سرت به أدركوني فأخذوه ومنعوني دراهمي فقال النجاشي: لتعطنه غلامه أو دراهمه. قالوا: بل نعطيه دراهمه. قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين رد عليَّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله. قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور. قال: وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا، وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا, وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم, وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب: هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته. ثم جعله في قبائه وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 369 معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة. قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون أنتم؟ قالوا: هو ابن الله فوضع يده على صدره، على قبائه، وقال: هو يشهد أن عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئا. وإنما يعني على ما كتب. فرضوا وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات صلى عليه واستغفر له -رضي الله عنه- وإنما ذكرنا بعد بدر استطرادا، والله أعلم. سرية عمير بن عدي الخطمي: ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه لخمس بقين من رمضان, إلى عصماء بنت مروان، من بني أمية بن زيد, وكانت تعيب الإسلام، وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول الشعر، فجاءها عمير بالليل فقتلها غيلة. غزوة بني سليم: قال ابن إسحاق: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم، منصرفه عن بدر بالمدينة، إلا سبعة أيام. ثم خرج بنفسه يريد بني سليم, واستخلف على المدينة سباع عرفطة الغفاري, وقيل: ابن أم مكتوم. فبلغ ماء يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاثا, ثم انصرف, ولم يلق أحدا. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 370 سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك: وذكر الواقدي أن أبا عفك اليهودي، كان قد بلغ مائة وعشرين سنة، وهو من بني عمرو بن عوف، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر، ويحرض عليه. فانتدب له سالم بن عمير، فقتله غيلة، في شوال منها. غزوة السويق: في ذي الحجة قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: كان أبو سفيان بن حرب، حين بلغه وقعة بدر، نذر أن لا يمس رأسه دهن ولا غسل، ولا يقرب أهله، حتى يغزو محمدا ويحرق في طوائف المدينة فخرج من مكة سرا خائفا، في ثلاثين فارسا, ليحل يمينه. حتى نزل بجبل من جبال المدينة يقال له: نبت فبعث رجلا أو رجلين من أصحابه، وأمرهما أن يحرقا أدنى نخل يأتيانه من نخل المدينة فوجدا صورا من صيران نخل العريض. فأحرقا فيها وانطلقا، وانطلق أبو سفيان مسرعا. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ قرقرة الكدر ففاته أبو سفيان، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 371 فرجع. وذكر مثل هذا ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، وقال: وركب المسلمون في آثارهم، فأعجزوهم وتركوا أزوادهم، فسميت غزوة أبي سفيان: غزوة السويق. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد بن رومان، وحدثني من لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، قالوا: لما رجع أبو سفيان إلى مكة، ورجع فل قريش من يوم بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا. فخرج في مائتي راكب، إلى أن نزل بحبل يقال له: نبت، على نحو بريد من المدينة. ثم خرج من الليل حتى أتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فلم يفتح له وخافه. فانصرف إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير، فأذن له وقراه، وأبطن له من خير الناس. ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجاله، فأتوا ناحية العريض، فوجدوا رجلين من المسلمين، فقتلوهما وردوا ونذر بهم الناس. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف، وقد فاته أبو سفيان، وأصحابه, قد رموا زادا لهم في جرب, وسويقا كثيرا، يتخففون منها للنجاء. فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقال: نعم قال: وذلك بعد بدر بشهرين. وفي هذه السنة: تزوج عثمان بأم كلثوم، رضي الله عنهما. وفيها تزوج علي -رضي الله عنه- بفاطمة الزهراء، رضي الله عنها. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 372 قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي -رضي الله عنه- قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لي مولاة لي: علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا. قالت: فما يمنعك أن تأته فيزوجك؟ فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ قالت: إنك إن جئته زوجك. قال: فوالله ما زالت ترجيني، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلالة وهيبة, فأفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم. فقال: "ما حاجتك، ألك حاجة"؟. فسكت. ثم قال: "لعلك جئت تخطب فاطمة"؟. قلت: نعم. قال: "وهل عندك من شيء تستحلها به"؟. فقلت: لا والله فقال: "ما فعلت درع سلحتكها"؟. فوالذي نفس علي بيده إنها لحطيمة ما ثمنها أربعة دراهم, فقلت: عندي. فقال: "قد زوجتكها, فابعث إليَّ بها". فإن كانت لصداق فاطمة، رضي الله عنها. وقال أيوب، عن عكرمة, عن ابن عباس، قال: لما تزوج علي فاطمة -رضي الله عنهما- قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطها شيئا". قال: ما عندي شيء. قال: "أين درعك الحطمية"؟. أخرجه أبو داود. وقال عطاء بن السائب عن أبيه, عن علي -رضي الله عنه- قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقربة, ووسادة أدم حشوها إذخر. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 373 وفيها: توفي سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي الساعدي، والد سهل بن سعد. وكان تجهز إلى بدر فمات قبلها في رمضان. فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه، ورده على ورثته. وفيها: بعد بدر، توفي خنيس بن حذاة السهمي، أحد المهاجرين، شهد بدرا. وتأيمت منه حفصة بنت عمر بن الخطاب. وفي شوال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة -رضي الله عنها- وعمرها تسع سنين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 374 ثم دخلت سنة ثلاث من الهجرة: غزوة ذي أمر، وغزوة بحران غزوة ذي أمر: في المحرم، غزا النبي صلى الله عليه وسلم نجدا، يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان، فأقام بنجد صفرا كله، ورجع من غير حرب. قاله ابن إسحاق. وأما الواقدي فقال: كانت في ربيع الأول، وأن غيبته أحد عشر يوما. ثم روى عن أشياخه، عن التابعين: عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وغيره، قالوا: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان، من بني ثعلبة، بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المسلمين، والله أعلم. غزوة بحران: قال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ربيع الأول ثم غزا يريد قريشا. قال عبد الملك بن هشام: فبلغ بحران، معدنا بالحجاز، فأقام هناك ربيع الآخر كله، وجمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع ثم رجع ولم يلق كيدا. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 375 وقال الواقدي: غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني سليم ببحران، لست خلون من جمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع بينها وبين المدينة ثمانية برد. فغاب عشر ليال. وكان بلغه أن بها جمعا من بني سليم، فخرج في ثلاثمائة، واستخلف ابن أم مكتوم. الفرع: بضم الفاء وسكون الراء بين مكة والمدينة. إنك ترى أنا كقومك؟ لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة إنا والله لو حاربتنا لتعلمن أنا نحن الرجال. عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُلْ لِلَّذِينَ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 376 كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} [آل عمران: 12] . وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال: وعن أبي عون، قال: كان أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوقهم، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فلم تفعل، فعمد الصائغ إلى طف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فأغضب المسلمين ووقع الشر. وحدثني عاصم، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في مواليَّ. فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلني". وغضب، "أرسلني، ويحك". قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليَّ: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم لك". وحدثني أبي إسحاق، عن عبادة بن الوليد، قال: لما حاربت بنو قنيقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم ابن سلول وقام دونهم. قال: ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف، لهم من حلفه مثل الذي لابن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، فنزلت فيه وفي ابن سلول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 377 وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} إلى قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 51-55] ، وذلك لتولي عبادةُ اللهَ ورسولهَ. وذكر الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمس عشرة ليلة، إلى هلال ذي القعدة. وكانوا أول من غدر من اليهود، وحاربوا حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكمه، وأن له أموالهم. فأمر صلى الله عليه وسلم بهم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، من بني السلم، فكلم عبد الله بن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألح عليه فقال: "خذهم". وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، وولي إخراجهم منها عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل من بقائهم فيها. وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة، ثم خمست، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاثة أسياف، ودرعين، وغير ذلك. غزوة بني النضير: قال معمر، عن الزهري، عن عروة: كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح، فأنزلت: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] الآيات. فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 378 وقوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} ، فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. ويرويه عقيل عن الزهري، قوله. وأسنده زيد بن المبارك الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة وذكر عائشة فيه غير محفوظ. وقال ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن يهود بني النضير، وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلى بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربوا بعد ذلك. أخرجه البخاري. وقال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بجمعنا حتى نقتل مقاتلكم ونستبيح نساءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي وأصحابه، اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فلقيهم فقال: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم, تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ فلما سمعوا ذلك تفرقوا. فبلغ ذلك كفار قريش فكتبوا، بعد بدر، إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصن وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء. وهي الخلاخيل. فلما بلغ كتابهم للنبي صلى الله عليه وسلم، أجمعت بنو النضير بالغدر، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 379 ثلاثون حبرا, حتى نلتقي بمكان المنصف، فيسمعوا منك، فإن صدقوا وآمنوا بك آمنا بك. فقص خبرهم. فلما كان الغد، غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: "إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك". ثم غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم. وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبوابهم وخشبهم فكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله إياها، فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] ، يقول: بغير قتال. فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانوا ذوي حاجة. وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة، رضي الله عنها. وذهب موسى بن عقبة، وابن إسحاق إلى أن غزوة بني النضير كانت بعد أحد، وكذلك قال غيرهما. ورواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وهذا حديث موسى وحديث عروة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين. وكانوا -يزعمون- قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة. فلما كلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقل الكلابيين, الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 380 قالوا: اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور فجلس بأصحابه، فلما خلوا والشيطان معهم، ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن، فاستريحوا منه تأمنوا. فقال رجل: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته. فأوحى الله إليه فأخبره بشأنهم وعصمه، فقام كأنه يقضي حاجة. وانتظره أعداء الله، فراث عليه. فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال: لقيته قد دخل أزقة المدينة. فقالوا لأصحابه: عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في حاجته. ثم قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} [المائدة: 11] الآية. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم، وأن يسيروا حيث شاءوا. وكان النفاق قد كثر بالمدينة. فقالوا: أين تخرجنا؟ قال: "أخرجكم إلى الحشر". فلما سمع المنافقون ما يراد بأوليائهم أرسلوا إليهم: إنا معكم محيانا ومماتنا، إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإن أخرجتم لم نتخلف عنكم. وسيد اليهود أبو صفية حيي بن أخطب. فلما وثقوا بأماني المنافقين عظمت غرتهم ومناهم الشيطان الظهور، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إنا، والله، لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنك. فمضى النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الله فيهم، وأمر أصحابه فأخذوا السلاح ثم مضى إليهم، وتحصنت اليهود في دورهم وحصونهم فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزقتهم وحصونهم كره أن يمكنهم من القتال في دورهم وحصونهم، وحفظ الله له أمره وعزم له على رشده، فأمر أن يهدم الأدنى فالأدنى من دورهم، وبالنخل أن تحرق وتقطع، وكف الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى في قلوب الفريقين الرعب ثم جعلت اليهود كلما خلص رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدم ما يلي مدينتهم، ألقى الله في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 381 قلوبهم الرعب، فهدموا الدور التي هم فيها من أدبارها، ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يهدمون شيئا فشيئا. فلما كادت اليهود أن يبلغ آخر دورها، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منوهم، فلما يئسوا مما عندهم، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان عرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم على أن يجليهم، ولهم أن يحملوا ما استقلت به الإبل إلا السلاح وطاروا كل مطير، وذهبوا كل مذهب. ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة، فرآها النبي صلى الله عليه وسلم. وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش، فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين الله لرسوله حديث أهل النفاق، وما بينهم وبين اليهود، وكانوا قد عيروا المسلمين حين قطعوا النخل وهدموا. فقالوا: ما ذنب الشجرة وأنتم تزعمون أنكم مصلحون؟ فأنزل الله {سَبَّحَ لِلَّهِ} سورة الحشر ثم جعلها نفلا لرسوله، فقسمها فيمن أراه الله من المهاجرين. وأعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، الأنصاريين, وأعطى -زعموا- سعدَ بن معاذ سيفَ ابنِ أبي الحقيق. وكان إجلاء بني النضير في المحرم سنة ثلاث. وأقامت بنو قريظة في المدينة في مساكنهم، لم يؤمر فيهم النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ولا إخراج حتى فضحهم الله بحيي بن أخطب وبجموع الأحزاب. هذا لفظ موسى بن عقبة، وحديث عروة بمعناه، إلى إعطاء سعد السيف. وقال موسى بن عقبة وغيره، عن نافع، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 382 قطع نخل بني النضير وحرق، ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت هذه الآية: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5] , متفق عليه. وقال عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس، عن عمر، أن أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنة, وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله. أخرجاه. سرية زيد بن حارثة إلى القردة: قال ابن إسحاق: وسرية زيد التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، حين أصاب عير قريش، وفيها أبو سفيان، على القردة، ماء من مياه نجد. وكان من حديثها أن قريشا خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام حين جرت وقعة بدر، فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يقال له: فرات بن حيان يدلهم, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء، فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزهم الرجال، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 383 غزوة قرقرة الكدر: قال الواقدي: إنها في المحرم سنة ثلاث وهي ناحية معدن بني سليم, واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان صلى الله عليه وسلم بلغه أن بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان. فلم يجد في المحال أحدا، ووجد رعاء منهم غلام يقال له: يسار، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بالنعم، فانحدر به الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 384 وقال محمد بن يونس الجمال المخرمي -الذي قال فيه ابن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 385 عدي: كان عندي ممن يسرق الحديث. قلت: لكن روى عنه مسلم- حدثنا ابن عيينة، قال: حدثنا عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد، قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونفك العناة، ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام قالوا: فما محمد؟ قالوا: صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار قالوا: لا، بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا. فأنزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] الآية. قال سفيان: كانت غفار سرقة في الجاهلية. وقال إبراهيم بن جعفر بن محمود بن مسلمة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: ولحق كعب بن الأشرف بمكة إلى أن قدم المدينة معلنا بمعاداة النبي صلى الله عليه وسلم وهجائه، فكان أول ما خرج منه قوله: أذاهب أنت لم تحلل بمنقبة ... وتارك أنت أم الفضل بالحرم صفراء رادعة لو تعصر انعصرت ... من ذي البوارير والحناء والكتم إحدى بني عامر هام الفؤاد بها ... ولو تشاء شفت كعبا من السقم . . . لم أر شمسا قبل طلع ... حتى تبدت لنا في ليلة الظلم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 386 وقال: طحنت رحى بدر لمهلك أهلها الأبيات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوما: "من لكعب بن الأشرف؟ فقد آذانا بالشعر وقوى المشركين علينا". فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله. قال: "فأنت". فقام فمشى ثم رجع فقال: إني قائل. فقال: قل فأنت في حل. فخرج محمد، بعد يوم أو يومين، حتى أتى كعبا وهو في حائط فقال: يا كعب، جئت لحاجة، الحديث. وقال ابن عيينة: قال عمرو بن دينار: سمعت جابرا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله"؟. فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أعجب إليك أن أقتله؟ قال: "نعم". قال: فأذن لي أن أقول شيئا. قال: قل. فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وقد عنانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضا لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه, وقد أردنا أن تسلفنا. قال: ارهنوني نساءكم. قال: نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قال: كيف نرهنك أبناءنا فيقال رهن بوسق أو وسقين؟ قال: فأي شيء؟ قال: نرهنك اللأمة. فواعده أن يأتيه ليلا، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاه من الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ قال: إنما هو أخي أبو نائلة ومحمد بن مسلمة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال محمد: إذا ما جاء فإني قائم بشَعْرِه فأشمه ثم أشمكم، فإذا رأيتموني أثبتُّ يدي فدونكم, فنزل إليهم متوشحا، وهو ينفح منه ريح الطيب، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 387 فقال محمد: ما رأيت كاليوم ريحا، أي: أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم فشمه ثم شم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ يعني ثانيا. قال: نعم. فلما استمكن منه قال: دونكم. فضربوه فقتلوه وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. أخرجه البخاري. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم المسلمون، ومنهم عبدة الأوثان، ومنهم اليهود، وهم أهل الحلقة والحصون، وهو حلفاء الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشرك أو أخوه، وكان المشركون واليهود حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يؤذونه أشد الأذى، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر والعفول، فقال تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} [آل عمران: 186] ، وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] . فأمر رسول الله سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوا كعبا، فبعث إليه سعدٌ محمدَ بن مسلمة وأبا عبس، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتوه عشية، وهو في مجلسهم بالعوالي. فلما رآهم كعب أنكرهم وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءت بنا إليك حجة. قال: فليدن إليَّ بعضكم فليحدثني بها. فدنا إليه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 388 بعضهم, فقال: جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها. فقال: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم، قد نزل بكم هذا الرجل. فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدأ عنهم الناس. فجاءوا فناداه رجل منهم، فقام ليخرج, فقالت امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء تحب. فقال: بل إنهم قد حدثوني حديثهم. فاعتنقه أبو عبس، وضربه محمد بن مسلمة بالسيف، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته, فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين. فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا فقتل، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا، فكتب بينهم صحيفة. وكانت تلك الصحيفة بعده عند علي. أخرجه أبو داود. وذكر موسى بن عقبة وغيره أن عباد بن بشر كان معهم، فأصيب في وجهه بالسيف أو رجله. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال: "انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم". وذكر البكائي، عن ابن إسحاق هذه القصة بأطول مما هنا وأحسن عبارة، وفيه: فاجتمع في قتله محمد، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة الأشهلي، وعباد بن بشر، وأبو عبس بن جبر الحارثي. فقدَّموا إلى ابن الأشرف سلكانَ، فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا، ثم قال: ويحك يابن الأشرف، إني قد جئت لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني. قال: أفعل. قال: كان قدوم هذا الرجل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 389 علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدنا. فقال: أنا ابن الأشرف! أما والله لقد أخبرتك يابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول. فقال: إني أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك، وتحسن في ذلك. فقال: أترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم، وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه واجتمعوا، وساق القصة. قال ابن إسحاق: وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل اليهود، وقال: "من ظفرتم به من اليهود فاقتلوه". وحينئذ أسلم حويصة بن مسعود، وكان قد أسلم قبله أخوه محيصة, فقتل محيصةُ ابنَ سنينة اليهودي التاجر، فقال حويصة قبل أن يسلم وجعل يضرب أخاه ويقول: أي عدو الله قتلته؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله. فقال: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك. قال: والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة. وفي رمضان: وُلِدَ السيد أبو محمد الحسن بن علي، رضي الله عنهما. وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر. وفي هذه السنة: تزوج أيضا بزينب بنت خزيمة، من بني عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين، فعاشت عنده شهرين أو ثلاثة، وتوفيت وقيل: أقامت عنده ثمانية أشهر، فالله أعلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 390 غزوة أحد: وكانت في شوال قال شيبان، عن قتادة: واقَعَ نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوال، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال وكان أصحابه يومئذ سبعمائة والمشركون ألفين أو ما شاء الله من ذلك. وقال ابن إسحاق: للنصف من شوال. وقال مالك: كان القتال يومئذ في أول النهار. وقال بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت أني قد هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت في رؤياي بقرا، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا يوم بدر". أخرجاه. وقال ابن وهب: أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. وذلك أنه لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: تخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 391 ورجوا من الفضيلة أن يصيبوا ما أصاب أهل بدر فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله، أقم فالرأي رأيك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه". قالوا: وكان ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلبس أداته: "إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وأني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير". وقال يونس عن الزهري في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، قال: حتى إذا كان بالشوط من الجنانة، انخزل عبد الله بن أبي بقريب من ثل الجيش ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في سبعمائة وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، وجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وهم ألف، والمشركون ثلاثة آلاف. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، ورجع عنه عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فسقط في أيدي الطائفتين, وهمتا أن تفشلا، والطائفتان: بنو سلمة وبنو حارثة. وقال ابن عيينة، عن عمرو عن جابر: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران: 122] ، بنو سلمة وبنو حارثة، ما أحب أنها لم تنزل لقوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] . متفق عليه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 392 وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، سمع عبد الله بن يزيد يحدث، عن زيد بن ثابت، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، رجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم. وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة. متفق عليه. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] ، قال: ميزهم يوم أحد. وقال البكائي، عن ابن إسحاق قال: كان من حديث أحد، كما حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر، والحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم كل قد حدث بعض الحديث، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد، أن كفار قريش لما أصيب منهم أصحاب القليب، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بالعير، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم، فكلموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة, فقالوا: يا معشر قريش! إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 393 وكان أبو عزة الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذا عيال وحاجة، فقال: يا رسول الله! إني فقير ذو عيال وحاجة، فامنن عليَّ. فقال له صفوان: يا أبا عزة، إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا. فقال: إن محمدا قد منَّ عليَّ فلا أريد أن أظاهر عليه. قالوا: بلى, فأعنا بنفسك، فلك الله عليَّ إن رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر. فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة، ويقول: إيهًا بني عبد مناة الرزام ... أنتم حماة وأبوكم حام لا تعدوني نصركم بعد العام ... لا تسلموني لا يحل إسلام وخرج مسافع بن عبد مناف الجمحي إلى بني مالك بن كنانة يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول شعرا. ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق. فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها، وخرجوا معهم بالظُعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا. وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس, بهند بنت عتبة، وخرج عكرمة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام, حتى نزلوا بعينين بجبل أحد ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قتلناهم فيها وكان يكره الخروج إليهم. فقال رجال ممن فاته يوم بدر: يا رسول الله! اخرج بنا إليهم لا يرون أنا جبنا عنهم. فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته، وذلك يوم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 394 الجمعة حين فرغ الناس من الصلاة فذكر خروجه وانخزال ابن أبي بثلث الناس، فاتبعهم عبد الله والد جابر، يقول: أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. وقالت الأنصار: يا رسول الله، ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ قال: "لا حاجة لنا فيهم". ومضى حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال: لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال. وتعبأ للقتال وهو في سبعمائة، وأمَّر على الرماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلا، فقال: "انضحوا عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك". وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على الميمنة خالدا، وعلى الميسرة عكرمة. وقال سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطا أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام كان على الرجال، ويقال: المقداد بن الأسواد، وكان حمزة على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير، فقتل، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عليا، قال: ويقال: كانت له ثلاثة ألوية، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين، ولواء إلى علي، ولواء إلى المنذر. وقال ثابت, عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال: "من يأخذ مني هذا السيف بحقه"؟. فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا. فقال: "من يأخذه بحقه"؟. فأحجم القوم، فقال له أبو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه؟ قال: "تضرب به في العدو حتى ينحني". قال: فأنا آخذه يا رسول الله. فأعطاه إياه، وكان رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان إذا قاتل علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها على رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصفين. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رآه يبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن". وقال عمرو بن عاصم الكلابي: حدثني عبيد الله بن الوازع، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام، قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد فقال: "من يأخذه بحقه"؟. فقمت فقلت: أنا يا رسول الله! فأعرض عني, ثم قال: "من يأخذ هذا السيف بحقه"؟. فقام أبو دجانة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 395 سماك بن خرشة فقال: أنا يا رسول الله! فما حقه؟ قال: "أن لا تقتل به مسلما ولا تفر به عن كافر". قال: فدفعه إليه، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة، فقلت: لأنظرن إليه كيف يصنع؟ قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه, حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن، فيهن امرأة وهي تقول: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 396 قال: فاهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها. فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل به امرأة. وروى جعفر بن عبد الله بن أسلم, مولى عمر، عن معاوية بن معبد بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن. وقال ابن إسحاق، عن الزهري وغيره: إن رجلا من المشركين خرج يوم أحد، فدعا إلى البراز، فأحجم الناس عنه حتى دعا ثلاثا، وهو على جمل له، فقام إليه الزبير فوثب حتى استوى معه على بعيره, ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يلي حضيض الأرض مقتول". فوقع المشرك ووقع عليه الزبير فذبحه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قرب الزبير فأجلسه على فخذه وقال: "إن لكل نبي حواريا والزبير حواريي". قال ابن إسحاق: واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وآخرون. وقال زهير بن معاوية: حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يحدث قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد, وكانوا خمسين, عبد الله بن جبير, وقال: "إذا رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم". قال: فهزمهم فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 397 قد بدت خلاخيلهن وسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم، الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله لهم: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. فأتوهم فصرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين. فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم. فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا, فأصابوا منا سبعين. فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاثا. ثم رجع إلى أصحابه, فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك. فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: اعل هبل، اعل هبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبوه"؟. قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل". ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبوه"؟. قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم". أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: فحدثني الحصين بن عبد الرحمن، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين غشيه القوم: من رجل يشري لنا نفسه؟ فقام زياد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 398 بن السكن في خمسة من الأنصار، وبعض الناس يقول: هو عمارة ابن زياد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل ثم رجل يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة. ثم فاءت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدنوه مني". فأدنوه منه, فوسده قدمه, فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وترَّسَ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره, وهو منحنٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثرت فيه النبل. وقال حماد بن سلمة عن ثابت, وغيره, عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: "من يردهم عنا وله الجنة -أو- هو رفيقي في الجنة"؟. فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، وتقدم آخر فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال لصاحبيه: "ما أنصفنا أصحابنا". رواه مسلم. وقال سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد، عن حديثهما. متفق عليه. وقال قيس بن أبي حازم: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يوم أحد. أخرجه البخاري. وقال عبد الله بن صالح: حدثني يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير مولى حكيم بن حزام، عن جابر قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 399 وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون فقال: "ألا أحد لهؤلاء"؟. فقال طلحة: أنا يا رسول الله! قال: "كما أنت يا طلحة". فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله! فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ثم قتل الأنصار فلحقوه, فقال: "ألا أحد لهؤلاء"؟. فقال طلحة مثل قوله, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فأذن له فقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصعدون، ثم قتل, فلحقوه فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله ويقول طلحة: أنا. فيحبسه ويستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لهؤلاء"؟. فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله, فقال: حس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء". ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون. وقال عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز, عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفة معه. وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبي طلحة ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم فينظر إلى القوم, فيقول أبو طلحة: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 400 مشمرتان أرى خدم سوقهما، تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم. ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة من النعاس إما مرتين أو ثلاثة. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، قتله ابن قميئة الليثي، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدا. ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ورجالا من المسلمين. وقال موسى بن عقبة: واستجلبت قريش من شاءوا من مشركي العرب، وسار أبو سفيان في جمع قريش. ثم ذكر نحو ما تقدم، وفيه: فأصابوا وجهه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقصموا رباعيته، وخرقوا شفته. يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص. وعنده -يعني عند ابن عقبة- المنام، وفيه: "فأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام، فإن دخلوا علينا في الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت". وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى كانت كالحصن. فأبى كثير من الناس إلا الخروج، وعامتهم لم يشهدوا بدرا. قال: وليس مع المسلمين فرس. وكان حامل لواء المشركين طلحة بن عثمان، أخو شيبة العبدري، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 401 وحامل لواء المسلمين رجل من المهاجرين، فقال: أنا عاصم إن شاء الله لما معي. فقال له طلحة بن عثمان: هل لك في المبارزة؟ قال: نعم. فبدره ذلك الرجل فضرب بالسيف على رأسه حتى وقع السيف في لحيته. فكان قتل صاحب المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "أراني أني مردف كبشا". فلما صرع انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصاروا كتائب متفرقة فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم. وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله قد فتح، قالوا: والله ما نجلس ههنا لشيء. فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتركوها، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فأوجفت الخيل فيهم قتلا، وكان عامتهم في العسكر فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا، وصرخ صارخ: أخراكم أخراكم، قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسقط في أيديهم، فقتل منهم من قتل، وأكرمهم الله بالشهادة. وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد، وثبت الله نبيه، وأقبل يدعو أصحابه مصعدا في الشعب، والمشركون على طريقه، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزبير، وجعلوا يسترونه حتى قُتِلوا إلا ستة أو سبعة. ويقال: كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين فقد، من وراء المغفر فنادى بصوته الأعلى: الله أكبر، هذا رسول الله، فأشار إليه -زعموا- رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اسكت. وجرح رسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 402 الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته. وكان أبي بن خلف قال حين افتدى: والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة، ولأقتلن عليها محمدا. فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل أنا أقتله إن شاء الله". فأقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه تلك يقول: لا نجوت إن نجا محمد فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال موسى: قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل مصعبا. وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه فيها بحربته، فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم. قال سعيد: فكُسِرَ ضلع من أضلاعه، ففي ذلك نزلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] ، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا: ما جزعك؟ إنما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أنا أقتل أبيا". ثم قال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة. وقال ان إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، أن الزبير قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم، حتى ما يدنو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 403 منه أحد من القوم. قال ابن إسحاق: لم يزل لواؤهم صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فلاذوا به. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي: تقتلونهم, {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} يعني: إقبال من أقبل منهم على الغنيمة، {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} ، {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152-153] ، يعني النصر. ثم أديل للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النبي صلى الله عليه وسلم. وروى السدي، عن عبد خير، عن عبد الله، قال: ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152] . وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: هُزم المشركون يوم أحد هزيمة بينة، فصرخ إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم. فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أبي، أبي. فوالله ما نحجزوا عنه حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله. أخرجه البخاري. وقال ابن عون عن عمير بن إسحاق، عن سعد بن أبي وقاص، قال: كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسد الله رواه يونس بن بكير، عن ابن عون عن عمير مرسلا وزاد: فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدرع عن بطنه، فزرقه الحبشي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 404 العبد, فبقره. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما أن قدمنا حمص قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم. وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلمنا فرد علينا السلام وكان عبيد الله معتجرا بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي تعرفني؟ فنظر إليه فقال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم فثال بنت أبي العيص، فولدت غلاما بمكة فاسترضعته، فحملتُ ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، لكأني نظرت إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم, إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر. فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر فلما خرج الناس عن عينين -وعينون جبل تحت أحد, بينه وبين أحد واد- خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع, فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة فقال: يا سباع يابن مقطعة البظور، تحاد الله ورسوله؟ ثم شد عليه, فكان كأمس الذاهب. قال فمكنت لحمزة تحت صخرة حتى مر عليَّ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من وركه، فكان ذاك العهد به, الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 405 فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف. قال: وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا، وقيل: إنه لا يهيج الرسل، فخرجت معهم, فلما رآني قال: "أنت وحشي"؟. قلت: نعم. قال: "الذي قتل حمزة"؟. قلت: نعم, قد كان الأمر الذي بلغك. قال: "ما تستطيع أن تغيب عني وجهك"؟. قال: فرجعت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة، قلت: لأخرجن إليه لعلي أقتله فأكافئ به حمزة. فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه. قال: فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال سليمان بن يسار: فسمعت ابن عمر يقول: قالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود. أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: ذكر الزهري، قال: كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة, وقول الناس: قُتِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. كعبُ بن مالك, قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت: يا معشر المسلمين! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليَّ: أن انصت. ومعه جماعة فلما أسند في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: يا محمد! لا نجوتُ إن نجوتَ ... الحديث. وقال هاشم بن هاشم الزهري: سمعت سعيد بن المسيب، سمع سعدا يقول: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: "ارم، فداك أبي وأمي". أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 406 وقال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله, عن أبيه، عن جده، عن الزبير، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظاهر بين درعين يومئذ، فلم يستطع أن ينهض إليها، يعني إلى صخرة في الجبل، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوى عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة". وقال حميد وغيره، عن أنس، قال: غاب أنس بن النضر، عم أنس بن مالك عن قتال بدر فقال: غبت عن أول قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن الله أشهدني قتالا ليرين الله ما أصنع, فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين من الهزيمة فمشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد واهًا لريح الجنة! فقال سعد: يا رسول الله! فما استطعت أن أصنع كما صنع. قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فما عرفناه، حتى عرفته أخته ببنانه، فكنا نتحدث أن هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ، نزلت فيه وفي أصحابه. متفق عليه, لكن مسلم من حديث ثابت البناني، عن أنس. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, أن عمرو بن أقيش كان له ربًا في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا. قال: إني قد آمنت. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 407 فقاتل حتى جرح، فحمل جريحا, فجاءه سعد بن معاذ, فقال لأخته: سليه، حمية لقومك أو غضبا لله؟ قال: بل غضبا لله ورسوله فمات فدخل الجنة وما صلى صلاة. أخرجه أبو داود. وقال حيوة بن شريح المصري: حدثني أبو صخر حميد بن زياد، أن يحيى بن النضر حدثه عن أبي قتادة، قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة وكان أعرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: "كأني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة". وأمر بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد. وقال ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: قال عبد الله بن جحش: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني: بم ذاك؟ فأقول: فيك. قال سعيد بن المسيب: إني لأرجو أن يبر الله آخر قسمه كما أبر أوله. وروى الزبير بن بكار في "الموفَّقيات", أن عبد الله بن جحش، انقطع سيفه، قال: فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجونا فصار في يده سيفا. فكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار. وكان عبد الله من السابقين، أسلم قبل دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة هو وإخوته وشهد بدرا. وقال معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي: حدثنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 408 فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا. مرسل. عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع، وقال لي: "إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك"؟. فجعلت أطواف بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة, فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: "خبرني كيف تجدك"؟. قال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: يا رسول الله! أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف. قال: وفاضت نفسه. أخرجه البيهقي، ثم ساقه فيما بعد من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني، منقطعا، فهو شاهد لما رواه خارجة. وقال موسى بن عقبة: ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنبوا الخيل فهم يريدون الفرار". فلما أدبروا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في آثارهم. فلما رجع قال: رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال: فطابت أنفس القوم، وانتشروا يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر، وكان أبوه مع المشركين فترك لأجله. وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره برجله ثم قال: ذنبان أصبتهما، قد تقدمتُ إليك في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 409 مصرعك هذا يا دبيس، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد. ووجدوا حمزة بن عبد المطلب قد بُقِرَ بطنه وحُمِلَت كبده، احتملها وحشي وهو الذي قتله، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدمية بشيء من الشجر. وقال الزهري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زملوهم بدمائهم, فإنه ليس أحد يكلم في الله إلا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي, لونه لون الدم وريحه ريح المسك". وقال: إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون: إن موعدكم الموسم, موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كل عام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا له: نعم". قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وإذا النَّوْح في الدور. قال: "ما هذا"؟. قالوا: نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما, وحُمِلَ قتلى، فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم عن ذلك وقال: "واروهم حيث أصيبوا". وقال لما سمع البكاء: "لكن حمزة لا بواكي له". واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما، فجمعوا كل نائحة وباكية بالمدينة، فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم رسول الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 410 صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله بالبكاء، قال: "ما هذا"؟. قال: فأخبر، فاستغفر لهم وقال لهم خيرا، وقال: "ما هذا أردت وما أحب البكاء". ونهى عنه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن نافع الأنصاري، قال: انتهى أنس بن النضر إلى عمر، وطلحة، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتِلَ. قال ابن إسحاق: وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقي هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود فضرب حنظلة بالسيف فقتله. وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صاحبكم لتغسله الملائكة". يعني حنظلة، فسألوا أهله: ما شأنه؟ فسئلت صاحبته قالت: خرج وهو جنب حين سمع الهيعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لذلك غسلته الملائكة". وقال البكَّائي، عن ابن إسحاق: وخلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. فحدثني حميد الطويل عن أنس، قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول: "كيف يفلح الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 411 قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم"؟. فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] . وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه, فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وعليٌّ يسكب الماء عليه بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة حصير أحرقته، حتى إذا صار رمادا ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم. أخرجاه. ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم، عن سهل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أصيبت رباعيته وهشمت بيضته. وذكر باقي الحديث. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله"، وهو يشير إلى رباعيته، "اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله". متفق عليه. وللبخاري مثله من حديث عكرمة، عن ابن عباس. لكن فيه: "دموا وجه رسول الله"، بدل ذكر رباعيته. وقال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله: أخبرني عيسى بن طلحة، عن عائشة، قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك يوم كان كله يوم طلحة. ثم أنشأ يحدث، قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 412 كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه. وأراه قال: يحميه، فقلت: كن طلحة، حيث فاتني، قلت: يكون رجلا من قومي أحب إليَّ، وبيني وبين المشرق رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه. إذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كسرت رباعيته, وشج في وجهه، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكما صاحبكما". يريد طلحة, وقد نزف, فلم نلتفت إلى قوله، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه, فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي، فأزم عليهما بفيه، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيته مع الحلقة وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا, فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا بضع وسبعون، أقل أو أكثر، من بين طعنة ورمية وضربة, وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه. وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير، قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحدا، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد, فلا نجوت إن نجا, ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم تجاوزه فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنه منا ممنوع، خرجنا أربعة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 413 فتعاهدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك. قال الواقدي: الثبت عندنا أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه: ابن قمئة، والذي رمى شفتيه وأصاب رباعيته: عتبة بن أبي وقاص. وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن سعد بن أبي وقاص، قال: والله ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمته لسيئ الخلق مبغضا في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله". وقال معمر، عن الزهري، عن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة حين كسر رباعيته: "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا". فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار. مرسل. ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث قال: حدثني عمر بن السائب، أنه بلغه أن والد أبي سعيد الخدري، لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، مص جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض، قيل له: مجه فقال: لا والله لا أمجه أبدا ثم أدبر فقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا". فاستشهد. قال ابن إسحاق قال حسان بن ثابت: إذا الله جازى معشرا بفعالهم ... ونصرهم الرحمن رب المشارق فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ... ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق بسطت يمينا للنبي تعمدا ... فأدميت فاه قطعت بالبوارق فهلا ذكرت الله والمنزل الذي ... تصير إليه عند إحدى البوائق الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 414 قال ابن إسحاق: وعن أبي سعيد الخدري، أن عتبة كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، فأخذ عليَّ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة حتى استوى قائما. ومص مالك بن سنان, أبو أبي سعيد, الدم عن وجهه ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مس دمه دمي لم تمسه النار". منقطع. قال البكائي: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سِيتُها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة، حتى وقعت على وجنته فحدثني عاصم بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده، وكانت أحسن عينيه وأحدهما. وقال الواقدي: حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن عمته، عن أمها، عن المقداد بن عمرو قال: فربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يوم أحد يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر، حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في عصابة صبروا معه. هذا الحديثان ضعيفان، وفيهما أنه رمى بالقوس. وقال سليمان بن أحمد نزيل واسط: حدثنا محمد بن شعيب، قال: سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، يحدث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة بن النعمان، وكان الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 415 أخا أبي سعيد لأمه، أن عينه ذهبت يوم أحد، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها، فاستقامت. وقال يحيى الحماني: حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا". فدعا به فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. كذا قال ابن الغسيل: يوم بدر. وقال موسى بن عقبة: إن أبا حذيفة بن اليمان، واسمه حسيل بن جبير حليف للأنصار، أصابه المسلمون -زعموا- في المعركة لا يدرون من أصابه فتصدق حذيفة بدمه على من أصابه. قال موسى: وجميع من استشهد من المسلمين تسعة وأربعون رجلا. وقتل من المشركين ستة عشر رجلا. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: حمل أبي بن خلف على النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله، فاستقبله مصعب بن عمير، فقتل مصعبا وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي فطعنه بحربته فوقع عن فرسه، ولم يخرج منها دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور. وروى نحوه الزهري، عن ابن المسيب. وذكره الواقدي، عن يونس بن محمد, عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه. قال الواقدي: وكان ابن عمر يقول: مات أبي ببطن رابغ، فإني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 416 لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل إذا نار تأجج لي فهبتُها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش. ورجل يقول: لا تسقه, فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبي بن خلف. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: ما نُصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نُصر يوم أحد فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله, إن الله تعالى يقول في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} والحس: القتل, {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] الآية، وإنما عني بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع وقال: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا". فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكفأ عسكر المشركين، نزلت الرماة دخلوا في العسكر ينتهبون، وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا، وشبك أصابعه، والتبسوا. فلما خلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، وصاح الشيطان: قُتل محمد. فلم يشك فيه أنه حق, وساق الحديث. وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، قال: كنت ممن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 417 مرارا. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس, عن أبي طلحة، قال: رفعت رأسي يوم أحد, فجعلت أنظر, وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس. فذلك قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] . وقال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، عن الزبير، قال: والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير, وإن النعاس ليغشاني ما أسمعها منه إلا كالحلم، وهو يقول: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154] . وروى الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه، عن أبيه، قال: ألقي علينا النوم يوم أحد. وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر، والزهري وجماعة، قالوا: كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر إسلامه بلسانه، ويوم أكرم الله فيه بالشهادة غير واحد، وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران. وقال المدائني، عن سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطا أسود كان الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 418 لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى الميمنة علي، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد بن عمرو، وحمزة بن عبد المطلب على القلب. ولواء قريش مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي -رضي الله عنه- فأخذ اللواء سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن مالك، فأخذه عثمان بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح, فأخذه الجلاس بن طلحة، فقتله ابن أبي الأقلح أيضا، ثم كلاب والحارث ابنا طلحة، فقتلها قزمان حليف بني ظفر، وأرطاة بن عبد شرحبيل العبدري قتله مصعب بن عمير، وأخذه أبو يزيد بن عمير العبدري، وقيل: عبد حبشي لبني عبد الدار، قتله قزمان. قال ابن إسحاق: وبقي اللواء ما يأخذه أحد، وكانت الهزيمة على قريش. وقال مروان بن معاوية الفزاري: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: حدثنا عبيد بن رفاعة الزرقي، عن أبيه، قال: لما كان يوم أحد انكفأ المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استووا حتى أثني على ربي". فصاروا خلفه صفوفا فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت, اللهم ابسط علينا من بركاتك، أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول, اللهم عائذا بك من سوء ما أعطيتنا وشر ما منعت منا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 419 مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين, اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب, إله الحق". هذا حديث غريب منكر، رواه البخاري في الأدب، عن علي بن المديني، عن مروان. عدد الشهداء: قد مر أن البخاري أخرج من حديث البراء، أن المشركين أصابوا منا سبعين. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت, عن أنس، قال: يا رب السبعين من الأنصار، سبعين يوم أحد، وسبعين يوم بئر معونة، وسبعين يوم مؤتة، وسبعين يوم اليمامة. وقال عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون: يوم أحد، ويوم اليمامة، ويوم جسر أبي عبيد. وقال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165] ، قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين, وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين. وأما ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فقال: جميع من قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، من قريش والأنصار: أربعة، أو قال: سبعة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 420 وأربعون رجلا. وجميع من قتل يوم أحد، يعني من المشركين تسعة عشر رجلا. وقال موسى بن عقبة: جميع من استشهد من المسلمين، من قريش والأنصار سبعة وأربعون رجلا. وقال ابن إسحاق: جميع من استشهد من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، يوم أحد، خمسة وستون رجلا وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون. قلت: قول من قال سبعين أصح ويحمل قول أصحاب المغازي هذا على عدد من عرف اسمه من الشهداء، فإنهم عدوا أسماء الشهداء بأنسابهم. قال ابن إسحاق: استشهد من المهاجرين: حمزة، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، حليف بني عبد شمس، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دفن مع حمزة في قبر واحد، ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان، ولقبه شماس، وهو عثمان بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي، ابن أخت عتبة بن ربيعة، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا، ولقب شماسا لملاحته. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 421 ومن الأنصار: عمرو بن معاذ بن النعمان الأوسي، أخو سعد، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ، والحارث بن أنيس بن رافع، وعمارة بن زياد بن السكن، وسلمة، وعمرو، ابنا ثابت بن وقش، وعمهما: رفاعة بن وقش، وصيفي بن قيظي، وأخوه: حباب، وعباد بن سهل, وعبيد بن التيهان، وحبيب بن زيد, وإياس بن أوس، الأشهليون، واليمان أبو حذيفة، حليف لهم، ويزيد بن حاطب بن أمية الظفري، وأبو سفيان بن الحارث بن قيس، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الراهب، ومالك بن أمية؛ وعوف بن عمرو، وأبو حية بن عمرو بن ثابت, وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة، وأنس بن قتادة وخيثمة والد سعد بن خيثمة وحليفه: عبد الله بن سلمة العجلاني، وسبيع بن حاطب بن الحارث، وحليفه: مالك بن أوس، وعمير بن عدي الخطمي. وكلهم من الأوس. واستشهد من الخزرج: عمرو بن قيس النجاري، وابنه: قيس، وثابت بن عمرو بن زيد، وعامر بن مخلد، وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة، وعمرو بن مطرف, وإياس بن عدي، وأوس أخو حسان بن ثابت، وهو والد شداد بن أوس، وأنس بن النضر بن ضمضم، وقيس بن مخلد، وعشرتهم من بني النجار، وعبد لهم اسمه: كيسان، وسليم بن الحارث، ونعمان بن عبد عمرو، وهما من بني دينار بن الحارث. ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبي زهير، وسعد بن الربيع بن عمرو ابن أبي زهير، وأوس بن أرقم بن زيد، أخو زيد بن أرقم. ومن بني خدرة: مالك بن سنان، وسعيد بن سويد، وعتبة بن ربيع. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 422 ومن بني ساعدة: ثعلبة بن سعد بن مالك، وثقف بن فروة، وعبد الله بن عمرو بن وهب وضمرة، حليف لهم من جهينة. ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني سالم: عمرو بن إياس، ونوفل بن عبد الله، وعبادة بن الحسحاس، والعباس بن عبادة بن نضلة، والنعمان بن مالك، والمجذر ذياد البلوي، حليف لهم. ومن بني الحبلى: رفاعة بن عمرو. ومن بني سواد بن مالك: مالك بن إياس. ومن بني سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وكانا متواخيين وصهرين، فدفنا في قبر واحد، وخلاد بن عمرو بن الجموح، ومولاه أسير، أبو أيمن، مولى عمرو. ومن بني سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة، ومولاه عنترة، وسهيل بن قيس. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، وعبيد بن المعلى بن لوذان. قال ابن إسحاق: وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أن ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه. وذكر الواقدي جماعة قتلوا سوى من ذكرنا. وقال البكائي: قال ابن إسحاق، عن محمود بن لبيد، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر -والد حذيفة بن اليمان- وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه -وهما شيخان كبيران: لا أبا لك، ما ننتظر؟ فوالله ما بقي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 423 لواحدنا من عمره إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة مع رسوله؟ فخرجا حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فقتله المسلمون ولا يعرفونه. قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان فينا رجل أتى لا يدرى ممن هو، يقال له قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: "إنه لمن أهل النار". فلما كان يوم أحد قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعلوا يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر. قال: بماذا أبشر؟ والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك لما قاتلت. فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما فقتل به نفسه. قال ابن إسحاق: وكان ممن قتل يومئذ مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن العيطون، قال لما كان يوم أحد: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت قال: لا سبت فأخذ سيفه وعدته وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: "مخيريق خير يهود". ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى؛ يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 424 وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها: نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكري شفيتُ صدري وقضيت نذري ... شفيتَ وحشي غليل صدري وقتل من المشركين -على ما ذكر ابن إسحاق- أحد عشر رجلا من بني عبد الدار، وهم: طلحة وأبو سعيد وعثمان: بنو أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى ومولاهم: صؤاب، وبنو طلحة المذكور: مسافع, والحارث, والجلاس, وكلاب. وأبو زيد بن عمير أخو مصعب بن عمير وابن عمه: أرطاة بن شرحبيل بن هاشم، وابن عمهم: قاسط بن شريح. ومن بني أسد: عبد الله بن حميد بن زهير الأسدي، وسباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني أسد. وأربعة من بني مخزوم: أخو أم سلمة: هشام بن أبي أمية بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، وحليفهم خالد بن الأعلم. ومن بني زهرة: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، حليف لهم. ومن بني جمح: أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عمير، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا، وذلك أنه أسر يوم بدر، وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم بلا فداء لفقره، وأخذ عليه أن لا يعين عليه، فنقض العهد وأسر يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا تمسح عارضيك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 425 بمكة تقول خدعت محمدا مرتين وأمر به فضربت عنقه". وقيل: لم يؤسر سواه. ومن بني عامر بن لؤي: عبيد بن جابر، وشيبة بن مالك. وقال سليمان بن بلال, عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهب، عن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة ورواه حاتم بن إسماعيل، عن عبد الأعلى -فأرسله مرة وأسنده مرة- عن أبي ذر عوض أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول -على طريقه- فوقف عليه ودعا له ثم قرأ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] ، ثم قال: "أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام". وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، وحدثنيه بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب، قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بحمزة من المثل -جدع أنف ولعب به- قال: "لولا أن تجزع صفية وتكون سنة من بعدي ما غيب حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير". وحدثني بريدة، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم". فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما به من الجزع قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} [النحل: 126] ، إلى آخر السورة فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 426 وروى ابن إسحاق، عن شيوخه الذين روى عنهم قصة أحد، أن صفية أقبلت لتنظر إلى حمزة -وهو أخوها لأبويها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير: "القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها". فلقيها فقال: أي أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي, قالت: ولم؟ فقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فجاء الزبير فأخبره قولها, قال: "فخل سبيلها". فأتته، فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به فدفن. وقال أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: لما قتل حمزة أقبلت صفية فلقيت عليا والزبير فأرياها أنهما لا يدريان. فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فإني أخاف على عقلها". فوضع يده على صدرها ودعا لها، فاسترجعت وبكت ثم جاء فقام عليه وقد مثل به فقال: "لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع". ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم سبع تكبيرات، ويرفعون ويترك حمزة، ثم يجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعا، حتى فرغ منهم. وحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم أصح. وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد صلاته على الميت. فالله أعلم. عثمان بن عمر، وروح بن عبادة, بإسناد الحاكم في "المستدرك" إليهما: حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 427 قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع ومثل به فقال: "لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع". فكفنه في نمرة ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ... الحديث. وقال يحيى الحماني: حدثنا قيس -هو ابن الربيع- عن ابن أبي ليلى, عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: "لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين منهم". فنزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل نصبر يا رب". إسناده ضعيف من قبل قيس. وقد روى نحوه حجاج بن منهال وغيره عن صالح المري -وهو ضعيف- عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة، وزاد: فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط أوجع لقلبه منه. أخبرنا محمد بن محمد بن صاعد القاضي، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الزاهد ببيت المقدس سنة تسع وعشرين وستمائة قال: أخبرنا أحمد بن محمد السلفي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الفارسي قال: حدثنا يعقوب الفسوي قال: حدثنا عبد الله بن عثمان قال: حدثنا عيسى بن عبيد الكندي، قال: حدثني ربيع بن أنس، قال: حدثني أبو العالية عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون وأصيب من المهاجرين ستة، منهم حمزة فمثلوا بقتلاهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنربين عليهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 428 فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كفوا عن القوم". وقال يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: جاءت صفية يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن ترى حمزة على حاله، فبعث إليها الزبير يحبسها وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل من الأنصار، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة، فقال: "أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له". فأسهموا بينهما، فكفن حمزة في ثوب والأنصاري في ثوب. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد، قال: "أنا الشهيد على هؤلاء، ما من جريح يجرح في الله إلا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم والريح ريح المسك، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر". فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر. قال ابن إسحاق: وحدثني والدي, عن رجال من بني سلمة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو بن حرام: "اجمعوا بينهما، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا". قال أبي: فحدثني أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء استصرخنا عليهم وقد انفجرت عليهما في قبرهما, فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما، وعلى أقدامهما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 429 شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان كأنما دفنا بالأمس. وهذا هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السلمي, سيد بني سلمة قال ابن سعد وغيره: شهد بدرا. وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي قطع رجل أبي جهل وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ. وكان عمرو بن الجموح زوج أخت عبد الله بن عمرو بن حرام. ثابت البناني، عن عكرمة قال: كان مناف في بيت عمرو بن الجموح فلما قدم مصعب بن عمير المدينة بعث إليهم عمرو: ما هذا الذي جئتمونا به؟ قالوا: إن شئت جئنا وأسمعناك، فواعدهم فجاءوا فقرأ عليه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1] فقرأ ما شاء الله أن يقرأ، فقال: إن لنا مؤامرة في قومنا -وكان سيد بني سلمة- فخرجوا، فدخل على مناف، فقال: يا مناف! تعلم والله ما يريد القوم غيرك فهل عندك من نكير؟ قال: فقلده سيفا وخرج فقام أهله فأخذوا السيف فجاء فوجدهم أخذوا السيف، فقال: يا مناف أين السيف ويحك، إن العنز لتمنع استها، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير. ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا فذهب فكسروا مناف وربطوه مع كلب ميت. فلما جاء رأى مناف, فبعث إلى قومه فجاءوه، فقال: ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا: بلى، أنت سيدنا. قال: فإني أشهدكم أني قد آمنت بمحمد فلما كان يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض". فقام وهو أعرج، فقاتل حتى قتل. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 430 أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عمرو بن الجموح". وروى محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، وروى فطر بن خليفة, عن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني سلمة من سيدكم؟ قالوا: الجد بن قيس، وإنا لنبخله، قال: وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح. وقد قال الواقدي: لم يشهد بدرا, ولما أراد الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا: قد عذرك الله وبك عرج، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "أما أنت فقد عذرك الله". وقال لبنيه: "لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة". فخرج فاستشهد هو وابنه خلاد. إسرائيل عن سعيد بن مسروق, عن أبي الضحى, أن عمرو بن الجموح قال لبنيه: منعتموني الجنة يوم بدر والله لئن بقيت لأدخلن الجنة. فكان يوم أحد في الرعيل الأول. وقال حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد وذلك حين أجرى معاوية العين فأتيناهم فأخرجناهم تتثنى أطرافهم رطابا، على رأس أربعين سنة. قال حماد: وزادني صاحب لي في الحديث: أصاب قدم حمزة فانثعب دما. وقال ابن عيينة عن الأسود، عن نبيح العنزى، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم. وقال أبو عوانة: حدثنا الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المشركين لقتالهم فقال لي أبي: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 431 ما عليك أن تكون في النظارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا, فوالله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا، فجاء رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها فبينما أنا في خلافة معاوية، إذ جاءني رجل فقال: يا جابر، قد والله أثار أباك عمال معاوية فبدت طائفة منه قال: فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته لم يتغير منه شيء إلا ما لم يدع القتيل، فواريته. وقال حسين المعلم، عن عطاء عن جابر، قال: لما حضر أحد قال أبي: ما أراني إلا مقتولا، وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دينا فاقض واستوص بأخواتك خيرا فأصبحنا فكان أول قتيل فدفنت معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه. أخرجه البخاري. وقال الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. أخرجه البخاري عن قتيبة عن الليث عنه. وقال أيوب، عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: قالوا يوم أحد: يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر؟ قال: "احفروا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 432 وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا". ومنهم من يقول: حميد بن هلال، عن سعيد بن هشام بن عامر، عن أبيه. وقال شعبة, عن ابن المنكدر: سمعت جابرا يقول: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه، وجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقال: "لا تبكيه -أو- ما تبكيه، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه". أخرجاه. وأخرج البخاري من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد, ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد. وقال علي بن المديني: حدثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري، سمع طلحة بن خراش، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: نظر إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما لي أراك مهتما"؟. قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا، فقال: "ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا, فقال له: يا عبدي سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال يا رب فأبلغ من ورائي". فأنزل الله -عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] . ويروى نحوه عن عروة، عن عائشة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 433 وكان أبو جابر من سادة الأنصار شهد بدرا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وأمه الرباب بنت قيس من بني سلمة شهد معه العقبة ولده جابر. وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن جده، قال: أتي ابن عوف بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير -وكان خيرا مني- فلم يوجد له إلا بردة يكفن فيها، ما أظننا إلا قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. أخرجه البخاري. وقال الأعمش عن أبي وائل عن خباب قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله فمنا من ذهب لم يأكل من أجره، وكان منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، ولم يكن له إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر". ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: كانت امرأة من الأنصار من بني دينار قد أصيب زوجها وأخوها يوم أحد فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا، يا أم فلان. فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشاروا لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 434 جلل؛ أي: هين. ويكون في غير ذا بمعنى عظيم. وعن أبي برزة أن جليبيبا كان من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل: "زوجني ابنتك" قال: نعم ونعمة عين. قال: "لست أريده لنفسي" قال: فلمن؟ قال: "لجليبيب" قال: حتى أستأمر أمها. فأتاها فأجابت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنما يريد ابنتك لجليبيب. قالت: ألجليبيب؟ لا لعمر الله لا أزوجه فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني؟ قالا: رسول الله. قالت: أفتردون عليه أمره؟ ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شأنك بها فزوجها جليبيبا، ودعا لهما. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال: "هل تفقدون من أحد"؟. قالوا: نفقد فلانا ونفقد فلانا قال: "لكني أفقد جليبيبا". فاطلبوه, فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا مني وأنا منه قتل سبعة ثم قتلوه". فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له، ماله سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره. قال ثابت البناني: فما في الأنصار أنفق منها. أخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة. وقال الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] ، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 435 قال: فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: سلوني ما شئتم. فقالوا: يا ربنا وما نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟ فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا. قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك. فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا، تركوا. أخرجه مسلم. وقال عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزلت: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] ". وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر أصحاب أحد: "أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب نحص الجبل". يقول: قتلت معهم. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فرطكم وأنا شهيد عليكم" الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 436 الحديث أخرجه البخاري. وروى العطاف بن خالد: حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد. وروى عبد العزيز بن عمران بن موسى, عن عباد بن أبي صالح، عن أبيه, عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء، فإذا أتى فرضة الشعب يقول: "السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار". وكان يفعله أبو بكر ثم عمر بعده ثم عثمان. وذكر نحو هذا الحديث الواقدي في "مغازيه" بلا سند. وقال أبو حسان الزيادي: ومات في شوال يوم جمعة عمرو بن مالك الأنصاري أحد بني النجار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فصلى عليه في موضع الجبان. وكان أول من فعل به ذلك. غزوة حمراء الأسد: قال ابن إسحاق: فلما كان الغد من يوم الأحد يعني صبيحة وقعة أحد؛ أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لطلب العدو، وأذن مؤذنه: "لا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس". وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في أثرهم وليظنوا به قوة. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة قال: قدم رجل فاستخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 437 يقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكة القوم وحدهم، ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه -وبهم أشد القرح- بطلب العدو، ليسمعوا بذلك. وقال: "لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال". فقال عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: لا. فاستجابوا لله والرسول على ما بهم من البلاء. فانطلقوا، فطلبهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ حمراء الأسد. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان؛ أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل قال: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين, فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي، فقال لي: تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ووالله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح. فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جراحة منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاث ثم رجع. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: يابن أختي كان أبواك تعني -الزبير وأبا بكر- من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح قال: لما انصرف المشركون من أحد وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا فقال: "من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة"؟. قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين خرجوا في آثار القوم فسمعوا بهم وانقلبوا بنعمة من الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 438 وفضل لم يمسسهم سوء قال: لم يلقوا عدوا. أخرجاه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن معبدا الخزاعي مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، صفوهم معه لا يخفون عليه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك فقال: يا محمد، والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة وقالوا: أصبنا حد أصحاب محمد وقادتهم, ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكون على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك؟ قال: محمد قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم. قال: فإني أنهاك ذاك، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا. قال: وما قلت؟ قال: كادت تهدمن الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردي بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللقاء ولا ميل معازيل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 439 فظلت عدوا أظن الأرض مائلة ... لما سموا برئيس غير مخذول فقلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل إني نذرت لأهل البسل ضاحية ... لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر ركب من عبد القيس، فقال أبو سفيان: أين تريدون؟ قالوا: المدينة لنمتار. فقال: أما أنتم مبلغون عني محمدا رسالة، وأحمل لكم على إبلكم هذه زبيبا بعكاظ غدا إذا وافيتموه؟ قالوا: نعم. قال: إذا جئتم محمدا فأخبروه أنا قد أجمعنا الرجعة إلى أصحابه لنستأصلهم. فلما مر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد أخبروه, فقال هو والمسلمون: "حسبنا الله ونعم الوكيل". فأنزلت: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173] الآيات. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: وكان عبد الله بن أبي بن سلول، كما حدثني الزهري، له مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه. فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به، فعزروه وانصروه واسمعوا له وأطيعوا. ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع الناس، قام يفعل كفعله، فأخذ المسلمون ثيابه من نواحيه، وقالوا: اجلس أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 440 صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس ويقول: والله لكأني قلت هجرا أن قمت أشد أمره. فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ما لك؟ ويلك! قال: قمت أشد أمره فوثب عليَّ رجال من أصحابه يجبذونني ويعنفونني، لكأنما قلت هجرا. قال: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله ما أبغي أن يستغفر لي. فائدة: قال الواقدي: حدثنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه وحدثنا سعيد بن محمد بن أبي زيد، قال: حدثنا يحيى بن عبد العزيز بن سعيد، قالوا: كان سويد بن الصامت قد قتل ذيادا، فقتله به المجذر بن ذياد, فهيج بقتله وقعة بعاث. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم المجذر، والحارث بن سويد بن الصامت، فشهدا بدرا. فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه. فلما كان يوم أحد أتاه من خلفه فقتله. فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل فأخبره بأنه قتل مجذرا. فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فأتاه الحارث بن سويد في ملحفة مورسة. فلما رآه دعا عويم بن ساعدة وقال: "اضرب عنق الحارث بمجذر بن ذياد". فقال: والله ما قتلته رجوعا عن الإسلام ولكن حمية، وإني أتوب إلى الله وأخرج ديته وأصوم وأعتق وجعل يتمسك بركاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن فرغ من كلامه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قدمه يا عويم فاضرب عنقه". فضرب عنقه على باب المسجد، والله أعلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 441 السنة الرابعة من الهجرة: سرية أبي سلمة إلى قطن في أولها: قال الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد اليربوعي، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد، وغيره، قالوا: شهد أبو سلمة أحدا، وكان نازلا في بني أمية بن زيد بالعالية، حين تحول من قباء فجرح بأحد، وأقام شهرا يداوي جرحه. فلما كان هلال المحرم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها". وعقد له لواء وقال: "سر حتى تأتي أرض بني أسد فأغر عليهم". وكان معه خمسون ومائة، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى قطن -ماء من مياههم- فيجدون سرحا لبني أسد، فأغاروا عليه وأخذوا مماليك ثلاثة، وأفلت سائرهم. ثم رجع إلى المدينة فغاب بضع عشرة ليلة. قال عمر بن عثمان: فحدثني عبد الملك بن عبيد، قال: لما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 443 دخل أبو سلمة المدينة انتقض جرحه، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة. غزوة الرجيع: وهي في صفر من السنة الرابعة، فيما ورخه الواقدي، وقال: هي على سبعة أميال من عسفان. فحدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع عيونا إلى مكة ليخبروه. قال إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: أخبرني عمر بن أسيد بن جارية الثقفي، أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري, فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة؛ بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام. فاقتصوا آثارهم, حتى وجدوا مأكلهم التمر، فقالوا: نوى يثرب، فاتبعوا آثارهم. فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى قردد، أي: فدفد من الأرض فأحاط بهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 444 القوم، فقالوا لهم: انزلوا -فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة مشرك, اللهم أخبر عنا نبيك. فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة من أصحابه، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق: خبيب، وزيد بن الدثنة، وآخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها, فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى فجروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب، وزيد، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر. فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا. وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. وفائدة: قال الدمياطي: هذا وهم، ما شهد خبيب بن عدي الأوسي بدرا ولا قتل الحارث بن عامر، إنما الذي شهدها وقتله هو خبيب بن أساف الخزرجي. رجعٌ, قال: فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها للقتل فأعارته. فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، فقالت: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد رأيته، أو وجدته، يأكل قطفا من عنب وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم: دعوني أركع ركعتين. فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من القتل لزدت، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، وقال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 445 فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قال إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سن لكل مسلم، قتل صبرا، الصلاة. واستجاب الله لعاصم يوم أصيب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت ليؤتوا منه بشيء يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة، وغير واحد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت وأصحابه عينا له، فسلكوا النجدية، حتى إذا كانوا بالرجيع فذكروا القصة. قال موسى: ويقال: كان أصحاب الرجيع ستة منهم: عاصم وخبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق -حليف لبني ظفر- وخالد بن البكير الليثي، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي؛ حليف حمزة. وساق حديثهم. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن نفرا من عضل والقارة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أحد، فقالوا: إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك ليفقهونا في الدين الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 446 ويقرئونا القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم خبيب بن عدي. قال ابن إسحاق: بعث معهم ستة، أمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي. وسماهم كما قال موسى. قال ابن إسحاق: فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع -ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدء- غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم. فقالوا لهم: والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم. أما مرثد، وعاصم، وابن البكير فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا. وأرادت هذيل أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد، لئن قدرت على عاصم لتشربن في قفحه الخمر، فمنعته الدبر، فانتظروا ذهابها عنه، فأرسل الله الوادي فحمل عاصما فذهب به. وقد كان عاصم أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا. وأسروا خبيبا وابن الدثنة وعبد الله بن طارق ثم مضوا بهم إلى مكة ليبيعوهم، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بالظهران. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى, عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عقبة بن الحارث سمعته يقول: ما أنا والله قتلت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 447 خبيبا، لأنا كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة، ثم طعنه بها حتى قتله. ثم ذكر ابن إسحاق أن خبيبا قال: لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وكلهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق مضيع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ببلقع ووالله لم أحفل إذا مت مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولاجزعا إني إلى الله مرجعي وقال يونس بن بكير، وجعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه حدثه عن جده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه عينا؛ قال: فجئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون، فأطلقته فوقع بالأرض، ثم اقتحمت فانتبذت قليلا، ثم التفت فلم أر خبيبا، فكأنما ابتلعته الأرض. زاد جعفر بن عون: فلم تذكر لخبيب رمة حتى الساعة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 448 غزوة بئر معونة: قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر، على رأس أربعة أشهر من أحد. وقال موسى بن عقبة قال الزهري: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، ورجال من أهل العلم، أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأبى أن يسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فقال: "إني لا أقبل هدية مشرك". فقال: ابعث معي من شئت من رسلك، فأنا لهم جار، فبعث رهطا، فيهم المنذر بن عمرو الساعدي؛ وهو الذي يقال له: أعنق ليموت، بعثه عينا له في أهل نجد، فسمع بهم عامر بن الطفيل، فاستنفر بني عامر، فأبوا أن يطيعوه، فاستنفر بني سليم فنفروا معه، فقتلوهم ببئر معونة، غير عمرو بن أمية الضمري، فإنه أطلقه عامر بن الطفيل، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: حدثني والدي، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وغيرهما، قالوا: قدم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، وقال: يا محمد لو بعثت معي رجالا من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. قال: أخشى عليهم أهل نجد قال أبو البراء: أنا لهم الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 449 جار فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا، فيهم الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان؛ أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ورافع بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، في رجال من خيار المسلمين، فساروا حتى نزلوا بئر معونة، بين أرض بني عامر وحرة بني سليم. ثم بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلم ينظر في الكتاب حتى قتل الرجل ثم استصرخ بني سليم فأجابوه وأحاطوا بالقوم فقاتلوهم حتى استشهدوا كلهم إلا كعب بن زيد، من بني النجار تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق. وكان في سرح القوم عمرو بن أمية ورجل من الأنصار، فلم يخبرهما بمصاب القوم إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا، فأقبلا فنظرا، فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاري لعمرو: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الأنصاري: لكني لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال. وقاتل حتى قتل وأسروا عمرا. فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه. فلما كان بالقرقرة أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو. حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره، فقال: "قد قتلت قتيلين، لأدينهما". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا". فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر أبا براء، فحمل ربيعة ولد أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه في فخذه فأشواه، فوقع من فرسه, وقال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 450 هذا عمل أبي براء؛ إن مت فدمي لعمي فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي. وقال موسى بن عقبة: ارتث في القتلى كعب بن زيد، فقتل يوم الخندق. وقال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس أن ناسا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلموننا القرآن، والسنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء، وفيهم خالي حرام بن ملحان، يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعون ويشترون به الطعام لأهل الصفة، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم, فتعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان قالوا: اللهم بلغ عنا نبيك أن قد لقيناك فرضيت عنا ورضينا عنك قال: وأتى رجل خالي من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إن إخوانكم قد قتلوا وقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أن قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا". رواه مسلم. وقال همام وغيره، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما في سبعين رجلا فقتلوا يوم بئر معونة وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: أن يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء، قال: فطعن في بيت امرأة من بني فلان فقال: غدة كغدة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 451 البكر في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي، فركبه فمات على ظهر فرسه وانطلق حرام ورجلان معه أحدهما أعرج فقال: كونا قريبا مني حتى آتيهم فإن آمنوني كنت كفوا، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم. فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجعل يحدثهم، وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه, قال همام وأحسبه قال: فزت ورب الكعبة قال: وقتل كلهم إلا الأعرج، كان في رأس الجبل. قال أنس: أنزل علنيا، ثم كان من المنسوخ، "إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضيناه" فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية عصت الله ورسوله. أخرجه البخاري، وقال: ثلاثين صباحا، وهو الصحيح. وروى نحوه قتادة, وثابت وغيرهما، عن أنس. وبعضهم يختصر الحديث، وفي بعض طرقه: سبعين صباحا. قال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، قال: كتب أنس في أهله كتابا فقال: اشهدوا معاشر القراء فكأني كرهت ذلك فقلت: لو سميتم بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال: وما بأس أن أقول لكم معاشر القراء, أفلا أحدثكم عن إخوانكم الذين كنا ندعوهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء؟ قال: فذكر أنس سبعين من الأنصار كانوا إذا جهم الليل أووا إلى معلم بالمدينة فيبيتون يدرسون، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوة أصاب من الحطب واستعذب من الماء ومن كانت عنده سعة أصابوا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 452 الشاة فأصلحوها، فكان معلقا بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصيب خبيب بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيهم خالي حرام فأتوا على حي من بني سليم فقال حرام لأميرهم: دعني فلأخبر هؤلاء أنا ليس إياهم نريد فيخلون وجوهنا. فأتاهم فقال ذلك، فاستقبله رجل منهم برمح فأنفذه به. قال: فلما وجد حرام مس الرمح قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. قال: فانطووا عليهم فما بقي منهم مخبر. قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على شيء وجده عليهم. فقال أنس: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم, فلما كان بعد ذلك، إذا أبو طلحة يقول: هل لك في قاتل حرام؟ قلت: ما له، فعل الله به وفعل. فقال: لا تفعل، فقد أسلم. وقال أبو أسامة: حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة، أخي عائشة لأمها؛ وكانت لأبي بكر منحة، فكان يروح بها ويغدو، ويصبح فيدلج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء، ثم خرج بهما يعقبانه حتى قدم المدينة معهما. فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، وأسر عمرو بن أمية. فقال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ وأشار إلى قتيل قال: هذا عامر بن فهيرة فقال: لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. قال ابن إسحاق: فقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 453 بني أم البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أجدثت في الحدثان بعدي أبوك أبو الحروب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد ذكر الخلاف في غزوة بني النضير, وقد تقدمت في سنة ثلاث: ذهب الزهري إلى أنها كانت قبل أحد وقال غير واحد: كانت بعد أحد، وبعد بئر معونة. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين بن البن، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا أبو القاسم المصيصي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر، قال: أخبرنا علي بن أبي العقب، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم, قال: حدثنا محمد بن عائذ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين. وكانوا -زعموا- قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحضونهم على القتال ودلوهم على العورة فلما كلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقل الكلابيين، قالوا: اجلس أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك. ثم ساق الحديث كله، وتقدم ذكره. وقال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: لما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 454 خرجت بنو النضير أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم، فرأى خرابها وفكر ثم رجع إلى بني قريظة فيجدهم في الكنيسة فينفخ في بوقهم، فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا: يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم؟ وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية, قال: رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع، قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذل. ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة. فقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزهم، بيته في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم جد يهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج منهم إنسان رأسه حتى سباهم، وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم قد رأيتم ما رأيت فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا، فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي، وقد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان وابن جواس، وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكفان قدومه، أمرا باتباعه، وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما، فأسكت القوم، فأعاد هذا القول ونحوه، وتخوفهم بالحرب والسباء والجلاء. فقال ابن باطا: قد والتوراة قرأت صفته التي أنزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا. فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه؟ قال: أنت. قال كعب: ولم -والتوراة- ما حلت بينك وبينه قط. قال الزبير: أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتبعته اتبعناه وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فذكر ما تقاولا في ذلك، إلى أن قال كعب: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصبر تابعا. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 455 وقال ابن إسحاق: كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة أربع وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ست ليال، ونزل تحريم الخمر، والله أعلم. غزوة بني لحيان: قال ابن إسحاق: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأول، على رأس ستة أشهر من صلح بني قريظة إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع: خبيب وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم، وغيره، قالوا: لما أصيب خبيب وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبا لدمائهم ليصيب من بني لحيان غرة، فسلك طريق الشام وورَّى على الناس أنه لا يريد بني لحيان، حتى نزل أرضهم -وهم من هذيل- فوجدهم قد حذروا فتمنعوا في رءوس الجبال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش أنا قد جئنا مكة". فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين حتى جاءا كراع الغميم ثم انصرفا إليه. فذكر أبو عياش الزرقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان صلاة الخوف. وقال بعض أهل المغازي: إن غزوة بني لحيان كانت بعد قريظة، فالله أعلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 456 غزوة ذات الرقاع: قال ابن إسحاق: إنها في جمادى الأولى سنة أربع، وهي غزوة خصفة من بني ثعلبة من غطفان. وقال محمد بن إسماعيل رحمه الله: كانت بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر، يعني وشهدها قال: وإنما جاء أبو هريرة فأسلم أيام خيبر. وقال ابن إسحاق: في هذه الغزوة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل نخلا، فلقي بها جمعا من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب. وقد خاف الناس بعضهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف ثم انصرف بالناس. وقال الواقدي: إنما سميت ذات الرقاع لأنه جبل كان فيه بقع حمرة وسواد وبياض، فسمي ذات الرقاع. قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من المحرم، على رأس سبعة وأربعين شهرا، قدم صرارا لخمس بقين من المحرم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 457 وذات الرقاع قريبة من النخيل بين السعد والشقرة. قال الواقدي: فحدثني الضحاك بن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، وحدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن جابر، قال: وعن مالك، وغيره، عن وهب بن كيسان، عن جابر، قال: قدم قادم بجلب له، فاشترى بسوق النبط، وقالوا: من أين جلبك؟ قال: جئت به من نجد، وقد رأيت أنمارا وثعلبة قد جمعوا لكم جموعا، وأراكم هادين عنهم. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، فخرج في أربعمائة من أصحابه -وقيل سبعمائة- وسلك على المضيق ثم أفضى إلى وادي الشقرة، فأقام بها يوما، وبث السرايا، فرجعوا إليه مع الليل وأخبروه أنهم لم يروا أحدا، وقد وطئوا آثارا حديثة. ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، حتى أتى محالهم، فإذا ليس فيها أحد، وهربوا إلى الجبال، فهم مطلون على النبي صلى الله عليه وسلم. وخاف الناس بعضهم بعضا. وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف. وقال عبد الملك بن هشام: وإنما قيل لها ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم. قال: ويقال ذات الرقاع شجرة هناك والظاهر أنهما غزوتان. وقال شعيب، عن الزهري: حدثني سنان بن أبي سنان الدؤلي، وأبو سلمة, عن جابر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل قفل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 458 معه، فأدركته القائلة في واد كثير العِضَاه، فنزل وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، وقال هو تحت شجرة فعلق بها سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله. فشام السيف وجلس". فلم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل ذلك. متفق عليه. وشام: أغمد. قال أبو عوانة، عن أبي بشر: اسم الأعرابي "غورث بن الحارث". ثم روى أبو بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر، قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب بن خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ قال: "الله". قال: فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من يمنعك مني"؟. قال: كن خير آخذ. قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله"؟. قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس ثم ذكر صلاة الخوف، وأنه صلى بكل طائفة ركعتين وهذا حديث صحيح إن شاء الله. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف، فلما قف رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت الرفاق الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 459 تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا جابر؟ قلت: يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا. قال: أنخه وساق قصة الجمل. غزوة بدر الموعد: قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، وروى عن عروة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا. وكان أهلا للصدق والوفاء صلى الله عليه وسلم، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم، وقالوا: قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم مثل الليل من الناس، يرجون أن يوافقوكم فيتنهبوكم، فالحذر الحذر لا تغدوا. فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لله ولرسوله وخرجوا ببضائع لهم، وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. وكان بدر متجرا يوافى في كل عام. فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر، فقضوا منه حاجتهم، وأخلف أبو سفيان الموعد، فلم يخرج هو ولا أصحابه. وأقبل رجل من بني ضمرة، بينه وبين المسلمين حلف، فقال: والله إن كنا لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعملكم إلى أهل هذا الموسم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد أن يبلغ ذلك عدوه من قريش: "أعملنا إليه موعد أبي سفيان وأصحابه وقتالهم، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك حلفهم ثم جالدناكم". فقال الضمري: معاذ الله. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 460 قال: وذكروا أن ابن الحمام قدم على قريش، فقال: هذا محمد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم فقال أبو سفيان: قد والله صدق فنفروا وجمعوا الأموال فمن نشط منهم قووه، ولم يقبل من أحد منهم دون أوقية ثم سار حتى أقام بمجنة من عسفان ما شاء الله أن يقيم، ثم ائتمر هو وأصحابه، فقال أبو سفيان: ما يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه السمر وتشربون من اللبن، ثم رجع إلى مكة، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، وكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السويق. وكانت في شعبان سنة أربع. وقال الواقدي: كانت بدر الموعد، وتسمى بدر الصغرى, لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره -عليه الصلاة والسلام- وأنه خرج في ألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان موسم بدر يجتمع فيه العرب لهلال ذي القعدة إلى ثامنه. فأقام بها المسلمون ثمانية أيام وباعوا بضائع، فربح الدرهم درهما، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 461 غزوة الخندق: قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع. وقال ابن إسحاق: كانت في شوال سنة خمس. فالله أعلم. ويقوي الأول قول ابن عمر: إنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، فلم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه لكن هذه التقوية مردودة بما سنذكره في سنة خمس، إن شاء الله تعالى. وفيها: توفي عبد الله ابن رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو عثمان -رضي الله عنه- عن ست سنين ونزل أبوه في حفرته. وفيها: في شعبان ولد الحسين بن علي -رضي الله عنهما. وفيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وأصحابه. وقد ذكروا. وكنية عاصم: أبو سليمان، واسم جده أبي الأقلح: قيس بن عصمة من بني عمرو بن عوف، ومن ذريته الأحوص الشاعر ابن عبد لله بن محمد بن عاصم بن ثابت. وكان عاصم من الرماة المذكورين، ثبت يوم أحد وقتل غير واحد، وشهد بدرا. وقتل يوم بئر معونة من الصحابة: عامر بن فهيرة مولى الصديق -رضي الله عنه- وكان من سادة المهاجرين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 462 ومن قريش: الحكم بن كيسان المخزومي، ونافع بن بديل بن ورقاء السهمي. وقتل يومئذ من الأنصار: الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول أبو سعد. فعن محمد بن إبراهيم التيمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الحارث بن الصمة وصهيب. وقال الواقدي: شهد الحارث أحدا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة. وعن المسور بن رفاعة أن الحارث خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فكسر بالروحاء، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وضرب له بسهمه وأجره قال ابن سعد: وله ذرية بالمدينة وبغداد. حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، شهد بدرا، وهو أخو أم سليم, قال لما طعن يوم بئر معونة: فزت ورب الكعبة، رحمه الله ورضي عنه. عطية بن عمرو، من بني دينار. وهذا لم أره في الصحابة لابن الأثير. المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود الساعدي، أحد النقباء ليلة العقبة. شهد بدرا وأحدا. وخنيس هو المعروف بالمعنق ليموت. أنس بن معاوية بن أنس، أحد بني النجار. أبو شيخ بن ثابت بن المنذر، وسهل بن سعد، من بني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 463 النجار كلاهما. معاذ بن ناعض الزرقي، بدري. عروة بن الصلت السلمي حليف الأنصار. مالك بن ثابت، وأخوه: سفيان كلاهما من بني النبيت. فهؤلاء الذين حفظت أسماؤهم من الشهداء السبعين الذين صح أنه نزل فيهم: "بلغو عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" ثم نسخت. وقيل: بل كانوا اثنين وعشرين راكبا. ولعل الراوي عد الركاب دون الرجالة. أخبرنا إسماعيل بن أبي عمرو، أخبرنا ابن البن، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا ابن أبي العلاء، قال: أخبرنا ابن أبي نصر، قال: أخبرنا ابن أبي العقب، قال: أخبرنا أحمد بن البسري، قال: حدثنا محمد بن عائذ، قال: أخبرني حجوة بن مدرك الغساني، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث عامر بن مالك ملاعب الأسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث إليَّ رهطا ممن معك يبلغوني عنك وهم في جواري. فأرسل إليه المنذر بن عمرو -رضي الله عنه- في اثنين وعشرين راكبا، فلما أتوا أداني أرض بني عامر بعث أربعة ممن معه إلى بعض مياههم، أو قال إلى بعضهم قال: وسمع عامر بن الطفيل فأتاهم فقاتلهم فقتلهم قال: ورجع الأربعة رهط الذين كان وجه بهم المنذر، فلما دنوا إذا هم بنسور تحوم، قالوا: إنا لنرى نسورا تحوم، وإنا نرى أصحابنا قد قتلوا. فلما أتوهم قال رجلان منهم: لا نطلب الشهادة بعد اليوم، فقاتلا حتى قتلا. ورجع الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 464 الرجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيا رجلين من بني عامر فسألاهما ممن هما فأخبراهما فقتلاهما وأخذا ما معهما, وأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه خبر أصحابهم وخبر الرجلين العامريين، وأتياه بما أصاب لهما. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حلتين كان كساهما، فقال: "قد كانا منا في عهد". فوداهما إلى قومهما دية الحرين المسلمين. وقال حسان بعد موت عامر بن مالك يحرض ابنه ربيعة: بني أم البنين ألم يرعكم فذكر الأبيات. فقال ربيعة: هل يرضى مني حسان طعنة أطعنها عامرا؟ قيل: نعم, فشد عليه فطعنه فعاش منها. وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة القيسية الهوازنية العامرية الهلالية -رضي الله عنها- وكانت تسمى أم المساكين لإحسانها إليهم، تزوجت أولا بالطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف -رضي الله عنه- ثم طلقها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- فاستشهد يوم بدر، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاثة، ومكثت عنده على الصحيح ثمانية أشهر، وقيل: كانت وفاتها في آخر ربيع الآخر، وصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع، ولها نحو ثلاثين سنة. وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية واسمه حذيفة، وقيل: سهيل، ويدعى زاد الراكب؛ ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، وكانت قبله عند ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمه برة بنت عبد المطلب، وهاجر بها إلى الحبشة فولدت له هناك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 465 زينب، وولدت له سلمة وعمر ودرة، وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما وحمزة ثويبة مولاة أبي لهب، ويقال: إنه كان أسلم بعد عشرة أنفس، وكان أول من هاجر إلى الحبشة، ثم كان أول من هاجر إلى المدينة، ولما عبر إلى الله كان الذي أغمضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا له، وكان قد جرح بأحد جرحا، ثم انتقض عليه، فمات منه في جمادى الآخرة سنة أربع. فلما توفي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، حين حلت في شوال، وكانت من أجمل النساء؛ وهي آخر نسائه وفاة. ثم تزوج بعدها بأيام يسيرة، بنت عمته أم الحكم؛ زينب بنت جحش بن رئاب الأسدي، وكان اسمها برة فسماها زينب. وكانت هي وإخوتها من المهاجرين، وأمهم أميمة بنت عبد المطلب، وهي التي نزلت هذه الآية فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ، وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من السماء. وفيها نزلت آية الحجاب، وتزوجها وهي بنت خمس وثلاثين سنة. وفي هذه السنة رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية اللذين زنيا. وفيها توفيت أم سعد بن عبادة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في بعض مغازيه, ومعه ابنها سعد، قال قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بعد أشهر، والله أعلم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 466 السنة الخامسة من الهجرة: غزوات ذات الرقاع، وغزوة دُومة الجندل بضم الدال غزوة ذات الرقاع: خرج لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من المحرم. قاله الواقدي كما تقدم. وقال ابن إسحاق: إنها في جمادى الأولى سنة أربع. غزوة دُومة الجندل: وهي بضم الدال: قيل سميت بدومى بن إسماعيل -عليه السلام- لكونها كانت منزله. ودَومة بالفتح موضع آخر. وهذه الغزوة كانت في ربيع الأول. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها، ولم يلق كيدا. وقال المدائني: خرج صلى الله عليه وسلم في المحرم، يريد أكيدر دومة، فهرب أكيدر، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز, عن عبد الله بن أبي بكر وغيرهما، قالوا: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرب إلى الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 467 أدنى الشام ليرهب قيصر, وذكر له أن بدومة الجندل جمعا عظيما يظلمون من مر بهم وكان بها سوق وتجار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف يسير الليل ويكمن النهار، ودليله مذكور العذري، فنكب عن طريقهم، فلما كان بينه وبين دومة يوم قوي، قال له: يا رسول الله إن سوائمهم ترعى عندك، فأقم حتى أنظر. وسار مذكور حتى وجد آثار النعم، فرجع وقد عرف مواضعهم، فهجم بالنبي صلى الله عليه وسلم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب، وجاء الخبر إلى دومة فتفرقوا، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم. وهي تبعد عن المدينة ستة عشر يوما، وبينها وبين دمشق خمس ليال للمجد، وبينها وبين الكوفة سبع ليال، وهي أرض ذات نخل، يزرعون الشعير وغيره، ويسقون على النواضح وبها عين ماء. غزوة المريسيع: وتسمى غزوة بني المصطلق، كانت في شعبان سنة خمس على الصحيح, بل المجزوم به. قال الواقدي: استخلف النبي صلى الله عليه وسلم فيها على المدينة زيد بن حارثة. فحدثني شعيب بن عباد عن المسور بن رفاعة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. وقال يونس بن بكير: قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر، قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية أم المؤمنين، فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالمريسيع، ماء من مياههم؛ فأعدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتزاحف الناس فاقتتلوا، فهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل نساءهم وأبناءهم وأموالهم، وأقام عليهم من ناحية قديد والساحل. وقال الواقدي، عن معمر وغيره: أن بني المصطلق من خزاعة كانوا ينزلون ناحية الفرع، وهم حلفاء بني مدلج، وكان رأسهم الحارث بن أبي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 468 ضرار، وكان قد سار في قومه ومن قدر عليه، وابتاعوا خيلا وسلاحا، وتهيئوا للمسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض، عن أبيه, عن جدته، وهي مولاة جويرية, سمعت جويرية تقول: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به. قالت: وكنت أرى من الناس والخيل والعدة ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنه رعب من الله، وكان رجل منهم قد أسلم يقول: لقد كنا نرى رجالا بيضا على خيل بلق، ما كنا نراهم قبل ولا بعد. قال الواقدي: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، وضربت له قبة من أدم، ومعه عائشة وأم سلمة، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم أمر عمر فنادى فيهم، قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر، فأبوا. فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنبل، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحملوا، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 469 فحملوا، فما أفلت منهم إنسان، فقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، وقتل من المسلمين رجل واحد. وقال ابن عون: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب: إنما كان ذلك في أول الإسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم، فأصاب يومئذ -أحسبه قال: جويرية- وحدثني ابن عمر بذلك، وكان في ذلك الجيش. متفق عليه. وقال إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة الرأي، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، سمع أبا سعيد يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فسبينا كرائم العرب، وطالت علينا العزبة، ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون". متفق عليه، عن قتيبة عن إسماعيل. تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجويرية: وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 470 رأيتها فكرهتها، وقلت: سيري منها مثل ما رأيت. فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت فأعني فقال: "أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك". فقالت: نعم. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ الناس أنه قد تزوجها، فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، في قصة بني المصطلق: فبينا النبي صلى الله عليه وسلم مقيم هناك، إذ اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري أجير عمر، وسنان بن زيد. قال: فحدثني محمد بن يحيى أنهما ازدحما على الماء فاقتتلا، فقال سنان: يا معشر الأنصار وقال جهجاه: يا معشر المهاجرين وكان زيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبي، يعني: ابن سلول، فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من عنده من قومه، فقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم فسمعها زيد، فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم، وعنده عمر فأخبره الخبر فقال عمر: يا رسول الله مر عباد الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 471 بن بشر فليضرب عنقه فقال: "كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن ناد يا عمر في الرحيل". فلما بلغ ذلك ابن أبي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر، وحلف له بالله ما قال ذلك، وكان عند قومه بمكان. فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن يكون هذا الغلام أوهم وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها فلقيه أسيد بن حضير فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة فقال: "أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي"؟. فقال: يا رسول الله فأنت والله العزيز وهو الذليل. ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد استلبته ملكا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بقية يومه وليلته، حتى أصبحوا وحتى اشتد الضحى. ثم نزل بالناس بقية يومه وليلته، حتى أصبحوا وحتى اشتد الضحى. ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا. ونزلت سورة المنافقين. وقال ابن عيينة: حدثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابرا يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة". فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أو قد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال: وكانت الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك, فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه". متفق عليه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 472 وقال عبيد الله بن موسى: أخبرنا إسرائيل، عن السدي عن أبي سعيد الأزدي، قال: حدثنا زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معنا ناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء وكانت الأعراب يسبقوننا, فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه، فأتى أنصاري فأرخى زمام ناقته لتشرب فمنعه فانتزع حجرا فغاض الماء, فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي فأخبره فغضب, وقال: لا تنفقوا على من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينفضوا من حوله؛ يعني الأعراب وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منه الأذل. قال زيد: فسمعته فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف وجحد، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني فجاء إليَّ عمي فقال: ما أردت أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك المسلمون. فوقع عليَّ من الغم ما لم يقع على أحد قط فبينا أن أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد أو الدنيا. ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ما قال لي شيئا. فقال أبشر فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين حتى بلغ منها: {الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8] . وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: سمعت عبد الله بن أبي يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم وكذبني، فأصابني هم، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 473 الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] ، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليَّ، وقال: "إن الله صدقك يا زيد". أخرجه البخاري. وقال أنس بن مالك: زيد بن أرقم هو الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا الذي أوفى الله له بأذنه". أخرجه البخاري، من حديث عبد الله بن الفضل عن أنس. وقال الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت هذه الريح لموت منافق". قال: فقدم المدينة فإذا منافق عظيم قد مات. أخرجه مسلم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة قال: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عمان سرحوا ظهرهم، وأخذتهم ريح شديدة، حتى أشفق الناس منها، وقيل: يا رسول الله ما شأن هذه الريح؟ فقال: "مات اليوم منافق عظيم النفاق، ولذلك عصفت الريح وليس عليكم منها بأس إن شاء الله". وذلك في قصة بني المصطلق. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن شيوخه الذين روى عنهم قصة بني المصطلق، قالوا: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببقعاء من أرض الحجاز دون البقيع هبت ريح شديدة فخافها الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخافوا فإنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفر". فوجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات يومئذ، وكان من بني قينقاع، وكان قد أظهر الإسلام وكان كهفا للمنافقين. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 474 وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من بني المصطلق، أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبي، فقال: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالده مني، ولكني أخشى أن تأمر به رجلا مسلما فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله يمشي في الأرض حيا حتى أقتله، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا". والله أعلم. حديث الإفك: وكان في هذه الغزوة قال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر، والنعمان بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه. قالت: فأقرع بيننا في غزاة المريسيع، فخرج سهمي، فهلك فيَّ من هلك. وكذلك قال ابن إسحاق، والوقاد وغيرهما: أن حديث الإفك في غزوة المريسيع. وروي عن عباد بن عبد الله، قال: قلت يا أماه حدثيني حديثك في غزوة المريسيع. قرأت على أبي محمد عبد الخالق بن عبد السلام، ببعلبك، قال: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 475 أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الحق اليوسفي، قال: أخبرنا أبو سعد بن خشيش، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد، قال: أخبرنا ميمون بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لقد تحدث بأمري في الإفك واستفيض فيه وما أشعر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أناس من أصحابه، فسألوا جارية لي سوداء كانت تخدمني، فقالوا: أخبرينا ما علمك بعائشة؟ فقالت: والله ما أعلم منها شيئا أعيب من أنها ترقد ضحى حتى إن الداجن داجن أهل البيت تأكل خميرها. فأداروها وسألوها حتى فطنت، فقالت: سبحان الله، والذي نفسي بيده ما أعلم على عائشة إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. قالت: فكان هذا وما شعرت. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، أشيروا عليَّ في أناس أبنوا أهلي، وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قط، وأبنوهم بمن والله إن علمت عليه سوء قط، ولا دخل على أهلي إلا وأنا شاهد، ولا غبت في سفر إلا غاب معي". فقال سعد بن معاذ: أرى يا رسول الله أن تضرب أعناقهم. فقال رجل من الخزرج, وكانت أم حسان من رهطه، وكان حسان من رهطه: والله ما صدقت، ولو كان من الأوس ما أشرت بهذا. فكاد يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، ولا علمت بشيء منه، ولا ذكره لي ذاكر، حتى أمسيت من ذلك اليوم فخرجت في نسوة لحاجتنا، وخرجت معنا أم مسطح -بنت خالة أبي بكر- فإنا لنمشي ونحن عامدون لحاجتنا، عثرت أم مسطح فقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم، أتسبين ابنك؟ فلم تراجعني. فعادت ثم عثرت، فقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم, أتسبين ابنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم تراجعني. ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم, الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 476 أتسبين ابنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: والله ما أسبه إلا من أجلك وفيك. فقلت: وفي أي شأني؟ قالت: وما علمت بما كان؟ فقلت: لا، وما الذي كان؟ قالت: أشهد أنك مبرأة مما قيل فيك ثم بقرت لي الحديث، فلأكر راجعة إلى البيت ما أجد مما خرجت له قليلا ولا كثيرا. وركبتني الحمى فحممت فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألني عن شأني، فقلت: أجدني موعوكة، ائذن لي أذهب إلى أبوي. فأذن لي، وأرسل معي الغلام، فقال: "امش معها". فجئت فوجدت أمي في البيت الأسفل ووجدت أبي يصلي في العلو فقلت لها: أي أمه، ما الذي سمعت؟ فإذا هي لم ينزل بها من حيث نزل مني, فقالت: أي بنية وما عليك، فما من امرأة لها ضرائر تكون جميلة يحبها زوجها إلا وهي يقال لها بعض ذلك. فقلت: وقد سمعه أبي؟ فقالت: نعم. فقلت: وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكيت، فسمع أبي البكاء، فقال: ما شأنها؟ فقالت: سمعت الذي تحدث به. ففاضت عيناه يبكي, فقال: أي بنية، ارجعي إلى بيتك، فرجعت وأصبح أبواي عندي حتى إذا صليت العصر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بين أبوي، أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد يا عائشة إن كنت ظلمت أو أخطأت أو أسأت فتوبي وراجعي أمر الله واستغفري". فوعظني، وبالباب امرأة من الأنصار قد سلمت, فهي جالسة بباب البيت في الحجرة وأنا أقول: ألا تستحيي أن تذكر هذا, والمرأة تسمع, حتى إذا قضى كلامه قلت لأبي, وغمزته: ألا تكلمه؟ فقال: وما أقول له؟ والتفت إلى أمي فقلت: ألا تكلمينه؟ فقالت: وماذا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 477 أقول له؟ فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم: أن قد فعلت والله يشهد أني لبريئة ما فعلت لتقولن: قد باءت به على نفسها واعترفت به، ولئن قلت: لم أفعل والله يعلم أني لصادقة ما أنتم بمصدقي لقد دخل هذا في أنفسكم واستفاض فيكم، وما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف العبد الصالح؛ وما أعرف يومئذ اسمه: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] . ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي، فعرفت والله البشر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلم فمسح جبهته وجبينه ثم قال: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشد ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إياكما ولكني أحمد الله الذي برأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم. فقال الرجل الذي قيل له ما قيل، حين بلغه نزول العذر: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت قط كنف أنثى. وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر ينفق عليه, فحلف لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا. فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] ، فقال أبو بكر: بلى والله يا رب، إني أحب أن تغفر لي وفاضت عيناه فبكى رضي الله عنه. وهذا عال حسن الإسناد، أخرجه البخاري تعليقا؛ فقال: وقال أبو أسامة، عن هشام بن عروة فذكره. وقال الليث -واللفظ له- وابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أخبرني عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 478 وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله؛ وكل حدثني بطائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما نزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة, آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل, فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فالتمسته، وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي واحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش. فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. فأناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة, فهلك من هلك. وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 479 سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل عليَّ فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم"؟. ثم ينصرف. فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت يوما بعدما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع؛ وهو متبرزنا؛ وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: "كيف تيكم"؟. فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليكِ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر، إلا كثرن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم, ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار على رسول الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 480 الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال أسامة: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما عليٌّ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: "أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك"؟. قالت: لا, والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغنا أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت في أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي". فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج -وكان قبل ذلك رجلا صالحا- ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فبكيت يومي ذلك وليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع، حتى يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فجلست تبكي معي. فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 481 منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتشهد حين جلس ثم قال: "أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه". قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة, فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول له؟ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله. قالت: ما أدري ما أقول له؟ فقلت وأنا يومئذ حديثه السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة وأن الله يبرئني ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت: فوالله ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي ينزل عليه. فلما سري عنه وهو يضحك كان أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما والله لقد برأك الله. فقالت أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] ، العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 482 لقرابته وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] ، قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقالت: أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. متفق عليه من حديث يونس الأيلي. وقال أبو معشر: حدثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة، عن الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فذكر الحديث بطوله عن الأربعة عن عائشة، فقال الوليد: وما ذاك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة بني المصطلق فساهم بين نسائه، فخرج سهمي وسهم أم سلمة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولى كبره منهم عليٌّ. فقلت: لا, حدثني سعيد، وعروة, وعلقمة، وعبيد الله كلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي. فقال لي: فما كان جرمه؟ قلت: سبحان الله, أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 483 بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسيئا في أمري. أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، قالت: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة التي نزل بها عذري على الناس، نزل, فأمر برجلين وامرأة ممن كان تكلم بالفاحشة في عائشة, فجلدوا الحد. قال: وكان رماها ابن أبي، ومسطح، وحسان, وحمنة بنت جحش. وقال شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى, عن مسروق، قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة -رضي الله عنها- فشبب بأبيات له: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل قالت: لستَ كذلك. قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله -عز وجل: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] ، قالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: وكان صفوان بن المعطل قد كثر عليه حسان في شأن عائشة, وقال يعرِّض به: أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة، فضربه الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 484 بالسيف على رأسه، فيعدو عليه ثابت بن قيس، فجمع يديه إلى عنقه بحبل أسود, وقاده إلى دار بني حارثة، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ فقال: ما أعجبك! عدا على حسان بالسيف فوالله ما أراه إلا قد قتله. فقال: هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت به؟ فقال: لا. فقال: والله لقد اجترأت، خل سبيله فسنغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعلمه أمره فخل سبيله. فلما أصبحوا غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال: "أين ابن المعطل"؟. فقام إليه، فقال: ها أنذا يا رسول الله، فقال: "ما دعاك إلى ما صنعت"؟. قال: آذاني وكثَّر عليَّ ولم يرض حتى عرَّض بي في الهجاء، فاحتملني الغضب، وها أنذا، فما كان عليَّ من حق فخذني به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي حسان". فأتي به؛ فقال: "يا حسان! أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام". يقول: تنفست عليهم يا حسان! "أحسن فيما أصابك". فقال: هي لك يا رسول الله! فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين القبطية. فولدت له عبد الرحمن، وأعطاه أرضا كانت لأبي طلحة تصدق بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثني يعقوب بن عتبة، أن صفوان بن المعطل قال حين ضرب حسان: تلق ذباب السيف عنك فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر وقال حسان لعائشة -رضي الله عنها: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 485 رأيتك وليغفر لك الله حرة ... من المحصنات غير ذات غوائل حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل وإن الذي قد قيل ليس بلائق ... بك الدهر بل قيل امرئ متماحل فإن كنت أهجوكم كما بلغوكم ... فلا رفعت سوطي إلي أناملي فكيف وودي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل وإن لهم عزا يرى الناس دونه ... قصارا وطال العز كل التطاول منها: عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل استشهد صفوان في وقعة أرمينية سنة تسع عشرة. قاله ابن إسحاق. وعن عائشة قالت: لقد سألوا عن ابن المعطل فوجدوه حصورا ما يأتي النساء. ثم قتل بعد ذلك شهيدا. غزوة الخندق: قال الواقدي: وهي غزوة الأحزاب، وكانت في ذي القعدة. قالوا: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وخرج نفر من وجوههم إلى مكة فألبوا قريشا ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم على قتاله، وواعدوهم لذلك وقتا. ثم أتوا غطفان وسليما, فدعوهم إلى ذلك, فوافقوهم. وتجهزت قريش وجمعوا عبيدهم وأتباعهم، فكانوا في أربعة آلاف، وقادوا معهم نحو ثلاثمائة فرس من سوى الإبل. وخرجوا وعليهم أبو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 486 سفيان بن حرب، فوافتهم بنو سليم بمر الظهران، وهم سبعمائة وتلقتهم بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد الأسدي، وخرجت فزارة وهم في ألف بعير يقودهم عيينة بن حصن، وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف, وقيل: إنه رجع ببني مرة، والأول أثبت، فكان جميع الأحزاب عشرة آلاف وأمر الكل إلى أبي سفيان وكان المسلمون في ثلاثة آلاف. هذا كلام الواقدي. وأما ابن إسحاق فقال: كانت غزوة الخندق في شوال. قال: وكان من حديثها أن سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع، وهوذة في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قدموا مكة فدعوا قريشا إلى القتال، وقالوا: إنا نكون معكم حتى نستأصل محمدا. فقالت قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل كتاب وعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد, أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق. وفيهم نزل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51] الآيات، فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا إلى الحرب واتعدوا لهم. ثم خرج أولئك النفر اليهود حتى جاءوا غطفان، فدعوهم فوافقوهم. فخرجت قريش، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة في بني فزارة، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 487 والحارث بن عوف المري في قومه، ومسعود بن زحلية فين تابعه من قومه أشجع. فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده، وأبطأ عن المسلمين في عمله رجال منافقون، وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه. وكان في حفره أحاديث بلغتني، منها: بلغني أن جابرا كان يحدث أنهم اشتدت عليهم كدية فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله، ثم نضح الماء على الكدية حتى عادت كثيبا. وحدثني سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله قال: عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق فكانت عندي شُويهة، فقلت: والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير، فصنعت لنا منه خبزا، وذبحت تلك الشاة فشويناها، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف، وكنا نعمل في الخندق نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا، فقلت: يا رسول الله إني قد صنعت كذا وكذا، وأحب أن تنصرف معي، وإنما أريد أن ينصرف معي وحده فلما قلت له ذلك قال: "نعم". ثم أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأقبل وأقبل الناس معه، فجلس وأخرجناها إليه، فبرك وسمى، ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها. وحدثني سعيد بن ميناء, أنه حدث أن ابنة لبشير بن سعد قالت: دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 488 أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما. فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: ما هذا معك؟ قلت: تمر بعثت به أمي إلى أبي وخالي، قال: هاتيه فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: "اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء". فاجتمعوا فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب. وحدثني من لا أتهم، عن أبي هريرة، أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وعثمان وما بعده: افتحوا ما بدا لكم، والذي نفسي بيده، أو نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك. وقال: وحدثت عن سلمان الفارسي، قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليَّ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب, نزل وأخذ المعول فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب أخرى فلمعت تحته أخرى, ثم ضرب الثالثة فلمعت أخرى. قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا؟ قال: "أو قد رأيت"؟. قلت: نعم. قال: أما الأولى، فإن الله فتح عليَّ بها اليمن، وأما الثانية، فإن الله فتح عليَّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة, فإن الله فتح عليَّ بها المشرق". الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 489 قال ابن إسحاق: ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من دومة بين الجرف وزغابة في عشر آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وغطفان، فنزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد بذنب تعمر إلى جانب أحد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، فعسكروا هنالك، والخندق بينه وبين القوم, فذهب حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وقد كان وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، فلما سمع كعب بحيي أغلق دونه الحصن فأبى أن يفتح له, فناداه: يا كعب افتح لي. قال: إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمدا, فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. قال: ويحك افتح لي أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظه, ففتح له, فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة، وبغطفان على قادتها وسادتها فأنزلتهم بذنب تعمر إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب: جئتني والله بذل الدهر الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 490 وبجهام قد هراق ماءه برعد وبرق ليس فيه شيء، يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حيي بكعب حتى سمح له بأن أعطاه عهدا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب عهده وبرئ مما كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. ولما انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، سيدا الأنصار، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير، فقال: "انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس". فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان فيه حدة، فقال له ابن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، وقالوا: عَضل والقَارة، أي كغدر عَضل والقارة بأصحاب الرجيع خُبيب وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين". فعظم عند ذلك الخوف. قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11] . وتكلم المنافقون حتى قال معتب بن قُشير أحد بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 491 نفسه أن يذهب إلى الغائط. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما، فجرى بينه وبينهما صلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة في ذلك. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى السعدين فاستشارهما، فقالا: يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا منه، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال: فأنت وذاك. فأخذ سعد الصحيفة فمحاها، ثم قال: ليجهدوا علينا. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحزاب، فلم يكن بينهم قتال إلا فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبد ود، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطاب، تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم، حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيئوا للقتال يا بني كنانة فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تُعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، قال: فتيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه بهم في الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 492 السبخة بين الخندق وسلع. وخرج علي -رضي الله عنه- في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة، فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله، قال: من يبارزني؟ فبرز له علي -رضي الله عنه- فقال: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتهما منه. قال له: أجل. قال: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فإني أدعوك إلى النزال. قال له: لم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. قال علي -كرم الله وجهه: لكني والله أحب أن أقتلك. فحمي عمرو واقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي -رضي الله عنه- وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق. وألقى عكرمة يومئذ رمحه وانهزم وقال علي -رضي الله عنه- في ذلك: نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت دين محمد بضراب نازلته فتركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل، أن عائشة -رضي الله عنها- كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن، فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربة يرفل با ويقول: لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 493 فقالت له أمه: الحق أي بني فقد أخرت. قالت عائشة: فقلت لها: يا أم سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، ورماه ابن العرقة فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة. فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إليَّ من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بينهم وبيننا فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. وكانت صفية بنت عبد المطلب في فارع -حصن حسان بن ثابت- وكان معها فيه مع النساء والولدان، قالت: فمر بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة ونقضت وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، والنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا. فقالت: يا حسان! إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن, وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. فقال: غفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال: ما لي بسلبه من حاجة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 494 وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم. وروى نحوه يونس بن بكير، عن هشام بن عروة عن أبيه. ثم إن نعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال: "إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة". فأتى قريظة -وكان نديما لهم في الجاهلية- فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا: صدقت. قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم وبه أموالكم وأولادكم ونساؤكم، لا تقدروا أن تتحولوا عنه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وأصحابه, وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه. فقالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه عليَّ. قالوا: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين، قريش وغطفان، رجالا من أشرافهم، فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 495 معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا. ثم خرج فأتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليَّ، ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال، وكان من صنع الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان، إلى بني قريظة، عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان, فقالوا: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا. فأرسلوا إليهم الجواب أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك. فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعيم بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا, فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلون، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 496 فلما أنهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه ليلا لينظر ما فعل القوم. قال: فحدثني يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة: يا أبا عبد الله! رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. فقال: يابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى هويا من الليل، ثم التفت إلينا, فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع" -يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة- "أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة". فما قام أحد من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي من القيام بد حين دعاني. فقال: "يا حذيفة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا". فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا يقر لهم قرار ولا نار ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش! لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة -رضي الله عنه: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت، فقال: فلا بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جملة وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 497 عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم. قال: فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مراحل -وهو ضرب من وشي اليمن فسره ابن هشام- فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليَّ طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم. قال الله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] . وهذا كله من رواية البكائي عن محمد بن إسحاق. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن رجلا قال لحذيفة: صحبتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركتموه. فذكر الحديث نحو حديث محمد بن كعب، وفي آخره: فجعلت أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان، فجعل يضحك حتى جعلت أنظر إلى أنيابه. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدر في رمضان سنة اثنين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق، وهو يوم الأحزاب وبني قريظة، في شوال سنة أربع. وكذا قال عروة في حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه. كذا قالا: سنة أربع, وقالا: في قصة الخندق إنها كانت بعد أحد بسنتين. وقال قتادة من رواية شيبان عنه: كان يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين، فهذا هو المقطوع به وقول موسى وعروة إنها في سنة أربع وهم بين، ويشبهه قول عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: "عرضني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 498 رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني. فلما كان يوم الخندق عرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني". فيحمل قوله على أنه كان قد شرع في أربع عشرة سنة، وأنه يوم الخندق كان قد استكمل خمس عشرة سنة، وزاد عليها فلم يعد تلك الزيادة. والعرب تفعل هذا في عددها وتواريخها وأعمارها كثيرا، فتارة يعتدون بالكسر ويعدونه سنة، وتارة يسقطونه. وذهب بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث وعضدوه بقول موسى بن عقبة وعروة أن الأحزاب في شوال سنة أربع، وذلك مخالف لقول الجماعة, ولما اعترف به موسى وعروة من أن بين أحد والخندق سنتين، والله أعلم. وقال أبو إسحاق الفزاري، عن حميد، عن أنس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة باردة إلى الخندق، والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق بأيديهم، ولم يكن لهم عبيد: فلما رأى ما بهم من الجوع والنصب قال: اللهم إن العيش عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا أخرجه البخاري. ولمسلم نحوه من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت. وقال عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس نحوه، وزاد, قال: ويؤتون بمثل حفنتين شعيرا يصنع لهم بإهالة سنخة وهي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 499 بشعة في الحلق، ولها ريح منكرة فتوضع بين يدي القوم. أخرجه البخاري. وقال شعبة وغيره: حدثنا أبو إسحاق، سمع البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، وقد وارى التراب بياض إبطه وهو يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألي قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا رفع بها صوته. أخرجه البخاري. وعنده أيضا من وجه آخر: ويمد بها صوته. وقال عبد الواحد بن أيمن المخزومي، عن أبيه، سمع جابرا يقول: كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدانة -وهي الجبل- فقلنا: يا رسول الله: إن كدانة قد عرضت. فقال: "رشوا عليها". ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب، فعادت كثيبا أهيل، فقلت له: ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل، ففعل، فقلت للمرأة: هل عندك من شيء؟ وذكر نحو ما تقدم وما سقناه من مغازي ابن إسحاق. أخرجه البخاري. وقال هوذة بن خليفة: حدثنا عوف الأعرابي، عن ميمون بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 500 أستاذ الزهراني، قال: حدثني البراء بن عازب، قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال: "بسم الله". وضرب ضربة فكسر ثلثها. فقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام, والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله". ثم ضرب الثانية وقطع ثلثا آخر فقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض". ثم ضرب الثالثة فقال: "بسم الله"، فقطع بقية الحجر فقال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة". وقال الثوري: حدثنا ابن المنكدر، سمعت جابرا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم"؟. فقال الزبير: أنا. فقال: "من يأتينا بخبر القوم"؟. فقال الزبير: أنا. فقال: "إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير". أخرجه البخاري. وقال الحسن بن الحسن بن عطية العوفي: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] ، قال: كان ذلك يوم أبي سفيان؛ يوم الأحزاب. {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] ، قال: هم بنو حارثة، قالوا: بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق. قوله: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ} [الأحزاب: 22] ، قال: لأن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 501 الله قال لهم في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] ، فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأول المؤمنون ذلك، ولم يزدهم إلا إيمانا وتسليما. وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رجلا من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفا. فقال: "لا خير في جسده ولا في ثمنه". وقال الأصمعي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره فقدَّه إلى القربوس , فقالوا: ما أجود سيفك، فغضب, يريد أن العمل ليده لا لسيفه. قال شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الأحزاب قاعدا على فرضة من فرض الخندق، فقال صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا -أو- بطونهم". أخرجه مسلم. وقال يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، أن عمر يوم الخندق بعدما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا والله ما صليتها بعد". فنزلت مع رسول الله -أحسبه قال: إلى بطحان- فتوضأ للصلاة وتوضأنا، فصلى العصر بعدما غربت الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 502 الشمس، ثم صلى المغرب. متفق عليه. وقال جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة بن اليمان، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت. فقال: أنت كنت تفعل ذاك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة"؟. فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله. ثم قال: "يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم". فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم. فقال: "ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ". قال: فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم, فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذعرهم عليَّ". ولو رميته لأصبته قال: فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا نومان". أخرجه مسلم. وقال أبو نعيم: حدثنا يوسف بن عبد الله بن أبي بردة عن موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة: أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جاث من البرد، فقال: "انطلق إلى عسكر الأحزاب". فقلت: والذي بعثك بالحق ما قمت إليك من البرد إلا حياء منك. قال: "فانطلق يابن اليمان فلا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إليَّ". فانطلقت إلى عسكرهم، فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله، قد تفرق الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 503 الأحزاب عنه، حتى إذا جلست فيهم، حس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم، فقال: يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه. قال: فضربت بيدي على الذي عن يميني فأخذت بيده، ثم ضربت بيدي إلى الذي عن يساري فأخذت بيده. فكنت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فأومأ إليَّ بيده أن: ادن. فدنوت ثم أومأ إليَّ فدنوت حتى أسبل عليَّ من الثوب الذي عليه وهو يصلي فلما فرغ قال: ما الخبر؟ قلت: تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار، قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا, ولكنا نرجو من الله ما لا يرجو. وقال عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد الحنفي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، قال: ذكر حذيفة مشاهدهم، فقال جلساؤه: أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب. وساق الحديث مطولا. وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا ابن أبي أوفى، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". متفق عليه. وقال الليث: حدثني المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده لا شيء بعده". متفق عليه. وقال إسرائيل وغيره عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى عنه الأحزاب: "الآن نغزوهم ولا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 504 يغزونا؛ نسير إليهم". أخرجه البخاري. وقال خارجة بن مصعب، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] ، قال: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين. كذا روى الكلبي وهو متروك. وذهب العلماء في أمهات المؤمنين أن هذا حكم مختص بهن ولا يتعدى التحريم إلى بناتهن ولا إلى إخوتهن ولا أخواتهن. واستشهد يوم الأحزاب: عبد الله بن سهل بن رافع الأشهلي، تفرد ابن هشام بأنه شهد بدرا. وأنس بن أوس بن عتيك الأشهلي، والطفيل بن النعمان بن خنساء، وثعلبة بن عنمة؛ كلاهما من بني جشم بن الخزرج. وكعب بن زيد أحد بني النجار، أصابه سهم غرب، وقد شهد هؤلاء الثلاثة بدرا. ذكر ابن إسحاق أن هؤلاء الخمسة قتلوا يوم الأحزاب. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: قتل من المشركين يوم الخندق: نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي؛ أقبل على فرس له ليوثبه الخندق، فوقع في الخندق فقتله الله، وكبر ذلك على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه. فرد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه خبيث الدية لعنه الله الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 505 ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته". غزوة بني قريظة: وكانوا قد ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيهم نزلت: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26، 27] . قال هشام, عن أبيه، عن عاشة, قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم. قال: "فأين"؟. قال: ههنا. وأشار إلى بني قريظة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقال حميد بن هلال، عن أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا من سكة بني غنم، موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة. البخاري. وقال جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف من الأحزاب أن: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون قريظة. وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. فما عنف واحدا من الفريقين. متفق عليه. وعند مسلم في بعض طرقه: الظهر بدل العصر, وكأنه وهم. وقال بشر بن شعيب، عن أبيه قال: حدثنا الزهري قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبيد الله بن كعب الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 506 أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر، فتبدى له جبريل -عليه السلام- فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد, فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة. فلبسوا السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروبها، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس علينا إثم. وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة حتى غربت الشمس فصلوا حين جاءوا بني قريظة. فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين. وروى نحوه عبد الله بن عمر، عن أخيه عبد الله، عن القاسم عن عائشة, وفيه أن رجلا سلم علينا ونحن في البيت, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا، فقمت في إثره فإذا بدحية الكلبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة". وقال: وضعتم السلاح لكنا لم نضع السلاح طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد وفيه: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: "هل مر بكم من أحد"؟. قالوا: مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج قال: "ليس ذاك بدحية الكلبي ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب". فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر أصحابه أن يستروه بالحجف حتى يسمعهم كلامه فناداهم: "يا إخوة القردة والخنازير". فقالوا: يا أبا القاسم لم تك فحاشا. فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 507 وقال محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة، عن عائشة قالت: جاء جبريل وعلى ثناياه النقع، فقال: أوضعت السلاح؟ والله ما وضعته الملائكة، اخرج إلى بني قريظة. فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن بالرحيل، ثم مر على بني عمرو فقال: "من مر بكم"؟. قالوا: دحية. وكان دحية يشبه لحيته ووجهه جبريل فأتاهم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد، وذكر الحديث بطوله في مسند أحمد. وقال يونس، عن ابن إسحاق: قدَّم رسول الله عليا معه رايته وابتدر الناس. وقال موسى بن عقبة: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم: "مر عليكم فارس آنفا"؟. فقالوا: مر علينا دحية على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة من ديباج عليه اللأمة. قال: "ذاك جبريل". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية بجبريل قال: ولما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود وكان علي سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه. فكره عليٌّ أن يسمع ذلك, فقال: لم تأمرني بالرجوع؟ فكتمه ما سمع منهم. قال: "أظنك سمعت لي منهم أذى؟ فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت". فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم، وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافها حتى أسمعهم فقال: "أجيبونا يا معشر يهود يا الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 508 إخوة القردة، لقد نزل بكم خزي الله". فحاصرهم صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصنهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، صرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأنصار فقال: لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "قد أذنت لك فأتاهم". فبكوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة ماذا ترى فأشار بيده إلى حلقه يريهم أن ما يراد بكم القتل, فلما انصرف سُقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة, فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد فزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذُكِرَ، حين راث عليه أبو لبابة: "أما فرغ أبو لبابة من حلفائه"؟. قالوا: يا رسول الله! قد والله انصرف من عند الحصن وما ندري أين سلك؟ فقال: "قد حدث له أمر". فأقبل رجل فقال: يا رسول الله! رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أصابته بعدي فتنة". ولو جاءني لاستغفرت له, فإذ فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء". وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فذكر نحو ما قص موسى بن عقبة، وعنده: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن بالخروج، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ففزع الناس للحرب وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على آثارهم. ولم يقل بضع عشرة ليلة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 509 وقال يونس بن بكير والبكائي -واللفظ له- عن ابن إسحاق قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه، فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد: يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل, وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال: فإذ أبيتم عليَّ هذه، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما. رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، لكنه قال عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك، فذكره وزاد فيه: ثم بعثوا يطلبون أبا لبابة، وذكر ربطه نفسه. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 510 وزعم سعيد بن المسيب: أن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك حين أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه عاتب، بما فعل يوم قريظة، ثم تخلف عن غزوة تبوك فيمن تخلف. والله أعلم. وفي رواية علي بن أبي طلحة، وعطية العوفي، عن ابن عباس في ارتباطه حين تخلف عن تبوك ما يؤكد قول ابن المسيب وقيل: نزلت هذه الآية في أبي لبابة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال: 27] . وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك، فقلت: مم تضحك؟ قال: "تيب على أبي لبابة". قلت: أفلا أبشره؟ قال: "إن شئتِ". قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهم الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة! أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار إليه الناس ليطلقوه. فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه. قال عبد الملك بن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال؛ تأته امرأته في وقت كل صلاة تحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، فيما حدثني بعض أهل العلم الآية التي نزلت في توبته: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] . قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من هدل، أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو قريظة الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 511 على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. شعبة: أخبرني سعد بن إبراهيم قال: أبا أمامة بن سهل يحدث عن أبي سعيد قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم -أو- إلى خيركم". فقال: "إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك". فقال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت عليهم بحكم الله". وربما قال: "بحكم الملك". متفق عليه. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: قاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو! قد ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مواليك لتحكم فيهم. فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من ههنا من الناحية التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فقال سعد: أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري. شعبة وغيره: عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي، قال: كنت في سبي قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أنبت أن يقتل، فكنت فيمن لم ينبت. موسى بن عقبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا: "اختاروا من شئتم من أصحابي"؟. فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكمه. فأمر -عليه السلام- بسلاحهم فجعل في قبته، وأمر بهم فكتفوا وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة وبعث الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 512 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأقبل على حمار أعرابي يزعمون أن وطاءه برذعة من ليف، واتبعه رجل من بني عبد الأشهل، فجعل يمشي معه ويعظم حق بني قريظة ويذكر حلفهم والذي أبلوه يوم بعاث، ويقول: اختاروك على من سواك رجاء رحمتك وتحننك عليهم, فاستبقهم فإنهم لك جمال وعدد فأكثر ذلك الرجل، وسعد لا يرجع إليه شيئا، حتى دنوا، فقال الرجل: ألا ترجع إليَّ فيما أكلمك فيه؟ فقال سعد: قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم. ففارقه الرجل، فأتى قومه فقالوا: ما وراءك؟ فأخبرهم أنه غير مستبقيهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مقاتلتهم، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل قتلوا عند دار أبي جهم بالبلاط، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت التي كانت بالسوق، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بين من حضر من المسلمين. وكانت خيل المسلمين ستة وثلاثين فرسا. وأخرج حيي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أخزاك الله"؟. قال له: لقد ظهرت عليَّ وما ألوم إلا نفسي في جهادك والشدة عليك. فأمر به فضربت عنقه كل ذلك بعين سعد. وكان عمرو بن سعدى اليهودي في الأسرى، فلما قدموه ليقتلوه فقدوه, فقيل: أين عمرو؟ قالوا: والله ما نراه، وإن هذه لرمته التي كان فيها، فما ندري كيف انفلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلتنا بما علم الله في نفسه". وأقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي الزبير. يعني ابن باطا وامرأته فوهبهما له، فرجع ثابت إلى الزبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني -وكان الزبير يومئذ أعمى كبيرا- قال: هل ينكر الرجل أخاه؟ قال ثابت: أردت أن أجزيك اليوم بيدك، قال: افعل فإن الكريم يجزى الكريم. فأطلقه فقال: ليس لي الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 513 قائد، وقد أخذتم امرأتي وبني، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ذرية الزبير وامرأته، فوهبهم له، فرجع إليه فقال: قد رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك قال الزبير: فحائط لي فيه أعذق ليس لي ولأهلي عيش إلا به. فوهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ثابت: أسلم. قال: ما فعل المجلسان؟ فذكر رجالا من قومه بأسمائهم, فقال ثابت: قد قتلوا وفرغ منهم، ولعل الله أن يهديك. فقال الزبير: أسألك بالله وبيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم، فما في العيش خير بعدهم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالزبير فقتل. وقال الله تعالى في بني قريظة في سياق أمر الأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ} يعني: الذين ظاهروا قريشا: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26] . وقال عروة في قوله: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَأُوهَا} [الأحزاب: 27] ، هي خيبر. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة". وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث النجارية، وخرج إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 514 والمكثر يقول: كانوا بين الثمان والتسعمائة. وقد قالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل وأتي بحيي بن أخطب وعليه حلة فقاحية قد شقها من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله. كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عمه عروة، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: إنها والله لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف: يا بنت فلانة! قالت: أنا والله. قلت: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل. قلت: ولم؟ قالت: حدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها. قال عكرمة وغيره: صياصيهم: حصونهم. وقال يونس، عن ابن إسحاق: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد، أخا بني عبد الأشهل بسبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع له بهم خيلا وسلاحا. وكان صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة، وكانت عنده حتى توفي وهي في ملكه، وعرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله بل تتركني في مالك فهو الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 515 أخف عليك وعليَّ. فتركها وقد كانت أولا توقفت عن الإسلام ثم أسلمت، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والله أعلم. وفي ذي الحجة: وفاة سعد بن معاذ من سنة خمس هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب, فلما رجع من الخندق؛ وذكر الحديث، وفيه قالت عائشة: ثم إن كلمه تحجر للبرء فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها. قال: فانفجر من لبته، فلم يرعهم -ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار- إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها. متفق عليه. وقال الليث: حدثني أبو الزبير، عن جابر، قال: رمي سعد يوم الأحزاب, فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده، فتركه, فنزفه الدم فحسمه أخرى. فانتفخت يده، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 516 قطرت منه قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم، قال: وكانوا أربعمائة. فلما فرغ من قتلهم، انفتق عرقه فمات. حديث صحيح. وقال ابن راهويه: حدثنا عمرو بن محمد القرشي، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الذي تحرك له العرش -يعني سعد بن معاذ- وشيع جناته سبعون ألف ملك، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه". وقال سليمان التيمي، عن الحسن: اهتز عرش الرحمن فرحا بروحه. وقال يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن معاذ بن رفاعة، عن جابر، قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؛ فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش؟ قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وهو يدفن، فبينما هو جالس قال: "سبحان الله". مرتين, فسبح القوم. ثم قال: "الله أكبر الله أكبر". فكبر القوم فقال: "عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له". روى بعضه محمد بن إسحاق، عن معاذ بن رفاعة، قال: أخبرني الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 517 محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي، قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق، فقال: يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض. وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: كان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرش". وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا؟ فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: "كان يقصر في بعض الطهور من البول". وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض، تعني حس الأرض، ورائي, فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه. فجلست، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 518 فمر سعد وهو يقول: لبث قليلا يدرك الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: وعليه درع قد خرجت منها أطرافه، فتخوفت على أطرافه، وكان من أطول الناس وأعظمهم. قالت: فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر فيهم عمر، وفيهم رجل عليه مغفر فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون تحوزا وبلاء. فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ, فدخلت فيها. قالت: فرفع الرجل المغفر عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله, فقال: ويحكَ، قد أكثرت وأين التحوز والفرار إلا إلى الله؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من قريش، يقال له: ابن العرقة بسهم، قال: خذها، وأنا ابن العرقه، فأصاب أكحله. فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة. وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين. وساق الحديث بطوله, وفيه قالت: فانفجر كلمه وقد كان برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص. ورجع إلى قبته. قالت: وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فإني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] ، قال: فقلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عيناه لا تدمع على أحد ولكنه إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته. وقال حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد, عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتى به محمولا على حمار وهو مضني من جرحه، فقال له: "أشر عليَّ في هؤلاء". فقال: إني أعلم أن الله قد أمرك الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 519 فيهم بأمر أنت فاعله. قال: "أجل، ولكن أشر عليَّ فيهم". فقال: لو وليت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم. فقال: "والذي نفسي بيده لقد أشرت عليَّ فيهم بالذي أمرني الله به". وقال محمد بن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد، قال: حدثني محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، سمع عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لما حكم سعد بن معاذ في قريظة أن يقتل من جرت عليه الموسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات". وقال ابن سعد: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل من الأنصار قال: لما قضى سعد في قريظة ثم رجع انفجر جرحه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره، وسجي بثوب أبيض إذا مد على وجهه بدت رجلاه، وكان رجلا أبيض جسيما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك وصدق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت روح رجل". فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح عينيه، فقال: السلام عليك يا رسول الله! أشهد أنك رسول الله. قال: وأمه تبكي وتقول: ويل أم سعد سعدا ... حزامة وجدا فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فغيرها من الشعراء أكذب". وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، قال: لما أصيب أكحل سعد حولوه عند امرأة يقال لها: الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 520 رفيدة، وكانت تداوي الجرحي، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: "كيف أمسيت"؟. وإذا أصبح قال: "كيف أصبحت"؟. فيخبره، فذكر القصة. وقال: فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي إلى سعد, فشكا ذلك إليه أصحابه, فقال: "إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة". فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول: ويل أم سعد سعدا ... حزامة وجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل نائحة تكذب إلا أم سعد". ثم خرج به فقالوا: ما حملنا ميتا أخف منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يمنعكم أن يخف عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط، قد حملوه معكم". وقال شعبة: أخبرني سماك بن حرب، قال: سمعت عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه فقال: "جزاك الله خيرا من سيد قوم، فقد أنجزت الله ما وعدته ولينجزنك الله ما وعدك". وقال ابن نمير: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: بلغني أنه شهد سعدا سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض. رواه غيره: عن عبيد الله، عن نافع، فقال: عن ابن عمر. وقال شبابة: أخبرنا أبو معشر، عن المقبري، قال: لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا قال: "لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول". وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن محمد بن الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 521 المنكدر، عن محمد بن شرحبيل، أن رجلا أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن، فتحها بعد فإذا هي مسك. وقال محمد بن موسى الفطري: أخبرنا معاذ بن رفاعة الزرقي، قال: دفن سعد بن معاذ إلى أس دار عقيل بن أبي طالب. قال محمد بن عمرو بن علقمة: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فجاءه جبريل، أو قال: ملك. فقال: من رجل من أمتك مات الليلة استبشر بموته أهل السماء؟ قال: "لا أعلمه إلا أن سعد بن معاذ أمسى قريبا، ما فعل سعد"؟. قالوا: يا رسول الله قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح, ثم خرج وخرج الناس مشيا حتى إن شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم وإن أرديتم لتسقط من عوائقهم، فقال قائل: يا رسول الله قد بتتَّ الناس مشيا، قال: "أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة". شعبة: حدثنا سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ". شعبة: حدثني أبو إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، قال: لما انفجر جرح سعد بن معاذ التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت الدماء تسيل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فقال: واكسر ظهرناه. فقال: "مه يا أبا بكر". ثم جاء الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 522 عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. روى عقبة بن مكرم: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة, عن سعد بن إبراهيم عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة مرفوعا: "لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد". وقد تقدم هذا, وما فيه صفية. وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء، بل هو من روعات المؤمن كنزع روحه، وكألمه من بكاء حميمه عليه، وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه، وكروعته يوم الموقف وساعة ورود جهنم، ونحو ذلك نسأل الله أن يؤمن روعاتنا. وقال يزيد بن هارون: أخبرنا حمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: ما كان أحد أشد فقدا على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ. وقال الواقدي: أخبرنا عتبة بن جَبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: كان سعد بن معاذ أبيض طوالا، جميلا، حسن الوجه، أعين, حسن اللحية. فرمي يوم الخندق سنة خمس فمات منها، وهو ابن سبع وثلاثين سنة. ودفن بالبقيع. وقال أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ". وقال عوف، عن أبي نضرة, عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ". وقال يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن إسحاق بن راشد، عن امرأة من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السكن، الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 523 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك بأن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش"؟. وقال يوسف بن الماجشون عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت- يقول لسعد بن معاذ يوم مات: "اهتز له عرش الرحمن". وقال محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا قال: إنما يعني السرير قال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] ، قال: تفسخت أعواده. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فاحتبس، فلما خرج قيل له: يا رسول الله! ما حبسك؟ قال: "ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله يكشف عنه". وقال الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير، فجعل أصحابه يتعجبون من لينه فقال: "إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة ألين من هذا". متفق على صحته. وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: دخلت على أنس بن مالك؛ وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم؛ فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. فقال: إنك بسعد لشبيه, ثم بكى فأكثر البكاء. ثم قال: يرحم الله سعدا، كان من أعظم الناس وأطولهم. ثم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله بجبة من ديباج الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 524 منسوج فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها, فقال: "أتعجبون من هذه الجبة"؟. قالوا: يا رسول الله ما رأينا ثوبا قط أحسن منه. قال: "فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون". قلت: هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو، ولقبه النبيت، ابن مالك بن الأوس؛ أخي الخزرج وهما ابنا حارثة بن عمرو؛ ويدعى حارثة العنقاء؛ وإليه جماع الأوس والخزرج أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويكنى سعد أبا عمرو، وأمه كبشة بنت رافع الأنصاري، من المبايعات أسلم هو وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير، وكان مصعب قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو إلى الإسلام ويقرئ القرآن. فلما أسلم سعد لم يبق من بني عبد الأشهل -عشيرة سعد- أحد إلا أسلم يومئذ ثم كان مصعب في دار سعد هو وأسعد بن زرارة، يدعوان إلى الله. وكان سعد وأسعد ابني خالة. وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح. قاله ابن إسحاق. وقال الواقدي، عن عبد الله بن جعفر، عن سعد بن إبراهيم، وغيره: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقاص. شهد سعد بدرا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس. وقال أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي: حدثنا أبو المتوكل، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحمى، فقال: من كانت به فهي حظه من النار فسألها سعد بن معاذ ربه، فلزمته فلم تفارقه حتى فارق الدنيا. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 525 وكان لسعد من الولد: عمرو، وعبد الله، وأمهما: عمة أسيد بن الحضير هند بنت سماك من بني عبد الأشهل، صحابية. وكان تزوجها أوس بن معاذ أخو سعد -وقتل عبد الله بن عمرو بن سعد- يوم الحرة. وكان لعمرو من الولد: واقد بن عمرو، وجماعة قيل إنهم تسعة. وقتل عمرو أخو سعد بن معاذ يوم أحد، وقتل ابن أخيهما الحارث بن أوس يومئذ شابا، وقد شهدوا بدرا، والحارث أصابه السيف ليلة قتلوا كعب بن الأشرف، واحتمله أصحابه. وشهد بعد ذلك أحدا. روى عن سعد بن معاذ: عبد الله بن مسعود قصته بمكة مع أمية بن خلف، وذلك في صحيح البخاري. وحصن بني قريظة على أميال من المدينة، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة. واستشهد من المسلمين: خلاد بن سويد الأنصاري الخزرجي، طرحت عليه رحى، فشدخته. ومات في مدة الحصار أبو سنان بن محصن، بدري مهاجري، وهو أخو عكاشة بن محصن الأسدي. شهد هو وابنه سنان بدرا. ودفن بمقبرة بني قريظة التي يتدافن بها من نزل دورهم من المسلمين، وعاش أربعين سنة، ومنهم من قال: بقي إلى أن بايع تحت الشجرة. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 526 إسلام ابني سعية وأسد بن عبيد : قال يونس بن بكير، وجرير بن حازم، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بني قريظة، أنه قال: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة وأسد ابني سعية، وأسد بن عبيد، نفر من هدل، لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير، كانوا فوق ذلك؟ قلت: لا. قال: إنه قدم علينا رجل من الشام يهودي، يقال له: ابن الهيبان، ما رأينا خيرا منه. فكنا نقول إذا احتبس المطر: استسق لنا. فيقول: لا والله، حتى تخرجوا صدقة صاعا من تمر أو مدا من شعير. فنفعل فيخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى تمر بنا الشعاب تسيل. قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين فلما حضرته الوفاة، قال: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا: أنت أعلم. قال: أخرجني نبي أتوقعه يبعث الآن فهذه البلدة مهاجره، وإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذرية، فلا يمنعنكم ذلك منه ولا تسبقن إليه. ثم مات. زاد يونس بن بكير في حديثه: فلما كانت الليلة التي افتتحت فيها قريظة, قال أولئك الثلاثة، وكانوا شبابا أحداثا: يا معشر يهود! هذا الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان. قالوا: ما هو؟ فقالوا: بلى والله إنه لهو بصفته. ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأهلهم، وكانت في الحصن، فلما فتح رد ذلك عليهم. الجزء: سيرة 1 ¦ الصفحة: 527 بسم الله الرحمن الرحيم سنة ست من الهجرة: قال البكائي، عن ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرًا وشهري ربيع، وخرج في جمادى الأولى إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع: خبيب بن عدي وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال، فقال: لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة. فهبط في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان. ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرّا. وراح قافلًا. غزوة ذي قرد: ثم قدم المدينة فأقام بها ليالي، فأغار عُيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغابة، وفيها رجل من بني غفار وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح. وكان أول من نذرَ بهم سلمة بن الأكوع، غدا يريد الغابة ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرسه، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 5 بعض خيولهم فأشرف في ناحية من سَلع، ثم صرخ: واصباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم، وكان مثل السَّبُع، حتى لحق بالقوم. وجعل يردهم بنبله، فإذا وجهت الخيل نحوه هرب ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى. وبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك فصرخ بالمدينة: "الفزع الفزع". فترامت الخيول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المقداد، وعباد بن بشر، وأسيد بن ظهير، وعكاشة بن محصن وغيرهم. فأمَّر عليهم سعد بن زيد، ثم قال: اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني -لأبي عياش: "لو أعطيت فرسك رجلًا أفرس منك"؟ فقلت: يا رسول الله أنا أفرس الناس. وضربت الفرس فوالله ما مشى بي إلا خمسين ذراعًا حتى طرحني فعجبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أعطيته أفرس منك وجوابي له". ولم يكن سلمة بن الأكوع يومئذ فارسًا، وكان أول من لحق القوم على رجليه. وتلاحق الفرسان في طلب القوم، فأول من أدركهم محرز بن نضلة الأسدي، فأدركهم ووقف لهم بين أيديهم ثم قال: قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المسلمين. فحمل عليه رجل منهم فقتله، ولم يُقْتَل من المسلمين سواه. قال عبد الملك بن هشام: وقتل يومئذ من المسلمين وقاص بن مجزز المدلجي. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، أن مجززًا إنما كان على فرس عكاشة يقال له: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 6 الجناح، فقتل مجزز واستلب الجناح. ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة بن ربعي. حبيب بن عيينة بن حصن، وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس. وأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين، فاسترجعوا وقالوا: قُتِلَ أبو قتادة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه". وأدرك عُكاشة بن محصن أوبارًا وابنه عمرو بن أوبار، كلاهما على بعير، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعًا، واستنقذوا بعض اللقاح. وسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بالجبل من ذي قَرَد، وتلاحق الناس، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به، وأقام عليه يومًا وليلة. وقال سلمة: يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح، وأخذت بأعناق القوم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فيما بلغني: إنهم الآن ليغبقون في غطفان. فقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، في كل مائة رجل، جزورًا. وأقاموا عليها ثم رجعوا إلى المدينة. قال: وانفلتت امرأة الغفارى على ناقة من إبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قدمت عليه، وقالت: إني نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها. قال: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها، إنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي، ارجعي على بركة الله". قلت: هذه الغزوة تسمى غزوة الغابة، وتسمى غزوة ذي قرد. وذكر ابن إسحاق وغيره: أنها كانت في سنة ست. وأخرج الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 7 مسلم أنها كانت زمن الحديبية. قال أبو النضر هاشم بن القاسم: حدثنا عكرمة بن عمّار، قال: حدثنى إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرجت أنا ورباح -غلام النبي- بظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل. فلما كان بغلس، أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل. فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة وأخبر رسول الله الخبر. وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه. ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إليَّ فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت، فلا يقبل عليَّ فارس إلا عقرت به. فجعلت أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة رحله، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه، فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع. وكنت إذا تضايقت الثنايا علوتُ الجبل فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم فأرتجز، حتى ما خلق الله شيئًا من سرح النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا خلفته ورائي واستنقذته من أيديهم. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئًا إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا مُدّ الضُّحَاء أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مددًا لهم، وهم في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 8 ثنية ضيقة. ثم علوت الجبل، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البَرْح، ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا وجعله وراء ظهره. فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه مددًا لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم. فقام إليَّ أربعة فصعدوا في الجبل. فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كَّرم وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني. قال رجل منهم: إني أظن؛ يعني كما قال. فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة، وعلى إثره المقداد، فولى المشركون. فأنزل من الجبل فأعترض الأخرم فآخذ عنان فرسه، فقلت: يا أخرم انذر القوم يعني احذرهم فإني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. فقال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة، وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة به، فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول على فرس الأخرم. ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابي شيئًا ويعرضون قبل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد، فأرادوا أن يشربوا منه، فأبصروني أعدو وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية، ثنية ذي تير، وغربت الشمس، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 9 فألحق رجلًا فأرميه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع. قال: فقال: يا ثكل أمي، أكوعي بُكْرَة؟ قلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بُكْرة، فأتْبعتُه سهمًا آخر فعلق به سهمان. ويخلفون فرسين فجبذتهما أسوقهما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على الماء الذي جليتهم عنه ذو قرد؛ فإذا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- في خمس مائة، وإذا بلال قد نحر جزورًا مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله خلني فأنتخبُ من أصحابك مائة واحدة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر. قال: أكنت فاعلًا يا سلمة؟ قلت: نعم، والذي أكرمك. فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت نواجذه في ضوء النار. ثم قال: إنهم يُقْرَون الآن بأرض غطفان. فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورًا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها وخرجوا هُرَّابًا. فلما أصبحنا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة". وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعًا. ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريبًا من ضحوة، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من مسابق؟ وكرر ذلك. فقلت له: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابقه. قال: "إن شئت". قلت: أذهب إليك. فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة. ثم إني ربطت عليه شرفًا أو شرفين؛ يعني استبقيت نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحقه فأصُكّ بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله. فضحك وقال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 10 إن أظن حتى قدمنا إلى المدينة. أخرجه مسلم عن شيخ، عن هاشم. قرأت على أبي الحسن علي بن عبد الغني الحراني بمصر، وعلي أبي الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية، وعلى أبي سعيد سنقر بن عبد الله بحلب، وعلي أحمد بن سليمان المقدس بقاسيون وأخبرنا محمد بن عبد السلام الفقيه، وأبو الغنائم بن محاسن، وعمر بن إبراهيم الأديب، قالوا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة. "ح" وقرأت على أبي الحسين اليونيني، ومحمد بن هاشم العباسي، وإسماعيل بن عثمان الفقيه، ومحمد بن حازم، وعلي بن بقاء، وأحمد بن عبد الله بن عزيز، وخلق سواهم: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر بن الزبيدي؛ قالا: أخبرنا أبو الوقت السجزي، قال: أخبرنا أبو الحسن الدراوردي، قال: أخبرنا أبو محمد بن حمويه، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة أنه أخبره، قال: خرجت من المدينة ذاهبًا نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، قلت: ويحك ما بك؟ قال: أخذت لقاح النبي -صلى الله عليه وسلم. قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها: يا صباحاه، يا صباحاه. ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا. فأقبلت بها أسوقها، فلقيني النبي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 11 -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم، فابعث في أثرهم. فقال: يا ابن الأكوع ملكت فأسجح، إن القوم يقرون في قومهم. مقتل أبي رافع: وهو سلام بن أبي الحقيق؛ وقيل: عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي، لعنه الله. قال البكائي، عن ابن إسحاق: ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزب الأحزاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف. فاستأذنت الخزرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتل ابن أبي الحُقيق وهو كبير، فأذن لهم. وحدثني الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: كان مما صنع الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم: أن هذين الحيين من الأنصار كانا يتصاولان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئًا فيه غناء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلًا علينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئًا قالت الأوس مثل ذلك. ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلًا علينا. فتذاكروا من رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحُقَيق وهو بخيبر. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 12 فاستأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج خمسة من بني سلمة: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة بن ربعي، وآخر حليف لهم. فأمَّر عليهم ابن عتيك، فخرجوا حتى قدموا خيبر، فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا بيتًا في الدار إلا أغلقوه على أهله، ثم قاموا على بابه فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ قالوا: نلتمس الميرة. قال: ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه. قال: فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفًا أن تكون دونه مجاولة تحول بينا وبينه. قال: فصاحت امرأته فنوهت بنا، وابتدرناه وهو على فراشه، والله ما يدلنا عليه في سواد البيت إلا بياضه، كأنه قُبطية ملقاة. فلما صاحت علينا جعل الرجل منا يرفع سيفه عليها ثم يذكر نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء، فيكف يده. فلما ضربناها بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني قطني؛ أي: حسبي. قال: وخرجنا، وكان ابن عتيك سيئ البصر فوقع من الدرجة، فَوثئَتْ يدهُ وثأ شديدًا وحملناه حتى نأتي منهرًا من عيونهم فندخل فيه. فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبون، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه. فقلنا: كيف لنا بأن نعلم أنه هلك؟ فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدتُها وفي يدها المصباح وحوله رجال وهي تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 13 ثم أكذبت نفسي فقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه، ثم قالت: فاض، وإله يهود. فما سمعُت من كلمة كانت ألذ إليَّ منها. قال: ثم جاء فأخبرنا الخبر، فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه واختلفنا في قتله، فكلنا يدعيه. فقال: هاتوا أسيافكم، فجئنا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام والشراب. وقال زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطًا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلًا فقتله وهو نائم. أخرجه البخاري. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي رافع رجالًا من الأنصار، عليهم عبد الله -يعني ابن عتيك. وكان أبو رافع يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلما دنوا وقد غربت الشمس وراح الناس بسَرْحِهم؛ قال: عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإني منطلق فمتلطف للبواب لعلي أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته. وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل لأغلق. فدخلت فكمنت، فأغلق الباب وعلق الأقاليد على ود، فقمت ففتحت الباب. وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي. فلما أن ذهب عنه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 14 أهل سمره صعدت إليه، وجعلت كلما فتحت بابًا أغلقته عليَّ من داخل، وقلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت. قلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش، فما أغنى شيئًا، فصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الضرب أبا رافع؟ قال: لأمك الويل، إن رجلًا في البيت ضربني قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت صدر السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أني قد قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابًا فبابًا حتى انتهيت إلى درجة، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست عند الباب. فقلت: لا أبرح الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا. فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع. فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهينا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدثناه فقال: "ابسط رجلك"، فبسطتها، فمسحها، فكأنما لم أشكها قط. أخرجه البخاري. وأخرجه أيضًا من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن جده، عن البراء بنحوه. وفيه: ثم انطلقت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر. وفيه: ثم جئت كأني أغيثه وغيرت صوتي، وقلت: ما لك يا أبا رافع. قال: ألا أعجبك، دخل علي رجل فضربني بالسيف. قال: فعمدت له أيضًا فأضربه أخرى فلم تغن شيئًا. فصاح وقام أهله، ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، وإذا هو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 15 مستلق على ظهره، فأضع السيف في بطه ثم أتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم. ثم خرجت دهشًا إلى السلم، فسقطت فاختلعت رجلي فعصبتها. ثم أتيت أصحابي أحجُل فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية. فلما كان وجه الصبح صعد الناعية، فقال: أنعي أبا رافع. فقمت أمشي، ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبشرته. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، قال: كان سلام بن أبي الحُقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويجعل لهم الجعل العظيم. فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه جماعة فبيتوه ليلًا. وقال موسى بن عقبة في مغازيه: فطرقوا أبا رافع اليهودي بخيبر فقتلوه في بيته. قتل ابن نبيح الهذلي: ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود: عن عروة، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أنيس السلمي إلى سفيان بن نُبيح الهذلي ثم اللحياني ليقتله وهو بعرنة وادي مكة. وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: دعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه بلغني أن ابن نبيح الهذلي يجمع الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعُرنَةَ، فأتِه فاقتله". قلت: يا رسول الله انعته لي حتى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 16 أعرفه. قال: "آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة". فخرجت متوشحًا سيفي، حتى دُفعتُ إليه في ظعن يرتاد لهن منزلًا وقت العصر. فلما رأيته وجدت له ما وصف لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من القُشَعريرة. فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي إيماء. فلما انتهت إليه قال: من الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاء لذلك. قال: أجل نحن في ذلك. فمشيتُ معه حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه. فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفلح الوجه". قلت: قد قتلته يا رسول الله. قال: "صدقت". ثم قام بي فدخل بي بيته فأعطاني عصًا، فقال: "أمسك هذه عندك". فخرجت بها على الناس. فقالوا: ما هذه العصا؟ فقلت: أعطانيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أمسكها عندي. قالوا: أفلا ترجع فتسأله فرجعت فسألته: لم أعطيتنيها يا رسول الله؟ قال: "آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المتخصرن يومئذ". قال: فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها فضمت معه في كفنه، فدفنا جميعًا. رواه عبد الوارث بن سعيد، عن ابن إسحاق، فقال: إلى خالد بن سفيان الهذلي. وقال موسى بن عقبة: بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سفيان بن عبد الله بن أبي نبيح الهذلي، والله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 17 غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع: قال ابن إسحاق: غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست. كذا قال ابن إسحاق. وقال ابن شهاب وعروة: هي في شعبان سنة خمس. وكذلك يروى عن قتادة. وقاله أيضًا الواقدي، فقال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس، وقدم المدينة لهلال رمضان. قلت: وفيها حديث الإفك، وقد تقدم ذلك في سنة خمس. وهو الصحيح. سرية نجد: قيل إنها كانت في المحرم سنة ست: قال الليث بن سعد: حدثني سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما عندك"؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، حتى كان من الغد، فقال: "ما عندك يا ثُمامة"؟ قال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 18 تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال: "أطلقوه". فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليَّ من وجهك، وقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلها إليَّ. والله ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ. والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يعتمر. فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت يا ثمامة. قال: لا، ولكني أسلمت، فوالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حتى يأذن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. متفق عليه، "وأخرجه" مسلم أيضًا من حديث عبد الحميد بن جعفر عن المقبري، به. خالفهما محمد بن إسحاق، فيما روى يونس بن بكير عنه: حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: كان إسلام ثمامة بن أثال أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا الله حين عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما عرض له وهو مشرك، فأراد قتله، فأقبل معتمرًا حتى دخل المدينة، فتحير فيها حتى أخذ، فأتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمر به فَرُبِطَ إلى عمود من عمد المسجد. وفيه: وإن تسأل مالًا تعطه. قال أبو هريرة: فجعلنا المساكين نقول: ما نصنع بدم ثمامة؟ والله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 19 لأكلهٌ من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دمه. قلت: وهذا يدل على أن إسلام ثمامة كان بعد إسلام أبي هريرة، وهو في سنة سبع فذكر الحديث، وفيه: فانصرف من مكة إلى اليمامة، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام. وكانت اليمامة ريف مكة. قال: فأذن النبي -صلى الله عليه وسلم. وفيها: كان من السرايا، على ما زعم الواقدي: قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ربيع الأول أو الآخر عُكاشة بن محصن في أربعين رجلًا إلى الغمْر، وفيهم ثابت بن أقرم وشجاع بن وهب. فأسرعوا، ونذر بهم القوم وهربوا. فنزل عكاشة على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فساقوها إلى المدينة. وقال: وفيها بعث سرية أبي عبيدة إلى القصة، في أربعين رجلًا، فساروا ليلهم مشاة ووافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغار عليهم وأعجزهم هربًا في الجبال. وأصابوا رجلًا فأسلم، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة، في عشرة، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه، فما شعروا إلا بالقوم، فقتل أصحاب محمد، وأفلت هو جريحًا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 20 قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم. فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها: حليمة، فدلتهم على مكان فأصابوا مواشي, أسراء، منهم زوجها، فوهبها النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسها وزوجها. وفيها سرية زيد بن حارثة إلى الطرف؛ إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلًا. فهربت الأعراب وخافوا، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرًا. وغاب أربع ليال. وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص؛ في جمادى الأولى؛ وأخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص، فاستجار بزينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجارته. وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: أقبل دحية الكلبي من عند قيصر، قد أجازه بمال. فأقبل حتى كان بُحْسمي، فلقيه ناس من جُذَام، فقطعوا عليه الطريق وسلبوه، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يدخل بيته فأخبره. فبعث زيد بن حارثة إلى حُسْمَى؛ وهي وراء وادي القرى وكانت في جمادى الآخرة. ثم سرية زيد إلى وادي القرى في رجب. ثم قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة، قال: خرج علي -رضي الله عنه- في مائة إلى فدك إلى حي من بني سعد بن بكر. وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلغه عنهم أن لهم جمعًا يريدون أن يمدوا يهود الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 21 خيبر. فسار إليهم الليل وكمن النهار، وأصاب عينا فأقر له أنه بُعِثَ إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر. قال الواقدي: وذلك في شعبان. وكانت غزوة أم قرفة في رمضان سار إليها زيد بن حارثة؛ لأنها كانت تؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم، ذكره الواقدي. قال: وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل في شعبان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن أطاعوا فتزوج ابنة ملكهم". فأسلم القم، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ؛ والدة أبي سلمة، وكان أبوها ملكهم. وفي شوال كانت سرية كُرز بن جابر الفهري إلى العُرنيين الذي قتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الإبل. فبعثه في عشرين فارسًا وراءهم. وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: أن رهطًا من عكل وعرينة أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا أناس من أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذود وزاد، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها. فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في طلبهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك. قال قتادة: فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 22 يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] ، قال قتادة: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحث في خطبته بعد ذلك على الصدقة وينهى عن المثلة. متفق عليه. وفي بعض طرقه: من عكل، أو عُرينة. ورواه شعبة، وهمام، وغيرهما، عن قتادة فقال: من عرينة؛ من غير شكٍّ. وكذلك قال حميد، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس. وقال زهير: حدثنا سماك بن حرب، عن معاوية بن قرة، عن أنس: أن نفرًا من عرينة أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه، وقد وقع في المدينة الموم -وهو البرسام- فقالوا: هذا الوجع قد وقع يا رسول الله، فلو أذنت لنا فرحنا لي الإبل. قال: "نعم، فاخرجوا وكونوا فيها". أخرجوا، فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل، وجاء الآخر وقد جُرحَ، قال: قد قتلوا صاحبي ذهبوا بالإبل. وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفًا يقتص أثرهم. فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. أخرجه مسلم. وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قدم رهط من عُكْل فأسلموا فاجتووا الأرض، فذكره، وفيه: فلم ترتفع الشمس حتى أتى بهم، فأمر بمسامير فأحميت لهم، فكواهم وقطع أيديهم وأرجلهم، ولم يحسمهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 23 أخرجه البخاري. إسلام أبي العاص مبسوطًا: أسلم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي العبشمي، ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته زينب، أم أمامة، في وسط سنة ست. واسمه لقيط، قاله ابن معين والفلاس. وقال ابن سعد: اسمه مقسم، وأمه هالة بنت خويلد خالة زوجته، فهما أبناء خالة. تزوج بها قبل المبعث، فولدت له عليًا فمات طفلًا، وأمامة التي صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حاملها وهي التي تزوجها علي -رضي الله عنه- بعد موت خالتها فاطمة -رضي الله عنها- وكان أبو العاص يُدْعَى جَرْو البطحاء، وأسر يوم بدر، وكانت زينب مكة. قال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، قالت: فبعثت في فدائه بمال منه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها. فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القلادة رق لها وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا". ففعلوا. فأخذ عليه عهدًا أن يخلي زينب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرًّا. وقال ابن إسحاق: فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة ورجلًا، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 24 فقال: كونا ببطن يأجَج حتى تمر بكما زينب. وذلك بعد بدر بشهر. قال: وكان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالًا وأمانة وتجارة. وكان الإسلام قد فرَّق بينه وبين زينب، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقدر أن يفرق بينهما. قال يونس: عن ابن إسحاق: حَدَّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: خرج أبو العاص تاجرًا إلى الشام، وكان رجلًا مأمونًا. وكانت معه بضائع لقريش. فأقبل قافلًا فلقيته سرية للنبي -صلى الله عليه وسلم، فاستقوا عيره وهرب. وقدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما أصابوا فقسمه بيهم، وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب فاستجار بها، وسألها أن تطلب له من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رد ماله عليه. فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السرية فقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالًا ولغيره مما كان معه، وهو فيء، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم". قالوا: بل نرده عليه. فردوا والله عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة، والرجل بالإداوة وبالحبل. ثم خرج حتى قدم مكة، فأدَّى إلى الناس بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرًا. فقال: أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوفت أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا عبده ورسوله. وأما موسى بن عقبة فذكر أن أموال أبي العاص إنما أخذها أبو بصير في الهدنة بعد هذا التاريخ. وقال ابن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: قدم أبو العاص من الشام ومعه أموال المشركين، وقد أسلمت امرأته زينب وهاجرت، فقيل له: هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك؟ فقال: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي، فكفلت عنه امرأته أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 25 يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه؛ فيرجع ويسلم. ففعل. وما فرق بينهما، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم. وقال ابن لهيعة عن موسى بن جبير الأنصاري، عن عراك بن مالك، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة أن زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إليها زوجها أبو العاص أن خذي لي أمانًا من أبيك. فأطلعت رأسها من باب حجرتها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في الصبح، فقالت: أيها الناس إني زينب بنت رسول الله، وإني قد أجرت أبا العاص. فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة قال: "أيها الناس إني لا علم لي بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يجير على الناس أدناهم". وقال ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وقال حجاج بن أرطاة، عن محمد بن عبيد الله العرزمي -وهو ضعيف- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ردها بمهر جديد ونكاح جديد. قال الإمام أحمد: هذا حديث ضعيف، والصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرهما على النكاح الأول. وقال ابن إسحاق: ثم إن أبا العاص رجع إلى مكة مسلمًا، فلم يشهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مشهدًا. ثم قدم المدينة بعد ذلك، فتوفي في آخر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 26 سنة اثنتي عشرة، والله أعلم. سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال: قيل: إن سلام بن أبي الحقيق لما قتل أمرت يهود عليهم أسير بن زارم فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن رواحة في ثلاثة نفر سرًا، فسأل عن خبره وغرته فأخبر بذلك. فقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره. فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلًا، فبعث عليهم ابن رواحة. فقدموا على أسير فقالوا: نحن آمنون نعرض عليك ما جئنا له؟ قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك. فقالوا: نعم. فقالوا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا إليك لتخرج إليك فيستعملك على خيبر ويحسن إليك. فطمع في ذلك فخرج، وخرج معه ثلاثون من اليهود، مع كل رجل رديف من المسلمين. حتى إذا كانوا بقرقرة ثبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس -وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت: غدرًا، أي عدو الله. فعل ذلك مرتين. فنزلت فسقت بالقوم حتى انفردت إلى أسير فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه، فسقط وبيده مخرش، فضربني فشجني مأمومة، وملنا إلى أصحابه فقتلناهم، وهرب منهم رجل. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 27 فقدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لقد نجاكم الله من القوم الظالمين". وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، "ح" وموسى بن عقبة عن ابن شهاب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبًا فيهم عبد الله بن أنيس إلى بُشَير بن رزام اليهودي حتى أتوه بخيبر، فذكر نحو ما تقدم، والله أعلم. قصة غزوة الحديبية وهي على تسعة أميال من مكة: خرج إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذي القعدة سنة ست. قاله نافع، وقتادة، والزهري، وابن إسحاق، وغيرهم، وعروة في "مغازيه"، رواية أبي الأسود. وتفرد علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال. وفي الصحيحين عن هدبة، عن همام، قال: حدثنا قتادة، أن أنسًا أخبره أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا العمرة التي مع حجته: عمرة الحديبية زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. وقال الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 28 خرج عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم منها. أخرجه البخاري. وقال شعبة، عن عمرو بن مرَّة، سمع ابن أبي أوفى -وكان قد شهد بيعة الرضوان- قال: كنا يومئذ ألفًا وثلاث مائة. وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين. أخرجه مسلم. وعلقه البخاري في صحيحه. وقال حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. متفق عليه. وخالفه الأعمش، عن سالم، عن جابر، فقال: كنا أربع عشرة مائة، أصحاب الشجرة، اتفقا عليه أيضًا. وكأن جابرًا قال ذلك على التقريب. ولعلهم كانوا أربع عشرة مائة كاملة تزيد عددًا لم يعتبره، أو خمس عشرة مائة تنقص عددًا لم يعتبره والعرب تفعل هذا كثيرًا، كما تراهم قد اختلفوا في سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاعتبروا تارة السنة التي ولد فيها والتي توفي فيها فأدخلوهما في العدد. واعتبروا تارة السنين الكاملة وسكتوا عن الشهور الفاضلة. ويبين هذا أن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة. قلت: إن جابرًا قال: كانوا أربع عشرة مائة، قال: يرحمك الله، وهم. هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة. أخرجه البخاري. وقال عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة. فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم خير أهل الأرض". اتفقا عليه من حديث ابن عيينة. وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: كنا يوم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 29 الحديبية ألفًا وأربع مائة. صحيح. وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: نحرنا عام الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة. قلنا لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفًا وأربع مائة بخيلنا ورجلنا. وكذلك قاله البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع، في أصح الروايتين عنه، والمسيب بن حزم، من رواية قتادة، عن سعيد، عن أبيه. قال البخاري: معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان بن الحكم، يصدق كل واحد منهم حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه. حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة. وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش. وسار حتى إذا كان بعذبة الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشيروا علي، أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 30 لجوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه "؟ قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. قال: "فروحوا إذا". قال الزهري في الحديث: فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين". فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التى يهبط عليهم منها بركت راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء. قال: فروحوا إذا. قال الزهري: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المسور ومروان في حديثهما: فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش" -رجع الحديث إلى موضعه- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسى بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت به. قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش. فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 31 قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينا هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة. فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ، المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره". فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا، فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا؛ فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا كذا. فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عروة بن مسعود الثقفي، فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: هل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا عليه جئتكم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 32 بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلي. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نحوا من قوله لبديل. فقال: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر -رضي الله عنه- امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر. قال: والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك. فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ قال: وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء". ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم؛ فوالله ما تنخم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا. والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 33 كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعونى آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له. فبعثت له. واستقبله القوم يلبون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مكرز وهو رجل فاجر". فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم. فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: وأخبرني أيوب، عن عكرمة أنه قال: لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سهل لكم من أمركم". قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتابًا. فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ثم قال-: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله". قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 34 فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف". فقال: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فقال: المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى نفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: وهذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد". قال: فوالله إذا لا نصالحك على شيء أبدا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجره لي". قال: ما أنا بمجيره لك. قال: "بلي، فافعل" قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجرناه. قال أبو جندل: معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله. فقال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ألست نبي الله؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري". قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف حقا؟ قال: "بلي"، أنا أخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلي. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول وليس يعصي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 35 ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنه سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال: الزهري. قال عمر: فعلمت لذلك أعمالا. فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قوموا فانحروا ثم احلقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك، ثم تدعو بحالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات، وأنزل الله: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حتى بلغ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية، والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسلوه في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيدا جدا. فاستله الآخر فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه. فأمكنه منه فضربه حتى برد. وفر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. قال: فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 36 الله قد أوفي الله ذمتك، والله قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد". فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم. فخرج حتى أتى سيف البحر. وينفلت منهم أبو جندل ابن سهيل فلحق بأبي بصير، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة. قال: فوالله لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} حتى بلغ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24- 26] ، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا بنبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت. أخرجه البخاري، عن المسندي، عن عبد الرزاق، عن معمر، بطوله. وقال قرة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يصعد الثنية، ثنية المرار، فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل. فكان أول من صعد خيل بني الخزرج. ثم تبادر الناس بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر". فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم. وإذا هو رجل ينشد ضالة. أخرجه مسلم. وقال البخاري: عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 37 عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فما تركنا فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا نحن وركابنا. أخرجه البخاري. وقال عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة ما ترويها، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها، فإما دعا وإما بزق فيها فجاشت فسقينا واستقينا. أخرجه مسلم. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن مسور، ومروان بن الحكم أنهما حدثاه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا. وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر. قال ابن إسحاق: وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة. قلت: قد ذكرنا عن جماعة من الصحابة كقول جابر. ثم ساق ابن إسحاق حديث الزهري بطوله، وفيه ألفاظ غريبة، منها: وجعل عروة بن مسعود يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، والمغيرة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد. قال: فجعل يقرع يد عروة إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: اكفف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 38 لا تصل إليك. فيقول عروة: ويحك ما أفظك وأغلظك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له عروة: من هذا يا محمد؟ قال: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة". قال: أي غدر، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس؟ قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك بن ثقيف، فتهايج الحيان من ثقيف رهط المقتولين، والأحلاف رهط المغيرة، فودى عروة المقتولين ثلاثة عشر دية، وأصلح الأمر. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، قال عروة: وخرجت قريش من مكة، فسبقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلدح وإلى الماء، فنزلوا عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد سبق نزل على الحديبية، وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة، فأشفق القوم من الظمأ وهم كثير، فنزل فيها رجال يميحونها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج فيه، وأمر أن يصب في البئر، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ودعا الله تعالى، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها، وهم جلوس على شفتها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سلك على غير الطريق التي بلغه أن قريشا بها. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رجلا من أسلم قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسلك بهم طريقا وعرا أخزل من شعاب، فلما خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 39 إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه" فقالوا ذلك. فقال: "والله إنها للحطة التى عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها". قال عبد الملك بن هشام: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: "اسلكوا ذات اليمين بين ظهري المحمص في طريق تخرجه على ثنية المرار، مهبط الحديبية من أسفل مكة" فلما رأت قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش. وقال شعبة، وغيره، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لجابر: كم كنتم يوم الشجرة؟ قال: كنا ألفا وخمس ومائة: وذكر عطشا أصابهم، فاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء في تور فوضع يده فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون، فشربنا ووسعنا وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا. وقد أخرجه البخاري من أوجه أخر عن حصين. وقال أبو عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، قال: جابر بن عبد الله: غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن يومئذ أربع عشرة مائة، فحضرت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل في القوم من طهور"؟ فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ، ثم انصرف وترك القدح. قال: فركب الناس ذلك القدح وقالوا: تمسحوا تمسحوا. فقال رسول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 40 الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلكم"، حين سمعهم يقولون ذلك. قال: فوضع كفه في الماء والقدح وقال: "سبحان الله". ثم قال: "أسبغوا الوضوء". فوالذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرفعها حتى توضؤوا أجمعون. رواه مسدد، عنه. وقال عكرمة بن عمار العجلي: حدثنا إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا. فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا، فاجتمع زاد القوم على النطع. فتطاولت لأحزركم هو؟ فحزرته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شعبنا جميعا ثم حشونا جرباننا. ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "هل من وضوء"؟ فجاء رجل بإداوة له، فيها نطفة فأفرغها في قدح. فتوضأنا كلنا، ندغفقه دغفقة، أربع عشرة مائة. قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرغ الوضوء". أخرجه مسلم. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: قال ابن عباس: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية كلمه بعض أصحابه فقالوا: جهدنا وفي الناس ظهر فانحره. فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن معهم بقية ظهر أمثل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابسطوا أنطاعكم وعباءكم". ففعلوا. ثم قال: "من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينثره". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 41 ودعا لهم ثم قال: "قربوا أوعيتكم". فأخذوا ما شاء الله. يحدثه نافع بن جبير. وقال يحيى بن سليم الطائفي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران في صلح قريش قال أصحابه: لو انتحرنا يا رسول الله من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق أصبحنا غدا إذا عدونا عليهم وبنا جمام. قال: "لا، ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم". فبسطوا أنطاعا ثم صبوا عليها فضول أزوادهم. فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، فأكلوا حتى تضلعوا شبعا، ثم لففوا فضول ما فضل من أزوادهم في جربهم. مالك، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمسوا الوضوء، فلم يجدوه. فأتى بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضؤوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه. فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم. متفق عليه. وقال حماد بن زيد: حدثنا ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضؤون. فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين من توضأ منه، فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. متفق عليه. وقال عبد الله بن بكر: حدثنا حميد، عن أنس، قال: حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله يتوضأ وبقي قوم. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 42 فتوضأ القوم. قلنا: كم هم؟ قال: ثمانون وزيادة. أخرجه البخاري. وجاء: أنهم كانوا بقباء. وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء يتوضؤون. فوضع كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضؤوا. فقلنا لأنس: كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاث مائة. أخرجه مسلم، والبخاري أيضا بمعناه. والزوراء بالمدينة عند السوق والمسج. وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثني زياد بن نعيم الحضرمي، قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا طويلا منه: فوضع كفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أستحيي من ربي لسقينا واستقينا". عبد الرحمن ضعيف. وهذه الأحاديث تدل على البركة في الماء غير مرة. وقال إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام. وأتي بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم. فقال: "حي على الطهور المبارك والبركة من السماء". حتى توضأنا كلنا. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 43 وقال أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من ماء، فجعل أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه، فرأيت العيون تنبع من بين أصابعه. وذكر الحديث. إسناده جيد. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، قال: قال عروة في نزوله صلى الله عليه وسلم بالحديبية: ففزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب أن يبعث إليهم رجلا. فدعا عمر ليبعثه فقال: إني لا آمنهم، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي، فأرسل عثمان فإن عشيرته بها. فدعا عثمان فأرسله وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح. فانطلق عثمان فمر على قريش ببلدح. فقالت قريش: إلى أين؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم لأدعوكم إلى الإسلام، ويخبركم أنا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمارا. فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: قد سمعنا ما تقول فانفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأسرج فرسه، فحمل عليه عثمان فأجاره، وردفه أبان حتى جاء مكة. ثم إن قريشا بعثوا بديل بن ورقاء؛ فذكر الحديث والصلح. وذكر أنهم أمن بعضهم بعضا وتزاوروا. فبيناهم كذلك، وطوائف من المسلمين في المشركين، إذ رمى رجل رجلا من الفريق الآخر. فكانت معاركة، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان وارتهن كل واحد من الفريقين من فيهم، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو وغيره، وارتهن المشركون عثمان وغيره. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة. ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 44 روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا. فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا أبدا. فذكر القصة بطولها، وفيها: فقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان بن عفان: خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون". قالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال: "ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا". فرجع إليهم عثمان، فقال المسلمون: اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال: عثمان: بئس ما ظننتم بي، فوالذي نفسى بيده لو مكثت بها مقيما سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت. وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرح حتى نناجز القوم". فدعا الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة. فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر يقول: لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني بعض آل عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب بإحدى يديه على الأخرى، وقال: هذه لي وهذه لعثمان إن كان حيًّا: ثم بلغهم أن ذلك باطل، ورجع عثمان. ولم يتخلف عن بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة. قال جابر: والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضبأ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 45 إليها يستتر بها من الناس. قال الحسن بن بشر البجلي: حدثنا الحكم بن عبد الملك -وليس بالقوي قال النسائي- عن قتادة، عن أنس، قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببيعة الرضوان كان عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. فبايع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عثمان في حاجة الله ورسوله". فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم. وقال ابن عيينة: حدثنا أبو الزبير، سمع جابرا يقول: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة وجدنا رجلا منا يقال له: الجد بن قيس مختبئا تحت إبط بعير. أخرجه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، وبه قال: لم نبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر. أخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة، وأخرجه من حديث الليث، عن أبي الزبير، وقال: فبايعناه وعمر -رضي الله عنه- آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة. وقال خالد الحذاء، عن الحكم بن عبد الله الأعرج، عن معقل بن يسار، قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة. ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر. أخرجه مسلم. وقال ابن عيينة: حدثنا ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لم دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 46 فقال: ابسط يدك أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام تبايعني" قال: على ما في نفسك. وقال مكي بن إبراهيم، وأبو عاصم -واللفظ له- عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ثم عدلت إلى ظل شجرة. فلما خف الناس قال: "يا ابن الأكوع ألا تبايع" قلت: قد بايعت يا رسول الله. قال: "وأيضا". فبايعته الثانية فقلت لسلمة: يا أبا مسلم على أى شي كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت. متفق عليه. وقال عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، فذكر الحديث، وقال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا البيعة في أصل الشجرة، فبايعته أول الناس ويايع، حتى إذا كان في وسط الناس، قال: "بايعني يا سلمة". فقلت: يا رسول الله قد بايعتك. قال: "وأيضا". قال: ورآني عزلا فأعطاني حجفة أو درقة. ثم بايع، حتى إذا كان في آخر الناس قال: "ألا تبايع"؟ قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم. قال: "وأيضا". فبايعت الثالثة. فقال: "يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك"؟ قلت: لقيني عامر فأعطيتها إياه. فضحك ثم قال: "إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي". ثم إن مشركي مكة راسلونا بالصلح حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا. وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 47 ورسوله. فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في ظلها. فأتاني أربعة من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، فعلقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينا هم كذلك إذ ناد مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقد، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم إلا ضربت الذي فيه عيناه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له: مكرز يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين، فنظر إليهم. وقال: "دعوهم، يكون لهم بدء الفجور وثناؤه". فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزلت: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: 24] ، أخرجه مسلم. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل جبل التنعيم ليقاتلوه. قال: فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذا، فأعتقهم. فأنزل الله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية، أخرجه مسلم. وقال الوليد بن مسلم: حدثنا عمر بن محمد العمري، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، قد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 48 تفرقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال -يعني عمر: يا عبد الله انظر ما شأن الناس؟ فوجدهم يبايعون، فبايع ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع. أخرجه البخاري فقال: وقال هشام بن عمار، حدثنا الوليد. قلت: ورواه دحيم، عن الوليد. قلت: وسميت بيعة الرضوان من قوله -تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] . قال أبو عوانة، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، قال: كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الشجرة، قال: فانطلقنا في قابل حاجين، فخفي علينا مكانها، فإن كانت تبينت لكم فأنتم أعلم. متفق عليه. وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير المكي أنه سمع جابرا يقول: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة "الذين بايعوا تحتها أحد". قلت: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، فقال: قد قال -تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] ، أخرجه مسلم. قرأت على عبد الحافظ بن بدران: أخبركم موسى بن عبد القادر، والحسين بن أبي بكر، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 49 محمد بن أبي مسعود، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، قال: حدثنا أبو القاسم البغوي، قال: حدثنا العلاء بن موسى إملاء، سنة سبع وعشرين ومائتين، قال: أخبرنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار". أخرجه النسائي. وقال قتيبة: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو حاطبا؛ قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية". وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان في قصة الحديبية؛ قالا: فدعت قريش سهيل بن عمرو؛ قالوا: اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا تكونن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة. فخرج سهيل من عندهم، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقبلا، قال: "قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل". فوقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يخلوا بينه وبين مكة من العام المقبل، فيقيم بها ثلاثا، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك، ومن أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا، وأن بينا وبينك عيبة مكفوفة، وأنه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 50 لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث. الإسلال: الخفية، وقيل: الغارة، وقيل: سل السيوف والإغلال: الغارة. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لما صالح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشركي مكة كتب بينهم كتابا: "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله". قالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نقاتلك. قال لعلي: "امحه". فأبى، فمحاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، وكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. واشتراطوا عليه أن يقيموا ثلاثا، وأن لا يدخلوا مكة بسلاح إلا جلبان السلاح، يعني السيف بقرابه. متفق عليه. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس نحوه أو قريبا منه. أخرجه مسلم. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصلح كان عليا -رضي الله عنه- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو". فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا: محمد رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اكتب، فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد"، فكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله". وقال عبد العزيز بن سياه: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: أيها الناس اتهموا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 51 أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية، ولو نرى قتالا لقاتلنا. فأتي عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في أنفسنا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: "يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله"، فانطلق متغيظا إلى أبي بكر، فقال له كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونزل القرآن، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله، أوفتح هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه ورجع. متفق عليه. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان، قالا: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عند أم سلمة فلم يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحر وحلق. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وحلق بعض وقصر بعض. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر للمحلقين". فقيل: يا رسول الله والمقصرين؟ فقال: "اغفر للمحلقين"، ثلاثا. قيل: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: "وللمقصرين". وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قيل له: لم ظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة؟ فقال: إنهم لم يشكوا. وقال يونس -هو ابن بكير- عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم، عن أبي سعيد، قال: حلق أصحاب رسول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 52 الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية كلهم غير رجلين؛ قصرا ولم يحلقا. أبو إبراهيم مجهول. وقال ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن وهب بن عبد الله بن قارب، قال: كنت مع أبي، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يرحم الله المحلقين". قال رجل: والمقصرين يا رسول الله؟ فلما كانت الثالثة، قال: "والمقصرين". وقال يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا زهير بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: نحر يوم الحديبية سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها. ويروى عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهدي في عمرة الحديبية جملا كان لأبي جهل، في أنفه برة من ذهب أهداه ليغيظ به قريشا. وقال فليح بن سليمان، [عن نافع] عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج معتمرا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحا عليها إلا سيوفا، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل، فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثا، أمروه أن يخرج فخرج. أخرجه البخاري. وقال مالك عن أبي الزبير، عن جابر، نحرنا بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة. رواه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 53 نزول سورة الفتح: قال مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسير في بعض أسفاره، وعمر معه ليلا. فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجيه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال: فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فلم أنشب أن سمعت صارخا يصرخ، قال: قلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه، فقال: "لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح] ، أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير، عن عبد الرحمن المسعودي، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، عن ابن مسعود؛ قال: لما أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، جعلت ناقته تثقل، فتقدمنا، فأنزل عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} . وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قال: فتح الحديبية، فقال رجل: هنيئا مريئا يا رسول الله هذا لك، فما لنا؟ فأنزلت: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5] . قال شعبة: فقدمت الكوفة فحدثتهم عن قتادة، عن أنس، ثم قدمت البصرة فذكرت ذلك لقتادة، فقال: أما الأول فعن أنس، وأما الثاني: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 54 {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} ، فعن عكرمة، أخرجه البخاري. وقال همام: حدثنا قتادة، عن أنس، قال: لما نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} إلى آخر الآية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرجعه من الحديبية، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة، فقال: "نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا". فلما تلاها قال رجل: قد بين الله ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزلت التي بعدها: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} . أخرجه مسلم. وقال يونس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، ومروان قالا في قصة الحديبية: ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعا، فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح. فكانت القصة في سورة الفتح وما ذكر الله من بيعة الرضوان تحت الشجرة. فلما أمن الناس وتفاوضوا، لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك. وكان صلح الحديبية فتحا عظيما. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة؛ قالوا: وأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية راجعا. فقال رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: والله ما هذا بفتح؛ لقد صددنا عن البيت وصد هدينا، وعكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية ورد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلين من المسلمين خرجا. فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول رجال من أصحابه: إن هذا ليس بفتح، فقال: "بئس الكلام، هذا أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألونكم القضية ويرغبون إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 55 كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم وردكم سالمين غانمين مأجورين، فهذا أعظم الفتوح. أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم"؟، فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، هذا أعظم الفتوح والله يا نبي الله. قال ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ظهرت الروم على فارس عند مرجع المسلمين من الحديبية، وقال مثل ذلك عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وكانت بين الروم وبين فارس ملحمة مشهودة نصر الله -تعالى- فيها الروم، ففرح المسلمون بذلك، لكون أهل الكتاب في الجملة نصروا على المجوس. وقال مغيرة، عن الشعبي في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ؛ قال: فتح الحديبية، وبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس. ففرح المؤمنون بتصديق كتاب الله ونصر أهل الكتاب على المجوس. وقال شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] ، قال: خيبر. {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: 21] ، قال: فارس والروم. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، فقالوا له حين نحر بالحديبية: أين رؤياك يا رسول الله؟ فأنزل الله: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} إلى قوله: {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] ، يعني النحر بالحديبية، ثم رجعوا ففتحوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 56 خيبر، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة. وقال هشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد، وعكرمة: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح: 16] ، قالا: هوازن يوم حنين. رواه سعيد بن منصور في سننه. وقال بندار: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن هشيم، فذكره، وزاد: هوازن وبنو حنيفة. وقال عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ، قال: فارس. وقال: {السَّكِينَة} هي الرحمة. وقال أبو حذيفة النهدي: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن علي {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4] ، قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان، ثم هي بعد ريح هفافة. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: السكينة كهيئة الريح، لها رأس كرأس الهرة وجناحان. وقال المسعودي، عن قتادة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} ، قال السرية، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} ، قال: هو محمد -صلى الله عليه وسلم. {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} [الرعد: 31] ، قال: فتح مكة. وعن مجاهد: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} ، قال: الحديبية ونحوها. رواه شريك، عن منصور، عنه. وقال الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عروة أنه سمع مروان بن الحكم، والمسور، يخبران عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما كاتب سهيل بن عمرو، فذكر الحديث، وفيه: وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 57 وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] . قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحنهن بهذه الآية: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآية [الممتحنة: 12] ، قالت: فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها: $"قد بايعتك"، كلاما يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: ولما رجع رسول الله إلى المدينة انفلت من ثقيف أبو بصير بن أسيد بن جارية الثقفي من المشركين، فذكر من أمره نحوًا مما قدمناه. وفيه زيادة وهي: فخرج أبو بصير معه خمسة كانوا قدموا من مكة، ولم ترسل قريش في طلبهم كما أرسلوا في أبي بصير، حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عير قريش مما يلي سيف البحر، لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها. وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا أسلموا وهاجروا، فلحقوا بأبي بصير، وقطعوا مادة قريش من الشام، وكان أبو بصير يصلي بأصحابه، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمهم. واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 58 وأسلم وجهينة وطوائف، حتى بلغوا ثلاث مائة مقاتل وهم مسلمون، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألونه أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه فيقدموا عليه، وقالوا: من خرج منا إليك فأمسكه، قال: ومر بأبي بصير أبو العاص بن الربيع من الشام فأخذوه، فقدم على امرأته زينب سرا. وقد تقدم شأنه. وأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابه إلى أبي بصير أن لا يعترضوا لأحد. فقدم الكتاب على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا. وقال يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة، أن أبا هريرة حدثه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى العشاء الآخرة نصب في الركعة الآخرة بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده"، ويقول: "اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين مثل سني يوسف". ثم لم يزل يدعو حتى نجاهم الله -تعالى- ثم ترك الدعاء لهم بعد ذلك. وفي سنة ست: مات سعد بن خولة -رضي الله عنه- في الأسر بمكة. ورثى له النبي -صلى الله عليه وسلم- لكونه مات بمكة. وفيها قتل هشام بن صبابة أخو مقيس، قتله رجل من المسلمين وهو يظن أنه كافر، فأعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- مقيسا ديته. ثم إن مقيسا قتل قاتل أخيه، وكفر وهرب إلى مكة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 59 وفي ذي الحجة: ماتت أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، أم عائشة -رضي الله عنهما- أخرج البخاري من رواية مسروق عنها حديثا وهو منقطع؛ لأنه لم يدركها، أو قد أدركها فيكون تاريخ موتها هذا خطأ. والله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 60 السنة السابعة: غزوة خيبر: قال عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: كان افتتاح خيبر في عقب المحرم، وقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر صفر. قلت: وكذا رواه ابن إسحاق عن غير عبد الله بن أبي بكر. وذكر الواقدي، عن شيوخه، في خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر: في أول سنة سبع. وشذ الزهري فقال، فيما رواه عنه موسى بن عقبة في مغازيه، قال: ثم قاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر من سنة ست. وهذا لا يصح إلا إذا جعلنا ذلك في السنة السادسة من ساعة قدومه المدينة. والله أعلم. وخيبر: بليدة على ثمانية برد من المدينة. قال وهيب: حدثنا خثيم بن عراك، عن أبيه، عن نفر من بني غفار، قالوا: إن أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري. قال أبو هريرة: فوجدناه في صلاة الصبح، فقرأ في الركعة الأولى {كهيعص} [مريم: 1] ، وقرأ في الثانية {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين} [المطففين: 1] ، قال أبو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 61 هريرة: فأقول في صلاتي: ويل لأبي فلان له مكيالان، إذا اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص. قال: فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سباع ابن عرفطة فزودنا شيئا حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد فتح خيبر، فكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم. وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار: أخبرني سويد بن النعمان، أنه خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء -وهي أدنى خيبر- صلى العصر، ثم دعا بأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكلنا. ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ. أخرجه البخاري. وقال حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة، قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟. وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم ويقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من هذا السائق"؟ قالوا: عامر. قال: "يرحمه الله". قال رجل من القوم: وجبت يا رسول الله، لولا أمتعتنا به. فأتينا خيبر فحاصرهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. فلما أمسى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 62 الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما هذه النيران على أي شي توقد"؟ قالوا: على لحم حمر إنسية. فقال: "أهريقوها واكسروها". فقال رجل: أو يهريقوها ويغسلوها. قال: "أو ذاك". قال: فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر، فمات منه. فلما قفلوا قال سلمة، وهو آخذ بيدي لما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساكتا، قال: "مالك"؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله. قال: "من قاله"؟ قلت: فلان وأسيد بن حضير. فقال: "كذب من قاله، له أجران، وجمع بين أصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله". متفق عليه. وقال مالك: عن حميد، أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا. وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح. فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". أخرجه البخاري. وأخرجاه من حديث ابن صهيب، عن أنس. وقال غير واحد: شعبة، وابن فضيل، عن مسلم الملائي، عن أنس، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 63 دعوة الملوك، ويركب الحمار، ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف. وقال يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم: أخبرني سهل بن سعد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلهم يرجوا أن يعطاها. فقال: "أين علي بن أبي طالب"؟ قيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع. فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم". أخرجه عن قتيبة، عن يعقوب. وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدا رجلا يجب الله ورسوله، يفتح الله على يديه". فقال عمر: أحببت الإمارة قط حتى يؤمئذ. فدعا عليا فبعثه، ثم قال: "اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت"، قال علي: علام أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله". أخرجه مسلم، وأخرجا نحوه من الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 64 حديث سلمة بن الأكوع. وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدثني أبي أن عمه عامرا حدا بهم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "غفر لك ربك". قال: وما خص بها أحد إلا استشهد. فقال عمر: هلا متعتنا بعامر؟ فقدمنا خبير، فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه، ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز له عامر، وهو يقول: قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، فرجع بسيفه على نفسه فقطع أكحله، وكانت نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، قال: "ما لك"؟ فقلت: قالوا إن عامرا بطل عمله. قال: "من قال ذلك "؟ قلت: نفر من أصحابك. فقال: "كذب أولئك بل له من الأجر مرتين" قال: فأرسل إلى علي يدعوه وهو أرمد فقال: لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فجئت به أقوده. قال: فبصق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عينيه فبرأ، فأعطاه الراية. قال: فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال: فبرز له علي -رضي الله عنه- وهو يقول: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 65 أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح. أخرجه مسلم. وقال البكائي: قال ابن إسحاق، فحدثني محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي الهيثم بن نصر الأسلمي أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -في مسيره لخيبر- لعامر بن الأكوع: خذ لنا من هناتك فنزل يرتجز، فقال: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يرحمك الله". فقال عمر: وجب والله يا رسول الله، لو أمتعتنا به. فقتل يوم خيبر شهيدا. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع، قال: فخرج علي -رضي الله عنه- بالراية يهرول وإنا نخلفه حتى ركزها في رضم من حجارة تحت الحصن. فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب: فقال اليهودي: غلبتم -وعند البكائي: علوتم -وما أنزل على موسى. فما رجع حتى فتح الله عليه. وقال يونس بن بكير، عن المسيب بن مسلم الأزدي: حدثنا عبد الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 66 بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نهض فقاتل قتالا شديدا، ثم رجع. فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة"، وليس ثم علي. فتطاولت لها قريش، رجاكل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك. فأصبح وجاء علي على بعير حتى أناخ قريبا، وهو أرمد قد عصب عينه بشق برد قطري. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما لك"؟ قال: رمدت بعدك، قال: "ادن مني"، فتفل في عينه، فما وجعها حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بها، وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، فأتى مدينة خيبر. وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر مظهر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز، فارتجز علي واختلفا ضربتين، فبدر علي بضربة، فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة. وقال عوف الأعرابي، عن ميمون أبي عبد الله الأزدي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: فاختلف مرحب وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عض السيف بأضراسه. وسمع أهل العسكر صوت ضربته. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 67 وما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله له ولهم. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال: خرجنا مع علي حين بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- برايته. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي باب الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه. ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني مع نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه. رواه البكائي، عن ابن إسحاق، عن أبي رافع منقطعا، وفيه: فتناول على بابا كان عند الحصن. والباقى بمعناه. وقال إسماعيل بن موسى السدي: حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: دخلت عليه، فقال: حدثني جابر بن عبد الله أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه، فافتتحوها، وأنه خرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلًا. تابعه فضيل بن عبد الوهاب، عن مطلب. وقال يونس بن بكير، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، والمنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان علي يلبس في الحر والشتاء القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئا فهل رأيته؟ فقتلت: وهو؟ قالوا: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 68 المحشو وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئا؟ فقلت: لا. فقالوا: سل لنا أباك فإنه يسمر معه. فسألته فقال: ما سمعت في ذلك شيئا. فدخل عليه فسمر معه فسأله فقال علي: أو ما شهدت معنا خيبر؟ قال: بلي. قال: فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم، فانطلق فلقي القوم، ثم جاء بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلي. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له وبعثه إلى القوم، فانطلق فلقي القوم فقاتهلم ثم رجع وقد هزم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: "لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار"، فدعاني فأعطاني الراية، ثم قال: "اللهم اكفه الحر والبرد"، فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا. وقال أبو عوانة، عن مغيرة الضبي، عن أم موسى، قالت: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت مذ دفع إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراية يوم خيبر. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده. فصل فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة: قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام يوم خيبر فوعظهم. وفيه: فخرج اليهود بعاديتها، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا. وقتل محمد بن مسلمة الأشهلي مرحبا اليهودي. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 69 وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، نحوه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن سهل الحارثي، عن جابر بن عبد الله، قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول: من يبارز؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من لهذا"؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا له، أنا والله الموتور الثاثر، قتلوا أخي بالأمس. قال: "قم إليه، اللهم أعنه عليه". فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة عمرية، فجعل كل واحد منها يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه، حتى برز كل واحد منهما، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن، ثم حمل على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة، فعضت بسيفه فأمسكته، وضربه محمد حتى قتله، فقيل: إنه ارتجز فقال: قد علمت خيبر أني ماضي ... حلو إذا شئت وسم قاضي وكان ارتجاز مرحب: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب ... وأحجمت عن صولة المغلب أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إن حماي للحمى لا يقرب وقال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع بن خديج، عن أبيه، عن جابر، قال: وحدثني زكريا بن زيد، عن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن سلمة بن سلامة، قال: وعن مجمع بن يعقوب، عن أبيه، عن مجمع بن جارية، قالوا جميعا: إن محمد بن مسلمة قتل مرحبا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 70 وذكر الواقدي، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، أن عليا حمل على مرحب فقطره على الباب، وفتح على الباب الآخر، وكان للحصن بابان. قال الواقدي: وقيل: إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، فقال: أجهز علي يا محمد. فقال: ذق الموت كما ذاقه أخي محمود، وجاوزه، ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه. فاختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سلبه، فأعطاه محمدا. وكان عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدرى ما هو، حتى قرأه يهودي من يهود تيماء فإذا فيه: هذا سيف مرحب من يذقه يعطب. قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: برز مرحب وكان طوالا جسيما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين برز وطلع: "أترونه خمسة أذرع"؟ وهو يدعو إلى البراز؛ فبرز له علي فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئا، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه. قال ابن إسحاق: ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، فبرز له الزبير فقتله. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. ورواه موسى بن عقبة -واللفظ له- قال: ثم دخلوا حصنا لهم منيعا يدعى القموص، فحاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قريبا من عشرين ليلة. وكانت أرضًا وخمة شديدة الحر، فجهد المسلمون جهدا شديدا، فوجدوا أحمرة ليهود، فذكر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 71 قصتها، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكلها. ثم قال: وجاء عبد حبشي من أهل خيبر كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي. فوقع في نفسه، فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، وقال: ماذا لي؟ قال: "الجنة" فقال: يا رسول الله إن هذه الغنم عندي أمانة. قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإن الله سيؤدي عنك أمانتك"، ففعل؛ فرجعت الغنم إلى سيدها. ووعظ النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس، إلى أن قال: "وقتل من المسلمين العبد الأسود، فاحتملوه فأدخل في فسطاط، " فزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع في الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه فقال: "لقد أكرم الله هذا العبد، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين". وقال ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن شرحبيل بن سعد، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة خيبر، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها، فجاؤوا به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه، فقال له الرجل: إني قد آمنت بك فكيف بالغنم فإنها أمانة، وهي للناس الشاة والشاتان، قال: "احصب وجوهها ترجع إلى أهلها". فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها. ثم تقدم إلى الصف، فأصابه سهم فقتله. ولم يصل لله سجدة قط، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أدخلوه الخباء" فأدخل خباء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليه ثم خرج فقال: "لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 72 وهذا حديث حسن أو صحيح. وقال مؤمل بن إسماعيل: حدثنا حماد، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون، قبيح الوجه، منتن الريح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال: "نعم". فتقدم فقاتل حتى قتل. فأتى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مقتول، فقال: "لقد أحسن الله وجهك وطيب روحك وكثر مالك". قال: وقال -لهذا أو لغيره: "لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينازعانه جبته عنه، يدخلان فيما بين جلده وجبته". وهذا حديث صحيح. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض أسلم، أن بعض بنى سهم من أسلم أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فقالوا: يا رسول الله، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقال: "اللهم إنك قد علمت حالهم وأنهم ليست لهم قوة وليس بيدي ما أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصن بها غني، أكثره طعاما وودكا". فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخبير حصن أكثر طعاما وودكا منه. فلما افتتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضع عشرة ليلة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 73 ذكر صفية: وقال البكائي، عن ابن إسحاق، قال: وتدنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأموال، يأخذها مالا مالا، ويفتحها حصنا حصنا. فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة الأنصاري أخو محمد، ألقيت عليه رحى فقتلته. ثم القموص؛ حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم سبايا، منهن صفية بنت حيي بن أخطب، وبنتا عم لها، فأعطاهما دحية الكلبي. وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني ابن لمحمد بن مسلمة الأنصاري عمن أدرك من أهله، وحدثنيه مكنف، قالا: حاصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ففعل. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حاز الأموال كلها: الشق والنطاة والكتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان في ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ويخلون بينه وبين الأموال، ففعل. فكان ممن مشى بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبينهم، في ذلك، محيصة بن مسعود. فلما نزلوا على ذلك سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعاملهم على الأموال على النصف، وقال: "نحن أعلم بها منكم وأعمر لها". فصالحهم على النصف على أنا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 74 المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب. وقال حماد بن زيد، عن ثابت، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على أهل خيبر قتل المقاتلة وسبى الذراري، فصارت صفية لدحية الكلبي، ثم صارت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها. متفق عليه. وقال يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- جمال صفية، وكانت عروسًا وقتل زوجها، فاصطفاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، فلما كنا بسد الصهباء حلت، فبنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم: واتخذ حيسا في نطع صغير، وكانت وليمته. فرأيته يحوي لها بعباءة خلفه، ويجلس عند ناقته، فيضع ركبته فتجيء صفية فتضع رجلها على ركبته ثم تركب. فلما بدا لنا أحد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هذا جبل يحبنا ونحبه". أخرجه البخاري، بأطول من هذا، ومسلم. وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير: أخبرني حميد، سمع أنسا، قال: أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت، وألقي عليها التمر والأقط والسمن. فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين هي أو مما ملكت يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 75 لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب بينها وبين الناس. أخرجه البخاري. وقال حماد بن سلمة: حدثنا عبيد الله بن عمر- فيما أحسب- عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفراء والبيضاء، ويخرجون منها، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعم حيي: "ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير"؟ قال: أذهبته النفقات والحروب. فقال: " العهد قريب والمال أكثر من ذلك". فدفعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الزبير، فمسه بعذاب، وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة، فقال عمه: قد رأيت حييا يطوف في خربة ههنا. فذهبوا فطافوا، فوجدوا المسك في الخربة. فقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابني حقيق، وأحدهما زوج صفية. وسبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا. وأراد أن يجليهم منها، فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها. ولم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، فأعطاهم على النصف ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر. فشكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله تطمعوني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 76 بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض. قال: ورأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعين صفية خضرة، فقال: "ما هذه"؟ قالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك، فلطمني وقال: تمنين ملك يثرب؟ قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبغض الناس إلي، قتل أبي وزوجي. فما زال يعتذر إلي ويقول: "إن أباك ألب العرب علي وفعل وفعل"، حتى ذهب ذلك من نفسي. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام، وعشرين وسقا من شعير. فلما كان زمن عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت، ففدعوا يديه، فقال عمر: من كان له سهم بخيبر فليحضر، حتى قسمها بينهم. وقال رئيسهم: لا تخرجنا، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر. فقال له: أتراه سقط عني قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف بك إذا رقصت بك راحلتك تخوم الشام يوما ثم يوما ثم يوما. وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية. استشهد به البخاري في كتابه، فقال: ورواه حماد بن سلمة. وقال أبو أحمد المرار بن حمويه: حدثنا محمد بن يحيى الكناني، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما فدعت بخيبر قام عمر خطيبا، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل يهود خيبر على أموالها، وقال: "نقركم ما أقركم الله"، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى خيبر، ماله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 77 هناك، فعدي عليه من الليل ففدعت يداه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، وهم تهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، تخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا؟ فقال: أظننت أني نسيت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة. فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالًا وإبلًا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك. أخرجه البخاري عن أبي أحمد. وقال ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين النصف من ذلك. وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس. أخرجه أبو داود. وقال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم خيبر ستة وثلاثين سهما، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهما، يجمع كل سهم مائة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- معهم وله سهم كسهم أحدهم. وعزل النصف لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين، فكان ذلك الوطيح والسلالم والكتيبة وتوابعها، فلما صارت الأموال بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها، فدعا اليهود فعاملهم. قال البيهقي -رحمه الله: وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوة، وبعضها صلحا. فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 78 لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن خيبر يوم أشركها النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها زرع، ونخل فكان يقسم لنسائه كل سنة لكل واحدة منهن مائة وسق تمر، وعشرين وسق شعير لكل امرأة. رواه الذهلي، عن عبد الرزاق، فأسقط منه: ابن عمر. وقال ابن وهب: قال يحيى بن أيوب: حدثني إبراهيم بن سعد، عن كثير مولى بني مخزوم، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم لمائتي فرس يوم خيبر سهمين سهمين. قال ابن وهب: وقال لي يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، وصالح بن كيسان مثل ذلك. وقال ابن عيينة، حدثنا يحيى بن سعد، عن صالح بن كيسان، قال: كانوا يوم خيبر ألفا وأربع مائة، وكانت الخيل مائتي فرس. وقال يونس، عن ابن إسحاق: أخبرني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: لم قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخوتنا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم بمنزل واحد منك. فقال: "إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد"، ثم شبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه إحداهما في الأخرى. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 79 استشهد به البخاري. وقال شعبة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مغفل، قال: دلى جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: هذا لا أعطي أحدا منه شيئا. فالتفت فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسم فاستحييت منه. متفق عليه. وقال أبو معاوية: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: قلت: أكنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. أخرجه أبو داود. وقال أبو معاوية، عن عاصم الأحوال، عن أبي عثمان النهدي -أو عن أبي قلابة- قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر قدم والتمرة خضرة، فأشرع الناس فيها فحموا، فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان، ثم يحدرون عليهم بين أذاني الفجر، ويذكرون اسم الله عليه، قال: ففعلوا فكأنما نشطوا من عقل. وقال بشر بن المفضل، عن محمد بن زيد: حدثني عمير مولى آبي اللحم، قال: شهدت خيبر، مع سادتي، فكلموا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمر به فقلدت سيفا، فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع. أخرجه أبو داود. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 80 ذكر من استشهد على خيبر: على ما ذكر ابن إسحاق، قال: من حلفاء بني أمية: ربيعة بن أكثم، وثقف بن عمرو، ورفاعة بن مسروح. ومن بني أسد بن عبد العزى: عبد الله بن الهبيب. ومن الأنصار: فضيل بن النعمان السلمي، ومسعود بن سعد الزرقي، وأبو الضياح بن ثابت، أحد بني عمرو بن عوف، والحارث بن حاطب، وعروة بن مرة، وأوس بن القائف، وأنيف بن حبيب، وثابت بن أثلة، وطلحة، وعمارة بن عقبة الغفاري. وقد تقدم: عامر بن الأكوع، ومحمود بن مسلمة، والأسود الراعي. وزاد عبد الملك بن هشام، فقال: مسعود بن ربيعة، حليف بني زهرة، وأوس بن قتادة الأنصاري. وزاد بعضهم، فقال: ومبشر بن عبد المنذر، وأبو سفيان بن الحارث، وليس بالهاشمي، والله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 81 قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه: البخاري ومسلم قالا: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: بلغنا مخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو رهم، والآخر أبو بردة، إما قال: بضع، وإما قال: في ثلاثة، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا وأمرنا؛ يعني بالإقامة؛ فأقيموا معنا، فأقمنا معه، حتى قدمنا جميعا، فوافقنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين فتح خيبر. فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا، مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم. قال: فكان أناس من الناس يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة. قال: ودخلت أسماء بنت عميس؛ وهي ممن قدمت معنا؛ على حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأي أسماء: من هذه؟ فقال: أسماء بنت عميس، قال: عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغضبت، فقالت كلمة: يا عمر! كلا والله، كنتم مع رسول الله - الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 82 صلى الله عليه وسلم- يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أو أرض- البعداء، أو البغضاء، بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن كنا نؤذي ونخاف، وسأذكر له ذلك وأسأله. فلما جاء قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. قال: "ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم -أهل السفينة- هجرتان". قلت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا، يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفراج ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أبو بردة: قالت: أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. وقال: "لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي". وقال أجلح بن عبد الله، عن الشعبي، قال: لما قدم جعفر من الحبشة تلقاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبل جبهته، ثم قال: "والله ما أدري بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر". وبعضهم يقول: عن أجلح، عن الشعبي، عن جابر. وقال ابن عيينة: حدثنا الزهري، أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة، قال: قدمت المدينة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي. فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله. فقلت: هذا قاتل ابن قوقل. فقال: أظنه ابن سعيد بن العاص: يا عجبي لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي، ولم يهني على يديه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 83 هذا لفظ أبي داود، وأخرجه البخاري، لكن قال: من قدوم ضأن. وقال إسماعيل بن عياش، عن الزبيدي، عن الزهري: أخبرني عنبسة بن سعيد، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبان على سرية قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر بعد فتحها، وإن حزم خيلهم لليف، فقلت: يا رسول الله لا تقسم لهم. فقال أبان: وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: يا أبان، اجلس. فلم يقسم لهم. علقه البخاري في صحيحه، فقال: ويذكر عن الزبيدي. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: كانت بنو فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عنهم، ولكم من خبير كذا وكذا. فأبوا عليه. فلما فتح الله خيبر، أتاه من كان هنالك من بني فزارة، قالوا: حظنا والذي وعدتنا. فقال: "حظكم"؛ أو قال: لكم ذو الرقيبة -لجبل من جبال خيبر- قالوا: إذا نقاتلك. فقال: "موعدكم جنفاء". فلما سمعوا ذلك هربوا. جنفاء: ماء من مياه بني فزارة. وقال البخاري: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 84 سلمة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة. قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون في بعض مغازيه، فاقتتلوا. فمال كل قوم إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنه من أهل النار". فقالوا: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ فقال رجل: والله لا يموت على هذه الحال أبدا، فاتبعه حتى جرح، فاشتدت جراحته واستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فجاء الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك لرسول الله، قال: "وما ذاك"؟ فأخبره, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وإنه لمن أهل الجنة". متفق عليه. وأخرج البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: شهدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر، فقال لرجل؛ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن هذا من أهل النار"، فلما حضر القتال قاتل الرجل. فذكر نحو حديث سهل بن سعد. وقال يحيى القطان وغيره، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا توفي يوم خيبر، فذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "صلوا على صاحبكم"، فتغيرت وجوههم، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله. ففتشنا متاعه، فوجدنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 85 خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين. شان الشاة المسمومة: وقال ليث بن سعد، عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا من كان ههنا من اليهود". فجمعوا له، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه"؟ قالوا: نعم، يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم"؟ قالوا: أبونا فلان. قال: "كذبتم، بل أبوكم فلان". قالوا: صدقت وبررت. قال لهم: "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه"؟ قالوا: نعم، يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في آبائنا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أهل النار"؟ قالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اخسؤوا فيها فوالله لا نخلفكم"، ثم قال: "هل أنتم صادقي"؟، قالوا: نعم قال: "أجعلتم في هذه الشاة سما"؟ قالوا: نعم. قال: "فما حملكم على ذلك"؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك. أخرجه البخاري. وقال خالد بن الحارث: حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس أن يهودية أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألها عن ذلك، قالت: أردت لأقتلك. فقال: "ما كان الله ليسلطك على ذلك". أو قال: "علي"، قالوا: ألا نقتلها. قال: "لا" فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. متفق عليه من حديث الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 86 خالد. وقال عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سلمة وابن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة، فقال: $"أمسكوا فإنها مسمومة"، وقال: $"ما حملك على ما صنعت"؟ قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك. قال: عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن جابر نحوه. وقال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر، فأكل وأكلوا، ثم قال: "امسكوا". وقال لها: "هل سميت هذه الشاة"؟ قالت: من أخبرك؟ قال: $"هذا العظم". قالت: نعم. فاحتجم على الكاهل، وأمر أصحابه فاحتجموا، فمات بعضهم. قال الزهري: فأسلمت، فتركها. وقال أبو داود في سننه: حدثنا سليمان المهري، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: كان جابر يحدث أن يهودية سمت شاة أهدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث. وقال خالد الطحان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة، نحو حديث جابر، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت. ويحتمل أنه لم يقتلها أولا، ثم لما مات بشر قتلها. وبشر شهد العقبة وبدرًا، وأبوه فأحد النقباء ليلة العقبة. وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني سلمة، من سيدكم"؟ قالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه. فقال: "وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 87 البراء". وقال موسى بن عقبة، وابن شهاب، وعروة، واللفظ لموسى، قالوا: لها فتحت خيبر أهدت زينب بنت الحارث اليهودية -وهي ابنة أخي مرحب- لصفية شاة مصلية وسمتها وأكثرت في الذراع؛ لأنه بلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الذراع. وذكر الحديث. وعن عروة، وموسى بن عقبة، قالا: كان بين قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر تراهن وتبايع، منهم من يقول: يظهر محمد، ومنهم من يقول: يظهر الحليفان ويهود خيبر. وكان الحجاج بن علاط السلمي البهزي قد أسلم وشهد فتح خيبر، وكانت تحته أم شيبة العبدرية، وكان الحجاج ذا مال، وله معادن من أرض بني سليم. فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر، قال الحجاج: يا رسول الله، إن لي ذهبا عند امرأتي، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي، فائذن لي فأسرع السير ولا يسبق الخبر. وقال محمد بن ثور -واللفظ له- وعبد الرزاق، عن معمر: سمعت ثابتا البناني، عن أنس، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله، إن لي بمكة مالا، وإن لي بها أهلا أريد إتيانهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك فقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 88 صلى الله عليه وسلم. فقال لامرأته، وقال لها: أخفي علي واجمعى ما كان عندك لي، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. ففشا ذلك بمكة، واشتد على المسلمين وبلغ منهم، وأظهر المشركون فرحا وسرورا، فبلغ العباس الخبر فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم. قال معمر: فأخبرني عثمان الجريري، عن مقسم، قال: فأخذ العباس ابنا له يقال له: قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول: حي قثم ... شبيه ذي الأنف الأشم فتى ذي النعم ... برغم من رغم قال معمر في حديث أنس: فأرسل العباس غلاما له إلى الحجاج، أن ويلك، ما جئت به وما تقول؟ والذي وعد الله خير مما جئت به. قال الحجاج: يا غلام، أقرئ أبا الفضل السلام، وقل له: فليخل لي في بعض بيوته فآتيه، فإن الأمر على ما يسره. فلما بلغ العبد باب الدار، قال: أبشر يا أبا الفضل. فوثب العباس فرحا حتى قبل ما بين عينيه وأعتقه، ثم جاء الحجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وغنم أموالهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية، ولكن جئت لمالي، وأني استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي، فأخف علي يا أبا الفضل ثلاثًا، ثم اذكر ما شئت. قال: وجمعت له امرأته متاعه، ثم انشمر، فلما كان بعد ثلاث، أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك؟ قالت: ذهب، لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك. فقال: أجل، لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحب؛ فتح الله على رسوله، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 89 وجرت سهام الله في خيبر، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به. قالت: أظنك والله صادقا. ثم أتى مجالس قريش وحدثهم. فرد الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين غزوة وادي القرى: مالك، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا، إلا الثياب والمتاع. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى، وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أسود يقال له: مدعم. حتى إذا كانوا بوادي القرى، بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء سهم فقتله فقال الناس: هنيئا له الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا". فلما سمعوا بذلك، جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال -عليه السلام: "شراك من نارا أو قال: شراكان من نار". متفق عليه. وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد الجذامي قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا يقال له: مدعم، نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود وقد ثوى إليها ناس من العرب، فينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 90 استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عائر، فأصاب مدعما فقتله. فقال الناس: هنيئا له الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا". فلما سمع بذلك الناس، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال: "شراك أو شراكان، من نار". فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم، فبرز رجل، فبرز له الزبير فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه علي فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا ثم أعطوا من الغد بأيديهم. وفتحها الله عنوة. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، فلما بلغ ذلك أهل تيماء صالحوا على الجزية. فلما كان عمر، أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام؛ ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وما وراء ذلك من الشام. وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، فسار ليله حتى إذا أدركنا الكرى عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل. فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال إلا بحر الشمس ... الحديث. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 91 وروى أن ذلك كان في طريق الحديبية. رواه شعبة، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، عن ابن مسعود، ويحتمل أن يكون نومهم مرتين. وقد رواه زافر بن سليمان، عن شعبة، فذكر أن ذلك كان في غزة تبوك. وقد روي النوم عن الصلاة: عمران بن حصين، وأبو قتادة الأنصاري. والحديثان صحيحان رواهما مسلم، وفيهما طول. وقال عمارة بن عكرمة، عن عائشة: لما افتتحنا خيبر، قلنا: الآن نشبع من التمر. وقال ابن وهب: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، عن أنس، قال: لما قدم المهاجرون المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل أرض، فقاسموا المهاجرين على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة. وكانت أم أنس، وهي أم سليم، أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا لها، فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد. فأخبرني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار متاعهم، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها، وأعطى أم أيمن مكانهن من حائطه. قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 92 أخرجه مسلم؟. وقال معتمر: حدثنا أبي، عن أنس، أن الرجل كان يعطي من ماله النخلات أو ما شاء الله من ماله، النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فتحت عليه قريظة والنضير، فجعل يرد بعد ذلك، فأمرني أهلي أن آتيه فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن، أو كما شاء الله. قال: فسألته، فأعطانيهن. فجاءت أم أيمن فلوت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو، لا يعطيكهن وقد أعطانيهن. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا". وهي تقول: كلا والله. حتى أعطاها عشرة أمثال ذلك، أو نحوه. وفي لفظ في الصحيح: وهي تقول: كلا والله حتى أعطي عشرة أمثاله. أخرجاه. وفي سنة سبع: قدم حاطب به أبي بلتعة من الرسلية إلى المقوقس ملك ديار مصر، ومعه منه هدية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي مارية القبطية، أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها شيرين التي وهبها لحسان بن ثابت، وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم دلدل، وحماره يعفور. وفيها: توفيت ثويبة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم بلبن ابنها مسروح، وكانت مولاة لأبي لهب أعتقها عام الهجرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إليها إلى مكة بصلة وكسوة. حتى جاءه موتها سنة سبع مرجعة من خيبر، فقال: "ما فعل ابنها مسروح"؟ قالوا: مات قبلها. وكانت خديجة تكرمها، وطلبت شراءها من أبي لهب فامتنع. رواه الواقدي، عن غير واحد. أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل حليمة أياما، وأرضعت أيضا حمزة بن عبد المطلب، وأبا سلمة بن عبد الأسد، رضي الله عنهما. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 93 سرية أبي بكر -رضي الله عنه- إلى نجد: وكانت بعد خيبر سنة سبع. قال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر -رضي الله عنه- إلى بني فزارة، وخرجت معه حتى إذا دنونا من الماء عرس بنا أبو بكر، حتى إذا ما صلينا الصبح، أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء. فقتل أبو بكر من قتل، ونحن معه، فرأيت عنقا من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فأدركتهم، فرميت بسهمي، فلما رأوه قاموا، فإذا امرأة عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم. فلما رأوه قاموا، فإذا امرأة عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا، حتى لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال: $"يا سلمة، هب لي المرأة"، قلت: يا نبي الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا. فسكت حتى كان من الغد، فقال: "يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك". قلت: هي لك يا رسول الله. قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، ففدى بها أسرى من المسلمين أخرجه مسلم. وقيل: كان ذلك في شعبان. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 94 سرية عمر -رضي الله عنه- إلى عجز هوازن: قال الواقدي: حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبي بكر عمر بن عبد الرحمن، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر إلى تربة عجز هوازن، في ثلاثين راكبا، فخرج ومعه دليل. فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار. فأتى الخبر هوازن، فهربوا. وجاء عمر محالهم، فلم يلق منهم أحدا، فانصرف إلى المدينة، حتى سلك النجدية. فلما كانوا بالجدد، قال الدليل لعمر: هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاؤوا سائرين، قد أجدبت بلادهم؟ فقال عمر: ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم. ورجع إلى المدينة. وذلك في شعبان. سرية بشير بن سعد: قال الواقدي: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضل، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجالا إلى بني مرة بفدك. فخرج فلقي رعاء الشاء، فاستاق الشاء والنعم منحدرا إلى المدينة. فأدركه الطلب عند الليل، فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فني نبل أصحاب بشير، فأصابوا أصحابه وولى منهم من ولى، وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ضربت كعباه، وقيل: قد مات، ورجعوا بنعمهم وشائهم، وتحامل بشير حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهودى حتى ارتفع من الجراح، ثم رجع إلى المدينة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 95 سرية غالب بن عبد الله الليثي: قال الواقدي: حدثني أفلح بن سعيد، عن بشير بن محمد ابن الذي أري الأذان عبد الله بن زيد، قال: كان مع غالب بن عبد الله: أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري، وكعب بن عجرة، وعلبة بن زيد. فلما دنا غالب منهم بعث الطلائع ثم رجعوا فأخبروه فأقبل يسير حتى إذا كان بمنظر العين منهم ليلا وقد احتلبوا وهدأوا، قام فحمد الله وأثنى عليه وأمر بالطاعة، قال: وإذا كبرت فكبروا، وجردوا السيوف. فذكر الحديث في إحاطتهم بهم. قال: ووضعنا السيوف حيث شئنا منهم، ونحن نصيح بشعارنا: أمت أمت. وخرج أسامة فحمل على رجل فقال: لا إله إلا الله. وذكر الحديث. وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني شيخ من أسلم، عن رجال من قومه، قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي، كلب ليث، إلى أرض بني مرة، فأصاب بها مرداس بن نهيك، حليف لهم من الحرقة فقتله أسامة. فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد، قال: أدركته، يعني مرداسا، أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره، فقال: "يا أسامة من لك بلا إله إلا الله"؟ فقلت: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا من القتل. قال: "فمن لك بلا إله إلا الله". فالذي بعثه بالحق، ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضي من إسلامي لم يكن. وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 96 وقال هشيم: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو ظبيان، قال: سمعت أسامة بن زيد يحدث، قال: أتينا الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. قال: فكف عنه الأنصاري، وطعنته أنا برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: "أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله، ثلاث مرات". قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أن أسلمت قبل يومئذ. متفق عليه. وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله الجهني، عن جندب بن مكيث الجهني، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوح بالكديد، وأمره أن يغير عليهم، وكنت في سريته، فمضينا حتى إذا كنا بقديد، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي، فأخذناه، فقال: إني إنما جئت لأسلم. فقال له غالب: إن كنت إنما جئت لتسلم فلا يضرك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك. قال: فأوثقه رباطا وخلف عليه رويجلا أسود، قال: امكث عليه حتى نمر عليك، فإن نازعك فاحتز رأسه، وأتينا بطن الكديد فنزلناه بعد العصر. فبعثني أصحابي إليه، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر، فانبطحت عليه، وذلك قبل الغروب. فخرج رجل فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته: إني لأرى سوادا على هذا التل ما رأيته في أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك. فنظرت فقالت: والله ما أفقد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 97 شيئا. قال: فناوليني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني، أو قال: في جنبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك، ثم رماني بالآخر، فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك. فقال لامرأته: أما والله لقد خالطه سهماي، ولو كان زائلا لتحرك، فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما، لا تمضغهما علي الكلاب. قال: ومهلنا حتى راحت روائحهم، وحتى إذا احتلبوا وعطنوا وذهب عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النعم فوجهنا قافلين به، وخرج صريخ القوم إلى قومهم، قال: وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث بن مالك بن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا. وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قديد، بعث الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا خالا، فجاء بما لا يقدر أحد يقدم عليه، لقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه، ونحن نحدوها فذهبنا سراعا حتى أسندناها في المشلل، ثم حدرنا عنه وأعجزناهم. سرية حنان: قال الواقدي في مغازيه: حدثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: قدم رجل من أشجع يقال له: حسيل بن نويرة، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 98 خيبر، فقال له: "من أين يا حسيل" قال: من يمن وحنان، قال: "وما وراءك"؟ قال: تركت جمعا من يمن وغطفان وحنان وقد بعث إليهم عيينة: إما أن تسيروا إلينا وإما أن نسير إليكم، فأرسلوا إليه أن سر إلينا، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما ذلك فقالا جميعا: ابعث بشير بن سعد، فعقد له لواء وبعث معه ثلاث مائه رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل ويكمنوا النهار، ففعلوا، حتى أتوا أسفل خيبر، فأغاروا وقتلوا فأغاروا وقتلوا عينا لعيينة. ثم لقوا جمع عيينة فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة وأسر منهم رجلان، وقدموا بهما على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما. سرية أبي حدرد إلى الغابة: قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان من حديث أبي حدرد الأسلمي ما حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم، عن أبي حدرد، قال: تزوجت امرأة من قومي، فأصدقتها مائتي درهم. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي، فقال: "كم أصدقت"؟ قلت: مائتي درهم. فقال: "سبحان الله، والله لو كنتم تأخذونها من واد ما زاد، لا والله ما عندي ما أعينك به". فلبث أياما، ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له: رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة، في بطن عظيم من جشم، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذا شرف، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين، فقال: "اخرجوا إليه، حتى تأتوا منه بخبر وعلم". وقدم لنا شارفا عجفاء، فحمل عليها الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 99 أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفا، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم، حتى استقلت وما كادت، وقال: تبلغوا على هذه. فخرجنا، حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس، فمكنت في ناحية، وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية، وقلت: إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في العسكر، فكبروا وشدوا معي، فوالله إنا لكذلك نتنظر أن نرى غرة وقد ذهبت فحمة العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم، فقام زعيمهم رفاعة فأخذ سيفه وقال: لأتبعن أثر راعينا. فقالوا: نحن نكفيك. قال: لا والله لا يتبعني أحد منكم. وخرج حتى يمر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما نطق، فوثبت إليه، فاحتززت رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت وكبر صاحباي، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه: عندك! بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم، واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجئت برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيرًا في صداقي، فجمعت إلي أهلي. سرية محلم بن جثامة: قال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس. حتى إذا كنا ببطن إضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 100 على قعود له، معه متيع له، ووطب من لبن، فسلم علينا بتحية الإسلام. فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فينا القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] ، إلى آخر الآية. ورواه حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق. وقال حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري يحدث عن أبيه وجده، وقد شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر وجلس في ظل شجرة، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط، سيد قيس، وجاء الأقرع بن حابس يرد عن محلم بن جثامة، وهو سيد خندف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر: "هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة"؟ فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي. فقام رجل من بني ليث يقال له: ابن مكيتيل، وهو قصد من الرجال، فقال: يا رسول الله، ما أجد لهذا القتيل مثلا في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ففرت أخراها، اسنن اليوم وغير غدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا" فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية. قال قوم محلم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 101 النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تغفر لمحلم". قالها ثلاثا. فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه. قال ابن إسحاق: وزعم قوم أنه استغفر له بعد. وقال أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن جعفر، سمعت زياد بن ضميرة. "ح" قال: وحدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ووهب بن بيان، قالا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر، أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي. وهذا حديث وهب وهو أتم، يحدث عروة بن الزبير، عن أبيه، قال موسى: وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، يعني أباه وجده. ثم رجعنا إلى حديث وهب: أن محلم بن جثامة قتل رجلا من أشجع في الإسلام. وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتكلم عيينة في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس، فذكر القصة إلى أن قال: ومحلم رجل طويل آدم، وهو طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه تدمعان. فقال: يا رسول الله، إني قد فعلت الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لمحلم". بصوت عال. زاد أبو سلمة: فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه. والله -تعالى- أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 102 سرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي: قال ابن جريج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْْ} [النساء: 59] ، نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي، بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. أخبرنيه يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. أخرجاه في الصحيح. وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن على بن أبي طالب: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار على سرية، وأمرهم أن يطيعوه، فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبا. فجمعوا، وأمرهم فأوقدوه، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. فسكن غضبه، وطفئت النار. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك. فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف". أخرجاه. وفيها كانت غزوة ذات الرقاع، وقد تقدمت سنة أربع، وأوردنا الخلاف فيها، فلعلهما غزوتان. والله أعلم. عمرة القضية: روى نافع بن أبي نعيم، عن نافع مولى ابن عمر، قال: كانت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 103 عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، بعث سرايا وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة. ثم نادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة، فتجهزوا، وخرجوا معه إلى مكة. وقال ابن شهاب: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة حتى بلغ يأجج وضع الأداة كلها: الحجف والمجان والرماح والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب: السيوف. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس؛ وكانت أختها تحته، وهي أم الفضل فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قدم أمر أصحابه، فقال: اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف، ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكايدهم بكل ما استطاع. فاستلف أهل مكة -الرجال والنساء والصبيان- ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا بالسيف يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنا الشهيد أنه رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله وتغيب رجال من أشرافهم أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظا وحنقا، ونفاسة وحسدا، خرجوا إلى الخندمة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 104 بمكة، وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر الشرط، فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وغيره، فصاح حويطب بن عبد العزى: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك، والله لا نخرج. ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلا وحويطبا، فقال: "إني قد نكحت فيكم امرأة فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا". قالوا: نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بطن سرف وأقام المسلمون، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي. فأقام بسرف حتى قدمت عليه، وقد لقيت عناء وأذى من سفهاء قريش، فبنى بها. ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة. وقدر الله -تعالى- أن يكون موت ميمونة بسرف بعد حين. وقال فليح، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرًا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت. فنحر هدية وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحا إلا سيوفا، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا. فاعتمر من العام فدخلها كما صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج، فخرج. أخرجه البخاري. وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن شرطا على المسلمين أن يعتمروا قابل في الشهر الذي صدهم المشركون. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 105 وقال محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن ميمون، سمعت أبا حاضر الحضرمي يحدث أبي: ميمون بن مهران، قال: خرجت معتمرا سنة حوصر ابن الزبير، وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم، فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت ثم رجعت. فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس فسألته، فقال: أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء. زاد فيه يونس عن ابن إسحاق، قال: فعزت الإبل عليهم، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقر. وقال الواقدي: حدثني غانم بن أبي غانم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قد ساق النبي صلى الله عليه وسلم، في القضية ستين بدنة. قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقدم السلاح إلى بطن يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم. وتخوفت قريش، فذهب في رؤوس الجبال وخلوا مكة. وقال معمر، عن الزهري، عن أنس، قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، مشى ابن رواحة بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد نزل الرحمن في تنزيله بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله ... يا رب إني مؤمن بقيله وقال أيوب، عن سعيد بن جبير، حدثه، عن ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب. فقال المشركون: إنه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 106 يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شرا. فأطلع الله نبيه على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين. فلما رأوهم رملوا، قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى وهنتهم؟ هؤلاء أجلد منا. قال ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا للإبقاء عليهم. أخرجاه. وقال يزيد بن هارون: أخبرنا الجريري، عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل وأنها سنة. قال: صدقوا وكذبوا؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة والمشركون على قعيقعان، وكان أهل مكة قوما حسدا، فجعلوا يتحدثون بينهم أن أصحاب محمد ضعفاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أروهم ما يكرهون منكم". فرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم قوته وقوة أصحابه، وليست بسنة. أخرجه مسلم. وقد بقي الرمل سنة في طواف القدوم؛ وإن كان قد زالت علته فإن جابرا قد حكى في حجة النبي صلى الله عليه وسلم رمله، ورملوا في عمرة الجعرانة. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى سمعه يقول: اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره -حين طاف- من صبيان مكة لا يؤذونه. وأرانا ابن أبي أوفى ضربة أصابته مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 107 تزويجه -عليه السلام- بميمونة: قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني أبان بن صالح، وعبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وكان الذي زوجه العباس. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا. فأتاه حويطب بن عبد العزى، في نفر من قريش، فقالوا: قد انقضى أجلك فاخرج عنا. قال: "لو تركتموني فعرست بين أظهركم، وصنعنا طعاما فحضرتموه". قالوا لا حاجة لنا به. فخرج، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف، فبنى عليها. وقال وهيب: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف. رواه البخاري. وقال عبد الرزاق: قال لي الثوري: لا تلتفت إلى قول أهل المدينة. أخبرني عمرو، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم. وقد رواه الثوري أيضا عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهما في الصحيح. وقال الأوزاعي: حدثنا عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال سعيد بن المسيب: وهل وإن كانت خالته. وما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما أحل. أخرجه البخاري، عن أبي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 108 المغيرة، عنه. وقال حماد بن سلمة، عن حبيب الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف. رواه أبو داود. وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد بن الأصم. وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال. وكنت الرسول بينهما. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة. فذكر الحديث بطوله. وفيه: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من مكة، فتبعتهم ابنة حمزة، فنادت: يا عم يا عم. فتناولها علي -رضي الله عنه- وقال لفاطمة: دونك، فحملتها. قال: فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر، فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمى، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم"، وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، أخرجه البخاري عن عبيد الله، عنه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 109 وقال الواقدي: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن عمارة بنت حمزة، وأمها سلمى بنت عميس كانتا بمكة. فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، كلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين؟ فلم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن إخراجها، فخرج بها، فتكلم زيد بن حارثة، وكان وصي حمزة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما. وذكر الحديث؛ وفيه: فقضى بها لجعفر وقال: "تحتك خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمتها". وعن ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من عمرته في ذي الحجة سنة سبع بعث ابن أبي العوجاء في خمسين إلى بني سليم، كما سيأتي. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 110 ثم دخلت سنة ثمان من الهجرة: قال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله، عن عمه ابن شهاب، قال: سار ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلا إلى بني سليم، وكان عين لبني سليم معه، فلما فصل من المدينة، خرج العين إلى قومه فحذرهم. فجمعوا كثيرا. وجاءهم ابن أبي العوجاء وهم معدون. فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا جمعهم، دعوهم إلى الإسلام، فرشقوهم بالنبل، ولم يسمعوا قولهم، فرمهم ساعة، وجعلت الأمداد تأتي، وأحدقوا بهم، فقاتلوا حتى قتل عامتهم، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا في القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم المدينة في أول صفر. إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد: وفيها: أسلم عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد. قال الواقدي: أخبرنا عبد الحميد، بن جعفر، عن أبيه، قال: قال عمرو بن العاص كنت للإسلام مجانبا معاندا، حضرت بدرا مع المشركين فنجوت، ثم حضرت أحدا والخندق فنجوت، فقلت في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 111 نفسي: كم أوضع، والله ليظهرن محمد على قريش. فلحقت بمالي بالوهط. فلما كان صلح الحديبية، جعلت أقول: يدخل محمد قابلا مكة بأصحابه، ما مكة بمنزل ولا الطائف، وما شيء خير من الخروج. فقدمت مكة فجمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت: تعلمون -والله- إني لأرى أمر محمد يعلو علوا منكرا، وإني قد رأيت رأيا. قالوا: وما هو؟ قلت: نلحق بالنجاشي فنكون معه، فإن يظهر محمد كنا عند النجاشي، أحب إلينا من أن نكون تحت يد محمد. وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا. قالوا: هذا الرأى. قلت: فاجمعوا ما تهدونه له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم. فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى أتيناه، فإنا لعنده؛ إذ جاء عمرو بن أمية الضمري بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليزوجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: لو دخلت على النجاشي، فسألته هذا فأعطانيه لقتلته لأسر بذلك قريشا. فدخلت عليه فسجدت له فقال: مرحبا بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت: نعم أيها الملك أهديت لك أدما، وقربته إليه، فأعجبه، ففرق منه أشياء بين بطارقته، ثم قلت: إني رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا، فأعطنيه فأقتله، فغضبب ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره، فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي، فأصابني من ذلك الذل ما لو انشقت لي الأرض دخلت فيها فرقا منه. ثم قلت: أيها الملك: لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه. قال: فاستحيا، وقال: يا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى -عليهما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 112 السلام- لتقتله؟ قال عمرو: وغير الله قلبي عما كنت عليه، وقلت في نفسي: عرف هذا الحق العرب والعجم وتخالف أنت؟ قلت: أتشهد أيها الملك بهذا؟ قال: نعم، أشهد به عند الله يا عمرو، فأطعني واتبعه، فوالله إنه لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون. قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم، فبسط يده فبايعني على الإسلام، ثم دعا بطست، فغسل عني الدم، وكسانى ثيابا، وكانت ثيابي قد امتلأت بالدم فألقيتها. وخرجت على أصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك، وقالوا: هل أدركت من صاحبك ما أردت؟ فقلت: كرهت أن أكلمه في أول مرة، وقلت: أعود إليه- ففارقتهم، وكأني أعمد لحاجة- فعمدت إلى موضع السفن فأجد سفينة قد شحنت تدفع. فركبت معهم، ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعبية، وخرجت من الشعيبة ومعي نفقة، فابتعت بعيرا، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير، يريدان منزلا، وأحدهما داخل في خيمة، والآخر قائم يمسك الراحلتين. فنظرت فإذا خالد بن الوليد. فقلت: أبا سليمان؟ قال: نعم. قلت: أين تريد؟ قال: محمدًا، دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طعم، والله لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها. قلت: وأنا والله قد أردت محمدا وأردت الإسلام. فخرج عثمان بن طلحة، فرحب بي، فنزلنا جميعا ثم ترافقنا إلى المدينة، فما أنسى قول رجل لقينا بدير أبي عنبة يصيح: يا رباح، يا رباح. فتفاءلنا بقوله، وسرنا ثم نظر إلينا، فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين. فظننت أنه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 113 يعنيني خالد بن الوليد. وولى مدبرا إلى المسجد سريعا فظننت أنه بشر النبي صلى الله عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت. وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا، ونودي بالعصر، فانطلقنا حتى اطلعنا عليه، وإن لوجهه تهللا، والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا. وتقدم خالد فبايع، ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه، فما استطعت أن أرفع طرفي إليه حياء منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم يحضرني ما تأخر. فقال: "إن الإسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها". فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد أحدا في أمر حزبه منذ أسملنا، ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بتلك الحال، وكان عمر على خالد كالعاتب. قال عبد الحميد بن جعفر: فذكرت هذا الحديث ليزيد بن أبي حبيب، فقال: أخبرني راشد مولى حبيب بن أوس الثقفي، عن حبيب، عن عمرو؛ نحو ذلك. فقلت ليزيد: ألم يوقت لك متى قدم عمرو خالد؟ قال: لا، إلا أنه قال: قبل الفتح. قلت: فإن أبي أخبرني أن عمرا وخالدا وعثمان قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب، عن حبيب بن أبي أوس، قال: حدثني عمرو بن العاص، قال: لما انصرفنا من الخندق، جمعت رجالا من قريش، فقلت: والله إني لأرى أمر محمد يعلو علوا منكرا، والله ما يقوم له شيء، وقد رأيت رأيا ما أدري كيف رأيكم فيه؟ قالوا: وما هو؟ قلت: أن نحلق بالنجاشي. فذكر الحديث، لكن فيه: فضرب بيده أنف الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 114 نفسه حتى ظننت أنه قد كسره. والباقي بمعناه مختصرا. وقال الواقدي: حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد، قال: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام، وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شي، وأن محمدًا يسظهر. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسفان، فأقمت بإزائه وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرة، فأطلع على ما أنفسنا من الهموم، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف. فوقع ذلك منا موقعا، وقلت: الرجل ممنوع. فافترقا، وعدل عن سنن خيلنا، وأخذت ذات اليمين. فلما صالح قريشا قلت: أي شيء بقي؟ أين المذهب؟ إلى النجاشي؟ فقد اتبع محمدا، وأصحابه عنده آمنون. فأخرج إلى هرقل؟ فأخرج من ديني إلى النصرانية أو اليهودية فأقيم مع عجم تابعا مع عيب ذلك؟ أو أقيم في داري فيمن بقي؟ فأنا على ذلك، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فتغيبت. وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلى كتابا فإذا فيه: أما بعد؛ فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام. وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فقال: أين خالد؟ فقلت: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 115 يأتي الله به. فقال: ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك. فلما جاءني كتابه، نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة، قلت: إن هذه لرؤيا. فلما قدمنا المدينة، قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فذكرتها، فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق هو الشرك. قال: فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: من أصحاب إلى محمد؟ فلقيت صفوان بن أمية، فقلت: يا أبا وهب، أما ترى ما نحن فيه، إنما كنا كأضراس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه فإن شرفه لنا شرف. فأبى أشد الإباء، وقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدًا. فافترقنا وقلت: هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان، فقال لي مثل ما قال صفوان. قلت: فاكتم ذكر ما قلت لك. وخرجت إلى منزلي، فأمرت براحلتي أن تخرج إلى أن ألقى عثمان بن طلحة. فقلت: إن هذا لي صديق، فذكرت له، فقال: نعم، إني عمدت اليوم، وأنا أزيد أن أغدو، وهذه راحلتي بفخ مناخة. قال: فاتعدت أنا وهو بيأجج، وأدلجنا سحرا، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة، فنجد عمرو بن العاص بها، فقال: مرحبا بالقوم. فقلنا: وبك. فذكر الحديث. وقال: كان قدومنا في صفر سنة ثمان، فوالله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 116 سرية شجاع بن وهب الأسدي: قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عمر بن الحكم، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلًا، إلى جمع من هوازن، وأمره أن يغير عليهم. فخرج يسير الليل ويكمن النهار، حتى صبحهم غارين، فأصابوا نعمًا وشاء، فاستاقوا ذلك إلى المدينة. فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرًا لكل رجل منهم، وعدلوا البعير من الغنم. وغابت السرية خمس عشرة ليلة. قال ابن أبي سبرة: فحدثت بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال: كذبوا، قد أصابوا في ذلك الحاضر نسوة فاستاقوهن، فكانت فيهن جارية وضيئة، فقدموا بها المدينة، ثم قدم وفدهم مسلمين، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبي. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم شجاعا وأصحابه في ردهن، فردوهن. قال ابن أبي سبرة: فأخبرت شيخا من الأنصار بذلك، فقال: أما الجارية الوضيئة فأخذها شجاع بثمن فأصابها، فلما قدم الوفد، خيرها فاختارت شجاعا، فقتل يوم اليمامة وهي عنده. سرية نجد: قال نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد وأنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 117 فيهم. فغنموا إبلا كثيرة، فبلغت سهمانهم لكل واحد اثني عشر بعيرا، ثم نفلوا بعيرا بعيرا، فلم يغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. سرية كعب بن عمير: قال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري، في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من الشام، فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك المسلمون قاتلوهم أشد القتال، حتى قتلوا، فأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل، تحامل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فهم بالبعثة إليهم، فبلغه أنهم ساروا إلى موضع آخر، فتركهم. والله أعلم. غزوة مؤتة: قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتابه، فلما نزل مؤتة عرض للحارث شرحبيل بن عمرو الغساني، فقال: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 118 من رسل محمد؟ قال: نعم، فأمر به فضربت عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا. وكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء في ذي الحجة، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وأمر على الناس زيد بن حارثة. وقال إن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصبت فليرتض المسلمون رجلا. فتهيؤوا للخروج، وودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكى ابن رواحة، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب للدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم. فقال عبد الله بن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربه تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا ثم إنه ودع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى، ونصرا كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة ... والله يعلم أني ثابت بصر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 119 أنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآرب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره. فشجع الناس عبد الله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون، الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق فانشمر الناس، وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال له: مشارف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء. وكانوا ثلاثة آلاف. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: شهدت مؤتة، فلما رآنا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والذهب. فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: مالك يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: لم تشهد معنا بدرا، إنا لم ننصر بالكثرة. وقال المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: كنت معهم، ففتشناه -يعني ابن رواحة- فوجدنا فيما أقبل من الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 120 جسده بضعا وسبعين، بين طعنة ورمية. وقال مصعب الزبيري وغيره، عن مغيرة: بضعا وتسعين. أخرجه البخاري. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم، عن أبيه، قال: جاء النعمان بن مهص اليهودي، فوقف مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله فليرتض المسلمون رجلا فليجعلوه عليهم". فقال النعمان: أبا القاسم، إن كنت نبيا، فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا. إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم، فقالوا: إن أصيب فلان ففلان، فلو سموا مائة أصيبوا جميعا. ثم جعل اليهودي يقول لزيد: اعهد، فلا ترجع إن كان محمد نبيا. قال زيد: أشهد أنه نبي بار صادق. وقال يونس، عن ابن إسحاق: كان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاري. والتقى الناس، فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: حدثني أبي من الرضاعة، وكان أحد بني مرة بن عوف، قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام، وقال جعفر: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة باردة شرابها الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 121 والروم روم قد دنا عذابها ... علي إن لاقيتها ضرابها فلما قتل أخذ الراية عبد الله بن رواحة. حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: أخذها عبد الله بن رواحة فالتوى بها بعض الالتواء، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد. حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن ابن رواحة قال عند ذلك: أقسمت يا نفس لتنزلنه ... طائعة أو سوف تكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه ... ما لي أراك تكرهين الجنة يا طالما قد كنت مطمئنه ... هل أنت إلا نطفة في شنه ثم نزل فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: وقال أيضا: يا نفس إن لا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت وإن تأخرت فقد شقيت فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق لحم، فقال: شد بها صلبك، فنهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في ناحية، فقال: وأنت في الدنيا؟ فألقاه من يده. ثم قاتل حتى قتل. فحدثني محمد بن جعفر، عن عروة، قال: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم، فقال: اصطلحوا يا معشر المسلمين على رجل. قالوا: أنت لها. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 122 فقال: لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد. فحاش بالناس، فدافع وانحاز وانحيز عنه، ثم انصرف بالناس. وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس، قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وزيد بن حارثة، وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم، وعيناه تذرفان. أخرجه البخاري، وزاد فيه: فنعاهم، وقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله: خالد بن الوليد. قال: فجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان. وقال سليمان بن حرب: حدثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، قال: قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري، وكانت الأنصار تفقهه، فغشيه الناس، فغشيته فيمن غشيه من الناس، فقال: حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء، وقال: "عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة"، فوثب جعفر فقال: يا رسول الله، ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي. قال: "فامض. فإنك لا تدري أي ذلك خير". فانطلقوا، فلبثوا ما شاء الله. فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخبركم عن جيشكم هذا: إنهم انطلقوا فلقوا العدو، فقتل زيد شهيدا"، فاستغفر له. ثم قال: "أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا"، شهد له بالشهادة واستغفر له. "ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فأثبت قدميه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 123 حتى قتل شهيدا"، فاستغفر له، "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء وهو أمر نفسه"، ثم قال: "اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره". فمن يومئذ سمي خالد "سيف الله". وقال البكائي، عن ابن إسحاق: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل شهيدا"، ثم صمت، حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بعض ما يكرهون. فقال: "ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا"، ثم قال: "لقد رفعوا إلى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب. فرأيت في سرير عبد الله ازورارًا عن سريري صاحبيه. فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى". وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن الحارث بن فضيل، عن أبيه، قال: لما أخذ خالد الراية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس". قال: فحدثني العطاف بن خالد، قال: لما قتل ابن رواحة مساء، بات خالد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقة، وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا فانكشفوا منهزمين، فقتلوا مقتلة ثم يقتلها قوم. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 124 صفيحة يمانية. أخرجه البخاري. وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح التمار، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما قتل زيد أخذ الراية جعفر فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تمنيني الدنيا؟ ثم مضى قدما حتى استشهد"، فصلى عليه ودعا له، وقال: "استغفروا له، فإنه دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة". وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن ابن عمر كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. رواه البخاري. وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: أخبرتني عمرة، قالت: سمعت عائشة تقول: لماء جاء قتل جعفر وابن حارثة وابن رواحة، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن, وأنا أطلع من شق الباب، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن نساء جعفر؛ وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن. فذهب الرجل ثم أتى فقال: قد نهيتهن. وذكر أنهن لم يطعنه، فأمره الثانية أن ينهاهن، فذهب ثم أتى فقال: والله قد غلبننا. فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاحث في أفواههن التراب". فقلت: أرغم الله أنفك، ما أنت تفعل، وما تركت رسول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 125 الله صلى الله عليه وسلم من العناء. أخرجاه عن محمد بن المثنى، عنه. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أم عيسى الجزار، عن أم جعفر، عن جدتها أسماء بنت عميس، قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عجنت وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم. فقال: "ائتيني ببني جعفر". فأتيته بهم، فشمهم، فدمعت عيناه. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه؟ فقال: "نعم. أصيبوا هذا اليوم". فقمت أصيح، واجتمع الناس. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: "لا تغفلوا آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم". قال ابن إسحاق: فسمعت عبد الله بن أبي بكر، يقول: لقد أدركت الناس بالمدينة إذا مات لهم ميت؛ تكلف جيرانهم يومهم ذلك طعامهم؛ فلكأني أنظر إليهم قد خبزوا خبزا صغارا، وصنعوا لحما، فيجعل في جفنة، ثم يأتون به أهل الميت، وهم يبكون على ميتهم مشتغلين فيأكلونه. ثم إن الناس تركوا ذلك. فائدة: أخرج مسلم في صحيحه، من حديث عوف بن مالك، قال: خرجت في غزوة مؤته، فرافقني مددي من أهل اليمن، ليس معه غير سيفه. فنحر رجل جزورًا فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 126 فاتخذه كهيئة الدرقة. ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر وعليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل يفري بالمسلمين. وقعدوا له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه، فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فأخذه منه خالد بن الوليد، فأتيته فقلت: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته. قلت: لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فاجتمعنا، فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة، فقال لخالد: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: استكثرته. قال: "رد عليه ذلك". فقلت: دونك يا خالد، ألم أقل لك؟ فقال رسول الله: "ما ذاك"؟ فأخبرته. قال: فغضب وقال: "يا خالد لا ترده عليه. هل أنتم تاركوا لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره". وقال الواقدي: حدثني محمد بن مسلم، عن يحيى بن أبي يعلى، قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمي، فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهراقان الدموع، ثم قال: "اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن ثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته". ثم قال: "يا أسماء، ألا أبشرك"؟ قالت: بلي، بأبي أنت وأمي. قال: "إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة". قالت: فأعلم الناس ذلك. وذكر الحديث. وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: أصيب بها ناس من المسلمين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين. فكان مما غنموا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 127 خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قتلت صاحبه يومئذ، فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه. وقال عوف بن مالك الأشجعي: لقيناهم في جماعة من قضاعة وغيرهم من نصارى العرب، فصافوا، فجعل رجل من الروم يشتد على المسلمين، فجعلت أقول في نفسي: من لهذا؟ وقد رافقني رجل من أمداد حمير، ليس معه إلا السيف، إذ نحر رجل جزورا فسأله المددي طائفة من جلده، فوهبه منه، فجعله في الشمس وأوتد في أطرافه أوتادًا، فلما جف اتخذ منه مقبضا وجعله درقة. قال: فلما رأى ذلك المددي فعل الرومي، كمن له خلف صخرة، فلما مر به خرج عليه فعرقب فرسه، فقعد الفرس على رجليه وخر عنه العلج، فشد عليه فعلاه بالسيف فقتله. قال: وحدثني بكير بن مسمار، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، قال: حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم، فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة، فأخذتها، فلما انكشفنا فانهزمنا رجعت إلى المدينة، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار، فاشتريت بها حديقة نخل. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر، عن عروة، قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرار فررتم في سبيل الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله". فحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن أم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 128 سلمة قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فرار، فررتم في سبيل الله، وكان في غزوة مؤتة. وعن زيد بن أرقم، قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك، مردفي على حقيبة رحله، فوالله إنه ليسير إذ سمعته ينشد أبياته هذه: إذا أدنيتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمى وخلاك ذم ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي وآب المسلمون وغادروني ... بأرض الشام مشهور الثواء وردك كل ذي نسب قريب ... إلى الرحمن منقطع الإخاء هنالك لا أبالي طلع بعل ... ولا نخل، أسافلها رواء فلما سمعتهن بكيت، فخفقني بالدرة، وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة، وترجع بين شعبتي الرحل! وقال عبد الملك بن هشام: حدثني من أثق به أن جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. فأثابه الله -تعالى- بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء. وروى أنهم قتلوه بالرماح. ترجمة جعفر بن أبي طالب: قلت: وكان جعفر من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين. قال له الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 129 النبي صلى الله عليه وسلم: "أشبهت خلقي وخلقي". وقال عكرمة، عن أبي هريرة، قال: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر. وكنا نسميه أبا المساكين. وقال مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، قال: ما سألت عليا -رضي الله عنه- شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه. وعن ابن عمر، قال: وجدت في مقدم جسد جعفر يوم مؤتة بضعا وأربعين ضربة. ولما قدم جعفر من الحبشة عند فتح خيبر، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقه وقال: "ما أدري أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر"؟. وقال مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، قال: لما نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا أتانا فقال: "أخرجوا إلي بني أخي". فأخرجتنا أمنا أغيلمة ثلاثة كأنهم أفرخ: عبد الله، وعون، ومحمد. ترجمة زيد بن حارثة: وأما أبو أسامة زيد بن حارثة شراحيل الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 130 وأول من آمن به من الموالي؛ فإنه من كبار السابقين الأولين وكان من الرماة المذكورين. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، وعاش خمسا وخمسين سنة، وهو الذي سمى الله في كتابه في قوله: {تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} يعني من زينب بنت جحش: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ، وكان المسلمون يدعونه زيد ابن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] ، وقال -تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] ، وقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة. واختلف في سنه، فروى الواقدي أن محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد حدثه، عن أبيه، قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد بن حارثة عشر سنين؛ رسول الله أكبر منه، وكان قصيرًا شديد الأدمة أفطس. قال محمد بن سعد: كذا صفته في هذه الرواية، وجاءت من وجه آخر أنه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول مجزز المدلجي القائف: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض". قلت: وعلى هذه الرواية أيضا يكون عمره خمسين سنة أو نحوها. وقال أبو إسحاق السبيعي: إن زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة، فوقع إلى خديجة فاشترته، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم. ويروى أنها اشترته بسبع مائه درهم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 131 وقال الزهري: ما علمنا أحد أسلم قبله. وقال موسى بن عقبة: حدثنا سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، قال: ما كنا ندعوا زيدا إلا زيد بن محمد. فنزلت {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] . وقال يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمره علينا. كذا رواه الفسوي عن أبي عاصم عن يزيد. وقال ابن عيينة: أخبرنا عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته. فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده". وقال ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: "يا زيد أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 132 وقال محمد بن عبيد: حدثنا إسماعيل، عن مجالد، عن عامر، عن عائشة أنها كانت تقول: "لو أن زيدا كان حيا لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم". ورواه محمد بن عبيد مرة أخرى، فقال: حدثنا وائل بن داود، عن البهي، عن عائشة، قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه. وقال حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة". إسناده حسن، رواه الروياني في مسنده، ورواه حماد بن سلمة عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد، يرفعه. وقال حماد بن يزيد، عن خالد بن سلمة المخزومي، قال: أصيب زيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم منزله، فجهشت بنت زيد زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى حتى انتحب. فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: "شوق الحبيب إلى حبيبه". له ترجمة ابن رواحة: وأما عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عمرو، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا والمشاهد، وكان شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 133 وأخا أبي الدرداء لأمه. روى عنه أبو هريرة، وابن أخته النعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، وأنس قوله، وأرسل عنه جماعة من التابعين. وقال الواقدي: كنيته أبو محمد. وقيل: أبو رواحة. وروت أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. وقال معمر: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: تزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فقال لها: هل تدرين لم تزوجتك؟ قالت: لا، قال: لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته. فذكرت له شيئا لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبدا. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما نزلت: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون} [الشعراء] ، قال: ابن رواحة: قد علم الله أني منهم. فأنزلت: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} الآية [الشعراء: 227] وقيل: هذا البيت بن رواحة يخاطب زيد بن أرقم: يا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول الليل هديت فانزل يعني: انزل فسق بالقوم. وعن مصعب بن شيبة، قال: لما نزل ابن رواحة للقتال طعن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 134 فاستقبل الدم بيده، فدلك به وجهه، ثم صرع بين الصفين فجعل يقول: يا معشر المسلمين ذبوا عن لحم أخيكم. فكانوا يحملون حتى يجوزونه. فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه. وقال ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد الليثي، قال: حدثني نافع، قال: كانت لابن رواحة امرأة وكان يتقيها. وكانت له جارية فوقع عليها، فقالت له وفرقت أن يكون قد فعل فقال: سبحان الله. قالت: اقرأ علي إذا، فإنك جنب. فقال: شهدت بإذن الله أن محمدا ... رسول الذي فوق السموات من عل وإن أبا يحيى ويحيى كلاهما ... له عمل من ربه متقبل وقد رويا لحسان. وقال ابن وهب، عن عبد الرحمن بن سلمان، عن ابن الهاد، أن امرأة عبد الله بن رواحة رأته على جارية له فجحدها. فقالت له: فاقرأ، فقال: شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العريش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مقربينا فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر. فحدث ابن رواحة النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك. وقال موسى بن جعفر بن أبي كثير: حدثنا عبد العزيز الماجشون، عن الثقة أن ابن رواحة اتهمته امرأته. فذكر القصة. وقال ابن إسحاق: لم يعقب ابن رواحة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 135 واستشهد بمؤته: عباد بن قيس الخزرجي؛ أحد من شهد بدرا، والحارث بن النعمان بن أساف النجاري، ومسعود بن سويد بن حارثة الأنصاري، ووهب بن سعد بن أبي سرح العامري، وزيد بن عبيد بن المعلى الخزرجي؛ الذي قتل أبوه يوم أحد، وعبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، وقيل: قتل هذا يوم اليمامة، وأبو كلاب، وجابر ابنا أبي صعصعة الخزرجي، رضي الله عنهم. ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم: وفي هذا السنة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النواحى يدعوهم إلى الله تعالى. قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى، وإلى قيصر، وكتب إلى النجاشي، يعني الذي ملك الحبشة بعد النجاشي المسلم، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله، عز وجل. رواه مسلم. وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: كتب إلى النجاشي الثاني يدعوه إلى الله في هذه السنة. بل ذلك مسكوت عنه، وإنما كان ذلك بعد النجاشي الأول المسلم وموته، كما سيأتي في سنة تسع. والله أعلم. وقال إبراهيم بن سعد، صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 136 قيصر يدعوه إلى الإسلام. وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس، مشى من حمص إلى إيلياء شكرًا لما أبلاه الله -تعالى- فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين قرأه: التمسوا لي ههنا أحدا من قومه لنسألهم. قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا للتجارة، في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش. قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلسه وعليه التاج، وحوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قلت: أنا أقربهم إليه نسبا. قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ قلت: هو ابن عمي. قال: وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري، قال: أدنوه مني. ثم أمر بأصحابي فجعلهم خلف ظهري، عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائله عن هذا الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه. قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر عني أصحابي الكذب لكذبته عنه. ثم قال لترجمانه: قل له: كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 137 قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن الآن منه في مدة ونحن نخاف منه أن يغدر؛ ولم يمكنى كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه بها، لا أخاف أن تؤثر عني غيرها. قال: فهل قاتلتموه وقاتلكم؟ قلت: نعم. قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: كانت دولا وسجالا، يدال عينا المرة ويدال عليه الأخرى، قال: فماذا يأمركم به؟ قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعيد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 138 الأمانة. قال فقال لترجمانه قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم قد قيل قبله. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه. وسالتك: أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون، فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك: هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد. وسألتك: هل يغدر، فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم، فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه يكون دولا، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك ماذا يأمركم به، فزعمت أن يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم؛ وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فقرئ فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. وإن توليت فعليك إثم الأريسيين. و: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] . قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم، فلا أدري ما قالوا، وأمر بنا فأخرجنا. فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة؛ هذا ملك بني الأصفر يخافه. قال أبو سفيان: ووالله ما زلت ذليلا، مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره. أخرجاه من حديث إبراهيم. وأخرجاه من حديث معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس أن أبا سفيان حدثه، قال: انطلقت في المدة التى كانت بيني وبين الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 139 رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فبينا أنا بالشام. فذكر حديث إبراهيم. ورواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري بسنده. وفيه قال أبو سفيان: فلما كانت هدنة الحديبية بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم خرجت تاجرًا إلى الشام. فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلا قد حملني بضاعة. فقدمت غزة، وذلك حين ظهر قيصر على من كان ببلاده من الفرس، فأخرجهم منها. ورد عليه صليبه الأعظم، وكان منزله بحمص فخرج منها متشكرا إلى بيت المقدس، تبسط له البسط وتطرح له عليها الرياحين. حتى انتهى إلى إيلياء، فصلى بها. فأصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصبحت مهموما. فقال: أجل. قالوا: وما ذاك؟ قال: أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر. فقالوا: والله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا يهود، وهم تحت يدك وفي سلطانك، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم، فابعث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم. فبينما هم في ذلك؛ إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم. فقال: أيها الملك هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل، يحدثك عن حدث كان ببلاده، فسله عنه. فلما انتهى إليه قال لترجمانه: سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده؟ فسأله فقال: هو رجل من قريش خرج يزعم أنه نبي، وقد تبه أقوام وخالفه آخرون، فكانت بينهم ملاحم، فقال: جردوه. فإذا هو مختون فقال: هذا والله الذي أريت، لا ما تقولون. ثم دعا صاحب شرطته فقال له: قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه. فوالله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 140 إني وأصحابي لبغزة إذ هجم علينا فسألنا: ممن أنتم؟ أخبرناه. فساقنا إليه جميعا. فلما انتهينا إليه -قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف -يعني هرقل- فلما انتهينا إليه قال: أيكم أمس به رحما؟ فقلت: أنا. قال: أدنوه. وساق الحديث، ولم يذكر فيه كتابًا وفيه كما ترى أشياء عجيبة ينفرد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، قال: حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان، قال: لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب، وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من "اتبع الهدى. أما بعد؛ فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك". فلما قرأه وضعه بين فخذه، وخاصرته، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ، يخبره عما جاءه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه. فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكره ملكه، ثم أمر بها فأشرجت عليهم، واطلع عليهم من علية له، وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب أحمد، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا، نعرفه بعلاماته. فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم. فنخروا نخرة رجل واحد، وابتدروا أبواب الدسكرة، فوجدوها مغلقة دونهم. فخافهم، فقال: ردوهم علي. فكروهم عليه، فقال: إنما قلت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 141 لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم ما سرني. فوقعوا له سجدا، ثم فتحت لهم الأبواب فخرجوا. وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، قال: خرج أبو سفيان تاجرا وبلغ هرقل شأن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأدخل عليه أبو سفيان في ثلاثين رجلا، وهو في كنيسة إيلياء. فسألهم فقالوا: ساحر كذاب. فقال أخبروني بأعلمكم به وأقربكم منه. قالوا: هذا ابن عمه. وذكر شبيها بحديث الزهري. وقال البخاري: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى كسرى. قال: فلما قرأه كسرى مزقه. فحسبت ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وقال الذهلي محمد بن يحيى: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم قال: "أما بعد، "فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى". فقال المهاجرون: والله لا نختلف عليك في شيء، فمرنا وابعثنا. فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى، فخرج حتى قدم على كسرى، وهو بالمدائن، واستأذن عليه. فأمر كسرى بإيوانه أن يزين، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب، فلما دخل عليه أمر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه. قال شجاع: لا، حتى أدفعه أنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 142 كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال كسرى: ادنه، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه، فإذا فيه: "من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس". فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصاح غضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع فأخرج، فركب راحلته وذهب، فلما سكن غضب كسرى، طلب شجاعا فلم يجده. وأتى شجاع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "اللهم مزق ملكه". وقال أبو عوانة، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض". أخرجه مسلم. رواه أسباط بن نصر، عن سماك، عن جابر فزاد، قال: فكنت أنا وأبي فيهم، فأصابنا من ذلك ألف درهم. وقال أحمد بن الوليد الفحام: حدثنا أسود بن عامر، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رجلا من أهل فارس أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ربي قد قتل ربك، يعني كسري". قال: وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد استخلف بنته، فقال: "لا يفلح قوم تملكهم امرأة". ويروى أن كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعده ويقول: ألا تكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه؟ لتكفنيه أو لأفعلن بك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 143 فبعث العامل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسلا وكتابا، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ثم قال: "اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا: إن ربي قد قتل ربك الليلة". وروى أبو بكر بن عياش، عن داود بن أبي هند، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أقبل سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلك -أو قال: قتل- كسرى. فقال: "لعن الله كسرى، أول الناس هلاكا فارس ثم العرب". وقال محمد بن يحيى: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، قال: قال: ابن شهاب. وقد رواه الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، كلاهما يقول عن أبي سلمة، واللفظ لصالح قال: بلغني أن كسرى بينما هو في دسكرة ملكه، بعث له -أو قيض له- عارض فعرض عليه الحق، فلم يفجأ كسرى إلا الرجل يمشي وفي يده عصا فقال: يا كسرى هل لك في الإسلام قبل أن أكسر هذه العصا؟ قال: كسرى: نعم؟ فلا تكسرها. فولى الرجل. فلما ذهب أرسل كسرى إلى حجابه فقال: من أذن لهذا؟ قالوا: ما دخل عليك أحد. قال: كذبتم. وغضب عليهم وعنفهم، ثم تركهم. فلما كان رأس الحول أتاه ذلك الرجل بالعصا فقال كمقالته. فدعا كسرى الحجاب وعنفهم. فلما كان الحول المستقبل، أتاه ومعه العصا فقال: هل لك يا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر العصا؟ قال: لا تكسرها، فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك. وقال الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. وإذا هلك قيصر فلا قيصر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 144 بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله". أخرجه مسلم. وروى يونس بن بكير، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر. فأما قيصر فوضعه، وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فسيكون لهم بقية". وقال الربيع: أخبرنا الشافعي، قال: حفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعه في مسك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثبت ملكه". قال الشافعي: وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام. وقال في كسرى: "مزق ملكه"، فلم يبق للأكاسرة ملك، وقال في قيصر: "ثبت ملكه" فثبت له ملك بلاد الروم إلى اليوم. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثنا الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله، وأهدى معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة وكسوة وجاريتين؛ إحدهما أم إبراهيم، والأخرى وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر. وقال أبو بشر الدولابي: حدثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري، قال: حدثنا هارون بن يحيى الحاطبي، قال: حدثنا إبراهيم بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 145 عبد الرحمن، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن جده حاطب بن أبي بلتعة، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلني في منزله، وأقمت عنده. ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال: إني سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه مني. قلت: نعم، هلم. قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبي؟ قلت: بلى، هو رسول الله. قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه. قلت: عيسى؛ أليس تشهد أنه رسول الله، فما له حديث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكم الله حتى رفعه الله إليه إلى السماء الدنيا. قال: أنت حكيم جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك إليه. فأهدى ثلاث جوار، منهن أم إبراهيم، وواحدة وهبها رسول الله لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت. وأرسل بطرف من طرفهم. غزوة ذات السلاسل: قيل: إنه ماء بأرض جذام. قال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، ورواه موسى بن عقبة، واللفظ له، قالا: غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام في بلى وسعد الله ومن يليهم من قضاعة. وفي رواية عروة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في بلي، وهو أخوال العاص بن وائل، وبعثه فيمن يليهم من قضاعة وأمره عليهم. قال ابن عقبة: فخاف عمرو من جانبه الذي هو به، فبعث إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 146 رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده. فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، فانتدب فيهم أبو بكر وعمر وجماعة، أمر عليهم أبا عبيدة، فأمد بهم عمرًا، فلما قدموا عليه، قال: أنا أميركم، وأنا أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستمده بكم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. قال: إنما أنتم مدد أمددته. فلما رأى أبو عبيدة، وكان رجلا حسن الخلق لين الشيمة، سعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، قال: تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك عصيتني لأطيعنك. فسلم أبو عبيدة الإمارة لعمرو. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، عن غزوة ذات السلاسل من أرض بلى وعذرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص لستنفر العرب إلى الإسلام. وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلى، فبعثه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتألفهم بذلك. حتى إذا كان بأرض جذام، على ماء يقال له: السلاسل، خاف فبعث يستمد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال علي بن عاصم: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر. فحدثت نفسي أنه لم يبعثني عليهما إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: إني لم أسألك عن أهلك. قال: "فأبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر". قلت: ثم من؟ حتى عد رهطا، قال: قلت في نفسى: لا أعود أسأل عن هذا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 147 رواه غيره عن خالد، وهو في الصحيحين مختصرا. وكيع، وغيره: حدثنا موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، سمع عمرو بن العاص: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عمرو اشدد عليك سلاحك وائتني". ففعلت، فجئته وهو يتوضأ، فصعد في البصر وصوبه وقال: "يا عمرو إني أريد أن أبعثك وجها فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبة من المال صالحة". قلت: إني لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك. قال: "يا عمرو نعما بالمال الصالح للمرء الصالح". ابن عون وغيره، عن محمد، استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا على جيش ذات السلاسل وفيهم أبوبكر وعمر. رواه إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعى بنحوه. وكيع، عن المنذر بن ثعلبة، عن ابن بريدة: قال أبو بكر: إنما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني عمرا، علينا لعلمه بالحرب. قلت: ولهذا استعمل أبو بكر عمرًا على غزو الشام. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن يزيد بن رومان، أن أبا عبيدة لما أتى عمرا صاروا خمس مائة، وسار الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه كان بذلك الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعا، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنبل. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 148 ورمي يومئذ عامر بن ربيعة، فأصيب ذراعه. وحمل المسلمون عليهم فهربوا وأعجزوا هربا في البلاد. ودوخ عمرو ما هناك. وأقام أياما يغير أصحابه على المواشي. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد فقال لهم عمرو: لا يوقدون أحد نارا. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه، فقال: يا نبي الله، كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين. فاعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جرير بن حازم: حدثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب". فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئا. وقال عمرو بن الحارث، وغيره، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرا كان على سرية، فذكر نحوه. قال: فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم. لم يذكر التيمم. أخرجهما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 149 أبو داود. غزوة سيف البحر: قال ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث مائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد عيرا لقريش، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط فسمي جيش الخبط. قال: ونحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر. ثم إن أبا عبيدة نهاه. قال: فألقى لنا البحر دابة يقال لها: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وادهنا منه، حتى ثابت منه أجسامنا وصلحت، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه، فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمله عليه ومر تحته. متفق عليه. زاد البخاري في حديث عمرو، عن جابر: قال جابر: وكان رجل في القوم نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاثا، ثم ثلاثا، ثم إن أبا عبيدة نهاه. قال: وكان عمرو يقول: أخبرنا أبو صالح أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنت في الجيش فجاعوا، قال أبوه: انحر. قال: نحرت، قال: ثم جاعوا. قال: انحر، قال: نحرت، ثم جاعوا. قال: انحر. قال: نهيت. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 150 وقال مالك: عن وهب بن كيسان، عن جابر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل، وأمر عليهم أبا عبيدة وهم ثلاث مائة وأنا فيهم، حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا، حتى فني. ولم يكن يصيبا إلا تمرة تمرة. قال: فقلت: وما تغني تمرة؟ قال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب وهو الجبل، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مر تحتهما فلم تصبهما. أخرجاه. وقال زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر. فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة. وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا كهيئة الكثيب فأتيناه فإذا دابة تدعى العنبر. فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا. فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاث مائة حتى سمعنا. ولقد كنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور. ولقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير منها فمر تحتها. وتزودنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: "هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء تطعموننا"؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكل. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 151 قلت: زعم بعض الناس أن هذه السرية كانت في رجب سنة ثمان. سرية أبي قتادة إلى خضرة: قال الواقدي في مغازيه: قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بن ربعي الأنصاري إلى غطفان في خمسة عشر رجلا، وأمره أن يشن عليهم الغارة. فسار وهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط به، فصرخ رجل منهم: يا خضرة! وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشرف لهم، وأستاقوا النعم، فكانت بعير وألفي شاة. وسبوا سبيا كثيرا. وغابوا خمس عشرة ليلة وذلك في شعبان من السنة. ثم كانت سريته إلى إضم على إثر ذلك في رمضان. وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم: وكانت أكبر بناته. توفيت في هذه السنة وغسلتها أم عطية الأنصارية وغيرها. وأعطاهن النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، فقال: "أشعرنها إياه". وبنتها أمامة بنت أبي العاص، هى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 152 فتح مكة شرفها الله وعظمها: قال البكائي، عن ابن إسحاق: ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة، وهم على ماء بأسفل مكة يقال له: الوتير. وكان الذي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلًا من بني الحضرمي خرج تاجرًا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله. فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على سلمى وكلثوم وذؤيب بني الأسود بن رزن الديلي، وهو مفخر بني كنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعرفة. فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به. فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل معه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه. فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها. فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل، أحد بني بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثارًا بأولئك الإخوة. فخرج نوفل بن معاوية الديلي في قومه حتى بيت خزاعة على الوتير فاقتتلوا. وردفت قريش الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 153 بني الدليل بالسلاح، وقوم من قريش أعانت خزاعة بأنفسهم، مستخفين بذلك، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم. فقال قوم نوفل له: اتق إلهك ولا تستحل الحرم. فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كنانة إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة. ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ودار رافع مولى خزاعة. فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة، كان ذلك نقضا للهدنة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة مستغيثين به، فوقف عمرو عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهري الناس، فقال: يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مدا فيهم رسول الله قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا فانصر، هداك الله، نصرا أيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم". ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب؛ يعني خزاعة. رواه أطول من هذا يونس بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 154 بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري سماعا، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم. وقال ابن إسحاق: ثم قدم بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة". ومضى بديل وأصحابه فلقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان، قد جاء ليشد العقد ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي صنعوا. فلما لقي بديل بن ورقاء، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سرت في خزاعة على الساحل. فقال: أوما جئت محمدا؟ قال: لا. فلما راح بديل إلى مكة قال: أبو سفيان: لئن كان جاء إلى المدينة لقد علف بها النوى. فأتى مبرك راحلته ففته فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد أتى محمدا. ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك، نجس. قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. ثم خرج حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا. فذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر فكلمه فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجالدتكم عليه. ثم خرج حتى أتى عليا -رضي الله عنه- وعنده فاطمة وابنها الحسن وهو غلام يدب، فقال: يا علي إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول الله. فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 155 أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال: يا ابنة محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما بلغ بني ذلك، وما يجبر أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا حسن، إني أري الأمور قد اشتدت على فانصحني. قال: والله ما أعلم شيئا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك. قال: أوترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وانطلق، فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ فقص شأنه، وأنه جار بين الناس، قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: والله إن زاد الرجل على أن لعب بك. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه. ثم أعلم الناس بأنه يريد مكة، وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم". فعن عروة وغيره، قالوا: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بذلك مع امرأة، فجعلته في رأسها ثم قتلت عليه قرونها ثم خرجت به. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بفعله، فأرسل في طلبها عليا والزبير. وذكر الحديث. أخبرنا محمد بن أبي الحرم القرشي، وجماعة، قالوا: حدثنا الحسن بن يحيى المخزومي قال: حدثنا عبد الله بن رفاعة، قال: أخبرنا علي بن الحسن الشافعي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، قال: أخبرنا عثمان بن محمد السمرقندي، قال: حدثنا أحمد بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 156 شعبان، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن حسن بن محمد، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع -وهو كاتب علي- قال: سمعت عليا -رضي الله عنه- يقول: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها. فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة. قلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب أو لتقلعن الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا"؟ قال: يا رسول الله لا تعجل، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من كان من المهاجرين معك لهم قرابات يحمون بها أهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت أن أتخذ فيهم يدا -إذ فاتني ذلك- يحمون بها قرابتي، وما فعلته كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد صدقكم". فقال عمر -رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله -تعالى- اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". أخرجه البخاري عن قتيبة، ومسلم عن ابن أبي شيبة، وأبو داود عن مسدد، كلهم عن سفيان. أبو حذيفة النهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، قال: قال عمر: كتب حاطب إلى المشركين بكتاب فجيء به إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 157 النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا حاطب ما دعاك إلى هذا"؟ قال: كان أهلي فيهم وخشيت أن يصرموا عليهم، فقلت: أكتب كتابا لا يضر الله ورسوله. فاخترطت السيف فقلت: يا رسول الله، أضرب عنقه فقد كفر. فقال: "وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". هذا حديث حسن. وعن ابن إسحاق نحوه، وزاد: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] . وعن ابن إسحاق، قال: وعن ابن عباس، قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستعمل على المدينة أبا رهم الغفاري. وخرج لعشر مضين من رمضان. فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، بين عسفان وأمج أفطر. اسم أبي رهم: كلثوم بن حصين. وقال سعيد بن بشير، عن قتادة: أن خزاعة أسلمت في دراهم، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامها، وجعل إسلامها في دارها. وقال سعيد بن عبد العزيز، وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل في عهده يوم الحديبية خزاعة. وقال الوليد بن مسلم: أخبرني من سمع عمرو بن دينار، عن ابن عمر، قال: كانت خزاعة حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفاثة حلف أبي سفيان. فعدت نفاثة على خزاعة، فأمدتها قريش. فلم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة، فخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يدوا قتلى خزاعة، وبين أن يبرأ من حلف نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء. قالوا: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 158 ننبذ على سواء. فلما سار ندمت قريش، وأرسلت أبا سفيان يسأل تجديد العهد. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: كانت بين نفاثة من بني الديل، وبين كعب، حرب. فأعانت قريش وبنو كنانة بني نفاثة على بني كعب. فنكثوا العهد إلا بنو مدلج، فإنهم وفوا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلن. فذكر القصة، وشعر عمرو بن سالم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي". فأنشأت سحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب، أبصروا أبا سفيان فإنه قادم عليكم يلتمس تجديد العهد والزيادة في المدة". فأقبل أبو سفيان، فقال: يا محمد جدد العهد وزدنا في المدة. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو لذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم"؟ قال: معاذ الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن على عهدنا وصلحنا". ثم ذكر ذهابه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأنه قال له: أنت أكبر قريش فأجر بينها. قال: صدفت إني كذلك فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، وما أظن أن يرد جواري ولا يخفر بي، قال: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أدبر: "اللهم سد على أبصارهم وأسماعهم فلا يروني إلا بغتة". فانطلق أبو سفيان حتى قدم مكة فحدث قومه، فقالوا: رضيت بالباطل وجئتنا بما لا يغني عنا شيئا، وإنما لعب بك علي. وأغبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاز، مخفيا لذلك. فدخل أبو بكر على ابنته، فرأى شيئا من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر وقال: أين يريد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 159 رسول الله؟ فقالت عائشة: تجهز، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاز قومك، قد غضب لبني كعب. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشفقت عائشة أن يسقط أبوها بما أخبرته قبل أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة يتحدث مع أبي بكر، ثم قال: "تجهزت يا أبا بكر"؟ قال: لماذا يا رسول الله؟ قال: "لغزو قريش، فإنهم قد غدروا ونقضوا العهد، وإنا قوم غازون إن شاء الله". وأذن في الناس بالغزو، فكتب حاطب إلى قريش فذكر حديثه، وقال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين، والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وبني سليم، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران، ولم تعلم بهم قريش، قال: فبعثوا حكيم بن حزام وأبا سفيان وقالوا: خذوا لنا جوارا أو آذنونا بالحرب. فخرجا فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه، فخرج معهما حتى إذا كانوا بالأراك بمكة، وذلك عشاء، رأوا الفساطيط والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا: هؤلاء بنو كعب جاشت بهم الحرب. قال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هذا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلا لا يتركون أحدا يمضي. فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل وأتوا بهم. فقام عمر إلى سفيان فوجأ عنقه، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم به، فحبسه الحرس أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف القتل، وكان العباس بن عبد المطلب خالصة له في الجاهلية، فنادى بأعلى صوته: ألا تأمر بي إلى عباس؟ فأتاه عباس فدفع عنه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبضه إليه. فركب به تحت الليل، فسار به في عسكر القوم حتى أبصره أجمع. وكان عمر قال له حين وجأه: لا تدن من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت. فاستغاث بالعباس وقال: إني مقتول. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 160 فمنعه من الناس. فلما رأى كثرة الجيش، قال: لم أر كالليلة جمعا لقوم. فخلصه عباس من أيديهم، وقال: إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله، فجعل يريد أن يقول الذي يأمره به عباس، ولا ينطلق به لسانه وبات معه. وأما حكيم وبديل فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما. وجعل يستخبرهما عن أهل مكة. فلما نودي بالفجر تحسس القوم، ففزع أبو سفيان وقال: يا عباس، ما يريدون؟ قال: سمعوا النداء بالصلاة فتيسروا لحضور النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهم أبو سفيان يمرون إلى الصلاة، وأبصرهم يركعون ويسجدون إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا عباس، ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه؟! فقال: لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه. فقال: يا عباس، فكلمه في قومك، هل عنده من عفو عنهم؟ فانطلق عباس بأبي سفيان حتى أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان، فقال أبو سفيان: يا محمد إني قد استنصرت بإلهي واستنصرت إلهك، فوالله ما لقيتك من مرة إلا ظهرت علي، فلو كان إلهي محقا وإلهك باطلا ظهرت عليك، فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وقال عباس: يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي إلى قومك فأنذرهم ما نزل بهم، وأدعوهم إلى الله ورسوله. فأذن له. قال: كيف أقول لهم؟ قال: "من قال: لا إله إلا الله "وحده لا شريك له، وشهد أن محمدا عبده ورسوله، وكف يده، فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن". قال: يا رسول الله، أبو سفيان ابن عمنا، فأحب أن يرجع معي، فلو خصصته بمعروف. فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". فجعل أبو سفيان يستفهمه. ودار أبي سفيان بأعلى مكة. وقال: من دخل دارك يا حكيم فهو آمن. ودار حكيم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 161 في أسفل مكة. وحمل النبي صلى الله عليه وسلم العباس على بغلته البيضاء التى أهداها إليه دحية الكلبي، فانطلق العباس وأبو سفيان قد أردفه. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم في إثره، فقال: "أدركوا العباس فردوه علي". وحدثهم بالذي خاف عليه، فأدركه الرسول، فكره عباس الرجوع، وقال: أترهب يا رسول الله أن يرجع أبو سفيان راغبا في قلة الناس فيكفر بعد إسلامه؟ فقال: "احبسه" فحبسه. فقال أبو سفيان: غدرا يا بني هاشم؟ فقال عباس: إنا لسنا بغدر، ولكن لي إليك بعض الحاجة. قال: وما هي، فأقضيها لك؟ قال: إنما نفاذها حين تقدم عليك خالد بن الوليد والزبير بن العوام. فوقف عباس بالمضيق دون الأراك، وقد وعى منه أبو سفيان حديثه. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل بعضها على إثر بعض، وقسم الخيل شطرين، فبعث الزبير في خيل عظيمة. فلما مروا بأبي سفيان قال للعباس: من هذا؟ قال: الزبير. وردفه خالد بن الوليد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة، فقال أبو سفيان: أهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس؟ قال: لا، ولكن هذا خالد بن الوليد. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة الأنصار، فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار. فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال: يا رسول الله، اخترت هذه الوجوه على قومك؟ قال: "أنت فعلت ذلك وقومك. إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني، ونصروني، إذ أخرجتموني"، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ الأقرع بن حابس، وعباس بن مرداس، وعيينة بن بدر، فلما أبصرهم حول النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هؤلاء يا عباس؟ قال: هذه كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذه الموت الأحمر، هؤلاء المهاجرون والأنصار. قال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 162 امض يا عباس، فلما أر كاليوم جنود قط ولا جماعة، وسار الزبير بالناس حتى إذا وقف بالحجون، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة. فلقيته بنو بكر فقاتلهم فهزمهم، وقتل منهم قريبا من عشرين، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وهزموا وقتلوا بالحزورة، حتى دخلوا الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبل على الخندمة، واتبعهم المسلمون بالسيوف. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، ونادى مناد: من أغلق عليه داره وكف يده فإنه آمن. وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلًا بذي طوى، فقال: "كيف قال حسان"؟ فقال رجل من أصحابه: قال: عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء فأمرهم فأدخلوا الخيل من حيث قال حسان. فأدخلت من ذي طوى من أسفل مكة. واستحر القتل ببني بكر. فأحل الله له مكة ساعة من نهار، وذلك قوله -تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1، 2] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحلت الحرمة لأحد قبلي ولا بعدي، ولا أحلت لي إلا ساعة من نهار". ونادى أبو سفيان بمكة: أسلموا تسلموا فكفهم الله عن عباس. فأقبلت هند فأخذت بلحية أبي سفيان، ثم نادت: يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق. قال: أرسلي لحيتى، فأقسم لئن أنت لم تسلمى لتضربن عنقك ويلك جاءنا بالحق ادخلي بيتك واسكتي. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف سبعا على راحلته. وفر صفوان بن أمية عامدا للبحر، وفر عكرمة عامدا لليمن، وأقبل عمير بن وهب إلى رسل الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله آمن صفوان فقد هرب، وقد خشيت أن يهلك نفسه، فأرسلني إليه بأمان فإنك قد آمنت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 163 الأحمر والأسود، فقال: "أدركه فهو آمن". فطلبه عمير فأدركه ودعاه فقال: قد آمنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صفوان: والله لا أوقن لك حتى أرى علامة بأماني أعرفها. فرجع فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم برد حبرة كان معتجرا به حين دخل مكة، فأقبل به عمير، فقال صفوان: يا رسول الله، أعطيتني ما يقول هذا من الأمان؟ قال: "نعم". قال: اجعل لي شهرا، قال: "لك شهران، لعل الله أن يهديك". واستأذنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وهي يومئذ مسلمة، وهي تحت عكرمة بن أبي جهل، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب زوجها، فأذن لها وآمنه، فخرجت بعبد لها رومي فأرادها عن نفسها، فلم تزل تمنيه وتقرب له حتى قدمت على ناس من عك فاستعانتهم عليه فأوثقوه، فأدركت زوجها ببعض تهامة وقد ركب في السفينة، فلما جلس فيها نادى باللات والعزى. فقال أصحاب السفينة: لا يجوز ههنا من دعاء بشيء إلا الله وحده مخلصا، فقال عكرمة: والله لئن كان في البحر، إنه لفي البر وحده، أقسم بالله لأرجعن إلى محمد، فرجع عكرمة مع امرأته، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه، وقبل منه. ودخل رجل من هذيل على امرأته، فلامته وعيرته بالفرار، فقال: وأنت لو رأيتنا بالخندمه ... إذ فر صفوان وفر عكرمه قد لحقتهم بالسيوف المسلمه ... يقطعن كل ساعد وجمجمه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه وكان دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان، واستعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان فأعطاه فيما زعموا مائة درع وأداتها، وكان أكثر شيء سلاحا. وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بضع عشرة ليلة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 164 وقال ابن إسحاق: مضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف، فسبعت سليم، وبعهضم يقول: ألفت، وألفت مزينة. ولم يتخلف أحد من المهاجرين والأنصار. وقد كان العباس لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق. قال عبد الملك بن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرًا بعياله. قال ابن إسحاق: وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة؛ قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيق العقاب -فيما بين مكة والمدينة- فالتسما الدخول عليه، فكلمته أم سليم فيهما، فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك. قال: "لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال". فلما بلغهما قوله قال أبو سفيان: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، وأذن لهما، فدخلا وأسلما، وقال أبو سفيان: لعمرك إني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى وأهتدي هداني هاد غير نفسي ونالني ... مع الله من طردت كل مطرد أصد وأنأى جاهدا عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب من محمد فذكروا أنه حين أنشد النبي صلى الله عليه وسلم هذه ضرب في صدره، وقال: "أنت طردتنى كل مطرد"! وقال سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن أبي سعيد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 165 الخدري، قال: خرجنا لغزوة فتح مكة لليلتين خلتا من شهر رمضان صواما، فلما كنا بالكديد، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر. وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في مخرجه ذلك حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر الناس. أخرجه البخاري. وقال الأوزاعي: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة، قال: دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، وهو يتغدى فقال: "الغداء" فقالا: إنا صائمان، فقال: "اعملوا لصاحبيكم، ارحلوا لصاحبيكم، كلا، كلا". مرسل. وقوله هذا مقدر بالقول يعني: يقال هذا لكونكما صائمين. وقال معمر: سمعت الزهري يقول: أخبرني عبيد الله، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد؛ وهو بين عسفان وقديد؛ فأفطر، وأفطر الناس. قال الزهري: وكان الفطر آخر الأمرين. وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزهري: فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 166 رمضان. أخرجه البخاري، ومسلم دون قول الزهري. وكذا ورخه يونس عن الزهري. وقال عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن شهاب، ومحمد بن علي بن الحسين، وعمرو بن شعيب، وعاصم بن عمر وغيرهم، قالوا: كان فتح مكة في عشر بقين من رمضان. وقال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر، فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل. وخرج المسلمون وقادوا الخيل وامتطوا الإبل. وكانوا عشرة آلاف. وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم خرج في اثني عشر ألفا. وقال ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس بأبي سفيان فأسلم بمر الظهران. فقال: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فلو جعلت له شيئا؟ قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن". زاد فيه الثقة، عن ابن إسحاق قال: ناده، فقال أبو سفيان: وما تسع داري؟ قال: "من دخل الكعبة فهو آمن"، قال: وما تسع الكعبة؟ قال: "من دخل المسجد فهو آمن". قال: وما يسع المسجد؟ قال: "من أغلق بابه فهو آمن". فقال: هذه واسعة. وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، قال العباس وقد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 167 المدينة: يا صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن، أو داخلا يدخل مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتوه فيستأمنوه، فخرجت فوالله إني لأطوف بالأراك إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وقد خرجوا يتجسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعت صوت أبي سفيان وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط نيرانا، فقال بديل: هذه نيران خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل. فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة، فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم. فقال: لبيك، فداك أبي وأمي، ما وراءك؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به في عشرة آلاف من المسلمين. قال: فكيف الحيلة، فداك أبي وأمي؟ فقلت: تركب في عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك. فردفني فخرجت أركض به نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا إلي وقالوا: عم رسول الله على بغلة رسول الله. حتى مررت بنار عمر فقال: أبو سفيان؟! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء. ودخل عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله، إني قد آمنته. ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر، قلت: مهلا يا عمر، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 168 فوالله ما تصنع هذا إلا؛ لأنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا. مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما ذاك إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب به فقد آمناه، حتى تغدو به علي الغداة"، فرجع به العباس إلى منزله. فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويحك يا أبا "سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إلا الله"؟ فقال: بأبي وأمي ما أوصلك وأكرمك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا بعد. فقال: "ويحك أولم يأن لك أن تعلم أني رسول الله"؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، أما هذه فإن في النفس منها شيئا. قال العباس: فقلت: ويلك تشهد شهادة الحق قبل، والله، أن تضرب عنقك. فتشهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تشهد: "انصرف به يا عباس فاحبسه عند حطم الجبل بمضيق الوادي، حتى تمر عليه جنود الله". فقلت له: إن أبا سفيان يا رسول الله رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا يكون له في قومك. فقال: " نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن". فخرجت به حتى حبسته عند حطم الجبل بمضيق الوادي، فمرت عليه القبائل، فيقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سليم. فيقول: ما لي ولسليم. وتمر به القبيلة فيقول: من هذه؟ فأقول: أسلم. فيقول ما لي ولأسلم. وتمر جهينة. حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، في الحديد، لا يرى منهم إلا الحدق. فقال يا أبا الفضل من هؤلاء؟ فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 169 يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقلت: ويحك، إنها النبوة. قال: فنعم إذن. قلت: الحق الآن بقومك فحذرهم. فخرج سريعا حتى جاء مكة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش؛ هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. فقالوا: فمه؟ قال: "من دخل داري فهو آمن". قالوا: وما دارك، وما تغني عنا؟ قال: "من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق داره عليه فهو آمن". هكذا رواه بهذا اللفظ ابن إسحاق، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا، وأما أيوب السختياني فأرسله. وقد رواه ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس بمعناه. وقال عروة: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم، قال: سمعت العباس يقول للزبير: يا أبا عبد الله، ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية. قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كداء، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان: جيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري. وقال الزهري، وغيره: أخفى الله مسير النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مكة، حتى نزل بمر الظهران. وفي مغازيه موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد: "لم قاتلت، وقد نهيتك "عن القتال"؟ قال: هم بدؤونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قضاء الله خير". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 170 ويقال: قال أبو بكر يومئذ: يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهر، فلما دنونا منه استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبنا. فقال: "ذهب كلبهم وأقبل درهم، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه". فلقوا أبا سفيان وحكيما بمر. وقال حسان: عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأعنة مصحبات ... تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعز الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري ما تكدره الدلاء فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم إلى أبي بكر حين رأى النساء يلطمن الخيل بالخمر؛ أي: ينفضن الغبار عن الخيل. وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل". وأرسل إلى ابن رواحة فقال: "اهجهم". فلما فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت. فلما دخل قال: " الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 171 قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه". ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا، حتى يخلق لك نسبي". فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله قد أخلص لي نسبك، فوالذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله". وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هجاهم حسان فشفى وأشفى". وذكر الأبيات، وزاد فيها: هجوت محمدا برا حنيفا ... رسول الله شيمته الوفاء فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء فإن أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء وقال الله: قد سيرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء أخرجه مسلم. وقال سليمان بن المغيرة وغيره: حدثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام. وكان أبو هريرة ممن يصنع لنا فيكثر، فيدعو إلى رحله. قلت: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 172 لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم إلى رحلي، ففلعت. ولقيت أبا هريرة بالعشي فقلت: الدعوة عندي الليلة. فقال: سبقتني يا أخا الأنصار. قال: فإنهم لعندي إذ قال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ فذكر فتح مكة. وقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين، وبعث الزبير على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر؟ ثم رآني فقال: "يا أبا هريرة". قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله. قال: "اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلا بأنصاري". قال: ففعلته. ثم قال: "انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا". فانطلقنا فما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، وما منا أحد يريد أحدا منهم إلا أخذه. وجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله: أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن". فألقوا سلاحهم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالحجر فاستلمه، ثم طاف سبعا وصلى خلف المقام ركعتين. ثم جاء ومعه القوس آخذ بسيتها، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم، وهو يقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، ثم انطلق حتى أتى الصفا، فعلا منه حتى يرى البيت، وجعل يحمد الله ويدعوه، والأنصار عنده يقولون: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. وجاء الوحي، وكان الوحي، إذا جاء لم يخف علينا. فلما أن رفع الوحي، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 173 قال: "يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا، فما اسمي إذا؟ كلا، إني عبد الله ورسوله. المحيا محياكم والممات مماتكم". فأقبلوا يبكون وقالوا: يا رسول الله ما قلت إلا الضن بالله وبرسوله. فقال: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم". أخرجه مسلم، وعنده: "كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم". وفي الحديث دلالة على الإذن بالقتل قبل عقد الأمان. وقال سلام بن مسكين: حدثني ثابت البناني، عن عبد الله بن بارح، عن أبي هريرة، قال: ما قتل يوم الفتح إلا أربعة. ثم دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب، فقال: "ما تقولون وما تظنون"؟ قالوا: نقول: ابن أخ وابن عم حليم رحيم". فقال: "أقول كما قال يوسف: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92] ". قال: فخرجوا كما نشروا من القبور، فدخلوا في الإسلام. وقال عروة، عن عائشة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء من أعلى مكة. وقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر، وقال: "كيف قال حسان"؟ فأنشده أبو بكر: عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء ينازعن الأعنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 174 فقال: "ادخلوا من حيث قال حسان". وقال الزهري: عن أنس، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مكة وعلى رأسه، المغفر، فلما وضعه جاء رجل فقال: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال: "اقتلوه". متفق عليه. وكان صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم ابن خطل وثلاثة غيره. وقال منصور بن أبي مزاحم: حدثنا أبو معشر، عن يوسف بن يعقوب، عن السائب بن يزيد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم أخرجوه من تحت الأستار، فضرب عنقه بين زمزم والمقام، ثم قال: "لا يقتل قرشي بعدها صبرا". وقال معاوية بن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، أخرجه مسلم. وفي مسند الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. وقال مساور الوراق: سمعت جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء حرقانية، قد أرخى طرفها بين كتفيه. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن عائشة قالت: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء؛ قطعه مرط لي مرحل، وكانت الراية تسمى العقاب. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 175 قال عبد الله بن أبي بكر، لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى ورأى ما أكرمه الله به من الفتح جعل يتواضع لله حتى إنك لتقول: قد كاد عثنونه أن يصيب واسطة الرحل. وقال ثابت، عن أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا. حديث صحيح. وقال شعبة، عن معاوية بن قرة، سمع عبد الله بن مغفل، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سورة الفتح وهوعلى بعير، فرجع فيها. ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم فرجع وقال: لولا أن يجتمع الناس لرجعت كما رجع ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه، ولفظه للبخاري. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثة مائة وستون نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ، {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، متفق عليه. وقال ابن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاث مائة صنم، فأخذ قضيبه فجعل يهوي به إلى صنم صنم، وهو يهوي حتى مر عليها كلها. حديث حسن. وقال القاسم بن عبد الله العمري -وهو ضعيف- عن عبد الله دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاث مائة الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 176 وستين صنما. فأشار إلى كل صنم بعصا من غير أن يسمها، وقال: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ، فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط. وقال عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال: "قاتلهم الله، أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط". ودخل البيت وكبر في نواحيه. أخرجه البخاري. وقال معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخله حتى أمر بها فمحيت. ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام، فقال: "قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط". صحيح. وروى أبو الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصور. صحيح. وقال هوذة: حدثنا عوف الأعرابي، عن رجل، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، شيبة بن عثمان فأعطاه المفتاح، وقال له: "دونك هذا، فأنت أمين الله على بيته". قال الواقدي: هذا غلط، إنما أعطى المفتاح عثمان بن طلحة؛ ابن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 177 عم شيبة؛ يوم الفتح، وشيبة يومئذ كافر. ولم يزل عثمان على البيت حتى مات ثم ولي شيبة. قلت: قول الواقدي: لم يزل عثمان على البيت حتى مات، فيه نظر، فإن أراد لم يزل منفردا بالحجابة، فلا نسلم، وإن أراد مشاركا لشيبة، فقريب، فإن شيبة كان حاجبا في خلافة عمر. ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى الحجابة لشيبة لم أسلم، وكان إسلامه عام الفتح، لا يوم الفتح. وقال محمد بن حمران: حدثنا أبو بشر، عن مسافع بن شيبة، عن أبيه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يصلي، فإذا فيها تصاوير، فقال: "يا شيبة، اكفني هذه". فاشتد ذلك عليه. فقال له رجل: طينها ثم الطخها بزعفران. ففعل. تفرد بن محمد، وهو مقارب الأمر. وقال يونس، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة، ومعه بلال وعثمان بن طلحة، من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمر عثمان أن يأتي بمفتاح البيت، ففتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة وبلال وعثمان، فمكث فيها نهارا طويلا، ثم خرج فاستبق الناس، وكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالا وراء الباب، فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار إلى المكان الذي صلى فيه. قال ابن عمر: فنسيت أن أسأله: كم صلى من سجدة؟. صحيح. علقه البخاري محتجا به. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت: لما اطمأن رسول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 178 الله صلى الله عليه وسلم بمكة، طاف على بعيره، يستلم "الحجر" بالمحجن. ثم دخل الكعبة فوجد حمامة عيدان فاكتسرها، ثم قال بها على باب الكعبة -وأنا أنظر- فرمى بها. وذكر أسباط، عن السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة، آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: "اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح". فأما ابن خطل فأدرك وهو متعلق بالأستار، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارا، فقتله. وأما مقيس فقتلوه في السوق. وأما عكرمة فركب البحر، وذكر قصته، ثم أسلم، وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، جاء به عثمان حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث. ثم أقبل على أصحابه فقال: "أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا، حيث رآني كففت، فيقتله"؟. قالوا: ما يدرينا يا رسول الله، ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال: "إنه لا ينبغي أن يكون لنبي خائنة الأعين". وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم مقيس بن صبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أظهر الإسلام، يطلب بدم أخيه هشام، وكان قتله رجل من المسلمين يوم بني المصطلق ولا يحسبه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 179 إلا مشركا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما قتل أخوك خطأ". وأمر له بديته، فأخذها، فمكث مع المسلمين شيئا، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ولحق بمكة كافرا. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -عام الفتح- بقتله، فقتله رجل من قومه يقال له: نميلة بن عبد الله؛ بين الصفا والمروة. وحدثني عبد الله بن أبي بكر، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتل ابن أبي سرح؛ لأنه كان قد أسلم، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فرجع مشركا ولحق بمكة. قال ابن إسحاق: وإنما أمر بقتل عبد الله بن خطل؛ أحد بني تميم بن غالب؛ لأنه كان مسلما، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلمًا. فنزلا منزلا، فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعامًا، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فقتله وارتد. وكان له قينة وصاحبتها تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما معه، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال يعقوب القمي: حدثنا جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل. فقيل: يا رسول الله، رأينا كذا وكذا. فقال: "تلك نائلة أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا". كأنه منقطع. وقال يونس بن بكير، عن زكريا، عن الشعبي، عن الحارث بن ملك؛ هو ابن برصاء؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يقول: "لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا إلى يوم القيامة". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 180 وقال محمد بن فضيل: حدثنا الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "ارجع، فإنك لم تصنع شيئا". فرجع خالد، فلما نظرت إليه السدنة؛ وهم حجابها؛ أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه، يا عزى عوريه، وإلا فموتي برغم. فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها. ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "تلك العزى". أبو الطفيل له رؤية. وقال ابن إسحاق: حدثني أبي، قال: حدثني بعض آل جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة، أمر بلالا فعلا على ظهر الكعبة، فأذن عليها، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لقد أكرم الله سعيدا قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة. وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا يوم الفتح فأذن على الكعبة. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن أبي هند: أن أبا مرة مولى عقيل حدثه، أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته؛ أنه لما كان عام الفتح فر إليها رجلان من بني مخزوم، فأجارتهما. قالت: فدخل علي علي، فقال: أقتلهما. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بأعلى مكة، فلما رآني رحب بي، فقال: "ما جاء بك يا أم هانئ"؟ قالت: يا نبي الله، كنت قد أمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قلتهما. فقال: "قد أجرنا من أجرت". ثم قام إلى غسله، فسترت عليه فاطمة. ثم أخذ ثوبا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 181 فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات؛ سبحة الضحى. أخرجه مسلم. وقال الليث، عن المقبري، عن أبي شريح العدوي، أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير، أحدث قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به؛ أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. فليبلغ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة. متفق عليه. وقال ابن عيينة، عن علي بن زيد، عمن حدثه عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة وهو على درجة الكعبة: "الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا إن قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. ألا إن كل مأثرة في الجاهلية ودم مال تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج، فقد أنضيتها لأهلها". ضعيف الإسناد. وقال ابن إسحاق: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 182 قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عام الفتح، ثم قال: "أيها الناس؛ ألا إنه لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة. والمؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، ترد سراياهم على قعيدتهم. لا يقتل مؤمن بكافر. 8 دية الكافر نصف دية المسلم. لا جلب ولا جنب. ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم". وقال أبوالزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "منزلنا، إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف؛ حيث تقاسموا على الكفر". أخرجه البخاري. وقال أبو الأزهر النيسابوري: حدثنا محمد بن شرحبيل الأبناوي، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان، أن محمد بن الأسود بن خلف، أخبره أن أباه الأسود حضر النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس يوم الفتح، وجلس عند قرن مستقلة، فجاءه الصغار والكبار والرجال والنساء فبايعوه على الإسلام والشهادة. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما كان عام الفتح ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طوى، قال أبو قحافة لابنة له كانت من أصغر ولده: أي بنية: أشرفي بي على أبي قبيس، وقد كف بصره. فأشرفت به عليه. فقال: ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعا، وأرى رجلا يشتد بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا. فقال: تلك الخيل يا بنية، وذلك الرجل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 183 الوازع. ثم قال: ماذا ترين؟ قالت: أرى السواد انتشر. فقال: فقد والله إذن دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي. فخرجت سريعا، حتى إذا هبطت به إلى الأبطح، لقيتها الخيل، وفي عنقها طول لها من روق، فاقتطعه إنسان من عنقها. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئه"؟ فقال: يمشي هو إليك يا رسول الله أحق من أن تمشي إليه. فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره وقال: "أسلم تسلم". فأسلم. ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشد بالله والإسلام طوق أختي. فوالله ما أجابه أحد، ثم قال الثانية، فما أجابه أحد، فقال: يا أخيه، احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة اليوم في الناس لقليل. وقال أبو الزبير، عن جابر: أن عمر أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "غيروا هذا الشيب ولا تقربوه سوادًا". وقال زيد بن أسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنأ أبا بكر بإسلام أبيه. مرسل. وقال مالك: عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على عهده نساء يسلمن بأرضهن، منهن ابنة الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب صفوان، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه عمير بن وهب برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانًا لصفوان، ودعاه إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضي أمرا قبله، وإلا سيره شهرين. فقدم فنادى على رؤوس الناس: يا محمد، هذا عمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا قبلته، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 184 وإلا سيرتني شهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انزل أبا وهب". فقال: لا والله، لا أنزل حتى تبين لي. فقال: لك تسيير أربعة أشهر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا. فقال صفوان: أطوعا أو كرها؟ فقال: بل طوعا. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر، فشهد حنينا والطائف، وهو كافر وامرأته مسلمة، فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم، واستقرت عنده بذلك النكاح، وكان بين إسلامهما نحو من شهر. وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه وثب فرحا به، ورمى عليه رداءه حتى بايعه، فثبتا على نكاحهما ذلك. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي، عن أبي حصين الهذلي، قال: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم، ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألفا، ومن حويطب بن عبد العزى أربعين ألفا، فقسمها بين أصحابه من أهل الضعف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة. وقال يونس: عن ابن شهاب، حدثني عروة، قال: قالت عائشة: إن هند بنت عتبة بن ربيعة، قالت: يا رسول الله، ما كان مما على ظهر الأرض أخباء أو خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 185 خبائك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأيضا، والذي نفس محمد بيده". قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل ممسك -أبو قالت: مسيك- فهل على من خرج أن أطعم من الذي له؟ قال: "لا، إلا بالمعروف". أخرجه البخاري. وأخرجاه، من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري. وعنده: فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا. قال: "لا عليك أن تطعميهم بالمعروف". وقال الفريابي: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عباس، قال: رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطأون عقبه. فقال في نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب في صدره، فقال: "إذا يخزيك الله". قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله. وروى نحوه، مرسلا، أبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم. وقال موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: لما كان ليلة دخل الناس مكة، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا. فقال أبو سفيان لهند: أترى هذا من الله؟ ثم أصبح فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "قلت لهند أترين هذا من الله، نعم هذا من الله". فقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله، والذي يحلف به أبو سفيان، ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله وهند. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 186 وقال ابن المبارك: أخبرنا عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما، يصلي ركعتين. أخرجه البخاري. وقال حفص بن غياث، بن عاصم الأحول: سبعة عشر يوما. صحيح. وقال ابن علية: أخبرنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد صلوا أربعا، فإنا سفر. أخرجه أبو داود، علي ضعيف. وقال ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة. ثم روى ابن إسحاق، عن جماعة، مثل هذا. قال البيهقي: الأصح رواية ابن المبارك التى اعتمدها البخاري. وقال الواقدي: وفي رمضان بعثة خالد بن الوليد إلى العزى، فهدمها. وبعث عمرو بن العاص إلى سواع في رمضان، وهو صنم هذيل، فهدمه، وقال: قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله. قال: وفي رمضان بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمشلل، للأوس والخزرج وغسان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 187 صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلى في عشرين فارسا حتى انتهى إليها، وتخرج إلى سعد امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو بالوبل، فقال لها السادن: مناة، دونك بعض غضباتك. وسعد يضربها، فقتلها، وأقبل إلى الصنم، فهدموه لست بقين من رمضان. وقال منصور، عن مجاهد، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإن استنفرتم فانفروا". قاله يوم الفتح. متفق عليه. وقال عمرو بن مرة: سمعت أبا البختري يحدث عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] ، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إني وأصحابي حيز والناس حيز، لا هجرة بعد الفتح". فحدثت به مروان بن الحكم -وكان على المدينة- فقال: كذبت. وعنده زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وكانا معه على السرير. فقلت: إن هذين لو شاءا لحدثاك، ولكن هذا؛ يعني زيدا؛ يخاف أن تنزعه عن الصدقة، والآخر يخاف أن تنزعه عن عرافة فومه. قال: فشد عليه بالدرة، فلما رأيا ذلك قالا: صدق. وقال حماد بن زيد، عن أيوب: حدثني أبو قلابة، عن عمرو بن سلمة، ثم قال: هو حي، ألا تلقاه فتسمع منه؟ فلقيت عمرا فحدثني بالحديث، قال: كنا بممر الناس، فتمر بنا الركبان فنسألهم: ما هذا الأمر؟ وما للناس؟ فيقولون: نبي يزعم أن الله قد أرسله، وأن الله أوحى إليه كذا وكذا. وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح، ويقولون: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 188 أنظروه، فإن ظهر فهو نبي فصدقوه، فلما كان وقعة الفتح نادى كل قوم بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام حوائنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم فأقام عنده كذا وكذا. ثم جاء فتلقيناه، فقال: جئتكم من عند رسول الله حقا، وإنه يأمركم بكذا، وصلاة كذا وكذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثرك قرآنا. فنظروا في أهل حوائنا فلم يجدوا أكثر قرآنا مني فقدموني، وأنا ابن سبع سنين، أو ست سنين. فكنت أصلي بهم، فإذا سجدت تقلصت بردة علي. تقول امرأة من الحي: غطوا عنا است قارئكم هذا. قال: فكسيت معقدة من معقد البحرين بستة دراهم أو بسبعة، فما فرحت بشيء كفرحي بذلك. أخرجه البخاري، عن سليمان بن حرب، عنه، والله أعلم. غزوة بني جذيمة: قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا فيما حول مكة يدعوم إلى الله -تعالى- ولم يأمرهم بقتال. فكان ممن بعث، خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، فوطئ بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فأصاب منهم. وقال معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى -أحسبه قال: - بني جذيمة، فدعاهم إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 189 الإسلام. فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا. وجعل خالد بهم قتلا وأسرا، ودفع إلى كل رجل منا أسيره. حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره. فقال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. قال: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له صنيع خالد. فقال؛ ورفع يديه صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". مرتين. أخرجه البخاري. وقال ابن إسحاق: حدثني حكيم بن حكيم بن عباد، بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد، فخرج حتى نزل ببني جذيمة، وهم على مائهم، وكانوا قد أصابوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة، ووالد عبد الرحمن بن عوف؛ فذكر الحديث، وفيه: فأمر خالد برجال منهم فأسروا وضربت أعناقهم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما عمل خالد بن الوليد". ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فقال: "اخرج إلى هؤلاء القوم، فأد دماءهم وأموالهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك". فخرج علي، وقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا، فودى لهم دماءهم وأموالهم، حتى إنه ليعطيهم ثمن ميلغة الكلب، فبقي مع علي بقية من مال، فقال: أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما لا تعلمون. فأعطاهم إياه، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فقال: "أحسنت وأصبت". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 190 وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة، عن الزهري، قال: حدثني ابن أبي حدرد، عن أبيه، قال: كنت في الخيل التي أصاب فيها خالد بني جذيمة، إذا فتى منهم مجموعة يده إلى عنقة برمة -يقول: بحبل- فقال: يا فتى، هل أنت آخذ بهذه الرمة فمقدمي إلى هذه النسوة، حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تصنعون ما بدا لكم؟ فقلت: ليسير ما سألت. ثم أخذت برمته فقدمته إليهن، قال: أسلم حبيش، على نفاد العيش، ثم قال: أرأيت إن طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق ألم يك حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي، قد قلت، إذ أهلنا معا ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني لا سر لدي أضعته ... ولا راق عيني بعد وجهك رائق على أن ما ناب العشيرة شاغل ... عن اللهو إلا أن تكون بوائق فقالت: وأنت حييت عشرا، وسبعا وترا، وثمانيا تترى. ثم قدمناه فضربنا عنقه. قال ابن إسحاق: فحدثنا أبو فراس الأسلمي، عن أشياخ من قومه قد شهدوا هذا مع خالد؛ قالوا: فلما قتل قامت إليه، فما زالت ترشفه حتى ماتت عليه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 191 غزوة حنين: قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، وحدثني عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر، عن حديث حنين، حين سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساروا إليه. فبعضهم يحدث بما لا يحدث به بعض، وقد اجتمع حديثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من فتح مكة، جمع عوف بن مالك النصري بني نصر وبني جشم وبني سعد بن بكر، وأوزاعا من بني هلال؛ وهم قليل؛ وناسا من بني عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، وأوعبت معه ثقيف الأحلاف، وبنو مالك. ثم شار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق معه الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: "اذهب فادخل في القوم، حتى تعلم لنا من علمهم". فدخل فيهم، فمكث فيهم يومًا أو اثنين. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد"؟ فقال عمر: كذب. فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق. فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال: "قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله". ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية؛ فسأله أدراعا عنده؛ مائة درع، وما يصلحها من عدتها. فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 192 قال ابن إسحاق: حدثنا الزهري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة، وعشرة آلاف كانوا معه، فسار بهم. وقال ابن إسحاق: واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. وبالإسناد الأول: أن عوف بن مالك أقبل فيمن معه ممن جمع من قبائل قيس وثقيف، ومعه دريد بن الصمة؛ شيخ كبير في شجار له يقاد به، حتى نزل الناس بأوطاس. فقال دريد حين نزلوها فسمع رغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير: بأي واد أنتم؟ فقالوا: بأوطاس. فقال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير وبكاء الصغير ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم وذراريهم. قال: فأين هو؟ فدعي، فقال: يا مالك، إنك أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، فما دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنفض به دريد وقال: يا راعي ضأن والله؛ وهل يرد وجه المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لا ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فارفع الأموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم وممتنع بلادهم. ثم قال دريد: وما فعلت كعب وكلاب؟ فقالوا: لم يحضرها منهم أحد. فقال فعلها: غاب الحد والجد، لو كان يوم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 193 علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ولوددت لو فعلتم فعلها، فمن حضرها؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، فقال: ذانك الجذعان لا يضران ولا ينفعان. فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأى، فقال: إنك قد كبرت وكبر علمك، والله لتطيعن يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري فقالوا: أطعناك. ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد. وقال الواقدي: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لست خلون من شوال، في اثني عشر ألفا، فقال أبو بكر: لا نغلب اليوم من قلة. فانتهوا إلى حنين، لعشر خلون من شوال، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتعبئة، ووضع الألوية والرايات في أهلها، وركب بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح. وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم مولية، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أنصار الله، وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله". وثبت معه يومئذ: عمه العباس وابنه الفضل، وعلي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، وجماعة. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 194 بن عثمان، أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيونا، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم، فقال: ويلكم، ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فلما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد. منقطع. وعن الربيع بن أنس، أن رجلا قال: لن نغلب من قلة. فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآية [التوبة: 25] . وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، سمع أبا سلام يقول: حدثني السلولي، أنه حدثه سهل الحنظلية، أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فارس، فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم، بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله"، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله. قال: فاركب فرسا له، رجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة". فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاة فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم فارسكم"؟ قالوا: يا رسول الله، لا. فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: "أبشروا، فقد جاء فارسكم". فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطلعت الشعبين، فنظرت فلم أر أحدا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل نزلت الليلة"؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضي حاجة. فقال له رسول الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 195 صلى الله عليه وسلم: "قد أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها". أخرجه أبو داود. قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: خرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين، فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي وأحنائه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانحط بهم في الوادي في عماية الصبح. فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول: "أيها الناس، هلموا، إني أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله". فلا ينثني أحد، وركبت الإبل بعضها بعضا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس، ومعه رهط من أهل بيته ورهط من المهاجرين، والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء، وثبت معه علي، وأبو سفيان، وربيعة؛ ابنا الحارث، والفضل بن عباس، وأيمن بن أم أيمن، وأسامة، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر. قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء أمام هوازن، إذا أدرك الناس طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فيتبعوه. فلما انهزم من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحور. وإن الأزلام لمعه في كنانته. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: سار أبو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 196 سفيان إلى حنين، وإنه ليظهر الإسلام، وإن الأزلام التي يستقسم بها في كنانته. قال شيبة بن عثمان العبدري: اليوم أدرك ثأري -وكان أبوه قتل يوم أحد- اليوم أقتل محمدًا. قال: فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطلق، فعرفت أنه ممنوع. وحدثني عاصم، عن عبد الرحمن، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس ما رأى قال: "يا عباس، اصرخ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة". فأجابوا: لبيك لبيك. فجعل الرجل منهم يذهب ليعطف بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه من عنقه، ويؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة. فاستعرضوا الناس، فاقتتلوا. وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار، ثم جعلت آخرا بالخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه؛ فنظر إلى مجتلد القوم فقال: "الآن حمي الوطيس". قال: فوالله ما رجعت راجعة الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقتل الله من قتل منهم، وانهزم من انهزم منهم، وأفاء الله على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، وقاله موسى بن عقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين، فخرج معه أهل مكة، لم يتغادر منهم أحد، ركبانا ومشاة؛ حتى خرج النساء مشاة؛ ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن عقبة: جعل أبو سفيان كلما سقط ترس أو سيف من الصحابة، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطونيه أحمله، حتى أوقر جمله". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 197 قالا: فلما أصبح القوم، اعتزل أبو سفيان، وابنه معاوية، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، وراء تل، ينظرون لمن تكون الدبرة. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل الصفوف؛ فأمرهم، وحضهم على القتال. فبينا هم على ذلك حمل المشركون عليهم حملة رجل واحد، فولوا مدبرين. فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقي مع رسول الله حين أدبر الناس فقلت مائة رجل. ومر رجل من قريش على صفوان، فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا. فقال: أتبشرني بظهور الأعراب؟ فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب الأعراب. ثم بعث غلاما له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه الغلام فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله. فقال: ظهر محمد. وكان ذلك شعارهم في الحرب. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين، ويقولون رفع يديه إلى الله -تعالى- يدعوه يقول: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا". ونادى أصحابه: "يا أصحاب البيعة يوم الحديبية، الله الله، الكرة على نبيكم". ويقال: قال: "يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج"، وأمر من يناديهم بذلك. وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين، ونواحيهم كلها، وقال: "شاهت الوجوه". وأقبل إليه أصحابه سراعا، وهزم الله المشركين، وفر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف في ناس من قومه. وأسلم حينئذ ناس كثير من أهل مكة، حين رأوا نصر الله رسوله. مختصر من حديث ابن عقبة. وليس عند عروة قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الركابين، ولا قوله: $"يا أنصار الله". وقال شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء، وقال له رجل: يا أبا عمارة، أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 198 لم يفر، إن هوازن كانوا رماة، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته، والنبي صلى الله عليه سلم يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" متفق عليه. وأخرجه البخاري ومسلم، من حديث زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، وفيه: ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس عليهم كبير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم. وزاد فيه مسلم، من حديث زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق: "اللهم نزل نصرك". قال: وكنا إذا حمي البأس نتقي به صلى الله عليه وسلم. وقال هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: أخبرني سيابة بن عاصم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "أنا ابن العواتك". وقال أبو عوانة، عن قتادة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض مغازيه: "أنا ابن العواتك". وقال يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني كثير بن العباس بن عبد المطلب، قال: قال العباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 199 المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي عباس، ناد أصحاب السمرة. فقال عباس -وكان رجلا صيتا- فقلت بأعلى صوتى: أي أصحاب السمرة. قال: فوالله، لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه، يا لبيكاه. فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته، كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس". ثم أخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال: "انهزموا ورب محمد". فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا. أخرجه مسلم. وروى معمر، عن الزهري، عن كثير، نحوه، لكن قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة". وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو، تقدمت فأعلوا ثنية فأستقبل رجلا من العدو فأرميه بسهم، وتوارى عني، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم والمسلمون فولى المسلمون، فأرجع منهزما، وعلي بردتان متزر بإحداهما، مرتد بالأخرى. ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا. فلما غشوا رسول الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 200 صلى الله عليه وسلم نزل من البغلة، ثم قبض قبضة من تراب، ثم استقبل به وجوههم، فقال: "شاهت الوجوه". فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين. وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم. وقال أبو داود في مسنده: حدثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن يسار، عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، فذكر الحديث، وفيه: فحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب، فحثا بها في وجوه القوم، وقال: "شاهدت الوجوه". قال يعلى بن عطاء: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست، فهزمهم الله. وقال عبد الواحد بن زياد: حدثنا الحارث بن حصيرة، قال: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال ابن مسعود: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة. قال: ورسوله الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قدما، فحادت بغلته، فمال عن السرج، فشد نحوه، فقلت: ارتفع، رفعك الله. قال: "ناولني كفا من تراب". فناولته، فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابا. قال: "أين المهاجرون والأنصار"؟ فقلت: هم ههنا قال: "اهتف بهم". فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب، وولى المشركون الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 201 أدبارهم. وقال البخاري في تاريخه: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، قال: أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فرمى به وجوهنا، فانهزمنا. وقال جعفر بن سليمان: حدثنا عوف، قال: حدثنا عبد الرحمن مولى أم برثن، عمر شهد حنينا كافرا، قال: لما التقينا والمسلمون لم يقوموا لنا حلب شاة، فجئنا نهش سيوفنا بين يدي رسول الله، حتى إذا غشيناه إذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه، فقالوا: شاهت الوجوه، فارجعوا. فهزمنا من ذلك الكلام. إسناده جيد. وقال الوليد بن مسلم، وغيره: حدثني ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن شيبة بن عثمان، قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عري، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما. فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد. فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس قائم، عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمه ولن يخذله. قال: ثم جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمه ولن يخذله. قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق، فخفت يمحشني، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى. والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا شيب يا شيب، ادن مني. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 202 اللهم أذهب عنه الشيطان". فرفعت إليه بصري، فلهو أحب إلي من سمعي وبصري. وقال: "يا شيب، قاتل الكفار". غريب جدا. وقال أيوب بن جابر، عن صدقة بن سعيد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أخرجني إسلام، ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش. فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله، إني أرى خيلا بلقا. قال: "يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر". فضرب يده على صدري، ثم قال: "اللهم اهد شيبة"؛ فعل ذلك ثلاثا، حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه. وذكر الحديث. وقال ابن إسحاق: وقال مالك بن عوف، يذكر مسيرهم بعد إسلامه: اذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا ... ومالك فوقه الرايات تختفق ومالك مالك ما فوقه أحد ... يومي حنين عليه التاج يأتلق حتى لقوا الناس خير الناس يقدمهم ... عليهم البيض والأبدان والدرق فضاربوا الناس حتى لم يروا أحدا ... حول النبي وحتى جنه الغسق حتى تنزل جبريل بنصرهم ... فالقوم منهزم منهم ومعتنق منا ولو غير جبريل يقاتلنا ... لمنعتنا إذا أسيافنا الغلق وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا ... بطعنة بل منها سرجه العلق وقال مالك، في الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام حنين، فلما التقينا كان للمسلمين جولة. قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت له الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 203 فضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني. فأدركت عمر فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه". فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". فقمت ثم قلت: من يشهد لي. ثم الثالثة، فقمت، فقال: "ما لك يا أبا قتادة"؟ فاقتصصت عليه القصة. فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق، لاها الله إذا، يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه إياه". فأعطانيه. فبعت الدرع، فابتعت به مخرفا في بني سلمة. فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. أخرجه البخاري، وأبو داود عن القعنبي، ومسلم. وقال حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "من قتل قتيلا فله سلبه". فقتل يومئذ أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم صحيح. وبه، عن أنس، قال: لقي أبو طلحة أم سليم يوم حنين ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم، ما هذا؟ قالت: أردت إن دنا مني بعضهم أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 204 أبعج به بطنه. فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم. غزوة أوطاس: وقال شيخنا الدمياطي في "السيرة" له: كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". وأمر بطلب العدو، فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو نخلة، ووجه قوم منهم إلى أوطاس. فعقد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم، وكان معه سلمة بن الأكوع، فانتهى إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون، فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة، ثم برز له العاشر معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله. واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري، فقاتلهم. حتى فتح الله عليه. وقال أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه، ورمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم، فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إلي أن ذاك قاتلي تراه. فقصدت له، فاعتمدته، فلحقته. فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيا، ألا تثبت؟ فكف، فالتقينا، فاختلفنا ضربتين، أنا وهو، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت: قد قتل الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 205 صاحبك. قال: فنتزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا ابن أخي، انطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقره مني السلام، ثم قل له: يستغفر لي. قال: واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ومات. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: وقتل يوم حنين من ثقيف سبعون رجلا تحت رايتهم. وانهزم المشركون، فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة. وتبعت خيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القوم، فأدرك ربيعة بن رفيع؛ ويقال له: ابن لدغة؛ دريد بن الصمة؛ فأخذ بخطام جمله، وهو يظن أنه امرأة، فإذا شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له دريد: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: ربيعة بن رفيع السلمي. ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا. فقال: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، ثم أضرب به، وارفع عن الطعام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم والله قد منعت فيه نساءك. فقتله. فقيل: لما ضربه ووقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه أبيض كالقرطاس من ركوب الخيل أعراء. فلما رجع إلى أمه أخبرها بقتله، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك. وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آثار من توجه إلى أوطاس، أبا عامر الأشعري فرمي بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى فهزمهم. وزعموا أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر بسهم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 206 واستشهد يوم حنين: أيمن بن عبيد، ولد أم أيمن؛ مولى بني هاشم، ويزيد بن زمعة بن الأسود الأسدي القرشي، وسراقة بن حباب بن عدي العجلاني الأنصاري، وأبو عامر عبيد الأشعري. ثم جمعت الغنائم، فكان عليها مسعود بن عمرو، وإنما تقسم بعد الطائف. غزوة الطائف: فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف في شوال، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته. وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم لسنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلو الحصن وتهيأوا للقتال. قال محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الطائف فحاصرهم، ونادى مناديه: من خرج منهم من عبيدهم فهو حر. فاقتحم إليه من حصنهم نفر، منهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد من أبيه، فأعتقهم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على الجعرانة. فقال: "إني معتمر". وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى، قالا: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وترك السبي بالجعرانة، وملئت عرش مكة منهم. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة، يقاتلهم، وثقيف ترمي بالنبل، وكثرت الجراح، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم. واستأذنه المسلمون الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 207 في مناهضة الحصن، فقال: ما أرى أن نفتحه، وما أذن لنا فيه. وزاد عروة، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم. فأتاه عمر فقال: يا رسول الله، إنها عفاء لم تؤكل ثمارها. فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته، الأول فالأول. وبعث مناديا ينادي: من خرج إلينا فهو حر. وقال ابن إسحاق: لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة إلى الطائف، وابتنى بها مسجدا وصلى فيه. وقتل ناس من أصحابه بالنبل، ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم، أغلقوه دونهم. وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة، ومعه امرأتان من نسائه؛ إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية. فلما أسلمت ثقيف بنى علي مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أمية بن عمرو بن وهب مسجدا. وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر؛ فيما يذكرون، إلا سمع لها نقيض. والنقيض: صوت المحامل. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سنبر، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح السلمي، قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهم فله درجة في الجنة". فبلغت يومئذ ستة عشر سهما. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 208 محرر". وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها، قالت: كان عندي مخنث، فقال لأخي عبد الله: إن فتح الله عليكم الطائف غدا، فإني أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال: "لا يدخلن هذا عليكم". متفق عليه بمعناه. وقال الواقدى عن شيوخه، أن سلمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم -يعني الطائف- فإنا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون، فإن لم يكن منجنيق طال الثواء. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده، فنصبه على حصن الطائف. ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة، ودابتين. ويقال: الطفيل بن عمرو قدم بذلك. قال: فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فحرقت الدبابة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها. فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي: لم تقطع أموالنا؟ فإنما هي لنا أو لكم. فتركها. وقال أبو الأسود، عن عروة، من طريق ابن لهيعة: أقبل عيينة بن بدر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذن لي أن أكلمهم، لعل الله أن يديهم. فأذن له، فانطلق حتى دخل الحصن، فقال: بأبي أنتم، تمسكوا بمكانكم، والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لئن حدث به حدث لتملكن العرب عزا ومنعة، فتمسكوا بحصنكم. ثم خرج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ماذا قلت لهم"؟. قال: دعوتهم إلى الإسلام، وحذرتهم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 209 النار وفعلت. فقال: $"كذبت، بل قلت: كذا وكذا". قال: صدقت يا رسول الله، أتوب إلى الله وإليك. أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ سنة اثنين وتسعين وستة مائة، ومحمد بن أبي الحزم، وحسن بن علي، ومحمد بن أبي الفتح الشيباني، ومحمد بن أحمد العقيلي، ومحمد بن يوسف الذهبي، وآخرون، قالوا: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي. "ح" وأخبرنا عبد المعطي بن عبد الرحمن؛ بالإسكندرية، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مكي. "ح" وأخبرنا لؤلؤ المحسني؛ بمصر، وعلي بن أحمد، وعلي بن محمد الحنبليان، وآخرون، قالوا: أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله الفقيه، قالوا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ، قال: أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور الكرجي. وقرأت على سنقر القضائي بحلب: أخبرك عبد اللطيف بن يوسف. وسمعته سنة اثنتين وتسعين على عائشة بنت عيسى بن الموفق، قالت: أخبرنا جدي أبو محمد بن قدامة سنة أربع عشرة وست مائة حضورا، قالا: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد الساوي سنة سبع وثمانين وأربع مائة، قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمر، قال: حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئا. قال: إنا قافلون غدا إن شاء الله. فقال المسلمون: أترجع ولم نفتحه؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغدوا على القتال غدا". فأصابهم جراح. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 210 قافلون غدا إن شاء الله". فأعجبهم ذلك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان هكذا. وعنده: عبد الله بن عمرو، في بعض النسخ بمسلم. وأخرجه البخاري، عن ابن المديني، عن سفيان، فقال: عبد الله بن عمرو. قال البخاري: قال الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو، قال: سمعت أبا العباس الأعمى، يقول: عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن عيينة، فذكره، وقال فيه: عبد الله بن عمرو. ثم قال أبو بكر: وسمعت ابن عيينة يحدث به مرة أخرى، عن ابن عمر. وقال المفضل بن غسان الغلابي، أظنه عن ابن معين. قال أبو العباس الشاعر، عن عبد الله بن عمرو، وابن عمر؛ في فتح الطائف: الصحيح ابن عمر. قال: واسم أبي العباس: السائب بن فروخ مولى بني كنانة. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قافلا: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم". وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكدم، عمن أدركوا، قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك. ثم انصرف عنهم، فقدم المدينة، فجاءه وفدهم في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 211 رمضان فأسلموا. قال ابن إسحاق: واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف: سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية، وعرفطة بن حباب، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه، وعبد الله بن أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي؛ أخو أم سلمة، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب، وكان يقال لأبي أمية؛ واسمه حذيفة: زاد الراكب، وكان عبد الله شديدا على المسلمين، قيل: هو الذي قال: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] ، وما بعدها، ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير، وحسن إسلامه، وهو الذي قال له هيت المخنث: يا عبد الله، إن فتح الله عليكم الطائف، فإني أدلك على ابنة غيلان ... الحديث -وعبد الله بن عامر بن ربيعة، والسائب بن الحارث، وأخوه: عبد الله، وجليحة بن عبد الله. ومن الأنصار: ثابت بن الجذع، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة، والمنذر بن عبد الله، ورقيم بن ثابت. فذلك اثنا عشر رجلا، رضي الله عنهم. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار نوفل بن معاوية الديلي في أهل الطائف، فقال: ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 212 قسم غنائم حنين وغير ذلك: قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رحيل، حتى نزل بالناس بالجعرانة، وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذرية، ومن الإبل والشاء ما لا يدرى عدته. وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه: حدثنا السميط، عن أنس، قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوت رأيت. قال: فصف الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صف النساء من وراء ذلك، ثم صف الغنم، ثم صف النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف؛ أظنه يريد الأنصار. قال: وعلي مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا للمهاجرين يا للمهاجرين، يا للأنصار يا للأنصار". قال أنس: هذا حديث عمية. قلنا: لبيك، يا رسول الله. فتقدم، فايم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله. وقال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف. قال فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة ونزلنا. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة، ويعطي الرجل المائة. فتحدثت الأنصار بينهم: أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه. قال: ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار -لما بلغه الحديث- أن يدخلوا عليه. فدخلنا القبة حتى ملأناها. فقال: "يا معشر الأنصار؛ -ثلاث مرات، أو كما قال- ما حديث أتاني"؟ قالوا: ما أتاك يا رسول الله؟ قال: "أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 213 برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم"؟ قالوا: رضينا. فقال: "لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا أخذت شعب الأنصار". قالوا: رضينا يا رسول الله. قال: "فارضوا". أخرجه مسلم. وقال ابن عون، عن هشام بن زيد، عن أنس، قال: لما كان يوم حنين؛ فذكر القصة، إلى أن قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، ويعطى الغنيمة غيرنا. قال: فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة وقال: "أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبوا برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم"؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، رضينا. فقال: "لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار". متفق عليه. وقال شعب، وغيره، عن الزهري: حدثني أنس، أن ناسا من الأنصار، قالوا: لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حين أفاء الله عليهم من أموال هوازن ما أفاءه، فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل؛ فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم أحدا غيرهم، فلما اجتمعوا، قال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاؤهم: أما ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا. فقال: "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فوالله ما تنقلبون به خير ما ينقلبون به". قالوا: قد رضينا. فقال: "إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 214 الله ورسوله على الحوض". قال أنس: فلم نصبر. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتألفين من قريش، وفي سائر العرب، ولم يكن في الأنصار منها قليل ولا كثير، وجدوا في أنفسهم. وذكر نحو حديث أنس. وقال ابن عيينة، عن عمر بن سعيد بن مسروق، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين، كل رجل منهم مائة من الإبل. فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى صفوان بن أمية مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى مالك بن عوف النصري مائة، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة. فأنشأ العباس يقول: أتجعل نهبي ونهب العبيـ ... ـد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وقد كنت في الحرب ذا تدرأ ... فلم أعط شيئا ولم أمنع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فأتم له مائة. أخرجه مسلم، دون ذكر مالك بن عوف، وعلقمة، ودون البيت الثالث. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 215 وقال عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قوبلهم: أبا سفيان، وحكيم بن حزام، والحارث بن هشام المخزومي، وصفوان بن أمية الجمحي، وحويطب بن عبد العزى العامري؛ أعطى كل واحد مائة ناقة. وأعطى قيس بن عدي السهمي خمسين ناقة، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين. فهؤلاء من أعطى من قريش. وأعطى العلاء بن جارية مائة ناقة، وأعطى مالك بن عوف مائة ناقة، ورد إليه أهله، وأعطى عيينة بن بدر الفزاري مائة ناقة، وأعطى عباس بن مرداس كسوة. فقال عبد الله بن أبي بن سلول للأنصار: قد كنت أخبركم أنكم ستلون حرها ويلي بردها غيركم. فتكلمت الأنصار، فقالوا: يا رسول الله، عم هذه الأثرة؟ فقال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم مفترقين فجمعكم الله، وضلالا فهداكم الله، ومخذولين فنصركم الله". ثم قال: "والذي نفسي بيده، لو تشاؤون لقلتم ثم لصدقتم ولصدقتم: ألم نجدك مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، ومحتاجا فواسيناك". قالوا: لا نقول ذلك، إنما الفضل من الله ورسوله والنصر من الله ورسوله، ولكنا أحببنا أن نعلم فيم هذه الأثر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوم حديثو عهد بعز وملك، فأصابتهم نكبة فضعضعتهم ولم يفقهوا كيف الإيمان، فأتألفهم، حتى إذا علموا كيف الإيمان، وفقهوا فيه علمتهم كيف القسم وأين موضعه". وساق باقي الحديث. وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي وائل، عبد الله، قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 216 فأعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيته فأخبرته، فتغير وجهه حتى صار كالصرف، وقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله"؟، ثم قال: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعد هذا حديثا. متفق عليه. وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس. فقال: يا محمد، اعدل. فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل". فقال عمر: دعني أقتل هذا المنافق. قال: "معاذ الله، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابى، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". أخرجه مسلم. وقال شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، إذ أتاه ذو الخويصرة التميمى فقال: يا رسول الله اعدل. فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أعدل". فقال عمر: إيذن لي فيه يا رسول الله أضرب عنقه. قال: "دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". وذكر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 217 الحديث. أخرجه البخاري. وقال عقيل، عن ابن شهاب، قال عروة: أخبرني مروان، والمسور بن مخرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن يرد إليهم أموالهم ونساءهم. فقال: "معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه. فاختاروا إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم تسع عشرة ليلة حين قفل من الطائف. فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم. فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل". فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم. فقال: "إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم". فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم. ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر بأنهم قد طيبوا وأذنوا. أخرجه البخاري. وقال موسى بن عقبة: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة؛ وبها السبي، وقدمت عليه وفود هوازن مسلمين، فيهم تسعة من أشرافهم فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فيمن أصيب، فقالوا: يا رسول الله. إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات، وهن مخازي الأقوام، ونرغب إلى الله وإليك. وكان صلى الله عليه وسلم رحيما جوادا كريما. فقال: سأطلب لكم ذلك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 218 قال في القصة: وقال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، وعروة: أن سبي هوازن كانوا ستة آلاف. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم، أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله، لنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا، من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد، فقال: يا رسول الله: إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللائي كن يكلفنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك، رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين. ثم أنشده أبياتا قالها: أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر أمنن على بيضة اعتاقها حزز ... ممزق شملها في دهرها غير أبقت لها الحرب هتافا على حرن ... على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها درر امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا، فإنا معشر زهر إنا لنشكر آلاء وإن كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نساؤكم أحب إليكم أم أموالكم"؟ فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا. فقال: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا وقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، في أبنائنا ونسائنا، سأعينكم عند ذلك وأسأل لكم". فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فقاموا ما أمرهم به، فقال: "أما ما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 219 كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله. وقالت الأنصار كذلك. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. فقال العباس بن مرداس السلمي: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عيينة بن بدر: أما أنا وبنو فزارة فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه". فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا، حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت منه رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي، فوالذي نفسي بيده لو كان لي عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما لقيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا". ثم قال إلى جنب بعير وأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه، وقال: "أيها الناس، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم. فأدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة". فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال: أخذت هذه لأخيط بها برذعة بعير لي دبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما حقي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 220 منها فلك". فقال الرجل: أما إذ بلغ الأمر هذا فلا حاجة لي بها. فرمى بها. وقال أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام. قال: "اذهب فاعتكف". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس. فلما أن أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، قال عمر: يا عبد الله، اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: حدثني أبو وجزة السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من سبي هوازن علي بن أبي طالب جارية، وأعطى عثمان وعمر، فوهبها عمر لابنه. قال ابن إسحاق: فحدثني نافع، عن ابن عمر، قال: بعثت بجاريتي إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم. فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا. فقلت: دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح، فانطلقوا فأخذوها. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد هوازن: "ما فعل مالك بن عوف". قالوا: هو بالطائف. فقال: "أخبروه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل". فأتى مالك بذلك، فخرج إليه من الطائف. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 221 وقد كان مالك خاف من ثقيف على نفسه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر براحلة فهيئت، وأمر بفرس له فأتى به، فخرج ليلا ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل، فقال: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي ... وإذا تشا يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أنيابها ... أم العدى فيها بكل مهند فكأنه ليث لدى أشباله ... وسط المباءة خادر في مرصد فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل من ثمالة وسلمة وفهم، كان يقاتل بهم ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه. قال ابن عساكر: شهد مالك بن عوف فتح دمشق، وله بها دار. وقال أبو عاصم: حدثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان، قال: أخبرني عمي عمارة بن ثوبان، أن أبا الطفيل أخبره، قال: كنت غلامًا أحمل عضو البعير، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، فجاءته امرأة فبسط لها رداءه. فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. وروى الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، قال: لما كان يوم فتح هوازن جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أنا أختك شيماء بنت الحارث. فقال: "إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرًا لن يبلى". قال: فكشفت عن عضدها. ثم قالت: نعم يا رسول الله، حملتك وأنت صغير فعضضتنى هذه العضة. فبسط لها رداءه ثم قال: "سلي تعطي، واشفعي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 222 تشفعي". الحكم ضعفه ابن معين. عمرة الجعرانة: قال همام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته: عمرة زمن الحديبية -أو من الحديبية- في ذي القعدة، وعمرة؛ أظنه قال: العام المقبل، وعمرة من الجعرانة؛ حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. متفق عليه. وقال موسى بن عقبة، وهو في "مغازي عروة": إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة من الجعرانة في ذي القعدة، فقدم مكة فقضى عمرته. وكان حين خرج إلى حنين استخلف معاذا على مكة وأمره أن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين. ثم صدر إلى المدينة وخلف معاذا على أهل مكة. وقال ابن إسحاق: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة، فلما فرغ من عمرته انصرف إلى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معه معاذا يفقه الناس. قلت: ولم يزل عتاب على مكة إلى أن مات بها يوم وفاة أبي بكر. وهو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي. فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عتاب، تدري على من استعملتك استعملتك على أهل الله، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 223 ولو أعلم لهم خيرا منك استعملته عليهم. وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة، وكان رجلا صالحا. روي عنه أنه قال: أصبت في عملي هذا بردين معقدين كسوتهما غلامي، فلا يقولن أحدكم أخذ مني عتاب كذا، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهمين، فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كل يوم درهمان. وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه. والله أعلم. قصة كعب بن زهير: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من منصرفه، كتب بجير بن زهير؛ يعني إلى أخيه كعب بن زهير، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش؛ ابن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، قد ذهبوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض. وكان كعب قد قال: ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا على خلق لم ألف يوما أبا له ... عليه وما تلفي عليه أخا لكا فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قاتل إما عثرت: لعا لكا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 224 سقاك بها المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها وعلكا فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها. فقال لما سمع "سقاك بها المأمون": "صدق وإنه لكذوب". ولما سمع: "على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه". قال: "أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه". ثم قال بجير لكعب: من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا وهي أحزم إلى الله -لا العزى ولا اللات- وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شيء دينه ... ودين أبي سلمى علي محرم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته، وقدم المدينة. وقال إبراهيم بن ديزيل، وغيره: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا الحجاج ابن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، عن أبيه، عن جده، قال: خرج كعب وبجير أخوه ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف، فقال بجير لكعب: اثبت هنا حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبا، فقال: ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا سقاك بها المأمون كاسا روية ... وأنهلك المأمور منها وعلكا ويروى: سقاك أبو بكر بكأس روية. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 225 ففارقت أسباب الهدى وتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا على مذهب لم تلف أما ولا أبا ... عليه، ولم تعرف عليه أخا لكا فاتصل الشعر بالنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إليه بذلك، ويقول له: النجاء وما أراك تنفلت. ثم كتب إليه: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب، وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم، والقوم متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم. قال كعب: فأنخت راحلتي، ودخلت، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى جلست إليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، الأمان يا رسول الله. قال: "ومن أنت"؟ قلت: أنا كعب بن زهير. قال: "الذي يقول": ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: "كيف يا أبا بكر". فأنشده: سقاك أبو بكر بكأس روية ... وأنهلك المأمور منها وعلكا قلت: يا رسول الله، ما قلت هكذا. قال: "فكيف قلت"؟. قلت: إنما قلت: وأنهلك المأمون منها وعلكا فقال: "مأمون، والله". قال: ثم أنشده: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يلف مكبول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 226 وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل أكرم بها خلة لو أنها صدقت ... موعودها، أو لو أن النصح مقبول لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل ولن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين إرقال وتبغيل من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... إذا توقدت الحزان والميل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 227 ضخم مقلدها، فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل غلباء وجناء علكوم مذكرة ... في دفها سعة قدامها ميل وجلدها من أطوم ما يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول حرف أبوها أخوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل تسعى الوشاة بدفيها وقيلهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول وقال كل صديق كنت آمله: ... لا ألهينك، إني عنك مشغول خلوا طريق يديها لا أبا لكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آله حدباء محمول أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا رسول الله الذي أعطاك نافلة الـ ... ـقرآن، فيه مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم ... أذنب، ولو كثرت عني الأقاويل لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني لا أنازعه ... في كف ذي نقمات قيله القيل لذلك أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك منسوب ومسؤول من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه ... من بطن عثر غيل دونه غيل إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا: زولوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 228 زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء، ولا خيل معازيل شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل لا يفرحون إذا نالت سيوفهم ... قوما، وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل وفي سنة ثمان توفيت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته، وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وقال: أشعرنها إياه. فجعلته شعارها تحت كفنها. وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة. وفيها: عمل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب عليه، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب عنده. وفيها: ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة، رضي الله عنها. وفيها: توفي مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني؛ والد عبد الله؛ وله صحبة. وفيها: مات ملك العرب بالشام؛ الحارث بن أبي شمر الغساني، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 229 كافرا. وولي بعده جبلة بن الأيهم. فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن ابن عائذ، عن الواقدي، عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة، فسار من المدينة في ذي الحجة سنة ست. قال: فأتيته فوجدته يهيئ الإنزال لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء؛ إذ كشف الله عنه جنود فارس؛ تشكر الله. فلما قرأ الكتاب رمي به؛ وقال: ومن ينزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل، وأمر بالخيل تنعل، وقال: أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب قيصر إليه: أن لا يسير إليه، واله عنه، وواف إيلياه. قال شجاع: فقدمت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "باد ملكه". ويقال: حج بالناس عتاب بن أسيد أمير مكة. وقيل: حج الناس أوزاعا. حكاهما الواقدي. والله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 230 السنة التاسعة: قيل: وفي ربيع الأول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى القرطاء، عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج، زج لاوة، فدعوهم إلى الإسلام، فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم، فلحق الأصيد أباه سلمة، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسب دينه، فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من المسلمين فقتل سلمة، ولم يقتله ابنه. وفي ربيع الآخر، قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدة. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز المدلجي في ثلاث مائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فهربوا منه. وفي ربيع الآخر سرية علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرضاه إلى الفلس؛ صنم طيئ، ليهدمه، في خمسين ومائة رجل من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسًا، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض. فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخربوه، وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام. وفي هذه الأيام كانت سرية عكاشة بن محصن إلى أرض عذرة. ذكر هذه السرايا شيخنا الدمياطي في "مختصر السيرة"، وأظنه أخذه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 231 من كلام الواقدي. وفي رجب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مسيره إلى تبوك على أصحمة النجاشي، صاحب الحبشة -رضي الله عنه- وأصحمة بالعربي: عطية. وكان قد آمن بالله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد مات أخ لكم بالحبشة". فخرج بهم إلى المصلى، وصفهم، وصلى عليه. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لم مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. "ويكتب هنا الخبر الذي في السيرة قبل إسلام عمر". وفي رجب غزوة تبوك: قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها، إلا غزوة تبوك فإنه قال: أيها الناس، إني أريد الروم. فأعلمهم. وذلك في شدة الحر وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار؛ والناس يحبون المقام في ثمارهم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه، إذ قال للجد بن قيس: "يا جد، هل لك في بنات بني الأصفر"؟. فقال: يا رسول الله، لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 232 بني الأصفر أن يفتنني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "قد أذنت لك". فنزلت: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] ، قال: وقال رجل من المنافقين: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَر} ، فنزلت {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة: 81] . ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان، وحمل على مائتي بعير. قال عمرو بن مرزوق: حدثنا السكن بن أبي كريمة، عن الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على جيش العسرة، قال: فقام عثمان -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال: ثم حث ثانية، فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حض، أو قال: حث، الثالثة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال عبد الرحمن: أنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول على المنبر: "ما على عثمان ما عمل بعد اليوم". أو قال: "بعدها". رواه أبو داود الطيالسي وغيره، عن السكن بن المغيرة. وقال ضمرة، عن ابن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن مولاه، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارحين جهز جيش العسرة، ففرغها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم". قالها مرارا. وقال بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة؛ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 233 وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال: وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، في غزوة تبوك، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالصدقة والنفقة في سبيل الله، فأنفقوا احتسابا، وأنفق رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف؛ تصدق بمائتي أوقية، وتصدق عمر بمائة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقا من تمر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: "هل تركت لأهلك شيئا"؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال: كم؟ ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير، رضي الله عنه. وقال ابن إسحاق: ثم إن رجالا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤون، وهم سبعة منهم من الأنصار، سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام بن الجموح، وعبد الله بن المغفل؛ وبعضهم يقول: عبد الله بن عمرو المزني؛ وهرم بن عبد الله، والعرباض بن سارية الفزاري. فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة فقال: {لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] ، فبلغني أن يامين بن عمرو، لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان، فقال: ما يبكيكما؟ فقالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج، فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من لبن. وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى ما شاء الله، ثم بكى، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 234 وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين المتصدق هذه الليلة"؟ فلم يقم أحد. ثم قال: "أين المتصدق؟ فليقم". فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة". {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} [التوبة: 90] ، فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر من بني غفار. قال: وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تخلفوا عن غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف. وكانوا رهط صدق. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. فلما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس. وضرب عبد الله بن أبي بن سلول عسكره على ذي حدة، عسكره أسفل منه، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه ابن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني، قال: "كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 235 وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي" فرجع إلى المدينة. وأخرجا في الصحيحين من حديث الحكم بن عتيبة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي". ورواه عامر، وإبراهيم، ابنا سعد بن أبي وقاص، عن أبيهما. قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره. فقال: "دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه"، فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعة فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، إن هذا لرجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم قالوا: هو والله أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده". فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق، فأول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 236 ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلوا به ذلك. فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة. فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر. فاستهل ابن مسعود يبكي، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" فنزل، فوليه بنفسه حتى أجنه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن أبا خيثمة، أحد بني سالم، رجع -بعد مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما- إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش، فقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأنا في ظل بارد وما بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في مالي مقيم؟ ما هذا بالنصف. ثم قال: لا، والله، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زادا. ففعلتا. ثم قد ناضحه فارتحله. ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب في الطريق فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك، قال أبو خيثمة لعمير: إن لي ذنبا، تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففعل. فسار حتى دنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة". فقالوا: هو والله أبو خيثمة، فأقبل وسلم، فقال له: "أولى لك أبا خيثمة". ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له خيرًا. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقاله موسى بن عقبة فذكرا نحوا من سياق ابن إسحاق. وقال معمر، عبد الله بن محمد بن عقيل: في قوله -تعالى: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 237 {اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة} [التوبة: 117] قال: خرجوا في غزوة تبوك، الرجلان والثلاثة على بعير، وخرجوا في حر شديد، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها. وقال مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فنفدت أزواد القوم، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم ... الحديث. رواه مسلم. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد؛ شك الأعمش؛ قال: لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا، فأكلنا وادهنا. فقال: "أفعل". فجاء عمر فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادع بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال: نعم. فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم. فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال لهم: "خذوا في أوعيتكم". حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؛ لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة". أخرجه مسلم. وقال عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، أنه قيل لعمر -رضي الله عنه: حدثنا من شأن العسرة. فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 238 الرجل ليذهب يلتمس الرجل، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا. قال: "أتحب ذلك"؟ قال: نعم. فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر. حديث حسن قوي. وقال مالك، وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم مثل ما أصابهم"؛ يعني أصحاب الحجر. وقال سليمان بن بلال: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يسقوا منها. فقالوا: قد عجنا منها واستقينا. فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري, ولمسلم مثل الأول منهما. وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا الماء، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 239 كانت الناقة ترده. أخرجه مسلم. وقال مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، ثم قال: "إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي. قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل مسستما من مائها شيئا"؟ قالا: نعم. فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غرفوا من العين قليلا قليلا، حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك يا معاذ، إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا". أخرجه مسلم. وقال سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى، على حديقة لامرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرصوها". فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، وقال: "احصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله". فانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم فمن كان له بعير فليشد عقاله". فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 240 ألقته بجبلي طيئ، وجاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها، فقالت: بلغ عشرة أوسق. فقال: "إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع". فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال: "هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه" أخرجه مسلم أطول منه؛ وللبخاري نحوه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عباس بن سهل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر استقوا من بئرها. فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا من مائها، ولا توضأوا منه، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له". ففعل الناس ما أمرهم، إلا رجلين من بني ساعدة؛ خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له. فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الآخر فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ. فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أنهكم"؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك. هذا مرسل منكر. وقال ابن وهب: أخبرني معاوية، عن سعيد بن غزوان، عن أبيه: أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: "هذه قبلتنا". ثم صلى إليها. فأقبلت، وأنا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 241 غلام، أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: "قطع صلاتنا، قطع الله أثره". قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا. وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران، قال: رأيت مقعدا بتبوك. فقال: مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي. فقال: "اللهم اقطع أثره". فما مشيت عليهما بعد. أخرجهما أبو داود. وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس، بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا جبريل، ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى"؟ فقال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: "وفيم ذاك"؟ قال: كان يكثر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] ، بالليل والنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: "نعم"، قال: فصلى عليه، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه. ورواه الحسن الزعفراني، عن يزيد. وقال يونس بن محمد: حدثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، أن معاوية بن معاوية المزني توفي والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتاه جبريل، فقال: هل لك في جنازة معاوية المزني؟ قال: "نعم". فقال: هكذا؛ ففرج له عن الجبال والآكام. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك، فصلى عليه. فقال: "يا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 242 جبريل، بم بلغ هذا؟ " قال: بكثرة قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الأخلاص: 1] ، كان يقرؤها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا. مرسل. وقال ابن جوصا، وعلي بن سعيد الرازي، وأبو الدحداح أحمد بن محمد -واللفظ له- قالوا: حدثنا نوح بن عمرو بن حوى السكسكي، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا محمد بن زياد الألهاني، نا أبي أمامة، قال: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك، فقال: احضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبط جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، فوضع جناحة على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة. فلما قضى صلاته، قال: "يا جبريل، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله؟ " قال: بقراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} قائما وقاعدا وراكبا وماشيا. قلت: ما عملت في نوح جرحا، ولكن الحديث منكر جدا، ما أعلم أحدا تابعه عليه أصلا عن بقية. وقد أورد ابن حبان حديث العلاء، وقال: حديث منكر لا يتابع عليه. قال: ولا أحفظ في الصحابة من يقال له: معاوية بن معاوية. وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام، ورواه عن بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي. وقال عثمان بن الهيثم المؤذن: حدثنا محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، قال: جاء جبريل فقال: يا محمد، مات معاوية بن معاوية المزني، أفتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضت له. فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك. قلت: "يا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 243 جبريل، بم نال هذا؟ " قال: بحبه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} يقرؤها قائما وقاعدا وذاهبا وجائيا، وعلى كل حال. محبوب مجهول، لا يتابع على هذا. وقال البكائي: قال ابن إسحاق: فلما أصبح الناس، يعني من يوم الحجر، ولا ماء معهم، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس. فحدثني عاصم، قال: قلت لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم والله، لقد أخبرني رجال من قومي، عن رجل من المنافقين؛ لما كان من أمر الحجر ما كان؛ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة، فأمطرت. قالوا: أقبلنا عليه نقول: ويحك، هل بعد هذا شيء؟ قال: سحابة سائرة. قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له: عمارة بن حزم، وكان عقبيا بدريا، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي كان منافقا، فقال زيد، وهو في رحل عمارة: أليس يزعم محمد أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمارة عنده: "إن رجلا قال كذا وكذا. وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله. وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا، وقد حبستها شجرة بزمامها". فذهبوا فجاؤوا بها. فذهب عمارة إلى رحلة، فقال: والله عجب من شيئ حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا، من مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد والله، قال هذه المقالة قبل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 244 أن تأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: أي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر. اخرج أي عدو الله من رحلي. فزعم بعضهم أن زيدا تاب بعد ذلك. قال ابن إسحاق: وقد كان رهط، منهم وديعة بن ثابت، ومخشن بن حمير؛ يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال؛ إرجافا وترهيبا للمؤمنين. فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل منا مائة جلدة، وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، لعمار بن ياسر: "أدرك القوم، فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا". فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون. فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فنزلت: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] ، فقال مخشن بن حمير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذى عفي عنه في هذه الآية الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 245 مخشن؛ يعني {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التوبة: 66] ، فتسمى عبد الرحمن، فسأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه. فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر. ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية. وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية. وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، فهو عندهم. وقال موسى بن عقبة: قال ابن شهاب: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته تلك تبوكا ولم يتجاوزها. وأقام بضع عشرة ليلة؛ يعني بتبوك. وقال يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة. أخرجه أبو داود. وإسناده صحيح. فائدة: قال ابن إسحاق: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه، فاشتراها منهم أبو العباس عبد الله بن محمد -يعني السفاح- بثلاث مائة دينار. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك؛ رجل من كندة، وكان ملكا على دومة وكان نصرانيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: "إنك ستجده يصيد البقر". فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله. قالت: فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخوه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 246 حسان. فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه، وقدموا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه وصالحه على الجزية، وأطلقه. فائدة: قال عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قيس بن النعمان السكوني، قال: خرجت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع بها أكيدر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بلغنا أن خيلك انطلقت فخفت على أرضي، فاكتب لي كتابا فإني مقر بالذي علي. فكتب له. فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم، فقال: يا محمد اقبل عني هذا هدية. قال: "ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلا حرمه في الآخرة". فشق عليه أن رده. قال: "فادفعه إلى عمر". فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده، أو ثوبه، على فيه ثم قال: "ما بعثت به إليك لتلبسه، ولكن تبيعه وتستعين بثمنه". وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة، بعث خالدا في أربع مائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده، قال خالد: يا رسول الله، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين؟ فقال: "لعل الله يكفيكه". فسار خالد، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها. فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلا، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه. فاطلعت إحداهما فرأت البقر، فقالت: لم أر كالليلة في اللحم. فثار وركب فرسه، وركب غلمته وأهله، فطلبها. حتى مر بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر: أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة؟ قال: نعم. فانطلق حتى دنا منها، فثار أهلها وأرادوا أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 247 يفتحوا له، فأبى عليهم أخوه. فلما رأى ذلك قال لخالد: أيها الرجل، حلني، فلك الله لأفتحنها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك. فأطلقه خالد، فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد، ثم قال: اصنع ما شئت. فدخل خالد وأصحابه. ثم قال: يا خالد، إن شئت حكمتك، وإن شئت حكمتني. فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمان مائة من السبي وألف بعير وأربع مائة درع وأربع مائة رمح. وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه يحنة بن رؤبة عظيم أيلة. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر، فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاضاهما على قضيته؛ على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء، وكتب لهم به كتابا، ورجع قافلا إلى المدينة. ثم ذكر عروة قصة في شأن جماعة من المنافقين هموا بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على كيدهم. وذكر بناء مسجد الضرار. وذكر ابن إسحاق، عن ثقة من بني عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من تبوك حتى نزل بذي أوان؛ بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان مسجد الضرار قد أتوه، وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتي فتصلي لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، فلو رجعنا -إن شاء الله- أتيناكم. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان، أتاه خبر السماء، فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي، فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه". فخرجنا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه. ونزل فيه من القرآن ما نزل. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 248 وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني: حدثنا بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن حذيفة، قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار يسوقه؛ أو قال: عمار يقوده وأنا أسوقه؛ حتى إذا كنا بالعقبة، فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصرخ بهم فولوا مدبرين. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عرفتم القوم"؟ قلنا: لا، قد كانوا ملثمين. قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، أرادوا أن يزحموني في العقبة لأقع". قلنا: يا رسول الله، أولا تبعث عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: "لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم". ثم قال: "اللهم ارمهم بالدبيلة". قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: "شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك". وقال قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، في حديث ذكره عن عمار بن ياسر، أن حذيفة حدثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط". أخرجه مسلم. وقال عبد الله بن صالح المصري: حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: 107] ، قال: أناس بنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند من الروم، فأخرج محمدا وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أموا النبي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 249 صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحب أن تصلي فيه. فنزلت: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة] . وقال ابن عيينة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أذكر أنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، خرجنا مع الصبيان نتلقاه إلى ثنية الوداع. أخرجه البخاري. وقال غير واحد، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة، قال: "إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد، إلا كانوا معكم فيه". قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: "نعم، حبسهم العذر". أخرجه البخاري. أمر الذين خلفوا: قال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة، فاطلعوا إليه، وهو يدعوهم إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة، أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح. فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: لم تر عيني؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك"؟ فلبث حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكا، فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة، التي عند باب أم سلمة، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 250 سبعا بين يوم وليلة، في حر شديد، لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة. وقال: لا يزال هذا مكانى حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله علي. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية. ثم تاب الله عليه فنودي: إن الله قد تاب عليك. فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه عند أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال: "يجزئ عنك الثلث". فهجر دار قومه وتصدق بثلث ماله، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير، حتى فارق الدنيا. مرسل. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] ، قال: هو أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن إسحاق أن ارتباطه كان حينئذ. ولعله ارتبط مرتين. وقال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] ، قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك. فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم. فلما رآهم قال: "من هؤلاء"؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول حتى تطلقهم وتعذرهم. قال: "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين". فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزلت: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 251 [التوبة: 102] ، و"عسى" من الله واجب. فلما نزلت، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت؛ إذ بذلوا أموالهم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، وروى نحوه عطية العوفي، عن ابن عباس. وقال عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن أباه، قال: سمعت كعبا يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر، يعني أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. والله ما اجتمعت عندي قبلها راحلتان حتى جمعتهما تلك الغزوة. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ؛ يريد الديوان. قال كعب: فمل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن سيخفي له ما لم ينزل فيه وحي. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر. فتجهز والمسلمون معه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 252 وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي حتى أستمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا. فقلت: أتجهز بعده يوما أو يومين ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادي بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا من النفاق؛ أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. فلم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، قال وهو جالس في القوم: "ما فعل كعب"؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه براده ينظر في عطفه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا إلا خيرا. فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني بالباطل، وعرفت أني لا أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال: " ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك" فقلت: بلى، يا رسول الله، إني والله لو جلست الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 253 عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو عفو الله. لا، والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك". فقمت، وثار رجال من بني سلمة فقالوا: لا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، أعجزت أن لا تكون أعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك لذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. ثم قلت: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت. وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ فقالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، واجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيتهما، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي؛ فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت: يا أبا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 254 قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار. قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان؛ وكنت كاتبا؛ فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. وهذا أيضا من البلاء، فتيممت به التنور فسجرته به، حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها؟ فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلي صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في امرأتك؟ فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما أن صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التى ذكر الله منا؛ قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت؛ سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع: يا كعب بن مالك، أبشر. فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 255 وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا، حين صلى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون. وركض رجل إلي فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع إلي من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة؛ يقولون: ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه بالسرور: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك". قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا، بل من عند الله". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بشر ببشارة يبرق وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال: "أمسك بعض مالك فهو خير لك". فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين ابتلاه الله -تعالى- في صدق الحديث أحسن مما ابتلاني، ما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وأنزل الله -تعالى- على رسوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} [التوبة: 117- 119] ، فوالله ما أنعم الله علي من نعمة، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله -تعالى- قال للذين كذبوه، حين الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 256 نزل الوحي، شر ما قال لأحد قال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96] . قال كعب: وكنا خلفنا -أيها الثلاثة- عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال -تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] ، وليس الذي ذكر الله تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن تخلف واعتذر، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. موت عبد الله بن أبي: قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود". فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمه؟ وقال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي بن سلول في أواخر شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها. فلما كان اليوم الذي مات فيه، دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: "قد نهيتك عن حب يهود". فقال: قد أبغضهم أسعد فما نفعه؟ ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا بحين عتاب، هو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 257 الموت، فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه، وصل علي واستغفر لي. هذا حديث معضل واه، لو أسنده الواقدي لما نفع، فكيف وهو بلا إسناد؟ وقال ابن عيينة، عن ابن عمرو، عن جابر، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضع على ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. والله أعلم. متفق عليه. وقال أبو أسامة، وغيره: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقام عمر فأخذ ثوبه، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه؟ قال: إن ربي خيرني، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] ، وسأزيد على السبعين. فقال: إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 84] ، متفق عليه. وفيها: قتل عروة بن مسعود الثقفي، وكان سيدا شريفا من عقلاء العرب ودهاتهم، دعا قومه إلى الإسلام فقتلوه. فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثله مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه". وفيها: توفيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة عثمان، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 258 رضي الله عنهما. وفيها: توفي عبد الله ذو البجادين -رضي الله عنه- ودفن بتبوك، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه ونزل في حفرته، وأسنده في لحده. وقال: "اللهم إني أمسيت عنه راضيًا، فارض عنه". وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة. وكان يتيما في حجر عمه، وكان يحسن إليه. فلما بلغه أنه قد أسلم، قال: لئن فعلت لأنزعن منك جميع ما أعطيتك. قال: فإني مسلم. فنزع كل شيء أعطاه، حتى جرده ثوبه، فأتى أمه، فقطعت بجادا لها باثنين، فاتزر نصفا وارتدى نصفا، ولزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يرفع صوته بالقرآن والذكر. وتوفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: قدم وفد ثقيف من الطائف، فأسلموا بعد تبوك، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا. وفيها بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، مات سهيل، أخو سهل بن بيضاء، وهي أمهما، وأسمها دعد بنت جحدم، وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري. ولسهيل صحبة ورواية حديث، وهو حديث يحيى بن أيوب المصري، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن الصلت، عن سهيل بن بيضاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة". وليحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، نحوه. وأما الدراوردي، فقال: عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن الصلت، عن عبد الله بن أنيس. وهذا متصل عن سهيل، إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا يمكنه أن يسمع من سهيل، ولو سمع منه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 259 لسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكان صحابيا، لكن المرسل أشهر. وكان سهيل بن بيضاء من السابقين الأولين، شهد بدرا وغيرها. وكذلك أخوه سهل، وقد توفي أيضا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عبد الوهاب بن عطاء: أخبرنا حميد، عن أنس، قال: كان أبو عبيدة، وأبي بن كعب، وسهيل بن بيضاء، عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم. ثم ذكر تحريم الخمر بطوله. وقال ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت لما توفي سعد: أدخلوه المسجد حتى أصلي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل. وقال فيه غير الضحاك: ما أسرع ما نسوا؛ لقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد. وفيها: توفي زيد بن سعية؛ بالياء، وبالنون أشهر؛ وهو أحد الأحبار الذين أسلموا. وكان كثير العلم والمال. وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده عبد الله، قال: لما أراد الله هدى زيد بن سعنة، قال: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا شيئين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما. وذكر الحديث بطوله. وهو في الطوالات للطبراني، وآخره: فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. وآمن به وبايعه، وشهد معه مشاهد، وتوفي في غزوة الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 260 تبوك مقبلا غير مدبر. والحديث غريب، من الأفراد. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وفيها قتلت فارس ملكهم شهرابرز بن شيرويه، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". وفيها: توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري، من بني سالم بن عوف، كنيته أبو سعد. شهد أحدا والمشاهد. وتوفي منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه. وفي هذه المدة: توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي، فارس طيئ. وهو أحد المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وكتب له بإقطاع. وكان يدعى زيد الخيل. فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير. ثم إنه رجع إلى قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ينج زيد من حمى المدينة". فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى ومات. وفيها: حج بالناس أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم. فنزلت: {بَرَاءَة} [التوبة: 1] ، إثر خروجه. وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق: فخرج علي -رضي الله عنه- على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر -رضي الله عنه- بالطريق. فلما رآه أبو بكر، قال: أميرا أو مأمور؟ قال: لا، بل مأمور. ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيها الناس، إنه لا يدخل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 261 الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته. وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم، ثم لا عهد لمشرك". وقال عقيل، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة. قال: فأذن معنا على في أهل منى يوم النحر ببراءة، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه البخاري. وأخرجاه من حديث يونس، عن الزهري. وقال سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأتبعه عليا. فذكر الحديث. وفيه: فكان علي ينادي بها، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا عليا -رضي الله عنه: بأي شيء بعثت في ذي الحجة؟ قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر. والله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 262 ذكر قدوم وفود العرب: قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: فلما صدر أبو بكر وعلي -رضي الله عنهما- وأقاما للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما. وكذا قال موسى بن عقبة، وأما ابن إسحاق فذكر أن قدوم عروة بن مسعود كان في إثر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف وعن مكة، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهم قاتلوك". ثم بعد أشهر، قدم وفد ثقيف: وقال حاتم بن إسماعيل، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الكريم، عن علقمة بن سفيان بن عبد الله الثقفي، عن أبيه، قال: كنا في الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فضرب لنا قبتين عند دار المغيرة بن شعبة. قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا فنقول: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، ما جئتكم حتى أفطر، فيضع يده فيأكل ونأكل. وقال حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم في قبة في المسجد، ليكون أرق لقلوبهم. واشترطوا عليه حين أسلموا أن لا يحشروا ولا يعشروا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 263 ولا يجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير في دين ليس فيه ركوع، ولكن أن لا تحشروا ولا تعشروا". وقال أبو داود في "السنن": حدثنا الحسن بن الصباح، وقال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني إبراهيم، عن أبيه، عن وهب، قال: سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا". وقال موسى بن عقبة، عن عروة بمعناه، قال: فأسلم عروة بن مسعود، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه. فقال: إني أخاف أن يقتلوك. قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى الطائف، وقدم الطائف عشيا فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فاتهموه وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده، حتى إذا أسحر وطلع الفجر، قام على غرفة له في داره فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه قتله: "مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه". وأقبل -بعد قتله- من وفد ثقيف بضعة عشر رجلا هم أشراف ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيه عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يريدون الصلح، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 264 فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل علي قومي فأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن منزلهم حيث يسمعون القرآن. وكان جرم المغيرة في قومه أنه كان أجيرا لثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر، حتى إذا كانوا ببصاق، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله، خمس مالي هذا. فقال: "وما نبأه"؟ فأخبره، فقال: "إنا لسنا نغدر". وأبى أن يخمسه. وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال: فإني أول من شهد أني رسول الله. وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان، كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، حتى فقه في الدين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجب منه وأحبه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا، فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ قال: "نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم". قالوا: أفرأيت الزنى، فإنا قوم نغترب لا بد لنا منه؟ قال: "هو عليكم حرام". قالوا: فالربا؟ قال: "لكم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 265 رؤوس أموالكم". قالوا: فالخمر؟ قال: "حرام". وتلا عليهم الآيات في تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا: ويحكم، إنا نخاف -إن خالفناه- يوما كيوم مكة. انطلقوا نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا: نعم، لك ما سألت. أرأيت الربة ماذا نصنع فيها؟ قال: "اهدموها". قالوا: هيهات، لو تعلم الربة ماذا تصنع فيها أو أنك تريد هدمها قتلت أهلها. فقال عمر: ويحك يا ابن عبد ياليل، ما أحمقك، إنما الربة حجر. قال: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب. وقالوا: يا رسول الله، تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لن نهدمها أبدا. قال: "فسأبعث إليكم من يهدمها". فكاتبوه وقالوا: يا رسول الله، أمر علينا رجلا يؤمنا. فأمر عليهم عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سورا من القرآن. وقال ابن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف، فاكتموهم الإسلام وخوفوهم الحرب، وأخبروا أن محمدا سألنا أمورا أبيناها. قال: فخرجت ثقيف يتلقون الوفد. فلما رأوهم قد ساروا العنق، وقطروا الإبل، وتغشوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير. فلما رأت ثقيف ما في وجوههم، قالوا: ما وفدكم بخير ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا اللات فنزلوا عندها. واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي، كما يهدى للكعبة. فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لا عهد لهم برؤيتها. ثم رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رجل منهم خاصته فسألوهم فقالوا: أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودانت له الناس. فعرض علينا أمورا شدادا: هدم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 266 اللات، وترك الأموال في الربا إلا في رؤوس أموالكم، وحرم الخمر والزنى، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبدا. فقال الوفد: أصلحوا السلاح وتهيأوا للقتال ورموا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما لنا به طاقة، وقد أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل. فلما رأى ذلك الوفد أنهم قد رعبوا قالوا: فإنا قد قاضيناه وفعلنا ووجدناه أتقى الناس وأرحمهم وأصدقهم. قالوا: لم كتمتمونا وغممتمونا أشد الغم؟ قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم. ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة. فلما قدموا عمدوا للات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها، حتى خرج العواتق، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم منهم. فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض. فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة، قد قتلته الربة. وفرحوا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها، فوالله لا يستطاع أبدا. فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله؛ إنما هي لكاع حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه. ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا على سورها، وعلا الرجال معه، فهدموها. وجعل صاحب المفتح يقول: ليغضبن الأساس، فليخسفن بهم، فقال المغيرة لخالد: دعني أحفر أساسها. فحفره حتى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليتها، وأخذوا ثيابها. فبهتت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 267 ثقيف، فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع وتركوا المصاع، وأقبل الوفد حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بحليتها وكسوتها، فقسمه. وقال ابن إسحاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عروة بن مسعود، أشهرا. ثم ذكر قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلامهم. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة يهدمان الطاغية. وقال سعيد بن السائب، عن محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان بن أبي العاص؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم. رواه أبو همام محمد بن محبب الدلال، عن سعيد، والله أعلم. ولما فرغ ابن إسحاق من شأن ثقيف، ذكر بعد ذلك حجة أبي بكر الصديق بالناس. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 268 السنة العاشرة: ثم قال ابن إسحاق: ولما فتح الله على نبيه مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. وإنما كان العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس. قال: فقدم عطارد بن حاجب في وفد عظيم من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، ومعهم عيينة بن حصن. فلما دخلوا المسجد، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرات: اخرج إلينا يا محمد. وآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم فخرج إليهم فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: "قد أذنت لخطيبكم، فليقم". فقام عطارد، فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا، ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عددا، وأيسره عدة. فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإن لو نشأ لأكثرنا الكلام، ولكن نستحيي من الإكثار. أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا. ثم جلس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي: "قم فأجبه". فقام، فقال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 269 الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله. ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا؛ أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس أحسابا، وأحسن الناس وجوها، وخير العالمين فعالا، ثم كان أول الخلق استجابة إذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن، فنحن الأنصار، أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله. فمن آمن منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم. فقام الزبرقان بن بدر، فقال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب، وفضل العز يتبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يؤنس القزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم ... من كل أرض هويا ثم نصطنع في أبيات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم يا حسان، فأجبه". فقال حسان: إن الذوائب من فهر وإخواتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وكل الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 270 سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم، شرها البدع في أبيات. فقال الأقرع بن حابس: وأبي، إن هذا الرجل لمؤتى له. إن خطيبه أفصح من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا. قال: فلما فرغ القوم أسلموا، وأحسن النبي صلى الله عليه وسلم جوائزهم. وفيهم نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] . وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمر بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم: أخبرني عن هذا الزبرقان، فأما هذا فلست أسألك عنه. قال: وأراه قال قد عرف قيسا. فقال: مطاع في أدنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال. فقال عمرو: ما علمتك إلا زمر المروءة، ضيق العطن، أحمق الأب، لئيم الخال. ثم قال: يا رسول الله، قد صدقت فيهما جميعا؛ أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم، وأسخطني فقلت بأسوأ ما فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سحرا". وقد روى نحوه علي بن حرب الطائي، عن أبي سعد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاري يحيى بن يزيد، عن الحكم بن عتيبتة، عن مقسم، عن ابن عباس؛ متصلا. وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا الأسود بن شيبان، قال: حدثنا أبو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، قال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 271 وفد أبي في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت سيدنا وذو الطول علينا. فقال: "مه مه، قولوا بقولكم ولا يستجرئنكم الشيطان، السيد الله، السيد الله". وقال الزبير بن بكار: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة، عن أبيها، عن جدها مؤملة بن جميل، قال: أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عامر، أسلم. قال: أسلم على أن الوبر لي ولك المدر. قال: يا عمر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا. فولى وهو يقول: يا محمد، لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردًا، ولأربطن بكل نخلة فرسا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفني عامرا واهد قومه". فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها: سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقه، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وجعل يجول، ويقول: غدة كغدة البكر، وموت في بيت سلولية. فلم تزل تلك حاله حتى سقط ميتا. وقال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر، فيهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وخالد بن جعفر، وحيان بن أسلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به. فقال له قومه: إن الناس قد أسلموا. فقال: قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر: يا محمد، خلني. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 272 فقال: "لا والله، حتى تؤمن بالله وحده"، فقال: "والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا". فلما ولى قال: "اللهم اكفني عامرا". ثم قال لأربد: أين ما أمرتك به؟ قال: لا أبا لك، والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبينه، أفأضربك بالسيف؟ فبعث الله ببعض الطريق على عامر الطاعون في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. وأما الآخر فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما. وقال همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني أنس، قال: كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال؛ يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة، فقال: غدوة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي, فركب فمات على ظهر فرسه. أخرجه البخاري. وافد بني سعد: قال ابن إسحاق، عن محمد بن الوليد، عن كريب، عن ابن عباس: بعثت بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف فقال: أيكن ابن عبد المطلب؟ فقال: أنا. فقال: أنت محمد؟ قال: "نعم". قال: إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك. أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه الأنداد؟ قال: "اللهم نعم". قال: فأنشدك الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 273 إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: "نعم". ثم جعل يذكر فرائض الإسلام ينشده عنده كل فريضة. ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. ثم انصرف إلى بعيره راجعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة". فقدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: باست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجنون. قال: ويلكم، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان. إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام. وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي: حدثني حمزة بن الحارث بن عمير، قال: حدثنا أبي، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك، آلله أرسلك؟ وذكر الحديث، وفيه: فإني قد آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 274 $"فقه الرجل". قال: فكان عمر يقول: ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. الحارث بن عمير ضعيف، وقصة ضمام في الصحيحين من حديث أنس. قال ابن إسحاق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو أخو بني عبد القيس -قال عبد الملك بن هشام: وكان نصرانيا- فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام. فقال: يا محمد، تضمن لي ديني؟ قال: "نعم، قد هداك الله إلى ما هو خير منه". قال: فأسلم، وأسلم أصحابه. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب، فكان منزلتهم في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدثني بعض علمائنا أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات. فلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قال: "لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه". قال ابن إسحاق: وحدثني شيخ من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا؛ زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لهم، وقال: "أما إنه ليس بأشركم مكانا"؛ يعني حفظه ضيعة أصحابه. ثم انصرفوا وجاؤوه بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ، وقال: إني أشركت في الأمر مع محمد، ألم يقل لكم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 275 حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشركم مكانا؟ وما ذاك إلا لما يعلم أني قد أشركت معه. ثم جعل يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى. ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الزنى والخمر، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي. فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، قال: حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: "إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني أراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني" ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك الذي أريت فيه ما رأيت"، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي". قال: فهذا أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة. أخرجاه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 276 وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض، فوضع في يدي سواران من ذهب. فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن أنفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما؛ صاحب صنعاء وصاحب اليمامة". متفق عليه. وقال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: سمع أبا رجاء؛ هو العطاردي؛ يقول: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا به، لحقنا بمسيلمة الكذاب؛ لحقنا بالنار؛ وكنا نعبد الحجر في الجاهلية، وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها اللبن، ثم نطوف به. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرأون قراءة ما أنزلها الله: الطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خيزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم، وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النواحة. قال: فأمر به عبد الله فقتل. ثم قال: ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء، ولكنا نحدرهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم. وقال المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "تشهدان أني رسول الله"؟ فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال: "آمنت بالله ورسله، ولو كانت قاتلا رسولا لقتلتكما". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 277 قال عبد الله: فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل. قال عبد الله: أما ابن أثال فقد كفانا الله، وأما ابن النواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه. رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، عن المسعودي. وله شاهد. قال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن نعيم، بن مسعود، عن أبيه، سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: "وأنتما تقولان بمثل ما يقول"؟ قالا: نعم. فقال: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما". قال ابن إسحاق: وقد كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون. فكتب إليه: "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين". ثم قد وفد طيئ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم زيد الخيل سيدهم، فأسلموا، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقطع له فيد وأرضين، وخرج راجعا إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ينج زيد من حمى المدينة". فإنه يقال قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى، فلم نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال له: قردة، أصابته الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 278 الحمى فمات بها. قال: فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرقتها. وقال شعبة: حدثنا سمك بن حرب، قال سمعت عباد بن حبيش، يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب، فأخذوا عمتي وناسا. فلما أتوا بهم رسول الله، قالت: يا رسول الله، غاب الوافد، وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة، فمن علي من الله عليك. قال: "من وافدك"؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: "الذي فر من الله ورسوله"؟ قالت: فمن علي، ورجل إلى جنبه تراه عليا، فقال: "سليه حملانا"، فأمر لها به. قال: فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. إيته راغبا أو راهبا، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال عدي: فأتيته، فإذا عند امرأة وصبيان؛ أو صبي، فذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم قال: فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فأسلمت. فرأيت وجهه قد استبشر، وقال: "إن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى". وذكر باقي الحديث. وقال حماد زيد، عن أيوب، عن محمد، قال: قال أبو عبيدة بن حذيفة، قال رجل: كنت أسأل عن حديث عدي وهو إلى جنبي لا أسأله، فأتيته، فقال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط. فخرجت حتى أقصى أرض العرب مما يلي الروم. ثم كرهت مكاني فقلت: لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة، فاستشرفني الناس؛ وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم. فقال: "يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم". فقلت: إني على دين: قال: "أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسيا"؟ قلت: بلى. قال: "ألست ترأس الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 279 قومك"؟ قلت: بلى. قال: "ألست تأخذ المرباع" قلت: بلى. قال: "فإن ذلك لا يحل في دينك". قال: فوجدت بها علي غضاضة. ثم قال: "إنه لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن عندنا خصاصة، وترى الناس علينا إلبا واحدا. هل رأيت الحيرة"؟ قلت: لم أرها، وقد علمت مكانها. قال: "فإن الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز". قلت: كنوز كسرى بن هرمز؟ قال: "نعم، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل ماله منه صدقة". قال: فلقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن. ووالله لتكونن الثالثة، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة. وقال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك المرادي، مفارقا لملوك كندة، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها، وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن العاص، فكان معه حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد كندة، ثمانون راكبا فيهم الأشعث بن قيس. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تسلموا"؟ قالوا: بلى. قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال: فشقوه وألقوه. قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 280 في وفد من الأزد. فأمره على من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه. إسلام ملوك اليمن: قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير؛ مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان. وبعث إليه ذو يزن، مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم. فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يذكر فيه فريضة الصدقة، وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة، وقال لهم: إني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي، وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن، يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا -رضي الله عنه- فأمره أن يقفل خالدا، إلا رجل كان يمم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه. فكنت فيمن عقب مع علي. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جمعا. فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال: "السلام على همدان، السلام على همدان". هذا حديث صحيح الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 281 أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء؟ فضرب بيده في صدري، وقال: "اللهم اهد قلبه وثبت لسانه". فما شككت في قضاء بين اثنين أخرجه ابن ماجه. وقال محمد بن علي، وعطاء، عن جابر، أن عليا قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. متفق عليه. من حديث عطاء. وقال شعبة، وغيره، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا". متفق عليه، ومن أوجه أخر بأطول من هذا. وفي "الصحيح" للبخاري، من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي. قال: فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال: فسلمت عليه. فقال: "أحججت يا عبد الله بن قيس"؟ قلت: نعم. قال: "كيف قلت"، قال: قلت: لبيك إهلالا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 282 كإهلالك. فقال: "أسقت هديا"؟ قلت: لم أسق هديا. قال: "فطف بالبيت واسع ثم حل". ففعلت. وذكر الحديث. أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كله. فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ الحق كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، ولا يمس القرآن أحد، إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، وقال: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين} [هود: 18] ، ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس من النار وعملها، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير، إلا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد شعر رأسه إذا عفي في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبال والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله -عز وجل- ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 283 بإسباغ الوضوء؛ وجوهم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم، إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمر الله، وأمروا بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، وأن يغلس بالصبح، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله -عز وجل- وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الغرب فنصف العشر. ثم ذكر زكاة الإبل والبقر"، مختصرا. قال: وعلى كل حالم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، من اليهود والنصاري، دينار واف أو عرضه من الثياب. فمن أدى ذلك كان له ذمة الله ذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين. وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، نحو هذا الحديث موصولا؛ بزيادات كثيرة في الزكاة، ونقص عما ذكرنا في السنن. وقال أبو اليمان: حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن راشد بن حميد السكوني: أن معاذا لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: "يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري". فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تبك يا معاذ، البكاء من الشيطان". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 284 وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وقد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوهم". فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. وقال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن البيلماني، عن كرز بن علقمة، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران؛ ستون راكبا، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، منهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، صاحب مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره؛ واسمه عبد المسيح. والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم؛ واسمه الأيهم. وأبو حارثة بن علقمة، أحد بكر بن وائل؛ أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم. وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس. فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له، يقال له: كرز بن علقمة؛ يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كرز: تعس الأبعد؛ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست. فقال له: لم يا أخي؟ فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره. قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم؛ شرفونا ومولونا، وقد أبوا إلا خلافة، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، وقال: حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا، فقالت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 285 الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا. فأنزل الله فيهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 65] . فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من نجران يقال له الربيس: وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله". فنزلت: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} [آل عمران: 79] ، إلى قوله: {مِنَ الشَّاهِدِين} [آل عمران: 81] . وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن ابن مسعود؛ ورواه شعبة، وسفيان، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود: إن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال: "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين". فاستشرف لها أصحابه: فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال: "هذا أمين هذه الأمة". أخرجه البخاري من حديث حذيفة. وقال إدريس الأودي، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما تقرأون {يَا أُخْتَ هَارُون} [مريم: 28] ، وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم؟ قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "أفلا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 286 أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم". أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثا. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلمهم الإسلام، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعيانهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل. قال: فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيسا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم، بعد أن ولى وفدهم، عمرو بن حزم ليفقههم ويعلمهم السنة، ويأخذ منهم صدقاتهم. وفي عاشر ربيع الأول: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سنة ونصف، وغسه الفضل بن العباس، ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل، وكان أبيض مسمنا، كثير الشبه بوالده صلى الله عليه وسلم. وقال ثابت، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم"، ففيه دليل على تسمية الولد ليلة مولده. ثم دفعه إلى أم سيف؛ يعني امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال أنس: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه وانطلقت معه، فدخل فدعا بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول. قال أنس: فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكيد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 287 بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب. والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون". أخرجه مسلم والبخاري تعليقا مجزوما به. وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة". أخرجه البخاري. وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات. وفيها: مات أبو عامر الراهب، الذي كان عند هرقل عظيم الروم. وفيها: ماتت بوران بنت كسرى ملكة الفرس، وملكوا بعدها أختها آزرمن. قاله أبو عبيدة. وفي أواخر ذي القعدة: ولد محمد بن أبي بكر الصديق، ولدته أسماء بن عميس، بذي الحليفة، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إليه: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي". وفيها: ولد محمد بن عمرو بن حزم، بنجران، وأبوه بها. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 288 حجة الوداع: قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جابر، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج، فاجتمع في المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما كان بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستثفري بثوب". وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وركب القصواء حتى استوت به على البيداء، فنظرت إلى مد بصري، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك. فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. ولسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} [البقرة: 125] ، فجعل المقام بينه وبين البيت. قال جعفر: فكان أبي يقول: -لا أعلمه ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-: كان يقرأ في الركعتين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الأخلاص] ، و: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون] ، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة: 158] ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت فكبر وهلل وقال: لا إله إلا الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 289 وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل ذلك ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فعلا عليها وفعل كما فعل على الصفا. فلما كان آخر الطواف على المروة، قال: "إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة". فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه الهدي. فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: فشبك أصابعه وقال: "دخلت العمرة في الحج هكذا؛ مرتين، لا؛ بل لأبد الأبد". وقدم علي، رضي الله عنه، من اليمن ببدن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر عليها. فقالت: أبي أمرني بهذا. فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا بالذي صنعته، مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صدقت، صدقت. فماذا قلت حين فرضت الحج"؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: "فإن معي الهدي فلا تحلل". قال: فكان الهدي الذي جاء معه، والهدي الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم حل الناس وقصروا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه هدي. فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى، أهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر فضربت له الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 290 بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي، فخطب الناس فقال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث؛ كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله تعالى، وأنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: "اللهم اشهد"؛ ثلاث مرات. ثم أذن بلال، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، لم يصل بينهما شيئا. ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه فدفع وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 291 رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده: "أيها الناس، السكينة السكينة"، كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل بينهما شيئا. ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح وبأذان وإقامه. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه فحمد الله وكبره وهلله. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلا حسن الشعر وسيما. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، حتى إذا أتى محسرا حرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرجك على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنة، وأعطى عليا - رضي الله عنه- فنحر ما غبر وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، وطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى على بني عبد المطلب يسقون من بئر زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم". فناولوه دلوا فشرب منه. أخرجه مسلم، دون قوله: يحيي ويميت. وقال شعبة، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنة من جانب سنامها الأيمن، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 292 ثم سلت عنها الدم، وأهل بالحج. أخرجه مسلم. وقال أيمن بن نابل: حدثني قدامة بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة حمراء؛ وفي رواية؛ صهباء؛ لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. حديث حسن. وقال ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن لحي، عن عبد الله بن قرط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر فيه الناس، وهو الذي يلي يوم النحر". قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات، خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة خفية لم أفهمها، فقلت للذي إلى جنبي: ما قال؟ قال: قال: "من شاء اقتطع". حديث حسن. وقال هشام، عن ابن سيرين، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة، ثم رجع إلى المنزلة بمنى، فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فحلقه، فجعل يقسمه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: ههنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة. رواه مسلم. وقال أبان العطار: حدثنا يحيى، قال: حدثني أبو سلمة، أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه، أن أباه شهد المنحر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 293 بين أصحابه ضحايا، فلم يصبه ولا رفيقه. قال: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه، فقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطى صاحبه، فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم. وقال علي بن الجعد: حدثنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي، أو لا تساوي، أربعة دراهم، وقال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة". يزيد ضعيف. وقال أبو عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لوعلينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، فقال: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة. متفق عليه. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: كنت عند ابن عباس وعنده يهودي، فقرأ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} الآية [المائدة: 3] ، فقال اليهودي: لو أنزلت علينا لاتخذنا يومها عيدا. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد، يوم جمعة، يوم عرفة. صحيح على شرط مسلم. وقال ابن جريج، عن أبي الزبير، أخبره، أنه سمع جابرا، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: "خذوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 294 مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه". أخرجه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن ثور بن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع، فقال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروه. أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبدا؛ كتاب الله وسنه نبيه. إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا، ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: وكان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي هو الذي يصرخ يوم عرفة تحت لبة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: "اصرخ: أيها الناس" -وكان صيتا- "هل تدرون أي شهر هذا"؟ فصرخ، فقالوا: نعم، الشهر الحرام. قال: "فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا". وذكر الحديث. وقال الزهري، من حديث الأوزاعي، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن ينفر من منى قال: "إنا نازلون غدا إن شاء بالمحصب بخيف بني "كنانة، حيث تقاسموا على الكفر". وذلك أن قريشا تقاسموا على بني هاشم وعلى بني عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. اتفقا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 295 عليه. وقال أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي الحج. قالت: فلما تفرقنا من منى نزلنا المحصب. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعد ما هاجر حجة الوداع، لم يحج بعدها. قال أبو إسحاق من قبله: وواحدة بمكة. اتفقا عليه. ويروى عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقال: حجة الوداع، ويقول: حجة الإسلام. وقال زيد بن الحباب: حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر معها عمرة، وساق ستا وثلاثين بدنة، وجاء علي بتمامها من اليمن، فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من فضة، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفرد به زيد، وقيل: إنه أخطأ، وإنما يروى عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد؛ مرسلا. قال أبو بكر البيهقي: قوله: "وحجة معها عمرة" فإنما يقول ذلك أنس -رضي الله عنه- ومن ذهب من الصحابة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن. فأما من ذهب إلى أنه أفرد، فإنه لا يكاد تصح عنده هذه اللفظة لما في إسناده من الاختلاف وغيره. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 296 وقال وكيع: عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج؛ حجتين وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع، والله أعلم. وفي آخر السنة: كان ظهور الأسود العنسي، وسيأتي ذكره. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 297 سنة إحدى عشرة: سرية أسامة: في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر. ذكر الواقدي أنهم قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم، ودعا أسامة بن زيد، فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى، وأسرع السير، تسبق الأخبار. فإن ظفرت فأقلل اللبث فيهم، وقدم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء، بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فحم وصدع. فلما أصبح يوم الخميس، عقد لأسامة لواء بيده، فخرج بلوائه معقودا؛ يعني أسامة. فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف. فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة؛ فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة. فتكلم قوم، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على هؤلاء؟ فقال ابن عيينة، وغيره، عن عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعن الناس في إمارته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 299 كان من أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده". متفق على صحته. قال شيبان، عن قتادة: جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه: ثلاث وأربعون. ثم دخل شهر ربيع الأول، وبدخوله تكملت عشر سنين من التاريخ للهجرة النبوية. والحمد لله وحده. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 300 فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم: سوى ما مضى في غضون المغازي: قال حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له. فذكر الحديث، ثم قال: حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده فقال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته واتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائدة، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذان الله". فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف، فيما بينهما، لأم بينهما، فقال: "التئما علي بإذان الله". فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي -يعني فيتبعد- فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا، يمينا وشمالا، ثم أقبل، فلما انتهى إلي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 301 قال: "يا جابر هل رأيت مقامي"؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك، قال: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وجشرته، فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما، حتى إذا قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت، فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك. قال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين". ثم ذكر حديثا طويلا، وفيه إعواز الناس الماء، وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصة، قال: فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه، فاستقى منه الناس حتى رووا. أخرجه مسلم. وقال الأعمش وغيره، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حضرت الصلاة، وليس معنا ماء إلا يسير، فدعا بماء، فصبه في صحفة، ووضع كفه فيه، فجعل الماء يتفجر من بين أصابعه، فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا. قال الأعمش: فحدثت به سالم بن أبي الجعد فقال: حدثنيه جابر، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: خمس عشرة مائة. أخرجه البخاري. وقال عمرو بن مرة، وحصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصابنا عطش، فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده في تور من ماء، فجعل الماء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 302 ينبع من بين أصابعه كأنه العيون، فقال: "خذوا باسم الله"، فشربنا فوسعنا وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا. قلت: كم كنتم؟ قال: ألفا وخمس مائة. صحيح. وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الحجون لما آذاه المشركون، فقال: "اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها". قال: فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض، حتى انتهت إليه، ثم أمرها فرجعت. وروى الأعمش نحوه، عن أبي سفيان، عن أنس. وروى المبارك بن فضالة نحوا منه، عن الحسن مرسلا. وقال عبد الله بن عمر بن أبان: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن عمر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال: "أين تريد"؟ قال الأعرابي: إلى أهلي. قال: "هل لك إلى خير"؟ قال: ما هو؟ قال: "تسلم". قال: هل من شاهد؟ قال: هذه الشجرة، فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا، فقامت بين يديه، فاستشهد ثلاثا، فشهدت له كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، فقال: إن يتبعوني آتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك. غريب جدا، وإسناده جيد. أخرجه الدارمي في "مسنده" عن محمد بن طريف، عن ابن فضيل. وقال شريك، عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: "أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله"؟ قال: نعم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 303 فدعاه، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض. فجعل ينقز، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: "ارجع". فرجع حتى عاد إلى مكانه. فقال: أشهد أنك رسول الله، وآمن. رواه البخاري في "تاريخه" عن محمد بن سعيد ابن الأصبهاني عنه. وقال يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، وتبعته بالإداوة، فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال: "انطلق فقل لهذه الشجرة: الحقى بصاحبتك حتى أجلس خلفهما". ففعلت، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته، ثم رجعتا. وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر، فقال: إنى أطب الناس، فإن كان بك جنون داويتك. فقال: "أتحب أن أريك آية"؟ قال: نعم. قال: "فادع ذاك العذق". فدعاه، فجاءه ينقز على ذنبه، حتى قام بين يديه، ثم قال: "ارجع" فرجع، فقال: يا لعامر، ما رأيت رجلا أسحر من هذا. أخبرنا عمر بن محمد وغيره، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي، قال أخبرنا عبد الله بن حمويه، قال: أخبرنا عيسى بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى، فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم، فقال: "يا جابر اجعل في إداوتك ماء ثم انطلق بنا". قال: فانطلقنا حتى لا نرى، فإذا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 304 هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع، فقال: "انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقول لك: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما". فرجعت إليها، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما، ثم رجعتا إلى مكانهما. فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيننا كأنما علينا الطير تظلنا، فعرض له امرأة معها صبي، فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات. فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال: "اخس عدو الله، أنا رسول الله، اخس عدو الله، أن رسول الله"، ثلاثا، ثم دفعه إليها. فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان، فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما، فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد، فقال: "خدوا منها واحدا وردوا عليها الآخر". قال: ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على الناس: "من صاحب الجمل"؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله. قال: "فما شأنه"؟ قالوا: استنينا عليه منذ عشرين سنة، وكانت له شحيمة، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا فانفلت منا. قال: "بيعونيه". قالوا: هو لك يا رسول الله. قال: "أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله". فقال المسلمون عند ذلك: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم، قال: "لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن". رواه يونس بن بكير، عن إسماعيل، وعنده: "لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر" وهو أصح. وقد رواه بمعناه يونس بن بكير، ووكيع، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه أشياء: نزلنا منزلا فقال: "انطلق إلى هاتين الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 305 الأشاءتين فقل: إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا". وذكر الحديث. مرة: هو ابن أبي مرة الثقفي. وقد رواه وكيع مرة، فقال فيه: عن يعلى بن مرة، قال: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجبا ... الحديث. قال البخاري: إنما هو عن يعلى نفسه. قلت: ورواه البيهقي من وجهين، من حديث عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حفص، ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، كلاهما عن يعلى نفسه. وقال مهدي بن ميمون: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا، وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن إليه وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فسمح ذفريه فسكن، فقال: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكت الله إياها، فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه". أخرج مسلم منه إلى قوله: "حائش نخل". وباقيه على شرط مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 306 وقال إسماعيل بن جعفر: حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن رجل من بني سلمة -ثقة- عن جابر بن عبد الله أن ناضحا لبعض بني سلمة اغتلم، فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى ذلك إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق. وذهب النبي صلى الله عليه وسلم معه، فلما بلغ باب النخل قال: يا رسول الله لا تدخل. قال: "اخلوا لا بأس عليكم". فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه، فسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائتوا جملكم فاخطموه وارتحلوه"، ففعلوا، وقالوا: سجد لك يا رسول الله حين رآك، قال: "لا تقولوا ذلك لي، لا تقولوا ما لم أبلغ، فلعمري ما سجد لي ولكن الله سخره لي". وقال عفان: حدثنا حماد بن سلمة، قال: سمعت شيخا من قيس يحدث عن أبيه قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها، فدنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ضرعها فحفل فاحتلب وشرب. وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى، تفرد بن فائد بو الورقاء، وهو ضعيف، وحديث لجابر آخر تفرد به الأجلح، عن الذيال بن حرملة عنه. أخرجه الدارمي وغيره. وقال يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن عائشة، قالت: كان لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب وذهب وجاء. فإذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم، ما دام رسول الله في البيت. صحيح. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 307 في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: "أيكم فجمع هذه". فقال رجل: أنا أخذت بيضتها. فقال: "رده رده رحمة لها". عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري: حدثنا علي بن قادم، قال: حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي، ثم أرجع، فتربطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيد قوم وربيطة قوم". قال: فأخذ عليها فحلفت له. فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استوهبها منهم، فوهبوها له، فحلها، ثم قال: "لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا". علي، وأبو العلاء صدوقان، وعطية فيه ضعف. وقد روي نحوه عن زيد بن أرقم. وقال القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما راع يرعى بالحرة، إذا عرض ذئب لشاة، فحال الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم قال للراعي: ألا تتقى الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟ فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس! فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني: رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق. فساق الراعي شاءه حتى أتى المدينة فزواها زاوية، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثه بحديث الذئب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 308 الراعي: "قم فأخبرهم". قال: فأخبر الناس بما قال الذئب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الراعي، ألا أنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده". أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب. وقال عبد الحميد بن بهرام، ومعقل بن عبيد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد الخدري نحوه. وهو حديث حسن صحيح الإسناد. وقال سفيان بن حمزة: حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن ربيعة بن أوس، عن أنس ابن عمرو، عن أهبان بن أوس، أنه كان في غنم له، فكلمه الذئب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم. قال البخاري: ليس إسناده بالقوي. وقال يوسف بن عدي: حدثنا جعفر بن جسر، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم له، إذ جاء الذئب فأخذ شاة، ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني! وذكر الحديث. وقال منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. البخاري. وقال قريش بن أنس: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 309 عن رجل، قال: سمعت أبا ذر -رضي الله عنه- يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلا أتتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته وحده، فجلست، فجاء أبو بكر فسلم وجلس، ثم جاء عمر، ثم عثمان، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات، فأخذهن فوضعهن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم وضعهن فخرسن، ثم وضعهن في يد عمر فخرسن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن، ثم وضعهن فخرسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه خلافة النبوة". صالح لم يكن حافظا، والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن، كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له، فذكر هذا الحديث عن أبي ذر. ويروى مثله عن جبير بن نفير، وعن عاصم بن حميد، عن أبي ذر. وجاء مثله عن أنس من وجهين منكرين. وقال عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبي، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو إلى نخلة، فقيل: ألا نجعل لك منبرا؟ قال: "إن شئتم". فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، فنزل فضمها إليه. كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت قال: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها". البخاري. ورواه جماعة عن جابر. وقال أبو حفص بن العلاء المازني -واسمه عمر- عن نافع، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما وضع له المنبر حن إليه حتى أتاه فمسحه، فسكن. أخرجه البخاري عن ابن مثنى، عن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 310 يحيى بن كثير، عنه، وهو من غرائب الصحيح. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى إلى جذع ويخطب إليه، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما جاوز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجذع خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع، فمسحه بيده، ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا. روى من وجهين عن ابن عقيل. مالك بن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل ترون قبلتي ههنا، فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم وراء ظهري". متفق عليه. قال الشافعي: هذه كرامة من الله أبانه بها من خلفه. وقال المختار بن فلفل، عن أنس نحوه، وفيه: "فإني أراكم من أمامي ومن خلفي، وايم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا". قالوا: يا رسول الله وما رأيت؟ قال: "رأيت الجنة والنار". أخرجه مسلم. وقال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي، عن ابن شهاب، قال: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة، فهتكه، ثم قال: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 311 الذين يشبهون بخلق الله". قال الأوزاعي: قالت عائشة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرنس فيه تمثال عقاب، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فأذهبه الله -عز وجل- وهذه الزيادة منقطعة. وقال عاصم، عن زر، عبد الله، قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال: "يا غلام هل عندك لبن"؟ قلت: نعم ولكن مؤتمن. قال: "فائتني بشاة لم ينز عليها الفحل". فأتيته بعناق جذعة، فاعتقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا ومسح ضرعها حتى أنزلت، فاحتلب في صحفة، وسقى أبا بكر، وشرب بعده، ثم قال للضرع: "اقلص"، فقلص فعاد كما كان، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: "علمني من هذا القول"، فمسح رأسي، وقال: "إنك غلام معلم"، فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر. إسناده حسن قوي. مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها فلفته فيه، ودسته تحت ثوبي، وأرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة"؟ قلت: نعم. فقال لمن معه: "قوموا". قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 312 رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل معه حتى دخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلمي ما عندك يا أم سليم". فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، فأكل القوم وشبعوا، وهم سبعون أو ثمانون رجلا. متفق عليه. وقد مر مثل هذا في غزوة الخندق من حديث جابر. وقال سليمان التيمي، عن أبي العلاء، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة، فيها طعام، فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوه، يقوم قوم ويقعد آخرون، فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد؟ قال: فمن أيش تعجب؟ ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السماء، وأشار يزيد بن هارون إلى السماء. هذا حديث صحيح. وقال زيد بن الحباب، عن الحسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن سلمان أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فقال: "لمن أنت"؟ قال لقوم. قال: "فاطلب إليهم أن يكاتبوك". قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كله، إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من غرسها"؟ قالوا: عمر، فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فحملت من عامها. رواته ثقات. أخبرنا ابن أبي عمر، وابن أبي الخير كتابة، عن محمد بن أحمد وجماعة، أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم، قالت: أخبرنا ابن ريذة، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 313 قال: أخبرنا الطبراني، قال: حدثنا الوليد بن حماد الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن الفضل، قال: حدثني أبي، عن أبيه عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان، قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، فدفعها إلي يوم أحد، فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها، ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي السهام بوجهي، كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميلت رأسي لأقي وجهه، فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي، وافترق الجمع، فأخذت حدقتي بكفي، فسعيت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها في كفي دمعت عيناه فقال: "اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرًا" فكانت أحد عينيه نظرا. غريب وروي من وجه آخر ذكرناه. وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: ادع لي فيهن بالبركة. قال: فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة، ثم قال: "خذهن فاجعلهن في مزود، فإذا أردت أن تأخذ منهن، فأدخل يدك، فخذ ولا تنثرهن نثرا". قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله، وكنا نأكل ونطعم، وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان انقطع، أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب. وروي في "جزء الحفار" من حديث أبي هريرة، وفيه: فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله، وكان معلقا خلف رحلي، فوقع في زمان عثمان فذهب. وله طريق أخرى غريبة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 314 وقال معقل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته ومن ضيفاه حتى كاله، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له: "لو لم تكله لأكلتم منه وأقام لكم". وكانت أم مالك تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتجد فيه سمنا، فما زال يقيم لها أدم بنيها حتى عصرته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أعصرتيها"؟ قالت: نعم، قال: "لو تركتيها مازال قائما". أخرجه مسلم. وقال طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير. فنفدت أزواد القوم، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم، فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من الأزواد فدعوت الله عليها. ففعل، فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره، فدعا حتى إنهم ملأوا أزوادهم، فقال عند ذلك: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة". أخرجه مسلم. وروى نحوه وأطول منه المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، عن أبيه -رضي الله عنه- وزاد: فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقي مثله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 315 عبد مؤمن بها إلا حجب عن النار"، رواه الأوزاعي عنه. وقال سلم بن زرير: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: حدثنا عمران بن حصين أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم، حتى إذا كان في وجه الصبح عرس رسول الله فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس، فكان أول من استيقظ أبو بكر، فاستيقظ عمر بعده، فقعد عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته، حتى يستقيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ والشمس قد بزغت، قال: "ارتحلوا". فسار بنا حتى ابيضت الشمس، فنزل فصلى بنا واعتزل رجل فلم يصل، فلما انصرف قال: "يا فلان ما منعك أن تصلي معنا"؟ قال: يا رسول الله أصابتني جنابة. فأمره أن يتيمم بالصعيد، ثم صلى، وعجلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه أطلب الماء، وكنا قد عطشنا عطشا شديدًا، فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين، قلنا لها: أين الماء؟ قالت: أي هاة فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة. فقلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته أنها موتمة، فأمر بمزادتيها فمج في العزلاوين العلياوين، فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وكل إداوة. وغسلنا صاحبنا، وهي تكاد تضرج من الماء، ثم قال لنا: "هاتوا ما عندكم". فجمعنا لها من الكسر والتمر، حتى صر لها صرة فقال: "اذهبي فأطعمي عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا". فلما أتت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 316 أهلها قالت: لقد أتيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا. اتفقا عليه. وقال حماد بن سلمة وغيره، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: "إن لا تدركوا الماء تعطشوا". فانطلق سرعان الناس تريد الماء، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فمالت به راحلته فنعس، فمال فدعمته فادعم ومال، فدعمته فادعم، ثم مال حتى كاد أن ينقلب، فدعمته فانتبه، فقال: "من الرجل"؟ قلت: أبو قتادة. فقال: "حفظك الله بما حفظت به رسول الله"، ثم قال: "لو عرسنا"، فمال إلى شجرة، فنزل فقال: "انظر هل ترى أحدا"؟. فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتى بلغ سبعة. فقال: "احفظوا علينا صلاتنا"، قال: فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار وسرنا هنية، ثم نزلنا، فقال: "أمعكم ماء"؟ قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء. قال: فأتني بها، فتوضئوا وبقي في الميضأة جرعة، فقال: "ازدهر بها يا أبا قتادة، فإنه سيكون لها شأن"، ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر، ثم ركب وركبنا، فقال بعض لبعض: فرطنا في صلاتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي". قلنا: فرطنا في صلاتنا. قال: "لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها". ثم قال: "ظنوا بالقوم". فقلنا: إنك قلت بالأمس: "إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا"، فأتى الناس الماء. فقال: "أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم"، فقال بعض القوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 317 بالماء، وفي القوم أبو بكر وعمر، قالا: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم سقط، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثا. فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله هلكنا، عطشنا، انقطعت الأعناق. قال: "لا هلك عليكم"، ثم قال: "يا أبا قتادة ائتني بالميضأة". فأتيته بها فقال: "حل لي غمري" -يعني قدحه- فحللته، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فقال: "أحسنوا الملء، فكلكم سيصدر عن ري". فشرب القوم حتى لم يبق غيري ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي فقال: "اشرب"، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال: "إن ساقي القوم آخرهم شربا". فشربت ثم شرب بعدي، وبقي من الميضأة نحو مما كان فيها، وهو يومئذ ثلاثة مائة. قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد، فقال: من الرجل؟ فقلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري. فقال: القوم أعلم حديثهم، انظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت قال: ما كنت أحب أحسب أن أحدا يحفظ هذا الحديث غيري. ورواه بكر بن عبد الله المزني أيضا عن عبد الله بن رباح. رواه مسلم. وقال الأوزاعي: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: حدثني أنس، قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب الناس، فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثارت سحابة أمثال الجبال، ثم ينزل عن المنبر حتى رأيت المطر يتحادر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 318 على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا". فما يشير بيديه إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، حتى صارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي، وادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية من النواحي إلا حدث بالجود. اتفقا عليه. ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس. وقال عثمان بن عمر: وروح بن عبادة: حدثنا شعبة، عن أبي جعفر الخطمي، سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث، عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: "فإن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت الله". قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضيها لي، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي". ففعل الرجل فبرأ. قال البيهقي: وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي. وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي: حدثني أبي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: "ائت الميضأة فتوضأ، ثم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 319 صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي". قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرر قط. رواه يعقوب الفسوي وغيره، عن أحمد بن شبيب. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: حاب يهودي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جمله"، قال: فاسود شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا. ويروى نحوه عن ثمامة، عن أنس، وفيه: "فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء". وقال سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدة قتادة بن النعمان، قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت: لو أني اغتنمت العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففعلت، فلما انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه، فقال: "يا قتادة هذه الساعة"؟ قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك. فأعطاني العرجون فقال: "إن الشيطان في خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك، فتجده في زاوية البيت فاضربه في أهلك بالعرجون". فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا، فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا، فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ، فلم أزل أضربه به، حتى خرج. عاصم عن جده ليس بمتصل، لكنه قد روي من وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وحديث أبي سعيد حديث الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 320 قوي. وقال حرمي بن عمارة: حدثنا عزرة بن ثابت، عن علباء بن أحمر، قال: حدثني أبو زيد الأنصاري، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادن مني". قال: فمسح بيده على رأسي ولحيتي، ثم قال: "اللهم جمله وأدم جماله". قال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير، ولقد كان منبسط الوجه لم يتقبض وجهه حتى مات. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول، وأبوزيد هو عمرو بن أخطب. وقال علي بن الحسن بن شقيق: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا أبو نهيك الأزدي عن عمرو بن أخطب -وهو أبو زيد- قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بإناء فيه ماء، وفيه شعرة فرفعتها ثم ناولته، فقال: "اللهم جمله"، قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين سنة، وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء. وقال معتمر بن سليمان: حدثنا أبي، عن أبي العلاء، قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه، فمر رجل في مؤخر الدار، قال: فرأيته في وجهه، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه، قال: وكنت قلما رأيته إلا رأيته كأن على وجهه الدهان رواه عارم، ويحيى بن معين، عن معتمر. وقال عكرمة بن عمار: حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدثني أبي أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: "كل بيمينك". قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت، ما منعه إلا الكبر". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 321 قال: فما رفعها إلى فيه بعد. أخرجه مسلم. وقال حميد: عن أنس، قال: جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، والولد ينزع إلى أبيه وينزع إلى أمه. قال: "أخبرني بهن جبريل آنفا" -قال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة- "أما أول أشراط الساعة، فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الولد، فإذا سبق ماء الرجل نزعه إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزعة إلى أمه". فأسلم ابن سلام. وذكر الحديث. أخرجه البخاري. وقال يونس بن بكير، عن أبي معشر المدني، عن المقبري مرسلا، فذكر نحوا منه، وفيه: "فأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم فالولد به أشبه". وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام: أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه، قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حبر، فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ قلت: ألا تقول: يا رسول الله! قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اسمى الذي سماني به أهلى محمد". فقال اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال: "في الظلمة دون الجسر"، فمن أول الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين". قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد نون". قال: فما غذاؤهم على أثره؟ قال: "ينحر لهم ثور الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 322 الجنة الذي كان يأكل من أطرافها". قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "من عين فيها تسمى سلسبيلا"، قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: "ينفعك إن حدثتك"؟. قال: أسمع بأذني. فقال: "سل". قال: جئت اسألك عن الولد، قال: "ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله". فقال اليهودي: صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه سألني هذا الذي سألني عنه، وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به". رواه مسلم. وقال عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، قال: حدثني ابن عباس، قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي. قال: "سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه، إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه لتبايعني على الإسلام" قالوا: لك ذلك، قال: "فسلوني عما شئتم". قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك: أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه، حتى يكون ذكرا، وكيف تكون الأنثى منه حتى تكون أنثى، ومن وليك من الملائكة، قال: "فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتبايعني"، فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، قال: "أنشدكم بالله الذي أنزل التورة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه، فنذر لله لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه: ألبان الإبل، وأحب الطعام إليه لحمانها"؟ قالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشهد عليهم"، قال: "أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن ال له "؟ قالوا: اللهم نعم. قال: "اللهم اشهد"، قال: "أنشدكم بالله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 323 الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه"؟ قالوا: اللهم نعم. قال: "اللهم اشهد عليهم". قالوا: أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: "وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه"، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك، قال: "ولم"؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة. فأنزل الله -عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} الآية [البقرة: 97] ، ونزلت: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] . وقال يزيد بن هارون: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله، فقال الآخر: لا تقل نبي، فإنه إن سمعك تقول: نبي كانت له أربعة أعين. فانطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن قول تسع آيات بينات. قال: "لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تفروا من الزحف، ولا تقذفوا محصنة -شك شعبة- وعليكم خاصة معشر اليهود أن لا تعدوا في السبت". فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي قال: "فما يمنعكما أن تسلما"؟ قالا: إن داود سأل ربه أنه لا يزال في ذريته نبي، ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 324 وقال عفان: أخبرنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، قال: إن الله ابتعث نبيه لإدخال الرجال الجنة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لكم أمسكتم"؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا. ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة، وقال: ارفع يدك، فقرأ، حتى أتى على صفته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوا أخاكم". وقال يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة، عن الزبير أبي عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز، عن وابصة -هو الأسدي- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه، فجعلت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: دعوني أدنو منه، فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه. فقال: "ادن وابصة". فدنوت حتى مست ركبتي ركبته، فقال: "يا وابصة أخبرك بما جئت تسألني عنه، أو تسألني "؟ فقلت: أخبرني يا رسول الله. قال: "جئت تسأل عن البر والإثم"؟ قلت: نعم. قال: فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول: "يا وابصة استفت قلبلك، استفت نفسك، البر: ما اطمأن إليه القلب، وأطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك". وقال ابن وهب: حدثني معاوية، عن أبي عبد الله محمد الأسدي، سمع وابصة الأسدي، قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر والإثم، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 325 فقال من قبل أن أسأله: "جئت تسألني عن البر والإثم"؟ قلت: إي والذي بعثك بالحق، إنه للذي جئت أسألك عنه. فقال: "البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك عنه الناس". وقال محمد بن إسحاق، وروح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، سمع عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه". قال: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 326 باب من إخباره بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر: شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن حذيفة، قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها، رواه مسلم. وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله -وفي لفظ: حفظه من حفظه -وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه رواه الشيخان بمعناه. وقال عزرة بن ثابت: حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى أظنه قال: حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس، قال: فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأحفظنا أعلمنا رواه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن خباب، قال: شكونا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 327 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمارا وجهه، ثم قال: "والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة، فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، أو يمشط بأمشاط الحديد ما بين عصبه ولحمه، ما يصرف عن دينه وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله -عز وجل- أو الذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون". متفق عليه. وقال الثوري، عن ابن المندكر، عن جابر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أنماط". قلت: يا رسول الله وأنى يكون لي أنماط؟ قال: أما إنها ستكون. قال: فأنا أقول اليوم لامرأتي: نحي عني أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي، فأتركها. متفق عليه. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير النميري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". أخرجاه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 328 وقال الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن العلاء بن زبر: حدثنا بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، فقال لي: "يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان، يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال فيكم، حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا". أخرجه البخاري. وقال ابن وهب: أخبرني حرملة بن عمران، عن عبد الرحمن بن شماسة، سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما" رواه مسلم. قال الليث وغيره، عن ابن شهاب، عن ابن لكعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما". مرسل مليح الإسناد. وقد رواه موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه متصلا. قال ابن عيينة، من الناس من يقول: هاجر أم إسماعيل كانت قبطية، ومن الناس من يقول: مارية أم إبراهيم قبطية. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 329 "يهلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله". متفق عليه. أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته صلى الله عليه وسلم فإنهما هلكا، ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر، ولا بعد قيصر بالشام قيصر آخر ونفقت كنوزهما في سبيل الله في إمرة عمر -رضي الله عنه- وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثبت ملكه" حين أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقضي الله -تعالى- فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله -عليه السلام: "يمزق ملكه" حين مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروى حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، أن عمر -رضي الله عنه- أتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه، وفي القوم سرافة بن مالك بن جعشم، قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز، فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال: الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة، أعرابي من بني مدلج. وقال ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عدي بن حاتم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها". فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة، قال: "هي لك". فأعطوه إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ احكم ما شئت. قال: ألف درهم. قال: أخذتها، قالوا له: لو قلت: ثلاثين ألفا لأخذها. قال: وهل عدد أكثر من ألف. وقال سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، ومكحول، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبيد الله بن حوالة الأزدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستجندون أجنادا، جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 330 باليمن". فقلت: يا رسول الله خر لي. قال: "عليك بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله"، قال أبو إدريس: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. صحيح. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوز وكرمان -قوما من الأعاجم- حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة". وقال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر". البخاري. وقال هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن جبر بن عبيدة، عن أبي هريرة، قال: وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفض الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر. غريب. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ذات ليلة كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب". رواه مسلم. وقال شعبة، عن فرات القزاز، سمع أبا حازم، يقول: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كانت بنو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 331 إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر". قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم". اتفقا عليه. وقال جرير بن حازم، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عتوة وجبرية وفسادا في الأمة، يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله". وقال عبد الوارث وغيره، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء". قال لي سفينة: أمسك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي ستا، قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن خليفة؟ قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني بني مروان. كذا قال في على "ستا"، وإنما كانت خلافة علي خمس سنين إلا شهرين، وإنما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر زائدة عما ذكر لأبي بكر وعمر. أخرجه أبو داود. وقال صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه، فقلت: وارأساه. فقال: "وددت أن ذاك كان وأنا حي، فهيأتك ودفنتك". فقلت غيرى: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك. فقال: "بل أنا وارأساه، ادع لي أباك وأخاك، حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإني الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 332 أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: إنا، ولا، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". رواه مسلم، وعنده: "فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: إنا، ولا". وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله، وقال: "اثبت عليك نبي وصديق وشهيدان". أخرجه البخاري. وقال أبو حازم، عن سهل بن سعد نحوه، لكنه قال "حراء" بدل "أحد"، وإسناده صحيح. وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق، أو شهيد". رواه مسلم. أبو بكر صديق، والباقون قد استشهدوا. وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري، عن أبيه، أن ثابت بن قيس، قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت. قال: "ولم؟ " قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد، ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا جهير الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 333 الصوت. فقال: "يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة"؟ قال: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. مرسل، وثبت أنه قتل يوم اليمامة. وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش". رواه مسلم. وقال الشعبي، عن مسروق، عن عائشة: حدثني فاطمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي أنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك. متفق عليه. وقال سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه كان في الأمم محدثون، فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب". رواه مسلم. وقال شعبة بن عن قيس، عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك. ومن وجوه، عن علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وقال يحيى بن أيوب المصري، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بعث جيشا، وأمر عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، فجعل يصيح: يا ساري الجبل، فقدم رسول من ذلك الجيش فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا، فإذا صائح يصيح: يا ساري الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله، فقلنا لعمر: كنت تصيح الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 334 بذلك. وقال ابن عجلان: وحدثنا إياس بن معاوية بذلك. وقال الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر، فذكر حديث أويس القرني بطوله، وفيه: فوفد أهل الكوفة إلى عمر، وفيهم رجل يدعى أويسا فقال عمر: أما هنا من القرنيين أحد؟. قال: فدعي ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن رجلًا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع بها إلا أما له، قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه، فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم، يقال له: أويس، فمن لقيه منكم فليأمره فليستغفر لكم. أخرجه مسلم مختصرا عن رجاله عن الجريري، وأخرجه أيضا مختصرا من وجه آخر. وقال حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير، قال: لما أقبل أهل اليمن جعل عمر يستقرئ الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى على قرن، قال: فوقع زمام عمر أو زمام أويس، فناوله عمر، فعرفه بالنعت، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أويس. قال: هل كانت لك والدة؟ قال: نعم. قال: هل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، دعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي. فقال له عمر: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له: أويس القرني، وله والدة، وكان به بياض". الحديث. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 335 وقال هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أسير بن جابر، قال: كان عمر إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: ألك والدة؟ قا: نعم. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فاستغفر لي. فاستغفر له، ثم قال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب إلى عاملها فيستوصوا بك خيرا؟ فقال: لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي. فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فسأله عمر عن أويس، كيف تركته؟ قال: رث البيت قليل المتاع، قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس مع أمداد اليمن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فلما قدم الرجل أتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي. وقال: لقيت عمر بن الخطاب؟ قال: نعم. قال: فاستغفر له. قال: ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. قال أسير بن جابر: فكسوته بردا، فكان إذا رآه إنسان، قال: من أين لأويس هذا. رواه مسلم بطوله. وقال شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لما كان يوم صفين، نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: " الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 336 أفيكم أويس القرني"؟ قالوا: نعم. فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير التابعين أويس القرني". وقال الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنا جلوسا عند عمر -رضي الله عنه- فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت: أنا. قال: هات إنك لجريء. فقلت: ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس هذا أعني، إنما أعني التى تموج موج البحر. قلت: يا أمير المؤمنين ليس ينالك من تلك شيء، إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أرأيت الباب يفتح أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر. قال: إذا لا يغلق أبدا. قلت: أجل. فقلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن غدا دونه الليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. فسأله مسروق: من الباب؟ قال: عمر. أخرجاه. وقال شريك بن أبي نمر، عن ابن المسيب، عن أبي موسى الأشعري في حديث القف: فجاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى -أبو بلاء- يصيبه". متفق عليه. وقال القطان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ادعي لي -أو ليت عندي- رجلا من أصحابي". قالت: قلت: أبو بكر؟ قال: "لا"، قلت: عمر؟ قال: "لا"، قلت: ابن عمك علي؟ قال: "لا"، قلت فعثمان؟ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 337 قال: "نعم". قالت: فجاء عثمان، فقال: $"قومي". قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أمرا، فأنا صابر نفسي عليه. وقال إسرائيل وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن ناجية الكاهلي -فيه جهالة- عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدور رحى الإسلام عند رأس خمس أو ست وثلاثين سنة، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإلا تروخي عنهم سبعين سنة". فقال عمر: يا رسول الله من هذا أو من مستقبله؟ قال: "من مستقبله". وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر، نبحث عليها كلاب الحوأب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب. قالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: "كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب". فقال الزبير: تقدمي لعل الله أن يصلح بك بين الناس. وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فائتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة" رواه البخاري. وأخرجا من حديث همام، عن أبي هريرة نحوه. وقال صفوان بن عمرو: كان أهل الشام ستين ألفا، فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة ألف وعشرين ألفا، فقتل منهم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 338 أربعون ألفا، وذلك يوم صفين. وقال شعبة: حدثنا أبو مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: حدثني من هو خير مني -يعني أبا قتادة- أن النبي صلى الله عليه قال لعمار: "تقتلك الفئة الباغية". وقال الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. رواهما مسلم. وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، قال: أخبرني عمر بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: جاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله! قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء. رواه الرمادي عنه. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق" رواه مسلم. وقال سعيد بن مسروق، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد، أن عليا -رضي الله عنه- بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني وهو باليمن- بذهب في تربتها فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة: بين عيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة الكلابي، والأقرع بن حابس الحنظلي، وزيد الخيل الطائي، فغضبت قريش والأنصار، وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أعطيهم أتألفهم"، فقام رجل غائر العينين، محلوق الرأس، مشرف الوجنتين، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 339 ناتئ الجبين، فقال: اتق الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني"؟ فاستأذنه رجل في قتله، فأبى ثم قال: يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". رواه مسلم وللبخاري بمعناه. الأوزاعي، عن الزهري: حدثني أبو سلمة، والضحاك، يعني المشرقي، عن أبي سعيد، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما، فقال ذو الخويصرة من بني تميم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اعدل! فقال: "ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل" فقام عمر قال: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه قال: "لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد في شيء ثم ينظر إلى رصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر". قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أني كنت مع علي -رضي الله عنه- حين قتلهم فالتمس في القتلى وأتى به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 340 وقال أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: ذكر علي -رضي الله عنه- أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد، لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قلت: أنت سمعت هذا؟ قال: إي ورب الكعبة. رواه مسلم. وقال حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضي السحيمي قال: كنا مع علي بالنهروان، فقال لنا: التمسوا المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه، فأتوه فقال: ارجعوا فالتمسوا المخدج، فوالله ما كذبت ولا كذبت، حتى قال ذلك مرارا. فرجعوا فقالوا: قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا، له ثدي كثدي المرأة، عليه شعيرات كشعيرات التي على ذنب اليربوع، فسر بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده". وقال شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، قال: جاء رأس الخوارج إلى علي، فقال له: اتق الله فإنك ميت. فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكني مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه -وأشار بيده إلى لحيته- عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى. وقال أبو النضر: حدثنا محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري -وكان أبوه بدريا- قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي -رضي الله عنه- من مرض أصابه ثقل منه، فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا، لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة! حمل إلى المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 341 عليك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أني لا أموت حتى أؤمر، ثم تخضب هذه من دم هذه -يعني لحيته من دم هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين. وقال الحسن عن أبي بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين" أخرجه البخاري دون "عظيمتين". وقال ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عمير بن الأسود، حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت، وهو بساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه امرأته أم حرام، قال: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" قالت أم حرام: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم" قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم" قالت أم حرام: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا" أخرجه البخاري فيه إخباره -عليه السلام- أن أمته يغزون البحر، ويغزون مدينة قيصر. وقال شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي" رواه مسلم، واتفقا عليه من حديث أبي هريرة. وقال الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت للحجاج: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 342 ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. أخرجه مسلم تعني بالكذاب المختار بن أبي عبيد. وقال الوليد بن مسلم، عن مروان بن سالم الجزري: حدثنا الأحوص بن حكيم، وعن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي رجل يقال له: وهب، يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس" مروان ضعيف. وقال ابن جريج: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر يقول: "تسألون عن الساعة، إنما علمها عند اله فأقسم بالله، ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة". رواه مسلم. وقال شعيب، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، أن ابن عمر، قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد". متفق عليه. فقال الجريري: كنت أطوف مع أبي الطفيل، فقال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، قلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 343 وأصح الأقوال أن أبا الطفيل توفي سنة عشر ومائة. وقال إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني، عن أبيه، عن عبد الله بن بسر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يعيش هذا الغلام قرنًا"، قال: فعاش مائة سنة. وقال بشر بن بكر، والوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: ولد لأخي أم سلمة غلام، فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمون بأسماء فراعنتكم، غيروا اسمه -فسموه عبد الله- فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد، هو شر لأمتي من فرعون لقومه". هذا ثابت عن ابن المسيب، ومراسيله حجة على الصحيح. وقال سليمان بن بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا، اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا". غريب، ورواته ثقات. وقد روى الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا مثله، لكنه قال: "ثلاثين رجلا". وقال سليمان بن حيان الأحمر: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن طلحة النصري قال: قدمت المدينة مهاجرا، وكان الرجل إذا قدم المدينة، فإن كان له عريف نزل عليه، وإن لم يكن له عريف نزل الصفة، فنزلت الصفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرافق بين الرجلين، ويقسم بينهما مدا من تمر، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 344 في صلاته، إذ ناداه رجل قال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر، وتخرقت عنا الخنف. قال: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه، وذكر ما لقي من قومه ثم قال: "لقد رأيتني وصاحبي، مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البرير -وهو ثمر الأراك- حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم، وكان جل طعامهم التمر، والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه، وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم، تلبسون أمثال أستار الكعبة، ويغدى ويراح عليكم بالجفان". قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: "بل أنتم اليوم خير، أنت اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض". وقال محمد بن يوسف الفريابي: ذكر سيان عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى يحنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم، سلط بعضهم على ربعض". حديث مرسل. وقال عثمان بن حكيم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين، وصلينا معه، فناجى ربه طويلا، ثم قال: "سألت ربي ثلاثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسم بينهم فمنعنيها". رواه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 345 وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يسبي بعضا وبعضهم يقتل بعضا". وقال: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله عز وجل". رواه مسلم. وقال يونس وغيره، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله، عن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين يدي الساعة الهرج". قيل: وما الهرج؟ قال: "القتل" قالوا: أكثر مما نقتل؟ قال: "إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا". قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: "إنه تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف لهم هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 346 قال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". رواه مسلم. وقال أبو عبد السلام، عن ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها". فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن". فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت". أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا أبو عبد السلام. وقال معمر، عن همام: حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني، ثم لأن يراني، أحب إليه من مثل أهله وماله معهم". رواه مسلم. وللبخاري مثله من حديث أبي هريرة. وقال صفوان بن عمرو: حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 347 ستفترق على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة". أخرجه أبو داود. وقال عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، وتشرب الخمر، ويظهر الزنى". متفق عليه. وقال هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". متفق عليه. وقال كثير النواء، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قوم يسمون الرافضة هم براء من الإسلام". كثير ضعيف تفرد به. وقال شعبة: أخبرني أبو جمرة، قال: أخبرنا زهدم أنه سمع عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم بعدهم يخونون، ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن". رواه مسلم. والأحاديث الصحيحة والضعيفة في إخباره بما يكون بعده كثيرة إلى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 348 الغاية، اقتصرنا على هذا القدر منها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، نسأل الله -تعالى- أن يكتب الإيمان في قلوبنا، وأن يؤيدنا بروح منه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 349 باب جامع من دلائل النبوة: قال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة، وآل عمران، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذا. رواه مسلم. وقال عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس، قال: كان رجل نصراني فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، وكان يقول: ما أرى يحسن محمد إلى ما كنت أكتب له، فأماته الله، فأقبروه، فأصبح وقد لفظته الأرض، قالوا: هذا عمل محمد وأصحابه. قال: فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض. فقالوا: عمل محمد وأصحابه قال: فحفروا وأعمقوا ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه من الله عز وجل أخرجه البخاري. وقال الليث عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 350 مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". متفق عليه. قلت: هذه هي المعجزة العظمى، وهي القرآن فإن النبي من الأنبياء -عليهم السلام- كان يأتي بالآية وتنقضي بموته، فقل لذلك من يتبعه، وكثر أتباع نبينا صلى الله عليه وسلم لكون معجزته الكبرى باقية بعده، فيؤمن بالله ورسوله كثير ممن يسمع القرآن على ممر الأزمان، ولهذا قال: فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. وقال زائدة، عن المختار بن فلفل، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صدق نبي ما صدقت، إن من الأنبياء من لا يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد". رواه مسلم. وقال جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله -عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بموقع النجوم فكان الله -عز وجل- ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعضه في إثر بعض. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] . الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 351 باب آخر سور نزلت: قال أبو العميس، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قا: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعا؟ قلت: نعم {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر: 1] ، قال: صدقت. رواه مسلم. وقال أبو بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر: 1] قال: أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه، إذا فتح الله عليك فذاك علامة أجلك. قال ذلك لعمر -رضي الله عنه- فقال: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم يا ابن عباس. أخرجه البخاري بمعناه. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: آخر سورة نزلت "براءة" وآخر آية أنزلت "يستفتونك". متفق عليه. وقال الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي عن ابن عباس، قال: آخر آية أنزلها الله آية الربا. وقال الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 352 عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] . وقال ابن أبي عروبة، عن قتادة عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: آخر ما أنزل الله -عز وجل- آية الربا فدعوا الربا والريبة. صحيح. وقال أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي، قال: آخر آية أنزلت {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} [التوبة: 129] . فحاصله أن كلا منهم أخبر بمقتضى ما عنده من العلم. وقال الحسين بن واقد: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن، قالا: نزل من القرآن بالمدينة: ويل للمطففين، والبقرة، وآل عمران، والأنفال، والأحزاب، والمائدة، والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد، ومحمد، والرعد، والرحمن، وهل أتى، والطلاق، ولم يكن، والحشر، وإذا جاء نصر الله، والنور، والحج، والمنافقون، والمجادلة، والحجرات، والتحريم، والصف، والجمعة، والتغابن، والفتح، وبراءة. قالا: ونزل بمكة فذكرا ما بقي من سور القرآن. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 353 باب في النسخ والمحو من الصدور: وقال أبو حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن أبي موسى، قال: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة. أخرجه مسلم. وقال شعيب بن أبي حمزة وغيره، عن الزهري: أخبرني أبو أمامة بن سهل، أن رهطا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه، أن رجلا قام في جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلا: بسم الله الرحمن الرحيم، فأتى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح ليسأله عن ذلك، ثم جاء آخر حتى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: "نسخت البارحة"، فنسخت من صدورهم، ومن كل شيء كانت فيه. رواه عقيل، عن ابن شهاب، قال فيه: وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك. نسخ هذه السورة ومحوها من صدورهم من براهين النبوة، والحديث صحيح. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 354 ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم: قال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن جده، سمع البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنه خلقا، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير. اتفقا عليه من حديث إبراهيم. وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، مثل القمر. وقال إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا. رواه مسلم. وقال المحاربي وغيره، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان أحسن في عيني من القمر. وقال عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: لا أن سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه، وكان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 355 أخرجه البخاري. وقال ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق، وذكر الحديث. متفق عليه. وقال يعقوب الفسوي: حدثا سعيد، قال: حدثنا يونس بن أبي يعفور العبدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن امرأة من همدان سماها قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، فقلت لها: شبهيه. قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله. وقال يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا عبد الله بن موسى التيمي، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لو رأيته، لقلت: الشمس طالعة. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت أنسا وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، ليس بجعد قطط، ولا بالسبط، بعث على رأس أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. متفق عليه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 356 وقال خالد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون. وقال ثابت، عن أنس: كان أزهر اللون. وقال علي بن عاصم: أخبرنا حميد، قال: سمعت أنسا يقول: كان صلى الله عليه وسلم أبيض، بياضه إلى السمرة. وقال سعيد الجريري: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت، فقال: ما بقي أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري. قلت: صفه لي. قال: كان أبيض مليحا مقصدا. أخرجه مسلم، ولفظه: كان أبيض مليح الوجه. وقال ابن فضيل، عن إسماعيل، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه. متفق عليه. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون. رواه عنه حماد بن سلمة. وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن جبير، عن علي: كان صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة. رواه شريك عن عبد الملك بن عمير، عن نافع مثله. وقال عبد الله بن إدريس وغيره: حدثنا ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه، أن سراقة بن جعشم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دنوت منه، وهو على ناقته، أنظر إلى ساقه كأنها جمارة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 357 وقال ابن عيينة: أخبرنا إسماعيل بن أمية، عن مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عن محرش الكعبي، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وقال يعقوب الفسوي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، قال: حدثني عمرو بن الحارث قال: حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: أخبرني محمد بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان شديد البياض. وقال رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة، قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه صلى الله عليه وسلم، كأن الأرض تطوى له، إنا لنجتهد، وإنه غير مكترث. رواه ابن لهيعة، عن أبي يونس. وقال شعبة، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس الكعبين. أخرجه مسلم. ورواه أبو داود، عن شعبة فقال: أشهل العينين، منهوس العقب. وقال أبو عبيد: الشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة: حمرة في سواد العين قلت: ومنهوس الكعب: قليل لحم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 358 العقب. كذا فسره سماك بن حرب لشعبة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عباد عن حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل، وكان في ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية. وقد خالد بن عبد الله الطحان، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قيل لعلي -رضي الله عنه: انعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة، أهدب الأشفار. وقال عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان مفاض الجبين، زهدب الأشفار، أسود اللحية، حسن الثغر، بعيد ما بين المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص. وقال عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور بين ثناياه. عبد العزيز متروك. وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 359 جبير، عن علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس، طويل المسربة. روى مثله شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن علي، ولفظه: كان ضخم الهامة، عظيم اللحية. وقال سعيد بن منصور: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا خالد بن خالد التميمي، عن يوسف بن مازن الراسبي أن رجلا قال لعلي: انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان أبيض مشربا حمرة، ضخم الهامة، أغر أبلج أهدب الأشفار. وقال جرير بن حازم: حدثنا قتادة، قال: سئل أنس عن شعره صلى الله عليه وسلم، فقال: كان لا سبط ولا جعد بين أذنيه وعاتقه. متفق عليه. وقال همام، عن قتادة، عن أنس: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه. البخاري. وقال حميد، عن أنس، كان إلى أنصاف أذنيه. مسلم. قلت: والجمع بينهما ممكن. وقال معمر، عن ثابت، عن أنس: كان إلى شحمة أذنيه. أبو داود في "السنن". وقال شعبة: أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 360 عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه. متفق عليه. وأخرجه البخاري من حديث إسرائيل، ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق الله في حلة حمراء، أحسن منه، وإن جمته تضرب قريبا من منكبيه. وأخرجه مسلم من حديث الثوري، ولفظه: له شعر يضرب منكبيه، وفيه: ليس بالطويل ولا بالقصير. وقال شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير، قال: وصف لنا علي -رضي الله عنه- النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان كثير شعر الرأس رجله. إسناده حسن. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة، ودون الجمة. أخرجه أبو داود، وإسناده حسن. وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلى الله علبه السلام مكة قدمة، وله أربع غدائر، تعني ضفائر. لم يدرك مجاهد أم هانئ، وقيل: سمع منها، وذلك ممكن. وقال إبراهيم بن سعد: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر يه. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 361 رؤوسهم، فسدل ناصيته ثم فرق بعد. البخاري ومسلم. وقال ربيعة الرأي: رأيت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: من الطيب. أخرجه البخاري ومسلم. وقال أيوب، عن ابن سيرين: سألت أنسا: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لم ير من الشيب إلا قليلا. أخرجاه، وله طرق في الصحيح بمعناه عن أنس. وقال المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا. أخرجه مسلم. وقال زهير بن معاوية وغيره، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم هذه منه بيضاء، ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. أخرجه مسلم. وأخرجه مسلم من حديث إسرائيل. وقال البخاري: حدثنا عاصم بن خالد قال: حدثنا حريز بن عثمان، قلت: لعبد الله بن بسر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخا؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض. وقال شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة، وذكر شمط النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا ادهن لم ير، وإذا لم يدهن تبين. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 362 وقال إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وإذا ادهن ومشطه لم يستبن. أخرجه مسلم. وقال أبو حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت إلينا من شعر رسول اله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم. صحيح أخرجه البخاري، ولم يقل: "بالحناء والكتم"، من حديث سلام بن أبي مطيع، عن عثمان. وقال إسرائيل، عن عثمان بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم، فيه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أصاب إنسانا الحمى، بعث إليها فخضخضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه، قال: بعثني أهلي إليها فأخرجته، فإذا هو هكذا -وأشار إسرائيل بثلاث أصابع- وكان فيه شعرات حمر. البخاري. محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا أبان العطار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه أن أباه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في المنحر، هو ورجل من الأنصار، فقسم ضحايا بين أصحابه، فلم يصبه شيء هو وصاحبه، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، وأعطاه إياه، فقسم منه على رجال وقلم أظفاره، فأعطاه صاحبه قال: فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم، يعني: الشعر. هذا خبر مرسل. وقال شريك، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة، رواه يحيى بن آدم، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 363 عنه. وقال جعفر بن برقان: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: قدم أنس بن مالك المدينة، وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر، وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد رأيت شعرا من شعره قد لون؟ فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته، ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غير لونه. وقال أبو حمزة السكري، عن عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط، عن أبي رمثة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء. وقال أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، قال: حدثني أبي، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا. قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقشعررت حين قال ذلك، كنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران. وقال عمرو بن محمد العنقزي: أخبرنا ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران. وقال النضر بن شميل: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 364 عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن، عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا. وقال جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، لم أر بعده مثله، وفي لفظ: كان ضخم الكفين والقدمين، سائل العرق. أخرج البخاري بعضه. وقال معمر وغير، عن قتادة، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين. وقال أبو هلال، عن قتادة، عن أنس -أو عن جابر بن عبد الله، شك موسى بن إسماعيل فيه- عن أبي هلال، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضخم القدمين والكفين، لم أر بعده شبيها به صلى الله عليه وسلم. أخرجهما البخاري تعليقا، وهما صحيحان. وقال شعبة، عن سماك عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين. قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت: ما أشكل العينين؟ قال: طويل شق العين قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. أخرجه مسلم. وقال يزيد بن هارون: حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم بن ضبة، قال: حدثتني عمتي سارة، عن ميمونة بنت كردم، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو على ناقة له، وأنا مع أبي، وبيد النبي صلى الله عليه وسلم درة كدرة الكباث، فدنا منه أبي، فأخذ بقدمه، فأقر له رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم. قالت: فما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 365 نسيت طول إصبعه السبابة على سائر أصابعه. وقال عثمان بن عمر بن فارس: حدثنا حرب بن سريج الخلقاني، قال: حدثني رجل من بلعدوية، قال: حدثني جدي، قال: انطلقت إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجبهة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين، وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره، ورأيته بين طمرين فدنا مني فقال: "السلام عليك". وقال المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، وقاله شريك، عن عبد الملك بن عمير، كلاهما عن نافع بن جبير، واللفظ لشريك قال: وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصير ولا طويل وكان يتكفأ في مشيته كأنما يشمي في صبب -ولفظ المسعودي: كأنما ينحط من صبب- لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه النسائي. عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك. أخرجه البخاري تعليقا. وقال خالد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قيل لعلي: انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: كان لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب، وكان شثن الكف والقدم، في صدره مسربة، كأن عرقة لؤلؤ، إذا مشى تكفأ كأنما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 366 يمشي في صعد ورؤي نحوه من وجه آخر عن علي. وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا، ولا شيئا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ثابت. وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، فذكر مثله وزاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذ مشى تكفأ. أخرجه مسلم. وقال شعبة، عن يعلى بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنى فقلت: ناولني يدك، فناولنيها، فإذا هي من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين"؟ قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب الطيب. أخرجه مسلم. وقال وهيب: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس فذكره، وفيه: وكان صلى الله عليه وسلم كثير العرق. رواه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 367 خاتم النبوة: قال حاتم بن إسماعيل: حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. أخرجاه، ووهم من قال: رز الحجلة، وهو بيضها. وقال إسرائيل، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مستديرا مثل الشمس والقمر، ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده. أخرجه مسلم. وقال حماد بن زيد وغيره: حدثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: درت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى، جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل. أخرجه مسلم أطول من هذا. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا قرة بن خالد، قال: حدثنا معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرني الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 368 الخاتم: قال أدخل يدك، فأدخلت يدي في جربانة، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه. رواه يحيى بن أبي طالب، عن أبي داود، لكن قال: "مثل السلعة". قال عبيد الله بن إياد بن لقيط: حدثني أبي، عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول الله إني كأطب الرجال، أفأعالجها لك؟ قال: "لا، طببها الذي خلقها" رواه الثوري، عن إياد بن لقيط، وقال: "مثل التفاحة". وإسناده صحيح. وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد الله بن ميسرة، قال: حدثنا عتاب، قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين كتفي النفي صلى الله عليه وسلم لحمة نابتة. وقال قيس بن حفص الدارمي: حدثنا مسلمة بن علقمة، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي رداءه، وقال: انظر إلى ما أمرت به. قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمام. إسناده حسن. وقال الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 369 بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قريبا، فقلت: ألا تخبرني؟ قال: بلى، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، فانطلقت بكتاب هرقل، حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتب على الماء فقال: "يا أخا تنوخ"، فأقبلت أهوي حتى قمت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره، ثم قال: "ههنا امض لما أمرت به" فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 370 باب جامع من صفاته صلى الله عليه وسلم: قال عيسى بن يونس: حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي، قال: كان علي -رضي الله عنه- إذا نعت رسول صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف -أو قال الكتد- أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، أجود الناس كفا وأجرى الناس صدرا، وأصدقهم لهجة، وأوفاهم بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عبيد في "الغريب": حدثنيه أبو إسماعيل المؤدب، عن عمر مولى غفرة، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية قال: كان علي إذا نعت، فذكره. قوله: ليس بالطويل الممغط: يقول: ليس بالبائن الطول ولا القصير المتردد: يعني الذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع ليس بسبط الخلق، يقول: ليس هو كذلك ولكنه ربعة. والمطهم: قال الأصمعي: التام كل شيء منه على حدته، فهو بارع الجمال، وقال غيره، المكلثم: المدور الوجه، يقول: ليس هو كذلك ولكنه مسنون. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 371 والدعج: شدة سواد العين. والجليل: المشاش: العظيم رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين. والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد. وشثن الكفين: يعني أنها إلى الغلظ. والصبب: الانحدار. والقطط: مثل شعر الحبشة. والأزهر: الذي يخالط بياضه شيء من الحمرة. والأمهق: الشديد البياض. وشبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما. والمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة. وقال الأصمعي: التقلع: المشي بقوة. وقال يعلى بن عبيد، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن عبد الله بن عمران، عن رجل من الأنصار، أنه سأل عليا، عن نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مشرب حمرة، أدعج، سبط الشعر، ذو وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر، يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنا ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقة أطيب من المسك، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا العاجز ولا اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 372 قال البيهقي: أخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا عبد الله بن عمر بن شوذب، قال: أخبرنا شعيب بن أيوب الصريفيني عنه. وقال حفص بن عبد الله النيسابوري: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن حميد، عن أنس، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالآدم، ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون الطويل، كان من أحسن من رأيت من خلق الله، وأطيبه ريحا وألينه كفا، كان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ إذا مشى. وقال معمر، عن الزهري، قال: سئل أبو هريرة عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ لكلها، ليس أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ، لم أرق قبله ولا بعده مثله، رواه عبد الرزاق عنه. وقال أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان الكعبي الخزاعي: حدثني عمي أيوب بن الحكم، عن حزام بن هشام، عن أبيه، عن جده حبيش بن خالد -رضي الله عنه- الذي قتل بالبطحاء يوم الفتح، وهو أخو عاتكة -أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة هو وأبو بكر، ومولى لأبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرا ولحما يشترونه منها، فلم يصيبوا شيئا، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 373 الخيمة، فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد"؟ قالت: شاة خلفها الجد عن الغنم. فقال: "هل بها من لبن"؟ قالت: هي أجهد من ذلك قال: "أتأذنين أن أحلبها"؟ قالت: نعم بأبي وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم. ثم حلب ثانيا بعد بدء، حتى ملأ الإناء، ثم غادر عندها وبايعها، وارتحلوا عنها. فقل ما لبثت، حتى جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزا عجافا تساوكن هزلا مخهن قليل. فلما رأي أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد؟ والشاء عازب حيال، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي، قالت: رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 374 أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هذا والله صاح قريش، الذي ذكر لنا من أمه، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عال، يسمعون الصوت، ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيتمي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجاري وسؤدد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شبب يجاوب الهاتف، فقال: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد به كل مهتد وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلوا كتاب الله في كل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 375 قوله: إذا مشى تكفأ: يريد أنه يميد في مشيته، ويمشي في رفق غير مختال. وقوله: فخما مفخما: قال أبو عبيد: الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه، مع الجمال والمهابة وقال ابن الأنباري: معناه أنه كان عظيما معظما في الصدور والعيونن ولم يكن خلقه في جسمه ضخما. وأقنى العرنين: مرتفع الأنف قليلا مع تحدب، وهو قريب من الشمم. والشنب: ماء ورقة في الثغر. والفلج: تباعد ما بين الأسنان. والدمية: الصورة المصورة. وقد روى حديث أم معبد أبو بكر البيهقي فقال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني، قال: حدثنا مكرم بن محرز بن مهدي، قال: حدثنا أبي، عن حزام بن هشام. فذكر نحوه. ورواه أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم الخزاعي بقديد، إملاء على أبي عمرو بن مطر، قال: حدثنا عمي سليمان بن الحكم. وسمعه ابن مطر بقديد أيضا، من محمد بن محمد بن سليمان بن الحكم، عن أبيه. ورواه عن مكرم بن محرز الخزاعي -وكنيته أبو القاسم- يعقوب بن سفيان الفسوي، مع تقدمه، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وجماعة آخرهم القطيعي. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 376 وقال الحاكم: سمعت الشيخ الصالح أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي يقول: حدثنا مكرم بن محرز عن آبائه، فذكر الحديث، فقلت له: سمعته من مكرم؟ قال: إي والله، حج بي أبي، وأنا ابن سبع سنين، فأدخلني على مكرم. ورواه البيهقي أيضا في اجتياز النبي صلى الله عليه وسلم بخيمتي أم معبد، من حديث الحسن بن مكرم، وعبد الله بن محمد بن الحسن القيسي، قالا: حدثنا أبو أحمد بشر بن محمد المروزي السكري، قال: حدثنا عبد الملك بن وهب المذحجي، قال: حدثنا الحر بن الصياح، عن أبي معبد الخزاعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج هو، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي -كذا قال: الليثي، وهو الديلي- مروا بخيمتي أم معبد، فذكر الحديث بطوله. وقولها ظاهر الوضاءة: أي ظاهر الجمال. ومرملين: أي: قد نفد زادهم. ومسنتين: أي: داخلين في السنة والجدب. وكسر الخيمة: جانبها. وتفاجت: فتحت ما بين رجليها. ويربض الرهط: يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا، والرهط من الثلاثة إلى العشرة. والثج: السيل. والبهاء: وبيض رغوة اللبن، فشربوا حتى أرضوا، أي: رووا كذا جاء في بعض طرقه. وتساوكن: تمايلن من الضعيف، ويروى: تشاركن، أي: عمهن الهزال. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 377 والشاء عازب: بعيد في المرعى. وأبلج الوجه: مشرق الوجه مضيئه. والثجلة: عظم البطن مع استرخاء أسفله. والصعلة: صغر الرأس، ويروى صقلة وهي الدقة والمضرة، والصقل: منقطع الأضلاع من الخاصرة. والوسيم: المشهور بالحسن، كأنه صار الحسن له سمة. والقسيم: الحسن قسمة الوجه. والوطف: الطول. والصحل: شبه البحة. والسطع: طول العنق. لا تقتحمه عين من قصر: أي: لا تزدريه لقصره فتجاوزه إلى غيره، بل تهابه وتقبله. والمحفود: المخدوم. والمحشود: الذي يجتمع الناس حوله. والمفند: المنسوب إلى الجهل وقلة العقل. والضرة: أصل الضرع. ومزبد: خفض على المجاورة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 378 وقوله: فغادرها رهنا لديها لحالب: أي: خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر. قال سفيان بن وكيع بن الجراح: حدثنا جميع بن عمر العجلي إملاء، قال: حدثنا رجل من بني تميم -من ولد أبي هالة زوج خديجة، يكنى أبا عبد الله- عن ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: سألت خالي هند بن أبي هالة -وكان وصافا- عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إذا انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين. أزج الحواجب: سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن، متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن، وما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل -أو سائر- الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 379 تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقبه بالسلام. قال: قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام، بأشداقه، ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعدي الحق، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام. قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، يعني إلى هند بن أبي هالة، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئا. قال الحسين: فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، وكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزء جزأه بينه وبين الناس، ورد ذلك بالخاصة على العامة، ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 380 عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، يقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فغنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، ولا يذكر عنده إلى ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة يعني على الخير. فسألته عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان يخزن لسانه إلا مما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفلوا مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده أحسنهم مواساة. فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف. ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطة وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثي فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 381 الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. أخرج الترمذي أكثره مقطعا في "كتاب الشمائل". ورواه زكريا بن يحيى السجزي، وغيره، عن سفيان بن وكيع. ورواه إسحاق بن راهوية، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، عن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا جميع بن عمر العجلي، عن رجل يقال له: يزيد بن عمر التميمي -من ولد أبي هالة- عن أبيه، عن الحسن بن علي، وفيه زائد من هذا الوجه وهو: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهيه، ولا يؤيس منه، ولا يحبب في، قد ترك نفسه من ثلاث: من المراء، والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له، وكان يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليتسجلبونهم، ويقول: "إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه"، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه بنهي أو قيام. فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: على أربع: على الحلم، والحذر، والتدبر، والتفكر، فأما تدبره، ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 382 يغضبه شيء ولا يستفزه. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام بهم، والقيام فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم. ورواه بطوله كله يعقوب الفسوي: حدثنا أبو غسان النهدي، وسعيد بن حماد الأنصاري المصري، قالا: حدثنا جميع بن عمر، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة، فذكره. ورواه الطبراني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي غسان النهدي. قرأت على أبي الهدى عيسى بن يحيى السبتي، أخبركم عبد الرحيم بن يوسف الدمشقي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، قال: أخبرنا أبو سعد الحسين بن الحسين الفانيذي، وأبو مسلم عبد الرحمن بن عمر السمناني، وأبو سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، قالوا: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم التاجر، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي المعروف بابن أخي أبي طاهر، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي، قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد بن علي، عن أخيه موسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما: سألت خالي هند بن أبي هالة، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصافا، وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئا أتعلق به، فقال: كان فخما مفخما. فذكر مثل حديث جميع بن عمر بطوله، إلا في ألفاظ: قال في عريض الصدر: فسيح الصدر، وقال: رحب الجبهة بدل رحب الراحة، وقال: يبدأ بدل يبدر الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 383 من لقيه بالسلام، وقال: طويل السكوت بدل السكت، وقال: لم يكن ذواقا ولا مدحة بدل لا يذم ذواقا ولا يمدحه، وأشياء سوى هذا بالمعنى. قوله متماسك: أي ممتلئ البدن غير مسترخ ولا رهل، والمتجرد: المتعري، واللبة: النحر، والسائر والسائل: هو الطويل السابغ، والأخمص: ما يلصق من القدم بالأرض، والممسوح: الأملس الذي ليس فيه شقوق، ولا وسخ، ولا تكسر، فالماء ينبو عنهما لذلك إذا أصابهما. وقوله: زال قلعا، المعنى أنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا بقوة لا كمن يمشي اختيالا ويشحط مداسه دلكا بالأرض، ويروى: زال قلعا. ومعناه: التثبت، والذريع: السريع. يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، والجافي: المتكبر، والمهين: الوضيع، والذوق: الطعام، وأشاح: أي اجتنب ذاك وأعرض عنه. وحب الغمام: البرد، والشكل: النحو والمذهب، والعتاد: ما يعد للأمر مثل السلاح وغيره. وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي: لا تذكر بقبيح، ولا تنثى فلتاته: أي: لا تذاع، أي: لم يكن لمجلسه فلتات فتذاع، والنثا في الكلام: القبيح والحسن. وقد مر في حديث الإسراء أنه قال: رأيت إبراهيم وهو قائم يصلي، فإذا أشبه الناس به صاحبكم، يعني نفسه صلى الله عليهما. وقال إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن قريشا أتوا كاهنة فقالوا لها: أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام، قالت: إن جررتم كساء على هذه السهلة، ثم مشيتم عليها أنبأتكم ففعلوا، فأبصرت أثر قدم محمد صلى عليه وسلم قالت: هذا أقربكم شبها به، فمكثوا بعد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 384 ذلك عشرين سنة أو نحوها، ثم بعث عليه السلام. وقال أبو عاصم، عن عمرو بن سعيد بن أبي حسن، عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث، قال: صلى بنا أبو بكر -رضي الله عنه- العصر، ثم خرج هو وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلماء، فأخذه فحمله على عاتقه ثم قال: بأبي شبيه النبي ... ليس شبيها بعلي وعلي يتبسم. أخرجه البخاري عن أبي عاصم. وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ عن علي -رضي الله عنه- قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 385 باب قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا". وقال البخاري ومسلم: مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم لله بها. وقال هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط، لا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله. رواه مسلم. وقال أنس: خدمته صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فوالله ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟. وقال عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا. أخرجه مسلم. وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 386 وأجمل الناس، وأشجع الناس. متفق عليه. وقال فليح، عن هلال بن علي، عن أنس: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فاحشا، ولا لعانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه. أخرجه البخاري. وقال الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وأنه كان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقا. متفق عليه. وقال أبو داود: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع أبا عبد الله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشًا، ولا متفحشا، ولا سخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. وقال شعبة، عن قتادة: سمعت عبد الله بن أبي عتبة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. متفق عليه. وقال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان". وقال مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركها أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا، حتى نظرت إلى صفحة عاتقه قد أثرت بها حاشية الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 387 البرد، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء. متفق عليه. وقال عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن ثمامة بن عقبة، عن زيد بن أرقم، قال: كان رجل من الأنصار يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويأمنه، وأنه عقد للنبي صلى الله عليه وسلم عقدا، فألقاه في بئر فصرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا، وهي في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد، فوجد الماء قد اصفر، فحل العقد، ونام النبي صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات. وقال أبو نعيم: حدثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي، قال: حدثني زيد العمى، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع، وإن استقبله بوجهه، لا يصرفه عنه، حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدما ركبته بين يدي جليس له. أخرجهما الفسوي عنهما في تاريخه. وقال مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس: ما رأيت رجلا التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول الله أخذ بيد رجل فترك يده، حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده. أخرجه أبو داود. وقال سليمان بن يسار، عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 388 مستجمعا ضاحكًا، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم. متفق عليه. وقال سماك بن حرب: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرا، كان لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم. رواه مسلم. وقال الليث بن سعد، عن الوليد بن أبي الوليد، أن سليمان بن خارجة أخبره، عن أبيه أن نفرا دخلوا على زيد بن ثابت أبيه، فقالوا: حدثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه، فأكتب الوحي وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا. وقال إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي قال: لما كان يوم بدر، اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه. وقال الثوري، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا يقول: لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا. متفق عليه. وقال يونس، عن الزهري، عن عبد الله عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. متفق عليه. وقال حميد الطويل، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: أتى رجل الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 389 النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة. أخرجه مسلم. وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في بيته يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. وقال أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، قيل لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاتهن ويخدم نفسه. وقال شعبة: حدثني مسلم الأعور أبو عبد الله، سمع أنسا يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويجيب دعوة المملوك، ولقد رأيته يوم خيبر على حمار، خطامه من ليف. وقال مروان بن محمد الطاطري: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثني عمار بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي. وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبا عمير ما فعل النغير"؟ . وقال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس، أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: "يا أم فلان، انظري، أي طريق شئت قومي فيه، حتى أقوم معك"، فخلا معها يناجيها، حتى قضت حاجتها. أخرجه مسلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 390 باب هيبته وجلاله وحبه وشجاعته وقوته وفصاحته: قال جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي مسعود، قال: إني لأضرب غلاما لي، إذ سمعت صوتا من خلفي: "اعلم أبا مسعود"، قال: فجعلت لا ألتفت إليه من الغضب، حتى غشيني، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته وقع السوط من يدي من هيبته، فقال لي: "والله، لله أقدر عليك منك من هذا"، فقلت: والله يا رسول الله لا أضرب غلاما لي أبدا. هذا حديث صحيح. وقال شعبة، عن قتادة، عن انس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". أخرجه مسلم. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] ، فقال أبو بكر وغيره: لا نكلمك يا رسول الله إلا كأخي السرار. وقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] . الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 391 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالرعب، يسير بين يدي مسيرة شهر". وقال زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي -رضي الله عنه- قال: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أقرب إلى القوم منه، وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين، كما يأتي في غزواته. قال زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن يوم حنين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود بلجامها، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم واستنصر، ثم قال: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب". ثم تراجع الناس. وسيأتي هذا مطولا. وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجمل الناس وجها، وأجودهم كفا، وأشجعهم قلبا، خرج وقد فزع أهل المدينة، فركب فرسا لأبي طلحة عربا، ثم رجع وهو يقول: "لن تراعوا، لن تراعوا". متفق عليه. وقال حاتم بن الليث الجوهري: حدثنا حماد بن أبي حمزة السكري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، قال: يا رسول الله ما الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 392 لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: "كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل فحفظنيها". هذا من "جزء الغطريف". وقال عباد بن العوام: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال رجل: يا رسول الله ما أفصحك، ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال: "حق لي، وإنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين". وقال هشيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه". قلنا: علمنا مما علمك الله، فعلمنا التشهد في الصلاة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 393 باب زهده صلى الله عليه وسلم: وبذلك يوزن الزهد وبه يحد: قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] . وقال بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الله بن عباس، قال: كان ابن عباس يحدث أن الله -تعالى- أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة معه جبريل -عليه السلام- فقال الملك: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أكون عبدا نبيا". قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه تعالى. وقال عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، قال: حدثني ابن عباس، أن عمر -رضي الله عنهم- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدنى عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير قد أثر بجنبه، فقلبت عيني في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين -أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ، نحو الصاعين، وإذا أفيق معلق أو أفيقان، قال: فابتدرت عيناي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا ابن الخطاب"؟ قلت: يا رسول الله وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله -عز وجل- ورسوله وخيرته، وهذه خزانتك! وكسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت هكذا. فقال: "يا ابن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 394 الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا"؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "فاحمد الله عز وجل". أخرجه مسلم. وقال معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس، عن عمر في هذه القصة، قال: فما رأيت في البيت شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". فقلت: أستغفر الله، وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله تعالى. اتفقا عليه من حديث الزهري. قرأت على إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، سنة أربع وتسعين، أخبركم العلامة أبو محمد بن قدامة، أن شهدة بنت أبي نصر أخبرتهم، قالت: أخبرنا أبو غالب الباقلاني، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أبو سهل بن زياد، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بشريط، وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف، فدخل عليه ناس من أصحابه فيهم عمر -رضي الله عنه- فاعوج النبي صلى الله عليه وسلم اعوجاجة، فرأيى عمر أثر الشريط في جنب النبي صلى الله عليه وسلم فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك"؟ قال: كسرى وقيصر يعيثان فيما يعيثان فيه، وأنت على هذا السرير! فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟ قال: بلى، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 395 فقال: "فهو والله كذلك". إسناده حسن. وقال المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي وأمي ألا آذنتنا فنبسط لك؟ قال: "ما لي وللدنيا، إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها". هذا حديث حسن قريب من الصحة. وقال يونس، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن تأتي علي ثلاث ليال، وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لديني". أخرجه البخاري. وقال الأعمش، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا". أخرجه مسلم والبخاري من وجه آخر. وقال إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى توفي. أخرجه مسلم. وقال الثوري: حدثنا عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، عن أبيه، أن عائشة قالت: كنا نخرج الكراع بعد خمس عشرة فنأكله، فقلت: ولم تفعلون؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله. أخرجه البخاري. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: كنا يمر بنا الهلال الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 396 والهلال والهلال، ما نوقد بنار لطعام، إلا أنه التمر والماء، إلا أن حولنا أهل دور من الأنصار، فيبعثون بغزيرة الشاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن. متفق عليه. وقال همام: حدثنا قتادة: كنا نأتي أنس بن مالك، وخبازه قائم، فقال: كلوا، فما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. أخرجه البخاري. وقال هشام الدستوائي، عن يونس، عن قتادة، عن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق فقلت لأنس: على ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. أخرجه البخاري. وقال شعبة عن أبي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزد يحدث، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض. أخرجه مسلم. وقال هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير، وإهالة سنخة ولقد رهن درعه عند يهودي، فأخذ لأهله شعيرا، ولقد سمعته ذات يوم يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب، وإنهم يومئذ تسعة أبيات. أخرجه البخاري. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف. متفق عليه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 397 أخبرنا الخضر بن عبد الله بن عمر، وأحمد بن عبد السلام، وأحمد بن أبي الخير، كتابة أن عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أجاز لهم، قال: أخبرنا علي بن بنان، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو علي الصفار سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا يا عائشة"؟ قلت: فلانة رأت فراشك، فبعثت إلي بهذا. فقال: "رديه يا عائشة". قالت: فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرار، قال: فقال: "رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة". أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، عن إسماعيل بن محمد، عن عباد بن عباد -وهو ثقة- عن مجالد، وليس بالقوي. وأخرجه محمد بن سعد الكاتب، عن سعيد بن سليمان الواسطي، عن عباد بن عباد. وقال زائدة: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن أم سلمة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ساهم الوجه، فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا رسول الله ما لي أراك ساهم الوجه؟ قال: من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس، وأمسينا ولم ننفقهن، فكن في خمل الفراش. هذا حديث صحيح الإسناد. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 398 وقال بكر بن مضر، عن موسى بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل، قال: دخلت علي عائشة أنا وعروة، فقالت: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له، وكانت عندي ستة دنانير زو سبعة، فأمرني أن أفرقها، فشغلني وجعه حتى عافاه الله، ثم سألني عنها، ثم دعا بها فوضعها في كفه فقال: "ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده". وقال جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد. وقال بكار بن محمد السيريني: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال، فوجد عنده صبرا من تمر، فقال: "ما هذا يا بلال"؟ قال: تمرا أدخره. قال: "ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن يكون لك بخار في النار، أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا". بكار ضعيف. وقال معاوية بن سلام عن زيد، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله أبو عامر الهوزني، قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: حدثني كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شيء من ذلك إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه، منذ بعثه الله إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الإنسان المسلم، فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما كان ذات يوم، توضأت، ثم قمت لأوذن بالصلاة، فإذا المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي! قلت: يا لبيه، فتجهمني، وقال قولا غليظا، فقال: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع ليال، فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، ولكن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 399 أعطيتك لتجب لي عبدا، فأردك ترعى الغنم، كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت ثم أذنت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فاستأذنت عليه، فاذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك قال لي: كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا، حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني. فخرجت، حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي ورمحي ونعلي عند رأسي، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت علي ليلا نمت، حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى، يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حتى أتيته، فغذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فقد جاءك الله بقضائك". فحمدت الله قال: "ألم تمر على الركائب المناخات الأربع "؟ قلت: بلى قال: "فإن لك رقابهن وما عليهن". فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك، فحططت عنهن، ثم عقلتهن، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فناديت وقلت: من كان يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده، فسلمت عليه فقال لي: "ما فعل ما قبلك"؟ قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شيء فقال: "فضل شيء"؟ قلت: نعم ديناران. قال: "انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما". فلم يأتنا أحد، فبات الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 400 في المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى كان في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما، فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال: "ما فعل الذي قبلك"؟ قلت: قد أراحك الله منه فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت، وعنده ذلك، ثم اتبعته، حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة، حتى أتى مبيته. أخرجه أبو داود عن أبي توبة الحلبي، عن معاوية. وقال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا أبو هاشم الزعفراني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، أن أنس بن مالك حدثه أن فاطمة -رضي الله عنهما- جاءت بكسرة خبز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذه"؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة، فقال: "أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام". وقال أبو عاصم، عن زينب بنت أبي طليق، قالت: حدثني حبان بن جزء -أو بحر- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشد صلبه بالحجر من الغرث. وقال أبو غسان النهدي: حدثنا إسرائيل، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بينما عائشة ذات يوم إذ بكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان فيه من الجهد. وقال خالد بن خداش: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني جرير بن حازم، عن يونس، عن الحسن، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات". والله ما قالها الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 401 استقلال لرزق الله، ولكن أراد أن تتأسى به أمته. روى الأربعة "ابن سعد" عن هؤلاء. وقال أبان، عن قتادة، عن أنس، أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. وقال أنس: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم تمر، فرأيته يأكل منه مقعيا من الجوع. وقالت أسماء بنت يزيد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة عند يهودي على شعير. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 402 فصل من شمائله وأفعاله: وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع". وكان صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل واللحم، ولا سيما الذراع. وكان يأتي النساء، ويأكل اللحم، ويصوم، ويفطر، وينام، ويتطيب إذا أحرم وإذا حل، وإذا أتى الجمعة، وغير ذلك، ويقبل الهدية، ويثيب عليها ويأمر بها، ويجيب دعوة من دعاه، ويأكل ما وجد، ويلبس ما وجد من غير تكلف لقصد ذا ولا ذا، ويأكل القثاء بالرطب، والبطيخ بالرطب، وإذا ركب أردف بين يديه الصغير أو يردف وراءه عبده أو من اتفق، ويلبس الصوف ويلبس البرود الحبرة، وكانت أحب اللباس إليه، وهي برود يمنية فيها حمرة وبياض، ويتختم في يمينه بخاتم فضة نقشه "محمد رسول الله" وربما تختم في يساره. وكان يواصل في صومه، ويبقى أياما لا يأكل، وينهى عن الوصال، ويقول: "إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني". وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد أتى بمفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يقبلها، واختار الآخرة عليها، وكان كثير التبسم، يحب الروائح الطيبة وكان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه. وكان لا يكتب ولا يقرأ ولا معلم له من البشر، نشأ في بلاد جاهلية، وعبادة وثن، ليسوا بأصحاب علم ولا كتب، فآتاه الله من العلم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 403 ما لم يؤت أحدا من العالمين، قال الله في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3، 4] . وكل هذه الأطراف من الأحاديث فصحاح مشهورة. وقال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة". وقال أنس: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في ضحوة بغسل واحد. وكان يحب من النساء عائشة -رضي الله عنها- ومن الرجال أباها أبا بكر -رضي الله عنه- وزيد بن حارثة، وابنه أسامة، ويقول: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار". ويحب الحسن والحسين سبطيه، ويقول: "هما ريحانتاي من الدنيا". ويحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه. ويحب التيمن في ترجله وتنعله، وفي شأنه كله. وكان يقول: "إني أخشاكم الله وأعلمكم بما اتقى". وقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا". وقال: "شيبتني هود وأخواتها". وكل هذا في الصحاح. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 404 باب من اجتهاده وعبادته صلى الله عليه وسلم: قال ابن عيينة، عن زياد بن علاقة: عن المغيرة بن شعبة، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل: يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، قال: "أفلا أكون عبدا شكورا". متفق عليه. وقال منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟ متفق عليه. وقال معمر، عن همام، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والوصال". قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: "إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكفلوا من العمل ما لكم به طاقة". وفي الصحيح مثله من حديث ابن عمر، وعائشة، وأنس، بمعناه. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة". هذا حديث حسن. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 405 وقال حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. وقال أبو كريب: حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أراك شبت قال: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت". وأما تهجده، وتلاوته، وتسبيحه، وذكره وصومه، وحجه، وجهاده، وخوفه، وبكاؤه، وتواضعه، ورقته، ورحمته لليتيم والمسكين، وصلته للرحم، وتبليغه الرسالة، ونصحه الأمة، فمسطور في السنن على أبواب العلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 406 باب في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية: قال مبارك بن فضالة، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا". إسناده قريب من الحسن. وقال أبو حفص بن شاهين: حدثنا عثمان بن جعفر الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن الحسين، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قيل: يا رسول الله إنك تداعبنا قال: "إني لا أقول إلا حقا". تابعه أبو معشر، عن المقبري، وهو صحيح. وقال الزبير بن بكار: حدثني حمزة بن عتبة، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أنها مزحت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنه بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل بعض مزحنا هذا الحي من قريش". حمزة لا أعرفه، والمتن منكر. وقال زيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس. تفرد به ابن لهيعة، وضعفه معروف. وجاء من طريق ابن لهيعة: كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي. وقال أبو تميلة يحيى بن واضح، عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فثقل على الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 407 القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنت زاملة". وقال حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان: سمعت سفينة يقول: ثقل على القوم متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابسط كساءك". فجعلوا فيه متاعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احمل فإنما أنت سفينة". قال: فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة، حتى بلغ سبعة ما ثقل علي. وهذا يدخل في معجزاته. وقال علي بن عاصم، وخالد بن عبد الله: حدثنا حميد، عن أنس قال: استحمل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنا أحملك على ولد الناقة". فقال: وما أصنع بولد ناقة يا رسول الله؟ فقال: "وهل تلد الإبل إلا النوق "؟. صحيح غريب. وقال الأنصاري: حدثنا حميد، عن أنس قال: كان ابن لأم سليم، يقال له: أبو عمير، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ... الحديث. وقال شريك، عن عاصم، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ذا الأذنين". وقال محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عائشة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فمر عمر فقال: يا عبد الله يا عبد الله، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال: "قوما فاغسلا وجوهكما". فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 408 وقال عبد الله بن إدريس، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت، وقد رش فناء أطمه، ومعه أصحابه سماطين، وجارية يقال لها: سيرين، معها مزهرها تختلف بين السماطين تغنيهم، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم ولم ينههم، وهي تقول في غنائها: هل على ويحكم ... إن لهوت من حرج فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "لا حرج إن شاء الله". حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هذا مدني، تركه ابن المديني وغيره. وقال بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن أبي سلمة، عن عائشة قالت: دخلت الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبين أن تنظري إليهم"؟ قلت: نعم فقالت: "تعالي"، فقام بالباب، وجئت فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: "وأبو القاسم طيب"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك". قلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه. وفي بعض طرقه: فلا ينصرف حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو. وفي رواية: والحبشة في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفنون. وقال زيد بن الحباب: أخبرني خارجة بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا لغطا وصوت الصبيان، فقام، فإذا حبشية ترقص والصبيان حولها فقال: "يا عائشة تعالي فانظري" فجئت فوضعت ذقني على منكبه صلى الله عليه وسلم، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 409 فجعلت أنظر، فقال: "ما شبعت"؟ فجعلت أقول: لا لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر -رضي الله عنه فارفض الناس عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرقوا من عمر". خارجة بن عبد الله، قال ابن عدي: لا بأس به. وقال النسائي: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم، فسبقته ما شاء الله، حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: "هذه بتلك". صحيح. وأخرجه أبو داود من حديث عروة، عن أبي سلمة عنها وقيل في إسناده غير ذلك. وقال خالد بن عبد الله الطحان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -وغير خالد يسقط منه أبا هريرة- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال له عيينة بن بدر: ألا أراك تصنع هذا، فوالله إني ليكون لي الولد قد خرج وجهه ما قبلته قط. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يرحم". وقال جعفر بن عون، عن معاوية بن أبي مزرد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن أو الحسين، وهو يقول: "ترق عين بقه". فيضع الغلام قدمه على قدم النبي يرفعه إلى صدره، ثم قبل فاه وقال: "اللهم إني أحبه فأحبه". وقال خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستلق، والحسن بن علي على ظهره. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 410 وقال محمد بن عمران بن أبي ليلى: حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه الحسن فأقبل يتمرغ عليه، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم قميصه فقبل زبيبته. وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة، أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام أو عامين، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وهما بدريان، وكان سويبط على زادهم، فجاء نعيمان فقال: أطعمني، فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان مزاحا، فقال: لأبيعنك ثم قال لأناس: ابتاعوا مني غلاما، وهو رجل ذو لسان، ولعله يقول: أنا حر، فإن كنتم تاركيه إذا قال ذلك فدعوني ولاتفسدوا علي غلامي قالوا: لا بل نبتاعه فباعه بعشر قلائص، ثم جاءهم فقال: هو هذا فقال سويبط: هو كاذب، وأنا رجل حر. قالوا: قد أخبرنا بخبرك وطرحوا الحبل والعمامة في رقبته، وذهبوا به، فجاء أبو بكر فأخبروه، فذهب وأصحاب له فردوا القلائص، وأخذوه، فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا. هذا حديث حسن. وقال الأسود بن عامر: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، أن رجلا كان يكنى أبا عمرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أم عمرة". فضرب الرجل بيده إلى مذاكيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "مه". قال: والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي: يا أم عمرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم". حديث مرسل. وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر، فكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضرته". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 411 وكان دميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا؟ والتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يشتري مني العبد". فقال: يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا. فقال: "لكن أنت عند الله غال". صحيح غريب. وقال خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن أسيد بن الحضير، قال: بينا رجل من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث، وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكون، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته، فقال: "اصبر لي". قال: "أصطبر". قال: لأن عليك قميص، ولم يكن علي قميص. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه. فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله. رواته ثقات. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 412 باب في ملابسه صلى الله عليه وسلم: قال خالد بن يزيد: حدثنا عاصم بن سليمان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس القلانس البيض، والمزرورات، وذوات الآذان. عاصم هذا بصري متهم بالكذب. وعن جابر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه. تفرد به حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن أبي الزبير، عن جابر. وقال وكيع، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء. حديث صحيح. وعن ركانة أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس". أخرجه أبو داود. وعن عروة، عن عائشة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم كمة بيضاء. وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. رواته ثقات. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 413 قلت: كانت -لعل- تحت الخوذة، فإنه دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر. وعن بعضهم بإسناد واه: كانت له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، يلبس تحتها القلانس اللاطئة، ويرتدي. قال مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه، عمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه. وعلى الحسن: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء، تسمى العقاب، وعمامته سوداء، وكان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه. مرسل. وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه. وكان ابن عمر يفعله. وقال عبيد الله بن عمر: رأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك. وقال عروة: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة معلمة، فقطع علمها ولبسها. مرسل. وقال المغيرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على ناصيته وعمامته، وقال: لبس جبة ضيقة الكمين. ويروى عن أنس: كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا، قصير الطول قصير الكمين. وعن بديل بن ميسرة عن شهر عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمه صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 414 وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول. وعن عرورة -وهو مرسل- قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان طول ردائه أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر. وقال زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعله مرط من شعر أسود. أخرجه أبو داود. وذكر الواقدي أن بردة النبي صلى الله عليه وسلم كانت طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان، طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر، كان يلبسهما يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان. حديث معضل. وقال عروة: إن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفد رداء حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق، فطروه بثوب، يلبسونه يوم الأضحى والفطر. رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقال معن بن عيسى: حدثنا محمد بن هلال، قال: رأيت على هشام بن عبد الملك برد النبي صلى الله عليه وسلم من حبرة له حاشيتان. قلت: هذا البرد غير برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتداوله الخلفاء من بني العباس، ذاك البرد اشتراه أبو العباس السفاح بثلاث مائة دينار من صاحب أيلة. وذكر ابن إسحاق أنه برد كساه النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب أيلة. فالله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 415 وقال حميد الطويل: حدثنا بكر بن عبد الله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى حاجته أتيته بمطهرة، فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من تحتها، وألقى الجبة على منكبيه، فغسل ذراعيه ومسح ناصيته، وعلى العمامة، ثم ركب وركبنا، وفي لفظ: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، وفي لفظ: وعليه جبة من صوف. وقال أيوب، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه إزار يتقعقع. وعن عكرمة: رأيت ابن عباس إذا ائتزر أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه، ويرفع الإزار مما وراءه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتزر هذه الإزرة. وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرته، وتبدو سرته، ورأيت عمر يأتزر فوق سرته، وقال صلى الله عليه وسلم: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقية". وعن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين أوقية. وعن محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بتسع وعشرين ناقة. وهذان ضعيفان لإرسالهما. وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 416 صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها. وقال الحمادان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم". زاد حماد بن زيد في حديثه: "فإنها من خير ثيابكم". وروى مثله الثوري، والمسعودي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن سمرة بن جندب نحوه. ورواه المسعودي مرة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس رفعه: "البسوا الثياب البيض، وكفنوا فيها موتاكم". ورواه أبو بكر الهذلي، عن أبي قلابة، فأرسله. وقال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد: حدثنا ابن سالم، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خير ما زرتم الله به في مصلاكم وقبوركم البياض". رواه ابن ماجه. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن البراء: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: لقد رأيت عليه حلة حمراء -فذكره. عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، قال: حدثني عبيد الله بن المغيرة، عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب رجل إلي، فلما نبئ وخرج إلى المدينة، شهد حكيم الموسم، فوجد حلة لذي يزن فاشتراها، ثم قدم بها ليهديها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا نقبل من المشركين شيئا، ولكن بالثمن". قال: فأعطيته إياها حين أبى الهدية، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 417 فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئا أحسن منه يومئذ فيها، ثم أعطاها أسامة، فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم والله لأنا خير من ذي يزن، ولأبي خير من أبيه. فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقول أسامة. وقال عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو في قبة له حمراء، فخرج وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه. صحيح الإسناد. وقال حفص بن غياث، عن حجاج، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة. رواه هشيم، عن حجاج، عن أبي جعفر محمد بن علي فأرسله. وقال عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن أبي رمثة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران. إسناده صحيح. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 418 باب منه: وقال وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن محمد بن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد، قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعنا له غسلا فاغتسل، ثم أتيته بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني أنظر أثر الورس على عكنه. وقال هشام بن سعد، عن يحيى بن عبد الله بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته. مرسل. وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري: سمعت أبي يخبر عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه رداء وعمامة مصبوغين بالعبير. قال مصعب: العبير عندنا: الزعفران. مصعب فيه لين. وعن أم سلمة، قالت: ربما صبغ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ورداؤه بزعفران وورس. أخرجه محمد بن سعد، عن ابن أبي فديك، عن زكريا بن إبراهيم، عن ركيح بن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، عن أمه، عن أم سلمة. وهذا إسناد عجيب مدني. وعن زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه حتى العمامة بالزعفران. وهذه المراسيل لا تقاوم ما في الصحيح من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 419 التزعفر، وفي لفظ: "نهى أن يتزعفر الرجل" ولعل ذلك كان جائزا، ثم نهى عنه. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان -وهو ضعيف- عن أنس بن مالك، قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس، فلبسها، فكأني أنظر إلى يديها تذبذبان من طولهما، فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: "وما تعجبون منها، فوالذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها". ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب فلبسها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أعطكها لتلبسها". قال: فما أصنع بها؟ قال: "ابعث بها إلى أخيك النجاشي". وقال الليث بن سعد: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج -يعني قباء حرير- فلبسه، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم قال: "لا ينبغي هذا للمتقين". وقال مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة: أهدى أبو الجهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية لا علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: "ردوا هذه الخميصة على أبي جهم، فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني". وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في بيت أم سلمة مشتملا في ثوب واحد. وصح مثله عن أنس رفعه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 420 وعن ابن عباس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها. وقال جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في إزار واحد مؤتزرا به، ليس عليه غيره. وقال يونس بن الحارث الثقفي، عن أبي عون محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة. أخرجه أبو داود. وقال شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس الصوف. وقال حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه الملبدة، فأقسمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض فيهما. أخرجه مسلم. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم من أدم محشوا ليفا. وقد تقدم أحاديث في هذا المعنى في زهده عليه السلام. وقال غير واحد، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 421 أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء". أخرجه البخاري. وعند مسلم "على عاتقيه". وقال عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله مولى أسماء، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمريض يستشفي بها. أخرجه مسلم. ورواه أحمد في "مسنده" وفيه: جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 422 باب خواتيم النبي صلى الله عليه وسلم: قال عبيد الله وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يده اليمنى، فصنع الناس خواتيم من ذهب، فجلس على المنبر، ونزعه ورمى به وقال: "والله لا ألبسه أبدا". فنبذ الناس خواتيمهم. وروي نحوه عن مجاهد، وعن محمد بن علي مرسلين. وكان هذا قبل تحريم الذهب. وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب. وصح عن أنس، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له: إن كتابك لا يقرأ إلا أن يكون مختوما. فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة فنقشه "محمد رسول الله"، فكأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضة، ونهى أن ينقش الناس على خواتيمهم نقشته، وقال: "كان من فضة، فصه منه". وصح عنه، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، فصه حبشي، ونقشه "محمد رسول الله". وصح عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع بئر أريس، نقشه "محمد رسول الله". وفي رواية عن ابن عمر: فجعل فصه في بطن كفه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 423 وعن مكحول، وإبراهيم النخعي من وجهين عنهما أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان حديدا ملوي عليه فضة. وروى مثله أبو نعيم، عن إسحاق، عن سعيد، عن خالد بن سعيد، ولم يدرك سعيد خالدا، وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده، قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص، حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو"؟ قال: هذه حلقة. قال: "فما نقشها"؟ قال: "محمد رسول الله" فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه، فكان في يده حتى قبض، ثم في يد أبي بكر، ثم في يد عمر، ثم عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له: بئر أريس، وهوجالس على شفتها، يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يخرج خاتمه من يده كثيرا، فالتمسوه فلم يقدروا عليه. وقال أنس: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر: "محمد" سطر، و"رسول" سطر، و"الله" سطر. وقال: فكان في يد عثمان ست سنين، فكنا معه على بئر أريس، وهو يحول الخاتم في يده، فوقع في البئر فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام، فلم نقدر عليه. وعن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه. وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره. وعن ابن عمر مثله. وصح أن ابن عمر كان يتختم في يساره. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 424 باب نعل النبي صلى الله عليه وسلم وخفه: قال همام، عن قتادة، عن أنس: كان لنعل النبي صلى الله عليه وسلم قبالان. صحيح. وعن عبد الله بن الحارث، قال: كانت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها زمامان شراكهما مثني في العقد. وقال هشام بن عروة: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة ملسنة لها قبالان. وقال أبو عوانة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، سألت أنسا: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم. وروى مثله من غير وجه. وقال حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن ابي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ وضع نعله على يساره، فألقى الناس نعالهم، فلما قضى صلاته قال: "ما حملكم على إلقاء نعالكم"؟ قالوا: رأيناك ألقيت فألقينا. فقال: "إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا -أو أذى- فمن رأى ذلك فليمسحهما، ثم ليصل فيهما". وعن عبيد بن جريج، قلت لابن عمر: أراك تستحب هذه النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها. السبت: بالكسر، جلود البقر المدبوغة بالقرظ. وعن عبد الله بن بريدة أن النجاشي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ومسح عليهما. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 425 باب مشطه ومكحلته صلى الله عليه وسلم مرآته وقدحه وغير ذلك: قال أبو نعيم: حدثنا مندل، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط، والمرآة، والمدهن، والسواك، والكحل. مرسل. وعن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين. وقال حبان بن علي، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم. إسناده لين. وقال الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح زجاج كان يشرب فيه. وقال حميد: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس، فيه فضه قد شده بها. حديث صحيح. وقال عاصم الأحول: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس، وكان قد انصدع فسلسله بفضة. قال عاصم: وهو قدح جيد عريض من نضار، فقال أنس: قد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 426 سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أن يجعل مكانها أنس حلقة من فضة أو ذهب، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه. أخرجه البخاري. يروى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر تسريح لحيته. إسناده واه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 427 باب سلاح النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه وعدته: أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة، عن أبي القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي، عن أبي القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا سليمان بن إبراهيم الحافظ، وعبد الله بن محمد النيلي، قالا: أخبرنا علي بن القاسم المقرئ، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي، قال: كان سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذا الفقار، وكان سيفا أصابه يوم بدر. وكان له سيف ورثه من أبيه، وأعطاه سعد بن عبادة سيفا يقال له: العضب وأصاب من سلاح بني قينقاع سيفا قلعيا، وفي رواية كان يقال له: البتار واللخيف، وكان له المخذم، والرسوب، وكانت ثمانية أسياف. وقال شيخنا شرف الدين الدمياطي: أول سيف ملكه سيف يقال له: المأثور، وهو الذي يقال: إنه من عمل الجن، ورثه من أبيه، فقدم به في هجرته إلى المدينة وأرسل إليه سعد بن عبادة بسيف يدعى "القضب" حين سار إلى بدر وكان له ذو الفقار؛ لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر، صار إليه يوم بدر، وكان للعاص بن منبه أخي نبيه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 428 ابني الحجاج بن عامر السهمي -قتل العاص، وأبوه، وعمه كفارا يوم بدر- وكانت قبيعته، وقائمته وحلقته، وذؤابته، وبكراته، ونعله، من فضة والقائمة هي الخشبة التي يمسك بها، وهي القبضة. وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعد بن مزيدة، عن جده مزيدة، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة. وهو -بالكسر جمع فقرة، وبالفتح جمع فقارة- سمى بذلك لفقرات كانت فيه، وهي حفر كانت في متنه حسنة، ويقال: كان أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم، فصنع منها ذو الفقار وصمصامة عمرو بن معدي كرب الزبيدي، التي وهبا لخالد بن سعيد بن العاص. وأخذ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، منسوب إلى مرج القلعة -بالفتح- موضع بالبادية، والبار، والحنف، وكان عنده بعد ذلك الرسوب -من رسب في الماء إذا سفل -والمخذم وهو القاطع، أصابهما من الفلس: صنم كان لطيئ، وسيف يقال له القضيب، وهو فعيل بمعنى فاعل، والقضب: القطع. وذكر الترمذي، عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنعه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حنفيا. رواه عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، وليس بالقوي، وهو الذي روى عن أنس أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة. والحنف: الاعوجاج. قال شيخنا: وكانت له صلى الله عليه وسلم درع يقال لها: ذات الفضول، لطولها، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 429 أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر. وذات الوشاح وهي الموشحة، وذات الحواشي، ودرعان من بني قينقاع، وهما السغدية وفضة، وكانت السغدية درع عكير القينقاعي، وهي درع داود -عليه الصلاة والسلام- التي لبسها حين قتل جالوت. ودرع يقال لها: البتراء، ودرع يقال لها: الخرنق، والخرنق ولد الأرنب. ولبس يوم أحد درعين ذرات الفضول وفضة. وكان عليه يوم خيبر: ذات الفضول والسغدية. وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير، أخذها قوتا لأهله. وقال عبيس بن مرحوم العطار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان في درع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة في موضع الصدر، وحلقتان من خلف ظهره، قال محمد بن علي: فلبستها فجعلت أخطها في الأرض. قال شيخنا: وكان له خمسة أقواس: ثلاث من سلاح بني قينقاع، وقوس تدعى الزوراء، وقوس تدعى الكتوم، وكانت جعبته تدعى الكافور. وكانت له منطقة من أديم مبشور، فيها ثلاث حلق من فضة، وترس يقال له: الزلوق، يزلق عنه السلاح، وترس يقال له: العنق، وأهدى له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش، فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال. وأصاب ثلاثة أرماح من سلاح بني قينقاع. وكان له رمح يقال له: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 430 المثوى، وآخر يقال له: المتثنى، وحربة اسمها البيضاء، وأخرى صغيرة كالعكاز. وكان له مغفر من سلاح بني قينقاع، وآخر يقال له: السبوغ. وكانت له راية سوداء مربعة من نمرة مخملة، تدعى: العقاب. وأخرج أبو داود، من حديث سماك بن حرب، عن رجل من قومه عن آخر قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء، وكانت ألويته بيضا. وربما جعل فيها الأسود، وربما كانت من خمر بعض أزواجه. وكان فسطاطه يسمى الكن. وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر، يمشي ويركب به، ويعلقه بين يديه على بعيره. وكانت له مخصرة تسمى: العرجون، وقيب يسمى: الممشوق. واسم قدحه: الريان. وكان له قدح مضبب غير الريان، يقدر أكثر من نصف المد. وقال ابن سيرين، عن أنس: إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، واتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. أخرجه البخاري. وكان له قدح من زجاج، وتور من حجارة، يتوضأ منه كثيرا، ومخضب من شبه. وركوة تسمى: الصادرة، ومغسل من صفر، وربعة أهداها له المقوقس، يجعل فيها المرآة ومطا من عاج، والمكحلة، والمقص، والسواك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 431 وكانت له نعلان سبتيتان، وقصعة، وسرير، قطيفة. وكان يتبخر بالعود والكافور. وقال ابن فارس بإسنادي الماضي إليه: يقال: ترك يوم توفي صلى الله عليه وسلم ثوبي حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين صحاريين، وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا، وجبة يمنية، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صغارا ثلاثا أو أربعا، وإزارا طوله خمسة أشبار، وملحفة يمنية مورسة. وأكثر هذا الباب كما ترى بلا إسناد، نقله هكذا ابن فارس، وشيخنا الدمياطي، فالله أعلم هل هو صحيح أم لا؟ وأما دوابه فروى البخاري من حديث عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللحيف. وروى عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد -وهو ضعيف- عن أبيه، عن جده قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند أبي سعد بن سعد الساعدي، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن: اللزاز، والظرب، واللحيف. رواه الواقدي عنه، وزاد في الحديث بالسند: فأما لزاز فأهداه له المقوقس، وأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي. واللزاز من قولهم: لازرته أي: لاصقته، والملزز: المجتمع الخلق. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 432 والظرب: واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمي به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته، وقاله الواقدي بطاء مهملة، وقال: سمي الطرب لتشوفه وحسن صهيله. واللحيف: بمعنى لاحف، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، وقيل: اللحيف، مصغرا. وأول فرس ملكه: السكب، وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس، فاشتراه منه بعشر أواقي، أول ما غزا عليه أحدا، ليس مع المسلمين غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار. وكان له فرس يدعى: المرتجز، سمي به لحسن صهيله، وكان أبيض. والفرس وإذا كان خفيف الجري فهو سكب وفيض كانسكاب الماء. وأهدى له تميم الداري فرسا يدعى الورد، فأعطاه عمر. والورد: بين الكميت والأشقر. وكانت له فرس تدعى سبحة، من قولهم: طرف سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري. قال الدمياطي: فهذه سبعة أفراس متفق عليها، وذكر بعدها خمسة عشر فرسا مختلف فيها، وقال: قد شرحناها في "كتاب الخيل". قال: وكان سرجه دفتاه من ليف. وكانت له بغلة أهداها له المقوقس، شهباء يقال لها: دلدل، مع حمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: فضة، أهداها له فروة الجذامى، مع حمار يقال له: يعفور، فوهب البغلة لأبي بكر، وبغلة أخرى. قال أبو حميد الساعدي: غزونا تبوك، فجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 433 إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردة، وكتب له ببحرهم. والحديث في الصحاح. وقال ابن سعد: وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة سندس. وفي إسناد عبد الله بن ميمون القداح، وهو ضعيف ويقال: إن كسرى أهدى له بغلة، وهذا بعيد؛ لأنه -لعنه الله- مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت له الناقة التي هاجر عليها من مكة، تسمى القصواء، والعضباء، والجدعاء، وكانت شهباء. وقال أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك. حديث حسن. الصهباء: الشقراء. وكانت له صلى الله عليه وسلم لقاح أغارت عليها غطفان وفزارة، فاستنقذها سلمة ابن الأكوع وجاء بها يسوقها. أخرجه البخاري. وهو من الثلاثيات. وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى يوم الحديبية جملا في أنفه برة من فضة، كان غنمه من أبي جهل يوم بدر، أهداه ليغيظ بذلك المشركين إذا رأوه، وكان مهريا يغزو عليه ويضرب في لقاحه. وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة، يراح إليه منها كل ليلة بقربتين من لبن. وكانت له خمس عشرة لقحة، يرعاها يسار مولاه الذي قتله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 434 العرنيون واستاقوا اللقاح، فجيء بهم فسملهم. وكان له من الغنم مائة شاة، لا يريد أن تزيد، كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 435 وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وسم في شواء: قال وهيب، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء ولم يصنعه، حتى إذا كان ذات يوم رأيته يدعو، فقال: "أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته: أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما: ما وجع الرجل؟ قال الآخر: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فبم؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعه ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في ذي أروان". فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع أخبر عائشة، فقال: كأن نخلها رؤوس الشياطين، وكأن ماءوها نقاعة الحناء فقلت: يا رسول الله أخرجه للناس. قال: أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن أثور على الناس منه شرا. في لفظ: في بئر ذي أروان. روى عمر مولى غفرة -وهو تابعي- أن لبيد بن أعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس بصره وعاده أصحابه، ثم إن جبريل وميكائيل أخبراه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف، فاستخرج السحر من الجب، ثم نزعه فحله، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعفا عنه. وروى يونس، عن الزهري قال في ساحر أهل العهد: لا يقتل، قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي، فلم يقتله. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 436 وعن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عنه. قال الواقدي: هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتله. وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: إن اليهود سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمت أبا بكر. وفي الصحيح عن ابن عباس أن امرأة من يهود خيبر أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة. وعن جابر، وأبي هريرة، وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر واطمأن جعلت زينب بنت الحارث -وهي بنت أخي مرحب وامرأة سلام بن مشكم- سما قاتلا في عنز لها ذبحتها وصلتها، وأكثرت السم في الذراعين والكتف، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب انصرف وهي جالسة عند رحلة، فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك. فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، ثم وضعت بين يديه وأصحابه حضور، منهم بشر بن البراء بن معرور، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهش من الذراع، وتناول بشر عظما آخر، فانتهش منه، وأكل القوم منها فلما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة قال: "ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة". فقال بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك من أكلتي، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ادردتها وفيها بغي فلم يقم بشر حتى تغير لونه، وما طله وجعه سنة ومات. وقال بعضهم: لم يرم بشر من مكانه حتى توفي، فدعاها فقال: ما حملك؟ قالت: نلت من قومي، وقتلت أبي وعمي وزوجي، فقلت: ان الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 437 كان نبيا فستخبره الذراع، وإن كان ملكا استرحنا منه، فدفعها إلى أولياء بشر يقتلونها. وهو الثبت. وقال أبو هريرة: لم يعرض لها واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله. حجمه أبو هند بقرن وشفرة، وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش بعد ذلك ثلاث سنين. وكان في مرض موته يقول: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها بخيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري"، وفي لفظ: "ما زالت أكلة خيبر يعاودني ألم سمها" -والأبهري عرق في الظهر- وهذا سياق غريب. وأصل الحديث في "الصحيح". وروى أبو الأحوص، عن أبي مسعود، قال: لأن أحلف بالله تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة، يعني أنه مات موتا، وذلك بأن الله اتخذه نبيا وجعله شهيدا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 438 باب ما وجد من صورة نبينا: وصور الأنبياء عند أهل الكتاب بالشام: قال عبد الله بن شبيب الربعي وهو ضعيف بمرة: حدثنا محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، قال: حدثتني أم عثمان عمتي، عن أبيها سعيد، عن أبيه، أنه سمع أباه جبير بن مطعم يقول: لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي: أمن الحرم أنت؟ قلت: نعم قالوا: فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟ قلت: نعم. فأدخلوني ديرا لهم فيه صور فقالوا: انظر هل ترى صورته؟ فنظرت فلم أر صورته، قلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذاك فنظرت، وإذا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته وبصفة أبي بكر وصورته، وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لي: هل ترى صفته؟ قلت: نعم قالوا: أهو هذا؟ قلت: اللهم نعم، أشهد أنه هو. قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت: نعم قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده. رواه البخاري في "تاريخه" عن محمد، غير منسوب عن محمد بن عمر بن سعيد، أخصر من هذا. وقال إبراهيم بن الهيثم البلدي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 439 أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الأموي، قال: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل ندعوه إلى الإسلام، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه، وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولا، إنما بعثنا إلى الملك، فأذن لنا وقال: تكلموا فكلمته ودعوته إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سواد قلنا: ما هذه؟ قال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا: ومجلسك هذا، فوالله لنأخذنه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ وجهه سوادا وقال: قوموا، وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة، قال الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حلمناكم على براذين وبغال؟ قلنا: والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون، فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن أدخلوا، فدخلنا عليه، وهو على فراش له، عنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمد، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنوا منه، فضحك وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم. فإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليكم قال: فبم تحيون ملككم؟ قلنا: بها قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 440 أكبر. فلما تكلمنا با قال: والله يعلم لقد تنقضت الغرفة، حتى رفع رأسه إلينا فقال: هذه الكلمة التي قلتموها حيث تنقضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنقض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذه قط إلا عندك قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنقض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها، وأجدر ألا يكون من أمر النبوة، وأن يكون من حيل الناس ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فقما، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة، مذهبة فيها بيوت صغار، عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا ضفيرتان أحسن ما خلق الله، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال هذا آدم عليه السلام ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا نوح عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إبراهيم عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو، كأنما تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 441 عجلته لكم لأنظر ما عندكم، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل عرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا هارون بن عمران، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال هذا إسحاق عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يعقوب عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجه الخشوع يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم، كأنه وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يوسف عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرس، فقال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 442 هذا سليمان عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج صورة، وإذا شاب أبيض، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه فقال: هذا عيسى عليه السلام فقلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت؛ لأنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلم وصورته مثله، فقال: إن آدم سأل ربه تعالى أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمسن فدفعها إلى دانيال عليه السلام، يعني فصورها دانيال في خرق من حرير، فهذه بأعيانها التي صورها دانيال، ثم قال: أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وأني كنت عبدا لشركم ملكة حتى أموت، ثم أجازنا بأحسن جائزة وسرحنا. فلما قدمنا على أبي بكر رضي الله عنه، حدثناه بما رأيناه، وما قال لنا، فبكى أبو بكر وقال: مسكين، لو أراد الله بن خيرا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم. روى هذه القصة أبو عبد الله بن مندة، عن إسماعيل بن يعقوب. ورواها أبو عبد الله الحاكم، عن عبد الله بن إسحاق الخراساني، كلاهما عن البلدي، عن عبد العزيز، ففي رواية الحاكم كما ذكرت من السند وعند ابن مندة، قال: حدثنا عبيد الله عن شرحبيل، وهو سند غريب. وهذه القصة قد رواها الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أبيه مصعب، عن عبادة بن الصامت: بعثني أبو بكر الصديق في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم لندعوه إلى الإسلام، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فذكره بمعناه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 443 وقد رواه بطوله: علي بن حرب الطائي فقال: حدثنا دلهم بن يزيد، قال: حدثنا القاسم ان سويد، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري، عن أيوب بن موسى قال: كان عبادة بن الصامت يحدث، فذكر نحوه. أنبأنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر وجماعة، عن عبد الوهاب بن علي الصوفي، قال: أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم الخبري، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب من لفظه سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن أبيه، عن جده، عن عبادة بن الصامت قال: بعثني أبو بكر في نفر من الصحابة إلى ملك الروم لأدعوه إلى الإسلام، فخرجنا نسير على رواحلنا حتى قدمنا دمشق، فإذا على الشام لهرقل جبلة، فاستأذنا عليه، فأذن لنا، فلما نظر إلينا كره مكاننا وأمر بنا فأجلسنا ناحية، وإذا هو جالس على فرش له مع السقف، وأرسل إلينا رسولا يكلمنا ويبلغه عنها، فقلنا: والله لا نكلمه برسول أبدا. فانطلق الرسول فأعلمه ذلك، فنزل عن تلك الفرش إلى فرش دونها، فأذن لنا فدنونا منه، فدعوناه إلى الله وإلى الإسلام، فلم يجب إلى خير، وإذا عليه ثياب سود، فقلنا: ما هذه المسوح؟ قال: لبستها نذرا لا أنزعها حتى أخرجكم من بلادي. قال: قلنا له: تيدك لا تعجل، أتمنع منا مجلسك هذا! فوالله لنأخذنه وملك الملك الأعظم، خبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم قال: أنتم إذا السمراء الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 444 قلنا: وما السمراء؟ قال: لستم بهم. قلنا: ومن هم؟ قال: قوم يقومون الليل ويصومون النهار. قلنا: فنحن والله نصوم النهار ونقوم الليل، قال: فكيف صلاتكم؟ فوصفناها له، قال: فكيف صومكم؟ فأخبرناه به. وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فيعلم الله لعلا وجهه سواد حتى كأنه مسح أسود، فانتهرنا وقال لنا: قوموا فخرجنا وبعث معنا أدلاء إلى ملك الروم، فسرنا فلما دنونا من القسطنطينية قالت الرسل الذين معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فأقيموا حتى نأتيكم ببغال وبراذين. قلنا: والله لا ندخل إلا على دوابنا، فأرسلوا إليه يعلمونه، فأرسل: أن خلوا عنهم فتقلدنا سيوفنا وركبنا رواحلنا، فاستشرف أهل القسطنطينية لنا، وتعجبوا، فلما دنونا إذا الملك في غرفة له، ومعه بطارقة الروم، فلما انتهينا إلى أصل الغرفة أنخنا ونزلنا وقلنا: "لا إله إلا الله" فيعلم الله لنقضت الغرفة حتى كأنها عذق نخلة تصفقها الرياح، فإذا رسول يسعى إلينا يقول: ليس لكم أن تجهروا بدينكم على بابي. فصعدنا فإذا رجل شاب قد وخطه الشيب، وإذا هو فصيح بالعربية، وعليه ثياب حمر، وكل شيء في البيت أحمر، فدخلنا ولم نسلم، فتبسم وقال: ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم؟ قلنا: إنها لا تحل لكم قال: فكيف هي؟ قلنا: السلام عليكم، قال: فما تحيون به ملككم؟ قلنا: بها. قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: با قال: فماذا كان يحييكم به؟ قلنا: كذالك قال: فهل كان نبيكم يرث منكم شيئا؟ قلنا: لا، يموت الرجل فيدع وارثا أو قريبا فيرثه القريب، وأما نبينا فلم يكن يرث منها شيئا قال: فكذلك ملككم؟ قلنا: نعم قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا: لا إله إلا الله فانتفض وفتح عينيه، فنظر إلينا وقال: هذه الكلمة التي قلتموها فنقضت لها الغرفة؟ قلنا: نعم قال: الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 445 وكذلك إذا قلتموها في بلادكم نقضت لها سقوفكم؟ قلنا: لا وما رأيناها صنعت هذا قط، وما هو إلا شيء وعظت به. قال: فالتفت إلى جلسائه فقال: ما أحسن الصدق، ثم أقبل علينا فقال: والله لوددت أني خرجت من نصف ملكي وأنكم لا تقولونها على شيء إلا نقض لها قلنا: ولم ذاك؟ قال: ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة، وأن تكون من حيلة الناس ثم قال لنا: فما كلامكم الذي تقولونه حين تفتتحون المدائن؟ قلنا: "لا إله إلا الله والله أكبر". قال: تقولون: "لا إله إلا الله" ليس معه شريك؟ قلنا: نعم قال: وتقولون: "الله أكبر" أي: ليس شيء أعظم منه ليس في العرض والطول؟ قلنا: نعم وسألنا عن أشياء فأخبرناه، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل، فقمنا، ثم أرسل إلينا بعد ثلاث في جوف الليل فأتيناه، وهو جالس وحده ليس معه أحد، فأمرنا فجلسنا، فاستعادنا كلامنا، فأعدناه عليه، فدعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، ففتحها فإذا فيها بيوت مقفلة، ففتح بيتا منها، ثم استخرج خرقة حرير سوداء. فذكر الحديث نحو ما تقدم وفيه: فاستخرج صورة بيضاء، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما ننظر إليه حيا، فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: هذه صوة نبينا عليه السلام فقال: آلله بدينكم إنه لهو هو؟ قلنا: نعم، آلله بديننا إنه لهو هو، فوثب قائما، فلبث مليا قائما، ثم جلس مطرقا طويلا، ثم أقبل علينا فقال: أما إنه في آخر البيوت، ولكني عجلته لأخبركم وأنظر ما عندكم، ثم فتح بيتا، فاستخرج خرقة من حرير سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة سوداء شديدة السواد، وإذا رجل جعد قطط، كث اللحية، غائر العينين، مقلص الشفتين، مختلف الأسنان، حديد النظر كالغضبان، فقال: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذه صورة موسى عليه السلام. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 446 وذكر الصور إلى أن قال: قلنا: أخبرنا عن هذه الصور، قال: إن آدم سأل ربه أن يريه أنبياء ولده، فأنزل الله صورهم، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم من مغرب الشمس، فصورها دانيال في خرق الحرير، فلم يزل يتوارثها ملك بعد ملك، حتى وصلت إلي، فهذه هي بعينها. فدعوناه إلى الإسلام فقال: أما والله لوددت أن نفسي سخنت بالخروج من ملكي واتباعكم، وأني مملوك لأسوإ رجل منكم خلقا وأشده ملكة، ولكن نفسي لا تسخو بذلك. فوصلنا وأجازنا، وانصرفنا. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 447 باب: في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى، بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} قرأت على أبي الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية، أخبركم محمد بن أحمد بن عمر ببغداد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الهاشمي سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، قال: أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، قال: حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرنا عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل من مر من الناس ينظرون إليه ويتعجبون منه ويقولون: هلا وضع هذه اللبنة؟ قال: أنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". صلى الله عليه وسلم. البخاري البخاري عن قتيبة، عن إسماعيل. قال الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب وأعطيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت بين يدي". أخرجه مسلم والبخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 448 وقال العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الأنبياء بستك أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". أخرجه مسلم. وقال مالك بن مغول، عن الزبير بن عدي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى أعطي ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن كان من أمته لا يشرك بالله المقحمات. تقحم: أي: تلقى في النار. والحديث صحيح. وقال أبو عوانة: حدثنا أبو مالك، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الناس بثلاث: جعلت الأرض كلها لنا مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتيت هؤلاء الآيات، من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش". صحيح. وقال بشر بن بكر، عن الأوزاعي: قال: حدثني أبوعمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد بني آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع". اسم أبي عمار: شداد. أخرجه مسلم. وقال أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 449 فقال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداني وينفذهم البصر". -فذكر حديث الشفاعة بطوله. متفق عليه. وقال ليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، ولا فخر، وأعطيت لواء الحمد، ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر". -وساق الحديث بطوله في الشفاعة. وفي الباب حديث ابن عباس. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي القرآن آيات متعددة في شرف المصطفى عليه السلام. وعن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله خلقا أحب إليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] . وفي "الصحيح" من حديث قتادة، عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم أريت أني أسير في الجنة، فإذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله، قال: فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر". وقال الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حوضي كما بين صنعاء وأيلة، وفيه من الأباريق عدد نجوم السماء". وقال يزيد بن أبي حبيب: حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 450 عامر، يقول: آخر ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهداء أحد، ثم رقي المنبر وقال: "إني لكم فرط وأنا شهيد عليكم، وأنا أنظر إلى حوضي الآن، وأنا في مقامي هذا، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أريت أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، فأخاف عليكم أن تنافسوا فيها". وروى "مسلم" من حديث جابر بن سمرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم". وقال معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب". فقال رجل: يا رسول الله فما سعة حوضك؟ قال: ما بين عدن وعمان وأوسع، وفيه مثعبان من ذهب وفضة، شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا، ولن يسود وجهه أبدا". هذا حديث حسن. وروى ابن ماجه من حديث عطية -وهو ضعيف- عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي حوض طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وإني أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة". وقال عطاء بن السائب عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 451 وثبت أن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه رواه سعيد بن جبير، وقال: النهر: الذي في الجنة من الخير الكثير. وصح من حديث عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، شاطئه در مجوف. وروي عن عائشة قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع إصبعيه في أذنيه. وصح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأول من يشفع". وصح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وكان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". وقال سليمان التيمي، عن سيار، عن أبي أمامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فضلني على الأنبياء، أو قال: أمتي على الأمم -بأربع: أرسلني إلى الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي لأمتي مسجدا وطهورا فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره، ونصرت بالرعب، يسير بين يدي مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي، وأحلت لنا الغنائم". إسناده حسن، وسيار صدوق. أخرجه أحمد في "مسنده". وقال سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الناس بأربع: بالشجاعة، والسماحة، وكثرة الجماع، وشدة البطش". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 452 باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن عمر بن ربيعة، عن عبيد مولى الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنبهني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال: "يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع". فخرجت معه حتى أتينا البقيع، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلا ثم قال: "ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولا، للآخرة شر من الأولى، يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة". فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فقال: "والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة". ثم انصرف، فلا أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه الله فيه". رواه إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، وعبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص. وقال معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل، فاخترت التعجيل". الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 453 وقال الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "مرحبا بابنتي"، فأجلسها عن يمينه أو شماله، فسارها بشيء، فبكت، ثم سارها فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وتبكين! فلما أن قام قلت لها: أخبريني بما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي سره. فلما توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت: أما الآن فنعم، سارني فقال: "إن جبريل -عليه السلام- كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك". فبكيت، ثم سارني فقال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين -أو سيدة نساء هذه الأمة- ". يعني فضحكت. متفق عليه. وروى نحو عروة، عن عائشة، وفيه أنها ضحكت؛ لأنه أخبرها أنها أول أهله يتبعه. رواه مسلم. وقال عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر: 1] ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: "إنه قد نعيت إلي نفسي". فبكت ثم ضحكت، قالت: "أخبرني أنه نعي إليه نفسه فبكيت"، فقال لي: "اصبري فإنك أول أهلي لاحقا بي"، فضحكت. وقال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: قالت عائشة: وارأساه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك". فقالت: واثكلاه والله إني لأظنك تحب الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 454 موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال: "بل أنا وارأساه لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون". رواه البخاري هكذا. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله، عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي، فقلت: وارأساه. فقال: "بل أنا والله وارأساه، وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك". فقلت: والله إني لأحسب أن لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تمادى به وجعه، فاستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله، فقال العباس: إنا لنرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده، قلدوه، وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من فعل هذا"؟ قالوا: عمك العباس، تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها من الشيطان، وما كان الله تعالى ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس"، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة، وإنها لصائمة يومئذ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيتي، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بيتي، وهو بين العباس وبين رجل آخر، تخط قدماه الأرض إلى بيت عائشة، قال عبيد الله: فحدثت بهذا الحديث ابن عباس فقال: تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة؟ قلت: لا قال: هو علي رضي الله عنه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 455 وقال البخاري: قال يونس، عن ابن شهاب، قال عروة: كانت عائشة تقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه: "يا عائشة لم أزل أجد ألم الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم". وقال الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عائشة قالت: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة، فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، قالت: لما أدخل بيتي اشتد وجعه فقال: "أهرقن علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس". فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسم، ثم طفقنا نصب عليه، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، فخرج إلى الناس فصلى بهم ثم خطبهم. متفق عليه. وقال سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد وعبيد بن حنين، عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: "إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله". فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه، فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال: "لا تبك يا أبا بكر، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر". متفق عليه. وقال أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه أحد الأنصار، فذكر قريبا من حديث أبي سعيد الذي قبله. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 456 وقال جرير بن حازم: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر". أخرجه البخاري. وقال زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث: حدثني جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس يقول: "قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء وإني أبرأ إلي كل خليل من خلته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قوما ممن كانوا قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". رواه مسلم. مؤمل بن إسماعيل، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي قبض فيه أغمي عليه، فلما أفاق قال: "ادعي لي أبا بكر فلأكتب له لا يطمع طامع في أمر أبي بكر ولا يتمنى متمن"، ثم قال: "يأبى الله ذلك والمؤمنون" -ثلاثا- قالت: فأبى الله إلا أن يكون أبي. قال أبو حاتم الرازي: حدثناه يسرة بن صفوان، عن نافع، عن ابن أبي مليكة مرسلا، وهو أشبه. وقال عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 457 فجلس على المنبر وأوصى بالأنصار، فكان آخر مجلس جلسه. رواه البخاري. ودسماء: سوداء. وقال ابن عيينة: سمعت سليمان يذكر عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت: يا أبا عباس: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا". قال: فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما شأنه، أهجر؟! استفهموه، قال: فذهبوا يعيدون عليه، قال: "دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه" قال: وأوصاهم عند موته بثلاث فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، قال: وسكت عن الثالثة، أو قالها فنسيتها. متفق عليه. وقال الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا". فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا". فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. متفق عليه. وإنما أراد عمر -رضي الله عنه- التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين رآه الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 458 شديد الوجع، لعلمه أن الله قد أكمل ديننا، ولو كان ذلك الكتاب واجبا لكتبه النبي صلى الله عليه وسلم لهم، ولما أخل به. وقال يونس، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه، قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فقالت له عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فعاودته مثل مقالتها فقال: "أنتن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس". أخرجه البخاري. وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب، فقرأ بالمرسلات، فما صلى بعدها حتى لقي الله، يعني فما صلى بعدها بالناس. وإسناده حسن. ورواه عقيل، عن الزهري، ولفظه أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات، ما صلى لنا بعدها. البخاري. وقال موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله، حدثتني عائشة قالت: ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أصلي الناس"؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: "ضعوا لي ماء في المخضب". ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى الناس"؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب". قالت: ففعلنا، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى الناس"؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في المجسد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 459 ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس، فأتاه الرسول بذلك، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، قالت: فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. قال عبيد الله: فعرضته على ابن عباس ما أنكر منه حرفا. متفق عليه. وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وعروة، أن أبا بكر علق صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك روى الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس. وكذلك روى غيرهم. وأما صلاته خلف أبي بكر فقال شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا. وروى شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وروى هشيم، ومحمد بن جعفر بن أبي كثر، واللفظ لهشيم، عن حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 460 وروى سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، قال: حدثني حميد الطويلن عن ثابت، حدثه عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد، مخالفا بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: "ادعوا لي أسامة بن زيد"، فجاء فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها. وكذلك رواه سليمان بن بلال بزيادة ثابت البناني فيه. وفي هذا دلالة على أن هذه الصلاة كانت الصبح، فإنها آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامة عند فراغه منها، فأوصاه في مسيره بما ذكر أهل المغازي. وهذه الصلاة غير تلك الصلاة التي ائتم فيها أبو بكر به، وتلك كانت صلاة الظهر من يوم السبت أو يوم الأحد. وعلى هذا يجمع بين الأحاديث، وقد استوفاها الحافظ الإمام الحبر أبو بكر البيهقي. رحمه الله. وقال موسى بن عقبة: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم في صفر، فوعك أشد الوعك؛ واجتمع إليه نساؤه يمرضنه أياما، وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب، فجاءه المؤذن فآذنه بالصلاة، فنهض فلم يستطع من الضعف فقال للمؤذن: "اذهب إلى أبي بكر فمره فليصل". فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق، وإنه إن قام مقامك بكى، فأمر عمر فليصل بالناس فقال: "مروا أبا بكر"، فأعادت عليه، فقال: "إنكن صواحب يوسف". فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى كان ليلة الاثنين من ربيع الأول، فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل وغلام له يدعى نوبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح، وهو قائم في الأخرى، فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 461 مصلاه فصفا جميعا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر قائم يقرأ، فلما قضى قراءته قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس أبو بكر يتشهد والناس معه، فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على السقف كبير طين، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا، إنما هو كهيئة العريش، وكان أسامة قد تجهز للغزو. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 462 باب: حال النبي صلى الله عليه وسلم لما احتضر قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عائشة، وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما صنعوا. متفق عليه. حدثنا أحمد بن إسحاق بمصر قال: أخبرنا عمر بن كرم ببغداد، قال: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الثقفي من لفظه سنة سبعين وأربع مائة، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي إملاء، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث يقول: "أحسنوا الظن بالله عز وجل". هذا حديث صحيح من العوالي. وقال سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت عامة وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: "الصلاة وما ملكت أيمانكم"، حتى جعل يغرغر بها في صدره، وما يفيض بها لسانه. كذا قال سليمان. وقال همام: حدثنا قتادة، عن أبي الخليل، عن سفينة، عن أم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 463 سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: "الله الله، الصلاة وما ملكت أيمانكم". قالت: فجعل يتكلم به وما يكاد يفيض. وهذا أصح. وقال الليث، عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: "اللهم أعني على سكرة الموت". وقال سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فلما مرض عرضت له بحة، فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] ، فظننا أنه كان يخير. متفق عليه. وقال نحوه الزهري، عن ابن المسيب وغيره، عن عائشة. وفيه زيادة: قالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم: "الرفيق الأعلى". البخاري. وقال مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس قال: لما قالت فاطمة عليهما السلام: "واكرباه" قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا الموافاة يوم القيامة". وبعضهم يقول: مبارك، عن الحسن، ويرسله. وقال حماد بن زيد بن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثقل جعل يتغشاه -يعني الكرب- فقالت فاطمة: "واكرب أبتاه". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا كرب على أبيك بعد اليوم". أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 464 باب: وفاته صلى الله عليه وسلم قال أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أدعو به، فرفع بصره إلى السماء وقال: "في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى". ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة، فنظر إليها، فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فنفضتها ودفعتها إليه، فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ذهب يناولنيها، فسقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا. رواه البخاري هكذا. لم يسمعه ابن أبي مليكة، من عائشة؛ لأن عيسى بن يونس قال: عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ذكوان مولى عائشة أخبره، أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله علي أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت، دخل علي أخي بسواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري، فرأيته ينظر إليه، وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته له، فأمره على فيه، وبين يديه ركوة -أو علبة- فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح وجهه، ثم يقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات"، ثم نصب إصبعه اليسرى فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى، في الرفيق الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 465 الأعلى". حتى قبض، ومالت يده. رواه البخاري. وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالت فاطمة: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أباه أجاب ربا دعاه. قال: وقالت: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحسوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟ البخاري. وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري، في بيتي وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا، فمن سفاهة رأيي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في حجري، فأخذت وسادة فوسدتها رأسه ووضعته من حجري، ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم. الالتدام: اللطم. وقال مرحوم بن عبد العزيز العطار: حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس أنه أتى عائشة، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إلي الكلمة تقر بها عيني، فمر ولم يتكلم، فعصبت رأسي ونمت على فراشي، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لك"؟ قلت: رأسي فقال: "بل أنا وارأساه، أنا الذي أشتكي رأسي". وذلك حين أخبره جبريل أنه مقبوض، فلبثت أياما، ثم جيء به يحمل في كساء بين أربعة، فأدخل علي، فقال: يا عائشة أرسلي إلى النسوة، فلما جئن قال: "إني لا أستطيع أن أختلف بينكن، فأذن لي فأكون في بيت عائشة". قلن: نعم، فرأيته يحمر وجهه يعرق، ولم أكن رأيت ميتا قط، فقال: "أقعديني"، فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقلب رأسه فرفعت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 466 يدي وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي، فوقعت من فيه نقطة باردة على ترقوتي أو صدري، ثم مال فسقط على الفراش، فسجيته بثوب، ولم أكن رأيت ميتا قط، فأعرف الموت بغيره، فجاء عمر يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما، ومددت الحجاب، فقال عمر: يا عائشة ما لنبي الله؟ قلت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه فقال: واغماه، إن هذا لهو الغم، ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة، فلما بلغ عتبة الباب، قال المغيرة: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر، فقال: كذبت، ما مات رسول الله، ولا يموت حتى يأمر بقتال المنافقين، بل أنت تحوسك فتنة. فجاء أبو بكر فقال: ما لرسول الله؟ قلت: غشي عليه، فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه ثم قال: وانبياه واصفياه واخليلاه، صدق الله ورسوله {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزمر: 30] ، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] ، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} [آل عمران: 185] ، ثم غطاه وخرج إلى الناس فقال: أيها الناس، هل مع أحد منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} والآيات. فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، وثاني اثنين فبايعوه، فحينئذ بايعوه. رواه محمد بن أبي بكر المقدمي عنه. ورواه أحمد في "مسنده" الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 467 بطوله عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، قال: أخبرنا أبو عمران الجوني، فذكره بمعناه. وقال عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل علي، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مغشي ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يقبله، ثم بكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس، أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر، فأبى، فقال: اجلس فأبى فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر فقال أبو بكر: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإنه قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] ، فكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها. وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ففرقت، أو قال: فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات. أخرجه البخاري. وقال يزيد بن الهاد: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 468 عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا، بعد ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة قال: كان أسامة بن زيد قد تجهز للغزو وخرج ثقلة إلى الجرف فأقام تلك الأيام لوجع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون، وفيهم عمر، وأمره أن يغير على أهل مؤتة، وعلى جانب فلسطين، حيث أصيب أبوه زيد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جذع في المسجد، يعني صبيحة الاثنين، واجتمع المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية، فدعا أسامة فقال: "اغد على بركة الله والنصر والعافية". قال: بأبي أنت يا رسول الله، قد أصبحت مفيقا، وأرجو أن يكون الله قد شفاك، فأذن لي أن أمكث حتى يشفيك الله، فإن أنا خرجت على هذا الحال خرجت في قلبي قرحة من شأنك، وأكره أن أسأل عنك الناس، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يراجعه، وقام فدخل بيت عائشة، وهو يومها، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة، فقال: قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا، وأرجو أن يكون الله قد شفاه، ثم ركب أبو بكر فلحق بأهله بالسنح، هنالك امرأته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاري، وانقلبت كل امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتها، وذلك يوم الاثنين. ولما استقر صلى الله عليه وسلم ببيت عائشة وعك أشد الوعك، واجتمع إليه نساؤه، واشتد وجعه، فلم يزل بذلك حتى زاغت الشمس، وزعموا أنه كان يغشى عليه، ثم شخص بصره إلى السماء فيقول: "نعم في الرفيق الأعلى"، وذكر الحديث إلى أن قال: فأرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وارسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتى الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 469 توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة، وفي يومها يوم الاثنين، وجزع الناس، وظن عامتهم أنه غير ميت، منهم من يقول: كيف يكون شهيدا علينا ونحن شهداء على الناس، فيموت، ولم يظهر على الناس، ولكنه رفع كما فعل بعيسى بن مريم، فأوعدوا من سمعوا يقول: إنه قد مات، ونادوا على الباب "لا تدفنوه فإنه حي". وقام عمر يخطب الناس ويوعد بالقتل والقطع ويقول: إنه لم يمت وتواعد المنافقين والناس قد ملأوا المسجد يبكون ويموجون، حتى أقبل أبو بكر من السنح. وقال يونس بن بكير، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن أم سلمة قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات، فمر بي جمع آكل وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي. وقال ابن عون، عن إبراهيم بن يزيد -هو التيمي- عن الأسود، قال: قيل لعائشة: إنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي وقد رأيته دعا بطست ليبول فيها، وأنا مسندته إلى صدري، فانحنث فمات، ولم أشعر فيم يقول هؤلاء: إنه أوصى إلى علي. متفق عليه. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 470 تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم: قال الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر: أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني أرجو أن أموت فيه، فمات فيه. وقال ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن ابن عباس، قال: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} [المائدة: 3] ، وتوفي يوم الاثنين. قد خولف في بعضه، فإن عمر -رضي الله عنه- قال: نزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} يوم عرفة يوم جمعة. وكذلك قال عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس. وقال موسى بن عقبة: توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال شهر ربيع الأول. وقال سليمان التيمي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم العاشر من مرضه، وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول. رواه معتمر، عن أبيه. وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. وذكر الطبري، عن ابن الكلبي، وأبي مخنف وفاته في ثاني ربيع الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 471 الأول. وقال محمد بن إسحاق: توفي لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، في اليوم الذي قدم المدينة مهاجرا، فاستكمل في هجرته عشر سنين كوامل. وقال الواقدي، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول. ويروى نحو هذا في وفاته، عن عائشة، وابن عباس إن صح، وعليه اعتمد سعيد بن عفير، ومحمد بن سعد الكاتب، وغيرهما. أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: أخبرنا أبو محمد بن البن، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا علي بن محمد الفقيه، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر، قال: أخبرنا علي بن أبي العقب قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عائذ، قال: حدثنا الهيثم بن حميد، قال: أخبرني النعمان، عن مكحول، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأوحى إليه يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين لاثنتين وستين سنة وأشهر، وكان له قبل أن يوحى إليه اثنتان وأربعون سنة، واستخفى عشر سنين وهو يوحى إليه، ثم هاجر إلى المدينة، فمكث يقاتل عشر سنين ونصفا، وكان الوحي إليه عشرين سنة ونصفا، وتوفي، فمكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل الناس عليه رسلا رسلا يصلون عليه، والنساء مثل ذلك. وطهره الفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وكان يناولهم الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 472 العباس الماء، وكفن في ثلاثة رياط بيض يمانية، فلما طهر وكفن دخل عليه الناس في تلك الأيام الثلاثة يصلون عليه عصبا عصبا، تدخل العصبة فتصلي عليه ويسلمون، ولا يصفون ولا يصلي بين أيديهم مصل، حتى فرغ من يريد ذلك، ثم دفن، فأنزله في القبر العباس وعلي والفضل، وقال عند ذلك رجل من الأنصار: أشركونا في موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أشركنا في حياته، فنزل عهم في القبر وولى ذلك معهم. ورواه محمد بن شعيب بن شابور، عن النعمان. وعن عثمان بن محمد الأخنسي قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين زاغت الشمس، ودفن يوم الأربعاء. وعن عروة أنه توفي يوم الاثنين، ودفن من آخر ليلة الأربعاء. وعن الحسن قال: كان موته في شهر أيلول. قلت: إذا تقرر أن كل دور في ثلاث وثلاثين سنة كان في ست مائة وستين عاما عشرون دورا، فإلى سنة ثلاث وسبع مائة من وقت موته أحد وعشرون دورا في ربيع الأول منها كان وقوع تشرين الأول وبعض أيلول في صفر، وكان آب في المحرم، وكان أكثر تموز في ذي الحجة فحجة الوداع كانت في تموز. قال أبو اليمن ابن عساكر وغيره: لا يمكن أن يكون موته يوم الاثنين من ربيع الأول إلا يوم ثاني الشهر أو نحو ذلك، فلا يتهيأ أن يكون ثاني عشر الشهر للإجماع أن عرفة في حجة الوداع كان يوم الجمعة، فالمحرم بيقين أوله الجمعة أو السبت، وصفر أوله على هذا السبت أو الأحد أو الاثنين، فدخل ربع الأول الأحد، وهو بعيد، إذ يندر وقوع ثلاثة أشهر نواقص، فترجح أن يكون أوله الاثنين، وجاز أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 473 يكون الثلاثاء، فإن كان استهل الاثنين فهو ما قال موسى بن عقبة من وفاته يوم الاثنين لهلال ربيع الأول، فعلى هذا يكون الاثنين الثاني منه ثامنه، وإن جوزنا أن أوله الثلاثاء فيوم الاثنين سابعه أو رابع عشره، ولكن بقي بحث آخر: كان يوم عرفة الجمعة بمكة، فيحتمل أن يكون كان يوم عرفة بالمدينة يوم الخميس مثلا أو يوم السبت، فيبنى على حساب ذلك. وعن مالك: قال بلغني أنه توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 474 باب: عمر النبي صلى الله عليه وسلم والخلف فيه قال ربيعة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وتوفي على رأس ستين سنة. البخاري ومسلم. وقال عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقبض أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين. رواه مسلم. قوله في الأول على رأس ستين سنة، على سبيل حذف الكسور القليلة، لا على سبيل التحرير، ومثل ذلك موجود في كثير من كلام العرب. وقال عقيل، عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال ابن شهاب: وأخبرني ابن المسيب بذلك. متفق عليه. وقال زكريا بن إسحاق: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة. متفق عليه. ولمسلم مثله من حديث أبي جمرة عن ابن عباس. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 475 وللبخاري مثله من حديث عكرمة، عن ابن عباس. وأما ما رواه هشيم، قال: حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة فعلي ضعيف الحديث ولا سيما وقد خالفه غيره. وقد قال شبابة، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن عمار مولى بن هاشم، سمع ابن عباس يقول: توفي وهو ابن خمس وستين. وهذا حديث غريب لكن تقويه رواية هشام، عن قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين. وهو غسناد صحيح مع أن الحسن لم يعتمد على ما روى عن دغفل بل قال: توفي وهو ابن ثلاث وستين. قاله أشعث عنه. وقال هشام بن حسان عنه: توفي وهو ابن ستين سنة. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد الله، عن معاوية، قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وكذلك أبو بكر وعمر. أخرجه مسلم. وكذلك قال سعيد بن المسيب، والشعبي، وأبو جعفر الباقر، وغيرهم. وهو الصحيح الذي قطع به المحققون، وقال قتادة: توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 476 باب: غسله وكفنه ودفنه صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، سمع عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صده، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. صحيح أخرجه أبو داود. وقال أبو معاوية: حدثنا بريد بن عبد الله أبو بردة، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل: "لا تخرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه". وقال ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي، وعليه قميصه وعلى يد علي -رضي الله عنه- خرقة يغسله بها، فأدخل يده تحت القميص وغسله والقميص عليه فيه ضعف. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله علي، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 477 وأسامة، والفضل بن العباس، وأدخلوه قبره، وكان علي يقول وهو يغسله: بأبي وأمي، طبت حيا وميتا. مرسل جيد. وقال عبد الواحد بن زياد: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: قال: قال علي: غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا. وولى دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا. وقال عبد الصمد بن النعمان: حدثنا أبو عمر كيسان، عن مولاه يزيد بن بلال قال: سمعت عليا -رضي الله عنه- يقول: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه "لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه". قال علي: فكان العباس، وأسامة، يناولاني الماء، وراء الستر، وما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا، حتى فرغت من غسله. كيسان القصار يروى عنه أيضا القاسم بن مالك، وأسباط، ومولاه كأنه مجهول، وهو ضعيف. وقال أبو معشر: عن محمد بن قيس، قال: كان الذي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي، والفضل بن عباس يصب عليه، قال: فما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا، حتى انتهينا إلى عورته فسمعنا من جانب البيت صوت: "لا تكشفوا عن عورة نبيكم". مرسل ضعيف. وقال ابن جريج: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالسدر، وغسل من بئر بقباء كان يشرب منها. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 478 ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق عليه. ولمسلم فيه زيادة وهي: سحولية من كرسف. فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له حلة ليكفن فيها، فتركت الحلة، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها، ثم قال: لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها. رواه مسلم. وروى علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية، ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة أثواب. وروى نحوه القاسم عن عائشة. واما ما روى شعيب، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة، وروى نحو ذا عن مقسم، عن ابن عباس، فلعله قد اشتبه على من قال ذلك، بكونه صلى الله عليه وسلم أدرج في حلة يمانية، ثم نزعت عنه. وقال زكريا عن الشعبي، قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية برود يمنية غلاظ: إزار ورداء ولفافة. وقال الحسن بن صالح بن حي، عن هارون بن سعد، عن أبي وائل قال: كان عند علي -رضي الله عنه- مسك فأوصى أن يحنط به. وقال علي: هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 479 عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ثم أدخل العبيد، لم يؤمهم أحد. وقال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: وجدت بخط أبي، قال: لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره، دخل أبو بكر، وعمر، ونفر من المهاجرين والأنصار فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار كذلك، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول: اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله، حتى أعز الله دينه، وتمت كلمته وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبغي بالإيمان بدلا، ولا نشتري به ثمنا أبدا، فيقول الناس: آمين آمين، فيخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى عليه الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان. مرسل ضعيف لكنه حسن المتن. وقال سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن سالم بن عبيد -وكان من أصحاب الصفة- قال: قالوا: هل ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأين يدفن؟ فقال أبو بكر: حيث قبضه الله، فإنه لم يقبض روح إلا في مكان طيب، فعلموا أنه كما قال. زاد بعضهم بعد سلمة "نعيم بن أبي هند". وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 480 الله صلى الله عليه وسلم كان أبوعبيدة بن الجراح يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة، فأرسل العباس خلفهما رجلين، وقال: اللهم خر لرسولك، أيهما جاء حفر له، فجاء أبو طالحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره، فقال قائل: في البقيع، فقد كان يكثر الاستغفار لهم. وقال قائل: عند منبره، وقال قائل: في مصلاه، فجاء أبو بكر فقال: إن عندي من هذا خبرا وعلما، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي". وقال ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا -وكان من أعبر الناس- قالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجرتي، فقال: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة هذا خير أقمارك. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن عباس بن عبد الله بن معبد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعًا على سريره من حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلون الناس عليه، وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يقبروه، نحوا السرير قبل رجليه، فأدخل من هناك، ونزل حفرته العباس وعلي، وقثم بن العباس، والفضل بن العباس، وشقران. وقال ابن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 481 ابن عباس، قال: كان الذين نزلوا القبر، فذكرهم سوى العباس، وقد كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة حمراء قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها، فدفنها معه في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك، فدفنت معه. وقال أبو جمرة، عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ألقى في قبره قطيفة حمراء. أخرجه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: حدثني أبو مرحب قال: كأني أنظر إليهم في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف. وقال سليمان التيمي: لما فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفينه، صلى الناس عليه يوم الاثنين والثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء. وقال أبو جعفر محمد بن علي: لبث يوم الاثنين ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار. وقال ابن جريج: مات في الضحى يوم الاثنين. ودفن من الغد في الضحى. هذا قول شاذ، وإسناده صحيح. وقال ابن إسحاق: حدثتني فاطمة بنت محمد، عن عمرة، عن عائشة أنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء. قال ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يدعى قال: أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله، فأكون آخر الناس عهدا به. هذا حديث منقطع. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 482 وقال الشافعي في "مسنده": أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت التعزية، وسمعوا قائلا يقول: "إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب". وأخرج الحاكم في "مستدركه" لأبي ضمرة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس، ولا يرون الشخص، فذكر نحوه. وقد تقدم صلاتهم عليه من غير أن يؤمهم أحد، فالله أعلم. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 483 صفة قبره صلى الله عليه وسلم: قال عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم، قال: قلت لعائشة: اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. أخرجه أبو داود هكذا. وقال أبو بكر بن عياش، عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما. أخرجه البخاري. وقال الواقدي: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطوحا. هذا ضعيف. وقال عروة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت: ولال ذلك لأبرز قبره، غير أنه خاف أو خيف أن يتخذ مسجدا. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 484 باب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ولم يوص إلى أحد بعينه بل نبه على الخلافة بأمر الصلاة قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا، فقال: راغب، راهب. قالوا: استخلف. فقال: أتحمل أمركم حيا وميتا؟ لوددت أن حظي منكم الكفاف لا علي ولا لي، إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني أبا بكر- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: فعرفت أنه غير مستخلف حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. واتفقا عليه من حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه. وقال الثوري، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن تستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها. إسناده حسن. وقال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 485 أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه. فلما ذه عبد الرحمن ليقوم قال: أبي الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. ويروى عن أنس نحوه. وقال شعيب بن ميمون، عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي، عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف. تفرد به شعيب، وله مناكير. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، أن ابن عباس أخبره، أن عليا خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفى فيه، فقال الناس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده العباس فقال: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفاه الله من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنسأله فيمن هذا الأمر، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فاوصى بنا، قال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ورواه معمر وغيره. وقال أبو حمزة السكري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: قال العباس لعلي -رضي الله عنهما-: إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، فانطلق بنا نسأله، فإن يستخلف منا فذاك، وإلا أوصى بنا فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك قال: فقبض يده قال الشعبي: لو أن عليا أطاع العباس -في أحد الرأيين- كان خيرا من حمر النعم. وقال: لو أن الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 486 العباس شهد بدرا ما فضله أحد من الناس رأيا ولا عقلا. وقال أبو إسحاق عن أرقم بن شرحبيل: سمعت ابن عباس يقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص. وقال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قلت: فلم أمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله. قال طلحة: قال هزيل بن شرحبيل: أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام. متفق عليه. وقال همام عن قتادة عن أبي حسان أن عليا قال: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس إلا ما في هذه الصحيفة ... الحديث. وأما الحديث الذي فيه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة، والصيام، والزكاة"، فذكر حديثا طويلا موضوعا، تفرد به حماد بن عمرو -وكان يكذب- عن السري بن خالد عن جعفر الصادق عن آبائه. وعند الرافضة أباطيل في أن عليا عهد إليه. وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله قال: لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق، وللداريين بجاد مائة وسق، وللشنيين بجاد مائة وسق، للأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر، وأوصى بتنفيذ بعث أسامة، وأوصى أن لا يترك بجزيرة العرب دينان. مرسل. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 487 وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير بن عبد الله قال: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا لي: إن كان ما تقول حقا مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث. قال: فأقبلت وأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون، فقالا لي: أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا إن شاء الله سنعود، ورجعا إلى اليمن، وذكر الحديث. أخرجه البخاري. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 488 باب: تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث الخزاعي أخي جويرية، قال: والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقة. أخرجه البخاري. وقال الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء. مسلم. وقال مسعر، عن عاصم، عن زر، قالت عائشة: تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة. وقال عروة عن عائشة قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي إلا شطر شعير، فأكلت منه حتى ضجرت، فكلته ففني، وليتني لم أكله. متفق عليه. وقال الأسود، عن عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعًا من شعير. أخرجه البخاري. وأما البرد الذي عند الخلفاء آل العباس، فقد قال يونس بن بكير، الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 489 عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد -يعني السفاح- بثلاث مائة دينار. وقال ابن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن حسن بن حسين عن فاطمة بنت الحسين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الحف يعملان. هذا مرسل، والحف هي الخشبة التي يلف عليها الحائك وتسمى المطواة. وقال زمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة. إسناده صالح. وقال الزهري: حدثني عروة، أن عائشة أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله، وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال -يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل"، وإني والله لا أغير صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر من ذلك، وذكر الحديث. رواه البخاري. وقال أبو بردة: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة، فأقسمت بالله لقد الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 490 قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الثوبين. متفق عليه. وقال الزهري: حدثني علي بن الحسين أنهم حين قدموا المدينة مقتل الحسين لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قلت: لا. قال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي. اتفقا عليه. وقال عيسى بن طهمان: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة، واجتمع عنده منهن إحدى عشرة، وقبض عن تسع. فأما اللتان لم يدخل بهن فأفسدهما النساء فطلقهما، وذلك أن النساء قلن لإحداهما: إذا دنا منك فتمنعي، فتمنعت، فطلقها، وأما الأخرى فلما مات ابنه إبراهيم قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه، فطلقها. وخمس منهن من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة. وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث الخزاعية، وزينب بنت جحش الأسدية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية. قبض صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء رضي الله عنهن. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 491 روى داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس، فمات قبل أن يخبرها فبرأها الله منه. وقال إبراهيم بن الفضل: حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس، فأراد أبو بكر أن يضرب عنقه، فقال له عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرض لها ولم يدخل بها، وارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله، فلم يزل به حتى كف عنه. وأما الواقدي فروى عن ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله: هل تزوج النبي قتيلة أخت الأشعث؟ فقال: ما تزوجها قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون، فلما أتي بها وقدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها. ويقال: إنها فاطمة بنت الضحاك: فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: هي فاطمة بنت الضحاك، استعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية. تزوجها في سنة ثمان وتوفيت سنة ستين. وقال ابن إسحاق: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت كعب الجونية، فلم يدخل بها حتى طلقها. وتزوج عمرة بنت يزيد، وكانت قبله عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب. كذا قال، وهذا شيء منكر. فإن الفضل يصغر عن ذلك. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 492 وعن قتادة قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن أسماء بنت النعمان الجونية، فلما دخل بها دعاها، فقالت: تعال أنت، فطلقها. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمرو بن صالح، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: استعاذت الجونية منه، وقيل لها: "هو أحظى لك عنده"، وإنما خدعت لما روي من جمالها وهيئتها، ولقد ذكر له من حملها على ما قالت له، فقال: "إنهن صواحب يوسف". وذلك سنة تسع. وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج مغضبا، فقال له الأشعث بن قيس: لا يسوؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟ فقال: "من"؟ قال: أختي قتيلة قال: "قد تزوجتها" فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها، فبلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها وارتدت معه. ويروى عن قتادة وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج سناء بنت الصلت السلمية، فماتت قبل أن يصل إليها. وعن ابن عمر من وجه لا يصح قال: كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سناء بنت سفيان الكلابية، وبعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه امرأة من بني عامر، يقال لها: عمرة بنت يزيد، فتزوجها، ثم بلغه أن بها بياضا فطلقها. قال الواقدي: وحدثني أبو معشر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج مليكة بنت الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 493 كعب، وكانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فاستعاذت منه، فطلقها فجاء قومها فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها صغيرة، ولا رأى لها، وإنها خدعت فارتجعها. فأبى عليهم، فاستأذنوه أن يزوجوها، فأذن لهم. وأبوها قتله خالد يوم الفتح. وهذا حديث ساقط كالذي قبله. وأوهى منهما ما روى الواقدي، عن عبد العزيز الجندعي، عن أبيه، عن عطاء الجندعي، قال: تزوج رسول اله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت كعب الليثي في رمضان سنة ثمان، ودخل بها، فماتت عنده. قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك. وقال عقيل، عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني كلاب، ثم فارقها. قال أحمد ابن أبي خيثمة: هي العالية بنت ظبيان فيما بلغني. وقال هشام بن الكلبي: تزوج بالعالية بنت ظبيان، فمكثت عنده دهرا، ثم طلقها، حدثني ذلك رجل من بني كلاب. وروى المفضل الغلابي، عن علي بن صالح، عن علي بن مجاهد، قال: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خولة بنت هذيل الثعلبية، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف بنت فضالة، فماتت في الطريق أيضا. ويروى عن سهل بن زيد الأنصاري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار، فدخل بها، فرأى بها بياضا من برص، فقال: الحقي بأهلك، وأكمل لها صداقها. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 494 هذا ونحوه إنما أوردته للتعجب لا للتقرير. ومن سراريه: مارية أم إبراهيم. وقال الواقدي: حدثني ابن أبي ذئب، عن الزهرين قال: كانت ريحانة أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها، وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواقدي: وهذا أثبت عندنا، وكان زوج ريحانة قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، وهي من بني النضير، فحدثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم، عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت ذات جمال، قالت: فتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا وأعرس بي وقسم لي. وكان معجبا بها، توفيت مرجعه من حجة الوداع، وكان تزويجه بها في المحرم سنة ست. وأخبرني عبد الله بن جعفر، عن ابن الهاد، عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كانت ريحانة من بني النضير، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقها وتزوجها وماتت عنده. وقال ابن وهب: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسر ريحانة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها قلت: هذا أشبه وأصح. قال أبو عبيدة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ولائد: مارية، وريحانة من بني قريظة، وجميلة فكادها نساؤه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب بنت جحش. وقال زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 495 مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، قال: كان نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فدخل ببعضهن وأرجى بعضهن، فلم يُنْكَحْنَ بعده، منهن أم شريك، يعني الدوسية. وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: كنا نتحدث أن أمر شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة صالحة. وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض نفسها عليه، قال: قد فعلت فرجعت إلى قومها، فقالت: قد تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: أنت امرأة غيري تغارين من نسائه فيدعو عليك. فرجعت، فقالت: أقلني. قال: "قد أقلتك". وقد خطب صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب، وضباعة بنت عامر، وصفية بنت بشامة ولم يقض له أن يتزوج بهن. آخر الترجمة النبوية. الجزء: سيرة 2 ¦ الصفحة: 496 [سير الخلفاء الراشدين] - أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمه عبد الله -ويقال: عتيق- بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه. روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين، من آخرهم: أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب. قال ابن أبي مليكة وغيره: إنما كان عتيق لقبا له. وعن عائشة، قالت: اسمه الذي سماه أهله به "عبد الله" ولكن غلب عليه "عتيق". وقال ابن معين: لقبه عتيق لأن وجهه كان جميلا، وكذا قال الليث بن سعد. وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها. وقيل: كان أبيض نحيفا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم. وكان أول من آمن من الرجال. وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 7 وعن عائشة، قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر. وعن الزهري، قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفا جعدا مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه. وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر". وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار. وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله أي الرجال أحب إليك؟ قال: "أبو بكر". وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق". وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 8 بكر وعمر، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي". وروى نحوه من وجوه مقاربة عن زر بن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم، عن علي وقال طلحة بن عمرو عن عطاء، عن ابن عباس مثله. وقال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس مثله. أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن غريب. ثم رواه من حديث الموقري، عن الزهري، ولم يصح. قال ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا". روى مثله ابن عباس، فزاد: "ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر". هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 9 وصحح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة، قلت: ثم من؟ فسكتت. مالك في "الموطأ عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: "عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده"، فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر". متفق على صحته. وقال أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، والأول أصح. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 10 وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن صاحبكم خليل الله". قال الترمذي: حديث حسن غريب. وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار". وروي عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره". تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث. وقال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "إن لم تجديني فأتى أبا بكر". متفق على صحته. وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن علي، قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضينا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 11 لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر". هذا حديث صحيح. وقال نافع بن عمر: حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: "ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن"، ثم قال: "يأبى الله ذلك والمسلمون". تابعه غير واحد، منهم عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، ولفظه: "معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر". وقال زائدة، عن عاصم عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه. وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 12 فقد غامر". قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت". وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني قال: حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة"، فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه قال: "أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي". أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث. وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري، قال: قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنت أمين هذه الأمة"، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} [الحجرات: 15] ، فمن سماه الله صادقا لم يكذب، هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله. وقال إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 13 قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا؟ قال: يعني لي عيال، فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة. فانطلقنا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت. وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال، وقال: قد كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني. وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه فقال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك. قال: ففرضوا له كل يوم شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن، وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء. فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان. وعن ميمون بن مهران، قال: جعلوا له ألفين وخمس مائة. وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الزبير بن بكار، عن بعض أشياخه، قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي. وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 14 عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعرا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية. وقال كثير النواء: عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47] . وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. وقال أبو معاوية وجماعة: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن ابن عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أبو بكر وعمر، وعثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. وقال علي -رضي الله عنه: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه؛ لأنه قاله على منبر الكوفة فلعن الله الرافضة ما أجهلهم؟ وقال السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن. وقال عقيل: عن الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 15 يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوما باردًا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، وكانت خلافته سنتين ومائة يوم. وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة. وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة. قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر عن محمد بن إبراهيم التيمي. وأخبرنا عمرو بن عبد الله، عن أبي النضر، عن عبد الله النخعي، دخل حديث بعضهم في بعض: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله فقال: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني! أقول: استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 16 عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} [الشعراء: 227] . وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر "عمر" كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، والله إن كنت لها أهلا. وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. وقد رواه الليث بن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فقال: بحمد الله بارئا، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلا مع وجعي؛ جعلت لكم عهدا بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له. ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الخرب، وددت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 17 أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، ووددت أني كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة، وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مددا وردءا، وودت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله، وودت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ وأني كنت سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة. رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت: من لا يزال دمعه مقنعا ... فإنه لا بد مرة مدفوق فرفع راسه وقال: يا بنية ليس كذاك، ولكن كما قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] . وقال موسى الجهني، عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن عائشة تمثلت لا احتضر أبو بكر: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال: ليس كذاك ولكن: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} ، إني قد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 18 نحلك حائطا، وإن في نفسي منه شيئا فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم أنأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت. وقال القاسم عن عائشة، أن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إل عمر، فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن. وقال عبد الواحد بن أيمن وغيرهم، عن أبي جعفر الباقر، قال: دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي، فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجي. وعن القاسم، قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر. وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. وعن مجاهد قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه، فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياما. وجاء أنه ورثه أبوه وزوجاه أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 19 خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم. ويقال: إن اليهود سمته في أرزة فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة رضي الله عنه وأرضاه. ذكر عمال أبي بكر: قال موسى بن أنس بن مالك: إن أبا بكر استعمل أباه أنسا على البحرين. وقال خليفة: وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن أو المهاجر بن أبي أمية، واستعمل الآخر على كدام، وأقر على الطائف عثمان بن أبي العاص. ولما حج استخلف على المدينة قتادة بن النعمان. وكان كاتبه عثمان بن عفان، وحاج به سديد مولاه. ويقال: كتب له زيد بن ثابت، وكان وزيره عمر بن الخطاب، وكان أيضا على قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بن ياسر. خلافة الصديق -رضي الله عنه- وأرضاه: قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 20 والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر الصديق فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} [الزمر: 30] ، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] ، فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبدا، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، قريش أوسط العرب دارا وأعزهم أحسابا، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر: قتله الله. رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند. وقال مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلا يقول: "لو مات عمر بايعت فلانا". فلا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلته، وليس الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 21 منكم من تقطع العناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا، حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلفت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم، فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون على رجل مزمل بالثياب، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة مريض فجلسنا، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر. قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر، فقال أبو بكر: على رسلك. وكنت أعرف منه الحد، فكرهت أن أغضبه وهو كان خيرا مني وأوفق وأوقر، ثم تكلم فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت، ثم قال: أما بعد: ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح قال: فما كرهت شيئا مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 22 أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت. فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير معشر المهاجرين قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعته الأنصار، ونزوا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا. فقلت: قتل الله سعدا قال عمر: فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد. رواه يونس بن يزيد، عن الزهري بطوله، فزاد فيه: قال عمر: "فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، فمن بايع رجلا عن غير مشورة، فإنه لا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا". متفق على صحته. وقال عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن أبا بكرقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ -يعني في الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 23 الصلاة- فقال الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. رواه الناس، عن زائدة عنه. وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة، فقال: ابسط يدك لأبايعك، فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟ وروى نحوه عن مسلم البطين، عن أبي البختري. وقال ابن عون، عن ابن سيرين، قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك. فقال عمر: أنت أفضل مني فقال أبو بكر: أنت أقوى مني. قال: إن قوتي لك مع فضلك. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن المنذر، وكان بدريا، فقال: منا أمير ومنكم أمير. وقال وهيب: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم. قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره، كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام أبو بكر، فقال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 24 جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أم والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه، ثم لم ير الزبير، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه. روى منه أحمد في "مسنده" إلى قوله: "لما صالحناكم" عن عفان، عن وهيب. ورواه بتمامه ثقة، عن عفان. وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس: قال عمر في خطبته: وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج يا ابن الخطاب، فخرجت، فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بيننا وبينهم فيه حرب، وقال في الحديث: وتابعه المهاجرون والأنصار فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا. قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة شر. وهذا من حديث جويرية بن أسماء، عن مالك. وروى مثله الزبير الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 25 بن بكار، عن ابن عيينة، عن الزهري. وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن الكواء، أن عليا -رضي الله عنه- ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجاءة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذيه بالصلاة فيقول: "مروا أبا بكر بالصلاة"، فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره فغضب، وقال: "إنكن صواحب يوسف"، فملا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين. وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، قال: حدثنا الزبيدي، قال: حدثني الزهري، عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة، قال: حين جلس أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت في المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا -يقول حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا -فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب. وقال موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم: حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس، وقال: والله ما كنت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 26 حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية. فقبل المهاجرون مقالته. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا؛ لأنا أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. وقد قيل: إن عليا -رضي الله عنه- تمادى عن المبايعة مدة، فقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد وفاة أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا. فقال عمر: لا والله لا تأتهم فقال أبو بكر: والله لآتينهم وما تخاف علي منهم! فجاءهم حتى دخل عليهم فحمد الله، ثم قال: إني قد عرفت رأيكم، قد وجدتم علي في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، والله ما صنعت ذاك إلا أني لم أكن أريد أن أكل شيئا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أرى أثره فيه وعمله إلى غيري حتى أسلك به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، ووالله؛ لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعظيم حقه. ثم تشهد علي، وقال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيرًا جعله الله لك أن لا تكون أهلا لما أسند إليك، ولكنا كنا من الأمر حيث قد علمت فتفوت به علينا، فوجدنا في أنفسنا، وقد رايت أن أبايع وأدخل فيمادخل فيه الناس، وإذا كانت العشية فصل بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك فأبايعك. فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي، وما دخل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 27 فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذك أبا بكر وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من الخير، ثم قام إلى أبي بكر فبايعه. أخرجه البخاري من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيه: وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلا توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته. قصة الأسود العنسي: قال سيف بن عمر التميمي: حدثنا المستنير بن يزيد النخعي، عن عروة بن غزية، عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: أول ردة كانت في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد عبهلة بن كعب، وهو الأسود، في عامة مذحج: خرج بعد حجة الوداع، وكان شعباذا يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من يسمع منطقه، فوثب هو ومذحج بنجران إلى أن سار إلى صنعاء فأخذها، ولحق بفروة من تم على إسلامه، ولم يكاتب الأسود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن. فروى سيف، عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر، قال: بينما نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي، وكتبنا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 28 بيننا وبينهم الكتب، إذا جاءنا كتاب من الأسود أن أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، فبينا نحن ننظر في أمرنا إذ قيل: هذا الأسود بشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باذام، ثم أتانا الخبر أنه قتل شهرا وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء بعد نيف وعشرين ليلة، وخرج معاذ هاربا حتى مر بأبي موسى الأشعري بمأرب، فاقتحما حضرموت. وغلب الأسود على ما بين أعمال الطائف إلى البحرين وغير ذلك، وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبع مائة فارس يوم لقي شهرا، وكان قواده: قيس بن عبد يغوث، ويزيد بن مخزوم، وفلان، وفلان واستغلظ أمره وغلب على أكثر اليمن، وارتد معه خلق، وعامله المسلمون بالتقية. وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الأبناء إلى فيروز الديلمي، وذادويه. فلما أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج امرأة شهر، وهي بنت عم فيروز، قال: فبينا نحن كذلك بحضرموت ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، وقد تزوج معاذ في السكون، إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال لمجاولته ومصاولته، فقام معاذ في ذلك، فعرفنا القوة ووثقنا بالنصر. وقال سيف: حدثنا المستنير، عن عروة، عن الضحاك بن فيروز، عن جشنس بن الديلمي، قال: قدم علينا وبر بن يحنس الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 29 بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فيه بالنهوض في أمر الأسود فرأينا أمر كثيفا، ورأينا الأسود قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فأخبرنا قيسا وأبلغناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنا وقعنا عليه، فأجابنا، وجاء وبر وكاتبنا الناس ودعوناهم، فأخبر الأسود شيطانه فأرسل إلى قيس، فقال: ما يقول الملك؟ قال: يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته، حتى إذا دخل منك كل مدخل مال ميل عدوك. فحلف له وتنصل، فقال: أتكذب الملك؟ قد صدق وعرفت أنك تائب. قال: فأتانا قيس وأخبرنا فقلنا: كن على حذر، وأرسل إلينا الأسود: ألم أشرفكم على قومكم، ألم يبلغني عنكم؟ فقلنا: أقلنا مرتنا هذه، فقال: فلا يبلغني عنكم فاقتلكم. فنجونا ولم نكد، وهو في ارتياب من أمرنا. قال: فكاتبنا عامر بن شهر، وذو الكلاع، وذو ظليم، فأمرناهم أن لا يتحركوا بشيء، قال: فدخلت على امرأته آزا فقلت: يا ابنة عم قد عرفت بلاء هذا الرجل، وقتل زوجك وقومك وفضح النساء، فهل من ممالأة عليه؟ قالت: ما خلق الله أبغض إلي منه، ما يقوم لله على حق ولا ينتهي عن حرمة. فخرجت فإذا فيروز وزادويه ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس: الملك يدعوك. فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله معهم، وقال: أنا عبهلة أمني تتحصن بالرجال؟ ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب، تريد قتلي! فقال: كيف وأنت رسول الله فمرني بما أحببت، فأما الخوف والفزع فأنا فيهما فاقتلني وأرحني فرق له وأخرجه، فخرج علينا، وقال: اعملوا عملكم، وخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له، وبالباب مائة بقرة وبعير فنحرها، ثم قال: أحق ما الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 30 بلغني عنك يا فيروز؟ لقد هممت بقتلك فقال: اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء، وقد جمع لنا أمر آخرة ودنيا، فلا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك. فقال: اقسم هذه، فجعلت آمر للرهط بالجزور ولأهل البيت بالبقرة. ثم اجتمع بالمرأة، فقالت: هو متحرز، والحرس محيطون بالقصر سوى هذا الباب فانقلبوا عليه، وهيأت لنا سراجا. وخرجت فتلقاني الأسود خارجا من القصر، فقال: ما أدخلك؟ ووجأ رأسي فسقطت، فصاحت المرأة وقالت: ابن عمي زارني. فقال: اسكتي لا أبا لك قد وهبته لك. فأتيت أصحابي وقلت: النجاء، وأخبرتهم الخبر، فأنا على ذلك إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه، فقلنا لفيروز: ائتها وأتقن أمرنا، وجئنا بالليل دخلنا، فإذا سراج تحت جفنة، فاتقينا بفيروز، وكان أنجدنا، فلما دنا من البيت سمع غطيطا شديدا، وإذا المرأة جالسة. فلما قام فيروز على الباب أجلس الأسود شيطانه وكلمه فقال: وأيضا فما لي ولك يا فيروز! فخشي إن رجع أن يهلك هو والمرأة، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فدق عنقه وقتله، ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه تناشده، فقال: أخبر أصحابي بقتله. فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رأسه فحركه الشيطان واضطرب، فلم نضبطه، فقال: اجلسوا على صدره. فجلس اثنان وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بملاءة. وأمر الشفرة على حلقه، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب: ما هذا؟ ما هذا؟ قالت: النبي يوحى إليه قال: وسمرنا ليلتنا كيف نخبر أشياعنا، فأجمعنا على النداء بشعارنا ثم بالأذان، فلما طلع الفجر نادى داذويه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 31 بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، واجتمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالأذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس، فنادينهم: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم الرأس، وأقام وبر الصلاة، وشنها القوم غارة، ونادينا: يا أهل صنعاء من دخل عليه داخل فتعلقوا به، فكثر النهب والسبي، وخلصت صنعاء والجند، وأعز الله الإسلام، وتنافسنا الإمارة، وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلحنا على معاذ بن جبل، فكان يصلي بنا، وكتبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخير فقدمت رسلنا، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتئذ فأجابنا أبو بكر رضي الله عنه. وروى الواقدي عن رجاله، قال: بعث أبو بكر قيس بن مكشوح إلى اليمن، فقتل الأسود العنسي، هو وفيروز الديلمي ولقيس هذا أخبار، وقد ارتد، ثم أسره المسلمون فعفا عنه أبو بكر، وقتل مع علي بصفين. جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما: قال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: "أنفذوا جيش أسامة"، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من نقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم، قال: فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبعثه أبو بكر، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، وأمر أن يجزر في القوم، أن يقطع الأيدي، والأرجل والأوساط في القتال، قال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 32 فمضى حتى أغار، ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا. فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحدا بالإمارة غير أسامة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير، قال: فسار فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترتهم، حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبرا واحدا، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا؟ وعن الزهري، قال: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام وانصرف، فكان مسيره ذاهبا وقافلا أربعين يوما. وقيل: كان ابن عشرين سنة. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: فلما فرغوا من البيعة، واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد: امض لوجهك. فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أنا أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم! لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن إن رأيت أن تاذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل، ففعل أسامة ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان، وأسد عامة أشجع، وتمسكت طيئ بالإسلام. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 33 شأن أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما: قال الزهري عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة". فغضبت وهجرت أبا بكر حتى توفيت. وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله، حتى كنت أنا رددتهن فقلت لهن: ألا تتقين الله؟ ألم تسمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث، ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال". وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة". الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 34 وقال محمد بن السائب -وهو متروك- عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن فاطمة دخلت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك؟ قال: أهلي وولدي. فقالت: مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده! فقال: ما فعلت يا ابنة رسول الله. قالتك بلى قد عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من المساء فرفعته منا، فقال: لم أفعل، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يطعم النبي الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه رفعها. قالت: أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا. ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ فقال: لا بل أهله. قالت: فأين سهمه؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده"، فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم. رواه أحمد في "مسنده"، وهو منكر، وأنكر ما فيه قوله: "لا، بل أهله". وقال الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد: حدثنا صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت. ثم قرأت عليه {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] ، إلى آخر الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 35 الآية، فقال لها: بأبي وأمي أنت ووالدك وولدك، وعلي السمع والصبر، كتاب الله وحق رسول وحق قرابته، أنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم. قالت: أفلك هو ولقرابتك؟ قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهدا، ووعدك موعدا أوجبه لك حقا صدقتك وسلمته إليك. قالت: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال: أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى. فقال أبو بكر: صدقت فلك الغنى، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر، فعجبت وظنت أنهما قد تذاكر ذلك واجتمعا عليه. وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله -من دون ذكر الوليد بن مسلم- قال: حدثني الزهري، قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق، فرغبنا عن ذلك وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى، وهو خمس الخمس، فقال عمر: ليس لكم ما تدعون لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظا أشدهم فاقة وأكثرهم عيالًا. قال: فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 36 وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كنت عند عمر -رضي الله عنه- فقال لي: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم، قلت: لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، قال: وأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان، والزبير، وعبد الرحمن وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فدخلوا وسلموا وجلسوا، ثم لبث يرفأ قليلا، ثم قال لعمر: هل لك في علي والعباس؟ قال: نعم فلما دخلا سلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن، فاستبا، فقال عثمان وغيره: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة"؟ قالا: قد قال ذلك قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر: إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [الحشر: 6] ، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله. أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم توفى الله نبيه، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد، ثم توفاه الله فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 37 فيها بعمله، وأنتم حينئذ، وأقبل علي علي، وعباس يزعمون أني فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها فقلت: لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه فتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر وإلا فلا تكلماني فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما؛ أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها. قال الزهري: وحدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتني شيئا مما تركت، ما تركنا صدقة". فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتهما، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس غلبه عليها علي، ثم كانت على يدي الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن، كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 38 خبر الردة: لما اشتهرت وفة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي، ارتد طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله"؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال وقد قال: "إلا بحقها" قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق. فعن عروة وغيره قال: فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعا حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر، وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء وأمر رجلا على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع وأمر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم فليرجع، ورجع أبو بكر إلى المدينة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 39 وقال غيره: كان مسيره في جمادى الآخر فبلغ ذا القصة، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق، واستخلف عن المدينة سنانا الضمري، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود. وقال ابن لهيعة: أخبرنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن حنظلة بن علي الليثي، أن أبا بكر بعث خالدا، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا: على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان. وقال عروة، عن عائشة: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضمها، اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها من الإسلام. وعن يزيد بن رومان أن الناس قالوا له: إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئا، ولا تدري لمن تقصد، فأمر من تثق به وارجع إلى المدينة، فإنك تركت بها النفاق يغلي، فعقد لخالد على الناس، وأمر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة الأسدي. وعن الزهري، قال: سار خالد بن الوليد من ذي القصة في ألفين وسبع مائة إلى ثلاثة آلاف، يريد طليحة، ووجه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس، وثابت بن أقرم الأنصاري -رضي الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 40 عنهما- فانتهوا إلى قطن فصادفوا فيها حبالا متوجها إلى طليحة بثقله، فقتلوه وأخذوا ما معه، فساق وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتا. وقال الوليد الموقري، عن الزهري، قال: فسار خالد فقاتل طليحة الكذاب فهزمه الله، وكان قد بايع عيينة بن حصن، فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ما يهزمكم؟ فقال رجل: أنا أحدثك، ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه، وكان طليحة رجلا شديد البأس في القتال، فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محن وثابت بن أقرم، وقال طليحة: عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ... وعكاشة الغنمي تحت مجالي أقمت لهم صدر الحمالة إنها ... معاودة قتل الكماة نزالي فيوما تراها في الجلال مصونة ... ويوما تراها في ظلال عوال فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم ... أليسوا وإن لم يسلموا برجال فإن يك ذا ود أصبن ونسوة ... فلم ترهبوا فرغا بقتل حبال فلما غلب الحق طليحة ترجل. ثم أسلم وأهل بعمرة، فركب يسير في الناس آمنا، حتى مر بأبي بكر بالمدينة، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته، ثم حسن إسلام. وفي غير هذه الرواية أن خالدا لقي طليحة ببزاخة، ومع طليحة عيينة بن حصن، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم رب طليحة وأسر عيينة وقرة، وبعث بهما إلى أبي بكر فحقن دماءهما. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 41 وذكر أن قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسي ارتد، وتابعه جماعة من أصحاب الأسود، وخافه أهل صنعاء، وأتى قيس إلى فيروز الديلمي وذادويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه، فاطمأنا إليه، وصنع لهما من الغد طعاما، فأتاه ذادويه فقتله. ثم أتاه فيروز ففطن بالأمر فهرب، ولقيه جشيش بن شهر ومضى معه إلى جبال خولان، وملك قيس صنعاء، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمده. فأمده، فلقوا قيسا فهزمواه ثم أسروه وحملوه إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فوبخه، فأنكر الردة فعفا عنه أبو بكر. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: فسار خالد -وكان سيفا من سيوف الله- فأسرع السير حتى نزل ببزاخة، وبعثت إليه طيء إن شئت أن تقدم علينا فإنا سامعون مطيعون، وإن شئت نسير إليك؟ قال خالد: بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله، فلم يزل ببزاخة، وجمع له هناك العدو بنو أسد وغطفان فاقتتلوا، حتى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى، فأمر خالد بالحظر أن تبنى، ثم أوقد فيها النيران وألقى الأسارى فيها، ثم ظعن يريد طيئا، فأقبلت بنو عامر وغطفان والناس مسلمين مقرين بأداء الحق، فقبل منهم خالد. وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال، فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 42 أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة، فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه، وتخلفت الأنصار يوما أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله، ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا بهن فسار إلى اليمامة، وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارسا يطلب دما في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل أصحاب مجاعة وأوثقه. وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي، قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد: لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى اللهم مؤونتهم، فلم يقبل منه، وسار، ثم تبعه ثابت بعد يوم في الأنصار. مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي: قال ابن إسحاق: أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم، فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح، وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا. فروى سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 43 ودى مالك ورد السبي والمال. وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له: الجفول. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد، فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة. فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا؟ لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: وما تراه لك صاحبا! والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله: فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: اضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال: أنا على الإسلام. فقال: اضرب عنقه، فضرب عنقه، وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات: قضى خالد بغيا عليه لعرسه ... وكان له فيها هوى قبل ذلكا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 44 وذكر ابن الأثير في "كامله" وفي "معرفة الصحابة"، قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سرايا، فأتى بمالك. فذكر الحديث وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته، لأرجمنك وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا. وقال الموقري، عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطة فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المسلمون، فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم، قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلا، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالدا، حدث أبو قتادة خالدًا أن لهم أمانا وأنهم قد ادعوا إسلاما، وخالف أبا قتادة جماعة السرية، فأخبروا خالدا أنه لم يكن لهم أمان، وإنما أسروا قسرا، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاما، وإني نهيت خالدا فترك قولي، وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم فقام عمر فقال: يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقًا، وإن هذا لم يكن حقا فإن حقا عليك أن تقيده، فسكت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 45 أبو بكر. ومضى خالد قبل اليمامة، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم، فرد إليه أبو بكر السبي، وقال لعمر وهو يناشد في القود: ليس على خالد ما تقول، هبه تأول فأخطأ. قلت: ومن المندبة: وكنا كندماني جديمة حقبة ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وقال الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو خطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها، فما الخطة المخزية؟ قال: يؤخذ منكم الحلقة والكراع، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم. فقال عمر: أما قولك: "تدون قتلانا" فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم. فاتبع عمر، وقال عمر في الباقي: نعم ما رأيت. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 46 قتال مسيلمة الكذاب: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: سار خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة، وخرج مسيلمة بجموعه فنزلوا بعفرا فحل بها خالد عليهم، وهي طرف اليمامة، وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم، وقال شرحبيل بن سلمة: يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم. فاقتتلوا بعفرا قتالا شديدا، فجال المسلمون جولة، ودخل ناس من بني حنيفة فسطاط خالد، وفيه مجاعة أسير وأم تميم امرأة خالد، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة: أنا لها جار، ودفع عنها، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين: أف لكم ولما تعملون، وكر المسلمون فهزم الله العدو، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجاعة، فقالت أم تميم: والله لا يقتل، وأجارته. وانهزم أعداء الله حتى إذا كانا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها، أشد القتال وقال محكم بن الطفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة فإني سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة وقتل، وقال مسيلمة: يا قوم قاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل مسيلمة وحشي مولى بني نوفل. وقال الموقري، عن الزهري: قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة، وهم يومئذ أكثر العرب عددا وأشده شوكة، فاستشهد خلق كثير، وهزم الله بني حنيفة، وقتل مسيلمة، قتله وحشي بحربة. وكان يقال: قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر أهل الأرض. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 47 وعن وحشي، قال: لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة. وقال ابن عون عن موسى بن أنس، عن أبيه، قال: لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنط، ثم قام فأتى الصف والناس منهزمون، فقال هكذا عن وجوهنا، فضارب القوم ثم قال: بئسما عودتم أقرانكم، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد رضي الله عنه. وقال الموقري، عن الزهري، قال: ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلا مقاتل في حصنهم، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب، فلم يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، وعلى نصف الرقيق، وعلى حائط من كل قرية، فتقاضوا على ذلك. وقال سلامة بن عمير الحنفي: يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالدا على شيء، فإن الحصن حصين، والطعام كثير، وقد حضر الشتاء فقال مجاعة: لا تطيعوه فإنه مشؤوم. فأطاعوا مجاعة، وقاضاهم، ثم إن خالدا دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه، فأسلم سائرهم. وقال ابن إسحاق: إن خالدا قال: يا بني حنيفة ما تقولون؟ قالوا: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 48 منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، يعني العشرين الذي كانوا مع مجاعة بن مرارة، وأوثقه هو في الحديد، ثم التقى الجمعان فقال زيد بن الخطاب حين كشف الناس: لا نجوت بعد الرحال، ثم قاتل حتى قتل. وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيدا. وقال ابن إسحاق: رمي عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة بن طفيل بسهم فقتله. قلت: واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت: فقال خليفة بن خياطن ومحمد بن جرير الطبري: كانت في سنة إحدى عشرة. قال عبد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة. وقال أبو معشر: كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربع مائة وخمسون رجلا. وقال الواقدي: كانت سنة اثنتي عشرة، وكذلك قال أبو نعيم، ومعن بن عيسى، ومحمد بن سعد، كاتب الواقدي وغيرهم. قلت: ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة، فإنها بقيت أياما لمكان الحصار، وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 49 وفاة فاطمة رضي الله عنهما: وهي سيدة نساء هذه الأمة كنيتها فيما بلغنا أم أبيها دخل بها علي -رضي الله عنه- بعد وقعة بدر، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر. روى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس، وغيرهم. وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه وقالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولها مناقب مشهورة، وقد جمعها أبو عبد الله الحاكم. وكانت أصغر من زينب، ورقية، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها؛ لأن أمامة بنت بنته زينب تزوجت بعلي، ثم بعده المغيرة بن نوفل، وجاءها منهما أولاد قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب. وصح عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها". وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 50 عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، فجللهم رسول الله بكساء، وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي". وأخرج الترمذي، من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما. وفي الترمذي، عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة وابنيهما: "أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم". وقد أخبرها أنها سيدة نساء الأمة في مرضه كما تقدم. وخلفت من الأولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما زينب فتزوجها عبد الله بن جعفر، فتوفيت عنده وولدت له عونا وعليا. وأما أم كلثوم فتزوجها عمر، فولدت له زيدًا، ثم تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات، ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر، فولدت له بنته، ثم تزوج بها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قاله الزهري. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 51 علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجا، وتكفيك العمل في البيت والعجن والخبز والطحن. أبو العباس السراج، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: "كيف تجدينك"؟ قالتك إني وجعة وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: "يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين". قالت: فأين مريم؟ قال: "تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة". هذا حديث ضعيف، وأيضا فقد سقط بين كثير وعمران رجل. وقال علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية". رواه أبو داود. وقال أبو جعفر الرازي عن ثابت، عن أنس مثله مرفوعا ولفظه: "خير نساء العالمين أربع". وقال معمر، عن قتادة، عن أنس، يرفعه: حسبك من نساء العالمين أربع، فذكرهن. ويروى نحوه من حديث أبي هريرة، وغيره. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 52 وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به، وقد شبهت عائشة مشيتها بمشية النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما تركنا صدقة". وقال أبو حمزة السكري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لما مرضت فاطمة -رضي الله عنها- أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشير إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت. وقال الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ودفنت ليلا. وقال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو وعلي، والفضل بن العباس. وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 53 وهي بنت سبع وعشرين أو نحوها، ودفنت ليلا. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب. وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر. وروى عن الزهري أنه توفيت بعده بثلاثة أشهر. وروي عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب. قلت: والصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة رضي الله عنها وأرضاها. وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بنت ثمان وعرين سنة، كان مولدها وقريش تبني الكعبة، وغسلها علي. قال قتيبة: حدثنا محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر، وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر، أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء: يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل أحد علي. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر، فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء، فقالت: هي أمرتني، قال: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف قال ابن عبد البر: فهي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 54 الصفة. وفاة عبد الله بن أبي بكر الصديق: قيل: إنه أسلم قديما، لكن لم يسمع له بمشهد، جرح يوم الطائف، رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثقفي، فلم يزل يتألم منه، ثم اندمل الجرح، ثم إنه انتقض عليه، وتوفي في شوال سنة إحدى عشرة، ونزل في حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره. وقيل: هو الذي كان يأتي بالطعام وبأخبار قريش إلى الغار تلك الليالي الثلاث. سنة اثنتي عشرة: وقعة اليمامة: في أوائلها -على الأشهر- وقعة اليمامة، وأمير المسلمين خالد بن الوليد، ورأس الكفر مسيلمة الكذابن فقتله الله. واستشهد خلق من الصحابة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 55 أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، قيل: اسمه مهشم. سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، قال الواقدي بإسناده، عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل شهيدا سنة اثنتي عشرة رضي الله عنه. شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي، أبو وهب، مهاجري بدري، استشهد عن بضع وأربعين سنة. زبد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي، أبو عبد الرحمن، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله. وجاء أن راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل حتى قتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل. حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي، جد سعيد بن المسيب، قتل يوم اليمامة، وقيل: يوم بزاخة. عبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود القرشي العامري، أبو سهيل. استشهد يومئذ وله ثمان وثلاثون سنة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 56 مالك بن عمرو، حليف بني غنم، مهاجري بدري، استشهد يومئذ رضي الله عنه. الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي، كان يسمى ذا الطفيتين. يزيد بن رقيش بن رئاب الأسدي، شهد بدرا، وقتل يوم اليمامة. وممن استشهد يومئذ: الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي. والسائب بن عثمان بن مظعون -وهو شاب- أصابه سهم. ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري، أخو زيد بن ثابت. ومخرمة بن شريح الحضرمي، حليف بني عبد شمس. وجبير بن مالك، وأمه بحينة، وهو أخو عبد الله بن مالك من الأزد، وهم حلفاء بني المطلب بن عبد مناف. والسائب بن العوام بن خويلد الأسدي، أخو الزبير. ووهب بن حزن بن أبي وهب المخزومي عم سعيد بن المسيب، وأخوه حكيم، وأخوهما عبد الرحمن بن حزن، وأبوهم وقد ذكر. وعامر بن البكير الليثي حليف بني عدي، وهو أحد من شهد بدرا. ومالك بن ربيعة، حليف بني عبد شمس. وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك المتقدم. ويزيد بن أوس، حليف بني عبد الدار. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 57 وحيي -وقيل: معلى- بن جارية الثقفي. وحبيب بن أسيد بن جارية الثقفي. والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي. وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي. وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي، وعبد الله بن الحارث بن قيس السهمي أخوه، وهما من مهاجرة الحبشة. وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر العامري. من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، كنيته أبو محمد، وعاش إحدى وأربعين سنة، ومن ذريته نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة. وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري، وسليط بن سليط بن عمرو العامري، وربيعة بن أبي خرشة العامري، وعبد الله بن الحارث بن رحضة؛ من بني عامر. والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وأمه خولة بنت حكيم السلمية بنت ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس، أصابه يوم اليمامة سهم فمات منه. واستشهد من الأنصار: عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأوسي البدري، أبو الربيع، من فضلاء الصحابة، عاش خمسا وأربعين سنة فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري، أحد حلفاء بني الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 58 مالك بن عوف. عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم- الذي يقال له: الحبلى لعظم بطنه- بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري المعروف بابن سلول، وهي أم أبي بن مالك وكانت خزاعية، وأبوه المنافق المشهور. كان عبد الله من فضلاء الصحابة، وكان اسمه الحباب، وبه كان يكنى أبوه، فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج. لم يشهد بدرا وكان أمير الأنصار في قتال أهل الردة كما ذكرنا، قال ابن إسحاق: قال ثابت بن قيس: بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، ثم قاتل حتى قتل، وزحف المسلمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقة وفيها مسيلمة عدو الله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم إليهم فقاتلهم حتى فتح الحديقة للمسلمين. أبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي، وهو ممن شرك في قتل مسيلمة، وقال ثابت عن أنس، أن أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل. عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان، من بني مالك بن النجار، وهو أخو عمرو بن حزم. شهد عمارة العقبة وبدرا، وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح ولم يعقب. عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام السلمي شهد العقبة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 59 الأولى، ويجعل في الستة النفر الذ أسلموا بمكة أول الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد، وليس له عقب. ثابت بن هزال من بني سالم بن عوف شهد بدرا في قول جماعة، وقتل يومئذ. أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة، من بني جحجبا، اسمه: عبد الرحمن. شهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان من سادة الأنصار، أصابه سهم يوم اليمامة فنزعه، وتحزم وأخذ السيف وقاتل حتى قتل، فوجد به جراحات كثيرة. وممن استشهد يومئذ من الأنصار: عبد الله بن عتيك، ورافع بن سهل، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وسهل بن عدي، ومالك بن أو بن عتيك، وعمير بن أوس أخوه، وطلحة بن عتبة من بني جحجبا، ورباح مولى الحارث، ومعبد بن عدي العجلاني بخلف، وجرو بن مالك بن عامر الأنصاري من بني جحجبا -وقيل: جزء بالزاي- وودقة بن إياس بن عمرو الخزرجي الأنصاري أحد من شهد بدرا، وجرول بن العباس، وعامر بن ثابت، وبشر بن عبد الله الخزرجين وكليب بن تميم، وعبد الله بن عتبان، وإياس بن وديعة، وأسيد بن يربوع، وسعد بن حارثة، وسهل بن حمان، ومخاشن من حمير، وسلمة بن مسعود -وقيل: مسعود بن سنان- الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 60 وضمرة بن عياض، وعبد الله بن أنيس، وأبو حبة بن غزية المازني، وحبيب بن زيد، وحبيب بن عمرو بن محصن، وثابت بن خالد، وفروة بن النعمان، وعائذ بن ماعص. قال خليفة: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلًا، يعني يوم اليمامة. وقيل: إن مسيلمة -لعنه الله- قتل عن مائة وخمسين سنة، وكان قد ادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة فيما قيل: قبل أن يولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وقرآن مسيلمة ضحكة للسامعين. وقعة جواثا: بعث الصديق -رضي الله عنه- العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا -إلا نفرا ثبتوا مع الجارود- فالتقوا بجواثا فهزمهم الله. قال ابن إسحاق: حاصرهم العلاء بجواثا حتى كاد المسلمون يهلكون من الجهد، ثم إنهم سكروا ليلة في حصنهم، فبيتهم العلاء، فقيل: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي استشهد يوم جاثا لا يوم اليمامة، شهد بدرا. وفيها بعث الصديق عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا ارتدوا. وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى أهل النجير، وكانوا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 61 ارتدوا، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة، فقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن زيادا بيتهم فقتل ملوكا أربعة: جمدا، ومخوصا ومشرحا، وأبضعة. وفيها أقام الحج أبو بكر للناس. وفيها: بعد فراغ قتال أهل الردة بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، وكانت تسمى أرض الهند، فسار خالد بمن معه من اليمامة إلى أرض البصرة، فغزا الأبلة فافتتحها، ودخل ميسان فغنم وسبى من القرى، ثم سار نحو السواد، فأخذ على أرض كسكر وزندورد بعد أن استخلف على البصرة قطبة بن قتادة السدوسي، وصالح خالد أهل أليس على ألف دينار في شهر رجب من السنة، ثم افتتح نهر الملك، وصالحه ابن بقيلة صاحب الحيرة على تسعين ألفا، ثم سار نحو أهل الأنبار فصالحوه. ثم حاصر عين التمر ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى. وقتل من المسلمين بعين التمر: بشير بن سعد بن ثعلبة أبو النعمان الأنصاري الخزرجي، وكان من كبار الأنصار، شهد بدرا والعقبة. وقيل: إنه أول الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 62 من أسلم من الأنصار رضي الله عنه. وفيها لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة أمر أبو بكر بكتابة القرآن زيد بن ثابت، فأخذ يتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه زيد في صحف. قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ خالد من فتوح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا، وحربا خرج لخمس بقين من ذي القعدة مكتتما بحجته، ومعه جماعة يعتسف البلاد حتى أتى مكة، فتأتي له من ذلك ما لم يتأت لدليل، فسار طريقا من طرق الحيرة لم ير قط أعجب منه ولا أصعب، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، فلم يعلم بحجه أحد إلا من أفضى إليه بذلك. فلما علم أبو بكر بحجة عتبة وعنفه وعاقبه بأن صرفه إلى الشام، فلما وافاه كتاب أبي بكر عند منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بانصرافه إلى الشام حتى يأتي من بها من جموع المسلمين باليرموك، ويقول له: إياك أن تعود لمثلها. قلت: وإنما جاء الكتاب بأن يسير إلى الشام في أوائل سنة ثلاث عشرة. قلت: سار خالد بجيشه من العراق إلى الشام في البرية، وكادوا يهلكون عطشا. قال الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص مددا له، فلما أتى كتاب أبي بكر الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 63 خالدا، قال: هذا عمل عمر حسدني على فتح العراق وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مددا لعمرو، فإن كان فتح كان ذكره له دوني. سنة ثلاث عشرة: قال ابن إسحاق: لا قفل أبو بكر -رضي الله عنه- عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء. وروى ابن جرير، قال: قالوا: لما وجه أبو بكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير خالد، وقيل: بل عزله بعد أشهر من مسيره، وكتب إلى خالد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم أبو عبيدة وصاحباه فصالحوا أهل بصرى، فكانت أول ما فتح من مدائن الشام، وصالح خالد في وجه ذلك أهل تدمر. قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعا قبل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرملة، وبيت جبرين، والأمراء كل على جنده، وقيل: إن عمرا كان عليهم جميعا، وعلى الروم القيقلان فقتل، وانهزم المشركون يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فاستشهد نعيم بن عبد الله بن النحام، وهشام بن العاص، والفضل بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 64 العباس، وأبان بن سعيد. وقال الواقدي: الثبت عندنا أن أجنادين كانت في جمادى الأولى، وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قتل من المسلمين يوم أجنادين عمرو، وأبان، وخالد: بنو سعيد بن العاص بن أمية، والطفيل بن عمرو، وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي جهل بن هشام، وسلمة بن هشام بن المغيرة عم عكرمة، وهبار بن سفيان المخزومي، ونعيم بن النحام، وصخر بن نصر العدويان، وهشام بن العاص السهمي، وتميم وسعيد ابنا الحارث بن قيس. وقال محمد بن سعد: قتل يومئذ طليب بن عمير، وأمه أروى هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي الحويرث، قال: برز يوم أجنادين بطريق، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم -رضي الله عنه، فقتله عبد الله، ثم برز بطريق آخر فقتله عبد الله بعد محاربة طويلة، فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: والله ما أجدني أصبر، فلما اختلطت السيوف وجد مقتولا. قال الواقدي: عاش ثلاثين سنة، ولا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه كان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. قال ابن جرير: قتل يوم أجنادين: الحارث بن أوس بن عتيك، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري. كذا قال ابن جرير. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 65 وقعة مرج الصفر: قال خليفة: كانت لاثنتي عشرة بقيت من جماى الأولى، والأمير خالد بن الوليد قال ابن إسحاق: وعلى المشري يومئذ قلقط، وقتلمن المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا. وروى خليفة عن الوليد بن هشام عن أبيه قال: استشهد يوم مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص، ويقال: أخوه عمرو قتل أيضا، والفضل بن العباس، وعكرمة بن أبي جهل، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف. وقال غيره: قتل يومئذ نميلة بن عثمان الليثي، وسعد بن سلامة الأشهلي، وسلم بن أسلم الأشهلي. وقيل: إن وقعة مرج الصفر كانت في أول سنة أربع عشرة، والأول أصح. وقال سعيد بن عبد العزيز: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر. وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، ثم تزوجها خالد بن سعيد بن العاص. قال محمد بن شعيب: فلم يقم معها إلا سبعة أيام عند قنطرة أم حكيم بالصفر، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 66 وهي بنت الحارث بن هشام المخزومي، ثم تزوجها فيما قيل عمر. وقعة فحل: قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: كانت وقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة. وعن عبد الله بن عمرو، قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون ألفا، وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر، سار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فحل. وفيها توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لثمان بقين من جمادى الآخرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر، وكتب له بذلك كتابا. فأول ما فعل عمر عزل خالد بن الوليد عن إمرة أمراء الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه بعهده، ثم بعث جيشا من المدينة إلى العراق أمر عليهم أبا عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب، وكان أبو عبيد من فضلاء الصحابة، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 67 - سيرة عمر الفاروق رضي الله عنه: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص القرشي العدوي، الفاروق رضي الله عنه. استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة. روى عنه: علي، وابن مسعود، وابن عباس وأبو هريرة، وعدة من الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن أبي حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم. وعن عبد الله بن عمر، قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالا، أصلع، أشيب. وقال غيره: كان أمهق طوالا، أصلع آدم، أعسر يسر. وقال أبو رجاء العطاردي: كان طويلا جسيما، شديد الصلع، شديد الحمرة، وفي عارضيه خفة وسبلته كبيرة وفي أطرافها الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 71 صهبة، إذا حزبه أمر فتلها. وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى. وقال أنس: كان يخضب بالحناء. وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته. ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: كان عمر يأخذ بيده اليمني أذنه اليسرى، ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره. وعن ابن عمر وغيره -من وجوه جيدة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب". وقد ذكرنا إسلامه في "الترجمة النبوية". وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وقال سعيد بن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} [التحريم: 4] ، نزلت في عمر خاصة. وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا فقال: "أفعل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا". وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 72 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر". وروى نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري. قال الترمذي في حديث أبي سعيد: حديث حسن. قلت: وكذلك حديث ان عباس حسن. وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه. وفي "مسند أبي يعلى" من حديث أبي ذر يرفعه: "إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أبو بكر وعمر". وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر، فقال: "الحمد لله الذي أيدني بكما". تفرد به عاصم بن عمر، وهو ضعيف. وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة" ... الحديث. وروى الترمذي من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". إسناده ضعيف. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 73 وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر". ورواه سالم أبو العلاء -وهو ضعيف- عن عمرو بن هرم، عن ربعي. وحديث زائدة حسن. وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده، قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: "هذان السمع والبصر". ويروى نحوه من حديث ابن عمر وغيره. وقال يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه عز ورضاه حكم". المرسل أصح، وبعضهم يصله عن ابن عباس. وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك". وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يفرق من عمر". رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة. وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: "إن لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر". صححه الترمذي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 74 وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمه سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحًا أن أضرب عندك بالدف، قال: "إن كنت نذرت فافعلي". فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقعية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليفرق منك يا عمر". وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله، قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزرًا وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه وروح القدس ينطق بلسانه. وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه. وقال عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب". رواه مسلم". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه". رواه جماعة عن نافع عنه. وروى نحوه عن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 75 جماعة من الصحابة. وقال الشعبي: قال علي -رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُن} [التحريم: 5] . وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر". وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة". ويروى مثله عن ابن عمر، وعقبة بن عامر. وقال معن القزاز: حدثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباسن عن أخيه الفضل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق بعدي مع عمر حيث كان". وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم أتيت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 76 بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر". قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: "العلم". وقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره". قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر". وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لشاب من قريش فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب". وفي الصحيح أيضًا من حديث جابر مثله. وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى "جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا". قال: فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار؟ . الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 77 وقا الشعبي وغيره: قال علي -رضي الله عنه-: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي". هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي، منها: عاصم، عن زر، وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال الحافظ ابن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه. قلت: وروى نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر. وقال مجالد عن أبي الوداك، وقاله جماعة عن عطية، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما". وعن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". تفرد به سعيد بن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل. وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد ابي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته. وهذا متواتر عن علي - الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 78 رضي الله عنه، فقبح الله الرافضة. وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي، قال: سمعت عليا يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله. ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله. وقال ابن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عميرة، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر". وكذا رواه سفيان بن حسين الواسطي عن عبد الملك. وكان سفيان ربما دلسه وأسقط منه زائدة. ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك، عن هلال مولى ربعي، عن ربعي. وقالت عائشة: قال أبو بكر: ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر. وقالت عائشة: دخل ناس على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت ذاهب إلى ربك فماذا تقول له؟ قال: أقول: وليت عليهم خيرهم. وقال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة. وقال القاسم بن محمد: قال عمر: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيريده عنه القريب والبعيد، أني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 79 ولو علمت أن أحدا أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه. وعن ابن عباس، قال: لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك. قال: وما ذاك؟ قال: يزعمون أنك فظ غليظ. قال: الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحما وملأ قلوبهم لي رعبا. وقال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج به واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين. وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها. وقال ابن عمر: ما رأيت أحدا قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض أجد ولا أجود من عمر. وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم. وقال عاصم بن أبي النجود، عن رجل من الأنصار، عن خزيمة بن ثابت: أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب له، واشترط عليه أن لا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة. وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 80 هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. وقال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر؛ إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله. وقال ابن مسعودك لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم. وقال شمر، عن حذيفة، قال: كأن علم الناس كان مدسوسا في جحر مع عمر. وقال ابن عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزورًا. وقال العوام بن حوشب: قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن. وقال عكرمة بن خالد، وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر، فقالوا: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق. قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل. قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنا ولا سمينا. وقال ابن أبي مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟! وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 81 لحما فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه. قال: أوكلما قرمت إلى شيء أكلته! كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، قال: ورحل يرفأ راحلته وسار أربعا مقبلا ومدبرا، واشترى مكتلا فجاء به، وعمد إلى راحلته فغسلها فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك. وقال قتادة: كان عمر يلبس، وهو خليفة، جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنكث والنوى فيلقطه في منازل الناس لينتفعوا به. قال أنس: رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه. وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزارًا مرقوعا بأدم. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطا ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته. وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن أبي الغادية الشامي، قال: قدم عمر الجابية على جمل أورق تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء أنبجاني من صوف، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وهي إذا نزل وساده، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه، فقال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 82 ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصا، فأتى بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قيل: كتان قال: وما الكتان؟ فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه، فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب وهذ بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة قال: احبسوا، ما كانت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي. وقال المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء. وعن الحسن، قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أياما. وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض، فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئا، ليت أمي لم تلدني. وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه، فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وقال الصلت بن بهرام، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر، قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر، قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدي به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 83 وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم. قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربع مائة ألف درهم، فدفع إلى ثمانين ألفا وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه. وقال الحسن: رأى عمر جارية تطيش هزالا، فقال: من هذه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك قال: وأي بناتي هذه؟ قال: بنتي قال: ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك! لا تنفق عليها قال: إني والله ما أعول ولدك فاسع علهم أيها الرجل. وقال محمد بن سيرين: قدم صهر لعمر عليه، فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر، وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا!؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم. قال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر. وقال حذيفة: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت: أنا قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك، ولكن الفتنة التي تموج موج البحر. قلت: ليس عليك منها بأس، إن بينك وبينها بابا مغلقا قال: أيكسر أم يفتح؟ قلت: بل يكسر قال: إذا لا يغلق أبدا قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 84 الليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فسأله مسروق: من الباب؟ قال: الباب عمر. أخرجه البخاري. وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتى عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأرقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور! فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء. وقال أسلم مولى عمر: استعمل عمر مولى له على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ما شيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين! أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا. أخرجه البخاري. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 85 وقال أبو هريرة: دون عمر الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، وأمهات المؤمنين اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا. وقال إبراهيم النخعي: كان عمر يتجر وهو خليفة. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار، قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك، فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم مسقون وقل له: عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى، وقال: يا رب ما آلو ما عجزت عنه. وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة؛ كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه، وقال: إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس. وقال الواقدي: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر قد أمر رجالا يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة: "احصوا من يتعشى عندنا". فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفا، ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفا، فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتا وحملانا إلى باديتهم، وكان قد وقع فيهم الموت فأراه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 86 مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر يقوم إليها المال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد. وعن أسلم، قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت. وقال سفيان الثوري: من زعم أن عليا كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار. وقال شريك: ليس يقدم عليا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير. وقال أبو أسامة: تدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه. وقال الحسن بن صالح بن حيي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير. ذكر نسائه وأولاده: تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله وحفصة، وعبد الرحمن. وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل: أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول. وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصما. وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وأصدقها أربعين ألفا، فولدت له زيدا ورقية. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 87 وتزوج لهية امرأة من المن فولدت له عبد الرحمن الأصغر. وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل التي تزوجها بعد موته الزبير. الفتوح في عهده: وقال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين؛ وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين؛ وفيها فتحت إصطخر وهمذان؛ ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب؛ وغزوة عمورية، وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاج في آخر السنة. قال خليفة: وقعة جلولاء سنة سبع عشرة. استشهاده: وقال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء واستلقى ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: " الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 88 اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط". فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات. وقال أبو صالح السمان: قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيدا، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب؟. وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري. وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا لحضور أجلي، وإن قوما يأمروني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرا فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، قال: ما خراجك بكثير، فانصرف ساخطا يتذمر، فلبث عمر ليالي، ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسا، وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفا. ثم اشتمل أبو لؤلؤة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 89 على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس. وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤ عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان طعن معه اثنا عشر رجلا، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا، فلما اغتم فيه قتل نفسه. وقال عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني بطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف. وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر، فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجرا وشحذه وسمه، وكان عمر يقول: "أقيموا صفوفكم" قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاث عشر رجلا معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبنا فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت. فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافا لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 90 وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيبا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثا. وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: "الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام". ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقا. ثم قال: يا عبد الله! انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش؛ اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه. فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي ولأؤثرنه اليوم على نفسي. قال: فأتى عبد الله، فقال: قد أذنت لك، فحمد الله. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلا ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف. قال: ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس لهم من الأمر شيء -كهيئة التعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 91 الأمصار خيرًا، في مثل ذلك من الوصية. فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر، وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه. فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلا ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن وقال طلحة: قد أمري إلى عثمان. قال: فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها فأيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على صلاح الأمة. قال: فسكت الشيخان علي وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم، فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي. وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر بالصلاة من الغد، وهو مطعون، فزعوه فقالوا: الصلاة ففزع وقال: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى وجرحه يثعب دما. وقال النضر بن شميل: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: لما طعن عمر جاء كعب فقال: والله لئن دعا أمير المؤمنين ليبعثنه الله وليرفعنه لهذه الأمة حتى يفعل كذا وكذا. حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قال: قلت: أبلغه ما تقول؟ قال: ما قلت إلا وأنا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 92 أريد أن تبلغه، فقمت وتخطيت الناس حتى جلست عند رأسه فقلت: يا أمير المؤمنين، فرفع رأسه فقلت: إن كعبا يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنين ليبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة. قال: ادعوا كعبا فدعوه، فقال: ما تقول؟ قال: أقول كذا وكذا، فقال: لا والله لا أدعو الله ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له. قال: وجاء صهيب، فقال: وا صفياه وا خليلاه وا عمراه. فقال: مهلا يا صهيب أو ما بلغك أن المعول عليه يعذب ببعض بكاء أهله عليه. وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسيا. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قال ابن عمر: يا أمير المؤمنين ما عليك لو أجهدت نفسك ثم أمرت عليهم رجلا؟ فقال عم: أقعدوني. قال عبد الله: فتمنيت أن بيني وبينه عرض المدينة فرقا منه حين قال: أقعدوني، ثم قال: من أمرتم بأفواهكم؟ قلت: فلانا قال: إن تؤمروه فإنه ذو شيبتكم، ثم أقبل على عبد الله، فقال: ثكلتك أمك أرأيت الوليد ينشأ مع الوليد وليدا وينشأ معه كهلا، أتراه يعرف من خلقه؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فما أنا قائل لله إذا سألني عمن أمرت عليهم فقلت: فلانا، وأنا أعلم منه ما أعلم! فلا والذي نفسي بيده لأرددنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة، ولوددت أن عليها من هو خير مني لا ينقضي ذلك مما أعطاني الله شيئا. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 93 وقال سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: دخل على عمر عثمان، وعلى والزبير وابن عوف، وسعد -وكان طلحة غائبا- فنظر إليهم ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقا إلا أن يكون فيكم، ثم قال: إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن أقاربك على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا وأمروا أحدكم، فقاموا يتشاورون. قال ابن عمر: فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علما منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما سمعته حول شفتيه بشيء قط إلا كان حقا، فلما أكثر عثمان دعائي قلت: ألا تعقلون! تؤمرون وأمير المؤمنين حي! فوالله لكأنما أيقظتهم فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل للناس صهيب ثلاثا ثم أجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس، وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر عن غير مشورة فاضربوا عنقه. وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري، فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته، فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. وعن أبي الحويرث، قال: لما مات عمر ووضع ليصلى عليه أقبل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: إن هذا لهو الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 94 الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما، تقدم يا صهيب فصل عليه. فصلى عليه. وقال أبو معشر، عن نافع عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف، فقال: رحمة الله عليك ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى عليه ثوبه. وقد روي نحوه من عدة وجوه عن علي. وقال معدان بن أبي طلحة: أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة. وكذا قال زيد بن أسلم وغير واحد. وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: إنه دفن يوم الأحد مستهل المحرم. وقال سعيد بن المسيب: توفي عمر وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، كذا رواه الزهري عنه. وقال أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: مات عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة. وكذا قال سالم بن عبد الله، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن شهاب. وروى أبو عاصم، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه: سمعت عمر قبل أن يموت بعامين أو نحوهما يقول: أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين. تفرد به أبو عاصم. وقال الواقدي: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: توفي عمر وله ستون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل، وكذا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 95 قال مالك. وقال قتادة: قتل عمر وهو ابن إحدى وستين سنة. وقال عامر بن سعد البجلي، عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين. وقال يحى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثا وستين. قد تقدم لابن المسيب قول آخر. وقال الشعبي مثل قول معاوية. وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة، والله أعلم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 96 الحوادث في خلافة عمر الفاروق: سنة أربع عشرة: فيها فتحت دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة، والأبلة، ووقعة جسر أبي عبيد بأرض نجران، ووقعة فحل بالشام، في قول ابن الكلبي. فأما دمشق فقال الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: كان خالد على الناس فصالح أهل دمشق، فلم يفرغ من الصلح حتى عزل وولي أبو عبيدة، فأمضى صلح خالد ولم يغير الكتاب. وهذا غلظ؛ لأن عمر عزل خالدا حين ولي. قاله خليفة بن خياط، وقال: حدثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم. وقال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة. وقال ابن إسحاق: صالحهم أبو عبيدة في رجب. وقال ابن جرير: سار أبو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له: باهان بدمشق، وكان عمر عزل خالدا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 97 فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فتحت، وأعطوا الجزية. وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه فلما صالحت دمشق لحق باهان بصاحب الروم هرقل. وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر. وقال محمد بن إسحاق: إن عمر كان واجدا على خالد بن الوليد لقتله ابن نويرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن انزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره، قال: ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة. وقال ابن جرير: كان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل دمشق، وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءًا، وحصروا دمشق، فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد بن أبي سفيان على ناحية، وعمرو بن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص، فحاصروا أهل دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا بالمجانيق، وجاءت جنود هرقل نجدة لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا. وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاما واشتغل يومئذ، وخالد بن الوليد لا ينام ولا ينيم قد هيأ حبالا كهيئة السلالم، فلما أمسى هيأ أصحابه، وتقدم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا الباب قال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 98 فلما انتهى خالد ورفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أحبولة إلا أثبتاها في الشرف، وكان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عنوة، وقد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح والمشاطرة فأبوا، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذاك الباب، فدخل أهل كل باب بصلح ما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضا ونهبا، وهؤلاء صلحا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عمر بالفتح. وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشا إلى العراق نجدة لسعد بن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وبقي بدمشق يزيد بن أبي سفيان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البثنية وحوران. فصالحهم، وسار طائفة إلى بيسان فصالحوا. وفيها كان سعد بن أبي قاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس، ثم قدم عليه فأمره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضهم إلا المسير إلى الشام، فجهزهم عمر إلى الشام. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 99 ثم إن عمر أمد سعدا بعد مسيره بألف نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزرود، وكان المثنى بن حارثة على المسلمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عبيدة، فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق، ثم سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بن قيس في ألف وسبع مائة من اليمانيين. وقعة الجسر: كان عمر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشًا، عليهم أبو عبيد الثقفي -رضي الله عنه- فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة وقيل: في أول سنة أربع عشرة بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأسر جابان، وقتل مردانشاه، ثم إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لا يعرف أنه المقدم، ثم سار أبو عبيد إلى كسكر فالتقى هو ونرسى فهزمه، ثم لقي جالينوس فهزمه. ثم إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفا، ودفع إليه سلاحا عظيما، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قس الناطف، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إلى أبي عبيد: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فعقد له ابن صلوبا الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل فاقتتلوا أشد قتال، وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 100 ويقال: إن أبا عبيد لما رأى الفيل قال: يا لك من ذي أربع ما أكبرك ... لأضربن بالحسام مشفرك وقال: إن قتلت فعليكم ابني جبر، فإن قتل فعليكم حبيب بن ربيعة أخو أبي محجن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله، فقتل جميع الأمراء، واستحر القتل في المسلمين فطلبوا الجسر، وأخذ الراية المثنى بن حارثة فحماهم في جماعة ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بن يزيد فقطعه، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات، فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبره الناس. واستشهد يومئذ فيما قال خليفة: ألف وثمان مائة، وقال سيف: أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق. وعن الشعبي، قال: قتل أبو عبيد في ثمان مائة من المسلمين. وقال غيره: بقي المثنى بن حارثة الشيباني على الناس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على الناس ابن الخصاصية كما ذكرنا. حمص: وقال أبو مسهر: حدثني عبد الله بن سالم، قال: سار أبو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفا، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها. وعن أبي عثمان الصنعاني، قال: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص. وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحا في أواخر سنة أربع عشرة، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 101 وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية. وقيل: إن حمص فتحت سنة خمس عشرة. البصرة: وقال علي المدائني عن أشياخه: بعث عمر في سنة أربع عشرة شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة، وكان ردءا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقتل بدارس، فبعث عمر عتبة بن غزوان المازني في السنة، فمكث أشهرا لا يغزو. وقال خالد بن عمير العدوي: غزونا مع عتبة الأبلة فافتتحناها ثم عبرنا إلى الفرات، ثم مر عتبة بموضع المربد، فوجد الكذان الغليظ، فقال: هذه البصرة انزلوها باسم الله. وقال الحسن: افتتح عتبة الأبلة فقتل من المسلمين سبعون رجلا في موضع مسجد الأبلة، ثم عبر إلى الفرات فأخذها عنوة. وقال شعبة عن عقيل بن طلحة، عن قبيصة، قال: كنا مع عتبة بالخريبة. وفيها: أمر عتبة بن غزوان محجن بن الأدرع فخط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجا وخلف مجاشع بن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فمات عتبة في طريق. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 102 وأمر عمر المغيرة على البصرة، وبعث جرير بن عبد الله على السواد، فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعدا فأمر جريرا أن يطيعه. وفيها: ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو أول من ولد بالبصرة. وفيها استشهد جماعة عظيمة، ومات طائفة "منهم": أوس بن أوس بن عتيك، استشهد يوم جسر أبي عبيد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران. بشير بن عنبس بن يزد الظفري، شهد أحدا وهو ابن عم قتادة بن النعمان، وكان يعرف بفارس الحواء وهم اسم فرسه، قتل يومئذ. ثابت بن عتيك من بني عمرو بن مبذول، أنصاري له صحبة، قتل يومئذ. ثعلبة بن عمرو بن محصن، قتل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بن النجار، وكان بدريا رضي الله عنه. الحارث بن عتيك بن النعمان، أبو أخزم، قتل يومئذ، وهو من بني النجار، شهدا أحدا، وهو أخو سهل الذي شهد بدرا. الحارث بن مسعود بن عبدة، له صحبة، وقتل يومئذ. الحارث بن عدي بن مالك، قتل يومئذ، وقد شهد أحدا، وكلاهما من الأنصار. خالد بن سعيد بن العاص الأموي، قيل: استشهد يوم مرج الصفر، وأن يوم مرج الصفر كان في المحرم سنة أربع عشرة، وقد ذكر. خزيمة بن أوس بن خزيمة الأشهلي، يوم الجسر. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 103 ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ورخه ابن قانع. زيد بن سراقة، يوم الجسر. سعد بن سلامة بن وقش الأشهلي. سعد بن عبادة الأنصاري، يقال: مات فيها. سلمة بن أسلم بن حريش، يوم الجسر. سلمة بن هشام، يوم مرج الصفر، وقد تقدم. سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري، يوم الجسر. ضمرة بن غزية، يوم الجسر. عبد الله، وعبد الرحمن، وعباد، بنو مربع بن قيظي بن عمرو، قتلوا يومئذ. عقبة، وعبد الله، ابنا قيظي بن قيس. حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عبيد، وقتلا يومئذ. عمر بن أبي اليسر، يوم الحسر. قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أبو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته. شهد بدرا، واستشهد يوم جسر أبي عبيد فيما ذكر موسى بن عقبة. قال الواقدي وابن الكلبي: هو أحد من جع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليله قول أنس؛ لأنه قال: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام. وكذا ساق الكلبي نسب أبي زيد، لكنه جعل عوض زعوراء زيدا، ولا عبرة بقول من قال: إن الذي جمع القرآن أبو زيد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 104 سعد بن عبيد الأوسي، فإن قول أنس بن مالك: أحد عمومتي، ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوسيا. ويؤيده أيضا ما روى قتادة عن أنس، قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. المثنى بن حارثة الشيباني، الذي أخذ الراية وتحيز بالمسلمين يوم الجسر. نافع بن غيلان، يومئذ. نوفل بن الحارث يقال: توفي فيها، وكان أسن من عمه العباس. واقد بن عبد الله، يوم. هند بنت عتبة بنت ربيعة بن عبد شمس، أم معاوية بن أبي سفيان، توفيت في أول العام. يزيد بن قيس بن الخطيم -بفتح الخاء المعجمة- الأنصاري الظفري. صحابي شهدا أحدا والمشاهد وجرح يوم أحد عدة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قتل يزيد يوم الجسر. أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي، والد المختار وصفية زوجة ابن عمر. أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر وسيره على جيش الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 105 كثيف إلى العراق، وإليه ينسب جسر أبي عبيد، وكانت الواقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقتل يومئذ أبو عبيد -رحمه الله، والجسر بين القادسية والحيرة، ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر، ولا يبعد أن يكون له رؤية وإسلام. أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي، في المحرم عن بضع وتسعين سنة، وقد أسلم يوم الفتح فأتى به ابنه أبو بكر الصديق يقوده لكبره وضرره ورأسه كالثغامة فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا تركت الشيخ حتى نأتيه"، إكراما لأبي بكر، وقال: "غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد". عبد الله بن صعصعة بن وهب الأنصاري، أحد بني عدي بن النجار، شهد أحدًا وما بعدها، وقتل يوم جسر أبي عبيد، قاله ابن الأثير. سنة خمس عشرة: في أولها افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 106 يوم اليرموك: كانت وقعة مشهودة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة وأراه وهما، فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا، وأمراء الإسلام أبو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليرموك، فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل، وهلك خلق لا يحصون. واستشد يومئذ جماعة من أمراء المسلمين. وقال محمد بن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب، خصي لهرقل. وقال ابن الكلبي: كانت الروم ثلاث مائة ألف، عليهم ماهان، رجل من أبناء فراس تنصر ولحق بالروم، قال: وضم أبو عبيدة إليه أطرافه، وأمده عمر بسعيد بن عامر بن حذيم، فهزم الله المشركين بعد قتال شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين -يعني يوم اليرموك- كانوا أربعة وعشرين ألفا، وعليهم أبو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 107 إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن أبيه، قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك، والمسلمون يقاتلون الروم إلا صوت رجل يقول: "يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب"، فرفعت رأسي فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان. الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه عن ابن المسيب عن جبير بن الحويرث، قال: حضرت اليرموك فلا أسمع إلا نقف الحديد إلا أني سمعت صائحًا يقول: يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا الله فيه بلاء حسنا، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه. قال سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج فلبسناها فقدمنا على عمر ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلناه وسلمنا عليه، فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، فقال بعضنا: لقد بلغه عنكم شر، وقال بعض القوم: لعله في زيكم هذا، فضعوه، فوضعنا تلك الثياب وسلمنا عليه، فرحب وساءلنا وقال: إنكم جئتم في زي أهل الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان وإنه لا يصلح من الديباج والحرير إلا هكذا، وأشار بأربع أصابعه. وعن مالك بن عبد الله، قال: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا؟ قالوا: عمرو بن معدي كرب. وعن عروة: قتل يومئذ النضر بن الحارث بن علقمة العبدري، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 108 وقال ابن سعد: قتل يومئذ نعيم بن عبد الله النحام العدوي قلت: وقد ذكر. وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بن أشيم الكناني الليثي. ويقال: قتل يومئذ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام، وعياش بن أبي ربيعة، وعامر بن أبي وقاص الزهري. وقعة القادسية: كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بلغنا، وكان على الناس سعد بن أبي وقاص، وعلى المشركين رستم ومعه الجالينوي، وذو الحاجب. قال أبو وائل: كان المسلمون ما بين السبعة إلى الثمانية آلاف. ورستم في ستين ألفا، وقيل: كانوا أربعين ألفا، وكان معهم سبعون فيلا. وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل: في رمضان، فقتل رستم وانهزموا، وقيل: إن رستم مات عطشا، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرار إلى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 109 السيلحين إلى النجف، حتى ألجؤوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلو الكلاب، ثم خرجوا على حامية بعيال فساروا حتى نزلوا جلولاء. قال أبو وائل: اتبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتبعناهم إلى الصراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن. وعن أبي وائل قال: رأيتني أعبر الخندق مشيا على الرجال، قتل بعضهم بعضا. وعن حبيب بن صهبان، قال: أصبنا يومئذ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يقول: صفراء ببيضاء، يعني ذهبا بفضة. وقال المدائني: ثم سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعد الفرات، فلقي جمعا عليهم بصبهرا؛ فقتله زهرة بن حوية، ثم لقوا جمعا بكوثا عليهم الفيرزان فهزموهم، ثم لقوا جمعا كثيرا بدير كعب عليهم الفرخان فهزموهم، ثم سار سعد بالناس حتى نزل المدائن فافتتحها. وأما محمد بن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مصر سعد الكوفة؛ وأن فيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 110 قال: ولما فتح الله على المسلمين غنائم رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشام والعراق جمع المسلمين، فقال: ما يحل للوالي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصته ففوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمالته إلى حجة وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويتعاهدهم. وفي القوم علي -رضي الله عنه- ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف. وقيل: إن عمر قعد على رزق أبي بكر حتى اشتدت حاجته، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم. وكان عماله في هذه السنة: عتاب بن أسيد، كذا قال ابن جرير، وقد قدمنا موت عتاب، قال: وعلى الطائف يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة المغيرة بن شعبة، وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص، وعلى عمان حذيفة بن محصن، وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح. المتوفون فيها: سعد بن عبيد بن النعمان، أبو زيد الأنصاري الأوسي. أحد القراء الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشهد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 111 بوقعة القادسية، وقيل: إنه ولد عمير بن سعد الزاهد أمير حمص لعمر. شهد سعد بدرا وغيرها، وكان يقال له: سعد القارئ. وذكر محمد بن سعد أن القادسية سنة ست عشرة، وأنه قتل بها وله أربع وستون سنة. وقال قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عبيد أنه خطبهم، فقال: إنا لاقو العدو غدا وإنا مستشهدون غدا، فلا تغسلوا عنا دما ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا. سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته: الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد. استشهد أكثرهم يوم اليرموك، ويوم أجنادين رضي الله عنه. عبد الله بن سفيان. هذا ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. له صحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية، روى عنه: عمرو بن دينار منقطعا، واستشهد باليرموك. عمرو بن أم مكتوم الضرير. كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل: كان اللواء معه يوم القادسية، واستشهد يومئذ. وقال ابن سعد: رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عمر. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 112 قلت: روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن سعد. عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف، قتل باليرموك. عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عياش المخزومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه في القنوت ودعا له بالنجاة. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه ابنه عبد الله وغيره. وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته: أبو عبد الله. استشهد يوم اليرموك. فراس بن النضر بن الحارث، يقال: استشهد باليرموك. قيس بن عدي بن سعد بن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتل باليرموك. قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني. شهد العقبة وبدرا، وورد له حديث من طريق ابن لهيعة عن حبان بن واسع بن حبان، عن أبيه، عنه، قلت: في كم أقرأ القرآن يا رسول الله؟ قال: "في خمس عشرة"، قلت: أجدني أقوى من ذلك. وفيه دليل على أنه جمع القرآن. وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك. نضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العبدري القرشي. من مسلمة الفتح ومن حلماء قريش، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، تألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام ثم قال: والله ما طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك، وأخوه النضر قتل كافرا في نوبة بدر. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 113 سنة ست عشرة: قيل: كانت وقعة القادسية في أولها، واستشهد يومئذ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل. قال خليفة: فيها فتحت الأهواز ثم كفروا، فحدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، قال: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه البيروان على الفي ألف درهم وثماني مائة ألف درهم، ثم غزاهم الأشعري بعده. وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرشير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد ابن شهريار. فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرشير- وهي المدينة التي فيها نزل كسرى- طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء منها، وجدهم قد ضموا السفن، فبقي أياما حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة، فأبى، ثم إنه عزم له أن يقتحم دجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزبد، ففجئ أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعة ثم انهزموا وتركوا جمهور أموالهم، واستولى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 114 المسلمون على ذلك كله، ثم أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصنوا ثم صالحوا. وقيل: إن الفرس لما رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيروا، وقالوا: والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل إلا الجن، فانهزموا. ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وإن فيه لتماثيل جص فما حركها. ولما انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ} [الدخان: 25، 26] . قالوا: وأتم سعد الصلاة يوم دخلها، وذلك أنه أراد المقام بها، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة. قال الطبري: قسم سعد الفيء بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا، وكل الجيش كانوا فرسانا. وقسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها، وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء من ثياب كسرى وحليه وسيفه، وقال للمسلمين: هل لكم أن تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا القطف فنبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعا في ستين ذراعا بساطا واحدا مقدار جريب، فيه طرق كالصور، وفصوص كالنهار، وخلال ذلك كالدر، في حافاته كالأرض المزروعة، والأرض كالمبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب. ونواره بالذهب والفضة ونحوه. فقطعه عمر وقسمه بين الناس، فأصاب عليا قطعة منه فباعها بعشرين ألفا. واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام علي كرسي مملكة كسرى، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 115 وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمي بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن، والقصور. فسبحان الله العظيم الفتاح. وكان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل؛ فأما الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوا من خمس مائة سنة، فأول ملوكهم دارا، وطال عمره فيقال: إنه بقي في الملك مائتي سنة، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفسا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجر الذي هلك في زم عثمان، وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، عقد له بالأمر وهو في بطن أمه؛ لأن أباه مات وهذا حمل، فقال الكهان: هذا يملك الأرض، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيء لم يسمع بمثله قط، وإنما لقب بذي الأكتاف؛ لأنه كان ينتزع أكتاف من غضب عليه، وهو الذي بنى الإيوان الأعظم، وبنى نيسابور وبنى سجستان. ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، كان حازما عاقلا، كان له اثنتا عشرة ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا، وولد نبينا صلى الله عليه وسلم في زمان، ثم مات أنوشروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبا. وقعة جلولاء: في هذه السنة قال ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 116 ألف، جللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء. وقال غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء لما تجللها من الشر قال سيف: كانت سنة سبع عشرة. وقال خليفة بن خياط: هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان، فكتب إلى الجبال، وجمع العساكر ووجههم إلى جلولاء، فاجتمع له جمع عظيم، عليهم خرزاد بن جرمهر، فكتب سعد إلى عمر يخبره، فكتب إليه: أقم مكانك ووجه إليهم جيشا، فإن الله ناصرك ومتمم وعده، فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فالتقوا، فجال المسلمون جولة، ثم هزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالا عظيمة وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف. وجاء عن الشعبي أن فيء جلولاء قسم على ثلاثين ألف ألف. وقال أبو وائل: سميت جلولاء "فتح الفتوح". وقال ابن جرير: أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقتل مهران، وأفلت الفيرزان، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الري. وفيها: جهز سعد جندا فاتتحوا تكريت واقتسموها، وخمسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم. وفيها: سار عمر -رضي الله عنهم- إلى الشام وافتتح البيت المقدس، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 117 وقدم إلى الجابية - وهي قصبة حوران- فخطب بهاخطبة مشهورة متواترة عنه. قال زهير بن محمد المروزي: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع أبا الغادية المزني، قال: قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفا وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه. رواه إسماعيل المؤدب. عن ابن هرمز، فقال: عن أبي العالية الشامي. قنسرين: وفيها: بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص -بعد فراغه من اليرموك- إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة. وفيها: افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم. وفيا قاله ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصر أهل إيلياء فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذي يعطيهم ذلك ويكتب لهم أمانا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، فقدم عمر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أياما ثم شخص إلى المدينة. وفيها: كانت وقعة قرقيسياء، وحاصرها الحارث بن يزيد العامري، وفتحت صلحا. وفيها: كتب التاريخ في شهر ربيع الأول، فعن ابن المسيب، قال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 118 أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنه. وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعي بن الأفكل. سنة سبع عشرة: يقال: كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة. وفيا: خرج عمر -رضي الله عنه- إلى سرغ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطاعون. وفيها: زاد عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: كان القحط بالحجاز، وسمي عام المرادة، واستسقى عمر للناس بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البصرة، وبأن يسير إلى كور الأهواز، فسار واستخلف على البصرة عمران بن حصين، فافتتح أبو موسى الأهواز صلحا وعنوة، فوظف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربع مائة وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصلح فما قدر. قال خليفة: وفيها شهد أبو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 119 معبد، وزياد على المغيرة بالزنى ثم نكل بعضهم، فعزله عمر عن البصرة وولاها أبا موسى. وقال خليفة: حدثنا ريحان بن عصمة، قال: حدثنا عمر بن مرزوق، عن أبي فرقد، قال: كنا مع أبي موسى الأشعري بالأهواز، وعلى خيله تجافيف الديباج. وفيها: تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل. سنة ثماني عشرة: فيها قال ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس، فقال: "اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك". وفيها: افتتح أبو موسى جنديسابور والسوس صلحا، ثم رجع إلى الأهواز. وفيا: وجه سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوة. ويقال: بل وجه هاشم بن عتبة، ثم انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماه فأجلاهم إلى أذربيجان، ثم صالحوا. ويقال: فيها افتتح أبو موسى رامهرمز، ثم سار إلى تستر فنازلها. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 120 وقال أبو عبيدة بن المثنى: فيها حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرما على أن خلى لهم المدينة. وفيها: نزل الناس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل. وفيها: كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال: إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون. وفيها: افتتح أبو موسى الأشعري الرها وسميساط عنوة. وفي أوئلها: وجه أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل: صلحا. وفيها: سار عياض بن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عنوة. وفيها: بني سعد جامع الكوفة. سنة تسع عشرة: قال خليفة: فيها فتحت قيسارية، وأمير العسكر معاوية بن أبي سفيان وسعد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ورخها ابن الكلبي. وأما ابن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 121 إسحاق فقال: سنة عشرين. وفيها: كانت وقعة صهاب -بأرض فارس- في ذي الحجة، وعلى المسلمين الحكم بن أبي العاص، فقتل سهرك مقدم المشركين. قال خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي. وقيل: فيها فتحت تكريت. ويقال: فيها كانت جلولاء، وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس. وفيها: وجه عمر عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال، أصيب فيه: صفوان بن المعطل بن رحضة السلمي الذكواني. وفيها: توفي يزيد بن أبي سفيان في قول، وقد تقدم. سنة عشرين: فتح مصر: فيها: فتحت مصر. روى خليفة -عن غير واحد- وغيره أن فيها كتب عمر إلى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 122 عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مددا له، ومعه بسر بن أرطأة، وعمير بن وهب الجمحي، وخارجة بن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون فتحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن، وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمرا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب عمر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقروها. وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا نفي به. وعن علي بن رباح، قال: المغرب كله عنوة. وعن ابن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد وكذا قال جماعة. وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية. غزوة تستر: قال الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز، ونهر تيرى، وجنديسابور، ورامهرمز، توجه إلى تستر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عمر، فكتب إلى عمار بن ياسر أن أمده، فكتب إلى جرير وهو بحلوان أن سر إلى أبي موسى، فسار في ألف فأقاموا شهرا، ثم كتب أبو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 123 شيئا فكتب عمر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عمر من المدينة. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تستر فقال لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدلك على المدخل، فأعطاه، قال: فابغني إنسانا سابحا ذا عقل يأتيك بأمر بين، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحيانا ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه العلج الهرمزان صاحبها، فهم بقتله ثم ذكر قول أبي موسى: "لا تسبقني بأمر". ورجع إلى أبي موسى، ثم إنه دخل بخمسة وثلاثين رجلا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السور، فقتل مجزأة وفتح أولئك البلد، فتحصن الهرمزان في برج. وقال قتادة، عن أنس: لم نصل يومئذ الغداة حتى انتصف النهار فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها. وقال ابن سيرين: قتل يومئذ البراء بن مالك. وقيل: أول من دخل تستر عبد الله بن مغفل المزني. وعن الحسن، قال: حوصرت تستر سنتين. وعن الشعبي قال: حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهرا، ثم نزل الهرمزان على حكم عمر. فقال حميد، عن أنس: نزل الهرمزان على حكم عمر. فلما انتهينا إليه -يعني إلى عمر- بالهرمزان قال: تكلم قال: كلام حي أو كلام الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 124 ميت؟ قال: تكلم فلا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم، كنا نغصبكم ونقتلكم ونفعل، فلما كان الله معم لم تكن لنا بكم يدان. قال: يا أنس ما تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عددا كثيرا وشوكة شديدة، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قال: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بن ثور!؟ فلما أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قال: لتأتيني بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر، وأسلم الهرمزان، وفرض له عمر، وأقام بالمدينة. وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنه قسطنطين. وفيها قسم عمر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسم وادي القرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قاله محمد بن جرير الطبري. سنة إحدى وعشرين: قيل: فيها فتح عمرو بن العاص الإسكندرية. وقد مرت. وفيها شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وتعنتوه، فصرفه عمر وولى عمار بن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد. وفيها: سار عثمان بن أبي العاص فنزل توج ومصرها. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 125 وبعث سوار بن المثنى العبدي إلى سابور، فاستشهد، فأغار عثمان بن أبي العاص على سيف البحر والسواحل، وبعث الجارود بن المعلى فقتل الجارود أيضًا. عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، وعن غير واحد أن عمرا سار من فلسطين بالجيش من غير أمر عمر إلى مصر فافتتحها، فعتب عمر عليه إذ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهضة أهل الإسكندرية، فسار عمرو في سنة إحدى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة بن حذافة العدوي، فالتقى القبط فهزمهم بعد قتال شديد، ثم التقاهم عند الكريون فقاتلوا قتالا شديدا، ثم انتهى إلى الإسكندرية، فأرسل إليه المقوقس يطلب الصلح والهدنة منه، فأبى عليه، ثم جد في القتال حتى دخلها بالسيف، وغنم ما فيها من الروم، وجعل فيها عسكرا عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وبعث إلى عمر بالفتح، وبلغ الخبر قسنطين بن هرقل فبعث خصيا له يقال له: منويل في ثلاث مائة مركب حتى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها المسلمين ونجا من هرب، ونقض أهلها، فزحف إليها عمرو في خمسة عشر ألفا، ونصب عليها المجانيق، وجد في القتال حتى فتحها عنوة، وخرب جدرها. رؤي عمرو يخرب بيده. رواه حماد بن سلمة عن أبي عمران، عن علقمة. نهاوند: وقال النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن السائب بن الأقرع، قال: زحف للمسلمين زحف لم ير مثله قط، زحف لهم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 126 أهل ماه وأهل أصبهان وأهل همذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان، قال: فبلغ ذلك عمر -رضي الله عنه- فشاور المسلمين، فقال علي -رضي الله عنه-: أنت أفضلنا رأيا وأعلمنا بأهلك. فقال: لأستعملن على الناس رجلا يكون لأول أسنة يلقاها، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن، فليسر بثلثي أهل الكوفة، وليبعث إلى أهل البصرة، وأنت على ما أصابوا من غنيمة، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله، إن قتل ذلك الجيش فلا أراك. وروى علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان، وفارس وأذربيجان فأيتهن يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، إن قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فسرحه وسرح مع الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن عمر، فسار حتى أتى نهاوند، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان: إن قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داعي الله بدعوة فأمنوا ثم دعا: اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم، فأمن القوم وحملوا فكان النعمان أول صريع. وروى خليفة بإسناد، قال: التقوا بنهاوند يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة المسلمين اليمنى شيئا، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم ويحضهم على الحملة، ففتح الله عليهم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 127 وقال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص: أما بعد، فإني قد أمددتك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوعا والسلام، فلما طال حصار إصطخر بعث عثمان بن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق. وقال ابن جرير في وقعة نهاوند: لما انتهى النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد، فبعث عيونا فساروا لا يعلمون، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة، فلم يبرح فنزل فإذا الحسك فأقبل بها، وأخبر النعمان فقال النعمان: ما ترون؟ فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك فتأخ النعمان وكنست الأعاجم الحسك، وخرجوا فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس، وقال: إن أصبت فعليكم حذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بن مكشوح، فوجد المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه، قال: وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون، فرمي النعمان بسهم فقتل، ولفه أخوه سويد بن مقرن ف ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة. وقتل الله ذا الحاجب، يعني مقدمهم، وافتتحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة. وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف -وكان كاتبا حاسبا- فقال: إن فتح الله على الناس فاقسم عليهم فيئهم واعزل الخمس. قال السائب: فإني لأقسم بين الناس إذ جاءني أعجمي، فقال: أتؤمنني على الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 128 نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يكون لك ولصاحبك؟ قلت: نعم، وبعثت معه رجلا، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت، قال: فاحتملتهما معي، وقدمت على عمر بهما فقال: أدخلهما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعا، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوب بعيري، فقال: الحق بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال: ما لي ولابن أم السائب، وما لابن أم السائب ولي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا أن نمت، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا يقول: "لنكوينك بهما"، فأقول: "إني سأقسمهما بين المسلمين"، فخذهم عني لا أبا لك فالحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، قال: فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغشيني التجار، فابتاعهما مني عمرو بن حريث بألف ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالا. وفيها: سار عمرو بن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالحهم على ثلاث عشر ألف دينار. وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملقية، وغير ذلك. وأبو هاشم من مسلمة الفتح، حسن إسلامه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها. روى عنه: أبو هريرة، وسمرة بن سهم وهو خال معاوية. شهد فتوح الشام. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 129 سنة اثنتين وعشرين: فيها: فتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة، قاله ابن إسحاق فيقال: إنه صالحهم على ثمان مائة ألف درهم. وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه أهل الكوفة، وفيهم حذيفة فافتتحها بعد قتال شديد. فالله أعلم. وفيها: غزا حذيفة مدينة الدينور فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت. ثم غزا حذيفة ماه سندان فافتتحها عنوة، على خلف في ماه وقيل: افتتحها سعد، فانتقضوا. وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة، عليهم عمار بن ياسر، فأرادوا أن يشركوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة. وقال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت. وإليها انتهى فتوح حذيفة. وكل هذا في سنة اثنتين. قال: ويقال: همذان افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة. وقال خليفة بن خياط: فيها افتتح عمرو بن العاص أطرابلس الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 130 المغرب ويقال: في السنة التي بعدها. وفيها: عزل عمار عن الكوفة. وفيها: افتتحت جرجان. وفيها: فتح سويد بن مقرن الري، ثم عسكر وسار إلى قومس فافتتحها. وولد فيها يزيد بن معاوية. وقال محمد بن جرير: إن عمر أقر على فرج الباب عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وأمره بغزو الترك، فسار بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما تريد أن تصنع؟ قال: أناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقواما لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم السد. ولما دخل عبد الرحمن على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه، وقالوا: ما اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هربوا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة. ثم إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيسلم ويغنم، ثم قاتلهم فاستشهد -أعني عبد الرحمن بن ربيعة -رحمه الله تعالى- فأخذ أخوه سلمان بن ربيعة الراية، وتحيز بالناس، قال: فهم -يعني الترك- يستسقون بجسد عبد الرحمن حتى الآن. خبر السد: الوليد: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال: أخبرني رجلان، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 131 السد، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلا، وزاد: طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته، قلت: يريد حمرة النحاس وسواد الحديد. سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفروه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا، فيعودن إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه، فيخرجون على الناس، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا فيقتلهم بها". ذكر ابن جرير في "تاريخه" من حديث عمرو بن معد يكرب عن مطر بن بلج التميمي، قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمنى أرضه حمراء ووشيه أسود. فتساءلا، ثم إن شهريران، قال: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 132 دونه، وزودته مالا عظيما، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى من وراء، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه، حتى انتهى إلى ذلك السد في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بأزياره ومعه عقابه وأعطاه حريرة، فلما انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السد خندقا أشد سوادا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازيار: على رسلك أكافك؛ لأنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قال: فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضت عليها العقاب، وقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيا وها هي ذه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثم ردها، فقال شهريران: إن هذا لخير من هذا -يعني الباب- وأيم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أو وفى ملككم الأكبر. فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال: ما حال السد وما شبهه؟ فقال: مثل هذا الثوب الذي على مطر، فقال مطر: صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر. فقال عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك؟ قال: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلا ألف في تلك البلدان. وحدث سلام الترجمان قال: لما رأى الواثق بالله كأن السد الذي الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 133 بناه ذو القرنين قد فتح وجهني وقال لي: عاينه وجئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلان، وزودنا، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد، فشخصنا من سامراء بكتابه إلى إسحاق وهو بتفليس، فكتب لا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان، وكتب لنا ملك اللان إلى فيلانشاه، وكتب لنا إلى ملك الخزر، فوجه معنا خمسة أدلاء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوما، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما فسألنا الأدلاء عن تلك المدن، فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثم صرنا إلى حصون عند السد بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرؤون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب فسألونا، فقلنا: نحن رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فنقول: نعم، فقالوا: أشيخ هو أم شاب؟ قلنا: شاب، قالوا: أين يكون؟ فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سر من رأى، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط. ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد مغيب في نحاس، في سمك خمسين ذراعا، قد ركب على العضادتين على كل واحد بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدى البصر، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ضراع في ثخانة خمسة أذرع وعليه قفل طول سبعة أذرع في غلظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 134 أكثر من طول القفل، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف، في سلسلة طولها ثمانية أذرع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق. ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يتسمعون، فيسمعون دويا كالرعد. وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتا ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كل حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدإ، وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة أعدادا منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبرا ونصفا، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء، إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا. ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر، قال سلام الترجمان: فأخبرته خبرنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمس مائة درهم، ووصلنا إلى سر من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرا. قال مصنف كتاب "المسالك والممالك": هكذا أملى علي سلام الترجمان. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 135 سنة ثلاث وعشرين: فيها: بينما عمر -رضي الله عنه- يخطب إذ قال: "يا سارية الجبل"، وكان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدئلي إلى فسا ودارابجرد فحاصرهم، ثم إنهم تداعوا وجاؤوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجؤوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها سفط جوهر، فبعث به إلى عمر فرده وأمره أن يقسمه بين المسلمين، وسأل النجاب أهل المدنة عن الفتح وهل سمعوا شيئا، فقال: نعم "يا سارية الجبل الجبل" وقد كدنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النصر. ويروى أن عمر -رضي الله عنه- سئل فيما بعد عن كلامه "يا سارية الجبل" فلم يذكره. وفيها: كان فتح كرمان، وكان أميرها سهيل بن عدي. وفيها: فتحت سجستان، وأميرها عاصم بن عمرو. وفيا: فتحت مكران، وأميرها الحكم بن عثمان، وهي من بلاد الجبل. وفيها: رجع أبو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها. وفيها: غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 136 ذكر من توفي في خلافة عمر -رضي الله عنه- مجملا: الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي. أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف أقطعه أبو بكر، له ولعيينة بن بدر، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة. وقيل: إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان. وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس بن عقال، ولقب الأقرع لقرع برأسه. الحباب بن المنذر بن الجموح، أبو عمرو الأنصاري، أحد بني سلمة بن سعد، وقيل: كنيته أبو عمر، وكان يقال له: ذو الرأي. أشار يوم بدر على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير. والجذل: هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به. والعذق: النخلة، والمرجب: أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع، يقال: رجبتها فهي مرجبة. روى عنه: أبو الطفيل، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 137 وتوفي بالمدينة في خلافة عمر. علقمة بن علاثة بن عوف العامري، الكلابي، من المؤلفة قلوبهم. أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له، ووفد على عمر في خلافته. روى عنه: أنس. علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه، وولاه الصديق حرب فلسطين، وحضر الجابية مع عمر، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثة مائة، فغرقوا كلهم، وقيل: كان ذلك في أيام عثمان بن عفان. وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة. عمرو بن عوف، حليف بني عامر من لؤي من مولدي مكة، سماه ابن إسحاق عمرا، وسماه موسى بن عقبة عميرا. شهد بدرا وأحدا. وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين. أخرجه البخاري، وصلى عليه عمر رضي الله عنه. عمارة بن الوليد، أخو خالد بن الوليد، المخزومي. قال الوقادي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، قال: لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة، وصنع النجاشي، بعمارة بن الوليد ما صنع، وأمر السواحر فنفخن في إحليله، فهام مع الوحش، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش، فلما وجد ريح الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 138 الإنس هرب حتى إذا جهده العطش ورد فشرب، قال عبد الله: فالتزمته فجعل يقول: يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني. وكان عبد الله يسمى بحيرا، قال: فضبطته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفت، وكان شعره قد غطى كل شيء منه. غيلان بن سلمة الثقفي: له صحبة ورواية، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة، وكان شاعرا محسنا وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصنا في الطائف. أسلم زمن الفتح. روى عنه: ابنه عروة، وبشر بن عاصم. معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي، أخو حاطب وخطاب، وأمهم قيلة أخت عثمان بن مظعون. أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء وشهد بدرا. ميسرة بن مسروق العنسي: شيخ صالح يقال: له صحبة شهد اليرموك، وروى عن أبي عبيدة. وعنه أسلم مولى عمر، ودخل الروم أميرا على ستة آلاف، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة. الهرمزان صاحب تستر: قد مر من شأنه في سنة عشرين، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 139 قال ابن سعد: بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمر ومعه اثنا عشر نفسا من العجم، عليهم ثياب الديباج، ومناطق الذه وأساورة الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب الناس من هيئتهم، فدخلوا فوجدو عمر في المسجد نائما متوسدا رداءه، فقال الهرمزان: هذا ملككم؟ قالوا: نعم قال: أما له حاجب ولا حارس؟ قالوا: الله حارسه حتى يأتيه أجله، قال: هذا الملك الهني. فقال عمر: الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا. فقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي أنجز وعده وأعز دينه وخذل من حاده، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم. فبكى عمر ثم قال للهرمزان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يجبه، قال: مالك لا تتكلم؟ قال: أكلام حي أم كلام ميت؟ قال: أولست حيا! فاستسقى الهرمزان، فقال عمر: لا يجمع عليك القتل والعطش، فأتوه بماء فأمسكه، فقال عمر: اشرب لا بأس عليك، فرمى بالإناء وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالا، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة. فأمر عمر بقتله، فقال: أولم تؤمني! قال: كيف؟ قال: قلت لي: تكلم لا بأس عليك، وقلت: اشرب لا أقتلك حتى تشربه، فقال الزبير وأنس: صدق قال عمر: قاتله الله أخذ أمانا وأنا لا أشعر، فنزع ما كان عليه، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم وكان أسود نحيفا: ألبس سواري الهرمزان، فلبسهما ولبس كسوته. فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة، ثم دعا الهرمزان إلى الإسلام فأبى، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرق بين هؤلاء. فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر، وقال: اللهم اكسر بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 140 الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر في ألفين ألفين، وسمى الهرمزان عرفطة. قال المسور بن مخرمة: رأيت الهرمزان بالروحاء مهلا بالحج مع عمر. وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت الهرمزان مهلا بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة. وقال علي بن زيد بن جدعان عن أنس قال: ما رأيت رجلا أخمص بطنا ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان. عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر -ولم تجرب عليه كذبة قط- قال: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجى فتبعتهم، وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بما قتل عمر، فنظروا بما قتل عمر، فنظروا فوجدوه خنجرا على تلك الصفة، فخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني ننظر فرسًا لي -وكان بصيرا بالخيل- فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفينة وكان نصرانيا، فلما أشرف له علاه بالسيف فصلب بين عينيه. ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف فأبى ويهابونه أن يقربوا منه حتى أتاه عمرو بن العاص فقال: أعطني السيف يا ابن أخي. فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان فأخذ الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 141 برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما، فملا ولي عثمان، قال: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فأشار المهاجرون بقتله، وقال جماعة الناس: قتل عمر بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم! أبعد الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو: إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه، فتفرق الناس على قولم عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية. رواه ابن سعد عن الواقدي عن معمر، وزاد فيه: كان جفينة من نصارى الحيرة وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة، وقال فيه: وما أحسب عمرا كان يومئذ بالمدينة بل بمصر إلا أن يكون قد حج، قال: وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس وأشفقوا أن تكون عقوبة. وعن أبي وجزة، عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وعثمان يقول له: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة، ما في الحق تركك. وبقى عبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية. معمر، عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أن أباه قال: يرحم الله حفصة إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة. قال معمر: بلغنا أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية، وإني قد جعلتها دية. وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 142 الهرمزان من عبيد الله، فعفا ولد الهرمزان عنه. هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية، أم معاوية بن أبي سفيان. أسلمت زمن الفتح وشهدت اليرموك، وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطي ما يكفيني وولدي، قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد، وكان من الجاهلية. وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن، ثم إن أبا سفيان طلقا في آخر الأمر، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر، فقالت: أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله ولها شعر جيد. واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي، حليف بني عدي. من السابقين الأولين، أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقتل واقد عمرو بن الحضرمي، فكانا أول قاتل ومقتول في الإسلام. وتوفي واقد في خلافة عمر. أبو خراش الهذلي الشاعر، اسمه خويلد بن مرة، من بني قرد بن عمرو الهذلي. وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 143 قال ابن عبد البر: لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم، فمنهم من قدم ومنهم من لم يقدم، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه. وتوفي زمن عمر، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية، أقبل مسرعا فأعطاهم الماء وشاة وقدرا ولم يعلمهم بما تم له، ثم أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه. أبو ليلى المازني، واسمه عبد الرحمن بن كعب بن عمرو. شهد أحدا وما بعدها، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] . أبو محجن الثقفي: في اسمه أقوال قدم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زمان وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يستعين به وقد جلد مرارا، وحتى إن عمر نفاه إلى جزيرة، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلما كان يوم قس الناطف، والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرسا لسعد، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد، فحلته وأعطته فرسا فقاتل وأبلى بلاء جميلا ثم عاد إلى قيده. قال ابن جرير: بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات. وقال أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر سجنوه، فلماكان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسا وسلاحا، فجعل لا يزال يحمل على رجل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 144 فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول: من الفارس؟ فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله قالت: والله إنه لأبو محجن، وحكت له، فدعا به وحل قيوده، وقال: لا نجلدك على خمر أبدا فقال: وأنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد. روى نحوه أبو معاوية الضرير، عن عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية أتى بأبي محجن سكران فقيده سعد، وذكر الحديث. ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان -أو قال: في نواحي جرجان- وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 145 - سيرة ذي النورين عثمان رضي الله عنه: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الشيخين. قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن جيش. روى عنه بنوه: أبان وسعيد وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيسن وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم. أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو. وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم فهاجر برقية إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليها الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 149 في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم. ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين، سنة أربع من الهجرة. وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل، ولا بالقصير، حسن الوجه كبير اللحية أسمر اللون عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب. وعن أبي عبد الله مولى شداد، قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم -أي خفيفه- طويل اللحية، حسن الوجه. وعن عبد الله بن حزم، قال: رأيت عثمان فما رأيت ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه. عن الحسن قال: رأيته وبوجهه نكتات جدرى، وإذا شعره قد كسا ذراعيه. وعن السائب، قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخا أجمل منه. وعن أبي ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان فقال: لقد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 150 اختبأت عند ربي عشرا: إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعتيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرتب بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط. وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم". وعن عائشة نحوه إن صحا. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: "يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها". أخرجه ابن ماجه. ويروى عن أنس أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أبو أيم، ألا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء". وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان "ذا النورين"؛ لأنا لا نعلم أحدا أغلق بابه على ابنتي نبي غيره. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 151 وروى عطية، عن أبي سعيد، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم". رواه أحمد في "مسنده" وغيره. وفي "مسند أبي يعلى"، من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه جهز جيش العسرة بسبع مائة أوقية من ذهب. وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبع مائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسا، يعني في غزوة تبوك. وعن حبة العرني، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عثمان تستحييه الملائكة". وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه، قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القرية بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبيعها بعين في الجنة"؟ فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 152 له عينا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: "نعم". قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا سول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة"؟. رواه مسلم. وروي نحوه من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان". وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان". أخرجه الترمذي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 153 وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه". وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلا من بني سليم، قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلا ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلكن فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منظرا، وشهدت مشهدا لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 154 عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن. وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة. وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر. وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه. وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر. وقال ربعي عن حذيفة: قال لي عمر بمنى: من ترى الناس يولون بعدي؟ قلت: قد نظروا إلى عثمان. وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان وحججت مع عثمان فكان الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في كتبكم؟ قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم. قال: كيف تجدني؟ قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد قال عمر: الله أكبر، قال: فالذي بعدي؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه. قال عمر: يرحم الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 155 ابن عفان. قال: فالذي من بعده؟ قال: صدع -وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ- من حديد فقال عمر: وادفراه وادفراه. قال: مهلًا يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء. وقال حماد بن زيد: لئن قلت: إن عليا أفضل من عثمان لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا. وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، قال: كان نقش خاتم عثمان "آمنت بالذي خلق فسوى". وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقى ولم نأل. وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: رأيت عثمان نائما في المجد ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 156 وعن حكيم بن عباد قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي -يعني بالبندق- فأمر عثمان رجلا فقصها وكسر الجلاهقات. وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة. وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر. وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 157 وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس، فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيرا ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس. وروى رجل، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي في المصاحف: لو لم يصنعه عثمان لصنعته. وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئا. وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا". الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 158 وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق". قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان. ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة. وروى نحو عن ابن عمر. وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وإني صابر نفسي عليه. أبو سهلة وثقه أحمد العجلي. وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي، قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله إلا أنه سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده. وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت عليا يقول: الله قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس، فقال: صدق يقول: الله قتل عثمان ويقتلني معه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 159 قلت: قد كان علي يقول: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هذه". وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن عليا قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] . ورواه عبد الله بن الحارث عن علي. وقال مطرف بن الشخير: لقيت عليا، فقال: يا أبا عبد الله ما بطأ بك، أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب. وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لو انقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقا. وقال هشام: حدثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو، قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوما، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 160 أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد. وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي، قال: كنت في سمر عند ابن عباس، فقال: لأحدثنكم حديثا: إنه لما كان من أمر هذا الرجل -يعني عثمان- ما كان قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في حجر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] . وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان -وكان أميرا على صنعاء- بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد، فصار ملكا وجبرية، من غلب على شيء أكله. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي -وكان بدريا- لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك. قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوما وكذا قال خليفة بن خياط، وغيره. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 161 وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة. زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو الصحيح. وقيل: عاش ستا وثمانين سنة. وعن عبد الله بن فروخ، قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل. رواه عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند". وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل. وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال جبير بن مطعم: اطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء. ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان نائلة، وأم البنين، وهما دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره ولحدوا له وغيبوا قبره وتفرقوا. ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشرة رجلا والأول أثبت. وروي أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها فأبت. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 162 وقال فيها حسان بن ثابت: قتلتم ولي الله في جوف داره ... وجئتم بأمر جائز غير مهتدي فلا ظفرت ايمان قوم تعاونوا ... على قتل عثمان الرشيد المسدد وقال كعب بن مالك: يا للرجال لأمر هاج لي حزنا ... لقد عجبت لمن يبكي على الدمن إني رأيت قتيل الدار مضطهدا ... عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن وقال بعضهم: لعمر أبيك فلا تكذبن ... لقد ذهب الخير إلا قليلا لقد سفه الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شرا طويلا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 163 الحوادث في خلافة ذي النورين عثمان: سنة أربع وعشرين: بيعة عثمان: دفن عمر -رضي الله عنه- في أول المحرم، ثم جلسوا للشورى، فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلا قال قبل الشورى: إن بايعتم لعثمان أطعنا، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا. وقال المسور بن مخرمة: جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال: ما ذاقت عيناي كثير نوم منذ ثلاث ليال فادع لي عثمان وعليا والزبير وسعدا، فدعوتهم، فجعل يخلو بهم واحدا واحدا يأخذ عليه، فلما أصبح صلى صهيب بالناس، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه، إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان. وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أخبرني المسور أن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، قال: فوالله ما رأيت رجلا بذ قوما أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأيا ولا يطؤون عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا، وذكر الحديث إلى أن قال: فتشهد وقال: أما بعد يا على فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 164 فقال: نبايعك على سنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار. وعن أنس قال: أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري، فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم. وفي زيادات "مسند أحمد" من حديث أبي وائل، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا! قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت. ثم عرضت ذلك على عثمان، فقال: نعم. وقال الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة. ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ فقال: علي، وقال لعلي خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال: عثمان، ثم دعا الزبير، فقال: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال: علي أو عثمان، ثم دعا سعدا، فقال: من تشير علي؟ فأما أنا وأنت فلا نريدها. فقال: عثمان، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان، ثم نودي "الصلاة جامعة" وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 165 بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه، فصعد المنبر ووقف طويلا يدعو سرا، ثم تكلم فقال: أيها الناس إني قد سأتلكم سرا وجهرا على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان، قم إلي يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده، وقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا. ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فقال: قم يا عثمان فأخذ بيده في موقف علي، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده، ثم قال: اللهم اشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان. فازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح] . فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة. ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان محبوسًا في دار سعد، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، فقال بعضهم: قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم؟! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 166 المسلمين سلطان، إنما تم هذا ولا سلطان لك، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي. قلت: والهرمزان هو ملك تستر، وقد تقدم إسلامه، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر، فجاء عمار بن ياسر فدخل على عمر، فقال: حدث اليوم حدث في الإسلامن قال: وما ذاك؟ قال: قتل عبيد الله الهرمزان، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون علي به، وسجنه. قال سعيد بن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفينة، رجل من الحيرة، والهرمزان، معهم خنجر له طرفان مملكة في وسطه، فجلسوا مجلسا فأثارهم دابة فوقع الخنجر، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فقتل الهرمزان، وجفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استخلف عثمان قال له علي: أقد عبيد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ما له ولي غيري، وإني قد عفوت ولكن أديه. ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف قال: لا إله إلا الله. وأما جفينة فكان نصرانيا، وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلم الناس الكتابة. وفيها: افتتح أبو موسى الأشعري الري، وكانت قد فتحت على يد حذيفة، وسويد بن مقرن، فانتقضوا. وفيها: أصاب الناس رعاف كثير، فقيل لها: سنة الرعاف، وأصاب الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 167 عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى. وحج بالناس عبد الرحمن بن عوف. وفيها: عزل عثمان عن الكوفة المغيرة بن شعبة وولاها سعد بن أبي وقاص. وفيها: غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه، فسبى وغنم ورجع. وفيها: جاشت الروم حتى استمدت أمراء الشام من عثمان مددا فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى ارض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصونا كثيرة. وفيها: ولد عبد الملك بن مروان الخليفة. سنة خمس وعشرين: فيها: عزل عثمان سعدا عن الكوفة واستعمل عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي، أخو عثمان لأمه، كنيته أبو وهب، وله صحبة ورواية. روى عنه: أبو موسى الهمداني، والشعبي. قال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميرا أتاه سعد، فقال: أكست الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 168 بعدي أو استحمقت بعدك؟ قال: ما كسنا ولا حمقت ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم. وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعدا وولى الوليد بن عقبة، فذكر حضين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعا وهو سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم! ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى بردغة، فقتل وسبى. وفيها: انتقص أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم، فرد عثمان السبي إلى ذمتهم، وكان ملك الروم بعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتقض أهلها -غير المقوقس- فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عنوة غير المدينة، فإنها صلح. وفيها: عزل عثمان عمرا عن مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. والصحيح أن ذلك في سنة سبع وعشرين، واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له. ويقال: فيها ولد يزيد بن معاوية. وحج بالناس عثمان رضي الله عنه. سنة ست وعشرين: فيها: زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه، واشترى الزيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس، وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 169 وفيها: فتحت سابور، أميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاث مائة ألف. وقيل: عزل عثمان سعدا عن الكوفة؛ لأنه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة، وكان فيه رفق برعيته. سنة سبع وعشرين: فيها: غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش، وكان معه عبادة بن الصامت، وزوجة عبادة أم حرام "سوى ت" بنت ملحان الأنصارية خالة أنس، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة -رحمها الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها، وبشرها بالشهادة، فقبرها بقبرس يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها: أنس بن مالك وعمير بن الأسود العنسي، ويعلى بن شداد بن أوس وغيرهم. وقال داود بن أبي هند: صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبع وعشرين أهل أرجان على ألفي ألف ومائتي ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفا. وقال خليفة: فيها عزل عثمان عن مصر عمرا وولى عليها عبد الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 170 بن سعد، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسبيلطة على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل: في مائة وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا. قال مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب، قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألفن فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا. واختلفت الناس على عبد الله بن أبي سرح، فدخل فسطاطا له فخلا فيه، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامدا له، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه وولى مبادرا، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبرت وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم. وقال خليفة: حدثنا من سمع ابن لهيعة يقول: حدثنا أبو الأسود، قثال: حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار. وقال غيره: سبوا وغنموا، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 171 وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام حسنت طاعتهم. وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله علهم وأخذ خمس الخمس بأمر عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضر فسطاطا في موضع القيروان ووفدوا وفدا، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال: أنا نفلته، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه قال: فهو رد وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم. قالوا: فاعزله عنا. فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا. فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلها اسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك. وروى سيف بن عمر، عن أشياخه، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع بن الحصين، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر، وسلام فعن كعب، قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة قال: فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها، ففتحها الله على المسلمين، وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية. ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية، حتى أمر هشام فمنع البربر أرضهم. ولما نزع عثمان عمرا عن مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الله بن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب عثمان الناس معه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 172 إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمس مائة ألف دينار وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاث مائة قنطار ذهبا، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد فقالوا: ما عندنا مال نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل عام، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا. وعن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقولك إن عمرو بن العاص كسر الخراج، وكتب عمرو: إن عبد الله بن سعد أفسد علي مكيدة الحرب فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف وولي عبد الله الخراج والجند، فقدم عمرو مغضبا، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطنا، فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال: عمرو قال: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره؟ وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالا من مصر وحشد فيه فدخل عمرو، فقال عثمان: هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك؟ قال عمرو: إن فصالها هلكت. وفيها: حج عثمان بالناس. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 173 سنة ثمان وعشرين: قيل: في أولها غزوة قبرس، وقد مرت فروى سيف، عن رجاله، قالوا: ألح معاوية في إمارة عمر عليه في غزو البحر وقرب الروم من حمص، فقال عمر: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح ديوكهم أحب إلي من كل ما في البحر، فلم يزل بعمر حتى كاد أن يأخذ بقلبه، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر وراكبه، فكتب إليه: إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركد حرق القلوب، وإن تحرك أراع العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، وهم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق. فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: والله لا أحمل فيه مسلما أبدًا. وقال أبو جعفر الطبري: غزا معاوية قبرس فصالح أهلها على الجزية. وقال الواقدي: في هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم. وفيها: تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها. وفيها: غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالحهم مثل صلح حذيفة. وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 174 سنة تسع وعشرين: فيها: عزل عثمان أبا موسى عن البصرة بعبد الله بن عامر بن كريز، وأضاف إليه فارس. وفيها: افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمته عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي أحد الأجواد؛ وكل منهما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. وكان على إصطخر قتال عظيم قتل فيه عبيد الله بن معمر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عنوة وقلعة شيراز، وقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى فخرج منها في مائة ألف وسار فنزل مرو، وخلف على إصطخر أميرا من أمرائه في جيش يحفظونها. فتقب المسلمون المدينة فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم، وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج الدم من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانيا فأكثر فيهم القتل لكونهم نقضوا الصلح. وفيها: انتقضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص فافتتحها. وفيها: غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي فأتى أصبهان، ويقال: افتتح أصبهان سارية بن زنيم عنوة وصلحا. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 175 وقال أبو عبيدة: لما قدم ابن عامر البصرة قدم عبيد الله بن معمر إلى فارس، فأتى أرجان فأغلقوا في وجهه، وكان عن يمين البلد وشماله الجبال والأسياف وكانت الجبال لا تسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف -يعني السواحل- الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة، فيمر فيها مارا ففعلوا، ومضى حتى انتهى إلى النوبندجان فافتتحها، ثم نقضوا الصلح، ثم سار فافتتح قلعة شيراز، ثم سار إلى جور فصالحهم وخلف فيهم رجلا من تميم، ثم انصرف إلى إصطخر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فساق ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عنوة فقتل منها أربعين ألفا يعدون بالقصب، ثم خلف عليهم مروان بن الحكم أو غيره، ورد إلى إصطخر وقد قتلوا عبيد الله بن معمر فافتتحها عنوة ثم مضى إلى فسا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كرمان. ثم إنه توجه نحو خراسان على المفازة فأصابهم الرمق فأهلك خلقا. وقال ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عثمان يأمره أن يولي هرم بن حيان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي، والخريت بن راشد على كور فارس، وفرق خراسان بين ستة نفر: الأحنف بن قيس على المروين، وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ، وخالد بن زهير على هراة، وأمير بن أحمد اليشكري على طوس، وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور. وفيهاك زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعه وبناه بالحجارة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 176 المنقوشة وجعل عده من حجارة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب. وحج عثمان بالناس وضرب له بمنى فسطاط، وأتم الصلاة بها وبعرفة، فعابوا عليه ذلك فجاءه علي، فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر، ثم أنت صدرا من ولايتك فقال: رأي رأيته. وكلمه عبد الرحمن بن عوف، فقال: إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعا لهذا، وإني قد اتخذت بمكة زوجة. فقال عبد الرحمن: ليس هذا بعذر. قال: هذا رأي رأيته. سنة ثلاثين: فيها: عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة بسعيد بن العاص، فغزا سعيد طبرستان، فحاصرهم فسألوه الأمان، على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، فقتلهم كلهم إلا رجلا واحدا، يفتي نفسه بذلك. وفيها: فتحت جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئا كثيرا، وافتتح ابن عامر في هذا القرب بلادا كثيرة من أرض خراسان. قال داود بن أبي هند: لما افتتح ابن عامر أرض فارس سنة ثلاثين، هرب يزدجرد بن كسرى فأتبعه ابن عامر، مجاشع بن مسعود السلمي، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 177 ووجه ابن عامر، فيا ذكر خليفة، زياد بن الربيع الحارثي إلى سجستان فافتتح زالق وناشروذ، ثم صالح أهل مدينة زرنج على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب، ثم توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فلقي أهل هراة فهزمهم. ثم افتتح ابن عامر أبرشهر -وهي نيسابور- صلحا، ويقال: عنوة. وكان بها فيما ذكر غير خليفة ابنتا كسرى بن هرمز. وبعث جيشا فتحوا طوس وأعمالها صلحا. ثم صالح من جاءه من أهل سرخس على مائة خمسين ألفا وبعث الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق. وبعث أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف. وسار الأحنف بن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالا شديدًا، ثم هزم الله المشركين، وكان النصر. ثم سار الأحنف على بلخ، فصالحوه على أربع مائة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها ورجع. وفتحت هراة ثم نكثوا. وقال ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشا إلى مرو فصالحوا وفتحت صلحا. ثم خرج ابن عامر من نيسابور معتمرا وقد أحرم منها، وساتخلف على خراسان الأحنف بن قيسن فلما قضى عمرته أتى عثمان -رضي الله عنه- واجتمع به، ثم إن أهل خراسان نقضوا وجمعوا جمعا كثيرا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 178 وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقاتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة. ثم قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قتل عثمان، وكذا معاوية على الشام. ولما فتح ابن عامر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية. وقال أبو يوسف القاضي: أخرجوا من خزائن كسرى مائتي ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف. ذكر من توفي في سنة ثلاثين: جبار بن صخر بن أمية بن خنساء، أبو عبد الرحمن الأنصار السلمي. شهد بدرا والعقبة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصا إلى خيبر، توفي بالمدينة وله ستون سنة. الطفيل بن الحارث بن المطلب المطلبي -فيما قاله سعيد بن عفير- وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث. كان من السابقين الأولين. شهد بدرا. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 179 عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري. كان على الخمس يوم بدر، يكنى أبا الحارث، وقيل: أبا يحيى، وصلى عليه عثمان، وهو أخو أبي ليلى المازني. معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال القرشي، أبو سعد الفهري، وقيل: اسمه عمرو، كذا سماه ابن إسحاق وغيره، وهو بدري قدم الصحبة. مسعود بن ربيعة، وقيل: ابن الربيع أبو عمير القاري، والقرارة حلفاء بني زهرة. شهد بدرا وغيرها، وعاش نيفا وستين سنة تقدم. سنة إحدى وثلاثين: قال أبو عبد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أن نيسابور فتحت صلحا، وكان فتحها في سنة إحدى وثلاثين. ثم روى بإسناده إلى مصعب بن أبي الزهراء أن كنار صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة يدعوهما إلى خراسان، ويخبرهما أن مرو قد قتل أهلها يزدجرد. فندب سعيد بن العاص الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير لها، فأتى ابن عامر دهقان، فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة. فأخذ به على قومس، واسرع إلى أن نزل على نيسابور، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 180 فقاتل أهلها سبعة أشهر ثم فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضا، وكان ابن خالة عثمان. ويقال: تفل النبي صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير. وفيا قال خليفة: أحرم عبد الله بن عامر من نيسابور، واستخلف قيس بن الهيثم وغيره على خراسان، وقيل: إن ذلك كان في السنة الماضية. وفيها: غزوة الأساود، فغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة. سنة اثنتين وثلاثين: فيها: كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية. وتوفي فيها: سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي، حليف بني عبد شمس. وكان أسن من عمه عكاشة، هاجر هو وأبوه وشهدا بدرا، توفي أبوه والنبي صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة، وكان سنان من سادة الصحابة، قال الواقدي: هو أول من بايع تحت الشجرة. الطفيل بن الحارث بن المطلب، فيها في قول، وقد ذكر. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 181 وأخوه الحصين توفي بعده بأربعة أشهر، وقد شهدا بدرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام". سنة ثلاث وثلاثين: وفيها: كانت غزوة قبرس -قاله ابن إسحاق وغيره- وغزوة إفريقية، وأمير الناس عبد الله بن سعد بن أبي سرح. قاله الليث. وفيها قال خليفة: جمع قارن جمعا عظيما بباذغيس وهراة، وأقبل في أربعين ألفا فترك قيس بن الهيثم البلاد وهرب، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقتل وسبى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان. ثم وجه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فصالحه صاحب زرنج وبقي بها حتى حوصر عثمان. قال خليفة: وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرأة من أرض الروم. قال: وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 182 سنة أربع وثلاثين: فيها: وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان فولاه عليهم، ثم إنه بعد قليل رد إليهم على الإمرة سعيد بن العاص فخرجوا ومنعوه. وفيها: كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح. سنة خمس وثلاثين: فيها: غزوة ذي خشب، وأمير المسلمين عليها معاوية. وفيها: حج بالناس وأقام الموسم عبد الله بن عباس. مقتل عثمان: وفيها: مقتل عثمان -رضي الله عنه: خرج المصريون وغيرهم على الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 183 عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة. قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب غلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد. فقام علي فقال: أنا. فقال عثمان: أنت أقربهم رحما فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله -يعني كونه جمع الأمة على مصحف- وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة الفن وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرؤوا على أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فها أنا ذا، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة. وقال محمد بن سعد: قالوا: رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي -واسمه مالك بن الحارث- ويزيد بن مكنف، وثابت بن قيسن وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور، وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم فرحل سعيد أيضا إلى عثمان فوافقهم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 184 عنده، فأبى عثمان أن يعزله. فخرج الأشتر من ليلته في نفرن فسرى عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان الأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة. فخرج الناس فعسكروا بالجرعة، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب، فجهز الأشتر غليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه. فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع. وصعد الأشتر منبر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل وقال: يا أبا موسى اصعد. فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم فأجابه الناس وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر أهل الكوفة: تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب ... وأمر علينا الأشعري لياليا فقال عثمان: نعم وشهورا وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه. وعن الزهري قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئا، وإنه لأحب إليهم من عمر؛ لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 185 أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك. قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحا زاهدا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله بن عامر، نزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص. وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: دعا عثمان ناسا من الصحابة فيهم عمار فقال: إني سائلكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكتوا، فقال: "لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتا بني أمية حتى يدخلوها". وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام، فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر؛ لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت. وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس، فقال علي: والله لو أمرني أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 186 الله فلم أكن لأفعل. وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى سودان بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجعه الغافقي فتكلم، وأطاف به خالد بن ملجم، وعبد الله بن رزين، وأشباه لهم، فصرف لهم القول، فلم يجدهم يجيبون إلى شيء ما يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئا حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلوا بما نريد، ونظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيما في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل، فقال: لست هناك. قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله مهم، وشكوا عمرا واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوما وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمرا على الصلاة. فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 187 واحد، وكتبا إلى عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل. ثم جمع مصر لابن أبي سرح. وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان. وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: قدم عمار بن ياسر من مصر وأبي شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء. فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين، والتاليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟! فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها، وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه. فقال سعد: "إنا لله وإنا إليه راجعون" ويحك حين كثرت شيبتك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا. فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد. فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات. حتى خرج عمار من الباب، فأقبل علي سعد يبكي حتى أخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر". فقد دله وخرف. وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 188 عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره. وحج معاوية، فقيل: إنه لما رأى لين عثمان واضطراب أمره، قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فأهل الشام على الطاعة فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جندا. قال: أنا أقتر على جيران رسول الله الأرزاق بجند تساكنهم! قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد. ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى، فأقره عثمان. ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه. فتوفوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 189 مخزوم ومن بني زهرة، فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قد قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه. فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك، وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا، فأما عمار فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركة بي، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه، وأما ابن سارة فغنه يتعرض للبلاء. وأرسل إلى المصريين والكوفيين ونادى: الصلاة جامعة -وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، فاقتلوه". وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذا. قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذاك؟ قالوا: نعم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 190 قال: وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أفكذاك؟ قالوا: نعم. وقالا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك؟ قالوا: نعم وقالوا: استعملت لأحداث. ولم استعمل إلا مجتمعا مرضيا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولي من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: نعم. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه. وإني إنما نفلته خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم. وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبهم فلم يوجب جورا، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي، ولا استحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى. قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربع مائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداء. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 191 وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وابن محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي. فأما أهل مصر فكانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، ونزل عمتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعليا، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا. فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم. فأتى المصريون عليا وهو عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرح الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 192 ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم، وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك. فذه القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بم، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها، وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا، بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي -رضي الله عنه- فقال: ما ردكم بعد ذهابكم؟ قالوا: وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا. وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم فعلم الناس أن ذلك مكر منهم. وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فساروا إليه على الصعب والذلول، وبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج، وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو. فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب قال: يا هؤلاء الغزاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيئ إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة، فقال: أنا أشهد بذلك، فاقعده حكيم بن جبلة فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب. فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل وأدخل الدار. وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 193 إلا ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر. قال: واستقتل أناس: منهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا إلى منازلهم. وقال عمرو بن دينار عن جابر قال: بعثنا عثمان خمسين راكبا، وعلنيا محمد بن مسلمة حتى أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا -يعني المصحف- يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في هذا، يعني المصحف، فقال: محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا. وقال الواقدي: حدثني ابن جريج، وغيره عن عمرو عن جابر أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن البياع، فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء. إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القوم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 194 ثانية، ونازلوا عثمان وحصروه. قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد فذكر طرفا من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا عليا فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا قال: والله لا أقوم معكم قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم. فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا: أكتبت فينا بكذا؟ فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين -يعني شاهدين- أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق. وحصروه في القصر. وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم عليا فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم. فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 195 وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا. وقال سلام: سمعت الحسن، قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل، فقال: أسألك كتاب الله. فقال: ويحك أليس معك كتاب الله! قام: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أديم السماء. وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: بينما عثمان يخطب، فقام رجل فنال نه، فوذأته فاتذأ، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا، فإنه من شيعته، فقلت له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح. وذأته: زجرته وقمعته. وقالوا لعثمان "نعثلا" تشبيها له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية، والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة. وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة. وقال غيره: ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 196 وقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم. فدعيا له، كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكما الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس يها ماء عذب غير بئر رومة، قال: "من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها". فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنت تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكما الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك وعليه أبو بكر وعم وأنا فقال: "اسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان". قالا: اللهم نعم فقال: الله أكبر شهدا ورب الكعبة أني شهيد. ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل. وعن ابن عمر، قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا". فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت. قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلا -إذا دخل إليه الرجل- سمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله. وقال سهل السراج، عن الحسن قال عثمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدوا جميعا أبدا، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا، ولا يصلون جميعا أبدا. وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة. فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه. وقال الحسن: حدثني وثاب، قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فقال: ما يريد الناس؟ قالك إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك. فقال: ما كت لخلع سربالا سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص. وقال حميد بن هلال: حدثنا عبد الله بن مغفل، قال: كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما هاجوا بعثمان قال: يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفا، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفًان وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان: قال: فلم ينظرو فيما قال، وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراق الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 197 والزم منبر رسول الله، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدًا. فقال من حول علي: دعنا نقتله. قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح. قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله بن سلام في أرض أشتريها، فقال بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون بعدها صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان؟ قال: ألم تر إلى الخوراج كيف يتأولون القرآن على السلطان؟ ودخل ابن عمر على عثمان وهو الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 198 محصور، فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك. فقال: دونك عطاءك -وكان واجدًا عليه- فقال: ليس هذا يوم ذاك. ثم خرج ابن عمر إليهم فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون نقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر. وعن أبي جعفر القارئ، قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستة مائة: رأسهم كنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم بن جبلة، وكانوا يدا واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلا قتل ندموا على ما ضيعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 199 وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه: فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق والبيت لشاعر من عبد القيس. الطبي: موضع الثدي من الخيل. وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك مسلوب. وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت عليا فقلت: يا عم أهلكتنا الحجارة فقام معي، فلم يزل يرمى حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك. وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به. وعن أبي إدريس الخولاني، قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه فقال له سعد: أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضى صلح الأمر قال: فأنت رسولي إليه فأتاه فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشترلأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 200 دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا. فدخلوا عليه فقتلوه. وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر قالوا لعثمان -يعني الذين عنده في الدار- ائذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل. أبو حبيبة هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه. وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبي، عن مسور بن مخرمة "ح" وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. "ح" وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشا سريعا. فلما قدم على معاوية ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، ومعاوية بن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا. فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش؟ قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط فقال: عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيرا، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك. فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما شعر بي أحد، فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام. فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 201 فأسرع معاوية راجعا. ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعا، وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له. فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانيا إلى معاوية لينجده، فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه، فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان. وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري قال: أنت لها وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف وقال: إن قدمت يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحدا أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر. وبعث يزيد بن شجعة في ألف على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي قتلوه فيه، فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة. وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة بن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام العامة، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 202 وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالا: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإن معك عددا وقوة، وإما أن تخرق لك بابا سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء. وقال نافع عن ابن عمر: أصبح عثمان حدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: "أفطر عندنا غدًا"، فأصبح صائما، وقتل من يومه. وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحدا يتهم عليا في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا. ومن وجه آخر، عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح. وخرج الآخرون. وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبع مائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها. وروي أن الحسن بن علي ما راح حتى جرح. وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 203 لك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبدا، فدخلوا عليه وهو صائم وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير. وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاث مائة من الأنصار، فدخل على عثمان، فقال: هذه الأنصار بالباب. فقال: أما القتال فلا. وقال أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: طاب الضرب. فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعا وأنا معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلا واحدا، فكأنما قتلت الناس جميعا. فانصرفت ولم أقاتل. وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالاك نعالجه قبل أن تقدم الأمداد. وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملكا ثم دعا بسراويل، فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: "اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة". ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه. وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويحل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك. فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي. قال: فأا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 204 وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا ابن أخي دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن تؤذيها. فرأيته كأنه استحيى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا ألا ارجعوا. قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: "اللهم لا يطلب بدمي غيرك"، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته. وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: أفرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها. وقيل: الذي قتله رجل يقال له: حمار. وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته، وقال: يا نعثل قد أخزاك الله فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان قال: يا ابن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت. فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 205 بالسيف قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات، وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه. وعن المغيرة قال: حروه اثنين وعشرين يوما، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار. وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده. وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 137] . وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أول الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 206 قطرة قطرت من دمه على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب وهو وسهيل المرى، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} قال: فإنها في المصحف ما حكت. وقال محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ قال: قتل مظلوما، ومن خذله كان معذورا، ومن قتله كان ظالما، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجيج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود وأبي ذر وعمار فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده فأبى أن يقبل، وضرب بعض من أتاه ممن شكاه فقتله. فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم، فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما، فاعزله، واقض بينهم فقال: اختاروا رجلا أوله فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح. فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا فسألوه فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاؤوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوته الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 207 تتقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد من عنده من الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعليا، والزبير، وسعدا، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذر، وابن مسعود، وعمار. وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل على عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال: هذا الغلام والبعير لك؟ قال: نعم، قال: فهذا كتابك؟ فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به! وعرفوا أنه خط مروان وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضابا، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم. وحاصره أولئك حتى منعوه الماء، فأشرف يوما، فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماء. فبلغ ذلك عليا، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ عليا أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحدا يصل إليه. وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبناءهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما راى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم لحال الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 208 الحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أحل الدار؛ لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته، قال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة، فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما فوجوده مذبوحا. وبلغ عليا وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا -وقد ذهبت عقولهم- ودخلوا فرأوه مذبوحا، وقال علي: كيف قتل وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله. فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة. فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى عليا، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه. وخرجت عائشة اكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان، فقال: من قتله؟ قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر فسأله علي، فقال: تكذب، قد والله دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل اللذين قتلاه. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 209 قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم فلا يحول بيننا وبين قصاص. فقال عمار: أما دم عثمان فلا فقال: يا ابن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهن، ولا تقتص من دم عثمان! فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة. وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم -يعني عليا عن عثمان- قال: فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر! قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر. وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهيت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار. وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا. وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع عليا يقول: والله ما قتلت -يعني عثمان- ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثا. وجاء نحوه عن علي من طرق، وجاء عنه أنه لعن قتلة عثمان. وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك: فكف يديه ثم أغلق بابه ... وايقن أن الله ليس بغافل الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 210 وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل فكيف رأيت الله صب عليهم الـ ... ـعداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار النعام الجوافل ورثاه حسان بن ثابت بقوله: من سره الموت صرفا لا مزاج له ... فليأت مأدبة في دار عثمانا ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ... قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا ليسمعن وشيكا في دياهم: ... الله أكبر يا ثارات عثمانا فصل: فيه ذكر من توفي في خلافة عثمان تقريبا أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري، أخو عبادة، وكلاهما قد شهد بدرًا. وأوس هو زوج المجادلة في زوجها خولة -ويقال لها: خويلة- بنت ثعلبة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي. أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري، ويقال: اسمه أنيس، فربما صغر. شهد بدرًا والمشاهد. توفي في خلافة عثمان الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 211 أوس بن خولى من بني الحبلى. أنصاري شهد بدرا. وهو الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبره. توفي قبل مقتل عثمان. الجد بن قيس. يقال: إنه تاب من النفاق وحسن أمره. الحطيئة الشاعر، أبو مليكة العبسي، قيل: اسمه جرول. عاش دهرًا في الجاهلية وصدرًا في الإسلام، ودخل على عمر وأنشده: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس وكان جوالا في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولا بخيلا، ركب مرة ليفد على الملوك، فقال لأهله: عدي السنين إذا خرجت لغيبة ... ودعي الشهور فإنهم قصار زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي المتكلم بعد الموت. له صحبة ورواية، قتل أبوه يوم أحد. قال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة توفي زمن عثمان، فسجي بثوب ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أربع سنين وبقيت سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 212 أريس. قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسجى بثوب فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق. قال ابن عبد البر: هذا هو الذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك، وذلك أنه غشي عليه وأسري بروحه، ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام في أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم مات لوقته. رواه ثقات الشاميين عن النعمان بن بشير. سلمان بن ربيعة الباهلي، يقال: له صحبة. وقد سمع من عمر، روى عنه: أبو وائل، والصبي بن معبد، وعمرو بن ميمون. وكان بطلا شجاعا فاضلا عابدا، ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم ولي زمن عثمان غزو أرمينية فقتل ببلنجر، وقيل: بل الذي قتل بها أخوه عبد الرحمن، وقيل: إن الترك إذا قحطوا يستسقون بقبر سلمان، وهو مدفون عندهم، وقد جعلوا عظامه في تابوت. روى له مسلم. عبد الله بن سراقة بن المعتمر العدويّ. له صحبة ورواية. شهد أحدا وغيرها وقال الزهري: إنه شهد بدرا. روى عنه عبد الله بن شقيق وعقبة بن وساج وغيرهما. وروى أيضا عن أبي عبيدة، وهو أخو عمرو. وقيل: إن الذي روى عن أبي عبيدة وروى عنه عبد الله بن شقيق في الدجال أزدي شريف من أهل دمشق. قاله الغلابي وغيره. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 213 عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري النجاري المالكي، شهد بدرا. قال الواقدي: لم يبق له عقب، وتوفي في زمن عثمان. عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي. قال ابن عبد البر: شهد بدرًا. وقال أبو نعيم: شهد أحدا، والخندق، وهو الذي نهش فرقاه عمارة بن حزم. استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان. وعن القاسم بن محمد قال: جاءت جدتان إلى أبي بكر فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل رجل من بني حارثة قد شهد بدرا: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها، فجعله أبو بكر بينهما. وقد ورد أن هذا غزا في خلافة عثمان. عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس القرشي العدوي، بدري كبير، وهو أخو عبد الله. روى عامر بن ربيعة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا عمرو بن سراقة -وكان لطيف البطن طويلا -فجاع، فانثنى صلبه، أخذنا صفيحة من حجارة فربطناها على بطنه، فمشى يوما، فجئنا قوما فضيفونا، فقال عمرو: كنت أحسب الرجلين تحمل البطن فإذا البطن يحمل الرجلين! عروة بن حزام، أبو سعيد. شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 214 مهاصر. خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقرة، وزوجها بابن عم آخر غني فهلك في محبتها عروة. ومن قوله فيها: وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب وأصرف عن رأي الذي كنت أرتئي ... وأنسى الذي أعددت حين تغيب عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري، من قيس غيلان، واسم عيينة حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عيناه فسمي عيينة. ويكنى أبا مالك، وهو سيد بني فزارة وفارسهم. قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: أجدبت بلاد آل بدر، فسارعيينة في نحو مائة بيت من آله حتى أشرف على بطن نخل فهاب النبي صلى الله عليه وسلم، فورد المدينة ولم يسلم ولم يبعد، وقال: أريد أدنو من جوارك فوادعني فوادعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، فلما فرغت انصرف عيينة إلى بلادهم فأغار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، قال له الحارث بن عوف: ما جزيت محمدًا سمنت في بلاده ثم غزوته!؟ وقال الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عقبة بن سلمة، عن عمه إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: أغار عيينة في أربعين رجلا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عشرين لقحة فساقها وقتل ابنا لأبي ذر كان فيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم إلى ذي قرد فاستنقذ عشر لقاح وأفلت القوم بالباقي، وقتلوا حبيب بن عيينة، وابن عمه مسعدة، وجماعة. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 215 الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري، عن ابن المسيب قال: كان عيينة بن حصن أحد رؤوس الأحزاب فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى الحارث بن عوف: أرأيتما إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة، أترجعان بمن معكما؟ فرضيا بذلك، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب لهم الصلح جاء أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عين الهجرس اقبض رجليك، والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم خضبتك بالرمح، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان أمر من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، متى طعمتم هذا منا وقال السعدان كذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شق الكتاب". فشقه فقال عيينة: أما والله للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة، فقال عاد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا! ستعلم أينا أجزع، والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم. فرجعا وهما يقولان: والله ما نرى أنا ندرك منهم شيئا. قال الواقدي: فلما انكشف الأحزاب رد عيينة إلى بلاده، ثم أسلم قبل الفتح بيسير. ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن علي بن سليم، عن الزبير بن خبيب، قال: أقبل عيينة بن حصن، فتلقاه ركب خارجين من المدينة، فسألهم فقالوا: الناس ثلاثة: رجل أسلم فهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام ويظهر الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 216 لقريش أنه معهم، قال: ما يسمي هؤلاء؟ قال: يسمون المنافقين. قال: ما في من وصفتم أحزى من هؤلاء، اشهدوا أنني منهم. ثم ساق ابن سعد قصة طويلة بلا إسناد في نافق عيينة يوم الطائف، وفي أسره عجوزا يوم هوازن يلتمس بها الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة، ثم غاب عنه، ونزله إلى خمسين، فامتنع ثم لم يزل به إلى أن بذل فيها عشرة من الإبل، فغضب وامتنع، ثم جاءه فقال: يا عم أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم أمرا أنكد، وأقبل يلوم نفسه فقال الفتى: أنت صنعت هذا: عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد، فأخذتها من بين من ترى، فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبي فأخطأها من بينهم الكسوة، فهلا كسوتها؟ قال: لا والله. فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص. وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة من الغنائم مائة من الإبل. الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة -رضي الله عنها، قالت: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: من هذه الحميراء؟ قال: "هذه عائشة بنت أبي بكر". فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس: ابنة جمرة؟ قال: "لا"، فلما خرج قلت: يا رسول الله من هذا؟ قال: "هذا الحمق المطاع". قال ابن سعد: قالوا: وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق قال ابن عباس: فنظرت إليه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 217 والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه. المدائني عن عامر بن أبي محمد قال: قال عيينة لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة، فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم. المدائني عن عبد الله بن فائد، قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان فدخل عيينة على عثمان بلا إذن، فعتبه عثمان فقال: ما كنت أرى أنني أحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: ادن فأصب من العشاء قال: إني صائم، قال: تصوم الليل! قال: إني وجدت صوم الليل أيسر علي! قال المدائني: ثم عمي عيينة في إمرة عثمان. أبو الأشهب، عن الحسن قال: عاتب عثمان عيينة، فقال: ألم أفعل ألم أفعل وكنت تأتي عمر ولا تأتينا؟! فقال: كان عمر خيرا لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا. قطبة بن عامر، أبو زيد الأنصاري السلمي، شهد بدرا والعقبتين. قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة الأنصاري، أحد بني مالك بن النجار. قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري، وخالفه الأكثر وقيل: هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي. وقال ابن ماكولا: إنه شهد بدرا، روى عنه ابنه سليم، وقيس بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 218 أبي حازم. وله حديث في الركعتين بعد الفجر. لبيد بن ربيعة العامري، الشاعر المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل". قال مالك: بلغني أن لبيدا عمر مائة وأربعين سنة، ويكنى أبا عقيل. قال ابن أبي حاتم: بعث الوليد بن عقبة إلى منزل لبيد عشرين جزورا فنحرت. وقيل: إنه توفي سنة إحدى وأربعين. المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، ممن بايع تحت الشجرة. روى عنه: ابنه سعيد بن المسيب. محمد بن جعفر بن أبي طالب، أبو القاسم الهاشمي. ولدته أسماء بنت عميس بالحبشة في أيام هجرة أبويه إليها وتوفي شابا. قال أبو أحمد الحاكم: إنه تزوج بأم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب. وقال ابن عبد البر: إنه استشهد بتستر، فالله أعلم. قال جرير بن حازم: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 219 سعد، عن عبد الله بن جعفر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى أباه جعفرا أمهل ثلاثا لا يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم". ثم قال: "ادعوا لي بني أخي"، فجيء بنا كأننا أفرح فأمر بحلاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: "أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي"، ثم أخذ بيدي فأشالها، وقال: "اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه". ثلاثا، ثم جاءت أمنا أسماء، فذكرت يتمنا، فقال: "العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة"! منقذ بن عمرو الأنصاري، أحد بني مازن بن النجار. كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله. وهو الذي كان يغبن في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بعت فقل: لا خلابة". نعيم بن مسعود، أبو سلمة الغطفاني الأشجعي. أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل بين الأحزاب، وكان يسكن المدينة. وله عقب روى عنه ابنه سلمة. أبو خزيمة بن أوس بن زيد، أحد بني النجار. شهد بدرا والمشاهد، وهو الذي وجد زيد بن ثابت معه الآيتين من آخر سورة براءة. توفي زمن عثمان. أبو ذؤيب الهذلي، خويلد بن خالد، الشاعر المشهور. أدرك الجاهلية وأسلم في خلافة الصديق، وكان أشعر هذيل، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 220 وكانت هذيل أشعر العرب. ومن شعره: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع وتجلدي للشامتين أريهم ... أنى لريب الدهر لا أتضعضع توفي غازيا بإفريقية في خلافة عثمان، وقد شهد سقيفة بني ساعدة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم. أبو زبيد الطائي الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر النصراني. أنشد عثمان قصيدة في الأسد بديعة فقال له: تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جبانا، وكان أبو زبيد يجالس الوليد بن عقبة. أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري. قديم الإسلام يقال: إنه هاجر إلى الحبشة وقد شهد بدرا والمشاهد بعدها. وهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمهما برة بنت عبدا لمطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي سبرة، وبين سلمة بن سلامة بن وقش. قال الزبير بن بكار: لا نعلم أحدا من أهل بدر رجع إلى مكة فنزلها، غير أبي سبرة فإنه سكنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وولده ينكرون ذلك. وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه. أبو لبابة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية الأنصاري، اسمه بشير، وقيل: رفاعة. رده النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر من الروحاء، فاستعمله على المدينة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 221 وضرب له بسهمه وأجره وكان من سادة الصحابة. توفي في خلافة عثمان وقيل: في خلافة علي، وقيل: في خلافة معاوية، هو أحد النقباء ليلة العقبة. روى عنه: ابناه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن كعب بن مالك، وسلمان الأغر، ورواية بعض هؤلاء عنه مرسلة لعدم إدراكهم إياه. أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة، تقدم في سنة إحدى وعشرين، وتوفي في خلافة عثمان. اسمه خالد، وقيل: شيبة وقيل: هشيم، وقيل: مهشم وهو أخو أبي حذيفة. كان صالحا زاهدا، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه أسلم يوم الفتح، وذهبت عينه يوم اليرموك. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 222 - سيرة أبي الحسنين علي رضي الله عنه: علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمير المؤمنين، أبو الحسن القرشي الهاشمي. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب. كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن. وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة. روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه. عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 225 وكان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا. قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، أن رجلا من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم عليا فأبيت، فقال: أما إذا أبيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: "أين ابن عمك"؟ قالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: "اذهب انظر أين هو". فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: "قم أبا تراب قم أبا تراب". أخرجه مسلم. قال أبو رجاء العطاردي: رأيت عليا شيخا أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية. وقال سوادة بن حنظلة: رأيت عليا أصفر اللحية. وعن محمد ابن الحنفية، قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 226 تركه. وعن الشعبي قال: رأيت عليا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن. وقال الشعبي: رأيت عليا أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغيبات. وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية. وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم شديد الأدمة ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب. قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان. وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع. وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة رواه جرير عنه. وثبت عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي. وعن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 227 نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر. وقال قتادة: إن عليا كان صاحب لواء رسول الله صلى الله يوم بدر، وفي كل مشهد. وقال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه". قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ قال: فدعا عليا فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه. وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، وقال: "اللهم أذهب عنه الحر والبرد". فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ. وقال جرير، عن مغيرة عن أم موسى: سمعت عليا يقول: ما الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 228 رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني. وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا. تفرد به إسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب. وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي بابا عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه. وقال غندر: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "انت مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي". ميمون صدوق. وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدا منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف عليا في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان!؟ قال: "أما الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 229 ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". أخرجه الترمذي وقال: صحيح غريب. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم} [آل عمران: 61] ، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسنا وحسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي". بكير احتج به مسلم. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: "أيها الناس من مولاكم"؟ قالوا: الله ورسوله. قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" ... الحديث إبراهيم هذا قال النسائي: ضعيف. ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: "قد زوجتك أعظمهم حلما، وأقدمهم سلما وأكثرهم علما". وروى نحوه جابر الجعفي -وهو متروك- عن ابن بريدة عن أبيه. وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 230 بعدي". وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كنت وليه فعلي وليه". وقال غندر: حدثنا شعبة عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". هذا حديث صحيح. وقال أبو الجواب: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: "إذا كان قتال فعلي على الناس". فافتتح علي حصنا، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال: "ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"؟. قلت: أعوذ بالله من غضب الله. أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق: أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد. "ح" وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة، قالوا: أخبرنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي؛ قالا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 231 النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي بن الجراح إملاء سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبوالقاسم عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو". رواه ابن ماجه عن سويد ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى عن شريك وقال: صحيح غريب. ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده، أخرجه النسائي في الخصائص. وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليا، وكان المسلمون إذ قدموا من سفر أو غزو أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتو رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضبا، فقال: "ما تريدون من علي، علي مني وأنامنه، هو ولي كل مؤمن بعدي". أخرجه أحمد في "المسند" الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 232 والترمذي وحسنه والنسائي. وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال: "لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله -أو في سبيل الله". رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد بنا كعب، عن عمتهما. ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من آذى عليا فقد آذاني". وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي -رضي الله عنه- الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه"، ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له. قال شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة -أو زيد بن أرقم، شك شعبة- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه". حسنه الترمذي، ولم يصححه؛ لأن شعبة رواه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 233 عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه. وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه". وروى نحوه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سمع عليا ينشد الناس في الرحبة. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى. وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضا. وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس: "الصلاة جامعة"، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: "ألست أولى بكل مؤمن من نفسه"؟. قالوا: بلى فقال: "فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". فلقيه عمر بن الخطاب، فقال: هنيئا لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد. وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القارئ عن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 234 السدي قال: حدثنا أنس بن مالك قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها، وترك طيرا فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك"، فجاء علي، وذكر حديث الطير. وله طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، من أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس، قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي، فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي". وذكر الحديث. وقال جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي، أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! قلت: معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سب عليا فقد سبني". رواه أحمد في "مسنده". وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي، قال: إنه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 235 لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". أخرجه مسلم، والترمذي وصححه. وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد، قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم عليا. وقال أبو الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليا. قال المختار بن نافع -أحد الضعفاء-: حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار". أخرجه الترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي، قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر. وقال يحيى الحماني: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، قالت: كنت قاعدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علي فقال: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 236 "يا عائشة هذا سيد العرب". قلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: "أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب". وروي من وجهين مثله عن عائشة. وهو غريب. وقال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما. أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب. قلت: جميع كذبه غير واحد. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فطلع عمر فبشرناه، ثم قال: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"، وجعل ينظر من النخل ويقول: "اللهم إن شئت جعلته عليا". فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن. وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة. وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 237 صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في "مسنده". وعن الشعبي: قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية، وتعجن فاطمة على ناحية. يعني: ننام على وجه، وتعجن على وجه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري، وقال: "اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك". قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد. وقال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي، قال: خطبنا علي، فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب. وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه، قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا. وقال محمد بن سيرين: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ علي عن بيعة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 238 أبي بكر، فلقيه أبو بكر، فقال: أكهت إمارتي؟! فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم. وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: "سلوني" إلا علي. وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبى أقرؤنا. وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي. وقال ابن المسيب، عن عمر، قال: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها. وقال سفيان، عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله. وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 239 وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق المستقيم. فقال له ابنه عبد الله: فما يمنعك؟! -يعني أن توليه- قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا. وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، ولكن رأي رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواما طلبوا الدنيا، فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: سمعت عليا يقول: والله ما عهد إلي رسول الله عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا. قرأ على أبي الفهم بن أحمد السلمي: أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وست مائة، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربع مائة، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، قال: حدثنا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 240 عبد الله بن روح قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن، قال: لما قدم علي رضي الله عنه- البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد، فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياما وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، هو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس". فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي عظم الأمر، قوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، ولم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 241 يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلا قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين. روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبده سليمان، قال: حدثنا أبو العلاء سالم المرادي، سمعت الحسن، روى نحوه وزاد في الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 242 آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه. قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين -يعنيان: طلحة والزبير- قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلا ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه. وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة. وقال أبو عتاب الدلال: حدثنا مختار بن نافع التيمي، قال: حدثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي -رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرا، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله عليا، اللهم أدر الحق معه حيث دار". وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله". فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: "لا". قال عمر: أنا هو؟ قال: "لا، ولكنه خاصف النعل"، وكان أعطى عليا نعله يخصفها. قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم. وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 243 أبي عثمان، قال: جاء أناس إلى علي، فقالوا: أنت هو، قال: من أنا! قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال: لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، أن عليا -رضي الله عنه- كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه، قال: خطب علي -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا، إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان. وقال ابن لهيعة: حدثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الوز، فإن الله قد أكثر الخير قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل للخيفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس". وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 244 وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا، وأنت تفعل هذا بنفسك! فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي. وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم. عن جرموز، قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، وأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم. وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى جليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا. وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلا حدث عليا بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني. قال: لم أفعل. قال: إن كنت كذبت أدعو عليك. قال: ادع. فدعا، فما برح حتى عمي. وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي، قال: وأبردها الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 245 على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم. وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك. وقال محمد بن بشر الأسدي -وهو صدوق-: حدثنا موسى بن مطير -وهو واه- عن أبيه، عن صعصعة بن صوحان، قال: لا ضرب علي أتيناه، فقلنا: استخلف، قال: إن يرد الله بكم خيرًا استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيرا واستعمل علينا أبا بكر. وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل، قال: قيل لعلي: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل. وروى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي، قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ... الحديث. وقال الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، سمع عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي. قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه لنبيرن عترته، قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا قال: لا، ولكني أترككم إلى ما الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 246 ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم. وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: سمعت عليا يقول: أشهد أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هذه -يعني لحيته من رأسه- فما يحبس أشقاها". وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن بعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى. قال: وعاتبه في لباسه، فقال: ما لكم ولباسي، هو أبعد من الكثير، وأجدر أن يقتدى بي المسلم. وقال فطر، عن أبي الطفيل؛ أن عليا -رضي الله عنه- تمثل: اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديكا وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي، قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف. قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 247 نفسه. قال ابن عيينة: كان عبد الملك رافضيًّا. وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة قال: حدثني الأصبغ الحنظلي، قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي -رضي الله عنه- أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يشمي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة. وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي، قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة أمير المؤمنين يصلي، فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي؛ لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ ! فقال: "ادع عليهم". فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدها فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا -رضي الله عنه- كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 248 رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. قال الحسن: وأتيته سحرا فجلست إليه، فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور قال: وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بن يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع في كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان سم سيفه. ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاؤوا بالنفط والبواري، فقال محمد ابن الحنفية والحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1] ، حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة. وكان أسمر، حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 249 أذنيه، وفي جبهته أثر السجود. ويروى أن عليا -رضي الله عنه- أمرهم أن يحرقوه بعد القتل. وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: صلى الحسن على علي، ودفن بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره. وعن أبي بكر بن عياش، قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج. وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة. وذكر المبرد، عن محمد بن حبيب، قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي. وقال صالح بن أحد النحوي: حدثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن عليا -رضي الله عنه- صير في صندوق، وكثروا عليه الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيئ، أضلوا البعير ليلا، فأخذته طيئ وهم يظنون أن في الصندوق مالا، فلما رأوه خافوا أن يطلبوا، فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه. وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة. قال أبو جعفر الباقر: قتل علي -رضي الله عنه- هو ابن ثمان الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 250 وخمسين. وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة. وعن جعفر الصادق، عن أبيه، قال: كان لعلي سبع عشرة سرية. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم، قال: خطبنا الحسن بن علي، فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها، لا خادم لأهله. وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم، قال: قلت للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة. فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، بدل عمرو. ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين -رضي الله عنه- لطال الكتاب. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 251 الحوادث في خلافة علي رضي الله عنه: سنة ست وثلاثين وقعة الجمل: لما قتل عثمان صبرا، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليا، ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب بدمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة. قال خليفة: قدم طلحة، والزبر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري واليا لعلي، فخاف وخرج عنها. ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة. وكان قد خرج منها قبل قدومه إليها حكيم بن جبلة العبدي في سبع مائة، وهو أحد الرؤوس الذن خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيما في طائفة من قومه، وقتل مقدم جيش الآخرين أيضا مجاشع بن مسعود السلمي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 252 ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه. وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعمل أنها -يعني عائشة- زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها. قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم، قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمان مائة من الأنصار، وأربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرا وسبع مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة أعظم منها. وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلى علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة. وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة. وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 253 الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي، وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد ابن الحنفية. وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد. قال الليث بن سعد، وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى. وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف، ومعه ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله. قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتا، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت: ألست أمك؟ ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن اصلح بين الناس، ذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله. وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم فما زال حتى قتل. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 254 وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: "أيها الناس أنصتوا"، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يدا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه. فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي، قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله. وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات. وفي بعض طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك. وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 255 وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ست مائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه ابنه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذ لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشيره عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها غوازب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظر كما ينتظر الضبع اللدم. وروى نحوه من وجهين آخرين. روح بن عبادة، قال: حدثنا أبو نعامة العدوي، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن حجيز بن الربيع أن عمران بن حصين أرسله إلى بني عدي أن ائتهم، فأتاه فقال: يقرأ عليكم السلام، ويقول: إني لكم ناصح، ويحلف بالله لأن يكون بعدا مجدعا يرعى في رأس جبل حتى يموت أحب إليه من أن يرمى في واحد من الفريقين بسهم، فأمسكوا فداكم أبي وأمي. فقالوا: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فغزوا يوم الجمل، فقتل خلق حول عائشة يومئذ سبعون كلهم قد جمعوا القرآن، ومن لم يجمع القرآن أكثر. روى الواقدي عن رجاله، قال: كان يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف عاملا لعثمان على الجند، فوافى الموسم عام قتل عثمان. وعن ابن أبي مليكة، قال: جاء يعلى بن أمية إلى عائشة وهي في الحج، فقال: قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه. قالت: برئت إلى الله من قاتله. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 256 وعن الواقدي، عن الوليد بن عبد الله، قال: قال يعلى بن أمية: أيها الناس، من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه. وعن علي بن أبي سارة، قال: قدم يعلى بأربع مائة ألف فأنفقها في جهازهم إلى البصرة. وعن غيره، قال: حمل يعلى بن أمية عائشة على جملة عسكر، وقال: هذه عشرة آلاف دينار من غر مالي أقوي بها من طلب بدم عثمان. فبلغ عليا، فقال: من أين له؟ سرق اليمن ثم جاء! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له، قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحدا بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح فيه، فلح يوم القيامة، قال: فتوافينا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن القوم نادوا بأجعهم: "يا لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية أمامنا رتوة معه اللواء، فمد علي يديه، وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه. وعن أبي جرو المازني، قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتلني وأنت ظالم لي"؟ قال: نعم ولم أذك إلا في موقفي هذا، ثم انصرف. وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 257 الجمل: يا حسن، ليت أباك مات منذ عشرين سنة. فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا. وقال ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثم قال في محمد: وأشعت قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم يذكرني "حم" والرمح شاجر ... فهلا تلا "حم" قبل التقدم على غير شيء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يندم فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلا، فقال: يا حسن، محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا! فقال: ما لي وما لك يا حسن. وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي: يا أبا عبد الله، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم". قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف. وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال يوم الجمل للزبير: يا ابن صفية، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 258 هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك عليًّا؟ فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبنًا جبنًا، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال: ترك الأمور التي أخشى عواقبها ... في الله أحسن في الدنيا وفي الدين وكيع، عن عصام بن قدامة -وهو ثقة- عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجوا بعد ما كادت". وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يدا من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبسا بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ثم إنها -رضي الله عنها- ندمت، وندم علي -رضي الله عنه- لأجل ما وقع. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 259 سنة سبع وثلاثين وقعة صفين: قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: لما قتل عثمان -رضي الله عنه، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتابا تصف فيه كيف دخل على عثمان -رضي الله عنه- وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وطيف بالقميص في أجناد الشام، وحرضهم على الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه. ولما بويع علي بالخلافة قال له ابنه الحسن وابن عباس: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام، وأطمعه فإنه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته، فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أن لا أعزله قالا: لا تعطه ذلك وبلغ ذلك معاوية. فقال: والله لا ألي له شيئا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه، وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلا. فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 260 ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياما. فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: استعملني عثمان على الحج، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها. قلت: ما هذا برأي، معاوية ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني. قال علي: ولم؟ قلت: لقرابتي منك، وأن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: لا والله لا كان هذا أبدا. روى أبو عبيد القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي، قال: قال ابن عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلا لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع. قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي -رضي الله عنه- قال: لله در ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال مجالد، عن الشعبي، قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجا بالدم، وخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، وبايعوا له. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 261 وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة. وذكر يحيى الجعفي في "كتاب صفين" بإسناد أن معاوية قال لجرير بن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول: معاوي إن الشام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالقنابل والقنا ... ولا تك مخشوش الذراعين وانيا فإن عليا ناظر ما تجيبه ... فأهد له حربا تشيب النواصيا وحدثني يعلى بن عبيد، قال: حدثنا أبي، قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع عليا! أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا عليا فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه. وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي قال: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي -أو أبي جعفر الباقر شك خلاد- قال: لما الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 262 ظهر أمر معاوية دعا علي -رضي الله عنه- رجلا، أمره أن يسير إلى دمشق، فيعقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت؟ قال: من العراق، قالوا: ما وراءك؟ قال: تركت عليا قد حشد إليكم، ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة. وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد، ثم قال: إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفه، فقام ذو الكلاع الحميري، فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال -يعني الفعال- فنزل معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك، فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام، فما الرأي؟ قال: فأضب أهل المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا، الرأي كذا، فلم يفهم علي كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فنزل وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب بها ابن أكالة الأكباد، يعني معاوية. وقال الأعمش: حدثني من رأى عليا يوم صفين يصفق بيديه، ويعض عليها، ويقول: واعجبًا! أعصى ويطاع معاوية. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 263 وقال الواقدي: اقتتلوا أياما حتى قتل خلق وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه. وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي، فاصطلحوا كما يأتي. وقال الزهري: اقتتلوا قتالا لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي الأشعث بن قيس الكندي، وعلى الميسرة عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ: الأحنف بن قيس التميمي، وعمار بن ياسر العنسي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعدي بن حاتم الطائي، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس الهمداني، وكان رئيس همدان المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم. وكان علي في خمسين ألفا، وقيل: في تسعين ألفا، وقيل: كانوا مائة ألف. وكان معاوية في سبعين ألفا، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي، وعلى ميمنته عمرو بن العاص، وقيل: ابنه عبد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ: أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطأة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوي، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 264 وغيرهم. قال عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية، فقال: إن هذه راية قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ثم قاتل حتى قتل. وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه. ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة، لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم "الخوارج". وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا. ثوير متروك. قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول: لم يبق إلا الصبر والتوكل ... ثم التمشي في الرعيل الأول مشي الجمال في حياض المنهل ... والله يقضي ما يشا ويفعل فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه عمامته غطاه بها وترحم عليه، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 265 فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم أظفر بالأشتر والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر: أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت يوما به الحرب شمرا كليث هزبر كان يحمي ذماره ... رمته المنايا قصدها فتقصرا ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت. وفي "الطبقات" لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحا يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان، من للروم ومن للترك، الله الله، والتقينا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد ابن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم. وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه. قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدرا، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 266 الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي. وعن ابن سيرين، قال: قتل يوم صفين سبعون ألفا يعدون بالقصب. وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل: عن سبعين ألفا، منهم خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام. وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر -أظنه ابن أبي المغيرة- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: شهدنا مع علي ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار. وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر. وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات؛ لأن معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء. قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين. وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 267 علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري. وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله. قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: حدثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، أن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه؟ فقال: الأشعث لرسوله أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره، فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها؛ لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ. وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة العامري. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 268 تحكيم الحكمين: عن عكرمة قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت ابن عباس، فإنه رجل مجرب. قال: أفعل. فأبت اليمانية، وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل. فجاء ابن عباس إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذاك، فإذ أبيت أن تجعلني مع عمرو، فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو، قرن لعمرو. فقال علي: أفعل. فأبت اليمانية أيضًا. فلما غُلِبَ جعل أبا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم أبا موسى، فإن معه رجلا حذرًا مرسًا قارحًا، فلزني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا ابن عباس ما أصنع؟ إنما أوتي من أصحابي، قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب، هذا الاشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبدًا حتى يكون أحدهما يمانٍ، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم. وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: احكم ولو على حز عنقي. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 269 وقال غيره: حكم معاوية عمرا، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل، وهي طرف الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق. فعن عمر بن الحكم، قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمرا، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع عليا. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك؟ فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا قال عمرو: الرأي ما رأيت. قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو: يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة. فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله، فتكلم يا أبا موسى. فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخش ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا. ثم قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في هذا الأمر وأمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن لا نثير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 270 منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقيل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر. وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، قال: ما أصنع به، جامعني على أمر، ثم نزع عنه. فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع؟ وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث. أو تتركه يلهث. فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة! إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. قال المسعودي في "المروج": كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم. فقال: بل تكلم أنت فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولا وآخرًا، ومتى تنازعنا الكلام لم نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول. قال: لا تكتب شيئا يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضي عليه فلان الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 271 وفلان. إلى أن قال عمرو: وإن عثمان كان مؤمنا، فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا. قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمنا أو كافرا. قال: بل كان مؤمنا. قال: فمر أن يكتب، فكتب. قال عمرو: ظالما قتل أو مظلومًا؟ قال أبو موسى: بل قتل مظلومًا. قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطانا يطلب بدمه؟ قال أبو موسى: نعم قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز؟ قال: بلى قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن عليا قتله. قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة. قال: وما هو؟ قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبدًا، وأهل الشام لا يحبون عليا أبدا، فهلم نخلعهما معا، ونستخلف ابن عمر -وكان ابن عمر على بنت أبي موسى- قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله؟ قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو، وقال: فهل لك في سعد؟ وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعا، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء، ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعليًّا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه. ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع عليا، وهو أعلم، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوما، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى، فقال: كذب عمرو، ولم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعليا معا. قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا عليا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 272 ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت وقنع شريح بن هانئ الهمداني عمرا بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد بن أبي وقاص وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاما كثيرا، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال عمرو: فعلتها؟ قال: إي والله بايع وإلا قتلتك. قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت. وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابا على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع اتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه، وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال. وقال خليفة وغيره: إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه؛ لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم. وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه، قال: قام علي على منبر الكوفة، فقال، حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 273 الحكومة فعصيتموني. فقام إليه شاب آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملًا، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا إنه لصغير مغفور، وإن كان حسنا إنه لعظيم مشكور. قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند. وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: دخلت على حفصة، فقلت: قد كان بين الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء. قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب. فلما تفرق الحكمان خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه -يعرض بابن عمر- قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع، قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك. فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر. عن الزهري. وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زيادا، فصالحوه وأدوا الخراج. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 274 وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفا، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا. وقال سليمان التيمي، عن أنس، قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به. وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء، وشبث. قلت: معنى قوله: "حكم" هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج، يقال: "حكم" إذا خرج وقال: لا حكم إلا الله. وتوفي فيها: جهجاه بن قيس -وقيل بن سعيد- الغفاري، مدني، له صحبة شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسع أجيرا لعمر، ووقع بينه وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنا: يا للأنصار. وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة. وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان -رضي الله عنه- وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي بعد عثمان بسنة. حابس بن سعد الطائي: ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 275 وكان من العباد. روى عنه: جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية. ذو الكلاع الحميري، اسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتركوا الترك ما تركوكم". كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن: عمر، وغير واحد روى عنه: أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري. والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر. الحديث رواه مسلم. وروى علوان بن داود، عن رجل، قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولا لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحما بدرهم فسمطه على فرسه. وروى أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 276 بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية. عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو. روى البخاري في "تاريخه" أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف. أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفا وجليلا. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة. قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعا قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها. عبد الله بن كعب المرادي، من كبار عسكر علي. قتل يوم صفين، ويقال: إن له صحبة. عبيد الله ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنيته أبو عيسى، غزا في أيام أبيه. وأمه أم كلثوم الخزاعية. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 277 وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة، وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب! وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هاربا منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ. ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل: رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة مليحة. أبو فضالة الأنصاري، بدري، قتل مع علي يوم صفين انفرد بهذا القول محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وليسا بحجة. أبو عمرة الأنصاري، بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري، وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو. بدري كبير، له رواية في النسائي، روى عنه: ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد ابن الحنفية، وقتل يوم صفين مع علي، قاله ابن سعد. سنة ثمان وثلاثين: فيها: وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد بن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم، وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 278 الحداني، وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرق عليه. أمر الخوارج: وفي شعبان: ثارت الخوارج وخرجوا على علي رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه} [الأنعام: 57] ، وكفروه، واحتجوا بقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبههم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95] ، وبقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] ، فرجع إلى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته، فقالوا: من أنت؟ فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة. وفيها: سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم "وقعة النهروان"، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبئي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلا. وقيل في تسميتهم "الحرورية"؛ لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريب من الكوفة يقال لها: "حروراء"، واستحل علي قتلهم لما فعلوا بابن خباب وزوجته. وكانت الوقعة في شعبان سنة الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 279 ثمان، وقيل: في صفر. قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قال: كلا. قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيرا جميلا، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني، قالوا: مرحبا بابن عباس وما هذه الحلة؟ قلت: وما تنكرون من ذلك؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] . قالوا: فما جاء بك؟ قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحدا منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون، فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره؟ فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون} [الزخرف: 58] ، وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله. قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله، وما للرجال ولحكم الله، والثانية: أنه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة: محا نفسه من "أمير المؤمنين"، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا. قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم؟ قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95] ، وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 280 الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم، وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] ، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فغنه قاتل أمكم؛ لأن الله يقول: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} [الأحزاب: 6] ، فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب بينه وبين سهيل بن عمرو، فقال: "يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الل هـ -صلى الله عليه وسلم "، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال: "اللهم إنك تعلم أني رسولك"، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: "يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة. قال عوف: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق". وكذا رواه قتادة، وسليمان التيمي، عن أبي نضرة. وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 281 على علي، قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من أبغ خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي، قال: انظروا فلم يجدوا شيئا، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. وقال يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض، أن عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس -يعني عبادهم- فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة، وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماما عظيما، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس. فناداه الناس ما تسأل؟ إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم با روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى، يقول في كتابه: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] ، فأمة محمد أعظم حقا وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى الآخرون. قالت عائشة: فلم قتلهم؟ قال قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 282 سنة تسع وثلاثين: فيها: كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي -رضي الله عنه- فكسرهم، وقتل رؤوسهم، وسجد شكرا لله تعالى لما أتى بالمخدج إليه مقتولا. وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبئي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير. وفيها: بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم بن العباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة. وقيل: توفي فيها أم المؤمنين ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان. وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه. ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع محمد ابن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 283 يسير فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني، فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلا. قال: يا أبا القاسم يسير لأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى، قال: اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني. سنة أربعين: فيهاك بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطاة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ عليا فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن. قال ابن سعد: قالوا: انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لكم لمعاوية، وقال الآخر: أنا أكفيكم عمرا. فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة، فاجتمع الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 284 بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليا، فقال: لك ذلك. ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه. وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام هو وشبيب، فأخذوا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه وقتلوه. وقال حجاج بن أبي منيع: حدثنا جدي، عن الزهري، عن أنس قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وأقبلوا بعد ما بويع معاوية. من توفي فيها: الحارث بن خزمة بن عدي، أبو بشير الأنصاري الأشهلي. شهد بدرا والمشاهد كلها، وهو من حلفاء بني عبد الأشهل. توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة. وخزمة: بفتحتين، قيده ابن ماكولا. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 285 خارجة بن حذافة بن غانم. قال ابن ماكولا: له صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمر بن العاص. روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثا. شرحبيل بن السمط بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال: أبو السمط. له صحبة ورواية. وروى أيضا عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه: جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة. قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها وكان فارسا بطلا شجاعا، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة، واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره. وقد قال الشعبي: إن عمر استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه. قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 286 عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي رضي الله عنه. خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر" فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف، وكان ممن قرأ القرآن، والفقه، وهوأحد بني تدول وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العباد، ويقال: هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر، فسأله عما سأله من مستعجم القرآن. وقيل: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين. قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية. قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون: إن ابن ملجم أفضل أهل الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره. فاعجبوا يا مسلمون لهذا الجنون. وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي. يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 287 الخوارج والروافض فيه، وحكمه حكم قاتل عثمان، وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل. المتوفون في خلافة علي تحديدا وتقريبا على الحروف: رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك وخلاد. شهد بدرا هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار، له أحاديث. روى عنه ابناه: عبيد ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم. وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد. توفي في حدود سنة أربعين. وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية. صفوان بن عسال المرادي: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وله أحاديث. روى عنه: زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي، وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة. قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي: الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 288 أحد فقهاء الصحابة، وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر، وولاه علي على الكوفة، ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين. توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح، وهو أول من نيح عليه بالكوفة، وقيل: توفي بعد علي. القعقاع بن عمرو التميمي: قيل: إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها، وكان أحد الأبطال المذكورين، يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين، وسكن الكوفة. سحيم عبد بني الحسحاس: شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له. روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب، قال: قيل لعمر -رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، دعاه فقال: كيف قلت؟ فقال: ودع سليمى إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح. وهذه قصيدة طنانة يقول بها: جنونا بها فيما اعتلقنا علاقة ... علاقة حب ما استسر وباديا الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 289 ليالي تصطاد الرجال بفاحم ... تراه أثيثا ناعم النبت عافيا وجيد كجيد الريم ليس بعاطل ... من الدر والياقوت أصبح حاليا كأن الثريا علقت فوق نحرها ... وجمر غضى هبت له الريح زاكيا إذا اندفعت في ريطة وخميصة ... وألقت بأعلى الرأس سبا يمانيا تريك غداة البين كفا ومعصما ... ووجها كدينار الأعزة صافيا فلو كنت وردا لونه لعشقتني ... ولكن ربي شانني بسواديا أتكتم حييتم على الناي تكتما ... تحية من أمسى بحبك مغرما وماشية مشي القطاة اتبعتها ... من السر تخشى أهلها أن تكلما فقالت له: يا ويح غيرك إنني ... سمعت كلاما بينهم يقطر الدما وله من قصيدة: وإن لا تلاقي الموت في اليوم فاعلمن ... بأنك رهن أن تلاقيه غدا رأيت المنايا لم يدعن محمدا ... ولا أحدا إلا له الموت أرصدا وقيل: إن سحيما لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها فقال: أمن سمية دمع العين مذروف ... لو أن ذا منك قبل اليوم معروف المال مالكم والعبد عبدكم ... فهل عذابك عني اليوم مصروف كأنها يوم صدت ما تكلمنا ... ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف ثم قتل عفا الله عنه. الجزء: راشدون ¦ الصفحة: 290 الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَبِهِ نَسْتَعِيْنُ 1 - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (م، ق) . ابْنِ الجَرَّاحِ بنِ هِلاَلِ بنِ أُهَيْبِ بنِ ضَبَّةَ بنِ الحَارِثِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ القُرَشِيُّ، الفِهْرِيُّ، المَكِّيُّ. أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَمَنْ عَزَمَ الصِّدِّيْقُ عَلَى تَوْلِيَتِهِ الخِلاَفَةَ، وَأَشَارَ بِهِ يَوْمَ   (*) مسند أحمد: 1 / 195 - 196، الزهد لابن حنبل: 184، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 297 - 304، نسب قريش: 445، طبقات خليفة: 27، 300، تاريخ خليفة: 138، التاريخ الكبير: 6 / 444 - 445، التاريخ الصغير: 1 / 48، المعارف: 247 - 248، تاريخ الطبري 3 / 202، الجرح والتعديل: 6 / 325، مشاهير علماء الأمصار: ت 13، البدء والتاريخ: 5 / 87، معجم الطبراني: 1 / 117 - 120، المستدرك للحاكم: 3 / 262 - 268، حلية الأولياء: 1 / 100 - 102، الاستيعاب: 5 / 293 - 297، تاريخ ابن عساكر: 7 / 157، صفوة الصفوة: 1 / 142، جامع الأصول: 9 / 5 - 18، أسد الغابة: 3 / 128 - 130، الكامل في التاريخ: 2 / 332 325، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 259، الرياض النضرة: 2 / 307، تهذيب الكمال: 645، دول الإسلام 1 / 15، تاريخ الإسلام: 2 / 23، العبر: 1 / 15، 24، العقد الثمين: 5 / 84، تهذيب التهذيب: 5 / 73، الإصابة: 5 / 285 - 289، تاريخ الخميس: 2 / 244، كنز العمال 13 / 214 - 219، شذرات الذهب: 1 / 29، تهذيب تاريخ دمشق: 7 / 160 - 168، أشهر مشاهير الإسلام: 504. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 السَّقِيْفَةِ؛ لِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ (1) . يَجْتَمِعُ فِي النَّسَبِ هُوَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فِهْرٍ. شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالجَنَّةِ، وَسَمَّاهُ: أَمِيْنَ الأُمَّةِ، وَمَنَاقِبُهُ شَهِيْرَةٌ جَمَّةٌ. رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً (2) ، وَغَزَا غَزَوَاتٍ مَشْهُوْدَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ، وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَسَمُرَةُ بنُ جُنْدَبٍ، وَأَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، وَلَهُ فِي (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) حَدِيْثٌ، وَفِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. الرِّوَايَةُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، قِرَاءةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مَائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ أَبُو القَاسِمِ المَعَرِّيُّ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مَائَةٍ بِهَرَاةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنْ (3) عَبْدِ اللهِ بنِ سُرَاقَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: (إِنَّهُ لَمْ   (1) انظر خبر السقيفة في الطبري 3 / 252، والكامل في التاريخ 2 / 325 - 332. (2) أحاديثه في مسند أحمد 1 / 195 - 196، وعددها اثنا عشر حديثا. (3) عبارة " عبد الله بن شقيق عن " سقطت من مطبوع دار المعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوْحٍ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمُوْهُ) . فَوَصَفَهُ لَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَآنِي، أَوْ سَمِعَ كَلاَمِي) . قَالُوْا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ! كَيْفَ قُلُوْبُنَا يَوْمَئِذٍ؟ أَمِثْلُهَا اليَوْمَ؟ قَالَ: (أَوْ خَيْرٌ (1)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الجُمَحِيِّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَقَالَ: وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، وَغَيْرِهِ. وَهَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عُبَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ مَالِكِ بنِ يَخَامِرَ: أَنَّهُ وَصَفَ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلاً نَحِيْفاً، مَعْرُوْقَ الوَجْهِ، خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ، طُوَالاً، أَحْنَى (2) ، أَثْرَمَ (3) الثَّنِيَّتَيْنِ (4) . وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: انْطَلَقَ ابْنُ مَظْعُوْنٍ، وَعُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ   (1) أخرجه أحمد 1 / 195 مختصرا، وأبو داود (4756) في السنة: باب في الدجال، والترمذي (2235) في الفتن: باب ما جاء في الدجال. ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله بن سراقة لم يسمع من أبي عبيدة. وقال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن بسر، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وعبد الله بن مغفل، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة بن الجراح لا نعرفه إلا من حديث خالد الحذاء. وقال البخاري: عبد الله بن سراقة لم يسمع من أبي عبيدة بن الجراح. (2) الرجل الأحنى: فيه انعطاف الكاهل نحو الصدر مع انحناء من الكبر وغيرها محقق المطبوع إلى " أجنأ " نقلا عن ابن سعد، وقال: الكلمتان بمعنى. (3) الأثرم: مكسور الأسنان. (4) الخبر في " الطبقات " 3 / 1 / 303، والحاكم 3 / 264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ حَتَّى أَتَوْا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ، وَأَنْبَأَهُمْ بِشَرَائِعِهِ، فَأَسْلَمُوا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ دُخُوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ. وَقَدْ شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَدْراً، فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ أَبَاهُ، وَأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلاَءً حَسَناً، وَنَزَعَ يَوْمَئِذٍ الحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا مِنَ المِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ، فَانْقَلَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَحَسُنَ ثَغْرُهُ بِذَهَابِهِمَا، حَتَّى قِيْلَ: مَا رُئِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحْسَنُ مِنْ هَتْمِ أَبِي عُبَيْدَةَ (1) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ وَقْتَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَقِيْفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ: قَدْ رَضِيْتُ لَكُم أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: قَدِ انْقَرَضَ نَسْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَوَلَدُ إِخْوَتِهِ جَمِيْعاً، وَكَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ. قَالَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالوَاقِدِيُّ (2) . قُلْتُ: إِنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُطِلْ بِهَا (3) اللَّبْثَ. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْدُوْداً فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ العَظِيْمَ. قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فِي (مَغَازِيْهِ) : غَزْوَةُ عَمْرِو بنِ العَاصِ هِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ (4) ، مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، فَخَافَ عَمْرٌو مِنْ جَانِبِهِ ذَلِكَ، فَاسْتَمَدَّ رَسُوْلَ   (1) انظر " الطبقات " 3 / 1 / 298، و" الاستيعاب " 5 / 292، و" المستدرك " للحاكم 3 / 266، و" الإصابة " 5 / 285، و" ابن هشام " 1 / 252، وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 58 - 59. والهتم: كسر في الثنايا من أصولها. (2) انظر ابن هشام 1 / 329، و" الطبقات " لا بن سعد 3 / 1 / 298، والحاكم 3 / 266. (3) سقطت من مطبوع دار المعارف. (4) خبر هذه الغزوة عند ابن هشام 2 / 623، والطبري 3 / 21 - 32، و" الكامل " في التاريخ 2 / 232، وفي " الإصابة " 5 / 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْتَدَبَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سَرَاةٍ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، فَأَمَّرَ نَبِيُّ اللهِ عَلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَةَ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: أَنَا أَمِيْرُكُم. فَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ: بَلْ أَنْتَ أَمِيْرُ أَصْحَابِكَ، وَأَمِيْرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا أَنْتُم مَدَدٌ أُمْدِدْتُ بِكُم. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الشِّيْمَةِ، مُتَّبِعاً لأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَهْدِهِ، فَسَلَّمَ الإِمَارَةَ لِعَمْرٍو. وَثَبَتَ مِنْ وُجُوْهٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ (1)) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِمَا، قَالُوا: لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ سَرْغَ (2) ، حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيْداً، فَقَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي   (1) أخرجه أحمد 3 / 133، 189، 245، 281، والبخاري (3744) في فضائل القرآن، و (4382) في المغازي، و (7255) في أخبار الآحاد، ومسلم (2419) في الفضائل، والحاكم 3 / 267 وصححه، ووافقه الذهبي، وابن سعد 3 / 1 / 299، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 5 / 293 والحافظ في " الإصابة " 5 / 285، كلهم من طريق: خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس ... وأخرجه أحمد 3 / 146، 175، 184، 212، 286 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس ... وأخرجه الترمذي (3759) في المناقب، وابن ماجه (135) في المقدمة من طريق: أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة. وأخرجه ابن ماجه (136) في المقدمة عن ابن عمر، وفي الباب عن أبي بكر، وابن مسعود، وخالد بن الوليد، وعائشة،. وانظر " حلية الأولياء " 1 / 101 وما بعدها. (2) سرغ: بالغين المعجمة - والعين المهملة لغة فيه: وهو أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك. وقال مالك بن أنس: هي قرية بوادي تبوك. وهناك لقي عمر بن الخطاب من أخبره بطاعون عمواس. وانظر " معجم البلدان " 3 / 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 أَجَلِي، وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ، اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ) . قَالَ: فَأَنْكَرَ القَوْمُ ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا بَالُ عَلْيَاءِ قُرَيْشٍ؟ يَعْنُوْنَ: بَنِي فِهْرٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، أَسْتَخْلِفْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُوْلُ: (إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ (1)) . وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قِيْلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُو بَكْرٍ) . قِيْلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ) . كَذَا يَرْوِيْهِ حَمَّادٌ. وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ، فَرَوَوْهُ عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ (2) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 18، وفيه " نبذة " بدل " رتوة "، ورجاله ثقات إلا أن شريح بن عبيد، وراشد ابن سعد، لم يدركا عمر. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 300، والحاكم 3 / 268 بنحوه مختصرا من طريق: كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن حجاج، قال: قال عمر بن الخطاب: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح لاستخلفته وما شاورت، فإن سئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسوله. والرتوة: بفتح الراء، وسكون التاء، وفتح الواو، رمية سهم، وقيل: مد البصر. (2) أخرجه الترمذي (3657) في المناقب، وابن ماجه (102) في المقدمة: باب فضل عمر. ورجاله ثقات. وأخرجه الحاكم 3 / 73، وأبو يعلي الموصلي في مسنده، كما في " الإصابة " 5 / 287، من طريق: كهمس، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة ... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه البخاري (3662) في فضائل الصحابة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، و (4358) في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، من حديث عمرو بن العاص، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ، بِقِرَاءتِهِ (1) عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَلِيْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ صِلَةَ بنَ زُفَرَ (2) ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنِّي أَبْعَثُ إِلَيْكُم رَجُلاً أَمِيْناً) . فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ (3) . اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ شُعْبَةَ. وَاتَّفَقَا مِنْ حَدِيْثِ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ (4)) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ البَاقِلاَنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بنُ أَبِي مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عِيْسَى الوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ   (1) في الأصل " قراءته ". (2) في الأصل " رقة " وهو خطأ. (3) أخرجه الطيالسي 2 / 159، وأحمد 5 / 398، 400 والبخاري (3745) في فضائل الصحابة: باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح، و (4380) في المغازي: باب قصة أهل نجران و (4381) فيها و (7254) في الآحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، ومسلم (2420) في الفضائل: باب فضل أبي عبيدة، والترمذي (3759) في المناقب، وابن ماجه (135) في المقدمة. (4) تقدم تخريجه في الصفحة رقم (9) التعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ مَعَ خَالِدٍ، الَّذِيْنَ أَمَدَّ بِهِم أَبَا عُبَيْدَةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ دِمَشْقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِم قَالَ لِخَالِدٍ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ؛ لأَنَّكَ جِئْتَ تَمُدُّنِي. فَقَالَ خَالِدٌ: مَا كُنْتُ لأَتَقَدَّمَ رَجُلاً سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ (1)) . أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ (2) أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْقُفَا نَجْرَانَ: العَاقِبُ وَالسَّيِّدُ، فَقَالاَ: ابْعَثْ مَعَنَا أَمِيْناً حَقَّ أَمِيْنٍ. فَقَالَ: (لأَبْعَثَنَّ مَعَكُم رَجُلاً أَمِيْناً حَقَّ أَمِيْنٍ) . فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ، فَقَالَ: (قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ) . فَأَرْسَلَهُ مَعَهُم. قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نَحْوَهُ (3) . التَّرْقُفِيُّ (4) فِي (جُزْئِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو حِسْبَةَ (5) مُسْلِمُ بنُ أَكْيَسَ مَوْلَى ابْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لِي مَنْ   (1) إسناده ضعيف لضعف يحيي بن أبي زكريا، وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 7 / 281 من طريق، سعيد بن سليمان، عن أبي أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر. و14 / 165 من طريق شعبة، عن أيوب وخالد، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 40 من طريق: مقدم بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن ابن خثيم ... به (2) في الأصل " عن " وهو تحريف. (3) تقدم تخريجه في هذه الصفحة تعليق رقم (1) ورجاله ثقات. (4) الترقفي: نسبة إلى ترقف من أعمال واسط. واسمه عباس بن عبد الله الترقفي. وثقه السراج والدارقطني. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو من رجال التهذيب. (5) حسبة: بالحاء المكسورة، والباء المفتوحة وقد تصحفت في المطبوع إلى " حسنه ". وهو مسلم بن أكيس مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشي مترجم في الجرح والتعديل 8 / 180، والميزان للذهبي 4 / 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ قَالَ: يُبْكِيْنِي أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْماً مَا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، حَتَّى ذَكَرَ الشَّامَ، فَقَالَ: (إِنْ نَسَأَ اللهُ فِي أَجَلِكَ، فَحَسْبُكَ مِنَ الخَدَمِ ثَلاَثَةٌ: خَادِمٌ يَخْدُمُكَ، وَخَادِمٌ يُسَافِرُ مَعَكَ، وَخَادِمٌ يَخْدمُ أَهْلَكَ، وَحَسْبُكَ مِنَ الدَّوَابِّ ثَلاَثَةٌ: دَابَّةٌ لِرَحْلِكَ، وَدَابَّةٌ لِثِقَلِكَ، وَدَابَّةٌ لِغُلاَمِكَ) . ثُمَّ هَا أَنَا ذَا أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِي قَدِ امْتَلأَ رَقِيْقاً، وَإِلَى مَرْبَطِي قَدِ امْتَلأَ خَيْلاً، فَكَيْفَ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهَا؟ وَقَدْ أَوْصَانَا: (إِنَّ أَحَبَّكُم إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي، مَنْ لَقِيَنِي عَلَى مِثْلِ الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكُمْ عَلَيْهَا (1)) . حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. رَوَاهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَبِي المُغِيْرَةِ. وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ: مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لأَخَذْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ خُلُقِهِ، إِلاَّ أَبَا عُبَيْدَةَ) . هَذَا مُرْسَلٌ (2) . وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَوْصُوْفاً بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَبِالحِلْمِ الزَائِدِ، وَالتَّوَاضُعِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ   (1) إسناده ضعيف لجهالة أبي حسبة، كما أن روايته عن أبي عبيدة مرسلة. والزيادة بين الحاصرتين ليست في الأصل، وإنما استدركت من المسند، وقد أخرجه أحمد 1 / 195 - 196، وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 253 وقال: رواه أحمد وفيه راو لم يسم. وبقية رجاله ثقات. وقد تحرفت في " المجمع " أبو حسبة إلى " أبي حسنة " كما تحرفت في " تعجيل المنفعة " إلى " أبي حبيبة ". وهو في تاريخ ابن عساكر 1 / 307 - 308. (2) أخرجه الحاكم 3 / 266 وقال: مرسل غريب، ورواته ثقات. وهو في " الاستيعاب " 2 / 293، وقال ابن عبد البر: هو من مراسيل الحسن. وفي " الإصابة " 5 / 288 من طريق أخرى. وقال الحافظ: مرسل، ورجاله ثقات. وانظر تاريخ الفسوي 1 / 448. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 أَبِي نَجِيْحٍ: قَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ: تَمَنُّوْا. فَتَمَنَّوْا، فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى بَيْتاً مُمْتَلِئاً رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: قَالَ ابْنُ (2) عُلَيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ أَصْحَابِي أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ أَخَذْتُ عَليْهِ، إِلاَّ أَبَا عُبَيْدَةَ (3)) . وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: أَخِلاَّئِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ (4) . خَالَفَهُ غَيْرُهُ، فَفِي (الجَعْدِيَاتِ) : أَنْبَأَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي   (1) رجاله ثقات، لكن فيه انقطاع بين ابن أبي نجيح وعمر. والخبر في " الطبقات " 3 / 1 / 300 وأخرجه الحاكم 3 / 262 وفيه زيادة: " فقالوا له: ما آلوت الإسلام خيرا. قال: ذلك أردت "، وفي " الحلية " 1 / 102. وأخرجه البخاري مطولا في " تاريخه الصغير " 1 / 54 من طريق عبد الله بن يزيد المقري، عن حيوة، عن أبي صخر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، قال لأصحابه: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا، فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبا فأنفقه في سبيل الله. قال: تمنوا. قال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهرا أو نحوه، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: تمنوا. فقالوا: ما تمنينا بعد هذا. قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله. قال: ثم بعث بمال إلى حذيفة، قال: انظر ما يصنع، قال: فلما أتاه قسمه. ثم بعث بمال إلى معاذ بن جبل فقسمه، ثم بعث بمال. يعنى إلى أبي عبيدة - قال: انظر ما يصنع. فقال عمر: قد قلت لكم. أو كما قال. ورجاله ثقات. غير أبي صخر، وهو حميد بن زياد الخراط فإنه مقبول الحديث حيث يتابع. (2) سقطت من الأصل واستدركت من " الاستيعاب " 5 / 293. (3) هو مرسل. وانظر التعليق المتقدم برقم (2) في الصفحة (13) . (4) فيه انقطاع: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ... ، فَذَكَرَهُ (1) . قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ بَيْتَ المَالِ (2) . قُلْتُ: يَعْنِي: أَمْوَالَ المُسْلِمِيْنَ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ عُمِلَ بَيْتُ مَالٍ، فَأَوَّلُ مِنِ اتَّخَذَهُ عُمَرُ. قَالَ خَلِيْفَةُ: ثُمَّ وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الشَّامِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ أَمِيْراً، وَفِيْهَا استُخْلِفَ عُمَرُ، فَعَزَلَ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ (3) . قَالَ القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بنِ فَيَّاضٍ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ: أَنَّ عُمَرَ لَقِي أَبَا عُبَيْدَةَ، فَصَافَحَهُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَتَنَحَّيَا يَبْكِيَانِ (4) . وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي (الجِهَادِ) لَهُ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حُصِرَ بِالشَّامِ، وَنَالَ مِنْهُ العَدُوُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ شِدَّةٌ، إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَهَا فَرَجاً، وَإِنَّهُ لاَ يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} ، الآيَةَ [آلُ عِمْرَانَ: 200] . قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} ، إِلَى قَوْلِهِ: {مَتَاعُ الغُرُوْرِ} [الحَدِيْدُ: 20] . قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 262 من طريق: سفيان، عن أبي إسحاق عن عبيدة، قال: كان ... (2) الخبر في " تاريخ خليفة " ص 123. (3) هذا ليس نص خليفة. وإنما نقله الذهبي بالمعنى. وانظر " تاريخ خليفة " ص: 119. (4) رجاله ثقات لكنه منقطع، وفي المطبوع زيادة كلمة " أبو " بين " قال " و" القاسم " وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بِكِتَابِهِ، فَقَرَأَهُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّمَا يُعَرِّضُ بِكُم أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ بِي، ارْغَبُوا فِي الجِهَادِ (1) . ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذاً سَمِعَ رَجُلاً يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ خَالدُ بنُ الوَلِيْدِ، مَا كَانَ بِالنَّاسِ دَوْكٍ (2) . وَذَلِكَ فِي حَصْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: فَإِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ تَضْطَرُّ المُعْجِزَةُ لاَ أَبَا لَكَ! وَاللهِ إِنَّهُ لَخَيْرُ مَنْ بَقِيَ عَلَى الأَرْضِ. رَوَاهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَابْنُ سَعْدٍ (3) . وَفِي (الزُّهْدِ) لابْنِ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ، فَتَلَقَّاهُ الأُمَرَاءُ وَالعُظَمَاءُ. فَقَالَ: أَيْنَ أَخِي أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالُوا: يَأْتِيْكَ الآنَ. قَالَ: فَجَاءَ عَلَى نَاقَةٍ مَخْطُوْمَةٍ بِحَبْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْصَرِفُوا عَنَّا. فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَرَحْلَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوِ اتَّخَذْتَ مَتَاعاً، أَوْ قَالَ: شَيْئاً. فَقَالَ: يَا   (1) إسناده قوي، ورجاله ثقات. (2) الدوك: الاختلاط. يقال: وقع الناس في دوكة أو دوكة، أي: وقعوا في اختلاط من أمرهم وخصومة وشر. وفي الأصل الذي اعتمدناه " دركون " ولا معنى لها في كتب اللغة، ورواية البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 58 " ما كان الناس يدركون " ويغلب على الظن أن الصواب " يدوكون " يقال: بات الناس يدوكون إذا باتوا في اختلاط ودوران. وتداوك القوم: إذا تضايقوا في حرب أو شر. وفي ابن سعد 3 / 1 / 301 " ما كان بالبأس ذوكون " وهو تحريف. ومع ذلك فقد أثبته محقق المطبوع متجاوزا الأصل. وأما رواية ابن عساكر 1 / 307 فهي " ما كان بالناس ذوكون " وغالب الظن أن ذلك تحريف أيضا. والله اعلم. (3) البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 58، وابن سعد 3 / 1 / 301. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ هَذَا سَيُبَلِّغُنَا المَقِيْلَ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ حِيْنَ قَدِمَ الشَّامَ، قَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ. قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ عِنْدِي؟ مَا تُرِيْدُ إِلاَّ أَنْ تُعَصِّرَ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئاً، قَالَ: أَيْنَ مَتَاعُكَ؟ لاَ أَرَى إِلاَّ لِبْداً وَصَحْفَةً (2) وَشَنّاً، وَأَنْتَ أَمِيْرٌ، أَعِنْدَكَ طَعَامٌ؟ فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى جَوْنَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا كُسَيْرَاتٍ، فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ سَتَعْصِرُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَكْفِيْكَ مَا يُبَلِّغُكَ المَقِيْل. قَالَ عُمَرُ: غَيَّرَتْنَا الدُّنْيَا كُلَّنَا، غَيْرَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ (3) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ. وَهَذَا -وَاللهِ- هُوَ الزُّهْدُ الخَالِصُ، لاَ زُهْدُ مَنْ كَانَ فَقِيْراً مُعْدِماً. مَعْنُ بنُ عِيْسَى: عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، أَوْ بِأَرْبَعِ مَائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: انْظُرْ مَا يَصْنَعُ بِهَا. قَالَ: فَقَسَّمَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مُعَاذٍ بِمِثْلِهَا. قَالَ: فَقَسَّمَهَا، إِلاَّ شَيْئاً قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ الرَّسُوْلُ عُمَرَ، قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الإِسْلاَمِ مَنْ يَصْنَعُ   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع. وأخرجه عبد الرزاق (20628) . وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 101 - 102. وهو في " الإصابة " 5 / 288، وفي " الزهد " لأحمد بن حنبل ص: 184: باب أخبار أبي عبيدة بن الجراح. (2) تحرفت في المطبوع إلى " صفحة ". (3) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عمر، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب: أبو عبد الرحمن العمري المدني. قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف عابد. ورواية السنن من طريق ابن الأعرابي غير موجودة لدينا حتى نحيل إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هَذَا (1) . الفَسَوِيُّ (2) : حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ عِمْرَانَ بنِ نِمْرَانَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ كَانَ يَسِيْرُ فِي العَسْكَرِ، فَيَقُوْلُ: أَلاَ رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ، مُدَنِّسٍ لِدِيْنِهِ! أَلاَ رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِيْنٌ! بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ القَدِيْمَاتِ بِالحَسَنَاتِ الحَدِيْثَاتِ (3) . وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا مِنْكُم مِنْ أَحْمَرَ وَلاَ أَسْوَدَ يَفْضُلُنِي بِتَقْوَى، إِلاَّ وَدِدْتُ أَنِّي فِي مِسْلاَخِهِ (4) . مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ كَبْشاً، فَيَذْبَحُنِي أَهْلِي، فَيَأْكُلُوْنَ لَحْمِي، ويَحْسُوْنَ مَرَقِي (5) . وَقَالَ عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: وَدِدْتُ أَنِّي رَمَادٌ تَسْفِيْنِي الرِّيْحُ (6) . شُعْبَةُ: عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: إِنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، وَلاَ غِنَى بِي عَنْكَ فِيْهَا، فَعَجِّلْ إِلَيَّ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، قَالَ: عَرَفْتُ حَاجَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ. فَكَتَبَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ، فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزِيْمَتك، فَإِنِّي فِي جُنْدٍ   (1) ابن سعد 3 / 1 / 301 (2) تصحفت في المطبوع إلى " النسوي ". (3) انظر الفسوي 2 / 427 - 428 في " المعرفة والتاريخ "، و" الحلية " 1 / 102 و" الإصابة " 5 / 288 وقال الحافظ: سنده مرسل. (4) ابن سعد 3 / 1 / 300، و" الحلية " 1 / 101 و" الإصابة " 5 / 288 - 289 وفيها " سلامة " بدل " مسلاخه " وهو تحريف. (5) و (6) " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ، لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُم. فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَ: لاَ، وَكَأَنْ قَدْ (1) . قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَانْكَشَفَ الطَّاعُوْنُ. قَالَ أَبُو المُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو المَرْوَزِيُّ: زَعَمُوا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ كَانَ فِي سِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً مِنَ الجُنْدِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُم إِلاَّ سِتَّةُ آلاَفِ رَجُلٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ (2) حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي (3) عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ (4) أَبِي سَيْفٍ المَخْزُوْمِيِّ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -شَامِيٌّ، فَقِيْهٌ- عَنْ عِيَاضِ بنِ غُطَيْفٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ فِي مَرَضِهِ، وَامْرَأَتُهُ تُحَيْفَةُ جَالِسَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى الجِدَارِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَتْ: بَاتَ بِأَجْرٍ. فَقَالَ: إِنِّي -وَاللهِ- مَا بِتُّ بِأَجْرٍ! فَكَأَنَّ القَوْمَ سَاءهُمْ، فَقَالَ: أَلاَ تَسْأَلُوْنِي عَمَّا قُلْتُ؟ قَالُوا: إِنَّا لَمْ يُعْجِبْنَا مَا قُلْتَ، فَكَيْفَ نَسْأَلُكَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَبِسَبْعِ مَائَةٍ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ، أَوْ عَادَ مَرِيْضاً، أَوْ مَاز أَذَىً، فَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالصَّوْمُ   (1) وأخرجه الحاكم 3 / 263 من طريق. الحميدي، عن سفيان، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، بأطول مما هنا. وقال: رواته كلهم ثقات، وهو عجيب بمرة. وقال الذهبي في " المختصر ": هو على شرط البخاري ومسلم. (2) سقطت من المطبوع. (3) تحرفت في المطبوع إلى " ابن ". (4) سقطت من الأصل، ولم يفطن لها محقق المطبوع وهو بشار بن أبي سيف كما سيأتي قريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا (1) ، وَمَنِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ، فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ (2)) . أَنْبَأَنَا جَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي بَشَّارُ بنُ أَبِي سَيْفٍ، حَدَّثَنِي الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيَاضِ بنِ غُطَيْفٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُوْدُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا (3)) . وَقَدِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا عُبَيْدَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، مِنْهَا المَرَّةُ الَّتِي جَاعَ فِيْهَا عَسْكَرُهُ، وَكَانُوا ثَلاَثَ مَائَةٍ، فَأَلْقَى لَهُمُ البَحْرُ الحُوْتَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ميتَةٌ. ثُمَّ قَالَ: لاَ، نَحْنُ رُسُلُ رَسُوْلِ اللهِ، وَفِي سَبِيْلِ اللهِ، فَكُلُوا ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. وَهُوَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) (4) .   (1) في الأصل: ما لم يجرحها وما أثبتناه من " المسند " و" المستدرك " و" المجمع ". (2) بشار بن أبي سيف لم يوثقه غير ابن حبان. وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 1 / 195 من طريق بشار بن أبي سيف عن عياض بن غطيف وقد سقط من الإسناد فيه " الوليد بن عبد الرحمن " راويه عن عياض. ورواه أحمد مرة أخرى 1 / 196 على الصواب. وأخرجه الحاكم 3 / 265 من طريق: بشار بن أبي سيف، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غطيف به. وسكت عنه هو والذهبي. وأورده الهيثمي في " المجمع " 2 / 300 وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى والبزار وفيه " بشار " (وقد تحرف فيه إلى " يسار ") بن أبي سيف، ولم أر من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات. (3) أخرجه أحمد 1 / 196 من طريق: جرير، عن بشار بن أبي سيف، عن الوليد، عن عياض ابن غطيف به. وانظر ما قبله. (4) أخرجه مالك، في " الموطأ: في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: باب جامع ما جاء في الطعام والشراب برقم (24) ، وأحمد 3 / 303، 306، 311، والبخاري (2483) في الشركة: باب الشركة في الطعام والنهد والعروض، بلفظ " بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاث مئة وأنا فيهم. فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد. فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلنا: وما يغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. قال: ثم = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَلَمَّا تَفَرَّغَ الصِّدِّيْقُ مِنْ حَرْبِ أَهْل الرِّدَّةِ، وَحَرْبِ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ، جَهَّزَ أُمَرَاءَ (1) الأَجْنَادِ لِفَتْحِ الشَّامِ. فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرَو بنَ العَاصِ، وَشُرَحْبِيْلَ بنَ حَسَنَةَ، فَتَمَّتْ وَقْعَةُ أَجْنَادِيْنَ (2) بِقُرْبِ الرَّمْلَةِ، وَنَصَرَ اللهُ المُؤْمِنِيْنَ، فَجَاءتِ البُشْرَى، وَالصِّدِّيْقُ فِي مَرَضِ المَوْتِ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ فِحْلٍ (3) ، وَوَقْعَةُ مَرْجِ الصُفَّرِ (4) ، وَكَانَ قَدْ سَيَّرَ أَبُو بَكْرٍ خَالِداً لِغَزْوِ العِرَاقِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ لِيُنْجِدَ مَنْ بِالشَّامِ. فَقَطَعَ المَفَاوِزَ عَلَى بَرِّيَّةِ السَّمَاوَةِ، فَأَمَّرُهُ الصِّدِّيْقُ عَلَى الأُمَرَاءِ كُلِّهِم، وَحَاصَرُوا دِمَشْقَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. فَبَادَرَ عُمَرُ بِعَزْلِ خَالِدٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الكُلِّ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَجَاءهُ التَّقْلِيْدُ، فَكَتَمَهُ مُدَّةً، وَكُلُّ هَذَا مِنْ دِيْنِهِ وِلِيْنِهِ وَحِلْمِهِ، فَكَانَ فَتْحُ دِمَشْقَ (5) عَلَى يَدِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَظْهَرَ التَّقْلِيْدَ، لِيَعْقِدَ   = انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما " وأخرجه البخاري (2983) في الجهاد: باب حمل الزاد على الرقاب مختصرا. و (4360) و (4361) و (4362) في المغازي: باب غزوة سيف البحر. وفي الأخيرة تسمية الحوت بالعنبر و (5493) و (5494) في الذبائح والصيد. ومسلم (1935) في الصيد: باب، إباحة ميتات البحر. والترمذي (2477) في القيامة: باب ما لاقاه صلى الله عليه وسلم في أول أمره، والنسائي 7 / 207 - 209 في الصيد: باب ميتة البحر، وابن ماجه (4159) في الزهد: باب معيشة أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم. وانظر ابن هشام 2 / 632 - 633. (1) تحرفت في المطبوع إلى " أمر " (2) انظر الطبري 7 / 417 - 419، و" الكامل " في التاريخ 2 / 498 - 500، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر 1 / 478. (3) انظر الطبري 3 / 433 - 443، و" الكامل " في التاريخ 2 / 429 وابن عساكر 1 / 478، وفحل: بكسر الفاء وسكون الحاء، وانظر معجم البلدان. (4) انظر الطبري 3 / 391 - 410، و" الكامل " في التاريخ 2 / 427، وابن عساكر 1 / 478. ومرج الصفر: مرج جنوبي دمشق بين الكسوة وغباغب. (5) انظر الطبري الجزء 3 / " فتح دمشق "، " الكامل " في التاريخ 2 / 477 وابن عساكر 1 / 493. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الصُّلْحَ لِلرُّوْمِ، فَفَتَحُوا لَهُ بَابَ الجَابِيَةِ صُلْحاً، وَإِذَا بِخَالِدٍ قَدِ افْتَتَحَ البَلَدَ عَنْوَةً مِنَ البَابِ الشَّرْقِيِّ، فَأَمْضَى لَهُم أَبُو عُبَيْدَةَ الصُّلْحَ. فَعَنِ المُغِيْرَةِ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ صَالَحَهُم عَلَى أَنْصَافِ كَنَائِسِهِم وَمَنَازِلَهِم، ثُمَّ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَأْسَ الإِسْلاَمِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوْكِ؛ الَّتِي اسْتَأْصَلَ اللهُ فِيْهَا جُيُوْشَ الرُّوْمِ، وَقُتِلَ مِنْهُم خَلْقٌ عَظِيْمٌ. رَوَى ابْنُ المُبَارَكِ فِي (الزُّهْدِ) لَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، عَنْ حَدِيْثِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَسَأَلَهُ: كَيْفَ هُوَ! وَقَدْ طُعِنَّا؟ فَأَرَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ طَعْنَةً خَرَجَتْ فِي كَفِّهِ، فَتَكَاثَرَ شَأْنُهَا فِي نَفْسِ الحَارِثِ، وَفَرَقَ مِنْهَا حِيْنَ رَآهَا، فَأَقْسَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِاللهِ: مَا يُحِبُّ أَنَّ لَهُ مَكَانَهَا حُمْرَ النَّعَمِ (1) . وَعَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ وَجَعَ عَمَوَاسَ كَانَ مُعَافَىً مِنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَهْلُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَصِيْبَكَ فِي آلِ أَبِي عُبَيْدَةَ! قَالَ: فَخَرَجْتُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، فِي خَنْصَرِهِ بَثْرَةٌ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُبَارِكَ اللهُ فِيْهَا، فَإِنَّهُ إِذَا بَارَكَ فِي القَلِيْلِ، كَانَ كَثِيْراً (2) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي المُخَارِقِ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الجَابِيَةِ إِلَى بَيْتَ المَقْدِسِ لِلصَّلاَةِ،   (1) وأخرجه الطبراني في الكبير برقم (364) ، والحاكم 3 / 263 ورجاله ثقات، سوى شهر فإنه مختلف فيه. وانظر الصفحة (458) . (2) سنده منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ (1) . قَالَ الوَلِيْدُ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ رُوَيْمٍ، قَالَ: فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ بِفِحْلٍ، فَتُوُفِّيَ بِهَا بِقُرْبِ بَيْسَانَ (2) . طَاعُوْنُ عَمَوَاسَ: مَنْسُوْبٌ إِلَى قَرْيَةِ عَمَوَاسَ، وَهِيَ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْنَ بَيْتِ المَقْدِسِ. وَأَمَّا الأَصْمَعِيُّ، فَقَالَ (3) : هُوَ مِنْ قَوْلِهِم زَمَنَ الطَّاعُوْنِ: عَمَّ، وَآسَى. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ (4) ، وَكَانَ لَهُ عَقِيْصَتَانِ. وَقَالَ كَذَلِكَ فِي وَفَاتِهِ جَمَاعَةٌ. وَانْفَرَدَ ابْنُ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، أَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ يَزِيْدَ بنِ عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. 2 - طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ * (ع) ابْنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَكِّيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ.   (1) و (2) هما في " الإصابة " 5 / 289. (3) في الأصل: " الاصغر " وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، ولم يفطن له محقق المطبوع وانظر " معجم ما استعجم " ص: 971. (4) الكتم: نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة، ويختضب به للسواد. (*) مسند أحمد: 1 / 160 - 164، الزهد لأحمد بن حنبل: 145، ابن هشام: 2 / 80، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 152 - 161، طبقات خليفة: 18، 189، تاريخ خليفة: 181، المحبر: 355، التاريخ الصغير: 1 / 75، المعارف: 228 - 234، ذيل المذيل: 11، الجرح والتعديل: 4 / 471، مشاهير علماء الأمصار: ت: 8، البدء والتاريخ: 5 / 82، المعجم الكبير للطبراني: 1 / 68 - 77، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أَحَدُ العَشَرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) بِالمُكَرَّرِ: ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً. لَهُ حَدِيْثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ يَحْيَى، وَمُوْسَى، وَعِيْسَى، وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ، وَمَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: كَانَ رَجُلاً آَدَمَ، كَثِيْرَ الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالجَعْدِ القَطَطِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، حَسَنَ الوَجْهِ، إِذَا مَشَى أَسْرَعَ، وَلاَ يُغَيِّرُ شَعْرَهُ (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي   = مستدرك الحاكم: 3 / 368 - 374، حلية الأولياء: 1 / 87، الاستيعاب: 5 / 235 - 249، الجمع بين رجال الصحيحين: 230، تاريخ ابن عساكر: 8 / 270، صفوة الصفوة: 1 / 130، جامع الأصول: 9 / 3 - 5، أسد الغابة: 3 / 85 - 89، اللباب: 2 / 88، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 251، الرياض النضرة: 2 / 249، تهذيب الكمال: 628، دول الإسلام: 1 / 30 - 31، تاريخ الإسلام: 2 / 163، العبر: 1 / 37، مجمع الزوائد: 9 / 147 - 150، العقد الثمين: 5 / 68 - 69، طبقات القراء: 1 / 342، تهذيب التهذيب: 5 / 20، الإصابة: 5 / 232 - 235، خلاصة تذهيب الكمال: 180، كنز العمال: 13 / 198 - 204، شذرات الذهب: 1 / 42 - 43، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 74 - 90، رغبة الآمل: 3 / 16. (1) ستأتي خلال الترجمة. (2) هو في " الطبقات لابن سعد 3 / 1 / 156، وعند الطبراني في " الكبير " (191) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِي أَبْيَضَ يَضْربُ إِلَى الحُمْرَةِ، مَرْبُوْعاً، إِلَى القِصَرِ هُوَ أَقْرَبُ، رَحْبَ الصَّدْرِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ القَدَمَيْنِ، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيْعاً (1) . قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ سَبَقَ إِلَى الإِسْلاَمِ (2) ، وَأُوْذِيَ فِي اللهِ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ غَابَ عَنْ وَقْعَة بَدْرٍ فِي تِجَارَةٍ لَهُ بِالشَّامِ (3) ، وَتَأَلَّمَ لِغَيْبَتِهِ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِ، وَأَجره (4) . قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ الحَافِظُ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ مَعَ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ الجَابِيَةَ، وَجَعَلَهُ عَلَى المُهَاجِرِيْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَتْ يَدُهُ شَلاَّءَ مِمَّا وَقَى بِهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ. الصَّلْتُ بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 370، والطبراني (191) ، وهو في " الإصابة " 5 / 232. (2) انظر " تاريخ الطبري " 2 / 317. (3) قال ابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 154: لما تحين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصول عير قريش من الشام، بعث طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، فخرجا حتى بلغا الحوراء. فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرت بهما العير، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخبر، قبل رجوع طلحة وسعيد إليه ... " والمؤلف سيذكر ذلك ص 136 فانظره وانظر الطبري 2 / 478، و" الاستيعاب " 5 / 237، وابن هشام 1 / 683، و" المستدرك " للحاكم 3 / 369. (4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 368، والطبراني في " الكبير " (189) من طريق، ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: طلحة بن عبيد الله بن عثمان، بن عمرو، بن كعب، بن سعد، بن تيم، بن مرة، كان بالشام فقدم، وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهمه فضرب له سهمه. قال: وأجري يا رسول الله؟ قال: وأجرك. وهو على إرساله ضعيف لضعف ابن لهيعة. وأخرجه الحاكم أيضا من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري ... وانظر ما سبقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيْدٍ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ (1)) . أَخْبَرَنِيْهُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الجُوْدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الطلاَبَةِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ (2) ، حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ. وَفِي (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (أَوجب طَلْحَةُ (3)) . قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ شَلاَّءَ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (4) .   (1) إسناده ضعيف جدا لان الصلت بن دينار متروك كما في " التقريب " وهو في " مسند الطيالسي " (1793) . وأخرجه ابن ماجه (125) من طريق: وكيع، عن الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر ... وأخرجه الترمذي (3740) من طريق: صالح بن موسى الطلحي، عن الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر. وصالح بن موسى متروك كالصلت. وأخرجه الترمذي (3742) ، وأبو يعلى في " مسنده " ورقة 45 / 1، والضياء المقدسي في " المختارة 1 / 278 من طريق طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة: أن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا لاعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته، يوقرونه ويهابونه. فسأل الاعرابي، فأعرض عنه ثم سأله، فأعرض عنه. ثم إني طلعت من باب المسجد، وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه " وحسنه الترمذي. وهو كما قال. وله شاهد مرسل عند ابن سعد 3 / 1 / 156. (2) في الأصل: رشد وهو خطأ. (3) أخرجه الترمذي (3739) في المناقب: باب مناقب طلحة و (1692) في الجهاد، وأحمد 1 / 165، وابن سعد 3 / 1 / 155 والحاكم 3 / 374 وصححه ووافقه الذهبي. وسنده حسن. وهو في " الإصابة " 5 / 233 و" الاستيعاب " 5 / 238، و" تاريخ الطبري " 2 / 522، وانظر " الكامل " في التاريخ لابن الأثير 2 / 158. (4) أخرجه البخاري (3724) في فضائل الصحابة و (4063) في المغازي، باب: غزوة أحد. وأحمد 1 / 161، وابن ماجه (128) في المقدمة، والطبراني في " الكبير " (192) ، وابن سعد 3 / 1 / 155، وهو في " الاستيعاب " 5 / 238. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ وَآخَرَ، عَنْ عمَارَةَ بن غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَوَلَّى النَّاسُ، كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَاحِيَةٍ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، مِنْهُم طَلْحَةُ، فَأَدْرَكَهُمُ المُشْرِكُوْنَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ لِلْقَوْمِ؟) . قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ: (كَمَا أَنْتَ) . فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. قَالَ: (أَنْتَ) . فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا (1) المُشْرِكُوْنَ. فَقَالَ: (مَنْ لَهُمْ؟) . قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ: (كَمَا أَنْتَ) . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. قَالَ: (أَنْتَ) . فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَقِيَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ طَلْحَةُ. فَقَالَ: (مَنْ لِلْقَوْمِ؟) . قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ الأَحَد عَشَر، حَتَّى قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ. فَقَالَ: حَسِّ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ قُلْتَ: بِاسْمِ اللهِ، لَرَفَعَتْكَ المَلاَئِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُوْنَ) . ثُمَّ رَدَّ اللهُ المُشْرِكِيْنَ (2) . رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ أَبِي عَصْرُوْن الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ (3) بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، سَمِعتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ،   (1) ما بين الحاصرتين من النسائي، وفي المطبوع " ثم آذى المشركون ". (2) أخرجه النسائي 6 / 29 - 30 في الجهاد: باب ما يقول من يطعنه العدو. ورجاله ثقات. إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعن. وأخرج الحاكم معناه في " المستدرك " 3 / 369 في خبر مطول من طريق آخر، والبيهقي في " شعب الايمان "، وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 51 والخبر عند ابن سعد 3 / 1 / 154، وفي " الإصابة " 5 / 234. (3) تحرف في المطبوع إلى " محمد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يُقَاتِلُ بِهَا رَسُوْلُ اللهِ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيْثِهِمَا (1) . أَخْرَجَهُ: الشَّيْخَانِ عَنِ المُقَدَّمِيِّ. وَبِهِ إِلَى التَّمِيْمِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، عَنْ مُوْسَى وَعِيْسَى ابْنَيْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِمَا: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لأَعْرَابِيٍّ جَاءَ يَسْأَلُهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ: مَنْ هُوَ؟ وَكَانُوا لاَ يَجْتَرِؤُوْنَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوَقِّرُوْنَهُ، وَيَهَابُوْنَهُ. فَسَأَلَهُ الأَعْرَابِيُّ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ المَسْجِدِ -وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ-. فَلَمَّا رَآنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟) . قَالَ الأَعْرَابِيُّ: أَنَا. قَالَ: (هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ (2)) . وَأَخْرَجَهُ: الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) مِنْ حَدِيْثِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ) (3) .   (1) أخرجه البخاري (3723) في الفضائل، و (4060) و (4061) في المغازي، باب: غزوة أحد. ومسلم (2414) في الفضائل. وقوله " عن حديثهما " يريد أنهما حدثان. وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 52. (2) أخرجه الترمذي (3742) في المناقب وقال: حسن غريب. والطبراني في " الكبير " (217) ، وابن سعد 3 / 1 / 156 وسنده حسن، وانظر الصفحة 26 التعليق (1) . (3) الحديث لم يروه الطيالسي في " مسنده " من حديث معاوية كما قال " المصنف " وإنما هو عنده من حديث جابر 2 / 146. وأخرجه من حديث معاوية، الترمذي (3740) في المناقب، وابن ماجه (126) و (127) في المقدمة، وسنده ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى بن طلحة التيمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (اهْدَأْ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ) (1) . سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ مُوْسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، قَدْ قَضَى نَحْبَهُ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ (2)) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَضْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ اليَشْكُرِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَوْمَ الجَمَلِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ فِيِّ (3) رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ (4)) . وَهَكَذَا رَوَاهُ: ابْنُ زَيْدَانَ البَجَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الجَارُوْدِيُّ، عَنِ الأَشَجِّ. وَشَذَّ أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، فَقَالَ: عَنْ نَضْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُقْبَةَ.   (1) أخرجه مسلم (2417) في الفضائل، والترمذي (3698) في المناقب: باب مناقب عثمان. (2) إسناده ضعيف لعضف صالح بن موسى. قال ابن معين: ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وضعفه النسائي، وأبو حاتم والجوزجاني، وابن عدي، وابن حبان، وقال النسائي في رواية: متروك. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 155. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 ونسبه إلى أبي يعلى، وإلى الطبراني في الأوسط، وقال: وفيه صالح بن موسى وهو متروك. وهو في " المطالب العالية " (4014) ونسبه الحافظ إلى أبي يعلى. (3) سقطت لفظة " في " من المطبوع. (4) إسناده ضعيف لضعف أبي عبد الرحمن نضر بن منصور، وشيخه عقبة بن علقمة. وأخرجه الترمذي (3741) في المناقب، باب: مناقب طلحة، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والحاكم 3 / 364 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: لا. وهو في " أسد الغابة " 3 / 87 وقد تصحف اسم النضر في الموضعين في المطبوع إلى " نصر ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 دُحَيْمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: ابْتَاعَ طَلْحَةُ بِئْراً بِنَاحِيَةِ الجَبَلِ، وَنَحَرَ جزُوْراً، فَأَطْعَمَ النَّاسَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنْتَ طَلْحَةُ الفَيَّاضُ (1)) . سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي (2) ، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ سَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: طَلْحَةَ الخَيْرَ، وَفِي غَزْوَةِ ذِي العَشِيْرَةِ (3) : طَلْحَةَ الفَيَّاضَ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ: طَلْحَةَ الجُوْدَ (4) . إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ. قَالَ مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: صَحِبْتُ طَلْحَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيْلِ مَالٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ (5) . أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ مِنْ   (1) إسناده ضعيف لضعف موسى بن محمد. وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه الطبراني وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم وهو مجمع على ضعفه. وهو في " الاستيعاب " 5 / 235، وفي الإصابة " 5 / 232 (2) " حدثني أبي " سقطت من المطبوع. (3) في الأصل: غزوة العسرة وهو خطأ، وقد تحرفت في المطبوع إلى " العمرة " وما أثبتناه من الطبراني، وقد قال بعد رواية الحديث: بالسين والشين جميعا، فبالسين من العسرة، وبالشين موضع. وقد غزا النبي، صلى الله عليه وسلم ذا العشيرة، وهي من ناحية ينبع، بين مكة والمدينة. (4) أخرجه الطبراني في " الكبير " (197) و (218) ، والحاكم 3 / 374، وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 147 ونسبه إلى الطبراني وقال: وفيه من لم أعرفهم. وسليمان بن أيوب الطلحي وثق وضعف. وعند الحاكم والطبراني " ويوم حنين " بدل " ويوم خيبر ". (5) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 157، والطبراني في " الكبير " (194) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 88. وهو في " الإصابة " 5 / 235. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حَضْرَمَوْتَ سَبْعُ مَائَةِ أَلْفٍ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ يَتَمَلْمَلُ. فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَفَكَّرْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا ظَنُّ رَجُلٍ بِرَبِّهِ يَبِيْتُ وَهَذَا المَالُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ بَعْضِ أَخِلاَّئِكَ؟ فَإِذَا أَصْبَحْتَ، فَادْعُ بِجِفَانٍ وَقِصَاعٍ، فَقَسِّمْهُ. فَقَالَ لَهَا: رَحِمَكِ اللهُ، إِنَّكِ مُوَفَّقَةٌ بِنْتُ مُوَفَّقٍ، وَهِيَ أُمُّ كُلْثُوْم بِنْتُ الصِّدِّيْقِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، دَعَا بِجِفَانٍ، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ مِنْهَا بِجَفْنَةٍ. فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: أَبَا مُحَمَّدٍ! أَمَا كَانَ لَنَا فِي هَذَا المَالِ مِنْ نَصِيْبٍ؟ قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتِ مُنْذُ اليَوْم؟ فَشَأْنُكِ بِمَا بَقِيَ. قَالَتْ: فَكَانَتْ صُرَّةً فِيْهَا نَحْوُ أَلْفِ دِرْهَمٍ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْلَى، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى طَلْحَةَ يَسْأَلُهُ، فَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِرَحِمٍ. فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَرَحِمٌ مَا سَأَلَنِي بِهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، إِنَّ لِي أَرْضاً قَدْ أَعْطَانِي بِهَا عُثْمَانُ ثَلاَثَ مَائَةِ أَلْفٍ، فَاقْبَضْهَا، وَإِنْ شِئْتَ بِعْتُهَا مِنْ عُثْمَانَ، وَدَفَعْتُ إِلَيْكَ الثَّمَنَ. فَقَالَ: الثَّمَن. فَأَعْطَاهُ. الكُدَيْمِيُّ (1) : حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عِمْرَانَ قَاضِي المَدِيْنَةِ: أَنَّ طَلْحَةَ فَدَى عَشْرَةً مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ بِمَالِهِ، وَسُئِلَ مَرَّةً بِرَحِمٍ، فَقَالَ: قَدْ بِعْتُ لِي حَائِطاً بِسَبْعِ مَائَةِ أَلْفٍ، وَأَنَا فِيْهِ بِالخِيَارِ، فَإِنْ شِئْتَ خُذْهُ، وَإِنْ شِئْتَ ثَمَنَهُ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ، مَعَ ضَعْفِ الكُدَيْمِيِّ.   (1) الكديمي: هو محمد بن يونس بن موسى الكديمي البصري، أحد المتروكين مترجم في " الميزان " 4 / 74، وقد تحرف في المطبوع إلى " الكريمي " بالراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ مُوْسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ إِسْحَاقَ بِنْتَيْ طَلْحَةَ، قَالَتَا: جُرِحَ أَبُوْنَا يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعاً وَعِشْرِيْنَ جِرَاحَةً، وَقَعَ مِنْهَا فِي رَأْسِهِ شَجَّةٌ مُرَبَّعَةٌ، وَقُطِعَ نِسَاهُ -يَعْنِي العِرْقَ- وَشُلَّتْ أُصْبُعُهُ، وَكَانَ سَائِرُ الجِرَاحِ فِي جَسَدِهِ، وَغَلَبَهُ الغَشْيُ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكْسُوْرَة رَبَاعِيَتُهُ، مَشْجُوْجٌ فِي وَجْهِهِ، قَدْ عَلاَهُ الغَشْيُ، وَطَلْحَةُ مُحْتَمِلُهُ يَرْجعُ بِهِ القَهْقَرَى، كُلَّمَا أَدْرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ، قَاتَلَ دُوْنَهُ، حَتَّى أَسْنَدَهُ إِلَى الشِّعْبِ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ المُرِّيَّةُ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى طَلْحَةَ يَوْماً وَهُوَ خَاثِرٌ (2) . فَقُلْتُ: مَا لَكَ، لَعَلَّ رَابَكَ مِنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، وَنِعْمَ حَلِيْلَةُ المُسْلِمِ أَنْتِ، وَلَكِنْ مَالٌ عِنْدِي قَدْ غَمَّنِي. فَقُلْتُ: مَا يَغُمُّكَ؟ عَلَيْكَ بِقَوْمِكَ. قَالَ: يَا غُلاَمُ! ادْعُ لِي قَوْمِي، فَقَسَّمَهُ فِيْهِم. فَسَأَلْتُ الخَازِنَ: كَمْ أَعْطَى؟ قَالَ: أَرْبَعَ مَائَةِ أَلْفٍ (3) . هِشَامٌ، وَعَوْفٌ: عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: أَنَّ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ بَاعَ أَرْضاً لَهُ بِسَبْعِ مَائَةِ أَلْفٍ، فَبَاتَ أَرِقاً مِنْ مَخَافَةِ ذَلِكَ المَالِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَفَرَّقَهُ. مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ يُغِلُّ بِالعِرَاقِ أَرْبَعَ مَائَةِ أَلْفٍ، وَيُغِلُّ بِالسَّرَاةِ (4)   (1) هو في " الطبقات " 3 / 1 / 155. (2) يقال: هو خاثر النفس: أي: ثقيلها، غير نشيط. (3) أخرجه الفسوي مطولا في " المعرفة والتاريخ " 1 / 458، والطبراني في " الكبير " (195) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 88، وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 157. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. (4) يقال: سراة الطريق: متنه ومعظمه. وقال الاصمعي: الطود: جبل مشرف على عرفة ينقاد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَر، وَبِالأَعْرَاضِ (1) لَهُ غلاَّتٍ، وَكَانَ لاَ يَدَعُ أَحَداً مِنْ بَنِي تَيْمِ عَائِلاً إِلاَّ كَفَاهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ، وَلَقَدْ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى عَائِشَةَ إِذَا جَاءتْ غَلَّتُهُ كُلَّ سَنَةٍ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، وَلَقَدْ قَضَى عَنْ فُلاَن (2) التَّيْمِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ قَضَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَعْمَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، أَخْبَرَنِي مَوْلَى لِطَلْحَةَ، قَالَ: كَانَتْ غَلَّةُ طَلْحَةَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ وَافٍ (4) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، عَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَأَلَهُ: كَمْ تَرَكَ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنَ العَينِ؟ قَالَ: تَرَكَ أَلْفَي أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَائَتَي أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنَ الذَّهَبِ مَائَتَي أَلْفِ دِيْنَارٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَاشَ حَمِيْداً، سَخِيّاً،   = إلى صنعاء يقال له: السراة: وإنما سمي بذلك لعلوه. وقال قوم: الحجاز هو وجبال تحجز بين تهامة ونجد يقال لاعلاها السراة. وقال الحازمي: السراة: الجبال والارض الحاجزة بين تهامة واليمن ولها سعة. انظر " معجم البلدان " 3 / 204. (1) أعراض المدينة: قراها التي في أوديتها. وقال شمر: أعراض المدينة بطون سوادها حيث الزروع والنخل. وقال غيره: كل واد فيه شجر فهو عرض بكسر أوله وسكون ثانيه، وآخره ضاد معجمة. انظر " معجم البلدان " 4 / 102. (2) عند ابن سعد " صبيحة التيمي ". (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 157 - 158، ومحمد بن عمر هو الواقدي متروك. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 158، وأخرجه الطبراني في " الكبير " (196) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 88 مرسلا عن عمرو بن دينار. وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. والوافي: درهم وأربعة دوانق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 شَرِيْفاً، وَقُتِلَ فَقِيْداً (1) ، رَحِمَهُ اللهُ (2) . وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: أَيَا سَائِلِي عَنْ خِيَار العِبَادِ ... صَادَفْتَ ذَا العِلْمِ وَالخِبْرَه خِيَارُ العِبَادِ جَمِيْعاً قُرَيْشٌ ... وَخَيْرُ قُرَيْشٍ ذَوُو الهِجْرَه وخَيْرُ ذَوِي الهِجْرَةِ السَّابِقُونَ ... ثَمَانِيَةٌ وَحْدَهُمْ نَصَرَه عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ ثُمَّ الزُّبَيْرُ ... وَطَلْحَةُ وَاثنَانِ مِنْ زُهْرَهْ وبَرَّانِ قَدْ جَاوَرَا أَحْمَداً ... وَجَاوَرَ قَبْرُهُهَمَا قَبْرَه فَمَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ فَاخِراً ... فَلاَ يَذكُرَنْ بَعْدَهُمْ فَخْرَه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُصْعَبٍ، أَخْبَرَنِي مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، عَرَّجُوا عَنْ مُنْصَرَفِهِمْ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَاسْتَصْغَرُوا عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَرَدُّوْهُمَا. قَالَ: وَرَأَيْتُ طَلْحَةَ، وَأَحَبُّ المجَالِسِ إِلَيْهِ أَخْلاَهَا، وَهُوَ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى زَوْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إِنِّي أَرَاكَ وَأَحَبُّ المجَالِسِ إِلَيْكَ أَخْلاَهَا، إِنْ كُنْتَ تَكْرَهُ هَذَا الأَمْرَ فَدَعْهُ. فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةَ! لاَ تَلُمْنِي، كُنَّا أَمْسِ يَداً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ سِوَانَا، فَأَصْبَحْنَا اليَوْمَ جَبَلَيْنِ مِنْ حَدِيْدٍ، يَزْحَفُ أَحَدُنَا إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنِّي شَيْءٌ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ مِمَّا لاَ أَرَى كَفَّارَتَهُ إِلاَّ سَفْكَ دَمِي، وَطَلَبَ دَمِهِ (3) .   (1) كذا الأصل، فقيدا، وهو الصواب لكن محقق المطبوع حذفها، وأثبت " فقيرا " مع أن في الخبر نفسه ما يدل على أنه كان من الاغنياء جدا (2) أخرجه ابن سعد مطولا 3 / 1 / 158 والواقدي متروك. (3) أخرجه الحاكم 3 / 372، وفيه " في طلب دمه " بدل " وطلب دمه " وسكت الحاكم عنه. ولكن الذهبي قال في مختصره: سنده جيد. وهو كما قال. فإن عبد الله بن مصعب ترجمة بن أبي حاتم وقال: هو بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد. وباقي رجاله ثقات. وقوله: " عرجوا عن منصرفهم، في " المستدرك ": " عرضوا من معهم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قُلْتُ: الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي حَقِّ عُثْمَانَ تَمَغْفُلٌ وَتَأْليبٌ، فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ عِنْدَمَا شَاهَدَ مَصْرَعَ عُثْمَانَ، فَنَدِمَ عَلَى تَرْكِ نُصْرَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَكَانَ طَلْحَةُ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ عَلِيّاً، أَرْهَقَهُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ، وَأَحْضَرُوهُ حَتَّى بَايَعَ. قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ فِي حَدِيْثِ عَمْرِو بنِ جَاوَانَ، قَالَ: التَقَى القَوْمُ يَوْمَ الجَمَلِ، فَقَامَ كَعْبُ بنُ سُورٍ مَعَهُ المُصْحَفُ، فَنَشَرَهُ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَنَاشَدَهُمُ اللهَ وَالإِسْلاَمَ فِي دِمَائِهِمْ، فَمَا زَالَ حَتَّى قُتِلَ. وَكَانَ طَلْحَةُ مِنْ أَوَّلِ قَتِيْلٍ (1) . وَذَهَبَ الزُّبَيْرُ لِيَلْحَقَ بِبَنِيْهِ، فَقُتِلَ (2) . يَحْيَى القَطَّانُ: عَنْ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ طَلْحَةَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَيُّهَا النَّاسُ أَنْصِتُوا، فَجَعَلُوا يَرْكَبُوْنَهُ وَلاَ يُنْصِتُونَ. فَقَالَ: أُفٍّ! فَرَاشُ النَّارِ، وَذُبابُ طَمَعٍ (3) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: إِنَّا دَاهَنَّا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ، فَلاَ نَجِدُ اليَوْمَ أَمْثَلَ مِنْ أَنْ نَبْذُلَ دِمَاءنَا فِيْهِ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي اليَوْمَ حَتَّى تَرْضَى (4) . وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بنَ الحَكَمِ حِيْنَ رَمَى طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي رُكْبَتِهِ، فَمَا زَالَ يَنْسَحُّ حَتَّى   (1) كذا الأصل " من أول قتيل " وهو مستقيم، وهو كذلك في " التاريخ الصغير " وزيد في المطبوع لفظة " من " ولم ترد في الأصل، وغيرت لفظة " قتيل " إلى " قتل ". (2) أورده البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 75 وفيه موسى بن أعين، وعمرو بن جاوان لم يوثقه غير ابن حبان. (3) رجاله ثقات. وقد تحرفت في المطوع " ذباب إلى " ذئاب ". (4) أورده ابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 158. وفي سنده جهالة الواسطة بين ابن سعد، وإسماعيل بن أبي خالد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مَاتَ (1) . رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ عَنْهُ، وَلَفْظُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ صَالِحٍ عَنْهُ: هَذَا أَعَانَ عَلَى عُثْمَانَ، وَلاَ أَطْلُبُ بِثَأْرِي بَعْدَ اليَوْمِ (2) . قُلْتُ: قَاتِلُ طَلْحَةَ فِي الوِزْرِ، بِمَنْزِلَةِ قَاتِلِ عَلِيٍّ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ جُوَيْرِيَةَ بنَ أَسْمَاءَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ مَرْوَانَ رَمَى طَلْحَةَ بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبَانَ، فَقَالَ: قَدْ كَفَيْنَاكَ بَعْضَ قَتَلَةِ أَبِيْكَ (3) . هُشَيمٌ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَى عَلِيٌّ طَلْحَةَ فِي وَادٍ مُلْقَى، فَنَزَلَ، فَمَسَحَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: عَزِيْزٌ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ بِأَنْ أَرَاكَ مُجَدَّلاً فِي الأَوْدِيَةِ تَحْتَ نُجُومِ السَّمَاءِ، إِلَى اللهِ أَشْكُو عُجَرِي وَبُجَرِي. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَعْنَاهُ: سَرَائِرِي وَأَحْزَانِي الَّتِي تَمُوجُ فِي جَوْفِي. عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: أَنَّ عَلِيّاً انْتَهَى إِلَى طَلْحَةَ وَقَدْ مَاتَ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَأَجْلَسَهُ، وَمَسَحَ الغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ،   (1) إسناده صحيح. أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 159 مطولا، والحاكم 3 / 370. والطبراني في " الكبير " برقم (201) وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 150 وقال: ورجاله رجال الصحيح وفيه عندهما " يسيح " بدل " ينسح "، وأورده الحافظ في " الإصابة " 5 / 235 وقال: سنده صحيح. (2) أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه ص: 181 من طريق: معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الجارود، عن أبي سيرة، قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة بن عبيد الله يوم الجمل، فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فرماه بسهم فقتله " وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 5 / 235. ووقعة الجمل كانت سنة (36) بالبصرة، والخبر في " الاستيعاب " 5 / 243. (3) أخرجه خليفة بن خياط ص: 181، والحاكم 3 / 371 من طريق: الحسين بن يحيى المروزي، عن غالب بن حليس الكلبي أبي الهيثم، عن جويرية بن أسماء، عن يحيى بن سعيد، حدثنا عمي ... وانظر " لاستيعاب " 5 / 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَهُوَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَيْتَنِي مُتُّ قَبْلَ هَذَا اليَوْمِ بِعِشْرِيْنَ سَنَةٍ (1) . مُرْسَلٌ. وَرَوَى: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: بَشِّرُوا قَاتِلَ طَلْحَةَ بِالنَّارِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الخَضِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَلْحَةَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُكَ هَذَا اليَمَانِيَّ، هُوَ (2) أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ مِنْكُم -يَعْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ- نَسْمَعُ مِنْهُ أَشْيَاءَ لاَ نَسْمَعُهَا مِنْكُم؟ قَالَ: أَمَّا أَنْ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَمْ نَسْمَعْ فَلاَ أَشُكُّ، وَسَأُخْبِرُكَ: إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوْتٍ، وَكُنَّا إِنَّمَا نَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَكَانَ مِسْكِيْناً لاَ مَالَ لَهُ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى بَابِ رَسُوْلِ اللهِ، فَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَهَلْ تَجِدُ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَمْ يَقُلْ (3) ؟ وَرَوَى مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُوْلُ لِطَلْحَةَ: مَا لِي   (1) هو على إرساله ضعيف لضعف ليث، ومع ذلك فقد حسن الهيثمي إسناده في " المجمع " 9 / 150. وهو في " المستدرك " 3 / 372، والطبراني (202) . وأخرجه الطبراني (203) عن قيس بن عبادة قال: سمعت عليا، رضي الله عنه، يوم الجمل يقول لابنه الحسن: يا حسن! وددت أني كنت مت مذ عشرين سنة. ورجاله ثقات. وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 150: وإسناده جيد. (2) سقطت من المطبوع. (3) رجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (3837) من طريق: ابن إسحاق، به ... وحسنه هو والحافظ في " الفتح ". وأخرجه ابن كثير في " البداية " 8 / 109 من طريق: علي بن المديني، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق ... وسيأتي الخبر في ترجمة " أبي هريرة " في المجلد الثاني ص: 436. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أَرَاكَ شَعِثْتَ وَاغْبرَرْتَ مُذْ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ لَعَلَّهُ أَنَّ مَا بِكَ إِمَارَةُ ابْنِ عَمِّكَ -يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ-. قَالَ: مَعَاذَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُوْلُهَا رَجُلٌ يَحْضُرُهُ المَوْتُ إِلاَّ وَجَدَ رُوْحَهُ لَهَا رَوحاً حِيْنَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ، وَكَانَتْ لَهُ نُوْراً يَوْمَ القِيَامَةِ) . فَلَمْ أَسَأَلْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهَا، وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهَا، فَذَاكَ الَّذِي دَخَلَنِي. قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا أَعْلَمُهَا. قَالَ: فَلِلَّهِ الحَمْدُ، فَمَا هِيَ؟ قَالَ: الكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا لِعَمِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ (1) . أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيْبَةَ (2) مَوْلَىً لِطَلْحَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عِمْرَان بنِ طَلْحَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الجَمَلِ، فَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُوَ أَنْ يَجْعَلَنِي اللهُ   (1) مجالد فيه ضعف. لكن الحديث صحيح. فقد أخرجه ابن حبان رقم (2) من طريق: مسعر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أمه سعدى المرية قالت: مر عمر بن الخطاب بطلحة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مكتئب، فقال: أساءتك إمرة ابن عمك؟ قال: لا. ولكني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا كانت له نورا لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحا عند الموت " فقبض ولم أسأله. فقال: " ما أعلمها إلا الكملة التي أراد عليها عمه. ولو علم أن شيئا أنجى له منها لامره به ". ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد 1 / 161 من طريق أسباط، عن مطرف، عن عامر، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلا فقال: مالك يا أبا فلان، لعلك ساءتك إمرة ابن عمك يا أبا فلان؟ قال: لا. إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات. سمعته يقول: " إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته " قال: فقال عمر رضي الله عنه: إني لاعلم ما هي. قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت؟ لا إله إلا الله. قال طلحة: صدقت هي والله هي وإسناده صحيح. وصححه الحاكم 1 / 350 - 351 وواقعه الذهبي. (2) تصحفت في المطبوع إلى " حبيشة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَأَبَاكَ (1) مِمَّنْ قَالَ فِيْهِمْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِيْنَ} [الْحجر: 15] . فَقَالَ رَجُلاَنِ جَالِسَانِ، أَحَدُهُمَا الحَارِثُ الأَعْوَرُ: اللهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْبَلَهُمْ (2) وَيَكُونُوا إِخْوَاناً فِي الجَنَّةِ. قَالَ: قُوْمَا أَبْعَدَ أَرْضٍ وَأَسْحَقَهَا، فَمَنْ هُوَ إِذَا لَمْ (3) أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةَ! يَا ابْنَ أَخِي: إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةً، فَائْتِنَا (4) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ رَأَيْتَنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا قُرْبِي أَحَدٌ غَيْرَ جِبْرِيْلَ عَنْ يَمِيْنِي، وَطَلْحَةَ عَنْ يَسَارِي (5)) . فَقِيْلَ فِي ذَلِكَ: وَطَلْحَةُ يَوْمَ الشِّعْبِ آسَى مُحَمَّداً ... لَدَى سَاعَةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَسُدَّتِ وَقَاهُ بِكَفَّيْهِ الرِّمَاحَ فَقُطِّعَتْ ... أَصَابِعُهُ تَحْتَ الرِّمَاحِ فَشُلَّتِ وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... أَقَرَّ رَحَا الإِسْلاَمِ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ وَعَنْ طَلْحَةَ قَالَ: عُقِرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي جَمِيْعِ جَسَدِي، حَتَّى فِي ذَكَرِي. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (6) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، عَنْ جَدَّتِهِ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ، قَالَتْ: قُتِلَ طَلْحَةُ وَفِي يَدِ خَازِنِهِ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ (7) ، وَمَائَتَا   (1) تحرفت في المطبوع إلى " وإياك ". (2) في الطبري، و" طبقات ابن سعد " تقتلهم بالامس وتكونون إخوانا ". (3) تحرفت عند محقق المطبوع إلى " فمن هو إذا إن أكن أنا وطلحة ". (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 160، والطبري في " تفسيره " 14 / 36 وانظر " تفسير ابن كثير " 4 / 164. (5) سيأتي الحديث في الصفحة (244) تعليق رقم (3) وهو ضعيف جدا وانظر الابيات في " كنز العمال " 13 / 203. (6) في " الطبقات " 3 / 1 / 158. (7) الذي في الطبقات " ألفا ألف درهم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقُوِّمَتْ أُصُوْلُهُ وَعَقَارُهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (1) . أَعْجَبُ مَا مَرَّ بِي قَوْلُ ابْنِ الجَوْزِيِّ فِي كَلاَمٍ لَهُ عَلَى حَدِيْثٍ قَالَ: وَقَدْ خَلَّفَ طَلْحَةُ ثَلاَثَ مَائَةِ حِمْلٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، عَنِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ فَقَالَ: رَأَيْت طَلْحَةَ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: قُلْ لِعَائِشَةَ تُحَوِّلَنِي مِنْ هَذَا المَكَانِ، فَإِنَّ النَّزَّ قَدْ آذَانِي. فَرَكِبَتْ فِي حَشَمِهَا، فَضَرَبُوا عَلَيْهِ بِنَاءً وَاسْتَثَارُوْهُ. قَالَ: فَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ إِلاَّ شُعَيْرَاتٌ فِي إِحْدَى شِقَّيْ لِحْيَتِهِ -أَوْ قَالَ: رَأْسِهِ- وَكَانَ بَيْنَهُمَا بِضْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَة. وحكَى المَسْعُوْدِيُّ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَهُ هِيَ الَّتِي رَأَتِ المَنَامَ. وَكَانَ قَتْلُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ. وَقِيْلَ: فِي رَجَبٍ، وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، وَقَبْرُهُ بِظَاهِرِ البَصْرَةِ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ طَلْحَةَ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ. وَلِطَلْحَةَ أَوْلاَدٌ نُجَبَاءُ، أَفْضَلُهُمْ: مُحَمَّدٌ السَّجَّادُ. كَانَ شَابّاً، خَيِّراً، عَابِداً، قَانِتاً لِلِّهِ. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتِلَ يَوْمَ الجَمَلِ أَيْضاً، فَحَزِنَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَقَالَ: صَرَعَهُ بِرُّهُ بِأَبِيْهِ.   (1) سقط من المطبوع لفظ " ألف " الثانية. (2) روى الطبراني في " الكبير " (199) أن طلحة قتل وسنه أربع وستون ودفن بالبصرة في ناحية ثقيف. ولكن في سنده الواقدي، وهو متروك وانظر " المجمع " 9 / 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 3 - الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى * (ع) ابْنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. حَوَارِيُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَحَدُ العَشرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَأَحَدُ (1) السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَسْلَمَ وَهُوَ حَدَثٌ، لَهُ سِتَّ (2) عَشْرَةَ سَنَةً. وَرَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، وَنَفَحَتْ نَفْحَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أُخِذَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ غُلاَمٌ ابْنُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً بِيَدِهِ السَّيْفُ، فَمَنْ رَآهُ عَجِبَ، وَقَالَ:   (*) مسند أحمد: 1 / 164 - 167، الزهد لأحمد: 144، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 70 - 80، نسب قريش: 20، 22، 103، 106، طبقات خليفة: 13، 189، 291، تاريخ خليفة: 68، التاريخ الكبير: 3 / 409، التاريخ الصغير: 1 / 75، المعارف: 219 - 227، ذيل المذيل: 11، الجرح والتعديل: 3 / 578، مشاهير علماء الأمصار: ت: 9، معجم الطبراني الكبير: 1 / 77 - 86، مستدرك الحاكم: 3 / 359 - 368، حلية الأولياء: 1 / 89، الاستيعاب: 4 / 308 - 320، الجمع بين رجال الصحيحين: 150، صفوة الصفوة: 1 / 132، جامع الأصول: 9 / 5 - 10، ابن عساكر: 6 / 172 / 1، أسد الغابة: 2 / 249 - 252، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 194 - 196، الرياض النضرة: 262، تهذيب الكمال: 429، دول الإسلام، 1 / 30 العبر: 1 / 37، مجمع الزوائد: 9 / 150 - 153، العقد الثمين: 4 / 429، تهذيب التهذيب، 3 / 318، الإصابة: 5 / 7 - 9، خلاصة تذهيب الكمال: 121، تاريخ الخميس: 1 / 172، كنز العمال: 13 / 204 - 212، شذرات الذهب: 1 / 42 - 44، خزانة الأدب للبغدادي: 2 / 468 و4 / 350، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 5 / 358 - 371، تاريخ الإسلام 2 / 153 - 158. (1) تحرفت في المطبوع إلى " أهل ". (2) في الأصل " ستة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الغُلاَمُ مَعَهُ السَّيْفُ، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا لَكَ يَا زُبَيْرُ؟) . فَأَخْبَرَهُ، وَقَالَ: أَتَيْتُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَنْ أَخَذَكَ (1) . وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ رَجُلاً طَوِيْلاً (2) ، إِذَا رَكِبَ خَطَّتْ رِجْلاهُ الأَرْضَ، وَكَانَ خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ وَالعَارِضَيْنِ. رَوَى أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً. حَدَّثَ عَنْهُ بَنُوْهُ: عَبْدُ اللهِ، وَمُصْعَبٌ، وَعُرْوَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَمَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، وَمُسْلِمُ بنُ جُنْدَبٍ، وَأَبُو حَكِيْمٍ مَوْلاَهُ، وَآخَرُوْنَ. اتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيْثَيْنِ، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ (3) . أَخْبَرَنَا المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي (ح) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الطَّبِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو   (1) هو في " المستدرك " 3 / 360 - 361 من طريق: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 89 من طريق: الامام أحمد، عن حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة بن أبيه عروة ... ورجاله ثقات. وانظر " الاستيعاب " 3 / 311 و" أسد الغابة " 2 / 250، و" الإصابة " 4 / 8. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 75، والطبراني في " الكبير " برقم (223) و (224) ، والحاكم 3 / 360 وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 150 و" الإصابة " 4 / 7 وانظر الخلاف في بعض الألفاظ. (3) سترد هذه الأحاديث خلال الترجمة، ونخرجها في مواضعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يَعْلَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرٍ، وَلفْظُ أَبِي يَعْلَى: سَمِعْتُ عَامِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: مَا لَكَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يُحَدِّثُ عَنْهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ قَالَ: مَا فَارَقْتُهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (1)) ، لَمْ يَقُلْ أَبُو يَعْلَى مُتَعَمِّداً.   (1) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 1 / 167 عن عبد الرحمن بن مهدي و1 / 165 عن محمد بن جعفر، كلاهما عن شعبة. وأخرجه ابن ماجه (36) في المقدمة، من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، به ... ، وأخرجه أبو داود (3651) في العلم: باب التشديد في الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من طريق بيان بن بشر، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن عامر بن عبد الله به ... وأخرجه البخاري 1 / 178 من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن شعبة، به..ولم نجده في المطبوع من سنن النسائي، ولعله في " الكبرى ". فقد نسبه المنذري في " مختصر أبي داود " له أيضا. والحديث متواتر. فقد أخرجه البخاري (1291) في الجنائز، ومسلم برقم (4) في المقدمة: باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغيرة. وأخرجه البخاري (3461) في الأنبياء، والترمذي (2671) في العلم، وأحمد 2 / 271، 202، 214، عن عبد الله بن عمر. وأخرجه البخاري (6197) في الأدب، ومسلم (3) في المقدمة، وابن ماجه (34) في المقدمة، وأحمد 2 / 410، 413، 469، 519، عن أبي هريرة. وأخرجه الترمذي (2661) في العلم، وابن ماجه (30) في المقدمة، عن عبد الله بن مسعود. وأخرجه مسلم (2) في المقدمة، وابن ماجه (32) في المقدمة، والدارمي 1 / 76، وأحمد 3 / 98، 113، 116، 166، 176، 203، 209، 223، 278، 280، عن أنس بن مالك. وأخرجه مسلم (3004) في الزهد، وابن ماجه (37) في المقدمة وأحمد 3 / 36، 44، 46، 56 عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه ابن ماجه (33) في المقدمة، والدارمي 1 / 76، وأحمد 3 / 303 عن جابر. وأخرجه ابن ماجه (35) في المقدمة، والحاكم 1 / 112 عن أبي قتادة. وأخرجه ابن ماجه (31) في المقدمة، عن علي. وأخرجه الدارمي 1 / 76 عن ابن عباس. وأخرجه أحمد 3 / 422 عن قيس ابن سعد بن عبادة و4 / 47 عن سلمة بن الاكوع، و4 / 156، 202 عن عقبة بن عامر. و4 / 367 عن زيد بن أرقم، و4 / 294 عن خالد بن عرفطة، و4 / 412، عن رجل من الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ (ح) . وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: مَا لَكَ لاَ تُحَدِّثُ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يُحَدِّثُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) . رَوَاهُ: خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، عَنْ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ (1) ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ نَحْوَهُ. أَخْرَجَ طَرِيْقَ شُعْبَةَ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائَيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى: عَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَسَعْدٌ، عِذَارَ عَامٍ وَاحِدٍ، يَعْنِي: وُلِدُوا فِي سَنَةٍ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَلِيٌّ، أَتْرَاباً. وَقَالَ يَتِيْمُ (2) عُرْوَةَ: هَاجَرَ الزُّبَيْرُ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَمُّهُ يُعَلِّقُهُ، وَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ أَرْجِعُ إِلَى الكُفْرِ أَبَداً (3) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " يسار بن بشار ". (2) سقطت من المطبوع وكنيته: أبو الأسود واسمه: محمد بن عبد الرحمن النوفلي المدني. ولقب " يتيم عروة " لان أباه كان أوصى إليه. (3) هو في " الحلية " 1 / 89، وعند الطبراني في " الكبير " (239) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 151، وقال: ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وأخرجه الحاكم 3 / 360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 قَالَ عُرْوَةُ: جَاءَ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا لَكَ؟) . قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ أُخِذْتَ. قَالَ: (فَكُنْتَ صَانعاً مَاذَا؟) . قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ بِهِ مَنْ أَخَذَكَ، فَدَعَا لَهُ وَلِسَيْفِهِ (1) . وَرَوَى: هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ طَوِيْلاً تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ إِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ، أَشْعَرَ. وَكَانَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ تَضْرِبُهُ ضَرْباً شَدِيْداً، وَهُوَ يَتِيْمٌ. فَقِيْلَ لَهَا: قَتَلْتِهِ، أَهْلَكْتِهِ. قَالَتْ: إِنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَي يَدِبّ ... وَيَجُرَّ الجَيْشَ ذَا الجَلَبْ (2) قَالَ: وَكَسَرَ يَدَ غُلاَمٍ ذَاتَ يَوْمٍ، فَجِيْءَ بِالغُلاَمِ إِلَى صَفِيَّةَ، فَقِيْلَ لَهَا ذَلِكَ. فَقَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتَ وَبْرَا ... أَأَقِطاً أَمْ تَمْرَا أَمْ مُشْمَعِلاَّ صَقْرَا (3) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَسْلَمَ - عَلَى مَا بَلَغَنِي - عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ: الزُّبَيْرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٌ. وَعَنْ عُمَرَ بنِ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَاتَلَ الزُّبَيْرُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ وَلَهُ سَبْعَ   (1) سبق تخريجه ص (42) التعليق رقم (1) . (2) الرجز في " الإصابة "، وابن سعد مختلف عما هو هنا في بعض ألفاظه فرواية البيت الثاني في " الإصابة " 4 / 7 - 8 " ويهزم الجيش ويأتي بالسلب " والذي هنا هو في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 71. (3) رواية ابن سعد، و" الإصابة " هي " زبرا " بالزاي، وليست بالواو كما هي هنا، ومثلهما رواية اللسان. والاقط: بفتح الهمزة وكسر القاف، وقد تسكن: قال الازهري: ما يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. والمشمعل: السريع، يكون في الناس والابل. وقد أقحمت في الأصل لفظة " حسبته " بين أأقطا، وبين " أم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عَشْرَةَ. أَسَدُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا جَامِعٌ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ البَهِيِّ (1) قَالَ: كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارِسَانِ: الزُّبَيْرُ عَلَى فَرَسٍ، عَلَى المَيْمَنَةِ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ عَلَى فَرَسٍ، عَلَى المَيْسَرَةِ (2) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَتْ عَلَى الزُّبَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ عمَامَةٌ صَفْرَاءُ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ عَلَى سِيْمَاءِ الزُّبَيْرِ (3) . الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: عَنْ عُقْبَةَ بنِ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ سَلاَمٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَرِيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ قَالَ: كَانَتْ عَلَى الزُّبَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ عمَامَةٌ صَفْرَاءُ، فَنَزَلَتِ المَلاَئِكَةُ كَذَلِكَ (4) .   (1) لم تتبين لمحقق المطبوع قراءتها، وقال في الهامش " لعلها الميمي " والبهي هذا هو عبد الله ابن يسار مولى مصعب بن الزبير، تابعي. انظر " نزهة الالباب في معرفة الألقاب "، الورقة (7) ، و" تهذيب التهذيب "، كلاهما لابن حجر. (2) أخرجه الطبراني (231) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 83 ونسبه إلى الطبراني، وقال: هو مرسل. (3) أخرجه الطبراني (230) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 84 ونسبه إلى الطبراني، وقال: هو مرسل صحيح الإسناد. (4) سعد بن طريف متروك كما في " التقريب "، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 72 من طريق: محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن الزبير ... ومن طريق: وكيع، عن هشام بن عروة، عن رجل من ولد الزبير - وقال مرة: عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، ومرة ثانية: عن حمزة بن عبد الله قال: كان على الزبير ... ، ومن طريق: عمرو بن عاصم الكلابي، عن همام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت على الزبير ... ، وأخرجه الطبراني (230) من طريق: حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة. وقال الهيثمي في " المجمع " 6 / 84: وهو مرسل صحيح الإسناد. وأخرجه الحاكم 3 / 361 من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَفِيْهِ يَقُوْلُ عَامِرُ بنُ صَالِحٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ: جَدِّي ابْنُ عَمَّةِ أَحْمَدٍ وَوَزِيْرُهُ ... عِنْدَ البَلاَءِ وَفَارِسُ الشَّقْرَاءِ وَغَدَاةَ بَدْرٍ كَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ ... شَهِدَ الوَغَى فِي اللاَّمَةِ الصَّفْرَاءِ نَزَلَتْ بِسِيْمَاهُ المَلاَئِكُ نُصْرَةً ... بِالحَوْضِ يَوْمَ تَأَلُّبِ الأَعْدَاءِ وَهُوَ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، فِيْمَا نَقَلَهُ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ (1) ، وَلَمْ يُطَوِّلِ الإِقَامَةَ بِهَا. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي (2) ! كَانَ أَبُوَاكَ -يَعْنِي: الزُّبَيْرَ، وَأَبَا بَكْرٍ - مِن: {الَّذِيْنَ اسْتَجَابُوا لِلِّهِ وَالرَّسُوْلِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ} [آلُ عِمْرَانَ: 172] . لَمَّا انْصَرَفَ المُشْرِكُوْنَ مِنْ أُحُدٍ، وَأَصَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَالَ: (مَنْ يُنْتَدَبُ لِهَؤُلاَءِ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ بِنَا قُوَّةً؟) . فَانْتُدِبَ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ فِي سَبْعِيْنَ، فَخَرَجُوا فِي آثَارِ المُشْرِكِيْنَ، فَسَمِعُوا بِهِم، فَانْصَرَفُوا. قَالَ تَعَالَى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ} [آلُ عِمْرَانَ: 174] لَمْ يَلْقَوا عَدُوّاً (3) . وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ: جَابِرٌ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الخَنْدَقِ: (مَنْ يَأْتِيْنَا بِخَبَرِ بَنِي قُرَيْظَةَ؟) . فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَذَهَبَ عَلَى فَرَسٍ، فَجَاءَ بِخَبَرِهِمْ. ثُمَّ   (1) انظر " سيرة ابن هشام " 1 / 322. (2) تحرفت في المطبوع إلى " أخي ". (3) أخرجه البخاري (4077) في المغازي: باب الذين استجابوا لله والرسول، والواحدي ص: (96) كلاهما من طريق أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة ... إلى قوله: سبعين. وأخرج الجزء الأول منه، مسلم (2418) في الفضائل: باب من فضائل طلحة والزبير، وابن ماجه (124) في المقدمة، وابن سعد 3 / 1 / 73، والحميدي (263) ، والحاكم 3 / 363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قَالَ الثَّانِيَةَ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَذَهَبَ. ثُمَّ الثَّالِثَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ (1)) . رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ عَنْهُ. وَرَوَى: جَمَاعَةٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيّاً، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) (2) . أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي، وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي (3)) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي، فَقَالَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ، وَابْنُ عَمَّتِي (4)) . وَبِإِسْنَادِي فِي (المُسْنَدِ) إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا   (1) أخرجه أحمد 3 / 307، 314، 338، 365، والبخاري (3719) في فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير، ومسلم (2415) في الفضائل: باب فضائل طلحة والزبير، والترمذي (3745) في المناقب: باب مناقب الزبير، وابن ماجه (122) في المقدمة: باب فضائل الزبير، والطبراني في " الكبير " (227) ، وهو في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 74 وأخرجه الحميدي (1231) . والحواري: خالصة الإنسان وصفيه المختص به كأنه أخلص ونقي من كل عيب. وتحوير الثياب: تبييضها وغسلها. ومنه سمي أصحاب عيسى: حواريين، لانهم كانوا قصارين يبيضون الثياب: وقيل: الحواري: الناصر، فلما انضم هؤلاء إلى عيسى وتابعوه ونصروه سمعوا حواريين. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 4 / 4، وذكره الهيثمي في " المجمع " ونسبه إلى أحمد، والطبراني. وقال: إسناد أحمد المتصل رجاله رجال الصحيح. وقد ذكر السند في المطبوع على الصواب، فقال: " عن ابن الزبير " لكنه في جدول الخطأ والصواب أشار على القارئ أن يقرأ: " عن الزبير " بحذف " ابن "، فأخطأ، لان الحديث من مسند عبد الله بن الزبير، لا من مسند أبيه الزبير. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 314. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 73، وصححه الحاكم 3 / 362 ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوْزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَشَّرْ قَاتِلَ ابْنَ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ (1)) . تَابَعَهُ شَيْبَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. وَرَوَى: جَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ قَاتِلُ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَى: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ مَرْثَدٍ اليَزَنِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَحَوَارِيَّ مِنَ الرَّجَالِ: الزُّبَيْرُ، وَمِنَ النِّسَاءِ: عَائِشَةُ (2)) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُوْلُ: يَا ابْنَ حَوَارِيِّ رَسُوْلِ اللهِ! فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كُنْتَ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ، وَإِلاَّ فَلاَ (3) . رَوَاهُ: ثِقَتَانِ عَنْهُ، وَالحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: الحَوَارِيُّ: الخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ الكَلْبِيُّ: الحَوَارِيُّ: الخَلِيْلُ.   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 89، 102، 103، والطبراني (243) مطولا. وأخرجه الترمذي (3745) في المناقب، والطبراني (228) كلاهما مختصرا بدون المقدمة، وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 73 مطولا أيضا، وصححه الحاكم 3 / 367، ووافقه الذهبي. (2) ذكره صاحب الكنز برقم (33291) مرسلا ونسبه إلى الزبير بن بكار، وابن عساكر. وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 80: ورجاله موثوقون، ولكنه مرسل. (3) رجاله ثقات. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 74، والطبراني (225) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 151، ونسبه إلى البزار، وقال: ورجاله ثقات. وهو في " المطالب العالية " (4011) ، ونسبه إلى أحمد بن منيع، وانظر " الاستيعاب " 3 / 312، و" الإصابة " 4 / 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (1) ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ (2) . أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ (3) المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بنُ أَشْرَسَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَةِ! قَدْ رَأَيْتُكَ تَحْمِلُ عَلَى فَرَسِكَ الأَشْقَرِ يَوْمَ الخَنْدَقِ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! رَأَيْتَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ لَيَجْمَعُ لأَبِيْكَ أَبَوَيْهِ، يَقُوْلُ: (ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي (4)) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الأُطُمِ الَّذِي فِيْهِ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُطُمِ حَسَّان، فَكَانَ عُمَرُ يَرْفَعُنِي وَأَرْفَعُهُ، فَإِذَا رَفَعَنِي عَرَفْتُ أَبِي حِيْنَ يَمُرُّ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَيُقَاتِلُهُمْ (5) .   (1) ابن الزبير هو عبد الله كما جاء مصرحا به في رواية أحمد، وابن ماجه، والراوي عنه هنا أخوه عروة، وعبد الله روى عنه أبيه الزبير. وقد التبس امره في المطبوع، فأشار على القارئ في جدول الخطأ والصواب أن يحذف " عن ابن الزبير ". (2) أخرجه أحمد 1 / 164، وابن ماجه (123) في المقدمة: باب فضل الزبير، وهو في " الاستيعاب " 3 / 314، وفي " الإصابة " 4 / 8. (3) سقطت من المطبوع. (4) رجاله ثقات، وانظر تخريج الحديث الذي يليه. (5) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 1 / 164، وتمامه: " وكان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، فقال: من يأتي بني قريظة فيقاتلهم؟ فقلت له حين رجع: يا أبت: تالله إن كنت لاعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة، فقال: يا بني! أما والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع لي أبويه جميعا يفديني بهما، يقول: فداك أبي وأمي. وأخرجه أحمد 1 / 166، والبخاري (3720) في فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير بمعناه. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الرِّيَاشِيُّ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: ضَرَبَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الخَنْدَقِ عُثْمَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ بِالسَّيْفِ عَلَى مِغْفَرِهِ، فَقَطَعَهُ إِلَى القَرَبُوسِ (1) . فَقَالُوا: مَا أَجْوَدَ سَيْفَكَ! فَغَضِبَ الزُّبَيْرُ، يُرِيْدُ أَنَّ العَمَلَ لِيَدِهِ لاَ لِلسَّيْفِ. أَبُو خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَدِيْنِيُّ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُرْوَةَ بِنْتُ جَعْفَرٍ، عَنْ أُخْتِهَا عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهَا، عَنْ جَدِّهَا الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لِوَاءِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، فَدَخَلَ الزُّبَيْرُ مَكَّةَ بِلِوَاءَيْنِ (2) . وَعَنْ أَسمَاءَ قَالَتْ: عِنْدِي لِلزُّبَيْرِ سَاعِدَانِ مِنْ دِيْبَاجٍ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، فَقَاتَلَ فِيْهِمَا. رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (3)) مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ لَهِيْعَةَ.   = وفيه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت. فلما رجعت جمع لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبويه فقال: فداك أبي وأمي ". وأخرجه مسلم (2416) في فضائل الصحابة: باب فضائل طلحة والزبير. والاطم: الحصن. جمعه آطام. مثل عنق وأعناق. (1) القربوس: مقدم السرج ومؤخره. (2) إسناده ضعيف جدا. محمد بن الحسن المديني هو ابن زبالة المخزومي قال أبو داود: كذاب. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي، والاسدي: متروك. وقال أبو حاتم: واهي الحديث. وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث. وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 169، وابن حجر في " المطالب العالية " برقم (4357) ونسباه لأبي يعلى. وأعلاه بمحمد بن الحسن بن زبالة. (3) 6 / 352 من طريق: معمر، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد المصري، عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء عن أسماء، وهذا سند صحيح. لان الراوي عن ابن لهيعة، وهو أحد العبادلة الذين رووا عنه قبل احتراق كتبه. وهم: عبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرَ يَلْمَقَ حَرِيْرٍ مَحْشُوٍّ (1) بِالقَزِّ، يُقَاتِلُ فِيْهِ (2) . وَرَوَى: يَحْيَى بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا المُسْلِمُوْنَ، إِلاَّ أَنْ أُقْبِلَ، فَأَلْقَى نَاساً يَعْقِبُوْنَ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ نَجْدَةُ الصَّحَابَةِ: حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ وَفِي صَدْرِهِ أَمْثَالُ العُيُوْنِ مِنَ الطَّعْنِ وَالرَّمْي. مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ (3) عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ: إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ، إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيْهَا، ضُرِب ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ حِيْنَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةَ! هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فِيْهِ؟ قُلْتُ: فَلَّةٌ فَلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَاسْتَلَّهُ فَرَآهَا فِيْهِ، فَقَالَ:   (1) كذا الأصل. ويمكن تخريجه على المجاورة كما في قولهم: هذا جحر ضب خرب. وفي " كنز العمال " (36629: محشوا. وهو الوجه. (2) ذكره صاحب الكنز (36629) . واليلمق: قال الجواليقي: هو القباء، وأصله بالفارسية: يلمه. وفي اللسان: القباء المحشو. (3) تحرفت في المطبوع لفظة " عن " إلى " ابن " وأشار المحقق إلى الأصل في هامش مطبوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ (1) ثُمَّ أَغْمَدَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ، فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ، فَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ (2) . يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ. فَقَالَ: اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ (3) . الحَدِيْثُ رَوَاهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً، وَذَكَرَ مِنْهُم عَلِيّاً. وَقَدْ مَرَّ فِي تَرَاجِمِ الرَّاشِدِيْنَ (4) أَنَّ العَشَرَةَ فِي الجَنَّةِ، وَمَرَّ فِي تَرْجَمَةِ طَلْحَةَ:   (1) عجز بيت صدره " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم " وهو للنابغة من بائيته المشهورة التي مطلعها: كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (2) أخرجه البخاري (3973) في المغازي: باب قتل أبي جهل. و (3721) في فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير، و (3975) في المغازي: باب قتل أبي جهل. (3) أخرجه مسلم (2417) في فضائل الصحابة: باب فضائل طلحة والزبير، من طريق سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة ... وفيه " علي، وسعد بن أبي وقاص ". وأخرجه مسلم، والترمذي (3697) من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. (4) انظر " تاريخ الإسلام " 1 / 153 وما بعدها فإن الأصل الذي طبعنا عنه الكتاب يبدأ بالمجلد الثالث. وهو أول نسخة تؤخذ عن نسخة المصنف. وقد جاء في لوحة العنوان على الجانب الأيسر ما نصه: في المجلد الأول والثاني سير النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة، تكتب من تاريخ الإسلام، وقد تأكد لنا أنها بخط الذهبي نفسه رحمه الله تعالى ووافقنا على ذلك غير واحد من المحققين. لذلك ينبغي أن يؤخذ ما في تاريخ الإسلام من سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وسيرة خلفائه الأربعة ويضم إلى كتابنا هذا، فإنه متمم له. وهو الذي سنفعله إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ (1)) . أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّهُمْ يَقُوْلُوْنَ: اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَالأَمْرُ فِي هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ الَّذِيْنَ فَارَقَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، ثُمَّ سَمَّاهُمْ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَرْوَانَ -وَلاَ إِخَالُهُ مُتَّهَماً عَلَيْنَا- قَالَ: أَصَابَ عُثْمَانَ رُعَافٌ سَنَةَ الرُّعَافِ، حَتَّى تَخَلَّفَ عَنِ الحَجِّ، وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقَالُوْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: قَالُوا: الزُّبَيْرَ؟ قَالُوا: نَعْم. قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ كَانَ لأَخْيَرَهُمْ (2) مَا عَلِمْتُ، وَأَحَبَّهُم إِلَى رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَاهُ: أَبُو مَرْوَانَ الغَسَّانِيُّ (4) ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ عُمَرُ: لَوْ عَهِدْتَ أَوْ تَرَكْتَ تَرِكَةً كَانَ أَحَبُّهُمْ إِليَّ   (1) تقدم تخريجه في الصفحة (29) التعليق رقم (4) . (2) تحرفت في المطبوع إلى " أحدهم ". (3) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 1 / 64، والبخاري (3717) في الفضائل: باب مناقب الزبير. (4) هو يحيى بن أبي زكريا الغساني الواسطي. ضعفه أبو داود. وقال ابن معين: لا أعرف حاله. وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور. وبالغ ابن حيان فقال: لا تجوز الرواية عنه. أخرج له البخاري حديثا واحدا في الهداية متابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الزُّبَيْرُ، إِنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّيْنِ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُم: عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِ، وَيَحْفَظُ أَمْوَالَهُمْ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ خَرَجَ غَازِياً نَحْوَ مِصْرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيْرُ مِصْرَ: إِنَّ الأَرْضَ قَدْ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُوْنُ، فَلاَ تَدْخُلْهَا. فَقَالَ: إِنَّمَا خَرَجْتُ لِلطَّعْنِ وَالطَّاعُوْنِ، فَدَخَلَهَا فَلَقِيَ طَعْنَةً فِي جَبْهَتِهِ، فَأَفْرَقَ (2) . عَوْفٌ: عَنْ أَبِي رَجَاء العُطَارِدِيُّ، قَالَ: شَهِدْتُ الزُّبَيْرَ يَوْماً وَأتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ، أَرَاكُمْ أَخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً؟ قَالَ: نُبَادِرُ الوَسْوَاسَ (3) . الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي نُهَيْكُ بنُ مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُغِيْثُ بنُ سُمَيٍّ قَالَ: كَانَ   (1) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (232) وفي سنده: عبد الله بن محمد بن يحيى بن الزبير المدني. قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. (2) أفرق: برأ. وفي الحديث " عدوا من أفرق من الحي " أي من برأ من الطاعون. (3) ومن هذا الباب ما أخرجه أحمد 4 / 321 من طريق ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن غنمة، قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد فصلى فأخف الصلاة. قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: يا أبا اليقظان! لقد خففت. قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئا؟ قلت: لا. قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان. سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها. وأخرجه أبو داود (796) في الصلاة: باب ما جاء في نقصان الصلاة، دون ذكر السبب. وسنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّام أَلفُ مَمْلُوْكٍ يُؤَدُّوْنَ إِلَيْهِ الخَرَاجَ، فَلاَ يُدْخِلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئاً. رَوَاهُ: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ نَحْوَهُ، وَزَادَ: بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: مَرَّ الزُّبَيْرُ بِمَجْلِسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَسَّانُ يُنْشِدُهُمْ مِنْ شِعْرِهِ، وَهُمْ غَيْرُ نِشَاطٍ لِمَا يَسْمَعُوْنَ مِنْهُ، فَجَلَسَ مَعَهُمُ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ قَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ غَيْرَ أَذِنِيْنَ لِمَا تَسْمَعُوْنَ مِنْ شِعْرِ ابْنِ الفُرَيْعَةِ، فَلَقَدْ كَانَ يعرضُ بِهِ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُحْسِنُ اسْتمَاعَهُ، وَيُجْزَلُ عَلَيْهِ ثَوَابَهُ، وَلاَ يَشْتَغِلُ عَنْهُ. فَقَالَ حَسَّانُ يَمْدَحُ الزُّبَيْرَ: أَقَامَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ وَهَدْيِهِ ... حَوَارِيُّهُ وَالقَوْلُ بِالفِعْلِ يُعْدَلُ أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيْقِهِ ... يُوَالِي وَلِيَّ الحَقِّ وَالحَقُّ أَعْدَلُ هُوَ الفَارِسُ المَشْهُوْرُ وَالبَطَلُ الَّذِي ... يَصُوْلُ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ مُحَجَّلُ إِذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا الحَرْبُ حَشَّهَا ... بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلَى المَوْتِ يُرْقِلُ (1) وَإِنَّ امْرَءاً كَانَتْ صَفِيَّةُ أُمَّهُ ... وَمِنْ أَسَدٍ فِي بَيْتِهَا لَمُؤَثَّلُ (2) لَهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ قُرْبَى قَرِيْبَةٌ ... وَمِنْ نُصْرَةِ الإِسْلاَمِ مَجْدٌ مُؤَثَّلُ فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ ... عَنِ المُصْطَفَى وَاللهُ يُعْطِي فَيُجْزِلُ   (1) يقال: أرقل القوم إلى الحرب إرقالا: أسرعوا، والارقال: ضرب من الخبب: وهي سرعة سير الابل. (2) في الديوان، وعند الحاكم " لمرفل " والمرفل: هو العظيم المبجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فَعَالِ مُعَاشِرٍ ... وَفِعْلُكَ يَا ابْنَ الهَاشِمِيَّةِ أَفْضَلُ (1) قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: بَاعَ الزُّبَيْرُ دَاراً لَهُ بِسِتِّ مَائَةِ أَلفٍ، فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! غُبِنْتَ. قَالَ: كَلاَّ، هِيَ فِي سَبِيْلِ اللهِ. اللَّيْثُ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ، مَحَا نَفْسَهُ مِنَ الدِّيْوَانِ، وَأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، مَحَا نَفْسَهُ مِنَ الدِّيْوَانِ (2) . أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: مَا جَاءَ بِكُمْ، ضَيَّعْتُمُ الخَلِيْفَةَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُوْنَ بِدَمِهِ؟ قَالَ: إِنَّا قَرَأْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيْبَنَّ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأَنْفَال: 25] لَمْ نَكُنْ نَحْسِبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ (3) . مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى الزُّبَيْرَ وَهُوَ بِالبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَلاَ أَقْتُلُ عَلِيّاً؟ قَالَ: كَيْفَ تَقْتُلُهُ وَمَعَهُ الجُنُوْدُ؟ قَالَ: ألحق بِهِ، فَأَكُونُ مَعَكَ، ثُمَّ أَفْتِكُ بِهِ. قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الإِيْمَانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لاَ يَفْتِكُ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 362 - 363، وهو في " الاستيعاب " 3 / 315، و" أسد الغابة " 3 / 251، وفي " الحلية " 1 / 90 وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 125 ونسبه إلى الطبراني، وقال: وفيه عبد الله بن مصعب، وهو ضعيف. والابيات في " ديوان حسان ": 199 - 200 طبعة دار صادر البيروتية. (2) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (240) ، وهو في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 75. (3) سنده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 165 وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 177 ونسبه إلى أحمد، والبزار، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 27 وقال: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مُؤْمِنٌ (1)) . هَذَا فِي (المُسْنَدِ) ، وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ) . الدُّوْلاَبِيُّ فِي (الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ) : حَدَّثَنَا الدَّقِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، سَمِعْتُ شَرِيْكاً، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَقْتَفِي آثَارَ الخَيْلِ قَعْصاً بِالرُّمْحِ، فَنَادَاهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ حَتَّى الْتَفَّتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيْكَ، فَأَتَانَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (تُنَاجِيْهِ! فَوَاللهِ لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ) . قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ سَمِعَ الحَدِيْثَ، فَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتِهِ وَذَهَبَ (2) . قَالَ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ وَغَيْرُهُ: عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الجَمَلِ: يَا ابْنَ صَفِيَّةَ! هَذِهِ عَائِشَةُ تُمَلِّكُ المُلْكَ   (1) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 1 / 166 و167، وفي " المصنف " لعبد الرزاق (9676) . وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود (2769) في الجهاد: باب في العدو يؤتى على غرة، من طريق محمد بن حزابة، عن إسحاق بن منصور، عن أسباط الهمداني، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة. وأسباط كثير الخطأ، ووالد السدي مجهول. وله شاهد آخر من حديث معاوية عن أحمد 4 / 92 وفي سنده علي بن زيد وهو ضعيف. لكن حديثه حسن بالشواهد، وباقي رجاله ثقات، فالحديث صحيح. قال المنذري: الفتك أن يأتي الرجل الرجل وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله. وقوله: " الايمان قيد الفتك " أي أن الايمان يمنع القتل، كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدا. ومنه في صفة الفرس: قيد الاوابد، يريد أنه يلحقها بسرعة، فكأنها مقيدة به لا تعدوه. (2) الرجل الذي أخبر بالقصة مجهول. والدقيقي: هو محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي أبو جعفر صدوق. ويزيد هو ابن هارون، وشريك هو ابن عبد الله القاضي، كثير الخطأ. وأخرجه الحاكم 3 / 366 من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا. فقال له علي: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تقاتله وأنت له ظالم؟ فقال: لم أذكر، ثم مضى الزبير منصرفا. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي كذا قالا. مع أن في سنده عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي وقد قال فيه أبو حاتم: في حديثه نظر، ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال: فيه نظر. وشيخه فيه: عبد الملك بن مسلم لين الحديث. وانظر " المطالب العالية " (4468) و (4469) و (4470) و (4476) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلاَمَ تُقَاتِلُ قَرِيْبَكَ عَلِيّاً؟ زَادَ فِيْهِ غَيْرُ أَبِي شِهَابٍ: فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ، فَقَتَلَهُ (1) . قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي فَرْوَةَ، أَخِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: حَارَبَنِي خَمْسَةٌ: أَطْوَعُ النَّاسِ فِي النَّاسِ: عَائِشَةُ، وَأَشْجَعُ النَّاسِ: الزُّبَيْرُ، وَأَمْكَرُ النَّاسِ: طَلْحَةُ، لَمْ يُدْرِكْهُ مَكْرٌ قَطُّ، وَأَعْطَى النَّاسِ: يَعْلَى بنُ مُنْيَةَ (2) ، وَأَعَبَدُ النَّاسِ: مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، كَانَ مَحْمُوداً حَتَّى اسْتَزَلَّهُ أَبُوْهُ، وَكَانَ يَعْلَى يُعطِي الرَّجُلَ الوَاحِدَ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً وَالسِّلاَحَ وَالفَرَسَ عَلَى أَنْ يُحَارِبَنِي (3) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي جَرْوٍ المَازِنِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ حِيْنَ تَوَاقَفَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا زُبَيْرُ! أَنْشُدُكَ اللهَ، أَسَمِعْتَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّكَ تُقَاتِلُنِي وَأَنْتَ لِي ظَالِمٌ) . قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ أَذْكُرْهُ إِلاَّ فِي مَوْقِفِي هَذَا، ثُمَّ انْصَرَفَ (4) .   (1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 77 بنحوه، وقال الحافظ في " الإصابة " 4 / 9: وسنده صحيح. (2) بضم الميم. وسكون النون، بعدها ياء مفتوحة، وهي أمه. وهو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة ابن همام التيمي، حليف قريش. صحابي مشهور. مات سنة بضع وأربعين. وأخرج حديثه الجماعة. (3) خبر لا يصح. ابن أبي فروة أخو إسحاق لا يعرف، ويخشى أن تكون لفظة " أخي " مقحمة في النص، وإسحاق يروي عنه الليث، وهو متروك، متفق على ضعفه. (4) عبد الله، وجده ضعيفان. وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4476) ونسبه إلى أبي يعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ مِنْ وُجُوْهٍ سُقْنَا كَثِيْراً مِنْهَا فِي كِتَاب (فَتْحِ المَطَالِبِ (1)) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: انْصَرَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ عَنْ عَلِيٍّ، فَلَقِيَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: جُبْناً جُبْناً! قَالَ: قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنِّي لَسْتُ بِجَبَانٍ، وَلَكِنْ ذَكَّرَنِي عَلِيٌّ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ أُقَاتِلَهُ، ثُمَّ قَالَ: تَرْكُ الأُمُوْرِ الَّتِي أَخْشَى عَوَاقِبَهَا ... فِي اللهِ أَحْسَنُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الدِّيْنِ (2) وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَنْشَدَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَوِ انَّ عِلْمِيَ نَافِعِي ... أَنَّ الحَيَاةَ مِنَ المَمَاتِ قَرِيْبُ فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ قَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ. وَرَوَى: حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بنِ جَاوَانَ قَالَ: قُتِلَ طَلْحَةُ وَانْهَزَمُوا، فَأَتَى الزُّبَيْرُ سَفَوَانَ، فَلَقِيَهُ النَّعِرُ المُجَاشِعِيُّ، فَقَالَ: يَا حَوَارِيَّ رَسُوْلِ اللهِ! أَيْنَ تَذْهَبُ؟ تَعَالَ فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي، فَسَارَ مَعَهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الأَحْنَفِ، فَقَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ بِسَفَوَانَ، فَمَا تَأْمُرُ إِنْ كَانَ جَاءَ، فَحَمَلَ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، حَتَّى إِذَا ضَرَبَ بَعْضُهُمْ حَوَاجِبَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ، أَرَادَ أَنْ يَلْحَقَ بِبَنِيْهِ؟ قَالَ: فَسَمِعَهَا   (1) ذكر المؤلف رحمه الله هذا الكتاب في " تذكرة الحفاظ " 1 / 10 فقال: ومناقب هذا الامام جمة، أفردتها في مجلدة وسميته " بفتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ". وذكره الصفدي في " الوافي " 2 / 164 وقال: قرأته عليه من أوله إلى آخره. وذكره ابن شاكر في " عيون التواريخ " الورقة 86. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 91 من طريقه، عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عُمَيْرُ بنُ جُرْمُوْزٍ، وفَضَالَةُ بنُ حَابِسٍ، وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: نُفَيْعٌ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى لَقَوْهُ مُقْبِلاً مَعَ النَّعِرِ (1) وَهُمْ فِي طَلَبِهِ، فَأَتَاهُ عُمَيْرٌ مِنْ خَلْفِهِ، وَطَعَنَهُ طَعْنَةً ضَعِيْفَةً، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ، فَلَمَّا اسْتَلْحَمَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ قَاتِلُهُ، قَالَ: يَا فَضَالَةُ! يَا نُفَيْعُ! قَالَ: فَحَمَلُوا عَلَى الزُّبَيْرِ حَتَّى قَتَلُوْهُ (2) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا فُضَيلُ (3) بنُ مَرْزُوْقٍ، حَدَّثَنِي شقِيْقُ (4) بنُ عُقْبَةَ، عَنْ قُرَّةَ بنِ الحَارِثِ، عَنْ جونِ بنِ قتَادَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ الجَمَلِ، وَكَانُوا يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَطَعَنَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ ثَانِياً، فَأَثْبَتَهُ، فَوَقَعَ، وَدُفِنَ بِوَادِي السِّبَاعِ، وَجَلَسَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَبْكِي عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ (5) . قُرَّةُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ أَبِي الحَكَمِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: جِيْءَ بِرَأَسِ الزُّبَيْرِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَبَوَّأْ يَا أَعْرَابِيُّ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ، حَدَّثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ قَاتِلَ الزُّبَيْرِ فِي النَّارِ (6) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " النهر ". (2) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 3 / 311 - 312، وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4466) . وانظر الطبري 4 / 498 - 499. (3) تحرفت في المطبوع إلى " فضل ". (4) هو شقيق بن عقبة الضبي، مترجم في " التهذيب " وفروعه، وهو من رجال مسلم، وقد تحرف في " طبقات ابن سعد " وفي المطبوع إلى " سفيان ". (5) رجاله ثقات. وهو في " الطبقات " 3 / 111 (6) الفضل بن أبي الحكم روى عنه غير واحد. وقال أبو حاتم: شيخ بصري. وذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجال الإسناد ثقات. وانظر " البداية " لابن كثير 7 / 250. وروى الطيالسي 2 / 145 وابن سعد 3 / 1 / 73 كلاهما: عن عاصم، عن زر قال: استأذن قاتل الزبير على علي. قال علي: والله ليدخلن قاتل ابن صفية النار. إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " وسنده حسن. وصححه الحاكم 3 / 367 ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مَائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، يَقُوْلُوْنَ: عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ. قُلْتُ: لأَنَّهُم مِنَ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ، وَلأَنَّ الأَرْبَعَةَ قُتِلُوا وَرُزِقُوا الشَّهَادَةَ، فَنَحْنُ مُحِبُّوْنَ لَهُم، بَاغِضُوْنَ لِلأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا الأَرْبَعَةَ. أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَقِيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى إِلاَّ عَيْنَاهُ، وَكَانَ يُكْنَى أَبَا ذَاتِ الكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالعَنَزَةِ (1) ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ، فَمَاتَ. فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ، فَكَانَ الجهدَ أَنْ نَزَعْتُهَا -يَعْنِي: الحَرْبَةَ- فَلَقَدِ انْثَنَى طَرَفُهَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ، أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ، سَألَهَا عُمَرُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبضَ عُمَرُ، أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ (2) وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ (3) . غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: البُخَارِيُّ. ابْنُ المُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) سقطت من المطبوع لفظة " عنزة ". (2) في البخاري " فلما قتل عثمان ". (3) أخرجه البخاري (3998) في المغازي: باب (12) والزيادات منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قَالُوا لِلزُّبَيْرِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدُّ مَعَكَ؟ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَّبْتُم. فَقَالُوا: لاَ نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِم حَتَّى شَقَّ صُفُوْفَهُم، فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً، فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ، فَضَرَبُوْهُ ضَرْبَتَيْنِ: ضَرْبَةً عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْم بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيْرٌ. قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ، فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ، وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً (1) . قُلْتُ: هَذِهِ الوَقْعَةُ هِيَ يَوْمُ اليَمَامَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ إِذْ ذَاكَ ابْنَ عَشْرِ سِنِيْنَ. أَبُو بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَمَّا ظَفرَ عَلِيٌّ بِالجَمَلِ، دَخَلَ الدَّارَ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَالَ عَلِيّ: إِنِّي لأَعْلَمُ قَائِدَ فِتْنَةٍ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَأَتْبَاعُهُ إِلَى النَّارِ. فَقَالَ الأَحْنَفُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الزُّبَيْرُ. فِي إِسْنَادِهِ إِرْسَالٌ، وَفِي لَفْظِهِ نَكَارَةٌ، فَمَعَاذَ الله أَنْ نَشْهَدَ عَلَى أَتْبَاعِ الزُّبَيْرِ، أَوْ جُنْدِ مُعَاوِيَةَ، أَوْ عَلِيٍّ، بِأَنَّهُمْ فِي النَّارِ، بَلْ نُفَوِّضُ أَمْرَهُمْ إِلَى اللهِ، وَنَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، بَلَى: الخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ، وَشَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيْمِ السَّمَاءِ، لأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ لاَ نَدْرِيْ مَصِيْرَهُمْ إِلَى مَاذَا، وَلاَ نَحْكُمُ عَلَيْهِم بِخُلُوْدِ النَّارِ، بَلْ نَقِفُ. وَلِبَعْضِهِم: إِنَّ الرَّزِيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرُهُ ... وَادِي السِّبَاعِ لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ   (1) أخرجه البخاري (3975) في المغازي: باب قتل أبي جهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُوْرُ المَدِيْنَةِ وَالجِبَالُ الخُشَّعُ (1) قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: قُتِلَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ. وَادِي السِّبَاعِ: عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ البَصْرَةِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: قُتِلَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: قِيْلَ: وَلَهُ بِضْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَشْبَهُ. قَالَ القَحْذَمِيُّ: كَانَتْ تَحْتَهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَاتِكَةُ أُخْتُ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَأُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأُمُّ مُصْعَبٍ الكَلْبِيَّةُ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: جَاءَ ابْنُ جُرْمُوْزَ إِلَى مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ -يَعْنِي: لَمَّا وَلِيَ إِمْرَةَ العِرَاقِ لأَخِيْهِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ- فَقَالَ: أَقِدْنِي بِالزُّبَيْرِ. فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ يُشَاوِرُ ابْنَ الزُّبَيْرِ. فَجَاءهُ الخَبَرُ: أَنَا أَقْتُلُ ابْنَ جُرْمُوْزٍ بِالزُّبَيْرِ؟ وَلاَ بِشِسْعِ نَعْلِهِ. قُلْتُ: أَكَلَ المُعَثَّرُ يَدَيْهِ نَدَماً عَلَى قَتْلِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لاَ كَقَاتِلِ طَلْحَةَ، وَقَاتِلِ عُثْمَانَ، وَقَاتِلِ عَلِيٍّ. الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ مُسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَيْرَ بنَ جُرْمُوْزٍ أَتَى حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ مُصْعَبٍ، فَسَجَنَهُ، وَكَتَبَ إِلَى أَخِيْهِ فِي أَمْرِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ، أَظَنَنْتَ أَنِّي قَاتِلٌ أَعْرَابِياً بِالزُّبَيْرِ؟ خَلِّ سَبِيْلَهُ. فَخَلاَّهُ، فَلَحِقَ بِقَصْرٍ بِالسَّوَادِ عَلَيْهِ   (1) الابيات عند ابن سعد 3 / 1 / 79 ثلاثة. وقد نسبها إلى جرير بن الخطفى. وهي في ديوان جرير من قصيدة طويلة يهجو فيها الفرزدق. ومطلعها: بان الخليط برامتين فودعوا * أوكلما رفعوا لبين تجزع انظر الديون 340 - 351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أَزَجٌ (1) ، ثُمَّ أَمَرَ إِنْسَاناً أَنْ يَطْرَحَهُ عَلَيْهِ، فَطَرَحَهُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ قَدْ كَرِهَ الحَيَاةَ لِمَا كَانَ يُهَوَّلُ عَلَيْهِ، وَيُرَى فِي مَنَامِهِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ تَرَكَ مِنَ العُرُوْضِ: بِخَمْسِيْنَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنَ العَيْنِ: خَمْسِيْنَ أَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ (2) . كَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اقْتُسِمَ مَالُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَرْبَعِيْنَ أَلْفِ أَلْفٍ (3) . أَبُو أُسَامَةَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ، دَعَانِي. فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُوْمٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ اليَوْمَ مَظْلُوْماً، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقِي مِنْ مَالِنَا شَيْئاً؟ يَا بُنَيَّ! بِعْ مَا لَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي، فَأُوْصِي بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِ الثُّلُثِ إِلَى عَبْدِ اللهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَثُلُثٌ لِوَلَدِكَ (4) . قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ: خُبَيْبٌ، وَعَبَّادٌ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ يُوصِيْنِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُوْلُ: يَا بُنَيَّ! إِنْ عَجِزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَاسْتَعِنْ بِمَوْلاَيَ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا عَنَى   (1) الازج: بيت يبنى طولا. وأزجته تأزيجا: إذا بنيته. ويقال: الازج: السقف والجمع: آزاج. مثل سبب وأسباب. (2) رجاله ثقات. (3) رجاله ثقات. وأخرجه الحاكم 3 / 361، وابن سعد 3 / 1 / 77 من طريق: عبد الله بن مسلمة ابن قعنب، عن سفيان بن عيينة، قال: اقتسم ... وأخرجه الحاكم 3 / 361 من طريق: محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، قال: اقتسم ... (4) كذا الأصل، ولفظه في " الطبقات ": يا بني بع ما لنا، واقض ديني، وأوص بالثلث فإن فضل من ما لنا من بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك. ورجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ: فَوَاللهِ (1) مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ، فَيَقْضِيَهُ. قَالَ: وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ، وَلَمْ يَدَعْ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً، إِلاَّ أَرَضِيْنَ بِالغَابَةِ، وَدَاراً بِالمَدِيْنَةِ، وَدَاراً بِالبَصْرَةِ، وَدَاراً بِالكُوْفَةِ، وَدَاراً بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَجِيْءُ بِالمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ، فَيَقُوْلُ الزُّبَيْرُ: لاَ، وَلَكِنْ هُوَ سَلَفٌ، إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ، وَلاَ جِبَايَةً، وَلاَ خَرَاجاً، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ فِي غَزْوٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ. فَحَسَبْتُ دَيْنَهُ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَي أَلْفٍ وَمَائَتَي أَلْفٍ. فَلَقِيَ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ الأَسَدِيُّ عَبْدَ اللهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ، وَقَالَ: مَائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ حَكِيْمٌ: مَا أَرَى أَمْوَالَكُمْ تَتَّسِعُ لِهَذِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمَائَتَيْ أَلفٍ؟ قَالَ: مَا أَرَاكُمْ تُطِيْقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجِزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاسْتعِيْنُوا بِي. وَكَانَ الزُّبَيْرُ قَدِ اشْتَرَى الغَابَةَ بِسَبْعِيْنَ وَمَائَةِ أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مَائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالغَابَةِ. فَأَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مَائَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ لابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنْ شِئْتَ تَرَكْتُهَا لَكُمْ. قَالَ: لاَ. قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً. قَالَ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا. قَالَ: فَبَاعَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ. قَالَ: وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَالَ المُنْذِرُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمَائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمَائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ ابْنُ رَبِيْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمَائَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ. قَالَ: قَدْ أَخَذْتُ بِمَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ أَلفاً. قَالَ: وَبَاعَ ابْنُ جَعْفَرٍ نَصِيْبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مَائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيْرَاثَنَا. قَالَ: لاَ وَاللهِ،   (1) " قال: فوالله " سقطت من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 حَتَّى أُنَادِي بِالمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِيْنَ: أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَلْنَقْضِهِ. فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِيْنَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ. فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، قَالَ: فَرَفَعَ الثُّلُثَ، فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأةٍ أَلْفَ أَلْفٍ وَمَائَةَ أَلْفٍ، فَجَمِيْعُ مَالِهِ خَمْسُوْنَ أَلْفَ أَلْفٍ (1) وَمَائِتَا أَلْفٍ (2) . لِلزُّبَيْرِ فِي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) حَدِيْثَانِ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِسَبْعَةِ أَحَادِيْثَ. قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَلَغَ حِصَّةُ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، زَوْجَةِ الزُّبَيْرِ مِنْ مِيْرَاثِهِ: ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَالَتْ تَرْثِيْهِ: غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوْزٍ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ ... يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ ... لاَ طَائِشاً رَعشَ البَنَانِ وَلاَ اليَدِ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِمِثْلِهِ ... فِيْمَا مَضَى مِمَّا تَرُوْحُ وَتَغْتَدِي كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ ... عَنْهَا طِرَادُكَ يَا ابْنَ فَقْعِ الفَدْفَدِ وَاللهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً ... حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوْبَةُ المُتَعَمِّدِ (3)   (1) سقط من المطبوع لفظ " ألف " الثانية. (2) أخرجه البخاري بطوله (3129) في فرض الخمس، باب: بركة الغازي بماله حيا وميتا، مع خلاف يسير في بعض ألفاظه. وانظر ابن سعد 3 / 1 / 75 - 76، و" الحلية " 1 / 91. (3) الابيات في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 79. وانظر " التصريح " 1 / 231، والعيني 2 / 278، وابن يعيش 8 / 71 - 72، و" شرح الاشموني " 1 / 145، و" أوضح المسالك " 2 / 264، وابن عقيل 1 / 382 و" الخزانة " 4 / 348، و" الهمع " 1 / 142، و" الدرر " 1 / 119، و" الحماسة " 3 / 71 ورواية البيت الأخير فيه " ثكلتك أمك إن قتلت "، القرطبي 2 / 421. والبهمة: بضم الموحدة وسكون الهاء: الشجاع، وقيل: هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتي له من شدة بأسه. واللقاء: الحرب لأنه تتلاقى فيها الابطال. والمعرد: اسم فاعل من عرد تعريدا بمهملات: إذا فر وهرب. وطاش يطيش: إذا خف عقله من دهشة وخوف. رعش: بكسر العين المهملة وصف من رعش - كفرح ومنع - رعشا ورعشانا: أخذته الرعدة. الغمرة: بالفتح: الشدة. الفقع: بفتح الفاء وكسرها وسكون = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 4 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَبُو مُحَمَّدٍ. أَحَدُ العَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ. وَهُوَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الَّذِيْنَ بَادَرُوا إِلَى الإِسْلاَمِ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَبَنُوهُ: إِبْرَاهِيْمُ، وَحُمَيْدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعَمْرٌو، وَمُصْعَبٌ بَنُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَالِكُ بنُ أَوْسٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم. لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) حَدِيْثَانِ، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ   = القاف نوع أبيض من ردئ الكمأة. الفدفد: الأرض المستوية. وفقع الفدفد مثل للذليل. وقال الكرماني: أشارت بقولها: " عقوبة المتعمد " إلى قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) [النساء: 93] وقال غيره: عقوبة المتعمد: أن يقتل قصاصا. (*) مسند أحمد: 1 / 190 - 195، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 87 - 97، نسب قريش: 265، 448، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 5 / 240، التاريخ الصغير: 1 / 50، 51، 60، 61، المعارف: 235 - 240، الجرح والتعديل: 5 / 247، مشاهير علماء الأمصار: ت: 12، البدء والتاريخ: 5 / 86، ومعجم الطبراني الكبير: 1 / 88 - 99، المستدرك للحاكم: 3 / 306، 312، حلية الأولياء: 1 / 98 - 100، الاستيعاب: 6 / 68 - 84، الجمع بين رجال الصحيحين: 281، صفوة الصفوة: 1 / 135، جامع الأصول: 9 / 19 - 20، ابن عساكر: 12 / 54 / 2، أسد الغابة: 3 / 480 - 485، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 300 - 302، الرياض النضرة: 2 / 281، تهذيب الكمال: 810، دول الإسلام: 1 / 26، تاريخ الإسلام: 2 / 105، العبر: 1 / 33، العقد الثمين: 5 / 396 - 398، تهذيب التهذيب: 6 / 244، الإصابة: 6 / 311 - 313، خلاصة تذهيب الكمال: 232، تاريخ الخميس: 2 / 257، كنز العمال: 13 / 220 - 230، شذرات الذهب: 1 / 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أَحَادِيْثَ. وَمَجْمُوْعُ مَا لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : خَمْسَة وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَكَانَ اسْمُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ: عَبْدُ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: عَبْدُ الكَعْبَةِ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدُ الرَّحْمَنِ (1) . وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً مِنَ الصَّحَابَةِ: جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ. وَقَدِمَ الجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ (2) ، فَكَانَ عَلَى المَيْمَنَةِ، وَكَانَ فِي نَوْبَةِ سَرْغٍ عَلَى المَيْسَرَةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَازِمِ بنِ حَامِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الْبن الأَسَدِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الْبن، وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ سَهْلِ بنِ الصَّبَاحِ بِبَلَدٍ (3) فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مَائَةٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الإِمَامُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، سَمِعَ بَجَالَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ كَاتِباً لِجُزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، وَفَرِّقُوا   (1) انظر الطبراني (253) والحاكم 3 / 306، وابن سعد 3 / 1 / 88. (2) تصحفت في المطبوع إلى " عمرو ". (3) " بلد " مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل، بينهما سبعة فراسخ. ويقال: بلط. وإليها ينسب عدد كبير من العلماء. " معجم البلدان " 1 / 481. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ المَجُوْسِ، وَانْهُوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ. فَقَتَلْنَا ثَلاَثَ سَوَاحِرَ، وَجَعَلْنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَحَرِيْمَتِهِ فِي كِتَابِ اللهِ، وَصَنَعَ لَهُمْ طَعَاماً كَثِيْراً، وَدَعَا المَجُوْسَ، وَعَرَضَ السَّيْفَ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَلْقَى وِقْرَ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ مِنْ وَرِقٍ، وَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوْسِ هَجَرٍ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، مُخَرَّجٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَ (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (النَّسَائَيِّ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً (2) . وَرَوَاهُ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرٍو مُخْتَصَراً. وَرَوَى مِنْهُ أَخْذَ الجِزْيَةِ مِنَ المَجُوْسِ: أَبُو دَاوُدَ (3) ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ يَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ قُشَيْرِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ بَجَالَةَ بنِ عَبَدَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَوْفٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ (4) ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ فَضْلٍ الحُدَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بنِ شَيْبَانَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي سَلَمَةَ، حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِيْكَ، يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ   (1) أخرجه أحمد 1 / 190 - 191، والشافعي 2 / 126 وأبو عبيد في " الاموال " ص: (32) والبخاري (3156) في الجزية و (3157) فيه مختصرا. وأبو داود (3043) في الخراج والامارة والفئ: باب في أخذ الجزية من المجوس. والترمذي (1586) في السير: باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس. (2) البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين من غير طريقه. (3) (3044) في الخراج: باب الجزية. (4) سقط من المطبوع، من قوله: " أنبأنا أبو نصر إلى قوله: الهاشمي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَرَضَ اللهُ (1) عَلَيْكُمْ شَهَرَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيْمَاناً وَاحْتِسَاباً خَرَجَ مِنَ الذُّنُوبِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائَيُّ، عَنِ ابْنِ رَاهَوَيْه، عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ يَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، جَمِيْعاً عَنِ الحُدَّانِيِّ. قَالَ النَّسَائَيُّ: الصَّوَابُ حَدِيْثُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ العَصْرُوْنِيُّ (3) ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مَكْحُوْلٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَلَسْنَا مَعَ عُمَرَ فَقَالَ: هَلْ   (1) سقط لفظ الجلالة من الأصل. (2) أخرجه أحمد 1 / 191، 195، والنسائي 4 / 158 في الصيام، وابن ماجه (1328) في الاقامة: باب ما جاء في قيام رمضان. والطيالسي 1 / 181. (3) في الأصل: " العصروي ". ترجمة المؤلف في مشيخته فقال: " محمد بن عبد السلام بن المطهر، ابن العلامة قاضي القضاة أبي سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون الامام، المدرس، الجليل، المعمر، المسند، تاج الدين أبو عبد الله بن أبي الفضل التميمي، الحلبي، ثم الدمشقي، الشافعي. مدرس الشافعية الصغرى. كان خيرا، متواضعا، لطيفا، فيه عامية إلا أنه يورد درسه بحروفه إيرادا حسنا. سمعت منه عدة أجزاء. مولده بحلب في المحرم، سنة عشر وست مئة. ومات في ربيع الأول سنة خمس وتسعين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 سَمِعْتَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً أَمَرَ بِهِ المَرْءَ المُسْلِمَ إِذَا سَهَا فِي صَلاَتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ، أَوَ مَا سَمِعْتَ أَنْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِي ذَلِكَ شَيْئاً؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ. فَبَيْنَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ، أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ فَقَالَ: فِيْمَ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: سَأَلْتُهُ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَأَنْتَ عِنْدَنَا عَدْلٌ، فَمَاذَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ حَتَّى لاَ يَدْرِي أَزَادَ أَمْ نَقَصَ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي الوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ أَوِ الثَّلاَثِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلاَثِ وَالأَرْبَعِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثَلاَثاً، حَتَّى يَكُوْنَ الوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ عَنْ: بُنْدَارٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدِ بنِ عَثْمَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، فَطَرِيْقُنَا أَعْلَى بِدَرَجَةٍ. وَرَوَاهُ: الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي صَدْرِ تَرْجَمَةِ ابْنِ عَوْفٍ، وَفِيْهِ: فَقَالَ: فَحَدِّثْنَا، فَأَنْتَ عِنْدَنَا العَدْلُ الرِّضَا.   (1) أخرجه أحمد 1 / 190، والترمذي (398) في الصلاة: باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان، وابن ماجه (1029) في الاقامة: باب ما جاء فيمن شك في صلاته، والحاكم 1 / 324 - 325، وصححه ووافقه الذهبي. ورواه أحمد 1 / 195 من طريق أخرى بلفظ: " من صلى صلاة يشك في النقصان، فليصل حتى يشك في الزيادة " وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، لكنه يتقوى بالطريق التي قبلها فيحسن. وأخرج ابن حبان (533) من طريق عبد الله بن محمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا، فليصل ركعة، وليسجد سجدتين قبل السلام. فإن كانت خامسة شفعتها سجدتان، وإن كانت رابعة. فالسجدتان ترغيم للشيطان ". (2) هو محمد بن بشار، وقد تحريف في المطبوع. إلى " مقداد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانُوا عُدُولاً، فَبَعْضُهُم أَعْدَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ (1) ، فَهُنَا عُمَرُ قَنَعَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفِي قِصَّةِ الاسْتِئْذَانِ (2) يَقُوْلُ: ائْتِ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ: كَانَ إِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَحْلَفْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ (3) ، فَلَمْ يَحْتَجْ عَلِيٌّ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الصِّدِّيْقَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.   (1) سقطت من المطبوع. (2) أخرج أحمد 4 / 393، 398، 400، 403، 410، 417، والبخاري (6245) في الاستئذان: باب التسليم والاستئذان ثلاثا، ومسلم (2153) في الآداب: باب الاستئذان، وأبو داود (5180) و (5181) و (5182) و (5183) و (5184) في الأدب: باب كم مرة يسلم الرجل، والترمذي (2691) في الاستئذان: باب ما جاء في الاستئذان ثلاثا. وابن ماجه (3706) في الأدب: باب الاستئذان، والدارمي 2 / 274 في الاستئذان: باب الاستئذان ثلاثا، واللفظ لمسلم، عن بسر بن سعيد، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنت جالسا بالمدينة في مجلس الانصار، فأتانا أبو موسى فزعا - أو مذعورا - قلنا: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه، فأتيت بابه، فسلمت ثلاثا فلم يرد علي، فرجعت. فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيتك، فسلمت على بابك ثلاثا فلم يردوا علي، فرجعت. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ". فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أو جعتك. فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم. قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغر القوم. قال: فاذهب به. وفي رواية أبي داود (5184) : فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (3) إسناده صحيح، أخرجه أحمد 1 / 2 / 10، وأبو داود (1521) في الصلاة: باب في الاستغفار، من طريق أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن علي بن ربيعة الأسدي، عن أسماء بن الحكم الفزاري، قال: سمعت عليا، رضي الله عنه، يقول: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني. وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته. قال: وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) وتمامها: (فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) [آل عمران: 135] ، وأخرجه = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قَالَ المَدَائِنِيُّ: وُلِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ عَامِ الفِيْلِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ: وُلِدَ الحَارِثُ بنُ زُهْرَةَ عَبْداً، وَعَبْدُ اللهِ، وَأُمُّهُمَا: قَيْلَةُ. وَمِنْ وَلَدِ عَبْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ بنِ عَبْدٍ. وَكَذَا نَسَبَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَسْقَطَ البُخَارِيُّ وَالفَسَوِيُّ (1) عَبْداً مِنْ نَسَبِهِ، وَقَالَهُ قَبْلَهُمَا عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الهَيْثَمُ الشَّاشِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: عَبْدُ عَوْفٍ بنُ عَبْدِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ. وَأُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هِيَ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَوْفِ بنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبٍ. وَيُقَالُ: الشِّفَاءُ بِنْتُ عَوْفٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ سَمَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ الرَّحْمَنِ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زِيَادٍ،   = الترمذي (406) في الصلاة، و (3009) في التفسير: باب ومن سورة آل عمران. وابن ماجه (1395) في الاقامة: باب ما جاء أن الصلاة كفارة، والطيالسي ص: (2) ، والطبري (7853) ، و (7854) ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان وأخرجه (2454) ، وأبو بكر المروزي رقم 9، 10، 11. وانظر " الدر المنثور " 2 / 77. (1) تصحفت في المطبوع إلى " النسوي ". (2) أخرجه الحاكم 3 / 306 وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 عَنْ حَسَنِ بنِ عُمَرَ، عَنْ سَهْلَةَ بِنْتِ عَاصِمٍ قَالَتْ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ أَبْيَضَ، أَعْيَنَ، أَهَدَبَ الأَشْفَارِ، أَقْنَى، طَوِيْلَ النَّابَيْنِ الأَعْلَيَيْنِ، رُبَّمَا أَدْمَى نَابُهُ شَفَتَهُ، لَهُ جُمَّةٌ أَسْفَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، أَعْنَقَ، ضَخْمَ الكَتِفَيْنِ. وَرَوَى: زِيَادٌ البَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ سَاقِطَ الثَّنِيَّتَيْنِ، أَهْتَمَ، أَعْسَرَ، أَعْرَجَ، كَانَ أُصِيْبَ يَوْمَ أُحُدٍ فُهُتِمَ، وَجُرِحَ عِشْرِيْنَ جِرَاحَةً، بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرَجَ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَجُلاً طُوَالاً، حَسَنَ الوَجْهِ، رَقِيْقَ البَشْرَةِ، فِيْهِ جَنَأٌ أَبْيَضَ، مُشْرَباً حُمْرَةً، لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ (2) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا نَسِيْرُ مَعَ عُثْمَانَ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، إِذْ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْتَدَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ فَضْلاً فِي الهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعاً. رَوَى نَحْوَهُ: العقدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوْيَةَ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا   (1) أخرجه الحاكم 3 / 308، وفيه " إحدى وعشرون جراحة " والطبراني (261) ، وانظر " الإصابة " 6 / 313، وابن هشام 2 / 83. (2) ابن سعد 3 / 1 / 94، والحاكم 3 / 308، و" الإصابة " 6 / 313 و" الاستيعاب " 6 / 75. والجنأ: الحدب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ (1) ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ لَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ، كَذَا هَذَا. فَقَالَ: إِنَّ لِي حَائِطَيْنِ، فَاخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. قَالَ: بَلْ دُلَّنِي عَلَى السُّوْقِ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى قَدِمَتْ لَهُ سَبْعُ مَائَةِ رَاحِلَةٍ تَحْمِلُ البُرَّ وَالدَّقِيْقَ وَالطَّعَامَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ سُمِعَ لأَهْلِ المَدِيْنَةِ رَجَّةٌ، فَبَلَغَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ حَبْواً) . فَلَمَّا بَلَغَهُ، قَالَ: يَا أُمَّهْ! إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِهَا وَأَحْلاَسِهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ (2) . أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ عُمَارَةَ. وَقَالَ: حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ حَبْواً) . فَقَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتُ لأَدْخُلَنَّهَا قَائِماً، فَجَعَلَهَا بِأَقْتَابِهَا (3) وَأَحْمَالِهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ كِتَابَةً، عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ الجَوْزِيِّ، وَأَجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا هُذَيْلُ بنُ مَيْمُوْن، عَنْ مُطَّرِحِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ   (1) سقط من المطبوع من قوله " أنبأنا أبو الوقت " إلى قوله " عبد بن حميد ". (2) إسناده ضعيف لضعف عمارة بن زاذان. وأخرجه أحمد 6 / 115 والطبراني (264) ، وابن سعد 3 / 1 / 93، وصاحب الحلية 1 / 98. والاحلاس: جمع حلس. وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب. (3) القتب: رحل صغير على قدر السنام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بنِ يَزِيْدَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قِيْلَ: بِلاَلٌ) . إِلَى أَنْ قَالَ: (فَاسْتَبْطَأْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الإِيَاسِ. فَقُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا خَلَصْتُ إِلَيْكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أَنْظُرُ إِلَيْكَ أَبَداً) . قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ كَثْرَةِ مَالِي أُحَاسَبُ وَأُمَحَّصُ (1)) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ. وَأَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ، فَتَفَرَّدَ بِهِ: عمَارَةُ، وَفِيْهِ لِيْنٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (2) . وَقَالَ ابْنُ معِيْنٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ النَّسَائَيُّ. وَبِكُلِّ حَالٍ، فَلَوْ تَأَخَّرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رِفَاقِهِ لِلْحِسَابِ وَدَخَلَ الجَنَّةَ حَبْواً عَلَى سَبِيْلِ الاسْتِعَارَةِ، وَضَرْبِ المَثَلِ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَهُ فِي الجَنَّةِ لَيْسَتْ بِدُوْنِ مَنْزِلَةِ   (1) الحديث بتمامه أخرجه أحمد 5 / 259 والنص: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي. فقلت: ما هذا؟ قال: بلال. فمضيت، فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين، وذراري المسلمين ولم أر أحدا أقل من الاغنياء والنساء. قيل لي: أما الاغنياء فهم ها هنا بالباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الاحمران: الذهب والحرير. قال: ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثمانية. فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها. ثم أتي بأبي بكر، رضي الله عنه، فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي في كفة فوضعوا، فرجح أبو بكر. وجئ بعمر فوضع في كفة، وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر، رضي الله عنه، وعرضت أمتي رجلا رجلا فجعلوا يمرون، فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف. ثم جاء بعد الاياس. فقلت: عبد الرحمن! فقال: بأبي وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدا إلا بعد المشيبات. قال: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي أحاسب وأمحص ". وإسناده ضعيف لضعف علي بن يزيد الالهاني. (2) وتمامه كما في " الميزان ": " ولا يحتج به " وقال البخاري: ربما يضطرب في حديثه. وقال أحمد: له مناكير. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أبو داود: ليس بذاك. وقول ابن عدي: " لا بأس به " أنه يصلح للمتابعة لا أن حديثه مقبول إذا تفرد به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنِ الكُلِّ-. وَمِنْ مَنَاقِبِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِدَ لَهُ بِالجَنَّةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ الَّذِيْنَ قِيْلَ لَهُم: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُم (1)) . وَمِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفَتْحُ: 18] . وَقَدْ صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَاءهُ.   (1) قطعة من حديث أخرجه أحمد 1 / 80، والبخاري (3007) في الجهاد، باب الجاسوس. و (3081) فيه: باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة و (3983) في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، و (4274) فيه: باب: غزوة الفتح و (4890) في التفسير: باب لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، و (6259) في الاستئذان، باب: من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره و (6939) في استتابة المرتدين، باب: ما جاء في المتأولين. ومسلم (2494) في الفضائل: باب من فضائل أهل بدر، وأبو داود (2650) في الجهاد: باب حكم الجاسوس إذا كان مسلما، والترمذي (3302) في التفسير: باب ومن سورة الممتحنة. ونص الحديث للبخاري " عن علي ": بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا مرثد والزبير، وكلنا فارس، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب. فقالت: ما معنا كتاب. فأنخناها. فالتمسنا فلم نر كتابا. فقلنا ما كذب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته. فانطلقنا بها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلاضرب عنقه. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي ألا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، صدق. ولا تقولوا له إلا خيرا. فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه. فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة. أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، فَسُئِلَ: هَلْ أَمَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعِمَامَتِهِ، وَأَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَنَا مَعَهُ، رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ، وَقَضَيْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقْنَا (1) . وَلِحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ نَحْوُهُ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَمْزَةَ بن المُغِيْرَةِ، عَنْ أَبِيْهِ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَهَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ مَكَانَكَ، فَصَلَّى، وَصَلَّى رَسُوْلُ اللهِ بِصَلاَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) .   (1) أخرجه أحمد 4 / 249 - 250، 251، والنسائي 1 / 77 في الطهارة، باب كيف المسح على العمامة. أخرجه مسلم (81) ، في الطهارة، من طريق: بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، وأخرجه أبو داود (151) من طريق عيسى بن يونس، عن أبيه عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة ... وأخرجه البخاري مختصرا (182) في الوضوء من طريق سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، وفي (203) و (206) و (363) و (388) و (2918) و (4421) و (5798) و (5799) مختصرا في هذه المواضع كلها، وابن ماجه (545) في الطهارة مختصرا كالبخاري أيضا. وابن سعد 3 / 1 / 91 مطولا، والحافظ في " الإصابة " 6 / 312 والطيالسي رقم (223) و (691) . (2) أخرجه أحمد 4 / 248، وانب ماجه (1236) في الاقامة، باب: ما جاء في صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلف رجل من أمته. كلاهما من طريق حميد، عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه ... وإسناده صحيح. والفسوي 1 / 398 - 399. وأخرجه مسلم (274) (81) في الطهارة: باب المسح على الناصية والعمامة، من طريق حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه. (3) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (415) ونسبه إلى أبي يعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَرَوَى: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ، عَنْ رِشْدِيْنَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ: سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ بِنَحْوِهِ (1) . هِشَامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ بِمِثْلِ هَذَا. وَرَوَاهُ: زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، عَنِ المُغِيْرَةِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. وَجَاءَ عَنْ خُلَيْدِ بنِ دَعْلَجٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ المُغِيْرَةِ. وَالحَسَنُ مُدَلِّسٌ، لَمْ يَسْمَعْ مِنَ المُغِيْرَةِ. عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيْهِ (2) ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ فِي سَرِيَّةٍ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ (3) . عُثْمَانُ: ضَعِيْفٌ، لَكِنْ رَوَى نَحْوَهُ: أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ نَافِعِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ فَرْوَةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ: {الَّذِيْنَ يَلْمِزُوْنَ المُطَّوِّعِيْنَ} [التَّوْبَةُ: 79] . قَالَ: تَصَدَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بِشَطْرِ مَالِهِ، أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. فَقَالَ أُنَاسٌ مِنَ المُنَافِقِيْنَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَعَظِيْمُ الرِّيَاءِ (4) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 191 - 192 ونصه: " عن عبد الرحمن بن عوف، أنه كان مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذهب النبي لحاجته، فأدركهم وقت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، فجاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فصلى مع الناس خلفه ركعة. فلما سلم قال: أصبتم أو أحسنتم ". ورشدين ضعيف. لكنه يصلح للمتابعة. وأبو سلمة لم يسمع من أبيه. وانظر الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 119. وقال أحمد شاكر رحمه الله: والقصة نفسها ثابتة من حديث المغيرة بن شعبة رواها أحمد والبخاري ومسلم. (2) " عن أبيه " سقطت من المطبوع. (3) ابن هشام 2 / 632 والخبر هناك طويل جدا، وذكره صاحب الكنز (30290) ونسبه إلى ابن عساكر. (4) أخرجه الطبري 10 / 195 حدثنا محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور عن معمر، عن قتادة. وانظر " الدر المنثور " 3 / 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: تَصَدَّقَ ابْنُ عَوْفٍ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَطْرِ مَالِهِ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَحَمَلَ عَلَى خَمْسِ مَائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى خَمْسِ مَائَةِ رَاحِلَةٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَكَانَ عَامَّةُ مَالِهِ مِنَ التِّجَارَةِ (1) . أَخْرَجَهُ فِي (الزُّهْدِ) لَهُ. سُلَيْمَانُ بنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، أَنْبَأَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا ابْنَ عَوْفٍ! إِنَّكَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، وَلنْ تَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ زَحْفاً، فَأَقْرِضِ اللهَ -تَعَالَى- يُطْلِقْ لَكَ قَدَمَيْكَ) . قَالَ: فَمَا أُقْرِضُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: (أَتَانِي جِبْرِيْلُ، فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُضِفِ الضَّيْفَ، وَلْيُعْطِ فِي النَّائِبَةِ، وَلْيُطْعِمِ المِسْكِيْنَ (2)) . خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَغَيْرُهُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الجَنَّةَ، وَأَنِّي دَخَلْتُهَا حَبْواً، وَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ الفُقَرَاءُ. قُلْتُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (3) ، فَهُوَ وَغَيْرُهُ مَنَامٌ، وَالمَنَامُ لَهُ تَأْوِيْلٌ، وَقَدِ انْتَفَعَ ابْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَا رَأَى، وَبِمَا بَلَغَهُ، حَتَّى تَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ، أَطْلَقَتْ   (1) أخرجه الطبراني (265) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 99 وهو في " الإصابة " 6 / 311 ونسبه صاحب الكنز (36679) إلى ابن عساكر. ورجاله ثقات. لكنه منقطع بين الزهري وابن عوف (2) أخرجه الحاكم 3 / 311 وصححه، ولكن الذهبي قال: خالد ضعفه جماعة، وقال النسائي ليس بثقة، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 99 وابن سعد 3 / 1 / 93. ونسبه صاحب الكنز (36692) إلى ابن عدي وابن عساكر. (3) تقدم في الصفحة (80) التعليق (1) أن أبا سلمة لم يسمع من أبيه فهو مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لَهُ -وَلِلَّهِ الحَمْدُ- قَدَمَيْهِ، وَصَارَ مِنْ وَرَقَةِ الفِرْدَوْسِ، فَلاَ ضَيْرَ. أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً، بِعْتُ أَرْضاً لِي بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَار. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! أَنْفِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَنْ يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ) . فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَتَاهَا، فَقَالَ: بِاللهِ أَنَا مِنْهُم. قَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ، وَلَنْ أُبْرِئَ أَحَداً بَعْدَكَ. رَوَاهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، فَقَالَ: عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (1) . زَائِدَةُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ شَيْءٌ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعُوا لِي أَصْحَابِي، أَوْ أُصَيْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُم لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحِدٍ ذَهَباً لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهِم وَلاَ نَصِيْفَهُ) (2) .   (1) أخرجه أحمد 6 / 317، و298، 312، ورجاله ثقات. وهو في " الاستيعاب " 6 / 79، 80. (2) سنده حسن. وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 15 ونسبه إلى البزار وقال: رجاله رجال الصحيح، غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق. وأخرجه مسلم (2540) وابن ماجه (161) كلاهما من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ... ، ونقل النووي عن أبي مسعود الدمشقي، قوله: هذا وهم. والصواب: من حديث أبي معاوية. عن الأعمش، عن أبي صالح، عن الخدري، لا عن أبي هريرة، وكذا رواه يحيى بن يحيى وأبو كريب والناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وَأَمَّا الأَعْمَشُ فَرَوَاهُ عَنْ: أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ (1) ، وَفِي البَابِ حَدِيْثُ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ (2) . أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤدِّبُ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: شَكَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ خَالِداً إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: (يَا خَالِدُ! لاَ تُؤْذِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً لَمْ تُدْرِكْ عَمَلَهُ) . قَالَ: يَقَعُوْنَ فِيَّ، فَأَرُدُّ عَلَيْهِم. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تُؤْذُوا خَالِداً، فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، صَبَّهُ اللهُ عَلَى الكُفَّارِ (3)) . لَمْ يَرْوِهِ عَنِ المُؤَدِّبِ سِوَى الرَّبِيْعِ بنِ ثَعْلَبٍ (4) ، وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنِ الحَسَنِ مُرْسَلاً. شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا حُصَيْنٌ، سَمِعْتُ هِلاَلَ بن يِسَافٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ المَازِنِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى حِرَاءَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ،   (1) أخرجه البخاري 7 / 27، 28 في فضائل أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2541) ، وأبو داود (4658) ، والترمذي (3860) ، وأحمد 3 / 11. (2) أخرجه أحمد 3 / 266، وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 15 عن أحمد وقال: رجاله رجال الصحيح. (3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 349، ونسبه إلى الطبراني في الصغير " و" الكبير " باختصار والبزار بنحوه، وقال: رجال الطبراني ثقات. وأخرجه الخطيب البغدادي 12 / 150، والحاكم 3 / 298، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: رواه ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي مرسلا. وهو أشبه. (4) وهو ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " 3 / 456 وباقي رجال الإسناد ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فَقَالَ: (اثْبُتْ حِرَاءُ! فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ (1)) . وَذَكَرَ سَعِيْدٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ. وَكَذَا رَوَاهُ: جَرِيْرٌ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَالأَبَّارُ، عَنْ حُصَيْنٍ. وَأَخْرَجَهُ: أَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيْقِ شُعْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ كَذَلِكَ. وَرَوَاهُ: ابْنُ إِدْرِيْسَ، وَوَكِيْعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ: الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: عَنْ هِلاَلٍ (2) ، عَنِ ابْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، تَابَعَهُ قَاسِمٌ الجرْمِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَجَاءَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدٍ نَفْسِهِ. أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَعْنٍ الغِفَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَمِّعٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأُمِّ كُلْثُوْمٍ بِنْتِ عُقْبَةَ، امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: أَقَالَ لَكِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (انْكِحِيْ سَيِّدَ المُسْلِمِيْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ؟) . قَالَتْ: نَعْم (3) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (3758) في المناقب، باب: مناقب سعيد بن زيد وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة. (2) سقط من المطبوع من قوله: " بن يساف " إلى قوله " عن هلال ". (3) أخرجه ابن عساكر من طريق: عبد الرحمن بن حميد. عن أبيه، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط، عن بسرة بنت صفوان، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أنكحوا عبد الرحمن بن عوف، فإنه من خيار المسلمين، ومن خيارهم من كان مثله ". وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 90 من طريق: إبراهيم بن حمزة، عن سليمان بن سالم، مولى عبد الرحمن بن حميد، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا بسرة بنت صفوان وقال: من يخطب أم كلثوم؟ قالت: فلان، فلان، وعبد الرحمن بن عوف قال: أنكحوا عبد الرحمن من خيار المسلمين. فأرسلت إلى أخيها الوليد أنكحني عبد الرحمن الساعة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 عَلِيُّ بنُ المَدَيْنِيُّ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ أُمَّ كُلْثُوْمٍ بِنَحْوِهِ. وَيُرْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ (1) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُوْمٍ نَحْوَهُ (2) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رَهْطاً فِيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ، فَخَرَجَ يَبْكِي. فَلَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ فَذَكَرَ لَهُ، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ مَنَعَهُ مَوْجِدَةٌ وَجَدَهَا عَلَيَّ. فَأَبْلَغَ عُمَرُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَكِنِّي وَكَلْتُهُ إِلَى إِيْمَانِهِ) (3) . قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِي) . فَأَوْصَى لَهُنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِحَدِيْقَةٍ قُوِّمَتْ بِأَرْبَعِ مَائَةِ أَلْفٍ (4) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ بَكْرٍ بِنْتُ المِسْوَرِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَ أَرْضاً لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَقَسَمَهُ فِي فُقَرَاءِ بَنِي   (1) تحرفت في المطبوع إلى " حصين ". (2) أخرجه الحاكم 3 / 309 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: في إسناده يعقوب بن محمد الزهري، وهو ضعيف. (3) أخرجه عبد الرزاق (20410) وهو مرسل. وعبيد الله بن عبد الله إن كان ابن ثعلبة فهو مجهول، وإن كان عبيد الله بن عبد الله بن أبي، أو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أو عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فكل واحد من هؤلاء ثقة وروى عنهم الزهري. على أنه جاء في " مصنف عبد الرزاق " عبيد الله بن عبد الله بن عبيد، ولم نتبينه وذكره صاحب الكنز (36677) ، ونسبه إلى ابن منده، وابن عساكر. (4) أخرجه الحاكم 3 / 311 - 312، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي (3750) وقال: حديث حسن غريب. وقد وقع في مطبوع الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة تحريفات ثلاثة قبيحة فقد جاء فيه " قيس " بدل " قريش " وبحذيقة " بدل " بحديقة " و" يبعث " بدل " بيعت ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 زُهْرَةَ، وَفِي المُهَاجِرِيْنَ، وَأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ المِسْوَرُ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ بِنَصِيْبَهَا، فَقَالَتْ: مَنْ أَرْسَلَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلاَّ الصَّابِرُوْنَ) ، سَقَى اللهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيْلِ الجَنَّةِ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ: عَنِ الوَازِعِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَمَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: (سَيَحْفَظُنِي فِيْكُنَّ الصَّابِرُوْنَ الصَّادِقُوْنَ (2)) . وَمِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَزْلُهُ نَفْسَهُ مِنَ الأَمْرِ وَقْتَ الشُّورَى، وَاخْتِيَارُهُ لِلأُمَّةِ مَنْ أَشَارَ بِهِ أَهْلُ الحِلِّ وَالعَقْدِ، فَنَهَضَ فِي ذَلِكَ أَتَمَّ نُهُوضٍ عَلَى جَمْعِ الأُمَّةِ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَوْ كَانَ مُحَابِياً فِيْهَا لأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ لَوَلاَّهَا ابْنَ عَمِّهِ، وَأَقْرَبَ الجَمَاعَةِ إِلَيْهِ، سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ. وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ (3) ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ مِمَّنْ يُفْتِي فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) أخرجه أحمد 6 / 104، 135، وأم بكر بنت المسور مجهولة، وأخرجه الحاكم 3 / 310 - 311، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: ليس بمتصل. (2) إسناده ضعيف لضعف الوازع وهو ابن نافع العقيلي الجزري. قال ابن معين وأحمد: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ. (3) تحرف في المطبوع إلى " عبد الله بن دينار " وسقط منه لفط: " الاسلمي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُعَلَّى الجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُوْن بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لأَهْلِ الشُّورَى: هَلْ لَكُم أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَنْفَصِلَ مِنْهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ، أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّكَ أَمِيْنٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَأَمِيْنٌ فِي أَهْلِ الأَرْضِ (1)) . أَخْرَجَهُ: الشَّاشِيُّ (2) فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَأَبُو المُعلَّى (3) : ضَعِيْفٌ. ذَكَرَ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ حَجَّ بِالمُسْلِمِيْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ: أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلاً وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى أَمْرِ النَّاسِ، أَيِ ادْعُ إِلَى نَفْسِكَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! إِنَّهُ لَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ إِلاَّ لاَمَهُ النَّاسُ (4) . تَابَعَهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أُمِّ بَكْرٍ، عَنْ أَبِيْهَا المِسْوَرِ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ الشُّورَى   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 95، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 98، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 6 / 74، والحافظ في " الإصابة " 6 / 312، والحاكم 3 / 310، وصححه، وقال الذهبي: أبو المعلى هو فرات بن السائب تركوه. ونقل في " ميزانه " قول البخاري فيه: منكر الحديث، وقول ابن معين: ليس بشيء، وقول الدارقطني وغيره: متروك. ونسبه الحافظ في المطالب العالية (4008) إلى أحمد بن منيع، وقد ضعفه البوصيري. (2) الشاشي: هو الهيثم بن كليب، بن شريح، بن معقل الشاشي. محدث ما وراء النهر، ومؤلف " المسند الكبير ". توفي سنة (335) ومسنده منه نسخة في ظاهرية دمشق. وقد تحرف " الشاشي " في المطبوع إلى " المشاشي ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " يعلى ". (4) رجاله ثقات. وسعيد هو ابن المسيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 كَانَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ يَلِيَهُ، فَإِنْ تَرَكَ، فَسَعْدٌ، فَلَحِقَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَقَالَ: مَا ظَنُّ خَالِكَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِاللهِ إِنْ وَلَّى هَذَا الأَمْرَ أَحَداً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ؟ فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَنْ تُؤخَذُ مِدْيَةٌ، فَتُوْضَعُ فِي حَلْقِي، ثُمَّ يُنْفَذُ بِهَا إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَكَى رُعَافاً، فَدَعَا حُمْرَانَ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ العَهْدَ مِنْ بَعْدِي. فَكَتَبَ لَهُ، وَانْطَلَقَ حُمْرَانُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: البُشْرَى! قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ كَتَبَ لَكَ العَهْدَ (2) مِنْ بَعْدِهِ. فَقَامَ بَيْنَ القَبْرِ وَالمِنْبَرِ، فَدَعَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ عُثْمَانَ إِيَّايَ هَذَا الأَمْرَ فَأَمِتْنِي قَبْلَهُ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ (3) . يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ عِيَالاً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: ثُلُثٌ يُقْرِضُهُمْ مَالَهُ، وَثُلُثٌ يَقْضِي دَيْنَهُمْ، وَيَصِلُ ثُلثاً. مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ طَلْحَةَ وَابنِ عَوْفٍ تَبَاعُدٌ، فَمَرِضَ طَلْحَةُ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعُوْدُهُ. فَقَالَ طَلْحَةُ:   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 94 - 95. ورجاله ثقات. غير أم بكر بنت المسور، فإنها لا تعرف. (2) سقطت من المطبوع. (3) أبو عبيد بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن أزهر لم نجد له ترجمة. وأبوه لم يوثقه غير ابن حبان. وانظر الفتح 7 / 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَنْتَ -وَاللهِ- يَا أَخِي خَيْرٌ مِنِّي. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ (1) يَا أَخِي! قَالَ: بَلَى -وَاللهِ- لأَنَّكَ لَوْ مَرِضْتَ مَا عُدْتُكَ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةِ: عَنْ سَعْدِ بنِ الحَسَنِ (2) ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ لاَ يُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ عَبِيْدِهِ. شُعَيْبُ بنُ أَبِي (3) حَمْزَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: غُشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ فِي وَجَعِهِ (4) حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ فَاضَتْ نَفْسُهُ، حَتَّى قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ وَجَلَّلُوْهُ، فَأَفَاقَ يُكَبِّرُ، فَكَبَّرَ أَهْلَ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ لَهُم: غُشِيَ عَلَيَّ آنِفاً؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقْتُم! انْطَلَقَ بِي فِي غَشْيَتِي رَجُلاَنِ، أَجِدُ فِيْهِمَا شِدَّةً وَفَظَاظَةً، فَقَالاَ: انْطَلِقْ نُحَاكِمْكَ إِلَى العَزِيْزِ الأَمِيْنِ، فَانْطَلَقَا بِي حَتَّى لَقِيَا رَجُلاً. قَالَ: أَيْنَ تَذْهَبَانِ بِهَذَا؟ قَالاَ: نُحَاكِمُهُ إِلَى العَزِيْزِ الأَمِيْنِ. فَقَالَ: ارْجِعَا، فَإِنَّهُ مِنَ الَّذِيْنَ كَتَبَ اللهُ لَهُمُ السَّعَادَةَ وَالمَغْفِرَةَ وَهُمْ فِي بُطُوْنِ أُمَّهَاتِهِم، وَإِنَّهُ سَيُمَتَّعُ بِهِ بَنُوْهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْراً (5) .   (1) أشار إليها هكذا الدكتور المنجد في هامش مطبوعه، غير أنه أثبت مكانها " لا تقل ". (2) في الأصل " سعيد بن الحسين " وقد أثبت فوقه إشارة الخطأ. وما أثبتناه هو الصواب. فقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4 / 82 فقال: سعد بن الحسن، أبو همام روى الحديث عن ليث، وزائدة، وروى عنه: ضمرة ومحمد بن يوسف الفريابي. وقد التبس على المنجد فحرفه إلى " سعيد بن جبير ". (3) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " مرضه ". (5) إسناده صحيح، وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 367. وأخرجه الحاكم 3 / 307 من طريق: أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، بأطول مما هنا. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 95 من طريق: محمد بن كثير العبدي، عن سليمان بن كثير، عن الزهري. وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4007) ونسبه إلى أبي إسحاق. وقال البوصيري: إسناده صحيح. وذكره صاحب الكنز (36689) ونسبه إلى أبي نعيم، وابن عساكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 رَوَاهُ: الزُّبَيْدِيُّ (1) ، وَجَمَاعَةٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُعْطَى مِنْهَا أَلْفُ دِيْنَارٍ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَوْصَى لِلْبَدْرِيِّيْنَ، فَوَجَدُوا مَائَةً، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم أَرْبَعَ مَائَةِ دِيْنَارٍ، فَكَانَ مِنْهُم عُثْمَانُ فَأَخَذَهَا. وَبِإِسْنَادٍ آخَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَوْصَى بِأَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ (2) : عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: اذْهَبْ يَا ابْنَ عَوْفٍ، فَقَدْ أَدْرَكْتَ صَفْوَهَا، وَسَبَقْتَ رَنْقَهَا (3) . الرَّنْقُ: الكَدَرُ. قَالَ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعْداً فِي جِنَازَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَهُوَ بَيْنَ يَدَي السَّرِيْرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: وَاجَبَلاَهُ (4) . رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ سَعْدٍ. مَعْمَرٌ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، قُسِمَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَائَةُ أَلْفٍ.   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الترمذي " والزبيدي: هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، الحمصي، القاضي. ثقة، ثبت من كبار أصحاب الزهري. (2) " إبراهيم بن سعد " تحرف في المطبوع إلى " سعد بن إبراهيم ". وأبوه هو سعد بن إبراهيم، وجده هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. (3) إسناده صحيح. وأخرجه الطبراني (263) في " الكبير ". وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 100، وابن سعد 3 / 1 / 96. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 96 والحاكم 3 / 308. وقد زيدت في " المستدرك " خطأ لفظة " عن جده وكذلك عند الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 213 وبدون زيادة هذه اللفظة " عن جده " 1 / 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَرَوَى: هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: اقْتَسَمْنَ ثُمُنَهُنَّ (1) ثَلاَثَ مَائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً. وَرَوَى نَحْوَهُ: لَيْثُ بنُ أَبِي مُسلمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَدِ اسْتَوْفَى صَاحِبُ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) أَخْبَارَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ. وَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ كَانَ فَقِيْراً لاَ شَيْءَ لَهُ، فَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، أَحَدِ النُّقَبَاءِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَاطِرَهُ نِعْمَتَهُ، وَأَنْ يُطَلِّقَ لَهُ أَحْسَنَ زَوْجَتَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوْقِ، فَذَهَبَ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، وَرَبِحَ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ صَارَ مَعَهُ دَرَاهِمَ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى زِنَةٍ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَأَى عَلَيْهِ أَثَراً مِنْ صُفْرَةٍ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) . ثُمَّ آلَ أَمْرُهُ فِي التِّجَارَةِ إِلَى مَا آلَ (2) .   (1) وقد تحرفت في المطبوع إلى " منهن ". وهو ثمن الزوجات من الميراث. (2) أخرج البخاري (2048) في البيوع: باب قوله تعالى (فإذا قضيت الصلاة) ، و (3780) في مناقب الانصار: باب إخاء النبي بين المهاجرين والانصار، من طريق عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه: " لما قدمنا المدينة آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيني وبين سعد بن الربيع. فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الانصار مالا، فأقسم لك نصف مالي. وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها. قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك. هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. قال: فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن. قال: ثم تابع الغدو. فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تزوجت؟ قال: نعم. قال: ومن؟ قال: امرأة من الانصار. قال: كم سقت؟ قال: زنة نواة من ذهب - أو نواة من ذهب - فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة ". وانظر البخاري أيضا (3781) و (2049) و (2292) و (3937) و (5072) و (5148) و (5153) و (5155) و (5167) و (6072) و (6386) . وأخرجه ابن ماجه (1907) في النكاح مختصرا، والدارمي 2 / 104 في الاطعمة، و2 / 143 في النكاح، وابن سعد 3 / 1 / 88، 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أَرَّخَ المَدَائِنِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ (1) ، وَجَمَاعَةٌ وَفَاتَهَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (2) . قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ مَجْدُوْداً فِي التِّجَارَةِ، خَلَّفَ: أَلْفَ بَعِيْرٍ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ شَاةٍ، وَمَائَةَ فَرَسٍ، وَكَانَ يَزْرَعُ بِالجُرْفِ (3) عَلَى عِشْرِيْنَ نَاضِحاً. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الغَنِيُّ الشَاكِرُ، وَآوِي فَقِيْرٌ صَابِرٌ، وَأَبُو ذَرٍّ، أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ، زَاهِدٌ عَفِيْفٌ. حُسَيْنٌ الْجَافِي: عَنْ جَعْفَرِ بنِ أترقان، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ أَعْتَقَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ بَيْتٍ (4) . 5 - سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ: مَالِكُ بنُ أُهَيْبِ بن عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لأي.   (1) في الأصل " علي " وهو خطأ. والهيثم بن عدي هذا أخباري، راوية، له تآليف كثيرة. ترجمه ياقوت في " معجم الأدباء " 19 / 304 - 310. (2) الحاكم 3 / 308. (3) موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. (4) هو في " حلية الأولياء " 1 / 99 وفيه " نبت " بدل " بيت " وهو تحريف. (*) مسند أحمد: 1 / 168 - 187، فتوح البلدان: 315، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 97 - 105، نسب قريش: 94، 251، 263، 269، 393، 421، طبقات خليفة: 15، 126، تاريخ خليفة: 223، التاريخ الكبير: 4 / 43، التاريخ الصغير: 1 / 99 - 101، المعارف: 241 - 244، مشاهير علماء الأمصار: ت: 10، حلية الأولياء: 1 / 92 - 95، الاستيعاب: 4 / 170 - 177، تاريخ بغداد: 1 / 144 - 146، تاريخ ابن عساكر: 7 / 66 / 2، جامع الأصول: 9 / 10 - 18، أسد الغابة: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الأَمِيْر، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَكِّيُّ. أَحَدُ العَشَرَةِ، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَأَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْراً، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى. رَوَى جُمْلَةً صَالِحَةً مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ، وَبَنُوْهُ؛ عَامِرٌ، وَعُمَرُ، وَمُحَمَّدٌ (1) ، وَمُصْعَبٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَائِشَةُ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مَيْمُوْن، وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ الحِمْصِيُّ، وَأَيْمَن المَكِّيُّ، وَبِشْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ ذَكْوَانُ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ المُطَهَّرِ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ (2) بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ   = 2 / 366 - 370، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 213 - 214، تهذيب الكمال: 478، دول الإسلام: 1 / 40، تاريخ الإسلام: 2 / 281، العبر: 1 / 60، نكت الهميان: 155، مجمع الزوائد: 9 / 153 - 160، العقد الثمين: 4 / 537 - 547، طبقات القراء: 1 / 304، تهذيب التهذيب: 3 / 483، الإصابة: 4 / 160 - 164، النجوم الزاهرة: 1 / 147، تاريخ الخلفاء: 250، خلاصة تذهيب الكمال: 135، كنز العمال: 13 / 212 - 213، شذرات الذهب: 1 / 61، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 95 - 110. (1) سقط من المطبوع " ومحمد ". (2) تصحفت في المطبوع إلى " العزيز ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الصَّلاَةِ. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَمُدُّ (1) فِي الأُوْلَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَمَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ كَذَاكَ الظَّنُّ بِكَ (2) . أَبُو عَوْنَ الثَّقَفِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَبِهِ إِلَى أَبِي يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي وَالِدِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ فِي المَسْجِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَمَلأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي (3) ، ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَلْ حَدَثَ فِي الإِسْلاَمِ شَيْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفاً، فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ. فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكُوْنَ رَدَدْتَ عَلَى أَخِيْكَ السَّلاَمَ؟ قَالَ: مَا فَعَلْتُ. قُلْتُ: بَلَى، حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ. ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ، فَقَالَ: بَلَى، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوْبُ إِلَيْهِ، إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفاً، وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ وَاللهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلاَّ يَغْشَى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةً. فَقَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنْبِئُكَ بِهَا، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ (4) دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءهُ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ، ثُمَّ قَامَ رَسُوْلُ اللهِ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَلَمَّا   (1) في الأصل " أمر " وهو خطأ. (2) أخرجه أحمد 1 / 175، والبخاري (770) في الاذان: باب يطول في الاوليين، ويحذف في الاخريين، ومسلم (453) في الصلاة، باب: تخفيف الاخريين. والنسائي 2 / 174 في الافتتاح: باب الركود في الركعتين الاوليين. كلهم من طريق: شعبة، عن أبي عون، عن جابر. وأخرجه البخاري (758) ، ومسلم (453) (159) ، وأحمد 1 / 176، 179، 180، والطبراني برقم (290) من طرق عن جابر. (3) سقطت من الأصل. واستدركت من " المسند ". (4) في الأصل " لها أهل " والتصويب من " المسند ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ، ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الأَرْضَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَالْتَفَتُّ. فَقَالَ: (أَبُو إِسْحَاقَ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ! قَالَ: (فَمَهْ؟) . قُلْتُ: لاَ وَاللهِ، إِلاَّ أَنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ هَذَا الأَعْرَابِيُّ. فَقَالَ: (نَعَم، دَعْوَةُ ذِي النُّونِ: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ} [الأَنْبِيَاءُ: 87] فَإِنَّهَا لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ (1)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيْقِ الفِرْيَابِيِّ، عَنْ يُوْنُسَ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ المِسْوَرِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي، وَسَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوْثَ عَامَ أَذْرح، فَوَقَعَ الوَجَعُ بِالشَّامِ، فَأَقَمْنَا بِسَرْغٍ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً، وَدَخَلَ عَلَيْنَا رَمَضَانَ، فَصَامَ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَفْطَرَ سَعْدٌ وَأَبَى أَنْ يَصُوْمَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتَ بَدْراً، وَأَنْتَ تُفْطِرُ وَهُمَا صَائِمَانِ؟ قَالَ: أَنَا أَفْقَهُ مِنْهُمَا (2) . ابْنُ جُرَيْحٍ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بنُ عَمْرَو (3) : أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَفَدَ عَلَى   (1) أخرجه أحمد 1 / 170، والترمذي (3500) في الدعوات: باب دعوة ذي النون في بطن الحوت. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 68، ونسبه إلى أحمد، وقال: ورجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة. وصححه الحاكم 2 / 382 ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 334 وزاد نسبته للنسائي والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول "، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبزار، وابن مردويه، والبيهقي في " الشعب ". وانظر ابن كثير 4 / 580 - 589. (2) إسناده حسن، وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 369 - 370. وذكره ابن حزم في " المحلى " 6 / 248. (3) كذا الأصل " عمرو " بواو. وفي " التاريخ الكبير " 3 / 450 و" الجرح والتعديل " 3 / 598، و" مصنف عبد الرزاق ": " عمر " بدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مُعَاوِيَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْراً يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، وَجَاءَ شَهْرَ رَمَضَان فَأَفْطَرَهُ (1) . مُنْقَطِعٌ. شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ المِسْوَرِ قَالَ: كُنَّا فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ يُقَالُ لَهَا: عَمَّانُ، وَيُصَلِّي سَعْدٌ رَكْعَتَيْنِ. فَسَأَلْنَاهُ. فَقَالَ: إِنَّا نَحْنُ أَعْلَمُ (2) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو قَالَ: شَهِدَ سَعْدٌ وَابْنُ عُمَرَ الحَكَمَيْنِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدٍ، قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ أَنَا؟ قَالَ: (سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ وُهَيْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ بنِ زُهْرَةَ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعنَةُ اللهِ (3)) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأُمُّهُ: حَمْنَةُ بِنْتُ سُفْيَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بن عَبْدِ مَنَافٍ (4) . قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: أَسْلَمَ سَعْدُ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَصِيْراً، دَحْدَاحاً،   (1) أخرجه عبد الرزاق (4351) وزكريا بن عمر له يوثقه غير ابن حبان، وهو لم يدرك سعدا. فالخبر منقطع كما قال المؤلف. (2) أخرجه عبد الرزاق (4350) عن الثوري عن حبيب ... ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 244 من طريق: شعبة، عن حبيب، ورجاله ثقات. (3) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (289) ، والحاكم 3 / 495. والفسوي 3 / 166، وابن سعد 3 / 1 / 97 من طريق علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب. وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 وقال: رواه الطبراني، والبزار مسندا ومرسلا. ورجال المسند وثقوا. (4) " الطبقات لابن سعد " 3 / 1 / 97، والحاكم 3 / 495، وفي " الإصابة " 4 / 160 وفيه " أمه حمزة " وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 شَثْنَ الأَصَابِعِ، غَلِيْظاً، ذَا هَامَةٍ. تُوُفِّيَ بِالعَقِيْقِ فِي قَصْرِهِ، عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَحُمِلَ إِلَيْهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ. الوَاقِدِيُّ: عَنْ بُكَيْرِ بنِ مِسْمَارٍ (1) ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: كَانَ أَبِي رَجُلاً قَصِيْراً، دَحْدَاحاً، غَلِيْظاً، ذَا هَامَةٍ، شَثْنَ الأَصَابِعِ، أَشْعَرَ، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (2) . وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ جَعْدَ الشَّعْرِ، أَشْعَرَ الجَسَدِ، آدَمَ، أَفْطَسَ، طَوِيْلاً (3) . يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنِ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ المِسْوَرِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَدَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَيْرَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ بَدْرٍ، اسْتَصْغَرَهُ. فَبَكَى عُمَيْرٌ، فَأَجَازَهُ، فَعَقَدْتُ عَلَيْهِ حِمَالَةَ سَيْفِهِ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ بَدْراً وَمَا فِي وَجْهِي شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْسَحُهَا بِيَدِي (4) . جَمَاعَةٌ: عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: سَمِعْتُ سَعْداً   (1) سقط من المطبوع " عن بكير بن مسمار ". (2) ابن سعد 3 / 1 / 101 والحاكم 3 / 496، والطبراني في " الكبير " برقم (294) . (3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (293) وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 وقال: وفيه: عبد العزيز بن عمران وهو متروك. (4) إسناده محتمل للتحسين. يعقوب بن محمد الزهري صدوق، وما رواه عن الثقات مقبول كما قال ابن معين. وهذا رواه عن ثقة وعن ضعيف. فإسحاق بن جعفر صدوق، وعبد العزيز بن، عمران متروك كما تقدم، وباقي رجال السند ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 يَقُوْلُ: مَا أَسْلَمَ أَحَداً فِي اليَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَ لَيَالٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ (1) . وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدٍ تَقُوْلُ: مَكَثَ أَبِي يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ وَإِنَّهُ لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي (2) خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بنُ مَالِكٍ: مَا جَمَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ لَيَقُوْلُ لِي: (يَا سَعْدُ! ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) . وَإِنِّي لأَوَّلُ المُسْلِمِيْنَ رَمَى المُشْرِكِيْنَ بِسَهْمٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَابِعَ سَبْعَةٍ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقَ السَّمُرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ وَضَلَّ سَعْيِي (3) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ. وَرَوَى: المَسْعُوْدِيُّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي   (1) أخرجه البخاري (3726) و (3727) في الفضائل: باب مناقب سعد، و (3858) في مناقب الانصار: باب إسلام سعد، وابن ماجه (132) في المقدمة: باب فضل سعد. واستدركه الحاكم 3 / 498 فأخطأ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1 / 92 والطبراني في " الكبير " (298) و (313) وابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 98. (2) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ". (3) أخرجه أحمد 1 / 174، 181، 186، والبخاري (3728) في الفضائل: باب مناقب سعد. و (5412) في الاطعمة مختصرا: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون. و (6453) في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي وأصحابه. ومسلم (2966) في الزهد، في صدره، والترمذي (2367) في الزهد: باب ما جاء في معيشة النبي، و (2366) فيهما من طريق اخرى، وابن سعد 3 / 1 / 39، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 سَبِيْلِ اللهِ: سَعْدٌ، وَإِنَّهُ مِنْ أَخْوَالِ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَاتَمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ قَدْ أَحْرَقَ المُسْلِمِيْنَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) . فَنَزَعْتُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيْهِ نَصْلٌ، فَأَصَبْتُ جَبْهَتَهُ، فَوَقَعَ، وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُه (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَتَلَ سَعْدٌ يَوْمَ أُحدٍ بِسَهْمٍ رُمِيَّ بِهِ، فَقَتَلَ، فَرُدَّ عَلَيْهِم، فَرَمَوا بِهِ، فَأَخَذَهُ سَعْدٌ فَرَمَى بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَتَلَ، فَرُدَّ عَلَيْهِم، فَرَمَى بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَتَلَ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِمَّا فَعَلَ. إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ: أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَيَقُوْلُ: (ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) . حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ مِنْ نَصْلٍ، فَأَرْمِي بِهِ (3) .   (1) المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، اختلط قبل موته. والقاسم هو ابن عبد الرحمن بن مسعود ثقة. ومعنى الشطر الأول ثابت في الحديث المتقدم. وأما قوله: إنه خال النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الحاكم في " المستدرك " 3 / 498 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن جابر قال: كنا جلوسا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فأقبل سعد بن أبي وقاص، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " وصححه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي في جامعه (3753) وحسنه، وقال: كان سعد من بني زهرة، وكانت أم النبي، صلى الله عليه وسلم، من بني زهرة، فلذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم،: " هذا خالي ". (2) أخرجه مسلم (2412) في الفضائل: باب مناقب سعد، وانظر ما بعده أيضا، والطبراني (315) في " الكبير ". (3) بعض آل سعد مجهول، وباقي رجاله ثقات. وانظر ابن هشام 2 / 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: كَانَ جَيِّدَ الرَّمْي، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: جَمَعَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَقَدْ سَاقَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ (2) بِضْعَةَ عَشَرَ وَجْهاً. وَسَاقَ حَدِيْثَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ طَرِيْقاً بِأَلْفَاظِهَا، وَبِمِثْلِ هَذَا كَبِرَ تَارِيْخُهُ. وَسَاقَ حَدِيْثَ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ: مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ، مِنْ سِتَّةِ عَشَرَ وَجْهاً. رَوَاهُ: مِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَنْهُ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ (3) . تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ عُيَيْنَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَزَائِدَةُ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، وَهُوَ أَصَحُّ.   (1) أخرجه أحمد 1 / 174، 180. والبخاري (3725) في الفضائل، و (4055) و (4056) و (4057) في المغازي: باب إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وابن ماجه (130) في المقدمة: باب: فضل سعد. (2) تصحفت في المطبوع إلى " عن ". (3) أخرجه الترمذي (3753) من طريق: الحسن بن الصباح، عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي. وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه أحمد 1 / 180 والبخاري (4056) و (4057) في المغازي: باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، ومسلم (2412) في الفضائل، والترمذي (3754) ، وابن ماجه (130) في المقدمة، كلهم من طريق: يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص. وأخرجه أحمد 1 / 92، 124، 136، 137، والبخاري (2905) و (4058) و (4059) و (6184) ، ومسلم (2411) في الفضائل، والترمذي (3755) ، وابن ماجه (129) من طريق: ابن شداد، عن علي، رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ابْنُ زَنْجَوَيْه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ (1) ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ: سَمِعْتُهَا (2) تَقُوْل: أَنَا ابْنَةُ المُهَاجِرِ الَّذِي فَدَاهُ رَسُوْلُ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ بِالأَبَوَيْنِ. الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَعْداً يُقَاتِلُ يَوْمَ بَدْرٍ قِتَالَ الفَارِسِ فِي الرِّجَالِ (3) . رَوَاهُ: بَعْضُهُمْ، عَنِ الأَعْمَشِ، فَقَالَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَقَّاصِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً فِيْهَا سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى جَانِبٍ مِنَ الحِجَازِ، يُدْعَى: رَابِغٍ، وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الجُحْفَةِ، فَانْكَفَأَ المُشْرِكُوْنَ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، فَحَمَاهُمْ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ بِسِهَامِهِ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلُ قِتَالٍ فِي الإِسْلاَمِ. فَقَالَ سَعْدٌ: أَلاَ هَلْ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ أَنِّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي فَمَا يَعتَدُّ رَامٍ فِي عَدُوٍّ ... بِسَهْمٍ يَا رَسُوْلَ اللهِ قَبْلِي (4) وَفِي البُخَارِيِّ لِمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ: أَخْبَرَنِي هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُوْلُ: نَثَلَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَالَ: (ارْمِ! فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) (5) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " عمر ". (2) تصحفت في المطبوع إلى " سمعت ". ورجال السند ثقات. (3) الخبر في " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 100. (4) عند ابن هشام 1 / 594 - 595 والابيات عنده ستة. وأخرج الحاكم الابيات 3 / 498 عن عائشة بنت سعد. وفي " الإصابة " 4 / 164 وابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 100. (5) أخرجه البخاري (4055) في المغازي، باب: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا. وابن سعد 3 / 1 / 100 ونثل الكنانة: نفضها واستخرج ما فيها من النبل. والكنانة: جعبة السهام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أَنْبَأَنَا بِهِ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، فَذَكَرَهُ. القَعْنَبِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَرِقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: (لَيْتَ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ) . قَالَتْ: فَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَحِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (مَنْ هَذَا؟) . قَالَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ! جِئْتُ أَحْرُسُكَ. فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيْطَهُ (1) . أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ عَبْدُ الكَبِيْرِ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَاهُ سَعْداً كَانَ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَجَاءَ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَةِ أَرَضِيْتَ أَنْ تَكُوْنَ أَعْرَابِياً فِي غَنَمِكَ، وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُوْنَ فِي الملْكِ بِالمَدِيْنَةِ. فَضَرَبَ صَدْرَ عُمَرَ وَقَالَ: اسْكُتْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ (2) : (إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَّنِيَّ، الخَفِيَّ (3)) . روحٌ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) أخرجه البخاري (2885) في الجهاد، باب: الحراسة في الغزو، (7231) في التمني: باب: قوله صلى الله عليه وسلم: ليت كذا وكذا. ومسلم (2410) في الفضائل: باب فضائل سعد. والترمذي (3757) في المناقب: باب مناقب سعد، والحاكم 3 / 501. (2) سقطت لفظة " يقول " من المطبوع. (3) أخرجه أحمد 1 / 168، ومسلم (2965) في الزهد، في أوله، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ضَحِكَ يوْمَ الخَنْدَقِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. كَانَ رَجُلٌ مَعَهُ تُرْسٌ، وَكَانَ سَعْدٌ رَامِياً، فَجَعَلَ يَقُوْلُ كَذَا، يُحَوِّي بِالتُّرْسِ، وَيُغَطِّي جَبْهَتَهُ. فَنَزَعَ لَهُ سَعْدٌ بِسَهْمٍ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ رَمَاهُ، فَلَمْ يُخْطِ هَذَهِ مِنْهُ -يَعْنِي: جَبْهَتَهُ- فانْقَلَبَ، وَأَشَالَ بِرِجْلِهِ، فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ (1) . يَحْيَى القَطَّانُ، وَجَمَاعَةٌ: عَنْ صَدَقَةَ بنِ المُثَنَّى، حَدَّثَنِي جَدِّي رِيَاحِ بنِ الحَارِثِ: أَنَّ المُغِيْرَةَ كَانَ فِي المَسْجِدِ الأَكْبَرِ، وَعِنْدَهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَاسْتَقْبَلَ المُغِيْرَةَ، فَسَبَّ وَسَبَّ. فَقَالَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ: مَنْ يَسُبُّ هَذَا يَا مُغِيْرَةُ؟ قَالَ: يَسُبُّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: يَا مُغير بن شُعَيِّب، يَا مُغير بن شُعَيِّب! أَلاَ تَسْمَعُ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَبُّوْنَ عِنْدَكَ وَلاَ تُنْكِرُ وَلاَ تُغَيِّرُ؟ فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا سَمِعْتْ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرْوِي عَنْهُ كَذِباً، إِنَّهُ قَالَ: (أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدُ بنُ مَالِكٍ فِي الجَنَّةِ) ، وَتَاسِعُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الجَنَّةِ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ. فَضَجَّ أَهْلُ المَسْجِدِ يُنَاشِدُوْنَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ! مَنِ التَّاسِعُ؟ قَالَ: نَاشَدْتُمُوْنِي بِاللهِ وَاللهُ عَظِيْمٌ، أَنَا هُوَ، وَالعَاشِرُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُم، وَلَوْ عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوْحٌ (2) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 186 وسنده حسن وفي الشواهد. وانظر الصفحة (99) تعليق رقم (2) . (2) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 1 / 187، وأبو داود (4650) في السنة: باب في الخلفاء، وابن ماجه (133) في المقدمة مختصرا. وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 95 - 96. وفي المسند " يا مغير ابن شعب " وفي " الحلية " يا مغيرة بن شعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائَيُّ، وَابْنُ مَاجَه، مِنْ طَرِيْقِ صَدَقَةَ. شُعْبَةُ: عَنِ الحُرِّ: سَمِعْتُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَخْنَسِ، قَالَ: خَطَبَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ، فَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ، فَقَامَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: مَا تُرِيْدُ إِلَى هَذَا؟ أَشْهَدُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَالَ: (عَشْرَةٌ فِي الجَنَّةِ: رَسُوْلُ اللهِ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ ... ) الحَدِيْثُ (1) . الحُرُّ: هُوَ ابْنُ الصَّيَّاحِ. عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الحُرُّ بِنَحْوِهِ. ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ سُرَيْجٍ (2) : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حُمَيْد حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيْهِ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فِي نَفَرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (عَشْرَةٌ فِي الجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ ... ) ، وَسَمَّى فِيْهِم أَبَا عُبَيْدَةَ (3) .   (1) رجاله ثقات، إلا عبد الرحمن بن الاخنس لم يوثقه غير ابن حبان. وهو في " المسند " 1 / 188. وأخرجه أبو داود (4649) في السنة: باب في الخلفاء. وانظر الحديث (4) في الصفحة التالية. وانظر ما قبله أيضا. (2) ترجمه المؤلف في " الميزان " 3 / 200 ولينه. وسريج بالسين والجيم كما ضبطه ابن ماكولا، وابن حجر، وقد تحرف في الأصل إلى " جريج " وعند الحاكم 3 / 440 وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " إلى " شريح " وعند ابن حبان في الضعفاء 1 / 109 - 110 إلى " سريح ". (3) أخرجه الحاكم 3 / 440 من طريق: ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب عن عمر بن سعيد بن سريج وكلاهما ضعيف، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه حميد، عن سعيد بن زيد. وأخرجه الترمذي (3748) من طريق: موسى بن يعقوب، عن عمر بن سعيد، ولم ينسبه إلى جده. وهو عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي، النوفلي وهو ثقة، من رجال الشيخين والترمذي والنسائي، وابن ماجه. وأخرجه أحمد 1 / 193، والترمذي (3747) من طريق: قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف. وهذا سند رجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ سُعَيْرِ بنِ الخِمْسِ (1) ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (عَشْرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ ... ) ثُمَّ سَمَّى العَشْرَةَ (2) . أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَجَمَاعَةٌ، إِذْناً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (3) بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ، قَالَ: خَطَبَ المُغِيْرَةُ، فَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ، فَخَرَجَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَسُبُّ عَلِيّاً! أَشْهَدُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّا كُنَّا عَلَى حِرَاءٍ أَوْ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اثْبُتْ حِرَاءُ، أَوْ أُحُدُ! فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ) . فَسَمَّى النَّبِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيّاً، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَسَعْداً، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَمَّى سَعِيْدٌ نَفْسَهُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم (4) -. وَلَهُ طُرُقٌ، وَمِنْهَا: عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ هِلاَلِ بنِ   (1) تصحف في المطبوع إلى " سعد بن الحسن ". (2) ذكره صاحب الكنز برقم (33137) ونسبه إلى الطبراني، وابن عساكر. (3) تحرف في المطبوع إلى " حمد ". (4) إسناده حسن. وعبد الله بن ظالم المزني وثقة ابن حبان وروى عنه غير واحد، وباقي رجاله ثقات. والحديث صحيح بطرقه، فقد أخرجه أحمد 1 / 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (3728) في المناقب: باب مناقب سعيد بن زيد. وابن ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم 3 / 450، وأخرجه الطبراني (356) من طريق محمد بن بكير الحضرمي، عن ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جميع القرشي عن أبي الطفيل، عن سعيد بن زيد، وقد تقدم تخريج حديث أبي هريرة في الصفحة (53) تعليق رقم (3) فارجع إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يِسَافٍ، عَنْ سَعِيْدٍ نَفْسِهِ، وَقَالَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ) . أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ السِّمْسَارُ، أَنْبَأَنَا النِّعَالِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ المُنْذِرِ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الدَّقِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءتْ أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ قَدْ بَنَى ضَفِيْرَةً (1) فِي حَقِّي، فَائْتِهِ، فَكَلِّمْهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ لأَصِيْحَنَّ بِهِ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ لَهَا: لاَ تُؤْذِي صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ، مَا كَانَ لِيَظْلِمَكِ، مَا كَانَ لِيَأْخُذَ لَكِ حَقّاً. فَخَرَجَتْ، فَجَاءتْ عمَارَةَ بنَ عَمْرٍو، وَعَبْدَ اللهِ بنَ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهُمَا: ائْتِيَا سَعِيْدَ بن زَيْدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ ظَلَمَنِي، وَبنَى ضَفِيْرَةً فِي حَقِّي، فَوَاللهِ لَئِنْ لَمْ يَنْزَعْ، لأَصِيْحَنَّ بِهِ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَرَجَا، حَتَّى أَتَيَاهُ فِي أَرْضِهِ بِالعَقِيْقِ، فَقَالَ لَهُمَا: مَا أَتَى بِكُمَا؟ قَالاَ: جَاءَ بِنَا أَرْوَى، زَعَمَتْ أَنَّكَ بَنَيْتَ ضَفِيْرَةً فِي حَقِّهَا، وَحَلَفَتْ بِاللهِ لَئِنْ لَمْ تَنْزعْ لَتَصِيْحَنَّ بِكَ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَأْتِيَكَ، وَنُذَكِّرَكَ بِذَلِكَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ، طُوِّقَهُ يَوْمَ القِّيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِيْنَ) . لَتَأْتِيَنَّ، فَلْتَأْخُذْ مَا كَانَ لَهَا مِنْ حَقٍّ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَذَبَتْ عَلَيَّ فَلاَ تُمِتْهَا حَتَّى تُعْمِي بَصَرَهَا، وَتَجْعَلَ مَنِيَّتهَا فِيْهَا، ارْجِعُوا فَأَخْبِرُوْهَا بِذَلِكَ. فَجَاءتْ، فَهَدَمَتِ الضَّفِيْرَةَ، وَبَنَتْ بَيْتاً، فَلَمْ تَمْكُثْ إِلاَّ قَلِيْلاً حَتَّى   (1) تحرفت في المطبوع إلى " صغيرة " في المواطن الأربعة. والضفيرة: هي الحائط يبنى في وجه الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 عَمِيَتْ، وَكَانَت تَقُوْمُ مِنَ اللَّيْلِ، وَمَعَهَا جَارِيَةٌ تَقُوْدُهَا، فَقَامَتْ لَيْلَةً، وَلَمْ تُوْقِظِ الجَارِيَةَ، فَسَقَطَتْ فِي البِئْرِ، فَمَاتَتْ (1) . هَذَا يُؤَخَّرُ إِلَى تَرْجَمَةِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ (2) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ عَنْ يَمِيْنِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَسَارِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيْضُ، يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ كَأَشَدِّ (3) القِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ (4) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا، وَسَعْدٌ، وَعَمَّارٌ، يَوْمَ بَدْرٍ فِيْمَا أَصَبْنَا مِنَ الغَنِيْمَةِ، فَجَاءَ   (1) هو في تاريخ ابن عساكر. وأخرجه مسلم (1610) (139) من طريق: أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد، أنه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم،؟ قال: وما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا. فقال: اللهم إن كانت كاذبة، فعم بصرها، واقتلها في أرضها قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها. ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت ". وأخرجه عبد الرزاق (19755) من طريق: معمر عن هشام ... ، وفيه: ثم جاء السيل بعد ذلك فكسح الأرض فخرجت الاعلام كما قال سعيد. وهو في الطبراني (342) بمعناه. وأخرج المرفوع منه أحمد 1 / 188، 189، 190 والبخاري (3198) في بدء الخلق: باب ما جاء في سبع أرضين. و (2452) ، ومسلم (1610) . (2) لأنه لا علاقة له بترجمة سعد. (3) هي في الأصل " كأشد " تحرفت في المطبوع إلى " كلما شد ". (4) أخرجه أحمد 1 / 171، 177، وأخرجه البخاري 7 / 276 في المغازي، باب: قوله تعالى: (إذ همت طائفتان) وفي اللباس: باب الثياب البيض، ومسلم (2306) في الفضائل: باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 سَعْدٌ (1) بِأَسِيْرَيْنِ، وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ (2) . شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَشَدُّ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ (3) . أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَدْخُلُ عَلَيْكُم مِنْ هَذَا البَابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَطَلَعَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ (4) . رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ (5) : عَنِ الحَجَّاجِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الغِفَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا البَابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَدَخَلَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ (6) .   (1) سقط " سعد " من المطبوع. (2) رجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو منقطع. وأخرجه أبو داود (3388) في البيوع: باب في الشركة على غير رأسمال، والنسائي 7 / 57: باب شركة الابدان، و (319) : باب الشركة بغير مال. وابن ماجه (2288) في التجارات: باب الشركة والمضاربة، من طرق عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله، والطبراني (297) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق به. (3) " الإصابة ": 4 / 163. (4) عبد الله بن قيس الرقاشي، قال العقيلي في " الضعفاء ": عبد الله بن قيس الرقاشي، عن أيوب حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ثم أورد حديثه هذا ... ، وأخرجه الحاكم 3 / 499 من طريق الخصيب بن ناصح، عن عبدة بن نائل، عن عائشة، عن أبيها سعد، وصححه، ووافقه الذهبي. (5) سقطت لفظة " رشدين " من المطبوع. (6) إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد. قال ابن يونس: كان صالحا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث. وذكره صاحب الكنز (37112) ونسبه إلى ابن عدي، وابن عساكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، أَخْبَرَنَا عقِيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَطْلُعُ عَلَيْكُم الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَاطَّلَعَ (1) سَعْدٌ (2) . الثَّوْرِيُّ: عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعْدٍ: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُم} [الأَنْعَامُ: 52] . قَالَ: نَزَلَتْ فِي سِتَّةٍ: أَنَا وَابْنُ مَسْعُوْدٍ مِنْهُم (3) . مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَنَّ سَعْداً قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} [العَنْكَبُوْتُ: 8] . قَالَ: كُنْتُ بَرّاً بِأُمِّي، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ، قَالَتْ: يَا سَعْدُ! مَا هَذَا الدِّيْنُ الَّذِي قَدْ أَحْدَثْتَ؟ لَتَدَعَنَّ دِيْنَكَ هَذَا، أَوْ لاَ آكُلُ، وَلاَ أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوْتَ، فَتُعَيَّرَ بِي، فَيُقَالُ: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ. قُلْتُ: لاَ تَفْعَلِي يَا أُمَّهُ، إِنِّي لاَ أَدَعُ دِيْنِي هَذَا لِشَيْءٍ. فَمَكَثَتْ يَوْماً لاَ تَأْكُلُ وَلاَ تَشْرَبُ وَلَيْلَةً، وَأَصْبَحَتْ وَقَدْ جُهِدَتْ. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا أُمَّهُ! تَعْلَمِيْنَ - وَالله - لَوْ كَانَ لَكِ مَائَةُ نَفْسٍ، فَخَرَجَتْ نَفْساً نَفْساً، مَا تَرَكْتُ دِيْنِي، إِنْ شِئْتِ فَكُلِي أَوْ لاَ تَأْكُلِي.   (1) يقال: أطلع رأسه إذا أشرف على شيء. وكذلك اطلع. (2) ذكره صاحب الكنز (37116) ونسبه إلى ابن عساكر، وقال: ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن شهاب قال: حدثني من لا أتهم، عن أنس ... (3) أخرجه مسلم (2413) في الفضائل، باب: فضائل سعد. وابن ماجه (4128) في الزهد، باب: مجالسة الفقراء. والواحدي ص: 162. ونسبه السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 13 إلى الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، وأبي نعيم، والبيهقي في " الدلائل "، وانظر ابن كثير في تفسيره 3 / 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ، أَكَلَتْ (1) . رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ سَعْدُ بنُ مَالِكٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ (2)) . قُلْتُ: لأَنَّ أُمَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زُهْرِيَّةٌ، وَهِيَ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، ابْنَةُ عَمِّ أَبِي وَقَّاصٍ. يَحْيَى القَطَّانُ (3) : عَنِ الجَعْدِ بنِ أَوْسٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، قَالَتْ: قَالَ سَعْدٌ: اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُوْدُنِي، فَمَسَحَ وَجْهِي وَصَدْرِي وَبَطْنِي، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً) . فَمَا زِلْتُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كَبِدِي حَتَّى السَّاعَةَ (4) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 181 - 182، ومسلم (1748) في الجهاد، باب: الانفال مختصرا ومطولا. وفي الفضائل، باب: فضائل سعد بن أبي وقاص، والترمذي (3188) كلهم من طريق: سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد ... وأخرجه، مختصرا، أبو داود (3740) في الجهاد، باب في النفل، والترمذي (3080) في التفسير: باب ومن سورة الانفال، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 141 وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. (2) أخرجه الترمذي (3753) في المناقب: باب مناقب سعد، والطبراني في " الكبير " برقم (323) ، وابن سعد 3 / 1 / 97 من طريق مجالد، عن الشعبي عن جابر. وصححه الحاكم 3 / 498 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن جابر، ووافقه الذهبي. وقد تقدم تخريجه. (3) تحرفت في المطبوع إلى " البطان ". (4) الجعد بن أوس هو الجعد بن عبد الرحمن بن أوس، وينسب إلى جده وقد يصغر. وهو في " المسند " 1 / 171 من طريق يحيى بن سعيد، عن الجعد بن أوس بن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد. وأخرجه البخاري (5659) في المرضى: باب وضع اليد على المريض، من طريق: بكير = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بنُ رِفَاعَةَ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ يَزِيْدَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَّرَنَا، وَرَقَّقَنَا، فَبَكَى سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَكْثَرَ البُكَاءَ. فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا سَعْدُ! أَتَتَمَنَّى المَوْتَ عِنْدِي؟) فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: (يَا سَعْدُ! إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ، فَمَا طَالَ عُمُرُكَ أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ (1)) . مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدٌ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ (2)) . رَوَاهُ: جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ.   = ابن إبراهيم، أخبرنا الجعيد، عن عائشة بنت سعد، أن أباها قال: تشكيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي، صلى الله عليه وسلم، يعودني. فقلت: يا نبي الله! إني أترك مالا، وإني لم أترك إلا بنتا واحدة، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ قال: لا. قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: لا. قلت: فأوصي بالثلث وأترك الثلثين؟ قال: الثلث والثلث كثير. ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعدا، وأتمم له هجرته. فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إلى حتى الساعة ". وأخرجه أيضا في كتاب " المرضى ": باب دعاء العائد للمريض. والنسائي 6 / 241 في الوصايا: باب الوصية بالثلث، وأخرجه مسلم (1628) من طرق وبروايات مختلفة اختصارا وتفصيلا. وأخرجه أحمد 1 / 168 من طريق: أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، عن سعد ... (1) أخرجه أحمد 5 / 267 وإسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد وهو الالهاني. (2) إسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (3725) في المناقب: باب مناقب سعد بن أبي وقاص. وابن حبان (2215) ، والحاكم 3 / 499، وصححه ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 ونسبه إلى البزار وقال: رجاله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ المَرْزُبَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ) ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ قُسَيْطٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَحْشٍ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَلاَ تَأْتِي نَدْعُو اللهَ -تَعَالَى-؟ فَخَلَوْا فِي نَاحِيَةٍ، فَدَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَبّ! إِذَا لَقِيْنَا العَدُوَّ غَداً، فَلَقِّنِي رَجُلاً شَدِيْداً بَأْسُهُ، شَدِيْداً حَرَدُهُ، أَقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ ارْزُقْنِي الظَّفَرَ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، وَآخُذَ سَلَبَهُ، فَأَمَّنَ عَبْدَ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي غَداً رَجُلاً شَدِيْداً بَأْسُهُ، شَدِيْداً حَرَدُهُ، فَأُقَاتِلُهُ وَيقَاتِلُنِي، ثُمَّ يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيْتُكَ غَداً قُلْتَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ! فِيْمَ جُدِعَ أَنْفُكَ وَأُذُنَاكَ؟ فَأَقُوْلُ: فِيْكَ وَفِي رَسُوْلِكَ. فَتَقُوْلُ: صَدَقْتُ. قَالَ سَعْدٌ: كَانَتْ دَعْوَتُهُ خَيْراً مِنْ دَعْوَتِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أَنْفَهُ وَأُذُنَهُ لَمُعَلَّقٌ فِي خَيْطٍ (2) . أَبُو عَوَانَةَ، وَجَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ:   (1) إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن مغراء وشيخه. وذكره صاحب الكنز برقم (37110) ونسبه إلى ابن أبي شيبة. وليس فيه " ثلاث مرات ". (2) في إسناده من لا يعرف. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 63 من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن رجل سمع عبد الله بن جحش ... بنحوه، ومن طريق: عبد الله بن عبد الحمجيد الحنفي، عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب بنحوه مع زيادة. وأخرجه الحاكم 3 / 199 - 200 من طريق سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عبد الله بن جحش ... بنحوه، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرطهما لولا إرساله. وقال الذهبي: صحيح مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 شَكَا أَهْلُ الكُوْفَةِ سَعْداً إِلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّي. فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِم صَلاَةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلاَتَي العَشِيِّ، لاَ أَخْرِمُ مِنْهَا، أَرْكُدُ فِي الأُوْلَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَبَعَثَ رِجَالاً يَسْأَلُوْنَ عَنْهُ بِالكُوْفَةِ، فَكَانُوا لاَ يَأْتُوْنَ مَسْجِداً مِنْ مَسَاجِدِ الكُوْفَةِ إِلاَّ قَالُوا خَيْراً، حَتَّى أَتَوْا مَسْجِداً لِبَنِي عَبْسٍ. فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو سعدَةَ: أَمَا إِذْ نَشَدْتُمُوْنَا بِاللهِ، فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَسِيْرُ بِالسَّرِيَّةِ. فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ يَتَعَرَّضُ لِلإِمَاءِ فِي السِّكَكِ، فَإِذَا سُئِلَ كَيْفَ أَنْتَ؟ يَقُوْلُ: كَبِيْرٌ مَفْتُوْنٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . مُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ سَعْداً خَطَبَهُمْ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! أَيُّ أَمِيْرٍ كُنْتُ لَكُم؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُكَ لاَ تَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَلاَ تَقْسِمُ بِالسَّوِيِّةِ، وَلاَ تَغْزُو فِي السَّرِيَّةِ. فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَعَجِّلْ فَقْرَهُ، وَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ.   (1) أخرجه أحمد 1 / 175، 176، 177، 179، 180، والطيالسي برقم (217) ، والبخاري (755) في الاذان: باب وجوب القراءة للامام والمأموم في الصلوات كلها. و (758) فيهما. و (770) فيه: باب يطول في الاوليين، ويحذف في الاخريين. ومسلم (453) في الصلاة: باب القراءة في الظهر والعصر، والنسائي 2 / 217: باب الركود في الاوليين، وأخرجه أبو داود (803) في الصلاة، باب: تخفيف الاخريين، والنسائي 2 / 174 في الصلاة: باب الركود في الركعتين الاوليين، كلاهما من طريق شعبة، عن أبي عون، عن جابر بن سمرة. وأخرجه الطبراني مختصرا، برقم (290) ومطولا برقم (308) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قَالَ: فَمَا مَاتَ حَتَّى عَمِيَ، فَكَانَ يَلْتَمِسُ الجُدُرَاتِ، وَافْتَقَرَ حَتَّى سَأَلَ، وَأَدْرَكَ فِتْنَةَ المُخْتَارِ، فَقُتِلَ فِيْهَا (1) . عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ لِسَعْدٍ، عَلَيْهَا قَمِيْصٌ جَدِيْدٌ، فَكَشَفَتْهَا الرَّيْحُ، فَشَدَّ عُمُرُ عَلَيْهَا بِالدِّرَّةِ، وَجَاءَ سَعْدٌ لِيَمْنَعَهُ، فَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ. فَذَهَبَ سَعْدٌ يَدْعُو عَلَى عُمَرَ، فَنَاوَلَهُ الدِّرَّةَ، وَقَالَ: اقْتَصَّ. فَعَفَا عَنْ عُمَرَ (2) . أَسَدُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ لابْنِ مَسْعُوْدٍ عَلَى سَعْدٍ مَالٌ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: أَدِّ المَالَ. قَالَ: وَيْحَكَ مَا لِي وَلَكَ؟ قَالَ: أَدِّ المَالَ الَّذِي قِبَلَكَ. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَاكَ لاَقٍ مِنِّي شَرّاً، هَلْ أَنْتَ إِلاَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدُ بَنِي هُذَيْلٍ. قَالَ: أَجل وَاللهِ! وَإِنَّكَ لابْنُ حَمْنَةَ. فَقَالَ لَهُمَا هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ: إِنَّكُمَا صَاحِبَا رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيْكُمَا النَّاسُ. فَطَرَحَ سَعْدٌ عُوْداً كَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: قُلْ قَوْلاً وَلاَ تَلْعَنْ. فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لَوْلاَ اتِّقَاءُ اللهِ لَدَعَوْتُ عَلَيْكَ دَعْوَةً لاَ تُخْطِئُكَ (3) .   (1) كانت فتنة المختار الثقفي سنة 65 - 67 هـ وانظر " تاريخ الإسلام " 2 / 369 - 377 للذهبي. (2) أخرجه الطبراني برقم (309) في " الكبير ". وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 - 154 ونسبه إلى الطبراني، وقال: ورجاله ثقات. (3) رجاله ثقات. وإسماعيل هو ابن أبي خالد الاحمسي، ثقة ثبت. وقيس هو ابن أبي حازم وأخرجه الطبراني (306) . وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 154 وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير أسد بن موسى وهو ثقة مأمون. وقد تحرف في المطبوع من الطبراني " إسماعيل عن قيس " إلى " إسماعيل بن قيس ". فيصحح من هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 رَوَاهُ: ابْنُ (1) المَدِيْنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، وَكَانَ قَدْ أَقْرَضَهُ شَيْئاً مِنْ بَيْتِ المَالِ. وَمِنْ مَنَاقِبِ سَعْدٍ أَنَّ فَتْحَ العِرَاقِ كَانَ عَلَى يَدَيْ سَعْدٍ، وَهُوَ كَانَ مُقَدَّمَ الجُيُوْشِ يَوْمَ وَقْعَةِ القَادِسِيَّةِ (2) ، وَنَصَرَ اللهُ دِيْنَهُ. وَنَزَلَ سَعْدٌ بِالمَدَائِنِ، ثُمَّ كَانَ أَمِيْرَ النَّاسِ يَوْمَ جَلُوْلاَءَ (3) ، فَكَانَ النَّصْرُ عَلَى يَدِهِ، وَاسْتَأْصَلَ اللهُ الأَكَاسِرَةَ. فَرَوَى زِيَادٌ البَكَّائِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَمٍّ لَنَا يَوْمَ القَادِسِيَّةِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ نَصْرَهُ ... وَسَعْدٌ بِبَابِ القَادِسِيَّةِ مُعْصَمُ فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيْرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيْهِنَّ أَيِّمُ فَلَمَّا بَلَغَ سَعْداً، قَالَ: اللَّهُمَّ اقْطَعْ عَنِّي لِسَانَهُ وَيَدَهُ. فَجَاءتْ نُشَّابَةٌ أَصَابَتْ فَاهُ، فَخَرِسَ، ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي القِتَالِ. وَكَانَ فِي جَسَدِ سَعْدٍ قُرُوْحٌ، فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِعُذْرِهِ عَنْ شُهُوْدِ القِتَالِ (4) . وَرَوَى نَحْوَهُ: سَيْفُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ. هُشَيْمٌ: عَنْ أَبِي مُسلمٍ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً نَالَ مِنْ عَلِيٍّ،   (1) سقطت لفظة " ابن " من المطبوع. (2) انظر " معجم البلدان " 4 / 291 - 293. وانظر خبر هذه المعركة في " تاريخ الطبري ". و" الكامل " لابن الأثير، و" البداية " لابن كثير في أحداث سنة (16) للهجرة. (3) انظر " معجم البلدان " 2 / 156 وانظر خبر هذه المعركة عند الطبري، وابن الأثير وابن كثير في " التاريخ " لعام (16) للهجرة. (4) رواه الطبراني (310) و (311) وقد ذكره الهيثمي 9 / 154، وقال: رواه الطبراني باسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح. وفي الأصل " ابن عمر لنا " وهو تحريف، والتصويب من الطبراني و" المجمع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فَنَهَاهُ سَعْدٌ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ حَتَّى جَاءَ بَعِيْرٌ نَادٌّ (1) ، فَخَبَطَهُ حَتَّى مَاتَ. وَلِهَذِهِ الوَاقِعَةِ طُرُقٌ جَمَّةٌ، رَوَاهَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي (مُجَابِيّ الدَّعْوَةِ (2)) . وَرَوَى نَحْوَهَا: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ. وَحَدَّثَ بِهَا أَبُو كُرَيْبٍ (3) ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَرَوَاهَا ابْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَسْوَدِ. وَقَرَأْتُهَا عَلَى عُمَرَ بنِ القَوَّاسِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَاسِي (4) ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُسلمٍ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. وَحَدَّثَ بِهَا: ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَاهَا ابْنُ جُدْعَانَ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَقَعُ فِي عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ سَعْدٌ يَنْهَاهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ تَقَعْ فِي إِخْوَانِي. فَأَبَى، فَقَامَ سَعْدٌ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَدَعَا. فَجَاءَ بُخْتِيّ يَشُقُّ النَّاسَ، فَأَخَذَهُ بِالبلاَطِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ كِرْكِرَتِهِ وَالبلاَطِ حَتَّى سَحَقَهُ، فَأَنَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَتْبَعُوْنَ سَعْداً، يَقُوْلُوْنَ: هَنِيْئاً لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ! اسْتُجِيْبَتْ دَعْوَتُكَ (5) .   (1) يقال: ند البعير فهو ناد: إذا شرد ونفر وذهب على وجهه. (2) تصحف في المطبوع إلى " مجاني الدعوة ". وهو اسم كتاب لا بن أبي الدنيا. (3) تصحف في المطبوع إلى " كرب ". (4) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي، سمع أبا مسلم الكجي وغيره. انظر ابن ماكولا 7 / 197. (5) رواه الطبراني (307) من طريق: ابن عون، عن محمد بن محمد بن الأسود عن عامر بن سعد قال ... وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 154 ونسبه للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. والبختي: نسبة إلى البخت. وهي الابل الخراسانية تنتج من بين عربي ودخيل. والكركرة: رحى زور البعير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قُلْتُ: فِي هَذَا كَرَامَةٌ مُشْتَرَكَة بَيْنَ الدَّاعِي وَالَّذِيْنَ نِيْلَ مِنْهُم. جَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: زُرْنَا آلَ سَعْدٍ، فَرَأَيْنَا جَارِيَّةً، كَأَنَّ طُوْلَهَا شِبْرٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: مَا تَعْرِفِيْنَهَا؟ هَذِهِ بِنْتُ سَعْدٍ، غَمَسَتْ يَدَهَا فِي طهُوره. فَقَالَ: قَطَعَ اللهُ قرنَك، فَمَا شِبْتُ بَعْدُ (1) . وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مِيْنَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَطَّلِعُ عَلَى سَعْدٍ، فَيَنْهَاهَا، فَلَمْ تَنْتَهِ، فَاطَّلَعَتْ يَوْماً وَهُوَ يَتَوَضَّأ، فَقَالَ: شَاهَ وَجْهُكِ. فَعَادَ وَجْهُهَا فِي قَفَاهَا. مِيْنَا: مَتْرُوْكٌ (2) . حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَبِيْبَةَ (3) ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَعَا سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَبِّ! بَنِيَّ صِغَارٌ، فَأَخِّرْ عَنِّي المَوْتَ حَتَّى يَبْلُغُوا. فَأَخَّرَ عَنْهُ المَوْتَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: وَفِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقْعَةُ القَادِسِيَّةِ، وَعَلَى المُسْلِمِيْنَ سَعْدٌ، وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ شَكَا أَهْلُ الكُوْفَةِ سَعْداً أَمِيْرَهُم إِلَى عُمَرَ، فَعَزَلَهُ.   (1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 4 / 162، ونسبه إلى ابن أبي الدنيا في كتاب: " مجابي الدعوة ". (2) هو مينا بن أبي مينا الزهري مولى عبد الرحمن بن عوف. قال ابن معين والنسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. روى أحاديث مناكير في الصحابة، لا يعبأ بحديثه، كان يكذب. (3) " ابن أبي لبيبة " سقط من المطبوع وهو مترجم في " الجرح والتعديل " 9 / 166 وفي " الميزان " للذهبي، وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ فَتْحُ جَلُوْلاَءَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، افْتَتَحَهَا سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ. قُلْتُ: قُتِلَ المَجُوْسُ يَوْمَ جَلُوْلاَءَ قَتْلاً ذَرِيْعاً، فَيُقَالُ: بَلَغَتِ الغَنِيْمَةُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سُمِّيَتْ جَلُوْلاَءُ: فَتْحَ الفُتُوْحِ (1) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ عَزَلَ عَنِ الكُوْفَةِ المُغِيْرَةَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا سَعْداً. وَرَوَى: حُصَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمَّا أُصِيْبَ، جَعَلَ الأَمْرَ شُوْرَى فِي السِّتَّةِ. وَقَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفُوْهُ فَهُوَ الخَلِيْفَةُ بَعْدِي، وَإِنْ أَصَابَتْ سَعْداً، وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الخَلِيْفَةُ بَعْدِي، فَإِنَّنِي لَمْ أَنْزَعْهُ -يَعْنِي: عَنِ الكُوْفَةِ- مِنْ ضَعْفٍ وَلاَ خِيَانَةٍ (2) . ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ سَعْداً قَالَ: مَا أَزْعُمُ أَنِّي بِقَمِيْصِي هَذَا أَحَقُّ مِنِّي بِالخِلاَفَةِ، جَاهَدْتُ وَأَنَا أَعْرَفُ بِالجِهَادِ، وَلاَ أَبْخَعُ نَفْسِي إِنْ كَانَ رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ أُقَاتِلُ حَتَّى يَأْتُوْنِي بِسَيْفٍ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ، فَيَقُوْلَ: هَذَا مُؤْمِنٌ، وَهَذَا كَافِرٌ (3) .   (1) انظر خبر هذا المعركة في " معجم البلدان " 2 / 156، والطبري، و" الكامل "، و" البداية " في حوادث سنة (16) للهجرة. (2) هو في الطبراني (320) ، و" الإصابة " 4 / 163. (3) رجاله ثقات. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 101. وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1 / 94. والطبراني في " الكبير " (322) . وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 299 وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَتَابَعَهُ: مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوْبَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ المُطَّلِبِ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ جَاءهُ ابْنُهُ عَامِرٌ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَفِي الفِتْنَةِ تَأْمُرُنِي أَنْ أَكُوْنَ رَأْساً؟ لاَ وَاللهِ، حَتَّى أُعْطَى سَيْفاً، إِنْ ضَرَبْتُ بِهِ مُسْلِماً نَبَا عَنْهُ، وَإِنْ ضَرَبْتُ كَافِراً قَتَلَهُ. سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الغَنِيَّ، الخَفِيَّ، التَّقِيَّ (1)) . الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ عَلَى مِنْبَرِ الكُوْفَةِ، فَقَالَ حِيْنَ اخْتَلَفَ الحَكَمَانِ: لَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُم عَنْ هَذِهِ الحُكُوْمَةِ، فَعَصَيْتُمُوْنِي. فَقَامَ إِلَيْهِ فَتَى آدَمُ، فَقَالَ: إِنَّكَ -وَاللهِ- مَا نَهَيْتَنَا، بَلْ أَمَرْتَنَا، وَذَمَرْتَنَا (2) ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا مَا تَكْرَهُ بَرَّأْتَ نَفْسَكَ، وَنَحَلْتَنَا ذَنْبَكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا أَنْتَ وَهَذَا الكَلاَم، قَبَّحَكَ اللهُ! وَاللهِ لَقَدْ كَانَتِ الجَمَاعَةُ، فَكُنْتَ فِيْهَا خَامِلاً، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الفِتْنَةُ نَجَمْتَ فِيْهَا نُجُوْمَ   (1) سنده حسن وهو في " المسند " 1 / 177، و" الحلية " 1 / 94. وأخرجه أحمد 1 / 168، ومسلم (2965) في أول الزهد، من طريق أبي بكر الحنفي، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فنزل. فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت. سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي ". المراد بالغنى هنا: غنى النفس. والخفي: بالخاء المعجمة: ومعناه الخامل المنقطع إلى العبادة، أي الذي لا يبغي الشهرة ولا يتعرض للناس من أجلها. (2) ذمرتنا: أي حضضتنا، وحثثتنا. والذمر: الحث مع لوم واستبطاء. وقد التبست على محقق المطبوع، فأثبت مكانها " ودعوتنا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قَرْنِ المَاعِزِ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: للهِ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ سَعْدُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَالله لَئِنْ كَانَ ذَنْباً إِنَّهُ لَصَغِيْرٌ مَغْفُوْرٌ، وَلَئِنْ كَانَ حسناً إِنَّهُ لَعَظِيْمٌ مَشْكُوْرٌ (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ خَارِجَةَ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، أَشْكَلَتْ عَلَيَّ الفِتْنَةُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَرِنِي مِنَ الحَقِّ أَمْراً أَتَمَسَّكُ بِهِ. فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، فَهَبَطْتُ الحَائِطَ، فَإِذَا بِنَفَرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ المَلاَئِكَةُ. قُلْتُ: فَأَيْنَ الشُّهَدَاءُ؟ قَالُوا: اصْعَدِ الدَّرَجَاتِ. فَصَعَدْتُ دَرَجَةً، ثُمَّ أُخْرَى، فَإِذَا مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا - وَإِذَا مُحَمَّدٌ يَقُوْلُ لإِبْرَاهِيْمَ: اسْتَغْفِرْ لأُمَّتِي. قَالَ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُم اهْرَاقُوا دِمَاءهُم، وَقَتَلُوا إِمَامَهُم، أَلاَ فَعَلُوا كَمَا فَعَلَ خَلِيْلِي سَعْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، فَأَتَيْتُ سَعْداً فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، فَمَا أَكْثَرَ فَرحاً، وَقَالَ: قَدْ خَابَ مَنْ لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- خَلِيْلَهُ. قُلْتُ: مَعَ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ غَنَمٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاشْتَرِ غَنَماً، فَكُنْ فِيْهَا حَتَّى تَنْجَلِي (2) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 246 وقال: رواه الطبراني. ومحمد بن الضحاك وولده يحيى لم أعرفهما. (2) رجاله ثقات. وأخرجه الحاكم 3 / 501 - 502 من طريق: عمران بن موسى، عن عبد الوارث بن سعيد، به ... وانظر " الإصابة " 3 / 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدّقَاقُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ (1) بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الفَتْحِ مَرَضاً أَشْفَيْتُ مِنْهُ، فَأَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُوْدُنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ لِي مَالاً كَثِيْراً، وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأُوْصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: (لاَ) . قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: (لاَ) . قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: (وَالثُّلُثُ كَثِيْرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُوْنَ النَّاسَ، لَعَلَّكَ تُؤَخَّرُ عَلَى جَمِيْعِ أَصْحَابِكَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تُرِيْدُ بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ فِيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِيِّ امْرَأَتِكَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي أَرْهَبُ أَنْ أَمُوْتَ بِأَرْضٍ هَاجَرْتُ مِنْهَا. قَالَ: (لَعَلَّكَ أَنْ تَبْقَى حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُوْنَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُم، وَلاَ تَرُدَّهُم عَلَى أَعْقَابِهِم، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ) . يَرْثِي لَهُ أَنَّهُ مَاتَ بِمَكَّةَ (2) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.   (1) سقطت من المطبوع " أنبأنا محمد ". (2) أخرجه أحمد 1 / 179، ومالك في الوصية برقم (4) : باب الوصية في الثلث لا تتعدى. والبخاري (1295) في الجنائز: باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، و (3936) في مناقب الانصار و (6373) في الدعوات: باب الدعاء برفع الوباء والوجع، و (6733) في الفرائض، باب: ميراث البنات. ومسلم (1628) في الوصية: باب الوصية بالثلث. وأبو داود (2864) في الوصايا: باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله، والترمذي (2117) في الوصايا: باب ما جاء في الوصية بالثلث، وابن ماجه (2708) في الوصايا: باب الوصية بالثلث. وأخرجه البخاري (2742) في الوصايا: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، و (5354) في النفقات: باب فضل النفقة، من طريق سفيان، عن سعد بن إبراهيم، به. وقوله: " يرثي له أنه مات بمكة " هو من كلام الزهري. انظر " الفتح " 3 / 165 سلفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَعَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ الهَيْجُ فِي النَّاسِ، جَعَلَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أَحَداً إِلاَّ دَلَّهُ عَلَى سَعْدِ بنِ مَالِكٍ. وَرَوَى: عُمَرُ بنُ الحَكَمِ، عَنْ عَوَانَةَ، قَالَ: دَخَلَ سَعْدٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتَ أَنْ تَقُوْلَ غَيْرَهَا لَقُلْتَ. قَالَ: فَنَحْنُ المُؤْمِنُوْنَ، وَلَمْ نُؤَمِّرْكَ، فَإِنَّكَ مُعْجَبٌ بِمَا أَنْتَ فِيْهِ، وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي عَلَى الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، وَأَنِّي هَرَقْتُ مِحْجَمَةَ دَمٍ. قُلْتُ: اعْتَزَلَ سَعْدٌ الفِتْنَةَ، فَلاَ حَضَرَ الجَمَلَ، وَلاَ صِفِّيْنَ، وَلاَ التَّحْكِيْمَ، وَلَقَدْ كَانَ أَهْلاً لِلإِمَامَةِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. رَوَى نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ طَافَ عَلَى تِسْعِ جَوَارٍ فِي لَيْلَةٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَتِ العَاشِرَةُ لَمَّا أَيْقَظَهَا، فَنَام هُوَ، فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تُوْقِظَهُ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَأْسُ أَبِي فِي حجْرِي، وَهُوَ يَقْضِي، فَبَكَيْتُ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ (1) ! مَا يُبْكِيْكَ؟ قُلْتُ: لِمَكَانِكَ، وَمَا أَرَى بِكَ. قَالَ: لاَ تَبْكِ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُنِي أَبَداً، وَإِنِّي مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ (2) . قُلْتُ: صَدَقَ وَاللهِ، فَهَنِيْئاً لَهُ. اللَّيْثُ: عَنْ عقِيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتُضِرَ، دَعَا بِخَلَقِ جُبَّةِ صُوْفٍ، فَقَالَ: كَفِّنُوْنِي فِيْهَا، فَإِنِّي لَقِيْتُ المُشْرِكِيْنَ فِيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ،   (1) تصحفت في المطبوع إلى " شيء ". (2) ابن سعد 3 / 1 / 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَإِنَّمَا خَبَأْتُهَا لِهَذَا اليَوْمِ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بنُ زُبَيْدٍ (2) ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ أَبِي إِلَى مَرْوَانَ بِزَكَاتِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَتَرَكَ يَوْمَ مَاتَ مَائتَيْ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ سَعْدٌ قَدِ اعْتَزَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فِي قَصْرٍ بَنَاهُ بِطَرَفِ حَمْرَاء الأَسَدِ (4) . وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ سَعْدٌ، وَجِيْءَ بِسَرِيْرِهِ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهَا، جَعَلت تَبْكِي وَتَقُوْلُ: بَقِيَّةُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. النُّعْمَانُ بنُ رَاشِدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ آخِرَ المُهَاجِرِيْنَ وَفَاةً (5) . قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.   (1) أخرجه الحاكم 3 / 496، والطبراني في " الكبير " (316) . وذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 25 وقال: ورجاله ثقات إلا أن الزهري لم يدرك سعدا. (2) هو فروة بن زييد، روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر، وروى عن عائشة بنت سعد. روى عنه أبو بكر الحنفي، ومحمد بن عمر انظر " الجرح والتعديل " 7 / 83، و" الإكمال " لابن ماكولا 4 / 171. وقد تصحف في المطبوع إلى " رسد "، وفي الطبقات لابن سعد 3 / 1 / 105 إلى " زبير ". والخبر في الطبقات كما أشرنا. (3) زاد في المطبوع لفظ " درهم ". ولا ندري ما الذي سوغ له ذلك. (4) موضع على ثمانية أميال من المدينة، عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة. وإليها انتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مطاردة المشركين يوم أحد. انظر " زاد المعاد " لابن القيم 3 / 242 نشر مؤسسة الرسالة. (5) أخرجه الحاكم 3 / 496. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَرَوَى: نُوْحُ بنُ يَزِيْدَ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ سَعْداً مَاتَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَتَبِعَهُ قَعْنَبُ بنُ المحرزِ، وَالأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ. وَقَعَ لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) : مَائَتَانِ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، فَمِنْ ذَاكَ فِي (الصَّحِيْحِ) : ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً. 6 - سَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ قُرْطِ بنِ رَزَاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، أَبُو الأَعْوَرِ، القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ. أَحَدُ العَشَرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنَ الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ (2) . شَهِدَ المَشَاهِدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ حِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتَحَهَا، فَوَلاَّهُ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ". (*) مسند أحمد: 1 / 187، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 275 - 281، نسب قريش: 433، طبقات خليفة: 22 / 127، تاريخ خليفة: 218، التاريخ الصغير: 1 / 101، المعارف: 245 - 246، 292، الجرح والتعديل: 4 / 21، مشاهير علماء الأمصار: ت: 11، الاستيعاب: 4 / 186 - 194، حلية الأولياء: 1 / 95 - 97 ابن عساكر: 7 / 115 / 2، أسد الغابة: 2 / 387 - 389، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 217 - 218، تهذيب الكمال: 491، دول الإسلام: 1 / 38، تاريخ الإسلام: 1 / 285، العقد الثمين: 4 / 559 - 564، تهذيب التهذيب: 4 / 34، الإصابة: 4 / 188 - 189، خلاصة تذهيب الكمال: 138، شذرات الذهب: 1 / 57، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 129 - 131. (2) في " الاستيعاب " لابن عبد البر 4 / 188، و" الإصابة " 4 / 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ (1) . وَلَهُ أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً: فَلَهُ حَدِيْثَانِ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ لَهُ بِحَدِيْثٍ (2) . رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَعَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ظَالِمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَائِفَةٌ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَكُمُ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مَائَةٍ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ بِقِرَاءَتِي، أَنْبَأَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مَائَةٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرٍو: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ الَّذِيْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلعَيْنِ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (3) مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالياً.   (1) في " الاستيعاب " لابن عبد البر 4 / 188، و" الإصابة " 4 / 188. (2) سترد هذه الأحاديث خلال الترجمة. (3) أخرجه أحمد 1 / 187، 188، والبخاري (4478) في التفسير: باب وظللنا عليكم الغمام، و (4639) فيه: باب (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ... ) ، و (5708) في الطب: باب المن شفاء للعين، ومسلم (2049) في الاشربة: باب فضل الكمأة ومداواة العين بها، والترمذي (2067) في الطب: باب ما جاء في الكمأة والعجوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عِيْسَى التَّغْلِبِيِّ، أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْفِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مَائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا حَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ، هُوَ ابْنُ مُنِيْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شِبراً طُوِّقَهُ مِنْ سَبعِ أَرَضِيْنَ، وَمَنْ قُتِلَ دُوْنَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، لَكِنَّهُ فِيْهِ انْقِطَاعٌ، لأَنَّ طَلْحَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَعِيْدٍ. رَوَاهُ: مَالِكٌ، وَيُوْنُسُ، وَجَمَاعَةٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَأَدْخَلُوا بَيْنَ طَلْحَةَ وَسَعِيْدٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَمْرِو بنِ سَهْلٍ (2) الأَنْصَارِيَّ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ (3) بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشَّامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى النَّصَارَى وَاليَهُوْدَ، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ،   (1) أخرجه أحمد 1 / 187، والنسائي 7 / 115، في تحريم الدم: باب من قتل دون ماله، وأبو داود (4772) في السنة: باب في قتال اللصوص، وابن ماجه (2580) في الحدود: باب من قتل دون ماله فهو شهيد، من طريق طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد، عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أحمد 1 / 188 والترمذي (1421) في الديات: باب فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، من طريق معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن عمر بن سهل، عن سعيد بن زيد، عن النبي ... وأخرجه البخاري (2452) في المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن سهل، عن سعيد، عن النبي، وهو عنده أيضا برقم (3198) في بدء الخلق: باب ما جاء في سبع أرضين، من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن سعيد بن زيد. (2) تحرفت في المطبوع إلى " سهيل ". (3) انظر " تاريخ الإسلام " للمؤلف 1 / 52 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ (1) ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ: (يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ (2)) . وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى بُعِثَ. فَنَقَلَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَهُوَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ بِالسِّيَرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ قَالَ: قَدْ كَانَ نَفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ: زَيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، وَوَرَقَةُ بنُ نَوْفَلٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَارِثِ بنِ أَسَدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ جَحْشٍ، وَأُمَيْمَةُ ابْنَةُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، حَضَرُوا قُرَيْشاً عِنْدَ وَثَنٍ لَهُم، كَانُوا يَذْبَحُوْنَ عِنْدَهُ لِعِيْدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا خَلاَ أُوْلَئِكَ النَّفَرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: تَصَادَقُوا وَتَكَاتَمُوا. فَقَالَ قَائِلُهُمْ: تَعْلَمُنَّ -وَاللهِ- مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ، لَقَدْ أَخْطَؤُوا دِيْنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَالفُوْهُ، فَمَا وَثَنٌ يُعَبْدُ لاَ يَضرُّ وَلاَ يَنْفَعُ، فَابْتَغُوا لأَنْفُسِكُمْ. قَالَ: فَخَرَجُوا يَطْلُبُوْنَ وَيَسِيْرُوْنَ فِي الأَرْضِ، يَلْتَمِسُوْنَ أَهْلَ كِتَابٍ مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمِلَلِ كُلِّهَا، يَتَطَلَّبُوْنَ الحَنِيْفِيَّةَ. فَأَمَّا وَرَقَةُ: فَتَنَصَّرَ وَاسْتَحْكَمَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَحَصَّلَ الكُتُبَ، وَعَلِمَ عِلْماً كَثِيْراً. وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِم أَعْدَلُ شَأْناً مِنْ زَيْدٍ: اعْتَزَلَ الأَوْثَانَ وَالمِلَلَ، إِلاَّ دِيْنَ إِبْرَاهِيْمَ، يُوَحِّدُ اللهَ -تَعَالَى- وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ ذَبَائِحِ قَوْمِهِ. وَكَانَ الخَطَّابُ عَمُّهُ قَدْ آذَاهُ، فَنَزَحَ عَنْهُ إِلَى أَعْلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ، فَوَكَّلَ بِهِ الخَطَّابُ شَبَاباً سُفَهَاءَ لاَ يَدَعُوْنَهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَكَانَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ سِرّاً، وَكَانَ الخَطَّابُ أَخَاهُ أَيْضاً مِنْ أُمِّهِ، فَكَانَ يَلُوْمُهُ عَلَى فِرَاقِ دِيْنِهِ، فَسَارَ زَيْدٌ إِلَى الشَّامِ، وَالجَزِيْرَةِ، وَالمَوْصِلِ، يَسَأَلُ عَنِ الدِّيْنِ (3) .   (1) سقط من مطبوع دار المعارف من قوله: فرأى النصارى ... إلى قوله: على دين إبراهيم. (2) سيرد الحديث في الصفحة (130) وسيخرج هناك. (3) الخبر عند ابن هشام 1 / 222، وفي " الاستيعاب " 4 / 189، وعند ابن الأثير في " الكامل " 2 / 47 - 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي بَكْرٍ الحَجَّارُ، أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ (1) البَنَّا (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ إِجَازَةً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مَائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ قَائِماً، مُسْنِداً ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، يَقُوْلُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللهِ مَا فِيْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ غَيْرِيْ. وَكَانَ يُحْيِي المَوْؤُوْدَةَ، يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مَهْ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيْكَ مُؤْنَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيْهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مُؤْنَتَهَا (2) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: اللَّيْثُ، وَإِنَّمَا يَرْوِيْهِ عَنْ هِشَامٍ كِتَابَةً. وَقَدْ عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (3)) فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ سَمِعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ هِشَامٍ،   (1) سقطت " بن " من المطبوع. (2) سقط من المطبوع من قوله فيأخذها إلى هنا. (3) (3828) في المناقب: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل. ووصله الحاكم 3 / 440 وصححه ووافقه الذهبي، وابن سعد 3 / 1 / 277. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 418، ونسبه إلى الطبراني وقال: يحسن إسناده. وعنده زيادة ليست عند البخاري والحاكم، وأخرجه ابن هشام 1 / 225 من طريق: إبن إسحاق، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه عن أسماء، وهذا سند قوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَعِنْدِي بِالإِسْنَادِ المَذْكُوْرِ إِلَى اللَّيْثِ عَنْ هِشَامٍ (1) نُسْخَةٌ، فَمَنْ أَنْكَرَ مَا فِيْهَا: عَنْ أَبِيْهِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ وَرَقَةُ بنُ نَوْفَلٍ عَلَى بِلاَلٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ، يُلْصَقُ ظَهْرُهُ بِالرَّمْضَاءِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَقَالَ وَرَقَةُ: أَحَدٌ أَحَدٌ يَا بِلاَلُ، صَبْراً يَا بِلاَلُ، لِمَ تُعَذِّبُوْنَهُ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ قَتَلْتُمُوْهُ، لأَتَّخِذَنَّهُ حَنَاناً. يَقُوْلُ: لأَتَمَسَّحَنَّ بِهِ. هَذَا مُرْسَلٌ، وَوَرَقَةُ لَوْ أَدْرَكَ هَذَا لَعُدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا مَاتَ الرَّجُلُ فِي فَتْرَةِ الوَحْيِ، بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَقَبْلَ الرِّسَالَةِ، كَمَا فِي الصَّحِيْحِ (2) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّ وَرَقَةَ كَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَحبَّ الوُجُوْهِ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ، وَلَكِنِّي لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحُتِهِ (3) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ وَعِدَّةٌ: عَنِ المَسْعُوْدِيِّ، عَنْ نُفَيْلِ بنِ هِشَامِ بنِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَرَّ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، فَدَعَوَاهُ إِلَى سُفْرَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، فَمَا رُؤِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ يَأْكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. المَسْعُوْدِيُّ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. أَخْرَجَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنِ المَسْعُوْدِيِّ، ثُمَّ زَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ سَعِيْدٌ (4) : فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ   (1) سقط لفظ " هشام " من المطبوع (2) انظر " فتح الباري " شرح الحديث رقم (3) وفيه: أن ورقة لم ينشب أن توفي. (3) رجاله ثقات. وهو عند ابن هشام 1 / 225 وانظر " السيرة " لابن كثير 1 / 154. (4) سقط من المطبوع عبارة: " قال سعيد " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ (1)) . وَقَدْ رَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، عَنِ المَسْعُوْدِيِّ، عَنْ نُفَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَرَّ زَيْدٌ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِابْنِ حَارِثَةَ وَهُمَا يَأْكُلاَنِ فِي سُفْرَةٍ، فَدَعَوَاهُ. فَقَالَ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. قَالَ: وَمَا رُؤِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلاً مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (2) . فَهَذَا اللَّفْظُ مَلِيْحٌ، يُفَسِّرُ مَا قَبْلَهُ، وَمَا زَالَ المُصْطَفَى مَحْفُوظاً مَحْرُوْساً قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَلَوِ احْتُمِلَ جَوَازُ ذَلِكَ، فَبِالضَّرُوْرَةِ نَدْرِي أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ ذَبَائِحِ   (1) أخرجه أحمد 1 / 189 - 190، والحاكم 3 / 439 - 440، والطبراني (350) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417 ونسبه إلى الطبراني والبزار باختصار، وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات. كذا قال، مع أن نفيل بن هشام وأباه لم يوثقهما غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وقد سقط من الأصل " عن جده " واستدركت من المسند. وانظر الصفحة (222) التعليق رقم (1) . قال الخطابي: " كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يأكل مما يذبحون عليها للاصنام ويأكل ما عدا ذلك، وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه. لان الشرع لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة ". وقال ابن حجر معلقا على هذا الكلام: وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال، وعلى تقدير أن يكون زيد بن حارثة ذبح على الحجر المذكور فإنما يحمل أنه إنما ذبح عليه لغير الاصنام. وقال الداوودي: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم، لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم. وقال السهيلي: فإن قيل: فالنبي، صلى الله عليه وسلم، كان أولى من زيد بهذه الفضيلة، فالجواب أنه ليس في الحديث، أنه صلى الله عليه وسلم، أكل منها. وعلى تقدير أن يكون أكل، فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام، والاصح أن الاشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة. وقال ابن حجر معلقا على هذا القول: وقوله: إن زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداوودي: إنه تلقاه عن أهل الكتاب، لا سيما وأن زيدا يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين. وقال القاضي عياض: إنها كالممتنع، لان النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع، والنبي، صلى الله عليه وسلم، لم يكن متعبدا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح. وانظر " فتح الباري " 7 / 143 - 144. (2) سنده ضعيف كسابقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 قُرَيْشٍ قَبْلَ الوَحْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا تُوْصَفُ ذَبَائِحُهُمْ بِالتَّحْرِيْمِ بَعْدَ نُزُوْلِ الآيَةِ، كَمَا أَنَّ الخَمْرَةَ كَانَتْ عَلَى الإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ نَزَلَ تَحْرِيْمُهَا بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ يَوْمِ أُحُدٍ. وَالَّذِي لاَ رَيْبَ فِيْهِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُوْماً قَبْلَ الوَحْيِ وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ التَّشْرِيْعِ مِنَ الزِّنَى قَطْعاً، وَمِنَ الخِيَانَةِ، وَالغَدْرِ، وَالكَذِبِ، وَالسُّكْرِ، وَالسُّجُوْدِ لِوَثَنٍ، وَالاسْتِقْسَامِ بِالأَزْلاَمِ، وَمِنَ الرَّذَائِلِ، وَالسَّفَهِ، وَبَذَاءِ اللِّسَانِ، وَكَشْفِ العَوْرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَطُوْفُ عُرْيَاناً، وَلاَ كَانَ يَقِفُ يَوْمَ عَرَفَةَ مَعَ قَوْمِهِ بِمُزْدَلِفَةَ، بَلْ كَانَ يَقِفُ بِعَرَفَةَ. وَبِكُلِّ حَالٍ، لَوْ بَدَا مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَمَا كَانَ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ، لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْرِفُ، وَلَكِنَّ رُتْبَةَ الكَمَالِ تَأْبَى وُقُوْعَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً -. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ دَوْحَتَيْنِ) . غَرِيْبٌ. رَوَاهُ: البَاغَنْدِيُّ (1) ، عَنِ الأَشَجِّ، عَنْهُ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو شَيْخاً كَبِيْراً، مُسنِداً ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ:   (1) الباغندي: هو محدث العراق أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث مترجم في تذكرة المؤلف (736) . وذكره ابن كثير في البداية 2 / 241 عن الباغندي، عن أبي سعيد الاشجع، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه عن عائشة ... وقال: هذا إسناد جيد وليس هو في شيء من الكتب، وأخرج الطبري في " تاريخه " 2 / 296 من طريق محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني علي بن عيسى الحكمي، عن أبيه، عن عامر بن ربيعة قال: فلما أسلمت، أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترحم عليه، وقال: " قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا " وهذا سند ضعيف، وذكره ابن حجر في " الفتح " 7 / 143، ونسبه إلى محمد بن سعد، والفاكهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَيْحَكُم يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِيَّاكُمْ وَالزِّنَى، فَإِنَّهُ يُوْرِثُ الفَقْرَ (1) . أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو: شَامَمْتُ النَّصْرَانِيَّةَ وَاليَهُوْدِيَّةَ فَكَرِهْتُهُمَا، فَكُنْتُ بِالشَّامِ، فَأَتَيْتُ رَاهِباً، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي. فَقَالَ: أَرَاكَ تُرِيْدُ دِيْنَ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَا أَخَا أَهْلِ (2) مَكَّةَ، إِنَّكَ لَتَطْلُبُ دِيْناً مَا يُوْجَدُ اليَوْمَ، فَالْحَقْ بِبَلَدِكَ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُ مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَأْتِي بِدِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ بِالحَنِيْفِيَّةِ، وَهُوَ أَكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى اللهِ (3) . وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيْفٍ، عَنْ حُجَيْرِ بنِ أَبِي إِهَابٍ، قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو يُرَاقِبُ الشَّمْسَ، فَإِذَا زَالَتِ اسْتَقْبَلَ الكَعْبَةَ، فَصَلَّى رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَأَنْشَدَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ الحِزَامِيُّ لِزَيْدٍ: وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْباً زُلاَلاَ إِذَا سُقِيَتْ بَلْدَةٌ مِنْ بِلاَدٍ ... سِيْقَتْ إِلَيْهَا فَسَحَّتْ سِجَالاَ (4) وَأَسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِقَالاَ   (1) ذكره ابن كثير في " البداية " 2 / 241. (2) سقطت من المطبوع لفظة " أهل ". (3) إسناده ضعيف لضعف مجالد. وأبو الحسن المدائني هو علي بن محمد، ترجمه المؤلف في " ميزانه " ونقل عن ابن عدي قوله فيه: ليس بالقوي في الحديث وسترد ترجمته في " السير ". (4) رواية البيت في " سيرة ابن هشام " 1 / 231: إذا هي سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليه سجالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 دَحَاهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا ... سَوَاءً وَأَرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالاَ (1) وَرَوَى: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فِيْمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو كَانَ بِالشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ يُرِيْدُهُ، فَقَتَلَهُ أَهْلُ مَيْفَعَةٍ بِالشَّامِ (2) . وَرَوَى الوَاقِدِيُّ: أَنّه مَاتَ فَدُفِنَ بِأَصْلِ حِرَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ بِبِلاَدِ لَخْمٍ. عَبْدُ العَزِيْزِ (3) بنُ المُخْتَارِ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو أَسْفَلَ بَلْدَحَ قَبْلَ الوَحْي، فَقَدَّمَ إِلَى زَيْدٍ سُفْرَةً فِيْهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَقَالَ: لاَ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُوْنَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، أَنَا لاَ آكُلُ إِلاَّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ يَعِيْبُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَيَقُوْلُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُوْنَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ (4) ؟ أَبُو أُسَامَةَ، وَغَيْرُهُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ   (1) رواية البيت في السيرة لابن هشام 1 / 231: دحاها فلما رآها استوت * على الماء أرسى عليها الجبالا (2) ابن هشام 1 / 231، وميفعة: من أرض البلقاء. (3) تحرفت في المطبوع إلى " الكريم ". (4) أخرجه البخاري (3826) في المناقب: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، و (5499) في الذبائح: باب ما ذبح على النصب والاصنام. وابن سعد 3 / 1 / 277، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 191. وبلد ح: واد قبل مكة من جهة الغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصَابِ، فَذَبَحْنَا لَهُ - ضَمِيْرُ (لَهُ) رَاجِعٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً، وَوَضَعْنَاهَا فِي التَّنُّوْرِ، حَتَّى إِذَا نَضَجَتْ جَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَتِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسِيْرُ وَهُوَ مُرْدِفِي فِي أَيَّامِ الحَرِّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى الوَادِي لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو، فَحَيَّى أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ؟) أَيْ: أَبْغَضُوْكَ. قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنِّي لِغَيْرِ نَائِرَةٍ كَانَتْ مِنِّي إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَرَاهُمْ عَلَى ضَلاَلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي الدِّيْنَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ أَيْلَةَ، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُوْنَ بِهِ، فَدُلِلْتُ عَلَى شَيْخٍ بِالجَزِيْرَةِ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلاَلَةٍ، إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِيْنٍ هُوَ دِيْنُ اللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي أَرْضِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، ارْجِعْ إِلَيْهِ وَاتَّبِعْهُ، فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَحِسَّ شَيْئاً. فَأَنَاخَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَعِيْرَ، ثُمَّ قَدَّمْنَا إِلَيْهِ السُّفْرَةَ. فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْنَا: شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِلنُّصُبِ، كَذَا قَالَ. فَقَالَ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا، وَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ المَبْعَثِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَأْتِي أُمَّةً وَحْدَهُ (1)) . رَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ فِي (الغَرِيْبِ) ، عَنْ شَيْخَيْنِ لَهُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. ثُمَّ قَالَ: فِي ذَبْحِهَا عَلَى النُّصُبِ وَجْهَانِ: إِمَّا أَنَّ زَيْداً فَعَلَهُ عَنْ غَيْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ، فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، لأَنَّ زَيْداً لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ العِصْمَةِ وَالتَّوْفِيْقِ   (1) إسناده حسن. وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4057) ونسبه إلى أبي يعلى. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417، 418 ونسبه إلى أبي يعلى والبزار، والطبراني، وقال: وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث. وابن سعد، مختصرا 3 / 1 / 277 والنائرة: العدواة. وأيله: مدينة على ساحل البحر الاحمر، وهي العقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 مَا أَعْطَاهُ اللهُ لِنَبِيِّهِ، وَكَيْفَ يَجُوْزُ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ مَنَعَ زَيْداً أَنْ يَمَسَّ صَنَماً، وَمَا مَسَّهُ هُوَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ؟ فَكَيْفَ يَرْضَى أَنْ يَذْبَحَ لِلصَّنَمِ؟ هَذَا مُحَالٌ. الثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ ذُبِحَ لِلِّهِ، وَاتّفَقَ ذَلِكَ عِنْدَ صَنَمٍ كَانُوا يَذْبَحُوْنَ عِنْدَهُ. قُلْتُ: هَذَا حَسَنٌ، فَإِنَّمَا الأَعْمَالٌ بِالنِّيَّةِ. أَمَّا زَيْدٌ فَأَخَذَ بِالظَّاهِرِ، وَكَانَ البَاطِنُ لِلِّهِ، وَرُبَّمَا سَكَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِفْصَاحِ خَوْفَ الشَّرِّ، فَإِنَّا مَعَ عِلْمِنَا بِكَرَاهِيَتِهِ لِلأَوْثَانِ، نَعْلَمُ أَيْضاً أَنَّهُ مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مُجَاهِراً بِذَمِّهَا بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَلاَ مُعْلِناً بِمَقْتِهَا قَبْلَ المَبْعَثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ زَيْداً -رَحِمَهُ اللهُ- تُوُفِّيَ قَبْلَ المَبْعَثِ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ إِسْحَاقَ (1) أَنَّ وَرَقَةَ بنَ نَوْفَلٍ رَثَاهُ بِأَبْيَاتٍ، وَهِيَ: رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّوْراً مِنَ النَّارِ حَامِيَا بِدِيْنِكَ رَبّاً لَيْسَ رَبٌّ كَمِثِلِهِ ... وَتَرْكِكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا (2) وَإِدْرَاكِكَ الدِّيْنَ الَّذِي قَدْ طَلَبْتَهُ ... وَلَمْ تَكُ عَنْ تَوْحِيْدِ رَبِّكَ سَاهِيَا فَأَصْبَحْتَ فِي دَارٍ كَرِيْمٍ مُقَامُهَا ... تُعَلَّلُ فِيْهَا بِالكَرَامَةِ لاَهِيَا (3) وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِيْنَ وَادِيَا نَعَم، وَعَدَّ عُرْوَةُ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ فِي البَدْرِيِّيْنَ، فَقَالَ: قَدِمَ مِنَ الشَّامِ بَعْدَ بَدْرٍ، فَكَلَّمَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، وَأَجْرِهِ (4) . وَكَذَلِكَ قَالَ مُوْسَى بنُ   (1) انظر ابن هشام 1 / 232، وجمهرة نسب قريش ص 418 للزبير بن بكار. (2) في الأصل " رب " والتصويب من " سيرة ابن هشام ". (3) بعد هذا البيت بيت خامس عند ابن هشام هو: تلاقي خليل الله فيها ولم تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا وانظر " تهذيب ابن عساكر " 6 / 32، و" البداية " لابن كثير 2 / 238. (4) أخرجه الحاكم 3 / 438، والطبراني (338) و (339) ، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 187، وابن سعد 3 / 1 / 279، والحافظ في " الإصابة " 4 / 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. وَامْرَأَتُهُ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ فَاطِمَةُ، أُخْتُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. أَسْلَمَ سَعِيْدٌ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ (1) . وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوْثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ وَأُخْتَهُ، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً انْقَضَّ بِمَا صَنَعْتُم بِعُثْمَانَ لَكَانَ حَقِيْقاً (2) . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إِسْلاَمِ عُمَرَ فَصْلاً فِي المَعْنَى. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (طَبَقَاتِهِ) ، عَنِ الوَاقِدِيِّ، عَنْ رِجَالِهِ، قَالُوا: لَمَّا تَحَيَّنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُصُوْلَ عِيْرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ، بَعَثَ طَلْحَةَ وَسَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ قَبْلَ خُرُوْجِهِ مِنَ المَدِيْنَةِ بِعَشْرٍ، يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ العِيْرِ، فَبَلَغَا الحَوْرَاءَ، فَلَمْ يَزَالاَ مُقِيْمَيْنِ هُنَاكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمُ العِيْرُ، فَتَسَاحَلَتْ. فَبَلَغَ نَبِيَّ اللهِ الخَبْرُ قَبْلَ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 438، وابن سعد 3 / 1 / 278، والحافظ في " الإصابة " 4 / 188. (2) أخرجه البخاري (3862) في مناقب الانصار: باب إسلام سعيد بن زيد و (3867) فيهما، و (6942) في الاكراه: باب من اختار الضرب، والقتل، والهوان على الكفر. والحاكم 3 / 440 وصححه ووافقه الذهبي، ورواية البخاري الأولى: قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس، قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة، يقول: والله لقد رأيتني، وإن عمر لموثقي على الإسلام، قبل أن يسلم عمر. ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن يرفض " وفي الرواية الثانية " انقض " بالنون والقاف. وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 176: لموثقي عليه الإسلام: أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له، وإلزاما بالرجوع عن الإسلام. " ولو أن أحدا ارفض ": أي زال من مكانه. ورواية " انقض " أي: سقط. " لكان ذلك محقوقا " أي: واجبا. وفي رواية الاسماعيلي: " لكان حقيقا ". وإنما قال سعيد ذلك لعظم قتل عثمان، رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 مَجِيْئِهِمَا، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ يَطْلُبُ العِيْرَ، فَتَسَاحَلَتْ، وَسَارُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَرَجَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيْدٌ لِيُخْبِرَا، فَوَصَلاَ المَدِيْنَةَ يَوْمَ الوَقْعَةِ، فَخَرَجَا يَؤُمَّانِهِ. وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِمَا وَأُجُوْرِهِمَا. وَشَهِدَ سَعِيْدٌ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَالمَشَاهِدَ (1) . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ فِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الشَّهَادَةِ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَر أَنَّهُمَا فِي الجَنَّةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، اذْهَبْ إِلَى حَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ. فَقَالَ سَعِيْدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَذَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِيْنَ) . قَالَ مَرْوَانُ: لاَ أَسَأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ سَعِيْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا (2) . فَمَا مَاتَتْ حَتَّى عَمِيَتْ، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (3) . وَرَوَى: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ   (1) ابن سعد 3 / 1 / 279 وانظر " مستدرك الحاكم " 3 / 369، 438، وابن هشام 1 / 683، و" الاستيعاب " 4 / 188. وانظر الخبر في الطبري 2 / 478، و" الكامل " في التاريخ 2 / 116 - 137، وانظر الصفحة (25) التعليق رقم (3) . (2) تصحفت في المطبوع إلى " الأرض ". (3) أخرجه مسلم (1610) (139) في المساقاة: باب تحريم الظلم وغصب الأرض. والبخاري (3198) في بدء الخلق: باب ما جاء في سبع أرضين والرواية فيه " شبرا " بدل " شيئا " و (2452) من طريق أخرى مختصرا في المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. وأحمد 1 / 188، 189، 190، مختصرا ومن طرق عن سعيد بن زيد. وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 96، 97، بروايات متعددة. وهو كذلك في " الاستيعاب " 4 / 191، و" الإصابة " 4 / 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الرَّحْمَنِ (1) نَحْوَهُ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَى: المُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ (2) عُمَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ (3) فِي حَدِيْثِهِ: سَأَلَتْ أَرْوَى سَعِيْداً أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، وَقَالَتْ: قَدْ ظَلَمْتُكَ. فَقَالَ: لاَ أَرُدُّ عَلَى اللهِ شَيْئاً أَعْطَانِيْهِ. قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ سَعِيْداً مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ، لأَنَّهُ خَتَنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ الرَّافِضِيُّ: حَابَى (4) ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ وَعَصَبَتَهُ. فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ (5) لِلِّهِ. خَالِدٌ الطَّحَّانُ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ قَالَ: كَتَبَ   (1) العلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الحرقي أبو شبل المدني، مولى الحرقة، وأبو عبد الرحمن بن يعقوب يروي عن الصحابة. وذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 192 عن الزبير بن بكار، حدثني إبراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن أروى ... وذكره. والحديث بهذا السند عند ابن عساكر في تاريخه. وأخرجه أحمد 2 / 388، ومسلم (1611) ، وأبو داود الطيالسي 1 / 277 من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. (2) سقطت " ابن " من المطبوع. وذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 191 ونسبه إلى الزبير ابن بكار. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 96 من طريق: العمري، عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه البخاري 5 / 76 في المظالم، من طريق: مسلم بن إبراهيم، عن ابن المبارك، عن موسى ابن عقبة، عن سالم، عن أبيه. (3) في الأصل " حاتم " والصواب ما أثبتناه كما جاء في هامش الأصل: صوابه: قال ابن أبي حازم بالزاي " وهو عبد العزيز المتقدم ذكره. وكنيته أبو محمود. (4) تحرفت في المطبوع إلى " خلف ". (5) تحرفت في المطبوع إلى " العهد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُبَايِعَ لابْنِهِ يَزِيْدَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ: مَا يَحْبِسُكَ؟ قَالَ: حَتَّى يَجِيْءُ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فَيُبَايِعُ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ البَلَدِ، وَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ. قَالَ: أَفَلاَ أَذْهَبُ فَآتِيْكَ بِهِ؟ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . أُنْبِئْنَا وَأُخْبِرْنَا عَنْ حَنْبَلٍ سَمَاعاً، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ وَمَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ - وَقَالَ حُصَيْنٌ: عَنِ ابْنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ) . وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ (2) . ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اسْتُصْرِخَ عَلَى سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ يَوْمَ الجُمُعَةِ، بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ بِالعَقِيْقِ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ (3) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (4) . وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَذْرَبُ،   (1) أخرجه الحاكم 3 / 439 وسكتا عنه، والطبراني (345) في " الكبير "، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 112 من طريق: حسن بن مدرك، عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن عطاء بن السائب، به. (2) أخرجه أحمد 1 / 187، 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء. والترمذي (3758) في المناقب: باب مناقب سعيد بن زيد، وابن ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة. وهو حديث صحيح. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 279 - 280. وأخرجه الحاكم 3 / 438 من طريق محمد بن الصباح، عن هشيم، عن يحيى بن سعيد، به ... ورجاله ثقات. (4) برقم (3990) في المغازي، وهو في " المصنف " (5497) ، و" سنن البيهقي " 3 / 185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فَقَالَتْ أُمُّ سَعِيْدٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أَتُحَنِّطُهُ بِالمِسْكِ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ طِيْبٍ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ؟ فَنَاوَلَتْهُ مِسْكاً (1) . سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ: حَدَّثَنَا الجُعَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ بِالعَقِيْقِ، فَغَسَّلَهُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَفَّنَهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ (2) . وَرَوَى (3) غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالعَقِيْقِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقُبرِ بِالمَدِيْنَةِ، نَزَلَ فِي قَبْرِهِ سَعْدٌ وَابْنُ عُمَرَ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَشِهَابٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدٌ رَجُلاً آدَمَ، طَوِيْلاً، أَشْعَرَ. وَقَدْ شَذَّ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ فَقَالَ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ سِيْرَةِ العَشَرَةِ، وَهُمْ أَفْضَلُ قُرَيْشٍ، وَأَفْضَلُ السَّابِقِيْنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَأَفْضَلُ البَدْرِيِّيْنَ، وَأَفْضَلُ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَسَادَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَأَبْعَدَ اللهُ الرَّافِضَةَ مَا أَغْوَاهُمْ، وَأَشَدَّ هَوَاهُمْ، كَيْفَ اعْتَرَفُوا بِفَضْلِ وَاحِدٍ مِنْهُم، وَبَخَسُوا التِّسْعَةَ حَقَّهُمْ، وَافْتَرَوْا عَلَيْهِمْ (4) بِأنَّهُمْ كَتَمُوا النَّصَّ فِي عَلِيٍّ أَنَّهُ الخَلِيْفَةُ؟ فَوَاللهِ مَا جَرَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَأَنَّهُمْ زَوَّرُوا الأَمْرَ عَنْهُ بِزَعْمِهِمْ، وَخَالَفُوا نَبِيَّهُمْ، وَبَادَرُوا إِلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمً، يَتَّجِرُ وَيَتَكَسَّبُ،   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 280. والذرب: داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ويفسد فيها ولا تمسكه. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 279. (3) تحرفت في المطبوع إلى " قال ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " عليه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 لاَ لِرَغْبَةٍ فِي أَمْوَالِهِ، وَلاَ لِرَهْبَةٍ مِنْ (1) عَشِيْرَتِهِ وَرِجَالِهِ، وَيْحَكَ أَيَفْعَلُ هَذَا مَنْ لَهُ مسْكَةُ عَقْلٍ؟ وَلَوْ جَازَ هَذَا عَلَى وَاحِدٍ لَمَا جَازَ عَلَى جَمَاعَةٍ، وَلَوْ جَازَ وُقُوْعُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ، لاَسْتَحَالَ وُقُوْعُهُ وَالحَالَةُ هَذِهِ مِنْ أُلُوْفٍ مِنْ سَادَةِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَفُرْسَانِ الأُمَّةِ، وَأَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، لَكِنْ لاَ حِيْلَةَ فِي بُرْء الرَّفْضِ، فَإِنَّهُ دَاءٌ مُزْمِنٌ، وَالهُدَى نُوْرٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. حَدِيْثٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ مُنْكَرٌ جِدّاً. رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (المُعْجَمِ الكَبِيْرِ) : حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَقَالَ أَبُو عَمْروِ بنُ حَمْدَانَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ فِي (مُسْنَدِهِ) ، قَالاَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ عَبَّادٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مَعْنٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسْجِدَ المَدِيْنَةِ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: (أَيْنَ فُلاَنٌ، أَيْنَ فُلاَنٌ؟) . فَلَمْ يَزَلْ يَتَفَقَّدُهُمْ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى اجْتَمَعُوا. فَقَالَ: (إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيْثٍ، فَاحْفَظُوْهُ وَعُوْهُ: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ خَلْقِهِ خَلْقاً يُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، وَإِنِّي مُصْطَفٍ مِنْكُم، وَمُؤَاخٍ بَيْنَكُمْ كَمَا آخَى اللهُ بَيْنَ المَلاَئِكَةِ، قُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ) . فَقَامَ، فَقَالَ: (إِنَّ لَكَ عِنْدِي يَداً، إِنَّ اللهَ يَجْزِيْكَ بِهَا، فَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً لاَتَّخَذْتُكَ، فَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ قَمِيْصِي مِنْ جَسَدِي. ادْنُ يَا عُمَرُ) . فَدَنَا، فَقَالَ: (قَدْ كُنْتَ شَدِيْدَ الشَّغَبِ عَلَيْنَا، فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعِزَّ بِكَ الدِّيْنَ أَوْ بِأَبِي جَهْلٍ، فَفَعَلَ اللهُ بِكَ ذَلِكَ، وَأَنْتَ مَعِي فِي الجَنَّةِ ثَالثَ ثَلاَثَةٍ) . ثُمَّ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيْهِ حَتَّى أَلْصَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَسَبَّحَ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ لَكَ شَأْناً فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، أَنْتَ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ. فَأَقُوْلُ:   (1) تحرفت في المطبوع إلى " في ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ فتَقُوْلُ: فُلاَنٌ) . ثُمَّ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: (ادْنُ يَا أَمِيْنَ اللهِ، وَالأَمِيْنُ فِي السَّمَاءِ، يُسَلِّطُكَ اللهُ عَلَى مَالِكَ بِالحَقِّ، أَمَا إِنَّ لَكَ عِنْدِي دَعْوَةٌ قَدْ أَخَّرْتُهَا) . قَالَ: خِرْ لِي يَا رَسُوْلَ اللهِ! قَالَ: (حَمَّلْتَنِي أَمَانَةً: أَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ) وَآخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ. ثُمَّ دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَدَنَوا مِنْهُ، فَقَالَ: (أَنْتُمَا حَوَارِيَّ، كَحَوَارِيِّ عِيْسَى) وَآخَى بَيْنَهُمَا. ثُمَّ دَعَا سَعْداً وَعَمَّاراً، فَقَالَ: (يَا عَمَّارُ! تَقْتُلُكَ الفِئَة البَاغِيَةُ) ثُمَّ آخَى بَيْنَهُمَا. ثُمَّ دَعَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ، فَقَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَنْتَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ، وَقَدْ آتَاكَ اللهُ العِلْمَ الأَوَّلَ وَالعِلْمَ الآخِرَ، يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! إِنْ تَنْقُدْهُمْ يَنْقُدُوْكَ، وَإِنْ تَتْرُكْهُمْ يَتْرُكُوْكَ، وَإِنْ تَهْرُبْ مِنْهُمْ يُدْرِكُوكَ، فَأَقْرِضْهُمْ عِرْضَكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ) ثُمَّ آخَى بَيْنَهُمَا. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَهْدِي مِنَ الضَّلاَلَةِ) . فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ذَهَبَ رُوْحِي، وَانْقَطَعَ ظَهْرِي حِيْنَ تَرَكْتَنِي. قَالَ: (مَا أَخَّرْتُكَ إِلاَّ لِنَفْسِي، وَأَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى، وَوَارِثِي) . قَالَ: مَا أَرِثُ مِنْكَ؟ قَالَ: (كِتَابَ اللهِ، وَسُنَةَ نَبِيِّهِ، وَأَنْتَ مَعِي فِي قَصْرِي فِي الجَنَّةِ مَعَ فَاطِمَةَ) ، وَتَلاَ: {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِيْنَ} [الْحجر: 47] . زَيْدٌ (1) : لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ المَوْضُوْعِ. وَقَدْ رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ   (1) زيد هذا ذكره البخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 386 وأشار إلى حديثه هذا وقال: لا يتابع عليه. وقال، بعد أن ذكر إسناده في " التاريخ الصغير " 1 / 217: هذا إسناد مجهول لا يتابع عليه، ولا يعرف سماع بعضهم من بعض وترجمه الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 4 / 40 وقال: روى حديثه ابن أبي حاتم والحسن بن سفيان، والبخاري في " التاريخ الصغير " من طريق: ابن شرحبيل عن رجل من قريش، عن ابن أبي أوفى. ونقل عن ابن السكن قوله: روي حديثه من ثلاث طرق وليس فيها ما يصح، وذكر قول البخاري المتقدم أيضا. وقد ذكره السيوطي في " الدر المنثور " مختصرا 4 / 102 ونسبه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي القاسم البغوي، وابن مردويه، وابن عساكر. وانظر " تفسير ابن كثير " في تفسير الآية (47) من سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الطَّبَرِيُّ، عَنْ حُسَيْنٍ الدَّارِعِ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَأَسْقَطَ مِنْهُ، عَنْ رَجُلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدٍ (2) . وَرَوَاهُ: مُطَيَّنٌ مُخْتَصَراً، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ حَمَّادٍ النَّصْرِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى (3) . وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحلوَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ البَاهِلِيُّ - يُقَالُ اسْمُهُ: جَعْفَرُ بنُ مَرْزُوْقٍ - عَنْ غِيَاثِ بنِ شُقَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الجُمَحِيِّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ: (يَا أَبَا بَكْرٍ! تَعَالَ، وَيَا عُمَرُ! تَعَالَ) وَذَكَرَ حَدِيْثَ المُؤَاخَاةِ، إِلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي أَسْمَاءِ الإِخْوَانِ، وَزَادَ وَنَقَصَ مِنْهُمْ. تَفَرَّدَ بِهِ: شَبَابَةُ، وَلاَ يَصِحُّ. وَالمَحْفُوْظُ أَنَّهُ آخَى بَيْنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، لِيَحْصَلَ بِذَلِكَ مُؤَازَرَةٌ وَمُعَاوَنَةٌ لِهَؤُلاَءِ بِهَؤُلاَءِ. لِسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيْثَيْنِ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَالِثٍ.   (1) السمري: بكسر السين المهملة، وتشديد الميم المفتوحة، نسبة إلى: سمر بلد من أعمال كسكر، وهو بين واسط والبصرة. قال السمعاني في " الأنساب " 7 / 137: والمشهور بهذه النسبة أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمري. (2) ذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 2 / 278 وإسناده مسلسل بالضعفاء والمجاهيل. (3) في " التاريخ الصغير " 1 / 217: ورواه بعضهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 - السَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ. هُمْ: خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ، وَزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ النَّبَوِيُّ، ثُمَّ عُثْمَانُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَالأَرْقَمُ بنُ أَبِي الأَرْقَمِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ المَخْزُوْمِيَّانِ، وَعُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيُّ، وَعُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ المُطَّلِبِ المُطَّلِبِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ، وَخَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ الخُزَاعِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُمَيْرُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَخُو سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَمَسْعُوْدُ بنُ رَبِيْعَةَ القَارِئُ مِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَسَلِيْطُ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدِ شَمْسٍ العَامِرِيُّ، وَعَيَّاشُ بنُ أَبِي رَبِيْعَةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَلاَمَةَ التَّمِيْمِيَّةُ، وَخُنَيْسُ بنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَعَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ العَنْزِيُّ، حَلِيْفُ آلِ الخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَحْشِ بنِ رِئَابٍ الأَسَدِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَحَاطِبُ بنُ الحَارِثِ الجُمَحِيُّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ المُجَلَّلِ العَامِرِيَّةُ، وَأَخُوْهُ خَطَّابٌ، وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَأَخُوْهُمَا مَعْمَرُ بنُ الحَارِثِ، وَالسَّائِبُ وَلَدُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ أَزْهَرَ بنِ عَبْد عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفٍ السَّهْمِيَّةُ، وَالنَّحَّامُ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَدَوِيُّ، وَعَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى الصِّدِّيْقِ، وَخَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمَيْمَةُ (1) بِنْتُ خَلَفٍ الخُزَاعِيَّةُ، وَحَاطِبُ بنُ عَمْرٍو العَامِرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ العَبْشَمِيُّ، وَوَاقِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ التَّمِيْمِيُّ اليَرْبُوْعِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَخَالِدٌ، وَعَامِرٌ، وَعَاقِلٌ، وَإِيَاسٌ، بَنُو البُكَيْرِ بنِ   (1) في الأصل: " أمينة " وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 عَبْدِ يَا لَيْل اللَّيْثِيُّ، حُلفَاءُ بَنِي عَدِيٍّ، وَعَمَّارُ بنُ يَاسِرِ بنِ عَامِرٍ العَنْسِيُّ - بِنُوْنٍ (1) - حَلِيْفُ بَنِي مَخْزُوْمٍ، وَصُهَيْبُ بنُ سِنَانِ بن مَالِكٍ النَّمِرِيُّ، الرُّوْمِيُّ المَنْشَأِ، وَوَلاَؤُهُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ، وَأَبُو ذَرٍّ جُنْدبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو نُجَيْحٍ عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ البَجَلِيُّ، لَكِنَّهُمَا رَجَعَا إِلَى بِلاَدِهِمَا. فَهَؤُلاَءِ الخَمْسُوْنَ (2) مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. وَبَعْدَهُم أَسْلَمَ: أَسَدُ اللهِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَالفَارُوْقُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، عِزُّ الدِّيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْنَ -. 7 - مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرِ * بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ البَدْرِيُّ ابْنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، السَّيِّدُ، الشَّهِيْدُ، السَّابِقُ (3) ، البَدْرِيُّ، القُرَشِيُّ، العَبْدَرِيُّ. قَالَ البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ. فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: هُوَ مَكَانَهُ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي. ثُمَّ   (1) هذه النسبة إلى " عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي " وقال الواقدي وغيره من أهل العلم بالنسب والخبر: إن ياسرا والد عمار عرني تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عمارا. (2) فيه نظر، لان عدتهم واحد وخمسون لا خمسون. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 81 - 86، نسب قريش: 245، تاريخ خليفة: 69، التاريخ الصغير: 1 / 21، 25، الجرح والتعديل: 8 / 303، حلية الأولياء: 1 / 106 - 108، الاستيعاب: 10 / 251 - 253، أسد الغابة: 5 / 181 - 184، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 96 - 97، العبر: 1 / 5، طبقات القراء: 2 / 299، العقد الثمين: 7 / 214 - 216، الإصابة: 9 / 208 - 209، كنز العمال: 13 / 482. (3) سقطت من مطبوعة دار المعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أَتَانَا بَعْدَهُ عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، أَخُو بَنِي فِهْرٍ، الأَعْمَى ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُم مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَطُّوا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ) . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يُهْدِبُهَا (2) . شُعْبَةُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ: أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَبْكِي، فَقَالَ: قُتِل حَمْزَة، فَلَمْ يُوْجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيْهِ إِلاَّ ثَوْباً   (1) أخرجه البخاري (3924) و (3925) في مناقب الانصار: باب مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة من طريق شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يقرئون الناس. فقدم بلال وسعد، وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الاماء يقلن: قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما قدم حتى قرأت " سبح اسم ربك الأعلى " في سور من المفصل. وأما " قوله: ما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه؟ قال: هم على أثري " فهي من رواية ابن أبي شيبة. انظر " فتح الباري " 7 / 260. (2) أخرجه أحمد 5 / 112 و6 / 390، والبخاري (1286) في الجنائز: باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه، و (3897) في مناقب الانصار: باب هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، (3913) و (3914) في مناقب الانصار: باب هجرة النبي، و (4047) في المغازي: باب غزوة أحد، و (4082) في المغازي: باب من قتل من المسلمين يوم أحد، و (6432) في الرقاق: باب ما يحذر من زهرة الدنيا، و (6448) في الرقاق: باب فضل الفقر. ومسلم (940) في الجنائز: باب كفن الميت. وأبو داود (3155) في الجنائز، والترمذي (3852) في المناقب. والنسائي 4 / 28 في الجنائز: باب القميص في الكفن. وابن سعد 3 / 1 / 85 - 86. والنمرة: بردة من صوف تلبسها الاعراب. والاذخر: نبت معروف طيب الريح يبيض إذا يبس. يهدبها: يجتنيها، وقد تصحفت في المطبوع إلى " يهديها ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَاحِداً، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوْجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيْهِ إِلاَّ ثَوْباً وَاحِداً، لَقَدْ خَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، وَجَعَلَ يَبْكِي (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ زِيَادٍ، عَنِ القُرَظِيِّ (2) ، عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ: إِنَّهُ اسْتَقَى لِحَائِطِ يَهُوْدِيٍّ بِمِلْءِ كَفِّهِ تَمْراً. قَالَ: فَجِئْتُ المَسْجِدَ، فَطَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ فِي بُرْدَةٍ لَهُ مَرْقُوْعَةٍ بِفَرْوَةٍ، وَكَانَ أَنْعَمَ غُلاَمٍ بِمَكَّةَ وَأَرْفَهَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ النَّعِيْمِ، وَرَأَى حَالَهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غُدِيَ عَلَى أَحَدِكُم بِجَفْنَةٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ؟) . فَقُلْنَا: نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ، نُكْفَى المُؤْنَةَ، وَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ. فَقَالَ: (بَلْ أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ) (3) .   (1) أخرجه البخاري (1274) و (1275) في الجنائز: باب: الكفن من جميع المال، من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أتي بطعام، وكان صائما. فقال: " قتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه. أراه قال: وقتل حمزة، وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا. ثم جعل يبكي، حتى ترك الطعام " وأخرجه أيضا (4045) في المغازي: باب غزوة أحد. (2) القرظي: نسبة إلى بني قريظة. وهو محمد بن كعب. وقد تحرفت في المطبوع إلى " القرطبي ". (3) أخرجه الترمذي (2478) في صفة القيامة: باب حال مصعب بن عمير بعد الإسلام. وقال: حديث حسن غريب. ويزيد بن زياد هو مولى بني مخزوم، ثقة. وباقي السند رجاله ثقات. سوى الواسطة بين محمد بن كعب وعلي، فإنه لا يعرف. وأورده ابن سعد 3 / 1 / 82، وابن الأثير في " أسد الغابة " 5 / 182 وأخرجه الحاكم 3 / 628 من طريق موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عروة بن الزبير، عن أبيه بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا قَبْلَ الهِجْرَةِ يُصِيْبُنَا ظَلفُ العَيْشِ وَشِدَّتُهُ، فَلاَ نَصْبِرُ عَلَيْهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ هَاجَرْنَا، فَأَصَابَنَا الجُوْعُ وَالشِّدَّةُ، فَاسْتَضْلَعْنَا بِهِمَا، وَقَوِيْنَا عَلَيْهِمَا. فَأَمَّا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَتْرَفَ غُلاَمٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فِيْمَا بَيْنَنَا، فَلَمَّا أَصَابَهُ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّ جِلْدَهُ لَيَتَطَايَرُ عَنْهُ تَطَايُرَ جِلْدِ الحَيَّةِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْقَطِعُ بِهِ، فَمَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَمْشِي، فَنَعْرِضُ لَهُ القِسِيَّ ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى عَوَاتِقِنَا. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَرَّةً، قُمْتُ أَبُوْلُ مِنَ اللَّيْلِ، فَسَمِعْتُ تَحْتَ بَوْلِي شَيْئاً يُجَافِيْهِ، فَلَمَسْتُ بِيَدِي، فَإِذَا قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدِ بَعِيْرٍ، فَأَخَذْتُهَا، فَغَسَلْتُهَا حَتَّى أَنْعَمْتُهَا، ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا بِالنَّارِ، ثُمَّ رَضَضْتُهَا، فَشَقَقْتُ مِنْهَا ثَلاَثَ شقَّاتٍ، فَاقْتَوَيْتُ بِهَا ثَلاَثاً (1) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ دُوْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُتِلَ. قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ يَظُنُّهُ رَسُوْلَ اللهِ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّداً. فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ، أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللِّوَاءَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَرِجَالاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ (2) .   (1) رجاله ثقات. إلا أن صالح بن كيسان، مؤدب عمر بن عبد العزيز، لم يدرك سعد بن مالك فهو منقطع. وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 5 / 182، والحافظ في " الإصابة " 9 / 209 من طريق ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد عن سعد. وقوله: فاقتويت بها ثلاثا: أي تقويت. يقال: قوي فهو قوي: وتقوى واقتوى. وقال رؤبة: وقوة الله بها اقتوينا. (2) انظر ابن هشام 2 / 73، وابن سعد 3 / 1 / 85 و" الاستيعاب " 10 / 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 - وَمِنْ شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُدٍ: حَمْزَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَحْشٍ الأَسَدِيُّ، ابْنُ أُخْتِ حَمْزَةَ، فَدُفِنَا فِي قَبْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُثْمَانَ المَخْزُوْمِيُّ، لَقَبُهُ شَمَّاسُ لِمَلاَحَتِهِ. وَمِنَ الأَنْصَارِ: عَمْرُو بنُ مُعَاذٍ الأَوْسِيُّ، أَخُو سَعْدٍ (1) ، وَابْنُ أَخِيْهِ الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ، وَالحَارِثُ بنُ أنيْسٍ، وَعمَارَةُ بنُ زِيَادِ بنِ السَّكَنِ، وَرِفَاعَةُ بنُ وَقشٍ، وَابْنَا أَخِيْهِ؛ عَمْرٌو وَسَلَمَةُ ابْنَا ثَابِتِ بنِ وَقشٍ، وَصَيْفِيُّ بنُ قَيْظِيٍّ، وَأَخُوْهُ جنَابٌ، وَعَبَّادُ (2) بنُ سَهْلٍ، وَعُبَيْدُ بنُ التَّيِّهَانِ، وَحَبِيْبُ بنُ زَيْدٍ، وَإِيَاسُ بنُ أَوْسٍ الأَشْهَلِيُّوْنَ، وَاليَمَانُ وَالِدُ حُذَيْفَةَ، وَزَيْدُ بنُ حَاطِبٍ الظَّفَرِيُّ، وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ حَارِثِ بنِ قَيْسٍ، وَغَسِيْلُ المَلاَئِكَةِ حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمَالِكُ بنُ أُمَيَّةَ، وَعَوْفُ بنُ عَمْرٍو، وَأَبُو حَيَّةَ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جُبَيْرِ بنِ النُّعْمَانِ، وَخَيْثَمَةُ وَالِدُ سَعْدٍ، وَحَلِيْفُهُ عَبْدُ اللهِ، وَسُبَيْعُ بنُ حَاطِبٍ، وَحَلِيْفُهُ مَالِكٌ، وَعُمَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، فَهَؤُلاَءِ مِنَ الأَوْسِ. وَمِنَ الخَزْرَجِ: عَمْرُو بنُ قَيْسٍ، وَوَلَدُهُ قَيْسٌ، وَثَابِتُ بنُ عَمْرٍو، وَعَامِرُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو هُبَيْرَةَ بنُ الحَارِثِ، وَعَمْرُو بنُ مُطَرِّفٍ، وَإِيَاسُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَوْسُ بنُ ثَابِتٍ، وَالِدُ شَدَّادٍ، وَأَنَسُ بنُ النَّضْرِ، وَقَيْسُ بنُ مُخَلَّدٍ النَّجَّارِيُّوْنَ، وَكَيْسَانُ مَوْلَى بَنِي النَّجَّارِ، وَسُلَيْمُ بنُ الحَارِثِ، وَنُعْمَانُ بنُ عَبْدِ عَمْرٍو. وَمِنْ بَنِي الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنُ أَبِي زُهَيْرٍ، وَأَوْسُ بنُ أَرْقَم، وَمَالِكٌ وَالِدُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَسَعِيْدُ بنُ سُوَيْدٍ، وَعُتْبَةُ بنُ رَبِيْعٍ،   (1) تحرفت في المطبوع إلى " سعيد ". (2) في الأصل " عبادة " وهو خطأ. والتصحيح من " أسد الغابة " 3 / 153، وابن هشام، و" الاستيعاب " ت: 1359، و" الإصابة " 5 / 314. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَثَعْلَبَةُ بنُ سَعْدٍ، وَثَقْفُ بن فَرْوَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَضَمْرَةُ الجُهَنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ إِيَاسٍ، وَنَوْفَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَادَةُ بنُ الحَسْحَاسِ، وَعَبَّاسُ بنُ عُبَادَةَ، وَنُعْمَانُ بنُ مَالِكٍ، وَالمُجَذَّرُ بنُ زِيَادٍ البَلَوِيُّ، وَرِفَاعَةُ بنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بنُ إِيَاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ وَالِدُ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ، وَابْنُهُ خَلاَّدٌ، وَمَوْلاَهُ أَسِيْر، وَسُلَيْمُ بنُ عَمْرِو بنِ حَدِيْدَةَ، وَمَوْلاَهُ عَنْتَرَةُ، وَسُهَيْلُ بنُ قَيْسٍ، وَذَكْوَانُ، وَعُبَيْدُ بنُ المُعَلَّى بن لوْذَانَ. 8 - أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ بنِ هِلاَلِ * (ت، ق) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ. السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، أَخُو رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَابْنُ عَمَّتِهِ: بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَشَهِدَ بَدْراً، وَمَاتَ بَعْدَهَا بِأَشْهُرٍ، وَلَهُ أَوْلاَدٌ (1) صَحَابَةٌ: كَعُمَرَ، وَزَيْنَب، وَغَيْرِهِمَا. وَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَوْجَتِهِ أُمّ سَلَمَةَ، تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَتْ عَنْ زَوْجِهَا أَبِي سَلَمَةَ القَوْلَ عِنْدَ المُصِيْبَةِ، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا ظَنَّتْ أَنَّ اللهَ يُخْلِفُهَا فِي مُصَابِهَا بِهِ بِنَظِيْرِهِ، فَلَمَّا فُتِحَ عَلَيْهَا بِسَيِّدِ البَشَرِ، اغْتَبَطَتْ أَيّمَا اغْتِبَاطٍ.   (*) مسند أحمد: 4 / 27، وابن سعد: 2 / 1 / 170 - 172، نسب قريش: 337، الجرح والتعديل: 5 / 107، حلية الأولياء: 2 / 3، الاستيعاب: 6 / 271 - 273، أسد الغابة: 3 / 294 296، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 240، تهذيب الكمال: 1609، تاريخ الإسلام: 1 / 80، العقد الثمين: 5 / 193 و8 / 52، تهذيب التهذيب: 5 / 287، الإصابة: 6 / 140 - 142. (1) تحرفت في المطبوع إلى " من الاولاد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مَاتَ كَهْلاً، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ الحَبَشَةِ، فَأجَارَهُ أَبُو طَالِبٍ. قُلْتُ: رَجَعُوا حِيْنَ سَمِعُوا بِإِسْلاَمِ أَهْلِ مَكَّةَ، عِنْدَ نُزُوْلِ سُوْرَة وَالنَّجْمِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: وَلَدَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِالحَبَشَةِ: سَلَمَةَ، وَعُمَرَ، وَدُرَّةَ، وَزَيْنَب. قُلْتُ: هَؤُلاَءِ مَا وُلِدُوا بِالحَبَشَةِ إِلاَّ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ. الأَعْمَشُ: عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا حَضَرْتُمْ المَيِّتَ فَقُوْلُوا خَيْراً، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُوْلُوْنَ) . قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كَيْفَ أَقُوْلُ؟ قَالَ: (قُوْلِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَعْقِبْنَا منهُ عُقْبَى صَالِحَةً) . فَأَعْقَبَنِي اللهُ خَيْراً مِنْهُ؛ رَسُوْلَ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ مُصِيْبَةٌ، فَلْيَقُلْ: إِنَّا لِلِّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ   (1) أخرجه مسلم (919) في الجنائز: باب ما يقال عند المريض والميت، وأبو داود (3115) في الجنائز: باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام، والترمذي (977) في الجنائز: باب ما جاء في تلقين الميت عند الموت والدعاء له عنده، والنسائي 2 / 4، 5 في الجنائز: باب كثرة ذكر الموت، وابن ماجه (1447) في الجنائز: باب: ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 رَاجِعُوْنَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيْبَتِي، فَأْجُرْنِي فِيْهَا، وَأَبْدِلْنِي خَيْراً مِنْهَا) . فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتَ ذَلِكَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُوْلَ: وَأَبْدِلْنِي خَيْراً مِنْهَا، فَقُلْتُ: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى قُلْتُهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَرَدَّتْهُ، وَخَطَبَهَا عُمَرُ، فَرَدَّتْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَتْ: مَرْحَباً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِرَسُوْلِهِ (1) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) .   (1) سقطت من المطبوع. (2) أخرجه مسلم (918) في الجنائز: باب ما يقال عند المصيبة. من طرق عن عمر بن كثير بن أفلح، عن ابن سفينة - مولى أم سلمة - عن أم سلمة. وأخرجه أحمد 6 / 313، وأبو داود (3119) في الجنائز: باب في الاسترجاع، والنسائي 6 / 81 في النكاح: باب إنكاح الا بن أمه، كلهم من طريق: حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: قال أبو سلمة. وأخرجه الترمذي (3506) في الدعوات: باب الدعاء عند المصيبة وابن ماجه (1598) في الجنائز: باب ما جاء في الصبر على المصيبة، والحاكم 3 / 629 كلهم من طريق: عمر بن أبي سلمة، عن أمه أم سلمة عن أبي سلمة. وأخرجه مالك ص 163 في الجنائز: باب جامع الحسبة في المصيبة. من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أم سلمة أن رسول الله. وتمامه من المسند: " أخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أني امرأة غيرى، واني مصبية، وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد. فبعث إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: أما قولك: إني مصيبة فإن الله سيكفيك صبيانك. وأما قولك: أبي غيرى، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك. وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سير ضاني. قلت: يا عمر! قم فزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أما إني لا أنقصك شيئا مما أعطيت أختك فلانة رحيين وجرتين ووسادة من أدم حشوها ليف. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيها فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حييا كريما يستحيي فرجع. ففعل ذلك مرارا، ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، فأقبل ذات يوم وجاء عمار، وكان أخاها لامها، فدخل عليها فانتشطها من حجرها، وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدخل فجعل يقلب بصره في البيت، ويقول: أين زناب؟ ما فعلت زناب؟ قالت: جاء عمار فذهب بها. قال: فبنى بأهله ثم قال: إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ (1) اليَرْبُوْعِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ (2) عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ أُحُداً، وَكَانَ نَازِلاً بِالعَالِيَةِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بنِ زَيْدٍ، فَجُرِحَ بِأُحُدٍ، وَأَقَامَ شَهْراً يُدَاوِي جُرْحَهُ. فَلَمَّا هَلَّ المُحَرَّمُ، دَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (اخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ) . وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، وَقَالَ: (سِرْ حَتَّى تَأْتِيَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ، فَأَغِرْ (3) عَلَيْهِم) . وَكَانَ مَعَهُ خَمْسُوْنَ وَمَائَةٌ، فَسَارُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى أَدْنَى (4) قطنٍ مِنْ مِيَاهِهِم، فَأَخَذُوا سرْحاً لَهُم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ بَعْدَ بِضْع عَشْرَة لَيْلَةً (5) . قَالَ عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ المَدِيْنَةَ انْتَقَضَ جُرْحُهُ، فَمَاتَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ (6) جُمَادَى الآخِرَةِ، يَعْنِي: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ. 9 - عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنِ بنِ حَبِيْبِ بنِ وَهْبٍ الجُمَحِيُّ * ابْنِ حُذَافَةَ بنِ جُمَح بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ بنِ كَعْبٍ الجُمَحِيُّ، أَبُو السَّائِبِ.   (1) سقط من المطبوع لفظ " عثمان ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " عن ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " فاعبر ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " ذي ". (5) انظر هذا الخبر في " البداية " لابن كثير 4 / 61 نقلا عن الواقدي، وعند ابن سعد 3 / 1 / 171 من غير هذا الطريق. (6) تحرفت في المطبوع إلى " في ". (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 286 - 291، نسب قريش: 393، طبقات خليفة: 25، تاريخ خليفة: 65، التاريخ الكبير: 6 / 210، التاريخ الصغير: 1 / 20، 21، حلية الأولياء: 1 / 102 - 106، الاستيعاب: 8 / 60 - 68، أسد الغابة: 3 / 598 - 601، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 325 - 326، العبر: 1 / 4، مجمع الزوائد: 9 / 302، العقد الثمين: 6 / 49 - 50، الإصابة: 6 / 395، كنز العمال: 13 / 525، شذرات الذهب: 1 / 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 مِنْ سَادَةِ المُهَاجِرِيْنَ، وَمِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، الَّذِيْنَ فَازُوا بِوَفَاتِهِم فِي حَيَاةِ نَبِيِّهِم، فَصَلَّى عَلَيْهِم. وَكَانَ أَبُو السَّائِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَوَّلَ مَنْ دُفِنَ بِالبَقِيْعِ (1) . رَوَى كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ المَدَنِيُّ، عَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا دَفَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ، قَالَ لِرَجُلٍ: (هَلُمَّ تِلْكَ الصَّخْرَةَ، فَاجْعَلْهَا عِنْدَ قَبْرِ أَخِي، أَعْرِفْهُ بِهَا، أَدْفُنُ إِلَيْهِ مَنْ دَفَنْتُ مِنْ أَهْلِي) . فَقَامَ الرَّجُلُ، فَلَمْ يُطِقْهَا، فَقَالَ - يَعْنِي الَّذِي حَدَّثَهُ -: فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاعِدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ احْتَمَلَهَا، حَتَّى وَضَعَهَا عِنْدَ قَبْرِهِ (2) . هَذَا مُرْسَلٌ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُوْلُ: رَدَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ (3) التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ (4) لَهُ لاَخْتَصَيْنَا (5) .   (1) " الاستيعاب " 8 / 63 و" الإصابة " 6 / 395. (2) أخرجه أبو داود (3206) في الجنائز: باب في جمع الموتى في قبر واحد وعنه البيهقي 3 / 412 وسنده حسن لكنه مرسل كما قال المؤلف، فإن المطلب هو ابن عبد الله، ابن المطلب، بن حنطب بن الحارث المخزومي، تابعي. وقد أخطأ من ظنه المطلب بن أبي وداعة الصحابي. فإن كثير بن زيد إنما روى عن الأول ولم يرو عن الثاني. وأخرجه ابن ماجه (1561) من طريق: العباس بن جعفر، عن محمد بن أيوب الواسطي، عن عبد العزيز بن محمد، عن كثير بن زيد، عن زينب بنت نبيط، عن أنس بن مالك. وهذا سند حسن كما قال البوصيري في الزوائد، ورقة (101) . (3) " ابن مظعون " سقطت من المطبوع. (4) تحرفت في المطبوع إلى " لان ". (5) أخرجه أحمد 1 / 175، 176، 183، والبخاري (5073) و (5074) في النكاح: باب ما يكره من التبتل والخصاء، ومسلم (1402) وما بعده، في النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت إليه نفسه، والترمذي (1083) في النكاح: باب ما جاء في النهي عن التبتل، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6 / 58 في النكاح: باب النهي عن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ: أَسْلَمَ أَبُو السَّائِبِ بَعْدَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَكَانَ عَابِداً (1) مُجْتَهِداً، وَكَانَ هُوَ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ هَمُّوا أَنْ يَخْتَصُوا (2) . وَرُوِيَ مِنْ مَرَاسِيْلِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ دُفِنَ بِبَقِيْعِ الغَرْقَدِ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ، فَوَضَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَراً، وَقَالَ: (هَذَا قَبْرُ فَرَطِنَا (3)) . وَكَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ الخَمْرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: قَالَ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ: لاَ أَشْرَبُ شَرَاباً يُذْهِبُ عَقْلِي، وَيُضْحِكُ بِي مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنِّي، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَنْ أَنْكَحَ كَرِيْمَتِي. فَلَمَّا حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالَ: تَبّاً لَهَا، قَدْ كَانَ بَصَرِي فِيْهَا ثَاقِباً (4) . هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ لاَ يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الخَمْرُ بَعْدَ مَوْتِهِ (5) .   = التبتل، وابن ماجه (1848) في النكاح: باب النهي عن التبتل، والدارمي 2 / 133 في النكاح: باب النهي عن التبتل. (1) تحرفت في المطبوع إلى " عبدا ". (2) راجع تفسير الآية (87) من سورة المائدة عند كل من الطبري، وابن كثير. وانظر " الاستيعاب " 8 / 62. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 289، والحاكم 3 / 190 وصححه 3 / 190 وصححه فأخطأ. فإن في سنده الواقدي وهو متروك. أما الذهبي فقد تعقبه بقوله: سنده واه كما ترى. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 286 وفيه " على أن أنكح كريمتي من لا أريد ". وابن سابط هو عبد الرحمن تابعي أرسل عن النبي، صلى الله عليه وسلم. (5) وأعله صاحب " الاستيعاب " 8 / 63 - 64 أيضا، بأن تحريم الخمر - عند أكثر هم - إنما كان بعد أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، عَنْ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ حِيْنَ مَاتَ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَأَنَّهُم رَأَوْا أَثَرَ البُكَاءِ. ثُمَّ جَثَا الثَّانِيَةَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَرَأَوْهُ يَبْكِي. ثُمَّ جَثَا الثَّالِثَةَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَلَهُ شَهِيْقٌ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ يَبْكِي، فَبَكَى القَوْم. فَقَالَ: (مَهْ، هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ) . ثُمَّ قَالَ: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَبَا السَّائِبِ! لَقَدْ خَرَجْتَ مِنْهَا وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ (1)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ مَظْعُوْنٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: هَنِيْئاً لَكَ الجَنَّة. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَظَرَ غَضَبٍ، وَقَالَ: (مَا يُدْرِيْكِ؟) . قَالَتْ: فَارِسُكَ وَصَاحِبُكَ. قَالَ: (إِنِّي رَسُوْلُ اللهِ، وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِهِ) . فَأَشْفَقَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ، فَبَكَى النِّسَاءُ، فَجَعَلَ عُمَرُ يُسْكِتُهُنَّ. فَقَالَ: (مَهْلاً يَا عُمَرُ!) . ثُمَّ قَالَ:   (1) سفيان بن وكيع ضعيف. وهو في " حلية الأولياء " 1 / 105. وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 302 - 303 ونسبه إلى الطبراني، عن عمر بن عبد العزيز بن مقلاص عن أبيه، وقال: لم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. ومما يدل على وهاء الحديث كون متنه منكرا فإنه جعل البكاء من الشيطان. مع أنه ثبت في الصحيحين أن النبي، صلى الله عليه وسلم، فاضت عيناه على بنت بنته، فاستغرب ذلك منه سعد بن عبادة وقال: ما هذا يا رسول الله؟ فقال؟ صلى الله عليه وسلم،: رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ". وفي الصحيحين أيضا أنه بكى على ابنه إبراهيم وقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون وثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، أيضا في الصحيحين، أنه قال: إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا يحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم. وأما المنهي عنه في الإسلام فهو النياحة، والندب، وضرب الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية. وقد ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث عائشة، أنها رأته يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وعيناه تذرفان. أخرجه أبو داود (3133) والترمذي (989) ، وابن ماجه (1456) . وقال الترمذي: حسن صحيح. وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة عند البزار (809) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 (إِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الشَّيْطَانِ، مَهْمَا كَانَ مِنَ العَيْنِ فَمِنَ اللهِ وَمِنَ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ اليَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ (1)) . يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الإِفْرِيْقِيُّ، عَنْ سَعْدِ بنِ مَسْعُوْدٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لاَ أُحِبُّ أَنْ تَرَى امْرَأَتِي عَوْرَتِي. قَالَ: (وَلِمَ؟) . قَالَ: أَسْتَحْيِي مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَهَا لَكَ لِبَاساً، وَجَعَلَكَ لِبَاساً لَهَا) . هَذَا مُنْقَطِعٌ (2) . ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ أَرَادَ أَنْ يَخْتَصِي، وَيَسِيْحَ فِي الأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَيْسَ لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنِ اخْتَصَى أَوْ خَصَى (3)) . أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْنَهَا سَيِّئَةَ الهَيْئَةِ. فَقُلْنَ لَهَا: مَا لَكِ؟ فَمَا فِي قُرَيْشٍ أَغْنَى مِنْ بَعْلِكِ! قَالَتْ: أَمَّا لَيْلُهُ فَقَائِمٌ، وَأَمَّا نَهَارُهُ فَصَائِمٌ. فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَمَا   (1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وهو ابن جدعان. وهو في " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 290. وأخرجه الحاكم 3 / 190 من طريق: علي بن زيد، مع ضعف علي هذا، قال الذهبي: سنده صالح. وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 302. والقسم الأخير من هذا الحديث ليس فيه، وإنما عنده زيادة ليست هنا. ونسبه إلى الطبراني، وقال: ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف. و" انظر الاستيعاب " 8 / 66، و" الحلية " 1 / 105. (2) وضعيف أيضا لضعف الافريقي، واسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 286 - 287. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287، ورجاله ثقات لكنه منقطع. ونسبه السيوطي في " الدر المنثور " 2 / 309 إلى عبد الرزاق والطبراني. وفي البخاري 9 / 101، ومسلم (1402) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: رد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا " وقد تقدم. والتبتل: الانقطاع عن النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 لَكَ بِي أُسْوَةٌ ... ) الحَدِيْث (1) . قَالَ: فَأَتَتْهُنَّ بَعْد ذَلِكَ عَطِرَةً كَأَنَّهَا عَرُوْسٌ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ قَعَدَ يَتَعَبَّدُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَا عُثْمَانُ! إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي بِالرِّهْبَانِيَّةِ، وَإِنَّ خَيْرَ الدِّيْنِ عِنْدَ اللهِ الحَنِيْفِيَّةُ السَّمْحَةُ (2)) . عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، قَالَتْ: نَزَلَ عُثْمَانُ، وَقُدَامَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بَنُو مَظْعُوْنٍ، وَمَعْمَرُ بنُ الحَارِثِ - حِيْنَ هَاجَرُوا - عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ سَلَمَةَ العَجْلاَنِيِّ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: آلُ مَظْعُوْنٍ مِمَّنْ أَوْعَبَ فِي الخُرُوْجِ إِلَى الهِجْرَةِ، وَغُلِّقَتْ بُيُوْتُهُمْ بِمَكَّةَ (3) . وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قَالَ: خَطَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لآلِ مَظْعُوْنٍ مَوْضِعَ دَارِهِم اليَوْمَ بِالمَدِيْنَةِ (4) .   (1) رجاله ثقات: وأبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287، وعبد الرزاق (10375) عن معمر، عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون - واسمها خولة بنت حكيم - على عائشة، وهي باذة الهيئة. فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، فدخل النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له عائشة، فلقي النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك في أسوة؟ فوالله إن أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده لانا " ورجاله ثقات. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287 ومعاوية بن عياش لم نقف له على ترجمة وباقي رجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق، عن أبي قلابة، بلفظ " من يتبتل فليس منا ". وأخرجه ابن أبي الشيخ من طريق: ابن جريج، عن المغيرة، عن عثمان واللفظ مختلف. وانظر " الدر المنثور " 2 / 309. (3) ابن سعد 3 / 1 / 288. (4) ابن سعد 3 / 1 / 288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَمَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ (1) ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ وَهُوَ مَيتٌ، وَدُمُوْعُهُ تَسِيْلُ عَلَى خَدِّ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ (2) . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. مَالِكٌ: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: لَمَّا مُرَّ بِجِنَازَةِ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذَهَبْتَ وَلمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا شَيْئاً (3)) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ العَلاَءِ مِنَ المُبَايِعَاتِ، فَذَكَرَتْ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُوْنٍ اشْتَكَى عِنْدَهُم، فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ. فَأَتَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: شَهَادَتِي عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (وَمَا يُدْرِيْكِ؟) . قُلْتُ: لاَ أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ فَمَنْ؟ قَالَ: (أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءهُ اليَقِيْنُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَإِنِّي لَرَسُوْلُ اللهِ، وَمَا أَدْرِي مَا يُفعَلُ بِي) . قَالَتْ: فَوَاللهِ لاَ أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَداً. قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي   (1) تصحف في المطبوع إلى " عبد ". (2) أخرجه الترمذي (989) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل الميت، وأحمد 6 / 43، 206، وأبو داود (3163) في الجنائز: باب في تقبيل الميت، وابن ماجه (1456) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل الميت، وقال الترمذي: حديث صحيح، وصححه الحاكم 3 / 190 وسكت عنه الذهبي، مع أن فيه عندهم " عاصم بن عبيد الله " وهو ضعيف، لكن الحديث حسن بشاهده عند البزار (806) من حديث معاذ بن ربيعة. (3) أخرجه مالك ص 166 في الجنائز مرسلا: باب جامع الجنائز، برقم (56) ، ومن طريقه ابن سعد 3 / 1 / 289. وقال الزرقاني: وصله ابن عبد البر من طريق: يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ذَلِكَ، فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْناً تَجْرِي. فَأَخْبَرْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (ذَاكَ عَمَلُهُ (1)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: فَلَمَّا مَاتَتْ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْحَقِي (2) بِسَلَفِنَا الخَيِّرِ؛ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ (3)) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ وَلَمْ يُقْتَلْ، هَبَطَ مِنْ نَفْسِي، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ: وَيْك، إِنَّ خِيَارَنَا يَمُوْتُوْنَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: فَرَجَعَ عُثْمَانُ فِي نَفْسِي إِلَى المَنْزِلَةِ (4) . وَعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، قَالَتْ: كَانَ بَنُو مَظْعُوْنٍ مُتَقَارِبِيْنَ فِي الشَّبَهِ، كَانَ عُثْمَانُ شَدِيْدَ الأُدْمَة، كَبِيْرَ اللِّحْيَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (5) .   (1) أخرجه البخاري (3929) في مناقب الانصار، و (1243) في الجنائز: باب الدخول على الميت، و (2687) في الشهادات، و (7003) و (7004) في التعبير: باب رؤيا النساء، و (7018) فيه: باب العين الجارية في المنام. وعبد الرزاق في المصنف برقم (20422) . (2) تصحفت في المطبوع إلى " ألحقني " (3) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وقد تقدم. وأخرجه أحمد 1 / 237 - 238، 335، وابن سعد 3 / 1 / 290، والحاكم 3 / 190 وسكت عنه، وقال الذهبي: سنده صالح. وهو في " الحلية " 1 / 125، و" الإصابة " 6 / 395، و" الاستيعاب " 8 / 62. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 290، والواقدي متروك. (5) ابن سعد 3 / 1 / 291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 10 - قُدَامَةُ بنُ مَظْعُوْنٍ أَبُو عَمْرٍو الجُمَحِيُّ * مِنَ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَلِيَ إِمْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وَهُوَ مِنْ أَخْوَالِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ، وَابنِ عُمَرَ، وَزَوْجُ عَمَّتِهَا صَفِيَّةَ بِنْتِ الخَطَّابِ، إِحْدَى المُهَاجِرَاتِ. وَلِقُدَامَةَ هِجْرَةٌ إِلَى الحَبَشَةِ، وَقَدْ شَرِبَ مَرَّةً الخَمْرَةَ مُتَأَوِّلاً، مُسْتَدِلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيْمَا طَعِمُوا} ، الآيَةُ [المَائِدَةُ: 93] فَحَدَّهُ عُمَرُ، وَعَزَلَهُ مِنَ البَحْرَيْنِ (1) .   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 291 - 292، نسب قريش: 394، طبقات خليفة: 25، تاريخ خليفة: 191، التاريخ الكبير: 7 / 178، التاريخ الصغير: 1 / 43، الجرح والتعديل: 7 / 127، مشاهير علماء الأمصار: ت: 92، الاستيعاب: 9 / 146 - 150، أسد الغابة: 4 / 394 - 396، العقد الثمين: 7 / 72 - 74، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 60، الإصابة: 8 / 144 - 147. (1) أخرجه عبد الرزاق (17076) عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، وكان أبوه شهد بدرا، أن عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر. فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين، فقال: يا أمير المؤمنين! إن قدامة شرب فسكر، ولقد رأيت حدا من حدود الله، حقا علي أن أرفعه إليك. فقال عمر: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة. فدعا أبا هريرة، فقال: بم تشهد؟ قال: لم أره يشرب، ولكني رأيته سكران. فقال عمر: لقد تنطعت في الشهادة. قال: ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه من البحرين. فقال الجارود لعمر: أقم على هذا كتاب الله عزوجل. فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ قال: بل شهيد. قال: فقد أديت شهادتك. قال: فقد صمت الجارود حتى غدا على عمر، فقال: أقم على هذا حد الله. فقال عمر: ما أراك إلا خصما، وما شهد معك إلا رجل. فقال الجارود: أنشدك الله. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لاسوأنك. فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق، أن شرب ابن عمك وتسوؤني؟ فقال أبو هريرة: إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها وهي امرأة قدامة. فأرسل عمر إلى هند ابنة الوليد ينشدها. فأقامت الشهادة على زوجها. فقال عمر لقدامة: إني حادك. فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني. فقال عمر: لم؟ قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 قَالَ أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ: لَمْ يُحَدَّ بَدْرِيٌّ فِي الخَمْرِ سِوَاهُ (1) . قُلْتُ: بَلَى، وَنُعَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، صَاحِبُ المُزَاحِ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لِقُدَامَةَ مِنَ الوَلَدِ: عُمَرُ، وَفَاطِمَةُ، وَعَائِشَةُ، وَهَاجَرَ الهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَشَهِدَ بَدْراً، وَأُحُداً (3) . وَعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ: أَنَّ أَبَاهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ، وَكَانَ طَوِيْلاً أَسْمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (4) .   قدامة: قال الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ... ) فقال عمر: أخطأت التأويل. إنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك. قال: ثم أقبل عمر على الناس فقال: ماذا ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان مريضا. فسكت عن ذلك أياما. وأصبح يوما وقد عزم على جلده، فقال لأصحابه: ماذا ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفا. فقال عمر: لان يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي ائتوني بسوط تام. فأمر بقدامة فجلد. فغاضب عمر قدامة وهجره فحج وقدامة معه مغاضبا له، فلما قفلا من حجهما ونزل عمر بالسقيا نام ثم استيقظ من نومه. قال عجلوا علي بقدامة فائتوني به فوالله إني لارى أن آتيا أتاني فقال: سالم قدامة فإنه أخوك. فعجلوا إلي به. فلما أتوه أبى أن يأتي فأمر به عمر إن أبى أن يجروه إليه. فكلمه عمر واستغفر له، فكان ذلك أول صلحهما ". وأخرجه البيهقي من طريقه أيضا في سننه 8 / 316. ورجاله ثقات. (1) أخرجه عبد الرزاق (17075) . وانظر الاستيعاب 9 / 150. (2) انظر خبر حده في البخاري 12 / 56 في الديات: باب الضرب بالجريد والنعال وانظر " أسد الغابة " 5 / 352 و" الإصابة " 10 / 179. (3) ابن سعد 3 / 1 / 291 - 292. (4) أخرجه الحاكم 3 / 379، وابن سعد 3 / 1 / 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 11 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ * مِنَ السَّابِقِيْنَ، شَهِدَ بَدْراً هُوَ وَإِخْوَتُهُ: عُثْمَانُ، وَقُدَامَةُ، وَالسَّائِبُ وَلَدُ أَخِيْهِ، وَهَاجَرَ عَبْدُ اللهِ إِلَى الحَبَشَةِ الهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ بَدْراً، وَأُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَهْلِ بنِ عُبَيْدِ بنِ المُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ. قَالَ: وَمَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّيْنَ سَنَةً (2) . 12 - السَّائِبُ بنُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيُّ ** وَأُمُّهُ: خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ السُّلَمِيَّةُ. وَأُمُّهَا: ضعيْفَةُ بِنْتُ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ. هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَارِثَةَ بنِ سُرَاقَةَ الأَنْصَارِيِّ، المَقْتُوْلُ بِبَدْرٍ، الَّذِي أَصَابَ الفِرْدَوْسَ (3) .   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 291، نسب قريش: 393، طبقات خليفة: 25، الاستيعاب: 7 / 37، أسد الغابة: 3 / 394 - 395، العقد الثمين: 5 / 289، الإصابة: 6 / 220. (1) ابن سعد 3 / 1 / 291. (2) ابن سعد 3 / 1 / 291. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 292، نسب قريش: 393، طبقات خليفة: 25، الجرح والتعديل: 4 / 241 - 242، مشاهير علماء الأمصار: ت: 188، الاستيعاب: 4 / 114، أسد الغابة: 2 / 318، تاريخ الإسلام: 1 / 368، العقد الثمين: 4 / 505 - 506، الإصابة: 4 / 114. (3) أخرجه أحمد 1 / 260، 264، 272، والبخاري (2809) في الجهاد: باب من أتاه سهم غرب، و (3982) في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، و (6560) في الرقاق: باب صفة الجنة والنار، (6567) فيهما. ونص الرواية الأولى ... قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن أم الربيع بنت = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : وَشَهِدَ السَّائِبُ بنُ عُثْمَانَ بَدْراً فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ، وَالوَاقِدِيِّ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عُقْبَةَ. وَكَانَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ يَقُوْلُ: الَّذِي شَهِدَهَا هُوَ السَّائِبُ بنُ مَظْعُوْنٍ، أَخُو عُثْمَانَ لأَبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : هَذَا وَهْمٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ اليَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. قَالَ: وَمَاتَ مِنْهُ. 13 - أَبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ القُرَشِيُّ العَبْشَمِيُّ * السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو حُذَيْفَةَ ابْنُ شَيْخِ الجَاهِلِيَّةِ: عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، البَدْرِيُّ.   = البراء، وهي أم حارثة بن سراقة، أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله: ألا تحدثني عن حارثة؟ - وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء؟ قال: " يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ". وسهم غرب: لا يعرف راميه، أو لا يعرف من أين أتى، أو جاء على غير قصد من راميه، والثابت في الرواية بالتنوين وسكون الراء. وقال ابن قتيبة: الاجود فتح الراء والاضافة. وقال ابن زيد: إن جاء من حيث لا يعرف فهو بالتنوين والاسكان، وإن عرف راميه لكن أصاب من لم يقصد فهو بالاضافة وفتح الراء. وقال الازهري: بفتح الراء لا غير. وحكى ابن دريد، وابن فارس، والقزاز، وصاحب المنتهى، وغيرهم الوجهين مطلقا. وأخرجه الترمذي (3173) في التفسير: باب ومن سورة المؤمنين، وفيه الربيع، وليس أم الربيع، كما هو عند البخاري، ووهم البخاري هذا لا يضر بالحديث، كما قال ابن حجر. وصححه ابن حبان (2272) . (1) ابن سعد 3 / 1 / 292. (2) ابن سعد 3 / 1 / 292. (*) طبقات ابن سعد 3 / 1 / 59 - 60، تاريخ خليفة: 111، المعارف: 272، الاستيعاب: 11 / 194، أسد الغابة: 6 / 70 - 72، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 212، العبر: 1 / 14، العقد الثمين: 3 / 295، الإصابة: 11 / 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، وَاسْمُهُ: مِهْشَمٌ (1) - فِيْمَا قِيْلَ -. أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُوْلِهِم دَارَ الأَرْقَمِ. وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، ذَاكَ الثَّائِرُ (2) عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَلَدَتْهُ لَهُ: سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو، وَهِيَ المُسْتَحَاضَةُ (3) . وَقَدْ تَزَوَّجَ بِهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْ سَالِماً وَهُوَ كَبِيْرٌ، لِتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَخُصَّا بِذَاكَ الحُكْمِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ (4) . وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بنَ عُتْبَةَ دَعَا يَوْمَ بَدْرٍ أَبَاهُ إِلَى البرَازِ. فَقَالَتْ أُخْتُهُ أُمُّ مُعَاوِيَةَ؛ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ:   (1) مهشم: قال السهيلي، في " الروض الانف "، في رده على ابن هشام في تسميته أبا حذيفة مهشما: وهو وهم عند أهل النسب، فإن مهشما إنما هو أبو حذيفة بن أخي هاشم وهشام ابني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأما أبو حذيفة بن عتبة فاسمه قيس فيما ذكروا. (2) محمد بن أبي حذيفة. ولد بأرض الحبشة، ضمه عثمان إليه بعد أن استشهد أبوه باليمامة. توجه إلى مصر في خلافة عثمان، وكان من اشد الناس تأليبا عليه. خدعه معاوية وسجنه. وقال ابن قتيبة: قتله رشدين مولى معاوية. وقال ابن الكلبي: قتله مالك بن هبيرة السكوني. وانظر ترجمته وما قام به من أحداث: " الاستيعاب " 10 / 26، و" الإصابة " 9 / 110 و" أسد الغابة " 5 / 87. (3) أخرج أبو داود (295) في الطهارة: باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا، حدثني عبد العزيز بن يحيى، حدثني محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة. فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح ". وانظر ترجمتها في " الاستيعاب " 13 / 50 و" أسد الغابة " 7 / 154، و" الإصابة " 12 / 319 - 320. (4) سيرد هذا الخبر في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة ص (166) انظره هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الأَحْوَلُ الأَثْعَلُ المَذْمُوْمُ طَائِرُهُ ... أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّيْنِ أَمَا شَكَرْتَ أَباً رَبَّاكَ مِنْ صِغَرٍ ... حَتَّى شَبَبْتَ شَبَاباً غَيْرَ مَحْجُوْنِ (1) قَالَ: وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ طَوِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، مُرَادفَ الأَسْنَانِ، وَهُوَ الأَثْعَلُ. اسْتُشْهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ اليَمَامَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، هُوَ وَمَوْلاَهُ سَالِمٌ. وَتَأَخَّرَ إِسْلاَمُ أَخِيْهِ أَبِي هَاشِمٍ بنِ عُتْبَةَ، فَأَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَجَاهَدَ، وَسَكَنَ الشَّامَ، وَكَانَ صَالِحاً، دَيِّناً. لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي (التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَ (ابْنِ مَاجَه) . مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَهُوَ أَخُو الشَّهِيْدِ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ لأُمِّهِ، وَخَالُ الخَلِيْفَةِ مُعَاوِيَةَ. رَوَى مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بنُ سَهْمٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَبِي هَاشِمٍ بنِ عُتْبَةَ وَهُوَ طَعِيْنٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَعُوْدُهُ، فَبَكَى. فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ يَا خَالُ؟ أَوَجَعٌ أَوْ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا؟ قَالَ: كُلاًّ لاَ، وَلَكِنْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْداً لَمْ آخُذْ بِهِ. قَالَ لِي: (يَا أَبَا هَاشِمٍ! لَعَلَّكَ أَنْ تُدْرِكَ أَمْوَالاً تُقْسَمُ بَيْنَ أَقْوَامٍ، وَإِنَّمَا يَكْفِيْكَ مِنْ جَمْعِ الدُّنْيَا خَادِمٌ وَمَرْكِبٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ) . وَقَدْ وَجدْتُ، وَجَمَعْتُ (2) .   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 59 يقال: حجن العود يحجنه حجنا: عطفه. والمحجن: العصا المعوجة. (2) سمرة بن سهم مجهول. وباقي رجاله ثقات. وهو في " المسند " 5 / 290، وسنن النسائي 8 / 212 في الزينة: باب اتخاذ الخادم والمركب، وابن ماجه (4103) في الزهد: باب الزهد في الدنيا. وأخرجه الترمذي (2328) في الزهد: باب ما يكفي في الدنيا من المال، بإسقاط سمرة بن سهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ: فَيَا لَيْتَهَا بَعْراً محِيْلاً. قِيْلَ: عَاشَ أَبُو حُذَيْفَةَ ثَلاَثاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. 14 - سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ * مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، البَدْرِيِّيْنَ، المُقَرَّبِيْنَ، العَالِمِيْنَ. قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: هُوَ سَالِمُ بنُ مَعْقِلٍ، أَصْلُهُ (1) مِنْ إِصْطَخْرَ، وَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَعْتَقَهُ هِيَ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يعَار الأَنْصَارِيَّةُ، زَوْجَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ، وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ، كَذَا قَالَ. ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ أَتَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ سَالِماً مَعِي، وَقَدْ أَدْرَكَ مَا يُدْرِكُ الرِّجَالُ. فَقَالَ: (أَرْضِعِيْهِ، فَإِذَا أَرْضَعْتِهِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكِ مَا يَحْرُمُ مِنْ ذِي المَحْرَمِ) . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَبَى أَزْوَاجُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الرَّضَاعِ، وَقُلْنَ: إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ لِسَالِمٍ خَاصَّةً (2) .   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 60 - 62، التاريخ الكبير: 4 / 107، التاريخ الصغير: 1 / 38، 40، المعارف: 273، مشاهير علماء الأمصار: 101، الاستبصار: 294 - 296، حلية الأولياء: 1 / 176 - 178، الاستيعاب: 4 / 101 - 104، أسد الغابة: 2 / 307 - 309، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 206 - 207. (1) تصحفت في المطبوع إلى " في ". (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 60 - 61 ورجاله ثقات، لكنه مرسل. ووصله: أحمد 6 / 201، ومسلم (1453) (28) في الرضاع: باب رضاعة الكبير، والنسائي 6 / 105 في النكاح: باب رضاع الكبير، من طريق ابن جريج، أخبرنا ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة. وأخرجه مسلم (1453) ، والنسائي 6 / 104، وابن ماجه (1943) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة وأخرجه أحمد 6 / 228، وأبو داود (2061) في النكاح: باب من حرم به، وعبد الرزاق في " المصنف " (13886) و (13887) من طريق ابن شهاب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِيْنَ الَّذِيْنَ قَدِمُوا مِنْ مَكَّةَ حِيْنَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، لأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُم (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ يَؤُمُّ المُهَاجِرِيْنَ بِقُبَاءَ، فِيْهِم عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُوْلُ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَبْطَأنِي رَسُوْلُ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: (مَا حَبَسَكِ؟) . قُلْتُ: إِنَّ فِي المَسْجِدِ لأَحْسَنَ مَنْ سَمِعْتُ صَوْتاً بِالقُرْآنِ. فَأَخَذَ رِدَاءهُ، وَخَرَجَ يَسْمَعُهُ، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. فَقَالَ: (الحَمْدُ لِلِّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ (3)) . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ المُهَاجِرِيْنَ نَزَلُوا بِالعُصْبَةِ إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ، فَأَمَّهُم سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، لأَنَّهُ كَانَ   = الزهري، عن عروة، عن عائشة. وأخرجه مالك ص: (375) في الرضاع من طريق الزهري، عن عروة، عن أبي حذيفة. وانظر أقاويل العلماء في هذه المسألة في " زاد المعاد " 5 / 578 - 593 نشر مؤسسة الرسالة. (1) سيرد تخريجه في الصفحة التالية تعليق رقم (1) وفي الأصل " حتى " بدل " حين ". (2) الواقدي متروك وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 61 من طريق عن أفلح بن سعيد، عن ابن كعب القرظي ... (3) رجاله ثقات، وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد 6 / 165 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 371 والحاكم 3 / 226 وصححه، ووافقه الدهبي. ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة " 2 / 308، والحافظ في " الإصابة " 4 / 105 من طريق: ابن المبارك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أَكْثَرَهُم قُرْآناً، فِيْهِم عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ (1) . وَرَوَاهُ: أُسَامَةُ بنُ حَفْصٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَلَفْظُهُ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُوْنَ الأَوَّلُوْنَ العُصْبَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ سَالِمٌ يَؤُمُّهُم. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: وَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ. هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَجَاءَ مِنْ رِوَايَةِ الوَاقِدِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا انْكَشَفَ المُسْلِمُوْنَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، قَالَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً، فَقَامَ فِيْهَا، وَمَعَهُ رَايَةُ المُهَاجِرِيْنَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (2) . وَرَوَى: عُبَيْدُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ: أَنَّ سَالِماً بَاعَ مِيْرَاثَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَبَلَغَ مَائتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهَا أُمَّهُ، فَقَالَ: كليهَا. وَقِيْلَ: إِنَّ سَالِماً وُجِدَ هُوَ وَمَوْلاَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ، رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَي الآخَرِ صَرِيْعَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (3) -. وَمِنْ مَنَاقِبِ سَالِمٍ:   (1) أخرجه البخاري (692) في الاذان: باب إمامة العبد والمولى، و (7175) في الاحكام: باب استقضاء الموالي واستعمالهم. وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 177، وابن سعد 3 / 1 / 61. وأبو سلمة بن عبد الاسد هو زوج أم سلمة، أم المؤمنين، قبل النبي، صلى الله عليه وسلم، ووقع في الرواية الثانية للبخاري: وفيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة. واستشكل ذكر أبي بكر فيهم. إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر كان رفيقه. (2) انظر ابن سعد 3 / 1 / 61 والواقدي متروك. (3) انظر " مستدرك الحاكم " 3 / 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ العَرَبِ، فَهُوَ مِنْ مَالِ اللهِ. فَقَالَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، لاَئْتَمَنَكَ النَّاسُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ وَائْتَمَنَهُ النَّاسُ. فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصاً سَيِّئاً، وَإِنِّي جَاعِلُ هَذَا الأَمْرِ إِلَى هَؤُلاَءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ جَعَلْتُ إِلَيْهِ الأَمْرَ، لَوَثِقْتُ بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ (1) . عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: لَيِّنٌ (2) ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَلاَلَةِ هَذَيْنِ فِي نَفْسِ عُمَرَ، وَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُجَوِّزُ الإِمَامَةَ فِي غَيْرِ القُرَشِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. - شُهَدَاءُ بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ المُطَّلِبِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، أَخُو سَعْدٍ، وَصَفْوَانُ بنُ بَيْضَاءَ، وَاسْمُ أَبِيْهِ: وَهْبُ بنُ رَبِيْعَةَ الفِهْرِيُّ. وَذُوْ الشِّمَالَيْنِ عُمَيْرُ بنُ عَبْدِ عَمْرٍو الخُزَاعِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ بنِ الجَمُوْحِ الأَنْصَارِيُّ، الَّذِي رَمَى التَّمَرَاتِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَمُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ السُّلَمِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ عَفْرَاءَ، وَأَخُوْهُ عَوْفٌ، وَاسْمُ أَبِيْهِمَا: الحَارِثُ بنُ رِفَاعَةَ، مِنْ بَنِي غَنْمِ بنِ عَوْفٍ. وَحَارِثَةُ بنُ سُرَاقَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، جَاءهُ سَهْمُ غَرْبٍ وَهُوَ غُلاَمٌ   (1) أخرجه أحمد 1 / 20 وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وبه أعله المؤلف الذهبي رحمه الله. (2) سقط من المطبوع لفظ " لين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 حَدَثٌ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا أُمَّ حَارِثَةَ! إِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى (1)) . وَيَزَيْدُ بنُ الحَارِثِ بنِ قَيْسٍ الخَزْرَجِيُّ، وَأُمُّهُ: هِيَ فُسْحَمٌ، وَيُقَالُ لَهُ: هُوَ فُسْحَمٌ. وَرَافِعُ بنُ المُعَلَّى الزُّرَقِيُّ، وَسَعْدُ بنُ خَيْثَمَةَ الأَوْسِيُّ، وَمُبَشِّرُ بنُ عَبْدِ المُنْذِرِ أَخُو أَبِي لُبَابَةَ. وَعَاقِلُ بنُ البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ الكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ، أَحَدُ الإِخْوَةِ الأَرْبَعَةِ البَدْرِيِّيْنَ. فَعِدَّتُهُم أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهِيْداً. - وَقُتِلَ مِنَ المُشْرِكِيْنَ: عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَخُوْهُ شَيْبَةُ، وَلَهُمَا مَائَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. وَأَبُو جَهْلٍ عَمْرُو بنُ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ. وَعُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ، ذُبِحَ صَبْراً. وَأَبُو البَخْتَرِيِّ العَاصُ بنُ هِشَامٍ الأَسَدِيُّ، وَالعَاصُ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخُو مُعَاوِيَةَ، وَعُبَيْدٌ، وَالعَاصُ ابْنَا أَبِي أُحَيْحَةَ. وَالحَارِثُ بنُ عَامِرٍ النَّوْفَلِيُّ، وَطُعَيْمَةُ عَمُّ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ. وَحَارِثُ بنُ زَمْعَةَ بنِ الأَسْوَدِ، وَأَبُوْهُ، وَعَمُّهُ عقِيْلٌ. وَنَوْفَلُ بنُ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ، أَخُو خَدِيْجَةَ. وَالنَّضْرُ بنُ الحَارِثِ، قُتِلَ صَبْراً. وَعُمَيْرُ بنُ عُثْمَانَ، عَمُّ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَمَسْعُوْدٌ المَخْزُوْمِيُّ، أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ. وَأَبُو قَيْسٍ، أَخُو خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَقَيْسُ بنُ العَادِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ. وَنُبَيْهُ، وَمُنَبِّهُ ابْنَا الحَجَّاجِ بنِ عَامِرٍ السَّهْمِيِّ، وَوَلَدَا مُنَبِّهٍ: حَارِثَةُ، وَالعَاصُ. 15 - حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ * ابْنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ ...   (1) سبق تخريجه في الصفحة (163) التعليق رقم (3) . ويقال: " سهم غرب " و" سهم غرب ": أي: لا يدرى راميه. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 3 - 11، نسب قريش: 17، 152، 200، تاريخ خليفة: 68، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الإِمَامُ، البَطَلُ، الضِّرْغَامُ، أَسَدُ اللهِ، أَبُو عُمَارَةَ، وَأَبُو يَعْلَى القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، الشَّهِيْدُ. عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخُوْهُ مِنَ (1) الرَّضَاعَةِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ (2) : لَمَّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ امْتَنَعَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُوْنَ مِنْهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَادِ حَمْزَةَ) . فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَالَ حَمْزَةُ: هُوَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، فَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ عُتْبَةَ، فَقَتَلَهُ (3) . وَرَوَى: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَ الأَنْصَارِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ، فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) . فَجِئْنَ، فَبَكَيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: (مُرُوْهُنَّ لاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ   = الجرح والتعديل 3 / 212، الاستيعاب: 3 / 70 - 82، أسد الغابة: 2 / 51 - 55، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 168 - 169، العبر: 1 / 5، مجمع الزوائد: 9 / 266 - 268، العقد الثمين: 4 / 227، الإصابة: 2 / 285 - 287، شذرات الذهب: 1 / 10. (1) تحرفت في المطبوع إلى " في ". (2) جزء من حديث طويل عند ابن هشام 1 / 292، وابن الأثير في " أسد الغابة " 2 / 52 وذكره الهيثمي 9 / 267 ونسبه للطبراني وقال: مرسل ورواته ثقات. وأخرجه الحاكم 3 / 193. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 6، وأخرجه الحاكم مطولا 3 / 194 وصححه وهو كما قال. ولكن الذهبي قال: لم يخرجا لحارثة وقد وهاه ابن المديني. وقد أخطأ رحمه الله في نقله توهية حارثة بن مضرب عن ابن المديني فإنه لم يثبت عنه، وحارثة وثقة أحمد، وابن معين، وابن حبان، وروى حديثه أصحاب السنن والبخاري في الأدب المفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 اليَوْمِ (1)) . وَفِي كِتَابِ (المُسْتَدْرَكِ) لِلْحَاكِمِ: عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ: حَمْزَةُ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ، وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ) (2) . قُلْتُ: سَنَدُهُ ضَعِيْفٌ. الدَّغُوْلِيُّ (3) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا رَافِعُ بنُ أَشْرَس، حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الصَّفَّارُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ (4)) . هَذَا غَرِيْبٌ.   (1) سنده قوي. وأخرجه أحمد 2 / 84، 92، 40 والرواية الأخيرة مختصرة. وابن ماجه (1591) في الجنائز: باب ما جاء في البكاء على الميت، وابن سعد 3 / 1 / 10، وصححه الحاكم 3 / 195 ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 4 / 48: هو على شرط مسلم. (2) أخرجه الحاكم 3 / 195 من طريق: رافع بن أشرس المروزي، عن خليد الصفار، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن جابر..وصححه. وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدرى من هو. وفاته أن رافع بن أشرس مجهول الحال. ولكن للحديث طريق آخر يتقوى به ويصح، أخرجه البغدادي 6 / 377 من طريق إسحاق بن يعقوب العطار، عن عمار بن نصر، عن حكيم بن زيد، عن إبراهيم الصائغ، به..وهذا إسناد حسن وحكيم بن زيد مترجم في " الجرح والتعديل " 3 / 204 وفيه: صالح شيخ. (3) بفتح الدال، وضم الغين. هو أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الدغولي. كان زعيم سرخس. سمع جده أبا العباس، وسمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وذكره في تاريخه. فقال: كان له بسرخس مجلس الاملاء، توفي بها سنة 365 هـ. انظر " الأنساب " 5 / 359 للسمعاني. (4) إسناده تالف. فيه مجهولان: رافع بن أشرس، وشيخه الصفار. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 268 ونسبه إلى الطبراني في " الأوسط "، وقال: فيه حكيم بن زيد، قال الأزدي: فيه نظر، وبقية رجاله وثقوا. كذا قال في حكيم هذا مع أن ابن أبي حاتم نقل عن أبيه قوله فيه " صالح شيخ " كما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَجَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَمِعَ نِسَاءَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ. فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ) . فَجِئْنَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ، فَبَكِيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، فَرَقَدَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُنَّ يَبْكِيْنَ. فَقَالَ: (يَا وَيْحَهُنَّ! أَهُنَّ هَا هُنَا حَتَّى الآنَ، مُرُوْهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ، وَلاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ اليَوْمِ (1)) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ غَازِيَيْنِ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ بِهَا. فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ أَنْ نَسْأَلَ وَحْشِيّاً كَيْفَ قَتَلَ حَمْزَةَ؟ فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيْلَ لَنَا: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِياً، تَجِدَا رَجُلاً عَرَبِيّاً. فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِشَيْخٍ كَبِيْرٍ أَسْوَدَ مِثْلَ البُغَاثِ (2) ، عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَهُوَ صَاحٍ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيٍّ؟ وَالله ابْنُ الخِيَارِ أَنْتَ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طُوَى، وَهِيَ عَلَى بَعِيْرِهَا، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ. قُلْنَا: إِنَّا أَتَيْنَا لِتُحَدِّثَنَا كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا بِمَا حَدَّثْتُ بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كُنْتُ عَبْدَ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ قُتِلَ يَوْم بَدْرٍ. فَقَالَ لِي: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ   (1) سنده قوي. وقد تقدم في الصفحة (173) تعليق رقم (1) . (2) قال ابن هشام في " السيرة ": هو ضرب من الطير إلى السواد، وهو ضعيف الجثة كالرخمة وغيرها مما لا يصيد ولا يصاد. وفي البخاري: " كأنه حميت ": الزق الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فَأَنْتَ حُرٌّ. وَكُنْتُ صَاحِبَ حَرْبَةٍ أَرْمِي، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا أَخَذْتُ حَرْبَتِي، وَخَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ مِثْلَ الجَمَلِ الأَوْرَقِ (1) ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّاً مَا يُلِيْقُ (2) شَيْئاً، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتَهَيَّأُ لَهُ إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بنُ عَبْدِ العُزَّى الخُزَاعِيُّ. فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ، قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ (3) . ثُمَّ ضَرَبَهُ حَمْزَةُ، فَوَاللهِ لَكَأَنَّ (4) مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ سُقُوْطِ رَأْسِهِ. فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيْتُ عَنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ (5) ، حَتَّى خَرَجَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَوَقَعَ، فَذَهَبَ لِيَنُوْءَ (6) ، فَغُلِبَ، فَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا، حَتَّى إِذَا مَاتَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى العَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي حَاجَةٌ بِغَيْرِهِ. فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ لِيُسْلِمُوا، ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَقُلْتُ أَلْحَقُ بِالشَّامِ، أَوِ اليَمَنِ، أَوْ بَعْضِ البِلاَدِ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إِذْ قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنْ (7) يَقْتُلُ مُحَمَّدٌ أَحَداً دَخَلَ فِي دِيْنِهِ. فَخَرَجْتُ، حَتَّى   (1) الذي لونه بين الغبرة والسواد. وسمي كذلك لما عليه من الغبار. (2) جاء في " أساس البلاغة ": هذا سيف لا يليق شيئا، أي: لا يمر بشيء إلا قطعه. وقال: بأفل عضب لا يليق ضريبة * في متنه دخن وأثر أحلس وفي السيرة لابن هشام: ما يقوم له شيء. (3) البظور: جمع بظر: وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان. قال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء. والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم. وإلا قالوا: خاتنة. انظر " فتح الباري " 7 / 369 سلفية. (4) سقط لفظ " لكأن " من المطبوع. (5) الثنة: أسفل البطن إلى العانة. (6) أي: لينهض متثاقلا. (7) تصحفت في المطبوع إلى " لن ". و" إن " هنا بمعنى " ما " النافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَحْشِيٌّ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (اجْلِسْ، فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ) . فَحَدَّثْتُهُ كَمَا أُحَدِّثُكُمَا. فَقَالَ: (وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ، فَلاَ أَرَيَنَّكَ) . فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ (1) رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ، حَتَّى قُبِضَ. فَلَمَّا خَرَجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، خَرَجتُ مَعَهُم بِحَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، نَظَرْتُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَفِي يَدِهِ السَّيْفُ، فَوَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُرِيْدهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَكِلاَنَا يَتَهَيَّأُ لَهُ. حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، دَفَعْتُ عَلَيْهِ حَرْبَتِي، فَوَقَعَتْ فِيْهِ، وَشَدَّ الأَنْصَارِيُّ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ. فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ (2) . وَبِهِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ: قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ، -يَعْنِي: مُسَيْلِمَةَ-.   (1) تنكب فلان عنا، أي: مال عنا وتجنبنا. (2) إسناده قوي إلي وحشي. وأخرجه ابن هشام 2 / 70 - 73 وابن الأثير في " أسد الغابة " 5 / 438 - 440، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 11 / 51 وكلهم من هذا الطريق. وأخرجه البخاري (4072) في المغازي: باب قتل حمزة، رضي الله عنه، من طريق أبي جعفر محمد بن عبد الله، عن حجين بن المثنى، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل، عن جعفر بن يسار، عن جعفر بن عمرو الضمري ... (3) انظر ابن هشام 2 / 73، و" أسد الغابة " 5 / 440، و" الاستيعاب " 11 / 49 وكلهم من طريق: ابن إسحاق. عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - وكان قد شهد اليمامة - قال: سمعت يومئذ صارخا يقول: قتله العبد الأسود. وأخرجه البخاري في نهاية الحديث (4072) قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان ابن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية، على ظهر البيت: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَقَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَمْزَةَ، وَقَدْ جُدِعَ، وَمُثِّلَ بِهِ. فَقَالَ: (لَوْلاَ أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) . وَكُفِّنَ فِي نَمِرَةٍ، إِذَا خُمِّرَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا خُمِّرَتْ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ. وَقَالَ: (أَنَا شَهِيْدٌ عَلَيْكُم) . وَكَانَ يَجْمَعُ الثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ، وَالاثْنَيْنِ، فَيَسْأَلُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قُرْآناً؟ فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ. وَكَفَّنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي ثَوْبٍ (1) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ يُقَاتِلُ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَيْفَيْنِ، وَيَقُوْلُ: أَنَا أَسَدُ اللهِ (2) . رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مُرْسَلاً، وَزَادَ: فَعَثَرَ (3) ، فَصُرِعَ مُسْتَلْقِياً، وَانْكَشَفَتِ الدِّرْعُ عَنْ بَطْنِهِ، فَزَرَقَهُ (4) العَبْدُ الحَبَشِيُّ، فَبَقَرَهُ (5) . عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ،   (1) إسناده حسن. وأخرجه أحمد 3 / 128، وابن سعد 3 / 1 / 8، وأبو داود (3136) في الجنائز: باب في الشهيد يغسل، والترمذي (1016) في الجنائز: باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة. وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه، والبيهقي 4 / 10 - 11، والطحاوي 1 / 502، وصححه الحاكم 3 / 196، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 6، والحاكم 3 / 194 وصححه ووافقه الذهبي. (3) سقط هذا اللفظ من المطبوع. (4) زرقه: رماه. (5) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 78، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 268 ونسبه إلى الطبراني، وقال: رجاله إلى قائله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ الخِيَارِ إِلَى الشَّامِ، فَسَأَلْنَا عَنْ وَحْشِيٍّ، فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيْتٌ (1) . فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا، وَوَقَفْنَا (2) يَسِيْراً، وَكَانَ ابْنُ الخِيَارِ مُعْتَجِراً بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ: يَا وَحْشِيُّ! تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلاّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي العَيْصِ، فَوَلَدَتْ غُلاَماً بِمَكَّةَ، فَاسْتَرْضَعَتْهُ، فَحَمَلْتُهُ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْكَ. قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُنَا عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ قُتِلَ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرٌ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَنْ (3) عَيْنَيْنَ - وَعَيْنُوْنُ: جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُحُدٍ وَادٍ - قَالَ سِبَاعٌ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَقَالَ حَمْزَةُ: يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ! تُحَادُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ؟ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ. فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ (4) ، فَرَمَيْتُهُ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتِ الحَرْبَةُ مِنْ وِرْكِهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَكُنْتُ بِالطَّائِفِ، فَبَعَثُوا رُسُلاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيْلَ: إِنَّهُ لاَ يَهِيْجُ (5) الرُّسُلُ. فَخَرَجْتُ مَعَهُم، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: (أَنْتَ وَحْشِيٌّ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَمْرُ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: (مَا   (1) الحميت: الزق. (2) سقطت من المطبوع لفظة " ووقفنا ". (3) كذا في الأصل: وفي البخاري " عام عينين ". قال الحافظ في " الفتح " 7 / 369: والسبب في نسبة وحشي هذا العام إليه دون أحد، أن قريشا نزلوا عنده. قال ابن إسحاق: فنزلوا بعينين جبل ببطن السبخة على شفير الوادي مقابل المدينة. (4) تحرفت في المطبوع إلى " بي ". (5) تحرفت في المطبوع إلى " يقتل ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَكَ؟) . قَالَ: فَرَجَعْتُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَيْهِ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ، فَأُكَافِيَ بِهِ حَمْزَةَ. فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِم مَا كَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ (1) أَوْرَقُ، ثَائِرٌ رَأْسُهُ، فَأَرْمِيْهِ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ: قَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ (2) . قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ انْتَشَرَ المُسْلِمُوْنَ يَبْتَغُوْنَ قَتْلاَهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيْلاً إِلاَّ وَقَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلاَّ حَنْظَلَةَ بنَ أَبِي عَامِرٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو عَامِرٍ مَعَ المُشْرِكِيْنَ، فَتُرِكَ لأَجْلِهِ. وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيْلاً، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: ديْنَانِ قَدْ أَصَبْتُهُمَا، قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دنيس، وَلَعَمْرُ اللهِ إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلاً لِلرَّحِمِ، بَرّاً بِالوَالِدِ. وَوَجَدُوا حَمْزَةَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتَمَلَ وَحْشِيٌّ كَبِدَهُ إِلَى هِنْدٍ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِيْنَ قُتِلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَدُفِنَ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، فَغَطُّوا قَدَمَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاَثِيْنَ مِنْهُم) . فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُوْلِ   (1) سقطت من المطبوع. (2) أخرجه البخاري (4072) في المغازي: باب قتل حمزة. والطيالسي 2 / 100 برقم (2348) . وانظر ابن هشام 2 / 70 - 73. وانظر التعليق (2) في الصفحة (176) . (3) سقطت من المطبوع عبارة " قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بِهِ مِنَ الجَزَعِ، قَالُوا: لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِم، لَنُمَثِّلَنَّ بِهِم مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ بِأَحَدٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْلُ: 126] إِلَى آخِرِ السُّوْرَةِ. فَعَفَا رَسُوْل اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ، أَقَبْلَتْ صَفِيَّةُ أُخْتُهُ، فَلَقِيَتْ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ. فَجَاءتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا) . فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا، وَدَعَا لَهَا، فَاسْتَرْجَعَتْ، وَبَكَتْ. ثُمَّ جَاءَ، فَقَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: (لَوْلاَ جَزَعُ النِّسَاءِ، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ) . ثُمَّ أَمَرَ بِالقَتْلَى، فَجَعَلَ يُصَلَّي عَلَيْهِم بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ وَيُرْفَعُوْنَ، وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِسَبْعَةٍ، فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم سَبْعاً حَتَّى فَرَغَ مِنْهُم (2) .   (1) هو على إرساله لا يصح فإن بريدة هو ابن سفيان بن فروة الاسلمي ضعفه غير واحد. وقال الدارقطني: متروك. وقال البخاري: فيه نظر. وقال العقيلي: سئل أحمد عن حديثه فقال: بلية وانظر ابن هشام 2 / 96. (2) أخرجه ابن ماجه (1513) مختصرا في الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم. وابن سعد 3 / 1 / 7، والحاكم 3 / 197 وسكت عنه. ولكن الذهبي قال: سمعه أبو بكر بن عياش من يزيد وليسا بمعتمدين. وخرجه الطحاوي 1 / 503، والدارقطني 2 / 474، والبيهقي 4 / 12 وقال: لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، وكانا غير حافظين. لكن للحديث شواهد يصح بها. ففي الباب، عن ابن مسعود أخرجه أحمد 1 / 463 حدثنا عفان ابن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود أن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين. فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا، حتى أنزل الله عزوجل: (منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) ، فلما خالف أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تسعة، سبعة من الانصار ورجلين من قريش. وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله رجلا ردهم عنا. قال: فقام رجل من الانصار، فقاتل ساعة حتى قتل. فلما رهقوه أيضا قال: رحم الله رجلا ردهم عنا، فلم يزل يقول ذا، حتى قتل السبعة. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لصاحبه: ما أنصفنا أصحابنا. فجاء أبو سفيان فقال: اعل هبل. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله أعلى وأجل. فقالوا: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 يَزِيْدُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ جَابِرٍ: لَمْ يُصِلِّ عَلَيْهِم أَصَحُّ (1) . وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ. فَهَذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ (2) .   = الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم. ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ويوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر، حنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، وفلان بفلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سواء، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون، قال أبو سفيان: قد كانت في القوم مثلة وإن كانت لعن غير ملامنا، ما أمرت ولا نهيت، ولا أحببت ولا كرهت، ولا ساءني ولا سرني. قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أأكلت منه شيئا؟ قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار، فوضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حمزة فصلى عليه، وجئ برجل من الانصار، فوضع إلى جنبه فصلى عليه. فرفع الأنصاري وترك حمزة. ثم جئ بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة ". وعن عبد الله بن الزبير، أحرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 290 وسنده جيد. وعن جابر عند الحاكم 2 / 119 - 120، وعن شداد بن الهاد أخرجه النسائي 4 / 60 - 61 في الجنائز: باب الصلاة على الشهداء، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 291 وإسناده صحيح. صححه الحاكم 3 / 595 - 596. (1) قال ابن القيم، رحمه الله، في تهذيب السنن 4 / 295: والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ الآثار لكل واحد من الامرين. وهذه إحدى الروايات عن الامام أحمد، وهي الاليق بأصوله ومذهبه. (2) أخرجه أحمد 4 / 149، 153، والبخاري (1344) في الجنائز: باب الصلاة على الشهيد، و (3596) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، و (4042) في المغازي: باب غزوة أحد، و (4085) فيه: باب أحد جبل يحبنا ونحبه، و (6426) في الرقاق: باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، و (6590) في الرقاق: باب في الحوض، ومسلم (2296) في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وصفاته، والنسائي 4 / 61 - 62 إلى قوله " وأنا شهيد عليكم ". ونص مسلم من طريق وهب بن جرير، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على قتلى أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للاحياء والاموات فقال: " إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ". قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِيْنَ مِنْهُم) . فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ عَاقَبْتُم ... } ، الآيَةُ (1) . عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُبَيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيْعُ بنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ أُصِيْبَ مِنَ الأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُوْنَ، قَالَ: فَمَثَّلُوا بِقَتْلاَهُم. فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُم يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ، لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِم. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، نَادَى رَجُلٌ لاَ يُعْرَفُ: لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ! مَرَّتَيْنِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ... } ، الآيَة. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُفُّوا عَنِ القَوْمِ) (2) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 197 من طريق: خالد بن خداش، عن صالح المري، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نظر يوم أحد إلى حمزة، وقد قتل ومثل به، فرأى منظرا لم ير منظرا قط أوجع لقلبه منه، ولا أوجل. فقال: رحمة الله عليك، قد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات. ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تجئ من أفواه شتى، ثم حلف، وهو واقف مكانه، والله لامثلن بسبعين منهم مكانك. فنزل القرآن وهو واقف في مكانه، لم يبرح: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) حتى ختم السورة. وكفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن يمينه، وأمسك عماد أراد. وإسناده ضعيف لضعف صالح المري، وبه أعله الذهبي. وذكره ابن كثير في " تفسيره ": 2 / 592 من طريق البزار وضعفه بصالح أيضا. وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 135 ونسبه إلى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". ثم إن متن الحديث معل بما قاله ابن كثير في " سيرته " 2 / 79 من أن هذه الآية مكية، وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين، فكيف يلتئم هذا؟. أما خبر ابن عباس فقد ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 135 ونسبه إلى ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". (2) إسناده حسن. وأخرجه أحمد 5 / 135، والترمذي (3128) في " التفسير ": باب ومن سورة النمل. وقال: حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب. والحاكم 2 / 359 وابن حبان (1695) . وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 135 وزاد نسبته إلى النسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَهَا ثَوْبَانِ لِحَمْزَةَ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ أَنْ تَرَى حَمْزَةَ عَلَى حَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا الزُّبَيْرَ يَحْبِسُهَا، وَأَخَذَ الثَّوْبَيْنِ. وَكَانَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ قَتِيْلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكَرِهُوا أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِحَمْزَةَ. فَقَالَ: (أَسْهِمُوا بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا طَارَ لَهُ أَجْوَدُ الثَّوْبَيْنِ، فَهُوَ لَهُ) . فَأَسْهَمُوا بَيْنَهُمَا، فَكُفِّنَ حَمْزَةُ فِي ثَوْبٍ، وَالأَنْصَارِيُّ فِي ثَوْبٍ (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أُصِيْبَ إِخْوَانُكُم بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُم فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيْلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ العَرْشِ. فَلَمَّا وَجَدُوا طِيْبَ مَأْكَلِهِم وَمَشْرَبِهِم وَمَقِيْلِهِم، قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّنَا أَحْيَاءٌ فِي الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلاَّ يَنْكلُوا عِنْدَ الحَرْبِ، وَلاَ يَزْهَدُوا فِي الجِهَادِ؟ قَالَ اللهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُم عَنْكُم) .   (1) سنده جيد. وأخرجه أحمد 1 / 165 والبيهقي في سننه 4 / 401 - 402 من طريق سليمان بن داود الهاشمي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن عروة قال: أخبرني أبي الزبير، رضي الله عنه، أنه لما كان يوم أحد، أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي، صلى الله عليه وسلم، أن تراهم. فقال: المرأة المرأة. قال الزبير، رضي الله عنه: فتو سمت أنها أمي صفية. قال: فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض لك. قال: فقلت: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عزم عليك قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لاخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الانصار قتيل، قد فعل به كما فعل بحمزة. قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والانصاري لا كفن له. فقلنا: لحمزة ثوب وللانصاري ثوب. فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فَأُنْزِلَتْ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتاً} [آلُ عِمْرَانَ (1) : 169] . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: (أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُوْدِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ فَحْصِ الجَبَلِ (2)) . يَقُوْلُ: قُتِلْتُ مَعَهُم. وَجَاءَ بِإِسْنَادٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ قَتِيْلاً بَكَى، فَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ (3) .   (1) رجاله ثقات. ورواه أبو داود (2520) في الجهاد: باب في فضل الشهادة، والحاكم 2 / 88، 297 من طريق: عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وأخرجه ابن هشام 2 / 119، وأحمد 1 / 266 من طريق ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن ابن عباس، ولم يذكرا فيه سعيد بن جبير. قال ابن كثير: والاول أثبت. وأخرجه مسلم في صحيحه (1887) من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ". (2) إسناده قوي. وهو في " المسند " 3 / 375 وفيه " نحض ". وفي " سيرة ابن كثير " 3 / 89 " بحضن " وهو تحريف. وفحص الجبل: سفحه وما بسط منه. (3) أخرجه الحاكم 3 / 197 مختصرا و199 مطولا وسكت عنه وكذلك الذهبي. في الأولى وصححاه في الثانية المطولة. وفي سنده أبو حماد الحنفي المفضل بن صدقة وهو ضعيف، وعبد الله بن محمد بن عقيل وفيه لين. وقد عد الذهبي هذا الحديث في ميزانه من منكرات أبي حماد الحنفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 16 - عَاقِلُ بنُ البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ * وَقِيْلَ: عَاقِلُ بنُ أَبِي البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بن نَاشِبِ بنِ غيرَةَ بنِ سَعْدِ بنِ لَيْثِ بنِ بُكَيْرِ بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ اللَّيْثِيُّ. نَسَبَهُ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَقَالَ: كَانَ اسْمُهُ غَافِلاً، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاقِلاً. وَكَانَ أَبُو البُكَيْرِ حَالَفَ نُفَيْلَ بنَ عَبْدِ العُزَّى جَدَّ عُمَرَ، وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَالوَاقِدِيُّ، يَقُوْلاَنِ: ابْنُ أَبِي البُكَيْرِ. قَالَ: وَكَانَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ الكَلْبِيِّ يَقُوْلُوْنَ: ابْنُ بُكَيْرٍ (1) . أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: أَسْلَمَ غَافِلٌ، وَعَامِرٌ، وَإِيَاسٌ، وَخَالِدٌ بَنُو أَبِي البُكَيْرِ جَمِيْعاً، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ فِي دَارِ الأَرْقَمِ (2) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: خَرَجَ بَنُو أَبِي البُكَيْرِ مُهَاجِرِيْنَ فَأَوْعَبُوا، رِجَالُهُم وَنِسَاؤُهُمْ، حَتَّى غُلِّقَتْ أَبْوَابُهُم. فَنَزَلُوا عَلَى رِفَاعَةَ بنِ عَبْدِ المُنْذِرِ بِالمَدِيْنَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالُوا: وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ عَاقِلٍ وَبَيْنَ مُبَشّرِ بنِ عَبْدِ المُنْذِرِ، فَقُتِلاَ مَعاً بِبَدْرٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 282 - 283، طبقات خليفة: 23، تاريخ خليفة، 60، الاستيعاب: 9 / 71، أسد الغابة: 3 / 116، العقد الثمين: 5 / 81، الإصابة: 5 / 273، شذرات الذهب: 1 / 9. (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 282 وهو في " الإصابة " 5 / 273. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 282 وهو في " أسد الغابة " 3 / 116 وفي " الإصابة " 5 / 273. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَقِيْلَ: آخَى بَيْنَ عَاقِلٍ وَبَيْنَ مُجَذَّرِ بنِ زِيَادٍ. اسْتُشْهِدَ عَاقِلٌ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيْداً، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قَتَلَهُ مَالِكُ بنُ زُهَيْرٍ الجُشَمِيُّ (1) . أَخُوْهُ: 17 - خَالِدُ بنُ البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ * أَوِ ابْنُ أَبِي البُكَيْرِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدِ بنِ الدَّثِنَةِ. شَهِدَ خَالِدٌ بَدْراً، وَأُحُداً، وَقُتِلَ يَوْمَ الرَّجِيْعِ (2) فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً. أَخُوْهُمَا: 18 - إِيَاسُ بنُ أَبِي البُكَيْرِ بنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ اللَّيْثِيُّ ** قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَارِثِ بنِ خَزَمَةَ، وَشَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا. وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ.   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 283 وهو في " أسد الغابة " 3 / 116 وعند ابن هشام 1 / 477. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 13، تاريخ خليفة: 74، 75، الاستيعاب: 3 / 162 - 163، أسد الغابة: 2 / 91، العقد الثمين: 4 / 261، الإصابة: 3 / 51. (2) المراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل، على ثمانية أميال من عسفان وفيه كانت الموقعة، من جهة الغرب، وبه سميت. وخبر غزوة الرجيع في البخاري (4086) في المغازي: باب غزوة الرجيع. وعند ابن هشام 2 / 169، وعند ابن كثير في " السيرة " 3 / 123. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 23، الاستيعاب: 1 / 230، أسد الغابة: 1 / 181، العقد الثمين: 3 / 339، الإصابة: 1 / 143. (3) ابن سعد 3 / 1 / 283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أَخُوْهُمُ الرَّابِعُ: 19 - عَامِرُ بنُ أَبِي البُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ * قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: مَا شَهِدَ بَدْراً إِخْوَةٌ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُم. وَاسْتُشْهِدَ عَامِرٌ يَوْمَ اليَمَامَةِ (1) . 20 - مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المُطَّلِبِ المُطَّلِبِيُّ ** ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، المُطَّلِبِيُّ، المُهَاجِرِيُّ، البَدْرِيُّ، المَذْكُوْرُ فِي قِصَّةِ الإِفْكِ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 23، تاريخ خليفة: 113، الاستيعاب: 5 / 284، أسد الغابة: 3 / 118، العقد الثمين: 5 / 82، الإصابة: 5 / 275. (1) أصل معناها الحمامة. وأطلقت على هذا الصقع المعروف شرقي الحجاز الذي كانت تقيم به بنو حنيفة. وهناك آراء متعددة في سبب هذه التسمية. انظر " اللسان "، و" معجم البلدان " و" المصباح المنير ". ولمعرفة ما حدث يوم اليمامة من الحروب الطاحنة بين خالد بن الوليد ومسيلمة الكذاب، انظر الطبري في " تاريخه " 3 / 281 - 301، و" الكامل " في التاريخ لابن الأثير 2 / 361 - 367. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 36، نسب قريش: 95، طبقات خليفة: 9. المعارف 328، الجرح والتعديل: 8 / 425، مشاهير علماء الأمصار: 33، حلية الأولياء: 2 / 20، الاستيعاب: 10 / 248 - 249، أسد الغابة: 5 / 156، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 89، العبر: 1 / 35، العقد الثمين: 6 / 443 - 445 و7 / 179، الإصابة: 9 / 182 - 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 كَانَ فَقِيْراً، يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ (1) . ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: كَانَ قَصِيْراً، غَائِرَ العَيْنَيْنِ، شَثْنَ الأَصَابِع، عَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. إِيَّاكَ يَا جَرِي (2) أَنْ تَنْظُرَ إِلَى هَذَا البَدْرِيِّ شَزْراً لِهَفْوَةٍ بَدَتْ مِنْهُ، فَإِنَّهَا قَدْ غُفِرَتْ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. وَإِيَّاك يَا رَافِضِيُّ (3) أَنْ تُلَوِّحَ بِقَذْفِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ بَعْدَ نُزُوْلِ النَّصِّ فِي بَرَاءتِهَا، فَتَجِبُ لَكَ النَّارُ. 21 - أَبُو عَبْسٍ بنُ جَبْرِ بنِ عَمْرٍو الأَوْسِيُّ * (خَ، ت، س) ابْنِ زَيْدِ بنِ جُشَمَ بنِ حَارِثَةَ بنِ الحَارِثِ الأَوْسِيُّ. وَاسْمُهُ:   (1) أخرج البخاري (4750) في التفسير، باب: لولا إذ سمعتموه ... ، في نهاية الحديث هذا ... " فلما أنزل الله في براءتي، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، وكان ينفق على مسطح ابن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا ". (2) سهل همزة جرئ لتتسق السجعة مع البدري. وهو على فعيل من جرؤ: إذا هجم على الامر بدون توقف. وقد تحرفت في المطبوع إلى " جبري ". (3) انظر في سبب تسميتهم بذلك " مقالات الإسلاميين " 1 / 89 لأبي الحسن الأشعري. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 23، طبقات خليفة: 79، المعارف: 326، الجرح والتعديل: 5 / 220، الاستيعاب: 6 / 35، أسد الغابة: 3 / 431، تهذيب الكمال: 1621، تاريخ الإسلام: 2 / 120، تهذيب التهذيب: 12 / 156، الإصابة: 6 / 270، خلاصة تذهيب الكمال: 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 عَبْدُ الرَّحْمَنِ. بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ، لَهُ ذُرِّيَّةٌ بِالمَدِيْنَةِ وَبِبَغْدَادَ. وَكَانَ يَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ يَكْسِرَانِ أَصْنَامَ بَنِي حَارِثَةَ. آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَكَانَ فِيْمَنْ قَتَلَ كَعْبَ بنَ الأَشْرَفِ (1) ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَبْعَثَانِهِ مُصَدِّقاً (2) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ زَيْدٌ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَبُو عَبْسٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَبْسٍ، وَعَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ. مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقَبْرُهُ بِالبَقِيْعِ. 22 - ابْنُ التَّيِّهَانِ أَبُو الهَيْثَمِ مَالِكُ بنُ التَّيِّهَانِ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ بَلِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ الحَافِ بنِ قُضَاعَةَ الأَنْصَارِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ.   (1) خبر قتله أخرجه البخاري (4037) في المغازي: باب قتل كعب بن الأشرف. والحديث طويل فليراجع هناك (2) المصدق: بتخفيف الصاد: هو الذي يأخذ صدقات النعم. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 21 - 23، طبقات خليفة: 78، 332، تاريخ خليفة: 149، المعارف: 270، الجرح والتعديل: 8 / 207، مشاهير علماء الأمصار: ت: 32، الاستبصار: 228، الاستيعاب: 9 / 305، أسد الغابة: 5 / 14، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 79 - 80، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 / 344، الإصابة: 9 / 40، شذرات الذهب: 1 / 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ: هُوَ مِنَ الأَوْسِ، مِنْ أَنْفُسِهِم. ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنُ التَّيِّهَانِ بنِ مَالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ جُشَمَ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ الأَوْسِ. وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي جُشَم المَذْكُوْرِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ أَبُو الهَيْثَمِ يَكْرَهُ الأَصْنَامَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُؤَفِّفُ بِهَا، وَيَقُوْلُ بِالتَّوْحِيْدِ هُوَ وَأَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ. وَكَانَا مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الأَنْصَارِ بِمَكَّةَ. وَيُجْعَلُ فِي الثَّمَانِيَةِ الَّذِيْنَ لَقَوْا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، وَيُجْعَلُ فِي السِّتَّةِ، وَفِي أَهْلِ العَقَبَةِ الأُوْلَى الاثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي السَّبْعِيْنَ (1) . آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِد، وَبَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ (2) خَارِصاً (3) بَعْدَ ابْنِ رَوَاحَةَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ: أَنَّ أَبَا الهَيْثَمِ بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِصاً، ثُمَّ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ إِذَا خَرَصْتُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَجَعْتُ، دَعَا لِي. وَعَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو الهَيْثَمِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ.   (1) الخبر في " الطبقات " 3 / 448 بأطول مما هنا فراجعه. (2) سقطت " إلى خيبر " من المطبوع. (3) الخرص: بفتح الخاء، وحكي بكسرها، وبسكون الراء، وهو: حزر ما على النخل من الرطب ثمرا، وهو تقدير بظن لا إحاطة. وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم، في تفسيره، أن الثمار إذا أدركت من الرطب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِمَّنْ رَوَى أَنَّهُ قُتِلَ بِصِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَقِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَاجِبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَامِعٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ بنِ التَّيِّهَانِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ) (1) .   والعنب، مما تجب فيه الزكاة، بعث السلطان خارصا ينظر فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا تمرا، فيحصيه. وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم، ويخلي بينهم وبين الثمار. فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر. (1) إسناده ضعيف جدا. محمد بن جامع العطار ضعفه أبو يعلى، وأبو حاتم، وقال ابن عدي: لا يتابع على أحاديثه، وشيخه عبد الحكيم بن منصور قال يحيى بن معين والدارقطني: متروك. وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث، لكن متن الحديث صحيح. فقد رواه أبو داود (5148) في الأدب: باب في المشورة، والترمذي (2370) في الزهد، باب: ما جاء في معيشة أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، و (2823) في الأدب: باب المستشار مؤتمن، وابن ماجه (3745) في الأدب: باب المستشار مؤتمن، كلهم من طريق شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " المستشار مؤتمن ". وأخرجه أحمد 5 / 274، وابن ماجه (3746) ، والدارمي 2 / 219 كلهم من طريق الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " المستشار مؤتمن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 23 - أَبُو جَنْدَلٍ العَاصُ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيُّ * ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ وُدٍّ بنِ نَصْرِ بنِ حِسْلِ بنِ عَامِرِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ العَامِرِيُّ، القُرَشِيّ. وَاسْمُهُ: العَاصُ. كَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَسْلَمَ وَحَبَسَهُ أَبُوْهُ وَقَيَّدَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ هَرَبَ يَحْجِلُ فِي قُيُوْدِهِ، وَأَبُوْهُ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِكتَابِ الصُّلْحِ. فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيْكَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: هَبْهُ لِي. فَأَبَى، فَرَدَّهُ وَهُوَ يَصِيْحُ وَيَقُوْلُ: يَا مُسْلِمُوْنَ! أُرَدُّ إِلَى الكُفْرِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ هَرَبَ. وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُوْرَةٌ مَذْكُوْرَة فِي (الصَّحِيْحِ (1)) ، وَفِي المَغَازِي. ثُمَّ خَلصَ وَهَاجَرَ، وَجَاهَدَ،   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 127، طبقات خليفة: 26، 300، تاريخ خليفة: 113، التاريخ الصغير: 1 / 50، الاستيعاب: 11 / 173، أسد الغابة: 6 / 54 - 56، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 205 - 206، تاريخ الإسلام: 2 / 26، العبر: 1 / 22، العقد الثمين: 8 / 33 - 34، الإصابة: 5 / 13، 267، شذرات الذهب: 1 / 30، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 134 - 137. (1) أخرجه البخاري (2700) في الصلح: باب الصلح مع المشركين وفيه " صالح النبي، صلى الله عليه وسلم، المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح: السيف والقوس ونحوه. فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم ". وأخرج حديث الصلح والشروط مطولا (2731، 2732) وفيه: فقال سهيل: وعلى ألا يأتينك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا - يا محمد - أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، إنا لم نقض الكتاب بعد. قال: فوالله إذا لم أصالحك علي شيء أبدا. قال النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجزه لي. قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى، فافعل قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين! أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ... " والحديث بطوله في ابن كثير في " السيرة " 3 / 312 - 337، وابن هشام 2 / 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى جِهَادِ الشَّامِ، فَتُوُفِّيَ شَهِيْداً فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاسَ بِالأُرْدُنِّ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَأَخُوْهُ: 24 - عَبْدُ اللهِ بن ُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيُّ * خَرَجَ مَعَ أَبِيْهِ إِلَى بَدْرٍ يَكْتُمُ إِيْمَانَهُ، فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَانِ، تَحَوَّلَ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، وَقَاتَلَ، وَعُدَّ بَدْرِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَلَهُ غَزَوَاتٌ وَمَوَاقِفُ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَإِنَّهُ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ الهِجْرَةَ الأُوْلَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَذَكَرَ الوَاقِدِيُّ، قَالَ: لَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ قَبْل حَجَّةِ الوَدَاعِ، لَقِيَهُ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: بَلَغَنِي يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَشْفَعُ الشَّهِيْدُ لِسَبْعِيْنَ مِنْ أَهْلِهِ (1)) . فَأَرْجُو أَنْ يَبْدَأَ عَبْدُ اللهِ بِي.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 259، الجرح والتعديل: 5 / 67، الاستيعاب: 6 / 236، أسد الغابة: 3 / 271، تاريخ الإسلام: 2 / 26، الإصابة: 7 / 304. (1) أخرجه أبو داود (2522) في الجهاد: باب الشهيد يشفع، من طريق يحيى بن حسان، عن الوليد بن رباح الذماري، عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام فقالت: أبشروا فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: يشفع الشهيد ... " وهذا سند حسن. رجاله ثقات غير نمران بن عتبة الذماري، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان. وقد روى عنه اثنان، ومثله حسن الحديث. وقد صحح حديثه هذا ابن حبان (1612) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فَهَذَا لاَ يَسْتَقِيْمُ، لَكِنْ قَالَهُ - إِنْ كَانَ قَالَهُ - لَمَّا اسْتُشْهِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِاليَمَامَةِ. وَ: 25 - سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو: أَبُوْهُمَا * يُكْنَى: أَبَا يَزِيْدَ (1) . وَكَانَ خَطِيْبَ قُرَيْشٍ، وَفَصِيْحَهُم، وَمِنْ أَشْرَافِهِم. لَمَّا أَقْبَلَ فِي شَأْنِ الصُّلْحِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَهُلَ أَمْرُكُم (2)) . تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ إِلَى يَوْمِ الفَتْحِ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَكَانَ قَدْ أُسِرَ يَوْم بَدْرٍ، وَتَخَلَّصَ. قَامَ بِمَكَّةَ، وَحَضَّ عَلَى النَّفِيْرِ، وَقَالَ: يَالَ غَالِبٍ! أَتَارِكُوْنَ أَنْتُم مُحَمَّداً وَالصُّبَاةَ (3) يَأْخُذُوْنَ عِيْرَكُم؟ مَنْ أَرَادَ مَالاً فَهَذَا مَالٌ، وَمَنْ أَرَادَ قُوَّةً فَهَذِهِ قُوَّةٌ. وَكَانَ سَمْحاً، جَوَاداً، مُفَوَّهاً. وَقَدْ قَامَ بِمَكَّةَ خَطِيْباً عِنْدَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَحْوٍ مِنْ خُطْبَةِ الصِّدِّيْقِ بِالمَدِيْنَةِ، فَسَكَّنَهُم، وَعَظَّمَ الإِسْلاَمَ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 126، نسب قريش: 417 - 419، طبقات خليفة: 26، 300، تاريخ خليفة: 82، 90، التاريخ الكبير: 4 / 103 - 104، المعارف: 284، الجرح والتعديل: 4 / 245، مشاهير علماء الأمصار: ت: 180، الاستيعاب: 4 / 287، أسد الغابة: 2 / 480، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 239، تاريخ الإسلام: 2 / 26، العقد الثمين: 4 / 624 - 630، الإصابة: 4 / 287، كنز العمال: 13 / 430، شذرات الذهب: 1 / 30. (1) تصحفت في المطبوع إلى " زيد ". (2) قطعة من الحديث الطويل الذي أخرجه البخاري (2731) (2732) في الشروط: باب الشروط في الجهاد. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم " قد سهل لكم من أمركم ". (3) الصباة: جمع صابئ. وهو من يترك دينه لدين آخر. وكان المشركون يسمون المسلمين الصباة، لانهم خرجوا من دين الشرك إلى دين الإسلام وقد أبهمت هذه الكلمة على المنجد فلم يتبينها وأثبت مكانها ثلاث نقط وعلق في الهامش: " كلمة غير ظاهرة ولعلها وأصحابه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ سُهَيْلُ بَعْدُ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، خَرَجَ بِجَمَاعَتِهِ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِداً. وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَامَ وَتَهَجَّدَ حَتَّى شَحُبَ لَوْنُهُ وَتَغَيَّرَ، وَكَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ إِذَا سَمِعَ القُرْآنَ. وَكَانَ أَمِيْراً عَلَى كُرْدُوْسٍ (1) يَوْم اليَرْمُوْكِ. قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ (2) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالوَاقِدِيُّ: مَاتَ فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاسَ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَمِيْرَةَ الزُّبَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُ. 26 - البَرَاءُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدَبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ. البَطَلُ الكَرَّارُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخُوْ خَادِمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. شَهِدَ أُحُداً، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.   (1) الكردوس: الطائفة العظيمة من الخيل والجيش. والجمع كراديس. (2) اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب فيه نهر الاردن، وفيه حدثت المعركة العظيمة بين المسلمين والروم، فكانت القاصمة لظهر قيصر الروم لأنه لم تقم له قائمة بعدها. وكان الأمير للجيش في هذه المعركة خالد بن الوليد رضي الله عنه. انظر " معجم البلدان " 5 / 434. و" تاريخ خليفة ": 120 وما بعدها. وانظر الطبري و" الكامل " في التاريخ أحداث عام (13) للهجرة. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 1 / 9، تاريخ خليفة: 146، التاريخ الكبير: 2 / 2 / 117، التاريخ الصغير: 1 / 55، تاريخ الطبري: 3 / 209، الجرح والتعديل: 2 / 399، مشاهير علماء الأمصار: ت: 37، الاستبصار: 34 - 36، حلية الأولياء: 1 / 350، الاستيعاب: 1 / 284، أسد الغابة: 1 / 206، تاريخ الإسلام: 2 / 34، مجمع الزوائد: 9 / 324، الإصابة: 1 / 235، كنز العمال: 13 / 294. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 قِيْلَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى أُمَرَاءِ الجَيْشِ: لاَ تَسْتَعْمِلُوا البَرَاءَ عَلَى جَيْشٍ، فَإِنَّهُ مَهْلَكَةٌ مِنَ المَهَالِكِ يَقْدَمُ بِهِم (1) . وَبَلَغَنَا أَنَّ البَرَاءَ يَوْمَ حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْتَمِلُوْهُ عَلَى تُرْسٍ، عَلَى أَسِنَّةِ رِمَاحِهِم، وَيُلْقُوْهُ فِي الحَدِيْقَةِ. فَاقْتَحَمَ إِلَيْهِم، وَشَدَّ عَلَيْهِم، وَقَاتَلَ حَتَّى افْتَتَحَ بَابَ الحَدِيْقَةِ. فَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ بِضْعَةً وَثَمَانِيْنَ جُرْحاً، وَلِذَلِكَ أَقَامَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ عَلَيْهِ شَهْراً يُدَاوِي جِرَاحَهُ (2) . وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ البَرَاءَ قَتَلَ فِي حُرُوْبِهِ مَائَةَ نَفْسٍ مِنَ الشُّجْعَانِ مُبَارَزَةً. مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: قَالَ الأَشْعَرِيُّ - يَعْنِي فِي حِصَارِ تُسْتَرَ (3) - لِلْبَرَاءِ بنِ مَالِكٍ: إِنْ قَدْ دُلِلْنَا عَلَى سِرْبٍ يَخْرُجُ إِلَى وَسْطِ المَدِيْنَةِ، فَانْظُرْ نَفَراً يَدْخُلُوْنَ مَعَكَ فِيْهِ. فَقَالَ البَرَاءُ لِمَجْزَأَةَ بنِ ثَوْرٍ: انْظُرْ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ طَرِيْفاً جَلْداً، فَسَمِّهِ لِي. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِحَاجَةٍ. قَالَ: فَإِنِّي أَنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ.   (1) هو في " المستدرك " للحاكم 3 / 291، وابن سعد 7 / 1 / 10، و" أسد الغابة " 1 / 206، و" الاستيعاب " 1 / 285. (2) أخرجه خليفة بن خياط في " تاريخه " 109 عن بكر بن سليمان، عن ابن إسحاق. وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 236، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 1 / 287 من طريق بقي بن مخلد، عن خليفة، وقد تحرف فيهما " ابن إسحاق " إلى " أبي إسحاق ". و" بكر " في " الإصابة " إلى " أبي بكر ". (3) هي أعظم مدينة بخوزستان. فيها قبر البراء بن مالك. كانت مشهورة بصناعة الثياب والعمائم. وعند ما فتحت جعلها عمر بن الخطاب من أرض البصرة لقربها منها. وانظر خبر فتحها في الطبري 4 / 77 - 89، و" الكامل " في التاريخ 2 / 546 وما بعدها، وابن كثير في " البداية " 7 / 85 وما بعدها. و" تاريخ الإسلام " للذهبي 2 / 29، و" معجم البلدان " 1 / 29 - 31، و" تاريخ خليفة " ص: (144) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قَالَ: دُلِلْنَا عَلَى سِرْبٍ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَدْخُلَهُ. قَالَ: فَأَنَا مَعَكَ. فَدَخَلَ مَجْزَأَةُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السِّرْبِ، شَدَخُوْهُ بِصَخْرَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ النَّاسُ مِنَ السِّرْبِ، فَخَرَجَ البَرَاءُ، فَقَاتَلَهُم فِي جَوْفِ المَدِيْنَةِ، وَقُتِلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِم (1) . سَلاَمَةُ: عَنْ عَمِّهِ عقِيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (كَمْ مِنْ ضَعِيْفٍ مُتَضَعِّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُم: البَرَاءُ بنُ مَالِكٍ) . وَإِنَّ البَرَاءَ لَقِيَ المُشْرِكِيْنَ وَقَدْ أَوْجَعَ المُشْرِكُوْنَ فِي المُسْلِمِيْنَ. فَقَالُوا لَهُ: يَا بَرَاءُ! إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّكَ لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّكَ، فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ. قَالَ: أُقْسِمُ عَلَيْكَ يَا رَبّ لَمَّا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُم، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّر: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ البَصْرِيُّ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ،   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع. ابن سيرين لم يسمع من البراء. (2) أخرجه الحاكم 3 / 292 وصححه، ووافقه الذهبي. وابن عبد البر في " الاستيعاب " 1 / 286. وأخرجه الترمذي (3853) في المناقب: باب مناقب البراء بن مالك. من طريق جعفر بن سليمان، أخبرنا ثابت وعلي بن زيد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره. منهم البراء بن مالك " وقال: هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه. وهو كما قال. والاشعث: البعيد العهد بالدهن والتسريح والغسل. والطمر: الثوب الخلق. لا يؤبه له: لا يعرف ولا يعلم به لقلة شأنه. لابره: لصدقه وجعله بارا غير حانث. (3) أبو سهل البصري: هو محمد بن عمرو الأنصاري، الواقفي، وهو ضعيف. وقد تحرف في المطبوع إلى " النضري ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيْهِ البَرَاءِ وَهُوَ يَتَغَنَّى، فَقَالَ: تَتَغَنَّى؟ قَالَ: أَتَخْشَى عَلَيَّ أَنْ أَمُوْتَ عَلَى فِرَاشِي وَقَدْ قَتَلْتُ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ نَفَساً مِنَ المُشْرِكِيْنَ مُبَارَزَةً، سِوَى مَا شَارَكْتُ فِيْهِ المُسْلِمِيْنَ (1) . وَفِي رِوَايَةٍ: يَا أَخِي! تَتَغَنَّى بِالشِّعْرِ وَقَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ القُرْآنَ؟ وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: زَعَمَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى البَرَاءِ وَهُوَ يَتَغَنَّى، وَيُرَنِّمُ قَوْسَهُ، فَقُلْتُ: إِلَى مَتَى هَذَا؟ قَالَ: أَترَانِي أَمُوْتُ عَلَى فِرَاشِي؟ وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتُ بِضْعاً وَتِسْعِيْنَ (2) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: بَارَزَ البَرَاءُ مرزبَانَ الزَّارَةِ (3) فَطَعَنَهُ، فَصَرَعَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ (4) . اسْتُشْهِدَ يَوْمَ فَتْحِ تُسْتَرَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ.   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي سهل. لكن الحاكم أخرجه 3 / 291 من طريق: عبد الله بن عوف، عن ثمامة بن أنس، عن أنس، وصححه، ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 236 عن البغوي وقال: بإسناد صحيح. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 350 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك. وانظر " الاستيعاب " 1 / 285. (2) هو في " الطبقات " لابن سعد 7 / 1 / 10 وإسناده صحيح. (3) لفظ المرة من الزار. وعين الزارة بالبحرين معروفة. والزارة قرية كبيرة بها. ومنها مرزبان الزارة وله ذكر في الفتوح. وقد فتحت الزارة سنة (12) للهجرة في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وصولحوا. انظر " معجم البلدان " 3 / 126، والطبري، و" الكامل "، و" البداية " في أحداث سنة اثنتي عشرة للهجرة. (4) انظر " أسد الغابة " 1 / 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 27 - نَوْفَلُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ، أَبُو الحَارِثِ، أَخُو أَبِي (1) سُفْيَانَ بنِ الحَارِثِ. كَانَ نَوْفَلُ أَسَنَّ مِنْ عَمِّهِ العَبَّاسِ. حَضَرَ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ، فَأُسِرَ، فَفَدَاهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَهَاجَرَ عَامَ الخَنْدَقِ. وَقِيْلَ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ العَبَّاسِ، وَقَدْ كَانَا شَرِيْكَيْنِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، مُتَصَافِيَيْنِ. شَهِدَ نَوْفَلُ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ، وَأَعَانَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ رُمْحٍ، وَثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً وَلاَ ذِكْراً بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدْتُ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَكَانَ أَسَنَّ بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ. وَابْنُهُ: 28 - الحَارِثُ بنُ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ ** أَسْلَمَ مَعَ أَبِيْهِ، وَوَلِيَ مَكَّةَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ العَمَلِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَزَلَ البَصْرَةَ، وَبَنَى بِهَا دَاراً. مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ عَنْ نَحْوٍ مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً.   (*) طبقات خليفة: 6، تاريخ خليفة: 134، الجرح والتعديل: 8 / 487، مشاهير علماء الأمصار: ت: 166، الاستيعاب: 10 / 335، أسد الغابة: 5 / 369 - 370، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 134، العقد الثمين: 7 / 351 - 353، الإصابة: 10 / 194. (1) سقطت لفظة " أبي " من المطبوع. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 295، الجرح والتعديل: 5 / 67، الاستيعاب: 6 / 236، أسد الغابة: 3 / 271، تاريخ الإسلام: 2 / 26، الإصابة: 7 / 304. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَابْنُهُ: 29 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ * (ع) وَلَقَبُهُ: بَبَّةُ. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اجْتَمَعَ أَهْلُ البَصْرَةِ عِنْدَ مَوْتِ يَزِيْدَ عَلَى تَأْمِيْرِهِ عَلَيْهِم. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ ابْنُ أُخْتِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَاسْمُهَا: هِنْدٌ. هِيَ كَانَتْ تُنَقِّزُهُ وَتَقُوْلُ: يَا بَبَّةُ يَا بَبَّهْ ... لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جَارِيَةً خِدَبَّهْ ... تَسُوْدُ أَهْلَ الكَعْبَهْ (1) اصْطَلَحَ أَهْلُ البَصْرَةِ، فَأَمَّرُوْهُ عِنْدَ هُرُوْبِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، وَكَتَبُوا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بِالبَيْعَةِ لَهُ. قَالَ: فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِم. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَعَلِيٍّ، وَالعَبَّاسِ، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ، وَطَائِفَةٍ، وَأَرْسَلَ حَدِيْثاً. شَهِدَ الجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ إِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ   (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 33، نسب قريش: 30 - 31، 86، طبقات خليفة: 191، 202، 231، 239، تاريخ خليفة: 258، 259، التاريخ الكبير: 5 / 63، الجرح والتعديل: 5 / 30 - 31، مشاهير علماء الأمصار: ت: 480، الاستيعاب: 6 / 143، أسد الغابة: 3 / 206، تهذيب الكمال: 673، تاريخ الإسلام: 3 / 263، العبر: 1 / 98، العقد الثمين: 5 / 128 - 129، تهذيب التهذيب: 5 / 180، الإصابة: 7 / 201، خلاصة تذهيب الكمال: 194، شذرات الذهب: 1 / 94 - 95. (1) الرجز في " اللسان " 1 / 221، و" الاستيعاب " 3 / 207 وفيهما " تجب " بدل " تسود " وفي حاشية " الكامل " للمبرد (1042) ، وفي " الاشتقاق " لابن دريد ص: (70) والرواية عنده " تجب " وفسرها بأنها تغلب نساء قريش بجمالها. وأما رواية " تاريخ بغداد " 1 / 212: لانكحن ببة جارية خدبة * مكرمة محبة تحب أهل الكعبة ورواية الكامل 4 / 137: لانكحن ببة * جارية في قبة تمشط رأس لعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 شِهَابٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَمَوْلاَهُ يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ، أَتَتْ بِهِ أَمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَتَفَلَ فِي فِيْهِ، وَدَعَا لَهُ (1) . قَالَ: وَخَرَجَ هَارِباً مِنَ البَصْرَةِ إِلَى عُمَانَ خَوْفاً مِنَ الحَجَّاجِ عِنْدَ فِتْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ (2) ، فَمَاتَ بِعُمَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. يُحَدِّثُ أَيْضاً عَنْ: صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَأُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ. وَابْنُهُ: 30 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ * (خَ، م) أَبُو يَحْيَى (3) الهَاشِمِيُّ، أَخُو إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدٍ. حدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ.   (1) ابن سعد 4 / 1 / 39 بغير سند، في ترجمة الحارث بن نوفل. وهو في تاريخ بغداد 1 / 211 بدون سند أيضا. (2) وذلك عند ما خلع ابن الاشعث الحجاج واجتمع له الناس والقراء في البصرة والكوفة، وكان اللقاء الأليم، وموقعة دير الجماجم، وقتل القراء وبقية الصحابة. انظر " الكامل " في التاريخ 4 / 461 - 493، والطبري، و" البداية " لابن كثير في أحداث عام 82، 83، ففيها تفصيل وأي تفصيل (*) طبقات ابن سعد: 5 / 1 / 233، نسب قريش: 86، التاريخ الكبير: 5 / 126، تاريخ الإسلام: 4 / 18، تهذيب التهذيب: 5 / 284. (3) تحرفت في المطبوع إلى " إسحاق ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ عَوْنٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ الخَطَّابِيُّ. وَكَانَ مِنْ صَحَابَةِ سُلَيْمَانَ الخَلِيْفَةِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، قَتَلَتْهُ السَّمُوْمُ بِالأَبْوَاءِ (1) فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَهُوَ مَعَ الخَلِيْفَةِ سُلَيْمَانَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. 31 - سَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. لَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِيْمَنْ لَقِيَ اللهَ مُؤْمِناً دَخَلَ الجَنَّةَ (2) . رَوَاهُ عَنْهُ: سَلْمَانُ الأَغَرُّ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيْعَةَ. ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ (صَحِيْحِهِ) ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَهُ. 32 - أَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ، المُغِيْرَةُ بنُ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ ** هُوَ ابْنُ عَمِّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُغِيْرَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ. أَخُو نَوْفَل وَرَبِيْعَةَ.   (1) الابواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم. والسموم: الريح الحارة. وقيل: هي الباردة ليلا كان أو نهارا. وتكون اسما وصفة. والجمع: سمائم. (*) تاريخ خليفة: 131، الإصابة: 4 / 184. (2) أخرجه الحاكم 3 / 247، وذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 4 / 184 - 185 وقال: قلت: في الإسناد ابن لهيعة وهو ضعيف، ولم أر لسعيد هذا ذكرا في كتب الأنساب، وذكره الدارقطني في كتاب " الاخوة " وذكر له هذا الحديث. (* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 34، طبقات خليفة: 6، الاستيعاب: 11 / 287، ابن عساكر، باريس: 162 / ب، أسد الغابة: 6 / 144، العبر 1 / 24، مجمع الزوائد، 9 / 274، العقد الثمين: 7 / 253، الإصابة: 11 / 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 تَلَقَّى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الطَّرِيْقِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مُسْلِماً، فَانْزَعَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْرَضَ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ بَدَتْ مِنْهُ أُمُوْرٌ فِي أَذِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَذَلَّلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَقَّ لَهُ. ثُمَّ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَلَزِمَ هُوَ وَالعَبَّاسُ رَسُوْلَ اللهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ فَرَّ النَّاسُ، وَأَخَذَ بِلِجَامِ البَغْلَةِ، وَثَبَتَ مَعَهُ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَلَدُهُ عَبْدُ المَلِكِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا بَنِي هَاشِمٍ! إِيَّاكُمْ وَالصَّدَقَةَ (1)) . وَكَانَ أَخَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمَا حَلِيْمَةُ. سَمَّاهُ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، وَالزُّبَيْرُ: مُغِيْرَةَ. وَقَالَ طَائِفَةٌ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَإِنَّمَا المُغِيْرَةُ أَخُوْهُم. وَقِيْلَ: كَانَ الَّذِيْنَ يُشَبَّهُوْنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جَعْفَرٌ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَقُثَمُ بنُ العَبَّاسِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَسَّان: أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي ... مُغَلْغَلَةً، فَقَدْ بَرِحَ الخَفَاءُ هَجَوْتَ مُحَمَّداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ (2) ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: تَرَاجَعَ النَّاسُ يَوْمَ   (1) لم نقف عليه. (2) البيتان من قصيدة طويلة لحسان بن ثابت، قالها يوم فتح مكة، مطلعها: عفت ذات الاصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء وهي في ديوانه 11 - 14 دار إحياء التراث العربي. وذكرها ابن هشام في " السيرة " 2 / 421 - 424. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 حُنَيْنٍ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبَّ أَبَا سُفْيَانَ هَذَا، وَشَهِدَ لَهُ بِالجَنَّةِ، وَقَالَ: (أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ خَلَفاً مِنْ حَمْزَةَ (1)) . قِيْلَ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ حَجَّ، فَحَلَقَهُ الحَلاَّقُ، فَقَطَعَ ثُؤْلُوْلاً فِي رَأْسِهِ، فَمَرِضَ مِنْهُ، وَمَاتَ بَعْدَ قُدُوْمِهِ بِالمَدِيْنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ. وَيُقَالُ: مَاتَ بَعْدَ أَخِيْهِ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (2) . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَيَّ، فَإِنِّي لَمْ أَتَنَطَّفْ (3) بِخَطِيْئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ (4) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلأَبِي سُفْيَانَ يَرْثِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِي لاَ يَزُوْلُ ... وَلَيْلُ أَخِي المُصِيْبَةِ فِيْهِ طُوْلُ وَأَسْعَدَنِي البُكَاءُ وَذَاكَ فِيْمَا ... أُصِيْبَ المُسْلِمُوْنَ بِهِ قَلِيْلُ فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيْبَتُنَا وَجَلَّتْ ... عَشِيَّةَ قِيْلَ: قَدْ قُبِضَ الرَّسُوْلُ فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيْلَ فِيْنَا ... يَرُوْحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبْرَئِيْلُ وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ ... نُفُوْسُ الخَلْقِ أَوْ كَادَتْ تَسِيْلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا ... بِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُوْلُ وَيَهْدِيْنَا فَلاَ نَخْشَى ضَلاَلاً ... عَلَيْنَا وَالرَّسُوْلُ لَنَا دَلِيْلُ فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ حَيّاً ... وَلَيْسَ لَهُ مِنَ المَوْتَى عَدِيْلُ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 36، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 11 / 291. (2) سيأتي تخريجه في آخر الترجمة. (3) أي لم أتلطخ بها. وقد تحرفت في المطبوع إلى " أشطف ". (4) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 37، و" الاستيعاب " 11 / 291 - 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ ... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي فَهُوَ السَّبِيْلُ فَعُوْدِي بِالعَزَاءِ فَإِنَّ فِيْهِ ... ثَوَابَ اللهِ وَالفَضْلُ الجَزِيْلُ وَقُوْلِي فِي أَبِيْكِ وَلاَ تَمَلِّي ... وَهَلْ يَجْزِي بِفَضْلِ أَبِيْكِ قِيْلُ فَقَبْرُ أَبِيْكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ ... وَفِيْهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُوْلُ (1) وَقَدِ انْقَرَضَ نَسْلُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بنَ الحَارِثِ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّيْفِ نِصْفَ النَّهَارِ، حَتَّى تُكْرَهُ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يُصَلِّي مِنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ سَيِّدُ فِتْيَانِ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَحَجَّ، فَحَلَقَهُ الحَلاَّقُ، وَفِي رَأْسِهِ ثُؤْلُوْلٌ، فَقَطَعَهُ، فَمَاتَ، فَيَرَوْنَهُ شَهِيْداً (3) . وَيُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ. 33 - وَل ِـ: جَعْفَرِ بنِ أَبِي سُفْيَانَ * صُحْبَةٌ، وَثَبَتَ مَعَهُ هُوَ وَأَبُوْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَعَاشَ إِلَى وَسْطِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ.   (1) الابيات في " الاستيعاب " 11 / 292 - 293 وعددها هناك عشرة. (2) ابن سعد 4 / 1 / 36. (3) رجاله ثقات، لكنه مرسل كما قال الحافظ في " الإصابة " 11 / 196، وأخرجه الحاكم 3 / 255 وسكت عنه وكذلك الذهبي. وفيه " فيرون أنه شهيد " وابن سعد في " طبقاته " 4 / 1 / 36 - 37. (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 38، الجرح والتعديل: 2 / 480، الاستيعاب: 2 / 156، أسد الغابة: 1 / 341، العقد الثمين: 3 / 423، الإصابة: 2 / 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 34 - جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ الهَاشِمِيُّ * السَّيِّدُ، الشَّهِيْدُ، الكَبِيْرُ الشَّأْنِ، عَلَمُ المُجَاهِدِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ (1) قُصَيِّ الهَاشِمِيُّ، أَخُو عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَسَنُّ مِنْ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. هَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَهَاجَرَ مِنَ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَوَافَى المُسْلِمِيْنَ وَهُمْ عَلَى خَيْبَرَ إِثْرَ أَخْذِهَا، فَأَقَامَ بِالمَدِيْنَةِ أَشْهُراً، ثُمَّ أَمَّرَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَيْشِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ بِنَاحِيَةِ الكَرَكِ، فَاسْتُشْهِدَ. وَقَدْ سُرَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيْراً بِقُدُوْمِهِ، وَحَزِنَ -وَاللهِ- لِوَفَاتِهِ. رَوَى شَيْئاً يَسِيْراً. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ. حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى النَّجَاشِيِّ ثَمَانِيْنَ رَجُلاً: أَنَا، وَجَعْفَرٌ، وَأَبُو مُوْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ. وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ بِهَدِيَّةٍ، فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَلَمَّا دَخَلاَ سَجَدَا   (1) سقطت لفظة " بن " في المطبوع. (*) مسند أحمد: 1 / 201 و5 / 290، طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 22، نسب قريش: 80 - 82، طبقات خليفة: 4، تاريخ خليفة: 86، 87، التاريخ الكبير: 2 / 185، التاريخ الصغير: 1 / 22، الجرح والتعديل: 2 / 482، حلية الأولياء: 1 / 114 - 118، الاستيعاب: 2 / 149، أسد الغابة: 1 / 341، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 148 - 149، تهذيب الكمال: 199، العبر: 1 / 9، مجمع الزوائد: 9 / 271 - 273، العقد الثمين: 3 / 424 - 425، تهذيب التهذيب: 2 / 98، الإصابة: 2 / 85، خلاصة تذهيب الكمال: 63، شذرات الذهب: 1 / 12، 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 لَهُ، وَابْتَدَرَاهُ، فَقَعَدَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالاَ: إِنَّ نَفَراً مِنْ قَوْمِنَا نَزَلُوا بِأَرْضِكَ، فَرَغِبُوا عَنْ مِلَّتِنَا. قَالَ: وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالُوا: بِأَرْضِكَ. فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِم. فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيْبُكُم. فَاتَّبَعُوْهُ، فَدَخَلَ، فَسَلَّمَ. فَقَالُوا: مَا لَكَ لاَ تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ؟ قَالَ: إِنَّا لاَ نَسْجُدُ إِلاَّ لِلِّهِ. قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ أَرْسَلَ فِيْنَا رَسُوْلاً، وَأَمَرَنَا أَنْ لاَ نَسْجُدَ إِلاَّ لِلِّهِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّهُم يُخَالِفُوْنَكَ (1) فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ. قَالَ: مَا تَقُوْلُوْنَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَقُوْلُ كَمَا قَالَ اللهُ: رُوْحُ اللهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى العَذْرَاءِ البَتُوْلِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ. قَالَ: فَرَفَعَ النَّجَاشِيُّ عُوْداً مِنَ الأَرْضِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الحَبَشَةِ وَالقِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! مَا تُرِيْدُوْنَ، مَا يَسُوْؤُنِي هَذَا! أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى فِي الإِنْجِيْلِ، وَاللهِ لَوْلاَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ المُلْكِ، لأَتَيْتُهُ، فَأَكُوْنَ أَنَا الَّذِي أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ، وَأُوَضِّئُهُ. وَقَالَ: انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُم. وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الآخَرَيْنِ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَتَعَجَّلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَشَهِدَ بَدْراً (2) . وَرَوَى نَحْواً مِنْهُ: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ (3) . وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ. مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ   (1) في المطبوع " يخالفونكم ". (2) إسناده قوي وأخرجه أحمد 1 / 461. (3) هذه الرواية أخرجها ابن عساكر، عن أبي القاسم السمرقندي، عن أبي الحسين بن النقور، عن أبي طاهر المخلص، عن أبي القاسم بن البغوي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الجعفي، عن عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا أسد بن عمرو البجلي، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، قال:..، ثم قال: حسن غريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 سَلَمَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ، وَأُوْذِيَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفُتِنُوا، وَرَأَوْا مَا يُصِيْبُهُم مِنَ البَلاَءِ، وَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ لاَ يَسْتَطِيْعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُم، وَكَانَ هُوَ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعَمِّهِ، لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مِمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ. فَقَالَ لَهُم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ مَلِكاً لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ، فَالْحَقُوا بِبِلاَدِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُم فَرَجاً وَمَخْرَجاً) . فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ أَرْسَالاً، حَتَّى اجْتَمَعْنَا، فَنَزَلْنَا بِخَيْرِ دَارٍ إِلَى خَيْرِ جَارٍ أَمِنَّا عَلَى دِيْنِنَا (1) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، فَتَفَاخَرَ ابْنَاهَا؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْكِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَسْمَاءُ! اقْضِي بَيْنَهُمَا. فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَابّاً كَانَ خَيْراً مِنْ جَعْفَرٍ، وَلاَ كَهْلاً خَيْراً مِنْ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتِ لَنَا شَيْئاً، وَلَوْ قُلْتِ غَيْرَ هَذَا لَمَقَتُّكِ. فَقَالَتْ: وَاللهِ إِنَّ ثَلاَثَةً أَنْتَ أَخَسُّهُم لَخِيَارٌ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا سَأَلْتُ عَلِيّاً شَيْئاً بِحَقِّ جَعْفَرٍ إِلاَّ أَعْطَانِيْهِ. ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بنِ شُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشَ الأُمَرَاءِ، وَقَالَ: (عَلَيْكُم زَيْدٌ، فَإِنْ أُصِيْبَ، فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيْبَ جَعْفَرٌ، فَابْنُ رَوَاحَةَ) . فَوَثَبَ جَعْفَرٌ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ   (1) أخرجه ابن هشام 1 / 334 مطولا، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 115، وسنده صحيح، لان ابن إسحاق صرح بالتحديث عند أحمد 1 / 201، و5 / 290 - 292 فانتفت شبهة تدليسه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 24 - 27 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 تَسْتَعْمِلَ زَيْداً عَلَيَّ. قَالَ: (امْضُوا، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ) . فَانْطَلَقَ الجَيْشُ، فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ المِنْبَرَ، وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلاَ أُخْبِرُكُم عَنْ جَيْشِكُم، إِنَّهُم لَقُوا العَدُوَّ، فَأُصِيْبَ زَيْدٌ شَهِيْداً، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ، فَشَدَّ عَلَى النَّاسِ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى أُصِيْبَ شَهِيْداً، ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدٌ) . وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الأُمَرَاءِ، هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ. فَرَفَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُصْبُعَيْهِ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ (1) هُوَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِكَ، فَانْصُرْهُ) . فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ: سَيْفَ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: (انْفِرُوا، فَامْدُدُوا إِخْوَانَكُم، وَلاَ يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ) . فَنَفَرَ النَّاسُ فِي حَرٍّ شَدِيْدٍ (2) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ مِنْ بَنِي مُرَّةَ بنِ عَوْفٍ، قَالَ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ، حِيْنَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ (3) حَتَّى قُتِلَ (4) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَقَرَ فِي الإِسْلاَمِ، وَقَالَ:   (1) سقط من المطبوع لفظ " اللهم ". (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 299، 300 - 301. (3) سقط من المطبوع " ثم قاتل ". (4) رجاله ثقات، وإسناده قوي، وأخرجه أبو داود (2573) في الجهاد: باب في الدابة تعرقب في الحرب. وذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 511: وعزاه إلى أحمد والنسائي، وصححه ابن حبان، ونسبه ابن كثير في " سيرته " 3 / 465 - 466 إلى البيهقي والنسائي. وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 25. وانظر " سيرة ابن هشام " 2 / 378 و" الحلية " لأبي نعيم 1 / 118، و" شرح المواهب اللدنية " 2 / 271 - 272 و" أسد الغابة " 3 / 343، و" الإصابة " 2 / 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 يَا حَبَّذَا الجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا وَالرُّوْمُ رُوْمٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... عَلَيَّ إِنْ لاَقَيْتُهَا ضِرَابُهَا الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: ضَرَبَهُ رُوْمِيٌّ، فَقَطعَهُ بِنِصْفَيْنِ، فَوُجِدَ فِي نِصْفِهِ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ جُرْحاً. أَبُو أُوَيْسٍ (1) : عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَقَدْنَا جَعْفَراً يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَوَجَدْنَا بَيْنَ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ بِضْعاً وَتِسْعِيْنَ، وَجَدْنَا ذَلِكَ فِيْمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ (2) . أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ: عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: جَمَعْتُ جَعْفَراً عَلَى صَدْرِي يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَوَجَدْتُ فِي مُقَدَّمِ جَسَدِهِ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ (3) .   (1) هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الاصبحي المدني، ابن عم الامام مالك، وصهره على أخته. أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. قال الحافظ في التقريب: صدوق يهم. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 117 - 118، وأخرجه البخاري (4261) في المغازي: باب غزوة مؤتة من أرض الشام، من طريق مغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن قتل زيد فجعفر، وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية " ومن هذا الطريق أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 117، والحاكم 3 / 212 وسكت عنه وكذلك الذهبي، وابن سعد 4 / 1 / 26. (3) إسناده حسن. وأخرجه البخاري (4260) في المغازي: باب غزوة مؤتة من طريق ابن وهب، عن عمرو، عن ابن أبي هلال قال: وأخبرني نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل. فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره - يعني ظهره ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جَعْفَرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُهُ حِيْنَ طَعَنَهُ رَجُلٌ، فَمَشَى إِلَيْهِ فِي الرُّمْحِ، فَضَرَبَهُ، فَمَاتَا جَمِيْعاً (1) . سَعْدَانُ بنُ الوَلِيْدِ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَرِيْبَةٌ، إِذْ قَالَ: (يَا أَسْمَاءُ! هَذَا جَعْفَرٌ مَعَ جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ مَرَّ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَقِي المُشْرِكِيْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَسَلَّمَ، فَرُدِّي عَلَيْهِ السَّلاَمَ) . وَقَالَ: (إِنَّهُ لَقِي المُشْرِكِيْنَ، فَأَصَابَهُ فِي مَقَادِيْمِهِ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ اليُمْنَى، فَقُطِعَتْ، ثُمَّ أَخَذَ بِاليُسْرَى، فَقُطِعَتْ. قَالَ: فَعَوَّضَنِي اللهُ مِنْ يَدَيَّ جَنَاحَيْنِ أَطِيْرُ بِهِمَا مَعَ جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ فِي الجَنَّةِ، آكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا (2)) . وَعَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا بَنِي جَعْفَرٍ، فَرَأَيْتُهُ شَمَّهُم، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْءٌ؟ قَالَ: (نَعَمْ، قُتِلَ اليَوْمَ) . فَقُمْنَا نَبْكِي، وَرَجَعَ، فَقَالَ: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً، فَقَدْ شُغِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِم) (3) .   (1) رجاله ثقات لكنه منقطع. والد عمرو بن ثابت من الطبقة السادسة. (2) أخرجه الحاكم 3 / 210 - 211، وسكت عنه وكذلك الذهبي. وفيه زيادة ليست هنا. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 272 - 273 ونسبه إلى الطبراني وقال: وفيه سعدان بن الوليد لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. (3) أخرجه أحمد 6 / 270، وابن ماجه (1611) في الجنائز: باب ما جاء في الطعام يبعث لاهل الميت. وأخرجه الشافعي في " مسنده " 1 / 208، وفي " الام " 1 / 274، والدارقطني ص: (190، 197) ، والبيهقي 4 / 61، وأبو داود (3132) في الجنائز: باب صنع الطعام لاهل الميت، والترمذي (998) في الجنائز: باب في الطعام يصنع لاهل الميت، وابن ماجه (1610) في الجنائز: باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت. وكلهم من طريق: سفيان بن عيينة، عن جعفر بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر ... ، وصححه الحاكم 1 / 372 ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءتْ وَفَاةُ جَعْفَرٍ، عَرَفْنَا فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحُزْنَ (1) . أَبُو شَيْبَةَ العَبْسِيُّ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَأَيْتُ جَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكاً فِي الجَنَّةِ، مُضَرَّجَةً قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ، يَطِيْرُ فِي الجَنَّةِ (2)) . عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيُّ: عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً: (رَأَيْتُ جَعْفَراً لَهُ جَنَاحَانِ فِي الجَنَّةِ) (3) . وَجَاءَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَيُقَالُ: عَاشَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.   (1) أخرجه الحاكم 3 / 209، وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر " أسد الغابة "، 1 / 393. (2) أخرجه الحاكم 3 / 209 من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام عن عكرمة، عن ابن عباس وصححه، وكذلك هو في " الاستيعاب " 2 / 154 وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 76: وأخرج الحاكم أيضا والطبراني عن ابن عباس وذكر الحديث، وقال: ومن طريق أخرى عنه وإسناده جيد. وانظر ما بعده مباشرة. (3) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر المديني. وأخرجه الترمذي (3767) في المناقب: باب مناقب جعفر، والحاكم 3 / 209 وبعبد الله هذا أعله كل من الترمذي والذهبي. لكنه يتقوى بما قبله، وبما أخرجه الحاكم 3 / 213 بإسناد صحيح على شرط مسلم كما قال الحافظ في " الفتح " 7 / 76 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مربي جعفر الليلة في ملا من الملائكة، وهو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد. وفي البخاري (3709) من طريق الشعبي أن ابن عمر، رضي الله عنه، كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: عَنِ الأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ تَلَقَّاهُ جَعْفَرٌ، فَالْتَزَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: (مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَفْرَحُ: بِقُدُوْمِ جَعْفَرٍ، أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ (1)) . وَفِي روَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ أَجْلَح: فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَضَمَّهُ، وَاعْتَنَقَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ. فَأَنْكَرَ هَذَا الوَاقِدِيُّ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ المُؤَاخَاةُ قَبْلَ بَدْرٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيْرَاثِ، وَانْقَطَعَتْ المُؤَاخَاةُ، وَجَعْفَرٌ يَوْمَئِذٍ بِالحَبَشَةِ. حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ لَتَطُوْفُ بَيْنَ الرِّجَالِ، إِذْ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهَا، فَأَلْقَاهَا إِلَى فَاطِمَةَ فِي هَوْدَجِهَا، فَاخْتَصَمَ فِيْهَا هُوَ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: ابْنَةُ عَمِّي، وَأَنَا أَخْرَجْتُهَا. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي. فَقَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ، وَقَالَ: (الخَالَةُ وَالِدَةٌ) . فَقَامَ جَعْفَرٌ، فَحَجلَ حَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . قَالَ: شَيْءٌ رَأَيْتُ الحَبَشَةَ يَصْنَعُوْنَهُ بِمُلُوْكِهِم (3) .   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 23، وانظر " أسد الغابة " 1 / 342، و" الإصابة " 2 / 86. وأخرجه الحاكم 3 / 211 وقال: إنما ظهر بمثل هذا الإسناد الصحيح مرسلا. وقال الذهبي: وهو الصواب. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 24، وإسناده ضعيف لانقطاعه، وأخرجه أحمد 1 / 108 من طريق: أسود بن عامر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، وهانئ بن هانئ مستور لم يرو عنه إلا أبو إسحاق. وأما خبر اختصام علي وزيد وجعفر في ابنة حمزة. فقد أخرجه البخاري (2699) في الصلح: باب كيف يكتب، و (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء. وفيه أنه قضي بها النبئ صلى الله عليه وسلم، لخالتها وهي زوجة جعفر، وقال: الخالة بمنزلة الام. والحجل: أن يرفع رجلا ويقفز على رجل واحدة من شدة الفرح ويكون بالاثنتين قفزا لا مشيا، كما وأخرجه أحمد 1 / 99، 115، 230، وأبو داود (2278، 2279) ، والترمذي (1905) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 أُمُّهَا: سلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَخَالَتُهَا: أَسْمَاءُ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُوْلُ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهَ خَلْقُكَ خَلْقِي، وَأَشْبَهَ خُلُقُكَ خُلُقِي، فَأَنْتَ مِنِّي وَمِنْ شَجَرَتِي (2)) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، وَعَنْ هُبَيْرَةَ بنِ مَرْيَمَ، وَهَانِئ بنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالاَ (3) : إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي) (4) .   (1) هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المدني. ثقة، أخرج له الجماعة، وقد تحرفت لفظة " قسيط " في المطبوع إلى " بسيط ". (2) رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 5 / 204 من طريق محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه قال: اجتمع جعفر وعلي وزيد بن حارثة. فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى نسأله، فقال أسامة بن زيد: فجاؤوا يستأذنونه، فقال: اخرج فانظر من هؤلاء. فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد. ما أقول أبي. قال: ائذن لهم. ودخلوا فقالوا: من أحب إليك؟ قال: فاطمة. قالوا: نسألك عن الرجال. قال: أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت مني وشجرتي. وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني. وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي "، وابن سعد 4 / 1 / 24: (3) تصحفت في المطبوع إلى " قال ". (4) حديث البراء أخرجه البخاري (2698) في الصلح: باب كيف يكون ... و (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، والترمذي (3769) في المناقب: باب مناقب جعفر. وحديث علي أخرجه أحمد 1 / 98، 115، وأبو داود (2280) في الطلاق: باب من أحق بالولد، وأخرجه أحمد 1 / 108 من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ (ح) . وَعَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ لِجَعْفَرٍ (1) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَر، قَالَ: السَّلاَم عَلَيْك يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ (2) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - فِي شَأْنِ هِجْرَتِهِم إِلَى بِلاَدِ النَّجَاشِيِّ، وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ - قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَبَعَثُوا عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي رَبِيْعَةَ، فَجَمَعُوا هَدَايَا لَهُ، وَلِبَطَارِقَتِهِ. فَقَدِمُوا عَلَى المَلِكِ، وَقَالُوا: إِنَّ فِتْيَةً مِنَّا سُفَهَاءَ فَارَقُوا دِيْنَنَا، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِيْنِكَ، وَجَاؤُوا بِدِيْنٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ، وَلَجَؤُوا إِلَى بِلاَدِكَ، فَبُعِثْنَا إِلَيْكَ لِتَرُدَّهُم. فَقَالَتْ بَطَارِقتُهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا المَلِكُ. فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ لَعْمْرُ اللهِ، لاَ أَرُدُّهُم إِلَيْهِم حَتَّى أُكَلِّمَهُم، قَوْمٌ لَجَؤُوا إِلَى بِلاَدِي، وَاخْتَارُوا جِوَارِي، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَمْرٍو وَابنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ المَلِكُ كَلاَمَهُم. فَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُوْلُ النَّجَاشِيِّ، اجْتَمَعَ القَوْمُ، وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّيْنُ؟ قَالُوا: أَيُّهَا المَلِكُ! كُنَّا قَوْماً عَلَى الشِّرْكِ، نَعْبُدُ الأَوْثَانَ، وَنَأْكُلُ المَيْتَةَ، وَنُسِيْءُ الجِوَارَ، وَنَسْتَحِلُّ المَحَارِمَ وَالدِّمَاءَ، فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا نَبِيّاً مِنْ أَنْفُسِنَا، نَعْرِفُ وَفَاءهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، وَنَصِلَ الرَّحِمَ، وَنُحْسِنَ الجِوَارَ، وَنُصَلِّيَ، وَنَصُوْمَ. قَالَ: فَهَلْ مَعَكُم شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ؟ - وَقَدْ دَعَا أَسَاقِفَتَهُ،   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 24 ومحمد هو ابن سيرين. فالسند منقطع. (2) أخرجه البخاري (3709) في فضائل الصحابة: باب مناقب جعفر، و (4264) في المغازي: باب غزوة مؤتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فَأَمَرَهُمْ، فَنَشَرُوا المَصَاحِفَ حَوْلَهُ -. فَقَالَ لَهُمْ جَعْفَرٌ: نَعَمْ. فَقَرَأَ عَلَيْهِم صَدْراً مِنْ سُوْرَةِ {كهيعص} . فَبَكَى - وَالله - النَّجَاشِيُّ، حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الكَلاَمَ لَيَخْرُجُ مِنَ المِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوْسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِيْنَ، لاَ وَاللهِ، لاَ أَرُدُّهُم عَلَيْكُم، وَلاَ أُنْعِمُكُم عَيْناً. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لآتِيَنَّهُ غَداً بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءهُم، فَذَكَرَ لَهُ مَا يَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى (1) . قَالَ شَبَابٌ: عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَعَقِيْلٌ، أُمُّهُم: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى الحَبَشَةِ بِزَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَوَلَدَتْ هُنَاكَ: عَبْدَ اللهِ، وَعَوْناً، وَمُحَمَّداً (2) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ جَعْفَرٌ بَعْدَ أَحَدٍ وَثَلاَثِيْنَ نَفْساً (3) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الحَسَنِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ عَلِيّاً أَوَّلُ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدٌ، ثُمَّ جَعْفَرٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّابِعَ أَوِ الخَامِسَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْم بَدْرٍ لِجَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ بِسَهْمِهِ، وَأَجْرِهِ. وَرُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ، قَالَ: (لأَنَا بِقُدُوْمِ جَعْفَرٍ أَسَرُّ مِنِّي بِفَتْحِ خَيْبَرَ) (4) .   (1) حديث صحيح وقدم تقدم تخريجه في الصفحة (208) تعليق (1) . (2) ابن سعد 4 / 1 / 23. (3) " الإصابة " 2 / 85. (4) سبق تخريجه في الصفحة (213) تعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فِي رِوَايَةٍ: تَلَقَّاهُ، وَاعْتَنَقَهُ، وَقبَّلَهُ. وَفِي (الصَّحِيْحِ) مِنْ حَدِيْثِ البَرَاءِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي (1)) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا احْتَذَى النِّعَالَ، وَلاَ رَكِبَ المَطَايَا بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ (2) . يَعْنِي: فِي الجُوْدِ وَالكَرَمِ. رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ عَنْ خَالِدٍ، وَلَهُ عِلَّةٌ، يَرْوِيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي جَعْفَراً أَبَا المَسَاكِيْنِ، كَانَ يَذْهَبُ بِنَا إِلَى بَيْتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ لَنَا شَيْئاً، أَخْرَجَ إِلَيْنَا عُكَّةً أَثَرُهَا عَسَلٌ، فَنشُقُّهَا، وَنَلْعَقُهَا (3) .   (1) تقدم تخريجه في الصفحة (214) تعليق رقم (4) . (2) إسناده جيد وأخرجه أحمد 2 / 413، والترمذي (3768) وقال: حديث حسن صحيح غريب، وابن سعد في " الطبقات " 4 / 1 / 28 وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 86، وقال: رواه الترمذي، والنسائي، وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم 3 / 209 وصححه، ووافقه الذهبي. (3) إسناده حسن. وأخرجه البخاري (3708) في فضائل الصحابة: باب مناقب جعفر، و (5432) في الاطعمة: باب الحلوى والعسل، من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: " إن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشبع بطني حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة. وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني. وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها " والحبير من البرد: ما كان موشى مخططا. والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف: ظرف السمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 35 - عَقِيْلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * هُوَ أَكْبَرُ إِخْوَتِهِ، وَآخِرُهُم مَوْتاً، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ المُحَدِّثِ. وَلَهُ أَوْلاَدٌ: مُسلمٌ، وَيَزِيْدُ وَبِهِ كَانَ يُكْنَى، وَسَعِيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَحْوَلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللهِ. شَهِدَ بَدْراً مُشْرِكاً، وَأُخْرِجَ إِلَيْهَا مُكْرَهاً، فَأُسِرَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَفَدَاهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ (1) . وَرُوِيَ أَنَّ عَقِيْلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْم أُسِرَ: مَنْ قَتَلْتَ مِنْ أَشْرَافِهِم؟ قَالَ: قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ. قَالَ: الآنَ صَفَا لَكَ الرَّادِي (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: خَرَجَ عَقِيْلٌ مُهَاجِراً فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَشَهِدَ مُؤْتَةَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَتَمَرَّضَ مُدَّةً، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَلاَ حُنَيْنٍ، وَلاَ الطَّائِفِ. وَقَدْ أَطْعَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ مَائَةً وَأَرْبَعِيْنَ وَسقاً كُلَّ سَنَةٍ.   (*) امسند أحمد: 1 / 201 و3 / 451، طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 28، طبقات خليفة: 126، 189، التاريخ الكبير: 7 / 50 - 51، التاريخ الصغير: 1 / 145، الجرح والتعديل: 6 / 218، مشاهير علماء الأمصار: ت: 14، الاستيعاب: 8 / 108، ابن عساكر: 11 / 363 / 1 أسد الغابة: 4 / 63، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 337، تهذيب الكمال: 949، مجمع الزوائد: 9 / 273، العقد الثمين: 6 / 113 - 115، تهذيب التهذيب: 7 / 254، الإصابة: 7 / 31، خلاصة تذهيب الكمال 269 - 270، كنر العمال: 13 / 562. (1) ابن سعد 4 / 1 / 29. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 29 من طريق: علي بن عيسى، عن إسحاق بن الفضل، عن أشياخه، عن عقيل ... (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 30 و" الاستيعاب " 4 / 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: أَنَّ جَدَّهُ أَصَابَ يَوْمَ مُؤْتَةَ خَاتَماً فِيْهِ تَمَاثِيْلُ، فَنَفَلَهُ أَبَاهُ (1) . مَعْمَرٌ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: جَاءَ عَقِيْلٌ بِمِخْيَطٍ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: خِيْطِي بِهَذَا ثِيَابَكِ. فَسَمِعَ المُنَادِي: أَلاَ لاَ يَغُلَّنَّ (2) رَجُلٌ إِبْرَةً فَمَا فَوْقَهَا. فَقَالَ عَقِيْلٌ لَهَا: مَا أَرَى إِبْرَتَكِ إِلاَّ قَدْ فَاتَتْكِ (3) . عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَقِيْلٍ: (يَا أَبَا يَزِيْدَ! إِنِّي أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ: لِقَرَابَتِكَ، وَلِحُبِّ عَمِّي لَكَ (4)) . ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاء: رَأَيْتُ عَقِيْلَ بنَ أَبِي طَالِبٍ شَيْخاً كَبِيْراً يُقِلُّ الغَرْبَ (5) . قَالُوا: تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، وَسَيَأْتِي مِنْ أَخْبَارِهِ بَعْدُ (6) .   (1) ابن سعد 4 / 1 / 30 من طريق قيس بن الربيع، عن جابر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل. (2) هي من الغلول: وهو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. وقد التبست على محقق المطبوع فترك مكانها فارغا. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 30. (4) أخرجه الحاكم 3 / 576، وابن سعد 4 / 1 / 30، وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 373 ونسبه إلى الطبراني مرسلا، وقال: ورجاله ثقات. وانظر " الاستيعاب " 8 / 108، و" أسد الغابة " 4 / 64. ونسبه صاحب " الكنز " (33617) إلى ابن سعد، والبغوي، والطبراني، وابن عساكر عن أبي إسحاق مرسلا. وأخرجه الحاكم 3 / 576 أيضا من طريق أبي حمزة، عن يزيد بن عبد الرحمن ابن سابط، عن حذيفة. (5) " يقل الغرب " يحمل. والغرب: الدلو العظيم. وجإء في " الطبقات " لابن سعد 14 / 1 / 30 " بعل العرب " وهو خطأ. وقد التبست الجملة على محقق المطبوع فترك مكانها فارغا. (6) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 30. وقال الحافظ في " الإصابة " 7 / 31: روي في " تاريخ البخاري " بسند صحيح، أنه مات في أول خلافة يزيد قبل الحرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 36 - زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ الكَلْبِيُّ * ابْنِ شرَاحِيْلَ - أَوْ شُرَحْبِيْلَ - بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ يَزِيْدَ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ عَامِرِ بنِ النُّعْمَانِ. الأَمِيْرُ، الشَّهِيْدُ، النَّبَوِيُّ، المُسَمَّى فِي سُوْرَةِ الأَحْزَابِ، أَبُو أُسَامَةَ الكَلْبِيُّ، ثُمَّ المُحَمَّدِيُّ، سَيِّدُ المَوَالِي، وَأَسْبَقُهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، وَحِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو حِبِّهِ، وَمَا أَحَبَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ طَيِّباً. وَلَمْ يُسَمِّ اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ صَحَابِيّاً بِاسْمِهِ إِلاَّ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، وَعِيْسَى بنَ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- الَّذِي يَنْزِلُ حَكَماً مُقْسِطاً، وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَةِ فِي صَلاَتِهِ وَصِيَامِهِ وَحَجِّهِ وَنِكَاحِهِ وَأَحْكَامِ الدِّيْنِ الحَنِيْفِ جَمِيْعِهَا، فَكَمَا أَنَّ أَبَا القَاسِمِ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُهُم وَخَاتَمُهُم، فَكَذَلِكَ عِيْسَى بَعْدَ نُزُوْلِهِ أَفْضَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُطْلَقاً، وَيَكُوْنُ خِتَامَهُم، وَلاَ يَجِيْءُ بَعْدَهُ مَنْ فِيْهِ خَيْرٌ، بَلْ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَأَذْنُ اللهُ بِدُنُوِّ السَّاعَةِ (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، حَدَّثَنَا   (*) المسند لأحمد: 4 / 161، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 27، طبقات خليفة: 6، تاريخ خليفة: 86، 87، التاريخ الكبير: 3 / 390، التاريخ الصغير: 1 / 23، الجرح والتعديل: 3 / 559، الاستيعاب: 4 / 47، ابن عساكر: 6 / 291 / 1، أسد الغابة: 2 / 281، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 202 - 203، تهذيب الكمال: 453، العبر: 1 / 9، مجمع الزوائد: 9 / 274 - 275، العقد الثمين: 4 / 459 - 473، تهذيب التهذيب: 3 / 401، الإصابة: 4 / 47، خلاصة تذهيب الكمال: 127، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 454. (1) من قوله " عيسى بن مريم ... إلى بدنو الساعة " حذفت في المطبوع من الأصل، وأثبتت في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ (1) ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْماً حَارّاً مِنْ أَيَّامِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصَابِ، وَقَدْ ذَبَحْنَا لَهُ شَاةً، فَأَنْضَجْنَاهَا، فَلَقِيَنَا زَيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا زَيْدُ! مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ؟) . قَالَ: وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ نَائِلَةٍ لِي فِيْهِم (2) ، وَلَكِنِّي خَرَجْتُ أَبْتَغِي هَذَا الدِّيْنَ، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ فَدَكٍ، فَوَجَدْتُهُم يَعْبُدُوْنَ اللهَ، وَيُشْرِكُوْنَ بِهِ، فَقَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ خَيْبَرَ، فَوَجَدْتُهُم كَذَلِكَ، فَقَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ، فَوَجَدْتُ كَذَلِكَ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّيْنِ الَّذِي أَبْتَغِي. فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِيْنٍ مَا نَعْلَمُ أَحَداً يَعْبُدُ اللهَ بِهِ، إِلاَّ شَيْخٌ بِالحِيْرَةِ. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللهِ. قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهَرَ بِبِلاَدِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ طَلَعَ نَجْمُهُ، وَجَمِيْعُ مَنْ رَأَيْتَهُم فِي ضَلاَلٍ. قَالَ: فَلَمْ أُحِسَّ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ. قَالَ: فَإِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ. وَتَفَرَّقْنَا، فَأَتَى رَسُوْلُ اللهِ البَيْتَ، فَطَافَ بِهِ، وَأَنَا مَعَهُ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُمَا صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ: إِسَافٌ، وَنَائِلَةُ. وَكَانَ المُشْرِكُوْنَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ: (لاَ تَمْسَحْهُمَا، فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ) . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمَسَّنَّهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَقُوْلُ. فَمَسَسْتُهُمَا، فَقَالَ: (يَا زَيْدُ! أَلَمْ تُنْهَ) . قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو، وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَيْدٍ:   (1) سقط من المطبوع " سلمة و". (2) تصحفت في المطبوع إلى " منهم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ (1)) . فِي إِسْنَادِهِ: مُحَمَّدٌ (2) لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ بَيِّنَةٌ. عَنِ الحَسَنِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْبَرَ مِنْ زَيْدٍ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. قَالَ: وَكَانَ قَصِيْراً، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، أَفْطَسَ (3) . رَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَذَا صِفَتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَجَاءتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّهُ كَانَ شَدِيْدَ البَيَاضِ، وَكَانَ ابْنُهُ أُسَامَةُ أَسْوَدَ، وَلِذَلِكَ أُعْجِبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ القَائِفِ، حَيْثُ يَقُوْلُ: (إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) (4) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 216 - 217 وصححه، ووافقه الذهبي، وهو في " المطالب العالية " برقم (4057) ونقل محقق الكتاب عن البوصيري قوله: رواه النسائي أيضا في " الكبرى " بسند رجاله ثقات. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417 - 418 ونسبه إلى أبي يعلى، والبزار، والطبراني، وعند الطبراني زيادة أشار إليها ثم قال: رجال أبي يعلى والبزار، وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث. وانظر الصفحة (130) تعليق رقم (1) . ويقال: شنفت له شنفا: أي أبغضته. (2) هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي. أخرج له البخاري مقرونا بغيره ووثقه غير واحد. وضعفه بعضهم تضعيفا خفيفا لا يخرجه عن كونه حسن الحديث ولذا قال الحافظ في " التقريب ": صدوق له أوهام. والذهبي ضعفه هنا مع أنه قد وافق الحاكم على تصحيحه في " المستدرك ". وانظر ما قاله الحافظ في " الفتح " 7 / 142 - 145 في دفع هذه النكارة التي ادعاها المؤلف. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 30 وسنده ضعيف لضعف الواقدي. وهي مخالفة للرواية الصحيحة التي ستأتي. (4) أخرجه أحمد 6 / 82، 226 والبخاري (2555) في المناقب: باب صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، و (3731) في فضائل الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة و (6770) و (6771) في الفرائض: باب القائف من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل علي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لُوَيْنُ: حَدَّثَنَا حُدَيْجٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ جَبَلَةُ بنُ حَارِثَةَ فِي الحَيِّ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ زَيْدٌ؟ قَالَ: زَيْدٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ، وَسَأُخْبِرُكُم: إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ مِنْ طَيِّئٍ، فَمَاتَتْ، فَبَقِيْنَا فِي حَجْرِ جَدِّنَا، فَقَالَ عَمَّايَ لِجَدِّنَا: نَحْنُ أَحَقُّ بَابْنَي أَخِيْنَا. فَقَالَ: خُذَا جَبَلَةَ، وَدَعَا زَيْداً. فَأَخَذَانِي، فَانْطَلَقَا بِي، فَجَاءتْ خَيْلٌ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَخَذَتْ زَيْداً، فَوَقَعَ إِلَى خَدِيْجَةَ، فَوَهَبَتْهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ (1) : حَدَّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، قَالَ: أَبْصَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ غُلاَماً ذَا ذُؤَابَةٍ قَدْ أَوْقَفَهُ قَوْمُهُ بِالبَطْحَاءِ لِلْبَيْعِ، فَأَتَى خَدِيْجَةَ. فَقَالَتْ: كَمْ ثَمَنُهُ؟ قَالَ: (سَبْعُ مَائَةٍ) . قَالَتْ: خُذْ سَبْعَ مَائَةٍ. فَاشْتَرَاهُ، وَجَاءَ بِهِ إِلَيْهَا، فَقَالَ: (أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ لِي لأَعْتَقْتُهُ) . قَالَتْ: فَهُوَ لَكَ. فَأَعْتَقَهُ (2) .   = مسرورا تبرق أسارير وجهه. فقال " ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض " والقائف: هو الذي يقفو الاثر. والقافة: الاستدلال بالخلقة على النسب. وأخرجه مسلم (1459) في الرضاع: باب العمل بإلحاق القائف الولد، وأبو داود (2267) في الطلاق: باب في القافة. والترمذي (2130) في الولاء والهبة: باب ما جاء في القافة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6 / 184، 185 في الطلاق: باب القافة، وابن ماجه (2349) في الاحكام: باب القافة. وقال الخطابي: فيه دليل على ثبوت أمر القافة، وصحة لقولهم في إلحاق الولد، وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده. وكان الناس قد ارتابوا بأمر زيد بن حارثة وابنه أسامة. وكان زيد أبيض وجاء أسامة أسود. فلما رأى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سماعه. فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسري عنه. (1) تحرفت في المطبوع إلى " سلمان ". (2) إسناده منقطع. وأبو فزارة هو راشد بن كيسان العبسي الكوفي وانظر " الاستيعاب " 4 / 49، و" أسد الغابة " 2 / 281، و" الإصابة " 4 / 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ: زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ. مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا كُنَّا نَدْعُوْ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ إِلاَّ زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ، فَنَزَلَتْ: {ادْعُوْهُم لآبَائِهِم، هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} [الأَحْزَابُ (1) : 5] . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بنُ حَارِثَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ابْعَثْ مَعِي أَخِي   (1) أخرجه البخاري (4782) في التفسير: باب ادعوهم لآبائهم، ومسلم (2425) في فضائل الصحابة: باب فضائل زيد، والترمذي (3207) في التفسير: باب ومن سورة الاحزاب، وقال: حسن صحيح. و (3816) في المناقب: باب مناقب زيد، والبيهقي في سننه 7 / 161: باب نسخ التبني. وزيد هذا هو الذي قال الله تعالى فيه مخاطبا نبيه الكريم: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) . وقد نقل كثير من المفسرين في قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) أقاويل معتمدين على ما أورده الطبري في تفسيره 22 / 63 من طريق: بشر، عن يزيد، عن سعيد، عن قتادة ... ومن طريق: يونس عن ابن وهب، عن ابن زيد ... وابن سعد 8 / 101 والحاكم في " المستدرك " 4 / 23 - 24 كلاهما من طريق الواقدي، عن عبد الله بن عامر، عن محمد بن يحيى بن حبان ... فقالوا: إن ما أخفاه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبداه الله تعالى هو وقوع زينب في قلبه ومحبته لها وهي تحت زيد وأنها سمعته يقول: " سبحان مقلب القلوب " وهي أسانيد منقطعة والثالث منها ضعيف جدا، فالواقدي متروك، وعبد الله بن عامر الاسلمي ضعيف، وقد نص على ضعفها جهابذة النقاد من أئمة الحديث والفقه، كالحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 8 / 403، وابن العربي في " أحكام القرآن " 3 / 1530، 1532، وابن كثير في تفسيره 5 / 466، والآلوسي 22 / 24، 25. وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 زَيْداً. قَالَ: (هُوَ ذَا، فَإِنِ انْطَلَقَ، لَمْ أَمْنَعْهُ) . فَقَالَ زَيْدٌ: لاَ وَاللهِ لاَ أَخْتَارُ عَلَيْكَ أَحَداً أَبَداً. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَأْيَ أَخِي أَفْضَلَ مِنْ رَأْيِي (1) . سَمِعَهُ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ مِنْهُ. ذَكَرَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ فِيْمَنْ شَهِدَ بَدْراً. وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزَوْتُ مَعَ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، كَانَ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا.   الآية: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، يعني زينب، قالوا: إنه تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) . فالذي كان يخفيه صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك، خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الابطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أدعى لقبولهم. (1) أخرجه الترمذي (3817) في المناقب من طريق محمد بن عمر بن الرومي، عن علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالده عن أبي عمرو الشيباني، عن جبلة بن حارثة، وحسنه. ومحمد بن عمر بن الرومي لين. وأخرجه الحاكم 3 / 214 من طريق علي بن مسهر. وصححه، ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في " الإصابة "، في ترجمة جبلة وزاد نسبته إلى أبي يعلى (2) أخرجه البخاري (4272) في المغازي: باب بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن يزيد بن أبي عبيدة، عن سلمة بن الاكوع بلفظ: " غزوت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، تسع غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا ". قال الحافظ في شرح الحديث (4250) : هكذا ذكره مبهما. ورواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عامر، بلفظ " وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يومره علينا ". وكذلك أخرجه الطبراني، عن أبي مسلم بهذا اللفظ. وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي شعيب الحراني، عن أبي عاصم كذلك. وكذا أخرجه الاسماعيلي من طرق عن أبي عاصم. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 31 من طريق: أبي عاصم النبيل عن يزيد بن أبي عبيدة، عن سلمة بن الاكوع، قال: غزوت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع غزوات يؤمره رسول الله علينا. وإسناده صحيح. وصححه الحاكم 3 / 218 ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ أَمِيْراً سَبْعَ سَرَايَا (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَقَدِمَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ - تَعْنِي مِنْ سَرِيَّةِ أُمِّ قِرْفَةَ - وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي. فَقَرَعَ زَيْدٌ (2) البَابَ، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجُرُّ ثَوْبَهُ عُرْيَاناً، مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَاناً قَبْلَهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى اعْتَنَقَهُ وَقبَّلَهُ ثُمَّ سَاءلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا ظَفَّرَهُ اللهُ (3) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ: (يَا زَيْدُ! أَنْتَ مَوْلاَيَ، وَمِنِّي، وَإِلَيَّ، وَأَحَبُّ القَوْمِ إِلَيَّ) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) (4) .   (1) ابن سعد 3 / 1 / 31. (2) سقط لفظ " زيد " من المطبوع ". (3) إسناده ضعيف لضعف الواقدي. وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم. وأخرجه الترمذي (2733) في الاستئذان: باب ما جاء في المعانقة والقبلة، من طريق: محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن يحيى، عن محمد بن عباد المدني، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة. وحسنه مع أن إبراهيم بن يحيى وأباه ضعيفان. وإبن إسحاق مدلس وقد عنعن. وفي الباب عن الشعبي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه. وأخرجه أبو داود (5220) ، وفيه انقطاع. وذكر الحافظ في " الفتح " 11 / 51 أن البغوي أخرجه موصولا في " معجم الصحابة "، من حديث عائشة لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف. (4) أخرجه أحمد 5 / 204 مطولا، وابن سعد 3 / 1 / 29 - 30 ورجاله ثقات. وصححه الحاكم 3 / 217، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في " الإصابة " 4 / 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ. فَقَالَ: (إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ طَعَنْتُم فِي إِمَارَةِ أَبِيْهِ، وَايمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيْقاً لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ (1)) . لَفْظُ إِسْمَاعِيْلَ: (وَإِنَّ ابْنَهُ لَمِنْ أَحَبِّ) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَفِيْهِ: (وَإِنْ كَانَ أَبُوْهُ لَخَلِيْقاً لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ كُلِّهِم إِلَيَّ) . قَالَ سَالِمٌ: مَا سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ بِهَذَا الحَدِيْثِ قَطُّ، إِلاَّ قَالَ: وَاللهِ مَا حَاشَا فَاطِمَة (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَحْيَى بنِ هَانِئ الشَّجَرِيُّ (3) : حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَانَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ، فَقَامَ إِلَيْهِ   (1) أخرجه أحمد 2 / 20، 98، 106، 110 من طرق، والبخاري (6627) في الايمان والنذور: باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم: وايم الله. و (3730) في فضائل الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة، و (4250) في المغازي: باب غزوة زيد بن حارثة، و (7178) في الاحكام: باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الامراء حديثا، ومسلم (2426) في فضائل الصحابة. باب فضائل زيد بن حارثة، والترمذي (3818) في المناقب: باب مناقب زيد بن حارثة. (2) رجاله ثقات. (3) في الأصل " إبراهيم بن محمد بن يحيى بن هانئ المخزومي " وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال، ومن سنن الترمذي - الحديث (2732) فإنه قد رواه عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن إبراهيم بن يحيى هذا كما سيذكر المؤلف بعد قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجُرُّ ثَوْبَهُ، فَقَبَّلَ وَجْهَهُ. وَكَانَتْ أُمُّ قِرْفَةَ جَهَّزَتْ أَرْبَعِيْنَ رَاكِباً مِنْ وَلَدِهَا، وَوَلَدِ وَلَدِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُقَاتِلُوْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم زَيْداً، فَقَتَلَهُم، وَقَتَلَهَا، وَأَرْسَلَ بِدِرْعِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَصَبَهُ بِالمَدِيْنَةِ بَيْنَ رُمْحَيْنِ (1) . رَوَاهُ: المَحَامِلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شبيْبٍ (2) ، عَنْهُ. وَرَوَى مِنْهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) ، عَنِ البُخَارِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ هَذَا، وَحَسَّنَهُ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَوْ أَنَّ زَيْداً كَانَ حَيّاً لاَسْتَخْلَفَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَائِلُ بنُ دَاوُدَ: عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: مَا بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ زَيْداً فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلاَّ أَمَّرَهُ عَلَيْهِم، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ اسْتَخْلَفَهُ (4) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ أَكْثَرَ مِمَّا فَرَضَ لِي، فَكَلَّمْتُهُ فِي   (1) إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن يحيى، وأبيه، ولعنعنة ابن إسحاق، وقد ذكره صاحب الكنز برقم (30260) . (2) هو الحافظ أبو سعيد عبد الله بن شبيب الربعي المدني، الاخباري أحد أوعية العلم على ضعفه. ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " ص (613) وقد استظهر في المطبوع لفظة " شقيق " بدل " شبيب " فأخطأ. (3) انظر الترمذي رقم الحديث (2732) . (4) أخرجه أحمد 6 / 226، 227، 254، 218، وابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 31، وأبو بكر ابن أبي شيبة كما في " أسد الغابة " 2 / 283 ثلاثتهم من طريق: محمد بن عبيد الطنافسي، عن وائل ابن داود، عن البهي، عن عائشة، وهذا سند حسن. والبهي: هو عبد الله مولى مصعب بن الزبير. وأخرجه الحاكم 3 / 215 من طريق سهل بن عمار العتكي، عن محمد بن عبيد، به، وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: سهل: قال الحاكم في " تاريخه ": كذاب، وهنا يصحح له، فأين الدين؟ ! ولم يحسن الذهبي هذا الحديث من غير هذه الطريق مع أنه قد رواه ثلاثة من الحفاظ عن محمد بن عبيد، ولعله لم يستحضر ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ مِنْكَ، وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِيْكَ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: عَقَدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَيْدٍ عَلَى النَّاسِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الأُمَرَاءِ. فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَانِ، كَانَ الأُمَرَاءُ يُقَاتِلُوْنَ عَلَى أَرْجُلِهِم، فَأَخَذَ زَيْدٌ اللِّوَاءَ، فَقَاتَلَ، وَقَاتَلَ مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى قُتِلَ طَعْناً بِالرِّمَاحِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ - أَيْ دَعَا لَهُ - وَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيْكُم، قَدْ دَخَلَ الجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى) . وَكَانَتْ مُؤْتَةُ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً (2) . جَمَاعَةٌ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلُ زَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ، وَابنِ رَوَاحَةَ، قَامَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ شَأْنَهُم، فَبَدَأَ بِزَيْدٍ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، ثَلاَثاً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ) (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ مُصَابُ زَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ، أَتَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْزِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَقِيَتْهُ بِنْتُ زَيْدٍ، فَأَجْهَشَتْ بِالبُكَاءِ فِي وَجْهِهِ. فَلَمَّا رَآهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَكَى حَتَّى انْتحَبَ. فَقِيْلَ: مَا   (1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 4 / 50 وقال: صحيح. وانظر كتاب " الخراج " لأبي يوسف ص: (46) (2) ابن سعد 3 / 1 / 31 وسقط من المطبوع لفظ " خمس و". (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 31 ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وأبو ميسرة هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، تابعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (شَوْقُ الحَبِيْبِ إِلَى الحَبِيْبِ (1)) . رَوَاهُ: مُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ عَنْهُ. حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ شَابَّةٌ. فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا لِزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ (2)) . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (3) . 37 - عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ ثَعْلَبَةَ. الأَمِيْرُ، السَّعِيْدُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، البَدْرِيُّ، النَّقِيْبُ، الشَّاعِرُ. لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ بِلاَلٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، وَأَرْسَلَ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ أَبِي   (1) رجاله ثقات. لكنه منقطع. خالد بن سملة هو ابن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي من الطبقة الخامسة. قتل سنة (132) بواسط لما زالت دولة بني أمية. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 32 وقد تحرفت فيه " خالد بن سلمة " إلى " خالد بن شمير ". (2) إسناده حسن. وقد ذكره صاحب الكنز (33299) و (33302) ونسبه إلى الروياني، والضياء في المختارة، وابن عساكر. (3) سقط من المطبوع عبارة " إسناده حسن ". (*) مسند أحمد: 3 / 451، طبقات ابن سعد: 6 / 2 / 79، طبقات خليفة: 93، تاريخ خليفة: 86 - 87، التاريخ الصغير: 1 / 23، الجرح والتعديل: 5 / 50، الاستبصار: 108 - 112، حلية الأولياء: 1 / 118 - 121، الاستيعاب: 6 / 171، ابن عساكر: 9 / 99 / 2، أسد الغابة: 3 / 234، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 265، تهذيب الكمال: 681، العبر: 1 / 9، مجمع الزوائد: 9 / 316، تهذيب التهذيب: 5 / 212، الإصابة: 6 / 77، خلاصة تذهيب الكمال: 197، كنز العمال: 13 / 449 - 425، شذرات الذهب: 1 / 12، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / - 390 397. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 حَازِمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَغَيْرُهُم. شَهِدَ بَدْراً، وَالعَقَبَةَ. وَيُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا رَوَاحَةَ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ. وَهُوَ خَالُ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ الأَنْصَارِ. اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المَدِيْنَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ المَوْعِدِ (1) ، وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - سَرِيَّةً فِي ثَلاَثِيْنَ رَاكِباً، إِلَى أُسَيْرِ (2) بنِ رِزَامٍ اليَهُوْدِيِّ بِخَيْبَرَ، فَقَتَلَهُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِصاً عَلَى خَيْبَرَ (3) . قُلْتُ: جَرَى ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُحْتَمَلُ - عَلَى بُعْدٍ - مَرَّتَيْنِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: ابْنُ رَوَاحَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أَخَوَانِ لأُمٍّ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ زِيَادٍ النَّمِيْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُ: تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً. فَقَالَهُ يَوْماً لِرَجُلٍ، فَغَضِبَ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ تَرَى ابْنَ رَوَاحَةَ يَرْغَبُ عَنْ إِيْمَانِكَ إِلَى إِيْمَانِ سَاعَةٍ. فَقَالَ: (رَحِمَ اللهُ ابْنَ رَوَاحَةَ، إِنَّهُ يُحِبُّ المَجَالِسَ الَّتِي تَتَبَاهَى بِهَا المَلاَئِكَةُ) (4) .   (1) بدر الموعد: هي التي تواعدوا عليها من أحد. وذلك أن أبا سفيان لما انصرف منها نادى: إن موعدكم بدر، العام المقبل. ولما رجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزوة ذات الرقاع أقام في المدينة إلى شعبان حيث خرج لميعاد أبي سفيان. وخرج أبو سفيان حتى نزل مجنة من ناحية الظهران ثم رجع ورجع الناس، فسماهم أهل مكة: جيش السويق، إذ يقولون: خرجتم تشربون السويق. (2) في " سيرة ابن هشام " 2 / 618، وفي الطبري 3 / 155، وفي " سيرة ابن كثير " 3 / 418، " يسير " وأما في " الطبقات " 3 / 2 / 79 فهو " أسير ". (3) ابن سعد 3 / 1 / 79. (4) أخرجه أحمد 3 / 265 وإسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة وهو ابن زاذان، ولضعف زياد بن عبد الله النميري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ، فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُوْلُ: (اجْلِسُوا) . فَجَلَسَ مَكَانَهُ خَارِجَ المَسْجِدِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (زَادَكَ اللهُ حِرْصاً عَلَى طَوَاعِيَةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ (1)) . وَرُوِيَ بَعْضُهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حَضَرَ أَجَلُهُ فَيَسِّرْ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَاشْفِهِ) . فَوَجَدَ خِفَّةً، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُمِّي قَالَتْ: وَاجَبَلاَهُ، وَاظَهْرَاهُ! وَمَلَكٌ رَفَعَ مِرْزَبَةً مِنْ حَدِيْدٍ، يَقُوْلُ: أَنْتَ كَذَا، فَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَقَمَعَنِي بِهَا (3) . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنْ كُنَّا لَنَكُوْنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فِي اليَوْمِ   (1) إسناده صحيح، لكنه مرسل. وذكره الحافظ في " الإصابة " 6 / 78، قال: أخرجه البيهقي بسند صحيح من طريق: ثابت، عن ابن أبي ليلى ... وأخرجه من وجه آخر إلى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، والمرسل أصح سندا. ونسبه صاحب " الكنز " (37173) إلى ابن عساكر. (2) ذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 6 / 78 وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 316: رواه الطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن إسماعيل، بن مجمع. وهو ضعيف. (3) أخرجه بتمامه ابن سعد 3 / 2 / 82 من مرسل أبي عمران الجوني. وقوله " أمي " خطأ. والصواب - ما ثبت في صحيح البخاري (4267) في المغازي: باب غزوة مؤتة من أرض الشام، من طريق عمران بن ميسرة، عن محمد بن فضيل، عن حصين، عن عامر، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه، واكذا، واكذا تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ " - أن الباكية أخته عمرة وليست أمه. وهي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث. وانظر " سنن البيهقي " 4 / 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الحَارِّ مَا فِي القَوْمِ أَحَدٌ صَائِمٌ إِلاَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ (1) . رَوَاهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْهُ. مَعْمَرٌ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةَ ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ لَهَا: تَدْرِيْنَ لِمَ تَزَوَّجْتُكِ؟ لِتُخْبِرِيْنِي عَنْ صَنِيْعِ عَبْدِ اللهِ فِي بَيْتِهِ. فَذَكَرَتْ لَهُ شَيْئاً لاَ أَحْفَظُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا دَخَلَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يَدَعُ ذَلِكَ أَبَداً (2) . قَالَ عُرْوَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُوْنَ} ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: أَنَا مِنْهُم. فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِلاَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (3) } . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ شُعَرَاءُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ، وَحَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ، وَكَعْبَ بنَ مَالِكٍ. قِيْلَ: لَمَّا جَهَّزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مُؤْتَةَ الأُمَرَاءَ الثَّلاَثَةَ، فَقَالَ: (الأَمِيْرُ زَيْدٌ،   (1) أخرجه البخاري (1945) في الصوم، رقم الباب: 35 ولفظه: عن أبي الدرداء قال: " خرجنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره، في يوم حار. حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي، صلى الله عليه وسلم، وابن رواحة ". ومسلم (1122) في الصيام: باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، وما بعده. وأبو داود (2409) في الصوم: باب من اختار الصيام. وابن ماجه (1663) في الصيام: باب ما جاء في الصوم في السفر. (2) رجاله ثقات. ونسبه الحافظ في " الإصابة " 6 / 78 - 79 إلى ابن المبارك في الزهد وصحح سنده. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 81 من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، ونقله الحافظ في " الإصابة " 6 / 79. وزاد السيوطي نسبته في " الدر المنثور " 5 / 99 إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر وانظر ابن هشام 2 / 373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فَإِنْ أُصِيْبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيْبَ فَابْنُ رَوَاحَةَ) . فَلَمَّا قُتِلاَ، كَرِهَ ابْنُ رَوَاحَةَ الإِقْدَامَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنَّهْ ... طَائِعَةً أَوْ لاَ لَتُكْرَهِنَّهْ فَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِيْنَ الجَنَّهْ (1) فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ مُدْرِكُ بنُ عُمَارَةَ: قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: مَرَرْتُ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَقُوْلُ الشِّعْرَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقُوْلَ؟) . قُلْتُ: أَنْظُرُ فِي ذَاكَ، ثُمَّ أَقُوْلُ. قَالَ: (فَعَلَيْكَ بِالمُشْرِكِيْنَ) . ولَمْ أَكُنْ هَيَّأْتُ شَيْئاً، ثُمَّ قُلْتُ: فَخَبِّرُوْنِي أَثْمَانَ العَبَاءِ مَتَى ... كُنْتُمْ بَطَارِقَ أَوْ دَانَتْ لَكُم مُضَرُ؟ فَرَأَيْتُهُ قَدْ كَرِهَ هَذَا أَنْ جَعَلْتُ قَوْمَهُ أَثْمَانَ العَبَاءِ، فَقُلْتُ: يَا هَاشِمَ الخَيْرِ، إِنَّ اللهَ فَضَّلَكُمْ ... عَلَى البَرِيِّةِ فَضْلاً مَا لَهُ غِيْرُ إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيْكَ الخَيْرَ أَعْرِفُهُ ... فِرَاسَةً خَالَفَتْهُم فِي الَّذِي نَظَرُوا وَلَوْ سَأَلْتَ إِنْ اسْتَنْصَرْتَ بَعْضَهُمُ ... فِي حِلِّ أَمْرِكَ مَا آوَوْا وَلاَ نَصَرُوا فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيْتَ مُوْسَى وَنَصْراً كَالَّذِي نُصِرُوا فَأَقْبَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَجْهِهِ مُسْتَبْشِراً، وَقَالَ: (وَإِيَّاكَ فَثَبَّتَ اللهُ) (2) .   (1) الخبر عند ابن هشام 2 / 379، والابيات هناك ثلاثة، والنص مختلف. وكذلك في " الاستيعاب " 6 / 174. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 80 - 81، وابن هشام 2 / 374، والابيات هناك ثلاثة وبغير هذا الترتيب. وفي " أسد الغابة " 3 / 235 وفي " الإصابة " 6 / 79 - 80 وفيها بيت واحد. وانظر " تهذيب ابن عساكر " 7 / 393. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ حَسَّان، وَكَعْبٌ يُعَارِضَانِ المُشْرِكِيْنَ بِمِثْلِ قَوْلِهِم بِالوَقَائِعِ، وَالأَيَّامِ، وَالمَآثِرِ، وَكَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ يُعَيِّرُهُم بِالكُفْرِ، وَيَنْسِبُهُم إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفَقِهُوا كَانَ أَشدَّ عَلَيْهِم. ثَابِتٌ: عَنْ أَنَس، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُوْلُ: خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ ... اليَوْمَ نَضْرِبْكُم عَلَى تَنْزِيْلِهِ ضَرْباً يُزِيْلُ الهَامَ عَنْ مَقِيْلِهِ ... وَيُذْهِلُ الخَلِيْلَ عَنْ خَلِيْلِهِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ! فِي حَرَمِ اللهِ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ تَقُوْلُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَلِّ يَا عُمَرُ، فَهُوَ أَسْرَعُ فِيْهِم مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) . وَفِي لَفْظٍ: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَلاَمُهُ عَلَيْهِم أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ) (1) . وَرَوَاهُ: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ (2) : وَجَاءَ فِي غَيْرِ هَذَا الحَدِيْثِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ، وَكَعْبٌ يَقُوْلُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، لأَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ،   (1) إسناده قوي. وأخرجه الترمذي (2851) في الأدب: باب ما جاء في إنشاد الشعر. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. والنسائي 5 / 202 في الحج: باب إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الامام، وصححه ابن حبان (2020) و (2021) ، وقال الحافظ في " الإصابة " 6 / 80: وأخرجه أبو يعلى بسند حسن، وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 428 - 433. (2) سقطت لفظة " الترمذي " من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمْرَةُ القَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ (1) . قُلْتُ: كَلاَّ، بَلْ مُؤْتَةُ بَعْدَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ جَزْماً. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: فَحَدِيْثُ أَنَسٍ: دَخَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مَكَّةَ وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِغِرْزِهِ (2) ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَعَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لابْنِ رَوَاحَةَ: (انْزِلْ، فَحَرِّكِ الرِّكَابَ) . قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَقَدْ تَرَكْتُ قَوْلِي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْمَعْ وَأَطِعْ. فَنَزَلَ، وَقَالَ: تَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا وَسَاقَ بَاقِيْهَا (3) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: بَكَى ابْنُ رَوَاحَةَ، وَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: بَكَيْتُ لِبُكَائِكَ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي وَارِدٌ النَّارَ،   (1) قال الترمذي هذا الكلام، بعد الحديث (3851) مباشرة. وتعقبه الحافظ في " الفتح " 7 / 384 في المغازي: باب عمرة القضاء، بعد أن نقل كلام الترمذي - قائلا: وهو ذهول شديد وغلط مردود. وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة. وجعفر قتل وزيد وابن رواحة في موطن واحد. فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا؟ ! (2) الغرز هو الركاب، وقد تحرفت في المطبوع إلى: " ببعيره ". (3) رجاله ثقات، لكنه مرسل. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 80 من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم. والنص أطول. وفيه: " يا رب لولا أنت ما اهتدينا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَمَا أَدْرِي أَنَاجٍ مِنْهَا أَمْ لاَ (1) . الزُّهْرِيُّ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُوْدَ. فَجَمَعُوا حُلِيّاً مِنْ نِسَائِهِم، فَقَالُوا: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا. قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُوْدَ! وَاللهِ إِنَّكُم لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيْفَ عَلَيْكُم، وَالرِّشْوَةُ سُحْتٌ. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ (2) . وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ - فِيْمَا نَحْسِبُ - عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُسْندِ بِالمِزَّةِ، أَنْبَأَنَا   (1) رجاله ثقات لكنه مرسل. قال السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 282: أخرج ابن المبارك، وأحمد في الزهد، وابن عساكر، عن بكر بن عبد الله المزني قال: لما نزلت هذه الآية [وإن منكم إلا واردها] ذهب عبد الله بن رواحة إلى بيته فبكى، فجاءت المرأة فبكت، وجاءت الخادم فبكت. وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون. فلما انقطعت عبرتهم قال: يا أهلاه ما الذي أبكاكم؟ قالوا: لا ندري. ولكن رأيناك بكيت فبكينا. قال: إنه أنزلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، آية ينبئني فيها ربي تبارك وتعالى أني وارد النار، ولم ينبئني أني صادر عنها، فذاك الذي أبكاني. وأخرج أبو نعيم في " الحلية " 1 / 118 من طريق: فاروق بن عبد الكبير، حدثنا زياد بن الخليل، حدثنا إبراهيم بن محمد بن فليح، حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري قال: زعموا أن ابن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة. فبكى أهله حين رأوه يبكي فقال: والله ما بكيت جزعا من الموت، ولا صبابة لكم. ولكني بكيت من قول الله عزوجل (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فأيقنت أني واردها. ولم أدر أنجو منها أم لا. وانظر تهذيب ابن عساكر 7 / 395. (2) قال ابن هشام في " السيرة " 2 / 345: فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما حدثني عبد الله بن أبي بكر، يبعث عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين ويهود. فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلنا. فتقول يهود: بهذا قامت السماوات والارض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 عَبْدَانُ بنُ رَزِيْنٍ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الزَّيْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيَاذٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ أَخِي المَاجِشُوْنِ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَتْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ جَارِيَةٌ يَسْتَسِرُّهَا عَنْ أَهْلِهِ، فَبَصُرَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ يَوْماً قَدْ خَلاَ بِهَا، فَقَالَتْ: لَقَدِ اخْتَرْتَ أَمَتَكَ عَلَى حُرَّتِكَ؟ فَجَاحَدَهَا ذَلِكَ. قَالَتْ: فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَاقْرَأْ آيَةً مِنَ القُرْآنِ. قَالَ: شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الكَافِرِيْنَا قَالَتْ: فَزِدْنِي آيَةً. فَقَالَ: وَأَنَّ العَرْشَ فَوْقَ المَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ العَرْشِ رَبُّ العَالَمِيْنَا وَتَحْمِلُهُ مَلاَئِكَةٌ كِرَامٌ ... مَلاَئِكَةُ الإِلَهِ مُقَرَّبِيْنَا فَقَالَتْ: آمَنْتُ بِاللهِ، وَكَذَّبْتُ البَصَرَ. فَأَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثَهُ، فَضَحِكَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ (1) عَلَيْهِ (2) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، أَنَّ نَافِعاً حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَت لابْنِ رَوَاحَةَ امْرَأَةٌ، وَكَانَ يَتَّقِيْهَا، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! قَالَتْ: اقْرَأْ عَلَيَّ إِذاً، فَإِنَّكَ جُنُبٌ. فَقَالَ: شَهِدْتُ بِإِذْنِ اللهِ أَنَّ مُحَمَّداً ... رَسُوْلُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَوَاتِ مِنْ عَلُ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ينكر ". (2) هو عند ابن عساكر. وانظر " تهذيب ابن عساكر " 7 / 395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَأَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلاَهُمَا ... لَهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّلُ (1) وَقَدْ رُوِيَا لِحَسَّانٍ. شَرِيْكٌ: عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ يَتَمَثَّلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِعْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، وَربَّمَا قَالَ: وَيَأَتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ (2) ... ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ - يَعْنِي بَعْدَ قَتْلِ صَاحِبِهِ -. قَالَ: فَالْتَوَى بَعْضَ الاَلْتِوَاءِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بِهَا بَعْضَ التَّردُّدِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ: أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَقْسَمْتُ بِاللهِ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طَائِعَةً أَوْ لاَ لَتُكْرَهِنَّهْ إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ ... مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِيْنَ الجَنَّهْ قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... هَلْ أَنْتِ إِلاَّ نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ ثُمَّ نَزَلَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.   (1) رجاله ثقات، لكنه مرسل. وانظر " الاستيعاب " 6 / 187 - 179، وكتاب " العلو " للمؤلف رحمه الله. (2) أخرجه أحمد 6 / 222 والترمذي (2852) في الأدب: باب ما جاء في إنشاد الشعر. والبخاري في الأدب المفرد (867) . وأخرج ابن أبي شيبة نحوه من حديث ابن عباس فيما قاله ابن حجر في " الفتح " 10 / 447. وصدر البيت: " ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا " وهو من معلقة طرفة بن العبد البكري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَقَالَ أَيْضاً: يَا نَفْسُ إِنْ لاَ تُقْتَلِي تَمُوْتِي ... هَذَا حِمَامُ المَوْتِ قَدْ لَقِيْتِ وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيْتِ ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيْتِ وَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَدْ شَقِيْتِ ... (1) قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسلمٍ: فَسَمِعْتُ أَنَّهُم سَارُوا بِنَاحِيَةِ مُعَانَ، فَأُخْبِرُوا أَنَّ الرُّوْمَ قَدْ جَمَعُوا لَهُم جُمُوْعاً كَثِيْرَةً، فَاسْتَشَارَ زَيْدٌ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: قَدْ وَطِئْتَ البِلاَدَ، وَأَخَفْتَ (2) أَهْلَهَا. فَانْصَرَفَ، وَابْنُ رَوَاحَةَ سَاكِتٌ. فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّا لَمْ نَسِرْ لِغَنَائِمَ، وَلَكِنَّا خَرَجْنَا لِلِّقَاءِ، وَلَسْنَا نُقَاتِلُهُم بِعَدَدٍ وَلاَ عُدَّةٍ، وَالرَّأْيُ المَسِيْرُ إِلَيْهِم. قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَإِنْ أُصِيْبَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَلْيَرْتَضِ المُسْلِمُوْنَ رَجُلاً) . ثُمَّ سَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِمُعَانَ، فَبَلَغَهُم أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ بِمَآبَ فِي مَائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّوْمِ، وَمَائَةِ أَلْفٍ مِنَ المُسْتَعْرِبَةِ. فَشَجَّعَ النَّاسَ ابْنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَوْمُ! وَاللهِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُوْنَ لَلَّتِي خَرَجْتُم لَهَا: الشَّهَادَةُ (3) . وَكَانُوا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ. - فَصْلٌ: شُهَدَاءُ يَوْمِ الرَّجِيْعِ (4) فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَةَ رَهْطٍ عَيْناً، عَلَيْهِم عَاصِمُ بنُ ثَابِتِ   (1) الخبر في " سيرة ابن هشام " 2 / 379 و" الاستيعاب " 6 / 175، و" الحلية " 1 / 120، و" أسد الغابة " 3 / 237. (2) تحرفت في المطبوع إلى " أخذت ". (3) انظر " سيرة ابن هشام " 2 / 375 والحلية 1 / 119، و" أسد الغابة " 3 / 236. (4) أخرج خبرها البخاري (4086) في المغازي: باب غزوة الرجيع. وسيأتي الحديث بتمامه في ترجمة خبيب بعد قليل ص (246) . والرجيع: اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة فيه فسميت = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 بنِ أَبِي الأَقْلَحِ (1) الأَنْصَارِيُّ. فَأَحَاطَ بِهِم بِقُرْبِ عُسْفَانَ حَيٌّ مِنْ هُذَيْلٍ، هُمْ نَحْوُ المَائَةِ، فَقَتَلُوا ثَمَانِيَةً، وَأَسَرُوا خُبَيْبَ بنَ عَدِيٍّ، وَزَيْدَ بنَ الدَّثِنَّةِ، فَبَاعُوْهُمَا بِمَكَّةَ. وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ: عَبْدُ اللهِ بنُ طَارِقٍ - حَلِيْفُ بَنِي ظَفَرٍ - وَخَالِدُ بنُ البُكَيْرِ اللَّيْثِيُّ، وَمَرْثَدُ بنُ أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيُّ. وَتَحْرِيْرُ ذَلِكَ ذَكَرْتُهُ فِي مَغَازِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) . - شُهَدَاءُ بِئْرِ مَعُوْنَةَ (3) بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ رَجُلاً سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَمَّرَ عَلَيْهِم المُنْذِرَ بنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ - أَحَدَ البَدْرِيِّيْنَ - وَمِنْهُمُ: حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ النَّجَّارِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ الصِّمَّةِ، وَعُرْوَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَنَافِعُ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ (4) ، وَعَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى الصِّدِّيْقِ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِئْرَ مَعُوْنَةَ، فَبَعَثُوا حَرَاماً بِكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   = به. وانظر ابن هشام 2 / 169 وما بعدها. وابن سعد 2 / 1 / 39، والطبري في تاريخه 3 / 29 وما بعدها، و" البداية " لابن كثير 4 / 62، وابن سيد الناس 2 / 40، و" شرح المواهب اللدنية " 1 / 130 وما بعدها. (1) تصحفت في المطبوع إلى " الافلح ". (2) أي في كتابه " تاريخ الإسلام ". وقد ورد القسم الأخير من غزوة الرجيع في المطبوع 1 / 223 بتحقيق محمد عبد الهادي شعيرة، وسقط القسم الأكبر منها. وفي المطبوع تحريف وتصحيف وسقط. (3) أخرج خبرها البخاري (4090) في المغازي: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. وبئر معونة موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان. وهذه الموقعة تعرف بسرية القراء. وانظر خبرها في ابن هشام 2 / 183 - 189، وابن سعد 2 / 1 / 36 والطبري 3 / 33 في تاريخه، و" تاريخ الإسلام " 1 / 224، و" البداية " 4 / 71، و" شرح المواهب اللدنية " 1 / 133، و" جوامع السيرة " 178 - 180، وابن سيد الناس 2 / 46. (4) في الأصل " رافع بن ورقاء الخزاعي " وهو خطأ. والتصحيح مما مر من المراجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 إِلَى عَامِرِ بنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمْ يَنْظُرْ فِي الكِتَابِ حَتَّى قُتِلَ الرَّجُلُ. ثُمَّ اسْتَصْرَخَ بَنِي سُلَيْمٍ، وَأَحَاطَ بِالقَوْمِ، فَقَاتَلُوا حَتَّى اسْتُشْهِدُوا كُلُّهُم، مَا نَجَا سِوَى كَعْبُ بنُ زَيْدٍ النَّجَّارِيُّ، تُرِكَ وَبِهِ رَمَقٌ، فَعَاشَ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَعْتَقَ عَامِرُ بنُ (1) الطُّفَيْلِ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ؛ لأَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ. 38 - كُلْثُوْمُ بنُ الهِدْمِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ زَيْدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ زَيْدِ بنِ مَالِكِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ الأَوْسِ الأَنْصَارِيُّ، العَوْفِيُّ، شَيْخُ الأَنْصَارِ، وَمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِيْنَةَ بِقُبَاءَ، وَكَانَ قَدْ شَاخَ. قَالَ صَاحِبُ (الطَّبَقَاتِ) : أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رُقَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعٍ. (ح) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ وَثَّابٍ، عَنْ أَبِي غَطْفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالاَ: كَانَ كُلْثُوْمُ بنُ الهِدْمِ رَجُلاً شَرِيْفاً، وَكَانَ مُسِنّاً، أَسْلَمَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ، نَزَلَ عَلَيْهِ. وَكَانَ يَتَحَدَّثُ فِي مَنْزِلِ سَعْدِ بنِ خَيْثَمَةَ، وَكَانَ يُسَمَّى: مَنْزِلَ العُزَّابِ (2) .   (1) سقطت من الأصل. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 149، تاريخ خليفة: 55، الاستبصار: 293، الاستيعاب: 9 / 260، أسد الغابة: 4 / 495، الإصابة: 8 / 310. (2) العزاب: جمع عازب وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وهكذا جاءت في " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 149، و" أسد الغابة " 4 / 495، و" سيرة ابن كثير " 2 / 270. وقد أخطأ محققو سيرة ابن هشام، فوضعوا مكانها الاعراب. مع أنهم أشاروا في الهامش 1 / 493 إلى أن الأصول كلها " العزاب " كما في " الصحاح " و" اللسان ". وفي " الإصابة " 8 / 310 و" الاستيعاب " 6 / 261 " منزل القرآن " وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فَلِذَلِكَ قَالَ الوَاقِدِيُّ: قِيْلَ: نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَعْدِ بنِ خَيْثَمَةَ، وَنَزَلَ عَلَى كُلْثُوْمِ بنِ الهِدْمِ جَمَاعَةٌ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ تُوُفِّيَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً (1) . 39 - أَبُو دُجَانَةَ الأَنْصَارِيُّ سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ بنِ لَوْذَانَ * ابْنِ عَبْدِ وُدٍّ بنِ زَيْدٍ السَّاعِدِيُّ. كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ حَمْرَاءُ. يُقَالُ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: ثَبَتَ أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعَهُ عَلَى المَوْتِ. وَهُوَ مِمَّنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لأَبِي دُجَانَةَ عَقِبٌ بِالمَدِيْنَةِ وَبِبَغْدَادَ إِلَى اليَوْمِ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلَ. فَقِيْلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنِ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَالأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْماً (3) .   (1) ابن سعد 3 / 2 / 149. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 101 - 102، تاريخ خليفة: 111، 114، المعارف: 271، الجرح والتعديل: 4 / 279، مشاهير علماء الأمصار: ت: 85، الاستبصار: 101 - 103، الاستيعاب: 4 / 253، أسد الغابة: 2 / 451، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 227 - 228، تاريخ الإسلام: 1 / 317، العبر: 1 / 14، الإصابة: 4 / 252 و11 / 112، كنز العمال: 13 / 260. (2) ابن سعد 3 / 2 / 102، والحاكم 3 / 229. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 102 من طريق: معن بن عيسى، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَمَى أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ يَوْمَ اليَمَامَةِ إِلَى دَاخِلِ الحَدِيْقَةِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، فَقَاتَلَ وَهُوَ مَكْسُوْرُ الرِّجْلِ حَتَّى قُتِلَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) -. وَقِيْلَ: هُوَ سِمَاكُ بنُ أَوْسِ بنِ خَرَشَةَ. صَالِحُ بنُ مُوْسَى: عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا وَضَعَتْ الحَرْب أَوْزَارَهَا، افْتَخَرَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَيَّامِهِم، وَطَلْحَةُ سَاكِتٌ لاَ يَنْطِقُ، وَسِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ سَاكِتٌ لاَ يَنْطِقُ (2) . فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ رَأَى سُكُوْتَهُمَا: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَمَا فِي الأَرْضِ قُرْبِي مَخْلُوْقٌ غَيْرَ جِبْرِيْلَ عَنْ يَمِيْنِي، وَطَلْحَةَ عَنْ يَسَارِي (3)) . وَكَانَ سَيْفُ أَبِي دُجَانَةَ غَيْرَ ذَمِيْمٍ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ ذَلِكَ السَّيْفَ حَتَّى قَالَ: (مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟) . فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْهُ. فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (تُقَاتِلُ بِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، أَوْ تُقْتَلَ) . فَأَخَذَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ. فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الهَزِيْمَة يَوْمَ أُحُدٍ، خَرَجَ بِسَيْفِهِ مُصْلَتاً وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ، مَا عَلَيْهِ إِلاَّ قَمِيْصٌ وَعِمَامَةٌ حَمْرَاءُ قَدْ عَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَإِنَّهُ لَيَرْتَجِزُ، وَيَقُوْلُ:   (1) " أسد الغابة " 2 / 452. (2) سقط من المطبوع من قوله: " وسماك ... إلى قوله: لا ينطق ". (3) إسناده ضعيف جدا. لضعف صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله الطلحي الكوفي. ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والبخاري، والنسائي. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 إِنِّي امْرُؤٌ عَاهَدَنِي خَلِيْلِي ... إِذْ نَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيْلِ أَنْ لاَ أُقِيْمَ الدَّهْرَ فِي الكُبُوْلِ ... أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللهِ وَالرَّسُوْلِ قَالَ: يَقُوْلُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ (1) يُبْغِضُهَا اللهُ وَرَسُوْلُهُ إِلاَّ فِي مِثْلِ (2) هَذَا المَوْطِنِ (3)) . وَحِرْزُ أَبِي دُجَانَةَ شَيْءٌ لَمْ يَصِحَّ مَا أَدْرِي مَنْ وَضَعَهُ (4) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الميتة ". (2) سقطت من المطبوع لفظة " مثل ". (3) أخرجه ابن هشام 2 / 66 - 67 بتمامه، وابن سعد 3 / 2 / 101 عن أنس إلى آخر الشعر. وأخرجه أحمد 3 / 123، ومسلم (2470) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي دجانة، من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس: " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذ سيفا يوم أحد فقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا. قال: فمن يأخذه بحقه؟ قال: فأحجم القوم. فقال سماك بن خرشة، أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين ". وأحجم: تأخر وكف. وفلق هام المشركين: شق رؤوسهم. وحديث: إنها لمشية ... " ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 109 ونسبه إلى الطبراني، وقال: وفيه من لم أعرفه. (4) جاء في اللآلئ: كما في " تذكرة الموضوعات " ص (211، 212) : عن موسى الأنصاري: " شكى أبو دجانة الأنصاري فقال: يا رسول الله! بينما أنا البارحة نائم إذ فتحت عيني، فإذا عند رأسي شيطان فجعل يعلو ويطول، فضربت بيدي إليه فإذا جلده كجلد القنفذ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ومثلك يؤذى يا أبا دجانة! عامرك عامر سوء ورب الكعبة. ادع لي علي بن أبي طالب، فدعاه، فقال: يا أبا الحسن اكتب لأبي دجانة كتابا لا شيء يؤذيه من بعده. فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي العربي الأمي، التهامي الابطحي المكي، المدني، القرشي، الهاشمي، صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة، والقرآن، والقبلة، صاحب قول: لا إله إلا الله، إلى من طرق الدار من الزوار والعمار إلا طارقا يطرق بخير، اما بعد فإن لنا ولكم في الحق سعة. فإن يكن عاشقا مولعا، أو مؤذيا مقتحما، أو فاجرا يجهر، أو مدعيا محقا أو مبطلا فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ورسلنا لدينا يكتبون ما تمكرون. اتركوا حملة القرآن، وانطلقوا إلى عبدة الاوثان إلى من اتخذ مع الله إلها آخر، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان. ثم طوى الكتاب وقال: ضعه عند رأسك فوضعه، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 40 - خُبَيْبُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَامِرِ بنِ مَجْدَعَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ جَحْجَبَا الأَنْصَارِيُّ، الشَّهِيْدُ. ذَكَرَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: شَهِدَ أُحُداً، وَكَانَ فِيْمَنْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ بَنِي لِحْيَانَ، فَلَمَّا صَارُوا بِالرَّجِيْعِ غَدَرُوا بِهِم، وَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِم، وَقَتَلُوا فِيْهِم، وَأَسَرُوا خُبَيْباً، وَزَيْدَ بنَ الدَّثِنَةِ، فَبَاعُوْهُمَا بِمَكَّةَ، فَقَتَلُوْهُمَا بِمَنْ قَتَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْمِهِم، وَصَلَبُوْهُمَا بِالتَّنْعِيْمِ (1) . قَالَ مَسْلَمَةُ بنُ جُنْدَبٍ: عَنِ الحَارِثِ بنِ البَرْصَاءِ، قَالَ: أُتِيَ بِخُبَيْبٍ، فَبِيْعَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجُوا بِهِ إِلَى الحِلِّ لِيَقْتُلُوْهُ، فَقَالَ: دَعُوْنِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ   = فإذا هم ينادون: النار، النار أحرقتنا بالنار، والله ما أردناك، ولا طلبنا أذاك، ولكن زائر زارنا وطرق فارفع عنا الكتاب. فقال: والذي نفس محمد بيده لا أرفعه عنكم حتى أستأذنه، صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح أخبره فقال: ارفع عنهم فإن عادوا بالسيئة فعد إليهم بالعذاب، فوالذي نفس محمد بيده ما دخلت هذه الأسماء دارا ولا موضعا، ولا منزلا، إلا هرب إبليس وجنوده وذريته، والغاوون ". موضوع، وإسناده مقطوع وأكثر رجاله مجهولون. وليس في الصحابة من يسمى بموسى أصلا. (*) نسب قريش: 204، 205، تاريخ خليفة: 74، 76، الاستبصار: 305 - 307، حلية الأولياء: 1 / 112 - 114، الاستيعاب: 3 / 183، أسد الغابة: 2 / 120، العقد الثمين: 4 / 305، الإصابة: 3 / 80، كنز العمال: 13 / 386. (1) أخرج أحمد 2 / 294، 310، والبخاري (3045) في الجهاد: باب هل يستأسر الرجل، ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل، و (3989) في المغازي، و (4086) فيه: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، و (7402) في التوحيد: باب ما يذكر في الذات والنعوت، وأسامي الله عز وجل، من طريق ابن شهاب قال: أخبرني عمرو بن جارية الثقفي، حليف بني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عشرة عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة، بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان. فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب. فاتبعوا آثارهم. فلما = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ ذَلِكَ جَزَعٌ لَزِدْتُ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِم عَدَداً. قَالَ الحَارِثُ: وَأَنَا حَاضِرٌ، فَوَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ سَيَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ غَدْرِ عَضَلٍ وَالقَارَةِ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ بِالرَّجِيْعِ، قَدِمُوا بِهِ وَيَزِيْدَ بنَ الدَّثِنَةِ. فَأَمَّا خُبَيْبٌ، فَابْتَاعَهُ   = حس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم. فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم! أما أنا، فلا أنزل في ذمة كافر. ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك، صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما. ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق. منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. قال الرجل الثالث. هذا أول الغدر والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة - يريد القتلى - فجر روه وعالجوه فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر. فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا - وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر - فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لافعل ذلك قالت: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب. والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلما * على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث، فقتله، وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، وأخبر - يعني النبي - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف - وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم - فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا ". وانظر ابن هشام 2 / 169 / 183 و" سيرة ابن كثير " 3 / 139، 144. والتنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 حُجَيْرُ بنُ أَبِي إِهَابٍ لِعُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَامِرٍ، وَكَانَ أَخَا حُجَيْرٍ لأُمِّهِ، لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيْهِ. فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ لِيَقْتُلُوْهُ، وَقَدْ نَصَبُوا خَشَبَتَهُ لِيَصْلِبُوْهُ، فَانْتَهَى إِلَى التَّنْعِيْمِ، فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُوْنِي أَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالُوا: دُوْنَكَ. فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا طَوَّلْتُ جَزَعاً مِنَ القَتْلِ، لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الصَّلاَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ القَتْلِ. ثُمَّ رَفَعُوْهُ عَلَى خَشَبَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِم عَدَداً، وَاقْتُلْهُم بَدَداً، وَلاَ تُغَادِرْ مِنْهُم أَحَداً، اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُوْلِكَ، فَبَلِّغْهُ الغَدَاةَ مَا أَتَى إِلَيْنَا. قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ فِيْمَنْ حَضَرَهُ، فَلَقَدْ رَأَيْتْ أَبَا سُفْيَانَ يُلْقِيْنِي إِلَى الأَرْضِ فَرَقاً مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ. وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ (1) : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِيَ عَلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ زَلَّتْ عَنْهُ الدَّعْوَةُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا قَتَلْتُهُ، لأَنَا كُنْتُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَخَذَ بِيَدِي أَبُو مَيْسَرَةَ العَبْدَرِيُّ، فَوَضَعَ الحَرْبَةَ عَلَى يَدِي، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى يَدِي، فَأَخَذَهَا بِهَا، ثُمَّ قَتَلَهُ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ مَوْهَبٍ، مَوْلَى الحَارِثِ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ مَوْهَبٌ: قَالَ لِي خُبَيْبٌ - وَكَانُوا جعلُوْهُ عِنْدِي -: أَطْلُبُ إِلَيْكَ   (1) أي: أهل الجاهلية، وهومن خرافاتهم. (2) ابن هشام 2 / 173. وعقبة بن الحارث مترجم في " الاستيعاب " و" أسد الغابة "، و" الإصابة ". وإسناده صحيح كما الحافظ في " الفتح " 7 / 385. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ثَلاَثاً: أَنْ تَسْقِيَنِي العَذْبَ، وَأَنْ تُجَنِّبَنِي مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَنْ تُؤْذِنِّي إِذَا أَرَادُوا قَتْلِي (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مَاوِيَّةَ مَوْلاَةِ حُجَيْرٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ حُبِسَ فِي بَيْتِهَا، فَكَانَتْ تُحَدِّثُ بَعْد مَا أَسْلَمَتْ، قَالَتْ: وَاللهِ إِنَّهُ لَمَحْبُوْسٌ إِذْ اطَّلَعْتُ مِنْ صِيْرِ البَابِ إِلَيْهِ، وَفِي يَدِهِ قِطَفُ عِنَبٍ مِثْلُ رَأْسِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ حَبَّةَ عِنَبٍ، ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي مُوْسَى يَسْتَحِدُّهَا (2) . 41 - مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ بنِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ * الخَزْرَجِيُّ، السَّلَمِيُّ، المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، العَقَبِيُّ، قَاتِلُ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلِمَةَ، شَهِدَ بَدْراً.   (1) انظر " الإصابة " 9 / 302. (2) تصحفت في المطبوع إلى " يشحذها ". وصير الباب: شقه. وابن أبي نجيح هو عبد الله. والخبر ذكره الحافظ في " الإصابة " 13 / 128 في ترجمة ماوية، عن ابن إسحاق وقال: وهذا ذكره البخاري في الصحيح، في قصة قتل خبيب. يعني رواية البخاري (3045) و (3989) و (4086) و (7402) . وليس في روايات البخاري " أعظم من رأسه " وقوله " وما أعلم في الأرض ": أي: أرض مكة، كما جاء مصرحا به في رواية البخاري السابقة. وانظر التعليق (1) في الصفحة (246) (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 108، طبقات خليفة: 104، التاريخ الكبير: 1 / 66، التاريخ الصغير: 8 / 245، الجرح والتعديل: 8 / 245، الاستبصار: 154، الاستيعاب: 10 / 120، أسد الغابة: 5 / 202، الإصابة: 9 / 224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَاشَ إِلَى أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ طَرِيْقِ يُوْسُفَ بنِ المَاجِشُوْنِ، أَنْبَأَنَا صَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيْثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُوْنَ بَيْنَ أَضْلُعٍ مِنْهُمَا. فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمّ! أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوْتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. فتعجَّبْتُ لِذَلِكَ. فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ (1) أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ يَجُوْلُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا. قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ: (أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟) . فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: (هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟) . قَالاَ: لاَ. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: (كِلاَكُمَا قَتَلَهُ) . وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بنِ عَمْرٍو، وَالآخَرُ هُوَ مُعَاذُ بنُ عَفْرَاءَ (2) . وَعَنْ مُعَاذِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَعَلْتُ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ شَأْنِي، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي، حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ، فَقَطَعْتُ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ. وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي، وَبَقِيَتْ مُعَلَّقَةً بِجِلْدَةٍ بِجَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي   (1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش لعلها " ألبث ". (2) أخرجه أحمد 1 / 193، والبخاري (3141) في فرض الخمس: باب من لم يخمس الاسلاب. ومسلم (1752) في الجهاد: باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وقوله " سوادي سواده ": أي: شخصي شخصه. ولم أنشب: أي: لم ألبث، أي: لم يمض زمن طويل على سؤالهما إلا ورأيته ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عَنْهَا القِتَالُ، فَقَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي، وَإِنِّي لأَسْحَبُهَا خَلْفِي. فَلَمَّا آذَتْنِي، وَضَعْتُ قَدَمِي عَلَيْهَا، ثُمَّ تَمَطَّأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا (1) . هَذِهِ -وَاللهِ- الشَّجَاعَةُ، لاَ كَآخَرُ مِنْ خُدْشٍ بِسَهْمٍ يَنْقَطِعُ قَلْبُهُ، وَتَخُوْرُ قِوَاهُ. نَقَلَ هَذِهِ القِصَّةَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ. قَالَ: وَمرَّ بِأَبِي جَهْلٍ مُعَوِّذُ بنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، وَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. ثُمَّ قَاتَلَ مُعَوِّذُ حَتَّى قُتِلَ، وَقُتِلَ أَخُوْهُ عَوْفٌ قَبْلَهُ، وَهُمَا ابْنَا الحَارِثِ بنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ. ثُمَّ مَرَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِأَبِي جَهْلٍ، فَوَبَّخَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، ثُمَّ احْتَزَّ رَأْسَهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ التُّجِيْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بنَ الجَمُوْحِ يَقُوْلُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي، وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِيْنَ يُذْكَرُوْنَ بِذِكْرِي، وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِم) (2) .   (1) أخرجه ابن هشام 1 / 634 - 635 من طريق: ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر قالا: قال معاذ ... ورجاله ثقات. (2) أخرجه أحمد 3 / 430 وإسناده ضعيف لضعف رشدين. وشيخه عبد الله بن الوليد لين الحديث. وأبو منصور مولى الانصار مجهول، ثم إنه لم يلق عمرو بن الجموح فيما قاله المؤلف وسبقه إلى ذلك البخاري في " التاريخ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 تَفَرَّدَ بِهِ: رِشْدِيْنُ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ. وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيْثُ لِصَاحِبِ التَّرْجَمَة، بَلْ لأَبِيْهِ. وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ عَمْراً قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَكَيْفَ يَسْمَعُ مِنْهُ أَبُو مَنْصُوْرٍ؟! 42 - مُعَوَّذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ الأَنْصَارِيُّ السَّلَمِيُّ * شَهِدَ مَعَ أَخَوَيْهِ مُعَاذٍ وَخَلاَّدٍ بَدْراً، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، فَاللهُ أَعْلَمُ. 43 - خَلاَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ الأَنْصَارِيُّ ** شَهِدَ بَدْراً، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَأَبُوْهُم: 44 - عَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامٍ السَّلَمِيُّ *** ابْنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ (1) بنِ سَلِمَةَ بن سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَسَدِ بنِ سَارِدَةَ بنِ تَزِيْدَ بنِ جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ، السَّلَمِيَ، الغَنْمِيُّ، وَالِدُ مُعَاذٍ، وَمُعَوَّذٍ، وَخَلاَّدٍ المَذْكُوْرِيْنَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِنْدٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 108، طبقات خليفة: 104، الاستبصار: 154، الاستيعاب: 10 / 181، أسد الغابة: 5 / 240، الإصابة: 9 / 266. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 109، طبقات خليفة: 104، الجرح والتعديل: 3 / 364،، الاستبصار: 154، الاستيعاب: 3 / 203، أسد الغابة: 2 / 143، الإصابة: 3 / 152. (* * *) المسند لأحمد: 3 / 430، تاريخ خليفة: 73، الاستبصار: 153 - 154، الاستيعاب: 8 / 291، أسد الغابة: 4 / 206 - 208، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 25 - 26، مجمع الزوائد: 9 / 314، الإصابة: 7 / 94 - 96. (1) " بن غنم بن كعب " سقطت من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 رَوَى ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَدِمَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ المَدِيْنَةَ يُعَلِّمُ النَّاسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتُمُوْنَا؟ قَالُوا: إِنْ شِئْتَ جِئْنَاكَ، فَأَسْمَعْنَاكَ القُرْآنَ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأَ صَدْراً مِنْ سُوْرَةِ يُوْسُفَ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ لَنَا مُؤَامَرَةً فِي قَوْمِنَا، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي سَلِمَةَ. فَخَرَجُوا، وَدَخَلَ عَلَى مَنَافٍ (1) ، فَقَالَ: يَا مَنَافُ! تَعْلَمُ -وَاللهِ- مَا يُرِيْدُ القَوْمُ غَيْرَكَ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ نَكِيْرٍ؟ قَالَ: فَقَلَّدَهُ السَّيْفَ، وَخَرَجَ، فَقَامَ أَهْلُهُ، فَأَخَذُوا السَّيْفَ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: أَيْنَ السَّيْفُ يَا مَنَافُ؟ وَيَحْكَ! إِنَّ العَنْزَ لَتَمْنَعُ اسْتَهَا، وَالله مَا أَرَى فِي أَبِي جِعَارٍ غَداً مِنْ خَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُم: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى مَالِي، فَاسْتَوْصُوا بِمَنَافٍ خَيْراً. فَذَهَبَ، فَأَخَذُوْهُ فَكَسَرُوْهُ وَرَبَطُوْهُ مَعَ كَلْبٍ مَيتٍ، وَأَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ. فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُم؟ قَالُوا: بِخَيْرٍ يَا سَيِّدَنَا، طَهَّرَ اللهُ بُيُوْتَنَا مِنَ الرِّجْسِ. قَالَ: وَاللهِ إِنِّي أَرَاكُمْ قَدْ أَسَأْتُم خِلاَفَتِي فِي مَنَافٍ. قَالُوا: هُوَ ذَاكَ، انْظُرْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ البِئْرِ. فَأَشْرَفَ، فَرَآهُ، فَبَعَثَ إِلَى قَوْمِهِ، فَجَاؤُوا، فَقَالَ: أَلَسْتُم عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ قَالُوا: بَلَى، أَنْتَ سَيِّدُنَا. قَالَ: فَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قُوْمُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِيْنَ) . فَقَامَ وَهُوَ أَعْرَجُ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَقْحَزَنَّ (2) عَلَيْهَا فِي الجَنَّةِ. فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَعَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ: أَنَّ إِسْلاَمَ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ تَأَخَّر، وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: مَنَافٌ، وَكَانَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ قَدْ آمَنُوا، فَكَانُوا يُمْهِلُوْنَ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ اللَّيْلُ   (1) عند ابن هشام " مناة " انظر " السيرة " 1 / 452. (2) أي: لاثبن كما في هامش المخطوط. والقحز: الوثب والقلق. قحز يقحز قحزا. قلق ووثب واضطرب. وقد تحرفت في المطبوع إلى " لا نحزن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 دَخَلُوا بَيْتَ صَنَمِهِ، فَيَطْرَحُوْنَهُ فِي أَنْتَنِ حُفْرَةٍ مُنَكَّساً. فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو غَمَّهُ ذَلِكَ، فَيَأْخُذَهُ فَيَغْسِلَهُ وَيُطَيِّبَهُ، ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِمِثْلِ فِعْلِهِم، فَأَبْصَرَ عَمْرٌو شَأْنَهُ، وَأَسْلَمَ. وَقَالَ أَبيَاتاً، مِنْهَا: وَاللهِ لَوْ كُنْتَ إِلَهاً لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قرنْ أُفٍّ لِمَثْوَاكَ إِلَهاً مُسْتَدَنْ ... فَالآنَ فَتَّشْنَاكَ عَنْ شَرِّ الغبنْ (1) رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ مُسلمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ (ح) ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ (ح) ، وَابنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَة! مَنْ سَيِّدُكُم؟) . قَالُوا: الجدُّ بنُ قَيْسٍ، وَإِنَّا لَنُبَخِّلُهُ. قَالَ: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ البُخْلِ؟ بَلْ (2) سَيِّدُكُم الجَعْدُ الأَبْيَضُ: عَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ (3)) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً، كَانَ أَعْرَجَ، وَلَمَّا خَرَجُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَنَعَهُ بَنُوْهُ، وَقَالُوا: عَذَرَكَ اللهُ. فَأَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْكُوْهُم. فَقَالَ: (لاَ عَلَيْكُم أَنْ لاَ تَمْنَعُوْهُ، لَعَلَّ اللهُ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ) (4) .   (1) الخبر عند ابن هشام 1 / 452 - 453 والرجز عنده أطول، وفي " أسد الغابة " 4 / 207 - 208، و" سيرة ابن كثير " 2 / 207 - 208. والقرن: الحبل، ومستدن: ذليل مستعبد. وقال السهيلي: مستدن من السدانة، وهي خدمة البيت وتعظيمه. وكان لكل صنم سدنة يقومون بخدمة البيت الذي فيه الصنم. (2) تصحفت في المطبوع إلى " هل ". (3) رجاله ثقات لكنه مرسل. ورواه أبو نعيم في " الحلية " 7 / 317 من طريق: ابن عيينة، عن ابن المنكدر، عن جابر. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (296) من طريق عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا حميد بن الأسود، عن الحجاج الصواف قال: حدثني أبو الزبير قال: حدثنا جابر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذكره. وهذا سند قوي. (4) أخرجه ابن هشام 2 / 90 من طريق: ابن إسحاق عن أبيه، عن أشياخ من بني سلمة. ورجاله ثقات. فإن كان الأشياخ من الصحابة فهو مسند وإلا فهو مرسل. وأخرجه أحمد 5 / 299 من حديث = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 قَالَتِ امْرَأَتُهُ هِنْدٌ أُخْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَدْ أَخَذَ دَرَقَتَهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تَرُدَّنِي، فَقُتِلَ هُوَ وَابْنُهُ خَلاَّدٌ. إِسْرَائِيْلُ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى: أَنَّ عَمْرَو بنَ الجَمُوْحِ قَالَ لِبَنِيْهِ: أَنْتُم مَنَعْتُمُوْنِي الجَنَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَاللهِ لَئِنْ بَقِيْتُ لأَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ عُمَرُ: لَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ غَيْرَهُ، فَطَلَبْتُهُ، فَإِذَا هُوَ فِي الرَّعِيْلِ الأَوَّلِ (1) . قَالَ مَالِكٌ: كُفِّنَ هُوَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ. مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَمْرَو بنَ الجَمُوْحِ، وَابنَ حَرَامٍ كَانَ السَّيْلُ قَدْ خَرَّبَ قَبْرَهُمَا، فَحَفَرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، كَأَنَّمَا مَاتَا بِالأَمْسِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَدُفِنَ كَذَلِكَ، فَأُمِيْطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ، ثُمَّ أُرْسِلَتْ، فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، وَكَانَ بَيْنَ يَوْمِ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً (2) .   = أبي قتادة أنه حضر ذلك قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أأمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة -؟ وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: نعم. فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى له. فمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كأتي أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة. فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد. وسنده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 3 / 173. (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع. (2) أخرجه مالك ص (291) في الجهاد: باب الدفن في قبر واحد من ضرورة برقم (50) ورجاله ثقات، لكنه مرسل. وأخرجه ابن سعد 3 / 562 - 563، من طريق الوليد في مسلم، حدثني الاوزاعي، عن الزهري، عن جابر فذكره بأطول مما هنا. وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " 3 / 173. وانظر " سيرة ابن هشام " 2 / 98، و" سيرة ابن كثير " 3 / 86 - 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 45 - عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ المُطَّلِبِيُّ * وَأُمُّهُ: مِنْ ثَقِيْفٍ. وَكَانَ أَحَدَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَهُوَ أَسَنُّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ سِنِيْنَ. هَاجَرَ هُوَ وَأَخُوْهُ الطُّفَيْلُ، وَحُصَيْنٌ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ، مَلِيْحاً، كَبِيْرَ المَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَهُوَ الَّذِي بَارَزَ رَأْسَ المُشْرِكِيْنَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ، وَشَدَّ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ عَلَى عُتْبَةَ فَقَتَلاَهُ، وَاحْتَملاَ عُبَيْدَةَ وَبِهِ رَمَقٌ، ثُمَّ تُوُفِّيَ بِالصَّفْرَاءِ (1) ، فِي العَشْرِ الأَخِيْرِ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّرَهُ عَلَى سِتِّيْنَ رَاكِباً مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، فَكَانَ أَوَّلَ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الإِسْلاَمِ، فَالْتَقَى قُرَيْشاً وَعَلَيْهِم أَبُو سُفْيَانَ عِنْدَ ثَنِيَّةِ المَرَةِ، وَكَانَ ذَاكَ أَوَّلَ قِتَالٍ جَرَى فِي الإِسْلاَمِ. قَالَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ (2) .   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 34، نسب قريش: 94 93، تاريخ خليفة: 59، 61، 62، الاستيعاب: 7 / 114، أسد الغابة: 3 / 553، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 317 - 318، العقد الثمين: 5 / 444 - 446، الإصابة: 6 / 369، شذرات الذهب: 1 / 9. (1) الصفراء: قرية كثيرة النخل والمزارع، وماؤها عيون. وهي فوق ينبع مما يلي المدينة. وماؤها يجرى إلى ينبع. وقد قيل في رثاء عبيدة بن الحارث: لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا وافر اللب والعقل عبيدة فابكيه لاضياف غربة ... وأرملة تهوي لاشعث كالجذل وانظر بقية الابيات في " السيرة " لابن هشام 2 / 41 - 42. وحديث المبارزة أخرجه الحاكم 3 / 194 من حديث علي، وانظر ابن هشام 1 / 625. (2) ابن سعد 3 / 1 / 35، وابن هشام 1 / 591 - 595، وابن سيد الناس 1 / 224، وابن كثير في " سيرته " 3 / 234. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 - أَعْيَانُ البَدْرِيِّيْنَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَسَعْدٌ، وَالزُّبَيْرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ، وَمِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ، وَمُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَالمِقْدَادُ، وَصُهَيْبٌ، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدُ بنُ الخَطَّابِ، وَسَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ، وَأَبُو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهَانِ، وَقَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ، وَرِفَاعَةُ وَمُبَشِّرٌ ابْنَا عَبْدِ المُنْذِرِ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا أَخُوْهُمَا أَبُو لُبَابَةَ؛ لأَنَّهُ اسْتُخْلِفَ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَبَنُو عَفْرَاءَ، وَأَبُو طَلْحَةَ، وَبِلاَلٌ، وَعُبَادَةُ، وَمُعَاذٌ، وَعِتْبَانُ بنُ مَالِكٍ، وَعُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ، وَعَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو اليَسَرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. 46 - رَبِيْعَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ * أَبُو أَرْوَى. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالحَارِثُ، وَالعَبَّاسُ، وَأُمَيَّةُ، وَعَبْدُ شَمْسٍ، وَعَبْدُ المُطَّلِبِ، وَأَرْوَى الكُبْرَى، وَهِنْدٌ، وَأَرْوَى، وَآدَمُ. وَآدَمُ: هُوَ المُسْتَرْضَعُ لَهُ فِي هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بَنُو لَيْثِ بنِ بَكْرٍ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَهُم، وَكَانَ صَغِيْراً يَحْبُو أَمَامَ البُيُوْتِ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ قَتَلَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ (1) دَمُ ابْنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ (2)) . وَيُرْوَى أَنْ قَالَ فِيْهِ: (آدَمُ) . رَأَى فِي   (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 32، طبقات خليفة: 5، 6، تاريخ خليفة: 153، 348، التاريخ الكبير: 3 / 283، مشاهير علماء الأمصار: ت: 163، الاستيعاب: 3 / 258، أسد الغابة: 2 / 209، تهذيب الكمال: 409، الإصابة: 3 / 259، تهذيب التهذيب: 3 / 253، خلاصة تذهيب الكمال: 117. (1) تحرفت في المطبوع إلى " أضيع ". (2) أخرجه مسلم (1218) في الحج: باب حجة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (1905) في المناسك: باب صفة حجة النبي، صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (3074) في المناسك: باب حجة رسول الله، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الكِتَابِ دَمَ ابْنِ رَبِيْعَةَ فَزَادَ أَلِفاً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِصِغَرِهِ مَا حَفِظَ اسْمَهُ. وَقِيْلَ: كَانَ اسْمُهُ تَمَّامُ بنُ رَبِيْعَةَ (1) . قَالُوا: وَكَانَ رَبِيْعَةُ أَسَنَّ مِنْ عَمِّهِ العَبَّاسِ بِسَنَتَيْنِ، وَنَوْبَةَ بَدْرٍ كَانَ رَبِيْعَةُ غَائِباً بِالشَّامِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَلَمَّا خَرَجَ العَبَّاسُ وَنَوْفَلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِرِيْنَ أَيَّامَ الخَنْدَقِ، شَيَّعَهُمَا رَبِيْعَةُ إِلَى الأَبْوَاءِ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوْعَ. فَقَالاَ لَهُ: أَينَ تَرْجِعُ؟ إِلَى دَارِ الشِّرْكِ تُقَاتِلُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُكَذِّبُوْنَهُ، وَقَدْ عَزَّ وَكَثُفَ أَصْحَابُهُ، ارْجِعْ. فَسَارَ مَعَهُمَا حَتَّى قَدِمُوا جَمِيْعاً مُسْلِمِيْنَ. وَأَطْعَمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبِيْعَةَ بِخَيْبَرَ مَائَةَ وَسقٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَشَهِدَ مَعَهُ الفَتْحَ، وَحُنَيْناً، وَابْتَنَى دَاراً بِالمَدِيْنَةِ. وَتُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ (2) . وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (نِعْمَ العَبْدُ رَبِيْعَةُ بنُ الحَارِثِ، لَوْ قَصَّرَ مِنَ شَعْرِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ (3)) . وَكَانَ رَبِيْعَةُ شَرِيْكاً لِعُثْمَانَ فِي التِّجَارَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيْثِ جَابِرٍ الَّذِي فِي   = صلى الله عليه وسلم، كلهم من طريق حاتم بن إسماعيل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال دخلنا على جابر - والحديث طويل جدا. وأخرجه النسائي 5 / 143 في مناسك الحج: باب الكراهية في الثياب المصبغة للمحرم. (1) ابن سعد 4 / 1 / 33. (2) ابن سعد 4 / 1 / 33. (3) " أسد الغابة " 2 / 210 وهو لا يصح. وإنما روى أحمد 4 / 200 والبخاري في تاريخه، والبغوي، وابن مندة: عن بسر بن عبيد الله، عن سمرة بن فاتك الأسدي، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " نعم العبد سمرة لو أخذ من لمته، وشمر من مئزره. فبلغه ذلك ففعل " ورجاله ثقات إلا أن فيه تدليس هشيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 المَنَاسِكِ: (وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ دَمَ (1) ابْنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ) . أَرَادَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ رَبِيْعَةُ بِهِ الدِّيَةَ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. وَأُمُّهُ: هِيَ غَزِيَّةُ بِنْتُ قَيْسِ بنِ طَرِيْفٍ. 47 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * أَخُو رَبِيْعَةَ وَنَوْفَلٍ. وَكَانَ اسْمُهُ: عَبْدَ شَمْسٍ، فَغُيِّرَ، فَرَوَوْا أَنَّهُ هَاجرَ قُبَيْلَ الفَتْحِ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللهِ. وَخَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ مَغَازِيْهِ، فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ، فَكَفَّنَهُ فِي قَمِيْصِهِ -يَعْنِي: قَمِيْصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ فِيْهِ: (هُوَ سَعِيْدٌ، أَدْرَكَتْهُ السَّعَادَةُ (2)) . كَذَا أَوْرَدَ ابْنُ سَعْدٍ هَذَا بِلاَ إِسْنَادٍ. وَلاَ نَسْلَ لِهَذَا. 48 - خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ ** ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ،   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ضاع ". (*) طبقات ابن سعد: 4 / 48، تاريخ خليفة: 184، الاستيعاب: 6 / 141، اسد الغابة: 3 / 207، العقد الثمين: 5 / 126، الإصابة: 6 / 45. (2) ابن سعد 4 / 1 / 33، و" أسد الغابة " 3 / 206، و" الاستيعاب " 6 / 41. (* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 69، نسب قريش: 174 - 175، طبقات خليفة: 11، 298، تاريخ خليفة: 97، 120، 201، التاريخ الكبير: 3 / 152، التاريخ الصغير: 1 / 2 , 4 , 34 , 35 المعارف: 296، الجرح والتعديل: 3 / 334، مشاهير علماء الأمصار: ت: 172، الاستيعاب: 3 / 153، ابن عساكر: 5 / 223 / 2، أسد الغابة: 2 / 97، تاريخ الإسلام: 1 / 378، البداية والنهاية: 7 / 377، العقد الثمين: 4 / 265، الإصابة: 3 / 58، كنز العمال: 13 / 377، شذرات الذهب: 1 / 30، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 5 / 55 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعِيْدٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. رُوِيَ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ: كَانَ أَبِي خَامِساً فِي الإِسْلاَمِ، وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ، وَأَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوُلِدْتُ أَنَا بِهَا (1) . وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ، قَالَتْ: أَبِي أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صَنْعَاءَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَى بَعْضِ الجَيْشِ فِي غَزْوِ الشَّامِ. قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنَا أَشْيَاخُنَا: أَنَّ خَالِداً قَتَلَ مُشْرِكاً، ثُمَّ لَبِسَ سَلَبَهُ دِيْبَاجاً أَوْ حَرِيْراً، فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ عَمْرٍو. فَقَالَ: مَا لَكُم تَنْظُرُوْنَ؟ مَنْ شَاءَ فَلْيَفْعَلْ مِثْلَ عَمَلِ خَالِدٍ، ثُمَّ يَلْبِسْ لِبَاسَهُ. وَيُرْوَى أَنَّ خَالِداً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اسْتُشْهِدَ، فَقَالَ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ نُوْراً لَهُ سَاطِعاً إِلَى السَّمَاءِ. وَقِيْلَ: كَانَ خَالدُ بنُ سَعِيْدٍ وَسِيْماً، جَمِيْلاً، قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ، وَهَاجَرَ مَعَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى المَدِيْنَةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، وَبِنْتُهُ المَذْكُوْرَةُ عُمِّرَتْ، وَتَأَخَّرَتْ إِلَى قَرِيْبِ عَامِ تِسْعِيْنَ. وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو أُحَيْحَةَ مِنْ كُبَرَاءِ الجَاهِلِيَّةِ، مَاتَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ مُشْرِكاً. وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ مِنْهُم:   (1) هذا الخبر وما يليه إلى نهاية الصفحة كلها عند ابن سعد 4 / 1 / 69، 70، 71، فارجع إليها هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 49 - أَبَانُ بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ * أَبُو الوَلِيْدِ الأُمَوِيُّ، تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ، وَكَانَ تَاجِراً مُوْسِراً، سَافَرَ إِلَى الشَّامِ، وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ ابْنَ عَمِّهِ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ حِيْنَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُوْلاً إِلَى مَكَّةَ، فَتَلَقَّاهُ أَبَانُ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَقْبِلْ وَأَنْسِلْ وَلاَ تَخَفْ أَحَداً ... بَنُو سَعِيْدٍ أَعِزَّةُ البَلَدِ (1) ثُمَّ أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، لاَ بَلْ قَبْلَ الفَتْحِ، وَهَاجَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَخَوَيْهِ خَالِداً المَذْكُوْرَ، وَعَمْراً، لَمَّا قَدِمَا مِنْ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ، بَعَثَا إِلَيْهِ يَدْعُوَانِهِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- فَبَادَرَ وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مُسْلِماً. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَةَ تِسْعٍ عَلَى البَحْرَيْنِ. ثُمَّ إِنَّهُ اسْتُشْهِدَ هُوَ وَأَخُوْهُ خَالِدٌ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ عَلَى الصَّحِيْحِ. وَأبَانُ: هُوَ ابْنُ عَمَّةِ أَبِي جَهْلٍ. وَأَخُوْهُمَا: 50 - عَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأُمَوِيُّ ** لَهُ هِجْرَتَانِ: إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ   (*) نسب قريش: 174، 175، طبقات خليفة: 298، تاريخ خليفة: 120، 131، التاريخ الكبير: 1 / 450، التاريخ الصغير: 1 / 35، 52، الجرح والتعديل: 2 / 295، مشاهير علماء الأمصار: ت: 70، الاستيعاب: 1 / 119، أسد الغابة: 1 / 46 - 48، تاريخ الإسلام: 1 / 376 - 378، الإصابة: 1 / 16، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 2 / 127 - 133. (1) روايته في " الإصابة " 1 / 16 " أسبل وأقبل " وفي " الاستيعاب " 1 / 120 " أقبل وأدبر " وفيهما " الحرم " بدل " البلد ". ورواية " تهذيب ابن عساكر ": " أقبل وأسبل " وفي " تاريخ الإسلام " " أقبل وأبشر " وفي " اللسان ": أنسلت القوم: إذا تقدمتهم. (* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 72، نسب قريش: 178، تاريخ خليفة: 273، المعارف: 296، الجرح والتعديل: 6 / 236، مشاهير علماء الأمصار: 81، الاستيعاب: 8 / 307، أسد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 أَحْمَدَ) . اسْتُشْهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ - وَيُقَالُ: يَوْم أَجْنَادِيْنَ - مَعَ أَخَوَيْهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. وَرَوَى: عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ: أَنَّ أَعْمَامَهُ؛ خَالِداً، وَأَبَاناً، وَعَمْراً رَجَعُوا عَنْ أَعْمَالِهِم حِيْنَ بَلَغَهُم مَوْتُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِالعَمْلِ مِنْ عُمَّالِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ارْجِعُوا إِلَى أَعْمَالِكُم. فَأَبَوا، وَخَرَجُوا إِلَى الشَّامِ، فَقُتِلُوا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. 51 - العَلاَءُ بنُ الحَضْرَمِيِّ * (ع) وَاسْمُهُ: العَلاَءُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عِمَادِ (1) بنِ أَكْبَرَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُقَنَّعِ بنِ حَضْرَمَوْتَ. كَانَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمِنْ سَادَةِ المُهَاجِرِيْنَ. وَأَخُوْهُ مَيْمُوْنُ بنُ الحَضْرَمِيِّ، هُوَ المَنْسُوْبُ إِلَيْهِ بِئْرُ مَيمُوْنٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، احْتَفَرَهَا قَبْلَ المَبْعَثِ. وَأَخَوَاهُمَا: عَمْرٌو، وَعَامِرٌ.   = الغابة: 4 / 230، تهذيب الكمال: 1035، دول الإسلام: 1 / 52 - 53، العبر: 1 / 77، 78، العقد الثمين: 6 / 389 - 394، تهذيب التهذيب: 8 / 37، الإصابة: 7 / 111، خلاصة تذهيب الكمال: 289. (*) مسند أحمد: 4 / 339 و5 / 52، طبقات ابن سعد: 4 / 2 / 76، طبقات خليفة: 12، 72، تاريخ خليفة: 116، 127، التاريخ الكبير: 6 / 205، المعارف: 283 - 284، الجرح والتعديل: 6 / 357، مشاهير علماء الأمصار: ت: 357، الاستيعاب: 8 / 123، أسد الغابة: 4 / 74، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 341 - 342، تهذيب الكمال: 1070، دول الإسلام: 1 / 17، العبر: 1 / 25، مجمع الزوائد: 9 / 376، العقد الثمين: 6 / 447 - 449، تهذيب التهذيب: 8 / 178، الإصابة: 7 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 299، شذرات الذهب: 1 / 32. (1) عماد بالميم. كذا الأصل. وهو كذلك في التهذيب وفروعه، وفي " الإصابة " و" الاستيعاب "، و" فتح الباري " 7 / 267، وقد أثبت الناسخ فوقها " عباد " بالباء، وكذلك هي في " سيرة ابن هشام "، و" أسد الغابة " وسيرد قريبا في الترجمة، عن ابن إسحاق " عباد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَحْرَيْنِ، ثُمَّ وَلِيَهَا لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ عَلَى إِمْرَةِ البَصْرَةِ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا، وَوَلِيَ بَعْدَهُ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. لَهُ حَدِيْثُ: (مُكْثُ المُهَاجِرِ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ بِمَكَّةَ: ثَلاَثاً (1)) . رَوَاهُ عَنْهُ: السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: حَيَّانُ الأَعْرَجُ، وَزِيَادُ بنُ حُدَيْرِ. رَوَى مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ ابْنِ العَلاَءِ: أَنَّ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ (2) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ وَالِدُهُم الحَضْرَمِيُّ حِلْفَ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ مِنْ بِلاَدِ حَضْرَمَوْتَ. وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّادِ بنِ الصَّدَفِ.   (1) أخرجه أحمد 5 / 52، والبخاري (3933) في مناقب الانصار: باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، ومسلم (1352) في الحج: باب الاقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة، وأبو داود (2022) في المناسك: باب الاقامة بمكة، والترمذي (949) في الحج: باب ما جاء في أن يمكث المهاجر بمكة بعد الصدر ثلاثا، والنسائي 3 / 122 في تقصير الصلاة في السفر: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، وابن ماجه (1073) في الاقامة: باب كم يقصر الصلاة المسافر، والدارمي 1 / 355 في الصلاة، باب فيمن أراد أن يقيم ببلده كم يقيم حتى يقصر الصلاة، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد يقول: هل سمعت في الاقامة بمكة شيئا؟ فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة " كأنه يقول: لا يزيد عليها. والنص لمسلم. والمعنى: أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرم عليهم استيطان مكة والاقامة بها. ثم أبيح لهم، إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم، ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة. (2) أخرجه أبو داود (5135) في الأدب: باب فيمن يبدأ بنفسه في الكتابة، والحاكم 3 / 636 وابن العلاء مجهول. وباقي رجاله ثقات. وقد سقط من المطبوع عبارة: " فبدأ بنفسه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ابْنُ لَهِيْعَةَ (1) : عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: بَعَثَهُ -يَعْنِي: العَلاَءَ- أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ فِي جَيْشٍ قِبَلَ البَحْرَيْنِ، وَكَانُوا قَدِ ارْتَدُّوا، فَسَارَ إِلَيْهِم، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ البَحْرُ -يَعْنِي: الرَّقْرَاقُ- حَتَّى مَشَوْا فِيْهِ بِأَرْجُلِهِم، فَقَطَعُوا كَذَلِكَ مَكَاناً كَانَتْ تَجْرِي فِيْهِ السُّفُنُ - وَهِيَ اليَوْمَ تَجْرِي فِيْهِ أَيْضاً - فَقَاتَلَهُم، وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِم، وَبَذَلُوا الزَّكَاةَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ: إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ العَلاَءِ بنِ الحَضْرَمِيِّ، وَوَصَّاهُ بِي، فَكُنْتُ أُؤَذِّنُ لَهُ (2) . وَقَالَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَلاَءَ إِلَى البَحْرَيْنِ، ثُمَّ عَزَلَهُ بِأَبَانَ بنِ سَعِيْدٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، فَخَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ فِي سِتَّةَ عَشَرَ رَاكِباً، وَكَتَبَ لَهُ كِتَاباً: أَنْ يَنْفِرَ مَعَهُ كُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إِلَى عَدُوِّهِم. فَسَارَ العَلاَءُ فِيْمَنْ تَبِعَهُ، حَتَّى لَحِقَ بِحِصْنِ جُوَاثَى (3) ، فَقَاتَلَهُم، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُم أَحَدٌ. ثُمَّ أَتَى القَطِيْفَ وَبِهَا جَمْعٌ، فَقَاتَلَهُم، فَانْهَزَمُوا، فَانْضَمَّتِ   (1) في الأصل " لهيف " وهو خطأ. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 2 / 77 من طريق الواقدي قال: حدثني عبد الله بن يزيد، عن سالم مولى بني نصر قال: سمعت أبا هريرة يقول: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع العلاء بن الحضرمي، وأوصاء بي خيرا، فلما فصلنا قال لي: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أوصاني بك خيرا فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين. فأعطاه ذلك " وإسناده ضعيف جدا لان الواقدي متروك. (3) جواثى: مدينة بالبحرين لعبد القيس. وفي البخاري (892) عن ابن عباس قال: " إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبد القيس بجوائى في البحرين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الأَعَاجِمُ إِلَى الزَّارَةِ، فَأَتَاهُمُ العَلاَءُ، فَنَزَلَ الخَطَّ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَقَاتَلَهُم، وَحَاصَرَهُم، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ. فَطَلَبَ أَهْلُ الزَّارَةِ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُم، ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ دَارِيْنَ، فَقَتَلَ المُقَاتِلَةَ، وَحَوَى الذَّرَارِي. وَبَعَثَ عَرْفَجَةَ إِلَى سَاحِلِ فَارِسٍ، فَقَطَعَ السُّفُنَ، وَافْتَتَحَ جَزِيْرَةً بِأَرْضِ فَارِسٍ، وَاتَّخَذَ بِهَا مَسْجِداً (1) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى العَلاَءِ بنِ الحَضْرَمِيِّ وَهُوَ بِالبَحْرَيْنِ: أَنْ سِرْ إِلَى عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ عَمَلَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ أَغْنَى مِنْهُ، فَاعْرِفْ لَهُ حَقَّهُ. فَخَرَجَ العَلاَءُ فِي رَهْطٍ، مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرَةَ، فَلَمَّا كَانُوا بِنيَاس (2) ، مَاتَ العَلاَءُ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مِنَ العَلاَءِ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ، لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ أَبَداً: قَطَعَ البَحْرَ عَلَى فَرَسِهِ يَوْمَ دَارِيْنَ (3) ، وَقَدِمَ يُرِيْدُ البَحْرَيْنِ، فَدَعَا اللهَ بِالدَّهْنَاءِ، فَنَبَعَ لَهُم مَاءً، فَارْتَوَوْا، وَنَسِيَ رَجُلٌ مِنْهُم بَعْضَ مَتَاعِهِ، فَرَدَّ، فَلَقِيَهُ، وَلَمْ يَجِدِ المَاءَ.   (1) ابن سعد 4 / 2 / 77 - 78 وقد سقط من المطبوع لفظة " أهل " قبل الزارة. وانظر " تاريخ خليفة " ص: (116) . (2) كذا الأصل. وفي ابن سعد 4 / 2 / 78 - 79 " فلما كانوا بلياس من الصعاب. والصعاب من أرض بني تميم، مات العلاء بن الحضرمي، فرجع أبو هريرة إلى البحرين ... ". (3) دارين هي فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. والنسبة إليها داري. وقال ياقوت في " معجم البلدان ": وفي كتاب سيف: أن المسلمين اقتحموا إلى دارين البحر مع العلاء بن الحضرمي، فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الابل، وإن ما بين دارين والساحل مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات، فالتقوا وقتلوا، وسبوا فبلغ منهم الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين. فقال في ذلك عفيف بن المنذر: ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل؟ دعونا الذي شق البحار، فجاءنا بأعجب من فلق البحار الاوائل انظر معجم البلدان 2 / 432. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَمَاتَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَبْدَى اللهُ لَنَا سَحَابَةً، فَمُطِرْنَا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَفَرْنَا لَهُ بِسُيُوْفِنَا، وَدَفَنَّاهُ، وَلَمْ نُلْحِدْ لَهُ. 52 - سَعْدُ بنُ خَيْثَمَةَ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ * ابْنِ مَالِكِ بنِ كَعْبِ بنِ النَّحَّاطِ بنِ كَعْبِ بنِ حَارِثَةَ بنِ غَنْمِ بنِ السَّلْمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، البَدْرِيُّ، النَّقِيْبُ، أَخُو أَبِي ضَيَّاحٍ (1) النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتٍ لأُمِّهِ. انْقَرَضَ عَقِبُهُ سَنَةَ مَائتَيْنِ. وَكَانَ ابْنُ الكَلْبِيِّ يُخَالِفُ فِي النَّحَّاطِ، وَيَجْعَلُهُ الحَنَّاطَ بنَ كَعْبٍ. آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ. قَالُوا: وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَلَمَّا نَدَبَ النَّبِيُّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُسْلِمِيْنَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَسْرَعُوا، قَالَ خَيْثَمَةُ لابْنِهِ سَعْدٍ: آثِرْنِي بِالخُرُوْجِ، وَأَقِمْ مَعَ نِسَائِكَ. فَأَبَى، وَقَالَ: لَوْ كَانَ غَيْرَ الجَنَّةِ آثَرْتُكَ بِهِ. فَاقْتَرَعَا، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ، فَخَرَجَ، وَاسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ، وَاسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ خَيْثَمَةُ يَوْمَ أُحُدٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 47، طبقات خليفة: 83، تاريخ خليفة: 60، التاريخ الكبير: 4 / 49، الجرح والتعديل: 4 / 82، الاستبصار: 265، الاستيعاب: 4 / 143، أسد الغابة: 2 / 346، الإصابة: 4 / 140، شذرات الذهب: 1 / 9. (1) هو بالضاد المعجمة، وتشديد الياء. وقال المستغفري: هو بتخفيفها، واسمه النعمان، وقيل: عمير. شهد بدرا، وأحدا، والخندق، والحديبية. وقتل يوم خيبر شهيدا. انظر " أسد الغابة " 6 / 178. (2) ذكره الحافظ في " الإصابة " 4 / 141 من طريق: موسى بن عقبة، عن ابن شهاب وهو في " الاستيعاب " 4 / 143، وعند ابن سعد 3 / 2 / 47 كلاهما بغير سند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 53 - البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرِ بنِ صَخْرِ بنِ خَنْسَاءَ بنِ سِنَانَ الخَزْرَجِيُّ * السَّيِّدُ، النَّقِيْبُ، أَبُو بِشْرٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ. أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ نَقِيْبَ قَوْمِهِ بَنِي سَلِمَةَ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الأُوْلَى، وَكَانَ فَاضِلاً، تَقِيّاً، فَقِيْهَ النَّفْسِ. مَاتَ فِي صَفَرٍ، قَبْلَ قُدُوْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ بِشَهْرٍ. مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بنُ كَعْبٍ، عَنْ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ نُرِيْدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَنَا حُجَّاجُ قَوْمِنَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذِي الحُلَيْفَةِ. قَالَ لَنَا البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ - وَكَانَ سَيِّدَنَا، وَذَا سِنِّنَا (1) -: تَعْلَمُنَّ -وَاللهِ- لَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ لاَ أَجْعَلَ هَذِهِ البَنِيَّةَ (2) مِنِّي بِظَهْرٍ، وَأَنْ أُصَلِّيَ إِلَيْهَا. فَقُلْنَا: وَاللهِ لاَ نَفْعَلُ، مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا يُصَلِّي إِلاَّ إِلَى الشَّامِ، فَمَا كُنَّا لِنُخَالِفَ قِبْلَتَهُ. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي إِلَى الكَعْبَةِ. قَالَ: فَعِبْنَا عَلَيْهِ، وَأَبَى إِلاَّ الإِقَامَةَ عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي! لَقَدْ صَنَعْتُ   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 146، التاريخ الصغير: 1 / 20، الجرح والتعديل: 2 / 399، الاستبصار: 142، الاستيعاب: 1 / 281، أسد الغابة: 1 / 207، العبر: 1 / 3، الإصابة: 1 / 238، كنز العمال: 13 / 294، شذرات الذهب: 1 / 9. (1) تحرفت في المطبوع إلى " وكبيرنا ". (2) البنية: وزان فعلية: الكعبة. سميت بذلك لشرفها، إذ هي أشرف مبني، وكانت تدعى بنية إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه بناها، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فِي سَفَرِي شَيْئاً مَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَانْطَلِقْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْنَسْأَلْهُ عمَّا صَنَعْتُ. وَكُنَّا لاَ نَعْرِفُ رَسُوْلَ اللهِ، فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ، فَلَقِيْنَا بِالأَبْطَحِ رَجُلاً، فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفَانِهِ؟ قُلْنَا: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ العَبَّاسَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ العَبَّاسُ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، فَعَرَفْنَاهُ. فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الجَالِسُ مَعَهُ الآنَ فِي المَسْجِدِ. فَأَتَيْنَاهُمَا، فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا، فَسَأَلْنَا العَبَّاسَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ هَذَانِ يَا عَمّ؟) . قَالَ: هَذَا البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ، سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بنُ مَالِكٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الشَّاعِرُ؟) . فَقَالَ البَرَاءُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: (قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا) . فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَتِهِ. ثُمَّ وَاعَدَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ العَقَبَةِ الأَوْسَطِ ... ، وَذَكَرَ القِصَّةَ بِطُوْلِهَا (2) . وَرَوَى: يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ البَرَاءَ بنَ مَعْرُوْرٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ أَوْصَى بِثُلُثٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَأَوْصَى بِثُلُثٍ لِوَلَدِهِ. فَقِيْلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّهُ عَلَى الوَرَثَةِ. فَقَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ مَاتَ، فَسَأَلَ عَنْ قَبْرِهِ، فَأَتَاهُ، فَصَفَّ عَلَيْهِ، وَكَبَّرَ. وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَقَدْ فَعَلْتَ (3)) . وَكَانَ البَرَاءُ لَيْلَةَ العَقَبَةِ هُوَ أَجَلُّ (4) السَّبْعِيْنَ، وَهُوَ أَوَّلُهُم مُبَايَعَةً لِرَسُوْلِ اللهِ   (1) سقط من المطبوع " فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ". (2) إسناده صحيح. وأخرجه ابن هشام 1 / 439 - 440، وأحمد 3 / 460، 462، والطيالسي 2 / 93 من طريق ابن إسحاق، حدثني معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله بن كعب، أن كعب بن مالك ... ، وقوله: " ليلة العقبة الأوسط " في السيرة والمسند: " وواعدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالعقبة من أوسط أيام التشريق ". (3) ابن سعد 3 / 2 / 147 وفيه الواقدي وهو متروك. (4) تحرفت في المطبوع إلى " أحد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ ابْنُهُ: 54 - بِشْرُ بنُ البَرَاءِ بنُ مَعْرُوْرٍ الخَزْرَجِيُّ * مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ سَيِّدُكُم يَا بَنِي سَلِمَةَ؟) . قَالُوا: الجدُّ بنُ قَيْسٍ، عَلَى أَنَّ فِيْهِ بُخْلاً. فَقَالَ: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ البُخْلِ؟ بَلْ سَيِّدُكُم الأَبْيَضُ الجَعْدُ: بِشْرُ بنُ البَرَاءِ (1)) . قُلْتُ: هُوَ الَّذِي أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الشَّاةِ المَسْمُوْمَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيْبَ (2) ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ البَدْرِيِّيْنَ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 111، تاريخ خليفة: 84، الاستبصار: 143، الاستيعاب: 1 / 310، أسد الغابة: 1 / 218، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 133 - 134، مجمع الزوائد: 9 / 315، الإصابة: 1 / 247، كنز العمال: 13 / 296. (1) الخبر في " الاستيعاب " 1 / 311، و" أسد الغابة " 1 / 218، بدون سند، ونسباه إلى ابن إسحاق. وأخرجه الحاكم 3 / 219، من طريق: سهل بن عمار العتكي، عن محمد بن يعلى، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وصححه، ووافقه الذهبي. وليس كما قالا فإن محمد بن يعلى السلمي لم يخرج له مسلم، وهو ضعيف. قال البخاري فيه: ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وضعفه العقيلي، والساجي. وقال ابن عدي: لا يتابع على حديثه. وقد استوفى الحافظ ابن حجر الكلام على هذا الحديث في " الإصابة " 1 / 248 في ترجمة بشر ابن البراء فارجع إليه. (2) أخرجه أحمد 2 / 451، والبخاري (3169) في الجزية: باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم. و (4249) في المغازي: باب الشاة التي سمت النبي بخيبر، و (5777) في الطب: باب ما يذكر في سم النبي، صلى الله عليه وسلم، كلاهما من طريق: الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، أنه قال: " أهديت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، شاة فيها سم فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود، فجمعوا له. فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقوني عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كذبتم، بل أبوكم فلان، فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 55 - سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمِ بنِ حَارِثَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ أَبِي حَزِيْمَةَ (1) بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ طَرِيْفِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ سَاعِدَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ. السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّاعِدِيُّ، المَدَنِيُّ، النَّقِيْبُ، سَيِّدُ الخَزْرَجِ. لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ، وَهِيَ عِشْرُوْنَ بِالمُكَرَّرِ. مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ. رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، مُرْسَلٌ. لَهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ حَدِيْثَانِ (2) . قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: عَنْ عُرْوَةَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَا شَهِدَهَا.   = لهم: هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم، فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سما؟ فقالوا: نعم. فقال: ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا - إن كنت كاذبا - نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك " وأبو داود (4509) في الديات: باب فيمن سقى رجلا سما وأطعمه فمات أيقاد به؟ والدارمي 1 / 33، 34. وانظر روايات هذا الخبر في " سيرة ابن كثير " 3 / 394 - 401 ففيها فائدة. (*) مسند أحمد: 5 / 284، و6 / 7، طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 142، طبقات خليفة: 97، تاريخ خليفة: 117، 135، التاريخ الكبير: 4 / 44، التاريخ الصغير: 1 / 39، المعارف: 259، الجرح والتعديل: 4 / 88، مشاهير علماء الأمصار: ت: 20، الاستبصار: 93 - 97، الاستيعاب: 4 / 152، ابن عساكر: 7 / 56 / 1، أسد الغابة: 2 / 356، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 212 - 213، تهذيب الكمال: 474، دول الإسلام: 1 / 15، تاريخ الإسلام: 1 / 379، العبر: 1 / 19، تهذيب التهذيب: 3 / 475، الإصابة: 4 / 152، خلاصة تذهيب الكمال: 134، كنز العمال: 13 / 404، شذرات الذهب: 1 / 28، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 86 - 93. (1) في الأصل " حرام " والتصحيح من ابن هشام، و" أسد الغابة "، وابن سعد، و" القاموس ". وأخرجه الحاكم 3 / 252 وهو عند ابن سعد 3 / 2 / 143. (2) انظر " سنن أبي داود " (1474) و (1679) و (1681) وله في " السنن الكبرى " في الوصايا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوْجِ إِلَى بَدْرٍ، وَيَأْتِي دُوْرَ الأَنْصَارِ يَحُضُّهُم عَلَى الخُرُوْجِ، فَنُهِشَ، فَأَقَامَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ كَانَ سَعْدٌ مَا شَهِدَ بَدْراً، لَقَدْ كَانَ حَرِيْصاً عَلَيْهَا (1)) . قَالَ: وَكَانَ عَقَبِيّاً، نَقِيْباً، سَيِّداً، جَوَاداً. وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ كَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ جَفْنَةً مِنْ ثَرِيْدِ اللَّحْمِ، أَوْ ثَرِيْدٍ بِلَبَنٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَكَانَتْ جَفْنَةُ سَعْدٍ تَدُوْرُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بُيُوْتِ أَزْوَاجِهِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. وَتَبِعَهُ ابْنُ مَنْدَةَ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ قَيْسٌ، وَسَعِيْدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَسَكَنَ دِمَشْقَ فِيْمَا نَقَلَ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) . قَالَ: وَمَاتَ بِحَوْرَانَ. وَقِيْلَ: قَبْرُهُ بِالمَنِيْحَةِ (3) . رَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ عَنْهَا (4) .   (1) الخبر عند ابن سعد 3 / 2 / 143، و" المستدرك " للحاكم 3 / 252 كلاهما من طريق الواقدي. وهو متروك. (2) 7 / 156 / آوهو في المجلدة الأولى ص: (198) . (3) ورد هكذا بغير سند في " الإصابة " 4 / 153، و" أسد الغابة " 2 / 358. وقد نقل خبر موته بحوران ابن سعد، وابن عبد البر وابن هشام، وابن حجر، وأخرجه الحاكم 3 / 252 من طريق: عبد الله بن محمد الحموي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول: توفي سعد بن عبادة بحوران سنة ست عشرة، ومن طريق: أبي بكر بن إسحاق، عن إسماعيل بن قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن نمير أيضا. (4) أخرجه أحمد 6 / 7 من طريق: عفان، عن سليمان بن كثير أبي داود، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن سعد بن عبادة أنه أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمي ماتت وعليها = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَالأَكْثَرُ جَعَلُوْهُ مِنْ (مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُمَيْلَةَ، عَنْ رَجُلٍ رَدَّهُ إِلَى سَعِيْدٍ الصَّرَّافِ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ مَجَنَّةٌ، حُبُّهُم إِيْمَانٌ، وَبُغْضُهُم نِفَاقٌ (1)) . قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَالجَمَاعَةُ: إِنَّهُ أَحَدُ النُّقَبَاءِ، لَيْلَةَ العَقَبَةِ. وَعَنْ مَعْرُوْفِ بنِ خَرَّبُوْذَ (2) ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: جَاءَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، وَالمُنْذِرُ بنُ عَمْرٍو، يَمْتَارَانِ لأَهْلِ العَقَبَةِ، وَقَدْ خَرَجَ القَوْمُ، فَنَذِرَ بِهِمَا (3) أَهْلُ مَكَّةَ، فَأُخِذَ سَعْدٌ، وَأُفْلِتَ المُنْذِرُ. قَالَ سَعْدٌ: فَضَرَبُوْنِي حَتَّى تَرَكُوْنِي كَأَنِّي   = نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك. وأخرجه البخاري (2761) في الوصايا: باب ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت، و (6698) في الايمان والنذور: باب من مات وعليه نذر، و (6959) في الحيل: باب في الزكاة وألا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، ومسلم (1638) في النذر: باب الامر بقضاء النذر، وأبو داود (3307) في الايمان والنذور: باب في قضاء النذر عن الميت، والترمذي (1546) في النذور والايمان: باب ما جاء في قضاء النذر عن الميت. والنسائي 7 / 20 - 21 في الايمان والنذور: باب من مات وعليه نذر، وابن ماجه (2132) في الكفارات: باب من مات وعليه نذر. ومالك ص 292 في النذور والايمان: باب ما يجب من النذور في المشي ومع هذا فقد أخرجه الحاكم 3 / 254. (1) أخرجه أحمد 5 / 285 وسنده ضعيف. وعبد الرحمن بن أبي شميلة، وسعيد الصراف، وإسحاق بن سعد بن عبادة ثلاثتهم لم يوثقهم غير ابن حبان. ولكن في الباب، عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول في الانصار: " لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق " أخرجه البخاري 7 / 78، ومسلم (75) ، وعن أنس بن مالك مرفوعا: " آية الايمان حب الانصار، وآية النفاق بغض الانصار " أخرجه البخاري 7 / 78، ومسلم (74) . وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند مسلم (77) ، وعن أبي هريرة عنده أيضا (76) . (2) تحرفت في المطبوع إلى " جرموذ ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " فتدر بهما ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 نُصُبٌ أَحْمَرُ - يَحْمَرُّ النُّصُبُ مِنْ دَمِ الذَّبَائِحِ عَلَيْهِ -. قَالَ: فَخَلاَ (1) رَجُلٌ كَأَنَّهُ رَحِمَنِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا لَكَ بِمَكَّةَ مَنْ تَسْتَجِيْرُ بِهِ؟ قُلْتُ: لاَ، إِلاَّ أَنَّ العَاصَ بنَ وَائِلٍ قَدْ كَانَ يَقْدَمُ عَلَيْنَا المَدِيْنَةَ، فَنُكْرِمُهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: ذَكَرَ ابْنَ عَمِّي، وَاللهِ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُم. فَكَفُّوا عَنِّي، وَإِذَا هُوَ عَدِيُّ بنُ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ (2) . حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ لِواءُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ عَلِيٍّ، وَلِواءُ الأَنصَارِ مَعَ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ (3) . رَوَاهُ: أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الزِّبْرِقَانِ، عَنْهُ. مَعْمَرٌ: عَنْ عُثْمَانَ الجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ - لاَ أَعْلَمه إِلاَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -: إِنَّ رَايَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ تَكُوْنُ مَعَ عَلِيٍّ، وَرَايَةَ الأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ (4) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِقْفَالُ (5) أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: (أَشِيْرُوا عَلَيَّ) . فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ: (اجْلِسْ) . فَقَامَ سَعْدُ بنُ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " فجاء ". (2) الخبر عند ابن هشام 1 / 449 - 450 عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بأطول مما هنا. (3) ذكره الحافظ في " الإصابة " 4 / 152 عن مقسم، وانظر كتاب " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "، لأبي الشيخ ص (145) . (4) أخرجه عبد الرزاق (9640) مرسلا، وأخرجه أحمد 1 / 368 من طريقه موصولا بذكر ابن عباس، وقوى سنده الحافظ في الفتح 6 / 89 مع أن عثمان الجزري لم يرو عنه إلا معمر والنعمان بن راشد ولم يوثقه أحد. بل نقل الأثرم عن الامام أحمد قوله: روى أحاديث مناكير. زعموا أنه ذهب كتابه. " الجرح والتعديل " 6 / 174. (5) كذا الأصل. وفي أحمد، ومسلم، والمستدرك " إقبال ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عُبَادَةَ، فَقَالَ: لَوْ أَمَرْتَنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ أَنْ نُخِيْضَهَا البَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الغِمَادِ لَفَعَلْنَا (1) . أَبُو حُذَيْفَةَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: (مَنْ جَاءَ بِأَسِيْرٍ فَلَهُ سَلَبُهُ) . فَجَاءَ أَبُو اليَسَرِ بِأَسِيْرِيْنَ. فَقَالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! حَرَسْنَاكَ مَخَافَةً عَلَيْكَ. فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الأَنْفَالِ (2) } . وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ. عَلِيُّ بنُ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُهَيْمِنِ بنُ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْطُبُ المَرْأَةَ وَيُصْدِقُهَا، وَيَشْرُطُ لَهَا صُحْفَةَ سَعْد تَدُوْرُ مَعِي إِذَا دُرْتُ إِلَيْكِ. فَكَانَ يُرْسِلُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصُحْفَةٍ كُلَّ لَيْلَةٍ (3) . مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارٍ: عَنْ أَبِيْهِ مُرْسَلاً نَحْوُهُ.   (1) أخرجه أحمد 3 / 220 ومسلم (1779) في الجهاد: باب غزوة بدر، وصححه الحاكم 3 / 253 وسكت عنه الذهبي. وقوله " أن نضرب أكبادها ": كناية عن ركضها، فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه ضاربا بهما على موضع كبد المركوب. وبرك: بفتح الباء وإسكان الراء. والغماد: بالغين المعجمة مكسورة ومضمومة: هو موضع من وراء مكة بخمس ليال، بناحية الساحل. وقيل: بلدتان. وقال القاضي وغيره: هو موضع بأقاصي هجر. (2) إسناده ضعيف: الكلبي: هو محمد بن السائب أبو النضر الكوفي، المفسر الاخباري. تركه يحيى، وابن مهدي، وقال علي: حدثنا يحيى، عن سفيان قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال الدارقطني وجماعة: متروك. وأخرجه عبد الرزاق (9483) من طريق الثوري، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: من قتل قتيلا فله كذا وكذا. فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ". وزاد السيوطي نسبه في " الدر المنثور " 3 / 160 إلى: عبد بن حميد، وابن مردويه، وانظر ابن كثير في أسباب نزول هذه الآية. (3) إسناده ضعيف لضعف عبد المهيمن بن عباس. وهو في كتب التراجم بغير سند، وسند ابن إسحاق مرسل، كما قال المصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الأَوْزَاعِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَعْدٍ كُلَّ يَوْمٍ جَفْنَةٌ تَدُوْرُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ. وَكَانَ سَعْدٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالاً، فَلاَ تَصْلُحُ الفِعَالُ إِلاَّ بِالمَالِ (1) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُوْنَ المُحْصَنَاتِ} [النُّوْرُ: 14] قَالَ سَعْدٌ سَيِّدُ الأَنْصَارِ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَلاَ تَسْمَعُوْنَ إِلَى مَا يَقُوْلُ سَيِّدُكُم؟) . قَالُوا: لاَ تَلُمْهُ، فَإِنَّهُ غَيُوْرٌ، وَاللهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلاَّ بِكْراً، وَلاَ طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ فَاجْتَرَأَ أَحَدٌ يَتَزَوَّجُهَا. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَاللهِ لأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنَ اللهِ، وَلَكِنِّي قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنْ لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعٍ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ وَلاَ أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَلاَ آتِي بِهِمْ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ... الحَدِيْثُ (2) . وَفِي حَدِيْثِ الإِفْكِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحاً، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ (3) ، فَقَالَ: كَلاَّ وَاللهِ، لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ (4) .   (1) ضعيف لارساله. يحيى بن أبي كثير، على ثقته يدلس، ويرسل. وسيأتي في الصفحة التالية عن عروة فانظره هناك. (2) أخرجه أحمد 1 / 238، والطيالسي 1 / 319 - 320، والطبري 18 / 82، وعباد بن منصور ضعيف. وأخرجه بنحوه، من طريق آخر، دون سبب النزول، مسلم (1498) (16) في اللعان، من طريق سليمان بن بلال، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: كلا، والذي بعثك بالحق: إن كنت لاعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اسمعوا إلى ما يقول صاحبكم. إنه لغيور، وأنا غير منه، والله أغير مني ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " الحملة " و" تقتله " إلى " نقبله ". (4) جزء من حديث أخرجه البخاري (4141) في المغازي: باب حديث الافك، و (4750) في التفسير: باب لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 يَعْنِي: يَرُدُّ عَلَى سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ سَيِّدِ الأَوْسِ. وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ ابْنَ مُعَاذٍ كَانَ قَدْ مَاتَ (1) . جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: كَانَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ يَرْجِعُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى أَهْلِهِ بِثَمَانِيْنَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ يُعَشِّيْهِم. قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ هَبْ لِي حَمْداً وَمَجْداً، اللَّهُمَّ لاَ يُصْلِحُنِي القَلِيْلُ، وَلاَ أَصْلُحُ عَلَيْهِ (2) . قُلْتُ: كَانَ مَلِكاً شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَقَدِ الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الأَنْصَارُ (3) يَوْمَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُبَايِعُوْهُ، وَكَانَ مَوْعُوْكاً، حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَالجَمَاعَةُ، فَرَدُّوْهُم عَنْ رَأْيِهِم، فَمَا طَابَ لِسَعْدٍ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ (4) ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ المُنْذِرِ بنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعدِيِّ: أَنَّ الصِّدِّيْقَ بَعَثَ إِلَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: أَقْبِلْ فَبَايِعْ، فَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ. فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ أُبَايِعُكُمْ حَتَّى أُقَاتِلُكُم بِمَنْ مَعِي. فَقَالَ بَشِيْرُ بنُ سَعْدٍ: يَا خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ! إِنَّهُ قَدْ أَبَى وَلَجَّ، فَلَيْسَ يُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَنْ   (1) هذا الاشكال مبني على ان الخندق كانت قبل المريسيع، لان سعد بن معاذ مات من الرمية التي رميها بالخندق، فدعا الله فأبقاء حتى حكم في بني قريظة ثم انفجر جرحه فمات منها. وأما على قول من يقول - وهو الصحيح - أن المريسيع كانت قبل الخندق في شعبان سنة خمس، وأن الخندق كانت في شوال من السنة ذاتها، فلا يمتنع أن يشهدها سعد بن معاذ. فلا يبقى إشكال. انظر تفصيل ذلك في " الفتح " 8 / 471 - 472. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 143، والحاكم 3 / 253 من طريق: أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن سعد بن عبادة كان يدعو: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا. لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال. اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه. (3) مكان كلمة " الانصار " فارغ في المطبوع. (4) ترك مكانها فارغا في المطبوع وقال في الحاشية: كلمة مخرومة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 يُقْتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ وَلَدُهُ وَعَشِيْرَتُهُ، فَلاَ تُحَرِّكُوْهُ مَا اسْتَقَامَ لَكُمُ الأَمْرُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَحْدَهُ مَا تُرِكَ. فَتَرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ لَقِيَهُ، فَقَالَ: إِيْهٍ يَا سَعْدُ! فَقَالَ: إِيْهٍ يَا عُمَرُ! فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ صَاحِبُ مَا أَنْتَ صَاحِبُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ أَفْضَى إِلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ، وَكَانَ صَاحِبُكَ -وَاللهِ- أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْكَ، وَقَدْ أَصْبَحْتُ كَارِهاً لِجِوَارِكَ. قَالَ: مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ تَحَوَّلَ عَنْهُ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ قَلِيْلاً حَتَّى انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ بِحَوْرَانَ (1) . إِسْنَادُهَا كَمَا تَرَى (2) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ سَعْداً بَالَ قَائِماً، فَمَاتَ، فَسُمِعَ قَسٌّ يَقُوْلُ: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْ ... رَجِ سَعْدَ بنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْ* ـ ... ـنِ فَلَمْ نَخْطِ فُؤَادَهْ (3) وَقَالَ سَعْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَوَّلُ مَا فُتِحَتْ بُصْرَى، وَفِيْهَا مَاتَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بِحَوْرَانَ (4) . وَرَوَى: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ بَالَ قَائِماً فَمَاتَ، وَقَالَ: إِنِّي أَجِدُ دَبِيْباً.   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 144 - 145. وحوران: كورة واسعة جنوب دمشق. وهي ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار. (2) أي: في غاية الضعف. لان الواقدي متروك. ومحمد بن صالح بن دينار التمار صدوق بخطئ. والزبير بن المنذر مستور. (3) هما عند ابن سعد 3 / 2 / 145، وفي " أسد الغابة " 2 / 358، و" الاستيعاب " 4 / 159. (4) الخبر - كما هو هنا - في " الإصابة " 4 / 153 وفيه " سعيد بن عبد العزيز " بدل " سعد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ بِلاَلٍ (1) ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، قَالَ: قُتِلَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ بِالشَّامِ، رَمَتْهُ الجِنُّ بِحَوْرَانَ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَعْدٌ بِحَوْرَانَ، لِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَمَا عُلِمَ بِمَوتِهِ بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى سَمِعَ غِلْمَانٌ قَائِلاً مِنْ بِئْرٍ يَقُوْلُ: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْ ... رَجِ سَعْدَ بنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْـ ... ـنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ فَذُعِرَ الغِلْمَانُ، فَحُفِظَ ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ اليَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ (2) . وَإِنَّمَا جَلَسَ يَبُوْلُ فِي نَفَقٍ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَوَجَدُوْهُ قَدِ اخْضَرَّ جِلْدُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ عَائِشَةَ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ بِحَوْرَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. وَرَوَى: المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ سَعْدٌ يَكْتُبُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُحْسِنُ العَوْمَ وَالرَّمْيَ،   (1) ترك مكانها فارغا في المطبوع. (2) ابن سعد 3 / 2 / 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ ذَلِكَ، سُمِّيَ الكَامِلَ. وَكَانَ سَعْدٌ، وَعِدَّةُ آبَاءٍ لَهُ قَبْلَهُ يُنَادَى عَلَى أُطُمِهِمْ: مَنْ أَحَبَّ الشَّحْمَ وَاللَّحْمَ فَلْيَأْتِ أُطُمَ دُلَيْمِ بنِ حَارِثَةَ (1) . 56 - سَعْدُ بنُ مُعَاذِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ. السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ، الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ. وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي السِّيْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) ، فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ. نَقَلَ ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي عِيْسَى بنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ قُرَيْشاً سَمِعَتْ هَاتِفاً عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يَقُوْلُ: فَإِنْ يَسْلَمِ (2) السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لاَ يَخْشَى خِلاَفَ المُخَالِفِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ؟ سَعْدُ بَكْرٍ، سَعْدُ تَمِيْمٍ؟ فَسَمِعُوا فِي اللَّيْلِ الهَاتِفَ يَقُوْلُ: أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِراً ... وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الخَزْرَجِيْنَ الغَطَارِفِ   (1) ابن سعد 3 / 2 / 142. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 2 - 13، طبقات خليفة: 77، التاريخ الكبير: 4 / 65، التاريخ الصغير: 1 / 22، الجرح والتعديل: 4 / 93، الاستبصار: 205 - 211، الاستيعاب: 4 / 163 - 167، أسد الغابة: 2 / 373 - 377، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 214 - 215، تهذيب الكمال: 477، العبر: 1 / 7، مجمع الزوائد: 9 / 308 - 310، تهذيب التهذيب: 3 / 481، الإصابة: 4 / 171 - 172، خلاصة تذهيب الكمال: 135، كنز العمال: 13 / 406، شذرات الذهب: 1 / 11. (2) تحرفت في المطبوع إلى " يصبح ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أَجِيْبَا إِلَى دَاعِي الهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ -وَاللهِ- سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَادَةَ (1) . أَسْلَمَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ. فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَسْلَمَ وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ! كَيْفَ تَعْلَمُوْنَ أَمْرِي فِيْكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا فَضْلاً، وَأَيْمَنُنَا نَقِيْبَةً. قَالَ: فَإِنَّ كَلاَمَكُم عَلَيَّ حَرَامٌ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا بَقِيَ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَأَسْلَمُوا (2) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عمرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِراً، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ يَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ أُمَيَّةُ لَهُ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفِلَ النَّاسُ طُفْتَ. فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوْفُ، إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَطُوْفُ آمِناً؟ قَالَ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ: أَتَطُوْفُ آمِناً وَقَدْ آوَيْتُم مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَلاَحَيَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَوْ مَنَعْتَنِي، لَقَطَعْتُ عَلَيْكَ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُوْلُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.   (1) ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 25 - 26 وعند " مسلم " وعدد الابيات اثنان. وانظر " الاستيعاب " 4 / 155. والبيت الأول في " الفتح " 7 / 123، والرواية فيه: فإن يسلم السعدان ... (2) ابن هشام 1 / 437. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فَكَادَ يُحْدِثُ (1) ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِيْنَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّداً يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا خَرَجُوا لِبَدْرٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوْكَ اليَثْرِبِيُّ. فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الوَادِي، فَسِرْ مَعَنَا يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ. فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللهُ (2) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَشَهِدَ بَدْراً سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَعَاشَ شَهْراً، ثُمَّ انْتُقِضَ جُرْحُهُ، فَمَاتَ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بنِ سَهْلٍ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأُمُّ سَعْدٍ مَعَهَا، فَعَبَرَ سَعْدٌ، عَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ يَرْفِلُ بِهَا، وَيَقُوْلُ: لَبِّثْ قَلِيْلاً يَشْهدِ الهَيْجَا ... حَمَلْ لاَ بَأْسَ بِالمَوْتِ ... إِذَا حَانَ الأَجَلْ يَعْنِي: حَمَلَ بنَ بَدْرٍ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ أَخَّرْتَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ سَعْدٍ! لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ. فُرُمِيَ سَعْدٌ بِسَهْمٍ قَطَعَ مِنْهُ الأَكْحَلَ، رَمَاهُ ابْنُ العَرِقَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ العَرِقَةِ. فَقَالَ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي   (1) بضم الياء وسكون الحار وكسر الدال من الحدث. وهو خروج خارج من أحد السبيلين، والضمير لامية. أي أنه كاد أن يخرج منه شيء لشدة فزعه وهذه رواية البيهقي. أما رواية البخاري: " والله ما يكذب محمد إذا حدث " من التحديث. وعد الحافظ رواية البيهقي تصحيفا. (2) أخرجه أحمد 1 / 400، والبخاري (3632) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، كلاهما من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، به. وهو في الصحيح برقم (3950) في المغازي: باب ذكر النبي من يقتل ببدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 لَهَا، فَإِنَّهُ لاَ قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُم فِيْكَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا نَبِيَّكَ وَكَذَّبُوْهُ وَأَخْرَجُوْهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْننَا وَبَيْنَهُم، فَاجْعَلْهَا لِي شِهَادَةً، وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ (1) . هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَمَى سَعْداً رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، فَرَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُوْدَهُ مِنْ قَرِيْبٍ. قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ كَلْمَهُ تَحَجَّرَ لِلْبُرْءِ. قَالَتْ: فَدَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيْهَا. فَانْفَجَرَ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُم إِلاَّ وَالدَّمُ يَسِيْلُ. فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ! مَا هَذَا؟ فَإِذَا جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ   (1) رجاله ثقات. وهو في " سيرة ابن هشام " 2 / 226، وأخرجه أحمد 6 / 141 من طريق: يزيد، عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص ... بنحوه أطول مما هنا - وهذا سند حسن في الشواهد. وفي " الطبقات " لابن سعد 3 / 2 / 3 " يدرك " بدل " يشهد "، وفي " أسد الغابة " 3 / 373 " يلحق " بدل " يشهد "، وفيها: " جمل "، وهو تصحيف. وفي " الإصابة " 4 / 171 " يلحق " بدل " يشهد ". (2) أخرجه مسلم (1769) (67) في الجهاد: باب جواز قتال من نقض العهد، والبخاري (463) و (3901) و (4117) و (4122) في المغازي: باب مرجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزوة الاحزاب. والترمذي (1582) في السير: باب ما جاء في النزول على الحكم. وابن سعد 3 / 2 / 6 - 7. وأخرجه مختصرا، أحمد 6 / 56، وأبو داود (3101) في الجنائز: باب في العيادة مرارا، والنسائي 2 / 45 في المساجد: باب ضرب الخباء في المساجد. ويغذو بغين وذال معجمتين: يسل. والاكحل: عرق في وسط الذراع. واللبة: النحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. فَاسْتَمْسَكَ عَرَقُهُ، فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُم، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُم، وَذَرَارِيْهِم. قَالَ: وَكَانُوا أَرْبَعَ مَائَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ (1) . يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ: عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِ سَعْدٍ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ) مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ القَوْمُ. ثُمَّ قَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ) ، فَكَبَّرُوا. فَقَالَ: (عَجِبْتُ لِهَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ، شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِيْنَ فُرِّجَ لَهُ (2)) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ بَادِناً، فَلَمَّا حَمَلُوْهُ وَجَدُوا لَهُ خِفَّةً. فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِيْنَ: وَاللهِ إِنْ كَانَ   (1) أخرجه أحمد 3 / 350، والدارمي 2 / 238 في السير: باب نزول أهل قريظة على حكم سعد ابن معاذ، وابن سعد 3 / 2 / 8. وأخرجه أحمد 3 / 312، 386 من طريق زهير، عن أبي الزبير، عن جابر مختصرا. ومسلم (2208) في السلام: باب لكل داء دواء من طريق أبي خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، وعند أبي داود (3866) في الطب: باب في الكي، " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كوى سعد بن معاذ من رميته ". وعند الترمذي (2051) في الطب، عن أنس. وإسناده حسن. (2) معاذ بن رفاعة - وإن خرج له البخاري - ضعفه ابن معين، وقال الأسدي: لا يحتج بحديثه. وأخرجه أحمد 3 / 327 من طريق: محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثني يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن زيد الليثي ويحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة الزرقي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: لهذا العبد الصالح، الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، شدد عليه، ففرج الله عنه. وقال مرة: فتحت. وقال مرة: ثم فرج الله عنه. وقال مرة: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لسعد يوم مات وهو يدفن. وأخرج أحمد أيضا 3 / 360، 377 من طريق أبي إسحاق، حدثني معاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي، عن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 لَبَادِناً، وَمَا حَمَلْنَا أَخَفَّ مِنْهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَتِ المَلاَئِكَةُ بِرُوْحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ (1)) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيْدَ الأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا سَعْدٌ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيْهِ الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، فَجَلَسْتُ. فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ منْهُ أَطْرَافُهُ، وَكَانَ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِم، فَاقْتَحَمْتُ حَدِيْقَةً، فَإِذَا فِيْهَا نَفَرٌ فِيْهِم عُمَرُ. فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللهِ إِنَّكِ لَجَرِيْئَةٌ! مَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُوْنَ بَلاَءٌ؟ فَمَا زَالَ يَلُوْمُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ اشْتَقَّتْ سَاعَتَئِذٍ، فَدَخَلْتُ فِيْهَا. وَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ مِغْفَرٌ، فَيَرْفَعُهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! قَدْ أَكْثَرْتَ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ وَالفِرَارُ إِلاَّ إِلَى اللهِ؟ (2) مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَافِلِيْنَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَلْقَى غِلْمَانَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَسَأَلَهُم أُسَيْدٌ، فَنَعَوْا لَهُ امْرَأَتَهُ، فَتَقَنَّعَ يَبْكِي. قُلْتُ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَتَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ   = صلى الله عليه وسلم، يوما إلى سعد بن معاذ حين توفي. قال: فلما صلى عليه رسول الله، ووضع في قبره، وسوي عليه سبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تسبيحا طويلا. ثم كبر فكبرنا. فقيل: يا رسول الله، لم سبحت ثم كبرت؟ قال: لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عزوجل عنه. وصححه الحاكم 3 / 206 مختصرا ووافقه الذهبي. (1) فيه انقطاع وجهالة. (2) إسناده محتمل للتحسين، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 3 بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 لَكَ مِنَ السَّابِقَةِ مَا قَدَّمَ؟! فَقَالَ: لَيَحِقُّ لِي أَنْ لاَ أَبْكِيَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ مَا يَقُوْلُ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: قَالَ: (لَقَدِ اهْتَزَّ العَرْشُ لِوَفَاةِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ (1)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو المُتَوَكِّلِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ فَهُوَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) . فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ، فَلَمْ تُفَارِقْهُ حَتَّى مَاتَ (2) . أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى (3) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ: لَمَّا انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدٍ، عَجَّل إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَالدِّمَاءُ تَسِيْلُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: وَانْكِسَارَ ظَهْرَاهُ عَلَى سَعْدٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَهْلاً أَبَا بَكْرٍ) . فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّا لِلِّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ (4) . رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنْهُ. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَضَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ يَمُوْتُ فِي القُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 352، وابن سعد 3 / 2 / 12، والحاكم وصححه 3 / 207 من طريق محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، بأوضح مما هنا. (2) إسناده منقطع ولا يصح. (3) أخرجه أحمد 3 / 312، 386، ومسلم (2208) في السلام: باب لكل داء دواء واستحباب التداوي. وانظر ص 283 التعليق رقم (1) (4) رجاله ثقات، لكنه مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ. قَالَتْ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاء أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي، فَكَانَا كَمَا قَالَ اللهُ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} . قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّه! كَيْفَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَ لاَ تَدْمَعُ عَيْنُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ (1) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: لَمَّا قَضَى سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ رَجَعَ، انْفَجَرَ جُرْحُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ جَسِيْماً. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْداً قَدْ جَاهَدَ (2) فِي سَبِيْلِكَ، وَصَدَّقَ رَسُوْلَكَ، وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، فَتَقَبَّلْ رُوْحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ رُوْحاً) . فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ كَلاَمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ البَيْتِ: (اسْتَأْذَنَ اللهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ عَدَدُكُم فِي البَيْتِ لِيَشْهَدُوا وَفَاةَ سَعْدٍ) . قَالَ: وَأُمُّهُ تَبْكِي، وَتَقُوْلُ: وَيْلَ امِّكَ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا فَقِيْلَ لَهَا: أَتَقُوْلِيْنَ الشِّعْرَ عَلَى سَعْدٍ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعُوْهَا، فَغَيْرُهَا مِنَ الشُّعَرَاءِ أَكْذَبُ) . هَذَا مُرْسَلٌ (3) . الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا مُعَاذُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مُسلمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ   (1) إسناده حسن. وأخرجه أحمد 6 / 141 - 142. (2) تصحفت في المطبوع إلى " جاء ". (3) بل معضل لأنه مرسل، وفيه من لم يسم على التوالي. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا انْفَجَرَتْ يَدُ سَعْدٍ بِالدَّمِ، قَامَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَنَقَهُ، وَالدَّمُ يَنْفَحُ مِنْ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِحْيَتِهِ، حَتَّى قَضَى (1) . عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أُصِيْبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ، فَثَقُلَ، حَوَّلُوْهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، تُدَاوِي الجَرْحَى. فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُوْلُ: (كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟) . فَيُخْبِرُهُ، حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيْهَا، وَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَنَازِلِهِم. وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ، فَقِيْلَ: انْطَلِقُوا بِهِ. فَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَأَسْرَعَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوْعُ نِعَالِنَا، وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَنَا إِلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، فَتُغَسِّلُهُ كَمَا غَسَّلَتْ حَنْظَلَةَ) . فَانْتَهَى إِلَى البَيْتِ، وَهُوَ يُغَسَّلُ، وَأُمُّهُ تَبْكِيْهِ، وَتَقُوْلُ: وَيْلَ امِّ سَعْدٍ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا فَقَالَ: (كُلُّ بَاكِيَةٍ تَكْذِبُ، إِلاَّ أُمَّ سَعْدٍ) . ثُمَّ خَرَجَ بِهِ. قَالَ: يَقُوْلُ لَهُ القَوْمُ: مَا حَمَلْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ مَيتاً أَخَفَّ عَلَيْنَا مِنْهُ. قَالَ: (مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَخِفَّ وَقَدْ هَبَطَ مِنَ المَلاَئِكَةِ كَذَا وَكَذَا، لَمْ يَهْبِطُوا قَطُّ قَبْلَ يَوْمِهِم، قَدْ حَمَلُوْهُ مَعَكُم (2)) . شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) إسناده تالف لضعف الواقدي. وهو في " الطبقات " لابن سعد 3 / 2 / 7. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 7 - 7 من طريق الفضل بن دكين قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد ... ، وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَكِيْدُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: (جَزَاكَ اللهُ خَيْراً مِنْ سَيِّدِ قَوْمٍ، فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَهُ، وَلَيُنْجِزَنَّكَ اللهُ مَا وَعَدَكَ (1)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ: أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ، فَجِيْءَ بِهِ مَحْمُوْلاً عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُضْنَىً مِنْ جُرْحِهِ. فَقَالَ لَهُ: (أَشِرْ عَلَيَّ فِي هَؤُلاَءِ) . قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيْهِم بِأَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ. قَالَ: (أَجَلْ، وَلَكِنْ أَشِرْ) . قَالَ: لَوْ وُلِّيْتُ أَمْرَهُم، لَقَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُم، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيْهِم. فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَشَرْتَ عَلَيَّ فِيْهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللهُ بِهِ (2)) . مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا حَكَمَ سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ المَوَاسِي (3) : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ حَكَمَ فِيْهِم بِحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْعِ   (1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 2 / 9. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 5 من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ. وأخرجه أحمد 3 / 22، والبخاري (3043) في الجهاد، و (3804) و (4121) و (6262) ، ومسلم (1768) في الجهاد، كلهم من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري بنحوه. (3) المواسي: جمع موسى وهي الآلة التي يحلق بها. والمراد هنا من بلغ الحلم وطالت شعرته، وصار يحلقها. يفسر ذلك حديث عطية القرظي قال: " عرضنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي ". أخرجه أبو داود (4404) ، والترمذي (1584) ، وسنده حسن. وقد تحرفت في المطبوع لفظة " المواسي " إلى " المواثيق ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 سَمَوَاتٍ (1)) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمْ يَرْقَ دَمُ سَعْدٍ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَاعِدِهِ، فَارْتَفَعَ الدَّمُ إِلَى عَضُدِهِ، فَكَانَ سَعْدٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، فَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى اللَّحْدِ. ثُمَّ قَالَ رُبَيْحٌ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةٍ، قَالَ: أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ (3) . وَرَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ (4) . الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَجُلاً أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، فَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 6 من حديث خالد بن مخلد، عن محمد بن صالح التمار، به..، وهذا سند حسن. وذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 412 ونسبه إلى النسائي، وقال: ورواية شعبة أصح. يريد رواية البخاري رقم (4121) في المغازي، وفيها قال: قضيت بحكم الله. وربما قال: بحكم الملك. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 5، ورجاله ثقات. إلا أنه منقطع لان أبا ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل الهمداني السبيعي لم يدرك سعدا. (3) إسناده تالف لضعف الواقدي. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10. (4) هذا إسناد حسن. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الهِجْرَةِ، فَمَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ تِلْكَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحُصَيْنِ، عَنْ دَاوْدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ سَعْدٍ، نَزَلَ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ: الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ، وَأُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ، وَسَلمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بن وَقْشٍ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ. فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَبَّحَ ثَلاَثاً، فَسَبَّحَ المُسْلِمُوْنَ حَتَّى ارْتَجَّ البَقِيْعُ، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثاً، وَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمُ القَبْرُ، وَضُمَّ ضَمَّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا هُوَ، ثُمَّ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ) (2) . قُلْتُ: هَذِهِ الضَّمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ يَجِدُهُ المُؤْمِنُ، كَمَا يَجِدُ أَلَمَ فَقْدِ وَلَدِهِ وَحَمِيْمِهِ (3) فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وَأَلَمِ خُرُوْجِ نَفْسِهِ، وَأَلَمِ سُؤَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَامْتِحَانِهِ، وَأَلَمِ تَأَثُّرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَلَمِ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَلَمِ المَوْقِفِ وَهَوْلِهِ، وَأَلَمِ الوُرُوْدِ عَلَى النَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الأَرَاجِيْفُ كُلُّهَا قَدْ تَنَالُ العَبْدَ، وَمَا هِيَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَلاَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم قَطُّ، وَلَكِنَّ العَبْدَ التَّقِيَّ يَرْفُقُ اللهُ بِهِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ كُلِّهِ، وَلاَ رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُوْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ} ، وَقَالَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ، إِذِ القُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِرِ} . فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- العَفْوَ وَاللُّطْفَ الخَفِيَّ، وَمَعَ هَذِهِ الهَزَّاتِ، فَسَعْدٌ مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ   (1) ما بين حاصرتين سقط من الأصل. واستدرك من " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 11. (2) إسناده تالف لان محمد بن عمر الواقدي متروك. وهو في " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 10. (3) تحرفت في المطبوع إلى " صميمه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 مِنْ أَرْفَعِ الشُّهَدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. كَأَنَّكَ يَا هَذَا تَظُنُّ أَنَّ الفَائِزَ لاَ يَنَالُهُ هَوْلٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَلاَ رَوْعٌ، وَلاَ أَلَمٌ، وَلاَ خَوْفٌ، سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ سَعْدٍ. شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا، نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ (1)) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ، لَنَجَا مِنْهَا سَعْدٌ (2)) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ وَاقِدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بنِ مَالكٍ - وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِم - فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ. قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ لَشَبِيْهٌ. ثُمَّ بَكَى، فَأَكْثَرَ البُكَاءَ. ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ سَعْداً، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَطْوَلِهِم، بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ جَيْشاً إِلَى أُكَيْدِر (3) دُوْمَةَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةٍ مِنْ دِيْبَاجٍ مَنْسُوْجٍ فِيْهَا الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلُوا يَمْسَحُوْنَهَا وَيَنْظُرُوْنَ إِلَيْهَا. فَقَالَ: (أَتَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذِهِ الجُبَّةِ؟) . قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا رَأَيْنَا   (1) وهو في " مسند أحمد " 6 / 55، 98 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع، قال محمد بن جعفر: عن إنسان، عن عائشة وانظر الرواية التالية. (2) إسناده صحيح. (3) هو أكيدر بن عبد الملك من كندة، وكان ملكا نصرانيا على دومة - وهي دومة الجندل على عشر مراحل من المدينة من جهة الشام - وقد افتتحت في سنة تسع من الهجرة على يد خالد بن الوليد. انظر " زاد المعاد " 3 / 538. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ثَوْباً قَطُّ أَحْسنَ مِنْهُ. قَالَ: (فَوَاللهِ لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ (1)) . قِيْلَ: كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَأَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ ابْنَي خَالَةٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَعْدٍ بنِ مُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ. وَقِيْلَ: آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقَدْ تَوَاتَرَ (2) قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ العَرْشَ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ فَرَحاً بِهِ) . وَثَبَتَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حُلَّةٍ تَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهَا: (لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ (3)) . وَقَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ) (4) .   (1) إسناده حسن وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 13، والترمذي (1723) في اللباس، والنسائي 8 / 199 في الزينة. ثلاثتهم من طريق محمد بن عمرو عن واقد بن عمرو..به. وصححه الترمذي، وكان في الأصل " إنك كسعد الشبيه " وما أثبتناه عند الترمذي، وابن سعد. وأخرجه أحمد 3 / 234 ومسلم (2469) من حديث أنس. (2) فقد ورد هذا الحديث عن جابر، وأنس، وحذيفة، وعاصم بن عمر بن قتادة عن جدته رميئة. وذكر ابن عبد البر أنه روي من وجوه كثيرة متواترة. وفي " شرح المواهب " ثبت عن عشرة من الصحابة. وانظر " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " ص: (126) . وسيذكر المصنف رواية بعض هؤلاء فيما يلي. (3) أخرجه أحمد 3 / 234، ومسلم (2469) ، والبخاري (3248) ، وأبو نعيم 7 / 110، من حديث أنس قال: أهدي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، جبة من سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها، فقال: " والذي نفسي بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ". (4) أخرجه أحمد 3 / 24، وابن سعد 3 / 2 / 12، والحاكم 3 / 206، وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ - وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ -: اهْتَزَّ: فَرِحَ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدٍ (1)) . يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ رُمَيْثَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ - وَلَو أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ قُرْبِي مِنْهُ لَفَعَلْتُ - وَهُوَ يَقُوْلُ: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لَهُ) . أَيْ لِسَعْدِ بنِ مُعَاذٍ (2) . إِسْنَادٌ صَالِحٌ. وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيْلُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ؟ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ. فَخَرجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا سَعْدٌ. قَالَ: فَجَلَسَ عَلَى قَبْرِهِ ... الحَدِيْثُ (3) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالدٍ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ، قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلاَ يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ؟ فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللهُ إِلَيْهِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ) .   (1) أخرجه أحمد 3 / 316، والبخاري (3803) في مناقب الانصار: باب مناقب سعد، ومسلم (2466) (123) في فضائل الصحابة: باب فضائل سعد بن معاذ، والترمذي (3748) في المناقب: باب مناقب سعد، وابن ماجه في المقدمة (158) : باب فضل سعد، وابن عبد البر 2 / 376. (2) أخرجه أحمد 3 / 329، وابن سعد 3 / 2 / 13 والزيادات منه. (3) أخرجه أحمد 3 / 327، والحاكم 1 / 206، وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 هَذَا مُرْسَلٌ. ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ، وَجِنَازَةُ سَعْدٍ بَيْنَ أَيْدِيْهِم: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ (1)) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجِنَازَةُ سَعْدٍ مَوْضُوْعَةٌ: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ (2)) . جَمَاعَةٌ: عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً (3)) . يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ قُبِضَ سَعْدٌ مُعْتَجِراً بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ هَذَا المَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ؟! فَقَامَ سَرِيْعاً يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ (4) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إِلاَّ لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرِو عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - وَمِنْهُم مَنْ   (1) أخرجه أحمد 3 / 296، 349، ومسلم (2466) في الفضائل: باب فضائل سعد، والترمذي (3847) في المناقب: باب مناقب سعد. (2) أخرجه أحمد 3 / 234، ومسلم (2467) في الفضائل: باب فضائل سعد. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12، والحاكم 3 / 206، وصححه ووافقه الذهبي. (4) في سنده إرسال. وانظر التعليق رقم (3) في الصفحة السابقة. والتعليق (1) في الصفحة 284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أَرْسَلَهُ - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ المَلاَئِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ) . يَعْنِي: سَعْداً (1) . رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعُوْد، عَنْهُ. أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ سَعِيْدِ المَقْبُرِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ لَنَجَا سَعْدٌ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلاَعُهُ مِنْ أَثَرِ البَوْلِ (2)) . هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدٍ خُطُوَاتٍ، وَلَمْ يَصِحَّ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، وَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا. قَالَ رُبَيْحٌ: فَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بَعْدُ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ (3) . وَرَوَى نَحْوَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا كَانَ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه النسائي 4 / 100 في الجنائز: باب ضمة القبر وضغطه، وابن سعد 3 / 2 / 9 (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 9 وهو على انقطاعه ضعيف لضعف أبي معشر. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أَحَدٌ أَشَدَّ فَقْداً عَلَى المُسْلِمِيْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ (1) . لوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، عَاشَ سَبْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (2) . أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِرُوْحِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ (3)) . وَرَوَى: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِوَفَاةِ سَعْدٍ (4)) . ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً. قَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي: السَّرِيْرَ. وَقَرَأَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى (5) العَرْشِ} [يُوْسُفُ: 100] . قَالَ: إِنَّمَا تَفَسَّحَتْ أَعْوَادُهُ. قَالَ: وَدَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَهُ، فَاحْتُبِسَ. فَلَمَّا خَرَجَ، قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: (ضُمَّ سَعْدٌ فِي القَبْرِ ضَمَّةً، فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ) (6) .   (1) إسناده حسن، وأخرجه أبو نعيم في " المعرفة "، وابن أبي شيبة، وهو عندهما حديث طويل يشمل معظم ما خرجنا من آثار وأخبار. وانظر " الكنز " 13 / 406 - 412، ففيه معظم ما مر ويمر معنا عن سعد بن معاذ. (2) انظر التعليق الأول في الصفحة 290. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12. (4) مرسل، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12. (5) تصحفت في المطبوع " على " فصارت " إلى ". (6) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12، وابن أبي شيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قُلْتُ: تَفْسِيْرُهُ بِالسَّرِيْرِ مَا أَدْرِي أَهُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ؟ وَهَذَا تَأْوِيْلٌ لاَ يُفِيْدُ، فَقَدْ جَاءَ ثَابِتاً عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَعَرْشُ اللهِ، وَالعَرْشُ خَلْقٌ لِلِّهِ مُسَخَّرٌ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيْئَةِ اللهِ، وَجَعَلَ فِيْهِ شُعُوْراً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ -تَعَالَى- شُعُوْراً فِي جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سَبَأ: 10] . وَقَالَ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ} [الإِسْرَاءُ: 44] . ثُمَّ عَمَّمَ، فَقَالَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ، وَهَذَا حَقٌّ. وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) قَوْلُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيْحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ (1) . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، سَبِيْلُهُ الإِيْمَانُ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ، فَهِيَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) . فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا (2) . كَانَ لِسَعْدٍ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَمْرٌو، فَكَانَ لِعَمْرٍو تِسْعَةُ أَوْلاَدٍ. 57 - زَيْدُ بنُ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحٍ العَدَوِيُّ *   (1) أخرجه البخاري (3579) ، وأحمد 1 / 460، والدارمي 2 / 14 - 15. (2) انظر التعليق (2) في الصفحة 285. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 274، نسب قريش: 347 - 348، طبقات خليفة: 22، تاريخ خليفة: 108، 112. التاريخ الصغير: 1 / 34، تاريخ الطبري: 3 / 290، الجرح والتعديل: 3 / 562، مشاهير علماء الأمصار: ت: 27، حلية الأولياء: 1 / 367، الاستيعاب: 4 / 58 - 63، أسد الغابة: 2 / 285 - 286، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 203 - 204، تهذيب الكمال: 456، تاريخ الإسلام: 1 / 267، العبر: 1 / 14، العقد الثمين: 4 / 473 - 476، تهذيب التهذيب: 3 / 411، الإصابة: 4 / 52، خلاصة تذهيب الكمال: 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 السَّيِّدُ، الشَّهِيْدُ، المُجَاهِدُ، التَّقِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، أَخُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ، وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ. وَكَانَ أَسْمَرَ، طَوِيْلاً جِدّاً، شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَكَانَ قَدْ آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنِ بنِ عَدِيٍّ العَجْلاَنِيِّ. وَلَقَدْ قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْم بَدْرٍ: الْبِسْ دِرْعِي. قَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَا تُرِيْدُ. قَالَ: فَتَرَكَاهَا جَمِيْعاً، وَكَانَتْ رَايَةُ المُسْلِمِيْنَ مَعَهُ يَوْمَ اليَمَامَةِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْدَمُ بِهَا فِي نَحْرِ العَدُوِّ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَعَتْ الرَّايَةُ، فَأَخَذَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَحَزِنَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَسْلَمَ قَبْلِي، وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي. وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا هَبَّتِ الصَّبَا إِلاَّ وَأَنَا أَجِدُ رِيْحَ زَيْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ خَبَرَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ عَوَامِرِ البُيُوْتِ (1) . وَرَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ حَدِيْثَيْنِ. اسْتُشْهِدَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. - مِنْ شُهَدَاءِ اليَمَامَةِ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهِم نَحْوٌ مِنْ سِتِّ مَائَةٍ، مِنْهُم: أَبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ العَبْشَمِيُّ، وَمَوْلاَهُ سَالِمٌ أَحَدُ القُرَّاءِ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنَّازُ   (1) أخرجه أحمد 3 / 452، وعلقه البخاري (3299) في بدء الخلق: باب قوله تعالى: (وبث فيها من كل دابة) . ومسلم (2233) في السلام: باب قتل الحيات وغيرها، وأبو داود (5252) في الأدب: باب في قتل الحيات، والترمذي (1483) في الاحكام: باب ما جاء في قتل الحيات، كلهم من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم،: " اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والابتر، فإنهما يستسقطان الحبل، ويلتمسان البصر " قال: فكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها، فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر، أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقال: إنه قد نهي عن ذوات البيوت. والابتر: صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب. ويلتمسان البصر: أي يخطفان البصر ويطمسانه. والعوامر: حيات البيوت. والنص لمسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 بنُ الحُصَيْنِ الغَنَوِيُّ، وَثَابِتُ بنُ قِيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ الأَشْهَلِيُّ الَّذِي أَضَاءتْ لَهُ عَصَاهُ (1) ، وَمَعْنُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجدِّ بنِ العَجْلاَنِ الأَنْصَارِيُّ أَخُو عَاصِمٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ بَشِيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ الخَزْرَجِيُّ، وَأَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ السَّاعِدِيُّ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَشَرَتُهُم بَدْرِيُّوْنَ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا دُجَانَةَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ يَوْمَئِذٍ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ. 58 - أَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ بنِ عُدَسَ بنِ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ. السَّيِّدُ، نَقِيْبُ بَنِي النَّجَّارِ، أَبُو أُمَامَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ.   (1) أخرجه البخاري (3085) في مناقب الانصار من طريق حبان بن هلال، عن همام، عن قتادة، عن أنس، أن رجلين ... ثم قال: وقال حماد: أخبرنا ثابت عن أنس: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم ... وقد وصله أحمد 3 / 138، 190، 272، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 151، كلاهما من طريق: بهز بن أسد، عن حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، في ليلة مظلمة فخرجا من عنده، فأضاءت عصا أحدهما، فكانا يمشيان بضوئها، فلما افترقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا ". وهو في " المستدرك " 3 / 288. ورواه أحمد 3 / 272، عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، و3 / 138، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس. (*) المسند لأحمد: 4 / 138، سيرة ابن هشام: 1 / 507، الطبقات لابن سعد: 3 / 2 / 138، طبقات خليفة: 90 - 91، تاريخ خليفة: 56، المعارف: 309، الجرح والتعديل: 2 / 344، الاستبصار: 56 - 58، الاستيعاب: 1 / 153 - 156، أسد الغابة: 1 / 86، العبر: 1 / 3، الإصابة: 1 / 50، شذرات الذهب: 1 / 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 تُوُفِّيَ: شَهِيْداً بِالذُّبْحَةِ (1) ، فَلَمْ يَجْعَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهُ نَقِيْباً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ. وَقَالَ: (أَنَا نَقِيْبُكُم) . فَكَانُوا يَفْخَرُوْنَ بِذَلِكَ (2) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْنِي مَسْجِدَهُ قَبْلَ بَدْرٍ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: قِيْلَ: إِنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ قَبْلَ العَقَبَةِ الأُوْلَى بِسَنَةٍ، مَعَ خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنَ الخَزْرَجِ، فَآمَنُوا بِهِ. فَلَمَّا قَدِمُوا المَدِيْنَةَ، تَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فِي قَوْمِهِم، فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ خَرَجَ مِنْهُم اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَهِيَ العَقَبَةُ الأُوْلَى، فَانْصَرَفُوا مَعَهُم. وَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ يُقْرِئُهُم وَيُفَقِّهُهُم. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِيْنَ عَمِيَ، فَإِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الجُمُعَةِ، فَسَمِعَ الأَذَانَ، صَلَّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ! أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لأَبِي أُمَامَةَ كُلَّمَا سَمِعْتَ أَذَانَ الجُمُعَةِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! كَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا بِالمَدِيْنَةِ فِي هَزْمِ النّبِيْتِ، مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيْعُ الخَضَمَاتِ (3) . قُلْتُ: فَكَمْ كُنْتُم يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُوْنَ رَجُلاً، فَكَانَ أَسَعْدٌ مُقَدَّمَ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ، فَهُوَ نَقِيْبُ بَنِي النَّجَّارِ، وَأُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ نَقِيْبُ بَنِي   (1) وجع الحلق، أو داء يأخذ بالحلق وربما قتل. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 141، والحاكم 3 / 186، من طريق محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، قال: مات سعد..، ومحمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك. (3) الهزم: ما اطمأن من الأرض. والنبيت: بطن من الانصار. وحرة بني بياضة: قرية على ميل من المدينة، والنقيع: بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة، فإذا نضب الماء أنبت الكلا. وبنو بياضة: بطن من الانصار، وقد تصحفت كلمة " النقيع " عند المنجد إلى " البقيع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَأَبُو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهَانِ البَلَوِيُّ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَسَعْدُ بنُ خَيْثَمَةَ الأَوْسِيُّ، أَحَدُ بَنِي غَنْمِ بنِ سَلْمٍ، وَسَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ الخَزْرَجِيُّ الحَارِثِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ الخَزْرَجِيُّ الحَارِثِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ (1) مُؤْتَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنُ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ السَّلِمِيُّ نَقِيْبُ بَنِي سَلِمَةَ، وَسَعْدُ بنُ عُبَادَةَ بنُ دُلَيْمٍ الخَزْرَجِيُّ السَّاعِدِيُّ رَئِيْسٌ، نَقِيْبٌ، وَالمُنْذِرُ بنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ النَّقِيْبُ، قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُوْنَةَ، وَالبَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ الخَزْرَجِيُّ السُّلَمِيُّ، وَعُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ الخَزْرَجِيُّ مِنَ القَوَاقِلَةِ (2) ، وَرَافِعُ بنُ مَالكٍ الخَزْرَجِيُّ الزُّرَقِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم (3) -. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَدَّهُ أَسَعْدَ بنَ زُرَارَةَ أَصَابَهُ وَجَعُ الذّبْحِ فِي حَلْقِهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لأُبْلِغَنَّ أَوْ لأُبْلِيَنَّ فِي أَبِي أُمَامَةَ عُذْراً) . فَكَوَاهُ بِيَدِهِ، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِيْتَةَ سَوْءٍ لِلْيَهُوْدِ، يَقولُوْنَ: هَلاَّ دَفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلاَ أَمْلِكُ لَهُ وَلاَ لِنَفْسِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) (4) .   (1) سقط من المطبوع من قوله: " أحد ... " إلى قوله: " قتل يوم ". (2) في القاموس: القوقل: اسم أبي بطن من الانصار، لأنه كان إذا أتاه إنسان يستجير به أو بيثرب، قال له: قوقل في هذا الجبل وقد أمنت. أي: ارتق، وهم القواقل. ونقل الزبيدي عن ابن هشام في سبب تسميتهم بذلك، أنهم كانوا إذا أجاروا أحدا أعطوه سهما وقالوا: قوقل به حيث شئت، أي: سر به حيث شئت. (3) أخرجه أبو داود (1069) في الصلاة: باب الجمعة بالقرى، والحاكم 1 / 281، والبيهقي 3 / 176، وسنده حسن، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث هنا وعند كل من الحاكم والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه. (4) إسناده صحيح. وأخرجه ابن ماجه (3492) في الطب: باب من اكتوى، وابن عبد البر 5 / 469. وأخرج أحمد 4 / 65 و5 / 378، وابن سعد 3 / 2 / 140، من طريق زهير، عن أبي الزبير، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن بعض أصحاب النبئ، صلى الله عليه وسلم، قال: كوى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسعد أو سعد بن زرارة مرتين في حلقه من الذبحة. وقال: " لا أدع في = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي السَّنَةِ الأُوْلَى منَ الهِجْرَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ مَاتَ فِيْهَا ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ مِنْ كُبَرَاءِ الجَاهِلِيَّةِ، وَمَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ: العَاصُ بنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ وَالِدُ عَمْرٍو، وَالوَلِيْدُ بنُ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ وَالِدُ خَالِدٍ، وَأَبُو أُحَيْحَةَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ الأُمَوِيُّ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، قَالَ: هُمُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيْباً، رَأْسُهُم أَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ (1) . وَعَنْ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَقَّبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسَعْدَ عَلَى النُّقَبَاءِ. وَعَنْ خُبَيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: خَرَجَ أَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ، وَذَكْوَانُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ إِلَى مَكَّةَ، إِلَى عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، فَسَمِعَا بِرَسُوْلِ اللهِ، فَأَتَيَاهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمَا القُرْآنَ، فَأَسْلَمَا، فَكَانَا أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ بِالإِسْلاَمِ (2) . وَعَنْ أُمِّ خَارِجَةَ: أَخْبَرَتْنِي النَّوَارُ أُمُّ زَيْدٍ بنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا رَأَتْ أَسَعْدَ بنَ زُرَارَةَ قَبلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، يُجَمِّعُ بِهِم فِي مَسْجِدٍ بَنَاهُ. قَالَتْ: فَأَنْظُرُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلّى الله عَلَيْهِ وَسلَّم - لَمَّا قَدِمَ صَلَّى فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ، وَبَنَاهُ، فَهُوَ مَسْجِدُهُ اليَوْمَ (3) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخَذَتْ أَسَعْدَ بنَ   = نفسي منه حرجاه "، وهو في الموطأ 2 / 944، عن يحيى بن سعيد، قال: بلغني أن سعد بن زرارة اكتوى في زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الذبحة فمات. (1) إسناده ضعيف، والواقدي متروك. (2) ابن سعد 3 / 2 / 139، وفي سنده الواقدي. (3) ابن سعد 3 / 2 / 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 زُرَارَةَ الذُّبْحَةُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (اكْتَوِ، فَإِنِّي لاَ أَلُوْمُ نَفْسِي عَلَيْكَ (1)) . زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، قَالَ: كَوَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسَعْدَ مَرَّتَيْنِ فِي حَلْقِهِ مِنَ الذُّبْحَةِ، وَقَالَ: (لاَ أَدَعُ فِي نَفْسِي مِنْهُ حَرَجاً (2)) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَوَاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَكْحَلِهِ مَرَّتَيْنِ. وَقِيْلَ: كَوَاهُ، فَحَجَّرَ بِهِ حَلْقَهُ، يَعْنِي: بِالكَيِّ (3) . وَقِيْلَ: أَوْصَى أَسَعْدُ بِبَنَاتِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنَّ ثَلاَثاً، فَكُنَّ فِي عِيَالِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُرْنَ مَعَهُ فِي بُيُوْتِ نِسَائِهِ، وَهُنَّ: فَرِيْعَةُ، وَكَبْشَةُ، وَحَبِيْبَةُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ فِيْهِ ذَهَبٌ وَلُؤلُؤٌ، فَحَلاَّهُنَّ مِنْهُ (4) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، قَالَ: جَاءتْ بَنُو النَّجَّارِ، فَقَالُوا: مَاتَ نَقِيْبُنَا أَسَعْدُ، فَنَقِّبْ عَلَيْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (أَنَا نَقِيْبُكُم (5)) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: الأَنْصَارُ يَقُوْلُوْنَ: أَوَّلُ مَدْفُوْنٍ فِي البَقِيْعِ أَسَعْدُ. وَالمُهَاجِرُوْنَ يَقُوْلُوْنَ: أَوَّلُ مَنْ دُفِنَ بِهِ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ.   (1) ابن سعد 3 / 2 / 140. (2) انظر الصفحة (301) التعليق رقم (4) . (3) ابن سعد 3 / 2 / 140. يقال: حجر عين البعير: إذا وسم حولها بميسم مستدير. (4) ابن سعد 3 / 2 / 140. (5) انظر التعليق (2) على الصفحة (300) (6) ابن سعد 3 / 2 / 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ أَسَعْدَ، وَأَخَذَتْهُ الشَّوْكَةُ، فَأَمَرَ بِهِ، فَطُوِّقِ عُنُقُهُ بِالكَيِّ طَوْقاً، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيْراً حَتَّى تُوُفِّيَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (1) . 59 - عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ * بنِ جَابِرِ بنِ وُهَيْبٍ أَبُو غَزْوَانَ المَازنِيُّ السَّيِّدُ، الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو غَزْوَانَ المَازنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. أَسْلَمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ فِي الإِسْلاَمِ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَكَانَ أَحَدَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَمِنْ أُمَرَاءِ الغَزَاةِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَطَ البَصْرَةَ وَأَنْشَأَهَا. حَدَّثَ عَنْهُ: خَالدُ بنُ عُمَيْرٍ العَدَوِيُّ، وَقَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ، وَهَارُوْنُ بنُ رِئَابٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَلَمْ يَلْقَاهُ، وَغُنَيْمُ بنُ قَيْسٍ المَازنِيُّ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 141، من طريق الواقدي، عن معمر بن راشد، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، بأطول مما هنا. وسنده تالف، لان الواقدي متروك. (*) المسند لأحمد 5 / 61 و4 / 174، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 69، طبقات خليفة: 10، 182، تاريخ خليفة: 61، 128، 129، التاريخ الكبير: 6 / 520 - 521، المعارف: 275، الجرح والتعديل: 6 / 373، مشاهير علماء الأمصار: ت: 217، حلية الأولياء: 1 / 171 - 172، الاستيعاب: 8 / 9 - 14، تاريخ بغداد: 1 / 155 - 157، أسد الغابة: 3 / 565، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 319، تهذيب الكمال: 905، دول الإسلام: 1 / 15، العبر: 1 / 17، 21، مجمع الزوائد: 9 / 307، العقد الثمين: 6 / 11 - 12، تهذيب التهذيب: 7 / 100، الإصابة: 6 / 379، خلاصة تذهيب الكمال: 258، كنز العمال: 13 / 570، شذرات الذهب: 1 / 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ وَلَدِ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، قَالاَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ عُتْبَةَ بنَ غَزْوَانَ عَلَى البَصْرَةِ، فَهُوَ الَّذِي مَصَّرَ البَصْرَةَ وَاخْتَطَّهَا، وَكَانَتْ قَبْلَهَا الأُبُلَّةُ، وَبَنَى المَسْجِدَ بِقَصَبٍ، وَلَمْ يَبْنِ بِهَا دَاراً (1) . وَقِيْلَ: كَانَتِ البَصْرَةُ قَبْلُ تُسَمَّى أَرْضَ الهِنْدِ، فَأَوَّلُ مَنْ نَزَلَهَا عُتْبَةُ، كَانَ فِي ثَمَانِ مَائَةٍ، وَسُمِّيَتِ البَصْرَةُ بِحِجَارَةٍ سُوْدٍ كَانَتْ هُنَاكَ، فَلَمَّا كَثُرُوا، بَنَوْا سَبْعَ دَسَاكِرَ مِنْ لَبِنٍ، اثْنَتَيْنِ مِنْهَا فِي الخُرَيْبَةِ، فَكَانَ أَهْلُهَا يَغْزُوْنَ جِبَالَ فَارِسٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ سَعْدٌ يَكْتُبُ إِلَى عُتْبَةَ وَهُوَ عَامِلُهُ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَى البَصْرَةِ المُغِيْرَةَ، فَشَكَا إِلَى عُمَرَ تَسَلُّطَ سَعْدٍ عَلَيْهِ، فَسَكَتَ عُمَرُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ عُتْبَةُ، وَأَكْثَرَ. قَالَ: وَمَا عَلَيْكَ يَا عُتْبَةُ أَنْ تُقِرَّ بِالأَمْرِ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: أَوْلَسْتُ مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (حَلِيْفُ القَوْمِ مِنْهُم (2)) ، وَلِي صُحْبَةٌ قَدِيْمَةٌ. قَالَ: لاَ   (1) ابن سعد 3 / 1 / 69، و" الاستيعاب " 8 / 11، و" أسد الغابة " 3 / 365. (2) أخرجه البخاري (6761) في الفرائض: باب مولى القوم من أنفسهم، من حديث أنس بلفظ " مولى القوم من أنفسهم ". وأخرجه أحمد 4 / 340، من حديث رفاعة بن رافع الزرقي. وأخرجه الدارمي 2 / 243 - 244 من طريق سعيد بن المغيرة، عن عيسى بن يونس، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده. والخبر بطوله عند ابن سعد 7 / 5 - 8، والمولى: يكون مولى عتاقة، أو مولى حلف ومناصرة، أو مولى إسلام بأن أسلم على يد واحد من قبيلة. كالبخاري مولى الجعفيين أسلم على يد أحدهم، فإن كان مولى عتاقة، فالمعتق يرث العتيق بالعصوبة إذا فقد عصبة النسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 نُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِكَ. قَالَ: أَمَا إِذْ صَارَ الأَمْرُ إِلَى هَذَا، فَوَاللهِ لاَ أَرْجِعُ إِلَى البَصْرَةِ أَبَداً. فَأَبَى عُمَرُ، وَرَدَّهُ، فَمَاتَ بِالطَّرِيْقِ، أَصَابَهُ البِطْنُ. وَقَدِمَ سُوَيْدٌ غُلاَمُهُ بِتَرِكَتِهِ عَلَى عُمَرَ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. تُوُفِّيَ بِطَرِيْقِ البَصْرَةِ وَافِداً إِلَى المَدِيْنَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَعَاشَ سَبْعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. لَهُ حَدِيْثٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) . أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ: عَنْ خَالِدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَشُوَيْسٍ (1) ، قَالاَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ، فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ، وَوَلَّتْ حِذَاءً (2) ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِنَّكُمْ فِي دَارٍ تَنْتَقِلُوْنَ عَنْهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُم ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (3) .   (1) هو شويس بن جياش العدوي البصري، أبو الرقاد. ذكره ابن حبان في الثقات. وروى عنه غير واحد. وقد تصحفت في المطبوع إلى " شويش ". (2) أي: مسرعة. وقد تصحفت في المطبوع إلى " حدا ". (3) أخرجه مسلم (2967) في الزهد: باب في بدايته، من طريق: حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. ووالله لتملان. أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة. وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مالنا طعام إلا ورق الشجر. حتى قرحت أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا. وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجربون الامراء بعدنا " = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 60 - عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ أَبُو مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ * السَّعِيْدُ الشَّهِيْدُ، أَبُو مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ، حَلِيْفُ قُرَيْشٍ، مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، البَدْرِيِّيْنَ، أَهْلِ الجَنَّةِ. اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَرِيَّةِ الغَمْرِ (1) ، فَلَمْ يَلْقَوْا كَيْداً. وَرُوِيَ عَنْ: أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُكَّاشَةُ ابْنُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ: وَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ بِبُزَاخَةَ، فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (2) .   وآذنت: أعلمت. بصرم: الصرم: الانقطاع والذهاب. حذاء: مسرعة، وصبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الاناء. يتصابها: في القاموس: تصاببت الماء: شربت صبابته. وقعر الشئ: أسفله. وكظيظ: ممتلئ. قرحت: أي صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذي يأكلون. وانظر " الاستيعاب " 8 / 12، " وأسد الغابة " 3 / 566 - 567. (*) طبقات ابن سعد: 13 / 1 / 64، طبقات خليفة: 35، تاريخ خليفة: 102، 103، التاريخ الكبير، 7 / 86، التاريخ الصغير: 1 / 34، المعارف: 273 - 274، الجرح والتعديل: 7 / 39، مشاهير علماء الأمصار: ت: 50، حلية الأولياء: 1 / 12، الاستيعاب: 8 / 112، أسد الغابة: 4 / 67، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 338، العبر: 1 / 13، مجمع الزوائد: 9 / 304، العقد الثمين: 6 / 116 - 117، الإصابة: 7 / 32، شذرات الذهب: 1 / 36. (1) كذا الأصل. وفي " معجم البلدان " 4 / 212: " الغمرة " وكذلك هي في السيرة 2 / 612. وقال ياقوت: وهو منهل من مناهل طريق مكة، ومنزل من منازلها. وهو فصل ما بين تهامة ونجد. وقال ابن الفقيه: غمرة من أعمال المدينة، على طريق نجد، أغزاها النبي، صلى الله عليه وسلم، عكاشة بن محصن، في أربعين رجلا فذهبوا إلى الغمر، فعلم القوم بمجيئه فهربوا، ونزل على مياههم وأرسل عيونه، فعرفوا مكان ما ماشيتهم فغزاها فوجد مئتي بعير، فساقها إلى المدينة. انظر كتب السير، وتواريخ الحوليات، ومعجم البلدان. (2) هو في الحاكم 3 / 228. وبزاخة: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الأسدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 كَذَا هَذَا القَوْلُ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّ مَقْتَلَهُ كَانَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ الأَسَدِيُّ الَّذِي ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَقَدْ أَبْلَى عُكَّاشَةُ يَوْم بَدْرٍ بَلاَءً حَسَناً، وَانْكَسَرَ سَيْفُهُ فِي يَدِهِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُرْجُوْناً مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عُوْداً، فَعَادَ بِإِذْنِ اللهِ فِي يَدِهِ سَيْفاً، فَقَاتَلَ بِهِ، وَشَهِدَ بِهِ المَشَاهِدَ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ قَدْ جَهَّزَهُ مَعَ ثَابِتِ بنِ أَقْرَمَ الأَنْصَارِيِّ العَجْلاَنِيِّ طَلِيعَةً لَهُ عَلَى فَرَسَيْنِ، فَظَفَرَ بِهِمَا طُلَيْحَةُ، فَقَتَلَهُمَا. وَكَانَ ثَابِتٌ بَدْرِيّاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئاً. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ الأَمِيْرَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، لَمَّا أُصِيْبَ دَفَعَ الرَّايَةَ إِلَى ثَابِتِ بنِ أَقْرَمَ، فَلَمْ يُطِقْ، فَدَفَعَهَا إِلَى خَالِدٍ، وَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِالحَرْبِ مِنِّي. 61 - ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسِ بنِ زُهَيْرِ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ مَالِكٍ الأَغَرِّ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ   (1) الخبر عند ابن هشام 1 / 637 بدون سند. وقال الحافظ ابن كثير في " السيرة " 2 / 447: وقد روى البيهقي، عن الحاكم، من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدثني عمر ابن عثمان الخشني، عن أبيه، عن عمته، قال عكاشة: " انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك " وهذا كما ترى إسناد تالف فيه الواقدي. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 206، طبقات خليفة: 94، تاريخ خليفة: 107، 108. 114، التاريخ الكبير: 2 / 167، التاريخ الصغير: 1 / 35، 38، الجرح والتعديل: 2 / 456، مشاهير علماء الأمصار: ت: 41، الاستبصار: 117، الاستيعاب: 2 / 72، أسد الغابة: 1 / 275، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 139 - 140، تهذيب الكمال: 175، تاريخ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. خَطِيْبُ الأَنْصَارِ، كَانَ مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً، شَهِدَ أُحُداً، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. وَأُمُّهُ: هِنْدٌ الطَّائِيَّةُ. وَقِيْلَ: بَلْ كَبْشَةُ بِنْتُ وَاقِدِ بنِ الإِطْنَابَةِ. وَإِخْوَتُهُ لأُمِّهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ. وَكَانَ زَوْجَ جَمِيْلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قِيْلَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمَّارٍ. وَقِيْلَ: بَلِ المُؤَاخَاةُ بَيْنَ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ. وَكَانَ جَهِيْرَ الصَّوْتِ، خَطِيْباً بَلِيْغاً. الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مَقْدَمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَقَالَ: نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَوْلاَدَنَا، فَمَا لَنَا؟ قَالَ: (الجَنَّةُ) . قَالُوا: رَضِيْنَا (1) . مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ: أَنَّ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، يَنْهَانَا اللهُ أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لاَ نَفْعَلُ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الحَمْدَ، وَيَنْهَانَا اللهُ عَنْ   = الإسلام: 1 / 371، العبر: 1 / 14، مجمع الزوائد: 9 / 321 - 323، تهذيب التهذيب: 2 / 12، الإصابة: 2 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 57. (1) أخرجه الحاكم 3 / 234 من طريق وهب بن بقية، عن خالد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس وصححه، ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ بن حجر 2 / 14 ونسبه إلى ابن السكن من طريق عدي، عن حميد، عن أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الخُيَلاَءِ، وَإِنِّي امْرُؤٌ أُحِبُّ الجَمَالَ، وَيَنْهَانَا اللهُ أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَأَنَا رَجُلٌ رَفِيْعُ الصَّوْتِ. فَقَالَ: (يَا ثَابِتُ! أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيْشَ حَمِيْداً، وَتُقْتَلَ شَهِيْداً، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ (1)) . أَيُّوْبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآيَة، [الحُجُرَاتُ: 2] قَالَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ: أَنَا كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِهِ، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، فَتَفَقَّدَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ مَا أَقْعَدَهُ. فَقَالَ: (بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اليَمَامَةِ انْهَزَمَ النَّاسُ، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُفٍّ لِهَؤُلاَءِ وَلِمَا يَعْبُدُوْنَ! وَأُفٍّ لِهَؤُلاَءِ وَلِمَا يَصْنَعُوْنَ! يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! خَلُّوا سنَنِي، لَعَلِّي أَصْلَى بِحَرِّهَا سَاعَةً. وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى ثُلْمَةٍ، فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ.   (1) إسناده قوي، لكنه مرسل كما قال الحافظ في الفتح 4 / 621، وأخرجه الحاكم 3 / 234 من طريق ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن ثابت بن قيس. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، ووافقه الذهبي. وفيه أن إسماعيل بن محمد لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما. وكذا أبوه محمد بن ثابت. وأخرجه مسلم (119) من طريق حماد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أنه قال: " لما نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... ) إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي، صلى الله عليه وسلم، سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو من أهل الجنة ". وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 321 - 322، وانظر ابن كثير 4 / 206 - 207، وأخرجه عبد الرزاق (20425) من طريق معمر، عن الزهري، عن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله ... (2) إسناده صحيح، لكنه مرسل. ونسبه الحافظ في " الفتح " 6 / 621 إلى ابن سعد. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 أَيُّوْبُ: عَنْ ثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ يَوْمَ اليَمَامَةِ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ، فَقُلْتُ: أَيْ عَمّ! أَلاَ تَرَى مَا لَقِيَ النَّاسُ؟ فَقَالَ: الآنَ يَا ابْنَ أَخِي. ابْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جِئْتُهُ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى؟ فَقَالَ: الآنَ يَا ابْنَ أَخِي. ثُمَّ أَقْبَلَ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوْهِنَا نُقَارِعُ القَوْمَ، بِئْسَ مَا عَوَّدْتُم أَقْرَانَكُم، مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ اليَمَامَةِ وَقَدْ تَحَنَّطَ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، فَكُفِّنَ فِيْهِمَا، وَقَدِ انْهَزَمَ القَوْمُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاَءِ، وَأَعْتَذِرُ مِنْ صَنِيْعِ هَؤُلاَءِ، بِئْسَ مَا عَوَّدْتُم أَقْرَانَكُم! خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم سَاعَةً. فَحَمَلَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَتْ دِرْعُهُ قَدْ سُرِقَتْ، فَرَآهُ رَجُلٌ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهَا فِي قِدْرٍ تَحْت إِكَافٍ،   = وأخرجه أحمد بنحوه 3 / 137 من طريق هاشم، عن سليمان، عن ثابت، عن أنس..، وأخرج بعضه مسلم (119) وقد تقدم بتمامه في الحديث السابق. وفي البخاري (3613) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، من طريق علي بن عبد الله، عن أزهر بن سعد عن ابن عون قال: أنبأني موسى بن أنس، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، افتقد ثابت بن قيس. فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته، منكسا رأسه. فقال: ما شأنك؟ فقال: شر. كان يرفع صوته فوق صوت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله، وهو من أهل الأرض، فأتى الرجل، فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة. فقال: " اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة ". (1) أخرجه البخاري (2845) في الجهاد، باب: التحنط عند القتال. ومع هذا أخرجه الحاكم 3 / 234، وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا. وَأَوْصَاهُ بِوَصَايَا، فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوا الدِّرْعَ كَمَا قَالَ، وَأَنْفَذُوا وَصَايَاهُ (1) . سُهَيْلٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ (2)) . وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ وَفْدَ تَمِيْمٍ قَدِمُوا، وَافْتَخَرَ خَطِيْبُهُم بِأُمُوْرٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِثَابِتِ بنِ قَيْسٍ: (قُمْ، فَأَجِبْ خَطِيْبَهُم) . فَقَامَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَبْلَغَ، وَسُرَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمُسْلِمُوْنَ بِمَقَامِهِ (3) . وَهُوَ الَّذِي أَتَتْ زَوْجَتُهُ جَمِيْلَةُ تَشْكُوْهُ، وَتَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ. قَالَ: (أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟) . قَالَتْ: نَعَمْ. فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ (4) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 234 - 235، وصححه ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 322، وقال: هو في الصحيح غير قصة الدرع. ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (2) أخرجه الترمذي (3797) في المناقب. وقال: حديث حسن. وهو كما قال. والحاكم 3 / 233 وصححه، ووافقه الذهبي. (3) انظر ابن هشام 2 / 562، والخطبتان المتبادلتان هناك. (4) أخرجه البخاري (5273) و (5274) و (5275) و (5276) و (5277) في الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق فيه، وابن ماجه (2056) في الطلاق: باب المختلعة تأخذ ما أعطاها، وعند كل منهما صرح بأن امرأة ثابت اسمها جميلة. والنسائي 6 / 169 من طريق البخاري في الرواية الأولى مع إغفال الاسم. وأخرجه مالك ص (348) برقم (31) في الطلاق: باب ما جاء في الخلع. وأبو داود (2227) في الطلاق: باب في الخلع، والنسائي 6 / 169 في الطلاق: باب ما جاء في الخلع، وابن ماجه (2057) في الطلاق، وعندهم جميعا حبيبة بنت سهل. وكذلك اسمها عند أحمد 4 / 3 من طرق أخرى وفي الجمع بين هذه الروايات، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن عبد البر: اختلف في امرأة ثابت ابن قيس. فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي، وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل. قلت (القائل ابن حجر) : والذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين، واختلاف السياقين. انظر الفتح 9 / 399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَقِيْلَ: وَلَدَتْ مُحَمَّداً بَعْدُ، فَجَعَلَتْهُ فِي لَفِيْفٍ، وَأَرْسَلَتْ بِهِ إِلَى ثَابِتٍ، فَأَتَى بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَنَّكَهُ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَاتَّخَذَ لَهُ مُرْضِعاً. قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ ثَابِتٌ عَلَى الأَنْصَارِ يَوْمَ اليَمَامَةِ، ثُمَّ رَوَى فِي تَرْجَمَتِهِ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَأَتَيْتُ ابْنَةَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ، فَذَكَرَتْ قِصَّةَ أَبِيْهَا، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم} ، جَلَسَ أَبِي يَبْكِي، ... فَذَكَرَتِ الحَدِيْثَ. وَفِيْهِ: فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ، رَآهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا قُتِلْتُ، انْتَزَعَ دِرْعِي رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَخَبَّأَهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ بُرْمَةً، وَجَعَلَ عَلَيْهَا رَحْلاً، فَائْتِ الأَمِيْرَ فَأَخْبِرْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُوْلَ: هَذَا حُلُمٌ، فَتُضِيْعَهُ، وَإِذَا أَتَيْتَ المَدِيْنَةَ، فَقُلْ لِخَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا، وَغُلاَمِي فُلاَنٌ عَتِيْقٌ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُوْلَ: هَذَا حُلُمٌ، فَتُضِيْعَهُ. فَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَنَفَّذَ وَصِيَّتَهُ، فَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً بَعْدَ (1) مَا مَاتَ أُنْفِذَتْ وَصِيَّتُهُ غَيْرَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. وَقَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ، بَنُو ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ يَوْم الحَرَّةِ. وَمِنَ الاتِّفَاقِ أَنَّ بَنِي ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ الخَطِيْمِ الأَوْسِيِّ الظَّفَرِيِّ، وَهُمْ: عُمَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَزِيْدُ، قُتِلُوا أَيْضاً يَوْمَ الحَرَّةِ. وَلَهُ أَيْضاً صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ فِي (السُّنَنِ) . وَأَبُوْهُ مِنْ فُحُوْلِ شُعَرَاءِ الأَوْسِ، مَاتَ قَبْلَ فُشُوِّ الإِسْلاَمِ بِالمَدِيْنَةِ. وَمِنْ   (1) سقطت من المطبوع. (2) أخرجه الحاكم 3 / 235 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 322 وقال: رواه الطبراني، وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله ثقات. والظاهر أن بنت ثابت صحابية لأنها قالت: سمعت أبي. والله أعلم. وذكره الحافظ في المطالب العالية (4118) ونسبه إلى أبي يعلى، وقال البوصيري: أصله في صحيح البخاري (3613) و (4846) ، ومسلم (119) ، والترمذي من حديث أنس. والبرمة: قدر من الحجارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ذُرِّيَتِهِ: عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدِيُّ بنُ أَبَانَ بنِ ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ الخَطِيْمِ بنِ عَمْرِو بنِ يَزِيْدَ بنِ سَوَادِ بنِ ظَفَرٍ الظَّفَرِيُّ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ. - شُهَدَاءُ أَجْنَادِيْنَ وَاليَرْمُوْكِ وَقْعَةُ أَجْنَادِيْنَ (1) كَانَتْ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ جِبْرِيْنَ، فِي جُمَادَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَاسْتُشْهِدَ: نُعَيْمُ بنُ النَّحَّامِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. وَأَبَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأُمَوِيُّ، وَقِيْلَ: قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَانَ لَمَّا نَفَّذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُوْلاً إِلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ. وَهِشَامُ بنُ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، أَخُو عَمْرٍو، يُكْنَى: أَبَا مُطِيْعٍ، اللَّذَانِ قَالَ فِيْهِمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ (2)) ، وَقِيْلَ: قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ،   (1) كانت هذه الموقعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، قبل وفاة أبي بكر، رضي الله عنه، بنحو شهر. وقد من الله على المسلمين بالظفر، والغلب والنصر، فهزموا الروم شر هزيمة. وانتهى خبر هذه المعركة إلى هرقل فنخب قلبه وملئ رعبا، فهرب من حمص إلى أنطاكية. وفيها يقول زياد بن حنظلة: ونحن تركنا أرطبون مطردا * إلى المسجد الاقصى وفيه حسور عشية أجنادين لما تتابعوا * وقامت عليه، بالعراء نسور تولت جموع الروم تتبع إثره * تكاد من الذعر الشديد تطير وغودر صرعى في المكر كثيرة * وعاد إليه الفل وهو حسير (2) أخرجه أحمد 2 / 304، 327، 353، 354، وابن سعد 4 / 191 وأخرجه الحاكم 3 / 452 من طرق، عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 352 ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " و" الأوسط ". وأحمد، ثم قال: ورجال الكبير وأحمد رجال الصحيح، غير محمد بن عمرو وهو حسن الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَكَانَ أَسْلَمَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، يَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ، فَرُزِقَهَا. وَضِرَارُ بنُ الأَزْوَرِ الأَسَدِيُّ، أَحَدُ الأَبْطَالِ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَحَدِيْثٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ عَلَى مَيْسرَةِ خَالِدٍ يَوْمَ بُصْرَى، وَلَهُ مَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ، وَقِيْلَ: مَاتَ بِالجَزِيْرَةِ بَعْدُ. وَطُلَيْبُ بنُ عُمَيْرِ بنِ وَهْبِ بنِ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ العَبْدَرِيُّ، أَخُو مُصْعَبٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْوَى، بَدْرِيٌّ، مِنَ السَّابِقِيْنَ، هَاجَرَ أَيْضاً إِلَى الحَبَشَةِ الهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: قِيْلَ: كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَشْتُمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ طُلَيْبٌ لَحْيَ جَمَلٍ، فَشَجَّهُ بِهِ. قَالَ غَيْرُ الزُّبَيْرِ: فَأَوْثَقُوْهُ، فَخَلَّصَهُ أَبُو لَهَبٍ خَالُهُ. وعَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ، ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرَزَ بِطْرِيْقٌ، فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ مُنَازَلَةٍ طَوِيْلَةٍ عَلَى عَاتِقِهِ، فَأَثْبَتَهُ، وَقَطَعَ الدِّرْعَ، وَأَشْرَعَ فِي مَنْكِبِهِ، وَلَمَّا الْتَحَمَ الحَرْبُ، وُجِدَ مَقْتُوْلاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَيُقَالُ: ثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَهَبَّارُ بنُ الأَسْوَدِ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةُ، وَسُلَيْمَانُ بن يَسَارٍ، وَاسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِيْنَ، مِنَ الطُّلَقَاءِ. وَهَبَّارُ بنُ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيُّ، مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ، وَقِيْلَ: يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَخَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأُمَوِيُّ، مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ، كَبِيْرُ القَدْرِ، يُقَالُ: أُصِيْبَ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَسَلَمَةُ بنُ هِشَامٍ، هُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، مِنَ السَّابِقِيْنَ، هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَحَبَسَهُ أَخُوْهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو لَهُ وَلِعَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ فِي القُنُوْتِ، ثُمَّ هَرَبَ مُهَاجِراً بَعْدَ الخَنْدَقِ. وَعِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَعَيَّاشُ بنُ أَبِي رَبِيْعَةَ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَيَّاشٍ المَخْزُوْمِيُّ، المَدْعُو لَهُ فِي القُنُوْتِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ أَخَا أَبِي جَهْلٍ لأُمِّهِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ، أَخُو الزُّبَيْرِ، حَضَرَ بَدْراً عَلَى الشِّرْكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَجَاهَدَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَعَامِرُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بنِ أُهَيْبٍ، أَخُو سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، وَمِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ، قَدِمَ دِمَشْقَ، وَهُمْ مُحَاصِرُوْهَا بِوِلاَيَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ، اسْتُشْهِدَ بِاليَرْمُوْكِ، وَقِيْلَ (1) : بِأَجْنَادِيْنَ. وَنَضِيْرُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ كَلَدَةَ العَبْدَرِيُّ، مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، كَانَ أَحَدَ الحُلَمَاءِ (2) ، وَهُوَ مِمَّنْ تَأَلَّفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَائَةِ بَعِيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. 62 - طُلَيْحَةُ بنُ خُوَيْلِدِ بنِ نَوْفَلٍ الأَسَدِيُّ *   (1) تحرفت في المطبوع إلى " قتل ". (2) تصفحت في المطبوع إلى " الحكماء ". (*) تاريخ خليفة: 102، 103، 104، الاستيعاب: 3 / 254، ابن عساكر: 11 / 375 / 2، أسد الغابة: 3 / 95، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 254 - 255، دول الإسلام: 1 / 17، تاريخ الإسلام: 2 / 41، العبر: 1 / 26، الإصابة: 5 / 243، شذرات الذهب: 1 / 32، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 93 - 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 البَطَلُ الكَرَّارُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ. أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ، وَتَنَبَّأَ بِنَجْدٍ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوْبٌ مَعَ المُسْلِمِيْنَ، ثُمَّ انْهَزَمَ، وَخُذِلَ، وَلَحِقَ بِآلِ جَفْنَةَ الغَسَّانِيِّيْنَ بِالشَّامِ، ثُمَّ ارْعَوَى، وَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ لَمَّا تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ، وَأَحْرَمَ بِالحَجِّ. فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ، قَالَ: يَا طُلَيْحَةُ! لاَ أُحِبُّكَ بَعْد قَتْلِكَ عُكَّاشَةَ بنَ مِحْصَنٍ، وَثَابِتَ بنَ أَقْرَمَ. وَكَانَا طَلِيْعَةً لِخَالِدٍ (1) يَوْم بُزَاخَةَ، فَقَتَلَهُمَا طُلَيْحَةُ وَأَخُوْهُ، ثُمَّ شَهِدَ القَادِسِيَّةَ وَنَهَاوَنْدَ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنْ شَاوِرْ طُلَيْحَةَ فِي أَمْرِ الحَرْبِ، وَلاَ تُوَلِّهِ شَيْئاً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ طُلَيْحَةُ يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ لِشَجَاعَتِهِ وَشِدَّتِهِ. قُلْتُ: أَبْلَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ (2) ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَسَامَحَهُ -.   (1) سقطت لفظة " لخالد " من المطبوع ووضع مكانها " في ". (2) نهاوند: بفتح النون الأولى، وتكسر، وفتح الواو، ونون ساكنة ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام. جمع الفرس جموعهم فيها، وقيل: بلغت هذه الجموع مئة وخمسين ألفا، وقدم عليهم الفيروزان. وبلغ ذلك المسلمين فأنفذ عمر عليهم الجيوش وعليها النعمان بن مقرن، فواقعهم فكان أول قتيل، فأخذ حذيفة بن اليمان الراية، وتم الفتح والنصر للمسلمين. وكان ذلك سنة (19) للهجرة وقيل سنة (21) . وقد ذكر الطبري هذه المعركة في هذه السنة، انظر تاريخه 4 / 114 وما بعدها. وكذلك ذكرها ابن الأثير في كامله 3 / 5 وما بعدها. وفيها يقول القعقاع بن عمرو المخزومي: رمى الله من ذم العشيرة سادرا * بداهية تبيض منها المقادم فدع عنك لومي لا تلمني فإنني * أحوط حريمي، والعدو الموائم فنحن وردنا في نهاوند موردا * صدرنا به، والجمع حران واجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 63 - سَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي زُهَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ مَالِكِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ مَالِكِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، الحَارِثِيُّ (1) ، البَدْرِيُّ، النَّقِيْبُ، الشَّهِيْدُ، الَّذِي آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) بنِ عَوْفٍ، فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ شَطْرَ مَالِهِ، وَيُطَلِّقَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ لِيَتَزَوَّجَ بِهَا، فَامْتَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ ذَلِكَ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ؟) . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَخَرَجَ يَطُوْفُ فِي القَتْلَى، حَتَّى وَجَدَ سَعْداً جَرِيْحاً مُثْبتاً (3) بِآخِرِ رَمَقٍ. فَقَالَ: يَا سَعْدُ! إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ قَالَ: فَإِنِّي فِي الأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّلاَمَ، وَقُلْ: إِنَّ سَعْداً يَقُوْلُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِّي خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ مِنِّي السَّلاَمَ،   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 77، تاريخ خليفة: 71، الجرح والتعديل: 4 / 82 - 83، الاستبصار: 114، الاستيعاب: 4 / 145، أسد الغابة: 2 / 348، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 210، 211، العبر: 1 / 360، مجمع الزوائد: 9 / 310، الإصابة: 4 / 144، كنز العمال: 13 / 420. (1) سقطت لفظة " الحارثي " من المطبوع. (2) انظر سيرة ابن هشام: 1 / 505 (3) أي: أثبته جرحه فلم يتحرك. وقد تصحفت عند المنجد إلى " مبهتا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَقُلْ لَهُم: إِنَّ سَعْداً يَقُوْلُ لَكُم: إِنَّهُ لاَ عُذْرَ لَكُم عِنْدَ اللهِ إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُم وَمِنْكُم عَيْنٌ تَطْرُفُ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَاتَانِ بِنْتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوْهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيْداً، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً، وَلاَ تُنْكَحَانِ إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: (يَقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ) . فَأُنْزِلَتْ آيَةُ المَوَارِيْثِ، فَبَعَثَ إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ: (أَعْطِ بِنْتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ (2)) . عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَطْلُبُ سَعْدَ بنَ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ لِي: (إِنْ رَأَيْتَهُ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ رَسُوْلُ اللهِ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟) . فَطُفْتُ بَيْنَ القَتْلَى، فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، وَبِهِ سَبْعُوْنَ ضَرْبَةً، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: عَلَى رَسُوْلِ اللهِ السَّلاَمُ وَعَلَيْكَ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَجِدُ رِيْحَ الجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِي الأَنْصَارِ: لاَ عُذْرَ لَكُم عِنْدَ اللهِ إِنْ خُلِصَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيْكُم شَفْرٌ (3) يَطْرُفُ. قَالَ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ -   (1) الخبر عند ابن هشام 2 / 94 - 95، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 145، وفي " أسد الغابة " 2 / 348، وفي " الإصابة " 4 / 144. (2) أخرجه أحمد 3 / 352 من طريق زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمر الرومي، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن جابر ... وابن سعد 3 / 2 / 78، وأبو داود (2891) في الفرائض: باب ما جاء ما ميراث الصلب، والترمذي (2093) في الفرائض: باب ما جاء في ميراث البنات، وابن ماجه (2720) في الفرائض: باب فرائض الصلب من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، به. وقال الترمذي: حديث صحيح. ونقل المنذري تحسينه له، وهو الاصلح لان عبد الله بن محمد بن عقيل لا يرقى حديثه إلى الصحة. (3) شفر العين: ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَخْرَجَهُ: البَيْهَقِيُّ، ثُمَّ سَاقَهُ بِنَحْوِهِ مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ نَحْوَ مَا مَرَّ (1) . وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ يَأْتِيْنَا بِخَبَرِ سَعْدٍ؟) . فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَذَهَبَ يَطُوْفُ بَيْنَ القَتْلَى، فَوَجَدَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لآتِيَهُ بِخَبَرِكَ. قَالَ: فَاذْهَبْ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّنِي قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً، وَقَدْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلِي (2) . 64 - مَعْنُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجدِّ بنِ العَجْلاَنِ الأَنْصَارِيُّ * العَجْلاَنِيُّ، العَقَبِيُّ، البَدْرِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي مَالِكِ بنِ عَوْفٍ، مِنْ سَادَةِ الأَنْصَارِ، كَانَ يَكْتُبُ العَرَبِيَّةَ قَبْلَ الإِسْلاَمِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَهُ عَقِبٌ اليَوْمَ. وَرَوَى: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَعْنَ بنَ عَدِيٍّ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا يُرِيْدَانِ سَقِيْفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ،   (1) هو في " دلائل النبوة " الورقة 160 / ب. (2) وتمامه: " وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي ". أخرجه مالك 2 / 21 في الجهاد: باب الترغيب في الجهاد، عن يحيى بن سعيد. ومن طريق مالك أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 77، وهو في " الاستيعاب " 4 / 145، 146، وقال ابن عبد البر: هكذا ذكر مالك هذا الخبر، ولم يسم الرجل الذي ذهب ليأتي بخبر سعد بن الربيع، وهو أبي بن كعب ... (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 35، طبقات خليفة: 87، تاريخ خليفة: 114، التاريخ الصغير: 1 / 34، الجرح والتعديل: 8 / 276، مشاهير علماء الأمصار: ت: 131، الاستيعاب: 10 / 177، أسد الغابة: 5 / 238، العبر: 1 / 53، الإصابة: 9 / 264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فَقَالاَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: لاَ عَلَيْكُم أَنْ لاَ تَقْرَبُوْهُم، وَاقْضُوا أَمْرَكُم. قَالَ عُرْوَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: لَيْتَنَا مِتْنَا قَبْلَهُ، نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ. فَقَالَ مَعْنٌ: لَكِنِّي -وَاللهِ- مَا أُحِبُّ أَنِّي مُتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيْتاً، كَمَا صَدَّقْتُهُ حَيّاً (1) . قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: مَعْنُ بنُ عَدِيِّ بنِ العَجْلاَنِ البَلَوِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، عَقَبِيٌّ، بَدْرِيٌّ، مَشْهُوْرٌ. قُلْتُ: هُوَ أَخُو عَاصِمِ بنِ عَدِيِّ بنِ الجدِّ بنِ العَجْلاَنِ البَلَوِيِّ، حَلِيْفِ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، وَكَانَ عَاصِمٌ سَيِّدَ بَنِي العَجْلاَنِ، وَهُوَ وَالِدُ أَبِي البَدَّاحِ بنِ عَاصِمٍ. شَهِدَ عَاصِمٌ بَدْراً أَيْضاً، وَحَدِيْثُهُ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) . وَكَانَ مَعْنٌ مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. 65 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ الحَارِثِ بنِ عُبَيْدِ بنِ مَالِكِ بنِ سَالِمِ - وَسَالِمٌ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الحُبْلَى، لِعِظَمِ بَطْنِهِ - بنِ غَنْمِ بنِ عَوْفِ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَعْرُوْفُ وَالِدُهُ بِابْنِ سَلُوْلٍ، المُنَافِقُ المَشْهُوْرُ. وَسَلُوْلٌ الخُزَاعِيَّةُ: هِيَ وَالِدَةُ أُبَيٍّ   (1) أخرجه البخاري (6830) في الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت. مطولا. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 35 وقوله: " قال عروة: بلغنا " مرسل. وقد قال الحافظ في " الإصابة " 9 / 264: وهذا هو المحفوظ، عن الزهري، عن عروة مرسلا. وقد وصله سعيد بن هاشم المخزومي، عن مالك، عن الزهري فقال: عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أخرجه ابن أبي خيثمة عنه. وسعيد ضعيف. والمحفوظ هو مرسل عروة. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 89 - 90، تاريخ خليفة: 114، التاريخ الصغير: 1 / 35، الجرح والتعديل: 5 / 89 - 90، مشاهير علماء الأمصار: ت: 103، الاستيعاب: 6 / 273، أسد الغابة: 3 / 296، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 276، مجمع الزوائد: 9 / 317 - 318، الإصابة: 6 / 142 - 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 المَذْكُوْرِ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَأَخْيَارِهِم، وَكَانَ اسْمُهُ الحُبَابُ، وَبِهِ كَانَ أَبُوْهُ يُكْنَى، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَمَّاهُ: عَبْدَ اللهِ. شَهِدَ بَدْراً وَمَا بَعْدَهَا. وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: أَنَّ أَنْفَهُ أُصِيْبَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفاً مِنْ ذَهَبٍ (1) . وَالأَشْبَهُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: نَدَرَتْ ثَنِيَّتِي، فَأَمَرنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتَّخِذَ ثَنِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ (2) . اسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللهِ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَقَدْ مَاتَ أَبُوْهُ سَنَةَ تِسْعٍ، فَأَلْبَسَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيْصَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ إِكْرَاماً لِوَلَدِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً، وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (3) } الآيَة، [التَّوْبَةُ: 89] .   (1) هذا وهم من ابن مندة، كما قال ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 296، والحافظ في " الإصابة " 6 / 143. والصحيح أن الذي أمره، صلى الله عليه وسلم، بأن يتخذ أنفا من ذهب هو عرفجة التيمي، السعدي، وكان من الفرسان في الجاهلية، وشهد الكلاب، فأصيب أنفه، ثم أسلم فأذن له النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يتخذ أنفا من ذهب. أخرج حديثه أبو داود (4232) في الخاتم: باب في ربط الأسنان بالذهب، والترمذي (1770) في اللباس: باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب، والنسائي 8 / 163 في الزينة: باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب، وأحمد 5 / 23، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1466) . (2) قال الزيلعي في نصب الراية 4 / 237: رواه ابن قانع في " معجم الصحابة ": حدثنا محمد ابن الفضل بن جابر، حدثنا إسماعيل بن زرارة، حدثنا عاصم بن عمارة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال: " اندقت ثنيتي يوم أحد، فأمرني النبي، صلى الله عليه وسلم، أن أتخذ ثنية من ذهب " وانظر " الإصابة " 6 / 143، و" أسد الغابة " 3 / 296 وندرت: أي سقطت. وقد تصحفت في المطبوع إلى " بدرت ". (3) أخرجه البخاري (1269) في الجنائز: باب الكفن في القميص، و (4670) و (4672) و (5796) ، ومسلم (2400) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر، و (2774) في صفات المنافقين. والنسائي 4 / 36 في الجنائز: باب القميص في الكفن. والترمذي (3097) في التفسير: باب ومن سورة التوبة، وابن ماجه (1523) في الجنائز: باب الصلاة على أهل القبلة والذي في مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، قال: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَقَدْ كَانَ رَئِيْساً مُطَاعاً، عَزَمَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوْهُ عَلَيْهِم، فَانْحَلَّ أَمْرُهُ، وَلاَ حَصَّلَ دُنْيَا وَلاَ آخِرَةً - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. 66 - عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ عَمْرِو بنِ هِشَامٍ المَخْزُوْمِيُّ * (ت) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ. الشَّرِيْفُ، الرَّئِيْسُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عُثْمَانَ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ. لَمَّا قُتِلَ أَبُوْهُ، تَحَوَّلَتْ رِئَاسَةُ بَنِي مَخْزُوْمٍ إِلَى عِكْرِمَةَ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ بِالمَرَّةِ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَانَ عِكْرِمَةُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي اليَمِيْنِ قَالَ: لاَ وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ. وَلَمَّا دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَرَبَ مِنْهَا عِكْرِمَةُ، وَصَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ،   = " لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأله أن بعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه. فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه. فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليصلي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إنما خيرني الله فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة [التوبة: 80] وسأزيد على السبعين " قال: إنه منافق. فصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عزوجل: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره) [التوبة: 84] . (*) طبقات ابن سعد: 5 / 329، نسب قريش: 310 - 311، طبقات خليفة: 20 / 299، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الكبير: 7 / 48، التاريخ الصغير: 1 / 35، 39، 49، المعارف: 334، الجرح والتعديل: 7 / 6 - 7، مشاهير علماء الأمصار: ت: 174، الاستيعاب: 8 / 116، ابن عساكر: 11 / 375 / 2، أسد الغابة: 4 / 70، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 338 - 340، تهذيب الكمال: 950، العبر 1 / 18، العقد الثمين: 6 / 119 - 123، تهذيب التهذيب: 7 / 257، الإصابة: 7 / 36، خلاصة تذهيب الكمال: 270، كنز العمال: 13 / 540، شذرات الذهب: 1 / 27 - 28. (1) سقطت هذه اللفظة " بالمرة " من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 فَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤَمِّنُهُمَا، وَصَفَحَ عَنْهُمَا، فَأَقْبَلاَ إِلَيْهِ. اسْتَوْعَبَ أَخْبَارَهُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (مَرْحَباً بِالرَّاكِبِ المُهَاجِرِ) . قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَاللهِ لاَ أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ، إِلاَّ أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ (2) . وَلَمْ يُعْقِبْ عِكْرِمَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ مَحْمُوْدَ البَلاَءِ فِي الإِسْلاَمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: نَزَلَ عِكْرِمَةُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيْداً، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، فَوَجَدُوا بِهِ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ مِنْ طَعْنَةٍ، وَرَمْيَةٍ، وَضَرْبَةٍ. وَقَالَ عُرْوَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ: قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ. 67 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمَةَ بنِ سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ   (1) في تاريخه 11 / 375 / ب. (2) أخرجه الترمذي (3736) في الاستئذان، باب: ما جاء في مرحبا وقال: ليس إسناده بصحيح. وموسى بن مسعود ضعيف. والحاكم 3 / 242 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: لكنه منقطع. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 105، تاريخ خليفة: 73، الجرح والتعديل: 5 / 116، الاستبصار: 150 - 151، الحلية: 2 / 4، الاستيعاب: 6 / 329، أسد الغابة: 3 / 346، مجمع الزوائد: 9 / 317، الإصابة: 6 / 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أَسَدِ بنِ سَارِدَةَ بنِ تَزِيْدَ (1) بنِ جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ، السُّلَمِيُّ، أَبُو جَابِرٍ. أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، شَهِدَ بَدْراً، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ. شُعْبَةُ: عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، جَعَلْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَبْكِي، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَوْنِي، وَهُوَ لاَ يَنْهَانِي، وَجَعَلَتْ عَمَّتِي تَبْكِيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَبْكِيْهِ أَوْ لاَ تَبْكِيْهِ (2) ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظَلِّلُهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوْهُ (3)) . شَرِيْكٌ: عَنِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ العَنَزِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُصِيْبَ أَبِي وَخَالِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءتْ أُمِّي بِهِمَا قَدْ عَرَضَتْهُمَا عَلَى نَاقَةٍ، فَأَقْبَلَتْ بِهِمَا إِلَى المَدِيْنَةِ. فَنَادَى مُنَادٍ: ادْفِنُوا القَتْلَى فِي مَصَارِعِهِم، فَرُدَّا حَتَّى دُفِنَا فِي مَصَارِعِهِمَا (4) .   (1) تزيد: بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق كما ضبطها ابن حزم في " جمهرة أنساب العرب " ص: 356 وقد تصحفت في المطبوع إلى " يزيد ". (2) هذه رواية مسلم. وللبخاري: " تبكين أو لا تبكين " وله أيضا: " تبكي أو لا تبكي " وله ثالثة: " لا تبكه ". (3) أخرجه أحمد 3 / 298، والبخاري (1244) في الجنائز: باب الدخول على الميت بعد الموت، و (4080) في المغازي: باب من قتل من المسلمين يوم أحد، ومسلم (2471) (130) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والنسائي 4 / 13 في الجنائز: باب: في البكاء على الميت وأخرجه أحمد 3 / 307، والبخاري (1293) و (2816) في الجهاد باب: ظل الملائكة على الشهيد، ومسلم (2471) ، والنسائي 4 / 11 - 12 كلهم من طريق: سفيان، عن محمد ابن المنكدر، به ... (4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 105، وأخرجه أحمد 3 / 308، وأبو داود (3165) في الجنائز: باب: في الميت يحمل من أرض إلى أرض، والنسائي 4 / 79 في الجنائز: باب أين يدفن الشهيد، وابن ماجه (1516) في الجنائز: باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم. كلهم من طريق سفيان، عن الأسود بن قيس به، وسند قوي. وأخرجه الترمذي (1717) في الجهاد من طريق شعبة، عن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 قَالَ مَالِكٌ: كُفِّنَ هُوَ وَعَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ لِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، قَالَ: (زَمِّلُوْهُم بِجِرَاحِهِم، فَأَنَا شَهِيْدٌ عَلَيْهِم) . وَكَفَّنَ أَبِي فِي نَمِرَةٍ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ أَوَّلَ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ أَحْمَرَ، أَصْلَعَ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ الجَمُوْحِ طَوِيْلاً، فَدُفِنَا مَعاً عِنْدَ السَّيْلِ، فَحَفَرَ السَّيْلُ عَنْهُمَا، وَعَلَيْهِمَا نَمِرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَ عَبْدَ اللهِ جُرْحٌ فِي وَجْهِهِ، فَيَدُهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَأُمِيْطَتْ يَدُهُ، فَانْبَعَثَ الدَّمُ، فَرُدَّتْ، فَسَكَنَ الدَّمُ. قَالَ جَابِرٌ: فَرَأَيْتُ أَبِي فِي حُفْرَتِهِ كَأَنَّهُ نَائِمٌ، وَمَا تَغَيَّرَ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ سِتٌّ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، فُحُوِّلاَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَأُخْرِجُوا رِطَاباً يَتَثَنُّوْنَ (2) . أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صُرِخَ بِنَا إِلَى قَتْلاَنَا، حِيْنَ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ العَيْنَ، فَأَخْرَجْنَاهُم لَيِّنَةً أَجْسَادُهُم، تَتَثَنَّى أَطْرَافُهُم (3) . ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دُفِنَ رَجُلٌ مَعَ أَبِي، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي، حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، وَدَفَنْتُهُ وَحْدَهُ (4) .   = الأسود، به، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد مطولا 3 / 397 -، 398 من طريق: أبي عوانة، عن الأسود، به، والدارمي 1 / 22 في المقدمة. وفيه معظم الآثار القادمة. (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 105، وإسناده صحيح. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106، وانظر الصفحة (255) التعليق رقم (2) . (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106، وهو في البخاري برقم (1352) في الجنائز: باب هل يخرج الميت من القبر واللحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو مَسْلَمَةَ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ أَبِي: أَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ فِي أَوَّلِ مَنْ يُصَابُ غَداً، فَأُوْصِيْكَ بِبَنَاتِي خَيْراً. فَأُصِيْبَ، فَدَفَنْتُهُ مَعَ آخَرَ، فَلَمْ تَدَعْنِي نَفْسِي حَتَّى اسْتَخْرَجْتُهُ، وَدَفَنْتُهُ وَحْدَهُ بَعْد سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا الأَرْضُ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ بَعْضَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ (1) . الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ، أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْناً، وَلَيْسَ عِنْدَنَا إِلاَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَخْلِهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِئَلاَّ يُفْحِشَ عَلَيَّ الغُرَمَاءُ. قَالَ: فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، وَدَعَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُم، وَبَقِيَ مِثْلُ الَّذِي أَعْطَاهُم (2) . وَفِي الصَّحِيْحِ أَحَادِيْثُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بنُ خِرَاشٍ، سَمِعَ جَابِراً يَقُوْلُ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلاَ أُخْبِرُكَ أَنَّ اللهَ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحاً، فَقَالَ: يَا عَبْدِي! سَلْنِي أُعْطِكْ. قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلَ فِيْكَ ثَانِياً. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُم إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُوْنَ. قَالَ: يَا رَبِّ! فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتاً، بَلْ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106 وقد تحرفت في المطبوع " أبو مسلمة " إلى " أبي سلمة "، وأخرجه الحاكم 3 / 203 وصححه، ووافقه الذهبي، وأخرجه البخاري (1351) من طريق مسدد عن بشر بن المفضل، عن حسين المعلم، عن عطاء، عن جابر. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 107 وأحمد 3 / 365، والبخاري (3580) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، والنسائي 6 / 245 في الوصايا باب: قضاء الدين قبل الميراث. وأخرجه البخاري من طرق عن جابر، في الوصايا (2395) باب: إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز، و (2601) في الهبة: باب إذا وهب دينا على رجل، و (2709) في الصلح: باب الصلح بين الغرماء، وأصحاب الميراث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُوْنَ} [آلُ عِمْرَانَ (1) : 169] ) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: (وَاللهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي غُوْدِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ فَحْصِ الجَبَلِ) . يَقُوْلُ: قُتِلْتُ مَعَهُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) . 68 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ * (ق) ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ الأُمَوِيُّ.   (1) أخرجه الترمذي (3013) في التفسير: باب ومن سورة آل عمران، وابن ماجه (190) في المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية، و (2800) في الجهاد: باب فضل الشهادة في سبيل الله. وحسنه الترمذي وهو كما قال. ونسبه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 6 / 334 إلى بقي بن مخلد من طريق دحيم، عن موسى بن إبراهيم، به. وصححه الحاكم 3 / 204 ووافقه الذهبي. وحديث عائشة أخرجه الحاكم 3 / 203 من طريق فيض بن وثيق عن أبي عمارة الأنصاري، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة وصححه. وتعقبه الذهبي بقوله: فيض كذاب، كذا قال، أما في " ميزان الاعتدال " فقد قال بعد أن نقل قول ابن معين فيه " كذاب خبيث ": روى عنه أبو زرعة، وأبو حاتم، وهو مقارب الحديث إن شاء الله. (2) سبق تخريجه في الصفحة (184) التعليق رقم (2) . وقد سقط من المطبوع " مع أصحاب ". وفحص الجبل: سفحه وما انبسط منه، وانظر تاريخ ابن عساكر 18 / 154 / آ. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 127، نسب قريش: 125 - 126، طبقات خليفة: 10، تاريخ خليفة: 119، 138، التاريخ الكبير: 8 / 317، التاريخ الصغير: 1 / 41، 44، 45، 52، المعارف: 345، الاستيعاب: 11 / 69، ابن عساكر: 18 / 154 / 1، أسد الغابة: 5 / 491، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 162، تهذيب الكمال: 1533، دول الإسلام، 1 / 16، العبر: 1 / 15، 22، 23، مجمع الزوائد: 9 / 412، العقد الثمين: 7 / 462، 463، تهذيب التهذيب: 11 / 332، الإصابة: 10 / 348، خلاصة تذهيب الكمال: 432، شذرات الذهب: 1 / 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 أَخُو مُعَاوِيَةَ مِنْ أَبِيْهِ. وَيُقَالُ لَهُ: يَزِيْدُ الخَيْرُ. وَأُمُّهُ: هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ نَوْفَلٍ الكِنَانِيَّةُ، وَهُوَ أَخُو أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أُمِّ حَبِيْبَةَ. كَانَ مِنَ العُقَلاَءِ الأَلِبَّاءِ، وَالشُّجْعَانِ المَذْكُوْرِيْنَ، أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَشَهِدَ حُنَيْناً. فَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ: مَائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً فِضَّةً. وَهُوَ أَحَدُ الأُمَرَاءِ الأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ نَدَبَهُم أَبُو بَكْرٍ لِغَزْوِ الرُّوْمِ، عَقَدَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمَشَى مَعَهُ تَحْتَ رِكَابِهِ يُسَايِرُهُ، وَيُوَدِّعُهُ، وَيُوْصِيْهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِشَرَفِهِ، وَكَمَالِ دِيْنِهِ، وَلَمَّا فُتِحَتْ دِمَشْقُ أَمَّرَهُ عُمَرُ عَلَيْهَا (1) . لَهُ حَدِيْثٌ فِي الوُضُوْءِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه (2) ، وَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ) . وَعَلَى يَدِهِ كَانَ فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ (3) الَّتِي بِالشَّامِ. رَوَى عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَةِ، قَالَ: غَزَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّاسِ، فَوْقَعَتْ جَارِيَةٌ نَفِيْسَةٌ فِي سَهْمِ رَجُلٍ، فَاغْتَصَبَهَا يَزِيْدُ. فَأَتَاهُ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ. فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ: لَئِنْ   (1) انظر ابن سعد 7 / 2 / 127، و" أسد الغابة " 5 / 491، و" الاستيعاب " 11 / 70. (2) أخرجه ابن ماجه (455) في الطهارة: باب غسل العراقيب، من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا شيبة بن الاحنف، عن أبي سلام الأسود، عن أبي صالح الأشعري، حدثني أبو عبد الله الأشعري، عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " أتموا الوضوء، ويل للاعقاب من النار ". وقال البوصيري: إسناده حسن ما علمت في رجاله ضعفا. وهو كما قال. (3) قيسارية: بالفتح ثم سكون، وسين مهملة، بعد الالف راء ثم ياء مشددة بلد على ساحل بحر الشام تعد في أعمال فلسطين، قريبة من طبرية، طيبة البقعة، كثيرة الخير. وانظر خبر فتحها في الطبري 3 / 603 - 604 وابن كثير، وابن الأثير في تاريخيهما، و" تاريخ الإسلام " للمؤلف في أحداث سنة (15) هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، يُقَالُ لَهُ: يَزِيْدُ) . فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ، أَنَا مِنْهُم؟ قَالَ: لاَ. فَرَدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ (1) . أَخْرَجَهُ: الرُّوْيَانِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رُبُعٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُبُعٍ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ عَلَى رُبُعٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ حَسَنَةَ عَلَى رُبُعٍ -يَعْنِي: يَوْمَ اليَرْمُوْكِ- وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِم أَمِيْرٌ. تُوُفِّيَ يَزِيْدُ فِي الطَّاعُوْنِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَلَمَّا احْتُضِرَ اسْتَعْمَلَ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَمَلِهِ، فَأَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ احْتِرَاماً لِيَزِيْدَ، وَتَنْفِيْذاً لِتَوْلِيَتِهِ. وَمَاتَ (2) هَذِهِ السَّنَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيْنُ الأُمَّةِ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ سَيِّدُ العُلَمَاءِ، وَالأَمِيْرُ المُجَاهِدُ شُرَحْبِيْلُ بنُ حَسَنَةَ حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَابْنُ عَمِّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ وَلَهُ بِضْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَالحَارِثُ بنُ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ الصَّحَابَةِ الأَشْرَافِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَأَبُو جَنْدَلٍ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. 69 - أَبُو العَاصِ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ * ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ،   (1) هو مرسل. ومهاجر أبو مخلد لينه أبو حاتم وقال: ليس بذاك. ولذا قال الحافظ عنه، في التقريب: مقبول. أبي حيث يتابع وإلا فلين. (2) انظر " تاريخ الإسلام " 2 / 22 وما بعدها. (*) نسب قريش: 230 - 231، تاريخ خليفة: 119، مشاهير علماء الأمصار: ت: 156، الاستيعاب: 12 / 24، ابن عساكر: 19 / 61 / 1، أسد الغابة: 6 / 185، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 248 - 249، العبر: 1 / 15، مجمع الزوائد: 9 / 379، العقد الثمين: 7 / 110، 8 / 61، الإصابة: 11 / 231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 العَبْشَمِيُّ. صِهْرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَوْجُ بِنْتِهِ زَيْنَبَ، وَهُوَ وَالِدُ أُمَامَةَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَتِهِ (1) . وَاسْمُهُ: لَقِيْطٌ. وَقِيْلَ: اسْمُ أَبِيْهِ رَبِيْعَةُ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ. أُمُّهُ: هِيَ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَ أَبُو العَاصِ يُدْعَى: جَرْوَ البَطْحَاءِ. أَسْلَمَ قَبْلَ الحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ: أَثْنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي العَاصِ فِي مُصَاهَرَتِهِ خَيْراً. وَقَالَ: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي (2)) . وَكَانَ قَدْ وَعَدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِزَيْنَبَ ابْنَتِهِ، فَوَفَى بِوَعْدِهِ، وَفَارَقَهَا مَعَ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَكَانَ مِنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَأُمَنَائِهِم، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً.   (1) أخرجه البخاري 1 / 487 في سترة المصلي: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه، وفي الأدب: باب رحمة الولد وتقبيله، ومسلم (543) في المساجد: باب جواز حمل الصبيان، ومالك 1 / 170 في قصر الصلاة: باب جامع الصلاة. وأبو داود (917 - 918، 919، 920) في الصلاة: باب العمل في الصلاة، والنسائي 2 / 45 في المساجد، و3 / 10 في السهو. ونص مسلم من طريق يحيى بن يحيى، قال: قلت لمالك: حدثك عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولابي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم ". (2) أخرجه البخاري في الشروط: باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح و (3729) في فضائل الصحابة: باب ذكر أصهار النبي، صلى الله عليه وسلم و (5230) في النكاح: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة، ومسلم (2449) (95) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة، وأبو داود (2069) في النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهم من النساء، وابن ماجه (1999) في النكاح: باب الغيرة، ونص مسلم: حدثني أحمد بن حنبل، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبي الوليد بن كثير، عن محمد ابن عمرو بن حلحلة، أن ابن شهاب حدثه، أن علي بن الحسين حدثه، أنهم حين قدموا المدينة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَلَمَّا هَاجَرَ، رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ (1) . وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ رَدَّهَا إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيْدٍ، وَقَدْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ لَمَّا أُسِرَ نَوْبَةَ بَدْرٍ، بَعَثَتْ قِلاَدَتَهَا لِتَفْتَكَّهُ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنْ رَأَيْتُم أَنْ تُطْلِقُوا لِهَذِهِ أَسِيْرَهَا) . فَبَادَرَ الصَّحَابَةُ إِلَى ذَلِكَ (2) . وَمِنَ السِّيْرَةِ: أَنَّهَا بَعَثَتْ فِي فِدَائِهِ قِلاَدَةً لَهَا كَانَتْ لِخَدِيْجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا. فَلَمَّا رَآهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَقَّ لَهَا، وَقَالَ: (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيْرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا) . قَالُوا: نَعَمْ. وَأَطْلَقُوْهُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُخْلِيَ سَبِيْلَ زَيْنَبَ، وَكَانَتْ مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ النِّسَاءِ، وَاسْتَكْتَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ، وَبَعَثَ زَيْدَ   = من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي، رضي الله عنه، لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا. قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي. إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: " إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها " قال: ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال: " حدثني فصدقني، ووعدني فأوفى لي. وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما ولكن، والله! لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا ". وقوله: أن تفتن في دينها: أي بسبب الغيرة الناشئة من البشرية. وقوله: " ثم ذكر صهرا " هو أبو العاص بن الربيع، وانصهر يطلق على الزوج وأقاربه، وأقارب المرأة. وهو مشتق من صهرت الشئ وأصهرته: إذا قربته. والمصاهرة: مقاربة بين الاجانب والمتباعدين. (1) وهو الصحيح كما سيأتي. (2) وأخرجه أحمد 6 / 276، وأبو داود (2692) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد، عن عائشة، قالت: " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. قالت: فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رق لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها؟ فقالوا: نعم. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه. وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة ورجلا من الانصار فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتيا بها ". وإسناده قوي، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وصححه الحاكم 3 / 236 ووافقه الذهبي. وانظر السيرة لابن هشام 1 / 653. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 بنَ حَارِثَةَ، وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: (كُوْنَا بِبَطْنِ يَأْجِجٍ (1) ، حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ، فَتَصْحَبَانِهَا) . وَذَلِكَ بَعْد بَدْرٍ بِشَهْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو العَاصِ مَكَّةَ، أَمَرَهَا بِاللُّحُوْقِ بِأَبِيْهَا، فَتَجَهَّزَتْ. فَقَدَّمَ أَخُو زَوْجِهَا كِنَانَةُ - قُلْتُ: وَهُوَ ابْنُ خَالَتِهَا - بَعِيْراً، فَرَكِبَتْ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ نَهَاراً، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا، فَبَرَكَ كِنَانَةُ، وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ بِذِي طُوَى، فَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بنُ الأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ. فَقَالَ كِنَانَةُ: وَاللهِ لاَ يَدْنُو أَحَدٌ إِلاَّ وَضَعْتُ فِيْهِ سَهْماً. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كُفَّ أَيُّهَا الرَّجُلُ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ. فَكَفَّ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ، خَرَجْتَ بِالمَرْأَةِ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ عَلاَنِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيْبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ ذُلٍّ أَصَابَنَا، وَلَعَمْرِي مَا بِنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيْهَا مِنْ حَاجَةٍ، ارْجِعْ بِهَا، حَتَّى إِذَا هَدَتِ الأَصْوَاتُ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّا رَدَدْنَاهَا، فَسُلَّهَا سِرّاً، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيْهَا. قَالَ: فَفَعَلَ، وَخَرَجَ بِهَا بَعْدَ لَيَالٍ، فَسَلَّمَهَا إِلَى زَيْدٍ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بِهَا. فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الفَتْحِ، خَرَجَ أَبُو العَاصِ تَاجِراً إِلَى الشَّامِ بِمَالِهِ وَمَالٍ كَثِيْرٍ لقُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ، فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، وَأَعْجَزَهُم هَرَباً، فَقَدِمُوا بِمَا أَصَابُوا، وَأَقْبَلَ هُوَ فِي اللَّيْلِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ أَجَرْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ. وَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّرِيَّةِ الَّذِيْنَ أَصَابُوا مَالَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالاً، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدُّوْهُ، فَإِنَّا نُحِبَّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللهِ، فَأَنْتُم أَحَقُّ بِهِ) . قَالُوا: بَلْ نَرُدُّهُ. فَرَدُّوْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي مَالٍ مَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! هَلْ   (1) بفتح الياء وبعدها همزة، وجيم مكسورة: موضع على ثمانية أميال من مكة. كان ينزله عبد الله بن الزبير، فلما قتله الحجاج أنزله المجذمين، وبنواحي مكة موضع آخر يقال له: يأجج، وهو أبعدهما، بينه وبين مسجد التنعيم ميلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 بَقِيَ لأَحَدٍ مِنْكُم عِنْدِي شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْراً. قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَاللهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الإِسْلاَمِ عِنْدَهُ إِلاَّ خَوْفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوَالِكُم. ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئاً. 70 - زَيْنَبُ أَكْبَرُ بَنَاتِ رَسُوْلِ اللهِ * -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبُ (2) هَذِهِ كَانَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَكْبَرَ بَنَاتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَغَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ. فَأَعْطَاهُنَّ حَقْوَهُ، وَقَالَ: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ) (3) .   (1) الخبر بطوله أخرجه ابن هشام 1 / 653 - 659، والحاكم 3 / 236 - 237. وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (1876) و (2366) و (3290) ، وأبو داود (2240) في الطلاق: باب إلى متى ترد عليه زوجته إذا أسلم، والترمذي (1143) في النكاح: باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما. وابن ماجه (2009) في النكاح: باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، والدارقطني صفحة: 396، والحاكم 3 / 638 - 639 من طريق ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وداود فيه لين، وما رواه عن عكرمة منكر لكن للحديث شواهد مرسلة صحيحة، عن عامر، وقتادة، وعكرمة بن خالد أخرجها ابن سعد في " طبقاته "، وعبد الرزاق في " المصنف " (12647) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 2 / 149. وأما حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد فهو حديث ضعيف، أخرجه أحمد (6938) ، والترمذي (1142) وابن ماجه (2010) ، والدارقطني 396، والبيهقي 7 / 188 وفي سنده حجاج بن أرطاة وهو مدلس لا يحتج به. وقال الامام أحمد، عقب روايته: هذا حديث ضعيف، أو واه، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، وإنما سمعه من محمد بن عبيد العرزمي. والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا. وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال. وقال الدارقطني: لا يثبت، وحجاج لا يحتج به. (*) طبقات ابن سعد 8 / 30، نسب قريش: 22، 157، 158، 219، 231، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الصغير: 1 / 7 - 8، 17، الاستيعاب: 13 / 24، أسد الغابة: 7 / 130، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 344، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9 / 212 - 216، العقد الثمين: 8 / 222 - 223، الإصابة: 12 / 273. (2) أورد المؤلف هنا شيئا من ترجمة زينب ضمن ترجمته زوجها أبي العاص، وأثبت فوق كلمة " زينب " ما نصه " ستعاد " وأفرد لها ترجمة مفصلة في كتابه هذا، وهي في الجزء الثاني برقم (121) فانظرها هناك. (3) أخرجه البخاري (1254) في الجنائز: باب ما يستحب أن يغسل وترا عن أم عطية، رضي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّهَا، وَيُثْنِي عَلَيْهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. عَاشَتْ نَحْوَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ أَبُو العَاصِ فِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فِي خِلاَفَةِ الصِّدِّيْقِ. 71 - أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي العَاصِ* الَّتِي كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُهَا فِي صَلاَتِهِ (1) . هِيَ بِنْتُ بِنْتِهِ، تَزَوَّجَ بِهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً، وَجَاءتْهُ الأَوْلاَدُ مِنْهَا. وَعَاشَتْ بَعْدَهُ، حَتَّى تَزَوَّجَ بِهَا المُغِيْرَةُ بنُ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى بنَ المُغِيْرَةِ. مَاتَتْ فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلَمْ تَرْوِ شَيْئاً. 72 - أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ زَيْدٍ ** هُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّنْ حَفِظَ القُرْآنَ كُلَّهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   = الله عنها، قالت: " دخل علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن نغسل ابنته. فقال: اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، فإذا فرغتن فآذنني. فلما فرغنا أذناه. فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه ". في الآخرة: أبي في الغسلة الأخيرة. وآذنني: أي: أعلمتني، وحقوه بفتح الحاء، وكسرها: يعني: إزاره، وأصل الحقو: معقد الازار، وسمي الازار به مجازا لان الحقو يشد به. وأخرجه أيضا البخاري (1257) و (1258) و (1261) فيه ومسلم (939) في الجنائز: باب في غسل الميت، وأبو داود (3142) في الجنائز: باب كيف غسل الميت، والترمذي (990) في الجنائز: باب ما جاء في غسل الميت، والنسائي 4 / 28 - 33 في الجنائز: باب غسل الميت بالماء والسدر، وابن ماجه (1458) في الجنائز: باب ما جاء في غسل الميت. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 26، نسب قريش: 22، 86، الاستيعاب: 12 / 211، أسد الغابة: 7 / 22، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 331، العقد الثمين: 8 / 171 - 182. (1) سبق تخريجه في الصفحة (331) تعليق رقم (1) . (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 1 / 17، الجرح والتعديل: 2 / 451، الاستيعاب: 11 / 271، أسد الغابة: 1 / 269، الإصابة: 2 / 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ مَالِكِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ سَعِيْدُ بنُ أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ بَشِيْرِ بنِ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ ثَابِتِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ النَّحْوِيُّ: هُوَ جَدِّي. شَهِدَ أُحُداً، وَهُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِيْنَ جَمَعُوا القُرْآنَ، نَزَلَ البَصْرَةَ، وَاخْتَطَّ بِهَا، ثُمَّ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَمَاتَ بِهَا. فَوَقَفَ عُمَرُ عَلَى قَبْرِهِ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ! لَقَدْ دُفِنَ اليَوْمَ أَعْظَمُ أَهْلِ الأَرْضِ أَمَانَةً (1) . وَقُتِلَ ابْنُهُ بَشِيْرٌ يَوْمَ الحَرَّةِ (2) . العَقَدِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الحَسَنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ: دَخْلَنَا عَلَى أَبِي زَيْدٍ، وَكَانَتْ رِجْلُهُ أُصِيْبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ قَاعِداً (3) . وَقِيْلَ: اسْمُ أَبِي زَيْدٍ: أَوْسٌ. وَقِيْلَ: مُعَاذٌ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.   (1) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 17. (2) قال صاحب العين: الحرة: أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها أحرقت بالنار. وقال الاصمعي: الحرة: الأرض التي ألبستها الحجارة السود. والحرار كثيرة. والمقصود هنا حرة واقم التي كانت فيها وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية سنة (63) هجرية. وكان أمير جيشه مسلم بن عقبة المري، المسمى بالمسرف لقبح صنيعه، فقد قتل بقايا المهاجرين والانصار في ذلك اليوم، وهي من أكبر مصائب الإسلام وحروبه. لم تصل الجماعة يومها في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يكن فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد. فقد هتك مسرف - أو مجرم الإسلام - هتكأ، وأنهب المدينة ثلاثا واستخف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومدت الايدي إليهم ونهبت دورهم ... انظر " معجم البلدان " 2 / 249 و" الطبري " و" الكامل " و" البداية " و" تاريخ الإسلام " في أحداث سنة (63) وانظر " جوامع السيرة " لابن حزم 357 - 358. (3) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 73 - عَبَّادُ بنُ بِشْرِ بنِ وَقْشِ بنِ زُغْبَةَ بنِ زَعُوْرَاءَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ الإِمَامُ، أَبُو الرَّبِيْعِ الأَنْصَارِيُّ (1) ، الأَشْهَلِيُّ. أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ، كَانَ مِنْ سَادَةِ الأَوْسِ. عَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي أَضَاءتْ لَهُ عَصَاتُهُ لَيْلَةَ انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنْ عِنْدِ رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَسْلَمَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ أَحَدَ مَنْ قَتَلَ كَعْبَ بنَ الأَشْرَفِ اليَهُوْدِيَّ (3) . وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَدَقَاتِ مُزَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَجَعَلَهُ عَلَى حَرَسِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَبْلَى يَوْمَ اليَمَامَةِ بَلاَءً حَسَناً، وَكَانَ أَحَدَ الشُّجْعَانِ المَوْصُوْفِيْنَ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ (4) ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثَلاَثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْتَدُّ عَلَيْهِم فَضْلاً، كُلُّهُم مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ: سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ، وَأُسَيْدُ بنُ   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 16، طبقات خليفة: 78، تاريخ خليفة: 113، التاريخ الصغير: 36، الجرح والتعديل 6 / 77، مشاهير علماء الأمصار: ت: 113، الاستبصار: 220 - 222، الاستيعاب: 5 / 310، أسد الغابة: 3 / 150، تاريخ الإسلام: 1 / 370، العبر: 1 / 15، الإصابة: 5 / 311. (1) سقطت كلمة " الأنصاري " من المطبوع. (2) سبق تخريج هذا الحديث على الصفحة (299) تعليق رقم (1) . (3) أخرجه البخاري (4037) في المغازي، باب: قتل كعب من الأشرف، وانظر ما كتبه الحافظ في " الفتح " في شرح هذا الحديث. وانظر تحريضه في شعره على المسلمين عند ابن هشام 2 / 51 - 58. قال ابن إسحاق وغيره من الأشرف: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طئ، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة وحالف بني النضير فشرف بهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا. (4) " بن عبد الله " سقطت من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 حُضَيْرٍ (1) . آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: سُمِعَ عَبَّادُ بنُ بِشْرٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ كَأَنَّ السَّمَاءَ فُرِجَتْ لِي، ثُمَّ أَطْبَقَتْ عَلَيَّ، فَهِيَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - الشَّهَادَةُ. نُظِرَ يَوْمَ اليَمَامَةِ وَهُوَ يَصِيْحُ: احْطِمُوا جُفُوْنَ السُّيُوْفِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ بِضَرَبَاتٍ فِي وَجْهِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَهَجَّدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادِ بن بِشْرٍ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ! هَذَا صَوْتُ عَبَّادِ بنِ بِشْرٍ) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ (2)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَطْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بنِ بِشْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَنْتُمُ الشِّعَارُ، وَالنَّاسُ الدِّثَارُ) (3) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 229 وصححه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 76 عن ابن إسحاق وصرح فيه بالتحديث. (2) أخرجه البخاري معلقا (2655) بقوله: وزاد عباد ... وقال الحافظ في " الفتح " 5 / 265: وصله أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة. (3) رجاله ثقات وأخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 316 وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 31 ونسبه إلى الطبراني. وقد تحرف عنده " بشر " إلى " بشير ". وأخرجه البخاري (4330) في المغازي: باب غزوة الطائف، ومسلم (1061) في الزكاة: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، وأحمد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قَالَ عَلِيُّ بنُ (1) المَدِيْنِيِّ: لاَ أَحْفَظُ لِعَبَّادٍ سِوَاهُ. عَبَّادُ بنُ بِشْرِ بنِ قَيْظِيٍّ الأَشْهَلِيِّ! قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَقَعَ تَخْبِيْطٌ فِي اسْمِ جَدِّهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ عَبَّادُ بنُ بِشْرِ بنِ وَقْشِ بنِ زُغْبَةَ بنِ زَعُوْرَاءَ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بنِ جُشَمَ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ الأَوْسِ الأَوْسِيُّ. اسْتُشْهِدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ اليَمَامَةِ. أَمَّا عَبَّادُ بنُ بِشْرِ بنِ قَيْظِيٍّ؛ فَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، أَمَّ قَوْمَهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. لَهُ حَدِيْثٌ فِي الاسْتِدَارَةِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى الكَعْبَةِ (2) ، وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ عَبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ: مَا سَمَّانِي أَبِي عَبَّاداً إِلاَّ بِهِ (3) - يَعْنِي بِالأَشْهَلِيِّ -. وَمِنْ شِعْرِهِ: صَرَخْتُ لَهُ، فَلَمْ يَعْرِضْ لِصَوْتِي ... وَوَافَى طَالِعاً مِنْ رَأْسِ جَذْرِ فَعُدْتُ لَهُ، فَقَالَ: مَنِ المُنَادِي؟ ... فَقُلْتُ: أَخُوْكَ عَبَّادُ بنُ بِشْرِ   = 4 / 42 من طريق عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم وعندهم جميعا " الانصار شعار والناس دثار ". وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة 2 / 419، وعن أبي قتادة 5 / 307، وأخرجه ابن ماجه (164) في المقدمة من طريق: عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده. (1) سقطت لفظة " بن " من المطبوع. (2) أخرجه ابن مندة فيما ذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 149، والحافظ في " الإصابة " 5 / 310 من طريق إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، حدثني أبي عن جدته تويلة بنت أسلم بن عميرة قالت: صلينا في بني حارثة الظهر أو العصر - فصلينا سجدتين إلى بيت المقدس. فجاء رجل فأخبرهم أن القبلة قد صرفت إلى المسجد الحرام. قالت: فتحولنا. فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال. قال: هذا الرجل الذي أخبرهم أن القبلة صرفت، هو " عباد بن بشر ". ورجاله ثقات. وأورده الحافظ في " الإصابة " في ترجمة تويلة، ونسبه إلى الطبراني. وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 14 ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " وقال: ورجاله موثقون. (3) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 5 / 312، والحاكم 3 / 229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَهَذِي دِرْعُنَا رَهْناً فَخُذْهَا ... لِشَهْرٍ - إِنْ وَفَى - أَوْ نِصْفِ شَهْرِ فَقَالَ: مَعَاشِرٌ سَغَبُوا وَجَاعُوا ... وَمَا عَدِمُوا الغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ فَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِي سَرِيْعاً ... وَقَالَ لَنَا: لَقَدْ جِئْتُمْ لأَمْرِ وَفِي أَيْمَانِنَا بِيْضٌ حِدَادٌ ... مُجَرَّبَةٌ، بِهَا الكُفَّارَ نَفْرِي فَعَانَقَهُ ابْنُ مُسْلِمَةَ المُرَدِّي ... بِهِ الكُفَّارَ كَاللَّيْثِ الهِزَبْرِ وَشَدَّ بِسَيْفِهِ صَلْتاً عَلَيْهِ ... فَقَطَّرَهُ أَبُو عَبْسِ بنُ جَبْرِ (1) وَكَانَ اللهُ سَادِسَنَا فَأُبْنَا ... بِأَنْعَمِ نِعْمَةٍ وَأَعَزِّ نَصْرِ (2) لِعَبَّادٍ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ مَرَّ، وَهُوَ لابْنِ إِسْحَاقَ: عَنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ الصَّامِتِ، عَنْ عَبَّادِ بنِ بِشْرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَنْتُمُ الشِّعَارُ، وَالنَّاسُ الدِّثَارُ، فَلاَ أُوْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكُم) (3) . 74 - أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ بنِ سِمَاكِ بنِ عَتِيْكٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ نَافِعِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ.   (1) تحرفت في المطبوع " صلتا " إلى " صلبا " و" عبس " إلى " عيسى ". (2) الابيات في الاستيعاب 5 / 313 - 314 وفيه بيت - زيادة عما هنا - هو: وجاء برأسه نفر كرام * هم ناهيك من صدق وبر (3) سبق تخريجه في الصفحة (338) تعليق رقم (3) . (*) مسند أحمد: 4 / 226، 351 - 352، طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 135، طبقات خليفة: 77، تاريخ خليفة: 149، التاريخ الكبير: 2 / 47، التاريخ الصغير: 1 / 46، الجرح والتعديل: 2 / 310، مشاهير علماء الأمصار: ت: 36، الاستبصار: 213 - 216، الاستيعاب: 1 / 175 - 179، ابن عساكر: 3 / 7 / 1، أسد الغابة: 1 / 111 - 113، تهذيب الكمال: 115، تاريخ الإسلام: 2 / 33، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد، 9 / 310، تهذيب التهذيب: 1 / 347، الإصابة: 1 / 75 - 76، خلاصة تذهيب الكمال: 38، كنز العمال: 13 / 277 - 280، شذرات الذهب: 1 / 31، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 53 - 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الإِمَامُ أَبُو يَحْيَى - وَقِيْلَ: أَبُو عَتِيْكٍ - الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ. أَحَدُ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، أَسْلَمَ قَدِيْماً. وَقَالَ: مَا شَهِدَ بَدْراً، وَكَانَ أَبُوْهُ شَرِيْفاً مُطَاعاً، يُدْعَى: حُضَيْرُ الكَتَائِبِ، وَكَانَ رَئِيْسَ الأَوْسِ يَوْمَ بُعَاثٍ (1) ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِسِتِّ سِنِيْنَ، وَكَانَ أُسَيْدٌ يُعَدُّ مِنْ عُقَلاَءِ الأَشْرَافِ، وَذَوِي الرَّأْيِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ. وَلَهُ رِوَايَةُ أَحَادِيْثَ. رَوَتْ عَنْهُ: عَائِشَةُ، وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَلَمْ يَلْحَقْهُ. وَذَكَرَ الوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ قَدِمَ الجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ، وَكَانَ مُقَدَّماً عَلَى رُبُعِ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ، هُوَ وَسَعْدُ بنُ مُعَاذٍ (2) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَرُوِيَ أَنَّ أُسَيْداً كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتاً بِالقُرْآنِ.   (1) بضم الموحدة، والعين المهملة آخره ثاء مثلثة: موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الاوس والخزرج في الجاهلية، وكان الظفر فيه يومئذ للاوس على الخزرج. وكان على الاوس يومئذ حضير والد الصحابي الجليل المترجم وكان على الخزرج عمر بن النعمان البياضي فقتلا جميعا، فقال خفاف بن ندبة يرثي حضير الكتائب: فلو كان حي ناجيا من حمامه * لكان حضير يوم أغلق واقما أطاف به حتى إذا الليل جنه * تبوأ منه منزلا متناعما وانظر " معجم البلدان " 1 / 451، وابن سعد 3 / 2 / 135 - 136. (2) عبارة " وهو وسعد بن معاذ " سقطت من المطبوع. (3) (3797) في المناقب: باب مناقب معاذ، وزيد، وسنده حسن. وصححه الحاكم 3 / 289 ووافقه الذهبي، وانظر ابن سعد 3 / 2 / 137 و" الإصابة " 1 / 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ثَلاَثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْتَدُّ عَلَيْهِم فَضْلاً بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم (1) -. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ نَقِيْبٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً، يُكْنَى: أَبَا يَحْيَى. وَيُقَالُ: كَانَ فِي أُسَيْدٍ مِزَاحٌ، وَطِيْبُ أَخْلاَقٍ. رَوَى حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ، وَكَانَ فِيْهِ مِزَاحٌ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُوْدٍ كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ: أَصْبِرْنِي. فَقَالَ: (اصْطَبِرْ) . قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيْصاً، وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيْصٌ. قَالَ: فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيْصَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ (2) . أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا هَلَكَ أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ، وَقَامَ غُرَمَاؤُهُ بِمَالِهِم، سَأَلَ عُمَرُ فِي كَمْ يُؤَدَّى ثَمَرُهَا لِيُوْفَى مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ؟ فَقِيْلَ لَهُ: فِي أَرْبَعِ سِنِيْنَ. فَقَالَ لِغُرَمَائِهِ: مَا عَلَيْكُم أَنْ لاَ تُبَاعَ. قَالُوا: احْتَكِمْ، وَإِنَّمَا نَقْتَصُّ فِي أَرْبَعِ سِنِيْنَ. فَرَضُوا بِذَلِكَ، فَأَقَرَّ المَالَ لَهُم. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَاعَ نَخْلَ أُسَيْدٍ أَرْبَعَ سِنِيْنَ مِنْ   (1) سبق تخريجه في الصفحة (338) التعليق رقم (1) . (2) إسناده قوي. حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي. أخرجه أبو داود (5224) في الأدب: باب في قبلة الجسد، وصححه الحاكم 3 / 288 ووافقه الذهبي، من طريق: جرير، عن حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أسيد. وأصبرني: أقدني. واصطبر: استقد. وقال هدبة من خشرم: فإن يك في أموالنا نضق بها * ذراعا وإن صبرا فنصبر للدهر يريد بالبصر: القود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَلَكِنَّهُ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلْغُرَمَاءِ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: هَلَكَ أُسَيْدٌ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَكَانَتْ أَرْضُهُ تُغِلُّ فِي العَامِ أَلْفاً، فَأَرَادُوا بَيْعَهَا. فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى غُرَمَائِهِ: هَلْ لَكُمْ أَنْ تَقْبِضُوا كُلَّ عَامٍ أَلْفاً؟ قَالُوا: نَعَمْ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ أُسَيْدٌ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ العَمُوْدَيْنِ عَمُوْدَيِ السَّرِيْرِ حَتَّى وَضَعَهُ بِالبَقِيْعِ (3) ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ. وَفِيْهَا أَرَّخَ مَوْتَهُ: الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَنَدِمَ عَلَى تَخَلُّفِهِ عَنْ بَدْرٍ، وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا العِيْرُ، وَلَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ غَزْوٌ مَا تَخَلَّفْتُ (4) . وَقَدْ جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ (5) سَبْعَ جِرَاحَاتٍ.   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي صالح، كاتب الليث، وهو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني. قال الحافظ: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة. (2) سنده ضعيف فيه عبد الله بن عمر العمري. وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 137 والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 46 وقد تحرف فيه " عبيد الله بن عمر " بدل " عبد الله " وانظر " أسد الغابة " 1 / 111. (3) أخرجه الطبراني برقم (548) من طريق أبي الزنباع روح بن الفرج المصري، عن يحيى بن بكير، قال ... وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 137 وفي سنده الواقدي، وهو متروك. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 330 وقال: رواه الطبراني، وروي عن الواقدي بعضه، وإسنادهما منقطع وانظر " أسد الغابة " 1 / 111. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 136 من طريق الواقدي، حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال ... وسنده تالف. (5) في الأصل " بدر " وهو خطأ لأنه لم يشهد بدرا كما تقدم، وما أثبتناه من " الاستيعاب " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 75 - الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ طَرِيْفٍ الدَّوْسِيُّ * صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ سَيِّداً مُطَاعاً مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ. وَدَوْسٌ بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ. وَكَانَ الطُّفَيْلُ يُلَقَّبُ: ذَا النُّوْرِ (1) ، أَسْلَمَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِمَكَّةَ. قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: سُمِّيَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ طَرِيْفٍ ذَا النُّوْرِ؛ لأَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ دَوْساً قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الزِّنَى، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِم. قَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً) . ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ابْعَثْ بِي إِلَيْهِم، وَاجْعَلْ لِي آيَةً. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . وَفِي (مَغَازِي يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ) : حَدَّثَنَا الكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ الدَّوْسِيِّ (3) .   (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 175، طبقات خليفة: 13، 114، تاريخ خليفة: 111، الجرح والتعديل: 4 / 489، الاستيعاب: 5 / 220، ابن عساكر: 8 / 275 / 2، أسد الغابة: 3 / 78، العبر: 1 / 14، الإصابة: 5 / 223، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 62 - 67. (1) في الأصل " ذو الطفيتين " والتصحيح مما بعده ومن " الاستيعاب "، و" أسد الغابة " والاصابة. (2) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 5 / 223 من طريق أحمد بن محمد، عن أحمد بن الفضل، عن محمد بن جبير، عن الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن عمران الأسدي، عن هشام بن الكلبي، قال: إنما سمي الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة، بن سليم، بن فهم " ذا النور " لأنه وفد على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن دوسا قد غلب عليهم الزنى فادع الله عليهم، فقال رسول الله " صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوسا " ثم قال: يا رسول الله ابعثني إليهم واجعل لي آية يهتدون بها. فقال: " اللهم نور له " فسطع نور بين عينيه. فقال: يا رب إني أخاف أن يقولوا: مثلة. فتحولت إلى طرف سوطه. فكانت تضئ في الليلة المظلمة فسمي ذا النور. وروى البخاري (4392) في المغازي: باب قصة دوس، والطفيل بن عمرو الدوسي، و (6397) في الدعوات، ومسلم (2524) في الفضائل، وأحمد 2 / 243، 448 من طريق سفيان، عن ابن ذكوان، عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن دوسا قد هلكت، عصت وأبت، فادع الله عليهم. فقال: " اللهم اهد دوسا وائت بهم ". (3) إسناده ضعيف جدا لضعف الكبي. وهو محمد بن السائب، وشيخه أبي صالح باذام. وانظر " الاستيعاب " 5 / 224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ الحُوَيْرِثِ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بنَ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً شَاعِراً، سَيِّداً فِي قَوْمِي، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَمَشَيْتُ إِلَى رِجَالاَتِ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ سَيِّدٌ، وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنْ يَلْقَاكَ هَذَا الرَّجُلُ، فَيُصِيْبَكَ بِبَعْضِ حَدِيْثِهِ، فَإِنَّمَا حَدِيْثُهُ كَالسِّحْرِ، فَاحْذَرْهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا أَدْخَلَ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ المَرْءِ وَأَخِيْهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ المَرْءِ وَابْنِهِ. فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُحَدِّثُوْنِي شَأْنَهُ، وَيَنْهَوْنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ، حَتَّى قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَدْخُلُ المَسْجِدَ إِلاَّ وَأَنَا سَادٌّ أُذُنَيَّ. قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى أُذُنَيَّ، فَحَشَوْتُهَا كُرْسُفاً (1) ، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِماً فِي المَسْجِدِ، فَقُمْتُ قَرِيْباً مِنْهُ، وَأَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِه. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْعَجْزُ، وَإِنِّي امْرُؤٌ ثَبْتٌ، مَا تَخْفَى عَلَيَّ الأُمُوْرُ حَسَنُهَا وَقَبِيْحُهَا، وَاللهِ لأَتَسَمَّعَنَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ رُشْداً أَخَذْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ اجْتَنَبْتُهُ. فَنَزَعْتُ الكُرْسُفَةَ، فَلَمْ أَسْمَعْ قَطُّ كَلاَماً أَحْسَنَ مِنْ كَلاَمٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ. فَقُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا سَمِعْتُ كَاليَوْمِ لَفْظاً أَحْسَنَ وَلاَ أَجْمَلَ مِنْهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ تَبِعْتُهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ بَيْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ قَوْمَكَ جَاؤُوْنِي، فَقَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالُوا، وَقَدْ أَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَنِي مِنْكَ مَا تَقُوْلُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ حَقٌّ، فَاعْرِضْ عَلَيَّ دِيْنَكَ. فَعَرَضَ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَى دَوْسٍ، وَأَنَا فِيْهِم مُطَاعٌ، وَأَدْعُوْهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهِم، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً. قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً تُعِيْنُهُ) . فَخَرَجْتُ حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى ثَنِيَّةِ قَوْمِي، وَأَبِي هُنَاكَ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَامْرَأَتِي وَوَلَدِي، فَلَمَّا عَلَوْتُ الثَّنِيَّةِ، وَضَعَ اللهُ بَيْنَ عَيْنَيَّ نُوْراً كَالشِّهَابِ يَتَرَاءاهُ الحَاضِرُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُنْهَبِطٌ مِنَ الثَّنِيَّةِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي،   (1) الكرسف: القطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ لِفِرَاقِ دِيْنِهِم. فَتَحَوَّلَ، فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسِيْرُ عَلَى بَعِيْرِي إِلَيْهِم، وَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ سَوْطِي كَأَنَّهُ قِنْدِيْلٌ مُعَلَّقٌ. قَالَ: فَأَتَانِي أَبِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكَ، وَلَسْتَ مِنِّي. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَسْلَمْتُ، وَاتَّبَعْتُ دِيْنَ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! دِيْنِي دِيْنُكَ، وَكَذَلِكَ أُمِّي، فَأَسْلَمَا. ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْساً إِلَى الإِسْلاَمِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَتَعَاصَتْ. ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: غَلَبَ عَلَى دَوْسٍ الزِّنَى وَالرِّبَا، فَادْعُ عَلَيْهِم. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً) . ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِم، وَهَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْتُ مِنْ ظَهْرَانِيْهِم أَدْعُوْهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، حَتَّى اسْتَجَابَ مِنْهُم مَنِ اسْتجَابَ، وَسَبَقَتْنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالخَنْدَقُ. ثُمَّ قَدِمْتُ بِثَمَانِيْنَ أَوْ تِسْعِيْنَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ دَوْسٍ، فَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى فَتَحَ مَكَّةَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ابْعَثْنِي إِلَى ذِي الكَّفَيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بنِ حُمَمَةَ حَتَّى أُحْرِقَهُ. قَالَ: (أَجَلْ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِ) . فَأَتَيْتُ، فَجَعَلَتُ أُوْقِدُ عَلَيْهِ النَّارَ. ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى بَعْثِ مُسَيْلِمَةَ وَمَعِي ابْنَيْ عَمْرٍو، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَأْسِي حُلِقَ، وَخَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا، وَكَأَنَّ ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَباً حَثِيْثاً، فَحِيْلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَحَدَّثْتُ بِهَا قَوْمِي، فَقَالُوا: خَيْراً. فَقُلْتُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَوَّلْتُهَا: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي: فَقَطْعُهُ. وَأَمَّا الطَّائِرُ: فَرُوْحِي. وَالمَرْأَةُ: الأَرْضُ أُدْفَنُ فِيْهَا، فَقَدْ رُوِّعْتُ أَنْ أُقْتَلَ شَهِيْداً. وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إِيَّايَ: فَمَا أَرَاهُ إِلاَّ سَيُعْذَرُ فِي طَلَبِ الشَّهَادَةِ، وَلاَ أَرَاهُ يَلْحَقُ فِي سَفَرِهِ هَذَا. قَالَ: فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ، ثُمَّ قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ بَعْدُ (1) .   (1) ابن هشام 1 / 382 عن ابن إسحاق بلا سند. وذكره ابن عبد البر 5 / 224 عن ابن إسحاق، عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 175 من طريق الواقدي. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 قُلْتُ: وَقَدْ عُدَّ وَلَدُهُ عَمْرٌو فِي الصَّحَابَةِ، وَكَذَا أَبُوْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ فِي الصَّحَابَةِ، فَقَدْ أَسْلَمَ فِيْمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ هَاجَرَ، وَلاَ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 76 - بِلاَلُ بنُ رَبَاحٍ * (ع) مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. وَأُمُّهُ: حَمَامَةُ. وَهُوَ مُؤَذِّنُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ عُذِّبُوا فِي اللهِ، شَهِدَ بَدْراً، وَشَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّعْيِيْنِ بِالجَنَّةِ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَالأَسْوَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَجَمَاعَةٌ. وَمَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ، اسْتَوْفَاهَا الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَعَاشَ بِضْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. يُقَالُ: إِنَّهُ حَبَشِيٌّ. وَقِيْلَ: مِنْ مُوَلَّدِي الحِجَازِ. وَفِي وَفَاتِهِ أَقْوَالٌ، أَحَدُهَا: بِدَارَيَّا، فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ. عَاصِمٌ: عَنْ زَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَبِلاَلٌ، وَصُهَيْبٌ، وَالمِقْدَادُ. فَأَمَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ: فَمَنَعَهُمَا اللهُ بِقَوْمِهِمَا. وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ المُشْرِكُوْنَ،   = وانظر شرح المواهب 4 / 37. وقد تصحفت كلمة " فروحي " في المطبوع إلى " فزوجي ". (*) مسند أحمد: 6 / 12 - 15، الطبقات: 3 / 1 / 165، نسب قريش: 208، طبقات خليفة: 19، 298، تاريخ خليفة: 99، 149، التاريخ الكبير: 2 / 106، التاريخ الصغير: 1 / 53، الجرح والتعديل: 2 / 395، مشاهير علماء الأمصار: ت: 323، الاغاني: 3 / 120 - 121، حلية الأولياء: 1 / 147 - 151، الاستيعاب: 2 / 26، تاريخ دمشق: 10 / 353، ابن عساكر: 3 / 223 / 1، أسد الغابة: 1 / 243، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 136 - 137، تهذيب الكمال: 167، دول الإسلام: 1 / 16، تاريخ الإسلام: 2 / 31، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 / 299 - 300، العقد الثمين: 3 / 378 - 380، تهذيب التهذيب: 1 / 502، الإصابة: 1 / 273، خلاصة تذهيب الكمال: 53، كنز العمال: 13 / 305 - 308، شذرات الذهب: 1 / 31، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 304 - 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فَأَلْبَسُوْهُمْ أَدْرَاعَ الحَدِيْدِ، وَصَهَرُوْهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُم أَحَدٌ إِلاَّ وَأَتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلٌ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ الوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوْفُوْنَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَحَدٌ أَحَدٌ (1) . وَلَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ صَحِيْحٌ. أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ: (حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خشفَةَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ) . قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُوْراً تَامّاً فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ لِرَبِّي مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّي (2) . حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَصْبَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا بِلاَلاً، فَقَالَ: (بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلاَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، إِنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ البَارِحَةَ، فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، وَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ) . فَقَالَ بِلاَلٌ: مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلاَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ إِلاَّ تَوَضَّأْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلِّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ أَرْكَعُهُمَا. فَقَالَ: (بِهَا) (3) .   (1) إسناده حسن. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 149 من طريق: عثمان بن أبي شيبة، وأبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن أبي بكير، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله ... ، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 166، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 48 من طريق: جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد قال ... ، بأطول مما هنا، وهذا سند صحيح لكنه مرسل، صححه الحاكم 3 / 248 ووافقه الذهبي. وانظر " الإصابة " 12 / 316. (2) أخرجه البخاري (1149) في التهجد: باب فضل الطهور بالليل والنهار. ومسلم (2428) في الفضائل: باب فضائل بلال. والخشفة: الحركة وزنا ومعنى. وقال أبو عبيد: الخشفة: الصوت ليس بالشديد. (3) أخرجه أحمد 5 / 354، 360، والترمذي (3690) في المناقب: باب قصر عظيم لعمر في الجنة. والطبراني (1012) في " الكبير "، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 150 وصححه الحاكم 3 / 285 ووافقه الذهبي. انظر ما قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ: عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خشفَةً. فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قِيْلَ: بِلاَلٌ (1)) . عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ العَرَبِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ، وَبِلاَلٌ سَابِقُ الحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ (2)) . المَسْعُوْدِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِلاَلٌ (3) . ابْنُ المُنْكَدِرِ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ عُمَرُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، أَعْتَقَ بِلاَلاً سَيِّدَنَا (4) . عُمَرُ بنُ حَمْزَةَ: عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ شَاعِراً مَدَحَ بِلاَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فَقَالَ: وَبِلاَلٌ عَبْدُ اللهِ خَيْرُ بِلاَلِ ... فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبْتَ، بَلْ: وَبِلاَلُ رَسُوْلِ اللهِ خَيْرُ بِلاَلِ.   (1) أخرجه أحمد 3 / 179، 263 من طرق عن حميد عن أنس..، وأخرجه أحمد 3 / 372، 390، وأبو نعيم 1 / 150 من طريق عبد العزيز والبخاري (3679) في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب، و (5226) و (7024) كلهم من طريق محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " رأيتني دخلت الجنة. فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة. وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال لعمر. فأردت أن أدخله فانظر إليه، فذكرت غيرتك. فقال عمر: أعليك أغار "؟. وانظر ما قبله أيضا. (2) إسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة بن زاذان. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 149 و185، والحاكم 3 / 285، وقال: تفرد به عمارة بن زاذان، وأقره الذهبي. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 167. (4) أخرجه البخاري (3754) في المناقب: باب مناقب بلال، وابن سعد 3 / 1 / 166 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 147، وصححه الحاكم 3 / 284 ووافقه الذهبي، وهو في الطبراني (1015) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَفِي حَدِيْثِ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ (1) ، فَقُلْتُ: مَنِ اتَّبَعَكَ؟ قَالَ: (حُرٌّ وَعَبْدٌ) . فَإِذَا مَعَهُ: أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ (2) . وَفِي كُنْيَةِ بِلاَلٍ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: أَبُو عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَمْرٍو. نَقَلَهَا الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ.   (1) عبسة تحرفت في المطبوع إلى عنبسة ". (2) هو قطعة من حديث أخرجه مسلم (832) في صلاة المسافرين: باب إسلام عمرو بن عبسة، عن أبي أمامة قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: " كنت، وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا علي شيء وهم يعبدون الاوثان. فسمعت برجل، بمكة، يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه. فإذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مستخفيا، جزءاء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة. فقلت له: ما أنت؟ قال: أنا نبي. فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الارحام، وكسر الاوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء. قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد (وقال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به) . فقلت: إني متبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت، فائتني. قال: فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة، وكنت في أهلي: فجعلت أتخبر الاخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم علي نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة. قال: فقلت: بلي. فقلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك الله، وأجهله؟ أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح. ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع، حين تطلع، بين قرني شيطان. حينئذ يسجد لها الكفار. ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الضل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم. فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس. فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار. قال: فقلت يا نبي الله: فالوضوء؟ حدثني عنه. قال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن قام فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ". وجرءاء مفردها جرئ. والجرأة: الاقدام والتسلط. وأتخبر الاخبار: أسألها. ومشهودة: أي تشهدها = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَكَعْبُ بنُ عُجْرَةَ، وَالصُّنَابِحِيُّ، وَالأَسْوَدُ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَا، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ. قَالَ أَيُّوْبُ بنُ سَيَّارٍ أَحَدُ التَّلْفَى: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بِلاَلٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ (1)) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: بِلاَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ مُوَلَّدِي السَّرَاةِ، كَانَتْ أُمُّهُ حَمَامَةُ لِبَنِي جُمَحٍ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: بِلاَلٌ أَخُو خَالِدٍ وَغُفْرَةَ (3) ، مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ بِالشَّامِ. وَذَكَرَ الكُنَى الثَّلاَثَةَ.   = الملائكة. ومحضورة: أي يحضرها أهل الطاعات. ويستقل الظل بالرمح: أي في حالة الاستواء حيث لا يميل الظل لا إلى المشرق ولا إلى المغرب. (1) أيوب: تركة النسائي، وقال يحيى: كذاب، وأخرجه الطبراني (1016) في " الكبير " وذكره الهيثمي في " المجمع " 1 / 315 ونسبه إلى البزار، وقال: حديث غريب، وأيوب متروك. لكن الحديث صحيح من طريق آخر. فقد أخرجه أحمد 3 / 465 و4 / 140، 142، 143، وأبو داود (424) في الصلاة: باب وقت الصبح، والترمذي (154) في الصلاة: باب ما جاء في الاسفار بالفجر، والنسائي 1 / 272 في الصلاة: باب الاسفار، وابن ماجه (672) في الصلاة: باب وقت صلاة الفجر، والطحاوي 1 / 105، والبيهقي 1 / 277 كلهم من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال ... ، وهذا سند صحيح. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان (262) (263) وغير واحد من العلماء. ومعنى الحديث كما قال الطحاوي: أن يدخل في الفجر وقت التغليس ويطول القراءة، حتى ينصرف عنها مسفرا. وقال: وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، والحسن. وانظر " إعلام الموقعين ". (2) في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 165. (3) كذا في الأصل. وفي أسد الغابة، والاصابة " غفيرة " وكذلك هي في " التاريخ الصغير " للبخاري 1 / 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قَالَ عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ المُسَيِّبِ، فَذَكَرَ بِلاَلاً، فَقَالَ: كَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، وَكَانَ يُعَذَّبُ فِي اللهِ، فَلَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ ابْتَعْنَا بِلاَلاً) . فَلَقِيَ أَبُو بَكْرٍ العَبَّاسَ، فَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِلاَلاً. فَاشْتَرَاهُ العَبَّاسُ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْتَقَهُ (1) . مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الطَّحَّانُ: أَنْبَأَنَا أَبِي، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ مَوَالِي بِلاَلٍ يُضْجِعُوْنَهُ عَلَى بَطْنِهِ، وَيَعْصِرُوْنَهُ، وَيَقُوْلُوْنَ: دِيْنُكَ اللاَّتُ وَالعُزَّى. فَيَقُوْلُ: رَبِّيَ اللهُ، أَحَدٌ أَحَدٌ، وَلَوْ أَعْلَمُ كَلِمَةً أَحْفَظُ لَكُم مِنْهَا لَقُلْتُهَا. فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ بِهِم، فَقَالُوا: اشْتَرِ أَخَاكَ فِي دِيْنِكَ. فَاشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً، فَأَعْتَقَهُ. فَقَالُوا: لَوْ أَبَى إِلاَّ أُوْقِيَّةً لَبِعْنَاهُ. فَقَالَ: وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَوْ أَبَيْتُم إِلاَّ بِكَذَا وَكَذَا - لِشَيْءٍ كَثِيْرٍ - لاَشْتَرَيْتُهُ (2) . وَفِي السِّيْرَةِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَاهُ بِعَبْدٍ أَسْوَدَ مُشْرِكٍ مِنْ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ (3) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَرَّ وَرَقَةُ بنُ نَوْفَلٍ بِبِلاَلٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ عَلَى الإِسْلاَمِ، يُلْصَقُ ظَهْرُهُ بِالرَّمْضَاءِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا بِلاَلُ! صَبْراً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ قَتَلْتُمُوْهُ لأَتَّخِذَنَّهُ حَنَاناً (4) . هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَمْ يَعِشْ وَرَقَةُ إِلَى ذَلِكَ الوَقْتِ. هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ بِلاَلاً لَمَّا ظَهَرَ مَوَالِيْهِ عَلَى إِسْلاَمِهِ، مَطُّوْهُ فِي   (1) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 32 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر عن عطاء، وهو في " أسد الغابة " 1 / 243. (2) محمد بن خالد الطحان ضعيف. (3) ابن هشام 1 / 318. (4) ابن هشام 1 / 318، و" الحلية " 1 / 148، و" أسد الغابة " 1 / 243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الشَّمْسِ، وَعَذَّبُوْهُ، وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: إِلَهُكَ اللاَّتُ وَالعُزَّى. وَهُوَ يَقُوْلُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: عَلاَمَ تَقْتُلُوْنَهُ؟ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُطِيْعِكُمْ. قَالُوا: اشْتَرِهِ. فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ، فَأَعْتَقَهُ (1) . وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (الشّركَةَ يَا أَبَا بَكْرٍ) . قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ (2) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلاَلاً وَهُوَ مَدْفُوْنٌ فِي الحِجَارَةِ بِخَمْسِ أَوَاقٍ ذَهَباً. فَقَالُوا: لَوْ أَبَيْتَ إِلاَّ أُوْقِيَّةً لَبِعْنَاكَهُ. قَالَ: لَوْ أَبَيْتُم إِلاَّ مَائَةَ أُوْقِيَّةٍ لأَخَذْتُهُ (3) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. إِسْرَائِيْلُ (4) : عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ نَفَرٍ. فَقَالَ المُشْرِكُوْنَ: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ عَنْكَ، فَلاَ يَجْتَرِؤُوْنَ عَلَيْنَا. وَكُنْتُ أَنَا، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَآخَرَانِ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُم ... } ، الآيَتَيْنِ [الأَنْعَامُ: 52، 53] (5) .   (1) ابن سعد 3 / 1 / 165، ومط الشئ يمطه مطأ إذا مده. وقد تحرفت " مطوه " في المطبوع إلى " حطوه ". (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 165 من طريق: عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين. ورجاله ثقات لكنه منقطع. (3) أخرجه أبو نعيم في " حلية الأولياء " 1 / 150. (4) تحرفت في المطبوع إلى " إسماعيل ". وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، الهمداني، الثقة. (5) أخرجه مسلم (2413) (46) في فضائل الصحابة: باب فضائل سعد بن أبي وقاص. والطبري (13263) في التفسير، وابن ماجه (4128) في الزهد: باب مجالسة الفقراء، من طريق: قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح به. وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 13 ونسبه إلى أحمد والفريابي، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في دلائل النبوة، والحاكم، وأبي نعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِلاَلٌ سَابِقُ الحَبَشَةِ (1)) . قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُوْلُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيْرَتَهُ، وَيَقُوْلُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيْلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنَّ لِي شَامَةٌ وَطَفِيْلُ اللَّهُمَّ الْعَنْ عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُوْنَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ (2) . الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 59 وهو منقطع. وقد تقدم من طريق آخر قبل قليل. (2) أخرجه البخاري (1889) في فضائل المدينة: باب (12) ، (3926) في مناقب الانصار: باب مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المدينة، و (5654) في المرضى: باب عيادة الرجال النساء، و (5677) فيه: باب من دعا برفع الوباء والحمى. وأحمد 6 / 260، وابن سعد 3 / 1 / 165 كلهم من طريق: هشام، عن أبيه، عن عائشة ... وتمامه، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا. وانقل حماها إلى الجفحة " قالت: وقدمت المدينة وهي أوبأ أرض الله. قالت: وكان بطحان يجري نجلا - تعني: ماء آجنا ". ووعك: بضم أوله، أصابه الوعك وهو الحمى. ومصبح: بوزن محمد: أي مصاب بالموت صباحا. شراك نعله: اليسر الذي يكون في وجه النعل. ويرفع عقيرته: أي يرفع صوته بغناء أو بكاء. ومجنة: موضع على أميال من مكة وكان به سوق. شامة وطفيل: جبلان بقرب مكة. وقال الخطابي: كنت أحسبهما جبلين حتى ثبت عندي أنهما عينان. وقد تحرفت في المطبوع " عنه " في قوله " أقلع عنه " إلى " عن مجنة ". والابيات في " معجم البلدان " 3 / 315 وفيه: " بفخ " بدل " بواد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اشْتَاقَتِ الجَنَّةُ إِلَى ثَلاَثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَبِلاَلٍ (1)) . أَبُو رَبِيْعَةَ عُمَرُ بنُ رَبِيْعَةَ الإِيَادِيُّ: ضَعِيْفٌ. حُسَامُ بنُ مِصَكٍّ (2) : عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ رَبِيْعَةَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ يَرْفَعُهُ: (نِعْمَ المَرْءُ بِلاَلٌ، سَيِّدُ المُؤَذِّنِيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالمُؤَذِّنُوْنَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ القِيَامَةِ (3)) . وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ ضَعِيْفَةٌ. وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ وَاهٍ مِنْ مَرَاسِيْلِ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ: (يُؤْتَى (4) بِلاَلٌ بِنَاقَةٍ مِنْ نُوْقِ الجَنَّةِ، فَيَرْكَبُهَا) . ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ (5) بنِ جَابِرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَادَةُ السُّوْدَانِ: لُقْمَانُ، وَالنَّجَاشِيُّ، وَبِلاَلٌ، وَمِهْجَعٌ) (6) .   (1) أخرجه الترمذي (3798) في المناقب: باب مناقب سلمان، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح، وصححه الحاكم 3 / 137 ووافقه الذهبي. وفيهما " سلمان " بدل " بلال " وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 190 وفيه رابع لهم وهو المقداد. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 344 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الايادي. وقد حسن الترمذي حديثه. وانظر " المجمع " أيضا 9 / 307. (2) حسام بن مصك قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف يكاد أن يترك وقد تحرفت " مصك " في المطبوع إلى " معيك ". (3) إسناده ضعيف لضعف حسام بن مصك، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 147. وصححه الحاكم 3 / 285 وقال: تفرد به حسام. ونسبه صاحب الكنز (33164) إلى ابن عدي، والطبراني. لكن قوله: " المؤذنون أطول الناس أعناقا " صحيح بشاهده عند مسلم (387) في الصلاة: باب فضل الاذان، من حديث معاوية. (4) تحرفت في المطبوع إلى " تولى ". (5) تحرفت في المطبوع إلى " زيد " وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، الداراني (6) إسناده ضعيف لارساله، وأخرجه الحاكم 3 / 284 من طريق آخر عن واثلة بن الاسقع بلفظ: " خير السودان ثلاثة: لقمان وبلال ومهجع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومهجع لا يعرف في موالي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو من السودان، وإنما هو عربي من عك، أصابه سباء، فمن عليه عمر، فأعتقه. انظر " الإصابة " 9 / 297. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 رَوَاهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ مُعْضَلاً (1) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلاَلاً وَقْتَ الفَتْحِ، فَأَذَّنَ فَوْقَ الكَعْبَةِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدِ بنِ عَمَّارٍ المُؤَذِّنُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي عَبْدُ اللهِ (3) بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمَّارُ بنُ حَفْصٍ، وَأَخُوْهُ عُمَرُ، عَنْ آبَائِهِم، عَنْ أَجْدَادِهِم: أَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ بِثَلاَثِ عَنْزَاتٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَى عَلِيّاً وَاحِدَةً، وَعُمَرَ وَاحِدَةً، وَأَمْسَكَ وَاحِدَةً، فَكَانَ بِلاَلٌ يَمْشِي بِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي العِيْدَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلَّى، فَيَرْكِزُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، ثُمَّ كَانَ يَمْشِي بِهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ سَعْدٌ القَرَظُ يَمْشِي بِهَا بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. قَالُوا: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ بِلاَلٌ يُرِيْدُ الجِهَادَ (4) إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: (أَفْضَلُ عَمَلِ المُؤْمِنِ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ) . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَا تَشَاءُ يَا بِلاَلُ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُرَابِطَ فِي سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى أَمُوْتَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ يَا بِلاَلُ! وَحُرْمَتِي وَحَقِّي، فَقَدْ كَبِرْتُ، وَضَعُفْتُ، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي. فَأَقَامَ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ. ثُمَّ أَتَى عُمَرُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَأَبَى بِلاَلٌ،   (1) الحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي، وهو من أقسام الضعيف لا نقطاعه. (2) مرسل. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 167 من طريق: عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة وغيره. ورجاله ثقات لكنه مرسل أيضا. وانظر ابن هشام 2 / 413. (3) تحرفت في المطبوع إلى " عبد الرحمن ". (4) سقط من المطبوع " يريد الجهاد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فَقَالَ: إِلَى مَنْ تَرَى أَنْ أَجْعَلَ النِّدَاءَ؟ قَالَ: إِلَى سَعْدٍ، فَقَدْ أَذَّنَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَجَعَلَهُ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ وَعَقِبِهِ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، قَالَ لَهُ بِلاَلٌ: أَعْتَقْتَنِي لِلِّهِ أَوْ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: لِلِّهِ. قَالَ: فَائْذَنْ لِي فِي الغَزْوِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ ثَمَّ (2) . مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسلمٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنُ جَابِرٍ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ بِلاَلاً لَمْ يُؤَذِّنْ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرَادَ الجِهَادَ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ مَنْعَهُ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلِّهِ، فَخَلِّ سَبِيْلِي. قَالَ: فَكَانَ بِالشَّامِ، حَتَّى قَدِمَ عُمَرُ الجَابِيَةَ، فَسَأَلَ المُسْلِمُوْنَ عُمَرَ أَنْ يَسْأَلَ لَهُم بِلاَلاً يُؤَذِّنُ لَهُم. فَسَأَلَهُ، فَأَذَّنَ يَوْماً، فَلَمْ يُرَ يَوْماً كَانَ أَكْثَرَ بَاكِياً مِنْ يَوْمَئِذٍ، ذِكْراً مِنْهُم لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ الوَلِيْدُ: فَنَحْنُ نَرَى أَنَّ أَذَانَ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَذَانِهِ يَوْمَئِذٍ (3) . هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمْنَا الشَّامَ مَعَ عُمَرَ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ، فَذَكَرَ النَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَرَ يَوْماً أَكْثَرَ بَاكِياً مِنْهُ. أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ (4) : أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 168 والطبراني (1013) ، وأخرجه الطبراني مختصرا أيضا (1076) . وذكر بعضه الهيثمي في " المجمع " 5 / 274 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن سعد، وهو ضعيف. (2) سنده منقطع، وعلي بن زيد ضعيف. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 169. (3) رجاله ثقات لكنه منقطع. (4) هو محدث خراسان، الامام الحافظ محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق، النيسابوري الكرابيسي. مؤلف كتاب " الكنى " وصفه تلميذه الحاكم صاحب " المستدرك " بقوله: هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شوارد الصحيح، والاسامي والكنى، توفي سنة 378 هـ. انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 976 - 977. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي سُلَيْمَانَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عُمَرُ الشَّامَ، سَأَلَ بِلاَلٌ أَنْ يُقِرَّهُ بِهِ، فَفَعَلَ. قَالَ: وَأَخِي أَبُو رُوَيْحَةَ الَّذِي آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَنَزَلَ بِدَارَيَّا فِي خَوْلاَنَ، فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوْهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَوْلاَنَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَتَيْنَاكُم خَاطِبِيْنَ، وَقَدْ كُنَّا كَافِرِيْنَ فَهَدَانَا اللهُ، وَمَمْلُوْكِيْنَ فَأَعْتَقَنَا اللهُ، وَفَقِيْرِيْنَ فَأَغْنَانَا اللهُ، فَإِنْ تُزَوِّجُوْنَا فَالحَمْدُ للهِ، وَإِن تَرُدُّوْنَا فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. فَزَوَّجُوْهُمَا. ثُمَّ إِنَّ بِلاَلاً رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: (مَا هَذِهِ الجَفْوَةُ يَا بِلاَلُ؟ أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَزُوْرَنِي؟) . فَانْتَبَهَ حَزِيْناً، وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَقَصَدَ المَدِيْنَةَ، فَأَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يَبْكِي عِنْدَهُ، وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُمَا، وَيُقَبِّلُهُمَا. فَقَالاَ لَهُ: يَا بِلاَلُ! نَشْتَهِي أَنْ نَسْمَعَ أَذَانَكَ. فَفَعَلَ، وَعَلاَ السَّطْحَ، وَوَقَفَ. فَلَمَّا أَنْ قَالَ: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ. فَلَمَّا أَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، ازْدَادَ رَجَّتُهَا. فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، خَرَجَتِ العَوَاتِقُ مِنْ خُدُوْرِهِنَّ. وَقَالُوا: بُعِثَ رَسُوْلُ اللهِ. فَمَا رُؤِيَ يَوْمٌ أَكْثَرَ بَاكِياً وَلاَ بَاكِيَةً بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ (1) . إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ، وَهُوَ مُنْكَرٌ. قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ (2) ، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ،   (1) أورده بطوله ابن الأثير في " أسد الغابة " 1 / 244 - 245 بغير سند. (2) في الأصل " سعد " وما أثبتناه هو الصواب. وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري، النجاري، أبو سعيد القاضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فَجَعَلَ (1) يَصِفُ مَنَاقِبَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سَيِّدُنَا بِلاَلٌ، حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِهِ. أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: بَلَغ بِلاَلاً أَنَّ نَاساً يُفَضِّلُوْنَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ يُفَضِّلُوْنِي عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَنَا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِهِ؟! الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى بِلاَلاً: رَجُلاً آدَمَ، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، نَحِيْفاً، طُوَالاً، أَجْنَأَ (2) ، لَهُ شَعْرٌ كَثِيْرٌ، وَخَفِيْفُ العَارِضَيْنِ، بِهِ شَمَطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ (3) . وَقِيْلَ: كَانَ بِلاَلٌ تِرْبَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمَّا احْتُضِرَ بِلاَلٌ قَالَ: غَداً نَلْقَى الأَحِبَّهْ ... مُحَمَّداً وَحِزْبَهْ قَالَ: تَقُوْلُ امْرَأَتُهُ: وَاوَيْلاَهُ. فَقَالَ: وَافَرَحَاهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ (4) إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ بِلاَلٌ سَنَةَ عِشْرِيْنَ بِدِمَشْقَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيْرِ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ: دُفِنَ بِبَابِ كِيْسَانَ (5) . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حُمِلَ مِنْ دَارَيَّا، فَدُفِنَ بِبَابِ كِيْسَانَ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ   (1) سقطت لفظة " فجعل " من المطبوع. (2) أجنأ: أحدب الظهر. (3) في سنده جهالة، والواقدي متروك. وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 170 (4) سقطت لفظة " بن " من المطبوع. (5) منسوب إلى كيسان مولى معاوية. وهو بالقرب من الباب الشرقي، وانظر " تاريخ دمشق " لابن عساكر 1 / 185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: مَاتَ بِلاَلٌ فِي دَارَيَّا، وَحُمِلَ، فَقُبِرَ فِي بَابِ الصَّغِيْرِ. وَقَالَ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي (تَارِيْخِ دَارَيَّا) : سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ خَوْلاَنَ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ قَبْرَهُ بِدَارَيَّا، بِمَقْبَرَةِ خَوْلاَنَ. وَأَمَّا عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ (1) ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ الحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: مَاتَ بِلاَلٌ بِحَلَبٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ الأَرْبَعِيْنَ. جَاءَ عَنْهُ: أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : أَرْبَعَةٌ، المُتَّفَقُ عَلَيْهَا: وَاحِدٌ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ مَوْقُوْفٍ. 77 - ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ * مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ: فَأَهْلُ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُوْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ زَائِدَةَ بنِ الأَصَمِّ بنِ رَوَاحَةَ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ. وَأَمَّا أَهْلُ العِرَاقِ: فَسَمَّوْهُ عَمْراً. وَأُمُّهُ أُمُّ مَكْتُوْمٍ: هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَنْكَثَةَ بنِ عَامِرِ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ المَخْزُوْمِيَّةُ. مِنَ السَّابِقِيْنَ المُهَاجِرِيْنَ. وَكَانَ ضَرِيْراً، مُؤَذِّناً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ بِلاَلٍ، وَسَعْدٍ القَرَظِ، وَأَبِي مَحْذُوْرَةَ،   (1) هو عثمان بن عبد الله، بن محمد بن خرزاذ بضم الخاء وتشديد الراء بعدهما زاي. ثقة، مات سنة 281 هـ وقد تحرفت في المطبوع إلى " جرزاد ". (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 150، المعارف: 290، مشاهير علماء الأمصار: ت: 53، حلية الأولياء: 2 / 4، الاستيعاب: 7 / 41، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 295 - 296، العبر: 1 / 19، الإصابة: 7 / 83، شذرات الذهب، 1 / 28، أسد الغابة 4 / 263، الإصابة ت (5764) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مُؤَذِّنِ مَكَّةَ. هَاجَرَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِيَسِيْرٍ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَرِمُهُ، وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَيُصَلِّي بِبَقَايَا النَّاسِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرَو بنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، يَؤُمُّ النَّاسَ، وَكَانَ ضَرِيْراً (1) ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، كَذَا قَالَ. وَالمَحْفُوْظُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا اسْتَعْمَلَ عَلَى المَدِيْنَةِ عَامَئِذٍ: عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ (2) . وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ مَرَّتَيْنِ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَكَانَ أَعْمَى (3) . وَرَوَى: مُجَالِدٌ (4) ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ عَلَى المَدِيْنَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ (5) ، فَهَذَا يُبْطِلُ مَا تَقَدَّمَ. وَيُبْطِلُهُ أَيْضاً: حَدِيْثُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ. فَقَالُوا لَهُ: مَا فَعَلَ مَنْ وَرَاءكَ؟ قَالَ: هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِي (6) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ البَرَاءَ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِ النَّاسَ القُرْآنَ (7) .   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 51. (2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (4416) في المغازي، باب: غزوة تبوك، من حديث مصعب بن سعد عن أبيه " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج إلى تبوك واستخلف عليا. قال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". (3) أخرجه هكذا مرسلا ابن سعد 4 / 1 / 151 ووصله أحمد 3 / 132، 192 وأبو داود (595) في الصلاة: باب إمامة الاعمى و (2931) في الخراج والامارة: باب في الضرير يولى، كلاهما من طريق ابن مهدي عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس. (4) هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني. ليس بالقوي، وقد تغير بأخرة، وقد تصحف في المطبوع إلى " مجاهد ". (5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151. (6) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151. (7) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151، والحاكم 3 / 634 ورجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظِلاَلٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ، فَقَالَ: مَتَى ذَهَبَتْ عَيْنُكَ؟ قُلْتُ: وَأَنَا صَغِيْرٌ. فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، فَقَالَ: (مَتَى ذَهَبَ بَصَرُكَ؟) . قَالَ: وَأَنَا غُلاَمٌ. فَقَالَ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِذَا أَخَذْتُ كَرِيْمَةَ عَبْدِي لَمْ أَجِدْ لَهُ جَزَاءً إِلاَّ الجَنَّةَ (1)) . قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ مُؤَذِّناً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَعْمَى (2) . وَرَوَى: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ بَعْضِ مُؤَذِّنِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ، وَيُقِيْمُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، وَرُبَّمَا أَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، وَأَقَامَ بِلاَلٌ (3) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ) . وَكَانَ أَعْمَى، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ (4) . قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُم عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأُنْزِلَتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151، والترمذي (2402) في الزهد: باب ما جاء في ذهاب البصر. وحسنه مع أن أبا ظلال، واسمه هلال بن أبي هلال، ضعيف، لكن أخرجه البخاري 10 / 100 في المرضى: باب فضل من ذهب بصره، من طريق، عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن ابن الهاد، عن عمر مولى المطلب، عن أنس قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " وفي الباب عن أبي أمامة عند أحمد 5 / 258. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 152. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 152. (4) أخرجه أحمد 2 / 123، والبخاري (617) في الاذان، باب: أذان الاعمى إذا كان له من يخبره، و (620) فيه: باب الاذان بعد الفجر، و (1918) و (2656) و (7248) ، ومسلم (1092) في الصيام: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وانظر ابن سعد 4 / 1 / 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 جَاءهُ الأَعْمَى (1) } [عَبَس: 1، 2] . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ نُوْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَكَانَ يَجْمَعُ بِهِم، وَيَخْطُبُ إِلَى جَنْبِ المِنْبَرِ، يَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ (2) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: نَزَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ عَلَى يَهُوْدِيَّةٍ بِالمَدِيْنَةِ كَانَت تَرْفُقُهُ وَتُؤْذِيْهِ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنَاوَلَهَا، فَضَرَبَهَا، فَقَتَلَهَا. فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ هُوَ: أَمَا وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَتَرْفُقُنِي، وَلَكِنْ آذَتْنِي فِي اللهِ وَرَسُوْلِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبْعَدَهَا اللهُ، قَدْ أَبْطَلْتُ دَمَهَا (3)) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ} ، دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْداً، وَأَمَرَهُ، فَجَاءَ بِكَتِفٍ وَكَتَبَهَا. فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، فَشَكَا ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النِّسَاءُ: 95] (4) .   (1) هو في الطبقات 4 / 1 / 153 ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع. وذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 314 عن عائشة، ونسبه إلى ابن المنذر، وابن مردويه. (2) إسناده ضعيف، لضعف الواقدي. وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 153. (3) رجاله ثقات. وأخرجه أبو داود (4362) في الحدود من طريق جرير، عن المغيرة، عن الشعبي، عن علي، رضي الله عنه، أن يهودية كانت تشتم النبي، صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه. فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دمها ". ورجاله ثقات. وانظر ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث في " الصارم المسلول " ص: 60. وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154 من طريق قبيصة بن عقبة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل..ورجاله ثقات. وقد سقطت لفظة " أبي " من المطبوع. (4) أخرجه البخاري (4593) و (4594) والترمذي (3034) كلاهما في التفسير. وقوله: " غير " ضبط في الأصل بفتح الراء وهي قراءة نافع وابن عامر والكسائي، وقرأ الباقون برفع الراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ قَالَ: أَيْ رَبِّ! أَنْزِلْ عُذْرِي. فَأُنْزِلَتْ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} . فَكَانَ بَعْدُ يَغَزْو، وَيَقُوْلُ: ادْفَعُوا إِلَيَّ اللِّوَاءَ، فَإِنِّي أَعْمَى لاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَفِرَّ، وَأَقِيْمُوْنِي بَيْنَ الصَّفَيْنِ (1) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَانِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَشِيَتْهُ السَّكِيْنَةُ، فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَمَا وَجَدْتُ شَيْئاً أَثْقَلَ مِنْهَا، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: (اكْتُبْ) . فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُجَاهِدُوْنَ} . فَقَامَ عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ، فَقَالَ: فَكَيْفَ بِمَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ؟ فَمَا انْقَضَى كَلاَمُهُ حَتَّى غَشِيَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّكِيْنَةُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ: (اكْتُبْ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} ) . قَالَ زَيْدٌ: أَنْزَلَهَا اللهُ وَحْدَهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعِ الكَتِفِ (2) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ أُمِّ مَكْتُوْمٍ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ، عَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ (3) .   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، به. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 155 من طريق: سعيد بن منصور، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت قال ... ، وأخرجه البخاري (4592) في التفسير: باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله، والترمذي (3036) في التفسير: باب ومن سورة النساء كلاهما من طريق: صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد، أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أملى عليه (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فجاءه ابن أم مكتوم، وهي يملها علي، قال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، وفخذه على فخذي، فثقلت علي، حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه. فأنزل الله (غير أولي الضرر) . (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ زَائِدَةَ - وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ - كَانَ يُقَاتِلُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ حَصِيْنَةٌ سَابِغَةٌ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ القَادِسِيَّةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَاتَ بِهَا، وَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ بَعْدَ عُمَرَ. قُلْتُ: وَيُقَالُ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلٌ، وَأَبُو رَزِيْنٍ الأَسَدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَالقَادِسِيَّةُ: مَلْحَمَةٌ كُبْرَى (2) ، تَمَّتْ بِالعِرَاقِ، وَعَلَى المُسْلِمِيْنَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَلَى المُشْرِكِيْنَ رُسْتُمٌ، وَذُوْ الحَاجِبِ، وَالجَالِيْنُوْسُ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: كَانَ المُسْلِمُوْنَ أَزْيَدَ مِنْ سَبْعَةِ آلاَفٍ، وَكَانَ العَدُوُّ أَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سِتِّيْنَ أَلْفاً، مَعَهُم سَبْعُوْنَ فِيْلاً. قَالَ المَدَائِنِيُّ: اقْتَتَلُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فِي آخِرِ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَقُتِلَ رُسْتُمٌ، وَانْهَزَمُوا.   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154. (2) القادسية: موضع في العراق غربي النجف بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا، وهناك آراء في سبب تسميتها تراجع في " معجم البلدان " 4 / 291 - 293. وفيها حدثت المعركة الفاصلة التي قصمت ظهر فارس، وجعلتها أثرا بعد عين، فلم تقم لها قائمة بعد هذه الوقعة المظفرة. وفيها يقول بشر بن ربيعة: تذكر، هداك الله، وقع سيوفنا * بباب قديس، والمكر ضرير عشية ود القوم لو أن بعضهم * يعار جناحي طائر فيطير إذا برزت منهم إلينا كتيبة * أتونا بأخرى كالجبال تمور فضاربتهم حتى تفرق جمعهم * وطاعنت، إني بالطعان مهير وانظر خبر هذه المعركة في " الطبري "، وابن الأثير في " كامله "، و" البداية " لابن كثير و" تاريخ الإسلام " للمؤلف في أحداث سنة (16) هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 78 - خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ بنِ كَعْبٍ. سَيْفُ اللهِ -تَعَالَى- وَفَارِسُ الإِسْلاَمِ، وَلَيْثُ المَشَاهِدِ، السَّيِّدُ الإِمَامُ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، قَائِدُ المُجَاهِدِيْنَ، أَبُو سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ، وَابْنُ أُخْتِ أُمِّ (1) المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ بِنْتِ الحَارِثِ. هَاجَرَ مُسْلِماً فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ سَارَ غَازِياً، فَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَاسْتُشْهِدَ أُمَرَاءُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثَّلاَثَةُ: مَوْلاَهُ زَيْدٌ، وَابْنُ عَمِّهِ جَعْفَرٌ ذُوْ الجَنَاحَيْنِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ، وَبَقِيَ الجَيْشُ بِلاَ أَمِيْرٍ، فَتَأَمَّرَ عَلَيْهِم فِي الحَالِ خَالِدٌ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ، وَحَمَلَ عَلَى العَدُوِّ، فَكَانَ النَّصْرُ. وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَيْفَ اللهِ، فَقَالَ: (إِنَّ خَالِداً سَيْفٌ سَلَّهُ اللهُ عَلَى المُشْرِكِيْنَ) . وَشَهِدَ الفَتْحَ، وَحُنَيْناً، وَتَأَمَّرَ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاحْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَلاَمَتَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَحَارَبَ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَمُسَيْلِمَةَ، وَغَزَا العِرَاقَ، وَاسْتَظْهَرَ، ثُمَّ اخْتَرَقَ البَرِّيَّةَ السَّمَاوِيَّةَ بِحَيْثُ إِنَّهُ قَطَعَ المَفَازَة مِنْ حَدِّ العِرَاقِ إِلَى أَوَّلِ الشَّامِ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي عَسْكَرٍ مَعَهُ، وَشَهِدَ حُرُوْبَ الشَّامِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي جَسَدِهِ قِيْدُ شِبْرٍ إِلاَّ وَعَلَيْهِ   (*) المسند لأحمد: 4 / 88، ابن هشام: 2 / 276 - 279، طبقات ابن سعد: 4 / 2 / 1، 7 / 2 / 118، نسب قريش: 320 - 322، طبقات خليفة: 19 - 20، 299، تاريخ خليفة: 86، 88، 92، 150، التاريخ الصغير: 1 / 23، 40، المعارف: 267، الجرح والتعديل: 3 / 356، مشاهير علماء الأمصار: ت: 157، الاستيعاب: 3 / 163، ابن عساكر: 5 / 264 / 2، أسد الغابة: 2 / 109، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 172 - 174، تهذيب الكمال: 370، دول الإسلام: 1 / 16، العبر: 1 / 25، ابن كثير: 7 / 113 - 118، مجمع الزوائد: 9 / 348 - 350، العقد الثمين: 4 / 289 - 297، تهذيب التهذيب: 3 / 142، الإصابة: 3 / 70، خلاصة تذهيب الكمال: 103، كنز العمال: 13 / 366 - 375، شذرات الذهب: 1 / 232، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 5 / 95 - 117. (1) تحرفت في المطبوع إلى " أمير ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 طَابَعُ الشُّهَدَاءِ. وَمَنَاقِبُهُ غَزِيْرَةٌ، أَمَّرَهُ الصِّدِّيْقُ عَلَى سَائِرِ أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ، فَافْتَتَحَهَا هُوَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ. عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنَ الأَبْطَالِ، وَمَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَلاَ قَرَّتْ أَعْيُنُ الجُبَنَاءِ. تُوُفِّيَ بِحِمْصَ (1) ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَمَشْهَدُهُ عَلَى بَابِ حِمْصَ، عَلَيْهِ جَلاَلَةٌ.   (1) لقد اضطربت كتب التراجم في تحديد مكان وفاة خالد بن الوليد، رضي الله عنه، أكانت الوفاة بحمص أم بالمدينة. ولعل تقليب النظر، وإمعانه في الآثار الواردة يقود إلى شيء تطمئن إليه النفس. آ - قال ابن المبارك في كتاب الجهاد، عن حماد بن زيد، عن عبد الله بن المختار، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل - ثم شك حماد في أبي وائل - قال: ... إلى قوله: " فلما توفي خرج عمر في جنازته فقال: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة ". ب - وروى يحيى القطان، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: وذكر نحوه. ج - وذكر أبو حذيفة في " المبتدأ والفتوح " عن محمد بن إسحاق: لما مات خالد بن الوليد، خرج عمر في جنازته، فإذا أمه تندبه وتقول: أنت خير من ألف ألف من القوم * إذا ما كبت وجوه الرجال وذكر سيف بن عمر في " الردة والفتوح " بسند له، فيه ضعف، ونحو الحديث الذي رواه ابن المبارك. د - وروى ابن سعد، عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم: " لما توفي خالد ابن الوليد بكت عليه أمه فقال عمر: يا أم خالد أخالدا وأجره ترزثين؟ عزمت عليك إلا تثبت حتى تسود يدك من الخضاب " وهذا سند صحيح. كما قال الحافظ في " الإصابة ". هـ - وقد علق البخاري في صحيحه، قال عمر، رضي الله عنه: " دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع أو لقلقة " وقال الحافظ في " الفتح " 3 / 161: وصله المصنف في " تاريخه الأوسط "، من طريق الأعمش، عن شقيق، قال: لما مات خالد اجتمع نسوة بني المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر: أرسل إليهن فانههن. فذكره. ووأخرج البخاري في تاريخه 1 / 46 من طريق: عمر بن حفص، عن أبيه عن الأعمش، عن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَالَتِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالمِقْدَامُ بنُ مَعْدِيْ كَرِبٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ. مُسْلِمٌ: مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ - الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: سَيْفُ اللهِ - أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى خَالَتِهِ مَيْمُوْنَةَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبّاً مَحْنُوْذاً، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتْهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ يَدَهُ. فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (لاَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) . فَاجْتَرَرْتُهُ (1) ، فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ وَلَمْ يَنْهَ (2) . هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ كَائِداً مِنَ الجِنِّ يَكِيْدُنِي. قَالَ: (قُلْ: أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرْضِ، وَمَا يَخْرُجُ   = شقيق: قال: قيل لعمر: إن نسوة بني المغيرة اجتمعن في دار خالد، فقال عمر: ما عليهن أن يرقن من أعينهن على أبي سليمان؟ ز - وقال ابن كثير بعد أن أورد عدة أخبار: وهذا كله مما يقتضي موته بالمدينة النبوية. ولكن المشهور عن الجمهور أن مات بحمص. انظر " الإصابة " ت (1477) وت (940) من قسم النساء، و" فتح الباري " 3 / 160، و" البداية والنهاية " لابن كثير. و" تاريخ دمشق " لابن عساكر 5 / 264 / ب. (1) تحرفت في المطبوع إلى " فأخذته ". (2) أخرجه مسلم (1946) (44 و45) في الصيد: باب إباحة الضب ومالك ص: 599 في الاستئذان: باب ما جاء في أكل الضب، برقم (10) ، وأحمد 1 / 332، و4 / 88، 89، والبخاري (5391) في الاطعمة: باب ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يأكل، و (5400) فيه باب: الشواء، و (5537) في الذبائح: باب الضب. وأبو داود (3794) في الاطعمة: باب في أكل الضب، والنسائي 7 / 198 في الصيد: باب الضب، وابن ماجه (3241) في الصيد: باب الضب، والدارمي 2 / 93 في الصيد: باب في أكل الضب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً (1) يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ) . فَفَعَلْتُ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي (2) . وَعَنْ حَيَّانَ بنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِخَالِدٍ أَحَداً فِي حَرْبِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا (3) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ أَتَى عَلَى اللاَّتِ وَالعُزَّى، فَقَالَ: يَا (عُزُّ) كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَكِ ... إِنِّي رَأَيْتُ اللهَ قَدْ أَهَانَكِ وَرَوَى: زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ خَالِداً قَالَ مِثْلَهُ. قَالَ قَتَادَةُ: مَشَى خَالِدٌ إِلَى العُزَّى، فَكَسَرَ أَنْفَهَا بِالفَأْسِ. وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ خَالِداً إِلَى العُزَّى، وَكَانَتْ لِهَوَازِنَ، وَسَدَنَتُهَا بَنُو سُلَيْمٍ، فَقَالَ: (انْطَلِقْ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْكَ امْرَأَةٌ   (1) " إلا طارقا " سقطت من المطبوع. (2) رجاله ثقات لكنه مرسل. وأخرجه أحمد 3 / 419 من طريق: سيار بن حاتم، عن جعفر بن سليمان، عن أبي التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش التميمي - وكان كبيرا -: أدركت رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: قلت: كيف صنع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الاودية والشعاب. وفيهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل. قال: ما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وذرأ وبرأ. ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان. قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى. وإسناده صحيح. (3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 350 وقال: رواه الطبراني في الأوسط، والكبير ورجاله ثقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 شَدِيْدَةُ السَّوَادِ، طَوِيْلَةُ الشَّعْرِ، عَظِيْمَةُ الثَّدْيَيْنِ، قَصِيْرَةٌ) . فَقَالُوا يُحَرِّضُوْنَهَا: يَا (عُزُّ) شُدِّي شِدَّةً لاَ سِوَاكِهَا (1) ... عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الخِمَارَ وَشَمِّرِي فَإِنَّكِ إِنْ لاَ تَقْتُلِي المَرْءَ خَالِداً ... تَبُوْئِي بِذَنْبٍ عَاجِلٍ وَتُقَصِّرِي فَشَدَّ عَلَيْهَا خَالِدٌ، فَقَتَلَهَا، وَقَالَ: ذَهَبَتِ العُزَّى، فَلاَ عُزَّى بَعْدَ اليَوْمِ (2) . الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَزْهَرَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ يَتَخَلَّلُ النَّاسَ، يَسْأَلُ عَنْ رَحْلِ خَالِدٍ، فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى جُرْحِهِ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ نَفَثَ فِيْهِ (3) . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِداً إِلَى بَنِي جَذِيْمَةَ، فَقَتَلَ، وَأَسَرَ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ) ، مَرَّتَيْنِ (4) . الوَاقِدِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ بَعْدَ صَنِيْعِهِ بِبَنِي جَذِيْمَةَ، عَاب عَلَيْهِ ابْنُ عَوْفٍ مَا صَنَعَ، وَقَالَ: أَخَذْتَ بِأَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، قَتَلْتَهُم بِعَمِّكَ الفَاكِهِ، قَاتَلَكَ اللهُ.   (1) أي ليس غيرك لها. وحذف من الهاء لامها، كما في قوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) والتقدير: كالوا لهم، ووزنوا لهم. وفي السيرة " لا شوى لها " وكذلك في " الطبري " 3 / 65. (2) انظر شرح المواهب اللدنية 2 / 348، وابن هشام 2 / 436 - 437 و" الطبري " في تاريخه 3 / 65. (3) أخرجه أحمد 4 / 88، 351 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر ... وإسناده صحيح. (4) أخرجه أحمد 2 / 151، والبخاري (4339) في المغازي: باب بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، خالدا إلى بني جذيمة، و (7189) في الاحكام: باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد، والنسائي 8 / 236 في القضاء: باب إذا قضى الحاكم بغير حق، كلهم من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 قَالَ: وَأَعَابَهُ عُمَرُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَخَذْتُهُم بِقَتْلِ أَبِيْكَ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتَ، لَقَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي بِيَدِي، وَلَوْ لَمْ أَقْتُلْهُ، لَكُنْتَ تَقْتُلُ قَوْماً مُسْلِمِيْنَ بِأَبِي فِي الجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُم أَسْلَمُوا؟ فَقَالَ: أَهْلُ السَّرِيَّةِ كُلُّهُم. قَالَ: جَاءنِي رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُغِيْرَ عَلَيْهِم، فَأَغَرْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ. وَأَعْرَضَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ خَالِدٍ، وَغَضِبَ، وَقَالَ: (يَا خَالِدُ! ذَرُوا لِي أَصْحَابِي، مَتَى يُنْكَأْ إِلْفُ المَرْءِ يُنْكَأِ المَرْءُ (1)) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَادَى خَالِدٌ فِي السَّحَرِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيْرٌ فَلْيُدَافِّهِ، أَرْسَلْتُ أَسِيْرِي، وَقُلْتُ لِخَالِدٍ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ مُسْلِمُوْنَ. قَالَ: إِنَّهُ لاَ عِلْمَ لَكَ بِهَؤُلاَءِ. إِسْنَادُهُ فِيْهِ الوَاقِدِيُّ، وَلِخَالِدٍ اجْتِهَادُهُ، وَلِذَلِكَ مَا طَالَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِيَاتِهِم. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِداً إِلَى الحَارِثِ بنِ كَعْبٍ أَمِيْراً وَدَاعِياً. وَخَرَجَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَلَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ أَعْطَاهُ نَاصِيَتَهُ، فَعُمِلَتْ فِي مُقَدَّمَةِ قُلُنْسُوَةِ خَالِدٍ، فَكَانَ لاَ يَلْقَى عَدُوّاً إِلاَّ هَزَمَهُ (2) . وَأَخْبَرَنِي مَنْ غَسَلَهُ بِحِمْصَ، وَنَظَرَ إِلَى مَا تَحْتَ ثِيَابِهِ، قَالَ: مَا فِيْهِ مُصحٌّ، مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ.   (1) الواقدي متروك، والراوي عن إياس مجهول فالخبر لا يصح. وهو عند ابن هشام 2 / 431. (2) سيأتي في الصفحة (375) التعليق رقم (1) فانظره هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الوَلِيْدُ بنُ مُسلمٍ: حَدَّثَنَا وَحْشِيُّ بنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ وَحْشِيٍّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَقَدَ لِخَالِدٍ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، سَلَّهُ اللهُ عَلَى الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِيْنَ) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ فِي بَنِي سُلَيْمٍ رِدَّةٌ، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِم خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَجَمَعَ رِجَالاً مِنْهُم فِي الحَظَائِرِ، ثُمَّ أَحْرَقَهُم. فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: أَتَدَعُ رَجُلاً يُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللهِ؟ قَالَ: وَاللهِ لاَ أَشِيْمُ (2) سَيْفاً سَلَّهُ اللهُ عَلَى عَدُوِّهِ. ثُمَّ أَمَرَهُ، فَمَضَى إِلَى مُسَيْلِمَةَ (3) . ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: أَخْبَرَنِي السَّيْبَانِيُّ (4) ، عَنْ أَبِي العَجْمَاءِ - وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو العَجْفَاءِ - السُّلَمِيُّ، قَالَ: قِيْلَ لِعُمَرَ: لَوْ عَهِدْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، فَقَالَ لِي: لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ؟ لَقُلْتُ: سَمِعْتُ عَبْدَكَ وَخَلِيْلَكَ يَقُوْلُ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَإِنَّ أَمِيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ) . وَلَوْ أَدْرَكْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، فَقَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، لَقُلْتُ: سَمِعْتُ عَبْدَكَ وَخَلِيْلَكَ يَقُوْلُ: (خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، سَلَّهُ اللهُ عَلَى   (1) 1 / 8، والحاكم 3 / 298 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 348، وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجالهما ثقات. كذا قال. مع أن حرب بن وحشي لم يوثقه إلا ابن حبان. وقال البزار: مجهول. ووالده لم يوثقه أيضا إلا العجلي وابن حبان، وقال صالح بن محمد: لا يشتغل به ولا بأبيه. لكن متن الحديث صحيح. له طرق يصح بها، وسيذكرها الذهبي رحمه الله. (2) أشيم: أغمد. وقد تصحفت في المطبوع إلى " أشتم ". (3) أخرجه ابن سعد 7 / 2 / 120 من طريق: أبي معاوية الضرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال ... ورجاله ثقات، لكنه مرسل. (4) السيباني: بفتح السين المهملة، وتشديدها، وسكون الياء بعدها باء. وهو يحيى بن أبي عمرو السيباني، الحمصي، أحد الثقات. وقد تصفحت في المطبوع إلى " الشيباني ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 المُشْرِكِيْنَ) (1) . وَرَوَاهُ: الشَّاشِيُّ (2) فِي (مُسْنَدِهِ) . أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الشَّامِ، وَعَزَلَ خَالِداً. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، نِعْمَ فَتَى العَشِيْرَةِ (3)) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ أَنَسٍ: نَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَرَاءَ (4) يَوْمِ مُؤْتَةَ، فَقَالَ: (أُصِيْبُوا جَمِيْعاً، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوْفِ اللهِ: خَالِدٌ) . وَجَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ (5) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا خَالِدٌ سَيْفٌ   (1) رجاله ثقات خلا آبا العجماء فإنه مختلف فيه. وثقه ابن معين، والدارقطني وابن حبان. وقال البخاري: في حديثه نظر. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس حديثه بالقائم. (2) هو الهيثم بن كليب الشاشي، أبو سعيد الحافظ، المحدث، الثقة، مؤلف المسند الكبير، أصله من مرو. وممن سمع منهم أبو عيسى الترمذي، توفي سنة 335 هـ. انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " 848 - 849. (3) أخرجه أحمد 4 / 90 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 348 - 349، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك أبا عبيدة. (4) تحرفت في المطبوع إلى " امرءا ". (5) أخرجه البخاري (3757) في فضائل الصحابة، باب: مناقب خالد بن الوليد، من طريق: حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس ... ، وأخرجه الحاكم 3 / 298، من طريق: عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أنس بن مالك قال: " نعى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل مؤتة، على المنبر، ثم قال: فأخذ اللواء خالد بن الوليد وهو سيف من سيوف الله " وقال: هذا حديث عال صحيح غريب من حديث أيوب ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: لم يسمع أيوب من أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 مِنْ سُيُوْفِ اللهِ، صَبَّهُ عَلَى الكُفَّارِ (1)) . أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، مَرْفُوْعاً بِمَعْنَاهُ. وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَحْوَهُ. أَبُو المِسْكِيْنِ الطَّائِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ زحرٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بنُ مُنِيْبٍ، قَالَ جَدِّي أَوْسٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْدَى لِلْعَرَبِ مِنْ هُرْمُزَ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مُسَيْلِمَةَ، أَتَيْنَا نَاحِيَةَ البَصْرَةِ، فَلَقِيْنَا هُرْمُزَ بِكَاظِمَةَ، فَبَارَزَهُ خَالِدٌ، فَقَتَلَهُ، فَنَفَلَهُ الصِّدِّيْقُ سَلَبَهُ، فَبَلَغَتْ قُلُنْسُوَتُهُ مَائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتِ الفُرْسُ مَنْ عَظُمَ فِيْهِم، جُعِلَتْ قُلُنْسُوَتُهُ بِمَائَةِ أَلْفٍ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: كَتَبَ خَالِدٌ إِلَى الفُرْسِ: إِنَّ مَعِي جُنْداً يُحِبُّوْنَ القَتْلَ كَمَا تُحِبُّ فَارِسٌ الخَمْرَ. هُشَيْمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ فَقَدَ قُلُنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، فَقَالَ: اطْلُبُوْهَا. فَلَمْ يَجِدُوْهَا، ثُمَّ وُجِدَتْ، فَإِذَا هِيَ قُلُنْسُوَةٌ خَلِقَةٌ. فَقَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَابْتَدَرَ النَّاسُ شَعْرَهُ، فَسَبَقْتُهُم إِلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ القُلُنْسُوَةِ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالاً وَهِيَ   (1) رجاله ثقات، لكنه مرسل. وأخرجه ابن سعد 7 / 2 / 120، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 349 وقال: رواه أبو يعلى ولم يسم الصحابي ورجاله رجال الصحيح. وحديث أبي إسماعيل المؤدب عن ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم 3 / 298 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: رواه ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي مرسلا وهو أشبه. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 349 ونسبه إلى الطبراني في " الصغير " و" الكبير " باختصار، والبزار بنحوه. وقال: ورجال الطبراني ثقات. وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الترمذي (3845) في المناقب: باب مناقب خالد، من طريق: الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة وقال: هذا حديث حسن غريب. ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة وهو مرسل عندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مَعِي إِلاَّ رُزِقْتُ النَّصْرَ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ: أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ حَلَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَدَرُوا شَعْرَهُ، فَبَدَرَهُم خَالِدٌ إِلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلَهَا فِي قُلُنْسُوَتِهِ (2) . ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، سَمِعْتُ خَالِداً يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ مُؤْتَةَ انْدَقَّ فِي يَدِي تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيْحَةٌ يَمَانِيَّةٌ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَوْلَى لآلِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ: أَنَّ خَالِداً قَالَ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ يُهْدَى إِلَيَّ فِيْهَا عَرُوْسٌ أَنَا لَهَا مُحِبٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لَيْلَةٍ شَدِيْدَةِ البَرْدِ، كَثِيْرَةِ الجَلِيْدِ، فِي سَرِيَّةٍ أُصَبِّحُ فِيْهَا العَدُوَّ (4) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: قَالَ خَالِدٌ: مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ أَفِرُّ: يَوْمَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْدِيَ لِي فِيْهِ شَهَادَةً، أَوْ يَوْمَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْدِيَ لِي فِيْهِ كَرَامَةً. قَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: سَمِعْتُ خَالِداً يَقُوْلُ: مَنَعَنِي الجِهَادُ كَثِيْراً مِنَ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 299، وذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 111، والحافظ في " الإصابة " 3 / 72 من طريق: هشيم به، وذكره الحافظ الهيثمي 9 / 349 ونسبه إلى الطبراني، وأبي يعلى، وقال: ورجالهما رجال الصحيح. وجعفر سمع من جماعة من الصحابة، فلا أدري سمع من خالد أم لا. ونسبه الحافظ في " المطالب العالية " (4045) لأبي يعلى. وقال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند صحيح. (2) رجاله ثقات. (3) أخرجه البخاري (4265) و (4266) في المغازي: باب غزوة مؤتة من أرض الشام. وابن سعد 7 / 2 / 120 من طريق محمد بن عبيد الطنافسي عن إسماعيل بن أبي خالد، به ... (4) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 350 عن قيس أيضا، ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: ورجاله رجال الصحيح. وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4039) عن قيس بن أبي حازم، به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 القِرَاءةِ (1) ، وَرَأَيْتُهُ أُتِيَ بِسُمٍّ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ قَالُوا: سُمٌّ. قَالَ: بَاسْمِ اللهِ، وَشَرِبَهُ. قُلْتُ: هَذِهِ -وَاللهِ- الكَرَامَةُ، وَهَذِهِ الشَّجَاعَةُ. يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: نَزَلَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ الحِيْرَةَ عَلَى أُمِّ بَنِي المَرَازِبَةِ، فَقَالُوا: احْذَرِ السُّمَّ، لاَ تَسْقِكَ الأَعَاجِمُ. فَقَالَ: ائْتُوْنِي بِهِ. فَأُتِيَ بِهِ، فَاقْتَحَمَهُ، وَقَالَ: بَاسْمِ اللهِ، فَلَمْ يَضُرَّهُ (2) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: أُتِيَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ بِرَجُلٍ مَعَهُ زِقُّ خَمْرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَسَلاً، فَصَارَ عَسَلاً (3) . رَوَاهُ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: خَلاًّ بَدَلَ العَسَلِ، وَهَذَا أَشْبَهُ. وَيَرْوِيْهِ: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ مُرْسَلاً. ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: طَلَّقَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ امْرَأَةً، فَكَلَّمُوْهُ، فَقَالَ: لَمْ يُصِبْهَا عِنْدِي مُصِيْبَةٌ، وَلاَ بَلاَءٌ، وَلاَ مَرَضٌ، فَرَابَنِي ذَلِكَ مِنْهَا (4) . المَدَائِنِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ مَالِكِ بنِ نُوَيْرَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَجَزِعَ،   (1) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4041) بلفظ: " قال خالد بن الوليد: لقد منعني كثيرا من قراءة القرآن، الجهاد في سبيل الله ". ونسبه الهيثمي 9 / 350 إلى أبي يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وقد تصحفت كلمة " القراءة " في المطبوع إلى " الغزاة " فأفسد المعنى. (2) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4043) ونسبه إلى أبي يعلى. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 350 وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل. ورجالهما ثقات إلا أن أبا السفر لم يسمع من خالد والله أعلم. (3) نسبه الحافظ في " الإصابة " 3 / 73 إلى ابن سعد من طريقين، وإلى ابن أبي الدنيا، وقال: رواه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح، عن خيثمة قال ... " وانظر " الإصابة " 3 / 73 ففيها الروايتان. (4) ابن كثير في " البداية " 7 / 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَزِيْدُوْنَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ؟ ثُمَّ رَدَّهُ، وَوَدَى مَالكاً، وَرَدَّ السَّبْيَ وَالمَالَ (1) . وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلَ خَالِدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَهُ، وَاعْتَذَرَ، فَعَذَرَهُ. قَالَ سَيْفٌ فِي (الرِّدَّةِ) : عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدَ قَوْمٌ مِنَ السَّرِيَّةِ أَنَّهُم أَذَّنُوا، وَأَقَامُوا، وَصَلَّوْا، فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ. وَشَهِدَ آخَرُوْنَ بِنَفْيِ ذَلِكَ، فَقُتِلُوا. وَقَدِمَ أَخُوْهُ مُتَمِّمُ بنُ نُوَيْرَةَ يُنْشِدُ الصِّدِّيْقَ دَمَهُ، وَيَطْلُبُ السَّبْيَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِرَدِّ السَّبْيِ. وَأَلَحَّ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي أَنْ يَعْزِلَ خَالِداً، وَقَالَ: إِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقاً. فَقَالَ: لاَ يَا عُمَرُ، لَمْ أَكُنْ لأَشِيْمَ (2) سَيْفاً سَلَّهُ اللهُ عَلَى الكَافِرِيْنَ (3) . سَيْفٌ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ خَالِداً بَثَّ السَّرَايَا، فَأُتِيَ بِمَالِكٍ. فَاخْتَلَفَ قَوْلُ النَّاسِ فِيْهِم وَفِي إِسْلاَمِهِم، وَجَاءتْ أُمُّ تَمِيْمٍ كَاشِفَةً وَجْهَهَا، فَأَكَبَّتْ عَلَى مَالِكٍ، وَكَانَتْ أَجْمَلَ النَّاسِ. فَقَالَ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي، فَقَدْ -وَاللهِ- قَتَلْتِنِي. فَأَمَرَ بِهِم خَالِدٌ، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم، فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ، فَنَاشَدَهُ فِيْهِم، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ. فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ فَرَسَهُ، وَلَحِقَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَحَلَفَ: لاَ أَسِيْرُ فِي جَيْشٍ وَهُوَ تَحْتَ لِوَاءِ خَالِدٍ، وَقَالَ: تَرَكَ قَوْلِي، وَأَخَذَ بِشَهَادَةِ الأَعْرَابِ الَّذِيْنَ فَتَنَتْهُمُ الغَنَائِمُ (4) .   (1) المدائني: هو علي بن محمد، الاخباري، ضعيف، وباقي رجاله ثقات. (2) تحرفت في المطبوع إلى " لاشتم ". (3) لا يصح لضعف سيف. وهو ابن عمر، الضبي، الاسيدي. قال عباس بن يحيى: ضعيف. وروى مطين عن يحيى: فلس خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: متروك. وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. ومات سيف في زمن الرشيد. (4) إسناده كسابقه وهو في " أسد الغابة " 2 / 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَحَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيِّ فِي حَدِيْثِ الرِّدَّةِ: فَأَوْقَعَ بِهِم خَالِدٌ، وَقَتَلَ مَالِكاً، ثُمَّ أَوْقَعَ بِأَهْلِ بُزَاخَةَ (1) ، وَحَرَّقَهُم، لِكَوْنِهِ بَلَغَهُ عَنْهُم مَقَالَةٌ سَيِّئَةٌ، شَتَمُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَضَى إِلَى اليَمَامَةِ، فَقَتَلَ مُسَيْلِمَةَ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدِمَ خَالِدٌ المَدِيْنَةَ بِالسَّبْيِ، وَمَعَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ وَفْدِ بَنِي حَنِيْفَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قُبَاءٌ، عَلَيْهِ صَدَأُ الحَدِيْدِ، مُتَقَلِّداً السَّيْفَ، فِي عِمَامَتِهِ أَسْهُمٌ. فَمَرَّ بِعُمَرَ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَأَى مِنْهُ كُلَّ مَا يُحِبُّ، وَعَلِمَ عُمَرُ، فَأَمْسَكَ. وَإِنَّمَا وَجَدَ عُمَرُ عَلَيْهِ؛ لِقَتْلِهِ مَالِكَ بنَ نُوَيْرَةَ، وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَتِهِ. جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ مِنْ أَمَدِّ النَّاسِ بَصَراً، فَرَأَى رَاكِباً، وَإِذَا هُوَ قَدْ قَدِمَ بِمَوْتِ الصِّدِّيْقِ، وَبِعَزْلِ خَالِدٍ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَلِي عُمَرُ، فَقَالَ: لأَنْزِعَنَّ (2) خَالِداً، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ اللهَ إِنَّمَا يَنْصُرُ دِيْنَهُ. يَعْنِي: بِغَيْرِ خَالِدٍ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنِّي قَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ، وَعَزَلْتُ خَالِداً. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: وَلَّى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الشَّامِ، فَاسْتَعْمَلَ يَزِيْدَ عَلَى فِلَسْطِيْنَ، وَشُرَحْبِيْلَ بنَ حَسَنَةَ عَلَى الأُرْدُنِّ، وَخَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ عَلَى دِمَشْقَ، وَحَبِيْبَ بنَ   (1) بزاخة: بالضم، والخاء معجمة. قال الاصمعي: ماء لطئ بأرض نجد. وقال أبو عمرو الشيباني: ماء لبني أسد، كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر مع طليحة بن خويلد الأسدي، الذي تنبأ بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، فظهر المسلمون. وهرب طليحة، ثم أهل بعمرة، ومضى إلى مكة مسلما. (2) تحرفت في المطبوع إلى " لا يرمي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 مَسْلَمَةَ عَلَى حِمْصَ. الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: اكْتُبْ إِلَى خَالِدٍ؛ أَلاَّ يُعْطِي شَاةً وَلاَ بَعِيْراً إِلاَّ بِأَمْرِكَ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ: إِمَّا أَنْ تَدَعَنِي وَعَمَلِي، وَإِلاَّ فَشَأْنُكَ بِعَمَلِكَ. فَأَشَارَ عُمَرُ بِعَزْلِهِ، فَقَالَ: وَمَنْ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ قَالَ عُمَرُ: أَنَا. قَالَ: فَأَنْتَ. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: فَتَجَهَّزَ عُمَرُ، حَتَّى أُنِيْخَتِ الظَّهْرُ فِي الدَّارِ. وَحَضَرَ الخُرُوْجُ، فَمَشَى جَمَاعَةٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ! تُخْرِجُ عُمَرَ مِنَ المَدِيْنَةِ وَأَنْتَ إِلَيْهِ مُحْتَاجٌ، وَعَزَلْتَ خَالِداً وَقَدْ كَفَاكَ؟ قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالُوا: تَعْزِمُ عَلَى عُمَرَ لِيَجْلِسَ، وَتكْتُبُ إِلَى خَالِدٍ، فَيُقِيْمَ عَلَى عَمَلِهِ، فَفَعَلَ (1) . هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: تَدَعُ خَالِداً بِالشَّامِ يُنْفِقُ مَالَ اللهِ؟ قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ أَسْلَمُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ: كَذَبْتُ اللهَ إِنْ كُنْتُ أَمَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِشَيْءٍ لاَ أَفْعَلُهُ. فَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ، فَكَتَبَ خَالِدٌ إِلَيْهِ: لاَ حَاجَةَ لِي بِعَمَلِكَ. فَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ. الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ: عَنْ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ نَاشِرَةَ اليَزَنِيِّ: سَمِعْتُ عُمَرَ بِالجَابِيَةِ، وَاعْتَذَرَ مِنْ عَزْلِ خَالِدٍ، قَالَ: وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَفْصِ بنِ المُغِيْرَةِ (2) : وَاللهِ مَا أَعْذَرْتَ، نَزَعْتَ عَامِلاً اسْتَعْمَلَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَضَعْتَ لِوَاءً رَفَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: إِنَّكَ قَرِيْبُ القَرَابَةِ، حَدِيْثُ السِّنِّ، مُغْضَبٌ فِي ابْنِ عَمِّكَ (3) .   (1) انظر " الإصابة " 3 / 73 - 74. (2) لقد تصحفت في المطبوع إلى " أبو حفص بن الغابرة ". (3) أخرجه أحمد 3 / 475، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 57، ومسنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَمِنْ كِتَابِ سَيْفٍ، عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنَّ خَالِداً أَجَازَ الأَشْعَثَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. فَدَعَا البَرِيْدَ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَنْ تُقِيْمَ خَالِداً وَتَعْقِلَهُ بِعِمَامَتِهِ، وَتنْزِعَ قُلُنْسُوَتَهُ حَتَّى يُعْلِمَكُم مِنْ أَيْنَ أَجَازَ الأَشْعَثَ؟ أَمِنْ مَالِ اللهِ، أَمْ مِنْ مَالِهِ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ إِصَابَةٍ أَصَابَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِخِيَانَةٍ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَقَدْ أَسْرَفَ، وَاعْزِلْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاضْمُمْ إِلَيْك عَمَلَهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِمَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ، فَشَكَاهُ، وَقَالَ: لَقَدْ شَكَوْتُكَ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، وَبِاللهِ يَا عُمَرُ، إِنَّكَ فِي أَمْرِي غَيْرُ مُجْمِلٍ. فَقَالَ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الثَّرَاءُ؟ قَالَ: مِنَ الأَنْفَالِ وَالسُّهْمَانِ، مَا زَادَ عَلَى السِتِّيْنَ أَلْفاً فَلَكَ، تُقَوِّمُ عرُوْضَهُ. قَالَ: فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ المَالِ. ثُمَّ قَالَ: يَا خَالِدُ! وَاللهِ إِنَّكَ لَكَرِيْمٌ عَلَيَّ، وَإِنَّكَ لَحَبِيْبٌ إِلَيَّ، وَلَنْ تُعَاتِبَنِي بَعْدَ اليَوْمِ عَلَى شَيْءٍ (1) . وَعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ: عَزَلَ عُمَرُ خَالِداً، فَلَمْ يُعْلِمْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، حَتَّى عَلِمَ مِنَ الغَيْرِ. فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ! مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ لاَ تُعْلِمَنِي؟ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أُرَوِّعَكَ. جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَدِمَ خَالِدٌ مِنَ الشَّامِ، وَفِي عِمَامَتِهِ أَسْهُمٌ مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ، فَنَهَاهُ عُمَرُ. الأَصْمَعِيُّ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ دَخَلَ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ حَرِيْرٌ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: وَمَا بَأْسُهُ! قَدْ لَبِسَهُ ابْنُ عَوْفٍ (2) .   (1) لا يصح لضعف سيف، وجهالة الرجال الدين روى عنهم. (2) ابن عوف: هو عبد الرحمن. وخبر ترخيص النبي، صلى الله عليه وسلم، له بلبس الحرير أخرجه أحمد 3 / 122، 127، 180، 192، 252، 273، والبخاري (2919) و (2920) و (2921) و (2922) في الجهاد: باب الحرير في الحرب. و (5839) في اللباس: باب ما يرخص للرجال من الحرير = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 قَالَ: وَأَنْتَ مِثْلُهُ؟! عَزَمْتُ عَلَى مَنْ فِي البَيْتِ إِلاَّ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ قِطْعَةً، فَمَزَّقُوْهُ. رَوَى عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَظُنُّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِداً الوَفَاةُ، قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ القَتْلَ مَظَانَّهُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إِلاَّ أَنْ أَمُوْتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ التَّوْحِيْدِ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ، وَالسَّمَاءُ تُهِلُّنِي، نَنْتَظِرُ الصُّبْحَ حَتَّى نُغِيْرَ عَلَى الكُفَّارِ. ثُمَّ قَالَ: إِذَا مِتُّ، فَانْظُرُوا إِلَى سِلاَحِي وَفَرَسِي، فَاجْعلُوْهُ عُدَّةً فِي سَبِيْلِ اللهِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، خَرَجَ عُمَرُ عَلَى جِنَازَتِهِ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ: مَا عَلَى آلِ الوَلِيْدِ أَنْ يَسْفَحْنَ عَلَى خَالِدٍ مِنْ دُمُوْعِهِنَّ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعاً أَوْ لَقْلَقَةً (1) . النَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرُّؤُوْسِ. وَاللَّقْلَقَةُ: الصُّرَاخُ. وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ سَاقِطٍ: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ فِي جِنَازَةِ خَالِدٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَإِذَا أُمُّهُ تَنْدُبُهُ، وَتَقُوْلُ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ القَوْ ... مِ إِذَا مَا كُبَّتْ وُجُوْهُ الرِّجَالِ   = للحكة، ومسلم (2076) في اللباس: باب إباحة لبس الحرير للرجل. وأبو داود (4056) في اللباس: باب في لبس الحرير لعذر، والترمذي (1722) في اللباس: باب الرخصة في لبس الحرير في الحرب، وابن ماجه (3592) في اللباس: باب من رخص له النبي، صلى الله عليه وسلم، في لبس الحرير، كلهم من حديث أنس قال: " رخص النبي، صلى الله عليه وسلم، للزبير، وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما ". وهذا هو لفظ البخاري، فالترحيص في لبس الحرير إنما هو لعلة وليس ترخيصا مطلقا. فهو مستثنى من عموم التحريم الثابت منه صلى الله عليه وسلم. وقد تحرف في المطبوع " ابن عوف " إلى " ابن عون ". (1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 3 / 74 ونسبه إلى ابن المبارك في الجهاد من طريق: حماد بن زيد، عن عبد الله بن المختار، عن عاصم، عن أبي وائل ... وإسناده حسن. وانظر الصفحة 383 تعليق (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتِ، إِنْ كَانَ لَكَذَلِكَ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ (2) عَبْدِ اللهِ بنِ عَنْبَسَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الدِّيْبَاجَ يَقُوْلُ: لَمْ يَزَلْ خَالِدٌ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَاسْتُخْلِفَ عِيَاضُ بنُ غَنْمٍ. فَلَمْ يَزَلْ خَالِدٌ مَعَ عِيَاضٍ حَتَّى مَاتَ، فَانْعَزَلَ خَالِدٌ إِلَى حِمْصَ، فَكَانَ ثَمَّ، وَحَبَّسَ خَيْلاً وَسِلاَحاً، فَلَمْ يَزَلْ مُرَابِطاً بِحِمْصَ، حَتَّى نَزَلَ بِهِ. فَعَادَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَذَكَرَ لَهُ: أَنَّ خَيْلَهُ الَّتِي حُبِسَتْ بِالثَّغْرِ تُعْلَفُ مِنْ مَالِي، وَدَارِي بِالمَدِيْنَةِ صَدَقَةٌ، وَقَدْ كُنْتُ أَشْهَدْتُ عَلَيْهَا عُمَرَ، وَاللهِ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، لَئِنْ مَاتَ عُمَرُ لَتَرَيْنَّ أُمُوْراً تُنْكِرُهَا. وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوْسَى، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى مَكَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَحُطُّ عَنْ رَوَاحِلِنَا، إِذْ أَتَى الخَبَرُ بِوَفَاةِ خَالِدٍ. فَصَاحَ عُمَرُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! يَا طَلْحَةُ! هَلَكَ أَبُو سُلَيْمَانَ، هَلَكَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ. فَقَالَ طَلْحَةُ: لاَ أَعْرِفَنَّكَ بَعْدَ المَوْتِ تَنْدُبُنِي ... وَفِي حَيَاتِيَ مَا زَوَّدْتَنِي زَادَا (3) وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ لَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، وَقَالَ: لَقِيْتُ كَذَا وَكَذَا زَحْفاً، وَمَا فِي جَسَدِي شِبْرٌ إِلاَّ وَفِيْهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، وَهَا أَنَا أَمُوْتُ عَلَى فِرَاشِي حَتْفَ أَنْفِي كَمَا يَمُوْتُ العِيْرُ (4) ، فَلاَ نَامَتْ أَعْيُنُ الجُبَنَاءِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَزَلْ خَالِدٌ بِالشَّامِ حَتَّى عَزَلَهُ عُمَرُ، وَهَلَكَ بِالشَّامِ، وَوَلِي عُمَرُ وَصِيَّتَهُ.   (1) انظر " الإصابة " 13 / 112. (2) " عمرو بن " سقطت من المطبوع. (3) البيت في الإصابة، والخبر بغير هذا السياق 3 / 47. (4) العير: الحمار. وتصفحت في المطبوع إلى " البعير ". وانظر " الاستيعاب " 3 / 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: مَاتَ بِحِمْصَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ قَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ مُعْتَمِراً، وَرَجَعَ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رِيَاحٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ رِيَاحٍ، سَمِعَ ثَعْلَبَةَ بنَ أَبِي مَالِكٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عُمَرَ بِقُبَاءَ، وَإِذَا حُجَّاجٌ مِنَ الشَّامِ. قَالَ: مَنِ القَوْمُ؟ قَالُوا: مِنَ اليَمَنِ مِمَّنْ نَزَلَ حِمْصَ، وَيَوْمَ رَحَلْنَا مِنْهَا مَاتَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ. فَاسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِرَاراً، وَنَكَسَ، وَأَكْثَرَ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَانَ -وَاللهِ- سَدَّاداً لِنَحْرِ العَدُوِّ، مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟! قَالَ: عَزَلْتُهُ لِبَذْلِهِ المَالَ لأَهْلِ الشَّرَفِ وَذَوِي اللِّسَانِ. قَالَ: فَكُنْتَ عَزَلْتَهُ عَنِ المَالِ، وَتَتْرُكَهُ عَلَى الجُنْدِ. قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِيَرْضَى. قَالَ: فَهلاَّ بَلَوْتَهُ (1) ؟ وَرَوَى: جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ خَالِدٌ، لَمْ يَدَعْ إِلاَّ فَرَسَهُ وَسِلاَحَهُ وَغُلاَمَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللهُ أَبَا سُلَيْمَانَ، كَانَ عَلَى مَا ظَنَنَّاهُ بِهِ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ نِسْوَةُ بَنِي المُغِيْرَةِ فِي دَارِ خَالِدٍ يَبْكِيْنَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُرِقْنَ مِنْ دُمُوْعِهِنَّ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعاً أَوْ لَقْلَقَةً (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ خَالِدٌ بِحِمْصَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ.   (1) الواقدي متروك. وقد ذكره ابن كثير في " البداية " 7 / 117 عن ابن سعد، عن الواقدي. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 121. (3) أخرجه الحاكم 3 / 297 من طريق، عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي وائل. وابن عبد البر 3 / 169 من طريق يحيى القطان، عن سفيان بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، وعلقه البخاري 3 / 160 وقال ابن حجر في " الفتح " 3 / 161 وصله المصنف في " التاريخ الأوسط ". وقد ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 46، 47 من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن شقيق وقد تصحف فيه " الأعمش إلى الاعشى ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 قُلْتُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ بِحِمْصَ، وَلَهُ مَشْهَدٌ يُزَارُ. وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : حَدِيْثَانِ، وَفِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : وَاحِدٌ وَسَبْعُوْنَ. 79 - صَفْوَانُ ابْنُ بَيْضَاءَ أَبُو عَمْرٍو القُرَشِيُّ الفِهْرِيُّ * وَهِيَ أُمُّهُ. اسْمُهَا: دَعْدُ (1) بِنْتُ جَحْدَمٍ الفِهْرِيَّةُ. وَأَبُوْهُ: هُوَ وَهْبُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ هِلاَلِ بنِ مَالِكِ بنِ ضَبَّةَ بنِ الحَارِثِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكٍ، أَبُو عَمْرٍو القُرَشِيُّ، الفِهْرِيُّ. مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، شَهِدَ بَدْراً. فَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحْرَزِ (2) بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَتَلَ صَفْوَانَ بنَ بَيْضَاءَ: طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ. ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذِهِ رِوَايَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ لَنَا: أَنَّ صَفْوَانَ ابْنَ بَيْضَاءَ لَمْ يُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَّهُ شَهِدَ المَشَاهِدَ. وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَمْ يُعْقِبْ (3) . أَخُوْهُ: 80 - سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ الفِهْرِيُّ أَبُو مُوْسَى** مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. يُكْنَى: أَبَا مُوْسَى. هَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ إِلَى الحَبَشَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَالوَاقِدِيِّ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 303، تاريخ خليفة: 60، الجرح والتعديل: 4 / 421، حلية الأولياء: 1 / 373، الاستيعاب: 5 / 138، أسد الغابة: 3 / 31، الإصابة: 5 / 147، شذرات الذهب: 1 / 9. (1) تصحفت في المطبوع إلى " رعد ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " محمد ". (3) انظر ابن سعد 3 / 1 / 303. (* *) المسند لأحمد: 3 / 466، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 302، التاريخ الكبير: 4 / 103، التاريخ الصغير، 1 / 25، الجرح والتعديل: 4 / 245، الاستيعاب: 4 / 283، أسد الغابة: 2 / 477، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 239، الإصابة: 4 / 283، شذرات الذهب: 1 / 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَعَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا هَاجَرَ سُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ ابْنَا بَيْضَاءَ مِنْ مَكَّةَ، نَزَلاَ عَلَى كُلْثُوْمِ بنِ الهِدْمِ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: وَشَهِدَ سُهَيْلٌ بَدْراً وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَشَهِدَ أُحُداً ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَاتَ بَعْدَ رُجُوْعِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ تَبُوْكٍ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَلَمْ يُعْقِبْ (2) . قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ (3) . وَلَهُمَا أَخٌ اسْمُهُ: سَهْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ الفِهْرِيُّ، وَشَهِدَ بَدْراً، وَشَهِدَ أُحُداً. 81 - المِقْدَادُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ مَالِكٍ الكِنْدِيُّ * (ع) صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. وَهُوَ المِقْدَادُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ مَالِكِ بنِ رَبِيْعَةَ القُضَاعِيُّ، الكِنْدِيُّ، البَهْرَانِيُّ. وَيُقَالُ لَهُ: المِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ؛ لأَنَّهُ رُبِّي فِي حَجْرِ الأَسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوْثَ   (1) ابن سعد 3 / 1 / 302. (2) ابن سعد 3 / 1 / 302. (3) أخرجه مالك ص 159 في الجنائز: باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الاسفار مقطعا، وقد وصله أحمد 6 / 79، 133، ومسلم (973) في الجنائز: باب الصلاة على الجنازة في المسجد، أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه. فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: " ما أسرع ما نسي الناس. ما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد ". (*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 144، طبقات خليفة: 16 / 120، تاريخ خليفة: 61، 67، 168، التاريخ الكبير: 8 / 54، التاريخ الصغير: 60، 61، المعارف: 263، الجرح والتعديل: 8 / 426، مشاهير علماء الأمصار: ت: 105، المستدرك للحاكم: 3 / 348 - 350، حلية الأولياء: 1 / 172 - 176، الاستيعاب: 10 / 262، ابن عساكر: 17 / 66 / 1، أسد الغابة: 5 / 251، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 111 - 112، معالم الايمان: 1 / 71 - 76، تهذيب الكمال: 1367، دول الإسلام: 1 / 27، العقد الثمين: 7 / 268 - 272، تهذيب التهذيب: 10 / 285، الإصابة: 9 / 273، شذرات الذهب: 1 / 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الزُّهْرِيِّ، فَتَبَنَّاهُ. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ عَبْداً لَهُ، أَسْوَدَ اللَّوْنِ، فَتَبَنَّاهُ. وَيُقَالُ: بَلْ أَصَابَ دَماً فِي كِنْدَةَ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، وَحَالَفَ الأَسْوَدَ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ فَارِساً، وَاخْتَلَفَ يَوْمَئِذٍ فِي الزُّبَيْرِ. لَهُ جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ، وَجَمَاعَةٌ. وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، طُوَالاً، ذَا بَطْنٍ، أَشْعَرَ الرَّأْسِ، أَعْيَنَ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنَ، مَهِيْباً. عَاشَ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، وَقَبْرُهُ بِالبَقِيْعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) -. حَدِيْثُهُ فِي (السِّتَّةِ) : لَهُ حَدِيْثٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (2)) ، وَانْفَرَدَ لَهُ مُسْلِمٌ بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ (3) .   (1) انظر ابن سعد 3 / 1 / 155، والحاكم 3 / 348. (2) البخاري (4019) في المغازي: باب (12) ، ومسلم (95) في الايمان: باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن المقداد بن الأسود، أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله، بعد أن قالها؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: لا تقتله. قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها. أفأقتله؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " واللفظ لمسلم ولاذ مني بشجرة: أي: اعتصم مني بها. (3) هي (2055) في الأشربة، باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن شبابة بن سوار، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي. وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ المُسْندِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنِ المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى   أنفسنا على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النبي، صلى الله عليه وسلم، فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتلبوا هذا اللبن بيننا " قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه. قال: فيجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان. قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل، ندمني الشيطان، فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمد، فيجئ فلا يجده، فيدعو عليك، فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك؟ وعلي شملة، إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النوم. وأما صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فسلم كما كان يسلم. ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه، فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السماء فقلت: الآن يدعو علي فأهلك فقال: " اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني ". قال: فعمدت إلى الشملة، فشددتها علي، وأخذت الشفرة، فانطلقت إلى الاعنز أيها أسمن، فأذبحها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا هي حافلة، وإذا هن حفل كلهن. فعمدت إلى إناه لآل محمد، صلى الله عليه وسلم، ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه، حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟ قال: قلت يا رسول الله: اشرب. فشرب ثم ناولني فقلت: يا رسول الله، اشرب. فشرب ثم ناولني: فلما عرفت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " إحدى سوأتك يا مقداد ". فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " ما هذه إلا رحمة من الله، افلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها؟ " قال: فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك، من أصابها من الناس. و (2864) في الجنة: باب في صفة يوم القيامة، من طريق عبد الرحمن بن جابر، عن سليم بن عامر، عن المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟. قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ". قال: وأشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده إلى فيه، و (3002) في الزهد: باب النهي عن المدح، إذا كان فيه إفراط من طريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 عَمَلٍ. فَلَمَّا رَجَعْتُ، قَالَ: (كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا ظَنَنْتُ إِلاَّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُم خَوَلٌ لِي، وَاللهِ لاَ أَلِي عَلَى عَمَلٍ مَا دُمْتُ حَيّاً (1) . بَقِيَّةُ: حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، قَالَ: وَافَيْتُ المِقْدَادَ فَارِسَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِمْصَ عَلَى تَابُوْتٍ مِنْ تَوَابِيْتِ الصَّيَارِفَةِ، قَدْ أَفْضَلَ عَلَيْهَا مِنْ عِظَمِهِ، يُرِيْدُ الغَزْوَ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْكَ. فَقَالَ: أَبَتْ عَلَيْنَا سُوْرَةُ البُحُوْثِ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التَّوْبَةُ (2) : 41] . يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى المِقْدَادِ يَوْماً، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: طُوْبَى لِهَاتَيْنِ العَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ. فَاسْتَمَعْتُ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلاَّ خَيْراً. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يَحْمِلُ أَحَدَكُم عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَراً غَيَّبَهُ اللهُ عَنْهُ، لاَ يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُوْنُ فِيْهِ، وَاللهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللهُ عَلَى مَنَاخِرِهِم فِي جَهَنَّمَ، لَمْ يُجِيْبُوْهُ (3) ، وَلَمْ يُصَدِّقُوْهُ. أَوَلاَ تَحْمَدُوْنَ اللهَ، لاَ   = شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن رجلا جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، وكان رجلا ضخما، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ". ولم أجد عند مسلم غير هذه. ولعله عد هذا الحديث الأخير بحديثين لأنه ورد من طريقين مع اختلاف في بعض الألفاظ. (1) هو في " الحلية " 1 / 174، وأخرجه الحاكم 3 / 349، 350، وصححه، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 115، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 176، والحاكم 3 / 349، وصححه، وابن جرير 10 / 139. وسورة البحوث: هي التوبة سميت بذلك لما فيها من البحث عن المنافقين، وكشف أسرارهم. وأعذر الله إليك: أي عذرك لثقل بدنك فأسقط عنك الجهاد، ورخص لك في تركه. (3) سقط من المطبوع " لم " وتحرفت " يجيبوه " إلى " يجيئوه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 تَعْرِفُوْنَ إِلاَّ رَبَّكُم مُصَدِّقِيْنَ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُم، وَقَدْ كُفِيْتُم البَلاَءَ بِغَيْرِكُم؟ وَاللهِ لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ دِيْناً أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرَى وَالِدَهُ، أَوْ وَلَدَهُ، أَوْ أَخَاهُ كَافِراً، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ قِفْلَ قَلْبِهِ لِلإِيْمَانِ، لِيَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ مَنْ دَخَلَ النَّارَ، فَلاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَمِيْمَهُ فِي النَّارِ، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللهُ - تَعَالَى -: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفُرْقَانُ (1) : 74] . وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) لِبُرَيْدَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَلَيْكُم بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ: عَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ، وَالمِقْدَادِ (2)) . وَعَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتِ المِقْدَادِ: أَنَّ المِقْدَادَ أَوْصَى لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ بِسِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَلأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِسَبْعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ شَرِبَ دُهْنَ الخِرْوَعِ، فَمَاتَ. 82 - أُبَيُّ بنُ كَعْبِ بنِ قَيْسِ بنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ زَيْدِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 175 - 176. (2) أخرجه أحمد 5 / 351 و356، والترمذي (3720) في المناقب. وابن ماجه (149) في المقدمة، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 172، وفي سنده عندهم: شريك بن عبد الله القاضي، وهو ضعيف. وقد تفرد به. وشيخه أبو ربيعة الايادي لم يوثق. (*) مسند أحمد: 5 / 113 - 144، الطبقات لابن سعد: 3 / 2 / 59، طبقات خليفة: 88 - 89، تاريخ خليفة: 167، التاريخ الكبير: 2 / 39 - 40، المعارف: 261، الجرح والتعديل: 2 / 290، الاستبصار: 48، حلية الأولياء: 1 / 250 - 256، الاستيعاب: 1 / 126، ابن عساكر: 2 / 292 / 2، أسد الغابة: 1 / 61، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 108 - 110، تهذيب الكمال: 70، تاريخ الإسلام: 2 / 27، دول الإسلام: 1 / 16، العبر: 1 / 23، مجمع الزوائد: 9 / 311 - 312، طبقات القراء: 1 / 31، تهذيب التهذيب: 1 / 187، الإصابة: 1 / 26، طبقات الحفاظ: 5، خلاصة تذهيب الكمال: 24، شذرات الذهب: 1 / 32 - 33، كنز العمال: 13 / 261 - 268، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 2 / 325 - 334. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 سَيِّدُ القُرَّاءِ، أَبُو مُنْذِرٍ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، المُقْرِئُ، البَدْرِيُّ. وَيُكْنَى أَيْضاً: أَبَا الطُّفَيْلِ. شَهِدَ العَقَبَةَ، وَبَدْراً، وَجَمَعَ القُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَحَفِظَ عَنْهُ عِلْماً مُبَارَكاً، وَكَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَالطُّفَيْلُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ (1) ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ صُرَدَ، وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبْزَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُتِيُّ (2) السَّعْدِيُّ، وَابْنُ الحَوْتَكِيَّةِ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَآخَرُوْنَ. فَعَنْ عِيْسَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ أُبَيٌّ رَجُلاً دَحْدَاحاً - يَعْنِي رَبْعَةً - لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ، قَالَ: كَانَ أُبَيٌّ أَبْيَضَ الرَّأْسِ (3) وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: (إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ) . وَفِي لَفْظٍ: (أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ القُرْآنَ) . قَالَ: الله سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قَالَ: وَذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالَمِيْنَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ (4) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الرفاعي ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " عبي ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " اللون ". (4) أخرجه أحمد 3 / 130، 137، 185، 218، 233، 273، 284، والبخاري في المناقب: باب مناقب أبي، (4959) و (4960) و (4961) في التفسير: باب سورة لم يكن، ومسلم (799) في صلاة المسافرين، و (245) (246) : باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، و (799) (121، 122) في فضائل الصحابة: باب فضائل أبي، والترمذي (3795) في المناقب، وعبد الرزاق (20411) ، وابن سعد 3 / 2 / 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُبَيّاً عَنْ: (أَيِّ آيَةٍ فِي القُرْآنِ أَعْظَمُ؟) . فَقَالَ أُبَيٌّ: {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ} [البَقَرَةُ (1) : 255] . ضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: (لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا المُنْذِرِ) . قَالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُم مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، أَحَدُ عُمُوْمَتِي (2) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أُبَيٌّ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: إِنِّي تَلَقَّيْتُ القُرْآنَ مِمَّنْ تَلَقَّاهُ مِنْ جِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُوَ رَطْبٌ (3) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ عُمَرُ: أَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَأَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قِرَاءةِ أُبَيٍّ. وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ أَدَعُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البَقَرَةُ: 106] (4) .   (1) أخرجه أحمد 5 / 142، ومسلم (810) في صلاة المسافرين: باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، وأبو داود (1460) في الوتر: باب ما جاء في آية الكرسي، وأشار الترمذي في كتاب فضائل القرآن: في آخر باب: قصة في فضل آية الكرسي إلى حديث أبي بن كعب، والحاكم 3 / 304 وصححه، ووافقه الذهبي، وزاد السيوطي نسبته في " الدر المنثور " إلى ابن الضريس والهروي. ومعناه: ليكن العلم هنيئا لك. (2) أخرجه البخاري (5003) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، ومسلم (2465) في فضائل الصحابة: باب فضائل أبي، والترمذي (3796) في المناقب: باب مناقب معاذ وزيد وأبي. (3) أخرجه أحمد 5 / 117. (4) أخرجه أحمد 5 / 113، والبخاري (4481) في التفسير: باب قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها، و (5005) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، والحاكم 3 / 305، والفسوي 2 / 481 في " المعرفة والتاريخ ". وقوله: ننسها: من النسيان. وهي قراءة ما سوى ابن كثير، وأبي عمرو من السبعة وفي رواية البخاري " أو ننسأها " أي نؤخرها، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَرَوَى: أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَقْرَأُ أُمَّتِي أُبَيٌّ (1)) . وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ أُبَيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! مَا جَزَاءُ الحُمَّى؟ قَالَ: (تُجْرِي الحَسَنَاتِ عَلَى صَاحِبِهَا) . فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُمَّىً لاَ تَمْنَعُنِي خُرُوْجاً فِي سَبِيْلِكَ. فَلَمْ يُمْسِ أُبَيٌّ قَطُّ إِلاَّ وَبِهِ الحُمَّى (2) . قُلْتُ: مُلاَزَمَةُ الحُمَّى لَهُ حَرَّفَتْ خُلُقَهُ يَسِيْراً، وَمِنْ ثَمَّ يَقُوْلُ زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ: كَانَ أُبَيٌّ فِيْهِ شَرَاسَةٌ. قَالَ أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ: قَالَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ جَابِرٌ، أَوْ جُوَيْبِرٌ: طَلَبْتُ حَاجَةً إِلَى عُمَرَ، وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ الثِّيَابِ وَالشَّعْرِ، فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا فِيْهَا بَلاَغُنَا وَزَادُنَا إِلَى الآخِرَةِ، وَفِيْهَا أَعْمَالُنَا الَّتِي نُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ؛ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ (3) . قَالَ مُغِيْرَةُ بنُ مُسلمٍ: عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: أَوْصِنِي. قَالَ: اتَّخِذْ كِتَابَ اللهِ إِمَاماً، وَارْضَ بِهِ قَاضِياً وَحَكَماً،   (1) أخرجه الترمذي (3793) في المناقب: باب مناقب أهل البيت، وابن ماجه (154) في المقدمة: الباب رقم (11) ، وابن سعد 3 / 2 / 60 كلهم من طريق: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤ هم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل. ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) أخرجه أحمد 3 / 23، من طريق يحيى، عن سعد بن إسحاق، عن زينب ابنة كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدري، وصححه ابن حبان (692) ، وانظر " مجمع الزوائد " 2 / 302، وأخرجه الطبراني (540) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 255، من طريق سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن خليد، عن محمد بن عيسى بن الطباع، عن معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب، عن أبيه عن جده، عن أبي بن كعب. وانظر " المجمع " 2 / 305، و" فتح الباري " 10 / 103 - 110. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 فَإِنَّهُ الَّذِي اسْتَخْلَفَ فِيْكُم رَسُوْلُكُم، شَفِيْعٌ مُطَاعٌ، وَشَاهِدٌ لاَ يُتَّهَمُ، فِيْهِ ذِكْرُكُم وَذِكْرُ مَنْ قَبْلَكُم، وَحَكَمُ مَا بَيْنَكُم، وَخَبَرُكُم، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُم (1) . الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيٍّ: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُم عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُم} ، قَالَ: هُنَّ أَرْبَعٌ، كُلُّهُنَّ عَذَابٌ، وَكُلُّهُنَّ وَاقِعٌ لاَ مَحَالَةَ، فَمَضَتْ اثْنَتَانِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَأُلْبِسُوا شِيَعاً، وَذَاقَ بَعْضُهُم بَأْسَ بَعْضٍ، وَبَقِيَ ثِنْتَانِ وَاقِعَتَانِ لاَ مَحَالَةَ: الخَسْفُ، وَالرَّجْمُ (2) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدَانَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ فِي ظِلِّ أُطُمِ حَسَّانٍ، وَالسُّوْقُ سُوْقُ الفَاكِهَة اليَوْمَ. فَقَالَ أُبَيٌّ: أَلاَ تَرَى النَّاسَ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُم فِي طَلَبِ الدُّنْيَا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يُوْشِكُ أَنْ يَحْسِرَ الفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ، فَيَقُوْلُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُوْنَ مِنْهُ لاَ يَدَعُوْنَ مِنْهُ شَيْئاً، فَيُقْتَلُ (3) النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُوْنَ (4)) .   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 253. (2) أخرجه أحمد 5 / 135، والطبري 7 / 226، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 253 عن وكيع، عن أبي جعفر بن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، وزاد السيوطي نسبته في " الدر المنثور " 3 / 17 إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه. (3) تصفحت في المطبوع إلى " فيقبل ". (4) أخرجه أحمد 5 / 139، و5 / 140 مختصرا، ومسلم (2895) في الفتن: باب: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ الحَمِيْدِ. وَلَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ، وَهُوَ: الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى المُغِيْرَةِ، عَنْ أُبَيٍّ (1) . أَبُو صَالِحٍ الكَاتِبُ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ القُرْآنِ، فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الفَرَائِضِ، فَلْيَأْتِ زَيْداً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الفِقْهِ، فَلْيَأْتِ مُعَاذاً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ المَالِ، فَلْيَأْتِنِي، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَنِي خَازِناً وَقَاسِماً (2) . وَرَوَاهُ: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مُوْسَى أَيْضاً. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَأَتَيْتُ أُبَيّاً، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! اخْفِضْ لِي جَنَاحَكَ - وَكَانَ امْرَءاً فِيْهِ شَرَاسَةٌ -. فَسَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ (3) . سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَسُمِّيْتُ لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قُلْتُ لأُبِيٍّ: فَرِحْتَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَهُوَ تَعَالَى يَقُوْلُ: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يُوْنُسُ: 58] (4) .   (1) أخرجه الطبراني (537) وتمامه: ابن كعب الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس فيقتل تسعة أعشارهم ". (2) أبو صالح، هو عبد الله بن صالح، كاتب الليث. سيئ الحفظ. وباقي رجاله ثقات. (3) أخرجه عبد الله بن الامام أحمد في " زوائد المسند " 5 / 132، وسنده حسن. (4) أخرجه أحمد 5 / 122، 123، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 تَابَعَهُ: الأَجْلَحُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ. مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيٍّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا أَبَا المُنْذِرِ! إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ) . فَقُلْتُ: بِاللهِ آمَنْتُ، وَعَلَى يَدِكَ أَسْلَمْتُ، وَمِنْكَ تَعَلَّمْتُ. فَرَدَّ القَوْلَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَذُكِرْتُ هُنَاكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، بِاسْمِكَ وَنَسَبِكَ فِي المَلأِ الأَعْلَى) . قُلْتُ: اقْرَأْ إِذَنْ يَا رَسُوْلَ اللهِ (1) . وَقَدْ رَوَاهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنِ ابْنِ الطَّبَّاعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ أُبَيٍّ. سُفْيَانُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً: (اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ (2)) . وَأَخْرَجَ: أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةً، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ لأُبِيٍّ: (أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا مَنَعَكَ؟) (3) .   (1) معاذ وأبوه لم يوثقهما غير ابن حبان، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 252، والطبراني في " الكبير " (539) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 312، ونسبه إلى الطبراني في " الأوسط " بأسانيد، ... ولم ينسبه إلى الطبراني في " الكبير ". (2) أخرجه البخاري (3758) في الفضائل: باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة و (3760) (3806) و (3808) في مناقب الانصار، و (4999) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، والحاكم 3 / 225 وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 176، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 537، 538 من طريقين، وانظر " المجمع " 9 / 311. (3) أخرجه أبو داود (907) في الصلاة: باب الفتح على الامام، وإسناده صحيح، قال الخطابي: أراد: ما منعك أن تفتح علي إذ رأيتني قد لبس علي؟ وفيه دليل على جواز تلقين الامام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي جَمْرَةَ (1) ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بنُ قَتَادَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ لِلِقَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِم رَجُلٌ أَلْقَاهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أُبَيٍّ، فَأُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، وَخَرَجَ، فَقُمْتُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ. فَجَاءَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ فِي وُجُوْهِ القَوْمِ، فَعَرَفَهُمْ غَيْرِي، فَنَحَّانِي، وَقَامَ فِي مَقَامِي، فَمَا عَقِلْتُ صَلاَتِي. فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: يَا بُنَيَّ! لاَ يَسُوْؤُكَ اللهُ، فَإِنِّي لَمْ آتِ الَّذِي أَتَيْتُ بِجَهَالَةٍ، وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَنَا: (كُوْنُوا فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيْنِي) . وَإِنِّي نَظَرْتُ فِي وُجُوْهِ القَوْمِ، فَعَرَفْتُهُم غَيْرَكَ، وَإِذَا هُوَ أُبَيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (2) . الدَّارِمِيُّ (3) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ عِيْدٍ، فَقَالَ: (ادْعُوا لِي سَيِّدَ الأَنْصَارِ؟) . فَدَعَوْا أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ. فَقَالَ: (يَا أُبَيُّ! ائْتِ بَقِيْعَ المُصَلَّى، فَأْمُرْ بِكَنْسِهِ) ، الحَدِيْثَ (4) .   (1) أبو جمرة: هو نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري، نزيل خراسان ثقة، ثبت، روى له الجماعة. وقد تحرف في " المسند "، و" تعجيل المنفعة " إلى " أبي حمزة ". وتحرف في المطبوع إلى أبي " ضمرة ". (2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 5 / 140، و" الحلية " 1 / 252 وأخرجه النسائي 2 / 88، وأبو نعيم في " الحلية " أيضا 1 / 252، كلاهما: من طريق يوسف بن يعقوب، عن التيمي، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد بنحوه. (3) هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن صاحب السنن. وقد تحرف في المطبوع إلى " الواقدي ". (4) إسناده ضعيف لضعف عكرمة بن إبراهيم، وجهالة يزيد بن شداد وعتبة بن عبد الله بن عمرو آبن العاص. وذكره الهيثمي في " المجمع " 2 / 200، وتمامه: " وأمر الناس أن يخرجوا. فلما بلغ الباب رجع. قال: يا رسول الله، والنساء؟ فقال: والعواتق، والحيض، يكن في الناس يشهدن الدعوة "، وقال: رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه يزيد بن شداد الهنائي مجهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الوَلِيْدُ بنُ مُسلمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ (1) رَكِبَ إِلَى المَدِيْنَةِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، فَقَرَؤُوا يَوْماً عَلَى عُمَرَ: {إِذْ جَعَلَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا فِي قُلُوْبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ} [الفَتْحُ: 26] ، وَلَوْ حَمِيْتُمْ كَمَا حَمَوْا لَفَسَدَ المَسْجِدُ الحَرَامُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَقْرَأَكُم هَذَا؟ قَالُوا: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ. فَدَعَا بِهِ، فَلَمَّا أَتَى (2) ، قَالَ: اقْرَؤُوا. فَقَرَؤُوا كَذَلِكَ. فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللهِ يَا عُمَرُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَحْضُرُ وَيَغِيْبُوْنَ، وَأُدْنَى وَيُحْجَبُوْنَ، وَيُصْنَعُ بِي وَيُصْنَعُ بِي، وَوَاللهِ لَئِنْ أَحْبَبْتَ، لأَلْزِمَنَّ بَيْتِي، فَلاَ أُحَدِّثُ شَيْئاً، وَلاَ أُقْرِئُ أَحَداً حَتَّى أَمُوْتَ. فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ غُفْراً! إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ عِنْدَكَ عِلْماً، فَعَلِّمِ النَّاسَ مَا عُلِّمْتَ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بَجَالَةَ - أَوْ غَيْرِهِ - قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِغُلاَمٍ يَقْرَأُ فِي المُصْحَفِ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} [الأَحْزَابُ: 61] وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! حُكَّهَا. قَالَ: هَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُلْهِيْنِي القُرْآنُ، وَيُلْهِيْكَ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ (4) . عَوْفٌ: عَنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنِي عُتَيُّ بنُ ضَمْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِيْنَةِ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " العلاء ". (2) تصحفت في المطبوع إلى " أبي ". (3) رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم 2 / 225 من طريق محمد بن شعيب، عن عبد الله بن العلاء، عن بشر بن عبد الله، عن أبي، وأورده ابن كثير 4 / 194 في " تفسيره " عن النسائي، من طريق إبراهيم بن سعيد، عن شبابة بن سوار، عن أبي رزين، عن عبد الله بن العلاء، عن بشر بن عبد الله، عن أبي ... ، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 79، ونسبه إلى النسائي والحاكم. (4) عمرو: هو ابن دينار المكي، ثقة ثبت. وبجالة: - وقد تحرف في المطبوع إلى " مجالد " هو ابن عبدة التميمي البصري، ثقة أيضا وقد ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 183 ونسبه إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن راهويه، وابن المنذر، والبيهقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 يَمُوْجُوْنَ فِي سِكَكِهِم. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُم: مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ؛ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ (1) . أَيُّوْبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّبِ، عَنْ أُبَيٍّ، قَالَ: إِنَّا لَنَقْرَؤُهُ فِي ثَمَانِ لَيَالٍ - يَعْنِي القُرْآنَ (2) -. سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: مَا لَكَ لاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُدَنَّسَ دِيْنُكَ (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي (4) ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيْدِ (5) بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ عُمَرُ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى أَرْضِ قَوْمِنَا. فَكُنْتُ فِي مُؤَخَّرِ النَّاسِ مَعَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، فَهَاجَتْ سَحَابَة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا. قَالَ: فَلَحِقْنَاهُمْ، وَقَدِ ابْتَلَّتْ رِحَالُهُم. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَنَا؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبَا المُنْذِرِ قَالَ: اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا. قَالَ: فَهَلاَّ دَعَوْتُمْ لَنَا مَعَكُمْ (6) . قَالَ مَعْمَرٌ: عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ. قَالَ مَسْرُوْقٌ: سَأَلْتُ أُبَيّاً عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: أَكَانَ بَعْدُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ:   (1) رجاله ثقات. وعوف هو ابن أبي جميلة. وانظر الخبر في " الطبقات " 3 / 2 / 61، من طريق عفان، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي ... وقد تحرفت " عتي " في المطبوع إلى " غني ". (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60، وإسناده صحيح، وأبو المهلب هو الجرمي، عم أبي قلابة. واسمه: عمرو أو عبد الرحمن. من رجال مسلم. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60 (4) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ". (5) تصحفت في المطبوع إلى " سعد ". (6) رجاله ثقات. إلا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فَاحْمِنَا حَتَّى يَكُوْنَ، فَإِذَا كَانَ اجْتَهَدْنَا لَكَ رَأْيَنَا. الجُرَيْرِيُّ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَّا، يُقَالُ لَهُ: جَابِرٌ أَوْ جُوَيْبِرٌ، قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ، وَقَدْ أُعْطِيْتُ مَنْطِقاً، فَأَخَذْتُ فِي الدُّنْيَا، فَصَغَّرْتُهَا، فَتَرَكْتُهَا لاَ تَسْوَى شَيْئاً، وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالثِّيَابِ. فَقَالَ: كُلُّ قَوْلِكَ مُقَارِبٌ، إِلاَّ وُقُوْعَكَ فِي الدُّنْيَا، هَلْ تَدْرِي مَا الدُّنْيَا؟ فِيْهَا بَلاَغُنَا -أَوْ قَالَ: زَادُنَا- إِلَى الآخِرَةِ، وَفِيْهَا أَعْمَالُنَا الَّتِي نُجْزَى بِهَا. قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ؛ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ (1) . أَصْرَمُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: كَانَ أُبَيٌّ صَاحِبَ عِبَادَةٍ، فَلَمَّا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ، تَرَكَ العِبَادَةَ، وَجَلَسَ لِلْقَوْمِ (2) . عَوْفٌ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُتَيِّ بنِ ضَمْرَةَ: قُلْتُ لأُبِيِّ بنِ كَعْبٍ: مَا شَأْنُكُم يَا أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! نَأْتِيْكُمْ مِنَ الغُرْبَةِ، وَنَرْجُوْ عِنْدَكُمُ الخَيْرَ، فَتَهَاوَنُوْنَ بِنَا؟ قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى هَذِهِ الجُمُعَةِ لأَقُوْلَنَّ قَوْلاً لاَ أُبَالِي، اسْتَحْيَيْتُمُوْنِي أَوْ قَتَلْتُمُوْنِي. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، خَرَجْتُ، فَإِذَا أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَمُوْجُوْنَ فِي سِكَكِهَا. فَقُلْتُ: مَا الخَبَرُ؟ قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ؛ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ (3) . قَدْ ذَكَرْتُ أَخْبَارَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا العَالِيَةِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ السَّائِبِ، قَرَؤُوا عَلَيْهِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَيَّاشٍ المَخْزُوْمِيَّ قَرَأَ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60. (2) أصرم بن حوشب هالك. قال يحيى: كذاب خبيث. وقال البخاري، ومسلم، والنسائي: متروك. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات. وشيخه أبو جعفر الرازي سيئ الحفظ. (3) تقدم تخريجه في الصفحة (398) تعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عَلَيْهِ أَيْضاً، وَكَانَ عُمَرُ يُجِلُّ أُبَيّاً، وَيَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَيَتَحَاكَمُ إِلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ: تَدُلُّ أَحَادِيْثُ عَلَى وَفَاةِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ أَهْلَهُ وَغَيْرَهُمْ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ: اليَوْمَ مَاتَ سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعنَا مَنْ يَقُوْلُ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. قَالَ: وَهُوَ أَثْبَتُ الأَقَاوِيْلِ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ القُرْآنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ عُثْمَانَ جَمَعَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فِيْهِم أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ فِي جَمْعِ القُرْآنِ (1) . قُلْتُ: هَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَمَا أَحْسِبُ أَنَّ عُثْمَانَ نَدَبَ لِلْمُصْحَفِ أُبَيّاً، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لاَشْتَهَرَ، وَلَكَانَ الذِّكْرُ لأُبِيٍّ لاَ لِزَيْدٍ، وَالظَّاهِرُ وَفَاةُ أُبَيٍّ فِي زَمَنِ عُمَرَ، حَتَّى إِنَّ الهَيْثَمَ بنَ عَدِيٍّ وَغَيْرَهُ ذَكَرَا مَوْتَهُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، فَالنَّفْسُ إِلَى هَذَا أَمْيَلُ. وَأَمَّا خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، فَقَالاَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ مَرَّةً: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) : يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِم عِشْرِيْنَ   (1) أخرجه الفسوي 2 / 487 في " المعرفة والتاريخ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 رَكْعَةً (1) . وَقَدْ كَانَ أُبَيٌّ الْتَقَطَ صُرَّةً فِيْهَا مَائَةُ دِيْنَارٍ، فَعَرَّفَهَا حَوْلاً وَتَمَلَّكَهَا، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) .   (1) سنده منقطع، أخرجه أبو داود (1429) في الصلاة: باب القنوت في الوتر، من طريق شجاع بن مخلد، عن هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، " أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ركعة. ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الاواخر تخلف، فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أين أبي ". وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد العزيز بن رفيع قال: كان أبي بن كعب، رضي الله عنه، يصلي بالمدينة عشرين ركعة، ويوتر بثلاث. وهذا مرسل قوي السند. وأخرج أيضا عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب أمر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة. وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " (7730) ، من طريق داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب - على تميم الداري - على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين، وينصرفون عند فروع الفجر "، وهذا سند قوي. وأخرج البيهقي في " سننه " 2 / 496 من طريق علي بن الجعد، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد ابن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قا ل: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعشرين ركعة. قال: وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان، رضي الله عنه، من شدة القيام، وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم عدول ثقات. (2) أخرجه أحمد 5 / 126، والبخاري (2426) في اللقطة: باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، و (2437) فيه: باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق، ومسلم (1723) في اللقطة، وأبو داود (1701) في اللقطة: باب التعريف باللقطة، والترمذي (1374) في الاحكام: باب ما جاء في اللقطة وضالة الابل: كلهم من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة قال: خرجت أنا، وزيد بن صوحان، وسلمان بن ربيعة، غازين. فوجدت سوطا فأخذته. فقالا لي: دعه. فقلت: لا. ولكني أعرفه. فإن جاء صاحبه وإلا استمتعت به. قال: فأبيت عليهما. فلما رجعنا من غزاتنا قضي لي أني حججت فأتبت المدينة، فلقيت أبي ابن كعب، فأخبرته بشأن السوط وبقولهما، فقال: إني وجدت صرة فيها مئة دينار، على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأتبت بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: " عرفها حولا ". قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها. ثم أتيته فقال: " عرفها حولا " فعرفتها فلم أجد من يعرفها. ثم أتيته فقال " عرفها حولا " فعرفتها فلم أجد من يعرفها. فقال: " احفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها، والا فاستمتع بها فاستمتعت بها ". فلقيته بعد ذلك بمكة فقال: لا أدري بثلاثة أحوال، أو حول واحد. واللفظ لمسلم. وقوله: لقيته: هو قول شعبة. يعني لقي سلمة بن كهيل. وفاعل قال التي بعدها: هو سلمة. أي هل قال سويد بن غفلة: ثلاثة أعوام أو قال: عاما واحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ قِصَّةَ مُوْسَى وَالخَضِرِ، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) أَيْضاً. وَلأُبَيٍّ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ: نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَأَنْبَأَنِي بِنَسَبِهِ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ النُّوْنِيُّ، وَقَالَ: مَالِكُ بن النَّجَّارِ: هُوَ أَخُو عَدِيٍّ، وَدِيْنَارٍ، وَمَازِنٍ. وَاسْمُ النَّجَّارِ وَالِدِهِم: تَيْمُ اللهِ (2) بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرِو بنِ الخَزْرَجِ. قَالَ: وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ هُوَ ابْنُ عَمَّةِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ أُبَيٌّ نَحِيْفاً، قَصِيْراً، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: رَأَيْتُ أَهْلَهُ وَغَيْرَ وَاحِدٍ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُوْلُ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَثْبَتُ الأَقَاوِيْلِ عِنْدَنَا. قَالَ: لأَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ القُرْآنَ. رَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ عُثْمَانَ جَمَعَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فِيْهِم: أُبَيٌّ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ فِي جَمْعِ القُرْآنِ (3) . لَهُ عِنْدَ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ: مَائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِسَبْعَةٍ.   (1) أخرجه أحمد 5 / 117، 118، 120، والبخاري (122) في العلم،: باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم، و (3401) في الأنبياء: باب حديث الخضر مع موسى عليه السلام، و (4725) في التفسير: باب وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين، ومسلم (2380) في الفضائل: باب من فضائل الخضر - وهو حديث مطول فارجع إليه (2) سقطت من المطبوع لفظة " الله ". (3) سبق تعليق المصنف عليه في الصفحة (400) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 83 - النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ أَبُو عَمْرٍو المُزَنِيُّ * هُوَ: النُّعْمَانُ بنُ عَمْرِو بنِ مُقرِّنِ بنِ عَائِذِ بنِ مِيْجَا (1) بنِ هُجَيْرِ بن نَصْرِ بنِ حُبْشِيَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ ثَوْرِ بنِ هُذْمَةَ بنِ لاَطِمِ بنِ عُثْمَانَ بنِ مُزَيْنَةَ. أَبُو عَمْرٍو المُزَنِيُّ، الأَمِيْرُ. أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الأَحْزَابُ، وَشَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَنَزَلَ الكُوْفَةَ، وَلِيَ كَسْكَرَ لِعُمَرَ، ثُمَّ صَرَفَهُ، وَبَعَثَهُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ يَوْمَ وَقْعَةِ نَهَاوَنْدَ، فَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَوَّلَ شَهِيْدٍ. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الحَلَبِيُّ بِهَا، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ اللُّغَوِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ (2) ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ، انْتَظَرَ حَتَّى تَزُوْلَ الشَّمْسُ (3) . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ:   (*) مسند أحمد: 5 / 444، طبقات خليفة: 38، 128، 177، 190، تاريخ خليفة: 149، التاريخ الكبير: 8 / 75، التاريخ الصغير: 1 / 47، 56، 216، المعارف: 299، الجرح والتعديل: 8 / 444، مشاهير علماء الأمصار: ت: 268، الاستيعاب: 10 / 319، أسد الغابة: 5 / 342، تهذيب الكمال: 1418، دول الإسلام: 1 / 17، العبر: 1 / 25، تهذيب التهذيب: 10 / 456، الإصابة: 10 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 403. (1) بكسر الميم، وياء تحتها نقطتان. قال ابن ماكولا في " الإكمال " 7 / 299: هو في نسب النعمان بن مقرن، بن عائذ، بن ميجا المزني. له ولاخوته صحبة. ذكره الدارقطني. ونقل ابن الأثير في " أسد الغابة " 5 / 343 ضبط ابن ماكولا وأقره. وأما أصلنا فقد جاء فيه " منجا ". (2) في الأصل " غفار ". وعفان هذا هو ابن مسلم. (3) إسناده صحيح وأخرجه أحمد 5 / 445، وأبو داود (2655) في الجهاد: باب في أي وقت يستحب اللقاء، والترمذي (1613) في السير: باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 زِيَادِ (1) بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النُّعْمَانِ. شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لِي ابْنُ المُسَيِّبِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مُزَيْنَةَ. قَالَ: إِنِّي لأَذْكُرُ يَوْمَ نَعَى عُمَرُ النُّعْمَانَ بنَ مُقَرِّنٍ عَلَى المِنْبَرِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ نَهَاوَنْدُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. قُلْتُ: حَفِظَ سَعِيْدٌ ذَلِكَ، وَلَهُ سَبْعُ سِنِيْنَ. وَلِلنُّعْمَانِ إِخْوَةٌ: سُوَيْدٌ أَبُو عَدِيٍّ، وَسِنَانُ مِمَّنْ شَهِدَ الخَنْدَقَ، وَمَعْقِلٌ وَالِدُ عَبْدِ اللهِ المُحَدِّثِ، وَعقِيْلٌ أَبُو حَكِيْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: البَكَّاؤُوْنَ بَنُو مُقَرِّنٍ سَبْعَةٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: سَمِعْتُ أَنَّهُم شَهِدُوا الخَنْدَقَ. وَقِيْلَ: كُنْيَةُ النُّعْمَانِ: أَبُو حَكِيْمٍ، وَكَانَ إِلَيْهِ لِوَاءُ مُزَيْنَةَ يَوْمَ الفَتْحِ. يَرْوِي عَنْهُ: وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ، وَمُسلمُ بنُ هَيْصَمٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ وَهُوَ أَمِيْرُ النَّاسِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. شُعْبَةُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بِنَعْيِ النُّعْمَانِ بن مُقَرِّنٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَبْكِي.   = وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعلقه البخاري في الجهاد: باب (112) ، وأخرجه موصولا (3160) في الجزية والموادعة، من طريق المعتمر بن سليمان، حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي، حدثنا بكر بن عبد الله المزني، وزياد بن جبير، عن جبير بن حية، قال..فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يندمك، ولم يحزنك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الارواح، وتحضر الصلوات ". والارواح: جمع ريح، وانظر ما قاله ابن حجر في " شرح هذا الحديث " 6 / 265 - 266. (1) تحرفت " زياد " في المطبوع إلى " زناد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ الهُرْمُزَانَ فِي: أَصْفَهَانَ، وَفَارِسٍ، وَأَذْرَبِيْجَانَ. فَقَالَ: أَصْبَهَانُ الرَّأْسُ، وَفَارِسٌ وَأَذْرَبِيْجَانُ الجَنَاحَانِ، فَإِذَا قَطَعْتَ جَنَاحاً فَاءَ الرَّأْسُ وَجَنَاحٌ (1) ، وَإِنْ قَطَعْتَ الرَّأْسَ وَقَعَ الجَنَاحَانِ. فَقَالَ عُمَرُ لِلنُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ: إِنِّي مُسْتَعْمِلُكَ. فَقَالَ: أَمَّا جَابِياً فَلاَ، وَأَمَّا غَازِياً فَنَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّكَ غَازٍ. فَسَرَّحَهُ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ الكُوْفَةِ لِيُمِدُّوْهُ، وَفِيْهِم: حُذَيْفَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَالمُغِيْرَةُ، وَالأَشْعَثُ، وَعَمْرُو بنُ مَعْدِيْ كَرِبٍ. فَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ، وَهُوَ فِي (مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ) . وَفِيْهِ: فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقِ النُّعْمَانَ الشَّهَادَةَ بِنَصْرِ المُسْلِمِيْنَ، وَافْتَحْ عَلَيْهِم. فَأَمَّنُوا، وَهَزَّ لِوَاءهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ حَمَلَ، فَكَانَ أَوَّلَ صَرِيْعٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَوَقَعَ ذُوْ الحَاجِبَيْنِ مِنْ بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ، فَانْشَقَّ بَطْنُهُ، وَفَتَحَ اللهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النُّعْمَانَ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ، فَصَبَبْتُ عَلَى وَجْهِهِ أَغْسِلُ التُّرَابَ. فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قُلْتُ: مَعْقِلٌ. قَالَ: مَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قُلْتُ: فَتَحَ اللهُ. فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ، اكْتُبُوا إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ. وَفَاضَتْ نَفْسُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (2) .   (1) اضطربت هذه العبارة في المطبوع وتحرفت إلى ما يلي: " فإذا قطعت جناحاها فاء الرأس وجنح ". (2) أخرجه الحاكم 3 / 293، وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري (3159) في الجزية: باب الجزية والموادعة، من طريق المعتمر بن سليمان عن سعيد بن عبيد الله الثقفي، عن بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير، عن جبير بن حية، قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين. فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال: نعم. مثلها ومثل من فيها من الناس، من عدو المسلمين، مثل طائر له رأس، وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس. وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس. فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس. فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية، قال: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم. فقال المغيرة: سل عما شئت. قال: ما أنتم. قال: " نحن أناس من العرب، كنا في = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 84 - عَمَّارُ بنُ يَاسِرِ بنِ عَامِرِ بنِ مَالِكٍ العَنْسِيُّ * (ع) ابْنِ كِنَانَةَ بنِ قَيْسِ بنِ الوَذِيْمِ. وَقِيْلَ: بَيْنَ قَيْسٍ وَالوَذِيْمِ: حُصَيْنُ بنُ الوَذِيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَوْفِ بنِ حَارِثَةَ بنِ عَامِرٍ الأَكْبَرِ بنِ يَامِ بنِ عَنْسٍ. وَعَنْسٌ: هُوَ زَيْدُ بنُ مَالِكِ بنِ أُدَدَ بنِ زَيْدِ بنِ يَشْجُبَ بنِ عَرِيْبِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ سَبَأَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ. وَبَنُوْ مَالِكِ بنِ أُدَدَ: مِنْ مَذْحِجٍ. قَرَأْتُ هَذَا النَّسَبَ عَلَى شَيْخِنَا الدِّمْيَاطِيِّ، وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، قَالَ: قَرَأْتُهُ عَلَى يَحْيَى بنِ قُمَيْرَةَ، عَنْ شُهْدَةَ، عَنِ ابْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، فَذَكَرَهُ. وَفِيْهِ: قَيْسُ بنُ الحُصَيْنِ بنِ الوَذِيْمِ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَعَنْسٌ: نَقَّطَهُ بِنُوْنٍ. الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو اليَقْظَانِ العَنْسِيُّ، المَكِّيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ. أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَالأَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ. وَأُمُّهُ: هِيَ سُمَيَّةُ، مَوْلاَةُ بَنِي مَخْزُوْمٍ، مِنْ كِبَارِ الصَّحَابِيَّاتِ أَيْضاً.   = شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر. فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الارضين - تعالى ذكره وجلت عظمته - إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه. فأمرنا نبينا، رسول ربنا، صلى الله عليه وسلم، أن نقاتلكم حتى تعبدو الله وحده، أو تؤدوا الجزية. وأخبرنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم " كما أخرجه (7530) . ارجع إلى ما قاله في شرحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " 6 / 259 وما بعدها. (*) مسند أحمد: 4 / 262، 319، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 176، طبقات خليفة: 21، 75، 126، تاريخ خليفة: 144، 145، 149، 189، 191، التاريخ الكبير: 7 / 25، التاريخ الصغير: 1 / 79، 84، 85، المعارف: 256 - 258، الجرح والتعديل: 6 / 389، مشاهير علماء الأمصار: ت: 266، حلية الأولياء: 1 / 139 - 143، الاستيعاب: 8 / 225، تاريخ بغداد: 1 / 150. 153، ابن عساكر: 12 / 300 / 2، أسد الغابة: 4 / 129، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 37 - 38، تهذيب الكمال: 1000، دول الإسلام: 1 / 28، العبر: 1 / 25، 38، 40، مجمع الزوائد: 9 / 291 - 298، العقد الثمين: 6 / 279 - 281، تهذيب التهذيب: 7 / 408، الإصابة: 7 / 64، خلاصة تذهيب الكمال: 279، كنز العمال: 13 / 526، شذرات الذهب: 1 / 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ: فَفِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) لَهُ اثْنَانِ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً، وَمِنْهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) خَمْسَةٌ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَعَلْقَمَةُ، وَزِرٌّ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بنُ حَنْظَلَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبْزَى، وَنَاجِيَةُ بنُ كَعْبٍ، وَأَبُو لاَسٍ الخُزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَلِمَةَ المُرَادِيُّ، وَابْنُ الحَوْتَكِيَّةِ، وَثَرْوَانُ (1) بنُ مِلْحَانَ، وَيَحْيَى بنُ جَعْدَةَ، وَالسَّائِبُ وَالِدُ عَطَاءٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَصِلَةُ بنُ زُفَرَ، وَمُخَارِقُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَدِمَ وَالِدُ عَمَّارٍ؛ يَاسِرُ بنُ عَامِرٍ، وَأَخَوَاهُ؛ الحَارِثُ وَمَالِكٌ مِنَ اليَمَنِ إِلَى مَكَّةَ يَطْلُبُوْنَ أَخاً لَهُم، فَرَجَعَ أَخَوَاهُ، وَأَقَامَ يَاسِرٌ، وَحَالَفَ أَبَا حُذَيْفَةَ بنَ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ، فَزَوَّجَهُ أَمَةً لَهُ اسْمُهَا سُمَيَّةُ بِنْتُ خُبَاطٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمَّاراً، فَأَعْتَقَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ. ثُمَّ مَاتَ أَبُو حُذَيْفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ اللهُ بِالإِسْلاَمِ أَسْلَمَ عَمَّارٌ، وَأَبَوَاهُ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ. وَتَزَوَّجَ بِسُمَيَّةَ بَعْدُ: يَاسِرٌ الأَزْرَقُ الرُّوْمِيُّ (2) ، غُلاَمُ الحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ وَالِدُ سَلَمَةَ بنِ الأَزْرَقِ (3) . وَيُقَالُ: إِنَّ لِعَمَّارٍ مِنَ الرِّوَايَةِ بِضْعَةً وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. وَيُرْوَى عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: كُنْت تِرْباً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسِنِّهِ (4) .   (1) مترجم في " تعجيل المنفعة ". وقد تصحف في المطبوع إلى " مروان ". (2) وكذا قال ابن قتيبة في " المعارف " 256، وتعقبه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 330، فقال: وهذا غلط من ابن قتيبة فاحش، وإنما خلف الازرق على سمية أم زياد، زوجه مولاه الحارث بن كلدة منها، لأنه كان مولى لهما، فسلمة بن الازرق أخو زياد لامه، لا أخو عمار، وليس بين سمية أم عمار وسمية أم زياد نسب ولا سبب. (3) ابن سعد 3 / 1 / 176. (4) أخرجه الحاكم 3 / 385. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَرَوَى: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلِمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّاراً يَوْمَ صِفِّيْنَ شَيْخاً، آدَمَ، طُوَالاً، وَإِنَّ الحَرْبَةَ فِي يَدِهِ لَتَرْعُدُ. فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ قَاتَلْتُ بِهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ، وَلَوْ قَاتَلُوْنَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَرَفْتُ أَنَّنَا عَلَى الحَقِّ، وَأَنَّهُم عَلَى البَاطِلِ (1) . وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ مَوْلاَةِ أُمِّ الحَكَمِ بِنْتِ عَمَّارٍ: أَنَّهَا وَصَفَتْ لَهُم عَمَّاراً: آدَمَ، طُوَالاً، مُضْطَرِباً، أَشْهَلَ العَيْنِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ (2) . وَعَنْ كُلَيْبِ بنِ مَنْفَعَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّاراً بِالكُنَاسَةِ أَسْوَدَ، جَعْداً، وَهُوَ يَقْرَأُ. رَوَاهُ: الحَاكِمُ فِي (المُسْتَدْرَكِ (3)) . وَقَالَ عُرْوَةُ: عَمَّارٌ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي مَخْزُوْمٍ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ بَعْضِ بَنِي عَمَّارٍ: أَنَّ عَمَّاراً وَصُهَيْباً أَسْلَمَا مَعاً بَعْدَ بِضْعَةٍ وَثَلاَثِيْنَ رَجُلاً. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. زَائِدَةُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، والحاكم 3 / 384، كلاهما من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال ... ، ورجاله ثقات إلا أن عبد الله بن سلمة وهو المرادي صدوق قد تغير حفظه، وأخرجه الحاكم أيضا 3 / 392، وصححه، وسكت عنه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 189. (3) 3 / 384 وتمامه: " هذه الآية: ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "، وذكره الحافظ الهيثمي في " المجمع " 9 / 292، وقال: رواه الطبراني، وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 سَبْعَةٌ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَالمِقْدَادُ. فَأَمَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ. وَأَمَّا سَائِرُهُم: فَأَلْبَسَهُمُ المُشْرِكُوْنَ أَدْرَاعَ الحَدِيْدِ، وَصَفَّدُوْهُم فِي الشَّمْسِ، وَمَا فِيْهِم أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُم عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلٌ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَعْطَوْهُ الوِلْدَانَ يَطُوْفُوْنَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَحَدٌ أَحَدٌ (1) . وَرَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ ... ، فَذَكَرَهُم. زَادَ: فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ يَشْتُمُ سُمَيَّةَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِحَرْبَتِهِ فِي قُبُلِهَا حَتَّى قَتَلَهَا، فَكَانَتْ أَوَّلَ شَهِيْدَةٍ فِي الإِسْلاَمِ (2) . وَعَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ: كَانَ عَمَّارٌ يُعَذَّبُ حَتَّى لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، وَكَذَا صُهَيْبٌ، وَفِيْهِمْ نَزَلَتْ: {وَالَّذِيْنَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النَّحْلُ (3) : 41] . مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عُثْمَانَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَبْراً آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ   (1) سنده حسن. وقد سبق تخريجه على الصفحة (348) تعليق رقم (1) . (2) " الاستيعاب " 13 / 49 وفيه قلبها. وكذلك في " الإصابة "، في ترجمة سمية، لكنه بغير سند. وقد تحرفت " قبلها " في المطبوع إلى " قلبها " وقال الامام أحمد: حدثني وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: " أول شهيد كان في أول الإسلام استشهد أم عمار سمية، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها " وهذا مرسل. (3) ابن سعد 3 / 1 / 177 من طريق الواقدي، عن عثمان بن محمد، عن عبد الحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم ... وفيه " ما فتنوا ". والوقدي متروك. وانظر " الدر المنثور " 4 / 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الجَنَّةُ (1)) . قِيْلَ: لَمْ يَسْلَمْ أَبَوَا أَحَدٍ مِنَ السَّابِقِيْنَ المُهَاجِرِيْنَ سِوَى عَمَّارٍ، وَأَبِي بَكْرٍ. مُسلمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالتَّبُوْذَكِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ نَفَراً، مِنْهُم عَمَّارٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُم حَدِيْثاً عَنْ عَمَّارٍ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي البَطْحَاءِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى عَمَّارٍ وَأُمِّهِ وَأَبِيْهِ وَهُمْ يُعَذَّبُوْنَ. فَقَالَ يَاسِرٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الدَّهْرُ هَكَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرْ) . ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآلِ يَاسِرٍ، وَقَدْ فَعَلْتَ (2)) . هَذَا مُرْسَلٌ. وَرَوَاهُ: جُعْثُمُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ القَاسِمِ الحُدَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ بَدَلَ سَالِمٍ، عَنْ سَلْمَانَ بَدَلَ عُثْمَانَ. وَلَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ لَيِّنٌ، وَآخَرُ غَرِيْبٌ. وَرَوَى: أَبُو بَلْجٍ (3) ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: عَذَّبَ المُشْرِكُوْنَ عَمَّاراً بِالنَّارِ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمُرُّ بِهِ، فَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَقُوْلُ: ( {يَا نَارُ كُوْنِي بَرْداً وَسَلاَماً} [الأَنْبِيَاءُ: 69] عَلَى عَمَّارٍ، كَمَا كُنْتِ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وفي الباب: عن جابر عند الحاكم 3 / 388، وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، ونسبه للطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقوم. وذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة "، في ترجمة عمار بن ياسر، أن أبا أحمد الحاكم أخرجه من طريق عقيل، عن الزهري، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه. (2) أخرجه أحمد 1 / 62، وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 177، من طريق مسلم بن إبراهيم، وعمرو بن الهيثم أبو قطن قالا: حدثنا القاسم بن الفضل ... ، وذكره الهيثمي 7 / 227، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أنه منقطع، وهذا هو الاصح. (3) هو أبو بلج الفزاري، الكوفي، الواسطي، الحافظ. وفي التقريب: صدوق وربما أخطأ. وقد تصحف في المطبوع إلى " مليح ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 البَاغِيَةُ (1)) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ عَمَّاراً وَهُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ عَيْنَيْهِ، وَيَقُوْلُ: (أَخَذَكَ الكُفَّارُ، فَغَطُّوْكَ فِي النَّارِ، فَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ عَادُوا فَقُلْ لَهُم ذَلِكَ (2)) . رَوَى عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَخَذَ المُشْرِكُوْنَ عَمَّاراً، فَلَمْ يَتْرُكُوْهُ حَتَّى نَالَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَلَمَّا أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا وَرَاءكَ؟) . قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَاللهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُم بِخَيْرٍ. قَالَ: (فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟) . قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالإِيْمَانِ. قَالَ: (فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ (3)) . وَرَوَاهُ الجَزَرِيُّ (4) مَرَّةً عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: عَنْ أَبِيْهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: {إِلاَّ مِنْ أُكْرِهَ} نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ (5) . المَسْعُوْدِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَوَّل مَنْ بَنَى مَسْجِداً يُصَلَّى فِيْهِ:   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 177 من طريق: يحيى بن حماد، عن أبي عوانة عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون ... (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 178، من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن محمد - وهو ابن سيرين - أن النبي.. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 178، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 140، والطبري 14 / 182 ثلاثتهم من طريق عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن محمد، قال ... ، وأخرجه الحاكم 2 / 357، من طريق الجزري، عن أبي عبيدة عن أبيه، وصححه، ووافقه الذهبي، ورواية الحاكم هذه هي التي سيذكرها المؤلف رحمه الله. وقد تحرف لفظ " الجرزي " في المطبوع إلى " الجريري ". (4) في الأصل: " الجزري بن مرة "، والصواب ما أثبتناه. (5) قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة "، في ترجمة عمار بن ياسر -: واتفقوا على أنه نزلت فيه هذه الآية. وانظر ابن سعد 3 / 1 / 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 عَمَّارٌ (1) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِيْمَا نَأْتِي بِهِ، فَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَلاَ عَمَّارٌ بِشَيْءٍ، وَجَاءَ سَعْدٌ بِرَجُلَيْنِ (2) . جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: قَاتَلْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجِنَّ وَالإِنْسَ. قِيْلَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَأَخَذْتُ قِرْبَتِي وَدَلْوِي لأَسْتَقِي. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيْكَ عَلَى المَاءِ آتٍ يَمْنَعُكَ مِنْهُ) . فَلَمَّا كُنْتُ عَلَى رَأْسِ البِئْرِ، إِذَا بِرَجُلٍ أَسْوَدَ كَأَنَّهُ مَرَسٌ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَسْتَقِي اليَوْمَ مِنْهَا. فَأَخَذَنِي وَأَخَذْتُهُ، فَصَرَعْتُهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ حَجَراً، فَكَسَرْتُ وَجْهَهُ وَأَنْفَهُ، ثُمَّ مَلأْتُ قِرْبَتِي، وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: (هَلْ أَتَاكَ عَلَى المَاءِ أَحَدٌ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ (3) . فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ. فَقَالَ: (أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟) . قُلْتُ: لاَ. قَالَ: (ذَاكَ الشَّيْطَانُ (4)) . فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ كَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُلَيْلٍ (5) ، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءٍ، نُجَبَاءٍ، وُزَرَاءٍ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَمَّارٌ،   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 178، والحاكم 3 / 358. (2) أخرجه أبو داود (3388) في البيوع والاجارات: باب الشركة على غير رأس مال، والنسائي 7 / 57 في البيوع: باب الشركة بغير مال، وابن ماجه (2288) في التجارات: باب الشركة والمضاربة، وقال المنذري: وهو منقطع، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. (3) سقطت لفظة " نعم " من المطبوع. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 179، ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة الحسن، وانظر الفتح 7 / 92. (5) هو عبد الله بن مليل. روى عنه كثير النواء، والاعمش، وسالم بن أبي الجعد، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: عداده في أهل الكوفة. وقد تصحفت في المطبوع إلى " عبد الله بن مالك " انظر " تعجيل المنفعة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَبِلاَلٌ، وَسَلْمَانُ (1)) . تَابَعَهُ: جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ كَثِيْرٍ. الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ، عَنِ الحَسَنِ: عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (ثَلاَثَةٌ تَشْتَاقُ إِلَيْهِمُ الجَنَّةُ: عَلِيٌّ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ (2)) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمَّارٌ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) . قَالَ: عَمَّارٌ. قَالَ: (مَرْحَباً بِالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ (3)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى: عَثَّامُ بنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً عِنْدَ عَلِيٍّ، فَدَخَلَ عَمَّارٌ. فَقَالَ: مَرْحَباً بِالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ عَمَّاراً مُلِئَ إِيْمَاناً إِلَى مُشَاشِهِ (4)) . سُفْيَانُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَمَّارٌ مُلِئَ إِيْمَاناً إِلَى مُشَاشِهِ) (4) .   (1) أخرجه أحمد 1 / 88، 142، 148، 149، والترمذي (3787) ، (3791) في المناقب، وقال: حديث حسن غريب. كذا قال: مع أن كثير النواء ضعيف. (2) سبق تخريجه في الصفحة (355) التعليق رقم (1) (3) إسناده قوي. وأخرجه الترمذي (3799) في المناقب: باب مناقب عمار بن ياسر. وابن ماجه (146) في المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 140 و7 / 135، والحاكم في " المستدرك " 3 / 388 وصححه، ووافقه الذهبي. والطيب هنا: معناه الظاهر. (4) أخرجه ابن ماجه (147) في المقدمة: باب فضل عمار بن ياسر، وأبو نعيم في " الحلية "، 1 / 139، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 395 بأطول مما هنا: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وسنده قابل للتحسين. (5) رجاله ثقات. وأخرجه النسائي 8 / 111 في الايمان: باب تفاضل أهل الايمان، والحاكم 3 / 392، وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 92: روى البزار من حديث عائشة: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ عَمَّارٍ، فَقَالَ: نَسِيٌّ (1) ، وَإِنْ ذَكَّرْتَهُ ذَكَرَ، قَدْ دَخَلَ الإِيْمَانُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ جَسَدِهِ (2) . جَمَاعَةٌ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلَىً لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ: عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوْعاً: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ (3)) . رَوَاهُ: طَائِفَةٌ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، بِإِسْقَاطِ مَوْلَى رِبْعِيٍّ. وَكَذَا رَوَاهُ: زَائِدَةُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ. وَرُوِيَ عَنْ: عَمْرِو بنِ هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ. ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ يَوْم مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلاً، فَيُدْخِلَهُ اللهُ النَّارَ. قَالُوا: قَدْ كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّكَ، وَيَسْتَعْمِلُكَ. فَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ أَحَبَّنِي أَوْ تَأَلَّفَنِي، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّ رَجُلاً: عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ. قَالُوا: فَذَلِكَ قَتِيْلُكُم يَوْمَ صِفِّيْنَ. قَالَ: قَدْ -وَاللهِ- قَتَلْنَاهُ (4) .   = يقول: " ملئ إيمانا إلى مشاشه " يعني عمارا. وإسناده صحيح. والمشاش: جمع مشاشة وهي رؤوس العظام اللينة. (1) ترك في المطبوع مكانها فارغا، وكتب في هامشه " كلمتان غير واضحتين ". (2) رجاله ثقات. وسيذكره المصنف بطوله ص (541) . وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 540 مطولا من طريق عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن عمرو ابن مرة، عن أبي البختري، قال: سئل علي ... ، ورجاله ثقات، والطبراني (6041) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187 وانظر " المطالب العالية ". (3) حديث حسن، وهو في " المسند " 5 / 385، 402، وصححه ابن حبان (2193) والحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي. وانظر تمام الكلام على هذا الحديث على الصفحة (478) التعليق رقم (3) . (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188، والحاكم 3 / 392، وصححه وتعقبه الذهبي فقال: مرسل واخرجه احمد 4 / 199 من طريق عفان، عن الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن عمرو بن العاص بنحوه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 294، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَمَّارٍ كَلاَمٌ، فَأَغْلَظْتُ لَهُ. فَشَكَانِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ عَادَى عَمَّاراً عَادَاهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَّاراً أَبْغَضَهُ اللهُ) . فَخَرَجْتُ، فَمَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رِضَى عَمَّارٍ، فَلَقِيْتُهُ، فَرَضِيَ (1) . أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. شُعْبَةُ: عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَمَّارٍ كَلاَمٌ، فَشَكَاهُ خَالِدٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ يُعَادِ عَمَّاراً يُعَادِهِ اللهُ، وَمَنْ يُبْغِضْ عَمَّاراً يُبْغِضْهُ اللهُ (2)) . عَطَاءُ بنُ مُسلمٍ الخَفَّافُ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَوْسِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (دَمُ عَمَّارٍ وَلَحْمُهُ حَرَامٌ عَلَى النَّارِ (3)) . هَذَا غَرِيْبٌ. سُفْيَانُ: عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا لَهُم وَمَا لِعَمَّارٍ! يَدْعُوْهُمْ إِلَى الجَنَّةِ وَيَدْعُوْنَهُ إِلَى النَّارِ، وَذَلِكَ دَأْبُ الأَشْقِيَاءِ الفُجَّارِ (4)) . عَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ: عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَّنَنَا مِنْ أَنْ يَظْلِمَنَا، وَلَمْ يُؤَمِّنَّا مِنْ أَنْ يَفْتِنَنَا،   (1) أخرجه أحمد 1 / 89، والحاكم 3 / 391 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وعلقمة هو ابن قيس بن عبد الله، النخعي، الكوفي. (2) رجاله ثقات. والاسود هو ابن يزيد، وأخرجه أحمد 4 / 90، وأخرجه الحاكم 3 / 389 وصححه، ووافقه الذهبي. وعندهما " الاشتر " بدل " الأسود " والاشتر هو مالك بن الحارث النخعي. (3) إسناده ضعيف من أجل عطاء بن مسلم الخفاف، فإنه كثير الخطأ. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 295 وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر. (4) رجاله ثقات. لكنه مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 أَرَأَيْتَ إِنْ أَدْرَكْتُ فِتْنَةً؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقِّ (1)) . إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ. قَالَ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا خُيِّرَ ابْنُ سُمَيَّةَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا (2)) . رَوَاهُ: الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْهُ. وَبَعْضُهُم رَوَاهُ عَنِ: الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سيَاهٍ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (عَمَّارٌ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ إِلاَّ اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا (3)) . رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ. وَقَدْ كَانَ عَمَّارٌ يُنْكِرُ عَلَى عُثْمَانَ أُمُوْراً، لَوْ كَفَّ عَنْهَا لأَحَسْنَ - فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف، وأخرجه الحاكم بنحوه 3 / 391 من طريق أبي البختري، عن عبيد الله بن محمد بن شاكر، عن أبي أسامة، عن مسلم بن عبد الله الاعور، عن حبة العرني قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان، أسأله عن الفتن ... ، وصححه، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه أحمد 1 / 389، وصححه الحاكم 3 / 388، ووافقه الذهبي، وأما طريق الثوري، فأخرجه أحمد 1 / 445، وله شاهد من حديث عائشة، وهو الحديث الذي يلي. (3) رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 6 / 113، والترمذي (3800) في المناقب: باب مناقب عمار، وابن ماجه (148) في المقدمة: باب فضل عمار، وصححه الحاكم 3 / 388، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ أَوْسٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ يَحْيَى: أَنَّ حُذَيْفَةَ أُتِيَ وَهُوَ ثَقِيْلٌ بِالمَوْتِ. فَقِيْلَ لَهُ: قُتِلَ عُثْمَانُ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَبُو اليَقْظَانِ عَلَى الفِطْرَةِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - لَنْ يَدَعَهَا حَتَّى يَمُوْتَ، أَوْ يَلْبِسَهُ الهَرَمُ (1)) . البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: انْظُرُوا عَمَّاراً، فَإِنَّهُ يَمُوْتُ عَلَى الفِطْرَةِ، إِلاَّ أَنْ تُدْرِكَهُ هَفْوَةٌ مِنْ كِبَرٍ (2) . فِيْهِ مَنْ تَضَعَّفَ. وَيُرْوَى عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوْعاً نَحْوُهُ. قَالَ عَلْقَمَةُ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَيْسَ فِيْكُمُ الَّذِي أَعَاذَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ - يَعْنِي عَمَّاراً - ... ، الحَدِيْثَ (3) .   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 295، وقال: رواه الطبراني، والبزار باختصار، ورجالهما ثقات. (2) رجاله ثقات. وفي عمرو بن أبي قيس قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. فحديثه حسن. وهذا ما عناه الذهبي بقوله: فيه من تضعف، وأخرجه الحاكم 3 / 393 - 394 وصححه، ووافقه الذهبي. (3) أخرجه أحمد 6 / 445، 451، والبخاري (3742) و (3761) في فضائل الصحابة، في بابي، فضائل عمار، ومناقب عبد الله بن مسعود، من طريق موسى بن أبي عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة: دخلت الشام فصليت ركعتين فقلت: اللهم يسر لي جليسا. فرأيت شيخا مقبلا، فلما دنا قلت: أرجو أن يكون استجاب الله. قال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أفلم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أولم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان؟ أولم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ كيف قرأ ابن أم عبد (والليل) ؟ فقرأت: (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى والذكر والانثى) . قال: أقرأنيها النبي، صلى الله عليه وسلم، فاه إلى في. فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني ". وهذه رواية البخاري. وأخرجه الطبري 30 / 217 - 218، من طرق، منها هذه، وعند مسلم بنحوه (824) ، وانظر ابن كثير 4 / 517 وما بعدها. وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 8 / 707 بعد أن شرح الحديث (4944) = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: حَدِّثْنِي. فَقَالَ: تَسْأَلُنِي وَفِيْكُم عُلَمَاءُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَالمُجَارُ مِنَ الشَّيْطَانِ: عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ (1) ؟! دَاوْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   = وبين رواياته: باب وما خلق الذكر والانثى: ثم إن هذه القراءة - يعني قراءة ابن مسعود - لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا (وما خلق الذكر والانثى) . وعليها استقر الامر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه. ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة، وعن ابن مسعود، وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم. وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا. فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت. وقال النووي في " شرح صحيح مسلم " 2 / 475: قال القاضي: قال المازري: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآنا ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ، فبقي على النسخ، ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ. وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه. وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة منها ما ليس بثابت عند أهل النقل. وما ثبت منها مخالفا لما قلناه فهو محمول على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الاحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن وكان لا يعتقد تحريم ذلك. وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء. وكان رأي عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان فيظن ذلك قرآنا. وقال الابي في شرحه لمسلم 2 / 434 - 435: " هذا الخبر وأمثاله مما يطعن به الملحدة، في نقل القرآن متواترا، فيجب أن يحمل على أن ذلك كان قرآنا ونسخ، ولم يعلم بالنسخ بعض من خالف فبقي على الأول. ولعل هذا إنما وقع من بعضهم قبل أن يبلغه مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد بلوغه، فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه ". (1) وأخرجه الترمذي (3813) في المناقب: باب مناقب عبد الله بن مسعود من طريق الجراح ابن مخلد، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن خيثمة بن أبي سيرة، قال: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه فقلت له: إني سألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فوفقت لي. فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير وأطلبه. فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه. وسلمان صاحب الكتابين. قال قتادة: والكتابان: الانجيل والقرآن " وقال: حسن غريب صحيح. وصححه الحاكم 3 / 392، ووافقه الذهبي. وانظر " فتح الباري " 7 / 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَجَعَلْنَا نَنْقُلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَتَرِبَ رَأْسُهُ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -: أَنَّهُ جَعَلَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ، وَيَقُوْلُ: (وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (1)) . خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعَ أَبَا سَعِيْدٍ بِهَذَا، وَلَفْظُهُ: (وَيْحَ ابْنِ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوْهُم إِلَى الجَنَّةِ، وَيدْعُوْنَهُ إِلَى النَّارِ) . فَجَعَل يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ (2) . وَرْقَاءُ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ (3) ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَقْتُلُ عَمَّاراً الفِئَةُ البَاغِيَةُ (4)) . رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، عَنْ عَمْرٍو. ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوْعاً: (تَقْتُلُ عَمَّاراً الفِئَةُ البَاغِيَةُ (5)) . مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ (6) طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، دَخَلَ عَمْرُو بنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ قَالَ   (1) أخرجه مسلم (2915) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة ... وأحمد 3 / 5، وابن سعد 3 / 1 / 180. (2) أخرجه أحمد 3 / 91، والبخاري (447) في الصلاة: باب التعاون في بناء المسجد، و (2812) في الجهاد: باب مسح الغبار عن الرأس. (3) زياد مولى عمرو بن العاص: ذكره ابن حبان في " الثقات " 3 / 75 وقد تحرفت في المطبوع إلى " زناد ". (4) أخرجه أحمد 4 / 197 من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار، عن رجل من أهل مصر، عن عمرو بن العاص، وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 297 رواه الطبراني مطولا ومختصرا. ورجال المختصر رجال الصحيح غير زياد مولى عمرو وقد وثقه ابن حبان. (5) أخرجه أحمد 6 / 289، 300، 311، 315، ومسلم (2916) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة ... (6) تحرفت " ابن " في المطبوع إلى " أبي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) . فَدَخَلَ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ. فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَمَاذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) . قَالَ: دُحِضْتَ فِي بَوْلِكَ، أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ الَّذِيْنَ أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا -أَوْ قَالَ: بَيْنَ سُيُوْفِنَا (1) -. شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَمَّارٍ: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (2)) . أَبُو عَوَانَةَ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيْثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ: أَنَّ عَمَّاراً قَالَ لِعُثْمَانَ: حَمَلْتَ قُرَيْشاً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ عَدَوْا عَلَيَّ، فَضَرَبُوْنِي. فَغَضِبَ عُثْمَانُ، ثُمَّ قَالَ: مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ؟ عَدَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبُوْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لِعَمَّارٍ: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، وَقَاتِلُهُ فِي   (1) إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (20427) ، ومن طريقه أخرجه أحمد 4 / 199، وانظر " مجمع الزوائد " 7 / 242، و9 / 297. ودحضت في بولك: أي زللت وزلقت. وهذه مغالطة من معاوية، غفر الله له. وقد رد عليه علي، رضي الله عنه، بأن محمدا، صلى الله عليه وسلم، إذا قتل حمزة حين أخرجه. قال ابن دحية: هذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها. ونقل المناوي في " فيض القدير " 6 / 336، قول عبد القاهر الجرجاني في كتاب " الامامة ": أجمع فقهاء الحجاز، والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والاوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليا مصيب في قتاله لاهل صفين. كما هو مصيب في أهل الجمل. وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، ولكن لا يكفرون ببغيهم. وقال القرطبي ص: (6138) : ... فتقرر عند علماء المسلمين، وثبت بدليل الدين، أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وأن كل من خرج عليه باغ، وأن قتاله - يعني الخارج - واجب حتى يفئ إلى الحق، وينقاد إلى الصلح. (2) انظر تخريجه في الصفحة (419) التعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 النَّارِ (1)) . وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضاً مِثْلَهُ: مِنْ حَدِيْثِ القَاسِمِ الحُدَانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُثْمَانَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ: مِنْ طَرِيْقِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الهُذَيْلِ، عَنْ عَمَّارٍ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (2)) . وَفِي البَابِ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ (3) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: فِيْهِ غَيْرُ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الكِنْدِيِّ، قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: ادْنُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا المَجْلِسِ مِنْكَ، إِلاَّ عَمَّارٌ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 242 ونسبه إلى أبي يعلى، والطبراني في الثلاثة باختصار القصة. وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 543: روى حديث عمار " تقتل عمارا الفئة الباغية " جماعة من الصحابة. منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة وأيو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة ابن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر، وعمار نفسه. وكلها عند الطبراني وغيره. وغالب طرقها صحيحة أو حسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول ذكرهم. (2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 295 وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، ورواه البزار باختصار، وإسناده حسن. (3) انظر طرقه الكثيرة عند ابن سعد 3 / 1 / 180، و" مجمع الزوائد " 7 / 242 وما بعدها، و9 / 295 - 297. و" نظم المتناثر في الحديث المتواتر " ص: (126) حيث ذكره عن واحد وثلاثين صحابيا. وانظر " فتح الباري " 1 / 543. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 عُمَرَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي بَعَثْتُ إِلَيْكُم عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ أَمِيْراً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ مُعَلِّماً وَوَزِيْراً، وَإِنَّهُمَا لَمِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَاسْمَعُوا لَهُمَا، وَأَطِيْعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا، وَقَدْ آثَرْتُكُم بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي. رَوَاهُ: شَرِيْكٌ، فَقَالَ: آثَرْتُكُم بِهِمَا عَلَى نَفْسِي (1) . وَيُرْوَى: أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَطَاءَ عَمَّارٍ سِتَّةَ آلاَفٍ. مُغِيْرَةُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ عَمَّاراً كَانَ يَقْرَأُ يَوْم الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِيَاسِيْنَ (2) . وَقَالَ زِرٌّ: رَأَيْتُ عَمَّاراً قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَلَ، فَسَجَدَ. شُعْبَةُ: عَنْ قَيْسٍ، سَمِعَ طَارِقَ بنَ شِهَابٍ يَقُوْلُ: إِنَّ أَهْلَ البَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ، فَأَمَدَّهُم أَهْلُ الكُوْفَةِ وَعَلَيْهِم عَمَّارٌ، فَظَفِرُوا. فَأَرَادَ أَهْلُ البَصْرَةِ أَنْ لاَ يَقْسِمُوا لأَهْلِ الكُوْفَةِ شَيْئاً. فَقَالَ رَجُلٌ تَمِيْمِيٌّ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ! تُرِيْدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ، فَإِنَّهَا أُصِيْبَتْ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ. فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنَّ الغَنِيْمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّاراً يَوْمَ اليَمَامَةِ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ يَصِيْحُ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ! أَمِنَ الجَنَّةِ تَفِرُّوْنَ، أَنَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ، هَلُمُّوا إِلَيَّ. وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تَذَبْذَبُ، وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ القِتَالِ (4) .   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182. (3) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 181 - 182، وعبد الرزاق في " المصنف " (9689) ، والبيهقي في سننه 9 / 50 وانظر " شرح السنة " للبغوي 11 / 97 - 100 بتحقيقنا. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 181 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 قَالَ الشَّعْبِيُّ: سُئِلَ عَمَّارٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَدَعُوْنَا حَتَّى يَكُوْنَ، فَإِذَا كَانَ تَجَشَّمْنَاهُ لَكُم (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الهُذَيْلِ: رَأَيْتُ عَمَّاراً اشْتَرَى قَتّاً بِدِرْهَمٍ، وَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهُوَ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الكُوْفَةِ وَشَى بِعَمَّارٍ إِلَى عُمَرَ. فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَأَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ، وَجَعَلَكَ مُوَطَّأَ العَقِبَيْنِ (3) . وَيُقَالُ: سَعَوْا بِعَمَّارٍ إِلَى عُمَرَ فِي أَشْيَاءَ كَرِهَهَا لَهُ، فَعَزَلَهُ وَلَمْ يُؤَنِّبْهُ. وَقِيْلَ: إِنَّ جَرِيْراً سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ عَمَّارٍ، فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ كَافٍ وَلاَ عَالِمٍ بِالسِّيَاسَةِ. الأَعْمَشُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَأَلَهُمْ عُمَرُ عَنْ عَمَّارٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: وَاللهِ مَا أَنْتَ أَمَّرْتَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّ اللهَ أَمَّرَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقُوا اللهَ، وَقُوْلُوا كَمَا يُقَالُ، فَوَاللهِ لأَنَا أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُم، فَإِنْ كَانَ صَوَاباً فَمِنَ قِبَلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً إِنَّهُ مِنْ قِبَلِي. دَاوْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ (4) : عَنِ الشَّعْبِيِّ: قَالَ عُمَرُ لِعَمَّارٍ: أَسَاءكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءنِي حِيْنَ اسْتَعْمَلْتَنِي، وَسَاءنِي حِيْنَ عَزَلْتَنِي (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182، والقت: الفصفصة، وهي الرطبة من علف الدواب. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 142. وقد تحرف التيمي في المطبوع إلى " التميمي ". (4) نقل " داود بن أبي هند " في المطبوع إلى نهاية الخبر وحرف إلى " داود عن أبي هند ". (5) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، وفيه: الشعبي، عن عامر، قال عمر: ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 رَوَى البَهِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً خَرَجَ فِي الفِتْنَةِ يُرِيْدُ اللهَ إِلاَّ عَمَّاراً، وَمَا أَدْرِي مَا صَنَعَ (1) . الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، طَوِيْلَ السُّكُوْتِ، وَكَانَ عَامَّةُ قَوْلِهِ: عَائِذٌ بِالرَّحْمَنِ مِنْ فِتْنَةٍ، عَائِذٌ بِالرَّحْمَنِ مِنْ فِتْنَةٍ، فَعَرَضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيْمَةٌ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ: قَالَ عَمَّارٌ: إِنَّ أُمَّنَا - يَعْنِي عَائِشَةَ - قَدْ مَضَتْ لِسَبِيْلِهَا، وَإِنَّهَا لَزَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَنَا بِهَا، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ نُطِيْعُ، أَوْ إِيَّاهَا (3) . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ: البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: قَالَ عَمَّارٌ لِعَلِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبْنَاءِ مَنْ قَتَلْنَا؟ قَالَ: لاَ سَبِيْلَ عَلَيْهِم. قَالَ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَا خَالَفْنَاكَ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ حُمَيْدٍ: قَالَ عَمَّارٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الجَمَلِ: مَا تُرِيْدُ أَنْ تَصْنَعَ بِهَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: حَتَّى نَنْظُرَ لِمَنْ تَصِيْرُ عَائِشَةُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَنَقْسِمُ عَائِشَةَ؟ قَالَ: فَكَيْفَ نَقْسِمُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَا مَا بَايَعْنَاكَ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 142 من طريق: سفيان، عن السدي، عن عبد الله البهي، عن ابن عمر: ... (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 145. (3) أخرجه أحمد 4 / 265، والبخاري (3772) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة، عن شعبة، عن الحاكم: سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لا علم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها " و (7100) و (7101) في الفتن، وطريق الرواية (7100) عن عبد الله بن زياد الأزدي، به. وقد تصحف " زياد " في المطبوع إلى " زناد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الثَّوْرِيُّ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّيْنَ: ائْتُوْنِي بِشُرْبَةِ لَبَنٍ. قَالَ: فَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ) . ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَقُتِلَ (1) . سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: سَمِعَ عَمَّاراً بِصِفِّيْنَ يَقُوْلُ: أَزِفَتِ الجِنَانُ، وَزُوِّجْتُ الحُوْرَ العِيْنَ، اليَوْمَ نَلْقَى حَبِيْبَنَا مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مُسلمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا رَبِيْعَةُ بنُ كُلْثُوْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كُنْتُ بِوَاسِطٍ، فَجَاءَ أَبُو الغَادِيَةِ عَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ، وَهُوَ طُوَالٌ، فَلَمَّا قَعَدَ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَمَّاراً مِنْ خِيَارِنَا، فَإِنِّي لَفِي مَسْجِدِ قُبَاءَ إِذْ هُوَ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ كَلِمَةً -: لَوْ وَجَدْتُ عَلَيْهِ أَعْوَاناً لَوَطِئْتُهُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّيْنَ، أَقْبَلَ يَمْشِي أَوَّلَ الكَتِيْبَةِ، فَطَعَنَهُ رَجُلٌ، فَانْكَشَفَ المِغْفَرُ عَنْهُ، فَأَضْرُبُهُ، فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ. قَالَ: يَقُوْلُ مَوْلَىً لَنَا: لَمْ أَرَ أَبْيَنَ ضَلاَلَةً مِنْهُ (2) . عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا كُلْثُوْمُ بنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي الغَادِيَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّاراً يَقَعُ فِي عُثْمَانَ يَشْتِمُهُ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّيْنَ، جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ، فَقِيْلَ: هَذَا عَمَّارٌ. فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَوَقَعَ، فَقَتَلْتُهُ، فَقِيْلَ: قُتِلَ عَمَّارٌ. وَأُخْبِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ) (3) .   (1) أخرجه أحمد 4 / 319، وابن سعد 3 / 1 / 184، والحاكم 3 / 389. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 185 - 186 ورجاله ثقات. وأبو الغادية هذا مترجم في " الإصابة " ت (873) في الكنى. وفي " تعجيل المنفعة " (334) قال الحافظ: اسمه يسار بن سبع، سكن الشام، ونزل واسط، وأدرك النبي، صلى الله عليه وسلم، وسمع منه قوله: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " وكان محبا لعثمان، وهو الذي قتل عمار بن ياسر. وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب. يتبجح بذلك. وانظر إلى العجب! يروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، النهي عن القتل ثم يقتل مثل عمار! ! (3) إسناده حسن وأخرجه أحمد 4 / 198، وابن سعد 3 / 1 / 186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً: (قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ (1)) . قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْس، أَوْ غَيْرِهِ: قَالَ عَمَّارٌ: ادْفِنُوْنِي فِي ثِيَابِي، فَإِنِّي رَجُلٌ مُخَاصِمٌ (2) . وَعَنْ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيّاً صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ (3) . قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: عَاشَ عَمَّارٌ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ لاَ يَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ، وَيَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ. عَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، دَخَلَ عَمْرُو بنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) . فَقَامَ عَمْرٌو فَزِعاً إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ. قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَكَانَ مَاذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) . قَالَ: أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! وَإِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، جَاؤُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا -أَوْ قَالَ: بَيْنَ سُيُوْفِنَا (4) -. قُلْتُ: كَانَتْ صِفِّيْنُ فِي صَفَرٍ، وَبَعْضِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ: أَخْبَرَكُم يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 297 وقال: رواه الطبراني. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 187 من طريق: وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يحيى بن عابس، قال: قال عمار: ... (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188. (4) سبق تخريجه في الصفحة (420) التعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي أُصِيْبَ فِيْهِ عَمَّارٌ، إِذَا رَجُلٌ قَدْ بَرَزَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، جَسِيْمٌ عَلَى فَرَسٍ جَسِيْمٍ، ضَخْمٌ عَلَى ضَخْمٍ، يُنَادِي: يَا عِبَادَ اللهِ! - بِصَوْتٍ مُوْجَعٍ - رُوْحُوا إِلَى الجَنَّةِ - ثَلاَثَ مِرَارٍ - الجَنَّةُ تَحْتَ ظِلاَلِ الأَسْلِ. فَثَارَ النَّاسُ، فَإِذَا هُوَ عَمَّارٌ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا جَدِّي يَعْقُوْبُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَاوَلَ عَمَّارٌ رَجُلاً، فَاسْتَطَالَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَنَا إِذاً كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ. فَعَادَ الرَّجُلُ، فَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ (1) . فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَأَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ، وَجَعَلَكَ يُوْطَأُ عَقِبُكَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثَةٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيْمَانَ -أَوْ قَالَ: مِنْ كَمَالِ الإِيْمَانِ-: الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ، وَالإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ (2) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،   (1) سقط من المطبوع من قوله: (فقال عمار ... إلى: فاستطال عليه ". (2) علقه البخاري في الايمان: باب إفشاء السلام من الإسلام، وقد وصله غير واحد. انظر " الفتح " 1 / 82، ووصله عبد الرزاق في " المصنف " (19439) والامام أحمد في كتاب " الايمان "، ويعقوب بن أبي شيبة، في " مسنده " ثلاثتهم من طريق: أبي إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن عمار ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانٍ (1) ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ (2) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ شَيْخٌ لَهُ، يُقَالُ: هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ الآمِلِيُّ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الخُوَارِزْمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَهُوَ فَرْدٌ غَرِيْبٌ، مَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ سِوَى إِسْمَاعِيْلُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ سِوَى البُخَارِيُّ. الأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرَو بنَ شُرَحْبِيْلَ ذَا الكَلاَعِ وَعَمَّاراً فِي قِبَابٍ بِيْضٍ بِفِنَاءِ الجَنَّةِ. فَقَالَ: أَلَمْ يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ وَجَدْنَا اللهَ وَاسِعَ المَغْفِرَةِ (3) . آخِرُ التَّرْجَمَةِ، وَالحَمْدُ للهِ. 85 - أَخْبَار ُ النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ * وَاسْمُهُ: أَصْحَمَةُ، مَلِكُ الحَبَشَةِ، مَعْدُوْدٌ فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ (4) إِسْلاَمُهُ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَلاَ لَهُ رُؤْيَةٌ، فَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ، صَاحِبٌ مِنْ وَجْهٍ. وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الغَائِبِ (5) ،   (1) تحرفت في الموضعين إلى " بنان "، في المطبوعة. (2) أخرجه البخاري (3660) في فضائل الصحابة: باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لو كنت متخذا خليلا، و (3857) في المناقب: باب إسلام أبي بكر. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188 - 189. (*) نسب قريش: 81، 123، 124، 251، 322، تاريخ خليفة: 93، التاريخ الصغير: 1 / 3، أسد الغابة: 1 / 119، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 287، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9 / 419 - 420، الإصابة: 1 / 177، كنز العمال: 14 / 33. (4) تحرفت في المطبوع إلى " حبس ". (5) أخرج البخاري (1334) في الجنائز: باب التكبير على الجنائز أربعا، و (3877) و (3878) و (3879) في المناقب: باب موت النجاشي، والنسائي 4 / 69 في الجنائز: باب الصفوف على الجنازة عن جابر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين مات النجاشي: " مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة " هذا لفظ البخاري في المناقب (3877) = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غَائِبٍ سِوَاهُ. وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَاتَ بَيْنَ قَوْمٍ نَصَارَى، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ، لأَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِيْنَ كَانُوا مُهَاجِرِيْنَ عِنْدَهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى المَدِيْنَةِ عَامَ خَيْبَرَ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ بِحَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِقِصَّةِ النَّجَاشِيِّ، وَقَوْلِهِ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِيْنَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَمَا أَطَاعَ النَّاسُ فِيَّ، فَأُطِيْعُ النَّاسَ فِيْهِ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَتَدْرِي مَا مَعْنَاهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إِلاَّ النَّجَاشِيُّ، وَكَانَ لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الحَبَشَةِ. فَقَالَتِ الحَبَشَةُ بَيْنَهَا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ، وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ، فَإِنَّهُ لاَ وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الغُلاَمِ، وَإِنَّ لأَخِيْهِ اثْنَيْ عَشْرَةَ وَلَداً، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَقِيَتِ الحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْراً. فَعَدَوْا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ، فَقَتَلُوْهُ، وَمَلَّكُوا أَخَاهُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ، وَنَشَأَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ، وَكَانَ لَبِيْباً حَازِماً مِنَ الرِّجَالِ، فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ. فَلَمَّا رَأَتِ الحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْهُ، قَالَتْ بَيْنهَا: وَاللهِ إِنَّا لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَلَئِنْ مَلَكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلُنَا أَجْمَعِيْنَ، لَقَدْ عَرَفَ أَنَّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ. فَمَشَوْا إِلَى   = ورواه البخاري 3 / 163، ومسلم (951) ، وأبو داود (3204) ، والطيالسي (2300) ، وابن ماجه (1534) والنسائي 4 / 70، والترمذي (1022) من حديث أبي هريرة. وأخرجه مسلم (953) ، والنسائي 4 / 70، وابن ماجه (1535) ، والطيالسي (749) ، وأحمد 4 / 431، 433، والترمذي (1039) من حديث عمران بن حصين. ورواه الطيالسي (1068) ، وابن ماجه (1537) ، وأحمد 4 / 7 عن حذيفة بن أسيد. ورواه أحمد 4 / 64، وابن ماجه (1536) ، وأحمد 5 / 376 من حديث مجمع بن حارثة الأنصاري. وأخرجه ابن ماجه (1538) من حديث عبد الله بن عمر. وأخرجه أحمد 4 / 260، 263 من حديث جرير بن عبد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 عَمِّهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الفَتَى، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَإِنَّا قَدْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا مِنْهُ. قَالَ: وَيْلَكُم، قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالأَمْسِ، وَأَقْتُلُهُ اليَوْمَ، بَلْ أَخْرِجُوْهُ مِنْ بِلاَدِكُم. فَخَرَجُوا بِهِ، فَبَاعُوْهُ مِنْ رَجُلٍ تَاجِرٍ بِسِتِّ مَائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَذَفَهُ فِي سَفِيْنَةٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ حَتَّى إِذَا المَسَاءُ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ، هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ الخَرِيْفِ، فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، فَقَتَلَتْهُ. فَفَزِعَتِ الحَبَشَةُ إِلَى وَلَدِهِ، فَإِذَا هُمْ حَمْقَى، لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ، فَمَرَجَ عَلَى الحَبَشَةِ أَمْرُهُم، فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِم مَا هُمْ فِيْهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: تَعْلَمُوْنَ -وَاللهِ- أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لاَ يُقِيْمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ، الَّذِي بِعْتُمُوْهُ غُدْوَةً، فَإِنْ كَانَ لَكُم بِأَمْرِ الحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوْهُ. قَالَ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتَّى أَدْرَكُوْهُ، فَأَخَذُوْهُ مِنَ التَّاجِرِ، ثُمَّ جَاؤُوا بِهِ، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ، وَأَقْعَدُوْهُ عَلَى سَرِيْرِ المُلْكِ، وَمَلَّكُوْهُ، فَجَاءهُمُ التَّاجِرُ، فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تُعْطُوْنِي مَالِي، وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالُوا: لاَ نُعْطِيْكَ شَيْئاً. قَالَ: إِذَنْ -وَاللهِ- لأُكَلِّمَنَّهُ. قَالُوا: فَدُوْنَكَ. فَجَاءهُ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا المَلِكُ! ابْتَعْتُ غُلاَماً مِنْ قَوْمٍ بِالسُّوْقِ بِسِتِّ مَائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَسْلَمُوْهُ إِلَيَّ، وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي حَتَّى إِذَا سِرْتُ بِغُلاَمِي أَدْرَكُوْنِي، فَأَخَذُوا غُلاَمِي، وَمَنَعُوْنِي دَرَاهِمِي. فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: لَتَعْطُنَّهُ دَرَاهِمَهُ، أَوْ لَيُسَلَّمَنَّ غُلاَمَهُ فِي يَدَيْهِ، فَلَيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالُوا: بَلْ نُعْطِيْهِ دَرَاهِمَهُ. قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُوْلُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِيْنَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خُبِرَ مِنْ صَلاَبَتِهِ فِي دِيْنِهِ، وَعَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ. ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ، كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُوْرٌ (1) . (المُسْنَدُ) لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ   (1) رجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وأخرجه ابن هشام في " السيرة " 1 / 339 - 340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِيْنِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ -تَعَالَى- لاَ نُؤْذَى، وَلاَ نَسْمَعُ شَيْئاً نَكْرُهُهُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشاً، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيْنَا (1) رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيْهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الأَدَمُ. فَجَمَعُوا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيْقاً إِلاَّ أَهْدُوا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي رَبِيْعَةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيَّ، وَعَمْرَو بنَ العَاصِ السَّهْمِيَّ، وَأَمَّرُوْهُمَا أَمْرَهُم، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيْقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيْهِم، ثُمَّ قَدِّمُوا لَهُ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوْهُ أَنْ يُسْلِمَهُم إِلَيْكُم قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُم. قَالَتْ: فَخَرَجَا، فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيْقٌ إِلاَّ دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ، وَقَالاَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى (2) إِلَى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِيْنَ قَوْمِهِم، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِيْنِكُم، وَجَاؤُوا بِدِيْنٍ مُبْتَدَعٍ، لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتُم، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى المَلِكِ فِيْهِم أَشْرَافُ قَوْمِهِم، لِيَرُدَّهُمْ إِلَيْهِم، فَإِذَا كَلَّمْنَا المَلِكَ فِيْهِم، فَأَشِيْرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُم إِلَيْنَا، وَلاَ يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُم أَعْلَى بِهِم عَيْناً (3) ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِم. فَقَالُوا لَهُم: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَا النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُم، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالاَ لَهُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنَّهُ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِيْنَ قَوْمِهِم، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِيْنِكَ، وَجَاؤُوا بِدِيْنٍ مُبْتَدَعٍ، لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ أَشْرَافُ قَوْمِهِم مِنْ آبَائِهِم وَأَعْمَامِهِم وَعَشَائِرِهِم، لِتَرُدَّهُم إِلَيْهِم، فَهُمْ أَعْلَى بِهِم عَيْناً، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا   (1) سقطت لفظة " فينا " من المطبوع. (2) وقال السهيلي في " الروض الانف ": ضوى إليك فتية: أي أووا إليك ولا ذوا بك. (3) قال السهيلي: أي: أبصر بهم، أي: عينهم وإبصارهم فوق عيون غيرهم في أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 عَلَيْهِم فِيْهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ وَعَمْرٍو مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلاَمَهُم. فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا المَلِكُ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا. فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لاَ هَا اللهِ، إِذاً لاَ أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلاَ أُكَادُ (1) قَوْماً جَاوَرُوْنِي، وَنَزَلُوا بِلاَدِي، وَاخْتَارُوْنِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُم، فَأَسْأَلَهُم. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ، فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُوْلُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُوْلُوْنَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوْهُ؟ قَالُوا: نَقُوْلُ -وَاللهِ- مَا عَلِمْنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَائِناً فِي ذَلِكَ مَا كَانَ. فَلَمَّا جَاؤُوْهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّيْنُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيْهِ قَوْمَكُم، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِيْنِي، وَلاَ فِي دِيْنِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ؟ قَالَتْ: وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنَّا كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ المَيْتَةَ، وَنَأْتِي الفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيْءُ الجِوَارَ، وَيَأْكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيْفَ، فَكُنَّا (2) عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُوْلاً مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُوْنِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الحَدِيْثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الجِوَارِ، وَالكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّوْرِ، وَأَكْلِ مَالِ اليَتِيْمِ، وَقَذْفِ المُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ. قَالَتْ: فَعَدَّدَ لَهُ أُمُوْرَ الإِسْلاَمِ. فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُوْنَا (3) ، وَفَتَنُوْنَا عَنْ دِيْنِنَا لِيَرُدُّوْنَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا   (1) ولا أكاد: بضم الهمزة، فعل مبني للمجهول: أي: ولا يكيدني أحد قال في اللسان: يقولون - إذا حمل أحدهم على ما يكره -: لا والله لا كيدا ولا هما: يريد: لا أكاد ولا أهم. (2) تحرفت في المطبوع إلى " فعشنا ". (3) سقطت من المطبوع لفظة " فعذبونا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُوْنَا وَظَلَمُوْنَا، وَشَقُّوا (1) عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِيْنِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لاَ نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا المَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْراً مِنْ: {كهيعص} ، فَبَكَى -وَاللهِ- النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُم حِيْنَ سَمِعُوا مَا تُلِيَ عَلَيْهِم. ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوْسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَوَاللهِ لاَ أُسْلِمُهُم إِلَيْكُم أَبَداً، وَلاَ أُكَادُ. فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ عَمْرٌو: وَاللهِ لأُنَبِّئَنَّهُ غَداً عَيْبَهُم، ثُمَّ (2) أَسْتَأْصِلُ خَضْرَاءهُم. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَبِيْعَةَ، وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِيْنَا: لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُم أَرْحَاماً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُوْنَا. قَالَ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ عِيْسَى عَبْدٌ. ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيْماً، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِم، فَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُوْلُوْنَ فِيْهِ. فَأَرْسَلَ يَسْأَلُهُم. قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ القَوْمُ، ثُمَّ قَالُوا: نَقُوْل -وَاللهِ- فِيْهِ مَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- كَائِناً مَا كَانَ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُم: مَا تَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُوْلُ فِيْهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا (3) ، هُوَ عَبْدُ اللهِ، وَرَسُوْلُهُ، وَرُوْحُهُ، وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ العَذْرَاءِ البَتُوْلِ. فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ، فَأَخَذَ عُوْداً، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيْسَى مَا قُلْتَ هَذَا العُوْدَ. فَتَنَاخَرَتِ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ،   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ضيقوا ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " عنهم بما ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " ديننا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُم سُيُوْمٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُوْمُ: الآمِنُوْنَ - مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَى (1) ذَهَباً، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلاً مِنْكُم - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِم: الجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِيْنَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيْهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسُ فِيَّ، فَأُطِيْعَهُم فِيْهِ. فَخَرَجَا مَقْبُوْحَيْنِ، مَرْدُوْداً عَلَيْهِمَا مَا جَاءا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ بِهِ -يَعْنِي: مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ- فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حَرْباً قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حَرْبٍ حَرِبْنَاهُ (2) ، تَخُوُّفاً أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لاَ يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. وَسَارَ النَّجَاشِيُّ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيْلِ. فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ القَوْمِ، ثُمَّ يَأْتِيْنَا بِالخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ القَوْمِ سِنّاً، فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى مَكَانِ المُلْتَقَى، وَحَضَرَ. فَدَعَوْنَا اللهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُوْرِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِيْنِ لَهُ فِي بِلاَدِهِ، وَاسْتَوْسَقَ (3) لَهُ أَمْرُ الحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِمَكَّةَ (4) . سُلَيْمَانُ ابنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ   (1) قال ابن الأثير: هو بالقصر، اسم جبل. وفي رواية: ما أحب أن يكون لي دبرا من ذهب والدبر في لسانهم: الجبل. هكذا فسر. وهو في الأولى معرفة، وفي الثانية نكرة. (2) كذا الأصل. وفي " السيرة النبوية "، بخط المؤلف - ورقة 48 - و" المسند " " حزنا قط كان أشد من حزن حزناه ". وسيشير إليها المصنف فيما بعد. والحرب: الغضب، والنزاع، والخصومة. (3) استوسق له أمر الحبشة: أي اجتمعوا على طاعته، فاستقر له الملك فيهم. تحرفت في المطبوع إلى " استوثق ". (4) إسناده قوي، وأخرجه أحمد 1 / 201 و5 / 290، وابن هشام 1 / 334 - 338، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 24 - 27 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وابن إسحاق صرح بالسماع، وذكره الحافظ ابن كثير في " البداية " 3 / 72 - 75 بأطول مما هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ البِكَالِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ جَمِيْعاً: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ النَّجَاشِيَّ سَأَلَهُ: مَا دِيْنُكُم؟ قَالَ: بَعَثَ اللهُ فِيْنَا رَسُوْلاً ... ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ. تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ. وَأَمَّا (1) عُقَيْلٌ، وَيُوْنُسُ، وَغَيْرُهُمَا، فَأَرْسَلُوْهُ. وَرَوَاهُ: ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَيُرْوَى هَذَا الخَبَرُ عَنْ: أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيْهِ (2) . وَرَوَاهُ: ابْنُ شَابُوْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطُوْلِهِ. أَعْلَى بِهِم عَيْناً: أَبْصَرَ بِهِم. لاَهَا اللهِ: قَسَمٌ، وَأَهْلُ العَرَبِيَّةِ يَقُوْلُوْنَ: لاَهَا اللهِ ذَا، وَالهَاءُ بَدَلٌ مِنْ وَاوِ القَسَمِ، أَيْ: لاَ وَاللهِ لاَ يَكُوْنَ ذَا. وَقِيْلَ: بَلْ حُذِفَتْ وَاوُ القَسَمِ، وَفُصِلَتْ هَا مِنْ هَذَا، فَتَوَسَّطَتِ الجَلاَلَةَ، وَنُصِبَتْ (3) لأَجْلِ حَذْفِ وَاوِ القَسَمِ. وَتَنَاخَرَتْ: فَالنَّخِيْرُ: صَوْتٌ مِنَ الأَنْفِ. وَقِيْلَ: النَّخِيْرُ: ضَرْبٌ (4) مِنَ الكَلاَمِ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ. وَقَوْلُهَا: حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ: عَنَتْ نَفْسَهَا وَزَوْجَهَا. وَكَذَا قَدِمَ الزُّبَيْرُ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ مَكَّةَ، وَمَلُّوا مِنْ سُكْنَى الحَبَشَةِ. ثُمَّ قَدِمَ طَائِفَةٌ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا عَرَفُوا بِأَنَّهُ هَاجَرَ إِلَى   (1) تحرفت في المطبوع إلى " أبا ". (2) حديث أبي موسى هذا أخرجه البخاري (4230) في المغازي: باب غزوة خيبر، ومسلم (2502) في فضائل الصحابة: باب من فضائل جعفر. وأما حديث جعفر فسيأتي بعد قليل. (3) تحرفت في المطبوع إلى " وقعت ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " صوت ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 المَدِيْنَةِ، ثُمَّ قَدِمَ جَعْفَرٌ بِمَنْ بَقِيَ لَيَالِيَ خَيْبَرَ. قَالَ أَبُو مُوْسَى الأَصْبَهَانِيُّ الحَافِظُ: اسْمُ النَّجَاشِيِّ: أَصْحَمَةُ. وَقِيْلَ: أَصْحَمُ بنُ بُجْرَى. كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُسَمَّى: أُرْمَى، فَبَعَثَهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ. وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي كَانَ رَفِيْقَ عَمْرِو بنِ العَاصِ: عُمَارَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ. فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ آدَمَ (1) المِصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ (2) ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ. فَقَالُوا لَهُ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ: قَدْ جَاءَ إِلَيْكَ نَاسٌ مِنْ سَفِلَتِنَا وَسُفَهَائِنَا، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: لاَ، حَتَّى أَسْمَعَ كَلاَمَهُمْ ... ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَرَ مُنَادِياً، فَنَادَى: مَنْ آذَى أَحَداً مِنْهُم، فَأَغْرِمُوْهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمٍ. ثُمَّ قَالَ: يَكْفِيْكُم. قُلْنَا: لاَ. فَأَضْعَفَهَا. فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ، وَظَهَرَ بِهَا، قُلْنَا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ إِلَى المَدِيْنَةِ وَهَاجَرَ، وَقُتِلَ (3) الَّذِي كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيْلَ إِلَيْهِ، فَزَوِّدْنَا. قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَّلَنَا، وَزَوَّدَنَا، وَأَعْطَانَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُم، وَهَذَا رَسُوْلِي مَعَكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ، فَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ جَعْفَرٌ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا المَدِيْنَةَ، فَتَلَقَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَنَقَنِي (4) ،   (1) ترك في المطبوع مكان لفظة " آدم " فراغا ولم يشر إلى ذلك في الهامش. (2) تحرفت في المطبوع إلى " مجاهد ". (3) في " مجمع الزوائد " " قبل " بدل " وقتل ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " فاحتفى ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 فَقَالَ: (مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ، أَوْ بِقُدُوْمِ جَعْفَرٍ) . ثُمَّ جَلَسَ، فَقَامَ رَسُوْلُ النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ: هُوَ ذَا جَعْفَرٌ، فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا. فَقُلْتُ: نَعَمْ -يَعْنِي: ذَكَرْتُهُ لَهُ-. فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَعَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ) . فَقَالَ المُسْلِمُوْنَ: آمِيْن. فَقُلْتُ لِلرَّسُوْلِ: انْطَلِقْ، فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا رَأَيْتَ (1) . ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُعَاذٌ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ (2) ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ جَعْفَراً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصِيْرَ إِلَى أَرْضٍ أَعْبُدُ اللهَ فِيْهَا. فَأَذِنَ لَهُ، فَأَتَى النَّجَاشِيَّ. فَحَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ جَعْفَراً آمِناً بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَسَدْتُهُ، فَأَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لاَ أَقْطَعُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَبَداً، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي. قَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَادْعُهُ. قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي، فَأَرْسِلْ مَعِي رَسُوْلاً. فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ بَيْنَ ظِهْرِيِّ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُم. قَالَ لَهُ: أَجِبْ. فَلَمَّا أَتَيْنَا البَابَ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ. وَنَادَى جَعْفَرٌ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ. فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ قَبْلِي ... ، الحَدِيْثَ (3) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشاً، فَبَعَثُوا عَمْراً وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَجَمَعُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدِيَّةً. فَقَدِمَا عَلَيْهِ، وَأَتَيَاهُ بِالهَدِيَّةِ،   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 29 - 30 وقال: رواه الطبراني من طريق أسد بن عمرو، عن مجالد. وكلاهما ضعيف وقد وثقا. (2) تحرفت في المطبوع إلى " عوف ". (3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 29، وقال: رواه الطبراني والبزار. وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 فَقَبِلَهَا، وَسَجَدَا لَهُ. ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّ نَاساً مِنْ أَرْضِنَا رَغِبُوا عَنْ دِيْنِنَا، وَهُمْ فِي أَرْضِكَ. قَالَ: فِي أَرْضِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَعَثَ إِلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا جَعْفَر: لاَ يَتَكَلَّمْ مِنْكُم أَحَدٌ، أَنَا خَطِيْبُكُمُ اليَوْمَ. فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ عَظِيْمٍ، وَعَمْرٌو عَنْ يَمِيْنِهِ، وَعُمَارَةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالقِسِّيْسُوْنَ وَالرُّهْبَانُ جُلُوْسٌ سِمَاطَيْنِ. وَقَدْ قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُم لاَ يَسْجُدُوْنَ لَكَ. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا، بَدَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ أَنِ اسْجُدُوا. قُلْنَا: لاَ نَسْجُدُ إِلاَّ لِلِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ؟ قَالَ: لاَ نَسْجُدُ إِلاَّ لِلِّهِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ فِيْنَا رَسُوْلاً، وَهُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى، فَقَالَ: {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ، وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَنُقِيْمَ الصَّلاَةَ، وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرَنَا بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهَانَا عَنِ المُنْكَرِ. فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرٌو، قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ المَلِكَ، إِنَّهُم يُخَالِفُوْنَكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَا يَقُوْلُ صَاحِبُكُم فِي ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُوْلُ فِيْهِ قَوْلَ اللهِ: هُوَ رُوْحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، أَخْرَجَهُ مِنَ البَتُوْلِ العَذْرَاءِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ (1) . فَتَنَاوَلَ عُوْداً، فَرَفَعَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! مَا يَزِيْدُ عَلَى مَا تَقُوْلُوْنَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا تَزِنُ هَذِهِ، مَرْحَباً بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُم مِنْ عِنْدِهِ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى، وَلَوْلاَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ المُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى   (1) كذا الأصل، وهي كذلك بخط المصنف الذهبي في " تاريخ الإسلام " ورقة (47) وفي " مجمع الزوائد ": " يفترضها " وقال ابن الأثير في " النهاية ": وفي صفة مريم عليها السلام، ولم يفترضها ولد: أي لم يؤثر فيها ولم يحزها - يعني قبل المسيح عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 أُقَبِّلَ نَعْلَهُ، امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُم. وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكُسْوَةٍ، وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى هَذَيْنِ هَدِيَّتَهُمَا. وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلاً قَصِيْراً (1) ، وَكَانَ عُمَارَةُ رَجُلاً جَمِيْلاً، وَكَانَا أَقْبَلاَ فِي البَحْرِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَشَرِبَ مَعَ عَمْرٍو وَامْرَأَتِهِ. فَلَمَّا شَرِبُوا مِنَ الخَمْرِ، قَالَ عُمَارَةُ لِعَمْرٍو: مُرْ امْرَأَتَكَ فَلْتُقَبِّلْنِي. قَالَ: أَلاَ تَسْتَحْيِي؟ فَأَخَذَ عُمَارَةُ عَمْراً يَرْمِي بِهِ فِي البَحْرِ، فَجَعَلَ عَمْرٌو يُنَاشِدُهُ حَتَّى تَرَكَهُ. فَحَقَدَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، فَقَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ، خَلَفَكَ عُمَارَةُ فِي أَهْلِكَ. فَدَعَا بِعُمَارَةَ، فَنَفَخَ فِي إِحْلِيْلِهِ، فَطَارَ مَعَ الوَحْشِ (2) . وَعَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: مَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ، فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ! إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيْلٌ، فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ، فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَنَا فِي حَاجَتِنَا. فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا. فَانْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبِي صَاحِبُ نِسَاءٍ، وَإِنَّهُ يُرِيْدُ أَهْلَكَ. فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى بَيْتِهِ، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِخَ فِي إِحْلِيْلِهِ سَحَرَهُ، ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي جَزِيْرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ البَحْرِ، فَجُنَّ، وَاسْتَوْحَشَ مَعَ الوَحْشِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ (3) ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " فقيرا ". (2) رجاله ثقات. وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 30 - 31 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وأخرج بنحوه الطيالسي في " مسنده " من طريق خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود. وقد أعل المؤلف رحمه الله، الرواية الأولى في تاريخه 2 / 117 فقال: ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه، ودخل عليه حديث في حديث. وإلا أين كان أبو موسى الأشعري ذلك الوقت؟. (3) تحرفت في المطبوع إلى " عمرو ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 النَّجَاشِيُّ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُوْرٌ (1) . فَأَمَّا عُمَارَةُ، فَإِنَّهُ بَقِيَ إِلَى خِلاَفَةِ عُمَرَ مَعَ الوُحُوْشِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ أَخُوْهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَتَحَيَّنَ وَقْتَ وُرُوْدِهِ المَاءَ، فَلَمَّا رَأَى أَخَاهُ فَرَّ، فَوَثَبَ وَأَمْسَكَهُ، فَبَقِيَ يَصِيْحُ: أَرْسِلْنِي يَا أَخِي! فَلَمْ يُرْسِلْهُ، فَخَارَتْ قُوَّتُهُ مِنَ الخَوْفِ، وَمَاتَ فِي الحَالِ. فَعِدَادُهُ فِي المَجَانِيْنَ الَّذِيْنَ يُبْعَثُوْنَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَهَابِ العَقْلِ، فَيُبْعَثُ هَذَا المُعَثَّرُ (2) عَلَى الكُفْرِ وَالعَدَاوَةِ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْأَلُ اللهَ المَغْفِرَةَ. وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اجْتَمَعَتِ الحَبَشَةُ، فَقَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ: فَارَقْتَ دِيْنَنَا. وَخَرَجُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَهَيَّأَ لَهُم سُفُناً، وَقَالَ: ارْكَبُوا، فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا، وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى كِتَابٍ، فَكَتَبَ فِيْهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَيَشْهَدُ أَنَّ عِيْسَى عَبْدُهُ، وَرَسُوْلُهُ، وَرُوْحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ. ثُمَّ جَعَلَهُ فِي قُبَائِهِ، وَخَرَجَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَصَفُّوا لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الحَبَشَةِ! أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيْرَتِي فِيْكُم؟ قَالُوا: خَيْرَ سِيْرَةٍ. قَالَ: فَمَا بَالُكُم؟ قَالُوا: فَارَقْتَ دِيْنَنَا، وَزَعَمْتَ أَنَّ عِيْسَى عَبْدٌ. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُوْنَ فِيْهِ؟ قَالُوا: هُوَ ابْنُ اللهِ. فَقَالَ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ عَلَى قُبَائِهِ -: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّ عِيْسَى لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئاً. وَإِنَّمَا عَنَى عَلَى مَا كَتَبَ، فَرَضُوا، وَانْصَرَفُوا. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفَرَ   (1) رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق. وقد تقدم الخبر مطولا في الصفحة (430) التعليق رقم (1) . (2) تصحفت في المطبوع إلى " المغتر ". والمعثر: هو التعس. ويقال: للزلة عثرة: لأنها سقوط في الاثم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 لَهُ (1) . وَمِنْ مَحَاسِنِ النَّجَاشِيِّ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ رَمْلَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيَّةَ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ أَسْلَمَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ (2) اللهِ بنِ جَحْشٍ الأَسَدِيِّ قَدِيْماً، فَهَاجَرَ بِهَا زَوْجُهَا، فَانْمَلَسَ بِهَا إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيْبَةَ رَبِيْبَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ إِنَّهُ أَدْرَكَهُ الشَّقَاءُ، فَأَعْجَبَهُ دِيْنُ النَّصْرَانِيَّةِ، فَتَنَصَّرَ، فَلَمْ يَنْشَبْ (3) أَن مَاتَ بِالحَبَشَةِ. فَلَمَّا وَفَتِ العِدَّةَ، بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطِبُهَا، فَأَجَابَتْ، فَنَهَضَ فِي ذَلِكَ النَّجَاشِيُّ، وَشَهِدَ زَوَاجَهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ أَرْبَعَ مَائَةِ دِيْنَارٍ، فَحَصَلَ لَهَا شَيْءٌ لَمْ يَحْصَلْ لِغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ جَهَّزَهَا النَّجَاشِيُّ (4) . وَكَانَ الَّذِي وَفَدَ عَلَى النَّجَاشِيِّ بِخِطْبَتِهَا: عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ أضمري، فِيْمَا نَقَلَهُ الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالاَ: كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا، وَخَطَبَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ: خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأُمَوِيُّ، وَكَانَ عُمُرُهَا لَمَّا قَدِمَتِ المَدِيْنَةَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (5) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ جَحْشٍ، وَكَانَ رَحَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا بِالحَبَشَةِ،   (1) سبق تخريجه في بداية ترجمة النجاشي. (2) تحرفت في المطبوع إلى " عبد " في الموضعين. (3) تحرفت في المطبوع إلى " يلبث ". (4) انظر ابن هشام 1 / 224 و2 / 362، وانظر " طبقات ابن سعد " 8 / 70 وسيذكر المؤلف قريبا حديث أبي داود في تزويج النجاشي أم حبيبة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (5) انظر ابن هشام 1 / 224 و2 / 645، وابن سعد 8 / 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 زَوَّجَهُ إِيَّاهَا النَّجَاشِيُّ، وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ، وَجَهَازُهَا كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ (1) . وَأَمَّا ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَنَقَلَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا بِالحَبَشَةِ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَهَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ إِلاَّ يَوْمَ بَدْرٍ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقِيْمَ، فَيُمَرِّضَ زَوْجَتَهُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ جَحْشٍ بِأَسْوَأِ صُوْرَةٍ وَأَشْوَهِهِ، فَفَزِعْتُ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ حِيْنَ أَصْبَحَ: يَا أُمَّ حَبِيْبَةَ! إِنِّي نَظَرْتُ فِي الدِّيْنِ، فَلَمْ أَرَ دِيْناً خَيْراً مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلتُ فِي دِيْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ رَجَعْتُ إِلَيْهَا. فَأَخْبَرَتْهُ بِالرُّؤْيَا، فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا، وَأَكَبَّ عَلَى الخَمْرِ حَتَّى مَاتَ. فَأَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِياً يَقُوْلُ لِي: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! فَفَزِعْتُ، فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَزَوَّجُنِي. فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ انْقَضَتِ عِدَّتِي، فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ وَرَسُوْلُ النَّجَاشِيِّ عَلَى بَابِي يَسْتَأْذِنُ، فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْبُرْهَة، كَانَت تَقُوْمُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدُهْنِهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ، فَقَالَتْ: إِنَّ المَلِكَ يَقُوْلُ لَكِ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أزَوجك. فَقُلْتُ: بَشَّرَكِ اللهُ بِخَيْرٍ. قَالَتْ: يَقُوْلُ المَلِكُ: وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، فَوَكَّلَتْهُ، وَأَعْطَتْ الْبُرْهَة سِوَارَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَخَوَاتِيْمَ كَانَتْ فِي أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا، وَخَدَمَتَيْنِ كَانَتَا فِي رِجْلَيْهَا. فَلَمَّا كَانَ أتعشي، أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَحَضَرُوا. فَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: الحَمْدُ   (1) أخرجه أبو داود (2107) في النكاح: باب الصداق، والنسائي 6 / 119 في النكاح: باب القسط في الاصدقة. وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 لِلِّهِ المَلِكِ القُدُّوْسِ السَّلاَمِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ خَطَبَ خَالِدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَزَوَّجَهَا، وَقَبَضَ أَرْبَعَ مَائَةِ دِيْنَارٍ، ثُمَّ دَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلُوا. قَالَتْ: فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيَّ المَالُ، عَزَلْتُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً الْبُرْهَة، فَأَبَتْ، وَأَخْرَجَتْ حُقّاً فِيْهِ كُلُّ مَا أَعْطَيْتُهَا، فَرَدَّتْهُ، وَقَالَتْ: عَزَمَ عَلَيَّ المَلِكُ أَنْ لاَ أَرْزَأَكِ شَيْئاً، وَقَدْ أَسْلَمْتُ لِلِّهِ، وَحَاجَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُقْرِئِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِّي السَّلاَمَ. ثُمَّ جَاءتْنِي مِنْ عِنْدِ نِسَاءِ المَلِكِ بِعُوْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وزبادي كَثِيْرٍ (1) . فَقِيْلَ: بَنَى بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: دَخَلَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ. وَأَصْحَمَةُ بِالعَرَبِيِّ: عَطِيَّة. وَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنَّاسِ: (إِنَّ أَخاً لَكُم قَدْ مَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ) . فَخَرَجَ بِهِم إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَصَفَّهُم صُفُوْفاً، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ (2) . فَنَقَلَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ. 86 - مُعَاذُ بنُ جَبَلِ بنِ عَمْرِو بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ عَائِذِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ عَمْرِو بنِ أُدَيِّ بنِ سَعْدِ بنِ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 68 - 69 بأطول مما هنا. والواقدي متروك لا يحتج به. (2) سبق تخريجه في أول الترجمة. (*) مسند أحمد: 5 / 227 - 248، طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 120، طبقات خليفة: 103، 303، تاريخ خليفة: 97، 138، 155، التاريخ الكبير: 7 / 359 - 360، التاريخ الصغير: 1 / 41، 47، 49، 52، 53، المعارف: 254، الجرح والتعديل: 8 / 244 - 245، مشاهير علماء الأمصار: ت: 321، الاستبصار: 136 - 141، حلية الأولياء: 1 / 228 - 244، الاستيعاب: 10 / 104، طبقات الشيرازي: 45، ابن عساكر: 16 / 304 / 2، أسد الغابة: 5 / 194، تهذيب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 عَلِيِّ بنِ أَسَدِ بنِ سَارِدَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ. السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، شَهِدَ العَقَبَةَ شَابّاً أَمْرَدَ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ، وَمَالِكُ بنُ يَخَامِرَ، وَأَبُو مُسلمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأَبُو بَحْرِيَّةَ عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عُمَيْرَةَ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدِّيْلِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَالأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ، وَمَسْرُوْقٌ، وَأَبُو ظَبْيَةَ الكَلاَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ (1) . قَالَ شَبَابٌ: أُمُّهُ: هِيَ هِنْدُ بِنْتُ سَهْلٍ، مِنْ بَنِي رِفَاعَةَ، ثُمَّ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَلأُمِّهِ وَلَدٌ مِنَ الجدِّ بنِ قَيْسٍ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ رِجَالِهِ: أَنَّ مُعَاذاً شَهِدَ بَدْراً وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً، أَوْ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ العَقَبَةَ فِي رِوَايَتِهِمْ جَمِيْعاً مَعَ السَّبْعِيْنَ (2) .   = الأسماء واللغات: 2 / 98 - 100، تهذيب الكمال: 1337، دول الإسلام: 1 / 15، تاريخ الإسلام: 2 / 319، العبر: 1 / 22، تذكرة الحفاظ: 1 / 19، مجمع الزوائد: 9 / 311، طبقات القراء: 2 / 301، تهذيب التهذيب: 10 / 186، الإصابة: 9 / 219، طبقات الحفاظ: 6، خلاصة تذهيب الكمال: 379، كنز العمال: 13 / 583، شذرات الذهب: 1 / 29. (1) أخرجه البخاري 6 / 44 في الجهاد: باب اسم الفرس والحمار وتمامه: " فقال: يا معاذ! وهل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت: يا رسول الله! ألا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " السبيعي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ: نَزَلَ حِمْصَ، وَكَانَ طَوِيْلاً، حَسَناً، جَمِيْلاً. وَقَالَ الجَمَاعَةُ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِلاَّ أَبَا أَحْمَدَ الحَاكِمَ، فَقَالَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: مُعَاذٌ لَمْ يُوْلَدْ لَهُ قَطُّ، طُوَالٌ، حَسَنُ الثَّغْرِ، عَظِيْمُ العَيْنَيْنِ، أَبْيَضُ، جَعْدٌ، قَطَطٌ. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: لَهُ ابْنَانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُ. قَالَ عَطَاءٌ: أَسْلَمَ مُعَاذٌ وَلَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمِنَ السَّبْعِيْنَ (1) مِنْ بَنِي جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ. وَرَوَى: قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَزَيْدٌ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ أَحَدُ عُمُوْمَتِي (2) . قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأُبِيٍّ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) (3) .   (1) أي الذين شهدوا العقبة من الانصار. (2) سبق تخريجه في الصفحة (391) التعليق (2) . (3) أخرجه البخاري (4999) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، و (3758) في الفضائل: باب مناقب سالم، و (3760) : باب مناقب عبد الله، و (3806) : باب مناقب معاذ، و (3808) : باب مناقب أبي بن كعب، ومسلم (2464) في الفضائل: باب من فضائل عبد الله، والترمذي (3812) في المناقب: باب مناقب عبد الله، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 تَابَعَهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ خَالِدٍ، وَعَاصِمٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي: أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِيْنِ اللهِ: عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً: عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُم بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: مُعَاذٌ، وَأَفْرَضُهُم: زَيْدٌ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ (1)) . وَرَوَاهُ: وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ. وَفِي (فَوَائِدِ سَمَّوَيْه) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا زَيْدٌ العَمِّيُّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَرَامِ اللهِ وَحَلاَلِهِ (2)) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ. رَوَى ضَمْرَةُ، عَنْ يَحْيَى السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي العَجْفَاءِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَدْرَكْتُ مُعَاذاً، ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُ رَبِّي، فَقَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ لَقُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ وَعَبْدَكَ يَقُوْلُ: (يَأْتِي مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ) (3) .   (1) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 3 / 184، 281، والترمذي (3793) في المناقب: باب مناقب أهل البيت، و (3794) ، وابن ماجه (154) في المقدمة: باب فضائل خباب، وابن سعد 3 / 2 / 122 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 228، وانظر الصفحة (9) والصفحة (11) . (2) إسناده ضعيف لضعف زيد العمي، وهو زيد بن الحواري البصري قاضي هراة. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 228. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 229، وليس فيه " برتوة " وأخرجه أبو نعيم 1 / 228، وابن سعد 3 / 2 / 126 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن شهر بن حوشب، عن عمر. وأخرجه أبو نعيم 1 / 229 من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن كعب قال، قال رسول الله ... وانظر " المجمع " 9 / 311، وأخرجه أحمد 1 / 18 من طريق صفوان عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما قالوا: لما بلغ عمر ... والنص أطول. والرتوة: رمية سهم. وقيل: مد البصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَرَوَى: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ شَهْرِ (1) بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَذَكَرَ مَعَهُ: أَبَا عُبَيْدَةَ، وَسَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَجِيْءُ مُعَاذٌ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ العُلَمَاءِ، بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ) . وَلَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ ضَعِيْفٌ. هِشَامٌ: عَنِ الحَسَنِ مَرْفُوْعاً: (مُعَاذٌ لَهُ نَبْذَةٌ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ) . تَابَعَهُ: ثَابِتٌ، عَنِ الحَسَنِ. ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ، اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَتَّابَ بنَ أَسِيْدٍ يُصَلِّي بِهِم، وَخَلَّفَ مُعَاذاً يُقْرِئُهُم وَيُفَقِّهُهُم (2) . أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُبَيْلٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذٍ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ، فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي إِثْرِي، فَرُدِدْتُ. فَقَالَ: (أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لاَ تُصِيْبَنَّ شَيْئاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ غُلُوْلٌ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ} [آلُ عِمْرَانَ: 161] لَقَدْ أُذْعِرْتَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ (3)) . رَوَاهُ: الرُّوْيَانِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) .   (1) في الأصل " بشر " وهو خطأ. (2) الواقدي متروك. وهو مرسل أيضا. وأخرجه ابن سعد 5 / 330 وليس فيه الخبر تاما، وإنما الذي فيه هو الجزء الأول. والخبر هذا هو عند ابن هشام 2 / 500 بلاغا عن زيد بن أسلم. وأخرج الحاكم 3 / 270 خبر معاذ بأطول مما هنا. من طريق: أبي جعفر البغدادي عن أبي علاثة، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وهو ضعيف ومنقطع. وانظر الصفحة (459) تعليق (2) . (3) إسناده ضعيف لضعف داود بن يزيد وهو الاودي، وأخرجه الترمذي (1335) في الاحكام: باب ما جاء في هدايا الامراء، من طريق أبي أسامة، عن داود، به وقال: حديث حسن غريب. وفي الباب أحاديث أوردها ابن كثير في " تفسيره " 1 / 421 - 424، فراجعها. وأذعرت: أي: أخفت. وفي الترمذي " لهذا دعوتك ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 شُعْبَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْحَابُنَا، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ، قَالَ لِي: (كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ قَضَاءٌ؟) . قَالَ: قُلْتُ: أَقْضِي (1) بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَبِمَا قَضَى بِهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْمَا قَضَى بِهِ الرَّسُوْلُ؟) . قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُوْ. فَضَرَبَ صَدْرِي، وَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَا يُرْضِي رَسُوْلَ اللهِ (2)) . أَبُو اليَمَانِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ حُمَيْدٍ السَّكُوْنِيِّ: أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ، خَرَجَ يُوْصِيْهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: (يَا مُعَاذُ! إِنَّكَ عَسَى أَنْ لاَ تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي (3)) . فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعاً لِفِرَاقِ رَسُوْلِ اللهِ. قَالَ: (لاَ تَبْكِ يَا مُعَاذُ، أَوْ إِنَّ البُكَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ (4)) . قَالَ سَيْفُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ صَخْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ وَدَّعَهُ مُعَاذٌ قَالَ: (حَفِظَكَ اللهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، وَدَرَأَ   (1) سقطت من المطبوع. (2) أخرجه أحمد 5 / 236، 242، وأبو داود (3592) و (3593) في الاقضية: باب اجتهاد الرأي في القضاء، والترمذي (1327) و (1328) في الاحكام: باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وابن سعد 3 / 2 / 121، وانظر شرح السنة للبغوي بتحقيقنا 10 / 116 و" إعلام الموقعين " 1 / 202 وما بعدها. (3) تحرفت في المطبوع إلى " مقامي ". (4) رجاله ثقات وهو في " المسند " 5 / 235 من طريق أبي اليمان، به، وانظر " سيرة ابن كثير " 4 / 193. والجشع: الجزع لفراق الالف. وفي حديث جابر رضي الله عنه: ثم أقبل علينا، فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قال: فجشعنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 عَنْكَ شَرَّ الإِنْسِ وَالجِنِّ) . فَسَارَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يُبْعَثُ لَهُ رَتْوَةٌ فَوْقَ العُلَمَاءِ (1)) . وَقَالَ سَيْفٌ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ يَزِيْدَ الجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ عَلَى أَصْنَافِ اليَمَنِ: أَنَا، وَمُعَاذٌ، وَخَالِدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَطَاهِرُ بنُ أَبِي هَالَةَ، وَعُكَّاشَةُ بنُ ثَوْرٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُيَسِّرَ وَلاَ نُعَسِّرَ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَهُ وَمُعَاذاً إِلَى اليَمَنِ، قَالَ لَهُمَا: (يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تُنَفِّرَا) . فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوْسَى: إِنَّ لَنَا بِأَرْضِنَا شَرَاباً يُصْنَعُ مِنَ العَسَلِ يُقَالُ لَهُ: البِتْعُ، وَمِنَ الشَّعِيْر يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ. قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) . فَقَالَ لِي مُعَاذٌ: كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: أَقْرَؤُهُ فِي صَلاَتِي، وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَقَائِماً، وَقَاعِداً، أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقاً -يَعْنِي: شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ-. قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَكِنِّي أَنَامُ ثُمَّ أَقُوْمُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. قَالَ: وَكَأَنَّ مُعَاذاً فُضِّلَ عَلَيْهِ (3) . سَيْفٌ: حَدَّثَنَا جَابِرٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ أُمِّ جُهَيْشٍ خَالَتِهِ، قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ بِدَثِيْنَةَ بَيْنَ الجَنَدِ وَعَدَنَ، إِذْ قِيْلَ: هَذَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ (4) اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَوَافَيْنَا القَرْيَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى رُمْحِهِ، مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، مُتَعَلِّقٌ حَجَفَةً، مُتَنَكِّبٌ قَوْساً   (1) سيف بن عمر ضعيف. وانظر " الإصابة " 9 / 219) . (2) إسناده ضعيف لضعف سيف. وفي الأصل " النخعي " بدل " الجعفي " وهو تحريف. (3) أخرجه أحمد 4 / 410، 416، 417، والبخاري (4344) و (4345) في المغازي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، و (6124) في الأدب: باب يسروا ولا تعسروا، و (7172) في الاحكام، ومسلم (1733) في الاشربة، وابن ماجه (3391) في الاشربة، والدارمي (2 / 113 في الاشربة: باب ما قيل في المسكر. والبتع: نبيذ العسل. والمزر: نبيذ الشعير. (4) سقطت لفظة " رسول " من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَجُعْبَةً، فَتَكَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكُم، اتَّقُوا اللهَ، وَاعْمَلُوا، فَإِنَّمَا هِيَ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، خُلُوْدٌ فَلاَ مَوْتَ، وَإِقَامَةٌ فَلاَ ظَعْنَ، كُلُّ امْرِئٍ عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ فَعَلَيْهِ وَلاَ لَهُ، إِلاَّ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ، وَكُلُّ صَاحِبٍ اسْتَصْحَبَهُ أَحَدٌ خَاذِلُهُ وَخَائِنُهُ، إِلاَّ العَمَلَ الصَّالِحَ، انْظُرُوا لأَنْفُسِكُم، وَاصْبِرُوا لَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ. فَإِذَا رَجُلٌ مُوْفَرُ الرَّأْسِ، أَدْعَجُ، أَبْيَضُ، بَرَّاقٌ، وَضَّاحٌ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَامِلُهُ عَلَى الجَنَدِ مُعَاذٌ. وَرَوَى: سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ (2)) . وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ مُرْسَلاً. حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: عَنْ عُقْبَةَ (3) بنِ مُسلمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: لَقِيَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ! إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللهِ) . قُلْتُ: وَأَنَا -وَاللهِ- يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُحِبُّكَ فِي اللهِ. قَالَ: (أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُوْلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ؟ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ (4)) . مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ مُعَاذاً دَخَلَ   (1) ضعيف لضعف زيد وجابر. وأم جهيش لم نقف لها على ترجمة. (2) أخرجه الترمذي (3797) في المناقب: باب مناقب معاذ، وقال: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث سهيل. وقد تحرفت في المطبوع إلى " سهل " وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (2217) . (3) تحرفت في المطبوع إلى " عيينة ". (4) أخرجه أبو داود (1522) في الصلاة: باب الاستغفار، والنسائي 3 / 53 في السهو: باب نوع آخر من الدعاء، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 3 / 273، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 المَسْجِدَ، وَرَسُوْلُ اللهِ سَاجِدٌ، فَسَجَدَ مَعَهُ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَضَى مُعَاذٌ مَا سَبَقَهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ صَنَعْتَ! سَجَدْتَ وَلَمْ تَعْتَدَّ (1) بِالرَّكْعَةِ؟ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَرَى رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَالٍ إِلاَّ أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَهُ فِيْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَرَّهُ، وَقَالَ: (هَذِهِ سُنَّةُ لَكُم (2)) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ مُعَاذاً كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلِّهِ حَنِيْفاً. فَقَالَ لَهُ فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ - فَأَعَادَهَا - ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأُمَّةَ: مُعَلِّمُ الخَيْرِ، وَالقَانِتَ: المُطِيْعُ، وَإِنَّ مُعَاذاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ كَذَلِكَ (3) . وَرَوَى: حَيَّانُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهَا. فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! نَسِيْتَهَا. قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّا كُنَّا نُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيْمَ. وَرَوَاهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ: فِرَاسٌ، وَمُجَالِدٌ، وَغَيْرُهُمَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَرَوَاهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: بَيْنَمَا عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُهُم، إِذْ قَالَ: إِنَّ مُعَاذاً كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلِّهِ حَنِيْفاً، وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ (4) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ (5) ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الَّذِيْنَ يُفْتُوْنَ عَلَى   (1) تحرفت في المطبوع إلى " تقتد ". (2) إسناده ضعيف جدا، بل موضوع. عطاء هو ابن العجلان الحنفي. قال الحافظ في " التقريب ": متروك. بل أطلق عليه ابن معين، والفلاس وغيرهما: الكذاب. (3) انظر الخبر التالي. (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 230، والحاكم 3 / 271 - 272 من معظم هذه الطرق، وصححه ووافقه الذهبي. وعلق بعضه البخاري في تفسير سورة النمل 8 / 384 وانظر شرح الحافظ وتعليقه على هذا الاثر. (5) " ابن أبي حثمة " تحرفت في المطبوع إلى " عن أبي خيثمة ". ومحمد بن سهل هذا روى عنه غير واحد. وذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحا. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وأبوه سهل صحابي صغير أخرج حديثه الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ. وَثَلاَثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدٌ. وَعَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسْتَشِيْرُ هَؤُلاَءِ، فَذَكَرَ مِنْهُم مُعَاذاً. وَرَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الفِقْهَ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ (1) . وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنَّا أَنَّ رَجُلاً غَابَ عَنِ امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ، فَجَاءَ وَهِيَ حُبْلَى، فَأَتَى عُمَرَ، فَهَمَّ بِرَجْمِهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إِنْ يَكُ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيْلٌ، فَلَيْسَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيْلٌ. فَتَرَكَهَا، فَوَضَعَتْ غُلاَماً بَانَ أَنَّهُ يُشْبِهُ أَبَاهُ، قَدْ خَرَجَتْ ثَنِيَّتَاهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا ابْنِي. فَقَالَ عُمَرُ: عَجِزَتِ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَ مُعَاذٍ، لَوْلاَ مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُوْلُ حِيْنَ خَرَجَ مُعَاذٌ إِلَى الشَّامِ: لَقَدْ أَخَلَّ خُرُوْجُهُ بِالمَدِيْنَةِ وَأَهْلِهَا فِي الفِقْهِ، وَفِيْمَا كَانَ يُفْتِيْهِم بِهِ، وَلَقَدْ كُنْتُ كَلَّمْتُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَحْبِسَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَأَبَى عَلَيَّ، وَقَالَ: رَجُلٌ أَرَادَ وَجْهاً - يَعْنِي الشَّهَادَةَ - فَلاَ أَحْبِسُهُ (3) . قُلْتُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْزَقُ الشَّهَادَةَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ. الأَعْمَشُ: عَنْ شِمْرِ بنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 271 - 272، وصححه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 126 لقد صح عن عمر قوله: ... وذكره. (2) نسبه صاحب الكنز (37499) إلى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبيهقي في " الدلائل ". (3) سنده تالف، الواقدي متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَحَدَّثُوا وَفِيْهِم مُعَاذٌ، نَظَرُوا إِلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ (1) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الخَوْلاَنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ، فَإِذَا فِيْهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ كَهْلاً مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا فِيْهِم شَابٌّ أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، سَاكِتٌ، فَإِذَا امْتَرَى القَوْمُ، أَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَسَألُوْهُ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيْلَ: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ. فَوَقَعَتْ مَحَبَّتُهُ فِي قَلْبِي (2) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ شَابّاً، جَمِيْلاً، سَمْحاً، مِنْ خَيْرِ شَبَابِ قَوْمِهِ، لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ، حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَغْلَقَ مَالَهُ كُلَّهُ، فَسَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ غُرَمَاءهُ، فَفَعَلَ، فَلَمْ يَضَعُوا لَهُ شَيْئاً، فَلَوْ تَرَكَ أَحَدٌ (3) لِكَلاَمِ أَحَدٍ، لَتُرِكَ لِمُعَاذٍ لِكَلاَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَدَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى بَاعَ مَالَهُ، وَقَسَمَهُ بَيْنَهُم. فَقَامَ مُعَاذٌ وَلاَ مَالَ لَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ عَلَى اليَمَنِ لِيَجْبُرَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَجَرَ فِي هَذَا المَالِ. فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ يَا مُعَاذُ أَنْ تُطِيْعَنِي؟ تَدْفَعُ هَذَا المَالَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَإِنْ أَعْطَاكَهُ فَاقْبَلْهُ. فَقَالَ: لاَ أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي نَبِيُّ اللهِ لِيَجْبُرَنِي. فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ، وَدَعْ لَهُ. قَالَ: مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ، وَإِنَّمَا بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَجْبُرَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ مُعَاذٌ، انْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: مَا أَرَانِي إِلاَّ فَاعِلَ الَّذِي قُلْتَ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي البَارِحَةَ - أَظُنُّهُ قَالَ - أُجَرُّ إِلَى النَّارِ، وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي. فَانْطَلَقَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ، حَتَّى جَاءهُ بِسَوْطِهِ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231. (2) أخرجه الحاكم 3 / 269، وابن سعد 3 / 2 / 125، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 230. (3) تحرفت في المطبوع إلى " شيء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ لَكَ، لاَ آخُذُ مِنْهُ شَيْئاً. وَفِي لَفْظٍ: قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا حِيْنَ حَلَّ وَطَابَ. وَخَرَجَ مُعَاذٌ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ (1) . وَرَوَاهُ: الذُّهْلِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، فَقَالَ بَدَلَ أُجَرُّ إِلَى النَّارِ: كَأَنِّي فِي مَاءٍ قَدْ خَشِيْتُ الغَرَقَ، فَخَلَّصْتَنِي. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ النُّعْمَانِ، عَنْ مُعَاذِ (2) بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَحْسَنِهِ خُلُقاً، وَأَسْمَحِهِ كَفّاً، فَادَّانَ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ، حَتَّى تَغَيَّبَ أَيَّاماً ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. وَقَالَ فِيْهِ: فَقَدِمَ بِغِلْمَانَ (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ شَقِيْقٍ: قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ اليَمَنِ بِرَقِيْقٍ، فَلَقِيَ عُمَرَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: أُهْدُوا لِي. قَالَ: ادْفَعْهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَأَبَى، فَبَاتَ، فَرَأَى كَأَنَّهُ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ، وَأَنَّ عُمَرَ يَجْذُبُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ! مَا أَرَانِي إِلاَّ مُطِيْعُكَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَفَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَرَآهُمْ يُصَلُّوْنَ. قَالَ: لِمَنْ تُصَلُّوْنَ؟ قَالُوا: لِلِّهِ. قَالَ: فَأَنْتُم لِلِّهِ (4) . ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الأَبْيَضِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُعَاذاً سَاعِياً عَلَى بَنِي كِلاَبٍ أَوْ غَيْرِهِم، فَقَسَمَ فِيْهِم فَيْئَهُم حَتَّى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً، حَتَّى جَاءَ بِحِلْسِهِ الَّذِي خَرَجَ بِهِ عَلَى رَقَبَتِهِ.   (1) أخرجه بطوله أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231، وأخرجه الحاكم مختصرا في " المستدرك " 3 / 273. (2) في الأصل " معان " وهو خطأ. والتصحيح من تهذيب الكمال، والمستدرك. (3) أخرجه الحاكم 3 / 274، وابن سعد 3 / 2 / 121، 124، من طريق الواقدي وهو متروك. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 122، وأبو نعيم 1 / 232 في " الحلية "، مرسلا ووصله الحاكم 3 / 2 / 272 من طريق: الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ: انْظُرُوا رِجَالاً صَالِحِيْنَ، فَاسْتَعْمِلُوْهُم عَلَى القَضَاءِ، وَارْزُقُوْهُم. رَوَى أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ فُلاَناً مَرَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَوْصُوْنِي. فَجَعَلُوا يُوْصُوْنَهُ، وَكَانَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ فِي آخِرِ القَوْمِ، فَقَالَ: أَوْصِنِي يَرْحَمْكَ اللهُ. قَالَ: قَدْ أَوْصَوْكَ فَلَمْ يَأْلُوا، وَإِنِّي سَأَجْمَعُ لَكَ أَمْرَكَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ عَنْ نَصِيْبِكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ إِلَى نَصِيْبِكَ إِلَى الآخِرَةِ أَفْقَرُ، فَابْدَأْ بِنَصِيْبِكَ مِنَ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ سَيَمُرُّ بِكَ عَلَى نَصِيْبِكَ مِنَ الدُّنْيَا، فَيَنْتَظِمَهُ، ثُمَّ يَزُوْلُ مَعَكَ أَيْنَمَا زِلْتَ (1) . رَوَى حُمَيْدُ بنُ (2) هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: مَا بَزَقْتُ عَلَى يَمِيْنِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ (3) . قَالَ أَيُّوْبُ بنُ سَيَّارٍ: عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ، فَإِذَا بِفَتَىً حَوْلُهُ النَّاسُ، جَعْدٌ، قَطَطٌ، إِذَا تَكَلَّم كَأَنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ نُوْرٌ وَلُؤْلُؤٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ (4) . حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: عَنِ المَشْيَخَةِ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ. قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ؟ قَالَ: وَلاَ، إِلاَّ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، لأَنَّ اللهَ -   (1) وأخرجه احمد في الزهد: (182) من طريق: الحسن بن عبد العزيز الجروي عن أيوب بن سويد، عن ابن جابر (عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) قال: قال أبو سعيد بن العمان: مربي الركب وأوصوني ... (2) تحرفت في المطبوع إلى " عن ". (3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 122، والحاكم 3 / 271، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 311، ونسبه إلى الطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح. (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231، وأيوب بن سيار لا يحتج به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 تَعَالَى - يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العَنْكَبُوْتُ (1) : 45] . نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعِيْدِ بنِ يَرْبُوْعٍ، عَنْ مَالِكِ الدَّارِ: أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخَذَ أَرْبَعَ مَائَةِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ تَلَهَّ سَاعَةً فِي البَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ. قَالَ: فَذَهَبَ بِهَا الغُلاَمُ، فَقَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: خُذْ هَذِهِ. فَقَالَ: وَصَلَهُ اللهُ وَرَحِمَهُ. ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلاَنٍ، وَبِهَذِهِ الخَمْسَةِ إِلَى فُلاَنٍ، حَتَّى أَنْفَذَهَا. فَرَجَعَ الغُلاَمُ إِلَى عُمَرَ، وَأَخْبَرَهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، فَأَرْسَلَهُ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ مُعَاذٌ: وَصَلَهُ اللهُ، يَا جَارِيَةُ! اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلاَنٍ بِكَذَا، وَلِبَيْتِ فُلاَنٍ بِكَذَا. فَاطَّلَعَتْ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، فَقَالَتْ: وَنَحْنُ - وَالله - مَسَاكِيْنُ، فَأَعْطِنَا. وَلَمْ يَبْقَ فِي الخِرْقَةِ إِلاَّ دِيْنَارَانِ، فَدَحَا بِهِمَا (2) إِلَيْهَا. وَرَجَعَ الغُلاَمُ، فَأَخْبَرَ عُمَرَ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّهُم إِخْوَةٌ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ (3) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَكَ يُوْسُفُ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ قُتَيْبَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي الغَرَّافِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، وَالطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مَوْهَبٍ،   (1) أخرجه أحمد في الزهد 184 من طريق: حجاج، حدثنا حريز بن عثمان، عن المشيخة، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، وأبو نعيم 1 / 235، وأخرجه أحمد في " الزهد " (180) ، وأبو نعيم 1 / 234 - 235 من طريق عبد الله بن جندل، عن فضيل بن عياض، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، قال: أخبرني من سمع معاذا وهو يقول ... (2) تحرفت في المطبوع إلى " دينارين قد جاء بهما ". (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 300 - 301، وقد مر هذا الخبر في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَبَا إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ عُمَيْرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - قَالَ: كَانَ لاَ يَجْلِسُ مَجْلِساً إِلاَّ قَالَ: اللهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ المُرْتَابُوْنَ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. وَفِيْهِ: فَقُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَا يُدْرِيْنِي أَنَّ الحَكِيْمَ يَقُوْلُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ؟ قَالَ: بَلَى، اجْتَنِبْ مِنْ كَلاَمِ الحَكِيْمِ المُشْتَهَرَاتِ الَّتِي يُقَالُ: مَا هَذِهِ؟ وَلاَ يَثْنِيْكَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ وَيَتَّبِعُ الحَقَّ إِذَا سَمِعَهُ، فَإِنَّ عَلَى الحَقِّ نُوْراً (1) . اللَّفْظُ لابْنِ قُتَيْبَةَ. سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ (2) ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ (3) ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا أُصِيْبَ، اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، يَعْنِي فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاس، اشْتَدَّ الوَجَعُ، فَصَرَخَ النَّاسُ إِلَى مُعَاذٍ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنَّا هَذَا الرِّجْزَ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرِجْزٍ، وَلَكِنْ دَعْوَةُ نَبِيِّكُم، وَمَوْتُ الصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُم، وَشَهَادَةٌ يَخُصُّ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْكُم. أَيُّهَا النَّاسُ! أَرْبَعُ خِلاَلٍ، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تُدْرِكَهُ. قَالُوا: مَا هِيَ؟ قَالَ: يَأْتِي زَمَانٌ يَظْهَرُ فِيْهِ البَاطِلُ، وَيَأْتِي زَمَانٌ يَقُوْلُ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَنَا، لاَ يَعِيْشُ عَلَى بَصِيْرَةٍ، وَلاَ يَمُوْتُ عَلَى بَصِيْرَةٍ (4) . أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَسَرَّةُ (5) بنُ   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 233، و" الفسوي " 2 / 321 في " المعرفة والتاريخ ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " عبدة ". وموسى بن عبيدة هذا هو الربذي وهو ضعيف. وشيخه أيوب بن خالد فيه لين. (3) في الأصل " نافع " وهو تحريف. وعبد الله بن رافع هذا، هو مولى أم سلمة، ثقة. (4) أخرجه ابن سعد في " طبقاته " 3 / 2 / 124. (5) تحرفت " مسرة " في المطبوع إلى " ميسرة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 مَعْبَدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سَتُهَاجِرُوْنَ إِلَى الشَّامِ، فَيُفْتَحُ لَكُم، وَيَكُوْنُ فِيْهِ دَاءٌ كَالدُّمَّلِ، أَوْ كَالوَخْزَةِ، يَأْخُذُ بِمَرَاقِّ الرَّجُلِ، فَيَشْهَدُ - أَوْ فَيَسْتَشْهِدُ - اللهُ بِكُمْ أَنْفُسَكُم، وَيُزَكِّي بِهَا أَعْمَالَكُم) . اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاذاً سَمِعَهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطِهِ هُوَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الحَظَّ الأَوْفَرَ مِنْهُ. فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُوْنُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُم أَحَدٌ، فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ (1) . هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَمَطَرٌ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ (2) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ، قَالَ: وَقَعَ الطَّاعُوْنُ بِالشَّامِ، فَخَطَبَ النَّاسَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَقَالَ: هَذَا الطَّاعُوْنُ رِجْزٌ، فَفِرُّوا مِنْهُ فِي الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ شُرَحْبِيْلَ بنَ حَسَنَةَ، فَغَضِبَ، وَجَاءَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَنَعْلاَهُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُم، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُم، وَوَفَاةُ الصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُم. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذاً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَصِيْبَ آلِ مُعَاذٍ الأَوْفَرَ. فَمَاتَتْ ابْنَتَاهُ، فَدَفَنَهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَطُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ - يَعْنِي لاِبْنِهِ لَمَّا سَأَلَهُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ - قَالَ: {الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِيْنَ} [آلُ عِمْرَانَ: 60] . قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِيْنَ} [الصَّافَّاتُ: 102] . قَالَ: وَطُعِنَ مُعَاذٌ فِي كَفِّهِ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا، وَيَقُوْلُ: هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ. فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: رَبِّ! غُمَّ غَمَّكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. وَرَأَى رَجُلاً يَبْكِي، قَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَا كُنْتُ أَصَبْتُهَا مِنْكَ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى العِلْمِ الَّذِي كُنْتُ أُصِيْبُهُ مِنْكَ. قَالَ: وَلاَ تَبْكِهِ، فَإِنَّ   (1) أخرجه أحمد 5 / 241، وذكره الهيثمي في " المجمع " 2 / 311، ونسبه إلى أحمد وقال: وإسماعيل بن عبيد الله لم يدرك معاذا. (2) تحرفت في المطبوع إلى " بن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 إِبْرَاهِيْمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - كَانَ فِي الأَرْضِ، وَلَيْسَ بِهَا عِلْمٌ، فَآتَاهُ اللهُ عِلْماً، فَإِنْ أَنَا مِتُّ، فَاطْلُبِ العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَعُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَ مُعَاذاً عَلَى مَكَّةَ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ القُرْآنَ وَالدِّيْنَ (2) . أَبُو قَحْذَمٍ النَّضْرُ بنُ مَعْبَدٍ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِمُعَاذٍ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: حَدِيْثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ أَدْنَى الرِّيَاءِ (3) شِرْكٌ، وَأَحَبُّ العَبِيْدِ إِلَى اللهِ الأَتْقِيَاءُ الأَخْفِيَاءُ، الَّذِيْنَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، أُوْلَئِكَ مَصَابِيْحُ العِلْمِ، وَأَئِمَّةُ الهُدَى (4)) . أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَخُوْلِفَ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ قَالَ: أَبُو قَحْذَمٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ. يُوْسُفُ بن مُسلمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ تَمِيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ   (1) أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 73 - 74، وذكره عبد الرزاق في " المصنف " (20164) بنحوه عن قتادة، وانظر " مجمع الزوائد " 2 / 311، وشهر بن حوشب ضعيف، وانظر الصفحة (22) . (2) هو على انقطاعة ضعيف لضعف ابن لهيعة. وأخرجه الحاكم 3 / 270، وانظر الصفحة (477) . (3) تحرفت في المطبوع إلى " الزنى ". (4) أخرجه الحاكم 3 / 270 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: أبو قحذم: قال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة. وأورده المؤلف في ترجمة أبي قحذم في ميزانه، في جملة منكراته، وذكره العقيلي في " الضعفاء " وقال: لا يتابع عليه. وقال ابن عدي: ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 نُسَيٍّ، عَنِ ابْنِ غَنْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَعُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ يَقُوْلاَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ بَعْد النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ، وَإِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِهِ المَلاَئِكَةَ) . قَدْ أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ (فِي صَحِيْحِهِ (1)) ، فَأَخْطَأَ، وَعُبَيْدٌ لاَ يُعْرَفُ، فَلَعَلَّهُ افْتَعَلَهُ. الأَعْمَشُ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ وَهُوَ يَمُوْتُ، وَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ وَيُفِيْقُ، فَقَالَ: اخْنُقْ خَنْقَكَ، فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: هُوَ أَمَامَ العُلَمَاءِ رَتْوَةٌ (3) . هَلَكَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. هُشَيْمٌ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قُبِضَ مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. المَدَائِنِيُّ: عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الغُدَانِيِّ (4) ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ قُرْطٍ قَالَ: حَضَرْتُ وَفَاةَ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، فَقَالَ: رَوِّحُوْنِي أَلْقَى اللهَ مِثْلَ سِنِّ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ابْنِ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.   (1) 3 / 271 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: أحسبه موضوعا، ولا أعرف عبيدا هذا. وإطلاق الصحة على " المستدرك " تساهل من المؤلف. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 125. (3) أخرجه الحاكم 3 / 268 - 269، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 311 وقال: رواه الطبراني، ورواه أيضا منقطع الإسناد. (4) الغداني: بالغين المعجمة، واسمه عبيد الله بن سفيان قال المؤلف في " ميزانه ": كذبه ابن معين، ووهى ابن حبان حديثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 قُلْتُ: يَعْنِي عِنْدَمَا رُفِعَ عِيْسَى إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: تُوُفِّيَ مُعَاذٌ بِقُصَيْرِ خَالِدٍ مِنَ الأُرْدُنِّ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ عُبَيْدَةَ: تُوُفِّيَ مُعَاذٌ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَكَذَا قَالَ الوَاقِدِيُّ فِي سِنِّهِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. 87 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ غَافِلِ بنِ حَبِيْبٍ الهُذَلِيُّ * (ع) ابْنِ شَمْخِ بنِ فَارِ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ صَاهِلَةَ بنِ كَاهِلِ بنِ الحَارِثِ بنِ تَمِيْمِ بنِ سَعْدِ بنِ هُذَيْلِ بنِ مُدْرَكَةَ بنِ إِلْيَاسِ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارٍ. الإِمَامُ الحَبْرُ، فَقِيْهُ الأُمَّةِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهُذَلِيُّ، المَكِّيُّ، المُهَاجِرِيُّ، البَدْرِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ. كَانَ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَمِنَ النُّجَبَاءِ العَالِمِيْنَ، شَهِدَ بَدْراً، وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَكَانَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ عَلَى النَّفْلِ، وَمَنَاقِبُهُ غَزِيْرَةٌ، رَوَى عِلْماً كَثِيْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو أُمَامَةَ، فِي طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَلْقَمَةُ،   (*) المسند لأحمد: 1 / 374 - 384، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 106، طبقات خليفة: 16، 126، تاريخ خليفة: 101، 166، التاريخ الصغير: 60، المعارف: 249، الجرح والتعديل: 5 / 149، مشاهير علماء الأمصار: ت: 21، حلية الأولياء: 1 / 124 - 139، الاستيعاب: 7 / 20، تاريخ بغداد: 1 / 147 - 150، طبقات الشيرازي: 43، أسد الغابة: 3 / 384، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 288 - 290، تهذيب الكمال: 740، دول الإسلام: 1 / 54، تاريخ الإسلام: 2 / 24، تذكرة الحفاظ: 1 / 31، العبر: 1 / 33، طبقات القراء للذهبي: 1 / 33، مجمع الزوائد: 9 / 286 - 291، العقد الثمين: 5 / 283 - 284، طبقات القراء: 1 / 458، تهذيب التهذيب: 6 / 27 - 28، الإصابة: 7 / 209، النجوم الزاهرة: 1 / 89، طبقات الحفاظ: 5، خلاصة تذهيب الكمال: 214، كنز العمال: 13 / 460 - 469، شذرات الذهب: 1 / 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وَالأَسْوَدُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَعُبَيْدَةُ، وَأَبُو وَاثِلَةَ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ، وَطَارِقُ بنُ شِهَابٍ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَوَلَدَاهُ؛ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو الأَحْوَصِ عَوْفُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ القِرَاءةَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَعُبَيْدُ بنُ نُضَيْلَةَ، وَطَائِفَةٌ. اتَّفَقَا لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) عَلَى أَرْبَعَةٍ وَسِتِّيْنَ. وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِ أَحَدٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. وَلَهُ عِنْدَ بَقِيٍّ بِالمُكَرَّرِ ثَمَانِي مَائَةٍ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً. قَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: رَأَيْتُهُ آدَمَ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ رَجُلاً نَحِيْفاً، قَصِيْراً، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ لَطِيْفاً، فَطِناً. قُلْتُ: كَانَ مَعْدُوْداً فِي أَذْكِيَاءِ العُلَمَاءِ. وَعَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ عَظِيْمَ البَطْنِ، أَحْمَشَ السَّاقَيْنِ. قُلْتُ: رَآهُ سَعِيْدٌ لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ عَامَ تُوُفِّيَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ يُعْرَفُ أَيْضاً بِأُمِّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ: هِيَ أُمُّ عَبْدٍ بِنْتُ عَبْدِ وُدٍّ بنِ سُوَيٍّ (1) ، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ   (1) كذا الأصل، وعند ابن سعد، و" الاستيعاب " " سواء " وفي " الإصابة ": " سواءة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ لِي (1) . وَرَوَى: المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مِيْنَا، عَنْ نُوَيْفِعٍ مَوْلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْباً أَبْيَضَ، وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيْحاً. يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلِمْتُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدِمْتُ مَكَّةَ مَعَ عُمُوْمَةٍ لِي - أَوْ أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِي - نَبْتَاعُ مِنْهَا مَتَاعاً، وَكَانَ فِي بُغْيَتِنَا شِرَاءُ عِطْرٍ، فَأَرْشَدُوْنَا عَلَى العَبَّاسِ. فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى زَمْزَمَ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الصَّفَا، أَبْيَضُ، تَعْلُوْهُ حُمْرَةٌ، لَهُ وَفْرَةٌ جَعْدَةٌ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، أَشَمُّ، أَقْنَى، أَذْلَفُ، أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، دَقِيْقُ المَسْرُبَةِ، شَثْنُ الكَفَّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُ القَمَرُ لَيْلَةَ البَدْرِ، يَمْشِي عَلَى يَمِيْنِهِ غُلاَمٌ حَسَنُ الوَجْهِ، مُرَاهِقٌ، أَوْ مُحْتَلِمٌ، تَقْفُوْهُمُ امْرَأَةٌ قَدْ سَتَرَتْ مَحَاسِنَهَا، حَتَّى قَصَدَ نَحْوَ الحَجَرِ، فَاسْتَلَمَ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الغُلاَمُ، وَاسْتَلَمَتِ المَرْأَةُ. ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، وَهُمَا يَطُوْفَانِ مَعَهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ، فَرَفَعَ يَدَهُ وَكَبَّرَ، وَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَرَأَيْنَا (2) شَيْئاً أَنْكَرْنَاهُ، لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهُ بِمَكَّةَ. فَأَقْبَلْنَا عَلَى العَبَّاسِ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا الفَضْلِ! إِنَّ هَذَا الدِّيْنَ حَدَثٌ فِيْكُم، أَوْ أَمْرٌ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهُ؟ قَالَ: أَجَلْ - وَاللهِ - مَا تَعْرِفُوْنَ هَذَا، هَذَا ابْنُ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالغُلاَمُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالمَرْأَةُ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلدٍ امْرَأَتُهُ، أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ يَعْبُدُ اللهَ بِهَذَا الدِّيْنِ، إِلاَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ.   (1) الخبر في " المستدرك " 3 / 313. (2) تحرفت في المطبوع إلى " فرابنا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 قَالَ ابْنُ شَيْبَةَ: لاَ نَعْلَمُ رَوَى هَذَا إِلاَّ بِشْرٌ الخَصَّافُ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ (1) . مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ المَسْعُوْدِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُنَا (2) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ نَفْساً. وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ (3) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) . وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ، أَخْبَرَكُمَا أَبُو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فَارِسٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مَائَةٍ، وَأَنَا فِي الخَامِسَةِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَلاَلِ، وَابْنُ مُؤْمِنٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ القَاضِي، أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ   (1) كذا قال. مع أن ابن أبي حاتم نقل عن أبيه أنه ترك حديثه. وشيخه شريك سيئ الحفظ. وذكره صاحب " الكنز " (37215) ، ونسبه إلى يعقوب بن أبي شيبة. ونقل قوله: لا نعلم رواه أحد عن شريك غير بشر بن مهران الخصاف وهو صالح. وذكره ابن كثير في " شمائل الرسول " ص (20) وقال: قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، عن يحيى بن حاتم العسكر، عن بشر بن مهران، عن شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: وذكره. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 126، والحاكم 3 / 313 وصححه، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوْبِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ الطَّائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأُرْمَوِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَسِتُّ الفَخْرِ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ الحُبُوْبِيِّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ العَبْدِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسلمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَماً لِعُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ! هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الفَحْلُ؟ فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ، فَمَسَحَ ضِرْعَهَا، فَنَزَلَ لَبَنٌ، فَحَلَبَ فِي إِنَاءٍ، فَشَرِبَ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ قَالَ لِلضِّرْعِ: (اقْلُصْ) . فَقَلَصَ. زَادَ أَحْمَدُ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا. ثُمَّ اتَّفَقَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا القَوْلِ. فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: (يَرْحَمُكَ اللهُ، إِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ (1) . وَرَوَاهُ: أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَفِيْهِ زِيَادَةٌ، مِنْهَا: فَلَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِيْنَ سُوْرَةً، مَا نَازَعَنِي فِيْهَا بَشَرٌ. وَرَوَاهُ:   (1) بل حسن. لأن عاصما وهو ابن بهدلة لا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح كما هو معلوم من كتب الرجال، وأخرجه أحمد 1 / 379، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 537. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ (1) ، عَنْ سَلاَمٍ أَبِي المُنْذِرِ، عَنْ عَاصِمٍ، وَفِيْهِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَحَلَبَ فِيْهَا. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، وَأَتَيْتُهُ (2) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ سِتَّةٌ. فَقَالَ المُشْرِكُوْنَ: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ عَنْكَ، فَلاَ يَجْتَرِئُوْنَ عَلَيْنَا. وَكُنْتُ أَنَا، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَرَجُلاَنِ نَسِيْتُ اسْمَهُمَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللهُ، وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ} [الأَنْعَامُ (3) : 52، 53] . رَوَاهُ: قَبِيْصَةُ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ المِقْدَامِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ (4) . أَبُو بَكْرٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَرَأَ آيَةً عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ (5) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الشامي ". (2) أخرجه أحمد 1 / 462 مع هاتين الزيادتين. وزيادة: " أخذت من في رسول الله، بضعا وسبعين سورة "، أخرجها البخاري (5000) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم. من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، قال: خطبنا عبد الله ابن مسعود، فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا وسبعين سورة. والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أني من أعلمهم لكتاب الله، وما أنا بخير هم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون. فما سمعت رادا يقول غير ذلك ". (3) إسناده صحيح، وقد سبق تخريجه في الصفحة (353) تعليق رقم (5) . (4) أخرجه ابن هشام 1 / 314 مطولا، وابن حجر في " الإصابة " 6 / 215 ورجاله ثقات. (5) ذكره صاحب الكنز (37222) عن زر، عن علي، ولم ينسبه لأحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 قُلْتُ: هَذَا مُؤَوَّلٌ، فَقَدْ صَلَّى قَبْلَ عَبْدِ اللهِ جَمَاعَةٌ بِالقُرْآنِ. أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ (1) . وَرَوَى مِثْلَهُ: سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ مُسلمٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ (2)) . وَفِيْهِ: لِمُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ (3) ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ آدَمَ، لَطِيْفَ الجِسْمِ، ضَعِيْفَ اللَّحْمِ. قُلْتُ: أَكْثَرُ مَنْ آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُم مُهَاجِرِيٌّ وَأَنْصَارِيٍّ. قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: وَمِمَّنْ قَدِمَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ - الهِجْرَةِ الأُوْلَى إِلَى مَكَّةَ - عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ. يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَقِيَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهُمُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ (4) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ وَأَبَا مُوْسَى   (1) إسناده صحيح. وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ولم نجده في المطبوع من " سنن أبي داود "، وأخرجه الحاكم 3 / 314 من طريق: يحيى بن منصور، عن علي بن عبد العزيز، عن سعيد بن سليمان الواسطي، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى ابن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس ... ، وصححه ووافقه الذهبي. (2) 3 / 314 وصححه ووافقه الذهبي. (3) تحرفت " سخبرة " في المطبوع إلى " بحينة ". (4) إسناده شديد الضعف. يحيى بن سلمة بن كهيل قال الحافظ في " التقريب ": متروك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 حِيْنَ مَاتَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَأَحَدُهُمَا يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: أَتَرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا، وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. يَحْيَى: عَنْ قُطْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ بِنَحْوِهِ (1) . وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِيْناً، وَمَا نَحْسِبُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِكَثْرَةِ دُخُوْلِهِم وَخُرُوْجِهِم عَلَيْهِ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ، وَمَا أَرَاهُ إِلاَّ عَبْدَ آلِ مُحَمَّدٍ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ (4) ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ اللهِ! إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الحِجَابَ، وَتَسْمَعَ سِوَادِي   (1) أخرجه مسلم (2461) و (2463) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه، ويحيى هو ابن آدم، وتحرفت " عن " في الأصل إلى: " بن " ولم يفطن لها محقق المطبوع، وصحف " قطبة " إلى " فطنة " وسيأتي الحديث من طريق الأعمش في ص (490) وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 541. (2) أخرجه البخاري (3763) في الفضائل: باب فضائل عبد الله بن مسعود و (4384) في المغازي: باب قدوم الاشعريين وأهل اليمن، ومسلم (2460) في الفضائل: باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه. والترمذي (3808) في المناقب: باب مناقب عبد الله. (3) رجاله ثقات. وأخرجه الفسوي 2 / 541 - 542 في " المعرفة والتاريخ ". (4) لم يتبين محقق المطبوع هذه اللفظة فأسقطها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 حَتَّى أَنْهَاكَ (1)) . رَوَاهُ: الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَفِي لَفْظٍ: (أَنْ تَرْفَعَ السِّتْرَ، وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِي) . وَرَوَاهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَكَذَا رَوَاهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الحَسَنِ. وَالسِّوَادُ: السِّرَارُ، وَقِيْلَ: المُحَادَثَةُ. وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: كُنْتُ لاَ أُحْبَسُ عَنِ النَّجْوَى، وَعَنْ كَذَا، وَعَنْ كَذَا (2) . وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ صَاحِبَ سِوَادِ رَسُوْلِ اللهِ - يَعْنِي سِرَّهُ - وَوِسَادِهِ - يَعْنِي فِرَاشَهُ - وَسِوَاكِهِ، وَنَعْلَيْهِ، وَطَهُوْرِهِ، وَهَذَا يَكُوْنُ فِي السَّفَرِ (3) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُلْبِسُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعْلَيْهِ، ثُمَّ يَمْشِي أَمَامَهُ بِالعَصَا، حَتَّى إِذَا أَتَى مَجْلِسَهُ نَزَعَ نَعْلَيْهِ، فَأَدْخَلَهُمَا فِي ذِرَاعِهِ، وَأَعْطَاهُ العَصَا، وَكَانَ يَدْخُلُ   (1) أخرجه مسلم (2169) في السلام: باب جواز جعل الاذن رفع حجاب، وأخرجه ابن ماجه (139) في المقدمة: باب فضائل عبد الله بن مسعود، وابن سعد 3 / 1 / 108 - 109، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 126. وحديث زائدة عن الحسن بن عبيد الله 1 / 126 في " الحلية " والفسوي 2 / 536 في " المعرفة والتاريخ ". (2) أخرجه أحمد 1 / 385. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108 من طريق الواقدي، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الحُجْرَةَ أَمَامَهُ بِالعَصَا (1) . المَسْعُوْدِيُّ: عَنْ عَيَّاشٍ (2) العَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ صَاحِبَ الوِسَادِ، وَالسِّوَاكِ، وَالنَّعْلِيْنِ (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} الآيَة، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قِيْلَ لِي: أَنْتَ مِنْهُم) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4) . مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ، فَجَاءَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْياً وَدَلاًّ وَقَضَاءً (5) وَخُطْبَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حِيْنِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، إِلَى أَنْ يَرْجِعَ، لاَ أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ لَعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَلَقَدْ عَلِمَ المُتَهَجِّدُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ مِنْ أَقْرَبِهِم عِنْدَ اللهِ وَسِيْلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ (6) . لَفْظُ مَنْصُوْرٍ: كَذَا قَالَ المُتَهَجِّدُوْنَ، وَلَعَلَّهُ المُجْتَهِدُوْنَ. الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ، فَجَاءَ خَبَّابُ بنُ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108. (2) عياش العامري هو ابن عمرو، ثقة من رجال مسلم. وقد تصحف في المطبوع إلى " عباس ". (3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 126، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 550. (4) (2459) في الفضائل: باب من فضائل عبد الله. وأخرجه الترمذي (3056) في التفسير: باب ومن سورة المائدة. (5) تحرفت في المطبوع إلى " سمتا ". (6) أخرجه البخاري بنحوه (3762) في فضائل الصحابة: باب مناقب عبد الله بن مسعود، و (6097) في الأدب: باب الهدي الصالح، والترمذي (3809) في المناقب: باب مناقب عبد الله ابن مسعود، والحاكم 3 / 315، وصححه ووافقه الذهبي، وابن سعد 3 / 1 / 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الأَرَتِّ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَقْرَؤُوْنَ كَمَا تَقْرَأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ. قَالَ: أَجَل. فَقَالَ: اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ. فَقَالَ فُلاَنٌ: أَتَأْمُرُهُ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ بِمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْمِهِ وَقَوْمِكَ. قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقَرَأْتُ خَمْسِيْنَ آيَةً مِنْ سُوْرَةِ مَرْيَمَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا قَرَأَ إِلاَّ كَمَا أَقْرَأُ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا الخَاتَمِ أَنْ يُطْرَحَ؟ فَنَزَعَه، وَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَرَاهُ عَلَيَّ أَبَداً (1) . شَيْبَانُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا مُوْسَى وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيُّ (2) ، وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَى مُصْحَفٍ. فَتَحَدَّثْنَا سَاعَةً، ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللهِ، وَذَهَبَ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ هَذَا القَائِمِ (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ قَرَأتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سُوْرَةً، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي تُبَلِّغُنِيْهُ الإِبِلُ لأَتَيْتُهُ (4) .   (1) رجاله ثقات وانظر الفتح: 10 / 267. (2) في الأصل " عبد الله بن مسعود الأنصاري " وهو خطأ، والتصويب عن الرواية التي سترد في الصفحة (490) ، ومن " تاريخ الفسوي " 2 / 544 وصحيح مسلم. (3) أخرجه مسلم (2461) (113) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن مسعود، والفسوي 2 / 544 في " المعرفة والتاريخ ". (4) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (5002) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن مسلم أبي الضحى، عن مسروق قال: قال عبد الله، رضي الله عنه: " والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الابل لركبت إليه ". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مِرْدَاسٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يَخْطُبُنَا كُلَّ خَمْسٍ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَنَشْتَهِي أَنْ يَزِيْدَ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: لَوْ تَعْلَمُوْنَ ذُنُوْبِي مَا وَطِئَ عَقِبِي رَجُلاَنِ (2) . جَابِرُ بنُ نُوْحٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَفِيْمَا نَزَلَتْ، الحَدِيْثَ (3) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِيْنَ سُوْرَةً، وَزَيْدٌ لَهُ ذُؤَابَةٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ (4) .   = وأخرجه مسلم 2463 في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه، من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بلفظ: ولقد قرأت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله، أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه "، وأخرجه البخاري أيضا برقم (5000) من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله ... والخطيب البغدادي في " الرحلة في طلب الحديث " برقم (25) . (1) أخرجه الحاكم 3 / 315. (2) أخرجه الحاكم 3 / 316. (3) جابر بن نوح ضعيف. وباقي رجاله ثقات. وفي الأصل " خالد بن نوح " وهو خطأ. فليس في الرواة من اسمه خالد بن نوح. اما الاثر فهو صحيح انظر التعليق رقم (4) من الصفحة السابقة. (4) أخرجه أحمد 1 / 389، 405، 414، 442، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 125، والطيالسي 2 / 151، وانظر ابن كثير في " السيرة " 2 / 149 كلهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن خمير بن مالك، عن ابن مسعود، وإسناده حسن. فإن خمير بن مالك، روى عن علي وابن مسعود وعنه أبو إسحاق، وعبد الله بن قيس. وقد وثقه ابن حبان، وهو مترجم في " تعجيل المنفعة ". وكذلك أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " ص (14، 15) وأخرجه النسائي 8 / 134 في الزينة: باب الذؤابة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ} [آلُ عِمْرَانَ: 161] عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُوْنِي أَنْ أَقْرَأَ؟ لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِيْنَ سُوْرَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيْقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حِلَقٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْهُمْ يَعِيْبُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِمَّا قَالَ، وَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ (1) .   = من طريق عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مريم، عن ابن مسعود ... ، ومن طريق أبي شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: " خطبنا ابن مسعود، فقال: كيف تأمروني أقرأ على قراءة زيد بن ثابت بعد ما قرأت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا مع الغلمان له ذؤابتان ". وأخرجه أحمد 1 / 411 من طريق الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود. (1) أخرجه مسلم (2462) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه. وقال النووي 5 / 325 في " شرح مسلم ": معناه أن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجماعة. وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه، فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه، وبموافقة مصحف الجمهور. وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره، فامتنع، وقال لأصحابه: غلوا مصاحفكم أي: اكتموها. (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يعني: فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفا. ثم قال على سبيل الإنكار: من هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته، وأترك مصحفي، الذي أخذته من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟. وقال القرطبي في " المفهم " 4 / 39 / 2: " لما رأى عثمان حرق المصاحف ما عدا المصحف الذي بعث نسخته إلى الآفاق، ووافقه على ذلك الصحابة لما رأوا من أن بقاءها يدخل اللبس والاختلاف في القرآن، ذكر ابن مسعود الغلول وتلا الآية، ثم قال: إني غال مصحفي فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل، فإن الله يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ، على قراءة من تأمروني أقرأ؟ على قراءة زيد! لقد أخذت من في رسول الله بضعا وسبعين سورة، وزيد له ذؤابتان يلعب مع الغلمان ". ومعنى قوله: غلوا مصاحفكم، أي: اكتموها ولا تسلموها والتزموها إلى أن تلقوا الله بها، كما يفعل من غل شيئا فإنه يأتي به يوم القيامة يحمله. وكان هذا منه رأيا انفرد به عن الصحابة، فإنه كتم مصحفه ولم يقدر عثمان ولا غيره على أن يظهره. وانتشرت المصاحف التي كتب بها عثمان إلى الآفاق، ووافقه عليها الصحابة، وقرأ المسلمون عليها، وترك مصحف عبد الله وخفي، إلى أن وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم، وابتداء دولة الغز. فأمر صدر الدين قاضي الجماعة بإحراقه على ما سمعنا من شيوخنا. وقوله: على قراءة من تأمروني أقرأ، قاله، إنكارا على من أمره بترك قراءته ورجوعه إلى قراءة زيد، مع أنه سابق له إلى حفظ القرآن، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 شُعْبَةُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُم ذَكَرُوا قِرَاءتَهُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوْهُ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ أَنِّي أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ. ثُمَّ كَأَنَّهُ نَدِمَ، فَقَالَ: وَلَسْتُ بِخَيْرِهِم (1) . سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ عُثْمَانُ بِتَشْقِيْقِ المَصَاحِفِ، قَامَ عَبْدُ اللهِ خَطِيْباً، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ   = وإلى أخذه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصعب عليه أن يترك قراءة قرأها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بقراءة زيد أو غيره. وتمسك بمصحفة وقراءته، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله به القرآن عن الاختلاف المخل به، والتغيير بالزيادة والنقص. وكان من أعظم الأمور على عبد الله أن الصحابة لما عزموا على كتب المصحف بلغة قريش عينوا لذلك أربعة، لم يكن منهم ابن مسعود، وكتبوه على لغة قريش. ولم يعرجوا على ابن مسعود لأنه كان هذليا، وكانت قراءته على لغتهم. وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم، فلذلك لم يدخلوه معهم. وقال المحدث أحمد شاكر رحمه الله: وكان هذا من ابن مسعود حين أمر عثمان بجمع الناس على المصحف الامام خشية اختلافهم، فغضب ابن مسعود، وهذا رأيه ولكنه رضي الله عنه، أخطأ خطأ شديدا في تأويل الآية على ما أول. فإن الغلول هو الخيانة. والآية واضحة المعنى في الوعيد لمن خان أو اختلس من المغانم. وقال ابن العربي في " أحكام القرآن " 4 / 1942 بعد إيراده هذا الحديث: " هذا مما لا يلتفت إليه بشيء "، إنما المعول عليه ما في المصحف فلا تجوز مخالفته لأحد. ثم بعد ذلك يقع النظر فيما يوافق خطه مما لم يثبت ضبطه حسب ما بيناه في موضعه. فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد، وإن كان عدلا، وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به الحجة على الخلق ". ونقل القرطبي، عن أبي بكر الأنباري، بعد إيراده الحديث هذا، وحديث " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " عن ابن مسعود، قوله: " كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الاجماع له، وإن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين. والبناء على سندين يوافقان الاجماع أولى من الاخذ بواحد يخالفه الاجماع والامة وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه أخذ برواية الجماعة وأبطل نقل الواحد كما يجوز عليه من النسيان والاغفال. ولو صح الحديث عن أبي الدرداء، وكان إسناده مقبولا معروفا، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة رضي الله عنهم يخالفونه، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة وجميع أهل الملة. (1) رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه البخاري رقم (5000) من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِم (1) . زَائِدَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَافْتَتَحَ سُوْرَةَ النِّسَاءِ يَسْجِلُهَا. فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأِ قِرَاءةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) . فَأَخَذَ عَبْدُ اللهِ فِي الدُّعَاءِ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سَلْ تُعْطَ) . فَكَانَ فِيْمَا سَأَلَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيْمَاناً لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيْماً لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَعْلَى جِنَانِ الخُلْدِ. فَأَتَى عُمَرُ عَبْدَ اللهِ يُبَشِّرُهُ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ خَارِجاً قَدْ سَبَقَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسَبَّاقٌ بِالخَيْرِ (2) . رَوَاهُ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ (3) . أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَغَيْرُهُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ (ح) . وَالأَعْمَشُ: عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مَرْوَانَ: أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: جِئْتُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ الكُوْفَةِ، وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلاً يُمْلِي المَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. فَغَضِبَ عُمَرُ، وَانْتَفَخَ حَتَّى كَادَ يَمْلأُ مَا بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّجُلِ. فَقَالَ: وَمَنْ هُوَ وَيْحَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ مَسْعُوْدٍ. فَمَا زَالَ يُطْفِئُ غَضَبَهُ، وَيَتَسَرَّى عَنْهُ حَتَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ   (1) سويد بن سعيد صدوق، إلا أنه عمي فصار يتلفن ما ليس من حديثه. وباقي رجاله ثقات. وهو بمعنى الذي قبله. (2) إسناده حسن، وهو في " المسند " 1 / 445، 454، وأخرجه الحاكم بنحوه 3 / 317 من طريق جرير بن عبد الله بن يزيد الصهباني، عن كميل بن زياد، عن علي، وصححه، ووافقه الذهبي. وانظر " الحلية " 1 / 124 وما بعدها. وقوله: يسجلها: أي: يقرؤها قراءة مفصلة: من السجل وهو الصب. يقال: سجلت الماء سجلا: إذا صببته صبا متصلا. (3) عبيدة هو ابن معتب الضبي وهو ضعيف، لكنه يتقوى بالطريق السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَسَأُحَدِّثُكَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِيْنَ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ، فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ. فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ، فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) . قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لَهُ: (سَلْ تُعْطَهُ) . فَقُلْتُ: وَاللهِ لأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ، فَلأُبَشِّرُهُ. قَالَ: فَغَدَوْتُ، فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي. رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَرَوَى نَحْوَهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، ... فَذَكَرَ القِصَّةَ. مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ صَخْرٍ الأَيْلِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ وَهُوَ يَقْرَأُ حَرْفاً حَرْفاً، فَقَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ (2)) . أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ عِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ المُصْطَلِقِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ (3) . وَرَوَى:   (1) إسناده ضعيف، وهو في المسند 1 / 25 - 26، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 124 والفسوي في المعرفة والتاريخ 2 / 538 من طريق: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة. (2) ذكره صاحب الكنز (33461) عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه، عن جده، ونسبه إلى ابن عساكر. وانظر طريقيه التاليين مباشرة. (3) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 278 - 279، وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد 2 / 446، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 288، وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وفيه جرير بن أيوب البجلي وهو متروك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 جَرِيْرُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَحْوِهِ. زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّراً أَحَداً عَنْ غَيْرِ مَشُوْرَةٍ، لأَمَّرْتُ عَلَيْهِم ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ (1)) . رَوَاهُ: وَكِيْعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَرَوَاهُ: أَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَدْ رَوَاهُ: القَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: عَاصِمُ بنُ ضَمْرَةَ بَدَلَ الحَارِثِ. وَلَفْظُ وَكِيْعٍ: (لَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفاً مِنْ غَيْرِ مَشُوْرَةٍ، لاَسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ) . ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ مَسْعُوْدٍ، فَصَعَدَ شَجَرَةً يَأْتِيْهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللهِ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوْشَةِ سَاقَيْهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا تَضحكُوْنَ؟ لَرِجْلُ   (1) إسناده ضعيف لضعف الحارث، وهو ابن عبد الله الاعور، الهمداني. وأخرجه أحمد 1 / 76، 95، 107، 108، والترمذي (3810) في المناقب: باب مناقب عبد الله بن مسعود. والخطيب في " تاريخ بغداد " 1 / 148، وحديث وكيع، عن سفيان أخرجه الترمذي (3811) في المناقب، وابن ماجه (137) في المقدمة: باب فضل عبد الله بن مسعود، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 534، وحديث إسرائيل عن أبي إسحاق أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 109. وطريق عاصم ابن ضمرة أخرجه الفسوي 2 / 534 في " المعرفة والتاريخ "، وصححه الحاكم 3 / 318 وتعقبه الذهبي بقوله: عاصم ضعيف. كذا قال، مع أنه وثقه علي بن المديني، والعجلي، وابن سعد، والبزار. وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الاعور وهو عندي حجة، وقال النسائي: ليس به بأس، ولم يضعفه الجوزجاني، وهو معروف بتعصبه على أصحاب علي. وقد تبعه في تضعيفه ابن عدي. وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا من الحارث، فمثله يكون حسن الحديث. فالحديث يتقوى بالطريقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 عَبْدِ اللهِ أَثْقَلُ فِي المِيْزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ (1)) . وَرَوَاهُ: جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ: أَبُو عَتَّابٍ (2) الدَّلاَّلُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ بنِ إِيَاسٍ المُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلَىً لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) (3) . رَوَاهُ جَمَاعَةٌ هَكَذَا عَنْهُ. وَرَوَاهُ: أَسْبَاطٌ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَأَسْقَطَ مِنْهُ مَوْلَى رِبْعِيٍّ. وَرَوَاهُ: مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ. وَرَوَاهُ: سَالِمٌ المُرَادِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ هَرِمٍ (4) ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ. وَقَالَ: وَكِيْعٌ، عَنْ سَالِمٍ المُرَادِيِّ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَالأَوَّلُ (5) أَشْبَهُ. وَرَوَاهُ: يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ   (1) حديث صحيح. وأخرجه أحمد 1 / 114. وحديث حماد بن سلمة، عن عاصم أخرجه أحمد 1 / 420، 421، وابن سعد 3 / 1 / 110، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 127، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 288 وقال: رواه أحمد وأبو يعلي، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح، غير أم موسى وهي ثقة. وحديث معاوية بن قرة سيأتي في الصفحة التالية. (2) تحرفت في المطبوع إلى " غياث ". (3) أخرجه أحمد 5 / 385، 402، والترمذي (3810) في المناقب، وأخرجه ابن ماجه مختصرا (97) في المقدمة: باب فضل أبي بكر الصديق، والحاكم 3 / 75 وصححه، ووافقه الذهبي. والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 480. وأما طريق أسباط فسيأتي بعد قليل. وطريق مسعر عن عبد الملك أخرجه الحاكم 3 / 75، وحديث سالم المرادي، عن عمرو بن هرم أخرجه أحمد 5 / 399. وحديث يحيى بن سلمة بن كهيل أخرجه الترمذي (3807) . والحاكم 3 / 75، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 128. (4) تحرفت في المطبوع إلى " مرة ". (5) تحرفت في المطبوع إلى " القول ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ... ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَضِيْتُ لأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ (1)) . رَوَاهُ: الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلاً. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: عَنْ أَبِي العُمَيْسِ، عَنِ القَاسِمِ مُرْسَلاً (2) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، عَنِ المَسْعُوْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَدْ رَضِيْتُ لَكُم مَا رَضِيَ لَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ) (3) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مَائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ سَهْلُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: صَعَدَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ شَجَرَةً، فَجَعَلُوا يَضْحَكُوْنَ مِنْ دِقَّةِ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 317، وقال: هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه، وله علة. ووضح الذهبي العلة - هنا وفي " المستدرك " - وهي أن سفيان وإسرائيل روياه عن منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا. ولا تعل الرواية المسندة بالمرسلة. لان المسندة زيادة من ثقة، فيجب الاخذ بها. على أن للحديث شاهدا من حديث عمرو بن حريث. انظر التعليق رقم (3) التالي. (2) أخرجه الحاكم 3 / 318 وهذا هو المرسل. والفسوي 2 / 549 في " المعرفة والتاريخ ". (3) أخرجه الحاكم مطولا 3 / 319 وصححه ووافقه الذهبي. والمسعودي هو معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي، الكوفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 سَاقَيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَهُمَا فِي المِيْزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ (1)) . حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، حَدَّثَتْنِي سَارَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَثْقَلُ فِي المِيْزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ (2)) . عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: (إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) . فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُوْرَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيْداً} [النِّسَاءُ: 41] ، فَغَمَزَنِي بِرِجْلِهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ (3) . رَوَاهُ: أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، فَقَالَ: عَلْقَمَةُ بَدَلَ عُبَيْدَةَ. وَرَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مُنْقَطِعاً. البَزَّارُ صَاحِبُ (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مِفْضَلُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، وَمُغِيْرَةُ، وَابْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،   (1) أخرجه الفسوي 2 / 546 في " المعرفة والتاريخ "، والحاكم 3 / 317 وصححه، ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 289 وقال: رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح. وانظر الصفحة (478) تعليق رقم (1) . (2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب الزمعي، وسارة بنت عبد الله بن مسعود لا تعرف. ترجمها ابن نقطة في " الاستدراك ". (3) أخرجه مسلم (800) في المسافرين: باب فضل استماع القرآن، والبخاري (4049) في فضائل القرآن: باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره، و (5050) فيه: باب قول المقرئ للقارئ حسبك، و (5055) و (5056) فيه: باب البكاء عند قراءة القرآن، والترمذي (3028) في التفسير: باب ومن سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: اسْتَقْرَأَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ سُوْرَةَ النِّسَاءِ، فَقَرَأْتُ حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيْداً} . فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ (1)) . مِفْضَلٌ تَرَكَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمَشَّاهُ (2) غَيْرُهُ. الحُمَيْدِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (3) ، حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنِ القَاسِمِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابْنِ مَسْعُوْدٍ: (اقْرَأْ) . فَقَالَ: أَقْرَأُ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! ... الحَدِيْثَ (4) . أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) (5) .   (1) إسناده ضعيف لضعف المفضل كما ذكر المصنف، وأخرجه الترمذي (3027) في التفسير: باب ومن سورة النساء. (2) تحرفت " مشاه " في المطبوع إلى " منشأ ". والمفضل هذا، هو المفضل الضبي، الكوفي، المقرئ، صاحب المفضليات، ترجمه المؤلف في الميزان، فقال: قال الخطيب: كان أخباريا، علامة، موثقا. وأما أبو حاتم، فقال: متروك القراءة والحديث. وقال أبو حاتم السجستاني: هو ثقة في الاشعار غير ثقة في الحروف. (3) تحرفت في المطبوع إلى " شعبان ". (4) أخرجه الحميدي 1 / 55 برقم (101) ، وتمامه " قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغ: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) استعبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكف عبد الله ". وأخرجه البخاري من طريق عبيدة، وأبي الضحى عن ابن مسعود في مواضع منها 9 / 78. (5) انظر تخريجه في الصفحة (378) تعليق رقم (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 عَفَّانُ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ جَزِعَ، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟! قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا كَانَ ذَاكَ مِنْهُ، أَحُبٌّ أَوْ كَانَ يَتَأَلَّفُنِي، وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَابْنِ سُمَيَّةَ (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ كَثِيْرٍ النَّوَّاءِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُلَيْلٍ (2) : سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ رُفَقَاءَ وُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَمَّارٌ، وَسَلْمَانُ (3)) . رَوَاهُ: عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، عَنْ كَثِيْرٍ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ أَشْبَهُ. أُنْبِئْتُ عَنِ الخُشُوْعِيِّ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ مُرْشِدَ بنَ يَحْيَى أَنْبَأَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الطَّفَّالُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الذُّهْلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ أَبِيْهِ، وَإِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيْعٌ، وَهُوَ   (1) أخرجه أحمد 4 / 199 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 294، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. وانظر الصفحة (414) تعليق رقم (4) . (2) مليل باللام تصحفت في المطبوع إلى " مليك " وقد روى عنه كثير النواء والاعمش، وسالم ابن أبي حفصة. وذكره ابن حبان في الثقات ص: (138) ، وكثير النواء ضعيف. (3) إسناده ضعيف، لضعف كثير النواء، وأخرجه الترمذي (3787) في المناقب: باب مناقب الحسن والحسين، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 128، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد روي هذا الحديث عن علي موقوفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 يَذُبُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ، فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللهِ! قَالَ: هَلْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ قَتَلَهُ قَوْمُهُ، فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي، فَأَصَبْتُ يَدَهُ، فَنَدَرَ سَيْفُهُ، فَأَخَذَتْهُ، فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَأَنَّمَا أَقَلَّ مِنَ الأَرْضِ. فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) . قَالَ: فَقَامَ مَعِي حَتَّى خَرَجَ يَمْشِي مَعِي حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللهِ، هَذَا كَانَ فِرْعُوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ (1)) . قَالَ وَكِيْعٌ: وَزَادَ فِيْهِ: أَبِي، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَفَلَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيْفَهُ. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، عَنْ مُحْتَسِبٍ البَصْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً خَفِيْفَةً، فَلَمَّا فَرَغ مِنْ خُطْبَتِهِ، قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ! قُمْ فَاخْطُبْ) . فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَخَطَبَ، فَقَصَّرَ دُوْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: (يَا عُمَرُ! قُمْ فَاخْطُبْ) . فَقَامَ عُمَرُ، فَقَصَّرَ دُوْنَ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ قَالَ: (يَا فُلاَنُ! قُمْ فَاخْطُبْ) . فَشَقَّقَ القَوْلَ، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْكُتْ أَوِ اجْلِسْ، فَإِنَّ التَّشْقِيْقَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ البَيَانَ مِنَ السِّحْرِ) . وَقَالَ: (يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ! قُمْ فَاخْطُبْ) . فَقَامَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ،   (1) رجاله ثقات، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وأخرجه أحمد 1 / 444، وأبو داود مختصرا (2709) في الجهاد: باب الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة، وأصله في البخاري (3961) ، ومسلم (1800) في الجهاد، وروى البخاري نحوه (3962) و (3963) و (4020) ، وأحمد 3 / 115، 129، 236 عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برك قال: فأخذ بلحيته، فقال: أنت أبو جهل؟ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ أو قال: قتله قومه. قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني؟ ! ". واللفظ لمسلم. وقوله " وهل فوق رجل قتلتموه: أي لا عار علي في قتلكم إياي. وقوله " فلو غير أكار قتلني " الاكار: الزراع والفلاح. والمعنى: لو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلى وأعظم لشأني، ولم يكن علي نقص في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- رَبُّنَا، وَإِنَّ الإِسْلاَم دِيْنُنَا، وَإِنَّ القُرْآنَ إِمَامُنَا، وَإِنَّ البَيْتَ قِبْلَتُنَا، وَإِنَّ هَذَا نَبِيُّنَا - وَأَوْمَأَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيْنَا مَا رَضِيَ اللهُ لَنَا وَرَسُوْلُهُ، وَكَرِهْنَا مَا كَرِهَ اللهُ لَنَا وَرَسُوْلُهُ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُم. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَصَابَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَصَدَقَ، رَضِيْتُ بِمَا رَضِيَ اللهُ لأُمَّتِي وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، وَكَرِهْتُ مَا كَرِهَ اللهُ لأُمَّتِي وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ (1)) . إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ. رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) . وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ هَكَذَا ابْنُ خُثَيْمٍ (2) ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيْدُ (3) بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، هَكَذَا هُوَ فِي (تَارِيْخ دِمَشْقَ) . وَرَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ نَحْوَهُ. وَسَعِيْدٌ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَلاَ أَدْرِي مَنْ هُوَ مُحْتَسِبٌ؟ إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ يَزِيْدَ، قَالَ: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ قَرِيْبِ السَّمْتِ وَالدَّلِّ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَلْزَمَهُ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَقْرَبَ سَمْتاً وَلاَ هَدْياً وَلاَ دَلاًّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدَارُ بَيْتِهِ مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. وَلَقَدْ عَلِمَ المَحْفُوْظُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِم إِلَى اللهِ زُلْفَةً (4) .   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 290، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله ابن عثمان بن خيثم لم يسمع من أبي الدرداء، وقد تحرفت خثيم في المطبوع. إلى " خيثمة ". (2) في الأصل " ابن خيثمة " والصواب ابن خثيم كما تقدم، وذكر الحديث الهيثمي في " المجمع " 9 / 290 وأعله بالانقطاع. وفاته أن محتسبا مجهول كما قال المؤلف. هذا إذا كان سند الطبراني هو الذي ساقه المؤلف. (3) تحرفت في المطبوع إلى " سعد ". (4) أخرجه الترمذي (3809) في المناقب: باب عبد الله بن مسعود، وقال: حديث حسن صحيح. وهو كما قال. وأخرجه البخاري في الفضائل (3762) : باب مناقب عبد الله بن مسعود، وأحمد 5 / 401، 402، وابن سعد 3 / 1 / 109 كلهم من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 قَوْلُهُ: وَلَقَدْ عَلِمَ ... اِلْخَ، رَوَاهُ: غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ. نُعَيْمٌ (1) : حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ ذَكَرَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَهْلَكَهُ الشُّحُّ وَبِطَانَةُ السُّوْءِ (2) . الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُشْبِهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللهِ (3) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ   = الرحمن بن يزيد، عن حذيفة إلى قوله " من ابن أم عبد ". وأخرجه البخاري (6097) في الأدب: باب الهدي الصالح، وابن سعد 3 / 1 / 109، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 540، 542 كلهم من طريق الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة. (1) هو نعيم بن حماد بن حارث الخزاعي، وهو ضعيف يخطئ كثيرا. (2) إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد كما تقدم. وأما متنه فمنكر ولا يصح. لان عثمان، رضي الله عنه، قد عرف بالسخاء والبذل في سبيل الله. فالكرم سجية من سجاياه تميزه عمن سواه. فهو الذي نثر في حجر النبي، صلى الله عليه وسلم، ألف دينار لتجهيز جيش العسرة كما روى أحمد 5 / 63 بسند حسن، والترمذي (3702) وحسنه أيضا. وفيه " أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم، يرددها مرارا ". وعبارة " أهلكه الشح " افتراء على رجل شهد له النبي، صلى الله عليه وسلم، بالشهادة والجنة - كما روى البخاري، والترمذي، والنسائي - ولا يمكن أن يصدر مثل هذا القول عن صحابي جليل كابن مسعود، يعلم مكانة عثمان في الإسلام، وتقدير النبي، صلى الله عليه وسلم، له وقوله فيه، وعبد الله بن مسعود هو الذي قال: " أمرنا خير من بقي ولم نأله " ولحظة الانفعال التي مر بها عبد الله حينما أمر عثمان ومعه كل الصحابة بحرق المصاحف، ليجمعهم - المسلمين في كل الأمصار - على مصحف حفصة ولهجة قريش، هذا الانفعال سرعان ما زال، فقد روى حمزة وعاصم عنه عودته إلى رأي الصحابة الكرام وإجماعهم على ذلك، انظر " تفسير القرطبي " 10 / 7171، ومن أراد أن يقف على دراسة صحيحة، جادة، متأنية، وافيه فليرجع إلى كتاب: " عثمان بن عفان الخليفة المفترى عليه " للاستاذ الفاضل: محمد الصادق عرجون. (3) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 545 وإسناده صحيح. وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 الخَطَّابِ إِلَى أَهْلِ الكُوْفَةِ: إِنَّنِي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّاراً أَمِيْراً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ مُعَلِّماً وَوَزِيْراً، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَاسْمَعُوا لَهُمَا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا، وَقَدْ آثَرْتُكُم بِعَبْدِ اللهِ عَلَى نَفْسِي (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ (2)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَوَكِيْعٌ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَلَعَلَّهُ عِنْدَ الأَعْمَشِ بِالإِسْنَادَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ: شُعْبَةُ أَيْضاً، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ مَسْرُوْقٍ. وَرَوَاهُ: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُمِرَ بِالمَصَاحِفِ أَنْ تُغَيَّرَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: مَنِ اسْتطَاعَ مِنْكُم أَنْ يَغِلَّ مُصْحَفَهُ فَلْيَغِلَّهُ، فَإِنَّهُ مَنْ غَلَّ شَيْئاً جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ فَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِيْنَ سُوْرَةً، أَفَأَتْرُكُ مَا أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182، والحاكم 3 / 388 وصححه، ووافقه الذهبي، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 533. (2) انظر الصفحة (395) تعليق رقم (2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! (1) أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ: إِنِّي غَالٌّ مُصْحَفِي، ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ، فَدَخَلْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا: اقْرَأْ عَلَيْنَا سُوْرَةَ البَقَرَةِ. قَالَ: لاَ أَحْفَظُهَا. تَفَرَّدَ بِهِ: الوَاقِدِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوْكٌ (3) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ كَرِهَ لِزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ نَسْخَ المَصَاحِفِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ! أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ المَصَاحِفِ، وَيُوَلاَّهَا رَجُلٌ، وَالله لَقَدْ أَسْلَمْتُ، وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ أَبِيْهِ كَافِرٌ. يُرِيْدُ زَيْدَ بن ثَابِتٍ. وِلِذَاكَ يَقُوْلُ عَبْدُ اللهِ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! اكْتُمُوا المَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُم وَغُلُّوْهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ} ، فَالْقَوُا اللهَ بِالمَصَاحِفِ (4) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كُرِهِ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، كَرِهَهُ رِجَالٌ مِنْ   (1) إسناده حسن، وهو في " المسند " 1 / 414، و" الحلية " 1 / 125، وقد تقدم في الصفحة (472) تعليق رقم (4) . (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 125، والطيالسي 1 / 151، وتمامه: " فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل، فإن الله تعالى يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ولقد أخذت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان. فأنا أوعى ما أخذت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " وانظر ما سبقه. (3) سقط من المطبوع عبارة " تفرد به الواقدي وهو متروك ". (4) رجاله ثقات. لكنه منقطع. عبيد الله بن عبد الله أرسل عن عم أبيه عبد الله بن مسعود. وأخرجه الترمذي ضمن الحديث (3104) في التفسير: باب ومن سورة التوبة. وابن أبي داود في " المصاحف " ص (17) وانظر " فتح الباري " 9 / 17: باب جمع القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 الصَّحَابَةِ. أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَشْعَث، حَدَّثَنَا الهَيْصَمُ بنُ شدَاخٍ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَجَبٌ لِلنَّاسِ وَتَرْكِهِم قِرَاءتِي، وَأَخْذِهِم قِرَاءةَ زَيْدٍ، وَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِيْنَ سُوْرَةً، وَزَيْدٌ صَاحِبُ ذُؤَابَةٍ، يَجِيْءُ وَيذْهَبُ فِي المَدِيْنَةِ (1) . سَعْدَوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: غُلُّوا مَصَاحِفَكُم، كَيْفَ تَأْمُرُوْنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَى قِرَاءةِ زَيْدٍ، وَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سُوْرَةً، وَإِنَّ زَيْداً لَيَأْتِي مَعَ الغِلْمَانِ، لَهُ ذُؤَابَتَانِ (2) . قُلْتُ: إِنَّمَا شَقَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، لِكَوْنِ عُثْمَانَ مَا قَدَّمَهُ عَلَى كِتَابَةِ المُصْحَفِ، وَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ وَلَدَهُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ عُثْمَانُ لِغَيْبَتِهِ عَنْهُ بِالكُوْفَةِ، وَلأَنَّ زَيْداً كَانَ يَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ إِمَامٌ فِي الرَّسْمِ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ فَإِمَامٌ فِي الأَدَاءِ، ثُمَّ إِنَّ زَيْداً هُوَ الَّذِي نَدَبَهُ الصِّدِّيْقُ لِكِتَابَةِ المُصْحَفِ وَجَمْعِ القُرْآنِ، فَهَلاَّ عَتَبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ وَتَابَعَ عُثْمَانَ وَلِلَّهِ الحَمْدُ. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ أَشْيَاءُ أَظُنُّهَا نُسِخَتْ، وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَانَ أَحْدَثَ القَوْمِ بِالعَرْضَةِ الأَخِيْرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ تُوُفِّيَ عَلَى جِبْرِيْلَ.   (1) إسناده لا يصح. فقد قال ابن حبان في هيصم بن شداخ، شيخ يروي عن الأعمش الطامات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به. ووقع في الأصل " هيثم " بدل هيصم وهو تحريف. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 125 وقد تصحف فيها " هيصم " إلى " هيصم " و" شداخ " إلى " شراخ ". (2) الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 537، وابن أبي داود في " المصاحف " ص (15، 16) من طريق سعدويه (سعيد بن سليمان) وأيوب بن مسلمة كلاهما عن أبي شهاب (موسى بن نافع) عن الأعمش، عن أبي وائل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَقِيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَبْدَ اللهِ حَنَّاناً، فَمَا بَالُهُ يُوَاثِبُ الأُمَرَاءَ؟ رَوَاهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي (المَصَاحِفِ) (1) . وَبِإِسْنَادَيْنِ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَابِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَبْدُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المَدِيْنَةَ، جَمَعَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ أَصْبَحَ اليَوْمَ فِيْكُم مِنْ أَفْضَلِ مَا أَصْبَحَ فِي أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الدِّيْنِ وَالعِلْمِ بِالقُرْآنِ وَالفِقْهِ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى حُرُوْفٍ، وَاللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلاَنِ لَيَخْتَصِمَانِ أَشَدَّ مَا اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ قَطُّ، فَإِذَا قَالَ القَارِئُ: هَذَا أَقْرَأَنِي، قَالَ: أَحْسَنْتَ. وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ: أَعْجِلْ وَحَيَّ هَلاَ (2) . أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَجِيْءِ إِلَى المَدِيْنَةِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالُوا: أَقِمْ فَلاَ تَخْرُجْ، وَنَحْنُ نَمْنَعُكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ. فَقَالَ: إِنَّ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةً، وَإِنَّهَا سَتَكُوْنُ أُمُوْرٌ وَفِتَنٌ لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُوْنَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهَا. فَرَدَّ النَّاسَ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ (3) . مُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ (4) فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ،   (1) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " ص (18) . وقوله " كنا نعد عبد الله حنانا " إنما هو وصف له بالعطف والرحمة ولين الجانب. (2) أخرجه أحمد 1 / 405 بأطول مما هنا. والرجل من همدان مجهول، وباقي رجاله ثقات. (3) رجاله ثقات. وذكره الحافظ في " الفتح " 6 / 217 ونسبه إلى ابن سعد من طريق الأعمش قال: قال زيد بن وهب: ... (4) مترجم في " تذكرة الحفاظ " للمؤلف ص (578) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 عَنْ سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ مُسلمٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. قَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ (1) . شَرِيْكٌ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ آيَاتٍ، لَمْ نَتَعَلَّمْ مِنَ العَشْرِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَهَا حَتَّى نَعْلمَ مَا فِيْهَا -يَعْنِي: مِنَ العِلْم (2) -. مِسْعَرٌ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: قَرَأَ القُرْآنَ، ثُمَّ وَقَفَ عِنْدَهُ، وَكُفِيَ بِهِ (3) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَادَ: وَعَلِمَ السُّنَّةَ (4) . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: مِنْ حَدِيْثِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا مُوْسَى، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ عَبْدَ اللهِ، وَأَبَا مَسْعُوْدٍ، وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ فِي مُصْحَفٍ، فَتَحَدَّثْنَا سَاعَةً، ثُمَّ رَاحَ عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ: لاَ وَاللهِ، لاَ أَعْلَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ هَذَا القَائِمِ (5) .   (1) إسناده صحيح، وقد تقدم في الصفحة (467) ، تعليق رقم (1) . (2) شريك سيئ الحفظ، وعطاء بن السائب اختلط. وأخرجه الطبري في " تفسيره " 1 / 36 من طريق جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرثون من النبي، صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل. فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ". وجرير روى عن عطاء بعد الاختلاط. وأخرج الطبري 1 / 35 في " تفسيره " من طريق الحسين بن واقد، عن الأعمش عن شقيق، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن " وإسناده حسن. (3) أخرجه الحاكم 3 / 318 وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 129. (4) أخرجه الحاكم 3 / 315. (5) أخرجه مسلم (2461) (113) والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 414 وانظر الصفحة (468) ، التعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الأَعْمَشُ: عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، إِذْ جَاءَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَكَادَ الجُلُوْس يُوَارُوْنَهُ مِنْ قِصَرِهِ، فَضَحِكَ عُمَرُ حِيْنَ رَآهُ. فَجَعَلَ عُمَرُ يُكَلِّمُهُ، وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، وَيُضَاحِكُهُ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَلَّى، فَأَتْبَعَهُ عُمَرُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى، فَقَالَ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً (1) . مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَسَدِ بنِ وَدَاعَةَ: أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً، آثَرْتُ بِهِ أَهْلَ القَادِسِيَّةِ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ (2) ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ: أَنَّ مُهَاجَرَ عَبْدِ اللهِ كَانَ بِحِمْصَ، فَجَلاَهُ (3) عُمَرُ إِلَى الكُوْفَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِم: إِنِّي - وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ - آثَرْتُكُم بِهِ عَلَى نَفْسِي، فَخُذُوا مِنْهُ (4) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَافَرَ عَبْدُ اللهِ سَفَراً يَذْكُرُوْنَ أَنَّ العَطَشَ قَتَلَهُ وَأَصْحَابَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: لَهُوَ أَنْ يُفَجِّرَ اللهُ لَهُ عَيْناً يَسْقِيْهِ مِنْهَا وَأَصْحَابَهُ أَظَنُّ عِنْدِي مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ عَطَشاً (5) . هُشَيْمٌ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَأَى رَجُلاً قَدْ أَسْبَلَ،   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 110 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 129، وأخرجه الفسوي 2 / 543 في " المعرفة والتاريخ "، من طريق: عبد الرزاق عن الثوري، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، ... وإسناده صحيح. وكنيف: تصغير كنف، وهو الوعاء، وهو تصغير تعظيم كقول الحباب بن المنذر: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب ... ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " وهب ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " فحمله ". (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 111 ورجاله ثقات، لكنه منقطع. وعامر هو الشعبي. (5) أخرجه الفسوي 2 / 543 في " المعرفة والتاريخ ". ورجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 فَقَالَ: ارْفَعْ إِزَارَكَ. فَقَالَ: وَأَنْتَ يَا ابْنَ مَسْعُوْدٍ فَارْفَعْ إِزَارَكَ. قَالَ: إِنّ بِسَاقَيَّ حُمُوْشَةً، وَأَنَا أَؤُمُّ النَّاسَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ الرَّجُلَ، وَيَقُوْلُ: أَتَرُدُّ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ (1) ؟ مَعْمَرٌ: عَنْ زَيْدِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ رَاجَعَهَا حِيْنَ دَخَلَتْ فِي الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. فَقَالَ أَبِي: وَكَيْف يُفْتِي مُنَافِقٌ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: نُعِيْذُكَ بِاللهِ أَنْ تَكُوْنَ هَكَذَا. قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ (2) . قَبِيْصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَبَّةَ بنِ جُوَيْنٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الكُوْفَةَ، أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَهُم عَنْهُ حَتَّى رَأَوْا أَنَّهُ يَمْتَحِنُهُم، فَقَالَ: وَأَنَا أَقُوْلُ فِيْهِ مِثْلَ الَّذِي قَالُوا وَأَفَضْلَ: قَرَأَ القُرْآنَ، وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَقِيْهٌ فِي الدِّيْنِ، عَالِمٌ بِالسُّنَّةِ (3) . وَفِي (مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ) : مِنْ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - وَقِيْلَ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ - فَقَالَ: عَلِمَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى (4) . وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: إِنَّ أَبَا مُوْسَى اسْتُفْتِيَ فِي شَيْءٍ مِنَ الفَرَائِضِ، فَغَلِطَ، وَخَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ. فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: لاَ تَسْأَلُوْنِي عَنْ شَيْءٍ   (1) رجاله ثقات، وهشيم صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 6 / 217 ونسبه إلى البغوي، من طريق: سيار، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. (2) رجاله ثقات، لكنه منقطع. (3) سنده حسن، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 110. (4) أخرجه الحاكم 3 / 318 وصححه، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 129، والفسوي 2 / 540 في " المعرفة والتاريخ "، بأطول مما هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُم (1) . وَرَوَى نَحْوَهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ. وَرَوَى: غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بِنَحْوِ ذَلِكَ. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مَجْلِسٌ كُنْتٌ أُجَالِسُهُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ، أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ (2) . الثَّوْرِيُّ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بنِ ظُهَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ نَعْيُ عَبْدِ اللهِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ (3) . سَمِعَهَا: يَحْيَى القَطَّانُ مِنْ سُفْيَانَ. أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُسلمٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: شَامَمْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ عِلْمَهُمُ انْتَهَى إِلَى سِتَّةٍ: عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَزَيْدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأُبِيٍّ. ثُمَّ شَامَمْتُ السِّتَّةَ، فَوَجَدْتُ عِلْمَهُمُ انْتَهَى   (1) أخرجه أحمد 1 / 463، والبخاري 12 / 13، 14 في الفرائض: باب ميراث ابنة ابن مع ابنة من طريق شعبة، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل. وأخرجه أبو داود (2890) في الفرائض: باب ما جاء في ميراث الصلب من طريق الأعمش، عن أبي قيس الاودي، عن هزيل بن شرحبيل. وأخرجه الدارمي 2 / 348، والترمذي (2093) وابن ماجه (2721) ثلاثتهم في الفرائض، من طريق سفيان الثوري، عن أبي قيس الاودي، عن هزيل بن شرحبيل، قال: " سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: للابنة النصف وللاخت النصف، وإن ابن مسعود سيتابعني. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين. أقضي فيها بما قضى النبي، صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولا بنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللاخت. فأتينا أبا موسى وأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم ". (2) رجاله ثقات، لكنه منقطع. وأخرجه الفسوي 2 / 545 في " المعرفة والتاريخ ". (3) أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 60 من طريق مسدد، عن يحيى القطان عن سفيان حدثني الأعمش، عن عمارة، عن حريث بن ظهير، وحريث بن ظهير هذا مجهول كما في التقريب. وباقي رجاله ثقات وسقط " عن الأعمش " من الأصل فاستدركناه من " التاريخ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 إِلَى عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ (1) . وَبَعْضُهُم يَرْوِيْهِ عَنْ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: مَا أَعْدِلُ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ أَحَداً. عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا دَخَلَ الكُوْفَةَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْفَعَ عِلْماً، وَلاَ أَفْقَهَ صَاحِباً مِنْ عَبْدِ اللهِ. وَبِإِسْنَادِ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ يَوْماً، فَقَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُعِدَ حَتَّى رَعُدَتْ ثِيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ نَحْوَ ذَا، أَوْ شبِيْهاً بِذَا (2) . رَوَاهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، فَأَبْدَلَ ابْنَ وَثَابٍ بِالشَّعْبِيِّ. وَرَوَى نَحْوَهُ: مُسلمٌ البَطِيْنُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ. فَقَالَ القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ مُسلمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ اللهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْراً، فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، فَرَأَيْتُهُ يَفْرَقُ، ثُمَّ غَشِيَهُ بُهْرٌ، ثُمَّ قَالَ نَحْوَهُ، أَوْ شِبْهَهُ (3) . مِسْعَرٌ: عَنْ مَعْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَخِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا هَدَأَتِ العُيُوْنُ قَامَ، فَسَمِعْتُ لَهُ دَوِيّاً كَدَوِيِّ النَّحْلِ (4) .   (1) رجاله ثقات. ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى. وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 444 - 445 من طريق زياد البكائي، وجرير الضبي، عن منصور، عن الشعبي، عن مسروق ... ومن طريق: سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحارث - أو بعض أصحابه - عن مسروق ... وعن أبي إسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي ... ومن طريق: جعفر بن زياد، عن منصور، عن مسروق. (2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 1 / 423، وابن سعد 3 / 1 / 111. (3) أخرجه الحاكم 3 / 314 وابن سعد 3 / 1 / 110، والفسوي 2 / 548 في " المعرفة والتاريخ ". (4) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 548، وابن سعد 3 / 1 / 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ حَسَنَ الصَّوْتِ بِالقُرْآنِ. حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بِعَيْنَيْ عَبْدِ اللهِ أَثَرَيْنِ أَسْوَدَيْنِ مِنَ البُكَاءِ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: أَكْثَرُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ يَوْماً، فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، لَوْ تَعْلَمُوْنَ عِلْمِي، لَحَثَيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي (2) . رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَفِي (مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ) : لِلثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ تَعْلَمُوْنَ ذُنُوْبِي، مَا وَطِئَ عَقِبِي اثْنَانِ، وَلَحَثَيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ غَفَرَ لِي ذَنْباً مِنْ ذُنُوْبِي، وَأَنِّي دُعِيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوْثَةَ (3) . قَالَ عَلْقَمَةُ: جَلَسْتُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الكُوْفَةِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ، وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ، وَفِيْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ، وَفِيْكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى   (1) حميد بن الربيع لا يحتج به. (2) أخرجه الحاكم 3 / 315، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 133، والفسوي 2 / 546 في " المعرفة والتاريخ ". (3) أخرجه الحاكم 3 / 316، والفسوي 2 / 548 في " المعرفة والتاريخ "، وقد تحرفت " روثة " إلى " رؤبة " في المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 لِسَانِ نَبِيِّهِ (1) ؟ عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ كَانَ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: خَائِفٌ مُسْتَجِيْرٌ، تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ، رَاغِبٌ رَاهِبٌ. الأَعْمَشُ: عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ: لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ، لَخَشِيْتُ أَنْ أَكُوْنَ كَلْباً، وَإِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغاً لَيْسَ فِي عَمَلِ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا (2) . وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ حَبْتَرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ: حَبَّذَا المَكْرُوْهَانِ: المَوْتُ، وَالفَقْرُ، وَايْمُ اللهِ، مَا هُوَ إِلاَّ الغِنَى وَالفَقْرُ، مَا أُبَالِي بِأَيِّهِمَا ابْتُدِئْتُ، إِنْ كَانَ الفَقْرُ إِنَّ فِيْهِ لَلصَّبْرَ، وَإِنْ كَانَ الغِنَى إِنَّ فِيْهِ لَلْعَطْفَ، لأَنَّ حَقَّ اللهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ (3) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا أَضَرَّ بِالآخِرَةِ، يَا قَوْمُ! فَأَضِرُّوا (4) بِالفَانِي لِلْبَاقِي (5) . أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أَيُّوْبَ سَعِيْدٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ   (1) أخرجه البخاري 7 / 71، 73 في فضائل أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عمار وحذيفة ومناقب عبد الله بن مسعود، وفي بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده، وفي الاستئذان: باب من ألقي له وسادة، وهو في " المسند " 6 / 448، 449، 451، وأخرجه الحاكم 3 / 316، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو في " الحلية " 1 / 126، وفي " المعرفة والتاريخ " 2 / 534، وصاحب السر هو حذيفة، والذي أجاره الله من الشيطان هو عمار بن ياسر. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 130 من طريق الأعمش، عن ابن وثاب عن ابن مسعود ... ومن طريق الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 132. (4) تحرفت في المطبوع إلى " فأخروا ". (5) رجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حُجَيْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ إِذَا قَعَدَ: إِنَّكُم فِي مَمَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي آجَالٍ مَنْقُوْصَةٍ، وَأَعْمَالٍ مَحْفُوْظَةٍ، وَالمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً، مَنْ زَرَعَ خَيْراً يُوْشِكُ أَنْ يَحْصُدَ رَغْبَةً، وَمَنْ زَرَعَ شَرّاً يُوْشِكُ أَنْ يَحْصُدَ نَدَامَةً، وَلكُلِّ زَارِعٍ مِثْلُ مَا زَرَعَ، لاَ يُسْبَقُ بَطِيْءٌ بِحَظِّهِ، وَلاَ يُدْرِكُ حَرِيْصٌ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ، فَمَنْ أُعْطِيَ خَيْراً فَاللهُ أَعْطَاهُ، وَمَنْ وُقِيَ شَرّاً فَاللهُ وَقَاهُ، المُتَّقُوْنَ سَادَةٌ، وَالفُقَهَاءُ قَادَةٌ، وَمُجَالَسَتُهُم زِيَادَةٌ (1) . العَلاَءُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَكُنْ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَاجْتَنِبْ المَحَارِمَ تَكُنْ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ، وَأَدِّ مَا افْتُرِضَ عَلَيْك تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ. عَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ: عَنْ عَمْرِو بنِ جُنْدَبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: جَاهِدُوا المُنَافِقِيْنَ بِأَيْدِيْكُم، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيْعُوا فَبِأَلْسِنَتِكُم، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيْعُوا إِلاَّ أَنْ تَكْفَهِرُّوا فِي وُجُوْهِهِم، فَافْعَلُوا. سَيْفُ بنُ عُمَرَ: عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَيْفٍ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ تَرَكَ عَطَاءهُ حِيْنَ مَاتَ عُمَرُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ أَغْنِيَاءُ، وَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ ضَيْعَةً بِرَاذَانَ (2) ، فَمَاتَ عَنْ تِسْعِيْنَ أَلْفِ مِثْقَالٍ، سِوَى رَقِيْقٍ وَعرُوْضٍ وَمَاشِيَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَكِيْعٌ: عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَوْصَى ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَكَتَبَ: إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى اللهِ، وَإِلَى الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَإِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 133 - 134. (2) بعد الالف ذال معجمة، وآخره نون، راذان الأسفل، وراذان الأعلى: كورتان بسواد بغداد تشتملان على قرى كثيرة ... انظرها في " معجم البلدان ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الزُّبَيْرِ، وَإِنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ (1) مِمَّا قَضَيَا فِي تَرِكَتِي، وَإِنَّهُ لاَ تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِي إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا (2) . قُلْتُ: كَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَشَهِدَ فِي طَرِيْقِهِ بِالرَّبَذَةِ (3) أَبَا ذَرٍّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ. السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: عَنْ أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ، قَالَ: مَرِضَ عَبْدُ اللهِ، فَعَادَهُ عُثْمَانُ، وَقَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوْبِي. قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ: أَلاَ آمُرُ لَكَ بِطَبِيْبٍ؟ قَالَ: الطَّبِيْبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ: أَلاَ آمُرُ لَكَ بِعَطَاءٍ؟ قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ. كَذَا رَوَاهُ: سَعِيْدُ بنُ مَرْيَمَ، وَعَمْرُو بنُ الرَّبِيْعِ. وَرَوَاهُ: ابْنُ وَهْبٍ، فَقَالَ: عَنْ شُجَاعٍ. وَرَوَاهُ: عُثْمَانُ بنُ يَمَانٍ، وَحَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ، عَنِ السَّرِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي فَاطِمَةَ. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: أَعْطِنِي عَطَاءَ عَبْدِ اللهِ، فَعِيَالُ عَبْدِ اللهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَيْتِ المَالِ. فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً (4) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ومل ". وفي " اللسان ": هو لك حل وبل. فبل: شفاء. وهي من قولهم: بل فلان من مرضه وأبل إذا برأ. ويقال: بل: مباح مطلق، وهي يمانية حميرية. ويقال: بل إتباعا لحل. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 112. (3) الربذة: قرية من قرى المدينة، على ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز. وبها قبر الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 113، من طريق يزيد بن هارون بن، ورجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ حَرَمَهُ عطَاءهُ سَنَتَيْنِ (1) . يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ نَحِيْفاً، قَصِيْراً، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ. وَكَذَا أَرَّخَهُ فِيْهَا جَمَاعَةٌ. وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ عَاشَ بِضْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي عُتْبَةَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ هُوَ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَاتَ فِي أَوَّلِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُم: مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ (2) . أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ ريْذَةَ، أَنْبَأَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَبِشْرٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُمْلِي المَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. فَفَزِعَ عُمَرُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! انْظُرْ مَا تَقُوْلُ. وَغَضِبَ، فَقَالَ: مَا جِئْتُكَ إِلاَّ بِالحَقِّ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ. فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ: إِنَّا سَمَرْنَا لَيْلَةً فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي بَعْضِ مَا يَكُوْنُ مِنْ حَاجَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى المَسْجِدِ، إِذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعْتَمْتَ. فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ: اسْكُتْ. قَالَ: فَقَرَأَ، وَرَكَعَ،   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 113، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. (2) للاطلاع على مزيد من هذه الروايات، انظر " تاريخ بغداد " 1 / 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَسَجَدَ، وَجَلَسَ يَدْعُو وَيَسْتَغْفِرُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَلْ تُعْطَهُ) . ثُمَّ قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْ قِرَاءةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) . فَعَلِمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، غَدَوْتُ إِلَيْهِ لأُبَشِّرَهُ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ. وَمَا سَابَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ، إِلاَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ (1) . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: زَائِدَةُ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. 88 - عُتْبَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ * هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ. قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ: لَمَّا مَاتَ أَبِي، بَكَى ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَقَالَ: أَخِي وَصَاحِبِي مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ (2) . وَقِيْلَ: لَمَّا تُوُفِّيَ، انْتَظَرَ عُمَرُ أُمَّ عَبْدٍ، فَجَاءتْ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ (3) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِأَعْلَى عِنْدَنَا مِنْ أَخِيْهِ عُتْبَةَ (4) . قُلْتُ: وَلِوَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ إِدْرَاكٌ، وَصُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ حَدِيْثٍ، وَهُوَ وَالِدُ أَحَدِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 124 والفسوي 2 / 538 في " المعرفة والتاريخ ". (*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 93، التاريخ الكبير: 6 / 522، التاريخ الصغير: 1 / 47، 213، المعارف: 250 - 251، الجرح والتعديل: 6 / 373، مشاهير علماء الأمصار: ت: 307، الاستيعاب: 8 / 16، أسد الغابة: 3 / 569، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 319 - 320، مجمع الزوائد: 9 / 291، العقد الثمين: 6 / 13 - 14، الإصابة: 6 / 380. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 257. (3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 258. (4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 258. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 89 - خُبَيْبُ بنُ يِسَافِ * بنِ عِنَبَةَ (1) بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ ابْنِ خُدَيْجِ بنِ عَامِرِ بنِ جُشَمَ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ. وَكَانَ لَهُ أَوْلاَدٌ: أَبُو كَثِيْرٍ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُنَيْسَةُ. وَكَانَتْ تَحْتَهُ جَمِيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ (2) سَلُوْلٍ، وَقَدِ انْقَرَضَ عَقِبُهُ. ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا مُسْتَلِمُ (3) بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خُبَيْبِ بن يِسَافٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُرِيْدُ غَزْواً، أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي لَمْ نُسْلِمْ. فَقُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحِيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَداً لاَ نَشْهَدُهُ. قَالَ: (أَسْلَمْتُمَا؟) . قُلْنَا: لاَ. قَالَ: (إِنَّا (4) لاَ نَسْتَعِيْنُ بِالمُشْرِكِيْنَ عَلَى المُشْرِكِيْنَ) . قَالَ: فَأَسْلَمْنَا، وَشَهِدْنَا مَعَهُ، فَقَتَلْتُ رَجُلاً، وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَتَزَوَّجْتُ ابْنَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَقُوْلُ لِي: لاَ عَدِمْتُ رَجُلاً وَشَّحَكَ هَذَا الوِشَاحَ. فَأَقُوْلُ لَهَا: لاَ عَدِمْتِ رَجُلاً عَجَّلَ أَبَاكِ إِلَى النَّارِ (5) . مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الفُضَيْلِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نِيَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الوَبْرَةِ، أَدْرَكَهُ رَجُلٌ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحُوا بِهِ. قَالَتْ: فَقَالَ: جِئْتُ   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 85، التاريخ الكبير: 3 / 209، الجرح والتعديل: 3 / 387، حلية الأولياء: 1 / 364، الاستيعاب: 3 / 188، أسد الغابة: 2 / 118، الإصابة: 3 / 79. (1) في الأصل " عتبة " وهو تصحيف والتصويب من " مشتبه " المؤلف وغيره. (2) سقطت لفظة " بن " من المطبوع. (3) تحرفت في المطبوع إلى " مسلم ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " ألا ". (5) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 58 وأحمد 3 / 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 لأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيْبَ مَعَكَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَتُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ؟) . قَالَ: لاَ. قَالَ: (فَارْجِعْ، فَلَنْ نَسْتَعِيْنَ بِمُشْرِكٍ) . ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِالشَّجَرَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِالبَيْدَاءِ، فَقَالَ: (أَتُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (انْطَلِقْ (1)) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: هُوَ خُبَيْبُ بنُ يِسَافٍ، تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ حَتَّى خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَدْرٍ، فَلَحِقَهُ، فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ بَدْراً وَأُحُداً. قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَقَدِ انْقَرَضَ وَلَدُهُ (2) . وَيُقَالُ فِي أَبِيْهِ: إِسَافُ بنُ عَدِيٍّ. كَذَا سَمَّاهُ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ (3) : هُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَا عُقْبَةَ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ. كَذَا قَالَ شَيْخُنَا، وَخَطَّأَ مَا فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) فِي مَصْرَعِ خُبَيْبِ بنِ عَدِيٍّ الشَّهِيْدِ، مِنْ أَنَّهُ قَتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَتَلَهُ آلُ الحَارِثِ لَمَّا أَسَرُوْهُ بِهِ. وَهُوَ خُبَيْبُ بنُ عَدِيِّ بنِ مَالِكٍ مِنَ الأَوْسِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مَذْكُوْراً فِي البَدْرِيِّيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.   (1) أخرجه أحمد 6 / 67، 149، ومسلم (1817) في الجهاد: باب كراهية الاستعانة في الغزو بكافر، وأبو داود (2732) في الجهاد: باب في المشرك يسهم له، والترمذي (1858) في السير: باب في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم؟، وابن ماجه (2832) في الجهاد: باب: الاستعانة بالمشركين، والدارمي 2 / 233: باب قوله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نستعين بمشرك. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 86. (3) ترجمه المؤلف في مشيخته، ورقة 87 فقال: عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف. العلامة، الحجة، شرف الدين أبو محمد الدمياطي، الشافعي، أحد الأئمة الاعلام، وبقية نقاد الحديث. ولد سنة (613) واشتغل بدمياط، وأتقن الفقه، ثم طلب الحديث، ورحل وسمع من عدة أشياخ بدمشق، وبحران، والموصل، والحرمين. وله تصانيف متقنة في الحديث والعوالي، والفقه، توفي سنة (705) بالقاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 90 - عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ بنِ عَائِشِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ النُّعْمَانِ بنِ زَيْدِ بنِ أُمَيَّةَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ. بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ، شَهِدَ العَقَبَتَيْنِ فِي قَوْلِ الوَاقِدِيِّ، وَشَهِدَ الثَّانِيَةَ بِلاَ نِزَاعٍ، وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلْتَعَةَ (1) . مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيُّ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّادِ بنِ حَمْزَةَ، سَمِعَ جَابِراً: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (نِعْمَ العَبْدُ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ: عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ (2)) . وَقِيْلَ: كَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَنْجَى بِالمَاءِ. صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا يُرِيْدَانِ سَقِيْفَةَ   (*) مسند أحمد: 3 / 422، طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 30، التاريخ الصغير: 1 / 44، 74، مشاهير علماء الأمصار: ت: 107، حلية الأولياء: 2 / 11، الاستيعاب: 9 / 95، أسد الغابة: 4 / 315، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 41، تهذيب الكمال: 1068، تهذيب التهذيب: 8 / 174 الإصابة: 7 / 181، خلاصة تذهيب الكمال: 306. (1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31. (2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب، وجهالة السري بن عبد الرحمن وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 بَنِي سَاعِدَةَ، فَذَكَرَا مَا تَمَالأَ عَلَيْهِ القَوْمُ، وَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيْدَانِ؟ قَالاَ: نُرِيْدُ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُم أَنْ لاَ تَقْرَبُوْهُم، اقْضُوا أَمْرَكُمْ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُمَا: عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ، وَمَعْنُ بنُ عَدِيٍّ (1) . وَقِيْلَ: عُوَيْمٌ مِمَّنْ نَزَلَتْ فِيْهِ: {فِيْهِ رِجَالٌ يُحِبُّوْنَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (2) } [التَّوْبَةُ: 108] . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً (3) . قُلْتُ: وَقِيْلَ: أَصْلُهُ بَلَوِيٌّ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31. (2) أخرج أحمد 3 / 422 من طريق حسين بن محمد، عن أبي أويس، عن شرحبيل، عن عويم ابن ساعدة أنه حدثه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أتاهم في مسجد قباء، فقال: " إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور، في قصة مسجدكم، فما الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا "، وصححه، ابن خزيمة 1 / 45، مع العلم أن شرحبيل بن سعد قد ضعفه مالك، وابن معين، وأبو زرعة، ولم يوثقه غير ابن حبان. وأخرج الحاكم 1 / 155 من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن عتبة بن أبي حكيم، عن طلحة بن نافع، أنه حدث قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك الانصاريون عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " يا معشر الانصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور. فما طهوركم هذا؟ قالوا يا رسول الله، نتوضأ للصلاة، والغسل من الجنابة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: هل مع ذلك غيره قالوا: لا. غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: " هو ذاك ". وصححه، ووافقه الذهبي، وهو شاهد لما قبله. وانظر " الدر المنثور " 3 / 278، وابن سعد 3 / 2 / 31 و" مجمع الزوائد " 1 / 212. (3) ابن سعد 3 / 2 / 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 91 - قِصَّةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ * (ع) قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَارِسِيُّ، سَابِقُ الفُرْسِ إِلَى الإِسْلاَمِ. صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَدَمَهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ السِّمْطِ، وَأَبُو قُرَّةَ سَلَمَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَأَبُو ظِبْيَانَ حُصَيْنُ بنُ جُنْدَبٍ الجَنْبِيُّ، وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ الكُوْفِيُّوْنَ. لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : سِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ. وَكَانَ لَبِيْباً، حَازِماً، مِنْ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ، وَعُبَّادِهِم، وَنُبَلاَئِهِم. قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي: عَنْ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، قَالَ: زَارَنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، فَصَلَّى الإِمَامُ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ، يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يُتَلَقَّى الخَلِيْفَةُ، فَلَقِيْنَاهُ وَقَدْ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ العَصْرَ، وَهُوَ يَمْشِي، فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيْنَا شَرِيْفٌ إِلاَّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ. فَقَالَ: جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي مَرَّتِي هَذِهِ أَنْ أَنْزِلَ عَلَى بَشِيْرِ بنِ سَعْدٍ. فَلَمَّا قَدِمَ، سَأَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالُوا: هُوَ مُرَابِطٌ. فَقَالَ: أَيْنَ مُرَابَطُكُم؟ قَالُوا: بَيْرُوْتُ. فَتَوَجَّهَ قِبَلَهُ. قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا أَهْلَ بَيْرُوْتَ! أَلاَ أُحَدِّثُكُم حَدِيْثاً يُذْهِبُ اللهُ بِهِ عَنْكُمْ عَرَضَ الرِّبَاطِ؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ   (*) مسند أحمد: 5 / 437 - 444، طبقات ابن سعد: 4 / 54، طبقات خليفة: 7 / 189، تاريخ خليفة: 90، التاريخ الكبير: 4 / 135 - 136، المعارف: 270 - 271، الجرح والتعديل: 4 / 296 - 297، مشاهير علماء الأمصار: ت: 274، حلية الأولياء: 1 / 185 - 208، تاريخ أصبهان: 1 / 48 - 57، الاستيعاب: 4 / 221، تاريخ بغداد: 1 / 163 - 171، ابن عساكر: 7 / 194 / 1 أسد الغابة: 2 / 417، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 226 - 228، تهذيب الكمال: 523، دول الإسلام: 1 / 31، مجمع الزوائد: 9 / 332 - 334، تهذيب التهذيب: 4 / 137، الإصابة: 4 / 223، و5 / 33، خلاصة تذهيب الكمال: 147، كنز العمال: 13 / 421، شذرات الذهب: 1 / 44، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 190 - 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وَلَيْلَةٍ، كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطاً أُجِيْرَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَجَرَى لَهُ صَالِحُ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (1)) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَوِيِّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَغْلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الوَرْدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ إِجَازَةً، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ المَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي (ح) . ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ (ح) . وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ (ح) . وَحَجَّاجُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زُفَرُ بنُ قُرَّةَ، جَمِيْعُهُمْ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً فَارِسِيّاً مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ (2) ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَهَا، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الجَارِيَةُ. فَاجْتَهَدْتُ فِي المَجُوْسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوْقِدُهَا، لاَ يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً. وَكَانَتْ   (1) إسناده حسن، ولكنه مرسل، وأخرجه مسلم (1913) في الامارة: باب فضل الرباط في سبيل الله، والنسائي 6 / 39 في الجهاد: باب فضل الرباط كلاهما من طريق أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان. وأخرجاه من طريق آخر عن سلمان، وأخرجه الترمذي (1665) في الجهاد: باب ما جاء في فضل الرباط، من طريق سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن سلمان. (2) بالفتح وبالتشديد، مدينة ناحية أصبهان القديمة " معجم البلدان " 2 / 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيْمَةٌ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْماً، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا اليَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ، فَاطَّلِعْهَا. وَأَمَرَنِي بِبَعْضِ مَا يُرِيْدُ، فَخَرَجْتُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تَحْتَبِسْ عَلَيَّ، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي. فَخَرَجْتُ أُرِيْدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيْسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُم فِيْهَا وَهُمْ يُصَلُّوْنَ، وَكُنْتُ لاَ أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ بِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِم، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ إِلَيْهِم أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُوْنَ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُم، أَعْجَبَتْنِي صَلَوَاتُهُم، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِم، وَقُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنَ الدِّيْنِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي، وَلَمْ آتِهَا. فَقُلْتُ لَهُم: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّيْنِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ. فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قُلْتُ: يَا أَبَةِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّوْنَ فِي كَنِيْسَةٍ لَهُم، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِيْنِهِم، فَوَاللهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: أَيْ (1) بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّيْنِ خَيْرٌ، دِيْنُكَ وَدِيْنُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ: كَلاَّ -وَاللهِ-! إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِيْنِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْداً، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ. قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ، تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، فَأَخْبِرُوْنِي بِهِم. فَقَدِمَ عَلَيْهِم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ. قَالَ: فَأَخْبَرُوْنِي بِهِم. فَقُلْتُ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُم، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ، فَأَخْبِرُوْنِي. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَأَلْقَيْتُ الحَدِيْدَ مِنْ رِجْلِي، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُم حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّيْنِ؟ قَالُوا: الأُسْقُفُ فِي الكَنِيْسَةِ. فجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّيْنِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَكَ، أَخْدِمُكَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 فِي كَنِيْسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ، وَأُصَلِّي مَعَكَ. قَالَ: فَادْخُلْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سُوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُهُم فِيْهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئاً، اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ المَسَاكِيْنَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلاَلٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرَقٍ، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضاً شَدِيْداً لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ. ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوُهْ. فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سُوْءٍ، يَأْمُرُكُم بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُكُم فِيْهَا، فَإِذَا جِئْتُم بِهَا كَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ المَسَاكِيْنَ. وَأَرَيْتُهُم مَوْضِعَ كَنْزِهِ سَبْعَ قِلاَلٍ مَمْلُوْءةٍ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ لاَ نَدْفِنُهُ أَبَداً. فَصَلَبُوْهُ، ثُمَّ رَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاؤُوا بِرَجُلٍ جَعَلُوْهُ مَكَانَهُ، فَمَا رَأَيْت رَجُلاً - يَعْنِي لاَ يُصَلِّي الخَمْسَ - أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلاَ أَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ، وَلاَ أَدْأَبَ لَيْلاً وَنَهَاراً، مَا أَعْلَمُنِي أَحَبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ! قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي -وَاللهِ- مَا أَحْبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوْصِيْنِي؟ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَجُلاً بِالمَوْصِلِ، فَائْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ، وَأكُوْنَ مَعَكَ. قَالَ: فَأَقِمْ، أَيْ بُنَيَّ! فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ - أَيْ بُنَيَّ - إِلاَّ رَجُلاً بِنَصِيْبِيْنَ. فَلَمَّا دَفَنَّاهُ، لَحِقْتُ بِالآخَرِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، حَتَّى حَضَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 المَوْتُ، فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ عَمُّوْرِيَةَ بِالرُّوْمِ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ. ثُمَّ احْتُضِرَ، فَكَلَّمْتُهُ إِلَى مَنْ يُوْصِي بِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأتِيَهُ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ إِلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيْهِ عَلاَمَاتٍ لاَ تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطْعَتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ البِلاَدِ، فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ. فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ. فَقُلْتُ لَهُم: تَحْمِلُوْنِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ، وَأُعْطِيَكُم غُنَيْمَتِي وَبَقَرَاتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُم إِيَّاهَا، وَحَمَلُوْنِي، حَتَّى إِذَا جَاؤُوا بِي وَادِيَ القُرَى ظَلَمُوْنِي، فَبَاعُوْنِي عَبْداً مِنْ رَجُلٍ يَهُوْدِيٍّ بِوَادِي القُرَى، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُوْنَ البَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي. ومَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَادِي القُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُهَا، فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا. فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي، وَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، لاَ يُذْكَرُ لِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي نَخْلَةٍ لَهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِيْهَا إِذْ جَاءهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَفِي قُبَاءَ مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُهَا، فَأَخَذَتْنِي العُرَوَاءُ - يَقُوْلُ: الرِّعْدَةُ - حَتَّى ظَنَنْتُ لأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي، وَنَزَلْتُ أَقُوْلُ: مَا هَذَا الخَبَرُ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 فَرَفَعَ مَوْلاَيَ يَدَهُ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيْدَةً، وَقَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا، أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لاَ شَيْءَ، إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَراً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ. فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ، فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِقُبَاءَ. فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَاباً لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُم أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ البِلاَدِ، فَهَاكَ هَذَا، فَكُلْ مِنْهُ. قَالَ: فَأَمْسَكَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: (كُلُوا) . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي صَاحِبِي. ثُمَّ رَجَعْتُ، وَتَحَوَّلَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئاً كَانَ عِنْدِي، ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ. فَأَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ. ثُمَّ جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً، وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ؟ فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ، عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الخَاتَمِ، فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي. فَقَالَ لِي: تَحَوَّلْ. فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيْثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ. ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرٌ وَأُحُدٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ) . فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاَثِ مَائَةِ نَخْلَةٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 أُحْيِيْهَا لَهُ بِالفَقِيْرِ، وَبأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: (أَعِيْنُوا أَخَاكُم) . فَأَعَانُوْنِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاَثِيْنَ وَدِيَّةً (1) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِيْنَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ ثَلاَثَ مَائَةِ وَدِيَّةٍ. فَقَالَ: (اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ، فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَائْتِنِي أَكُوْنُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي) . فَفَقَّرْتُ لَهَا، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا، جِئْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ مَعِي إِلَيْهَا نُقَرِّبُ لَهُ الوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ، وَبَقِيَ عَلَيَّ المَالُ، فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ المَغَازِي. فَقَالَ: (مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ المُكَاتَبُ؟) . فَدُعِيْتُ لَهُ، فَقَالَ: (خُذْهَا، فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ) . قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: (خُذْهَا، فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ) . فَأَخَذْتُهَا، فَوَزَنْتُ لَهُم مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً، وَأَوْفَيْتُهُم حَقَّهُم، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخَنْدَقَ حُرّاً، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ (2) . زَادَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: لَمَّا قُلْتُ لَهُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ؟ أَخَذَهَا، فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذْهَا (3)) . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيْسَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ   (1) الودية: جمع ودي: صغار الفسيل. (2) رجاله ثقات. وإسناده قوي فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وابن هشام وابن سعد، وأخرجه أحمد 5 / 441 - 444، وابن سعد 4 / 1 / 53 - 57، والجزري في " أسد الغابة " 2 / 417 - 419، وابن هشام 1 / 214 - 221 والطبراني في " الكبير " برقم (6065) والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " 1 / 164 - 169، وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336. (3) أخرجه أحمد 5 / 444، وابن هشام 1 / 221، وانظر " المجمع " 9 / 336 وفي سنده جهالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 مِنْ عَبْدِ القَيْسِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَنْ حَدَّثَهُ سَلْمَانُ: أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِهِ حِيْنَ سَاقَهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ صَاحِبَ عَمُّوْرِيَةَ قَالَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ، يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الغَيْضَةِ إِلَى هَذِهِ الغَيْضَةِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، يَتَعَرَّضُهُ النَّاسُ، وَيُدَاوِي الأَسْقَامَ، يَدْعُو لَهُم فَيُشْفَوْنَ، فَائْتِهِ، فَسَلْهُ عَنِ الدِّيْنِ الَّذِي يُلْتَمَسُ. فَجِئْتُ، حَتَّى أَقَمْتُ مَعَ النَّاسِ بَيْنَ تَيْنَكِ الغَيْضَتَيْنِ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيْهَا مِنَ الغَيْضَةِ، خَرَجَ، وَغَلَبَنِي النَّاسُ عَلَيْهِ، حَتَّى دَخَلَ الغَيْضَةَ الأُخْرَى، وَتَوَارَى مِنِّي، إِلاَّ مَنْكِبَيْهِ، فَتنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: أَسْأَلُ عَنْ دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنِيْفِيَّةِ. قَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ (1) عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ النَّاسُ عَنْهُ اليَوْمَ، وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ هَذَا البَيْتِ الَّذِي بِمَكَّةَ، يَأْتِي بِهَذَا الدِّيْنِ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ، فَالْحَقْ بِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي، لَقَدْ لَقِيْتَ وَصِيَّ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ (2)) . تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَاطِنُ النَّارِ: مُلاَزِمُهَا. وَبَنُوْ قَيْلَةَ: الأَنْصَارُ. وَالفَقِيْرُ: الحُفْرَةُ. وَالوَدِيُّ: النّصْبَةُ. وَقَالَ يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بِنَحْوٍ مِمَّا مَرَّ. وَفِيْهِ: وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ،   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الضال ". (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 57، وابن هشام 1 / 221، وهذه الرواية كسابقتها فيها جهالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ الدَّمِ. فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ، لَقَدْ رَأَيْتَ حَوَارِيَّ عِيْسَى (1)) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَمْرٌو العَنْقَزِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي (2) قُرَّةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ الأَسَاوِرَةِ، فَأَسْلَمَنِي فِي الكُتَّابِ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، وَكَانَ مَعِي غُلاَمَانِ، فَكَانَا إِذَا رَجَعَا دَخَلاَ عَلَى قِسٍّ أَوْ رَاهِبٍ، فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا. فَقَالَ لَهُمَا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تُدْخِلاَ عَلَيَّ أَحَداً، أَوْ تُعْلِمَا بِي أَحَداً؟ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا. فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ. قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ. فَأَتَى قَرْيَةً، فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا حُضِرَ، قَالَ: احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي. فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي. قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، وَيَقُوْلُ: وَيْلٌ لِلْقَنَّائِيْنَ. قَالَ: وَمَاتَ، فَاجْتَمَعَ القِسِّيْسُوْنَ وَالرُّهْبَانُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَحْتَمِلَ المَالَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَصَمَنِي. فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالاً. فَوَثَبَ شُبَّانٌ مِنْ أَهْلِ القَرْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِيْنَا، كَانَت سَرِيَّتُهُ تَخْتَلِف إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! دُلُّوْنِي عَلَى عَالِمٍ أَكُوْنُ مَعَهُ. قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصَ. فَأَتَيْتُهُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ إِلاَّ طَلَبُ العِلْمِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ المَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِن انْطَلَقْتَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ وَاقِفاً. فَانْطَلَقْتُ، فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ وَاقِفاً عَلَى بَابِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَجَلَسْتُ حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْك.   (1) انظر ما قبله. (2) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 فَذَهَبَ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى العَامِ المُقْبِلِ. فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَإِنَّكَ لَهَا هُنَا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ (1) أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ، وَهُوَ نَبِيٌّ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ، وَفِيْهِ ثَلاَثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ، كَأَنَّهَا بَيْضَةُ حَمَامَةٍ، لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ. فَانْطَلَقْتُ، فَأَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الأَعْرَابِ، فَاسْتَعْبَدُوْنِي، فَبَاعُوْنِي، حَتَّى وَقَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَسَمِعْتُهُم يَذْكُرُوْنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ أَهْلِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْماً، فَفَعَلُوا. فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، ثُمَّ جِئْتُ بِطَعَامٍ اشْتَرَيْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ. فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَكَانَ العَيْشُ يَوْمَئِذٍ عَزِيْزاً. فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ قُلْتُ لأَهْلِي: هَبُوا لِي يَوْماً. فَوَهَبُوا لِي يَوْماً، فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِأَفَضْلَ مِمَّا كُنْتُ بِعْتُ بِهِ - يَعْنِي الأَوَّلَ - فَاشْتَرَيْتُ بِهِ طَعَاماً، ثُمَّ جِئْتُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . قُلْتُ: هَدِيَّةٌ. قَالَ: (كُلُوا) ، وَأَكَلَ. قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى. ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَهُ، فَوَضَعَ رِدَاءهُ، فَرَأَيْتُ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ. فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . فَحَدَّثْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا الرَّاهِبُ، أَفِي الجَنَّةِ هُوَ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللهِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) . فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ. فَقَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) (2) .   (1) سقط من المطبوع عبارة " في الأرض ". (2) أخرجه بطوله ابن سعد 4 / 1 / 58، وأخرج أحمد 5 / 438 والطبراني في " الكبير " (6155) = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 رَوَاهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ. وَرَوَاهُ: أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ إِسْرَائِيْلَ. سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي السَّلْمُ بنُ الصَّلْتِ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ البَكْرِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ الخَيْرَ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، مَدِيْنَةِ أَصْبَهَانَ، فَأَتَيْتُ رَجُلاً يَتَحَرَّجُ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّيْنِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً غَيْرَ رَاهِبٍ بِالمَوْصِلِ. فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَيْتُ حِجَازِيّاً، فَقُلْتُ: تَحْمِلُنِي إِلَى المَدِيْنَةِ، وَأَنَا لَكَ عَبْدٌ؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ، جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ، فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا يَسْتَقِي البَعِيْرُ، حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي، وَلاَ أَجِدُ مَنْ يَفْقَهُ كَلاَمِي، حَتَّى جَاءتْ عَجُوْزٌ فَارِسِيَّةٌ تَسْتَقِي، فَكَلَّمْتُهَا، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي خَرَجَ؟ قَالَتْ: سَيَمُرُّ عَلَيْكَ بُكْرَةً. فَجَمَعْتُ تَمْراً، ثُمَّ جِئْتُهُ، وَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ التَّمْرَ. فَقَالَ: (أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ (1) ؟) . أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَمِيْلٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ وُلِدَ بِرَامَهُرْمُزَ، وَبِهَا نَشَأْتُ، وَأَمَّا أَبِي فَمِنْ أَصْبَهَانَ،   = الجزء الأخير منه. وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336، والحلية 1 / 195، وأبو قرة لا يعرف. وباقي رجاله ثقات. وقوله: الغرضوف: هو لغة في الغضروف. وغضروف الكتف رأس لوحه. (1) ابن لهيعة ضعيف، وسلم وأبو الطفيل لا يعرفان. وأخرجه الطبراني في " الكبير " 6076، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 193. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 339 - 340، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. وانظر ابن عساكر 7 / 199 / آ. (2) تحرفت في المطبوع إلى " العطواني ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وَكَانَت أُمِّي لَهَا غِنَىً، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَى الكُتَّابِ، وَكُنْتُ أَنْطَلِقُ مَعَ غِلْمَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِنَا، إِلَى أَنْ دَنَا مِنِّي فَرَاغٌ مِنَ الكِتَابَةِ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الغِلْمَانِ أَكْبَرُ مِنِّي وَلاَ أَطْوَلُ، وَكَانَ ثَمَّ جَبَلٌ فِيْهِ كَهْفٌ فِي طَرِيْقِنَا، فَمَرَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَحْدِي، فَإِذَا أَنَا فِيْهِ بِرَجُلٍ، عَلَيْهِ ثِيَابُ شَعْرٍ، وَنَعْلاَهُ شَعْرٌ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! أَتَعْرِفُ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ رَسُوْلُ اللهِ، آمِنْ بِعِيْسَى، وَبِرَسُوْلٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ اسْمُهُ أَحْمَدُ. أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا إِلَى رُوْحِ الآخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا. قُلْتُ: مَا نَعِيْمُ الآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعِيْمٌ لاَ يَفْنَى. فَرَأَيْتُ الحَلاَوَةَ وَالنُّوْرَ يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْهِ، فَعَلِقَهُ فُؤَادِي، وَفَارَقْتُ أَصْحَابِي، وَجَعَلْتُ لاَ أَذْهَبُ وَلاَ أَجِيْءُ إِلاَّ وَحْدِي، وَكَانَتْ أُمِّي تُرْسِلُنِي إِلَى الكُتَّابِ، فَأَنْقَطِعَ دُوْنَهُ. فَعَلَّمَنِي شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ عِيْسَى رَسُوْلُ اللهِ، وَمُحَمَّداً بَعْدَهُ رَسُوْلُ اللهِ، وَالإِيْمَانَ بِالبَعْثِ، وَعَلَّمَنِي القِيَامَ فِي الصَّلاَةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لِي: إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلاَةِ فَاسْتَقْبَلْتَ القِبْلَةَ، فَاحْتَوَشَتْكَ النَّارُ، فَلاَ تَلْتَفِتْ، وَإِنْ دَعَتْكَ أُمُّكَ وَأَبُوْكَ فَلاَ تَلْتَفِتْ، إِلاَّ أَنْ يَدْعُوْكَ رَسُوْلٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ، وَإِنْ دَعَاكَ وَأَنْتَ فِي فَرِيْضَةٍ فَاقْطَعْهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْعُوْكَ إِلاَّ بِوَحْيٍ. وَأَمَرَنِي بِطُوْلِ القُنُوْتِ، وَزَعَمَ أَنَّ عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ: طُوْلُ القُنُوْتِ أَمَانٌ عَلَى الصِّرَاطِ، وَطُوْلُ السُّجُوْدِ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. وَقَالَ: لاَ تَكْذِبَنَّ مَازِحاً وَلاَ جَادّاً، حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْكَ مَلاَئِكَةُ اللهِ، وَلاَ تَعْصِيَنَّ (1) اللهَ فِي طَمَعٍ وَلاَ غَضَبٍ، لاَ تُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ لِي: إِنْ أَدْرَكْتَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، فَآمِنْ بِهِ، وَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ مِنِّي، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-   (1) تصحفت في المطبوع إلى " ولا تغضبن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ - كَانَ لَهُ مُحَمَّدٌ شَافِعاً، وَمُصَافِحاً. فَدَخَلَ حَلاَوَةُ الإِنْجِيْلِ فِي صَدْرِي. قَالَ: فَأَقَامَ فِي مُقَامِهِ حَوْلاً. ثُمَّ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إِنَّكَ قَدْ أَحْبَبْتَنِي وَأَحْبَبْتُكَ، وَإِنَّمَا قَدِمْتُ بِلاَدَكُم هَذِهِ، إِنَّهُ كَانَ لِي قَرِيْبٌ، فَمَاتَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ قَرِيْباً مِنْ قَبْرِهِ، أُصَلِّي عَلَيْهِ، وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، لِمَا عَظَّمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي الإِنْجِيْلِ مِنْ حَقِّ القَرَابَةِ، يَقُوْلُ اللهُ: مَنْ وَصَلَ قَرَابَتَهُ وَصَلَنِي، وَمَنْ قَطَعَ قَرَابَتَهُ فَقَدْ قَطَعَنِي. وَإِنَّهُ قَدْ بِدَا لِي الشُّخُوْصُ مِنْ هَذَا المَكَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ صُحْبَتِي، فَأَنَا طَوْعُ يَدَيْكَ. قُلْتُ: عَظَّمْتَ حَقَّ القَرَابَةِ، وَهُنَا أُمِّي وَقَرَابَتِي. قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تُهَاجِرَ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَدَعِ الوَالِدَةَ وَالقَرَابَةَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُصْلِحُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم، حَتَّى لاَ تَدْعُو عَلَيْكَ الوَالِدَةُ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا نَصِيْبِيْنَ، فَاسْتَقْبَلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الرُّهْبَانِ، يَبْتَدِرُوْنَهُ، وَيَبْسُطُوْنَ لَهُ أَرْدِيَتَهُم، وَقَالُوا: مَرْحَباً بِسَيِّدِنَا، وَوَاعِي كِتَابِ رَبِّنَا. فَحَمِدَ اللهَ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تُعَظِّمُوْنِي لِتَعْظِيْمِ جَلاَلِ اللهِ، فَأَبْشِرُوا بِالنَّظَرِ إِلَى اللهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَتَعَبَّدَ فِي مِحْرَابِكُمْ هَذَا شَهْراً، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ رَقِيْقاً، سَرِيْعَ الإِجَابَةِ. فَمَكَثَ شَهْراً لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيَّ، وَيَجْتَمِعُ الرُّهْبَانُ خَلْفَهُ، يَرْجُوْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَلاَ يَنْصَرِفُ. فَقَالُوا: لَوْ تَعَرَضَّتَ لَهُ؟ فَقُلْتُ: أَنْتُم أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقّاً مِنِّي. قَالُوا: أَنْتَ ضَعِيْفٌ، غَرِيْبٌ، ابْنُ سَبِيْلٍ، وَهُوَ نَازِلٌ عَلَيْنَا، فَلاَ نَقْطَعُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى أَنَّا نَسْتَثْقِلُهُ. فَعَرَضْتُ لَهُ، فَارْتَعَدَ، ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ يَا بُنَيَّ! جَائِعٌ أَنْتَ؟ عَطْشَانُ أَنْتَ؟ مَقْرُوْرٌ أَنْتَ؟ اشْتَقْتَ إِلَى أَهْلِكَ؟ قُلْتُ: بَلْ أَطَعْتُ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءَ. قَالَ: أَتَدْرِي مَا يَقُوْلُ الإِنْجِيْلُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: يَقُوْلُ: مَنْ أَطَاعَ العُلَمَاءَ فَاسِداً كَانَ أَوْ مُصْلِحاً، فَمَاتَ، فَهُوَ صِدِّيْقٌ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَتَوَجَّهَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ. فَجَاءَ العُلَمَاءُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 فَقَالُوا: يَا سَيِّدنَا! امْكُثْ يَوْمَكَ تُحِدِّثْنَا وَتُكَلِّمْنَا. قَالَ: إِنَّ الإِنْجِيْلَ حَدَّثَنِي أَنَّهُ مَنْ هَمَّ بِخَيْرٍ فَلاَ يُؤَخِّرْهُ. فَقَامَ، فَجَعَلَ العُلَمَاءُ يُقَبِّلُوْنَ كَفَّيْهِ وَثِيَابَهُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُ: أُوْصِيْكُمْ أَلاَ تَحْتَقِرُوا مَعْصِيَةَ اللهِ، وَلاَ تَعْجَبُوا بِحَسَنَةٍ تَعْمَلُوْنَهَا. فَمَشَى مَا بَيْنَ نَصِيْبِيْنَ وَالأَرْضِ المُقَدَّسَةِ شَهْراً، يَمْشِي نَهَارَهُ، وَيَقُوْم لَيْلَهُ، حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَامَ شَهْراً يُصَلِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَطَلَبُوا إِلَيَّ أَنْ أَتَعَرَّضَ لَهُ، فَفَعَلْتُ، فَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي كَمَا قَالَ فِي المَرَّةِ الأُوْلَى. فَلَمَّا تَكَلَّمَ، اجْتَمَعَ حَوْلَهُ عُلَمَاءُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَحَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَوْمَهُم وَلَيْلَتَهُم حَتَّى أَصْبَحُوا، فَمَلُّوا، وَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي قَلِيْلاً، فَإِذَا بَلَغَتِ الشَّمْسُ قَدَمَيَّ فَأَيْقِظْنِي. قَالَ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ ذِرَاعَانِ، فَبَلَغَتْهُ الشَّمْسُ، فَرَحِمْتُهُ لِطُوْلِ عَنَائِهِ وَتَعَبِهِ فِي العِبَادَةِ، فَلَمَّا بَلَغَتِ الشَّمْسُ سُرَّتَهُ اسْتَيْقَظَ بِحَرِّهَا. فَقَالَ: مَا لَكَ لَمْ تُوْقِظْنِي؟ قُلْتُ: رَحِمْتُكَ لِطُوْلِ عَنَائِكَ. قَالَ: إِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ سَاعَةٌ لاَ أَذْكُرُ اللهَ فِيْهَا، وَلاَ أَعْبُدُهُ، أَفَلاَ رَحِمْتَنِي مِنْ طُوْلِ المَوْقِفِ، أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي أُرِيْدُ الشُّخُوْصَ إِلَى جَبَلٍ فِيْهِ خَمْسُوْنَ وَمَائَةُ رَجُلٍ، أَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنِّي، أَتَصْحَبُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَامَ، فَتَعَلَّقَ بِهِ أَعْمَى عَلَى البَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الفَضْلِ! تَخْرُجُ وَلَمْ أُصِبْ مِنْكَ خَيْراً؟ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَصَارَ بَصِيْراً. فَوَثَبَ مُقْعَدٌ إِلَى جَنْبِ الأَعْمَى، فَتَعَلَّقَ بِهِ، فَقَالَ: مُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ بِالجَنَّةِ. فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَامَ، فَمَضَى - يَعْنِي الرَّاهِبَ -. فَقُمْتُ أَنْظُرُ يَمِيْناً وَشِمَالاً لاَ أَرَى أَحَداً، فَدَخَلْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي زَاوِيَةٍ، عَلَيْهِ المُسُوْحُ، فَجَلَسْتُ حَتَّى انْصَرَفَ. فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 اسْمُكَ؟ قَالَ: فَذَكَرَ اسْمَهُ. فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُ أَبَا الفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَوَدِدْتُ أَنِّي لاَ أَمُوْتُ حَتَّى أَرَاهُ، أَمَا (1) إِنَّهُ هُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ بِهَذَا الدِّيْنِ، فَأَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ الَّذِي وَصَفَهُ لِي، يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، يَرْكَبُ الجَمَلَ وَالحِمَارَ وَالفَرَسَ وَالبَغْلَةَ، وَيَكُوْنُ الحُرُّ وَالمَمْلُوْكُ عِنْدَهُ سَوَاءً، وَتكُوْنُ الرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَكَانٌ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَبَيْضَةِ الحَمَامَةِ عَلَيْهَا مَكْتُوْبٌ، بَاطِنُهَا: اللهُ وَحْدَهُ، لاَ شَرِيْكَ لَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ، وَظَاهِرُهَا: تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّكَ المَنْصُوْرُ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، لَيْسَ بِحَقُوْدٍ وَلاَ حَسُوْدٍ، وَلاَ يَظْلِمُ مُعَاهِداً، وَلاَ مُسْلِماً. فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَقْدِرُ عَلَى صَاحِبِي. فَمَشَيْتُ غَيْر بَعِيْدٍ، فَالْتَفَتُّ يَمِيْناً وَشِمَالاً لاَ أَرَى شَيْئاً. فَمَرَّ بِي أَعْرَابٌ مِنْ كَلْبٍ، فَاحْتَمَلُوْنِي حَتَّى أَتَوْا بِي يَثْرِبَ، وَسَمَّوْنِي مَيْسَرَةَ، فَجَعَلْتُ أُنَاشِدُهُم، فَلاَ يَفْقَهُوْنَ كَلاَمِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا خُلَيْسَةُ بِثَلاَثِ مَائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: مَا تُحْسِنُ؟ قُلْتُ: أُصَلِّي لِرَبِّي، وَأَعْبُدُهُ، وَأَسُفُّ الخُوْصَ. قَالَتْ: وَمَنْ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: رَبُّ مُحَمَّدٍ. قَالَتْ: وَيْحَكَ، ذَاكَ بِمَكَّةَ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النَّخْلَةِ، وَصَلِّ لِرَبِّكَ لاَ أَمْنَعُكَ، وَسُفَّ الخُوْصَ، وَاسْعَ عَلَى بَنَاتِي، فَإِنَّ رَبَّكَ يَعْنِي إِنْ تُنَاصِحْهُ فِي العِبَادَةِ يُعْطِكَ سُؤْلَكَ. فَمَكَثْتُ عِنْدَهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَبَلَغَنِي ذَلِكَ وَأَنَا فِي أَقْصَى المَدِيْنَةِ، فِي زَمَنِ الخِلاَلِ (2) ، فَانْتَقَيْتُ شَيْئاً مِنَ الخِلاَلِ، فَجَعَلْتُهُ فِي ثَوْبِي، وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَبِي   (1) سقطت " أما " من المطبوع. (2) الخلال: عود يخلل به الثوب والاسنان، والحب: الخابية. فارسي معرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 أَيُّوْبَ، وَقَدْ وَقَعَ حُبٌّ لَهُم فَانْكَسَرَ، وَانْصَبَّ المَاءُ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوْبَ وَامْرَأَتُهُ يَلْتَقِطَانِ المَاءَ بِقَطِيْفَةٍ لَهُمَا لاَ يَكِفُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا تَصْنَعُ يَا أَبَا أَيُّوْبَ؟) . فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ الجَنَّةُ) . فَقُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ الرَّحْمَةِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذْتُ الخِلاَلَ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا بُنَيَّ؟) . قُلْتُ: صَدَقَةٌ. قَالَ: (إِنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) . فَأَخَذْتُهُ، وَتَنَاوَلْتُ إِزَارِي، وَفِيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، فَقُلْتُ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ. فَأَكَلَ، وَأَطَعْمَ مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَقَالَ: (أَحُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوْكٌ؟) . قُلْتُ: مَمْلُوْكٌ. قَالَ: (وَلِمَ وَصَلْتَنِي بِهَذِهِ الهَدِيَّةِ؟) . قُلْتُ: كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا، وَصَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِهِمَا. قَالَ: (أَمَا إِنَّ صَاحِبَيْكَ مِنَ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ: {الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُوْنَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِم ... } الآيَة، مَا رَأَيْتَ فِيَّ مَا خَبَّرَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، إِلاَّ شَيْئاً (1) بَيْنَ كَتِفَيْكَ. فَأَلْقَى ثَوْبَهُ، فَإِذَا الخَاتَمُ، فَقَبَّلْتُهُ، وَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. فَقَالَ: (يَا بُنَيَّ! أَنْتَ سَلْمَانُ) . وَدَعَا عَلِيّاً، فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى خُلَيْسَةَ، فَقُلْ لَهَا: يَقُوْلُ لَكِ مُحَمَّدٌ: إِمَّا أَنْ تُعْتِقِي هَذَا، وَإِمَّا أَنْ أُعْتِقَهُ، فَإِنَّ الحِكْمَةَ تُحَرِّمُ عَلَيْكِ خِدْمَتَهُ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَشْهَدُ أَنَّهَا لَمْ تُسْلِمْ. قَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَوَلاَ تَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَكَ؟ دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَمِّهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلاَمَ، فَأَسْلَمَتْ) . فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ، وَإِذَا هِيَ تَذْكُرُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهَا عَلِيٌّ.   (1) تحرفت " إلا شيئا " في المطبوع إلى " الانباء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 فَقَالَتْ: انْطَلِقْ إِلَى أَخِي - تَعنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْ لَهُ: إِنَّ شِئْتَ فَأُعْتِقَهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَهُوَ لَكَ. قَالَ: فَكُنْتُ أَغْدُو وَأَرُوْحُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعْوِلُنِي خُلَيْسَةُ. فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ: (انْطَلِقْ بِنَا نُكَافِئْ خُلَيْسَةً) . فَكُنْتُ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْماً فِي حَائِطِهَا يُعَلُّمُنِي وَأُعِيْنُهُ، حَتَّى غَرَسْنَا لَهَا ثَلاَثَ مَائَةِ فَسِيْلَةٍ. فَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ حَرُّ الشَّمْسِ، وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ مِظَلَّةً لِي مِنْ صُوْفٍ، فَعَرِقَ فِيْهَا مِرَاراً، فَمَا وَضَعْتُهَا بَعْدُ عَلَى رَأْسِي إِعْظَاماً لَهُ، وَإِبْقَاءً عَلَى رِيْحِهِ، وَمَا زِلْتُ أَخْبَؤُهَا وَيَنْجَابُ مِنْهَا، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، فَغَزْوْتُ مَرَّةً، فَسَقَطَتْ مِنِّي. هَذَا الحَدِيْثُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ. وَأَبُو مُعَاذٍ: مَجْهُوْلٌ، وَمُوْسَى. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، قَالَ: قِيْلَ لِسَلْمَانَ: أَخْبِرْنَا عَنْ إِسْلاَمِكَ. قَالَ: كُنْتُ مَجُوْسِيّاً، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَحُشِرَ النَّاسُ عَلَى صُوَرِهِم، وَحُشِرَ المَجُوْسُ عَلَى صُوَرِ الكِلاَبِ، فَفَزِعْتُ. فَرَأَيْتُ مِنَ القَابِلَةِ أَيْضاً أَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا عَلَى صُوَرِهِم، وَأَنَّ المَجُوْسَ حُشِرُوا عَلَى صُوَرِ الخَنَازِيْرِ، فَتَرَكْتُ دِيْنِي، وَهَرَبْتُ، وَأَتَيْتُ الشَّامَ. فَوَجَدْتُ يَهُوْداً، فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم، وَقَرَأْتُ كُتُبَهُم، وَرَضِيْتُ بِدِيْنِهِم، وَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً. فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا، وَأَنَّ اليَهُوْدَ أُتِيَ بِهِم، فَسُلِخُوا، ثُمَّ أُلْقُوا فِي النَّارِ، فَشُوُوْا، ثُمَّ أُخْرِجُوا، فَبُدِّلَتْ جُلُوْدُهُم، ثُمَّ أُعِيْدُوا فِي النَّارِ. فَانْتَبَهْتُ، وَهَرَبْتُ مِنَ اليَهودِيَّةِ، فَأَتَيْتُ قَوْماً نَصَارَى، فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم، وَكُنْتُ مَعَهُم فِي شِرْكِهِم، فَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكاً أَخَذَنِي، فَجَاءَ بِي عَلَى الصِّرَاطِ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ: اعْبُرْ هَذَا. فَقَالَ صَاحِبُ الصِّرَاطِ: انْظُرُوا، فَإِنْ كَانَ دِيْنُهُ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَلْقُوْهُ فِي النَّارِ. فَانْتَبَهْتُ، وَفَزِعْتُ. ثُمَّ اسْتَعْبَرْتُ رَاهِباً كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 صَدِيْقاً لِي، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ دِيْنُ المَلِكِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِاليَعْقُوْبِيَّةِ، فَرَفَضْتُ ذَلِكَ، وَلَحِقْتُ بِالجَزِيْرَةِ، فَلَزِمْتُ رَاهِباً بِنَصِيْبِيْنَ يَرَى رَأْيَ اليَعْقُوْبِيَّةِ، فَكُنْتُ عِنْدَهُمْ حِجَجاً. فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَ الرَّحْمَنِ قَائِمٌ عِنْدَ العَرْشِ، يَمِيْزُ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ، فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهِ، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ، فَهَرَبْتُ مِنْ ذَلِكَ الرَّاهِبِ، وَأَتَيْتُ رَاهِباً لَهُ خَمْسُوْنَ وَمَائَةُ سَنَةٍ، وَأَخْبَرْتُهُ بِقِصَّتِي، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُهُ لَيْسَ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ، ذَاكَ دِيْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ دِيْنُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَقَدِ اقْتَرَبَ، وَأَظَلَّكَ زَمَانُهُ، نَبِيُّ يَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى هَذَا الدِّيْنِ. قُلْتُ: مَا اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءَ، مَكْتُوْبٌ فِي العَرْشِ: مُحَمَّدٌ، وَفِي الإِنْجِيْلِ: أَحْمَدُ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ: مَحْمُوْدٌ، وَعَلَى الصِّرَاطِ: حَمَّادٌ، وَعَلَى بَابِ الجَنَّةِ: حَامِدٌ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ. فَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ صِفَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَسِرْتُ فِي البَرِّيَّةِ، فَسَبَتْنِي العَرَبُ، وَاسْتَخْدَمَتْنِي سِنِيْنَ، فَهَرَبْتُ مِنْهُم، إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَبَّلَ عَلِيٌّ رَأْسِي، وَكَسَانِي أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَنْتَ مَوْلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ) . وَهُوَ مُنْكَرٌ. فِي إِسْنَادِهِ كَذَّابٌ، وَهُوَ إِسْحَاقُ، مَعَ إِرْسَالِهِ، وَوَهْنِ (1) ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالتَّيْمِيِّ. سَمَّوَيْه (2) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَمَّادٍ القَنَّادُ (3) ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَالَّذِيْنَ هَادُوا ... } الآيَة، فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ نَزَلَتْ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ جُنْدِ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ووهنه ". (2) في المطبوع " وبه ". (3) تحرفت " قناد " في المطبوع إلى " هناد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 سَابُوْرَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِم، وَكَانَ ابْنُ المَلِكِ صَدِيْقاً لَهُ وَمُوَاخِياً، وَكَانَا يَرْكَبَانِ إِلَى الصَّيْدِ. فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْدِ، إِذْ رُفِعَ لَهُمَا بَيْتٌ مِنْ عَبَاءٍ، فَأَتَيَاهُ، فَإِذَا هُمَا بِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ، يَقْرَأُ فِيْهِ، وَيَبْكِي. فَسَأَلاَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: الَّذِي يُرِيْدُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا لاَ يَقِفُ مَوْقِفَكُمَا، فَانْزِلاَ. فَنَزَلاَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَمَرَ فِيْهِ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ، فِيْهِ أَنْ لاَ تَزْنِيَ، وَلاَ تَسْرِقَ، وَلاَ تَأَخُذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيْهِ، وَهُوَ الإِنْجِيْلُ، فَتَابَعَاهُ، فَأَسْلَمَا. وَقَالَ: إِنَّ ذَبِيْحَةَ قَوْمِكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَامٌ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ حَتَّى كَانَ عِيْدٌ لِلْمَلِكِ، فَجَعَلَ طَعَاماً، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَالأَشْرَافَ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ المَلِكِ، فَدَعَاهُ لِيَأْكُلَ، فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولٌ. فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِم. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ فَذَكَرَ لَهُ الرَّاهِبَ، فَطَلَبَ الرَّاهِبَ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُكَ. فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ الدَّمَ عَظِيْمٌ لَقَتَلْتُكَ، اخْرُجْ مِنْ أَرْضِنَا. فَأَجَّلَهُ أَجَلاً، فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَأَنَا فِي بَيْعَةٍ فِي المَوْصِلِ مَعَ سِتِّيْنَ رَجُلاً نَعْبُدُ اللهِ، فَائْتُوْنَا. فَخَرَجَ، وَبَقِيَ سَلْمَانُ وَابْنُ المَلِكِ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُوْلُ لابْنِ المَلِكِ: انْطَلِقْ بِنَا. وَابْنُ المَلِكِ يَقُوْلُ: نَعَمْ. فَجَعَل يَبِيْعُ مَتَاعَهُ يُرِيْدُ الجَهَازَ، وَأَبْطَأَ، فَخَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ رَبُّ البَيْعَةِ. فَكَانَ سَلْمَان مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ: إِنَّكَ غُلاَمٌ حَدَثٌ (1) ، وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ، فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ. قَالَ: خَلِّ عَنِّي. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ البَيْعَةِ دَعَاهُ، فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ لِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ   (1) تصحفت في المطبوع إلى " حديث ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 أُخْرِجَ هَؤُلاَءِ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَضْعُفُ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ إِلَى بَيْعَةٍ أَهْلُهَا أَهْوَنُ عِبَادَةً، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيْمَ هَا هُنَا، فَأَقِمْ. فَأَقَامَ بِهَا يَتَعَبَّدُ مَعَهُم. ثُمَّ إِنَّ شَيْخَهُ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَدَعَا سَلْمَانَ، وَأَعْلَمَهُ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ، فَمَرُّوا بِمُقْعَدٍ عَلَى الطَّرِيْقِ، فَنَادَى: يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ! ارْحَمْنِي. فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى أَتَى بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَالَ لِسَلْمَانَ: اخْرُجْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، فَإِنَّهُ يَحْضُرُ المَسْجِدَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الأَرْضِ. فَخَرَجَ سَلْمَانُ يَسْمَعُ مِنْهُم. فَخَرَجَ يَوْماً حَزِيْناً، فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَرَى الخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِم. قَالَ: أَجَلْ، لاَ تَحْزَنْ، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِي نَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ بِأَفَضْلَ تَبَعاً (1) مِنْهُ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَلاَ أَرَانِي أُدْرِكُهُ، وَلَعَلَّكَ تُدْرِكُهُ، وَهُوَ يَخْرُجُ فِي أَرْضِ العَرَبِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ فَآمِنْ بِهِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَلاَمَتِهِ. قَالَ: مَخْتُوْمٌ فِي ظَهْرِهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. ثُمَّ رَجَعَا، حَتَّى بَلَغَا مَكَانَ المُقْعَدِ، فَنَادَاهُمَا: يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ! ارْحَمْنِي يَرْحَمْكَ اللهُ. فَعَطَفَ إِلَيْهِ حِمَارَهُ (2) ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَفَعَهُ، فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ، وَدَعَا لَهُ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللهِ. فَقَامَ صَحِيْحاً يَشْتَدُّ (3) ، وَسَارَ الرَّاهِبُ، فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَانَ، وَتَطَلَّبَهُ سَلْمَانُ. فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنْ كَلْبٍ (4) ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِبَ؟ فَأَنَاخَ أَحَدُهُمَا رَاحِلَتَهُ، وَقَالَ: نَعَمْ، رَاعِي الصِّرْمَةِ (5) هَذَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.   (1) تحرفت في المطبوع إلى " نبيا ". (2) تحرفت " حماره " في المطبوع إلى " جاره ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " يسير ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " كليب ". (5) والصرمة: القطعة من الابل ما بين العشرة إلى الأربعين. والجمع صرم، وقد ترك محقق المطبوع مكانها فارغا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 قَالَ سَلْمَانُ: فَأَصَابَنِي مِنَ الحُزْنِ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي قَطُّ. فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلاَمٌ لَهَا، يَتَرَاوَحَانِ الغَنَمَ، وَكَانَ سَلْمَانُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ، يَنْتَظِرُ خُرُوْجَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فبَيْنَمَا هُوَ يَرْعَى، إِذْ أَتَاهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدِمَ المَدِيْنَةَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَقَالَ: أَقِمْ فِي الغَنَمِ حَتَّى آتِيَ. فَهَبَطَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ بِنِصْفِهِ شَاةً، فَشَوَاهَا، وَبِنِصْفِهِ خُبْزاً، وَأَتَى بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا هَذَا؟) . قَالَ: صَدَقَةٌ. قَالَ: (لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا، أَخْرِجْهَا يَأْكُلْهَا المُسْلِمُوْنَ) . ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ آخَرَ خُبْزاً وَلَحْماً، فَأَتَى بِهِ (1) ، فَقَالَ: هَذَا هَدِيَّةٌ. فَأَكَلاَ جَمِيْعاً، وَأَخْبَرَهُ سَلْمَانُ خَبَرَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُوْمُوْنَ وَيُصَلُّوْنَ، وَيَشْهَدُوْنَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ. فَقَالَ: (يَا سَلْمَانُ! هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) . فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ: لَوْ أَدْرَكُوْكَ صَدَّقُوْكَ، وَاتَّبَعُوْكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَالَّذِيْنَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِيْنَ (2) ... } الآيَة، [البَقَرَةُ: 62] . الحَسَنُ بنُ يَعْقُوْبَ البُخَارِيُّ، وَالأَصَمُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ صُوْحَانَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، كَانَا لَهُ صَدِيْقَيْنِ، فَأَتَيَاهُ لِيُكَلِّمَ لَهُمَا   (1) " فأتى به " سقطت من المطبوع. (2) انظر ابن عساكر 7 / 194 / آ. وما بعدها. وأخرجه الطبراني 1 / 321 من طريق موسى بن هارون، عن عمرو، عن أسباط بن نصر، عن السدي: نزلت هذه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 سَلْمَانَ، لِيُحَدِّثَهُمَا حَدِيْثَهُ. فَأَقْبَلاَ مَعَهُ، فَلَقَوْا سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ أَمِيْراً، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَإِذَا خُوْصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَرْتِقُهُ. قَالاَ: فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَقَعَدْنَا. فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلاَمِكَ؟ قَالَ: كُنْتُ يَتِيْماً مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِهَا يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ، فَلَزِمْتُهُ لأَكُوْنَ فِي كَنَفِهِ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِياً بِنَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلاَماً، وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُم، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ، فَقَنَّعَ رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ صَعِدَ الجَبَلَ، كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّراً. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، فَلِمْ لاَ تَذْهَبُ بِي مَعَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ غُلاَمٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ. قُلْتُ: لاَ تَخَفْ. قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الجَبَلِ قَوْماً فِي بِرْطِيلٍ (1) ، لَهُم عِبَادَةٌ وَصَلاَحٌ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيْرَانِ، وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِيْنِهِم. قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِم. قَالَ: لاَ أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُم، أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيُعْلَمَ، أَوْ فَيُقْتَلَ القَوْمُ، فِيْكُوْنَ هَلاَكُهُمْ عَلَى يَدِيَّ. قُلْتُ: لَنْ يَظْهَرَ مِنِّي ذَلِكَ، فَاسْتَأْمِرْهُم. فَقَالَ: غُلاَمٌ عِنْدِي يَتِيْمٌ، أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُم، وَيَسْمَعَ كَلاَمَكُم. قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ. قَالَ: أَرْجُو. قَالَ: فَقَالَ لِي: ائْتِنِي فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيْهَا، وَلاَ يَعْلَمَ بِكَ أَحَدٌ. فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ تَبِعْتُهُ، فَصَعَدَ الجَبَلَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِم. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: أَرَاهُ قَالَ: وَهُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ. قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوْحَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنَ العِبَادَةِ، يَصُوْمُوْنَ النَّهَارَ، وَيَقُوْمُوْنَ اللَّيْلَ، وَيَأْكُلُوْنَ عِنْدَ السَّحَرِ مَا وَجَدُوا. فَقَعَدْنَا إِلَيْهِم، فَتَكَلَّمُوا، فَحَمَدُوا اللهَ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى ذِكْرِ عِيْسَى، فَقَالُوا: بَعَثَ اللهُ عِيْسَى رَسُوْلاً، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحِيَاءِ المَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ، وَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ، ابْتَلَى بِهِ   (1) البرطيل: القلة والصومعة، وهي سريانية معربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 خَلْقَهُ. وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلاَمُ! إِنَّ لَكَ لَرَبّاً، وَإِنَّ لَكَ لَمَعَاداً، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةٌ وَنَارٌ، إِلَيْهَا تَصِيْرُ، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَعْبُدُوْنَ النِّيْرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلاَلَةٍ، لَيْسُوا عَلَى دِيْنٍ. فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيْهَا الغُلاَمُ، انْصَرَفْتُ مَعَهُ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِم، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ، وَلَزِمْتُهُم. فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنَّكَ غُلاَمٌ، وَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا نَصْنَعُ، فَصَلِّ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ. فَاطَّلَعَ المَلِكُ عَلَى صَنِيْعِ ابْنِهِ، فَرَكِبَ فِي الخَيْلِ حَتَّى أَتَاهُمْ فِي بَرْطِيلِهِمْ. فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ! قَدْ جَاوَرْتُمُوْنِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوْءاً، فَعَمَدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتمُوْهُ عَلِيَّ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلاَثاً، فَإِنْ قَدِرْتُ بَعْدَهَا عَلَيْكُمْ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بَرْطِيلَكُمْ. قَالُوا: نَعَمْ، وَكَفَّ ابْنَهُ عَنْ إِتْيَانِهِم. فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّيْنَ دِيْنُ اللهِ، وَأَنَّ أَبَاكَ عَلَى غَيْرِ دِيْنٍ، فَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ. قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ القَوْمِ بَقْياً (1) عَلَيْهِم. قَالَ: فَأَتَيْتُهُم فِي اليَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا، فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ مَا رَأَيْتَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّيْنَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، فَلاَ يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ دِيْنِكَ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم. قَالُوا: فَخُذْ شَيْئاً تَأْكُلْهُ، فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ مَا نَسْتَطِيْعُ نَحْنُ. فَفَعَلْتُ، وَلَقِيْتُ أَخِي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ بِأَنِّي أَمْشِي مَعَهُم، فَرَزَقَ اللهُ السَّلاَمَةَ حَتَّى قَدِمْنَا المَوْصِلَ، فَأَتَيْنَا بَيْعَةً، فَلَمَّا دَخَلُوا أَحَفُّوا بِهِم، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلاَدٍ لاَ يَذْكُرُوْنَ اللهَ - تَعَالَى - بِهَا عَبَدَةُ النِّيْرَانِ، فَطُرِدْنَا، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُم. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، قَالُوا: يَا سَلْمَانُ! إِنَّ هَا هُنَا قَوْماً فِي هَذِهِ الجِبَالِ، هُم أَهْلُ   (1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش: كلمة غير ظاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 دِيْنٍ، وَإِنَّا نُرِيْدُ لِقَاءهُم، فَكُنْ أَنْتَ هَا هُنَا. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم. فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُم، فَأَصْبَحُوا بَيْنَ جِبَالٍ، وَإِذَا مَاءٌ كَثِيْرٌ، وَخُبْزٌ كَثِيْرٌ، وَإِذَا صَخْرَةٌ، فَقَعَدْنَا عِنْدَهَا. فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الجِبَالِ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ، كَأَنَّ الأَرْوَاحَ قَدِ انْتُزِعَتْ مِنْهُم، حَتَّى كَثُرُوا، فَرَحَّبُوا بِهِم، وَحَفُّوا، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلاَدٍ فِيْهَا عَبَدَةُ نِيْرَانٍ. فَقَالُوا: مَا هَذَا الغُلاَمُ؟ وَطَفِقُوا يُثْنُوْنَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ البِلاَدِ. فَوَاللهِ إِنَّهُم لَكَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِم رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ، فَجَاءَ، فَسَلَّمَ، فَحَفُّوا بِهِ، وَعَظَّمَهُ أَصْحَابِي، وَقَالَ: أَيْنَ كُنْتُم؟ فَأَخْبَرُوْهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الغُلاَمُ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيَّ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ رُسُلَهُ، وَذَكَرَ مَوْلِدَ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ، فَبَعَثَهُ اللهُ رَسُوْلاً، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ المَوْتَى، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّيْنِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَيَنْفُخُ فِيْهِ، فِيَكُوْنُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيْلَ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعَثَهُ رَسُوْلاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيْسَى، وَلاَ تُخَالِفُوا، فَيُخَالَفَ بِكُم. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا شَيْئاً، فَلْيَأْخُذْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُوْمُ فَيَأْخُذُ الجَرَّةَ مِنَ المَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَيْءِ. فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِيْنَ جِئْتُ مَعَهُم، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَظَّمُوْهُ، وَقَالَ لَهُم: الْزَمُوا هَذَا الدِّيْنَ، وَإِيَّاكُم أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ خَيْراً. وَقَالَ لِي: يَا غُلاَمُ! هَذَا دِيْنُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُوْلُهُ، وَمَا سِوَاهُ الكُفْرُ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَكُوْنَ مَعِي، إِنِّي مَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلاَّ كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا فُلاَنٍ! إِنَّ هَذَا لَغُلاَمٌ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ. قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ. قُلْتُ: فَإِنِّي لاَ أُفَارِقُكَ. فَبَكَى أَصْحَابِي لِفِرَاقِي، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا يَكْفِيْكَ لِلأَحَدِ الآخَرِ، وَخُذْ مِنَ المَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ. فَفَعَلْتُهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِماً وَلاَ طَاعِماً، إِلاَّ رَاكِعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَسَاجِداً، إِلَى الأَحَدِ الآخَرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ، وَانْطَلِقْ. فَخَرَجْتُ أَتْبَعُهُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُم قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الجِبَالِ يَنْتَظِرُوْنَ خُرُوْجَهُ، فَعَدَوْا، وَعَادَ فِي حَدِيْثِهِ، وَقَالَ: الْزَمُوا هَذَا الدِّيْنَ، وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عِيْسَى كَانَ عَبْداً لِلِّهِ، أَنْعَمَ عَلَيْهِ. فَقَالُوا: كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الغُلاَمَ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيْرٌ، وَمَاءٌ كَثِيْرٌ، فَأَخَذُوا مَا يَكْفِيْهِمْ، وَفَعَلْتُ، فَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الجِبَالِ، وَرَجَعْنَا إِلَى الكَهْفِ، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، يَخْرُجُ كُلَّ أَحَدٍ، وَيَحُفُّوْنَ بِهِ. فَخَرَجَ يَوْماً، فَحَمِدَ اللهَ -تَعَالَى- وَوَعَظَهُم، ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلاَءِ! إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَإِنَّهُ لاَ عَهْدَ لِي بِهَذَا البَيْتِ مُذْ كَذَا وَكَذَا، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ خَيْراً، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. فَجَزِعَ القَوْمُ، وَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيْرٌ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ، فَلاَ نَأْمَنُ أَنْ يُصِيْبَكَ الشَيْءُ وَلَسْنَا عِنْدَكَ، مَا أَحْوَجَ مَا كُنَّا إِلَيْكَ. قَالَ: لاَ تُرَاجِعُوْنِي. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا سَلْمَانُ! قَدْ رَأَيْتَ حَالِي، وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، أَنَا أَمْشِي، أَصُوْمُ النَّهَارَ، وَأَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَاداً وَلاَ غَيْرَهُ، وَأَنْتَ لاَ تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ. وَبَكَوْا، وَوَدَّعُوْهُ، وَاتَّبَعْتُهُ يَذْكُرُ اللهَ، وَلاَ يَلْتَفِتُ، وَلاَ يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى إِذَا أَمْسَيْنَا. قَالَ: صَلِّ أَنْتَ، وَنَمْ وَقُمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، حَتَّى إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَانَ لاَ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا عَلَى بَابِ المَسْجِدِ مُقْعَدٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! قَدْ تَرَى حَالِي، فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ. فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَجَعَلَ يَتْبَعُ أَمْكِنَةً يُصَلِّي فِيْهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ! لَمْ أَنَمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ أَنْ تُوْقِظَنِي إِذَا بَلَغ الظَّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا المَسْجِدِ، وَإِلاَّ لَمْ أَنَمْ. قُلْتُ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. فَنَامَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، لأَدَعَنَّهُ يَنَامُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وَكَانَ لَمَّا يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ، فَيَعِظُنِي، وَيُخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبّاً، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ جَنَّةً وَنَاراً وَحِسَاباً، وَيُذَكِّرُنِي نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ القَوْمَ يَوْمَ الأَحَدِ. حَتَّى قَالَ: يَا سَلْمَانُ! إِنَّ اللهَ سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُوْلاً اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْجَمِيّاً لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَقُوْلَ مُحَمَّدٌ، عَلاَمَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيْهِ قَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَلاَ أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ فَصَدِّقْهُ، وَاتَّبِعْهُ. قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِن رِضَى الرَّحْمَنِ فِيْمَا قَالَ. فَلَمْ يَمْضِ إِلاَّ يَسِيْرٌ حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعاً يَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ! مَضَى الفَيْءُ مِنْ هَذَا المَكَانِ، وَلَمْ أَذْكُرِ اللهَ، أَيْنَ مَا كُنْتَ جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ؟ قُلْتُ: لأَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مِنَ النَّوْمِ. فَحَمِدَ اللهَ، وَقَامَ، وَخَرَجَ، فَتَبِعْتُهُ، فَمَرَّ بِالمُقْعَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! دَخَلْتَ وَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ (1) فَلَمْ تُعْطِنِي. فَقَامَ يَنْظُرُ، هَلْ يَرَى أَحَداً، فَلَمْ يَرَ، فَدَنَا مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ. فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ: بَاسْمِ اللهِ. فَقَامَ كَأَنَّهُ نَشَطَ مِنْ عُقَالٍ صَحِيْحاً، لاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَانْطَلَقَ ذَاهِباً، فَكَانَ لاَ يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَقُوْمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي المُقْعَدُ: يَا غُلاَمُ! احْمِلْ عَلَيَّ ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَانْطَلقَ لاَ يَلْوِي عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ أَطْلُبُهُ، فَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ. حَتَّى لَقِيَنِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَأَلْتُهُم،   (1) سقطت " فسألتك " من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 فَلَمَّا سَمِعُوا لُغَتِي (1) ، أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيْرَهُ، فَجَعَلَنِي خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَوْا بِي بِلاَدَهُم فَبَاعُوْنِي، وَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا. وَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُخْبِرْتُ بِهِ، فَأَخَذْتُ شَيْئاً مِنْ تَمْرِ حَائِطِي، وَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . قُلْتُ: صَدَقَةٌ. فَقَالَ: (كُلُوا) ، وَلَمْ يَأْكُلْ. ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . قُلْتُ: هَدِيَّةٌ. فَقَالَ: (بَاسْمِ اللهِ) وَأَكَلَ، وَأَكَلَ القَوْمُ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ. كَانَ صَاحِبِي رَجُلاً أَعْجَمِيّاً، لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقُوْلَ تِهَامَةَ، فَقَالَ: تُهْمَةُ. قَالَ: فَدُرْتُ مِنْ خَلْفِهِ، فَفَطِنَ لِي، فَأَرْخَى ثَوْبَهُ، فَإِذَا الخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ، فَتَبَيَّنْتُهُ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَستُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. قَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) . قُلْتُ: مَمْلُوْكٌ، وَحَدَّثْتُهُ حَدِيْثِي، وَحَدِيْثَ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ. قَالَ: (لِمَنْ أَنْتَ؟) . قُلْتُ: لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا. قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ!) . قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: (اشْتَرِهِ) . فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَنِي، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي دِيْنِ النَّصَارَى؟ قَالَ: (لاَ خَيْرَ فِيْهِم، وَلاَ فِي دِيْنِهِم) . فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيْمٌ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: الَّذِي أَقَامَ المُقْعَدَ لاَ خَيْرَ فِي هَؤُلاَءِ، وَلاَ فِي دِيْنِهِم. فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُم قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُم لاَ يَسْتَكْبِرُوْنَ} [المَائِدَةُ: 82] . فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَلَيَّ بِسَلْمَانَ) . فَأَتَانِي الرَّسُوْلُ وَأَنَا خَائِفٌ،   (1) تحرفت في المطبوع إلى " نعتي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 فَجِئْتُهُ، فَقَرَأَ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُم قِسِّيْسِيْنَ} . ثُمَّ قَالَ: (يَا سَلْمَانُ! إِنَّ الَّذِيْنَ كُنْتَ مَعَهُم وَصَاحِبَكَ لَمْ يَكُوْنُوا نَصَارَى، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِيْنَ) . فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَهُوَ الَّذِي أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّهُ الحَقُّ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، حَكَمَ الحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ. سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِي يَعْبُدُوْنَ الخَيْلَ البُلْقَ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُم لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقِيْلَ لِي: إِنَّ الَّذِي تَرُوْمُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالمَغْرِبِ. فَأَتَيْتُ المَوْصِلَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ فِيْهَا، فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَإِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَضُمَّنِي إِلَيْكَ أَخْدِمْكَ وَأَصْحَبْكَ، وَتُعَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ. قَالَ: نَعَمْ. فَأَجْرَى عَلَيَّ مِثْلَ مَا كَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ، وَكَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ الخَلُّ وَالزَّيْتُ وَالحُبُوْبُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ أَبْكِيْهِ. فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قُلْتُ: يُبْكِيْنِي أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بِلاَدِي أَطْلُبُ الخَيْرَ، فَرَزَقَنِي اللهُ، فَصَحِبْتُكَ، فَعَلَّمْتَنِي، وَأَحْسَنْتَ صُحْبَتِي، فَنَزَلَ بِكَ المَوْتُ، فَلاَ أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ؟ قَالَ: لِي أَخٌ بِالجَزِيْرَةِ مَكَانَ كَذَا   (1) أخرجه الحاكم 3 / 599 - 602، وقال: حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان. ولم يخرجاه، وأخرجه الفسوي 2 / 272 في " المعرفة والتاريخ " من طريق: زكريا من الارسوفي، عن السري بن يحيى عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: ... ، وكذلك هو عند الذهبي في " تاريخ الإسلام " 2 / 158 وقال: إسناده جيد. وزكريا الارسوفي صدوق إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 وَكَذَا، فَهُوَ عَلَى الحَقِّ، فَائْتِهِ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ، وَأَوْصَيْتُكُ بِصُحْبَتِهِ. فَلَمَّا قُبِضَ، أَتَيْتُ الرَّجُلَ الَّذِي وَصَفَ لِي، فَأَخْبَرْتُهُ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ، فَصَحِبْتُهُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ بِقُرْبِ الرُّوْمِ. فَلَمَّا قُبِضَ أَتَيْتُهُ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ عِيْسَى أَعْلَمُهُ، وَلَكِنْ هَذَا أَوَانٌ يَخْرُجُ نَبِيٌّ أَوْ قَدْ خَرَجَ بِتِهَامَةَ، وَأَنْتَ عَلَى الطَّرِيْقِ لاَ يَمُرُّ بِكَ أَحَدٌ إِلاَّ سَأَلْتَهُ عَنْهُ، وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ، فَائْتِهِ، فَإِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى، وَآيَةُ (1) ذَلِكَ: ... ، فَذَكَرَ الخَاتَمَ، وَالهَدِيَّةَ، وَالصَّدَقَةَ. قَالَ: فَمَاتَ، وَمَرَّ بِي نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَسَأَلْتُهُم. فَقَالُوا: نَعَمْ، قَدْ ظَهَرَ فِيْنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَقُلْتُ لِبَعْضِهِم: هَلْ لَكُم أَنْ أَكُوْنَ لَكُم عَبْداً، عَلَى أَنْ تَحْمِلُوْنِي عُقْبَةً، وَتُطْعِمُوْنِي مِنَ الكِسَرِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَصِرْتُ لَهُ عَبْداً، حَتَّى قَدِمَ بِي مَكَّةَ، فَجَعَلَنِي فِي بُسْتَانٍ لَهُ مَعَ حُبْشَانٍ كَانُوا فِيْهِ، فَخَرَجْتُ وَسَأَلْتُ، فَلَقِيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ بِلاَدِي، فَسَأَلْتُهَا، فَإِذَا أَهْلُ بَيْتِهَا قَدْ أَسْلَمُوا. فَقَالَتْ لِي: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْلِسُ فِي الحِجْرِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، إِذَا صَاحَ عُصْفُوْرُ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا أَضَاءَ لَهُمُ الفَجْرُ تَفَرَّقُوا. فَانْطَلَقْتُ إِلَى البُسْتَانِ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ لَيْلَتِي. فَقَالَ لِي الحُبْشَانُ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: أَشْتَكِي بَطْنِي، وَإِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِئَلاَّ يَفْقِدُوْنِي، فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْنِي خَرَجْتُ أَمْشِي، حَتَّى رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ مُحْتَبٍ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَرْسَلَ حَبْوَتَهُ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، هَذِهِ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ المُقْبِلَةُ لَقَطْتُ تَمْراً جَيِّداً، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: (فَاذْهَبْ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ) . فَانْطَلَقْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقُلْتُ: بِعْنِي نَفْسِي. قَالَ: نَعَمْ، عَلَى أَنْ تُنْبِتَ   (1) في الأصل " وإنه " وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 لِي مَائَةَ نَخْلَةٍ، فَإِذَا أَنْبَتَتْ جِئْنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (اشْتَرِ نَفْسَكَ بِذَلِكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ البِئْرِ الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ) . فَدَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا، ثُمَّ سَقَيْتُهَا، فَوَاللهِ لَقَدْ غَرَسْتُ مَائَةَ نَخْلَةٍ، فَمَا غَادَرْتُ مِنْهَا نَخْلَةً إِلاَّ نَبَتَتْ. فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَوَضَعْتُهَا فِي كَفَّةِ المِيْزَانِ، وَوَضَعَ فِي الجَانَبِ الآخَرِ نَوَاةً، فَوَاللهِ مَا اسْتَقَلَّتِ القِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ الأَرْضِ، وَجِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَخْبَرْتُهُ، فَأَعْتَقَنِي (1) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكرٌ، غَيْرُ صَحِيْحٍ. وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ: مَتْرُوْكٌ. وَقَدْ تَابَعَهُ فِي بَعْضِ الحَدِيْثِ: الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَأَمَّا هُوَ فَسَمَّنَ الحَدِيْثَ، فَأَفْسَدَهُ، وَذَكَرَ مَكَّةَ وَالحِجْرَ وَأَنَّ هُنَاكَ بَسَاتِيْنَ، وَخَبَطَ فِي مَوَاضِعَ. وَرَوَى مِنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ. وَرَوَاهُ: المُبَارَكُ أَخُو الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ. وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ. وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَالفَارِسِيَّةُ سَمَّاهَا ابْنُ مَنْدَةَ: أَمَةَ اللهِ. الطَّبَرَانِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ الكَبِيْرِ) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ (2) بنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، والحاكم 3 / 603، وقال: حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن عبد القدوس ساقط، وأخرجه الطبراني (6073) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 337، وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي. ضعفه أحمد والمجمهور، ووثقه ابن حيان، وقال: ربما أغرب. وبقية رجاله ثقات. وانظر ابن عساكر 7 / 195 / ب. (2) تحرفت في المطبوع إلى " سلمة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلاَمَةَ العِجْلِيِّ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ البَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: قُدَامَةُ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ. فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَجَدْنَاهُ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيْرِ لِيْفٍ، يَسُفُّ خُوْصاً. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدِمَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ. قَالَ: أَحَبَّهُ اللهُ. فَتَحَدَّثْنَا، وَقُلْنَا: أَلاَ تُحِدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ (1) . قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْماً مَجُوْساً، فَأَتَانِي نَصْرَانِيٌّ مِنَ الجَزِيْرَةِ، كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِيْنَا، وَاتَّخَذَ دَيْراً، وَكُنْتُ فِي مَكْتَبِ الفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لاَ يَزَالُ غُلاَمٌ مَعِي فِي الكُتَّابِ، يَجِيْءُ مَضْرُوْباً يَبْكِي. فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: آتِي هَذَا الدَّيْرَ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيْثاً عَجَباً. قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ. فَأَتَيْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ، وَعَنِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، فَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الكُتَّابِ، فَجَعَلُوا يَجِيْئُوْنَ مَعَنَا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ القَرْيَةِ، قَالُوا لَهُ: يَا هَنَاة (2) ! إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنَّا إِلاَّ الحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُم، اخْرُجْ عَنَّا. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِذَلِكَ الغُلاَمِ: اخْرُجْ مَعِي. قَالَ: لاَ أَسْتَطِيْعُ، قَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ. قُلْتُ: أَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيْماً لاَ أَبَ لِي. فَخَرَجْتُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، حَتَّى قَدِمْنَا الجَزِيْرَةَ، فَقَدِمْنَا نَصِيْبِيْنَ. فَقَالَ: هُنَا قَوْمٌ عُبَّادُ أَهْلِ الأَرْضِ. فَجِئْنَا إِلَيْهِم يَوْمَ الأَحَدِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِم، فَحَيَّوْهُ، وَبَشُّوا بِهِ، وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ قِبَلِ فَارِسٍ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبِي: قُمْ يَا   (1) تحرفت في المطبوع إلى " أهلك ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " يا هذا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 سَلْمَانُ. قَالَ: قُلْتُ: لاَ، دَعْنِي مَعَ هَؤُلاَءِ. قَالَ: إِنَّكَ لاَ تُطِيْقُ مَا يُطِيْقُ هَؤُلاَءِ، يَصُوْمُوْنَ الأَحَدَ إِلَى الأَحَدِ، وَلاَ يَنَامُوْنَ هَذَا اللَّيْلَ، وَإِذَا فِيْهِم رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ تَرَكَ المُلْكَ، وَدَخَلَ فِي العِبَادَةِ، فَكُنْتُ فِيْهِم حَتَّى أَمْسَيْنَا، فَجَعَلُوا يَذْهَبُوْنَ وَاحِداً وَاحِداً إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُوْنُ فِيْهِ. فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! هَذَا خُبْزٌ، وَهَذَا أُدْمٌ، كُلْ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ. ثُمَّ قَامَ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يُكَلِّمْنِي، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ، فَأَخَذَنِي الغَمُّ تِلْكَ الأَيَّامَ السَّبْعَةَ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ الأَحَدِ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَجْمَعِهِم. إِلَى أَنْ قَالَ صَاحِبِي: إِنِّي أُرِيْدُ الخُرُوْجَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَفَرِحْتُ، وَقُلْتُ نُسَافِرُ وَنَلْقَى النَّاسَ. فَخَرَجْنَا، فَكَانَ يَصُوْمُ مِنَ الأَحَدِ إِلَى الأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي بِالنَّهَارِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَاكَ دَأْبَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَعَلَى بَابِهِ مُقْعَدٌ يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَعْطِنِي. قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ. فَدَخَلْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَشُّوا بِهِ، وَاسْتَبْشَرُوا، فَقَالَ لَهُم: غُلاَمِي هَذَا، اسْتَوْصُوا بِهِ. فَأَطْعَمُوْنِي خُبْزاً وَلَحْماً، وَدَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الأَحَدِ، فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَنَامَ، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي. فَنَامَ، فَلَمْ أُوْقِظْهُ مَاوِيَةً لَهُ مِمَّا دَأَبَ. فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُوْراً، فَقَالَ: أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ؟ ثُمَّ قَالَ لِي: اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الدِّيْنِ اليَوْمَ النَّصْرَانِيَّةُ. قُلْتُ: وَيَكُوْنُ بَعْدَ اليَوْمِ دِيْنٌ أَفْضَلُ مِنْهُ - كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي -؟ قَالَ: نَعَمْ، يُوْشَكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَتَلَقَّانِي رِفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ، فَسَبَوْنِي، فَاشْتَرَانِي بِالمَدِيْنَةِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي نَخْلٍ، وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَّمْتُ عَمَلَ الخُوْصِ، أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ، فَأَعْمِلُهُ، فَأَبِيْعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَرُدُّ دِرْهَماً فِي الخُوْصِ، وَأَسْتَنْفِقُ دِرْهَماً أُحِبُّ أَنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ يَدِي. قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ. قَالَ: فَهَاجَرَ إِلَيْنَا، ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 إِلَى أَنْ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: (لاَ خَيْرَ فِيْهِم، وَلاَ فِيْمَنْ يُحِبُّهُم) . قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا -وَاللهِ- أُحِبُّهُم. قَالَ: وَذَاكَ حِيْنَ بَعَثَ السَّرَايَا، وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ، وَسرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ. قُلْتُ: يُحَدَّثُ بِي أَنِّي أُحِبُّهُم، فَيَبْعَثَ إِلَيَّ، فَيَضْرِبَ عُنُقِي. فَقَعَدْتُ فِي البَيْتِ، فَجَاءنِي الرَّسُوْلُ: أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ. فَخِفْتُ، وَقُلْتُ: اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ. قَالَ: لاَ وَاللهِ، حَتَّى تَجِيْءَ. فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ، وَقَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَبْشِرْ، فَقَدْ فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ) . ثُمَّ تَلاَ عَلَيَّ: {الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُوْنَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِم قَالُوا: آمَنَّا بِهِ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {لاَ نَبْتَغِي الجَاهِلِيْنَ} [القَصَصُ: 52] . قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُوْل - يَعْنِي صَاحِبَهُ -: لَوْ أَدْرَكْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُ فِيْهَا، إِنَّهُ نَبِيٌّ، لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً، وَلاَ يَأْمُرُ إِلاَّ بِحَقٍّ (1) . غَرِيْبٌ جِدّاً. وَسَلاَمَةُ: لاَ يُعْرَفُ. قَالَ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى الشَّامِ، فَقَالُوا لِي: إِنَّ نَبِيّاً قَدْ ظَهَرَ بِتِهَامَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: (أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟) . قُلْتُ: صَدَقَةٌ. فَقَبَضَ يَدَهُ، وَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَأْكُلُوا. ثُمَّ أَتْبَعْتُهُ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقُلْتُ: هَذَا هَدِيَّةٌ. فَأَكَلَ، وَأَكَلُوا. فَقُمْتُ عَلَى رَأْسِهِ، فَفَطِنَ، فَقَالَ بِرِدَائِهِ عَنْ ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِي ظَهْرِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ، وَتَشَهَّدْتُ (2) .   (1) أخرجه الطبراني (6110) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 340، وقال رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سلامة العجلي، وقد وثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل. (2) رجاله ثقات غير شريك، وهو ابن عبد الله فإنه سيئ الحفظ. وأخرجه الطبراني (6071) = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ سُلَيْمَانَ (1) التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ: تَدَاوَلَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ (2) . يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَاتَبْتُ، فَأَعَانَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَوْ وُزِنَتْ بِأُحُدٍ كَانَتْ أَثْقَلَ مِنْهُ (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُم خَمْسَ مَائَةِ فَسِيْلَةٍ، فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي) . فَآذَنْتُهُ، فَغَرَسَ بِيَدِهِ إِلاَّ وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا، فَيَعْلِقُ الجَمِيْعُ إِلاَّ الوَاحِدَةَ الَّتِي غَرَسْتُ (4) . قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي الوُضُوْءِ قَبْلَ الطَّعَامِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (تَنْزِلُ قَبْلَ الطَّعَامِ فِي الوُضُوْءِ، وَفِي الوُضُوْءِ بَعْدَهُ) (5) .   = من طريق علي بن عبد العزيز، عن ابن الأصبهاني، عن شريك، به مختصرا. والقباع بضم القاف: مكيال واسع أحدثه رجل اسمه قباع، فسمي به. (1) تحرف " سليمان " في المطبوع إلى " سلمان ". (2) أخرجه البخاري (3946) في مناقب الانصار: باب إسلام سلمان، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 195، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 221. (3) إسناده ضعيف لضعف شريك. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (6072) . (4) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وأخرجه أحمد 5 / 440 وابن سعد 4 / 1 / 57. (5) إسناده ضعيف لضعف قيس بن الربيع، وأخرجه أحمد 5 / 441، وأبو داود (3761) في الاطعمة: باب في غسل اليد قبل الطعام، والترمذي (1847) في الاطعمة: باب ما جاء في الوضوء قبل الطعام وبعده، والحاكم في " المستدرك " 3 / 604 كلهم من طريق قيس بن الربيع، عن أبي هاشم الزماني، عن زاذان، عن سلمان..، والطيالسي (1674) ، وضعفه أبو داود، والترمذي، والذهبي، والعراقي، وانظر الحاكم 4 / 106 - 107. وقد تصحف أبو هاشم في المطبوع إلى " هشام ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 أَبُو بَدْرٍ (1) السَّكُوْنِيُّ: عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَانَ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا سَلْمَانُ! لاَ تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِيْنَكَ) . قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي! كَيْفَ أُبْغِضُكَ (2) وَبِكَ هَدَانِي اللهُ. قَالَ: (تُبْغِضُ العَرَبَ، فَتُبْغِضُنِي (3)) . قَابُوْسُ بنُ حَسَنَةَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: يَحْيَى بنُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي العَيْزَارِ مِنَ الضُّعَفَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا سَابِقُ وَلَدِ آدَمَ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ (4)) . ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ (5)) . هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيْحٌ. ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: عَنْ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ (6) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَّ الخَنْدَقَ عَامَ الأَحْزَابِ، فَاحْتَجَّ المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ فِي   (1) هو أبو بدر شجاع بن الوليد السكوني. وقد تحرفت في المطبوع إلى " بدار ". (2) سقطت من المطبوع. (3) أخرجه أحمد 5 / 440، والطبراني (6093) ، والترمذي (3923) في المناقب: باب في فضل العرب. وقال: حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث أبي بدر شجاع بن الوليد، كذا قال، مع أن قابوس بن أبي ظبيان فيه لبن، وأبوه واسمه حصين بن جندب لم يسمع من سلمان. (4) سبق تخريجه في الصفحة (349) تعليق (2) . (5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59. (6) تحرفت الجلمة في المطبوع إلى كثير بن عبد الله عن عوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَانَ رَجُلاً قَوِيّاً. فَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ: مِنَّا سَلْمَانُ. وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ (1)) . كَثِيْرٌ: مَتْرُوْكٌ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ عَلَى سَلْمَانَ وَبِلاَلٍ وَصُهَيْبٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوْفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَقُوْلُوْنَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا؟! ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ! لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُم، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُم لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ) . فَأَتَاهُم أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ، أَغْضَبْتُكُم؟ قَالُوا: لاَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: أَوَّلُ مَغَازِي سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ: الخَنْدَقُ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: عَنْ أَبِيْهِ مَرْفُوْعاً: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُم: عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ (3)) . تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو رَبِيْعَةَ.   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59، والحاكم 3 / 598 كلاهما من طريق: ابن أبي فديك، عن كثير ابن عبد الله، عن أبيه، عن جده، وقال الذهبي: سنده ضعيف. (2) أخرجه أحمد 5 / 64، ومسلم (2504) في الفضائل: باب من فضائل سلمان، وهو في " الاستيعاب " 4 / 224. (3) شريك بن عبد الله سيئ الحفظ، وأبو ربيعة: هو عمرو بن ربيعة. قال أبو حاتم: منكر الحديث. ووثقه ابن معين ومال المؤلف في " الميزان " إلى تضعيفه، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي. وأخرجه أحمد 5 / 351، والترمذي (3720) في المناقب: باب مناقب علي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه (149) في المقدمة: باب فضل سلمان وأبي ذر، وأبو نعيم 1 / 190، والحاكم 3 / 130، وقال: صجيع على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي، فقال: ما خرج مسلم لأبي ربيعة، وهو في " الاستيعاب " 4 / 223، و" الإصابة " 4 / 224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ البَصْرِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاَثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ (1)) . يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُوْنَ؟ قِيْلَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: عَلِمَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى، وَكَفَى بِهِ عِلْماً. قَالُوا: عَمَّارٌ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ نَسِيٌّ، فَإِنْ ذَكَّرْتَهُ ذَكَرَ. قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ. قَالُوا: أَبُو مُوْسَى؟ قَالَ: صُبِغَ فِي العِلْمِ صِبْغَةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ. قَالُوا: حُذَيْفَةُ؟ قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالمُنَافِقِيْنَ. قَالُوا: سَلْمَانُ؟ قَالَ: أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، بَحْرٌ لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ. قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ أُعْطِيْتُ، وَإِذَا سَكَتُّ ابْتُدِيْتُ (2) . مُسلمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي ربيعة كما مر في التعليق السابق، ولعنعنة الحسن، وأخرجه الترمذي (3798) في المناقب، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح. وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، وأضاف إليهم رابعا هو المقداد، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 307، 344، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الايادي، وقد حسن الترمذي حديثه. وأخرجه الطبراني (6045) من طريق: حسين بن إسحاق التستري، عن علي بن بحر، عن سلمة بن فضل الابرش، عن عمران الطائي، عن أنس: أن الجنة تشتاق إلى أربعة: وزاد إليهم المقداد. وقد تقدم هذا الحديث في الصفحة (355) والصفحة (413) (2) رجاله ثقات. وقد سبق تخريجه في الصفحة (414) رقم (2) . (3) تحرفت في المطبوع إلى " عبد العزيز ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 غَيْرَكُم} . قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، ثُمَّ قَالَ: (هَذَا وَقَوْمُهُ، لَوْ كَانَ الدِّيْنُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الفُرْسِ (1)) . إِسْنَادُهُ وَسَطٌ. وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: بَلَغ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلُ سَلْمَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً. فَقَالَ: (ثَكِلَتْ سَلْمَانَ أُمُّهُ، لَقَدِ اتَّسَعَ مِنَ العِلْمِ (2)) . شَيْبَانُ: عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} قَالَ: سَلْمَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ (3) .   (1) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 2، 3 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، ومن طريق عبد الله بن جعفر المديني: كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي به، وأخرجه البخاري (4897) و (4898) في التفسير: باب قوله: وآخرين منهم لما يلحقوا بهم، من طريق سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا، عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) ، قال: قلت من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا - وفينا سلمان الفارسي. وضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يده على سلمان - ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء "، وأخرجه مسلم (2546) في الفضائل: باب فضائل الفرس، مجردا عن السبب من رواية يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رفعه " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس حتى يتناوله "، والترمذي (3307) في التفسير: باب ومن سورة الجمعة. (2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 343 - 344 مطولا، ونسبه إلى الطبراني في " الأوسط "، وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 60 - 61 من طريق عبد الله بن نمير، عن الأعمش، به. (3) أخرجه الطبري في " تفسيره " 13 / 177، وانظر " الدر المنثور " تفسير [الرعد: 42] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: عَنِ ابْنِ (1) عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: (يَا عُوَيْمِرُ! سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ، لاَ تَخُصَّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ، وَلاَ يَوْمَهَا بِصِيَامٍ (2)) . مِسْعَرٌ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَلْمَانُ تَابَعَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، وَلاَ يُدْرَكُ مَا عِنْدَهُ (3) . حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ، قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ سَلْمَانَ. قَالَ: مَنْ لَكُم بِمِثْلِ لُقْمَانَ الحَكِيْمِ، ذَاكَ امْرُؤٌ مِنَّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ البَيْتِ، أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ، بَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ (4) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ". (2) أخرجه أحمد 6 / 444 وليس فيه " سلمان أعلم منك ". وابن سعد 4 / 1 / 61 مطولا. وأخرج البخاري نحوه (1968) في الصوم: باب من أقسم على أخيه ليفطر، و (6139) في الأدب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف، والترمذي (2415) في الزهد: باب أعط كل ذي حق حقه، كلاهما من طريق: أبي العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: " آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال له: كل، قال: فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم. قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فلما كان من آخر الليل. قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له النبي، صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان ". (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 223. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 224، و" أسد الغابة " 2 / 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ (1) ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عُمَيْرَةَ (2) ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذاً المَوْتُ، قُلْنَا: أَوْصِنَا. قَالَ: أَجْلِسُوْنِي. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الإِيْمَانَ وَالعِلْمَ مَكَانُهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا - قَالَهَا ثَلاَثاً - فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ الَّذِي كَانَ يَهُوْدِيّاً فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ (3)) . رَوَاهُ: اللَّيْثُ، وَكَاتِبُهُ عَنْهُ. وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ، قَالَ: لَوْ حَدَّثْتُهُم بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ، لَقَالُوا: رَحِمَ اللهُ قَاتِلَ سَلْمَانَ (4) . مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ: كَانَ بَيْنَ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَيْنَ سَلْمَانَ شَيْءٌ، فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ. قَالَ: مَا أَعْرِفُ لِي أَباً فِي الإِسْلاَمِ، وَلَكِنِّي سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلاَمِ. فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَلَقِيَ سَعْداً، فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَعْدُ. فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَكَأَنَّهُ عَرَفَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ حَتَّى انْتَسَبَ. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الخَطَّابَ كَانَ أَعَزَّهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا عُمَرُ ابْنُ الإِسْلاَمِ، أَخُو سَلْمَانَ ابْنِ الإِسْلاَمِ، أَمَا وَاللهِ لَوْلاَ شَيْءٌ لَعَاقَبْتُكَ، أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً انْتَمَى إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ (5) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ". (2) في الأصل " خمير " وهو تحريف، ولم يفطن لذلك في المطبوع (3) أخرجه الترمذي (3806) في المناقب: باب مناقب عبد الله بن سلام، وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم 3 / 416، وصححه ووافقه الذهبي، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 73، والفسوي 1 / 468 في " المعرفة والتاريخ ". (4) لم نقف عليه. والمدائني أخباري، وبينه وبين سلمان مفاوز. (5) أخرجه عبد الرزاق (20942) من طريق معمر، عن قتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، قالا: ... ، وهو منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 عَفَّانُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَلْمَانَ: أَنْ زُرْنِي. فَخَرَجَ سَلْمَانُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ قُدُوْمُهُ، قَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا نَتَلَقَّاهُ. فَلَقِيَهُ عُمَرُ، فَالْتَزَمَهُ، وَسَاءلَهُ (1) ، وَرَجَعَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَخِي! أَبَلَغَكَ عَنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُهُ؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ عَلَى مَائِدَتِكَ السَّمْنَ وَاللَّحْمَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ لَكَ حُلَّتَيْنِ، حُلَّةُ (2) تَلْبَسُهَا فِي أَهْلِكَ، وَأُخْرَى تَخْرُجُ فِيْهَا. قَالَ: هَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: كُفِيْتَ هَذَا (3) . الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ (4) ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ فَرُّوْخٍ (5) ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ سَلْمَانُ مِنْ غَيْبَةٍ لَهُ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: أَرْضَاكَ لِلِّهِ عَبْداً. قَالَ: فَزَوِّجْنِي. فَسَكَتَ عَنْهُ. قَالَ: تَرْضَانِي لِلِّهِ عَبْداً، وَلاَ تَرْضَانِي لِنَفْسِكَ؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَاهُ قَوْمُ عُمَرَ، لِيَضْرِبَ عَنْ خِطْبَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى هَذَا أَمْرُهُ وَلاَ سُلْطَانُهُ، وَلَكِنْ قُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ عَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ بَيْنِنَا نَسَمَةً صَالِحَةً (6) . حَجَّاجٌ: وَاهٍ (7) . سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنَا عَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ: أَنَّ سَلْمَانَ مَرَّ بِحجرِ المَدَائِنِ غَازِياً، وَهُوَ أَمِيْرُ الجَيْشِ، وَهُوَ رِدْفُ رَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ عَلَى بَغْلٍ مَوْكُوْفٍ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَعْطِنَا   (1) تحرفت في المطبوع إلى " سابله ". (2) سقطت من المطبوع. (3) رجاله ثقات لكنه منقطع. (4) تحرفت في المطبوع إلى الكوفي. (5) تحرفت في المطبوع إلى " فروج ". (6) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 186، والطبراني (6067) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 291، وقال: رواه البزار، وفي إسناده الحجاج بن فروخ، وهو ضعيف. (7) سقطت هذه العبارة من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 اللِّوَاءَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ نَحْمِلْهُ. فَيَأْبَى، حَتَّى قَضَى غَزَاتَهُ، وَرَجَعَ، وَهُوَ رِدْفُ الرَّجُلِ (1) . أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ هُزَيْمٍ - أَوْ هُذَيْمٍ - قَالَ: رَأَيْتُ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ عَلَى حِمَارٍ عُرِيٍّ، وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ سُنْبُلاَنِيٌّ، ضَيِّقُ الأَسْفَلِ، وَكَانَ طَوِيْلَ السَّاقَيْنِ، يَتْبَعُهُ الصِّبْيَانُ. فَقُلْتُ لَهُم: تَنَحَّوْا عَنِ الأَمِيْرِ. فَقَالَ: دَعْهُمْ، فَإِنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ فِيْمَا بَعْدَ اليَوْمِ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ إِذَا سَجَدَتْ لَهُ العَجَمُ، طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: خَشَعْتُ لِلِّهِ، خَشَعْتُ لِلِّهِ (3) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مرْدَانُبَةَ، عَنْ خَلِيْفَةَ بنِ سَعِيْدٍ المُرَادِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ سَلْمَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدَائِنِ، زَحَمَتْهُ خِمْلَةُ قَصَبٍ فَأَوْجَعَتْهُ، فَأَخَذَ بَعَضُدِ صَاحِبِهَا، فَحَرَّكَهُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ مُتَّ حَتَّى تُدْرِكَ إِمَارَةَ الشَّبَابِ (4) . جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ بَنِي عَبْسٍ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ السُّوْقَ، فَاشْتَرَيْتُ عَلَفاً بِدِرْهَمٍ، فَرَأَيْتُ سَلْمَانَ وَلاَ أَعْرِفُهُ، فَسَخَّرْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ العَلَفَ. فَمَرَّ بِقَوْمٍ، فَقَالُوا: نَحْمِلُ عَنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقُلْتُ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَلْمَانُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ أَعْرِفْكَ، ضَعْهُ. فَأَبَى حَتَّى أَتَى المَنْزِلَ (5) .   (1) رجاله ثقات. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63 والسنبلاني: السابغ الطويل. (3) عطاء بن السائب اختلط. وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعده. وباقي رجاله ثقات. وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 87. (5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وَرَوَى: ثَابِتٌ البُنَانِيُّ نَحْوَهَا، وَفِيْهَا: فَحَسِبْتُهُ عِلْجاً، وَفِيْهَا: قَالَ لَهُ: فَلاَ تُسَخِّرْ بَعْدِيَ أَحَداً. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ هِشَامِ (1) بنِ حَسَّانٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ عَطَاءُ سَلْمَانَ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَكَانَ عَلَى ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً مِنَ النَّاسِ، يَخْطُبُ فِي عَبَاءةٍ، يَفْرِشُ نِصْفَهَا، وَيَلْبَسُ نِصْفَهَا، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَمْضَاهُ، وَيَأْكُلُ مِنْ سَفِيْفِ يَدِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، سَمِعَ النُّعْمَانَ بنَ حُمَيْدٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ مَعَ خَالِي عَلَى سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ يَعْمَلُ الخُوْصَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ، فَأَعْمَلُهُ، فَأَبِيْعُهُ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، فَأُعِيْدُ دِرْهَماً فِيْهِ، وَأُنْفِقُ دِرْهَماً عَلَى عِيَالِي، وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ نَهَانِي عَنْهُ مَا انْتَهَيْتُ (3) . وَرَوَى نَحْوَهَا: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَمِّهِ، وَفِيْهَا: فَقُلْتُ لَهُ: فَلِمَ تَعْمَلُ؟ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَكْرَهَنِي، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَأَبَى عَلَيَّ مَرَّتَيْنِ، وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَأَوْعَدَنِي. مَعْنٌ: عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالفَيْءِ حَيْثُ مَا دَارَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ. فَقِيْلَ: أَلاَ نَبْنِي لَكَ بَيْتاً تَسْتَكِنُّ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَدْبَرَ القَائِلُ، سَأَلَهُ سَلْمَانُ: كَيْفَ تَبْنِيْهِ؟ قَالَ: إِنْ قُمْتَ فِيْهِ أَصَابَ رَأْسَكَ، وَإِنْ نِمْتَ أَصَابَ رِجْلَكَ (4) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " هاشم ". (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62، وأبو نعيم في " الحلية " 198، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و" الإصابة " 4 / 225، و" أسد الغابة " 2 / 420. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 197، من طريق مسلمة بن علقمة المازني، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية ... ، وكذلك الطبراني (6110) ، وانظر " المجمع " 9 / 343. (4) أخرجه عبد الرزاق (20631) ، وابن سعد 4 / 1 / 63، وأبو نعيم 1 / 202، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و" أسد الغابة " 2 / 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 زَائِدَةُ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَزَلْتُ بِالصِّفَاحِ فِي يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِّ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ فِي حَرِّ الشَّمْسِ، يَسْتَظِلُّ بِشَجَرَةٍ، مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ، وَمِزْوَدُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، مُلْتَفٌّ بِعَبَاءةٍ، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَيْهِ، وَنَزَلْنَا، فَانْتَبَهَ، فَإِذَا هُوَ سَلْمَانُ، فَقُلْتُ لَهُ: ظَلَّلْنَا عَلَيْكَ وَمَا عَرَفْنَاكَ. قَالَ: يَا جَرِيْرُ! تَوَاضَعْ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ يَرْفَعْهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَتَعَظَّمْ فِي الدُّنْيَا يَضَعْهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَوْ حَرَصْتَ عَلَى أَنْ تَجِدَ عُوْداً يَابِساً فِي الجَنَّةِ لَمْ تَجِدْهُ. قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: أُصُوْلُ الشَّجَرِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَأَعْلاَهَا الثِّمَارُ، يَا جَرِيْرُ! تَدْرِي مَا ظُلْمَةُ النَّارِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: ظُلْمُ النَّاسِ (1) . شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئاً اشْتَرَى بِهِ لَحْماً أَوْ سَمَكاً، ثُمَّ يَدْعُو المُجَذَّمِيْنَ، فَيَأْكُلُوْنَ مَعَهُ (2) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: أُوْخِيَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَسَكَنَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الشَّامَ، وَسَكَنَ سَلْمَانُ الكُوْفَةَ، وَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَيْهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ رَزَقَنِي بَعْدَكَ مَالاً وَوَلَداً، وَنَزَلْتُ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: اعْلَمْ أَنَّ الخَيْرَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَلَكِنَّ الخَيْرَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ يَنْفَعَكَ عِلْمُكَ، وَإِنَّ الأَرْضَ لاَ تَعْمَلُ لأَحَدٍ، اعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى، وَاعْدُدْ نَفْسَكَ مِنَ المَوْتَى (3) .   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 202، والصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم، على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 200. (3) رجاله ثقات، لكنه منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 مَالِكٌ فِي (المُوَطَّأِ) : عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ: هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَداً، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ المَرْءَ عَمَلُهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيْباً، فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّباً فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَاناً، فَتَدْخُلَ النَّارَ. فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ، نَظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ: مُتَطَبِّبٌ وَاللهِ، ارْجِعَا أَعِيْدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا (1) . أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ مَعْنٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: جَاءَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَدَخَلاَ عَلَى سَلْمَانَ فِي خُصٍّ، فَسَلَّمَا وَحَيَّيَاهُ، ثُمَّ قَالاَ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. فَارْتَابَا. قَالَ: إِنَّمَا صَاحِبُهُ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ الجَنَّةَ. قَالاَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ: فَأَيْنَ هَدِيَّتُهُ؟ قَالاَ: مَا مَعَنَا هَدِيَّةٌ. قَالَ: اتَّقِيَا اللهَ، وَأَدِّيَا الأَمَانَةَ، مَا أَتَانِي أَحَدٌ مِنْ عِنْدِهِ إِلاَّ بِهَدِيَّةٍ. قَالاَ: لاَ تَرْفَعْ عَلَيْنَا هَذَا، إِنَّ لَنَا أَمْوَالاً، فَاحْتَكِمْ. قَالَ: مَا أُرِيْدُ إِلاَّ الهَدِيَّةَ. قَالاَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ مَعَنَا بِشَيْءٍ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِيْكُم رَجُلاً كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَلاَ بِهِ لَمْ يَبْغِ غَيْرَهُ، فَإِذَا أَتَيْتُمَاهُ فَأَقْرِئَاهُ مِنِّي السَّلاَمَ. قَالَ: فَأَيُّ هَدِيَّةٍ كُنْتُ أُرِيْدُ مِنْكُمَا غَيْرَ هَذِهِ؟ وَأَيُّ هَدِيَّةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا (2) ؟ وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شِبْلٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، كَانَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى ثَلاَثِ   (1) أخرجه مالك في " الموطأ " ص (480) في الوصية: باب جامع القضاء برقم (7) . وأبو نعيم في الحلية " 1 / 205. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 201، والطبراني (6058) . وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 41، وقال: رجاله رجال الصحيح. غير يحيى بن إبراهيم المسعودي، وهو ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 مَنَازِلَ: فَمِنْهُم مَنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ عَلَيْهِ وَلاَ لَهُ، وَمِنْهُم مَنْ لاَ عَلَيْهِ وَلاَ لَهُ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَمَّا مَنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ: فَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، فَذَاكَ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَمَشَى فِي مَعَاصِي اللهِ، فَذَاكَ عَلَيْهِ وَلاَ لَهُ. وَرَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَذَاكَ لاَ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ. قَالَ طَارِقٌ: فَقُلْتُ: لأَصْحَبَنَّ هَذَا. فَضُرِبَ (1) عَلَى النَّاسِ بَعْثٌ، فَخَرَجَ فِيْهِم، فَصَحِبْتُهُ، وَكُنْتُ لاَ أَفْضُلُهُ فِي عَمَلٍ، إِنْ أَنَا عَجَنْتُ خَبَزَ، وَإِنْ خَبَزْتُ طَبَخَ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَبِتْنَا فِيْهِ، وَكَانَتْ لِطَارِقٍ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ يَقُوْمُهَا، فَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا، فَأَجِدُهُ نَائِماً، فَأَقُوْلُ: صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ خَيْرٌ مِنِّي نَائِمٌ، فَأَنَامُ، ثُمَّ أَقُوْمُ، فَأَجِدُهُ نَائِماً، فَأَنَامُ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ. حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا الفَجْرَ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ أَقُومُهَا، وَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا، فَأَجِدُكَ نَائِماً. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! فَإِيْشْ كُنْتَ تَسْمَعُنِي أَقُوْلُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! تِلْكَ الصَّلاَةُ، إِنَّ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ، مَا اجْتُنِبَتِ المَقْتَلَةُ، يَا ابْنَ أَخِي! عَلَيْكَ بِالقَصْدِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، سَمِعْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ: أَنَّ سَلْمَانَ دَعَا رَجُلاً إِلَى طَعَامِهِ. قَالَ: فَجَاءَ مِسْكِيْنٌ (3) ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ كِسْرَةً، فَنَاوَلَهُ. فَقَالَ سَلْمَانُ:   (1) تحرفت في المطبوع إلى " فندب ". (2) أخرجه عبد الرزاق " 148) و (4737) ، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، والطبراني (6051) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 1 / 300، وقال: ورجاله موثقون. (3) تحرفت في المطبوع إلى " بسكين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 ضَعْهَا، فَإِنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِتَأْكُلَ، فَمَا رَغْبَتُكَ أَنْ يَكُوْنَ الأَجْرُ لِغَيْرِكَ، وَالوِزْرُ عَلَيْكَ (1) . سُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى سَلْمَانَ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا عَنِ التَّكَلُّفِ، لَتَكَلَّفْتُ لَكُم. فَجَاءنَا بِخُبْزٍ وَمِلْحٍ. فَقَالَ صَاحِبِي: لَوْ كَانَ فِي مِلْحِنَا صَعْتَرٌ. فَبَعَثَ سَلْمَانُ بِمِطْهَرَتِهِ، فَرَهَنَهَا، فَجَاءَ بِصَعْتَرٍ. فَلَمَّا أَكَلْنَا، قَالَ صَاحِبِي: الحَمْدُ للهِ الَّذِي قَنَّعَنَا بِمَا رَزَقَنَا. فَقَالَ سَلْمَانُ: لَوْ قَنِعْتَ لَمْ تَكُنْ مِطْهَرَتِي مَرْهُوْنَةً (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ رَجُلٍ أَشْجَعِيٍّ، قَالَ: سَمِعُوا بِالمَدَائِنِ أَنَّ سَلْمَانَ بِالمَسْجِدِ، فَأَتَوْهُ يَثُوْبُوْنَ إِلَيْهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ نَحْوٌ مِنْ أَلْفٍ، فَقَامَ، فَافْتَتَحَ سُوْرَةَ يُوْسُفَ، فَجَعَلُوا يَتَصَدَّعُوْنَ، وَيَذْهَبُوْنَ، حَتَّى بَقِيَ نَحْوُ مَائَةٍ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: الزُّخْرُفَ يُرِيْدُوْنَ؟ آيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ كَذَا، وَآيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ كَذَا (3) . وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ سَلْمَانَ الْتَمَسَ مَكَاناً يُصَلِّي فِيْهِ. فَقَالَتْ لَهُ عِلْجَةٌ: الْتَمِسْ قَلْباً طَاهِراً، وَصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ: فَقُهْتِ (4) . سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعُوْنَ تُعَذَّبُ، فَإِذَا انْصَرَفُوا أَظَلَّتْهَا المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَتَرَى بَيْتَهَا فِي الجَنَّةِ وَهِيَ   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 200. (2) أخرجه الطبراني (6085) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 179، وقال: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن منصور الطوسي، وهو ثقة. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 203. (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 تُعَذَّبُ. قَالَ: وَجُوِّعَ لإِبْرَاهِيْمَ أَسَدَانِ، ثُمَّ أُرْسِلاَ عَلَيْهِ، فَجَعَلاَ يَلْحَسَانِهِ، وَيَسْجُدَانِ لَهُ (1) . مُعْتَمِرُ (2) بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ لاَ يُفْقَهُ كَلاَمُهُ مِنْ شِدَّةِ عُجْمَتِهِ. قَالَ: وَكَانَ يُسَمِّي الخَشَبَ خُشْبَانَ (3) . تَفَرَّدَ بِهِ: الثِّقَةُ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ عَنْهُ. وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ - أَعْنِي عُجْمَتَهُ - وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، فَقَالَ: لَهُ كَلاَمٌ يُضَارِعُ كَلاَمَ فُصَحَاءِ العَرَبِ. قُلْتُ: وُجُوْدُ الفَصَاحَةِ لاَ يُنَافِي وُجُوْدَ العُجْمَةِ فِي النُّطْقِ، كَمَا أَنَّ وُجُوْدَ فَصَاحَةِ النُّطْقِ مِنْ كَثِيْرِ العُلَمَاءِ غَيْرُ مُحَصِّلٍ لِلإِعْرَابِ. قَالَ: وَأَمَّا خُشْبَانُ: فَجَمْعُ الجَمْعِ، أَوْ هُوَ خَشَبٌ زِيْدَ فِيْهِ الأَلِفُ وَالنُّوْنُ، كَسُوْدٍ وَسُوْدَانَ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ سَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ عَلَى سَلْمَانَ عِنْدَ المَوْتِ، فَبَكَى. فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ نَحْفَظْهُ. قَالَ: (لِيَكُنْ بَلاَغُ أَحَدِكُم مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) . وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ، فَاتَّقِ اللهَ فِي حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَفِي قَسْمِكَ إِذَا قَسَمْتَ، وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206. (2) تحرفت في المطبوع إلى " معمر ". (3) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 قَالَ ثَابِتٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إِلاَّ بِضْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، نُفَيْقَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُ (1) . شَيْبَانُ: عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ بُقَيْرَةَ (2) امْرَأَةِ سَلْمَانَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ، دَعَانِي وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَقَالَ: افْتَحِي هَذِهِ الأَبْوَابَ، فَإِنَّ لِي اليَوْمَ زُوَّاراً لاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّ هَذِهِ الأَبْوَابِ يَدْخُلُوْنَ عَلَيَّ. ثُمَّ دَعَا بِمِسْكٍ، فَقَالَ: أَدِيْفِيْهِ فِي تَوْرٍ، ثُمَّ انْضَحِيْهِ حَوْلَ فِرَاشِي. فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أُخِذَ رُوْحُهُ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ (3) . بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ   (1) حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه (4104) في الزهد: باب الزهد في الدنيا. وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 196 - 197، والطبراني (6069) وأخرجه الطبراني أيضا (6160) من طريق حماد ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب وحميد بن مورق العجلي، أن سعد بن مالك، وابن مسعود دخلا على سلمان يعودانه، فبكى فقالا: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحفظه أحد منا. قال: " ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب " قال مورق: " فنظروا في بيته، فإذا إكاف كذا وكذا ". وأخرجه أحمخد 5 / 438 من طريق هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: لما احتضر سلمان بكى، وقال: " إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهد إلينا عهدا، فتركنا ما عهد إلينا: أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا، كزاد الراكب قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك، بضعة وعشرون درهما، أو بضعة وثلاثون درهما ". وصححه ابن حبان (2480) من طريق ابن واهب، عن أبي هانئ، أخبرني أبو عبد الرحمن الحبلي، عن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير ... وأخرجه الحاكم 4 / 317 من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخه قال: دخل سعد..وصححه، ووافقه الذهبي، وقد تحرفت " نفيقة " عند المنجد إلى " بليقة ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " نفيرة ". (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 208 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 344 وقال: رواه الطبراني من طريق: الجزل عن بقيرة، ولم أعرفهما، وباقي رجاله ثقات، وكذلك أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 66. وقوله: أديفيه: أي اخلطيه، والتور: إناء من صفر أو حجارة، يوضع فيه الماء. وجاء في الأصل: أودفيه، وما أثبتناه من " غريب الحديث " لابن الأثير، و" الحلية " و" المجمع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: يَأْتُوْنَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُوْنَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللهُ بِكَ، وَخَتَمَ بِكَ، وَغَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَجِئْتَ (1) فِي هَذَا اليَوْمِ آمِناً (2) ، فَقَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ، فَقُمْ، فَاشْفَعْ (3) لَنَا إِلَى رَبِّنَا. فَيَقُوْلُ: (أَنَا صَاحِبُكُم) . فَيَقُوْمُ، فَيَخْرُجُ يَحُوْشُ النَّاسَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَأْخُذَ بِحَلْقَةٍ فِي البَابِ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَقْرَعُ البَابَ. فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُوْلُ: (مُحَمَّدٌ) . فَيُفْتَحُ لَهُ، فَيَجِيْءُ حَتَّى يَقُوْمَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُوْدِ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، فَيُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَادْعُ تُجَبْ. فَيَفْتَحُ الله لَهُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْمِيْدِ، وَالتَّمْجِيْدِ، مَا لَمْ يَفْتَحْ لأَحَدٍ مِنَ الخَلاَئِق، فَيَقُوْلُ: (رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي) . ثُمَّ يَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُوْدِ. قَالَ سَلْمَانُ: فَيَشْفَعُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حِنْطَةٍ مِنْ إِيْمَانٍ (4) . أَوْ قَالَ: مِثْقَالَ شَعِيْرَةٍ. أَوْ قَالَ: مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ (5) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: فَتْرَةُ مَا بَيْنَ عِيْسَى وَمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سِتُّ مَائَةِ سَنَةٍ (6) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَلْمَانُ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بِالمَدَائِنِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَنْجَوَيْه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (7) ، وَشَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " وخيب ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " أملنا ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " واسع ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " الحمد ". (5) إسناده صحيح. وعاصم هو ابن سليمان الأحوال. (6) أخرجه البخاري (3948) في المناقب: باب إسلام سلمان. (7) أبو عبيد: هو القاسم بن سلام، وقد تحرف في المطبوع إلى " أبو عبيدة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 بِالمَدَائِنِ. وَقَالَ شَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، فَمَا أَدْرَكَ سَلْمَانُ الجَمَلَ وَلاَ صِفِّيْنَ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ: يَقُوْلُ أَهْلُ العِلْمِ: عَاشَ سَلْمَانُ ثَلاَثَ مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَأَمَّا مَائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ، فَلاَ يَشُكُّوْنَ فِيْهِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ: يُقَالُ: اسْمُ سَلْمَانَ مَاهَوَيْه. وَقِيْلَ: مَايَةُ. وَقِيْلَ: بُهْبُوْدُ بنُ بَذْخَشَانَ بنِ آذَرجشِيْشَ، مِنْ وَلَدِ مَنُوْجَهْرَ المَلِكِ (1) . وَقِيْلَ: مِنْ وَلَدِ آبَ المَلِكِ. يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، بِالمَدَائِنِ. قَالَ: وَتَارِيْخُ كِتَابِ عِتْقِهِ يَوْمُ الاثْنَيْنِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، مُهَاجَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَمَوْلاَهُ الَّذِي بَاعَهُ: عُثْمَانُ بنُ أَشْهَلَ القُرَظِيُّ اليَهُوْدِيُّ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَادَ إِلَى أَصْبَهَانَ زَمَنَ عُمَرَ. وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ بَشِيْرٌ (2) ، وَبِنْتٌ بِأَصْبَهَانَ لَهَا نَسْلٌ، وَبِنْتَانِ بِمِصْرَ. وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ كَثِيْرٌ. فَمِنْ قَوْلِ البَحْرَانِيِّ إِلَى هُنَا منَقُوْلٌ مِنْ كِتَابِ (الطّوَالاَتِ) لأَبِي مُوْسَى الحَافِظِ. وَقَدْ فَتَّشْتُ، فَمَا ظَفِرْتُ فِي سِنِّهِ بِشَيْءٍ، سِوَى قَوْلِ البَحْرَانِيِّ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ لاَ إِسْنَادَ لَهُ. وَمَجْمُوْعُ أَمْرِهِ، وَأَحْوَالِهِ، وَغَزْوِهِ، وَهِمَّتِهِ، وَتَصَرُّفِهِ، وَسَفِّهِ لِلْجَرِيْدِ، وَأَشْيَاءَ مِمَّا تَقَدَّمَ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَمَّرٍ، وَلاَ هَرِمٍ، فَقَدْ فَارَقَ وَطَنَهُ وَهُوَ حَدَثٌ، وَلَعَلَّهُ قَدِمَ الحِجَازَ وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ سَمِعَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ   (1) في تاريخ أصبهان لأبي نعيم " يقال: إن اسمه ما هويه " وقيل ما به ابن بدخشان ابن آزر جشنس من ولد منو شهر الملك. وقيل: كان اسمه، بهبود بن خشان. (2) تحرفت في المطبوع إلى " بشر ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 هَاجَرَ، فَلَعَلَّهُ عَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَا أَرَاهُ بَلَغَ المَائَةَ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُفِدْنَا. وَقَدْ نَقَلَ طُوْلَ عُمُرِهِ: أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَمَا عَلِمْتُ فِي ذَلِكَ شَيْئاً يُرْكَنُ إِلَيْهِ. رَوَى جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَذَلِكَ فِي (العِلَلِ (1)) لابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ سَلْمَانُ، خَرَجَ سَعْدٌ مِنَ الكُوْفَةِ يَعُوْدُهُ، فَقَدِمَ، فَوَافَقَهُ وَهُوَ فِي المَوْتِ يَبْكِي، فَسَلَّمَ، وَجَلَسَ، وَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ يَا أَخِي؟ أَلاَ تَذْكُرُ صُحْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ، أَلاَ تَذْكُرُ المَشَاهِدَ الصَّالِحَةَ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا يُبْكِيْنِي وَاحِدَةٌ مِنْ ثِنْتَيْنِ، مَا أَبْكِي حُبّاً بِالدُّنْيَا، وَلاَ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ اللهِ. قَالَ سَعْدٌ: فَمَا يُبْكِيْكَ بَعْدَ ثَمَانِيْنَ؟ قَالَ: يُبْكِيْنِي أَنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً، قَالَ: (لِيَكُنْ بَلاَغُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) ، وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنَّا قَدْ تَعَدَّيْنَا (2) . رَوَاهُ: بَعْضُهُمْ، عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَإِرْسَالُهُ أَشْبَهُ. قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَهَذَا يُوْضِحُ لَكَ أَنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ) أَنَّهُ عَاشَ مَائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا السَّاعَةَ لاَ أَرْتَضِي ذَلِكَ، وَلاَ أُصَحِّحُهُ. أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: الْتَقَى سَلْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ بن سَلاَمٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ لَقِيْتَ رَبَّكَ   (1) 2 / 140 139، وقد تقدم تخريج الحديث. (2) تقدم في الصفحة (553) تعليق رقم (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 قَبْلِي، فَأَخْبِرْنِي مَاذَا لَقِيْتَ مِنْهُ. فَتُوُفِّيَ أَحَدُهُمَا، فَلَقِيَ الحَيَّ فِي المَنَامِ، فَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ، فَقَالَ: تَوَكَّلْ وَأَبْشِرْ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ التَّوَكُّلِ قَطُّ (1) . قُلْتُ: سَلْمَانُ مَاتَ قَبْلَ عَبْدِ اللهِ بِسَنَوَاتٍ. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجَزَرِيُّ، وَيعِيْشُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ (ح) . وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ، أَنْبَأَنَا الأَعَزُّ بنُ فَضَائِلَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ المُقْتَدِرِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ اليَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السَّامِيُّ، أَنْبَأَنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَمَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ يَعْمَلُ بِالمِسْحَاةِ، فَكَانَتْ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، قَدَّمَتْ لَهُ طَعَامَهُ، وَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشَهُ. فَبَلَغَ خَبَرَهَا مَلِكُ ذَلِكَ العَصْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا عَجُوْزاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَقَالَتْ لَهَا: تَصْنَعِيْنَ بِهَذَا الَّذِي يَعْمَلُ بِالمِسْحَاة! لَوْ كُنْتِ عِنْدَ المَلِكِ لَكَسَاكِ الحَرِيْرَ، وَفَرَشَ لَكَ الدِّيْبَاجَ. فَلَمَّا وَقَعَ الكَلاَمُ فِي مَسَامِعِهَا، جَاءَ زَوْجُهَا بِاللَّيْلِ، فَلَمْ تُقَدِّمْ لَهُ طَعَامَهُ، وَلَمْ تَفْرُشْ لَهُ فِرَاشَهُ. فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا الخُلُقُ يَا هَنْتَاهُ؟ قَالَتْ: هُوَ مَا تَرَى. فَقَالَ: أُطَلِّقُكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ذَلِكَ المَلِكُ، فَلَمَّا زُفَّتْ إِلَيْهِ، نَظَرَ إِلَيْهَا فَعَمِيَ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَجَفَّتْ. فَرَفَعَ نَبِيُّ ذَلِكَ العَصْرِ خَبَرَهُمَا إِلَى اللهِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: أَعْلِمْهُمَا أَنِّي غَيْرُ غَافِرٍ لَهُمَا، أَمَا عَلِمَا أَنَّ بِعَيْنِي مَا عَمِلاَ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 205 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 بِصَاحِبِ المِسْحَاةِ (1) . بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ نَجَزَ الجُزْءُ الأَوَّلُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، وَيلِيْه الجُزْءُ الثَّانِي، وَأَوَّلُهُ تَرْجَمَةُ: عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ   (1) الحديث لا يصح. روح بن أسلم: قال عفان: روح بن أسلم، كذاب، وقال ابن معين: ليس بذاك، لم يكن من أهل الكذب، وقال أبو حاتم: لين الحديث يتكلم فيه، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: ضعيف متروك، وقال ابن الجارود: عنده مناكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 الْجُزْءُ الثَّانِي 1 - عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ بنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ بنِ فِهْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ عَوْفِ بنِ [عَمْرِو بنِ عَوْفِ] (1) بنِ الخَزْرَجِ. الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، وَمِنْ أَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ. سَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ الزَّاهِدُ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ الوَلِيْدُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ - وَلَمْ يَلْحَقَاهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ - وَابْنُ زَوْجَتِهِ؛ أَبُو أُبَيٍّ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَحِطَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ الأُوْلَى: عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، شَهِدَ المَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسَوَلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -.   (*) مسند أحمد: 5 / 114، طبقات ابن سعد: 3 / 546 و621، تاريخ خليفة: 168، التاريخ الكبير: 6 / 92، المعارف: 255، 327، تاريخ الفسوي: 1 / 316، الجرح والتعديل: 6 / 95، المستدرك: 3 / 354 - 357 الاستبصار: 188 - 189، الاستيعاب: 2 / 807، تاريخ ابن عساكر: عبادة / 8 / 427 / 2، أسد الغابة: 3 / 160، تهذيب الكمال: 655، تاريخ الإسلام: 2 / 118، العبر: 1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 320، تهذيب التهذيب: 5 / 111 - 112، الإصابة: 5 / 322، خلاصة تذهيب الكمال: 188، كنز العمال: 13 / 554، شذرات الذهب: 1 / 40 و62، تهذيب ابن عساكر 7 / 209. (1) زيادة من تاريخ الإسلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 مُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ: حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بنُ نُبَاتَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الصُّنَابِحِيُّ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُ، قَالَ: خَلَوْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَيُّ أَصْحَابِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ حَتَّى أُحِبَّهُ؟ قَالَ: (اكْتُمْ عَلَيَّ حَيَاتِي: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عَلِيٌّ) . ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (مَنْ عَسَى أَنْ يَكُوْنَ إِلاَّ الزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَسَعْدٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَنْتَ يَا عُبَادَةَ، وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ عَفَّانَ، ثُمَّ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ مِنَ المَوَالِي: سَلْمَانُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَعَمَّارٌ (1)) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ. فَلَمَّا كَانَ (2) عُمَرُ، كَتَبَ يَزِيْدُ (3) بنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ كَثِيْرٌ، وَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُم. فَقَالَ: أَعِيْنُوْنِي بِثَلاَثَةٍ. فَقَالُوا: هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ - لأَبِي أَيُّوْبَ - وَهَذَا سَقِيْمٌ - لأُبَيٍّ -. فَخَرَجَ الثَّلاَثَةُ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: ابْدَؤُوا بِحِمْصَ، فَإِذَا رَضِيْتُم مِنْهُم، فَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ، وَآخَرُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ (4) .   (1) إسناده ضعيف، لضعف موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، ضعفه ابن معين، وأحمد، وأبو - داود، وأبو - زرعة، وأبو - حاتم، والدارقطني، وقال البخاري: عنده مناكير. (2) في " تاريخ الإسلام " للمؤلف 2 / 118: فلما استخلف. (3) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ". (4) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ". وإساده حسن، لكنه مرسل. وأخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 46 في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: قال: أربعة كلهم من الانصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبو زيد هذا أحد عمومة أنس. وانظر " فتح الباري " 9 / 47. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 بُرْدُ بنُ سِنَانٍ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ قَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُبَادَةَ أَنْكَرَ عَلَى مُعَاوِيَةَ شَيْئاً، فَقَالَ: لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ. فَرَحَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ. قَالَ لهُ عُمَرُ: مَا أَقْدَمَكَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ [لَهُ] (1) : ارْحَلْ إِلَى مَكَانِكَ، فَقَبَّحَ اللهُ أَرْضاً لَسْتَ فِيْهَا وَأَمْثَالُكَ، فَلاَ إِمْرَةَ لَهُ عَلَيْكَ (2) . ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ دَاوُدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ (3) ، عَنِ ابْنِ عَمِّهِ؛ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَأَذَّنَ يَوْماً، فَقَامَ خَطِيْبٌ يَمْدَحُ مُعَاوِيَةَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَامَ عُبَادَةُ بِتُرَابٍ فِي يَدِهِ، فَحَشَاهُ فِي فَمِ الخَطِيْبِ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ: إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ مَعَنَا حِيْنَ بَايَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعَقَبَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَمَكْسَلِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُوْمَ بِالحَقِّ حَيْثُ كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إِذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِيْنَ، فَاحْثُوا فِي أَفْوَاهِهِمُ التُّرَابَ) (4) .   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". (2) رجاله ثقات. (3) كذا الأصل، ولم أقف له على ترجمة في كتب الجرح والتعديل، وربما يكون محرفا عن " النعمان " بدل " الوليد " ففي " الجرح والتعديل " 8 / 447: النعمان بن داود بن محمد بن عبادة ابن الصامت الأنصاري: روى عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، روى عنه أبو نعيم، سمعت أبي يقول ذلك. (4) ورجاله ثقات خلا الوليد بن داود بن محمد فإنني لم أعرفه، وأخرج أحمد 5 / 314 و316، والبخاري 13 / 167 في الاحكام: باب كيف يبايع الناس الامام، والنسائي 7 / 137، 138 في أول البيعة من طريق عبادة بن الوليد، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ليلة العقبة) على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط المكره، وأن لا ننازع الامر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وثمة بيعة أخرى، رواها عبادة، تمت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة، أخرجها البخاري 12 / 74، ومسلم (1709) كلاهما في الحدود: باب الحدود كفارة، من طريق ابن عيينة، عن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 يَحْيَى القَطَّانُ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا (1) مَالِكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ: أَلاَ تَرَوْنِي لاَ أَقُوْمُ إِلاَّ رِفْداً (2) ، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مَا لُوِّقَ -يَعْنِي: لُيِّنَ وَسُخِّنَ- وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَانٍ -يَعْنِي: ذَكَرَهُ- وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْتُ بِامْرَأَةٍ لاَ تَحِلُّ لِي، وَإِنَّ لِي مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ الشَّيْطَانُ فَيُحَرِّكَهُ، عَلَى أَنَّه لاَ سَمْعَ لَهُ وَلاَ بَصَرَ (3) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ بنِ   = الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم، فأجره على الله، من أصحاب شيئا من ذلك، فعوقب به. فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك، فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفاعنه، وإن شاء عذبه " وفي رواية: فتلا علينا آية النساء، وفي رواية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء. وانظر " الفتح " 1 / 60، 65، وأما حديث " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ": فأخرجه مسلم (3002) في الزهد والرقائق، وأحمد 6 / 5، والترمذي (2393) ، وابن ماجة (3742) ، وأبو داود (4804) ، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وأخرجه احمد 2 / 94 من حديث ابن عمر، وأخرجه أبو أحمد الحاكم في " الكنى " من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو. قال الخطابي: المداحون: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة، وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح، ويفتونه، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والامر المحمود، يكون منه ترغيبا له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه، وقد استعمل المقداد الحديث على ظاهره. وحمله على وجهه في تناول عين التراب بيده، وحثيه في وجه المادح. وقد يتأول أيضا على وجه آخر، وهو أن يكون معناه: الخيبة والحرمان، أي من تعرض لكم بالثناء والمدح، فلا تعطوه، واحرموه كنى بالتراب عن الحرمان. (1) تحرفت في المطبوع إلى " بن ". (2) الرفد: الاعانة، والمعنى: أنه لايستطيع القيام إلا أن يعان عليه. (3) رجاله ثقات خلا مالك بن شرحبيل، فإنه لم يوثق، وهو مترجم في " تاريخ البخاري " 7 / 314 و" الجرح والتعديل " 8 / 210. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 رِفَاعَةَ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ وَأَهْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ إِلَيْكَ، وَإِمَّا أَنْ أُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ رَحِّلْ عُبَادَةَ حَتَّى تَرْجِعَهُ إِلَى دَارِهِ بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَفْجَأْهُ إِلاَّ بِهِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي الدَّارِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ، مَا لَنَا وَلَكَ؟ فَقَامَ عُبَادَةُ بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سَيَلِي أُمُوْرَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُوْنَكُمْ مَا تُنْكِرُوْنَ، وَيُنْكِرُوْنَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُوْنَ، فَلاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى، وَلاَ تَضِلُّوا بِرَبِّكُمْ (1)) . يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ،   (1) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش في روايته عن غير أهل بلده، وهذا منها، وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 325 بنحوه من طريق الحكم بن نافع، عن أبي اليمان، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن خثيم به، وذكره الهيثمي في " المجمع " 5 / 226، وقال: رواه أحمد بطوله، ولم يقل: عن إسماعيل، عن أبيه، ورواه عبد الله، فزاد عن أبيه، وكذلك الطبراني، ورجالهما ثقات إلا أن إسماعيل بن عياش رواه عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة. وأما قوله: سيلي أموركم بعدي ... الخ الحديث، فصحيح، أخرجه عبد الله ابن الامام أحمد في " زوائد المسند " 5 / 329 من طريق سويد بن سعيد، عن يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه عبيد، عن عبادة بن الصامت، وأخرجه الحاكم 3 / 356، من طريق عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عبادة. وأخرجه أيضا من طريق سعيد بن منصور، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن عبادة، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أحمد 1 / 399، 400، وابن ماجة (2865) بسند قوي، ولفظه: " سيلي أموركم بعدي رجال بطفؤون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها " فقلت: يا رسول الله: إن أدركتهم، كيف أفعل؟ قال: " تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لاطاعة لمن عصى الله ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ مَرَّتْ عَلَيْهِ قِطَارَةٌ (1) - وَهُوَ بِالشَّامِ - تَحْمِلُ الخَمْرَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ أَزَيْتٌ؟ قِيْلَ: لاَ، بَلْ خَمْرٌ يُبَاعُ لِفُلاَنٍ. فَأَخَذَ شَفْرَةً مِنَ السُّوْقِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَذَرْ فِيْهَا رَاوِيَةً إِلاَّ بَقَرَهَا - وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ بِالشَّامِ - فَأَرْسَلَ فُلاَنٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ تُمْسِكُ عَنَّا أَخَاكَ عُبَادَةَ، أَمَّا بِالغَدَوَاتِ، فَيَغْدُو إِلَى السُّوْقِ يُفْسِدُ (2) عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَتَاجِرَهُمْ، وَأَمَّا بِالعَشِيِّ، فَيَقْعُدُ فِي المَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إِلاَّ شَتْمُ أَعْرَاضِنَا وَعَيْبُنَا! قَالَ: فَأَتَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ، مَا لَكَ وَلِمُعَاوِيَةَ؟ ذَرْهُ وَمَا حُمِّلَ. فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ مَعَنَا إِذْ بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَلاَّ يَأْخُذَنَا فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ. فَسَكَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَكَتَبَ فُلاَنٌ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عُبَادَةَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ (3) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ مَرَّ بِقَرْيَةِ دُمَّرٍ (4) ، فَأَمَرَ غُلاَمَهُ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ سِوَاكاً مِنْ صَفْصَافٍ عَلَى نَهْرِ بَرَدَى، فَمَضَى لِيَفْعَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ، فَإِنَّهُ إِنْ لاَ يَكُنْ بِثَمَنٍ، فَإِنَّهُ يَيْبَسُ، فَيَعُوْدُ حَطَباً بِثَمَنٍ. وَعَنْ أَبِي حَزْرَةَ يَعْقُوْبَ بنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ رَجُلاً طُوَالاً، جَسِيْماً، جَمِيْلاً. مَاتَ: بِالرَّمْلَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.   (1) القطارة والقطار: أن تشد الابل على نسق، واحد خلف واحد. (2) في الأصل: مفسد. (3) إسناده محتمل للتحسين. (4) قرية من غوطة دمشق الغربية تبعد عنها ستة أميال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُوْلُ: إِنَّهُ بَقِيَ حَتَّى تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فِي خِلاَفَتِهِ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَبْرُ عُبَادَةَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قُلْتُ: سَاقَ لَهُ بَقِيٌّ فِي (مُسْنَدِهِ) مائَةً وَأَحَداً وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَلَهُ فِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : سِتَّةٌ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ: بِحَدِيْثَيْنِ (2) . 2 - أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسِ * (س) ابْنِ عَدِيٍّ، أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ. أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَنَفَّذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُوْلاً إِلَى كِسْرَى (3) . وَلَهُ رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ.   (1) لفظ " الطبقات " 3 / 546: حتى توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالشام. (2) انظر البخاري 1 / 104 في الايمان: باب خوف المؤمن أن يحبط عمله، و3 / 33 في التهجد، و1 / 60 في الايمان، ومسلم (1709) في الحدود، والبخاري 6 / 342، ومسلم (28 و29) في الايمان، والبخاري 12 / 330 في التعبير، ومسلم (2264) في الرؤيا. والبخاري 11 / 311 في الرقاق، ومسلم (2683) في الذكر والدعاء، والبخاري 2 / 200 في صفة الصلاة، ومسلم (394) في الصلاة. ومسلم (1690) في الحدود، و (1587) في المساقاة، و (2335) في الفضائل. (*) مسند أحمد: 3 / 450، طبقات ابن سعد: 4 / 189، طبقات خليفة: 26، تاريخ خليفة: 142، التاريخ الكبير: 5 / 8، المعارف: 135، تاريخ الفسوي: 1 / 252، الجرح والتعديل: 5 / 29، المستدرك: 3 / 630 - 631، الاستيعاب: 3 / 888، ابن عساكر: 9 / 55 / 2، أسد الغابة: 3 / 211، تهذيب الكمال: 674، تاريخ الإسلام: 2 / 87، 88، تهذيب التهذيب: 5 / 185، الإصابة: 6 / 54، خلاصة تذهيب الكمال: 194، كنز العمال: 13 / 490. (3) أخرج ابن سعد 4 / 189، والبخاري 8 / 96 في المغازي: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، وأحمد 1 / 243 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِداً، فَأُسِرَ عَلَى قَيْسَارِيَّةَ، وَحَمَلُوْهُ إِلَى طَاغِيَتِهِم، فَرَاوَدَهُ عَنْ دِيْنِهِ، فَلَمْ يُفْتَتَنْ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَمَسْعُوْدُ بنُ الحَكَمِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ البُخَارِيُّ: حَدِيْثُهُ مَرْسَلٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: الَّذِي حُفِظَ عَنْهُ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ مَنْدَةَ: شَهِدَ بَدْراً. يُوْنُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ قَامَ يُصَلِّي، فَجَهَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يَا ابْنَ حُذَافَةَ! لاَ تُسَمِّعْنِي، وَسَمِّعِ اللهَ (1)) . مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، أَنَّ أَبَا سَعِيْدٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً، عَلَيْهِمْ عَلْقَمَةُ بنُ مُجَزِّزٍ، وَأَنَا فِيْهِم. فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ اسْتَأْذَنَهُ طَائِفَةٌ، فَأَذِنَ لَهُم، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ فِيْهِ دُعَابَةٌ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الطَّرِيْقِ، فَأَوْقَدَ القَوْمُ نَاراً يَصْطَلُوْنَ بِهَا، وَيَصْنَعُوْنَ عَلَيْهَا صَنِيْعاً لَهُم، إِذْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُم بِحَقِّي وَطَاعَتِي إِلاَّ تَوَاثَبْتُم فِي هَذِهِ النَّارِ. فَقَامَ نَاسٌ، فَتَحَجَّزُوا (2) ،   = كيسان قال: قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن ابن عباس أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه خرقه، قال الزهري: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 190، ورجاله ثقات. (2) أي: شدوا أوساطهم فعل من يتهيأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاقِعُوْنَ فِيْهَا، قَالَ: أَمْسِكُوا، إِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُم. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصَيَةٍ، فَلاَ تُطِيْعُوْهُ (1)) . أَخْرَجَهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) . وَرَوَاهُ: ابْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، فَأَرْسَلَهُ. ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَلُوْنِي) . فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (أَبُوْكَ حُذَافَةُ) (2) .   (1) وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 67، وابن ماجه (2863) في الجهاد: باب في معصية الله، وابن خزيمة، وصححه ابن حبان (1552) ، والحاكم 3 / 630، 631، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري في " الزوائد " ورقة 183: إسناده صحيح، وأشار إليه البخاري في " صحيحه " 8 / 46 في المغازي في الترجمة، فقال: باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز المدلجي. وانظر " الطبقات " 2 / 163، وابن هشام 2 / 640، وشرح المواهب، 3 / 49، 50. وأخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 191 في التفسير، ومسلم (1834) في الامارة: باب وجوب طاعة الامراء في غير معصية، وأحمد (3124) من حديث ابن عباس في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية. (2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 169 في العلم: باب من برك على ركبتيه عند الامام أو المحدث، و2 / 17 في المواقيت: باب وقت الظهر عند الزوال، و13 / 230 في الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال، ومسلم (2359) في الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلم، قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال: " من أحب أن يسأل عن شيء، فليسأل عنه، فو الله لا تسألوني عن شيء، إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا "، قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: " سلوني " فقال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: " النار " فقام عبد الله بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حذافة " قال: ثم أكثر أن يقول: " سلوني سلوني " فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ القَسْمَلِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: وَجَّهَ عُمَرُ جَيْشاً إِلَى الرُّوْمِ، فَأَسَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ، فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِم، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ، وَأُعْطِيَكَ نِصْفَ مُلْكِي؟ قَالَ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيْعَ مَا تَمْلِكُ، وَجَمِيْعَ مُلْكِ العَرَبِ مَا رَجَعْتُ عَنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ. قَالَ: إِذاً أَقْتُلُكَ. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ، وَقَالَ لِلرُّمَاةِ: ارْمُوْهُ قَرِيْباً مِنْ بَدَنِهِ. وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ، وَيَأْبَى، فَأَنْزَلَهُ، وَدَعَا بِقِدْرٍ، فَصَبَّ فِيْهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ، وَدَعَا بِأَسِيْرَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا، فَأُلْقِيَ فِيْهَا، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ، وَهُوَ يَأْبَى، ثُمَّ بَكَى. فَقِيْلَ لِلْمَلِكِ: إِنَّهُ بَكَى. فَظَنَّ أَنَّه قَدْ جَزِعَ، فَقَالَ: رُدُّوْهُ. مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى السَّاعَةَ فَتَذْهَبُ، فَكُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ يَكُوْنَ بِعَدَدِ شَعْرِي أَنْفُسٌ تُلْقَى فِي النَّارِ فِي اللهِ. فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ عَنْكَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: وَعَنْ جَمِيْعِ الأُسَارَى؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَقَدِمَ بِالأُسَارَى عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ ابْنِ حُذَافَةَ، وَأَنَا أَبْدَأُ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ (1) .   = رسولا. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولى، والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر ". (1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي، وكذا الحافظ في " الإصابة "، وله شاهد من حديث ابن عباس، موصولا عند ابن عساكر، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 212، وقد ظن الأستاذ الابياري أن ضرار بن عمرو كما في الأصل تحريف، فأبدله إلى ضرار بن مرة، فأخطأ في ظنه، وضرار بن عمرو هذا مترجم في " الجرح والتعديل " 4 / 465، " والتاريخ الكبير " للبخاري 4 / 340. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ: أَنَّ أَهْلَ قَيْسَارِيَّةَ أَسَرُوا ابْنَ حُذَافَةَ، فَأَمَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ، فَجُرِّبَ بِأَشْيَاءَ صَبَرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ فِي بَيْتٍ مَعَهُ الخَمْرَ وَلَحْمَ الخِنْزِيْرِ ثَلاَثاً لاَ يَأْكُلُ. فَاطَّلَعُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: قَدِ انْثَنَى عُنُقُهُ، فَإِنْ أَخْرَجْتَهُ، وَإِلاَّ مَاتَ. فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّ الضَّرُوْرَةَ كَانَتْ قَدْ أَحَلَّتْهَا لِي، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أُشْمِتَكَ بِالإِسْلاَمِ. قَالَ: فَقَبِّلْ رَأْسِي، وَأُخَلِّيَ لَكَ مائَةَ أَسِيْرٍ. قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَخَلَّى لَهُ مائَةً، وَخَلَّى سَبِيْلَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَائِذٍ قِصَّةَ ابْنِ حُذَافَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ ابْنَ حُذَافَةَ أُسِرَ ... ، فَذَكَرَ القِصَّةَ مُطَوَّلَةً، وَفِيْهَا أَطْلَقَ لَهُ ثَلاَثَ مائَةِ أَسِيْرٍ، وَأَجَازَهُ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَثَلاَثِيْنَ وَصِيْفَةً، وَثَلاَثِيْنَ وَصِيْفاً. وَلَعَلَّ هَذَا المَلِكَ قَدْ أَسْلَمَ سِرّاً، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُبَالَغَتُهُ فِي إِكْرَامِ ابْنِ حُذَافَةَ. وَكَذَا القَوْلُ فِي هِرَقْلَ إِذْ عَرَضَ عَلَى قَوْمِهِ الدُّخُوْلَ فِي الدِّيْنِ، فَلَمَّا خَافَهُمْ قَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أَخْتَبِرُ شِدَّتَكُم فِي دِيْنِكُم. فَمَنْ أَسْلَمَ فِي بَاطِنِهِ هَكَذَا، فَيُرْجَى لَهُ الخَلاَصُ مِنْ خُلُوْدِ النَّارِ؛ إِذْ قَدْ حَصَّلَ فِي بَاطِنِهِ إِيْمَاناً مَا (1) ، وَإِنَّمَا يُخَافُ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ خَضَعَ لِلإِسْلاَمِ وَلِلرَّسُوْلِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُمَا حَقٌّ، مَعَ كَوْنِ أَنَّهُ عَلَى دِيْنٍ صَحِيْحٍ، فَتُرَاهُ يُعَظِّمُ لِلدِّيْنَيْنِ، كَمَا قَدْ فَعَلَهُ كَثِيْرٌ مِنَ المُسْلِمَانِيَّةِ الدَّوَاوِيْنِ (2) ، فَهَذَا لاَ يَنْفَعُهُ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " إيمان ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " الدوارين ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الإِسْلاَمُ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ. مَاتَ ابْنُ حُذَافَةَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. 3 - أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- * (ع) مِنْ قِبْطِ مِصْرَ. يُقَالُ: اسْمُهُ إِبْرَاهِيْمُ. وَقِيْلَ: أَسْلَمُ. كَانَ عَبْداً لِلعَبَّاسِ، فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَنْ بَشَّرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِسْلاَمِ العَبَّاسِ، أَعْتَقَهُ. رَوَى عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ، وَحَفِيْدُهُ؛ الفَضْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ الشَّرِيْدِ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ. وَرَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَمَا كَأَنَّهُ شَافَهَهُ. شَهِدَ غَزْوَةَ أُحُدٍ، وَالخَنْدَقِ، وَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَفَضْلٍ. تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ عَلِيٌّ يُزَكِّي أَمْوَالَ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَهُمْ أَيْتَامٌ. قَالَ بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ قِبْطِيّاً.   (*) مسند أحمد: 6 / 8 و390، طبقات ابن سعد: 4 / 73 - 75، التاريخ لابن معين: 704، المعارف: 145، 146، الجرح والتعديل: 2 / 149، معجم الطبراني الكبير: 1 / 286، المستدرك: 3 / 597، الاستيعاب: 4 / 1656، أسد الغابة 1 / 52، تهذيب الكمال: 1603، تذهيب التهذيب 4 / 212 / 2، تهذيب التهذيب: 12 / 92 - 93، الإصابة: 11 / 128، 129، خلاصة تذهيب الكمال: 449. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 شُعْبَةُ: عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ: انْطَلِقْ مَعِي، فَنُصِيْبَ مِنْهَا. قُلْتُ: حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُوْلَ اللهِ. فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّ مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ (1)) . قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِيْنَ خَرَجَ مِنْ مِنَى، وَلَكِنِّي جِئْتُ، فَنَزَلْتُ، فَجَاءَ، فَنَزَلَ (2) . 4 - صُهَيْبُ بنُ سِنَانٍ أَبُو يَحْيَى النَّمِرِيُّ * (ع) مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ. وَيُعْرَفُ بِالرُّوْمِيِّ؛ لأَنَّهُ أَقَامَ فِي الرُّوْمِ مُدَّةً. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، سُبِيَ مِنْ قَرْيَةِ نِيْنَوَى، مِنْ أَعْمَالِ   (1) وأخرجه أحمد: 6 / 8 و10 و39، وأبو داود (1650) في الزكاة: باب الصدقة على بني هاشم. الترمذي (657) في الزكاة: باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه. والنسائي (507) في الزكاة: باب مولى القوم منهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان. والحاكم 1 / 204، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا. (2) أخرجه مسلم (1313) في الحج: باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به، وأبو داود (2009) في المناسك: باب التحصيب، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع. والابطح: ما انبطح من الوادي واتسع: يضاف إلى مكة وإلى منى، لان المسافة بينه وبينهما واحدة وربما كان إلى منى أقرب، ويقال له المحصب والمعرس. وانظر اختلاف العلماء في النزول بالمحصب في " فتح الباري " 3 / 471. (*) مسند أحمد: 4 / 332 و6 / 15، طبقات ابن سعد: 3 / 226، طبقات خليفة: 19، 62، التاريخ الكبير: 4 / 315، الجرح والتعديل: 4 / 444، معجم الطبراني: 8 / 33، 53، المستدرك: 3 / 397 - 402، الاستيعاب: 5 / 147، ابن عساكر: 8 / 186 / 2، أسد الغابة: 3 / 36، تهذيب الكمال: 613، تاريخ الإسلام: 2 / 185، 186، العبر: 1 / 44، مجمع الزوائد: 9 / 305، تهذيب التهذيب: 4 / 438 - 439، الإصابة: 5 / 160، خلاصة تذهيب الكمال: 175، كنز العمال: 13 / 437، شذرات الذهب: 1 / 47. سير 2 / 2 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 المَوْصِلِ. وَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ أَوْ عَمُّهُ عَامِلاً لِكِسْرَى، ثُمَّ إِنَّهُ جُلِبَ إِلَى مَكَّةَ، فَاشْتَرَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جُدْعَانَ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ. وَيُقَالُ: بَلْ هَرَبَ، فَأَتَى مَكَّةَ، وَحَالَفَ ابْنَ جُدْعَانَ. كَانَ مِنْ كِبَارِ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ حَبِيْبٌ، وَزِيَادٌ (1) ، وَحَمْزَةُ؛ وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَكَعْبُ الحَبْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَآخَرُوْنَ. رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً، خَرَّجُوا لَهُ فِي الكُتُبِ. وَكَانَ فَاضِلاً، وَافِرَ الحُرْمَةِ، لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ. وَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ، اسْتَنَابَهُ عَلَى الصَّلاَةِ بِالمُسْلِمِيْنَ إِلَى أَنْ يَتَّفِقَ أَهْلُ الشُّوْرَى عَلَى إِمَامٍ. وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالكَرَمِ وَالسَّمَاحَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. مَاتَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: صُهَيْبُ بنُ سِنَانِ بنِ مَالِكِ بنِ عَبْدِ (2) عَمْرٍو بنِ عُقَيْلِ بنِ عَامِرٍ، أَبُو يَحْيَى - وَيُقَالُ أَبُو غَسَّانَ - النَّمِرِيُّ، الرُّوْمِيُّ، البَدْرِيُّ، المُهَاجِرِيُّ. رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَبَنُوْهُ الثَّمَانِيَةُ: عُثْمَانُ، وَصَيْفِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَسَعْدٌ، وَعَبَّادٌ، وَحَبِيْبٌ، وَصَالِحٌ، وَمُحَمَّدٌ.   (1) زياد هو ابن صيفي فهو ابن ابنه لا ابنه. (2) تحرفت في المطبوع إلى عبيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَسَرَدَ نَسَبَهُ إِلَى أَسْلَمَ بنِ أَوْسِ مَنَاةَ بنِ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ، مِنْ رَبِيْعَةَ، حَلِيْفُ عَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ القُرَشِيِّ. وَأُمُّهُ: سَلْمَى بِنْتُ قُعَيْدٍ. وَكَانَ رَجُلاً أَحْمَرَ، شَدِيْدَ الحُمْرَةِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ. وَذَكَرَ شَبَابٌ (1) نَسَبَهُ إِلَى النَّمِرِ، بِزِيَادَةِ آبَاءٍ، وَحَذْفِ آخَرِيْنَ. وَكَذَا فَعَلَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ. عَنْ حَمْزَةَ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبَا يَحْيَى (2) . عَنْ صَيْفِيِّ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يُوْحَى إِلَيْهِ (3) . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ عَمَّارٌ: لَقِيْتُ صُهَيْباً عَلَى بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ، وَفِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلْنَا، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلاَمَ، فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْماً عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا، فَخَرَجْنَا وَنَحْنُ مُسْتَخْفُوْنَ (4) . رَوَى: يُوْنُسُ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ) (5) .   (1) شباب: لقب خليفة بن خياط، وقد تصحف في المطبوع إلى ابن شهاب، انظر " طبقات خليفة " (ص 62) . (2) " طبقات ابن سعد " 3 / 227. (3) هو في " المستدرك " 3 / 400. (4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " من طريق الواقدي. هو متروك. (5) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 226 وإسناده ضعيف لارساله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَجَاءَ هَذَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَجَاءَ مِنْ حَديثِ أَنَسٍ، وَأُمِّ هَانِئ (1) . قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ سَبْعَةٌ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، وَخَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ ... ، مُخْتَصَرٌ (2) . قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ أَبُو صُهَيْبٍ، أَوْ عَمُّهُ عَامِلاً لِكِسْرَى عَلَى الأُبُلَّةِ، وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِأَرْضِ المَوْصِلِ (3) ، فَأَغَارَتِ الرُّوْمُ عَلَيْهِم، فَسَبَتْ صُهَيْباً وَهُوَ غُلاَمٌ، فَنَشَأَ بِالرُّوْمِ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ كَلْبٌ، وَبَاعُوْهُ بِمَكَّةَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ، فَأَعْتَقَهُ. وَأَمَّا أَهْلُهُ فَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ هَرَبَ مِنَ الرُّوْمِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ (4) . مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ حَتَّى دَخَلَ حَائِطاً لِصُهَيْبٍ. فَلَمَّا رَآهُ صُهَيْبٌ، قَالَ: يَا نَاسُ! يَا أُنَاسُ! فَقَالَ عُمَرُ: مَا لَهُ يَدْعُو النَّاسَ؟ قُلْتُ: بلْ هُوَ غُلاَمٌ لَهُ يُدْعَى يُحَنَّسَ (5) . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْلاَ ثَلاَثُ خِصَالٍ فِيْكَ يَا   (1) أما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني، وحسن إسناده الهيثمي، وأما حديث أنس، فرواه الطبراني أيضا، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير عمارة بن زاذان، وهو ثقة وفيه خلاف، وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 37 وأما حديث أم هانئ فرواه الطبراني، وفيه كما قال الهيثمي فائد العطار، وهو متروك " مجمع الزوائد " 9 / 305. (2) أخرجه ابن سعد من طريق منصور عن مجاهد، وذكره ابن عساكر من طريق ابن أبي شيبة، وهو في " أسد الغابة " 3 / 380. (3) زاد في الاستيعاب: في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل. (4) الاستيعاب: 5 / 149. (5) قال ابن الأثير في " أسد الغابة " وإنما قال ذلك لعقدة في لسانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 صُهَيْبُ ... ، الحَدِيْثَ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الحَكَمِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ يُعَذَّبُ حَتَّى لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، وَكَانَ صُهَيْبٌ يُعَذَّبُ حَتَّى لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ فِي قَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، حَتَّى نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِيْنَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النَّحْلُ: 110] (2) . قَالَ مُجَاهِدٌ: فَأَمَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَهُ عَمُّهُ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ، وَأُخِذَ الآخَرُوْنَ - سَمَّى مِنْهُم صُهَيباً - فَأَلْبَسُوْهُم أَدْرَاعَ الحَدِيْدِ، وَصَهَرُوْهُم فِي الشَّمْسِ، حَتَّى بَلَغَ الجُهْدُ مِنْهُم كُلَّ مَبْلَغٍ؛ فَأَعْطَوْهُم مَا سَأَلُوا -يَعْنِي: التَّلَفُّظَ بِالكُفْرِ- فَجَاءَ كُلَّ رَجُلٍ قَوْمُهُ بِأَنْطَاعٍ فِيْهَا المَاءُ، فَأَلْقَوْهُم فِيْهَا إِلاَّ بِلاَلاً.   (1) وتمامه: ما قدمت عليك أحدا أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي، وتكتني بأبي يحيى، وتبذر مالك، فقال: أما تبذيري مالي، فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى فلن أتركها، وأما انتمائي إلى العرب، فإن الروم سبتني صغيرا، فأخذت لسانهم، وأنا رجل من النمر بن قاسط. ورجاله ثقات خلا عبد الله والد مصعب فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، وضعفه ابن معين، وأخرجه بنحوه ابن سعد 3 / 226، 227 من طريق عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه..وانظر " أسد الغابة " 3 / 39، و" الإصابة " 5 / 162، وتهذيب ابن عساكر 6 / 455. (2) الخبر في " طبقات ابن سعد " 3 / 248، وقد ورد نص الآية فيها، وفي الأصل وفي الإصابة هكذا: (والذين هاجروا في الله من بعدما فتنوا) وهي علاوة على كونها خطأ، وصوابها (من بعد ما ظلموا) ليست هي الآية التي نزلت في حق هؤلاء، وإنما هي ما أثبتناه، وما أدري كيف خفي هذا على المؤلف وغيره، أما السيوطي فقد نقل الخبر في " الدر المنثور " 4 / 132 عن ابن سعد في بيان سبب نزول الآية التي اثبتناها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الكَلْبِيُّ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِيْ نَفْسَهُ ... } [البَقَرَةُ: 207] نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ، وَنَفَرٍ مِنَ أَصْحَابِهِ، أَخَذَهُم أَهْلُ مَكَّةَ يُعَذِّبُوْنَهُم؛ لِيَرُدُّوْهُمْ إِلَى الشِّرْكِ (1) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ كُرْدُوْسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: مَرَّ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ خَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَعَمَّارٌ، فَقَالُوا: أَرَضِيْتَ بِهَؤُلاَءِ؟ فَنَزَلَ فِيْهِمُ القُرْآنُ: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِيْنَ يَخَافُوْنَ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِيْنَ} [الأَنْعَامُ (2) : 51 - 58] . عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَنَّ صُهَيْباً حِيْنَ أَرَادَ الهِجْرَةَ، قَالَ لَهُ أَهْلُ مَكَّةَ: أَتَيْتَنَا صُعْلُوْكاً حَقِيْراً، فَتَغَيَّرَ حَالُكَ! قَالَ: أَرَأَيْتُم إِنْ تَرَكْتُ مَالِي، أَمُخَلُّوْنَ أَنْتُم سَبِيْلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (رَبِحَ صُهَيْبٌ! رَبِحَ صُهَيْبٌ!) (3) . يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بنُ حُذَيْفَةَ (4) بنِ صَيْفِيٍّ، حَدَّثَنَا   (1) إسناده صعيف لضعف الكلبي وأبي صالح، وانظر " طبقات ابن سعد " 3 / 288. (2) هو في " المسند " 1 / 420، ورجاله ثقات غير كردوس بن عباس التغلبي أو الثعلبي لم يوثقه غير ابن حبان، وهو مترجم في " التاريخ الكبير " للبخاري 7 / 242، 243 ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 7 / 21 بعد أن نسبه لأحمد والطبراني: ورجال أحمد رجال الصحيح غير كردوس، وهو ثقة. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 12 وزاد نسبته إلى ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في " الحلية ". وسقط من المطبوع لفظة " به " من الآية. (3) أخرجه ابن سعد 3 / 227، 228 من طريق هوذة بن خليفة عن عوف، عن أبي عثمان النهدي قال: " بلغني " ورجاله ثقات. (4) مترجم في " الجرح والتعديل " 3 / 191، وهو مجهول، وقد تصحف في المطبوع إلى " حصن ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 أَبِي وَعُمُوْمَتِي، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُرِيْتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبْخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ! فَإِمَّا أَنْ تَكُوْنَ هَجَرَ، أَوْ يَثْرِبَ (1)) . قَالَ: وَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ، وَقَدْ كُنْتُ هَمَمْتُ (2) بِالخُرُوْجِ مَعَهُ، فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُوْمُ لاَ أَقْعُدُ. فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ - وَلَمْ أَكُنْ شَاكِياً - فَنَامُوا، فَذَهَبْتُ، فَلَحِقَنِي نَاسٌ مِنْهُم عَلَى بَرِيْدٍ. فَقُلْتُ لَهُم: أُعْطِيْكُم أَوَاقِيَّ مِنْ ذَهَبٍ وَتُخَلُّوْنِي؟ فَفَعَلُوا، فَقُلْتُ: احْفِرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ البَابِ (3) ، تَجِدُوْهَا، وَخُذُوا مِنْ فُلاَنَةٍ الحُلَّتَيْنِ. وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبَاءَ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: (يَا أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ البَيْعُ) ثَلاَثاً. فَقُلْتُ: مَا أَخْبَرَكَ إِلاَّ جِبْرِيْلُ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِراً، وَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ كِنَانَتَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُم، وَايْمُ اللهِ لاَ تَصِلُوْنَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي، ثُمَّ أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي، فَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي، وَخَلَّيْتُمْ سَبِيْلِي؟ قَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (رَبِحَ البَيْعُ أَبَا يَحْيَى!) ، وَنَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِيْ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ} [البَقَرَةُ: 207] (4) .   (1) ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 178، ونسبه إلى البيهقي، وسكت عليه، وأخرج البخاري: 6 / 461 و12 / 369، من حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب. (2) سقطت من المطبوع لفظة (كنت) وحرفت هممت إلى همت. (3) أسكفة الباب: هي خشبة الباب التي يوطأ عليها. (4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 3 / 228. وعلي بن زيد ضعيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَرَبَ صُهَيْبٌ مِنَ الرُّوْمِ بِمَالٍ، فَنَزَلَ مَكَّةَ، فَعَاقَدَ ابْنَ جُدْعَانَ، وَإِنَّمَا أَخَذَتْهُ الرُّوْمُ مِنْ نِيْنَوَى. عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ صُهَيْبٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبَاءَ، وَقَدْ رَمِدْتُ فِي الطَّرِيْقِ وَجُعْتُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رُطَبٌ، فَوَقَعْتُ فِيْهِ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ تَرَى صُهَيْباً يَأْكُلُ الرُّطَبَ وَهُوَ أَرْمَدُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِي ذَلِكَ. قُلْتُ: إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّ عَيْنِي الصَّحِيْحَةِ، فَتَبَسَّمَ (1) . ذَكَرَ عُرْوَةُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا صُهَيْباً فِيْمَنْ شَهِدَ بَدْراً. أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي جَدِّهِ، عَنْ صُهَيْبٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُحِبَّ صُهَيْباً حُبَّ الوَالِدَةِ لِوَلَدِهَا (2)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ   (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 288 من طريق الواقدي، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الحكيم بن صهيب، وأخرجه ابن ماجة (3443) في الطب: باب الحمية، من طريق عبد الرحمن بن عبد الوهاب، عن موسى بن إسماعيل، عن ابن المبارك، عن عبد الحميد بن صيفي، عن أبيه، عن جده صهيب قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين يديه خبز وتمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ادن فكل " فأخذت آكل من التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تأكل تمرا وبك رمد "؟ قال فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنده حسن، وقال البوصيري في " الزوائد " 2 / 213: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (2) إسناده ضعيف، يوسف بن محمد: قال المؤلف في " ميزان الاعتدال " قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في ثقاته، ثم أورد هذا الحديث في جملة ما أنكر عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 سَلْمَانَ، وَصُهَيْباً، وَبِلاَلاً كَانُوا قُعُوْداً، فَمَرَّ بِهِم أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالُوا: مَا أَخْذَتْ سُيُوْفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا بَعْدُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُوْلُوْنَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا؟ قَالَ: فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُم، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ) . فَرَجَعَ إِلَيْهِم، فَقَالَ: أَيْ إِخْوَانَنَا، لَعَلَّكُمْ غَضِبْتُم؟ قَالُوا: لاَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: عَنْ حَمْزَةَ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِصُهَيْبٍ: أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ، لَوْلاَ خِصَالٌ ثَلاَثٌ فِيْكَ! قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: اكْتَنَيْتَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ، وَانْتَمَيْتَ إِلَى العَرَبِ وَأَنْتَ مِنَ الرُّوْمِ! وَفِيْكَ سَرَفٌ فِي الطَّعَامِ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَنَّانِي أَبَا يَحْيَى، وَأَنَا مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ، سَبَتْنِي الرُّوْمُ مِنَ المَوْصِلِ بَعْدَ إِذْ أَنَا غُلاَمٌ قَدْ عَرَفْتُ نَسَبِي، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي سَرَفِ الطَّعَامِ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (خَيْرُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ (2)) . وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لِصُهَيْبٍ: لَوْلاَ ثَلاَثٌ فِيْكَ؟ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيْهِ بِحَذْفِ: (عَنْ أَبِيْهِ) . وَزَادَ: وَلَوِ انْفَلَقَتْ (3) عَنِّي رَوْثَةٌ لاَنْتَسَبْتُ إِلَيْهَا. وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لِصُهَيْبٍ: لَوْلاَ ثَلاَثُ   (1) أخرجه مسلم (2504) في فضائل الصحابة، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 3 / 226 وقد تقدم في الصفحة 21 تعليق (1) . (3) تحرفت في المطبوع إلى " عن " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 خِصَالٍ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ فَوَاللهِ مَا تَزَالُ تَعِيْبُ شَيْئاً. قَالَ: اكْتِنَاؤُكَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؛ وَادِّعَاؤُكَ إِلَى النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ وَأَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ (1) ؛ وَأَنَّكَ لاَ تُمسِكُ المَالَ ... ، الحَدِيْثَ. وَفِيْهِ: وَاسْتُرْضِعَ لِي بِالأُبُلَّةِ (2) ، فَهَذِهِ مِنْ ذَاكَ. وَأَمَّا المَالُ، فَهَلْ تَرَانِي أُنفِقُ إِلاَّ فِي حَقٍّ؟ وَرَوَى: سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ - ثَلاَثاً - ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُم فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ صُهَيْبٌ بِالمَدِيْنَةِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَكَذَلِكَ قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي وَفَاتِهِ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: عَاشَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مِنْهَا ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ (3) .   (1) الالكن: الذي لا يقيم العربية من عجمة في لسانه. (2) الابلة: بضم الهمزة والباء واللام المشددة المفتوحة: بلدة بالعراق بينها وبين البصرة أربعة فراسخ، وهي أقدم من البصرة، لان البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب، وكانت الابلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى. (3) الأول: عنده برقم (181) في الايمان ولفظه: " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل ". والثاني: برقم (2999) في الزهد والرقائق، ولفظه: " عجبا لامر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له ". والثالث: برقم (3005) في الزهد والرقائق أيضا، وهو حديث طويل يذكر فيه قصة أصحاب الاخدود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 5 - أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأَسْوَدِ * (ع) صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ بَنِي أَخْوَالِهِ، وَأَحَدُ أَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ، وَأَحَدُ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ. وَاسْمُهُ: زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ حَرَامِ بنِ عَمْرِو بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ عَدِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ. لَهُ أَحَادِيْثُ. رَوَى عَنْهُ: رَبِيْبُهُ؛ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَزَيْدُ بنُ خَالِدٍ الجُهَنِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُهُ؛ أَبُو إِسْحَاقَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ. وَكَانَ قَدْ سَرَدَ الصَّوْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَهُوَ الَّذِي كَانَ لاَ يَرَى بِابْتِلاَعِ البَرَدِ لِلصَّائِمِ بَأْساً، وَيَقُوْلُ: لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ (2) .   (*) مسند أحمد: 4 / 28، طبقات ابن سعد: 3 / 504، طبقات خليفة: 88، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 3 / 381، المعارف: 166، 308، تاريخ الفسوي: 1 / 300، الجرح والتعديل: 3 / 564، معجم الطبراني: 5 / 91، المستدرك: 3 / 351 - 354، الاستبصار: 50، الاستيعاب: 2 / 553، ابن عساكر: 6 / 305 / 1، جامع الأصول: 9 / 73 - 77، أسد الغابة: 2 / 289، تهذيب الكمال: 457، تاريخ الإسلام: 2 / 119، العبر: 1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 312، تهذيب التهذيب: 3 / 414 - 415، الإصابة: 4 / 55، خلاصة تذهيب الكمال: 128، شذرات الذهب: 1 / 40، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 4 - 12. (1) الطبراني في " الكبير " 5 / 93 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس. (2) أخرجه أحمد 3 / 279 من طريق عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة وحميد، عن أنس، قال: مطرنا بردا، وأبو طلحة صائم، فجعل يأكل منه، قيل لة: أتاكل وأنت صائم! فقال: إنما هذا بركة. هذا إسناد صحيح، وهذا اجتهاد من أبي طلحة. والجمهور على خلافه فقد قال البزاز عقب إخراجه للحديث في مسنده برقم (1022) لا نعلم هذا الفعل إلا عن أبي طلحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ (1)) . وَمَنَاقِبُهُ كَثِيْرَةٌ. قِيْلَ: إِنَّهُ غَزَا بَحْرَ الرُّوْمِ، فَتُوُفِّيَ فِي السَّفِيْنَةِ. وَالأَشْهَرُ: أَنَّهُ مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَشْرَبُوْنَ بِالشَّامِ الطِّلاَءَ، مَا طُبِخَ عَلَى الثُّلُثِ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ (2) . قُلْتُ: هُوَ الدِّبْسُ. وَذَكَرَ: عُرْوَةُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مِمَّنْ شَهِدَ العَقَبَةَ وَبَدْراً.   (1) أخرجه أحمد 3 / 203 من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس وإسناده صحيح. وأخرجه ابن سعد، في " الطبقات " 3 / 505 من طريق سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أو عن أنس بن مالك بلفظ: " خير من الف رجل ". وإسناده حسن في الشواهد. (2) أخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة من طريق قتادة، عن أنس، وإسناده صحيح، والطلاء: بكسر الطاء: هو الدبس شبه بطلاء الابل وهو القطران الذي يدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمطط أشبه طلاء الابل، وهو في تلك الحالة غالبا لا يسكر، وأخرج مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري، أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا العسل، قالوا: ما يصلحنا العسل، قال رجل من أهل الأرض، هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر، فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه ثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه أصبعه، ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال هذا الطلاء مثل طلاء الابل، فأمرهم عمر أن يشربوه، وقال عمر: اللهم إني لاأحل لهم شيئا حرمته عليهم. قال الحافظ في الفتح: 10 / 56 وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء، وأخرجه النسائي عنهما. وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد وغيرهم. أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن المسيب وحسن وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ عَاشَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَسْرُدُ الصَّوْمَ (1) . قُلْتُ: بَلْ عَاشَ بَعْدَهُ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو طَلْحَةَ بَدْرِيٌّ، نَقِيْبٌ، صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ، جَاءَ لَهُ نَحْوُ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ لَهُ بَنُوْهُ: قَدْ غَزَوْتَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ. فَأَبَى، فَغَزَا فِي البَحْرِ، فَمَاتَ (2) . جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنِّي فِيْكَ لَرَاغِبَةٌ، وَمَا مِثْلُكَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ كَافِرٌ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَلِكَ مَهْرِي، لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَأَسْلَمَ، وَتَزَوَّجَهَا. قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْنَا بِمَهْرٍ كَانَ قَطُّ أَكْرَمَ مِنْ مَهْرِ أُمِّ سُلَيْمٍ: الإِسْلاَمِ (3) . الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَحَمَّادٌ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَاهُ شَيْخٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّضْرِ بنِ   (1) تاريخ دمشق ص 562 لأبي زرعة. (2) رجاله ثقات وهو في " المستدرك " 3 / 353 وصححه وأقره الذهبي، وأخرج الطبراني 5 / 94 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت وعلي بن زيد، عن أنس قال: خرج أبو طلحة غازيا في البحر، فمات في السفينة فلم يجدوا له مكانا يدفنونه فيه، فانتظروا به ستة أيام حتى وجدوا له بعد سبع مكانا يدفنونه فيه، ولم يغير كما هو. قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 313 ورجاله رجال الصحيح، وذكره أيضا الهيثمي في " المجمع " عن أنس بنحوه، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. (3) إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (10417) والطيالسي في مسنده (2590) 2 / 159 والطبراني في " الكبير " 5 / 92. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 أَنَسٍ: قَالَ مَالِكٌ - وَالِدُ أَنَسٍ - لامْرَأَتِهِ: أَرَى هَذَا الرَّجُلَ يُحَرِّمُ الخَمْرَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ، فَهَلَكَ هُنَاكَ. فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ يَخْطُبُ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ امْرُؤٌ كَافِرٌ، وَلاَ أُرِيْدُ مَهْراً إِلاَّ الإِسْلاَمَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَانْطَلَقَ يُرِيْدُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (جَاءكُمْ أَبُو طَلْحَةَ وَغُرَّةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ) . قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ ... ، الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ، وَكَيْفَ مَاتَ ابْنُهُ مِنْهَا، وَكَتَمَتْهُ وَتَصَنَّعَتْ لَهُ حَتَّى أَصَابَهَا، ثُمَّ أَخْبَرَتْهُ، وَقَالَتْ: إِنَّ اللهَ كَانَ أَعَارَكَ عَارِيَةً، فَقَبَضَهَا، فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ (1) . قَالَ أَنَسٌ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَقَدْ سَقَطَ السَّيْفُ مِنِّي يَوْمَ بَدْرٍ، لِمَا غَشِيَنَا مِنَ النُّعَاسِ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ صَامَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، لاَ يُفْطِرُ إِلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. غَرِيْبٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (3) .   (1) أخرجه بطوله الطيالسي في مسنده، 2 / 159، 160 والقسم الأخير منه أخرجه البخاري 3 / 135، 137 ومسلم (2144) . (2) أخرجه أحمد 4 / 29 من طريق يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن قتادة، عن أنس، وهذا إسناد صحيح. وأخرج البخاري 8 / 171 في التفسير من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن حسين بن محمد، عن شيبان، عن قتادة، قال حدثنا أنس أن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم احد، فجعل سيفي يسقط من يدي، ويسقط وآخذه، وأخرج الترمذي (3007) والنسائي والحاكم 2 / 297 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس. وقال الترمذي حسن صحيح. وانظر " الدر المنثور " 2 / 88. (3) هو في " المستدرك " 3 / 353 وقال على شرط مسلم، ووافقه الذهبي هناك بينما هنا استغربه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَبِهِ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: لاَ أَتَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ أَذُمُّهُمَا (1) . ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ رَجُلاً رَامِياً. وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ إِذَا رَمَى أَبُو طَلْحَةَ، رَفَعَ بَصَرَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ. وَكَانَ يَدْفَعُ صَدْرَ رَسُوْلِ اللهِ بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَكَذَا، لاَ يُصِيْبُكَ سَهْمٌ (2) . عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ نَاسٌ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُجَوِّباً عَلَيْهِ بِحَجْفَةٍ. وَكَانَ رَامِياً شَدِيْدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجُعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ) . ثُمَّ يُشْرِفُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُوْلُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، لاَ تُشْرِفْ، لاَ يُصِيْبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُوْنَ نَحْرِكَ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَاتٍ (3) ، أَرَى خَدَمَ سُوْقِهِمَا تَنْقُزَانِ، القِرَبُ عَلَى مُتُوْنِهِمَا، وَتُفْرِغَاَنِهَا فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَتَرْجِعَانِ، فَتَمْلآنِهَا. فَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ أَبِي طَلْحَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً مِنَ النُّعَاسِ (4) .   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 353 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقد سقط من المطبوع جملة " ولا أذمهما ". (2) أخرجه أحمد 3 / 286، 287 وابن سعد 3 / 506 من طريق عفان، عن ثابت، عن أنس وإسناده صحيح. (3) المشمرات: من التشمير، وقد تحرفت في المطبوع إلى " لمشمرقاف ". (4) أخرجه البخاري 7 / 287، 279 في المغازي: باب غزوة أحد. والحجفة: الترس، ومجوبا: بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة، أي مترسا عليه. وخدم سوقهما، هي، الخلاخيل، جمع خدمة. تنقزان: تثبان، والنقز: الوثب والقفز، كناية عن سرعة السير. وجملة " القرب على متونهما " في موضع نصب على الحال، وفي رواية: " تنقلان القرب " وهي رواية جعفر بن مهران، عن عبد الوارث، أخرجها الاسماعيلي. وقال الخطابي: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ (1)) . وَكَانَ إِذَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: نَفْسِي لِنَفْسِكَ الفِدَاءُ، وَوَجْهِي لِوَجْهِكَ الوِقَاءُ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ أَشَدُّ عَلَى المُشْرِكِيْنَ مِنْ فِئَةٍ) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ - أَوْ أَنَسٍ - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ) (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: (مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَلَهُ سَلَبُهُ) . فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِيْنَ رَجُلاً، وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ (4) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَنَسٍ: نَحَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَلَقَ، فَنَاوَلَ الحَلاَّقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ   = أحسب الرواية " تزفران " بدل " تنقزان ". والزفر: حمل القرب الثقال، كما في حديث أم سليط عند البخاري (288 1) ، وفيه: قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 352، 353، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف، وقد تقدم صفحة 17، تعليق رقم (1) . (2) هو من تمام الحديث الذي في الصفحة السابقة، تعليق رقم (2) . (3) الحاكم 3 / 352، وقد تقدم في الصفحة 28 تعليق رقم (3) . (4) إسناده صحيح، أخرجه أبو داود (2718) في الجهاد: باب في السلب يعطى للقاتل، والدارمي، وابن سعد: 3 / 505، وصححه الحاكم 3 / 353 ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 نَاوَلَهُ شِقَّهُ الأَيْسَرَ، وَقَالَ: (احْلِقْ) ، وَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ (1) . وَرَوَاهُ: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ (2) ، فَأَرْسَلَهُ. قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالمَدِيْنَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ، أَرْجُوْ بِرَّهَا وَذُخْرَهَا، فَضَعْهَا يَا رَسُوْلَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ. فَقَالَ: (بَخٍ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِيْنَ (3)) . حُمَيْدٌ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُفْطِرُ إِلاَّ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (4) . قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ: عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْكُلُ البَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَقُوْلُ: لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلاَ بِشَرَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَرَكَةٌ. تَفَرَّدَ بِهِ فَيْهِ: عَلِيُّ بنُ   (1) أخرجه مسلم (1305) (326) في الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر: وفيه: فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس. (2) يعني: ابن سيرين. (3) أخرجه مالك 2 / 995، 996 في الصدقة: باب الترغيب في الصدقة، والبخاري 3 / 257 في الزكاة: باب الزكاة على الاقارب. وفي الوكالة: باب إذا قال الرجل لو كيله ضعه حيث أراك الله، وفي الوصايا: باب إذا وقف أو أوصى لاقاربه، وباب: إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وفي تفسير سورة آل عمران: باب (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وفي الاشربة: باب استعذاب الماء، وأخرجه مسلم (998) في الزكاة: باب فضل النفقة والصدقة على الاقربين والزوج، وأبو داود (1689) والترمذي (3000) والنسائي 6 / 231، 232، وقوله بيرحاء، بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء والمد، وجاء في ضبطه أوجه كثيرة، جمعها ابن الأثير في النهاية فقال: يروى بفتح الباء وبكسرها، وبفتح الراء وضمها، وبالمد والقصر. وبخ: كلمة يقولها المتعجب من الشئ، وعند المدح والرضا بالشيء. (4) أخرجه ابن سعد 3 / 506 من طريق يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، وهذا إسناد صحيح. سير 2 / 3 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 جُدْعَانَ، عَنْ أَنَسٍ: فَأَخْبَرْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: (خُذْ عَنْ عَمِّكَ (1)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، وَعَلَيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَرَأَ: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التَّوْبَةُ: 42] ، فَقَالَ: اسْتَنْفَرَنَا اللهُ وَأَمَرَنَا، شُيُوْخَنَا وَشَبَابَنَا، جَهِّزُوْنِي. فَقَالَ بَنُوْهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! إِنَّكَ قَدْ غَزَوْتَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ الآنَ. قَالَ: فَغَزَا البَحْرَ، فَمَاتَ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيْرَةً يَدْفِنُوْنَهُ فِيْهَا إِلاَّ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ (2) . مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ وَحْدَهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ لَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِقَّ رَأْسِهِ، فَوَزَّعَهُ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَلَقَ شِقَّهُ الآخَرَ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ (3) . قَالَ: وَكَانَ جَلْداً، صَيِّتاً، آدَمَ، مَرْبُوْعاً، لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) حَدِيْثَانِ. وَتَفَرَّدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ (4) .   (1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وأخرجه البزاز رقم (1021) وقال: خالف قتادة علي بن زيد في روايته، ثم رواه برقم (1022) من طريق قتادة عن أنس قال: رأيت أبا طلحة يأكل البرد وهو صائم، وهذا الموقوف على أبي طلحة هو الصحيح، كما تقدم في ص 27 تعليق رقم (2) . (2) إسناده صحيح، وهو في الطبقات 3 / 507 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد به. (3) انظر " صحيح مسلم " (1306) (325) و (326) والترمذي (912) . (4) الأول: من المتفق عليه، حديث " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " أخرجه البخاري 10 / 320 ومسلم (2106) . = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 6 - أَبُو بُرْدَةَ بنُ نِيَارِ بنِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ البَلَوِيُّ * (ع) ابْنِ عَمْرِو بنِ كِلاَبِ بنِ دُهْمَانَ البَلَوِيُّ، القُضَاعِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ الأَوْسِ. وَاسْمُهُ: هَانِئٌ. وَهُوَ خَالُ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ (1) . شَهِدَ العَقَبَةَ، وَبَدْراً، وَالمَشَاهِدَ النَّبَوِيَّةَ. وَبَقِيَ إِلَى دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ البَرَاءُ، وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَبَشِيْرُ بنُ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمْ.   = والثاني: أنه لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي الله أمر بضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوي من أطواء بدر ... أخرجه البخاري 7 / 234 ومسلم (2875) ، وأما ما تفرد به البخاري فحديث: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ... أخرجه البخاري 8 / 171 وقد تقدم. وأما ما انفرد به مسلم فأخرجه في " صحيحه " (2 161) كتاب السلام. ولفظه: قال أبو طلحة. كنا قعودا بالافنية، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علينا فقال: " مالكم ولمجالس الصعدات؟ اجتنبوا مجالس الصعدات " فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث. قال: " إما لا. فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام ". (*) مسند أحمد: 3 / 466 و4 / 44، التاريخ لابن معين: 694، طبقات ابن سعد: 3 / 451، طبقات خليفة: 80، تاريخ خليفة: 205، التاريخ الكبير: 8 / 227، المعارف: 149، 326، الجرح والتعديل: 9 / 99 - 100، الاستيعاب: 4 / 1608، أسد الغابة: 5 / 382، تهذيب الكمال: 1578، تهذيب التهذيب: 12 / 19، الإصابة: 11 / 34، خلاصة تذهيب الكمال: 443. (1) أخرج أحمد 4 / 295 وأبو داود (4457) والترمذي (1362) وابن ماجة (2607) والنسائي 6 / 109 بسند حسن عن البراء، قال: لقيت خالي وقد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم لواء، فقلت له: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمرني أن أضرب عنقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَكَانَ أَحَدَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. 7 - جَبْرُ بنُ عَتِيْكِ بنِ قَيْسِ بنِ هَيْشَةَ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ جَابِرٌ. وَلَهُ أَوْلاَدٌ: عَتِيْكٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَأُمُّ ثَابِتٍ. آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَكَانَتْ إِلَيْهِ رَايَةُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكٍ يَوْمَ الفَتْحِ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَابْنُ زَبْرٍ (2) ، وَابْنُ مَنْدَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ. قِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَفِي (المُوَطَّأِ) : عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ، عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ عَتِيْكِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بنُ عَتِيْكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ يَعُوْدُ   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 469، الجرح والتعديل: 2 / 532، معجم الطبراني: 2 / 205، الاستبصار: 292 - 293، الاستيعاب: 1 / 222، أسد الغابة: 1 / 317، تهذيب الكمال: 187، تاريخ الإسلام: 3 / 2، تهذيب التهذيب: 2 / 59 - 60، الإصابة: 2 / 58، خلاصة تذهيب الكمال: 60. (1) طبقات ابن سعد 3 / 469. (2) تصحفت في المطبوع إلى زير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 عَبْدَ اللهِ بنَ ثَابِتٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ، فَاسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ (1) . قُلْتُ: الصَّحِيْحُ أَنَّ جَابِرَ بنَ عَتِيْكٍ هُوَ صَاحِبُ هَذَا الخَبَرِ، وَصَاحِبُ تَارِيْخِ الوَفَاةِ، وَأَنَّ جَبْراً قَدِيْمُ الوَفَاةِ، وَأَنَّ جَابِراً مِنْ بَنِي غَنَمِ بنِ سَلِمَةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَعَمُّهُمَا: الحَارِثُ بنُ قَيْسِ بنِ هَيْشَةَ الأَوْسِيُّ (2) . بَدْرِيٌّ جَلِيْلٌ، عَدَّهُ: الوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عُقْبَةَ، وَلاَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَلاَ أَبُو مَعْشَرٍ، بَلْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ: جَبْرُ بنُ عَتِيْكِ بنِ الحَارِثِ بنِ قَيْسِ بنِ هَيْشَةَ. 8 - الأَشْعَثُ بنُ قَيْسِ بنِ مَعْدِيْ كَرِبَ الكِنْدِيُّ * (ع) ابْنِ مُعَاوِيَةَ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ الحَارِثِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ ثَوْرِ بنِ مُرْتِعِ بنِ كِنْدَةَ.   (1) حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ رقم (554) في الجنائز: باب النهي عن البكاء على الميت، وأحمد 5 / 446، وأبو داود (3111) في الجنائز. باب فضل من مات في الطاعون. والنسائي 4 / 13 في الجنائز: باب النهي عن البكاء على الميت، والطبراني في " الكبير " (1779) ، وصححه ابن حبان (1616) والحاكم 1 / 352 ووافقه الذهبي. وقوله: قد غلبنا عليك: تقديره: الله تعالى غالب علينا في موتك، وإلا فحياتك محبوبة لدينا لجميل سعيك في الإسلام والخير. (2) انظر " الطبقات " لابن سعد 3 / 469. (*) مسند أحمد: 5 / 211، طبقات ابن سعد: 6 / 22، تاريخ خليفة: 116 و193 و199، المعارف: 168، 189، 333، 551، 555، 586، الطبري: 3 / 138، 139، 539 و4 / 561 و569 و5 / 51 و82، معجم الطبراني: 1 / 203، المستدرك: 3 / 522 - 523، الاستيعاب: 1 / 133، ابن عساكر: 3 / 17 / 2، أسد الغابة: 1 / 118، تهذيب الكمال: 119، العبر: 1 / 42، 46، تهذيب التهذيب: 1 / 359، الإصابة: 1 / 79، خلاصة تذهيب الكمال: 39. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَاسْمُ كِنْدَةَ: ثَوْرُ بنُ عُفَيْرِ بنِ عَدِيِّ بنِ الحَارِثِ بنِ مُرَّةَ بنِ أُدَدَ بنِ زَيْدِ بنِ يَشْجُبَ بنِ عَرِيْبِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ سَبَأَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ. سَاقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: وَقِيْلَ لَهُ: كِنْدَةُ؛ لأَنَّهُ كَنَدَ أَبَاهُ النِّعْمَةَ، أَيْ: كَفَرَهُ. وَكَانَ اسْمُ الأَشْعَثِ: مَعْدِيْ كَرِبَ. وَكَانَ أَبَداً أَشْعَثَ الرَّأْسِ؛ فَغَلَبَ عَلَيْهِ. لَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو وَائِلٍ. وَأَرْسَلَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعَيُّ. وَأُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَكَانَ أَكْبَرَ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ. مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ: قَالَ لَنَا الأَشْعَثُ: فِيَّ نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيْلاً ... } [آلُ عِمْرَانَ: 77] . خَاصَمْتُ رَجُلاً إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ) ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: (فَيَحْلِفُ؟) . قُلْتُ: إِذاً يَحْلِفُ. فَقَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ فَاجِرَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) (1) . قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: وَفَدَ الأَشْعَثُ فِي سَبْعِيْنَ مِنْ كِنْدَةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) أخرجه البخاري 8 / 159 في التفسير، و11 / 485، 488 في الايمان: باب (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم..) ومسلم (138) في الايمان: باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، والطبراني في " الكبير " (640) وأحمد 5 / 211 و212. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَقَالَ لِي: (هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ؟) . قُلْتُ: صَغِيْرٌ، وُلِدَ مَخْرَجِي إِلَيْكَ ... ، الحَدِيْثَ (1) . وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ، قَالَ: ارْتَدَّ الأَشْعَثُ فِي نَاسٍ مِنْ كِنْدَةَ، فَحُوْصِرَ، وَأُخِذَ بِالأَمَانِ، فَأَخَذَ الأَمَانَ لِسَبْعِيْنَ، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، فَأُتِيَ بِهِ الصِّدِّيْقَ، فَقَالَ: إِنَّا قَاتِلُوْكَ، لاَ أَمَانَ لَكَ. فَقَالَ: تَمُنُّ عَلَيَّ وَأُسْلِمُ؟ قَالَ: فَفَعَلَ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ. زَادَ غَيْرُهُ: فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: زَوِّجْنِي أُخْتَكَ. فَزَوَّجَهُ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِي قُحَافَةَ. رَوَاهُ: أَبُو عُبَيْدٍ فِي (الأَمْوَالِ (2)) ، فَلَعَلَّ أَبَاهَا فَوَّضَ النِّكَاحَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا قُدِمَ بِالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ أَسِيْراً عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَطْلَقَ وَثَاقَهُ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ. فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَدَخَلَ سُوْقَ الإِبِلِ، فَجَعَلَ لاَ يَرَى نَاقَةً وَلاَ جَمَلاً إِلاَّ عَرْقَبَهُ، وَصَاحَ النَّاسُ: كَفَرَ الأَشْعَثُ! ثُمَّ طَرَحَ سَيْفَهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا كَفَرْتُ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ زَوَّجَنِي أُخْتَهُ؛ وَلَو كُنَّا فِي بِلاَدِنَا لَكَانَتْ لَنَا وَلِيْمَةٌ غَيْرُ هَذِهِ، يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ، انْحَرُوا، وَكُلُوا! وَيَا أَهْلَ الإِبِلِ تَعَالَوْا خُذُوا شَرْوَاهَا!   (1) وتمامه: ولوددت أن لي مكانه شبع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقل ذاك، فإن فيهم قرة أعين وأجرا إذا قبضوا، ولئن قلت ذلك، فإنهم لمجبنة ومحزنة ومبخلة " أخرجه أحمد 5 / 211، والطبراني (646) ومجالد ضعيف، وبه أعله الهيثمي في " المجمع " 8 / 155، ومع ذلك صححه الحاكم 4 / 239، ووافقه الذهبي من طريق سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الاشعث بن قيس ... (2) ص 149 من طريق شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي.. (3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (649) وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح غير عبد المؤمن بن علي وهو ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " 6 / 66 وقوله: خذوا شرواها، أي: مثلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 رَوَاهُ: عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، عَنْهُ. إِسْمَاعِيْلُ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ جَنَازَةً، فِيْهَا الأَشْعَثُ وَجَرِيْرٌ، فَقَدَّمَ الأَشْعَثُ جَرِيْراً، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ، وَإِنِّي ارْتَدَدْتُ (1) . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ الأَشْعَثُ. مَسْلَمَةُ بنُ مُحَارِبٍ: عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَصَلَ (2) مُعَاوِيَةُ فِي تِسْعِيْنَ أَلْفاً، فَسَبَقَ، فَنَزَلَ الفُرَاتَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَمَنَعَهُمْ مُعَاوِيَةُ المَاءَ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ الأَشْعَثَ فِي أَلْفَيْنِ (3) ، وَعَلَى المَاءِ لِمُعَاوِيَةَ أَبُو الأَعْوَرِ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً، وَغَلَبَ الأَشْعَثُ عَلَى المَاءِ (4) . الأَعْمَشُ: عَنْ حَيَّانَ أَبِي سَعِيْدٍ التَّيْمِيِّ (5) ، قَالَ: حَذَّرَ الأَشْعَثُ مِنَ الفِتَنِ، فَقِيْلَ لَهُ: خَرَجْتَ مَعَ عَلِيٍّ! فَقَالَ: وَمَنْ لَكَ إِمَامٌ مِثْلُ عَلِيٍّ (6) ! وَعَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ عَلَى عَلِيٍّ فِي شَيْءٍ، فَتَهَدَّدَهُ بِالمَوْتِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: بِالمَوْتِ تُهَدِّدُنِي! مَا أُبَالِيْهِ، هَاتُوا لِي جَامِعَةً   (1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 80، ونسبه إلى ابن السكن وغيره. (2) في تهذيب الكمال: قفل معاوية في تسعين ألفا، وفي تاريخ خليفة: فصل معاوية بن الشام إلى صفين في سبعين ألفا. (3) " في الفين " سقطت من المطبوع. (4) تاريخ خليفة ص 193، وتهذيب الكمال ص 119. (5) حيان أبي سعيد التيمي مترجم في الجرح والتعديل 3 / 247، وقد تصحف في المطبوع " التيمي " إلى " البتي ". (6) أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 59 من طريق عبد الله بن عمر، عن حفص بن غياث، عن الأعمش به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَقَيْداً! ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ: فَطَلَبُوا إِلَيْهِ فِيْهِ، فَتَرَكَهُ. أَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو؛ حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حُلْنَا بَيْنَ أَهْلِ العِرَاقِ وَبَيْنَ المَاءِ؛ فَأَتَانَا فَارِسٌ، ثُمَّ حَسَرَ؛ فَإِذَا هُوَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: اللهَ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! هَبُوْا أَنَّكُمْ قَتَلْتُم أَهْلَ العِرَاقِ، فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ وَالذَّرَارِي؟ أَمْ هَبُوْا أَنَّا قَتَلْنَاكُم، فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ وَالذَّرَارِي؟ إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجُرَاتُ: 9] . قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا تُرِيْدُ؟ قَالَ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَاءِ. فَقَالَ لأَبِي الأَعْوَرِ: خَلِّ بَيْنَ إِخْوَانِنَا وَبَيْنَ المَاءِ (1) . رَوَى: الشَّيْبَانِيُّ (2) ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ: أَنَّ الأَشْعَثَ كَانَ عَامِلاً لِعُثْمَانَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَحَلَفَ مَرَّةً عَلَى شَيْءٍ؛ فَكَفَّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ الأَشْعَثُ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ، ثُمَّ قَالَ: قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ مَالٍ! أَمَا وَاللهِ مَا حَلَفْتُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ، وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. شَرِيْكٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: صَلَّيْتُ الفَجْرَ بِمَسْجِدِ الأَشْعَثِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ، إِذَا بَيْنَ يَدَيَّ كِيْسٌ وَنَعْلٌ؛ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ رَجُلٍ كِيْسٌ وَنَعْلٌ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَدِمَ الأَشْعَثُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: انْظُرُوا!   (1) أورده المزي في " تهذيب الكمال " ص 119 عن عبد الله بن الامام أحمد في كتاب " صفين ": حدثني أبي قال: حدثنا أبو المغيرة ... (2) هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني أبو إسحاق الكوفي الثقة وقد تحرف في المطبوع إلى السلمي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 فَكُلُّ مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي مَسْجِدِنَا، فَاجْعَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ كِيْساً وَحِذَاءً. رَوَاهُ: أَبُوْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: حُلَّةً وَنَعْلَيْنِ (1) . أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُهَاجِرِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ مَشَتْ مَعَهُ الرِّجَالُ وَهُوَ رَاكِبٌ: الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ. رَوَى نَحْوَهُ: أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ (2) . قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، أَتَاهُمُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَضِّئُوْهُ بِالكَافُوْرِ وَضُوْءاً، وَكَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَ الحَسَنِ (3) . قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ: بَعْدَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً. وَدُفِنَ فِي دَارِهِ. وَقِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، وَالحَسَنُ بِهَا حِيْنَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ بَعْدَهُ مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاءِ وَأَشْرَافِهِمْ،   (1) أخرجه الطبراني في " الكبير " (650) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 415 وقال: وفيه أبو إسرائيل الملائي وبقية رجاله رجال الصحيح. (2) " تهذيب الكمال " 120. (3) أخرجه الفسوي في تاريخه 1 / 226 من طريق أبي نعيم وأبي قبيصة كلاهما عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد. وأخرجه ابن سعد 6 / 23 من طريق وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم ابن جابر، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 522 من طريق عبدة بن حميد، حدثني إسماعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، وقد تحرف حكيم عنده إلى حفص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَهُوَ وَالِدُ الأَمِيْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ النَّاسُ، وَعَمِلَ مَعَ الحَجَّاجِ تِلْكَ الحُرُوْبَ المَشْهُوْرَةَ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا. بِحَيْثُ يُقَالُ: إِنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ أَحَداً وَثَمَانِيْنَ مَصَافّاً (1) ، مُعْظَمُهَا عَلَى الحَجَّاجِ. ثُمَّ فِي الآخِرِ خُذِلَ ابْنُ الأَشْعَثِ، وَانْهَزَمَ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِهِ، وَهَلَكَ. 9 - حَاطِبُ بنُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرِو بنِ عُمَيْرِ بنِ سَلَمَةَ اللَّخْمِيُّ * المَكِّيُّ، حَلِيْفُ بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ. مِنْ مَشَاهِيْرِ المُهَاجِرِيْنَ؛ شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ. وَكَانَ رَسُوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المُقَوْقسِ، صَاحِبِ مِصْرَ. وَكَانَ تَاجِراً فِي الطَّعَامِ، لَهُ عَبِيْدٌ. وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ. ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ (2)) ، فَقَالَ: كَانَ حَسَنَ الجِسْمِ، خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ، أَجْنَى (3) ، إِلَى القِصَرِ مَا هُوَ، شَثْنَ الأَصَابِعِ. قَالَهُ الوَاقِدِيُّ. رَوَى هَارُوْنُ بنُ يَحْيَى الحَاطِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنْ عَبْدِ   (1) المصاف: جمع مصف، وهو الموقف في الحرب. * طبقات ابن سعد: 3 / 114، طبقات خليفة: 70، تاريخ خليفة: 166، المعارف: 317، 318، الجرح والتعديل: 3 / 303، معجم الطبراني الكبير: 3 / 205، المستدرك: 3 / 300 - 302، الاستيعاب: 1 / 312، جامع الأصول ; 9 / 97، أسد الغابة: 1 / 431، تاريخ الإسلام: 2 / 85، مجمع الزوائد: 9 / 303، تهذيب التهذيب: 2 / 168، الإصابة: 2 / 192، شذرات الذهب: 1 / 37. (2) 3 / 300. (3) يقال رجل أجنى وأجنا إذا كان في كاهله انحناء على صدره، ولم يبلغ الاحديداب. وقوله: شثن الاصابع: أي غليظها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 الحَمِيْدِ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسٍ، سَمِعَ حَاطِباً يَقُوْلُ: إِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُحُدٍ، قَالَ: وَفِي يَدِ عَلِيٍّ التُّرْسُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنَ المَاءِ. فَقَالَ حَاطِبٌ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالَ عُتْبَةُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هَشَمَ وَجْهِي، وَدَقَّ رَبَاعِيَتِي بِحَجَرٍ! فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ صَائِحاً عَلَى الجَبَلِ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ! فَأَتَيْتُ إِلَيْكَ - وَكَأَنْ قَدْ ذَهَبَتْ رُوْحِي - فَأَيْنَ تَوَجَّهَ عُتْبَةُ؟ فَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَمَضَيْتُ حَتَّى ظَفِرْتُ بِهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ، فَطَرَحْتُ رَأْسَهُ! فَنَزَلْتُ، فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ وَسَلَبَهُ وَفَرَسَهُ، وَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيَّ، وَدَعَا لِي، فَقَالَ: (رَضِيَ اللهُ عَنْكَ) ، مَرَّتَيْنِ (1) . إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ. اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عَبْداً لِحَاطِبٍ شَكَا حَاطِباً، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ النَّارَ! قَالَ: كَذَبْتَ، لاَ يَدْخُلُهَا أَبَداً وَقَدْ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ. صَحِيْحٌ (2) . إِسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ كِتَاباً. فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: (انْطَلِقَا حَتَّى تُدْرِكَا امْرَأَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَائْتِيَانِي بِهِ) . فَلَقِيَاهَا، وَطَلَبَا الكِتَابَ، وَأَخْبَرَاهَا أَنَّهُمَا غَيْرُ مُنْصَرِفَيْنِ حَتَّى يَنْزِعَا كُلَّ ثَوْبٍ عَلَيْهَا. قَالَتْ: أَلَسْتُمَا مُسْلِمَيْنِ؟ قَالاَ: بَلَى، وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ حَدَّثَنَا أَنَّ مَعَكِ   (1) هارون بن يحيى الحاطبي: قال العقيلي في " الضعفاء " ص: 432: لا يتابع على حديثه، وأبو ربيعة مجهول، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 300، 301، ولم يتكلم عليه لا هو ولا الذهبي، بينما الذهبي هنا يقول: إسناد مظلم، وانظر " لسان الميزان " 6 / 183. (2) أخرجه مسلم (2195) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أهل بدر، والترمذي (3363) في المناقب: باب في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم 3 / 301. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 كِتَاباً. فَحَلَّتْهُ مِنْ رَأْسِهَا. قَالَ: فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاطِباً حَتَّى قُرِئَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَاعْتَرَفَ. فَقَالَ: (مَا حَمَلَكَ) ؟. قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ قَرَابَتِي وَوَلَدِي، وَكُنْتُ غَرِيْباً فِيْكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُوْلَ اللهِ فِي قَتْلِهِ. قَالَ: (لاَ، إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي، لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، فَإِنِّي غَافِرٌ لَكُم (1)) . إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَأَصْلُهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (2)) . وَقَدْ أَتَى بَعْضُ مَوَالِيْهِ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَشْكُوْنَ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ فَلاَمَهُ فِي ذَلِكَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَدُهُ، مِمَّنْ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ رُؤْيَةٌ. يَرْوِي عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ الفَقِيْهُ يَحْيَى، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُمَا. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَمَاتَ حَاطِبٌ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ.   (1) أخرجه الطبراني في " الكبير " (3066) . والحاكم في " المستدرك " 3 / 301 - 302، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 304، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " ورجالهما ثقات. (2) هو في " البخاري " 7 / 400، 401 في المغازي، باب غزوة أحد، وباب فضل من شهد بدرا. وفي الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن. وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان: باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استابة المرتدين: باب ما جاء في المتأولين. وأخرجه مسلم (2494) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر. وانظر فيما قاله العلماء في توجيه: اعملوا ما شئتم إني غافر لكم " فتح الباري " 8 / 487. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 10 - أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ * (ع) وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ. وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ. وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ. قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ. وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ. رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،   (*) مسند أحمد: 5 / 144، طبقات ابن سعد: 4 / 219 - 237، التاريخ لابن معين: 704، طبقات خليفة: 31، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 2 / 221، المعارف: 2، 67، 152، 195، 252، 253، أنساب الاشراف: 4 / 541 تاريخ الطبري: 4 / 283، معجم الطبراني الكبير: 2 / 155، المستدرك: 3 / 337 - 346، الاستبصار: 125، حلية الأولياء: 1 / 156، 170، الاستيعاب: 1 / 169، 177، ابن عساكر: 4 / 7 / 2، جامع الأصول: 9 / 50 - 59، أسد الغابة: 1 / 357 و6 / 99، 101، تهذيب الكمال: 1602، تاريخ الإسلام: 2 / 111، العبر 1 / 33، مجمع الزوائد: 9 / 327، تهذيب التهذيب: 12 / 90 - 91، الإصابة: 11 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 449، كنز العمال: 13 / 311، شذرات الذهب: 1 / 24 و56 و63. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ. فَاتَتْهُ (1) بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ. وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ. وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،   (1) تصحف في المطبوع إلى " فاتنة ". (2) هو الخضر بن أبي الحسين عبد الرحمن بن الخضر المعمر شمس الدين أبو القاسم الأزدي الدمشقي، الكاتب، ولد سنة (617) هـ، قال المؤلف في مشيخته الورقة (44) : عني به والده فأسمعه من أبي المحاسن، وابن البن وزين الامناء، وأبي المجد، وتفرد بأشياء. وكان عريا من العلم وعزل في آخر عمره من كتابة دار الطعم، مات في ذي الحجة سنة (700) هـ. وقد تصحف في المطبوع إلى " الحصر " بالصاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم. يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم. يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم. يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) . قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1) .   (1) رقم (2577) في البر والصلة، باب تحريم الظلم، وقد أورده الامام النووي رحمه الله في آخر كتابه الأذكار من طريق شيخه الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف النابلسي، ثم الدمشقي، عن أبي طالب عبد الله، وأبي منصور يونس، وأبي القاسم الحسين بن هبة الله، وأبي يعلى حمزة، وأبي الطاهر إسماعيل، خمستهم عن أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر، عن الشريف أبي القاسم علي ابن إبراهيم الحسيني خطيب دمشق، عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان عن أبي القاسم الفضل بن جعفر، عن أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشمي، عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ (2) لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ (3) .   = رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله تبارك وتعالى..ثم قال: ورجال إسناده مني إلى أبي ذر كلهم دمشقيون، ودخل أبو ذر رضي الله عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد. منها صحة إسناده ومتنه وعلوه وتسلسله بالدمشقيين رضي الله عنهم، وبارك فيهم. ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها ولله الحمد. روينا عن الامام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ليس لاهل الشام أشرف من هذا الحديث. وأخرجه أحمد 5 / 154 و177، والترمذي (2495) من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذر ... وأخرجه أحمد 5 / 160 من طريق همام عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن أبي ذر ... (1) ابن سعد 2 / 236. (2) تحرفت في المطبوع إلى " فبعث ". (3) أخرجه أحمد في المسند 5 / 146، والرجل العامري هو عمرو بن بجدان كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية، ومعروق: قليل اللحم، وقد تحرفت في المسند إلى " معروف " وقطري: بكسر القاف وإسكان الطاء: ضرب من البرود في حمرة، ولها أعلام فيها بعض الخشونة. وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: " إن الصعيد الطب طهور ما لم تجد الماء ولو إلى عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك " وهو حديث صحيح أخرجه عن أبي ذر أبو داود رقم (332 و333) ، والترمذي (124) ، والنسائي 1 / 171، وأحمد 5 / 147، 155، 180، وصححه الترمذي، وابن حبان رقم (126) ، والحاكم 1 / 176، 177. ووافقه الذهبي، وله شاهذ عند البزار من حديث ابي هريرة برقم (310) وإسناده قوي. سير 2 / 4 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً. فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ. سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ. فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ. فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا (1) ، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ (2) أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً (3) ، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا. قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ. قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ (4) حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.   (1) في صحيح مسلم، فقربنا صرمتنا، والصرمة: القطعة من الابل. (2) نافر: حاكم: يقال: نافرت الرجل منافرة إذا قاضيته، والمنافرة، المحاكمة تكون في تفضيل أحد الشيئين على الآخر. (3) في الأصل: فأتيت الكاهن بخبر أنيس، وما أثبتناه من صحيح مسلم. (4) الخفاء: كساء يطرح على السقاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ (1) ، ثُمَّ جَاءَ. فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ. قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ (2) الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ! قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ! فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ (3) رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ. قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ (4) أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا. وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ (5) جُوْعٍ. فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ (6) ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،   (1) يقال: راث فلان علينا إذا أبطأ. (2) في صحيح مسلم: على أقراء الشعر وهي طرائقه وأنواعه، واحدها: قرء. (3) أي نظرت إلى أضعفهم، وفي " الطبقات " فاستضعفت رجلا منهم، وقد تحرفت في المطبوع إلى " تضيفت ". (4) النصب: الحجر أو الصنم الذي كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه، فيحمر من كثرة دم القربان والذبائح، أراد أنهم ضربوه حتى أدموه. (5) سخفة الجوع: رقته وهزاله. (6) يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة أي: مضيئة لا غيم فيها. فقمرها ظاهر يضيئها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ (1) ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا. فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ. فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا (2) ، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ (3) مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) . قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) . قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ. قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) . قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي (4) صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي. قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) . قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) . قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ. قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) (5) .   (1) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا. (2) كذا في الأصل وفي صحيح مسلم، ورواية ابن سعد في الطبقات: " فما ثناهما ذلك عن قولهما ". (3) عنى به الذكر، وقوله: لاأكني، أراد أنه أفصح باسمه ولم يكن عنه. (4) في الطبقات وصحيح مسلم: فقد عني، أي منعني وكفني. (5) أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ. فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) . قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً. فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم. وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي. وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1) . قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ. فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟ فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ   (1) رقم (2473) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي ذر، رضي الله عنه، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 219، 222، وأحمد 5 / 174. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ. فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟ قُلتُ: نَعَمْ. قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي! فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ. فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: أَفْعَلُ. قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ. قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ. فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) . فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ. فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ! فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ! فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ! فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ. فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ (2) . وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ (3) . النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ. وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) . قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ. قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ (4) .   (1) البخاري: 6 / 400 و7 / 132، 134 في المناقب: باب إسلام أبي ذر، ومسلم رقم (2474) في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات 4 / 224، 225. (2) ابن سعد 4 / 222. (3) ابن سعد 4 / 222 من طريق الواقدي. ويتأله: يتنسك ويتعبد. (4) أخرجه الطبراني برقم (1617) ولفظه بعد قوله: رجل من غفار: فكأنه صلى الله عليه وسلم ارتدع وود أني كنت من قبيلة غير التي أنا منهم، وذاك أني كنت من قبيلة يسرقون الحاج بمحاجن مم. وأخرجه الحاكم 3 / 342 إلى قوله: فرأيت الاستبشار في وجهه، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ. وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ (2) بَعِيْرِي. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ. فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ. فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) . حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ. قَالَ: وَتَلَوَّمَ (3) بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .   (1) أخرجه الطبراني (1618) والحاكم 3 / 341، 342 من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير. وصدقة بن عبد الله ضعيف، ضعفه غير واحد، وقال الدراقطني: متروك، ومع ذلك فقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 327، وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما متصل الإسناد ورجاله ثقات. (2) العجف: الهزال. (3) تلوم: تلبث ومكث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ (1) ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ. فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) . فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ (2) . شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ (3) . وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ (4) . يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ   (1) في النهاية: ضرب الدهر من ضربانه، ويروى من ضربه أي مر من مروره وذهب بعضه. (2) إسناده ضعيف لضعف بريدة بن سفيان فقد ضعفه البخاري والنسائي، وأبو داود، وأحمد، والدارقطني، وذكره الحافظ في " الإصابة " 11 / 122 عن ابن إسحاق وضعف سنده. (3) ابن سعد 4 / 230 (4) ابن سعد 4 / 231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا (1)) . أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ (2) . فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ (3) . هَذَا مُنْكَرٌ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) (4) .   (1) أخرجه ابن سعد من طريق خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عن الحارث بن يزيد الحضرمي، وهذا سند منقطع، الحارث لم يسمع من أبي ذر. وأخرجه مسلم موصولا (1825) في الامارة من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن عمرو، عن الحارث بن يزيد الحضرمي. عن أبي حجيرة الأكبر عن أبي ذر. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم، فإنه كان سرق بيته، فاختلط. (3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (1624) وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 230، وقال: فيه من لم أعرفهم، وقد تحرف في الأصل " مصفح إلى " مصفى ". (4) ابن كعب: هو محمد القرظي، وهو في " المسند " 5 / 173، وإسناده ضعيف لضعف عمر مولى غفره وهو عمر بن عبد الله المدني. وأخرجه أحمد أيضا 5 / 159 من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، عن محمد بن واسع، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال ... وسنده حسن، وسيورده المصنف في الصفحة 64. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ (1)) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ. وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ (2)) . سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) . فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ) (3) .   (1) حديث قوي بشواهده أخرجه الترمذي (3801) وابن سعد 4 / 228، والحاكم 3 / 342، وابن ماجة (156) ، وعثمان بن عمير ضعيف، وقد تحرف في " المستدرك " إلى عثمان بن قيس، وباقي رجاله ثقات، وحديث أبي الدرداء أخرجه ابن سعد 4 / 228، والحاكم 3 / 342، وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 329، وزاد نسبته إلى البزار والطبراني، وقال: وفيه علي بن زيد وقد وثق، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، وحديث جابر لم أقف عليه. وحديث أبي هريرة أخرجه ابن سعد 4 / 228، وفي سنده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف، وباقي رجاله، ثقات. وفي الباب عن أبي ذر عند الترمذي (3802) وحسنه، والغبراء: الأرض، والخضراء: السماء. واللهجة: اللسان والنطق. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي أمية بن يعلى كما قال المصنف، وهو في طبقات ابن سعد 4 / 228. (3) ابن سعد 4 / 228، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ (1) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ: أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ (2) . يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً (3) ! أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) . وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ   (1) ابن سعد 4 / 232. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 232، ورجاله ثقات. (3) يحيى بن سلمة بن كهيل متروك. وأوكى: شد عليه بالوكاء، وهو ما يشد به فم السقاء أو الوعاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) . فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ (1) . شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) . قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ) (2) . قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً. فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) . قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) . قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) . قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي. قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) . قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ. قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) . قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .   (1) أخرجه الترمذي (3785) والطبراني في " الكبير " (6049) وفي سنده كثير بن إسماعيل النواء وهو ضعيف. (2) أخرجه أحمد 5 / 351، وأبو ربيعة الايادي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ (2) . أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ (3) . الدَّغُوْلِيُّ (4) : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) . قُلْتُ: لاَ. قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) . فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ. فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) . قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) . قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟ قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) . قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟ قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) . قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟ قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) . قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) . قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) . قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟ قَالَ: (آدَمُ) . قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟   (1) 6 / 457، والزيادات منه، وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وأخرجه الطبراني (1623) مختصرا. ومنجدلا: أي ملقى على الجدالة وهي الأرض، ونكته: غمزه. (2) أخرجه أحمد 5 / 172. (3) واسمه عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني الحمصي، مترجم في " التهذيب ". (4) تحرف في المطبوع إلى " الدفولي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) . قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً (1)) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) . قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟ قَالَ: (لاَ) . قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ. فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ. فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ (2) - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ (3) . سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ (4) .   (1) أخرجه أحمد 5 / 178 و179، وإسناده ضعيف، لاختلاط المسعودي واسمه عبد الرحمن بن عبد الله، وضعف أبي عمر الدمشقي، ولين عبيد بن الخشخاش. (2) أي: عن الامامة وقت إقامة الصلاة، وفي " الطبقات " 4 / 227: فخرج إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة، وعليها عبد لعثمان حبشي فتأخر، فقال أبو ذر ... (3) ابن سعد 4 / 226، 227، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وتمامه عنده: فصل فقد أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. (4) إسناده صحيح وهو في طبقات ابن سعد 4 / 228، ومسند أحمد 5 / 164. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ (1) . الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا. فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا (2) . اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ. وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي. ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ (3) . الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ   (1) أخرجه أحمد 5 / 159، وابن سعد 4 / 229، وسنده حسن، وقد تقدم في الصفحة 58 تعليق (4) . (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 160. والجمرة الوسطى: هي إحدى المواضع الثلاث التي يرمى فيها الحصى بمنى. والصمصامة: السيف القاطع. (3) ابن سعد 4 / 231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ. فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ. قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً. فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) . فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) . فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً! فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ (1) . الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ (2) .   (1) أخرجه البخاري 3 / 218 في الزكاة: باب ما أدي زكاته فليس بكنز، ومسلم (992) في الزكاة: باب في الكنازين للاموال والتغليظ عليهم، كلاهما من طريق الجريري، عن يزيد بن الشخير، عن الاحنف بن قيس ... والرضف: الحجارة المحماة، الواحدة رضفة، مثل: تمر وتمرة، والنغض: العظم الدقيق الذي على طرف الكتف، أو على أعلى الكتف، وأصل النغض: الحركة، فسمي ذلك الموضع نغضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان. ويتجلجل: يغوص، ورواية البخاري ومسلم " يتزلزل ": أي يضطرب ويتحرك. (2) هو في " المسند " 5 / 176، وانظر " الفتح " 3 / 218. سير 2 / 5 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} . وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) . قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟ فَانْتَسَبْتُ لَهُ. فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ (1) : 35] . مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ (2) يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا. فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: إِنْ   (1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 3 / 213 وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 233 مختصرا، وزاد نسبته لابن مردويه. (2) تحرف في المطبوع إلى " الذماري " وقد ذكر الحافظ في " تعجيل المنفعة " في ترجمة مالك بن عبد الله هذا، أن هذه النسبة محرفة، وأن الصواب " البردادي " بفتح الموحدة وسكون المهملة ودالين بينهما ألف، وقال: هكذا ضبطه ابن يونس في نسخة الحافظ الحبال المصري، وابن يونس أعلم بالمصريين من غيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) . أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟ قَالَ: نَعَمْ (1) . قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ. حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -. قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ. قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ (2) . فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا (3) ، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا. قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ. فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ   (1) أخرجه أحمد في " المسند " 1 / 63، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، وجهالة مالك بن عبد الله، وأخرجه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ص 286 من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار، عن ابن لهيعة. (2) الصريمة: تصغير الصرمة: وهي القطيع من الابل والغنم. (3) أي: خذوها، والعذم: العض والاكل بجفاء، وبابه، ضرب، وقد تحرفت في المطبوع إلى " فاغنموها ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟ قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ. فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ: وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ (1) . السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟ قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا. فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟ فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ. فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟ قَالَ: لاَ. فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ. فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ (2) ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.   (1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 232، و" الحلية " 1 / 160. (2) أي: توطن البادية بعد الهجرة، وقد ورد النهي عن ذلك، انظر " مسند أحمد " 1 / 409 و430 و465، والنسائي 8 / 147، في الزينة: باب الموتشمات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ. مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ (1) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ. قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا. فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ (2) ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ! قَالَ: مَا قُلْتُ. قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ. قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ. قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ. وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ. وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.   (1) لم أجد لابن نفيع ترجمة، وقد يكون محرفا عن ابن نويفع، واسمه محمد بن الوليد، فقد روى الطبراني في " الكبير " (1628) : المرفوع من الحديث، من طريق موسى بن عبيدة، عن محمد بن الوليد، عن ابن عباس، فإن يكنه ففيه انقطاع، لأنه لا يروي عن ابن عباس إلا بواسطة كريب مولاه فيما ذكروه في ترجمته. (2) أي: مسوج بالسعف والحبال، ويقال أيضا: سرير مرمول: إذا كان مزينا بالجوهر ونحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ. فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ (2) . عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) . فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .   (1) إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة، وابن نفيع إن كان محمد بن الوليد، فلم يوثقه غير ابن حبان، وإلا فهو مجهول. (2) ابن لهيعة: سيء الحفظ، وباقي رجاله ثقات. وهو في " المسند " 4 / 125. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ (1) . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ: تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً. فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ (2) . مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ (3) . وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ   (1) رجاله ثقات، وأبو الجويرية اسمه: حطان بن خفاف الجرمي. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 227، والزيادة منه، وعبد الله بن سيدان، قال البخاري في " التاريخ " 5 / 110: لا يتابع على حديثه، وأورده ابن أبي حاتم 5 / 68، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ونقل الذهبي في " ميزانه " عن اللالكائي قوله: مجهول لاحجة فيه. (3) إسناده ضعيف كسابقه، لضعف عبد الله بن سيدان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي (1) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ: قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) . قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللهِ. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ (2) . قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ! فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ   (1) أخرجه أحمد 5 / 165، وابن سعد 4 / 227، وفيه جهالة الرجل والشيخين من بني ثعلبة ، وباقي رجاله ثقات. (2) أخرجه أحمد 5 / 165، والطبراني في " الكبير " (1627) ، وابن سعد 4 / 228، 229، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، لأن عراك بن مالك كما في " المجمع " 9 / 327: لم يسمع من أبي ذر، وقد أخرج أبو يعلى معناه من وجه آخر عن أبي ذر متصلا، إلا أن سنده ضعيف، وقوله: " كهيئته بما " في " المسند " كهيئته يوم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) . قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ. فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ (1)) . قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ. فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ] (2) . أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ (3) .   (1) أخرجه البخاري: 1 / 80، 81 في الايمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، و5 / 126 في العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العبيد إخوانكم، و10 / 390 في الأدب: باب ما ينهى من السباب واللعن، ومسلم (1661) في الايمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، وأحمد 5 / 161، وأبو داود (5157) و (5158) ، والترمذي (1945) . (2) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 4 / 236، وأحمد 5 / 195 كلاهما عن عفان بن مسلم، عن همام بن يحيى، عن قتادة به. (3) رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 230، وأخرجه موصولا أحمد 5 / 156، 165، و175، 176، وابن سعد 4 / 229، من طريق همام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن عبد الله بن الصامت أنه كان مع أبي ذر..ورجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى. قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ (1) فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ. حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي! وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي! فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ (2) . وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ. قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.   (1) تحرفت في المطبوع إلى " تهرع ". (2) ابن سعد 4 / 230، ورجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ (1)) . فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ. وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا (2) مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ (3) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ   (1) أخرجه مسلم (1826) في الامارة: باب كراهية الامارة بغير ضرورة، وأحمد 5 / 180، وابن سعد 4 / 231 من طريق عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن سالم بن أبي سالم الجيشاني، عن أبيه، عن أبي ذر. (2) تحرفت في المطبوع إلى " اتفق ". (3) انظر البخاري: 6 / 393 في مناقب قريش، و5 / 105 في العتق، و10 / 238 في اللباس، و13 / 350 في التوحيد، و3 / 394 في الحج، و6 / 290، 291 في أحاديث الأنبياء، و2 / 15 في المواقيت، و3 / 256 في الزكاة، و3 / 218، 219 في الزكاة، و1 / 81 في الايمان، و6 / 400 في المناقب، و7 / 231 في المغازي، ومسلم (61) و (84) و (94) و (159) و (163) في الايمان، و (250) و (616) في المساجد، و (990) و (992) (35) في الزكاة، و (1661) (40) في الايمان، و (2474) في الفضائل. وانظر البخاري 10 / 388 في الأدب، وانظر مسلم (106) و (178) و (190) في الايمان، و (510) في الصلاة، و (553) و (648) في المساجد، و (720) في صلاة المسافرين، و (1006) و (1067) في الزكاة، و (1224) في الحج و (1825) (1837) في الامارة، و (2300) و (2473) في الفضائل، و (2514) و (2543) في فضائل الصحابة، و (2577) و (2625) (143) في البر والصلة، و (2729) و (2731) في الذكر والدعاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً. قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) . فَكُلُّهُمْ (1) مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ. قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟! قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ (2) ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا. قَالُوا: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ. قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ. فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ. سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) . ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،   (1) في " الطبقات " فكل من كان معي في ذلك المجلس. (2) تخب: تسرع، والرخم، جمع رخمة، وهو: طائر أبقع على شكل النسر خلقة إلا أنه مبقع بسواد وبياض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي (1) مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ. قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي (2) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ. فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ. فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي   (1) العيبة: ما تجعل فيه الثياب. (2) رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا، أخرجه ابن سعد 4 / 232، وأحمد 5 / 166، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 331 ونسبه لأحمد وقال: رجاله رجال الصحيح. ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة " 1 / 358 من طريق ابن إسحاق، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا عبد الله بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الاشتر، عن أبيه، عن زوجة أبي ذر ... ورواه ابن سعد 4 / 233، 234 من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، عن يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد، عن إبراهيم بن الاشتر عن أبيه مالك بن الحارث ... وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 169، 170 وابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 172، 175. من طريق يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الاشتر، عن أبي الاشتر، عن أم ذر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) . ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ (1) . وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ (2) : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ (3) . عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي (4) . 11 - العَبَّاسُ عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- * (ع) قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، وَكَتَمَ إِسْلاَمَهُ، وَخَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ إِلَى بَدْرٍ، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ.   (1) بريدة بن سفيان، ضعيف، وقد تقدم تخريج الحديث في الصفحة (57) ت (2) . (2) كذا الأصل " عميلة " بالعين المهملة، ولم نجد له ترجمة، ويغلب على الظن أنه محرف، صوابه " عيسى بن نميلة " الفزاري مترجم في " تهذيب الكمال " 1086. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 235 من طريق الواقدي. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 236 ورجاله ثقات. (*) مسند أحمد: 1 / 206، طبقات ابن سعد: 4 / 5 - 33، التاريخ لابن معين: 294، تاريخ خليفة: 168، التاريخ الكبير: 7 / 2، المعارف: 118، 137، 156، 589، 592، تاريخ الفسوي: 1 / 295، أنساب الاشراف: 3 / 1 - 42، الجرح والتعديل 6 / 210 المستدرك 3 / 321 - 334، الاستبصار: 164، الاستيعاب: 2 / 810، ابن عساكر: 8 / 452 / 1، صفة الصفوة: 195، تهذيب الكمال: 658، تاريخ الإسلام: 2 / 98، العبر: 1 / 33، مجمع الزوائد: 9 / 268، تهذيب التهذيب: 5 / 214 - 215، الإصابة: 5 / 328، خلاصة تذهيب الكمال: 189، كنز: العمال: 13 / 502، شذرات الذهب: 1 / 38، تهذيب ابن عساكر: 7 / 229. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَلَيْسَ هُوَ فِي عِدَادِ الطُّلَقَاءِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ قَدِمَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ الفَتْحِ؛ أَلاَ تَرَاهُ أَجَارَ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ. وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا: خَمْسَةٌ وَثَلاَثُوْنَ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) ، وَفِي (البُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ) حَدِيْثٌ، وَفِي (البُخَارِيِّ) حَدِيْثٌ، وَفِي (مُسْلِمٍ) ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ (1) . رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عَبْدُ اللهِ، وَكَثِيْرٌ؛ وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ العَبَّاسِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمِيْرَةَ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ، وَمَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدِمَ الشَّامَ مَعَ عُمَرَ. فَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَنَا مِنَ الشَّامِ، تَنَحَّى وَمَعَهُ غُلاَمُهُ، فَعَمَدَ إِلَى مَرْكَبِ غُلاَمِهِ فَرَكِبَهُ، وَعَلَيْهِ فَرْوٌ مَقْلُوْبٌ، وَحَوَّلَ غُلاَمَهُ عَلَى رَحْلِ نَفْسِهِ. وَإِنَّ العَبَّاسَ لَبَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى فَرَسٍ عَتِيْقٍ، وَكَانَ رَجُلاً جَمِيْلاً، فَجَعَلتِ البَطَارِقَةُ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، فَيُشِيْرُ: لَسْتُ بِهِ، وَإِنَّهُ ذَاكَ. قَالَ الكَلْبِيُّ: كَانَ العَبَّاسُ شَرِيْفاً، مَهِيْباً، عَاقِلاً، جَمِيْلاً، أَبْيَضَ، بَضّاً، لَهُ ضَفِيْرَتَانِ، مُعْتَدِلَ القَامَةِ. وُلِدَ قَبْلَ عَامِ الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: بَلْ كَانَ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ، وَأَحْسَنِهِمْ صُوْرَةً، وَأَبْهَاهُم،   (1) انظر البخاري 10 / 489 في الأدب، ومسلم (209) في الايمان، والبخاري 6 / 89 في الجهاد، ومسلم (34) في الايمان و (491) في الصلاة، و (1775) في الجهاد والسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَأَجْهَرِهِمْ صَوْتاً، مَعَ الحِلْمِ الوَافِرِ، وَالسُّؤْدُدِ. رَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: قِيْلَ لِلعَبَّاسِ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ، وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ (1) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ لِلعَبَّاسِ ثَوْبٌ لِعَارِي بَنِي هَاشِمٍ، وَجَفْنَةٌ لِجَائِعِهِمْ، وَمَنْظَرَةٌ (2) لِجَاهِلِهِمْ. وَكَانَ يَمْنَعُ الجَارَ، وَيَبْذُلُ المَالَ، وَيُعْطِي فِي النَّوَائِبِ. وَنَدِيْمُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ (3) .   (1) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 270، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وذكره المتقي في " كنز العمال " 13 / 521، ونسبه لابن عساكر وابن النجار. (2) المنظرة: المرقة وقد تحرفت في المطبوع إلى " أناة "، وفي تهذيب ابن عساكر 7 / 228 " مقطرة "، قال في " اللسان ": وهي الفق وهي خشبة فيها خروق كل خرق على قدر سعة الساق يدخل فيها أرجل المحبوسين مشتق من قطار الابل، لان المحبوسين فيها على قطار واحد مضموم بعضهم إلى بعض، أرجلهم في خروق خشبة مفلوقة على قدر سعة سوقهم. وفي ذلك يقول إبراهيم بن هرمة: وكانت لعباس ثلاث نعدها * إذا ما جناب الحي أصبح أشهبا فسلسلة تنهى المظلوم وجفنة * تباح فيكسوها السنان المزغبا وحلة عصب ما تزال معدة * لعار ضريك ثوبه قد تهببا (3) " طبقات ابن سعد 4 / 31، وإسناده واه كما قال المؤلف. وانظر " المستدرك " 3 / 321، وقال الحافظ في " الإصابة " والصحيح أن العباس أسلم يوم بدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 إِسْنَادُهُ وَاهٍ. عَنْ عُمَارَةَ بنِ عَمَّارِ بنِ أَبِي اليَسَرِ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى العَبَّاسِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ وَاقِفٌ كَأَنَّهُ صَنَمٌ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ شَرّاً! أَتُقَاتِلُ ابْنَ أَخِيْكَ مَعَ عَدُوِّهِ؟ قَالَ: مَا فَعَلَ، أَقُتِلَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعَزُّ لَهُ، وَأَنْصَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: مَا تُرِيْدُ إِلَيَّ؟ قُلْتُ: الأَسْرُ؛ فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِكَ. قَالَ: لَيْسَتْ بِأَوَّلِ صِلَتِهِ. فَأَسَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِالعَبَّاسِ، قَدْ أَسَرَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَسَرَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ آزَرَكَ اللهُ بِمَلَكٍ كَرِيْمٍ (2)) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَسَرَ العَبَّاسَ أَبُو اليَسَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَيْفَ أَسَرْتَهُ؟) . قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ، هَيْئَتُهُ كَذَا. قَالَ: (لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيْمٌ (3)) . ثُمَّ قَالَ لِلعَبَّاسِ: افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيْكَ عَقِيْلاً، وَنَوْفَلَ بنَ الحَارِثِ، وَحَلِيْفَكَ عُتْبَةَ بنَ جَحْدَمٍ (4) . فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً قَبْلَ   (1) انظر " ابن سعد " 4 / 12. (2) رجاله ثقات. وقد تحرفت في المطبوع " أسرني " إلى " أسيري ". (3) الخبر بنحوه عند ابن سعد 4 / 12 من طريق ابن إسحاق حدثني بعض أصحابنا، عن مقسم أبي القاسم، عن ابن عباس ... (4) في الأصل: " مخدم " وما أثبتناه عن ابن عساكر، وفي " طبقات ابن سعد ": " عتبة بن عمرو بن جحدم ". سير 2 / 6 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُوْنِي. قَالَ: (اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقّاً، فَاللهُ يَجْزِيْكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ) . وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ عَرَفَ أَنَّ العَبَّاسَ أَخَذَ مَعَهُ عِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً ذَهَباً. فَقُلْتُ (1) : يَا رَسُوْلَ اللهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَائِي. قَالَ: (لاَ، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللهُ مِنْكَ) . قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ! قَالَ: (فَأَيْنَ المَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أُمِّ الفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي فَلِلْفَضْلِ كَذَا، لِقُثَمَ كَذَا، وَلعَبْدِ اللهِ كَذَا؟) . قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيَرَهَا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ (2) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ (3) إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ. فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيْرَهُمْ، بِمَا تَرَاضَوْا. وَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً. إِلَى أَنْ قَالَ: وَأُنزِلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيْكُم مِنَ الأَسْرَى (4) إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوْبِكُم خَيْراً يُؤتِكُم خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُم وَيَغْفِرْ لَكُم} [الأَنْفَالُ: 70] . قَالَ: فَأَعْطَانِي اللهُ مَكَانَ العِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً فِي الإِسْلاَمِ عِشْرِيْنَ عَبْداً،   (1) في " طبقات ابن سعد ": فقال العباس. (2) ذكره ابن سعد في " الطبقات " 4 / 13، 14 عن ابن إسحاق قال: قال رسول الله ... (3) في الأصل: قريشا. (4) الاسارى: جمع أسير، وهي قراءة أبي عمرو وكان أهل الشام في عصر المؤلف يقرؤون بقراءة أبي عمرو، ومع ذلك، فقد حذف محقق المطبوع ما في الأصل، وأثبت مكانها (الاسرى) وهي قراءة ما سوى أبي عمرو من القراء السبعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ -تَعَالَى (1) -. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَكْثَرُ الأُسَارَى فِدَاءً يَوْمَ بَدْرٍ العَبَّاسُ، افْتَدَى نَفْسَهُ بِمائَةِ أُوْقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمْسَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأُسَارَى فِي الوَثَاقِ، فَبَاتَ سَاهِراً أَوَّلَ اللَّيْلِ. فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا لَكَ لاَ تَنَامُ؟ قَالَ: (سَمِعْتُ أَنِيْنَ عَمِّي فِي وَثَاقِهِ) . فَأَطْلَقُوهُ، فَسَكَتَ، فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَسَرَ العَبَّاسَ رَجُلٌ، وَوَعَدُوْهُ أَنْ يَقْتُلُوْهُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ العَبَّاسِ؛ زَعَمَتِ الأَنْصَارُ أَنَّهُمْ قَاتِلُوْهُ) . فَقَالَ عُمَرُ: أَآتِيْهِمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَأَتَى الأَنْصَارَ، فَقَالَ: أَرْسِلُوا العَبَّاسَ. قَالُوا: إِنْ كَانَ لِرَسُوْلِ اللهِ رِضَىً، فَخُذْهُ. سِمَاكٌ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ - بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ - عَلَيْكَ بِالْعِيْرِ لَيْسَ دُوْنَهَا شَيْءٌ. فَقَالَ العَبَّاسُ - وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ -: لاَ يَصْلُحُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لِمَ؟) . قَالَ: لأَنَّ اللهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، فَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ. هَكَذَا رَوَاهُ: إِسْرَائِيْلُ. وَرَوَاهُ: عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً.   (1) إسناده ضعيف لضعف حسين بن عبد الله، وباقي رجاله ثقات، ونسبه السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 205 إلى ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر، وأخرجه الحاكم 3 / 324 بسند حسن من طريق ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة ... وصححه، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 12، 13 وقد سقط من المطبوع من قوله: " فأطلقوه ... إلى قوله: " وسلم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسٍ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَدْرٍ، اسْتَأْذَنَهُ العَبَّاسُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى يُهَاجِرَ مِنْهَا. فَقَالَ: (اطْمَئِنَّ يَا عَمُّ، فَإِنَّكَ خَاتَمُ المُهَاجِرِيْنَ، كَمَا أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّيْنَ (1)) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ. رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى، وَالشَّاشِيُّ (2) فِي (مُسْنَدَيْهِمَا) . وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً: فَبَدَأَ بِالعَبَّاسِ. قَالَ: وَأُمُّهُ نُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بنِ كُلَيْبٍ. وَسَرَدَ نَسَبَهَا إِلَى رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدٍّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ أَبِي قَبْلَ أَصْحَابِ الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. وَبَنُوْهُ: الفَضْلُ - وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ - وَعَبْدُ اللهِ البَحْرُ (4) ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَقُثَمُ - وَلَمْ يُعْقِبْ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ - تُوُفِّيَ بِالشَّامِ وَلَمْ يُعْقِبْ - وَمَعَبْدٌ - اسْتُشْهِدَ بِإِفْرِيْقِيَةَ - وَأَمُّ حَبِيْبٍ (5) . وَأُمُّهُمْ: أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ الهِلاَلِيَّةُ، وَفِيْهَا يَقُوْلُ ابْنُ يَزِيْدَ الهِلاَلِيُّ:   (1) إسناده ضعيف جدا، فإن إسماعيل بن قيس، قال فيه البخاري والدارقطني: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ضعيف، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه منكر، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 269، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه أبو مصعب إسماعيل بن قيس وهو متروك. ونسبه المتقي في " الكنز " 3 / 519 إلى الشاشي وابن عساكر. (2) هو الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي محدث ما وراء النهر. ومؤلف " المسند الكبير " توفي سنة 533 هـ. ويوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق. " تذكرة الحفاظ " ص 848، 849. (3) " الطبقات " 4 / 5. (4) وفي " الطبقات " الحبر. (5) كذا الأصل " حبيب " وهو كذلك في " مجمع الزوائد " وفي " الطبقات ": وأم حبيبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 مَا وَلَدَتْ نَجِيْبَةٌ مِنْ فَحْلِ ... بِجَبَلٍ نَعْلَمُهُ أَوْ سَهْلِ كَسِتَّةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الفَضْلِ ... أَكْرِمْ بِهَا مِنْ كَهْلَةٍ وَكَهْلِ قَالَ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْنَا وَلَدَ أُمٍّ قَطُّ أَبْعَدَ قُبُوْراً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ. وَمِنْ أَوْلاَدِ العَبَّاسِ: كَثِيْرٌ - وَكَانَ فَقِيْهاً - وَتَمَّامٌ - وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ قُرَيْشٍ - وَأُمَيْمَةُ؛ وَأُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ، وَالحَارِثُ بنُ العَبَّاسِ؛ وَأُمُّهُ: حُجَيْلَةُ بِنْتُ (1) جُنْدَبٍ التَّمِيْمِيَّةُ (2) . فَعِدَّتُهُمْ عَشْرَةٌ. الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي البَدَّاحِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُوَيْمِ بنِ سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيْلَ: هُوَ فِي مَنْزِلِ العَبَّاسِ. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: مَتَى نَلْتَقِي؟ فَقَالَ العَبَّاسُ: إِنَّ مَعَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ (3) مَنْ هُوَ مُخَالِفٌ لَكُمْ، فَأَخْفُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَنْصَدِعَ هَذَا الحَاجُّ، وَنَلْتَقِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ، فَنُوْضِحُ لَكُمُ الأَمْرَ، فَتَدْخُلُوْنَ عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ. فَوَعَدَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ النَّفْرِ الآخِرِ بِأَسْفَلِ العَقَبَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَلاَّ يُنَبِّهُوا نَائِماً، وَلاَ يَنْتَظِرُوا غَائِباً (4) . وَعَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: فَخَرَجُوْا بَعْدَ هَدْأَةٍ يَتَسَلَّلُوْنَ، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ، مَعَهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ وَحْدَهُ. قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ هُوَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ! قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّداً إِلَى مَا دَعَوْتُمُوْهُ، وَهُوَ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ فِي عَشِيْرَتِهِ، يَمْنَعُهُ -وَاللهِ- مَنْ كَانَ مِنَّا عَلَى   (1) في الأصل " ابن " وهو خطأ. (2) " طبقات ابن سعد " 4 / 6، وانظر " المجمع " 9 / 271. (3) في الأصل " من قومهم ". (4) " طبقات ابن سعد " 4 / 7، والزيادة منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَدْ أَبَى مُحَمَّداً النَّاسُ كُلُّهُمْ غَيْرَكُمْ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ قُوَّةٍ وَجَلَدٍ وَبَصَرٍ بِالحَرْبِ، وَاسْتِقْلاَلٍ (1) بِعَدَاوَةِ العَرَبِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهَا سَتَرْمِيْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَارْتَؤُوا رَأْيَكُمْ، وَائْتَمِرُوا أَمْرَكُمْ؛ فَإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيْثِ أَصْدَقُهُ. فَأُسْكِتُوا، وَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ، فَقَالَ: نَحْنُ أَهْلُ الحَرْبِ، وَرِثْنَاهَا كَابِراً عَنْ كَابِرٍ. نَرْمِي بِالنَّبْلِ حَتَّى تَفْنَى، ثُمَّ نُطَاعِنُ بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَكَسَّرَ، ثُمَّ نَمْشِي بِالسُّيُوْفِ حَتَّى يَمُوْتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ حَرْبٍ، هَلْ فِيْكُمْ دُرُوْعٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، شَامِلَةٌ. وَقَالَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، إِنَّا -وَاللهِ- لَوْ كَانَ فِي أَنْفُسِنَا غَيْرُ مَا نَقُوْلُ لَقُلْنَا، وَلَكِنَّا نُرِيْدُ الوَفَاءَ، وَالصِّدْقَ، وَبَذْلَ المُهَجِ دُوْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَبَايَعَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِهِ، يُؤَكِّدُ لَهُ البَيْعَةَ (2) . زَكَرِيَّا: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعَبَّاسِ، وَكَانَ العَبَّاسُ ذَا رَأْيٍ. فَقَالَ العَبَّاسُ لِلسَّبْعِيْنَ: لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُم وَلاَ يُطِلِ الخُطْبَةَ؛ فَإِنَّ عَلَيْكُم عَيْناً. فَقَالَ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ: سَلْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، وَسَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا بِمَا لَنَا عَلَى اللهِ وَعَلَيْكُم. قَالَ: (أَسْأَلُكُم لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوْهُ، لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَسْأَلُكُم لِنَفْسِي وَأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُوْنَا، وَتَنْصُرُوْنَا، وَتَمْنَعُوْنَا مِمَّا تَمْنَعُوْنَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ) .   (1) في الأصل " واستقلالا ". (2) ابن سعد 4 / 7، 8 من طريق الواقدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ: (الجَنَّةُ) . قَالَ: فَلَكَ ذَلِكَ (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: كُنْتُ غُلاَماً لِلعَبَّاسِ، وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ دَخَلَنَا، فَأَسْلَمَ العَبَّاسُ، وَكَانَ يَهَابُ قَوْمَهُ؛ فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلاَمَهُ، فَخَرَجَ إِلَى بَدْرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ (2) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعَبْدِ بنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جَدَّهُ عَبَّاساً قَدِمَ هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَسَمَ لَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: هَذَا وَهْمٌ، بَلْ كَانَ العَبَّاسُ بِمَكَّةَ، إِذْ قَدِمَ الحَجَّاجُ بنُ عِلاَطٍ، فَأَخْبَرَ قُرِيشاً عَنْ نَبِيِّ اللهِ بِمَا أَحَبُّوا، وَسَاءَ العَبَّاسَ، حَتَّى أَتَاهُ الحَجَّاجُ، فَأَخْبَرَهُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، فَفَرِحَ. ثُمَّ خَرَجَ العَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطْعَمَهُ بِخَيْبَرَ مائَتَيْ وَسْقٍ كُلَّ سَنَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ (3) . يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيْعَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُوْنَنِي فِي العَبَّاسِ، وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ، مَنْ آذَى العَبَّاسَ فَقَدْ آذَانِي) (4) .   (1) ابن سعد 4 / 9، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع، والزيادة منه. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 10، والحاكم 3 / 323، وحسين بن عبد الله ضعيف، ثم هو مرسل. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 17، 18. (4) أخرجه الترمذي (3758) في المناقب: باب مناقب العباس، وقال: هذا حديث حسن صحيح مع أن يزيد بن أبي زياد ضعيف، لكن في الباب ما يعضده، ويقويه، فعن علي عند الترمذي (2760) وعن أبي هريرة عنده أيضا (2761) وعن ابن مسعود عند الطبراني، وعن ابن عباس عند ابن عساكر. والصنو: المثل، يقال لكل نخلتين طلعتا في منبت واحد: هما صنوان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَرَوَاهُ: خَالِدٌ الطَّحَّانُ عَنْ يَزِيْدَ، فَأَسْقَطَ المُطَّلِبَ. وَثَبَتَ أَنَّ العَبَّاسَ كَانَ يَوْمَ حُنِيْنٍ، وَقْتَ الهَزِيْمَةِ، آخِذاً بِلِجَامِ بَغْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبَتَ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ النَّصْرُ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ العَبَّاسِ، قَالَ: كُنَّا نَلْقَى النَّفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَتَحَدَّثُوْنَ، فَيَقْطَعُوْنَ حَدِيْثَهُمْ. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَاللهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ للهِ وَلِقَرَابَتِي (2)) . إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ. إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَقَعَ فِي أَبٍ لِلْعَبَّاسِ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَطَمَهُ العَبَّاسُ. فَجَاءَ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: وَاللهِ لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ. فَلَبِسُوا السِّلاَحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ؟) . قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: (فَإِنَّ العَبَّاسَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، لاَ تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءنَا) . فَجَاءَ القَوْمُ، فَقَالُوا: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.   (1) أخرجه مسلم (1775) في الجهاد: باب في غزوة حنين، وابن هشام 2 / 444، وأحمد 1 / 207، وعبد الرزاق (9741) ، والحاكم 3 / 327، 328، كلهم من حديث الزهري، عن كثير بن عباس، قال: قال ابن عباس ... وانظر " فتح الباري " 8 / 24. (2) رجاله ثقات إلا أنه منقطع كما قال المصنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . ثَوْرٌ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ عَلَى العَبَّاسِ وَوَلَدِهِ كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْباً، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ (2)) . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي القَيْظِ، فَقَامَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَامَ العَبَّاسُ يَسْتُرُهُ بِكِسَاءٍ مِنْ صُوْفٍ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اسْتُرِ العَبَّاسَ وَوَلَدَهُ مِنَ النَّارِ (3)) . لَهُ طُرُقٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ: ضُعِّفَ (4) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: بَعَثَ ابْنُ الحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ؛ ثَمَانِيْنَ أَلْفاً مِنَ البَحْرَيْنِ، فَنُثِرَتْ عَلَى حَصِيْرٍ. فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ، وَجَاءَ النَّاسُ؛ فَمَا كَانَ يَوْمَئِذٍ عَدَدٌ وَلاَ وَزْنٌ، مَا كَانَ إِلاَّ قَبْضاً. فَجَاءَ العَبَّاسُ بِخَمِيْصَةٍ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ، فَذَهَبَ يَقُوْمُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ارْفَعْ عَلَيَّ. فَتَبَسَّمَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى خَرَجَ ضَاحِكُهُ - أَوْ نَابُهُ - فَقَالَ: (أَعِدْ فِي المَالِ طَائِفَةً، وَقُمْ بِمَا تُطِيْقُ) . فَفَعَلَ. قَالَ: فَجَعَلَ العَبَّاسُ يَقُوْلُ - وَهُوَ مُنْطَلِقٌ -: أَمَّا إِحْدَى اللَّتَيْنِ وَعَدَنَا اللهُ،   (1) 1 / 300، وسنده حسن ورواه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 24، وصححه الحاكم 3 / 329، ووافقه الذهبي. (2) انظر التعليق رقم (1) ص 95. (3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 326 وصححه فتعقبه الذهبي بقوله: إسماعيل ضعفوه. (4) انظر " المجمع " 9 / 269، و" كنز العمال " 3 / 520. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 فَقَدْ أَنْجَزَهَا، يَعْنِي قَوْلَهُ: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيْكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوْبِكُم خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأَنْفَالُ: 70] . فَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي، وَلاَ أَدْرِي مَا يُصْنَعُ فِي الآخِرَةِ (1) . أَبُو الزِّنَادِ: عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ سَاعِياً، فَمُنِعَ ابْنُ جَمِيْلٍ، وَخَالِدٌ، وَالعَبَّاسُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيْلٍ إِلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيْراً فَأَغْنَاهُ اللهُ! وَأَمَّا خَالِدٌ، فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُوْنَ خَالِداً، إِنَّهُ قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ؛ وَأَمَّا العَبَّاسُ، فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا) . ثُمَّ قَالَ: (أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ (2)) . الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ: أَمَا تَذْكُرُ إِذْ شَكَوْتَ العَبَّاسَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ (3) ؟) . حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ضُمَيْرَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 15، 16 والزيادة منه، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا، وأخرجه بنحوه الحاكم 3 / 329، 330 من طريق سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري ... وصححه، ووافقه الذهبي، وفيه " ما ينصع بالمغفرة " بدل " في الآخرة " وعند ابن سعد " في المغفرة ". (2) أخرجه البخاري 3 / 262، 263 في الزكاة: باب قول الله تعالى: (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله) ، ومسلم (983) في الزكاة: باب في تقديم الزكاة ومنعها، وأحمد 2 / 322، وأبو داود (1623) في الزكاة: باب في تعجيل الزكاة، والنسائي 3 / 33 في الزكاة: باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدق. (3) أخرجه الترمذي (3760) في المناقب، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالعَبَّاسِ خَيْراً، فَإِنَّهُ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ (1) . مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ بنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَقِيْعِ الخَيْلِ (2) ، فَأَقْبَلَ العَبَّاسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا العَبَّاسُ عَمُّ نَبِيِّكُم، أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفّاً، وَأَوْصَلُهَا (3)) . رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْهُ. وَثَبَتَ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّكَ تَوَسَّلْنَا بِهِ؛ وَإِنَا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ العَبَّاسِ (4) .   (1) بل أكثر من واه، فإن حسين بن عبد الله بن ضميرة: كذبه مالك، وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب، وقال أحمد: لا يساوي شيئا، وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف. (2) النقيع: بالنون والقاف (وقد تحرف في المطبوع إلى البقيع بالباء) : وهو على عشرين فرسخا من المدينة، وقدره ميل في ثمانية أميال، حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيل المسلمين ترعى فيه. انظر " الاموال " ص 376، و" المسند " 2 / 91، و155 و157، و" مجمع الزوائد " 4 / 158، وسنن البيهقي 6 / 146. (3) أخرجه الحاكم 3 / 328 من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن محمد بن طلحة، وصححه، ووافقه الذهبي، إلا أنه قال: فيه يعقوب بن محمد الزهري (وهو كثير الوهم) لكنه ساقه (أي الحاكم) من حديث أحمد بن صالح متابعا، وقد تابعه أيضا علي بن المديني، وأخرجه أحمد 1 / 185 من طريق علي بن عبد الله، حدثني محمد بن طلحة التيمي من أهل المدينة، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس. " هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها ". وهذا سند قوي. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 268، وزاد نسبته إلى البزار وأبي يعلى، والطبراني في " الأوسط " وقال: وفيه محمد بن طلحة التيمي، وثقه غير واحد، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى، رجال الصحيح. (4) أخرجه البخاري 2 / 413 في الاستسقاء، باب سؤال الناس الامام الاستسقاء إذا قحطوا، و7 / 62 في فضائل الصحابة: باب ذكر العباس، من طريق الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِالعَبَّاسِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّكَ نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِ، فَاسْقِنَا. فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمُ اللهُ. فَخَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الوَلَدُ لِوَالِدِهِ، فَيُعَظِّمُهُ، وَيُفَخِّمُهُ، وَيَبَرُّ قَسَمَهُ؛ فَاقْتَدُوا أَيَّهَا النَّاسُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَمِّهِ العَبَّاسِ، وَاتَّخِذُوْهُ وَسِيْلَةً إِلَى اللهِ فِيْمَا نَزَلَ بِكُم. وَقَعَ لَنَا عَالِياً فِي (جُزْءِ البَانِيَاسِيِّ) . وَدَاوُدُ: ضَعِيْفٌ (1) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجِلُّ أَحَداً مَا يُجِلُّ العَبَّاسَ أَوْ يُكْرِمُ العَبَّاسَ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو (2) : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ   = كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا. قال: فيسقون. قال الحافظ في " الفتح " وقد بين الزبير بن بكار في " الأنساب " صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر، قال. " اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث "، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. وكان ذلك عام الرمادة سنة ثمان عشرة. (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 334، ووصف الذهبي داود هناك بأنه متروك، وقد ترجمه في " الميزان " ونقل عن أحمد قوله: ليس بشيء، وقول البخاري: منكر الحديث. والبانياسي: نسبة إلى بانياس. بلد من بلاد الغور قريب من فلسطين. وهو أبو عبد الله مالك ابن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي المتوفى سنة 485 هـ في الحريق العظيم الذي وقع ببغداد، في جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وله سبع وثمانون سنة، مترجم في " المنتظم " 9 / 69، و" العبر " 3 / 308، 309. (2) سقطت واو " عمرو " من المطبوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 اتَّخَذَنِي خَلِيْلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيْمَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الجَنَّةِ تُجَاهَيْنِ، وَالعَبَّاسُ بَيْنَنَا، مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيْلَيْنِ) . أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَةَ (1) ، وَهُوَ مَوْضُوْعٌ. وَفِي إِسْنَادِهِ: عَبْدُ الوَهَّابِ العُرْضِيُّ الكَذَّابُ. ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَامِرِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْعَبَّاسِ: (فِيْكُمُ النُّبُوَّةُ وَالمَمْلَكَةُ) . هَذَا فِي (جُزْءِ ابْنِ دِيْزِيْلَ (2)) ، وَهُوَ مُنْكَرٌ (3) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الثِّقَةِ (4) ، قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ إِذَا مَرَّ بِعُمَرَ أَوْ بِعُثْمَانَ، وَهُمَا رَاكِبَانِ، نَزَلاَ حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا إِجْلاَلاً لِعَمِّ رَسُوْلِ اللهِ. وَرَوَى: ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْقِنَا. صَحِيْحٌ (5) .   (1) رقم (141) في " المقدمة " قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 11: هذا إسناد ضعيف، لاتفاقهم على ضعف عبد الوهاب، بل قال فيه أبو داود: يضع الحديث، وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة، وشيخ إسماعيل كان يدلس. (2) تصحف في المطبوع إلى " دبريل " وهو الحافظ الرحال أبو إسحاق، إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمداني، قال المؤلف في تذكرة الحفاظ " ص 608: وكان يلقب بسيفنة، وسيفنة: طائر لا يحط على شجرة إلا أكل ورقها، وكذا كان إبراهيم لا يأتي شيخا إلا وينزفه. توفي سنة 283 هـ. ونقل توثيقه عن الحاكم. (3) استنكار المؤلف له من جهة متنه، وسهيل وهو ابن أبي صالح في كلام لا يحتمل تفرده بمثل هذا الخبر. (4) تحرفت في المطبوع إلى " أليفه ". (5) مر تخريجه في الصفحة 91 تعليق (4) وانظر " طبقات ابن سعد " 4 / 28، 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبَّاسُ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ: بِعَمِّي سَقَى اللهُ الحِجَازَ وَأَهْلَهُ ... عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمُرْ تَوَجَّهَ بِالعَبَّاسِ فِي الجَدْبِ رَاغِباً ... إِلَيْهِ، فَمَا إِنْ رَامَ حَتَّى أَتَى المَطَرْ وَمِنَّا رَسُوْلُ اللهِ فِيْنَا تُرَاثُهُ ... فَهَلْ فَوْقَ هَذَا لِلْمَفَاخِرِ مُفْتَخَرْ أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ نُفَيْعٍ، قَالُوا: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، وَفُتِحَ عَلَيْهِ الفُتُوْحُ، جَاءهُ مَالٌ، فَفَضَّلَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارَ، فَفَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ بَدْراً خَمْسَةَ آلاَفٍ، خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَلِمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا وَلَهُ سَابِقَةٌ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، أَرْبَعَةُ آلاَفٍ؛ وَفَرَضَ لِلْعَبَّاسِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً (1) . سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى العَبَّاسِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً يُقَبِّلُ يَدَ العَبَّاسِ وَرِجْلَهُ، وَيَقُوْلُ: يَا عَمّ، ارْضَ عَنِّي (2) . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَصُهَيْبٌ لاَ أَعْرِفُهُ. عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّهُ   (1) انظر " سنن البيهقي " 6 / 394، 350. (2) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (976) من طريق عبد الرحمن بن المبارك، عن سفيان بن حبيب، عن شعبة، عن عمرو، عن أبي صالح ذكوان، عن صهيب قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجليه. ورجاله ثقات خلا صهبب هذا، فإنه لا يعرف كما قال المؤلف، وعجب أمره يحسن إسناده مع وجود مجهول في سنده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 قَالَ العَبَّاسُ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَارِثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَمُّهُ (1) . سَمِعَهُ مِنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ. قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ الحِزَامِيُّ: كَانَ يَكُوْنُ لِلْعَبَّاسِ الحَاجَةُ إِلَى غِلْمَانِهِ وَهُمْ بِالغَابَةِ، فَيَقِفُ عَلَى سَلْعٍ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيُنَادِيْهِم، فَيُسْمِعُهُم. وَالغَابَةُ نَحْوٌ مِنْ تِسْعَةِ أَمْيَالٍ. قُلْتُ: كَانَ تَامَّ الشَّكْلِ، جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ جِدّاً، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَن يَهْتِفَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ (2) . قَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ رَاعٍ يَرْعَى لَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ، فَإِذَا أَرَادَ مِنْهُ شَيْئاً صَاحَ بِهِ، فَأَسْمَعَهُ حَاجَتَهُ. لَيْثٌ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَعْتَقَ العَبَّاسُ عِنْدَ مَوْتِهِ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً (3) . عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: وَبَقِيَ فِي بَيْتِ المَالِ بَقِيَّةٌ، فَقَالَ العَبَّاسُ لِعُمَرَ، وَلِلنَّاسِ: أَرَأَيْتُم لَوْ كَانَ فِيْكُم عَمُّ مُوْسَى، أَكُنْتُم تُكْرِمُوْنَهُ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 333، وعبد الوهاب بن عطاء ضعفه أحمد والنسائي، وغيرهما، ووثقه آخرون، ثم هو مرسل، وفي " ميزان " المؤلف نقلا عن صالح جزرة: أنكروا عليه حديث ثور في فضل العباس، وما أنكروا عليه غيره، وكان ابن معين يقول: هذا موضوع. فلعل الخفاف دلسه، فإنه بلفظة..عن " ثم ذكر الحديث، وهو في سنن الترمذي (3762) من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن عبد الوهاب، عن ثور، عن مكحول، عن حذيفة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وفيه: " اللهم اغفر للعباس وولده مغفره ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم احفظه في ولده ". (2) انظر " طبقات ابن سعد " 4 / 18، 19 والصفحة 88 تعليق (1) من هذا الكتاب. (3) " طبقات ابن سعد " 4 / 30. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَتَعْرِفُوْنَ حَقَّهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَا عَمُّ نَبِيِّكُم، أَحَقُّ أَنْ تُكْرِمُوْنِي. فَكَلَّمَ عُمَرُ النَّاسُ، فَأَعْطَوْهُ (1) . قُلْتُ: لَمْ يَزَلِ العَبَّاسُ مُشْفِقاً عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحِبّاً لَهُ، صَابِراً عَلَى الأَذَى، وَلَمَّا يُسْلِمْ بَعْدُ، بِحَيْثُ أَنَّهُ لَيْلَةَ العَقَبَةِ عُرِفَ، وَقَامَ مَعَ ابْنِ أَخِيْهِ فِي اللَّيْلِ، وَتَوَثَّقَ لَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ مَعَ قَوْمِهِ مُكْرَهاً؛ فَأُسِرَ، فَأَبْدَى لَهُم أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ. فَمَا أَدْرِي لِمَاذَا أَقَامَ بِهَا؟! ثُمَّ لاَ ذِكْرَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلاَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَلاَ خَرَجَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، وَلاَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ شَيْئاً، فِيْمَا عَلِمْتُ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِراً قُبَيْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا قُدُوْمُهُ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ دَاراً بِالثَّمَنِ، لِيُدْخِلَهَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَامْتَنَعَ، حَتَّى تَحَاكَمَا إِلَى أُبِيِّ بنِ كَعْبٍ ... ، وَالقِصَّةُ (2) مَشْهُوْرَةٌ، ثُمَّ بَذَلَهَا بِلاَ ثَمَنٍ (3) . وَوَرَدَ أَنَّ عُمَرَ عَمَدَ إِلَى مِيْزَابٍ لِلْعَبَّاسِ عَلَى مَمَرِّ النَّاسِ، فَقَلَعَهُ. فَقَالَ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الَّذِي وَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ. فَأَقْسَمَ عُمَرُ: لَتَصْعَدَنَّ عَلَى ظَهْرِي، وَلَتَضَعَنَّهُ مَوْضِعَهُ (4) . وَيُرْوَى فِي خَبَرٍ مُنْكَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَظَرَ إِلَى الثُّرَيَّا، ثُمَّ قَالَ: (يَا   (1) " طبقات ابن سعد " 4 / 30 وهو مرسل، وعلي بن زيد ضعيف. (2) تصحفت في المطبوع إلى " والبقية ". (3) أخرجه ابن سعد 4 / 21 من طريق يزيد بن هارون، عن أبي أمية بن يعلى، عن سالم أبي النضر، وأبو أمية بن يعلى قال المؤلف في " الميزان ": ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا للخواص. (4) أخرجه أحمد 1 / 210، وابن سعد 4 / 20، وسنده حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 عَمّ، لَيَمْلِكَنَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عَدَدُ نُجُوْمِهَا) . وَقَدْ عَمِلَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ العَبَّاسِ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَرَقَةً. وَقَدْ عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ. وَعلَى قَبْرِهِ اليَوْمَ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ بِنَاءِ خُلَفَاءِ آلِ العَبَّاسِ (1) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ. أَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَاسِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، أَخْبَرَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، وَخَرَجَ العَبَّاسُ مَعَهُ يَسْتَسْقِي، وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ (2) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: سُئِلَ العَبَّاسُ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، مَوْلِدُهُ بَعْدَ عَقْلِي أُتِيَ إِلَى أُمِي، فَقِيْلَ لَهَا: وَلَدَتْ آمِنَةُ غُلاَماً. فَخَرَجَتْ بِي حِيْنَ أَصْبَحَتْ آخِذَةً بِيَدِي، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَمْصَعُ (3) بِرِجْلَيْهِ فِي عَرَصَتِهِ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَجْبِذْنَنِي   (1) هذا كان في عصر المؤلف " أما الآن، فلم يبق لها أثر. (2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 413، وابن سعد 4 / 28، 29 من طريق الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة به وقد تقدم. (3) يمصع: يتحرك. سير 2 / 7 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 عَلَيْهِ، وَيَقُلْنَ: قَبِّلْ أَخَاكَ. كَذَا ذَكَرَهُ بِلاَ إِسْنَادٍ. أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيْمُ: هُوَ إِسْحَاقُ (1) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَسْلَمَ العَبَّاسُ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الفَضْلِ مَعَهُ حِيْنَئِذٍ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ. إِنَّهُ كَانَ لاَ يَغْبَى (2) عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) مبارك بن فضالة، مدلس، وقد عنعن، فالخبر لا يصح، والقول بأن الذبيح هو، إسحاق، مذهب مؤوف مرغوب عنه، متلقى عن أحبار أهل الكتاب أو صحفهم من غير حجة، والصواب عند علما الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أنه إسماعيل. بل الظاهر من القرآن - كما يقول الحافظ ابن كثير في " بدايته " 1 / 158، 159 - بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل، لأنه ذكر قصة الذبيح، ثم قال بعده: (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) ومن جعله حالا، فقد تكلف، ومستنده أنه إسحاق إنما هو إسرائيليات. وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما هاهنا قطعا لا محيد عنه، فإن عندهم أن الله أمر أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة من المعربة: " بكره إسحاق " فلفظة: " إسحاق " هاهنا مقمحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس هو الوحيد، ولا البكر، ذاك إسماعيل، وإنما حملهم على هذا حسد العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسحاق والد يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسبون إليه، فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم، فحرفوا كلام الله، وزادوا فيه، وهم قوم بهت، ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وانظر " زاد المعاد " 1 / 71، 75، بتحقيقنا، فقد توسع ابن القيم في هذا الموضوع، ووفاه حقه. (2) أي: لا يخفى: يقال غبي الشئ عن فلان وعليه ومنه غبا وغباوة إذا خفي الشئ عليه فلم يعرفه، قال الشاعر: في بلدة يغبى بها الخريت أي: يخفى وفي حديث الصوم " فإن غبي عليكم " أي: خفي، ورواه بعضهم " غبي " بالتشديد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 بِمَكَّةَ خَبَرٌ يَكُوْنُ إِلاَّ كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ. وَكَانَ مَنْ هُنَاكَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ، وَيَصِيْرُوْنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ لَهُم عَوْناً عَلَى إِسْلاَمِهِم. وَلَقَدْ كَانَ يَطْلُبُ أَن يَقْدَمَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مَقَامَكَ مُجَاهِدٌ حَسَنٌ) . فَأَقَامَ بِأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ (1) . وَلو جَرَى هَذَا، لَمَا طَلَبَ مِنَ العَبَّاسِ فِدَاءً يَوْم بَدْرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْلاَمَهُ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهِجْرَةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: (يَا عَمُّ، أَقِمْ مَكَانَكَ، فَإِنَّ اللهَ يَخْتِمُ بِكَ الهِجْرَةَ كَمَا خَتَمَ بِيَ النُّبُوَّةَ (2)) . إِسْمَاعِيْلُ: وَاهٍ. وَرَوَى: عَبْدُ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (العَبَّاسُ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ) . إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ (3) . وَقَدِ اعْتَنَى الحُفَّاظُ بِجَمْعِ فَضَائِلِ العَبَّاسِ رِعَايَةً لِلْخُلَفَاءِ. وَبِكُلِّ حَالٍ، لَوْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ يُوْرَثُ، لَمَا وَرِثَهُ أَحَدٌ بَعْدَ بِنْتِهِ وَزَوْجَاتِهِ، إِلاَّ العَبَّاسُ. وَقَدْ صَارَ المُلْكُ فِي ذُرِّيَّةِ العَبَّاسِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ، وَتَدَاوَلَهُ تِسْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ   (1) بل موضوع، فإن الواقدي متروك، وشيخه ابن أبي سبرة وهو أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي سبرة رموه بالوضع كما في " التقريب " وحسين بن عبد الله ضعيف، والخبر في " طبقات ابن سعد " 4 / 31. (2) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 269، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه أبو مصعب إسماعيل بن قيس، وهو متروك. (3) وهو كما قال لضعف عبد الأعلى الثعلبي، وقد تساهل المصنف رحمه الله في " تلخيص المستدرك " 3 / 325، فوافق الحاكم على تصحيحه، وحسنه الترمذي (3759) فلم يصب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 خَلِيْفَةً إِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَذَلِكَ سِتُّ مائَةِ عَامٍ، أَوَّلُهُمُ السَّفَاحُ. وَخَلِيْفَةُ زَمَانِنَا المُسْتَكْفِي، لَهُ الاسْمُ المِنْبَرِيُّ، وَالعَقْدُ وَالحَلُّ بِيَدِ السُّلْطَانِ المَلِكِ النَّاصِرِ - أَيَّدَهُمَا اللهُ -. وَإِذَا اقْتَصَرْنَا مِنْ مَنَاقِبِ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هَذِهِ النُّبْذَةِ، فَلْنَذْكُرْ وَفَاتَهُ: كَانَتْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً؛ وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ هَذِهِ السِّنَّ مِنْ أَوْلاَدِهِ، وَلاَ أَوْلاَدِهِمْ، وَلاَ ذُرِّيَّتِهِ الخُلَفَاءِ. وَلَهُ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ شَاهِقَةٌ عَلَى قَبْرِهِ بِالبَقِيْعِ. وَسَنَذْكُرُ وَلَدَهُ عَبْدَ اللهِ بنَ العَبَّاسِ الفَقِيْهَ مُفْرَداً. جِنَازَةُ العَبَّاسِ: عَنْ نَمْلَةَ بنِ أَبِي نَمْلَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ العَبَّاسُ، بَعَثَتْ بَنُوْ هَاشِمٍ مَن يُؤْذِنُ أَهْلَ العَوَالِي: رَحِمَ اللهُ مَنْ شَهِدَ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَحَشَدَ النَّاسُ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ، قَالَ: جَاءَ مُؤْذِنٌ بِمَوْتِ العَبَّاسِ بِقُبَاءَ عَلَى حِمَارٍ، ثُمَّ جَاءنَا آخَرُ عَلَى حِمَارٍ، فَاسْتَقْبَلَ قُرَى الأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّافِلَةِ، فَحَشَدَ النَّاسُ. فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ الجَنَائِزِ، تَضَايَقَ، فَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى البَقِيْعِ. فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ ذَلِكَ الخُرُوْجِ قَطُّ، وَمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَدْنُو إِلَى سَرِيْرِهِ. وَازْدَحَمُوا عِنْدَ   (1) ابن سعد 4 / 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 اللَّحْدِ، فَبَعَثَ عُثْمَانُ الشُّرَطَةَ يَضْرِبُوْنَ النَّاسَ عَنْ بَنِي هَاشِمٍ، حَتَّى خَلَصَ بَنُوْ هَاشِمٍ، فَنَزَلُوا فِي حُفْرَتِهِ. وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ قَدْ تَقَطَّعَ مِنْ زِحَامِهِمْ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَتْنِي عُبَيْدَةُ بِنْتُ نَابِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: جَاءنَا رَسُوْلُ عُثْمَانَ وَنَحْنُ بِقَصْرِنَا عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ؛ أَنَّ العَبَّاسَ قَدْ تُوُفِّيَ، فَنَزَلَ أَبِي، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، وَنَزَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ السَّمُرَةِ؛ فَجَاءنَا أَبِي بَعْدَ يَوْمٍ، فَقَالَ: مَا قَدَرْنَا أَنْ نَدْنُوَ مِنْ سَرِيْرِهِ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ، غُلِبْنَا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ حَمْلَهُ (2) . وَعَنْ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَضَرَ غَسْلَهُ عُثْمَانُ، وَغَسَّلَهُ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَخَوَاهُ؛ قُثَمُ وَعُبَيْدُ اللهِ. وَحَدَّتْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ سَنَةً. زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ [عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ] (3) بنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ العَبَّاسَ أَعْتَقَ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً عِنْدَ مَوْتِهِ (4) . وَفِي (مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ) : [عَنْ] مُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجِلُّ العَبَّاسَ إِجْلاَلَ الوَالِدِ (5) .   (1) ابن سعد 4 / 32 والزيادة منه، وجاء في الأصل، والمطبوع من الطبقات " حارثة " بدل " جارية " وهو تصحيف. (2) ابن سعد 4 / 32، وفي الأصل " نائل " بدل " نابل " وما أثبتناه هو الصواب انظر " الإكمال " 7 / 325. (3) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من ابن سعد 4 / 30، وقد تقدم الخبر في الصفحة 95 بالسند نفسه، وفيه هذه الزيادة التي سقطت هنا. (4) ابن سعد 4 / 30. (5) " المستدرك " 3 / 324، 325، ولفظه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجل العباس إجلال الولد والده خاصة خص الله العباس بها من بين الناس ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَلِعَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: (العَبَّاسُ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ (1)) . عَبْدُ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ: لَيِّنٌ. يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ أَبِي قُرَّةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى العَبَّاسِ، سَمِعَ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (انْظُرْ فِي السَّمَاءِ) . فَنَظَرْتُ، فَقَالَ: (مَا تَرَى؟) . قُلْتُ: الثُّرَيَّا. فَقَالَ: (أَمَا إِنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ صُلْبِكَ (2)) . رَوَاهُ: الحَاكِمُ. وَعُبَيْدٌ: غَيْرُ ثِقَةٍ. وَرَوَى: الحَاكِمُ، أَنَّ زَحْرَ (3) بنَ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بنِ مُنْهِبٍ (4) ، سَمِعَ جَدَّهُ خُرَيْمَ بنَ أَوْسٍ يَقُوْلُ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوْكٍ، فَسَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ. قَالَ: (قُلْ، لاَ يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ) . قَالَ: مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلاَلِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ (5)   (1) ضعيف، وقد تقدم تخريجه ص 99 تعليق (3) . (2) أخرجه أحمد 1 / 209، والحاكم 3 / 326 وسنده ضعيف لضعف عبيد بن أبي قرة، مترجم في " ميزان " المؤلف، وقد تحرف في المطبوع إلى " ابن المغيرة ". (3) في الأصل " حر " والتصويب من " الجرح والتعديل " و" الميزان " وقد تحرف في المطبوع إلى " جزء ". (4) تحرف في المطبوع إلى " منيب ". (5) قال ابن الأثير في " النهاية " أي: في الجنة حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة. ومن قبلها: أي من قبل النزول إلى الأرض، والخصف: الضم والجمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 ثُمَّ هَبَطْتَ البِلاَدَ لاَ بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلاَ مُضْغَةٌ وَلاَ عَلَقُ (1) بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِيْنَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْراً وَأَهْلَهُ الغَرَقُ (2) تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ (3) حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ (4) وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْـ ... أَرْضُ وَضَاءتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي ... النُّوْرِ وَسُبُلُ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ (5) قَالَ الحَاكِمُ: رُوَاتُهُ أَعْرَابٌ، وَمِثْلُهُمْ لاَ يُضَعَّفُوْنَ. قُلْتُ: وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُعْرَفُوْنَ. 12 - عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ الزَّاهِدُ * نَسيجُ وَحْدِهِ. لَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.   (1) في الأصل " نطفة " وما أثبتناه من " المستدرك " وغيره. قال ابن الأثير: أي: لما اهبط الله آدم إلى الدنيا كنت في صلبه غير بالغ هذه الاشياء. (2) يعني بنسر: الصنم الذي كان يعبده قوم نوح، وهو المذكور في قوله تعالى (ولا يغوث ويعوق ونسرا) . (3) الصالب: الصلب. وقوله: إذا مضى عالم بدا طبق: أي: إذا مضى قرن بدا قرن، وقيل للقرن: طبق، لانهم طبق للارض، ثم ينقرضون ويأتي طبق آخر. (4) قال ابن الأثير: النطق: جمع نطاق، وهي أعراض من جبال بعضها فوق بعض، أي: نواح وأوساط منها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس، ضربه مثلا له في ارتفاعه وتوسطه في عشيرته، وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال، وأراد بيته: شرفه، والمهيمن: نعته، أي: احتوى شرفك الشاهد على فضلك أعلى مكان من نسب خندف، وهو في الأصل المشي بهرولة، ثم جعل علما على امرأة إلياس بن مضر، وهي ليلى القضاعية، لما خرجت تهرول خلف بنيها الثلاثة: عمرو، وعامر، وعمر حين ندلهم إبل، فطلبوها، فأبطؤوا عليها، ثم ضرب مثلا للنسب العالي في كل شيء، لأنها كانت ذات نسب. (5) الخبر في " المستدرك " 3 / 326، 327، وأسد الغابة 2 / 129. (*) طبقات ابن سعد: 4 / 375 - 376، طبقات خليفة: 157، التاريخ الكبير: 6 / 531، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 رَوَى عَنْهُ: أَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ. شَهِدَ فَتْحَ الشَّامِ، وَوَلِيَ دِمَشْقَ وَحِمْصَ لِعُمَرَ. جَمَاعَةٌ: عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ - وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيْجُ وَحْدِهِ (1) - فَقَعَدْنَا فِي دَارِهِ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، أَوْرِدِ الخَيْلَ. فَأَوْرَدَهَا، فَقَالَ: أَيْنَ الفُلاَنَةُ؟ قَالَ: جَرِبَةٌ تَقْطُرُ دَماً. قَالَ: أَوْرِدْهَا، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ عَدْوَىَ، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ (2)) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القَدَّاحُ: صَحِبَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ شُهَيْدٍ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَشْهَدْ شَيْئاً مِنَ المَشَاهِدِ. وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلاَمَ الجُلاَسِ بنِ سُوَيْدٍ، وَكَانَ يَتِيْماً فِي حَجْرِهِ.   = الجرح والتعديل: 6 / 376، الاستبصار: 281، الاستيعاب: 3 / 1215، ابن عساكر: 13 / 339 / 1، أسد الغابة: 4 / 294، تهذيب الكمال: 1061، تاريخ الإسلام: 2 / 89 و241، مجمع الزوائد: 9 / 382، تهذيب التهذيب: 8 / 144 - 145، الإصابة: 7 / 163، خلاصة تذهيب الكمال: 296، كنز العمال: 13 / 556 (1) سيذكره المؤلف بعد قليل عن ابن سيرين: أن عمر هو الذي كان يسميه بذلك لاعجابه به. وأورده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " ونسبه لابن عائذ. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي سنان واسمه عيسى بن سنان الحنفي القسملي، ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي. ولم يوثقه غير ابن حبان، وتوثيقه لا يعتبر في من لا يعرف بجرح ولا تعديل، فكيف بمن ضعفه غير واحد من الأئمة. وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 101، 102، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني باختصار، وفيه عيسى بن سنان الحنفي وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات. وقوله في الحديث " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة " صحيح من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 10 / 205، 206 في الطب: باب لاهامة، ومسلم (2022) في السلام: باب لا عدوى ولا طيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى حِمْصَ، وَكَانَ مِنَ الزُّهَّادِ. وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ: كَانَت وَلاَيَتُهُ حِمْصَ بَعْدَ ابْنِ حِذْيَمٍ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَقَامَ مَكَانَهُ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، فَكَانَ عَلَى الشَّامِ هُوَ وَمُعَاوِيَةُ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ عُثْمَانُ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ، وَنَزَعَ عُمَيْراً. وَرَوَى: عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرِ بن سَعْدٍ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: مَا كَانَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَبِيْكَ (1) . وَرَوَى: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ مِنْ عُجْبِهِ بِعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ يُسَمِّيْهِ: نَسِيْجَ وَحْدِهِ، وَبَعَثَهُ مَرَّةً عَلَى جَيْشٍ. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: زُهَّادُ الأَنْصَارِ ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ. اسْتَوْفَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَارَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. 13 - أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بنُ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ * ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ   (1) نقله ابن حجر في " الإصابة " 7 / 164 عن ابن مندة وحسن إسناده وقد تصحف " سعد " في المطبوع إلى " سعيد ". (*) طبقات خليفة: 10، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 4 / 310، المعارف: 73، 74، 125، 344، 345، 553، 575، 586، 588، تاريخ الفسوي: 3 / 167، الجرح والتعديل: 4 / 426، الاستيعاب: 2 / 714، ابن عساكر: 8 / 119 / 2، جامع الأصول: 9 / 106، أسد الغابة: 3 / 10 و6 / 148، 149، تهذيب الكمال: 603، تاريخ الإسلام: 2 / 97، العبر: 1 / 31، مجمع الزوائد: 9 / 274، تهذيب التهذيب: 4 / 411 - 412، الإصابة: 5 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 172، كنز العمال: 13 / 612، شذرات الذهب: 1 / 30 و37. تهذيب ابن عساكر: 6 / 390، 409. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 كِلاَبٍ. رَأْسُ قُرَيْشٍ، وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ الخَنْدَقِ. وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ صَعْبَةٌ، لَكِنْ تَدَارَكَهُ اللهُ بِالإِسْلاَمِ يَوْمَ الفَتْحِ، فَأَسْلَمَ شِبْهَ مُكْرَهٍ خَائِفٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ صَلُحَ إِسْلاَمُهُ. وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ، وَمِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالشَّرَفِ فِيْهِمْ، فَشَهِدَ حُنَيْناً، وَأَعْطَاهُ صِهْرُهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الغَنَائِمِ مائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً مِنَ الدَّرَاهِمِ يَتَأَلَّفُهُ بِذَلِكَ (1) . فَفَرَغَ عَنْ عِبَادَةِ هُبَلَ، وَمَالَ إِلَى الإِسْلاَمِ. وَشَهِدَ قِتَالَ الطَّائِفِ، فَقُلِعَتْ عَيْنُهُ حِيْنَئِذٍ، ثُمَّ قُلِعَتِ الأُخْرَى يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ حَسُنَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - إِيْمَانُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ يُحَرِّضُ عَلَى الجِهَادِ. وَكَانَ تَحْتَ رَايَةِ وَلَدِهِ يَزِيْدَ، فَكَانَ يَصِيْحُ: يَا نَصْرَ اللهِ اقْتَرِبْ (2) . وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الكَرَادِيْسِ (3) يُذَكِّرُ، وَيَقُوْلُ: اللهَ اللهَ، إِنَّكُمْ أَنْصَارُ الإِسْلاَمِ وَدَارَةُ (4) العَرَبِ، وَهَؤُلاَءِ أَنْصَارُ الشِّرْكِ وَدَارَةُ الرُّوْمِ؛ اللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ.   (1) انظر حديث رافع بن خديج في صحيح مسلم (1060) في الزكاة: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، و" زاد المعاد " 3 / 473، وسيرة ابن هشام، 2 / 492، 493. (2) قال الحافظ في " الإصابة " 5 / 129: " وروى يعقوب بن سفيان، وابن سعد بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الاصوات يوم اليرموك، إلا صوت رجل يقول: يا نصرالله اقترب، قال: فنظرت، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد. وانظر " تهذيب ابن عساكر " 6 / 408. (3) الكراديس: كتائب الخيل، واحدها: كردوس، يقال: كردس القائد خيله: أي: جعلها كتيبة كتيبة. (4) في " الاستيعاب " ذادة العرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُغْبَطُ بِذَلِكَ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ حَدِيْثَهُ عَنْ هِرَقْلَ (1) وَكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُلُّ عَلَى إِيْمَانِهِ، وَللهِ الحَمْدُ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ سِنِيْنَ. وَعَاشَ بَعْدَهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ عُمَرُ يَحْتَرِمُهُ؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ كَانَ كَبِيْرَ بَنِي أُمَيَّةَ. وَكَانَ حَمْوَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَمَا مَاتَ حَتَّى رَأَى وَلَدَيْهِ يَزِيْدَ ثُمَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيْرَيْنِ عَلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ وَالذِّكْرَ، وَكَانَ لَهُ سُوْرَةٌ (2) كَبِيْرَةٌ فِي خِلاَفَةِ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ. تُوُفِّيَ: بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ نَحْوُ التِّسْعِيْنَ. 14 - الحَكَمُ بنُ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ أَبُو مَرْوَانَ * ابْنُ عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ. يُكْنَى: أَبَا مَرْوَانَ. مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، وَلَهُ أَدْنَى نَصِيْبٍ مِنَ الصُّحْبَةِ.   (1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 30، 38 في بدء الوحي من طريق أبي اليمان، عن الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتب بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... وهو حديث طويل، وفيه أن أبا سفيان قال: فما زلت موقتا أنه صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. (2) السورة: المنزلة، قال النابغة: ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب وقد تحرفت في المطبوع إلى " صولة ". (*) طبقات ابن سعد: 5 / 447 و509، التاريخ لابن معين: 124، طبقات خليفة: 197، تاريخ خليفة: 134، التاريخ الكبير: 2 / 331، المعارف: 194، 353، 576، الجرح والتعديل: 3 / 120، الاستيعاب: 1 / 358، أسد الغابة: 2 / 37، تاريخ الإسلام: 2 / 95، العبر: 1 / 32، الإصابة: 2 / 271، شذرات الذهب: 1 / 38. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 قِيْلَ: نَفَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الطَّائِفِ، لِكَوْنِهِ حَكَاهُ فِي مِشْيَتِهِ، وَفِي بَعْضِ حَرَكَاتِهِ، فَسَبَّهُ، وَطَرَدَهُ، فَنَزَلَ بِوَادِي وَجٍّ (1) . وَنَقَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ كَوْنَهُ عَطَفَ عَلَى عَمِّهِ الحَكَمِ، وَآوَاهُ، وَأَقْدَمَهُ المَدِيْنَةَ، وَوَصَلَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ. وَيُرْوَى فِي سَبِّهِ أَحَادِيْثُ لَمْ تَصِحَّ (2) . وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا لِي أُرِيْتُ بَنِي الحَكَمِ يَنْزُوْنَ عَلَى مِنْبَرِي نَزْوَ القِرَدَةِ (3) !) . رَوَاهُ: العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي البَابِ أَحَادِيْثُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: وَرَبِّ هَذِهِ الكَعْبَةِ، إِنَّ الحَكَمَ بنَ أَبِي العَاصِ وَوُلْدَهُ مَلْعُوْنُوْنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ كَانَ لِلْحَكَمِ عِشْرُوْنَ ابْناً، وَثَمَانِيَةُ بَنَاتٍ. وَقِيْلَ: كَانَ يُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبْعَدَهُ لِذَلِكَ. مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ.   (1) هو وادي الطائف. (2) ذكر المؤلف طائفة منها في " تاريخه " 2 / 95 وانظر " أسد الغابة " 2 / 37 و" الإصابة " 2 / 271، 272، و" فتح الباري " 13 / 9، و" مجمع الزوائد " 5 / 241. (3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 5 / 243، 244، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير مصعب بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، وأورده ابن حجر في " المطالب العالية " 4 / 332، ونسبه إلى أبي يعلى، ونقل المحقق عن البوصيري قوله: رواته ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 15 - كِسْرَى يَزْدَجِرْدُ بنُ شَهْرِيَارَ بنِ بَرْوِيْزَ * آخِرُ الأَكَاسِرَةِ مُطْلَقاً. وَاسْمُهُ: يَزْدَجِرْدُ بنُ شَهْرِيَارَ بنِ بَرْوِيْزَ المَجْوُسِيُّ، الفَارِسِيُّ. انْهَزَمَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ، فَاسْتَوْلَوْا عَلَى العِرَاقِ، وَانْهَزَمَ هُوَ إِلَى مَرْوَ، وَوَلَّتْ أَيَّامُهُ، ثُمَّ ثَارَ عَلَيْهِ أُمَرَاءُ دَوْلَتِهِ، وَقَتَلُوْهُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ بَيَّتَهُ التُّرْكُ، وَقَتَلُوا خَوَاصَّهُ، وَهَرَبَ هُوَ، وَاخْتَفَى فِي بَيْتٍ، فَغَدَرَ بِهِ صَاحِبُ البَيْتِ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَتَلُوْهُ بِهِ (1) . 16 - خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ الأَسَدِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ ** وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا. أُمُّ القَاسِمِ، ابْنَةُ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيَّةُ، الأَسَدِيَّةُ. أُمُّ أَوْلاَدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَثَبَّتَتْ جَأْشَهُ، وَمَضَتْ بِهِ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا وَرَقَةَ (2) .   (*) المعارف: 235، 459، 612، تاريخ الفسوي: 3 / 301، 302، 303، 304، شذرات الذهب: 1 / 37. (1) انظر " المعارف " 666، 667 لابن قتيبة. (* *) طبقات ابن سعد: 8 / 52 و1 / 131، 133، المعارف: 59، 70، 132، 144، 150، 219، 311. تاريخ الفسوي: 3 / 253، 255، 256، 257، المستدرك: 3 / 182 - 186، الاستيعاب: 4 / 1817، جامع الأصول: 9 / 120 - 125، أسد الغابة: 7 / 78، تاريخ الإسلام: 1 / 41، مجمع الزوائد: 9 / 218 - 225، الإصابة: 12 / 123، كنز العمال: 13 / 690، شذرات الذهب: 1 / 14. (2) انظر حديث عائشة في البخاري 1 / 21، 26: بدء الوحي، وفيه أن خديجة قالت له صلى الله عليه وسلم: " كلا والله، ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " وفيه " أنها انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وقالت له: اسمع من ابن أخيك، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ. وَهِيَ مِمَّنْ كَمُلَ مِنَ النِّسَاءِ، كَانَتْ عَاقِلَةً، جَلِيْلَةً، دَيِّنَةً، مَصُوْنَةً، كَرِيْمَةً، مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَيْهَا، وَيُفَضِّلُهَا عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَيُبَالِغُ فِي تَعْظِيْمِهَا، بِحَيْثُ إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُوْلُ: مَا غِرْتُ مِنِ امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ مِنْ خَدِيْجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا (1) . وَمِنْ كَرَامَتِهَا عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا لَمْ يَتَزَوَّجِ امْرَأَةً قَبْلَهَا، وَجَاءهُ مِنْهَا عِدَّةُ أَوْلاَدٍ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا قَطُّ، وَلاَ تَسَرَّى إِلَى أَنْ قَضَتْ نَحْبَهَا، فَوَجَدَ لِفَقْدِهَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ نِعْمَ القَرِيْنِ. وَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا، وَيَتَّجِرُ هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا. وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ عَمَّ خَدِيْجَةَ عَمْرَو بنَ أَسَدٍ زَوَّجَهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ قَبْلَ   الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " وانظر " المستدرك " 3 / 184. (1) أخرجه البخاري 7 / 102، 103 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم (2435) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة، والترمذي (3875) في المناقب. (2) أخرجه البخاري 7 / 105، ومسلم (2432) من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري 7 / 104 ومسلم ومسلم (2433) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. وأراد بالبيت: القصر، يقال: هذا بيت فلان، أي: قصره، والقصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في " كبير الطبراني " من حديث أبي هريرة ولفظه: " بيت من لؤلؤة مجوفة " والصخب: " اختلاط الاصوات " والنصب: التعب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 الفِجَارِ (1) . ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذَا المُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لَيْسَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ (2) . الكَلْبِيُّ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ خَدِيْجَةُ تُدْعَى فِي الجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ. وَأُمُّهَا: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ العَامِرِيَّةُ. كَانَت خَدِيْجَةُ أَوُّلاً تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بنِ زُرَارَةَ التَّمِيْمِيِّ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ: عَتِيْقُ بنُ عَابِدِ (4) بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَنَى بِهَا وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ   (1) " طبقات ابن سعد " 1 / 132 وهو يوم حرب من أيامهم في الجاهلية كانت بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان. والفجار: بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة، سميت بذلك، لأنها كانت في الاشهر الحرم، انظر " طبقات ابن سعد " 1 / 126، 128 وفيه أنها كانت بعد الفيل بعشرين سنة. (2) " ابن سعد " 1 / 133. (3) إسناده ضعيف جدا، الكلبي: هو محمد بن السائب متروك، وبعضهم اتهمه بالكذب، وأبو صالح ضعيف واسمه باذام. وقال الزرقاني في " شرح المواهب " 3 / 220 " تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها يومئذ أربعون سنة " كما رواه ابن سعد، واقتصر عليه اليعمري، وقدمه مغلطاي والبرهان وصحح. (4) عابد: بالباء الموحدة والدال المهملة، كما ضبطه غير واحد من المحققين، فقد قال الزبير بن بكار: من كان من ولد عمر بن مخزوم، فهو عابد، ومن كان من ولد أخيه عمران بن مخزوم، فعائذ كما في " الإكمال " 6 / 1، و" تبصير المنتبه " ص 887، وقد تصحف في المطبوع إلى " عائذ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ (1) ، عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَائِلِ بنِ دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ البَهِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيْجَةَ، لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا. فَذَكَرَهَا يَوْماً، فَحَمَلَتْنِي الغَيْرَةُ، فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللهُ مِنْ كَبِيْرَةِ السِّنِّ! قَالَ: فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَباً، أُسْقِطْتُ فِي خَلَدَي (2) ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُوْلِكَ عَنِّي، لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوْءٍ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيْتُ، قَالَ: (كَيْفَ قُلْتِ؟ وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنَي النَّاسُ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا الوَلَدَ، وَحُرِمْتُمُوْهُ مِنِّي) . قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: خَرَجُوا مِنْ شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ، وَقَبْلَهُ خَدِيْجَةُ بِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ، مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ (4) .   (1) الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها، وقد تحرف في المطبوع " ودفنت " إلى " وهي ". (2) الخلد، بالتحريك: البال والقلب والنفس. (3) إسناده حسن، ونسبه الحافظ في " الإصابة ": 12 / 217، 218 إلى كتاب " الذرية الطاهرة " للدولابي، وفي " المسند " 6 / 117، 118، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، خبر قريب من هذا، وسيورده المؤلف ص 117. (4) أخرجه البخاري 7 / 102، 103، ومسلم (2435) وقد تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) سَمَاعُنَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ - ثِقَةٌ - حَدَّثَنِي الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ - أَوِ ابْنِ بُرَيْدَةَ - عَنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيْنَ أَطْفَالِي مِنْكَ؟ قَالَ: (فِي الجَنَّةِ) . قَالَتْ: فَأَيْنَ أَطْفَالِي مِنْ أَزْوَاجِي مِنَ المُشْرِكِيْنَ؟ قَالَ: (فِي النَّارِ) . فَقُلْتُ: بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ (1)) . فِيْهِ انْقِطَاعٌ. مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: أَتَى جِبْرِيْلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيْجَةُ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ عَلِيّاً: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ (3)) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيْجَةُ، جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ، امْرَأَةُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلاَ تَزَوَّجُ؟ قَالَ:   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف. (2) البخاري 7 / 105، ومسلم (2432) . (3) أخرجه البخاري 7 / 101 في فضائل أصحاب النبي: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم (2430) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة أم المؤمنين، والترمذي (3887) في المناقب. وقوله " خير نسائها " قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا. والمعنى: أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها. وأخرج أحمد 1 / 316 و322، والنسائي بإسناده صحيح فيما قاله الحافظ في " الفتح " 7 / 101 من حديث ابن عباس مرفوعا " أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية " وصححه الحاكم في " المستدرك " 3 / 185. سير 2 / 8 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 (وَمَنْ؟) . قَالَتْ: سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ ... ، الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ (1) ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَتَابَعَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَصَائِبُ بِهَلاَكِ أَبِي طَالِبٍ، وَخَدِيْجَةَ. وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ وَزِيْرَةَ صِدْقٍ (2) . وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى قُصَيٍّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ. وَكَانَتْ مُتَمَوِّلَةً، فَعَرَضَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ مَعَ مَوْلاَهَا مَيْسَرَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ، بَاعَتْ خَدِيْجَةُ مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ، فَرَغِبَتْ فِيْهِ، فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا، وَأَصْدَقَهَا عِشْرِيْنَ بَكْرَةً. فَأَوْلاَدُهَا مِنْهُ: القَاسِمُ، وَالطَّيِّبُ، وَالطَّاهِرُ، مَاتُوا رُضَّعاً، وَرُقَيَّةُ، وَزَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، وَفَاطِمَةُ (3) . قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَتْ: فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . قَالَتْ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ (4) ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيْجَةَ، فَقَالَ: (زَمِّلُوْنِي) . فَزَمَّلُوْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: (مَا لِي يَا خَدِيْجَةُ؟) . وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وَقَالَ: (قَدْ خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي) . فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لاَ يُخْزِيْكَ (5) اللهُ   (1) هو في " المسند " 6 / 210، 211، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل كما قال المصنف، أبو سلمة، هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة المدني، كلاهما من الطبقة الثانية. (2) ابن هشام 1 / 426. (3) انظر " ابن هشام " 1 / 187، 190. (4) جمع بادرة، وهي لحمة بين المنكب والعنق، وهي رواية البخاري في التفسير، والتعبير، ورواه في بدء الوحي بلفظ " فؤاده ". (5) بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة، ثم الياء الساكنة، من الخزي، ولابي ذر: " يحزنك " بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة، والنون، من الحزن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيْثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتُعِيْنُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. وَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا وَرقَةَ بنِ نَوْفَلِ بنِ أَسَدٍ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الخَطَّ العَرَبِيَّ، وَكَتَبَ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيْلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً قَدْ عَمِيَ. فَقَالَتْ: اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ مَا يَقُوْلُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوْسَى ... ، الحَدِيْثَ (1) . قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ بنُ الأَثِيْرِ: خَدِيْجَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ أَسْلَمَ، بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِيْنَ (2) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالوَاقِدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَحْيَى: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ خَدِيْجَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -.   (1) وتمامه: ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو مخرجي هم؟ " قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي. أخرجه البخاري 8 / 549 في التفسير. باب تفسير سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق، و1 / 21، 26 في بدء الوحي، و12 / 311، 316 في أول التعبير، وذكر فيه هنا زيادة لا تصح، لأنها من بلاغات الزهري، ونصها " وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا، غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل، تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك ". (2) " أسد الغابة " 7 / 78 وعز الدين لقبه، واسمه علي بن محمد الجزري توفي سنة 630 هـ. وهو المؤرخ صاحب " الكامل " وأخوه المحدث أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المحدث صاحب " جامع الأصول " و" النهاية في غريب الحديث " المتوفى سنة 606 هـ. وأخوه الثالث ضياء الدين أبو الفتح نصر الله الكاتب البليغ صاحب " المثل السائر " المتوفى سنة 637 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خَدِيْجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءكَ؟ فَلَمَّا جَاءهُ، قَالَ: (يَا خَدِيْجَةُ، هَذَا جِبْرِيْلُ) . فَقَالَتْ: اقْعُدْ عَلَى فَخِذِي. فَفَعَلَ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الفَخِذِ اليُسْرَى. فَفَعَلَ، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، وَحَسَرَتْ عَنْ صَدْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: (لاَ) . قَالَتْ: أَبْشِرْ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَلَكٌ، وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ (1) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا خَدِيْجَةُ، جِبْرِيْلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ) . وَفِي بَعْضِهَا: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ عَلَى خَدِيْجَةَ مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ (2) . عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَدِيْجَةُ سَابِقَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) . فِي إِسْنَادِهِ لِيْنٌ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: وَجَدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خَدِيْجَةَ حَتَّى خُشِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى تَزَوَّجَ عَائِشَةَ (4) . مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، وَاللَّفْظُ لِقَتَادَةَ، عَنْ   (1) ابن هشام 1 / 238، 239، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، وأورده ابن الأثير في " أسد الغابة " 7 / 82، 83 من طريق ابن إسحاق. (2) أخرجه البخاري 7 / 105 ومسلم (24322) وقد تقدم. (3) هو في " المستدرك " 3 / 184 من طريق محمد بن جعفر، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن أبي اليقظان عمران بن عبد الله، عن ربيعة السعدي، عن حذيفة. (4) رجاله ثقات لكنه مرسل، وعزاه الزرقاني في " شرح المواهب " 3 / 227 إلى " طبقات ابن سعد ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ (1)) . وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ: (خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ: مَرْيَمُ، وَآسِيَةُ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ (2)) . الدَّرَاوَرْدِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيْجَةُ، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ؛ آسِيَةُ (3)) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيْجَةَ، فَتَنَاوَلْتُهَا، فَقُلْتُ: عَجُوْزٌ! كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ: (مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْراً مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِيْنَ كَفَرَ النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِيْنَ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ وَلَدَهَا، وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا) . قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أُعَاتِبُكَ فِيْهَا بَعْدَ اليَوْمِ (4) . وَرَوَى: عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ خَدِيْجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَاتَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. وَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ.   (1) إسناده صحيح وأخرجه الترمذي (3878) في المناقب، والحاكم 3 / 157، وأحمد 3 / 135. (2) أخرجه ابن حبان (2222) . (3) رجاله ثقات، وأورده ابن عبد البرقي " الاستيعاب " 12 / 282 من طريق أبي داود الطيالسي، عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن إبراهيم ابن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس. (4) أخرجه أحمد 6 / 117، 118، ومجالد ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وقد تقدم في الصفحة 112 خبر مطول بمعنى هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 17 - فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ الهَاشِمِيَّةُ * وَالِدَةُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. هِيَ حَمَاةُ فَاطِمَةَ، كَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ هَاشِمِيّاً. قَالَهُ: الزُّبَيْرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رَوَى: سَعْدَانُ بنُ الوَلِيْدِ السَّابَرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ عَلِيٍّ أَلْبَسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيْصَهُ، وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا. فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ صَنَعْتَ هَذَا! فَقَالَ: (إِنَّه لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ أَبَرَّ بِي مِنْهَا، إِنَّمَا أَلْبَسْتُهَا قَمِيْصِي لِتُكْسَى مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا لِيُهَوَّنَ عَلَيْهَا) . هَذَا غَرِيْبٌ (1) . 18 - فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ ** -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ع) سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا، البَضْعَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَالجِهَةُ المُصْطَفَوِيَّةُ،   (*) التاريخ لابن معين: 739، طبقات ابن سعد: 8 / 222، تاريخ خليفة: 180، المعارف: 71، 120، 203، المستدرك: 3 / 108، الاستيعاب: 4 / 1891، أسد الغابة: 7 / 217، مجمع الزوائد: 9 / 257، الإصابة: 13 / 77، كنز العمال: 13 / 635. (1) " الاستيعاب " 13 / 108، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 257، وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه سعدان بن الوليد السابري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وذكره صاحب " كنز العمال " 13 / 636، ونسبه لأبي نعيم في المعرفة، والديلمي. (* *) مسند أحمد: 6 / 282، طبقات ابن سعد: 8 / 19 - 30، طبقات خليفة: 330، تاريخ خليفة: 65، 96، المعارف: 141، 142، 158، 200، حلية الأولياء: 2 / 39، 34، المستدرك: 3 / 151 - 161، الاستيعاب: 4 / 1893، جامع الأصول: 9 / 125، أسد الغابة: 7 / 220، تهذيب الكمال: 1690، تاريخ الإسلام: 1 / 360، العبر: 1 / 13، مجمع الزوائد: 9 / 201 - 212، تهذيب التهذيب: 12 / 440 - 442، الإصابة: 13 / 71، خلاصة تذهيب الكمال: 494، كنز العمال: 13 / 674، شذرات الذهب: 1 / 9 و10 و15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 أُمُّ أَبِيْهَا (1) ، بِنْتُ سَيِّدِ الخَلْقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيَّةُ، الهَاشِمِيَّةُ، وَأُمُّ الحَسَنَيْنِ. مَوْلِدُهَا قَبْلَ المَبْعَثِ بِقَلِيْلٍ. وَتَزَوَّجَهَا الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، أَوْ قُبَيْلَهُ، مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: دَخَلَ بِهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ (2) ، فَوَلَدَتْ لَهُ الحَسَنَ، وَالحُسَيْنَ، وَمُحْسِناً، وَأُمَّ كُلْثُوْمٍ، وَزَيْنَبَ. وَرَوَتْ عَنْ: أَبِيْهَا. وَرَوَى عَنْهَا: ابْنُهَا؛ الحُسَيْنُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُم. وَرِوَايَتُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّهَا وَيُكْرِمُهَا وَيُسِرُّ إِلَيْهَا. وَمَنَاقِبُهَا غَزِيْرَةٌ. وَكَانَتْ صَابِرَةً، دَيِّنَةً، خَيِّرَةً، صَيِّنَةً، قَانِعَةً، شَاكِرَةً للهِ. وَقَدْ غَضِبَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا الحَسَنِ هَمَّ بِمَا رَآهُ سَائِغاً مِنْ خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: (وَاللهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ نَبِيِّ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ، وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيْبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا (3)) . فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ رِعَايَةً لَهَا، فَمَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَلاَ   (1) في " الإصابة " 13 / 71، و" أسد الغابة " 7 / 25 وكانت تكنى أم أبيها. (2) في " الإصابة " 13 / 73: وفي " الصحيحين " عن علي قصة الشارفين لما ذبحهما حمزة، وكان علي أراد أن يبني بفاطمة..وهذا يدفع قول من زعم أن تزويجه بها كان بعد أحد، فإن حمزة قتل بأحد. وانظر حديث علي في البخاري 5 / 35 في الشرب: باب بيع الحطب والكلا، ومسلم (1979) في أول كتاب الاشربة. (3) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النكاح: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، ومسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) في النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي (3866) في المناقب: باب مناقب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، من حديث المسور بن مخرمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 تَسَرَّى. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، تَزَوَّجَ، وَتَسَرَّى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَزِنَتْ عَلَيْهِ، وَبَكَتْهُ، وَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ! إِلَى جِبْرِيْلَ نَنْعَاهُ! يَا أَبتَاهُ! أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ! يَا أَبتَاهُ! جَنَّةُ الفِرْدَوْس مَأْوَاهُ! وَقَالَتْ بَعْدَ دَفْنِهِ: يَا أَنَسُ، كَيْفَ طَابَتْ أَنفُسُكُم أَنْ تَحْثَوُا التُّرَابَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! وَقَدْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ: إِنِّي مَقْبُوْضٌ فِي مَرَضِي هَذَا، فَبَكَتْ. وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوْقاً بِهِ، وَأَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَضَحِكَتْ، وَكَتَمَتْ ذَلِكَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَتْهَا عَائِشَةُ، فَحَدَّثَتْهَا بِمَا أَسَرَّ إِلَيْهَا (2) . وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: جَاءتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَامَ إِلَيْهَا، وَقَالَ: (مَرْحَباً بِابْنَتِي (3)) . وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوْهَا، تَعَلَّقَتْ آمَالُهَا بِمِيْرَاثِهِ، وَجَاءتْ تَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، فَحَدَّثَهَا: أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ نُوْرَثُ، مَا تَرَكْنَا   (1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 113 في آخر المغازي. باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم. من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال: ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم، فلما مات، قالت: يا أبتاه ... (2) أخرجه البخاري 6 / 462 في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وفي الاستئذان: باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، وأخرجه مسلم (2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (5217) . (3) قطعة من الحديث المتفق عليه المتقدم دون قوله " فقام إليها " فإنه لأبي داود (5217) والترمذي (3872) وسنده حسن، وصححه الحاكم 3 / 154، ووافقه الذهبي، ولفظ المتفق عليه: فلما رآها رحب بها، وقال: مرحبا بابنتي، وأجلسها عن يمينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 صَدَقَةٌ (1)) . فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَعَلَّلَتْ (2) . رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ. فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ. قَالَ: نَعَمْ. -قُلْتُ: عَمِلَتِ السُّنَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَلَمْ تَأْذَنْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِأَمْرِهِ -. قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا، وَقَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالمَالَ وَالأَهْلَ وَالعَشِيْرَةَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَمَرْضَاتِكُم أَهْلَ البَيْتِ. قَالَ: ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ (3) . تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ نَحْوِهَا (4) . وَعَاشَتْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَأَكْثَرُ مَا قِيْلَ: إِنَّهَا عَاشَتْ تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَالأَوَّلُ   (1) أخرجه البخاري 6 / 139، 141 في فرض الخمس، و7 / 259 في المغازي باب حديث بني النضير، و12 / 4 في أول الفرائض. ومسلم (1759) في الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركناه صدقة " من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه من المدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال " وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها، ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ... الحديث. (2) تعللت: أي تلهت عنه وتشاغلت. (3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 27، وإسناده صحيح، لكنه مرسل، وذكره الحافظ في " الفتح " 6 / 139، ونسبه إلى البيهقي وقال: وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح. (4) تقدم في حديث عائشة أنها توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 أَصَحُّ. وَكَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ زَوْجَةِ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيْعِ؛ وَمِنْ رُقَيَّةَ زَوْجَةِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. وَقَدِ انْقْطَعَ نَسَبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ مِنْ قِبَلِ فَاطِمَةَ؛ لأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُهَا فِي صَلاَتِهِ (1) ، تَزَوَّجَتْ بِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِالمُغِيْرَةِ بنِ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيِّ، وَلَهُ رُؤْيَةٌ، فَجَاءهَا مِنْهُ أَوْلاَدٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: انْقَرَضَ عَقِبُ زَيْنَبَ. وَصَحَّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَّلَ فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا وَابْنَيْهِمَا بِكِسَاءٍ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُم تَطْهِيْراً (2)) . أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا تَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، فَقَالَ: (أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُم، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم) (3) .   (1) أخرج مالك في " الموطأ " 1 / 170 في قصر الصلاة في السفر: باب جامع الصلاة، والبخاري 1 / 487، 488 في سترة المصلي: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، ومسلم (543) في المساجد: باب جواز حمل الصبيان، من حديث أبي قتادة السلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي، وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها. (2) روي من حديث عائشة، وأم سلمة، ووائلة بن الاسقع، فأما حديث عائشة، فأخرجه مسلم (2424) في فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والحاكم 3 / 147، وأما حديث أم سلمة فأخرجه " أحمد " 6 / 292 و298 و304، والترمذي (3205) في التفسير والطبري 22 / 7 والحاكم 2 / 416 و3 / 147، وأما حديث واثلة فأخرجه أحمد 4 / 107، والطبري 22 / 716، والحاكم 2 / 416 و3 / 147، وفي الباب عن غير هؤلاء، انظر تفسير ابن كثير 3 / 483، 485، والدر المنثور 5 / 198، 199. (3) أخرجه أحمد 2 / 442، والحاكم 3 / 149، وتليد بن سليمان ضعيف وباقي رجاله ثقات. وذكر له الحاكم شاهدا من طريق أسباط بن نصر، عن السدي، إسماعيل بن عبد الرحمن، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم، وهذا الشاهد هو في " سنن الترمذي " (3870) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 رَوَاهُ: الحَاكِمُ فِي (المُسْتَدْرَكِ) . وَفِيْهِ: مِنْ طَرِيْقِ أَبَانَ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُبْغِضُنَا أَهْلَ البَيْتِ أَحَدٌ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ) (1) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ مَيْسَرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَزَلَ مَلَكٌ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ) . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ المِنْهَالِ، رَوَاهُمَا الحَاكِمُ (2) . يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَاطِمَةَ وَأَنَا مَعَهُ، وَقَدْ أَخَذَتْ مِنْ عُنُقِهَا سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا لِي أَبُو حَسَنٍ. فَقَالَ: (يَا فَاطِمَةُ! أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُوْلَ النَّاسُ: هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَفِي يَدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ) . ثُمَّ خَرَجَ، فَاشْتَرَتْ بِالسِّلْسِلَةِ غُلاَماً، فَأَعْتَقَتْهُ (3) . فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّى فَاطِمَةَ مِنَ النَّارِ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (4) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 150، وصححه، وأقره الذهبي، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس. (2) 3 / 151، وصححه، وأقره الذهبي، وفي الباب عن أبي هريرة رواه الطبراني فيما ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 201، وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن مروان الذهلي، ووثقه ابن حبان، وقد تقدم حديث عائشة المتفق عليه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: " أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة ". (3) سقط من المطبوع " فأعتقته ". (4) هو الطيالسي صاحب " المسند " وهو فيه 2 / 354، وكان على المصنف رحمه الله أن يقيده حتى لا يلتبس بأبي داود السجستاني صاحب السنن، فإنه المتبادر عند الاطلاق، وأخرجه النسائي 8 / 158 في الزينة، والحاكم 3 / 152، 153 من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلام، عن أبي أسماء، عن ثوبان ... وأخرجه أحمد 5 / 278، 279 من طريق همام، والنسائي 8 / 158 من طريق هشام كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان. وهذا سند رجاله ثقات إلا أنه قد = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 دَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ: عَنْ عِلْبَاءَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: (أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ: خَدِيْجَةُ، وَفَاطِمَةُ (1)) . أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عَمِّهَا   = أعل بالانقطاع، فقد نقل ابن القيم في " تهذيب السنن " 6 / 126 عن ابن القطان قوله: وعلته أن الناس قالوا: إن رواية يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام منقطعة، على أن يحيى قال: حدثني زيد بن سلام، وقد قيل: إنه دلس ذلك، ولعله كان أجازه زيد بن سلام، فجعل يقول: حدثنا زيد. وهذا النوع من التدليس بينه الحافظ ابن حجر في " طبقات المدلسين " فقال: ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الاجازة موهما السماع، ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا. وقال المؤلف في " ميزانه " في ترجمة يحيى بن أبي كثير: وروايته عن زيد بن سلام منقطعة، لأنها من كتاب وقعت له. ومع كل ما تقدم، فقد صحح الحديث الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أياضا الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " 1 / 557 في باب الترهيب من منع الزكاة. وما ذهب إليه الشيخ ناصر الدين الألباني بالاستناد إلى هذا الحديث وغيره مما أورده في " آداب الزفاف " من تحريم تحلي النساء بالذهب المحلق، وإباحة غير المحلق لهن، فقد خالف بذلك إجماع المسلمين سلفا وخلفا على إباحة تحلي النساء بالذهب محلقا وغير محلق كالطوق والخاتم والسوار، والخلخال والقلائد، وقد نقل الاجماع غير واحد من العلماء المحققين كالجصاص الرازي في " أحكام القرآن " 4 / 477 والقرطبي في " تفسيره " 16 / 71، 72، والنووي في " المجموع " 4 / 442 و6 / 40، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 10 / 317 - ولا يتسع هذا التعليق لبيان وهاء رأيه هذا الذي انفرد به، والشبهات التي أثارها حول هذه المسألة، ونحيل القارئ الكريم على كتاب " إباحة التحلي بالذهب المحلق للنساء " للشسيخ الفاضل إسماعيل بن محمد الأنصاري! فقد تكفل بالرد عليه، وتوهين ما استند إليه من الأحاديث التي يظن أنها تدل على مدعاه، ونقل عن العلماء أن المراد منها - على فرض صحتها - غير ما ذهب إليه، وأورد نصوصا من الكتاب والسنة الصحيحة تدل على صحة ما ذهب إليه جماهير السلف والخلف من العلماء، وقد أجاد في كل ذلك وأفاد، فجزاه الله عنا خير الجزاء. (1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 1 / 293، وصححه الحاكم 2 / 594، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 223، وزاد نسبته إلى أبي يعلى والطبراني، وقال: ورجالهم رجال الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَعَنْ حَسَبِهَا تَسْأَلُنِي؟) . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَعْلَمُ مَا حَسَبُهَا، وَلَكِنْ أَتَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقَالَ: (لاَ، فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي، وَلاَ أَحْسَبُ إِلاَّ أَنَّهَا تَحْزَنُ، أَوْ تَجْزَعُ) . قَالَ: لاَ آتِي شَيْئاً تَكْرَهُهُ (1) . وَقَدْ رَوَى: التِّرْمِذِيُّ فِي (جَامِعِهِ) ، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قِيْلَ لَهَا: أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ؛ وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّاماً قَوَّاماً (2) . قُلْتُ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَفِي (الجَامِعِ) لِزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُمَا وَلابْنَيْهِمَا: (أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُم، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُم) (3) . وَكَانَ لَهَا مِنَ البَنَاتِ: أُمُّ كُلْثُوْمٍ؛ زَوْجَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَزَيْنَبُ؛ زَوْجَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ. الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ الخِدْمَةَ خَارِجاً، وَتَكْفِيْكِ هِيَ العَمَلَ فِي البَيْتِ، وَالعَجْنَ، وَالخَبْزَ، وَالطَّحْنَ (4) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ: عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَاطِمَةُ   (1) هو في " المستدرك " 3 / 158، وصححه الحاكم على شرط الشيخين بهذه السياقة، وعلق عليه الذهبي بقوله: هو مرسل قوي. (2) هو في " سنن الترمذي " (3874) في المناقب، وفي سنده جميع بن عمير التميمي، قال ابن عدي: هو كما قال البخاري: في أحاديثه نظر، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد. ومع ذلك فقد حسن الترمذي حديثه هذا، وصححه الحاكم 3 / 157، ولم يتعقبه الهذبي في مختصره كما فعل هنا. (3) تقدم تخريجه في الصفحة 122 التعليق (3) . (4) رجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ (1)) . عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ: عَنْ كَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيْضَةٌ، فَقَالَ لَهَا: (كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟) . قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ، وَإِنَّهُ لَيَزِيْدُنِي، مَا لِي طَعَامٌ آكُلُهُ. قَالَ: (يَا بُنَيَّةُ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ؟) . قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ؟ قَالَ: (تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ (2) عَالَمِكِ، أَمَا -وَاللهِ- لَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) . رَوَاهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَكَثِيْرٌ: وَاهٍ، وَسَقَطَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِمْرَانَ. عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ: خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ، وَآسِيَةُ (3)) . وَرَوَى: أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ، وَلَفْظُهُ: (خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ) . مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ) ... ، الحَدِيْثَ. وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا، وَهُوَ: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ: مَرْيَمُ، وَخَدِيْجَةُ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (4) .   (1) أخرجه الحاكم 3 / 154، وصححه، ووافقه الذهبي. (2) سقط من المطبوع من قوله " العالمين " إلى هنا. (3) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 124 التعليق رقم (1) وقد تحرف في المطبوع " علباء بن أحمر " إلى " عباد بن أحمد ". (4) حديث صحيح، وقد مر تخريجه في الصفحة 117 التعليق رقم (1) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ الذُّهَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ مَلَكاً اسْتَأذَنَ اللهَ فِي زِيَارَتِي، فَبَشَّرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أُمَّتِي، وَأَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) . غَرِيْبٌ جِدّاً، وَالذُّهْلِيُّ: مُقِلٌّ (1) . وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً. مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ: عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ كَلاَماً وَحَدِيْثاً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَبَّلَهَا، وَرَحَّبَ بِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ (2) . مَيْسَرَةُ: صَدُوْقٌ. الزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَتْ لَيْلاً (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ الأَقَاوِيْلِ عِنْدَنَا. قَالَ: وَصَلَّى (4) عَلَيْهَا العَبَّاسُ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ وَالفَضْلُ.   (1) قال المؤلف عنه في " ميزانه " لا يكاد يعرف، ثم أورد حديثه هذا، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 183، ونسبه للطبري، وأعله بجهالة الذهلي. وفي حديث حذيفة الطويل عند الترمذي (3781) " إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " وسنده حسن. (2) إسناده حسن، أخرجه أبو داود (5217) في الأدب: باب ما جاء في القيام، والترمذي (3871) في المناقب. باب مناقب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم 3 / 154، ووافقه الذهبي. (3) " المستدرك " 3 / 162. (4) تحرفت في المطبوع إلى " دخل ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، أَوْ نَحْوِهَا، وَدُفِنَتْ لَيْلاً. وَرَوَى: يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ تَذُوْبُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيْهَا بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَبَيْنَ أَبِيْهَا شَهْرَانِ (1) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وُلِدَتْ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الكَعْبَةَ. قَالَ: وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ. وَذَكَرَ المُسَبِّحِيُّ: أَنَّ فَاطِمَةَ تَزَوَّجَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ عُرْسِ عَائِشَةَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ، وَلِفَاطِمَةَ يَوْمَئِذٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ. قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عَوْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ. وَعَنْ عُمَارَةَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ أُمِّ جَعْفَرٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، يُطْرَحُ عَلَى المَرْأَةِ الثَّوْبُ، فَيَصِفُهَا (2) . قَالَتْ: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ، أَلاَ أُرِيْكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ، فَحَنَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْباً.   (1) " المستدرك " 3 / 163. (2) أي: يظهر حجم أعضائها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِيْنِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، جَاءتْ عَائِشَةُ لِتَدْخُلَ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لاَ تَدْخُلِي. فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ، فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ. فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ، ثُمَّ انْصَرَفَ (1) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هِيَ أَوَّلُ مِنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الإِسْلاَمِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى فَاطِمَةَ حِيْنَ مَرِضَتْ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهَا، وَكَلَّمَهَا، فَرَضِيَتْ عَنْهُ (2) . رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ فُلاَنِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَى، قَالَتْ: مَرِضَتْ فَاطِمَةُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَتْ: اضْطَجَعَتْ عَلَى فِرَاشِهَا، وَاسْتَقْبَلَتِ القِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ إِنِّي مَقْبُوْضَةٌ السَّاعَةَ، وَقَدِ اغْتَسَلْتُ، فَلاَ يَكْشِفَنَّ لِي أَحَدٌ كَنَفاً. فَمَاتَتْ، وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَفَنَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ (3) . هَذَا مُنْكَرٌ.   (1) في سنده جهالة، وهو في " الحلية " 2 / 43 و" المستدرك " 3 / 163، 164 وفيه مخالفة لما في الصحيح من أن عليا دفنها ليلا، ولم يعلم أبا بكر، فكيف يمكن أن تغسلها زوجه أسماء وهو لا يعلم، وورع أسماء يمنعها ألا تستأذنه، وانظر سنن الدراقطني 1 / 194، وسنن البيهقي 3 / 396، و" تلخيص الحبير " 2 / 143. (2) تقدم تخريجه في الصفحة 121 تعليق (3) . (3) هو في طبقات ابن سعد 8 / 27 وإسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق، ولين علي بن فلان بن أبي رافع، والاصح كما قال الترمذي عبيد الله بن علي بن أبي رافع، فقد ترجمه الحافظ في = سير 2 / 9 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، قَالَتْ: كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ، لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً. فَجَاءتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ (1) رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا رَآهَا، رَحَّبَ بِهَا، قَالَ: (مَرْحَباً بِابْنَتِي) . ثُمَّ أَقْعَدَهَا عَنْ يَمِيْنِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَضَحِكَتْ. فَلَمَّا قَامَ، قُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُوْلُ اللهِ بِالسِرِّ وَأَنْتَ تَبْكِيْنَ، عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَالِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ، لَمَا أَخْبَرْتِنِي مِمَّ ضَحِكْتِ؟ وَمِمَّ بَكَيْتِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا أَخْبَرْتِنِي. قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فِي المَرَّةِ الأُوْلَى، حَدَّثَنِي: (أَنَّ جِبْرِيْلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَأَنِّي لاَ أَحْسِبُ ذَلِكَ إِلاَّ عِنْدَ اقْتِرَابِ أَجَلِي، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَنِعْمَ السَّلَفُ لَكِ أَنَا) . فَبَكَيْتُ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي، قَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟) . قَالَتْ: فَضَحِكْتُ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ فِرَاسٍ. وَهُوَ فَرْدٌ غَرِيْبٌ.   = " والتقريب " فيمن اسمه عبيد الله بن علي بن أبي رافع، وقال: ويقال فيه علي بن عبيد الله: لين الحديث. ورواه بنحوه أحمد في " المسند " 6 / 461 من طريق أبي النضر، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن أم سلمى، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 210، 211 عن أحمد، وقال: وفيه من لم أعرفه. والكنف هنا: الثوب، وقد تصحفت في " الطبقات " وفي المطبوع إلى " كتفا " بالتاء. (1) تحرفت في المطبوع إلى " مشي ". (2) 6 / 462 في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، وأخرجه أيضا 11 / 67 في الاستئذان: باب من ناجى بين يدي الناس، ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، من طريق موسى، عن أبي عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، وأخرجه مسلم (2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة، من طريق فضيل بن حسين، وزكريا بن أبي زائدة كلاهما عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَرَأَيْتِ حِيْنَ أَكْبَبْتِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ، فَضَحِكْتِ؟ قَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّنِي أَسْرَعُ أَهْلِهِ بِهِ لُحُوْقاً، وَقَالَ: (أَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلاَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ) ، فَضَحِكْتُ (1) . ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ فَاطِمَةَ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ الَّذِي وَلَدَهَا (2) . جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةُ، وَمِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ (3) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدَّثَتْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا فَاطِمَةَ، فَسَارَّهَا، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا، فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي بِمَوْتِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَضَحِكْتُ (4) . وَرَوَى: كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَمَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِيْهَا سَبْعِيْنَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَالَتْ لأَسْمَاءَ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي أَنْ أَخْرُجَ غَداً عَلَى   (1) سنده حسن، وذكره المتقي في " كنز العمال " 13 / 675، ونسبه لابن أبي شيبة، والزيادة منه. (2) أخرجه الحاكم 3 / 160، 161، وصححه ووافقه الذهبي مع أن فيه تدليس ابن إسحاق وقد عنعن. (3) أخرجه الترمذي (3868) والحاكم في " المستدرك " 3 / 155، وصححه ووافقه الذهبي. (4) أخرجه أحمد 6 / 240، وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 الرِّجَالِ مِنْ خِلاَلِهِ جِسْمِي. قَالَتْ: أَوَلاَ نَصْنَعُ لَكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ؟ فَصَنَعَتِ النَّعْشَ، فَقَالَتْ: سَتَرَكِ اللهُ كَمَا سَتَرْتِنِي (1) . هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} ، دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، فَبَكَتْ. فَقَالَ: (لاَ تَبْكِيْنَ، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لاَحِقاً بِي) . فَضَحِكَتْ (2) . إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا فَاطِمَةُ شُجْنَةٌ مِنِّي، يَبْسُطُنِي مَا يَبْسُطُهَا، وَيَقْبِضُنِي مَا يَقْبِضُهَا) (3) .   (1) ذكره السيوطي في " الوسائل إلى معرفة الاوائل " ص 38، ونسبه إلى أبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن في " المعرفة " عن عبد الله بن بريدة، قال: " لبثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين بين يوم وليلة، فقالت: إني لاستحيي من خلل هذا النعش إذا حملت فيه، فقالت لها امرأة - لا أدري أسماء بنت عميس أو أم سلمة - إن شئت عملت لك شيئا يعمل بالحبشة، ويحمل فيه النساء، قالت: أجل فاصنعيه، فصنعت النعش، فلما رأته، قالت: سترك الله. قال: فما زالت النعوش تصنع بعدها. (2) هلال بن خباب: قال الحافظ في " التقريب ": صدوق تغير بأخرة، وأورده الهيثمي في " المجمع " 7 / 144، وقال: رواه الطبراني في حديث طويل ... وفي إسناده هلال بن خباب، قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 217 من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعيت إلى نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة. وعطاء بن السائب قد اختلط. (3) إسحاق الفروي: هو إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة، وهو سيء الحفظ، ومع ذلك فقد صحح حديثه هذا الحاكم 3 / 154، ووافقه الذهبي. وشجنة: بضم الشين وكسرها: الرحم المشتبكة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 غَرِيْبٌ. وَرَوَاهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ، فَخَالَفَ الفَرْوِيُّ. وَرَوَى: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ النَّسَوِيُّ هَذَا، عَنْ أَبِي سَهْلٍ بنِ زِيَادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي. شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، أَنَّ المِسْوَر أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَةُ، أَتَتْ، فَقَالَتْ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهُ حِيْنَ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ، فَحَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوْهَا، وَإِنَّهَا -وَاللهِ- لاَ تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُوْلِ اللهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ) . فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ (1) . وَرَوَاهُ: الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ. وَفِيْهِ: (وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِيْنِهَا) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (فَاطِمَةُ (2)) . وَيُرْوَى: عَنْ أُسَامَةَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَلَفْظُهُ: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟   وفي " المسند " 4 / 5، والترمذي (3869) من حديث ابن الزبير مرفوعا " إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها " وصححه الترمذي، والحاكم 3 / 159، وهو كما قال. وفي المتفق عليه من حديث المسور " فإنما هي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها ". (1) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي: باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم. ومسلم (2449) (96) في فضائل الصحابة، وأبو داود (2069) في النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء. (2) رجاله ثقات، وابن قسيط: هو يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي. أخرج حديثه الستة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، إِذَا خَرَجَ لِصَلاَةِ الفَجْرِ، يَقُوْلُ: (الصَّلاَةَ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ*، {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً} ) . [الأَحْزَابُ (1) : 33] يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: وَهَذَا لَفْظُهُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، سَمِعتُ أَبَا الحَمْرَاءِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَيَقُوْلُ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ ... } الآيَةَ، [الأَحْزَابُ (2) : 33] . وَمِمَّا يُنْسَبُ إِلَى فَاطِمَةَ، وَلاَ يَصِحُّ: مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ ... أَلاَ يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا وَلَهَا فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، مِنْهَا حَدِيْثٌ وَاحِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (3) .   (1) أخرجه أحمد 3 / 259، وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، ومع ذلك، فقد حسنه الترمذي (3206) في التفسير. (2) أبو داود: هو نفيع بن الحارث النخعي الكوفي القاص الهمذاني الاعمى، قال البخاري: يتكلمون فيه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه، وأبو الحمراء: هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، واسمه: هلال بن الحارث، أو ابن ظفر. والخبر أخرجه ابن جرير في " تفسيره " 22 / 6، من طريق سفيان بن وكيع، عن أبي نعيم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء. (3) انظر البخاري 8 / 103، 104 في المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ومسلم (2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 19 - عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ. وَأُمُّهَا: هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ. هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ. وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ. وَعَنْ: أَبِيْهَا. وَعَنْ: عُمَرَ، وَفَاطِمَةَ، وَسَعْدٍ، وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، وَجُدَامَةَ (1) بِنْتِ وَهْبٍ.   (*) مسند أحمد: 6 / 29، طبقات ابن سعد م: 8 / 58 - 81، التاريخ لابن معين: 73، 738، طبقات خليفة: 333، تاريخ خليفة: 225، المعارف: 134، 176، 208، 550. تاريخ الفسوي: 3 / 268، المستدرك: 4 / 4 - 14، حلية الأولياء: 2 / 43، الاستيعاب: 4 / 1881، جامع الأصول: 9 / 132، أسد الغابة: 7 / 188، تهذيب الكمال: 1688، تاريخ الإسلام: 2 / 294، البداية والنهاية: 8 / 91، 94، مجمع الزوائد: 9 / 225 - 244، تهذيب التهذيب: 12 / 433 - 436، الإصابة: 13 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 493، كنز العمال: 13 / 693 شذرات الذهب: 1 / 9 و61 - 63. (1) بالجيم المعجمة، والدال المهملة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي لامه، صحابيه ها سابقة وهجرة، وقد تحرف اسمها إل " حرامة " بالحاء المهملة والراء في الجزء المخصوص بترجمه السيدة عائشة المستل من السير، المطبوع بدمشق سنة 1945. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 حَدَّثَ عَنْهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ مُرْسَلاً، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ التَّيْمِيُّ كَذَلِكَ، وَإِسْحَاقُ بنُ طَلْحَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ عُمَرَ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَيْمَنُ المَكِّيُّ، وَثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ. وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَجُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ. وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ نَوْفَلٍ، وَالحَسَنُ، وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَخَالِدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ (1) - وَقِيْلَ: لَمْ يَسَمَعْ مِنْهَا - وَخَبَّابٌ صَاحِبُ المَقْصُوْرَةِ، وَخُبَيْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَخِلاَسٌ الهَجَرِيُّ، وَخِيَارُ بنُ سَلَمَةَ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَذَكْوَانُ السَّمَّانُ؛ وَمَولاَهَا ذَكْوَانُ، وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَزَاذَانُ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ. وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ - وَلَمْ يَسَمَعَا مِنْهَا - وَزَيْدُ بنُ خَالِدٍ الجُهَنِيُّ (2) ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَسَالِمُ سَبَلاَنَ، وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ، وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ العَاصِ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ (3) . وَشُرَيْحُ بنُ أَرْطَاةَ، وَشُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَشَرِيْقٌ الهَوْزَنِيُّ، وَشَقِيْقٌ أَبُو وَائِلٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ. وَصَالِحُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ الهَدِيْرِ، وَصَعْصَعَةُ (4) عَمُّ الأَحْنَفِ، وَطَاوُوْسٌ، وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ. وَعَابِسُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَعَاصِمُ بنُ حُمَيْدٍ السَّكُوْنِيُّ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ البَصْرِيُّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ ابْنُ أُخْتِهَا، وَأَخُوْهُ عُرْوَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " سعدان ". (2) تحرف في المطبوع إلى " الجعفي ". (3) تحرف في المطبوع إلى " يزيد ". (4) تحرف في المطبوع إلى " مصعب ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 شِهَابٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَابْنُ عُمَرَ (1) ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي (2) مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَأَبُوْهُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَيْسٍ، وَابْنَا أَخِيْهَا: عَبْدُ اللهِ، وَالقَاسِمُ ابْنَا مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عَتِيْقٍ مُحَمَّدٍ، ابْنُ أَخِيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ العُمَرِيُّ، وَرَضِيْعُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ البَهِيُّ (3) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعِيْدِ (4) بنِ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابِطٍ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ وَالِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدُ (5) اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عِيَاضٍ (6) ، وَعِرَاكٌ - وَلَمْ يَلْقَهَا - وَعُرْوَةُ المُزَنِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَلْقَمَةُ (7) ، وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ، وَعَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَعَمْرُو بنُ غَالِبٍ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ، وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُهَا، وَعِيَاضُ بنُ عُرْوَةَ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ. وَفَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ الكُوْفِيُّ   (1) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " عمير ". (2) لفظة " أبي " سقطت من مطبوعة دمشق ولا بد منها. (3) في مطبوعة دمشق زيادة لفظ " ابن " بين عبد الله والبهي، وهو خطأ. (4) تحرفت في المطبوع إلى " سعد ". (5) تحرفت في المطبوع إلى " عبد ". (6) تحرف في المطبوع " عبيد " إلى " عبد " و" عياض " إلى عامر. (7) هو علقمة بن قيس النخعفي، وقد أسقطه الاستاذان الأفغاني والابياري ظنا منهما أن الاسم مكرر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 رَضِيْعُهَا، وَكُرَيْبٌ. وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ - إِنْ كَانَ لَقِيَهَا - وَمُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الجُمَحِيُّ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ - وَلَمْ يَلْقَهَا - وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ - وَمَرْوَانُ العُقَيْلِيُّ أَبُو لُبَابَةَ (1) ، وَمَسْرُوْقٌ، وَمِصْدَعٌ أَبُو يَحْيَى (2) ، وَمُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَمِقْسَمٌ (3) مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَمَكْحُوْلٌ - وَلَمْ يَلْحَقْهَا (4) - وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمَيْمُوْنُ بنُ أَبِي شَبِيْبٍ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ. وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، وَنَافِعُ بنُ عَطَاءٍ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَهِلاَلُ بنُ يِسَافٍ. وَيَحْيَى بنُ الجَزَّارِ (5) ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَيَزِيْدُ بنُ بَابَنُوْسَ (6) ، وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ (7) . وَأَبُو أُمَامَةَ (8) بنُ سَهْلٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، وَأَبُو الجَوْزَاءِ (9) الرَّبَعِيُّ،   (1) في مطبوعة دمشق " واو " بين مروان العقيلي، وبين أبي لبابة، وهو خطأ، فإن أبا لبابة كنية مروان. (2) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " ابن ". (3) سقط من المطبوع لفظة " مقسم ". (4) تحرفت في المطبوع إلى " يلقها ". (5) سقطت لفظة " بن " من مطبوعة دمشق. (6) تحرف في المطبوع إلى " يانبوس ". (7) تحرف في المطبوع إلى " ناهك ". (8) تحرف في المطبوع إلى أبي " أسامة ". (9) تصحف في المطبوع إلى " الحوراء ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وَأَبُو حُذَيْفَةَ الأَرْحَبِيُّ، وَأَبُو حَفْصَةَ مَوْلاَهَا، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ - وَكَأَنَّهُ مُرْسل - وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَأَبُو ظَبْيَانَ الجَنْبِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعٌ الرِّيَاحِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ (1) ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عَطِيَّةَ الوَادِعِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ - وَلَمْ يَلْقَهَا - وَأَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلاَهَا. وَبُهَيَّةُ (2) مَوْلاَةُ الصِّدِّيْقِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ أَخِيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَيْرَةُ وَالِدَةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَذِفْرَةُ بِنْتُ غَالِبٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ نَصْرٍ، وَزَيْنَبُ السَّهْمِيَّةُ، وَسُمَيَّةُ البَصْرِيَّةُ، وَشُمَيْسَةُ (3) العَتْكِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَرْجَانَةُ وَالِدَةُ عَلْقَمَةَ بنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، وَمُعَاذَةُ العَدَوِيَّةُ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ التَّيْمِيَّةُ أُخْتُهَا، وَأُمُّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةُ وَالِدِ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَطَائِفَةٌ سِوَى هَؤُلاَءِ. (مُسْنَدُ عَائِشَةَ) : يَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمائَتَيْنِ وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى: مائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ. وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ. وَعَائِشَةُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ فَاطِمَةَ بِثَمَانِي سِنِيْنَ، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِيْنَانِ الدِّيْنَ. وَذَكَرَتْ أَنَّهَا لَحِقَتْ بِمَكَّةَ سَائِسَ الفِيْلِ شَيْخاً أَعْمَى يَسْتَعْطِي.   (1) تحرف في المطبوع إلى الهلالي ". (2) تحرف في المطبوع إلى " سهية ". (3) بالتصغير كما في الأصل، وقد تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " شمسة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَكَانَتِ امْرَأَةً بَيْضَاءَ جَمِيْلَةً، وَمِنْ ثَمَّ (1) يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ، وَلَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكْراً غَيْرَهَا، وَلاَ أَحَبَّ امْرَأَةً حُبَّهَا، وَلاَ أَعْلَمُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ وَلاَ فِي النِّسَاءِ مُطْلَقاً امْرَأَةً أَعْلَمَ مِنْهَا. وَذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيْهَا، وَهَذَا مَرْدُوْدٌ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ، فَهَلْ فَوْقَ ذَلِكَ مَفْخَرٌ، وَإِنْ كَانَ لِلصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ شَأْوٌ لاَ يُلْحَقُ، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي أَيَّتِهِمَا أَفْضَلُ، نَعَمْ جَزَمْتُ (2) بِأَفْضَلِيَّةِ خَدِيْجَةَ عَلَيْهَا، لأُمُوْرٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهَا (3) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُرِيْتُكِ فِي المَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، جَاءَ بِكِ المَلَكُ فِي سَرَقَةٍ [مِنْ] حَرِيْرٍ (4) ، فَيَقُوْلُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ فِيْهِ، فَأَقُوْلُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ (5)) . وَأَخْرَجَ: التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ جِبْرِيْلَ جَاءَ بِصُوْرَتِهَا   (1) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " ومرة ". (2) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " خرجت ". (3) من قوله " نعم جزمت " إلى هنا سقط من المطبوع. (4) السرقة بفتح السين والراء والقاف: هي القطعة، وفي مطبوعة دمشق " خرقة " وهي عند ابن حبان كما في " الفتح " 9 / 156. (5) أخرجه أحمد 6 / 41 و128 و161، والبخاري 7 / 175، في مناقب الانصار: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، و9 / 156 في النكاح: باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، و12 / 353 في التعبير: باب كشف المرأة في المنام، وباب ثياب الحرير في المنام، ومسلم (2438) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 فِي خِرْقَةِ حَرِيْرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (1) . حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ. وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِي عَنْهُ مُرْسَلاً. بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ القَاضِي: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ (2) الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ بنِ جُدْعَانَ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعاً مَا أُعْطِيَتْهَا امْرَأَةٌ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي فِي رَاحَتِهِ حَتَّى أَمَرَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْراً، وَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً غَيْرِي، وَلَقَدْ قُبِضَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي، وَلَقَدْ قَبَرْتُهُ فِي بَيْتِي، وَلَقَدْ حَفَّتِ الملاَئكَةُ بِبَيْتِي، وَإِنْ كَانَ الوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَإِنِّي لَمَعَهُ فِي لِحَافِهِ، وَإِنِّي لابْنَةُ خَلِيْفَتِهِ وَصِدِّيْقِهِ، وَلَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ، وَلَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقاً كَرِيْماً. رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الحُلْوَانِيِّ (3) ، عَنْهُ. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (4) ، وَلَهُ طَرِيْقٌ (5) آخَرُ سَيَأْتِي. وَكَانَ تَزْوِيْجُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا إِثْرَ وَفَاةِ خَدِيْجَةَ، فَتَزَوَّجَ بِهَا وَبِسَوْدَةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ دَخَلَ بِسَوْدَةَ، فَتَفَرَّدَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ حَتَّى بَنَى بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ، بَعْدَ   (1) أخرجه الترمذي (3880) في المناقب: باب فضل عائشة رضي الله عنها، ورجاله ثقات، وابن أبي حسين: هو عمر بن سعيد بن حسين النوفلي. (2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " سلمان ". (3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " الخولاني ". (4) كيف وفي سنده علي بن زيد بن جدعان "، وهو ضعيف، وجدته لا تعرف. (5) أبدلها الأستاذ الأفغاني إلى " طرق " معللا صنيعه بما لا يصح، وانظر صفحة 147 و190. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً سِوَاهَا، وَأَحَبَّهَا حُبّاً شَدِيْداً كَانَ يَتَظَاهَرُ بِهِ، بِحَيْثُ إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ - وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ - سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قَالَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوْهَا (1)) . وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ الرَّوَافِضِ، وَمَا كَانَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِيُحِبَّ إِلاَّ طَيِّباً. وَقَدْ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ) . فَأَحَبَّ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَمَنْ أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُوْنَ بَغِيْضاً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ. وَحُبُّهُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِعَائِشَةَ كَانَ أَمْراً مُسْتَفِيْضاً، أَلاَ تَرَاهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا، تَقَرُّباً إِلَى مَرْضَاتِهِ؟ قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَاجْتَمَعْنَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنُ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيْدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيْدُهُ عَائِشَةُ، فَقُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرِ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ أَيْنَمَا كَانَ. فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَهُ ذَلِكَ، فَسَكَتَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا، فَعَادَتِ الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 19 في فضائل أصحاب النبي: باب قول النبي " لو كنت متخذا خليلا " و8 / 59 في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ (1) . وَهَذَا الجَوَابُ مِنْهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ وَرَاءَ حُبِّهِ لَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ مِنْ أَسْبَابِ حُبِّهِ لَهَا. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ نِسَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ حِزْبَيْنِ، فَحِزْبٌ فِيْهِ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَسَوْدَةُ، وَالحِزْبُ الآخَرُ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِهِ. وَكَانَ (2) المُسْلِمُوْنَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيْدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، بَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. فَتَكَلَّمَ (3) حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَيَقُوْلُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ هَدِيَّةً، فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ نِسَائِهِ. فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً. فَقُلْنَ: كَلِّمِيْهِ. قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِيْنَ دَارَ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً. فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيْهِ. فَدَارَ إِلَيْهَا، فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: (لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ   (1) أخرجه البخاري 7 / 84 في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الهبة، باب من اهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض، من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه مختصرا مسلم (2441) في فضائل الصحابة، من طريق عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه مطولا (2442) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة..وفيه أن التي أرسلتها فاطمة وليست أم سلمة. (2) كذا الأصل، وله وجه في العربية، وفي البخاري: و" كان " على الجادة. (3) في البخاري " فكلم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ) . فَقَالَتْ: أَتُوْبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَتْ (1) إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُوْلُ (2) : إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: (يَا بُنَيَّةُ! أَلاَ تُحِبِّيْنَ مَا أُحِبُّ؟) . قَالَتْ: بَلَى. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ، وَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ. فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَتَتْهُ، فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا، حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ، فَسَبَّتْهَا (3) ، حَتَّى إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَتَكَلَّمُ. قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ (4) تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ: (إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ) . (5) فَضِيْلَةٌ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ أَنَساً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (6) مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ (7) .   (1) في الأصل " فأرسلوا " والتصويب من " صحيح البخاري ". وفي " جامع الأصول " 9 / 137: " فأرسلنها " وقد غير الأستاذ الابياري ما في الأصل إلى " فأرسلن " ولم يشر إلى ذلك. (2) في الأصل: " فقلن " والتصويب من البخاري. (3) في الأصل: تسبها. (4) من قوله: هل تتكلم، إلى هنا، سقط من مطبوعة دمشق. (5) أخرجه البخاري 5 / 151، 152 في الهبة: باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض. (6) البخاري 7 / 73 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الاطعمة: باب الثريد، وباب ذكر الطعام، ومسلم (2446) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة رضي الله عنها، والترمذي (3887) . (7) هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري راويه عن أنس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) (1) . فَضِيْلَةٌ أُخْرَى: رَوَى: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) ، مِنْ طَرِيْقِ يُوْسُفَ بنِ المَاجِشُوْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ مِنْ (2) أَزْوَاجِكَ فِي الجَنَّةِ؟ قَالَ: (أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ) . قَالَتْ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ، لأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرِي (3) . مُوْسَى - وَهُوَ الجُهَنِيُّ -: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا جَاءتْ هِيَ وَأَبَوَاهَا، فَقَالاَ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ بِدَعْوَةٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً، ظَاهِرَةً، بَاطِنَةً) . فَعَجِبَ أَبَوَاهَا، فَقَالَ: (أَتَعْجَبَانِ، هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ) . أَخْرَجَهُ: الحَاكمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) ، مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى. وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدّاً (4) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 82، ومسلم (2431) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة، وقد سقط من مطبوعة دمشق من السند " عن مرة ". (2) سقطت من مطبوعة دمشق لفظة " من " وهي في الأصل والمستدرك. (3) هو في " المستدرك " 4 / 13، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (4) كذا قال هنا، وفي تعليقه على " المستدرك " 4 / 11، 12، قال: منكر على جودة إسناده. وسقط من مطبوعة دمشق " عن موسى ". سير 2 / 10 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 فَضِيْلَةٌ أُخْرَى: شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشُ! هَذَا جِبْرِيْلُ، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ) . قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، تَرَى مَا لاَ نَرَى يَا رَسُوْلَ اللهِ (1) . زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: (إِنَّ جِبْرِيْلَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ) . فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ (1) . وَأَخْرَجَ: النَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَ الأَوَّلِ (2) . وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَأَيْتُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ وَأَنْتَ قَائِمٌ تُكَلِّمُ دِحْيَةَ الكَلْبِيَّ. فَقَالَ: (وَقَدْ رَأَيْتِهِ؟) . قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: (فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ، وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ) . قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، جَزَاهُ اللهُ مِنْ زَائِرٍ وَدَخِيْلٍ، فَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الدَّخِيْلُ (3) . قَالَ: وَالِدَّخِيْلُ: الضَّيْفُ. مُجَالِدٌ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ،   (1) أخرجه البخاري 7 / 83 في فضل عائشة، وفي بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، و10 / 479 في الأدب: باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، وفي الاستئذان: باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال، وباب إذا قال: فلان يقرئك السلام، ومسلم (2447) (91) في فضائل الصحابة: باب فضائل عائشة رضي الله عنها، وأبو داود (5232) والترمذي (3876) . (2) أخرجه النسائي 7 / 69 في عشرة النساء. باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض. (3) أخرجه أحمد 6 / 74، 75، و146، وابن سعد 8 / 67، 68 وسنده ضعيف لضعف مجالد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فُضِّلْتُ عَلَيْكُنَّ بِعَشْرٍ وَلاَ فَخْرٍ: كُنْتُ أَحَبُّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي أَحَبَّ رِجَالِهِ إِلَيْهِ، وَابْتَكَرَنِي وَلَمْ يَبْتَكِرْ غَيْرِي، وَتَزَوَّجَنِي لِسَبْعٍ، وَبَنَى بِي لِتِسْعٍ، وَنَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ : (إِنَّهُ لَيَشُقُّ عَلَيَّ الاخْتِلاَفُ بَيْنَكُنَّ، فَائْذَنَّ لِي أَنْ أَكُوْنَ عِنْدَ بَعْضِكُنَّ) . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَدْ عَرَفْنَا مَنْ تُرِيْدُ، تُرِيْدُ عَائِشَةَ، قَدْ أَذِنَّا لَكَ، وَكَانَ آخِرُ زَادِهِ مِنَ الدُّنْيَا رِيْقِي، أُتِيَ بِسِوَاكٍ، فَقَالَ: (انْكُثِيْهِ (1) يَا عَائِشَةُ) ، فَنَكَثْتُهُ، وَقُبِضَ بَيْنَ حَجْرِي وَنَحْرِي، وَدُفِنَ فِي بَيْتِي (2) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، وَلَكِنْ فِيْهِ انْقِطَاعٌ. فَضِيْلَةٌ بَاهِرَةٌ لَهَا: خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ (3) . قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوْهَا) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (4) .   (1) في " اللسان " ونكث السواك وغيره ينكثه نكثا، فانتكث، شعثه، وقد قرأ الأستاذ الأفغاني " الكشيه " فأخطأ، وأغرب في تفسير المعنى. (2) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف رحمه الله. (3) ذكر ابن سعد في " الطبقات " 2 / 131 أنها وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة يام. وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة. (4) في المطبوع من سنن الترمذي (3885) : حسن صحيح، وأخرجه البخاري 7 / 19 في فضائل أصحاب النبي: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا " و8 / 59 في المغازي: باب؟ ؟ ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر، وابن سعد 8 / 67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوْهَا) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ (1) ، وَحَسَّنَهُ، وَغَرَّبَهُ. التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قِيْلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوْهَا (2)) . قَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ. تَزْوِيْجُهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَوَى: هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَفَّى خَدِيْجَةَ، وَأَنَا ابْنَةُ سِتٍّ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ، جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ، وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ (3) ، فَهَيَّأْنَنِي، وَصَنَعْنَنِي (4) ، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَيْهِ (5) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِيْنَ.   (1) رقم (3886) . (2) الترمذي (3890) ورجاله ثقات. (3) أي: ذات جمة، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة، وإذا كان إلى شحمة الاذنين: وفرة. (4) تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " وصبغنني ". (5) أخرجه أبو داود (9435) في الأدب: باب الارجوحة، وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وَأَخْرَجَ: البُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِثَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيْباً مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِيْنَ (1) . ابْنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) بنِ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا مَاتَتْ خَدِيْجَةُ جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ تَزَوَّجُ؟ قَالَ: (وَمَنْ؟) . قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْراً، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّباً. قَالَ: (مَنِ البِكْرُ، وَمَنِ الثَّيِّبُ؟) . قَالَتْ: أَمَّا البِكْرُ؛ فَعَائِشَةُ ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْكَ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ؛ فَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ. قَالَ: (اذْكُرِيْهِمَا عَلَيَّ) . قَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُوْمَانَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُوْمَانَ! مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: مَاذَا؟ قَالَتْ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ عَائِشَةَ. قَالَتْ: انْتَظِرِي، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَوَ تَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيْهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا أَخُوْهُ وَهُوَ أَخِي، وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي) . فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُوْمَانَ: إِنَّ المُطْعِمَ بنَ عَدِيٍّ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ، وَوَاللهِ مَا أُخْلِفُ وَعْداً قَطُّ. قَالَتْ: فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ المُطْعِمَ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلِيْنَ؟ فَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُدْخِلُهُ فِي دِيْنِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَتَقُوْلُ مَا تَسْمَعُ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ المَوْعِدِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهَا: قُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَأْتِ. فَجَاءَ،   (1) أخرجه البخاري 7 / 175 في مناقب الانصار: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، وتمامه: ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين. وفي خبر عروة إشكال أجاب عنه الحافظ في " الفتح " 7 / 175، 176 فراجعه. (2) في مطبوعة دمشق " عن " بدل " بن " وهو خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 فَمَلَكَهَا. قَالَتْ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى سَوْدَةَ، وَأَبُوْهَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ ... ، وَذَكَرَتِ الحَدِيْثَ (1) . هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُدْخِلْتُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ وَأَنَا بِنْتُ تِسْعٍ، جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ، وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ، فَهَيَّأْنَنِي، وَصَنَعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي إِلَيْهِ (2) . هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ - تَعْنِي: اللُّعَبَ - فَيَجِيْءُ صَوَاحِبِي، فَيَنْقَمِعْنَ (4) مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَخْرُجُ رَسُوْلُ اللهِ، فَيَدْخُلْنَ عَلَيَّ، وَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ (5) إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي. وَفِي لَفْظٍ: فَكُنَّ جَوَارٍ يَأْتِيْنَ يَلْعَبْنَ مَعِي بِهَا، فَإِذَا رَأَيْنَ رَسُوْلَ اللهِ تَقَمَّعْنَ، فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ (6) . وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ (7) ، فَقَالَ:   (1) إسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 7 / 176، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 225، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث: وانظر " المسند " 6 / 210، 211، وطبقات ابن سعد 8 / 57. (2) أخرجه أبو داود (4933) و (4935) وسنده صحيح، وقد مر قريبا. (3) تحرفت في المطبوع إلى " شتى ". (4) وفي رواية للبخاري: فيتقمعن، ومعناه: يتغيين منه، ويدخلن وراء الستر. (5) أي يرسلهن. (6) أخرجه البخاري: 10 / 437 في الأدب: باب الانبساط إلى الناس، ومسلم (2440) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة، وأحمد 6 / 234، وابن سعد 8 / 61، والحميدي في " مسنده " (260) . واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم القاضي عياض، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات ... (7) أي: اللعب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 (مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟) . قُلْتُ: خَيْلُ سُلَيْمَانَ، وَلَهَا أَجْنِحَةٌ. فَضَحِكَ (1) . الزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْمُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُوْنَ بِالحِرَابِ فِي المَسْجِدِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقِفُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ السِّنِّ، الحَرِيْصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. وَفِي لَفْظِ مَعْمَرٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ السِّنِّ الَّتِي تَسْمَعُ اللَّهْوَ. وَلَفْظُ الأَوْزَاعِيِّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، قَالَتْ: قَدِمَ وَفْدُ الحَبَشَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامُوا يَلْعَبُوْنَ فِي المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِم حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ (2) .   (1) أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في " الطبقات " 8 / 62 من طريق الواقدي، عن خارجة بن عبد الله، عن يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة ... وأخرجه بأطول من هذا أبو داود في " سننه " (4932) في الأدب: باب في اللعب بالبنات، والنسائي في " عشرة النساء " 1 / 75 من طريق يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهواتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة، قال: فضحك حتى رأيت نواجذه، وإسناده صحيح. (2) أخرجه البخاري 1 / 457 في المساجد: باب أصحاب الحراب في المسجد، و2 / 366، 370 في العيدين: باب الحراب والدرق يوم العيد، و9 / 294 في النكاح: باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة، ومسلم (892) (17) و (18) و (19) و (20) و (21) ، وأحمد 6 / 84 و85 و166 و270، والنسائي 3 / 195 في العيدين: باب اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء لذ لك، والحميدي في " مسنده " (254) ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 1 / 116. وأخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة 75 وجه أول من حديث يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وَفِي حَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ وَجَدَهُمْ يَلْعَبُوْنَ، فَزَجَرَهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْهُم، فَإِنَّهُمْ بَنُو أَرْفِدَةَ (1)) . الوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ خَرِيطَة، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ خَلَّفَنَا وَخَلَّفَ بَنَاتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ، بَعَثَ إِلَيْنَا زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، وَأَبَا رَافِعٍ، وَأَعْطَاهُمَا (2) بَعِيْرَيْنِ، وَخَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ أَخَذَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، يَشْتَرِيَانِ بِهَا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الظَّهْرِ، وَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمَا عَبْدَ اللهِ بنَ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ بِبَعِيْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْمِلَ أَهْلَهُ؛ أُمَّ رُوْمَانَ، وَأَنَا، وَأُخْتِي أَسْمَاءَ. فَخَرَجُوا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قُدَيْدٍ، اشْتَرَى زَيْدٌ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ ثَلاَثَةَ أَبْعِرَةٍ، ثُمَّ دَخَلُوا مَكَّةَ، وَصَادَفُوا طَلْحَةَ يُرِيْدُ الهِجْرَةَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْنَا جَمِيْعاً، وَخَرَجَ زَيْدٌ وَأَبُو رَافِعٍ بِفَاطِمَةَ، وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ، وَسَوْدَةَ، وَأُمِّ أَيْمَنَ، وَأُسَامَةَ، فَاصْطَحَبَنَا جَمِيْعاً، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْضِ (3) نَفَرَ (4) بَعِيْرِي، وَقُدَّامِي مِحَفَّةٌ فِيْهَا   = عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ; دخل الحبش المسجد يلعبون، قال لي: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقالت: نعم، فقام بالباب وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وحسبك " قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه. إسناده صحيح. كما قال الحافظ في " الفتح " 2 / 355. (1) أخرجه النسائي 3 / 196، وسنده صحيح، وهو في مسلم (893) دون قوله " فإنهم بنو أرفدة " وبنو أرفدة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء جنس من الحبشة يرقصون، قال ابن الأثير: هو لقب لهم. (2) في الأصل: وأعطاهم، بزيادة الواو، والتصويب من " طبقات ابن سعد ". (3) هو من منازل بني كنانة بالحجاز. (4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " فقد ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أُمِّي، فَجَعَلَتْ أُمِّي تَقُوْلُ: وَابِنْتَاهُ! وَاعَرُوْسَاهُ! حَتَّى أُدْرِكَ بَعِيْرُنَا، فَقَدِمْنَا وَالمَسْجِدُ يُبْنَى ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . شَأْنُ الإِفْكِ: كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ (2) ، سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَعُمُرُهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. فَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَهَلَكَ فِيَّ مَنْ هَلَكَ (3) . وَكَذَلِكَ ذَكَرَ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الإِفْكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ. يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ حِيْنَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ -تَعَالَى- وَكُلٌّ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ (4) مِنْ حَدِيْثِهَا، وَبَعْضُ حَدِيْثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَراً، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا   (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 62، والواقدي ضعيف. (2) هو ماء لبني خزاعة، بينه وبين الفرع (موضع من ناحية المدينة) مسيرة يوم، وتسمى غزوة بني المصطلق، وهو لقب لجذيمة بن سعد بن عمرو بطن من بني خزاعة. (3) في البخاري 7 / 333: وقال النعمان بن راشد، عن الزهري: كان حديث الافك في غزوة المريسيع، وقال الحافظ: وصله الجوزقي والبيهقي في " الدلائل " من طريق حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، ومعمر عن الزهري ... عن عائشة فذكر قصة الافك في غزوة المريسيع. (4) في البخاري ومسلم " طائفة " وما في الأصل رواية أحمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا نَزَلَ الحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ (1) وَأُنْزَلُ فِيْهِ. فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا فَرغَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيْلِ، فَقُمْتُ حِيْنَئِذٍ (2) ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ حَاجَتِي، أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ (3) قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُهُ، وَحَبَسَنِي الْتِمَاسُهُ. وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَرْحَلُوْنَ بِي (4) ، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوْهُ عَلَى بَعِيْرِي، وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ أَنِّي فِيْهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافاً لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ (5) ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ (6) مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرُوا خِفَّةَ المَحْمِلِ حِيْنَ رَفَعُوْهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ، وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيْبٌ، فَأَمَّمْتُ (7) مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوْنِي، فَيَرْجِعُوْنَ إِلَيَّ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَدْلَجَ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، فَعَرَفَنِي حِيْنَ   (1) في البخاري ومسلم والمسند " هودجي ". (2) في البخاري ومسلم والمسند " حين أذنوا بالرحيل ". (3) الجزع: خرز يماني، وظفار: قرية باليمن. (4) هي رواية معمر، وحكى النووي عن أكثر نسخ صحيح مسلم: يرحلون لي، قال: وهو أجود، وقال غيره: بالباء أجود، لان المراد: وضعها وهي في الهودج، فشبهت الهودج الذي فيه بالرحل الذي يوضع على البعير. (5) جملة " خفافا لم يثقلهن اللحم " سقطت من مطبوعة دمشق. (6) العلقة بضم العين: كل ما يتبلغ به من العيش، وهي من الطعام اليسير منه. (7) أممت: قصدت، وقد تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " فأقمت ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 رَآنِي - وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ - فَاسْتَرْجَعَ. فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِيْنَ عَرَفْتُ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَاْنَطَلَق يَقُوْدُ بِيَ (1) الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوْغِرِيْنَ (2) فِي نَحْرِ الظَّهِيْرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِيَّ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ (3) . فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَاشْتَكَيْتُ شَهْراً، وَالنَّاسُ يُفِيْضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، وَلاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُرِيْبُنِي (4) فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِيْنَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: (كَيْفَ تِيْكُمْ) ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَذَلِكَ الَّذِي يُرِيْبُنِي، وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقِهْتُ. فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ (5) ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الكُنُفُ قَرِيْباً مِنْ بُيُوْتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأَوَّلِ مِنَ التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوْتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا: ابْنَةُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ المُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَهِيَ قِبَلَ بَيْتِي، قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا،   (1) تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " يقودني ". (2) أي: نازلين في وقت الوغرة: وهي شدة الحر، ونحر الظهيرة: وقت القائلة. (3) هو رأس المنافقين، كان شديد العداوة لله ورسوله، حسد النبي صلى الله عليه وسلم على ما اتاه الله من فضله، لأنه كان يتوقع أن تكون له السيادة على أهل المدينة. (4) يريبني، بفتح أوله من الريب، ويجوز الضم من الرباعي، يقال: رابه، وأرابه: إذا أوهمه وشككه، وفي البخاري ومسلم و" المسند " وهو يريبني. (5) المناصع: مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّيْنَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْراً؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ (1) ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي الخَبَرَ، فَازْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ تِيْكُمْ؟) . فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ، وَأَنَا حِيْنَئِذٍ أُرِيْدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهَمَا، فَأَذِنَ لِي، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ. فَقُلْتُ: يَا أُمَّتَاهُ! مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَضِيْئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟! فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِيْنَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. فَأَمَّا أُسَامَةُ: فَأَشَارَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً. وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيْرٌ، وَاسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيْرَةَ (2) ، فَقَالَ: (أَيْ بَرِيْرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيْبُكِ؟) . قَالَتْ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ (3) عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيْثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِيْنِ أَهْلِهَا، فَيَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ.   (1) قال ابن الأثير: أي: يا هذه، وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء االاخرة وتسكن، قال جوهري: هذه اللفظة تختص بالنداء وقيل: معنى يا هنتاه: أي: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة معرفة بمكايد الناس وشرورهم. (2) كون الجارية بريرة هنا، وهم من بعض الرواة نبه عليه ابن القيم، في " زاد المعاد " 3 / 268؟ ؟ مؤسسة الرسالة بتحقيقنا، واخذه عنه الزركشي في " الاجابة " ص 48. (3) أي: عيبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: (يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ! مَنْ يَعْذِرُنِي (1) مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي (2) أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْراً، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْراً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي) . فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ - وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحاً، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ (3) الحَمِيَّةُ - فَقَالَ سَعْدٌ: كَذَبْتَ - لَعَمْرُ اللهِ - لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ - وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ - فَقَالَ: كَذَبْتَ - لَعَمْرُ اللهِ - لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِيْنَ. فَتَثَاوَرَ (4) الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ. قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ وَلَيْلَتِي، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً، لاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي (5) . فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي. فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ، ثُمَّ   (1) أي: من يقوم بعذري إن جازيته على قبيح فعاله، وسوء ما صدر منه، وقيل: معناه: من ينصرني، والعذير: الناصر. (2) تحرفت في المطبوع إلى " يلحق ". (3) أي: أغضبته، وفي رواية معمر عند مسلم " اجتهلته "، أي: حملته على الجهل. (4) أي: تواثبا، وتناهضا للنزاع والعصبية. (5) في مسلم وأحمد: وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 جَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيْلَ لِي مَا قِيْلَ، وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لاَ يُوْحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيْئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوْبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ) . فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتْهُ، قَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً. فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ فِيْمَا قَالَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ (1) - وَأَنَا يَوْمئذٍ حَدِيْثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيْراً مِنَ القُرْآنِ -: إِنِّي -وَاللهِ- لَقَدْ عَلِمْتُ، لَقَدْ سَمِعْتُمْ (2) هَذَا الحَدِيْثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيْئَةٌ - وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ - لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ - لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ قَوْلَ أَبِي يُوْسَفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ} [يُوْسُفُ: 18] . ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُبَرِّئُنِي (3) بِبَرَاءتِي، وَلَكِنْ -وَاللهِ- مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ فِي نَفْسِي أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا قَامَ (4) رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ،   (1) من قوله: لامي ... إلى هنا سقط من المطبوع. (2) كذا الأصل، وهي رواية البخاري، وفي مطبوعة دمشق: " أنكم سمعتم " وهي رواية مسلم وأحمد. (3) في البخاري ومسلم وأحمد: " مبرئي ". (4) في البخاري ومسلم وأحمد " مارام " أي: فارق، من الريم، وليس من الروم بمعنى الطلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ. فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ (1) وَهُوَ يَضْحَكُ، كَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: (يَا عَائِشَةُ، أَمَا -وَاللهِ (2) - لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ) . فَقَالَتْ أُمِّي: قُوْمِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقُوْمُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ. وَأَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِيْنَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُم} [النُّوْرُ: 11] العَشْرُ الآيَاتُ كُلُّهَا. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ -: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأُنْزِلَتْ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالمَسَاكِيْنَ وَالمُهَاجِرِيْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلاَ تُحِبُّوْنَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} [النُّوْرُ: 22] . قَالَ: بَلَى -وَاللهِ- إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَداً. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنِ أَمْرِي، فَقَالَتْ: أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيْنِي (3) مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا (4) ، فَهَلَكَتْ فِيْمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإِفْكِ (5) .   (1) في رواية البخاري: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سري عنه وهو يضحك. (2) في البخاري ومسلم والمسند: أما الله عزوجل، فقد برأك. (3) تساميني: تعاليني، من السمو وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب. (4) أي: تجادل لها وتتعصب، وتحكي ما قال أهل الافك لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو مرتبة أختها زينب. (5) أخرجه بطوله البخاري 5 / 198، 201 في الشهادات: باب تعديل النساء بعضهن بعضا، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وَهَذَا الحَدِيْثُ: لَهُ طُرُقٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ (1) : حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثَ الإِفْكِ بِطُوْلِهِ. وَفِيْهِ: أَنَّ ذَاكَ فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ (2) ، وَأَنَّ سَهْمَهَا وَسَهْمَ أُمِّ سَلَمَةَ خَرَجَ. وَرَوَى: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ، فَقَالَ: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَلِيٌّ. فَقُلْتُ: لاَ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، وَعُرْوَةُ، وَعَلْقَمَةُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، كُلُّهُمْ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: إِنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ. فَقَالَ لِي: فَمَا كَانَ جُرْمُهُ؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، حَدَّثَنِي مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ تَقُوْلُ: كَانَ مُسِيْئاً فِي أَمْرِي (3) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا تَلاَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القِصَّةَ الَّتِي نَزَلَ   = و7 / 333، 335 في المغازي: باب حديث الافك، و8 / 343، 367 في تفسير سورة النور: باب (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات) وقد توسع الحافظ في شرحه هنا، وأخرجه أحمد 6 / 194، 196، ومسلم (2770) في التوبة: باب حديث الافك، والترمذي (3179) وعبد الرزاق في " المصنف " (9748) ، وانظر السيرة لابن هشام 2 / 297، 307، البداية لابن كثير 3 / 160، 164، وتفسيره 3 / 268، 272. (1) أبو معشر السندي اسمه: نجيح بن عبد الرحمن، مشهور بكنيته، وهو ضعيف، وقد تحرف في مطبوعة دمشق إلى السدي. (2) سقطت من مطبوعة دمشق جملة: " في غزوة بني المصطلق ". (3) أخرجه عبد الرزاق فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 337، وأخرجه البخاري 7 / 336 في المغازي، من طريق عبد الله بن محمد، عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر، عن الزهري، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 32 وزاد نسبته إلى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 بِهَا عُذْرِي عَلَى النَّاسِ نَزَلَ، فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالفَاحِشَةِ فِي عَائِشَةَ، فُجُلِدُوا الحَدَّ (1) . قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا: ابْنُ أُبَيٍّ، وَمِسْطَحٌ، وَحَسَّانٌ، وَحَمْنَةُ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ يُشَبِّبُ (2) بِأَبْيَاتٍ لَهُ فِيْهَا، فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ (3) قَالَتْ: لَسْتُ كَذَاكَ. فَقُلْتُ: تَدَعِيْنَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيْمٌ} [النُّوْرُ: 11] . قَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ يَرُدُّ عَنِ (4) النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (5) .   (1) إسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " برقم (9749) ، وأبو داود (4474) وابن ماجه (2567) كلاهما في الحدود: باب حد القذف. والترمذي (3181) في التفسير وحسنه. (2) التشبيب: التغزل، يقال: شبب الشاعر بفلانة: إذ اعرض بحبها وذكر حسنها، والمراد ترقيق الشعر بذكر النساء، وقد يطلق على إنشاء الشعر وإنشاده، وإن لم يكن فيه غزل، كما وقع في حديث أم معبد: فلما سمع حسان شعر الهاتف شبب يجاوبه، أي: ابتدأ في جوابه. (3) تزن: أي: ترمى، وقوله: غرثى، أي خميصة البطن، يريد أنها لا تغتاب أحدا. وهي استعارة فيها تلميح بقوله تعالى في المغتاب: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) . والغوافل: جمع غافلة، وهي العفيفة الغافلة عن الشر. (4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " على ". (5) أخرجه البخاري 7 / 338 في المغازي: باب حديث الافك و8 / 373، 374، في التفسير، ومسلم (2488) في فضائل الصحابة: باب فضائل حسان بن ثابت. وكون حسان على ظاهر هذه الرواية هو الذي تولى كبره مشكل، فقد تقدم أنه عبد الله بن أبي ابن أبي سلول، وهو المعتمد، قال الحافظ: وقد وقع في رواية أبي حذيفة، عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في " المستخرج ": وهو ممن تولى كبره، فهذه الرواية أخف إشكالا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ قَدْ كَثَّرَ عَلَيْهِ حَسَّانٌ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، وَقَالَ يُعَرِّضُ بِهِ: أَمْسَى الجَلاَبِيْبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ (1) فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، فَاسْتَعْدَوْا (2) عَلَيْهِ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، وَقَادَهُ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ. فَلَقِيَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ، إِنَّهُ عَدَا عَلَى حَسَّانٍ بِالسَّيْفِ، فَوَاللهِ مَا أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ قَتَلَهُ. فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سَبِيْلَهُ، فَسَنَغْدُو عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُعْلِمَهُ أَمْرَهُ. فَخَلَّى سَبِيْلَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: (أَينَ ابْنُ المُعَطَّلِ؟) . فَقَامَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَقَالَ: (مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟) . قَالَ: آذَانِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَكَثَّرَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ بِي فِي الهِجَاءِ، فَاحْتَمَلَنِي الغَضَبُ، وَهَا أَنَا ذَا، فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ، فَخُذْنِي بِهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ادْعُوا لِي حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ) . فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: (يَا   = تنبيه: وقع في الأصل خطأ في الآية، فقد جاء فيه " أليم " بدل " عظيم " وأبقاه الأستاذ الابياري كما هو ولم يصلحه مع أنه خرج الآية. (1) أراد بالجلابيب: سفل الناس، وابن الفريعة: كنية حسان، والفريعة أمه، وبيضة البلد: يضرب مثلا في العزة أو الذلة، والثاني هو المراد هنا. قال الازهري في التهذيب 2 / 85: ومعنى قول حسان: إن سفلة الناس عزوا بعد ذلتهم، وكثروا بعد قلتهم. وابن الفريعة الذي كان ذا ثروة وثراء، فقد أخر عن كريم شرفه وسؤدده، واستبد بالامر دونه، فهو بمنزلة بيضة البلد التي تبيضها النعامة، ثم تتركها بالفلاة فلا تحضنها، فتبقى تريكة بالفلاة. (2) أي: استنصروه واستعانوا به، من العدوى: وهي النصرة والمعونة وفي الأصل: فتعدوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 حَسَّانُ! أَتَشَوَّهْتَ (1) عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ - يَقُوْلُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِم - يَا حَسَّانُ، أَحْسِنْ فِيْمَا أَصَابَكَ) . قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيْرِيْنَ القُبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَأَعْطَاهُ أَرْضاً كَانَتْ لأَبِي طَلْحَةَ، تَصَدَّقَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ فِي عَائِشَةَ: رَأَيْتُكِ - وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللهُ - حُرَّةً ... مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيْلَ لَيْسَ بِلائِقٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قِيْلُ امْرِئٍ مُتَمَاحِلِ (2) فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوْكُمْ كَمَا بَلَّغُوْكُمُ ... فَلاَ رَفَعَتْ سَوطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي وَكَيْفَ وُوُدِّي مَا حَيِيْتُ وُنُصْرَتِي ... لآلِ رَسُوْلِ اللهِ زَيْنِ المَحَافِلِ وَإِنَّ لَهُمْ عِزّاً يُرَى النَّاسُ دُوْنَهُ ... قِصَاراً وَطَالَ العِزُّ كُلَّ التَّطَاوُلِ عَقِيْلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللهُ خِيْمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوْءٍ وَبَاطِلِ (3) ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَرَأَيْتَ لَو أَنَّكَ   (1) أي: أتنكرت وتقيحت لهم؟ وجعل صلى الله عليه وسلم الانصار قومه لنصرتهم إياه. وقد تحرفت في المطوبع إلى: " أتشوفت ". (2) لائق: لازق، وفي الديوان والسيرة: بلائط، وهو اللازق أيضا. والمتماحل: المتماكر، ورواية الشطر الثاني في السيرة: ولكنه قول امرئ بي ما حل. والماحل: الماكر. (3) الخيم: الطبع، وانظر الخبر بطوله مع الشعر في سيرة ابن هشام 2 / 304، 306. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 نَزَلْتَ وَادِياً فِيْهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فَأَيُّهُمَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيْرَكَ؟ قَالَ: (الشَّجَرَةَ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا) . قَالَتْ: فَأَنَا هِيَ. تَعْنِي: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَهَا (1) . سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: مَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي، وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ. فَتَزَوَّجَنِي، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حَوْفٌ، وَلَمَّا تَزَوَّجَنِي وَقَعَ عَلَيَّ الحَيَاءُ، وَإِنِّي لَصَغِيْرَةٌ (2) . تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو سَعْدٍ، وَهُوَ سَعِيْدُ بنُ المَرْزُبَانِ البَقَّالُ، لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَالحَوْفُ: شَيْءٌ يُشَدُّ فِي وَسَطِ الصَّبِيِّ مِنْ سُيُوْرٍ. يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَائِهِ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي (3) ؟ وَكَانَتِ العَرَبُ تَسْتَحِبُّ لِنِسَائِهَا أَنْ يُدْخَلْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فِي شَوَّالٍ.   (1) أخرجه البخاري 9 / 104 في النكاح: باب نكاح الابكار، واسم أخي إسماعيل: عبد الحميد. (2) هو في " المستدرك " 4 / 9، وصححه، ووافقه الذهبي هناك، أما هنا، فقد ضعفه بأبي سعد البقال، وهو الحق، فقد قال الفلاس: ضعيف الحديث متروك، وقال أبو زرعة: لين الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ في " التقريب ": ضعيف مدلس: (3) يحيى بن يمان صدوق يخطى كثيرا، لكنه متابع، فقد أخرجه مسلم (1423) في النكاح: باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه، والدارمي 2 / 145 في النكاح: باب بناء الرجل بأهله في شوال، وأحمد في " المسند " 6 / 54، 206، وابن سعد 8 / 59، وابن ماجة (1990) في النكاح: باب متى يستحب البناء بالنساء، والنسائي 6 / 70 في النكاح باب: التزويج في شوال، من طرق عن سفيان به. وفيه عندهم: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُهَا. (1) قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ شَيْءٍ (2) أَنْ تَغَارَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - مِنِ امْرَأَةٍ عَجُوْزٍ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَائِشَةَ بِمُدَيْدَةٍ، ثُمَّ يَحْمِيْهَا اللهُ مِنَ الغَيْرَةِ مِنْ عِدَّةِ نِسْوَةٍ يُشَارِكْنَهَا فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهَذَا مِنْ أَلْطَافِ اللهِ بِهَا وَبِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِئَلاَّ يَتَكَدَّرَ عَيْشُهُمَا، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا خَفَّفَ أَمْرَ الغَيْرَةِ عَلَيْهَا حُبُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا، وَمَيْلُهُ إِلَيْهَا، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ. فَقَالَ: (إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيْجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإِيْمَانِ) (3) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 102 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم (2435) في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة، والترمذي (3875) . (2) علق الشوكاني رحمه الله على هذا الموطن فقال: سبب الغيره ما كانت تسمعه من ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة، وتفخيمه لنشأنها كما سبق في ترجمتها رضي الله عنها، فلا عجب إذن. (3) رجاله ثقات وهو في المصنف. وأخرجه أيضا بنحوه الحاكم في " المستدرك " 1 / 15، 16 من طريق صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير، بأبي أنت وأم ي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال؟ قال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الايمان. وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، مع أن صالح بن رستم لم يخرج له البخاري إلا تعليقا، وقد ارتضى المصنف في الميزان مقالة الامام أحمد فيه: صالح الحديث، فمثله يكون حديثه؟ ؟ وانظر " فتح الباري " 10 / 365. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ (1) ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيٍّ (2) ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ (3) بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ (4) ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ (5) بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيْلَ مَرَّتَيْنِ فِي صُوْرَتِهِ وَخَلْقِهِ سَادّاً مَا بَيْنَ الأُفُقِ (6) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " المعول ". (2) تحرف في مطبوعة دمشق ودار المعارف إلى " زكريا ". (3) تحرف في المطبوع إلى " إسماعيل ". (4) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " الرازي ". (5) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " معدان ". (6) وأخرجه أحمد 6 / 241 من طريق ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق قال: كنت عند عائشة، قال: قلت: أليس الله يقول: (ولقد رآه بالافق المبين) (ولقد رآه نزلة أخرى) قالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما: فقال: إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض، سادا عظم خلقه ما بين السماء والارض، وأخرجه مسلم (177) في الايمان، باب معنى قوله عزوجل (ولقد رآه نزلة أخرى) من طريق الشعبي به، وأخرجه البخاري 8 / 466، 469 من طريق الشعبي، عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: " يا أمتاه، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري (أي: قام من الفزع) مما قلت أين أنت من ثلاث؟ من حدثكهن فقد كذب، ثم قرأت (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. ولكن رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين. وأخرجه الترمذي (3278) في التفسير، من طريق سفيان، عن مجالد، عن الشعبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَأْتِنَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى اللهَ -تَعَالَى- بِعَيْنَيْهِ (1) ، وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ مِمَّا يَسَعُ المَرْءَ المُسْلِمَ فِي دِيْنِهِ السُّكُوتُ عَنْهَا. فَأَمَّا رُؤْيَةُ المَنَامِ: فَجَاءتْ مِنْ وُجُوْهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُسْتَفِيْضَةٍ. وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللهِ عِيَاناً فِي الآخِرَةِ: فَأَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوْصُ، جَمَعَ أَحَادِيْثَهَا: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الحُمَيْرَاءُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ) . قَالَ: أَفَلاَ أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: (لاَ) . فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (هَذَا الأَحْمَقُ المُطَاعُ فِي قَوْمِهِ) . هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ، وَيَزِيْدُ مَتْرُوكٌ (2) ، وَمَا أَسْلَمَ عُيَيْنَةُ إِلاَّ بَعْدَ نُزُولِ الحِجَابِ. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ كُلَّ حَدِيْثٍ فِيْهِ: يَا حُمَيْرَاءُ، لَمْ يَصِحَّ (3) ، وَأَوْهَى ذَلِكَ   (1) انظر تفصيل المسألة في زاد المعاد 3 / 36، 37 طبع مؤسسة الرسالة بتحقيقنا، و" فتح الباري " 8 / 466، 469. (2) قال المؤلف في ميزانه: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال علي بن المديني، ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف. (3) في هذه الكلية نظر، فقد أخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة 75 / 1 من حديث يونس ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، قال لي: يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 تَشْمِيْسُ المَاءِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ، فَإِنَّهُ يُوْرِثُ البَرَصَ (1) ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَوْضُوْعٌ. وَالحَمْرَاءُ فِي خِطَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: هِيَ البَيْضَاءُ بِشُقْرَةٍ، وَهَذَا نَادِرٌ فِيْهِم، وَمِنْهُ فِي الحَدِيْثِ: رَجُلٌ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي (2) ، يُرِيْدُ القَائِلُ: أَنَّهُ فِي لَوْنِ المَوَالِي الَّذِيْنَ سُبُوا مِنْ نَصَارَى الشَّامِ وَالرُّوْمِ وَالعَجَمِ. ثُمَّ إِنَّ العَرَبَ إِذَا قَالَتْ: فُلاَنٌ أَبْيَضُ، فَإِنَّهُمْ يُرِيْدُوْنَ الحِنْطِيَّ اللَّوْنِ بِحِلْيَةٍ سَوْدَاءَ. فَإِنْ كَانَ فِي لَوْنِ أَهْلِ الهِنْدِ، قَالُوا: أَسْمَرُ، وَآدَمُ. وَإِنْ كَانَ فِي سَوَادِ التِّكْرُوْرِ، قَالُوا: أَسْوَدُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوَادُ، قَالُوا: أَسْوَدُ، أَوْ شَدِيْدُ الأُدْمَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ قُوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ (3)) . فَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ بَنِي آدَمَ لاَ يَنْفَكُّوْنَ عَنْ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ، وَكُلُّ   = الله صلى الله عليه وسلم: حسبك، قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه، قال الحافظ في " الفتح " 2 / 355: إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا، وقال الزركشي في المعتبر 19 / 2، و20 / 1: وذكر لي شيخنا ابن كثير، عن شيخه أبي الحجاج المزي أنه كان يقول: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن النسائي. قلت: وحديث آخر في النسائي ... دخل الحبشة المسجد ... وذكر الحديث السابق. (1) أخرجه الدارقطني ص (14) والبيهقي 1 / 6 من طريق خالد بن إسماعيل المخزومي، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: أسخنت ماء لرسول الله في الشمس ليغتسل به. فقال لي: " يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص " قال الدارقطني: خالد بن إسماعيل متروك، وقال ابن عدي: يضع الحديث على ثقات المسلمين، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال. (2) قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري 11 / 463 في الايمان: باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه، من حديث أيوب، عن أبي قلابة، والقاسم التميمي، عن زهدم، عن أبي موسى الأشعري. (3) قطعة من حديث أخرجه مسلم في " صحيحه " رقم (521) في أول المساجد من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طيبة = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 لَوْنٍ بِهَذَا الاعْتِبَارِ يَدُوْرُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالبَيَاضِ الَّذِي هُوَ الحُمْرَةُ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لَهَا: (إِنِّي أَعْرِفُ غَضَبَكِ إِذَا غَضِبْتِ، وَرِضَاكِ إِذَا رَضِيْتِ) . قَالَتْ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ؟ قَالَ: (إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ: يَا مُحَمَّدُ، وَإِذَا رَضِيْتِ قُلْتِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَالمَحْفُوظُ: مَا أَخْرَجَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) لأَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: (إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى) . قَالَتْ: وَكَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، قُلْتِ: لاَ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ، وَرَبِّ إِبْرَاهِيْمَ) . قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ (2) . تَابَعَهُ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَأَخْرَجَ: النَّسَائِيُّ حَدِيْثَ عَلِيٍّ (3) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلاَدَةً فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْسَلَّتْ مِنْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ المَكَانُ يُقَالُ لَهُ: الصُّلْصُلُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَلَبُوْهَا حَتَّى وَجَدُوْهَا، وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَمْ   = طهورة ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة، صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة " وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد 1 / 250، 301، وعن أبي موسى الأشعري عنده أيضا 4 / 416، وعن أبي ذر عند الدارمي 2 / 224 وأحمد 5 / 145، 148، 162. (1) 6 / 30، وعباد بن عباد هو ابن حبيب بن المهلب الأزدي العتكي، قال الحافظ في التقريب: ثقة ربما وهم، أخرج حديثه الجماعة ; وباقي رجاله ثقات. (2) أخرجه البخاري 9 / 285 في النكاح: باب غيرة النساء ووجدهن. ومسلم (2439) في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة. (3) أي: أن النسائي أخرج حديث علي بن مسهر المتقدم، وقد التبس على الأستاذ الأفغاني المعنى فغير لفظة " حديث " إلى " حديثا " ثم وصله بما بعده، فقال: وأخرج النسائي حديثا على هشام بن عروة عن أبيه.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 يَكُنْ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوْءٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ تَكْرَهِيْنَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ لَكِ فِيْهِ خَيْراً. رَوَاهُ: ابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْهُ (1) . مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدِي، فَأَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ. فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالُوا: مَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أَقَامَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء! قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُوْلَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ - وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ -: مَا هَذَا بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيْرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) .   (1) رواية ابن نمير أخرجها البخاري 1 / 373 في الطهارة: باب إذا يجد ماء ولا ترابا، وأحمد 6 / 57، والطبري (9640) ، ورواية علي بن مسهر نسبها الحافظ في " الفتح " إلى جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له، وأخرجها ابن عبد البر من طريقه. وأخرجه البخاري أيضا 9 / 196 في النكاح: باب استعارة الثياب للعروس وغيرها، ومسلم (367) (108) وابن ماجه (568) والبيهقي 1 / 214 من طريق أبي أسامة عن هشام، و10 / 278 في اللباس: باب استعارة القلائد، وأبو داود (317) من طريق عبدة عن هشام، وأخرجه الحميدي في مسنده (165) من طريق سفيان الثوري عن هشام والصلصل: قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة. (2) هو في " الموطأ " 1 / 74 بشرح السيوطي، وأخرجه البخاري 1 / 365 في التيمم و8 / 205 في التفسير، و7 / 26 في فضائل الصحابة و9 / 300 في النكاح، و12 / 154 في الحدود، ومسلم (367) في الحيض: باب التيمم. ولفظ " متفق عليه " سقط من مطبوعة دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادِ بنِ (1) عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا كُنَّا بِتُرْبَانَ - بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَدِيْنَةِ بَرِيْدٌ وَأَمْيَالٌ، وَهُوَ بَلَدٌ لاَ مَاءَ بِهِ - وَذَلِكَ مِنَ السَّحَرِ، انْسَلَّتْ قِلاَدَةٌ مِنْ عُنُقِي، فَوَقَعَتْ، فَحُبِسَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَلْتِمَاسِهَا حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَلَيْسَ مَعَ القَوْمِ مَاءٌ، فَلَقِيْتُ مِنْ أَبِي مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ مِنَ التَّعْنِيْفِ وَالتَّأْفِيْفِ، وَقَالَ: فِي كُلِّ سَفَرٍ لِلمُسْلِمِيْنَ مِنْكِ عَنَاءٌ وَبَلاَءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ الرُّخْصَةَ فِي التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمَ القَوْمُ، وَصَلَّوْا. قَالَتْ: يَقُوْلُ أَبِي حِيْنَ جَاءَ مِنَ اللهِ مِنَ الرُّخْصَةِ لِلمُسْلِمِيْنَ: وَاللهِ مَا عَلِمْتُ يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ، مَاذَا جَعَلَ اللهُ لِلمُسْلِمِيْنَ فِي حَبْسِكِ إِيَّاهُمْ مِنَ البَرَكَةِ وَاليُسْرِ (2) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ (3) بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ صَوْتَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ فُلاَنَةٍ، تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَحَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا، وَقَالَ: (أَلَمْ تَرَيْنِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ؟) . ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا، فَقَالَ: أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (4) ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ حَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُوْنُسَ   (1) سقط من المطبوع " عباد بن ". (2) هو في " المسند " 6 / 272، وإسناده قوي. فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (3) تحرف في المواطن الأربعة في مطبوعة دمشق إلى العرار. (4) رقم (4999) في الأدب: باب ما جاء في المزاح، وإسناده قوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 نَحْوَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ، عَنِ النُّعْمَانِ. وَرَوَاهُ: عَمْرٌو العَنْقَزِيُّ (1) ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنْ أَبِيْهِ، فَأَسْقَطَ العَيْزَارَ. وَرَوَى نَحْوَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (2)) ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ. مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرٍو، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ: سَلْهَا أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَإِنْ قَالَتْ: لاَ، فَقُلْ: إِنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. فَقَالَتْ: لَعَلَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَمَالَكُ عَنْهَا حُبّاً، أَمَّا إِيَّايَ فَلاَ (3) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شَدَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأْتُهَا وَأَدْخَلْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي نِسْوَةٌ، فَمَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرَىً إِلاَّ قَدَحاً مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ. فَاسْتَحْيَتِ الجَارِيَةُ، فَقُلْنَا: لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُوْلِ اللهِ، خُذِي مِنْهُ. فَأَخَذَتْ مِنْهُ عَلَى حَيَاءٍ، فَشَرِبَتْ، ثُمَّ قَالَ: (نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ) . فَقُلْنَا: لاَ نَشْتَهِيْهِ. فَقَالَ: (لاَ تَجْمَعْنَ جُوْعاً وَكَذِباً) . فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنْ قَالَتْ إِحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيْهِ   (1) بفتح العين والقاف ; بينهما نون ساكنة وبالزاي، وهو عمرو بن محمد العنقزي الكوفي ثقة من التاسعة، وقد تحرف في مطبوعة دمشق ومطبوعة دار المعارف إلى " العبقي ". (2) 4 / 271، 272، وإسناده صحيح. (3) أخرجه أحمد 6 / 296 و317، وسنده جيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 لاَ تَشْتَهِيْهِ (1) أَيُعَدُّ كَذِباً؟ قَالَ: (إِنَّ الكَذِبَ يُكْتَبُ حَتَّى تُكْتَبُ الكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، لاَ نَعْرفُهُ إِلاَّ مِنْ طَرِيْقِ أَبِي شَدَّادٍ، وَلَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ. قَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيَجٍ أَيْضاً. ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ وَقْتَ عُرْسِ عَائِشَةَ بِالحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعاً عَنْ أَسْمَاءَ، أَوْ لَعَلَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ، فَإِنَّهَا رَوَتْ عَجُزَ هَذَا الحَدِيْثِ (3) . زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ، عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَبُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى، ثُمَّ قَالَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحْسَبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ بُنَيَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيْعَتَيْهَا (4) ؟ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ، فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دُوْنَكِ   (1) في المطبوع من " المسند ": لا أشتهيه. (2) " المسند " 6 / 438. (3) انظر " المسند " 6 / 452 و453، وابن ماجه (3298) وفيه شهر بن حوشب، وقد رواه أحمد أيضا 6 / 458 مطولا من طريق أبي اليمان، أخبرنا شعيب، حدثني عبد الله بن أبي حسين، حدثني شهر بن حوشب أن أسماء بنت يزيد بن السكن إحدى نساء بني عبد الاشهل دخل عليها يوما، فقربت إليه طعاما، فقال: لا أشتهيه، فقالت: إني قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته، فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتي بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم، فخفضت رأسها، واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت، فشربت شيئا، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعطي تربك، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله، بل خذه، فاشرب منه، ثم ناولنيه من يدك، فأخذ، فشرب منه، ثم ناولنيه، قالت: فجلست، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره، وأتبعه بشفتي لاصيب منه مشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ناوليهن، فقلن: لا نشتهيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تجمعن جوعا وكذبا ". (4) قال ابن الأثير: الذريعة تصغير الذراع ولحوق الهاء فيها لكونها مؤنثة، ثم ثنتها مصغرة، وأرادت به ساعديها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 فَانْتَصِرِي) . فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا، حَتَّى رَأَيْتُ (1) قَدْ يَبِسَ رِيْقُهَا فِي فَمِهَا، فَمَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئاً، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ (2) . أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ (3) اللهِ النَّرْسِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الخَوَّاصُ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَيْرِ يَوْمِي يَطْلُبُ مِنِّي ضَجْعاً (4) ، فَدَقَّ، فَسَمِعْتُ الدَّقَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَفَتَحْتُ لَهُ. فَقَالَ: (مَا كُنْتِ تَسْمَعِيْنَ الدَّقَّ؟!) . قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنَّكَ أَتَيْتَنِي فِي غَيْرِ يَوْمِي (5) . هِشَامُ بنُ (6) عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَبَقْتُهُ مَا شَاءَ، حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي، فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، هَذِهِ بِتِلْكَ) (7) .   (1) في " المسند " رأيتها، وفي ابن ماجة: رأيتها وقد يبس. (2) رجاله ثقات أخرجه أحمد 6 / 93، وابن ماجة (1981) ، وقال البوصيري في " الزوائد " (128) : هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، رواه النسائي في عشرة النساء، وفي التفسير عن عبدة ابن عبد الله وعن محمد بن عبد الله المخرمي، عن المعلى بن منصور، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، كلاهما عن زكريا بن أبي زائدة به. (3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " عبد " والنرسي تحرف في مطبوعة دار المعارف إلى " الرسي " و" محاصر " تصحف في مطبوعة دمشق إلى " محاصر " بالصاد المهملة. (4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " منجعا " ثم أغرب الأستاذ المحقق في التعليق. (5) يحيى الخواص لم أقف له على ترجمة، ومحاضر هو ابن المورع، قال أبو حاتم فيه: ليس بالمتين، وقال الامام أحمد: كان مغفلا جدا. (6) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " عن ". (7) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 6 / 39، و364، وأخرجه الحميدي في مسنده رقم (261) وأبو داود (2578) في الجهاد: باب في السبق على الرجل. وابن ماجة (1979) . والنسائي في عشرة النساء 74 / 2، وأخرجه أحمد أيضا 6 / 129، 182، 261 و280 من طريق آخر عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَرَوَاهُ: أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ (1) ، عَنْ هِشَامٍ، فَقَالَ: عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْهَا. أَخْرَجَهُ هَكَذَا: أَبُو دَاوُدَ (2) . أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ (3) : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ أَتَاهُ جِبْرِيْلَ بِصُوْرَتِي، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حَوْفٌ، فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي، أَلْقَى اللهُ عَلَيَّ حَيَاءً وَأَنَا صَغِيْرَةٌ. الحَوْفُ: سُيُوْرٌ فِي الوَسَطِ. مِسْعَرٌ: عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِيْنِي العَظْمَ فَأَتَعَرَّقُهُ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ، فَيُدِيْرُهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِي. رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَالنَّاسُ، عَنِ المِقْدَامِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (4) . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ (5) ، وَأَهْلُهُ فَاطِمَةُ الآمِدِيَّةُ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَّاغُ، وَعَبْدُ الدَّائَمِ الوَزَّانُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " الفراوي ". (2) برقم (2578) . (3) هو سعيد بن مرزبان العبسي مولاهم الكوفي الاعور ضعيف، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 9، ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 227، ونسبه إلى أبي يعلى والطبراني، وقال: وفيه أبو سعد البقال وهو مدلس. وقد تحرف في مطبوعة دمشق " أبو سعد " إلى " أبي سعيد ". (4) رقم (300) في الحيض: باب جواز غسل الحائض، وقد تحرفت " الناس " عند الأفغاني إلى " إلياس ". (5) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " معا " وانظر ترجمته في " مشيخة الذهبي " 114 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الزَّاهِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ (1) العَبَّاسِيُّ، وَنَصْرُ (2) بنُ أَبِي الضَّوْءِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ القُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: أَلاَ تَرْكَبِيْنَ اللَّيْلَةَ بَعِيْرِي، وَأَرْكَبُ بَعِيْرَكِ تَنْظُرِيْنَ وَأَنْظُرُ؟ فَقَالَتْ: بَلَى. فَرَكِبَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا. ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ، وَتَقُوْلُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُوْلُكَ وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ شَيْئاً. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (3) ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً (4) عَالِياً. زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، عَنْ   (1) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " هشام " وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته " 158 / 2. (2) تصحف في مطبوعة دمشق إلى " نضر " وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته " 172 / 2 فقال: نصرالله بن أبي الضوء بن أحمد الحاج أبو الفتح الزبداني ثم الصالحي الفامي البستاني، روى عن ابن الزبيدي " الجامع الصحيح " رأيت مولده بخطه في سنة ثماني عشرة وست مئة. حدث عنه النجم بن الخباز وغيره، ومات في رجب سنة ثلاث وسبع مئة. (3) برقم (2445) في فضائل الصحابة ; باب فضل عائشة وأخرجه البخاري 9 / 272، 273 في النكاح: باب القرعة بين النساء، من طرى أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الواحد بن أيمن، عن ابن أبي مليكة به. (4) البدل في مصطلح الحديث: هو أن يروي المحدث حديثا موجودا في أحد الكتب بإسناد لنفسه، فيصل في إسناده إلى شيخ شيخ المصنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَذَكَرَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: خَلِيْلَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. وَمُصْعَبٌ: فَصَالِحٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَقُوْلُهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ، مَعْ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا - فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَلاَ رَيْبَ أَنَّ عَائِشَةَ نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً عَلَى مَسِيْرِهَا إِلَى البَصْرَةِ، وَحُضُورِهَا يَوْمَ الجَمَلِ، وَمَا ظَنَّتْ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ. فَعَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ إِذَا قَرَأَتْ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوْتِكُنَّ} [الأَحْزَابُ: 33] بَكَتْ حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا (1) . قَالَ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ، فَلَمَّا بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلاً نَبَحَتِ الكِلاَبُ. فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الحَوْأَبِ. قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلاَّ أَنَّنِي رَاجِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِيْنَ، فَيَرَاكِ المُسْلِمُوْنَ، فَيُصْلِحُ اللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: (كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبُحُ عَلَيْهَا كِلاَبُ الحَوْأَبِ) 02) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 81 من طريق الواقدي. (2) إسناده صحيح كما قال المؤلف، وهو في " المسند ": 6 / 52 و97، وصححه ابن حبان (1831) ، والحاكم 3 / 120، ووافقه الذهبي، وأورده الحافظ في " الفتح " 13 / 45 وقال: أخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزاز، وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح. وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 6 / 212 بعد أن ذكره من طريق الامام أحمد: وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه. والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الاسكندري فيما نقله عنه ياقوت في " معجم البلدان " وقال أبو عبيد البكري في " معجم ما استعجم ": ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية. سير 2 / 12 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ. عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ عَائِشَةَ جَعَلَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْماً، وَأَنَا أَدْعُوْكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ، وَإِعَادَةِ الأَمْرِ شُوْرَى. هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الجَمَلِ: هَذِهِ عَائِشَةُ تُمَلِّكُ المُلْكَ لِقَرَابَتِهَا طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلاَمَ تُقَاتِلُ قَرِيْبَكَ عَلِيّاً. فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ، فَقَتَلَهُ. قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ وَقْعَةَ الجَمَلِ مُلَخَّصَةً فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ، وَإِنَّ عَلِيّاً وَقَفَ عَلَى خِبَاءِ عَائِشَةَ يَلُوْمُهَا عَلَى مَسِيْرِهَا. فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ (1) . فَجَهَّزَهَا إِلَى المَدِيْنَةِ، وَأَعْطَاهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْهَا. وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : مِنْ طَرِيْقِ أَبِي (2) حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ: سَمِعَهُ عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (3) - يَعْنِي عَائِشَةَ -. وَفِي لَفْظِ ثَابِتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَتُهُ. شُعْبَةُ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: سَمِعَ عَمَّاراً يَقُوْلُ حِيْنَ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى الكُوْفَةِ لِيَسْتَنْفِرَ النَّاسَ: إِنَّا لَنَعْلَمُ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَكُمْ بِهَا، لِتَتَّبِعُوْهُ أَوْ إِيَّاهَا (4) .   (1) أي: قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر. (2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " ابن ". (3) أخرجه البخاري 13 / 47 في الفتن، والترمذي (3889) في المناقب. (4) أخرجه البخاري 7 / 83 في الفضائل: باب فضل عائشة رضي الله عنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ عَمْرِو بنِ غَالِبٍ: أَنَّ رَجُلاً نَالَ مِنْ عَائِشَةَ عِنْدَ عَمَّارٍ، فَقَالَ: اغْرُبْ مَقْبُوْحاً، أَتُؤْذِي حَبِيْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ (2) ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً (3) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (4) غَرِيْبٌ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا ... ، فَذَكَرَهُ. فَأَمَّا زِيَادٌ: فَثِقَةٌ. وَخَالِدٌ - صَوَابُهُ: ابْنُ سَلَمَةَ -: احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ. بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا عَمْرٍو حَدَّثَهُ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ فِي المَوْتِ. قَالَ: فَجِئْتُ، وَعِنْدَ رَأْسِهَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ   (1) أخرجه الترمذي (3888) في المناقب، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 65، والحلية 2 / 44 من طريق أبي إسحاق، عن حميد بن عريب، قال: وقع رجل.. (2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " مسعود ". (3) أخرجه الترمذي (3883) . (4) في المطبوع من سنن الترمذي، هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 أَخِيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ. قَالَتْ: دَعْنِي مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، وَلاَ بِتَزْكِيَتِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أُمَّه! إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِي بَنِيْكِ يُوَدِّعُكِ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْكِ. قَالَتْ: فَائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ. قَالَ: فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا قَعَدَ، قَالَ: أَبْشِرِي، فَوَاللهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تُفَارِقِي كُلَّ نَصَبٍ وَتَلْقَيْ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَحِبَّةَ إِلاَّ أَنْ تُفَارِقَ رُوْحُكِ جَسَدَكِ. قَالَتْ: إِيْهاً يَا ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي: إِلَيْهِ- وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ إِلاَّ طَيِّباً، سَقَطَتْ قِلاَدَتُكِ لَيْلَةَ الأَبْوَاءِ، وَأَصْبَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَلْقُطَهَا، فَأَصْبَحَ النَّاسُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيْداً طَيِّباً (1) } [النِّسَاءُ: 42] ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِكِ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى- بَرَاءتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، فَأَصْبَحَ لَيْسَ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدَ يُذْكَرُ فِيْهَا اللهُ إِلاَّ بَرَاءتُكِ تُتْلَى فِيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَالَتْ: دَعْنِي عَنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (2) . يَحْيَى القَطَّانُ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَأْذنَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوْبَةٌ، فَقَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِي عَلَيَّ. فَقِيْلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ وُجُوْهِ المُسْلِمِيْنَ. قَالَتْ: ائْذَنُوا لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟ فَقَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ. قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ - إِنْ شَاءَ اللهُ -   (1) في الأصل وطبقات ابن سعد: أن تيمموا، وما أثبتناه من " المسند " و" الحلية ". (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 276، 349 وابن سعد 8 / 57 وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 45، من طرق عن عبد الله بن خثيم عن ابن مليكة، عن ذكوان..بنحوه. وصححه الحاكم 4 / 8، 9 ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 زَوْجَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ لَهُ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (1) . وَقَالَ القِاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: اشْتَكَتْ عَائِشَةُ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ، تَقْدَمِيْنَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَوَّامِ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ الجَرَّارُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيْقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ، حَبِيْبَةُ حَبِيْبِ اللهِ، المُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، فَلَمْ أَكْذِبْهَا (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: قُلْنَا لَهُ: هَلْ كَانَتْ   (1) أخرجه اببخاري 8 / 371، 372 في تفسير سورة النور، باب (ولولا إذ سمعتموه قلتم..) . (2) أخرجه البخاري 7 / 83 في المناقب: باب فضل عائشة. والفرط: هو المتقدم على القوم في المسير، وفي طلب الماء، فجعل ابن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر متقدمين عليها في المقصد، وأضافهما إلى " صدق " وصفا لهما ومدحا كما قال الله تعالى (قدم صدق) . (3) هو في " الحلية " 2 / 44، وقد ترحف البطي في مطبوعة دمشق إلى " اليقطي " و" الجرار " إلى " الخزاعي " و" الاقمر " إلى " أرقم " وأبو مسعود الجرار اسمه: عبد الأعلى بن أبي المساور، قال الحافظ في " التقريب ": متروك، وكذبه ابن معين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 عَائِشَةُ تُحْسِنُ الفَرَائِضَ؟ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَكَابِرَ يَسْأَلُوْنَهَا عَنِ الفَرَائِضِ (1) . أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَابْنُ عِلاَّنَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُذْهَبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا مَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَقُوْلُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ! لاَ أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِكِ، أَقُوْلُ: زَوْجَةُ نَبِيِّ اللهِ، وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَقُوْلُ: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ [كَيْفَ هُوَ، وَمِنْ] أَيْنَ هُوَ، أَوْ مَا هُوَ؟! قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَقَالَتْ: أَيْ عُرَيَّةُ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمُرِهِ - أَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ - وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ العَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَنْعَتُ لَهُ الأَنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ (2) . قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ قَايْمَازَ: أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ قِوَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الرَّارَانِيُّ (3) ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ   (1) أخرجه الدارمي 2 / 342، 343. وابن سعد في " الطبقات " 8 / 66، والحاكم 4 / 11. (2) أخرجه أحمد 6 / 67 وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 50، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 242، ونسبه للبزار وأحمد، والطبراني في الأوسط والكبير، وقال: وفيه عبد الله بن معاوية الزبيري، قال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجال أحمد والطبراني في الكبير ثقات. (3) نسبه إلى راران قرية بإصبهان، وقد تصحف عند الابياري إلى " الرازاني " وعند الأفغاني إلى " الداراني " واسمه: خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصوفي، ولد سنة 500 هـ وتوفي سنة 596 هـ. تفرد بعدة أجزاء، مترجم في العبر 4 / 291، 292. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الطِّبَّ؟! قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَأَحْفَظُهُ. سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقَدْ صَحِبْتُ عَائِشَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَعْلَمَ بِآيَةٍ أُنْزِلَتْ، وَلاَ بِفَرِيْضَةٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ، وَلاَ بِشِعْرٍ، وَلاَ أَرْوَى لَهُ، وَلاَ بِيَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ العَرَبِ، وَلاَ بِنَسَبٍ، وَلاَ بِكَذَا، وَلاَ بِكَذَا، وَلاَ بِقَضَاءٍ، وَلاَ طِبٍّ مِنْهَا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ، الطِّبُّ مِنْ أَيْنَ عُلِّمْتِهِ؟! فَقَالَتْ: كُنْتُ أَمْرَضُ، فَيُنْعَتُ لِيَ الشَّيْءُ، وَيَمْرَضُ المَرِيْضُ، فَيُنْعَتُ لَهُ، وَأَسْمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعَضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَأَحْفَظُهُ (1) . قَالَ عُرْوَةُ: فَلَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ عِلْمِهَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ (2) : حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَكَلَّمَهَا. قَالَ: فَلمَّا قَامَ مُعَاوِيَةُ، اتَّكَأَ عَلَى يَدِ مَوْلاَهَا ذَكْوَانَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ قَطُّ أَبْلَغَ مِنْ عَائِشَةَ، لَيْسَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ: لَيْسَ بِالثَّبْتِ. الزُّهْرِيُّ: مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَالأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا لَفْظُ الأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْفُ بنُ الطُّفَيْلِ بنِ الحَارِثِ الأَزْدِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ   (1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 49 بنحوه من طريق جعفر الفريابي، عن منجاب بن الحارث، عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه ... (2) تصحف في مطبوعة دمشق إلى " الحرامي " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 لأُمِّهَا: أَنَّ عَائِشَةَ بَلَغَهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ كَانَ فِي دَارٍ لَهَا بَاعَتْهَا، فَتَسَخَّطَ عَبْدُ اللهِ بَيْعَ تِلْكَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ- لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا، أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ. قَالَتْ: للهِ عَلَيَّ أَلاَ أُكَلِّمَهُ، حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ. فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إِيَّاهُ، فَنَقَصَهُ (1) اللهُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، فَاسْتَشْفَعَ بِكُلِّ أَحَدٍ يَرَى أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهَا، فَأَبَتْ أَنْ تُكَلِّمَهُ. فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ، كَلَّمَ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الأَسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوْثَ أَنْ يَشْمَلاَهُ بِأَرْدِيَتِهِمَا، ثُمَّ يَسْتَأْذِنَا، فَإِذَا أَذِنَتْ لَهُمَا، قَالاَ: كُلُّنَا؟ حَتَّى يُدْخِلاَهُ عَلَى عَائِشَةَ، فَفَعَلاَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: نَعَمْ، كُلُّكُمْ فَلْيَدْخُلْ، وَلاَ تَشْعُرُ. فَدَخَلَ مَعَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكشَفَ السِّتْرَ، فَاعْتَنَقَهَا، وَبَكَى، وَبَكَتْ عَائِشَةُ بُكَاءً كَثِيْراً، وَنَاشَدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ اللهَ وَالرَّحِمَ، وَنَشَدَهَا مِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، وَذَكَرَا لَهَا قَوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ) . فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهَا، كَلَّمَتْهُ، بَعْدَ مَا خَشِيَ أَلاَّ تُكَلِّمَهُ، ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى اليَمَنِ بِمَالٍ، فَابْتِيْعَ لَهَا أَرْبَعُوْنَ رَقَبَةً، فَأَعْتَقَتْهَا. قَالَ عَوْفٌ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدُ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ، فَتَبْكِي، حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا (2) .   (1) غير الأستاذ الأفغاني ما في الأصل إلى " فنغصه " وأشار إلى ذلك في الهامش. (2) وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 49 بأخصر مما هنا من طريق محمد بن كثير، عن الاوزاعي، عن الزهري، أخبرني عوف بن الحارث بن الطفيل - وهو ابن أخي عائشة لامها - أن عائشة باعت رباعها ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَا قَالَ. وَالصَّوَابُ عِنْدِي: عَوْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ الطُّفَيْلِ (1) بنِ سَخْبَرَةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَتَابَعَهُ: مَعْمَرٌ. قَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ، لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ (2) . قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ مَسْرُوْقٌ: لَوْلاَ بَعْضُ الأَمْرِ، لأَقَمْتُ المَنَاحَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: عَائِشَةَ (3) -. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لاَ يَحْزَنُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ كَانَتْ أُمَّهُ (4) . القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَيْمَنَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَخَرْتُ بِمَالِ أَبِي فِي الجَاهِلِيَّةِ - وَكَانَ أَلْفَ   (1) وكذلك هو في " التهذيب " والتاريخ الكبير للبخاري 7 / 57، و" الجرح والتعديل " 7 / 14. (2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 243، ونسبه للطبراني، وقال: رجاله ثقات، وهو في " المستدرك " 4 / 11. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 78 ويريد بقوله: بعض الامر: خروجها إلى حرب الجمل. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 78 من طريق هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: قدم رجل، فسأله أبي: كيف كان وجد الناس على عائشة؟ فقال: كان فيهم وكان. قال: اما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ -. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشَةُ، كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ (1)) . هكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَلْفَ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ. وَإِسْنَادُهَا فِيْهِ لِيْنٌ، وَأَعْتَقِدُ لَفْظَةَ: (أَلْفَ) الوَاحِدَةَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّهُ يَكُوْنُ: أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفِي ذَلِكَ مَفْخَرٌ لِرَجُلٍ تَاجِرٍ، وَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَاتِ اللهِ. وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ قَدْ بَقِي مَعَهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا صُحْبَتَهُ، أَمَّا أَلْفُ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ، فَلاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ (2) لِسُلْطَانٍ كَبِيْرٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ قَدِمَ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهَا إِلاَّ ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ لِمُعَاوِيَةَ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: صَدَقْتِ، - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، قَالَ لَهَا: مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِي -. ثُمَّ إِنَّهَا وَعَظَتْهُ، وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّنُوْخِيُّ: قَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْ عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَالصَّحِيْحُ: رِوَايَةُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ   (1) القاسم بن عبد الواحد: لم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه (أي للمتابعة) قيل له: أيحتج به؟ قال: يحتج بسفيان وشعبة، وقد أورد المؤلف في " ميزانه " هذا الحديث من طريق الطبراني، وعده من مناكير القاسم، وقد نسب الحافظ في " التهذيب " الحديث إلى النسائي في ترجمة القاسم وشيخه عمر بن عبد الله بن عروة ... وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: " كنت لك كأبي زرع لام زرع " فهو صحيح، أخرجه البخاري 9 / 220، 240 في النكاح: باب حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (2448) في فضائل الصحابة: باب ذكر حديث أم زرع مطولا، من طريق هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة بن عائشة ... وفيه بعد أن ذكرت المرأة الحادية عشرة أوصاف زوجها ... قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " كنت لك كأبي زرع لام زرع " أي في الالفة والوفاء. (2) لفظة " إلا " سقطت من مطبوعة دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 بَعَثَ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَوَاللهِ مَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا. فَقَالَتْ لَهَا مَوْلاَتُهَا: لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً؟ فَقَالَتْ: أَلاَ قُلْتِ لِي (1) ؟ يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِقِلاَدَةٍ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. الأَعْمَشُ: عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِسَبْعِيْنَ أَلْفاً؛ وَإِنَّهَا لَتَرْقَعُ جَانِبَ دِرْعَهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، قَالَتْ: بَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى عَائِشَةَ بِمَالٍ فِي غِرَارَتَيْنِ، يَكُوْنُ مائَةَ أَلْفٍ، فَدَعَتْ بِطَبَقٍ، فَجَعَلَتْ تَقْسِمُ فِي النَّاسِ. فَلَمَّا أَمْسَتْ، قَالَتْ: هَاتِي يَا جَارِيَةُ فُطُوْرِي. فَقَالَتْ أُمُّ ذَرَّةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ، أَمَا اسْتَطَعْتِ أَنْ تَشْتَرِي لَنَا لَحْماً بِدِرْهَمٍ؟ قَالَتْ: لاَ تُعَنِّفِيْنِي، لَوْ أَذْكَرْتِيْنِي لَفَعَلْتُ (2) . مُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلاَفٍ، عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. شُعْبَةُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُوْمُ الدَّهْرَ (4) .   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 47، والحاكم في " المستدرك " 4 / 13. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 47 ورجاله ثقات. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 67، والحاكم في " المستدرك " 4 / 8، وأبو إسحاق: هو السبيعي عمرو ابن عبد الله، وقد تحرف في مطبوعة دمشق إلى " ابن إسحاق ". (4) أخرجه ابن سعد 8 / 68، ورجاله ثقات وأخرجه أيضا 8 / 75 من طريق قبيصة، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بلفظ: أن عائشة كانت تسرد الصوم. يعني أنها كانت تصوم الايام التي لم يرد في حقها النهي عن صومها كالعيدين وأيام التشريق، وأيام الحيض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيْرٍ فِي قُبَّةٍ لَهَا تُرْكِيَّةٍ، عَلَيْهَا غِشَاؤُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا - وَأَنَا صَبِيٌّ - دِرْعاً مُعَصْفَراً. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، سَمِعَ القَاسِمَ يَقُوْلُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُ الأَحْمَرَيْنِ: الذَّهَبَ وَالمُعَصْفَرَ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: رَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعاً مُضَرَّجاً (2) . وَقَالَ مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا المُعَلَّى بنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا بَكْرَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي مُعَصْفَرَةٍ، فَسَأَلَتْهَا عَنِ الحِنَّاءِ؟ فَقَالَتْ: شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُوْرٌ. وَسَأَلَتْهَا عَنِ الحِفَافِ؟ فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ، فَاسْتَطَعْتِ أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ، فَتَصْنَعِيْنَهُمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا، فَافْعَلِي (3) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 70، 71، وقد تحرف فيه " الذهب " إلى المذهب، فيصحح من هنا، وأخرجه ابن سعد أيضا 8 / 70 من طريق القعنبي، عن عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد، قلت: إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاحمرين المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب، وسنده حسن، وعلقه البخاري في صحيحه: 10 / 277. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 70 وإسناده صحيح. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 70، 71 ورجاله ثقات خلا بكرة بنت عقبة فإنها لا تعرف. وقد تحرف " معلى " عند الأفغاني إلى " يعلى " والحفاف: إزالة الشعر من الوجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 المُعَلَّيَانِ: ثِقَتَانِ (1) . وَعَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلَى عَائِشَةَ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رُبَّمَا رَوَتْ عَائِشَةُ القَصِيْدَةَ سِتِّيْنَ بَيْتاً وَأَكْثَرَ (3) . مِسْعَرٌ: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ وَرَقَةً مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ (4) ! ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي. وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيْدُهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَمَضَغْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهِ كَأَحْسَن مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنّاً قَطُّ. ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ، فَسَقَطَتْ يَدُهُ، فَأَخَذْتُ أَدْعُو لَهُ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ لَهُ جِبْرِيْلُ، وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ، فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَاكَ. فَرَفَعَ بَصَرهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: (الرَّفِيْقَ الأَعْلَى) ، وَفَاضَتْ نَفْسُهُ. فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيْقِي وَرِيْقِهِ فِي آخرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا (5) .   (1) تحرفت اللفظتان في مطبوعة دمشق إلى: " المقلتان العينان " وهو تحريف طريف. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 71. (3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 72، 73. (4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 74، 75. ورجاله لكن إبراهيم لم يثبت سماعه من عائشة. (5) أخرجه أحمد 6 / 48، وصححه الحاكم 4 / 7، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد 6 / 274 بنحوه من طريق ابن إسحاق، حدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. والسحر: الرئة، والنحر: أعلى الصدر، واستن: استاك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. عُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَ: قَدِمَ دُرْجٌ مِنَ العِرَاقِ، فِيْهِ جَوْهَرٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: تَدْرُوْنَ مَا ثَمَنُهُ؟ قَالُوا: لاَ. وَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يَقْسِمُوْنَهُ، فَقَالَ: أَتَأْذَنُوْنَ أَنْ أُرْسِلَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، لِحُبِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَاذَا فُتِحَ عَلَى ابْنِ الخَطَّابِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ؟ اللَّهُمَّ لاَ تُبْقِنِي لِعَطِيَّتِهِ لِقَابِلٍ (1) . هَذَا مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) ، مِنْ طَرِيْقِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ (2) الأُمَوِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَنْبَسِ (3) سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ. قَالَتْ: فَتَكَلَّمْتُ أَنَا. فَقَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟) . قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ. قَالَ: (فَأَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (4)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ صَفْوَانَ أَتَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لِي خِلاَلٌ تِسْعٌ، لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ، إِلاَّ مَا آتَى اللهُ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - وَاللهِ مَا أَقُوْلُ هَذَا فَخْراً عَلَى صَوَاحِبَاتِي.   (1) هو في " المستدرك " 4 / 8، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا صح سماع ذكوان أبي عمرو، ولم يخرجاه، وتعقبه المؤلف بقوله: قلت: فيه إرسال. والدرج بضم فسكون: السفط وعاء الجوهر. (2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " شعبة ". (3) تصحف في المطبوع إلى " العبيس ". (4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 10 وصححه، ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَتْ: جَاءَ المَلَكُ بِصُوْرَتِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَتَزَوَّجَنِي، وَتَزَّوَجَنِي بِكْراً؛ وَكَانَ يَأْتِيْهِ الوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِي لِحَافٍ؛ وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ وَنَزَلَ فِيَّ آيَاتٌ كَادَتِ الأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيْهَا؛ وَرَأَيْتُ جِبْرِيْلَ، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرِي، وَقُبِضَ فِي بَيْتِي، لَمْ يَلِهِ أَحَدٌ - غَيْرُ المَلَكِ - إِلاَّ أَنَا. صَحَّحَهُ: الحَاكِمُ (1) . العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ الَّذِيْن يَرْمُوْنَ المُحْصَنَاتِ ... } الآيَةَ، [النُّوْرُ: 23] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ خَاصَّةً (2) . عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ - وَفِيْهِ لِيْنٌ -: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: سَمِعْتُ خُطبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَالخُلَفَاءِ بَعْدَهُمْ، فَمَا سَمِعْتُ الكَلاَمَ مِنْ فَمِ مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلاَ أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِيِّ عَائِشَةَ (3) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ (4) . وَفِي (المُسْتَدْرَكِ) بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتِ الصَّرْخَةَ عَلَى عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَبَاهَا (5) .   (1) 4 / 10، ووافقه الذهبي. وانظر ص 147 تعليق رقم (2) . (2) أخرجه الحاكم 4 / 10، 11، وصححه ووافقه الذهبي، وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 35، وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وابن مردويه. (3) أخرجه الحاكم 4 / 11. (4) أخرجه الحاكم 4 / 11. (5) أخرجه الحاكم 4 / 13، 14، وصححه على شرط الشيخين، وعلق عليه الذهبي فقال: فيه زمعة بن صالح، وما روى له إلا مسلم مقرونا بآخر معه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي عَتِيْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَتْ عَائِشَةُ حُمِلَ مَعَهَا جَرِيْدٌ بِالخِرَقِ وَالزَّيْتِ، وَأُوْقِدَ، وَرَأَيْتُ النِّسَاءَ بِالبَقِيْعِ، كَأَنَّهُ عِيْدٌ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ بِالبَقِيْعِ، وَكَانَ خَلِيْفَةَ مَرْوَانَ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَقَدِ اعْتَمَرَ تِلْكَ الأَيَّامَ (2) . قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: دُفِنَتْ عَائِشَةُ لَيْلاً (3) . قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَشَبَابٌ (4) ، وَغَيْرُهُمْ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ (5) ، عَنْ سَالِمِ سَبَلاَنَ: أَنَّهَا مَاتَتْ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الوِتْرِ، فَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا. فَاجْتَمَعَ الأَنْصَارُ، وَحَضَرُوا، فَلَمْ يُرَ لَيْلَةٌ أَكْثَرَ   (1) هو في " الطبقات " 8 / 77 والواقدي وشيخه لا يحتج بهما. (2) طبقات ابن سعد 8 / 77. (3) طبقات ابن سعد 8 / 77، وقد سقط من مطبوع الأفغاني من قوله " بالبقيع " إلى قوله " عائشة ". (4) هو لقب خليفة بن خياط، وقد قرأ الأستاذ الأفغاني الأصل الذي اعتمده " شعاب " وقال: إنه تحريف ظاهر، ثم أثبت مكانه " شهاب " فأخطأ في التصويب. (5) انحرف في المطبوع إلى " قيسرة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 نَاساً مِنْهَا، نَزَلَ أَهْلُ العَوَالِي، فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ (1) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - وَكَانَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَهَا أَنْ تُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا - فَقَالَتْ: إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَثاً، ادْفِنُوْنِي مَعَ أَزْوَاجِهِ. فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (2) -. قُلْتُ: تَعْنِي بِالحَدَثِ (3) : مَسِيْرَهَا يَوْمَ الجَمَلِ، فَإِنَّهَا نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً، وَتَابَتْ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهَا مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إِلاَّ مُتَأَوِّلَةً، قَاصِدَةً لِلْخَيْرِ، كَمَا اجْتَهَدَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ - رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيْعِ -. رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بنِ العَلاَءِ المَازِنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا مَرَّ ابْنُ عُمَرَ، فَأَرُوْنِيْهِ. فَلَمَّا مَرَّ بِهَا، قِيْلَ لَهَا: هَذَا ابْنُ عُمَرَ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدْ غَلَبَ عَلَيْكِ -يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ (4) -. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهَا مَدْفُوْنَةٌ بِغَرْبِيِّ جَامِعِ دِمَشْقَ. وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ، لَمْ تَقْدَمْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - إِلَى دِمَشْقَ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هِيَ مَدْفُوْنَةٌ بِالبَقِيْعِ. وَمُدَّةُ عُمُرِهَا: ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، وَأَشْهُرٌ. ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهَا: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ   (1) طبقات ابن سعد 8 / 76، 77، و" المستدرك " 4 / 6. (2) طبقات ابن سعد 8 / 74، وصححه الحاكم 4 / 6، ووافقه الذهبي. (3) تحرفت في المطبوع إلى " الحديث ". (4) ذكره الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 70، ونسبه لابن عبد البر في " الاستيعاب ". سير 2 / 13 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي حَامِدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ العَاصِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. أَخْرَجَهُ: الأَئِمَةُ السِّتَّةُ (1) ، سِوَى ابْنِ مَاجَه، عَنِ ابْنِ مُثَنَّى، فَوَافَقْنَاهُمْ بِعُلُوٍّ، وَللهِ الحَمْدُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ (2) فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ (3) وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشَةُ، لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ، جَاءنِي مَلَكٌ، إِنَّ حُجْزَتَهُ (4) لَتُسَاوِي الكَعْبَةَ،   (1) البخاري 3 / 347 في الحج: باب من أين يخرج من مكة، ومسلم (1258) في الحج: باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، والخروج منها من الثنية السفلى، والترمذي (853) في الحج: باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وخروجها من أسفلها، وأبو داود (1869) في الحج: باب دخول مكة. وهو في " المسند " 6 / 40 من طريق سفيان عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.. (2) في مطبوعة دمشق: أخبرنا أبو الفضل، أخبرنا أحمد بن هبة الله وهو خطأ، فأبو الفضل كنية أحمد بن هبة الله فهما واحد لا اثنان. انظر " المشيخة " ورقة: 11. (3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى سبعين، ولو خطر ببال المحقق أن مولد الذهبي سنة 673 هـ لما وقع له هذا التحريف، لأنه لا يعقل أن يكون سمع من أبي الفضل وهو ابن سنة. (4) الحجزة: معقد السراويل، وقيل: حيث يثنى طرف الازار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ نَبِيّاً عَبْداً، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيّاً مَلِكاً؟ فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيْلَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ: أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ. فَقُلْتُ: نَبِيّاً عَبْداً) . فَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَأْكُلُ مُتَّكِئاً، يَقُوْلُ: (آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ العَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العَبْدُ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ. وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَنَا حَدِيْثُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أَقْرَبَ إِسْنَاداً مِنْ هَذَا. قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً لَهُ قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ (2) .   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 1 / 381 من طريق هاشم بن القاسم، عن أبي معشر، عن أبي سعيد المقبري، عن عائشة. والمؤلف رحمه الله، حسنه بشواهده التي أوردها الهيثمي في " المجمع " 9 / 19، 20 وغيره. (2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2328) في الفضائل: باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام ... وأحمد 6 / 32، و281 من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ... وأخرج مالك والبخاري 6 / 419 في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2327) من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عزوجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ القَاضِي، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ. فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً. يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوْنُسَ حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ (1) ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانّاً، فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا: وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتِ مُسْلِماً. قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِماً، لَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقِيْلَ: أَوَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْكِ إِلاَّ وَعَلَيْكِ ثِيَابُكِ؟ فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً، فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَجَعَلَتْهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ (2) . عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُؤَمَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، قَالَتْ: كَانَ جَانٌّ يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ، فَحَرَّجَتْ (3) عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ، فَأَبَى إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ، فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيْدَةٍ، فَقَتَلَتْهُ. فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا، فَقِيْلَ لَهَا: أَقَتَلْتِ فُلاَناً، وَقَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَكَانَ لاَ يَطْلُعُ عَلَيْكِ، لاَ حَاسِراً (4) وَلاَ مُتَجَرِّدَةً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَخَذَهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؛ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَبِيْهَا. فَقَالَ: تَصَدَّقِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً دِيَتَهُ.   (1) في الأصل: حدثنا يونس، عن حاتم بن أبي صغيرة وهو خطأ، فإن أبا يونس كنية حاتم، كما في " التهذيب " وفروعه. (2) رجاله ثقات. (3) حرجت بالحاء المهملة، أي: قالت له: أنت في حرج وضيق إن عدت إلينا، فلا تلمني إن عدت إلى أن أضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل. وقد تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " فخرجت " بالحاء المعجمة. (4) يقال: امرأة حاسر، بغير هاء إذا حسرت عنها ثيابها، وقد أضاف الاستاذان الأفغاني والابياري إلى الكلمة تاء التأنيث وهي ليست في الأصل، ولا حاجة إليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ عَفِيْفٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَابْنُ المُؤَمَّلِ: فِيْهِ ضَعْفٌ. وَالإِسْنَادُ الأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً اليَوْمَ يَقُوْلُ بِوُجُوْبِ دِيَةٍ فِي مِثْلِ هَذَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَوَيْتُ لِلَبِيْدٍ نَحْواً مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا، فَيَتَعَجَّبُ مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا، ثُمَّ يَقُوْلُ: مَا ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَةِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا القُرْآنُ تَلَقَّيْتِهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ؛ وَهَذَا الشِّعْرُ وَالنَّسَبُ وَالأَخْبَارُ سَمِعْتِهَا مِنْ أَبِيْكِ وَغَيْرِهِ؛ فَمَا بِالُ الطِّبِّ؟ قَالَتْ: كَانَتِ الوُفُوْدُ تَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَشْكُو عِلَّةً، فَيَسْأَلُهُ عَنْ دَوَائِهَا، فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُم، وَفَهِمْتُهُ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ: ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ (2)   (1) تقدم تخريجه في الصفحة 187 ت (3) . (2) وبعده: يتأكلون مغالة وملاذة * ويعاب قائلهم وإن لم يشغب وهما في ديوانه ص 153 من قصيدة يرثي بها أخاه أربد. والاكناف: الجوانب والنواحي، والخلف، والخلف: ما جاء من بعد، يقال: هو خلف سوء من أبيه بتسكين اللام، وخلف صدق من أبيه بتحريكها: إذا قام مقامه. والملاذة مصدر: ملذه ملذا وملاذة، والملوذ: الذي لا يصدق في مودته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ لَبِيْداً، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا! قَالَ عُرْوَةُ: رَحِمَ اللهُ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ زَمَانَنَا هَذَا. قَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللهُ أَبِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا! قَالَ كَاتِبُهُ: سَمِعْنَاهُ مُسَلْسَلاً بِهَذَا القَوْلِ بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ. مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ عِصَامِ بنِ قُدَامَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجَمَلِ الأَدْبَبِ، يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيْرٌ، وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هَذَا الحَدِيْثُ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ. وَعِصَامٌ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: عَنْ أَبِي عَاصِمٍ العَبَادَانِيِّ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: بَاعَتْ عَائِشَةُ دَاراً لَهَا بِمائَةِ أَلْفٍ، ثُم قَسَمَتِ الثَّمَنَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ؟ فَقَالَ: قَسَمْتِ مائَةَ أَلْفٍ! وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا، أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُوَ يَحْجُرُ عَلَيَّ؟ للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ أَبَداً. فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا حَتَّى كَلَّمَتْهُ! فَأَعْتَقَتْ مائَةَ رَقَبَةٍ (3) . قُلْتُ: كَانَتْ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَكْرَمِ أَهْلِ زَمَانِهَا؛ وَلَهَا فِي السَّخَاءِ أَخْبَارٌ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.   (1) وتمام كلامه كما في " الاستيعاب " 13 / 94: وسائر الإسناد أشهر من أن يحتاج لذكره. وهو حديث صحيح تقدم تخريجه ص 177 ت (3) ، ولا يعبأ بقول من طعن فيه، ووهاه، ونفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستندا إلى شبهة واهية لا تثبت على النقد، فقد حكم بصحته غير واحد من جهابذة المحدثين ونقاده، وهم القدوة في هذا الباب، والمعول عليهم فيه. (2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى العبادي. (3) إسناده ضعيف لضعف أبي عاصم وشيخه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ رُمَيْثَةَ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَلَّمَنِي صَوَاحِبِي أَنْ أُكَلِّمَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ، فَيُهْدُوْنَ لَهُ حَيْثُ كَانَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ؛ وَإِنَا نُحِبُّ الخَيْرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ صَوَاحِبِي كَلَّمْنَنِي - وَذَكَرَتُ لَهُ -. فَسَكَتَ، فَلَمْ يُرَاجِعْنِي، فَكَلَّمْتُهُ فِيْمَا بَعْدُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً؛ كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ، ثُمَّ قَالَ: (لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنِّي -وَاللهِ- مَا نَزَلَ الوَحْيُ عَلَيَّ، وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي غَيْرِ عَائِشَةَ) . قُلْتُ: أَعُوْذُ بِاللهِ أَنْ أَسُوْءكَ فِي عَائِشَةَ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (1) . يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو العَنْبَسِ سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ، فَتَكَلَّمْتُ أَنَا. فَقَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟) . قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ (2) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، لَكَانَتْ عَائِشَةُ أَوْسَعُهُمْ عِلْماً (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَوَيْهَا قَالاَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً، ظَاهِرَةً، بَاطِنَةً) . فَعَجِبَ أَبَوَاهَا لِحُسْنِ دُعَائِهِ   (1) ورجاله ثقات خلا رميثة، فإنه لم يوثقها غير ابن حبان. ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 9، 10، ووافقه الذهبي. (2) سنده قوي، وصححه الحاكم 4 / 10، ووافقه الذهبي. (3) هو في " المستدرك " 4 / 11. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 لَهَا. فَقَالَ: (أَتَعْجَبَانِ؟ هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ) . أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: رَأَيْتُنِي عَلَى تَلٍّ، وَحَوْلِي بَقَرٌ تُنْحَرُ. قُلْتُ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ، لَتَكُوْنَنَّ حَوْلَكِ مَلْحَمَةٌ. قَالَتْ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ، بِئْسَ مَا قُلْتَ. فَقُلْتُ لَهَا: فَلَعَلَّهُ - إِنْ كَانَ - أَمْرٌ. قَالَتْ: لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، ذُكِرَ عِنْدَهَا أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَتَلَ ذَا الثُّدَيَّةِ. فَقَالَتْ لِي: إِذَا أَنْتَ قَدِمْتَ الكُوْفَةَ، فَاكْتُبْ لِي نَاساً مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ، فَوَجَدْتُ النَّاسَ أَشْيَاعاً، فَكَتَبتُ لَهَا مِنْ كُلِّ شِيْعَةٍ عَشْرَةً؛ فَأَتَيْتُهَا بِشَهَادَتِهِمْ. فَقَالَتْ: لَعَنَ اللهُ عَمْراً، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ. قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ (2) . رَوَى: مُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَعْلَمَهُمْ، وَأَحَسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ. قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، حَدَّثَنِي مَسْرُوْقٌ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُوْمَانَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدَةٌ، وَلَجَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: فَعَلَ اللهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ!   (1) 4 / 11، 12، وعلق عليه الذهبي بقوله: منكر على جودة إسناده. وهذا الحديث قد سقط كله من مطبوعة دمشق. (2) " المستدرك " 4 / 13، ووافقه الذهبي على تصحيحه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 فَقَالَتْ أُمُّ رُوْمَانَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي (1) فِيْمَنْ حَدَّثَ الحَدِيْثَ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا شَأْنُ هَذِهِ؟) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَخَذَتْهَا الحُمَّى بِنَافِضٍ (2) . قَالَ: (فَلَعَلَّ فِي حَدِيْثٍ تُحُدِّثَ بِهِ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَعَدَتْ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُوْنِي، وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ تَعْذِرُوْنِي؛ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوْبَ وَبَنِيْهِ: وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ. قَالَتْ: وَانْصَرَفَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهَا. قَالَتْ: بِحَمْدِ اللهِ، لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ، وَلاَ بِحَمْدِكَ (3) . صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ. 20 - أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ المَخْزُوْمِيَّةُ * (ع) السَّيِّدَةُ، المُحَجَّبَةُ، الطَّاهِرَةُ، هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ   (1) تصحف في المطبوع إلى " إنني " أما الأستاذ الأفغاني، فالتبس عليه الأصل، فقرأه " إنني " وأثبت بدلا منه " إنه "! ! (2) النافض: حمى الرعدة، يقال: أخذته حمى بنافض، وحمى نافض، وحمى نافض. (3) هو في " صحيح البخاري " 7 / 337 في المغازي: باب حديث الافك. وفي سند الحديث إشكال أبداه الخطيب البغدادي، ورده الحافظ في " الفتح " فراجعه. (*) مسند أحمد: 6 / 288، التاريخ لابن معين: 742، طبقات ابن سعد: 8 / 86 - 96، طبقات خليفة: 334، المعارف: 128، 136، الجرح والتعديل: 9 / 464، المستدرك: 4 / 16 - 19، الاستيعاب: 4 / 1920، أسد الغابة: 7 / 340، تهذيب الكمال: 1698، العبر: 1 / 65، مجمع الزوائد: 9 / 245، تهذيب التهذيب: 12 / 455، الإصابة: 13 / 221، خلاصة تذهيب الكمال: 496، كنز العمال: 13 / 699، شذرات الذهب: 1 / 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْم بنِ يَقَظَةَ بنِ مُرَّةَ المَخْزُوْمِيَّةُ، بِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ سَيْفِ اللهِ؛ وَبِنْتُ عَمِّ أَبِي جَهْلٍ بنِ هِشَامٍ. مِنْ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَخِيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ؛ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ، الرَّجُلِ الصَّالِحِ. دَخَلَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ. وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَباً، وَكَانَتْ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، فَوَجَمَتْ لِذَلِكَ، وَغُشِيَ عَلَيْهَا، وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً، لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلاَّ يَسِيْراً، وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ. وَلَهَا أَوْلاَدٌ صَحَابِيُّوْنَ: عُمَرُ، وَسَلَمَةُ، وَزَيْنَبُ. وَلَهَا جُمْلَةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ (1) ، وَمُجَاهِدٌ، وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعٌ مَوْلاَهَا، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. عَاشَتْ نَحْواً مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَأَبُوْهَا: هُوَ زَادُ الرَّاكِبِ (2) ، أَحَدُ الأَجْوَادِ، - قِيْلَ: اسْمُهُ حُذَيْفَةُ -. وَقَدْ وَهِمَ مَنْ سَمَّاهَا: رَمْلَةُ؛ تِلْكَ أُمُّ حَبِيْبَةَ.   (1) تحرف في المطبوع إلى " السماك ". (2) في " اللسان " وأزواد الركب من قريش: أبو أمية بن المغيرة، والاسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزي، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية عم عقبة، كانوا إذا سافروا، فخرج معهم الناس، فلم يتخذوا زادا معهم ولم يوقدوا، يكفونهم ويغنونهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَكَانَتْ تُعَدُّ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَرْبُوْعٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي إِلَى أَبِي قَطَنٍ فِي المُحَرَّمِ سنَةَ أَرْبَعٍ، فَغَابَ تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ فِي صَفَرٍ، وَجُرْحُهُ الَّذِي أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ مُنْتَقِضٌ؛ فَمَاتَ مِنْهُ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَحَلَّتْ أُمِّي فِي شَوَّالٍ، وَتَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فِي ذِي القَعْدَةِ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لأَبِي سَلَمَةَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوْتُ زَوْجُهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ، إِلاَّ جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا فِي الجَنَّةِ، فَتَعَالَ (2) أُعَاهِدْكَ أَلاَّ تَزَوَّجَ بَعْدِي، ولاَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَكِ. قَالَ: أَتُطِيْعِيْنَنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا مِتُّ تَزَوَّجِي، اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ يُحْزِنُهَا (3) وَلاَ يُؤْذِيْهَا. فَلَمَّا مَاتَ، قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَمَا لَبِثْتُ، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ عَلَى البَابِ فَذَكَرَ الخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيْهَا، أَوِ ابْنِهَا. فَقَالَتْ: أَرُدُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي. ثُمَّ جَاءَ الغَدُ، فَخَطَبَ (4) . عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ،   (1) ابن سعد 8 / 87. (2) تحرفت في المطبوع إلى " فقال "، وكذا " تزوج " إلى " تزوجي ". (3) تصحفت في المطبوع إلى " يخزيها ". (4) رجاله ثقات وأخرجه ابن سعد 8 / 88، وفيه: ثم جاء الغد، فذكر الخطبة، فقلت مثل ذلك، ثم قالت لوليها: إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوج، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَرَدَّتْهُ، ثُمَّ عُمَرُ، فَرَدَّتْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ، فَقَالَتْ: مَرْحَباً، أَخْبِرْ رَسُوْلَ اللهِ أَنِّي غَيْرَى، وَأَنِّي مُصْبِيَةٌ (1) ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِداً. فَبَعَثَ إِلَيْهَا: (أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي مُصْبِيَةٌ؛ فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيْكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى، فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم إِلاَّ سَيَرْضَى بِي) . قَالَتْ: يَا عُمَرُ، قُمْ، فَزَوِّجْ رَسُوْلَ اللهِ. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَا إِنِّي لاَ أَنْقُصُكِ مِمَّا أَعْطَيْتُ فُلاَنَةَ ... ) ، الحَدِيْثَ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَنِي، وَبَيْنَنَا حِجَابٌ، فَخَطَبَنِي. فَقُلْتُ: وَمَا تُرِيْدُ إِلَيَّ؟ مَا أَقُوْلُ هَذَا إِلاَّ رَغْبَةً لَكَ عَنْ نَفْسِي؛ إِنِّي   (1) غيرى: كثيرة الغيرة، ومصبية: ذات صبيان وأولاد صغار. (2) وتمامه: رحيين وجرتين ووسادة من أدم حشوها ليف. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها، فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييا كريما يستحيي فيرجع، فعل ذلك مرارا ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، قال: فأقبل ذات يوم وجاء عمار، وكان أخاها لامها، فدخل عليها، فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله، فدخل، فجعل يقلب بصره في البيت يقول: " أين زناب؟ ما فعلت زناب؟ " قالت: جاء عمار، فذهب بها. قال: فبنى رسول الله بأهله، ثم قال: " إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء ". أخرجه ابن سعد 8 / 90، وأحمد 6 / 313، 314، و317، والنسائي 6 / 81، 82 في النكاح: باب إنكاح الابن لامه، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 13 / 223، وصححه ابن حبان (1282) والحاكم 4 / 17، ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 امْرَأَةٌ قَدْ أَدْبَرَ مِنْ سِنِّي، وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ، وَأَنَا شَدِيْدَةُ الغَيْرَةِ، وَأَنْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ تَجْمَعُ النِّسَاءَ. قَالَ: (أَمَّا الغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللهُ، وَأَمَّا السِّنُّ فَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ، وَأَمَّا أَيْتَامُكِ فَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُوْلِهِ) . فَأَذِنْتُ، فَتَزَوَّجَنِي (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: فِيَّ خِصَالٌ ثَلاَثٌ: كَبِيْرَةٌ، وَمُطْفِلٌ، وَغَيُوْرٌ ... ، الحَدِيْثَ (2) . وَعَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، قَالَ: دَخَلَتْ أَيِّمُ العَرَبِ عَلَى سَيِّدِ المُسْلِمِيْنَ أَوَّلَ العِشَاءِ عَرُوْساً، وَقَامَتْ آخِرَ اللَّيْلِ تَطْحَنُ -يَعْنِي: أُمَّ سَلَمَةَ-. مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: (لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ -يَعْنِي: نِسَاءهُ- وَإِنْ شِئْتِ ثَلاَثاً، وَدُرْتُ؟) . قَالَتْ: ثَلاَثاً (3) . رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ عَبْدَ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالقَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَاهُ، أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرٍ   (1) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وهو في " الطبقات " 8 / 90. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 91، ورجاله ثقات، لكنه مرسل. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 529 في النكاح، باب المقام عند البكر، وهو مرسل، وأخرجه مسلم في صحيحه (1460) وأبو داود (2122) موصولا بذكر أم سلمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُخْبِرُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ المَدِيْنَةَ أَخْبَرَتْهُمْ: أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَكَذَّبُوْهَا، حَتَّى أَنْشَأَ نَاسٌ مِنْهُم الحَجَّ، فَقَالُوا: أَتَكْتُبِيْنَ إِلَى أَهْلِكِ؟ فَكَتَبَتْ مَعَهُمْ، فَرَجَعُوا، فَصَدَّقُوْهَا، وَازْدَادَتْ عَلَيْهِمْ كَرَامَةً. قَالَتْ: فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ، جَاءنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَطَبَنِي، فَقُلْتُ: مَا مِثْلِي يُنْكَحُ! قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا، فَجَعَلَ يَأْتِيْهَا، فَيَقُوْلُ: (أَيْنَ زُنَابُ؟) . حَتَّى جَاءَ عَمَّارٌ، فَاخْتَلَجَهَا (1) ، وَقَالَ: هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُوْلَ اللهِ. وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَينَ زُنَابُ؟) فَقِيْلَ: أَخَذَهَا عَمَّارٌ. فَقَالَ: (إِنِّي آتِيْكُمُ اللَّيْلَةَ) . قَالَتْ: فَوَضَعْتُ ثِفَالِي (2) ، وَأَخْرَجْتُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيْرٍ كَانَتْ فِي جَرَّتِي، وَأَخْرَجْتُ شَحْماً، فَعَصَدْتُهُ لَهُ، ثُمَّ بَاتَ، ثُمَّ أَصْبَحَ. فَقَالَ: (إِنَّ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ كَرَامَةً، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ؟ وَإِنْ أُسَبِّعْ لَكِ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي (3)) . قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هِيَ أَوَّلُ ظَعِيْنَةٍ دَخَلَتِ المَدِيْنَةَ مُهَاجِرَةً؛ فَشَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بَدْراً؛ وَوَلَدَتْ لَهُ: عُمَرَ، وَسَلمَةَ، وَزَيْنَبَ، وَدُرَّةَ. أَبُو أُسَامَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقُوْلُ؟ قَالَ: (قُوْلِي: اللَّهُمَّ   (1) اختلجها: انتزعها. (2) الثفال: ما وقيت به الرحى من الأرض. (3) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 93، 94. وأخرجه أحمد 6 / 307 من طريق عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح، أخبرني حبيب بن أبي ثابت ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى صَالِحَةً) . فَقُلْتُهَا، فَأَعْقَبَنِي اللهُ مُحَمَّداً (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ (2)) : أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ نَشِيْطٍ، عَنْ شَهْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ أُعَزِّيْهَا بِالحُسَيْنِ (3) . وَمِنْ فَضْلِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... } ، إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ، وَآتِيْنَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوْتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ} [الأَحْزَابُ: 32 - 34] .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 6 / 291، و306، ومسلم (919) في الجنائز: باب ما يقال عند المريض، وأبو داود (3115) في الجنائز: باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام، والترمذي (977) في الجنائز: باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده، والنسائي 4 / 4، 5 في الجنائز: باب كثرة الموت، وابن ماجة (1447) في الجنائز: باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، من طرق، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضرتم المريض أو الميت، فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: " قولي اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله " أعقبني " أي: بدلني وعوضني منه أي: في مقابلته عقبى حسنة، أي: بدلا صالحا. (2) رقم (2882) في الفتن وأشراط الساعة: باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت من طريق عبيد الله بن القبطية، قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم " فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته. (3) " المستدرك " 4 / 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فَهَذِهِ آيَاتٌ شَرِيْفَةٌ فِي زَوْجَاتِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ} ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً (1) . إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ قَالَ لامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الجَنَّةِ، فَلاَ تَزَوَّجِي بَعْدِي، فَإِنَّ المَرْأَةَ فِي الجَنَّةِ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَلِذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ؛ لأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الجَنَّةِ (2) . رَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، أَحَدُ العَشَرَةِ (3) . وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ كَانَ سَعِيْدٌ تُوُفِّيَ قَبْلَهَا بِأَعْوَامٍ، فَلَعَلَّهَا أَوْصَتْ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ عُوْفِيَتْ، وَتَقَدَّمَهَا هُوَ. وَرُوِيَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَهَا.   (1) إسناده حسن، وهو في تفسير ابن أبي حاتم فيما نقله الحافظ ابن كثير 3 / 483 من طريق زيد بن الحباب به. وعلق ابن كثير على قول عكرمة، فقال: فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن، فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك، ثم أورد الأحاديث فراجعه. والمباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء. فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. (2) رجاله ثقات، وأبو إسحاق هو السبيعي، وصلة: هو ابن زفر. (3) هو في " المستدرك " 4 / 19، عن محارب بن دثار قال: حدثني ابن لسعيد بن زيد أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد. خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ، حَزِنْتُ حُزْناً شَدِيْداً؛ لِمَا ذَكَرُوا لَنَا مِنْ جَمَالِهَا، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا، فَرَأَيْتُهَا -وَاللهِ- أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الحُسْنِ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ - وَكَانَتَا يَداً وَاحِدَةً -. فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ، إِنْ هَذِهِ إِلاَّ الغَيْرَةُ، مَا هِيَ كَمَا تَقُوْلِيْنَ، وَإِنَّهَا لَجَمِيْلَةٌ، فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ، فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ غَيْرَى (1) . مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنِ أُمِّ كُلْثُوْمٍ، قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَ لَهَا: (إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ وَحُلَّةً، وَإِنِّي أَرَاهُ قَدْ مَاتَ، وَلاَ أَرَى الهَدِيَّةَ إِلاَّ سَتُرَدُّ، فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَكِ) . قَالَتْ: فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَأَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوْقِيَّةٍ، وَأَعْطَى سَائِرَهُ أُمَّ سَلَمَةَ وَالحُلَّةَ (2) . القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ يَوْمَهَا، فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ (3) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 94. ومحمد بن عمرو هو الواقدي لا يحتج به. (2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 94 وإسناده ضعيف. (3) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وهو في " الطبقات " 8 / 95، وأخرجه أحمد 6 / 291، من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة. وسنده صحيح، وأخرج أبو داود (1942) في المناسك: باب التعجيل من جمع، من طريق هارون بن عبد الله، عن ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أرسل = سير 2 / 14 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 الوَاقِدِيُّ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: صَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ (1) . قُلْتُ: الوَاقِدِيُّ: لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ - وَلاَ سِيَّمَا وَقَدْ خُوْلِفَ. وَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) : أَنَّ عَبْدَ الله بنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ (2) . وَبَعْضُهُم أَرَّخَ مَوْتَهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَوَهِمَ أَيْضاً، وَالظَّاهِرُ وَفَاتُهَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَقَدْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ حَلَّتْ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَيَبْلُغُ مُسْنَدُهَا: ثَلاَثَ مائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً (3) . وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ لَهَا عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ.   = النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني عندها. وأخرج النسائي 5 / 272 في الحج: باب الرخصة في رمي جمرة العقبة للنساء قبل طلوع الشمس من طريق عمرو بن علي، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع، فتأتي جمرة العقبة، فترميها، وتصبح في منزلها. وكان عطاء يفعله حتى مات. (1) ابن سعد 8 / 96. (2) تقدم تخريجه ص 207 ت (2) . (3) حديثها في " المسند " 6 / 289 - 324. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 21 - زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بنِ رِيَابٍ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) وَابْنَةُ عَمَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أُمُّهَا: أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ. وَهِيَ أُخْتُ: حَمْنَةَ، وَأَبِي أَحْمَدَ. مِنَ المُهَاجِرَات الأُوَلِ. كَانَتْ عِنْدَ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَهِيَ الَّتِي يَقُوْلُ اللهُ فِيْهَا: {وَإِذْ تَقُوْلُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ (1) مَا اللهُ مُبْدِيْهِ وَتَخْشَى النَّاسَ، وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأَحْزَابُ: 370] فَزَوَّجَهَا اللهُ -تَعَالَى- بِنَبِيِّهِ بِنَصِّ كِتَابِهِ، بِلاَ وَلِيٍّ وَلاَ شَاهِدٍ، فَكَانَتْ تَفْخَرُ بِذَلِكَ عَلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَتَقُوْلُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيْكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ (2) .   (*) مسند أحمد: 6 / 324، طبقات ابن سعد: 8 / 101، 115، طبقات خليفة: 332، تاريخ خليفة: 149، المعارف: 215، 457، 555، تاريخ الفسوي: 2 / 722، و3 / 233، المستدرك: 4 / 25 23، الاستيعاب: 4 / 1849، أسد الغابة: 7 / 125، تهذيب الكمال: 1683، تاريخ الإسلام: 2 / 34، العبر: 1 / 5، 24، مجمع الزوائد: 9 / 246 248، تهذيب التهذيب: 12 / 421 420، الإصابة: 12 / 257، خلاصة تذهيب الكمال: 491، كنز العمال: 13 / 700، شذرات الذهب 1 / 10 و31. (1) الذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم: هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، وكان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الابطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أدعى لقبولهم، وقد أخرج الترمذي من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية. (2) أخرجه البخاري 13 / 347، 348 في التوحيد: باب (وكان عرشه على الماء) ، من طريق أنس، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اتق الله وأمسك عليك = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَفِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: كَانَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ (1) . وَكَانَتْ مِنْ سَادَةِ النِّسَاءِ دِيْناً، وَوَرَعاً، وَجُوْداً، وَمَعْرُوْفاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَحَدِيْثُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. رَوَى عَنْهَا: ابْنُ أَخِيْهَا؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَحْشٍ، وَأُمُّ المُؤْمِنِيْنَ أُمُّ حَبِيْبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ. وَأَرْسَلَ عَنْهَا: القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ. تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ خَصِيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ بَرْزَةَ بِنْتِ رَافِعٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْنَبَ بِعَطَائِهَا، فَقَالَتْ: غَفَرَ اللهُ لِعُمَرَ، غَيْرِي كَانَ أَقْوَى عَلَى قَسْمِ هَذَا. قَالُوا: كُلُّهُ لَكِ. قَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاسْتَتَرَتْ مِنْهُ بِثَوْبٍ، وَقَالَتْ: صُبُّوْهُ، وَاطْرَحُوا عَلَيْهِ ثَوْباً. وَأَخَذَتْ تُفَرِّقُهُ فِي رَحِمِهَا، وَأَيْتَامِهَا؛ وَأَعْطَتْنِي مَا بَقِيَ؛ فَوَجَدنَاهُ خَمْسَةً وَثَمَانِيْنَ دِرْهَماً. ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَهَا إِلَى السِّمَاءِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ يُدْرِكْنِي عَطَاءُ عُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا (2) . أَيُّوْبُ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَمَّا مَاتَتْ بِنْتُ جَحْشٍ، أَمَرَ عُمَرُ   = زوجك " قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على ازواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات. وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 103 من طريق عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: نزلت في زينب بنت جحش (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) قال: فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهلكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات. (1) أخرجه البخاري 13 / 384 من حديث أنس قال: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما، وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تقول: إن الله أنكحني في السماء. (2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 مُنَادِياً: أَلاَّ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلاَّ ذُوْ مَحْرَمٍ. فَقَالَتْ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَلاَ أُرِيْكَ شَيْئاً رَأَيْتُ الحَبَشَةَ تَصْنَعُهُ بِنِسَائِهِم؟ فَجَعَلَتْ نَعْشاً، وَغَشَّتْهُ ثَوْباً. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، وَأَسْتَرَهُ! فَأَمَرَ مُنَادِياً، فَنَادَى: أَنِ اخْرُجُوا عَلَى أُمِّكُم. رَوَاهُ: عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ (1) . وَهِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَسْرَعُكُنَّ لُحُوْقاً بِي: أَطْوَلُكُنَّ يَداً) . وَإِنَّمَا عَنَى: طُوْلَ يَدِهَا بِالمَعْرُوْفِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَداً. وَكَانَتْ زَيْنَبُ تَعْمَلُ وَتَتَصَدَّقُ. وَالحَدِيْثُ مُخَرَّجٌ فِي مُسْلِمٍ (2) . وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تُسَامِيْنِي فِي المَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً خَيْراً فِي الدِّيْنِ مِنْ زَيْنَبَ، أَتْقَى للهِ،   (1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 111، لكن سقط من إسناده فيه ابن عمر، فيستدرك من هنا. (2) رقم (2453) في فضائل الصحابة: باب من فضائل زينب أم المؤمنين، من طريق عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا " قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. قالت: فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق. وأخرج البخاري 3 / 226 من حديث عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: " أطولكن يدا " فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد إنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة، قال ابن الجوزي: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه، ولا أصحاب التعاليق، ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره، وقال: لحوق سودة به من أعلام النبوة. وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَأَصْدَقَ حَدِيْثاً، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (1) -. وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَسَمَ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ فِي العَامِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ؛ إِلاَّ جُوَيْرِيَةَ، وَصَفِيَّةَ، فَقَرَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ ذَلِكَ. قَالَهُ الزُّهْرِيُّ. ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ (2) يَقُوْلُ: سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً. فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ! فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ) . فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ ... } [التَّحْرِيْمُ: 1] ... ، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوْبَا} -يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ* -. {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} قَوْلَهَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً (3) .   (1) أخرجه مسلم (2422) في فضائل الصحابة، من طريق الزهري، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة في خبر مطول، وفيه: قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة ... وأخرجه أحمد 6 / 151 من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ: ولم أر امرأة خيرا منها، وأكثر صدقة، وأصول للرحم، وأبذل لنفسها في كل شيء يتقرب به إلى الله عزوجل من زينب ما عدا سورة من غرب حد كان فيها توشك منها الفيئة. (2) تحرف في المطبوع إلى عمر. (3) أخرجه البخاري 11 / 499 في الايمان والنذور: باب إذا حرم طعاما. و9 / 330، 331 في الطلاق: باب (لم تحرم ما أحل الله لك) ، ومسلم (1474) في الطلاق: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق وابن سعد 8 / 107، وأخرجه البخاري 8 / 503 في التفسير عن عائشة بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: " لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا " = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَعَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: أَطْعَمَ رَسُوْلُ اللهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ بِخَيْبَرَ مائَةَ وَسَقٍ. وَيُرْوَى عَنْ: عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ زَيْنَبَ، لَقَدْ نَالَتْ فِي الدُّنْيَا الشَّرَفَ الَّذِي لاَ يَبْلُغُهُ شَرَفٌ، إِنَّ اللهَ زَوَّجَهَا، وَنَطَقَ بِهِ القُرْآنُ، وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ لَنَا: (أَسْرَعُكُنَّ بِي لُحُوْقاً: أَطْوَلُكُنَّ بَاعاً) . فَبَشَّرَهَا بِسُرْعَةِ لُحُوْقِهَا بِهِ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الجَنَّةِ. قُلْتُ: وَأُخْتُهَا هِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، الَّتِي نَالَتْ مِنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الإِفْكِ، فَطَفِقَتْ تُحَامِي عَنْ أُخْتِهَا زَيْنَبَ (1) ، وَأَمَّا زَيْنَبُ، فَعَصَمَهَا اللهُ بِوَرَعِهَا. وَكَانَتْ حَمْنَةُ زَوْجَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَلَهَا هِجْرَةٌ.   = والمغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط، فيوضع في ثوب، ثم ينضح بالماء فيشرب، وله ريح منكرة. وثمت سبب آخر في نزول الآية، فقد أخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح فيما قاله الحافظ إلى مسروق قال: حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته، وقال: هي علي حرام، فنزلت الكفارة ليمينه، وأمر أن لا يحرم ما أحل الله له، وأخرج الضياء المقدسي في " المختارة " من مسند الهيثم بن كليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة: " لا تخبري أحدا إن أم إبراهيم علي حرام " قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأخرج الطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية ببيت حفصة، فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فذكر نحوه. وللطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته يطأ مارية، فعاتبته فذكر نحوه، قال الحافظ: وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا. وقد روى النسائي من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) الآية. (1) انظر " أسد الغابة " 7 / 69، 71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَقِيْلَ: بَلْ كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ؛ فَقُتِلَ عَنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا طَلْحَةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً، وَعِمْرَانَ. وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ (1) ، وَكَانَتْ أُخْتُهَا أُمُّ حَبِيْبَةَ تُسْتَحَاضُ أَيْضاً (2) . وَأُمُّهُنَّ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمَيْمَةُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِيْهَا: أُمُّ حَبِيْبٍ، وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَقَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ: أُمُّ حَبِيْبٍ، وَاسْمُهَا: حَبِيْبَةُ. وَأَمَّا ابْنُ عَسَاكِرَ، فَعِنْدَهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ، هِيَ حَمْنَةُ المُسْتَحَاضَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: بَنَاتُ جَحْشٍ: زَيْنَبُ، وَحَمْنَةُ، وَأُمُّ حَبِيْبَةَ، كُنَّ يَسْتَحِضْنَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَتْ حَمْنَةُ تَحْتَ مُصْعَبٍ؛ وَكَانَتْ أُمُّ حَبِيْبٍ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. وَفِي (المُوَطَّأ) وَهْمٌ، وَهُوَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقِيْلَ: هُمَا زَيْنَبَانِ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَزْوَاجِهِ: (يَتْبَعُنِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً) . فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا بَعْدَهُ نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الجِدَارِ، نَتَطَاوَلُ؛ فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيْرَةً، لَمْ تَكُنْ - رَحِمَهَا اللهُ - أَطْوَلَنَا؛ فَعَرَفْنَا أَنَّمَا أَرَادَ الصَّدَقَةَ.   (1) الاستحاضة: أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة، يقال: استحيضت، فهي مستحاضة. وحديثها مخرج في سنن أبي داود (287) وأحمد 6 / 439، والترمذي (128) وابن ماجه (627) والدارقطني ص 79، والحاكم 1 / 172، 173، والبيهقي 1 / 338، 339، وحسنه البخاري، وصححه أحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح. (2) أخرج حديثها مسلم في " صحيحه " (334) وأبو داود (279) و (288) والنسائي 1 / 83. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وَكَانَتْ صَنَاعَ اليَدِ، فَكَانَتْ تَدْبُغُ، وَتَخْرُزُ، وَتَصَدَّقُ (1) . الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ: قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ حِيْنَ حَضَرَتْهَا الوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ أَعْدَدْتُ كَفَنِي؛ فَإِنْ بَعَثَ لِي عُمَرُ بِكَفَنٍ، فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِهِمَا؛ وَإِنِ اسْتَطَعْتُم إِذْ أَدْلَيْتُمُوْنِي أَنْ تَصَدَّقُوا بِحَقْوَتِي، فَافْعَلُوْا (2) . وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ بِزَيْنَبَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ صَالِحَةً، صَوَّامَةً، قَوَّامَةً، بَارَّةً، وَيُقَالُ لَهَا: أُمُّ المَسَاكِيْنِ. سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِزَيْدٍ: (اذْكُرْهَا عَلَيَّ) . قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا زَيْنَبُ، أَبْشِرِيْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَرْسَلَ يَذْكُرُكِ. قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئاً حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي. فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ القُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ (3) . عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ: عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعُمَرَ: (إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ) . قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا الأَوَّاهَةُ؟ قَالَ: (الخَاشِعَةُ، المُتَضَرِّعَةُ) ؛ وَ {إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ لَحَلِيْمٌ أَوَّاهٌ مُنِيْبٌ} [هُوْدُ: 75] (4)   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 108 وسنده قوي، وصححه الحاكم 4 / 25، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 109، والواقدي ضعيف. (3) أخرجه مسلم (1428) في النكاح: باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، والنسائي 6 / 79 في النكاح: باب صلاة المرأة إذا خطبت، واستخارتها ربها، وأحمد 3 / 195. (4) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم هو مرسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وَلِزَيْنَبَ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا لَهَا عَلَى حَدِيْثَيْنِ (1) . وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجَحْشِيِّ، قَالَ: بَاعُوا مَنْزِلَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنَ الوَلِيْدِ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حِيْنَ هَدَمَ المَسْجِدَ. 22 - زَيْنَبُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهِلاَلِيَّةُ * فَتُدْعَى أَيْضاً: أُمَّ المَسَاكِيْنِ؛ لِكَثْرَةِ مَعْرُوْفِهَا أَيْضاً. قُتِلَ زَوْجُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَحْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلَكِنْ لَمْ تَمْكُثْ عِنْدَهُ إِلاَّ شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَتُوُفِّيَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَقِيْلَ: كَانَتْ أَوَّلاً عِنْدَ الطُّفَيْلِ بنِ الحَارِثِ. وَمَا رَوَتْ شَيْئاً. وَقَالَ النَّسَّابَةُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُرْجَانِيُّ: كَانَتْ عِنْدَ الطُّفَيْلِ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَخُوْهُ الشَّهِيْدُ: عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ المُطَّلِبِيُّ. وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ لأُمِّهَا. 23 - أُمُّ حَبِيْبَةَ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيَّةُ ** (ع) السَّيِّدَةُ المُحَجَّبَةُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ   (1) انظر البخاري 3 / 117، في الجنائز: باب إحداد المرأة على غير زوجها، و13 / 95 في الفتن ; باب يأجوج ومأجوج، ومسلم (1487) في الطلاق، باب وجوب الاحداد في عدة الوفاة و (2880) في أول الفتن. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 115 - 116، المعارف: 87، 135، 158، المستدرك: 4 / 33 - 34 ا - لاستيعاب: 4 / 1853، أسد الغابة: 7 / 129، العبر: 1 / 5، مجمع الزوائد: 9 / 248، الإصابة: 12 / 280، شذرات الذهب: 1 / 10 (* *) مسند أحمد: 6 / 325 و425، طبقات ابن سعد: 8 / 96 - 100، التاريخ لابن معين: 736، طبقات خليفة: 332، تاريخ خليفة: 79، 86، المعارف: 136، 344، تاريخ = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ. مُسْنَدُهَا: خَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَاتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى حَدِيْثَيْنِ، وَتَفَرَّدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (1) . وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ عَمِّ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَباً (2) إِلَيْهِ مِنْهَا، وَلاَ فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقاً مِنْهَا، وَلاَ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَهِيَ نَائِيَةُ الدَّارِ أَبْعَدُ مِنْهَا. عُقِدَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَبَشَةِ، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ صَاحِبُ الحَبَشَةِ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَجَهَّزَهَا بِأَشْيَاءَ. رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَخَوَاهَا؛ الخَلِيْفَةُ مُعَاوِيَةُ، وَعَنْبَسَةُ، وَابْنُ أَخِيْهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ، وَأَبُو المَلِيْحِ عَامِرٌ الهُذَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   = الفسوي: 3 / 318، الجرح والتعديل: 9 / 461، المستدرك: 4 / 20 - 23، الاستيعاب: 4 / 1843، ابن عساكر: 19 / 205 / 1، أسد الغابة: 7 / 115، تهذيب الكمال: 1682، تاريخ الإسلام: 2 / 253، مجمع الزوائد: 9 / 249، تهذيب التهذيب: 12 / 419، الإصابة: 12 / 260، خلاصة تذهيب الكمال: 491، شذرات الذهب: 1 / 54. (1) انظر البخاري 9 / 137 في النكاح: باب (وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف) و9 / 432 في الطلاق: باب الكحل للحادة: ومسلم (1949) في الرضاع: باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، و (1486) في الطلاق: باب وجوب الاحداد، و (728) في صلاة المسافرين: باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، و (1292) في الحج: باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس. (2) تحرفت في المطبوع إلى " نساء ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَقَدِمَتْ دِمَشْقَ زَائِرَةً أَخَاهَا. وَيُقَالُ: قَبْرُهَا بِدِمَشْقَ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ، بَلْ قَبْرُهَا بِالمَدِيْنَةِ، وَإِنَّمَا الَّتِي بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيْرِ: أُمُّ سَلَمَةَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيَّةُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَدَ أَبُو سُفْيَانَ: حَنْظَلَةَ المَقْتُوْلَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَأُمَّ حَبِيْبَةَ، تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا الَّذِي هَاجَرَ بِهَا إِلَى الحَبَشَةِ: عُبَيْدُ (1) اللهِ بنُ جَحْشِ بنِ رِيَابٍ الأَسَدِيُّ مُرْتَدّاً مُتَنَصِّراً. عُقِدَ عَلَيْهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَبَشَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَكَانَ الوَلِيُّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ (2) - كَذَا قَالَ -. وَعَنْ عُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ وَلَدَتْ حَبِيْبَةَ بِمَكَّةَ، قَبْلَ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ (3) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُ عَلَيْهِ أُمَّ حَبِيْبَةَ، فَأَصْدَقَهَا مِنْ عِنْدِهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ (4) . وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَآخَرَ، قَالاَ: كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا، وَخَطَبَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ: خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ، فَكَانَ لَهَا يَوْمَ قَدِمَ بِهَا المَدِيْنَةَ بِضْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً (5) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " عبد ". (2) انظر " المستدرك " 4 / 20، و" الاستيعاب " 13 / 4. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 97 من طريق الواقدي. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 98، 99، والحاكم 4 / 22 من طريق الواقدي. (5) أخرجه ابن سعد 8 / 99 من طريق الواقدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 اللهِ، وَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ تَزَوَّجَهَا بِالحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا إِيَّاهُ النَّجَاشِيُّ، وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ؛ وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ، وَجَهَازُهَا كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا بِالحَبَشَةِ عُثْمَانُ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ عُبَيْدَ اللهِ زَوْجِي بِأَسَوَأِ صُوْرَةٍ وَأَشْوَهِهَا؛ فَفَزِعْتُ، وَقُلْتُ: تَغِيَّرَتْ - وَاللهِ - حَالُهُ! فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ حَيْثُ أَصْبَحَ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي الدِّيْنِ، فَلَمْ أَرَ دِيْناً خَيْراً مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلْتُ فِي دِيْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَجَعْتُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالرُّؤْيَا، فَلَمْ يَحْفِلْ بِهَا؛ وَأَكَبَّ عَلَى الخَمْرِ. قَالَتْ: فَأُرِيْتُ قَائِلاً يَقُوْلُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ. فَفَزِعْتُ؛ فَأَوَّلْتُهَا: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَزَوَّجُنِي. وَذَكَرَتِ القِصَّةَ بِطُوْلِهَا، وَهِيَ مُنْكَرَةٌ (2) . حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ} [الأَحْزَابُ: 33] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً (3) . إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَسِيَاقُ الآيَاتِ دَالٌّ عَلَيْهِ.   (1) إسناده صحيح، أخرجه أبو داود (2107) في النكاح: باب الصداق، والنسائي 6 / 119 في النكاح: باب القسط في الأصدقة، وأحمد 6 / 427. (2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 97 و" المستدرك " 4 / 20، 22. (3) إسناده حسن، وقد تقدم تخريجه ص 208 تعليق رقم (1) وانظر تفسير ابن كثير 3 / 483. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ لَمَّا جَاءَ أَبُوْهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُؤَكِّدَ عَقْدَ الهُدْنَةِ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَمَنَعَتْهُ أَنْ يَجلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَكَانِ الشِّرْكِ (1) . وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأُمِّ حَبِيْبَةَ، فَمَا صَحَّ. وَلَكِنَّ الحَدِيْثَ فِي مُسْلِمٍ (2) ، وَحَمَلَهُ الشَّارِحُوْنَ عَلَى الْتِمَاسِ تَجْدِيْدِ العَقْدِ. وَقِيْلَ: بَلْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِابْنَتِهِ الأُخْرَى، وَاسْمُهَا عَزَّةُ، فَوَهِمَ رَاوِي الحَدِيْثِ، وَقَالَ أُمَّ حَبِيْبَةَ (3) . وَقَدْ كَانَ لأُمِّ حَبِيْبَةَ حُرْمَةٌ وَجَلاَلَةٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي دَوْلَةِ أَخِيْهَا؛ وَلِمَكَانِهِ مِنْهَا. قِيْلَ لَهُ: خَالُ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالفَسَوِيُّ: مَاتَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. وَشَذَّ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، فَقَالَ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِسَنَةٍ. الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ نِكَاحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَتَهُ، قَالَ: ذَاكَ الفَحْلُ لاَ يُقْرَعُ أَنْفُهُ (4) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 99، 100 من طريق الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري. (2) رقم (2501) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان بن حرب، وقد أعله غير واحد من الأئمة، وفصل القول فيه ابن القيم في " جلاء الافهام ": 185، 195 ثم قال: فالصواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم. (3) لكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها لقال: إنها لا تحل لي، كما قال ذلك لام حبيبة، وقد كان مكان " عزة " بياض في الأصل، استدركناه من " جلاء الافهام ". (4) أخرجه ابن سعد 8 / 99، والحاكم 4 / 22، وقوله: ذاك الفحل لا يقرع أنفه، أي أنه كفء كريم لا يرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ المَدِيْنَةَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيْدُ غَزْوَ مَكَّةَ، فَكَلَّمَهُ فِي أَنْ يَزِيْدَ فِي الهُدْنَةِ، فَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ، فَقَامَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَوَتْهُ دُوْنَهُ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ! أَرَغِبْتِ بِهَذَا الفِرَاشِ عَنِّي، أَمْ بِي عَنْهُ؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُوْلِ اللهِ، وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ! لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ (1) . قَالَ عَطَاءٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شَوَّالٍ، أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَهَا أَنْ تَنْفُرَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: دَعَتْنِي أُمُّ حَبِيْبَةَ عِنْدَ مَوْتِهَا، فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَكُوْنُ بَيْنَنَا مَا يَكُوْنُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ، فَغَفَرَ اللهُ لِي وَلَكِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: سَرَرْتِنِي - سَرَّكِ اللهُ -. وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ. 24 - أُمُّ أَيْمَنَ الحَبَشِيَّةُ بَرَكَةُ مَوْلاَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَاضِنَتُهُ * (ق) وَرِثَهَا مِنْ أَبِيْهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا   (1) " طبقات ابن سعد " 8 / 99، 100 (2) أخرجه مسلم (1292) في الحج: باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى قبل زحمة الناس، وابن سعد 8 / 100. وجمع: علم للمزدلفة وابن شوال هو سالم مولى أم حبيبة. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 100، والحاكم 4 / 22، 23. (*) مسند أحمد: 6 / 421، طبقات ابن سعد: 8 / 223 - 227، طبقات خليفة: 331، المعارف: 144، 145، 150، 164، 239، الجرح والتعديل: 9 / 461، المستدرك: 4 / 63، 64، الاستيعاب: 4 / 1793، أسد الغابة: 7 / 37، تهذيب الكمال: 1678، العبر: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 عِنْدَمَا تَزَوَّجَ بِخَدِيْجَةَ. وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. اسْمُهَا: بَرَكَةٌ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ الخَزْرَجِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، وَلأَيْمَنَ هِجْرَةٌ وَجِهَادٌ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ لَيَالِيَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رُوِيَ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ مُرْسَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لأُمِّ أَيْمَنَ: (يَا أُمَّه) . وَيَقُوْلُ: (هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي (1)) . جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ القَاسِمِ، قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِالمُنْصَرَفِ دُوْنَ الرَّوْحَاءِ، فَعَطِشَتْ، وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ وَهِيَ صَائِمَةٌ، وَجَهِدَتْ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَاءِ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ، فَشَرِبَتْ، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: مَا أَصَابَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَطَشٌ، وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَشِ بِالصَّوْمِ فِي الهَوَاجِرِ، فَمَا عَطِشْتُ (2) . قَالَ فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ: عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تُلْطِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَتَزَوَّجْ أُمَّ أَيْمَنَ) .   = 1 / 13، 59، مجمع الزوائد: 9 / 258، تهذيب التهذيب: 12 / 459 - 460، الإصابة: 13 / 177، خلاصة تدهيب الكمال: 497، شذرات الذهب: 1 / 15. (1) أخرجه ابن سعد 8 / 223، والحاكم 4 / 63 من طريق الواقدي. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 224 وعنه الحافظ في " الإصابة " 13 / 178، ورجاله ثقات لكنه منقطع. وقد تحرفت في المطبوع " فدلي " إلى " فنزل ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا زَيْدٌ (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ: جَاءتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، احْمِلْنِي. قَالَ: (أَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ؟) . قَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يُطِيْقُنِي، وَلاَ أُرِيْدُهُ. قَالَ: (لاَ أَحْمِلُكِ إِلاَّ عَلَيْهِ) يَعْنِي: يُمَازِحُهَا (2) . الوَاقِدِيُّ: عَنْ عَائِذِ بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ: أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ قَالَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ: سَبَّتَ اللهُ أَقْدَامَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْكُتِي، فَإِنَّكِ عَسْرَاءُ اللِّسَانِ (3)) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: دَخَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: سَلاَمَ لاّ عَلَيْكُمْ. فَرَخَّصَ لَهَا أَنْ تَقُوْلَ: السَّلاَمُ (4) . مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ: إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَالِهِ النَّخْلاَتِ، حَتَّى فُتِحَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيْرُ، فَجَعَلَ يَرُدُّ. وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ، أَوْ بَعْضُهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ أَعْطَى ذَاكَ أُمَّ أَيْمَنَ، فَسَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِيْهِنَّ. فَجَاءتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي، وَجَعَلَتْ تَقُوْلُ: كَلاَّ -وَاللهِ- لاَ يُعْطِيْكَهُنَّ، وَقَدْ أَعْطَانِيْهِنَّ. فَقَالَ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 224 من طريق عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق. وتلطف: أي تتحفه وتكرمه وتبر به. ورجاله ثقات لكنه منقطع. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، ثم هو مرسل. وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 224 وتمامه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، والابل كلها ولد الناقة. (3) ابن سعد 8 / 225. (4) ابن سعد 8 / 224. سير 2 / 15 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَكِ كَذَا) . وَتَقُوْلُ: كَلاَّ -وَاللهِ- ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، إِذْ دَخَلَ الحَجَّاجُ بنُ أَيْمَنَ، فَصَلَّى صَلاَةً لَمْ يُتِمَّ رُكُوْعَهَا، وَلاَ سُجُوْدَهَا. فَدَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَتَحْسِبُ أَنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ؟ إِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَعُدْ لِصَلاَتِكَ. فَلَمَّا وَلَّى! قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: الحَجَّاجُ بنُ أَيْمَنَ بنِ أُمِّ أَيْمَنَ. فَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَحَبَّهُ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ حِيْنَ مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيْلَ لَهَا: أَتَبْكِيْنَ؟ قَالَتْ: وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَمُوْتُ؛ وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الوَحْيِ إِذِ انْقَطَعَ عَنَّا مِنَ السِّمَاءِ (3) . وَرَوَى: قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ، بَكَتْ أُمُّ أَيْمَنَ،   (1) إسناده صحيح، وهو في طبقات ابن سعد 8 / 225، وتمامه: أو كالذي قالت. ويقول: لك كذا، الذي أعطاها، حسبت أنه قال: عشرة أمثاله، أو قريبا من عشرة أمثاله، أو كما قال. وأخرجه البخاري 7 / 316 في المغازي: باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الاحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومسلم (1771) (71) في الجهاد والسير: باب رد المهاجرين إلى الانصار منائحهم، كلاهما من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس رضي الله عنه. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 225 من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد به، ورجاله ثقات، والزيادتان منه. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 226 وإسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2454) في فضائل الصحابة، وابن ماجة (1635) في الجنائز، وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 68، ثلاثتهم من طريق سليمان بن المغيرة بن ثابت، عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَتْ: اليَوْمَ وَهَى الإِسْلاَمُ. وَبَكَتْ حِيْنَ قُبِضَ النَّبِيُّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَلَهَا فِي (مُسندِ بَقِيٍّ) خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ. 25 - حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) السِّتْرُ الرَّفِيْعُ، بِنْتُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ (2) ، أَحَدِ المُهَاجِرِيْنَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيْنِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرُوِيَ: أَنَّ مَوْلِدَهَا كَانَ قَبْلَ المَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِيْنَ، فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ دُخُوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا وَلَهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً. رَوَتْ عَنْهُ: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهَا: أَخُوْهَا؛ ابْنُ عُمَرَ، وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ بِسِتِّ سِنِيْنَ؛ وَحَارِثَةُ بنُ   (1) إسناده صحيح وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 226. (*) مسند أحمد: 6 / 283، طبقات ابن سعد: 8 / 81 - 86، طبقات خليفة: 334، تاريخ خليفة: 66، المعارف: 135، 158، 184، 550، المستدرك: 4 / 14 - 15، الاستيعاب: 4 / 1811، أسد الغابة: 7 / 65، تهذيب الكمال: 1680، تاريخ لاسلام: 2 / 220، العبر: 1 / 5، 50، مجمع الزوائد: 9 / 244، تهذيب التهذيب: 12 / 411 - 412، الإصابة: 12 / 197، خلاصة تذهيب الكمال: 490، كنز العمال: 13 / 697، شذرات الذهب: 1 / 10 و16. (2) كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد إلى المدينة، وشهد بدرا واحدا، وأصابه بأحد جراحة فمات رضي الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وَهْبٍ، وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ (1) ، وَالمُطَّلِبُ بنُ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ الجُمَحِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَتْ لَمَّا تَأَيَّمَتْ، عَرَضَهَا أَبُوْهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ؛ وَعَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: بَدَا لِي أَلاَّ أَتَزَوَّجَ اليَوْمَ. فَوَجَدَ عَلَيْهِمَا، وَانْكَسَرَ، وَشَكَا حَالَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (يَتَزَوَّجُ حَفْصَةَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ؛ وَيَتَزَوَّجُ عُثْمَانُ مَنْ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حَفْصَةَ) . ثُمَّ خَطَبَهَا، فَزَوَّجَهُ عُمَرُ (2) . وَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ عُثْمَانَ بِابْنَتِهِ رُقَيَّةَ بَعْدَ وَفَاةِ أُخْتِهَا. وَلَمَّا أَنْ زَوَّجَهَا عُمَرُ، لَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: لاَ تَجِدْ عَلَيَّ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَدْ ذَكَرَ حَفْصَةَ؛ فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّهُ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَتَزَوَّجْتُهَا (3) . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيْقَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا بِأَمْرِ جِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ: (إِنَّهَا صَوَّامَةٌ، قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ) (4) .   (1) هو شتير بن شكل العبسي أبو عيسى الكوفي ثقة من الطبقة الثالثة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن، وقد زاد الأستاذ الابياري واوا بين شتير وشكل، فأخطأ، فإن شكلا هو والد شتير وهو صحابي من رهط حذيفة بن اليمان، حديثه في الكوفيين. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 82 والبخاري 9 / 152، 153 في النكاح: باب عرض الإنسان بنته أو أخته على أهل الخير. (3) أخرجه البخاري 9 / 152، 153 وهو قطعة من الحديث السابق. (4) حديث صحيح، أخرجه أبو داود (2283) وابن ماجة (2016) من حديث عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ". وأخرجه النسائي 6 / 213 من حديث ابن عمر وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 15 من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، أنبأنا أبوعمران = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. يَرْوِيْهِ: مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ. وَحَفْصَةُ، وَعَائِشَةُ: هُمَا اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيْهِمَا: {إِنْ تَتُوْبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيْلُ ... } الآيَةَ (1) ، [التَّحْرِيْمُ: 4] . مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: طَلَّقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَفْصَةَ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللهُ بِعُمَرَ، وَابْنَتِهِ. فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ مِنَ الغَدِ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ رَحْمَةً لِعُمَرَ (2) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. تُوُفِّيَتْ حَفْصَةُ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، عَامَ الجَمَاعَةِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا وَالِي المَدِيْنَةِ مَرْوَانُ. قَالَهُ: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ (3) .   = الجوني، عن قيس بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل عليه السلام " راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة " ورجاله ثقات، غير قيس بن زيد فإنه تابعي صغير مجهول، وفي المتن وهم سيذكر ص 231 ت (1) وفي الباب عن أنس عند الحاكم 4 / 15، وفي سنده الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وذكره الهيثمي وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه جماعة لم أعرفهم، وعن عمار بن ياسر عند البزاز والطبراني كما في " المجمع " 9 / 244. (1) أخرجه البخاري 8 / 504 في التفسير: باب (تبتغي مرضاة أزواجك) . ومسلم (1474) في الطلاق: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته. (2) أخرجه الطبراني في " الكبير " وقد تقدم قريبا. (3) ابن سعد 8 / 86. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وَمُسْنَدُهَا فِي كِتَابِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ: سِتُّوْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَ لَهَا الشَّيْخَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ (1) . وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ: أَنَّ حَفْصَةَ وُلِدَتْ إِذْ قُرَيْشٌ تَبْنِي البَيْتَ (2) . وَقِيْلَ: بَنَى بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ فِيْمَنْ حَمَلَ سَرِيْرَ حَفْصَةَ؛ وَحَمَلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَارِ المُغِيْرَةِ إِلَى قَبْرِهَا (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ قَيْسِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ حَفْصَةَ؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالاَهَا؛ قُدَامَةُ، وَعُثْمَانُ، فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: وَاللهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبْعٍ. وَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (قَالَ   (1) ما اتفقا عليه هو في " البخاري " 2 / 83، 84 في الاذان: باب الاذان بعد الفجر. ومسلم (723) في صلاة المسافرين: باب استحباب ركعتي سنة الفجر. والبخاري 4 / 29 في الحج: باب ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم (1200) في الحج: باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، والبخاري 3 / 342 في الحج: باب التمتع والقران والافراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، ومسلم (1229) في الحج: باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحج المفرد، وما انفرد به مسلم هو عنده (733) في صلاة المسافرين و (1107) في الصيام، و (1490) (63) في الطلاق و (2883) في الفتن و (2932) في الفتن. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 81، والحاكم 4 / 14، 15 من طريق الواقدي. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 86، والحاكم 4 / 15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 لِي جِبْرِيْلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإَنَّهَا صَوَّامَةٌ، قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الجَنَّةِ (1)) . وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ كَلاَمِ جِبْرِيْلَ: الحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً (2) . 26 - صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بنِ أَخْطَبَ بنِ سَعْيَةَ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) مِنْ سِبْطِ اللاَّوِي بنِ نَبِيِّ اللهِ إِسْرَائِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ - عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ - ثُمَّ مِنْ ذُرِّيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ هَارُوْنَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-. تَزَوَّجَهَا قَبْلَ إِسْلاَمِهَا: سَلاَمُ بنُ أَبِي الحُقَيْقِ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: كِنَانَةُ بن أَبِي الحُقَيْقِ، وَكَانَا مِنْ شُعَرَاءِ اليَهُوْدِ، فَقُتِلَ كِنَانَةُ يَوْم خَيْبَرَ عَنْهَا، وَسُبِيَتْ، وَصَارَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ. فَقِيْلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهَا؛ وَأَنَّهَا لاَ يَنْبِغِي أَنْ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 84، والحاكم 4 / 15 والطبراني كما في " المجمع " 9 / 245، وقيس بن زيد تابعي صغير مجهول، وباقي رجاله ثقات، وقول الهيثمي في " المجمع ": ورجاله رجال الصحيح، وهم منه، وقد تحرف في المطبوع زيد إلى يزيد. ثم إن في المتن وهما فإن عثمان وهو ابن مظعون مات قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، لأنه مات قبل أحد بلا خلاف، وزوج حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم مات أحد، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد. (2) هو في " المستدرك " 4 / 15، وإسناده ضعيف لضعف الحسن بن أبي جعفر وهو الجفري، لكن الحديث صحيح بشواهده كما تقدم. (*) مسند أحمد: 6 / 336، طبقات ابن سعد: 8 / 120 - 129، تاريخ خليفة: 82، 83، 86، المعارف: 138، 215، المستدرك: 4 / 28 - 29، الاستيعاب: 4 / 1871، جامع الأصول: 9 / 143، أسد الغابة: 7 / 169، تهذيب الكمال: 1686، تايخ الإسلام: 2 / 228، العبر: 1 / 8، 56، مجمع الزوائد: 9 / 250، تهذيب التهذيب: 12 / 429، الإصابة: 13 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 492، كنز العمال: 13 / 637، 704، شذرات الذهب: 1 / 12 و56. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 تَكُوْنَ إِلاَّ لَكَ. فَأَخَذَهَا مِنْ دِحْيَةَ، وَعَوَّضَهُ عَنْهَا سَبْعَةَ أَرْؤُسٍ (1) . ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا طَهُرَتْ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا (2) . حَدَّثَ عَنْهَا: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، وَكِنَانَةُ مَوْلاَهَا، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَتْ شَرِيْفَةً، عَاقِلَةً، ذَاتَ حَسَبٍ، وَجَمَالٍ، وَدِيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: رَوَيْنَا أَنَّ جَارِيَةً لِصَفِيَّةَ أَتَتْ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إِنَّ صَفِيَّةَ تُحِبُّ السَّبْتَ، وَتَصِلُ اليَهُوْدَ. فَبَعَثَ عُمَرُ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: أَمَّا السَّبْتُ، فَلَمْ أُحِبَّهُ مُنْذُ أَبْدَلَنِي اللهُ بِهِ الجُمُعَةَ؛ وَأَمَّا اليَهُوْدُ، فَإِنَّ لِي فِيْهِمْ رَحِماً، فَأَنَا أَصِلُهَا. ثُمَّ قَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى   (1) أخرجه أحمد 3 / 123 و246، ومسلم (1365) (87) في النكاح: باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، وأبو داود (2997) في الخراج والامارة: باب ما جاء في سهم الصفي، وابن سعد 8 / 122 كلهم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البنائي، عن أنس بن مالك، وأخرجه مسلم (1365) (84) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: جمع السبي (يعني بخيبر) فجاءه دحية فقال: يا رسول الله! أعطني جارية من السبي، فقال: " أذهب فخذ جارية " فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله: أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك. قال: " ادعوه بها ". قال: فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خذ جارية من السبي غيرها " قال: وأعتقها وتزوجها. وأخرجه البخاري 7 / 360 في المغازي: باب غزوة خيبر من طريق حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس وفيه: وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (2) أخرجه من حديث أنس " البخاري " 7 / 360 في المغازي: باب غزوة خيبر و9 / 111 في النكاح: باب من جعل عتق الأمة صداقها، و (205) في النكاح: باب الوليمة ولو بشاة، ومسلم (1365) (85) في النكاح: باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها. وأبو داود (2054) ، والترمذي (1115) والنسائي 6 / 114. وعبد الرزاق 7 / 269. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 مَا صَنَعْتِ؟ قَالَتِ: الشَّيْطَانُ. قَالَتْ: فَاذْهَبِي، فَأَنْتِ حُرَّةٌ (1) . وَقَدْ مَرَّ فِي المَغَازِي: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ بِهَا، وَصَنَعَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَرَكَّبَهَا وَرَاءهُ عَلَى البَعِيْرِ، وَحَجَبَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ البَعِيْرَ تَعَسَ بِهِمَا، فَوَقَعَا، وَسَلَّمَهُمَا اللهُ -تَعَالَى (2) -. وَفِي (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) : مِنْ طَرِيْقِ هَاشِمِ بنِ سَعِيْدٍ الكُوْفِيِّ، حَدَّثَنَا كِنَانَةُ، حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ كَلاَمٌ، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: (أَلاَ قُلْتِ: وَكَيْفَ تَكُوْنَانِ خَيْراً مِنِّي، وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ، وَأَبِي هَارُوْنُ، وَعَمِّي مُوْسَى) . وَكَانَ بَلَغَهَا، أَنَّهُمَا قَالَتَا: نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا، نَحْنُ أَزْوَاجُهُ، وَبَنَاتُ عَمِّهِ (3) . قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: حَدَّثَتْنِي سُمَيَّةُ - أَوْ شُمَيْسَةُ - عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ بِنِسَائِهِ، فَبَرَكَ بِصَفِيَّةَ جَمَلُهَا؛ فَبَكَتْ، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخْبَرُوْهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوْعَهَا بِيَدِهِ، وَهِيَ تَبْكِي، وَهُوَ يَنْهَاهَا. فَنَزَلَ   (1) " الاستيعاب " 13 / 65. (2) انظر " طبقات ابن سعد " 8 / 122، 123 و" صحيح مسلم " (1365) (87) في النكاح، وقوله: تعس أي عثر. ورواية مسلم: " فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله وندرت " أي سقطا. (3) أخرجه الترمذي (3892) في المناقب، والحاكم 4 / 29، وإسناده ضعيف لضعف هاشم بن سعيد الكوفي، وباقي رجاله ثقات، لكن يشهد له حديث أنس عند أحمد 3 / 135، 136، والترمذي (3894) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة. وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ؛ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّوَاحِ، قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: (أَفْقِرِي أُخْتَكِ جَمَلاً) - وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِهِنَّ ظَهْراً -. فَقَالَتْ: أَنَا أُفْقِرُ يَهُوْدِيَّتَكَ! فَغَضِبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُكَلِّمْهَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ؛ فَلَمْ يَأْتِهَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَيَئِسَتْ مِنْهُ. فَلَمَّا كَانَ رَبِيْعٌ الأَوَّلُ دَخَلَ عَلَيْهَا؛ فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا أَصْنَعُ؟ قَالَ: وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ تَخْبَؤُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَتْ: هِيَ لَكَ. قَالَ: فَمَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سَرِيْرِهَا، وَكَانَ قَدْ رُفِعَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ، وَرَضِيَ عَنْ أَهْلِهِ (1) . الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، لَيْسَ مِنْ نِسَائِكَ أَحَدٌ إِلاَّ وَلَهَا عَشِيْرَةٌ؛ فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ، فَإِلَى مَنْ أَلْجَأُ؟ قَالَ: (إِلَى عَلِيٍّ (2)) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. هَذَا غَرِيْبٌ.   (1) أخرجه أحمد في " المسند " 6 / 337، 338. وشمسية أو سمية لا تعرف، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 126، 127، من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شميسة عن عائشة بنحوه، وقوله: أفقري أختك، أي: أعيريها إياه للركوب، ومنه حديث جابر أنه اشترى منه بعيرا وأفقره ظهره إلى المدينة، مأخوذ من ركوب فقار الظهر، وهو خرزاته، والواحدة فقارة. (2) إسناده ضعيف جدا، الحسين بن الحسن هو الاشقر الكوفي، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي، ومالك بن مالك: قال البخاري في التاريخ الكبير 7 / 311 بعد أن أورد حديثه هذا: ولا يعرف مالك إلا بهذا الحديث الواحد، ولم يتابع عليه، وترجمه المؤلف في " ميزانه " وقال: لا يدرى من هو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 قِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسِيْنَ (1) . وَكَانَتْ صَفِيَّةُ ذَاتَ حِلْمٍ، وَوَقَارٍ. مَعْنٌ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ، قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ: وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي بِكَ بِي. فَغَمَزَهَا أَزْوَاجُهُ؛ فَأَبْصَرَهُنَّ، فَقَالَ: (مَضْمِضْنَ) . قُلْنَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: (مِنْ تَغَامُزِكُنَّ بِهَا، وَاللهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ (2)) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: قَالَتْ صَفِيَّةُ: رَأَيْتُ كَأَنِّي، وَهَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ، وَمَلَكٌ يَسْتُرُنَا بِجَنَاحَيْهِ. قَالَ: فَرَدُّوا عَلَيْهَا رُؤْيَاهَا، وَقَالُوا لَهَا فِي ذَلِكَ قَوْلاً شَدِيْداً (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، وَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، حَتَّى تُهَيِّئَهَا، وَتَصْنَعَهَا، وَتَعْتَدَّ عِنْدهَا. فَكَانَتْ وَلِيْمَتُهُ: السَّمْنَ، وَالأَقِطَ، وَالتَّمْرَ؛ وَفُحِصَتِ الأَرْضُ أَفَاحِيْصَ، فَجُعِلَ فِيْهَا الأَنْطَاعُ، ثُمَّ جُعِلَ ذَلِكَ فِيْهَا (4) .   (1) والثاني هو الصحيح لان علي بن الحسين قد سمع منها حديث زيارتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في اعتكافه في المسجد، وهو مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم. وقد صرح بسماعه منها هذا الحديث في رواية ابن حبان. وعلي بن الحسين إنما ولد بعد سنة أربعين أو نحوها. انظر " فتح الباري " 4 / 240. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 128، ورجاله ثقات، لكنه مرسل. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 122. ورجاله ثقات، لكنه مرسل. (4) أخرجه مسلم (1365) (87) وقد تقدم تخريبه في ص 232 رقم (1) . والأقط: لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به. وقوله: فحصت الأرض أفاحيص، أي: كشف التراب من أعلاها، وحفرت شيئا يسيرا لتجعل الانطاع وهي البسط المتخذة من الجلود - في المحفور، ويصب فيها السمن فيثبت ولا يخرج من جوانبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ: عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ: قَالَ لِي أَنَس: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيَّةُ رَدِيْفَتُهُ، فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ، وَصُرِعَتْ. فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَلْ ضَرَّكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: (لاَ، عَلَيْكَ بِالمَرْأَةِ) . فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَصَدَ نَحْوَهَا، فَنَبَذَ الثَّوْبَ عَلَيْهَا، فَقَامَتْ، فَشَدَّهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ فَرَكِبَتْ، وَرَكِبَ النَّبِيُّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ زِيَادِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَتِيْقٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ صَفِيَّةَ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فُسْطَاطَهُ، حَضَرْنَا، فَقَالَ: (قُوْمُوا عَنْ أُمِّكُم) . فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ حَضَرْنَا، وَنَحْنُ نَرَى أَن ثَمَّ قَسْماً. فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي طَرَفِ رِدَائِهِ نَحْوٌ مِنْ مُدٍّ وَنِصْفٍ مِنْ تَمَرِ عَجْوَةٍ، فَقَالَ: (كُلُوا مِنْ وَلِيْمَةِ أُمِّكُم (2)) . زِيَادٌ: ضَعِيْفٌ. أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا اجْتَلَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ، رَأَى عَائِشَةَ مُتَنَقِّبَةً فِي وَسْطِ النِّسَاءِ، فَعَرَفَهَا، فَأَدْرَكَهَا، فَأَخَذَ بِثَوْبِهَا، فَقَالَ: (يَا شُقَيْرَاءُ، كَيْفَ   (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات 8 / 124، وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 6 / 134 من طريق علي، عن بشر بن المفضل، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس، وأخرجه مسلم (1365) (88) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 124، وأحمد 3 / 333، وإسناده ضعيف لضعف زياد بن إسماعيل، فإنه وإن أخرج له مسلم سيئ الحفظ، وراويه عنه ابن جريج مدلس وقد عنعن. وقول الهيثمي في " المجمع " 9 / 251 بعد أن نسبه لأحمد: ورجاله رجال الصحيح، لا يعني أن السند صحيح، فإن ابن جريج يخرج له الشيخان إلا ما صرح فيه بالسماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 رَأَيْتِ؟) . قَالَتْ: رَأَيْتُ يَهُوْدِيَّةً بَيْنَ يَهُوْدِيَّاتٍ (1) . وَعَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ صَفِيَّةُ، أَنْزَلَهَا، فَسَمِعَ بِجَمَالِهَا نِسَاءُ الأَنْصَارِ، فَجِئْنَ يَنْظُرْنَ إِلَيْهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ مُتَنَقِّبَةً حَتَّى دَخَلَتْ، فَعَرَفَهَا. فَلَمَّا خَرَجَتْ، خَرَجَ، فَقَالَ: (كَيْفَ رَأَيْتِ؟) . قَالَتْ: رَأَيْتُ يَهُوْدِيَّةً. قَالَ: (لاَ تَقُوْلِي هَذَا، فَقَدْ أَسْلَمَتْ (2)) . مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَدِمَتْ صَفِيَّةُ، وَفِي أُذَنَيْهَا خِرْصَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَوَهَبَتْ لِفَاطِمَةَ مِنْهُ، وَلِنِسَاءٍ مَعَهَا (3) . الحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا كِنَانَةُ، قَالَ: كُنْتُ أَقُوْدُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ، فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ. فَقَالَتْ: ذَرُوْنِي، لاَ يَفْضَحْنِي هَذَا! ثُمَّ وَضَعَتْ خَشَباً مِنْ مَنْزِلِهَا إِلَى مَنْزِلِ عُثْمَانَ، تَنْقُلُ عَلَيْهِ المَاءَ وَالطَّعَامَ (4) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عُمَارَةَ بنِ المُهَاجِرِ، عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الغِفَارِيَّةِ، قَالَتْ: أَنَا إِحْدَى النِّسَاءِ اللاَّئِي زَفَفْنَ صَفِيَّةَ يَوْمَ دَخَلَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهَا تَقُوْلُ: مَا بَلَغْتُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 125، 126، ورجاله ثقات. لكنه منقطع بين عبد الرحمن وابن عمر. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 126، وفيه على إرساله الواقدي. (3) ابن سعد 8 / 127، ورجاله ثقات، والخرصة: جمع خرص: وهو الحلقة الصغيرة من الذهب، وهو من حلي الاذن. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 128 ورجاله ثقات. (5) ابن سعد 8 / 129، والمستدرك 4 / 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَقَبْرُهَا بِالبَقِيْعِ. وَقَدْ أَوْصَتْ بِثُلُثِهَا لأَخٍ لَهَا يَهُوْدِيٍّ، وَكَانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً (1) . وَرَدَ لَهَا مِنَ الحَدِيْثِ عَشْرَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا وَاحِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) . 27 - مَيْمُوْنَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنٍ الهِلاَلِيَّةُ * (ع) ابْنِ بُجَيْرِ بنِ الهُزْمِ بنِ رُوَيْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ الهِلاَلِيَّةُ. زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُخْتُ أُمِّ الفَضْلِ زَوْجَةِ العَبَّاسِ، وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.   (1) ابن سعد 8 / 128 من طريق الواقدي ونصه: ورثت صفية مئة ألف درهم بقيمة أرض وعرض، فأوصت لابن أختها وهو يهودي بثلثها. (2) أخرجه البخاري 4 / 240، 241 في الاعتكاف: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد. ومسلم (2175) في السلام: باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة وكانت زوجته أو ومحرما له أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، كلاهما من طريق الزهري، أخبرني علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الاواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد، عند باب أم سلمة، مر رجلان من الانصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: " على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ". (*) مسند أحمد: 6 / 329، طبقات ابن سعد: 8 / 132 - 140، طبقات خليفة: 338، تاريخ خليفة: 86، 218، المعارف: 137، 344، المستدرك: 4 / 30 - 33، الاستيعاب: 4 / 1914، أسد الغابة: 7 / 272، تهذيب الكمال: 1697، تاريخ الإسلام: 2 / 324، العبر / 8، 45، 57، مجمع الزوائد: 9 / 249، تهذيب التهذيب: 12 / 453، الإصابة: 13 / 138، خلاصة تذهيب الكمال: 496، كنز العمال: 13 / 708، شذرات الذهب: 1 / 12 و58. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 تَزَوَّجَهَا أَوَّلاً: مَسْعُوْدُ بنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ قُبَيْلَ الإِسْلاَمِ، فَفَارَقَهَا. وَتزَوَّجَهَا: أَبُو رُهْمٍ بنُ عَبْدِ العُزَّى، فَمَاتَ. فَتَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَقْتِ فَرَاغِهِ مِنْ عُمْرَةِ القَضَاءِ، سَنَةَ سَبْعٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ، وَبَنَى بِهَا بِسَرِفٍ - أَظُنُّهُ المَكَانَ المَعْرُوْفَ بِأَبِي عُرْوَةَ -. وَكَانَتْ مِنْ سَادَاتِ النِّسَاءِ. رَوَتْ: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ أُخْتِهَا الآخَرُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ السَّائِبِ الهِلاَلِيُّ (1) ، وَابْنُ أُخْتهَا الرَّابِعُ؛ يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ، وَكُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَوْلاَهَا؛ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَأَخُوْهُ: عَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى، عَنِ الفُضَيْلِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخُرُوْجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ القَضِيَّةِ (2) ، بَعَثَ أَوْسَ بنَ خَوْلِيٍّ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى العَبَّاسِ؛ فَزَوَّجَهُ بِمَيْمُوْنَةَ، فَأَضَلاَّ بَعِيْرَيْهِمَا؛ فَأَقَامَا أَيَّاماً بِبَطْنِ رَابِغٍ، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُدَيْدٍ، وَقَدْ ضَمَّا بَعِيْرَيْهِمَا، فَسَارَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَأَرْسَلَ إِلَى العَبَّاسِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَجَعَلَتْ مَيْمُوْنَةُ أَمْرَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. كَذَا قَالَ، وَصَوَابُهُ: إِلَى العَبَّاسِ. فَخَطَبَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ (3) .   (1) زيادة لابد منها، لأن عبد الرحمن بن السائب هو ابن أختها الثالث، وليس عبيد بن السباق. (2) أي: عام عمرة القضية أو القضاء، وذلك في سنة سبع للهجرة، وقد دخل صلى الله عليه وسلم مكة، ثم خرج بعد إكمال عمرته. وسميت عمرة القضية، لأنه قاضى فيها قريشا. وانظر " زاد المعاد " 2 / 90 - 92. (3) " طبقات ابن سعد ": 8 / 132. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَرُوِيَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا - لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى العَبَّاسِ؛ فَزَوَّجَهَا (1) . مَالِكٌ: عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ، وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَزَوَّجَاهُ مَيْمُوْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ المَدِيْنَةِ (2) . قَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: دَخَلْتُ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَجُوْزٍ كَبِيْرَةٍ، فَسَأَلْتُهَا: أَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَاللهِ لَقَدْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنَّهُمَا لَحَلاَلاَنِ (3) . أَيُّوْبُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، قَالَ: خَطَبَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ (4) . جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً، وَبَنَى بِهَا حَلاَلاً بِسَرِفٍ (5) .   (1) " طبقات ابن سعد ": 8 / 133. (2) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 348 في الحج، وابن سعد في " الطبقات " 8 / 133، وإسناده صحيح، لكنه مرسل، وسيذكره المصنف موصولا من طريق آخر قريبا. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 133 من طريق عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري ... ورجاله ثقات. (4) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1411) في النكاح: باب تحريم نكاح المجرم وكراهة خطبته، وابن ماجة (1964) والبيهقي 5 / 66 عن يزيد بن الأصم حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس. وأخرجه أبو داود (1843) بلفظ " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلال بسرف " وأخرجه أحمد 6 / 333 و335، والترمذي (845) والبيهقي 5 / 66 بلفظ " تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها ". (5) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 133، والحاكم في " المستدرك " 4 / 31، وصححه ووافقه الذهبي من طريق جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ (1) ، عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً، وَكُنْتُ الرَّسُوْلَ بَيْنَهُمَا (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَلاَلٌ (3) . هَذَا مُنْكَرٌ، وَالوَاقِدِيُّ: مَتْرُوْك. وَالثَّابِتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُهُ. فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْهُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ (4) . وَقَالَ أَيُّوْبُ، وَهِشَامٌ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْهُ، كَذَلِكَ (5) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْهُ، مِثْلَهُ (6) . وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْهُ، نَحْوَهُ (7) . فَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ.   (1) تحرف في المطبوع وكذا في " الطبقات " إلى " مطرف ". (2) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 6 / 393، والترمذي (841) ، والدارمي 2 / 38، وابن سعد 8 / 134، والبيهقي 5 / 66، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1272) . (3) " طبقات ابن سعد " 8 / 134، 135. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 135، وأخرجه البخاري 4 / 45، والنسائي 5 / 192 من طريق أبي المغيرة، عن الاوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس. (5) أخرجه ابن سعد 8 / 135، 136، والترمذي (843) والبخاري 7 / 392 وأبو داود (1848) والنسائي 5 / 191، والطحاوي 2 / 269. (6) أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 2 / 269، وابن سعد 8 / 136. (7) أخرجه ابن سعد 8 / 136، والبخاري 9 / 142، والترمذي (844) ومسلم (1410) والنسائي 5 / 191، وابن ماجة (1965) والدارمي 2 / 37. سير 2 / 16 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَالأَنْصَارِيُّ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، سَمِعَ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ، عَنْهُ، مِثْلَهُ (1) . وَرَوَى: زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) . جَرِيْرٌ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ - مُرْسَلاً - مِثْلَهُ (3) . رَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - مَرْفُوْعاً - مِثْلَهُ. وَفِيْهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْساً (4) . وَبَعْضُ مَنْ رَأَى صِحَّةَ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَدَّ الجَوَازَ خَاصّاً بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَجَوَّدَ هَذَا البَابَ: ابْنُ سَعْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عَطَاءٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ يَتَزَوَّجُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: مَا حَرَّمَ اللهُ النِّكَاحَ مُنْذُ أَحَلَّهُ. فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَتَبَ إِلَيَّ - وَمَيْمُوْنٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى الجَزِيْرَةِ -: أَنْ سَلْ يَزِيْدَ بنَ الأَصَمِّ: أَكَانَ تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ حَلاَلاً، أَوْ حَرَاماً؟ فَقَالَ يَزِيْدُ: تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ. وَكَانَتْ مَيْمُوْنَةُ خَالَةَ يَزِيْدَ (5) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ مَيْمُوْنَةَ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 135. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 136. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 136. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 135، والطحاوي 2 / 269. (5) أخرجه ابن سعد 8 / 134، وإسناده صحيح، وتمامه عنده: قال عطاء: ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة، وكنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُوْلُ اللهِ: مَيْمُوْنَةَ (2) . وَرَوَى: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيِّ: أَنَّهُ رَأَى مَيْمُوْنَةَ تُصَلِّي فِي دِرْعٍ سَابِغٍ، لاَ إِزَارَ عَلَيْهَا (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ: أَنَّ مَيْمُوْنَةَ حَلَقَتْ رَأْسَهَا فِي إِحْرَامِهَا، فَمَاتَتْ، وَرَأْسُهَا مُحَمَّمٌ (4) . كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ، قَالَ: تَلَقَّيْتُ عَائِشَةَ، وَهِيَ مُقْبِلَةٌ مِنْ مَكَّةَ، أَنَا وَابْنُ أُخْتِهَا وَلَدٌ لِطَلْحَةَ، وَقَدْ كُنَّا وَقَعْنَا فِي حَائِطٍ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَصَبْنَا مِنْهُ، فَبَلَغَهَا ذَلِكَ. فَأَقْبَلَتْ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا تَلُوْمُهُ؛ ثُمَّ وَعَظَتْنِي مَوْعِظَةً بَلِيْغَةً، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ سَاقَكَ حَتَّى   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 137. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 137 من طريق الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، وأخرجه الحاكم 4 / 30 من طريق كريب عن ابن عباس قال: كان اسم خالتي ميمونة: برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وصححه ووافقه الذهبي. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 138 وإسناده صحيح. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 138، وإسناده صحيح، وأبو فزارة: هو راشد بن كيسان العبسي. وقوله: ورأسها محمم: أي مسود بسبب نبات الشعر بعد الحلق، وفي حديث أنس: كان إذا حمم رأسه بمكة خرج واعتمر، أي اسود بعد الحلق بنبات شعره. وقد تصحف في المطبوع و" الطبقات " إلى " مجمم " ولعل ميمونة لم يبلغها رضي الله عنها أن المرأة لا تحلق رأسها في الحج بل تقصر، فقد أخرج الترمذي (914) والنسائي 8 / 130 من طريق محمد بن موسى الحرشي، عن أبي داود الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، وفي الباب عن عائشة وعثمان، وأخرج أبو داود (1948) من حديث ابن عباس مرفوعا " ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير " وحسن إسناده الحافظ في " التخليص " 4 / 261. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 جَعَلَكَ فِي بَيْتِ نَبِيِّهِ؛ ذَهَبَتْ -وَاللهِ- مَيْمُوْنَةُ، وَرُمِيَ بِحَبْلِكَ عَلَى غَارِبِكَ! أَمَا إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا للهِ، وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ (1) ! وَبِهِ: أَنْبَأَنَا يَزِيْدُ: أَنَّ ذَا قَرَابَةٍ لِمَيْمُوْنَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَتْ مِنْهُ رِيْحَ شَرَابٍ، فَقَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، فَيَجْلِدُوْكَ، لاَ تَدْخُلْ عَلَيَّ أَبَداً (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ: عَنْ كُرَيْبٍ: بَعَثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَقُوْدُ بَعِيْرَ مَيْمُوْنَةَ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُهَا تُهِلُّ، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ (3) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ: رَأَيْتُ مَيْمُوْنَةَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا (4) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 138، والحاكم 4 / 32، وإسناده حسن، وما بين الحاصرتين منهما. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وسنده حسن كسابقه. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وإسناده صحيح. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وتمامه: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عقبة: لم؟ فقال: أراها تبتل. وعقبة بن وهب ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: صالح، وقال علي وسفيان: ما كان يدري ما هذا الامر يعني الحديث، ولا كان شأنه، وقال مهنا عن أحمد: لا أعرفه، وقال ابن عدي: ليس بمعروف. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 249، وفيه " تبتذل " بدل " تبتل " وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عقبة بن وهب وهو ثقة. قلت: وإذا سلمنا بصحته، فلا حجة فيه، لثبوت النهي عنه صلى الله عليه وسلم عن حلق المرأة رأسها، أما التقصير، فمباح لهن، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (320) في الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت وبيننا وبينها ستر، وأفرغت على رأسها ثلاثا، قال: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. أي: يأخذن من شعر رؤوسهن، يخففن من شعورهن حتى تكون كالوفرة، وهي من الشعر: ما كان إلى الاذنين، ولا يجاوزهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، قَالَ: دَفَنَّا مَيْمُوْنَةَ بِسَرِفٍ، فِي الظُلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ كَانَتْ حَلَقَتْ فِي الحَجِّ، نَزَلْتُ فِي قَبْرِهَا، أَنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ (1) . وَعَنْ عَطَاءٍ: تُوُفِّيَتْ مَيْمُوْنَةُ بِسَرِفٍ، فَخَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَيْهَا، فَقَالَ: إِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا، فَلاَ تُزَلْزِلُوْهَا، وَلاَ تُزَعْزِعُوْهَا (2) . وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ، فَحُمِلَتْ عَلَى الأَعْنَاقِ بِأَمْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى سَرِفٍ، وَقَالَ: ارْفُقُوا بِهَا، فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ فِي خِلاَفِةِ يَزِيْدَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، وَلَهَا ثَمَانُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: لَمْ تَبْقَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ، فَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ عَائِشَةَ، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ عَائِشَةَ: ذَهَبَتْ مَيْمُوْنَةُ ... وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. رُوِيَ لَهَا: سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَانْفَرَدَ لَهَا البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ (4) ، وَجَمِيْعُ مَا رَوَتْ: ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 139، 140، والحاكم 4 / 31، وصححه وأقره الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 140 من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم 4 / 33 من طريق آخر، وصححه، ووافقه الذهبي. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 140 من طريق الواقدي. (4) انظر البخاري 1 / 345، و320 و331 و270 و364 و410 و5 / 161 و4 / 207، ومسلم (294) و (317) و (337) و (356) و (513) و (270) و (999) و (1124) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 28 - زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ * -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكْبَرُ أَخَوَاتِهَا، مِنَ المُهَاجِرَاتِ السَّيِّدَاتِ (1) . تَزَوَّجَهَا فِي حَيَاةِ أُمِّهَا: ابْنُ خَالَتِهَا أَبُو العَاصِ؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا: عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ فَاطِمَةَ، وَوَلَدَتْ لَهُ: عَلِيَّ بنَ أَبِي العَاصِ، الَّذِي يُقَالُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهُ وَرَاءهُ يَوْمَ الفَتْحِ، وَأَظُنُّهُ مَاتَ صَبِيّاً (2) . وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا العَاصِ تَزَوَّجَ بِزَيْنَبَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ (3) ، وَهَذَا بَعِيْدٌ. أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ، وَهَاجَرَتْ قَبْلَ إِسْلاَمِ زَوْجِهَا بِسِتِّ سِنِيْنَ. فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ بإِسْنَادٍ وَاهٍ: أَنَّ أَبَا العَاصِ شَهِدَ بَدْراً مُشْرِكاً، فَأَسَرَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ؛ فَلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَارَاهُمْ، جَاءَ فِي فِدَاءِ أَبِي العَاصِ أَخُوْهُ عَمْرٌو، وَبَعَثَتْ مَعَهُ زَيْنَبُ بِقِلاَدَةٍ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ - أَدْخَلَتْهَا بِهَا خَدِيْجَةُ - فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا. فَلَمَّا رَأَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القِلاَدَةَ عَرَفَهَا، وَرَقَّ لَهَا، وَقَالَ: (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيْرَهَا فَعَلْتُمْ؟) . قَالُوا: نَعَمْ. فَأَخَذَ عَلَيْهِ العَهْدَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيْلَهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَ (4) .   (*) طبقات ابن سعد: 8 / 30 - 36، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الصغير: 1 / 7، المعارف: 72، 127، 140، 141، 142، تاريخ الفسوي: 3 / 270، المستدرك: 4 / 42 - 46، الاستيعاب: 4 / 1853، أسد الغابة: 7 / 130، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9 / 212 - 216، الإصابة: 12 / 273. (1) " المستدرك " 4 / 42، ومجمع الزوائد " 9 / 212. (2) " مجمع الزوائد " 9 / 212، و" أسد الغابة " 7 / 130. (3) " طبقات ابن سعد " 8 / 30، 31. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 31 من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم 4 / 44، 45 من طريق ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أساراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بقلادة، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَقِيْلَ: هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيْهَا، وَلَمْ يَصِحَّ. البَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، أَخْبَرَنَا بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً، وَكُنْتُ فِيْهِم، فَقَالَ: (إِنْ لَقِيْتُمْ هَبَّارَ بنَ الأَسْوَدِ، وَنَافِعَ بنَ عَبْدِ عَمْرٍو، فَأَحْرِقُوْهُمَا) . وَكَانَا نَخَسَا بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ حِيْنَ خَرَجَتْ، فَلَمْ تَزَلْ ضَبِنَةً (1) حَتَّى مَاتَتْ. ثُمَّ قَالَ: (إِنْ لَقِيْتُمُوْهُمَا، فَاقْتُلُوْهُمَا؛ فَإِنَّهُ لاَ يَنْبِغِي لأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ) (2) .   = وكانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، قال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها " وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث. (1) أي: زمنة، من الضبنة وهي الزمانة، وهي المرض الدائم. (2) إسناده قوي، فإن راويه عن ابن لهيعة ابن المبارك، وقد سمع منه قبل احتراق كتبه، وذكره الحافظ في " الإصابة " 10 / 233، ونسبه إلى محمد بن عثمان بن أبي شيبة في " تاريخه " ورواه ابن إسحاق في " المغازي " ونقله عنه ابن هشام 1 / 657 حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن الاشج، عن سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي، عن أبي هريرة، وأبو إسحاق الدوسي مجهول، وأخرجه البخاري 6 / 104 في الجهاد: باب لا يعذب بعذاب الله، والترمذي (1571) في السير، من طريق قتيبة، عن الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: " إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما ". وانظر سيرة ابن هشام 1 / 654 " والمستدرك " 4 / 43، و" مجمع الزوائد " 9 / 212، 213، والتاريخ الصغير 1 / 7، 8 للبخاري. وأما هبار بن الأسود، فقد أسلم، ففي سنن سعيد بن منصور عن ابن عيينة، عن ابن نجيح..فلم تصبه السرية، وأصابه الإسلام، فهاجر، فذكر قصة إسلامه. قال الحافظ في " الفتح " 6 / 105: وله حديث عند الطبراني، وآخر عند ابن مندة، وذكر البخاري في " تاريخه " لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج، وعاش = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، فَلَمَّا قَامَ فِي الصَّلاَةِ، نَادَتْ زَيْنَبُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا عَلِمْتُ بِهَذَا؛ وَإِنَّهُ يُجِيْرُ عَلَى النَّاسِ أَدْنَاهُمْ (1)) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ، وَهَاجَرَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (2) . وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ: ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَرَاءةٌ بَعْدُ، فَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ قَبْلَ زَوْجِهَا؛ فَلاَ سَبِيْلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلاَّ بِخِطْبَةٍ (3) . وَرَوَى: حَجَّاجٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي العَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيْدٍ، وَمَهْرٍ جَدِيْدٍ (4) .   = هبار إلى خلافة معاوية. انظر " الإصابة " 10 / 235، 236. وقال الحافظ: ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة، فلعله مات قبل أن يسلم. (1) أخرجه ابن هشام في السيرة 1 / 157، 158، وابن سعد 8 / 32 عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان..وأخرجه الحاكم 4 / 45. من طريق ابن وهب، أنبأنا ابن لهيعة، عن موسى بن جبير الأنصاري، عن عمران بن مالك الغفاري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أبو العاص بن الربيع أن خذي لي أمانا من أبيك، فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبي صلى الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس فقالت: أيها الناس: إني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت أبا العاص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: " أيها الناس، إنه لا علم لي بهذا حتى سمعتموه ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم ". ورجاله ثقات. (2) طبقات ابن سعد 8 / 32. (3) طبقات ابن سعد 8 / 32. (4) أخرجه أحمد (6938) والترمذي (1142) وابن سعد 8 / 32، وابن ماجة (2010) والدارقطني ص 396، والبيهقي 7 / 188 كلهم من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ ابْنَتَهُ إِلَى أَبِي العَاصِ بَعْدَ سِنِيْنَ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ صَدَاقاً (1) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو العَاصِ إِلَى الشَّامِ فِي عِيْرٍ لِقُرَيْشٍ؛ فَانْتُدِبَ لَهَا زَيْدٌ فِي سَبْعِيْنَ وَمائَةِ رَاكِبٍ؛ فَلَقَوُا العِيْرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ، فَأَخَذُوْهَا، وَأَسَرُوْا أُنَاساً، مِنْهُم أَبُو العَاصِ، فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ سَحَراً، فَأَجَارَتْهُ، ثُمَّ سَأَلَتْ أَبَاهَا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ، فَفَعَلَ، وَأَمَرَهَا أَلاَّ يَقْرَبَهَا مَا دَامَ مُشْرِكاً. فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِماً مُهَاجِراً فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِ زَيْنَبَ بِذَاكَ النِّكَاحِ الأَوَّلِ (2) .   = شعيب، عن أبيه، عن جده. وهذا إسناد ضعيف، لان الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه، قال الامام أحمد: هذا حديث ضعيف أو واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من محمد بن عبيد العرزمي، والعرزمي حديثه لا يساوي شيئا، والحديث الصحيح الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول. يريد الحديث الآتي. (1) أخرجه ابن هشام 1 / 658، 659 وأحمد (1876) و (2369) و (3290) وابن سعد: 8 / 33، وأبو داود (2240) ، والترمذي (1143) وابن ماجة (2009) ، وعبد الرزاق (12644) ، والدارقطني ص 396، والحاكم: 3 / 638، 639 و4 / 46، كلهم من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، ورجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، إلا أن داود بن الحصين حديثه عن عكرمة فيه شيء، لكن للحديث شواهد مرسلة صحيحة عن عامر الشعبي، وقتادة، وعكرمة بن خالد، أخرجها ابن سعد في " الطبقات " 8 / 32، وعبد الرزاق في " المصنف " (12647) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 2 / 149، فيقوى بها ويصح. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 33. من طريق الواقدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَنَسٍ: رَأَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ بُرْدَ سِيَرَاءَ مِنْ حَرِيْرٍ (1) . تُوُفِّيَتْ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ (2) . عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اغْسِلْنَهَا وِتْراً، ثَلاَثاً، أَوْ خَمْساً، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوْراً أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُوْرٍ؛ فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا، فَأَعْلِمْنَنِي) . فَلَمَّا غَسَّلْنَاهَا، أَعْطَانَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ) (3) . 29 - رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ * -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمُّهَا: خَدِيْجَةُ.   (1) إسناده صحيح أخرجه ابن سعد 8 / 33، 34، من طريق سعيد بن منصور، عن عبد الله ابن المبارك عن معمر عن الزهري، عن أنس، وصححه الحاكم 4 / 45، 46، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 34، من طريق الواقدي. (3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 8 / 34، ومسلم (939) (40) من طريق عاصم الاحول، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 222 في الجنائز: باب غسل الميت، والبخاري 3 / 102، 105 في الجنائز: باب غسل الميت و (1254) و (1258) و (1260) ، ومسلم (939) وأبو داود (3142) والنسائي 4 / 28، 29، وابن ماجة (1458) كلهم من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية. وأخرجه البخاري برقم (167) و (1255) و (1256) و (1263) والترمذي (990) من طريق حفصة بنت سيرين، عن أم عطية. والحقو: الازار، وجمعها: حقي وأحق وأحقاء، والاصل في الحقو: معقد الازار، وسمي الازار حقوا، لأنه يشد على الحقو، وقوله: " أشعرنها إياه " يريد: اجعلنه شعارا لها، وهو الثوب الذي يلي جسدها، فالشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوق الشعار، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للانصار: " أنتم شعار والناس دثار ". (*) طبقات ابن سعد: 8 / 36، 37، تاريخ خليفة: 65، المعارف: 125، 141، 142، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَزَوَّجَهَا عُتْبَةُ بنُ أَبِي لَهَبٍ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. كَذَا قَالَ، وَصَوَابُهُ: قَبْلَ الهِجْرَةِ. فَلمَّا أُنْزِلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، قَالَ أَبُوْهُ: رَأْسِي مِنْ رَأْسِكَ حَرَامٌ، إِن لَمْ تُطَلِّقْ بِنْتَهُ. فَفَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ. وَأَسْلَمَتْ مَعَ أُمِّهَا، وَأَخَوَاتِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الحَبَشَةِ الهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعاً. قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (إِنَّهُمَا لأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ بَعْدَ لُوْطٍ) . وَوَلَدَتْ مِنْ عُثْمَانَ: عَبْدَ اللهِ، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى، وَبَلَغَ سِتَّ سِنِيْنَ، فَنَقَرَهُ دِيْكٌ فِي وَجْهِهِ، فَطَمِرَ وَجْهُهُ، فَمَاتَ. ثُمَّ هَاجَرَتْ إِلَى المَدِيْنَةِ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَمَرِضَتْ قُبَيْلَ بَدْرٍ، فَخَلَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا عُثْمَانَ؛ فَتُوُفِّيَتْ، وَالمُسْلِمُوْنَ بِبَدْرٍ (2) . فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ، قَالَ: (الْحَقِي بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ) . فَبَكَتِ النِّسَاءُ عَلَيْهَا؛ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ. فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، وَقَالَ: (دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ) . ثُمَّ   = 153، 158، 185، 192، 198، 203، تاريخ الفسوي: 3 / 159 و162، 163، المستدرك: 4 / 46 - 48، الاستيعاب: 4 / 1839، أسد الغابة: 7 / 113، مجمع الزوائد: 9 / 216، الإصابة: 12 / 257، شذرات الذهب: 1 / 9 و57. (1) طبقات ابن سعد 8 / 36. (2) طبقات ابن سعد 8 / 36، وطمر وجهه: ورم. وذكر الحافظ في " الإصابة " 12 / 258 المرفوع بلفظ " والذي نفسي بيده إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط " ونسبه لابن مندة، وقال: سنده واه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 قَالَ: (ابْكِيْنَ، وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ القَلْبِ وَالعَيْنِ فَمِنَ اللهِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَهْمَا يَكُنْ مِنَ اليَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ) . فَقَعَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى شَفِيْرِ القَبْرِ إِلَى جَنْبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَتْ تَبْكِي؛ فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ الدَّمْعَ عَنْ عَيْنِهَا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ (1) . قُلْتُ: هَذَا مُنْكَرٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ذَكَرْتُهُ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا مِنْ جَمِيْعِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ رُقَيَّةَ تُوُفِّيَتْ وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَدْرٍ. فَلَعَلَّ هَذَا فِي غَيْرِ رُقَيَّةَ، أَوْ لَعَلَّهُ أَتَى قَبْرَهَا بَعْدَ بَدْرٍ زَائِراً (2) . 30 - أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ * -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَضْعَةُ الرَّابعَةُ النَّبَوِيَّةُ. يُقَالُ: تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَةُ بنُ أَبِي لَهَبٍ، ثُمَّ فَارَقَهَا. وَأَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ أُخْتُهَا رُقَيَّةُ، تَزَوَّجَ بِهَا عُثْمَانُ - وَهِيَ بِكْرٌ - فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ، فَلَمْ تَلِدْ لَهُ.   (1) طبقات ابن سعد: 8 / 37. (2) طبقات ابن سعد 8 / 37. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 37 - 39، تاريخ خليفة: 66، المعارف: 126، 141، 142، 158، 173، 192، تاريخ الفسوي: 3 / 159، المستدرك: 4 / 48 - 49، الاستيعاب: 4 / 1952، أسد الغابة: 7 / 384، العبر: 1 / 5، 10، مجمع الزوائد: 9 / 216، الإصابة: 13 / 275، شذرات الذهب: 1 / 10 و13 و16 و17. (3) ابن سعد 8 / 38، و" المستدرك " 4 / 49، و" مجمع الزوائد " 9 / 217. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وَتُوُفِّيَتْ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ كُنَّ عَشْراً، لَزَوَّجْتُهُنَّ عُثْمَانَ) . حَكَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ (1) . وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُوْمٍ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً عَلَى قَبْرِهَا -يَعْنِي: أُمَّ كُلْثُوْمٍ- وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: (فِيْكُم أَحَدٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَة؟) . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: (انْزِلْ) (3) . - زَوْجَاتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَيْ عَشْرَةَ عَرَبِيَّةً مُحْصَنَاتٍ.   (1) 8 / 38. (2) إسناده ضعيف، لضعف صالح بن أبي الاخضر، لكن متنه صحيح، فقد أخرجه البخاري في " صحيحه " 10 / 252 في اللباس: باب الحرير للنساء من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء، وأخرجه أبو داود (2058) والنسائي 8 / 197، وابن ماجة (3598) وابن سعد 8 / 38، والحاكم 4 / 49 من طرق عن الزهري، عن أنس ... وقوله " حلة سيراء " هو بكسر السين وفتح الياء: نوع من البرود فيه خطوط يخالطه حرير وهو على الاضافة وله أمثال كحلة سندس، وحلة حرير، وحلة خز. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 38 والوقدي ضعيف، وأخرجه البخاري 3 / 126، 127، 167، والحاكم 4 / 47، وأحمد 3 / 126، و228، من طريق فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: " هل منكم رجل لم يقارف الليلة "؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل، قال: فنزل في قبرها، وأخرجه الحاكم 4 / 47 من طريق حماد بن سلمة بن ثابت، عن أنس فسماها رقية، والصواب أنها أم كلثوم، وقد وهم حماد في تسميتها فقط. كما قال الحافظ. وقوله: لم يقارف أي: لم يجامع أهله تلك الليلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً: سِتٌّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ حُلَفَاءِ قُرَيْشٍ، وَسَبْعَةٌ مِنْ نِسَاءِ العَرَبِ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً: سَبْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ حُلَفَائِهِم، وَتِسْعٌ مِنْ سَائِرِ العَرَبِ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ. فَأَوَّلُهُنَّ: خَدِيْجَةُ، ثُمَّ سَوْدَةُ، ثُمَّ عَائِشَةُ، ثُمَّ أُمُّ سَلَمَةَ، ثُمَّ حَفْصَةُ؛ ثُمَّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، ثُمَّ جُوَيْرِيَةُ، ثُمَّ أُمُّ حَبِيْبَةَ، ثُمَّ صَفِيَّةُ، ثُمَّ مَيْمُوْنَةُ، ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ شُرَيْحٍ. ثُمَّ تَزَوَّجَ: زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ هِنْدَ بِنْتَ يَزِيْدَ، ثُمَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ، ثُمَّ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الأَشْعَثِ، ثُمَّ سَنَا بِنْتَ أَسْمَاءَ السُّلَمِيَّةَ (1) . 31 - العَالِيَةُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بنِ كِلاَبٍ * قَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَالِيَةَ؛ امْرَأَةً مِنْ بَنِي بَكْرِ بنِ كِلاَبٍ (2) . وَلأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَمِيْلِ بنِ زَيْدٍ - وَاهٍ - عَنْ زَيْدِ بنِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَالِيَةَ، مِنْ بَنِي غِفَارَ؛ فَأُدْخِلَتْ، فَرَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضاً، فَقَالَ: (الْبَسِي ثِيَابَكِ، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ) . وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ (3) .   (1) في الأصل أسماء بنت سنا، والتصويب مما سيأتي. (*) المستدرك: 4 / 34، الاستيعاب: 1881، أسد الغابة: 7 / 188، الإصابة: 13 / 38، كنز العمال: 13 / 707. (2) " المستدرك " 4 / 34. (3) " المستدرك " 4 / 34. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 32 - أَسْمَاءُ بِنْتُ كَعْبٍ الجَوْنِيَّةُ * قِيْلَ: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ كَعْبٍ الجَوْنِيَّةُ. كَذَا سَمَّاهَا: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: لَمْ يَدْخُلْ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى طَلَّقَهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَزَوَّجَ أُخْتَ بَنِي الجَوْنِ الكِنْدِيِّ، فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. فَقَالَ: (لَقَدْ عُذْتِ مُعَاذاً، الْحَقِي بِأَهْلِكِ (1)) . وَقِيْلَ: بَلْ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ الغِفَارِيَّةُ. وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ: أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الغِفَارِيَّةَ؛ فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا، دَعَاهَا، فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ أُمَّ شَرِيْكٍ (2) . 33 - أُمُّ شَرِيْكٍ الأَنْصَارِيَّةُ النَّجَّارِيَّةُ ** امْرَأَةٌ أَنْصَارِيَّةٌ، النَّجَّارِيَّةُ.   (*) المستدرك: 4 / 34، أسد الغابة: 7 / 16، الإصابة: 12 / 121. (1) في البخاري 9 / 311 من طريق الاوزاعي قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " وانظر سنن ابن ماجه (2037) و" المستدرك " 4 / 35. (2) " المستدرك " 4 / 34. (* *) مسند أحمد: 6 / 441، 462، التاريخ لابن معين: 742، طبقات ابن سعد: 8 / 154 - 157، طبقات خليفة، 335، الجرح والتعديل: 9 / 464، المستدرك: 4 / 34، الاستيعاب: 4 / 1943، أسد الغابة: 7 / 351، تهذيب الكمال: 1703، تاريخ الإسلام: 2 / 330، تهذيب التهذيب: 12 / 472، الإصابة: 13 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 498. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنِّي أُحِبُّ أَن أَتَزَوَّجَ فِي الأَنْصَارِ؛ ثُمَّ إِنِّي أَكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ) . قَالَ: فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا (1) . نَعَمْ، وَرَوَى: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ أُمِّ شَرِيْكٍ: أَنَّهَا كَانَتْ فِيْمَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 34 - سَنَاءُ بِنْتُ أَسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيَّةُ * قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: وَزَعَمَ حَفْصُ بنُ النَّضْرِ السُّلَمِيُّ، وَعَبْدُ القَاهِرِ بنُ السَّرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّج َ سَنَاءَ بِنْتَ أَسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيَّةَ؛ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا (2) . وَقِيْلَ: سَنَاءُ بنْتُ سُفْيَانَ الكِلاَبِيَّةُ. 35 - الكِلاَبيَّةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ بن سُفْيَانَ ** قَالَ الوَاقِدِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ بنِ سُفْيَانَ. وَقِيْلَ: عَمْرَةُ بِنْتُ زَيْدٍ. وَقِيْلَ: هِيَ العَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ.   (1) " المستدرك " 4 / 34، 35. (*) الاستيعاب: 4 / 1865، أسد الغابة: 7 / 153، الإصابة: 12 / 317. (2) " المستدرك " 4 / 35، وقد تحرف فيه أبو عبيد إلى أبي عبيدة. وانظر " طبقات ابن سعد " 8 / 149. (* *) طبقات ابن سعد: 8 / 220 - 221، تاريخ خليفة: 92، المعارف: 140، المستدرك: 4 / 35 - 37، الاستيعاب: 4 / 1899، أسد الغابة: 7 / 228، الإصابة: 13 / 81. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وَقِيْلَ: سَنَاءُ بِنْتُ سُفْيَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كِلاَبِيَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كُنَّ جَمَاعَةً. نَقَلَ ذَلِكَ: الحَاكَمُ فِي أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ (مُسْتَدْرَكِهِ (1)) . ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ: عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكِلاَبِيَّةَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: إِنِّي أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ. قَالَ: (لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيْمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ (2)) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ زَيْدٍ الكِلاَبِيَّةَ، وَمَا دَخَلَ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: طَلَّقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ؛ فَنَكَحَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا؛ فَوَلَدَتْ لَهُ (3) . وَقِيْلَ: الكِلاَبِيَّةُ: عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْنٍ، الَّتِي تَعَوَّذَتْ. 36 - الكِنْدِيَّةُ * قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: نَكَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ، وَهِيَ الشَّقِيَّةُ الَّتِي سَأَلَتْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَيَرُدَّهَا إِلَى قَوْمِهَا، فَفَعَلَ (4) .   (1) 4 / 35. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 35 ورجاله ثقات، وانظر " الفتح " 9 / 311. (3) ذكره صاحب " كنز العمال " 13 / 707، ونسبه لعبد الرزاق. (*) المستدرك: 4 / 35 - 37، الاستيعاب: 4 / 1785، أسد الغابة: 7 / 16، الإصابة: 11 / 121. (4) " المستدرك " 4 / 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 رَوَاهُ عَنْهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ: أَنَّ النُّعْمَانَ بنَ أَبِي الجَوْنِ الكِنْدِيَّ قَدِمَ مُسْلِماً، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلاَ أُزَوِّجُكَ أَجْمَلَ أَيِّمٍ فِي العَرَبِ، وَقَدْ رَغِبَتْ فِيْكَ؟ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةً وَنَشٍّ (1) . فَقَالَ: لاَ تَقْصُرْ بِهَا فِي المَهْرِ. قَالَ: (مَا أَصْدَقْتُ أَحَداً فَوْقَ هَذَا) . فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا أُسَيْدٍ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهَا جَلَسَتْ، وَأَذِنَتْ لَهُ. فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: إِنَّ نِسَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، فَتَحَمَّلْتُ مَعَ الظَّعِيْنَةِ (2) عَلَى جَمَلٍ فِي مِحَفَّةٍ؛ فَأَقْبَلْتُ بِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهَا فِي بَنِي سَاعِدَةَ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا النِّسَاءُ، فَرَحَّبْنَ بِهَا، ثُمَّ خَرَجْنَ، فَذَكَرْنَ جَمَالَهَا، وَشَاعَ ذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا دَاخِلٌ مِنَ النِّسَاءِ، فَقِيْلَ لَهَا: إِنَّكِ مَلِكَةٌ، فَإِنْ كُنْتِ تُرِيْدِيْنَ أَنْ تَحْظَيْ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُوْلِي: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ! فَإِنَّهُ يَرْغَبُ فِيْكِ (3) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: فَتَزَوَّجَ الكِنْدِيَّةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الوَلِيْدَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ: هَلْ تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُخْتَ الأَشْعَثِ؟ فَقَالَ: مَا   (1) الاوقية: أربعون درهما، والنش: عشرون درهما. (2) الظعينة: المرأة في الهودج. والمحفة: مركب كالهودج إلا أنه لا يقبب. (3) " ابن سعد " 8 / 143، 144، و" المستدرك " 4 / 36، كلاهما من طريق الواقدي، وهو ضعيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 تَزَوَّجَهَا قَطُّ، وَلاَ تَزَوَّجَ كِنْدِيَّةً إِلاَّ بِنْتَ الجَوْنِ، فَمَلَكَهَا، فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا، نَظَرَ إِلَيْهَا، فَطَلَّقَهَا، وَلَمْ يَبْنِ بِهَا (1) . عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الجَوْنِيَّةَ، فَأَرْسَلَنِي، فَجِئْتُ بِهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: اخْضِبِيْهَا أَنْتِ، وَأَنَا أَمْشُطَهَا. فَفَعَلَتَا، ثُمَّ قَالَتْ لَهَا إِحْدَاهُمَا: إِنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ تَقُوْلَ المَرْأَةُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ! فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْكَ! فَقَالَ بِكُمِّهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَاسْتَتَرَ، وَقَالَ: (عُذْتِ بِمُعَاذٍ) . وَخَرَجَ، فَقَالَ: (يَا أَبَا أُسَيْدٍ، أَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا، وَمَتِّعْهَا بِرَازِقِيَّيْنِ) . يَعْنِي: كِرْبَاسَيْنِ. فَكَانَتْ تَقُوْلُ: ادْعُوْنِي الشَّقِيَّةَ. وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) (2) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 148، والحاكم 4 / 37. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 145، 146، والحاكم في " المستدرك " 4 / 37 من طريق هشام ابن محمد، عن ابن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه ... وهشام بن محمد متروك، وأخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 311، 312 من طريق أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اجلسوا ها هنا " وذخل وقد أتي بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " هبي نفسك لي " قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: " قد عذت بمعاذ " ثم خرج علينا، فقال: " يا أبا أسيد اكسها رازقيين، وألحقها بأهلها " والرازقي: ثوب، والكرباس هو القطن، يريد ثوبا من قطن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَعَنْ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَمَاتَتْ كَمَداً (1) . وَعَنِ الكَلْبِيِّ، قَالَ: خَلَفَ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ النُّعْمَانِ المُهَاجِرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَهَمَّ عُمَرُ أَنْ يُعَاقِبَهَا. فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا ضَرَبَ عَلَيَّ حِجَاباً، وَلاَ سُمِّيْتُ بِأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ. فَكَفَّ عَنْهَا. 37 - قُتَيْلَةُ أُخْتُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ * يُقَالُ: هِيَ أُخْتُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ كِنْدَةَ، سَنَةَ عَشْرٍ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ (3) . وَيُقَالُ: إِنَّهَا ارْتَدَّتْ، - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 38 - خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ ** عُمَارَةُ بنُ رَاشِدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَن ْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيْمٍ.   (1) " ابن سعد " 8 / 146، 147، و" المستدرك " 4 / 37، وفي السند هشام بن محمد وهو متروك. (2) " ابن سعد " 8 / 147، و" المستدرك " 4 / 37، وسنده تالف. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 147، المستدرك: 4 / 38، الاستيعاب: 4 / 1903، أسد الغابة: 7 / 240، الإصابة: 13 / 103. (3) " المستدرك " 4 / 38. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 147 من طريق هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس وهذا سند واه بمرة. (* *) مسند أحمد: 6 / 377 و409، طبقات ابن سعد: 8 / 158، المعارف: 140، الاستيعاب: 4 / 1832، أسد الغابة: 7 / 93، تهذيب الكمال: 1681، مجمع الزوائد: 9 / 259، تهذيب التهذيب: 12 / 415، الإصابة: 12 / 234، خلاصة تذهيب الكمال: 490. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا؛ فَأَرْجَأَهَا فِيْمَنْ أَرْجَأَ مِنْ نِسَائِهِ (1) . 39 - جُوَيْرِيَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ أَبِي ضِرَارٍ المُصْطَلِقِيَّةُ * (ع) سُبِيَتْ يَوْمَ غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ، فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ، وَكَانَ اسْمُهَا: بَرَّةَ، فَغُيِّرَ (2) ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ. أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَطْلُبُ مِنْهُ إِعَانَةً فِي فَكَاكِ نَفْسِهَا، فَقَالَ: (أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ أَتَزَوَّجُكِ) . فَأَسْلَمَتْ، وَتَزَوَّجَ بِهَا؛ وَأَطْلَقَ لَهَا الأُسَارَى مِنْ قَوْمِهَا (3) ، وَكَانَ أَبُوْهَا سَيِّداً مُطَاعاً. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ، وَكُرَيْبٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو أَيُّوْبَ يَحْيَى بنُ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) انظر " فتح الباري " 8 / 404، و" مجمع الزوائد " 9 / 259، و" الدر المنثور " 5 / 210. (*) مسند أحمد: 6 / 324 و449، طبقات ابن سعد: 8 / 116 - 120، طبقات خليفة: 342، تاريخ خليفة: 224، المعارف: 138، 139، تاريخ الفسوي: 3 / 322، المستدرك: 4 / 25 - 28، الاستيعاب: 4 / 1804، أسد الغابة: 7 / 56، تهذيب الكمال: 1679، تاريخ الإسلام: 2 / 275، العبر: 1 / 7، 61، مجمع الزوائد: 9 / 250، تهذيب التهذيب: 12 / 407، الإصابة: 12 / 182، خلاصة تذهيب الكمال: 489، كنز العمال: 13 / 706، شذارت الذهب: 1 / 61. (2) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2140) من طريق سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها إلى جويرية. وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 118، و" المسند " 6 / 429، 430. (3) صحيح وسيأتي تخريجه قريبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلاَّحَةً (1) ، لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ ... ، الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ (2) . زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُوَيْرِيَةَ، وَاسْتَنْكَحَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ مَمْلُوْكٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ، وَكَانَتْ مِنْ مِلْكِ اليَمِيْنِ، فَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا (3) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: بَنُو المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ابْنُ عَمِّهَا مُسَافِعُ بنُ صَفْوَانَ بنِ أَبِي الشُّفَرِ (4) .   (1) أي: شديدة الملاحة وهو من أبنية المبالغة، قال الزمخشري: وفعال مبالغة في فعيل نحو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال مشددا أبلغ منه. (2) أخرجه ابن هشام في " السيرة " 2 / 294، 295، عن ابن إسحاق ومن طريقه أحمد 6 / 277 حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم نستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفت أنه سيرى فيها صلى الله عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي، وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله. قال: " قد فعلت "، قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق لتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. وإسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 117 من طريق الواقدي. (4) انظر " المستدرك " 4 / 26 وابن سعد 8 / 116، و" الإصابة " 12 / 184. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وَقَدْ قَدِمَ أَبُوْهَا الحَارِثُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ (1) . وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا بِنْتُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَتْ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ جُوَيْرِيَةُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ (2) . وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (3) -. جَاءَ لَهَا سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا عِنْدَ البُخَارِيِّ حَدِيْثٌ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيْثَانِ (4) . أَيُّوْبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: أَتَى وَالِدُ جُوَيْرِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ بِنْتِي لاَ يُسْبَى مِثْلُهَا، فَأَنَا أَكْرَمُ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرَأَيْتَ إِنْ خَيَّرْنَاهَا) . فَأَتَاهَا أَبُوْهَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ خَيَّرَكِ، فَلاَ تَفْضَحِيْنَا. فَقَالَتْ: فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُهُ. قَالَ: قَدْ -وَاللهِ- فَضَحْتِنَا (5) . زَكَرِيَّا: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُوَيْرِيَةَ، وَاسْتَنْكَحَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ مَمْلُوْكٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ (6) . هَمَّامٌ، وَغَيْرُهُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الهَجَرِيِّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ   (1) انظر " أسد الغابة " 1 / 400، و" الإصابة " 2 / 160. (2) ابن سعد 8 / 120. (3) تاريخ خليفة: 224. (4) انظر البخاري 4 / 203، ومسلم (1073) و (2726) . (5) إسناده صحيح، لكنه مرسل، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 118. (6) إسناده صحيح لكنه مرسل أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (13118) وابن سعد 8 / 118، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 250، وقال: رواه الطبراني مرسلا، ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 الحَارِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ لَهَا: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟) . قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً؟) . قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (فَأَفْطِرِي (1)) . رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَلَهُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ. رَوَاهُ: سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو (2) . شُعْبَةُ، وَجَمَاعَةٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ: سَمِعْتُ كُرَيْباً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: أَتَى عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدْوَةً وَأَنَا أُسَبِّحُ، ثُمَّ انْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ قَرِيْباً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ: (أَمَا زِلْتِ قَاعِدَةً؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ لَو عُدِلْنَ بِهِنَّ عَدَلَتْهُنَّ، أَوْ وُزِنَّ بِهِنَّ وَزَنَتْهُنَّ -يَعْنِي: جَمِيْعَ مَا سَبَّحْتِ-: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (3) -) . يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ   (1) أخرجه البخاري 4 / 203 في الصوم: باب صوم يوم الجمعة، وأبو داود (2422) في الصوم، وأحمد 6 / 430 وابن سعد 8 / 119، وله شاهد من حديث جنادة بن أبي أمية عند النسائي. وإسناده صحيح. (2) أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (957) وقال الحافظ في " الفتح ": اتفق شعبة وهمام عن قتادة على هذا الإسناد (يريد إسناد البخاري) وخالفهما سعيد بن أبي عروبة، فقال: عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية ... أخرجه النسائي وصححه ابن حبان، والراجح طريق شعبة لمتابعة همام وحماد بن سلمة له، وكذا حماد بن الجعد ... (3) إسناده صحيح، أخرجه مسلم في " صحيحه " (2726) في الذكر والدعاء: باب التسبيح أول النهار وعند النوم، وابن سعد 1 / 119، وأحمد 6 / 324، 327 و429، 430. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَسَّمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَايَا بَنِي المُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ، فَكَاتَبَتْهُ، وَكَانَتْ حُلْوَةً مُلاَّحَةً، لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ. فَأَتَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتَعِيْنُهُ، فَكَرِهْتُهَا، -يَعْنِي: لِحُسْنِهَا- فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ البَلاَءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَاتَبْتُ، فَأَعِنِّي. فَقَالَ: (أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، أُؤَدِّي عَنْكِ، وَأَتَزَوَّجُكِ؟) . فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَفَعَلَ، فَبَلَغَ النَّاسَ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُوْلِ اللهِ. فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيْهِمْ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ، فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا (1) . 40 - سَوْدَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ زَمْعَةَ بنِ قَيْسٍ العَامِرِيَّةُ * (خَ، د، س) القُرَشِيَّةُ، العَامِرِيَّةُ. وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ خَدِيْجَةَ، وَانْفَرَدَتْ بِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى دَخَلَ بِعَائِشَةَ. وَكَانَتْ سَيِّدَةً جَلِيْلَةً، نَبِيْلَةً، ضَخْمَةً. وَكَانَتْ أَوَّلاً عِنْدَ: السَّكْرَانِ بنِ عَمْرٍو، أَخِي سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو العَامِرِيِّ (2) .   (1) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 262 تعليق (2) . (*) طبقات ابن سعد: 8 / 52 - 58، طبقات خليفة: 335، المعارف: 133، 284، 442، الاستيعاب: 4 / 1867، جامع الأصول: 9 / 145، أسد الغابة: 7 / 157، تهذيب الكمال: 1685، تاريخ الإسلام: 2 / 66، مجمع الزوائد: 9 / 246 - 248، تهذيب التهذيب: 12 / 426 - 427، الإصابة: 12 / 323، خلاصة تذهيب الكمال: 492، شذرات الذهب: 1 / 34 و60. (2) ذكره في " المجمع " 9 / 246، وقال: رواه الطبراني، وفيه القاسم بن عبد الله بن مهدي وهو ضعيف، وقد وثق وبقية رجاله ثقات. وانظر " أسد الغابة " 2 / 412، و" الإصابة " 4 / 216، 217. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، رِعَايَةً لِقَلْبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ قَدْ فَرِكَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (1) -. لَهَا أَحَادِيْثُ، وَخَرَّجَ لَهَا البُخَارِيُّ. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ. تُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ بِالمَدِيْنَةِ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسْلاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيْهَا حِدَّةٌ، فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَائِشَةَ (2) .   (1) أخرج البخاري 9 / 274 في النكاح: باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، من حديث عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة، وأخرجه أيضا 5 / 161 في الهبة، وزاد في آخره: تبتغي بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ملم (1463) عن عائشة وفيه: ... فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، وأخرجه أبو داود (2135) من طريق أحمد بن يونس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة يا ابن أختي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا. وكان قل فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها أراه قال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) . وتابعه ابن سعد 8 / 53 عن الواقدي، عن ابن أبي الزناد في وصله، ورواه سعيد بن منصور عن ابن أبي الزناد مرسلا لم يذكر عن عائشة، وعند الترمذي (3040) من حديث ابن عباس موصولا نحوه، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك قال الحافظ: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت. وفركت: أي قل ميلها للرجال. (2) أخرجه مسلم (1463) في الرضاع: باب جواز هبتها نوبتها لضرتها. وقولها " في مسلاخها " كأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَوْدَةَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهَاجَرَ بِهَا، وَمَاتَتْ بِالمَدِيْنَةِ، فِي شَوَّال، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ (1) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: وَهَذَا الثَّبْتُ عِنْدَنَا. وَرَوَى: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ سَوْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تُوُفِّيَتْ زَمَنَ عُمَر (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَتْ سَوْدَةُ وَزَوْجُهَا، فَهَاجرَا إِلَى الحَبَشَةِ (3) . وَعَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ: أَنَّ السَّكْرَانَ قَدِمَ مِنَ الحَبَشَةِ بِسَوْدَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا، فَخَطَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَتْ: أَمْرِي إِلَيْكَ. قَالَ: (مُرِي رَجُلاً مِنْ قَوْمِكِ يُزَوِّجُكِ) . فَأَمَرَتْ حَاطِبَ بنَ عَمْرٍو العَامِرِيَّ، فَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ (4) . هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي بَزَّةَ (5) : أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَى سَوْدَةَ بِطَلاقِهَا، فَجَلَسَتْ عَلَى طَرِيْقِهِ، فَقَالَتْ: أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ   (1) ابن سعد 8 / 53 و55. (2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 1 / 49، 50 من طريق يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال. ورجاله ثقات. (3) ابن سعد 8 / 52. (4) ابن سعد 8 / 53 من طريق الواقدي. (5) هو القاسم بن أبي بزة، بفتح الموحدة وتشديد الزاي، المكي مولى بني مخزوم القارئ الثقة، من الطبقة الخامسة، وحديثه هذا مرسل، ومع وضوح الاسم في الأصل وفي الطبقات، وفي الفتح 9 / 274 فقد غيره الأستاذ الابياري إلى القاسم، عن أبي برزة، وكتب في الهامش: القاسم هو ابن عوف الشيباني ويروي عن أبي برزة نضلة بن عبيد الاسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار إلى ما في الأصل، وزعم أنه تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 كِتَابَهُ، لِمَ طَلَّقْتَنِي؟ أَلِمَوْجِدَةٍ؟ قَالَ: (لاَ) . قَالَتْ: فَأَنْشُدُكَ اللهَ لَمَا رَاجَعْتَنِي، فَلاَ حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ فِي نِسَائِكَ، فَرَاجَعَهَا. قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: قَالَتْ سَوْدَةُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! صَلَّيْتُ خَلْفَكَ البَارِحَةَ، فَرَكَعْتَ بِي حَتَّى أَمْسَكْتُ بِأَنْفِي مَخَافَةَ أَنْ يَقْطُرَ الدَّمُ. فَضَحِكَ، وَكَانَتْ تُضْحِكُهُ الأَحْيَانَ بِالشَّيْءِ (2) . صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: (هَذِهِ ثُمَّ ظُهُوْرَ الحُصْرِ (3)) . قَالَ صَالِحٌ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ تَقُوْلُ لاَ أَحُجُّ بَعْدَهَا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ ثَبِطَةٌ - أَيْ: ثَقِيْلَةٌ - فَأَذِنَ لَهَا (4) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 54، وسنده صحيح، لكنه مرسل، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلقها كما تقدم. (2) ابن سعد 8 / 54. (3) ظهور الحصر: منصوب على تقدير: ثم الزمن، والحصر: جمع حصير: وهو ما يفرش في البيوت، والمراد أن يلزمن بيوتهن ولا يخرجن منها. والحديث أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 55، وأحمد 2 / 446 و6 / 324، وسنده قوي، فإن صالحا مولى التوأمة، وإن كان قد اختلط بأخرة، فإن راويه عنه عند أحمد هو ابن أبي ذئب، وهو ممن سمع منه قديما، وفي الباب ما يشهد له، أخرجه أحمد 5 / 218، وأبو داود (1722) في أول الحج من طريق عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن واقد بن أبي واقد الليثي، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته: " هذه ثم ظهور الحصر " وسنده حسن في الشواهد. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 55، 56 والبخاري 3 / 423، ومسلم (1290) ، وأحمد 6 / 164، والنسائي 5 / 266، وتمامه: فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلان أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروح به. = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ إِلَى سَوْدَةَ بِغِرَارَةِ دَرَاهِمٍ. فَقَالَتْ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: دَرَاهِم. قَالَتْ: فِي الغِرَارَةِ مِثْلَ التَّمْرِ، يَا جَارِيَةُ بَلِّغِيْنِي القُنْعَ، فَفَرَّقَتْهَا (1) . يُرْوَى لِسَوْدَةَ: خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، عَنِ البُخَارِيِّ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رِيْطَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ بَعَثَ زَيْداً، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ، وَأَعْطَاهُمَا بَعِيْرَيْنِ، وَخَمْسَ مائَةِ دِرَهْمٍ، فَخَرَجْنَا جَمِيْعاً، وَخَرَجَ زَيْدٌ، وَأَبُو رَافِعٍ بِفَاطِمَةَ، وَبِأُمِّ كُلْثُوْمٍ، وَبِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، وَبِأُمِّ أَيْمَن، وَأُسَامَةَ ابْنِهِ (2) . 41 - صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- * وَهِيَ شَقِيْقَةُ حَمْزَةَ، وَأُمُّ حَوَارِيِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرِ، وَأُمُّهَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ.   = والحطمة: بفتح الحاء، وسكون الطاء: الزحمة، أي: قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضا. (1) أخرجه ابن سعد 8 / 56 ورجاله ثقات، وقد تحرف في المطبوع من الطبقات محمد بن سيرين إلى محمد بن عمر. والقنع: الطبق. (2) ابن سعد 1 / 237، 238. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 41، طبقات خليفة: 331، تاريخ خليفة: 147، المعارف: 128، 219، 220، المستدرك: 4 / 50 - 51، الاستيعاب: 4 / 1873، أسد الغابة: 7 / 173، مجمع الزوائد: 9 / 255، تاريخ الإسلام: 2 / 38، كنز العمال: 13 / 631، الإصابة: 13 / 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 تَزَوَّجَهَا: الحَارِثُ أَخُو أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا. وَتَزَّوَجَهَا: العَوَّامُ أَخُو سَيِّدَةِ النِّسَاءِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ الزُّبَيْرَ، وَالسَّائِبَ (1) ، وَعَبْدَ الكَعْبَةِ (2) . وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ مَا أَسْلَمَ مِنْ عَمَّاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِوَاهَا. وَلَقَدْ وَجَدَتْ عَلَى مَصْرَعِ أَخِيْهَا حَمْزَةَ، وَصَبَرَتْ، وَاحْتَسَبَتْ. وَهِيَ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، وَمَا أَعْلَمُ هَلْ أَسْلَمَتْ مَعَ حَمْزَةَ أَخِيْهَا، أَوْ مَعَ الزُّبَيْرِ وَلَدِهَا. وَقَدْ كَانَتْ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي حِصْنِ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَتْ: وَكَانَ حَسَّانٌ مَعَنَا فِي الذُّرِّيَّةِ (3) ، فَمَرَّ بِالحِصْنِ يَهُوْدِيٌّ، فَجَعَلَ يُطِيْفُ بِالحِصْنِ، وَالمُسْلِمُوْنَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ. ثُمَّ سَاقَتِ الحَدِيْثَ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ وَقَتَلَتِ اليَهُوْدِيَّ بِعَمُوْدٍ (4) . فَرَوَى: هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهَا، قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلاً، كَانَ حَسَّانٌ مَعَنَا، فَمَرَّ بِنَا يَهُوْدِيٌّ، فَجَعَلَ يُطِيْفُ بِالحِصْنِ، فَقُلْتُ لِحَسَّانٍ: إِنَّ هَذَا لاَ آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَتِنَا، فَقُمْ، فَاقْتُلْهُ. قَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكِ، لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا. فَاحْتَجَزَتْ،   (1) السائب: صحابي شهد بدرا والخندق وغيرهما، واستشهد باليمامة، ولا عقب له كما في " الإصابة " 4 / 115. (2) انظر " الاستيعاب " 13 / 66، وابن سعد 8 / 41. (3) في " الطبقات " 8 / 41: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لقتال عدوه رفع النساء والصبيان في أطم حسان لأنه كان من أحصن آطام المدينة. (4) انظر " سيرة ابن هشام " 2 / 228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَأَخَذَتْ عَمُوداً، وَنَزَلَتْ، فَضَرَبَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ (1) . تُوُفِّيَتْ صَفِيَّةُ: فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ، وَلَهَا بِضْعُ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَكِيْعٌ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيْرَتَكَ الأَقْرَبِيْنَ} [الشُّعرَاء: 214] ، قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً، سَلُوْنِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُم (2) . ذِكْرُ أَوْلاَدِ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَلَدَتْ صَفِيَّةُ: الزُّبَيْرَ، وَالسَّائِبَ، وَعَبْدَ الكَعْبَةِ، بَنِي العَوَّامِ. وَهِيَ القَائِلَةُ تَنْدُبُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَيْنُ جُوْدِي بِدَمْعَةٍ وَسُهُوْدِ ... وَانْدُبِي خَيْرَ هَالِكٍ مَفْقُودِ وَانْدُبِي المُصْطَفَى بِحُزْنٍ شَدِيْدٍ ... خَالَطَ القَلْبَ فَهُوَ كَالمَعْمُوْدِ كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ لَمَّا أَتَاهُ ... قَدَرٌ خُطَّ فِي كِتَابٍ مَجِيْدِ فَلَقَدْ كَانَ بِالعِبَادِ رَؤُوْفاً ... وَلَهُمْ رَحْمَةً وَخَيْرَ رَشِيْدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيّاً وَمَيْتاً ... وَجَزَاهُ الجِنَانَ يَوْمَ الخُلُوْدِ فَهَذَا مِمَّا أُوْرِدَ لِصَفِيَّةَ، فَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.   (1) أخرجه الحاكم 4 / 51 من طريق يونس بن بكير عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن صفيه بنت عبد المطلب، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عروة لم يدرك صفية. وأورده الهيثمي في " المجمع " 6 / 134، وقال: رواه الطبراني ورجاله إلى عروة، رجال الصحيح، ولكنه مرسل. واحتجزت: شدت وسطها. (2) أخرجه مسلم (205) في الايمان: باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الاقربين) وأحمد 6 / 187، والنسائي 6 / 250، والترمذي (2310) و (3184) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أُخْتُهَا: 42 - أَرْوَى عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ * -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا: عُمَيْرُ بنُ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ طُلَيْباً. ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: أَرْطَاةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ. ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَرْوَى، وَهَاجَرَتْ، وَأَسْلَمَ وَلَدُهَا طُلَيْبٌ فِي دَارِ الأَرْقَمِ. رَوَى هَذَا: ابْنُ سَعْدٍ (1) ، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهَا بِذِكْرٍ بَعْدُ، وَلاَ وَجَدْنَا لَهَا رِوَايَةً. وَأُخْتُهَا: 43 - عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ** أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتْ. وَهِيَ صَاحِبَةُ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي مَهْلِكِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَتِلْكَ الرُّؤْيَا ثَبَّطَتْ أَخَاهَا أَبَا لَهَبٍ عَنْ شُهُودِ بَدْرٍ (2) . وَلَمْ نَسْمَعْ لَهَا بِذِكْرٍ فِي غَيْرِ الرُّؤْيَا.   (*) ابن هشام: 1 / 173، طبقات ابن سعد: 8 / 42 - 43، المعارف: 119، 129، المستدرك: 4 / 52، الاستيعاب: 4 / 1778، أسد الغابة: 7 / 7، الإصابة: 12 / 109 ت 33. (1) 8 / 42. (* *) طبقات ابن سعد: 8 / 43 - 45، طبقات خليفة: 331، المعارف: 118، 119، 128، الاستيعاب: 4 / 1880، أسد الغابة: 7 / 185، مجمع الزوائد: 9 / 255، الإصابة: 13 / 35. (2) ابن سعد 8 / 43، 44، و" مجمع الزوائد " 6 / 69، 70، وسيرة ابن هشام 1 / 607، 608. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 44 - البَيْضَاءُ * أُمُّ حَكِيْمٍ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَظُنُّهَا أَدْرَكَتْ نُبُوَّةَ المُصْطَفَى. تَزَوَّجَهَا: كُرَيزُ بنُ رَبِيْعَةَ العَبْشَمِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَامِراً وَالِدَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ، وَأَرْوَى وَالِدَةَ الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ. ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ: الوَلِيْدَ، وَخَالِداً، وَأُمَّ كُلْثُوْمٍ، وَلِلثَّلاَثَةِ صُحْبَةٌ. 45 - بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ** وَالِدَةُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ، البَدْرِيِّ. ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا: أَبُو رُهْمٍ بنِ عَبْدِ العُزَّى العَامِرِيُّ، فَوَلَدَتَ لَهُ أَبَا سَبْرَةَ أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ (2) . لَمْ تُدْرِكِ المَبْعَثَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا اسْتِطْرَاداً. 46 - أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- *** وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ، وَأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ زَيْنَبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ،   (*) طبقات ابن سعد: 8 / 45، تاريخ خليفة: 156، المعارف: 118، 119، 128، 191، 320، الاستيعاب: 12، 192. (1) ابن سعد 8 / 45. (* *) طبقات ابن سعد: 8 / 45، طبقات خليفة: 109، المعارف: 119، 128، الاستيعاب 12 / 193. (2) ابن سعد 8 / 45. (* * *) طبقات ابن سعد: 8 / 45 - 46، المعارف: 118، 119، 128، 136، 231، الإصابة: 12 / 138. سير 2 / 18 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَأَبِي أَحْمَدَ عَبْدٍ، وَحَمْنَةَ، أَوْلاَدِ جَحْشِ بنِ رِيَابٍ الأَسَدِيِّ، حَلِيْفِ قُرَيْشٍ. أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتْ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَطْعَمَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ وَسْقاً مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ رَبِيْعَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، الهَاشِمِيَّةُ، أَعْنِي الَّتِي أَسْلَمَتْ، وَأُطْعِمَتْ مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَيْمَةَ الكُبْرَى العَمَّةَ مَا هَاجَرَتْ، وَلاَ أَدْرَكَتِ الإِسْلاَمَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. لَمْ يَهْتَمَّ (2) بِذِكْرِ إِسْلاَمِهَا إِلاَّ الوَاقِدِيُّ، وَرَوَى فِي ذَلِكَ قِصَّةً - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 47 - ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ * (د، س، ق) بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ الهَاشِمِيَّةُ. مِنَ المُهَاجِرَاتِ. وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، فَوَلَدَتْ لَهُ: عَبْدَ اللهِ، وَكَرِيْمَةَ.   (1) طبقات ابن سعد 8 / 46. (2) تحرف في المطبوع إلى " يتم ". (*) مسند أحمد: 6 / 419 و360، طبقات ابن سعد: 8 / 46، طبقات خليفة: 331، المعارف: 120، 262، المستدرك: 4 / 65، الاستيعاب: 4 / 1874، أسد الغابة: 7 / 178، تهذيب الكمال: 1687، تاريخ الإسلام: 2 / 229، تهذيب التهذيب: 12 / 432، الإصابة: 13 / 26، خلاصة تذهيب الكمال: 493. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 لَهَا أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَى عَنْهَا: ابْنَتُهَا؛ كَرِيْمَةُ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ. وَحَدَّثَ عَنْهَا مِنَ القُدَمَاءِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ. وَقُتِلَ وَلَدُهَا عَبْدُ اللهِ بنُ المِقْدَادِ يَوْمَ الجَمَلِ مَعَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ (1) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُرِيْدُ الحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (حُجِّي، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي (2)) . بَقِيَتْ ضُبَاعَةُ إِلَى بَعْدِ عَامِ أَرْبَعِيْنَ فِيْمَا أَرَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. 48 - دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي لَهَبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ * بِنْتُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي لَهَبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ. مِنَ المُهَاجِرَاتِ.   (1) " المستدرك " 4 / 65، وابن سعد 8 / 46. (2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 9 / 114 في النكاح: باب الاكفاء في الدين، ومسلم (1207) في الحج: باب جواز اشتراط المحرم بعذر المرض ونحوه، وأحمد 6 / 164، والنسائي 5 / 168. وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم (1208) وأبي داود (1776) وأحمد 1 / 337، والترمذي (941) والنسائي 5 / 168، والدارمي 2 / 35، وابن ماجة (2938) . (*) مسند أحمد: 6 / 431، طبقات ابن سعد: 8 / 50، طبقات خليفة: 330، الاستيعاب: 4 / 1835، أسد الغابة:: 7 / 103، مجمع الزوائد: 9 / 257، الإصابة: 12 / 245. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 لَهَا حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي (المُسْنَدِ) ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهَا الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ (1) . وَقِيْلَ: تَزَوَّجَ بِهَا دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ (2) . 49 - أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُقْبَةَ الأُمَوِيِّةُ * (خَ، م، د، ت، س) ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانِ بنِ ذَكْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ الأُمَوِيِّ. مِنَ المُهَاجِرَاتِ. أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ، وَبَايَعَتْ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهَا هِجْرَةٌ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ. وَكَانَ خُرُوْجُهَا زَمَنَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، فَخَرَجَ فِي إِثْرِهَا أَخَوَاهَا؛ الوَلِيْدُ وَعُمَارَةُ، فَمَا زَالاَ حَتَّى قَدِمَا المَدِيْنَةَ، فَقَالاَ: يَا مُحَمَّدُ! فِ لَنَا بِشَرْطِنَا. فَقَالَتْ: أَتَرُدُّنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ إِلَى الكُفَّارِ يَفْتِنُوْنِي عَنْ دِيْنِي وَلاَ صَبْرَ لِي، وَحَالُ النِّسَاءِ فِي الضَّعْفِ مَا قَدْ عَلِمْتَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -: {إِذَا جَاءكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ،   (1) أخرجه أحمد 6 / 432 من طريق شريك، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن زوج درة بنت أبي لهب (الحارث بن نوفل) ، عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم " وشريك سيئ الحفظ، وعبد الله بن عميرة مجهول. (2) ابن سعد 8 / 50. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 230 - 232، طبقات خليفة: 332، تاريخ خليفة: 86، المعارف لابن قتيبة: 237، المستدرك: 4 / 66، الاستيعاب: 4 / 1953، أسد الغابة: 7 / 386، تهذيب الكمال: 1704، تاريخ الإسلام: 2 / 254، تهذيب التهذيب: 12 / 477 - 478، الإصابة: 13 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 499، كنز العمال: 13 / 626. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فَامْتَحِنُوْهُنَّ ... } الآيَتَيْنِ [المُمْتَحَنَةُ: 10 - 11] . فَكَانَ يَقُوْلُ: (آللهُ مَا أَخْرَجَكُنَّ إِلاَّ حُبُّ اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَالإِسْلاَمُ؟ مَا خَرَجْتُنَّ لِزَوْجٍ، وَلاَ مَالٍ؟) . فَإِذَا قُلْنَ ذَلِكَ، لَمْ يُرْجِعْهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ (1) . وَلَمْ يَكُنْ لأُمِّ كُلْثُوْمٍ بِمَكَّةَ زَوْجٌ، فَتَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا. فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَوَلَدَت لَهُ: إِبْرَاهِيْمَ، وَحُمَيْداً. فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا، تَزَوَّجَهَا عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ (2) . رَوَتْ: عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ فِي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) . لَهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : حَدِيْثٌ وَاحِدٌ (3) . رَوَى عَنْهَا: ابْنَاهَا؛ حُمَيْدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ. تُوُفِّيَتْ فِي: خِلاَفَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. رَوَى لَهَا الجَمَاعَةُ، سِوَى ابْن مَاجَه. وَسَاقَ أَخْبَارَهَا: ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ.   (1) طبقات ابن سعد 8 / 230، وأخرج البخاري في " صحيحه " 5 / 228، 229 في أول الشروط من حديث الزهري عن عروة، سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..وفيه: وجاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عاتق، فجاء أهلها يسألونه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) إلى قوله (ولاهم يحلون لهن) قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) إلى (غفور رحيم) . قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد بايعتك " كلاما يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، وما بايعهن إلا بقوله. وانظر " ابن كثير " 4 / 350. (2) " المستدرك " 4 / 66، 67. (3) هو في البخاري 5 / 220، ومسلم (2650) في البر والصلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 50 - أُمُّ عُمَارَةَ نَسِيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّةُ * (4) ابْنِ عَوْفِ بنِ مَبْذُوْلٍ، الفَاضِلَةُ، المُجَاهِدَةُ، الأَنْصَارِيَّةُ، الخَزْرَجِيَّةُ، النَّجَّارِيَّةُ، المَازِنِيَّةُ، المَدَنِيَّةُ. كَانَ أَخُوْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ كَعْبٍ المَازِنِيُّ مِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَكَانَ أَخُوْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ البَكَّائِيْنَ. شَهِدَتْ أُمُّ عُمَارَةَ: لَيْلَةَ العَقَبَةِ، وَشَهِدَتْ: أُحُداً، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَيَوْمَ اليَمَامَةِ، وَجَاهَدَتْ، وَفَعَلَتِ الأَفَاعِيْلَ. رُوِيَ لَهَا أَحَادِيْثُ، وَقُطِعَتْ يَدُهَا فِي الجِهَادِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَتْ أُحُداً مَعَ زَوْجِهَا غَزِيَّةَ بنِ عَمْرٍو، وَمَعَ وَلَدَيْهَا (1) . خَرَجَتْ تَسْقِي وَمَعَهَا شَنٌّ، وَقَاتَلَتْ، وَأَبْلَتْ بَلاَءً حَسَناً، وَجُرِحَتِ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحاً (2) . وَكَانَ ضَمْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ المَازِنِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ - وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُداً - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لَمُقَامُ نَسِيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ اليَوْمَ   (*) مسند أحمد: 6 / 439، طبقات ابن سعد: 8 / 410412، طبقات خليفة: 339، الاستبصار: 82، الاستيعاب: 4 / 1948، أسد الغابة: 7 / 280، تهذيب الكمال: 1703، تهذيب التهذيب: 12 / 474، الإصابة: 13 / 151، خلاصة تذهيب الكمال: 499، كنز العمال: 13 / 625. (1) أي: ولديها من زوجها الأول زيد بن عاصم بن عمرو، وهما: عبد الله وحبيب. أما ولداها من غزية، فهما تميم وخولة، كما في " الطبقات " 8 / 412. (2) ابن سعد 8 / 412. والشن: القربة الخلق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ) . وَكَانَتْ تَرَاهَا يَوْمَئِذٍ تُقَاتِلُ أَشَدَّ القِتَالِ، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا حَتَّى جُرِحَتْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُرْحاً، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى ابْنِ قَمِئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا، وَكَانَ أَعْظَمَ جِرَاحِهَا، فَدَاوَتْهُ سَنَةً. ثُمَّ نَادَى مُنَادِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ (1) ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَرَحِمَهَا (2) -. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عُمَارَةَ: رَأَيْتُنِي، وَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا بَقِيَ إِلاَّ فِي نُفَيْرٍ مَا يُتِمُّونَ عَشَرَةً، وَأَنَا وَابْنَايَ وَزَوْجِي بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبُّ عَنْهُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّوْنَ بِهِ مُنْهَزِمِيْنَ، وَرَآنِي وَلاَ تُرْسَ مَعِي، فَرَأَى رَجُلاً مُوَلِّياً وَمَعَهُ تُرْسٌ، فَقَالَ: (أَلْقِ تُرْسَكَ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ) . فَأَلْقَاهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَجَعَلْتُ أُتَرِّسُ بِهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ بِنَا الأَفَاِعْيَلَ أَصْحَابُ الخَيْلِ، لَو كَانُوا رَجَّالَةً مِثْلَنَا أَصَبْنَاهُمْ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، فَيَضْرِبُنِي، وَتَرَّسْتُ لَهُ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، وَوَلَّى، فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ، فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِيْحُ: (يَا ابْنَ أُمِّ عُمَارَةَ، أُمَّكَ أُمَّكَ) . قَالَتْ: فَعَاوَنَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوْبَ (3) .   (1) موضع على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت الحليفة. وانظر " زاد المعاد " 3 / 242، 243 بتحقيقنا. (2) ابن سعد 8 / 413. (3) شعوب: من أسماء المنية، والخبر في " الطبقات " 8 / 413، 414. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: جُرِحْتُ يَوْمَئِذٍ جُرْحاً، وَجَعَلَ الدَّمُ لاَ يَرْقَأُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اعْصِبْ جُرْحَكَ) . فَتُقْبِلُ أُمِّي إِلَيَّ وَمَعَهَا عَصَائِبُ فِي حَقْوِهَا، فَرَبَطَتْ جُرْحِي، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ، فَقَالَ: (انْهَضْ بُنَيَّ، فَضَارِبِ القَوْمَ) . وَجَعَلَ يَقُوْلُ: (مَنْ يُطِيْقُ مَا تُطِيْقِيْنَ يَا أُمَّ عُمَارَةَ؟!) . فَأَقْبَلَ الَّذِي ضَرَبَ ابْنِي، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هَذَا ضَارِبُ ابْنِكِ) . قَالَتْ: فَأَعْتَرِضُ لَهُ، فَأَضْرِبُ سَاقَهُ، فَبَرَكَ. فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَسِمُ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ، وَقَالَ: (اسْتَقَدْتِ يَا أُمَّ عُمَارَةَ) . ثُمَّ أَقْبَلْنَا نَعُلُّهُ بِالسِّلاحِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَفْسِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي ظَفَّرَكِ (1)) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ أُحُداً، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَنَوْتُ مِنْهُ أَنَا وَأُمِّي نَذُبُّ عَنْهُ، فَقَالَ: (ابْنَ أُمِّ عُمَارَةَ؟!) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (ارْمِ) . فَرَمَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلاً بِحَجَرٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، فَأَصَبْتُ عَيْنَ الفَرَسِ، فَاضْطَرَبَ الفَرَسُ، فَوَقَعَ هُوَ وَصَاحِبُهُ، وَجَعَلْتُ أَعْلُوْهُ بِالحِجَارَةِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَسِمُ.   (1) ابن سعد 8 / 414. والحقو: معقد الازار، واستقدت: اقتصصت من القود وهو القصاص، ونعله: نتابع ضربه بالسلاح، من العلل: وهو الشرب بعد الشرب تباعا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَنَظَرَ إِلَى جُرْحِ أُمِّي عَلَى عَاتِقِهَا، فَقَالَ: (أُمَّكَ أُمَّكَ، اعْصِبْ جُرْحَهَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُم رُفَقَائِي فِي الجَنَّةِ) . قُلْتُ: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا (1) . وَعَنْ مُوْسَى بنِ ضَمْرَةَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِمُرُوْطٍ فِيْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أُمِّ عُمَارَةَ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: أَتَانَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ صَائِماً. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أُكِلَ عِنْدَ الصَّائِمِ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ (3)) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، قَالَ: جُرِحَتْ أُمُّ عُمَارَةَ بِأُحُدٍ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحاً، وَقُطِعَتْ يَدُهَا يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَجُرِحَتْ يَوْمَ اليَمَامَةِ سوَى يَدِهَا أَحَدَ عَشَرَ جُرْحاً، فَقَدِمَتِ المَدِيْنَةَ وَبِهَا الجِرَاحَةُ، فَلَقَدْ رُئِيَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ خَلِيْفَةٌ يَأْتِيهَا يَسْأَلُ عَنْهَا (4) . وَابْنُهَا حَبِيْبُ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ هُوَ الَّذِي قَطَّعَهُ مُسَيْلِمَةُ.   (1) ابن سعد 8 / 414، 415. (2) ابن سعد 8 / 415 من طريق الواقدي، والمرط: كساء من خز أو صوف أو كتان. (3) رجاله ثقات عدا المرأة التي روت عن مولاتها أم عمارة واسمها ليلى لم يوثقها غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل. والحديث أخرجه ابن سعد 8 / 415، 416، وأحمد 6 / 439، والترمذي (785) ، وابن ماجة (1748) والدارمي 2 / 17، وابن حبان (953) . (4) ابن سعد 8 / 416. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَابْنُهَا الآخَرُ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ المَازِنِيُّ الَّذِي حَكَى وُضُوْءَ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ (2) ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ بِسَيْفِهِ. انْفَرَدَ: أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَابْنُ مَنْدَةَ: بِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: بَلْ شَهِدَ أُحُداً. قُلْتُ: نَعَمْ، الصَّحِيْحُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 51 - أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بنِ مَعْبَدِ (3) بنِ الحَارِثِ الخَثْعَمِيَّةُ * (ع) أُمُّ عَبْدِ اللهِ.   (1) أخرجه البخاري 1 / 226 في الوضوء: باب الوضوء مرة مرة، وباب مسح الرأس كله، ومسلم (235) و (236) في الطهارة: باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ومالك 1 / 18، وأبو داود (118) و (119) و (120) والترمذي (35) و (47) والنسائي 1 / 71 و72. (2) الحرة: كل أرض ذات حجارة سود، وأكثر الحرار حول مدينة الرسول. والحرة المرادة هنا حرة واقم، وهي الشرقية من حرتي المدينة كانت فيها الوقعة فنسبت إليها. وسببها: أن أكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد بن معاوية وخرجوا عليه لسوء سيرته، فجهز لحربهم جيشا عليه مسلم ابن عقبة المري، فالتقوا بظاهر المدينة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 63 هـ. وانهزم أهل المدينة، وقتل جهرا ظلما في الحرب وصبرا أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين. انظر " عبر المؤلف " 1 / 67، 68. وهذه الوقعة من أكبر مصائب الإسلام وخرومه. (*) مسند أحمد: 6 / 452، طبقات ابن سعد: 8 / 280، 285، المعارف: 171، 173، 210، 282، 555، الاستيعاب: 4 / 1784، أسد الغابة: 7 / 14، تهذيب الكمال: 1677، تذهيب التهذيب: 4 / 2 / 256، تاريخ الإسلام: 2 / 273، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب التهذيب: 12 / 399 398، الإصابة: 12 / 116، خلاصة تذهيب الكمال: 488، شذرات الذهب: 1 / 15 و48. (3) في الأصل و" أسد الغابة " معبد بالباء، وضبطه الحافظ في " الصإبة " 12 / 116 بدون الباء فقال: " معد " بوزن سعد أوله ميم، وهو المثبت في " طبقات ابن سعد " 8 / 280، و" جمهزة أنساب العرب ": 390، و" الاستيعاب " 4 / 1784. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. قِيْلَ: أَسْلَمَتْ قَبْلَ دُخُوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ (1) ، وَهَاجَرَ بِهَا زَوْجُهَا جَعْفَرٌ الطَّيَّارُ إِلَى الحَبَشَةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ: عَبْدَ اللهِ، وَمُحَمَّداً، وَعَوْناً. فَلَمَّا هَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى المَدِيْنَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، تَزَوَّجَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً وَقْتَ الإِحْرَامِ، فَحَجَّتْ حَجَّةَ الوَدَاعِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ، فَغَسَّلَتْهُ (2) ، وَتَزَوَّجَ بِهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَدِمَتْ أَسْمَاءُ مِنَ الحَبَشَةِ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا حَبَشِيَّةُ، سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ. فَقَالَتْ: لَعَمْرِي لَقَدْ صَدَقْتَ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وُيُعَلِّمُ جَاهِلَكُم، وَكُنَّا البُعَدَاءُ الطُّرَدَاءُ، أَمَا -وَاللهِ- لأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ. فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: (لِلنَّاسِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ هِجْرَتَانِ) (3) .   (1) هو الأرقم بن أبي الأرقم، وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها في الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير، انظر " المستدرك " 3 / 502، 503. (2) ابن سعد 8 / 282، وخبر أنها غسلت زوجها أبا بكر أخرجه مالك 1 / 223، وعنه عبد الرزاق (6123) من طريق عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ... وأخرج عبد الرزاق (6117) من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أن امرأة أبي بكر غسلته حين توفي أوصى بذلك. (3) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 281، وأخرجه بأطول مما هنا البخاري 7 / 371، 372 في المغازي: باب غزوة خيبر، ومسلم (2503) في فضائل الصحابة: باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس من طريق محمد بن العلاء، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّا لَسْنَا مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. قَالَ: (كَذَبَ مَنْ يَقُوْلُ ذَلِكَ، لَكُمُ الهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ، هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ (1)) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَشَارَ بِنَعْشِ المَرْأَةِ - يَعْنِي المُكَبَّةُ - أَسْمَاءُ، رَأَتِ النَّصَارَى يَصْنَعُوْنَهُ بِالحَبَشَةِ (2) . الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ (3) : عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمَّا أُصِيْبَ جَعْفَرٌ، قَالَ: تَسَلَّبِي (4) ثَلاَثاً، ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْتِ (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 281. (2) ابن سعد 8 / 281. (3) تصحف في المطبوع إلى عيينة. (4) قال في " النهاية ": أي البسي ثوب الحداد وهو السلاب، والجمع: سلب، وتسلبت المرأة: إذا لبسته، وقيل: هو ثوب أسود تغطي به المحد رأسها. وقد تحرف في " المطبوع " إلى " تسلي " وفي " الطبقات " و" صحيح ابن حبان " بلفظ " تسلمي " قال الحافظ في " الفتح " 9 / 429: وأغرب ابن حبان فساق الحديث بلفظ " تسلمي " بالميم بدل الموحدة، وفسره بأنه أمرها بالتسليم لامر الله، ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث، بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الامر أشد، فلذلك قيدها بالثلاث. هذا معنى كلامه، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها، وقد وقع في رواية البيهقي وغيره: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثا. فتبين خطؤه. (5) إسناده قوي كما قال الحافظ في " الفتح " 9 / 429، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 282 وأخرجه أحمد في " المسند " 6 / 396 بلفظ " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: " لاتحدي بعد يومك هذا " وأخرجه أيضا 6 / 438 ولفظه " البسي ثوب الحداد ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت " ونقل الحافظ في " الفتح " عن شيخه الحافظ العراقي في شرح الترمذي قوله: ظاهر هذا الحديث أنه لا يجب الاحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث، لان أسماء بنت عميس كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم، قال: بل ظاهر النهي أن الاحداد لا يجوز، وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للاحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: نُفِسَتْ (1) أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدٍ بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَهُمْ يُرِيْدُوْنَ حَجَّةَ الوَدَاعِ، فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ، ثُمَّ تُهِلَّ بِالحَجِّ (2) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: نُفِسَتْ بِذِي الحُلَيْفَةِ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِرَدِّهَا، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَ تُهِلَّ بِالحَجِّ (3)) . وَرَوَى: القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ، نَحْواً مِنْهُ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ أَبْيَضَ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، فَرَأَيْتُ يَدَيْ أَسْمَاءَ مَوْشُوْمَةً. زَادَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ: تَذُبُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (4) .   (1) قال الخطابي: أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس، فقالوا في الحيض: نفست بفتح النون، وفي الولادة بضمها. قال الحافظ: وهذا قول كثير من أهل اللغة، لكن حكى أبو حاتم عن الاصمعي قال: يقال ونفست المرأة في الحيض والولادة بضم النون فيهما. (2) إسناده صحيح، أخرجه أبن سعد 8 / 282. ومحمد: هو ابن أبي بكر، وذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وهي ميقات أهل المدينة. (3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 8 / 282، ورواية القاسم بن محمد عن أسماء أخرجها ابن سعد 8 / 283 وأحمد 6 / 369، ومسلم في " صحيحه " (1218) في حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه " حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: " اغتسلي واستثفري بثوب، وأحرمي ". (4) " الطبقات " 8 / 283. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 قَالَ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ أَسْمَاءُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَغَسَّلَتْهُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَتُهُ (1) . وَقِيْلَ: عَزَمَ عَلَيْهَا لَمَّا أَفْطَرَتْ، وَقَالَ: هُوَ أَقْوَى لَكِ. فَذَكَرَتْ يَمِيْنَهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَدَعَتْ بِمَاءٍ، فَشَرِبَتْ، وَقَالَتْ: وَاللهِ لاَ أُتْبِعُهُ اليَوْمَ حِنْثاً (2) . مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ أَسْمَاءَ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيْدُ البَرْدِ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لاَ (3) . رَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الأُعْطِيَةَ، فَفَرَضَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ (4) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: ثُمَّ تَزَوَّجَتْ عَلِيّاً، فَوَلَدَتْ لَهُ: يَحْيَى، وَعَوْناً (5) . زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: سَمِعْتُ عَامِراً يَقُوْلُ: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، فَتَفَاخَرَ ابْنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا أَكْرَمُ مِنْكَ، وَأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: اقْضِي بَيْنَهُمَا. قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَابّاً مِنَ العَرَبِ خَيْراً مِنْ جَعْفَرٍ، وَلاَ رَأَيْتُ كَهْلاً خَيْراً مِنْ أَبِي بَكْرٍ.   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 283، وانظر التعليق (2) من الصفحة 283. (2) ابن سعد 8 / 284. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 222، 223، بشرح السيوطي، وابن سعد 8 / 284، وعبد الرزاق (6123) . (4) ابن سعد 8 / 284. (5) ابن سعد 8 / 285. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتِ لَنَا شَيْئاً، وَلَو قُلْتِ غَيْرَ الَّذِي قُلْتِ، لَمَقَتُّكِ. قَالَتْ: إِنَّ ثَلاَثَةً أَنْتَ أَخَسُّهُمْ خِيَارٌ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَذَّبَتْكُم مِنَ النِّسَاءِ الحَارِقَةُ (2) ، فَمَا ثَبَتَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قُلْتُ: لأَسْمَاءَ حَدِيْثٌ فِي (سُنَنِ الأَرْبَعَةِ) . حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أُخْتِهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ. عَاشَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ. 52 - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ التَّيْمِيَّةُ * (ع) أُمُّ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، ثُمَّ المَدَنِيَّةُ.   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 285 ورجاله ثقات. (2) كذب هاهنا إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس، والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، وقيل: الضيفة الفرج، وقيل: النكاح على الجنب من حارقة الورك: وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع، انظر " الفائق " و" النهاية " و" اللسان ": حرق. والخبر أخرجه ابن سعد 8 / 285، وإسناده صحيح. (*) مسند أحمد: 6 / 344، طبقات ابن سعد: 8 / 255 249، طبقات خليفة: 333، تاريخ خليفة: 269، المعارف: 172، 173، 200، 221، تاريخ الفسوي: 1 / 224، المستدرك: 4 / 65 64، الاستيعاب: 4 / 1781، ابن عساكر: 19 / 190 / 1، جامع الأصول: 9 / 145، أسد الغابة 7 / 9، تهذيب الكمال: 1676، تذهيب التهذيب: 4 / 2 / 256، تاريخ الإسلام: 3 / 133، العبر: 1 / 82، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب التهذيب: 12 / 398، الإصابة: 12 / 114، خلاصة تذهيب الكمال، 488، كنز العمال: 13 / 627، شذرات الذهب: 1 / 44 و80. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَالِدَةُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَآخِرُ المُهَاجِرَاتِ وَفَاةً. رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. وَعُمِّرَتْ دَهْراً. وَتُعْرَفُ: بِذَاتِ النِّطَاقَيْنِ. وَأُمُّهَا: هِيَ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ العُزَّى العَامِرِيَّةُ. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنَاهَا؛ عَبْدُ اللهِ، وَعُرْوَةُ، وَحَفِيْدُهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَأَبُو نَوْفَلٍ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَوْلاَهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَنَافِلَتُهَا (1) ؛ عَبَّادُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ؛ وَعِدَّةٌ. وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْ عَائِشَةَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. هَاجَرَتْ حَامِلاً بِعَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ. وَشَهِدَتِ اليَرْمُوْكَ مَعَ زَوْجِهَا الزُّبَيْرِ. وَهِيَ، وَأَبُوْهَا، وَجَدُّهَا، وَابْنُهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، أَرْبَعَتُهُمْ صَحَابِيُّوْنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا المُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَمْرَوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي   (1) النافلة: ولد الولد، وعباد: هو ابن ابن ابنها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 عَلَى الحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُم (1)) . شُعْبَةُ: عَنْ مُسْلِمٍ القُرِّيِّ (2) ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ ابْنِ الزُّبَيْرِ - فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ - نَسْأَلُهَا عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ؟ فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا (3) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَتْ أَسْمَاءُ أَكْبَرَ مِنْ عَائِشَةَ بِعَشْرٍ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِر، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أَبِي حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ؛ فَلَمْ أَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا أَرْبِطُهُمَا. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ إِلاَّ نِطَاقِي. قَالَ: شُقِّيْهِ بِاثْنَيْنِ، فَارْبِطِي بِهِمَا. قَالَ: فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ: ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ (4) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ (5) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ:   (1) أخرجه مسلم (2293) في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، وأخرجه البخاري 11 / 415 في الرقائق: باب في الحوض و13 / 3 في أول الفتن من طريق نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس من دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ". (2) القري: بضم القاف وتشديد الراء: نسبة إلى قرة بطن من عبد القيس، وهو مسلم بن مخراق العبدي القري البصري، وهو من رجال مسلم، وقد تحرف في الأصل إلى " العرني " وفي المطبوع إلى " القرشي ". (3) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 6 / 348 من طريق روح بن عبادة، عن شعبة.. (4) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 250، والبخاري: 7 / 193، 194 في المناقب: باب الهجرة، وأحمد 6 / 346 من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة.. (5) في الأصل " معاذ " وهو تحريف. سير 2 / 19 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ، حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ جَمِيْعَ مَالِهِ - خَمْسَةَ آلاَفٍ، أَوْ سِتَّةَ آلاَفٍ - فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ عَمِيَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. فَقُلْتُ: كَلاَّ، قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيْراً. فَعَمَدْتُ إِلَى أَحْجَارٍ، فَجَعَلْتُهُنَّ فِي كُوَّةِ البَيْتِ، وَغَطَّيْتُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَوَضَعْتُهَا عَلَى الثَّوْبِ، فَقُلْتُ: هَذَا تَرَكَهُ لَنَا. فَقَالَ: أَمَا إِذْ تَرَكَ لَكُم هَذَا، فَنَعَمْ (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَى أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ، فَخَرَجتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوْكِ؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي -وَاللهِ- أَيْنَ هُوَ؟ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ، وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً خَرَّ مِنْهَا قُرْطِي، ثُمَّ انْصرفُوا. فَمَضَتْ ثَلاَثٌ، لاَ نَدْرِي أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ يَسْمَعُوْنَ صَوْتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، يَقُوْلُ: جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيْقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعَبْدِ (2) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ، فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَتَقُوْلُ: بِذَنْبِي، وَمَا يَغْفِرُهُ اللهُ أَكْثَرُ (3) . وَرَوَى: عُرْوَةُ، عَنْهَا، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ فَرَسِهِ؛ فَكُنْتُ أَسُوْسُهُ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَدُقُّ لِنَاضِحِهِ النَّوَى (4) ، وَأَسْتَقِي، وَأَعْجِنُ، وَكُنْتُ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن هشام في " السيره " 1 / 488 عن ابن إسحاق. (2) ابن هشام 1 / 487. وقوله: قالا خيمتي أم معبد، أي نزلا فيها عند القائلة، وأم معبد: هي عاتكة بنت خالد، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته على خيمتها هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة. (3) ابن سعد 8 / 251. (4) الناضح: البعير يستقى عليها، والنوى: عجم التمر كانوا يدقونه ويعلفونه دوابهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. فَجِئْتُ يَوْماً وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ نَفَرٌ، فَدَعَانِي، فَقَالَ: (إِخّ، إِخّ) ، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ؛ فَاسْتَحْيَيْتُ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ، وَغَيْرَتَهُ. قَالَتْ: فَمَضَى. فَلَمَّا أَتَيْتُ، أَخْبَرْتُ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ: وَاللهِ، لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوْبِكِ مَعَهُ! قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدُ بِخَادِمٍ، فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي (1) . وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَسْمَاءَ؛ وَكَانَتْ أُمُّهَا يُقَالُ لَهَا: قُتَيْلَةُ، جَاءتْهَا بِهَدَايَا؛ فَلَمْ تَقْبَلْهَا، حَتَّى سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَنَزَلَتْ: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِيْن لَمْ يُقَاتِلُوْكُم فِي الدِّيْنِ ... } [المُمْتَحَنَةُ (2) : 8] . وَفِي (الصَّحِيْحِ) : قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أُمِي قَدِمَتْ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ (3)) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُرْوَةَ: عَنْ هِشَامٍ، أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ:   (1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 250، وأخرجه أحمد 6 / 347، و352 والبخاري 9 / 281، 282، ومسلم (2182) . (2) أخرجه ابن سعد 8 / 252، وأحمد 4 / 4، وابن جرير 28 / 66 من طريق عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، ومصعب بن ثابت لين الحديث، وباقي رجاله ثقات. (3) أخرجه البخاري 6 / 201 في الجزية، و10 / 347 في الأدب: باب صلة المرأة أمها، و5 / 171 في الهبة: باب الهدية للمشركين، ومسلم (1003) (50) في الزكاة، وأبو داود (1668) وأحمد 6 / 344 و347 و355. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 ضَرَبَ الزُّبَيْرُ أَسْمَاءَ، فَصَاحَتْ بِعَبْدِ اللهِ ابْنِهَا، فَأَقْبَلَ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: أُمُّكَ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتَ. فَقَالَ: أَتَجْعَلُ أَمِّي عُرْضَةً لِيَمِيْنِكَ! فَاقْتَحَمَ، وَخَلَّصَهَا. قَالَ: فَبَانَتْ مِنْهُ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ طَلَّقَ أَسْمَاءَ؛ فَأَخَذَ عُرْوَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَغِيْرٌ (2) . أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ سَخِيَّةَ النَّفْسِ (3) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ؛ وَجُوْدُهُمَا مُخْتَلِفٌ: أَمَّا عَائِشَةُ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا وَضَعَتْهُ مَوَاضِعَهَ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ، فَكَانَتْ لاَ تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ (4) . قَالَ مُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ: فَرَضَ عُمَرُ لِلْمُهَاجِرَاتِ: أَلْفاً أَلْفاً، مِنْهُنَّ: أُمُّ عَبْدٍ، وَأَسْمَاءُ (5) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ: أَنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ تَمْرَضُ المَرْضَةَ، فَتَعْتِقُ كُلَّ مَمْلُوْكٍ لَهَا (6) .   (1) ذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 134 عن إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد، وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 7 / 10 بدون سند، وبصيغة التمريض. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 253 ورجاله ثقات، لكنه منقطع. (3) ابن سعد 8 / 252، وأسامة: هو ابن زيد الليثي مولاهم المدني. (4) رجاله ثقات، وذكره المؤلف في " تاريخه " 3 / 135 عن علي بن مسهر بهذا الإسناد. (5) أخرجه ابن سعد 8 / 253. (6) أخرجه ابن سعد 8 / 251، 252. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلْرُّؤْيَا، أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَخَذَتْ عَنْ أَبِيْهَا. مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَتْ أَسْمَاءُ لابْنِهَا: يَا بُنَيَّ، عِشْ كَرِيْماً، وَمُتْ كَرِيْماً، لاَ يَأْخُذْكَ القَوْمُ أَسِيْراً (1) . قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: كَثُرَ اللُّصُوْصُ بِالمَدِيْنَةِ؛ فَاتَّخَذَتْ أَسْمَاءُ خِنْجَراً زَمَنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، كَانَتْ تَجْعَلُهُ تَحْتَ رَأْسِهَا (2) . قَالَ عُرْوَةُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخِي - قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ - عَلَى أُمِّنَا بِعَشْرِ لَيَالٍ، وَهِيَ وَجِعَةٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟ قَالَتْ: وَجِعَةٌ. قَالَ: إِنَّ فِي المَوْتِ لَعَافِيَةً. قَالَتْ: لَعَلَّكَ تَشْتَهِي مَوْتِي؛ فَلاَ تَفْعَلْ. وَضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا أَشْتَهِي أَنْ أَمُوْتَ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ: إِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ؛ وَإِمَّا أَنْ تَظْفَرَ فَتَقَرَّ عَيْنِي، إِيَّاكَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَى خُطَّةٍ فَلاَ تُوَافِقَ، فَتَقْبَلُهَا كَرَاهِيَةَ المَوْتِ (3) . قَالَ: وَإِنَّمَا عَنَى أَخِي أَنْ يُقْتَلَ، فَيَحْزُنُهَا ذَلِكَ. وَكَانَتْ بِنْتَ مائَةِ سَنَةٍ.   (1) شعيب بن طلحة مختلف فيه، قال ابن معين: لا أعرفه، وقال أبو حاتم: لا بأس به، ونقل الحافظ الضياء عن الدارقطني قوله فيه: متروك، وقال معن: لا يكاد يعرف. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (2) أخرجه ابن سعد 8 / 253، ولفظه: أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجرا زمن سعيد بن العاص للصوص، وكانوا قد استعروا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 64، وزاد فيه: فقيل لها: ما تصنعين بهذا؟ قالت: إن دخل علي لص بعجت بطنه، وكانت عمياء، وقد تحرفت في الأصل " زمن " إلى " روى ". (3) ذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُحَيَّاةِ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ الحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ، وَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّه، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَصَّانِي بِكِ، فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ، وَلَكِنِّي أُمُّ المَصْلُوْبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ؛ وَلَكِنْ أُحَدِّثُكَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يَخْرُجُ فِي ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ، وَمُبِيْرٌ) . فَأَمَّا الكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ - تَعْنِي: المُخْتَارَ - وَأَمَّا المُبِيْرُ فَأَنْتَ. فَقَالَ لَهَا: مُبِيْرُ المُنَافِقِيْنَ (1) . أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُحَيَّاةِ يَحْيَى بنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَكَّةَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِثَلاَثٍ وَهُوَ مَصلُوْبٌ، فَجَاءتْ أُمُّهُ عَجُوْزٌ طَوِيْلَةٌ عَمْيَاءُ، فَقَالَتْ لِلحَجَّاجِ: أَمَا آنَ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ. فَقَالَ: المُنَافِقُ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا كَانَ مُنَافِقاً، كَانَ صَوَّاماً، قَوَّاماً، بَرّاً. قَالَ: انْصَرِفِي يَا عَجُوْزُ، فَقَدْ خَرِفْتِ. قَالَتْ: لاَ -وَاللهِ- مَا خَرِفْتُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: (فِي ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ ... ) الحَدِيْثَ (2) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَسْمَاءَ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ - وَذَلِكَ حِيْنَ صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - فَمَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ؛ فَاتَّقِي اللهَ، وَاصْبِرِي.   (1) أبو المحياة: هو يحيى بن يعلى بن حرملة التيمي الكوفي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأمه لا تعرف. وانظر الخبر الآتي. (2) رجاله ثقات غى روالد يحيى، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 9 / 302، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 115، ونسبه لابن السكن بهذا الإسناد، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 260 مختصرا، ونسبه للطبواني، وضعفه بيحيى بن يعلى، فأخطا لان يحيى أبا المحياة، ثقة من رجال مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 فَقَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُنِي، وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيْلَ (1) . أَيُّوْبُ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بَعْدَ مَا أُصِيْبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا صَلَبَ عَبْدَ اللهِ؛ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى أُوتَى بِهِ، فَأُحَنِّطَهُ، وَأُكَفِّنَهُ. فَأُتِيَتْ بِهِ بَعْدُ، فَجَعَلَتْ تُحَنِّطُهُ بِيَدِهَا، وَتُكَفِّنُهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهَا. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ - عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ -: وَصَلَّتْ عَلَيْهِ؛ وَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ إِلاَّ مَاتَتْ. شَرِيْكٌ: عَنِ الرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ كَبِرَتْ، وَهِيَ تُصَلِّي، وَامْرَأَةٌ تَقُوْلُ لَهَا: قُوْمِي، اقْعُدِي، افْعَلِي - مِنَ الكِبَرِ (2) -. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَتْ بَعْدَ ابْنِهَا بِلَيَالٍ، وَكَانَ قَتْلُهُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ (3) .   (1) رجاله ثقات، منصور: هو ابن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدي الحجبي ثقة من رجال الشيخين، وأمه صفية بنت شعبة لها رؤية، وأخرج حديثها الستة، وذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 136 من طريق ميد بن زنجويه، عن ابن أبي عباد، عن سفيان بهذا الإسناد. وقولها: " وقد أهدي رأس يحيى.." تشير إلى ما كان من " هيروديان " ابن أخ " هيرودس " حاكم فلسطين، حين أراد عمها أن يتزوجها وكان هذا الزواج محرما وكان يحيى لا يرضاه، وكانت البنت وأمها ترضيانه، فطلبت البنت برأس يحيى في طبق. ففعل العم ذلك لها. (قصص الأنبياء ص 369) . (2) ابن سعد 8 / 252. (3) ابن سعد 8 / 255، و" المستدرك " 4 / 65. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 قُلْتُ: كَانَتْ خَاتِمَةُ المُهَاجِرِيْنَ وَالمُهَاجِرَاتِ. إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي: أَنَّ الحَجَّاجَ دَخَلَ عَلَى أَسْمَاءَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ أَلْحَدَ فِي هَذَا البَيْتِ، وَإِنَّ اللهَ أَذَاقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ. قَالَتْ: كَذَبْتَ، كَانَ بَرّاً بِوَالِدَتِهِ، صَوَّاماً، قَوَّاماً، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ثَقِيْفٍ كَذَّابَانِ، الآخَرُ مِنْهُمَا شَرٌّ مِنَ الأَوَّلِ، وَهُوَ مُبِيْرٌ (1) . مُسْنَدُهَا: ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى: ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِأَرْبَعَةٍ. 53 - أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ بنِ السَّكَنِ الأَشْهَلِيَّةُ أُمُّ عَامِرٍ * (ع) وَأُمُّ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيَّةُ، الأَشْهَلِيَّةُ، بِنْتُ عَمَّةِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ.   (1) إسناده قوي كما قال المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 136، وأخرجه ابن سعد 8 / 254، وأحمد 6 / 351 وأخرج مسلم في " صحيحه " (2545) في فضائل الصحابة: باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها من طريق الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب..أن الحجاج لما قتل ابن الزبير وصلبه ثم أنزله عن جذعه، وألقاه في قبور اليهود، أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لا بعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت، وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فانطلق حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله ذات النطاقين! أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب. وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن في ثقيف كذابا ومبيرا " فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها. (*) مسند أحمد: 6 / 452، طبقات خليفة: 340، الاستبصار: 218، 219، الاستيعاب: 4 / 1787، ابن عساكر: 19 / 197 / 1، أسد الغابة: 7 / 18، تهذيب الكمال: 1677، تذهيب = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 مِنَ المُبَايِعَاتِ المُجَاهِدَاتِ. رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ. وَقَتَلَتْ بِعَمُوْدِ خِبَائِهَا يَوْمَ اليَرْمُوْكِ تِسْعَةً مِنَ الرُّوْمِ. سَكَنَتْ دِمَشْقَ، وَقَبْرُ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي بِمَقْبَرَةِ البَابِ الصَّغِيْرِ هُوَ قَبْرُهَا - إِنْ شَاءَ اللهُ -. حَدَّثَ عَنْهَا: مَوْلاَهَا؛ مُهَاجِرٌ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وُمُجَاهِدٌ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ، وَابْنُ أُخْتِهَا؛ مَحْمُوْدُ بنُ عَمْرٍو، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ: أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيْدَ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيَّةُ. قُلْتُ: وَقِيْلَ: إِنَّهَا حَضَرَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَبَايَعَتْ يَوْمَئِذٍ. رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، عَنْ أَبِيْهِمَا، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ بِنْتِ عَمِّ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - كَذَا قَالَ، وَلاَ يَسْتَقِيْمُ ذَلِكَ، لأَنَّ أَسْمَاءَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَمُعَاذاً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ - قَالَتْ: قَتَلْتُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ تِسْعَةً (1) . قُلْتُ: عَاشَتْ إِلَى دَوْلَةِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ. 54 - بَرِيْرَةُ مَوْلاَةُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ * (س) لَهَا حَدِيْثٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ.   = التهذيب: 4 / 2 / 257، تاريخ الإسلام: 2 / 385، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب التهذيب: 12 / 400 399، الإصابة: 1 / 2124، خلاصة تذهيب الكمال: 488. (1) وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 260، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (*) طبقات ابن سعد: 8 / 261 256، المستدرك: 4 / 72 71، الاستيعاب: 4 / 1795، أسد الغابة: 7 / 39، تهذيب الكمال: 1678، تهذيب التهذيب: 12 / 403، الإصابة: 12 / 157، خلاصة تذهيب الكمال: 489. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 رَوَى عَنْهَا: عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، وَغَيْرُهُ. قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيْثِهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ بِفَوَائِدَ جَمَّةٍ. رَوَى: عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي كُنْتُ لِعُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ، وَإِنَّ بَنِيْهِ وَامْرَأَتَهُ بَاعُوْنِي، وَاشْتَرَطُوا الوَلاَءَ، فَمَوْلَى مَنْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ! دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيْرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، فَقَالَتْ: اشْتَرِيْنِي. قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: إِنَّهُمْ لاَ يَبِيْعُوْنَنِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي. فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْكِ. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ بَلَغَهُ، فَقَالَ: (مَا بَالُ بَرِيْرَةَ؟) . فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (اشْتَرِيْهَا، فَأَعْتِقِيْهَا، وَدَعِيْهِمْ، فَيَشْتَرِطُونَ مَا شَاؤُوا) . فَاشْتَرَيْتُهَا، فَأَعْتَقْتُهَا، فَقَالَ: (الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَلَو اشْتَرَطُوا مائَةَ مَرَّةٍ (1)) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَأْنِ بَرِيْرَةَ حِيْنَ أَعْتَقَهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الوَلاَءَ، فَقَالَ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُوْنَ شُرُوْطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مائَةَ مَرَّةٍ، فَشَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ (2)) . وَرَوَى نَحْوَهُ: القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرَةُ، وَمُجَاهِدٌ، عَنْ عَائِشَةَ (3) .   (1) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 256، 257، وأخرجه البخاري في " صحيحه " 5 / 144 في العتق: باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك. (2) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 257. (3) حديث القاسم بن محمد عنها، أخرجه مسلم (1504) (10) و (11) و (12) و (14) والدارمي 2 / 169، وابن سعد 8 / 258، وحديث الأسود عنها أخرجه البخاري 3 / 281 في الزكاة، و9 / 367 في الطلاق، و11 / 520 في الكفارات، و12 / 35 في الفرائض، والنسائي 5 / 170 في = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وَيَرْوِيْهِ: نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (1) . عُرْوَةُ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءتْنِي بَرِيْرَةُ تَسْتَعِيْنُ فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ شَيْئاً، فَقُلْتُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُوْنَ وَلاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ بَرِيْرَةُ ذَلِكَ لَهُم، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءتْ أَنْ تَحْتَسِبَ، فَلْتَفْعَلْ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (ابْتَاعِي، فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: (مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُوْنَ شُرُوْطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ (2)) . وَفِي لَفْظٍ فِي (الصَّحِيْحِ) ، قَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، كُلُّ عَامٍ أُوْقِيَّةٌ، فَأَعِيْنِيْنِي. وَفِي لَفْظٍ: (قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ) . وَفِيْهِ: (قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . وَفِي لَفْظٍ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُوْلُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ، وَلِيَ الوَلاَءُ) . وَفِي رِوَايَةٍ: دَخَلَتْ وَعَلَيْهَا خَمْسُ أَوَاقٍ فِي خَمْسِ سِنِيْنَ، فَقَالَتْ لَهَا   = الزكاة، والترمذي (1256) في البيوع، والدارمي 2 / 169، وحديث عمرة عنها أخرجه مالك 3 / 9، والبخاري 5 / 143 في العتق، وحديث مجاهد عنها أخرجه مالك في " الموطأ " 3 / 9 بضرح السيوطي، والبخاري 5 / 138 و12 / 41، ومسلم (1504) (5) . (1) أخرجه مالك في الموطأ 3 / 9، والبخاري 4 / 315، في البيوع، ومسلم (1504) في العتق. (2) أخرجه البخاري 4 / 310 في البيوع، و5 / 135 و137 في المكاتب، و138، 239، ومسلم (1504) (6) و (7) و (8) ومالك 3 / 9، والترمذي (2124) وأبو داود (3929) و (3930) ، والنسائي 7 / 305. وانظر روايات الحديث في " جامع الأصول " 8 / 94، 98. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 عَائِشَةُ - وَنَفِسَتْ فِيْهَا (1) -: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُم عِدَّةً وَاحِدَةً، أَيَبِيْعُكِ أَهْلُكِ، فَأُعْتِقَكِ؟ وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: (لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ) . وَفِيْهِ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ) . وَفِي رِوَايَةٍ: عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيْثِ بنِ جَحْشٍ، فَخَيَّرَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (إِنْ قَرُبَكِ، فَلاَ خِيَارَ لَكِ) . وَفِي رِوَايَةٍ: جَعَلَ عِدَّتَهَا عِدَّةَ المُطَلَّقَةِ الحُرَّةِ. وَفِي لَفْظٍ: جَاءتْنِي وَرَسُوْلُ اللهِ جَالِسٌ، فَقَالَتْ لِي: مَا رَدَّ أَهْلُهَا؟ فَقُلْتُ: لاهَا اللهِ (2) ، وَرَفَعْتُ صَوْتِي. فَقَالَ: (خُذِيْهَا، وَاشْتَرِطِي) . وَفِي لَفْظٍ: (إِذَا أُعْتِقْتِ، فَأَنْتَ أَوْلَى بِأَمْرِكِ مَا لَمْ يَطَأْكِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَفْعَلِي) . قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ. وَفِي حَدِيْثِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ فِي بَرِيْرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ تَفُوْرُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ مِنْ أَدَمِ البَيْتِ، فَقَالَ: (أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ؟) . قَالُوا: بَلَى، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ، وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. قَالَ: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ) . وَفِي رِوَايَةٍ: وَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: لاَ أَدْرِي (3) . وَفِي لَفْظٍ: كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فَقَالَ: (أَنْتِ أَمْلَكُ لِنَفْسِكِ، إِنْ شِئْتِ أَقَمْتِ مَعَهُ) .   (1) نفست في الشئ: إذا رغبت فيه، وآثرته، وحرصت على تحصيله. (2) هذا من ألفاظ القسم كأنه قال: لا والله، فيجعلون الهاء مكان الواو. (3) انظر صحيح مسلم (1504) (12) و" الطبقات " 8 / 258. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 حَدِيْثُ الأَسْوَدِ: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيْرَةَ لِلْعِتْقِ، وَفِيْهِ: فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. وَفِي لَفْظِ الحَكَمِ: وَكَانَ حُرّاً (1) . فَقَالَ البُخَارِيُّ: قَوْلُ الأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ (2) . وَفِي رِوَايَةٍ: بِلَحْمِ بَقَرٍ. قُلْنَا: تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ. حَدِيْثُ عَمْرَةَ: عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ بَرِيْرَةَ جَاءتْ تَسْتَعِيْنُ، فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُم ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً، فَأُعْتِقَكِ (3) . حَدِيْثُ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَائِشَةَ سَاوَمَتْ بَرِيْرَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَتْ: إِنَّهُمْ لاَ يَبِيْعُوْنَهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ. قَالَ: (إِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) (4) .   (1) البخاري 12 / 34، وفيه أنه قال بعد قول الحكم: وقول الحكم مرسل، ثم روى حديث عائشة في الباب الذي يليه وهو: باب ميراث السائبة، من طريق الأسود، وفي آخره: قال: الأسود: وكان زوجها حرا. وقال البخاري عقبه: قول الأسود منقطع. (2) البخاري 12 / 35، وتمامه: وقول ابن عباس: ورأيته عبدا أصح، قال الحافظ في " الفتح " 12 / 34: أي لم يصله بذكر عائشة فيه. وقول ابن عباس اصح، قال الحافظ في " الفتح " 12 / 34: أي لم يصله بذكر عائشة فيه. وقول ابن عباس أصح، لأنه ذكر أنه رآه، وقد صح أنه حضر القصة وشاهدها، فيترجح قوله على قول من لم يشهدها، فإن الأسود لم يدخل المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع، جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل، خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من أثناء السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يسمى عندهم المرسل. (3) أخرجه مالك 3 / 9، والبخاري 5 / 138. (4) أخرجه مالك 3 / 9، والبخاري 5 / 138 و12 / 41، ومسلم (1504) (5) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيْرَةَ كَانَ عَبْداً أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثاً، فَقَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا أَرْبَعَ قَضِيَّاتٍ: أَنَّ مَوَالِيْهَا اشْتَرَطُوا الوَلاَءَ، فَقَضَى أَنَّ الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَخُيِّرَتْ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ تَعْتَدَّ، فَكُنْتُ أَرَاهُ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ المَدِيْنَةِ، يَعْصِرُ عَيْنَيه عَلَيْهَا. قَالَ: وَتُصُدِّقَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ، فَأَهْدَتْ مِنْهَا إِلَى عَائِشَةَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ (1)) . رَوَى نَحْواً مِنْهُ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ. دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبَرِيْرَةَ: (قَدْ أُعْتِقَ بَضْعُكِ مَعَكِ، فَاخْتَارِي (2)) . أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ خَيَّرَ بَرِيْرَةَ، فَكَلَّمَهَا فِيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَشَيْءٌ وَاجِبٌ؟ قَالَ: (لاَ، إِنَّمَا أَشْفَعُ لَهُ) (3) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 275، 258، و" المسند " 1 / 281 و361، سنن أبي داود (2232) . (2) ابن سعد 8 / 259، ورجاله ثقات، لكنه مرسل. (3) ابن سعد 8 / 259، ورجاله ثقات، لكنه مرسل، وأخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 359 في الطلاق: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة من طريق محمد بن سلام، عن عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: " يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو راجعته " قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: " إنما أنا أشفع " قالت: فلا حاجة لي فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 شُعْبَةُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ بِلَحْمٍ، فَقِيْلَ: تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيْرَةَ. قَالَ: (هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ (1)) . أَيُّوْبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ذُكِرَ زَوْجُ بَرِيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: ذَاكَ مُغِيْثٌ، عَبْدُ بَنِي فُلاَنٍ، قَدْ رَأَيْتُهُ يَبْكِي خَلْفَهَا، يَتْبَعُهَا فِي الطَّرِيْقِ (2) . وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: لاَ أَعْلَمُ أَهْلَ المَدِيْنَةِ وَمَكَّةَ يَخْتَلِفُوْنَ أَنَّهُ عَبْدٌ (3) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيْرَةَ يَوْمَ خُيِّرَتْ حُرّاً (4) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيْرَةَ كَانَ عَبْداً (5) . قُلْتُ: بَرِيْرَةُ لَمَّا أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ - وَقْتَ بَاعُوْهَا - كَانَ ذَلِكَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَإِنَّمَا قَدِمَهَا بَعْدَ عَامِ الفَتْحِ. فَأَمَّا الجَارِيَةُ الَّتِي فِي حَدِيْثِ الإِفْكِ الَّتِي سُئِلَتْ عَمَّا تَعْلَمُ مِنْ عَائِشَةَ، فَأُخْرَى غَيْرُ بَرِيْرَةَ (6) . وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لِلعَبَّاسِ: يَا عَمّ! أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ بُغْضِ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 259، وإسناده صحيح. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 260 وإسناده صحيح. (3) ابن سعد 8 / 260. (4) أخرجه ابن سعد 8 / 260 وقد تقدم أنه من قول الأسود وليس من قول عائشة. (5) أخرجه ابن سعد 8 / 261، وإسناده صحيح، وانظر " فتح الباري " 9 / 360، 361. (6) انظر الصفحة 156 من هذا الجزء تعليق (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بَرِيْرَةَ مُغِيْثاً، وَحُبِّهِ لَهَا (1) . 55 - أُمُّ سُلَيْمٍ الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ الأَنْصَارِيَّةُ * (خَ، م، د، ت، س) وَيُقَالُ: الرُّمَيْصَاءُ. وَيُقَالُ: سَهْلَةُ. وَيُقَالُ: أُنَيْفَةُ. وَيُقَالُ: رُمَيْثَةُ بِنْتُ مِلْحَانَ بنِ خَالِدِ بنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيَّةُ، الخَزْرَجِيَّةُ. أُمُّ خَادِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. فَمَاتَ زَوْجُهَا مَالِكُ بنُ النَّضْرِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بنُ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا عُمَيْرٍ، وَعَبْدَ اللهِ. شَهِدَتْ حُنَيْناً وَأُحُداً. مِنْ أَفَاضِلِ النِّسَاءِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهَا خِنْجَرٌ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَراً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ. فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنْ دَنَا مِنِّي مُشْرِكٌ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ (3) .   (1) أخرجه البخاري 9 / 359، وقد تقدم بتمامه في الصفحة 302 تعليق (3) . (*) مسند أحمد: 6 / 376 و430، طبقات ابن سعد: 8 / 424، طبقات خليفة: 339، المعارف: 271، 308، الجرح والتعديل: 9 / 464، الاستبصار: 36 - 37، الاستيعاب: 4 / 1847، جامع الأصول: 9 / 151، أسد الغابة 7 / 345، تهذيب الكمال: 1703، مجمع الزوائد: 9 / 261، تهذيب التهذيب: 12 / 471، الإصابة: 12 / 265 و13 / 226، خلاصة تذهيب الكمال: 498. (2) ابن سعد 8 / 425. (3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 425. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّهَا آمَنَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو أَنَسٍ وَكَانَ غَائِباً، فَقَالَ: أَصَبَوْتِ؟ فَقَالَتْ: مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي آمَنْتُ. وَجَعَلَتْ تُلَقِّنُ أَنَساً: قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قُلْ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلَ اللهِ، فَفَعَلَ، فَيَقُوْلُ لَهَا أَبُوْهُ: لاَ تُفْسِدِي عَلَيَّ ابْنِي. فَتَقُوْلُ: إِنِّي لاَ أُفْسِدُهُ. فَخَرَجَ مَالِكٌ، فَلَقِيَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَتْ: لاَ جَرَمَ، لاَ أَفْطِمُ أَنَساً حَتَّى يَدَعَ الثَّدْيَ، وَلاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَأْمُرُنِي أَنَسٌ. فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَأَبَتْ (1) . خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ، فَإِنْ تَابَعْتَنِي تَزَوَّجْتُكَ. قَالَ: فَأَنَا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتِ عَلَيْهِ. فَتَزَوَّجَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَكَانَ صَدَاقَهَا الإِسْلاَمُ (2) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 425، 426، وتمامه: فقالت له يوما فيما تقول: أرأيت حجرا تعبده لا يضرك ولا ينفعك أو خشبة تأتي بها النجار، فينجرها لك: هل يضرك؟ هل ينفعك؟ قال: فوقع في قلبه الذي قالت، قال: فأتاها فقال: لقد وقع في قلبي الذي قلت، وآمن. قالت: فإني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا غيره. (2) رجاله ثقات خلا خالد بن مخلد وهو القطواني، فقد قال الحافظ في " التقريب ": صدوق له أفراد: وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 426، وأخرجه النسائي 6 / 114 في النكاح: باب التزويج على الإسلام من طريق قتيبة، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل ابي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت، نكحتك، فأسلم، فكان صداق ما بينهما. وهذا سند صحيح. سير 2 / 20 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ أَتَزَوَّجَ مُشْرِكاً، أَمَا تَعْلَمُ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَنَّ آلِهَتَكُمْ يَنْحَتُهَا عَبْدُ آلِ فُلاَنٍ، وَأَنَّكُمْ لَو أَشْعَلْتُم فِيْهَا نَاراً لاحْتَرَقَتْ. قَالَ: فَانْصَرَفَ وَفِي قَلْبِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهَا، وَقَالَ: الَّذِي عَرَضْتِ عَلَيَّ قَدْ قَبِلْتُ. قَالَ: فَمَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ إِلاَّ الإِسْلاَمُ (1) . مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: أَخْبَرَنَا رِبْعِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَارُوْدِ الهُذَلِيُّ، حَدَّثَنِي الجَارُودُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُوْرُ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَتُتْحِفُهُ بِالشَّيءِ تَصْنَعُهُ لَهُ، وَأَخٌ لِي أَصْغَرُ مِنِّي، يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ، فَزَارَنَا يَوْماً، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ خَاثِرَ النَّفْسِ؟) . قَالَتْ: مَاتَتْ صَعْوَةٌ لَهُ كَانَ يَلْعَبُ بِهَا. فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَيَقُوْلُ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ (2) ؟) . هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ بَيْتاً غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: (إِنِّي أَرْحَمُهَا، قُتِلَ   (1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 426، 427، وذكره بنحوه الحافظ في " الإصابة " 13 / 226، 227، عن مسند أحمد من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ... وقال: ولهذا الحديث طرق متعددة. وأخرج النسائي 6 / 114 من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم، فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم الإسلام، فدخل بها فولدت له. (2) إسناده صحيح أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 427، وأخرجه مختصرا البخاري 10 / 436 و480، 481 وابن ماجة (3720) من طريقين، وأحمد 3 / 119 عن أبي التياح، عن أنس، وأخرجه أبو داود (4969) عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس. والصعوة: طائر أصغر من العصفور، والنغير: تصغير نغر وهو فرخ العصفور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 أَخُوْهَا مَعِي (1)) . قُلْتُ: أَخُوْهَا هُوَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ الشَّهِيْدُ، الَّذِي قَالَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُوْنَةَ (2) : فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، لَمَّا طُعِنَ مِنْ وَرَائِهِ، فَطَلَعَتِ الحَرْبَةُ مِنْ صَدْرِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَيُّوْبُ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقِيْلُ فِي بَيْتِي، وَكُنْتُ أَبْسُطُ لَهُ نِطْعاً، فَيَقِيْلُ عَلَيْهِ، فَيَعْرَقُ، فَكُنْتُ آخُذُ سُكّاً، فَأَعْجِنُهُ بِعَرَقِهِ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: فَاسْتَوْهَبْتُ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، فَوَهَبَتْ لِي مِنْهُ. قَالَ أَيُّوْبُ: فَاسْتَوْهَبْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ مِنَ ذَلِكَ السُّكِّ، فَوَهَبَ لِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ عِنْدِي الآنَ. قَالَ: وَلَمَّا مَاتَ مُحَمَّدٌ، حُنِّطَ بِذَلِكَ السُّكِّ (3) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 8 / 428، والبخاري 6 / 37، ومسلم (2455) من طريق همام بهذا الإسناد. (2) بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، وكان حرام بن ملحان فيمن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي براء إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام، فقتلهم عامر بن الطفيل. انظر سيرة ابن هشام 2 / 184، 189. وقول ابن ملحان: " فزت ورب الكعبة " أخرجه البخاري 7 / 297، 299، ومسلم (677) ص 1511، وأحمد 3 / 137 و210 و270 و289. (3) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 428، وأخرجه إلى قولها: فأعجنه بعرقه، البخاري 11 / 59 في الاستئذان: باب من زار قوما فقال عندهم، من طريق قتيبة عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، وأخرجه مسلم (2331) وأحمد 3 / 136 من طريق سليمان التيمي، عن ثابت، عن أنس، ومن طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، و (2332) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن أم سليم، وأخرجه أحمد 3 / 287 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 رَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، عَنْهُ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنِ البَرَاءِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ (1) فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَلَى نِطْعٍ، فَعَرِقَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ تَمْسَحُ العَرَقَ، فَقَالَ: (مَا تَصْنَعِيْنَ؟) . قَالَتْ: آخُذُ هَذِهِ البَرَكَةَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْكَ (2) . ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنِي البَرَاءُ ابْنُ بِنْتِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَقِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا قَائِماً، فَقَامَتْ إِلَى فِيِّ السِّقَاءِ، فَقَطَعَتْهُ. رَوَاهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، فَزَادَ: وَأَمْسَكَتْهُ عِنْدَهَا (3) . عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ بِمِنَى؛ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ شِقَّ شَعْرِهِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَكَانَتْ تَجْعَلُهُ فِي سُكِّهَا. قَالَتْ: وَكَانَ يَقْيْلُ عِنْدِي عَلَى نِطْعٍ، وَكَانَ مِعْرَاقاً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْتُ أَسْلِتُ العَرَقَ فِي قَارُوْرَةٍ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (مَا تَجْعَلِيْنَ؟) . قُلْتُ: أُرِيْدُ أَنْ أَدُوْفَ   (1) قال من القيلولة: وهي النوم في الظهيرة عند اشتداد الحر. (2) إسناده منقطع، والبراء بن زيد لم يوثقه غير ابن حبان، وهو في " الطبقات " وهو ابن بنت أنس بن مالك كما هو مبين في السند الآتي. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 428، والترمذي في " الشمائل " رقم (215) . وفي الباب ما يقويه عن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب من قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته. أخرجه الترمذي (1893) وابن ماجه (3422) وإسناده صحيح. قال النووي في " رياضه ": 339: وإنما قطعتها لتحفظ موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبرك به، وتصونه عن الابتذال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 بِعَرَقِكَ طِيْبِي (1) . حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ، فَقَالَ: (إِنِّي صَائِمٌ) . ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى، وَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَلأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي خُوَيْصَّةٌ. قَالَ: (مَا هِيَ؟) . قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ، وَبَعَثَتْ مَعِي بِمِكْتَلٍ مِنْ رُطَبٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَى: ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً بَيْنَ يَدَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِالغُمَيْصَاءِ بِنْتِ مِلْحَانَ) (3) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 428، 429، و" المسند " 3 / 287. والمعراق: كثير العرق، وأدوف: أخلط. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 429 من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري بهذا الإسناد، وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار قوما فلم يفطر عندهم، من طريق محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 3 / 108 من طريق ابن أبي عدي، و188 من طريق عبيدة بن حميد، كلاهما عن حميد، عن أنس، وأخرجه أيضا 3 / 248 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت وسليمان التيمي، عن أنس. وقوله: خويصة: قال الحافظ: بتشديد الصاد وتخفيفها تصغير خاصة، وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين. (3) إسناده صحيح وهو في " الطبقات " 8 / 430، ومسلم (2456) وأخرجه البخاري 7 / 34، ومسلم (2457) من طريقين، عن عبد العزيز بن الماجشون، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال ". والخشفة: الحسن والحركة، وقيل هو الصوت ليس بالشديد، ومعنى الحديث هنا: ما يسمع من حس وقع القدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَلَدَتْ أُمِّي، فَبَعَثَتْ بِالوَلَدِ مَعِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: هَذَا أَخِي. فَأَخَذَهُ، فَمَضَغَ لَهُ تَمْرَةً، فَحَنَّكَهُ بِهَا (1) . قَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ أَنَسٌ: ثَقُلَ ابْنٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى المَسْجِدِ، فَتُوُفِّيَ الغُلاَمُ، فَهَيَّأَتْ أُمُّ سُلَّيْمٍ أَمْرَهُ، وَقَالَتْ: لاَ تُخْبِرُوْهُ. فَرَجَعَ، وَقَدْ سَيَّرَتْ لَهُ عَشَاءهُ، فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ! أَلَمْ تَرَ إِلَى آلِ أَبِي فُلاَنٍ اسْتَعَارُوا عَارِيَّةً، فَمَنَعُوْهَا، وَطُلِبَتْ مِنْهُم، فَشَقَّ عَلَيْهِم؟ فَقَالَ: مَا أَنْصَفُوا. قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَّةً مِنَ اللهِ، فَقَبَضَهُ. فَاسْتَرْجَعَ، وَحَمِدَ اللهَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: (بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا) . فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَوَلَدَتْ لَيْلاً، فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِي، وَأَخَذْتُ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ، فَانْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَهْنَأُ أَبَاعِرَ لَهُ، وَيَسِمُهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّيْلَةَ. فَمَضَغَ بَعْضَ التَّمَرَاتِ بِرِيْقِهِ، فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ، فَتَلَمَّظَ الصَّبِيُّ، فَقَالَ:   (1) أخرجه ابن سعد 8 / 431 من طريق خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى بهذا الإسناد، وتمامه: فتلمظ الصبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حب الانصار للتمر " وأخرجه مسلم (2144) في الآداب، من طريق عبد الأعلى بن حماد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له، فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه، فلاكهن، ثم فغرفا الصبي، فمجه في فيه، فجعل الصبي يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حب الانصار التمر " وسماه عبد الله. ويتلمظ: يحرك لسانه يتتبع ما في فيه من آثار التمر استطابة له، وتلذذا به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 (حِبُّ الأَنْصَارِ التَّمْرُ) . فَقُلْتُ: سَمِّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (هُوَ عَبْدُ اللهِ (1)) . سَمِعَهُ: الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنِ بَكْرٍ، مِنْهُ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَنَسٍ تَحْتَ أَبِي طَلْحَةَ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا) . قَالَ عَبَايَةُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الغُلاَمِ سَبْعَ بَنِيْنَ، كُلُّهُمْ قَدْ خَتَمَ القُرْآنَ (2) . رَوَاهُ: أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْهُ. رَوَتْ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا لَهَا عَلَى حَدِيْثٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (3) . 56 - أُمُّ هَانِىء بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي طَالِبٍ * (ع) السَّيِّدَةُ، الفَاضِلَةُ، أُمُّ هَانِئ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ   (1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 431، 432 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن بكر السهمي، عن حميد به. وأخرجه البخاري 9 / 509 في أول العقيقة من طريق مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك ... وأخرجه مسلم (2144) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي طلحة، من طريق محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، وأخرجه أحمد 3 / 196 من طريق بهز بهذا الإسناد. وأخرجه أيضا 3 / 105، 106 من طريق ابن أبي عدي عن حيمد، ويزيد بن هارون عن حميد، عن أنس، وأخرجه أيضا 3 / 287، 288 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 434 من طريق سعيد بن منصور، عن أبي الاحوص بهذا الإسناد. ورجاله ثقات. (3) انظر البخاري 1 / 331، 332 ومسلم (311) و (2332) والبخاري 11 / 117 ومسلم (2480) . (*) مسند أحمد: 6 / 340 و423، طبقات ابن سعد: 8 / 47، طبقات خليفة: 330، المعارف: 36، 120، 203، 479، الجرح والتعديل: 9 / 467، المستدرك: 4 / 52، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ. أُخْتُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ. اسْمُهَا: فَاخِتَةُ. وَقِيْلَ: هِنْدٌ. تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهَا. دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَنْزِلِهَا يَوْمَ الفَتْحِ، فَصَلَّى عِنْدَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ضُحَىً (1) . رَوَتْ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: حَفِيْدُهَا؛ جَعْدَةُ، وَمَوْلاَهَا؛ أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ، وَكُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَآخَرُوْنَ. كَانَتْ تَحْتَ هُبَيْرَةَ بنِ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ المَخْزُوْمِيِّ، فَهَرَبَ يَوْمَ الفَتْحِ إِلَى نَجْرَانَ، أَوْلَدَهَا: عَمْرَو بنَ هُبَيْرَةَ، وَجَعْدَةَ، وَهَانِئاً، وَيُوْسُفَ، وَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الفَتْحِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا بَلَغَ هُبَيْرَةَ إِسْلاَمُهَا، قَالَ أَبْيَاتاً مِنْهَا:   = الاستبصار: 359، الاستيعاب: 4 / 1963، أسد الغابة: 7 / 213 و404، تهذيب الكمال 1690، تاريخ الإسلام: 2 / 332، تهذيب التهذيب: 12 / 481، الإصابة: 13 / 300، خلاصة تذهيب الكمال: 500. (1) أخرجه البخاري 3 / 43 في التطوع: باب صلاة الضحى في السفر، وفي تقصير الصلاة: باب من تطوع في الصلاة في غير دبر الصلاة وقبلها، وفي المغازي: باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ومسلم (336) في صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة الضحى، والترمذي (474) وأبو داود (1291) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُوْمُنِي ... وَتَعْذُلُنِي بِاللَّيْلِ ضَلَّ ضَلاَلُهَا (1) وَتَزْعُمُ أَنِّي إِنْ أَطَعْتُ عَشِيْرَتِي ... سَأُوْذَى، وَهَلْ يُؤْذِيْنِي إِلاَّ زَوَالُهَا (2) ؟ فَإِنْ كُنْتِ قَدْ تَابَعْتِ دِيْنَ مُحَمَّدٍ ... وَقُطِّعَتِ الأَرْحَامُ مِنْكِ حِبَالُهَا فَكُوْنِي عَلَى أَعْلَى سَحِيْقٍ بِهَضْبَةٍ ... مُلَمْلَمَةٍ غَبْرَاءَ يَبْسٍ بِلاَلُهَا (3) قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ هُبَيْرَةَ أَسْلَمَ. عَاشَتْ أُمُّ هَانِئ إِلَى بَعْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ. القَعْنَبِيُّ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئ تَقُوْلُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟) . قُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: (مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئ) . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي - تَعْنِي: عَلِيّاً - أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنٌ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئ) . وَذَلِكَ ضُحَىً (4) .   (1) الابيات في " سيرة ابن هشام " 2 / 420، و" أسد الغابة " 7 / 404، 405، والثالث والرابع في " الاشتقاق " لابن دريد: 152، ونسب قريش: 39. (2) رواية الشطر الثاني في " السيرة ". سأردى وهل يردين إلا زيالها. وزيالها: ذهابها. (3) السحيق: البعيد، والهضبة: الكدية العالية، والململمة: المستديرة، والغبراء: التي علاها الغبار، ويبس: يابسة. (4) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 152 في قصر الصلاة: باب صلاة الضحى، والبخاري 6 / 195، 196 في الجهاد: باب أمان النساء وجوارهن، ومسلم (336) (82) في صلاة المسافرين وقصرها: باب استحباب صلاة الصحى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 قَالَ الدَّغُوْلِيُّ: كَانَ ابْنُهَا جَعْدَةُ بنُ هُبَيْرَةَ قَدْ وَلاَّهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ خُرَاسَانَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّ هَانِئ لَمَّا بَانَتْ عَنْ هُبَيْرَةَ بِإِسْلاَمِهَا، خَطَبَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ (1) . فَسَكَتَ عَنْهَا. بَلَغَ مُسْنَدَهَا: سِتَّةً وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، لَهَا مِنْ ذَلِكَ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، أَخْرَجَاهُ (2) . 57 - أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلاَلِيَّةُ * (ع) الحُرَّةُ، الجَلِيْلَةُ، زَوْجَةُ العَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمُّ أَوْلاَدِهِ الرِّجَالِ السِّتَّةِ النُّجَبَاءِ. اسْمُهَا: لُبَابَةُ. وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ، وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لأُمِّهَا.   = وقولها: " فلان ابن هبيرة " قيل: هو جعدة بن هبيرة، ورده ابن عبد البر بأنه ابنها، فلا تحتاج إلى إجارته لصغر سنه والحكم بإسلامه، ولا يعرف لهبيرة ابن من غير أم هانئ. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن في الرواية حذفا أو تحريفا أي: فلان ابن عم هبيرة أو قريب هبيرة، فسقط لفظ " عم " أو تغير لفظ " قريب " بلفظ " ابن " قال: وقد سمى ابن هشام في سيرته وغيره الذي أجارته: الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة، وهما مخزوميان، فيصح أن يكون كل منهما ابن عم هبيرة، لأنه مخزومي. (1) مصبية: ذات صبيان يحتاجون إلى رعاية تأخذ قسما كبيرا من وقتها، فلا تستطيع الوفاء بحقوق الزوج، وفي " المستدرك " 4 / 53: لكني امرأة مصبية، فأكره أن يؤذوك. (2) وهو الحديث المتقدم. (*) مسند أحمد: 6 / 338، التاريخ لابن معين: 738، طبقات خليفة: 338، المعارف: 121، 137، 156، الاستيعاب: 4 / 1907، أسد الغابة: 7 / 253، تهذيب الكمال: 1696، تهذيب التهذيب: 12 / 449، الإصابة: 13 / 112، 266، خلاصة تذهيب الكمال: 495. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 قَدِيْمَةُ الإِسْلاَمِ، فَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) . فَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمَا أَسْلَمَا قَبْلَ العَبَّاسِ، وَعَجِزَا عَنِ الهِجْرَةِ. وَكَانَتْ أُمُّ الفَضْلِ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ، تَحَوَّلَ بِهَا العَبَّاسُ بَعْدَ الفَتْحِ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَرَوَتْ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: وَلَدَاهَا؛ عَبْدُ اللهِ وَتَمَّامٌ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَغَيْرُهُمْ. خَرَّجُوا لَهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. أَحْسَبُهَا تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَلَهَا فِي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) : ثَلاَثُونَ حَدِيْثاً، أَعْنَي بِالمُكَرَّرِ. وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ لَهَا عَلَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَآخَرُ عِنْدَ البُخَارِيِّ، وَثَالِثٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ (2) . وَقِيْلَ: لَمْ يُسْلِمْ مِنَ النِّسَاءِ أَحَدٌ قَبْلَهَا -يَعْنِي: بَعْدَ خَدِيْجَةَ-.   (1) 8 / 192 في تفسير سورة النساء: باب: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله ... ) وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس تلا (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) . قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله. (2) انظر " البخاري " 4 / 206، 207، ومسلم (1123) ، والبخاري 2 / 204، ومسلم (462) و (1451) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 58 - أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بنِ خَالِدٍ الأَنْصَارِيَّةُ * (خَ، م، د، س، ق) ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيَّةُ، النَّجَّارِيَّةُ، المَدَنِيَّةُ. أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَخَالَةُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَزَوْجَةُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ. حَدِيْثُهَا فِي جَمِيْعِ الدَّوَاوِيْنِ، سِوَى (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) ، كَانَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُ. سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا هُوَ إِلاَّ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي أُمُّ حَرَامٍ، فَقَالَ: (قُوْمُوا فَلأُصَلِّ بِكُمْ) . فَصَلَّى بِنَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ (1) . يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي بَيْتِهَا يَوْماً، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: (عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُوْنَ ظَهْرَ هَذَا البَحْرِ كَالمُلُوْكِ   (*) مسند أحمد: 6 / 361 و433، طبقات ابن سعد: 8 / 434 - 436، التاريخ لابن معين: 741، تاريخ خليفة: 160، الجرح والتعديل: 9 / 461، الاستبصار: 40، 41، 42، الاستيعاب: 4 / 1931، ابن عساكر: 19 / 296 / 1، جامع الأصول: 9 / 147، أسد الغابة: 7 / 317، تهذيب الكمال: 1700، تاريخ الإسلام: 2 / 78، العبر: 1 / 29، مجمع الزوائد: 9 / 263، تهذيب التهذيب: 12 / 462، الإصابة: 13 / 193، خلاصة تذهيب الكمال: 497، شذرات الذهب: 1 / 36. (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (660) في المساجد: باب جواز الجماعة في النافلة من طريق زهير بن حرب، عن هاشم بن القاسم بهذا الإسناد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 عَلَى الأَسِرَّةِ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. قَالَ: (أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ) . فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَغَزَا بِهَا فِي البَحْرِ، فَحَمَلَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعُوا قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ لِتَرْكَبَهَا، فَصَرَعَتْهَا، فَدُقَّتْ عُنُقُهَا، فَمَاتَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (1) -. قُلْتُ: يُقَالُ هَذِهِ غَزْوَةُ قُبْرُسَ (2) فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَحَدِيْثُهَا لَهُ طُرُقٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَبَلَغَنِي أَنَّ قَبْرَهَا تَزُوْرُهُ الفِرَنْجُ.   (1) أخرجه البخاري 12 / 345، 346 في التعبير: باب رؤيا النهار، ومسلم (1912) في الامارة: باب فضل الغزو في البحر، وأبو داود (2490) ، والترمذي (1645) ، والنسائي 6 / 40، وابن ماجة (2776) ، والدارمي 2 / 210، وابن سعد 8 / 435 عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الاسرة، أو مثل الملوك على الاسرة، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين. فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. وأخرجه أحمد 6 / 423 من مسند أم حرام. (2) هي الجزيرة المعروفة اليوم باسم قبرص، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان، ومعه أبو ذر، وأبو الدرداء، وغيرهما من الصحابة، وذلك سنة سبع وعشرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 59 - أُمُّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةُ نَسِيْبَةُ بِنْتُ الحَارِثِ * (ع) اسْمُهَا: نَسِيْبَةُ بِنْتُ الحَارِثِ. وَقِيْلَ: نَسِيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ. مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، لَهَا عِدَّةُ أَحَادِيْث. وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ (1) . حَدَّثَ عَنْهَا: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأُخْتُهُ؛ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ، وَأُمُّ شَرَاحِيْلَ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةٌ. عَاشَتْ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ. وَهِيَ القَائِلَةُ: نُهِيْنَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (2) . حَدِيْثُهَا مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.   (*) مسند أحمد: 6 / 407، التاريخ لابن معين: 742، الجرح والتعديل: 9 / 465، الاستبصار: 355، الاستيعاب: 4 / 1947، أسد الغابة: 7 / 280، تهذيب الكمال: 1698، تاريخ الإسلام: 3 / 101، تهذيب التهذيب: 12 / 455، الإصابة: 13 / 253، خلاصة تذهيب الكمال: 496. (1) تقدم تخريج حديثها في الصفحة (250) التعليق رقم (3) من هذا الجزء. (2) أخرجه البخاري 3 / 115 في الجنائز: باب اتباع النساء للجنازة، ومسلم (938) في الجنائز: باب نهي النساء عن اتباع الجنائز. وقولها: " ولم يعزم علينا " أي: لم يؤكد علينا في المنع، كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم. وقال القرطبي: ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم. ومال مالك إلى الجواز، وهو قول أهل المدينة. ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة 3 / 395، من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة، فرأى عمر امرأة، فصاح بها، فقال: " دعها يا عمر..". وأخرجه ابن ماجة (1581) ، والنسائي من هذا الوجه، ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سلمة بن الازرق، عن أبي هريرة، ورجاله ثقات كما قال البوصيري وابن حجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 60 - فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الفِهْرِيَّةُ * (ع) إِحْدَى المُهَاجِرَاتِ، وَأُخْتُ الضَّحَّاكِ. كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرٍو بنِ حَفْصِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيِّ، فَطَلَّقَهَا، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو جَهْمٍ. فَنَصَحَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَشَارَ عَلَيْهَا بِأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، فَتَزَوَّجَتْ بِهِ (1) . وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ حَدِيْثَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لِلمُطَلَّقَةِ بَتَّةً (2) . وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ قِصَّةَ الجَسَّاسَةِ (3) . حَدَّثَ عَنْهَا: الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَتْ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدِيْثُهَا فِي الدَّوَاوِيْنِ كُلِّهَا.   (*) مسند أحمد: 6 / 373، 411، التاريخ لابن معين: 739، طبقات خليفة: 335، المستدرك: 4 / 56 55، الاستيعاب: 4 / 1901، أسد الغابة: 7 / 230، تهذيب الكمال: 1692، تاريخ الإسلام: 2 / 310، تهذيب التهذيب: 12 / 444 443، الإصابة: 13 / 85، خلاصة تذهيب الكمال: 494. (1) أخرجه مسلم (1480) في الطلاق: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وأبو داود (2284) في الطلاق: باب في نفقة المبتوتة، والترمذي (1135) في النكاح: باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ومالك 2 / 98، 99. (2) هو قطعة من الحديث المتقدم، وانظر البخاري 9 / 421، 422. (3) أخرجه بطوله مسلم (2942) في الفتن وأشراط الساعة: باب قصة الجساسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 فَصْلٌ فِي بَقِيَّةِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ. 61 - عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفِ بنِ وَاهِبٍ الأَنْصَارِيُّ * (ت، س، ق) ابْنِ عُكَيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، القُبَائِيُّ. أَخُو سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، وَوَالِدُ عَبْدِ اللهِ، وَحَارِثَةَ، وَالبَرَاءِ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللهِ. وَأُمُّ سَهْلٍ مِنْ جِلَّةِ الأَنْصَارِ. ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ عُمَرَ وَجَّهَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ، وَرَزَقَهُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ شَاةٍ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ، عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ (1) ، وَلاَ يَمْسَحَ سَبْخَةً، وَلاَ تَلاًّ، وَلاَ أَجَمَةً، وَلاَ مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ. فَمَسَحَ كُلَّ شَيْءٍ دُوْنَ جَبَلِ حُلْوَانَ (2) ، إِلَى أَرْضِ العَرَبِ، وَهُوَ أَسْفَلُ الفُرَاتِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ: إِنِّي وَجَدْتُ كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ المَاءَ غَامِراً وَعَامِراً   (*) مسند أحمد: 4 / 138، طبقات خليفة: 86، 135، تاريخ خليفة: 227، التاريخ الكبير: 1 / 210 209، المعارف: 209208، تاريخ الفسوي: 1 / 273، الجرح والتعديل: 4 / 146، معجم الطبراني: 10 / 9، الاستبصار: 321، الاستيعاب: 3 / 1033، أسد الغابة: 3 / 577، تهذيب الكمال: 909، تاريخ الإسلام: 2 / 232، مجمع الزوائد: 9 / 371، تهذيب التهذيب: 7 / 113 112، الإصابة: 6 / 386، خلاصة تذهيب الكمال: 259. (1) الغامر من الأرض: ما لم يزرع. (2) حلوان: في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 سِتَّةً وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ جَرِيْبٍ (1) ، وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي ذَرَعَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعاً وَقَبْضَةً وَالإِبْهَامَ مُضْجَعَةً. وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ افْرِضِ الخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِيْبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَماً وَقَفِيْزاً (2) ، وَافْرِضْ عَلَى الكَرْمِ عَلَى كُلِّ جَرِيْبٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَأَطْعِمْهُمُ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى عِمَارَةِ بِلاَدِهِم. وَفَرَضَ عَلَى المُوْسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَعَلَى مَنْ دُوْنَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئاً اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً، وَرَفَعَ عَنْهُم الرِّقَّ بِالخَرَاجِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رِقَابِهِمْ. فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الكُوْفَةِ إِلَى عُمَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثَمَانُوْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حُمِلَ مِنْ قَابِلٍ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ (3) . حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: جِئْتُ فَإِذَا عُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ يَقُوْلُ: تَخَافَانِ أَنْ تَكُوْنَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيْقُ. قَالَ عُثْمَانُ: لَو شِئْتُ لأَضْعَفْتُ عَلَى أَرْضِي. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ حَمَّلْتُ الأَرْضَ شَيْئاً هِيَ لَهُ مُطِيْقَةٌ. فَجَعَلَ يَقُوْلُ: انْظُرَا مَا   (1) الجريب: قطعة من الأرض تقدر بعشرة آلاف ذراع، ونقل عن قدامة الكاتب: أن الاشل: ستون ذراعا، وضرب الاشل في نفسه يسمى جريبا، فيكون ذلك ثلاثة آلاف وست مئة ذراع " المصباح المنير ". (2) القفيز: مكيال كانوا يكتالون به. (3) رجاله ثقات إلا أن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد لم يدرك عمر، فحديثه عنه مرسل. ورواه ابن أبي شيبة 3 / 217 بنحوه مختصرا من طريق أبي أسامة، عن سعيد بهذا الإسناد. ورواه أبو عبيد في " الاموال " ص 86 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز. سير 2 / 21 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 لَدَيْكُمَا، وَاللهِ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ العِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ. فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيْبَ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ عُثْمَانُ، وَفَارَقَ ابْنُ كُرَيْزٍ (2) البَصْرَةَ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ عَلَيْهَا عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ وَالِياً، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَقَاتَلَهُمَا وَمَعَهُ حُكَيْمُ بنُ جَبَلَةَ العَبْدِيُّ، ثُمَّ تَوَادَعُوا حَتَّى يَقْدَمَ عَلِيٌّ. ثُمَّ كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ رِيْحٍ وَظُلْمَةٍ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ طَلْحَةَ، فَقَتَلُوا حَرَسَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَنَتَفُوا لِحْيَتَهُ، وَجُفُوْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالُوا: لَوْلاَ العَهْدُ لَقَتَلْنَاكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَخِي وَالٍ لِعَلِيٍّ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَلَو قَتَلْتُمُوْنِي لَقَتَلَ مَنْ بِالمَدِيْنَةِ مِنْ أَقَارِبِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ. ثُمَّ سُجِنَ، وَأَخَذُوا بَيْتَ المَالِ. وَكَانَ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ. تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ، وَلَهُ عَقِبٌ. وَلِعُثْمَانَ حَدِيْثٌ لَيِّنٌ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) (3) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 7 / 49 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان. (2) هو عبد الله بن عامر بن كريز ابن خال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ولي البصرة لعثمان بعد أبي موسى الأشعري سنة تسع وعشرين. (3) 4 / 138 وفيه حديثان: الأول حديث الاعمى الذي رد بصره بالدعاء الذي علمه إياه صلى الله عليه وسلم، وقد فعل ما أمره به، وهو حديث صحيح، أخرجه أيضا الترمذي (3578) ، وابن ماجة (1385) ، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم 1 / 313، ووافقه المؤلف على تصحيحه، فما أظن أنه يعنيه هنا. وأما الحديث الثاني، فهو من طريق ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد، عن البراء بن عثمان الأنصاري، عن هانئ بن معاويه الصدفي حدثه، قال: حججت زمان عثمان بن عفان، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 62 - خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ بنِ جَنْدَلَةَ بنِ سَعْدٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع) ابْنِ خُزَيْمَةَ بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ، مِنْ تَمِيْمٍ، أَبُو يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ. مِنْ نُجَبَاءِ السَّابِقِيْنَ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. شَهِدَ بَدْراً، وَالمَشَاهِدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَسْرُوْقٌ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَأَبُو مَعْمَرٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، وَعِدَّةٌ. قِيْلَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، بَلْ مَاتَ بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ. وَقِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.   = فجلست في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل يحدثهم قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فأقبل رجل، فصلى في هذا العمود، فعجل قبل أن يتم صلاته، ثم خرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا لو مات، لمات وليس من الدين على شيء، إن الرجل ليخفف صلاته، ويتمها ". قال: فسألت عن الرجل: من هو؟ فقيل: عثمان بن حنيف الأنصاري. وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، والراء بن عثمان لم يوثق. وهو في معجم الطبراني (8310) ، وتاريخ الفسوي 1 / 273. (*) مسند أحمد: 5 / 108 و6 / 395، طبقات ابن سعد: 3 / 164، طبقات خليفة: 17، 126، تاريخ خليفة: 192، التاريخ الكبير: 3 / 215، المعارف: 316، 317، تاريخ الفسوي: 3 / 167، الجرح والتعديل: 3 / 395، معجم الطبراني الكبير: 4 / 61، الاستيعاب: 2 / 437، أسد الغابة: 2 / 114، تهذيب الكمال: 373، تاريخ الإسلام: 2 / 175، العبر: 1 / 43، مجمع الزوائد: 9 / 298، تهذيب التهذيب: 3 / 134 133، الإصابة: 3 / 76، خلاصة تذهيب الكمال: 104. كنز العمال: 13 / 375، شذرات الذهب: 1 / 47. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 نَعَمْ، الَّذِي مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ: هُوَ خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، صَحَابِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ أَيْضاً. قَالَ مَنْصُوْرٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَخَبَّابٌ، وَبِلاَلٌ، وَصُهَيْبٌ، وَعَمَّارٌ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ إِسْلاَمَ خَبَّابٍ بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً، وَأَنَّهُ كَمَّلَ العِشْرِيْنَ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِخَبَّابٍ: ادْنُه، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا المَجْلِسِ مِنْكَ إِلاَّ عَمَّارٌ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرِيْهِ بِظَهْرِهِ شَيْئاً - يَعْنِي مِنْ آثَارِ تَعْذِيْبِ قُرَيْشٍ لَهُ - (1) . أَبُو الضُّحَى: عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ قَيْناً بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلعَاصِ بنِ وَائِلٍ سَيْفاً، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ أُعْطِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَمُوْتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ. فَقَالَ: إِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ (2) ، فَسَوْفَ أَقْضِيْكَ. فَقُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُنْزِلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ... } [مَرْيَمُ (3) : 78] . لِخَبَّابٍ - بِالمُكَرَّرِ -: اثْنَانِ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً. وَمِنْهَا: ثَلاَثَةٌ فِي   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 165، وابن ماجة (153) في المقدمة، وإسناده صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد ": 12. (2) في البخاري وابن سعد: وإني لمبعوث من بعد الموت، فسوف أقضيك. (3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 3 / 164، والبخاري 8 / 327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ (1) . 63 - سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ أَبُو ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ * (ع) العَوْفِيُّ. وَالِدُ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَأَخُو عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ. شَهِدَ بَدَراً، وَالمَشَاهِدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ أَبُو أُمَامَةَ وَعَبْدُ اللهِ؛ وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَيُسَيْرُ بنُ عَمْرٍو؛ وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. مَاتَ: بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ. وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (2) .   (1) انظر البخاري 3 / 113 و7 / 177 و198 و273 و298 و11 / 237، ومسلم (940) . والبخاري 10 / 108، 109 و11 / 212 و13 / 189، ومسلم (2681) . والبخاري 4 / 267 و5 / 55 و8 / 327، ومسلم (2795) . وانظر مسلم (619) ، والبخاري 2 / 204 و7 / 126. (*) مسند أحمد: 3 / 485، طبقات ابن سعد: 6 / 15 و3 / 471، طبقات خليفة: 85، 135، تاريخ خليفة: 198، التاريخ الكبير: 4 / 97، المعارف: 291، تاريخ الفسوي: 1 / 220، معجم الطبراني: 6 / 86، المستدرك: 3 / 408، 412، الاستبصار: 320، الاستيعاب: 2 / 662، أسد الغابة: 2 / 470، تهذيب الكمال: 557، تهذيب التهذيب: 4 / 251، الإصابة: 4 / 273، خلاصة تذهيب الكمال: 157، كنز العمال: 13 / 430، شذرات الذهب: 1 / 48. (2) انظر البخاري 3 / 144، و12 / 269، و6 / 201، و10 / 465، ومسلم (961) ، و (1068) ، و (1785) و (2251) و (1375) و (1909) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) : مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، حَدَّثَتْنَا الرَّبَابُ جَدَّتِي، عَنْ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ: اغْتَسَلْتُ فِي سَيْلٍ، فَخَرَجْتُ مَحْمُوْماً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ فَلْيَتَصَدَّقْ (1)) . مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، قَالَ: رَأَى عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ! فَلُبِطَ بِسَهْلٍ، فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ، وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. قَالَ: (هَلْ تَتَّهِمُوْنَ بِهِ أَحَداً؟) . قَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بنَ رَبِيْعَةَ. فَدَعَاهُ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: (عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَلاَ بَرَّكْتَ؟ اغْتَسِلْ لَهُ) . فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ مَا بِهِ بَأْسٌ (2) . أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بنَ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُم، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم بِتَشْدِيْدِهِم عَلَى أَنْفُسِهِم، وَسَتَجِدُوْنَ   (1) أخرجه الحاكم 3 / 408، 409، وأخرجه أيضا 4 / 413، وأبو داود (3888) ، وأحمد 3 / 486 من طريق عبد الواحد بن زياد بهذا الإسناد. وفيه عندهم " يتعوذ " بدل " فليتصدق "، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي المؤلف، مع أن الرباب جدة عثمان لا تعرف. (2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 2 / 938، 939، وأخرجه أحمد 3 / 486، 487، وابن ماجة (3509) في الطب: باب العين. وصححه ابن حبان (1424) . والمخبأة: الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد، لان صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت. ولبط: صرع. وداخلة الازار: طرفه الداخل الذي يلي الجسد، ويلي الجانب الايمن من الرجل إذا ائتزر، لان المؤتزر إنما يبدأ بجانبه الايمن، فذلك الطرف يباشره جسده، وهو الذي يغسل، وقيل: هو الورك، وقيل: أراد به مذاكيره، فكنى بالداخلة، كما كنى عن الفرج بالسراويل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ (1)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ عَلَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، فَكَبَّرَ سِتّاً (2) . رَوَاهُ: الأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، فَقَالَ: كَبَّرَ خَمْساً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ (3) .   (1) أبو صالح: هو عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث، سيء الحفظ، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (4904) في الأدب: باب في الحسد، من طريق أحمد بن صالح، عن عبد اله بن وهب، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة حدثه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم، قال أبي: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخ طأت إلا شيئا سهوت عنه. فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا تشدوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد بقاياهم في الصوامع والديارات (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناه عليهم) . ثم غدا من الغد، فقال: ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قال: نعم. فركبوا جميعا، فإذا هم بديار باد أهلها، وانقضوا، وفنوا، خاوية على عروشها، فقال: أتعرف هذه الديار؟ فقلت: ما أعرفني بها وأهلها، هذه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني والكف والقدم والجسد والسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. وسعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ذكره ابن حبان في " الثقات "، وروى عنه اثنان، وباقي رجاله ثقات، وذكره ابن كثير في " تفسيره " 4 / 316 من طريق أبي يعلى، عن أحمد بن عيسى بهذا الإسناد. (2) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 3 / 472، وأخرجه عبد الرزاق (6403) ، والطحاوي 1 / 287، والحاكم 3 / 409، والبيهقي 4 / 36، وفيه عندهم: ثم التفت إلينا، فقال ك إنه بدري. (3) ابن سعد 3 / 473. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: سَهْلُ بنُ حُنَيْفِ بنِ وَاهِبِ بنِ عُكَيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، أَبُو سَعْدٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ، وَعُثْمَانُ، وَسَعْدٌ، وَعَقِبُهُ اليَوْمَ بِالمَدِيْنَةِ وَبِبَغْدَادَ. قَالَ: وَقَالُوا: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَهْلٍ وَبَيْنَ عَلِيٍّ. شَهِدَ بَدْراً، وَثَبَتَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبَايَعَ عَلَى المَوْتِ، وَجَعَلَ يَنْضَحُ بِالنَّبْلِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَبِّلُوا سَهْلاً، فَإِنَّهُ سَهْلٌ) (1) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يُعْطِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيْرِ أَحَداً مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ سَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ، كَانَا فَقِيْرَيْنِ. الأَعْمَشُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ - مَدَنِيٌّ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: كَبَّرَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي سُلْطَانِهِ كُلِّهِ أَرْبَعاً أَرْبَعاً عَلَى الجَنَازَةِ، إِلاَّ عَلَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، فَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْساً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ (2) .   (1) ابن سعد 3 / 471. وينضح: يرمي ويرشق، ونبلوا: ناولوه النبل ليرمي. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 473 من طريق أبي معاوية الضرير، ويزيد بن زياد وصفه بالمدني كما هنا، وهو ثقة من رجال التهذيب، ولكنه لم يذكر في شيزخ الأعمش، ولا في تلامذة عبد الله ابن معقل، ويغلب على الظن أن ما في الطبقات خطأ، والصواب يزيد بن أبي زياد، فقد روى الحديث ابن أبي شيبة 3 / 301 من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن معقل، إلا أنه قال: " فإنه كبر عليه ستا "، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (6399) من طريق ابن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، قال: سمعت عبد الله بن معقل يقول: " صلى علي على سهل بن حنيف، فكبر ستا " ويزيد بن زياد هذا هو الهاشمي مولاهم الكوفي. قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف كبر، فتغير، صار يتلقن. وأخرج الطحاوي 1 / 287، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ، سَمِعْتُ عُمَيْرَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: صَلَّى عَلِيٌّ عَلَى سَهْلٍ، فَكَبَّرَ خَمْساً. فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: لأَهْلِ بَدْرٍ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَكُمْ فَضْلَهُ (1) . عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ عَلَى فَاطِمَةَ، وَهِيَ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: خُذِيْهِ، فَلَقَدْ أَحْسَنْتُ بِهِ القِتَالَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ، فَلَقَدْ أَحْسَنَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ (2)) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مُرْسَلاً. 64 - خَوَّاتُ بنُ جُبَيْرِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ البُرَكِ الأَنْصَارِيُّ * (بَخ) وَهُوَ امْرُؤُ القَيْسِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ.   = والدارقطني 1 / 191، والبيهقي 4 / 37، وابن أبي شيبة 3 / 303، عن عبد خير، قال: كان علي يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا، وعلى سائر المسلمين أربعا ". وإسناده صحيح. (1) أخرجه ابن سعد 3 / 473. وأبو جناب: هو يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفوه لكثرة تدليسه، لكنه هنا صرح بالسماع، وباقي رجاله ثقات. (2) أخرجه الحاكم 3 / 409، 410 وصححه، ثم قال: سمعت أبا علي الحافظ يقول: لم نكتبه موصولا إلا عن أبي يعقوب المنجنيقي بإسناده، والمشهور من حديث ابن عيينة، عن عمرو ابن دينار، عن عكرمة مرسلا، وإنما يعرف هذا المتن من حديث أبي معشر، عن أيوب بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، عن جده. ثم ذكره. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 477، طبقات خليفة: 86، التاريخ الكبير: 3 / 217 216، المعارف: 159، 327، الجرح والتعديل: 3 / 392، معجم الطبراني الكبير: 4 / 240، الاستبصار: 324323، الاستيعاب 2 / 455، أسد الغابة: 2 / 148، تهذيب الكمال: 385، العبر: 1 / 46، مجمع الزوائد: 9 / 401، تهذيب التهذيب: 3 / 171، الإصابة: 3 / 158، خلاصة تذهيب الكمال: 108، شذرات الذهب: 1 / 48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ العَقَبِيُّ، البَدْرِيُّ، الَّذِي كَانَ أَمِيْرَ الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ. وَيُكْنَى خَوَّاتٌ: أَبَا صَالِحٍ. قَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: وَكَانَ خَوَّاتُ بنُ جُبَيْرٍ صَاحِبَ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ (1) فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ (2) . الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ خَوَّاتِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ. وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مِكْنَفٍ: أَنَّ خَوَّاتَ بنَ جُبَيْرٍ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَصَابَهُ نَصِيْلُ حَجَرٍ، فَكُسِرَ، فَرَدَّهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا (3) . قَالُوا: مَاتَ خَوَّاتٌ بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ (4) .   (1) النحي: الزق فيه السمن، وذات النحيين: امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى خوات بن جبير يبتاع منها سمنا، فساومها، فحلت نحيا مملوءا، فقال: أمسكيه حتى أنظر غيره، ثم حل آخر، وقال لها: أمسكيه. فلما شغل يديها، ساورها حتى قضى ما أراد وهرب، وقال في ذلك شعرا انظره في " جمهرة الأمثال " 2 / 322، واللسان: نحى. (2) ابن سعد 3 / 477. (3) ابن سعد 3 / 477، وفيه: أصاب ساقه نصيل حجر. والنصيل: حجر طويل رقيق كهيئة الصفيحة المحددة، وجمعه: النصل. (4) ابن سعد 3 / 477، 478، والربعة: هو المربوع الخلق، لا بالطويل ولا بالقصير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 65 - أَخُوْه ُ: عَبْدُ اللهِ بنِ جُبَيْرِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ * شَهِدَ: العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَبَدْراً، وَأُحُداً. وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ عَلَى الرُّمَاةِ، وَهُمْ خَمْسُوْنَ رَجُلاً، وَأَمَرَهُم، فَوَقَفُوا عَلَى عَيْنَيْنِ (1) ، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ، وَمُثِّلَ بِهِ. قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ (2) . 66 - قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ زَيْدِ بنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ ** (ع) الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو عُمَرَ الأَنْصَارِيُّ، الظَّفَرِيُّ، البَدْرِيُّ.   (*) طبقات ابن سعد: 3 / 475، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 67 التاريخ الكبير: 5 / 61 60، المعارف: 159، 327، الجرح والتعديل 5 / 27، الاستبصار: 322، الاستيعاب: 3 / 877، أسد الغابة: 3 / 194، تهذيب الكمال: 669، تهذيب التهذيب: 5 / 168، الإصابة 6 / 33، خلاصة تذهيب الكمال: 193. (1) قال ياقوت: هو هضبة جبل أحد بالمدينة، ويقال: جبلان عند أحد، ويقال ليوم أحد: يوم عينين. وفي صحيح البخاري 7 / 283 في المغازي في حديث وحشي بن حرب قال: فلما خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد "، أي: من ناحية أحد، ويقال: فلان حيال كذا، أي: مقابله، وهو تفسير من بعض رواته، والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده. قال ابن إسحاق: نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. (2) انظر " طبقات ابن سعد " 3 / 475، والبخاري 7 / 269، 272 في المغازي: باب غزوة أحد. (* *) مسند أحمد: 4 / 15 و6 / 384، طبقات ابن سعد: 1 / 187 و2 / 190 و3 / 453 452، طبقات خليفة: 81، 96، تاريخ خليفة: 153، التاريخ الكبير: 7 / 185 184، تاريخ الفسوي: 1 / 320، الجرح والتعديل: 7 / 132، المستدرك 3 / 296 295، الاستبصار: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 مِنْ نُجَبَاءِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ لأُمِّهِ. وَهُوَ الَّذِي وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى خَدِّهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَمَزَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الشَّرِيْفَةِ، فَرَدَّهَا، فَكَانَتْ أَصَحَّ عَيْنَيْهِ (1) . لَهُ أَحَادِيْثُ. رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ أَبُو سَعِيْدٍ، وَابْنُهُ؛ عُمَرُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ لَبِيْدٍ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لَمَّا سَارَ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَعْدُوْدِيْنَ.   = 257 254، الاستيعاب: 3 / 1274، تاريخ ابن عساكر: 14 / 200 / 2، أسد الغابة: 4 / 389، تهذيب الكمال: 1123، تاريخ الإسلام: 2 / 50، العبر: 1 / 27، مجمع الزوائد: 9 / 318، تهذيب التهذيب: 8 / 358 357، الإصابة: 8 / 138، خلاصة تذهيب الكمال: 315، كنز العمال: 13 / 574، شذرات الذهب: 1 / 34. (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 1 / 187، 188 من طريق علي بن محمد، عن أبي معشر، عن زيد بن أسلم، وغيره. وأخرجه ابن هشام 2 / 82، وابن سعد أيضا 3 / 453 من طريق ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وهو مرسل. وأخرج الدارقطني، وابن شاهين، من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري، عن مالك، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم أحد، فوقعت على وجنته، فردها النبي صلى الله عليه وسلم أصح عينيه. وعبد الرحمن بن يحيى العذري: قال: العقيلي: مجهول لا يقيم الحديث من جهته. وأخرجه الدارقطني والبيهقي في الدلائل، من طريق عياض بن عبد الله بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة: أن عينه ذهبت يوم أحد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فردها، فاستقامت. وأخرج البيهقي في دلائل النبوة فيما ذكره ابن كثير 2 / 447 من حديث يحيى الحماني، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، فدعاه، غغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيب. ورجاله ثقات خلا عمر بن قتادة، فإنه لم يوثقه سوى ابن حبان، ولم يرو عنه سوى ابنه عاصم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 عَاشَ خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، بِالمَدِيْنَةِ، وَنَزَلَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ فِي قَبْرِهِ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ أُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَرَادَ القَوْمُ أَنْ يَقْطَعُوْهَا، فَقَالُوا: نَأْتِي نَبِيَّ اللهِ نَسْتَشِيْرُهُ. فَجَاءَ، فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ. فَأَدْنَاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ، فَرَفَعَ حَدَقَتَهُ حَتَّى وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، ثُمَّ غَمَزَهَا بِرَاحَتِهِ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اكْسُهُ جَمَالاً) . فَمَاتَ وَمَا يَدْرِي مَنْ لَقِيَهُ أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيْبَتْ (1) ؟! قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: بَنُو ظَفَرٍ مِنَ الأَوْسِ. وَقِيْلَ: يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ. وَكَذَا قَالَ: ابْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيْمَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. 67 - عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ العَنْزِيُّ * (ع) عَنْزُ بنُ وَائِلٍ. مِنْ حُلَفَاءِ آلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيِّ.   (1) تقدم تخريجه في التعليق السابق، فانظره. (*) مسند أحمد: 3 / 444، طبقات ابن سعد: 3 / 281، تاريخ خليفة: 168، التاريخ الكبير: 6 / 455، المعارف: 87، تاريخ الفسوي: 3 / 380، الجرح والتعديل: 6 / 320، المستدرك: 3 / 357 - 359، الاستيعاب: 2 / 790، ابن عساكر: 8 / 337 / 2، أسد الغابة: 3 / 121، تهذيب الكمال: 642 ; العبر: 1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 301، تهذيب التهذيب: 5 / 62 - 63، الإصابة: 5 / 277، خلاصة تذهيب الكمال: 184. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَشَهِدَ بَدْراً. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ مُهَاجِراً: أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَبَعْدَهُ: عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ (1) . لَهُ أَحَادِيْثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَانَ الخَطَّابُ قَدْ تَبَنَّاهُ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ الجَابِيَةَ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مَوْتُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَيَّامٍ، وَكَانَ لَزِمَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ إِلاَّ بِجَنَازَتِهِ قَدْ أُخْرِجَتْ (3) . رَوَى: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ: أَنَّ أَبَاهُ رُئِيَ فِي المَنَامِ حِيْنَ طَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ، فَقِيْلَ لَهُ: قُمْ، فَسَلِ اللهَ أَنْ يُعِيْذَكَ مِنَ الفِتْنَةِ. تُوُفِّيَ عَامِرٌ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِيْنَ، قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِيَسِيْرٍ. جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ   (1) ابن سعد 1 / 226، و" المستدرك " 3 / 357. (2) قرية في الشام من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران إذا وقف الأسنان في الصنمين، واستقبل الشمال، ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا. وفيها خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خطبته المشهورة لما قدم الشام، وباب الجابية الذي بدمشق منسوب إليها. (3) " المستدرك " 3 / 358. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 رَبِيْعَةَ، قَالَ: لَمَّا طَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ، صَلَّى أَبِي فِي اللَّيْلِ، وَدَعَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قِنِي مِنَ الفِتْنَةِ، بِمَا وَقَيْتَ بِهِ الصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكَ. فَمَا أُخْرِجَ وَلاَ أَصْبَحَ إِلاَّ بِجَنَازَتِهِ (1) . 68 - أَبُو الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، قَاضِي دِمَشْقَ، وَصَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو الدَّرْدَاءِ، عُوَيْمِرُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ. وَيُقَالُ: عُوَيْمِرُ بنُ عَامِرٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: ابْنُ ثَعْلَبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ. حَكِيْمُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَسَيِّدُ القُرَّاءِ بِدِمَشْقَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ قَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ قَيْسِ (2) بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَامِرِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ. قَالَ: وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرُ بنُ مَالِكٍ. رَوَى: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.   (1) " المستدرك " 3 / 358. (*) مسند أحمد: 5 / 94 و6 / 440، 445، طبقات ابن سعد: 7 / 391، 393، طبقات خليفة: 95، 303، التاريخ الكبير: 7 / 76 - 77، المعارف: 259، 268، الجرح والتعديل: 7 / 26 - 28، المستدرك: 3 / 336 - 337، الاستبصار: 125 - 127، الاستيعاب: 4 / 1646، تاريخ ابن عساكر: 13 / 366 / 1، أسد الغابة: 6 / 97، تهذيب الكمال: 1068 - تاريخ الإسلام: 2 / 107، العبر: 1 / 33، تذكرة الحفاظ: 1 / 24، معرفة القراء: 38، مجمع الزوائد: 9 / 367، طبقات القراء: 1 / 606، 607، تهذيب التهذيب: 8 / 175 - 177، الإصابة: 7 / 182، خلاصة تذهيب الكمال، 298 - 299، كنز العمال: 13 / 550 - 553، شذرات الذهب: 1 / 39 و44. (2) غير الأستاذ الابياري ما في الأصل إلى قيس بن زيد عائشة، مع أن ما في الأصل هو بعينه في " الجرح والتعديل " 7 / 6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ تَلاَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَبَداً أَنَّهُ أَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ بِدِمَشْقَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ. رَوَى عَنْهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَفَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ جِلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ قَيْسٍ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَزَوْجَتُهُ؛ أُمُّ الدَّرْدَاءِ العَالِمَةُ، وَابْنُهُ؛ بِلاَلُ بنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمَعْدَانُ بنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ اليَحْصُبِيُّ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ، وَلَحِقَهُ، فَإِنْ صَحَّ، فَلَعَلَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضَ القُرْآنِ وَهُوَ صَبِيٌّ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ: عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي: عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: خُلَيْدُ بنُ سَعْدٍ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَابْنُ عَامِرٍ. كَذَا قَالَ الدَّانِي. وَوَلِيَ القَضَاءَ بِدِمَشْقَ، فِي دَوْلَةِ عُثْمَانَ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ذُكِرَ لَنَا مِنْ قُضَاتِهَا، وَدَارُهُ بِبَابِ البَرِيْدِ، ثُمَّ صَارَتْ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ صَلاحِ الدِّيْنَ تُعْرَفُ: بِدَارِ الغَزِّيِّ (2) .   (1) هو إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة الاقراء فيها، وهو أحد القراء السبعة المشهورين الثقات، توفي سنة 118 هـ. (2) انظر " تاريخ دمشق " لابن عساكر، المجلدة الثانية: 138 طبعة المجمع العلمي بدمشق. وأخرج أبو زرعة في " تاريخه " (142) و (215) حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: عمر أمر أبا الدرداء على القضاء - يعني بدمشق - وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَيُرْوَى لَهُ: مائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً. وَاتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيْثَيْنِ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَمَانِيَةٍ. رَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مُغِيْثِ بنِ سُمَيٍّ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرَ بنَ عَامِرٍ مِنْ بَنِي الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَرَّةً: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ ثَعْلَبَةَ. مَاتَ: قَبْلَ عُثْمَانَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَأَلْتُ رَجُلاً مِنْ وَلَدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: اسْمُهُ عَامِرُ بنُ مَالِكٍ، وَلَقَبُهُ: عُوَيْمِرٌ (2) . وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: هُوَ عُوَيْمِرُ بنُ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعِدَّةٌ: عُوَيْمِرُ بنُ عَامِرٍ (3) . وَآخِرُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى أَبَا الدَّرْدَاءِ: شَيْخٌ عَاشَ إِلَى دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ. فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ التُّرْجُمَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَبُو الحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَقْنَى، أَشْهَلَ، يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ (4) . رَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنْتُ تَاجِراً قَبْلَ المَبْعَثِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ، جَمَعْتُ التِّجَارَةَ وَالعِبَادَةَ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا،   (1) تاريخ ابن عساكر 13 / 367 / 1، وفي " تاريخ دمشق " لأبي زرعة (202) و (2115) من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الاوزاعي قال: مات أبو الدرداء وكعب الاحبار في خلافة عثمان لسنتين من خلافته. (2) تاريخ البخاري " 7 / 76. (3) " تاريخ ابن عساكر " 13 / 367 / 1. (4) " المستدرك " 3 / 337، وفيه " أبو إسحاق الاجرب " بدل " إسحاق أبو الحارث "، وتاريخ ابن عساكر 13 / 369 / 1. سير 2 / 22 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ، وَلَزِمْتُ العِبَادَةَ (1) . قُلْتُ: الأَفْضَلُ جَمْعُ الأَمْرَيْنِ مَعَ الجِهَادِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ، هُوَ طَرِيْقُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالصُّوْفِيَّةِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ أَمْزِجَةَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَبَعْضُهُمْ يَقْوَى عَلَى الجَمْعِ كَالصِّدِّيْقِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَكَمَا كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَبَعْضُهُمْ يَعْجزُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى العِبَادَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقْوَى فِي بِدَايَتِهِ، ثُمَّ يَعْجِزُ، وَبِالعَكْسِ، وَكُلٌّ سَائِغٌ، وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ النَّهْضَةِ بِحُقُوْقِ الزَّوْجَةِ وَالعِيَالِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَسْلَمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ شَهِدَ أُحُداً، وَأَمَرَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ أَنْ يَرُدَّ مَنْ عَلَى الجَبَلِ، فَرَدَّهُمْ وَحْدَهُ، وَكَانَ قَدْ تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ قَلِيْلاً (2) . قَالَ شُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ الحِمْصِيُّ: لَمَّا هُزِمَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ، كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَئِذٍ فِيْمَنْ فَاءَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا أَظَلَّهُمُ المُشْرِكُوْنَ مِنْ فَوْقِهِمْ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُوْنَا) . فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ، وَانْتَدَبُوا، وَفِيْهِم عُوَيْمِرُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، حَتَّى أَدْحَضُوْهُمْ عَنْ مَكَانِهِمْ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْمَئِذٍ حَسَنَ البَلاَءِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَ الفَارِسُ عُوَيْمِرٌ) (3) .   (1) أخرجه " ابن سعد " 7 / 391، عن أبي معاوية الضرير بهذا الإسناد، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 367، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 13 / 37 / 1. (2) ابن عساكر 13 / 370 / 1. (3) ابن عساكر 13 / 370 / 1، وهو مرسل، فإن شريح بن عبيد لم يدرك أبا الدرداء، وانتدبوا: أسرعوا، وأدحضوهم: أزالوهم. وانظر ابن سعد 7 / 392، و" المستدرك " 3 / 337. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ: (حَكِيْمُ أُمَّتِي: عُوَيْمِرٌ) . هَذَا رَوَاهُ: يَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحٍ (1) . ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَثُمَامَةُ: عَنْ أَنَسٍ: مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ (2) . وَقَالَ زَكَرِيَّا، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ سِتَّةٌ، وَهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَأُبَيٌّ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ (3) . وَكَانَ بَقِيَ عَلَى مُجَمِّعِ بنِ جَارِيَةَ سُوْرَةٌ أَوْ سُوْرَتَانِ حِيْنَ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (4) .   (1) هو مرسل كسابقه. (2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 9 / 47، 48 في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في تاريخه أيضا 7 / 706، وابن عساكر 13 / 370 / 2. وأبو زيد هذا: هو أحد عمومة أنس كما جاء مصرحا به في هذا الحديث. وذكر علي ابن المديني أن اسمه أوس، وعن يحيى بن معين: هو ثابت بن زيد، وقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان، وبذلك جزم الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة، وقال: وهو الذي كان يقال له: القارئ، وكان على القادسية، واستشهد بها، وهو والد عمير بن سعد، وعن الواقدي: هو قيس بن السكن بن قيس ابن زعوراء بن حرام الأنصاري النجاري، ويرجحه قول أنس: أحد عمومتي، فإنه من قبيلة بني حرام، والقصر في هذا الحديث إضافي لا حقيقي، فقد حفظ القرآن جميعه الجم الغفير من الصحابة رضي الله عنهم سرد منهم الحافظ في " الفتح " 9 / 47، 48 فراجعه. (3) " ابن عساكر " 13 / 370 / 2 وأخرجه ابن سعد 2 / 355 من طريق محمد بن يزيد الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، ورجاله ثقات، وسنده صحيح مع إرساله، وانظر ترجمة " سعد بن عبيد " في " الإصابة " 4 / 154. (4) أخرجه ابن سعد 2 / 355. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 إِسْمَاعِيْلُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ قَدْ أَخَذَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سُورَةً -يَعْنِي: مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَعَلَّمَ بَقِيَّتَهُ مِنْ مُجَمِّعٍ، وَلَمْ يَجْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الخُلَفَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ القُرْآنَ غَيْرُ عُثْمَانَ (1) . قَالَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ آخِرِ الأَنْصَارِ إِسْلاَماً (2) ، وَكَانَ يَعْبُدُ صَنَماً، فَدَخَلَ ابْنُ رَوَاحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ بَيْتَهُ، فَكَسَرَا صَنَمَهُ. فَرَجَعَ، فَجَعَلَ يَجْمَعُ الصَّنَمَ، وَيَقُوْلُ: وَيْحَكَ! هَلاَّ امْتَنَعْتَ، أَلاَ دَفَعْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: لَو كَانَ يَنْفَعُ أَوْ يَدْفَعُ عَنْ أَحَدٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَنَفَعَهَا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَعِدِّي لِي مَاءً فِي المُغْتَسَلِ. فَاغْتَسَلَ، وَلَبِسَ حُلَّتَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ رَوَاحَةَ مُقْبِلاً، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمَا أُرَاهُ إِلاَّ جَاءَ فِي طَلَبِنَا. فَقَالَ: (إِنَّمَا جَاءَ لِيُسْلِمَ، إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي بِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنْ يُسْلِمَ (3)) . رَوَى مِنْ قَوْلِهِ: (وَكَانَ يَعَبْدُ ... إِلَى آخِرِهِ) : مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ. وَرَوَى مِنْهُ: أَبُو صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرٍ، عَنْ   (1) أخرجه " ابن سعد " 2 / 355. (2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخه " (204) من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، وأبو الزاهرية: هو حدير بن كريب الحمصي صدوق من الثالثة، مات على رأس المئة. (3) أخرجه: ابن عساكر 13 / 369 / 2، وانظر " المستدرك " 3 / 336، 337. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 أَبِي الدَّرْدَاءِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ وَعَدَنِي إِسْلاَمَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَأَسْلَمَ (1)) . وَرَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَسْلَمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَشَهِدَ أُحُداً، وَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي أَرْبَعِ مائَةٍ -يَعْنِي: فِي الشَّهْرِ- أَلْحَقَهُ فِي البَدْرِيِّيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: قِيْلَ: لَمْ يَشْهَدْ أُحُداً. سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ مَكْحُوْلٍ: كَانَتِ الصَّحَابَةُ يَقُوْلُوْنَ: أَرْحَمُنَا بِنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنْطَقُنَا بِالحَقِّ عُمَرُ، وَأَمِيْنُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَعْلَمُنَا بِالحَرَامِ وَالحَلاَلِ مُعَاذٌ، وَأَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَرَجُلٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَتَبِعَهُم عُوَيْمِرُ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالعَقْلِ (2) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَقُوْلُوْنَ: أَتْبَعُنَا لِلعِلْمِ وَالعَمَلِ أَبُو الدَّرْدَاءِ (3) . وَرَوَى: عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَجَاءهُ سَلْمَانُ يَزُوْرُهُ، فَإِذَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةٌ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، يَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيَصُومُ النَّهَارَ. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَاماً. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُفْطِرَنَّ. فَأَكَلَ مَعَهُ، ثُمَّ بَاتَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، أَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنْ يَقُوْمَ، فَمَنَعَهُ سَلْمَانُ، وَقَالَ:   (1) ابن عساكر 13 / 369 / 2. (2) ابن عساكر 13 / 371 / 1. (3) تاريخ البخاري 7 / 77، وابن عساكر 13 / 371 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ، وَائْتِ أَهْلَكَ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ، قَالَ: قُمِ الآنَ إِنْ شِئْتَ. فَقَامَا، فَتَوَضَّأَا، ثُمَّ رَكَعَا، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلاَةِ، فَدَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُخْبِرَ رَسُوْلَ اللهِ بِالَّذِي أَمَرَهُ سَلْمَانُ. فَقَالَ لَهُ: (يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً مِثْلَ مَا قَالَ لَكَ سَلْمَانُ (1)) . البَابْلُتِّيُّ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَو أُنْسِيْتُ آيَةً لَمْ أَجِدْ أَحَداً يُذَكِّرُنِيْهَا إِلاَّ رَجُلاً بِبَرْكِ الغَمَادِ، رَحَلْتُ إِلَيْهِ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَلُوْنِي، فَوَاللهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُوْنِي لَتَفْقِدُنَّ رَجُلاً عَظِيْماً مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَبِيْعَةُ القَصِيْرُ: عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاذاً الوَفَاةُ، قَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: العِلْمُ وَالإِيْمَانُ مَكَانَهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا - قَالَهَا ثَلاَثاً - فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي   (1) صحيح، أخرجه البخاري 4 / 182، 184 في الصوم: باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، وفي الأدب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف، من طريق محمد بن بشار، عن جعفر بن عون، عن أبي العميس عتبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه - وهو في سنن الترمذي (2415) وتاريخ ابن عساكر 13 / 371 / 2. وقوله " متبذلة " أي: لابسة ثياب البذلة وهي المهنة. وزنا ومعنى. (2) أخرجه ابن عساكر 13 / 372 / 2، وبرك الغماد: موضع بناحية اليمن، وقيل: هو موضع في أقاصي أرض هجر. (3) ابن عساكر 13 / 372 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ (1) . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: عُلَمَاءُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ بِالعِرَاقِ، وَآخَرُ بِالشَّامِ -يَعْنِي: أَبَا الدَّرْدَاءِ- وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى الَّذِي بِالعِرَاقِ -يَعْنِي: نَفْسَهُ- وَهُمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الَّذِي بِالمَدِيْنَةِ -يَعْنِي: عَلِيّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ. ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجْرِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا حَمَلَتْ وَرْقَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتْ خَضْرَاءُ أَعْلَمَ مِنْكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ (3) . مَنْصُوْرٌ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: وَجَدْتُ عِلْمَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى إِلَى سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ، وَزَيْدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُهُمْ إِلَى: عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ (4) . وَقَالَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: حَدِّثُوْنَا عَنِ العَاقِلَيْنِ. فَيُقَالُ: مَنِ العَاقِلاَنِ؟ فَيَقُوْلُ: مُعَاذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ (5) .   (1) ابن عساكر 13 / 373 / 1. (2) ابن عساكر 13 / 373 / 1. (3) ابن عساكر 13 / 373 / 2، والورقاء: الغبراء، أراد بها الأرض، والخضراء: السماء. (4) ابن عساكر 13 / 373 / 2، وأخرجه ابن سعد 2 / 351 من طريق الفضل بن دكين، عن القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق. وإسناده صحيح. (5) أخرجه ابن سعد 2 / 350 من طريق قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان، عن ثور بن يزيد الكلاعي، عن خالد بن معدان، ورجاله ثقات، وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 384 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَرَوَى: سَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ خَمْسَةٌ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ كَثُرُوا، وَمَلَؤُوا المَدَائِنَ، وَاحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُمْ، فَأَعِنِّي بِرِجَالٍ يُعَلِّمُوْنَهُمْ. فَدَعَا عُمَرُ الخَمْسَةَ، فَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُم قَدِ اسْتَعَانُوْنِي مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّيْنِ، فَأَعِيْنُوْنِي يَرْحَمْكُمُ اللهُ بِثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ إِنْ أَحْبَبْتُمْ، وَإِنِ انْتُدِبَ ثَلاَثَةٌ مِنْكُمْ، فَلْيَخْرُجُوا. فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَتَسَاهَمَ، هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ - لأَبِي أَيُّوْبَ - وَأَمَّا هَذَا فَسَقِيْمٌ - لأُبَيٍّ -. فَخَرَجَ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ. فَقَالَ عُمَرُ: ابْدَؤُوا بِحِمْصَ، فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُوْنَ النَّاسَ عَلَى وُجُوْهٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَلْقَنُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَوَجِّهُوا إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَضِيْتُمْ مِنْهُمْ، فَلْيَقُمْ بِهَا وَاحِدٌ، وَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ، وَالآخَرُ إِلَى فِلَسْطِينَ. قَالَ: فَقَدِمُوا حِمْصَ، فَكَانُوا بِهَا، حَتَّى إِذَا رَضُوا مِنَ النَّاسِ، أَقَامَ بِهَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، وَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى دِمَشْقَ، وَمُعَاذٌ إِلَى فِلَسْطِيْنَ، فَمَاتَ فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاسَ. ثُمَّ صَارَ عُبَادَةُ بَعْدُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ، وَبِهَا مَاتَ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ (1) .   (1) أخرجه ابن سعد 2 / 356، 357 من طريق أبي بكر عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن محمد بن كعب القرظي،..ورجاله ثقات، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 41، 42 من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، بهذا الإسناد، وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 384 / 2. وعمواس: قرية على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وطاعون عمواس كان في سنة 18 هـ، وفيه استشهد أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الأَحْوَصُ بنُ حَكِيْمٍ: عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ ابْتَنَى كَنِيْفاً بِحِمْصَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا عُوَيْمِرُ، أَمَا كَانَتْ لَكَ كِفَايَةٌ فِيْمَا بَنَتِ الرُّوْمُ عَنْ تَزْيِيْنِ الدُّنْيَا، وَقَدْ أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي، فَانْتَقِلْ إِلَى دِمَشْقَ (1) . مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ، نَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ: ارْجِعَا إِلَيَّ، أَعِيْدَا عَلَيَّ قَضِيَّتَكُمَا (2) . مَعْمَرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، أَبْغَضَهُ اللهُ، فَإِذَا أَبْغَضَهُ اللهُ، بَغَّضَهُ إِلَى عِبَادِهِ (3) . وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنِّي لآمُرُكُمْ بِالأَمْرِ وَمَا أَفْعَلُهُ، وَلَكِنْ لَعَلَّ اللهَ يَأْجُرُنِي فِيْهِ. شُعْبَةُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لابْنِ مَسْعُوْدٍ وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَأَحْسِبُهُ حَبَسَهُمْ بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى أُصِيْبَ (4) .   = " العبر " 1 / 21، 22. ونتساهم: نتقارع من القرعة. ويلقن: يفهم، من لقن الشئ يلقنه لقنا، وكذلك الكلام، وتلقنه: فهمه، ولقنه إياه: فهمه. (1) ابن عساكر 13 / 385 / 2. (2) ابن عساكر 13 / 385 / 2. (3) ابن عساكر 13 / 374 / 1 و385 / 2. (4) تاريخ ابن عساكر، 13 / 376 / 1، وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1479) من طريق عبد الله بن صالح المصري عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، دون قوله " وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب " ورجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ مُسْلِمِ بنِ مِشْكَمٍ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: اعْدُدْ مَنْ فِي مَجْلِسِنَا. قَالَ: فَجَاؤُوا أَلْفاً وَسِتَّ مائَةٍ وَنَيِّفاً، فَكَانُوا يَقْرَؤُوْنَ، وَيَتَسَابَقُوْنَ عَشْرَةً عَشْرَةً، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَتَلَ، وَقَرَأَ جُزْءاً، فَيُحْدِقُونَ بِهِ، يَسْمَعُوْنَ أَلْفَاظَهُ، وَكَانَ ابْنُ عَامِرٍ مُقَدَّماً فِيْهِم (1) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُصَلِّي، ثُمَّ يُقْرِئُ، وَيَقْرَأُ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ القِيَامَ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ مِنْ وَلِيْمَةٍ أَوْ عَقِيْقَةٍ (2) نَشْهَدُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، وَإِلاَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي صَائِمٌ، وَهُوَ الَّذِي سَنَّ هَذِهِ الحِلَقَ لِلقِرَاءةِ. قَالَ القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ (3) . أَبُو الضُّحَى: عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: شَامَمْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ عِلْمَهُمُ انْتَهَى إِلَى: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ (4) . وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ الَّذِيْنَ يَشْفُوْنَ مِنَ الدَّاءِ (5) .   (1) رجاله ثقات. (2) العقيقة: هي الشاة التي تذبح عن الولد في اليوم السابع من ولادته. (3) ابن عساكر 13 / 373 / 2. (4) أخرجه ابن سعد 2 / 351، وإسناده صحيح، وأبو الضحى: هو مسلم بن صبيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 343 ت 4، وقوله: شاممت. يقال: شاممت فلانا: إذا قاربته وعرفت ما عنده بالاختبار والكشف. (5) ابن عساكر 13 / 373 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ آخَرَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مِنَ الأَتْبَاعِ مِثْلُ السُّلْطَانِ، فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيْضَةٍ، وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ حِسَابٍ، وَسَائِلٍ عَنْ حَدِيْثٍ، وَسَائِلٍ عَنْ مُعْضِلَةٍ، وَسَائِلٍ عَنْ شِعْرٍ. قَالَ رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ لاَ هَكَذَا، وَإِلاَّ فَكَشَكْلِهِ (1) . مَنْصُوْرٌ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا لِي أَرَى عُلَمَاءكُم يَذْهَبُوْنَ، وَجُهَّالَكُمْ لاَ يَتَعَلَّمُوْنَ، تَعَلَّمُوا، فَإِنَّ العَالِمَ وَالمُتَعَلِّمَ شَرِيْكَانِ فِي الأَجْرِ (2) . وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ: لَنْ تَكُوْنَ عَالِماً حَتَّى تَكُوْنَ مُتَعَلِّماً، وَلاَ تُكُوْنُ مُتَعَلِّماً حَتَّى تَكُوْنَ بِمَا عَلِمْتَ عَامِلاً، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ إِذَا وَقَفْتُ لِلحِسَابِ أَنْ يُقَالَ لِي: مَا عَمِلْتَ فِيْمَا عَلِمْتَ (3) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَيْلٌ لِلَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَرَّةً، وَوَيْلٌ لِلَّذِي يَعْلَمُ وَلاَ يَعْمَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ (4) .   (1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1474) من طريق عبد الله بن صالح المصري، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد قال: كان أبو الدرداء إذا تحدث قال: اللهم إن لا هكذا، فكشكله، وأخرجه أبو خيثمة رقم (105) في: كتاب العلم، من طريق معن، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء، وأخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق الواقدي عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء أنه كان إذا حدث الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إن لم يكن هكذا، فشبهه، فشكله. (2) ابن عساكر 13 / 375 / 2. (3) أخرجه ابن سعد 2 / 375 من طريق جعفر بن برقان أن أبا الدرداء قال: ... وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 377 / 1. (4) ابن عساكر 13 / 377 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ: قُلْتُ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ: أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَتْ أَكْثَرَ؟ قَالَتْ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ (1) . وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ (2) . عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ: قِيْلَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ - وَكَانَ لاَ يَفْتُرُ مِنَ الذِّكْرِ -: كَمْ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ؟ قَالَ: مائَةَ أَلْفٍ، إِلاَّ أَنْ تُخْطِئَ الأَصَابِعُ (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ يُوْقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ، إِذْ سَمِعْتُ فِي القِدْرِ صَوْتاً يَنْشُجُ، كَهَيْئَةِ صَوْتِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ انْكَفَأَتِ القِدْرُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، لَمْ يَنْصَبَّ مِنْهَا شَيْءٌ. فَجَعَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُنَادِي: يَا سَلْمَانُ! انْظُرْ إِلَى مَا لَمْ تَنْظُرْ إِلَى مِثْلِهِ أَنْتَ وَلاَ أَبُوْكَ. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ لَو سَكَتَّ، لَسَمِعْتَ مِنْ آيَاتِ رَبِّكَ الكُبْرَى (4) . الأَوْزَاعِيُّ: عَنْ بِلاَلِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ تَفْرِقَةِ القَلْبِ. قِيْلَ: وَمَا تَفْرِقَةُ القَلْبِ؟ قَالَ: أَنْ يُجْعَلَ لِي فِي كُلِّ وَادٍ مَالٌ (5) .   (1) ابن عساكر 13 / 377. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 13 / 377 / 2. (3) ابن عساكر 13 / 377 / 2. (4) ابن عساكر 13 / 378 / 2، 379 / 1. (5) ابن عساكر 13 / 379 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 رُوِيَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: لَوْلاَ ثَلاَثٌ مَا أَحْبَبْتُ البَقَاءَ سَاعَةً: ظَمَأُ الهَوَاجِرِ، وَالسُّجُوْدُ فِي اللَّيْلِ، وَمُجَالَسَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقُوْنَ جَيِّدَ الكَلاَمِ، كَمَا يُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ يَعْلَى بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: لَقِيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا تُحِبُّ لِمَنْ تُحِبُّ؟ قَالَ: المَوْتُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَمُتْ؟ قَالَ: يَقِلُّ مَالُهُ وَوَلَدُهُ (2) . قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَلاَثَةٌ أُحِبُّهُنَّ وَيَكْرَهُهُنَّ النَّاسُ: الفَقْرُ، وَالمَرَضُ، وَالمَوْتُ، أُحِبُّ الفَقْرَ تَوَاضُعاً لِرَبِّي، وَالمَوْتَ اشْتِيَاقاً لِرَبِّي، وَالمَرَضَ تَكْفِيْراً لِخَطِيْئَتِي (3) . الأَوْزَاعِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَوْجَعَتْ عَيْنُهُ حَتَّى ذَهَبَتْ. فَقِيْلَ لَهُ: لَو دَعَوْتَ اللهَ؟ فَقَالَ: مَا فَرَغْتُ بَعْدُ مِنْ دُعَائِهِ لِذُنُوْبِي، فَكَيْفَ أَدْعُو لِعَيْنِي (4) ؟! حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي   (1) ابن عساكر 13 / 380 / 1. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 393 من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن غيلان بن بشير، عن يعلى بن الوليد، عن أبي الدرداء، وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 380 / 2. ولا إخال هذا يصح عن أبي الدرداء. فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القدوة دعا لأنس - وكان يحبه بإطالة العمر وكثرة المال والولد. (3) أخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق عمرو بن مرة قال: سمعت شيخا يحدث، عن أبي الدرداء، وإسناده ضعيف، لجهالة الواسطة بين عمرو بن مرة وأبي الدرداء. وهو في " ابن عساكر " 13 / 380، 381 / 1 وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاكمل والأفضل والواجب الاتباع، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، وينهى عن تمني الموت، ويسأل الله العافية. (4) ابن عساكر 13 / 381 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: اذْكُرِ اللهَ فِي السَّرَّاءِ، يَذْكُرْكَ فِي الضَّرَّاءِ، وَإِذَا ذَكَرْتَ المَوْتَى، فَاجْعَلْ نَفْسَكَ كَأَحَدِهِمْ، وَإِذَا أَشْرَفَتْ نَفْسُكَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَانْظُرْ إِلَى مَا يَصِيْرُ (1) . إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: عَنْ هَمَّامِ بنِ الحَارِثِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يُقْرِئُ رَجُلاً أَعْجَمِيّاً: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّوْمِ طَعَامُ الأَثِيْمِ} [الدُّخَانُ: 43] ، فَقَالَ: طَعَامُ اليَتِيْمِ. فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُوْلَهَا، فَقَالَ: قُلْ طَعَامُ الفَاجِرِ، فَأَقْرَأَهُ طَعَامُ الفَاجِرِ. مَنْصُوْرٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي المَوْتَى، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ المَظْلُوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيْلاً يُغْنِيْكَ خَيْرٌ مِنْ كَثِيْرٍ يُلْهِيْكَ، وَأَنَّ البِرَّ لاَ يَبْلَى، وَأَنَّ الإِثْمَ لاَ يُنْسَى (2) . شَيْبَانُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِيَّاكَ وَدَعَوَاتِ المَظْلُوْمِ، فَإِنَّهُنَّ يَصْعَدْنَ إِلَى اللهِ كَأَنَّهُنَّ شَرَارَاتٍ مِنْ نَارٍ (3) . وَرَوَى: لُقْمَانُ بنُ عَامِرٍ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَهْلُ الأَمْوَالِ يَأْكُلُوْنَ وَنَأْكُلُ، وَيَشْرَبُوْنَ وَنَشْرَبُ، وَيَلْبَسُوْنَ وَنَلْبَسُ، وَيَرْكَبُوْنَ وَنَرْكَبُ، وَلَهُمْ فُضُوْلُ أَمْوَالٍ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهَا، وَنَنْظُرُ إِلَيْهَا مَعَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ مِنْهَا بُرَآءُ (4) . وَعَنْهُ، قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الأَغْنِيَاءَ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ مِثْلُنَا عِنْدَ   (1) ابن عساكر 13 / 381 / 2، وقوله: " وإذا أشرفت نفسك على شيء " أي تطلعت إليه. (2) ابن عساكر 13 / 382 / 1. (3) ابن عساكر 13 / 382 / 1. (4) ابن عساكر 13 / 383 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 المَوْتِ، وَلاَ نَتَمَنَّى أَنَّنَا مِثْلُهُمْ حِيْنَئِذٍ، مَا أَنْصَفَنَا إِخْوَانُنَا الأَغْنِيَاءُ، يُحِبُّوْنَنَا عَلَى الدِّيْنِ، وَيُعَادُوْنَنَا عَلَى الدُّنْيَا (1) . رَوَاهُ: صَفْوُانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ. وَرَوَى: صَفْوَانُ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُسُ، مُرَّ بِالسَّبْيِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَبَكَى. فَقُلْتُ لَهُ: تَبْكِي فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ فِيْهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ! قَالَ: يَا جُبَيْرُ! بَيْنَا هَذِهِ الأُمَّةُ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ، إِذْ عَصَوُا اللهَ، فَلَقُوا مَا تَرَى، مَا أَهْوَنَ العِبَادَ عَلَى اللهِ إِذَا هُمْ عَصَوْهُ (2) . بَقِيَّةُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ. فَقُلْتُ: إِنّي أَخَافُ أَنْ يُحَمِّقَكَ النَّاسُ. فَقَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ (3)) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي قُدَامَةَ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: كَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ سِتُّوْنَ وَثَلاَثُ مائَةِ خَلِيْلٍ فِي اللهِ، يَدْعُو لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ يَدْعُو لأَخِيْهِ فِي الغَيْبِ إِلاَّ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَقُوْلاَنِ: وَلَكَ بِمِثْلٍ، أَفَلاَ أَرْغَبُ أَنْ تَدْعُوَ لِيَ المَلائِكَةُ (4) .   (1) ابن عساكر 13 / 383 / 2. (2) ابن عساكر 13 / 389 / 1. (3) 5 / 199، وبقية مدلس وقد عنعن، وحبيب بن عمر ضعيف. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 13 / 389 / 2. (4) ابن عساكر 13 / 389 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَقَالَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لَنُكَشِّرُ فِي وُجُوْهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوْبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ (1) . قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، جَعَلَ يَقُوْلُ: مَنْ يَعْمَلُ لِمِثْلِ يَوْمِي هَذَا، مَنْ يَعْمَلُ لِمِثْلِ مَضْجَعِي هَذَا. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِقِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدٍ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ (2) : إِنِّي لِغَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُسْتَلَبَ إِيْمَانِي وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الكِنْدِيَّةِ، وَهَلْ فِي   (1) ابن عساكر 13 / 391 / 2، وعلقه البخاري في " صحيحه " 10 / 437 في الأدب: باب المداراة مع الناس، قال الحافظ: وهذا الاثر وصله ابن أبي الدنيا، وإبراهيم الحربي في " غريب الحديث "، والدينوري في " المجالسة " من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الحديث "، والدينوري في " المجالسة " من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، فذكر مثله، وزاد: ونضحك إليهم، وذكره بلفظ اللعن، ولم يذكر الدينوري في إسناده جبير بن نفير، ورويناه في فوائد أبي بكر بن المقري من طريق كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر أقواما فذكر مثله، وهو منقطع، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " من طريق خلف بن حوشب قال: قال أبو الدرداء فذكره، وهو منقطع أيضا. والكشر: ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم: الكشرة، كالعشرة. (2) نوف البكالي: هو ابن امرأة كعب الاحبار وقع ذكره في " الصحيحين " في حديث سعيد ابن جبير عن ابن عباس، عن أبي بن كعب في قصة موسى مع الخضر، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان راوية للقصص، ذكره البخاري في " الأوسط " في فصل من مات ما بين التسعين إى المئة. وقد التبس أمره على الأستاذ الابياري، فحذفه، وأثبت مكانه " ابن الكندية ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 الأَرْضِ خَمْسُوْنَ يَتَخَوَّفُوْنَ مَا تَتَخَوَّفُ. ثُمَّ قَالَ: وَثَلاَثُوْنَ، وَعِشْرُوْنَ، وَعَشْرَةٌ، وَخَمْسَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَثَلاَثَةُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَمِنَ عَبْدٌ عَلَى إِيْمَانِهِ إِلاَّ سُلِبَهُ، أَوِ انْتُزِعَ مِنْهُ، فَيَفْقِدُهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا الإِيْمَانُ إِلاَّ كَالقَمِيْصِ يَتَقَمَّصُهُ مَرَّةً وَيَضَعُهُ أُخْرَى. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ (1) . وَعَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ (2) . فَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّ الثَّوْرِيَّ رَوَى عَنِ: الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بنِ ظُهَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيٌ -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُوْدٍ- إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ! وَوَفَاةُ عَبْدِ اللهِ: فِي سَنَةِ 32. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (3) -. وَقِيْلَ: الَّذِيْنَ فِي حَلْقَةِ إِقْرَاءِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَلِكُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهُم مُلَقِّنٌ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَطُوْفُ عَلَيْهِم قَائِماً، فَإِذَا أَحْكَمَ الرَّجُلُ مِنْهُم، تَحَوَّلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -يَعْنِي: يَعْرِضُ عَلَيْهِ-. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، قَلَّ فَرَحُهُ، وَقَلَّ حَسَدُهُ.   (1) ابن سعد 7 / 393، وابن عساكر 13 / 392 / 2. (2) ابن عساكر 13 / 392 / 2. (3) وانظر " تاريخ دمشق " 1 / 220 و2 / 689 لأبي زرعة. سير 2 / 23 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 69 - عِيَاضُ بنُ غَنْمِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ أَبُو سَعْدٍ الفِهْرِيُّ * مِمَّنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَاسْتَخْلَفَهُ قَرَابَتُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ لَمَّا احْتُضِرَ عَلَى الشَّامِ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ خَيِّراً، صَالِحاً، زَاهِداً، سَخِيّاً، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ الجَزِيْرَةَ صُلْحاً. أَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى الشَّامِ، فَعَاشَ بَعْدُ نَحْواً مِنْ عَامَيْنِ. وَقِيْلَ: عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ بِالشَّامِ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الأُمَرَاءِ الخَمْسَةِ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ (3) .   (*) طبقات خليفة: 28، 300، تاريخ خليفة: 147، التاريخ الكبير: 7 / 19 18، تاريخ الفسوي: 3 / 307، المستدرك: 3 / 291 289، الاستبصار: 298، الاستيعاب: 3 / 1235، تاريخ ابن عساكر: 13 / 407 / 2، أسد الغابة: 4 / 327، تاريخ الإسلام: 2 / 36، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 / 404، الإصابة: 7 / 189، شذرات الذهب: 1 / 31. (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة (192) وابن سعد 7 / 398، والحاكم 3 / 290، و" مجمع الزوائد " 9 / 404. (2) ابن سعد 7 / 398، و" المستدرك " 3 / 290. (3) اليرموك: واد في حوزان جنوب دمشق في طرف الغور، ووقعة اليرموك كانت بين المسلمين والروم، تم فيها النصر والغلب للمسلمين، وقد اختلفوا في السنة التي كانت فيها هذه الوقعة، فقد نقل الحافظ ابن عساكر عن يزيد بن أبي عبيدة، والوليد، وابن لهيعة، والليث، وأبي معشر أنها كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق، وقال ابن إسحاق: كانت في رجب سنة خمس عشرة، وقال خليفة بن خياط: قال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 رَوَى عَنْهُ: عِيَاضُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَرِيُّ. قُلْتُ: فَأَمَّا عِيَاضُ بنُ زُهَيْرٍ الفِهْرِيُّ، فَبَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ، وَهُوَ عَمُّ عِيَاضِ بنِ غَنْمٍ، يُكْنَى أَيْضاً: أَبَا سَعْدٍ، لاَ رِوَايَةَ لَهُ، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. 70 - سَلَمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بنِ وَقْشِ بنِ زُغْبَةَ الأَشْهَلِيُّ * ابْنِ زَعُوْرَاءَ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ، أَبُو عَوْفٍ الأَشْهَلِيُّ، ابْنُ عَمَّةِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ. شَهِدَ: العَقَبَتَيْنِ، وَبَدْراً، وَأُحُداً، وَالمَشَاهِدَ (1) . وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، عَنْهُ (2) .   = مضين من رجب سنة خمس عشرة. قال ابن عساكر: وهذا هو المحفوظ، وأما ما قاله سيف من أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة، فلم يتابع عليه. والأمراء: هم أبو عبيدة، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص. * مسند أحمد: 3 / 467، طبقات ابن سعد: 3 / 439، طبقات خليفة: 77، تاريخ خليفة: 207، التاريخ الكبير: 4 / 69 68، المعارف: 263، تاريخ الفسوي: 1 / 334، المستدرك: 3 / 419 417، الاستبصار: 2222، الاستيعاب: 2 / 641، أسد الغابة: 2 / 428، تاريخ الإسلام: 2 / 227، الإصابة: 4 / 230. (1) ابن سعد 3 / 440. (2) في الأصل: محمود بن الربيع عنه وهو تحريف، وهو في " المسند " 3 / 467 من طريق ابن إسحاق حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الاشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر، قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الاشهل، وقال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، فوقف على مجلس عبد الاشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث، والقيامة، والحساب، والميزان، والجنة، والنار، فقال: ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَقَدِ انْقَرَضَ عَقِبُهُ (1) . آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سَبْرَةَ بنِ أَبِي رُهْمٍ العَامِرِيِّ. وَقِيْلَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ. 71 - النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ أَبُو حَكِيْمٍ المُزَنِيُّ * وَقِيْلَ: أَبُو عَمْرٍو المُزَنِيُّ، الأَمِيْرُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   = الناس يبعثون بعد موتهم. إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا، يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدا، قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: يولك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال بلى، وليس به. وإسناده قوي، فقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. (1) ابن سعد 3 / 440. (*) مسند أحمد: 5 / 444، التاريخ لابن معين: 608، طبقات ابن سعد: 6 / 18، طبقات خليفة: 38، 128، 177، تاريخ خليفة: 149، التاريخ الكبير: 8 / 75، المعارف: 75، 183، 299، الجرح والتعديل: 8 / 444، المستدرك: 3 / 295 292، الاستيعاب: 4 / 1505، أسد الغابة: 5 / 342، تهذيب الكمال: 1418، تاريخ الإسلام: 2 / 44، العبر: 1 / 25، تهذيب التهذيب: 10 / 456، الإصابة: 10 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 403، شذرات الذهب: 1 / 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 كَانَ إِلَيْهِ لِوَاءُ قَوْمِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ كَانَ أَمِيْرَ الجَيْشِ الَّذِيْنَ افْتَتَحُوا نَهَاوَنْدَ (1) ، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ (2) . وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَنَعَاهُ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، وَبَكَى. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُعَاوِيَةُ، وَمَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ، وَمُسْلِمُ بنُ الهَيْضَمِ، وَجُبَيْرُ بنُ حَيَّةَ الثَّقَفِيُّ. وَكَانَ مَقْتَلُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، يَوْم جُمُعَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (3) -. زَائِدَةُ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ أَبْطَأ عَلَى عُمَرَ خَبَرُ نَهَاوَنْدَ وَابْنِ مُقَرِّنٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَنْصِرُ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا مِمَّا يَرَوْنَ مِنِ اسْتِنْصَارِهِ لَيْسَ هَمُّهُمْ إِلاَّ نَهَاوَنْدَ وَابْنَ مُقَرِّنٍ. فَجَاءَ إِلَيْهِمْ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرٌ، فَلَمَّا بَلَغَ البَقِيْعَ، قَالَ: مَا أَتَاكُمْ عَنْ نَهَاوَنْدَ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: لاَ شَيْءَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: أَقْبَلْتُ بِأَهْلِي مُهَاجِراً حَتَّى وَرَدْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا صَدَرْنَا، إِذَا نَحْنُ بِرَاكِبٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنَ العِرَاقِ. قُلْتُ: مَا خَبَرُ النَّاسِ؟ قَالَ: اقْتَتَلَ النَّاسُ بِنَهَاوَنْدَ، فَفَتَحَهَا اللهُ، وَقُتِلَ ابْنُ مُقَرِّنٍ، وَاللهِ مَا أَدْرِي أَيُّ النَّاسِ هُوَ، وَلاَ مَا نَهَاوَنْدَ. فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيُّ يَوْمٍ ذَاكَ مِنَ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَدْرِي، عُدَّ مَنَازِلَكَ. قَالَ: نَزَلْنَا مَكَانَ كَذَا، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا، فَنَزَلْنَا مَنْزِلَ كَذَا، حَتَّى عَدَّ. فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الجُمُعَةِ، لَعَلَّكَ تَكُوْنُ لَقِيْتَ بَرِيْداً مِنْ بُرُدِ الجِنِّ، فَإِنَّ لَهُمْ بُرُداً.   (1) نهاوند: مدينة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، كان فتحها سنة 21 هـ في خلافة عمر رضي الله عنه. انظر " تاريخ الإسلام " 2 / 39، 42 للمؤلف. (2) ابن سعد 6 / 18، و" الاستيعاب " 10 / 319، و" الإصابة " 10 / 170. (3) " أسد الغابة " 5 / 343، و" المستدرك " 3 / 292. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فَلَبِثَ مَا لَبِثَ، ثُمَّ جَاءَ البَشِيْرُ بِأَنَّهُمُ الْتَقَوْا ذَلِكَ اليَوْمَ (1) . بَنُو عَفْرَاءَ: 72 - مُعَاذُ بنُ الحَارِثِ بنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ الحَارِثِ بنِ سَوَادِ بنِ مَالِكِ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ. أَخُو: عَوْفٍ، وَرَافِعٍ، وَرِفَاعَةَ. وَأُمُّهُمْ: عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ. كَانَ شَهِدَ بَدْراً. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عُبَيْدُ اللهِ، وَالحَارِثُ، وَعَوْفٌ، وَسَلْمَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَائِشَةُ، وَسَارَةُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: يُرْوَى أَنَّ مُعَاذاً هَذَا، وَرَافِعَ بنَ مَالِكٍ الزُّرَقِيَّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الأَنْصَارِ بِمَكَّةَ، وَأَمْرُ السِّتَّةِ أَثْبَتُ (2) . وَشَهِدَ مُعَاذٌ العَقَبَتَيْنِ جَمِيْعاً. وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمَرِ بنِ الحَارِثِ الجُمَحِيِّ، أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ (3) .   (1) رجال السند المذكور هنا ثقات، وزائدة: هو ابن قدامة الثقفي. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 491، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 202، المستدرك: 3 / 521، الاستيعاب: 3 / 1407، أسد الغابة: 5 / 197، تهذيب الكمال: 1338، تهذيب التهذيب: 10 / 188، الإصابة: 9 / 221، خلاصة تذهيب الكمال: 380، شذرات الذهب: 1 / 71. (2) " طبقات ابن سعد " 3 / 491، 492، و" أسد الغابة " 5 / 198، و" الاستيعاب " 10 / 118. (3) ابن سعد 3 / 492. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وَمَاتَ مُعَاذٌ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَلَهُ عَقِبٌ (1) . 73 - مُعَوِّذُ بنُ الحَارِث بنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيُّ * ابْنُ عَفْرَاءَ، وَهُوَ وَالِدُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَأُخْتُهَا عُمَيْرَةُ. شَهِدَ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَطْ. وَهُوَ الَّذِي قِيْلَ: إِنَّهُ ضَرَبَ أَبَا جَهْلٍ، هُوَ وَأَخُوْهُ عَوْفٌ، حَتَّى أَثْخَنَاهُ. وَعَطَفَ هُوَ عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا، ثُمَّ وَقَعَ صَرِيْعاً، ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيْهِ (2) ابْنُ مَسْعُوْدٍ. وَكَانَ مُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ (3) قَدْ وَقَفَا يَوْمَئِذٍ فِي الصَّفِّ بِجَنْبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَقَالاَ لَهُ: يَا عَمُّ، أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ يُؤْذِي رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَدَلَّهُمَا عَلَيْهِ، فَشَدَّا مَعاً عَلَيْهِ. 74 - عَوْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيُّ ** ابْنُ عَفْرَاءَ.   (1) ابن سعد 3 / 492، و" الاستيعاب " 10 / 118. (*) طبقات ابن سعد: 3 / 492، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 61، المعارف: 597، الاستبصار: 66، الاستيعاب: 4 / 1442، أسد الغابة: 5 / 240، الإصابة: 9 / 265. (2) ذفف عليه: أجهز عليه، والخبر في " ابن سعد " 3 / 492. (3) في " ابن هشام " 1 / 634، 635: معاذ بن عمرو بن الجموع ومعوذ بن عفراء، وفي " المسند " 3 / 115 و129 و236، و" البخاري " 7 / 229، ومسلم (1800) من حديث أنس: ابنا عفراء، ولم يسميا، وفي البخاري 6 / 177 من حديث عبد الرحمن بن عوف: وكانا معاذ ابن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموع، وسيذكر المؤلف بعد قليل أن هذه الرواية أصح. (* *) طبقات ابن سعد: 3 / 492، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 61، الجرح والتعديل: 7 / 14، الاستبصار: 64، الاستيعاب: 3 / 1225، أسد الغابة: 4 / 311، الإصابة: 7 / 177. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 شَهِدَ العَقَبَةَ. وَبَعْضُهُمْ عَدَّهُ أَحَدَ السِّتَّةِ النَّفَرِ الَّذِيْن لَقُوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلاً (1) . شَهِدَ بَدْراً، وَاسْتُشْهِدَ. وَأَخُوْهُمُ الرَّابِعُ: 75 - رِفَاعَةُ بنُ الحَارِثِ بنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيُّ * بَدْرِيٌّ. تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ. فَقَالَ الوَاقِدِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِثَبْتٍ. وَلِعَوْفٍ عَقِبٌ. قَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ: أَقْعَصَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُوْدٍ (2) . وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ اللَّذَيْنِ سَأَلاَهُ، وَقَتَلاَ أَبَا جَهْلٍ: مُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوْحِ؛ وَمعَاذُ بنُ عَفْرَاءَ (3) ، وَهُوَ أَصَحُّ.   (1) ابن سعد 3 / 492، 493. (*) العبر: 1 / 41. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 493 عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، يقال: ضربه، فأقعصه: إذا قتله مكانه، والاقعاص: أن تضرب الشئ أو ترميه، فيموت مكانه. (3) أخرجه البخاري 6 / 175، 176 في الخمس: باب من لم يخمس الاسلاب، من طريق مسدد، عن يوسف بن الماجشون بهذا الإسناد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 76 - حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ بنِ جَابِرٍ العَبْسِيُّ * (ع) مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ صَاحِبُ السِّرِّ (1) . وَاسْمُ اليَمَانِ: حِسْلٌ - وَيُقَالُ: حُسَيْلٌ - ابْنُ جَابِرٍ العَبْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ، مِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ؛ وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَصِلَةُ بنُ زُفَرَ، وَثَعْلَبَةُ بنُ زَهْدَمٍ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُسْلِمُ بنُ نُذَيْرٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَنُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ؛ وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : اثْنَا عَشَرَ حَدِيْثاً، وَفِي البُخَارِيِّ: ثَمَانِيَةٌ، وَفِي مُسْلِمٍ: سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً.   (*) مسند أحمد: 5 / 382، طبقات ابن سعد: 6 / 15 و7 / 317، التاريخ لابن معين: 104، طبقات خليفة: 48، 130، تاريخ خليفة: 182، التاريخ الكبير: 3 / 95، تاريخ الفسوي: 3 / 311، الجرح والتعديل: 3 / 256، معجم الطبراني الكبير: 3 / 178، المستدرك: 3 / 381 379، الاستبصار: 235 233، حلية الأولياء: 1 / 283 270، الاستيعاب: 1 / 334، ابن عساكر: 4 / 145 / 1، أسد الغابة: 1 / 468، تهذيب الكمال: 241، تاريخ الإسلام: 2 / 152، العبر: 1 / 26، 37، مجمع الزوائد: 9 / 325، طبقات القراء: 1 / 203، تهذيب التهذيب: 2 / 220 219، الإصابة: 2 / 223، خلاصة تذهيب الكمال: 74، كنز العمال: 13 / 343، شذرات الذهب: 1 / 32 و44، تهذيب ابن عساكر: 4 / 96، 106. (1) أي: صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعمله أحد غيره، والمراد بالسر: ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين. انظر البخاري 7 / 71 و73 في المناقب: باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما، و" المسند " 6 / 449. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وَكَانَ وَالِدُهُ حِسْلٌ قَدْ أَصَابَ دَماً فِي قَوْمِهِ، فَهَرَبَ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَحَالَفَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَسَمَّاهُ قَوْمُهُ اليَمَانَ؛ لِحِلْفِهِ لِلْيَمَانِيَّةِ، وَهُمُ الأَنْصَارُ (1) . شَهِدَ هُوَ وَابْنُهُ حُذَيْفَةُ أُحُداً، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ، قَتَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ غَلَطاً، وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ لأَنَّ الجَيْشَ يَخْتَفُوْنَ فِي لأْمَةِ الحَرْبِ، وَيَسْتُرُوْنَ وُجُوْهَهُمْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلاَمَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِلاَّ رُبَّمَا قَتَلَ الأَخُ أَخَاهُ، وَلاَ يَشْعُرُ. وَلَمَّا شَدُّوْا عَلَى اليَمَانِ يَوْمَئِذٍ، بَقِيَ حُذَيْفَةُ يَصِيْحُ: أَبِي! أَبِي! يَا قَوْمُ! فَرَاحَ خَطَأً، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ عَلَيْهِم بِدِيَتِهِ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ حُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي (3) إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ   (1) " المستدرك " " 3 / 380، والاصابة " 2 / 223، و" تاريخ الإسلام " 2 / 152 للمؤلف. (2) أخرجه البخاري 7 / 297، وابن سعد 2 / 45، كلاهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله أبي أبي. قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله عزوجل. وفي رواية ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2 / 87، 88 من طريق عاصم ابن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد: فقال حذيفة: قتلثم أبي! قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا. (3) تحرفت في المطبوع إلى (ابن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَأَبُوْهُ، فَلَقِيَهُمْ أَبُو جَهْلٍ، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالاَ: حَاجَةٌ لَنَا. قَالَ: مَا جِئْتُمْ إِلاَّ لِتُمِدُّوا مُحَمَّداً. فَأَخَذُوا عَلَيْهِمَا مَوْثِقاً أَلاَّ يُكَثِّرَا عَلَيْهِمْ، فَأَتَيَا رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرَاهُ (1) . ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ؛ قَالَ: وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَاذَانَ: أَنَّ عَلِيّاً سُئِلَ عَنْ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: عَلِمَ المُنَافِقِيْنَ، وَسَأَلَ عَنِ المُعْضِلاَتِ؛ فَإِنْ تَسْأَلُوْهُ، تَجِدُوْهُ بِهَا عَالِماً (2) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ أَبِي المِقْدَامِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ - وَأَنَا عِنْدَهُ - فَقَالَ: مَا النِّفَاقُ؟ قَالَ: أَنْ تَتَكَلَّمَ بِالإِسْلاَمِ، وَلاَ تَعْمَلَ بِهِ. سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي عَهْدِ حُذَيْفَةَ عَلَى المَدَائِنِ: اسَمَعُوا لَهُ، وَأَطِيْعُوا، وَأَعْطُوْهُ مَا سَأَلَكُمْ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ عَلَى حِمَارٍ مُوْكَفٍ، تَحْتَهُ زَادُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ، اسْتَقْبَلَهُ الدَّهَاقِيْنُ وَبِيَدِهِ رَغِيْفٌ، وَعَرْقٌ مِنْ لَحْمٍ (3) .   (1) إسناده ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق وحذيفة. (2) رجاله ثقات، وفي " المستدرك " 3 / 381 من طريق الأعمش، عن عمرو بن مرة وإسماعيل، عن قيس قال: سئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود، فقال: قرأ القرآن، ثم وقف عند شبهاته، فأحل حلاله، وحرم حرامه، وسئل عن عمار، فقال: مؤمن نسي، وإذا ذكر ذكر، وسئل عن حذيفة، فقال: كان أعلم الناس بالمنافقين. (3) " حلية الأولياء 1 / 277 من طريق هناد، عن وكيع، عن سلام بن مسكين عن ابن سيرين، ورواه ابن سعد 7 / 317 عن طلحة بن مصرف، عن وكيع، والفضل بن دكين عن مالك ابن مغول، وهو في " أسد الغابة " 1 / 469، وذكره صاحب " كنز العمال " 13 / 343 ونسبه إلى ابن سعد وابن عساكر. وموكف: أي قد وضع عليه الاكاف، وهو بمنزلة السرج للحصان، والدهاقين: رؤساء القرى، أو التجار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَلِيَ حُذَيْفَةُ إِمْرَةَ المَدَائِنِ لِعُمَرَ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا إِلَى بَعْدِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً. قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْراً إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكم تُرِيْدُوْنَ مُحَمَّداً! فَقُلْنَا: مَا نُرِيْدُ إِلاَّ المَدِيْنَةَ. فَأَخَذُوا العَهْدَ عَلَيْنَا: لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ. فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (نَفِيْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِيْنُ اللهَ عَلَيْهِم (1)) . وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ أَسْمَاءَ المُنَافِقِيْنَ، وَضَبَطَ عَنْهُ الفِتَنَ الكَائِنَةَ فِي الأُمَّةِ (2) . وَقَدْ نَاشَدَهُ عُمَرُ: أَأَنَا مِنَ المُنَافِقِيْنَ؟ فَقَالَ: لاَ، وَلاَ أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَكَ (3) . وَحُذَيْفَةُ: هُوَ الَّذِي نَدَبَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الأَحْزَابِ لِيَجُسَّ لَهُ خَبَرَ العَدُوِّ (4) ، وَعلَى يَدِهِ فُتِحَ الدِّيْنَوَرُ (5) عَنْوَةً. وَمَنَاقِبُهُ تَطُوْلُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ مُسْلِمِ بنِ نُذَيْرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1778) في الجهاد: باب الوفاء بالعهد من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة وهو في " المسند " 5 / 395، وانظر " المستدرك " 3 / 379، والطبراني رقم (3000) و (3001. (2) انظر " البخاري " 13 / 40، 41 في الفتن، ومسلم (144) والترمذي (2259) . (3) نسبه في " الكنز " 13 / 344 إلى رستة. (4) أخرجه مسلم (1788) في الجهاد: باب غزوة الاحزاب، والطبراني في " الكبير " (3002) وابن سعد 2 / 69، وأبو نعيم 1 / 354. (5) " أسد الغابة " 1 / 486، ودينور: مدينة من أهم مدن الجبال قرب قرميسين، بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 بِعَضَلَةِ سَاقِي، فَقَالَ: (الائْتِزَارُ هَا هُنَا، فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلُ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَلاَ حَقَّ لِلإِزَارِ فِيْمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ) . وَفِي لَفْظٍ: (فَلاَ حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الكَعْبَيْنِ (1)) . عَقِيْلٌ، وَيُوْنُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ، سَمِعَ حُذَيْفَةَ يَقُوْلُ: وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ (2)) . قَالَ حُذَيْفَةُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي (3) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَامَ فِيْنَا رَسُوْلُ اللهِ مَقَاماً، فَحَدَّثَنَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَحَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ (4) .   (1) إسناده قوي، مسلم بن نذير قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه أكثر من اثنين، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 5 / 382 و396 و400، من طرى سفيان وشعبة، عن أبي إسحاق، وأخرجه الترمذي (1783) وابن ماجه (3572) من طريق أبي الاحوص عن أبي إسحاق، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (2) أخرجه مسلم (2891) في الفتن، وأحمد 5 / 388 و407. (3) أخرجه البخاري 6 / 453، 454 في علامات النبوة، ولفظه بتمامه. كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدبي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها: قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. (4) أخرجه البخاري 11 / 433 في القدر: باب (وكان أمر الله قدرا مقدورا) ، ومسلم (2891) (23) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 قُلْتُ: قَدْ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَتِّلُ كَلاَمَهُ، وَيُفَسِّرُهُ؛ فَلَعَلَّهُ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مَا يُكْتَبُ فِي جُزْءٍ؛ فَذَكَرَ أَكْبَرَ الكَوَائِنِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَكْثَرَ مَا هُوَ كَائِنٌ فِي الوُجُوْدِ لَمَا تَهَيَّأَ أَنْ يَقُوْلَهُ فِي سَنَةٍ، بَلْ وَلاَ فِي أَعْوَامٍ، فَفَكِّرْ فِي هَذَا. مَاتَ حُذَيْفَةُ: بِالمَدَائِنِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، وَقَدْ شَاخَ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: بَعَثَ عُمَرُ حُذَيْفَةَ عَلَى المَدَائِنِ، فَقَرَأَ عَهْدَهُ عَلَيْهِم. فَقَالُوا: سَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ: طَعَاماً آكُلُهُ، وَعَلَفَ حِمَارِي هَذَا - مَا دُمْتُ فِيْكُمْ - مِنْ تِبْنٍ. فَأَقَام فِيْهِم مَا شَاءَ اللهُ؛ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: اقْدُمْ. فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ قُدُوْمُهُ، كَمَنَ لَهُ عَلَى الطَّرِيْقِ؛ فَلَمَّا رَآهُ عَلَى الحَالِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا، أَتَاهُ، فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: أَنْتَ أَخِي، وَأَنَا أَخُوْكَ (1) . مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ: عَنْ طَلْحَةَ: قَدِمَ حُذَيْفَةُ المَدَائِنَ عَلَى حِمَارٍ، سَادِلاً رِجْلَيْهِ، وَبِيَدِهِ عَرْقٌ وَرَغِيْفٌ (2) . سَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عِكْرِمَةَ: هُوَ رَكُوْبُ الأَنْبِيَاءِ، يَسْدِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: كَانَ حُذَيْفَةُ يَجِيْءُ كُلَّ جُمُعَةٍ مِنَ المَدَائِنِ إِلَى الكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يُمْكِنُ هَذَا؟ قَالَ: كَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ فَارِهَةٌ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ   (1) ذكره في " كنز العمال " 13 / 343، ونسبه إلى ابن سعد، وابن عساكر. (2) ابن سعد 7 / 317، و" حلية الأولياء " 1 / 277. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 العَبَّاسِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الغَطَفَانِيِّ، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ لاَ يَزَالُ يُحَدِّثُ الحَدِيْثَ، يَسْتَفْظِعُوْنَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: يُوْشِكُ أَنْ تُحَدِّثَنَا: أَنَّهُ يَكُوْنُ فِيْنَا مَسْخٌ! قَالَ: نَعَمْ! لَيَكُوْنَنَّ فِيْكُمْ مَسْخٌ: قِرَدَةٌ وَخَنَازِيْرُ. أَبُو وَائِلٍ: عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ) . فَكَتَبْنَا لَهُ: أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةٍ (1) . سُفْيَانُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوْسَى بن عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: كَانَ فِي خَاتَمِ حُذَيْفَةَ: كُرْكِيَّانِ، بَيْنَهُمَا: الحَمْدُ للهِ (2) . عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوْسَى، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: كَانَ خَاتَمُ حُذَيْفَةَ مِنْ ذَهَبٍ، فِيْهِ فَصُّ يَاقُوْتٍ أَسْمَانْجُوْنَه؛ فِيْهِ كُرْكِيَّانِ مُتَقَابِلاَنِ؛ بَيْنَهُمَا: الحَمْدُ للهِ (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ: أَنَّ   (1) أخرجه أبو بكر الشافعي في " فوائده " 8 / 91 / 2 من طريق إسحاق الحربي، حدثنا أبو حذيفة، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل. وأخرجه مسلم (149) في الايمان، وأحمد 5 / 384، وابن ماجه (4029) من طرق، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: " احصوا لي كم يلفظ الإسلام " قال: فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة؟ قال: " إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا " قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلى إلا سرا. (2) موسى بن عبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي ثقة من رجال مسلم، وأمه: هي بنت حذيفة مجهولة. وفي مصنف عبد الرزاق (19470) عن معمر بن قتادة، عن أنس أو أبي موسى الأشعري: كان نقش خاتمه كركي له رأسان. والكركي: طائر. (3) أم موسى لا تعرف. والنهي عن لبس الذهب للرجال ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وعلي رضي الله عنهم، انظر البخاري 10 / 266، ومسلم (2089) والبخاري 11 / 266، ومسلم (2091) و (2078) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 حُذَيْفَةَ قَالَ: مَا كَلاَمٌ أَتَكَلَّمُ بِهِ، يَرُدُّ عَنِّي عِشْرِيْنَ سَوْطاً، إِلاَّ كُنْتُ مُتَكَلِّماً بِهِ. خَالِدٌ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: إِنِّي لأَشْتَرِي دِيْنِي بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ أَوْسٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ يَحْيَى، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ يَقُوْلُ: مَا أَدْرَكَ هَذَا الأَمْرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلاَّ قَدِ اشْتَرَى بَعْضَ دِيْنِهِ بِبَعْضٍ. قَالُوا: وَأَنْتَ؟ قَالَ: وَأَنَا وَاللهِ، إِنِّي لأَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمْ - وَلَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ فِيْهِ مَحَاسِنُ وَمَسَاوِئُ - فَأَذْكُرُ مِنْ مَحَاسِنِهِ، وَأُعْرِضُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا دَعَانِي أَحَدُهُمْ إِلَى الغَدَاءِ، فَأَقُوْلُ: إِنِّي صَائِمٌ، وَلَسْتُ بِصَائِمٍ. جَمَاعَةٌ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ حُذَيْفَةَ المَوْتُ، قَالَ: حَبِيْبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ؛ لاَ أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ! أَلَيْسَ بَعْدِي مَا أَعْلَمُ! الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَبَقَ بِي الفِتْنَةَ! قَادَتَهَا وَعُلُوْجَهَا (2) . شُعْبَةُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَزَّالِ بنِ سَبْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ: مَاذَا قَالَ حُذَيْفَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: لَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ، قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ صَبَاحٍ إِلَى النَّارِ - ثَلاَثاً - ثُمَّ قَالَ: اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لَنْ يُتْرَكَا عَلَيَّ إِلاَّ قَلِيْلاً حَتَّى أُبْدَلَ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا، أَوْ أُسْلَبَهُمَا سَلْباً قَبِيْحاً.   (1) " حلية الأولياء " 1 / 279. (2) ذكره في " الكنز " 13 / 346، ونسبه إلى ابن عساكر. (3) " المستدرك " 3 / 381. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 شُعْبَةُ أَيْضاً: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: ابْتَاعُوا لِي كَفَناً. فَجَاؤُوْا بِحُلَّةٍ ثَمَنُهَا ثَلاَثُ مائَةٍ، فَقَالَ: لاَ، اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ. وَعَنْ جُزَيِّ بنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، فَزِعْنَا إِلَى حُذَيْفَةَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ حُذَيْفَةُ بِالمَدَائِنِ، بَعْدَ عُثْمَانَ (1) ، وَلَهُ عَقِبٌ. وَقَدْ شَهِدَ أَخُوْهُ صَفْوَانُ بنُ اليَمَانِ أُحُداً. 77 - مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ سَلَمَةَ بنِ خَالِدٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ عَدِيِّ بنِ مَجْدَعَةَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ - الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ. مِنْ نُجَبَاءِ الصَّحَابَةِ، شَهِدَ: بَدْراً، وَالمَشَاهِدَ. وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَهُ مَرَّةً عَلَى المَدِيْنَةِ. وَكَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَلاَ حَضَرَ الجَمَلَ، وَلاَ صِفِّيْنَ؛ بَلِ اتَّخَذَ سَيْفاً مِنْ خَشَبٍ، وَتَحَوَّلَ إِلَى الرَّبَذَةِ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَيْدَةً (2) .   (1) ابن سعد 7 / 317. (*) مسند أحمد: 3 / 493 و4 / 225، طبقات ابن سعد: 3 / 443، 445، طبقات خليفة: 80، 140، تاريخ خليفة: 206، التاريخ الكبير: 1 / 239 تايخ الفسوي: 1 / 307، الجرح والتعديل: 8 / 71، المستدرك: 3 / 433، الاستبصار: 242. 241، الاستيعاب: 3 / 1377، تاريخ ابن عساكر: 15 / 477 / 1، أسد الغابة: 5 / 112، تهذيب الكمال: 1271، تاريخ الإسلام: 2 / 245، العبر: 1 / 52، مجمع الزوائد: 9 / 319، تهذيب التهذيب: 9 / 454، الإصابة: 9 / 131، خلاصة تذهيب الكمال: 359، شذرات الذهب: 1 / 45 و53. (2) " أسد الغابة " 5 / 112 و" الاستيعاب " 10 / 46، و" الإصابة " 9 / 132. سير 2 / 24 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 رَوَى جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، وَسَهْلُ بنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَابْنُهُ؛ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ. وَهُوَ حَارِثيٌّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. وَكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، أَسْمَرَ، مُعْتَدِلاً، أَصْلَعَ، وَقُوْراً. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى زَكَاةِ جُهَيْنَةَ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ عَامِلٌ، نَفَّذَ مُحَمَّداً إِلَيْهِم، لِيَكْشِفَ أَمْرَهُ. خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ: عَشْرَةَ بَنِيْنَ؛ وَسِتَّ بَنَاتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ خَالِدُ بنُ عَدِيِّ بنِ مَجْدَعَةَ. وَقَدِمَ لِلْجَابِيَةَ، فَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِ عُمَرَ. عَبَّادُ بنُ مُوْسَى السَّعْدِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّفَا، وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ، فَذَهَبْتُ. فَقَالَ: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تُسَلِّمَ؟) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! فَعَلْتَ بِهَذَا الرَّجُلِ شَيْئاً مَا فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ عَلَيْكَ حَدِيْثَكَ، مَنْ كَانَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (جِبْرِيْلُ، وَقَالَ لِي: هَذَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ لَمْ يُسَلِّمْ، أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ رَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلاَمَ) . قُلْتُ: فَمَا قَالَ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (مَا زَالَ يُوصِيْنِي بِالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّه يَأْمُرُنِي، فَأُوَرِّثُهُ) (1) .   (1) عباد بن موسى السعدي لم يوثقه غير ابن حبان، والحسن وهو البصري لم يسمع من محمد ابن مسلمة. لكن حديث " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " صحيح من حديث عائشة وابن عمر، أخرجه البخاري 10 / 369 و370، ومسلم (2624) و (2625) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ، قَبْلَ إِسْلاَمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ. قَالَ: وَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى المَدِيْنَةِ عَامَ تَبُوْكٍ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا فُسْطَاطُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، فَقُلْتُ: لَوْ خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ، فَأَمَرْتَ، وَنَهَيْتَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا مُحَمَّدُ، سَتُكُوْنُ فُرْقَةٌ، وَفِتْنَةٌ، وَاخْتِلاَفٌ، فَاكْسِرْ سَيْفَكَ، وَاقْطَعْ وَتَرَكَ، وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ) . فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي (2) . شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ضُبَيْعَةَ (3) : قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنِّي لأَعْرِفُ رَجُلاً لاَ تَضُرُّهُ الفِتْنَةُ. قَالَ: فَإِذَا فُسْطَاطٌ لَمَّا أَتَيْنَا المَدِيْنَةَ، وَإِذَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ (4) . قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ مُحَمَّدٌ فَتَحَ مِصْرَ، وَكَانَ فِيْمَنْ طَلَعَ الحِصْنَ مَعَ الزُّبَيْرِ. قَالَ عَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ أَسْوَدَ، طَوِيْلاً، عَظِيْماً.   (1) ابن سعد 3 / 443، و" المستدرك " 3 / 433. وتبوك: موضع بين وادي القرى والشام، وبه كانت الغزوة، انظر خبرها في ابن هشام 2 / 515، 537، وابن سعد 2 / 165، 168، وابن سيد الناس 2 / 215، و" زاد المعاد " 3 / 536، 537، طبع مؤسسة الرسالة بتحقيقنا. (2) ابن جدعان: هو علي بن زيد وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 3 / 493. (3) هو ضبيعة بن الحصين الثعلبي، ويقال: ثعلبة بن ضبيعة، لم يوثقه غير ابن حبان. (4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 433 وصححه، ووافقه الذهبي، ولفظه: قال حذيفة: إني لاعرف رجلا لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة، فإذا فسطاط مضروب، وإذا محمد بن مسلمة الأنصاري ; فسألناه، فقال: لا نشتمل على شيء من أمصارهم حتى ينجلي الامر على ما انجلى. وأخرجه ابن سعد 3 / 444، 445 من طريق عفان بن مسلم، عن أبي عوانة، عن أشعث ابن سليم عن أبي بردة، عن ضبيعة بن حصين الثعلبي، عن جذيفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَفِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ: مَقْتَلُ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ عَلَى يَدِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ (1) . ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ أَبِي عِيْسَى، قَالَ: أَتَى عُمَرُ مَشْرَبَةَ (2) بَنِي حَارِثَةَ، فَوَجَدَ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَرَانِي؟ قَالَ: أَرَاكَ كَمَا أُحِبُّ، وَكَمَا يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ لَكَ الخَيْرَ، قَوِيّاً عَلَى جَمْعِ المَالِ، عَفِيْفاً عَنْهُ، عَدْلاً فِي قَسْمِهِ، وَلَوْ مِلْتَ عَدَّلْنَاكَ، كَمَا يُعَدَّلُ السَّهْمُ فِي الثِّقَافِ. قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنِي فِي قَوْمٍ إِذَا مِلْتُ عَدَّلُوْنِي (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بن سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْداً اتَّخَذَ قَصْراً، وَقَالَ: انْقْطَعَ الصُّوَيْتُ. فَأَرْسَلَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ - وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يُؤْتَى بِالأَمْرِ كَمَا يُرِيْدُ، بَعَثَهُ - فَأَتَى الكُوْفَةِ، فَقَدَحَ، وَأَحْرَقَ البَابَ عَلَى سَعْدٍ. فَجَاءَ سَعْداً، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّكَ قُلْتَ: انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ. فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ (4) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَأَنَا أَخَافُ عَلَيْهِ الفِتْنَةَ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ تَضُرُّهُ الفِتْنَةُ) (5) .   (1) انظر صحيح البخاري 7 / 259 وما بعدها، ومسلم (1801) ، وابن سعد 2 / 32، 33، و" المستدرك " 3 / 334. (2) المشربة: أرض لينة لا يزال فيها نبت أخضر ريان. (3) رجاله ثقات، لكنه منقطع موسى بن أبي عيسى هو الحناط ثقة من رجال مسلم، لم يدرك عمر. (4) ذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 133 وقال: قال ابن المبارك في " الزهد ": أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن سعيد، عن عباية بن رفاعة. (5) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 132، وقال: أخرجه البغوي وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَمَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَبَلَغَ رَجُلاً شَقِيّاً مِنْ أَهْلِ الأُرْدُنِّ صَنِيْعُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ - جُلُوْسُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ المَنْزِلَ، فَقَتَلَهُ. فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ (1) ؟ قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَشَبَابٌ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ (2) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ سَيْفاً، فَقَالَ: (قَاتِلْ بِهِ المُشْرِكِيْنَ، فَإِذَا رَأَيْتَ المُسْلِمِيْنَ قَدْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَاضْرِبْ بِهِ أُحُداً حَتَّى تَقْطَعَهُ، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتَيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ، أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ (3)) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. عَاشَ ابْنُ مَسْلَمَةَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.   (1) رجاله موثوقون خلا وردان والد موسى: فإني لم أجد له ترجمة، ففي " التهذيب " وفروعه أن موسى بن وردان يروي عن جابر بدون واسطة، وهذا الخبر لم يرد في المطبوع من " تاريخ الفسوي " وأورده المصنف في " تاريخه " 2 / 246. (2) انظر " مجمع الزوائد " 9 / 319، 320. (3) ذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 132 عن ابن شاهين من طريق هشام، عن الحسن وأخرجه أحمد 4 / 225 من طريق زيد بن الحباب، عن سهل بن أبي الصلت، عن الحسن، ورجاله ثقات، إلا أن الحسن لم يسمع من محمد بن مسلمة، فهو منقطع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 78 - عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاصِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ * (م، 4) الأَمِيْرُ، الفَاضِلُ، المُؤْتَمَنُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، الطَّائِفِيُّ. قَدِمَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ تِسْعٍ، فَأَسْلَمُوا، وَأَمَّرَهُ عَلَيْهِم لِمَا رَأَى مِنْ عَقْلِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى الخَيْرِ وَالِدِّيْنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الوَفْدِ سِنّاً (1) . ثُمَّ أَقَرَّهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الطَّائِفِ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى عَمَّانَ وَالبَحْرَيْنِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ عَلَى جَيْشٍ، فَافْتَتَحَ تَوَّجَ، وَمَصَّرَهَا، وَسَكَنَ البَصْرَةَ (2) .   (*) مسند أحمد: 4 / 21، 216، طبقات ابن سعد: 5 / 508، طبقات خليفة: 53، 182، 197، تاريخ خليفة: 149، 152، التاريخ الكبير: 6 / 212، المعارف: 268، 555، تاريخ الفسوي: 1 / 273، معجم الطبراني: 9 / 30، 53، المستدرك: 3 / 618، الاستيعاب: 3 / 1035، أسد الغابة: 3 / 579، تهذيب الكمال: 913، تاريخ الإسلام: 2 / 305، مجمع الزوائد: 9 / 370، تهذيب التهذيب: 7 / 129 128، الإصابة: 6 / 388، خلاصة تذهيب الكمال: 260، شذرات الذهب: 1 / 36. (1) ابن سعد 5 / 508، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 371 مطولا، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير حكيم بن عباد وقد وثق، وفي " التقريب " صدوق. وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم إمام قومه حين طلب ذلك منه، فقال له: " أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم؟ واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " أخرجه أبو داود (531) والنسائي 2 / 23، وأحمد 4 / 217 من طرق، عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وهو في " صحيح أبي عوانة " من طريق آخر، وأخرج مسلم (468) من طريق موسى بن طلحة، عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أم قومك، فمن أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده، فليصل كيف شاء " وانظر " طبقات ابن سعد " 5 / 508. (2) ابن سعد 5 / 509، و" الإصابة " 6 / 388. وتوج: مدينة بفارس، وكان فتحها سنة 21، انظر " أسد الغابة " 5 / 508. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 ذَكَرَهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنْهُ. قُلْتُ: لَهُ أَحَادِيْثُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)) ، وَفِي السُّنَنِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ قَدْ شَهِدَتْ وِلادَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَيَزِيْدُ وَمُطَرِّفٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَآخَرُوْنَ. سَالِمُ بنُ نُوحٍ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ: أَنَّهُ بَعَثَ غِلْمَاناً لَهُ تُجَّاراً، فَلَمَّا جَاؤُوا، قَالَ: مَا جِئْتُمْ بِهِ؟ قَالُوا: جِئْنَا بِتِجَارَةٍ يَرْبَحُ الدِّرْهَمُ عَشَرَةً. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالُوا: خَمْرٌ. قَالَ: خَمْرٌ وَقَدْ نُهِيْنَا عَنْ شُرْبِهَا وَبَيْعِهَا؟! فَجَعَلَ يَفْتَحُ أَفْوَاهَ الزِّقَاقِ، وَيَصُبُّهَا (2) . يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ ... ، فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ. تُوُفِّيَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. 79 - عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ * (4) الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، مِنْ سَادَةِ   (1) انظر الأحاديث برقم (468) و (2202) و (2203) . (2) إسناده حسن، سالم بن نوح صدوق له أوهام، وباقي رجاله ثقات. (*) مسند أحمد: 4 / 42، طبقات ابن سعد: 3 / 537 536، التاريخ لابن معين: 309، تاريخ الفسوي: 1 / 260، الجرح والتعديل: 5 / 57، المستدرك: 2 / 335، أسد الغابة: 3 / 247، تهذيب الكمال: 684، العبر: 1 / 33، تهذيب التهذيب: 5 / 223، 224، الإصابة: 6 / 90، خلاصة تذهيب الكمال: 198. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 الصَّحَابَةِ. شَهِدَ: العَقَبَةَ، وَبَدْراً، وَهُوَ الَّذِي أُرِيَ الأَذَانَ (1) ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الأُوْلَى منَ الهِجْرَةِ. لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ، وَحَدِيْثُهُ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) . وَقِيْلَ: إِنَّ ذِكْرَ ثَعْلَبَةَ فِي نَسَبِهِ خَطَأٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَلَدُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. إِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا ابْنُ صَاحِبِ العَقَبَةِ، وَبَدْرٍ، وَابْنُ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ: هَذِي المَكَارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيْبَا بِمَاءٍ، فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالاَ (2)   (1) أخرجه أبو داود (499) ، وأحمد 4 / 43، وابن ماجه (708) ، والبيهقي 1 / 390، 391 من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه وإسناده قوي، وصححه ابن حبان (287) والبخاري فيما نقله عنه الترمذي في " العلل " وفي هذه الرواية إفراد الاقامة، وسيذكره المصنف من طريق آخر صحيح، وفيه " تثنية الاقامة " كالاذان. (2) البيت من قصيدة لأبي الصلت والدأمية بن أبي الصلت، يمدح بها سيف بن ذي يزن، مطلعها: ليطلب الوتر أم ثال ابن ذي يزن * ريم في البحر للاعداء أحوالا عن ابن إسحاق فيما ذكره عنه ابن هشام 1 / 66، ومعجم البلدان: غمدان، وتاريخ الطبري، 2 / 147، 148، والشعر والشعراء ص 282. وهو في " الاغاني " 5 / 15 للنابغة الجعدي من قصيدة مطلعها: إما تري ظلل الايام قد حسرت * عني وشمرت ذيلا كان ذيالا ورجح ابن هشام صاحب السيرة انه للنابغة. والقعب: القدح الضخم، وشيبا: خلطا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ زَيْدٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً قَامَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ، فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى، وَقَعَدَ قَعْدَةً، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ (1) . فَأَمَّا: 80 - عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمِ بنِ كَعْبٍ المَازِنِيُّ * (ع) النَّجَّارِيُّ صَاحِبُ حَدِيْثِ الوُضُوْءِ (2) ، فَمِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ. يُعْرَفُ: بِابْنِ أُمِّ عُمَارَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمِ بنِ كَعْبٍ، أَحَدُ بَنِي مَازِنِ بنِ النَّجَّارِ.   (1) إسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 1 / 23، والطحاوي: 79، 80، والبيهقي 1 / 240 من طريق وكيع بهذا الإسناد: وقال ابن حزم في " المحلى " 2 / 158: وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين، وقال ابن دقيق العيد: رجاله رجال الصحيح، وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة، وإن جهالة أسمائهم لا تضر. وقوله: " على جذم حائط " أي: على أصل حائط. (*) مسند أحمد: 4 / 38، طبقات ابن سعد: 5 / 531، التاريخ لابن معين: 308، طبقات خليفة: 92، تاريخ خليفة: 248، تاريخ الفسوي: 1 / 260، 261، الجرح والتعديل: 5 / 57، المستدرك: 3 / 520، الاستبصار: 81، الاستيعاب: 3 / 913، أسد الغابة: 3 / 250، تهذيب الكمال: 684، تاريخ الإسلام: 3 / 29، العبر: 1 / 68، تهذيب التهذيب: 5 / 223، الإصابة: 6 / 91، خلاصة تذهيب الكمال: 198، شذرات الذهب: 1 / 71. (2) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 18، والبخاري 1 / 251، 252، ومسلم (235) من طريق عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا بإناء. فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا. ثم أدخل يده فأستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة. ففعل ذلك ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين، مرتين مرتين. ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه، فأقبل بيدية وأدبر. ثم غسل رجليه إلى الكعبين. ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَةَ فَقَطْ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ (1) . وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وَغَيْرُهُ: بَلْ هُوَ أُحُدِيٌّ (2) . وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ بِالسَّيْفِ مَعَ رَمْيَةِ وَحْشِيٍّ لَهُ بِحَرْبَتِهِ (3) . وَهُوَ عَمُّ عَبَّادِ بنِ تَمِيْمٍ. قِيْلَ: إِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (4) . 81 - حَارِثَةُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ نَفْعِ بنِ زَيْدِ بنِ عُبَيْدٍ الخَزْرَجِيُّ * ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ. وَيُقَالُ: ابْنُ رَاِفعٍ بَدَلَ ابْنِ نَفْعٍ. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَوْدَةُ، وَعَمْرَةُ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ. يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ. شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً، وَكَانَ دَيِّناً، خَيِّراً، بَرّاً بِأُمِّهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ جِبْرِيْلَ مِنَ الدَّهْرِ مَرَّتَيْنِ: يَوْمَ الصَّوْرَيْنِ (5) حِيْنَ   (1) ذكره الحاكم في " المستدرك "، وعلق عليه المصنف بقوله هذا خطأ. (2) " الاستيعاب " 2 / 312 و" أسد الغابة " 3 / 250. (3) " المستدرك " 3 / 520، و" الإصابة " 6 / 92. (4) " طبقات خليفة " 92، و" المستدرك " 3 / 520، و" الإصابة " 6 / 92. (*) مسند أحمد: 5 / 433، طبقات ابن سعد: 3 / 487، طبقات خليفة: 90، التاريخ الكبير: 3 / 93، معجم الطبراني: 3 / 256، المستدرك: 3 / 208، الاستبصار: 59 60، الاستيعاب: 1 / 306، أسد الغابة: 1 / 429، تاريخ الإسلام: 2 / 215، مجمع الزوائد: 9 / 313، الإصابة: 2 / 190. (5) الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع. وفي " سيرة ابن هشام " 2 / 234: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، مَرَّ بِنَا فِي صُوْرَةِ دِحْيَةَ، فَأَمَرَنَا بِلُبْسِ السِّلاَحِ، وَيَوْمَ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ حِيْنَ رَجَعْنَا مِنْ حُنَيْنٍ، مَرَرْتُ وَهُوَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أُسَلِّمْ. فَقَالَ جِبْرِيْلُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: حَارِثَةُ بنُ النُّعْمَانِ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ مِنَ المائَةِ الصَّابِرَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ الَّذِيْنَ تَكَفَّلَ اللهُ بِأَرْزَاقِهِمْ فِي الجَنَّةِ، وَلَو سَلَّمَ، لَرَدَدْنَا عَلَيْهِ (1) . وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٌ: أَنَّ حَارِثَةَ كُفَّ، فَجَعَلَ خَيْطاً مِنْ مُصَلاَّهُ إِلَى حُجْرَتِهِ، وَوَضَعَ عِنْدَهُ مِكْتَلاً فِيْهِ تَمْرٌ وَغَيْرُهُ، فَكَانَ إِذَا سَلَّمَ مِسْكِيْنٌ أَعْطَاهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَى الخَيْطِ، حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى بَابِ الحُجْرَةِ، فَيُنَاوِلَ المِسْكِيْنَ، فَيَقُوْلُ أَهْلُهُ: نَحْنُ نَكْفِيْكَ. فَيَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مُنَاوَلَةُ المِسْكِيْنِ تَقِي مِيْتَةَ السُّوْءِ) (2) .   (1) ابن سعد 3 / 488 بدون سند، وفي الباب عند الطبراني برقم (3225) من طريق محمد بن عمران بن أب ي ليلى، حدثني أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وعمران بن محمد لم يوثقه غير ابن حبان، وأبوه سيء الحفظ، ومع ذلك فقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 314، ونسبه للطبراني والبزاز، وقال: وإسناده حسن، رجاله كلهم وثقوا وفي بعضهم خلاف. وأخرج أحمد 5 / 433، والطبراني (3226) من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن حارثة بن النعمان قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام جالس في المقاعد (مكان) فسلمت عليه، ثم أجزت، فلما انصرفت ورجع النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: " هل رأيت الذي كان معي "؟ قلت: نعم، قال: " فإنه جبريل وقد رد عليك السلام " وإسناده صحيح، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 313، ونسبه إلى أحمد والطبراني، وقال: ورجاله رجال الصحيح. (2) أخرجه ابن سعد 3 / 488، والطبراني 3 / 258 من طريق إسماعيل بن أبي فديك، قال: حدثني محمد بن عثمان، عن أبيه أن حارثة بن النعمان. قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 112: وفيه من لم أعرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَتْ لَهُ مَنَازِلُ قُرْبَ مَنَازِلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ كُلَّمَا أَحْدَثَ رَسُوْلُ اللهِ أَهْلاً، تَحَوَّلَ لَهُ حَارِثَةُ عَنْ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَالَ: (لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ حَارِثَةَ مِمَّا يَتَحَوَّلُ لَنَا عَنْ مَنَازِلِهِ (1)) . وَبَقِيَ إِلَى خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ: المُحَدِّثُ أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، وَلَدُ عَمْرَةَ الفَقِيْهَةِ (2) . وَهُوَ - أَعْنِي حَارِثَةَ - الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ قِرَاءةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيْلَ: حَارِثَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَذَاكُمُ البِرُّ) . وَكَانَ بَرّاً بِأُمِّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (3) . 82 - أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ * (ع) ابْنِ سُلَيْمِ بنِ حَضَّارِ بنِ حَرْبٍ. الإِمَامُ الكَبِيْرُ،   (1) ابن سعد 3 / 488. (2) ابن سعد 3 / 488. وعمرة: هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدنية، أكثرت عن عائشة، روى حديثها الستة. (3) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20119) ومن طريقه أحمد 6 / 151، 152، و166، 167، عن عمرة، عن عائشة، وهذا إسناد صحيح، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 313، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الحميدي في " مسنده " برقم (285) من طريق سفيان عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، وصححه الحاكم 3 / 208، ووافقه الذهبي، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 2 / 190 إلى النسائي من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة، وقال: إسناده صحيح. (*) مسند أحمد: 4 / 391، طبقات ابن سعد: 2 / 345 344 و4 / 105 و6 / 16، التاريخ لابن معين: 326، طبقات خليفة: 68، 132، 182، تاريخ خليفة: 178 وغيرها، التاريخ الكبير: 5 / 23 22، المعارف: 49، 102، 121، 182، 194، 590 تاريخ الفسوي: 1 / = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ، التَّمِيْمِيُّ، الفَقِيْهُ، المُقْرِئُ. حَدَّثَ عَنْهُ: بُرَيْدَةُ بنُ الحَصِيْبِ، وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَطَارِقُ بنُ شِهَابٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهْدِيُّ، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَزَهْدَمُ بنُ مُضَرِّبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِيْمَنْ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَ أَهْلَ البَصْرَةِ، وَفَقَّهَهُمْ فِي الدِّيْنِ. قَرَأَ عَلَيْهِ: حِطَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ. فَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيْماً (1)) . وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعَاذاً عَلَى زَبِيْدٍ، وَعَدَنَ (2) . وَوَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ   = 270 267، أخبار القضاة: 1 / 283، 287، الجرح والتعديل: 5 / 138، المستدرك: 3 / 464 الاستيعاب: 3 / 979، تاريخ ابن عساكر: 543 422، جامع الأصول: 9 / 79، أسد الغابة: 3 / 367، تهذيب الكمال: 724، تاريخ الإسلام: 2 / 255، العبر: 1 / 52، معرفة القراء: 37، مجمع الزوائد: 9 / 358، طبقات القراء: 1 / 443 442، تهذيب التهذيب: 5 / 249، الإصابة: 6 / 194، خلاصة تذهيب الكمال: 210، كنز العمال: 13 / 606، شذرات الذهب: 1 / 63 62 53 47 46 40 36 35 30 29. (1) أخرجه البخاري 8 / 35 في المغازي: باب غزوة أوطاس، ومسلم (2498) في الفضائل، وانظر ابن عساكر: 445 مصورة المجمع العلمي بدمشق. (2) أخرجه البخاري 6 / 113 في الجهاد: باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، و8 / 50 في المغازي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، و10 / 435 في الأدب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تعسروا "، و13 / 143 في الاحكام: باب أمر الوالي إذا وجه أمير بن إلى موضع أن يتطاوعا. ومسلم (1733) في الجهاد: باب في الامر بالتيسير وترك التنفير من = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 لِعُمَرَ، وَإِمْرَةَ البَصْرَةِ، وَقَدِمَ (1) لَيَالِيَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَغَزَا، وَجَاهَدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَمَلَ عَنْهُ عِلْماً كَثِيْراً. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدَّثَنِي أَبُو يُوْسُفَ حَاجِبُ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى الأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الدُّوْرِ بِدِمَشْقَ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنَ اللَّيْلِ لِيَسْتَمِعَ قِرَاءتَهُ (2) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أُمُّ أَبِي مُوْسَى هِيَ: ظَبْيَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، كَانَتْ أَسْلَمَتْ، وَمَاتَتْ بِالمَدِيْنَةِ (3) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو مُوْسَى بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ خَيْبَرُ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ (4) . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَسْلَمَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَ أَهْلِ السَّفِيْنَتَيْنِ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ، فَقَسَمَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِيَ البَصْرَةَ لِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَوَلِيَ الكُوْفَةَ، وَبِهَا مَاتَ (5) .   = طرق عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، فقال: " يسرا ولا تعسرا. وبشرا ولا تنفرا. وتطاوعا ولا تختلفا ". (1) يريد قدومه من الحبشة مع من كان هاجر إليها كما سيأتي قريبا. (2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (238) واقتسبه منه ابن عساكر: 431. (3) ابن عساكر: 434. (4) ابن سعد 6 / 16، وكونه ممن شهد خيبر فيه نظر، فقد جاء في صحيح البخاري 7 / 317 قول أبي موسى: فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وزاد في رواية: فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا! إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، فإنه قسم لهم معهم، وانظر الخبر الآتي. (5) ذكره ابن عساكر: 435، 436. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: افْتَتَحَ أَصْبَهَانَ زَمَنَ عُمَرَ (1) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَعَثَهُ عُمَرُ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ، فَأَقْرَأَهُمْ، وَفَقَّهَهُمْ، وَهُوَ فَتَحَ تُسْتَرَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ أَحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ (2) . قَالَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: سَمِعْتُ ابْنَ بُرَيْدَةَ يَقُوْلُ: كَانَ الأَشْعَرِيُّ قَصِيْراً، أَثَطَّ، خَفِيْفَ الجِسْمِ (3) . وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ: لَيْسَ أَبُو مُوْسَى مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ، وَلاَ حِلْفَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ، وَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ، وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِهِ، حَتَّى قَدِمَ هُوَ وَأُنَاسٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّيْنَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَذَكَرَهُ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فِيْمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ (5) . وَرَوَى: أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ اليَمَنِ فِي بضْعٍ وَخَمْسِيْنَ مِنْ قَوْمِي، وَنَحْنُ ثَلاَثَةُ إِخْوَةٍ: أَنَا، وَأَبُو رُهْمٍ، وَأَبُو عَامِرٍ، فَأَخْرَجَتْنَا سَفِيْنَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَعِنْدَهُ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ، فَأَقْبَلْنَا حِيْنَ افْتُتِحَتْ   (1) ابن عساكر: 436. (2) ابن عساكر: 439. وتستر: مدينة بخوزستان. (3) ابن سعد 4 / 115، وابن عساكر 446، والاثط: هو القليل شعر اللحية، وقيل: هو الخفيف اللحية من العارضين. (4) ابن سعد 4 / 105، وابن عساكر: 446. (5) الصواب أن موسى بن عقبة لم يذكره فيمن هاجر إلى الحبشة كما سيذكره في الصفحة 400 وكذلك هو في ابن عساكر: 446، 447، وقال ابن حجر في " الإصابة " 6 / 194: وكان هو سكن الرملة، وحالف سعيد بن العاص، ثم أسلم، وهاجر إلى الحبشة، وقيل: بل رجع إلى بلاد قومه، ولم يهاجر إلى الحبشة، هذا قول الأكثر فإن موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي لم يذكروه في مهاجرة الحبشه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 خَيْبَرُ. فَقَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَكُمُ الهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ، هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ (1)) . وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَا وَأَخَوَايَ: أَبُو رُهْمٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ، أَنَا أَصْغَرُهُمْ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَداً قَوْمٌ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوْباً لِلإِسْلاَمِ مِنْكُمْ) . فَقَدِمَ الأَشْعَرِيُّوْنَ، فَلَمَّا دَنَوْا، جَعَلُوا يَرْتَجِزُوْنَ: غَداً نَلْقَى الأَحِبَّهْ ... مُحَمَّداً وَحِزْبَهْ فَلَمَّا أَنْ قَدِمُوا، تَصَافَحُوا، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ المُصَافَحَةَ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المَائِدَةُ: 57] ؛ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هُمْ قَوْمُكَ يَا أَبَا مُوْسَى) . وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ (3) . صَحَّحَهُ: الحَاكِمُ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ لِعِيَاضِ بنِ عَمْرٍو صُحْبَةٌ. وَلَكِنْ رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ شُعْبَةَ أَيْضاً (ح) . وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِيْهِ كِلاَهُمَا، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى. بُرَيْدٌ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّ عَلَى جَيْشِ أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بنَ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 106، والبخاري 7 / 371، 372، ومسلم (2502) وأحمد 4 / 395 و412. (2) إسناده صحيح، أخرجه أحمد 3 / 155 و223، وابن عساكر: 456، وأخرجه أحمد 3 / 105 و182 و251 و262، وابن سعد 4 / 106 من طرق عن حميد، عن أنس. (3) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 4 / 107، وصححه الحاكم 2 / 313، ووافقه الذهبي، وهو في تاريخ ابن عساكر: 456، 457. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. فَرَمَى رَجُلٌ أَبَا عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ (1) . فَقُلْتُ: يَا عَمّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَقَصَدْتُ لَهُ، فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي، وَلَّى ذَاهِباً، فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ لَهُ: أَلاَ تَسْتَحْيِي؟ أَلَسْتَ عَرَبٍيّاً؟ أَلاَ تَثْبُتُ؟ قَالَ: فَكَفَّ، فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ، فَقُلْتُ قَدْ قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ المَاءُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيْراً، ثُمَّ مَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا، وَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ) ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيْرٍ مِنْ خَلْقِكَ) . فَقُلْتُ: وَلِي يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيْماً (2)) . وَبِهِ: عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالجِعْرَانَةِ (3) ، فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: (أَبْشِرْ) . قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ منَ البُشْرَى. فَأَقْبَلَ رَسُوْلُ اللهِ عَلَيَّ وَعلَى بِلاَلٍ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا) . فَقَالاَ: قَبِلْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَدَعَا بِقَدَحٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ   (1) من قوله " بريد " إلى هنا، سقط من المطبوع. (2) أخرجه ابن عساكر: 462 من طريق أبي يعلى، عن أبي كريب، عن أبي أسامة بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 8 / 34 في المغازي: باب غزوة أوطاس، ومسلم (2498) في فضائل الصحابة، كلاهما من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، عن أبي أسامة بهذا الإسناد. وأوطاس: واد في ديار هوازن، وهو غير وادي حنين. (3) الجعرانة: بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب. وقال الفاكهي: بينها وبين مكة بريد، وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا. سير 2 / 25 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَوَجْهَهُ فِيْهِ، وَمَجَّ فِيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى رُؤُوْسِكُمَا وَنُحُوْرِكُمَا) . فَفَعَلاَ! فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ: أَنَّ فَضِّلاَ لأُمِّكُمَا. فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ (1) . مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَغَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ قَائِمٌ، وَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ لِي: (يَا بُرَيْدَةَ، أَتَرَاهُ يُرَائِي؟) . قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ مُنِيْبٌ، لَقَدْ أُعْطِيَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ) . فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا هُوَ أَبُو مُوْسَى؛ فَأَخْبَرْتُهُ (2) . أَنْبَؤُوْنَا عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ اللَّبَّانِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المَسْجِدِ، وَأَنَا عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَأَخَذَ بِيَدِيْ، فَأَدْخَلَنِي المَسْجِدَ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي يَدْعُو، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُوْلَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ) . وَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ، فَقَالَ: (لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أُخْبِرُهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِي: لاَ تَزَالُ لِي صَدِيْقاً، وَإِذَا هُوَ أَبُو مُوْسَى (3) .   (1) أخرجه البخاري 8 / 37، ومسلم (2497) ، وابن عساكر: 466، 467. (2) أخرجه مسلم (793) وابن عساكر: 469، 470، وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 358، 359. (3) أخرجه ابن عساكر 472، 473 من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 349 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 رَوَاهُ: حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، مُخْتَصَراً. وَرَوَى: أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَقَدْ أُعْطِيَ أَبُو مُوْسَى مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ (1)) . خَالِدُ بنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَائِشَةَ مَرَّا بِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَمَعَا لِقِرَاءتِهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ بِمَكَانِكَ، لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيْراً (2) . خَالِدٌ: ضُعِّفَ.   من طريق عثمان بن عمر، عن مالك، عن ابن بريدة، عن أبيه، وإسناده صحيح. وأورده البغوي في " شرح السنة " 5 / 37 من طريق عثمان بن عمرو الضبي، عن عمرو بن مرزوق، عن مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. وأخرجه مختصرا أبو داود (1493) وأحمد 5 / 360، والترمذي (3471) والنسائي 3 / 52، وابن ماجه (3875) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2383) والحاكم 1 / 504، وأقره الذهبي. (1) صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 107، وأحمد 2 / 450، وابن ماجه (1341) من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو بهذا الإسناد، وأخرجه النسائي 2 / 180، وأحمد 2 / 369، وابن عساكر: 478، من طريقين، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. (2) أخرجه ابن عساكر: 477، من طريق أبي يعلى، عن شريح بن يونس بهذا الإسناد، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 359، 360، وقال: رواه الطبراني ورجاله على شرط الصحيح غير خالد بن نافع الأشعري، ووثقه ابن حبان، وضعفه جماعة. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 466 من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، عن محرز بن هشام الكوفي، عن خالد بن نافع به، وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف: بينما هنا أعله بخالد كما ترى. والتحبير: التحسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى قَرَأَ لَيْلَةً، فَقُمْنَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعْنَ لِقِرَاءتِهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ، لَحَبَّرْتُ تَحْبِيْراً، وَلَشَوَّقْتُ تَشْوِيْقاً (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَيْنَا عَلِيّاً، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: عَنْ أَيِّهِمْ تَسْأَلُوْنِي؟ قُلْنَا: عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. قَالَ: عَلِمَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى، وَكَفَى بِهِ عِلْماً. قُلْنَا: أَبُو مُوْسَى؟ قَالَ: صُبِغَ فِي العِلْمِ صِبْغَةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ. قُلْنَا: حُذَيْفَةُ؟ قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالمُنَافِقِيْنَ. قَالُوا: سَلْمَانُ؟ قَالَ: أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ، وَالعِلْمَ الآخِرَ؛ بَحْرٌ لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَهُوَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ. قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ. فَسُئِلَ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ أُعْطِيْتُ، وَإِذَا سَكَتُّ ابْتُدِيْتُ (2) . أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعَ الأَسْوَدَ بنَ يَزِيْدَ، قَالَ: لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَعْلَمَ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوْسَى (3) . وَقَالَ مَسْرُوْقٌ: كَانَ القَضَاءُ فِي الصَّحَابَةِ إِلَى سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَزِيْدٍ، وَأَبِي مُوْسَى (4) .   (1) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 108 من طريق يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم كلاهما عن حماد به، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 481. (2) رجاله ثقات، أخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 540 من طريق عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش بهذا الإسناد. (3) ابن عساكر: 499. (4) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " رقم (1922) من طريق محمد بن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن مطرف، عن الشعبي، عن مسروق. وهذا سند صحيح، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 500. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ سِتَّةٍ: عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَزَيْدٍ، يُشْبِهُ عِلْمُهُمْ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَكَانَ عَلِيٌّ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو مُوْسَى يُشْبِهُ عِلْمُهُمْ بَعْضُهُ بَعْضاً، يَقْتَبِسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ (1) . وَقَالَ دَاوُدُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: قُضَاةُ الأُمَّةِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو مُوْسَى (2) . أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي المَسْجِدِ زَمَنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ هَؤُلاَءِ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي مُوْسَى (3) . قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ: إِنِّي تَعَلَّمْتُ المُعْجَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَتْ كِتَابَتِي مِثْلَ العَقَارِبِ (4) . أَيُّوْبُ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ عُمَرُ: بِالشَّامِ أَرْبَعُوْنَ رَجُلاً، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ كَانَ يَلِي أَمْرَ الأُمَّةَ إِلاَّ أَجْزَأَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ. فَجَاءَ رَهْطٌ، فِيْهِم أَبُو مُوْسَى، فَقَالَ: إِنِّي أُرْسِلُكَ إِلَى قَوْمٍ عَسْكَرَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. قَالَ: فَلاَ تُرْسِلْنِي. قَالَ: إِنَّ بِهَا جِهَاداً وَرِبَاطاً. فَأَرْسَلَهُ إِلَى البَصْرَةِ (5) . قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: مَا قَدِمَهَا رَاكِبٌ خَيْرٌ لأَهْلِهَا مِنْ أَبِي مُوْسَى. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كَانَ أَبُو مُوْسَى إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، اسْتَقْبَلَ الصُّفُوْفَ رَجُلاً رَجُلاً يُقْرِئُهُمْ، وَدَخَلَ البَصْرَةَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، وَعَلَيْهِ خَرَجَ لَمَّا   (1) ابن عساكر: 501. (2) ابن عساكر: 501. (3) ابن عساكر: 502. (4) ابن عساكر: 502. (5) رجاله ثقات، وهو في ابن سعد 4 / 109 من طريق عارم، عن حماد بن زيد بهذا الإسناد، وأخرجه ابن عساكر عن ابن سعد: 503. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 عُزِلَ (1) . قَتَادَةُ: عَنْ أَنَسٍ: بَعَثَنِي الأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَكْتَ الأَشْعَرِيَّ؟ قُلْتُ: تَرَكْتُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ القُرْآنَ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَيِّسٌ! وَلاَ تُسْمِعْهَا إِيَّاهُ (2) . قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: كَتَبْتُ عَنْ أَبِي أَحَادِيْثَ، فَفَطِنَ بِي، فَمَحَاهَا، وَقَالَ: خُذْ كَمَا أَخَذْنَا (3) . أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَ أَبَا مُوْسَى أَنَّ نَاساً يَمْنَعُهُمْ مِنَ الجُمُعَةِ أَنْ لَيْسَ لَهُم ثِيَابٌ، فَخَرَجَ عَلَى النَّاسِ فِي عَبَاءةٍ (4) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَنَزَعَ أَبَا مُوْسَى عَنِ البَصْرَةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ (5) . قَالَ خَلِيْفَةُ: وَلِيَ أَبُو مُوْسَى البَصْرَةَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ المُغِيْرَةِ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الأَهْوَازَ، اسْتَخْلَفَ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ بِالبَصْرَةِ (6) - وَيُقَالُ: افْتَتَحَهَا صُلْحاً - فَوَظَّفَ عَلَيْهَا عُمَرُ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفٍ، وَأَرْبَعَ مائَةِ أَلْفٍ.   (1) ابن عساكر: 504. (2) رجاله ثقات، أخرجه ابن سعد 4 / 108 من طريق حماد بن أسامة، ووهب بن جرير، كلاهما عن هشام الدستوائي عن قتادة، عن أنس. وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 507 506. (3) ابن عساكر: 512. (4) ابن سعد 4 / 112، 113، وابن عساكر: 512. (5) ابن عساكر: 513 و522. (6) " تاريخ خليفة ": 135، 136، واقتبسه منه ابن عساكر: 513، 514. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ، افْتَتَحَ أَبُو مُوْسَى الرُّهَا وَسُمَيْسَاطَ وَمَا وَالاَهَا عَنْوَةً (1) . زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّ الهُرْمُزَانَ نَزَلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ مِنْ تُسْتَرَ، فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوْسَى مَعِي إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؛ فَقَدِمْتُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تَكَلَّمْ، لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ. فَاسْتَحْيَاهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَفَرَضَ لَهُ (2) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَارَ أَبُو مُوْسَى مِنْ نَهَاوَنْدَ، فَفَتَحَ أَصْبَهَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ (3) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ فِي وَصِيَّتِهِ: أَلاَّ يَقِرَّ لِي عَامِلٌ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَأَقِرُّوا الأَشْعَرِيَّ أَرْبَعَ سِنِيْنَ (4) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، سَمِعتُ أَبِي يُقْسِمُ مَا خَرَجَ حِيْنَ نُزعَ عَنِ البَصْرَةِ إِلاَّ بِسِتِّ مائَةِ دِرْهَمٍ (5) . الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ أَبُو مُوْسَى، رُبَّمَا قَالَ لَهُ: ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوْسَى، فَيَقْرَأُ (6) .   (1) " تاريخ خليفة ": 139، وابن عساكر: 514. (2) ابن عساكر: 515. واستحياه: استبقاه، ولم يقتله. قال تعالى: (ويستحيون نساءكم) . (3) ابن عساكر: 517. (4) ابن عساكر: 522. (5) ابن عساكر: 523. (6) ابن سعد 4 / 109 من طريق عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة. وهو في ابن عساكر: 526 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، ورجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وَفِي رِوَايَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ: فَيَقْرَأُ، وَيَتَلاَحَنُ (1) . وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: قَدِمْنَا البَصْرَةَ مَعَ أَبِي مُوْسَى، فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قِيْلَ لَهُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ! لَوْ رَأَيْتَ إِلَى نِسْوَتِكَ وَقَرَابَتِكَ وَهُمْ يَسْتَمِعُوْنَ لِقِرَاءتِكَ! فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ، لَزَيَّنْتُ كِتَابَ اللهِ بِصَوْتِي، وَلَحَبَّرْتُهُ تَحْبِيْراً (2) . قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: مَا سَمِعْتُ مِزْمَاراً وَلاَ طُنْبُوْراً وَلاَ صَنْجاً أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ؛ إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي بِنَا فَنَوَدُّ أَنَّه قَرَأَ البَقَرَةَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ (3) . هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ لَقِيْطٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: غَزَوْنَا فِي البَحْرِ، فَسِرْنَا؛ حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي لُجَّةِ البَحْرِ، سَمِعنَا مُنَادِياً يُنَادِيْ: يَا أَهْلَ السَّفِيْنَةِ، قِفُوْا أُخْبِرْكُمْ. فَقُمْتُ، فَنَظَرْتُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً، حَتَّى نَادَى سَبْعَ مِرَارٍ. فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى فِي أَيِّ مَكَانٍ نَحْنُ، إِنَّا لاَ نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقِفَ. فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِقَضَاءٍ قَضَى اللهُ عَلَى نَفْسِهِ: إِنَّهُ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ للهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَرْوِيَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو مُوْسَى لاَ تَكَادُ تَلْقَاهُ فِي يَوْمٍ حَارٍّ إِلاَّ   (1) التلاحن: التطريب، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 526، ورشدين بن سعد ضعيف. (2) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 2 / 344، 345 من طريق عفان عن حماد بهذا الإسناد، وأخرجه ابن عساكر: 526، 527، من طريق علي بن الجعد، عن ابي معاوية، عن ثابت، عن أنس. (3) ابن عساكر: 527 من طريق الامام أحمد، عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 صَائِماً (1) . وَرَوَاهُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي (الزُّهْدِ) : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ وَاصِلٍ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي مُوْسَى فِي غَزَاةٍ، فَجَنَّنَا اللَّيْلُ فِي بُسْتَانٍ خَرِبٍ؛ فَقَامَ أَبُو مُوْسَى يُصَلِّي، وَقَرَأَ قِرَاءةً حَسَنَةً، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ المُؤْمِنُ تُحِبُّ المُؤْمِنَ، وَأَنْتَ المُهَيْمِنُ تُحِبُّ المُهَيْمِنَ، وَأَنْتَ السَّلاَمُ تُحِبُّ السَّلاَمَ (2) . وَرَوَى: صَالِحُ بنُ مُوْسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اجْتَهَدَ الأَشْعَرِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَاداً شَدِيْداً، فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ أَمْسَكْتَ وَرَفَقْتَ بِنَفْسِكَ! قَالَ: إِنَّ الخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا، أَخْرَجَتْ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهَا؛ وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى كَانَ لَهُ سَرَاوِيْلُ يَلْبَسُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَشَّفَ (4) . الأَعْمَشُ: عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ جُلُوْساً، فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ،   (1) أخرجه ابن عساكر: 531، 532 من طرق، عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن بكار ابن قتيبة، عن روح بن عبادة عن هشام بن حسان بهذا الإسناد، ورجاله ثقات خلا لقيط وهو أبو المغيرة فإنه لا يعرف بجرح ولا تعديل، ولم يرو عنه غير واصل مولى أبي عيينة كما في " الجرح والتعديل " 7 / 177. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 467، من طريق حماد بن يحيى، عن عبد الله بن المؤمل، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا موسى على سرية البحر. وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن المؤمل ضعيف. (2) ابن عساكر: 532، 533. (3) ابن عساكر: 534. (4) ابن عساكر: 535، 536. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وَأَبُو مُوْسَى المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا مُنَافِقٌ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْياً وَدَلاًّ وَسَمْتاً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ (1) . قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا القَوْلِ، سَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ مِنْهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ الأَعْمَشُ: حَدَّثْنَاهُمْ بِغَضَبِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاتَّخَذُوْهُ دِيْناً (2) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كَانَ الأَعْمَشُ بِهِ دِيَانَةٌ مِنْ خَشْيَتِهِ (3) . قُلْتُ: رُمِيَ الأَعْمَشُ بِيَسِيْرِ تَشَيُّعٍ فَمَا أَدْرِي. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ غُلاَةَ الشِّيْعَةِ يُبْغِضُوْنَ أَبَا مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِكَوْنِهِ مَا قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَمَّا حَكَّمَهُ عَلِيٌّ عَلَى نَفْسِهِ عَزَلَهُ، وَعَزَلَ مُعَاوِيَةَ، وَأَشَارَ بِابْنِ عُمَرَ؛ فَمَا انْتَظَمَ مِنْ ذَلِكَ حَالٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ يَوْمَ   (1) رجاله ثقات: وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 771 من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، حدثني أبي، عن الأعمش، عن شقيق، واقتبسه ابن عساكر: 538. فإن صح هذا عن حذيفة ولا إخاله يصح، فإنه قد أخطأ في حق هذا الصحابي الجليل الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم هو ومعاذا على اليمن، وولي للخليفتين عمر وعثمان، وشهد له فضلاء الصحابة بوفور عقله، واستقامة سيرته، وورعه وفضله، على أن قول الأعمش الذي سيورده المصنف يفهم منه أن حذيفة إنما قال ذلك في حالة الغضب التي يقول فيها الإنسان كلاما لا يعتقد أحقيته إذا روجع، حين يسكت عنه الغضب، ولا يتعلق بما يقال في مثل هذه الحالة إلا الذين في قلوبهم مرض. (2) في الأصل: فغضب وهو تحريف، أخرجه الفسوي في " تاريخه " عن عبد الله بن نمير قال: سمعت الأعمش يقول:..واقتبسه ابن عساكر: 538. (3) ابن عساكر: 539. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 الحَكَمَيْنِ: لاَ تُحَكِّمِ الأَشْعَرِيَّ؛ فَإِنَّ مَعَهُ رَجُلاً حَذِراً مَرِساً قَارِحاً (1) ، فَلُزَّنِي (2) إِلَى جَنْبِهِ، فَلاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إِلاَّ عَقَدْتُهَا، وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ حَلَلْتُهَا. قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أُوْتَى مِنْ أَصْحَابِي، قَدْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُمْ، وَكَلُّوا، هَذَا الأَشْعَثُ يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً، حَتَّى يَكُوْنَ أَحَدُهُمَا يَمَانٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَذَرْتُهُ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُضْطَهَدٌ (3) . وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: حَكَّمَ مُعَاوِيَةُ عَمْراً؛ فَقَالَ الأَحْنَفُ لِعَلِيٍّ: حَكِّمِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مُجَرَّبٌ. قَالَ: أَفْعَلُ. فَأَبَت اليَمَانِيَّةُ، وَقَالُوا: حَتَّى يَكُوْنَ مِنَّا رَجُلٌ. فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: عَلاَمَ تُحَكِّمُ أَبَا مُوْسَى؟ لَقَدْ عَرَفْتَ رَأْيَهُ فِيْنَا، فَوَاللهِ مَا نَصَرَنَا؛ وَهُوَ يَرْجُو مَا نَحْنُ فِيْهِ؛ فَتُدْخِلُهُ الآنَ فِي مَعَاقِدِ أَمْرِنَا، مَعَ أَنَّه لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَلِكَ! فَإِذَا أَبَيْتَ أَنْ تَجْعَلَنِي مَعَ عَمْرٍو، فَاجْعَلِ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ؛ فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ مِنَ العَرَبِ، وَهُوَ قِرْنٌ لِعَمْرٍو. فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَبَتِ اليَمَانِيَةُ أَيْضاً، فَلَمَّا غُلِبَ، جَعَلَ أَبَا مُوْسَى (4) . قَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَبَا مُوْسَى، احْكُمْ، وَلو عَلَى حَزِّ   (1) المرس: الشديد الذي مارس الأمور وجربها، والقارح من الخيل: الذي استتم الخامسة، ودخل في السادسة، ونبت نابه، وليس بعد القروح نبات سن ولا سقوط سن، يشبه به الرجل المجرب. (2) لزني إلى جنبه: أي: ألزمني إياه. (3) إسناده ضعيف لضعف محمد بن عمر هو الواقدي. وهو في " الطبقات " واقتبسه منه ابن عساكر: 540. (4) أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، عن علي بن عمرو بن عطاء، عن أبيه، عن عكرمة..والواقدي متروك، وأخرجه ابن عساكر: 539، 540 من طريقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 عُنُقِي (1) . زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ البَكْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَدْ بَايَعَنِي عَلَى مَا أُرِيْدُ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ، لَئِنْ بَايَعْتَنِي عَلَى الَّذِي بَايَعَنِي، لأَسْتَعْمِلَنَّ أَحَدَ ابْنَيْكَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَالآخَرَ عَلَى البَصْرَةِ؛ وَلاَ يُغْلَقُ دُوْنَكَ بَابٌ، وَلاَ تُقْضَى دُوْنَكَ حَاجَةٌ، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِخَطِّي، فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِخَطِّ يَدِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ فِي جَسِيْمِ أَمْرِ الأُمَّةِ، فَمَاذَا أَقُوْلُ لِرَبِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، لَيْسَ لِي فِيْمَا عَرَضْتَ مِنْ حَاجَةٍ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ، أَتَيْتُهُ، فَمَا أَغْلَقَ دُوْنِي بَاباً، وَلاَ كَانَتْ لِي حَاجَةٌ إِلاَّ قُضِيَتْ (2) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو مُوْسَى صَوَّاماً، قَوَّاماً، رَبَّانِيّاً، زَاهِداً، عَابِداً، مِمَّنْ جَمَعَ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالجِهَادَ وَسَلاَمَةَ الصَّدْرِ، لَمْ تُغَيِّرْهُ الإِمَارَةُ، وَلاَ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا. وَمِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَنَا الفَقِيْهَانِ: يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ   (1) ابن عساكر: 541 من طريق الفضل بن غسان الغلابي، عن يحيى بن معين، عن ابن نمير، عن الأعمش، عن أبي صالح السمان.. (2) أخرجه ابن عساكر: 541، 542 من طريق الحسين بن علي الكسائي، الهمداني، عن يحيى بن سليمان الحنفي بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد 4 / 111، 112 من طريق عفان بن مسلم، وعمرو بن عاصم الكلابي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثلاثتهم عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة..وهذا سند صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 اللهِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (ح) . وَبِهِ: إِلَى الشَّافِعِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، وَكَانَ القَوْمُ يَصْعَدُوْنَ ثَنِيَّةً أَوْ عَقَبَةً؛ فَإِذَا صَعِدَ الرَّجُلُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ - أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَعْلَى صَوْتِهِ -، وَرَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَغْلَتِهِ يَعْتَرِضُهَا فِي الجَبَلِ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لاَ تُنَادُوْنَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً) . ثُمَّ قَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ - أَوْ يَا أَبَا مُوْسَى - أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟) . قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (1)) . قَدْ مَرَّ أَنَّ أَبَا مُوْسَى تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ (2) ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَقَعْنَبُ بنُ المُحَرَّرِ (3) : تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، بَعْدَ المُغِيْرَةِ.   (1) إسناده صحيح، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 429 من طريق أبي بكر الشافعي، عن محمد بن مسلمة بهذا الإسناد. وأخرجه من طرق عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى: البخاري 7 / 363 في المغازي و11 / 159 و180 في الدعوات، و437، 438 في القدر، ومسلم (2704) في الذكر والدعاء، وأحمد 4 / 402 و403 و407 و417، 418 و419، وأبو داود (1526) و (1527) ، والترمذي (3374) وابن ماجه (3824) . (2) سقط من المطبوع " اثنتين. وقيل: سنة ". (3) سقط من المطبوع بن المحرر ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) : تُوُفِّيَ أَبُو مُوْسَى فِي ذِيْ الحَجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، عَلَى الصَّحِيْحِ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ، وَعَفَّانُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى كَانَ حُلْوَ الصَّوْتِ، فَقَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي، فَسَمِعَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، قِيْلَ لَهُ: إِنَّ النِّسَاءَ سَمِعْنَكَ. قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُكُنَّ تَحْبِيْراً، وَلَشَوَّقْتُكُنَّ تَشْوِيْقاً (1) . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوْسَى، قَالَ: ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوْسَى. فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوْسَى: شَوِّقْنَا إِلَى رَبِّنَا. فَقَرَأَ، فَقَالُوا: الصَّلاَةَ. فَقَالَ: أَوَ لَسْنَا فِي صَلاَةٍ (3) ! رَوَى: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو مُوْسَى حِيْنَ نُزِعَ عَنِ البَصْرَةِ، مَا مَعَهُ إِلاَّ سِتُّ مائَةِ دِرْهَمٍ عَطَاءً لِعِيَالِهِ (4) . رَوَى: الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيْتِ، عَنْ أَبِي لَبِيْدٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ كَلاَمَ أَبِي مُوْسَى إِلاَّ بِالجَزَّارِ الَّذِي مَا يُخْطِئُ المَفْصِلَ (5) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 108، واقتبسه ابن عساكر: 481. (2) ابن سعد 4 / 109، وابن عساكر: 526. (3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 109 عن عمرو بن الهيثم بهذا الإسناد. (4) ابن سعد 4 / 111. (5) إسناده صحيح وهو في ابن سعد 4 / 111، وابن عساكر: 502، والخريت تحرف في المطبوع إلى: " الحريث " وأبو لبيد اسمه لمازة بن زبار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى أَتَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ بِالنُّخَيْلَةِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَجُبَّةٌ سَوْدَاءُ، وَمَعَهُ عَصَا سَوْدَاءُ (1) . ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوْسَى إِذَا نَامَ، لَيْسَ تُبَّاناً، مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ (2) . مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوْسَى: لأَنْ يَمْتَلِئَ مَنْخِرِيْ مِنْ رِيْحِ جِيْفَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْ رِيْحِ امْرَأَةٍ (3) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ وَزِيَادٌ عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَرَأَى فِي يَدِ زِيَادٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: اتَّخَذْتُمْ حِلَقَ الذَّهَبِ. فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: أَمَّا أَنَا فَخَاتَمِي مِنْ حَدِيْدٍ. فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ أَنْتَنُ - أَوْ أَخْبَثُ - مَنْ كَانَ مُتَخَتِّماً، فَلْيَتَخَتَّمْ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ (4) . قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: كَانَ أَبُو مُوْسَى أَثَطَّ، قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (5) -. وَلَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَقَعَ لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً. وَتَفَرَّدَ البُخَارِيُّ: بِأَرْبَعَةِ   (1) ابن سعد 4 / 113، والنخلية: موضع قرب الكوفة على سمت الشام. (2) ابن سعد 4 / 111. وقد تحرفت كلمة تبانا فيه وفي المطبوع إلى " ثيابا ". (3) رجاله ثقات: أبو عمرو الشيباني: هو سعيد بن إياس، ثقة مخضرم أخرج حديثه الستة، وهو في " الطبقات " 4 / 114. (4) ابن سعد 4 / 114 ورجاله ثقات، عبد الرحمن بن مولى أم برثن هو ابن آدم من رجال التهذيب، أخرج حديثه مسلم. (5) ابن سعد 4 / 115. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. وَكَانَ إِمَاماً رَبَّانِيّاً. جَوَّدَ تَرْجَمَتَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: قَدِمَ أَبُو مُوْسَى مَكَّةَ، وَحَالَفَ أَبَا أُحَيْحَةَ الأُمَوِيَّ، وَأَسْلَمَ بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ (1) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْراً وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَجَمَعُوا لَهُ هَدِيَّةً (2) . وَلَمْ يَذْكُرْهُ: ابْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، فِيْمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ. قَتَادَةُ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ لِي أَبِي: لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ نَخْرُجُ مَعَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَصَابَتْنَا السَّمَاءُ، لَوَجَدْتَ مِنَّا رِيْحَ الضَّأْنِ، مِنْ لِبَاسِنَا الصُّوْفِ (3) . قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُوْكَ حِيْنَ نُزِعَ عَنِ البَصْرَةِ، وَمَا مَعَهُ إِلاَّ سِتُّ مائَةِ دِرْهَمٍ، عَطَاءَ عِيَالِهِ (4) .   (1) ابن سعد 4 / 105. (2) ابن سعد 4 / 105 ورجاله ثقات. (3) إسنادح صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 108 من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (4033) والترمذي (2479) وابن ماجه (3562) ، وأحمد 4 / 419 من طرق عن قتادة به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، ومعناه: أنه كان ثيابهم الصوف، فإذا اصابهم المطر يجئ من ثيابهم ريح الضأن. (4) ابن سعد 4 / 111، وقد تقدم في الصفحة 398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِيْنَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا ابْنَ أَخِي. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ سُبِرَتْ (1) -يَعْنِي: قَرْحَتُهُ- فَقُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ. إِذْ دَخَلَ ابْنُهُ يَزِيْدُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِنْ وُلِّيْتَ، فَاسْتَوْصِ بِهَذَا؛ فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخاً لِي، أَوْ خَلِيْلاً، غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِي القِتَالِ مَا لَمْ يَرَ (2) . وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبِي: ائْتِنِي بِكُلِّ شَيْءٍ كَتَبْتَهُ. فَمَحَاهُ، ثُمَّ قَالَ: احْفَظْ كَمَا حَفِظْتُ (3) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الحَكَمَانِ: أَبَا مُوْسَى، وَعَمْراً؛ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْتَغِي الدُّنْيَا، وَالآخَرُ يَبْتَغِي الآخِرَةَ (4) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ أَبَا مُوْسَى قَالَ: إِنِّي لأَغْتَسِلُ فِي البَيْتِ المُظْلِمِ، فَأَحْنِي ظَهْرِي حَيَاءً مِنْ رَبِّي (5) . زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا مُوْسَى دَاخِلاً مِنْ هَذَا البَابِ، وَعَلَيْهِ مُقَطَّعٌ، وَمِطْرَفٌ حِيْرِيٌّ (6) .   (1) السبر: مصدر سبر الجرح يسبره ويسبره سبرا: نظر مقداره وقاسه ليغرف غوره. (2) رجاله ثقات وأخرجه ابن سعد 4 / 112 من طريقين، عن سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد. (3) رجاله ثقات وهو في ابن سعد 4 / 112 وابن عساكر: 511. (4) رجاله ثقات، وهو في " الطبقات " 4 / 113 من طريق معاذ بن معاذ بهذا الإسناد، وابن عون: هو عبد الله بن عون أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. (5) ابن سعد 4 / 113، 114. (6) ابن سعد 4 / 114، والمطرف: رداء من خز مربع له أعلام، وحيري: نسبة إلى الحيرة: مدينة على ثلاثة أميال من الكوفة. والمقطع من الثياب: كل ما يفصل ويخاط من قميص وجباب وسراويلات وغيها، وما لا يقطع منها كالاردية والازر والمطارف. سير 2 / 26 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ عُبَيْداً أَبَا عَامِرٍ فَوْقَ أَكْثَرِ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ) . فَقُتِلَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ، فَقَتَلَ أَبُو مُوْسَى قَاتِلَهُ. الجُرَيْرِيُّ: عَنْ قَسَامَةَ بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: أَعْمِقُوا لِي قَبْرِي (1) . 83 - أَبُو أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيُّ خَالِدُ بنُ زَيْدِ بنِ كُلَيْبٍ * (ع) الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، البَدْرِيُّ، السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الَّذِي خَصَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنُّزُوْلِ عَلَيْهِ فِي بَنِي النَّجَّارِ، إِلَى أَنْ بُنِيَتْ لَهُ حُجْرَةُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ سَوْدَةَ، وَبَنَى المَسْجِدَ الشَّرِيْفَ. اسْمُهُ: خَالِدُ بنُ زَيْدِ بنِ كُلَيْبِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَبْدِ عَمْرٍو (2) بنِ عَوْفِ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الخَزْرَجِ.   (1) ابن سعد 4 / 116، ورجاله ثقات. (*) مسند أحمد: 5 / 113، طبقات ابن سعد: 3 / 485 484، التاريخ لابن معين: 144، طبقات خليفة: 89، 303، تاريخ خليفة: 211، التاريخ الكبير: 3 / 136، 137، المعارف: 274، تاريخ الفسوي: 1 / 312، الجرح والتعديل: 3 / 331، معجم الطبراني الكبر: 4 / 138، المستدرك: 3 / 457، الاستبصار: 70 69، الاستيعاب: 2 / 424، تاريخ ابن عساكر: 5 / 213 / 2، أسد الغابة 2 / 94، تهذيب الكمال: 357، تاريخ الإسلام 2 / 327، العبر: 1 / 56، مجمع الزوائد: 9 / 323، تهذيب التهذيب: 3 / 91 90، الإصابة: 3 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 100 و101، كنز العمال: 13 / 614، شذرات الذهب: 1 / 57. (2) في " الطبقات " 3 / 484، و" أسد الغابة " 2 / 94: ابن عبد بن عوف. وفي " التهذيب " 357: ابن عبد عوف، ويقال: ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم، ويقال: ابن عبد عوف بن جشم بن غنم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 حَدَّثَ عَنْهُ: جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ، وَالبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وَالمِقْدَامُ بنُ مَعْدِ يْكَرِبَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَأَفْلَحُ مَوْلاَهُ، وَأَبُو رُهْمٍ السَّمَاعِيُّ (1) ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، فَفِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : لَهُ مائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً؛ فَمِنْهَا فِي (البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ) : سَبْعَةٌ، وَفِي (البُخَارِيِّ) : حَدِيْثٌ، وَفِي (مُسْلِمٍ) : خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ. حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ أَبِي الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ خَالِدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (اكْتُمِ الخِطْبَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللهُ لَكَ، ثُمَّ احْمَدْ ربَّكَ، وَمَجِّدْهُ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوْبِ، فَإِنْ رَأَيْتَ لِي فِي فُلاَنَةٍ - تُسَمِّيْهَا - خَيْراً فِي دِيْنِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي، فَاقْدُرْهَا لِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا خَيْراً لِي مِنْهَا، فَأَمْضِ لِي -أَوْ قَالَ: اقْدُرْهَا لِي-) (2) .   (1) ويقال: " السمعي "، وقد تحرف في المطبوع إلى السباعي " واسمه: أحزاب بن أسيد. (2) وأخرجه ابن حبان (685) ، والحاكم 1 / 314 و2 / 165، والطبراني (3901) ، والبيهقي 7 / 147، 148، وأحمد 5 / 423، كلهم من طريق الوليد بن أبي الوليد، عن أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه، عن جده. وأيوب بن خالد: هو أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري، عن أبيه، عن جده. وأيوب بن خالد: هو أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري، وأبو أيوب جده لامه عمرة، قال الحافظ في " التقريب ": لين، وأبوه خالد لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه ابن حبان والحاكم، ووافقه المصنف على التصحيح، وذكره الحافظ في " الفتح " شاهدا لحديث جابر في الاستخارة، المخرج في الصحيح 11 / 155، 158، فهو حسن لغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وَفِي سِيْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ لِعَلِيٍّ، وَأَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ وَفَدَ عَلَيْهِ، فَبَالغَ فِي إِكْرَامِهِ، وَقَالَ: لأَجْزِيَنَّكَ عَلَى إِنْزَالِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَكَ. فَوَصَلَهُ بِكُلِّ مَا فِي المَنْزِلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، أَنَّهُ قَالَ: ادْفِنُوْنِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ (2)) . ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو أَيُّوْبَ بَدْراً، ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزَاةٍ إِلاَّ عَاماً، اسْتُعْمِلَ عَلَى الجَيْشِ شَابٌّ، فَقَعَدَ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَلَهَّفُ، وَيَقُوْلُ: مَا عَلَيَّ مَنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيَّ. فَمَرِضَ، وَعلَى الجَيْشِ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ يَعُوْدُهُ، فَقَالَ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَارْكَبْ بِي، ثُمَّ تَبَيَّغْ بِي فِي أَرْضِ العَدُوِّ مَا وَجَدْتَ مَسَاغاً؛ فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغاً، فَادْفِنِّي، ثُمَّ ارْجِعْ. فَلَمَّا مَاتَ رَكِبَ بِهِ، ثُمَّ سَارَ بِهِ، ثُمَّ دَفَنَهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: قَالَ اللهُ:   (1) سيرده في ص 410 بإسناده، وفيها تخريجه. تعليق رقم (4) . (2) أبو ظبيان: هو حصين بن جندب بن الحارث الجنبي الكوفي، ثقة، حديثه في الكتب الستة، وهو في " معجم الطبراني " (4042) من طريق جرير بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 419 من طريق ابن نمير، عن الأعمش، قال: سمعت أبا ظبيان ويعلى حدثنا الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي أيوب، ورواه الطبراني (4041) من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن زائدة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي أيوب، وهو في " تاريخ دمشق " لأبي زرعة (102) . ومتن الحديث روي عن غير أبي أيوب، فقد أخرجه البخاري 3 / 89، ومسلم (92) من حديث ابن مسعود، وأخرجه مسلم (93) من حديث جابر بن عبد الله، وأخرجه البخاري 3 / 88، ومسلم (94) من حديث أبي ذر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التَّوْبَةُ: 41] لاَ أَجِدُنِي إِلاَّ خَفِيْفاً أَوْ ثَقِيْلاً (1) . وَرَوَى: هَمَّامٌ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قَالَ لِيَزِيْدَ: أَقْرِئِ النَّاسَ مِنِّي السَّلاَمَ؛ وَلْيَنْطَلِقُوا بِي، وَلَيُبْعِدُوا مَا اسْتَطَاعُوا. قَالَ: فَفَعَلُوا (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ عَامَ غَزَا يَزِيْدُ فِي خِلاَفَةِ أَبِيْهِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ. فَلَقَدْ بَلَغَنِي: أَنَّ الرُّوْمَ يَتَعَاهَدُوْنَ قَبْرَهُ، وَيَرُمُّوْنَهُ، وَيَسْتَسْقُوْنَ بِهِ. وَذَكَرَهُ: عُرْوَةُ، وَالجَمَاعَةُ، فِي البَدْرِيِّيْنَ (3) . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: شَهِدَ العَقَبَةَ الثَّانِيَةَ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ النَّجَّارُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأَنَّهُ اخْتَتَنَ بِقَدُوْمٍ (5) . وَعنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْن أَبِي أَيُّوْبَ، وَمُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ. شَهِدَ أَبُو أَيُّوْبَ المَشَاهِدَ كُلَّهَا (6) .   (1) أخرجه ابن سعد 3 / 485، من طريق إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، ورجاله ثقات. ومحمد: هو ابن سيرين، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46، وقوله: " ثم تبيغ " كذا الأصل، وقد أثبت فوق الكلمة " صح "، يقال: تبيغ به الدم، أي: تردد فيه الدم، وتبيغ الماء إذا تردد فتحير في مجراه مرة كذا ومرة كذا وفي " الطبقات "، و" النهاية " و" أسد الغابة " و" تهذيب ابن عساكر ": " ثم سغ "، وفسره ابن الأثير، فقال: أي: ادخل فيها ما وجدت مدخلا، وساغت به الأرض، أي: ساخت، وساغ الشراب في الحلق يسوق، أي: دخل سهلا. (2) ابن سعد 3 / 485، وأحمد 5 / 416. (3) ابن سعد 3 / 485، وتهذيب ابن عساكر 5 / 46، وانظر " تاريخ دمشق " 1 / 188 و226 لأبي زرعة. (4) تهذيب ابن عساكر 5 / 40. (5) القدوم: الفأس التي ينحت بها الخشب، وفي تهذيب ابن عساكر 5 / 40: إنما سمي النجار، لأنه نجر وجه رجل بقدوم. (6) ابن سعد 3 / 484، وتهذيب ابن عساكر 5 / 40. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: جَاءَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ مِصْرَ فِي البَحْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: قَدِمَ دِمَشْقَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ (2) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: شَهِدَ حَرْبَ الخَوَارِجِ مَعَ عَلِيٍّ (3) . جَعْفَرُ بنُ جِسْرِ بنِ فَرْقَدٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ادْخُلِ المَدِيْنَةَ رَاشِداً مَهْدِيّاً. فَدَخَلَهَا، وَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، كُلَّمَا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ، قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَا هُنَا. فَقَالَ: (دَعُوْهَا، فَإِنَّهَا مَأُمُوْرَةٌ) - يَعْنِي النَّاقَةَ -. حَتَّى بَرَكَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوْبَ (4) . يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ، أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فِي بَيْتِنَا الأَسْفَلِ، وَكُنْتُ فِي الغُرْفَةِ، فَأُهْرِيْقَ مَاءٌ فِي الغُرْفَةِ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوْبَ بِقَطِيْفَةٍ لَنَا نَتَتَبَّعُ المَاءَ، وَنَزَلْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، لاَ يَنْبِغِي أَنْ نَكُوْنَ فَوْقَكَ، انْتَقِلْ إِلَى الغُرْفَةِ. فَأَمَرَ بِمَتَاعِهِ، فَنُقِلَ - وَمَتَاعُهُ قَلِيْلٌ -. قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كُنْتَ تُرْسِلُ بِالطَّعَامِ، فَأَنْظُرُ، فَإِذَا رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعَكَ، وَضَعْتُ فِيْهِ يَدِي (5) .   (1) تهذيب ابن عساكر 5 / 40. (2) وهو في تهذيب ابن عساكر 5 / 40. (3) تهذيب ابن عساكر 5 / 40. (4) إسناده ضعيف لضعف جعفر بن جسر وأبيه، وقد تحرف " جسر " في المطبوع إلى " جبير "، والخبر في " الكامل " لابن عدي 60 / 1 في ترجمة جسر بن فرقد، ونقله عنه ابن عساكر كما في " تهذييه " 5 / 40 وانظر " زاد المعاد " 1 / 101، 102 طبع مؤسسة الرسالة. (5) إسناده صحيح. أبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليزني ثقة فقيه، وأبورهم: هو أحزاب بن أسيد مختلف في صحبته، وصحح الحافظ في " التقريب " أنه مخضرم، وأخرجه أحمد في = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 بَحِيْرُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، قَالَ: أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ: أَيُّهُمْ يُؤْوِي رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَرَعَهُمْ أَبُو أَيُّوْبَ، فَكَانَ إِذَا أُهْدِيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامٌ، أُهْدِيَ لأَبِي أَيُّوْبَ. فَدَخَلَ أَبُو أَيُّوْبَ يَوْماً، فَإِذَا قَصْعَةٌ فِيْهَا بَصَلٌ، فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا، وَقَالَ: (إِنَّهُ يَغْشَانِي مَا لاَ يَغْشَاكُمْ (1)) . الصَّنْعَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بنُ نُبَاتَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيُّ، أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُ، قَالَ: خَلَوْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَيُّ أَصْحَابِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (اكْتُمْ عَلَيَّ حَيَاتِي) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عَلِيٌّ) . ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (مَنْ عَسَى أَنْ يَكُوْنَ بَعْدَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ الزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَسَعْدٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ،   = المسند " 5 / 420 من طريق يونس بن محمد المؤدب، عن الليث بن سعد بهذا الإسناد، وأخرجه الطبراني برقم (3878) من طريق الليث به، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 3 / 56 إلى أبي بكر بن أبي شيبة وابن أبي عاصم. وأخرجه الحاكم 3 / 460، 461 من طريق ابن إسحاق: حدثني يزيد بن حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي أمامة الباهلي، عن أبي أيوب، وقال: هذا حديث على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وهو في " معج الطبراني " برقم (3855) من طريق محمد بن إسحاق به، وأخرجه بنحوه مسلم في " صحيحه " (2053) في الاشربة: باب إباحة أكل الثوم، من طريق عاصم بن عبد الله بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب. (1) أخرجه أحمد 5 / 414، والطبراني برقم (4091) من طريقين عن بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، إلا أن بقية بن الوليد مدلس، وقد عنعن، وقوله: " فلم يأكل منها " أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظ " المسند " بعد قوله: " فيها بصل " فقال: ما هذا؟ فقالوا: أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاطلع أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما منعك من هذه القصعة؟ قال: " رأيت فيها بصلا "، قال: ولا يحل لنا البصل؟ قال: " بلى، فكلوه ولكن يغشاني ما لا يغشاكم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَنْتَ، وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَوْفٍ؛ ثُمَّ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ مِنَ المَوَالِي: سَلْمَانُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ هَؤُلاَءِ خَاصَّتِي) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. رَوَاهُ: الهَيْثَمُ الشَّاشِيُّ (1) فِي (مُسْنَدِهِ) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَفِيَّةَ، بَاتَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ، فَرَأَى رَسُوْلَ اللهِ كَبَّرَ، وَمَعَ أَبِي أَيُّوْبَ السَّيْفُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَانَتْ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَكُنْتَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا؛ فَلَمْ آمَنْهَا عَلَيْكَ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لَهُ خَيْراً (2) . غَرِيْبٌ جِدّاً. وَلَهُ شُوَيْهِدٌ مِنْ حَدِيْثِ: عِيْسَى بنِ المُخْتَارِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... ، فَذَكَرَ قَرِيْباً مِنْهُ. وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ، بِنَحْوِهِ. وَابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، نَحْوَهُ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: أَعْرَسْتُ، فَدَعَا أَبِي النَّاسَ فِيْهِم أَبُو أَيُّوْبَ، وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِجُنَادِيٍّ أَخْضَرَ. فَجَاءَ أَبُو أَيُّوْبَ، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ، فَإِذَا البَيْتُ مُسَتَّرٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! تَسْتُرُوْنَ الجُدُرَ؟ فَقَالَ أَبِي، وَاسْتَحْيَى: غَلَبَنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوْبَ. فَقَالَ: مَنْ خَشِيْتُ أَنْ   (1) تحرف في " المطبوع " إلى " الشابشتي " وأورد الخبر ابن عساكر كما في " تهذيبه " 5 / 41. (2) ابن سعد 8 / 126، وتهذيب ابن عساكر 5 / 41، 42. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 تَغْلِبَهُ النِّسَاءُ، فَلَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبْنَكَ، لاَ أَدْخُلُ لَكُمْ بَيْتاً، وَلاَ آكُلُ لَكُمْ طَعَاماً (1) ! غَرِيْبٌ. رَوَاهُ: النُّفَيْلِيُّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْهُ. ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْز بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوْبَ يُخَالِفُ مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ وَافَقْتَهُ وَافَقْنَاكَ، وَإِنْ خَالَفْتَهُ خَالَفْنَاكَ (2) . مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: انْضَمَّ مَرْكَبُنَا إِلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ فِي البَحْرِ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَزَّاحٌ، فَكَانَ يَقُوْلُ لِصَاحِبِ طَعَامِنَا: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً وَبِرّاً، فَيَغْضَبُ. فَقُلْنَا لأَبِي أَيُّوْبَ: هُنَا مَنْ إِذَا قُلْنَا لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً يَغْضَبُ! فَقَالَ: اقْلِبُوْهُ لَهُ. فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ: إِنَّ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ الخَيْرُ أَصْلَحَهُ الشَّرُّ. فَقَالَ لَهُ المَزَّاحُ: جَزَاكَ اللهُ شَرّاً وَعُرّاً. فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَا تَدَعُ مُزَاحَكَ! (3)   (1) إسناده قوي، وأخرجه الطبراني (3853) من طريق معاذ بن المثنى، عن مسدد، عن بشر ابن المفضل بهذا الإسناد، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 5 / 218 / 2، وقوله: " بجنادي أخضر ": قال في " النهاية ": هو جنس من الانماط أو الثياب يستر بها الجدران. (2) وأخرجه الطبراني برقم (3993) من طريق أحمد بن عمرو الخلال، عن يعقوب بن حميد، عن عبد الله بن رجاء بهذا الإسناد، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 2 / 68. (3) إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي. والعر: القبح والمساوئ، وقد تحرفت في الطبراني المطبوع إلى " عسر "، والخبر أخرجه الطبراني برقم (4076) من طريق بشر بن موسى، عن أبي عبد الرحمن المقرئ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 185 عن الطبراني، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 43، 44. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 ذَكَرَ خَلِيْفَةُ: أَنَّ عَلِيّاً اسْتَعْمَلَ أَبَا أَيُّوْبَ عَلَى المَدِيْنَةِ (1) . وَقَالَ الحَاكِمُ: لَمْ يَشْهَدْ أَبُو أَيُّوْبَ مَعَ عَلِيٍّ صِفِّيْنَ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْب غَزَا زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا احْتُضِرَ، قَالَ: إِذَا صَافَفْتُمُ العَدُوَّ، فَادْفِنُونِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ (2) . ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الهَجَرِيُّ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيُّ العِرَاقَ، فَأَهْدَتْ لَهُ الأَزْدُ جُزُراً مَعِي، فَسَلَّمْتُ، وَقُلْتُ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ، قَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ بِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، وَبِنُزُوْلِهِ عَلَيْكَ؛ فَمَا لِي أَرَاكَ تَسْتَقْبِلُ النَّاسَ تُقَاتِلُهُمْ بِسَيْفِكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ مَعَ عَلِيٍّ النَّاكِثِيْنَ، فَقَدْ قَاتَلْنَاهُمْ؛ وَالقَاسِطِيْنَ، فَهَذَا وَجْهُنَا إِلَيْهِمْ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ- وَالمَارِقِيْنَ، فَلَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ (3) . هَذَا خَبَرٌ وَاهٍ. إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قَدِمَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ البَصْرَةَ، فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ، وَقَالَ: لأَصْنَعَنَّ بِكَ كَمَا صَنَعْتَ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمْ عَلَيْكَ؟ قَالَ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَعِشْرِيْنَ مَمْلُوْكاً، وَمَتَاعَ البَيْتِ (4) .   (1) تهذيب ابن عساكر 5 / 44. (2) الطبراني 4 / 139 و204، وتهذيب ابن عساكر 5 / 45 وقوله " صاففتم " أي: رتبتم صفوفكم في مقابل صفوف العدو. (3) إسناده ضعيف لضعف إبراهيم الهجري، وهو إبراهيم بن مسلم العبدي من رجال " التهذيب "، والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 44. (4) أخرجه الطبراني برقم (3877) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، عن أبي كريب بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من أبي أيوب، وأخرجه الحاكم 3 / 461، 462، وصححه، ووافقه الذهبي. وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 323، و" أسد الغابة " 2 / 96. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 ابْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ كَثِيْرِ بنِ أَفْلَحَ - وَهَذَا حَدِيْثُهُ - قَالَ: قَدِمَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَحَادَثَهُ، وَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ، مَنْ قَتَلَ صَاحِبَ الفَرَسِ البَلْقَاءِ الَّتِي جَعَلَتْ تَجُوْلُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: أَنَا؛ إِذْ أَنْتَ وَأَبُوْكَ عَلَى الجَمَلِ الأَحْمَرِ مَعَكُمَا لِوَاءُ الكُفْرِ. فَنَكَّسَ مُعَاوِيَةُ، وَتَنَمَّرَ أَهْلُ الشَّامِ، وَتَكَلَّمُوا. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَهْ! وَقَالَ: مَا نَحْنُ عَنْ هَذَا سَأَلْنَاكَ (1) . أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ عُمَارَةَ بنَ غَزِيَّةَ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو أَيُّوْبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّكُم سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا) . فَبَلَغَتْ مُعَاوِيَةَ، فَصَدَّقَهُ، فَقَالَ: مَا أَجْرَأَهُ! لاَ أُكَلِّمُهُ أَبَداً، وَلاَ يُؤْوِيْنِي وَإِيَّاهُ سَقْفٌ. وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الغَزْوِ، فَمَرِضَ؛ فَعَادَهُ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ عَلَى الجَيْشِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: مَا ازْدَدْتُ عَنْكَ وَعَنْ أَبِيْكَ إِلاَّ غِنَىً؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَ قَبْرِي مِمَّا يَلِي العَدُوَّ ... ، الحَدِيْثَ (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: أَغْزَى أَبُو أَيُّوْبَ، فَمَرِضَ، فَقَالَ: إِذَا مِتُّ، فَاحْمِلُوْنِي، فَإِذَا صَافَفْتُمُ العَدُوَّ، فَارْمُوْنِي تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ مَاتَ لاَ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 44، 45. (2) تهذيب ابن عساكر 5 / 45، وفيه انقطاع. ومتن الحديث ثابت من حديث أنس بن مالك، أخرجه البخاري 7 / 89 في مناقب الأنصاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار: " اصبروا "، ومسلم (1845) في الامارة، من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أسيد بن حضير رضي الله عنه، أن رجلا من الانصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: " ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " والاثرة، بفتح الهمزة والثاء الاسم من أثر يؤثر إيثارا: إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم في أمور الدنيا، ويفضل عليكم غيركم في نصيبه من الفئ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 يُشرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الجَنَّةَ (1)) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. جَرِيْرٌ: عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ مِصْرَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ قَفَلُوا مِنْ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرُوْنِي: أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا عِنْدَ انْقَضَاءِ مَغْزَاهُمْ حَيْثُ يَرَاهُمُ العَدُوُّ، حَضَرَ أَبَا أَيُّوْبَ المَوْتُ؛ فَدَعَا الصَّحَابَةَ وَالنَّاسَ، فَقَالَ: إِذَا قُبِضْتُ، فَلْتُرْكَبِ الخَيْلُ، ثُمَّ سِيْرُوا حَتَّى تَلْقَوُا العَدُوَّ، فَيَرُدُّوْكُمْ، فَاحْفِرُوا لِي، وَادْفِنُوْنِي، ثُمَّ سَوُّوْهُ! فَلْتَطَأِ الخَيْلُ وَالرِّجَالُ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يُعْرَفَ، فَإِذَا رَجَعْتُمْ، فَأَخْبِرُوا النَّاسَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَنِي: (أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (2)) . قَالَ الوَلِيْدُ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَغْزَى مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ، حَتَّى أَجَازَ بِهِمُ الخَلِيْجَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَ القُسْطِنْطِيْنِيَّةِ عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ قَفَلَ (3) . وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ قُبِرَ مَعَ سُوْرِ القُسْطِنْطِيْنِيَّةِ، وَبُنِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَتِ الرُّوْمُ: يَا مَعْشَرَ العَرَبِ، قَدْ كَانَ لَكُمُ اللَّيْلَةَ شَأْنٌ. قَالُوا: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا، وَاللهِ لَئِنْ نُبِشَ، لاَ ضُرِبَ بِنَاقُوْسٍ فِي بِلاَدِ العَرَبِ. فَكَانُوا إِذَا قَحَطُوا، كَشَفُوا عَنْ قَبْرِهِ، فَأُمْطِرُوا (4) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو أَيُّوْبَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ يَزِيْدُ، وَدُفِنَ بِأَصْلِ حِصْنِ القُسْطِنْطِيْنِيَّةِ، فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرُّوْمَ يَتَعَاهَدُوْنَ قَبْرَهُ،   (1) تقدم تخريجه في الصفحة 404 تعليق رقم (2) ، وانظر ابن سعد 3 / 484، 485. (2) إسناده ضعيف لضعف قابوس بن أبي ظبيان، لكنه في معنى ما قبله، وقد ذكره ابن عساكر كما في " تهذيبه " 5 / 45، 46، من طريق المحاملي. (3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46. (4) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَيَسْتَسْقُوْنَ بِهِ (1) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. 84 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمِ بنِ الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَبْرُ، المَشْهُوْدُ لَهُ بِالجَنَّةِ، أَبُو الحَارِثِ الإِسْرَائِيْلِيُّ، حَلِيْفُ الأَنْصَارِ. مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ الغَسِيْلِ، وَابْنَاهُ؛ يُوْسُفُ وَمُحَمَّدٌ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَقَيْسُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَآخَرُوْنَ.   (1) ابن سعد 3 / 485 من طريق الواقدي، وهو ضعيف كما تقدم غير مرة، والاستسقاء بأهل الصلاح، إنما يكون في حياتهم لا بعد موتهم، كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فقد روى البخاري في " صحيحه " 2 / 410 في الاستسقاء: باب سؤال الناس الامام الاستسقاء، من طريق أنس ; أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيسقون. وقد بين الزبير بن بكار في " الأنساب " صفة ما دعا به العباس فيما نقله عنه الحافظ: " اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث ". (*) مسند أحمد: 5 / 450، طبقات ابن سعد: 2 / 353 352، التاريخ لابن معين: 311، طبقات خليفة: 8، تاريخ خليفة: 56، 206، التاريخ الكبير: 5 / 19 18، تاريخ الفسوي: 1 / 264، الجرح والتعديل: 5 / 62، المستدرك: 3 / 413، الاستبصار: 193، الاستيعاب: 3 / 921، جامع الأصول: 9 / 81، أسد الغابة: 3 / 264، تاريخ الإسلام: 2 / 230، العبر: 1 / 51، مجمع الزوائد: 9 / 326، تهذيب التهذيب: 5 / 249، الإصابة: 6 / 108، خلاصة تذهيب الكمال: 200 تهذيب الكمال: 691. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَكَانَ فِيْمَا بَلَغَنَا مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ. نَقَلَهُ الوَاقِدِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: اسْمُهُ: الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ (1) . وَرَوَى: قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ - وَهُوَ ضَعِيْفٌ - عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامَيْنِ. فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ مَرْدُوْدٌ بِمَا فِي (الصَّحِيْحِ) : مِنْ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَقْتَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُدُوْمِهِ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - وَهُوَ حَلِيْفُ القَوَاقِلَةِ. قَالَ: وَلَهُ إِسْلاَمٌ قَدِيْمٌ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، وَهُوَ مِنْ أَحْبَارِ اليَهُوْدِ. قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَكُنْتُ فِيْمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوْا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ (3)) . وَرَوَى: حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمَهُ   (1) " المستدرك " 3 / 413. (2) في " القاموس ": والقوقل: اسم أبي بطن من الانصار، لأنه كان إذا أتاه إنسان يستجير به أو بيثرب، قال له: قوقل في هذا الجبل، وقد أمنت ; أي: ارتق، وهم القواقلة. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 451، والترمذي (2487) ، وابن ماجه (1334) و (3251) ، والدارمي 1 / 340، كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة، عن زرارة ابن أوفى، عن عبد الله بن سلام، وصححه الحاكم 3 / 13، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم 4 / 129. وقوله: " انجفل الناس عليه " أي: ذهبوا مسرعين نحوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُشْبِهُ الوَلَدُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ؟ فَقَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيْلُ آنفاً) . قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُوْدِ مِنَ المَلاَئِكَةِ. قَالَ: (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ المَشْرِقِ، فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ مَا يَأكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ: فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوْتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ إِلَيْهِ الوَلَدُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ نَزَعَ إِلَيْهَا) . قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ اليَهُوْدَ قَوْمٌ بُهْتٌ؛ وَإِنَّهُم إِنْ يَعْلَمُوا بإِسْلاَمِي بَهَتُوْنِي، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَيُّ رَجُلٍ ابْنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟) . قَالُوا: حَبْرُنَا، وَابْنُ حَبْرِنَا؛ وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا. قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ، تُسْلِمُوْنَ؟) . قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا؛ وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا. فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّهُم قَوْمٌ بُهْتٌ (1) . عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَقَالُوا: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ. فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُوْنَ، وَسَمِعَ ابْنُ سَلاَمٍ - وَهُوَ فِي نَخْلٍ يَخْتَرِفُ - فَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيْهَا، فَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. فَلَمَّا خَلاَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ   (1) أخرجه البخاري 62 / 61 في أول الأنبياء، و7 / 212 في مناقب الانصار، و8 / 125، 126 في التفسير، من طرق عن حميد، عن أنس. وقوله: " بهت " بضم الباء والهاء ويجوز إسكانها ك جمع بهيت، كقضيب وقضب، وقليب وقلب: وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ اليَهُوْدُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَجَاؤُوْا، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ اليَهُوْدِ، وَيْلَكُم! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنِّي رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا) . قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ. قَالَ: (فَأَيُّ رَجُلٍ فِيْكُمُ ابْنُ سَلاَمٍ؟) . قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ: (أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟) . قَالُوا: حَاشَى للهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ! فَقَالَ: (اخْرُجْ عَلَيْهِمْ) . فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَيْلَكُمْ! اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ حَقّاً. قَالُوا: كَذَبْتَ. فَأَخْرَجَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ سَلاَمٍ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بنِ عُبَيْدٍ: {لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ... } (2) الآيَتَيْنِ، [آلُ عِمْرَانَ: 113، 114] .   (1) أخرجه البخاري 7 / 195، 198 في الهجرة، من طريق محمد بن سلام، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بهذا الإسناد. وقوله: " يخترف " أي يجتني من الثمار ويصرم. (2) أخرجه الطبري في " تفسيره " (7644) و (7645) من طريقين عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، ومحمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت لم يوثقه غير ابن حابن، وقال المؤلف: لا يعرف، وهذا السبب هو المشهور عند كثير من المفسرين، وقال ابن أبي نجيح كما في الطبري (7648) : زعم الحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعود في قوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي. قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 1 / 397: يؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الامام أحمد في " مسنده ": حدثنا أبو النضر، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا شيبان، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 مَالِكٌ: عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ لأَحَدٍ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلاَّ لِعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَفِيْهِ نَزَلَتْ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأَحْقَافُ (1) : 10] . حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ بَهْدلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَجَاءَ ابْنُ سَلاَمٍ (2) . وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ:   = ينتظرون الصلاة، فقال: " أما إنه ليس من أهل هذه الاديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " قال: فنزلت هذه الآيات (ليسوا سواء من أهل الكتاب) إلى قوله: (والله عليم بالمتقين) . وسنده حسن. (1) أخرجه مالك في الموطأ، ورواه البخاري 7 / 97 في المناقب: باب مناقب عبد الله بن سلام، ومسلم (2483) في الفضائل، من حديث مالك به، وقد استظهر الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " أن قوله: " وفيه نزلت.." مدرج، وقد وقع في رواية ابن وهب عند الدراقطني التصريح بأنه من قول مالك. وقال ابن كثير 4 / 165: وهذا الشاهد اسم جنس، يعم عبد الله بن سلام رضي الله عنه وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وهذا كقوله تبارك وتعالى: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) ، وقال: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) . قال مسروق والشعبي: ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة، رواه عنهما ابن جرير 26 / 9، واختاره. (2) إسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة، وهو في " المسند " 1 / 169 و183، ولفظه بتمامه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة من ثريد، فأكل، ففضل منه فضلة، فقال: " يدخل من هذا الفج رجل من أهل الجنة، يأكل هذه الفضلة " قال سعد: وقد كنت تركت أخي عمير بن أبي وقاص يتهيأ لان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فطمعت أن يكون هو، فجاء عبد الله بن سلام، فأكلها. وصححه الحاكم 3 / 416، ووافقه الذهبي. سير 2 / 27 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 (تَمُوْتُ وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى (1)) . إِسْنَادُهَا قَوِيٌّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، عَنْ مَعَبْدٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ: أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ معَاذٌ، قَعَدَ يَزِيْدُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِمَا فَاتَنِي مِنَ العِلْمِ. قَالَ: إِنَّ العِلْمَ كَمَا هُوَ لَمْ يَذْهَبْ، فَاطْلُبْهُ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ، فَسَمَّاهُمْ، وَفِيْهِمْ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ، الَّذِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ: (هُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ (2)) . البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمِيْرَةَ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ المَوْتُ، قِيْلَ لَهُ: أَوْصِنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: الْتَمِسُوْا العِلْمَ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن سَلاَمٍ الَّذِي أَسْلَمَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الجَنَّةِ (3)) . {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ (4) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى: حَدَّثَنَا معَاذُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ   (1) أخرجه البخاري 12 / 353 في التعبير: باب التعليق بالعروة والحلقة، من طريقين، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد الله بن سلام، وسيذكر المؤلف نصه بتمامه قريبا. (2) ابن سعد 2 / 352، 353. (3) " التاريخ الصغير " 1 / 73، وأخرجه الترمذي (3804) في المناقب، من طريق قتيبة، عن الليث، عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد، وهذا سند قوي، وصححه الحاكم 3 / 416، ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ في " الإصابة " 6 / 109 عن " التاريخ الصغير "، وجود إسناده. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (4) تفسير مجاهد 1 / 331. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ. فَقَالَ: (اقْرَأْ بِهَذَا لَيْلَةً، وَبِهَذَا لَيْلَةً) . إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ (1) . فَإِنَّ صَحَّ، فَفِيْهِ رُخْصَةٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُبَدَّلْ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَلاَ رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ التَّبْدِيْلِ عَلَى جَمِيْعِ نُسَخِ التَّوْرَاةِ المَوْجُوْدَةِ، وَنَحْنُ نُعَظِّمُ التَّوْرَاةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَنُؤمِنُ بِهَا. فَأَمَّا هَذِهِ الصُّحُفُ الَّتِي بِأَيْدِي هَؤُلاَءِ الضُّلاَّلِ، فَمَا نَدْرِي مَا هِيَ أَصْلاً، وَنَقِفُ فَلاَ نُعَامِلُهَا بِتَعَظِيْمٍ وَلاَ بِإِهَانَةٍ، بَلْ نَقُوْلُ: آمَنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَيَكْفِيْنَا فِي ذَلِكَ الإِيْمَانُ المُجْمَلُ - وَللهِ الحَمْدُ -. عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ: زَعَمَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ مَرَّ فِي السُّوْقِ، عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ أَغْنَاكَ اللهُ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْمَعَ الكِبْرَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ) (2) .   (1) لان إبراهيم بن أبي يحيى وهو الاسلمي المدني متروك الحديث، وبعضهم اتهمه، فالحديث ضعيف جدا، بل يكاد يكون موضوعا، فإنه مخالف لحديث جابر بن عبد الله أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: " أمتهوكون (أي متحيرون) كما تهوكت اليهود والنصاري، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي " وهو حديث حسن، أخرجه أحمد 3 / 338 و378، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد عند أحمد 3 / 470، 471، وآخر من حديث عمر عند أبي يعلى. انظر " مجمع الزوائد " 1 / 173، 174. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 416، من طريق سالم بن إبراهيم صاحب المصاحف، عن عكرمة بن عمار به، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: سالم واه. قلت: الحديث المرفوع دون القصة صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه عنه مسلم (91) ، وأبو داود (4091) ، والترمذي (1999) بلفظ: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟ " قال: " إن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 اتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً. الوَاقِدِيُّ: عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، وَآخَرَ: أَنَّ ابْنَ سَلاَمٍ كَانَ اسْمُهُ الحُصَيْنُ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللهِ (1) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ ... ، الحَدِيْثَ. وَفِيْهِ، قَالُوا: شَرُّنَا، وَابْنُ شَرِّنَا ... ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: يَقُوْلُ عَبْدُ اللهِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ ابْنُ سَلاَمٍ، فَقَالَ: سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا، آمَنْتُ بِكَ ... ، الحَدِيْثَ (3) . هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اليَهُوْدَ يَجِدُوْنَكَ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فُلاَنٍ، وَفُلاَنٍ - نَفَرٍ سَمَّاهُمْ - فَقَالَ: (مَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ فِيْكُمْ؟ وَمَا أَبُوْهُ؟) . قَالُوا: سَيِّدُنَا، وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا، وَابْنُ عَالِمِنَا. قَالَ: (أَرَأَيْتُم إِنْ أَسْلَمَ، أَتُسْلِمُوْنَ؟) . قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُسْلِمُ! فَدَعَاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَتَشَهَّدَ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا كُنَّا نَخْشَاكَ عَلَى هَذَا! وَخَرَجُوا، وَأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ   الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس ". (1) هو في " المستدرك " 4 / 414 وقد مر أول الترجمة. (2) إسناده صحيح، وقد تقدم. (3) إسناده صحيح، وقد تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأَحْقَافُ (1) : 10] . إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ قَيْسِ بنِ عُبَادٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوْعٍ، فَقَالَ القَوْمُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَوْجَزَ فِيْهِمَا، فَلَمَّا خَرَجَ، اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثْتُهُ؛ فَلَمَّا اسْتَأَنَسَ، قُلْتُ: إِنَّهُم قَالُوا لَمَّا دَخَلْتَ المَسْجِدَ: كَذَا، وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبِغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُوْلَ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَسَطُهَا عَمُوْدٌ حَدِيْدٌ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاَهُ فِي السِّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ، فَقِيْلَ لِي: اصْعَدْ عَلَيْهِ. فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقِيْلَ: اسْتمْسِكْ بِالعُرْوَةِ. فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: (أَمَّا الرَّوْضَةُ، فَرَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العَمُوْدُ، فَعَمُوْدُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَهِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى؛ أَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوْتَ) . قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ (2) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى شِيَخَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصاً لَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: زَعَمَ هَؤُلاَءِ أَنَّكَ مِنْ   (1) رجاله ثقات، إلا أن الحسن وهو البصري لم يسمع من عبد الله بن سلام، وهو في " جامع البيان " 26 / 11 من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن عوف، عن الحسن. (2) وأخرجه البخاري 7 / 98 في المناقب، ومسلم (2484) ، وأحمد 5 / 452، من طرق عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن قيس بن عباد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 أَهْلِ الجَنَّةِ! فَقَالَ: الجَنَّةُ للهِ، يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ رُؤْيَا: رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلاً أَتَانِي، فَقَالَ: انْطَلِقْ، فَسَلَكَ بِي فِي مَنْهَجٍ عَظِيْمٍ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي، إِذْ عَرَضَ لِي طَرِيْقٌ عَنْ شِمَالِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيْقٌ عَنْ يَمِيْنِي، فَسَلَكْتُهَا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ؛ فَلَمْ أَتَقَارَّ، وَلَمْ أَتَمَاسَكْ، وَإِذَا عَمُوْدٌ مِنْ حَدِيْدٍ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَرَحَلَ بِي، حَتَّى أَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقَالَ لِي: اسْتَمْسِكْ بِالعُرْوَةِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (رَأَيْتَ خَيْراً، أَمَّا المَنْهَجُ العَظِيْمُ؛ فَالمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيْقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ شِمَالِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الَّتِي عَنْ يَمِيْنِكَ؛ فَطَرِيْقُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَمَّا الجَبَلُ الزَّلِقُ؛ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا العُرْوَةُ؛ فَعُرْوَةُ الإِسْلاَمِ، فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوْتَ) . وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ (1) . جَرِيْرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي حَلَقَةٍ، فِيْهِمُ ابْنُ سَلاَمٍ يُحَدِّثُهُمْ؛ فَلَمَّا قَامَ، قَالُوا: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. فَتَبِعْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ (2) . وَهُوَ صَحِيْحٌ. وَرَوَى: بِشْرُ بنُ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ: أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ نَهَاوَنْدَ.   (1) إسناده حسن من أجل عاصم، وأخرجه أحمد 5 / 452، 453، وابن ماجه (3920) من طريق حماد بن سلمة بهذا الإسناد، وشيخة جمع شيخ، وأتقار: أستقر. (2) أخرجه مسلم (2484) من طريق قتيبة وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن جرير بهذا الإسناد، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 414 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد بإسناد مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 قَالَ أَيُّوْبُ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَلاَمٍ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَنِي، وَليْسَ لِي رَكُوْبٌ (1) ، فَاحْمِلُوْنِي، حَتَّى تَضَعُوْنِي بَيْنَ الصَّفَيْنِ -يَعْنِي: قُبَالَ الأَعْمَاقِ-. مُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ، سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَعَوَّذَ مِنَ الشَّيْطَانِ (2) . حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بن أَبِي مُوْسَى، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ جَالِسٌ فِي حَلَقَةٍ مُتَخَشِّعاً، عَلَيْهِ سِيْمَاءُ الخَيْرِ، فَقَالَ: يَا أَخِي، جِئْتَ وَنَحْنُ نُرِيْدُ القِيَامَ، فَأَذِنْتُ لَهُ، أَوْ قُلْتُ: إِذَا شِئْتَ. فَقَامَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا ابْنُ أَخِيْكَ؛ أَنَا أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى. فَرَحَّبَ بِي، وَسَأَلَنِي، وَسَقَانِي سَوِيْقاً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ بِأَرْضِ الرِّيْفِ، وَإِنَّكُمْ تُسَالِفُوْنَ الدَّهَاقِيْنَ، فَيُهْدُوْنَ لَكُم حُمْلاَنَ القَتِّ   (1) الركوب: كل دابة تركب. (2) محمد بن مصعب: هو ابن صدقة القرقساني سيء الحفظ، ثم هو مرسل، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما أخرجه أبو داود (465) ، وابن ماجه (772) من حديث أبي حميد، أو أبي أسيد: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك ". وإسناده صحيح، وأخرجه مسلم (713) عنهما بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد " فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من فلك " وأخرج ابن ماجه (773) وابن السني (85) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " وإسناده صحيح. كما قال صاحب " الزوائد " ورقة 52، وصححه ابن خزيمة (452) وابن حبان (321) والحاكم 1 / 207، ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَالدَّوَاخِلِ؛ فَلاَ تَقْرَبُوْهَا، فَإِنَّهَا نَارٌ (1) . قَدْ مَرَّ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَأَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنِ حَمُّوْيَةَ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؛ لَعَمِلْنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمِ، يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَا لاَ تَفْعَلُوْنَ ... } [الصَّفُّ: 1-2] حَتَّى خَتَمَهَا (2) . قَالَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى خَتَمَهَا. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ. قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى،   (1) رجال إسناده ثقات، وأشعث: هو ابن عبد اله بن جابر الحداني، وقد نسب الحافظ ابن حجر هذا الخبر في " الإصابة " 6 / 110 إلى ابن عساكر. وأخرجه البخاري في " صحيحه " 7 / 98 في المناقب من طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: أتيت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام، فقال: " ألا تجئ، فأطعمك سويقا وتمرا، وتدخل في بيت (أي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فيه) ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاش إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت (علف الدواب) فلا تأخذه، فإنه ربا. قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام، وإلا فالفقهاء على أنه إنما يكون ربا إذا شرطه، نعم الورع تركه، تسالفون: من السلف وهو القرض، والحملان: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة والدواخل: جمع دوخلة: زبيل من خوص يجعل فيه التمر والرطب. (2) محمد بن كثير وهو ابن أبي عطاء الثقفي كثير الغلط، لكنه قد توبع كما سيأت ي، وباقي رجاله ثقات، وهو في " مسند الدرامي " 2 / 200، وكذلك أخرجه الترمذي (3309) من طريق محمد بن كثير، عن الاوزاعي. وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 452 من طريق يعمر، عن عبد الله بن المبارك، أخبرنا الاوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني هلال بن أبي ميمونة، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّارِمِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عِيْسَى، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الدَّاوُوْدِيُّ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو الوَقْتِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. قُلْتُ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا شُيُوْخُنَا (1) . صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيْسَةَ اليَهُوْدِ، فَقَالَ: (أَرُوْنِي يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُوْنَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ؛ يَحُطُّ اللهُ عَنْكُمُ الغَضَبَ) . فَأُسْكِتُوا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. قَالَ: (فَوَاللهِ لأَنَا الحَاشِرُ، وَأَنَا العَاقِبُ (2) ، وَأَنَا المُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُم) . فَلَمَّا كَادَ يَخْرُجُ، قَالَ رَجُلٌ: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُوْنَنِي فِيْكُمْ؟ قَالُوا: مَا فِيْنَا أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ   أن عطاء بن يسار، حدثه: أن عبد الله بن سلام حدثه، أو قال: حدثني أبو سلمة عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سلام. وهذا سند صحيح، صرح فيه يحيى بن أبي كثير بالتحديث. وأخرجه الحاكم 2 / 486، 487 من طريق الوليد بن مزيد، وأبي إسحاق الفزاري، كلاهما عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سلام. وصححه، ووافقه الذهبي. (1) قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 212: هو من أصح مسلسل يروى في الدنيا، قل أن وقع في المسلسلات مثله في مزيد علوه. قلت: والحديث المسلسل: ما توارد فيه الرواة على وصف لهم قولا أو فعلا أو وصفا. انظر " فتح المغيث " 3 / 53، 58. (2) الحاشر: الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره، والعاقب: آخر الأنبياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 الَّذِي تَجِدُوْنَهُ فِي التَّوْرَاةِ. فَقَالُوا: كَذَبْتَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَذَبْتُمْ) . قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنَ ثَلاَثَةٌ، وَأُنْزِلَتْ: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ ... } [الأَحْقَافُ: 10] ، الآيَةَ (1) . وَفِي الصَّحِيْحِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ سَلاَمٍ-. 85 - زَيْدُ بنُ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ بنِ زَيْدٍ الخَزْرَجِيُّ * (ع) ابْنِ لُوْذَانَ بنِ عَمْرِو بنِ عَبْدِ عَوْفٍ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ بنِ ثَعْلَبَةَ. الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ المُقْرِئِيْنَ وَالفَرَضِيِّيْنَ (2) ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، أَبُو   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 415، 416، وصححه، ووافقه الذهبي. ورواية أنس أخرجها البخاري 7 / 195، 198 في الهجرة. وقد تقدمت في الصفحة 416، التعليق رقم (1) فانظره. (*) مسند أحمد: 5 / 181، طبقات ابن سعد: 2 / 358، طبقات خليفة: 89، تاريخ خليفة: 99، 207، 223، التاريخ الكبير: 3 / 381 380، المعارف: 260، 355، 447، تاريخ الفسوي: 1 / 300، 483، أخبار القضاة: 1 / 197، الجرح والتعديل: 3 / 558، معجم الطبراني الكبير: 5 / 111، المستدرك: 3 / 421 و423، الاستبصار: 71 73، الاستيعاب: 2 / 537، ابن عساكر: 6 / 278 / 1، أسد الغابة: 2 / 278، تهذيب الكمال: 452، تاريخ الإسلام: 2 / 123، العبر: 1 / 53 معرفة القراء: 35، مجمع الزوائد: 9 / 345، طبقات القراء 1 / 296، تهذيب التهذيب 3 / 399 الإصابة: 4 / 41، خلاصة تذهيب الكمال: 127، كنز العمال: 13 / 393، شذرات الذهب: 1 / 54 و62. (2) القرضي: هو الذي يعرف الفرائض، وهو العلم بقسمة المواريث، ونعته المؤلف بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفرض أمتي زيد بن ثابت " وسيذكره المؤلف في ترجمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 سَعِيْدٍ، وَأَبُو خَارِجَةَ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، كَاتِبُ الوَحْيِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. حَدَّثَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ صَاحِبَيْهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ، وَمَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - وَقَرَآ عَلَيْهِ - وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَابْنَاهُ؛ الفَقِيْهُ خَارِجَةُ، وَسُلَيْمَانُ، وَأَبَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَأَخُوْهُ؛ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَعُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ، وَحُجْرُ المَدَرِيُّ (1) ، وَطَاوُوْسٌ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَتَلاَ عَلَيْهِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَكَانَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَسْتَخْلِفُهُ إِذَا حَجَّ عَلَى المَدِيْنَةِ. وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى قِسْمَةَ الغَنَائِمِ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَقَدْ قُتِلَ أَبُوْهُ قَبْلَ الهِجْرَةِ يَوْمَ بُعَاثٍ (2) ، فَرُبِّيَ زَيْدٌ يَتِيْماً. وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْلَمَ   (1) نسبة إلى مدركجبل: بلد باليمن، وقد سقط من المطبوع: " عروة وحجر المدري ". (2) هو موضع على ليلتين من المدينة المنورة، وفيه كانت الوقيعة واليوم المنسوب إليه بين الاوس والخررج. وأخرج البخاري 7 / 85 في أول مناقب الانصار، من طريق عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم، وجرحوا، فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم للاسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 زَيْدٌ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَعَلَّمَ خَطَّ اليَهُوْدِ، لِيَقْرَأَ لَهُ كُتُبَهُمْ، قَالَ: (فَإِنِّي لاَ آمَنُهُمْ) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَدَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: سَعِيْداً، وَبِهِ كَانَ يُكْنَى، وَأُمُّهُ: أُمُّ جَمِيْلٍ. وَوُلِدَ لِزَيْدٍ: خَارِجَةُ، وَسُلَيْمَانُ، وَيَحْيَى، وَعُمَارَةُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَسَعْدُ، وَعُبَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَحَسَنَةُ، وَعَمْرَةُ، وَأُمُّ إِسْحَاقَ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، وَأُمُّ هَؤُلاَءِ: أُمُّ سَعْدٍ ابْنَةُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ. وَوُلِدَ لَهُ: إِبْرَاهِيْمُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُمُّ حَسَنٍ، مِنْ: عَمْرَةَ بِنْتِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ. وَوُلِدَ لَهُ: زَيْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، لأُمِّ وَلَدٍ. وَسَلِيْطٌ، وَعِمْرَانُ، وَالحَارِثُ، وَثَابِتٌ، وَصَفِيَّةُ، وَقَرِيْبَةُ، وَأُمُّ مُحَمَّدٍ، لأُمِّ وَلَدٍ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ: زَيْدٌ يُكْنَى أَبَا سَعِيْدٍ. وَيقَالُ: أَبُو خَارِجَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمِيُّ: لَهُ كُنْيَتَانِ. رَوَى: خَارِجَةُ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَةَ يَهُوْدٍ. قَالَ: وَكُنْتُ أَكْتُبُ، فَأَقْرَأُ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ. ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أُتِيَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمُهُ المَدِيْنَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَدْ قَرَأَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سُوْرَةً. فَقَرَأْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: (يَا زَيْدُ! تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُوْدٍ، فَإِنِّي -وَاللهِ- مَا آمَنُهُمْ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 كِتَابِي) . قَالَ: فَتَعَلَّمْتُهُ، فَمَا مَضَى لِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِمْ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَتُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ؟) . قُلْتُ: لاَ. قَالَ: (فَتَعَلَّمْهَا) . فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً (2) . الوَلِيْدُ بنُ أَبِي الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ (3) . يَرْوِيْهِ: اللَّيْثُ، عَنْهُ. أَبُو إِسْحَاقَ: عَنِ البَرَاءِ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ادْعُ لِي زَيْداً، وَقُلْ   (1) إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعلقه البخاري في " صحيحه " 13 / 161 في الاحكام: باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد، ووصله ابن سعد 2 / 358، 359، والبخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 380، 381، وأبو داود (3645) ، والترمذي (2716) ، وأحمد 5 / 186، والطبراني (4856) و (4857) ، كلهم من طريق عبد الرحمن ابن أبي الزناد بهذا الإسناد، وصححه الحاكم 1 / 75. (2) إسناده صحيح. أخرجه أحمد 5 / 182، والفسوي 1 / 483، 484، والحاكم 3 / 422، والطبراني (4928) من طريق جرير، وأخرجه ابن سعد 2 / 358، والطبراني (4927) من طريق يحيى بن عيسى الرملي، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد. (3) أخرجه الطبراني (4882) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بهذا الإسناد. وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح، ولين الوليد بن أبي الوليد، وشيخ سليمان بن خارجة لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 17: إسناده حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 لَهُ يَجِيْءُ بِالكَتِفِ وَالدَّوَاةِ) . قَالَ: فَقَالَ: اكْتُبْ: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ} [النِّسَاءُ: 84] ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ، وَعَبْدِ المُعِزِّ الهَرَوِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ - هُوَ ابْنُ الجَعْدِ - أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ -يَعْنِي: ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ بِالأَسْوَافِ (2) ، فَأَجِدُ طَيْراً، فَدَخَلَ زَيْدٌ. قَالَ: فَدَفَعُوا فِي يَدِيَّ، وَفَرُّوا، فَأَخَذَ الطَّيْرَ، فَأَرْسَلَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ فِي قَفَايَ، وَقَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّمَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا (3) .   (1) وتمامه: (من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم. فقال: يا رسول الله، أنا ضرير، فنزلت مكانها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) . أخرجه البخاري 8 / 196 و9 / 19. (2) الاسواف بالفاء وقد تصحف في المطبوع إلى " الاسواق ": موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين. وفي " الموطأ " 3 / 87 عن رجل، قال: دخل علي زيد بن ثابت وأنا بالاسواف، قد اصطدت نهسا (طائر يشبه الصرد) ، فأخذه من يدي، وأرسله. (3) أخرجه أحمد 5 / 181 و192، والطبراني (4910) والبيهقي 5 / 199، وشرحبيل بن سعد: نقل المؤلف في " ميزانه " تضعيفه عن ابن معين ومالك وأبي زرعة والدارقطني والنسائي وابن عدي. وقال ابن سعد: بقي حتى اختلط واحتاج، ليس يحتج به. لكن الحديث يتقوى بما رواه مالك 2 / 889، والبخاري 4 / 77، ومسلم (1372) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " ما بين لابتيها حرام "، ولمسلم (1363) من حديث سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها ". واللابة: هي الحرة. والمدينة المنورة بين حرتين شرقية وغربية تكتنفانها، والحرة: هي الأرض ذات الحجارة السوداء، كأنها أحرقت بالنار. ومعنى ذلك: اللابتان وما بينهما. وانظر في حكم حرم المدينة، واختلاف العلماء في ذلك، " شرح النسة " 7 / 307، 313. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 شُرَحْبِيْلُ: فِيْهِ لِيْنٌ مَا. وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ السَّبَّاقِ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبَ الوَحْيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ، فَاجْمَعْهُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُوْنَ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: هُوَ -وَاللهِ- خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ القُرْآنَ، أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ، وَالأَكْتَافِ، وَالعُسُبِ، وَصُدُوْرِ الرِّجَالِ (1) . قَالَ أَنَسٌ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ (2) . خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْرَضُ أُمَّتِي: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ (3)) . وَجَاءَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ.   (1) أخرجه البخاري 9 / 8، 11 في فضائل القرآن: باب جمع القرآن، وأحمد 5 / 188، 189 والفسوي 1 / 485، والطبراني (4901) ، وابن أبي داود في " المصاحف ": 6، 9. والعسب جمع عسيب: وهو جريد النخل إذا نحي عنه خوصه. وكانوا يكتبون في تلك الاشياء، لقلة القراطيس عندهم يومئذ. (2) أخرجه البخاري 9 / 46 في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طريق حفص بن عمر، عن همام، عن قتادة، عن أنس. (3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 2 / 359 من طريق عفان بن مسلم، عن وهيب بهذا الإسناد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 مَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْرَضُ أُمَّتِي: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ (1) : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ دَاوُدَ العَطَّارِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي: أَبُو بَكْرٍ ... ) ، الحَدِيْثَ. وَفِيْهِ: (وَأَفْرَضُهُمْ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ) . هَذَا غَرِيْبٌ، وَحَدِيْثُ الحَذَّاءِ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قُلْتُ: بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ: (أَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ، وَأَقْرَأُهُمْ أُبَيٌّ) لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحَتُّمِ تَقْلِيْدِهِ فِي الفَرَائِضِ، كَمَا لاَ يَتَعَيَّنُ تَقْلِيْدُ أُبَيٍّ فِي قِرَاءتِهِ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ. رَوَى: عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: غَلَبَ زَيْدٌ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ: الفَرَائِضِ، وَالقُرْآنِ (2) . وَيُرْوَى عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: أَجَازَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَكَسَانِي قُبْطِيَّةً (3) .   (1) في سننه برقم (3790) ، وهذا الإسناد ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، لكن رواه الترمذي أيضا (3791) من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال. وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 479، 480، من طريق سفيان، عن خالد الحذاء وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس، وصححه ابن حبان (2218) ، والحاكم 3 / 422، ووافقه الذهبي. ونصه بتمامه: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". (2) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 449. (3) القبطية: ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، كأنه منسوب إلى القبط من أهل مصر، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَعَنْهُ، قَالَ: أُجِزْتُ فِي الخَنْدَقِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِيْنَ (1) . دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ، قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ، فَتَكَلَّمُوا، وَقَالُوا: رَجُلٌ مِنَّا، وَرَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَامَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَانَ منَ المُهَاجِرِيْنَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ، وَإِنَّمَا يَكُوْنُ الإِمَامُ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللهُ خَيْراً يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُم، لَو قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا مَا صَالَحْنَاكُمْ (2) . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ. رَوَاهُ: الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْهُ. رَوَى: الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الفَتْوَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَزَيْدٌ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو مُوْسَى (3) .   = والحديث أخرجه الطبراني برقم (4743) من طريق يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا إسماعيل ابن قيس، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت. وإسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد: نقل في " الميزان " عن البخاري والدارقطني قولهما فيه: منكر الحديث، وضعفه النسائي وغيره. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر. (1) " المستدرك " 3 / 421، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 449 من طريق الواقدي. وكانت وقعة بعاث قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. (2) " مسند الطيالسي " 2 / 169. وأخرجه أحمد 5 / 122، والطبراني برقم (4785) ، وأورده الهيثمي في " المجمع " 6 / 183، وقال: رجاله رجال الصحيح. (3) " تاريخ الفسوي " 1 / 481، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 449 و" تاريخ دمشق " برقم (1922) لأبي زرعة. وإسناده صحيح. سير 2 / 28 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: القُضَاةُ أَرْبَعَةٌ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ (1) . وَعَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَخْلِفُ زَيْداً فِي كُلِّ سَفَرٍ (2) . وَعَنْ سَالِمٍ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ يَوْمَ مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، فَقُلْتُ: مَاتَ عَالِمُ النَّاسِ اليَوْمَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، فَقَدْ كَانَ عَالِمَ النَّاسِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ وَحَبْرَهَا، فَرَّقَهُم عُمَرُ فِي البُلْدَانِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُفْتُوا بِرَأْيِهِمْ، وَحَبَسَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ بِالمَدِيْنَةِ، يُفْتِي أَهْلَهَا (3) . وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: مَا كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَداً فِي الفَرَائِضِ، وَالفَتْوَى، وَالقِرَاءةِ، وَالقَضَاءِ (4) . وَعَنْ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَخْلَفَ زَيْداً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ: إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ مِنْ عُمَرَ. قَالَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَخْلِفُ أَبِي، فَقَلَّمَا رَجَعَ إِلاَّ أَقْطَعَهُ حَدِيْقَةً مِنْ نَخْلٍ (5) .   (1) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 450. (2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وفي " طبقات ابن سعد " 2 / 359، من طريق عفان بن مسلم، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحجاج بن أرطاة، عن نافع، قال: استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقا. (3) أخرجه ابن سعد 2 / 359 من طريق الواقدي. (4) ابن سعد 2 / 359 من طريق الواقدي، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 450. (5) أخرجه وكيع في " أخبار القضاة " 1 / 108 من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، عن الهيثم بن خارجة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال: كان عمر بن الخطاب كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الاسفار، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل. ورجاله ثقات. وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ؟ غَضِبَ إِذْ لَمْ أُوَلِّهِ نَسْخَ المَصَاحِفِ، هَلاَّ غَضِبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِذْ عَزَلاَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَوَلَّيَا زَيْداً، فَاتَّبَعْتُ فِعْلَهُمَا (1) . مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: تَنَازَعَ أُبَيٌّ وَعُمَرُ فِي جَدَادِ نَخْلٍ، فَبَكَى أُبَيٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي سُلْطَانِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنكَ رَجُلاً. قَالَ أُبَيٌّ: زَيْدٌ. فَانْطَلَقَا، حَتَّى دَخَلا عَلَيْهِ، فَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَيِّنَتُكَ يَا أُبَيُّ. قَالَ: مَا لِي بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَأَعْفِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ اليَمِيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: لاَ تُعْفِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ اليَمِيْنِ إِنْ رَأَيْتَهَا عَلَيْهِ (2) . وَتَابَعَهُ: سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ زَيْداً عَلَى القَضَاءِ، وَفَرَضَ لَهُ رِزْقاً (3) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، وَآخَرَ، قَالاَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ، أَتَاهُ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الدَّارَ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَنْتَ خَارِجَ الدَّارِ أَنْفَعُ لِي مِنْكَ هَا هُنَا، فَذُبَّ عَنِّي. فَخَرَجَ، فَكَانَ يَذُبُّ النَّاسَ، وَيَقُوْلُ لَهُمْ فِيْهِ، حَتَّى رَجَعَ أُنَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا لَلأَنْصَارِ، كُوْنُوا أَنْصَاراً للهِ مَرَّتَيْنِ، انْصُرُوْهُ، وَاللهِ إِنَّ دَمَهُ لَحَرَامٌ.   (1) الواقدي متروك، فالخبر لا يصح. (2) " أخبار القضاة " 1 / 108، 109 لوكيع، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وجداد النخل: صرامه، وهو قطع ثمرها. (3) ابن سعد 2 / 359، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وحجاج: هو ابن أرطاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 فَجَاءَ أَبُو حَيَّةَ المَازِنِيُّ مَعَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا يَصْلُحُ مَعَكَ أَمْرٌ. فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ، وَأَخَذَ بِتَلْبِيْبِ زَيْدٍ هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فَمَرَّ بِهِ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ، أَرْسَلُوْهُ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم لأَبِي حَيَّةَ: أَتَصْنَعُ هَذَا بِرَجُلٍ لَو مَاتَ اللَّيْلَةَ مَا دَرَيْتَ مَا مِيْرَاثُكَ مِنْ أَبِيْكَ (1) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَو هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، لَهَلَكَ عِلْمُ الفَرَائِضِ، لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُمَا. أَخْرَجَهُ: الدَّارِمِيُّ (2) . وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الفَرَائِضَ، لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ (3) . وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ عُمَرَ، زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدٍ، ابْنُ عُمَرَ (4) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: النَّاسُ عَلَى قِرَاءةِ زَيْدٍ، وَعَلَى فَرْضِ زَيْدٍ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451، والواقدي متروك. وقوله: " أخذ بتلبيبه " يقال: لببه: أخذ بتلبيبه وتلابيبه: إذا جمعت ثيابه عند نحره وصدره ثم جررته، وكذلك إذا جعلت في عنقه حبلا وثوبا، وأمسكته به. (2) 2 / 314، من طريق محمد بن عيسى، عن يوسف بن الماجشون، عن الزهري. وهو في " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 451. (3) " تاريخ الفسوي " 1 / 486. (4) " تاريخ الفسوي " 1 / 486 و2 / 265، 266. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ المَحْفُوْظُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ (1) . الأَعْمَشُ: عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ فِي أَخَوَاتٍ لأَبٍ، وُأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ، وَأَخَوَاتٍ لأَبٍ: لِلأَخَوَاتِ لِلأَبِ، وَالأُمِّ: الثُّلُثَانِ، فَمَا بَقِي: فَلِلذُّكُورِ دُوْنَ الإِنَاثِ. فَقَدِمَ مَسْرُوْقٌ المَدِيْنَةَ، فَسَمِعَ قَوْلَ زَيْدٍ فِيْهَا، فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَتَتْرُكُ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَوَجَدْتُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ، -يَعْنِي: كَانَ زَيْدٌ يُشَرِّكُ بَيْنَ البَاقِيْنَ (2) -. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَامَ إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ لَهُ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا (3) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451 ونسبه الحافظ في " الإصابة " 4 / 43 إلى البغوي، وقد تحرف " المحفوظون " في المطبوع إلى " الحافظون "، وأخرج أبو زرعة في " تاريخ دمشق " برقم (1944) ، من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي شهاب الحناط، عن الأعمش، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قدمت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم. وإسناده صحيح. (2) إسناده صحيح، وهو في " التهذيب ابن عساكر " 5 / 451. وقوله: " يشرك بين الباقين ": أي: يسوي بينهم في القسمة. (3) إسناده حسن، أخرجه ابن سعد 2 / 360، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري بهذا الإسناد، وصححه الحاكم 3 / 423، وأقره الذهبي، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451، 452. وأخرجه الطبراني (4746) من طريق علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم رزين الرماني. عن الشعبي أن زيد بن ثابت..، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 345، وقال: رجاله رجال الصحيح غير رزين الرماني وهو ثقة. وأخرجه الحاكم 3 / 428 من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار..وأورده الحافظ في " الإصابة " 4 / 42، 43 من طريق الشعبي، ونسبه ليعقوب الفسوي، وصحح إسناده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ لَهُ أَصْحَابٌ حَفِظُوا عَنْهُ، وَقَامُوا بِقَوْلِهِ فِي الفِقْهِ، إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: زَيْدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (1) . شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُوْلُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، حَدَّثَ فِيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ، قَالَ: فَذَرُوْهُ حَتَّى يَكُوْنَ (2) . مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ، قَالَ: آللهِ كَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، تَكَلَّمَ فِيْهِ، وَإِلاَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ. الثَّوْرِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ مَرْوَانَ دَعَا زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، وَأَجْلَسَ لَهُ قَوْماً خَلْفَ سِتْرٍ، فَأَخَذَ يَسْأَلُهُ وَهُمْ يَكْتُبُوْنَ. فَفَطِنَ زَيْدٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ! أَغَدْراً، إِنَّمَا أَقُوْلُ بِرَأْيِي (3) . رَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، نَحْوَهُ، وَزَادَ: فَمَحَوْهُ. هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: حَجَّ بِنَا أَبُو الوَلِيْدِ، وَنَحْنُ وَلَدُ سِيْرِيْنَ سَبْعَةٌ، فَمَرَّ بِنَا عَلَى المَدِيْنَةِ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ بَنُو سِيْرِيْنَ. فَقَالَ زَيْدٌ: هَؤُلاَءِ لأُمٍّ، وَهَذَانِ لأُمٍّ، وَهَذَانِ لأُمٍّ. قَالَ: فَمَا   (1) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 452. (2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 452. (3) أخرجه ابن سعد 2 / 361 من طريقين عن سفيان به. وأخرجه الطبراني (4871) من طريق أحمد بن شوذب الواسطي، حدثنا القاسم بن أبي الزناد، عن أخيه، عن أبيه، عن خارجة ابن زيد بن ثابت أن مروان ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 أَخْطَأَ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَمَعَبْدٌ وَيَحْيَى لأُمٍّ (1) . وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ فِي أَهْلِهِ، وَأَزْمَتِهِ عِنْدَ القَوْمِ (2) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ يُرِيْدُ الجُمُعَةَ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ رَاجِعِيْنَ، فَدَخَلَ دَاراً، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ لاَ يَسْتَحْيِي منَ النَّاسِ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَاتَ حَبْرُ الأُمَّةِ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفاً (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدٌ، جَلَسْنَا   (1) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 58 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، وهو في " تاريخ بغداد " 5 / 332، 333 من طريق الفسوي. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 7 / 193 من طريق يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس بن سيرين، قال: دخل علينا زيد بن ثابت ونحن ستة إخوة فيهم محمد، فقال: إن شئتم أخبرتكم من أخوكل واحد لامه: هذا وهذا لام، وهذا وهذا لام، وهذا وهذا لام، فما أخطأ شيئا. (2) في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453: وقال ثابت بن عبيد: ما رأيت رجلا كان أفكه في بيته ولا أحلم إذا جلس مع أصحابه من زيد، وكان عمر بن الخطاب يقول: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي، فإذا التمس ما عنده كان رجلا وقوله: " وأزمته " أي: من أرزنهم وأوقرهم، والزميت: الحليم الساكن القليل الكلام. (3) أخرجه ابن سعد 2 / 362، والطبراني (4750) من طريق عارم، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، والحاكم 3 / 427، 428 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، ورجاله ثقات. إلا أن يحيى بن سعيد لم يسمع من أبي هريرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ظِلٍّ، فَقَالَ: هَكَذَا ذَهَابُ العُلَمَاءِ، دُفِنَ اليَوْمَ عِلْمٌ كَثِيْرٌ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ، وَنَزَلَ نِسَاءُ العَوَالِي (2) ، وَجَاءَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَ خَارِجَةُ يُذَكِّرُهُنَّ اللهَ: لاَ تَبْكِيْنَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَ: لاَ نَسْمَعُ مِنْكَ، وَلَنَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ ثَلاَثاً، وَغَلَبْنَهُ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَأَرْسَلَ مَرْوَانُ بِجُزُرٍ، فَنُحِرَتْ، وَأَطْعَمُوا النَّاسَ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ: فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَ حَسَّانَ وَابْنِهُ ... وَمَنْ لِلْمَثَانِي بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتِ (4) وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ دَعَا نَبَطِيّاً يُمْسِكُ دَابَّتَهُ عِنْدَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ، فَشَجَّهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ بِهَذَا؟ قَالَ: أَمَرْتُهُ، فَأَبَى، وَأَنَا فِي حِدَّةٍ، فَضَرَبْتُهُ. فَقَالَ: اجْلِسْ لِلْقِصَاصِ. فَقَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: أَتُقِيْدُ لِعَبْدِكَ مِنْ أَخِيْكَ؟! فَتَرَكَ عُمَرُ القَوَدَ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 2 / 361، 362، والحاكم 3 / 428، والطبراني برقم (4749) والفسوي 2 / 485 من طرق عن حماد بن سلمة به. ورجاله ثقات. (2) العوالي: موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانيه. (3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453. (4) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453. والمثاني: القرآن، وسمي بذلك، لان القصص تثنى فيه. (5) رجاله ثقات، وأخرجه البيهقي 8 / 32 من طريق عبد الله بن وهب، عن جرير، به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 وَمِنْ جَلاَلَةِ زَيْدٍ: أَنَّ الصِّدِّيْقَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَةِ القُرْآنِ العَظِيْمِ فِي صُحُفٍ، وَجَمْعِهِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَمِنَ الأَكْتَافِ، وَالرِّقَاعِ، وَاحْتَفَظُوا بِتِلْكَ الصُّحُفِ مُدَّةً، فَكَانَتْ عِنْدَ الصِّدِّيْقِ، ثُمَّ تَسَلَّمَهَا الفَارُوْقُ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدُ عِنْدَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ، إِلَى أَنْ نَدَبَ عُثْمَانُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، وَنَفَراً مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى كِتَابِ هَذَا المُصْحَفِ العُثْمَانِيِّ الَّذِي بِهِ الآنَ فِي الأَرْضِ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ نُسْخَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي الأُمَّةِ قُرْآنٌ سِوَاهُ - وَللهِ الحَمْدُ -. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَفَاةِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ الوَاقِدِيُّ - وَهُوَ إِمَامُ المُؤَرِّخِيْنَ -: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، عَنْ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. وَتَبِعَهُ عَلَى وَفَاتِهِ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَشَبَابٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ. ثُمَّ قَالَ: وَسَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ أَثْبَتُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. حَفْصٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَمْ أُخَالِفْ عَلِيّاً فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءتِهِ، وَكُنْتُ أَجْمَعُ حُرُوفَ عَلِيٍّ، فَأَلْقَى بِهَا زَيْداً فِي المَوَاسِمِ بِالمَدِيْنَةِ، فَمَا اخْتَلَفَا إِلاَّ فِي التَّابُوْتِ، كَانَ زَيْدٌ يَقْرَأُ بِالهَاءِ، وَعَلِيٌّ بِالتَاءِ (1) .   (1) حفص: هو ابن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي، صاحب عاصم، وهو إمام في القراءة، متروك في الحديث، وفي الباب عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: اتقوا الله أيها الناس وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا على ملا منا أصحاب محمد جميعا. وفيه أن عثمان أرسل إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 86 - تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ أَبُو رُقَيَّةَ بنُ أَوْسِ بنِ خَارِجَةَ * (م، 4) صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو رُقَيَّةَ تَمِيْمُ بنُ أَوْسِ بنِ خَارِجَةَ بنِ سَوْدِ بنِ جَذِيْمَةَ (1) اللَّخْمِيُّ، الفِلَسْطِيْنِيُّ. وَالدَّارُ: بَطْنٌ مِنْ لَخْمٍ، وَلَخْمٌ: فَخِذٌ مِنْ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ. وَفَدَ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ، فَأَسْلَمَ، فَحَدَّثَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ بِقِصَّةِ الجَسَّاسَةِ فِي أَمْرِ الدَّجَّالِ (2) . وَلِتَمِيْمٍ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، وَكَانَ عَابِداً، تَلاَّءً لِكِتَابِ اللهِ.   = فقال: ليكتب أحدكما ويملي الآخر، فإذا اختلفتم في شيء فارفعاه إلي، فما اختلفنا في شيء من كتاب الله إلا في حرف واحد في سورة البقرة، قال سعيد " التابوت " وقال زيد " التابوه " فرفعناه إلى عثمان، فقال: اكتبوه " التابوت " قال علي: " ولو وليت الذي ولي عثمان، لصنعت مثل الذي صنع " ذكره البغوي في " شرح السنة " 4 / 524، 525، ووراه ابن أبي داود في " المصاحف ": 22، 23، وإسناده صحيح، كما قال الحافظ في " الفتح " 9 / 16. وروى الترمذي (3104) حديث جمع القرآن، من طريق الزهري، عن أنس، وفيه: قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في " التابوت " و" التابوه "، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد: التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش. (*) مسند أحمد: 4 / 102، طبقات ابن سعد: 7 / 408، التاريخ لابن معين: 66، طبقات خليفة: 70، 305، تاريخ خليفة: 341، التاريخ الكبير: 2 / 151 150، المعارف: 102، 168، الجرح والتعديل: 2 / 440، معجم الطبراني الكبير: 2 / 37، الاستيعاب: 2 / 58، ابن عساكر: 3 / 264 / 1، أسد الغابة: 1 / 256، تهذيب الكمال: 171، تاريخ الإسلام: 2 / 188، مجمع الزوائد: 9 / 392، تهذيب التهذيب: 1 / 511، الإصابة: 1 / 304، خلاصة تذهيب الكمال: 55، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 361 347. (1) " جمهرة انساب العرب " ص 422، و" الاستيعاب " 2 / 58، و" أسد الغابة " 1 / 256. ونقل ابن الأثير عن ابن مندة وأبي نعيم: أنه تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن خزيمة. (2) وهي الدابة التي راما في جزيرة البحر، وسميت بذلك لأنها تجس الاخبار للدجال، والفصة أخرجها مسلم (2942) في الفتن وأشراط الساعة: باب قصة الجساسة، وأحمد 6 / 373، 374، والطبراني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَوْهَبٍ عَبْدُ اللهِ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَزَلْ بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى تَحَوَّلَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ إِلَى الشَّامِ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ أَخُو أَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ وَفْدُ الدَّارِيِّيْنَ عَشْرَةً، فِيْهِم تَمِيْمٌ (3) . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا أَسْلَمَ تَمِيْمٌ، قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ اللهَ مُظْهِرُكَ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، فَهَبْ لِي قَرْيَتِي مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ. قَالَ: (هِيَ لَكَ) . وَكَتَبَ لَهُ بِهَا. قَالَ: فَجَاءَ تَمِيْمٌ بِالكِتَابِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: أَنَا شَاهِدُ ذَلِكَ، فَأَمْضَاهُ (4) . وَذَكَرَ اللَّيْثُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (لَيْسَ لَكَ أَنْ تَبِيْعَ) . قَالَ: فَهِيَ فِي أَيْدِي أَهْلِهِ إِلَى اليَوْمِ (5) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَيْسَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطِيْعَةٌ سِوَى: حَبْرَى، وَبَيْت عَيْنُوْنَ،   (1) " الطبقات " 7 / 408، 409. (2) " تاريخ البخاري " 2 / 151، وابن سعد 7 / 422. (3) ابن سعد 1 / 343، وابن عساكر 3 / 354. (4) أخرجه أبو عبيد في " الاموال ": 349، من طريق حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج. وهو منقطع. (5) أخرجه أبو عبيد: 350 من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 أَقْطَعَهُمَا تَمِيْماً وَأَخَاهُ نُعَيْماً (1) . وَفِي (الصَّحِيْحِ) مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ سَهْمِيٌّ مَعَ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بنِ بَدَّاءَ، فَمَاتَ بِأَرْضِ كُفْرٍ، فَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَفَقَدُوا جَامّاً مِنْ فِضَّةٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَجَدُوا الجَامَّ بِمَكَّةَ. فَقِيْلَ: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيْمٍ وَعَدِيٍّ. فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الجَامَّ لِصَاحِبِهِمْ. وَفِيْهِم نَزَلَتْ آيَةُ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ} [المَائِدَةُ (2) : 110] . قَالَ قَتَادَةُ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} [الرَّعْدُ: 45] . قَالَ: سَلْمَانُ، وَابْنُ سَلاَمٍ، وَتَمِيْمٌ الدَّارِيُّ (3) .   (1) ابن سعد 1 / 267، و7 / 408، و" الاموال ": 349، 350. وحبرى ويقال لها: حبرون: قال ياقوت: هي القرية التي فيها قبر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام بالبيت المقدس. وقد غلب على اسمها الخليل. وعينون: من قرى بيت المقدس. (2) أخرجه البخاري 5 / 308 في الوصايا: باب قول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) ، والترمذي (3062) ، وأبو داود (3606) ، واستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر خاصة، يروى ذلك عن أبي موسى الأشعري، وهو قول شريح وإبراهيم النخعي، وبه قال الاوزاعي والامام أحمد. انظر " شرح المفردات " ص 333. (3) أخرجه ابن جرير 13 / 177 من طريق محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن قتادة. وقال ابن كثير 2 / 521 بعد أن ذكر قول قتادة وغيره: والصحيح في هذا أن (ومن عنده) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ي كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به، كما قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل) . وقال تعالى: (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) وأمثال ذلك مما فيه الاخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 وَرَوَى: قُرَّةُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ: أُبَيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدٌ، وَتَمِيْمٌ الدَّارِيُّ (1) . وَرَوَى: أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّبِ: كَانَ تَمِيْمٌ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي سَبْعٍ (2) . وَرَوَى: عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنْ تَمِيْماً الدَّارِيَّ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ (3) . وَرَوَى: أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا مُقَامُ أَخِيْكَ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، صَلَّى لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، أَوْ كَادَ، يَقْرَأُ آيَةً يُرَدِّدُهَا، وَيَبْكِي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِيْنَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُم كَالذِيْن آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجَاثِيَةُ (4) : 20] . أَبُو نُبَاتَةَ يُوْنُسُ بنُ يَحْيَى: عَنِ المُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ تَمِيْماً الدَّارِيَّ نَامَ لَيْلَةً لَمْ يَقُمْ يَتَهَجَّدُ، فَقَامَ سَنَةً لَمْ يَنَمْ فِيْهَا عُقُوْبَةً لِلَّذِي صَنَعَ (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 2 / 355 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة بن خالد، عن ابن سيرين، ورجاله ثقات. (2) طبقات ابن سعد 3 / 500 من طريق عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب. وإسناده صحيح. (3) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359. (4) رجاله ثقات، أخرجه الطبراني برقم (1250) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد. ونسبه في " الإصابة " 1 / 305 إلى البغوي في " الجعديات ". (5) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359، ونسبه لابن أبي الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 سَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ: عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: أَتَيْتُ تَمِيْماً الدَّارِيَّ، فَحَدَّثَنَا، فَقُلْتُ: كَمْ جُزْؤُكَ؟ قَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِيْنَ يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ القُرْآنَ، ثُمَّ يُصْبِحُ، فَيَقُوْلُ: قَدْ قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَنْ أُصَلِّيَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ نَافِلَةً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ القُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ، ثُمَّ أُصْبِحَ، فَأُخْبِرَ بِهِ. فَلَمَّا أَغْضَبَنِي، قُلْتُ: وَاللهِ إِنَّكُمْ - مَعَاشِرَ صَحَابَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ - لَجَدِيْرٌ أَنْ تَسْكُتُوا، فَلاَ تُعَلِّمُوا، وَأَنْ تُعَنِّفُوا مَنْ سَأَلَكُمْ. فَلَمَّا رَآنِي قَدْ غَضِبْتُ، لاَنَ، وَقَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ أَخِي، أَرَأَيْتَ إِنْ كُنْتُ أَنَا مُؤْمِناً قَوِيّاً، وَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ضَعِيْفٌ، فَتَحْمِلُ قُوَّتِي عَلَى ضَعْفِكَ، فَلاَ تَسْتَطِيْعُ، فَتَنْبَتُّ، أَوْ رَأَيْتَ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مُؤْمِناً قَوِيّاً، وَأَنَا مُؤْمِنٌ ضَعِيْفٌ، حِيْنَ أَحْمِلُ قُوَّتَكَ عَلَى ضَعْفِي، فَلاَ أَسْتَطِيْعُ، فَأَنْبَتُّ، وَلَكِنْ خُذْ مِنْ نَفْسِكَ لِدِيْنِكَ، وَمِنْ دِيْنِكَ لِنَفْسِكَ، حَتَّى يَسْتَقِيْمَ لَكَ الأَمْرُ عَلَى عِبَادَةٍ تُطِيْقُهَا (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَرْمَلٍ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَلَبِثْتُ فِي المَسْجِدِ ثَلاَثاً، لاَ أَطْعَمُ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: تَائِبٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ. قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ بنُ حَرْمَلٍ. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى خَيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَانْزِلْ عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ إِذَا صَلَّى ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى يَمِيْنِهِ وَشِمَالِهِ، فَذَهَبَ بِرَجُلَيْنِ، فَصَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخَذَنِي، فَأُتِيْنَا بِطَعَامٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، إِذْ خَرَجَتْ نَارٌ بِالحَرَّةِ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيْمٍ، فَقَالَ: قُمْ إِلَى   (1) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359، وأورده المؤلف في " تاريخ الإسلام " 2 / 189، 190، والزيادة منه، وقال: رواه ابن المبارك في " الزهد " عن الجريري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 هَذِهِ النَّارِ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَمَنْ أَنَا، وَمَا أَنَا. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ، وَتَبِعْتُهَمَا، فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ، فَجَعَلَ تَمِيْمٌ يَحُوْشُهَا بِيَدِهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ، وَدَخَلَ تَمِيْمٌ خَلْفَهَا، فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُوْلُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ - قَالَهَا ثَلاَثاً -. سَمِعَهَا: عَفَّانُ، مِنْ حَمَّادٍ. وَابْنُ حَرْمَلٍ: لاَ يُعْرَفُ (1) . قَتَادَةُ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَقَتَادَةُ أَيْضاً، عَنْ أَنَسٍ: أَنْ تَمِيْماً الدَّارِيَّ اشْتَرَى رِدَاءً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَخْرُجُ فِيْهِ إِلَى الصَّلاَةِ (2) . وَرَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ: أَنْ تَمِيْماً أَخَذَ حُلَّةً بِأَلْفٍ، يَلْبَسُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيْهَا لَيْلَةُ القَدْرِ (3) . وَرَوَى: الزُّهْرِيُّ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَصَّ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ، اسْتَأْذَنَ عُمَرَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَصَّ قَائِماً. أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنْ تَمِيْماً اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي القَصَصِ سِنِيْنَ، وَيَأْبَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَالَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، وَآمُرُهُمْ بِالخَيْرِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ. قَالَ عُمَرُ: ذَاكَ الرِّبْحُ، ثُمَّ قَالَ: عِظْ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ لِلْجُمُعَةِ.   (1) هذا ما قاله المؤلف هنا وفي " تاريخه " 2 / 189، 190، أما الحافظ ابن حجر فقد ذكره في " الإصابة " 10 / 35 في القسم الثالث، فقال: معاويه بن حرمل الحنفي صهر مسيلمة الكذاب، له إدراك. وكان مع مسيلمة في الردة، ثم قدم على عمر تائبا، ثم أورد هذا الخبر من طريق البغوي، عن الجريري. (2) أخرجه الطبراني (1248) من طريق أبي كريب، عن وكيع، عن همام، عن قتادة، عن ابن سيرين. قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 135: ورجاله رجال الصحيح. (3) " تهذيب ابن عساكر ": 3 / 360. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ، اسْتَزَادَهُ، فَزَادَهُ يَوْماً آخَرَ (1) . خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ تَمِيْماً الدَّارِيَّ يُصَلِّي بَعْدَ العَصْرِ، فَضَرَبَهُ بِدِرَّتِهِ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ لَهُ تَمِيْمٌ: يَا عُمَرَ! تَضْرِبُنِي عَلَى صَلاَةٍ صَلَّيْتُهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! قَالَ: يَا تَمِيْمُ! لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُ مَا تَعْلَمُ (2) . وَأَخْرَجَ: ابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ ضَعِيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ فِي المَسَاجِدِ تَمِيْمٌ الدَّارِيُّ (3) . يُقَالُ: وُجِدَ عَلَى بَلاَطَةِ قَبْرِ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَحَدِيْثُهُ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (4)) : حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.   (1) " تهذيب ابن عساكر ": 3 / 360، وانظر الطبراني (1249) ، وأخرج أبو زرعة في " تاريخ دمشق " برقم (1915) ، من طريق حيوة بن شريح، عن بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميم الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائما، فأذن له عمر، رحمة الله عليه. (2) وأخرجه الطبراني (1281) من طريق آخر، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف. (3) أخرجه ابن ماجه (760) في المساجد، وأخرجه الطبراني (1247) من حديث أبي هريرة. وفي سنده عندهما خالد بن إياس متفق على ضعفه. (4) برقم (2942) ، وقد تقدم تخريجه ص 442 ت (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 87 - أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ الحَارِثُ بنُ رِبْعِيٍّ * (ع) فَارِسُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِدَ أُحُداً وَالحُدَيْبِيَةَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. اسْمُهُ: الحَارِثُ بنُ رِبْعِيٍّ عَلَى الصَّحِيْحِ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: النُّعْمَانُ. وَقِيْلَ: عَمْرٌو. حَدَّثَ عَنْهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعَبْدٍ الزِّمَّانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَعَبْدُ بنُ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَمَوْلاَهُ نَافِعٌ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خَيْرُ فُرْسَانِنَا: أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا: سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ (1)) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ   (*) مسند أحمد: 4 / 383 و5 / 295، طبقات ابن سعد: 6 / 15، التاريخ لابن معين: 720، تاريخ خليفة: 99، 105، 201، 223، التاريخ الكبير: 2 / 258 - 259، الجرح والتعديل: 3 / 74، معج الطبراني الكبير: 3 / 270، المستدرك: 3 / 480، الاستبصار: 146 - 148، الاستيعاب: 4 / 1731، ابن عساكر: في باريس 218 / 2، جامع الأصول: 9 / 77 - 78، أسد الغابة: 6 / 250، تهذيب الكمال: 1637، تاريخ الإسلام: 2 / 188، 191، العبر: 1 / 60، تهذيب التهذيب: 12 / 204 - 205، الإصابة: 11 / 302، خلاصة تذهيب الكمال: 457، كنز العمال: 13 / 617. (1) أخرجه الطبراني (3270) من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن عكرمة بن عمار بهذا الإسناد، وسنده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 52، 53، ومسلم (1807) في حديث مطول في غزوة ذي قرد من طرق، عن عكرمة بن عمار به. سير 2 / 29 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 أَبِيْهِ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي لأَغْسِلُ رَأْسِي، قَدْ غَسَلْتُ أَحَدَ شِقَّيْهِ، إِذْ سَمِعْتُ فَرَسِي جِرْوَةَ تَصْهُلُ، وَتَبْحَثُ بِحَافِرِهَا، فَقُلْتُ: هَذِهِ حَرْبٌ قَدْ حَضَرَتْ. فَقُمْتُ وَلَمْ أَغْسِلْ شِقَّ رَأْسِي الآخَرَ، فَرَكِبْتُ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِيْحُ: الفَزَعَ! الفَزَعَ! قَالَ: فَأُدْرِكُ المِقْدَادَ، فَسَايَرْتُهُ سَاعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمَهُ فَرَسِي، وَكَانَ أَجْوَدَ مِنْ فَرَسِهِ، وَأَخْبَرَنِي المِقْدَادُ بِقَتْلِ مَسْعَدَةَ مُحْرِزاً -يَعْنِي: ابْنَ نَضْلَةَ- فَقُلْتُ لِلمِقْدَادِ: إِمَّا أَنْ أَمُوْتَ، أَوْ أَقْتُلَ قَاتِلَ مُحْرِزٍ. فَضَرَبَ فَرَسَهُ، فَلَحِقَهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَوَقَفَ لَهُ مَسْعَدَةُ، فَنَزَلَ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَتَلَهُ، وَجَنَبَ فَرَسَهُ مَعَهُ. قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ النَّاسُ، تَلاحَقُوا، وَنَظَرُوا إِلَى بُرْدِي، فَعَرَفُوهَا، وَقَالُوا: أَبُو قَتَادَةَ قُتِلَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ، وَلَكِنَّهُ قَتِيْلُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَيْهِ بُرْدُهُ، فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَلَبِهِ وَفَرَسِهِ) . قَالَ: فَلَمَّا أَدْرَكَنِي، قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ، أَفْلَحَ وَجْهُكَ، قَتَلْتَ مَسْعَدَةَ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا هَذَا الَّذِي بِوَجْهِكَ؟) . قُلْتُ: سَهْمٌ رُمِيْتُ بِهِ. قَالَ: (فَادْنُ مِنِّي) . فَبَصَقَ عَلَيْهِ، فَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ قَطُّ، وَلاَ قَاحَ، فَمَاتَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَأَنَّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَأَعْطَانِي فَرَسَ مَسْعَدَةَ وَسِلاحَهُ (1) .   (1) الخبر في " مغازي الواقدي " 2 / 544، 545. وانظر " المعجم الصغير " 2 / 152 للطبراني، و" المستدرك " 3 / 480، و" الاستيعاب " 12 / 89، 90، و" الإصابة " 11 / 303. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، رَأَيْتُ رَجُلاً قَدْ عَلاَ المُسْلِمِيْنَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً قَطَعْتُ مِنْهَا الدِّرْعَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، وَضَمَّنِي ضَمَّةً، وَجَدْتُ مِنْهَا رِيْحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، وَمَاتَ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً لَهُ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ) . فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ القَتِيْلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ هَا اللهِ، إِذاً لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَدَقَ) . فَأَعْطَانِيْهُ، فَبَعَتُ الدِّرْعَ، وَابْتَعْتُ بِهِ مِخْرَفاً فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ إِلَى حِضْرَةَ، وَهِيَ بِنَجْدٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ، وَكَانَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَغَنِمُوا مَائَتَيْ بَعِيْرٍ، وَأَلْفَيْ شَاةٍ، وَسَبَوْا سَبْياً، ثُمَّ سَرِيَّةُ أَبِي قَتَادَةَ إِلَى بَطْنِ إِضَمٍ بَعْدَ شَهْرٍ (2) . الدَّرَاوَرْدِيُّ: عَنْ أَسِيْدِ بنِ أَبِي أَسِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قُلْتُ لأَبِي قَتَادَةَ: مَالَكَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يُحَدِّثُ عَنْهُ النَّاسُ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ   (1) هو في " الموطأ " 2 / 10، 12 في الجهاد: باب ما جاء في السلب والنفل، وأخرجه البخاري 4 / 271 في البيوع و6 / 177 في الجهاد: باب من لم يخمس الاسلاب، و8 / 29، 33 في المغازي: باب غزوة حنين، و13 / 140، ومسلم (1751) ، وأبو داود (2717) ، والترمذي (1562) . وقوله: " على حبل عاتقه ": حسل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء من المنكب. المخرف: البستان: سمي بذلك لأنه يخترف منه الثمر، أي: يجتنى. وتأثلته: أي اقتنيته وتأصلته، وأثلة كل شيء: أصله. وقوله: " لا ها الله " أي: لا والله، فالهاء هنا بمنزلة الواو. (2) ابن سعد 2 / 133، وإضم: بين مكة واليمامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيُشَهِّدْ لِجَنْبِهِ مَضْجِعاً مِنَ النَّارِ (1)) . وَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ ذَلِكَ، وَيَمْسَحُ الأَرْضَ بِيَدِهِ. سَمِعَهُ قُتَيْبَةُ مِنْهُ. شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ (2) ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَمَّارٍ: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (3)) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ، فَقَتَلَ مَلِكَ فَارِسٍ بِيَدِهِ، وَعَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ قِيْمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَنَفَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ (4) . قَالَ خَلِيْفَةُ: اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ عَلَى مَكَّةَ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ بِقُثَمَ بنِ العَبَّاسِ (5) . مَعْمَرٌ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَلَقِيَهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: تَلَقَّانِي النَّاسُ كُلُّهُم غَيْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَمَا مَنَعَكُمْ؟ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ لَنَا دَوَابٌّ. قَالَ: فَأَيْنَ النَّوَاضِحُ (6) ؟. قَالَ أَبُو   (1) ذكره السيوطي في " الجامع الصغير "، ونسبه لابن عدي، وهو حديث متواتر، رواه أكثر من سبعين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر تخريجها في " الجامع الصغير ". (2) اسمه: سعيد بن يزيد بن سلمة الأزدي، ثقة، أخرج حديثه الستة، وقد تحرف في " المطبوع " إلى " أبي سلمة ". (3) أخرجه مسلم (2915) في الفتن وأشراط الساعة، وأحمد 5 / 306. (4) رجاله ثقات. (5) " تاريخ خليفة ": 201. (6) النواضح: الابل يستقى عليها. الواحد: ناضح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 قَتَادَةَ: عَقَرْنَاهَا فِي طَلَبِ أَبِيْكَ يَوْمَ بَدْرٍ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَنَا: (إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً) . قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا أَمَرَكُمْ؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَصْبِرَ. قَالَ: فَاصْبِرُوا (1) . وَرُوِيَ: أَنَّ عَلِيّاً كَبَّرَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعاً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ تَأَخَّرَ عَنْ عَلِيٍّ (2) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ أَرَ بَيْنَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَهْلِ البَلَدِ عِنْدَنَا اخْتِلاَفٌ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: وَرَوَى أَهْلُ الكُوْفَةِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِهَا، وَأَنَّ عَلِيّاً صَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَشَبَابٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو قَتَادَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ   (1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19909) ، وأخرجه أحمد 5 / 304 من طريق عبد الرزاق مختصرا. وعبد الله بن محمد: قال الحافظ في " التقريب ": صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة. وقوله: " ستلقون بعدي أثرة " أي: انه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفئ. (2) ذكر ذلك في " السنن الكبرى " 4 / 36، وتعقبه ابن التركماني، فقال في حديث علي انه صلى على أبي قتادة، فكبر سبعا: رجلا ثقات، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في " مصنفه "، فرواه عن عبد الله بن نمير ووكيع، قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد أن عليا ... وقال أبو عمر في " الاستيعاب ": روي من وجوه عن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري والشعبي أنهما قالا: صلى علي على أبي قتادة، فكبر عليه سبعا. قال الشعبي. وكان بدريا، وقال: قال الحسن بن عثمان: مات أبو قتادة سنة أربعنن، وقال الكلاباذي: قال ابن سعد: أخبرنا الهيثم بن عدي، قال: توفي بالكوفة وعلي بها، وهو صلى عليه، وقد قدمنا في باب كيفية الجلوس في التشهد الأول والثاني أن هذا القول هو الصحيح، وأن من قال: توفي سنة أربع وخمسين، فليس بصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، إِذْ تَأَخَّرَ عَنِ الرَّاحِلَةِ، فَدَعَمْتُهُ بِيَدِي حَتَّى اسْتَيْقَظَ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبَا قَتَادَةَ كَمَا حَفِظَنِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ، مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدْ شَقَقْنَا عَلَيْكَ (1)) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَبُو قَتَادَةَ بنُ رِبْعِيِّ بنِ بَلْدَمَةَ بنِ خُنَاسِ بنِ سِنَانِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَدِيِّ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمَةَ. قَالَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِي اسْمِهِ، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الحَارِثُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَارَةَ، وَالوَاقِدِيُّ: النُّعْمَانُ. وَقِيْلَ: عَمْرٌو. وَلَهُ أَوْلاَدٌ، وَهُم: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَثَابِتٌ، وَعُبَيْدٌ، وَأُمُّ البَنِيْنَ، وَأُمُّ أَبَانَ. شَهِدَ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ. أَيُّوْبُ: عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ. فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ. فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ. فَقِيْلَ: يَتَرَجَّلُ. فَقَالَ: (احْلِقُوا رَأْسَهُ) . فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، دَعْنِي هَذِهِ المَرَّةَ، فَوَاللهِ لأُعْتِبَنَّكَ (2) ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا لَقِيَ، قَتَلَ رَأْسَ المُشْرِكِيْنَ مَسْعَدَةَ.   (1) أخرجه الطبراني (3271) من طرى عبد الرزاق، عن معمر بهذا الإسناد، وسنده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 302 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة ... ، وأخرجه مطولا مسلم (861) في المساجد: باب قضاء الصلاة الفائتة، من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة. وقوله: فدعمته: أي: أقمت ميله من النوم، وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها. (2) أعتبه: ترك ما يجد عليه من أجله، ورجع إلى ما يرضيه عنه بعد إسخاطه عليه. والحديث مرسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 مَعْنٌ القَزَّازُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى أَبَا قَتَادَةَ يُصَلِّي، وَيَتَّقِي شَعْرَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَجُزَّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنْ تَرَكْتَهُ لأُرْضِيَنَّكَ. فَتَرَكَهُ، فَأَغَارَ مَسْعَدَةُ الفَزَارِيُّ عَلَى سَرْحِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَتَلَهُ، وَغَشَّاهُ بِبُرْدَتِهِ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَتَلَ كَافِراً فَلَهُ سَلَبَهُ) . فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلاً عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ، فَأُجْهِضْتُ عَنْهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَخَذْتُهَا، فَأَرْضِهِ مِنْهَا، وَأَعْطِنِيْهَا، وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ، أَوْ سَكَتَ، فَسَكَتَ. فَقَالَ عُمَرُ: لاَ يُفِيْئُهَا اللهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيْكَهَا. فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (صَدَقَ عُمَرُ (2)) . وَرَوَى: مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ كَثِيْرِ بنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ ... ، الحَدِيْثَ بِنَحْوٍ مِنْهُ. وَفِيْهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ هَا اللهِ، إِذاً لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ، فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ. فَأَعْطَانِي الدِّرْعَ، فَبِعْتُهُ. قَالَ: فَابْتَعْتُ بِهِ مِخْرَفاً، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ (3) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، قَتَلْتُ رَجُلاً، فَجَاءَ رَجُلٌ،   (1) مرسل كسابقه. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 190 و279 من طريق بهز بن أسد، وعفان، كلاهما عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد. وقوله " أجهضت عنه " أي: غلبت عليه، وأزلت عنه، حتى أخذ مني. (3) هو في " الموطأ " 2 / 10، 12 وقد تقدم تخرجيه ص 451 ت 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 فَنَزَعَ عَنْهُ دِرْعَهُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَضَى لِي بِهَا، فَبِعْتُهَا بِسَبْعِ أَوَاقِيَّ مِنْ حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَبُو قَتَادَةَ يَلْبِسُ الخَزَّ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ أَرَ بَيْنَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَهْلِ بَلَدِنَا اخْتِلافاً أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ (2) . ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ، قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سَبْعاً (3) . 88 - عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ بنِ خَالِدِ بنِ حُذَيْفَةَ السُّلَمِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الأَمِيْرُ، أَبُو نَجِيْحٍ السُّلَمِيُّ، البَجَلِيُّ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ، وَمَنْ كَانَ يُقَالُ: هُوَ رُبُعُ الإِسْلاَمِ. رَوَى أَحَادِيْثَ.   (1) وروى الطبراني في " الكبير " (3273) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يونس، عن عمار بن أبي عمار قال: رأيت زيد بن ثابت وابن عباس، وأبا هريرة، وأبا قتادة يلبسون مطارف الخز. قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 145: ورجاله رجال الصحيح. (2) " المستدرك " 3 / 480. (3) رجاله ثقات. وهو في " المصنف " 3 / 304 لابن أبي شيبة من طريق ابن نمير ووكيع كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ... (*) مسند أحمد: 4 / 111، 384، 385، التاريخ لابن معين: 449، طبقات ابن سعد: 4 / 214، طبقات خليفة: 49، 302، المعارف: 290، الجرح والتعديل: 6 / 241، المستدرك: 3 / 616، الاستيعاب: 3 / 1192، ابن عساكر: 13 / 283 / 2، جامع الأصول: 9 / 116، أسد الغابة: 4 / 251، تهذيب الكمال: 1041، تهذيب التهذيب: 8 / 69، الإصابة: 7 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 291. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 رَوَى عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَضَمْرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَالصُّنَابِحِيُّ، وَعَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَوَى عَنْهُ. وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الجَيْشِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوْكِ. قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَخِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كِلاَهُمَا يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي رُبُعَ الإِسْلاَمِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ، لَمْ يُسْلِمْ قَبْلِي إِلاَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، كِلاَهُمَا، حَتَّى لاَ يُدْرَى مَتَى أَسْلَمَ الآخَرُ (1) . نَزَلَ عَمْرٌو حِمْصَ بِاتِّفَاقٍ. وَيُقَالُ: شَهِدَ بَدْراً. وَمَا تَابَعَ أَحَدٌ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى عَلَى ذَا (2) . وَبَنُو بَجِيْلَةَ: رَهْطٌ مِنْ سُلَيْمٍ (3) .   (1) أخرجه الطبراني برقم (1618) ، والحاكم 3 / 341، 342، وصححه ووافقه الذهبي مع أن صدقة بن عبد الله وهو السمين ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي ومسلم والدارقطني، وغيرهم. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 327، وقال: رواه الطبراني باسنادين أحدهما متصل الإسناد ورجاله ثقات! وأظنه لا يريد هذا الإسناد، بل الذي سيأتي في الصفحة 459 ت 1، فقد عزاه الحافظ إلى الطبراني كما ستقف عليه. (2) أي على كونه شهد بدرا، ولفظ الإصابة " 7 / 127: وزعم أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي في ذكر من نزل حمص من الصحابة عمرو بن عبسة من المهاجرين الأولين شهد بدرا. كذا قال، وتبعه عبد الصمد بن سعيد ... قال ابن عساكر: كذا قالا، ولم يتابعا على شهوده بدرا. (3) تحرف في المطبوع إلى " سلم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - وَقَدْ لَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ - قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِرَاءٌ (1) عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ (2) حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: (نَبِيٌّ) . قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: (أَرْسَلَنِي اللهُ) . قُلْتُ: بِمَا أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: (بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ) . قُلْتُ: مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: (حُرٌّ وَعَبْدٌ) . قَالَ: وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٍ. فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ. قَالَ: (إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ ذَاكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلاَ تَرَى حَالِي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ، فَائْتِنِي) . فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي، وَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ، فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَأَتَيْتُهُ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (3) .   (1) أي: غضاب، ذووهم وغم قد انتقصهم أمره، وعيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم من قولهم: حرى الشئ يحري: إذا نقص، وبعضهم يرويه: جرآء جمع جرئ، من الجراءة وهي الاقدام والتسلط. انظر " النهاية " جرأ وحرى. (2) في الأصل: " فأتطلب " وما أثبته من صحيح مسلم. (3) وتمامه كما في مسلم (832) في صلاة المسافرين: باب إسلام عمرو بن عبسة، قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الاخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم علي نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله: أتعرفني؟ قال: " نعم. أنت الذي لقيتني بمكة؟ " قال: فقلت بلى. قلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك اله وأجهله، أخبرني عن الصلاة، قال: " صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع، بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صل، فإن الصلاة مشهودة محضورة. حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم. فإذا أقبل الفئ فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة. حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفار " قال: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، وَضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَآخَرَ، سَمِعُوا أَبَا أُمَامَةَ، سَمِعَ عَمْرَو بنَ عَبَسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَازِلٌ بِعُكَاظٍ، فَقُلْتُ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: (أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ) . فَأَسْلَمْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي رُبُعَ الإِسْلاَمِ (1) . لَمْ يُؤَرِّخُوا مَوْتَهُ. حَرِيْزٌ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُكَاظٍ، فَقُلْتُ: مَنْ تَبِعَكَ؟ قَالَ: (حُرٌّ وَعَبْدٌ، انْطَلِقْ حَتَّى يُمَكِّنَ اللهُ لِرَسُوْلِهِ (2)) . مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، قَالَ: أَسْلَمْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْحَقْ بِقَوْمِكَ) . ثُمَّ أَتَيْتُهُ قَبْلَ الفَتْحِ (3) .   = فقلت: يا نبي الله، فالوضوء؟ حدثني عنه. قال: " ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمص ويستنشق، فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثم يغسل قدميه إلى الكعبين. إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه " فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة: انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثا. (حتى عد سبع مرات) ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك. وأخرجه أحمد 4 / 122، وابن سعد 4 / 215، 217. (1) إسناده حسن، أخرجه ابن سعد من طريق معن بن عيسى بهدا الإسناد، وأورده الحافظ في " الإصابة " 7 / 128 ونسبه للطبراني وأبي نعيم في " دلائل النبوة ". (2) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 385، وابن سعد 4 / 215 من طريقين عن حريز بن عثمان، وقد تصحف عند ابن سعد إلى " جرير بن عثمان ". (3) إسناده حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، قَالَ: رَغِبْتُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي، فَلَقِيْتُ يَهُوْدِيّاً مِنْ أَهْلِ تَيْمَاءَ، فَقُلْتُ: إِنِّي مِمَّنْ يَعْبُدُ الحِجَارَةَ، فَيَتْرُكُ الحَيَّ، فَيَنْزِلُ الرَّجُلُ، فَيَأْتِي بِأَرْبَعَةِ حِجَارَةٍ، فَيَنْصُبُ ثَلاَثَةً لِقِدْرِهِ، وَيَجْعَلُ أَحْسَنَهَا إِلَهاً يَعْبُدُهُ. فَقَالَ: يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ رَجُلٌ يَرْغَبُ عَنِ الأَصْنَامَ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَفْضَلِ دِيْنٍ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَوَجَدْتُهُ مُسْتَخْفِياً، وَوَجَدْتُ قُرَيْشاً عَلَيْهِ أَشِدَّاءَ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ (1) . لَعَلَّهُ مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ سِتِّيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 89 - شَدَّادُ بنُ أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، أَحَدُ بَنِي مَغَالَةَ، وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ. وَشَدَّادٌ: هُوَ ابْنُ أَخِي حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، شَاعِرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) .   (1) هو في " الطبقات " 4 / 217، 218. (*) مسند أحمد: 4 / 122، طبقات ابن سعد: 7 / 401، طبقات خليفة: 88، 303، تاريخ خليفة: 227، التاريخ الكبير: 4 / 224، المعارف: 312، تاريخ الفسوي: 1 / 356، 2 / 320، 719، الجرح والتعديل: 4 / 328، المستدرك: 3 / 506، الاستبصار: 54، حلية الأولياء: 1 / 264، الاستيعاب: 2 / 694، أسد الغابة: 2 / 507، تهذيب الكمال 574، تاريخ الإسلام: 2 / 291، العبر: 1 / 62، تهذيب التهذيب: 4 / 315، الإصابة: 5 / 52، خلاصة تذهيب الكمال: 164، شذرات الذهب: 1 / 64، تهذيب ابن عساكر: 6 / 290. (2) ابن سعد 7 / 401. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَعُلَمَائِهِمْ، نَزَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ يَعْلَى، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَبَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ: عَنْ شَهْرٍ، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ غَنْمٍ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْنَا مَسْجِدَ الجَابِيَةِ (1) أَنَا وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، لَقِيَنَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَأَخَذَ بِشِمَالِهِ يَمِيْنِي، وَبِيَمِيْنِهِ شِمَالَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: إِنْ طَالَ بِكُمَا عُمُرُ أَحَدِكُمَا أَوْ كِلاَكُمَا، فَيُوْشِكُ (2) أَنْ تَرَيَا الرَّجُلَ مِنْ ثَبَجِ (3) المُسْلِمِيْنَ قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ، أَعَادَهُ، وَأَبْدَاهُ، وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ، أَوْ قَرَأَ بِهِ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ لاَ يَحُوْرُ فِيْكُمْ إِلاَّ كَمَا يَحُوْرُ رَأْسُ الحِمَارِ المَيِّتِ (4) . فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَعَوْفُ بنُ مَالِكٍ، فَجَلَسَا إِلَيْنَا، فَقَالَ شَدَّادٌ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، لَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ فِي الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ وَالشِّرْكِ. فَقَالَ عُبَادَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ: اللَّهُمَّ غُفْراً، أَوَ لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حَدَّثَنَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيْرَةِ العَرَبِ، فَأَمَّا الشَّهْوَةُ الخَفِيَّةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَهِيَ شَهَوَاتُ الدُّنْيَا مِنْ نِسَائِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَمَا هَذَا الشِّرْكُ الَّذِي تُخَوِّفُنَا بِهِ يَا شَدَّادُ؟   (1) قرية من أعمال دمشق سبق تعريفها في الصفحة 334 ت 2. (2) في " المسند ": فتوشكان. (3) الثبج: الوسط (4) قال ابن الأثير في " النهاية " اي: لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن، كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ لَو رَأَيْتُمْ أَحَداً يُصَلِّي لِرَجُلٍ، أَوْ يَصُومُ لَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقُ لَهُ، أَتَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ صَلَّى يُرَائِي؛ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي؛ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي؛ فَقَدْ أَشْرَكَ) . فَقَالَ عَوْفٌ: أَوَ لاَ يَعْمَدُ اللهُ إِلَى مَا ابْتُغِيَ فِيْهِ وَجْهُهُ مِنْ ذَلِكَ العَمَلِ كُلِّهِ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ مَا خَلَصَ لَهُ، وَيَدَعُ مَا أُشْرِكَ بِهِ فِيْهِ؟ قَالَ شَدَّادٌ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ عَنِ اللهِ، قَالَ: (أَنَا خَيْرُ قَسِيْمٍ، فَمَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئاً، فَإِنَّ جَسَدَهُ وَعَمَلَهُ، قَلِيْلَهُ وَكَثِيْرَهُ لِشَرِيْكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ، أَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ (1)) . شَدَّادٌ: كَنَّاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ: أَبَا يَعْلَى. ابْنُ جَوْصَاءَ (2) : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنْيَةُ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ: أَبُو يَعْلَى. وَكَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ، مِنْهُمْ: بِنْتُهُ خَزْرَجٌ، وَتَزَوَّجَتْ فِي الأَزْدِ، وَكَانَ أَكْبَرُهُمْ يَعْلَى، ثُمَّ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَالمُنْذِرُ. فَمَاتَ شَدَّادٌ، وَخَلَّفَ عَبْدَ الوَهَّابِ، وَالمُنْذِرَ صَغِيْرَيْنِ، وَأَعْقَبُوا سِوَى يَعْلَى.   (1) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وهو في " المسند " 4 / 125، 126، و" حلية الأولياء " 1 / 268، 269، وأخرجه الطبراني مختصرا (7139) ، وانظر " المجمع " 10 / 221. (2) ابن جوصا بالجيم المعجمة، وقد تصحف في المطبوع إلى خوصا بالخاء: وهو الامام الحافظ النبيل محدث الشام أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا الدمشقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 وَنَسَأَ لابْنَتِهِ نَسْلٌ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَتِ الرَّجْفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالشَّامِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَشَدُّهَا بِبَيْتِ المَقْدِسِ، فَفَنِيَ كَثِيْرٌ مِمَّنْ كَانَ فِيْهَا مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَوَقَعَ مَنْزِلُ شَدَّادٍ عَلَيْهِمْ، وَسَلِمَ مُحَمَّدٌ، وَقَدْ ذَهَبَتْ رِجْلُهُ تَحْتَ الرَّدْمِ (1) . وَكَانَتِ النَّعْلُ (2) زَوْجاً، خَلَّفَهَا شَدَّادٌ عِنْدَ وَلَدِهِ، فَصَارَتْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادٍ، فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أُخْتُهُ خَزْرَجٌ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِأَهْلِهِ جَاءتْ، فَأَخَذَتْ فَرْدَ النَّعْلَيْنِ، وَقَالَتْ: يَا أَخِي، لَيْسَ لَكَ نَسْلٌ، وَقَدْ رُزِقْتُ وَلَداً، وَهَذِهِ مَكْرُمَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُحِبُّ أَنْ تُشْرِكَ فِيْهَا وَلَدِي. فَأَخَذَتْهَا مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ أَوَانِ الرَّجْفَةِ، فَمَكَثَتِ النَّعْلُ عِنْدَهَا حَتَّى أَدْرَكَ أَوْلاَدُهَا، فَلَمَّا جَاءَ المَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، أَتَوْهُ بِهَا، وَعَرَّفُوْهُ نَسَبَهَا مِنْ شَدَّادٍ، فَعَرَفَ ذَلِكَ، وَقَبِلَهُ، وَأَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِضَيْعَةٍ، وَبَعَثَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ شَدَّادٍ، فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ لِزَمَانَتِهِ (3) ، فَسَأَلَهُ عَنْ خَبَرِ النَّعْلِ، فَصَدَّقَ مَقَالَةَ الرَّجُلَيْنِ. فَقَالَ لَهُ المَهْدِيُّ: ائْتِنِي بِالأُخْرَى. فَبَكَى، وَنَاشَدَهُ اللهَ، فَرَقَّ لَهُ، وَخَلاَّهَا عِنْدَهُ. مُعَانُ بنُ رِفَاعَةَ: عَنْ أَبِي يَزِيْدَ الغَوْثِيِّ، عَمَّنَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فَقِيْهاً، وَإِنَّ فَقِيْهَ هَذِهِ الأُمَّةِ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ (4) . لَمْ يَصِحَّ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 290. (2) أي: نعل النبي صلى الله عليه وسلم. (3) " تاريخ الإسلام " 5 / 39، 40، و" تهذيب ابن عساكر " 6 / 290، 291. والزمانة: العاهة. (4) " حلية الأولياء " 1 / 265. و" تهذيب ابن عساكر " 6 / 291. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ شَدَّادَ بنَ أَوْسٍ أُوْتِيَ عِلْماً وَحِلْماً (1) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: فَضَلَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ الأَنْصَارَ بِخَصْلَتَيْنِ: بِبَيَانٍ إِذَا نَطَقَ، وَبِكَظْمٍ إِذَا غَضِبَ (2) . عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ - وَكَانَ بَدْرِيّاً - ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. وَقَالَ البُخَارِيُّ: شَدَّادٌ لَهُ صُحْبَةٌ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهِدَ بَدْراً، وَلَمْ يَصِحَّ (3) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَ فِلَسْطِيْنَ، وَلَهُ عَقِبٌ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ عِبَادَةٌ وَاجْتِهَادٌ (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ أَبُوْهُ أَوْسُ بنُ ثَابِتٍ بَدْرِيّاً، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ (5) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ بِالشَّامِ أَحَدٌ كَانَ أَوْثَقَ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَرْضَى مِنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ (6) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، وروى ابن أبي خيثمة كما في " الإصابة 5 / 52 من حديث عبادة بن الصامت قال: شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم والحلم، ومن الناس من أوتي أحدهما. (2) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 5 / 52 إلى ابي زرعة. (3) " التاريخ الكبير " 4 / 224. (4) " ابن سعد " 7 / 401. (5) " الإصابة " 5 / 52. (6) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، وقد تحرف فيه " معدان " إلى " سعدان ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: زُهَّادُ الأَنْصَارِ ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ. عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ رَجُلٍ أَحْسِبُهُ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، قَالَ: انْطَلَقْنَا نَؤُمُّ البَيْتَ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَخْبِيَةٍ بَيْنَهَا فُسْطَاطٌ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: عَلَيْكَ بِصَاحِبِ الفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ القَوْمِ. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الفُسْطَاطِ، سَلَّمْنَا، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا شَيْخٌ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ، هِبْنَاهُ مَهَابَةً لَمْ نَهَبْهَا وَالِداً قَطُّ، وَلاَ سُلْطَاناً. فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا؟ قُلْنَا: فِتْيَةٌ نَؤُمُّ البَيْتَ. قَالَ: وَأَنَا قَدْ حَدَّثَتْنِي نَفْسِي بِذَلِكَ، وَسَأَصْحَبُكُمْ. ثُمَّ نَادَى، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الأَخْبِيَةِ شَبَابٌ، فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ بَيْتَ رَبِّي، وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ زَائِرُهُ. فَجَعَلُوا يَنْتَحِبُوْنَ عَلَيْهِ بُكَاءً، فَالْتَفَتُّ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، كَانَ أَمِيْراً، فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ، اعْتَزَلَهُمْ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا لَنَا بِسَوِيْقٍ، فَجَعَلَ يَبُسُّ (1) لَنَا، وَيُطْعِمُنَا، وَيَسْقِيْنَا. ثُمَّ خَرَجْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا عَلَوْنَا فِي الأَرْضِ، قَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ: اصْنَعْ لَنَا طَعَاماً يَقْطَعْ عَنَّا الجُوْعَ - يُصَغِّرُهُ - كَلِمَةً قَالَهَا، فَضَحِكْنَا. فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ مُفَارِقُكُمَا. قُلْنَا: رَحِمَكَ اللهُ، إِنَّكَ كُنْتَ لاَ تَكَادُ تَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ لَمْ نَتَمَالَكْ أَنْ ضَحِكْنَا. فَقَالَ: أُزَوِّدُكُمَا حَدِيْثاً كَانَ رَسُوْلُ اللهِ يُعِلِّمُنَا فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، فَأَمْلَى عَلَيْنَا، وَكَتَبْنَاهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيْمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ يَقِيْناً صَادِقاً، وَقَلْباً   (1) يقال: بس السويق والدقيق وغيرهما يبسه بسا: خلطه بسمن أو زيت، وهي البسيسة. سير 2 / 30 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 سَلِيْماً، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ (1)) . وَرُوِيَ الدُّعَاءُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ. قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَسَدِ بنِ وَدَاعَةَ، عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الفِرَاشَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، لاَ يَأْتِيْهِ النَّوْمُ، فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ أَذْهَبَتْ مِنِّي النَّوْمَ. فَيَقُوْمُ، فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ. (2) رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ فَرَجٍ، عَنْ أَسَدٍ. قَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ شَدَّادَ بنَ أَوْسٍ خَطَبَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الدُّنْيَا أَجَلٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهَا البَرُّ وَالفَاجِرُ، وَإِنَّ الآخِرَةَ أَجَلٌ مُسْتَأْخَرٌ، يَحْكُمُ فِيْهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلاَ وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيْرِهِ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيْرِهِ فِي النَّارِ (3) . اتَّفَقُوا عَلَى مَوْتِهِ كَمَا قُلْنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، إِلاَّ مَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ   (1) في سنده مجهولان، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، 292. وأخرج الدعاء منه الترمذي (3407) في الدعوات: باب سؤال الثبات في الامر من طريق أبي العلاء يزيد بن الشخير عن رجل من بني حنظلة عن شداد بن أوس، ورواه النسائي 3 / 54 في السهو: باب الدعاء بعد الذكر، وأحمد 4 / 125 بإسقاط الواسطة بين ابن الشخير وشداد بن أوس، ففي الأول مجهول، وفي الثاني انقطاع، فهو ضعيف، وأخرجه أحمد 4 / 123 " من طريق روح بن عبادة، حدثنا الاوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كان شداد..ورجاله ثقات. لكنه منقطع بين حسان بن عطية وشداد. (2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 264 من طريق إبراهيم بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق بهذا الإسناد، وفرج بن فضالة ضعيف، وهو في " أسد الغابة " 2 / 507، و" تهذيب ابن عساكر " 6 / 293. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 293، وهو في الحلية " 1 / 264 من طريق آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 أَهْلِ بَيْتِهِ: أَنَّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. خَرَّجُوا لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَعَدَدُ أَحَادِيْثِهِ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : خَمْسُوْنَ حَدِيْثاً، أَعْنِي بِالمُكَرَّرِ. 90 - عُقْبَةُ بن عَامِرٍ الجُهَنِيُّ المِصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو عَبْسٍ - وَيُقَالُ: أَبُو حَمَّادٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو، وَيُقَالُ: أَبُو عَامِرٍ، وَيُقَالُ: أَبُو الأَسَدِ - المِصْرِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الخَيْرِ مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَأَبُو عِمْرَانَ أَسْلَمُ التُّجِيْبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ، وَمِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، وَأَبُو عُشَّانَةَ حَيُّ بنُ يُؤْمِنَ، وَأَبُو قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَبَعْجَةُ الجُهَنِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. وَكَانَ عَالِماً، مُقْرِئاً، فَصِيْحاً، فَقِيْهاً، فَرَضِيّاً، شَاعِراً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. وَهُوَ كَانَ البَرِيْدَ إِلَى عُمَرَ بِفَتْحِ دِمَشْقَ. وَلَهُ دَارٌ بِخَطِّ بَابِ تُوْمَا (1) . عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ: عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الشَّامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَدَخَلْتُ المَدِيْنَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: هَلْ نَزَعْتَ خُفَيَّكَ؟ قُلْتُ: لاَ.   (*) مسند أحمد: 4 / 201 143، التاريخ لابن معين: 409، طبقات ابن سعد: 4 / 343، 344، طبقات خليفة: 121، 292، تاريخ خليفة: 197، 225، التاريخ الكبير: 6 / 430، المعارف: 279، الجرح والتعديل: 6 / 313، المستدرك: 3 / 467، الاستيعاب: 3 / 1073، ابن عساكر: 11 / 348 / 1، أسد الغابة: 4 / 53، تهذيب الكمال: 947، تاريخ الإسلام: 2 / 306، العبر ك 1 / 62، تهذيب التهذيب: 7 / 242 - 244، الإصابة: 7 / 21، خلاصة تذهيب الكمال: 269، كنز العمال: 13 / 495، شذرات الذهب: 1 / 64. (1) هو أحد أبواب مدينة دمشق من الجانب الشرقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 قَالَ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ (2) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا، وَوَلِيَ الجُنْدَ بِمِصْرَ لِمُعَاويَةَ، ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَأَغْزَاهُ البَحْرَ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، وَقَبْرُهُ بِالمُقَطَّمِ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَعَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى الهِجْرَةِ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ (3) . وَقَالَ عُقْبَةُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ (4) ، وَكُنْتُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، وَكَانَ عُقْبَةُ مِنَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ: أَنَّ عُقْبَةَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتاً بِالقُرْآنِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْرِضْ عَلَيَّ. فَقَرَأَ، فَبَكَى عُمَرُ. ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ (5) أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ. قُلْتُ: وَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.   (1) أخرجه البيهقي في " سننه " 2 / 380 من طريق الحاكم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني، عن بشر بن بكر، عن موسى بن علي بهذا الإسناد. (2) ابن سعد 4 / 344. (3) ابن سعد 4 / 343، 344. (4) الصفة: موضع مظلل في مسجد المدينة كان يأوي إليه فقرأ المهاجرين ومن لم يكن له منزل يسكنه. (5) تصحفت في المطبوع إلى " رفقاء " والخبر أخرجه مسلم (814) في صلاة المسافرين: باب فضل قراءة المعوذتين عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ (1) . لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : خَمْسَةٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً. 91 - بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسْلَمِيُّ * (ع) ابْنِ الحَارِثِ بنِ الأَعْرَجِ بنِ سَعْدٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَقِيْلَ: أَبُو سَهْلٍ، وَأَبُو سَاسَانَ، وَأَبُو الحُصَيْبِ - الأَسْلَمِيُّ. قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ الهِجْرَةِ، إِذْ مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِراً. وَشَهِدَ: غَزْوَةَ خَيْبَرَ، وَالفَتْحَ، وَكَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ (2) . وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَدَقَةِ قَوْمِهِ. وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الأَمِيْرِ أُسَامَةَ حِيْنَ غَزَا أَرْضَ البَلْقَاءِ، إِثْرَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. لَهُ جُمْلَةُ أَحَادِيْثَ، نَزَلَ مَرْوَ، وَنَشَرَ العِلْمَ بِهَا. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ سُلَيْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَوَلَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَسَكَنَ البَصْرَةَ مُدَّةً. ثُمَّ غَزَا خُرَاسَانَ زَمَنَ عُثْمَانَ، فَحَكَى عَنْهُ مَنْ سَمِعَهُ يَقُوْلُ وَرَاءَ نَهْرِ جَيْحُوْنَ:   (1) قال الحافظ في " الإصابة " 7 / 22: مات في أول خلافة معاوية على الصحيح. (*) مسند أحمد: 5 / 346، طبقات ابن سعد 4 / 241 - 243 و7 / 365، التاريخ لابن معين: 57، طبقات خليفة: 109، تاريخ خليفة: 251، التاريخ الكبير: 2 / 141، المعارف: 300، الجرح والتعديل: 2 / 424، معجم الطبراني: 3 / 2، 8، أسد الغابة: 1 / 209، تاريخ الإسلام: 2 / 386، العبر: 1 / 66، مجمع الزوائد: 9 / 398، الإصابة: 1 / 241، شذرات الذهب: 1 / 70. (2) " أسد الغابة " 1 / 209، و" ابن سعد " 4 / 242. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 لَا عَيْشَ إِلاَّ طِرَادَ الخَيْلِ بِالخَيْلِ (1) ... قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: قَالَ مُوَرِّقٌ: أَوْصَى بُرَيْدَةُ أَنْ يُوْضَعَ فِي قَبْرِهِ جَرِيْدَتَانِ، وَكَانَ مَاتَ بِخُرَاسَانَ، فَلَمْ تُوْجَدَا إِلاَّ فِي جُوَالِقِ حِمَارٍ (2) . وَرَوَى: مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَعِدَ الثُّلْمَةَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى رُئِيَ مَكَانِي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ أَحْمَرُ، فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي رَكِبْتُ فِي الإِسْلاَمِ ذَنْباً أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهُ - أَيْ: الشُّهْرَةَ (3) -. قُلْتُ: بَلَى، جُهَّالُ زَمَانِنَا يَعُدُّوْنَ اليَوْمَ مِثْلَ هَذَا الفِعْلِ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ؛ وَبِكُلِّ حَالٍ فَالأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلَعَلَّ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِإِزْرَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ، يَصِيْرُ لَهُ عَمَلُهُ ذَلِكَ طَاعَةً وَجِهَاداً! وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ، رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ الغِرُّ، وَنَوَّهَ بِهِ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى دِيْوَانِ الرِّيَاءِ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى* -: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفُرْقَانُ: 23] . وَكَانَ بُرَيْدَةُ مِنْ أُمَرَاءِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي نَوْبَةِ سَرْغٍ (4) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ بُرَيْدَةُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ آخَرُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. وَهَذَا أَقْوَى.   (1) ابن سعد 4 / 243، و7 / 365. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 117 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم الاحول، قال: قال مورق وهذا سند صحيح، وعلقه البخاري في " صحيحه " 3 / 177 بصيغة الجزم. (3) ذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 2 / 386 عن بكير بن معروف بهذا الإسناد. (4) سرغ: أول الحجاز وآخر الشام، من منازل حاج الشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 رُوِيَ لِبُرَيْدَةَ نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. 92 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ * (ع) شَقِيْقُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ. حَضَرَ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ؛ ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ، وَهَاجَرَ قُبَيْلَ الفَتْحِ. وَأَمَّا جَدُّهُ أَبُو قُحَافَةَ فَتَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ إِلَى يَوْمِ الفَتْحِ (1) . وَكَانَ هَذَا أَسَنَّ أَوْلاَدِ الصِّدِّيْقِ، وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَالشُّجْعَانِ. قَتَلَ يَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعَةً مِنْ كِبَارِهِمْ.   (*) مسند أحمد: 1 / 197، طبقات خليفة: 18، 189، تاريخ خليفة: 219، التاريخ الكبير: 5 / 242، المعارف: 173، 174، 233، 592، تاريخ الفسوي: 1 / 213، 285، المستدرك: 3 / 473، الاستيعاب: 2 / 825، أسد الغابة: 3 / 466، تهذيب الكمال: 778، تاريخ الإسلام: 2 / 303 - 304، العبر: 1 / 58، تهذيب التهذيب: 6 / 146 - 147، الإصابة: 6 / 295، خلاصة تذهيب الكمال: 224، شذرات الذهب: 1 / 59. (1) أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (20179) ومسلم (2102) في اللباس والزينة من حديث جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " والثغامة: نبات له ثمر أبيض يشبه بياض الشيب. وأخرج ابن إسحاق في " المغازي " قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا. قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، قال: ذلك يا بنية الوازع، يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها. ثم قالت: قدوالله انتشر السواد، فقال: قدوالله دفعت الخيل فأسرعي بي إلى البيت، فانحطت به قتلقاه الخيل قبل أن يصلى بيته، وفي عنق الجارية طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتطعه من عنقها، قالت: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد، أتاه أبو بكر رضي الله عنه بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه "؟ قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه، فأجلسله بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم. قالت: ودخل به أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 6 / 389، وصححه ابن حبان (1700) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 لَهُ أَحَادِيْثُ، نَحْوُ الثَّمَانِيَةِ. اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهَا (1) . رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَحَفْصَةُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ الَّذِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ أَنْ يُعْمِرَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيْمِ (2) . لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي: (تَارِيخِ دِمَشْقَ) . تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. هكَذَا وَرَّخُوْهُ، وَلاَ يَسْتَقِيْمُ؛ فَإِنَّ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ مَوْتِ سَعْدٍ، فَتَوَضَّأَ. فَقَالَتْ لَهُ: أَسْبِغِ الوُضُوْءَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ منَ النَّارِ (3)) . وَقَدْ هَوِيَ ابْنَةَ الجُوْدِيِّ، وَتَغَزَّلَ فِيْهَا بِقَوْلِهِ: تَذَكَّرْتُ لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُوْنَهَا ... فَمَا لابْنَةِ الجُوْدِيِّ لَيْلَى وَمَا لِيَا   (1) انظر صحيح البخاري 3 / 483 في الحج: باب عمرة التنعيم و2 / 61 في الصلاة: باب السمر مع الأهل والضيف، و5 / 170 في الهبة، و6 / 460 في الاطعمة: باب من أكل حتى شبع، ومسلم (1212) و (2056) و (2057) . (2) التنعيم: موضع بين مكة وسرف على فرسخين من مكة. والحديث في " الموطأ " 1 / 361، والبخاري 3 / 330 في الحج: باب التلبية إذا انحدر من الوادي، ومسلم (1211) في الحج: باب بيان وجوه الاحرام من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة. (3) أخرجه مسلم (240) في الطهارة: باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، من طرق عن ابن وهب، عن خرمة بن بكير، عن أبيه، عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَأَنَّى تُعَاطِي قَلْبَهُ حَارِثيَّةٌ ... تَدَمَّنُ بُصْرَى أَوْ تَحِلُّ الجَوَابِيَا وَأَنَّى تُلاَقِيْهَا بَلَى وَلَعَلَّهَا ... إِنِ النَّاسُ حَجُّوا قَابِلاً أَنْ تُوَافِيَا (1) فَقَالَ عُمَرُ لأَمِيْرِ عَسْكَرِهِ: إِنْ ظَفِرْتَ بِهَذِهِ عَنْوَةً، فَادْفَعْهَا إِلَى ابْنِ أَبِي بَكْرٍ. فَظَفِرَ بِهَا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَأُعْجِبَ بِهَا، وَآثَرَهَا عَلَى نِسَائِهِ، حَتَّى شَكَوْنَهُ إِلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ لَهُ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ. فَقَالَ: وَاللهِ، إِنِّي لأَرْشُفُ مِنْ ثَنَايَاهَا حَبَّ الرُّمَّانِ. فَأَصَابَهَا وَجَعٌ، فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهَا؛ فَجَفَاهَا، حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَكَلَّمَتْهُ. قَالَ: فَجَهَّزَهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَكَانَتْ مِنْ بَنَاتِ المُلُوْكِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالصِّفَاحِ (2) ، وَحُمِلَ، فَدُفِنَ بِمَكَّةَ. وَقَدْ صَحَّ فِي (مُسْلِمٍ) فِي الوُضُوْءِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ خَرَجَ إِلَى جَنَازَةِ سَعْدِ ابْن أَبِي وَقَّاصٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ سَعْدٍ (3) .   (1) الابيات في " نسب قريش " 276، و" الاغاني ": 17 / 358، و" الإصابة " في ترجمة ليلى بنت الجودي وقوله: " تدمن بصرى " أي: تغشاها وتلزمها. (2) الصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة. لكن في حديث الترمذي (1055) من طريق عبد الله بن أبي ميكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي (وهو جبل بأسفل مكة على ستة أميال منها) فحمل إلى مكة، ورجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس، ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (6535) ولفظه: قال ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قالت عائشة: لو حضرت عبد الرحمن تعني أخاها ما دفن إلا حيث مات وكان مات بالحبشي، ودفن بأعلى مكة. وفيه التصريح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه، وتابعه عليه أيوب السختياني عند عبد الرزاق أيضا (6539) فالسند صحيح. (3) تقدم تخريجه، انظر ص 472 ت (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 93 - الحَكَمُ بنُ عَمْرٍو الغِفَارِيُّ * (خَ، 4) الأَمِيْرُ، أَخُوْ رَافِعِ بنِ عَمْرٍو، وَهُمَا مِنْ بَنِي ثُعَيْلَةَ (1) . وَثُعَيْلَةُ: أَخُو غِفَارَ. نَزَلَ الحَكَمُ البَصْرَةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، وَفَضْلٌ، وَصَلاَحٌ، وَرَأْيٌ، وَإِقْدَامٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَسَوَادَةُ بنُ عَاصِمٍ؛ وَآخَرُوْنَ. رِوَايَتُهُ فِي الكُتُبِ، سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (2)) . رَوَى: هِشَامٌ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ زِيَادَ بنَ أَبِيْهِ بَعَثَ الحَكَمَ بنَ عَمْرٍو عَلَى   (*) مسند أحمد: 4 / 212 و5 / 66، طبقات ابن سعد: 7 / 28، التاريخ لابن معين: 126، طبقات خليفة: 175، 321، تاريخ خليفة: 211، التاريخ الكبير: 2 / 329 328، تاريخ الفسوي: 3 / 25، الجرح والتعديل: 3 / 119، معجم الطبراني: 3 / 233، المستدرك: 3 / 441، الاستيعاب: 1 / 356، أسد الغابة: 2 / 40، تهذيب الكمال: 317، تاريخ الإسلام: 2 / 220، مجمع الزوائد: 9 / 410، تهذيب التهذيب: 2 / 437 436، الإصابة: 2 / 273، خلاصة تذهيب الكمال: 89. (1) كذا الأصل بالثاء والعين المهملة، وفي " تهذيب الكمال " " نعيلة " بالنون والعين. المهملة، وقد كتب فوقها كلمة صح، وكذلك هو في " طبقات ابن سعد " و" أسد الغابة " و" المستدرك " وقيده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة رافع أخي الحكم بنون ومعجمة مصغرا " نعيلة " وفي " طبقات خليفة " و" الإصابة " و" جمهرة أنساب العرب " و" الطبراني ": " ثعلبة ". (2) هذا وهم بن المؤلف، والصواب: سوى مسلم، كما في الرمز الذي بجانب الاسم. وحديثه في البخاري 9 / 564 في الذبائح: باب لحوم الحمر الانسية من طريق علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال عمرو بن دينار: قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الاهلية، فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 خُرَاسَانَ، فَغَنِمُوا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَصْطَفِيَ لَهُ الصَّفْرَاءَ وَالبَيْضَاءَ، لاَ تَقْسِمْ بَيْنَ النَّاسِ ذَهَباً وَلاَ فِضَّةً. فَكَتَب إِلَيْهِ الحَكَمُ: أُقْسِمُ بِاللهِ، لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ رَتْقاً عَلَى عَبْدٍ، فَاتَّقَى اللهَ، يَجْعَلُ لَهُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَخْرَجاً، وَالسَّلاَمُ (1) . ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: اغْدُوا عَلَى فَيْئِكُمْ، فَاقْسِمُوْهُ. وَيُرْوَى: أَنَّ عُمَرَ نَظَرَ إِلَى الحَكَمِ بنِ عَمْرٍو، وَقَدْ خَضَبَ بِصُفْرَةٍ، فَقَالَ: هَذَا خِضَابُ الإِيْمَانِ (2) . مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي حَاجِبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الحَكَمِ الغِفَارِيِّ، إِذْ جَاءهُ رَسُوْلُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقُوْلُ: إِنَّكَ أَحَقُّ مَنْ أَعَانَنَا. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا اتَّخِذْ سَيْفاً مِنْ خَشَبٍ (3)) . أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَعَثَ زِيَادٌ الحَكَمَ، فَأَصَابُوا غَنَائِمَ كَثِيْرَةً، فَكَتَبَ زِيَادٌ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرَ أَنْ تُصْطَفَى لَهُ الصَّفْرَاءُ وَالبَيْضَاءُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي وَجَدْتُ كِتَابَ اللهِ قَبْلَ كِتَابِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَأَمَرَ مُنَادِياً، فَنَادَى: أَنِ اغْدُوا عَلَى فَيْئِكُمْ، فَقَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ.   (1) أخرجه ابن سعد 7 / 28، 29 من طريق إسحاق بن يوسف الازرق حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن ... وما بين حاصرتين منه. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 422، 443 من طريق ابي إسحاق الفزاري، وسيذكره المؤلف قريبا. (2) " مسند أحمد " 5 / 67. (3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 442 من طريق محمد بن أبي السري بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن أبي السري كثير الاوهام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 فَوَجَّهَ مُعَاوِيَةُ مَنْ قَيَّدَهُ، وَحَبَسَهُ، فَمَاتَ، فَدُفِنَ فِي قُيُوْدِهِ، وَقَالَ: إِنِّي مُخَاصِمٌ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، وَيُوْنُسُ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ زِيَاداً اسْتَعْمَلَ الحَكَمَ بنَ عَمْرٍو، فَلَقِيَهُ عِمرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: أَمَا تَذْكُرَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَلَغَهُ الَّذِي قَالَ لَهُ أَمِيْرُهُ: قَعْ فِي النَّارِ، فَقَامَ لِيَقَعَ فِيْهَا، فَأَدْرَكَهُ، فَأَمْسَكَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ وَقَعَ فِيْهَا لَدَخَلَ النَّارَ، لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوْقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ) . قَالَ الحَكَمُ: بَلَى. قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُذَكِّرَكَ هَذَا الحَدِيْثَ (2) . جَمِيْلُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو المُعَلَّى، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: قَالَ الحَكَمُ بنُ عَمْرٍو: يَا طَاعُوْنُ، خُذْنِي إِلَيْكَ. فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَقُوْلُ هَذَا؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ) . قَالَ أُبَادِرُ سِتّاً: بَيْعَ الحُكْمِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَإِمَارَةَ الصِّبْيَانِ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ، وَقَطِيْعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْأً يَكُوْنُوْنَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَتَّخِذُوْنَ القُرْآنَ مَزَامِيْرَ (3) .   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 442، والطبراني (3158) ، قال الهيثمي في " المجمع " 7 / 311: وفيه من لم أعرفه. وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 247 مختصرا ثم قال: والصحيح أنه لما ورد عليه كتاب زياد بالعقاب، دعا على نفسه فمات. وسيذكره المؤلف قريبا. (2) صحيح، أخرجه الحاكم 3 / 423، وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد 5 / 66، والطيالسي 2 / 166، والطبراني (3150) و (3159) و (3160) وله شاهد من حديث النواس بن سمعان عند البغوي في " شرح السنة " (2455) ، وسنده حسن في الشواهد. (3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 443، والطبراني (3162) ، وأبو المعلى لا يعرف، لكن له شاهد في المرفوع من حديث عابس الغفاري عند أحمد 3 / 494 بلفظ: " بادروا = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِ وَالِي خُرَاسَانَ الحَكَمِ، أَنَّهُ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ بِمَرْوَ، لِكِتَابٍ وَرَدَ إِلَيْهِ مِنْ زِيَادٍ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ، فَدُفِنَا جَمِيْعاً (1) . قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِخُرَاسَانَ وَالياً، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (2) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (3) . أَخُوْهُ: 94 - رَافِعُ بنُ عَمْرٍو الغِفَارِيُّ الكِنَانِيُّ * (م، د، ت، ق) لَهُ صُحْبَةٌ، وَحَدِيْثَانِ، نَزَلَ البَصْرَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ؛ وَغَيْرُهُ. خَرَّجَ لَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، وَابْنُ مَاجَه.   = بالأعمال ستا. " وسنده ضعيف، وآخر من حديث عوف بن مالك عند أحمد أيضا 6 / 22 و23، وسنده ضعيف، فيتقوى بهذه الشواهد لا سيما وأن لحديث عابس طريقا آخر، انظر " الإصابة " 5 / 265 ترجمة عابس الغفاري. و" نشأ " بفتح الشين جمع ناشئ، كخادم وخدم: يريد: جماعة أحداثا. (1) " المستدرك " 3 / 442. (2) " طبقات خليفة " 32. (3) نقله الحاكم عنه في " المستدرك " 3 / 442، وهو كذلك في " طبقات خليفة " في الصفحة 175 و321، وفي " تاريخه " 211. (*) طبقات خليفة: 32، 175، التاريخ الكبير: 3 / 302، الجرح والتعديل: 3 / 479، معجم الطبراني الكبير: 5 / 6، المستدرك: 3 / 443، الاستيعاب: 2 / 482، أسد الغابة: 2 / 194، تهذيب الكمال: 402، تهذيب التهذيب: 3 / 231، الإصابة: 3 / 241، خلاصة تذهيب الكمال: 114. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 لَهُ حَدِيْثٌ فِي نَعْتِ الخَوَارِجِ. وَقَالَ مُعْتَمرُ (1) بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الحَكَمِ، عَنْ عَمِّهِ رَافِع، قَالَ: كُنْتُ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ، وَأَنَا غُلاَمٌ، فَرَآنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ، لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟) . قُلْتُ: آكُلُ. قَالَ: (كُلْ مَا يَسْقُطُ) . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ، أَشْبِعْ بَطْنَهُ (2)) . وَيُرْوَى نَحْوُهُ: عَنْ رَافِعٍ، بإِسْنَادٍ آخَرَ، ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ (3)) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. أَمَّا: 95 - رَافِعُ بنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ البَصْرِيُّ * (د، س) أَخُوْ عَائِذٍ، فَآخَرُ، وَلَهُمَا صُحْبَةٌ.   (1) تحرف في المطبوع إلى " معمر ". (2) إسناده ضعيف لجهالة ابن أبي الحكم، وهو في " المستدرك " 3 / 444، وأخرجه أبو داود (2622) في الجهاد: باب من قال: إنه يأكل مما سقط، وابن ماجه (2299) في التجارات، والطبراني (4459) من طرق، عن المعتمر بن سليمان، عن ابن أبي الحكم الغفاري، عن جدته، عن عم أبيها بن عمرو، وقيل: عن معتمر، عن ابن أبي الحكم الغفاري، قال: حدثتني جدتي عن عم أبي رافع. (3) أخرج الحاكم 4443، من طريق الفضل بن موسى، حدثنا صالح بن أبي جبير (وقد تحرف في المطبوع إلى جعفر) ، عن أبيه، عن رافع بن عمرو الغفاري. وأخرجه الترمذي أيضا (1288) في البيوع من هذا الطريق، وصالح بن أبي جبير وأبوه لم يوثقهما غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه الترمذي. (*) مسند أحمد: 3 / 426 و5 / 31 و65، التاريخ الكبير: 3 / 302، الجرح والتعديل: 3 / 479، معجم الطبراني: 5 / 54، الاستيعاب: 2 / 482، أسد الغابة: 2 / 94، تهذيب الكمال: 402، تهذيب التهذيب: 3 / 231، الإصابة: 3 / 242، خلاصة تذهيب الكمال: 114. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 رَوَى لِهَذَا: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ (1) . يَرْوِي عَنْهُ: عَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ المُزَنِيُّ. ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ. 96 - الأَرْقَمُ بنُ أَبِي الأَرْقَمِ بنِ أَسِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ * ابْنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ المَخْزُوْمِيُّ. صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. اسْمُ أَبِيْهِ: عَبْدُ مَنَافٍ. كَانَ الأَرْقَمُ أَحَدَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً، وَقَدِ اسْتَخْفَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَارِهِ، وَهِيَ عِنْدَ الصَّفَا. وَكَانَ مِنْ عُقَلاَءِ قُرَيْشٍ، عَاشَ إِلَى دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عِمْرَانَ بنِ عُثْمَانَ بنِ الأَرْقَمِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الأَرْقَمِ: أَنَّهُ تَجَهَّزَ يُرِيْدُ بَيْتَ المَقْدِسِ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَهَازِهِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَدِّعُهُ، فَقَالَ: (مَا يُخْرِجُكَ؟ حَاجَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ؟) . قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ الصَّلاَةَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الصَّلاَةُ فِي مَسْجِدِيْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ   (1) وحديثه في أبي داود (1956) في المناسك: باب أي وقت يخطب يوم النحر. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي رضي الله عنه يعبر عنه، والناس بين قاعد وقائم. (*) مسند أحمد: 3 / 417، طبقات ابن سعد 3 / 242، طبقات خليفة: 21، التاريخ الكبير: 2 / 46، الجرح والتعديل: 2 / 310 3309، معجم الطبراني: 1 / 284، المستدرك: 3 / 502، الاستبصار: 117، الاستيعاب: 1 / 131، أسد الغابة: 1 / 74، تاريخ الإسلام: 2 / 213، العبر: 1 / 61، الإصابة: 1 / 40، كنز العمال: 13 / 269، شذرات الذهب: 1 / 61. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 فِيْمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامِ) . فَجَلَسَ الأَرْقَمُ، وَلَمْ يَخْرُجْ (1) . وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَرْقَمَ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفاً (2) ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ. وَقَدْ وَهِمَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَبَاهُ أَبَا الأَرْقَمِ أَسْلَمَ. وَغَلِطَ أَبُو حَاتِمٍ، إِذْ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الأَرْقَمِ هُوَ ابْنُ هَذَا، ذَاكَ زُهْرِيٌّ، وَلِيَ بَيْتَ المَالِ لِعُثْمَانَ؛ وَهَذَا مَخْزُوْمِيٌّ. قِيْلَ: الأَرْقَمُ عَاشَ بِضْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ: بِالمَدِيْنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ (3) . وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ الأَرْقَمِ: تُوُفِّيَ أَبِي سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً (4) . لَهُ رِوَايَةٌ فِي: (مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) (5) .   (1) يحيى بن عمران لم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: شيخ مدني مجهول، وعبد الله ابن عثمان لايعرف. وهو في " المسند " وأخرجه الطبراني في " الكبير " (907) ، والحاكم 3 / 504، من طريق العطاف بن خالد المخزومي، عن عثمان بن عبد الله بن الارقم، عن جده الارقم ... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (2) أخرجه الحاكم 3 / 504 من طريق أبي مصعب الزهري، عن يحيى بن عمران بن عثمان، عن جده، عن أبيه الارقم، وصححه، ووافقه الذهبي، مع أن يحيى بن عمران لم يوثقه غير ابن حبان. (3) " المستدرك " 3 / 503. (4) " الإصابة " 1 / 41 نقلا عن ابن مندة. (5) 3 / 417. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 97 - أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ الأَنْصَارِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) قِيْلَ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: المُنْذِرُ بنُ سَعْدٍ. مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَى عَنْهُ: جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بن سَعْدٍ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ؛ وَغَيْرُهُمْ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي وَصْفِهِ هَيْئَةَ صَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَع لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : سِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ حَدِيْثاً.   (*) مسند أحمد: 5 / 423، طبقات خليفة: 98، تاريخ خليفة: 227، الجرح والتعديل: 5 / 237، الاستبصار: 105، الاستيعاب: 4 / 1633، أسد الغابة: 3 / 453، تهذيب الكمال: 1599، تاريخ الإسلام: 2 / 330، العبر: 1 / 65، تهذيب التهذيب: 6 / 184، 186، الإصابة: 11 / 89، خلاصة تذهيب الكمال: 448، شذرات الذهب: 1 / 65. (1) أخرجه البخاري 2 / 252، 255 في صفة الصلاة: باب سنة الجلوس للتشهد، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر، جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه، استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته ". سير 2 / 31 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 98 - عَبْدُ اللهِ بنُ الأَرْقَمِ بنِ عَبْدِ يَغُوْثَ القُرَشِيُّ * (4) ابْنِ وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، الكَاتِبُ. مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَكتَبَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ كَتَبَ لأَبِي بَكْرٍ، وَلِعُمَرَ (1) . وَوَلاَّهُ عُمَرُ بَيْتَ المَالِ، وَوَلِيَ بَيْتَ المَالِ أَيْضاً لِعُثْمَانَ مُدَّةً (2) ، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَصُلَحَائِهِمْ. قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ أَجَازَهُ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ عَلَى بَيْتِ المَالِ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا (3) . وَرُوِي عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّهَا كَانَتْ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ للهِ -تَعَالَى- وَإِنَّمَا أَجْرِي عَلَى اللهِ. وَرُوِي عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ: لَوْ كَانَتْ لَكَ سَابِقَةٌ، مَا   (*) مسند أحمد: 3 / 483 و4 / 35، طبقات خليفة: 16، تاريخ خليفة: 156، 179، التاريخ الكبير: 5 / 33 32، المعارف: 151، تاريخ الفسوي: 1 / 244، الجرح والتعديل: 5 / 1، المستدرك: 3 / 334، الاستيعاب: 3 / 865، أسد الغابة: 3 / 172، تهذيب الكمال: 665، تاريخ الإسلام: 2 / 298، مجمع الزوائد: 9 / 370، تهذيب التهذيب: 5 / 147 146، الإصابة: 6 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 191، كنز العمال: 13 / 448. (1) " المستدرك 3 / 335، وتاريخ خليفة: 156. (2) " المستدرك " 3 / 335، و" أسد الغابة " 3 / 173، و" تاريخ خليفة ": 179. (3) " أسد الغابة " 3 / 173، و" الإصابة " 6 / 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 قَدَّمْتُ عَلَيْكَ أَحَداً! وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَى للهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ (1) . وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ (2) ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ كَانَ أَخْشَى للهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَرْقَمِ! قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ فِي (السُّنَنِ) . رَوَى عَنْهُ: عُرْوَةُ، وَغَيْرُهُ. 99 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلِ بنِ عَبْدِ نَهْمٍ بنِ عَفِيْفٍ المُزَنِيُّ * (ع) صَحَابِيٌّ جَلِيْلٌ، مِنْ أَهْلِ بَيْعَة الرِّضْوَانِ (3) ، تَأَخَّرَ. وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لَمِمَّنْ رَفَعَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ   (1) " الإصابة " 6 / 5، وقال: أخرجه البغوي من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبد الله بن عتيبة ". * مسند أحمد: 4 / 85 و5 / 54، 272، التاريخ لابن معين: 333، طبقات خليفة: 37، 76، تاريخ خليفة: 146. المعارف: 297، تاريخ الفسوي: 1 / 256، المستدرك: 3 / 578، الاستيعاب: 3 / 996، أسد الغابة: 3 / 398، تهذيب الكمال: 745، تاريخ الإسلام: 2 / 1، تهذيب التهذيب: 6 / 42، الإصابة: 6 / 223، خلاصة تذهيب الكمال: 215 و216، شذرات الذهب: 1 / 65. (3) وهي غزوة الحديبية، وكانت سنة في ذي القعدة، والحديبية: قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، وهي على تسعة أميال من مكة. انظر خبرها في ابن هشام 2 / 308، 323، وابن سعد 2 / 95، 105، والبخاري 7 / 338، 351. وأخرج البخاري 8 / 450 في التفسير: باب قوله: (إذ يبايعونك تحت الشجرة) من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت عقبة بن صهبان، عن عبد الله بن مغفل المزني ممن شهد الشجرة: نهى النبي عن الخذف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 يَوْمَئِذٍ (1) . سَكَنَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ البَصْرَةَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَمُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُعَاويَةُ بنُ قُرَّةَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ؛ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ. قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ أَحَدَ العَشْرَةِ الَّذِيْنَ بَعَثَهُمْ إِلَيْنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يُفَقِّهُوْنَ النَّاسَ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّيْنَ. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَتُوُفِّيَ عَامَ الفَتْحِ فِي الطَّرِيْقِ. وَقِيْلَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ مِنَ البَكَّائِيْنَ (3) . قَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: عَنْ خُزَاعِيِّ بنِ (4) زِيَادٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: أُرِيَ عَبْدُ اللهِ   (1) الذي في " المسند " 5 / 54: عن عبد الله بن مغفل: إني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة أظل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يبايعونه، فقالوا: نبايعك على الموت؟ قال: " لا، ولكن لا تفروا " وأما ما ذكره المؤلف، فأخرجه أحمد 5 / 25، ومسلم (1858) عن معقل بن يسار لا عن عبد الله بن مغفل قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مئة، لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر. لفظ مسلم. (2) " أسد الغابة " 3 / 399. (3) البكاؤون: هم الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون) . انظر " المسند " 5 / 45، و" طبقات ابن سعد " 2 / 165، و" الإصابة " 6 / 223. (4) لفظ " خزاعي بن " سقط بن المطبوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 بنُ مُغَفَّلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ، وَأَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا، وَثَمَّ مَكَانٌ، مَنْ جَازَهُ فَقَدْ نَجَا، وَعَلَيْهِ عَارِضٌ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: أَترِيْدُ أَنْ تَنْجُوَ وَعِنْدَكَ مَا عِنْدَكَ؟ فَاسْتَيْقَظْتُ فَزِعاً. قَالَ: فَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَعِنْدَهُ عَيْبَةٌ مَمْلُوْءةٌ دَنَانِيْرَ، فَفَرَّقَهَا كُلَّهَا. كُنْيَتُهُ: أَبُو سَعِيْدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو زِيَادٍ. 100 - خُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتِ بنِ الفَاكِهِ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سَاعِدَةَ الفَقِيْهُ، أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَطْمِيُّ، المَدَنِيُّ، ذُوْ الشَّهَادَتَيْنِ. قِيْلَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ شَهِدَ أُحُداً وَمَا بَعْدَهَا. وَلَهُ أَحَادِيْثُ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ جَيْشِ عَلِيٍّ، فَاسْتُشْهِدَ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عُمَارَةُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ وَجَمَاعَةٌ. قُتِلَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: سَنَةَ سَبْعِ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ بَنِي خَطْمَةَ. وَشَهِدَ مُؤْتَةَ.   (*) مسند أحمد: 5 / 213، طبقات ابن سعد: 4 / 378، طبقات خليفة: 83، 135، التاريخ الكبير: 3 / 206 205، المعارف: 149، تاريخ الفسوي: 1 / 380، الجرح والتعديل: 3 / 382 381، معجم الطبراني الكبير: 4 / 94، المستدرك: 3 / 396، الاستبصار: 268 267، الاستيعاب: 2 / 448، أسد الغابة: 2 / 133، تهذيب الكمال: 375، مجمع الزوائد: 9 / 320، تهذيب التهذيب: 3 / 141 140، الإصابة: 3 / 93، خلاصة تذهيب الكمال: 104، كنز العمال: 13 / 379، شذرات الذهب: 1 / 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 فَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بنُ مِسْمَارٍ (1) ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَضَرْتُ مُؤْتَةَ، فَبَارَزْتُ رَجُلاً، فَأَصَبْتُهُ، وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فِيْهَا يَاقُوْتَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ هَمِّي إِلاَّ اليَاقُوْتَةُ، فَأَخَذْتُهَا. فَلَمَّا انْكَشَفْنَا، وَانْهَزَمْنَا، رَجَعْتُ بِهَا إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَفَلَنِيْهَا، فَبِعْتُهَا زَمَنَ عُمَرَ بِمائَةِ دِيْنَارٍ (2) . وَقَالَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَتَبْنَا المَصَاحِفَ، فَقَدْتُ آيَةً كُنْتُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُهَا عِنْدَ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ: {مِنَ المُؤْمِنِيْنَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} . قَالَ: وَكَانَ خُزَيْمَةُ يُدْعَى: ذَا الشَّهَادَتَيْنِ، أَجَازَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ (3) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " سنمار ". (2) هو في مغازي الواقدي 2 / 769، وقد أخطأ محقق الكتاب مارسدن جونس، فأبدل لفظ " خزيمة " ب " غزية " مع أنه في الأصل الذي اعتمده " خزيمة " على الصواب. (3) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20416) من طريق معمر، عن الزهري، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني (3712) و (4841) ، وأخرجه البخاري 8 / 398 في تفسير سورة الاحزاب، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري. وأما قصة إجازة النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين، فأخرجها أبو داود (3607) في الأقضية: باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به، من طريق محمد بن يحيى بن فارس، عن الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الاعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس، وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الاعرابي، فقال: " أو ليس قد ابتعته منك "؟ فقال الاعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بلى قد ابتعته منك " فطفق الاعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة، فقال: " بم تشهد "؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. وإسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: افْتَخَرَ الحَيَّانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتِ الأَوْسُ: مِنَّا غَسِيْلُ المَلاَئِكَةِ: حَنْظَلَةُ بنُ الرَّاهِبِ؛ وَمِنَّا مَنِ اهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ: سَعْدٌ، وَمِنَّا مَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ (1) : عَاصِمُ بنُ أَبِي الأَقْلَحِ؛ وَمِنَّا مَنْ أُجِيْزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَتَيْنِ: خُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتٍ (2) . وَرَوَى: أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: مَا زَالَ جَدِّي كَافّاً سِلاَحَهُ حَتَّى قُتِلَ عَمَّارٌ، فَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (3) . 101 - عَوْفُ بنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ الغَطَفَانِيُّ * (ع) مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ. وَلَهُ جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ. فِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو حَمَّادٍ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الصَّحَابَةِ.   (1) الدبر: النحل والزنابير. (2) نسبه الحافظ في " الإصابة " 3 / 94 إلى أبي يعلى. (3) أخرجه أحمد 5 / 214 من طريق يونس وخلف بن الوليد، كلاهما عن أبي معشر. وهو في " المستدرك " 3 / 397 من طريق محمد بن بكار، عن أبي معشر. واسم أبي معشر: نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو ضعيف. (*) مسند أحمد: 6 / 22، الاستيعاب: 3 / 1226، طبقات خليفة: 47، 302، تاريخ خليفة: 269، التاريخ الكبير: 7 / 56، المعارف: 315، الجرح والتعديل: 7 / 14 13، المستدرك: 3 / 546، الاستبصار: 126، الاستيعاب: 3 / 1226، أسد الغابة: 4 / 312 313، تهذيب الكمال: 1066، العبر: 1 / 81، تهذيب التهذيب: 8 / 168، الإصابة: 7 / 179، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب: 1 / 79. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ - وَمَاتَا قَبْلَهُ بِمُدَّةٍ - وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَيَزَيْدُ بنُ الأَصَمِّ، وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ. وَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ. وَقَالَ: رَافَقَنِي مَدَدِيٌّ (1) مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ ... ، - الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ -. وَفِيْهِ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلْ أَنْتُم تَارِكُوْ لِي أُمَرَائِي (2) ؟) . وَقَالَ رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ: عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَبِيْبُ الأَمِيْنُ، أَمَّا هُوَ إِلَيَّ فَحَبِيْبٌ، وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِيْنٌ: عَوْفُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ تِسْعَةً؛،   (1) نسبة إلى المدد. (2) أخرجه أحمد 6 / 26، و27 و28 من طريقين، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الاشجعي، قال: خرجت مع من خرج مع زيد ابن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن، ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورا، فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا، فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب، وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي، فعرقب فرسه، فخر، وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين، بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السلب، قال عوف: فأتيته، فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته، قلت: لتردنه إليه أو لاعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي أن يرد عليه قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا خالد، ما حملك على ما صنعت "؟ قال: يا رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد، ما حملك على ما صنعت "؟ قال: يا رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد، رد عليه ما أخذت منه ". قال عوف: دونك يا خالد، ألم أف لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك "؟ فأخبرته، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا خالد، لا ترده عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 فَقَالَ أَلاَ: (تُبَايِعُوْنَ؟) ... ، الحَدِيْثَ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَتْ رَايَةُ أَشْجَعَ يَوْمَ الفَتْحِ مَعَ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ (2) . بُسْرُ (3) بنُ عُبَيْدِ اللهِ: عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، حَدَّثَنِي عَوْفٌ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَتَوَضَّأَ وُضُوْءاً مَكِيْثاً. قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَدْخُلُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قُلْتُ: كُلِّي؟ قَالَ: (كُلَّكَ) . ثُمَّ قَالَ: (يَا عَوْفُ، اعْدُدْ سِتّاً بَيْن يَدَيَّ السَّاعَةَ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (4) .   (1) وتمامه: " ألا تبايعون رسول الله " وكنا حديث عهد بيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: " ألا تبايعون رسول الله "؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: " ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: " على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا وأسر كلمة خفية: ولا تسألوا الناس شيئا ". فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه. أخرجه مسلم في " صحيحه " (1043) في الزكاة: باب كراهة المسألة للناس، من طريقين عن مروان بن محمد الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني، عن عوف بن مالك الاشجعي. (2) ابن سعد 4 / 281، و" المستدرك " 3 / 546. (3) تصحف في المطبوع إلى " بشر ". (4) وتمامه: " موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ". أخرجه البخاري في " صحيحه " دون قصة الدخول 6 / 198، 199، في الجهاد: باب ما يحذر من الغدر، من طريق الحميدي، حدثنا الوليد بن مسم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس، قال: سمعت عوف ابن مالك. وأخرج قصة الدخول أبو داود (5000) في الأدب، من طريق مؤمل بن الفضل، حدثنا الوليد ابن مسلم، عن عبد الله بن العلاء، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن عوف بن مالك..وأخرجه ابن ماجه (4042) بتمامه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الوليد بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيْحِ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: عَرَّسَ بِنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَسَّدَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا ذِرَاعَ رَاحِلَتِهِ! فَانْتَبَهْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ؛ فَإِذَا أَنَا لاَ أَرَى رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ رَاحِلَتِهِ، فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ. فَانْطَلَقْتُ أَلْتَمِسُهُ؛ فَإِذَا مُعَاذٌ وَأَبُو مُوْسَى يَلْتَمِسَانِهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ سَمِعْنَا هَزِيْزاً بِأَعْلَى الوَادِي كَهَزِيْزِ الرَّحَى! قَالَ: فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمرنَا، فَقَالَ: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَخَيَّرنَي بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِي الجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ) . فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللهَ، وَالصُّحْبَةَ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَمَا جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: (فَإِنَّكُم مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي (1)) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ الحَجَّاجِ الكِلاَبِيُّ، قَالَ: شَتَوْنَا فِي حِصْنٍ دُوْنَ القُسْطَنْطِيْنِيَةِ، وَعَلَيْنَا عَوْفُ بنُ مَالِكٍ، فَأَدْرَكْنَا رَمَضَانَ، فَقَالَ عَوْفٌ: ... ، فَذَكَر حَدِيْثاً. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ عَوْفٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.   = مسلم به. وانظر " المسند " 6 / 22 و25 و27، و" المستدرك " 3 / 546، 547. وقوله: " وتوضأ وضوءا مكيثا ": أي: بطيئا متأنيا غير مستعجل، والمكث والمكث: الاقامة مع الانتظار، والتلبث في المكان. وقد تصحف في المطبوع إلى " مكينا ". (1) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 6 / 28 من طريق بهز، عن أبي عوانة، حدثنا قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك. وصححه ابن حبان (2592) و (2593) ، وأخرجه مختصرا الترمذي (2441) من طريق هناد، عن عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف بن مالك. وعرس: التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. والهزير: الصوت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 102 - مُعَيْقِيْبُ بنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ * (ع) مِنَ المُهَاجِرِيْنَ، وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. وَكَانَ أَمِيْناً عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الفَيْءِ، وَوَلِيَ بَيْتَ المَالِ لِعُمَرَ. رَوَى حَدِيْثَيْنِ. وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ - وَحْدَهُ -: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً. وَلاَ يَصِحُّ هَذَا. رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ إِيَاسُ بنُ الحَارِثِ بنِ مُعَيْقِيْبٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَلَهُ هِجْرَةٌ إِلَى الحَبَشَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ لَيَالِيَ خَيْبَرَ. وَكَانَ مُبْتلَىً بِالجُذَامِ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، قَالَ: أَمَّرَنِي يَحْيَى بنُ الحَكَمِ عَلَى جُرَشَ، فَقَدِمْتُهَا، فَحَدَّثُوْنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُم: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِصَاحِبِ هَذَا الوَجَعِ - الجُذَامَ -: (اتَّقُوْهُ كَمَا يُتَّقَى السَّبُعُ؛ إِذَا هَبَطَ وَادِياً فَاهْبِطُوا غَيْرَهُ) .   (*) مسند أحمد: 3 / 426 و5 / 425، التاريخ لابن معين: 578، طبقات ابن سعد: 4 / 116، طبقات خليفة: 13، 123، تاريخ خليفة: 199، 202، المعارف: 316، 584، الاستيعاب: 4 / 1478، أسد الغابة: 5 / 240، تهذيب الكمال: 1358، العبر: 1 / 47، تهذيب التهذيب: 10 / 254، الإصابة: 9 / 266، خلاصة تذهيب الكمال: 397، شذرات الذهب: 1 / 48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: كَذَبُوا، وَاللهِ مَا حدَّثتُهم هَذَا! وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يُؤْتَى بِالإِنَاءِ فِيْهِ المَاءُ، فَيُعْطِيْهِ مُعَيْقِيْباً - وَكَانَ رَجُلاً قَدْ أَسْرَعَ فِيْهِ ذَاكَ الدَّاءُ - فَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَيُنَاوِلُهُ عُمَرَ، فَيَضَعُ فَمَهُ مَوْضِعَ فَمِهِ، حَتَّى يَشْرَبَ مِنْهُ؛ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِرَاراً مِنَ العَدْوَى (1) . وَكَانَ يَطْلَبُ الطِّبَّ مِنْ كُلِّ مَنْ سُمِعَ لَهُ بِطِبٍّ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمَا مِنْ طِبٍّ لِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ؟ فَقَالاَ: أَمَّا شَيْءٌ يُذْهِبُهُ، فَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَلَكِنَّا سَنُدَاوِيْهِ دَوَاءً يُوْقِفُهُ، فَلاَ يَزِيْدُ. فَقَالَ عُمَرُ: عَافِيَةٌ عَظِيْمَةٌ. فَقَالاَ: هَلْ تُنْبِتُ أَرْضُكَ الحَنْظَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالاَ: فَاجْمَعْ لَنَا مِنْهُ. فَأَمَرَ، فَجُمِعَ لَهُ مِلْءُ مِكْتَلَيْنِ عَظِيْمَيْنِ. فَشَقَّا كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفَيْنِ؛ ثُمَّ أَضْجَعَا مُعَيْقِيْباً، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرِجْلٍ، ثُمَّ جَعَلاَ يَدْلُكَانِ بُطُوْنَ قَدَمَيْهِ بِالحَنْظَلَةِ، حَتَّى إِذَا مُحِقَتْ، أَخَذَا أُخْرَى، حَتَّى إِذَا رَأَيَا مُعَيْقِيْباً يَتَنَخَّمُهُ أَخْضَرَ مُرّاً أَرْسَلاَهُ. ثُمَّ قَالاَ لِعُمَرَ: لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ بَعْدَ هَذَا أَبَداً. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زَالَ مُعَيْقِيْبٌ مُتَمَاسِكاً، لاَ يَزِيْدُ وَجَعُهُ، حَتَّى مَاتَ (2) . صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: قَالَ أَبُو زِنَادٍ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ: أَنَّ عُمَرَ دَعَاهُمْ لِغَدَائِهِ، فَهَابُوا، وَكَانَ فِيْهِمْ مُعَيْقِيْبٌ - وَكَانَ بِهِ جُذَامٌ - فَأَكَلَ مُعَيْقِيْبٌ   (1) لفظ " الطبقات " المطبوع: فعرفت أنما يصنع عمر ذلك فرارا من أن يدخله شيء من العدوى. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 117، 118. وسنده قوي. وجرش: من مخاليف اليمن من جهة مكة. والمكتل: الزبيل الكبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 مَعَهُم. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ، وَمِنْ شِقِّكَ؛ فَلَوْ كَانَ غَيْرُكَ مَا آكَلَنِي فِي صَحْفَةٍ، وَلَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ (1) . وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ نَحْوَهُ (2) . عَاشَ مُعَيْقِيْبٌ إِلَى خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَالفِرَارُ منَ المَجْذُوْمِ، وَتَرْكُ مُؤَاكَلِتِهِ جَائِزٌ، لَكِنْ لِيَكُنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لاَ يَكَادُ يَشْعُرُ المَجْذُوْمُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ. وَمَنْ وَاكَلَهُ - ثِقَةً بِاللهِ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ - فَهُوَ مُؤْمِنٌ (3) . 103 - أَبُو مَسْعُوْدٍ البَدْرِيُّ عُقْبَةُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ * (ع)   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 118، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين خارجة وعمر. (2) ابن سعد 4 / 118. (3) هو لا شك مؤمن، ولكنه مخطئ، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " وفر من المجذوم فرارك من الاسد " وهو في الصحيح وغيره. وأما الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في القصعة، فحديث ضعيف لا ينبغي الاخذ به ولا التعويل عليه. أخرجه أبو داوود (3925) والترمذي (1818) ، وابن ماجة (3542) ، وفي سنده المفضل بن فضالة بن أبي أمية، وهو ضعيف، وقد عدوا هذا الحديث من مناكيره. (*) مسند أحمد: 4 / 118 و5 / 272، التاريخ لابن معين: 410، طبقات ابن سعد: 6 / 16، طبقات خليفة: 96، 136، تاريخ خليفة: 202، التاريخ الكبير: 6 / 429، الجرح والتعديل: 6 / 313، الاستبصار: 130، الاستيعاب: 3 / 1047، ابن عساكر: 11 / 354 / 1، أسد الغابة: 4 / 57 و6 / 286، تهذيب الكمال: 948، العبر: 1 / 46، تهذيب التهذيب: 7 / 249 247، الإصابة: 7 / 24، خلاصة تذهيب الكمال: 269. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً عَلَى الصَّحِيْحِ (1) ، وَإِنَّمَا نَزَلَ مَاءً بِبَدْرٍ، فَشُهْرَ بِذَلِكَ. وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ العَقَبَةِ، وَكَانَ شَابّاً مِنْ أَقْرَانِ جَابِرٍ فِي السِّنِّ. رَوَى أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ. نَزَلَ الكُوْفَةَ. وَاسْمُهُ: عُقْبَةُ بنُ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ أُسَيْرَةَ بنِ عُسَيْرَةَ الأَنْصَارِيُّ. وَقِيْلَ: يُسَيْرَةُ بنُ عُسَيْرَةَ - بِضَمِّهِمَا - بنِ عَطِيَّةَ بنِ خُدَارَةَ (2) بنِ عَوْفٍ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ بَشِيْرٌ، وَأَوْسُ بنُ ضَمْعَجٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَربْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ العَقَبَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْراً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَدُّهُ نُسَيْرَةُ - بِنُوْنٍ - فَخُوْلِفَ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: إِنَّمَا نَزَلَ بِمَوْضِعٍ، يُقَالُ لَهُ: بَدْرٌ. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَدْرِيّاً. وَقَالَ الحَكَمُ: كَانَ بَدْرِيّاً (3) .   (1) وجزم البخاري بأنه شهدها، واستدل بأحاديث أخرجها في " صحيحه "، في بعضها التصريح بأنه شهدها. (2) خدارة: بالخاء المعجمة كما في الأصل و" الاشتقاق " و" جمهرة ابن حزم " و" أسد الغابة " و" الإصابة " وفي " سيرة ابن هشام " 1 / 692 جدارة بالجيم المعجمة. قال السهيلي في " الروض الانف ": وغير ابن إسحاق يقول في جدارة: خدارة، بالخاء المضمومة. (3) سقط من المطبوع من قوله: وروى شعبة.. إلى هنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَرَوَى: شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ، عَمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً. وَقَالَ حَبِيْبٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ: نُبِّئْتُ أَنَّكَ تُفْتِي النَّاسَ، وَلَسْتَ بِأَمِيْرٍ! فَوَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا (1) . يَدَلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ: أَنْ يَمْنَعَ الإِمَامُ مَنْ أَفْتَى بِلاَ إِذْنٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ - لَمَّا حَارَبَ مُعَاوِيَةَ - عَلَى الكُوْفَةِ أَبَا مَسْعُوْدٍ (2) . وَكَذَا نَقَلَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: فَكَانَ يَقُوْلُ: مَا أَوَدُّ أَنْ تَظْهَرَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى. قِيْلَ: فَمَهْ. قَالَ: يَكُوْنُ بَيْنَهُم صُلْحٌ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ، أُخْبِرَ بِقِوْلِهِ، فَقَالَ: اعْتَزِلْ عَمَلَنَا. قَالَ: وَمِمَّهْ؟ قَالَ: إِنَّا وَجَدْنَاكَ لاَ تَعْقِلُ عَقْلَهُ. قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ عَقْلِي أَنَّ الآخَرَ شَرٌّ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ: كُنْتُ رَجُلاً عَزِيْزَ النَّفْسِ، حَمِيَّ الأَنْفِ، لاَ يَسْتَقِلُّ مِنِّي أَحَدٌ شَيْئاً، سُلْطَانٌ وَلاَ غَيْرَهُ؛ فَأَصْبَحَ أُمَرَائِي يُخَيِّرُوْنَنِي بَيْنَ أَنْ أُقِيْمَ عَلَى مَا أَرْغَمَ أَنْفِي وَقَبَّحَ وَجْهِي؛ وَبَيْنَ أَنْ آخُذَ سَيْفِي، فَأَضْرِبَ، فَأَدْخُلَ النَّارَ (3) . وَقَالَ بَشِيْرُ بنُ عَمْرٍو: قُلْنَا لأَبِي مَسْعُوْدٍ: أَوْصِنَا. قَالَ: عَلَيْكُم   (1) القار: من القر: البرد، قال ابن الأثير: جعل الحركناية عن الشر والشدة، والبرد كناية عن الخير والهين، أراد: ول شرها من تعولى خيرها، وول شديدها من تولى هينها. (2) تاريخ خليفة: 202. (3) رجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 بِالجَمَاعَة، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَجْمَعَ الأُمَّةَ عَلَى ضَلاَلَةٍ؛ حَتَّى يَسْتَرِيْحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ. قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ أَبُو مَسْعُوْدٍ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ (1) . وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَعَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ، اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُوْدٍ عَلَى الكُوْفَةِ، وَتَخَبَّأَ رِجَالٌ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَ عَلِيٍّ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَلَى المِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ تَخَبَّأَ، فَلْيَظْهَرْ؛ فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ إِلَى الكَثْرَةِ؛ إِنَّ أَصْحَابَنَا لَكَثِيْرٌ، وَمَا نَعُدُّهُ قُبْحاً أَنْ يَلْتَقِيَ هَذَانِ الجَبَلاَنِ غَداً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَيَقْتُلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ؛ وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ رِجْرِجَةٌ (2) مِنْ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ؛ ظَهَرَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. وَلَكِنْ نَعُدُّ قُبْحاً أَن يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، يَحْقِنُ بِهِ دِمَاءهُم، وَيُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ بَيْنِهِم. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ أَبُو مَسْعُوْدٍ أَيَّامَ قُتِلَ عَلِيٌّ بِالكُوْفَةِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ، فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ (3) . 104 - أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ بنِ شَرَاحِيْلَ * (ع) ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ امْرِئِ القَيْسِ المَوْلَى، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ.   (1) طبقات خليفة: 96. (2) الرجرية: رذالة الناس ورعاعهم الذين لا عقول لهم. (3) ابن سعد 6 / 16. (*) مسند أحمد: 5 / 199، طبقات ابن سعد: 4 / 72 61، التاريخ لابن معين: 22، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَوْلاَهُ، وَابْنُ مَوْلاَهُ. أَبُو زَيْدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو حَارِثَةَ. وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ. اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَيْشٍ لِغَزْوِ الشَّامِ، وَفِي الجَيْشِ عُمَرُ وَالكِبَارُ؛ فَلَمْ يَسِرْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَبَادَرَ الصِّدِّيْقُ بِبَعْثِهِمْ، فَأَغَارُوا عَلَى أُبْنَى، مِنْ نَاحِيَةِ البَلْقَاءِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مَعَ وَالِدِهِ، وَقَدْ سَكَنَ المِزَّةَ (1) مُدَّةً؛ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَاتَ بِهَا. وَقِيْلَ: مَاتَ بِوَادِي القُرَى. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو ظَبْيَانَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِدَّةٌ، وَابْنَاهُ؛ حَسَنٌ وَمُحَمَّدٌ. ثَبَتَ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي وَالحَسَنَ، فَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا) (2) .   = طبقات خليفة: 6 / 297، تاريخ خليفة: 100، 226، التاريخ الكبير: 2 / 20، المعارف لابن قتيبة: 145 144، 164، 166، تاريخ الفسوي: 1 / 304، الجرح والتعديل: 2 / 283، معجم الطبراني الكبير: 1 / 144 120، المستدرك: 3 / 596، الاستبصار: 34، 87، الاستيعاب: 1 / 75، ابن عساكر: 2 / 341 / 1، أسد الغابة: 1 / 79، تهذيب الكمال: 78، تهذيب التهذيب: 1 / 50، تاريخ الإسلام: 2 / 270، العبر: 1 / 59، مجمع الزوائد: 9 / 286، تهذيب التهذيب: 1 / 208، الإصابة: 1 / 54، خلاصة تذهيب الكمال: 26، كنز العمال: 13 / 270، تهذيب ابن عساكر: 2 / 394، 402. (1) المزة: قرية في جنوب غربي دمشق، تبعد عنها ثلاثة أميال تقريبا، وقد اتصلت الآن بدمشق وأصبحت منطقة سكنية. (2) أخرجه البخاري 7 / 70 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق موسى بن إسماعيل، عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد..وهو في " المسند " 5 / 210، وابن سعد 4 / 62. سير 2 / 32 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 قُلْتُ: هُوَ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الحَسَنِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ. وَكَانَ شَدِيْدَ السَّوَادِ، خَفِيْفَ الرُّوْحِ، شَاطِراً، شُجَاعاً، رَبَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَبَّهُ كَثِيْراً. وَهُوَ ابْنُ حَاضِنَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبْيَضَ، وَقَدْ فَرِحَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِيِّ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (1) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (فَاطِمَةُ) . قَالَ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ) . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَنْتَ (2)) . وَرَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُبْغِضَ أُسَامَةَ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ كَانَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ) (3) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 69 في المناقب: باب مناقب زيد بن حارثة، و12 / 48 في الفرائض، ومسلم (1459) من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل علي قائف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: " إن هذه الاقدام بعضها ن بعض " قال: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه، فأخبر به عائشة. وهو في " المسند " 6 / 82 و226، وسنن أبي داود (2267) ، والنسائي 6 / 184، والترمذي (2129) ، وابن ماجة (2349) ، وابن سعد 4 / 63. قال أبو داود: نقل أحمد بن صالح عن أهل النبس أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة، لأنه كان أسود شديد السواد، وكان أبوه زيد أبيض من القطن، فلما قال القائف، ما قال مع اختلاف اللون، سر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لكونه كافا لهم عن اطعن فيه لاعتقادهم ذلك. (2) أخرجه الترمذي (3819) ، والطبراني (369) ، والحاكم 3 / 596، وضعفه المؤلف في " مختصره "، فقال: عمر بن أبي سلمة ضعيف. (3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي شَأْنِ المَخْزُوْمِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ يُكَلِّمُهُ فِيْهَا إِلاَّ أُسَامَةُ؛ حِبُّ رَسُوْل اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أُسَامَةُ، مَا حَاشَا فَاطِمَةَ وَلاَ غَيْرَهَا (2)) . قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُسَامَةَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَفَرَضَ لابْنِهِ عَبْدِ اللهِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ. فَقَالَ: لِمَ فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ، فَوَاللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ؟ قَالَ: لأَنَّ أَبَاهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ مِنْ أَبِيْكَ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْكَ؛ فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى حُبِّي (3) . حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ، فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ؛ فَقَالَ:   (1) أخرجه البخاري 6 / 377 في أحاديث الأنبياء، و12 / 77 في الفرائض، ومسلم (1688) في الحدود، والترمذي (1430) ، وأبو داود (4373) والدارمي 2 / 173، وابن ماجة (2547) ، والنسائي 8 / 73، وابن سعد 4 / 69، 70، كلهم من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشفع في حد من حدود الله "؟ ثم قام، فاختطب، فقال: " أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها ". (2) رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني برقم (372) ، والحاكم 3 / 596، من طرق عن حماد ابن سلمة بهذا الإسناد، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286، ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: رجاله رجال الصحيح. ولفظه: " وإنه لاحب الناس إلى كلهم "، وكان ابن عمر يقول: حاشا فاطمة. (3) أخرجه الترمذي (3813) وإسناده ضعيف، وانظر " طبقات ابن سعد " 4 / 70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 (إِنْ يَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيْهِ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيْقاً لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ ابْنَهُ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ (1)) . قُلْتُ: لَمَّا أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ الجَيْشِ، كَانَ عُمُرُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَ الإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ أَجْلِ أُسَامَةَ يَنْتَظِرُهُ، فَجَاءَ غُلاَمٌ أَسْوَدُ، أَفْطَسُ، فَقَالَ أَهْلُ اليَمَنِ: إِنَّمَا جَلَسْنَا لِهَذَا! فَلِذَلِكَ ارْتَدُّوا -يَعْنِي: أَيَّامَ الرِّدَّةِ (2) -. قَالَ وَكِيْعٌ: سَلِمَ مِنَ الفِتْنَةِ مِنَ المَعْرُوْفِيْنَ: سَعْدٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ. قُلْتُ: انْتَفَعَ أُسَامَةُ مِنْ يَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ يَقُوْلُ لَهُ: (كَيْفَ (3) بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ   (1) أخرجه البخاري 7 / 69 في المناقب: باب مناقب زيد، و382 في المغازي: باب غزوة زيد بن حارثة، و8 / 115 في المغازي، و11 / 455 في الايمان والنذور، ومسلم (2426) (63) (64) ، وابن سعد 4 / 65، وأحمد 2 / 20، والترمذي (3816) . (2) رجاله ثقات. ويزيد: هو ابن هارون. والخبر في " طبقات ابن سعد " 4 / 63، وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 2 / 20 من طريق عياش بن عباس، عن عيسى بن موسى، عن محمد بن إياس بن الكبير، عن أسامة بن زيد. (3) تحرفت في المطبوع إلى " كف "، والحديث أخرجه مسلم (97) في الايمان: باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، وفيه أن أسامة بن زيد قتل رجلا من المشركين بعدما قال: لا إلا إلا الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم قتلته "؟ قال: يا رسول الله ; أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إلا إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتلته "؟ قال: نعم، قال: " فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة "؟ قال: يا رسول الله، استغفر لي..وانظر البخاري 7 / 398 في المغازي: باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، ومسلم (96) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 اللهُ يَا أُسَامَةُ) . فَكَفَّ يَدَهُ، وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ، فَأَحْسَنَ. عَائِشَةُ، قَالَتْ: أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَمْسَحَ مُخَاطَ أُسَامَةَ، فَقُلْتُ: دَعْنِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا الَّتِي أَفْعَلُ. فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّيْهِ، فَإِنِّي أُحِبُّهُ (1)) . قُلْتُ: كَانَ سِنُّهُ فِي سِنِّهَا. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ أَنْ أَغْسِلَ وَجْهَ أُسَامَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ. قَالَتْ: وَمَا وَلِدْتُ، وَلاَ أَعْرِفُ كَيْفَ يُغْسَلُ الصِّبْيَانُ، فَآخُذُهُ، فَأَغْسِلُهُ غَسْلاً لَيْسَ بِذَاكَ. قَالَتْ: فَأَخَذَهُ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ وَجْهَهُ، وَيَقُوْلُ: (لَقَدْ أَحْسَنَ بِنَا أُسَامَةُ إِذْ لَمْ يَكُنْ جَارِيَةً، وَلو كُنْتَ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُكَ، وَأَعْطَيْتُكَ (2)) . وَفِي (المُسْنَدِ) : عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ، وَحَلَّيْتُهُ حَتَّى أُنْفِقَهُ (3)) . وَمِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَلْقَ أُسَامَةَ قَطُّ إِلاَّ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ وَرَحْمَةُ اللهِ! تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ عَلَيَّ أَمِيْرٌ (4) .   (1) أخرجه الترمذي (3818) في المناقب، من طريق الفضل بن موسى، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، وهذا سنده حسن. (2) مجالد: هو ابن سعيد بن عمير الهمداني، ليس بالقوي. وأورده ابن عساكر كما في " تهذيبه " 2 / 318، ونسبه إلى أبي يعلى. (3) أخرجه أحمد 6 / 139 و222، وابن ماجه (1976) ، وابن سعد 4 / 61، 62، كلهم من طريق شريك القاضي، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة. وشريك القاضي: سي الحفظ، وفي سماع البهي من عائشة كلام. (4) تهذيب ابن عساكر " 2 / 398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ مُضْطَجِعاً عِنْدَ بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، رَافِعاً عَقِيْرَتُهُ، يَتَغَنَّى، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَمَرَّ بِهِ مَرْوَانُ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ! وَقَالَ لَهُ قَوْلاً قَبِيْحاً، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ، إِنَّكَ فَاحِشٌ مُتَفَحِّشٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ (1)) . وَقَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ حِيْنَ بَلَغَهُ أَنَّ الرَّايَةَ صَارَتْ إِلَى خَالِدٍ، قَالَ: (فَهَلاَّ إِلَى رَجُلٍ قُتِلَ أَبُوْهُ؟) يَعْنِي: أُسَامَةَ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ: عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ... ، الحَدِيْثَ. فَلَمَّا حَلَّتْ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَلْ ذَكَرَكِ أَحَدٌ؟) . قَالَتْ: نَعَمْ، مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الجَهْمِ. فَقَالَ: (أَمَّا أَبُو الجَهْمِ فَشَدِيْدُ الخُلُقِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ، لاَ مَالَ لَهُ، وَلَكِنْ أُنْكِحُكِ أُسَامَةَ؟) . فَقُلْتُ: أُسَامَةُ! - تَهَاوُناً بِأَمْرِ أُسَامَةَ - ثُمَّ قُلْتُ: سَمْعاً وَطَاعَةً للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَزَوَّجَنِيْهِ، فَكَرَّمَنِي اللهُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَشَرَّفَنِي اللهُ، وَرَفَعَنِي بِهِ (3) . وَرَوَى مَعْنَاهُ: مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْهَا (4) .   (1) رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني برقم (405) وصححه ابن حبان (1974) . (2) في الأصل: " أبو جهيم "، وهو خطأ. (3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1480) (49) من طريق إسحاق بن منصور، عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن أبي بكر بن أبي الجهم. وأبو زيد: كنية أسامة. (4) " الموطأ " 2 / 580، 581 في الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة، وأخرجه مسلم (1480) في الطلاق: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وأبو داود (2284) في الطلاق: باب في نفقة المبتوتة، والشافعي في " الرسالة " فقرة (856) ، وقد تحرف في المطبوع " بن يزيد عن أبي سلمة " إلى " بن يزيد بن أبي سلمة "، جعلهما واحدا، وهما اثنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأَنْ تَخْطَفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَبَعَثَ أُسَامَةَ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي عُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغُوا الشَّامَ، أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيْدَةٌ، فَسَتَرَتْهُمْ حَتَّى أَغَارُوا، وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ. فَقَدِمَ عَلَى هِرَقْلَ مَوْتُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإغَارَةُ أُسَامَةَ عَلَى أَرْضِهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ. فَقَالَتِ الرُّوْمُ: مَا بَالُ هَؤُلاَءِ يَمُوْتُ صَاحِبُهُمْ وَأَنْ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا (1) ! ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَبَطْتُ، وَهَبَطَ النَّاسُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَصْمَتَ فَلاَ يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ، ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا؛ فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي (2) . أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، أَخْبَرَنَا شَرِيْكٌ، عَنِ العَبَّاسِ بنِ ذَرِيْحٍ، عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُسَامَةَ عَثَرَ بِأُسْكُفَةِ البَابِ، فَشُجَّ فِي جَبْهَتِهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُصُّهُ، ثُمَّ يَمُجُّهُ، وَقَالَ: (لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ، وَحَلَّيْتُهُ حَتَّى أُنْفِقَهُ) (3) .   (1) كذا الأصل، وفي " تهذيب ابن عساكر " 2 / 397: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا. وفي " طبقات ابن سعد " ما بالى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا. (2) أخرجه أحمد 5 / 201، والطبراني (377) وسنده قوي، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد. (3) أخرجه أحمد 6 / 222، وابن ماجة (1976) ، وابن سعد 4 / 61، 62، وقد تقدم في 501 ت 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا لَمْ يَغْزُ أَعْطَى سِلاَحَهُ عَلِيّاً أَوْ أُسَامَةَ (1) . الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: أَهْدَى حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهُدْنَةِ حُلَّةَ ذِي يَزَنٍ، اشْتَرَاهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: (لاَ أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ) . فَبَاعَهَا حَكِيْمٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنِ اشْتَرَاهَا لَهُ. فَلَبِسَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُ حَكِيْمٌ فِيْهَا، قَالَ: مَا يَنْظُرُ الحُكَّامُ بِالفَصْلِ بَعْدَ مَا ... بَدَا سَابِقٌ ذُوْ غُرَّةٍ وَحُجُوْلُ (2) فَكَسَاهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ. فَرَآهَا عَلَيْهِ حَكِيْمٌ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ يَا أُسَامَة! عَلَيْكَ حُلَّةُ ذِي يَزَنٍ! فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ: (قُلْ لَهُ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْهِ (3)) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَقِيَ عَلِيٌّ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، فَقَالَ: مَا كُنَّا نَعُدُّكَ إِلاَّ مِنْ أَنْفُسِنَا يَا أُسَامَةُ، فَلِمَ لاَ تَدْخُلُ مَعَنَا؟ قَالَ: يَا أَبَا حَسَنٍ، إِنَّكَ -وَاللهِ- لَوْ أَخَذْتَ بِمِشْفَرِ الأَسَدِ، لأَخَذْتُ بِمِشْفَرِهِ الآخَرَ مَعَكَ، حَتَّى نَهْلِكَ جَمِيْعاً، أَوْ نَحْيَا جَمِيْعاً؛ فَأَمَّا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ، فَوَاللهِ لاَ أَدْخُلُ فِيْهِ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 2 / 399. (2) الغرة: البياض يكون في وجه الفرس، والحجول: جمع حجل، وهو البياض يكون في قوائم الفرس. (3) سنده على انقطاعه تالف، يزيد بن عياض: قال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال علي: ضعيف. ورماه مالك بالكذب. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 أَبَداً. رَوَى نَحْوَهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ (1) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدْلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ البَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أُسَامَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ رَجُلاً أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ، حَتَّى قَتَلْنَاهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَاهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أُسَامَةُ! مَنْ لَكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟) . فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذاً مِنَ القَتْلِ. قَالَ: (مَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟) . فَمَا زَالَ يُرَدِّدُهَا، حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلاَمِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهْداً أَلاَّ أَقْتُلَ رَجُلاً يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَبَداً. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَعْدِي يَا أُسَامَةُ؟) . قَالَ: بَعْدَكَ (2) .   (1) انظر ابن سعد 4 / 71، والبخاري 13 / 58، في الفتن. (2) محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ترجمه ابن أبي حاتم 7 / 205، فقال: روى عن أبيه، روى عنه محمد بن إسحاق فيما رواه يونس بن بكير، وخالفه غيره، فقال: ابن إسحاق عن أسامة بن محمد: سمعت أبي يقول ذلك. وقد ترجمه أيضا 1 / 258 فيمن اسمه أسامة، وباقي رجال الإسناد ثقات. والحديث أخرجه بنحوه البخاري 7 / 398، و12 / 171، من طريق هشيم، أخبرنا حصين، أخبرنا أبو ظبيان، قال: سمعت أسامة بن زيد..وأخرجه مسلم (96) من طرق عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أسامة بن زيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 رَوَاهُ: شَيْخٌ آخَرُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، فَزَادَ فِيْهِ: قَالَ: أَدْرَكْتُهُ -يَعْنِي: مِرْدَاسَ بنَ نَهِيْك- أَنَا وَرَجُلٌ؛ فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، أَنَّ مَوْلَى قُدَامَةَ بنِ مَظْعُوْنٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ مَوْلَى أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ أُسَامَةُ يَرْكُبُ إِلَى مَالٍ لَهُ بِوَادِي القُرَى، فَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ فِي الطَّرِيْقِ. فَقُلْتُ لَهُ: تَصُوْمُ الاثنِيْنَ وَالخَمِيْسَ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ كَبِرْتَ، وَضَعُفْتَ، أَوْ رَقَقْتَ! فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُوْمُ الاثنِيْنَ وَالخَمِيْسَ، وَقَالَ: (إِنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاثنِيْنِ وَالخَمِيْسِ (1)) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ ابْنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ شَهْراً مِنَ السَّنَةِ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَيْنَ أَنْتَ عَنْ شَوَّالٍ!) . فَكَانَ أُسَامَةُ إِذَا أَفْطَرَ، أَصْبَحَ الغَدَ صَائِماً مِنْ شَوَّالٍ، حَتَّى يُتِمَّ عَلَى   (1) حديث صحيح بشواهده وطرقه، أخرجه ابن سعد 4 / 71، وأحمد 5 / 204، 205، 208، وأخرجه أبو داود (2436) في الصوم، من طريق موسى بن إسماعيل، عن أبان، عن يحيى، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن مولى قدامة بن مظعون، عن مولى أسامة بن زيد. ومولى قدامة ومولى أسامة مجهولان، وأخرجه ابن خزيمة (2119) من طريق أبي بكر بن عياش، عن عمر بن محمد، عن شرحبيل بن سعد، عن أسامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس، ويقول: " إن هذين اليومين تعرض فيهما الأعمال ". وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي (747) بلفظ: " تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ". وفي سنده محمد بن رفاعة لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، فهو حسن بما قبله. وأخرج مسلم (2565) (36) في البر والصلة، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 آخِرِهِ (1) . ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أُسَامَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَأَلْطَفَهُ، فَمَدَّ رِجْلَهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ أَيْمَنَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ظُنْبُوْبِ سَاقِهَا بِمَكَّةَ، كَأَنَّهُ ظُنْبُوْبُ نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ. فَقَالَ: فَعَلَ اللهُ بِكَ يَا مُعَاوِيَةُ، هِيَ -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنْكَ! قَالَ: يَقُوْل مُعَاوِيَة: اللَّهُمَّ غُفْراً (2) . الظُّنْبُوْبُ: هُوَ العَظْمُ الظَّاهِرُ. وَالخَرْجَاءُ: فِيْهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ. لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : مائَةٌ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، مِنْهَا فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي البُخَارِيِّ: حَدِيْثٌ، وَفِي مُسْلِمٍ: حَدِيْثَانِ (3) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَاتَ أُسَامَةُ بِالجُرْفِ (4) . وَعنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ أُسَامَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَجِّلُوا بِحِبِّ رَسُوْلِ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ (5) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ (6) .   (1) ابن ابن أسامة وهو محمد لا يعرف، والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 2 / 401. (2) تهذيب ابن عساكر 2 / 401. (3) انظر البخاري بشرح الفتح: 7 / 398، و13 / 303، و3 / 417، 418، 413، 414 و360، و4 / 318، و10 / 104، و150، 153، و11 / 361، و9 / 118، و13 / 10 و43، و6 / 238 ومسلم: (96) و (923) و (1280) و (1286) و (1330) و (1351) و (1443) و (1596) و (1614) و (1798) و (2218) و (2451) و (2736) و (2740) و (2885) و (2989) . (4) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. وانظر ابن سعد 4 / 72. (5) " تهذيب ابن عساكر " 2 / 402. (6) ابن سعد 4 / 72. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 105 - عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنِ بنِ عُبَيْدِ بنِ خَلَفٍ الخُزَاعِيُّ * (ع) القُدْوَةُ، الإِمَامُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو نُجَيْدٍ الخُزَاعِيُّ. أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي وَقْتٍ، سَنَةَ سَبْعٍ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. وَوَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، وَكَانَ عُمَرُ بَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ البَصْرَةِ (1) لِيُفَقِّهَهُمْ؛ فَكَانَ الحَسَنُ يَحْلِفُ: مَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ البَصْرَةَ خَيْرٌ لَهُم مِنْ عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَزَهْدَمُ الجَرْمِيُّ، وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَالحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَالحَكَمُ بنُ الأَعْرَجِ؛ وَعِدَّةٌ. قَالَ زُرَارَةُ: رَأَيْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ يَلْبَسُ الخَزَّ (2) . وَقَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أُحَدِّثُكَ حَدِيْثاً عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيْهِ قُرَآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ -يَعْنِي:   (*) مسند أحمد: 4 / 426، التاريخ لابن معين: 436، طبقات ابن سعد: 4 / 287، طبقات خليفة: 106، 187، تاريخ خليفة: 218، التاريخ الكبير: 6 / 408، المعارف: 309، أخبار القضاة: 1 / 291 و292، الجرح والتعديل: 6 / 296، المستدرك: 3 / 470، الاستيعاب: 3 / 1208، أسد الغابة: 4 / 281، تهذيب الكمال: 1057، تاريخ الإسلام: 2 / 306، العبر: 1 / 57، مجمع الزوائد: 9 / 381، تهذيب التهذيب: 8 / 126 125، الإصابة: 7 / 155، خلاصة تذهيب الكمال: 295، شذرات الذهب: 1 / 62. (1) جملة " إلى أهل البصرة " سقطت من المطبوع. (2) انظر " طبقات ابن سعد " 4 / 291. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 المِلاَئِكَةَ-. قَالَ: فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ، أَمْسَكَ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا تَرَكْتُهُ، عَادَ إِلَيَّ (1) . وَقَدْ غَزَا عِمْرَانُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ يَنْزِلُ بِبِلاَدِ قَوْمِهِ، وَيَتَرَدَّدُ إِلَى المَدِيْنَةِ. قَالَ أَبُو خُشَيْنَةَ: عَنِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِيْنِي مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُوْلَ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَى: هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَا قَدِمَ البَصْرَةَ أَحَدٌ يُفَضَّلُ عَلَى عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ (3) . قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ عِمْرَانَ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِي رَمَادٌ تَذْرُوْنِي الرِّيَاحُ (4) . قُلْتُ: وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَلَمْ يُحَارِبْ مَعَ عَلِيٍّ. أَيُّوْبُ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: الْزَمْ مَسْجِدَكَ. قُلْتُ: فَإِنْ دُخِلَ عَلَيَّ؟ قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ. قُلْتُ: فَإِنْ دُخِلَ عَلَيَّ؟ قَالَ: لَوْ دُخِلَ عَلَيَّ رَجُلٌ يُرِيْدُ نَفْسِي وَمَالِي، لَرَأَيْتُ أَنْ قَدْ   (1) أخرجه مسلم (1226) (167) في الحج: باب جواز التمتع، وأحمد 4 / 427، وابن سعد 4 / 290. (2) رجاله ثقات، وأبو خشينة اسمه: حاجب بن عمر الثقفي، وهو في " المسند " 4 / 439، و" طبقات ابن سعد " 4 / 287، وصححه الحاكم 3 / 472، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 381، ونسبه للطبراني من طريق آخر، قال: فيه عمر بن سهل المازني، وثقه ابن حبان، وقال: ربما خالف، وضعفه العقيلي، وبقية رجاله رجال الصحيح. (3) ابن سعد 4 / 287 ورجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 381، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (4) ابن سعد 4 / 287 والزيادة منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 حَلَّ لِي أَنْ أَقْتُلَهُ (1) . ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: اكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَ، وَلاَ أَنْجَحْنَ -يَعْنِي: المَكَاوِي (2) -. قَتَادَةُ: عَنْ مُطَرِّفٍ: قَالَ لِي عِمْرَانُ فِي مَرَضِهِ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ، فَإِنْ عِشْتُ، فَاكْتُمْ عَلَيَّ (3) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ مُطَرِّفٍ، قُلْتُ لِعِمْرَانَ: مَا يَمْنَعُنِي مِنْ عِيَادَتِكَ إِلاَّ مَا أَرَى مِنْ حَالِكَ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ أَحَبَّهُ إِلَيَّ أَحَبُّهُ إِلَى اللهِ (4) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَطَاءٍ مَوْلَى عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عِمْرَانَ قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ، فَقَالَ: وَاللهِ، قَضَيْتَ عَلَيَّ بِجَوْرٍ، وَمَا أَلَوْتَ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: شُهِدَ عَلَيَّ بِزُوْرٍ. قَالَ: فَهُوَ فِي مَالِي، وَوَاللهِ لاَ أَجْلِسُ مَجْلِسِي هَذَا أَبَداً (5) . وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عِمْرَانَ تِمْثَالَ رَجُلٍ.   (1) رجاله ثقات، وهو في " الطبقات " 4 / 288. وفي الأصل: " حميد بن قتادة " بدل " حميد بن هلال " وما أثبتناه هو الصواب. (2) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 288، 289، وأبو داود (3865) ، والترمذي (2049) ، وابن ماجه (3490) ، وأخرجه أحمد 4 / 427 من طريق شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين. وأخرجه أيضا 4 / 446، من طريق حماد، عن أبي التياح، عن مطرف، عن عمران. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي. (3) " المستدرك " 3 / 472، وانظرت 1 في الصفحة 509. (4) ابن سعد 4 / 290، ورجاله ثقات. (5) رجاله ثقات، وذكره المؤلف في " تاريخه " 2 / 307، وزاد فيه قوله: " ما قضيت عليك " قبل " فهو في مالي ". وانظر " الطبقات " 4 / 287. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ فِي مِطْرَفٍ خَزٍّ لَمْ نَرَهُ قَطُّ، فَقَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً يُحِبُّ أَنْ تُرَى عَلَيْهِ (1)) . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: سَقَى بَطْنُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الكَيُّ، فَيَأْبَى؛ حَتَّى كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ، فَاكْتَوَى (2) . عِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: كَانَ عِمْرَانُ يَنْهَى عَنِ الكَيِّ، فَابْتُلِيَ، فَاكْتَوَى، فَكَانَ يَعُجُّ (3) ! قَالَ مُطَرِّفٌ: قَالَ لِي عِمْرَانُ: أَشَعَرْتَ أَنَّ التَّسْلِيْمَ عَادَ إِلَيَّ؟ قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيْراً حَتَّى مَاتَ (4) . ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ أَوْصَى لأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ بِوَصَايَا، وَقَالَ: مَنْ صَرَخَتْ عَلَيَّ، فَلاَ وَصِيَّةَ لَهَا. تُوُفِّيَ عِمْرَانُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. مُسْنَدُهُ: مائَةٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً.   (1) أخرجه أحمد 4 / 438، وابن سعد 4 / 291، من طريق شعبة، عن الفضيل بن فضالة، عن أبي رجاء العطاردي عمران بن ملحان، عن عمران بن حصين. وهذا سند صحيح، وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند الترمذي (2819) ، وسنده حسن، وآخر من حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 311. (2) ابن سعد 4 / 288. والسقي: ماء أصفر يقع في البطن، يقال: سقى بطنه يسقي سقيا. (3) تحرف في المطبوع " عمران " إلى " عمر ". ويعج: يضج ويرفع صوته، وتتمة الخبر كما في " الطبقات " 4 / 289: فيقول: " لقد اكتويت كية بنار، ما أبرأت من ألم، ولا شفت من سقم ". (4) ابن سعد 4 / 289. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ لَهُ عَلَى تِسْعَةِ أَحَادِيْثَ (1) ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ. 106 - حَسَّانُ بنُ ثَابِتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ عَمْرِو بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ عَدِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ. سَيِّدُ الشُّعَرَاءِ المُؤْمِنِيْنَ، المُؤيَّدُ بِرُوْحِ القُدُسِ. أَبُو الوَلِيْدِ - وَيُقَالُ: أَبُو الحُسَامِ - الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، ابْنُ الفُرَيْعَةِ. شَاعِرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدِيْثُهُ قَلِيْلٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّيْنَ فِي الإِسْلاَمِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ: لَمْ يَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَشْهَداً، كَانَ يَجْبُنُ، وَأُمُّهُ الفُرَيْعَةُ بِنْتُ خُنَيْسٍ. قَالَ مُسْلِمٌ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: أَبُو الوَلِيْدِ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ، وَعَائِشَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.   (1) في الأصل بياض بين " على " و" انفرد "، وما أثبتناه عن " ذخائر المواريث " 3 / 69، 73 للنابلسي. (*) مسند أحمد: 3 / 422 و5 / 222، التاريخ لابن معين: 107، طبقات خليفة: 88، تاريخ خليفة: 202، التاريخ الكبير: 3 / 29، المعارف: 2، 128، 143، 197، 132، تاريخ الفسوي: 1 / 235، الجرح والتعديل: 3 / 233، الاغاني: 4 / 169 134، معجم الطبراني: 4 / 44، المستدرك: 3 / 486، الاستبصار: 53 51، الاستيعاب: 1 / 341، ابن عساكر: 4 / 179 / 1، أسد الغابة: 2 / 5، تهذيب الكمال: 251، تاريخ الإسلام: 2 / 277، العبر: 1 / 59، مجمع الزوائد: 9 / 377، تهذيب التهذيب: 2 / 248 247، الإصابة: 2 / 237، خلاصة تذهيب الكمال: 75، شذرات الذهب: 1 / 41 و60. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَأَلْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ: ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانٌ وَقْتَ الهِجْرَةِ؟ قَالَ: ابْنَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَهَاجرَ رَسُوْلُ اللهِ ابْنَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. الزُّهْرِيُّ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ حَسَّانٌ فِي حَلْقَةٍ فِيْهِم أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَجِبْ عَنِّي، أَيَّدَكَ اللهُ بِرُوْحِ القُدُسِ) ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ (1) . وَرَوَى: عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ لِحَسَّانٍ: (اهْجُهُمْ، وَهَاجِهِمْ وَجِبْرِيْلُ مَعَكَ (2)) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: مَرَّ عُمَرُ بِحَسَّانٍ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي المَسْجِدِ، فَلَحَظَهُ. فَقَالَ حَسَّانٌ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيْهِ، وَفِيْهِ خَيْرٌ مِنْكَ. قَالَ: صَدَقْتَ (3) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ حَسَّانٌ يَضَعُ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْبَراً فِي المَسْجِدِ، يَقُوْمُ عَلَيْهِ قَائِماً، يُنَافِحُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) أخرجه البخاري 6 / 221 في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، ومسلم (2485) في الفضائل، وأحمد 5 / 222، 223، والنسائي 2 / 48 في الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد، والطبراني (3588) و (3589) ، كلهم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 10 / 453 في الأدب: باب هجاء المشركين، ومسلم (2485) (152) من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة. (2) أخرجه البخاري 6 / 221 في بدء الخلق، و7 / 321 في المغازي، و10 / 453 في الأدب، ومسلم (2486) ، وأحمد 4 / 299 كلهم من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء. (3) أخرجه البخاري 6 / 221، ومسلم (2485) ، وأبو داود (5013) ، والنسائي 2 / 48، وأحمد 5 / 222، 223، والطبراني (3585) و (3586) . سير 2 / 33 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وَرَسُوْلُ اللهِ يَقُوْلُ: (إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوْحِ القُدُسِ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ (1) . مُجَالِدٌ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ يَحْمِي أَعْرَاضَ المُسْلِمِيْنَ؟) . قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: أَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: أَنَا. وَقَالَ حَسَّانٌ: أَنَا. قَالَ: (نَعَمْ، اهْجُهُمْ أَنْتَ، وَسَيُعِيْنُكَ عَلَيْهِم رُوْحُ القُدُسِ (2)) . وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَبَبْتُ ابْنَ فُرَيْعَةَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا كَفَفْتَ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عُمَرُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، سَمِعَهُ يَقُوْلُ: دَخَلَ حَسَّانٌ عَلَى عَائِشَةَ بَعْدَ مَا عَمِيَ، فَوَضَعَتْ لَهُ وِسَادَةً، فَدَخَلَ أَخُوْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَجْلَسْتِيْهِ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقَدْ قَالَ مَا قَالَ؟ - يُرِيْدُ: مَقَالَتَهُ نَوْبَةَ الإِفْكِ -. فَقَالَتْ: إِنَّهُ - تَعْنِي: أَنَّه كَانَ يُجِيْبُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَشْفِي صَدْرَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ - وَقَدْ عَمِيَ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلاَّ يُعَذَّبَ فِي الآخِرَةِ (4) . وَرُوِيَ عَنْ: عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ، فَهَجَتْهُ قُرَيْشٌ، وَهَجَوا مَعَهُ الأَنْصَارَ. فَقَالَ لِحَسَّانٍ: (اهْجُهُمْ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُصِيْبَنِي مَعَهُمْ بِهَجْوِ بَنِي عَمِّي) .   (1) هو في سنن أبي داود (5015) ، والترمذي (2846) كلاهما في الأدب، وأخرجه أحمد 6 / 72، وصححه الحاكم 3 / 487، ووافقه الذهبي. (2) " الاغاني " 16 / 232، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 129. ومجالد ليس بالقوي. (3) أخرجه البخاري 7 / 338، ومسلم (2487) . (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 129. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُم سَلَّ الشَّعْرَةِ مِنَ العَجِيْنِ، وَلِيَ مِقْوَلٌ يَفْرِي مَا لاَ تَفْرِيْهِ الحَرْبَةُ. ثُمَّ أَخْرَجَ لِسَانَهُ، فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَهُ، كَأَنَّهُ لِسَانُ شُجَاعٍ بِطَرَفِهِ شَامَةٌ سَوْدَاءُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ذَقْنَهُ (1) . يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ حَسَّانَ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي هَذَا. ثُمَّ أَطْلَعَ لِسَانَهُ، كَأَنَّهُ لِسَانُ حَيَّةٍ. فَقَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ لِي فِيْهِم نَسَباً، فَائْتِ أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، فَيُخَلِّصُ لَكَ نَسَبِي) . قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُم وَنَسَبَكَ سَلَّ الشَّعْرَةِ مِنَ العَجِيْنِ. فَهَجَاهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ شَفَيْتَ، وَاشْتَفَيْتَ (2)) . مُحَمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بَرَكَةَ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا طَافَتْ مَعَ عَائِشَةَ، وَمَعَهَا نِسْوَةٌ، فَوَقَعْنَ فِي حَسَّانٍ، فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّوْهُ، قَدْ أَصَابَهُ مَا قَالَ اللهُ: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ} وَقَدْ عَمِيَ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يُدْخِلَهُ اللهُ الجَنَّةَ بِكَلِمَاتٍ قَالَهُنَّ لأَبِي سُفْيَانَ بنِ الحَارِثِ: هَجَوْتَ مُحَمَّداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ (3)   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 130. والشجاع: الحية الذكر. (2) رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني (3582) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن أيوب بهذا الإسناد. وأخرجه بنحوه مسلم (2490) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة. (3) الخبر مع الشعر في " الاغاني " 4 / 163، من طريق عمر بن شبة، عن أبي عاصم، عن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 عُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اهْجُ قُرَيْشاً، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهِم مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ) . وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (هَجَاهُمْ حَسَّانٌ، فَشَفَى) . قَالَ حَسَّانٌ: هَجَوْتَ مُحَمَّداً ... ، فَذَكَرَ أَبْيَاتَهُ، وَمِنْهَا: ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيْرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ (1) يُنَازِعْنَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ (2) تَظَلُّ جِيَادُهَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِّسَاءُ (3) فَإِنْ أَعْرَضْتُمُ عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الفَتْحُ وَانْكَشَفَ الغِطَاءُ وإلاَّ فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ اللهُ فِيْهِ مَنْ يَشَاءُ   = ابن جريج، عن محمد بن السائب، عن أمه. وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن علي، عن أحمد بن زهير، عن إبراهيم بن المنذر، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن السائب بن بركة؟ عن أمه. وأبو سفيان بن الحارث: هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخونه من الرضاعة، كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فلما بعث عاداه، وهجاه، ثم أسلم عام الفتح، وشهد حنينا. وقوله: " فشركما لخيركما الفداء ". قال السهيلي: وفي ظاهر اللفظ بشاعة، لان المعروف أن لا يقال: هو شرهما إلا وفي كليهما شر. ولكن سيبويه قال في " كتابه ": تقول: مررت برجل شر منك: إذا نقص عن أن يكون مثله، وهذا يدلع الشناعة، ونحو منه قوله صلى الله عليه وسلم: " شر صفوف الرجال آخرها " يريد: نقصان حظهم عن حظ الأول. (1) هذه رواية مسلم والطبراني، وفي الديوان: عدمنا خيلنا إن لم تروها ... والنقع: الغبار. وكداء: الثنية التي في أصلها مقبرة مكة. (2) رواية الديوان: يبارين الاسنة مصغيات ... ومباراتها الاسنة: هو أن يضجع الرجل رمحه، فكأن الفرس يركض ليسبق السنان. والمصغيات: الموائل المنحرفات للطعن، والاسل: الرماح. (3) متمطرات: خارجات من جمهور الخيل من سرعتها، وتلطمهن: تضرب النساء وجوههن لتردهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 وَقَالَ اللهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْداً ... يَقُوْلُ الحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ وَقَالَ اللهُ قَدْ سَيَّرْتُ جُنْداً ... هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ (1) يُلاَقُوْا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَاباً أَوْ قِتَالاً أَوْ هِجَاءُ (2) فَمَنْ يَهْجُو رَسُوْلَ اللهِ مِنْكُم ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ وَجِبْرِيْلٌ رَسُوْلُ اللهِ فِيْنَا ... وُرُوْحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ (3) أَبُو الضُّحَى: عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَدَخَلَ حَسَّانٌ - بَعْدَ مَا عَمِيَ - فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ فَقَالَتْ: لَكِنْ أَنْتَ لَسْتَ كَذَاكَ. فَقُلْتُ لَهَا: تَأْذَنِيْنَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النُّوْرُ: 11] فَقَالَتْ: وَأَيُّ   = والخمر: جمع خمار: ما تغطي به المرأة رأسها، ونقل ابن " دريد " في " الجمهرة " أن الخليل كان يروي البيت: تظل جيادنا متمطرات * تظلمهن بالخمز النساء وينكر " تلطمهن "، ويجعله بمعني: تنفض النساء بخمرهن ما عليهن من غبار، من الطلم: وهو ضربك خبزة الملة بيدك لتنفض ما عليها من الرماد. (1) أي: همتها ودابها لقاء الفرسان، من قولهم: بعير عرضة للسفر، أي: قوي عليه، وفلان عرضة للشر، أي: قوي عليه. (2) كذا رواية الأصل، وعند الطبراني (3582) : تلاقي، وفيه على هذا إقواء، ورواية مسلم والديوان. لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء وقوله: لنا، أي: معشر الانصار. (3) الخبر مع الشعر أخرجه مسلم (2490) ، والطبراني (3582) ، والابيات في " ديوان حسان " 1 / 17، 18، و" سيرة ابن هشام " 2 / 421، 424، والسهيلي 2 / 280، وابن سيد الناس 2 / 181، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 130، 131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى. وَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ، أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَسَّانٍ: (لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ) . هَذَا حَدِيْثٌ مِنْكَرٌ، مِنْ (مُسْنَدِ الرُّوْيَانِيِّ) ، مِنْ رِوَايَة أَبِي ثُمَامَةَ - مَجْهُوْلٌ - عَنْ عُمَرَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ - مَجْهُوْلٌ - عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَلَهُ شُوَيْهِدٌ، رَوَاهُ: الوَاقِدِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ، سَمِعَ حَمْزَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (حَسَّانٌ حِجَازٌ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُنَافِقِيْنَ، لاَ يُحِبُّهُ مُنَافِقٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ) . فَهَذَا اللَّفْظُ أَشْبَهُ. وَيَبْقَى قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ حُبُّهُ، سَكَتَ عَنْهُ. حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: قَدِمَ حَسَّانُ اللَّعِيْنُ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا هُوَ بِلَعِيْنٍ، قَدْ جَاهَدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ، وَلِسَانِهِ (2) . قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ غَزَا. عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: أَنْشَدَ حَسَّانٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:   (1) أخرجه البخاري 7 / 338، و8 / 374، ومسلم (2488) . (2) أخرجه أبو الفرج في " الاغاني " 4 / 145، 146 من طريق عمر بن شبة، عن أبي داود، ومن طريق أحمد بن الجعد، عن محمد بن بكار بهذا الإسناد. وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 شَهِدْتُ - بإِذْنِ اللهِ - أَنَّ مُحَمَّداً ... رَسُوْلُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ عَلُ وَأَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلاَهُمَا ... لَهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّلُ وَأَنَّ أَخَا الأَحْقَافِ إِذْ قَامَ فِيْهِمُ ... يَقُوْلُ بِذَاتِ اللهِ فِيْهِمْ وَيَعْدِلُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَنَا (1)) . هَذَا مُرْسَلٌ. وَرَوَى: أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بن زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْشَدَهُ حَسَّانٌ ... ، فَذَكَرهَا، وَزَادَ: وَأَنَّ الَّذِي عَادَى اليَهُوْدُ ابْنَ مَرْيَمٍ ... نَبِيٌّ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي العَرْشِ مُرْسَلُ (2) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِم بنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ حَزْمٍ: إِنَّ حَسَّانَ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ: مَنَعَ النَّوْمَ بِالعِشَاءِ الهُمُوْمُ ... وَخَيَالٌ إِذَا تَغُورُ النُّجُوْمُ مِنْ حَبِيْبٍ أَصَابَ قَلْبَكَ مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهْوَ دَاخِلٌ مَكْتُوْمُ يَا لَقَوْمٍ هَلْ يَقْتُلُ المَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ البَطْشِ وَالعِظَامِ سَؤُوْمُ شَأْنُهَا العِطْرُ وَالفِرَاشُ وَيَعْلُوْ ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُوْمُ لَوْ يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَّ ... رِّ عَلَيْهَا لأَنْدَبَتْهَا الكُلُوْمُ   (1) الاغاني 4 / 151، 152 وأبو يحيى هو زكريا عليه السلام. وأخو الاحقاف: هو هود عليه السلام. (2) هذا البيت والثلاثة قبله في ديوانه: 186. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 لَمْ تَفُقْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرَ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُوْمُ زَادَ بَعْضُهُمْ: رُبَّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ المَا ... لِ، وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعَيْمُ (1) نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةِ فَارِعٍ: يَا بَنِي قَيْلَةَ! فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، قَالُوا: مَا لَكَ وَيْلَكَ؟! قَالَ: قُلْتُ قَصِيْدَةً لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ مِثْلَهَا. ثُمَّ أَنْشَدَهَا لَهُمْ، فَقَالُوا: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَصْبِرُ مَنْ بِهِ وَحَرُ الصَّدْرِ (2) . الأَصْمَعِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ الغِنَاءُ يَكُوْنُ فِي العُرَيْسَاتِ، وَلاَ يَحْضُرُهُ شَيْءٌ مِنَ السَّفَهِ كَاليَوْمِ، كَانَ فِي بَنِي نُبَيْطٍ مَدْعَاةٌ، كَانَ فِيْهَا حَسَّانُ بن ثَابِتٍ، وَابْنُهُ - وَقَدْ عَمِيَ - وَجَارِيَتَانِ تُنْشِدَانِ: انْظُرْ خَلِيْلَيَّ بِبَابِ جِلِّقَ هَلْ ... تُؤْنِسُ دُوْنَ البَلْقَاءِ مِنْ أَحَدِ (3) أَجْمَالَ شَعْثَاءَ إِذْ ظَعَنَّ مِنَ الـ ... ـمَحْبِسِ بَيْنَ الكُثْبَانِ وَالسَّنَدِ (4) فَجَعَلَ حَسَّانُ يَبْكِي، وَهَذَا شِعْرُهُ، وَابْنُهُ يَقُوْلُ لِلجَارِيَةِ: زِيْدِيْ. وَفِيْهِ:   (1) في الأصل: رب ظلم أطاعه عدم الما * ل وجهل غطى عليه النعيم وما أثبتنا هو رواية الديوان: 25 وسيرة ابن هشام 2 / 150. (2) ما بين الحاصرتين وهو جواب لما سقط من الأصل، واستدركته من " تهذيب ابن عساكر " 4 / 136، وأما ابن هشام في السيرة فقال: قال حسان هذه القصيدة ليلا، فدعا قومه فقال لهم: خشيت أن يدركني أجلي قبل أن أصبح فلا ترووها عني. (3) في الديوان: 66 انظر خليلي ببطن جلق. (4) كذا الأصل، ورواية الشطر في الديوان: جمال شعثاء قد هبطن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 يَحْمِلْنَ حُوْرَ العُيُوْنِ تَرْفُلُ فِي الرَّ ... يْطِ حِسَانَ الوُجُوْهِ كَالبَرَدِ (1) مِنْ دُوْنِ بُصْرَى وَخَلْفَهَا جَبَلُ الثَّلْـ ... ـجِ عَلَيْهِ السَّحَابُ كَالقِدَدِ وَالبُدْنُ إِذْ قُرِّبَتْ لِمَنْحَرِهَا ... حِلْفَةَ بَرِّ اليَمِيْنِ مُجْتَهِدِ مَا حُلْتُ عَنْ عَهْدِ مَا عَلِمْتِ وَلاَ ... أَحْبَبْتُ حُبِّي إِيَّاكِ مِنْ أَحَدِ (2) أَهْوَى حَدِيْثَ النُّدْمَانِ فِي وَضَحِ الفَجْـ ... ـرِ وَصَوْتَ المُسَامِرِ الغَرِدِ (3) فَطَرِبَ حَسَّانُ، وَبَكَى. قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: كَانَ حَسَّانٌ لَسِناً، شُجَاعاً، فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ أَحْدَثَتْ فِيْهِ الجُبْنَ (4) . قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ (5) : رَأَيْتُ حَسَّانَ لَهُ نَاصِيَةٌ قَدْ سَدَلَهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ. إِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ، وَآخَرُ: عَنْ أُمِّ عُرْوَةَ بِنْتِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، عَنْ أَبِيْهَا، عَنْ جَدِّهَا، قَالَ: لَمَّا خَلَّفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ يَوْمَ أُحُدٍ (6) ، خَلَّفَهُنَّ فِي فَارِعٍ (7) ، وَفِيْهِنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَخَلَّفَ فِيْهِنَّ   (1) رواية البيت في الديوان: يحملن حوا حور المدامع في الر * يط وبيض الوجوه كالبرد. (2) رواية الديوان: ما حلت عن خير ما عهدت ولا. (3) الابيات في ديوانه: 66، 67، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 126، 127، (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 143. (5) تصحف في المطبوع إلى " بشار " والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 143. (6) سينبه المصنف أن قوله يوم أحد وهم، وأن الصواب الخندق ; كما رواه ابن إسحاق. (7) فارع: حصن حسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 حَسَّانَ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ. فَقَالَتْ صَفِيَّةُ لِحَسَّانَ: عَلَيْكَ الرَّجُلَ. فَجَبُنَ، وَأَبَى عَلَيْهَا، فَتَنَاوَلَتِ السَّيْفَ، فَضَرَبَتْ بِهِ المُشْرِكَ حَتَّى قَتَلَتْهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَضُرِبَ لَهَا بِسَهْمٍ. وَزَادَ الفَرْوِيُّ فِيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَو كَانَ ذَاكَ فِيَّ لَكُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ. قَالَتْ: فَقَطَعْتُ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ لِحَسَّانَ: قُمْ، فَاطْرَحْهُ عَلَى اليَهُوْدِ وَهُمْ تَحْتَ الحِصْنِ. قَالَ: وَاللهِ مَا ذَاكَ فِيَّ. فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِم، فَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا -وَاللهِ- إِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِيَتْرُكَ أَهْلَهُ خُلُوْفاً لَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ، فَتَفَرَّقُوْا (1) . فَقَوْلُهُ: (يَوْمَ أُحُدٍ) وَهْمٌ. وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَفِيْهِ: فَقَالَتْ لِحَسَّانٍ: قُمْ، فَاسْلُبْهُ، فَإِنِّي امْرَأَةٌ وَهُوَ رَجُلٌ. فَقَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ يَا بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ مِنْ حَاجَةٍ (2) . وَرَوَى: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَفِيَّةَ، مِثْلَهُ (3) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ حَسَّانُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.   (1) أم عروة لا تعرف، وأبوها جعفر ذكره ابن أبي حاتم: 2 / 478 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. (2) أخرجه ابن هشام 2 / 228. وهو في " الاغاني " 4 / 164، 165، " وتهذيب ابن عساكر " 4 / 143. (3) أخرجه الحاكم 4 / 51 ورجاله ثقات. لكنه مرسل، وانظر ص 271 ت 1 من هذا الكتاب، و" ابن سعد " 8 / 41. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 وَأَمَّا الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالمَدَائِنِيُّ، فَقَالاَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. قُلْتُ: لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى جَبَلَةَ بنِ الأَيْهَمِ، وَعَلَى مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. 107 - كَعْبُ بنُ مَالِكِ بنِ أَبِي كَعْبٍ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ القَيْنِ بنِ كَعْبِ بنِ سَوَادِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، العَقَبِيُّ، الأُحُدِيُّ. شَاعِرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ، وَأَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوا، فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ. شَهِدَ العَقَبَةَ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، تَبْلُغُ الثَّلاَثِيْنَ، اتَّفَقَا عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهَا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (1) . رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَمَعَبْدٌ بَنُو كَعْبٍ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ، وَعُمَرُ بنُ كَثِيْرِ بنِ أَفْلَحَ، وَآخَرُوْنَ، وَحَفِيْدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ.   (*) مسند أحمد: 3 / 454 و6 / 38، طبقات خليفة: 103، تاريخ خليفة: 202، التاريخ الكبير: 7 / 219 - 220، تاريخ الفسوي: 1 / 318 - 319، الجرح والتعديل: 7 / 160، الاغاني: 16 / 226 - 240، المستدرك: 3 / 440، الاستبصار: 160 - 161، الاستيعاب: 3 / 1323، تاريخ ابن عساكر: 14 / 286 / 1، أسد الغابة: 4 / 487، تهذيب الكمال: 1147، تاريخ الإسلام: 2 / 243، العبر: 1 / 56، تهذيب التهذيب: 8 / 440 - 441، الإصابة: 8 / 304، خلاصة تذهيب الكمال: 321، كنز العمال: 13 / 581، شذرات الذهب: 1 / 56. (1) انظر " البخاري " 1 / 459 و5 / 53 و8 / 86، 93، ومسلم (1558) و (2769) و (2810) و (716) و (1142) و (2032) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 وَقِيْلَ: كَانَتْ كُنْيَتُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَبَا بَشِيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتَمٍ: كَانَ كَعْبٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ (1) . وَقَدْ ذَكَرَهُ عُرْوَةُ فِي السَّبْعِيْنَ الَّذِيْنَ شَهِدُوا العَقَبَةَ. وَرَوَى: صَدَقَةُ بنُ سَابِقٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَعْبِ بنِ مَالِكٍ. وَقِيْلَ: بَلْ آخَى بَيْنَ كَعْبٍ وَالزُّبَيْرِ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَكَعْبِ بنِ مَالِكٍ، فَارْتُثَّ (2) كَعْبٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءَ بِهِ الزُّبَيْرُ يَقُوْدُهُ، وَلَو مَاتَ يَوْمَئِذٍ لَوَرِثَهُ الزُّبَيْرُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [الأَنْفَالُ (3) : 75] . وَعَنْ كَعْبٍ: لَمَّا انْكَشَفْنَا يَوْمَ أُحُدٍ، كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَشَّرْتُ بِهِ المُؤْمِنِيْنَ حَيّاً سَوِيّاً، وَأَنَا فِي الشِّعْبِ، فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَعْباً بِلأْمَتِهِ، وَكَانَتْ صَفْرَاءَ، فَلَبِسَهَا كَعْبٌ، وَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ قِتَالاً شَدِيْداً حَتَّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشَرَ جُرْحاً (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 160، 161. (2) الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف، قد أثخنته الجراح. (3) رجاله ثقات، وأورده ابن كثير بنحوه 3 / 468 من طريق ابن أبي حاتم عن أبيه، عن أحمد بن أبي بكر المصعبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام ... وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 207 وزاد نسبته إلى ابن سعد والحاكم وابن مردويه. (4) " سيرة ابن هشام " 2 / 43، والمستدرك 3 / 441. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ شُعَرَاءُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ كَعْبٍ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِي الشُّعَرَاءِ مَا أَنْزَلَ. قَالَ: (إِنَّ المُجَاهِدَ مُجَاهِدٌ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ (1)) . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: أَمَّا كَعْبٌ فَكَانَ يَذْكُرُ الحَرْبَ، يَقُوْلُ: فَعَلْنَا وَنَفْعَلُ، وَيَتَهَدَّدُهُمْ، وَأَمَّا حَسَّانُ فَكَانَ يَذْكُرُ عُيُوبَهُمْ، وَأَيَّامَهُمْ، وَأَمَّا ابْنُ رَوَاحَةَ فَكَانَ يُعَيِّرَهُمْ بِالكُفْرِ. وَقَدْ أَسْلَمَتْ دَوْسٌ فَرَقاً مِنْ بَيْتٍ قَالَهُ كَعْبٌ: نُخَيِّرُهَا وَلَو نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْساً أَوْ ثَقِيْفَا (2) عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِكَعْبِ بنِ مَالِكٍ: (مَا نَسِيَ رَبُّكَ لَكَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً، بَيْتاً قُلْتَهُ) . قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: (أَنْشِدْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ) . فَقَالَ:   (1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20500) وعنه أحمد 6 / 387 من طريق معمر، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وهذا سند صحيح. (2) " أسد الغابة " 4 / 484، و" الإصابة " 8 / 305، وقوله: " نخيرها " الضمير يعود إلى السيوف في البيت قبله وهو: قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا أي: نعطيها الخيرة، ولو نطقت، لاختارت أن نحارب دوسا أو ثقيفا. وهما من قصيدة أوردها ابن هشام في " السيرة " 2 / 479، 480 قالها كعب حين فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وأجمع المسير إلى الطائف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 زَعَمَتْ سَخِيْنَةُ أَنْ سَتَغْلِبَ رَبَّهَا ... وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الغَلاَّبِ (1) عَنِ الهَيْثَمِ، وَالمَدَائِنِيِّ: أَنَّ كَعْباً مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَعَنِ الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ أَيْضاً: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقِصَّةُ تَوْبَةِ الثَّلاَثَةِ فِي الصَّحِيْحِ (2) ، وَشِعْرُهُ مِنْهُ فِي السِّيْرَةِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ كَعْباً أَصَابَتْهُ الجِرَاحَةُ بِأُحُدٍ، فَقُلْتُ: لَو مَاتَ، فَانْقَلَعَ عَنِ الدُّنْيَا، لَوَرِثْتُهُ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [الأَنْفَالُ: 75] . فَصَارَتِ المَوَارِيْثُ بَعْدُ لِلأَرْحَامِ وَالقَرَابَاتِ، وَانْقَطَعَتْ حِيْنَ نَزَلَتْ: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ (4) } تِلْكَ المَوَارِيْثُ بِالمُوَاخَاةِ.   (1) السخينة: طعام من دقيق وسمن أو دقيق وتمر أغلظ من الحساء، وكانت قريش تكثر من أكلها، فعيرت بها حتى لقبوا " سخينة " والخبر أورده صاحب " كنز العمال " 13 / 581، ونسبه لابن مندة، وابن عساكر. (2) انظر البخاري 8 / 86، 93 في المغازي، ومسلم (2769) في التوبة: باب حديث كعب ابن مالك. (3) بن سعد 3 / 102، وأخرجه أيضا من طريق عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك. (4) في الأصل بياض بين كلمة " فصارت " وكلمة " حين "، واستدركناه من ابن سعد فيما ذكره السيوطي في " أسباب النزول " ص 377، وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكره ابن كثير 3 / 468 من طريق أبيه، عن أحمد بن أبي بكر المصعبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ كَعْبٍ وَطَلْحَةَ. وَقَدْ أَنْشَدَ كَعْبٌ عَلِيّاً قَوْلَهُ فِي عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -: فَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَقَالَ لِمَنْ فِي دَارِهِ: لاَ تُقَاتِلُوا ... عَفَا اللهُ عَنْ كُلِّ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلِ فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللهَ صَبَّ عَلَيْهِمُ الـ ... ـعَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ وَكَيْفَ رَأَيْتَ الخَيْرَ أَدْبَرَ عَنْهُمُ ... وَوَلَّى كَإِدْبَارِ النَّعَامِ الجَوَافِلِ فَقَالَ عَلِيٌّ: اسْتَأْثَرَ عُثْمَانُ، فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ، وَجَزِعْتُمْ أَنْتُمْ، فَأَسَأْتُمُ الجَزَعَ (1) . الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ كَعْباً يَقُوْلُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ حَتَّى كَانَتْ تَبُوْكٌ، إِلاَّ بَدْراً، وَمَا أُحِبُّ أَنِّي شَهِدْتَهَا وَفَاتَتْنِي بَيْعَتِي لَيْلَةَ العَقَبَةِ (2) ، وَقَلَّمَا أَرَادَ رَسُوْلُ   = عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: " أنزل الله عزوجل فينا خاصة معشر قريش والانصار (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وذلك أنا معشر قريش، لما قدمنا المدينة، قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الانصار نعم الاخوان، فواخيناهم ووارثناهم ... وفيه: فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا، ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والانصار، فرجعنا إلى مواريثنا " وإسناده حسن. وأخرج ابن عساكر في " تاريخه " 14 / 288 / 2 من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا عبد الأعلى النرسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير بن العوام وكعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقود راحلته بزمانها، ولو مات كعب يومئذ، لورثه الزبير، فأنزل الله عزوجل: (وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (1) انظر " الاغاني " 6 / 233، 234. (2) في البخاري ومسلم: ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، فَأَرَادَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَةً، وَكُنْتُ أَيْسَرَ مَا كُنْتُ وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو (1) إِلَى الظِّلاَلِ، وَطَيِّبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ. فَقُلْتُ: أَنْطَلِقُ غَداً، فَأَشْتَرِي جَهَازِي، ثُمَّ أَلْحَقُ بِهِمْ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوْقِ، فَعَسُرَ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: أَرْجِعُ غَداً. فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى التَبَسَ بِي الذَّنْبُ، وَتَخَلَّيْتُ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي أَسْوَاقِ المَدِيْنَةِ، فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ مَغْمُوْصاً (2) عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ ضَعِيْفاً، وَكَانَ جَمِيْعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ بِضْعَةً وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً. وَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوْكَ، ذَكَرَنِي، وَقَالَ: (مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟) . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي: خَلَّفَهُ يَا نَبِيَّ اللهِ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ. فَقَالَ مُعَاذٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ مَا نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً. إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا رَآنِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، وَقَالَ: (أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟) . قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: (فَمَا خَلَّفَكَ؟) . قُلْتُ: وَاللهِ لَو بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ غَيْرِكَ جَلَسْتُ، لَخَرَجْتُ مِنْ سَخَطِهِ عَلَيَّ بِعْذُرٍ، لَقَدْ أُوْتِيْتُ جَدَلاً، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَنِّي أُخْبِرُكَ اليَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيْهِ وَهُوَ حَقٌّ، فَإِنِّي أَرْجُو فِيْهِ عُقْبَى اللهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ وَلاَ أَخَفَّ حَاذّاً (3) مِنِّي حِيْنَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمْ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيْكَ) . فَقُمْتُ.   (1) أصغو: أميل. (2) بالغين المعجمة، والصاد المهملة، أي: مطعونا عليه في دينه، متهما بالنفاق. وقيل: معناه: مستحقرا، تقول: غمصت فلانا: إذا استحقرته. (3) الحاذ: الحال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ (1) ، فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوْقِ، فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِيْنَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الحِيْطَانُ وَالأَرْضُ، وَكُنْتُ أَطُوْفُ وَآتِي المَسْجِدَ، فَأَدْخُلُ وَآتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُوْلُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلاَمِ. وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ (2) ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، لاَ يُطْلِعَانِ رُؤُوْسَهُمَا. فَبَيْنَا أَنَا أَطُوْفُ فِي السُّوْقِ، إِذَا بِنَصْرَانِيٍّ جَاءَ بِطَعَامٍ يَقُوْلُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبٍ؟ فَدَلُّوهُ عَلَيَّ، فَأَتَانِي بِصَحِيْفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيْهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَأَقْصَاكَ، وَلَسْتَ بِدَارٍ مَضْيَعَةٍ، وَلاَ هَوَانٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ، وَأَحْرَقْتُهَا. إِلَى أَنْ قَالَ: إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ (3) : أَبْشِرْ يَا كَعْبَ بنَ مَالِكٍ، فَخَرَرْتُ سَاجِداً، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعُ مِنْ فَرَسِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبَيَّ بِشَارَةً، وَلَبِسْتُ غَيْرَهُمَا. وَنَزَلَتْ تَوْبَتُنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُلُثَ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَلاَ نُبَشِّرُ كَعْباً، قَالَ: (إِذاً يَحْطُمُكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُوْنَكُمُ النَّوْمَ) . قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ، وَحَوْلَهُ المُسْلِمُوْنَ، وَهُوَ يَسْتَنِيْرُ كَاسْتِنَارَةِ القَمَرِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى   (1) أيها الثلاثة: مبني على الضم في محل نصب على الاختصاص، أي، متخصصين بذلك دون بقية الناس. (2) وهما مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. (3) سلع: جبل بالمدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 عَلَيْكَ. ثُمَّ تَلاَ عَلَيْهِمْ: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التَّوْبَةُ: 118] ، الآيَاتِ. وَفِيْنَا نَزَلَتْ أَيْضاً: {اتَّقُوا اللهَ، وَكُوْنُوا مَعَ الصَّادِقِيْنَ} [التَّوْبَةُ: 120] . فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلاَّ أُحَدِّثَ إِلاَّ صَادِقاً، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً. فَقَالَ: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) ، الحَدِيْث. وَفِي لَفْظٍ: فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي، وَهَنَّأَنِي، فَكَانَ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ (1) . 108 - جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ مَالِكٍ البَجَلِيُّ * (ع) ابْنِ نَصْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ جُشَمِ بنِ عَوْفٍ، الأَمِيْرُ، النَّبِيْلُ، الجَمِيْلُ، أَبُو عَمْرٍو - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ. وَقَسْرٌ: مِنْ قَحْطَانَ. مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ.   (1) أخرجه البخاري 8 / 86 في المغازي، وهو عند البخاري في مواضع متعددة انظر رقم (2757) و (2947) و (2948) و (2949) و (2950) و (3088) و (3556) و (3889) و (3951) و (4418) و (4673) و (4676) و (4677) و (4678) و (6255) و (6690) و (7225) وأخرجه مسلم (2769) في التوبة: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، وأحمد 6 / 387 و390، وابن هشام 2 / 531. (*) مسند أحمد: 4 / 357، طبقات ابن سعد: 6 / 22، طبقات خليفة: 116، 138، تاريخ خليفة: 218، التاريخ الكبير: 2 / 211، المعارف: 292، 293، 586، 592، الجرح والتعديل: 2 / 502، معجم الطبراني الكبير: 2 / 326، المستدرك: 3 / 464، الاستيعاب: 1 / 337، جامع الأصول: 9 / 85، أسد الغابة: 1 / 333، تهذيب الكمال: 191، تاريخ الإسلام: 2 / 274، العبر: 1 / 57، تهذيب التهذيب: 2 / 73 - 75، الإصابة: 2 / 76، خلاصة تذهيب الكمال: 61، شذرات الذهب: 1 / 57 و58. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 حَدَّثَ عَنْهُ: أَنَسٌ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ حَارِثٍ، وَأَوْلاَدُهُ الأَرْبَعَةُ: المُنْذِرُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ - لَمْ يُدْرِكْهُ - وَأَيُّوْبُ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَزِيَادُ بنُ عِلاقَةَ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَبَايَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شِبْلٍ، قَالَ: قَالَ جَرِيْرٌ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنَ المَدِيْنَةِ، أَنَخْتُ رَاحِلَتِي، وَحَلَلْتُ عَيْبَتِي، وَلَبِسْتُ حُلَّتِي، ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالحِدَقِ، فَقُلْتُ لِجَلِيْسِي: يَا عَبْدَ اللهِ، هَلْ ذَكَرَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ أَمْرِي شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَكَرَكَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ فِي خُطْبَتِهِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ سَيَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، أَلاَ وَإِنَّ عَلَى وَجْهِهِ مِسْحَةَ مَلَكٍ) . قَالَ: فَحَمِدْتُ اللهَ (1) . قُلْتُ: كَانَ بَدِيْعَ الحُسْنِ، كَامِلَ الجَمَالِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جَرِيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا رَآنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَقَالَ: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا البَابِ رَجُلٌ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، عَلَى وَجْهِهِ مِسْحَةُ مَلَكٍ) (2) .   (1) إسناده قوي، ويونس: هو ابن أبي إسحاق السبيعي، وهو في " المسند " 4 / 364، وأخرجه أيضا 4 / 359، 360 من طريق أبي قطن، عن يونس، وأخرجه الطبراني برقم (2483) من طريق علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم، عن يونس. (2) إسناده صحيح، وأخرجه الحميدي في " مسنده " رقم (800) وأخرج القسم الأول منه البخاري 7 / 99، ومسلم (2475) من طريق بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 سِوَارُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ -يَعْنِي: جَرِيْراً- عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَشْهَدُ أَنَّكَ لاَ تَبْغِي عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً) . فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيْمُ قَوْمٍ، فَأَكْرِمُوْهُ (1)) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ جَرِيْرٌ البَجَلِيُّ المَدِيْنَةَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ، وَمَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ خَمْسُوْنَ وَمائَةٌ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ) . فَطَلَعَ جَرِيْرٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ قَوْمُهُ، فَأَسْلَمُوا (2) . أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ نَصْرٍ- بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ مَعَبْدِ بنِ خَالِدِ بنِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَضَنَّ النَّاسُ بِمَجَالِسِهِمْ، فَلَمْ يُوَسِّعْ لَهُ أَحَدٌ. فَرَمَى إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، حَبَاهُ بِهَا، وَقَالَ: (دُوْنَكَهَا يَا أَبَا عَمْرٍو، فَاجْلِسْ عَلَيْهَا) . فَتَلَقَّاهَا بِصَدْرِهِ وَنَحْرِهِ، وَقَالَ: أَكْرَمَكَ اللهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ كَمَا أَكْرَمْتَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:   = عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، وما رآني إلا ضحك. وأخرج القسم الأخير منه الطبراني (2258) من طريق سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد..وأخرجه الترمذي (3821) من طريق زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد. (1) سوار بن مصعب - وهو الهمداني الكوفي - قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال أبو داود: ليس بثقة. ومجالد ليس بالقوي، لكن للحديث شواهد ضعيفة يرتقي بها إلى الحسن، منها عن ابن عمر عند ابن ماجه (3712) وعن جرير عند البزار وابن خزيمة والطبراني (2266) و (2355) وابن عدي، وعن أبي هريرة عند البزار، وعن معاد وأبي قتادة عند ابن عدي، وعن جابر عند الحاكم، وعن ابن عباس عند الطبراني. (2) إسناده ضعيف لضعف الواقدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 (إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيْمُ قَوْمٍ، فَأَكْرِمُوْهُ (1)) . وَرَوَاهُ: جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَسَّامٍ، عَنْ أَبِي صَفْوَانَ المَدَنِيِّ، عَنْ حَفْصٍ، بِهَذَا. وَرَوَى نَحْوَهُ: مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ جَرِيْرٍ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، عَنْ هَمَّامٍ: أَنَّهُ رَأَى جَرِيراً بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ. ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا، لأَنَّ جَرِيْراً مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ (2) . ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (أَلاَ تُرِيْحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ - بَيْتِ خَثْعَمٍ) . وَكَانَ يُسَمَّى الكَعْبَةَ اليَمَانِيَّةَ. قَالَ: فَخَرَّبْنَاهُ، أَوْ حَرَّقْنَاهُ، حَتَّى تَرَكْنَاهُ كَالجَمَلِ الأَجْرَبِ، وَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُهُ، فَبَرَّكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ: وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ. فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي - وَفِي لَفْظِ يَحْيَى القَطَّانِ: فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صَدْرِي - وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً) . وَفِيْهِ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِيْنَ وَمائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ (3) . أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبَانَ بنِ   (1) إسناده ضعيف لجهالة معبد بن خالد وأبيه. (2) أخرجه البخاري 1 / 415 في الصلاة: باب الصلاة في الخفاف، ومسلم (272) في الطهارة: باب المسح على الخفين، وأبو داود (154) ، والنسائي 1 / 81، والترمذي (93) . (3) أخرجه أحمد 4 / 360 و362 و365، والبخاري 7 / 99 في المناقب: باب ذكر جرير ابن عبد الله البجلي، ومسلم (2476) في فضائل الصحابة: باب من فضائل جرير بن عبد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (جَرِيْرٌ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ، ظَهْراً لِبَطْنٍ) قَالَهَا ثَلاَثاً (1) . هَذَا مُنْكَرٌ، وَصَوَابُهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ. الزِّيَادِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَمْرٍو الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَأْتِيْهِ وُفُوْدُ العَرَبِ، فَيَبْعَثُ إِلَيَّ، فَأَلْبِسُ حُلَّتِي، ثُمَّ أَجِيْءُ، فَيُبَاهِي بِي (2) . وَرُوِيَ عَنْ جَرِيْرٍ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكَ امْرُؤٌ قَدْ حَسَّنَ اللهُ خَلْقَكَ، فَحَسِّنْ خُلُقَكَ) . وَعَنْ عِيْسَى بنِ يَزِيْدَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْجَبُ مِنْ عَقْلِ جَرِيْرٍ وَجَمَالِهِ. خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مُتَجَرِّداً، فَنَادَانِي: خُذْ رِدَاءكَ، خُذْ رِدَاءكَ. فَأَخَذْتُ رِدَائِي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى القَوْمِ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: لَمَّا رَآكَ مُتَجَرِّداً، قَالَ: مَا أَرَى أَحَداً مِنَ النَّاسِ صُوِّرَ صُوْرَةَ هَذَا، إِلاَّ مَا ذُكِرَ مِنْ يُوْسُفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ (3) -. عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ: أَنَّهُ مَشَى فِي إِزَارٍ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ، فَقَالَ: خُذْ رِدَاءكَ. وَقَالَ لِلْقَوْمِ: مَا   (1) أخرجه الطبراني (2211) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 373، وقال: وأبو بكر ابن حفص لم يدرك عليا، وسليمان بن إبراهيم بن جرير لم أجد من وثقه، وبقية رجاله ثقات. (2) إسناده ضعيف جدا أو باطل، فإن خالد بن عمرو الأموي رماه ابن معين بالكذب، ونسبه غير واحد إلى الوضع. وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. (3) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 77، ونسبه إلى البغوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِلاَّ مَا بَلَغَنَا مِنْ صُوْرَةِ يُوْسُفَ (1) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَرِيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: جَرِيْرٌ يُوْسُفُ هَذِهِ الأُمَّةِ (2) . مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَتَنَفَّسَ رَجُلٌ -يَعْنِي: أَحْدَثَ- فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ لَمَا قَامَ فَتَوَضَّأَ. فَقَالَ جَرِيْرٌ: اعْزِمْ عَلَيْنَا جَمِيْعاً. فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ لَمَا قُمْنَا، فَتَوَضَّأْنَا، ثُمَّ صَلَّيْنَا (3) . وَرَوَاهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَلَهُ طُرُقٌ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: فَقَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، نِعْمَ السَّيِّدُ كُنْتَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَنِعْمَ السَّيِّدُ كُنْتَ فِي الإِسْلاَمِ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَكَنَ جَرِيْرٌ الكُوْفَةَ، ثُمَّ سَكَنَ قَرْقِيْسِيَاءَ (4) ، وَقَدِمَ رَسُوْلاً مِنْ عَلِيٍّ إِلَى مُعَاوِيَةَ (5) . الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ   (1) عمر بن إسماعيل قال الحافظ في " التقريب ": متروك. (2) رجاله ثقات. (3) ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 142، 143. (4) قال ياقوت: بلد على نهر الخابور، قرب رحبة مالك بن طوق، وعندها مصب الخابور في الفرات. (5) " الإصابة " 2 / 77. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 العَزِيْزِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ جَرِيْراً قَالَ: بَعَثَنِي عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُهُ بِالمُبَايَعَةِ، فَخَرَجْتُ لاَ أَرَىَ أَحَداً سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ يَخْطُبُ وَالنَّاسُ يَبْكُوْنَ حَولَ قَمِيْصِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ فِي رُمْحٍ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: لَمْ يَزَلْ جَرِيْرٌ مُعْتَزِلاً لِعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ بِالجَزِيْرَةِ وَنَوَاحِيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ بِالشَّرَاةِ، فِي وِلايَةِ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ عَلَى الكُوْفَةِ (2) . أَبُو نُعَيْمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَيَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالأَشْعَثَ وَأَنَا بِقَرْقِيْسِيَاءَ، فَقَالاَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ مِنْ مُفَارَقَتِكَ مُعَاوِيَةَ، وَإِنِّي أُنْزِلُكَ بِمَنْزِلَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي أَنْزَلَكَهَا. فَقَالَ جَرِيْرٌ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنِي إِلَى اليَمَنِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوا، حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (3) . قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: ذَهَبَتْ عَيْنُ جَرِيْرٍ بِهَمْدَانَ، إِذْ وَلِيَهَا لِعُثْمَانَ. قَالَ الهَيْثَمُ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى: تُوُفِّيَ جَرِيْرٌ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.   (1) عمران بن عبد العزيز: قال يحيى القطان والبخاري: منكر الحديث. (2) ابن سعد 6 / 22. (3) أبان بن عبد الله في حفظه لين، وإبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 وَمُسْنَدُ جَرِيْرٍ: نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ بِالمُكَرَّرِ. اتَّفَقَ لَهُ الشَّيْخَانِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَحَادِيْثَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِسِتَّةٍ. 109 - أَبُو اليَسَرِ كَعْبُ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) السُّلَمِيُّ، المَدَنِيُّ، البَدْرِيُّ، العَقَبِيُّ، الَّذِي أَسَرَ العَبَّاسَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَوْمَ بَدْرٍ. شَهِدَ العَقَبَةَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً. وَهُوَ الَّذِي انْتَزَعَ رَايَةَ المُشْرِكِيْنَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيْرَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: صَيْفِيٌّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوْبَ، وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ الصَّامِتِيُّ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَحَنْظَلَةُ بنُ قَيْسٍ، وَغَيْرُهُمْ. لَهُ أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ. وَقِيْلَ: كَانَ دَحْدَاحاً، قَصِيْراً، مُدَمْلَكاً (1) ، ذَا بَطْنٍ. وَقَدْ شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ مِنْ بَاقِي البَدْرِيِّيْنَ. مَاتَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ (2) .   (*) مسند أحمد: 3 / 427، طبقات ابن سعد: 3 / 581، طبقات خليفة: 102، تاريخ خليفة: 223، التاريخ الكبير: 7 / 220 - 221، المعارف: 155، 327، تاريخ الفسوي: 1 / 319، الجرح والتعديل: 7 / 160، المستدرك: 3 / 505، الاستبصار: 163 - 164، الاستيعاب: 3 / 1322، تاريخ ابن عساكر: 14 / 277 / 2، أسد الغابة: 4 / 484، تهذيب الكمال: 1146، تاريخ الإسلام: 2 / 339، العبر: 1 / 61، مجمع الزوائد: 9 / 316، تهذيب التهذيب: 8 / 437 - 438، الإصابة: 8 / 301، خلاصة تذهيب الكمال: 321، شذرات الذهب: 1 / 61. (1) الدحداح: القصير السمين، والمدملك: المفتول المعصوب. (2) ابن سعد 3 / 581، و" المستدرك " 3 / 505. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 وَبَعْضُهُمْ يَقُوْلُ: هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً - فَاللهُ أَعْلَمُ -. خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ (1) دُوْنَ البُخَارِيِّ. 110 - أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ مَالِكُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ البَدَنِ * (ع) مِنْ كُبَرَاءِ الأَنْصَارِ. شَهِدَ: بَدْراً، وَالمَشَاهِدَ. وَاسْمُهُ: مَالِكُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ البَدَنِ (2) . لَهُ أَحَادِيْثُ. وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ المُنْذِرُ، وَحَمْزَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَوْلاَهُ؛ عَلِيُّ بنُ عُبَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَطَائِفَةٌ. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّيْنَ - وَهَذَا بَعِيْدٌ -. وَأَشَذُّ مِنْهُ: قَوْلُ أَبِي القَاسِمِ بنِ مَنْدَةَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ.   (1) انظر الحديث رقم (3006) و (3007) . (*) مسند أحمد: 3 / 496، التاريخ لابن معين: 692، طبقات ابن سعد: 3 / 557 - 558، طبقات خليفة: 97، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 7 / 299، المعارف: 272، 588، تاريخ الفسوي: 1 / 344، المستدرك: 3 / 515، الاستبصار: 106، الاستيعاب: 3 / 1531، أسد الغابة: 5 / 23، تهذيب الكمال: 1298، تاريخ الإسلام: 2 / 85، العبر: 1 / 46، تهذيب التهذيب: 10 / 15 - 16، الإصابة: 9 / 47، خلاصة تذهيب الكمال: 367. (2) بفتح الباء والدال كما ضبطه في " التقريب " وبدن من ولد بكر بن وائل. قال ابن دريد في " الاشتقاق " ص 340: اشتقاقه من شيئين: إما من ادرع القصيرة، وذكر بعض أهل التفسير في قوله عزوجل: (فاليوم ننجيك ببدنك) أي: بدرعك. قال: والبدن: الوعل المسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَتْ مَعَ أَبِي أُسَيْدٍ رَايَةُ بَنِي سَاعِدَةَ يَوْمَ الفَتْحِ (1) . وَعَنْ عَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا أُسَيْدٍ بَعْدَ أَنْ ذَهَب بَصَرُهُ قَصِيْراً، دَحْدَاحاً، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَثِيْرَ الشَّعْرِ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ (2) . وَرَوَى: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا أُسَيْدٍ يُحْفِي شَارِبَهُ كَأَخِي الحِلَقِ (3) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا أُسَيْدٍ، وَأَبَا قَتَادَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، يَمُرُّوْنَ بِنَا، وَنَحْنُ فِي الكُتَّابِ، فَنَجِدُ مِنْهُم رِيْحَ العَبِيْرِ، وَهُوَ الخَلُوْقُ، يُصَفِّرُوْنَ بِهِ لِحَاهُمْ (4) . وَقَدْ كَانَ أَبُو أُسَيْدٍ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ (5) ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ التَّحْرِيْمُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. وَلَهُ عَقِبٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَبَغْدَادَ (6) . وَقَعَ لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُوْنَ حَدِيْثاً. وَشَهِدَ بَدْراً: ابْنُ عَمِّهِ؛ مَالِكُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ البَدَنِ.   (1) ابن سعد 3 / 558. (2) ابن سعد 3 / 558، و" المستدرك " 3 / 516. (3) ابن سعد 3 / 558. (4) ابن سعد 3 / 558، وإسناده صحيح، وعثمان بن عبد الله: هو ابن سراقة القرشي العدوي المدني، أمه زينب بنت عمر بن الخطاب، من رجال البخاري، وقد تصحف في ابن سعد إلى عثمان بن عبيد الله. (5) في " الفتح " 10 / 267: أخرج ابن أبي شيبة من طريق حمزة بن أبي أسيد: نزعنا من يدي أبي أسيد خاتما من ذهب. (6) ابن سعد 3 / 558. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ حَازِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ: أُصِيْبَ أَبُو أُسَيْدٍ بِبَصَرِهِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمَّا أَرَادَ الفِتْنَةَ فِي عِبَادِهِ، كَفَّ بَصَرِي عَنْهَا (1) . 111 - حُوَيْطِبُ بنُ عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ * (خَ، م، س) المُعَمَّرُ. مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوا يَوْمَ الفَتْحِ. يَرْوِي عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ، حَدِيْثَ العُمَالَةِ (2) . رَوَاهُ عَنْهُ: السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ الصَّحَابِيُّ، وَلاَ نَعْلَمُ حُوَيْطِباً يَرْوِي سِوَاهُ.   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 515، 516 من طريق علي بن حمشاد العدل، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عازم أبو النعمان، بهذا الإسناد. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 454، التاريخ لابن معين: 140، طبقات خليفة: 27، تاريخ خليفة: 223، التاريخ الكبير: 3 / 127، المعارف: 311، 312، 342، الجرح والتعديل: 3 / 314، المستدرك: 3 / 492، الاستيعاب: 1 / 399، تاريخ ابن عساكر: 5 / 19 /، أسد الغابة: 2 / 75، تهذيب الكمال: 349، تاريخ الإسلام: 2 / 278، تهذيب التهذيب: 3 / 66، 67، الإصابة: 2 / 304، خلاصة تذهيب الكمال: 99. (2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 13 / 133 في الاحكام: باب رزق الحاكم والعالمين عليها، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد بن أخت نمر أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إن لي أفراسا وأعبدا، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين. قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذ، وإلا فلا تتبعه نفسك ". ومن لطائف هذا الإسناد أن الزهري رواه عن أربعة من الصحابة في نسق: السائب وحويطب وابن السعدي وعمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 وَهُوَ أَحَدُ الَّذِيْنَ أَمَرَهُمْ عُمَرُ بِتَجْدِيْدِ أَنْصَابِ حُدُوْدِ حَرَمِ اللهِ (1) ، وَأَحَدُ مَنْ دَفَنَ عُثْمَانَ لَيْلاً. وَقَدْ بَاعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ دَاراً لَهُ بِالمَدِيْنَةِ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ - فِيْمَا بَلَغَنَا (2) -. وَكَانَ حَمِيْدَ الإِسْلاَمِ (3) . عَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ فِي: (تَارِيْخِ ابْنِ عَسَاكِرَ (4)) . وَسَارَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِداً، وَقَدْ حَضَرَ بَدْراً، فَقَالَ: رَأَيْتُ المَلاَئِكَةَ تَقْتُلُ وَتَأْسُرُ، فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ مَمْنُوْعٌ (5) . وَاسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَأَعْطَانِي مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مائَةً مِنَ الإِبِلِ (6) . رَوَاهُ: الوَاقِدِيُّ.   (1) في تاريخ الإسلام 2 / 278: وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر رضي الله عنه بتجديد أنصاب الحرم. وذكره في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 18 عن الزبير بن بكار. وأنصاب الحرم: حدوده، وحد الحرم من طريق الغرب التنعيم ثلاثة أميال، ومن طريق العراق تسعة أميال، ومن طريق اليمن سبعة أميال، ومن طريق الطائف عشرون ميلا. (2) " المستدرك " 3 / 493، و" الإصابة " 2 / 305. (3) ذكره في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 20 من قول الشافعي. (4) في المجلد الخامس: 190. (5) أي: مكلوء ومحفوظ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر في " المستدرك " 3 / 492 من طريق الواقدي. (6) " المستدرك " 3 / 493 عن الواقدي. وكان حويطب من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ليتألفم، ويتألف قومهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 112 - سَعِيْدُ بنُ يَرْبُوْعٍ القُرَشِيُّ * (د) شَيْخُ بَنِي مَخْزُوْمٍ، مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. عَاشَ أَيْضاً: مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ: حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، وَحَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ. عِنْدَ سَعِيْدٍ حَدِيْثٌ، أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ تَأَلَّفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسِيْنَ بَعِيْراً مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ (2) . وَكَانَ مِمَّنْ يُجَدِّدُ أَنْصَابَ الحَرَمِ. أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. 113 - مَخْرَمَةُ بنُ نَوْفَلِ بنِ أُهَيْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ الزُّهْرِيُّ ** ابْنِ زُهرَةَ بنِ كِلاَبٍ. أَبُو المِسْوَرِ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ،   (*) التاريخ لابن معين: 209، طبقات خليفة: 21، 278، تاريخ خليفة: 223، المعارف: 313، معجم الطبراني الكبير: 6 / 79، الجرح والتعديل: 4 / 72، المستدرك: 3 / 490، الاستيعاب: 2 / 627، ابن عساكر: 7 / 182 / 2، أسد الغابة: 2 / 401، تهذيب الكمال: 511، تاريخ الإسلام: 2 / 289، العبر: 1 / 59، تهذيب التهذيب: 4 / 61 60، الإصابة: 4 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 144، شذرات الذهب: 1 / 60. (1) برقم (2684) في الجهاد: باب قتل الاسير، ولا يعرض عليه الإسلام، من طريق محمد ابن العلاء، حدثنا زيد بن حبان، أخبرنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، حدثني جدي، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: " أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم " فسماهم، قال: وقينتين كانتا لمقيس، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى، فأسلمت. (2) ابن سعد 2 / 153. (* *) التاريخ لابن معين: 554، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة: 223، التاريخ الكبير: 8 / 15، المعارف: 313، 329، 430، الجرح والتعديل: 8 / 362، المستدرك: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 الصَّحَابِيُّ، مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَكَانَ كَبِيْرَ بَنِي زُهْرَةَ. كَسَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً فَاخِرَةً (1) ، بَاعَهَا بِأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً. وَكَانَ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوْبُهُمْ. أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ: عَنْ أَبِي يَزِيْدَ المَدَنِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ مَخْرَمَةُ بنُ نَوْفَلٍ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ، قَالَ: (بِئْسَ أَخُو العَشِيْرَةِ) . فَلَمَّا دَخَلَ، بَشَّ بِهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَ، كَلَّمْتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ! أَعَهِدْتِنِي فَحَّاشاً، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ يُتَّقَى شَرُّهُ (2)) . بَقِي مَخْرَمَةُ إِلَى بَعْدِ الخَمْسِيْنَ؛ فَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ مائَةُ عَامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً.   = 3 / 489، الاستيعاب: 3 / 1380، تاريخ ابن عساكر: 16 / 155، أسد الغابة: 5 / 125، تاريخ الإسلام: 2 / 316، العبر: 1 / 60، الإصابة: 9 / 146، شذرات الذهب: 1 / 60. (1) أخرجه البخاري 5 / 164 في الهبة: باب كيف يقبض العبد والمتاع، و10 / 229 في اللباس: باب القباء، ومسلم (1058) في الزكاة: باب إعطاء من سأل بفحش غلظة، وأبو داود (4028) ، والترمذي (2818) ، والنسائي 8 / 205، وأحمد 4 / 328. (2) أبو عامر الخزاز: اسمه: صالح بن رستم، وهو كثير الخطأ، مع أنه من رجال مسلم. وذكره في " أسد الغابة " 5 / 126، من طريق النضر بن شميل: حدثنا أبو عامر الخزاز، وأورده الحافظ في " التفح " 10 / 379، ونسبه إلى عبد الغني بن سعيد في " المبهمات "، وإلى الخطيب في " تاريخه ". وأخرجه دون تسمية من قدم عليه صلى الله عليه وسلم مالك في " الموطأ " والبخاري 10 / 378، 379 في الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا، ومسلم (2591) في البر والصلة: باب مداراة من يتقى فحشه، وأبو داود (4791) ، والترمذي (1996) ، وأحمد 6 / 38، كلهم من طريق محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة أن رجلا استأذن..وقد قال غير واحد من أهل العلم: إنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وكان يقال له: الاحمق المطاع رجا النبي صلى الله عليه وسلم بإقباله عليه وتألفه ليسلم قومه، لأنه رئيسهم، وقال بعضهم: إنه مخرمة بن نوفل، واستدلوا بالرواية التي ذكرها المؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَكَانَ وَالِدُهُ نَوْفَلٌ ابْنَ عَمِّ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ الزُّهْرِيَّةِ؛ وَالِدَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلِهَذَا أَكْرَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَشَّ بِهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ حُلَّةً مُثَمَّنَةً. وَكَانَ وَلِدُهُ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَعُلَمَائِهِم. 114 - أَبُو الغَادِيَةِ الصَّحَابِيُّ * مِنْ مُزِيْنَةَ. وَقِيْلَ: مِنْ جُهَيْنَةَ. مِنْ وُجُوْهِ العَرَبِ، وَفُرْسَانِ أَهْلِ الشَّامِ. يُقَالُ: شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ. وَلَهُ أَحَادِيْثُ مُسْنَدَةٌ. وَرَوَى لَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ (1)) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَعْدٌ، وَكُلْثُوْمُ بنُ جَبْرٍ، وَحَيَّانُ بنُ حُجْرٍ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَهُ صُحْبَةٌ. رَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ كُلْثُوْمِ بنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّاراً يَشْتُمُ عُثْمَانَ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالقَتْلِ، فَرَأَيْتُهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ، فَطَعَنْتُهُ، فَقَتَلْتُهُ. وَأُخْبِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَقَالَ: سَمِعتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ (2)) . إِسْنَادُهُ فِيْهِ انْقِطَاعٌ.   (*) مسند أحمد: 4 / 76 و5 / 68، التاريخ لابن معين: 719، طبقات خليفة: 120، المعارف: 257، الاستيعاب: 4 / 1725، أسد الغابة: 6 / 237، تاريخ الإسلام: 2 / 254، الإصابة: 11 / 289، كنز العمال: 13 / 617. (1) انظر " المسند " 4 / 76، و5 / 68. (2) وانظر " المسند " 4 / 76 و198. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: رَمَى العَدُوُّ النَّاسَ بِالنِّفْطِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا إِذْ فَعَلُوْهَا، فَافْعَلُوْا. فَكَانُوا يَتَرَامَوْنَ بِهَا، فَتَهَيَّأَ رُوْمِيٌّ لِرَمْيِ سَفِيْنَةَ أَبِي الغَادِيَةِ فِي طِنْجِيْرٍ (1) ، فَرَمَاهُ أَبُو الغَادِيَةِ بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ، وَخَرَّ الطِّنْجِيْرُ فِي سَفِيْنَتِهِمْ، فَاحْتَرَقَتْ بِأَهْلِهَا. كَانُوا ثَلاَثَ مائَةٍ. فَكَانَ يُقَالُ: رَمْيَةُ سَهْمِ أَبِي الغَادِيَةِ قَتَلَتْ ثَلاَثَ مائَةِ نَفْسٍ. لَمْ أَجِدْ لأَبِي الغَادِيَةِ وَفَاةً. 115 - صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ بنِ رَحَضَةَ بنِ المُؤَمَّلِ السُّلَمِيُّ * أَبُو عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ، المَذْكُوْرُ بِالبَرَاءةِ مِنَ الإِفْكِ. وَفِي قِصَّةِ الإِفْكِ، قَالَ فِيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً) . وَكَانَ يَسِيْرُ فِي سَاقَةِ الجَيْشِ، فَمَرَّ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ، فَقَرُبَ، فَإِذَا هُوَ بِأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، قَدْ ذَهَبَتْ لِحَاجَتِهَا، فَانْقَطَعَ لَهَا عِقْدٌ، فَرُدَّتْ تُفَتِّشُ عَلَيْهِ، وَحَمَلَ النَّاسُ، فَحَمَلُوْا هَوْدَجَهَا يَظُنُّوْنَهَا فِيْهِ، وَكَانَتْ صَغِيْرَةً، لَهَا اثْنَا عَشَرَ عَاماً، وَسَارُوْا، فَرُدَّتْ إِلَى المَنْزِلَةِ، فَلَمْ تَلْقَ أَحَداً، فَقَعَدْتْ،   (1) الطنجير: قدر نحاسي معرب، وفارسيته: باتيل. (*) مسند أحمد: 5 / 312، طبقات خليفه: 51، 181، 381، تاريخ خليفة: 226، التاريخ الكبير: 4 / 305، تاريخ الفسوي: 1 / 309، الجرح والتعديل 4 / 420، معجم الطبراني 8 / 61، 63، المستدرك: 3 / 518، الاستيعاب: 2 / 725، ابن عساكر: 8 / 174 / 1، أسد الغابة: 3 / 30، تاريخ الإسلام: 2 / 27، العبر: 1 / 23، مجمع الزوائد: 9 / 363، الإصابة: 5 / 152، كنز العمال: 13 / 436، تهذيب ابن عساكر: 6 / 440. سير 2 / 35 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 وَقَالَتْ: سَوْفَ يَفْقِدُوْنَنِي. فَلَمَّا جَاءَ صَفْوَانُ، رَآهَا، وَكَانَ يَرَاهَا قَبْلَ الحِجَابِ، وَكَانَ الحِجَابُ قَدْ نَزَلَ مِنْ نَحْوِ سَنَةٍ. فَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ! لَمْ يَنْطِقْ بِغَيْرِهَا، وَأَنَاخَ بَعِيْرَهُ، وَرَكَّبَهَا، وَسَارَ يَقُوْدُ بِهَا، حَتَّى لَحِقَ النَّاسَ نَازِلِيْنَ فِي المَضْحَى، فَتَكَلَّمَ أَهْلُ الإِفْكِ، وَجَهِلُوْا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ الآيَاتِ فِي بَرَاءتِهَا (1) - وَللهِ الحَمْدُ -. وَقَالَ صَفْوَانُ: إِنْ كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ (2) . وَقَدْ رُوِيَ لَهُ حَدِيْثَانِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَسَلاَمٌ أَبُو عِيْسَى، وَرِوَايَتُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ، لَمْ يَلْحَقُوْهُ فِيْمَا أَرَى، إِنْ كَانَ مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ قَبْلَ المُرَيْسِيْعِ (3) ، وَكَانَ عَلَى سَاقَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: مَاتَ بِسُمَيْسَاطَ (4) ، فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِنَاحِيَةِ سُمَيْسَاطَ مِنَ الجَزِيْرَةِ، وَقَبْرُهُ هُنَاكَ.   (1) حديث الافك تقدم تخريجه في الصفحة (159) ت (5) في ترجمة السيدة عائشة. (2) " إن " بمعنى " ما " والخبر في البخاري 7 / 335 و8 / 385، ومسلم (2770) (57) وانظر " الإصابة " 5 / 153. (3) المريسيع: ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع موضع من ناحية المدينة مسيرة يوم، كانت به غزوة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني المصطلق سنة خمس، وتسمى غزوة بني المصطلق. انظر " سيرة ابن هشام " 2 / 213. (4) هي مدينة على شاطئ الفرات في غربيه في طرف بلاد الروم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 القَوَارِيْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ المُعَطَّلِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَرَمَقْتُ صَلاَتَهُ لَيْلَةً، فَصَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ نَامَ، فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ، اسْتَنْبَهَ، فَتَلاَ العَشْرَ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ تَسَوَّكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَلاَ أَدْرِي: أَقِيَامُهُ أَمْ رُكُوْعُهُ أَمْ سُجُوْدُهُ كَانَ أَطْوَلَ؛ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَتَلاَ ذَلِكَ العَشْرَ، ثُمَّ تَسَوَّكَ، وَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ حَتَّى صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً (1) . وَبِإِسْنَادٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) : أَنَّ صَفْوَانَ بنَ المُعَطَّلِ حَمَلَ بِدَارَيَّا (2) عَلَى رَجُلٍ مِنَ الرُّوْمِ، عَلَيْهِ حِلْيَةُ الأَعَاجِمِ، فَطَعَنَهُ، فَصَرَعَهُ، فَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ، وَأَقْبَلَتْ نَحْوَهُ. فَقَالَ صَفْوَانُ: وَلَقَدْ شَهِدْتُ الخَيْلَ يَسْطَعُ نَقْعُهَا ... مَا بَيْنَ دَارَيَّا دِمَشْقَ إِلَى نَوَى فَطَعَنْتُ ذَا حُلْيٍ، فَصَاحَتْ عِرْسُهُ: ... يَا ابْنَ المُعَطَّلِ، مَا تُرِيْدُ بِمَا أَرَى؟ فَأَجَبْتُهَا: إِنِّي سَأَتْرُكُ بَعْلَهَا ... بِالدَّيْرِ مُنْعَفِرَ المَضَاحِكِ بِالثَّرَىَ وَإِذَا عَلَيْهِ حِلْيَةٌ، فَشَهَرْتُهَا ... إِنِّي كَذَلِكَ مُوْلَعٌ بِذَوِي الحُلَى (3)   (1) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر المديني والدعلي، وهو في " المسند " 5 312، والطبراني (7343) (2) داريا: من قرى دمشق جنوب غربيها تبعد عنها أربعة أميال تقريبا. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 440، 441، و" الإصابة " 5 / 153، 154. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 وَفِي (مُسْنَدِ الهَيْثَمِ بنِ كُلَيْبٍ) : مِنْ طَرِيْقِ عَامِرِ بنِ صَالِحِ بنِ رُسْتُمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: شُكِيَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ. قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ هَذَا الشِّعْرَ. فَقَالَ: (دَعُوا صَفْوَانَ، فَإِنَّهُ خَبِيْثُ اللِّسَانِ، طَيِّبُ القَلْبِ (1)) . وَفِيْهِ: عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: وَكُنَّا فِي مَسِيْرٍ لَنَا، وَمَعَنَا تَمْرٌ، فَجَاءنِي صَفْوَانُ بن المُعَطَّلِ، فَقَالَ: أَطْعِمْنِي مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ. قُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ تَمْرٌ قَلِيْلٌ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ - أَظُنُّهُ أَرَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا نَزَلُوا فَأَكَلُوا، أَكَلْتَ مَعَهُمْ. قَالَ: أَطْعِمْنِي، فَقَدْ أَصَابَنِي الجُهْدُ. فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَخَذَ السَّيْفَ، فَعَقَرَ الرَّاحِلَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (قُوْلُوا لِصَفْوَانَ: فَلْيَذْهَبْ) . فَلَمَّا نَزَلُوا، لَمْ يَبِتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، يَطُوْفُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَى عَلِيّاً، فَقَالَ: أَينَ أَذْهَبُ، أَذْهَبُ إِلَى الكُفْرِ؟ فَدَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَدَعْنَا نَبِيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، قَالَ: أَينَ يَذْهَبُ إِلَى الكُفْرِ؟ قَالَ: (قُوْلُوا لِصَفْوَانَ: فَلْيَحْلِقْ (2)) . رَوَى نَحْوَهُ: القَوَارِيْرِيُّ، عَنْ سُلَيْمِ بنِ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ صَاحِبِ زَادِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. عُرْوَةُ: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ الإِفْكِ حَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: (   (1) عامر بن صالح بن رستم سيئ الحفظ، والحسن مدلس، وقد عنعن، وذكره في " المجمع " 9 / 364، ونسبه للطبراني، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 441، 442. (2) ذكره في " كنز العمال " 13 / 436، ونسبه للهيثم بن كليب الشاشي وابن عساكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 أَمَّا بَعْدُ، أَشِيْرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايمُ اللهِ، إِنْ عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوْءٍ قَطُّ، وَأَبَنُوْهُمْ بِمَنْ -وَاللهِ- إِنْ عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوْءاً قَطُّ (1)) . ابْنُ يُوْنُسَ: أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ المُعَطَّلِ، قَالَ: ضَرَبَ حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ فِي هِجَاءٍ هَجَاهُ بِهِ، فَأَتَى حَسَّانُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْدَاهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِدْهُ مِنْهُ، وَعَقَلَ لَهُ جُرْحَهُ، وَقَالَ: (إِنَّكَ قُلْتَ قَوْلاً سَيِّئاً) . رَوَاهُ: مَعْمَرٌ، فَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ المُسَيِّبِ. قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ حَسَّانُ: أَمْسَى الجَلاَبِيْبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ (2) فَغَضِبَ صَفْوَانُ، وَقَالَ: يُعَرِّضُ بِي. وَوَقَفَ لَهُ لَيْلَةً، حَتَّى مَرَّ حَسَّانٌ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً كَشَطَ جِلْدَةَ رَأْسِهِ، فَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَسَّانَ، وَرَفَقَ بِهِ حَتَّى عَفَا. فَأَعْطَاهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيْرِيْنَ أُخْتَ مَارِيَّةَ لِعَفْوِهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ صَفْوَانَ شَكَتْهُ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ يَنَامُ حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ. فَسَأَلُه   (1) تقدم تخريجه ص 159 ت 5، وقوله: أبنوا، أي: اتهموا وعابوا. (2) الجلابيب: السفلة، وابن الفريعة: حسان، والفريعة أمه، وبيضة البلد، أي: وحيدا، تشبيها له ببيضه النعامة التي تتركها في الفلاة، فلا تحضنها وتبقى تريكة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مَعْرُوفُوْنَ بِذَلِكَ (1) . فَهَذَا بَعِيْدٌ مِنْ حَالِ صَفْوَانَ أَنْ يَكُوْنَ كَذَلِكَ، وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَاقَةِ الجَيْشِ، فَلَعَلَّهُ آخَرُ بِاسْمِهِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلَ سَنَةَ سِتِّيْنَ، بِسُمَيْسَاطَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِالجَزِيْرَةِ، وَكَانَ عَلَى سَاقَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ شَاعِراً. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ فِي غَزْوَةِ أَرْمِيْنِيَةَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قَالَ: وَكَانَ أَحَدَ الأُمَرَاءِ يَوْمَئِذٍ. قُلْتُ: فَهَذَا تَبَايُنٌ كَثِيْرٌ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا اثْنَانِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 116 - دِحْيَةُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ فَرْوَةَ بنِ فَضَالَةَ الكَلْبِيُّ * (د) القُضَاعِيُّ. صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) أخرجه أبو داود (2459) في الصوم: باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، وأحمد 3 / 80 من طريق عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة صفوان بن المعطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين فقد نهيتها، قال: فقال " لو كانت سورة واحدة لكفت الناس " وأما قولها يفطرني فإنها تصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ: " لا تصومن امرأة إلا بإذن زوجها "، قال: وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فانا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: " فإذا استيقظت فصل ". ورجاله ثقات، وقال الحافظ في " الإصابة " 5 / 153: وإسناده صحيح. (*) مسند أحمد: 4 / 311، طبقات ابن سعد: 4 / 294، تاريخ خليفة: 79، التاريخ = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 وَرَسُوْلُهُ بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيْمِ بُصْرَى، لِيُوْصِلَهُ إِلَى هِرَقْلَ. رَوَى أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَنْصُوْرُ بنُ سَعِيْدٍ الكَلْبِيُّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ شَهِدَ اليَرْمُوْكَ، وَكَانَ عَلَى كُرْدُوْسٍ (2) ، وَسَكَنَ المِزَّةَ (3) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ - مِنْ آلِ حُذَيْفَةَ - عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ أَحْمِلُ لَكَ حِمَاراً عَلَى فَرَسٍ، فَيَنْتُجُ لَكَ بَغْلَةً تَرْكَبُهَا؟ قَالَ: (إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْنَ (4)) . رَوَاهُ: عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مُرْسَلاً: أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ دِحْيَةُ قَبْلَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِجِبْرِيْلَ، بَقِيَ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ.   = الكبير: 3 / 254، الجرح والتعديل: 3 / 439، معجم الطبراني الكبير: 4 / 265، الاستيعاب: 2 / 461، ابن عساكر: 6 / 24 / 2، أسد الغابة: 2 / 158، تهذيب الكمال: 396، تاريخ الإسلام: 2 / 222، مجمع الزوائد: 9 / 378، تهذيب التهذيب: 3 / 207 206، الإصابة: 3 / 191، خلاصة تذهيب الكمال: 112، تهذيب ابن عساكر: 5 / 221. (1) سقط من المطبوع " منصور بن ". (2) الكردوس: الكتيبة. (3) المزة: قرية من قرى دمشق تقع في الجنوب الغربي منها. (4) هو في " المسند "؟ / 311، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 221. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 وَقَالَ دُحَيْمٌ: ذُرِّيَّتُهُ بِالبِقَاعِ. وَقَيَّدَ ابْنُ مَاكُوْلاَ فِي أَجْدَادِهِ (الخَرْجَ (1)) ، وَهُوَ العَظِيْمُ البَطْنِ. الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: عَنِ الكَلْبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ دِحْيَةَ: قَدِمْتُ مِنَ الشَّامِ، فَأَهْدَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاكِهَةً يَابِسَةً مِنْ فُسْتُقٍ، وَلَوْزٍ، وَكَعْكٍ ... ، الحَدِيْثَ (2) . إِسْنَادُهُ وَاهٍ. وَعَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، قَالَ: أَهْدَيْتُ لِرَسُوْلِ اللهِ جُبَّةَ صُوْفٍ، وَخُفَّيْنِ، فَلَبِسَهُمَا حَتَّى تَخَرَّقَا (3) . جَابِرٌ: وَاهٍ. وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ دِحْيَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعِي بِكِتَابٍ إِلَى قَيْصَرَ، فَقُمْتُ بِالبَابِ، فَقُلْتُ: أَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ. فَفَزِعُوا لِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الآذِنُ، فَأُدْخِلْتُ، وَأَعْطَيْتُهُ الكِتَابَ: (مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُوْلِ اللهِ، إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّوْمِ) . فَإِذَا ابْنُ أَخٍ لَهُ، أَحْمَرُ، أَزْرَقُ، قَدْ نَخَرَ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ لَمْ يَكْتُبْ وَيَبْدَأْ بِكَ، لاَ تَقْرَأْ كِتَابَهُ اليَوْمَ. فَقَالَ لَهُمْ: اخْرُجُوا. فَدَعَا الأُسْقُفَ، وَكَانُوا يَصْدُرُوْنَ عَنْ رَأْيِهِ، فَلَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ الكِتَابُ،   (1) " الإكمال " 3 / 142، 143، وفيه: وإنما سمي الخرج لعظم لحمه. (2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 222. (3) " تهذيب ابن عساكر 5 / 222، وهو في " معجم الطبراني " (4200) وفيه عنبسة بن سعيد راويه عن جابر الجعفي لا يعرف، وجابر واه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 قَالَ: هُوَ -وَاللهِ- رَسُوْلُ اللهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ عِيْسَى وَمُوْسَى. قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَتَّبِعَهُ. قَالَ قَيْصَرُ: وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تَقُوْلُ، وَلَكِنْ لاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَتَّبِعَهُ، يَذْهَبُ مُلْكِي، وَيَقْتُلُنِي الرُّوْمُ (1) . رَوَاهُ: اثْنَانِ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ دِحْيَةَ سَرِيَّةً وَحْدَهُ (2) . مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ رَجُلاً، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! مَنْ هَذَا؟) . فَقُلْتُ: دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ، فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ جِبْرِيْلُ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ مَا كَانَ بَيْنَنَا. فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: أُسَامَةُ (3) . عُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ: (يَأْتِيْنِي جِبْرِيْلُ فِي صُوْرَةِ دِحْيَةَ، وَكَانَ دِحْيَةُ جَمِيْلاً) (4) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 222، وفي سنده يحيى بن سلمة بن كهيل وهو متروك كما في " التقريب " وهو في " معجم الطبراني " برقم (4198) ، وذكره في " المجمع " 5 / 306 وأعله بيحيى الحماني راويه عن يحيى بن سلمة فقصر. (2) وأخرجه ابن سعد 4 / 250، 251 من طريق وكيع، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. (3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 223. (4) عفير بن معدان ضعيف، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 378، وقال: رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف، ورواية يحيى بن يعمر عن ابن عمر أخرجها أحمد 2 / 107 من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، عن إسحاق بن سويد، عن يحيى ابن يعمر، عن ابن عمر وهذا سند صحيح، وأورده الحافظ في " الإصابة " 3 / 191 عن النسائي، وصحح إسناده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 رَوَى نَحْوَهُ: يَحْيَى بنُ يَعْمُرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ: قَالَ رَجُلٌ لِعَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ: أَجْمَلُ النَّاسِ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ. فَقَالَ: بَلْ أَجْمَلُ النَّاسِ مَنْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ عَلَى صُوْرَتِهِ -يَعْنِي: دِحْيَةَ (1) -. وَيُرْوَى حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ: أَنَّ دِحْيَةَ أَسْلَمَ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ (2) . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ دِحْيَةُ إِذَا قَدِمَ، لَمْ تَبْقَ مُعْصِرٌ إِلاَّ خَرَجَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ (3) . المُعْصِرُ: الَّتِي دَنَا حَيْضُهَا، كَمَا قِيْلَ لِلْغُلاَمِ: مُرَاهِقٌ، أَي رَاهَقَ الاحْتِلاَمَ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ دِحْيَةَ كَانَ أَجْمَلَ الصَّحَابَةِ المَوْجُودِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، فَلِذَا كَانَ جِبْرِيْلُ رُبَّمَا نَزَلَ فِي صُوْرَتِهِ. فَأَمَّا جَرِيْرٌ فَإِنَّمَا وَفَدَ إِلَى المَدِيْنَةِ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَلِيْلٍ. وَمِنَ المَوْصُوْفِيْنَ بِالحُسْنِ: الفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ (4) ، وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْدَ الفَتْحِ.   (1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 3 / 191، ونسبه للعجلي في " تاريخه " ويؤخذ من تمثل جبريل عليه السلام بصورة دحية للنبي صلى الله عليه وسلم مشروعية مراعاة حسن الوجه في البريد والرسول، ويؤيده ما رواه البزاز في " مسنده " (1985) من طريق قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أبردتم إلي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم " ورجاله ثقات، وله شاهد عند البزار أيضا (1986) يتقوى به من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بعثتم إلي رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم " وسنده حسن في الشواهد. (2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 223، ورده أيضا ابن عساكر بأن في إسناده الحسين بن عيسى الحنفي وهو أخو سليم القارئ، وهو صاحب مناكير. (3) " الإصابة " 3 / 191، و" تهذيب ابن عساكر " 5 / 223. (4) كما ثبت ذلك في البخاري 11 / 8 في الاستئذان، من حديث ابن عباس في قصة الخثعمية، وفيه: وكان الفضل رجلا وضيئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْمَلَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ رَيْحَانَتُهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. اللَّيْثُ: عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الكَلْبِيِّ: أَنَّ دِحْيَةَ خَرَجَ مِنَ المِزَّةِ إِلَى قَدْرِ قَرْيَةٍ - عَقَبَةٍ مِنَ الفُسْطَاطِ، وَذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ - فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ مَعَهُ نَاسٌ، وَكَرِهَ الفِطْرَ آخَرُوْنَ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اليَوْمَ أَمْراً مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَرَاهُ، إِنَّ قَوْماً رَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، - يَقُوْلُ ذَلِكَ لِلَّذِيْنَ صَامُوا - ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) . وَصَحَّ: أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ، وَعَوَّضَهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ (2) . قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِحْيَةَ إِلَى قَيْصَرَ (3) . قُلْتُ: كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الحُدَيْبِيَةِ فِي زَمَنِ الصُّلْحِ، كَمَا   (1) رقم (2413) في الصوم: باب قدر مسيرة ما يفطر فيه، وأخرجه أحمد 6 / 398، والطبراني (4197) ومنصور الكلبي لم يوثقه غير العجلي، وباقي رجاله ثقات، وفي الباب ما يشهد له ويقويه، فعن أنس عند الترمذي (799) و (800) والدراقطني 1 / 241، والبيهقي 4 / 246، وسنده قوي، وحسنه الترمذي وغيره، وعن أبي بصرة الغفاري عند أحمد 6 / 398، وأبي داود (2412) والبيهقي 4 / 246، وسنده حسن في الشواهد. (2) تقدم تخريجه في الصفحة 232 ت 1. (3) المذكور في " تاريخ خليفة ": 79 بعد سنة ست، والضمير في " وفيها " يعود إليها، لكن الذي يقوي قول المصنف أن الحافظ ابن حجر في " الفتح " 1 / 35 قال: ووقع في تاريخ خليفة أن إرسال الكتاب إلى هرقل كان سنة خمس، وغلطه، ورجح أنه في آخر سنة ست لتصريح أبي سفيان بأن ذلك كان في مدة الهدنة، والهدنة كانت في آخر سنة ست اتفاقا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 ذَكَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي الحَدِيْثِ الطَّوِيْلِ الَّذِي فِي (الصَّحِيْحِ (1)) . وَلِدِحْيَةَ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ غَرَائِبُ. 117 - أَبُو جَهْمٍ بنِ حُذَيْفَةَ القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ * المَذْكُوْرُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذْهَبُوا بِهَذِهِ الخَمِيْصَةِ، وَائْتُوْنِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ (2)) . قِيْلَ: اسْمُهُ عُبَيْدٌ، وَهُوَ مِنْ مُسْلمَةِ الفَتْحِ. وَكَانَ مِمَّنْ بَنَى البَيْتَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ عُمِّرَ، حَتَّى بَنَى فِيْهِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ العِمَارَتَيْنِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةٍ. وَكَانَ عَلاَّمَةً بِالنَّسَبِ، أُحْضِرَ   (1) البخاري 1 / 30، 41. وفيه: دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 451، التاريخ لابن معين: 700، تاريخ خليفة: 227، الاستيعاب: 4 / 1623، أسد الغابة: 6 / 57، تاريخ الإسلام: 2 / 330، الإصابة: 11 / 66. (2) أخرجه البخاري 1 / 406، 407 في الصلاة: باب إذا صلى في ثوب له أعلام، وفي صفة الصلاة: باب الالتفات في الصلاة، وفي اللباس: باب الاكسية والخمائص، ومسلم (565) (62) في المساجد: باب كراهية الصلاة في ثوب له أعلام، وأبو داود (914) والنسائي 2 / 72، وأحمد 6 / 37 و199، وابن ماجه (3550) من حديث عائشة النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال: اذهبوا بخميصتي هذه، وأئتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي. والخميصة: كساء مربع من صوف له علمان، والانبجانية: كساء يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له، وهي من أدون الثياب الغليظة. وإنما خصه بإرسال الخميصة، لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الانبجانية منه لئلا يؤثر رد الهذية في قلبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 يَوْمَ الحَكَمَيْنِ، وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً مُصَدِّقاً (1) ، وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ. وَكَانَ قَوِيَّ النَّفْسِ، سُرَّ بِمُصَابِ عُمَرَ، لِكَوْنِهِ أَخَافَهُ، وَكَفَّ مِنْ بَسْطِ لِسَانِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إِذْ خَطَبَهَا: (أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَإِنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ (2)) . وَلَمَّا وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، أَقْعَدَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَوَصَلَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَاسْتَقَلَّهَا. 118 - عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ شُهَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (ت) ابْنِ النُّعْمَانِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، العَبْدُ الصَّالِحُ، الأَمِيْرُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ. وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَوَلِيَ دِمَشْقَ وَحِمْصَ لِعُمَرَ. فِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيِّ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَيْرَ بنَ   (1) المصدق: هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أهلها. (2) تقدم تخريجه، انظر ص 502 ت 3، والضراب: الكثير الضرب، والصعلوك: الفقير الذي لا مال له. * تقدمت ترجمته في الصفحة 103 من هذا الجزء بأخصر مما هنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 سَعْدٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِيْنَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيْجُ وَحْدِهِ، فَقَعَدْنَا لَهُ عَلَى دُكَّانٍ لَهُ عَظِيْمٍ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! أَوْرِدِ الخَيْلَ. وَفِي الدَّارِ تُوْرٌ (1) مِنْ حِجَارَةٍ. قَالَ: فَأَوْرَدَهَا، فَقَالَ: أَينَ فُلاَنَةُ؟ قَالَ: هِيَ جَرِبَةٌ، تَقْطُرُ دَماً. قَالَ: أَوْرِدْهَا. فَقَالَ أَحَدُ القَوْمِ: إِذاً تَجْرَبُ الخَيْلُ كُلُّهَا. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَّةَ، أَلَمْ تَرَ إِلَى البَعِيْرِ يَكُوْنُ بِالصَّحْرَاءِ، ثُمَّ يُصْبِحُ وَفِي كِرْكِرَتِهِ - أَوْ فِي مَرَاقِّهِ - نُكْتَةٌ لَمْ تَكُنْ، فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ (2) ؟) . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَالتَّبُوْذَكِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القَدَّاحُ: عُمَيْرُ بن سَعْدٍ لَمْ يَشْهَدْ شَيْئاً مِنَ المَشَاهِدِ، وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلاَمَ الجُلاَسِ بنِ سُوَيْدٍ، وَكَانَ يَتِيْماً فِي حِجْرِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى حِمْصَ، وَكَانَ مِنَ الزُّهَّادِ. وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: هُوَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَيْدٍ (3) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ شُهَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ مُرْسَلٌ، قَالَهُ أَبِي (4) .   (1) التور: إناء من صفر أو حجارة كالاجانة، وقد تحرف في المطبوع إلى " قور ". (2) إسناده ضعيف لضعف أبي سنان وهو عيسى بن سنان الحنفي. وقد تقدم تخريجه في الصفحة 104 ت 2. والكركرة: زور البعير الذي إذا برك، أصاب الأرض وهي باتئة عن جسمه، والمراق: الارفاغ. (3) ابن سعد 4 / 374، وقد تابعه ابن الأثير وابن عبد البر، وابن حجر فقالوا " ابن عبيد " بدل " ابن شهيد ". (4) " الجرح والتعديل " 6 / 376، لكن سقط منه " ابن شهيد ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ: كَانَتْ وِلايَتُهُ حِمْصَ بَعْدَ سَعِيْدِ بنِ عَامِرِ بنِ حُذَيْمٍ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَقَامَ مَكَانَهُ: عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ عَلَى الشَّامِ مُعَاوِيَةُ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَجَمَعَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، اسْتَخْلَفَ ابْنَ عَمِّهِ عِيَاضَ بنَ غَنْمٍ، فَأَقَرَّهُ عُمَرُ، فَمَاتَ عِيَاضٌ (1) ، فَوَلِيَ سَعِيْدٌ المَذْكُوْرُ. قَالَ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَى الشَّامِ كُلِّهِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عَلِمْتُ يَا أَهْلَ حِمْصَ إِنَّ اللهَ لَيُسْعِدُكُمْ بِالأُمَرَاءِ الصَّالِحِيْنَ، أَوَّلُ مَنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ: عِيَاضُ بنُ غَنْمٍ، وَكَانَ خَيْراً مِنِّي، ثُمَّ وَلِيَ عَلَيْكُمْ: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَكَانَ خَيْراً مِنِّي، ثُمَّ وَلِيَ عَلَيْكُمْ (2) : عُمَيْرٌ، وَلَنِعْمَ العُمَيْرُ كَانَ، ثُمَّ هَا أَنَا ذَا قَدْ وَلِيْتُكُمْ، فَسَتَعْلَمُوْنَ. ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: مَا كَانَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلَ مِنْ أَبِيْكَ (3) . وَرَوَى: هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: كَانَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ يُعْجِبُ عُمَرَ، فَكَانَ   (1) سقط من المطبوع جملة " فأقره عمر فمات عياض ". (2) سقط من المطبوع من قوله سعيد بن عامر إلى هنا. (3) عبد الرحمن بن عمير ترجمه ابن أبي حاتم 5 / 272، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال: وكان واليا على فلسطين. وانظر ص 105 ت 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 مِنْ عَجَبِهِ بِهِ، يُسَمِّيَهُ: نَسِيْجُ وَحْدِهِ. وَبَعَثَهُ مَرَّةً عَلَى جَيشٍ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَوَفَدَ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا مَدِيْنَةٌ يُقَالُ لَهَا: عَرَبُ السُّوْسِ (1) ، تُطْلِعُ عَدُوَّنَا عَلَى عَوْرَاتِنَا، وَيَفْعَلُوْنَ، وَيَفْعَلُوْنَ. فَقَالَ عُمَرُ: خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ يَنْتَقِلُوا مِنْ مَدِيْنَتِهِمْ وَنُعْطِيْهِمْ مَكَانَ كُلِّ شَاةٍ شَاتَيْنِ، وَمَكَانَ كُلِّ بَقَرَةٍ بَقَرَتَيْنِ، وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ، فَإِنْ فَعَلُوا، فَأَعْطِهِمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَوْا، فَانْبِذْ (2) إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ، ثُمَّ أَجِّلْهُمْ سَنَةً. فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَهْدَكَ بِذَلِكَ. فَعَرَضَ عُمَيْرٌ عَلَيْهِم، فَأَبَوْا، فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً، ثُمَّ نَابَذَهُمْ. فَقِيْلَ لِعُمَرَ: إِنَّ عُمَيْراً قَدْ خَرَّبَ عَرَبَ السُّوْسِ، وَفَعَلَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا قَدِمَ، عَلاَهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: خَرَّبْتَ عَرَبَ السُّوْسِ. وَهُوَ سَاكِتٌ، فَلَمَّا دَخَلَ عُمَرُ بَيْتَهُ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ، وَأَقْرَأَهُ عَهْدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ. عَرَبُ السُّوْسِ: خَرَابٌ اليَوْمَ، وَهِيَ خَلْفَ دَرْبِ الحَدَثِ (3) . عَبْدُ المَلِكِ بنُ هَارُوْنَ بنِ عَنْتَرَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّ عُمَيْرَ بنَ   (1) في معجم ياقوت: عربسوس: بلد من نواحي الثغور قرب المصيصة. (2) مقتبس من قوله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) أي: إن كان بينك وبين قوم هدنة، فخفت منهم نقضا للعهد، فلا تبادر إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك قد نقضت ما بينك وبينهم، فيكونوا معك في علم النقض والعود إلى الحرب مستوين. (3) الحدث: قلعة بين ملطيه وسميساط ومرعش من الثغور، ويقال لها الحمراء، لان تربتها جميعا حمراء، وهي على جبل يقال له الاحيدب وقد ذكرها المتنبي في قصيدته التي يمدح بها سيف الدولة، إثر وقعة كانت بينه وبين الدمستق تم فيها الغلب لسيف الدولة يقول فيها: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 سَعْدٍ بَعَثَهُ عُمَرُ عَلَى حِمْصَ، فَمَكَثَ حَوْلاً لاَ يَأْتِيْهِ خَبَرُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَقْبِلْ بِمَا جَبَيْتَ مِنَ الفَيْءِ. فَأَخَذَ جِرَابَهُ وَقَصْعَتُهُ، وَعَلَّقَ إِدَوَاتَهُ، وَأَخَذَ عَنْزَتَهُ (1) ، وَأَقْبَلَ رَاجِلاً، فَدَخَلَ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ شَحَبَ وَاغْبَرَّ، وَطَالَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَلَسْتُ صَحِيْحَ البَدَنِ، مَعِيَ الدُّنْيَا. فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّهُ جَاءَ بِمَالٍ، فَقَالَ: جِئْتَ تَمْشِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا كَانَ أَحَدٌ يَتَبَرَّعُ لَكَ بِدَّابَةٍ؟ قَالَ: مَا فَعَلُوا، وَلاَ سَأَلْتُهُمْ. قَالَ: بِئْسَ المُسْلِمُوْنَ. قَالَ: يَا عُمَرَ! إِنَّ اللهَ قَدْ نَهَاكَ عَنِ الغِيْبَةِ. فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: الَّذِي جَبَيْتُهُ وَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ، وَلَوْ نَالَكَ مِنْهُ شَيْءٌ، لأَتَيْتُكَ بِهِ. قَالَ: جَدِّدُوا لِعُمَيْرٍ عَهْداً. قَالَ: لاَ عَمِلْتُ لَكَ وَلاَ لأَحَدٍ، قُلْتُ لِنَصْرَانِيٍّ: أَخْزَاكَ اللهُ. وَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ عَلَى أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أُرَاهُ خَائِناً. فَبَعَثَ رَجُلاً بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: انْزِلْ بِعُمَيْرٍ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَثَرَ شَيْءٍ، فَأَقْبِلْ، وَإِنْ رَأَيْتَ حَالاً شَدِيدَةً، فَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذِهِ المائَةَ. فَانْطَلَقَ، فَرَآهُ يَفْلِي قَمِيْصَهُ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: انْزِلْ. فَنَزَلَ، فَسَاءلَهُ، وَقَالَ: كَيْفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: ضَرَبَ ابْناً لَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، فَمَاتَ. فَنَزَلَ بِهِ ثَلاَثاً، لَيْسَ إِلاَّ قُرْصَ شَعِيْرٍ يَخْصُّوْنَهُ بِهِ، وَيطْوُوْنَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَجَعْتَنَا، فَأَخْرَجَ الدَّنَانِيْرَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَصَاحَ، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي   هل الحدث الحمراء تعرف لونها * وتعلم أي الساقيين الغمائم سقتها الغمام الغر قبل نزوله * فلما دنا منها سقتها الجماجم ويقول: نثرتهم فوق الاحيدب كله * كما نثرت فوق العروس الدراهم (1) العنزة: عصا في قدر نصف الرمح أو أكبر يتوكأ عليها. سير 2 / 36 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 بِهَا، رُدَّهَا عَلَيْهِ. قَالَتِ المَرْأَةُ: إِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهَا، وَإِلاَّ ضَعْهَا مَوَاضِعَهَا. فَقَالَ: مَا لِي شَيْءٌ أَجْعَلُهَا فِيْهِ. فَشَقَّتِ المَرْأَةُ مِنْ دِرْعِهَا، فَأَعْطَتْهُ خِرْقَةً، فَجَعَلَهَا فِيْهَا، ثُمَّ خَرَجَ يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَبْنَاءِ الشُّهَدَاءِ. وَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ بِالذَّهَبِ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ يَطْلُبُهُ، فَجَاءَ، فَقَالَ: مَا صَنَعَتِ الدَّنَانِيْرُ؟ قَالَ: وَمَا سُؤَالُكَ؟ قَدَّمْتُهَا لِنَفْسِي. فَأَمَرَ لَهُ بِطَعَامٍ، وَثَوْبَيْنِ، فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي الطَّعَامِ، وَأَمَّا الثَّوْبَانِ، فَإِنَّ أُمَّ فَلاَنٍ عَارِيَةٌ. فَأَخَذَهُمَا، وَرَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ ... ، وَذَكَرَ سَائِرَ القِصَّةِ (1) . وَرَوَى نَحْوَهَا: كَاتِبُ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، بَلَغَهُ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ ... ، فَذَكَرَهَا. وَرَوَى: أَبُو حُذَيْفَةَ فِي (المُبْتَدَأِ) نَحْواً مِنْهَا، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ آخَرَ. وَيُقَالُ: زُهَّادُ الأَنْصَارِ ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ. 119 - صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ * (م، 4) ابْنِ وَهْبِ بنِ حُذَافَةَ بنِ جُمَحِ بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ بنِ كَعْبِ   (1) في ميزان المؤلف: عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه. قال الدراقطني: هما ضعيفان، وقال أحمد: عبد الملك ضعيف، وقال يحيى: كذاب، وقال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث. والسند الثاني الذي ذكره المؤلف فيه انقطاع، وكاتب الليث سيء الحفظ، وأورده المؤلف في " تاريخ الإسلام " 2 / 241، 242، وقال: بعد أن ذكر قسما كبيرا منه: وذكر حديثا طويلا منكرا. (*) مسند أحمد: 3 / 400 و6 / 464، طبقات ابن سعد: 5 / 449، طبقات خليفة: 24، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ القُرَشِيُّ، الجُمَحِيُّ، المَكِيُّ. أَسْلَمَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَرَوَى أَحَادِيْثَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَشَهِدَ اليَرْمُوْكَ أَمِيْراً عَلَى كُرْدُوْسٍ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَأَقْطَعَهُ زُقَاقَ صَفْوَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أُخْتِهِ؛ حُمَيْدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ قُرَيْشٍ، قُتِلَ أَبُوْهُ مَعَ أَبِي جَهْلٍ. مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ: أَنَّ صَفْوَانَ - يَعْنِي جَدَّهُ - قِيْلَ لَهُ: مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ. فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَنَامَ فِي المَسْجِدِ، وَتَوَسَّدَ رِدَاءهُ، فَجَاءَ سَارِقٌ، فَأَخَذَهُ، فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ. فَقَالَ صَفْوَانُ: إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا، هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. قَالَ: (فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ) (1) .   = 278، تاريخ خليفة: 111، 205، التاريخ الكبير: 4 / 304، المعارف: 342، تاريخ الفسوي: 1 / 309، الجرح والتعديل: 4 / 421، المستدرك: 3 / 428، الاستبصار: 93، الاستيعاب: 2 / 718، ابن عساكر: 8 / 159 / 1، أسد الغابة: 3 / 23، تهذيب الكمال: 608، تاريخ الإسلام: 2 / 228، العبر: 1 / 50، تهذيب التهذيب: 4 / 424 425، الإصابة: 5 / 145، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب: 1 / 52، تهذيب ابن عساكر: 6 / 429. (1) " الموطأ " 3 / 49 في الحدود: باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان، ورجاله ثقات، لكنه مرسل، قال ابن عبد البر: هكذا رواه جمهور أصحاب مالك مرسلا، ورواه أبو عاصم النبيل عن مالك، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن جده، ولم يقل: عن جده، أحد غير أبي عاصم، ورواه شبابة بن سوار عن مالك، عن الزهري، عن عبد الله بن صفوان، عن أبيه، وأخرجه أحمد 3 / 401 من طريق روح، عن محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن أبيه ; أن صفوان، وهذا سند متصل رجاله ثقات. ثم أخرجه 6 / 465 من الطريق ذاته إلا أنه أسقط " عن أبيه ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ - يَعْنِي أَبَاهُ -: أَتَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ؟ قَالَ: (لاَ يَا أَبَا وَهْبٍ، فَارْجِعْ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ) (1) . قُلْتُ: ثَبَتَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ (2)) . وَخَرَّجَ: التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ: (اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الحَارِثَ بنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بنَ أُمَيَّةَ) . فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوْبَ عَلَيْهِم} [آلُ عِمْرَانَ: 127] ، فَتَابَ عَلَيْهِم، فَأَسْلَمُوا، فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُمْ (3) . قُلْتُ: أَحْسَنُهُمْ إِسْلاَماً الحَارِثُ. وَرَوَى: الزُّهْرِيُّ، عَنْ بَعْضِ آلِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الفَتْحِ أَرْسَلَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ، وَالحَارِثِ بنِ   (1) أخرجه أحمد 3 / 401 و6 / 465 من طريق روح بهذا الإسناد، ورجاله ثقات. (2) أخرجه البخاري 6 / 3 في أول كتاب الجهاد، ومسلم (1353) من حديث ابن عباس. (3) أخرجه الترمذي (3004) في التفسير، وفي سنده: عمر بن حمزة وهو ضعيف، مع أنه من رجال مسلم. وهو في " المسند " (5674) والطبري (7819) وأخرجه البخاري في " صحيحه " 7 / 281 من طريق عبد الله بن المبارك، عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت (ليس لك من الامر شيء) إلى قوله (فإنهم ظالمون) ورواه البخاري أيضا 7 / 281 و8 / 170، و13 / 263، 264 من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري قال: حدثني سالم، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعدما يقول: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد، فأنزل الله (ليس لك من الامر شيء) إلى قوله (فإنهم ظالمون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 هِشَامٍ. قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُم لأَعْرِفَنَّهُمْ، حَتَّى قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَا قَالَ يُوْسُفَ لإِخْوَتِهِ: {لاَ تَثْرِيْبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ، يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ} [يُوْسُفُ: 92] . فَانْفَضَخْتُ حَيَاءً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً أَسْلَمْنَ وَأَزْوَاجُهُنَّ كُفَّارٌ، مِنْهُنَّ بِنْتُ الوَلِيْدِ بنِ المُغِيْرَةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الفَتْحِ، وَهَرَبَ هُوَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ عَمِّهِ بِرِدَائِهِ أَمَاناً لِصَفْوَانَ، وَدَعَاهُ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَنْ يَقْدَمَ، فَإِنْ رَضِيَ أَمْراً، وَإِلاَّ سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَادَاهُ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا جَاءنِي بِرِدَائِكَ، وَدَعَوْتَنِي إِلَى القُدُوْمِ عَلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيْتُ، وَإِلاَّ سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ. فَقَالَ: (انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ) . فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، حَتَّى تُبَيِّنَ لِي. قَالَ: (لَكَ تَسْيِيْرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) . فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ يَسْتَعِيْرُهُ أَدَاةً وَسِلاحاً كَانَ عِنْدَهُ. فَقَالَ: طَوْعاً أَوْ كَرْهاً؟ قَالَ: (لاَ، بَلْ طَوْعاً) . ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ كَافِراً، فَشَهِدَ حُنَيْناً وَالطَّائِفَ كَافِراً، وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَسْلَمَ، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ (2) . وَفِي (مَغَازِي ابْنِ عُقْبَةَ) : فَرَّ صَفْوَانُ عَامِداً لِلْبَحْرِ، وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بنُ وَهْبِ بنِ خَلَفٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَسَأَلَهُ أَمَاناً لِصَفْوَانَ، وَقَالَ: قَدْ هَرَبَ،   (1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 431، 432. (2) أخرجه مالك 2 / 75، 76 في النكاح: باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، وهو من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح، قال ابن عبد البر: وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير، وكذلك الشعبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وَأَخْشَى أَنْ يَهْلِكَ، وَإِنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَ الأَحْمَرَ وَالأَسْوَدَ. قَالَ: (أَدْرِكِ ابْنَ عَمِّكَ، فَهُوَ آمِنٌ (1)) . وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ صَفْوَانَ أَعَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائَةَ دِرْعٍ بِأَدَاتِهَا، فَأَمَرَهُ رَسُوْلُ اللهِ بِحَمْلِهَا إِلَى حُنَيْنٍ، إِلَى أَنْ رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الجِعْرَانَةِ (2) . فَبَيْنَا هُوَ يَسِيْرُ يَنْظُرُ إِلَى الغَنَائِمِ وَمَعَهُ صَفْوَانُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى شِعْبٍ مَلأَى نَعَماً وَشَاءً وَرِعَاءً، فَأَدَامَ النَّظَرَ، وَرَسُوْلُ اللهِ يَرْمُقُهُ، فَقَالَ: (أَبَا وَهْبٍ! يُعْجِبُكَ هَذَا؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (هُوَ لَكَ) . فَقَالَ: مَا طَابَتْ نَفْسُ أَحَدٍ بِمِثْلِ هَذَا، إِلاَّ نَفْسُ نَبِيٍّ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ (3) . وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ رِجَالِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَقْرَضَ مِنْ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَأَقْرَضَهُ. شَرِيْكٌ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمَيَّةَ بنِ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرُعاً، فَهَلَكَ بَعْضُهَا، فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ غَرِمْتُهَا لَكَ) . قَالَ: لاَ، أَنَا أَرْغَبُ فِي الإِسْلاَمِ مِنْ ذَلِكَ (4) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 432. (2) الجعرانة: ماء بين الطائف ومكة، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين، وهي من الحل وقد أحرم منها صلى الله عليه وسلم. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 430، 431 من طريق الواقدي، و" الإصابة " 5 / 145. (4) شريك: سيء الحفظ، وأخرجه أحمد 3 / 401، و6 / 465، وأبو داود (3562) والحاكم 2 / 47، والبيهقي 6 / 89 كلهم من طريق شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية ابن صفوان بن أمية، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد؟ فقال: " لا بل عارية مضمونة " وأخرجه الحاكم أيضا 3 / 48، والبيهقي 6 / 89 من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 الزُّهْرِيُّ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ صَفْوَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، فَمَا زَالَ يُعْطِيْنِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الخَلْقِ إِلَيَّ (1) . وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: اصْطَفَّ سَبْعَةٌ يُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ، وَيُنَادُوْنَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ: عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفِ بنِ وَهْبِ بنِ حُذَافَةَ، وَآبَاؤُهُ. وَقِيْلَ: كَانَ إِلَى صَفْوَانَ الأَزْلاَمُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي جُمَحٍ (2) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَالُوا: إِنَّ صَفْوَانَ بنَ أُمَيَّةَ قَنْطَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، إِلَى أَنْ صَارَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ أَبُوْهُ (3) . قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ. 120 - أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ * (ع) صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   = عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا، مئة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟، فقال: " بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك " قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وهو كما قالا فالحديث صحيح. (1) أخرجه مسلم (2313) في الفضائل، وأحمد 6 / 465، وابن سعد 5 / 449، والترمذي (666) . (2) " الإصابة " 5 / 145، والازلام: السهام التي كان أهل الجاهلية يستقسمون بها، قال الازهري: كانت لقريش مكتوب عليها أمر ونهي، وافعل ولا تفعل، قد زلمت وسويت، ووضعت في الكعبة يقوم بها سدنة البيت، فإذا أراد رجل سفرا أو نكاحا، أتى السادن، فقال: أخرج لي زلما، فيخرجه، وينظر إليه، فإذا خرج قدح الامر، مضى على ما عزم عليه، وإن خرج قدح النهي، قعد عما أراده. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 434. * مسند أحمد: 4 / 106، 193، طبقات ابن سعد: 7 / 416، طبقات خليفة: 305، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 رَوَى عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. وَلَهُ: عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، وَمَكْحُوْلٌ - إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْهُ - وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَآخَرُوْنَ. نَزَلَ الشَّامَ. وَقِيْلَ: سَكَنَ دَارَيَّا. وَقِيْلَ: قَرْيَةَ البَلاَطِ (1) ، وَلَهُ بِهَا ذُرِّيَّةٌ. اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ: فَقِيْلَ: جُرْهُمُ بنُ نَاشِمٍ، قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زَنْجَوَيْهِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: جُرْثُوْمُ بنُ لاَشِرٍ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: جُرْثُوْمُ بنُ عَمْرٍو. وَقَالَ ابْنُ سُمَيْعٍ: اسْمُهُ جُرْثُوْمٌ. وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ (2) : جُرْثُوْمُ بنُ نَاشِرٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: اسْمُهُ جُرْهُمٌ. وَيُقَالُ: جُرْثُوْمُ بنُ نَاشِمٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ نَاشِبٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ عَمْرٍو. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: اسْمُهُ: لاَشِرُ بنُ حِمْيَرٍ، وَاعْتَمَدَهُ الدُّوْلاَبِيُّ.   = الاستبصار: 339، الاستيعاب: 4 / 1618، ابن عساكر: 19 / 1 / 2، أسد الغابة: 6 / 44، تهذيب الكمال: 1589، تهذيب التهذيب: 4 / 2 / 205، تاريخ الإسلام: 3 / 217، العبر: 1 / 85، تهذيب التهذيب: 12 / 51 49، الإصابة: 11 / 54، خلاصة تذهيب الكمال: 446، كنز العمال: 13 / 615، شذرات الذهب: 1 / 82. (1) البلاط: قرية في غوطة دمشق الشرقية ولا تزال إلى الآن عامرة. (2) تحرف في المطبوع إلى عبد الرحمن الأزدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 وَقَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: لاَشُوْمَةُ بنُ جُرْثُوْمَةَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: اسْمُهُ لاَشِقُ بنُ جُرْهُمٍ. قَالَ: وَيُقَالُ: جُرْثُوْمَةُ بنُ نَاشِجٍ. وَيُقَالُ: جُرْهُمٌ. وَقَالَ البَرْدَنْجِيُّ فِي (الأَسْمَاءِ المُفْرَدَةِ) : اسْمُهُ جُرْثُوْمَةُ. وَقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَلاَ يَكَادُ يُعْرَفُ إِلاَّ بِكُنْيَتِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَأَسْهَمَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ. وَأَخُوْهُ: عَمْرُو بنُ جُرْهُمٍ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! اكْتُبْ لِي بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا بِالشَّامِ، لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَئِذٍ. فَقَالَ: (أَلاَ تَسْمَعُوْنَ مَا يَقُوْلُ هَذَا؟) . فَقَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ، لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْهَا. فَكَتَبَ لَهُ بِهَا (2) . وَرَوَاهُ: أَبُو عُبَيْدٍ فِي (الأَمْوَالِ) : حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، نَحْوَهُ. عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّمَشْقِيُّ: عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَا أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ وَكَعْبٌ جَالِسَيْنِ، إِذْ قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: يَا أَبَا   (1) انظر " الإصابة " 7 / 276، ترجمة عمرو بن ثعلبة الخشني. (2) إسناده صحيح وهو في " المسند " 4 / 193، 194، و" المصنف " (8503) و" الاموال ": 349 لأبي عبيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 إِسْحَاقَ! مَا مِنْ عَبْدٍ تَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ اللهِ، إِلاَّ كَفَاهُ اللهُ مَؤُوْنَةَ الدُّنْيَا. قَالَ كَعْبٌ: فَإِنَّ فِي كِتَابِ اللهِ المُنْزَلِ: مَنْ جَعَلَ الهُمَوْمَ هَمّاً وَاحِداً، فَجَعَلَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، كَفَاهُ اللهُ مَا هَمَّهُ، وَضَمِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، فَكَانَ رِزْقُهُ عَلَى اللهِ، وَعَمَلُهُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ فَرَّقَ هُمُوْمَهُ، فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَادٍ هَمّاً، لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّهَا هَلَكَ. قُلْتُ: مِنَ التَّفُرُّغِ لِلْعِبَادَةِ السَّعْيُ فِي السَّبَبِ، وَلاَ سِيَّمَا لِمَنْ لَهُ عِيَالٌ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَفْضَلَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَمْيِنِهِ (1)) . أَمَّا مَنْ يَعْجِزُ عَنِ السَّبَبِ لِضَعْفٍ، أَوْ لِقِلَّةِ حِيْلَةٍ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُ حَظّاً فِي الزَّكَاةِ. ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ - وَهُوَ وَالِدُ أَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوَهْبِيِّ - سَمِعَ أَبَا الزَّاهِرِيَّةِ، سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأَرْجُو أَلاَّ يَخْنُقُنِي اللهُ كَمَا أَرَاكُمْ تُخْنَقُوْنَ. فَبَيْنَا هُوَ يُصَلِّي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قُبِضَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَأَتْ بِنْتُهُ أَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ، فَاسْتَيْقَظَتْ فَزِعَةً، فَنَادَتْ أُمَّهَا: أَيْنَ أَبِي. قَالَتْ: فِي   (1) أخرجه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " من حديث ابن عمر بلفظ " أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور " ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 4 / 61، وفي الباب عن رافع بن خديج عند أحمد 4 / 141، والحاكم 2 / 10 بلفظ: " أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور " وسنده حسن في الشواهد، وعن عائشة عند النسائي 7 / 240، 241 بلفظ: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " وأخرجه الترمذي (1358) وابن ماجه (2137) وأبو داود (3528) وأخرج البخاري 4 / 259 من حديث المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل عن عمل يده ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 مُصَلاَّهُ، فَنَادَتْهُ، فَلَمْ يُجِبْهَا، فَأَنْبَهَتْهُ، فَوَجَدَتْهُ مَيْتاً (1) . قَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ. 121 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَمُرَةَ بنِ حَبِيْبٍ العَبْشَمِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، أَبُو سَعِيْدٍ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الأَمِيْرُ. كَذَا نَسَبَهُ: هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَزَادَ فِي نَسَبِهِ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَعَمُّهُ مُصْعَبٌ، فَقَالاَ: ابْنُ سَمُرَةَ بنِ حَبِيْبِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ. أَسْلَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الفَتْحِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَشْرَافِ. نَزَلَ البَصْرَةَ، وَغَزَا سِجِسْتَانَ أَمِيْراً عَلَى الجَيْشِ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لاَ تَسْأَلِ   (1) ذكره في " الإصابة " 11 / 56. (*) مسند أحمد: 5 / 61، التاريخ لابن معين: 349، طبقات خليفة: 11، 174، تاريخ خليفة: 211، التاريخ الكبير: 5 / 243 242، المعارف: 304، 556، تاريخ الفسوي: 1 / 283، الجرح والتعديل: 5 / 238، المستدرك: 3 / 444، الاستيعاب: 2 / 835، ابن عساكر: 9 / 481 / 1، أسد الغابة: 3 / 454، تهذيب الكمال: 793، تاريخ الإسلام: 2 / 231، العبر: 1 / 55، تهذيب التهذيب: 6 / 191 190، الإصابة: 6 / 284، خلاصة تذهيب الكمال: 228، شذرات الذهب: 1 / 53 و54 و56. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 الإِمَارَةَ (1)) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَحَيَّانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنُ، وَأَخُوْهُ؛ سَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ. وَقِيْلَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ كُلاَلٍ، فَغَيَّرَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. مَاتَ: بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. 122 - وَائِلُ بنُ حُجْرِ بنِ سَعْدٍ أَبُو هُنَيْدَةَ الحَضْرِمِيُّ * (م، 4) أَحَدُ الأَشْرَافِ، كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ. لَهُ: وِفَادَةٌ، وَصُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. وَنَزَلَ العِرَاقَ، فَلَمَّا دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الكُوْفَةَ أَتَاهُ، وَبَايَعَ.   (1) وتمامه " فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك " أخرجه أحمد 5 / 63 والبخاري 13 / 110 في الاحكام: باب من سأل الامارة وكل إليها، و11 / 452 في الايمان و523، ومسلم (1652) في الايمان، وفي الامارة 3 / 1456: باب النهي عن طلب الامارة والحرص عليها، من طريق الحسن البصري حدثنا عبد الرحمن بن سمرة..وأخرجه أبو داود (3277) ، والنسائي 7 / 10 في النذور: باب الكفارة قبل الحنث، والترمذي (1529) وقال: حسن صحيح. (*) مسند أحمد: 4 / 315، و6 / 398، طبقات خليفة: 73، 133، التاريخ الكبير: 8 / 175 - 176، الجرح والتعديل: 9 / 42، الاستيعاب: 4 / 1562، تاريخ ابن عساكر: 17 / 363 / 1، أسد الغابة: 5 / 435، تهذيب الكمال: 1458، مجمع الزوائد: 9 / 373، تهذيب التهذيب: 11 / 108 - 109، الإصابة: 10 / 294، خلاصة تذهيب الكمال: 415. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَلْقَمَةُ (1) وَعَبْدُ الجَبَّارِ، وَوَائِلُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَكُلَيْبُ بنُ شِهَابٍ، وَآخَرُوْنَ.   (1) سماع علقمة من أبيه ثابت، فإنه قد صرح بالتحديث في غير ما حديث عنه خلافا لما قاله الحافظ في " التقريب "، فقد أخرج النسائي في " سننه " 2 / 194: باب رفع اليدين عند الرفع من الركوع: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن قيس بن سليم العنبري، قال: حدثني عقمة بن وائل، قال: حدثني أبي قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده وهكذا، وأشار قيس إلى نحو الاذنين. وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري في " جزء رفع اليدين " حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، أنبأنا قيس بن سليم العنبري قال: سمعت علقمة بن وائل بن حجر، حدثني أبي..وأخرج مسلم في " صحيحه " (401) في الصلاة: باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الاحرام تحت صدره فوق سرته: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة..وأخرج مسلم (1680) في القسامة: باب صحة الاقرار: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا أبو يونس، عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه قال: إني لقاعد ... وقد قال الترمذي في " سننه " بعد أن أخرج حديث علقمة بن وائل، عن أبيه ... (1454) في الحدود: باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنى: هذا حديث حسن غريب صحيح، وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه. ونص البخاري في " التاريخ الكبير " 7 / 41 على أن علقمة بن وائل سمع أباه. وما جاء في " نصب الراية " عن الترمذي في " علله الكبير " قال: سألت محمد بن إسماعيل: هل سمع علقمة من أبيه؟ فقال: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، فإنه وهم وإن صح النقل عنه، فإن البخاري رحمه الله قال ذلك في حق أخيه عبد الجبار كما في " التاريخ الكبير " 6 / 106، 107، والترمذي نفسه يقول عقب الحديث الذي أخرجه في " سننه " (1453) : وسمعت محمدا يقول: عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه ولا أدركه يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر. ونقل أبو داود عن ابن معين كما في " تهذيب التهذيب " أن عبد الجبار مات أبوه وهو حمل. وقال السمعاني في " الأنساب " أبو محمد عبد الجبار بن وائل بن حجر الكندي يروي عن أمه، وعن أبيه وهو أخو علقمة ومن زعم أنه سمع أباه، فقد وهم، لان وائل بن حجر مات وأمه حامل به وضعته بعده بستة أشهر. قلت: وكون عبد الجبار ولد بعد موت أبيه فيه نظر أيضا، فقد = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 وَيُقَالُ: كَانَ عَلَى رَايَةِ قَوْمِهِ يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. وَرَوَى: سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْطَعَهُ أَرْضاً، وَأَرْسَلَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ لِيُعَرِّفَهُ بِهَا. قَالَ: فَقَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَرْدِفْنِي خَلْفَكَ. قُلْتُ: إِنَّكَ لاَ تَكُوْنُ مِنْ أَرْدَافِ المُلُوْكِ. قَالَ: أَعْطِنِي نَعْلَكَ. فَقُلْتُ: انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ. قَالَ: فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَتَيْتُهُ، فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، فَذَكَّرَنِي الحَدِيْثَ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَنِي كُنْتُ حَمَلْتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ (1) . قُلْتُ: رَوَى لَهُ الجَمَاعَةُ سِوَى البُخَارِيِّ. 123 - أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ الحَارِثُ بنُ عَوْفٍ * (ع) صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. سَمَّاهُ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: الحَارِثُ بنُ عَوْفٍ.   = أخرج أبو داود (723) في الصلاة: باب رفع اليدين في الصلاة، والطحاوي 1 / 151 من طريق محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي، قال: فحدثني علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا كبر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يديه في ثوبه، قال: فإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع، رفع يديه ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه حتى فرغ من صلاته، وإسناده صحيح. (1) إسناده حسن من أجل سماك بن حرب وهو في " المسند " 6 / 399 من طريق حجاج، عن شعبة، عن سماك بن حرب به. (*) مسند أحمد: 5 / 217، التاريخ لابن معين: 731، طبقات خليفة: 29، التاريخ الكبير: 2 / 58، الجرح والتعديل: 3 / 82، معجم الطبراني: 3 / 274، المستدرك: 3 / 531، الاستيعاب: 4 / 1774، أسد الغابة: 6 / 325، تهذيب الكمال: 1656، تاريخ = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ (1) : شَهِدَ بَدْراً. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. وَشَهِدَ الفَتْحَ، وَسَكَنَ مَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ. عِدَادُهُ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَعَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ - فِيْمَا قِيْلَ -. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَاشَ نَحْواً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةٍ إِنْ كَانَ شَهِدَ بَدْراً - فَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مَازِنٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ، قَالَ: إِنِّي لأَتْبَعُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِيْنَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَوَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَتَلَهُ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ (3) بنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤْلِيِّ: أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ. قُلْتُ: عَلَى هَذَا يَكُوْنُ أَبُو وَاقِدٍ صَحَابِيَّيْنِ.   = الإسلام: 3 / 106، تهذيب التهذيب: 12 / 271 270، الإصابة: 12 / 88، خلاصة تذهيب الكمال: 462، شذرات الذهب: 1 / 76. (1) جملة " وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم " سقطت من المطبوع. (2) الرجل من مازن مجهول، وبقية رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 89 عن مغازي ابن إسحاق. (3) تحرف في المطبوع إلى " سيار ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَالفَلاَّسُ: تُوُفِّيَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. 124 - مَعْقِلُ بنُ يَسَارٍ المُزَنِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. لَهُ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنِ: النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ، وَمُعَاويَةُ بنُ قُرَّةَ المُزَنِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لاَ نَعْلَمُ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُكْنَى أَبَا عَلِيٍّ سِوَاهُ. مَاتَ: بِالبَصْرَةِ، فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. 125 - مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ ** (4) لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. حَمَلَ لِوَاءَ أَشْجَعَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَهُوَ رَاوِي قِصَّةِ   (*) مسند أحمد: 5 / 25، طبقات خليفة: 37، 176، تاريخ خليفة: 251، التاريخ الكبير: 7 / 391، المعارف: 75، 297، تاريخ الفسوي: 1 / 310، الجرح والتعديل: 8 / 285، المستدرك: 3 / 577، الاستيعاب: 3 / 1432، أسد الغابة: 5 / 232، تهذيب الكمال: 1352، تاريخ الإسلام: 2 / 317، مجمع الزوائد: 9 / 379، تهذيب التهذيب: 10 / 235 - 236، الإصابة: 9 / 259، خلاصة تذهيب الكمال: 383. (* *) مسند أحمد: 3 / 474، 480 طبقات ابن سعد: 4 / 282، تاريخ خليفة: 250، التاريخ الكبير: 7 / 391، المعارف: 298، تاريخ الفسوي: 1 / 310، الجرح والتعديل: = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 بَرْوَعٍ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: مَسْرُوْقٌ، وَعَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَانَ يَكُوْنُ بِالكُوْفَةِ، فَوَفَدَ عَلَى يَزِيْدَ، فَرَأَى مِنْهُ أُمُوْراً مُنْكَرَةً، فَسَارَ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَخَلَعَ يَزِيْدَ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الحَرَّةِ. قِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو سِنَانٍ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ. أُسِرَ، فَذُبِحَ صَبْراً يَوْمَ الحَرَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. قُتِلَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.   = 3 / 1431، تاريخ ابن عساكر: 17 / 6 / 2، أسد الغابة: 5 / 230، تهذيب الكمال: 1352، العبر: 1 / 68 تهذيب التهذيب: 10 / 233 - 234، الإصابة: 9 / 256، خلاصة تذهيب الكمال: 383، شذرات الذهب: 1 / 71. (1) أخرج أحمد (4099) و (4100) و (4276) وأبو داود (2114) و (2115) و (2116) والنسائي 6 / 121، 123 في النكاح: باب إباحة التزوج بغير صداق، والترمذي (1145) في الرضاع: باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، وابن ماجه (1891) في النكاح من طريق الشعبي عن مسروق، عن عبد الله في رجل تزوج امرأة، فمات عنها، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملا، وعليها العدة، ولها الميراث. فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق. وإسناده صحيح، وفي رواية: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا، مثل الذي قضيت به، ففرح بها ابن مسعود. وصححه الترمذي، وابن حبان (1263) و (1264) والحاكم 2 / 180 ووافقه الذهبي، وفي القاموس: بروع كجرول، ولا يكسر، وتعقبه الشارح بقوله: وقد جزم أكثر المحدثين بصحة الكسر، ورووه هكذا سماعا. سير 2 / 37 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 126 - أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ. اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ جَمَّةٍ، أَرْجَحُهَا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ. وَقِيْلَ: ابْنُ غَنْمٍ. وَقِيْلَ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ شَمْسٍ، وَعَبْدَ اللهِ. وَقِيْلَ: سَكِيْنٌ. وَقِيْلَ: عَامِرٌ. وَقِيْلَ: بَرِيْرٌ. وَقِيْلَ: عَبْدُ بنُ غَنْمٍ. وَقِيْلَ: عَمْرٌو. وَقِيْلَ: سَعِيْدٌ. وَكَذَا فِي اسْمِ أَبِيْهِ أَقْوَالٌ. قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: هُوَ عُمَيْرُ بنُ عَامِرِ بنِ ذِي الشَّرَى بنِ طَرِيْفِ بنِ عَيَّانَ بنِ أَبِي صَعْبٍ بنِ هُنَيَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سُلَيْمِ بنِ فَهْمِ بنِ غَنْمِ بنِ دَوْسِ بنِ عُدْثَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَهْرَانَ بنِ كَعْبِ بنِ الحَارِثِ بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ نَصْرِ بنِ الأَزْدِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَالَهُ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ فِي نَسَبِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَتَّابٌ فِي عَيَّانَ، وَقَالَ: مُنَبِّهٌ فِي هُنَيَّةَ.   (*) مسند أحمد: 2 / 228 و5 / 114، طبقات ابن سعد: 2 / 362 - 364 و4 / 325 341، طبقات خليفة: 114، تاريخ خليفة: 225، 227، المعارف: 277، 278، 285، تاريخ الفسوي: 1 / 486 و3 / 160، 161، 162، أخبار القضاة: 1 / 111، 112، المستدرك: 3 / 514 506، الاستبصار: 291، الاستيعاب: 4 / 1768، حلية الأولياء: 1 / 385 376، ابن عساكر: 19 / 105 / 1، جامع الأصول: 9 / 95، أسد الغابة: 6 / 318، تهذيب الكمال: 1654، تاريخ اإسلام: 2 / 333، 339، العبر: 1 / 63، معرفة القراء: 40، البداية والنهاية: 8 / 103، 115، مجمع الزوائد: 9 / 361، طبقات القراء: 1 / 371، 372، تهذيب التهذيب: 12 / 267 262، الإصابة: 12 / 63، خلاصة تذهيب الكمال: 462، شذرات الذهب: 1 / 63. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 وَيُقَالُ: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ شَمْسٍ، أَبُو الأَسْوَدِ، فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ، وَكَنَّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ. وَالمَشْهُوْرُ عَنْهُ: أَنَّهُ كُنِيَ بِأَوْلاَدِ هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ. قَالَ: وَجَدْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا فِي كُمِّي، فَكُنِيْتُ بَذَلِكَ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأُمُّهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - هِيَ: مَيْمُوْنَةُ بِنْتُ صَبِيْحٍ. حَمَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، لَمْ يُلْحَقْ فِي كَثْرَتِهِ، وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُسَامَةَ، وَعَائِشَةَ، وَالفَضْلِ، وَبَصْرَةَ بنِ أَبِي بَصْرَةَ، وَكَعْبٍ الحَبْرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ. فَقِيْلَ: بَلَغَ عَدَدُ أَصْحَابِهِ ثَمَانِ مائَةٍ، فَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (التَّهْذِيْبِ) ، فَذَكَرَ مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي كُتُبِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَهُمْ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ الزُّهْرِيُّ - وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ - وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ، وَأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ، وَأَغَرُّ بنُ سُلَيْكٍ، وَالأَغَرُّ أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَنَسُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَوْسُ بنُ خَالِدٍ. وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ، وَبَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ، وَبَعْجَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ فَيْرُوْزٍ. وَثَابِتُ بنُ عِيَاضٍ (1) ، وَثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ، وَثَوْرُ بنُ عُفَيْرٍ. وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَجَبْرُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عِيَاضٍ، وَجُمْهَانُ   (1) تحرف في المطبوع إلى " عباس ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 الأَسْلَمِيُّ، وَالجُلاَسُ. وَالحَارِثُ بنُ مُخَلَّدٍ، وَحُرَيْثُ بنُ قَبِيْصَةَ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ اللَّجْلاَجِ - وَيُقَالُ: خَالِدٌ، وَيُقَالُ: قَعْقَاعٌ - وَحُصَيْنُ بنُ مُصْعَبٍ، وَحَفْصُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسٍ، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحُكَيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحُمَيْدُ بنُ مَالِكٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَحَيَّانُ بنُ بِسْطَامَ وَالِدُ سُلَيْمٍ. وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَالِدُ بنُ غِلاَقٍ، وَخَبَّابٌ صَاحِبُ (المَقْصُوْرَةِ) ، وَخِلاَسٌ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَذُهَيْلُ بنُ عَوْفٍ. وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ، وَرُمَيْحٌ الجُذَامِيُّ. وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى، وَزُفَرُ بنُ صَعْصَعَةَ - بِخُلْفٍ - وَزِيَادُ بنُ ثُوَيْبٍ، وَزِيَادُ بنُ رِيَاحٍ، وَزِيَادُ بنُ قَيْسٍ، وَزِيَادٌ الطَّائِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ. وَسَالِمٌ العُمَرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَسَالِمٌ أَبُو الغَيْثِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنَ (1) ، وَسُحَيْمٌ الزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ حَيَّانَ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَمْعَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْدَقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَرْجَانَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ، وَسَلْمَانُ (2)   (1) تصحف في المطبوع إلى " البصرين ". (2) تحرف في المطبوع إلى " سليمان ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 الأَغَرُّ، وَسَلَمَةُ بنُ الأَزْرَقِ، وَسَلَمَةُ اللَّيْثِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سِنَانٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسِنَانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ. وَشُتَيْرٌ - وَقِيْلَ: سُمَيْرُ - بنُ نَهَارٍ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَشُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَشُفَيُّ بنُ مَاتِعٍ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ. وَصَالِحُ بنُ دِرْهَمٍ، وَصَالِحُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مَالِكٍ، وَصُهَيْبٌ العُتْوَارِيُّ. وَالضَّحَّاكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَرْزَمٍ، وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ (1) . وَطَارِقُ بنُ مَحَاسِنَ (2) ، وَطَاوُوْسٌ اليَمَانِيُّ. وَعَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ البَجَلِيُّ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ. وَعَبَّادٌ أَخُوْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَبَّاسٌ الجُشَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ رَافِعٍ الحَضْرَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ضَمْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ ابْنِ عُمَرَ عُبَيْدُ اللهِ - وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّوْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ   (1) تصحف في المطبوع إلى جوش بالشين المعجمة، فقد التبست على المحقق علامة الاهمال المثبتة فوق السين هكذا كقلامة الظفر مضجعة على قفاها، فظنها النقط الثلاث التي تثبت فوق الشين، فكتبها " جوش ". (2) وقيل: مخاشن، بمعجمتين وضم أوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 الهُذَلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدٍ القَارِّيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَامِيْنَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سَالِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ آدَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أُذَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُجَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَدْرَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ مَوْلَى الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الصَّامِتِ، وَابْنُ الهَضْهَاضِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ وَالِدُ السُّدِّيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَعْقُوْبَ الحُرَقِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - بِخُلْفٍ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ يَسَارٍ. وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ النَّبَوِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَعُبَيْدُ بنُ سَلْمَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبِيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ. وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سَوْدَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ شَمَّاسٍ - بِخُلْفٍ - وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ. وَعَجْلاَنُ وَالِدُ مُحَمَّدٍ، وَعَجْلاَنُ مَوْلَى المُشْمَعِلِّ. وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بنُ تَمِيْمٍ. وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعَطَاءُ بنُ مِيْنَا، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، وَعَطَاءٌ الزَّيَّاتُ - إِنْ صَحَّ -. وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ - وَمَا أَظُنُّهُ لَحِقَهُ - وَعِكْرِمَةُ العَبَّاسِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ بَجَالَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَلِيُّ بنُ شَمَّاخٍ - إِنْ صَحَّ -. وَعَمَّارُ بنُ أَبِي عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَعُمَارَةُ - وَقِيْلَ: عَمْرُو - بنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 وَعُمَرُ بنُ خَلْدَةَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمِ بنِ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عُمَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ قُهَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ. وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُ عَائِشَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ زِيَادٍ العَدَوِيُّ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ. وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَقَسَامَةُ بنُ زُهَيْرٍ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ. وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَكَعْبٌ المَدَنِيُّ، وَكُلَيْبُ بنُ شِهَابٍ، وَكُمَيْلُ بنُ زِيَادٍ، وَكِنَانَةُ مَوْلَى صَفِيَّةَ. وَمَالِكُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، وَمُجَاهِدٌ. وَالمُحَرَّرُ بنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ القَرَظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ - بِخُلْفٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ. وَمَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، وَمُضَارِبُ بنُ حَزْنٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَالمُطَوِّسُ - وَيُقَالُ: أَبُو المُطَوِّسِ - وَمَعْبَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِشَامٍ وَالِدُ زُهْرَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَمَكْحُوْلٌ - وَلَمْ يَرَهُ - وَالمُنْذِرُ أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، وَمُوْسَى بنُ يَسَارٍ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَمِيْنَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، وَنَافِعُ بنُ عَبَّاسٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَنَافِعُ بنُ أَبِي نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ سُفْيَانَ، وَنُعَيْمٌ المُجَمِّرُ، وَهَمَّامُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَهِلاَلُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ أَبِي سِنَانٍ. وَوَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدُ بنُ رَبَاحٍ. وَيَحْيَى بنُ جَعْدَةَ، وَيزَيْدُ بنُ الأَصَمِّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَيَحْيَى بنُ النَّضْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمُرَ، وَيَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ وَالِدُ إِدْرِيْسَ، وَيَزِيْدُ بنُ هُرْمُزَ، وَيَزِيْدُ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ، وَيَعْلَى بنُ مُرَّةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ. وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ المَرَاغِيُّ. وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو تَمِيْمَةَ الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ الأَزْدِيُّ. وَأَبُو جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ - فَإِنْ كَانَ البَاقِرَ فَمُرْسَلٌ - وَأَبُو الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ البَجَلِيُّ، وَأَبُو الحَكَمِ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَأَبُو حُمَيْدٍ - فَيُقَالُ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ المُقْعَدُ - وَأَبُو حَيٍّ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو خَالِدٍ البَجَلِيُّ وَالِدُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ. وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ المَدَنِيُّ، وَأَبُو رَزِيْنٍ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ البَجَلِيُّ، وَأَبُو زَيْدٍ. وَأَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ الخَيْرُ - حِمْصِيٌّ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ - وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي المُعَلَّى، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ (2) ، وَأَبُو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ   (1) تحرف في المطبوع إلى " خيثمة ". (2) سقط من المطبوع وأبو سعيد الأزدي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو السَّلِيْلِ القَيْسِيُّ (1) ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ. وَأَبُو صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الخُوْزِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى ضُبَاعَةَ، وَأَبُو الصَّلْتِ، وَأَبُو الضَّحَّاكِ. وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القَرَّاظُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى الجُنْدَعِيِّيْنَ، وَأَبُو عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ مَوْلَى أُمِّ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، وَأَبُو عُثْمَانَ التَّبَّانُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ آخَرُ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو عُمَرَ الغُدَانِيُّ، وَأَبُو غَطَفَانَ المُرِّيُّ. وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ - مُرْسَلٌ - وَأَبُو كِبَاشٍ العَيْشِيُّ (2) ، وَأَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ. وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبُو مُدِلَّةَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو مَرْيَمَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو مُزَاحِمٍ - مَدَنِيٌّ - وَأَبُو مُزَرِّدٍ، وَأَبُو المُهَزِّمِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو مَيْمُوْنَةَ - مَدَنِيٌّ -. وَأَبُو هَاشِمٍ الدَّوْسِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَأَبُو يَحْيَى مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، وَأَبُو يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، هُوَ وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنُ حَسَنَةَ (3) الجُهَنِيُّ، وَابْنُ سِيْلاَنَ، وَابْنُ مُكَرِّزٍ - شَامِيٌّ - وَابْنُ وَثِيْمَةَ النَّصْرِيُّ. وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ الحَسْحَاسِ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى.   (1) هو ضريب بن نفير القيسي الجريري ثقة من رجال مسلم وقد تحرف في المطبوع إلى " العبسي ". (2) تصحف في المطبوع إلى " العبسي " وأبو كباش هذا هو راوي حديث " نعمت الاضحية الجذع من الضأن " عن أبي هريرة، أخرجه الترمذي (1499) . (3) تحرف في المطبوع إلى " جهينة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 قَالَ البُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ ثَمَانُ مائَةٍ أَوْ أَكْثَرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَقْدَمُهُ وَإِسْلاَمُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، عَامَ خَيْبَرَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، فَبَاعُوْهَا مِنْ عَمْرِو بنِ مِرْبَعٍ (1) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ لُبَيْنَةَ (2) : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَبْيَضَ، لَيِّناً، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ. وَقَدْ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ. فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتِ الحَسْحَاسِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَقُوْلُ: (ثَلاَثٌ هُنَّ كُفْرٌ: النِّيَاحَةُ، وَشَقُّ الجَيْبِ، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ) (3) .   (1) ابن عساكر 19 / 108 / 2. (2) لبينة بالنون: وهو عبد الرحمن بن نافع بن لبينة مترجم في " الجرح والتعديل " 5 / 294، وقد تصحف فيه إلى " لبينة ". (3) هو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 105 / 2، ومحمد بن كثير هو الصنعاني كثير الخطأ، وباقي رجاله ثقات، وأخرج مسلم في " صحيحه " (67) في الايمان: باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة من حديث ابي هريرة مرفوعا: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت " والنياحة: رفع صوت بالندب، والندب: تعداد شمائل الميت بأن يقول: واكهفاه واجبلاه، وهو حرام وإن لم يكن معه بكاء. وأخرج البخاري 3 / 123 في الجنائز، ومسلم (103) في الايمان من حديث ابن مسعود مرفوعا " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ". وأخرج مسلم في " صحيحه " (934) من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الاحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ شَمْسٍ - قَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ - وَقَالَ: هَذِهِ دِلاَلَةٌ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَبْدَ شَمْسٍ. وَهُوَ أَحْسَنُ إِسْنَاداً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ اسْمَانِ قَبْلُ. عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ المُحَرَّرِ، قَالَ: كَانَ اسْمُ أَبِي: عَبْدَ عَمْرٍو بنَ عَبْدِ غَنْمٍ (1) . وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: هَذَا أَوْقَعُ الرِّوَايَاتِ عِنْدِي عَلَى القَلْبِ، وَاعْتَمَدَهُ النَّسَائِيُّ (2) . أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ (3) . أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لاَ تُكْنُوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، كَنَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا هِرٍّ، فَقَالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا هِرٍّ) ، وَالذَّكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى (4) . وَعَنْ كَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوْنِي: أَبَا هِرٍّ (5) . رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ: قُلْتُ لأَبِي   (1) ابن عساكر 19 / 107 / 1. (2) ابن عساكر 19 / 107 / 1. (3) ابن عساكر 19 / 107 / 2. (4) ابن عساكر 19 / 109 / 2. (5) " المستدرك " 3 / 506. وابن عساكر 19 / 109 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 هُرَيْرَةَ: لِمَ كَنَّوْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي؟ قُلْتُ: بَلَى، إِنِّي لأَهَابُكَ. قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَماً لأَهْلِي، فَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ أَلْعَبُ بِهَا، فَكَنَّوْنِي بِهَا (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ لُبَيْنَةَ الطَّائِفِيِّ: أَنَّهُ وَصَفَ لِي أَبَا هُرَيْرَةُ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلاً آدَمَ، بَعِيْدَ المَنْكِبَيْنِ، أَفْرَقَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ذَا ضَفِيْرَتَيْنِ (2) . وَقَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: أَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُخْشَوْشِناً؟ قَالَ: بَلْ كَانَ لَيِّناً، وَكَانَ أَبْيَضَ، لِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ، يَخْضِبُ (3) . وَرَوَى: أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِمَّنْ أَنْتَ؟) . قُلْتُ: مِنْ دَوْسٍ. قَالَ: (مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ (4)) . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ. هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ المُسَيِّبِ (5) . وَرَوَى عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: جِئْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ بَعْدَ مَا فَرَغُوْا مِنَ القِتَالِ (6) .   (1) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (3840) في المناقب، وابن سعد 4 / 329، وابن عساكر 19 / 109 / 1 من حديث عبد الله بن رافع، وحسنه الترمذي، والحافظ في " الإصابة " في ترجمة أبي هريرة من طريق يونس بن بكير، عن أبي إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي، عن أبي هريرة ... (2) ابن عساكر 19 / 110 / 1. (3) ابن عساكر 19 / 110 / 1. (4) ابن عساكر 19 / 109 / 2 و110 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 103 عن أبي داود الطيالسي وغير واحد، عن أبي خلدة خالد بن دينار، عن أبي العالية. ورجاله ثقات. (5) ابن عساكر 19 / 110 / 1. (6) ابن عساكر 19 / 110 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 103 عن عبد الرزاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 الدَّرَاوَرْدِيُّ: حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بنُ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، وَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ مُهَاجِراً، فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ خَلْفَ سِبَاعِ بنِ عُرْفُطَةَ، كَانَ اسْتَخْلَفَهُ، فَقَرَأَ فِي السَّجْدَةِ الأُوْلَى: بِسُوْرَةِ مَرْيَمَ، وَفِي الآخِرَةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ*. فَقُلْتُ: وَيْلٌ لأَبِي، قَلَّ رَجُلٌ كَانَ بِأَرْضِ الأَزْدِ إِلاَّ وَكَانَ لَهُ مِكْيَالاَنِ، مِكْيَالٌ لِنَفْسِهِ، وَآخَرُ يَبْخَسُ بِهِ النَّاسَ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ (2) . وَأَمَّا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: صَحِبَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ.   (1) إسناده قوي، وأخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 3 / 160 من طريق سعيد بن أبي مريم، عن الدراوردي، ونقله عنه ابن كثير في " البداية " 8 / 104، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 327، 328 من طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي، عن وهيب، وحدثنا خثيم ابن عراك بن مالك، عن أبيه، عن نفر من قومه، وفي " الإصابة " (3074) في ترجمة سباع بن عرفطة الغفاري: روى ابن خزيمة، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 18، والطحاوي من طريق خثيم بن عراك، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف على المدينة سباع بن عرفطة، فشهدنا معه الصبح، وجهرنا، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر. وانظر " الفتح " 7 / 356، وأخرج البزار فيما ذكره صاحب " المجمع " 7 / 135 من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل سباع بن عرفطة على المدينة، فقرأ: (ويل للمطففين) فقلت: هلك فلان، له صاعان: صاع يعطي به وصاع يأخذ به. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن مسعود المجدري وهو ثقة. (2) أخرجه أحمد 2 / 475 من طريق يحيى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي هريرة. وأخرجه يعقوب بن سفيان 3 / 161 عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم ... وأخرجه أيضا عن الحميدي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن قيس ... (3) أخرجه يعقوب بن سفيان 3 / 161 عن سعيد بن منصور، عن أبي عوانة، عن داود بن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 وَهَذَا أَصَحُّ، فَمِنْ فُتُوْحِ خَيْبَرَ إِلَى الوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ وَلَيَالٍ. وَقَدْ جَاعَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاحْتَاجَ، وَلَزِمَ المَسْجِدَ. وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ مَعَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ (1) . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ القَبْرِ وَالمِنْبَرِ مِنَ الجُوْعِ، حَتَّى يَقُوْلُوا: مَجْنُوْنٌ (2) . هِشَامٌ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَتَمَخَّطَ، فَمَسَحَ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَالمِنْبَرِ مَغْشِيّاً عَلَيَّ مِنَ الجُوْعِ، فَيَمُرُّ الرَّجُلُ، فَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِي، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُوْلُ: لَيْسَ الَّذِي تَرَى، إِنَّمَا هُوَ الجُوْعُ (3) .   = عبد الله الاودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميدي حدثهم قال: لقيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحبه أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 327 من طريق يعقوب بن إسحاق، وسعيد بن منصور، عن أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الاودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: صحب أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين. (1) أخرجه البخاري 5 / 117 في العتق: باب إذا قال لعبده: هو لله، ونوى العتق والاشهاد بالعتق، من طريق عبيد الله بن سعيد، عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق: يا ليلة من طولها وعنائها * على أنها من دارة الكفر نجت قال: وأبق مني غلام لي في الطريق، قال: فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فبينا أنا عنده، إذ طلع الغلام، فقال لي: يا أبا هريرة، هذا غلامك، فقلت: هو حر لوجه الله، فأعتقته. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 325، 326. (2) " حلية الأولياء " 1 / 378. (3) أخرجه البخاري 13 / 258 في الاعتصام: باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم ... ، والترمذي (2367) في الزهد: باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن سعد في " الطبقات " 4 / 327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 قُلْتُ: كَانَ يَظُنُّهُ مَنْ يَرَاهُ مَصْرُوْعاً، فَيْجْلِسُ فَوْقَهُ لِيَرْقِيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي الصُّفَّةِ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ بِتَمْرٍ عَجْوَةٍ، فَكُنَّا نَقْرِنُ التَّمْرَتَيْنِ مِنَ الجُوْعِ، وَكَانَ أَحَدُنَا إِذَا قَرَنَ، يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: قَدْ قَرَنْتُ، فَاقْرِنُوا (1) . عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوْعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوْعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ عَلَى طَرِيْقِهِمْ، فَمَرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا أَسْأَلُهُ إِلاَّ لِيَسْتَتْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ عُمَرُ، فَكَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي مِنَ الجُوْعِ، فَقَالَ: (أَبُو هُرَيْرَةَ) . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ البَيْتَ، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: (مِنْ أَيْنَ لَكُم هَذَا؟) . قِيْلَ: أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكَ فُلاَنٌ. فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ (2) ، فَادْعُهُمْ) . وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافَ الإِسْلاَمِ، لاَ أَهْلَ وَلاَ مَالَ، إِذَا أَتَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةٌ، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئاً، وَإِذَا جَاءتْهُ هَدِيَّةٌ أَصَابَ مِنْهَا، وَأَشْرَكَهُمْ فِيْهَا،   (1) أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1350) من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي هريرة. وعطاء بن السائب قد اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد الاختلاط، وذكره الحافظ في الفتح 9 / 494 في الاطعمة عن ابن حبان، وسكت عليه، وهو في " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 111 / 1. (2) الصفة: كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يكون فيها فقراء المهاجرين، ومن لا منزل له منهم، وأهلها منسوبون إليها. وكان أهل الصفة يقومون بفروض عظيمة، منها تلقي القرآن والسنة، فكانت الصفة مدرسة الإسلام، ومنها حراسة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الاستعداد لتنفيذ أوامره وحاجاته في طلب من يريد طلبه من المسلمين وغير ذلك، وكانوا قائمين بهذه الفروض عن المسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 فَسَاءنِي إِرْسَالُهُ إِيَّايَ، فَقُلْتُ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيْبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شُرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُجِيْبِيْنَ. فَلَمَّا جَلَسُوا، قَالَ: (خُذْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَأَعْطِهِمْ) . فَجَعَلْتُ أُعْطِي الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى جَمِيْعِهِمْ، وَنَاوَلْتُهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ مُتَبَسِّماً، وَقَالَ: (بَقِيْتُ أَنَا وَأَنْتَ) . قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (فَاشْرَبْ) . فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: (اشْرَبْ) . فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُوْلُ: (اشْرَبْ) ، فَأَشْرَبُ، حَتَّى قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغاً. فَأَخَذَ، فَشَرِبَ مِنَ الفَضْلَةِ (1) . القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ يَوْماً مِنْ بَيْتِي إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَدْتُ نَفَراً، فَقَالُوا: مَا أَخْرَجَكَ؟ قُلْتُ: الجُوْعُ. فَقَالُوا: وَنَحْنُ -وَاللهِ- مَا أَخْرَجَنَا إِلاَّ الجُوْعُ. فَقُمْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: (مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ) . فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا بِطَبَقٍ فِيْهِ تَمْرٌ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَتَيْنِ، فَقَالَ: (كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ، وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ المَاءِ، فَإِنَّهُمَا سَتَجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا) . فَأَكَلْتُ تَمَرَّةً، وَخَبَّأْتُ الأُخْرَى، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لِمَ رَفَعْتَهَا؟) .   (1) أخرجه البخاري 11 / 241، 246 في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأحمد 2 / 515، والترمذي (2477) في صفة القيامة: باب (36) من طريق عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة. وهو في تاريخ ابن عساكر 19 / 111. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 قُلْتُ: لأُمِّي. قَالَ: (كُلْهَا، فَسَنُعْطِيْكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ (1)) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيُّ - وَاسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَاللهِ مَا خَلَقَ اللهُ مُؤْمِناً يَسْمَعُ بِي إِلاَّ أَحَبَّنِي. قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وَكُنْتُ أَدْعُوْهَا إِلَى الإِسْلاَمِ، وَكَانَتْ تَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَنَا أَبْكِي، فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) . فَخَرَجْتُ أَعْدُوا، أُبَشِّرُهَا، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا البَابُ مُجَافٍ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، وَسَمِعَتْ حِسِّي، فَقَالَتْ: كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ فَتَحَتْ، وَقَدْ لَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. وَقَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الحُزْنِ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا (2)) . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. الجُرَيْرِيُّ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطُّفَاوِيِّ، قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِالمَدِيْنَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيْراً، وَلاَ   (1) رجاله ثقات خلا والد محمد بن هلال فقد وثقه ابن حبان، وروى عنه ابنه محمد وخالد ابن سعيد بن أبي مريم، ومع ذلك فقد قال الذهبي: لا يعرف، وهو في طبقات ابن سعد 4 / 328، 329. وابن عساكر في " تاريخه " 19 / 111 / 2. (2) أخرجه أحمد 2 / 219، 220، ومسلم (2491) في فضائل الصحابة، وسنده حسن كما قال المصنف من أجل عكرمة بن عمار. وهو في تاريخ دمشق 19 / 112 / 2. سير 2 / 38 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ نَوَىً - أَوْ حَصَىً - أَسْفَلُ مِنْهُ سَوْدَاءُ، فَيُسَبِّحُ، وَيُلْقِي إِلَيْهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا، أَلْقَى إِلَيْهَا الكِيْسَ، فَأَوْعَتْهُ فِيْهِ، ثُمَّ نَاوَلَتْهُ، فَيُعِيْدُ ذَلِكَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّرَ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا هُرَيْرَةَ مُؤَذِّناً (2) . وَكَانَ حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ الخَارِقُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟) . قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ. فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيْثَهُ، قَالَ: (اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ) . فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفاً مِمَّا حَدَّثَنِي (3) . ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعِيْدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُوْلُوْنَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْلُوْنَ: مَا   (1) أخرجه أحمد 2 / 540، 541، وأبو داود (2174) في النكاح: باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته من أهله. وأخرجه ابن عساكر 19 / 113 / 1. وإسناده ضعيف لجهالة الطفاوي فإنه لا يعرف، وقد أخطأ مؤلف " دفاع عن أبي هريرة " فصححه ص 63. (2) ابن عساكر 19 / 113 / 2. (3) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 381، وهو في تاريخ ابن عساكر 19 / 113 / 2، والنمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 لِلْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُوْنَ مِثْلَهُ؟ وَإِنَّ إِخْوَانِي المُهَاجِرِيْنَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً مِنْ مَسَاكِيْنِ الصُّفَّةِ، أَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِيْنَ يَغِيْبُوْنَ، وَأَعِي حِيْنَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ يُحَدِّثُهُ يَوْماً: (إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِي جَمِيْعَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلاَّ وَعَى مَا أَقُوْلُ) . فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى مَقَالَتَهُ، جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيْتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ (1) . الزُّهْرِيُّ أَيْضاً: عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: تَزْعُمُوْنَ أَنِّي أُكْثِرُ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللهُ المَوْعِدُ - إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِيْناً، أَصْحَبُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنَا يَوْماً، وَقَالَ: (مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْسَ شَيْئاً سَمِعَ مِنِّي أَبَداً) . فَفَعَلْتُ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا نَسِيْتُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ (2) . وَالحَدِيْثَانِ: صَحِيْحَانِ، مَحْفُوْظَانِ (3) .   (1) أخرجه البخاري 4 / 247 في البيوع: باب ما جاء في قول الله عزوجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (2492) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي هريرة من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 330، وابن عساكر 19 / 114. والصفق في البيع: صوت وقع يد البائع على يد المشتري عند عقد التبايع. (2) أخرجه البخاري 1 / 190 و5 / 21 و13 / 271، ومسلم (2294) من طريق الزهري، عن الاعرج، عن أبي هريرة. (3) وقال: الحافظ في " الفتح " 1 / 104 بعد أن ذكر الاسنادين: والاسنادان جميعا محفوظان صححهما الشيخان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُضَرَ مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ، إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَالِصاً مِنْ نَفْسِهِ (1)) . أَبُو الأَحْوَصِ: عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءٌ مِنَ العِلْمِ (2)) . ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِعَاءيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُوْمُ (3) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 373، والبخاري 1 / 173 في العلم: باب الحرص على الحديث و11 / 385 في الرقاق من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 330، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 115 / 2 وقوله " خالصا " قال الحافظ: احتراز من المنافق ومعنى " أفعل " في قوله: " أسعد " الفعل لا أنها أفعل التفضيل، أي: سعيد الناس، كقوله تعالى: (وأحسن مقيلا) . ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لاراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها، فظن الاشتراك في السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " وزيد العمي ضعيف. (3) أخرجه البخاري 1 / 192، 193 في العلم: باب حفظ العلم من طريق إسماعيل بن أبي = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ (1) . مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: رُبَّ كِيْسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْتَحْهُ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ- (2) . قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى جَوَازِ كِتْمَانِ بَعْضِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُحَرِّكُ فِتْنَةً فِي الأُصُوْلِ أَوِ الفُرُوْعِ، أَوِ المَدْحِ وَالذَّمِّ، أَمَا حَدِيْثٌ يَتَعَلَّقُ بِحِلٍّ أَوْ حَرَامٍ فَلاَ يَحِلُّ كِتْمَانُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى. وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : قَوْلُ الإِمَامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ، أَتُحِبُّوْنَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ (3) . وَكَذَا لَوْ بَثَّ أَبُو هُرَيْرَةَ   = أويس، عن أبي بكر عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 16 / 1. وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم. وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة. وقال ابن المنير: جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة بقوله: قطع، أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الاحكام الشرعية ما وسعه كتمانها. (1) تاريخ دمشق 19 / 116 / 2. (2) تاريخ دمشق 19 / 116 / 2. (3) أخرجه البخاري 1 / 199 في العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا، دون قوله: " ودعوا ما ينكرون " وهي عند آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له. قال الحافظ في " الفتح ": وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1 / 11. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 ذَلِكَ الوِعَاءَ، لأُوْذِيَ، بَلْ لَقُتِلَ، وَلَكِنَّ العَالِمَ قَدْ يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ يَنْشُرَ الحَدِيْثَ الفُلاَنِيَّ إِحْيَاءً لِلسُّنَّةِ، فَلَهُ مَا نَوَى، وَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ غَلِطَ فِي اجْتِهَادِهِ. رَوَى: عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ مَرْوَانَ زَمَنَ هُوَ عَلَى المَدِيْنَةِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: ارْوِ كَمَا رَوَيْنَا. فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ، تَغَفَّلَهُ مَرْوَانُ، وَأَقْعَدَ لَهُ كَاتِباً ثَقِفاً، وَدَعَاهُ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُ، وَيَكْتُبُ ذَاكَ الكَاتِبُ حَتَّى اسْتَفْرَغَ حَدِيْثَهُ أَجْمَعَ. ثُمَّ قَالَ مَرْوَانُ: تَعْلَمُ أَنَّا قَدْ كَتَبْنَا حَدِيْثَكَ أَجْمَعَ. قَالَ: وَقدْ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْرَؤُوْهُ عَلَيَّ. فَقَرَؤُوْهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ، وَإِنْ تُطِعْنِي تَمْحُهُ. قَالَ: فَمَحَاهُ (1) . سَمِعَهُ: هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، مِنْهُ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَأَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيْرِ، وَأَنَا أَكْتُبُ، حَتَّى إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ، دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلاَ نَقَصَ، وَلاَ قَدَّمَ وَلاَ أَخَّرَ (2) . قُلْتُ: هَكَذَا فَلْيَكُنِ الحِفْظُ.   (1) رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 509، 510، وابن عساكر 19 / 116 / 2. (2) أبوالزعيزعة لا يعرف، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 3 / 510، وأقره الذهبي، وهو في تاريخ دمشق 19 / 116 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيْثَ فِي دَهْرِهِ (1) . الوَلِيْدُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: تَوَاعَدَ النَّاسُ لَيْلَةً إِلَى قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ مُعَاوِيَةَ، فَاجْتَمَعُوا فِيْهَا، فَقَامَ فِيْهِم أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ (2) . كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْفَظَ لِحَدِيْثِهِ مِنِّي (3) . سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي عَنْهُ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ (4) .   (1) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1. (2) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1. (3) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1. (4) أخرجه البخاري 1 / 184 في العلم: باب كتابة العلم. وعمرو: هو ابن دينار المكي. وهو في تاريخ ابن عساكر 19 / 117 / 1. وهذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان يجزم بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة. وقد قال العلماء: إن السبب فيه من جهات، أحدها: أن عبد اله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلت الرواية عنه. ثانيها: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مئة نفس من التابعين. ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى ما يحدثه به. رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَقِيَ كَعْباً، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَيَسْأَلُهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يَقْرَأِ التَّوْرَاةَ أَعْلَمَ بِمَا فِيْهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) . حَمَّادُ بنُ شُعَيْبٍ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ. فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ بَيْنَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ نَدْعُو، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ، وَقَالَ: (عُوْدُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ) . قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَرَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلاَكَ، وَأَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) . فَقُلْنَا: وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. فَقَالَ: (سَبَقَكُمَا بِهَا الدَّوْسِيُّ) . أَخْرَجَهُ: الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ (2)) . لَكِنْ حَمَّادٌ ضَعِيْفٌ. سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، سَمِعَ عُمَرَ يَقُوْلُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) إسناده ضعيف، وعمران القطان: هو ابن داور العمي البصري، ضعفه يحيى بن معين وأبو داود والنسائي، ولم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه (يعني للمتابعة) وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 117 / 2. (2) 3 / 508 وصححه، وتعقبه المؤلف في " مختصره " فقال: حماد ضعيف. وفي " ميزان " المؤلف: حماد بن شعيب الحماني الكوفي عن أبي الزبير وغيره: ضعفه ابن معين وغيره، وقال يحيى مرة: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: أكثر حديثه مما لا يتابع عليه، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 115 / 2 من طريق الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أبي أمية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ. وَقَالَ لِكَعْبٍ: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ، أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ (1) . يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأُحَدِّثُ أَحَادِيْثَ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَشَجَّ رَأْسِي (2) . قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَزَجَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ ، فَبِاللهِ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ الإِكْثَارُ مِنَ الحَدِيْثِ فِي دَوْلَةِ عُمَرَ كَانُوا يُمْنَعُوْنَ مِنْهُ مَعَ صِدْقِهِمْ، وَعَدَالَتِهِمْ، وَعَدَمِ الأَسَانِيْدِ، بَلْ هُوَ غَضٌّ لَمْ يُشَبْ، فَمَا   (1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1475) من طريق محمد بن زرعة الرعيني، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن يزيد، سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لالحقنك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركن الأحاديث أو لالحقنك بأرض القردة. وهذا إسناد صحيح، محمد بن زرعة قال أبو زرعة في " تاريخه " 1 / 286: ثقة حافظ من أصحاب الوليد بن مسلم مات سنة ست عشرة ومئتين، ومروان بن محمد هو الطاطري: ثقة كما في " التقريب " وباقي السند من رجال الصحيح. وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 106 من طريق أبي زرعة، وقد تصحف فيه إسماعيل بن عبيد الله إلى عبد الله، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 117 / 2. قال ابن كثير بعد أن أورد الخبر: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك. (2) أورده ابن كثير في " البداية " عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع، لان ابن عجلان لم يسمع من أبي هريرة. وفي " المصنف " (20496) أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: قال أبو هريرة لما ولي عمر، قال: أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به، قال: ثم يقول أبو هريرة: أفإن كنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي؟ أما والله إذا لالفيت المخفقة ستباشر ظهري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 ظَنُّكَ بِالإِكْثَارِ مِنْ رِوَايَةِ الغَرَائِبِ وَالمَنَاكِيْرِ فِي زَمَانِنَا، مَعَ طُوْلِ الأَسَانِيْدِ، وَكَثْرَةِ الوَهْمِ وَالغَلَطِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ نَزْجُرَ القَوْمَ عَنْهُ، فَيَا لَيْتَهُمْ يَقْتَصِرُوْنَ عَلَى رِوَايَةِ الغَرِيْبِ وَالضَعِيْفِ، بَلْ يَرْوُوْنَ -وَاللهِ- المَوْضُوْعَاتِ، وَالأَبَاطِيْلَ، وَالمُسْتَحِيْلَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ وَالمَلاَحِمِ وَالزُّهْدِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ، وَغَرَّ المُؤْمِنِيْنَ، فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، جَانٍ عَلَى السُّنَنِ وَالآثَارِ، يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنَابَ وَأَقْصَرَ، وَإِلاَّ فَهُوَ فَاسِقٌ، كَفَى بِهِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَتَوَرَّعْ، وَلْيَسْتَعِنْ بِمَنْ يُعِيْنُهُ عَلَى تَنْقِيَةِ مَرْوِيَّاتِهِ (1) - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ - فَلَقَدْ عَمَّ البَلاَءُ، وَشَمَلَتِ الغَفْلَةُ، وَدَخَلَ الدَّاخِلُ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ يَرْكَنُ إِلَيْهِمُ المُسْلِمُوْنَ، فَلاَ عُتْبَى عَلَى الفُقَهَاءِ، وَأَهْلِ الكَلاَمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ -   (1) قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله ورضي عنه فيما نقله عنه الشيخ العلامة محمود ياسين في مجلة الهداية الإسلامية 8 / 264: لا يجوز إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث: " من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار "، فليحذر الخطباء والكتاب والمدرسون والوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا منه، كالترمذي، والنسائي مثلا، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث الشريف ككثير من كتب الأخلاق والوعظ المنتشرة بالأيدي، فلا يكفي عزو الحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كُنَّا نَخَافُ السِّيَاطَ (1) . خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ حَدِيْثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لأَيِّ شَيْءٍ سَأَلْتَنِي. قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَئِذٍ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) . قَالَ: أَمَا لاَ، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ. يَحْيَى: ضَعِيْفٌ (2) . عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَكَانَ يَبْتَدِئُ حَدِيْثَهُ بِأَنْ يَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (3)) . مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ حَدِيْثاً، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ حَتَّى أُرْتِجَتِ الأَبْوَابُ بَيْنَهُمَا (4) . هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا   (1) إسناده ضعيف لضعف يزيد بن يوسف، وهو الرحبي الصنعاني: صنعاء دمشق، وشيخه فيه وهو صالح بن أبي الاخضر ضعيف أيضا. وأخرجه ابن عساكر في " تاريخه " 19 / 117 / 2. (2) بل متروك كما قال الحافظ في " التقريب " وأبوه عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي لم يوثقه غير ابن حبان، وأخرجه ابن عساكر 19 / 117 / 2. (3) إسناده قوي، وهو في " المسند " 2 / 413، و" تاريخ ابن عساكر " 19 / 118 / 1. (4) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 118 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 بِحَدِيْثِهِ (1) . وَعَنْ نَافِعٍ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَبَقِيَ يُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ. فِي إِسْنَادِهَا الوَاقِدِيُّ (2) . مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَكْثَرْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ. قَالَ: إِيْ -وَاللهِ- يَا أُمَّاهُ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المِرْآةُ وَلاَ المُكْحُلَةُ وَلاَ الدُّهْنُ. قَالَتْ: لَعَلَّهُ (3) . وَرَوَاهُ: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَفِيْهِ: وَلَكِنِّي أَرَى ذَلِكَ شَغَلَكِ   (1) رجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الترمذي (3836) في المناقب، وحسنه، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 118 / 2، وذكره الحافظ في " الإصابة " ونسبه للبغوي، وجود إسناده، وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 3 مطولا، وفيه أن ابن عمر قد اعترض على أبي هريرة حين حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " من تبع جنازة، فصلى عليها، فله قيراط، فإن شهد دفنها، فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد " فلما استوثق ابن عمر منه بتصديق عائشة رضي الله عنها له، وتأييدها لرواية، اطمأن لروايته، وأيقن بصدقه، وقال له: " أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه ". (2) وقد اتفقوا على ضعفه وعدم الاعتداد بروايته. (3) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة "، ونسبه لابن سعد وجود إسناده، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 120 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 108 من طريق أبي القاسم البغوي عن بشر بن الوليد الكندي، عن إسحاق بن سعيد، عن سعيد ... ورواه الحاكم في " المستدرك " 3 / 509 من طريق خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة أنها دعت أبا هريرة، فقالت له: يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل سمعت إلا ما سمعنا؟ وهل رأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي المؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 عَمَّا اسْتَكْثَرْتِ مِنْ حَدِيْثِي. قَالَتْ: لَعَلَّهُ (1) . وَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا الحَسَنَ فِي الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَعَ خِصَامٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ لِمَرْوَانَ: وَاللهِ مَا أَنْتَ وَالٍ، وَإِنَّ الوَالِي لَغَيْرُكَ، فَدَعْهُ - يَعْنِي حِيْنَ أَرَادُوا دَفْنَ الحَسَنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّكَ تَدْخُلُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، إِنَّمَا تُرِيْدُ بِهَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ-. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ مُغْضَباً، وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: أَكْثَرَ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَسِيْرٍ. فَقَالَ: قَدِمْتُ -وَاللهِ- وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ زِدْتُ عَلَى الثَّلاَثِيْنَ سَنَةً سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، أَدُوْرُ مَعَهُ فِي بُيُوْتِ نِسَائِهِ، وَأَخْدُمُهُ، وَأغْزُو، وَأَحُجُّ مَعَهُ، وَأُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكُنْتُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِهِ (2) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِي أَنَسٍ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ هَذَا اليَمَانِيَّ -يَعْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ- أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ، نَسْمَعُ مِنْهُ أَشْيَاءَ لاَ نَسْمَعُهَا مِنْكُم، أَمْ هُوَ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ؟   (1) أخرجه ابن عساكر 19 / 120 / 1. (2) محمد بن عمر هو الواقدي، متفق على ضعفه، والخبر في " الطبقات " ونقله عنه ابن كثير في " البداية " 8 / 108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، فَلاَ أَشُكُّ، سَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوْتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَي النَّهَارِ، وَكَانَ مِسْكِيْناً ضَيْفاً عَلَى بَابِ رَسُوْلِ اللهِ، يَدُهُ مَعَ يَدِهِ، فَلاَ نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلاَ تَجِدُ أَحَداً فِيْهِ خَيْرٌ يَقُوْلُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ (1) . شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا أَبُو أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ: وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَمِعَ، وَأَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنِ النَّبِيِّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَا، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ،   (1) رجاله ثقات. ومالك بن أبي عامر هو جد مالك بن أنس الفقيه، وأخرجه الترمذي (3837) من طريق ابن إسحاق به، وحسنه هو، والحافظ في " الفتح " وصححه الحاكم 3 / 511، 512، ووافقه الذهبي، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 1، وأورده ابن كثير في " البداية " 8 / 109، من طريق علي بن المديني، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق. وقد تقدم ذكره في الجزء الأول من هذا الكتاب في ترجمة طلحة ص 24. (2) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 1، و" المستدرك " 3 / 512. (3) أورده ابن كثير في " البداية " 8 / 109 من طريق مسلم بن الحجاج، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن مروان بن محمد بن حسان الدمشقي، عن الليث بن سعد، عن بكير بن الاشج ... وهذا سند صحيح. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم، يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيُحَدِّثُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا (1) . قَالَ: وَهَؤُلاَءِ الخَمْسَةُ إِلَيْهِمْ صَارَتِ الفَتْوَى. الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِيَاسَ بنِ البُكَيْرِ، فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ثَلاَثاً قَبْلَ الدُّخُوْلِ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَهُمَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءتْكَ مُعْضِلَةٌ. فَقَالَ: الوَاحِدَةُ تُبِيْنُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ (2) . وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟ فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ (3) .   (1) طبقات ابن سعد 2 / 372. (2) إسناده صحيح، وهو في " مسند الشافعي " 2 / 375، و" الموطأ " (1198) . (3) أخرجه مسلم (2493) في فضائل الصحابة من طريق ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح (أصلي نافلة) فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وأخرجه أبو داود (3655) ، واختصره الترمذي (3643) ، وفي البخاري 6 / 422 في المناقب: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك أبا فلان جاء فجلس إلى جانب حجري ... وقول عائشة: ولو أدركته لرددت عليه، أي: لانكرت عليه، وبينت له أن الترتيل في الحديث أولى من السرد. قال الحافظ: واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر، فتزدحم القوافي على في. وانظر " تاريخ ابن عساكر " 19 / 119 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 وَكَذَلِكَ قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئاً؟ فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْترَأَ، وَجَبُنَّا (1) . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ، وَنَسُوْا. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ (2) . قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ (3) . شَرِيْكٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَدَعُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، نَحْوَهُ (4) .   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 510 وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 76 عن فوائد المزكي تخريخ الدارقطني، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، وذكر قول أبي هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. (2) ذكره ابن عساكر 19 / 122 / 1. قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 109: وكأن شعبة يشير بهذا إلى حديثه: " من أصبح جنبا فلا صيام له " فإنه لما حوقق عليه، قال: أخبرنيه مخبر، ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) قال ابن حبان في مقدمة " صحيحه " 1 / 122: وإنما قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا، وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه، لأنهم رضي الله عنم أجمعين - وقد فعل - كلهم أئمة سادة قادة عدول، نزه الله عزوجل أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليوسلم عن أن يلزق بهم الوهن. (4) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 122 / 1، و" أصول السرخسي " 1 / 341، وفي كتاب " العلل " ص 140 لأحمد: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صيرفيا في الحديث أجيؤه بالحديث، قال: فكتب مما أخذته عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كانوا يتركون أشياء من أحاديث أبي هريرة. وقد انتصر الحافظ ابن عساكر لأبي هريرة، ورد هذا الذي قاله إبراهيم النخعي، وصرح الحافظ ابن كثير بأن صنيع الكوفيين مردود، والجمهور على خلافهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَا كَانُوا يَأْخُذُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ مَا كَانَ حَدِيْثَ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ (1) . قُلْتُ: هَذَا لاَ شَيْءَ، بَلْ احْتَجَّ المُسْلِمُوْنَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً بِحَدِيْثِهِ، لِحِفْظِهِ، وَجَلاَلَتِهِ، وَإِتْقَانِهِ، وَفِقْهِهِ، وَنَاهِيْكَ أَنَّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَيَقُوْلُ: أَفْتِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَأَصَحُّ الأَحَادِيْثِ مَا جَاءَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمَا جَاءَ عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمَا جَاءَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَيْنَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِفْظِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعاً، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُوْنَ اللَّيْلَ أَثْلاَثاً، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا، وَيُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوْقِظُ هَذَا. قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَيْفَ تَصُوْمُ؟ قَالَ: أَصُوْمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلاَثاً (2) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ   (1) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 122 / 1. (2) رجاله ثقات. عباس الجريري: هو عباس بن فروخ: ثقة، روى له الجماعة. وأبو عثمان النهدي: اسمه عبد الرحمن بن مل: ثقة ثبت عابد. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 382، وابن عساكر في " تاريخه " 19 / 122 / 2، وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 77، ونسبه لأحمد في " الزهد "، وصحح إسناده. ويعتقبون: يتناوبون. سير 2 / 39 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 بنِ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ (1) . عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيْحَةٍ، يَقُوْلُ: أُسَبِّحُ بِقَدَرِ دِيَتِي (2) . وَرَوَاهُ: عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السِّنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ مَالِكِ بنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَرْضِهِ بِالعَقِيْقِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ، فَنَزَلُوا عِنْدَهُ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي، فَقُلْ: إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئَكِ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: أَطْعِمِيْنَا شَيْئاً. قَالَ: فَوَضَعَتْ ثَلاَثَةَ أَقْرَاصٍ فِي الصَّحْفَةِ، وَشَيْئاً مِنْ زِيْتٍ وَمِلْحٍ، وَوَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي، فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا وَضَعْتُهُ بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ، كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلاَّ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرَ وَالمَاءَ. فَلَمْ يُصِبِ القَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئاً. فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ، وَامْسَحْ عَنْهَا الرُّعَامُ، وَأَطِبْ مُرَاحَهَا، وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، يُوْشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى   (1) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 122 / 2. (2) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 122 / 2، وقد تصحف في المطبوع " ديني " إلى " ذنبي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 النَّاسِ زَمَانٌ تَكُوْنُ الثُّلَّةُ مِنَ الغَنَمِ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) : عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ. وَوَثَّقَ النَّسَائِيُّ حُمَيْداً. هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: كَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ صَيْحَتَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، يَقُوْلُ: ذَهَبَ اللَّيْلُ وَجَاءَ النَّهَارُ، وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ، فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ (2) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ زَوْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ المَدَنِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَرَرْتُ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا أَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ، حَوْلَهُ حَلقَةٌ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيْلِي أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيُّ اللهِ أَبُو القَاسِمِ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ، فَبَكَى، ثُمَّ قَامَ (3) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي يُوْنُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْماً، فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ صَوْتَهَ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الدِّيْنَ قِوَاماً، وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَاماً، بَعْدَ أَنْ كَانَ أَجِيْراً لابْنَةِ غَزْوَانَ عَلَى شِبَعِ بَطْنِهِ، وَحَمُوْلَةِ رِجْلِهِ (4) .   (1) هو في " الموطأ " رقم (1802) 4 / 313، 314 بشرح الزرقاني، وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (572) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، والرعام: مخاط رقيق يجري من أنوف الغنم. وأطب مراحها: نظفه. والثلة: جماعة الغنم، قليلة كانت أو كثيرة، وقيل: الثلة: الكثير منها. (2) أخرجه ابن عساكر 19 / 122 / 2. (3) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 123 / 1. (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 379، وابن عساكر 19 / 123 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُضَارِبِ بنِ حَزْنٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ تَحْتَ اللَّيْلِ، إِذَا رَجُلٌ يُكَبِّرُ، فَأُلْحِقُهُ بَعِيْرِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: مَا هَذَا التَّكْبِيْرُ؟ قَالَ: شُكْرٌ. قُلْتُ: عَلَى مَهْ؟ قَالَ: كُنْتُ أَجِيْراً لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ بِعُقْبَةِ رِجْلِي، وَطَعَامِ بَطْنِي، وَكَانُوا إِذَا رَكِبُوا سُقْتُ بِهِمْ، وَإِذَا نَزَلُوا خَدَمْتُهُمْ، فَزَوَّجَنِيْهَا اللهُ، فَهِيَ امْرَأتِي (1) . مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لَسْتُ بَعَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قُلْتُ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةُ رَقِيْقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ. فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوْهُ كَمَا قَالَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيُوَلِّيَهُ، فَأَبَى. فَقَالَ: تَكْرَهُ العَمَلَ، وَقَدْ طَلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ يُوْسُفُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-. فَقَالَ: يُوْسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بنُ أَمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلاَثاً وَاثْنَتَيْنِ. قَالَ: فَهَلاَّ قُلْتَ خَمْساً؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي (2) .   (1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم 1 / 380، وابن عساكر 19 / 123 / 1. عقبة رجلي: أي: نوبة ركوبه. (2) رجاله ثقات. وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 113 عن عبد الرزاق، عن معمر، عن = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 رَوَاهُ: سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، عَنْ يَحْيَى بنِ العَلاَءِ، عَنْ أَيُّوْبَ، مُتَّصِلاً بِأَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رَوَاحَةَ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البُسْرِيِّ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَبْعَثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَإِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ بَعَثَ مَرْوَانَ، وَعَزَلَهُ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَعَ مَرْوَانَ، وَبَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ أَسْوَدَ: قِفْ عَلَى البَابِ، فَلاَ تَمْنَعْ إِلاَّ مَرْوَانَ. فَفَعَلَ الغُلاَمُ، وَدَخَلَ النَّاسُ، وَمُنِعَ مَرْوَانُ، ثُمَّ جَاءَ نَوْبَةً، فَدَخَلَ، وَقَالَ: حُجِبْنَا عَنْكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَنْ لاَ أَنْكَرَ (2) هَذَا لأَنْتَ (3) .   = أيوب، عن ابن سيرين أن..، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 335 من طريق هوذة بن خليفة، وعبد الوهاب بن عطاء، ويحيى بن خليف بن عقبة، وبكار بن محمد، قالوا: حدثنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا من طريق عمرو بن الهيثم، قال: حدثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأبو هلال الراسبي: صدوق فيه لين، وبقية رجاله ثقات، فهو صحيح بما قبله. وأخرجه البلاذري في " فتوح البلدان " ص 93 من طريق شيبان بن فروخ، عن أبي هلال الراسبي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه أيضا من طريق القاسم بن سلام، وروح بن عبد المؤمن، عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وإسناده صحيح. وانظر ابن عساكر 19 / 124 / 2. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 380، 381، من طريق أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. (1) البسري بالباء: منسوب إلى بيع البسر، وقد تحرف في المطبوع إلى " السري " واسمه: الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن البندار البغدادي، توفي سنة 497 هـ " العبر " 3 / 346، 347. (2) في " تاريخ الإسلام " 2 / 388: من لا ينكر. (3) رجاله ثقات، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 125 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 رَوَاهُ: الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنِ السِّلَفِيِّ - إِجَازَةً -. قُلْتُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ طَيِّبَ الأَخْلاَقِ، رُبَّمَا نَابَ فِي المَدِيْنَةِ عَنْ مَرْوَانَ أَيْضاً (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ رُبَّمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَيَرْكَبُ حِمَاراً بِبَرْذَعَةٍ، وَفِي رَأْسِهِ خُلْبَةٌ مِنْ لِيْفٍ، فَيَسِيْرُ، فَيَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ: الطَّرِيْقَ! قَدْ جَاءَ الأَمِيْرُ. وَرُبَّمَا أَتَى الصِّبْيَانَ وَهُمْ يَلْعَبُوْنَ بِاللَّيْلِ لُعْبَةَ الأَعْرَابِ، فَلاَ يَشْعُرُوْنَ حَتَّى يُلْقِيَ نَفْسَهُ بَيْنَهُمْ، وَيَضْرِبَ بِرِجْلَيْهِ، فَيَفْزَعُ الصِّبْيَانُ، فَيَفِرُّوْنَ، وَرُبَّمَا دَعَانِي إِلَى عَشَائِهِ، فَيَقُوْلُ: دَعِ العُرَاقَ لِلأَمِيْرِ. فَأَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ ثَرِيْدَةٌ بِزَيْتٍ (2) . عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ القُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ القُرَظِيُّ، قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي السُّوْقِ يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيْفَةٌ لِمَرْوَانَ، فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيْقَ لِلأَمِيْرِ (3) .   (1) أخرج مسلم في " صحيحه " (877) ، من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: (إذا جاءك المنافقون) قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة. (2) رجاله ثقات، وأبو رافع اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة، ثقة ثبت، أخرج حديثه الجماعة، وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 125 / 1. والخلبة: واحد الخلب: الحبل الرقيق الصلب من الليف والقطن وغيرهما. وفي " تاريخ الإسلام ": وخطامه ليف. والعراق: العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم، أو الغدرة من اللحم. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 384 من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث ... ورجاله ثقات. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 125 / 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ سَكَتَ، فَإِذَا أَمْسَكَ عَنْهُ تَكَلَّمَ (1) . هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دِرْهَمٌ يَكُوْنُ مِنْ هَذَا - وَكَأَنَّهُ يَمْسَحُ العَرَقَ عَنْ جَبِيْنِهِ - أَتَصَدَّقُ بِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، مِنْ مَالِ فُلاَنٍ (2) . وَقَالَ حَزْمٌ القُطَعِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، قَالَ: اغْدُوا، فَإِنَّا رَائِحُوْنَ، وَرُوْحُوا فَإِنَّا غَادُوْنَ (3) . يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثَ بَسْطِ ثَوْبِهِ. قَالَ: فَمَا نَسِيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ شَيْئاً حُدِّثْتُ بِهِ (4) . أَبُو هِلاَلٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا فِي كِيْسِي، لَرَمَيْتُمُوْنِي بِالبَعْرِ. ثُمَّ قَالَ الحَسَنُ: صَدَقَ -وَاللهِ- لَوْ حَدَّثَهُمْ أَنَّ   (1) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 114 عن الامام أحمد ; قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الجبار، حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب. وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 125 / 2. (2) " تاريخ دمشق " 19 / 125 / 2. (3) " تاريخ دمشق " 19 / 126 / 2، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 383، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، قال: بلغني عن أبي هريرة أنه كان إذا مر بجنازة، قال: روحي، فإنا غادون، أو اغدي، فإنا رائحون. (4) إسناده صحيح. يونس هو ابن يزيد الايلي، وهو في " صحيح مسلم " (2492) في فضائل الصحابة، من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أن أبا هريرة قال: يقولون ... وانظر " صحيح البخاري " 1 / 190، 191 في العلم: باب حفظ العلم، و4 / 246، 247 في أول البيوع، و13 / 271، 272 في الاعتصام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 بَيْتَ اللهِ يُهْدَمُ أَوْ يُحْرَقُ مَا صَدَّقُوْهُ (1) . الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَدْعُوْ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا. فَقَالَ: (عُوْدُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيْهِ) . فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسَأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) . فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. قَالَ: سَبَقَكُمَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ (2) . تَفَرَّدَ بِهِ: الفَضْلُ بنُ العَلاَءِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ. هُشَيْمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً، فَلَهُ قِيْرَاطٌ) . فَقَالَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ. فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: أَنْشُدُكِ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتِ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً ... ) ، الحَدِيْثَ. فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.   (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 331 من طريق سليمان بن حرب، عن أبي هلال الراسبي، عن الحسن. (2) " تاريخ دمشق " 19 / 115 / 1 / 2 وتقدم في ص 600 من طريق حماد بن شعيب، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 508. وصححه، وتعقبه الذهبي المؤلف بقوله: حماد بن شعيب ضعيف. قلت: لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه الفضل بن العلاء، وهو صدوق مما قال المؤلف وانظر ص 628 ت 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَرْسُ الوَدِيِّ، وَلاَ صَفْقٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيْهَا، أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيْهَا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ (1) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ: أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِيْهِ مَشْيَخَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُوْنَ فِيْهِ، فَيَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيْثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً. قَالَ: فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَاهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) . هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟ قَالَ: بَعَثْتَنِي وَأَنَا كَارِهٌ، وَنَزَعْتَنِي وَقدْ   (1) تاريخ دمشق " 19 / 118 / 2، وهو في " المسند " 2 / 2، 3، وصححه الحاكم 3 / 511، ووافقه الذهبي المؤلف. والودي: بفتح الواو، وكسر الدال، وتشديد الياء: صغار النخل، الواحدة: ودية. والصفق: المرة من التصفيق، والمراد هنا: التبايع، لان المتبايعنى يضع أحدهما يده على يد الآخر، يريد أبو هريرة: أنه لم يشغله عن حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زرع ولا تجارة. (2) 1 / 186، 187 في ترجمة محمد بن عمارة بن حزم الأنصاري، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 45، فقال: روى عن أبي هريرة، روى عنه أبو الزناد، سمعت أبي يقول ذلك. وهو في " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 116 / 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 أَحْبَبْتُهَا. وَأَتَاهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ: مَا جِئْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: عِشْرِيْنَ أَلفاً. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهَا؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ. قَالَ: انْظُرْ رَأْسَ مَالِكَ وَرِزْقِكَ فَخُذْهُ، وَاجْعَلِ الآخَرَ فِي بَيْتِ المَالِ (1) . وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ فِي صَلاَتِهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (2) . قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا المَعْمَرِ المُبَارَكَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ يُوْسُفَ بنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيَّ، سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُوْلُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ، فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةِ المُصَرَّاةِ (3) ، فَطَالَبَ بِالدَّلِيْلِ، حَتَّى اسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الوَارِدِ فِيْهَا،   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع: إسحاق بن عبد الله لم يدرك عمر. وقد تحرف " همام " في المطبوع إلى " هشام "، وهو في " الطبقات " 4 / 335، 336. (2) لكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يجهر بها، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان، انظر " فتح الباري " 2 / 188، والترمذي (246) ، ومسلم (399) ، وأحمد 3 / 264، و" شرح معاني الآثار " 1 / 119، والدارقطني ص 119، والنسائي 2 / 135، وابن خزيمة (498) ، وروى أحمد 4 / 85، والترمذي (244) ، والنسائي 2 / 135، عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: أي بني إياك والحدث، قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت، فقل: الحمد لله رب العالمين. (3) المصراة: الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي: يجمع ويحبس، ثم تباع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن، فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها مرتين أو ثلاثا، وقف على التصرية والغرور. وحديث أبي هريرة الوارد فيها: هو في " الموطأ " 2 / 683، 684 في البيوع: باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة. وأخرجه البخاري 4 / 309 عن عبد الله بن يوسف، ومسلم (1515) (11) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ولا تصروا الابل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر "، أي: يردها بعيب التصرية، ويرد معها صاعا من تمر مكان ما حلب من اللبن، وهو قول مالك والشافعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 فَقَالَ - وَكَانَ حَنَفِيّاً -: أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُوْلِ الحَدِيْثِ (1) . فَمَا اسْتَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ سَقْفِ الجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ. فَقِيْلَ لَهُ: تُبْ تُبْ. فَقَالَ: تُبْتُ. فَغَابَتِ الحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ. إِسْنَادُهَا أَئِمَّةٌ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُوْلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَأَدَائِهِ بِحُرُوْفِهِ، وَقَدْ أَدَّى حَدِيْثَ المُصَرَّاةِ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ. وَقَدْ وَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وَأَفتَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ المُطَلَّقَةِ طَلْقَةً ثُمَّ   (1) في " أصول السرخسي " 1 / 341: ما وافق القياس من رواية أبي هريرة، فهو معمول به، وما خالف القياس، فإن تلقته الأمة بالقبول، فهو معمول به، وإلا فالقياس الصحيح شرعا مقدم على روايته فيما ينسد باب الرأي فيه. وقال فخر الإسلام: راوي الخبر إما فقيه أو غير فقيه لكن عرف بالرواية، أو غير فقيه لم يعرف إلا بحديث أو حديثين. فخبر الفقيه مقبول يجب العمل به وإن خالف القياس، وخبر غير الفقيه المعروف بالرواية أيضا مقبول يترك به القياس، إلا إذا خالف جميع الاقيسة، وانسد باب الرأي بالكلية، وهو مختار الامام عيسى بن أبان، والقاضي أبي زيد، وذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي إلى أنه كالأول. وقال بعضهم وهو بصدد البحث في خبر أبي هريرة في " المصراة ": إن أبا هريرة غير فقيه، والحديث مخالف للاقيسة بأسرها: وفي قولهم: " أبو هريرة غير فقيه "، نظر ظاهر، فإنه رضي الله عنه فقيه مجتهد لا شك في فقاهته، فقد كان يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان يعارض ابن عباس وفتواه، كما جاء في الخبر الصحيح أنه خالف ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، حيث حكم ابن عباس بأبعد الاجلين، وحكم هو بوضع الحمل. وأبو حنيفة رحمه الله عمل بحديث أبي هريرة: " من أكل ناسيا فليتم صومه " مع أن القياس عنده أنه يفطر، فترك القياس لخبر أبي هريرة. وانظر ما كتبه العلامة محمد بخيت المطيعي في حاشيته " سلم الوصول " 3 / 767، 769. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 يَتَزَوَّجُ بِهَا آخَرُ، ثُمَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ فَارَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ، هَلْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي المَشْهُوْرِ عَنْهُ، أَوْ تُلْغَى تِلْكَ التَّطْلِيْقَةُ، وَتَكُوْنُ عِنْدَهُ عَلَى الثَّلاَثِ. كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ تَهْدِمُ مَا دُوْنَ الثَّلاَثِ، كَمَا هَدَمَتْ إِصَابَتُهُ لَهَا الثَّلاَثَ. فَالأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي، إِنَّمَا هِيَ غَايَةُ التَّحْرِيْمِ الثَّابِتِ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، فَهُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ، وَالمُطَلَّقَةُ دُوْنَ الثَّلاَثِ لَمْ تَحْرُمْ، فَلاَ تَرْفَعُ الإِصَابَةُ مِنْهَا شَيْئاً، وَبِهَذَا أَفتَى أَبُو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتَ بِغَيْرِهِ، لأَوْجَعْتُكَ ضَرْباً. وَكَذَلِكَ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي دِقَاقِ المَسَائِلِ مَعَ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ عَمِلَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسَائِلَ كَثِيْرَةٍ، تُخَالِفُ القِيَاسَ، كَمَا عَمِلُوا كُلُّهُمْ بِحَدِيْثِهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ خَالَتِهَا) (1) . وَعَمِلَ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيْثِهِ: (أَنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِياً، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ (2)) ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، فَتَرَكَ القِيَاسَ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ.   (1) أخرجه مالك 2 / 532 في النكاح: باب ما لا يجمع بينه من النساء، والبخاري 9 / 138 و139 في النكاح: باب لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408) في النكاح: باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح. (2) أخرجه البخاري 4 / 134، 135 في الصوم: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، ومسلم (1155) في الصيام: باب أكل الناسي وشبه وجماعه لا يفطر، من طريق هشام القردوسي، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعه الله وسقاه "، وأخرجه الترمذي (721) ، وأبو داود (2398) ، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وَهَذَا مَالِكٌ عَمِلَ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعاً مِنْ وُلُوْغِ الكَلْبِ (1) ، مَعَ أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ يُغْسَلُ؛ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ. بَلْ قَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيْفَةَ القِيَاسَ لِمَا هُوَ دُوْنَ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي مَسْأَلَةِ القَهْقَهَةِ، لِذَاكَ الخَبَرِ المُرْسَلِ (2) . وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ. بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ جَالِساً فِي الشَّمْسِ، فَقَلُصَتْ عَنْهُ، فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَجْلِسِهِ (3) .   = وأخرج الدارقطني ص 237، والحاكم 1 / 430، والبيهقي 4 / 229 من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أفطر في رمضان ناسيا، فلا قضاء عليه ولا كفارة " وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (906) . (1) أخرجه مالك 1 / 34 في الطهارة: باب جامع الوضوء، والبخاري 1 / 239، 240 في الوضوء: باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، ومسلم (279) (90) في الطهارة: باب حكم ولوغ الكلب. (2) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (3761) عن معمر، عن قتادة، عن أبي العاليه الرياحي " أن أعمى تردى في بئر، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة "، وإسناده على إرساله صحيح، وأخرجه عبد الرزاق أيضا (3760) عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية. وانظر " نصب الراية " 1 / 47، 53. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 383، من طريق عفان، حدثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة..وأخرجه أبو داود (4822) ، والحميدي في " مسنده " (1138) من طريق سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، قال: أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم ... والاول أصح بإسقاط الرجل المبهم، فإن ابن المنكدر سمع من أبي هريرة، فالسند متصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 بَقِيٌّ: حَدَّثَنَا طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ آمَنَ بِي عَشْرَةٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُوْدٍ، لآمَنَ بِي كُلُّ يَهُوْدِيٍّ عَلَى الأَرْضِ (1)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيْقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُوْلِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ قَالَ: وَأَبَقَ لِي غُلاَمٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ وَبَايَعْتُ، إِذْ طَلَعَ الغُلاَمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا غُلاَمُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟) . قُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ (2) . وَرَوَى: أَيُّوْبُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِبِنْتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ (3) .   (1) وأخرجه البخاري 7 / 214 في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم: باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من طريق مسلم بن إبراهيم، حدثنا قرة، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو آمن بي عشرة من اليهود، لآمن بي اليهود ". قال العلماء: المراد لو أسلم عشرة من رؤسائهم. (2) أخرجه أحمد 2 / 286، والبخاري 5 / 117 في العتق: باب إذا قال لعبده: هو لله، ونوى العتق، وابن سعد 4 / 325 من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة. وفي الشطر الأول من البيت خرم في التفعيلة الأولى، كأن تمامه " ويا ليلة " أو " فيا ليلة " قال الزجاج: من علل الطويل الخرم: وهو حذف فاء " فعولن ". (3) إسناده صحيح، وهو في " المصنف " (19938) ، وقوله هذا محمول على سبيل الورع أو لدفع الخيلاء والفخر أو غير ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للنساء لبس أنواع الحلي من الذهب كالطوق والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد، وهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين كما ذكر غير واحد من العلماء كالجصاص والكيا الهراسي في " أحكام القرآن "، والبيهقي في = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَالِمٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُوْنَ عَنْ مُحِلِّيْنَ أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْداً، فَأَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا، لأَوْجَعْتُكَ (1) . زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُوْسَى، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ (2) بنُ المُحَرَّرِ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ، فِيْهِ أَلْفَا عُقْدَةٍ، لاَ يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ. شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَخْرُجُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَيَقْبِضُ عَلَى رُمَّانَتَيِ المِنْبَرِ قَائِماً، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ، فَلاَ يَزَالُ يُحَدِّثُ حَتَّى يَسْمَعَ فَتْحَ بَابِ المَقْصُوْرَةِ لِخُرُوْجِ الإِمَامَةِ، فَيَجْلِسُ (3) . أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ،   = " السنن الكبرى "، والنووي في " المجموع "، وابن حجر في " فتح الباري "، وابن حجر الهيثمي في " الزواجر "، والسندي في " حاشيته على النسائي ". ورد الشيخ ناصر الدين الألباني في " آداب الزفاف " ص 149 الإجماع على جواز تحلي النساء بالذهب مطلقا بقول أبي هريرة هذا رد متهافت في غاية السقوط، لأن المفهوم من قول أبي هريرة حرمة الذهب على النساء مطلقا محلقا أو غير محلق، بينما يرى الشيخ ناصر التفرقة بين ما هو محلق فيحرم، وما هو غير محلق، فيباح. (1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " (787) في الحج: باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد. (2) كذا الأصل، وفي " تذكرة الحفاظ " 1 / 35: أبو نعيم. ولم أقف له على ترجمة. (3) أخرجه الحاكم 3 / 512، وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِيْ كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيْلٍ، المُتَمَسِّكُ مِنْهُم عَلَى دِيْنِهِ، كَالقَابِضِ عَلَى خَبَطِ الشَّوْكِ، أَوْ جَمْرِ الغَضَى (1)) . أَبُو يُوْنُسَ هَذَا: اسْمُهُ سُلَيْمُ بن جُبَيْرٍ، مِنْ مَوَالِي أَبِي هُرَيْرَةَ، صَدُوْقٌ، وَهَذَا أَعْلَى شَيْءٍ يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمٍ، وَالخَضِرُ بنُ حَمَّوَيْه - إِجَازَةً - عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ قُوَيْدٍ الحَنَفِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ تَنْطِحُ ذَاتُ قَرْنٍ جَمَّاءَ (2)) . الصَّلْتُ هَذَا: كَنَّاهُ النَّسَائِيُّ أَبَا الأَحْمَرِ، وَقَالَ: لاَ أَدْرِيْ كَيْفَ هُوَ؟ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الحَدِيْثَ، وَقَالَ: قَالَهُ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ - يَعْنِي المَرْوَزِيَّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، عَنْ عَمَّارٍ.   (1) ابن لهيعة سيء الحفظ، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 390، 391 من طريق يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة. وخبط الشوك: ما يسقط منه، والغضى: نوع من الشجر، وهو من أجود الوقود عند العرب. وأخرج أبو داود (4249) من طريق محمد بن يحيى بن فارس، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ويل للعرب من شر قد اقترب، أفلح من كف يده " وإسناده صحيح. (2) الجماء: التي لا قرنين لها، والحديث في " المسند " 2 / 442 من طريق عمار بن محمد، عن الصلت بن قويد، عن أبي هريرة. قال الحافظ في " تعجيل المنفعة ": 130: الصلت بن قويد الحنفي: عن أبي هريرة، وعنه عمار بن محمد، وعلي بن ثابت، وثقة ابن حبان، وقال النسائي: حديثه منكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 قُلْتُ: وَيَرْوِي عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّلْتُ، عَنْ أَبِي الأَحْمَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: الصَّلْتُ بنُ قُوَيْدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِي عَنْهُ عَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، عَنْ سَلْمِ (2) بنِ بَشِيْرٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بَكَى فِي مَرَضِهِ، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ عَلَى بُعْدِ سَفَرِي، وَقِلَّةِ زَادِي، وَأَنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُوْدٍ، وَمَهْبَطُهُ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، فَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي (3) ؟ مَالِكٌ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ مَرْوَانُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَكْوَاهُ، فَقَالَ: شَفَاكَ اللهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءكَ، فَأَحِبَّ لِقَائِي. قَالَ: فَمَا بَلَغَ مَرْوَانُ أَصْحَابَ القَطَا حَتَّى مَاتَ (4) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ ثَابِتِ بنِ مِسْحَلٍ، قَالَ: كَتَبَ   (1) قال الحافظ في " تعجيل المنفعة ": وهي أي: أبي الاحمر زيادة في السند، وأبو أحمر كنية الصلت، نبه عليه العلائي. (2) في الأصل: سلمة، وهو تحريف، وسلم بن بشير هذا ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4 / 266، فقال: سلم بن بشير بن جحل (وقد تصحف في الطبقات إلى حجل) : روى عن عكرمة، ورجل عن أبي هريرة، روى عنه عبد الوهاب بن الورد، وأبو عوانة، وعبد الوهاب الخفاف..ونقل عن ابن معين قوله: لا بأس به. (3) في " الطبقات " 4 / 339: فلا أدري إلى أيهما يسلك بي. وهو في " الحلية " 1 / 383. (4) " طبقات ابن سعد " 4 / 339، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 128 / 1. وفي " الطبقات ": فما بلغ مروان وسط السوق حتى مات. سير 2 / 40 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 الوَلِيْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِمَوْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: انْظُرْ مَنْ تَرَكَ، فَأَعْطِهِمْ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَصْرَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ (1) . قَالَ عُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ لاَ تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّيْنَ (2) . فَتُوُفِّيَ فِيْهَا، أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يَنْزِلُ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلَهُ بِالمَدِيْنَةِ دَارٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَوَالِيْهِ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. قَالَ: وَهُوَ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ (3) . قُلْتُ: الصَّحِيْحُ خِلاَفُ هَذَا. وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ مَاتَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، قَبْلَ مُعَاوِيَةَ بِسَنَتَيْنِ. تَابَعَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَالفَلاَّسُ (4) .   (1) " طبقات ابن سعد " 4 / 340، و" المستدرك " 3 / 508. (2) رجاله ثقات. وذكره الحافظ في " الفتح " 13 / 8 في شرحه لحديث أبي هريرة المرفوع: " هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش "، ونسبه لابن أبي شيبة بلفظ: " إن أبا هريرة كان يمشي في السوق، ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان " وقال: وفي هذا إشارة إلى أن أول الاغيلمة كان في سنة ستين، وهو كذلك، فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها، وبقي إلى سنة 64، فمات، ثم ولي ولده معاوية، ومات بعد أشهر. (3) " طبقات ابن سعد " 4 / 340، 341. (4) قال الحافظ في " الإصابة " 12 / 79: وهو المعتمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَضَمْرَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَالهَيْثَمُ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: سَنَةَ تِسْعٍ، كَالوَاقِدِيِّ. وَقِيْلَ: صَلَّى عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الأَمِيْرُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ، بَعْدَ العَصْرِ، وَشَيَّعَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ (1) . وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. أَخَذَ عَنْهُ: الأَعْرَجُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَطَائِفَةٌ. وَذَكَرْتُهُ فِي (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) ، فَهُوَ رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، وَفِي السُّنَّةِ، وَفِي الفِقْهِ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ - وَأَنَا بِسِجِسْتَانَ أُصَنِّفُ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَبَا هُرَيْرَةَ كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَسْمَرَ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ غِلاَظٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ. فَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ صَاحِبِ حَدِيْثٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا. فِي (الكُنَى) لأَبِي أَحْمَدَ (2) : أَبُو بُكَيْرٍ إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا اسْتَثْقَلَ رَجُلاً، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَرِحْنَا   (1) " طبقات ابن سعد " 4 / 339، 340. (2) كتاب " الكنى " لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحاكم النيسابوري، شيخ، صاحب، " المستدرك "، وقد اختصره المؤلف، وزاد عليه، وسماه " المقتنى في سرد المكتنى " ومنه نسخة في " المكتبة الأحمدية " بحلب برقم (328) ، وأخرى في " مكتبة فيض الله " باستنابول برقم (1531) ، وثالثة في مكتبة الاوقاف ببغداد، برقم 1 / 972 مجاميع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 مِنْهُ. حَدَّثَ بِهَذَا: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ السَّاجِ، عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: تَمَخَّطَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبُ كَتَّانٍ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَخِرُّ فِيْمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ، يَجِيْءُ الرَّجُلُ يَظُنُّ بِي جُنُوْناً (1) . شُعْبَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كِسَاءَ خَزٍّ (2) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَشَأْتُ يَتِيْماً، وَهَاجَرْتُ مِسْكِيْناً (3) . قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ خَبَّابِ بنِ عُرْوَةَ، رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ (4) . وَفِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَعَا لِنَفْسِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمِيْنَ) (5) . قَالَ الدَّانِيُّ: عَرَضَ أَبُو هُرَيْرَةَ القُرْآنَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْرَجُ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ (6) ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَحْكِي لَنَا قِرَاءةَ   (1) صحيح، وقد تقدم في الصفحة 590 التعليق رقم (3) . (2) أخرجه ابن سعد 4 / 333 من طريق الفضل بن دكين، عن شعبة، وإسناده صحيح. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 379. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 333 من طريق الفضل بن دكين، عن قيس بن الربيع. (5) ذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 74، ونسبه إلى النسائي في العلم من كتاب " السنن "، وجود إسناده. وانظر ص 616 ت (2) . (6) جماز: بالجيم والزاي مع تشديد الميم: أبو الربيع الزهري مولاهم المدني مقرئ المدينة بعد نافع، مات بعد السبعين ومئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 أَبِي هُرَيْرَةَ فِي: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يُحَزِّنُهَا شِبْهَ الرِّثَاءِ. مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لابْنَتِهِ: لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكِ اللَّهَبَ (1) . هَذَا صَحِيْحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى تَحْرِيْمِ الذَّهَبِ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضاً، أَوْ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ تَخْتَالُ فِي لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْخَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، كَمَا فِيْمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ. معَاذُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ أُبَيٍّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَرِيْئاً عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ نسَأَلُهُ عَنْهَا (2) . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيْثِهِ (3) . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحْكَامِ، فِي أُصُوْلِ الأَحْكَامِ) : المُتَوَسِّطُوْنَ فِيْمَا رُوِيَ عَنْهُم مِنَ الفَتَاوَى: عُثْمَانُ، أَبُو هُرَيْرَةَ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، أُمُّ سَلَمَةَ، أَنَسٌ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَبُو مُوْسَى، عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، سَلْمَانُ، جَابِرٌ، مُعَاذٌ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ. فَهُمْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ فَقَط، يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم جُزْءٌ صَغِيْرٌ.   (1) تقدم تخريجه في الصفحة 622 تعليق رقم (3) . (2) معاذ وأبوه لا يعرفان. (3) هو في " سنن الترمذي " (3836) ، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 118 / 2، وقد مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 وَيُضَافُ إِلَيْهِمْ: الزُّبَيْرُ، طَلْحَةُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ، أَبُو بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ، عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، مُعَاوِيَةُ. ثُمَّ بَاقِي الصَّحَابَةِ مُقِلُّوْنَ فِي الفُتْيَا، لاَ يُرْوَى عَنِ الوَاحِدِ إِلاَّ المَسْأَلَةُ وَالمَسْأَلَتَانِ. ثُمَّ سَرَدَ ابْنُ حَزْمٍ عِدَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُم: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَجَرِيْرٌ، وَحَسَّانٌ. مِزْوَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا المُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيْهِنَّ يَا رَسُوْلَ اللهِ بِالبَرَكَةِ. فَقَبَضَهُنَّ، ثُمَّ دَعَا فِيْهِنَّ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذْهُنَّ، فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَنْثُرْهُنَّ نَثْراً) . فَقَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ المِزْوَدُ مُعَلَّقاً بَحَقْوِي، لاَ يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ (1) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيُّ، وَشُهْدَةُ، وَتَجْنِي (2) الوَهْبَانِيَّةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادٌ   (1) هو في " المسند " 2 / 352، و" جامع الترمذي " (3839) ، وحسنه، وهو كما قال. والوسق: مكيلة معلومة عندهم، يقال: هو حمل بعير، وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. والحقو: معقد الازار. (2) تحرفت في المطبوع إلى " مجنى ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا هِلاَلٌ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامٍ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، عِنْدَكَ شَيْءٌ؟) . قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي. قَالَ: (جِئْ بِهِ) . فَجِئْتُ بِالمِزْوَدِ، فَقَالَ: (هَاتِ نِطْعاً) . فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ، فَبَسَطَهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ تَمْرَةً. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللهِ) . فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي، حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) . فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) . فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا فُلاَناً، وَأَصْحَابَهُ) . فَأَكَلُوا، وَشَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ تَمْرٌ. فَقَالَ لِي: (اقْعُدْ) . فَقَعَدْتُ، فَأَكَلْتُ، وَفَضَلَ تَمْرٌ، فَأَخَذَهُ، فَأَدْخَلَهُ فِي المِزْوَدِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا أَرَدْتَ شَيْئاً، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ، وَلاَ تَكْفَأْ، فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ (1)) . قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيْدُ تَمْراً إِلاَّ أَدْخَلْتُ يَدِي، فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِيْنَ وَسْقاً فِي سَبِيْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَكَانَ مُعَلَّقاً خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَذَهَبَ.   (1) وأورده ابن كثير في " البداية " 6 / 117، عن البيهقي، من طريق حفص بن عمرو، عن سهل بن زياد أبي زياد، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. ورواه البيهقي أيضا من طريقين، عن سهل بن أسلم العدوي، عن يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة بنحوه. وأخرج الامام أحمد 2 / 324، من طريق أبي عامر، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة، قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من تمر، فجعلته في مكتل، فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام، حيث أغاروا بالمدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: سَهْلٌ، وَهُوَ صَالِحٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَهُوَ فِي (أَمَالِي ابْنِ شَمْعُوْنَ) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ، عَنْ حَفْصٍ الرَّبَالِيِّ (1) . مُسْنَدُهُ: خَمْسَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثُ مائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً. المُتَّفَقُ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْهَا: ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَلاَثَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً.   (1) بفتح الراء وتخفيف الموحدة: وهو حفص بن عمرو المذكور في السند، ثقة عابد، من رجال " التهذيب ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 جَاءَ فِي آخِرِ المُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الأَصْلِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ مَا نَصُّهُ: تَمَّ الجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، لِلشَّيْخِ، الإِمَامِ، النَّاقِدِ، البَارِعِ، شَيْخِ المُحَدِّثِيْنَ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - أَمْتَعَ اللهُ بِحَيَاتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ -. وَيَتْلُوْهُ فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ: تَرْجَمَةُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ؛ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ نَسْخِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، مُسْتَهَلَّ شَهْرِ شَعْبَانَ المُبَارَكِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ. وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيْماً. سَيَبْقَى الخَطُّ بَعْدِي فِي الكِتَابِ ... وَتَبْلَى اليَدُ مِنِّي فِي التُّرَابِ فَيَا لَيْتَ الَّذِي يَقْرَا كِتَابِي ... دَعَا لِي بِالخَلاَصِ مِنَ الحِسَابِ كَتَبْتُ هَذِهِ النُّسْخَةَ المُبَارَكَةَ مِنْ نُسْخَةٍ بِخَطِّ: المُصَنِّفِ، الشَّيْخِ، الإِمَامِ الأَوْحَدِ، الحُجَّةِ، إِمَامِ المُحَدِّثِيْنَ، مُؤَرِّخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ - فَسَحَ اللهُ فِي مُدَّتِهِ، وَنَفَعَ المُسْلِمِيْنَ بِبَرَكَتِهِ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعِتْرَتِهِ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 الْجُزْءُ الْثَّالِثُ بَقِيَّةُ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ 1 - أَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ * (ع) مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اسْمُهُ: نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ. وَقِيْلَ: نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوْحٍ. تَدَلَّى فِي حِصَارِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةٍ، وَفَرَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَأَعْتَقَهُ (1) . رَوَى: جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ الأَرْبَعَةُ؛ عُبَيْدُ اللهِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ وَعَبْدُ العَزِيْزِ؛ وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ،   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 15، طبقات خليفة: ت 367، 982، 1420، المحبر: 129، 189، تاريخ البخاري: 8 / 112، المعارف: 288، الكنى: 1 / 18، الجرح والتعديل: 8 / 489، الاستيعاب: 1530، الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 533، تاريخ ابن عساكر: 17 / 316 / آ، أسد الغابة: 5 / 38، 151، الكامل لابن الأثير: 3 / 443، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول: 198، تهذيب الكمال: 1422، تاريخ الإسلام: 2 / 329، العبر: 1 / 58، تذهيب التهذيب: 4 / 205 / 1، البداية والنهاية: 8 / 57، العقد الثمين: 7 / 347 و8 / 29، الإصابة: ت 8795، تهذيب التهذيب: 10 / 469، خلاصة تهذيب الكمال: 346، شذرات الذهب: 1 / 58. (1) انظر ابن سعد: 2 / 159، 160 و7 / 15، وأخرج البخاري 8 / 36، 37 في المغازي: باب غزوة الطائف: من طريق شعبة، عن عاصم بن سليمان، قال: سمعت أبا عثمان النهدي قال: سمعت سعدا - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة - وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وَعُقْبَةُ بنُ صُهْبَانَ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَغَيْرُهُم. سَكَنَ البَصْرَةَ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَأُمُّهُ: سُمَيَّةُ، فَهُوَ أَخُو زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ لأُمِّهِ (1) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: اسْمُهُ: نُفَيْعُ بنُ الحَارِثِ. وَكَذَا سَمَّاهُ: ابْنُ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) : أَبُو بَكْرَةَ بنُ الحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ بنِ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: كَانَ عَبْداً لِلْحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ، فَاسْتَلْحَقَهُ. وَسُمَيَّةُ: هِيَ مَوْلاَةُ الحَارِثِ، تَدَلَّى مِنَ الحِصْنِ بِبَكْرَةٍ، فَمِنْ يَوْمَئِذٍ كُنِّيَ: بِأَبِي بَكْرَةَ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ رَوَّادٌ، وَكَيِّسَةُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُنْكِرُ أَنَّهُ وَلَدُ الحَارِثِ، وَيَقُوْلُ: أَنَا أَبُو بَكْرَةَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَبَى النَّاسُ إِلاَّ أَنْ يَنْسُبُوْنِي، فَأَنَا نُفَيْعُ بنُ مَسْرُوْحٍ. وَقِصَّةُ عُمَرَ مَشْهُوْرَةٌ فِي جَلْدِهِ: أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعاً، وَشِبْلَ بنَ مَعْبَدٍ؛ لِشَهَادَتِهِم عَلَى المُغِيْرَةِ بِالزِّنَى، ثُمَّ اسْتَتَابَهُم، فَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوْبَ، وَتَابَ الآخَرَانِ. فَكَانَ إِذَا جَاءهُ مَنْ يُشْهِدُهُ، يَقُوْلُ: قَدْ فَسَّقُوْنِي (3) .   (1) انظر " تاريخ ابن الأثير " 3 / 443. (2) بسنده في أماكن متفرقة من ترجمة أبي بكرة. (3) في صحيح البخاري: 5 / 187 في الشهادات: باب شهادة القاذف: وجلد عمر أبا بكرة، وشبل بن معبد، ونافعا بقذف المغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تاب، قبلت شهادته. ووصله الشافعي في مسنده الذي بهامش " الام ": 6 / 157، قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لاخبرني فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة، تب وأقبل شهادتك، قال سفيان: سمى الزهري الذي أخبره فحفظته، ثم نسيته، فقال لي عمرو ابن قيس: هو ابن المسيب، وأخرجه أيضا من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب ولفظه: أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة، وشبل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة الحد، وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما أستقبل، ومن لم يفعل، لم أجز شهادته، فأكذب شبل نفسه، ونافع، وأبى أبو بكرة أن يفعل، قال الزهري: هو والله سنة فاحفظوه وانظر = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 قَالَ البَيْهَقِيُّ (1) : إِنَّ صَحَّ هَذَا، فَلأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ التَّوْبَةِ مِنْ قَذْفِهِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ. قُلْتُ: كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَقْذِفِ المُغِيْرَةَ، وَإِنَّمَا أَنَا شَاهِدٌ، فَجَنَحَ إِلَى الفَرْقِ بَيْنَ القَاذِفِ وَالشَّاهِدِ، إِذْ نِصَابُ الشَّهَادَةِ لَوْ تَمَّ بِالرَّابِعِ، لَتَعَيَّنَ الرَّجْمُ، وَلَمَا سُمُّوا قَاذِفِيْنَ. قَالَ أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الحَرِيْرِ (2) : حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَمَاتَتْ، فَحَالَ إِخْوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهَا. قَالُوا: صَدَقَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ القَبْرَ، فَدَفَعُوْهُ بِعُنْفٍ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَحُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ، فَصَرَخَ عَلَيْهِ عِشْرُوْنَ مِنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ - وَأَنَا أَصْغَرُهُم - فَأَفَاقَ، فَقَالَ: لاَ تَصْرُخُوا، فَوَاللهِ مَا مِنْ نَفْسٍ تَخْرُجُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَفَزِعَ القَوْمُ، وَقَالُوا: لِمَ يَا أَبَانَا؟! قَالَ: إِنِّيْ أَخْشَى أَنْ أُدْرِكَ زَمَاناً لاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ آمُرَ بِمَعْرُوْفٍ، وَلاَ أَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَمَا خَيْرٌ يَوْمَئِذٍ (3) . هَذَا مِنْ (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) . ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو خُشَيْنَةَ، عَنْ عَمِّهِ؛ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: جَلَبَ رَجُلٌ خَشَباً، فَطَلَبَهُ زِيَادٌ، فَأَبَى أَنْ يَبِيْعَهُ، فَغَصَبَهُ إِيَّاهُ، وَبَنَى صُفَّةَ مَسْجِدِ البَصْرَةِ. قَالَ: فَلَمْ يُصَلِّ أَبُو بَكْرَةَ فِيْهَا حَتَّى قُلِعَتْ (4) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ: أَنَّ عُمَرَ جَلَدَ: أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعَ   = " تاريخ الطبري " 4 / 70 وما بعدها، و" المصنف " 8 / 362، وسنن البيهقي: 10 / 152، و" معجم الطبراني " 7 / 372، 373، و" مجمع الزوائد " 6 / 280. (1) في " سننه " 10 / 152. (2) هو عبد ربه بن عبيد الأزدي، من رجال " التهذيب ". (3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 319 / ب و320 / آ. (4) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 320 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 بنَ الحَارِثِ، وَشِبْلاً، فَتَابَا، فَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ، فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ، وَكَانَ أَفْضَلَ القَوْمِ (1) . سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ، أَمَرَتْ جَدَّتِي أَمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بِشَاةٍ، فَسُلِخَتْ، ثُمَّ أُلْبِسَ مَسْكَهَا (2) ، فَهَلْ ذَا إِلاَّ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيْدٍ (3) ؟ بَقِيَّةُ: عَنْ سُلَيْمَانَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: بَايَعْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَرَآنِي أَبُو بَكْرَةَ وَأَنَا مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا ابْنَ أَخِي؟ قُلْتُ: بَايَعْتُ عَلِيّاً. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، إِنَّهُم يَقْتَتِلُوْنَ عَلَى الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا أَخَذُوْهَا بِغَيْرِ مَشُوْرَةٍ (4) . هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ خَلِيْلاً لأَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ لِي: أَيَرَى النَّاسُ أَنِّي إِنَّمَا عَتَبْتُ عَلَى هَؤُلاَءِ لِلدُّنْيَا، وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ابْنِي عُبَيْدَ اللهِ عَلَى فَارِسٍ، وَاسْتَعْمَلُوا رَوَّاداً عَلَى دَارِ الرِّزْقِ،   (1) رجاله ثقات، وهو في " تفسير ابن كثير ": 18 / 76، وسعيد: هو ابن المسيب. (2) المسك: خصه بعضهم بجلد السخلة، ثم كثر حتى صار كل جلد مسكا. (3) تاريخ ابن عساكر ": 17 / 320 / آ. (4) بقية: هو ابن الوليد مدلس. وقد عنعن، وسليمان الأنصاري لم أعرفه. والصحيح في هذا ما رواه البخاري: 3 / 81 في الايمان: با ب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) ، و12 / 173 في الديات: باب (ومن أحياها) ، ومسلم (2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، وأبو داود (4268) في الفتن: باب في النهي عن القتال في الفتنة، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب السختياني ويونس بن عبيد البصري عن الحسن، عن الاحنف بن قيس، قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني عليا، قال: فقال لي: يا أحنف ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار " قلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصا على قتل صاحبه ". وانظر في شرح هذا الحديث " فتح الباري " 13 / 27، 29. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَاسْتَعْمَلُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى بَيْتِ المَالِ؛ أَفَلَيْسَ فِي هَؤُلاَءِ دُنْيَا؟ إِنِّيْ إِنَّمَا عَتَبْتُ عَلَيْهِم لأَنَّهُم كَفَرُوا. هَوْذَةُ: وَحَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَرَّ بِي أَنَسٌ، وَقَدْ بَعَثَهُ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ يُعَاتِبُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَوْلاَدَهُ، فَقَالَ: هَلْ زَادَ عَلَى أَنَّهُ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنِّيْ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ مُجْتَهِداً. قَالَ: أَهْلُ حَرُوْرَاءَ (1) اجْتَهَدُوا، أَفَأَصَابُوا أَمْ أَخْطَؤُوا؟ فَرَجَعْنَا مَخْصُوْمِيْنَ. ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ عُيَيْنَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا اشْتَكَى أَبُو بَكْرَةَ، عَرَضَ عَلَيْهِ بَنُوْهُ أَنْ يَأْتُوْهُ بِطَبِيْبٍ، فَأَبَى، فَلَمَّا نَزل بِهِ المَوْتُ، قَالَ: أَيْنَ طَبِيْبُكُم؟ لِيَرُدَّهَا إِنْ كَانَ صَادِقاً! وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرَةَ أَوْصَى، فَكَتَبَ فِي وَصَيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ نُفَيْعٌ الحَبَشِيُّ ... ، وَسَاقَ الوَصِيَّةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ أَبُو بَكْرَةَ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، بِالبَصْرَةِ. فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. قَالَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (3) ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ الصَّحَابِيُّ.   (1) ضبطها ياقوت في " معجم البلدان " بفتحتين، وضبطه بفتح الحاء وضم الراء ابن ماكولا وابن الأثير، وصاحب القاموس، وحروراء: موضع على بعد ميلين من الكوفة، اجتمع به الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حين جرى أمر المحكمين، فسموا حرورية نسبة إلى هذا الموضع. (2) في " الطبقات " 7 / 16. (3) في " تاريخه " 218. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وَرَوَيْنَا عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْزِلِ البَصْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ. مُغِيْرَةُ: عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ ثَقِيْفاً سَأَلُوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِم أَبَا بَكْرَةَ عَبْداً. فَقَالَ: (لاَ، هُوَ طَلِيْقُ اللهِ، وَطَلِيْقُ رَسُوْلِهِ (1)) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَخْبَرَنَا عُيَيْنَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنِي أَبِي: أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ، سَدَاهُ حَرِيْرٌ (2) . 2 - عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللهِ العَبْدَرِيُّ * (م، د) ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ، العَبْدَرِيُّ، الحَجَبِيُّ. حَاجِبُ البَيْتِ الحَرَامِ، وَأَحَدُ المُهَاجِرِيْنَ. هَاجَرَ مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ إِلَى المَدِيْنَةِ.   (1) رجاله ثقات إلا أن مغيرة - وهو ابن مقسم - وشباك مدلسان، وقد عنعنا، وهو في " المسند " 4 / 168 من طريق يحيى بن آدم، عن مفضل بن مهلهل، عن مغيرة، وأخرجه " ابن سعد " 7 / 15 من طريق الفضل بن دكين، عن أبي الاحوص، عن مغيرة، وأخرجه أحمد من طريق أبي الاحوص، عن مغيرة، عن شباك، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف. (2) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 7 / 16. (*) طبقات ابن سعد 5 / 448، طبقات خليفة ت 73 و2503، المعرفة والتاريخ: 1 / 272، الجرح والتعديل 6 / 155، معجم الطبراني 9 / 53، 55، جمهرة أنساب العرب: 127، الاستيعاب 1034، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 352، تاريخ ابن عساكر: 11 / 52 ب، أسد الغابة 3 / 372، الكامل لابن الأثير: 3 / 169، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 320، تهذيب الكمال: 912، تاريخ الإسلام: 1 / 380 و2 / 232 تذهيب التهذيب: 3 / 30 / 1، البداية والنهاية 8 / 23، العقد الثمين: 6 / 21، الإصابة: ت 5442، تهذيب التهذيب 7 / 124، خلاصة تذهيب الكمال: 220. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 لَهُ رِوَايَةُ خَمْسَةِ أَحَادِيْثَ؛ مِنْهَا وَاحِدٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)) . ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ يَوْمَ الفَتْحِ (2) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ الحَاجِبُ. قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنَ الكَعْبَةِ، أَمَرَ عُثْمَانَ بنَ طَلْحَةَ أَنْ يُغَيِّبَ قَرْنَيِ الكَبْشِ -يَعْنِي: كَبْشَ الذَّبِيْحِ - وَقَالَ: (لاَ يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ يَشْغَلُهُ (3)) . وَقَدْ قُتِلَ أَبُوْهُ طَلْحَةُ يَوْمَ أُحُدٍ مُشْرِكاً.   (1) رقم (1329) (394) في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره. (2) انظر " طبقات ابن سعد ": 2 / 136، 137 و" معجم الطبراني ": (8395) و" والمصنف ": (9073) و" سيرة ابن هشام " 2 / 412، و" تفسير الطبري ": 8 / 491، و" مجمع الزوائد " 6 / 177، و" ابن كثير " 1 / 515، 516، و" شرح المواهب " 2 / 340، 341، و" لباب النقول " 71. أخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 15، من طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت..وأخرج ابن إسحاق كما في " السيرة ": 2 / 411، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس في المسجد. وحسنه الحافظ في " الفتح ": 8 / 15. (3) أخرجه " أحمد ": 4 / 68 و5 / 380، وأبو داود (2030) ، والحميدي (565) ، والطبراني (8396) من طريق سفيان، عن منصور، عن خاله مسافع، عن صفية بنت شيبة، أخبرتني امرأة من بني سليم ... ورجاله ثقات. وفيه عنده: قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (خُذُوْهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً، لاَ يَنْزِعُهَا مِنْكُم إِلاَّ ظَالِمٌ) . يَعنِي: الحِجَابَةَ (1) . قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. 3 - شَيْبَةُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ القُرَشِيُّ * (خَ، د، ق) عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ العُزَّى العَبْدَرِيُّ، المَكِّيُّ، الحَجَبِيُّ، حَاجِبُ الكَعْبَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. كَانَ مُشَارِكاً لابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ الحَجَبِيِّ فِي سَدَانَةِ بَيْتِ اللهِ -تَعَالَى -. وَهُوَ أَبُو صَفِيَّةَ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ. وَكَانَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ العَبْدَرِيُّ الشَّهِيْدُ خَالَهُ، وَحَجَبَةُ البَيْتِ بَنُوْ شَيْبَةَ مِنْ ذُرِّيَتِهِ. قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِراً، قَتَلَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.   (1) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل، وانظر " الفتح ": 8 / 15، وذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 285، ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وأعله بعبد الله بن المؤمل. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 248، نسب قريش: 252، 253، طبقات خليفة ت 74 و2504، المحبر: 17، تاريخ البخاري: 4 / 241، الجرح والتعديل: 4 / 335، الاستيعاب: 712، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 219، تاريخ ابن عساكر: 8 / 77 / 1، أسد الغابة: 3 / 7، تهذيب الكمال: 593، تاريخ الإسلام: 2 / 293، تذهيب التهذيب: 2 / 84 ب، مرآة الجنان: 1 / 131، البداية والنهاية: 8 / 213، العقد الثمين: 5 / 19، الإصابة ت 3945، تهذيب التهذيب: 4 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 142 شذرات الذهب: 1 / 65، تهذيب ابن عساكر: 6 / 349. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 فَلَمَّا كَانَ عَامُ الفَتْحِ، مَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْبَةَ، وَأَمْهَلَهُ، وَخَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حُنَيْنٍ عَلَى شِرْكِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَوَى أَنْ يَغْتَالَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلاَمِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَقَاتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ مُصْعَبُ بنُ شَيْبَةَ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَفِيْدُهُ مُسَافِعُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَيْبَةَ. وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ (1) . وَرَوَى لَهُ أَيْضاً: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، بِمَكَّةَ. وَصَفِيَّةُ بِنْتُهُ وُلِدَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُقَالُ: لَهَا صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ (2) .   (1) أخرجه البخاري: 3 / 363 في الحج: باب كسوة الكعبة من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سفيان، حدثنا واصل الاحدب، عن أبي وائل، قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه، فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المرآن أقتدي بهما. ولفظ ابن ماجه (3116) : لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي جلست فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت: ما أنت فاعل. قال: لافعلن، قال: ولم ذاك؟ قلت: لان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه، وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحركاه، فقام كما هو، فخرج. (2) لكن نقل الحافظ في " الفتح " 9 / 207، عن المزي في " الأطراف " أن البخاري أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة، قال: وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح، فقال: يا أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض ... ، ووصله ابن ماجه (3109) = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 4 - أَبُو رِفَاعَةَ العَدَوِيُّ تَمِيْمُ بنُ أُسَيْدٍ * (م، س (1)) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ابْنِ عَدِيِّ بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ المُضَرِيُّ. عِدَادُهُ فِيْمَنْ نَزَلَ البَصْرَةَ. لَهُ أَحَادِيْثُ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَصِلَةُ بنُ أَشْيَمَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ خَلِيْفَةُ (2) : هُوَ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ الرَّبَابِ. رَوَى: غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ رَجُلٍ - كَأَنَّهُ أَبُو رِفَاعَةَ - قَالَ: كَانَ لِي رَئِيٌّ مِنَ الجِنِّ (3) ، فَأَسْلَمْتُ، فَفَقَدْتُهُ، فَوَقَفْتُ   = من طريق ابن نمير، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن صفية بنت شيبة..وهذا سند قوي، وأبان بن صالح كما قال الحافظ في " مقدمة الفتح ": وثقه الجمهور، ويحيى بن معين، وأبو حاتم وغيرهم من النقاد، وشذ ابن عبد البر، فقال: ضعيف. وأخرج أبو داود (1878) ، وابن ماجه (2947) من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده، قال: وأنا أنظر إليه. وهذا سند حسن يضعف قول من أنكر لها رؤية. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 68، طبقات خليفة: 258 و1375، تاريخ البخاري: 2 / 151، الكنى: 1 / 29 وفيه أبو رفاعة بن أسد، الجرح والتعديل: 2 / 440، الاستيعاب: 194، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 64، أسد الغابة: 1 / 214 و5 / 193، تهذيب الكمال: 1604، تاريخ الإسلام: 2 / 253، تذهيب التهذيب: 4 / 212 / ب، الإصابة كنى ت 410، تهذيب التهذيب: 12 / 96، خلاصة تذهيب الكمال: 379. (1) كذا ضبطه المؤلف بالضم والفتح، وتبعه ابن حجر في " الإصابة ". (2) في " الطبقات " في ترجمته. (3) قال ابن الأثير في " النهاية ": يقال للتابع من الجن: رئي بوزن كمي، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه، أو هو من الرأي، من قولهم: فلان رئي قومه إذا كان صاحب رأيهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 بِعَرَفَةَ، فَسَمِعْتُ حِسَّهُ، فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ أَصْوَاتَ النَّاسِ يَرْفَعُوْنَهَا، قَالَ: عَلَيْكَ الخُلُقَ الأَسَدَّ، فَإِنَّ الخَيْرَ لَيْسَ بِالصَّوْتِ الأَشَدِّ (1) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو رِفَاعَةَ العَدَوِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَزَبَتْ عَنِّي سُوْرَةُ البَقَرَةِ مُنْذُ عَلَّمَنِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذْتُ مَعَهَا مَا أَخَذْتُ مِنَ القُرْآنِ، وَمَا وَجِعَ ظَهْرِي مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَطُّ (2) . وَكَانَ أَبُو رِفَاعَةَ ذَا تَعَبُّدٍ وَتَهَجُّدٍ. قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: خَرَجَ أَبُو رِفَاعَةَ فِي جَيْشٍ، عَلَيْهِم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَمُرَةَ، فَبَاتَ تَحْتَ حِصْنٍ يُصَلِّي لَيْلَهُ، ثُمَّ تَوَسَّدَ تُرْسَهُ، فَنَامَ، وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ وَتَرَكُوْهُ نَائِماً، فَبَصُرَ بِهِ العَدُوُّ، فَنَزَلَ ثَلاَثَةُ أَعْلاَجٍ، فَذَبَحُوْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (3) -. قَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ صِلَةُ: رَأَيْتُ كَأَنِّيْ أَرَى أَبَا رِفَاعَةَ عَلَى نَاقَةٍ سَرِيْعَةٍ، وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ قَطُوْفٍ، فَأَنَا عَلَى أَثَرِهِ، فَأَوَّلْتُ أَنِّي عَلَى طَرِيْقِهِ، وَأَنَا أَكُدُّ العَمَلَ بَعْدَهُ كَدّاً (4) . 5 - ثَوْبَانُ النَّبَوِيُّ * (م، 4) مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   (1) " ابن سعد ": 7 / 68، 69، ورجاله ثقات، وقد تحرف فيه رئي إلى " زي " و" الخلق الاسد " إلى " الحلق الاشد ". (2) " ابن سعد ": 7 / 69، ورجاله ثقات. (3) أورده ابن سعد في " الطبقات ": 7 / 69 مفصلا. ورجاله ثقات. (4) انظر " ابن سعد " 7 / 70، والقطوف من الدواب: البطئ. (*) " طبقات ابن سعد " 7 / 400، طبقات خليفة ت 15 و2710، المحبر: 128، تاريخ البخاري: 2 / 181، الجرح والتعديل: 2 / 469، معجم الطبراني: 2 / 85، 102، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَأَعْتَقَهُ، فَلَزِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ، وَحَفِظَ عَنْهُ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ. يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَيُقَالُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: هُوَ يَمَانِيٌّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: جَحْدَرٌ، وَقِيْلَ: بُجْدَدٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَمَعْدَانُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ، وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ. نَزَلَ حِمْصَ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: سَكَنَ الرَّمْلَةَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَلَمْ يُعْقِبْ، وَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ اليَمَنِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : نَزَلَ حِمْصَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. يَذْكُرُوْنَ أَنَّهُ مِنْ حِمْيَرٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ فِي (تَارِيخِ حِمْصَ) : أَنَّهُ مِنْ أَلْهَانَ (2) ، وَقُبِضَ بِحِمْصَ، وَدَارُهُ بِهَا حُبْساً عَلَى فُقَرَاءِ أَلْهَانَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا.   = الحلية: 1 / 180، 350، الاستيعاب: 218، الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 68، تاريخ ابن عساكر: 3 / 297 / ب، أسد الغابة: 1 / 250، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول: 140، تهذيب الكمال: 1179، تاريخ الإسلام: 2 / 273، العبر: 1 / 59، تذهيب التهذيب: 1 / 98 / 2، الإصابة ت 967، تهذيب التهذيب: 2 / 31، خلاصة تذهيب الكمال: 50، شذرات الذهب: 1 / 59، تهذيب ابن عساكر: 3 / 381. (1) في " الطبقات ": 7 / 400. (2) ألهان: جد قبيلة، وهو ابن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، وهو أخو همدان. قال ابن دريد: ألهان من قولهم: " لهنوا ضيفكم " أي أطعموه ما يتعلل به قبل إنى القرى، وكأن ألهان جمع لهن، واسم ما يأكله الضيف لهنة. انظر " الاشتقاق ": 419، 433، و" جمهرة ابن حزم " 392: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: لَهُ بِحِمْصَ دَارٌ، وَبِالرَّمْلَةِ دَارٌ، وَبِمِصْرَ دَارٌ. عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي العَالِيَةِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لاَ يَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ؟) . فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا. فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً (1) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ: قَالَ شُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ: مَرِضَ ثَوْبَانُ بِحِمْصَ، وَعَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُرْطٍ، فَلَمْ يَعُدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى ثَوْبَانَ رَجُلٌ يَعُوْدُهُ. فَقَالَ لَهُ ثَوْبَانُ: أَتَكْتُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اكْتُبْ. فَكَتَبَ: لِلأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُرْطٍ، مِنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُوْسَى وَعِيْسَى مَوْلَىً بِحَضْرَتِكَ لَعُدْتَهُ. فَأُتِي بِالكِتَابِ، فَقَرَأَهُ، وَقَامَ فَزِعاً. قَالَ النَّاسُ: مَا شَأْنُهُ! أَحَضَرَ أَمْرٌ؟! فَأَتَاهُ، فَعَادَهُ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ. فَأَخَذَ ثَوْبَانُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُوْنَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِم، وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُوْنَ أَلْفاً) . أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) (2) .   (1) أخرجه أبو داود (1643) في الزكاة: باب كراهية المسألة، من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة بهذا الإسناد، وهذا سند صحيح، وهو في " المسند ": 5 / 276 و277 و279 و281، ومعجم الطبراني (1433) . وقال المنذري في " الترغيب والترهيب ": 2 / 8، بعد أن ذكره، ونسبه لأحمد والنسائي وابن ماجه وأبي داود: وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2009) من طريق معمر، عن عاصم به، وأخرجه ابن ماجه (1837) من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ثوبان. (2) 5 / 280، 281 من طريق أبي اليمان بهذا الإسناد، وهذا سند حسن، فإن إسماعيل ابن عياش ثقة في روايته عن أهل بلده وضمضم بن زرعة حمصي من أهل بلده، وأخرجه ابن عساكر: 3 / 300، والطبراني (1413) . وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد: 2 / 359، وسنده جيد كما قال الحافظ في " الفتح " 11 / 356، وعن حذيفة عند أحمد، وعن أنس عند = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 عَنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ: أَنَّ ثَوْبَانَ مَاتَ بِحِمْصَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. 6 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ كُرَيْزِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ حَبِيْبٍ العَبْشَمِيُّ * ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، الأَمِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الَّذِي افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ خُرَاسَانَ. رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ حَدِيْثاً فِي: (مَنْ قُتِلَ دُوْنَ مَالِهِ (1)) . رَوَاهُ عَنْهُ: حَنْظَلَةُ بنُ قَيْسٍ. وَهُوَ ابْنُ خَالِ عُثْمَانَ، وَأَبُوْهُ عَامِرٌ: هُوَ ابْنُ عَمَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البَيْضَاءِ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. وَلِيَ البَصْرَةَ لِعُثْمَانَ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَزَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ هِنْدٍ، وَدَارُهُ بِدِمَشْقَ بِالحُوَيْرَةِ؛ هِيَ دَارُ ابْنِ الحَرَسْتَانِيِّ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: اسْتَعْمَلَ عُثْمَانُ عَلَى البَصْرَةِ ابْنَ عَامِرٍ، وَعَزَلَ أَبَا   = البزار، وعن أبي أمامة عند الترمذي (2437) ، وحسنه، وصححه ابن حبان (2642) ، وعن عتبة بن عبد السلمي عند ابن حبان (2643) . (*) طبقات ابن سعد: 5 / 44، نسب قريش: 147، 148، المحبر انظر الفهارس، المعارف: 320، فتوح البلدان: 396، تاريخ الطبري: 5 / 170، المستدرك: 3 / 639، جمهرة أنساب العرب: 75، الاستيعاب: 931، تاريخ ابن عساكر: 9 / 229 / ب، أسد الغابة: 3 / 191، الكامل لابن الأثير: 3 / 206، تاريخ الإسلام: 2 / 266، العبر: 1 / 64، البداية والنهاية: 8 / 88، العقد الثمين: 5 / 185، الإصابة ت 6181، تهذيب التهذيب: 5 / 272، شذرات الذهب: 1 / 36 و65. (1) أخرجه الحاكم 3 / 639 من طريق مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن جده مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن حنظلة بن قيس، عن عبد الله بن عامر. مرفوعا، ولفظه: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". وهذا سند ضعيف لضعف والد مصعب وجده، لكن في الباب ما يقويه، منها عن عبد الله بن عمرو عند أحمد والبخاري ومسلم، وعن سعيد بن زيد عند الترمذي وابن حبان، وعن بريدة عند النسائي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 مُوْسَى. فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: قَدْ أَتَاكُم فَتَىً مِنْ قُرَيْشٍ، كَرِيْمُ الأُمَّهَاتِ وَالعَمَّاتِ وَالخَالاَتِ، يَقُوْلُ بِالمَالِ فِيْكُم هَكَذَا وَهَكَذَا. وَهُوَ الَّذِي دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِلَى البَصْرَةِ، وَقَالَ: إِنَّ لِي فِيْهَا صَنَائِعَ. وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ خُرَاسَانَ، وَقُتِلَ كِسْرَى فِي وِلاَيَتِهِ، وَأَحْرَمَ مِنْ نَيْسَابُوْرَ شُكْراً للهِ، وَعَمِلَ السِّقَايَاتِ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ سَخِيّاً كَرِيْماً (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : أَسْلَمَ أَبُوْهُ عَامِرٌ يَوْمَ الفَتْحِ، وَبَقِيَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ، وَعَقِبُهُ بِالبَصْرَةِ وَالشَّامِ كَثِيْرٌ. قَدِمَ عَلَى وَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ وَالِي البَصْرَةِ. وَقِيْلَ: وُلِدَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ مُعْتَمِراً عُمْرَةَ القَضَاءِ، حُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَامِرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَحَنَّكَهُ، وَوُلِدَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمَّا ابْنُ مَنْدَةَ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلابْنِ عَامِرٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ لاَ يُعَالِجُ أَرْضاً إِلاَّ ظَهَرَ لَهُ المَاءُ (3) . وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أُرْتِجَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَضْحَى بِالبَصْرَةِ، فَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لاَ أَجْمَعُ عَلَيْكُم عِيّاً وَلُؤْماً، مَنْ أَخَذَ شَاةً مِنَ السُّوْقِ، فَثَمَنُهَا عَلَيَّ (4) . أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ   (1) أورده ابن عساكر مطولا: 9 / 229 / آ. (2) انظر بعض هذا القول في " الطبقات ": 5 / 45. وهو عند ابن عساكر في: " تاريخه ": 9 / 229 / ب، 230 / آ. (3) انظر " المستدرك " 3 / 639، وابن عساكر: 9 / 231 / آ. (4) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 231 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 زِيَادِ (1) بنِ كُسَيْبٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ. فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيْرِكُم يَلْبِسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللهُ (2)) . أَبُو بِلاَلٍ: هُوَ مِرْدَاسُ بنُ أُدَيَّةَ، مِنَ الخَوَارِجِ. قَالَ خَلِيْفَةُ (3) : وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ عَزَلَ عُثْمَانُ أَبَا مُوْسَى عَنِ البَصْرَةِ، وَعُثْمَانَ بنَ أَبِي العَاصِ عَنْ فَارِسٍ، وَجَمَعَهُمَا لابْنِ عَامِرٍ. وَعَنِ الحَسَنِ، قَالَ: غَزَا ابْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى مُقَدَّمَتِهِ ابْنُ بُدَيْلٍ، فَأَتَى أَصْبَهَانَ، فَصَالَحُوْهُ، وَتَوَجَّهَ إِلَى خُرَاسَانَ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ الأَحْنَفُ، فَافْتَتَحَهَا -يَعْنِي: بَعْضَهَا عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا صُلْحاً -. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: خَرَجَ يَزْدَجِرْدُ فِي مائَةِ أَلْفٍ، فَنَزَلَ مَرْوَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى إِصْطَخْرَ رَجُلاً، فَأَتَاهَا ابْنُ عَامِرٍ، فَافْتَتَحَهَا. قَالَ: وَقُتِلَ يَزْدَجِرْدُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بِمَرْوَ، وَنَزَلَ ابْنُ عَامِرٍ بِأَبْرَشَهْرَ، وَبِهَا بِنْتَا كِسْرَى، فَحَاصَرَهَا، فَصَالَحُوْهُ. وَبَعَثَ الأَحْنَفَ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ هَرَاةَ. وَبَعَثَ حَاتِمَ (4) بنَ النُّعْمَانِ البَاهِلِيَّ إِلَى مَرْوَ، فَصَالَحُوْهُ، ثُمَّ سَارَ مُعْتَمِراً مِنْ نَيْسَابُوْرَ إِلَى مَكَّةَ شُكْراً للهِ. وَقَدِ افْتَتَحَ كَرْمَانَ، وَسِجِسْتَانَ (5) .   (1) في الأصل يزيد، وهو خطأ. (2) أخرجه الطيالسي في " مسنده " 2 / 167، وأحمد 5 / 42 و49، والترمذي (2224) وحسنه، وهو كما قال. وأخرجه ابن عساكر في " تاريخه " 9 / 231. (3) في " تاريخه ": 161. (4) في الأصل: غانم بن النعمان، وهو خطأ. (5) أورده ابن عساكر عن الزهري مطولا 9 / 232 / 1. ومرو وإصطخر وأبر شهر وهراة وكرمان وسجستان: من بلدان فارس الشهيرة، انظرها في " معجم البلدان "، وانظر فتوحها في " تاريخ الطبري ": 4 / 293 وما بعدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وَكَانَ مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَشُجْعَانِهِم، وَأَجَوَادِهِم. وَكَانَ فِيْهِ رِفْقُ وَحِلْمٌ. وَلاَّهُ مُعَاوِيَةُ البَصْرَةَ. تُوُفِّيَ: قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: بِمَنْ نُفَاخِرُ؟ وَبِمَنْ نُبَاهِي بَعْدَهُ؟! (1) 7 - المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مُعَتِّبٍ * (ع) الأَمِيْرُ أَبُو عِيْسَى. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ. مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أُوْلِي الشَّجَاعَةِ وَالمَكِيْدَةِ. شَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. كَانَ رَجُلاً طُوَالاً، مَهِيْباً، ذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَقِيْلَ: يَوْمَ القَادِسِيَّةِ. رَوَى: مُغِيْرَةُ بنُ الرَّيَّانِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ.   (1) انظر " ابن سعد ": 5 / 49. (*) طبقات ابن سعد: 4 / 284 و6 / 20، طبقات خليفة: 361، 884، 1419، المحبر انظر الفهارس، تاريخ البخاري: 7 / 316، المعارف: 294، الجرح والتعديل: 8 / 224، تاريخ الطبري: 5 / 234، مروج الذهب: 3 / 67، الاغاني: 16 / 79، 101، جمهرة أنساب العرب: 267، الاستيعاب: 1445، تاريخ بغداد: 1 / 191، الجمع بين رجال الصحيحين: 2 / 499، تاريخ ابن عساكر: 17 / 33 / ب، أسد الغابة: 4 / 406، الكامل في التاريخ: 3 / 461، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 109، تهذيب الكمال: 1360، تاريخ الإسلام: 2 / 247، تذهيب التهذيب: 4 / 60 / آ، العبر: 1 / 56، مرآة الجنان: 1 / 124، البداية والنهاية: 8 / 48، العقد الثمين: 7 / 255، الإصابة ت 8181، تهذيب التهذيب: 10 / 262، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات الذهب: 1 / 56. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ المُغِيْرَةُ أَصْهَبَ الشَّعْرِ جِدّاً، يَفْرِقُ رَأْسَهُ فُرُوْقاً أَرْبَعَةً، أَقْلَصَ الشَّفَتَيْنِ، مَهْتُوْماً، ضَخْمَ الهَامَةِ، عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ. وَكَانَ دَاهِيَةً، يُقَالُ لَهُ: مُغِيْرَةُ الرَّأْيُ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ المُغِيْرَةَ سَارَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الكُوْفَةِ خَمْساً. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عُرْوَةُ، وَحَمْزَةُ، وَعَقَّارٌ، وَالمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمَسْرُوْقٌ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رَبِيْعَةَ الوَالِبِيُّ، وَطَائِفَةٌ، خَاتِمَتُهُم: زِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعَ أَبَا إِدْرِيْسَ، قَالَ: قَدِمَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ دِمَشْقَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: وَضَّأْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ (2) . مَعْمَرُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ دُهَاةُ النَّاسِ فِي الفِتْنَةِ خَمْسَةً، فَمِنْ قُرَيْشٍ: عَمْرٌو، وَمُعَاوِيَةُ، وَمِنَ الأَنْصَارِ: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَمِنْ ثَقِيْفٍ:   (1) لم نجد هذا القول في " الطبقات " فلعله في الجزء المخروم من ترجمته، انظر " الطبقات ": 4 / 286، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 35 / ب. (2) أخرجه ابن عساكر: 17 / 33 / ب، وأخرجه من غير هذا الطريق البخاري: 1 / 265 في الوضوء: باب المسح على الخفين، وفي الصلاة: باب الصلاة بالجبة الشامية، وباب الصلاة في الخفاف، وفي الجهاد: باب الجبة في السفر والحرب، وفي المغازي: باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وفي اللباس: باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وباب جبة الصوف في الغزو، ومسلم (274) في الطهارة: باب المسح على الخفين، ومالك في " الموطأ ": 1 / 36 في الطهارة: باب ما جاء في المسح على الخفين، وأبو داود (149) و (151) ، والترمذي (97) و (98) و (99) و (100) ، والنسائي: 1 / 82، ثلاثتهم في الطهارة: باب المسح على الخفين. وفي رواية للبخاري أنه كان في سفر، وفي أخرى أنه كان في غزوة تبوك، على تردد في ذلك من رواته، ولمالك وأحمد وأبي داود من طريق عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد وأن ذلك كان عند صلاة الفجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 المُغِيْرَةُ، وَمِنَ المُهَاجِرِيْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ. فَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ: قَيْسٌ، وَابْنُ بُدَيْلٍ، وَاعْتَزَلَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ (1) . زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِأَبِي عِيْسَى (2) . وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَبُو عِيْسَى؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اكْتَنَى بِهَا المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ غَيَّرَ كُنْيَةَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَكَنَّاهُ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: هَلْ لِعِيْسَى مِنْ أَبٍ (4) ؟ وَعَنْ أَبِي مُوْسَى الثَّقَفِيِّ، قَالَ: كَانَ المُغِيْرَةُ رَجُلاً طُوَالاً، أَعْوَرَ، أُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ (5) .   (1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 34 / ب. (2) أخرجه أبو داود (4963) في الأدب: باب فيمن يتكنى بأبي عيسى، من طريق هارون ابن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر ابن الخطاب ضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى، وأن المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى، فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنا في جلجتنا. فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك. وهذا سند حسن، وقوله: وإنا في جلجتنا، معناه: إنا بقينا في عدد من أمثالنا من المسلمين، لا ندري ما يصنع بنا، وفي " النهاية " الجلج: رؤوس الناس واحدها جلجة: والحديث في " تاريخ دمشق ": 17 / 35 / آلابن عساكر. (3) أخرجه ابن عساكر: 17 / 135 / آ. (4) في " المصنف " (19856) عن معمر، عن الزهري أن ابنا لعمر تكنى بأبي عيسى، فنهاه عمر، وأخرج أيضا (19857) من طريق معمر، عن أيوب، عن نافع مثله، وزاد: فقال عمر: إن عيسى لا أب له. (5) " ابن سعد ": 6 / 20. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وَعَنْ غَيْرِهِ: ذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ. وَقِيْلَ: بِالطَّائِفِ، وَمَرَّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ كُسُوْفِ الشَّمْسِ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ، قَالُوا: قَالَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ: كُنَّا مُتَمَسِّكِيْنَ بِدِيْنِنَا وَنَحْنُ سَدَنَةُ اللاَّتِ، فَأُرَانِي لَوْ رَأَيْتُ قَوْمَنَا قَدْ أَسْلَمُوا مَا تَبِعْتُهُم. فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الوُفُوْدَ عَلَى المُقَوْقِسِ، وَإِهْدَاءَ هَدَايَا لَهُ، فَأَجْمَعْتُ الخُرُوْجَ مَعَهُم، فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بنَ مَسْعُوْدٍ، فَنَهَانِي، وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيْكَ أَحَدٌ. فَأَبَيْتُ، وَسِرْتُ مَعَهُم، وَمَا مَعَهُم مِنَ الأَحْلاَفِ غَيْرِي؛ حَتَّى دَخَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَإِذَا المُقَوْقِسِ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى البَحْرِ، فَرَكِبْتُ زَوْرَقاً حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ، فَأَنْكَرَنِي، وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُوْمِنَا. فَأَمَرَ أَنْ نَنْزِلَ فِي الكَنِيْسَةِ، وَأَجْرَى عَلَيْنَا ضِيَافَةً، ثُمَّ أَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ، فَأَدْنَاهُ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ: أَكُلُّكُم مِنْ بَنِي مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، سِوَى رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَعَرَّفَهُ بِي، فَكُنْتُ أَهْوَنَ القَوْمِ عَلَيْهِ، وَسُرَّ بِهَدَايَاهُم، وَأَعْطَاهُمُ الجَوَائِزَ، وَأَعْطَانِي شَيْئاً لاَ ذِكْرَ لَهُ. وَخَرَجْنَا، فَأَقْبَلَتْ بَنُوْ مَالِكٍ يَشْتَرُوْنَ هَدَايَا لأَهْلِهِمْ، وَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُم مُوَاسَاةً، وَخَرَجُوا، وَحَمَلُوا مَعَهُمُ الخَمْرَ، فَكُنَّا نَشْرَبُ. فَأَجْمَعْتُ عَلَى قَتْلِهِم، فَتَمَارَضْتُ، وَعَصَبْتُ رَأْسِي، فَوَضَعُوا شَرَابَهُم، فَقُلْتُ: رَأْسِي يُصَدَّعُ، وَلَكِنِّي أَسْقِيْكُم. فَلَمْ يُنْكِرُوا، فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُم (1) ، وَأُتْرِعُ لَهُمُ الكَأْسَ، فَيَشْرَبُوْنَ وَلاَ يَدْرُوْنَ، حَتَّى نَامُوا سُكْراً، فَوَثَبْتُ، وَقَتَلْتُهُم جَمِيْعاً، وَأَخَذْتُ مَا مَعَهُم. فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجِدُهُ جَالِساً فِي المَسْجَدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي، فَسَلَّمْتُ، فَعَرَفَنِي أَبُو بَكْرٍ.   (1) أي يسقيهم الخمر صرفا من غير مزج بالماء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلإِسْلاَمِ) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُم؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا فَعَلَ المَالِكِيُّوْنَ؟ قُلْتُ: قَتَلْتُهُم، وَأَخَذْتُ أَسْلاَبَهُم، وَجِئْتُ بِهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ لِيَخْمُسَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَمَّا إِسْلاَمُكَ فَنَقْبَلُهُ، وَلاَ آخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِم شَيْئاً، لأَنَّ هَذَا غَدْرٌ، وَلاَ خَيْرَ فِي الغَدْرِ) . فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا قَتَلْتُهُم وَأَنَا عَلَى دِيْنِ قَوْمِي، ثُمَّ أَسْلَمْتُ السَّاعَةَ. قَالَ: (فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ) . وَكَانَ قَتَلَ مِنْهُم ثَلاَثَةَ عَشَرَ (1) ، فَبَلَغَ ثَقِيْفاً بِالطَّائِفِ، فَتَدَاعَوْا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَنِّي عُرْوَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ دِيَةً. وَأَقَمْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ سَفْرَةٍ خَرَجْتُ مَعَهُ فِيْهَا. وَكُنْتُ أَكُوْنُ مَعَ الصِّدِّيْقِ، وَأَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيْمَنْ يَلْزَمُهُ. قَالَ: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ عُرْوَةَ بنَ مَسْعُوْدٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُكَلِّمَهُ، فَأَتَاهُ، فَكَلَّمَهُ، وَجَعَلَ يَمَسُّ لِحْيَتَهُ، وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُوْلِ اللهِ مُقَنَّعٌ فِي الحَدِيْدِ. فَقَالَ المُغِيْرَةُ لِعُرْوَةَ: كُفَّ يَدَكَ قَبْلَ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَيْكَ. فَقَالَ: مَنْ ذَا يَا مُحَمَّدُ؟ مَا أَفَظَّهُ وَأَغْلَظَهُ! قَالَ: (ابْنُ أَخِيْكَ) . فَقَالَ: يَا غُدَرُ، وَاللهِ مَا غَسَلْتُ عَنِّي سَوْءتَكَ إِلاَّ بِالأَمْسِ (2) .   (1) هو في " طبقات ابن سعد ": 4 / 285، 286 إلى هنا. وبقية الخبر مخروم. وانظر: " المصنف " رقم (9678) . (2) أخرجه بطوله صاحب الاغاني: 16 / 80، 82، وابن عساكر: 17، 35 / آ / 36 من طريق الواقدي، وقوله " إن الإسلام يجب ما قبله " حديث صحيح أخرجه أحمد 4 / 199 و204 و205، ومسلم في " صحيحه " (121) من حديث عمرو بن العاص، ومن قوله: وبعثت قريش، إلى آخر الخبر معناه في صحيح البخاري: 5 / 249 في الشروط: باب الشروط في الجهاد والمصالحة، وهو جزء من خبر صلح الحديبية الطويل. وقول عروة: " والله ما غسلت عني سوأتك إلا بالامس ": قال ابن هشام في " السيرة " 2 / 313: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف، فنهايج الحيان من ثقيف: بنو مالك رهط المقتولين، والاحلاف رهط المغيرة، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية، وأصلح ذلك الامر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَامِرِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: خَرَجَ المُغِيْرَةُ فِي سِتَّةٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ إِلَى مِصْرَ تُجَّاراً، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبُزَاقٍ (1) عَدَا عَلَيْهِم، فَذَبَحَهُم، وَاسْتَاقَ العِيْرَ، وَأَسْلَمَ (2) . هُشَيْمٌ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ: أَنَا آخِرُ النَّاسِ عَهْداً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دُفِنَ، خَرَجَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ القَبْرِ، فَأَلْقَيْتُ خَاتَمِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، خَاتَمِي! قَالَ: انْزِلْ، فَخُذْهُ. قَالَ: فَمَسَحْتُ يَدِي عَلَى الكَفَنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ (3) . وَرَوَاهُ: مُحَاضِرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا أَلْقَى المُغِيْرَةُ خَاتَمَهُ: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّكَ نَزَلْتَ فِي قَبْرِ نَبِيِّ اللهِ، وَلاَ يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّ خَاتَمَكَ فِي قَبْرِهِ. وَنَزَلَ عَلِيٌّ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ. حُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَكَرِهُوْهُ، فَعَزَلَهُ عُمَرُ، فَخَافُوا أَنْ يَرُدَّهُ. فَقَالَ دِهْقَانُهُم (4) : إِنْ فَعَلْتُم مَا آمُرُكُم، لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا. قَالُوا: مُرْنَا. قَالَ: تَجْمَعُوْنَ مائَةَ أَلْفٍ حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَأَقُوْلُ: إِنَّ المُغِيْرَةَ اخْتَانَ هَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ. قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ مائَةَ أَلْفٍ، وَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ ذَلِكَ. فَدَعَا المُغِيْرَةَ، فَسَأَلَهُ، قَالَ: كَذَبَ - أَصْلَحَكَ اللهُ - إِنَّمَا كَانَتْ مائَتَيْ أَلْفٍ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: العِيَالُ وَالحَاجَةُ. فَقَالَ عُمَرُ   (1) بزاق: موضع قريب من مكة، وهو بالصاد أعرف. انظر " معجم البلدان " (بصاق) و" معجم ما استعجم ": 1 / 253. (2) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 36 / ب. وله تتمة. (3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 37 / ب. (4) الدهقان: القوي على التصرف، ورئيس الاقليم - معرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 لِلْعِلْجِ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: لاَ -وَاللهِ - لأَصْدُقَنَّكَ، مَا دَفَعَ إِلَيَّ قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً. فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِيْرَةِ: مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: الخَبِيْثُ كَذَبَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْزِيَهُ (1) . سَلَمَةُ بنُ بِلاَلٍ: عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، قَالَ: كَانَ فَتْحُ الأُبُلَّةِ (2) عَلَى يَدِ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى عُمَرَ، قَالَ لِلْمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ: صَلِّ بِالنَّاسِ (3) . فَلَمَّا هَلَكَ عُتْبَةُ، كَتَبَ عُمَرُ إِلَى المُغِيْرَةِ بِإِمْرَةِ البَصْرَةِ، فَبَقِيَ عَلَيْهَا ثَلاَثَ سِنِيْنَ. عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعَ بنَ الحَارِثِ (4) ، وَشِبْلَ بنَ مَعْبَدٍ، شَهِدُوا عَلَى المُغِيْرَةِ أَنَّهُم رَأَوْهُ يُوْلِجُهُ وَيُخْرِجُهُ، وَكَانَ زِيَادٌ رَابِعَهُم، وَهُوَ الَّذِي أَفْسَدَ عَلَيْهِم. فَأَمَّا الثَّلاَثَةُ فَشَهِدُوا. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي بِأَيْرِ جُدَرِيٍّ فِي فَخِذِهَا. فَقَالَ عُمَرُ حِيْنَ رَأَى زِيَاداً: إِنِّيْ لأَرَى غُلاَماً لَسِناً، لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً، وَلَمْ يَكُنْ لِيَكْتُمَنِي. فَقَالَ: لَمْ أَرَ مَا قَالُوا، لَكِنِّي رَأَيْتُ رِيْبَةً، وَسَمِعْتُ نَفَساً عَالِياً. فَجَلَدَهُم عُمَرُ، وَخَلاَّهُ (5) . وَهُوَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ. ذَكَرَ القِصَّةَ: سَيْفُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّجَّارِيُّ مُطَوَّلَةً بِلاَ سَنَدٍ (6) .   (1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 38 / آ. (2) الابلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة انظر " معجم البلدان ". (3) زاد ابن عساكر: " صل بالناس، فإذا قدم مجاشع بن مسعود من الفرات فهو الأمير، فلما ... " والخبر عنده: 17 / 38 / آ / ب. (4) في الأصل: " نافع بن عبد الحارث " زيادة من الناسخ. (5) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 38 / ب. (6) سيف بن عمر: هو كالواقدي متروك، وانظر روايته في " تاريخ الطبري ": 4 / 70. وأوردها ابن عساكر في تاريخه: 17 / 39 / ب، 40 / 1 / ب. وانظر الصفحة (6) تعليق (3) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الحَرِيْرِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً وَأَبُو بَكْرَةَ وَأَخُوْهُ نَافِعٌ، وَشِبْلٌ، فَجَاءَ المُغِيْرَةُ، فَسلَّم عَلَى أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! مَا أَخْرَجَكَ مِنْ دَارِ الإِمَارَةِ؟ قَالَ: أَتَحَدَّثُ إِلَيْكُم. قَالَ: بَلْ تَبْعَثُ إِلَى مَنْ تَشَاءُ. ثُمَّ دَخَلَ، فَأَتَى بَابَ أُمِّ جَمِيْلٍ (1) العَشِيَّةَ، فَدَخَلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: لَيْسَ عَلَى هَذَا صَبْرٌ. وَقَالَ لِغُلاَمٍ: ارْتَقِ غُرْفَتِي، فَانْظُرْ مِنَ الكُوَّةِ. فَانْطَلَقَ، فَنَظَرَ، وَجَاءَ، فَقَالَ: وَجَدْتُهُمَا فِي لِحَافٍ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: قَوْمُوا مَعِي. فَقَامُوا، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرَةَ، فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ لأَخِيْهِ: انْظُرْ. فَنَظَرَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الزِّنَى مَحْضاً؟ قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِمَا رَأَى، فَأَتَاهُ أَمْرٌ فَظِيْعٌ. فَبَعَثَ عَلَى البَصْرَةِ أَبَا مُوْسَى، وَأَتَوْا عُمَرَ، فَشَهِدُوا حَتَّى قَدَّمُوا زِيَاداً، فَقَالَ: رَأَيْتُهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعْتُ نَفَساً عَالِياً، وَلاَ أَدْرِي مَا وَرَاءهُ؟ فَكَبَّرَ عُمَرُ، وَضَرَبَ القَوْمَ إِلاَّ زِيَاداً. شُعْبَةُ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ: المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ (2) . يَعْنِي: قَوْلَ المُؤَذِّنِ عِنْدَ خُرُوْجِ الإِمَامِ إِلَى الصَّلاَةِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوْلُ لِلآخَرِ: غَضِبَ اللهُ عَلَيْك كَمَا غَضِبَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى المُغِيْرَةِ، عَزَلَهُ عَنِ البَصْرَةِ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ. قَالَ اللَّيْثُ: وَقْعَةُ أَذْرَبِيْجَانَ كَانَتْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ. وَقِيْلَ: افْتَتَحَ المُغِيْرَةُ هَمَذَانَ عَنْوَةً.   (1) هي أم جميل بنت الافقم إحدى بني عامر بن صعصعة. انظر " جمهرة ابن حزم ": 274، و" الطبري ": 4 / 70، و" الاغاني ": 16 / 99. (2) " ابن سعد ": 6 / 20. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 قَالَ اللَّيْثُ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ المُغِيْرَةُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ مُغِيْرَةَ: أَنَّ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، قَالَ لِعَلِيٍّ حِيْنَ قُتِلَ عُثْمَانُ: اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَلاَ تَدْعُ إِلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ فِي جُحْرٍ بِمكَّةَ لَمْ يُبَايِعُوا غَيْرَكَ. وَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ لَمْ تُطِعْنِي فِي هَذِهِ الرَّابِعَةِ، لأَعْتَزِلَنَّكَ، ابْعَثْ إِلَى مُعَاوِيَةَ عَهْدَهُ، ثُمَّ اخْلَعْهُ بَعْدُ. فَلَمْ يَفْعَلْ، فَاعْتَزَلَهُ المُغِيْرَةُ بِاليَمَنِ. فَلَمَّا شُغِلَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يَبْعَثُوا إِلَى المَوْسِمِ أَحَداً؛ جَاءَ المُغِيْرَةُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَدَعَا لِمُعَاوِيَةَ (1) . سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقِيَ عَمَّارٌ المُغِيْرَةَ فِي سِكَكِ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ سَيْفاً، فَنَادَاهُ: يَا مُغِيْرَةُ! فَقَالَ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي اللهِ؟ قَالَ: وَدِدْتُ - وَاللهِ - أَنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ، إِنِّي - وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ عُثْمَانَ مُصِيْباً، وَلاَ رَأَيْتُ قَبْلَهُ صَوَاباً، فَهَلْ لَكَ يَا أَبَا اليَقْظَانِ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَكَ، وَتَضَعَ سَيْفَكَ حَتَّى تَنْجَلِيَ هَذِهِ الظُّلْمَةُ، وَيَطْلُعَ قَمَرُهَا، فَنَمْشِيَ مُبْصِرِيْنَ؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَعْمَى بَعْدَ إِذْ كُنْتُ بَصِيْراً. قَالَ: يَا أَبَا اليَقْظَانِ، إِذَا رَأَيْتَ السَّيْلَ، فَاجْتَنِبْ جِرْيَتَهُ (2) . حَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: دَعَا مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بنَ العَاصِ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ: أَعِنِّي عَلَى الكُوْفَةِ. قَالَ: كَيْفَ بِمِصْرَ؟ قَالَ: أَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا ابْنَكَ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو. قَالَ: فَنَعَمْ. فَبَيْنَا هُم عَلَى ذَلِكَ، جَاءَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ - وَكَانَ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ - فَنَاجَاهُ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ المُغِيْرَةُ: تُؤَمِّرُ عَمْراً عَلَى الكُوْفَةِ، وَابْنَهُ عَلَى مِصْرَ، وَتَكُوْنُ كَالقَاعِدِ بَيْنَ لَحْيَيِ الأَسَدِ. قَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَنَا أَكْفِيْكَ الكُوْفَةَ. قَالَ: فَافْعَلْ. فَقَالَ   (1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 41 / ب. (2) أورده ابن عساكر: 17 / 41 / ب، 42 / آمطولا، وله تتمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو حِيْنَ أَصْبَحَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ كَذَا. فَفَهِمَ عَمْرٌو، فَقَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمِيْرِ الكُوْفَةِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: المُغِيْرَةُ، وَاسْتَغْنِ بِرَأْيِهِ، وَقُوَّتِهِ عَنِ المَكِيْدَةِ، وَاعْزِلْهُ عَنِ المَالِ، قَدْ كَانَ قَبْلَكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَفَعَلاَ ذَلِكَ. قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ المُغِيْرَةُ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَمَّرْتُكَ عَلَى الجُنْدِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرْتُ سُنَّةَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَبْلِي. قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ (1) . قَالَ اللَّيْثُ: كَانَ المُغِيْرَةُ قَدِ اعْتَزَلَ، فَلَمَّا صَارَ الأَمْرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَاتَبَهُ المُغِيْرَةُ. طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ المُغِيْرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَذَكَر فَنَاءَ عُمُرِهِ، وَفَنَاءَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَجَفْوَةَ قُرَيْشٍ لَهُ. فَوَرَدَ الكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَزِيَادٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَلِّنِي إِجَابَتَهُ. فَأَلْقَى إِلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَتَبَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ ذَهَابِ عُمُرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ غَيْرُكَ، وَأَمَّا فَنَاءُ أَهْلِ بَيْتِكَ، فَلَو أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدَرَ أَنْ يَقِيَ أَحَداً لَوَقَى أَهْلَهُ، وَأَمَّا جَفْوَةُ قُرَيْشٍ؛ فَأَنَّى يَكُوْنُ ذَاكَ وَهُمْ أَمَّرُوْكَ (2) . قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: أَحْصَنَ المُغِيْرَةُ أَرْبَعاً مِنْ بَنَاتِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُنَّ، بِهَا عَرَجٌ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ بنَ جَابِرٍ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا كُلِّهَا (4) .   (1) " ابن عساكر ": 17 / 42 / آمطولا. (2) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 43 / 1، وزاد: " فلما قدم الكتاب على المغيرة، فقرأه، قال: اللهم عليك بزياد، اللهم عليك بزياد ". وما بين الحاصرتين منه. وقد تحرفت " فأنى " في المطبوع إلى " فإني ". (3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 43 / آ، و" الاغاني ": 16 / 86. (4) المصدر السابق: 17 / 43 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي السَّفَرِ: قِيْلَ لِلْمُغِيْرَةِ: إِنَّك تُحَابِي. قَالَ: إِنَّ المَعْرِفَةَ تَنْفَعُ عِنْدَ الجَمَلِ الصَّؤُوْلِ وَالكَلْبِ العَقُوْرِ، فَكَيْفَ بِالمُسْلِمِ (1) . عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، قَالَ: لَقَدْ تَزَوَّجْتُ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، أَوْ أَكْثَرَ. أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، قَالَ: كَانَ تَحْتَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. قَالَ: فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الأَخْلاَقِ، طَوِيْلاَتُ الأَعْنَاقِ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ مِطْلاَقٌ، فَأَنْتُنَّ الطَّلاَقُ (2) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: كَانَ المُغِيْرَةُ نَكَّاحاً لِلنِّسَاءِ، وَيَقُوْلُ: صَاحِبُ الوَاحِدَةِ إِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ، وَإِنْ حَاضَتْ حَاضَ، وَصَاحِبُ المَرْأَتَيْنِ بَيْنَ نَارَيْنِ تُشْعَلاَنِ. وَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعاً جَمِيْعاً، وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيْعاً (3) . شُعْبَةُ: عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ حِيْنَ مَاتَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ: أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ تَسْمَعُوا وَتُطِيْعُوا حَتَّى يَأْتِيَكُم أَمِيْرٌ، اسْتَغْفِرُوا لِلْمُغِيْرَةِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَافِيَةَ (4) . وَفِي لَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادٍ: فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ، قَالَ: كَانَ المُغِيْرَةُ يَنَالُ فِي خُطْبَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَقَامَ خُطَبَاءَ يَنَالُوْنَ مِنْهُ ... ،   (1) المصدر السابق: 17 / 44 / آ. والجمل الصؤول: الذي يأكل راعيه، ويواثب الناس فيأكلهم. والكلب العقور: كل سبع يجرح ويقتل ويفترس. (2) المصدر السابق: 17 / 44 / ب، و" الاغاني ": 16 / 87. (3) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 44، و" البداية ": 8 / 49. (4) أورد نحوه ابن سعد في " الطبقات ": 6 / 20، 21 من طريق مسعر عن زياد. وهو عند ابن عساكر: 17 / 45 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وَذَكَرَ الحَدِيْثَ فِي العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، لِسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ (1) . حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ القَادِسِيَّةِ، ذَهَبَ المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ فِي عَشْرَةٍ إِلَى صَاحِبِ فَارِسٍ، فَقَالَ: إِنَّا قَوْمٌ مَجْوُسٌ، وَإِنَّا نَكْرَهُ قَتْلَكُم، لأَنَّكُم تُنَجِّسُوْنَ عَلَيْنَا أَرْضَنَا. فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نَعْبُدُ الحِجَارَةَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُوْلاً، فَاتَّبَعْنَاهُ، وَلَمْ نَجِئْ لِطَعَامٍ، بَلْ أُمِرْنَا بِقِتَالِ عَدُوِّنَا، فَجِئْنَا لِنَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُم، وَنَسْبِيَ ذَرَارِيَّكُم، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الطَّعَامِ، فَمَا نَجِدُ مَا نَشْبَعُ مِنْهُ؛ فَجِئْنَا، فَوَجَدنَا فِي أَرْضِكُم طَعَاماً كَثِيْراً، وَمَاءً، فَلاَ نَبْرَحُ حَتَّى يَكُوْنَ لَنَا وَلَكُم. فَقَالَ العِلْجُ: صَدَقَ. قَالَ: وَأَنْتَ تُفْقَأُ عَيْنُكَ غَداً. فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ بِسَهْمٍ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: رَأَيْتُ زِيَاداً وَاقِفاً عَلَى قَبْرِ المُغِيْرَةِ يَقُوْلُ: إِنَّ تَحْتَ الأَحْجَارِ حَزْماً وَعَزْماً ... وَخَصِيْماً أَلَدَّ ذَا مِعْلاَقِ (2) حَيَّةٌ فِي الوِجَارِ أَرْبَدُ لاَ يَنْـ ... ـفَعُ مِنْهُ السَّلِيْمَ نَفْثَةُ رَاقِ (3) وَقَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ؛ المُغِيْرَةُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ، فِي شَعْبَانَ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً. وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : اثْنَا عَشَرَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (4) .   (1) انظر تتمة الحديث في " سنن أبي داود " (4648) و (4649) و (4650) ، والترمذي (3749) و (3758) . (2) يقال: رجل معلاق، وذو معلاق، أي: خصم شديد الخصومة يتعلق بالحجج ويستدركها، والمعلاق: اللسان البليغ، ورواه ابن دريد: ذا مغلاق، قال الزمخشري عن المبرد: من رواه بالعين المهملة، فمعناه: إذا علق خصما لم يتخلص منه، وبالغين المعجمة، فتأويله: يغلق الحجة على الخصم، انظر " تاج العروس ": علق. والبيتان لمهلهل في رثاء أخيه كليب. (3) انظر " الاغاني ": 16 / 92، و" أسد الغابة ": 5 / 249، و" الصحاح ": علق. (4) انظر " البخاري ": 1 / 265 و2 / 275 و438 و3 / 13 و130 و6 / 189 - = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 8 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ بنِ الحَارِثِ العَامِرِيُّ * الأَمِيْرُ، قَائِدُ الجُيُوْشِ، أَبُو يَحْيَى القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ؛ مِنْ عَامِرِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. هُوَ أَخُو عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ حَدِيْثٍ. رَوَى عَنْهُ: الهَيْثَمُ بنُ شَفِيٍّ. وَلِيَ مِصْرَ لِعُثْمَانَ. وَقِيْلَ: شَهِدَ صِفِّيْنَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، وَانْزَوَى إِلَى الرَّمْلَةِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: اسْتَأْمَنَ عُثْمَانُ لابْنِ أَبِي سَرْحٍ يَوْمَ الفَتْحِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ إِفْرِيْقِيَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ارْتَدَّ، فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ دَمَهُ، ثُمَّ عَادَ مُسْلِماً، وَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانَ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ صَاحِبَ مَيْمَنَةِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَكَانَ فَارِسَ بَنِي عَامِرٍ المَعْدُوْدَ فِيْهِم. غَزَا إِفْرِيْقِيَةَ (1) . نَزَلَ بِأَخَرَةٍ عَسْقَلاَنَ، فَلَمْ يُبَايِعْ عَلِيّاً وَلاَ مُعَاوِيَةَ.   = 190، و8 / 449، و12 / 155 و13 / 80 - 81 و249. و" مسلم ": (4) في المقدمة، و (189) و (274) و (593) و (915) و (933) و (1499) و (1682) و (1921) و (2135) و (2152) و (2819) و (2939) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 496، نسب قريش: 433، طبقات خليفة ت 708 و2713، تاريخ البخاري 5 / 29، المعارف: 300، المعرفة والتاريخ 1 / 253، تاريخ دمشق لأبي زرعة: 1 / 183 و185، الجرح والتعديل 5 / 63، الولاة والقضاة: 11، جمهرة أنساب العرب: 170، الاستيعاب: 918، تاريخ ابن عساكر 9 / 169 / ب، الكامل لابن الأثير 3 / 88، أسد الغابة 3 / 173، تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول من الجزء الأول: 269، العقد الثمين 5 / 166، الإصابة ت 4711، النجوم الزاهرة 1 / 79، حسن المحاضرة 1 / 579، شذرات الذهب 1 / 44. (1) فتوح مصر ص 183 لابن عبد الحكم، وتاريخ دمشق / 185 و290 لأبي زرعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالكُفَّارِ. فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ (1) . عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ أَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ يَوْمَ الفَتْحِ، فَشَفَعَ لَهُ عُثْمَانُ (2) . أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَالِياً لِعُمَرَ عَلَى الصَّعِيْدِ، ثُمَّ وَلاَّهُ عُثْمَانُ مِصْرَ كُلَّهَا، وَكَانَ مَحْمُوْداً. غَزَا إِفْرِيْقِيَةَ، فَقَتَلَ جُرْجِيْرَ صَاحِبَهَا. وَبَلَغَ السَّهْمُ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَللرَّاجِلِ أَلْفَ دِيْنَارٍ. ثُمَّ غَزَا ذَاتِ الصَّوَارِي، فَلَقَوْا أَلْفَ مَرْكَبٍ لِلرُّوْمِ، فَقُتِلَتِ الرُّوْمُ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلُوا مِثْلَهَا قَطُّ. ثُمَّ غَزْوَةَ الأَسَاوِدِ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ فَعَلَ مَا يُنْقَمُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا. وَكَانَ أَحَدَ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ، وَأَجَوَادِهِم. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عَلَى مِصْرَ لِعُثْمَانَ، فَعَزَلَهُ عَنِ الخَرَاجِ (4) ، وَأَقَرَّهُ عَلَى الصَّلاَةِ وَالجُنْدِ. وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ عَلَى الخَرَاجِ، فَتَدَاعَيَا (5) . فَكَتَبَ   (1) سنده حسن، أخرجه أبو داود (4358) في أول الحدود، والنسائي 7 / 107 في تحريم الدم: باب الحكم في المرتد من طريق علي بن الحسين بهذا الإسناد. وهو في " تاريخ دمشق ": 9 / 172 لابن عساكر. (2) أخرجه بأطول مما هن " ابن عساكر " 9 / 172 / آ. (3) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 174 / ب. (4) في الأصل: " من الخراج " والتصويب من " ابن عساكر ". (5) لفظ ابن عساكر: " فتباغيا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 ابْنُ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عَمْراً كَسَرَ الخَرَاجَ عَلَيَّ. وَكَتَبَ عَمْرٌو: إِنَّ ابْنَ سَعْدٍ (1) كَسَرَ عَلَيَّ مَكِيْدَةَ الحَرْبِ. فَعَزَلَ عَمْراً، وَأَضَافَ الخَرَاجَ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ (2) . وَرَوَى: ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: أَقَامَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ بِعَسْقَلاَنَ، بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُوْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لأُجَامِعَ رَجُلاً قَدْ عَرَفْتُهُ، إِنْ كَانَ لَيَهْوَى قَتْلَ عُثْمَانَ. قَالَ: فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ (3) . سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ وَهُوَ بِالرَّمْلَةِ، وَكَانَ خَرَجَ إِلَيْهَا فَارّاً مِنَ الفِتْنَةِ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ مِنَ اللَّيْلِ: آصْبَحْتُم؟ فَيَقُوْلُوْنَ: لاَ. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، قَالَ: يَا هِشَامُ! إِنِّيْ لأَجِدُ بَرْدَ الصُّبْحِ، فَانْظُرْ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَاتِمَةَ عَمَلِي الصُّبْحَ. فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَقَرَأَ فِي الأُوْلَى: بِأُمِّ القُرْآنِ وَالعَادِيَاتِ، وَفِي الأُخْرَى: بِأُمِّ القُرْآنِ وَسُوْرَةٍ، وَسَلَّمَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَذَهَبَ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقُبِضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَمَرَّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَالأَصَحُّ: وَفَاتُهُ فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (4) .   (1) في الأصل: " إن أبي سعد " تصحيف. (2) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 175 / آ. (3) " المعرفة والتاريخ ": 1 / 254، و" تاريخ ابن عساكر ": 9 / 176 / ب. وما بين الحاصرتين منهما. (4) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 176 / ب، وقوله: " من الفتنة " أي: الفتنة التي وقعت بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 9 - رُوَيفِعُ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ * (د، ت، س) المَدَنِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الأَمِيْرُ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَحَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، وَزِيَادُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو الخَيْرِ مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ، وَوَفَاءُ بنُ شُرَيْحٍ، وَآخَرُوْنَ. نَزَلَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا. وَوَلِيَ طَرَابُلْسَ المَغْرِبِ لِمُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، فَغَزَا إِفْرِيْقِيَةَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَدَخَلَهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: تُوُفِّيَ رُوَيْفِعٌ بِبَرْقَةَ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَأَيْتُ قَبْرَهُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بِبَرْقَةَ أَمِيْراً عَلَيْهَا لِمَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. قَالَ: وَقَبْرُهُ مَعْرُوْفٌ إِلَى اليَوْمِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَأَوَّلُ مَا غُزِيَتْ إِفْرِيْقِيَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ عَلَى البَرْبَرِ جُرْجِيْرُ فِي مائَتَيْ أَلْفٍ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ إِفْرِيْقِيَةَ، فَافْتَتَحَهَا، فَأَصَابَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 4 / 354، طبقات خليفة ت 724، تاريخ البخاري 3 / 338، الاستيعاب: 504، أسد الغابة 2 / 191، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الأول: 192، تهذيب الكمال: 423، تاريخ الإسلام 2 / 223، 279، تذهيب التهذيب 1 / 229 ب، البداية والنهاية 8 / 61، الإصابة ت 2699، تهذيب التهذيب 3 / 299، خلاصة تذهيب الكمال: 102، شذرات الذهب 1 / 55. (1) وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق ": 1 / 184، 185 و290 من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن أبي أويس! مولى لهم ... وفيه: فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار. والخبر أيضا عند ابن عبد الحكم في " فتوح مصر ": 1830. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 10 - مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجِ بنِ جَفْنَةَ بنِ قَتِيْرَةَ (1) الكِنْدِيُّ * (د، س، ق) الأَمِيْرُ، قَائِدُ الكَتَائِبِ، أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ، ثُمَّ السَّكُوْنِيُّ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ قَلِيْلَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمُعَاوِيَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ قَيْسٍ التُّجِيْبِيُّ، وَعُرْفُطَةُ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَالِكٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ حُجَيْرٍ، وَسَلَمَةُ بنُ أَسْلَمَ. وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ، وَغَزْوَ المَغْرِبِ، وَشَهِدَ وَقْعَةَ اليَرْمُوْكِ. رَوَى أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ فِي (جُزْئِهِ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ شِفَاءٌ، فَشُرْبَةُ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةُ مِحْجَمٍ، أَوْ كَيَّةٌ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) (2) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 503، طبقات خليفة ت 477 و2723، تاريخ البخاري 7 / 328، المعرفة والتاريخ 2 / 528، الجرح والتعديل 8 / 377، جمهرة أنساب العرب 429، الاستيعاب 1413، تاريخ ابن عساكر 16 / 327 / ب، أسد الغابة 4 / 383، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 101، تهذيب الكمال: 1342، تاريخ الإسلام 2 / 317، العبر 1 / 57، تذهيب التهذيب 4 / 49 ب، البداية والنهاية 8 / 60، الإصابة ت 8064، تهذيب التهذيب 10 / 203، النجوم الزاهرة 1 / 151، حسن المحاضرة 1 / 237، شذرات الذهب 1 / 58. (1) كذا ضبط في الأصل، وكتب فوقها كلمة (صح) لكن ابن دريد في " الاشتقاق " 369 ضبطها بالتصغير. وانظر " جمهرة ابن حزم ": 429، و" القاموس " (قتر) . (2) إسناده صحيح، وأحمد بن الفرات: هو الحافظ الحجة محدث أصبهان ت 258 هـ. مترجم في " تذكرة الحفاظ ": 1 / 544، وهو في " المسند " 6 / 401 بهذا الإسناد، وأخرجه = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ صَالِحِ بنِ حُجَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ مَيْتاً، وَكَفَّنَهُ، وَتَبِعَهُ، وَوَلِيَ جُنَّتَهُ، رَجَعَ مَغْفُوْراً لَهُ) . هَذَا مَوْقُوْفٌ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ (1)) هَكَذَا، عَنْ عَفَّانَ، عَنْهُ. جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرَانَ (2) ؛ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتِ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُم هَذِهِ؟ قُلْتُ: خَيْرُ أَمِيْرٍ، مَا يَقِفُ لِرَجُلٍ مِنَّا فَرَسٌ وَلاَ بَعِيْرٌ إِلاَّ أَبْدَلَ مَكَانَهُ بَعِيْراً، وَلاَ غُلاَمٌ إِلاَّ أَبْدَلَ مَكَانَهُ غُلاَماً. قَالَتْ: إِنَّهُ لاَ يَمْنَعُنِي قَتْلُهُ أَخِي أَنْ أُحَدِّثَكُم مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِم، فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِم، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ (3)) . أَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ؛ عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، أَخْبَرَنَا   = " البخاري ": 10 / 129 في الطب: باب الحجم من الشقيقة والصداع، ومسلم (2205) (71) في السلام: باب لكل داء دواء، وأحمد 3 / 343، من طريق عاصم بن عمر، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله ... فذكره. (1) 6 / 401، 402، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 7 / 503 من طريق عفان. ورجاله ثقات خلا صالح بن حجير، فإنه لم يوثقة غير ابن حبان. وفي الباب عن أبي رافع عند الحاكم: 1 / 354 و362، والبيهقي 3 / 395 مرفوعا بلفظ " من غسل مسلما، فكتم عليه، غفر له أربعين مرة، ومن حفر له، فأجنه، أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة ". وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقوى إسناده الحافظ ابن حجر في " الدراية ": 140. (2) في الأصل: " بن أبي عمران " وما أثبتناه هو الصواب كما في " التهذيب " وفروعه. (3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1828) في الامارة: باب فضيلة الامام العادل، من طريق جرير بن حازم، وابن وهب، كلاهما عن حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة. وهو في " المسند ": 6 / 93. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى السُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ خُثَيْمٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ يَسَارٍ (1) الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَانَ مِنْ أَسَبِّ النَّاسِ لِعَلِيٍّ، فَمَرَّ فِي المَدِيْنَةِ، وَالحَسَنُ جَالِسٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَاهُ رَسُوْلٌ، فَقَالَ: أَجِبِ الحَسَنَ. فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ السَّابُّ عَلِيّاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ قَالَ: فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَى. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ الحَوْضَ - وَمَا أُرَاكَ تَرِدُهُ - لَتَجِدَنَّهُ مُشَمِّرَ الإِزَارِ عَلَى سَاقٍ، يَذُوْدُ عَنْهُ رَايَاتِ المُنَافِقِيْنَ ذَوْدَ غَرِيْبَةِ الإِبِلِ، قَوْلَ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ: {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (2) } . وَرَوَى نَحْوَهُ: قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ بَدْرِ بنِ الخَلِيْلِ، عَنْ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ: أَتَعْرِفُ مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ... ، فَذَكَرَهُ. قُلْتُ: كَانَ هَذَا عُثْمَانِيّاً، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ صِفِّيْنَ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ السَّبِّ؛ السَّيْفُ، فَإِنْ صَحَّ شَيْءٌ، فَسَبِيْلُنَا الكَفُّ وَالاسْتِغْفَارُ لِلصَّحَابَةِ، وَلاَ نُحِبُّ مَا شَجَرَ بَيْنَهُم، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْهُ، وَنَتَوَلَّى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّاً. وَفِي كِتَابِ (الجَمَلِ) لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ مِنْ طرِيقِ ابْنِ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ، بَلَغَ مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ بِإِفْرِيْقِيَةَ، فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: يَا أَشِقَّائِي وَأَصْحَابِي وَخِيْرَتِي! أَنُقَاتِلُ لِقُرَيْشٍ فِي المُلْكِ، حَتَّى إِذَا اسْتَقَامَ لَهُم وَقَعُوا يَقْتُلُوْنَنَا؟ وَاللهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهَا ثَانِيَةً بِمَنْ   (1) في الأصل: بشار، والتصويب من " الإكمال " لابن ماكولا: 1 / 318. (2) أورده ابن عساكر: 16 / 330 / آ / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 أَطَاعَنِي مِنَ اليَمَانِيَّةِ لأَقُوْلَنَّ لَهُم: اعْتَزِلُوا بِنَا قُرَيْشاً، وَدَعُوْهُم يَقْتُلْ بَعْضُهُم بَعْضاً، فَمَنْ غَلَبَ اتَّبَعْنَاهُ (1) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ حُدَيْجٍ مَلِكاً مُطَاعاً مِنْ أَشْرَافِ كِنْدَةَ، غَضِبَ لِحُجْرِ بنِ عَدِيٍّ لأَنَّهُ كِنْدِيٌّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَوَلَدُهُ إِلَى اليَوْمِ بِمِصْرَ. قُلْتُ: ذَكَرَ الجُمْهُوْرُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَذَكَرَهُ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى بَعْدَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ الكِنْدِيُّ، لَقِيَ عُمَرَ. 11 - أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ نَضْلَةُ بنُ عُبَيْدٍ * (ع) صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَضْلَةُ بنُ عُبَيْدٍ عَلَى الأَصَحِّ. وَقِيْلَ: نَضْلَةُ بنُ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: نَضْلَةُ بنُ عَائِذٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ نَضْلَةَ. وَيُقَالُ: خَالِدُ بنُ نَضْلَةَ. رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ.   (1) أورده ابن عساكر: 16 / 330 / ب، 331 / آ. ولم يذكر كتاب الجمل. (*) طبقات ابن سعد 4 / 298 و7 / 9 و366، طبقات خليفة ت 680 و1466 و3170، تاريخ البخاري 8 / 118، المعارف 336، الكنى 1 / 17، الجرح والتعديل 3 / 355 و8 / 499. الحلية 2 / 32، الاستيعاب 1495، تاريخ بغداد 1 / 182، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 534، تاريخ ابن عساكر 17 / 286 / آ، أسد الغابة 2 / 93 و3 / 268 و5 / 19، 146، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 179، تاريخ الإسلام 2 / 328، تذهيب التهذيب 4 / 97 ب، الإصابة ت 2117 و8718، تهذيب التهذيب 10 / 446، خلاصة تذهيب الكمال 348. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ المُغِيْرَةُ، وَحَفِيْدَتُهُ؛ مُنْيَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو المِنْهَالِ سَيَّارٌ، وَأَبُو الوَضِيْءِ عَبَّادُ بنُ نُسَيْبٍ، وَكِنَانَةُ بنُ نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَازِعِ جَابِرُ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَآخَرُوْنَ. نَزَلَ البَصْرَةَ، وَأَقَامَ مُدَّةً مَعَ مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ قَدِيْماً، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ. قُلْتُ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ. وَكَانَ آدَمَ، رَبْعَةً، وَحَضَرَ حَرْبَ الحَرُوْرِيَّةِ (1) مَعَ عَلِيٍّ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: هُوَ الَّذِي قَتَلَ عَبْدَ العُزَّى بنَ خَطَلٍ (2) تَحْتَ أَسْتَارِ الكَعْبَةِ بِإِذْنِ النَّبِيِّ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ يَقُوْدُ فَرَساً، فَدَخَلَ فِي صَلاَةِ العَصْرِ. فَقَالَ رَجُلٌ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ. وَكَانَ انْفَلَتَ فَرَسُهُ، فَاتَّبَعَهَا فِي القِبْلَةِ حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَ بِالمِقْوَدِ، ثُمَّ صَلَّى. قَالَ: فَسَمِعَ أَبُو بَرْزَةَ قَوْلَ الرَّجُلِ، فَجَاءَ، فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ هَذَا، إِنِّيْ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَمَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، وَلَوْ أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي، وَتَرَكْتُ فَرَسِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَطْلُبُهَا، لَمْ آتِ أَهْلِي إِلاَّ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ، لَقَدْ صَحِبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْتُ مِنْ يُسْرِهِ. فَأَقْبَلْنَا نَعْتِذِرُ مِمَّا قَالَ الرَّجُلُ.   (1) انظر الصفحة (9) تعليق (1) . (2) " زاد المعاد ": 3 / 441، وسماه ابن هشام: 2 / 409، والطبري 3 / 59، 60، ومحمد بن سعد: عبد الله. (3) انظر " ابن سعد ": 4 / 299 و7 / 366، و" شرح المواهب " 2 / 314، و" عيون الاثر " 2 / 176. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَكَذَا رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنِ الأَزْرَقِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَرْزَةَ بِالأَهْوَازِ، فَقَامَ يُصَلِّي العَصْرَ، وَعِنَانُ فَرَسِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتْ تَرْجِعُ، وَجَعَلَ أَبُو بَرْزَةَ يَنْكُصُ مَعَهَا. قَالَ: وَرَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ يَشْتُمُهُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: إِنِّيْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتّاً، أَوْ سَبْعاً، وَشَهِدْتُ تَيْسِيْرَهُ (1) . هَمَّامٌ: عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ: أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ كَانَ يَلْبَسُ الصُّوْفَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ أَخَاكَ عَائِذَ بنَ عَمْرٍو يَلْبَسُ الخَزَّ. قَالَ: وَيْحَكَ! وَمَنْ مِثْلُ عَائِذٍ؟! فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَأَخْبَرَ عَائِذاً، فَقَالَ: وَمَنْ مِثْلُ أَبِي بَرْزَةَ (2) ؟! قُلْتُ: هَكَذَا (3) كَانَ العُلَمَاءُ يُوَقِّرُوْنَ أَقْرَانَهُم. عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ فِي الجَاهِلِيَّةِ: مَنْ أَكَلَ الخَمِيْرَ (4) سَمِنَ، فَأَجْهَضْنَا القَوْمَ (5) يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ خُبْزَةٍ لَهُم، فَجَعَلَ أَحَدُنَا يَأْكُلُ مِنْهُ الكِسْرَةَ، ثُمَّ يَمَسُّ عِطْفَيْهِ، هَلْ سَمِنَ؟ (6) وَقِيْلَ: كَانَتْ لأَبِي بَرْزَةَ جَفْنَةٌ مِنْ ثَرِيْدٍ غُدْوَةً، وَجَفْنَةٌ عَشِيَّةً، لِلأَرَامِلِ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِيْنِ (7) . وَكَانَ يَقُوْمُ إِلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَيَتَوَضَّأُ، وَيُوْقِظُ أَهْلَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.   (1) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 289 / آ. (2) أورده ابن سعد: 4 / 300 مفصلا، وكذا ابن عساكر: 17 / 290 / ب. (3) في الأصل: " هذا هكذا " فلعلها زيادة من الناسخ. (4) لفظ " ابن عساكر " و" المطالب العالية ": " الخبز ". (5) فأجهضنا القوم: غلبناهم نحيناهم عن مكانهم. والخبزة: الطلمة: وهي عجين يوضع في الملة حتى ينضج، والملة: الرماد والتراب الذي أوقد فيه النار. (6) " تاريخ ابن عساكر ": 17 / 289 / ب، وأورده ابن حجر في " المطالب العالية ": 3 / 165، ونسبه لأحمد بن منيع. (7) الخبر في " ابن سعد " 4 / 299. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِيْنَ (1) إِلَى المائَةِ. يُقَالُ: مَاتَ أَبُو بَرْزَةَ بِالبَصْرَةِ. وَقِيْلَ: بِخُرَاسَانَ. وَقِيْلَ: بِمَفَازَةٍ (2) بَيْنَ هَرَاةَ وَسِجِسْتَانَ. وَقِيْلَ: شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. يُقَالُ: مَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ. وَقَالَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِمَرْوَ. قِيْلَ: كَانَ أَبُو بَرْزَةَ وَأَبُو بَكْرَةَ مُتَوَاخِيَيْنِ (3) . الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو المِنْهَالِ، قَالَ: لَمَّا فَرَّ ابْنُ زِيَادٍ، وَرُتِّبَ مَرْوَانُ بِالشَّامِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، اغْتَمَّ أَبِي، وَقَالَ: انْطَلِقْ مَعِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ. فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، أَلاَ تَرَى؟ فَقَالَ: إِنِّيْ أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطاً عَلَى أَحْيَاءِ (4) قُرَيْشٍ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (5) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " بالسنن " وأخرج أحمد في " المسند " 4 / 419، من طريق يزيد ابن هارون، أخبرنا سليمان التيمي، عن سيار أبي المنهال، عن أبي برزة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المئة. وإسناده صحيح. (2) تصحف في المطبوع إلى " بمغارة ". (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 9 (4) تحرف في المطبوع إلى " أخيار ". (5) الخبر مخروم عند ابن سعد: 4 / 300، وأورده أبو نعيم في " الحلية ": 2 / 32، من طريق الحارث بن أبي أسامة، حدثنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف الاعرابي، عن أبي المنهال، فذكره. وتمامه: " وأنكم معشر العرب كنتم على الحال الذي قد علمتم من جهالتكم والقلة والذلة والضلالة، وأن الله عزوجل نعشكم بالاسلام، وبمحمد صلى الله عليه وسلم خير الانام، حتى بلغ بكم ما ترون وأن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، وأن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وأن الذي حولكم الذين تدعونهم قراءكم والله لن يقاتلوا إلا على الدنيا. قال: فلما لم يدع أحدا، قال له أبي: بما تأمر إذن؟ قال: لاأرى خير الناس اليوم إلا عصابة ملبدة، خماص البطون من أموال الناس، خفاف الظهور من دمائهم ". ورجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 12 - حَكِيْمُ بنُ حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ الأَسَدِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ. أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَغَزَا حُنَيْناً وَالطَّائِفَ. وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَعُقَلاَئِهَا، وَنُبَلاَئِهَا. وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ عَمَّتَهُ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ ابْنَ عَمِّهِ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ هِشَامٌ الصَّحَابِيُّ، وَحِزَامٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَآخَرُوْنَ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ. فَأَظُنُّ رِوَايَةَ هَؤُلاَءِ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. وَقَدِمَ دِمَشْقَ تَاجِراً. قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِيْنِهِ، قَالَ: لاَ وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ القَتْلِ (2) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: عَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَوُلِدَ قَبْلَ عَامِ الفِيْلِ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.   (*) مسند أحمد 4 / 401 - 403، نسب قريش: 231، طبقات خليفة ت 70، المحبر 176، 473، تاريخ البخاري 3 / 11، جمهرة نسب قريش 1 / 353، المعارف: 311، الجرح والتعديل 3 / 202، المستدرك 3 / 482 - 485، جمهرة أنساب العرب: 121، الاستيعاب 362، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 105، تاريخ ابن عساكر 5 / 123 / آ، أسد الغابة 2 / 40، تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول من الجزء الأول 166، تهذيب الكمال 321، تاريخ الإسلام 2 / 277، العبر 1 / 60، تذهيب التهذيب 1 / 169 ب، مرآة الجنان 1 / 127، البداية والنهاية 8 / 68، العقد الثمين 4 / 221، الإصابة ت 1800، تهذيب التهذيب 2 / 447، خلاصة تذهيب الكمال 77، شذرات الذهب 1 / 60، تهذيب ابن عساكر 4 / 416. (1) تحرف في المطبوع إلى " عمته ". (2) " نسب قريش ": 231. و" جمهرة نسب قريش ": 363. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ مِنَ المُؤلَّفَةِ، أَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مائَةَ بَعِيْرٍ - فِيْمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ (1) -. وَأَوْلاَدُهُ هُم: هِشَامٌ، وَخَالِدٌ، وَحِزَامٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَيَحْيَى، وَأُمُّ سُمَيَّةَ، وَأُمُّ عَمْرٍو، وَأُمُّ هِشَامٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّيْنَ فِي الإِسْلاَمِ. قُلْتُ: لَمْ يَعِشْ فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ عُرْوَةُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَا حَكِيْمُ، إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةً حُلْوَةً (2)) . قَالَ: فَمَا أَخَذَ حَكِيْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ مِمَّنْ بَعْدَهُ دِيْوَاناً وَلاَ غَيْرَهُ. وَقِيْلَ: قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْمَ الفِجَارِ الأَخِيْرِ (3) .   (1) " سيرة ابن هشام ": 2 / 493. (2) أخرجه البخاري 3 / 265 في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة، و5 / 283 في الوصايا، و6 / 178 في الخمس: باب ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، ومسلم (1035) في الزكاة: باب اليد العليا خير من اليد السفلى، والترمذي (2463) ، والنسائي 5 / 101، 102، من طرق عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، أن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: " يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى " فقال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدا بعدك شيئا، حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما إلى العطاء. فيأبي أن يقبله منه، ثم إن عمر دعاه ليعطيه، فأبي أن يقبل منه، فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيم، أني أعرض عليه حقه من هذا الفئ، فيأبي أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه حتى توفي. وقوله: لا أرزأ: أي ال أنقص ماله بالطلب منه. (3) الفجار: بالكسر بمعنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك أنه كان قتال في الشهر الحرام، ففجروا فيه جميعا، فسمي الفجار. وللعرب فجارات أربعة، والفجار الأخير هذا شهده = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: وُلِدَ حَكِيْمٌ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ، وَعَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. رَوَى: الزُّبَيْرُ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ عُثْمَانَ، قَالَ: دَخَلَتْ أُمُّ حَكِيْمٍ فِي نِسْوَةٍ الكَعْبَةَ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ، فَأُتِيَتْ بِنِطْعٍ حِيْنَ أَعْجَلَتْهَا الوِلاَدَةُ، فَوَلَدَتْ فِي الكَعْبَةِ (1) . وَكَانَ حَكِيْمٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ. قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ. (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) : حَدَّثَنَا عَتَّابُ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نُبِّئَ وَهَاجَرَ، شَهِدَ حَكِيْمٌ المَوْسِمَ كَافِراً، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنٍ تُبَاعُ؛ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً لِيَهْدِيَهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ. فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً، فَأَبَى. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَسِبْتُهُ قَالَ: (إِنَّا لاَ نَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ شَيْئاً، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ بِالثَّمَنِ) . قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ حِيْنَ أَبَى عَلَيَّ الهَدِيَّةَ (2) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ. فَالطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ فِيْهِ طَبَقَةٌ.   = رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعمامه، وعمره إذ ذاك صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وكانت هذه الحرب بين قريش ومن معهم وبين قيس عيلان. انظر خبرها في " سيرة ابن هشام " 1 / 184 - 187. (1) " جمهرة نسب قريش " ص: 353. والنطع: قطعة من الجلد يوقى بها ما تحتها، وقد تحرفت في المطبوع " حين " إلى " حتى ". (2) أخرجه أحمد 3 / 402، 403، والطبراني رقم (3125) ، ورجال أحمد ثقات، وصححه الحاكم 3 / 484، 485، ووافقه الذهبي، وانظر " المجمع " 4 / 151، و8 / 278. وانظر - " جمهرة نسب قريش " ص: 361 و362، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 417، 418. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ صَالِحٍ زِيَادَةٌ: فَلَبِسَهَا، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيْهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ. فَرَآهَا حَكِيْمٌ عَلَى أُسَامَةَ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ! أَتَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ لأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَلأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيْهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَأَعْجَبْتُهُم بِقَوْلِهِ. الوَاقِدِيُّ: عَنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا: قَالَ حَكِيْمٌ: كُنْتُ تَاجِراً أَخْرُجُ إِلَى اليَمَنِ وَآتِي الشَّامَ، فَكُنْتُ أَرْبَحُ أَرْبَاحاً كَثِيْرَةً، فَأَعُوْدُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي. وَابْتَعْتُ بِسُوْقِ عُكَاظٍ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي بِسِتِّ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَتْهُ زَيْداً، فَأَعْتَقَهُ. فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ، أَخَذَ مُعَاوِيَةُ مِنِّي دَارِي بِمَكَّةَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا يَدْرِي هَذَا الشَّيْخُ مَا بَاعَ. فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلاَّ بِزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ. وَكَانَ لاَ يَجِيْءُ أَحَدٌ يَسْتَحْمِلُهُ فِي السَّبِيْلِ إِلاَّ حَمَلَهُ (1) . الزُّبَيْرُ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، قَالَ: كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ لَمَّا حَصَرُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ، كَانَ حَكِيْمٌ تَأْتِيْهِ العِيْرُ بِالحِنْطَةِ، فَيُقْبِلَهَا (2) الشِّعْبَ، ثُمَّ يَضْرِبُ أَعْجَازَهَا، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِم، فَيَأْخُذُوْنَ مَا عَلَيْهَا. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ: (أَرْبَعَةٌ أَرْبَأُ بِهِم عَنِ الشِّرْكِ: عَتَّابُ بنُ أَسِيْدٍ، وَجُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، وَحَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، وَسُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو (3)) . قُلْتُ: أَسْلَمُوا، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُم.   (1) " جمهرة نسب قريش " 367 - 369 مطولا. (2) يقال: أقبل الابل الطريق: أسلكها إياه، وذكل أن يجعل وجوهها مستقبلة وجه الطريق وقد تصحف في المطبوع إلى " فيقيلها ". والخبر في " جمهرة نسب قريش " ص: 355. (3) أخرجه الزبير في " جمهرة نسب قريش " ص: 362، 363، وفيه: عن عطاء، قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس. وإسناده ضعيف: فيه مجهول وضعيفان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: (مَنْ دَخَلَ دَار أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ (1)) . ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ، وَبُدَيْلَ بنَ وَرْقَاءَ أَسْلَمُوا، وَبَايَعُوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَهُمْ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَدْعُوْنَهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ (2) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، وَعُرْوَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى حَكِيْماً يَوْمَ حُنَيْنٍ فَاسْتَقَلَّهُ، فَزَادَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّ عَطِيَّتِكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: (الأُوْلَى) . وَقَالَ: (يَا حَكِيْمٌ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ، وَحُسْنِ أُكْلَةٍ، بُوْرِكَ لَهُ فِيْهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِاسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، وَسُوْءِ أُكْلَةٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيْهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ) . قَالَ: وَمِنْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (وَمِنِّي) . قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً. قَالَ: فَلَمْ يَقْبَلْ دِيْوَاناً وَلاَ عَطَاءً حَتَّى مَاتَ. فَكَانَ عُمَرُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُشْهِدُكَ عَلَى حَكِيْمٍ أَنِّي أَدْعُوْهُ لِحَقِّهِ وَهُوَ يَأْبَى. فَمَاتَ حِيْنَ مَاتَ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً.   (1) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وقد أورده الحافظ في " الفتح " 8 / 11، ونسبه إلى موسى ابن عقبة في " المغازي ". وفي " صحيح مسلم " (1780) (86) في الجهاد: باب فتح مكة من حديث أبي هريرة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ". (2) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل التبوذكي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 رَوَاهُ هَكَذَا: عَبْدُ الرَّزَّاقِ (1) . وَرَوَاهُ: الوَاقِدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ؛ وَفِيْهِ: قَالاَ: حَدَّثَنَا حَكِيْمٌ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ حَكِيْمٍ: أَعْتَقْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَرْبَعِيْنَ مُحَرَّراً، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ (2)) . لَفْظُ ابْنُ عُيَيْنَةَ. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا، وَفِيْهِ: (أَسْلَمْتَ عَلَى صَالِحِ مَا سَلَفَ لَكَ) . فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، لاَ أَدَعُ شَيْئاً صَنَعْتُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ صَنَعْتُ للهِ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ. وَكَانَ أَعْتَقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مائَةَ رَقَبَةٍ، وَأَعْتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهَا، وَسَاقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مائَةَ بَدَنَةٍ، وَفِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهَا. الزُّبَيْرُ: أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ؛ سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ: لَمْ يَدْخُلْ دَارَ   (1) أخرجه الطبراني (3078) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، ورواية الواقدي أخرجها في " مغازيه " 3 / 945، وانظر " مسند الحميدي " رقم (553) ، وانظر الصفحة 45، تعليق (2) (2) أخرجه أحمد في " المسند " 3 / 434، من طريق سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حكيم، وأخرجه الحميدي في " مسنده " (554) من طريق سفيان، عن هشام، وأخرجه الطبراني (3084) من طريق بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة به، وأخرجه أحمد 3 / 402، والبخاري 3 / 239 في الزكاة، و10 / 355 في الأدب، ومسلم (123) في الايمان، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية، هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما أسلفت من خير " " هذا لفظ مسلم ". والتحنث: التعبد. وأخرج البخاري 5 / 122 في العتق، ومسلم (123) (196) من طريقين عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، فلما أسلم حمل على مئة بعير، وأعتق مئة رقبة، قال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أرأيت اشياء كنت أصنعها في الجاهلية، كنت أتحنث بها، (يعني: أتبرر بها) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما سلف لك من خير ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 النَّدْوَةِ لِلرَّأْيِ أَحَدٌ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، إِلاَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ دَخَلَ لِلرَّأْيِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَهُوَ أَحَدُ النَّفَرِ الَّذِيْنَ دَفَنُوا عُثْمَانَ لَيْلاً (1) . يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ مُصْعَبَ بنَ ثَابِتٍ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي -وَاللهِ - أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ حَضَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَعَهُ مائَةُ رَقَبَةٍ، وَمائَةُ بَدَنَةٍ، وَمائَةُ بَقَرَةٍ، وَمائَةُ شَاةٍ، فَقَالَ: الكُلُّ للهِ (2) . وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ أَكْثَرَ حَمْلاً فِي سَبِيْلِ اللهِ مِنْ حَكِيْمٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ حَكِيْماً بَاعَ دَارَ النَّدْوَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمائَةَ أَلْفٍ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِعْتَ مَكْرُمَةَ قُرَيْشٍ. فَقَالَ: ذَهَبَتِ المَكَارِمُ يَا ابْنَ أَخِي إِلاَّ التَّقْوَى، إِنِّيْ اشْتَرَيْتُ بِهَا دَاراً فِي الجَنَّةِ، أُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا للهِ (3) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، لَقِيَ حِكِيْمٌ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: كَمْ تَرَكَ أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ قَالَ: أَلْفَ أَلْفٍ. قَالَ: عَلَيَّ خَمْسُ مائَةِ أَلْفٍ (4) . مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُتِلَ أَبِي، وَتَرَكَ دَيْناً كَثِيْراً، فَأَتَيْتُ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ أَسْتَعِيْنُ بِرَأْيِهِ، فَوَجَدْتُهُ يَبِيْعُ بَعِيْراً ... ، الحَدِيْثَ (5) .   (1) " جمهرة نسب قريش " ص: 376. (2) أخرجه الطبراني (3075) ، ومصعب بن ثابت لين، ثم هو مرسل، وانظر الهيثمي 9 / 384، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 442، وانظر، " جمهرة نسب قريش " ص: 356 و372. (3) أخرجه الطبراني (3073) بإسنادين، قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 384: أحدهما حسن، وانظر " جمهرة نسب قريش " ص: 354. (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 424. (5) أخرجه مطولا بتمامه الزبير بن بكار في " جمهرة نسب قريش " ص: 364. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ صَاحِبُ المَحَامِلِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ: مَا أَصْبَحْتُ وَلَيْسَ بِبَابِي صَاحِبُ حَاجَةٍ، إِلاَّ عَلِمْتُ أَنَّهَا مِنَ المَصَائِبِ الَّتِي أَسْأَلُ اللهَ الأَجْرَ عَلَيْهَا (1) . قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَقِيْلَ: إِنَّهُ دُخِلَ عَلَى حَكِيْمٍ عِنْدَ المَوْتِ وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَدْ كُنْتُ أَخْشَاكَ، وَأَنَا اليَوْمَ أَرْجُوْكَ (2) . وَكَانَ حَكِيْمٌ عَلاَّمَةً بِالنَّسَبِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. يَبْلُغُ عَدَدُ مُسْنَدِهِ أَرْبَعِيْنَ (3) حَدِيْثاً. لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا (4) . وَ 13 - هِشَامُ بنُ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ الأَسَدِيُّ ابْنُهُ * (م، د، س) لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 424. (2) ذكره الزبير بن بكار في " جمهرة نسب قريش " ص: 377، عن إبراهيم بن المنذر، عن سفيان بن حمزة الاسلمي، عن كثير بن زيد مولى الاسلميين، عن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة. (3) في الأصل: " أربعون " وهو خطأ. (4) انظر البخاري: 3 / 235 و239، و4 / 263، و11 / 221، ومسلم: (123) و (1034) و (1035) و (1532) . (*) مسند أحمد 3 / 403 و468، نسب قريش 231، طبقات خليفة: ت (71) ، تاريخ البخاري 8 / 191، جمهرة نسب قريش 1 / 377، الجرح والتعديل 9 / 53، معجم الطبراني 3 / 207، الاستيعاب: 1538، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 550، أسد الغابة 5 / 61، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 137، تهذيب الكمال: 1438، تذهيب التهذيب 4 / 114 / ب، العقد الثمين 7 / 370، الإصابة: ت (8965) ، تهذيب التهذيب 11 / 37، خلاصة تذهيب الكمال: 351. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 حَدَّثَ عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ صَلِيْباً، مَهِيْباً. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، فَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُنْكَراً، قَالَ: أَمَّا مَا عِشْتُ أَنَا وَهِشَامُ بنُ حَكِيْمٍ، فَلاَ يَكُوْنُ هَذَا (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَعَهُ مَرَّةً، فَصَرَعَهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. 14 - كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ الأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ. لَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ سَعْدٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَرَبِيْعٌ، وَطَارِقُ بنُ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَآخَرُوْنَ. حَدَّثَ بِالكُوْفَةِ وَبِالبَصْرَةِ - فِيْمَا أَرَى -.   (1) " جمهرة نسب قريش " ص 378. (*) مسند أحمد 4 / 241، طبقات خليفة: ت (938) ، تاريخ البخاري 7 / 220، المعرفة والتاريخ 1 / 319، الجرح والتعديل 7 / 160، جمهرة أنساب العرب: 442، الاستيعاب: 1321، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 429، تاريخ ابن عساكر 14 / 277 / ب، أسد الغابة 4 / 243، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني 68، تهذيب الكمال: 1146، تاريخ الإسلام 2 / 313، العبر 1 / 57، تذهيب التهذيب 3 / 170 / آ، مرآة الجنان 1 / 125، البداية والنهاية 8 / 60، الإصابة: ت (7421) ، تهذيب التهذيب 8 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 273، شذرات الذهب 1 / 58. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. قَالَ كَعْبٌ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُوْنَ، وَقَدْ صَدَّهُ المُشْرِكُوْنَ، فَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ (1) ، فَجَعَلَتِ الهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي. فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَتُؤْذِيْكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَمَرَ أَنْ يُحْلَقَ، وَنَزَلَتْ فِيَّ آيَةُ الفِدْيَةِ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ بَلَوِيٌّ مِنْ حُلفَاءِ الخَزْرَجِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم. وَذَكَرَ عَنْ رِجَالِهِ، قَالُوا: اسْتَأْخَرَ إِسْلاَمُ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ. وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ يُكْرِمُهُ وَيَمْسَحُهُ، فَكَانَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ، فَيَأْبَى. وَكَانَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ لَهُ خَلِيْلاً، فَرَصَدَهُ يَوْماً، فَلَمَّا خَرَجَ، دَخَلَ عُبَادَةُ وَمَعَهُ قَدُوْمٌ، فَكَسَرَهُ. فَلَمَّا أَتَى كَعْبٌ، قَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: عُبَادَةُ. فَخَرَجَ مُغْضَباً، ثُمَّ فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ، وَأَتَى عُبَادَةَ، فَأَسْلَمَ. ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، عَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْماً، فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيِّراً.   (1) في " النهاية " لابن الأثير: الوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الاذن. (2) أخرجه البخاري 7 / 351 في المغازي: باب غزوة الحديبية. وآية الفدية هي: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أؤ صدقة أو نسك) . وأخرجه البخاري في عدة مواطن، فهو عنده في الحج: باب قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) ، وباب النسك شاة، وفي التفسير: باب (فمن كان منكم مريضا) ، وفي المرضى: باب قول المريض: إني وجع، أو وارأساه، وفي الطب: باب الحلق من الأذى، وفي الايمان والنذور: باب كفارات الايمان، وأخرجه مالك 1 / 417 في الحج: باب فدية من حلق قبل أن ينحر، ومسلم (1201) في الحج: باب جواز حلق الرأس للمحرم، وأبو داود (1856) و (1857) و (1858) و (1859) و (1860) و (1861) ، والترمذي (953) ، والنسائي 5 / 194، 195، وابن ماجه (3079) ، وهو في " تاريخ دمشق " لابن عساكر 14 / 277 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا لِي أَرَاكَ مُتَغَيِّراً؟ قَالَ: (مَا دَخَلَ جَوْفِي شَيْءٌ مُنْذُ ثَلاَثٍ) . فَذَهَبْتُ، فَإِذَا يَهُوْدِيٌّ يَسْقِي إِبِلاً لَهُ، فَسَقَيْتُ لَهُ عَلَى كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَجَمَعْتُ تَمْراً، فَأَتَيْتُهُ بِهِ. فَقَالَ: (أَتُحِبُّنِي يَا كَعْبُ؟) . قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ، نَعَمْ. قَالَ: (إِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مَعَادِنِهِ، وَإِنَّكَ سَيُصِيْبُكَ بَلاَءٌ، فَأَعِدَّ لَهُ تِجْفَافاً) . قَالَ: فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: مَرِيْضٌ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: (أَبْشِرْ يَا كَعْبُ) . فَقَالَتْ أُمُّهُ: هَنِيْئاً لَكَ الجَنَّةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ هَذِهِ المُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللهِ؟) . قَالَ: هِيَ أُمِّي. قَالَ: (مَا يُدْرِيْكِ يَا أُمَّ كَعْبٍ، لَعَلَّ كَعْباً قَالَ مَا لاَ يَنْفَعُهُ، أَوْ مَنَعَ مَا لاَ يُغْنِيْهِ) . رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ (1) . مِسْعَرٌ: عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي إِلَى كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، فَإِذَا هُوَ أَقْطَعُ، فَقُلْتُ لأَبِي: بَعَثْتَنِي إِلَى رَجُلٍ أَقْطَعَ! قَالَ: إِنَّ يَدَهُ قَدْ دَخَلَتِ الجَنَّةَ، وَسَيَتْبَعُهَا - إِنْ شَاءَ اللهُ - (2) . 15 - عَمْرُو بنُ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - السَّهْمِيُّ.   (1) أخرجه ابن عساكر 14 / 279 / آ، وقال في آخر الحديث: قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن كعب بن عجرة إلا موسى بن وردان. تفرد به ضمام. وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " 4 / 191، 192، ونقل عن شيخه الحافظ أبي الحسن قوله: إسناده جيد. (2) ابن عساكر 14 / 279 / ب. (*) مسند أحمد 4 / 202، طبقات ابن سعد 4 / 254 و7 / 493، نسب قريش: 409 وما بعدها، طبقات خليفة: ت (147) ، (970) ، (2820) ، المحبر: 77، 121، 177، تاريخ البخاري 6 / 303، المعارف: 285، المستدرك 3 / 452 - 455، المعرفة والتاريخ 1 / 323، تاريخ الطبري 4 / 558، مروج الذهب 3 / 212، الولاة والقضاة: انظر الفهوس، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ، وَرَجُلُ العَالَمِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفِطْنَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَالحَزْمِ. هَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِماً فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَاجِبِ الكَعْبَةِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم، وَأَمَّرَ عَمْراً عَلَى بَعْضِ الجَيْشِ، وَجَهَّزَهُ لِلْغَزْوِ. لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً؛ تَبْلُغُ بِالمُكَرَّرِ نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ. اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ (1) . وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَائِشَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَوْلاَهُ؛ أَبُو قَيْسٍ، وَقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعْفَرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ مُرْسَلاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   = جمهرة أنساب العرب: 163، وانظر الفهرس، الاستيعاب: 1184، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 362، تاريخ ابن عساكر 13 / 245 / آ، جامع الأصول 9 / 103، أسد الغابة 4 / 115، الكامل 3 / 274، الحلة السيراء 1 / 13، تهذيب الأسماء واللغات: القسم الأول من الجزء الثاني: 30، تهذيب الكمال ص: 1038، تاريخ الإسلام 2 / 235، تذهيب التهذيب 3 / 101 / آ، مرآة الجنان 1 / 119، العقد الثمين 6 / 398، غاية النهاية: ت (2455) ، الإصابة: ت (5884) ، تهذيب التهذيب 8 / 56، النجوم الزاهرة 1 / 113، خلاصة تذهيب الكمال: 246، شذرات الذهب 1 / 53، حسن المحاضرة 1 / 224، البداية والنهاية 4 / 236 - 238، و8 / 24 - 27، المغازي 2 / 741. (1) انظر البخاري 7 / 19، و10 / 351، و13 / 268، ومسلم: (121) و (215) و (1096) و (1716) و (2384) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَخُو عُرْوَةَ بنِ أُثَاثَةَ لأُمِّهِ. وَكَانَ عُرْوَةُ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ عَمْرٌو قَصِيْراً، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: قَدِمَ هُوَ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ طَلْحَةَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْهَا. قَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ. نَزَلَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ سَكَنَ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ. رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ، عَمْرٌو وَهِشَامٌ (1)) . وَرَوَى: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ الوَرْدِ؛ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ: أَلاَ أُحَدِّثُكُم عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؟ إِنِّيْ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ؛ نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ (2)) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: عَقَدَ   (1) إسناده حسن، أخرجه أحمد 2 / 304 و327 و353، وابن سعد 4 / 191، والحاكم 3 / 240 و452، وابن عساكر 13 / 252 / آ، من طرق عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وله شاهد عند ابن سعد 4 / 192، عن عمرو بن حكام، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمه..وهذا سند حسن في الشواهد، لان عمرو بن حكام يكتب حديثه على ضعفه للاستشهاد. (2) وأخرجه أحمد 1 / 161 من طريق وكيع، حدثنا نافع بن عمر وعبد الجبار بن الورد بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، لان ابن أبي مليكة - وهو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله - لم يدرك طلحة، فإن طلحة قتل يوم الجمل سنة 36، وابن أبي مليكة مات سنة 117 هـ، فبين وفاتيهما 81 سنة، وأخرجه الترمذي (3845) مختصرا بلفظ: " إن عمرو بن العاص من صالح قريش " وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث نافع بن عمر الجمحي، ونافع ثقة، وليس إسناده بمتصل، ابن أبي مليكة لم يدرك طلحة، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 13 / 253 / آ، وسيذكره المصنف في ترجمة ابنه عبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاءً لِعَمْرٍو عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَرَاةِ أَصْحَابِهِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: أُرَاهُ، قَالَ: فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ (1) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ جَابِرٍ: قَدْ صَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ، أَوْ أَنْصَعَ رَأْياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْهُ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: خَالِقُ هَذَا وَخَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ وَاحِدٌ (3) ! رَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ: لاَ أَمَلُّ ثَوْبِي مَا وَسِعَنِي، وَلاَ أَمَلُّ زَوْجَتِي مَا أَحْسَنَتْ عِشْرَتِي، وَلاَ أَمَلُّ دَابَّتِي مَا حَمَلَتْنِي، إِنَّ المَلاَلَ مِنْ سَيِّئِ الأَخْلاَقِ. وَرَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: صِفْ لِيَ الأَمْصَارَ. قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ: أَطْوَعُ النَّاسِ لِمَخْلُوْقٍ، وَأَعْصَاهُ لِلْخَالِقِ، وَأَهْلُ مِصْرَ: أَكْيَسُهُم صِغَاراً، وَأَحْمَقُهُم كِبَاراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ: أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى الفِتْنَةِ، وَأَعْجَزُهُم عَنْهَا، وَأَهْلُ العِرَاقِ: أَطْلَبُ النَّاسِ لِلْعِلْمِ، وَأَبْعَدُهُم مِنْهُ (4) .   (1) ابن عساكر 13 / 255 / آ. وغزوة ذات السلاسل كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وهي وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وقد نزلوا على ماء لجذام، يقال له: السلسل فيما قال ابن إسحاق، ولذلك سميت ذات السلاسل. انظر خبرها في " طبقات ابن سعد " 2 / 131، و" سيرة ابن هشام " 2 / 623، و" شرح المواهب " 2 / 277 - 280. (2) سيرد الخبر مطولا ص 49. (3) وأورده ابن عساكر 13 / 264 / آ. (4) أبو أمية بن يعلى ضعيف، وكذا شيخه علي بن زيد، فالخبر لا يصح، وأورده الفسوي في " تاريخه " 2 / 411، من طريق نعيم بن حماد ورشدين بن سعد - وكلاهما ضعيف - عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دُهَاةُ العَرَبِ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَالمُغِيْرَةُ، وَزِيَادٌ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَلِلأَنَاةِ وَالحِلْمِ؛ وَأَمَّا عَمْرٌو: فَلِلْمُعْضِلاَتِ؛ وَالمُغِيْرَةُ: لِلمُبَادَهَةِ؛ وَأَمَّا زِيَادٌ: فَلِلصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ (1) : كَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم. وَكَانَ شَاعِراً، حَسَنَ الشِّعْرِ، حُفِظَ عَنْهُ مِنْهُ الكَثِيْرُ فِي مَشَاهِدَ شَتَّى، وَهُوَ القَائِلُ: إِذَا المَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَاماً يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْباً غَاوِياً حَيْثُ يَمَّمَا قَضَى وَطَراً مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذُكِرَتْ أَمْثَالُهَا تَمْلأُ الفَمَا (2) وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَقَدْ سُقْنَا مِنْ أَخْبَارِ عَمْرٍو فِي (المَغَازِي) وَفِي مَسِيْرِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَفِي سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَفِي الحَوَادِثِ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ إِقْلِيْمَ مِصْرَ، وَوَلِيَ إِمْرَتَهُ زَمَنَ عُمَرَ، وَصَدْراً مِنْ دَوْلَةِ عُثْمَانَ. ثُمَّ أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ الإِقْلِيْمَ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَغَلَّهُ سِتَّ سِنِيْنَ لِكَوْنِهِ قَامَ بِنُصْرَتِهِ، فَلَمْ يَلِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ سَنَتَيْنِ وَنَيِّفاً. وَلَقَدْ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً. وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (3)) جُمْلَةً، وَطَوَّلَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَتَهُ (4) .   (1) في " الاستيعاب " في ترجمته ص 1188. (2) من قصيدة له يذكر عمارة بن الوليد المخزومي عند ما اتهمه النجاشي بالزنى، أوردها صاحب " الاغاني ": 9 / 57، 58 والبيتان في " الاستيعاب ". (3) 2 / 235 - 241. (4) من 245 / 1 - 270 / 2 في " تاريخه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَكَانَ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ رَأْياً، وَدَهَاءً، وَحَزْماً، وَكَفَاءةً، وَبَصَراً بِالحُرُوْبِ، وَمِنْ أَشْرَافِ مُلُوْكِ العَرَبِ، وَمِنْ أَعْيَانِ المُهَاجِرِيْنَ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَعفُو عَنْهُ، وَلَوْلاَ حُبُّهُ لِلدُّنْيَا، وَدُخُوْلُهُ فِي أُمُوْرٍ، لَصَلُحَ لِلْخِلاَفَةِ، فَإِنَّ لَهُ سَابِقَةً لَيْسَتْ لِمُعَاوِيَةَ. وَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَى مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ لِبَصَرِهِ بِالأُمُوْرِ وَدَهَائِهِ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو عُلُوّاً مُنْكَراً، وَاللهِ مَا يَقُوْمُ لَهُ شَيْءٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَأْياً. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ عَلَى حَامِيَتِنَا، فَإِنْ ظَفِرَ قَوْمُنَا، فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا نَرْجِعُ إِلَيْهِم، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ، فَنَكُوْنُ تَحْتَ يَدَيِ النَّجَاشِيِّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُوْنَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ. قَالُوا: أَصَبْتَ. قُلْتُ: فَابْتَاعُوا لَهُ هَدَايَا، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأَدَمُ، فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً، وَقَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَافَقْنَا عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، قُلْتُ: لَعَلِّي أَقْتُلُهُ. وَأَدْخَلْتُ الهَدَايَا، فَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِصَدِيْقِي. وَعَجِبَ بِالهَدِيَّةِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَكَ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ وَتَرَنَا، وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا، فَأَعْطِنِيْهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَغَضِبَ، وَضَرَبَ أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَو انْشَقَّتْ لِيَ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيْهَا، وَقُلْتُ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا لَمْ أَسْأَلْكَهُ. فَقَالَ: سَأَلْتَنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُوْلَ رَجُلٍ يَأْتِيْهِ النَّامُوْسُ (1) الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوْسَى الأَكْبَرَ تَقْتُلَهُ؟! فَقُلْتُ: وَإِنَّ ذَاكَ لَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ فَاتَّبِعْهُ، فَوَاللهِ   (1) الناموس: جبريل عليه السلام، وكذا؟ ؟ أهل الكتاب. وفي حديث ورقة لخديجة رضي الله عنها: إن كان ما تقولين حقا، فإنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى عليه السلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 لَيَظْهَرَنَّ كَمَا ظَهَرَ مُوْسَى وَجُنُوْدُهُ. قُلْتُ: أَيُّهَا المَلِكُ! فَبَايِعْنِي أَنْتَ لَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الإِسْلاَمِ، وَخَرَجْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيٌ. فَقَالُوا: مَا وَرَاءكَ؟ فَقُلْتُ: خَيْرٌ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، جَلَسْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، وَانْطَلَقْتُ، وَتَرَكْتُهُم، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَهْوِي إِذْ لَقِيْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَقَلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: أَذْهَبُ -وَاللهِ - أُسْلِمُ، إِنَّهُ -وَاللهِ - قَدِ اسْتَقَامَ المِيْسَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مَا أَشُكُّ فِيْهِ. فَقُلْتُ: وَأَنَا وَاللهِ. فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ لِي: (يَا عَمْرُو! بَايِعْ، فَإِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ (1)) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ (2) ، عَنْ قَيْسِ بنِ سُمَيٍّ (3) : أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ   (1) رجاله ثقات خلا راشد مولى حبيب، فلم يوثقه غير ابن حبان، وأخرجه من طريق ابن إسحاق بنحوه ابن هشام في " السيرة ": 2 / 276، 277، وأحمد في " المسند ": 4 / 198، 199، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 13 / 249 / آ، وأخرجه الواقدي في " مغازيه ": 2 / 741 - 745 من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: قال عمرو بن العاص ... بأبسط من رواية ابن إسحاق. وأخرج مسلم في " صحيحه " (121) في الايمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله، من طريق ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلا، حول ووجهه إلى الجدار..وفيه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلابايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي قال: " مالك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن اشترط. قال: " تشترط بماذا "؟ قلت: أن يغفر لي. قال: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وان الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ... " (2) تحرف في المطبوع إلى " نصر ". (3) قيس بن سمي - وفي الأصل ومسند أحمد " شفي " وهو تحريف - ترجمه الحسيني فقال: قيس بن سمي بن الأزهر التجيبي، شهد فتح مصر، وروى عن عمرو بن العاص، وعنه سويد بن قيس: ليس بالمشهور. وتعقبه الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة "، فقال: قد عرفه أبو سعيد ابن يونس، ونسبه، فساق نسبه إلى سعد بن تجيب، ثم قال: وهو جد حيوة بن الرواع بن عبد = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي؟ قَالَ: (إِنَّ الإِسْلاَمَ وَالهِجْرَةَ يَجُبَّانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا) . قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَشَدُّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا مَلأْتُ عَيْنِي مِنْهُ وَلاَ رَاجَعْتُهُ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَأَى عَمْرُو بنُ العَاصِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظْهَرُ، خَرَجَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَأَهْدَى لَهُ، فَوَافَقَ عِنْدَهُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيْجِ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَلَقِيَ عَمْرٌو عَمْراً، فَضَرَبَهُ، وَخَنَقَهُ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لَوْ قَتَلْتَهُ مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُم أَحَداً، أَتَقْتُلَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: أَتَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: وَأَنَا أَشْهَدُ؛ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ. ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، فَعَانَقْتُهُ، وَعَانَقَنِي، وَانْطَلَقْتُ سَرِيْعاً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِي (2) . النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ: اسْتَأْذَنَ جَعْفَرٌ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضاً أَعَبْدُ اللهَ فِيْهَا لاَ أَخَافُ أَحَداً. فَأَذِنَ لَهُ؛ فَأَتَى النَّجَاشِيَّ. قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ، حَسَدْتُهُ، فَقُلْتُ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ - وَاللهِ - إِنْ لَمْ   = الملك بن قيس صاحب الدار المعروفة بمصر. قال: وكان ولده بإفريقية، ومن شهد فتح مصر يكون إما صحابيا وإما مخضرما، فلا يقال فيه بعد هذا التعريف: ليس بمشهور. (1) أخرجه أحمد في " المسند ": 4 / 204، وحديث مسلم في ص (60) ت (1) يشهد له. (2) محمد بن عمر هو الواقدي متروك. والخبر منقطع. ولم نجده في المطبوع من " طبقات ابن سعد " وربما يكون سقط من ترجمته فإن بها خرما كبيرا يزيد على عشرين صفحة، فقد قال المؤلف الذهبي في " تاريخ الإسلام ": 2 / 240: " ولعمرو بن العاص ترجمة طويلة في " طبقات ابن سعد " ثمان عشرة ورقة " والمطبوع من ترجمته خمس ورقات تقريبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ، لاَ أَقْطَعْ هَذِهِ النُّطْفَةَ (1) إِلَيْكَ أَبَداً. قَالَ: ادْعُهُ. قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعِي رَسُوْلاً، فَجَاءَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى البَابِ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ. وَنَادَى هُوَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ. فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَلأَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ جِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلْتُهُ خَلْفِي. قَالَ: وَأَقْعَدْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَخِّرُوا (2) . فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّ هَذَا بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ. قَالَ: فَتَشَهَّدَ، فَإِنِّي أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ التَّشَهُّدَ لَيَوْمَئِذٍ. وَقَالَ: صَدَقَ، هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَنَا عَلَى دِيْنِهِ. قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحاً، وَقَالَ: أَوَّه. حَتَّى قُلْتُ: مَا لابْنِ الحَبَشِيَّةِ؟ فَقَالَ: نَامُوْسٌ مِثْلُ نَامُوْسِ مُوْسَى، مَا يَقُوْلُ فِي عِيْسَى؟ قَالَ: يَقُوْلُ: هُوَ رُوْحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ. فَتَنَاوَلَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ. وَقَالَ: لَوْلاَ مُلْكِي لاتَّبَعْتُكُم. وَقَالَ لِعَمْرٍو: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَداً. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي، مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ (3) . قَالَ: فَلَقِيْتُ جَعْفَراً خَالِياً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: نَعَمْ (4) ، إِنِّيْ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَعَبْدُهُ. فَقَالَ: هَدَاكَ اللهُ. فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي، فَكَأَنَّمَا   (1) النطفة: أراد بها ماء البحر. أي: لا نسافر إليك. (2) أي: تكلموا. كما جاء مفسرا في رواية البزار من قبل عمرو بن العاص راوي الحديث. قال ابن الأثير في " النهاية ": نخروا: أي تكلموا. كذا فسر في الحديث، ولعله إن كان عربيا مأخوذ من النخير: الصوت، ويروى بالجيم نجروا: أي سوقوا الكلام. وقد التبست على محقق المطبوع، فلم يتبينها، فرسمها كما هي، وقال: هكذا في الأصل. (3) في رواية أبي يعلى زيادة هي: " ومن سبك غرمته، وقال لآذنه: متى أتاك هذا يستأذن علي. فائذن له، إلا أن أكون عند أهلي، فإن كنت عند أهلي، فأخبره، فإن أبي، فائذن له ". (4) في " المطالب العالية ": " تعلمن "، وفي " المجمع ": " أتعلم "، وفي " كشف الاستار ": " تعلم ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 شَهِدُوْهُ مَعِي، فَأَخَذُوْنِي، فَأَلْقَوْا عَلَيَّ قَطِيْفَةً، وَجَعَلُوا يَغُمُّوْنِي (1) ، وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ (2) . فَلَقِيْتُ حَبَشِيَّةً، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا (3) ، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا. وَأَتَيْتُ جَعْفَراً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: ذُهِبَ بِكُلِّ شَيْءٍ لِي. فَانْطَلَقَ مَعِي إِلَى بَابِ المَلِكِ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ. فَقَالَ آذِنُهُ: إِنَّهُ مَعَ أَهْلِهِ. قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي. فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْراً قَدْ بَايَعَنِي (4) عَلَى دِيْنِي. فَقَالَ: كَلاَّ. قَالَ: بَلَى. فَقَالَ لإِنْسَانٍ: اذْهَبْ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ، فَلاَ يَقُوْلَنَّ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتَهُ. قَالَ: فَجَاءَ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا أَقُوْلُ حَتَّى مَا تَرَكْنَا شَيْئاً حَتَّى القَدَحَ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ (5) . وَعَنْ عَمْرٍو، قَالَ: حَضَرْتُ بَدْراً مَعَ المُشْرِكِيْنَ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُداً،   (1) أي: يغطوني، ويحبسون نفسي من الخروج. (2) أي: اللباس. (3) القناع: ما تغطي به المرأة رأسها. (4) في " المطالب " و" المجمع ": " تابعني "، وفي " كشف الاستار ": " إن عمرا قد ترك دينه واتبع ديني ". (5) عمير بن إسحاق لم يرو عنه غير عبد الله بن عون فيما قاله أبو حاتم والنسائي، وقال ابن معين: لا يساوي شيئا، ووثقه مرة. وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وأورده العقيلي في " الضعفاء " لأنه لم يرو عنه غير واحد. وقال ابن عدي: لا أعلم روى عنه غير ابن عون، وله من الحديث شيء يسير، ويكتب حديثه. وباقي رجال الإسناد ثقات. وأورده ابن حجر في " المطالب العالية ": 4 / 195 - 198، ونسبه لأبي يعلى، وقال: هذا إسناد حسن، إلا أنه مخالف للمشهور أن إسلام عمرو على يد النجاشي نفسه. وأخرجه البزار في " مسنده " كما في " كشف الاستار " (1740) ، وقال: لا نعلمه يروى عن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد ": 6 / 27 - 29، وقال: رواه الطبراني والبزار، وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضره، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقد تقدم الحديث في الجزء الأول: 437 في أخبار النجاشي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 فَنَجَوْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: كَمْ أَوْضَعُ؟ فَلَحِقْتُ بِالوَهْطِ (1) ، وَلَمْ أَحْضُرْ صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ. سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ الطَّلْحِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ لَرَشِيْدُ الأَمْرِ (2)) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي مِشْرَحٌ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ العَاصِ (3)) . عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ) (4) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ   (1) الوهط - وقد تحرف في المطبوع إلى " الرهط " -: قربة بالطائف على ثلاثة أميال من وج كانت لعمرو بن العاص. وقال ابن الاعرابي: عرش عمرو بن العاص بالوهط ألف ألف عود كرم على ألف ألف خشبة، ابتاع كل خشبة بدرهم، فحج سليمان بن عبد الملك، فمر بالوهط، فقال: أحب أن أنظر إليه، فلما رآه، قال: هذا أكرم مال وأحسنه، ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه، فقيل له: ليست بحرة ولكنها مسطاح الزبب، وكان زبيبه جمع في وسطه. انظر " معجم البلدان "، وانظر تعريف المصنف للوهط ص 89 (2) إسناده ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى، وجهالة راويه عنه، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 13 / 252 / آ. (3) إسناده حسن، والمقرئ هو عبد الله بن يزيد المخزومي المدني، وروايته عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، وهو في " المسند " 4 / 155، وأخرجه الترمذي (3844) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة به. (4) عمرو بن حكام ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 192، و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 252 / آ، وله شاهد حسن تقدم في الصفحة (56) ت (1) يتقوى به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 العَاصِ، قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفاً، فَاحْتَبَيْتُ بِحَمَائِلِهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ كَانَ مَفْزَعُكُم إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ؟ أَلاَ فَعَلْتُم كَمَا فَعَلَ هَذَانِ المُؤْمِنَانِ (1) ؟) . اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ ابْنِ يَخَامِرَ (2) السَّكْسَكِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ رَسُوْلَكَ (3)) . مُنْقَطِعٌ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ قَيْسٍ البَلَوِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ رَمْثَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَى البَحْرَيْنِ، فَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ فِي سَرِيَّةٍ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَنَعَسَ، وَقَالَ: (يَرْحَمُ اللهُ عَمْراً) . فَتَذَاكَرْنَا كُلَّ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو. قَالَ: فَنَعَسَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) . ثُمَّ نَعَسَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَمْراً) . قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ عَمْرٌو هَذَا؟ قَالَ: (عَمْرُو بنُ العَاصِ) . قُلْنَا: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: (كُنْتُ إِذَا نَدَبْتُ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ، جَاءَ فَأَجْزَلَ مِنْهَا. فَأَقُوْلُ: يَا عَمْرُو! أَنَّى لَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ اللهِ. قَالَ: وَصَدَقَ عَمْرٌو؛ إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْراً كَثِيْراً) (4) .   (1) إسناده حسن، وهو في " المسند " 4 / 203. و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 252. (2) بفتح الياء والخاء وكسر الميم، وقد تحرف في المطبوع إلى " مخامر " وهو مالك بن يخامر السكسكي الحمصي صاحب معاد بن جبل. (3) أورده ابن عساكر: 13 / 252 / ب، وخص بالصلاة أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة ثم عمرو بن العاص، وقال في نهايته: هذا الحديث على إرساله فيه انقطاع بين يزيد ومالك بن يخامر. (4) رجاله ثقات خلا زهير بن قيس البلوي، فقد ترجمه البخاري: 3 / 428 وابن أبي حاتم: 3 / 568، فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وأخرجه الفسوي في " تاريخه ": 2 / 512 = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حِبَّانَ بنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَالِدٍ مُنْذُ أَسْلَمْنَا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَرْبِهِ (1) . مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ عَمْراً يَقُوْلُ: بَعَثَ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ (2) وَسِلاَحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي) . فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ البَصَرَ، وَصَوَّبَهُ، فَقَالَ: (إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً صَالِحَةً مِنَ المَالِ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ المَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الإِسْلاَمِ، وَلأَنْ أَكُوْنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: (يَا عَمْرُو! نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ (3)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْراً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ. فَقَالَ لَهُم عَمْرٌو: لاَ يُوْقِدَنَّ أَحَدٌ نَاراً. فَلَمَّا قَدِمَ شَكَوْهُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَانَ فِيْهِم قِلَّةٌ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَرَى العَدُوُّ قِلَّتَهُم، وَنَهَيْتُهُم أَنْ يَتَّبِعُوا العَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُم كَمِيْنٌ. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (4) .   = وابن عبد الحكم في " فتوح مصر ": 307 من طريق الليث به وأورده الحافظ في " الإصابة " في ترجمة علقمة بن رمثة: 7 / 47، ونسبه للبخاري في " تاريخه ": 7 / 40، وابن يونس وأحمد والبغوي وابن مندة من طرق عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد. وهو في " أسد الغابة ": 4 / 84، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر: 13 / 253 / ب. (1) " ابن عساكر " 13 / 253 / ب. (2) تحرف في المطبوع إلى " شأنك ". (3) أخرجه أحمد: 4 / 197 و202، والبخاري في " الأدب المفرد " (299) من طرق عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، وهذا سند صحيح، وصححه ابن حبان (1089) والحاكم 2 / 2، ووافقه الذهبي، وهو في " ابن عساكر " 13 / 253 / ب. (4) " ابن عساكر " 13 / 254 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَكِيْعٌ: عَنْ مُنْذْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: لَمْ يَدَعْ عَمْرُو بنُ العَاصِ النَّاسَ أَنْ يُوْقِدُوا نَاراً، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ بِالنَّاسِ، يَمْنَعُهْم مَنَافِعَهُم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْهُ، فَإِنَّمَا وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ (1) . وَكَذَا رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُنْذِرٍ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، وَفِيْهِم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (2) . يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ عَمْراً كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ شَدِيْدٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، فَخَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ: احْتَلَمْتُ البَارِحَةَ، وَلَكِنِّي -وَاللهِ - مَا رَأَيْتُ بَرْداً مِثْلَ هَذَا. فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِم. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ: (كَيْفَ وَجَدْتُم عَمْراً وَصَحَابَتَهُ؟) . فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! صَلَّى بِنَا وَهُوَ جُنُبٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى عَمْرٍو، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَبِالَّذِي لَقِيَ مِنَ البَرْدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم، إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحِيْماً} [النِّسَاءُ: 28] ، وَلَوِ اغْتَسَلْتُ مِتُّ. فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (3) .   (1) " ابن عساكر 13 2 / 254 / ب. (2) أخرجه البخاري: 7 / 18، 19، في الفضائل، و8 / 59، 60 في المغازي، ومسلم (2384) ، وهو في " ابن عساكر " 13 / 255 / آ. (3) إسناده صحيح، والمغابن: الارفاغ وهي بواطن الافخاذ عند الحوالب جمع مغبن من غبن الثوب: إذا ثناه وعطفه، وأخرجه أبو داود (335) في الطهارة: باب إذا خاف الجنب البرد تيمم، والبيهقي: 1 / 226 من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث بهذا الإسناد، وصححه ابن حبان (202) . وهو في " ابن عساكر " 13 / 255 / ب. وأخرجه أبو داود = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ: قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلاً صَالِحاً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ. قَالَ: بَلَى، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبّاً كَانَ لِي مِنْهُ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٌ، فَقَالَ: ذَاكَ قَتِيْلُكُم بِصِفِّيْنَ. قَالَ: قَدْ -وَاللهِ - فَعَلْنَا (1) . مُعْتَمِرٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ شُقَّةَ خَمِيْصَةٍ سَوْدَاءَ (2) ، فَعَقَدَهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ، فَقَالَ: (مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا؟) . فَهَابَهَا المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ. فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: (لاَ تُقَاتِلُ بِهَا مُسْلِماً، وَلاَ تَفِرُّ بِهَا عَنْ كَافِرٍ) . قَالَ: فَأَخَذَهَا، فَنَصَبَهَا عَلَيْنَا يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ رَايَةً كَانَتْ أَكْسَرَ أَوْ أَقْصَمَ لِظُهُوْرِ الرِّجَالِ مِنْهَا؛ وَهُوَ عَمْرُو بنُ العَاصِ (3) . سَمِعَهُ مِنْهُ: أُمَيَّةُ بنُ بِسطَامَ.   = (334) ، والبيهقي: 1 / 225 من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب "؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئا. وعلقه البخاري في " صحيحه " 1 / 385، وقواه الحافظ، وصححه الحاكم: 1 / 177، ووافقه الذهبي، وحسنه المنذري. وانظر " زاد المعاد " 3 / 388. (1) هو في " المسند " 4 / 203 من طريق الأسود بن عامر، عن جرير بن حازم، ورجاله ثقات. (2) قال ابن الأثير: هي ثوب خز أو صوف معلم، وقيل: لا تمسى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديما، وجمعها الخمائص. (3) " تاريخ ابن عساكر " 13 / 256 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَمْرٌو عَلَى عُمَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اللَّيْثُ: عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ نُشَيْطٍ: أَنَّ قُرَّةَ بنَ هُبَيْرَةَ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ ... ، الحَدِيْثَ (1) . وَفِيْهِ: فَبَعَثَ عَمْراً عَلَى البَحْرَيْنِ، فَتُوُفِّيَ وَهُوَ ثَمَّ. قَالَ عَمْرٌو: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَأَعْطَانِي الأَمَانَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً أُرْسِلَ فِي جَسِيْمِ الأُمُوْرِ، وَأُرْسِلْتُ فِي المُحَقَّرَاتِ. قُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُوْلُ. فَقَالَ: يَا ضِفْدَعُ نُقِّي، فَإِنَّكِ نِعْمَ مَا تَنُقِّيْنَ، لاَ زَاداً تُنَقِّرِيْنَ، وَلاَ مَاءً تُكَدِّرِيْنَ. ثُمَّ قَالَ: يَا وَبْرُ يَا وَبْرُ؛ وَيَدَانِ وَصَدْرُ، وَبَيَانُ خَلْقِهِ حَفْرُ. ثُمَّ أُتِيَ بِأُنَاسٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي نَخْلاَتٍ قَطَعَهَا بَعْضُهُم لِبَعْضٍ، فَتَسَجَّى قَطِيْفَةً، ثُمَّ كَشَفَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّيْلِ الأَدْهَمِ، وَالذِّئْبِ الأَسْحَمِ، مَا جَاءَ ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مِنْ مُجْرِمٍ. ثُمَّ تَسَجَّى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: وَاللَّيْلِ الدَّامِسِ، وَالذِّئْبِ الهَامِسِ، مَا حُرْمَتُهُ رَطْباً إِلاَّ كَحُرْمَتِهِ يَابِسٌ، قَوْمُوا فَلاَ أَرَى عَلَيْكُم فِيْمَا صَنَعْتُمْ بَأْساً (2) . قَالَ عَمْرٌو: أَمَا -وَاللهِ - إِنَّكَ كَاذِبٌ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ إِنَّكَ لَمِنَ الكَاذِبِيْنَ. فَتَوَعَّدَنِي (3) .   (1) وتمامه عند ابن الأثير وابن عساكر: " فلما كان حجة الوداع، نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على نافة قصيرة، فقال: يا قرة، فقال الناس: يا قرة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف قلت حين أتيتني؟ قال: قلت: يا رسول الله كان لنا أرباب وربات من دون الله تدعوهم فلا يجيبونا، ونسألهم فلا يعطونا، فلما بعثك الله أجبناك وتركناهم، فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من رزق لبا " فبعث ... (2) وكلام مسيلمة هذا - كما يقول الامام الباقلاني في " التمهيد ": 182 - دال على جهل مورده، وضعف عقله ورأيه، وما يوجب السخرية منه، والهزء به، وليس هو مع ذلك خارجا عن وزن ركيك السجع وسخيفه. (3) هو على إرساله فيه سعيد بن أبي هلال، حكي عن أحمد أنه اختلط، وشيخه سعيد بن نشيط مجهول كما في " الجرح والتعديل " 4 / 69. والخبر في " أسد الغابة " 4 / 402، و" تاريخ ابن عساكر " 13 / 257 / آ، وأورده ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة قرة بن هبيرة، ونسبه إلى ابن أبي = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً (1) . وَشَهِدَ عَمْرٌو يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ بَلاَءً حَسَناً. وَقِيْلَ: بَعَثَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَصَالَحَ أَهْلَ حَلَبَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَافْتَتَحَ سَائِرَ قِنَّسْرِيْنَ عَنْوَةً. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: وَلَّى عُمَرُ عَمْراً فِلَسْطِيْنَ وَالأُرْدُنَّ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَافْتَتَحَهَا، وَبَعَثَ عُمَرُ الزُّبَيْرَ مَدَداً لَهُ (2) . وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَتَحَ عَمْرُو بنُ العَاصِ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ انَتَقَضُوا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) . وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ فَتْحُ لُيُوْنَ (4) سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَأَمِيْرُهَا عَمْرٌو. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: افْتَتَحَ عَمْرٌو طَرَابُلْسَ الغَرْبِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ (5) . خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَا أَمِيْرُهُم حَتَّى نَزَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيْمٌ مِنْهُم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلاً أُكَلِّمْهُ وَيُكَلِّمْنِي. فَقُلْتُ: لاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي. فَخَرَجْتُ مَعِي تَرْجُمَانِي، وَمَعَهُ تَرْجُمَانٌ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرَانِ، فَقَالَ: مَا أَنْتُم؟ قُلْتُ: نَحْنُ العَرَبُ، وَمِنْ أَهْلِ   = داود والبغوي وابن شاهين. ورواه من طريق آخر، وفيه من لم يسم. (1) ابن عساكر: 13 / 257 / ب. (2) " تاريخ خليفة ": 142 و155. (3) ابن عساكر: 13 / 258 / ب. (4) ليون: كصبور، ويقال: أليون، وباب أليون: قرية بمصر، انظر " تاريخ الطبري " 4 / 104 و" تاريخ الإسلام " 2 / 29 للمؤلف. (5) " تاريخ خليفة ": 152. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 الشَّوْكِ وَالقُرْظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضاً، وَشَرَّهُ عَيْشاً، نَأْكُلُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيُغِيْرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، كُنَّا بِشَرِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِيْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفاً وَلاَ أَكْثَرِنَا مَالاً، قَالَ: أَنَا رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُم، يَأْمُرُنَا بِمَا لاَ نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ. فَشَنِفْنَا لَهُ، وَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلْنَاهُ، فَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَقَاتَلَ مَنْ يَلِيْهِ مِنَ العَرَبِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِم، فَلَو تَعْلَمُ مَا وَرَائِي مِنَ العَرَبِ مَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ العَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ جَاءكُم. فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَكُم قَدْ صَدَقَ، وَقَدْ جَاءتْنَا رُسُلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِيْنَا مُلُوْكٌ، فَعَمِلُوا فِيْنَا بِأَهْوَائِهِم، وَتَرَكُوا أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُم أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ، لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبْتُمُوْهُ، وَإِذَا فَعَلْتُم مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، فَتَرَكْتُمْ أَمَرَ نَبِيِّكُم، لَمْ تَكُوْنُوا أَكْثَرَ عَدَداً مِنَّا، وَلاَ أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً (1) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَنَزَعَ عَنْ مِصْرَ عَمْراً، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي سَرْحٍ. جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا: أَنَّ الفِتْنَةَ لَمَّا وَقَعَتْ، مَا زَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مُعْتَصِماً بِمَكَّةَ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الجَمَلِ، فَلَمَّا كَانَتْ، بَعَثَ إِلَى وَلَدَيْهِ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَلَسْتُمَا بِاللَّذَيْنِ تَرُدَّانِي عَنْهُ، وَلَكِنْ أَشِيْرَا عَلَيَّ، إِنِّيْ رَأَيْتُ العَرَبَ صَارُوا غَارَيْنِ (2) يَضْطَرِبَانِ، فَأَنَا طَارِحٌ نَفْسِي بَيْنَ   (1) " ابن عساكر ": 3 / 258 / ب، 259 / آ. (2) تثنية غار: وهو الجمع الكثير من الناس، وقيل: الجيش الكثير، يقال: التقى الغاران، أي: الجيشان، ومنه قول الاحنف بن قيس في انصراف ابن الزبير عن وقعة الجمل: وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس، ثم تركهم، وذهب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 جَزَّارِي مَكَّةَ، وَلَسْتُ أَرْضَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَإِلَى أَيِّ الفَرِيْقَيْنِ أَعْمَدُ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَإِلَى عَلِيٍّ. قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنِّيْ إِنْ أَتَيْتُهُ، قَالَ لِي: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَإِنْ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ، خَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِهِ. فَأَتَى مُعَاوِيَةَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنَّكَ أَشَرْتَ عَلَيَّ بِالقُعُوْدِ، وَهُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِمَا هُوَ أَنْبَهُ لِذِكْرِي، ارْتَحِلاَ. فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَهُ يَقُصُّ، وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الشَّامِ فِي دَمِ الشَّهِيْدِ. فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، قَدْ أَحْرَقْتَ كَبِدِي بِقَصَصِكَ، أَتُرَى إِنْ خَالَفْنَا عَلِيّاً لِفَضْلٍ مِنَّا عَلَيْهِ، لاَ وَاللهِ! إِنْ هِيَ إِلاَّ الدُّنْيَا نَتَكَالَبُ عَلَيْهَا، أَمَا وَاللهِ لَتَقْطَعَنَّ لِي مِنْ دُنْيَاكَ أَوْ لأُنَابِذَنَّكَ. فَأَعْطَاهُ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا بِطَاعَتِهِم إِلَى عَلِيٍّ (2) . الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَهُ، فَجَلَسَ شَدَّادٌ بَيْنهُمَا، وَقَالَ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُجْلِسُنِي بَيْنَكُمَا؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِذَا رَأَيْتُمُوْهُمَا جَمِيْعاً، فَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَوَاللهِ مَا اجْتَمَعَا إِلاَّ عَلَى غَدْرَةٍ (3)) . وَقِيْلَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَمْرٍو، فَأَقْرَأَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: قَدْ تَرَى مَا كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِهِ. قَالَ: مَا تُرِيْدُ؟ قَالَ: مِصْرَ. فَجَعَلهَا لَهُ (4) .   (1) " ابن عساكر " 13 / 260 / آ. (2) الخبر في " ابن عساكر " 13 / 260 / ب مطولا. (3) أورده " ابن عساكر " 13 / 261 / آ، وقال: سعيد بن عبد الرحمن وأبوه مجهولان، وسعيد بن كثير بن عفير وإن كان قد روى عنه البخاري، فقد ضعفه غيره. (4) " ابن عساكر " 13 / 261 ب، والزيادة منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالاَ: لَمَّا صَارَ الأَمْرُ فِي يَدِ مُعَاوِيَةَ، اسْتَكْثَرَ مِصْرَ طُعْمَةً لِعَمْرٍو مَا عَاشَ، وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيْرِهِ، وَظنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيْدُهُ الشَّامَ، فَلَمْ يَفْعَلْ. فَتَنَكَّرَ لَهُ عَمْرٌو، فَاخْتَلَفَا، وَتَغَالَظَا، فَأَصْلَحَ بَيْنهُمَا مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، وَكَتَبَ بَيْنهُمَا كِتَاباً بِأَنَّ: لِعَمْرٍو وِلاَيَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شُهُوداً. وَسَارَ عَمْرٌو إِلَى مِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَمَكَثَ نَحْوَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَمَاتَ (1) . المَدَائِنِيُّ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ: أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَرَمَ الإِمَاءِ العَوَارِكِ، أَطَعْتُم فُسَّاقَ العِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوْهُ مُرَّاقَ أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُم قَتَلَتَهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا تَكَلَّمُ لِمُعَاوِيَةَ، إِنَّمَا تَكَلَّمُ عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا. أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ، وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ بِهِ. وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو، فَأَضْرَمْتَ عَلَيْهِ المَدِيْنَةَ، وَهَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِيْنَ تَسْأَلُ عَنْ أَنْبَائِهِ، فَلَمَّا أَتَاكَ قَتْلُهُ، أَضَافَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِيْنَكَ بِمِصْرَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ، عَرَّضَنِي لَكَ عَمْرٌو، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مَنْ يَتَلَجْلَجُ فِي كَلاَمِهِ، قَالَ: هَذَا خَالِقُهُ خَالِقُ عَمْرِو بنِ العَاصِ (3) ؟! مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ: صَحِبْتُ عُمَرَ: فَمَا رَأَيْتُ   (1) " طبقات ابن سعد " 4 / 258 وهو عند ابن عساكر: 13 / 262 / ب. (2) " ابن عساكر ": 13 / 263 / ب، والزيادة منه. والقرم: شدة الشهوة، والعوارك: الحيض، وأجزرتموه: جعلتموه جزر سيوفهم فذبحوه، ومراق أهل مصر: فساقهم. (3) تقدم ص 57. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللهِ مِنْهُ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَحْسَنَ مُدَارَاةً مِنْهُ. وَصَحِبْتُ طَلْحَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيْلٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ. وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ: فَمَا رَأَيْتُ أَحْلَمَ مِنْهُ. وَصَحِبْتُ عَمْرَو بنَ العَاصِ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ -أَوْ قَالَ: أَنْصَعَ - طَرَفاً مِنْهُ، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ. وَصَحِبْتُ المُغِيْرَةَ: فَلَو أَنَّ مَدِيْنَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لاَ يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلاَّ بِمَكْرٍ، لَخَرَجَ مِنْ أَبوَابِهَا كُلِّهَا (1) . مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ عَمْراً كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُصِيْبُ مِنَ العِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فَصْلاً بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ (2)) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنِي مَوْلَىً لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ عَمْراً أَدْخَلَ فِي تَعْرِيْشِ الوَهْطِ - بُسْتَانٍ بِالطَّائِفِ - أَلْفَ أَلْفِ عُوْدٍ، كُلُّ عُوْدٍ بِدِرْهَمٍ (3) . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: لَيْسَ العَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ (4) . أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، قَالَ: كِيْلُوا مَالِي. فَكَالُوْهُ، فَوَجَدُوْهُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ مُدّاً، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا فِيْهِ؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً. قَالَ: وَالمُدُّ: سِتَّ عَشْرَةَ أُوْقِيَّةَ، الأُوْقِيَّةُ: مَكُّوْكَانِ. أَشْعَثُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، نَظَرَ إِلَى   (1) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 457، 458، وابن عساكر 13 / 264 / آ. (2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1096) ، والترمذي (708) ، وأبو داود (2343) ، والنسائي 4 / 146، وأحمد: 4 / 197 من طرق، عن موسى بن علي بهذا الإسناد. (3) " ابن عساكر " 13 / 265 / آ. (4) " ابن عساكر " 13 / 266 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 صَنَادِيْقَ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيْهَا؟ يَا لَيْتَهُ كَانَ بَعْراً. ثُمَّ أَمَرَ الحَرَسَ، فَأَحَاطُوا بِقَصْرِهِ. فَقَالَ بَنُوْهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا يُغْنِي عَنِّي شَيْئاً (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: عَجَباً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ، كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟ فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، ذَكَّرَهُ ابْنُهُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ: صِفْهُ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! المَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوْصَفَ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ؛ أَجِدُنِي كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ فِي جَوْفِي الشَّوْكَ (2) ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ إِبْرَةٍ (3) . يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِيْنَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِأُمُوْرٍ، وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُوْرٍ، تَرَكْنَا كَثِيْراً مِمَّا أَمَرْتَ، وَرَتَعْنَا فِي كَثِيْرٍ مِمَّا نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى فَاضَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (4) -. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: جَزِعَ عَمْرُو بنُ العَاصِ عِنْدَ المَوْتِ جَزَعاً شَدِيْداً، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ: مَا هَذَا الجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟! قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ، إِيْ وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبُّاً كَانَ أَمْ تَأَلُّفاً، وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا؛ ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ. فَلَمَّا جَدَّ بِهِ، وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الأَغْلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ. فَكَانَتْ تِلْكَ هَجِّيْرَاهُ حَتَّى مَاتَ (5) .   (1) " ابن عساكر " 13 / 267 / آ. (2) في ابن سعد: " شوك السلاء " وهو شوك النخل، واحدتها سلاءة. (3) " ابن سعد " 4 / 260. (4) " ابن عساكر " 13 / 268 / ب. (5) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 199، 200، وابن عساكر: 13 / 269 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو عَلَى مِصْرَ، فَثَقُلَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: أَدْخِلْ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ. فَلَمَّا دَخَلُوا، نَظَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: هَا قَدْ بَلَغْتُ هَذِهِ الحَالَ، رُدُّوْهَا عَنِّي. فَقَالُوا: مِثْلُكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ يَقُوْلُ هَذَا؟ هَذَا أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَتَّعِظُوا، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ (1) . رَوْحٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ (2) ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ دَعَا حَرَسَهُ عِنْدَ المَوْتِ، فَقَالَ: امْنَعُوْنِي مِنَ المَوْتِ. قَالُوا: مَا كُنَّا نَحْسِبُكَ تَكَلَّمُ بِهَذَا. قَالَ: قَدْ قُلْتُهَا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ ذَلِكَ؛ وَلأَنْ أَكُوْنَ لَمْ أَتَّخِذْ مِنْكُم رَجُلاً قَطُّ يَمْنَعُنِي مِنَ المَوْتِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَيَا وَيْحَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ إِذْ يَقُوْلُ: حَرَسَ امْرَءاً أَجَلُهُ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَإِنْ لاَ تُدْرِكْنِي مِنْكَ رَحْمَةٌ، أَكُنْ مِنَ الهَالِكِيْنَ (3) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُخْتَارِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ: إِذَا مِتُّ، فَاغْسِلْنِي غَسْلَةً بِالمَاءِ، ثُمَّ جَفِّفْنِي فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّانِيَةَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، ثُمَّ اغْسِلْنِي الثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيْهِ كَافُوْرٌ، ثُمَّ جَفِّفْنِي، وَأَلْبِسْنِي الثِّيَابَ، وَزِرَّ عَلَيَّ، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ. ثُمَّ إِذَا أَنْتَ حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيْرِ، فَامْشِ بِي مَشْياً بَيْنَ المِشْيَتَيْنِ، وَكُنْ خَلْفَ الجَنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلاَئِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، فَإِذَا أَنْتَ وَضَعْتَنِي فِي القَبْرِ، فَسُنَّ (4) عَلَيَّ التُّرَابَ سَنّاً. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا فَأَضَعْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، فَلاَ بَرِيْءٌ فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ   (1) " ابن عساكر " 13 / 269 / آ. (2) هو عوف بن أبي جميلة الاعرابي العبدي البصري، وقد تحرف في المطبوع إلى " عون ". (3) " طبقات ابن سعد " 4 / 259، 260، و" ابن عساكر " 13 / 269. (4) سن بالسين المهملة: أي: صب، ويروى شن بالشين المعجمة وهما بمعنى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 عَزِيْزٌ فَأَنْتَصِرَ، وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. وَمَا زَالَ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ (1) . قَالُوا: تُوُفِّيَ عَمْرٌو لَيْلَةَ عِيْدِ الفِطْرِ. فَقَالَ اللَّيْثُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: وَسِنُّهُ تِسْعٌ وَتِسْعُوْنَ. وَأَمَّا الوَاقِدِيُّ، فَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عَمْراً مَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً؛ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَيُرْوَى عَنِ الهَيْثَمِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا خَطَأٌ. وَعَنْ طَلْحَةَ القَنَّادِ، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَهَذَا لاَ شَيْءَ. قُلْتُ: كَانَ أَكْبَرَ مِنْ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِيْنَ. كَانَ يَقُوْلُ: أَذْكُرُ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ فِيْهَا عُمَرُ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ عُمَرَ عِشْرِيْنَ عَاماً، فَيُنْتِجُ هَذَا: أَنَّ مَجْمُوْعَ عُمُرِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَ التِّسْعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَخَلَّفَ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً، وَعَبِيْداً، وَعَقَاراً. يُقَالُ: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ سَبْعِيْنَ رَقَبَةَ (2) جَمَلٍ مَمْلُوْءةً ذَهَباً. أَخُوْهُ: 16 - هِشَامُ بنُ العَاصِ السَّهْمِيُّ * الرَّجُلُ الصَّالِحُ، المُجَاهِدُ؛ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ، وَهِيَ أُمُّ   (1) إسناده قوي، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 260، و" ابن عساكر " 13 / 269 / آ. (2) تصحفت في المطبوع إلى " زقية ". (*) طبقات ابن سعد 4 / 191، نسب قريش: 409، طبقات خليفة: ت 148 و2821 المحبر: 433، الجرح والتعديل 9 / 63، المستدرك 3 / 240، جمهرة أنساب العرب: 163، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 حَرْمَلَةَ المَخْزُوْمِيَّةُ. وَقَدْ مَضَى قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ (1)) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ هِشَامٌ قَدِيْمَ الإِسْلاَمِ بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى مَكَّةَ إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ هَاجَرَ لِيَلْحَقَ بِهِ، فَحَبَسَهُ قَوْمُهُ بِمَكَّةَ. ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ الخَنْدَقِ مُهَاجِراً، وَشَهِدَ مَا بَعْدَهَا. وَكَانَ عَمْرٌو أَكْبَرَ مِنْهُ، لَمْ يُعْقِبْ (2) . عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (ابْنَا العَاصِ مُؤْمِنَانِ (3)) . القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنَيِ العَاصِ، قَالاَ: مَا جَلَسْنَا مَجْلِساً كُنَّا بِهِ أَشَدَّ اغْتِبَاطاً مِنْ مَجْلِسٍ، جِئْنَا يَوْماً، فَإِذَا أُنَاسٌ عِنْدَ الحُجَرِ يَتَرَاجَعُوْنَ فِي القُرْآنِ، فَاعْتَزَلْنَاهُم، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الحُجَرِ يَسْمَعُ كَلاَمَهُم. فَخَرَجَ عَلَيْنَا مُغْضَباً، فَقَالَ: (أَيْ قَوْمِ! بِهَذَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم، بِاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِم، وَضَرْبِهِمُ الكِتَابَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ) (4) .   = المستدرك 3 / 240، 241، الاستيعاب: 539، أسد الغابة 5 / 401، 402، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 137، تاريخ الإسلام 1 / 382، العقد الثمين 7 / 374، الإصابة 3 / 604. (1) صحيح. وقد تقدم تخريجه في الصفحة (56) ت (1) . (2) " طبقات ابن سعد " 4 / 191، وانظر " أسد الغابة " 5 / 401، 402. (3) أخرجه ابن سعد: 4 / 192، وعمرو بن حكام ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وله شاهد يتقوى به، وقد تقدم في الصفحة (64) . (4) أخرجه ابن سعد 4 / 192، وما بين الحاصرتين منه، وتمامه " إن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه، فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به " وسنده حسن، وابنا العاص هنا عبد الله وأخوه كما جاء مصرحا بذلك في رواية " المسند " 2 / 181 من طريق أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالُوا لِعَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ أَخُوْكَ هِشَامٌ؟ قَالَ: أُخْبِرُكُم عَنِّي وَعَنْهُ، عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى اللهِ، فَقَبِلَهُ وَتَرَكَنِي. قَالَ سُفْيَانُ: قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، أَوْ غَيْرَهُ شَهِيْداً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (1) . 17 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ * (ع) ابْنِ هَاشِمِ بنِ سُعَيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ سَهْمِ بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ.   = ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب، ويقول: " مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه، فاعملوا به، وما جهلتم، فردوه إلى عالمه " وهذا سند حسن، وأخو عبد الله ابن عمرو: الظاهر أنه محمد بن عمرو بن العاص، وهو من صغار الصحابة مترجم في " الاستيعاب ": 3 / 345، 346. و" الإصابة " 3 / 381. وأخرجه أحمد 2 / 195، 196، وابن ماجه (85) من طريقين عن داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وأخرجه أحمد 2 / 196 من طريق حماد بن سلمة عن حميد ومطر الوراق، وداود بن أبي هند، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،..وفيه: أنهم كانوا يتنازعون في القدر، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20367) من طريق معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. (1) " طبقات ابن سعد " 4 / 192، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " فيما نقله الحافظ في " الإصابة " 3 / 604 من طريق جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: مر عمرو بن العاص بنفر من قريش، فذكروا هشاما، فقالوا: أيهما أفضل؟ فقال عمرو: شهدت أنا وهشام اليرموك، فكلنا نسأل الله الشهادة، فلما أصبحنا، حرمتها، ورزقها. وكذا قال ابن سعد، وابن أبي حاتم 9 / 63، وأبو زرعة الدمشقي 1 / 217. وذكره موسى بن عقبة، وأبو الأسود عن عروة، وابن إسحاق، وأبو عبيد، ومصعب، والزبير، وآخرون فيمن استشهد بأجنادين. (*) طبقات ابن سعد 2 / 373 و4 / 261، 268، و7 / 494، نسب قريش: 411، طبقات خليفة: ت 149، 971، 2822، المحبر: 293، التاريخ الكبير 5 / 5، المعارف: 286، المعرفة والتاريخ 1 / 251، الجرح والتعديل 5 / 116، المستدرك 3 / 525، الحلية 1 / 283، جمهرة أنساب العرب: 163، الاستيعاب: 956، طبقات الشيرازي: 50، الجمع بين رجال = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 الإِمَامُ، الحَبْرُ، العَابِدُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: أَبُو نُصَيْرٍ القُرَشِيُّ، السَّهْمِيُّ. وَأُمُّهُ: هِيَ رَائِطَةُ بِنْتُ الحَجَّاجِ بنِ مُنَبِّهٍ السَّهْمِيَّةُ، وَلَيْسَ أَبُوْهُ أَكْبَرَ مِنْهُ إِلاَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَحْوِهَا. وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيْهِ - فِيْمَا بَلَغَنَا -. وَيُقَالُ: كَانَ اسْمُهُ العَاصَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ غَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللهِ (1) . وَلَهُ: مَنَاقِبُ، وَفَضَائِلُ، وَمَقَامٌ رَاسِخٌ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْماً جَمّاً. يَبْلُغُ مَا أَسْنَدَ: سَبْعُ مائَةِ حَدِيْثٍ (2) ، اتَّفَقَا لَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحَادِيْثَ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَمَانِيَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِعِشْرِيْنَ. وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْخِيْصِهِ لَهُ فِي الكِتَابَةِ بَعْدَ كَرَاهِيَتِهِ لِلصَّحَابَةِ أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ سِوَى القُرْآنِ (3) ، وَسَوَّغَ ذَلِكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ بَعْدَ اخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - عَلَى الجَوَازِ وَالاسْتِحْبَابِ لِتَقْيِيْدِ العِلْمِ بِالكِتَابَةِ.   = الصحيحين 1 / 239، تاريخ ابن عساكر: مصورة المجمع: 205 - 272، أسد الغابة 3 / 349، 351، الحلة السيراء 1 / 17، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 281، تهذيب الكمال: 716، تاريخ الإسلام 3 / 37، تذكرة الحفاظ 1 / 39، تذهيب التهذيب 2 / 169 ب، مجمع الزوائد 9 / 354، العقد الثمين 5 / 223، غاية النهاية: ت 1835، الإصابة 2 / 351، تهذيب التهذيب 5 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 176،، شذرات الذهب 1 / 73. (1) " ابن عساكر ": 205 و218. (2) عدد أحاديثه في " مسند أحمد " (626) . انظر " المسند " 2 / 158، 226. (3) وذلك فيما أخرجه أحمد 1 / 171، ومسلم في " صحيحه " (3004) في الزهد والرقائق: باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن، فليمحه " وقد أعله البخاري وغيره، وقالوا: الصواب وقفه على أبي سعيد، انظر " الفتح " 1 / 185. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ أَوَّلاً لِتَتَوَفَّرَ هِمَمُهُم عَلَى القُرْآنِ وَحْدَهُ، وَلِيَمْتَازَ القُرْآنُ بِالكِتَابَةِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوَيَّةِ، فَيُؤْمَنُ اللَّبْسُ، فَلَمَّا زَالَ المَحْذُوْرُ وَاللَّبْسُ، وَوَضَحَ أَنَّ القُرْآنَ لاَ يَشْتَبِهُ بِكَلاَمِ النَّاسِ، أُذِنَ فِي كِتَابَةِ العِلْمِ - وَاللهُ أَعْلَمُ (1) -. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللهِ أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِيْهِ؛ عَمْرٍو، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَائِفَةٍ، وَعَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كُتُبِهِم، وَاعْتَنَى بِذَلِكَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ - عَلَى نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ، وَرِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي (أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) وَ (النَّسَائِيِّ) - وَمَوْلاَهُ أَبُو قَابُوْسٍ، وَحَفِيْدُهُ شُعَيْبُ بنُ مُحَمَّدٍ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَخَدَمَهُ، وَلَزِمَهُ، وَتَرَبَّى فِي حَجْرِهِ، لأَنَّ أَبَاهُ مُحَمَّداً مَاتَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: مَوْلاَهُ إِسْمَاعِيْلُ، وَمَوْلاَهُ سَالِمٌ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّائِبُ بنُ فَرُّوْخٍ الشَّاعِرُ، وَالسَّائِبُ الثَّقَفِيُّ وَالِدُ عَطَاءٍ، وَطَاوُوْسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالقَاسِمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَأَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ،   (1) قال ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " 5 / 245: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكتابة والاذن فيها متأخر، فيكون ناسخا لحديث النهي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزاة الفتح " اكتبوا لأبي شاه " يعني خطبته التي سأل أبوشاه كتابتها، وأذن لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن النهي، لأنه لم يزل يكتب، ومات وعنده كتابته، وهي الصحيفة التي كان يسميها " الصادقة " ولو كان النهي عن الكتابة متأخرا، لمحاها عبد الله، لامر النبي صلى الله عليه وسلم بمحو ما كتب عنه غير القرآن، فلما لم يمحها، وأثبتها، دل على أن الاذن في الكتابة متأخر عن النهي عنها، وهذا واضح والحمد لله. وانظر بحث هذه المسألة بتوسع في " المحدث الفاصل ": 363 وما بعدها. و" جامع بيان العلم وفضله ": 79، 100، و" تقييد العلم ": 68، 70، و" الالماع ": 146، 149، و" توضيح الافكار ": 2 / 364، و" فتح المغيث ": 227. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الجَوْزَاءِ أَوْسٌ الرَّبَعِيُّ، وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَبِشْرُ بنُ شَغَافٍ، وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ سَيْفٍ، وَرَيْحَانُ بنُ يَزِيْدَ العَامِرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبُو السَّفَرِ سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ، وَسَلْمَانُ الأَغَرُّ، وَشُفْعَةُ السَّمَعِيُّ، وَشُفَيُّ بنُ مَاتِعٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَطَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَاه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَيْرُوْزٍ الدَّيْلَمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُجَيْرَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ رَافِعٍ قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ العَامِرِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ أَوْسٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعُمَارَةُ بنُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَعُمَرُ بنُ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ، وَأَبُو عِيَاضٍ عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ حَرِيْشٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بن مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ عَبْدٍ المَعَافِرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ هِلاَلٍ الصَّدَفِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ رَبِيْعَةَ الغَطَفَانِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَدِيَّةَ الصَّدَفِيُّ، وَأَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ، وَمُسَافِعُ بنُ شَيْبَةَ الحَجَبِيُّ، وَمَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ، وَأَبُو يَحْيَى مِصْدَعٌ، وَنَاعِمٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَنَافِعُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُرْوَةَ بنِ مَسْعُوْدٍ الطَّائِفِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ يَعْقُوْبُ، وَأَبُو العُرْيَانِ الهَيْثَمُ النَّخَعِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبَدَةَ، وَوَهْبُ بنُ جَابِرٍ الخَيْوَانِيُّ، وَوَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَأَبُو أَيُّوْبَ المَرَاغِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ - وَلَمْ يَلْقَهُ - وَأَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ حَرِيْزٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ، وَأَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى وَالِدِهِ عَمْرٍو، وَأَبُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو كَثِيْرٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَأَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَجُلاً سَمِيْناً. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنِ العُرْيَانِ بنِ الهَيْثَمِ، قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ أَبِي إِلَى يَزِيْدَ، فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ، أَحْمَرُ، عَظِيْمُ البَطْنِ، فَجَلَسَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو (1) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ وَرْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (نِعْمَ أَهْلُ البَيْتِ: عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ (2)) . وَرَوَى: ابْنُ لَهِيْعَةَ؛ عَنْ مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ (3) ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، مَرْفُوْعاً نَحْوَهُ (4) . ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَمَعْتُ القُرْآنَ، فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي. قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي عِشْرِيْنَ) . قُلْتُ: دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ. قَالَ: (اقْرَأْهُ فِي سَبْعِ لَيَالٍ) . قُلْتُ: دَعْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ أَسْتَمْتِعْ. قَالَ: فَأَبَى (5) .   (1) " ابن عساكر ": 219، وأخرجه " ابن سعد " 4 / 265، 266 و7 / 495، وفيه عنده بدل " فقلت ": " فقال أبي ". (2) تقدم تخريجه ص (56) ت (2) ، وهو في " ابن عساكر ": 220. (3) تحرف في المطبوع إلى " ماهان ". (4) أخرجه ابن عساكر: 220. (5) رجاله ثقات غير يحيى بن حكيم بن صفوان، فلم يوثقه غير ابن حبان، وأخرج البخاري: 9 / 84 في فضائل القرآن، ومسلم (1159) (184) من طريق أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو بن رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في عشرين ليلة " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في سبع = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ. وَصَحَّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَازَلَهُ إِلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (1) ، وَهَذَا كَانَ فِي الَّذِي نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا القَوْلِ نَزَلَ مَا بَقِيَ مِنَ القُرْآنِ. فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ النَّهْيِ أَنْ تُكْرَهَ تِلاَوَةُ القُرْآنِ كُلِّهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، فَمَا فَقِهَ وَلاَ تَدَبَّرَ مَنْ تَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ تَلاَ وَرَتَّلَ فِي أُسْبُوْعٍ، وَلاَزَمَ ذَلِكَ، لَكَانَ عَمَلاً فَاضِلاً، فَالدِّيْنُ يُسْرٌ، فَوَاللهِ إِنَّ تَرْتِيْلَ سُبُعِ القُرْآنِ فِي تَهَجُّدِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَالضُّحَى، وَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، مَعَ الأَذْكَارِ المَأْثُوْرَةِ الثَّابِتَةِ، وَالقَوْلِ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَدُبُرَ المَكْتُوبَةِ وَالسَّحَرِ، مَعَ النَّظَرِ فِي العِلْمِ النَّافِعِ وَالاشْتِغَالِ بِهِ مُخْلَصاً للهِ، مَعَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَإِرْشَادِ الجَاهِلِ وَتَفْهِيْمِهِ، وَزَجْرِ الفَاسِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُشُوْعٍ وَطُمَأْنِيْنَةٍ وَانْكِسَارٍ وَإِيْمَانٍ، مَعَ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالإِخْلاَصِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، لَشُغْلٌ عَظِيْمٌ جَسِيْمٌ، وَلَمَقَامُ أَصْحَابِ اليَمِيْنِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، فَإِنَّ سَائِرَ ذَلِكَ مَطْلُوْبٌ. فَمَتَى تَشَاغَلَ العَابِدُ بِخِتْمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقَدْ خَالَفَ الحَنِيْفِيَّةَ السَّمْحَةَ، وَلَمْ يَنْهَضْ بِأَكْثَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلاَ تَدَبَّرَ مَا يَتْلُوْهُ. هَذَا السَّيِّدُ العَابِدُ الصَّاحِبُ كَانَ يَقُوْلُ لَمَّا شَاخَ: لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2) . وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فِي الصَّوْمِ، وَمَا زَالَ يُنَاقِصُهُ   = ولا تزد على ذلك ". (1) أخرجه أبو داود (1394) في الصلاة: باب تخريب القرآن، والترمذي (2950) في القراءات: باب في كم يختم القرآن، وابن ماجه (1347) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (2) قطعة من حديث أخرجه البخاري: 4 / 189، 191 في الصوم: باب حق الجسم في = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 حَتَّى قَالَ لَهُ: (صُمْ يَوْماً، وَأَفْطِرْ يَوْماً، صَوْمَ أَخِي دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ (1) -) . وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ) (2) . وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ (3) . وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بِنَوْمِ قِسْطٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَالَ: (لَكِنِّي أَقُوْمُ وَأَنَامُ، وَأَصُوْمُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (4)) . وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَزُمَّ نَفْسَهُ فِي تَعَبُّدِهِ وَأَوْرَادِهِ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، يَنْدَمُ وَيَتَرَهَّبُ وَيَسُوْءُ مِزَاجُهُ، وَيَفُوْتُهُ خَيْرٌ كَثِيْرٌ مِنْ مُتَابَعَةِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ الرَّؤُوْفِ الرَّحِيْمِ بِالمُؤْمِنِيْنَ، الحَرِيْصِ عَلَى نَفْعِهِم، وَمَا زَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَلِّماً لِلأُمَّةِ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ، وَآمِراً بِهَجْرِ التَّبَتُّلِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِهَا، فَنَهَى عَنْ سَرْدِ الصَّوْمِ، وَنَهَى عَنِ الوِصَالِ، وَعَنْ قِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إِلاَّ فِي العَشْرِ الأَخِيْرِ، وَنَهَى عَنِ العُزْبَةِ لِلْمُسْتَطِيْعِ، وَنَهَى عَنْ تَرْكِ اللَّحْمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَوَامِرِ   = الصوم، و9 / 83 في فضال القرآن: باب في كم يقرأ القران، وإنما قال ذلك بعد ما كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه، وفي رواية " لان أكون قبلت الثلاثة أيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي ". (1) هو قطعة من الحديث السابق. (2) أخرجه البخاري: 3 / 13، 14 في قيام الليل: باب من نام عند السحر، ومسلم (1159) (189) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر، من حديث عبد الله بن عمرو. (3) أخرجه البخاري: 4 / 195 في الصوم: باب صوم داود، ومسلم (1159) (187) في الصيام: باب النهي عن صيام الدهر بلفظ " لا صام من صام الابد ". (4) أخرجه البخاري: 9 / 89، 90، ومسلم (1401) في أول النكاح، والنسائي 6 / 60، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال الحافظ في " الفتح ": والمراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشئ: الاعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وَالنَّوَاهِي. فَالعَابِدُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ لِكَثِيْرٍ مِنْ ذَلِكَ مَعْذُوْرٌ مَأْجُوْرٌ، وَالعَابِدُ العَالِمُ بِالآثَارِ المُحَمَّدِيَّةِ، المُتَجَاوِزِ لَهَا مَفْضُوْلٌ مَغْرُوْرٌ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى - أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ. أَلْهَمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ حُسْنَ المُتَابَعَةِ، وَجَنَّبَنَا الهَوَى وَالمُخَالَفَةَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ وَاهِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ فِي أَحَدِ أُصْبُعَيَّ سَمْناً، وَفِي الأُخْرَى عَسَلاً، فَأَنَا أَلْعَقُهُمَا. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (تَقْرَأُ الكِتَابَيْنِ؛ التَّورَاةَ وَالفُرْقَانَ) . فَكَانَ يَقْرَؤُهُمَا (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، وَلاَ يُشْرَعُ لأَحَدٍ بَعْدَ نُزُوْلِ القُرْآنِ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ، وَلاَ أَنْ يَحْفَظَهَا، لِكَوْنِهَا مُبَدَّلَةً، مُحَرَّفَةً، مَنْسُوْخَةَ العَمَلِ، قَدِ اخْتَلَطَ فِيْهَا الحَقُّ بِالبَاطِلِ، فَلْتُجْتَنَبْ. فَأَمَّا النَّظَرُ فِيْهَا لِلاعْتِبَارِ، وَلِلرَّدِّ عَلَى اليَهُوْدِ، فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ لِلرَّجُلِ العَالِمِ قَلِيْلاً، وَالإِعْرَاضُ أَوْلَى (2) . فَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَبْدِ اللهِ أَنْ يَقُوْمَ بِالقُرْآنِ لَيْلَةً، وَبِالتَّوْرَاةِ لَيْلَةً، فَكَذِبٌ مَوْضُوْعٌ، قَبَّحَ اللهُ مَنِ افْتَرَاهُ. وَقِيْلَ: بَلْ عَبْدُ اللهِ هُنَا هُوَ ابْنُ   (1) أخرجه أحمد: 2 / 222، وهو في " تاريخ دمشق ": 228، و" حلية الأولياء ": 1 / 286. (2) فقد روى أبو عبيد، وأحمد: 3 / 338 و381 من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: " أمتهوكون (أمتحيرون) كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا، ما وسعه إلا اتباعي " وهو حديث حسن بشواهده. انظر " شرح السنة ": 1 / 270. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 سَلاَمٍ. وَقِيْلَ: إِذْنُهُ فِي القِيَامِ بِهَا، أَي يُكَرِّرُ عَلَى المَاضِي، لاَ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا فِي تَهَجُّدِهِ. كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ شُفَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ مَثَلٍ (1) . يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ نَكْتُبُ مَا يَقُوْلُ (2) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. رَوَاهُ: سَعِيْدُ (3) بنُ عُفَيْرٍ، عَنْهُ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَبُوا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ أَقْوَالِهِ، وَهَذَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَتَبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيْثَ فِي صَحِيْفَةٍ صَغِيْرَةٍ، قَرَنَهَا بِسَيْفِهِ (4) . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (اكْتُبُوا لأَبِي شَاه) . وَكَتَبُوا عَنْهُ كِتَابَ   (1) أخرجه ابن عساكر: 230 من طريق أبي يعلى بهذا الإسناد. (2) رجاله ثقات. سعيد بن عفير: هو سعيد بن كثير بن عفير المصري، ويحيى بن أيوب هو الغافقي، وأبو قبيل: هو حي بن هانئ المعافري المصري، وقد تحرف في المطبوع من " التقريب " إلى البصري، فقلده محقق " تاريخ دمشق " فكتبه كذلك. وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق ": 1514 بهذا الإسناد، واقتبسه ابن عساكر: 230. (3) تحرف في المطبوع إلى " سعد ". (4) أخرج البخاري: 12 / 217 في الديات: باب العاقلة، وباب لا يقتل مسلم بكافر، وفي العلم: باب كتابة العلم، وفي الجهاد: باب فكاك الاسير، من طريق الشعبي قال: سمعت أبا جحيفة، قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: " العقل، وفكاك الاسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر ". وللبخاري: 4 / 73، ومسلم (1370) من طريق يزيد التيمي عن علي: قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، فإذا فيها: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا = ولا عدلا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الدِّيَاتِ، وَفَرَائِضَ الصَّدَقَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قُلْتُ: فِي الرِّضَى وَالغَضَبِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، فَإِنِّي لاَ أَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً (2)) . يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: وَهُوَ فِي (المُسْنَدِ) عَنْهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ   = ولمسلم (1978) (45) عن أبي الطفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفة مكتوب فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا ". وللنسائي: 8 / 24 من طريق الاشتر وغيره عن علي " فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده " وسنده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 12 / 231. ولاحمد 1 / 100، 102، 110، من طريق طارق بن شهاب " فيها فرائض الصدقة ". ولمسلم (1370) " فيها أسنان الابل وأشياء من الجراحات ". قال الحافظ في " الفتح " 1 / 182: والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه. وحديث أبي شاه أخرجه البخاري: 1 / 183، 184 في العلم وفي اللقطة: باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، وفي الديات: باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، ومسلم (1355) في الحج: باب تحريم مكة، وأحمد رقم (7241) ، وأبو داود (2017) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " رقم (314) من حديث أبي هريرة، وفيه قال الوليد بن مسلم: قلت للاوزاعي: ما قوله: " اكتبوا لأبي شاه؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو شاه رجل من أهل اليمن. (1) انظر " نصب الراية " 2 / 335، 344. (2) أخرجه أحمد: 2 / 207 و215، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " رقم (316) والخطيب في " تقييد العلم ": 77، وابن عبد البرفي " جامع بيان العلم ": 89، وأبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1516) ، وابن عساكر: 231 و232، ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد: 2 / 161 و192، وأبو داود (3646) ، والدارمي: 1 / 125، والحاكم: 1 / 105، 106 كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن الاخنس، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، وإسناده صحيح. وهو في " الالماع ": 146، و" تقييد العلم ": 74، و" جامع بيان العلم ": 89، 90. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 الأَخْنَسِ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ (1) بنِ عَمْرٍو، نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ: عُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، نَحْوَهُ. وَثَبَتَ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ (2) . وَهُوَ فِي صَحِيْفَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ. وَيَرْوِيْهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ؛ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَآخَرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ (3) . أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَسَعْدَوَيْه، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَتَنَاوَلْتُ صَحِيْفَةً تَحْتَ رَأْسِهِ، فَتَمَنَّعَ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: تَمْنَعُنِي شَيْئاً مِنْ كُتُبِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّحِيْفَةَ الصَّادِقَةَ الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ، فَإِذَا سَلِمَ لِي كِتَابُ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيْفَةُ وَالوَهْطُ، لَمْ أُبَالِ مَا ضَيَّعْتُ الدُّنْيَا (4) . الوَهْطُ: بُسْتَانٌ عَظِيْمٌ بِالطَّائِفِ، غَرِمَ مَرَّةً عَلَى عُرُوْشِهِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.   (1) من قوله: عن يوسف إلى هنا سقط من المطبوع. (2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 184 في العلم: باب كتابة العلم، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " برقم (328) ، والخطيب في " تقييد العلم ": 82. (3) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " رقم (1515) ، واقتبسه ابن عساكر: 235. وانظر " المحدث الفاصل " رقم (329) و" تقييد العلم ": 83. (4) أخرجه ابن عساكر: 236، وإسحاق بن يحيى بن طلحة ضعيف، وأخرجه ابن سعد: 2 / 273 و4 / 262 بأخصر مما هنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَآخَرُ، عَنْ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، يَقُوْلُ: لأَنْ أَكُوْنَ عَاشِرَ عَشْرَةِ مَسَاكِيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ عَاشِرَ عَشْرَةِ أَغْنِيَاءَ، فَإِنَّ الأَكْثَرِيْنَ هُمُ الأَقَلُّوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُوْلُ: يَتَصَدَّقُ يَمِيْناً وَشِمَالاً (1) . هُشَيْمٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ وَحُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ، جَعَلْتُ لاَ أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنَ القُوَّةِ عَلَى العِبَادَةِ. فَجَاءَ أَبِي إِلَى كِنَّتِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قَالَتْ: خَيْرُ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَهَا كَنَفاً، وَلَمْ يَقْرَبْ لَهَا فِرَاشاً. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَبَنِي، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (أَتَصُوْمُ النَّهَارَ، وَتَقُوْمُ اللَّيْلَ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (لَكِنِّي أَصُوْمُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (2)) . قُلْتُ: وَرِثَ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَبِيْهِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ المِصْرِيِّ، فَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ الصَّحَابَةِ.   (1) رجاله ثقات، وهو في " الحلية " 1 / 288، وقد تصحف فيه " عباس " إلى " عياش ". واقتبسه ابن عساكر: 241، 242. (2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 158 بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري: 9 / 82 في فضائل القرآن بأحصر مما هنا من طريق موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: " أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطألنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه " فلما طال ذلك عليه، ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: القني به ... والكنة: زوج الولد، وقولها: " لم يفتش لنا كنفا ": الكنف: الجانب، أرادت أنه لم يقربها، ولم يطلع منها على ما جرت به عادة الرجال مع نسائهم. واسم المرأة: أم محمد بنت محمية بن جزء الزبيدي حليف قريش، ذكرها الزبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ أَصْنَعُ الكُحْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَكَانَ يُطْفِئُ السِّرَاجَ بِاللَّيْلِ، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى رَسِعَتْ عَيْنَاهُ (1) . مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتِي هَذَا، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ! أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَكَلَّفْتَ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَصِيَامَ النَّهَارِ؟) . قُلْتُ: إِنِّيْ لأَفْعَلُ. فَقَالَ: (إِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُوْمَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَكَأَنَّكَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّيْ أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيْدَنِي. فَقَالَ: (فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) . قُلْتُ: إِنِّيْ أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: (سَبْعَةُ أَيَّامٍ) . فَجَعَلَ يَسْتَزِيْدُهُ، وَيَزِيْدُهُ حَتَّى بَلَغَ النِّصْفَ، وَأَنْ يَصُوْمَ نِصْفَ الدَّهْرِ. (إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِعَبْدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقّاً) . فَكَانَ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَأَسَنَّ يَقُوْلُ: أَلاَ كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي (2) . وَهَذَا الحَدِيْثُ لَهُ طُرُقٌ مَشْهُوْرَةٌ (3) . وَقَدْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ، وَهَاجَرَ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ، وَشَهِدَ بَعْضَ المَغَازِي. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ. وَذَكَرَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ فِي تَسْمِيَةِ عُمَّالِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الكُوْفَةِ. قَالَ: ثُمَّ   (1) رسعت عيناه: أي تغيرت وفسدت والتصقت؟ أجفانها، وانظر " حلية الأولياء " 1 / 290، وابن عساكر: 243. (2) إسناده حسن، وهو في " المسند " 2 / 200 من طريق عبد الوهاب بن عطاء بهذا الإسناد. (3) في " الصحيحين " وغيرهما، انظر " جامع الأصول " 1 / 297، 302 و6 / 329، 334. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 عَزَلَهُ، وَوَلَّى المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ. وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) : حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَنْبَأَنَا العَوَّامُ، حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ خُوَيْلِدٍ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْساً لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو! أَلاَ تُغْنِي عَنَّا مَجْنُوْنَكَ، فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيّاً) ، فَأَنَا مَعَكُم، وَلَسْتُ أُقَاتِلُ (1) . وَرَوَى: نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا بِعِشْرِيْنَ سَنَةً -أَوْ قَالَ: بِعَشْرِ سِنِيْنَ - أَمَا وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ، وَلاَ رَمَيْتُ بِسَهْمٍ. وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَتِ الرَّايَةُ بِيَدِهِ (2) . يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ أَبَاهُ عَمْراً قَالَ لَهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ: اخْرُجْ، فَقَاتِلْ. قَالَ: يَا أَبَه! كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَخْرُجُ فَأُقَاتِلُ، وَقَدْ سَمِعْتَ مِنْ عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ؟! فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ! أَتَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ مَا كَانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْكَ أَنْ أَخَذَ بِيَدِكَ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِي، فَقَالَ: (أَطِعْ عَمْرَو بنَ العَاصِ مَا دَامَ حَيّاً) ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي آمُرُكَ أَنْ تُقَاتِلَ (3) .   (1) إسناده صحيح، يزيد. هو ابن هارون، والعوام: هو ابن حوشب الشيباني. وهو في " المسند " 2 / 164، وابن عساكر: 248. (2) رجاله ثقات. أخرجه ابن سعد: 4 / 266 من طريق هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد، وهو في " ابن عساكر ": 257. (3) إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن قدامة، ضعفه أبو حاتم والدارقطني والنسائي وابن حبان وغيرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 عَبْدُ المَلِكِ: ضُعِّفَ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الرَّبِيْعِ (1) ، قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ نُسَّاكِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْنَا: لَوْ نَظَرْنَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَدُلِلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَأَتَيْنَا مَنْزِلَهُ، فَإِذَا قَرِيْبٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ رَاحِلَةٍ، فَقُلْنَا: عَلَى كُلِّ هَؤُلاَءِ حَجَّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو؟ قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ وَمَوَالِيْهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا إِلَى البَيْتِ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، بَيْنَ بُرْدَيْنِ قِطْرِيَّيْنِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ (2) . رَوَاهُ: حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، فَقَالَ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ رَبِيْعَةَ الغَنَوِيِّ (3) : أَنَّهُ حَجَّ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ القُرَّاءِ، فَحُدِّثْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ. فَعَمِدْنَا إِلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِثِقْلٍ عَظِيْمٍ يَرْتَحِلُوْنَ ثَلاَثَ مائَةِ رَاحِلَةٍ، مِنْهَا مائَةُ رَاحِلَةٍ وَمائَتَا زَامِلَةٍ (4) ، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ تَوَاضُعاً. فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لإِخْوَانِهِ يَحْمِلُهُم عَلَيْهَا، وَلِمَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. فَعَجِبْنَا، فَقَالُوا: إِنَّهُ رَجُلٌ غَنِيٌّ. وَدَلُّوْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَصِيْرٌ، أَرْمَصُ (5) ، بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَعِمَامَةٍ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ (6) فِي شِمَالِهِ.   (1) مترجم في " تاريخ البخاري " 4 / 12، " الجرح والتعديل ": 4 / 117، وقد حرف في المطبوع إلى " سلمان بن ربيعة ". (2) هو عند ابن سعد: 4 / 267 بهذا الإسناد، وله تتمة انظرها فيه. (3) في المطبوع من " تاريخ الإسلام ": 3 / 39: سليمان بن ربيعة. (4) الراحلة من الابل: البعير النجيب القوي على الاسفاروالاحمال، الذكر والانثى فيه سواء، وهي التي يختارها الرجل لمركبه، والهاء فيه للمبالغة في الصفة كما يقال: رجل داهية وباقعة وعلامة، الزاملة: بعيريستظهر به الرجل، يحمل عليه متاعه وطعامه. (5) الرمص: قذى يجتمع في الموق. (6) في الأصل: " نعل " وما أثبتناه من ابن عساكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو المَسْجَدَ الحَرَامَ، وَالكَعْبَةُ مُحْتَرِقَةٌ حِيْنَ أَدْبَرَ جَيْشُ حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالكَعْبَةُ تَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهَا، فَوَقَفَ، وَبَكَى، حَتَّى إِنِّي لأَنْظُر إِلَى دُمُوْعِهِ تَسِيْلُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! وَاللهِ لَوْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَكُم أَنَّكُم قَاتِلُو ابْنِ نَبِيِّكُم، وَمُحْرِقُو (1) بَيْتِ رَبِّكُم، لَقُلْتُم: مَا أَحَدٌ أَكْذَبُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَدْ فَعَلْتُم، فَانْتَظِرُوا نِقْمَةَ اللهِ، فَلَيَلْبِسَنَّكُم شِيَعاً، وَيُذِيْقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. شُعْبَةُ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ الكُحْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَكَانَ يُكْثِرُ مِنَ البُكَاءِ، يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَيَبْكِي، حَتَّى رَمِصَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ عَبْدُ اللهِ لَيَالِيَ الحَرَّةِ (2) ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو بِمِصْرَ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ الصَّغِيْرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. وَكَذَا قَالَ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ: خَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالوَاقِدِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُم (3) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ بِالطَّائِفِ، وَيُقَالُ: بِمَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ البَرْقِيِّ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا وَلَدُهُ، فَيَقُوْلُوْنَ: مَاتَ بِالشَّامِ.   (1) في الأصل: قاتلي ومحرقي. (2) انظر تفاصيل حوادثها في " تاريخ الإسلام ": 2 / 345، 360 للمؤلف. (3) وهو الصحيح، فقد روى الكندي في كتاب " الولاة ": 645 قصة قتل الاكدر بن حمام الذي قتله مروان بن الحكم حين قدم مصر سنة 65، قال: حدثنا يحيى بن أبي معاوية التجيبي، قال: حدثني خلف بن ربيعة الحضرمي، قال: حدثني أبي ربيعة بن الوليد، عن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: كنت واقفا بباب مروان حين أتي بالاكدر..وكان قتل الاكدر للنصف من جمادى الآخرة سنة خمس وستين، ويومئذ توفي عبد الله بن عمرو بن العاص، فلم يستطع أن يخرج بجنازته إلى المقبرة لتشغيب الجند على مروان، فدفن في داره. وانظر للمؤلف " تذكرة الحفاظ " 1 / 42، و" تاريخ الإسلام " 2 / 365، 366، و" البداية " 8 / 263، 264. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 18 - جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمِ بنِ عَدِيِّ بنِ نَوْفَلٍ النَّوْفَلِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، شَيْخُ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَدِيٍّ - القُرَشِيُّ، النَّوْفَلِيُّ، ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مِنْ الطُّلَقَاءِ الَّذِيْنَ حَسُنَ إِسْلاَمُهُم، وَقَدْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ فِي فِدَاءِ الأُسَارَى مِنْ قَوْمِهِ. وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالحِلْمِ، وَنُبْلِ الرَّأْيِ كَأَبِيْهِ. وَكَانَ أَبُوْهُ هُوَ الَّذِي قَامَ فِي نَقْضِ صَحِيْفَةِ القَطِيْعَةِ (1) . وَكَانَ يَحْنُو عَلَى أَهْلِ الشِّعْبِ، وَيَصِلُهُم فِي السِّرِّ. وَلذَلِكَ يَقُوْلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: (لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيّاً، وَكلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُم لَهُ (2)) . وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِيْنَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ حَتَّى طَافَ بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ كَانَ جُبَيْرٌ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَلَهُ رِوَايَةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ الفَقِيْهَانِ مُحَمَّدٌ وَنَافِعٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ صُرَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَزْهَرَ،   (*) نسب قريش: 201، طبقات خليفة: ت 43، المحبر: 67، 69، التاريخ الكبير 2 / 223، المعارف: 485، الجرح والتعديل 2 / 512، مشاهير علماء الأمصار: ت 35، جمهرة أنساب العرب: 116، الاستيعاب 1 / 230، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 76، أسد الغابة 1 / 323، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 146، تهذيب الكمال: 188، تاريخ الإسلام 2 / 274، العبر 1 / 59، تذهيب التهذيب 1 / 102 آ، مرآة الجنان 1 / 127 و130، البداية والنهاية 8 / 46، العقد الثمين 3 / 408، الإصابة: 1 / 225، تهذيب التهذيب 2 / 63، خلاصة تذهيب الكمال: 52، شذرات الذهب 1 / 64. (1) انظر " سيرة ابن هشام " 1 / 374، 381. (2) أخرجه البخاري 6 / 173 في الخمس: باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الاسارى من غير أن يخمس، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر " لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلميي في هؤلاء النتنى لتركتهم له " وهو في " مسند الحميدي " رقم (558) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَاه، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي أَيَّامِهِ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ: فَوَافَقْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ: {وَالطُّوْرِ، وَكِتَابٍ مَسْطُوْرٍ} [الطُّوْرُ: 1 - 2] ، فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءتِهِ كَالكَرْبِ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ يَحْيَى، عَنْ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: كُنْتُ أَكْرَهُ أَذَى قُرَيْشٍ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا ظَنَنَّا أَنَّهُم سَيَقْتُلُوْنَهُ، لَحِقْتُ بِدَيْرٍ مِنَ الدِّيَارَاتِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الدَّيْرِ إِلَى رَأْسِهِمْ، فَأَخْبَرُوْهُ، فَاجْتَمَعْتُ بِهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي، فَقَالَ: تَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوْهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَتَعْرِفُ شَبَهَهُ لَوْ رَأَيْتَهُ مُصَوَّراً؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَرَاهُ صُوْرَةً مُغَطَّاةً كَأَنَّهَا هُوَ. وَقَالَ: وَاللهِ لاَ يَقْتُلُوْهُ، وَلَنَقْتُلَنَّ مَنْ يُرِيْدُ قَتْلَهُ، وَإِنَّهُ   (1) إسناده حسن، أمامة بن زيد هو الليثي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم، وأخرجه الطبراني برقم (1498) من طريق أحمد بن صالح عن ابن وهب بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 2 / 206، في الصلاة، ومسلم (463) ، ومالك 1 / 99، وأبو داود (811) ، وابن ماجه (832) ، والنسائي 2 / 169، والطبراني (1491) ، وعبد الرزاق (2692) ، كلهم من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب. ورواه البخاري 6 / 116 في الجهاد: وزاد فيه: وكان جاء في أسارى بدر، وأخرجه الحميدي (556) ، وعنه البخاري 8 / 463 في التفسير عن سفيان، قال: حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون. أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون) . كاد قلبي يطير. قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم، عنه أبيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، لم أسمعه زاد الذي قالو لي. وانظر الطبراني برقم (1502) و (1585) و (1596) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 لَنَبِيٌّ. فَمَكَثْتُ عِنْدَهُمْ حِيْناً، وَعُدْتُ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ ذَهَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المَدِيْنَةِ. فَتَنَكَّرَ لِي أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: هَلُمَّ أَمْوَالَ الصِّبْيَةِ الَّتِي عِنْدَكَ اسْتَوْدَعَهَا أَبُوْكَ. فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى تُفَرِّقُوا بَيْنَ رَأْسِي وَجَسَدِي، وَلَكِنْ دَعُوْنِي أَذْهَبُ، فَأَدْفَعُهَا إِلَيْهِم. فَقَالُوا: إِنَّ عَلَيْكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيْثَاقَهِ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ. فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُوْلَ اللهِ الخَبَرُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي فِيْمَا يَقُوْلُ: (إِنِّيْ لأَرَاكَ جَائِعاً، هَلُمُّوا طَعَاماً) . قُلْتُ: لاَ آكُلُ خُبْزَكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ آكُلَ أَكَلْتُ؛ وَحَدَّثْتُهُ. قَالَ: (فَأَوْفِ بِعَهْدِكَ) (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ (2) اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَعْطَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُؤلَّفَةَ قُلُوْبُهُم، فَأَعْطَى جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ مائَةً مِنَ الإِبِلِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ جُبَيْرٌ مِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَسَادَتِهِم، وَكَانَ يُؤْخَذُ عَنْهُ النَّسَبُ. ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ، عَنْ شَيْخٍ، قَالَ: لَمَّا قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ، دَعَا جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، فَسَلَّحَهُ (3) إِيَّاهُ. وَكَانَ جُبَيْرٌ أَنْسَبَ العَرَبِ لِلْعَرَبِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا أَخَذْتُ النَّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَنْسَبَ العَرَبِ. عَدَّ خَلِيْفَةُ جُبَيْراً فِي عُمَّالِ عُمَرَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ قَبْلَ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّ أُمِّ جُبَيْرٍ، هِيَ جَدَّتُهُ أُمُّ حَبِيْبٍ بِنْتُ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ   (1) إسناده ضعيف اضعف ابن لهيعة، وهو في " معجم الطبراني " برقم (1609) من طريق المقدام بن داود، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار بهذا الإسناد، وانظر " المجمع " 8 / 233 و234. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبيد ". (3) في المطبوع: " فسلمه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 بنِ (1) عَبْدِ شَمْسٍ. وَمَاتَ أَبُوْهُ المُطْعِمُ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. فَرَثَاهُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ - فِيْمَا قِيْلَ - فَقَالَ: فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلِدُ اليَوْمَ وَاحِداً ... مِنَ النَّاسِ أَنْجَى مَجْدُهُ اليَوْمَ مُطْعِمَا (2) أَجَرْتَ رَسُوْلَ اللهِ مِنْهُم فَأَصْبَحُوا ... عَبِيْدُكَ مَا لَبَّى مُلَبٍّ وَأَحْرَمَا الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا المُؤَمِّلِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ عِيْسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ قَالَ لأَبِي مُوْسَى لَمَّا رَأَى كَثْرَةَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُطِيْعِي؟ فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَنْفَرِدَ بِهِ حَتَّى نُحْضِرَهُ رَهْطاً مِنْ قُرَيْشٍ نَسْتَشِيْرُهُم، فَإِنَّهُم أَعْلَمُ بِقَوْمِهِم. قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. فَبَعَثَا إِلَى خَمْسَةٍ؛ ابْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي جَهْمٍ بنِ حُذَيْفَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِم. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَسَمَّى لَهَا صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ، فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِلاَّ أَنْ يَعْفُوْنَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البَقَرَةُ: 237] . فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالعَفْوِ مِنْهَا. فَسَلَّمَ إِلَيْهَا الصَّدَاقَ كَامِلاً.   (1) لفظ " أمية بن " سقط من المطبوع. (2) رواية البيت في " الديوان " ص: 326: ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا * من الناس أبقى مجده الدهر مطعما والبيتان من قصيدة قالها في رثاء المطعم بن عدي، ومطلعها: أعين ألا ابكي سيد الناس واسفحي * بدمع فإن أنزفته فاسكبي الدما (3) أخرجه البيهقي في " سننه " 7 / 251 من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، عن يحيى ابن أبي طالب، عن عبد الوهاب بن عطاء بهذا الإسناد، وأخرجه الطبري برقم (5321) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن جعفر، عن واصل بن أبي سعيد، عن محمد بن جبير بن مطعم أن أباه تزوج امرأة، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل بالصداق، وقال: أنا أحق بالعفو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَخَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. 19 - عَقِيْلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * (س، ق) ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو يَزِيْدَ، وَأَبُو عِيْسَى. قَدْ ذَكَرْتُهُ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيْهِ عَلِيٍّ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً؛ وَمِنْ أَخِيْهِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. هَاجَرَ فِي مُدَّةِ الهُدْنَةِ، وَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَلَهُ جَمَاعَةُ (1) أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَعَطَاءٌ، وَالحَسَنُ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ. وَعُمِّرَ بَعْدَ أَخِيْهِ الإِمَامِ عَلِيٍّ. ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ بَسَّاماً، مَزَّاحاً، عَلاَّمَةٌ بِالنَّسَبِ وَأَيَّامِ العَرَبِ. شَهِدَ بَدْراً مَعَ قَوْمِهِ مُكْرَهاً، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لاَ مَالَ لَهُ، فَفَدَاهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ. وَقَدْ مَرِضَ مُدَّةً، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي المَغَازِي بَعْدَ مُؤْتَةَ، وَأَطْعَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ كُلَّ عَامٍ مائَةً وَأَرْبَعِيْنَ وَسْقاً.   (*) طبقات ابن سعد 4 / 42، طبقات خليفة: ت 17 و820 و1481، التاريخ الكبير 7 / 50، التاريخ الصغير 1 / 145، الجرح والتعديل 6 / 218، مروج الذهب 3 / 227، المستدرك 3 / 575، جمهرة أنساب العرب: 69، الاستيعاب: 1078، تاريخ ابن عساكر 11 / 363 آ، أساد الغابة 3 / 422، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 337، تهذيب الكمال: 949، تاريخ الإسلام 2 / 233، تذهيب التهذيب 3 / 47 ب، البداية والنهاية 8 / 47، مجمع الزوائد 9 / 273، العقد الثمين 6 / 113، الإصابة 2 / 494، تهذيب التهذيب 7 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 228. (1) غيرها في المطبوع إلى " جملة "، ولم يشر إلى صنيعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَرُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ مُرْسَلَةٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: (إِنِّيْ أُحِبُّكَ لِقَرَابَتِكَ مِنِّي، وَلِحُبِّ أَبِي طَالِبٍ لَكَ (1)) . قَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: سَأَلَ عَقِيْلٌ عَلِيّاً، وَشَكَا حَاجَتَهُ، قَالَ: اصْبِرْ حَتَّى يَخْرُجُ عَطَائِي. فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ، فَخُذْ مَا فِي حَوَانِيْتِ النَّاسِ. قَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقاً؟ قَالَ: وَأَنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقاً، وَأُعْطِيْكَ أَمْوَالَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: لآتِيَنَّ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَسَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ: اصْعَدْ عَلَى المِنْبَرِ، فَاذْكُرْ مَا أَوْلاَكَ عَلِيٌّ وَمَا أَوْلَيْتُكَ. فَصَعِدَ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّيْ أَرَدْتُ عَلِيّاً عَلَى دِيْنِهِ، فَاخْتَارَ دِيْنَهُ عَلَيَّ، وَأَرَدْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى دِيْنِهِ، فَاخْتَارَنِي عَلَى دِيْنِهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ أَحْمَقُ (2) ! وَقِيْلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لَهُم: هَذَا عَقِيْلٌ وَعَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، فَقَالَ: هَذَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمَّتُهُ حَمَّالَةُ الحَطَبِ (3) . 20 - يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ التَّمِيْمِيُّ المَكِّيُّ * (ع) حَلِيْفُ قُرَيْشٍ. وَهُوَ يَعْلَى بنُ مُنْيَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ؛ أُخْتِ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ.   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 44 من طريق الفضل بن دكين، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ورجاله ثقات لكنه مرسل كما قال المؤلف. (2) أخرجه ابن عساكر 11 / 368 / آ. (3) ابن عساكر 11 / 368 / ب. (*) طبقات ابن سعد 5 / 456، طبقات خليفة: ت 291، التاريخ الكبير 8 / 414، المعرفة والتاريخ 1 / 308، الجرح والتعديل 9 / 301، جمهرة أنساب العرب: 229 المستدرك 3 / 423، الاستيعاب: 1584، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 586، تاريخ ابن عساكر: باريس 21 آ، أسد الغابة 5 / 128، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 165، تهذيب الكمال: 1554، تاريخ الإسلام 2 / 326، تذهيب التهذيب 4 / 187 آ، العقد الثمين 7 / 478، الإصابة = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسلاَمُهُ. وَشَهِدَ: الطَّائِفَ، وَتَبُوْكَ، وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ صَفْوَانُ، وَعُثْمَانُ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ صَفْوَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَابَيْه، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ: نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَحَدِيْثُهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَعْلَى بنُ مُنْيَةَ يُفْتِي بِمَكَّةَ. وَقِيْلَ: وَلِيَ نَجْرَانَ لِعُمَرَ. وَكَانَ مِنْ أَجْوَادِ الصَّحَابَةِ، وَمُتَمَوِّلِيْهِمْ. رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: عَنْ زَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَرَّخَ الكُتُبَ يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ بِاليَمَنِ (2) . قُلْتُ: وَلِيَ اليَمَنَ لِعُثْمَانَ، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَ عَائِشَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ نَوْبَةَ الجَمَلِ فِي الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ الشَّهِيْدِ، فَأَنْفَقَ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً فِي العَسْكَرِ كَمَا يُنْفِقُ المُلُوْكُ، فَلَمَّا هُزِمُوا، هَرَبَ يَعْلَى إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ. بَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ السِّتِّيْنَ، فَمَا أَدْرِي أَتُوُفِّيَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ أَوْ بَعْدَهُ؟   = 3 / 668، تهذيب التهذيب 11 / 399، خلاصة تذهيب الكمال: 7 376 أمالي اليزيدي: 96، أسماء الصحابة الرواة: 281، الوسائل إلى مسامرة الاوائل: 34، 129، ذيل المذيل: 40. (1) انظر البخاري 3 / 311 و4 / 365 و8 / 437، ومسلم (871) و (1180) و (1674) . (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 424، وتمامه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، وإن الناس أرخوا لأول السنة، وإنما أرخ الناس لمقدم النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 21 - قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ حَارِثَةَ بنِ أَبِي حَزِيْمَةَ (1) بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ طَرِيْفِ بنِ الخَزْرَجِ بنِ سَاعِدَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الخَزْرَجِ، الأَمِيْرُ، المُجَاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، سَيِّدُ الخَزْرَجِ وَابْنُ سَيِّدِهِم أَبِي ثَابِتٍ، الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّاعِدِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ. لَهُ: عدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ الجَيْشَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَمَّارٍ الهَمْدَانِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ أَبِي شَبِيْبٍ، وَعَرِيْبُ بنُ حُمَيْدٍ الهَمْدَانِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبَدَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَاحْتَرَمَهُ، وَأَعْطَاهُ مَالاً. وَقَدْ حَدَّثَ بِالكُوْفَةِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ، لَمْ يَزَلْ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ، رَجَعَ قَيْسٌ إِلَى وَطَنِهِ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 52، طبقات خليفة: ت 603 و973 و2556 و2722، المحبر: 155، 184، 233، 292، 305، التاريخ الكبير 7 / 141، المعرفة والتاريخ 1 / 299، تاريخ الطبري 4 / 546، 5 / 163، الجرح والتعديل 7 / 99، مروج الذهب 3 / 205، الولاة والقضاة: 20، جمهرة أنساب العرب: 365، الاستيعاب: 1289، تاريخ بغداد 1 / 177، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 417، تاريخ ابن عساكر 14 / 224 ب، جامع الأصول 9 / 101، أسد الغابة 4 / 215، الكامل 3 / 862، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 61، تهذيب الكمال: 1135، تاريخ الإسلام 2 / 311، تذهيب التهذيب 3 / 163 ب، البداية والنهاية 8 / 99، الإصابة 3 / 249، تهذيب التهذيب 8 / 395، النجوم الزاهرة 1 / 95، خلاصة تذهيب الكمال: 270. (1) تصحف في المطبوع إلى " خزيمة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ مَغَازِيْهِ، وَكَانَ بِمِصْرَ وَالِياً عَلَيْهَا لِعَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا دَاراً، وَوَلِيَهَا لِعَلِيٍّ سَنَةَ سِتٍّ، وَعَزَلَهُ عَنْهَا سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ رَجُلاً ضَخْماً، جَسِيْماً، صَغِيْرَ الرَّأْسِ، لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، إِذَا رَكِبَ حِمَاراً، خَطَّتْ رِجُلاَهُ الأَرْضَ، فَقَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَنْ يَشْتَرِي لَحْمَ الجَزُوْرِ. يُعَرِّضُ بِقَيْسٍ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ لَحْمَ الجَزُوْرِ (1) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ يَرِيْمَ أَبِي العَلاَءِ: قَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِيْنَ (2) . ثُمَامَةُ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ مِنَ الأَمِيْرِ، فَكَلَّمَ أَبُوْهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَيْسٍ، فَصَرَفَهُ عَنِ المَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى شَيْءٍ، فَصَرَفَهُ (3) . لَفْظُ أَبِي حَاتِمٍ (4) ، عَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ.   (1) أخرجه ابن عساكر 14 / 226. (2) ابن عساكر 14 / 226 / ب وزاد: " قال ابن صاعد: وقول قيس هذا غريب ". (3) أخرجه البخاري 13 / 118، 119 في الاحكام: باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجه عليه دون الامام الذي فوقه، من طريق محمد بن خالد الذهلي، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، دون قوله: فكلم أبوه ... وهو في " سنن الترمذي " (3850) ، وأخرجه بتمامه الاسماعيلي من طريق الهيثم بن خلف، عن محمد بن المثنى، عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس ... وهو عند ابن عساكر 14 / 227 / آ. والشرطة: بضم الشين وسكون الراء، والنسبة إليها: شرطي، وقد تفتح الراء فيهما: هم أعوان الأمير. (4) أخرجه ابن مندة في " المعرفة " فيما قاله الحافظ في " الفتح " 13 / 119 من طريق محمد بن عيسى، قال حدثنا أبو حاتم الرازي، عن الأنصاري ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أَبِي مَالِكٍ: أَنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الحَجَّ، فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ؛ فَقَامَ غُلاَمٌ لَهُ، فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَأَهَلَّ، وَمَا رَجَّلَ شِقَّهُ الآخَرَ (1) . وَذَكَرَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى الصَّدَقَةِ (2) . وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيْثِ الحُوْتِ الَّذِي يُقَالَ لَهُ: العَنْبَرُ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ أَمِيْرَهُم كَانَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ، وَإِنَّمَا المَحْفُوْظُ: أَبُو عُبَيْدَةَ (3) . وَرَوَى: عُمَرُو بنُ دِيْنَارٍ، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ يَذْكُرُ: أَنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ نَحَرَ لَهُم -يَعْنِي: فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ - عِدَّةَ جَزَائِرَ (4) . وَقَدْ جَوَّدَ ابْنُ عَسَاكِرَ طُرُقَهُ (5) .   (1) ابن عساكر 14 / 227 / آبنحوه. (2) ابن عساكر 14 / 227 / آ. (3) قال الحافظ في " الفتح " 8 / 62 بعد أن نسب الرواية التي فيها أن قيس بن سعد هو الأمير إلى ابن أبي عاصم: والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات " الصحيحين " أنه أبو عبيدة، وكأن أحد رواته ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزوة ما صنع من نحر الابل التي اشتراها أنه كان أمير السرية، وليس كذلك. وخبر هذه السرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في ثالث مئة رجل من المهاجرين والانصار، وفيهم عمر بن الخطاب، إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر، وأصابهم في الطريق جوع شديد، فأكلوا الخبط (ورق السلم) ، فسميت تلك السرية سرية الخبط، وألقى إليهم البحر حوتا يقال له: العنبر، فأكلوا منه نصف شهر. انظر خبرها بطوله في البخاري 8 / 63، 64 في المغازي: باب غزوة سيف البحر، ومسلم (1935) في الصيد، وأبو داود (3840) ، والنسائي 7 / 207، 208، وأحمد 3 / 309. وانظر البخاري (الطبعة السلفية) رقم (2483) و (2983) و (4360) و (4361) و (4362) و (5493) و (5494) . (4) انظر الحميدي رقم (1244) ، البخاري 8 / 64، وابن عساكر 14 / 227 / ب. (5) انظر " تاريخه " 14 / 227 / ب، 228 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ قَيْسٍ، وَمَالِكٌ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا عُبَيْدَةَ فِي سَرِيَّةٍ فِيْهَا المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ، وَهُم ثَلاَثُ مائَةٍ، إِلَى سَاحِلِ البَحْرِ، إِلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَصَابَهُم جُوْعٌ شَدِيْدٌ. فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالزَّادِ، فَجُمِعَ؛ حَتَّى كَانُوا يَقْتَسِمُوْنَ التَّمْرَةَ. فَقَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْراً بِجُزُرٍ، يُوَفِّيْنِي الجُزُرَ هَا هُنَا، وَأُوَفِّيْهِ التَّمْرَ بِالمَدِيْنَةِ. فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُوْلُ: يَا عَجَباً لِهَذَا الغُلاَمِ، يَدِيْنُ (1) فِي مَالِ غَيْرِهِ. فَوَجَدَ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ، فَسَاوَمَهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُكَ! قَالَ: أَنَا قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمٍ. فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ، أَمَا إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ خُلَّةً، سَيِّدُ أَهْلِ يَثْرِبَ. فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ، كُلُّ جَزُوْرٍ بِوَسْقٍ (2) مِنْ تَمْرٍ، وَأَشْهَدَ لَهُ نَفَراً. فَقَالَ عُمَرُ: لاَ أَشْهَدُ، هَذَا يَدِيْنُ وَلاَ مَالَ لَهُ، إِنَّمَا المَالُ لأَبِيْهِ. فَقَالَ الجُهَنِيُّ: وَاللهِ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيُخْنِيَ بِابْنِهِ فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَرَى وَجْهاً حَسَناً، فَنَحَرَهَا لَهُم فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ. فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الرَّابِعِ، نَهَاهُ أَمِيْرُهُ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تُخْرِبَ ذِمَّتَكَ وَلاَ مَالَ لَكَ (3) ! قَالَ (4) : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، قَالَ: بَلَغَ سَعْداً مَا أَصَابَ القَوْمَ مِنَ المَجَاعَةِ، فَقَالَ: إِنْ يَكُ قَيْسٌ كَمَا   (1) وفي " المغازي " وابن عساكر: " ادان " وهما بمعنى، يقال: دان واستدان وادان: إذا أخد الدين واقترض. (2) في ابن عساكر: " بوسقين ". (3) هو في " مغازي الواقدي " 2 / 774، 775 بأطول مما هنا، وما بين حاصرتين منه، وأخرجه ابن عساكر 14 / 228، وقوله: " ليخني " أي: يسلمه ويخفر ذمته، من أخنى عليه الدهر، وقد تصحف في المطبوع إلى " ليجني " بالجيم. وقوله: " في شقة من تمر " أي: قطعة تشق منه، وفي " المغازي " " سقة " بالسين: أي: الوسق مثل العدة في الوعد، والزنة في الوزن، والرقة في الورق، والهاء فيه عوض من الواو. (4) أي: الواقدي، وهو في " مغازيه " 2 / 775، 776، وأخرجه ابن عساكر 14 / 228 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 أَعْرِفُ، فَسَوْفَ يَنْحَرُ لِلْقَوْمِ. فَلَمَّا قَدِمَ، قَصَّ عَلَى أَبِيْهِ، وَكَيْفَ مَنَعُوْهُ آخِرَ شَيْءٍ مِنَ النَّحْرِ، فَكَتَبَ لَهُ أَرْبَعَ حَوَائِطَ (1) ، أَدْنَى (2) حَائِطٍ مِنْهَا يَجُدُّ خَمْسِيْنَ وَسْقاً. فَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَلَغَهُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ فِي بَيْتِ جُوْدٍ) . أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، قَالَ: كَانَ قَيْسٌ يَسْتَدِيْنُ وَيُطْعِمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: إِنْ تَرَكْنَا هَذَا الفَتَى، أَهْلَكَ مَالَ أَبِيْهِ. فَمَشَيَا فِي النَّاسِ، فَقَامَ سَعْدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَابْنِ الخَطَّابِ، يُبَخِّلاَنِ عَلَيَّ ابْنِي (3) . وَقِيْلَ: وَقَفَتْ عَلَى قَيْسٍ عَجُوْزٌ، فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَيْكَ قِلَّةَ الجِرْذَانِ. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الكِنَايَةَ، امْلَؤُوا بَيْتَهَا خُبْزاً وَلَحْماً وَسَمْناً وَتَمْراً (4) . مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي أَسْفَارِهِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إِذَا نَفِدَ مَا مَعَهُ تَدَيَّنَ، وَكَانَ يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ: هَلُمُّوا إِلَى اللَّحْمِ وَالثَّرِيْدِ (5) . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ سَعْدٌ يُنَادِي عَلَى أُطُمِهِ: مَنْ أَحَبَّ شَحْماً وَلَحْماً، فَلْيَأْتِ، ثُمَّ أَدْرَكْتُ ابْنَهُ مِثْلَ ذَلِكَ (6) . وَعَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَاعَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ مَالاً مِنْ   (1) الحوائط: جمع حائط وهو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. (2) تحرف في المطبوع إلى " أدى " و" يجد " إلى " بحد "، ويجد: من الجداد وهو قطع الثمرة، والمعنى: أقل بستان منها يعطي من الثمار خمسين وسقا. (3) ابن عساكر 14 / 228 / ب. وقوله: " من يعذرني " أي: من يقوم بعذري إذا كافأتهما على سوء صنيعهما فلا يلومني. (4) ابن عساكر 14 / 229 / آ. (5) ابن عساكر 14 / 229 / آ. (6) ابن عساكر 14 / 229 / آ. والأطم، بضم الهمزة والطاء: بناء مرتفع قوي، وجمعه آطام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 مُعَاوِيَةَ بِتِسْعِيْنَ أَلْفاً؛ فَأَمَرَ مَنْ نَادَى فِي المَدِيْنَةِ: مَنْ أَرَادَ القَرْضَ، فَلْيَأْتِ. فَأَقْرَضَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَأَجَازَ بِالبَاقِي، وَكَتَبَ عَلَى مَنْ أَقْرَضَهُ. فَمَرِضَ مَرَضاً قَلَّ عُوَّادُهُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ قُرَيْبَةَ أُخْتِ الصِّدِّيْقِ: لِمَ قَلَّ عُوَّادِي؟ قَالَتْ: لِلدَّيْنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ بِصَكِّهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالاً وَفَعَالاً، فَإِنَّهُ لاَ تَصْلُحُ الفَعَالُ إِلاَّ بِالمَالِ (1) . عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ سَعْداً قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ، وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدُ؛ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى ابْنِهِ قَيْسٍ، فَقَالاَ: نَرَى أَنْ تَرُدَّ عَلَى هَذَا. فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ شَيْئاً صَنَعَهُ سَعْدٌ، وَلَكِنَّ نَصِيْبِي لَهُ (2) . وَجَاءتْ هَذِهِ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَنْ عَطَاءٍ. قَالَ مِسْعَرٌ: عَنْ مَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ لاَ يَزَالُ هَكَذَا رَافِعاً أُصْبُعَهُ المُسَبِّحَةَ -يَعْنِي: يَدْعُو (3) -. وَجُوْدُ قَيْسٍ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَكَذَلِكَ دَهَاؤُهُ. رَوَى: الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ البَهْرَانِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (المَكْرُ وَالخَدِيْعَةُ فِي النَّارِ) (4)   (1) ابن عساكر 14 / 229 / ب. (2) ابن عساكر 14 / 230 / آ. والرواية الآتية عنده أيضا. (3) ابن عساكر 14 / 230 / ب. (4) أخرجه ابن عدي في " الكامل " بسند قال فيه الحافظ في " الفتح " 4 / 298: لا بأس به، وأخرجه الطبراني في " الصغير " من حديث ابن مسعود، والحاكم في " المستدرك " من حديث أنس، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " من حديث أبي هريرة، وفي إسناد كل منها مقال، لكن مجموعها يدل على أن للمتن أصلا، فهو حسن..والمكر والخديعة: اسمان لكل فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، والمذموم من ذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخدوع، وإياه قصد المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ومعناه: يوديان بقاصدهما إلى النار. قاله الراغب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 لَكُنْتُ مِنْ أَمْكَرِ هَذِهِ الأُمَّةِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو، قَالَ: قَالَ قَيْسٌ: لَوْلاَ الإِسْلاَمُ، لَمَكَرْتُ مَكْراً لاَ تُطِيْقُهُ العَرَبُ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانُوا يَعُدُّوْنَ قَيْساً مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ. وَقَالُوا: دُهَاةُ العَرَبِ حِيْنَ ثَارَتِ الفِتْنَةُ خَمْسَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَقَيْسٌ، وَالمُغِيْرَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ (1) . وَكَانَ قَيْسٌ وَابْنُ بُدَيْلٍ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ المُغِيْرَةُ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ حَتَّى حَكَمَ الحَكَمَانِ (2) . عَوْفٌ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّرَ عَلِيٌّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ حَازِماً. فَنُبِّئْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ المَكْرَ فُجُوْرٌ، لَمَكَرْتُ مَكْراً تَضْطَرِبُ مِنْهُ أَهْلُ الشَّامِ بَيْنَهُم. فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو إِلَيْهِ، يَدْعُوَانِهِ إِلَى مُبَايَعَتِهِمَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا كِتَاباً فِيْهِ غِلْظٌ. فَكَتَبَا إِلَيْهِ بِكِتَابٍ فِيْهِ عُنْفٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِكِتَابٍ فِيْهِ لِيْنٌ. فَلَمَّا قَرَآهُ، عَلِمَا أَنَّهُمَا لاَ يَدَانِ لَهُمَا بِمَكْرِهِ. فَأَذَاعَا بِالشَّامِ أَنَّهُ قَدْ تَابَعَنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَدْرِكْ مِصْرَ، فَإِنَّ قَيْساً قَدْ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ. فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُذَيْفَةَ إِلَى مِصْرَ، وَأَمَّرَ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى قَيْسٍ بِنَزْعِهِ، عَلِمَ أَنَّ عَلِيّاً قَدْ خُدِعَ، فَقَالَ لِمُحَمَّدٍ: يَا ابْنَ أَخِي احْذَرْ -يَعْنِي: أَهْلَ مِصْرَ - فَإِنَّهُم سَيُسَلِّمُوْنَكُمَا، فَتُقْتَلاَنِ. فَكَانَ كَمَا قَالَ (3) .   (1) عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي الصحابي الجليل، انتهت إليه رئاسة خزاعة، وكان فصيحا لسنا، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا وما بعدها، وقتل يوم صفين. (2) ابن عساكر 14 / 230 / ب، 231 / آ. (3) ابن عساكر 14 / 231 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: ضَبَطَ قَيْسٌ مِصْرَ، وَكَانَ مُمْتَنِعاً بِالمَكِيْدَةِ وَالدَّهَاءِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرٍو، أَدَرَّ الأَرْزَاقَ عَلَيْهِم، وَلَمْ يَحْمِلْ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ طَعَاماً. قَالَ: فَمَكَرَا بِعَلِيٍّ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ كِتَاباً مِنْ قَيْسٍ إِلَيْهِ، يَذْكُرُ فِيْهِ مَا أَتَى إِلَى عُثْمَانَ مِنَ الأَمْرِ العَظِيْمِ، وَإِنِّي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. ثُمَّ نَادَى مُعَاوِيَةُ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، فَخَطَبَ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، إِنَّ اللهَ يَنْصُرُ خَلِيْفَتَهُ المَظْلُوْمَ، وَيَخْذُلُ عَدُوَّهُ، أَبْشِرُوا، هَذَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ نَابُ العَرَبِ قَدْ أَبْصَرَ الأَمْرَ، وَعَرَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ خَلِيْفَتِكُم، وَكَتَبَ إِلَيَّ. فَأَمَرَ بِالكِتَابِ، فَقُرِئَ، وَقَدْ أَمَرَ بِحَمْلِ الطَّعَامِ إِلَيْكُم، فَادْعُوا اللهَ لِقَيْسٍ، وَارْفَعُوا أَيْدِيَكُم، فَعَجُّوا، وَعَجَّ مُعَاوِيَةُ، وَرَفَعُوا أَيْدِيَهِم سَاعَةً. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: تَحَيَّنْ خُرُوْجَ العُيُوْنِ، فَفِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ يَصِلُ الخَبَرُ إِلَى عَلِيٍّ، فَيَعْزِلُ قَيْساً، وَكُلُّ مَنْ وَلَّى مِصْرَ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ الخَبَرُ، دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَالأَشْتَرُ، وَذَمَّا قَيْساً، وَجَعَلَ عَلِيٌّ لاَ يَقْبَلُ. ثُمَّ عَزَلَهُ، وَوَلَّى الأَشْتَرَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا (1) . قُلْتُ: فَقِيْلَ: سُمَّ. وَوَلَّى مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقُتِلَ بِهَا، وَغَلَبَ عَلَيْهَا عَمْرٌو. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: جَعَلَ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: ادْعُوا لِصَاحِبِكُم - يَعْنِي قَيْساً - فَإِنَّهُ عَلَى رَأْيِكُم. فَعَزَلَهُ عَلِيٌّ، وَوَلاَّهَا مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ. وَتَقَدَّم إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَعْرِضَ لابْنِ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ قَدْ نَزَلُوا بِنُخَيْلَةَ (2) ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الفَرِيْقَيْنِ بَعْدَ صِفِّيْنَ، فَعَبَثَ بِهِم. قَالَ: وَرَحَلَ قَيْسٌ إِلَى المَدِيْنَةِ،   (1) ابن عساكر 14 / 231 / آ. (2) نخيلة تصغير نخلة: موضع قرب الكوفة على طريق الشام، وهو الموضع الذي نزله علي رضي الله عنه لما بلغه ما فعل بالانبار من قتل عامله، وخطب الخطبة المشهورة التي ذم فيها أهل الكوفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وَعَبَثَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ، فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ. فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ: مَاذَا صَنَعْتُم مِنْ إِخْرَاجِكُم قَيْساً إِلَيْهِ؟ قَالَ: وَكَتَبَ ابْنُ حُدَيْجٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: ابْعَثْ إِلَيْنَا أَمِيْراً. فَبَعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ إِلَيْهِم، فَلَجَأَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَجُوْزٍ، فَأَقَرَّ عَلَيْهِ ابْنُهَا، فَقَتَلُوْهُ، وَأُحْرِقَ فِي بَطْنِ حِمَارٍ، وَهَرَبَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقُتِلَ أَيْضاً (1) . وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَدِمَ قَيْسٌ المَدِيْنَةَ، فَتَوَامَرَ فِيْهِ الأَسْوَدُ بنُ أَبِي البَخْتَرِيِّ وَمَرْوَانُ أَنْ يُبَيِّتَاهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ قَيْساً، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَقَبِيْحٌ (2) أَنْ أُفَارِقَ عَلِيّاً وَإِنْ عَزَلَنِي، وَاللهِ لأَلْحَقَنَّ بِهِ. فَلَحِقَ بِهِ، وَحَدَّثَهُ بِمَا كَانَ يَعْتَمِدُ بِمِصْرَ، فَعَرَفَ عَلِيٌّ أَنَّ قَيْساً كَانَ يُدَارِي أَمْراً عَظِيْماً بِالمَكِيْدَةِ، فَأَطَاعَ (3) عَلِيٌّ قَيْساً فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِهِ. فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ يُؤَنِّبُ (4) مَرْوَانَ وَالأَسْوَدَ، وَقَالَ: أَمْدَدْتُمَا (5) عَلِيّاً بِقَيْسٍ؟ وَاللهِ لَوْ أَمْدَدْتُمَاهُ بِمائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مَا كَانَ بِأَغْيَظَ عَلَيَّ مِنْ إِخْرَاجِكُمَا قَيْساً إِلَيْهِ (6) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ: مَعْمَرٍ أَيْضاً، عَنِ الزُّهْرِيِّ. هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ قَيْسٌ مَعَ عَلِيٍّ فِي مُقَدِّمَتِهِ وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلاَفٍ قَدْ حَلَقُوا رُؤُوْسَهُم بَعْدَ مَا مَاتَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَسَنُ (7) فِي بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ، أَبَى قَيْسٌ أَنْ يَدْخُلَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: إِنْ شِئْتُمْ جَالَدْتُ بِكُم أَبَداً حَتَّى يَمُوْتَ الأَعْجَلُ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُ لَكُم أَمَاناً. فَقَالُوا: خُذْ لَنَا.   (1) ابن عساكر 14 / 231 / ب. (2) في الأصل " لقبيحا ". (3) تحرف في المطبوع إلى " فأطلع ". (4) في المطبوع حذفت كلمة " يؤنب "، وأثبت مكانها " إلى ". (5) في الأصل " أمددتكما " والتصويب من ابن عساكر. (6) ابن عساكر 14 / 231 / ب، 232 / آ. (7) في الأصل: الجيش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 فَأَخَذَ لَهُم، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً. فَلَمَّا ارْتَحَلَ نَحْوَ المَدِيْنَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابَهُ، جَعَلَ يَنْحَرُ لَهُم كُلَّ يَوْمٍ جَزُوْراً حَتَّى بَلَغَ صِرَاراً (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي هَارُوْنَ المَدَنِيِّ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ: إِنَّمَا أَنْتَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُوْدٍ؛ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْكَ قَتَلْنَاكَ، وَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْنَا نَزَعْنَاكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ وَأَبُوْكَ صَنَمَانِ مِنْ أَصْنَامِ الجَاهِلِيَّةِ، دَخَلْتُمَا فِي الإِسْلاَمِ كُرْهاً، وَخَرَجْتُمَا مِنْهُ طَوْعاً (2) . هَذَا مُنْقَطِعٌ. المَدَائِنِيُّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَجْلاَنِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: دَخَلَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! بِمَا تَطْلُبُوْنَ مَا قِبَلِي؟ فَوَاللهِ لَقَدْ كُنْتُمْ قَلِيْلاً مَعِي، كَثِيْراً عَلَيَّ، وَأَفْلَلْتُم حَدِّي يَوْمَ صِفِّيْنَ، حَتَّى رَأَيْتُ المَنَايَا تَلَظَّى فِي أَسِنَّتِكُم، وَهَجَوْتُمُوْنِي (3) ، حَتَّى إِذَا أَقَامَ اللهُ مَا حَاوَلْتُم مَيْلَهُ، قُلْتُم: ارْعَ فِيْنَا وَصِيَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْهَاتَ يَأْبَى الحَقِيْنُ العِذْرَةَ (3) . فَقَالَ قَيْسٌ: نَطْلُبُ مَا قِبَلَكَ بِالإِسْلاَمِ الكَافِي بِهِ اللهُ مَا سِوَاهُ، لاَ بِمَا تَمُتُّ بِهِ إِلَيْكَ الأَحْزَابُ، فَأَمَّا عَدَاوَتُنَا لَكَ، فَلَو شِئْتَ كَفَفْتَهَا عَنْكَ، وَأَمَّا الهِجَاءُ فَقَوْلٌ يَزُوْلُ بَاطِلُهُ، وَيَثْبُتُ حَقُّهُ، وَأَمَّا اسْتِقَامَةُ الأَمْرِ عَلَيْكَ فَعَلَى كُرْهٍ مِنَّا، وَأَمَّا فَلُّنَا حَدَّكَ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَجُلٍ نَرَى طَاعَتَهُ للهِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَا، فَمَنْ أَبِهَ (4) رَعَاهَا،   (1) ابن عساكر 14 / 232 آ، وصرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق. (2) ابن عساكر 14 / 232 / آ. (3) تحرف في المطبوع إلى " هجرتموني ". (3) العذرة: العذر وهو مثل يضرب للرجل يعتذر ولا عذر له، قال أبو عبيد: أصل ذلك أن رجلا ضاف قوما، فاستسقاهم لبنا، وعندهم لبن قد حقنوه في وطب، فاعتلوا عليه، واعتذروا، فقال: أبى الحقين العذرة، أي: هذا الحقين يكذبكم. (4) في " ابن عساكر ": فمن آمن به، رعاها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وَأَمَّا قَوْلُكَ: يَأْبَى الحَقِيْنُ العِذْرَةَ، فَلَيْسَ دُوْنَ اللهِ يَدٌ تَحْجُزُكَ، فَشَأْنُكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءةً، ارْفَعُوا حَوَائِجَكُم (1) . أَبُو تُمِيْلَةَ - يَحْيَى بنُ وَاضِحٍ -: أَنْبَأَنَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ، يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ: أَنَّ قَيْصَرَ بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: ابْعَثْ إِلَيَّ سَرَاوِيْلَ أَطْوَلِ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ. فَقَالَ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ: مَا أَظُنُّنَا إِلاَّ قَدِ احْتَجْنَا إِلَى سَرَاوِيْلِكَ. فَقَامَ، فَتَنَحَّى، وَجَاءَ، فَأَلْقَاهَا، فَقَالَ: أَلاَ ذَهَبْتَ إِلَى مَنْزِلِكَ، ثُمَّ بَعَثْتَ بِهَا؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ بِهَا كَيْ يَعْلمَ النَّاسُ أَنَّهَا ... سَرَاوِيْلُ قَيْسٍ وَالوُفُوْدُ شُهُوْدُ وَأَنْ لاَ يَقُوْلُوا: غَابَ قَيْسٌ وَهَذِهِ ... سَرَاوِيْلُ عَادِيٍّ نَمَتْهُ ثَمُوْدُ وَإِنِّي مِنَ الحَيِّ اليَمَانِيِّ سَيِّدٌ ... وَمَا النَّاسُ إِلاَّ سَيِّدٌ وَمَسُوْدُ فَكِدْهُم بِمِثْلِي إِنَّ مِثْلِي عَلَيْهُمُ ... شَدِيْدٌ وَخَلْقِي فِي الرِّجَالِ مَدِيْدُ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الجَيْشِ فَوُضِعَتْ عَلَى أَنْفِهِ. قَالَ: فَوَقَفَتْ بِالأَرْضِ (2) . وَرُوِيَتْ بِإِسْنَادٍ آخَرَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ قَيْسٌ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. 22 - عَبْدُ المُطَّلِب بنُ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيُّ * (م، د، س، ت) ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ، وَالِدُ مُحَمَّدٍ.   (1) ابن عساكر 14 / 232 / ب. والسوءة: الفاحشة، وكل عمل وأمر شائن. (2) الخبر والابيات في " ابن عساكر " 14 / 232، وهو باطل كما في " الاستيعاب " * طبقات ابن سعد 4 / 57، طبقات خليفة: ت 14 و2808، التاريخ الكبير 6 / 131، الجرح والتعديل 6 / 68، جمهرة أنساب العرب: 71، الاستيعاب: 1006، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 329، أسد الغابة 3 / 331، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 208، تهذيب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 لَهُ: صُحْبَةٌ، وَحَدِيْثٌ يَرْوِيْهِ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيُّ (1) . وَرَوَى: عَنْ عَلِيٍّ حَدِيْثاً آخَرَ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا سُفْيَانَ بنَ الحَارِثِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ بِعَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيْعَةَ، فَفَعَلَ. سَكَنَ الشَّامَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ. وَقَالَ شَبَابٌ: تُوُفِّيَ عَبْدُ المُطَّلِبِ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: لَهُ بِدِمَشْقَ دَارٌ كَبِيْرَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 23 - فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَافِذِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) ابْنِ صُهَيْبِ بنِ أَصْرَمَ بنِ جَحْجَبَى (2) القَاضِي،   = الكمال: 852، تاريخ الإسلام 3 / 46، العبر 1 / 66، تذهيب التهذيب 2 / 248 آ، مرآة الجنان 1 / 137، العقد الثمين 5 / 494، الإصابة 2 / 430، تهذيب التهذيب 6 / 383، خلاصة تهذيب الكمال: 269، شذرات الذهب 1 / 70. (1) أخرجه مسلم (1072) في الزكاة: باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، وأبو داود (1285) في الخراج: باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى، وابن سعد: 4 / 58، 59 من طريق الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن المطلب بن ربيعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 401، طبقات خليفة: ت 546، المحبر: 294، التاريخ الكبير: 7 / 124، التاريخ الصغير 1 / 119، المعرفة والتاريخ 1 / 341، أخبار القضاة 3 / 200، الجرح والتعديل 7 / 77، المستدرك 3 / 473، الحلية 2 / 17، الاستيعاب: 1262، تاريخ ابن عساكر 14 / 111 ب، أسد الغابة 4 / 182، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 50، تهذيب الكمال: 1096، تاريخ الإسلام 2 / 311، العبر 1 / 58، تذهيب التهذيب 3 / 136 ب، البداية والنهاية 8 / 78، الإصابة 3 / 206، تهذيب التهذيب 8 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 262. (2) قال ابن دريد في " الاشتقاق ": 441: بنو جحجبى: بطن، واشتقاقه من الجحجبة: وهو التردد في الشئ والمجئ والذهاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 الفَقِيْهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ. صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. وَلِيَ الغَزْوَ لِمُعَاوِيَةَ، ثُمَّ وَلِيَ لَهُ قَضَاءَ دِمَشْقَ، وَكَانَ يَنُوْبُ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي الإِمْرَةِ إِذَا غَابَ. وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، وَلَهُ: عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَيْرِيْزٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ مَالِكٍ الجَنْبِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي الصَّعْبَةِ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَمَيْسَرَةُ مَوْلَى فَضَالَةَ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: شَهِدَ فَضَالَةُ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَسَكَنَهَا، وَكَانَ قَاضِياً بِالشَّامِ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَوَلِيَ بِهَا القَضَاءَ وَالبَحْرَ لِمُعَاوِيَةَ. فَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِهَا: أَبُو خِرَاشٍ الصَّحَابِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ شُفَيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جَحْدَمٍ (1) ، ... وَسَمَّى جَمَاعَةً. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانَ فَضَالَةُ أَصْغَرَ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. قُلْتُ: إِنْ ثَبَتَ شُهُوْدُهُ أُحُداً، فَمَا كَانَ يَوْمَ الشَّجَرَةِ صَغِيْراً. قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ - حِيْنَ هَلَكَ فَضَالَةُ، وَهُوَ يَحْمِلُ نَعْشَهُ - لابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ: تَعَالَ اعْقُبْنِي، فَإِنَّكَ لَنْ تَحْمِلَ مِثْلَهُ أَبَداً (2) . قَالَ الوَلِيْدُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ غَزَا فَضَالَةُ الشَّاتِيَةَ (3) .   (1) في الأصل: جحدب وهو خطأ، وعبد الرحمن هذا مترجم في " الجرح والتعديل " 5 / 221. (2) " أسد الغابة " 4 / 364. (3) انظر " تاريخ خليفة ": 218، و" الكامل " 3 / 472 لابن الأثير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ - وَلَمْ يَغْزُ فَضَالَةُ فِي البَرِّ غَيْرَهَا - فَبَيْنَا نَحْنُ نُسْرِعُ فِي السَّيْرِ، وَهُوَ أَمِيْرُ الجَيْشِ، وَكَانَتِ الوُلاَةُ إِذْ ذَاكَ يَسْمَعُوْنَ مِمَّنْ اسْتَرْعَاهُمُ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَقَطَّعُوا، قِفْ حَتَّى يَلْحَقُوا بِكَ. فَوَقَفَ فِي مَرْجٍ عَلَيْهِ قَلْعَةٌ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ أَحْمَرَ ذِي شَوَارِبَ، فَأَتَيْنَا بِهِ فَضَالَةَ، فَقُلْنَا: إِنَّهُ هَبَطَ مِنَ الحِصْنِ بِلاَ عَهْدٍ. فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنِّيْ البَارِحَةَ أَكَلْتُ الخِنْزِيْرَ، وَشَرِبْتُ الخَمْرَ، فَأَتَانِي فِي النَّوْمِ رَجُلاَنِ، فَغَسَلاَ بَطْنِي، وَجَاءتْنِي امْرَأَتَانِ، فَقَالَتَا: أَسْلِمْ، فَأَنَا مُسْلِمٌ. فَمَا كَانَتْ كَلِمَتُهُ أَسْرَعَ مِنْ أَنْ رُمِيْنَا بِالزِّبَارِ (1) ، فَأَصَابَهُ، فَدَقَّ عُنُقَهَ. فَقَالَ فَضَالَةُ: اللهُ أَكْبَرُ! عَمِلَ قَلِيْلاً، وَأُجِرَ كَثِيْراً. فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَفَنَّاهُ (2) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقْضِي عَلَى دِمَشْقَ، وَإِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، أَتَاهُ مُعَاوِيَةُ عَائِداً، فَقَالَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِفَضَالَةَ: إِنِّيْ قَدْ وَلَّيْتُكَ القَضَاءَ. فَاسْتَعْفَى مِنْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا حَابَيْتُكَ بِهَا، وَلَكِنِّي اسْتَتَرْتُ بِكَ مِنَ النَّارِ، فَاسْتَتِرْ مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ (3) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمَّا سَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَى صِفِّيْنَ، اسْتَعْمَلَ عَلَى دِمَشْقَ فَضَالَةَ (4) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ الغَسَّانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: وَقَعَتْ   (1) الزبار: كأنها الحجارة من قولهم: زبر الرجل إذا رماه بالحجارة، والزبر: الحجارة. (2) ابن عساكر 14 / 113 ب. (3) " تاريخ دمشق " 1 / 119 لأبي زرعة و" ابن عساكر " 14 / 114 / آ. (4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة: 1 / 199 و223، و" ابن عساكر " 14 / 114 / آو" قضاة دمشق ": 2 لابن طولون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 مِنْ رَجُلٍ مائَةُ دِيْنَارٍ، فَنَادَى: مَنْ وَجَدَهَا، فَلَهُ عِشْرُوْنَ دِيْنَاراً. فَأَقْبَلَ الَّذِي وَجَدَهَا، فَقَالَ: هَذَا مَالُكَ، فَأَعْطِنِي الَّذِي جَعَلْتَ لِي. فَقَالَ: كَانَ مَالِي عِشْرِيْنَ وَمائَةَ دِيْنَارٍ. فَاخْتَصَمَا إِلَى فَضَالَةَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ المَالِ: أَلَيْسَ كَانَ مَالُكَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً كَمَا تَذْكُرُ؟ قَالَ: بَلَى. وَقَالَ لِلآخَرِ: أَنْتَ وَجَدْتَ مائَةً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْبِسْهَا، وَلاَ تُعْطِهِ، فَلَيْسَ هُوَ بِمَالِهِ حَتَّى يَجِيْءَ صَاحِبُهُ (1) . وَعَنْ فَضَالَةَ، قَالَ: لأَنْ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، لأَنَّهُ تَعَالَى يَقُوْلُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ (2) } [المَائِدَةُ: 30] . أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ حَفْصٍ، عَنْ دَاوُدَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ؛ سَمِعَ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ - وَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي - قَالَ: خِصَالٌ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؛ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْرِفَ وَلاَ تُعْرَفَ، فَافْعَلْ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَسْمَعَ وَلاَ تَكَلَّمَ، فَافْعَلْ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْلِسَ وَلاَ يُجْلَسَ إِلَيْكَ، فَافْعَلْ (3) . قَدْ عُدَّ فَضَالَةُ فِي كِبَارِ القُرَّاءِ. وَقِيْلَ: لَكِنَّ ابْنَ عَامِرٍ تَلاَ عَلَيْهِ. سُفْيَانُ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ ذِي جَنَابٍ، عَنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَلاَثٌ مِنَ الفَوَاقِرِ: إِمَامٌ إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ يَشْكُرْ، وَإِنْ أَسَأْتَ لَمْ يَغْفِرْ، وَجَارٌ إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً   (1) ابن عساكر 14 / 114 آ. (2) تحرفت في المطبوع كلمة " المتقين " إلى " المؤمنين " والخبر في: ابن عساكر: 14 / 114 / ب. (3) ابن عساكر 14 / 114 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 أَفْشَاهَا، وَزَوْجَةٌ إِنْ حَضَرْتَ آذَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ خَانَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَفِي مَالِكَ (1) . قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: دُفِنَ فَضَالَةُ بِبَابِ الصَّغِيْرِ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. 24 - أَبُو مَحْذُوْرَةَ الجُمَحِيُّ أَوْسُ بنُ مِعْيَرٍ * (م، 4) مُؤَذِّنُ المَسْجَدِ الحَرَامِ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْسُ بنُ مِعْيَرِ بنِ لَوْذَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ سَعْدِ بنِ جُمَحٍ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: سُمَيْرُ بنُ عُمَيْرِ بنِ لَوْذَانَ بنِ وَهْبِ بنِ سَعْدِ بنِ جُمَحٍ. وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ، وَزَوْجَتُهُ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَيْرِيْزٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَآخَرُوْنَ. كَانَ مِنْ أَنْدَى النَّاسِ صَوْتاً وَأَطْيَبِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُوْرَةَ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُنَيْنٍ، خَرَجْتُ عَاشِرَ عَشْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ نَطْلُبُهُم، فَسَمِعْتُهُم يُؤَذِّنُوْنَ لِلصَّلاَةِ، فَقُمْنَا   (1) ابن عساكر 14 / 114 / ب. (*) طبقات ابن سعد 5 / 450، طبقات خليفة: ت 139 و2512، المحبر: 161، المعارف: 306، الكنى 1 / 52، جمهرة أنساب العرب: 162، 163، المستدرك 3 / 514 الاستيعاب 121، 1751، أسد الغابة 1 / 150 و5 / 292، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 266، تهذيب الكمال: 1643، تاريخ الإسلام 2 / 332، العبر 1 / 63، مرآة الجنان 1 / 131، العقد الثمين 8 / 99، تهذيب التهذيب 12 / 222، الإصابة 4 / 176، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب 1 / 65. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَقَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلاَءِ تَأْذِيْنَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ) . فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَأَذَّنَّا رَجُلاً رَجُلاً، فَكُنْتُ آخِرَهُم، فَقَالَ حِيْنَ أَذَّنْتُ: (تَعَالَ) . فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي، وَبَارَكَ عَلَيَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ، فَأَذِّنْ عِنْدَ البَيْتِ الحَرَامِ) . قُلْتُ: كَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَعَلَّمَنِي الأُوْلَى كَمَا يُؤَذِّنُوْنَ بِهَا، وَفِي الصُّبْحِ: (الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) ، وَعَلَّمَنِي الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ... ، الحَدِيْثَ (1) . ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَيْرِيْزٍ أَخْبَرَهُ - وَكَانَ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ - حِيْنَ جَهَّزَهُ إِلَى الشَّامِ؛ فَعَلَّمَهُ الأَذَانَ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ أَبُو مَحْذُوْرَةَ يُؤَذِّنُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَبَقِيَ الأَذَانُ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ إِلَى اليَوْمِ بِمَكَّةَ (3) . وَأَنْشَدَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ لِبَعْضِهِم: أَمَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ المَسْتُوْرَهْ ... وَمَا تَلاَ مُحَمَّدٌ مِنْ سُوْرَهْ وَالنَّغَمَاتِ مِنْ أَبِي مَحْذُوْرَهْ ... لأَفْعَلَنَّ فِعْلَةً مَنْكُوْرَهْ حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى أَبَا مَحْذُوْرَةَ الأَذَانَ، فَقَدِمَ عُمَرُ، فَنَزَلَ دَارَ النَّدْوَةِ، فَأَذَّنَ، وَأَتَى يُسَلِّمُ، فَقَالَ   (1) حديث صحيح أخرجه أبو داود (501) في الصلاة: باب كيف الاذان، والنسائي 2 / 7، 8، وأحمد 3 / 408 بهذا الإسناد، وأخرجه الشافعي في " مسنده " 1 / 57، 59، والدارقطني: 86، والبيهقي: 1 / 393 من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، أن عبد الله بن محيريز أخبره عن أبي محذورة، ورواه أحمد 3 / 409، والطحاوي 1 / 78، والدارقطني: 86 من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة. (2) أخرجه الشافعي 1 / 57، 59، وانظر ما تقدم. (3) ابن سعد 5 / 450. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 عُمَرُ: مَا أَنْدَى صَوْتَكَ! أَمَا تَخْشَى أَنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ (1) مِنْ شِدَّةِ صَوْتِكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدِمْتَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُسْمِعَكَ صَوْتِي. قَالَ: يَا أَبَا مَحْذُوْرَةَ، إِنَّكَ بِأَرْضٍ شَدِيْدَةِ الحَرِّ، فَأَبْرِدْ عَنِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ أَبْرِدْ عَنْهَا، ثُمَّ أَذِّنْ، ثُمَّ أَقِمْ، تَجِدْنِي عِنْدَكَ. أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ ثَابِتٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ بَحْرَةَ (2) : أَنَّ أَبَا مَحْذُوْرَةَ كَانَتْ لَهُ قُصَّةٌ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَإِذَا قَعَدَ أَرْسَلَهَا، فَتَبْلُغُ الأَرْضَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ مُعَاوِيَةَ، فَاحْتَمَلَهُ أَبُو مَحْذُوْرَةَ، فَأَلْقَاهُ فِي زَمْزَمٍ. 25 - مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيُّ * (ع) ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ   (1) المريطاء بوزن الحميراء: أسفل البطن ما بين السرة والعانة. (2) بحرة: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة كما في " المشتبه " 1 / 50، و" الإكمال " 1 / 191، و" تبصير المنتبه " 1 / 66، و" توضيح المشتبه "، وفي الأصل " تجراة " وهو تحريف. (*) طبقات ابن سعد 3 / 32 و7 / 406، نسب قريش: 124 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 51 و969 و2809، المحبر: انظر الفهرس، التاريخ الكبير 7 / 326، المعارف: 344، المعرفة والتاريخ 1 / 305، أنساب الاشراف 4 / 5، 136، الجرح والتعديل 8 / 377، تاريخ الطبري 5 / 323 وما بعدها، مروج الذهب 3 / 188 وما بعدها، 220 وما بعدها، جمهرة أنساب العرب: 112، 113، وانظر الفهرس، الاستيعاب: 1416، تاريخ بغداد 1 / 207، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 489، تاريخ ابن عساكر 16 / 336 ب، طبقات فقهاء اليمن: 47، جامع الأصول 9 / 107، أسد الغابة 4 / 385، الكامل 4 / 5، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 102، تهذيب الكمال: 1343، تاريخ الإسلام 2 / 318، تذهيب التهذيب 4 / 50 آ، مرآة الجنان 1 / 131، البداية والنهاية 8 / 20 و117، مجمع الزوائد 9 / 354، العقد الثمين = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 كِلاَبٍ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، مَلِكُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ. وَأُمُّهُ: هِيَ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ. قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيْهِ وَقْتَ عُمْرَةِ القَضَاءِ، وَبَقِيَ يَخَافُ مِنَ اللَّحَاقِ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبِيْهِ، وَلَكِنْ مَا ظَهَرَ إِسْلاَمُهُ إِلاَّ يَوْمَ الفَتْحِ. حَدَّثَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبَ لَهُ مَرَّاتٍ يَسِيْرَةً. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أُخْتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أُمِّ حَبِيْبَةَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَهَمَّامُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ المُقْرِئُ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَوَالِدُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضاً: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَغَيْرُهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ طَوِيْلاً، أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، إِذَا ضَحِكَ انْقَلَبَتْ شَفَتُهُ العُلْيَا، وَكَانَ يَخْضِبُ. رَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ رَبٍّ: رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْضِبُ   = 7 / 227، غاية النهاية: ت 3625، الإصابة 3 / 433، تهذيب التهذيب 10 / 207، المطالب العالية 4 / 108، تاريخ الخلفاء: 194، خلاصة تذهيب الكمال: 326، شذرات الذهب 1 / 65. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 بِالصُّفْرَةِ، كَأَنَّ لِحْيَتَهُ الذَّهَبُ (1) . قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ لاَئِقاً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاليَوْمَ لَوْ فُعِلَ، لاسْتُهْجِنَ. وَرَوَى: عَبْدُ الجبَّارِ بنُ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ: سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُ: أَيْنَ فُقَهَاؤُكُم يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ هَذِهِ القُصَّةِ. ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَلَمْ أَرَ عَلَى عَرُوْسٍ وَلاَ عَلَى غَيْرِهَا أَجْمَلَ مِنْهَا عَلَى مُعَاوِيَةَ (2) . وَعَنْ أَبَانَ بنِ عُثْمَانَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ غُلاَمٌ يَمْشِي مَعَ أُمِّهِ هِنْدٍ، فَعَثَرَ، فَقَالَتْ: قُمْ، لاَ رَفَعَكَ اللهُ. وَأَعْرَابِيٌّ يَنْظُرُ، فَقَالَ: لِمَ تَقُوْلِيْنَ لَهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَظُنُّهُ سَيَسُوْدُ قَوْمَهُ. قَالَتْ: لاَ رَفَعَهُ إِنْ لَمْ يَسُدْ إِلاَّ قَوْمَهُ (3) . قَالَ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ أَبَضُّ النَّاسِ، وَأَجْمَلُهُم.   (1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 349 عن أبي مسهر بهذا الإسناد. (2) عبد الجبار بن عمر: هو الايلي أبو الصباح الأموي مولاهم: ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وهو في ابن عساكر 16 / 338 / ب، 339 / آ، وأخرجه مالك 3 / 323، 124، والبخاري 10 / 314، 315 في اللباس: باب وصل الشعر، ومسلم (2127) في اللباس والزينة: باب تحريم الواصلة ... ، وأبو داود (4167) ، والترمذي (2781) ، وأحمد 4 / 95 من طرق، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وهو يقول - وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي -: أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه، ويقول: " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم " ولمسلم رقم الحديث الخاص (124) من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور، وللنسائي 8 / 144 من طريق ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سعيد المقبري، قال: رأيت معاوية بن أبي سفيان على المنبر ومعه في يده كبة من كبب النساء من شعر، فقال: ما بال المسلمات يضعن مثل هذا؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه، فإنه زور تزيد فيه " والقصة، بضم القاف: الخصلة من الشعر. (3) ابن عساكر 16 / 339 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ بِالأَبْطَحِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ فَالِجٌ (1) . قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُوْلُ: أَسْلَمْتُ عَامَ القَضِيَّةِ. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ العَنْسِيِّ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَمَّا كَانَ عَامُ الحُدَيْبِيَةِ، وَصَدُّوا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ البَيْتِ، وَكَتَبُوا بَيْنَهُم القَضِيَّةَ، وَقَعَ الإِسلاَمُ فِي قَلْبِي، فَذَكَرْتُ لأُمِّي، فَقَالَتْ: إِيَّاكَ أَنْ تُخَالِفَ أَبَاكَ. فَأَخْفَيْتُ إِسْلاَمِي، فَوَاللهِ لَقَدْ رَحَلَ رَسُوْلُ اللهِ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وَإِنِّي مُصَدِّقٌ بِهِ، وَدَخَلَ مَكَّةَ عَامَ عُمْرَةَ القَضِيَّةِ وَأَنَا مُسْلِمٌ. وَعَلِمَ أَبُو سُفْيَانَ بِإِسْلاَمِي، فَقَالَ لِي يَوْماً: لَكِنَّ أَخُوْكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَهُوَ عَلَى دِيْنِي. فَقُلْتُ: لَمْ آلُ نَفْسِي خَيْراً، وَأَظْهَرْتُ إِسْلاَمِي يَوْمَ الفَتْحِ، فَرَحَّبَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبْتُ لَهُ (2) . ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَشَهِدَ مَعَهُ حُنَيْناً، فَأَعْطَاهُ مِنَ الغَنَائِمِ مائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً. قُلْتُ: الوَاقِدِيُّ لاَ يَعِي مَا يَقُوْلُ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَمَا نَقَلَ قَدِيْمَ الإِسْلاَمِ، فَلِمَاذَا يَتَأَلَّفُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُ، لَمَا قَالَ عِنْدَمَا خَطَبَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ: (أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوْكٌ لاَ مَالَ لَهُ) (3) . وَنَقَلَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ (4) : عَنْ أَبِي الحَسَنِ الكُوْفِيِّ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ (5)   (1) الفالج: هو البعير ذو السنامين. (2) ابن عساكر 16 / 339، وانظر ابن سعد 7 / 406. (3) تحرف في المطبوع إلى " تقدم ". (4) هو المفضل بن غسان المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي بصري الأصل، سكن بغداد، وهو ثقة مترجم في " تاريخ بغداد " 13 / 124. (5) تحرف في المطبوع إلى " يزيد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 بنُ ثَابِتٍ كَاتِبَ الوَحْيِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ كَاتِباً فِيْمَا بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ العَرَبِ. عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَكْتُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: (ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) . وَكَانَ يَكْتُبُ الوَحْيَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (2)) . وَزَادَ فِيْهِ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَمْشَادَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هُوَ يَأْكُلُ. قَالَ: (اذْهَبْ، فَادْعُهُ) . فَأَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ. فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ) . قَالَ: فَمَا شَبِعَ بَعْدَهَا. رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَفِيْهِ: (لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ (3)) . فَسَّرَهُ بَعْضُ المُحِبِّيْنَ، قَالَ: لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ؛ حَتَّى لاَ يَكُوْنَ مِمَّنْ يَجُوْعُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنَّ الخَبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (أَطْوَلُ النَّاسِ شِبَعاً فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُم جُوْعاً يَوْمَ القِيَامَةِ) (4) .   (1) رجاله ثقات. (2) 1 / 335، وسنده قوي، وهو في " المستدرك ". وانظر " المسند " 1 / 240 و338. (3) هو في " مسند الطيالسي " رقم (2746) ، وأخرجه مسلم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة من طريق شعبة، عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس. وانظر: " أنساب الاشراف " 4 / 125، 126. (4) حديث قوي بشواهده، أخرجه من حديث ابن عمر: الترمذي (2478) ، وابن ماجه (3350) ، وأخرجه من حديث أبي جحيفة: ابن أبي الدنيا في " الجوع " 2 / 2، والطبراني في " الأوسط " و" الكبير " كما في " المجمع " 5 / 31، وأخرجه من حديث عبد الله بن عمر: = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 قُلْتُ: هَذَا مَا صَحَّ، وَالتَّأْوِيْلُ رَكِيْكٌ، وَأَشْبَهُ مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (اللَّهُمَّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ مِنَ الأُمَّةِ، فَاجْعَلْهَا لَهُ رَحْمَةً (1)) ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْدُوْداً مِنَ الأُكَلَةِ. جَمَاعَةٌ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ (2) ، عَنِ العِرْبَاضِ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَدْعُو إِلَى السُّحُوْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: (هَلُمَّ إِلَى الغَدَاءِ المُبَارَكِ) . ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ (3)) . رَوَاهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، عَنْهُ. وَهَذَا فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) : مُعْضَلٌ (4) ، سَقَطَ مِنْهُ: العِرْبَاضُ، وَأَبُو رُهْمٍ. وَلِلْحَدِيْثِ شَاهِدٌ قَوِيٌّ. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ (5)) . أَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سَلِيْمٍ: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ   = الطبراني، ومن حديث ابن عباس: الطبراني، وأبو نعيم 3 / 345، 346، ومن حديث سلمان: ابن ماجه (3351) . (1) أخرجه مسلم (2600) من حديث عائشة، و (2601) من حديث أبي هريرة، و (2602) من حديث جابر بن عبد الله، ولفظ حديث أبي هريرة: " اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سبيته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة ". (2) ويقال: " السمعي " كما في " التهذيب ". (3) الحارث بن زياد الشامي قال الحافظ في " التقريب ": لين الحديث، وباقي رجاله ثقات. وهو في " المسند " 4 / 127. وانظر: " البداية " 8 / 121. (4) المعضل: هو الحديث الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي. (5) رجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز قد اختلط، وهو شاهد لما قبله، ونسبه الحافظ في " الإصابة " في ترجمة عبد الله بن أبي عميرة المزني إلى الطبراني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَمُعَاوِيَةُ يَأْكُلُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ هَذَا لَمِخْضَدٌ، أَمَا إِنِّيْ أَقُوْلُ هَذَا، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَمَكِّنْ لَهُ فِي البِلاَدِ، وَقِهِ العَذَابَ (1)) . فِيْهِ رَجُلٌ مَجْهُوْلٌ. وَجَاءَ نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ الزُّهْرِيِّ، وَمَرَاسِيْلِ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ. مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنِي رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي عَمِيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (2)) . حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ نَحْوَهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ (3) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ. أَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ: أَنَّ بَعْثاً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَانُوا مُرَابِطِيْنَ بِآمِدَ، وَأَنَّ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ كَانَ عَلَى حِمْصَ، فَعَزَلَهُ عُثْمَانُ، وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلُ   (1) ابن عساكر 16 / 343 / آ. ومخضد: مفعل من الخضد شدة الاكل وسرعته، جعله كأنه آلة الاكل، أي: أنه يأكل بجفاء وسرعة. (2) أخرجه أحمد 4 / 216، والترمذي (3841) في المناقب، وابن عساكر 16 / 343 / ب (3) تحرف في المطبوع إلى " الرفقي " وأبو زرعة النصري هو الدمشقي صاحب " تاريخ دمشق "، والنصري، بفتح النون وشكون الصاد نسبه إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. وقد تصحف في المطبوع إلى " النضري " ولم أجده في " تاريخ دمشق " المطبوع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 حِمْصَ، فَشَقَّ عَلَيْهِم. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيُّ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (1)) . أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (2)) . عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، قَالَ: لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ عَنْ حِمْصَ، وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: لاَ تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ (3)) . رَوَاهُ (4) : عَنِ الذُّهْلِيِّ، عَنِ النُّفَيْلِيِّ، عَنْهُ. هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ (5) ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِنَّ عُمَرَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالُوا: وَلاَّهُ حَدِيْثَ السِّنِّ. فَقَالَ: تَلُوْمُوْنَنِي، وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ (6)) . هَذَا مُنْقَطِعٌ.   (1) ابن عساكر 16 / 344 / آ، وسعيد هو ابن عبد العزيز، وآمد: هي أعظم مدن ديار بكر، قال ياقوت: هي بلد حصين ركين، بني بالحجارة السود على نشز، دجلة محيطة بأكثره، فتحت سنة 20 هـ. (2) رجاله ثقات غير أن سعيدا قد اختلط كما مر. (3) أخرجه الترمذي (3843) في المناقب، وعمرو بن واقد متروك. (4) أي: الترمذي. والذهلي: هو محمد بن يحيى. (5) تحرف في المطبوع إلى " سلمان ". (6) أخرجه ابن عساكر 16 / 344 / ب، وهو منقطع لأن الوليد بن سليمان لم يدرك عمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي أَمْرٍ، فَقَالاَ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: (أَشِيْرَا عَلَيَّ) . ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا مُعَاوِيَةَ) . فَقَالَ: (أَحْضِرُوْهُ أَمْرَكُم، وَأَشْهِدُوْهُ أَمْرَكُم، فَإِنَّهُ قَوِيٌّ أَمِيْنٌ (1)) . وَرَوَاهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ شُعَيْبٍ؛ فَوَصَلَهُ بِعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ. أَبُو مُسْهِرٍ، وَابْنُ عَائِذٍ: عَنْ صَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، عَنْ وَحْشِيِّ بنِ حَرْبِ بنِ وَحْشِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاوِيَةَ خَلْفَهُ، فَقَالَ: (مَا يَلِيْنِي مِنْكَ؟) . قَالَ: بَطْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ امْلأْهُ عِلْماً (2)) . زَادَ فِيْهِ أَبُو مُسْهِرٍ: (وَحِلْماً) . قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: لاَ يُشْتَغَلُ بِوَحْشِيٍّ وَلاَ بِأَبِيْهِ. بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسِيْرُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَذَكَرُوا الشَّامَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ نَسْتَطِيْعُ الشَّامَ وَفِيْهِ الرُّوْمُ؟ قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ فِي القَوْمِ - وَبِيَدِهِ عَصاً - فَضَرَبَ بِهَا كَتِفَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: (يَكْفِيْكُمُ اللهُ بِهَذَا (3)) . هَذَا مُرْسَلٌ، قَوِيٌّ (4) . فَهَذِهِ أَحَادِيْثَ مُقَارِبَةٌ (5) . وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ أَحَادِيْثَ وَاهِيَةً وَبَاطِلَةً، طَوَّلَ بِهَا جِدّاً (6) .   (1) ابن عساكر 16 / 344 / ب، 345 / آ. (2) ابن عساكر 16 / 345 / آ. (3) ابن عساكر 16 / 346 / آ. (4) أنى له القوة وفيه تدليس بقية. (5) تحرفت في المطبوع إلى " معاوية ". (6) انظر ابن عساكر 16 / 345، 350 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وَخَلَفَ مُعَاوِيَةَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يُحِبُّوْنَهُ وَيَتَغَالُوْنَ فِيْهِ، وَيُفَضِّلُوْنَهُ، إِمَّا قَدْ مَلَكَهُم بِالكَرَمِ وَالحِلْمِ وَالعَطَاءِ، وَإِمَّا قَدْ وُلِدُوا فِي الشَّامِ عَلَى حُبِّهِ، وَتَرَبَّى أَوْلاَدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَفِيْهِمْ جَمَاعَةٌ يَسِيْرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ وَالفُضَلاَءِ، وَحَارَبُوا مَعَهُ أَهْلَ العِرَاقِ، وَنَشَؤُوا عَلَى النَّصْبِ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى -. كمَا قَدْ نَشَأَ جَيْشُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَعِيَّتُهُ - إِلاَّ الخَوَارِجَ مِنْهُم - عَلَى حُبِّهِ، وَالقِيَامِ مَعَهُ، وَبُغْضِ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، وَالتَّبَرِّي مِنْهُم، وَغَلاَ خَلْقٌ مِنْهُم (1) فِي التَّشَيُّعِ. فَبِاللهِ كَيْفَ يَكُوْنُ حَالُ مَنْ نَشَأَ فِي إِقْلِيْمٍ، لاَ يَكَادُ يُشَاهِدُ فِيْهِ إِلاَّ غَالِياً فِي الحُبِّ، مُفْرِطاً فِي البُغْضِ، وَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ لَهُ الإِنْصَافُ وَالاعْتِدَالُ؟ فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ الَّذِي أَوْجَدَنَا فِي زَمَانٍ قَدِ انْمَحَصَ فِيْهِ الحَقُّ، وَاتَّضَحَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَعَرَفْنَا مَآخِذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَتَبَصَّرْنَا، فَعَذَرْنَا، وَاسْتَغْفَرْنَا، وَأَحْبَبْنَا بِاقْتِصَادٍ، وَتَرَحَّمْنَا عَلَى البُغَاةِ بِتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ فِي الجُمْلَةِ، أَوْ بِخَطَأٍ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مَغْفُوْرٍ، وَقُلْنَا كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُوْنَا بِالإِيْمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاًّ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا} [الحَشْرُ: 10] . وَتَرَضَّيْنَا أَيْضاً عَمَّنِ اعْتَزَلَ الفَرِيْقَيْنِ، كَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلْقٍ. وَتَبَرَّأْنَا مِنَ الخَوَارِجِ المَارِقِيْنَ الَّذِيْنَ حَارَبُوا عَلِيّاً، وَكَفَّرُوا الفَرِيْقَيْنِ. فَالخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ، قَدْ مَرَقُوا مِنَ الدِّيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَلاَ نَقْطَعُ لَهُم بِخُلُوْدِ النَّارِ، كَمَا نَقْطَعُ بِهِ لِعَبَدَةِ الأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ. فَمِنَ الأَبَاطِيْلِ المُخْتلَقَةِ: عَنْ وَاثِلَةَ، مَرْفُوْعاً: (كَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيّاً مِنْ حِلْمِهِ وَائْتِمَانِهِ عَلَى كَلاَمِ رَبِّي) .   (1) من قوله: " منهم على حبه " إلى هنا سقط من المطبوع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وَعَنْ عُثْمَانَ، مَرْفُوعاً: (هَنِيْئاً لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ أَمِيْناً عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ) . عَنْ أَبِي مُوْسَى: نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، طَلَبَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا كَتَبَهَا -يَعْنِي: آيَةَ الكُرْسِيِّ - قَالَ: (غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مَا تَقَدَّمَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) . عَنْ مُرِّيٍّ الحَوْرَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ: نَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْزِلَ مَنِ اخْتَارَهُ اللهُ لِكِتَابَةِ وَحْيِهِ، فَأَقِرَّهُ، إِنَّهُ أَمِيْنٌ. عَنْ سَعْدٍ، مَرْفُوعاً: (يُحْشَرُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ نُوْرٍ) . عَنْ أَنَسٍ: هَبَطَ جِبْرِيْلُ بِقَلَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ العَلِيَّ الأَعْلَى يَقُوْلُ: (قَدْ أَهْدَيْتُ القَلَمَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَمُرْهُ أَنْ يَكْتُبَ آيَةَ الكُرْسِيِّ بِهِ، وَيُشْكِلَهُ، وَيُعْجِمَهُ ... ، فَذَكَر خَبَراً طَوِيْلاً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ، دَعَا مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَجِدْ قَلَماً، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ جِبْرِيْلَ أَنْ يَأْخُذَ الأَقْلاَمَ مِنْ دَوَاتِهِ، فَقَامَ لِيَجِيْءَ بِقَلَمٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خُذِ القَلَمَ مِنْ أُذُنِكَ) . فَإِذَا قَلَمُ ذَهَبٍ، مَكْتُوْبٌ عَلَيْهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ إِلَى أَمِيْنِهِ مُعَاوِيَةَ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعاً: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى سُوَيْقَتَيْ مُعَاوِيَةَ تَرْفُلاَنِ فِي الجَنَّةِ. عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لأُخْرِجَنَّ مَا فِي عُنُقِي لِمُعَاوِيَةَ، قَدِ اسْتَكْتَبَهُ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا جَالِسٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ مِنَ اللهِ. عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعاً: (الأُمَنَاءُ عِنْدَ اللهِ سَبْعَةٌ: القَلَمُ، وَجِبْرِيْلُ، وَأَنَا، وَمُعَاوِيَةُ، وَاللَّوْحُ، وَإِسْرَافِيْلُ، وَمِيْكَائِيْلُ) . عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: دَخَلَ النَّبيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَلَى أُمِّ حَبِيْبَةَ، وَمُعَاوِيَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 نَائِمٌ عَلَى فَخِذِهَا. فَقَالَ: (أَتُحِبِّيْنَهُ؟) . قَالَتْ: نَعَم. قَالَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ حُبّاً لَهُ مِنْكِ لَهُ، كَأَنِّيْ أَرَاهُ عَلَى رَفَارِفِ الجَنَّةِ) . عَنْ جَعْفَرٍ: أَنَّهُ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفَرْجَلٌ، فَأَعْطَى مُعَاوِيَةَ مِنْهُ ثَلاَثاً، وَقَالَ: (الْقَنِي بِهِنَّ (1) فِي الجَنَّةِ) . قُلْتُ: وَجَعْفَرٌ قَدِ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ قُدُوْمِ مُعَاوِيَةَ مُسْلِماً. وَعَنْ حُذَيْفَةَ، مَرْفُوعاً: (يُبْعَثُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرِ الإِيْمَانِ) . عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (يَخْرُجُ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَبْرِهِ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ سُنْدُسٍ مُرَصَّعٌ بِالدُّرِّ وَاليَاقُوْتِ) . عَنْ عَلِيٍّ: (أَنَّ جِبْرِيْلَ نَزَلَ، فَقَالَ: اسْتَكْتِبْ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ أَمِيْنٌ) . أَبُو هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعاً: (الأُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ: أَنَا، وَجِبْرِيْلُ، وَمُعَاوِيَةُ) . وَعَنْ وَاثِلَةَ: بِنَحْوِهِ. أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاوَلَ مُعَاوِيَةَ سَهْماً، وَقَالَ: (خُذْهُ حَتَّى تُوَافِيَنِي بِهِ فِي الجَنَّةِ) . أَنَسٌ، مَرْفُوعاً: (لاَ أَفْتَقِدُ أَحَداً غَيْرَ مُعَاوِيَةَ، لاَ أَرَاهُ سَبْعِيْنَ عَاماً؛ فَإِذَا كَانَ بَعْدُ أَقْبَلَ عَلَى نَاقَةٍ مِنَ المِسْكِ، فَأَقُوْلُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَيَقُوْلُ: فِي رَوْضَةٍ تَحْتَ العَرْشِ ... ) ، الحَدِيْثَ (2) . وَعَنْ بَعْضِهِمْ: (جَاءَ جِبْرِيْلُ بِوَرَقَةِ آسٍ عَلَيْهَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، حُبُّ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " نحن "، وهو في " أنساب الاشراف " 4 / 127، وممن حكم بوضعه أيضا: ابن حبان، وقال الخطيب البغدادي: الحديث غير ثابت، وجعفر قتل في مؤتة، ومعاوية إنما أسلم عام الفتح، فلعن الله الكذابين. (2) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 9 / 449، في ترجمة عبد الله بن حفص به عمر الوكيل، وقال: هذا حديث باطل إسنادا ومتنا، ونراه مما وضعه الوكيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 مُعَاوِيَةَ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِي) . ابْنُ عُمَرَ، مَرْفُوعاً: (يَا مُعَاوِيَةُ؛ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، لَتُزَاحِمَنِّي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ) . فَهَذِهِ الأَحَادِيْثُ ظَاهِرَةُ الوَضْعِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - (1) . وَيُرْوَى فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَشْيَاءُ ضَعِيْفَةٌ تُحْتَمَلُ، مِنْهَا: فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعاً: (دَعُوا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي (2)) . أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ الإِدَاوَةَ، وَتَبِعَ بِهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاوِيَةَ؛ إِنْ وُلِّيْتَ أَمْراً، فَاتَّقِ اللهَ، وَاعْدِلْ) . فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ أَنِّي مُبْتَلَىً بِعَمَلٍ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ابْتُلِيْتُ (3) . وَلِهَذَا طُرُقٌ مُقَارِبَةٌ: يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجَرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى الخِلاَفَةِ إِلاَّ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِي: (يَا مُعَاوِيَةُ؛ إِنْ مَلَكْتَ، فَأَحْسِنْ) . ابْنُ مُهَاجَرٍ ضَعِيْفٌ، وَالخَبَرُ مُرْسَلٌ.   (1) وقد ذكر أكثر هذه الأحاديث: الشوكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " في الصفحة 403 - 407، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 120 بعد أن ذكر حديثا منها: وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة، والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف حالها. (2) إسناده ضعيف لجهالة الرجل. (3) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 4 / 101، وانظر " البداية " 8 / 123. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهَوَيْه يَقُوْلُ: لاَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ (1) . ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَمْرِو بنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ، فَقَالَ: (انْظُرُوا مَا هَذَا؟) . فَصَعِدْتُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرُو بنُ العَاصِ يَتَغَنَّيَانِ، فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الفِتْنَةِ رَكْساً، وَدُعَّهُمَا فِي النَّارِ دَعّاً (2)) . هَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى يَزِيْدَ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَدِمَ عُمَرُ الجَابِيَةَ، فَبَقَّى عَلَى الشَّامِ أَمِيْرَيْنِ؛ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ. ثُمَّ تُوُفِّيَ يَزِيدُ، فَنَعَاهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: وَمَنْ أَمَّرْتَ مَكَانَهُ؟ قَالَ: مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: وَصَلَتْكَ - يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ - رَحِمٌ (3) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ: ثُمَّ جَمَعَ عُمَرُ الشَّامَ كُلَّهَا لِمُعَاوِيَةَ، وَأَقَرَّهُ عُثْمَانُ (4) . قُلْتُ: حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ - وَهُوَ ثَغْرٌ - فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ   (1) ابن راهوية: هو إسحاق، وقد أورد الخبر الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 407. (2) يزيد بن أبي زياد الهاشمي ضعيف كبر فتغير وصار يتلفن، وشيخه فيه وهو سليمان بن عمرو بن الاحوص مجهول الحال، وهو في " المسند " 4 / 421، ونسبه الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 408 لأبي يعلى، وقد ذكره ابن الجوزي في " موضوعاته " وقال: لا يصح، يزيد بن أبي زياد كان يتلقن. وله شاهد بنحوه يزيده وهنا، رواه الطبراني في " الكبير " عن ابن عباس. وفيه عيسى بن سوادة النخعي وهو كذاب. وركست الشئ إذا رددته ورجعته، واندع: الطرد والدفع. (3) انظر " تاريخ دمشق " 1 / 218 لأبي زرعة. (4) " تاريخ خليفة ": 155، 178. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ. وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ، وَاللهُ المَوْعِدُ. وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ. عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَالجَزِيْرَةِ، وَاليَمَنِ، وَالمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ عُمَرَ أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، وَرَزَقَهُ فِي الشَّهْرِ ثَمَانِيْنَ دِيْنَاراً. وَالمَحْفُوْظُ (1) : أَنَّ الَّذِي أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ عُثْمَانُ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ، تَلَقَّاهُ مُعَاوِيَةُ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَهَيْئَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ المَوْكِبِ العَظِيْمِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَعَ (2) مَا بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ طُوْلِ وُقُوْفِ ذَوِي الحَاجَاتِ بِبَابِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَلِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَحْنُ بِأَرْضٍ جَوَاسِيْسُ العَدُوِّ بِهَا كَثِيْرٌ، فَيَجِبُ أَنْ نُظْهِرَ مِنْ عِزِّ السُّلْطَانِ مَا يُرْهِبُهُم، فَإِنْ نَهَيْتَنِي، انْتَهَيْتُ. قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! مَا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ تَرَكْتَنِي فِي مِثْلِ رَوَاجِبِ الضَّرِسِ، لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَقّاً، إِنَّهُ لَرَأْيُ أَرِيْبٍ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً، فَإِنَّهُ لَخُدْعَةُ أَدِيْبٍ. قَالَ: فَمُرْنِي. قَالَ: لاَ آمُرُكَ، وَلاَ أَنْهَاكَ. فَقِيْلَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أَحْسَنَ مَا صَدَرَ عَمَّا أَوْرَدْتَهُ. قَالَ: لِحُسْنِ مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ جَشَّمْنَاهُ مَا جَشَّمْنَاهُ (3) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " المفهوم ". (2) كلمة " مع " سقطت من المطبوع. (3) أخرجه ابن أبي الدنيا فيما ذكره ابن كثير 8 / 124 من طريق محمد بن قدامة الجوهري، عن عبد العزيز بن يحيى، عن شيخ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَرُوِّيْتُ بِإِسْنَادَيْنِ، عَنِ العُتْبِيِّ (1) ، نَحْوَهَا. مُسْلِمُ بنُ جُنْدُبٍ: عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ أَبَضُّ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُم؛ فَخَرَجَ مَعَ عُمَرَ إِلَى الحَجِّ، وَكَانَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَيَعْجَبُ، وَيَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى مَتْنِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا عَنْ مِثْلِ الشِّرَاكِ، فَيَقُوْلُ: بَخٍ بَخٍ، نَحْنُ إِذاً خَيْرُ النَّاسِ إِنْ جُمِعَ لَنَا خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! سَأُحَدِّثُكَ؛ إِنَّا بِأَرْضِ الحَمَّامَاتِ وَالرِّيْفِ. قَالَ عُمَرُ: سَأُحَدِّثُكَ، مَا بِكَ إِلاَّ إِلْطَافُكَ نَفْسَكَ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ، وَتَصَبُّحُكَ حَتَّى تَضْرِبَ الشَّمْسُ مَتْنَيْكَ، وَذَوُو الحَاجَاتِ وَرَاءَ البَابِ. قَالَ: فَلَمَّا جِئْنَا ذَا طُوَىً، أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ حُلَّةً، فَلَبِسَهَا، فَوَجَدَ عُمَرُ مِنْهَا طِيْباً، فَقَالَ: يَعْمَدُ أَحَدُكُم يَخْرُجُ حَاجّاً تَفِلاً (2) ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَعْظَمَ بَلَدٍ للهِ حُرْمَةً، أَخْرَجَ ثَوْبَيْهِ كَأَنَّهُمَا كَانَا فِي الطِّيْبِ (3) فَلَبِسَهُمَا. قَالَ: إِنَّمَا لَبِسْتُهُمَا لأَدْخُلَ فِيْهْمَا عَلَى عَشِيْرَتِي، وَاللهِ لَقَدْ بَلَغَنِي أَذَاكَ هُنَا وَبِالشَّامِ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ الحَيَاءَ فِيْهِ. وَنَزَعَ مُعَاوِيَةُ الثَّوْبَيْنِ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْ إِحْرَامِهِ (4) . قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: هَذَا كِسْرَى العَرَبِ (5) . ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ المَقْبُرِيِّ؛ قَالَ عُمَرُ: تَعْجَبُوْنَ مِنْ دَهَاءِ هِرَقْلَ   (1) هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي الاخباري، متوفى سنة (228) . مترجم في " العبر " 1 / 403، و" وقيات الأعيان " 4 / 398. (2) التفل: الذي قد ترك استعمال الطيب، من التفل: وهي الريح الكريهة. وقد تحرف في المطبوع إلى " قولا ". (3) تحرف في المطبوع إلى " العلب ". (4) أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " فيما ذكره ابن كثير 8 / 125، وابن حجر 3 / 134 من طريق ابن أبي ذئب بهذا الإسناد. وذو طوى: موضع عند مكة. (5) أورده ابن كثير 8 / 125، ونسبه لابن أبي الدنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَكِسْرَى، وَتَدَعُوْنَ مُعَاوِيَةَ؟ عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ: عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عُمَرَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا الصَّحَابَةُ. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: اللهَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فِيْمَ فِيْمَ؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى رَجَعَ. فَقَالُوا: لِمَ ضَرَبْتُهُ، وَمَا فِي قَوْمِكَ مِثْلُهُ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ وَمَا بَلَغَنِي إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنَّهُ رَأَيْتُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ - فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْهُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: فُتِحَتْ قَيْسَارِيَّةُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَمِيْرُهَا مُعَاوِيَةُ (2) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ: غَزَا مُعَاوِيَةُ قُبْرُصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَزَعَ عُثْمَانُ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ، وَجَمَعَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْفَرِدْ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ. سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ قَيْسِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمِيْرِكُم هَذَا -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ (4) -. وَكِيْعٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ الحَادِي يَحْدُو بِعُثْمَانَ:   (1) ذكره ابن كثير 8 / 125، وزاد في آخره: ما شمخ. (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 179. (3) أخرجه أبو زرعة 1 / 184 في " تاريخ دمشق " من طريق الوليد بن عتبة، عن الوليد بن مسلم، عن عثمان بن حصن بن علاق، عن يزيد بن عبيدة.. (4) رجاله ثقات. وقد تحرف في المطبوع " عبيد ". إلى " عبد "، والصنابحي - وقد تصحف في المطبوع إلى " الضنابحي " -: هو عبد الرحمن بن عسيلة المرادي أبو عبد الله ثقة من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 إِنَّ الأَمِيْرَ بَعْدَهُ عَلِيُّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيُّ فَقَالَ كَعْبٌ: بَلْ هُوَ صَاحِبُ البَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ -. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! تَقُوْلُ هَذَا وَهَا هُنَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُهَا (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، بَعَثَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الفَرَافِصَةِ امْرَأَتُهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ كِتَاباً بِمَا جَرَى، وَبَعَثَتْ بِقَمِيْصِهِ بِالدَّمِ، فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ الكِتَابَ، وَطِيْفَ بِالقَمِيْصِ فِي أَجْنَادِ الشَّامِ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى الشَّامِ، وَأَطْمِعْهُ (2) يَكْفِكَ نَفْسَهُ وَنَاحِيَتَهُ، فَإِذَا بَايَعَ لَكَ النَّاسُ، أَقْرَرْتَهُ أَوْ عَزَلْتَهُ. قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَرْضَى حَتَّى أُعْطِيَهُ عَهْدَ اللهِ وَمِيْثَاقَهُ أَنْ لاَ أَعْزِلَهُ. وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَلِي لَهُ شَيْئاً، وَلاَ أُبَايِعُهُ. وَأَظْهَرَ بِالشَّامِ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَادِمٌ عَلَيْكُم وَنُبَايِعُهُ. فَلَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُهُ، تَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ جَرِيْراً إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَلَّمَهُ، وَعَظَّمَ عَلِيّاً، فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَ، فَرُدَّ جَرِيْرٌ، وَأَجْمَعَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى صِفِّيْنَ. فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ إِلَى عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ يَطْلُبُهَا مِنْهُ، وَأَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَأَبَى، وَرَجَعَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا رَسَائِلُ، وَقَصَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ، فَالْتَقَوْا لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ (3) . وَفِي أَوَّلِ صَفَرٍ شَبَّتِ (4) الحَرْبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَضَجِرُوا، فَرَفَعَ أَهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ، وَقَالُوا: نَدْعُوْكُم إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَالحُكْمِ بِمَا فِيْهِ، وَكَانَ   (1) " البداية " 8 / 127. (2) تحرفت في المطبوع إلى " وأطعمه ". (3) أي: سبع وثلاثين انظر " الطبري " 5 / 6 وما بعدها، وابن الأثير 3 / 289، 326. وابن كثير 7 / 258، 278. (4) تحرف في المطبوع إلى " نشبت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 ذَلِكَ مَكِيدَةً مِنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَاصْطَلَحُوا، وَكَتَبُوا (1) بَيْنَهُم كِتَاباً عَلَى أَنْ يُوَافُوا أَذْرُحَ (2) ، وَيُحَكِّمُوا حَكَمَيْنِ. قَالَ: فَلَمْ يَقَعِ اتَّفَاقٌ، وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الكُوْفَةِ بِالدَّغَلِ (3) مِنْ أَصْحَابِهِ وَالاخْتِلاَفِ. فَخَرَجَ مِنْهُم الخَوَارِجُ، وَأَنْكَرُوا تَحْكِيْمَهُ، وَقَالُوا: لاَ حُكْمَ إِلاَّ للهِ. وَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالأُلْفَةِ وَالاجْتِمَاعِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ بِالخِلاَفَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. فَكَانَ يَبْعَثُ الغَارَاتِ، فَيَقْتُلُوْنَ مَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ، أَوْ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَبَعَثَ بُسْرَ بنَ أَبِي أَرْطَاةَ إِلَى الحِجَازِ وَاليَمَنِ يَسْتَعْرِضُ النَّاسَ، فَقَتَلَ بِاليَمَنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقُثَماً؛ وَلَدَيْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَصَالَحَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ، وَبَايَعَهُ، وَسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ (4) ، فَاسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الكُوْفَةِ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَعَلَى البَصْرَةِ عَبْدَ اللهِ (5) بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، وَعَلَى المَدِيْنَةِ أَخَاهُ عُتْبَةَ ثُمَّ مَرْوَانَ، وَعَلَى مِصْرَ عَمْرَو بنَ العَاصِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَكَانَ عَلَى قَضَائِهِ بِالشَّامِ: فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ. ثُمَّ اعْتَمَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي رَجَبٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحُسَيْنِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي بَكْرٍ، كَلاَمٌ فِي بَيْعَةِ العَهْدِ لِيَزِيْدَ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ، فَلاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ أَقْتُلْكُم. فَخَطَبَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُم قَدْ   (1) لفظ " كتبوا " سقط من المطبوع. (2) أذرح: اسم بلد في أطراف الشام من نواحي البلقاء وعمان مجاورة لارض الحجاز. (3) الدغل: الفساد. (4) في " تاريخ دمشق " 1 / 190 لأبي زرعة: سمعت أبا مسهر أملاه علينا أن معاوية بويع سنة أربعين وهو عام الجماعة. وانظر " تاريخ خليفة " 203. (5) تحرف في المطبوع إلى " عبد الرحمن ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 بَايَعُوا، وَسَكَتُوا، وَلَمْ يُنْكِرُوا (1) ، وَرَحَلَ عَلَى هَذَا (2) . وَادَّعَى زِيَاداً أَنَّهُ أَخُوْهُ (3) ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ بَعْدَ المُغِيْرَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي حُجْرِ بنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُم إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُم بِمَرْجِ عَذْرَاءَ (4) . ثُمَّ ضَمَّ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ إِلَى زِيَادٍ، فَمَاتَ، فَوَلاَّهُمَا ابْنَهُ عُبَيدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ.   (1) جملة " ولم ينكروا " سقطت من المطبوع. (2) انظر " الطبري " 5 / 303، 304، و" ابن الأثير " 3 / 506، 511، وابن كثير: 8 / 79، 80، و" تاريخ خليفة ": 213، 217، و" تاريخ الإسلام " 2 / 250، 262، للمؤلف. (3) وأخرج مسلم في " صحيحه " (63) في الايمان: باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، من طريق أبي عثمان، قال: لما ادعي زياد، لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام "، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج المرفوع منه البخاري: 12 / 46 في الفرائض. قال الحافظ: والمراد بزياد الذي ادعي: زياد بن سمية وهي أمه، كانت أمة للحارث بن كلدة وهو زوجها لمولى عبيد، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر، سمع أبو سفيان ابن حرب كلام زياد عند عمر، وكان بليغا فأعجبه، فقال: إني لاعرف من وضعه في أمه، ولو شئت لسميته، ولكن أخاف من عمر، فلما ولي معاوية الخلافة، كان زياد على فارس من قبل علي، فأراد مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان، فأصعى زياد إلى ذلك، فجرت في ذلك خطوب إلى أن ادعاه معاوية، فأمره على البصرة، ثم على الكوفة، وأكرمه، وسار زياد سيرته المشهورة، وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين يحديث " الولد للفراش ". (4) انظر " الطبري " 5 / 253، 270 و" ابن الأثير " 3 / 472، 488، وابن كثير: 8 / 53، 54 و" تاريخ الإسلام " 2 / 276. و" تاريخ خليفة ": 213، وروى الحاكم في " المستدرك " 3 / 469 من طريق إسماعيل بن علية، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين أن زيادا أطال الخطبة، فقال حجر بن عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، فقال له: الصلاة، وضرب بيده إلى الحصى، وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى، فنزل، فصلى، ثم كتب فيه إلى معاوية، فكتب معاوية: أن سرح به إلي، فسرحه إليه، فلما قدم عليه، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وأمير المؤمنين أنا؟ إني لا أقيلك ولا أستقيلك، فأمر بقتله، فلما انطلقوا به، طلب منهم أن يأذنوا له، فيصلي ركعتين، فأذنوا له، فصلى ركعتين، ثم قال: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما. وادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم، قال: فقتل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 عَنْ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الحَجِّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ بُوْيِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: سِرْ إِلَى الشَّامِ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا. قُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، مُعَاوِيَةُ أُمَوِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلُهُ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، أَوْ أَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي. قَالَ عَلِيٌّ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لِقَرَابَةِ مَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عَلَيَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَيْهِ، فَمَنِّهِ، وَعِدْهُ. فَأَبَى عَلِيٌّ، وَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ كَانَ هَذَا أَبَداً. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَرْسَلَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ إِلَى أَهْلِ عُثْمَانَ: أَرْسِلُوا إِلَيَّ بِثِيَابِ عُثْمَانَ الَّتِي قُتِلَ فِيْهَا. فَبَعَثَوا بِقَمِيْصِهِ بِالدَّمِ وَبِالخُصْلَةِ الَّتِي نُتِفَتْ مِنْ لِحْيَتِهِ، وَدَعَتِ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَصَعِدَ مُعَاوِيَةُ المِنْبَرَ، وَنَشَرَ القَمِيْصَ، وَجَمَعَ النَّاسَ، وَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ. فَقَامَ أَهْلُ الشَّامِ، وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمِّكَ، وَأَنْتَ وَلِيُّهُ، وَنَحْنُ الطَّالِبُوْنَ مَعَكَ بِدَمِهِ. ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ زَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي سَمَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ مَا كَانَ -يَعْنِي: عُثْمَانَ - قُلْتُ لِعَلِيٍّ: اعْتَزِلِ النَّاسَ، فَلَو كُنْتَ فِي جُحْرٍ (1) ، لَطُلِبْتَ حَتَّى تُسْتَخْرَجَ. فَعَصَانِي، وَايْمُ اللهِ لَيَتَأَمَّرَنَّ عَلَيْكُم مُعَاوِيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوْماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً، فَلاَ يَسْرِفْ فِي القَتْلِ، إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوْراً (2) } [الإِسْرَاءُ: 33] .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " حجر ". (2) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (1063) من طريق يحيى بن عبدا لباقي الاذني، حدثنا أبو عمير بن النحاس، حدثنا ضمرة بن ربيعة بهذا الإسناد. ويحيى وأبو عمير لم أجد لهما ترجمة، وباقي رجله ثقات، وأورده في " المجمع " 7 / 236، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم، وذكره ابن كثير في " تفسيره " 3 / 39 عن الطبراني، وسكت عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ هَزِيْمَةُ يَوْمِ الجَمَلِ، وَظُهُوْرُ عَلِيٍّ، دَعَا أَهْلَ الشَّامِ لِلْقِتَالِ مَعَهُ عَلَى الشُّوْرَى، وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوْهُ عَلَى ذَلِكَ أَمِيْراً غَيْرَ خَلِيْفَةٍ. وَفِي (كِتَابِ صِفِّيْنَ) لِيَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيِّ (1) بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِجَرِيْرٍ البَجَلِيِّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ رَسُوْلاً بَعْدَ مُحَاوَرَةٍ طَوِيْلَةٍ: اكْتُبْ إِلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الشَّامَ، وَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ مَا عَاشَ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ، فَفَشَا كِتَابُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ: مُعَاوِيُ، إِنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لاَ تُدْخِلْ عَلَيْكَ الأَفَاعِيَا وَحَامِ عَلَيْهَا بِالقَنَابِلِ وَالقَنَا ... وَلاَ تَكُ مَخْشُوْشَ الذِّرَاعَيْنِ وَانِيَا (2) فَإِنَّ عَلِيّاً نَاظِرٌ مَا تُجِيْبُهُ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْباً تُشِيْبُ النَّوَاصِيَا (3) ثُمَّ قَالَ الجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ وَأُنَاسٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيّاً، أَمْ أَنْتَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، إِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي، وَأَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنِّي، وَلَكِنْ أَلَسْتُم تَعْلَمُوْنَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوْماً، وَأَنَا ابْنُ عَمِّهِ، وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ، فَائْتُوْهُ، فَقُوْلُوا لَهُ، فَلْيَدْفَعْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَأُسْلِمَ لَهُ. فَأَتَوْا عَلِيّاً، فَكَلَّمُوْهُ، فَلَمْ يَدْفَعْهُم إِلَيْهِ (4) .   (1) هو يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ نزيل مصر روى له البخاري، ومع ذلك فقد قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ. مات سنة 237 هـ، أو التي بعدها. (2) مخشوش، بالخاء المعجمة والشين، أي: ولاتك مقيد اليدين، من قولهم خش البعير: إذا جعل في أنفه الخشاش، وهو عود من خشب يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لا نقياده. وقد تصحف في المطبوع إلى " محسوس ". (3) الخبر مع الابيات عند ابن عساكر 16 / 355 / ب، 356 / آ. (4) رجاله ثقات، وانظر " البداية " 8 / 129. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 عَمْرُو بنُ شَمِرٍ: عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ - أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ - قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ، دَعَا عَلِيٌّ رَجُلاً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيْرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ المَسْجَدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ، وَكَانَ وَصَّاهُ. فَسَأَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ: مِنَ العِرَاقِ. قَالُوا: وَمَا وَرَاءكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيّاً قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُم، وَنَهَدَ فِي أَهْلِ العِرَاقِ. فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ، فَبَعَثَ أَبَا الأَعْوَرِ يُحَقِّقُ أَمْرَهُ (1) ، فَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَنُوْدِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. وَامْتَلأَ المَسْجَدُ، فَصَعِدَ مُعَاوِيَةُ، وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً قَدْ نَهَدَ إِلَيْكُم، فَمَا الرَّأْيُ؟ فَضَرَبَ النَّاسُ بِأَذْقَانِهِم عَلَى صُدُوْرِهِم، وَلَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ إِلَيْهِ طَرْفَهُ، فَقَامَ ذُو الكَلاَعِ الحِمْيَرِيُّ، فَقَالَ: عَلَيْكَ الرَّأْيُ، وَعَلَيْنَا أَمْ فِعَالُ - يَعْنِي: الفِعَالَ -. فَنَزَلَ مُعَاوِيَةُ، وَنُوْدِيَ: مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ مُعَسْكَرِهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ. فَرُدَّ رَسُوْلُ عَلِيٍّ حَتَّى وَافَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ، فَنُوْدِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلِي قَدْ قَدِمَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ نَهَدَ إِلَيْكُم، فَمَا الرَّأْيُ؟ فَأَضَبَّ أَهْلُ المَسْجَدِ يَقُوْلُوْنَ: الرَّأْيُ كَذَا، الرَّأْيُ كَذَا. فَلَمْ يَفْهَمْ عَلِيٌّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ تَكَلَّمَ، فَنَزَلَ وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، ذَهَبَ بِهَا ابْنُ أَكَّالَةِ الأَكْبَادِ (2) . الأَعْمَشُ: عَمَّنْ رَأَى عَلِيّاً يَوْمَ صِفِّيْنَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ، وَيَعَضُّ عَلَيْهَا، وَيَقُوْلُ: يَا عَجَباً! أُعْصَى وَيُطَاعُ مُعَاوِيَةُ (3) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " يحيق بأميره ". (2) أخرجه ابن عساكر 16 / 375، وسنده تألف، عمرو بن شمر متروك الحديث، وبعضهم اتهمه، وجابر الجعفي ضعيف. وهو في " البداية " 8 / 129، ونهد إليه: نهض، وقوله: " فأضب أهل المسجد " أي: صاحوا وجلبوا، وتكلموا متتابعا. وابن أكالة الاكباد: معاوية لان أمه هند بقرت عن كبد حمزة رضي الله عنه حين استشهد في غزوة أحد، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها. (3) ابن عساكر 16 / 357 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الرِّكَابِ، وَهَمَمْتُ يَوْمَ صِفِّيْنَ بِالهَزِيْمَةِ، فَمَا مَنَعَنِي إِلاَّ قَوْلُ ابْنِ الإِطْنَابَةِ: أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلاَئِي ... وَأَخْذِي الحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيْحِ وَإِكْرَاهِي عَلَى المَكْرُوْهِ نَفْسِي ... وَضَرْبِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيْحِ وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ: ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيْحِي (1) قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: سَأَلَ رَجُلٌ الحَسَنَ البَصْرِيَّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: كَانَتْ لِهَذَا سَابِقَةٌ وَلِهَذَا سَابِقَةٌ، وَلِهَذَا قَرَابَةٌ وَلِهَذَا قَرَابَةٌ، وَابْتُلِيَ هَذَا، وَعُوْفِيَ هَذَا. فَسَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: كَانَ لِهَذَا قَرَابَةٌ وَلِهَذَا قَرَابَةٌ، وَلِهَذَا سَابِقَةٌ وَلَيْسَ لِهَذَا سَابِقَةٌ، وَابْتُلِيَا جَمِيْعاً. قُلْتُ: قُتِلَ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ أَلْفاً. وَقِيْلَ: سَبْعُوْنَ أَلْفاً. وَقُتِلَ عَمَّارٌ مَعَ عَلِيٍّ، وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) (2) .   (1) الخبر مع الابيات عند ابن عساكر 16 / 357 / ب، والابيات في " الوحشيات " 77، و" الاختيارين ": 159، 160، و" عيون الاخبار " 1 / 126، و" العقد الفريد " 1 / 104، 105، وانظر " سمط اللآلي " 574. وابن الاطنابة: هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الخزرجي، شاعر فارس من فرسان الجاهلية، والاطنابة: أمه: بنت شهاب من بني القين، ومعنى الاطنابة: سير الحزام يكون عونا لسير آخر إذا قلق: وسير يشد في وتر القوس العربية. مترجم في " معجم الشعراء ": 203، 204 للمرزباني. (2) وهو حديث صحيح مشهور بل متواتر، ولما لم يقدر معاوية على إنكاره، وقال: إنما قتله الذين جاؤ وابه، كما في " المسند " 2 / 161 بسند صحيح، فأجابه علي رضي الله عنه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه، وهذا منه رضي الله عنه إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها. وما ذهب إليه المؤلف من كون طائفة معاوية هي الباغية هو مذهب فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والاوزاعي، وغيرهم كما قال الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب " الإمامة ". نقله عنه المناوي في " فيض القدير " 6 / 663. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: تَعَاهَدَ ثَلاَثَةٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ عَلَى قَتْلِ: مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَحَبِيْبِ بنِ مَسْلَمَةَ. وَأَقْبَلُوا بَعْدَ بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ بِالخِلاَفَةِ حَتَّى قَدِمُوا إِيْلِيَاءَ، فَصَلَّوْا مِنَ السَّحَرِ فِي المَسْجَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لِصَلاَةِ الفَجْرِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَجَدَ انْبَطَحَ أَحَدُهُمْ عَلَى ظَهْرِ الحَرَسِيِّ السَّاجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ حَتَّى طَعَنَ مُعَاوِيَةَ فِي مَأْكَمَتِهِ. فَانْصَرَفَ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: أَتِمُّوا صَلاَتَكُم. وَأُمْسِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الطَّبِيْبُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ الخِنْجَرُ مَسْمُوْماً، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْكَ. فَأَعَدَّ الطَّبِيْبُ عَقَاقِيْرَهُ، ثُمَّ لَحَسَ الخِنْجَرَ، فَلَمْ يَجِدْهُ مَسْمُوْماً، فَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ مَنْ عِنْدَهُ. وَقِيْلَ: لَيْسَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بَأْسٌ (1) . قُلْتُ: هَذِهِ المَرَّةُ غَيْرُ المَرَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيْهَا وَقْتَمَا قُتِلَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّ تِلْكَ فَلَقَ أَلْيَتَهُ (2) ، وَسُقِيَ أَدْوِيَةً خَلَّصَتْهُ مِنَ السُّمِّ، لَكِنْ قُطِعَ نَسْلُهُ. أَيُّوْبُ بنُ جَابِرٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَلاَ تَعْجَبِيْنَ لِرَجُلٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ يُنَازِعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الخِلاَفَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا يُعْجَبُ؟ هُوَ سُلْطَانُ اللهِ يُؤْتِيْهِ البَرَّ وَالفَاجِرَ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ مِصْرَ أَرْبَعَ مائَةِ سَنَةٍ (3) . زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ (4) ، عَنْ يَزِيْدَ (5) بنِ الأَصَمِّ،   (1) رجاله ثقات، وجد حجاج: اسمه عبيد الله بن أبي زياد الرصافي. وإيلياء: اسم مدينة بيت المقدس، وقوله: " طعن في مأكمته " المأكمة: العجيزة. وقد أورد الفسوي في " تاريخه " 1 / 413 خبرا بمعناه من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا عن عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري، أخبرني خالد بن عبد الله بن رباح السلمي أنه صلى مع معاوية يوم طعن بإيلياء ... (2) فلق، تصحفت في المطبوع إلى " قلق "، و" الالية " بفتح الهمزه: العجيزة، وقد كسرت همزتها في المطبوع وهو خطأ. (3) ذكره ابن كثير 8 / 131 نقلا عن ابن عساكر بإسناده عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد. (4) برقان، بضم الباء وقد تحرف في المطبوع إلى " زبرقان " بزيادة زاي في أوله. (5) تحرف في المطبوع إلى " مؤمل ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: قَتْلاَيَ وَقَتْلَى مُعَاوِيَةَ فِي الجَنَّةِ. صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِم: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بُوْيِعَ، وَبَلَغَهُ قِتَالُ عَلِيٍّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ (1) ، كَاتَبَ وُجُوْهَ مَنْ مَعَهُ مِثْلَ الأَشْعَثِ، وَمَنَّاهُم، وَبَذَلَ لَهُم حَتَّى مَالُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَتَثَاقَلُوا عَنِ المَسِيْرِ مَعَ عَلِيٍّ، فَكَانَ يَقُوْلُ: فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُوْلُ: لَقَدْ حَارَبْتُ عَلِيّاً بَعْدَ صِفِّيْنَ بِغَيْرِ جَيْشٍ وَلاَ عَتَادٍ. شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ (2) اللهِ الثَّقَفِيُّ، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ عَلِيّاً وَضَعَ المُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى سَمِعْتُ تَقَعْقُعَ الوَرَقِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ سَأَلْتُهُم مَا فِيْهِ، فَمَنَعُوْنِي، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّوْنِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُوْنِي، وَحَمَلُوْنِي عَلَى غَيْرِ أَخْلاَقِي، فَأَبْدِلْهُم بِي شَرّاً مِنِّي، وَأَبْدِلْنِي بِهِم خَيْراً مِنْهُم، وَمِثْ (3) قُلُوْبَهُم مِيْثَةَ المِلْحِ فِي المَاءِ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لاَ تَكْرَهُوا إِمْرَةَ مُعَاوِيَةَ، فَلَو قَدْ فَقَدْتُمُوْهُ لَرَأَيْتُمُ الرُّؤُوْسَ تَنْدُرُ (4) عَنْ كَوَاهِلِهَا. لَمَّا قُتِلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٌّ؛ بَايَعَ أَهْلُ العِرَاقِ ابْنَهُ الحَسَنَ، وَتَجَهَّزُوا لِقَصْدِ الشَّامِ فِي كَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، وَكَانَ الحَسَنُ سَيِّداً، كَبِيْرَ القَدْرِ، يَرَى   (1) وهم الخوارج، والنهروان: كورة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، كانت بها وقعة بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والخوارج سنة 38 هـ قتل فيها رأس الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي وأكثر أتباعه. " تاريخ خليفه ": 197، و" العبر " 1 / 44 وقد تحرف فيه الراسبي إلى السبائى، فلم يهتد إليه محقق المطبوع، فظنه عبد الله بن سبأ، فترجم له. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبد " وأبو صالح: هو الحنفي، واسمه عبد الرحمن بن قيس الكوفي ثقة من رجال مسلم. (3) يقال: مثت الملح في الماء: إذا أذبته. (4) ندر: أي: سقط ووقع، والخبر في، " أنساب الاشراف " 4 / 2، و" البداية " 8 / 131، و" تاريخ الإسلام " 2 / 302. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 حَقْنَ الدِّمَاءِ، وَيَكْرَهُ الفِتَنَ، وَرَأَى مِنَ العِرَاقِيِّيْنَ مَا يَكْرَهُ. قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: بَايَعَ أَهْلُ الكُوْفَةِ الحَسَنَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَأَحَبُّوْهُ أَكْثَرَ مِنْ أَبِيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سَارَ الحَسَنُ يَطْلُبُ الشَّامَ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَالْتَقَوْا، فَكَرِهَ الحَسَنُ القِتَالَ، وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ العَهْدَ بِالخِلاَفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ أَصْحَابُ الحَسَنِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: يَا عَارَ المُؤْمِنِيْنَ. فَيَقُوْلُ: العَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ (1) . وَعَنْ عَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ، قَالَ: سَارَ الحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ المَدَائِنَ، وَبَعَثَ عَلَى المُقَدَّمَةِ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَبَيْنَا الحَسَنُ بِالمَدَائِنِ إِذْ صَاحَ صَائِحٌ: أَلاَ إِنَّ قَيْساً قَدْ قُتِلَ. فَاخْتَبَطَ النَّاسُ، وَانْتَهَبَ الغَوْغَاءُ سُرَادِقَ الحَسَنِ حَتَّى نَازَعُوْهُ بِسَاطاً تَحْتَهُ، وَطَعَنَهُ خَارِجِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِخِنْجَرٍ، فَقَتَلُوا الخَارِجِيَّ، فَنَزَلَ الحَسَنُ القَصْرَ الأَبْيَضَ، وَكَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ. وَرَوَى نَحْواً مِنْ هَذَا: الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ (2) . وَتَوَجَّعَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ أَشْهُراً، وَعُوْفِيَ. قَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لَوْ لَمْ تَذْهَلْ نَفْسِي عَلَيْكُم إِلاَّ لِثَلاَثٍ لَذَهِلَتْ؛ لِقَتْلِكُم أَبِي، وَطَعْنِكُم فِي فَخِذِي، وَانْتِهَابِكُم ثَقَلِي (3) . قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الحَسَنِ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ   (1) ذكره الحافظ في " الفتح " 13 / 56، ونسبه لابن أبي خيثمة. (2) أبو إسحاق هو السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني، وقد تحرف في المطبوع إلى " ابن إسحاق ". (3) الثقل: متاع المسافر وحشمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 عَظِيْمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (1)) . ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ، وَدَخَلَ هُوَ وَالحَسَنُ الكُوْفَةَ رَاكِبَيْنِ، وَتَسَلَّمَ مُعَاوِيَةُ الخِلاَفَةَ فِي آخِرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ؛ لاجْتِمَاعِهِم عَلَى إِمَامٍ، وَهُوَ عَامُ أَحَدٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُوْيِعَ مُعَاوِيَةُ بِالخِلاَفَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، لَمَّا دَخَلَ الكُوْفَةَ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: بَايَعَهُ الحَسَنُ بِأَذْرُحَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، وَهُوَ عَامُ الجَمَاعَةِ. قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى العِرَاقِ فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الشَّامِ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الحَسَنَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَبَرَ جِسْرَ مَنْبِجٍ، عَقَدَ لِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَسَارَ إِلَى مَسْكِنٍ (2) ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الأُخْنُوْنِيَّةِ (3) فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ، مَعَهُ القُصَّاصُ يَعِظُوْنَ، وَيَحُضُّوْنَ أَهْلَ الشَّامِ. فَنَزَلُوا بِإِزَاءِ عَسْكَرِ قَيْسٍ، وَقَدِمَ بُسْرُ بنُ أَبِي أَرْطَاةَ إِلَيْهِم، فَكَانَ بَيْنَهُم مُنَاوَشَةٌ، ثُمَّ تَحَاجَزُوْا (4) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَمِلَ مُعَاوِيَةُ عَامَيْنِ مَا يَخْرِمُ عَمَلَ (5) عُمَرَ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعُدَ. الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ فِي النُّخَيْلَةِ الجُمُعَةَ فِي الضُّحَى، ثُمَّ خَطَبَ، وَقَالَ: مَا قَاتَلْنَا لِتَصُوْمُوا،   (1) أخرجه البخاري 5 / 224، 225 في الصلح، و13 / 52، 57، وسيذكره المؤلف بتمامه ص 270، 271. (2) مسكن: قال ياقوت: موضع قريب من أوانا عند نهر دجيل عند دير الجاثليق، به كانت الموقعة بين عبد الملك بن مروان، ومصعب بن الزبير سنة 72 هـ. فقتل مصعب، وقبره هناك. (3) بضم الهمزة، وسكون الحاء، وضم النون وواو ساكنة ونون أخرى مكسورة وياء مشددة: موضع من أعمال بغداد. (4) أخرجه ابن عساكر 16 / 360 / ب. (5) تحرف في المطبوع إلى " على ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَلاَ لِتُصَلُّوا، وَلاَ لِتَحُجُّوا، أَوْ تُزَكُّوا، قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُم تَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْنَاكُم لأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُم، فَقَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ ذَلِكَ وَأَنْتُم كَارِهُوْنَ (1) . السَّرِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ اللَّيْلِ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ لَمَّا رَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ مِنَ الكُوْفَةِ: يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَلِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ، فَكَرِهْتُ القِتَالَ (2) . السَّرِيُّ: تَالِفٌ (3) . شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ حَاجّاً، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهُمَا إِلاَّ ذَكْوَانُ مَوْلاَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ. قَالَ: صَدَقْتِ. ثُمَّ وَعَظَتْهُ، وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ، فَلَمَّا خَرَجَ، اتَّكَأَ عَلَى ذَكْوَانَ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ خَطِيْباً - لَيْسَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغَ مِنْ عَائِشَةَ. (4)   (1) أورده ابن كثير في " البداية " 8 / 131 من طريق ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، قالا: حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد، وسعيد بن سويد مجهول، وقال البخاري في " تاريخه " 3 / 477: لا يتابع في حديثه، فالسند ضعيف، والخبر في " ابن عساكر " 6 / 360 / ب. (2) ابن عساكر 16 / 360 / آ. (3) قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد، وقال النسائي: متروك، وقال غيره: ليس بشيء، وقال أحمد: ترك الناس حديثه. (4) ابن عساكر 16 / 361، وأخرج أحمد في " مسنده " 4 / 92 من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن معاوية دخل على عائشة، فقالت، له: أما خفت أن أقعد لك رجلا، فيقتلك؟ فقال: ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الايمان قيد الفتك " وللمرفوع منه شاهد من حديث الزبير عند أحمد: 1 / 166، 167، وعبد الرزاق (9676) ، وآخر من حديث أبي هريرة عند أبي داود (2769) فالحديث صحيح. قال أبو عبيد: الفتك: أن يأتي الرجل الرجل وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله، وقوله: " الايمان قيد الفتك " أي أن الايمان يمنع القتل كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيَّ بِأَنْبِجَانِيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَعْرِهِ. فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِيَ أَحْمِلُهُ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ الأَنْبِجَانِيَّةَ، فَلَبِسَهَا، وَدَعَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ الشَّعْرَ، فَشَرِبَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى جِلْدِهِ (1) . أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ المَدِيْنَةَ عَامَ الجَمَاعَةِ، تَلَقَّتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّ نَصْرَكَ، وَأَعْلَى أَمْرَكَ. فَسَكَتَ حَتَّى دَخَلَ المَدِيْنَةَ، وَعَلاَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي -وَاللهِ - وَلِيْتُ أَمْرَكُم حِيْنَ وَلِيْتُهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُم لاَ تُسَرُّوْنَ بِوِلاَيَتِي، وَلاَ تُحِبُّوْنَهَا، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوْسِكُم، وَلَكِنْ خَالَسْتُكُمْ بِسَيْفِي هَذَا مُخَالَسَةً، وَلَقَدْ أَرَدْتُّ نَفْسِي عَلَى عَمَلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمْ أَجِدْهَا تَقُوْمُ بِذَلِكَ، وَوَجَدْتُهَا عَنْ عَمَلِ عُمَرَ أَشَدَّ نُفُوْراً، وَحَاوَلْتُهَا عَلَى مِثْلِ سُنَيَّاتِ عُثْمَانَ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَأَيْنَ مِثْلَ هَؤُلاَءِ؛ هَيْهَاتَ أَنْ يُدْرَكَ فَضَلُهُم، غَيْرَ أَنِّي سَلَكْتُ طَرِيْقاً لِي فِيْهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَكُم فِيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِكُلٍّ فِيْهِ مُوَاكَلَةٌ حَسَنَةٌ، وَمُشَارَبَةٌ جَمِيْلَةٌ، مَا اسْتقَامَتِ السِّيْرَةُ، فَإِنْ (2) لَمْ تَجِدُوْنِي خَيْرَكُم، فَأَنَا خَيْرٌ لَكُم، وَاللهِ لاَ أَحْمِلُ السَّيْفَ عَلَى مَنْ لاَ سَيْفَ مَعَهُ، وَمَهْمَا تَقَدَّمَ مِمَّا قَدْ عَلِمْتُمُوْهُ، فَقَدْ جَعَلْتُهُ دُبُرَ أُذُنِي، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوْنِي أَقُوْمُ بِحَقِّكُم كُلِّهِ، فَارْضَوْا بِبَعْضِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقَائِبَةٍ قُوْبُهَا، وَإِنَّ السَّيْلَ إِنْ جَاءَ تَتْرَى - وَإِنْ قلَّ - أَغْنَى، إِيَّاكُم وَالفِتْنَةَ،   (1) أورده ابن عساكر 16 / 361، ب من طريق ابن سعد. والانبجانية: كساء منبجي يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له، وهو من أدون الثياب الغليظة، وكان أبو جهم قد أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خميصة ذات أعلام، فلما شغلته في الصلاة، قال: " ردوها عليه واثتوني بأنبجانيته " والخبر عند البخاري 1 / 406، 407، ومسلم (556) ، ومالك: 1 / 97، 98، من حديث عائشة. (2) في الأصل " فإني ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 فَلاَ تَهُمُّوا بِهَا، فَإِنَّهَا تُفْسِدُ المَعِيْشَةَ، وَتُكَدِّرُ النِّعْمَةَ، وَتُوْرِثُ الاسْتِئْصَالَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم. ثُمَّ نَزَلَ (1) . القَائِبَةُ: البَيْضَةُ، وَالقُوْبُ: الفَرْخُ، يُقَالُ: قَابَتِ البَيْضَةُ: إِذَا انْفَلَقَتْ عَنِ الفَرْخِ. مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم فُلاَناً يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْتُلُوْهُ (2)) . رَوَاهُ: جَنْدَلُ بنُ وَالِقٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، فَقَالَ بَدَلَ فُلاَناً: مُعَاوِيَةَ. وَتَابَعَهُ: الوَلِيْدُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ مُجَالِدٍ. وَقَالَ حَمَّادٌ، وَجَمَاعَةٌ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْتُلُوْهُ (4)) . الحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ - وَاهٍ (5) -: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ (6) مَرفُوعاً، نَحْوَهُ. وَجَاءَ عَنِ الحَسَنِ مُرْسَلاً (7) . وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعاً: (إِذَا رَأَيْتُم مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ   (1) أخرجه ابن عساكر 16 / 316 / ب وهو في " البداية " 8؟ 132. (2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " ومجالد ضعيف. (3) ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 535، ونقل عن أبيه أنه صدوق. وقد تحرف عند ابن عساكر إلى " واثق ". (4) أخرجه ابن عدي وابن عساكر، وعلي بن زيد ضعيف. (5) قال ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال مرة: تركوه. (6) في المطبوع: عن زر بن عبد الله وهو خطأ. قال ابن كثير في " البداية " 8 / 133 بعد أن ذكره عن ابن مسعود وأبي سعيد: وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحا، لبادر الصحابة إلى فعل ذلك، لانهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم. (7) قال ابن كثير: وأرسله عمرو بن عبيد عن الحسن البصري. قال أيوب: وهو كذب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْبَلُوْهُ، فَإِنَّهُ أَمِيْنٌ، مَأْمُوْنٌ (1)) . هَذَا كَذِبٌ. وَيُقَالُ: هُوَ مُعَاوِيَةُ بنُ تَابُوْه المُنَافِقُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَوَقَعَ الاخْتِلاَفُ، لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ غَزْوٌ حَتَّى اجْتَمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَغْزَاهُم مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَغْزَى ابْنَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بَرّاً وَبَحْراً، حَتَّى أَجَاز بِهِمُ الخَلِيْجَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ قَفَلَ (2) . اللَّيْثُ: عَنْ (3) بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً بَعْدَ عُثْمَانَ أَقْضَى بِحَقٍّ مِنْ صَاحِبِ هَذَا البَابِ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ (4) -. أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى سُفْيَانَ؛ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَإِنَّ فِيْكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: ابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَغَيْرُهُمَا، وَلَكِنِّي عَسَيْتُ أَنْ أَكُوْنَ أَنْكَاكُم فِي عَدِوِّكُم، وَأَنْعَمَكُم لَكُم وِلاَيَةً، وَأَحْسَنَكُم خُلُقاً (5) . عَقِيْلٌ، وَمَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ   (1) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 1 / 259 من طريق محمد بن إسحاق الفقيه، عن أبي النضر الغازي، عن الحسن بن كثير، عن بكر بن أيمن القيسي، عن عامر بن يحيى الصر؟ مي، عن أبي الزبير، عن جابر، وقال: لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ورجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير كلهم مجهولون. (2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 188 و346، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، وهو عند ابن عساكر 16 / 362 / ب (3) تحرفت في المطبوع إلى " بن " وكانت الجملة في المطبوع: " ثم نقل الليث بن بكير " فحرف " قفل " إلى " نقل " وجعلها من جملة الخبر الجديد. (4) ابن عساكر 16 / 363 / آ. وقد تحرف في المطبوع " سعيد " إلى " سعد ". (5) ابن عساكر 16 / 363 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَضَى (1) حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَلاَ بِهِ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ! مَا فَعَلَ طَعْنُكَ عَلَى الأَئِمَّةِ؟ قَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَحْسِنْ. قَالَ: لاَ وَاللهِ، لَتُكَلِّمَنِّي بِذَاتِ نَفْسِكَ بِالَّذِي تَعِيْبُ عَلَيَّ. قَالَ مِسْوَرٌ: فَلَمْ أَتْرُكْ شَيْئاً أَعِيْبُهُ عَلَيْهِ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَهُ. فَقَالَ: لاَ أَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ لَنَا يَا مِسْوَرُ مَا نَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ فِي أَمْرِ العَامَّةِ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوْبَ، وَتَتْرُكُ الإِحْسَانَ؟ قَالَ: مَا تُذْكَرُ إِلاَّ الذُّنُوْبُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَإِنَّا نَعْتَرِفُ للهِ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، فَهَلْ لَكَ يَا مِسْوَرُ ذُنُوْبٌ فِي خَاصَّتِكَ تَخْشَى أَنْ تُهْلِكَكَ إِنْ لَمْ تُغْفَرْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا يَجْعَلُكَ اللهُ بِرَجَاءِ المَغْفِرَةِ أَحَقَّ مِنِّي، فَوَاللهِ مَا أَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ أَكْثَرَ مِمَّا تَلِي، وَلَكِنْ -وَاللهِ - لاَ أُخَيَّرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، إِلاَّ اخْتَرْتُ اللهَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِنِّي لَعَلَى دِيْنٍ يُقْبَلُ فِيْهِ العَمَلُ وَيُجْزَى فِيْهِ بِالحَسَنَاتِ، وَيُجْزَى فِيْهِ بِالذُّنُوْبِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهَا. قَالَ: فَخَصَمَنِي. قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَسْمَعِ المِسْوَرَ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ (2) . عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ: تَصَدَّقُوا، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُم: إِنِّيْ مُقِلٌّ، فَإِنَّ صَدقَةَ المُقِلِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الغَنِيِّ (3) . الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُتْبَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَأَى مُعَاوِيَةَ صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ، فَأَخَبَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ، أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ   (1) تحرف في المطبوع إلى " يقضي ". (2) رجاله ثقات، وهو في " المصنف " (20717) بنحوه من طريق معمر، عن الزهري. عن حميد بن عبد الرحمن، عن المسور ... وانظر " أنساب الاشراف " 4 / 47. و" تاريخ الإسلام " 3 / 80، و" تاريخ بغداد " 1 / 208، و" البداية " 8 / 133. (3) ابن عساكر 6 / 363 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 أَحَدٌ مِنَّا أَعْلَمَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، هِيَ وَاحِدَةٌ أَوْ خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ، أَوْ أَكْثَرُ (1) . أَبُو اليَمَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: إِنَّ فِي بَيْتِ مَالِكُم فَضْلاً عَنْ عَطَائِكُم، وَأَنَا قَاسِمُهُ بَيْنَكُم (2) . هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَلْبَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ فِي سُوْقِ دِمَشْقَ عَلَى بَغْلَةٍ، خَلْفَهُ وَصِيْفٌ قَدْ أَرْدَفَهُ، عَلَيْهِ قَمِيْصٌ مَرْقُوْعُ الجَيْبِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ، وَمَا رَأَيْنَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَ، ثُمَّ كَانَ فِي غَارٍ، لَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوْهُ مِنْهُ. العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قُلْتُ: وَلاَ عُمَرُ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ خَيْراً مِنْهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ (3) . وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ. وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَلَفْظُهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَقُلْتُ: كَانَ أَسْوَدَ   (1) رجاله ثقات، وهو في " مسند الشافعي " 1 / 108، و" تاريخ ابن عساكر " 16 / 364 / آ (2) ابن عساكر 16 / 366 / آ. (3) ابن عساكر 16 / 366 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ خَيْراً مِنْهُ، وَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ. قُلْتُ: كَانَ أَسْوَدَ مِنْ (1) عُمَرَ؟ ... ، الحَدِيْثَ (2) . مَعْمَرٌ: عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَخْلَقَ لِلمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، كَانَ النَّاسُ يَرِدُوْنَ مِنْهُ عَلَى أَرْجَاءِ وَادٍ رَحْبٍ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ، الحَصِرِ، العُصْعُصِ (3) ، المُتَغَضِّبِ -يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ (4) -. أَيُّوْبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: لَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ هَذِهِ الأُمَّةَ مَا مَلَكَ مُعَاوِيَةُ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ؛ قَالَ: صَحبْتُ مُعَاوِيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَثْقَلَ حِلْماً، وَلاَ أَبْطَأَ جَهْلاً، وَلاَ أَبْعَدَ أَنَاةً مِنْهُ (5) . وَيُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَرْفَعُ نَفْسِي أَنْ يَكُوْنَ ذَنْبٌ أَوْزَنَ مِنْ حِلْمِي (6) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِمُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أَنْهَاكَ عَنِ السُّلْطَانِ، فَإِنَّ غَضَبَهُ غَضَبُ الصَّبِيِّ، وَأَخْذَهُ أَخْذَ الأَسَدِ (7) .   (1) سقط من المطبوع من قوله " أبي بكر " إلى هنا. (2) ابن عساكر 16 / 366 / آ. (3) في " اللسان " فلان ضيق العصعص. أي: نكد قليل الخير، وهو من اضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، وفي حديث ابن عباس - وذكر ابن الزبير - ليس مثل الحصر العصعص، في رواية، والمشهور: ليس مثل الحصر العقص، وذكره في مادة عقص، وقال: العقص الالوى الصعب الاخلاق تشبيها بالقرن الملتوي. (4) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20985) بهذا الإسناد، وهو في ابن عساكر 16 / 366 آ، ب. (5) ابن عساكر 16 / 367 / آ. (6) ابن عساكر 16 / 367 / آ. (7) ابن عساكر 16 / 368 / آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللهِ لَتَسْتَقِيْمَنَّ بِنَا يَا مُعَاوِيَةُ، أَوْ لَنُقَوِّمَنَّكَ. فَيَقُوْلُ: بِمَاذَا؟ فَيَقُوْلُوْنَ: بِالخُشُبِ. فَيَقُوْلُ: إِذاً أَسْتَقِيْمُ (1) . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَلِمْتُ بِمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَغْلِبُ النَّاسَ؛ كَانَ إِذَا طَارُوا وَقَعَ، وَإِذَا وَقَعُوا طَارَ (2) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا غَلَبَنِي مُعَاوِيَةُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ بَاباً وَاحِداً؛ اسْتَعْمَلْتُ فُلاَناً، فَكَسَرَ الخَرَاجَ، فَخَشِيَ أَنْ أُعَاقِبَهُ، فَفَرَّ مِنِّي إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا أَدَبُ سُوْءٍ لِمَنْ قِبَلِي. فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَسُوْسَ النَّاسَ سِيَاسَةً وَاحِدَةً؛ أَنْ نَلِيْنَ جَمِيْعاً فَيَمْرَحُ النَّاسُ فِي المَعْصِيَةِ، وَلاَ نَشْتَدَّ جَمِيْعاً، فَنَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى المَهَالِكِ، وَلَكِنْ تَكُوْنُ لِلشِدَّةِ وَالفَظَاظَةِ، وَأَكُوْنُ أَنَا لِلِّيْنِ وَالأُلْفَةِ (3) . أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: قَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْ عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَقَالَ عُرْوَةُ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَوَاللهِ مَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا. حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: دَخَلَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: لأُجِيْزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ يُجِزْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفٍ (4) . جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ الحَسَنُ وَابْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ   (1) ابن عساكر 16 / 368 / ب. والخشب جمع خشيب: وهو السيف - الصقيل. (2) " أنساب الاشراف " 4 / 85، و" ابن عساكر " 16 / 369 / آ، و" العقد الفريد " 4 / 364. (3) ابن عساكر 16 / 369 / ب. (4) ابن عساكر 16 / 370 / ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 يَسْأَلاَنِهِ، فَأَعْطَى كُلاًّ مِنْهُمَا مائَةَ أَلْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ لَهُمَا: أَلاَ تَسْتَحِيَانِ؟ رَجُلٌ نَطْعَنُ فِي عَيْبِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً تَسْأَلاَنِهِ المَالَ؟! قَالاَ: لأَنَّكَ حَرَمْتَنَا، وَجَادَ هُوَ لَنَا (1) . أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاعَجَباً لِلْحَسَنِ! شَرِبَ شُرْبَةً مِنْ عَسَلٍ بِمَاءِ رُوْمَةَ، فَقَضَى نَحْبَهُ. ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ يَسُوْؤُكَ اللهُ وَلاَ يُحْزِنُكَ فِي الحَسَنِ. قَالَ: أَمَّا مَا أَبْقَى اللهُ لِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلَنْ يَسُوْءنِي اللهُ، وَلَنْ يُحْزِنَنِي. قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفٍ مِنْ بَيْنِ عَرُوْضٍ وَعَيْنٍ. قَالَ: اقْسِمْهُ فِي أَهْلِكَ (2) . رَوَى العُتْبِيُّ، قَالَ: قِيْلَ لِمُعَاوِيَةَ: أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ؟ قَالَ: كَيْفَ لاَ؛ وَلاَ أَعْدَمُ رَجُلاً مِنَ العَرَبِ قَائِماً عَلَى رَأْسِي يُلْقِحُ لِي كَلاَماً يُلْزِمُنِي جَوَابَهُ، فَإِنْ أَصَبْتُ لَمْ أُحْمَدْ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ سَارَتْ بِهِ البُرُدُ (3) . قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: لَقَدْ نَتَفْتُ الشَّيْبَ مُدَّةً. قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى مُصَلاَّهُ، وَرِدَاؤُهُ يُحْمَلُ مِنَ الكِبَرِ. وَدَخَلَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ لِي. مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ (4) : عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَصَابَ مُعَاوِيَةَ اللَّقْوَةُ (5) بَكَى، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: رَاجَعْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوْفاً، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَكَثُرَ دَمْعِي،   (1) ابن عساكر 16 / 370 / ب. (2) ابن عساكر 16 / 371 / ب، وقوله: بماء رومة. أي بماء بئر رومة وكان ماؤها عذبا وهي في عقيق المدينة. كانت لرجل من غفار يقال له رومة، ابتاعها منه عثمان رضي الله عنه وتصدق بها. انظر " فتح الباري " 5 / 22، و305 (3) ابن عساكر 16 / 375 ب. (4) تحرف في المطبوع إلى " مزيد ". (5) اللقوة: داء يعرض للوجه يعوج منه الشدق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَرُمِيْتُ فِي أَحْسَنِي وَمَا يَبْدُو مِنِّي، وَلَوْلاَ هَوَايَ فِي يَزِيْدَ، لأَبْصَرْتُ قَصْدِي (1) . هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ مُهَلْهِلٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ، فَاطَّلَعَ فِي بِئْرِ عَادِيَّةَ (2) بِالأَبْوَاءِ، فَضَرَبَتْهُ اللَّقْوَةُ (3) ، فَدَخَلَ دَارَهُ بِمَكَّةَ، وَأَرْخَى حِجَابَهُ، وَاعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ عَلَى شِقِّهِ الَّذِي لَمْ يُصَبْ. ثُمَّ أَذِنَ لِلنَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ ابْنَ آدَمَ بِعَرَضِ بَلاَءٍ؛ إِمَّا مُبْتَلَىً لِيُؤْجَرَ؛ أَوْ مُعَاقَبٌ بِذَنْبٍ، وَإِمَّا مُسْتَعْتِبٌ لِيُعْتَبَ، وَمَا أَعْتَذِرُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلاَثٍ، فَإِنِ ابْتُلِيْتُ، فَقَدِ ابْتُلِيَ الصَّالِحُوْنَ قَبْلِي، وَإِنْ عُوْقِبْتُ، فَقَدْ عُوْقِبَ الخَاطِئُوْنَ قَبْلِي، وَمَا آمَنُ أَنْ أَكُوْنَ مِنْهُم، وَإِنْ مَرِضَ عُضْوٌ مِنِّي، فَمَا أُحْصِي صَحِيْحِي، وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ إِلَى نَفْسِي، مَا كَانَ لِي عَلَى رَبِّي أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانِي، فَأَنَا ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ، فَرَحِمَ اللهُ مَنْ دَعَا لِي بِالعَافِيَةِ، فَوَاللهِ لَئِنْ عَتِبَ عَلَيَّ بَعْضُ خَاصَّتِكُم، لَقَدْ كُنْتُ حَدِباً (4) عَلَى عَامَّتِكُم. فَعَجَّ النَّاسُ يَدْعُوْنَ لَهُ، وَبَكَى (5) . مُغِيْرَةُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ جَالِساً مُعَاوِيَةُ حِيْنَ سَمِنَ.   (1) " تاريخ الإسلام " 2 / 323، و" البداية " 8 / 118، و" محاضرات الراغب " 1 / 155، والفاضل: 123، وابن عساكر 16 / 375 ب و" أنساب الاشراف " 4 / 28، و" عيون الاخبار " 3 / 46. (2) عادية: قديمة، كأنها نسبت إلى عاد وهم قوم هود، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم. والابواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة المنورة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وبه قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم. (3) قال المؤلف في " تاريخه " 2 / 343: يعني بطل نصفه. (4) في الأصل " حربا " وهو خطأ، يقال: حدب فلان على فلان، يحدب حدبا، فهو حدب، وتحدب: تعطف وحنا عليه، يقال: هو كالوالد الحدب. (5) ابن عساكر 16 / 375 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، وَاسْتَأْذَنَ النَّاسَ مُعَاوِيَةُ؛ فَأَذِنُوا لَهُ. وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ: خَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ بِالصِّنَّبْرَةِ (1) ، فَقَالَ: لَقَدْ شَهِدَ مَعِي صِفِّيْنَ ثَلاَثُ مائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ مِنْهُم غَيْرِي (2) . إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ. يُوْسُفُ بنُ عَبْدَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ: أَخَذَتْ مُعَاوِيَةَ قِرَّةٌ (3) ، فَاتَّخَذَ لُحُفاً خِفَافاً تُلْقَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَتَأَذَّى بِهَا، فَإِذَا رُفِعَتْ، سَأَلَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: قَبَّحَكِ اللهُ مِنْ دَارٍ، مَكَثْتُ فِيْكِ عِشْرِيْنَ سَنَةً أَمِيْراً، وَعِشْرِيْنَ سَنَةً خَلِيْفَةً، وَصِرْتُ إِلَى مَا أَرَى. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الدِّيْوَانَ لِلْخَتْمِ، وَأَمَرَ بِالنَّيْرُوْزِ وَالمَهْرَجَانِ، وَاتَّخَذَ المَقَاصِيْرَ فِي الجَامِعِ، وَأَوَّلَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِماً صَبْراً (4) ، وَأَوَّلَ مَنْ قَامَ عَلَى رَأْسِهِ حَرَسٌ، وَأَوَّلَ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الجَنَائِبُ، وَأَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الخُدَّامَ الخِصْيَانَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَوَّلَ مَنْ بَلَّغَ دَرَجَاتِ المِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِرْقَاةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَوَّلُ المُلُوْكِ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَدْ رَوَى سَفِيْنَةُ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُوْنَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُوْنُ مُلْكاً (5)) . فَانْقَضَتْ خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاَثِيْنَ عَاماً،   (1) الصنبرة: بالكسر ثم الفتح والتشديد، ثم سكون الباء الموحدة وراء، قال ياقوت: موضع بالاردن مقابل لعقبة افيق، بينه وبين طبرية ثلاثة أميال كان معاوية يشتو بها. (2) ابن عساكر 16 / 375 ب 376 آوتمامه عبده: وإنما ذلك فناء قرني، وإن فناء الرجل فناء قرنه. ثم ودعنا، وصعد الثنية فكان آخر العهد به. (3) القرة: ما أصابك من القر وهو البرد، وهي البرد أيضا، وفي " تاريخ الإسلام " 2 / 324: قرحة. (4) يريد حجر بن عدي وأصحابه. (5) أخرجه أحمد 5 / 220 و221، والطيالسي 2 / 163، وأبو داود (4646) ، و (4647) ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 313، والطبراني رقم (13) ، والترمذي (2226) = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وَوَلِيَ مُعَاوِيَةُ، فَبَالَغَ فِي التَّجَمُّلِ وَالهَيْئَةِ، وَقَلَّ أَنْ بَلَغَ سُلْطَانٌ إِلَى رُتْبَتِهِ، وَلَيْتَهُ لَمْ يَعْهَدْ بِالأَمْرِ إِلَى ابْنِهِ يَزِيْدَ، وَتَرَكَ الأُمَّةَ مِنِ اخْتِيَارِهِ لَهُم. عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا، وَإِنِّي دَعَوْتُ بِمِشْقَصٍ، فَأَخَذْتُ مِنْ شَعْرِهِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا مِتُّ، فَخُذُوا ذَلِكَ الشَّعْرَ، فَاحْشُوا بِهِ فَمِي وَمَنْخِرِي (1) . وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ نَحْوُهُ. مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: وَفَدَ المِقْدَامُ بنُ مَعْدِيْ كَرِبٍ، وَعَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَسَدِ لَهُ صُحْبَةٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ: تُوُفِّيَ الحَسَنُ. فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: أَتَرَاهَا مُصِيْبَةً؟ قَالَ: وَلِمَ لاَ؟ وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجْرِهِ، وَقَالَ: (هَذَا مِنِّي، وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ) . فَقَالَ لِلأَسَدِيِّ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ أُطْفِئَتْ. فَقَالَ المِقْدَامُ: أَنْشُدُكَ اللهُ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ   = من طرق عن سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر سنتين، وعمر عشر، وعثمان ثنتي عشرة، وعلي ست. قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستهاه بني الزرقاء. يعني مروان. وسنده حسن، وصححه ابن حبان (1534) و (1535) ، والحاكم 3 / 71 و145، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أبي بكره عند البيهقي في " الدلائل " وآخر من حديث جابر عند الواحدي في " الوسيط " 3 / 126 / 2. (1) رجاله ثقات خلا علي بن عاصم - وهو الواسطي - فإنه يخطئ ويصر على خطئه. وتقصيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره بمشقص ثابت عند البخاري 3 / 448، 449، ومسلم (1246) ، والمشقص: نصل السهم إذا كان طويلا ليس بعريض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 لُبْسِ الذَّهَبِ وَالحَرِيْرِ، وَعَنْ جُلُوْدِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوْبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَيْتِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَنْجُو مِنْكَ (1) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. وَمُعَاوِيَةُ: مِنْ خِيَارِ المُلُوْكِ الَّذِيْنَ غَلَبَ عَدْلُهُم عَلَى ظُلْمِهِم، وَمَا هُوَ بِبَرِيْءٍ مِنَ الهَنَاتِ - وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ -. المَدَائِنِيُّ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: إِنِّيْ مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتَحْصَدَ، وَقَدْ طَالَتْ إِمْرَتِي عَلَيْكُم حَتَّى مَلِلْتُكُم وَمَلِلْتُمُوْنِي، وَلاَ يَأْتِيْكُم بَعْدِي خَيْرٌ مِنِّي، كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلِي خَيْرٌ مِنِّي، اللَّهُمَّ قَدْ أَحْبَبْتُ لِقَاءكَ فَأَحِبَّ لِقَائِي (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ المُعَلَّى، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيْدَ وَهُوَ يُوْصِيْهِ: اتَّقِ اللهَ، فَقَدْ وَطَّأْتُ لَكَ الأَمْرَ، وَوَلِيْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَلِيْتُ، فَإِنْ يَكُ خَيْراً فَأَنَا أَسْعَدُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ شَقِيْتُ بِهِ، فَارْفُقْ بِالنَّاسِ، وَإِيَّاكَ وَجَبْهَ أَهْلِ الشَّرَفِ، وَالتَّكَبُّرَ عَلَيْهِم. وَقِيْلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيْدَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُهُ شَيْءٌ عَمِلْتُهُ فِي أَمْرِكَ، شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْماً قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، وَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ، فَجَمَعْتُ ذَلِكَ، فَإِذَا مِتُّ، فَاحْشُ بِهِ فَمِي وَأَنْفِي. عَبْدُ الأَعْلَى بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْصَى، فَقَالَ:   (1) رجاله ثقات إلا أن فيه تدليس بقية، وهو في سنن أبي داود (4131) في اللباس مطولا، وأخرج الامام أحمد 4 / 132 اوله إلى قوله " من علي " وقد صرح فيه بقية بالتحديث. (2) " أنسب الاشراف " 4 / 44، و" الامالي " للقالي 2 / 311، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وأورده ابن كثير 8 / 141 بأطول مما هنا، ونسبه لابن أبى الدنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 كُنْتُ أُوَضِّئُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَعَ قَمِيْصَهُ، وَكَسَانِيْهُ، فَرَفَعْتُهُ، وَخَبَّأْتُ قُلاَمَةَ أَظْفَارِهِ، فَإِذَا مِتُّ، فَأَلْبِسُوْنِي القَمِيْصَ عَلَى جِلْدِي، وَاجْعَلُوا القُلاَمَةَ مَسْحُوْقَةً فِي عَيْنِي، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْحَمَنِي بِبَرَكَتِهَا (1) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِيْنَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا ابْنَ أَخِي فَانْظُرْ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هِيَ قَدْ سَرَتْ (2) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ، قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُوْصِي؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَقِلِ العَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَمَا وَرَاءكَ مَذْهَبٌ. وَقَالَ: هُوَ المَوْتُ لاَ مَنْجَى مِنَ المَوْتِ وَالَّذِي ... نُحَاذِرُ بَعْدَ المَوْتِ أَدْهَى وَأَفْظَعُ قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: صَلَّى الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ الفِهْرِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَدُفِنَ بَيْنَ بَابِ الجَابِيَةِ وَبَابِ الصَّغِيْرِ (3) - فِيمَا بَلَغَنِي -. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: احْشُوا عَيْنِي بِالإِثْمِدِ، وَأَوْسِعُوا رَأْسِي دُهْناً. فَفَعَلُوا، وَبَرَّقُوا (4) وَجْهَهُ بِالدُّهْنِ، ثُمَّ مُهِّدَ لَهُ، وَأُجْلِسَ وَسُنِدَ. ثُمَّ قَالَ: لِيَدْنُ النَّاسُ، فَلْيُسَلِّمُوا قِيَاماً. فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ، وَيَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: هُوَ لِمَا بِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ النَّاسِ. فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ:   (1) " أنساب الاشراف " 4 / 153، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وابن عساكر 16 / 378 ب، و" تاريخ الطبري " 5 / 326، 327. (2) " أنساب الاشراف " 4 / 41، و" طبقات ابن سعد " 4 / 1 / 83، و" تاريخ الإسلام " 2 / 323، وابن عساكر 16 / 287 ب. (3) دخل قبره اليوم في مقبرة الباب الصغير إحدى مقابر دمشق، وهو؟ ؟ ؟ ؟ وقد جدد بناؤه في السنوات الأخيرة. (4) أي: لمعوا وجهه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِيْنَ أُرِيْهُمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيْمَةٍ لاَ تَنْفَعُ (1) إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَسِيْبَا نَخْلٍ، فَقَالَ: هَلِ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا ذُقْنَا وَجَرَّبْنَا، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَغْبُرْ فِيْكُم إِلاَّ ثَلاَثاً، ثُمَّ أَلْحَقُ بِاللهِ. قَالُوا: إِلَى مَغْفِرَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ. قَالَ: إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، قَدْ عَلِمَ اللهُ أَنِّي لَمْ آلُ، وَلَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُغَيِّرَ غَيَّرَ (2) . وَعَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَابْنُهُ يَزِيْدُ بِحُوَّارِيْنَ (3) . أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى المَسْجَدِ، فَأَتَيْتُ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَهُمْ يَبْكُوْنَ فِي الخَضْرَاءِ، وَابْنُهُ يَزِيْدُ فِي البَرِّيَّةِ (4) ، وَهُوَ وَلِيُّ عَهْدِهِ، وَكَانَ مَعَ أَخْوَالِهِ بَنِي كَلْبٍ، فَقَدِمَ فِي زِيِّهِمْ، فَتَلَقَّيْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى بُخْتِيٍّ لَهُ زَجَلٌ. قَالَ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَلاَ سَيْفٌ، وَكَانَ عَظِيْمَ الجِسْمِ، سَمِيْناً، فَسَارَ إِلَى   (1) الخبر في " الطبري " 5 / 327، وابن عساكر 16 / 377 ب، وابن الأثير 4 / 7، وابن كثير 8 / 142، وابيتان لأبي ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد أشعر شعراء هذيل من قصيدته السائرة التي رثى بها بنيه الخمسة هلكوا بالطاعون في عام واحد ومطلعها: أمن المنون وريبها تتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع وهي في " شرح أشعار الهذليين " 1 / 3، 43، و" المفضليات ": 421، 429. (2) " أنساب الاشراف " 4 / 50، وابن عساكر 16 / 377. (3) " أنساب الاشراف " 4 / 154. (4) مر في الخبر المتقدم أنه كان في " حوارين " وهي موضعان، أحدهما قرية من جلب المعروفة إلى أيامنا هذه، والثاني: حصن حوارين بقرب حمص، وفي كتاب الفتوح لأبي حذيفة إسحاق بن بشير: سار خالد بن الوليد من تدمر حتى مر بالقريتين وهي التي تدعى بحوارين، وهي من تدمر على مرحلتين، وبهامات يزيد بن معاوية سنة 64، " معجم البلدان " 2 / 315، 316، وقال ابن الأثير في " الكامل " 4 / 9: كان ولده يزيد بحوارين، فكتبوا إليه يحثونه على المجئ ليدركه ... فأقبل يزيد وقد دفن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 بَابِ الصَّغِيْرِ، فَنَزَلَ، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ الضَّحَّاكُ الفِهْرِيُّ إِلَى قَبْرِ مُعَاوِيَةَ، فَصَفَّنَا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً، ثُمَّ رَكِبَ بَغْلَتَهُ إِلَى الخَضْرَاءِ (1) ، ثُمَّ نُوْدِيَ وَقْتَ الظُّهْرِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. فَاغْتَسَلَ، وَخَرَجَ، فَجَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، وَعَجَّلَ العَطَاءَ، وَأَعْفَاهُم مِنْ غَزْوِ البَحْرِ، فَافْتَرَقُوا، وَمَا يُفَضِّلُوْنَ عَلَيْهِ أَحَداً (2) . قَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ. فَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَجَبٍ. وَقِيْلَ: لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْهُ. وَعَاشَ: سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. مُسْنَدُهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : مائَةٌ وَثَلاَثَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَقَدْ عَمِلَ الأَهْوَازِيُّ (مُسْنَدَهُ) فِي مُجَلَّدٍ. وَاتَّفَقَ لَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ (3) . 26 - عَدِيُّ بنُ حَاتِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ الطَّائِيُّ * (ع) ابْنِ الحَشْرَجِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ عَدِيٍّ، الأَمِيْرُ،   (1) الخضراء: قصر معاوية في دمشق، وكانت بجانب الجامع الأموي من جهة القبلة. (2) ابن عساكر 16 / 380 / آ، وابن كثير 8 / 143، 144. (3) انظر البخاري 1 / 150، و2 / 328، و3 / 450، و4 / 412، و7 / 81، و10 / 315، و13 / 102، و281، ومسلم (387) و (883) و (1037) و (1038) و (1129) و (1246) و (2127) و (2352) و (2701) . (*) طبقات ابن سعد 6 / 22، طبقات خليفة: 463، و904، المحبر: 126، 156، 233، 241، 261، التاريخ الكبير 7 / 43، التاريخ الصغير 1 / 148، المعارف: 313، الجرح والتعديل 7 / 2، مروج الذهب 3 / 190، جمهرة أنساب العرب: 402، الاستيعاب: 1057، تاريخ بغداد 1 / 189، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 398، تاريخ ابن عساكر 11 / 234 آ، أسد الغابة 3 / 392، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 327، تهذيب الكمال: 925، تاريخ الإسلام 3 / 46، العبر 1 / 74، تذهيب التهذيب 3 / 36 آ، جامع الأصول 9 / 111، مراة الجنان 1 / 142، الإصابة 2 / 468، تهذيب التهذيب 7 / 166، خلاصة تذهيب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الشَّرِيْفُ، أَبُو وَهْبٍ، وَأَبُو طَرِيْفٍ الطَّائِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدُ حَاتِمِ طَيٍّ الَّذِي يُضْرَبُ بِجُوْدِهِ المَثَلُ. وَفَدَ عَدِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسْطِ سَنَةِ سَبْعٍ، فَأَكْرَمَهُ، وَاحْتَرَمَهُ. لَهُ: أَحَادِيْثُ. رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَمُحِلُّ بنُ خَلِيْفَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَخَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَمِيْمُ بنُ طَرَفَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلٍ المُزَنِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ، وَهَمَّامُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ أَحَدَ مَنْ قَطَعَ بَرِّيَّةَ السَّمَاوَةِ مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ وَجَّهَهُ خَالِدٌ بِالأَخْمَاسِ إِلَى الصِّدِّيْقِ، نَزَلَ الكُوْفَةَ مُدَّةً، ثُمَّ قَرْقِيْسِيَا مِنَ الجَزِيْرَةِ. أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ حَدِيْثِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي لاَ آتِيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ كُنْتُ بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقاً تَبِعْتُهُ. فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، اسْتَشْرَفَنِي النَّاسُ، فَقَالَ لِي: (يَا عَدِيُّ! أَسْلِمْ تَسْلَمْ) . قُلْتُ: إِنَّ لِي دِيْناً. قَالَ: (أَنَا أَعْلَمُ بِدِيْنِكَ مِنْكَ، أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟) . قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: (أَلَسْتَ رَكُوْسِيّاً (1) تَأْكُلُ المِرْبَاعَ (2) ؟) . قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: (فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لَكَ فِي دِيْنِكَ) . فَتَضَعْضَعْتُ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: (يَا عَدِيُّ! أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَظُنُّ مِمَّا   = الكمال: 223، شذرات الذهب 1 / 74. (1) قال في " النهاية ": الركوسية: هو دين بين النصارى والصابئين. (2) كانوا في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا، وغنموا، أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا دون أصحابه، ويسمى ذلك الربع المرباع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 يَمْنَعُكَ أَنْ تُسْلِمَ خَصَاصَةٌ تَرَاهَا بِمَنْ حَوْلِي، وَأَنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْباً وَاحِداً، هَلْ أَتَيْتَ الحِيْرَةَ؟) . قُلْتُ: لَمْ آتِهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا. قَالَ: (تُوْشِكُ الظَّعِيْنَةُ أَنْ تَرْتَحِلَ مِنَ الحِيْرَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ حَتَّى تَطُوْفَ بِالبَيْتِ، وَلَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوْزُ كِسْرَى) . قُلْتُ: كِسْرَى بنُ هُرْمُزَ! قَالَ: (كِسْرَى بنُ هُرْمُزَ، وَلَيَفِيْضَنَّ المَالُ حَتَّى يَهِمَّ الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ مَالَهُ صَدَقَةً) . قَالَ عَدِيٌّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ، وَأَحْلِفُ بِاللهِ لَتَجِيْئَنَّ الثَّالِثَةُ -يَعْنِي: فَيْضَ المَالِ (1) -. رَوَى قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ جَاءَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: أَعْرِفُكَ، أَقَمْتَ (2) إِذْ كَفَرُوا، وَوَفَّيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا (3) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: مَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةٍ حَتَّى أَشْتَاقَ إِلَيْهَا. وَعَنْهُ: مَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وُضُوْءٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ عَلَى طَيِّئ يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، قَالَ عَدِيٌّ: لاَ يَنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانِ (4) . فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَقِيْلَ   (1) إسناده قوي، وهو في " المسند " 4 / 377، 378 من طريق محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن عدي، وأورده ابن الأثير في " أسد الغابة " 4 / 8 من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين به، وهو عند ابن عساكر 16 / 237 آ. (2) أقمت: أي ثبت على الإسلام ولم ترتد، فقد قدم على أبي بكر الصديق في وقت الردة بصدقة قومه، وفي " تاريخ الإسلام " 3 / 47: " آمنت " وفي " تاريخ بغداد " 1 / 190 و" أسد الغابة " 4 / 10: " أسلمت ". (3) ابن عساكر 16 / 239 آ. (4) أي: لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان، لان النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 لَهُ: أَمَا قُلْتَ: لاَ يَنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانِ؟ قَالَ: بَلَى، وَتُفْقَأُ عُيُوْنٌ كَثِيْرَةٌ (1) . وَقِيْلَ: قُتِلَ وَلَدُهُ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَدِيّاً رَجُلاً جَسِيْماً، أَعْوَرَ، يَسْجُدُ عَلَى جِدَارٍ ارْتِفَاعُهُ نَحْوُ ذِرَاعٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالُوا: عَاشَ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ مائَةً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (2) . جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَدِيٌّ، وَجَرِيْرٌ البَجَلِيُّ، وَحَنْظَلَةُ الكَاتِبُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَنَزَلُوا قَرْقِيْسِيَاءَ، وَقَالُوا: لاَ نُقِيْمُ بِبَلَدٍ يُشْتَمُ فِيْهِ عُثْمَانُ (3) . قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: مَاتَ عَدِيٌّ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَلَهُ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ. 27 - زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ بنِ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ النُّعْمَانِ بنِ مَالِكٍ الأَغَرِّ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ كَعْبِ بنِ   = وهو إشارة إلى قضية مخصوصة لا يجري فيها خلف ونزاع. (1) ابن عساكر 11 / 241 ب، وزاد: كذا قال: يوم صفين، وإنما فقئت عين عدي يوم الجمل. (2) ذكره المؤلف في " تاريخه " 3 / 48، وزاد، فلما أسن، استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم، وقال: أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي فضلا، ولكني قد كبرت ورق عظمي (3) " تاريخ بغداد " 1 / 191، و" ابن عساكر " 11 / 243 آ. وقرقيسيا: بلد في الشام على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ، وعندها مصب الخابور في الفرات، فهي في مثلث بين الخابور والفرات " معجم البلدان ". (4) نسب المصنف هذا القول في " تاريخه " 3 / 48 إلى أبي عبيد. * طبقات ابن سعد 6 / 18، طبقات خليفة: ت 594، 931، التاريخ الكبير 3 / 385، المعرفة والتاريخ 1 / 303، الجرح والتعديل 3 / 554، مشاهير علماء الأمصار: ت 296، جمهرة = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 الخَزْرَجِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ، أَبُو عَمْرٍو. وَيُقَالُ: أَبُو عَامِرٍ. وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو سَعْدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو أُنَيْسَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، مِنْ مَشَاهِيْرِ الصَّحَابَةِ. شَهِدَ: غَزْوَةَ مُؤْتَةَ، وَغَيْرَهَا. وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَطَاوُوْسٌ، وَالنَّضْرُ بنُ أَنَسٍ، وَيَزِيْدُ بنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ (1) ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ قَوْمِهِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ، فَخَرَجَ بِي مَعَهُ إِلَى مُؤْتَةَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيْبَةِ رَحْلِهِ (2) . وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: رَدَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَراً يَوْمَ أُحُدٍ اسْتَصْغَرَهُم، مِنْهُم: أُسَامَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالبَرَاءُ، وَزَيْدُ بنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَجَعَلَهُم حَرَساً لِلذُّرِّيَّةِ (3) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ: رَمِدْتُ، فَعَادَنِي   = أنساب العرب: 365، الاستيعاب: 535، المستدرك 3 / 532، 533، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 143، تاريخ ابن عساكر 6 / 268 آ، أسد الغابة 2 / 219، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 199، تهذيب الكمال: 450، تاريخ الإسلام 3 / 16، العبر 1 / 73، تذهيب التهذيب 1 / 247 آ، مجمع الزوائد 9 / 381، الإصابة 1 / 560، تهذيب التهذيب 3 / 394، الوافي بالوفيات 15 / 22، الطبراني 5 / 183، 242، خلاصة تذهيب الكمال: 108، شذرات الذهب 1 / 74، خزانة الأدب 1 / 363، تهذيب ابن عساكر 5 / 439. (1) من قوله " وطاووس " إلى هنا سقط من المطبوع. (2) هو في " الإصابة " 1 / 560، و" الوافي بالوفيات " 15 / 22. (3) انظر ابن هشام 2 / 66، و" زاد المعاد " 3 / 195، و" شرح المواهب " 2 / 25، 26، وفي الباب عن زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناسا يوم أحد، منهم زيد بن أرقم. أخرجه الطبراني برقم (4962) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ يَا زَيْدُ إِنْ كَانَتْ عَيْنَاكَ (1) لِمَا بِهِمَا، كَيْفَ تَصْنَعُ؟) . قُلْتُ: أَصْبِرُ، وَأَحْتَسِبُ. قَالَ: (إِنْ فَعَلْتَ دَخَلْتَ الجَنَّةَ) . وَفِي لَفْظٍ: (إِذاً تَلْقَى اللهَ وَلاَ ذَنْبَ لَكَ (2)) . وَفِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) : مِنْ طَرِيْقِ أُنَيْسَةَ: أَنَّ أَبَاهَا زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ عَمِيَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ (3) . قَالَ أَبُو المِنْهَالِ: سَأَلْتُ البَرَاءَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَعْلَمُ. أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُوْلٍ يَقُوْلُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ عِنْدِهِ، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِيْنَةِ، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَحَدَّثْتُ بِهِ عَمِّي، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ. فَدَعَانِي رَسُوْلُ اللهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَجَاؤُوا، فَحَلَفُوا بِاللهِ مَا قَالُوا. فَصَدَّقَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   (1) في الأصل " عينيك " والتصويب من " المسند " والطبراني. (2) رجاله ثقات، أخرجه أحمد 4 / 375، والطبراني (5052) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، وأخرجه الطبراني برقم (5098) من طريق سفيان، عن جابر، عن خيثمة، عن زيد بن أرقم، وجابر وهو ابن يزيد الجعفي ضعيف، وله طريق ثالث سيأتي. وأخرجه مختصرا أبو داود (3102) ، والحاكم 1 / 342 من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني، وصححه الحاكم، وواقفه الذهبي. (3) وأخرجه الطبراني برقم (5126) من طريق أمية بن بسطام، حدثنا معتمر بن سليمان، حدثنا نباتة بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زيد بن أرقم يعوده من مرض كان به قال: " ليس عليك من مرضك هذا بأس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت " قال: إذا أحتسب وأصبر، قال: " إذا تدخل الجنة بغير حساب "، قال: فعمي بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات رحمه الله، ونباتة وحمادة وأنيسة مجهولات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وَكَذَّبَنِي، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ هَمٌّ. وَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُوْلُ اللهِ، وَمَقَتَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُوْنَ} . فَدَعَاهُم رَسُوْلُ اللهِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِم، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ (1)) . وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ نَحْواً مِنْهُ (2) . قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَخَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَدْ طَوَّلَ تَرْجَمَتَهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (3) . 28 - أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ   (1) أخرجه البخاري 8 / 494 و496 و497 في تفسير سورة المنافقين، ومسلم (2772) في أول صفات المنافقين، وأحمد 4 / 373، والطبراني رقم (5050) . (2) هو في سنن الترمذي برقم (3314) في التفسير، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) انظر " تاريخه " 6 / 268 آ، 278 آ. (*) طبقات خليفة: ت 601، المحبر: 291، 429، المعارف: 268، مشاهير علماء الأمصار: ت 26، المستدرك 3 / 563، جمهرة أنساب العرب: 362، معجم الطبراني الكبير 6 / 40، الاستيعاب: 602، تاريخ بغداد: 180، طبقات الشيرازي: 51، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 158، تاريخ ابن عساكر 7 / 90 ب، أسد الغابة 2 / 289 و5 / 211، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 237، تهذيب الكمال: 476، تاريخ الإسلام 3 / 220، تذكرة الحفاظ 1 / 41، العبر 1 / 84، تذهيب التهذيب 2 / 10 ب، الوافي بالوفيات 15 / 148، مرآة الجنان 1 / 155، البداية والنهاية 9 / 3، الإصابة 2 / 35، تهذيب التهذيب 3 / 479، النجوم الزاهرة 1 / 192، خلاصة تذهيب الكمال: 115، شذرات الذهب 1 / 81، تهذيب ابن عساكر 6 / 110. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ. وَقِيْلَ: بَلْ خُدْرَةُ هِيَ أُمُّ الأَبْجَرِ (1) . وَأَخُو أَبِي سَعِيْدٍ لأُمِّهِ هُوَ: قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ، أَحَدُ البَدْرِيِّيْنَ. اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بنُ سُلَيْمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ النَّدَبِيُّ، وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَأَبُو الوَدَّاكِ، وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَبَّابٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، وَأَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ، وَعِيَاضُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ، وَأَبُو الهَيْثَمِ سُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو العُتْوَارِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عُرِضْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَجَعَلَ أَبِي يَأْخُذُ بِيَدِي، وَيَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهُ عَبْلُ العِظَامِ. وَجَعَلَ نَبِيُّ اللهِ يُصَعِّدُ فِيَّ النَّظَرَ، وَيُصَوِّبُهُ، ثُمَّ قَالَ: (رُدَّهُ) . فَرَدَّنِي (2) .   (1) انظر " المستدرك " 3 / 563، و" أسد الغابة " 2 / 365، و" الاستيعاب " 2 / 47. (2) ابن عساكر 7 / 94 / ب، و" تهذيبه " 6 / 113، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، وفي = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: أَنْبَأَنَا عَقِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَةُ الإِسْلاَمِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ رُوْحُكَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، وَعَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلاَّ فِي حَقٍّ، فَإِنَّكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ (1) . وَرَوَى: حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَحْدَاثِ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ (2) . قَالَ أَبُو عَقِيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو سَعِيْدٍ يَوْمَ الحَرَّةِ غَاراً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِيْهِ رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ تَقْتُلُهُ؟ فَلَمَّا انْتَهَى الشَّامِيُّ إِلَى بَابِ الغَارِ، وَفِي عُنُقِ أَبِي سَعِيْدٍ السَّيْفُ، قَالَ لأَبِي سَعِيْدٍ: اخْرُجْ. قَالَ: لاَ أَخْرُجُ، وَإِنْ تَدْخُلْ أَقتُلْكَ. فَدَخَلَ الشَّامِيُّ عَلَيْهِ، فَوَضَعَ أَبُو سَعِيْدٍ السَّيْفَ، وَقَالَ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. قَالَ: أَنْتَ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاسْتَغْفِرْ لِي، غَفَرَ اللهُ لَكَ (3) . عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ يَلْبَسُ الخَزَّ (4) .   = الطبراني برقم (5150) من طريق زيد بن جارية قال: استصغر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا يوم أحد، منهم زيد ابن جارية - يعني نفسه - والبراء بن عازب، وسعد بن خيثمة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله. (1) " ابن عساكر " 7 / 95 ب، من طريق ابن المبارك، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، وفيه انقطاع بين عقيل بن مدرك وأبي سعيد، وفيه: أن رجلا أتى أبا سعيد، فقال له: أوصني يا أبا سعيد، فقال له: سألت عما سألت من قبلك ... (2) ابن سعد 2 / 374، وابن عساكر 7 / 96 آ، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220. (3) ابن عساكر 7 / 96، و" تاريخ الإسلام " 3 / 220، 221. (4) " تاريخ الإسلام " 3 / 221. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ يُحْفِي شَارِبَهُ كَأَخِي الحِلَقِ (1) . وَقَدْ رَوَى: بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ فِي (مُسْنَدِهِ الكَبِيْرِ) لأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ بِالمُكَرَّرِ أَلْفَ حَدِيْثٍ وَمائَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَلابْنِ المَدِيْنِيِّ (2) - مَعَ جَلاَلَتِهِ - فِي وَفَاةِ أَبِي سَعِيْدٍ قَوْلاَنِ، شَذَّ بِهِمَا وَوَهِمَ. فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: مَاتَ بَعْدَ الحَرَّةِ بِسَنَةٍ. أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِيْنٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ المُعَلَّى بنِ زِيَادٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ بَشِيْرٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: أَتَى عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ ضَعَفَةِ المُسْلِمِيْنَ، مَا أَظُنُّ رَسُوْلَ اللهِ يَعْرِفُ أَحَداً مِنْهُم، وَإِنَّ بَعْضَهُم لَيَتَوَارَى مِنْ بَعْضٍ مِنَ العُرْيِ (3) . فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ بِيَدِهِ، فَأَدَارَهَا شِبْهَ الحَلْقَةِ. قَالَ: فَاسْتَدَارَتْ لَهُ الحَلْقَةُ، فَقَالَ: (بِمَا كُنْتُم تُرَاجِعُوْنَ؟) . قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ لَنَا القُرْآنَ، وَيَدْعُو لَنَا. قَالَ: (فَعُوْدُوا لِمَا كُنْتُم فِيْهِ) . ثُمَّ قَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُم) . ثُمَّ قَالَ: (لِيُبَشَّرَ فُقَرَاءُ المُؤْمِنِيْنَ بِالفَوْزِ يَوْمَ   (1) " تاريخ الإسلام " 3 / 221. والاحفاء: المبالغة في القص. (2) هو علي بن المديني، وقد تحرف في المطبوع إلى " المدائني "، وفي " تاريخ الإسلام " 3 / 221 للمؤلف: وقال ابن المديني قولين لم يتابع عليهما. (3) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " وإن بعضهم لسوادي من بعض القرى ". وهو تحريف شنيع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 القِيَامَةِ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِمِقْدَارِ خَمْسِ مائَةِ عَامٍ، هَؤُلاَءِ فِي الجَنَّةِ يَتَنَعَّمُوْنَ، وَهَؤُلاَءِ يُحَاسَبُوْنَ) . تَابَعَهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ المُعَلَّى. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) وَحْدَهُ. مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ. 29 - سَفِيْنَةُ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (م، 4) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ عَبْداً لأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَعْتَقَتْهُ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ (2) .   (1) رقم (3666) في العلم: باب في القصص، والعلاء بن بشير: قال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه غير المعلى، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجله ثقات. وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد 2 / 296، والترمذي (2354) ، وابن ماجه (4122) بلفظ " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمس مئة عام " وسنده حسن، وصححه الترمذي، وابن حبان (2567) . (*) طبقات خليفة: ت 32، 117، المحبر: 128، التاريخ الكبير 4 / 209، و7 / 427 مهران، التاريخ الصغير 1 / 197، المعارف: 146، 147، الجرح والتعديل 4 / 320، و8 / 300 مهران، مشاهير علماء الأمصار: ت 250، المستدرك 3 / 606، الاستيعاب 2 / 129، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 206، أسد الغابة 2 / 190، 324 و4 / 424 مهران تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 225، نهاية الارب 18 / 233، تهذيب الكمال: 520، تاريخ الإسلام 3 / 158، تذهيب التهذيب 2 / 37 ب، الوافي بالوفيات 15 / 405، مجمع الزوائد 9 / 366، الإصابة 2 / 58، تهذيب التهذيب 4 / 125، المطالب العالية 4 / 125، معجم الطبراني 7 / 94، الوافي بالوفيات 15 / 285، خلاصة تذهيب الكمال: 137. (2) أخرجه أبو داود (3932) في العتق: باب في العتق على الشرط، وابن ماجه (2526) في العتق: باب من أعتق عبدا واشترط خدمة، والطبراني (6447) ، والحاكم 3 / 606 عن سعيد ابن جمهان، عن سفينة. وسنده حسن، وفيه عند أبي داود والطبراني زيادة، وهي: فقلت: إن لم تشترطي علي، ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت، فأعتقتني، واشترطت علي. وذكره في = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 رُوِيَ لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ) : أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ، سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ جُمْهَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَبُو رَيْحَانَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَطَرٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَصَالِحٌ أَبُو الخَلِيْلِ، وَغَيْرُهُم. وَسَفِيْنَةُ: لَقَبٌ لَهُ، وَاسْمُهُ: مِهْرَانُ. وَقِيْلَ: رُوْمَانُ. وَقِيْلَ: قَيْسٌ. قِيْلَ: إِنَّهُ حَمَلَ مَرَّةً مَتَاعَ الرِّفَاقِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَنْتَ إِلاَّ سَفِيْنَةٌ) . فَلَزِمَهُ ذَلِكَ (1) . وَرَوَى: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِيْنَةَ: أَنَّهُ رَكِبَ البَحْرَ، فَانْكَسَرَ بِهِمُ المَرْكَبُ، فَأَلْقَاهُ البَحْرُ إِلَى السَّاحِلِ، فَصَادَفَ الأَسَدَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَسَدُ! أَنَا سَفِيْنَةُ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَدَلَّهُ الأَسَدُ عَلَى الطَّرِيْقِ. قَالَ: ثُمَّ هَمْهَمَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي السَّلاَمَ (2) . تُوُفِّيَ: بَعْدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.   = " الاستيعاب " 2 / 130، و" الإصابة " 2 / 58، و" تاريخ الإسلام " 3 / 158. (1) أخرج الامام أحمد 5 / 121 و222، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 369، والطبراني (6439) ، وابن قتيبة في " المعارف ": 146، 147 من طريق حشرج بن نباتة، حدثني سعيد بن جمهان، قال: سألت سفينة عن اسمه، فقال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة، قلت: لم سماك سفينة؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي: " ابسط كساءك "، فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم، ثم حملوه علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي. وإسناده حسن، وصححه الحاكم 3 / 606 ووافقه الذهبي لكن سقط من الإسناد عنده سعيد بن جمهان. (2) أخرجه الطبراني برقم (6432) من طريق ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن محمد بن المنكدر أن سفينة ... ورجاله ثقات، خلا أسامة بن زيد وهو الليثي، فقد قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم، ومحمد بن المنكدر لم يثبت سماعه من سفينة، ومع ذلك، فقد صححه الحاكم 3 / 606 ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 30 - جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، العَلَقِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَزَلَ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ. وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَالأَسْوَدُ بنُ قَيْسٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَبُو السَّوَّارِ العَدَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: شَيَّعْنَا جُنْدُباً، فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنَا. قَالَ: أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوْصِيْكُم بِالقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نُوْرٌ بِاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَهُدَىً بِالنَّهَارِ، فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جُهْدٍ وَفَاقَةٍ، فَإِنْ عَرَضَ بَلاَءٌ، فَقَدِّمْ مَالَكَ دُوْنَ دِيْنِكَ، فَإِنْ تَجَاوَزَ البَلاَءُ، فَقَدِّمْ مَالَكَ وَنَفْسَكَ دُوْنَ دِيْنِكِ، فَإِنَّ المَخْرُوْبَ مَنْ خَرِبَ دِيْنُهُ، وَالمَسْلُوْبَ مِنْ سُلِبَ دِيْنُهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ فَاقَةَ بَعْدَ الجَنَّةِ، وَلاَ غِنَىً بَعْدَ النَّارِ (1) . حَمَّادُ بنُ نَجِيْحٍ: عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنَّا   = " الخصائص الكبرى " وزاد نسبته إلى ابن سعد، وأبي يعلى والبزار وابن مندة، والبيهقي، وأبي نعيم. وأخرجه بنحوه عبد الرزاق في " المصنف " (20544) من طريق معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن جحش، عن ابن المنكدر، أن سفينة ... وهذا سند رجاله ثقات لكن تبقى علة عدم سماع ابن المنكدر من سفينة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 35، طبقات خليفة: ت 734، 960، 1475، التاريخ الكبير 2 / 221، الجرح والتعديل 2 / 510، مشاهير علماء الأمصار: ت 300، الاستيعاب: 256، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 76، أسد الغابة 1 / 304، تهذيب الكمال: 208، تاريخ الإسلام 3 / 3، تذهيب التهذيب 1 / 111 آ، الإصابة 1 / 248، تهذيب التهذيب 2 / 117، معجم الطبراني 2 / 168، 191، خلاصة تذهيب الكمال: 55. (1) رجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 غِلْمَاناً حَزَاوِرَةً مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَعَلَّمْنَا الإِيْمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ القُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا القُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيْمَاناً (1) . عَاشَ جُنْدُبٌ البَجَلِيُّ - وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ - وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سنَةِ سَبْعِيْنَ. وَهُوَ غَيْرُ: 31 - جُنْدُبٍ الأَزْدِيِّ، أَبِي عَبْدِ اللهِ * (ت) فَذَاكَ: جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَيُقَالُ: جُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَتَمِيْمُ بنُ الحَارِثِ، وَحَارِثَةُ بنُ وَهْبٍ. قَدِمَ دِمَشْقَ، وَيُقَالُ لَهُ: جُنْدُبُ الخَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ المُشَعْوِذَ. رَوَى: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ سَاحراً كَانَ يَلْعَبُ   (1) رجاله ثقات، أخرجه ابن ماجه (61) في المقدمة من طريق علي بن محمد، حدثنا وكيع بهذا الإسناد، وقال البوصيري في " الزوائد " 6 / 1: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني (1652) من طريقين، بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 373 من طريق بهز، حدثنا حماد ابن سلمة، قال: أخبرنا أبوعمران الجوني، عن جندب قال: إني قد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاما حزورا، وإن فلانا أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجئ المقتول يوم القيامة متعلقا بالقاتل، فيقول: رب، سله فيم قتلني؟ فيقول في ملك فلان ... " والحزاورة: جمع حزور وحزور: وهو الغلام إذا قارب البلوغ، والتاء لتأنيث الجمع. (*) تذهيب التهذيب 1 / 111 آ، تاريخ الإسلام 3 / 3، الإصابة 1 / 250، خلاصة تذهيب الكمال: 55، تهذيب ابن عساكر 3 / 413. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عُقْبَةَ الأَمِيْرِ، فَكَانَ يَأْخُذُ سَيْفَهُ، فَيَذْبَحُ نَفْسَهُ وَلاَ يَضُرُّهُ. فَقَامَ جُنْدُبٌ إِلَى السَّيْفِ، فَأَخَذَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {أَفَتَأْتُوْنَ السِّحْرَ وَأَنْتُم تُبْصِرُوْنَ (1) } [الأَنْبِيَاءُ: 3] . إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبِ الخَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ (2)) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ: أَنَّ الوَلِيْدَ كَانَ بِالعِرَاقِ، فَلَعِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاحِرٌ، فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَ الرَّجُلِ، ثُمَّ يَصِيْحُ بِهِ، فَيَقُوْمُ خَارِجاً، فَيَرْتَدُّ إِلَيْهِ رَأْسُهُ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ! وَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ صَالِحِي المُهَاجِرِيْنَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَذَهَبَ لِيَلْعَبَ، فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَادِقاً، فَلْيُحْيِي نَفْسَهُ. فَسَجَنَهُ الوَلِيْدُ، فَهَرَّبَهُ السَّجَّانُ لِصَلاَحِهِ (3) . وَعَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوْطٍ، عَنْ خَالِهِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: جَاءَ سَاحِرٌ مِنْ بَابِلَ، فَأَخَذَ يُرِي النَّاسَ الأَعَاجِيْبَ، يُرِيْهِم حَبْلاً فِي المَسْجَدِ، وَعَلَيْهِ فِيْلٌ   (1) أخرجه الطبراني برقم (1725) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا خالد الحذاء، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 3 / 413، وذكره المؤلف في " تاريخ الإسلام " 3 / 3،، وقال: إسناده صحيح، وأخرجه الدارقطني 3 / 114 إلا أنه قال جندب البجلي. (2) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم وهو المكي، وهو في " سنن الترمذي " (1460) في الحدود، و" المستدرك " 4 / 360، و" الدارقطني " 3 / 114. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، إسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، والصحيح عن جندب موقوف، وضعفه أيضا الحافظ في " الفتح " وقال المؤلف في " الكبائر " ص 46: الصحيح أنه من قول جندب. وقد أخرجه الطبراني (1666) من طريق جندب البجلي، فأخطأ. (3) " تاريخ الإسلام " 3 / 3، وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 250، ونسبه للبيهقي في " الدلائل ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 يَمْشِي، وَيُرِي حِمَاراً يَشْتَدُّ حَتَّى يَجِيْءَ، فَيَدْخُلَ فِي فَمِهِ، وَيَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَيَضْرِبُ عُنُقَ رَجُلٍ، فَيَقَعُ رَأْسُهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ لَهُ: قُمْ، فَيَعُوْدُ حَيّاً. فَرَأَى جُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ ذَلِكَ، فَأَخَذَ سَيْفاً، وَأَتَى وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى السَّاحِرِ، فَدَنَا مِنْهُ، فَضَرَبَهُ، فَأَذْرَى رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَحْيِ نَفْسَكَ. فَأَرَادَ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، وَحَبَسَهُ (1) . وَجُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُهَيْرٍ (2) ، وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ زُهَيْرِ بنِ الحَارِثِ الغَامِدِيُّ، الأَزْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَمَا رَوَى شَيْئاً. شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ أَمِيْراً، كَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: جُنْدُبُ الخَيْرِ: هُوَ جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ضَبَّةَ، وَجُنْدُبُ بنُ كَعْبٍ: هُوَ قَاتِلُ السَّاحِرِ، وَجُنْدُبُ بنُ عَفِيْفٍ، وَجُنْدُبُ بنُ زُهَيْرٍ قُتِلَ بِصِفِّيْنَ، وَكَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ، فَالأَرْبَعَةُ مِنَ الأزْدِ. وَجُنْدُبُ بنُ جُنْدُبِ بنِ عَمْرِو بنِ حُمَمَةَ (3) الدَّوْسِيُّ الأَزْدِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ. نَقَلَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَنَّ جَدَّهُ (4) مِنَ المُهَاجِرِيْنَ. 32 - النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ أَبُو لَيْلَى * شَاعِرُ زَمَانِهِ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ، وَرِوَايَةٌ. وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 414، وأبو محنف لوط بن يحيى أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره. (3) مترجم في " الإصابة " 1 / 248. (3) تحرفت في المطبوع إلى " حمنة " وانظر " معجم الطبراني " 2 / 194. (4) بل المهاجر أبوه كما في ترجمة جندب بن عمرو في " الإصابة " 1 / 249. (*) طبقات خليفة: ت 410، المحبر: انظر الفهرس، طبقات فحول الشعراء 1 / 123، 131، الشعر والشعراء: 208، الاغاني 5 / 1، 34، معجم الشعراء: 195، المعمرين = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 يُقَالُ: عَاشَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ يَتَنَقَّلُ فِي البِلاَدِ، وَيَمْتَدِحُ الأُمَرَاءَ، وَامْتَدَّ عُمُرُهُ. قِيْلَ: عَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: اسْمُهُ: قَيْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُدَسِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ جَعْدَةَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ فِي ابْنِ الزُّبَيْرِ: حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيْقَ لَمَّا وَلِيْتَنَا ... وَعُثْمَانَ، وَالفَارُوْقَ، فَارْتَاحَ مُعْدِمُ وَسَوَّيْتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الحَقِّ فَاسْتَوَوْا ... فَعَادَ صَبَاحاً حَالِكُ اللَّيْلِ مُظْلِمُ (2) ... فِي أَبْيَاتٍ. فَأَمَرَ لَهُ بِسَبْعِ قَلاَئِصَ، وَتَمْرٍ، وَبُرٍّ. وَقَدْ حدَّثَ عَنْهُ: يَعْلَى بنُ الأَشْدَقِ (3) ، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: عَاشَ مائَةً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَشِعْرُهُ سَائِرٌ كَثِيْرٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: حَيَّانُ بنُ قَيْسٍ، وَكَانَ فِيْهِ دِيْنٌ وَخَيْرٌ.   = للسجستاني: 56، جمهرة أنساب العرب: 289، الاستيعاب: 1297، 1514، أسد الغابة 4 / 223 و5 / 2، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 120، 286، وفيه قيس بن عدي، تاريخ الإسلام 3 / 87، أمالي المرتضى 1 / 214، الإصابة 3 / 537، خزانة الأدب 1 / 512، شرح شواهد المغني 4 / 382، المؤتلف والمختلف: 292، سمط اللآآلي: 247. (1) " طبقات فحول الشعراء " 1 / 123. (2) " الإصابة " 3 / 540، والاول في " الاغاني " 5 / 28. (3) في " تاريخ المؤلف " 3 / 87: وقال يعلى بن الاشدق - وليس بثقة -: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الجنة، قال: أجل إن شاء الله، ثم قلت: ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الامر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يفضض الله فاك " مرتين. وذكره الحافظ في " الإصابة " 3 / 539. وقال: أخرجه البزار والحسن بن سفيان في مسنديهما، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " والشيرازي في = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 33 - عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الضَّمْرِيُّ * (ع) ابْنِ إِيَاسٍ، أَبُو أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: شَهِدَ مَعَ المُشْرِكِيْنَ بَدْراً وَأُحُداً. قُلْتُ: بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً وَحْدَهُ (1) ، وَبَعَثَهُ رَسُوْلاً إِلَى النَّجَاشِيِّ (2) ، وَغَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ الزِّبْرِقَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ. الزُّهْرِيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ كَتِفٍ يُحْتَزُّ مِنْهَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (3) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ حِيْنَ انْصَرَفَ المُشْرِكُوْنَ عَنْ أُحُدٍ. قَالَ: وَكَانَ   = " الألقاب " كلهم من رواية يعلى بن الاشدق. ويعلى بن الاشدق هذا قال فيه البخاري: لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: وضعوا له أحاديث، فحدث بها ولم يدر، وقال أبو زرعة: ليس بشيء لا يصدق. قلت: والابيات من قصيدة طويلة انظرها في شعره. * طبقات ابن سعد 4 / 248، طبقات خليفة: ت 182، المحبر: 76، 118، 119، 183، التاريخ الكبير 6 / 307، تاريخ الفسوي 1 / 325، الجرح والتعديل 6 / 220، المستدرك 3 / 623، جمهرة أنساب العرب: 185، الاستيعاب: 1162، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 362، تاريخ ابن عساكر 13 / 198 ب، أسد الغابة 4 / 86، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 24، تهذيب الكمال: 1027، تاريخ الإسلام 2 / 524، تهذيب التهذيب 3 / 94 آ، البداية والنهاية 8 / 46، العقد الثمين 6 / 365، الإصابة 2 / 524، تهذيب التهذيب 8 / 6، خلاصة تذهيب الكمال: 243. (1) " ابن سعد " 4 / 249، و" المسند " 4 / 139 و5 / 287. (2) " الاستيعاب " 2 / 497. (3) أخرجه مسلم (355) في الطهارة: باب نسخ الوضوء مما مست النار، وهو في صحيح البخاري 1 / 268 في الوضوء: باب من لم يتوضأ من لحم الشاة، والترمذي (1836) في الاطعمة، و" المسند " 4 / 139 و5 / 288. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 شُجَاعاً، مِقْدَاماً، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ: بِئْرُ مَعُوْنَةَ (1) . ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِيْسَى بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ الفَغْوَاءِ الخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُفَرِّقَهُ فِي فُقَرَاءِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ مُشْرِكُوْنَ يَتَأَلَّفُهُم، فَقَالَ لِي: (الْتَمِسْ صَاحِباً) . فَلَقِيْتُ عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، فَقَالَ: أَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي دُوْنَهُ: (يَا عَلْقَمَةُ، إِذَا بَلَغْتَ بَنِي ضَمْرَةَ، فَكُنْ مِنْ أَخِيْكَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ القَائِلِ: أَخُوْكَ البَكْرِيُّ وَلاَ تَأْمَنْهُ) . فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا جِئْنَا الأَبْوَاءَ، وَهِيَ بلاَدُ بَنِي ضَمْرَةَ، قَالَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ آتِيَ بَعْضَ قَوْمِي هَا هُنَا لِحَاجَةٍ لِي. قُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ. فَلَمَّا وَلَّى، ضَرَبْتُ بَعِيْرِي، وَذَكَرْتُ مَا أَوْصَانِي بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ -وَاللهِ - قَدْ طَلَعَ بِنَفَرٍ مِنْهُم مَعَهُ، مَعَهُم القِسِيُّ وَالنَّبْلُ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُم، ضَرَبْتُ بَعِيْرِي، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ فُتُّ القَوْمَ، أَدْرَكَنِي. فَقَالَ: جِئْتُ قَوْمِي، وَكَانَتْ لِي إِلَيْهِم حَاجَةٌ. فَقُلْتُ: أَجَلْ. فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ، دَفَعْتُ المَالَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَنْ رَأَى أَبَرَّ مِنْ هَذَا وَأَوْصَلَ، إِنَّا نُجَاهِدُهُ وَنَطْلُبُ دَمَهُ، وَهُوَ يَبْعَثُ إِلَيْنَا بِالصِّلاَتِ (2) . حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ يَعْقُوْبَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَوَجَدَ لَهُم بَاباً صَغِيْراً يَدْخُلُوْنَ   (1) ابن سعد 4 / 248. (2) إسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق، ولين عيسى بن معمر، وجهالة عبد الله بن علقمة. أخرجه ابن عساكر 13 / 200 آ، ب، وما بين حاصرتين منه ولابد منها فإنها هي التي تبين أن هذا الحديث له صلة بالمترجم، وأورده الحافظ في " الإصابة " 2 / 505 في ترجمة علقمة بن الفغواء، ونسبه إلى عمر بن شبة والبغوي، وهو عند أبي داود (4861) في الأدب: باب في الحذر من طريق ابن إسحاق، لكن قال: عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء، عن أبيه. وفي " التقريب " عبد الله بن عمرو بن الفغواء، وقيل: عبد الله بن علقمة بن الفغواء. وقوله: " أخوك البكري ولا تأمنه " مثل مشهور للعرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 مِنْهُ مُكَفِّرِيْنَ (1) ، فَدَخَلَ مِنْهُ القَهْقَرَى، فَشَقَّ عَلَيْهِم، وَهَمُّوا بِهِ. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: مَا مَنَعَكَ؟ قَالَ: إِنَّا لاَ نَصْنَعُ هَذَا بِنَبِيِّنَا. قَالَ: صَدَقَ، دَعُوْهُ. فَقِيْلَ لِلنَّجَاشيِّ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ عِيْسَى عَبْدٌ. قَالَ: مَا تَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى؟ قَالَ: كَلِمَةُ اللهِ، وَرُوْحُهُ. قَالَ: مَا اسْتَطَاعَ عِيْسَى أَنْ يَعْدُوَ ذَلِكَ (2) . تُوُفِّيَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. 34 - رَافِعُ بنُ خَدِيْجِ بنِ رَافِعِ بنِ عَدِيِّ بنِ تَزِيْدَ الأَنْصَارِيُّ * (3) (ع) الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَشَهِدَ أُحُداً وَالمَشَاهِدَ، وَأَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَانْتَزَعَهُ، فَبَقِيَ النَّصْلُ فِي لَحْمِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ. وَقِيْلَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَنَا أَشْهَدُ لَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ) (4) .   (1) أي منحنين من التكفير: وهو الانحناء في الصلاة. وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع. (2) أخرجه ابن عساكر 13 / 201 ب، 222 آ. (*) طبقات خليفة: ت 519، المحبر: 411، 412، التاريخ الكبير 3 / 299، التاريخ الصغير 1 / 105، المعارف: 306، الجرح والتعديل 3 / 479، مشاهير علماء الأمصار: ت 39، المستدرك 3 / 561، جمهرة أنساب العرب: 340، الاستيعاب: 479، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 139، أسد الغابة 1 / 151، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 187، تهذيب الكمال: 402، تذهيب التهذيب 1 / 214 آ، مرآة الجنان 1 / 155، البداية والنهاية 9 / 3، مجمع الزوائد 9 / 345، الإصابة 1 / 495، تهذيب التهذيب 3 / 229، المطالب العالية 4 / 110، معجم الطبراني 4 / 282، 343، خلاصة تذهيب الكمال: 97، شذرات الذهب 1 / 82. (3) تزيد: بمثناة فوقية كما ضبط في الأصل، وأثبت فوقه كلمة " صح " وكما ضبطه المؤلف في " المشتبه " 2 / 668. وقد تصحف في أكثر كتب التراجم إلى " يزيد ". (4) أخرجه أحمد 6 / 378 من طريق عمرو بن مرزوق، عن يحيى بن عبد الحميد بن رافع بن خديج، أخبرتني جدتي امرأة رافع أن رافعا رمى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أو يوم خيبر ... وانظر = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 رَوَى: جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ. وَكَانَ صَحْرَاوِيّاً، عَالِماً بِالمُزَارَعَةِ وَالمُسَاقَاةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ قَيْسٍ، وَالسَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَابْنُهُ؛ رِفَاعَةُ بنُ رَافِعٍ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبَايَةُ بنُ رِفَاعَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَةَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. قَالَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ الهدَادِيُّ - وَهُوَ ثِقَةٌ -: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بنُ حَرْبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَنَازَةِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَنِسْوَةٌ يَبْكِيْنَ وَيُوَلْوِلْنَ عَلَى رَافِعٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَافِعاً شَيْخٌ كَبِيْرٌ، لاَ طَاقَة لَهُ بِعَذَابِ اللهِ، وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (1)) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ بِعَمُوْدَيْ جَنَازَةِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ السَّرِيْرِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى القَبْرِ، وَقَالَ: إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاء الحَيِّ (2) . قُلْتُ: كَانَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ مِمَّنْ يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَبَعْدَهُ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَلَهُ عِدَّةُ بَنِيْنَ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ، قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: أَخَّرَوْهُ لَيْلَتَهُ لِيُؤْذِنُوا أَهْلَ القُرَى. قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيتُم.   = " الطبراني " رقم (4242) و" مجمع الزوائد " 9 / 346. (1) أخرجه بنحوه الطبراني برقم (4244) ، وانظر " الإصابة " 1 / 496، وحديث ابن عمر مرفوعا: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " متفق عليه. انظر " فتح الباري " 3 / 127 وما بعدها، ومسلم (928) . (2) " المستدرك " 3 / 562. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَافِعٌ، فَأُتِيَ بِجِنَازَتِهِ، وَعَلَى المَدِيْنَةِ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ زَمَنَ الفِتْنَةِ، فَأُتِيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: مَاتَ رَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ: فِي أَوَّلِ سنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (1) . 35 - سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبِ بنِ هِلاَلٍ الفَزَارِيُّ * (ع) مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، نَزَلَ البَصْرَةَ. لَهُ: أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَجَمَاعَةٌ. وَبَيْنَ العُلَمَاءِ - فِيْمَا رَوَى الحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ - اخْتِلاَفٌ فِي الاحْتِجَاجِ   (1) في الأصل بعد قوله " قال " بياض يقدر بنصف سطر، وأثبته من " المستدرك " 3 / 562. (*) طبقات ابن سعد 6 / 34 و7 / 49، طبقات خليفة: ت 423، 1404، المحبر: 295، التاريخ الكبير 4 / 176، التاريخ الصغير 1 / 106 - 107، المعارف: 305، الجرح والتعديل 4 / 154، مشاهير علماء الأمصار: ت 223، جمهرة أنساب العرب: 259، الاستيعاب: 653، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 202، أسد الغابة 2 / 354، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 235، تهذيب الكمال: 553، تاريخ الإسلام 2 / 290، العبر 1 / 65، تذهيب التهذيب 2 / 58 ب، الوافي بالوفيات 15 / 454، مرآة الجنان 1 / 131، الإصابة 2 / 78، تهذيب التهذيب 4 / 236، معجم الطبراني 7 / 211، 325، خلاصة تذهيب الكمال: 132، شذرات الذهب 1 / 65. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 بِذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَلَقِيَهُ بِلاَ رَيْبٍ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيْثَيْنِ (1) . مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ (2) ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَشْرَةٍ - فِي بَيْتٍ - مِنْ أَصْحَابِهِ: (آخِرُكُمْ مَوْتاً فِي النَّارِ) . فِيْهِمْ سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ. قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ سَمُرَةُ آخِرَهُم مَوْتاً. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً. وَلَمْ يَصِحَّ لأَبِي نَضْرَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ. رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بنِ حَكِيْمٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ، فَلاَ يَبْدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِحَيَاتِهِ فَرِحَ. فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا عَشْرَةً فِي بَيْتٍ، فَنَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُجُوْهِنَا، ثُمَّ قَالَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ) . فَقَدْ مَاتَ مِنَّا ثَمَانِيَةٌ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ المَوْتِ (3) .   (1) الأول: حديث " الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويسمى، ويحلق رأسه " أخرجه من رواية قتادة، عن الحسن، عن سمرة أحمد 5 / 7 و17 و22، وأبو داود (2838) . والنسائي 7 / 166، والترمذي (1522) . وإسناده صحيح، ففي البخاري 9 / 511 في العقيقة: حدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته: فقال: من سمرة بن جندب. والثاني: حديث " قلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة، ونهى عن المثلة " أخرجه أحمد 5 / 12 من طريق هشيم، حدثنا حميد، عن الحسن، قال: جاءه رجل، فقال: إن عبدا له أبق، وإنه نذر إن قدر عليه أن يقطع يده، فقال الحسن: حدثنا سمرة قال: فذكره. (2) هو سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري ثقة روى له الستة، وقد تحرف في المطبوع إلى " سلمة ". (3) لا يصح، إسماعيل بن حكيم هو الخزاعي صاحب الزيادي ترجمه ابن أبي حاتم 2 / 165، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأنس بن حكيم مجهول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَرَوَى نَحْوَهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى أَبِي مَحْذُوْرَةَ، سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ، سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُوْرَةَ. فَقُلْتُ لأَبِي مَحْذُوْرَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ) . فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُوْرَةَ (1) . مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، وَغَيْرِهِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَآخَرَ: (آخِرُكُم مَوْتاً فِي النَّارِ) . فَمَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَهُمَا، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُغِيْظَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُوْلُ: مَاتَ سَمُرَةُ. فَيُغْشَى عَلَيْهِ، وَيُصْعَقُ، فَمَاتَ قَبْلَ سَمُرَةَ. وَقَتَلَ سَمُرَةُ بَشَراً كَثِيْراً. سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، فَقَالُوا: مَا فِي الأَرْضِ بُقْعَةٌ نَشِفَتْ مِنَ الدَّمِ مَا نَشِفَتْ هَذِهِ - يَعْنُوْنَ دَارَ الإِمَارَةِ - قُتِلَ بِهَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً. فَسَأَلْتُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: نَعَمْ، مِنْ بَيْنِ قَتِيْلٍ وَقَطِيْعٍ. قِيْلَ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: زِيَادٌ، وَابْنُهُ، وَسَمُرَةُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: نَرْجُو لَهُ بِصُحْبَتِهِ. وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ سَمُرَةُ عَظِيْمَ الأَمَانَةِ، صَدُوْقاً. وَقَالَ هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ سَمُرَةَ اسْتَجْمَرَ، فَغَفِلَ عَنْ نَفْسِهِ، حَتَّى احْتَرَقَ (2) . فَهَذَا إِنْ صَحَّ، فَهُوَ مُرَادُ   (1) لا يصح، علي بن جدعان هو ابن زيد بن جدعان ضعيف، وأوس بن خالد هو ابن أبي أوس مجهول. (2) انظر ابن سعد 6 / 34، و7 / 50. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: نَارَ الدُّنْيَا (1) -. مَاتَ سَمُرَةُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ: أَنَّهُ سَقَطَ فِي قِدْرٍ مَمْلُوْءةٍ مَاءً حَارّاً، كَانَ يَتَعَالَجُ بِهِ مِنَ البَارِدَةِ، فَمَاتَ فِيْهَا. وَكَانَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى البَصْرَةِ إِذَا سَارَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الكُوْفَةِ إِذَا سَارَ إِلَى البَصْرَةِ. وَكَانَ شَدِيْداً عَلَى الخَوَارِجِ، قَتَلَ مِنْهُم جَمَاعَةً. وَكَانَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيْرِيْنَ يُثْنِيَانِ عَلَيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 36 - جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ بنِ جُنَادَةَ بنِ جُنْدُبٍ السُّوَائِيُّ * (ع) أَبُو خَالِدٍ السُّوَائِيُّ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ. لَهُ: صُحْبَةٌ مَشْهُوْرَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحَادِيْثَ. وَلَهُ أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَسَعْدٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَوَالِدِهِ. شَهِدَ الخُطبَةَ بِالجَابِيَةِ، وَسَكَنَ الكُوْفَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ (2) : الشَّعْبِيُّ، وَتَمِيْمُ بنُ طَرَفَةَ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو   (1) في " تاريخ المؤلف " 2 / 291: إن صح هذا، فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام " آخركم موتا في النار " متعلقا بموته في النار لا بذاته. (*) طبقات ابن سعد 6 / 24، طبقات خليفة: ت 397، 894، التاريخ الكبير 2 / 205، الجرح والتعديل 2 / 493، مشاهير علماء الأمصار: ت 304، المستدرك 3 / 617، جمهرة أنساب العرب: 273، الاستيعاب: 224، تاريخ بغداد 1 / 186، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 72، تاريخ ابن عساكر 3 / 307 ب، أسد الغابة 1 / 254، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 142، تهذيب الكمال: 181، تاريخ الإسلام 3 / 2، العبر 1 / 74، تذهيب التهذيب 1 / 99 آ، الإصابة 1 / 212، تهذيب التهذيب 2 / 39، معجم الطبراني 2 / 212، 287، خلاصة تذهيب الكمال: 50، شذرات الذهب 1 / 74، تهذيب ابن عساكر 3 / 388. (2) في المطبوع: " عن " بدل " حدث عنه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، وَزِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو عَوْنٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ (1) اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ خَالِهِ؛ عَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَهُوَ وَأَبُوْهُ مِنْ حُلَفَاءِ زُهْرَةَ، وَلَهُ بِالكُوْفَةِ دَارٌ، وَعَقِبٌ. وَشَهِدَ فَتْحَ المَدَائِنِ، وَخَلَّفَ مِنَ الأَوْلاَدِ: خَالِداً، وَطَلْحَةَ، وَسَالِماً. شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِنَا، فَيَمْسَحُ خُدُوْدَنَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَمَسَحَ خَدِّي، فَكَانَ الخَدُّ الَّذِي مَسَحَهُ أَحْسَنَ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : مَاتَ جَابِرُ بنُ سَمُرَةَ فِي وِلاَيَةِ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ عَلَى العِرَاقِ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ (4) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.   (1) تحرف في المطبوع إلى " عبد ". (2) أخرجه الطبراني برقم (1909) من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن شعبة، وأخرجه مسلم (2329) من طريق عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط، عن سماك، عن جابر ابن سمرة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا، فمسح خدي، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار. (3) في " الطبقات " 6 / 24. (4) الذي في " طبقاته ": 57 و132 أنه مات في ولاية بشر بن مروان، وزاد في الرواية الثانية: سنة ثلاث وسبعين، وذكر في " تاريخه ": 273 أن ولاية بشر بن مروان للعراق كانت سنة أربع وسبعين، وقال: وفي ولاية بشر مات جابر بن سمرة السوائي، وفي التهذيب وفروعه نقلا عن خليفة أنه مات سنة ثلاث وسبعين إلا أن الحافظ ابن حجر قال: وقيل عنه أي: عن خليفة: 76. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 وَبِكُلِّ حَالٍ مَاتَ قَبْلَ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِمَا. 37 - حَبِيْبُ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ مَالِكٍ القُرَشِيُّ الفِهْرِيُّ * (د، ق) الأَمِيْرُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَقِيْلَ: أَبُو مَسْلَمَةَ - القُرَشِيُّ، الفِهْرِيُّ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَزِيَادُ بنُ جَارِيَةَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَمَالِكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ. وَجَاهَدَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَشَهِدَ اليَرْمُوْكَ أَمِيْراً، وَسَكَنَ دِمَشْقَ، وَكَانَ مُقَدَّمَ مَيْسَرَةِ مُعَاوِيَةَ نَوْبَةَ صِفِّيْنَ. وَهُوَ القَائِلُ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الثُّلُثَ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 409، طبقات خليفة: ت 162، 2830، المحبر: 294، التاريخ الكبير 2 / 310، التاريخ الصغير 1 / 129، الجرح والتعديل 3 / 108، المستدرك 3 / 346 و432، جمهرة أنساب العرب: 178، 179، الاستيعاب: 320، تاريخ ابن عساكر 4 / 90 ب، أسد الغابة 1 / 374، تهذيب الكمال: 232، تاريخ الإسلام 2 / 215، تذهيب التهذيب 1 / 120 آ، العقد الثمين 4 / 94، الإصابة 1 / 309، تهذيب التهذيب 2 / 190، خلاصة تذهيب الكمال: 61، تهذيب ابن عساكر 4 / 38. (1) أخرجه أبو داود (2750) في الجهاد: باب فيمن قال: الخمس قبل النفل، من طريق مكحول، عن زياد بن جارية التميمي، عن حبيب بن مسلمة الفهري، قال: " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1672) ، وهو في معجم الطبراني برقم (3518) و (3519) و (3520) و (3521) و (3522) و (3523) و (3524) و (3525) و (3526) و (3528) و (3529) و (3530) و (3531) و (3532) وانظر " المسند " 4 / 159 و160، و" المصنف " (9331) و (9333) ، و" مسند الحميدي " (871) ، و" سنن أبي داود " (2748) ، وابن ماجه (2851) ، و" المستدرك " 2 / 133. وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند أحمد 5 / 319، 320، وابن ماجه (2852) ، والترمذي (1561) وحسنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَكَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيْلَ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبُ الرُّوْمِ؛ لِكَثْرَةِ دُخُوْلِهِ بِغَزْوِهِم (1) . وَوَلِيَ أَرْمِيْنِيَةَ لِمُعَاوِيَةَ، فَمَاتَ بِهَا، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. وَلَهُ نِكَايَةٌ (2) قَوِيَّةٌ فِي العَدُوِّ. لَهُ أَخْبَارٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) . 38 - جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ السَّلِمِيُّ * (ع) ابْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ حَرَامِ بنِ كَعْبِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلِمَةَ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّلِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَسَعِيْدُ بنُ مِيْنَاءٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سُفْيَانَ   (1) " المستدرك " 3 / 347 و432. (2) تحرف في الأصل إلى " مكانة ". (*) طبقات خليفة: ت 623، المحبر: 298، التاريخ الكبير 2 / 207، الجرح والتعديل 2 / 492، مشاهير علماء الأمصار: ت 25، المتدرك 3 / 564، الاستيعاب: 219، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 72، تاريخ ابن عساكر 3 / 311 آ، جامع الأصول 9 / 86، أسد الغابة 1 / 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 142، تهذيب الكمال: 182، تاريخ الإسلام 3 / 143، تذكرة الحفاظ 1 / 40، العبر 1 / 89، تذهيب التهذيب 1 / 99 ب، جامع الأصول 9 / 86، الإصابة 1 / 213، تهذيب التهذيب 2 / 42، معجم الطبراني 2 / 194، خلاصة تذهيب الكمال 50، شذرات الذهب 1 / 84 وفيه ابن عمر بن حرام، تهذيب ابن عساكر 3 / 389. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسِنَانُ بنُ أَبِي سِنَانٍ الدِّيْلِيُّ، وَأَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُعَاذُ بنُ رِفَاعَةَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَتِيْقٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُرَاقَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ. عَاشَ بَعْدَ ابْنِ عُمَرَ أَعْوَاماً، وَتَفَرَّدَ. شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ مَعَ وَالِدِهِ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنَ النُّقَبَاءِ البَدْرِيِّيْنَ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَحْيَاهُ الله -تَعَالَى - وَكَلَّمَهُ كِفَاحاً (1) ، وَقَدِ انْكَشَفَ عَنْهُ قَبْرُهُ إِذْ أَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَيْناً عِنْدَ قُبُوْرِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَبَادَرَ جَابِرٌ إِلَى أَبِيْهِ بَعْدَ دَهْرٍ، فَوَجَدَهُ طَرِيّاً لَمْ يَبْلُ (2) . وَكَانَ جَابِرٌ قَدْ أَطَاعَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَعَدَ لأَجْلِ أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ شَهِدَ الخَنْدَقَ وَبَيْعَةَ الشَّجَرَةِ، وَشَاخَ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَارَبَ التِّسْعِيْنَ. رَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: اسْتَغْفَرَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ البَعِيْرِ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً (3) . وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّهُ شَهِدَ بَدْراً.   (1) أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول، والحديث أخرجه الترمذي (3010) في التفسير، وابن ماجه (190) في المقدمة من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري، عن طلحة بن خراش عن جابر. وهذا سند حسن، وأخرجه بنحوه أحمد في " المسند " 3 / 361 من طريق علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر ... وهذا سند حسن في الشواهد، وانظر " المستدرك " 3 / 203. (2) انظر تفصيل ذلك في " طبقات ابن سعد " 3 / 562 و563، والسند صحيح. (3) رجاله ثقات، أخرجه الترمذي (3852) في المناقب، من طريق ابن أبي عمر، عن بشر بن السري بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ومعنى قوله: " ليلة البعير ": ما روي عن جابر من غير وجه: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فباع بعيره من النبي صلى الله عليه وسلم، واشترط ظهره إلى المدينة. يقول جابر: ليلة بعث من النبي صلى الله عليه وسلم العير استغفر لي خمسا وعشرين مرة. انظر = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْتَحُ (1) لأَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَقِيَ عَطَاءٌ، وَعَمْرٌو جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ سَنَةَ جَاوَرَ بِمَكَّةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا، كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةٍ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَغْزُوَ حَتَّى قُتِلَ أَبِي بِأُحُدٍ، كَانَ يُخَلِّفُنِي عَلَى أَخَوَاتِي، وَكُنَّ تِسْعاً، فَكَانَ أَوَّلَ مَا غَزَوْتُ مَعَهُ حَمْرَاءُ الأَسَدِ (2) . وَرَوَى: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، قَالَ: رَحَلَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى مَكَّةَ فِي أَحَادِيْثَ سَمِعَهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَيُرْوَى: أَنَّ جَابِراً رَحَلَ فِي حَدِيْثِ القِصَاصِ إِلَى مِصْرَ (3) ، لِيَسْمَعَهُ مِنْ   = " جامع الأصول " 1 / 509، 517، بتحقيق الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط. وهو في " ابن عساكر " 3 / 317 آ. (1) في الأصل: " مقيح أصحابي " وهو خطأ، وأورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 143 من مسند الحسن بن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر. وأخرجه البخاري في " تاريخه " وصحح الحافظ في " الإصابة " 1 / 213 إسناده، وهو في " المستدرك " 3 / 565، وأنكر الواقدي رواية أبي سفيان عن جابر هذه وقال: وهذا وهم من أهل العراق، وعلق المؤلف على قول الواقدي هذا في " تاريخه " بقوله: صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر قال:؟ ؟ أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل، لم أتخلف عن غزوة. أخرجه مسلم (1813) . (2) وفي الطبراني برقم (1742) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عمر بن الحسن، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن ياسين الزيات، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة. (3) الصواب: إلى الشام، فقد أخرج الامام أحمد 3 / 495، والبخاري في " الأدب المفرد " (970) ، واخطيب البغدادي في " الرحلة " (31) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 عَبْدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ. سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المِنْقَرِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ الحَارِثِ، قَالَ: مَاتَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْداً، وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ وَالِي المَدِيْنَةِ (1) . وَرُوِيَ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جَيْشِ خَالِدٍ فِي حِصَارِ دِمَشْقَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم. وَقَالَ جَابِرٌ: قَالَ لَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: (أَنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ) . وَكُنَّا أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ (2) . وَقَالَ جَابِرٌ: عَادَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لاَ أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ   = أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بهما، قال: قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد - أحسبه قال - كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه حتى اللطمة. قال: قلنا: كيف وإنما نأتي الله عزوجل عراة غرلا بهما؟ قال: " بالحسنات والسيئات ". وحسنه الحافظ في " الفتح " 1 / 158، وصححه الحاكم 2 / 437، 438، ووافقه الذهبي، وله طريق أخرى عند الطبراني في " مسند الشاميين " من طريق الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر نحوه، وله طريق ثالث عند الخطيب رقم (33) لكنه تالف. (1) هو في " المستدرك " 3 / 565، والطبراني (1733) عن محمد بن عمر - وهو الواقدي - (2) أخرجه البخاري 7 / 341 في المغازي، ومسلم (1856) (71) من طريق سفيان، عن عمرو، سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال. فذكره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَضُوْئِهِ (1) ، فَعَقَلْتُ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: كُفَّ بَصَرُ جَابِرٍ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا بِمِنَىً، فَجَعَلْنَا نُخْبِرُ جَابِراً بِمَا نَرَى مِنْ إِظْهَارِ قُطُفِ الخَزِّ وَالوَشْيِ -يَعْنِي: السُّلْطَانَ وَمَا يَصْنَعُوْنَ - فَقَالَ: لَيْتَ سَمْعِي قَدْ ذَهَبَ، كَمَا ذَهَبَ بَصَرِي، حَتَّى لاَ أَسْمَعَ مِنْ حَدِيْثِهِم شَيْئاً، وَلاَ أُبْصِرُهُ. وَيُرْوَى: أَنَّ جَابِراً دَخَلَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ لَمَّا حَجَّ، فَرَحَّبَ بِهِ، فَكَلَّمَهُ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَنْ يَصِلَ أَرْحَامَهُم، فَلَمَّا خَرَجَ، أَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَبِلَهَا. وَعَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ، قَالَ: هَلَكَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَحَضَرْنَا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَرِيْرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ، إِذَا حَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ عَمُوْدَيِ السَّرِيْرِ، فَأَمَرَ بِهِ الحَجَّاجُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ بَيْنِ العَمُوْدَيْنِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِم. فَسَأَلَهُ بَنُوْ جَابِرٍ إِلاَّ خَرَجَ، فَخَرَجَ، وَجَاءَ الحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ العَمُوْدَيْنِ، حَتَّى وُضِعَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى القَبْرِ، فَإِذَا حَسَنُ بنُ حَسَنٍ قَدْ نَزَلَ فِي القَبْرِ، فَأَمَرَ بِهِ الحَجَّاجُ أَنْ يُخْرَجَ، فَأَبَى. فَسَأَلَهُ بَنُوْ جَابِرٍ بِاللهِ، فَخَرَجَ، فَاقْتَحَمَ الحَجَّاجُ الحُفْرَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ (2) . وَفِي وَقْتِ وَفَاةِ جَابِرٍ كَانَ الحَجَّاجُ عَلَى إِمْرَةِ العِرَاقِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ   (1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " فتوضأت على وضوئه ". (2) أخرجه الطبراني برقم (1788) ، وقال الهيثمي في " المجمع " 3 / 31: وأبو الحويرث وثقه ابن حبان، وضعفه مالك وغيره. وأورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 145، وقال: هذا حديث منكر، فإن جابرا توفي والحجاج على إمرة العراق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 قَدْ وَفَدَ حَاجّاً أَوْ زَائِراً. وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ العَقَبَةَ مَوْتاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ. قِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ. (مُسْنَدُهُ) : بَلَغَ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَ لَهُ الشَّيْخَانِ: عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِمائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ عَرِيْفاً، عَرَّفَهُ عُمَرُ. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَدَنِيُّ، قَالَ: كَانَ جَابِرٌ لاَ يَبْلُغُ إِزَارُهُ كَعْبَهُ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ، رَأَيْتُهُ قَدْ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: أَتَانَا جَابِرٌ وَعَلَيْهِ مُلاَءتَانِ - وَقَدْ عَمِي - مُصَفِّراً لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ بِالوَرْسِ، وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ. الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ: رَأَيْتُ جَابِراً أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 39 - البَرَاءُ بنُ عَازِبِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ الحَارِثِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، المَدَنِيُّ،   (*) طبقات ابن سعد 4 / 364 و6 / 17، طبقات خليفة: ت 522، 923، 1500، المحبر: 298، 412، التاريخ الكبير 2 / 117، التاريخ الصغير 1 / 164 - 165، المعارف: 326، الجرح والتعديل 2 / 399، مشاهير علماء الأمصار: ت 272، جمهرة أنساب العرب: 341، الاستيعاب: 155، تاريخ بغداد 1 / 177، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 61، أسد = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ. رَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَشَهِدَ غَزَوَاتٍ كَثِيْرَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ لِدَةً (1) . وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَخَالِهِ؛ أَبِي بُرْدَةَ بنِ نِيَارٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ الصَّحَابِيَّانِ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَأَبُوْهُ مِنْ قُدَمَاءِ الأَنْصَارِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: لَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي المَغَازِي (2) . وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوَةً (3) .   = الغاية 1 / 171، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 132، تهذيب الكمال: 142، تاريخ الإسلام 3 / 139، العبر 1 / 79، تذهيب التهذيب 1 / 80 آ، معجم الطبراني 2 / 8، الوافي بالوفيات 10 / 104، مرآة الجنان 1 / 145، مجمع الزوائد 9 / 381، تهذيب التهذيب 1 / 425، الإصابة 1 / 142، خلاصة تذهيب الكمال: 39، شذرات الذهب 1 / 77، 78. (1) ابن سعد 4 / 367 من طريق عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن أبي إسحاق - عن البراء، وأخرجه البخاري 7 / 226، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. (2) وتمام كلامه كما في ابن سعد 4 / 365: وقد سمعنا بحديثه في الرجل الذي اشتراه منه أبو بكر، ثم أورد الحديث (وهو حديث الهجرة) من طريق عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: اشترى أبو بكر من عازب رجلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء، فليحمله إلى رحلي، فقال له عازب: لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما والمشبركون يطلبونكم. (3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 368، و" مسند الطيالسي " 2 / 141. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَلَى البَرَاءِ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِيْهِ يَاقُوْتَةٌ (1) . (مُسْنَدُهُ) : ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةُ أَحَادِيْثَ. لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : اثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِسِتَّةٍ.   (1) وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 368 من طريق الفضل بن دكين، حدثنا يونس ابن أبي إسحاق وشعبة، ومالك، عن أبي السفر سعيد بن محمد قال: رأيت على البراء بن عازب خاتم ذهب. وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " 10 / 368، وحديث النهي مروي عنه في " الصحيحين " وقد قيل: إنه حمل النهي على التنزيه، أو أنه كان يرى أن ذلك خصوصية له انظر " الفتح ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَمِنْ بَقَايَا صِغَارِ الصَّحَابَةِ: 40 - عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ زَيْدِ بنِ حُصَيْنٍ الخَطْمِيُّ * (ع (1)) الأَمِيْرُ، العَالِمُ، الأَكْمَلُ، أَبُو مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الخَطْمِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ. أَحَدُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. لَهُ أَحَادِيْثُ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُهُ؛ عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. مِسْعَرٌ: عَنْ ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ (2) ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وَطَيْلَسَاناً مُدَبَّجاً. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا جَحَّافُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ: أَنَّ الفِيْلَ لَمَّا بَرَكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ يَوْم الجِسْرَ (3) ،   (*) طبقات ابن سعد 6 / 18، طبقات خليفة: ت 935، المعرفة والتاريخ 1 / 262، الجرح والتعديل 5 / 197، الاستيعاب: 1001، أسد الغابة 3 / 274، تهذيب الكمال: 755، تاريخ الإسلام 3 / 240، تذهيب التهذيب 2 / 195 ب، الإصابة 2 / 382، تهذيب التهذيب 6 / 78، خلاصة تذهيب الكمال: 185. (1) كذا الأصل " حصين " بالياء وهو كذلك في " التهذيب " وفروعه. وفي " أسد الغابة " و" الاستيعاب " و" الإصابة ": " حصن " بلا ياء. (2) هو ثابت بن عبيد الأنصاري مولى زيد بن ثابت، ثقة من رجال مسلم، وقد تحرف في الأصل " عبيد " إلى " عتبة " والاثر ذكره الحافظ في " الفتح " 10 / 267، ونسبه إلى ابن أبي شيبة. (3) قال المؤلف في " العبر " 1 / 17: وفيها - أي: سنة أربع عشرة - كانت وقعة جسر أبي عبيد، واستشهد طائفة، منهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وهو الذي نسب إليه الجسر، وكان من = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 فَقَتَلَهُ، هَرَبَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، فَقَطَعَ الجِسْرَ، وَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ أَمِيْرِكُم. ثُمَّ سَاقَ مُسْرِعاً، فَأَخْبَرَ عُمَرَ الخَبَرَ. وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ يَزِيْدُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ شَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَعَ الإِمَامِ عَلِيٍّ صِفِّيْنَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ الشَّعْبِيَّ كَاتِبَ سِرِّهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ. مَاتَ: قَبْلَ السَّبْعِيْنَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 41 - الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ الأَنْصَارِيَّةُ * (ع) مِنْ بَنِي النَّجَّارِ. لَهَا: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، وَقَدْ زَارَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيْحَةَ عُرْسِهَا، صِلَةً لِرَحِمِهَا. عُمِّرَتْ دَهْراً، وَرَوَتْ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَخَالِدُ بنُ ذَكْوَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ. وَأَبُوْهَا مِنْ كِبَارِ البَدْرِيِّيْنَ، قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ (1) . تُوُفِّيَتْ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -   = سادة الصحابة، وهذه الوقعة عند نجران على مرحلتين من الكوفة. وانظر خبر هذه الوقعة مفصلا في " تاريخ الطبري " 3 / 454، 459، و" تاريخ الإسلام " 2 / 5 للمؤلف. (*) طبقات ابن سعد 8 / 447، طبقات خليفة: ت 3294، المحبر: 430، الاستيعاب: 1837، أسد الغابة 5 / 451، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 343، تهذيب الكمال: 1682، تاريخ الإسلام 3 / 154، تذهيب التهذيب 4 / 260 ب، الإصابة 4 / 300، تهذيب التهذيب 12 / 418، خلاصة تذهيب الكمال: 423. (1) انظر " البخاري " 7 / 229 و239، ومسلم (1800) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وَحَدِيْثُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَآخَرُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، قَالَتْ: أَخَذْتُ طِيْباً مِنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ مُخَرِّبَةَ (1) ؛ أُمِّ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَتْ: اكْتُبِي لِي عَلَيْكِ. فَقَلْتُ: نَعَمْ، أَكْتُبُ عَلَى رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ. فَقَالَتْ: حَلْقَى (2) ، وَإِنَّكِ لابْنَةُ قَاتِلِ سَيِّدِهِ. قُلْتُ: بَلِ ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ. قَالَتْ: وَاللهِ لاَ أَبِيْعُكِ شَيْئاً أَبَداً (3) . وَالرُّبَيِّعُ: هِيَ وَالِدَةُ مُحَمَّدِ بنِ إِيَاسِ بنِ البُكَيْرِ (4) . قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ خَالِدِ بنِ ذَكْوَانَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ عُرْسِي، فَقَعَدَ عَلَى مَوْضِعِ فِرَاشِي هَذَا، وَعِنْدَنَا جَارِيَتَانِ تَضْرِبَانِ بِدُفٍّ، وَتَنْدُبَانِ آبَائِي الَّذِيْنَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَتَا فِيْمَا تَقُوْلاَنِ: وَفِيْنَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدِ ... فَقَالَ: (أَمَّا هَذَا، فَلاَ تَقُوْلاَهُ) (5) .   (1) تحرفت في المطبوع إلى " مخرمة ". (2) حلقى: دعاء عليها بأن تصاب بوجع في حلقها. ويقال للمرأة إذا كانت مؤذية مشؤومة: عقرى حلقى. (3) أورده الحافظ في " الإصابة " 4 / 232 في ترجمة أسماء بنت مخرية من طريق الواقدي، وانظر " الطبقات " 4 / 129 و5 / 443، 444. (4) ابن سعد 8 / 447. (5) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 8 / 447 من طريق موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 9 / 174 في النكاح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، من طريق مسدد، عن بشر بن المفضل، عن خالد بن ذكوان، عن الربيع..وإنما أنكر عليها صلى الله عليه وسلم وصفها له بعلم الغيب، لأنه صفة تختص بالله سبحانه وتعالى كما قال جل شأنه: (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله) . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّي كَلاَمٌ - وَهُوَ زَوْجُهَا - فَقُلْتُ لَهُ: لَكَ كُلُّ شَيْءٍ لِي، وَفَارِقْنِي. قَالَ: قَدْ فَعَلتُ. قَالَتْ: فَأَخَذَ -وَاللهِ - كُلَّ شَيْءٍ لِي حَتَّى فِرَاشِي، فَجِئْتُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ حُصِرَ، فَقَالَ: الشَّرْطُ أَمْلَكُ، خُذْ كُلَّ شَيْءٍ لَهَا حَتَّى عِقَاصَ رَأْسِهَا إِنْ شِئْتَ (1) . 42 - زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ بنِ هِلاَلٍ المَخْزُوْمِيَّةُ * (ع) رَبِيْبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُخْتُ عُمَرَ، وَلَدَتْهُمَا أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِالحَبَشَةِ. رَوَتْ أَحَادِيْثَ، وَلَهَا عَنْ: عَائِشَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأُمِّ حَبِيْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهَا: عُرْوَةُ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو   = شاء الله. ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخبر) وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب إنما هو بإعلام الله تعالى إياه، لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال سبحانه (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) . (1) هو في ابن سعد 8 / 447، 448، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11850) ، ومن طريقه الطبراني رقم (4870) عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع. والعقاص: خيط تشد به المرأة أطراف ذوائبها، من عقصت المرأة شعرها: إذا ضفرته، والضفيرة: هي العقيصة. (*) طبقات ابن سعد 8 / 461، المحبر: 84، 402، الاستيعاب: 1854، أسد الغابة 5 / 468، تهذيب الكمال: 1683، تاريخ الإسلام 3 / 155، تذهيب التهذيب 4 / 261 ب، الوافي بالوفيات 15 / 61، العقد الثمين 8 / 229، الإصابة 4 / 317، تهذيب التهذيب 12 / 421، خلاصة تذهيب الكمال: 423. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو (1) بنِ عَطَاءٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُهَا؛ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ (2) ، وَآخَرُوْنَ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ الحَسَنَ مِنْ شِقٍّ، وَالحُسَيْنَ مِنْ شِقٍّ، وَفَاطِمَةَ فِي حَجْرِهِ، فَقَالَ: (رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُم أَهْلَ البَيْتِ (3)) . تُوُفِّيَتْ: قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. 43 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبْزَى الخُزَاعِيُّ * (ع) لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، وَفِقْهٌ، وَعِلْمٌ. وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بنِ عَبْدِ الحَارِثِ، كَانَ نَافِعٌ مَوْلاَهُ اسْتَنَابَهُ عَلَى مَكَّةَ حِيْنَ تَلَقَّى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى عُسْفَانَ، فَقَالَ لَهُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الوَادِي؟ -يَعْنِي: مَكَّةَ -. قَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِالفَرَائِضِ، قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ هَذَا   (1) تحرف في المطبوع إلى " عمر ". (2) تحرف في المطبوع إلى " ربيعة ". (3) ابن لهيعة: سيئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات. (*) طبقات ابن سعد 5 / 462، طبقات خليفة: ت 677، 945، 2527، المحبر: 379، التاريخ الكبير 5 / 245، المعرفة والتاريخ 1 / 291، الجرح والتعديل 5 / 209، الاستيعاب: 822، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 282، أسد الغابة 3 / 278، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 293، تهذيب الكمال: 773، تاريخ الإسلام 2 / 186، تذهيب التهذيب 203 ب، العقد الثمين 5 / 340، غاية النهاية ت 1548، الإصابة 2 / 388، تهذيب التهذيب 6 / 132، خلاصة تذهيب المال: 189. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 القُرْآنَ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أَقْوَاماً، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِيْنَ (1)) . وَحَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَسَعِيْدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. سَكَنَ الكُوْفَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبْزَى عَلَى خُرَاسَانَ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ أَبْزَى مِمَّنْ رَفَعَهُ اللهُ بِالقُرْآنِ. قُلْتُ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ - فِيْمَا يَظْهَرُ لِي -. 44 - أَبُو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ الكُوْفِيُّ، وَهْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (ع) صَاحِبُ النَّبِيِّ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاسْمُهُ: وَهْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَيُقَالُ لَهُ: وَهْبُ   (1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (817) في صلاة المسافرين وقصرها: باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، من طريق زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي، عن ابن شهاب، عن عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان ... وهو في " سنن ابن ماجه " (218) ، والدارمي 2 / 443 وعسفان: بين الجحفة ومكة، وهي على مرحلتين من مكة. (2) 3 / 374 في آخر حوادث سنة 38 هـ. (*) طبقات ابن سعد 6 / 63، طبقات خليفة: ت 398، 895، الكنى 1 / 22، الجرح والتعديل 9 / 22، مشاهير علماء الأمصار: ت 295، المستدرك 3 / 617، جمهرة أنساب العرب: 273، الاستيعاب: 1561، تاريخ بغداد 1 / 199، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 540، أسد الغابة 5 / 95، 157، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 201، تهذيب الكمال: 1478، تاريخ الإسلام 3 / 218، العبر 1 / 84، تذهيب التهذيب 4 / 205 ب، الإصابة 3 / 642، تهذيب التهذيب 11 / 164، خلاصة تذهيب الكمال: 359، شذرات الذهب 1 / 82. (3) في البخاري 6 / 411، 412 في المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت أبا جحيفة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الخَيْرِ، مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَهْبٌ مُرَاهِقاً - هُوَ مِنْ أَسْنَانِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَكَانَ صَاحِبَ شُرطَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. حَدَّثَ عَنْ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَالبَرَاءِ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَوَلَدُهُ؛ عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إِذَا خَطَبَ، يَقُوْمُ أَبُو جُحَيْفَةَ تَحْتَ مِنْبَرِهِ. اخْتَلَفُوا فِي مَوْتهِ؛ وَالأَصَحُّ: مَوْتُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَيُقَالُ: عَاشَ إِلَى مَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَآخِرُ مَنْ حدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي خَالِدٍ. 45 - عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ قُرْطِ (1) بنِ رَزَاحِ بنِ   = عليهما السلام يشبهه، قلت لأبي جحيفة: صفه لي، قال: كان أبيض قد شمط، وأمر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة قلوصا، قال: فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها. وقوله: شمط، أي: صار سواد شعره مخلطا لبياضه، وقد بين في الرواية التي تلي هذا أن موضع الشمط كان في العنفقة، وهي ما بين الذقن والشفة السفلى، والقلوص: الانثى من الابل. (1) تصحف في المطبوع " رياح " إلى " رباح " وقرط " إلى " قرظ ". (*) طبقات ابن سعد 2 / 373 و4 / 142 - 188، نسب قريش: 350 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 120، 1496، الزهد: 189، المحبر: 24، 442، التاريخ الكبير 5 / 2 و125، التاريخ الصغير 1 / 154، 155، المعرفة والتاريخ 1 / 249، 490، الجرح والتعديل 5 / 107، المستدرك 3 / 556، الحلية 1 / 292 و2 / 7، جمهرة أنساب العرب: 152، الاستيعاب: 950، تاريخ بغداد، 1 / 171، طبقات الفقهاء: 49، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 238، تاريخ ابن عساكر: مصورة المجمع: 11 - 165، جامع الأصول 9 / 64، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ. أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَقُ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَأُمُّهُ وَأُمُّ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ: زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُوْنٍ؛ أُخْتُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ الجُمَحِيِّ. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً نَافِعاً عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَبِلاَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ عَمِّهِ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، وَأَسْلَمَ، وَحَفْصَةَ أُخْتِهِ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: آدَمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَسْلَمُ مَوْلَى أَبِيْهِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَبُسْرُ (1) بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ، وَبِشْرُ بنُ عَائِذٍ، وَبِشْرُ بنُ المُحْتَفِزِ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ، وَبِلاَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُهُ، وَتَمِيْمُ بنُ عِيَاضٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَثَابِتُ بنُ عُبَيْدٍ، وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَثُوَيْرُ بنُ أَبِي فَاخِتَةَ، وَجَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ، وَجُبَيْرُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَجُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ، وَجُنَيْدٌ (2) ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالحُرُّ بنُ الصَّيَّاحِ، وَحَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ، وَحَرِيْزٌ - أَوْ أَبُو حَرِيْزٍ - وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ   = أسد الغابة 3 / 277، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 278، وفيات الأعيان 3 / 28، تهذيب الكمال: 713، تاريخ الإسلام 3 / 177، العبر 1 / 83، تذهيب التهذيب 2 / 168 ب، مرآة الجنان 1 / 154، البداية والنهاية 9 / 4، مجمع الزوائد 9 / 346، العقد الثمين 5 / 215، غاية النهاية: ت 1827، الإصابة 2 / 347، تهذيب التهذيب 5 / 328، النجوم الزاهرة 1 / 192، خلاصة تذهيب الكمال: 175، شذرات الذهب 1 / 81. (1) تصحف في المطبوع إلى " يسر " (2) تحرف في المطبوع إلى " حميد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 سُهَيْلٍ (1) ، وَحُسَيْنُ بنُ الحَارِثِ الجَدَلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، وَالحَكَمُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحَكِيْمُ بنُ أَبِي حُرَّةَ، وَحُمْرَانُ (2) مَوْلَى العَبَلاَتِ، وَابْنُهُ؛ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَسْلَمَ، وَأَخُوْهُ؛ زَيْدٌ، وَخَالِدُ بنُ دُرَيْكٍ - وَهَذَا لَمْ يَلْقَهُ - وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الإِفْرِيْقِيُّ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَخَالِدُ بنُ كَيْسَانَ، وَدَاوُدُ بنُ سُلَيْكٍ، وَذَكْوَانُ السَّمَّانُ، وَرَزِيْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَحْمَرِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ الوَلِيْدِ - شَامِيٌّ - وَأَبُو عَقِيْلٍ (3) زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، وَزِيَادُ بنُ جُبَيْرٍ (4) الثَّقَفِيُّ، وَزِيَادُ بنُ صَبِيْحٍ (5) الحَنَفِيُّ، وَأَبُو الخَصِيْبِ زِيَادٌ القُرَشِيُّ، وَزَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ الطَّائِيُّ، وَابْنُهُ؛ زَيْدٌ، وَابْنُهُ؛ سَالِمٌ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَالسَّائِبُ وَالِدُ عَطَاءٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَسَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسَعْدٌ مَوْلَى طَلْحَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْدَقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَرْجَانَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدُ بنُ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ (6) ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي يَحْيَى، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ، وَصَفْوَانُ بنُ مُحْرِزٍ، وَطَاوُوْسٌ، وَالطُّفَيْلُ بنُ أُبَيٍّ، وَطَيْسَلَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَطَيْسَلَةُ بنُ مَيَّاسٍ، وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ، وَعَبَّاسُ بنُ جُلَيْدٍ (7) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَدْرٍ اليَمَامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْنُ، وَعَبْدُ اللهِ   (1) تحرف في المطبوع إلى " سهل ". (2) تحرف في المطبوع إلى " حمدان ". (3) تحرف في المطبوع إلى " عقل ". (4) تحرف في المطبوع إلى " حية ". (5) " صبيح " بفتح الصاد كما في الأصل، وهو المنقول عن أبي حاتم، وبضم الصاد - على التصغير - ضبطه الجمهور. (6) تحرف في المطبوع إلى " عياد ". (7) اتصحف في المطبوع إلى " خليد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَبْرٍ (1) ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُصْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُرَّةَ الهَمْدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَوْهِبٍ الفَلَسْطِيْنِيُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ العُمَرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ التَّيْلَمَانِيِّ (2) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ مَوْلاَهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ نَافِعٍ، وَعَبَدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَابْنُهُ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ، وَعُبَيْدُ بنُ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَارِثِ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ (3) اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ حُرَيْثٍ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعِكْرِمَةُ العَبَّاسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ البَارِقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَعَاوِيُّ، وَابْنُهُ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ - إِنْ صَحَّ - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعِمْرَانُ بنُ الحَارِثِ، وَعِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ، وَعِمْرَانُ الأَنْصَارِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَعَنْبَسَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ عَرَارٍ، وَالعَلاَءُ بنُ اللَّجْلاَجِ، وَعِلاَجُ بنُ عَمْرٍو، وَغُطَيْفٌ - أَوْ أَبُو غُطَيْفٍ - الهُذَلِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَالقَاسِمُ بنُ عَوْفٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَزَعَةُ بنُ يَحْيَى، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَكَثِيْرُ بنُ جُمْهَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ رِيَاحٍ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَابْنُ شِهَابٍ   (1) تحرف في المطبوع إلى " جبير ". (2) تحرف في المطبوع إلى " سلمان ". (3) تحرف في المطبوع إلى " عبيد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ المُقَفَّعُ، وَمَرْوَانُ الأَصْفَرُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَمُسْلِمُ بنُ جُنْدُبٍ، وَمُسْلِمُ بنُ المُثَنَّى، وَمُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُسْلِمُ بنُ يَنَّاقَ، وَمُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَمَغْرَاءُ العَبْدِيُّ، وَمُغِيْثُ بنُ سُمَيٍّ، وَمُغِيْثٌ الحِجَازِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ سَلْمَانَ، وَمَكْحُوْلٌ الأَزْدِيُّ، وَمُنْقِذُ بنُ قَيْسٍ، وَمُهَاجَرٌ الشَّامِيُّ، وَمُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ دِهْقَانَ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَنَابِلٌ صَاحِبُ العَبَاءِ، وَنَافِعٌ مَوْلاَهُ، وَنُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ، وَنُعَيْمٌ المُجْمِرُ، وَنُمَيْلَةُ أَبُو عِيْسَى، وَوَاسِعُ بنُ حَبَّانَ، وَوَبَرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالوَلِيْدُ الجُرَشِيُّ (1) ، وَأَبُو مِجْلَزٍ لاَحِقٌ، وَيُحَنَّسُ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، وَيَحْيَى بنُ رَاشِدٍ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ (2) ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَيَحْيَى البَكَّاءُ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي سُمَيَّةَ، وَأَبُو البَزَرَى يَزِيْدُ بنُ عُطَارِدٍ، وَيَسَارٌ مَوْلاَهُ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَيُوْنُسُ بنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَفْصٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ (3) ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو تَمِيْمَةَ الهُجَيْمِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَأَبُو حَيَّةَ الكَلْبِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو سَهْلٍ، وَأَبُو السَّوْدَاءِ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو شَيْخٍ الهُنَائِيُّ، وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَأَبُو طُعْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الشَّاعِرُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو العَجْلاَنِ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو عُقْبَةَ، وَأَبُو غَالِبٍ، وَأَبُو الفَضْلِ، وَأَبُو المُخَارِقِ - إِنْ كَانَ مَحْفُوْظاً - وَأَبُو المُنِيْبِ الجُرَشِيُّ، وَأَبُو نَجِيْحٍ المَكِّيُّ، وَأَبُو نَوْفَلٍ بنُ   (1) تصحف في المطبوع إلى " الجرسي ". (2) تحرف في المطبوع إلى " رباب ". (3) تحرف في المطبوع إلى " خيثمة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 أَبِي عَقْرَبٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو يَعْفُوْرٍ العَبْدِيُّ، وَرُقَيَّةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ. قَدِمَ الشَّامَ، وَالعِرَاقَ، وَالبَصْرَةَ، وَفَارِسَ غَازِياً. رَوَى: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَارَزَ رَجُلاً فِي قِتَالِ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ (1) . وَرَوَى: عُبَيْدُ (2) اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ (3) . سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَفِّرُ حَتَّى يَمْلأَ ثِيَابَهُ مِنْهَا. فَقِيْلَ لَهُ: تَصْبِغُ بِالصُّفْرَةِ؟ فَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبِغُ بِهَا (4) . شَرِيْكٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ: رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالخَلُوْقِ وَالزَّعْفَرَانِ (5) . ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ إِلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (6) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ شَعْرَ ابْنِ عُمَرَ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، وَأُتِيَ بِي إِلَيْهِ، فَقَبَّلَنِي (7) .   (1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 170 من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي شهاب الحناط بهذا الإسناد، وفيه زيادة: فسلم ذلك له، ثم أتى أباه، فسلمه له. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبد ". (3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 179 عن عبد الله بن نمير بهذا الإسناد. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 179، وسنده صحيح. (5) وأخرجه ابن سعد 4 / 180 من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا عبد العزيز ابن محمد، عن محمد بن زيد ... وسنده حسن. (6) أخرجه ابن سعد 4 / 181. وسنده حسن. (7) أخرجه ابن سعد 4 / 181 من طريقين، عن هشام بن عروة، وهو في " تاريخ دمشق " = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: كَانَ رَبْعَةً، يَخضِبُ بِالصُّفْرَةِ، تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا، وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِيْنَ نَفْساً مِنْ أَهْلِهَا. اللَّيْثُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ صَاحِبٌ لِي غَرِيْباً، فَكُنَّا عَلَى قَبْرِهِ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَكَانَتْ أَسَامِيْنَا ثَلاَثَتُنَا العَاصَ. فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (انْزِلُوا قَبْرَهُ، وَأَنْتُمْ عُبَيْدُ اللهِ) . فَقَبَرْنَا أَخَانَا، وَصَعِدْنَا وَقَدْ أُبْدِلَتْ أَسْمَاؤُنَا. هَكَذَا رَوَاهُ: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنْهُ. وَمَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ، هُوَ مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ اسمَ ابْنِ عُمَرَ مَا غُيِّرَ إِلَى مَا بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: إِنَّ حَفْصَةَ وَابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَا قَبْلَ عُمَرَ، وَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُوْهُمَا، كَانَ عَبْدُ اللهِ ابْنَ نَحْوٍ مِنْ سَبْعِ سِنِيْنَ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ آدَمَ، جَسِيْماً، إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ السَّاقَيْنِ، يَطُوْفُ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ بَدْراً. فَهَذَا خَطَأٌ وَغَلَطٌ، ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي (2) .   = لأبي زرعة 1 / 616 بلفظ " رأيت ابن عمر له جمة (وتحرفت في المطبوع إلى جبة) إلى منكبيه ". (1) ابن سعد 4 / 181. (2) أخرجه البخاري 7 / 302 في المغازي: باب غزوة الخندق، وتمامه: وعرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: عُرِضْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَاسْتَصْغَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الفَتْحَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً. وَرَوَى: سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْتُ غُلاَماً عَزَباً شَابّاً، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجَدِ. فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَلَهَا قُرُوْنٌ كَقُرُوْنِ البِئْرِ، فَرَأَيْتُ فِيْهَا نَاساً قَدْ عَرَفْتُهُم. فَجَعَلتُ أَقُوْلُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. فَلَقِيَنَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ. فَذَكَرْتُهَا لِحَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) . قَالَ: فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ القَلِيْلَ (2) . وَرَوَى نَحْوَهُ: نَافِعٌ، وَفِيْهِ: (إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ) . سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ شَاهِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَائِطِ نَخْلٍ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ائْذَنُوا لَهُ، وَبَشِّرُوْهُ بِالجَنَّةِ) . ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُثْمَانُ، فَقَالَ: (بَشِّرُوْهُ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيْبُهُ) . فَدَخَلَ يَبْكِي وَيَضْحَكُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: (أَنْتَ مَعَ أَبِيْكَ) (3) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 226 في المغازي: باب عدة أصحاب بدر، وهو في " الطبقات " 4 / 143. (2) أخرجه البخاري 3 / 5، 6 في التهجد: باب فضل قيام الليل، وباب من تعار من الليل، فصلى، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عبد الله بن عمر، وفي التعبير: باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام، وباب الامن وذهاب الروع، وباب الاخذ على اليمين في النوم، وأخرجه مسلم (2479) في فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله بن عمر، والترمذي (3825) في المناقب. (3) إسناده ضعيف لضعف سعيد بن بشير. لكن متن الحديث صحيح من طريق آخر إلى قوله = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ، عَنْهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: إِنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسهِ عَنِ الدُّنْيَا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ (1) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مُتَوَافِرُوْنَ، وَمَا فِيْنَا شَابٌّ هُوَ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ (2) . أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ: عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: مَا مِنَّا أَحَدٌ يُفَتَّشُ إِلاَّ يُفَتَّشُ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ (3) إِلاَّ عُمَرُ، وَابْنُهُ. وَرَوَى: سَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ: مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَقَدْ مَالَتْ بِهِ، إِلاَّ ابْنُ عُمَرَ (4) . وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ العَلاَءِ المَازِنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لابْنِ عُمَرَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ لَنْ تُخَالِفِيْهِ - يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ -. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ فِي الفَضْلِ مِثْلُ أَبِيْهِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: كُنَّا نَأْتِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَكَانُوا يَجْتَمِعُوْنَ   = " على بلوى تصيبه "، فقد أخرجه البخاري 13 / 42، وفي مواطن عدة من صحيحه، ومسلم (2403) ، والترمذي (3711) من حديث أبي موسى الأشعري. (1) ابن سعد 4 / 144، و" الحلية " 1 / 294. وهو في " الزهد " لأحمد. (2) ذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 347، ونسبه لأبي الطاهر الذهلي في " فوائده ". (3) ذكره الزمخشري في " الفائق " 1 / 246، وقال: ضرب الجائفة - وهي الطعنة الواصلة إلى الجوف -، والمنقلة - وهي التي ينقل منها العظام - مثلا للمعايب. (4) هو في " حلية الأولياء " 1 / 294. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 إِلَيْهِ، فَجَاءهُ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَعُمَرُ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَكُم أَمِ ابْنُهُ؟ قَالُوا: بَلْ عُمَرُ. فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ فِي زَمَانٍ لَهُ فِيْهِ نُظَرَاءٌ، وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ بَقِيَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ لَهُ فِيْهِ نَظِيْرٌ. وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ شَهِدْتُ لأَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، لَشَهِدْتُ لابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ: ثِقَتَانِ، عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ مَاتَ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ. وَعَنْ طَاوُوْسٍ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ. وَكَذَا يُرْوَى عَنْ: مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ. وَرَوَى: جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ: رُبَّمَا لَبِسَ ابْنُ عُمَرَ المِطْرَفَ الخَزَّ ثَمَنُهُ خَمْسُ مائَةِ دِرْهَمٍ (1) . وَبإِسْنَادٍ وَسَطٍ، عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ. قَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا غَرَسْتُ غَرْساً مُنْذُ تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ مُوْسَى بنُ دِهْقَانَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَّزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ (3) . العُمَرِيُّ: عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعْتَمَّ، وَأَرْخَاهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ (4) . وَكِيْعٌ: عَنِ النَّضْرِ أَبِي لُؤْلُؤةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ عِمَامَةً سَوْدَاءَ.   (1) ابن سعد 4 / 172. (2) ابن سعد 4 / 170. (3) ابن سعد 4 / 174. (4) ابن سعد 4 / 174. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ ابْنِ عُمَرَ: (عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ (1)) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيْثاً لاَ يَزِيْدُ وَلاَ يَنقصُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ مِثْلَهُ. أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ مَيْمُوْنٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَفَفْتُ يَدِي، فَلَمْ أَندَمْ، وَالمُقَاتِلُ عَلَى الحَقِّ أَفْضَلُ. قَالَ: وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَوَّمْتُ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَيْتِهِ مِنْ أَثَاثٍ مَا يَسْوَى مائَةَ دِرْهَمٍ (2) . ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، عَمَّنْ حدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّبعُ أَمرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارَهُ وَحَالَهُ، وَيَهتمُّ بِهِ، حَتَّى كَانَ قَدْ خِيفَ عَلَى عَقلِهِ مِنِ اهتمَامِهِ بِذَلِكَ. خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَوْ نَظرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ (3) . عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّبعُ آثَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلَّ مَكَانٍ صَلَّى فِيْهِ، حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزلَ تَحْتَ شَجرَةٍ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتعَاهدُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَيَصبُّ فِي أَصلِهَا المَاءَ لِكَيْلاَ تَيْبَسَ (4) . وَقَالَ نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا البَابَ لِلنِّسَاءِ) . قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدخْلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ (5) .   (1) ابن سعد 4 / 176. (2) ابن سعد 4 / 164، 165. (3) " حلية الأولياء " 1 / 310. (4) أسد الغابة 3 / 341. (5) وأخرجه ابن سعد 4 / 162 من طريق أبي الوليد الطيالسي عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك..، ورجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 قَالَ الشَّعْبِيُّ: جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً، فَمَا سَمِعتُهُ يُحدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً. قَالَ مُجَاهِدٌ: صَحِبتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَا سَمِعتُهُ يُحدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ حَدِيْثاً (1) . وَرَوَى: عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ذَكرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ بَكَى. وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عِنْدَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ وَعُبَيْدٌ يَقُصُّ، فَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَدُمُوعُهُ تُهرَاقُ (2) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ تَلاَ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ} [النِّسَاءُ: 40] . فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يَبْكِي حَتَّى لَثِقَتْ لِحيتُهُ وَجَيْبُهُ مِنْ دُموعِهِ، فَأَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَقُوْلَ لأَبِي: أَقْصِرْ، فَقَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ (3) . وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوْبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ} [الحَدِيْدُ: 16] بَكَى حَتَّى يَغْلِبَهُ البُكَاءُ (4) .   (1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه " 1 / 557. (2) أخرجه أبو نعيم 1 / 313 من طريق أبي داود الطيالسي، عن عبد الله بن نافع، عن نافع ... وهذا سند ضعيف لضعف عبد الله بن نافع. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 162 من طريق موسى بن مسعود بهذا الإسناد، وموسى بن مسعود - وهو أبو حذيفة النهدي - سيئ الحفظ، وباقي السند رجاله ثقات. وقوله: " حتى لثقت لحيته " أي: ابتلت، يقال: لثق الطائر: إذا ابتل ريشه. (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 305 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عثمان بن واقد، عن نافع ... ورجاله ثقات. وفي الأصل " إلى ذكر الله " وهو خطأ، ولم ينتبه له محقق المطبوع فأثبته كما هو. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 قَالَ حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ: قِيْلَ لنَافِعٍ: مَا كَانَ يَصْنَعُ ابْنُ عُمَرَ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ: لاَ تُطِيْقُونَهُ: الوُضوءُ لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَالمصحفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا (1) . رَوَاهُ: أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ (2) ، عَنْ حَبِيْبٍ. وَرَوَى: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ العِشَاءُ فِي جَمَاعَةٍ، أَحْيَى بَقِيَّةَ لَيلتِهِ (3) . ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ مِهْرَاسٌ فِيْهِ مَاءٌ، فَيُصَلِّي فِيْهِ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ يَصِيْرُ إِلَى الفِرَاشِ، فَيُغْفِي إِغْفَاءةَ الطَّائِرِ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَتَوضَّأُ وَيُصَلِّي، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ خَمْسَةً (4) . قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، وَلاَ يَكَادُ يُفْطِرُ فِي الحَضَرِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَالِمٍ: مَا لَعَنَ ابْنُ عُمَرَ خَادِماً لَهُ إِلاَّ مرَّةً، فَأَعتَقَهُ. رَوَى: أَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ، قَالَ: أَقْرضْتُ ابْنَ عُمَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَوَفَّانِيْهَا بزَائِدٍ مائَتَيْ دِرْهَمٍ (5) .   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 170 من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي شهاب الحناط بهذا الإسناد. ورجاله ثقات. (2) تصحف في المطبوع إلى " الخياط ". (3) رجاله ثقات، وهو في " الحلية " 1 / 303 من طريقين عن عبد العزيز عن أبي رواد. (4) رجاله ثقات. والمهراس: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء، وقد يعمل منها حياض للماء. (5) رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه مالك 2 / 168، ومن طريقه ابن سعد 4 / 169 عن حميد، عن قيس، عن مجاهد أن ابن عمر ... وإنما تحل له الزيادة فيما إذا لم يكن ذلك على شرط منهما أو عادة، أما إذا شرط في القرض أن يرد أكثر أو أفضل، فهو حرام لا خير فيه، وفعل ابن عمر هذا له سند من السنة، ففي الموطأ 2 / 680 في البيوع، ومسلم (1600) من طريق زيد بن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لابْنِ عُمَرَ -يَعْنِي: بَعْدَ مَوْتِ يَزِيْدَ -: هَلُمَّ يَدَكَ نُبايِعْكَ، فَإِنَّك سَيِّدُ العَربِ، وَابْنُ سَيِّدِهَا. قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِأَهْلِ المَشرقِ؟ قَالَ: نَضرِبُهُم حَتَّى يُبَايِعُوا. قَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهَا دَانَتْ لِي سبعِيْنَ سَنَةً، وَأَنَّهُ قُتلَ فِي سَيْفِي رَجُلٌ وَاحِدٌ. قَالَ: يَقُوْلُ مَرْوَانُ: إِنِّيْ أَرَى فِتْنَةً تَغْلِي مَرَاجِلُهَا ... وَالمُلْكُ بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا أَبُو لَيْلَى: مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ بَايَعَ لَهُ أَبُوْهُ النَّاسَ، فَعَاشَ أَيَّاماً (1) . أَبُو حَازِمٍ المَدِيْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى مَكَّةَ، فَعرَّسْنَا، فَانحدَرَ عَلَيْنَا رَاعٍ مِنْ جَبلٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَرَاعٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِعْنِي شَاةً مِنَ الغَنَمِ. قَالَ: إِنِّيْ مَمْلُوْكٌ. قَالَ: قُلْ لِسَيِّدِكَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَيْنَ اللهُ! ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ اشْترَاهُ بَعْدُ، فَأَعتَقَهُ! أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: فَأَعتقَهُ، وَاشْتَرَى لَهُ الغَنَمَ (2) .   = أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكرا. فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا، فقال: " أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء "، وأخرجه البخاري 4 / 394، ومسلم (1601) . من حديث أبي هريرة. (1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 4 / 169 من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس بهذا الإسناد، وهو حسن، والبيت في " طبقات ابن سعد " 5 / 39 لازنم الفزاري، وهو غير منسوب في " المعارف " لابن قتيبة: 352، و" الطبري " 5 / 500، و" المرصع ": 296. قال ابن الأثير: يريد لما نزل معاوية بن يزيد عن الخلافة، واختصم عليها مروان بن الحكم، والضحاك بن قيس الفهري، وعبد الله بن الزبير. (2) ذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 341، وهو في " المجمع " 9 / 347، ونسبه للطبراني، وقال: ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 عُبَيْدُ (1) اللهِ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا أَعْجَبَ ابْنَ عُمَرَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ قَدَّمَهُ، بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقتِهِ، إِذْ أَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: إِخ إِخ. فَأَنَاخَهَا، وَقَالَ: يَا نَافِعُ، حُطَّ عَنْهَا الرَّحْلَ. فَجَلَّلَهَا، وَقَلَّدَهَا، وَجَعَلَهَا فِي بُدْنِهِ (2) . عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَاتَبَ (3) غُلاَماً لَهُ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، فَخَرَجَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكَانَ يَعملُ عَلَى حُمُرٍ لَهُ، حَتَّى أَدَّى (4) خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَجَاءهُ إِنْسَانٌ، فَقَالَ: أَمَجْنُوْنٌ أَنْتَ؟ أَنْت هَا هُنَا تُعذِّبُ نَفْسَكَ، وَابْنُ عُمَرَ يَشْتَرِي الرَّقِيقَ يَمِيْناً وَشِمَالاً، ثُمَّ يُعْتِقُهُم؛ ارجعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ: عَجِزْتُ. فَجَاءَ إِلَيْهِ بِصَحيفَةٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! قَدْ عَجِزْتُ، وَهَذِهِ صَحيفَتِي، فَامْحُهَا. فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِ امْحُهَا أَنْتَ إِنْ شِئْتَ. فَمحَاهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَا عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: اذهَبْ فَأنتَ حُرٌّ. قَالَ: أَصلَحَكَ اللهُ، أَحْسِنْ إِلَى ابْنَيَّ. قَالَ: هُمَا حُرَّانِ. قَالَ: أَصلَحَكَ اللهُ، أَحْسِنْ إِلَى أُمَّيْ وَلَدَيَّ. قَالَ: هُمَا حُرَّتَانِ (5) . رَوَاهُ: ابْنُ وَهْبٍ، عَنْهُ. عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَعْطَى عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ ابنَ عُمَرَ بِنَافِعٍ عَشْرَةَ آلاَفٍ، فَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ امْرَأتِهِ، فَحدَّثَهَا، قَالَتْ: فَمَا تَنْتَظِرُ؟ قَالَ: فَهَلاَّ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ حُرٌّ لوجِهِ اللهِ. فَكَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ   (1) تحرف في المطبوع إلى " عبد ". (2) أخرجه أبو نعيم 1 / 295 من طريق محمد بن الصباح، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله، عن نافع ... وقد تحرف السند في المطبوع من " الحلية " إلى سفيان بن عبيد الله. وأخرجه ابن سعد 4 / 166 من طريق محمد بن يزيد بن خنيس المكي، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع.. (3) المكاتبة: أن يكتب السيد لمولاه وثيقة يتعهد له فيها بالعتق إذا أعطاه مبلغا يسميه من المال، فإذا جمعه العبد، ودفعه لسيده، أصبح حرا. (4) تحرف في المطبوع إلى " إذا جمع ". (5) رجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 أَنَّهُ كَانَ يَنْوِي قَوْلَ اللهِ: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آلُ عِمْرَان (1) : 92] . وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَلْعَنَ خَادِماً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ الع ... ، فَلَمْ يُتِمَّهَا، وَقَالَ: مَا أُحبُّ أَنْ أَقُوْلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ (2) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنْ نَافِعٍ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَا قَامَ حَتَّى أَعْطَاهَا (3) . رَوَاهَا: عِيْسَى بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، وَقَالَ: باثنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ وَائِلٍ، قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَفرَّقهَا، وَأَصْبَحَ يَطلُبُ لرَاحِلَتِهِ عَلَفاً بِدِرْهَمٍ نَسِيْئَةً (4) . بُرْدُ بنُ سِنَانٍ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَيُفرِّقُ فِي المَجْلِسِ ثَلاَثينَ أَلْفاً، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ شَهْرٌ مَا يَأْكُلُ مُزْعَةَ لَحْمٍ (5) . عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا مَاتَ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى أَعتقَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، أَوْ زَادَ (6) .   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 296 من طريق الامام أحمد، عن هاشم بن القاسم الليثي بهذا الإسناد، وهذا سند صحيح. (2) أخرجه عبد الرزاق (19533) ، ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 307، عن معمر، عن ابن شهاب، وأخرج عبد الرزاق (19534) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، قال: ما لعن ابن عمر خادما له قط إلا واحدا، فأعتقه. وإسناده صحيح. (3) " الحلية " 1 / 296. (4) " الحلية " 1 / 296. (5) هو في " الحلية " 1 / 295، 296، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 347، ونسبه للطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح غير برد بن سنان وهو ثقة. والمزعة، بضم الميم: القطعة اليسيرة من اللحم. (6) " الحلية " 1 / 296 من طريق محمد بن إسحاق حدثنا أبو همام، حدثنا عمرو بن عبد الواحد العمري بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ. أَيُّوْبُ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَعثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ (1) . مَعْمَرُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَوْ أَنَّ طَعَاماً كَثِيْراً كَانَ عِنْدَ أَبِي، مَا شَبعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَجِدَ لَهُ آكلاً، فَعَادَهُ ابْنُ مُطِيْعٍ، فَرَآهُ قَدْ نَحَلَ جِسْمُهُ، فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَيَّ ثَمَانُ سِنِيْنَ، مَا أَشْبَعُ فِيْهَا شَبْعَةً وَاحِدَةً. أَو قَالَ: إِلاَّ شَبْعَةً، فَالآنَ تُرِيْدُ أَنْ أَشبَعَ حِيْنَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي إِلاَّ ظِمْءُ حِمَارٍ (2) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنِي مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ، قَالَ: كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ: بَلغنِي أَنَّكَ طَلبتَ الخِلاَفَةَ، وَإِنَّهَا لاَ تَصْلُحُ لِعَييٍّ وَلاَ بَخِيلٍ وَلاَ غَيُورٍ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الخِلاَفَةِ فَمَا طَلبتُهَا، وَمَا هِيَ مِنْ بِالِي، وَأَمَّا مَا ذكَرْتَ مِنَ العَيِّ، فَمَنْ جَمعَ كِتَابَ اللهِ، فَلَيْسَ بِعَييٍّ، وَمَنْ أَدَّى زَكَاتَهُ، فَلَيْسَ بِبَخيلٍ، وَإِنَّ أَحقَّ مَا غِرْتُ فِيْهِ وَلَدِي أَنْ يَشْرَكَنِي فِيْهِ غَيْرِي (3) . هُشَيمٌ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: لأَنْ يَكُوْنَ نَافِعٌ يَحفَظُ حِفْظَكَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِي دِرْهَمُ زَيْفٍ. فَقُلْتُ:   (1) " الحلية " 1 / 296 من طريق أبي العباس السراج، عن عمرو بن زرارة، عن إسماعيل ابن علية بهذا الإسناد، وهو صحيح. (2) أي: شيء يسير، وخص الحمار بذلك، لأنه أقل الدواب صبرا عن الماء، والخبر في " المصنف " (20630) ، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم 1 / 298، عن معمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر. وسنده صحيح. (3) أخرجه أبو نعيم 1 / 293 من طريق سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا الحكم بن موسى بهذا الإسناد، وذكر الهيثمي في " المجمع " 9 / 347، ونسبه للطبراني، وقال: ورجاله ثقات إلا أنه مرسل: المطعم لم يسمع من ابن عمر، وأخرج الفسوي في " تاريخه " 1 / 492 من طريق سعيد بن أسد، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، قال: قال معاوية لعبد الله بن جعفر: بلغني أن ابن عمر يريد هذا الامر وفيه ثلاث خصال..بنحو مما هنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلاَ جَعلْتَهُ جَيِّداً!! قَالَ: هَكَذَا كَانَ فِي نَفْسِي. الأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَرِضَ ابْنُ عُمَرَ، فَاشْتَهَى عِنَباً أَوَّلَ مَا جَاءَ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأتُهُ بِدِرْهَمٍ، فَاشتَرَتْ بِهِ عُنْقُوْداً، فَاتَّبعَ الرَّسُوْلَ سَائِلٌ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: السَّائِلَ، السَّائِلَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ بَعثَتْ بِدِرْهَمٍ آخرَ، قَالَ: فَاتَّبعَهُ السَّائِلُ. فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: السَّائِلَ السَّائِلَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ. فَأَعْطَوْهُ، وَأَرْسَلَتْ صَفِيَّةُ إِلَى السَّائِلِ تَقُوْلُ: وَاللهِ لَئِنْ عُدْتَ، لاَ تُصِيْبُ مِنِّي خَيراً. ثُمَّ أَرْسَلَتْ بِدِرْهَمٍ آخرَ، فَاشْتَرَتْ بِهِ (1) . مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ (2) : عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ بِجوَارِشَ (3) ، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: مَا شَبعْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا (4) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ المُخْتَارَ بنَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَ يُرسِلُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِالمَالِ، فَيَقْبَلُهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً، وَلاَ أَرُدُّ مَا رَزقَنِي اللهُ (5) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الوَازِعِ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا أَبقَاكَ اللهُ لَهُم. فَغَضبَ، وَقَالَ: إِنِّيْ لأَحْسِبُكَ عِرَاقِيّاً، وَمَا يُدْرِيْكَ مَا يُغلِقُ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّكَ بَابَهُ (6) .   (1) رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه ابن سعد 4 / 158 من طريق عارم بن الفضل، عن حماد ابن زيد، عن أيوب، عن نافع ... وأخرجه أبو نعيم 1 / 297 من طريق أحمد، عن يزيد بن هارون، عن مسلم بن سعيد الثقفي، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن نافع، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 347، ونسبه للطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح غير نعيم بن حماد وهو ثقة. (2) تصحف في المطبوع إلى " معول ". (3) الجوارش: نوع من الادوية المركبة يقوي المعدة، ويهضم الطعام. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 150، وانظر " الحلية " 1 / 300. (5) إسناده صحيح، وهو عند ابن سعد 4 / 150. (6) أخرجه ابن سعد 4 / 161 من طريق قبيصة بن عقبة بهذا الإسناد وهو حسن. وذكره = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّيْ لأَخرجُ وَمَا لِي حَاجَةٌ إِلاَّ أَنْ أُسلِّمَ عَلَى النَّاسِ، وَيُسلِّمُوْنَ عَلَيَّ (1) . وَرَوَى: مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو النَّدَبِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَا لَقِيَ صغِيراً وَلاَ كَبِيْراً إِلاَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ (2) . قَالَ عُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَاطِبِيُّ (3) : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحْفِي شَاربَهُ، حَتَّى ظنَنْتُ أَنَّهُ يَنْتِفُهُ، وَمَا رَأَيتُه إِلاَّ مُحَلَّلَ الأَزرَارِ (4) ، وَإِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَتَّزِرُ عَلَى القَمِيْصِ فِي السَّفَرِ، وَيَخْتِمُ الشَيْءَ بِخَاتَمِهِ، وَلاَ يَكَادُ يَلْبَسُهُ، وَيَأْتِي السُّوقَ، فَيقُولُ: كَيْفَ يُبَاعُ ذَا؟ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لحيتِهِ، وَيَأخُذُ مَا جَاوَزَ القَبْضَةَ (5) . قَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، مَكثَ سِتِّيْنَ سَنَةً يُفْتِي النَّاسَ (6) .   = الحافظ في " الإصابة " 2 / 348، ونسبه ليعقوب بن سفيان الفسوي، وقد تحرف فيه أبو الوازع إلى أبي الدارع، واسم أبي الوازع: جابر بن عمرو الراسبي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم. (1) وأخرجه ابن سعد 4 / 155 من طريق الفضل بن دكين، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري، و4 / 156 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي، عن القاسم بن أبي بزة، عن عبد الله بن عطاء ... و 4 / 170 من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن أسامة بن زيد، عن نافع.. (2) هو في " المصنف " (19442) واسم أبي عمرو الندبي: بشر بن حرب فيه لين. (3) هو عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي، قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وانظر ابن سعد 4 / 175 و176 و177. (4) تحرف في المطبوع إلى " الازار ". (5) أخرجه ابن سعد 4 / 178، وأخرجه البخاري 10 / 295، 296 من طريق محمد بن منهال، عن يزيد بن زريع، عن نافع بلفظ: " وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته، فما فضل أخذه ". (6) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 491، ومن طريقه الخطيب 1 / 172: حدثني محمد = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَجلِسَانِ لِلنَّاسِ عِنْدَ مَقْدَمِ الحَاجِّ، فَكُنْتُ أَجلِسُ إِلَى هَذَا يَوْماً، وَإِلَى هَذَا يَوْماً، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُجِيبُ وَيُفْتِي فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنْهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَردُّ أَكْثَرَ مِمَّا يُفْتِي. قَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: كَتبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَنِ اكتُبْ إِلَيَّ بِالعِلمِ كُلِّهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ العِلمَ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم، لاَزماً لأَمرِ جَمَاعَتِهِم، فَافعَلْ. مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ عُمَرَ: أَعملُ لَكَ جوَارِشَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: شَيْءٌ إِذَا كَظَّكَ الطَّعَامُ، فَأَصبْتَ مِنْهُ، سَهَّلَ. فَقَالَ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشهرٍ، وَمَا ذَاكَ أَنْ لاَ أَكُوْنَ لَهُ وَاجداً، وَلَكِنِّي عَهِدْتُ قَوْماً يَشبَعُوْنَ مَرَّةً، وَيَجُوْعُوْنَ مَرَّةً (1) . وَرَوَى: الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ رَجُلٍ: بَعثَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ إِلَى وَكِيلِهَا تَسْتَهدِيْهِ غُلاَماً، وَقَالَتْ: يَكُوْنُ عَالِماً بِالسُّنَّةِ، قَارِئاً لِكِتَابِ اللهِ، فَصِيحاً عَفِيفاً، كَثِيْرَ الحَيَاءِ، قَلِيْلَ المِرَاءِ. فَكَتَبَ إِلَيْهَا: قَدْ طَلبْتُ هَذَا الغُلاَمَ، فَلَمْ أَجِدْ غُلاَماً بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلاَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَقَدْ سَاومْتُ بِهِ أَهْلَهُ، فَأَبَوْا أَنْ يَبيعُوْهُ. رَوَى: بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ حِذْيَمٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ أَبَانَ القُرَشِيِّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسيرُ، إِذَا أَسَدٌ عَلَى الطَّرِيْقِ قَدْ حَبسَ النَّاسَ، فَاسْتَخَفَّ ابْنُ عُمَرَ رَاحِلتَهُ، وَنَزَلَ إِلَى الأَسَدِ، فَعَرَكَ أُذُنَهُ، وَأَخَّرَهُ عَنِ الطَّرِيْقِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: (لَوْ لَمْ يَخَفِ ابْنُ آدَمَ إِلاَّ اللهَ لَمْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ) .   = ابن أبي زكير، عن ابن وهب، عن مالك. (1) أخرجه أبو نعيم 1 / 300 من طريق الامام أحمد، حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين..ورجاله ثقات. وقوله " إذا كظك الطعام " أي: إذا امتلات منه وأثقلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 لَمْ يَصحَّ هَذَا (1) . أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَاقِدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي، فَلَو رَأَيتَهُ، رَأَيتَهُ مُقْلَوْلِياً (2) ، وَرَأَيتُهُ يَفُتُّ المِسْكَ فِي الدُّهْنِ يَدَّهِنُ بِهِ. عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي جَمِيْلَةَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لابْنِ عُمَرَ: اذهَبْ، فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: أَوَ تَعفِيْنِي مِنْ ذَلِكَ! قَالَ: فَمَا تَكرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوْكَ يَقضِي؟ قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ كَانَ قَاضِياً، فَقضَى بِالعَدْلِ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ يَنْفلِتَ كَفَافاً) فَمَا أَرْجُو بَعْدَ ذَلِكَ (3) ؟! السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلمَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ أُعْطِيْتُ مِنَ الجِمَاعِ شَيْئاً مَا أَعْلَمُ أَحَداً أُعْطِيَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَفَرَّدَ بِهِ: يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، عَنْهُ. أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَمْزَةَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَظنُّ قُسِمَ لِي مِنْهُ مَا لَمْ يُقْسَمْ لأَحدٍ إِلاَّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفطِرُ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى الوَطْءِ. لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، جَاءَ عَلِيٌّ إِلَى   (1) وقال المؤلف في " ميزانه " في ترجمة وهب بن أبان: لا يدرى من هو، فأتى بخبر موضوع، وفي " اللسان " ذكره الأزدي، فقال: متروك الحديث غير مرضي، ثم أورد له هذا الحديث. وقد أورد الحديث المتقي في " كنز العمال " 13 / 478، 479، ونسبه لابن عساكر. (2) قال ابن الأثير: هو المتجافي المستوفز، وفلان يتقلى على فراشه، أي: يتململ ولا يستقر. (3) أخرجه الترمذي (1322) في أول الاحكام، وسنده ضعيف لجهالة عبد الملك بن أبي جميلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّكَ مَحبُوبٌ إِلَى النَّاسِ، فَسِرْ إِلَى الشَّامِ. فَقَالَ: بِقَرَابَتِي وَصُحْبَتِي وَالرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَنَا. قَالَ: فَلَمْ يُعَاوِدْهُ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُمَرَ بنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعثَ إِلَيَّ عليٌّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّكَ رَجُلٌ مُطَاعٌ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَسِرْ فَقَدْ أَمَّرْتُكَ عَلَيْهِم. فَقُلْتُ: أُذَكِّرُكَ اللهَ، وَقَرَابَتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصُحْبَتِي إِيَّاهُ، إِلاَّ مَا أَعْفَيْتَنِي. فَأَبَى عَلِيٌّ، فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ بِحَفْصَةَ، فَأَبَى، فَخَرَجْتُ ليلاً إِلَى مَكَّةَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ خَرجَ إِلَى الشَّامِ. فَبَعثَ فِي أَثَرِي، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي المربدَ، فَيَخْطمُ بَعيرَهُ بِعِمَامَتِهِ لِيُدْرِكَنِي. قَالَ: فَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الشَّامِ، إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَسَكَنَ (2) . الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ خَالِدِ بنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: هَربَ مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ مِنَ المُخْتَارِ، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ ابْنَ عُمَرَ! إِنِّيْ لأَحسِبُهُ عَلَى العَهدِ الأَوَّلِ لَمْ يَتَغِيَّرْ، وَاللهِ مَا اسْتَفَزَّتْهُ قُرَيْشٌ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا يُزرِي عَلَى أَبِيْهِ فِي مَقْتلِهِ. وَكَانَ عَلِيٌّ غَدَا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُنَا، فَاركَبْ بِهَا إِلَى الشَّامِ. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ وَالإِسْلاَمَ. قَالَ: وَاللهِ لَتَرْكَبَنَّ. قَالَ: أُذَكِّرُكَ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ. قَالَ: لَتَرْكَبَنَّ وَاللهِ طَائِعاً أَوْ كَارهاً. قَالَ: فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ. العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ يَوْمَ دُوْمَةَ جَنْدَلٍ: جَاءَ مُعَاوِيَةُ عَلَى بُخْتِيٍّ عَظِيْمٍ طَوِيْلٍ، فَقَالَ: وَمَنِ الَّذِي يَطْمَعُ فِي هَذَا الأَمْرِ وَيَمدُّ إِلَيْهِ عُنُقَهُ؟ فَمَا حدَّثْتُ نَفْسِي بِالدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ، هَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: يَطْمَعُ فِيْهِ مَنْ ضَربَكَ وَأَبَاكَ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرْتُ الجَنَّةَ وَنَعِيْمَهَا، فَأَعْرضْتُ عَنْهُ (3) .   (1) ليث بن أبي سليم: سيئ الحفظ. والخبر في " تاريخ الإسلام " 3 / 182 للمؤلف. (2) رجاله ثقات. (3) رجاله ثقات. وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 182 من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد، ونسبه الحافظ في " الفتح " 7 / 310 للطبراني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعثَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيْدَ، قَالَ: أُرَى ذَاكَ أَرَادَ، إِنَّ دِيْنِي عِنْدِي إِذاً لَرَخِيصٌ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ: بُوْيِعَ يَزِيْدُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا بَلغَهُ: إِنْ كَانَ خَيراً رَضِيْنَا، وَإِنْ كَانَ بَلاَءً صَبَرْنَا (2) . ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: حَلَفَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَقْتُلَنَّ ابْنَ عُمَرَ، -يَعْنِي: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بِمكَّةَ -. فَجَاءَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ، فَدَخَلاَ بَيْتاً، وَكُنْتُ عَلَى البَابِ، فَجَعَلَ ابْنُ صَفْوَانَ يَقُوْلُ: أَفَتَتْرُكُهُ حَتَّى يَقْتُلَكَ؟! وَاللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي، لَقَاتَلْتُهُ دُونَكَ. فَقَالَ: أَلاَ أَصِيْرُ فِي حَرَمِ اللهِ؟ وَسَمِعْتُ نَحِيبَهُ مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا دَنَا مُعَاوِيَةُ، تَلقَّاهُ ابْنُ صَفْوَانَ، فَقَالَ: إِيهاً (3) ، جِئْتَ لِتقتُلَ ابْنَ عُمَرَ. قَالَ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُهُ (4) . مِسْعَرٌ: عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنَّا؟ وَابْنُ عُمَرَ شَاهِدٌ. قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ مَنْ ضَرَبَكَ عَلَيْهِ وَأَبَاكَ. فَخِفْتُ الفَسَادَ (5) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَوْسَاتُهَا تَنْطُفُ،   (1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 182، و" تاريخ الفسوي " 1 / 492. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 182 من طريقين، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر.. (3) إيها: اسم فعل أمر بمعنى اسكت وكف. وقد تحرفت في المطبوع إلى " إنما ". (4) إسناده صحيح. وهو في " الطبقات " 4 / 183، وأخرجه أيضا من طريق ابن علية، عن أيوب، عن نافع.. (5) أخرجه ابن سعد 4 / 182 من طريق محمد بن عبد الله الأسدي بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِم، فَإِنَّهُم يَنتظِرُوْنَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُم فُرْقَةً. فَلَمْ يَرُعْهُ حَتَّى ذَهَبَ. قَالَ: فَلَمَّا تَفرَّقَ الحَكمَانِ، خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَلْيُطْلِعْ إِلَيَّ قَرْنَهُ، فَنَحْنُ أَحقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيْهِ. يُعَرِّضُ بِابْنِ عُمَرَ. قَالَ حَبِيْبُ بنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلاَّ أَجَبْتَهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَلَلْتُ حَبْوَتِي، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُوْلَ: أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَخَشِيتُ أَنْ أَقُوْلَ كَلمَةً تُفرِّقُ الجَمْعَ، وَيُسْفَكُ فِيْهَا الدَّمُ، فَذَكَرتُ مَا أَعَدَّ اللهُ فِي الجنَانِ (1) . وَقَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا كَانَ زَمَنَ الفِتْنَةِ، أَتَوْا ابْنَ عُمَرَ، فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، وَابْنُ سَيِّدِهِم، وَالنَّاسُ بِكَ رَاضُوْنَ، اخْرُجْ نُبَايِعْكَ. فَقَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ يُهْرَاقُ فِيَّ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ وَلاَ فِي سَببِي (2) مَا كَانَ فِيَّ رُوْحٌ (3) . جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوْسَى يَوْمَ التَّحْكِيمِ: لاَ أَرَى لِهَذَا الأَمْرِ غَيْرَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نُرِيْدُ أَنْ نُبَايِعَكَ، فَهلْ لَكَ أَنْ تُعطَى مَالاً عَظِيْماً عَلَى أَنْ تَدَعَ   (1) أخرجه البخاري 7 / 309، 311 في المغازي: باب غزوة الخندق، وعبد الرزاق في " المصنف " 5 / 465 وقوله: " ونوساتها تنطف " أي: ذوائبها تقطر كأنها قد اغتسلت، فسمى الذوائب نوسات لأنها تتحرك كثيرا. وقوله: " فلما تفرق الحكمان " هي رواية عبد الرزاق، وفي البخاري " فلما تفرق الناس "، قال الحافظ: أي بعد أن اختلف الحكمان، وهما أبو موسى الأشعري وكان من قبل علي، وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية، وجملة " يعرض بابن عمر " هي في " المصنف "، ولم ترد عند البخاري. (2) تحرف في المطبوع إلى " سبي ". (3) أخرجه أبو نعيم 1 / 293 من طريق ابن إسحاق، عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي عن أبيه، عن سلام بن مسكين ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْكَ؟ فَغَضِبَ، وَقَامَ. فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّمَا قَالَ: تُعْطِي مَالاً عَلَى أَنْ أُبَايِعَكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أُعْطِي عَلَيْهَا، وَلاَ أُعطَى، وَلاَ أَقْبَلُهَا إِلاَّ عَنْ رِضَىً مِنَ المُسْلِمِيْنَ (1) . قُلْتُ: كَادَ أَنْ تَنْعقِدَ البَيْعَةُ لَهُ يَوْمَئِذٍ، مَعَ وُجُوْدِ مِثْلِ الإِمَامِ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَوْ بُوْيِعَ، لَمَا اخْتلفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَاهُ، وَخَارَ لَهُ. مِسْعَرٌ: عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ لابْنِ عُمَرَ: أَلاَ تَخْرُجُ إِلَى الشَّامِ فَيُبَايعُوكَ؟ قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِأَهْلِ العِرَاقِ؟ قَالَ: تُقَاتِلُهُم بِأَهْلِ الشَّامِ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي أَنْ يُبَايِعَنِي النَّاسُ كُلُّهم إِلاَّ أَهْلَ فَدَكٍ، وَأَنْ أُقَاتلَهُم، فَيُقتلَ مِنْهُم رَجُلٌ. فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنِّيْ أَرَى فِتْنَةً تَغْلِي مَرَاجُلُهَا ... وَالمُلْكُ بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا وَرَوَى: عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، نَحْواً مِنْهَا (2) . وَهَذَا قَالَهُ وَقْتَ هَلاَكِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ (3) ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ مَرْوَانُ مِنْ جهَةِ ابْنِ عُمَرَ، بَادرَ إِلَى الشَّامِ، وَحَارَبَ، وَتَمَلَّكَ الشَّامَ، ثُمَّ مِصْرَ. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ فِطْرٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ شَرٌّ لِلأُمَّةِ مِنْكَ. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لَوْ شِئْتَ مَا اخْتلَفَ فِيكَ اثْنَانِ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهَا -يَعْنِي: الخِلاَفَةَ - أَتَتْنِي وَرَجُلٌ يَقُوْلُ: لاَ، وَآخَرُ يَقُوْلُ: بَلَى.   (1) أخرجه أبو نعيم 1 / 293، 294 من طريق أبي العباس الثقفي، عن عبد الله بن جرير ابن جبلة، عن سليمان بن حرب بهذا الإسناد. (2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 169، وقد تقدم في الصفحة (216) ت (1) . (3) قال المؤلف في " ميزانه ": مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يروى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه، وعده شيخ الإسلام في " منهاج السنة " 2 / 251 من الفساق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 أَبُو المَلِيْحِ (1) الرَّقِّيُّ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: دَسَّ مُعَاوِيَةُ عَمْراً وَهُوَ يُرِيْدُ أَنْ يَعلَمَ مَا فِي نَفْسِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ تُبَايِعُكَ النَّاسُ، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْتَ أَحقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ. فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ كُلُّهُم عَلَى مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلاَّ نَفرٌ يَسيرٌ. قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَعْلاَجٍ بِهَجَرٍ لَمْ يَكُنْ لِي فِيْهَا حَاجَةٌ. قَالَ: فَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ يُرِيْدُ القِتَالَ. فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُبَايِعَ مَنْ قَدْ كَادَ النَّاسُ أَنْ يَجتمعُوا عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ لَكَ مِنَ الأَرَضِينَ وَالأَمْوَالِ؟ فَقَالَ: أُفٍّ لَكَ! اخْرجْ مِنْ عِنْدِي، إِنَّ دِيْنِي لَيْسَ بِدِيْنَارِكُم وَلاَ دِرْهَمِكُم (2) . يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ عَلَى الخَشَبيَّةِ (3) وَالخَوَارِجِ وَهُم يَقْتَتِلُوْنَ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ (حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ) ، أَجبتُهُ، وَمَنْ قَالَ (حَيَّ عَلَى قَتْلِ أَخِيْكَ المُسْلِمِ وَأَخْذِ مَالِهِ) فَلاَ (4) . قَالَ نَافِعٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَاماً، وَتَعتَمِرَ عَاماً، وَتَترُكَ الجِهَادَ؟ فَقَالَ: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: إِيْمَانٍ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَصَلاَةِ الخَمْسِ، وَصيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلاَ تسَمَعُ قَوْلَهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجُرَاتُ: 8] . فَقَالَ: لأَنْ أَعْتَبِرَ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَلاَ أُقَاتِلَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعتبرَ بِالآيَةِ الَّتِي يَقُوْلُ فِيْهَا: {   (1) تحرف في المطبوع إلى " أبي المديح ". (2) وتمامه: وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية. أخرجه ابن سعد 4 / 164 من طريق عبد الله بن جعفر الرقي، عن أبي المليح، عن ميمون وهذا سند صحيح. (3) هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. (4) أخرجه ابن سعد 4 / 169، 170، وأبو نعيم 1 / 309 من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا أبو شهاب عبد ربه الحناط، عن يونس بن عبيد العبدي، عن نافع..وهذا سند حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيْهَا} [النِّسَاءُ: 92] . فَقَالَ: أَلاَ تَرَى أَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {وَقَاتِلُوْهُم حَتَّى لاَ تَكُوْنَ فِتْنَةٌ} [البَقَرَةُ: 193] . قَالَ: قَدْ فَعلْنَا عَلَى عَهدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ كَانَ الإِسْلاَمُ قليلاً، وَكَانَ الرَّجُلُ يُفتَنُ فِي دِيْنِهِ؛ إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَسترِقُّوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ تَكنْ فِتْنَةٌ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُوَافِقُهُ، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ، فَكَانَ اللهُ عَفَا عَنْهُ، وَكرِهتُم أَنْ يَعفُوَ اللهُ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَتَنُهُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ - هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. الزُّهْرِيُّ: عَنْ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ، مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ أُقَاتِلَ هَذِهِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ كَمَا أَمَرنِي اللهُ. قُلْنَا: وَمَنْ تَرَى الفِئَةَ البَاغِيَةَ؟ قَالَ: ابْنُ الزُّبَيْرِ، بَغَى عَلَى هَؤُلاَءِ القَوْمِ، فَأَخرَجَهُم مِنْ دِيَارِهِم، وَنَكَثَ عَهدَهُم (1) . أَيُّوْبُ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَصَابَتِ ابْنَ عُمَرَ عَارضَةُ مَحْمِلٍ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ عِنْدَ الجَمْرَةِ، فَمَرِضَ، فَدخَلَ عَلَيْهِ الحَجَّاجُ، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُ عُمَرَ، غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، فَكَلَّمَهُ الحَجَّاجُ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، فَغَضبَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَقُوْلُ إِنِّي عَلَى الضَّرْبِ الأَوَّلِ (2) ؟ عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو: أَخْبَرَنَا جَدِّي: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدِمَ حَاجّاً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الحَجَّاجُ، وَقَدْ أَصَابَهُ زُجُّ رُمْحٍ. فَقَالَ: مَنْ أَصَابَكَ؟   (1) في رواية ابن سعد 4 / 185 التي سيذكرها المصنف في الصفحة 232 أن الفئة الباغية هي الحجاج. وسندها صحيح. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 186 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد بهذا الإسناد، وهذا سند صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرْتُمُوْهُ بِحَملِ السِّلاَحِ فِي مَكَانٍ لاَ يَحِلُّ فِيْهِ حَمْلُهُ (1) . أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ المَسْعُوْدِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو الأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَامَ إِلَى الحَجَّاجِ، وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! اسْتُحِلَّ حَرَمُ اللهِ، وَخُرِّبَ بَيْتُ اللهِ. فَقَالَ: يَا شَيْخاً قَدْ خَرِفَ. فَلَمَّا صَدرَ النَّاسُ، أَمَرَ الحَجَّاجُ بَعْضَ مُسوَّدَتِهِ، فَأَخذَ حَربَةً مَسمُومَةً، وَضَربَ بِهَا رِجْلَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرِضَ، وَمَاتَ مِنْهَا. وَدَخَلَ عَلَيْهِ الحَجَّاجُ عَائِداً، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَكَلَّمَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ (2) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ الحَجَّاجَ خَطبَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كلاَمَ اللهِ. فَعَلِمَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: كَذَبَ، لَمْ يَكُنِ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَطيعُ أَنْ يُبَدِّلَ كَلاَمَ اللهِ وَلاَ أَنْتَ. قَالَ: إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ الغَدَ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ عُدْتَ، عُدْتُ. قَالَ الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سُمَيْرٍ، قَالَ: خَطَبَ الحَجَّاجُ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَرَّفَ كِتَابَ اللهِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبْتَ كَذَبْتَ، مَا يَستَطِيعُ ذَلِكَ وَلاَ أَنْتَ مَعَهُ. قَالَ: اسْكُتْ، فَقَدْ خَرِفْتَ، وَذَهبَ عَقلُكَ، يُوشِكُ شَيْخٌ أَنْ يُضرَبَ عُنُقُهُ، فَيَخِرَّ قَدِ انتفَخَتْ خِصْيَتَاهُ، يَطُوفُ بِهِ صِبيَانُ البَقِيْعِ (3) .   (1) وأخرجه البخاري 2 / 379 في العيدين: باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، من طريق أحمد بن يعقوب، حدثني إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، قال: دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده، فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، قال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله، يعني الحجاج. ورواه البخاري أيضا من طريق محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير. وأخرجه ابن سعد 4 / 186 من طريق الفضل بن دكين، عن إسحاق بن سعيد، عن أبيه. وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 347، 348. (2) رجاله ثقات. (3) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 184 من طريق مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، كَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَايَعْتُ لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ (1) . شُعْبَةُ: عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى رَجُلاً يُغَسِّلُهُ، فَجَعلَ يَدْلُكُهُ بِالمِسْكِ (2) . وَعَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ: مَاتَ أَبِي بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بفَخٍّ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَدفِنَهُ خَارِجَ الحَرَمِ، فَلَمْ نَقْدِرْ، فَدَفَنَّاهُ بِفَخٍّ، فِي الحَرَمِ، فِي مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِيْنَ (3) . حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ أَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ. هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ مُفسَّراً. وَأَمَّا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سِيَاهٍ: فَرَوَاهُ عَنْهُ ثِقَتَانِ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي إِلاَّ أَنِّي لَمْ أُقَاتِلْ مَعَ عَلِيٍّ الفِئَةَ البَاغِيَةَ. فَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 183، 184 من طريق محمد بن عبد الله الأسدي بهذا الإسناد، وهو قوي، ولابن سعد أيضا 4 / 152 من طريق عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا أبوالمليخ، عن ميمون بن مهران، قال: كتب ابن عمر إلى عبد الملك بن مروان فبدأ باسمه، فكتب إليه: أما بعد: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لاريب فيه) . إلى آخر الآية وقد بلغني أن المسلمين اجتمعوا على البيعة لك، وقد دخلت فيما دخل فيه المسلمون. والسلام. وانظر " تاريخ دمشق " 1 / 192 و236 لأبي زرعة الدمشقي. (2) أخرجه ابن سعد 4 / 187 من طريق سليمان بن حرب عن شعبة. (3) أخرجه ابن سعد 4 / 188. وفخ: واد بمكة، يقال: هو وادي الزاهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 ابْنُ عُمَرَ حِيْنَ احْتُضِرَ: مَا أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئاً إِلاَّ أَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. وَرَوَى: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي الجَهْمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلابْنِ عُمَرَ أَقْوَالٌ وَفَتَاوَى يَطُولُ الكِتَابُ بِإِيرَادِهَا، وَلَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الفِئَةِ البَاغِيَةِ. فَقَالَ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ عَيَّاشٍ العَامِرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا احتُضِرَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ: ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَأَنِّي لَمْ أُقَاتِلِ الفِئَةَ البَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا -يَعْنِي: الحَجَّاجَ (1) -. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقَالَ مَالِكٌ: بَلغَ ابْنُ عُمَرَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، وَدُفِنَ بذِي طُوَىً. وَقِيْلَ: بِفَخٍّ؛ مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِيْنَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. قُلْتُ: هُوَ القَائِلُ: كُنْتُ يَوْمَ أُحُدٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً (2) ، فَعَلَى هَذَا   (1) وأخرجه ابن سعد 4 / 185، من طريق يزيد بن هارون وإسناده صحيح. (2) أخرجه البخاري، وقد تقدم تخريجه في الصفحة (209) ت (2) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 يَكُوْنُ عُمُرُهُ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَرْضَاهُ -. أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ بنُ طَارِقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِقِرَاءتِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ (1) ، وَأَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ الخَيَّاطُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ 353، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي مَسَرَّةَ (2) ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ - وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ، وَرَأَيتُهُ يَنحَرُ البُدْنَ قِيَاماً يَجَأُ فِي (3) لَبَّاتِهَا. أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ قَزَعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ثِيَاباً خَشِنَةً - أَوْ جَشِبَةً - فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ قَدْ أَتَيتُكَ بِثَوْبٍ لَيِّنٍ مِمَّا يُصنعُ بِخُرَاسَانَ، وَتَقرُّ عَيْنَايَ أَنْ أَرَاهُ عَلَيْكَ. قَالَ: أَرِنِيهِ. فَلَمَسَهُ، وَقَالَ: أَحَرِيْرٌ هَذَا؟ قُلْتُ: لاَ، إِنَّهُ مِنْ قُطْنٍ. قَالَ: إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ أَلْبَسَهُ، أَخَافُ أَكُوْنَ مُخْتَالاً فَخُوراً، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (4) .   (1) الطريثيثي، بضم الطاء، وفتح الراء، وسكون الياء، وكسر الثاء، وسكون الياء، وبعدها ثاء مثلثة: نسبة إلى طريثيث: ناحية كبيرة من نواحي نيسابور. وقد تحرف في المطبوع إلى " الطرثيثي ". (2) تحرفت في المطبوع إلى " ميسرة ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " يجافي ". (4) هو في " حلية الأولياء " 1 / 302. ورجاله ثقات إلا أن هلال بن خباب قد تغير بأخرة. والجشب من الثياب: الخشن الغليظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 قُلْتُ: كُلُّ لِبَاسٍ أَوْجَدَ فِي المَرْءِ خُيَلاَءَ وَفَخراً، فَتَرْكُهُ مُتَعيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلاَ حَرِيرٍ، فَإِنَّا نَرَى الشَّابَّ يَلْبَسُ الفَرَجِيَّةَ (1) الصُّوفَ بِفَرْوٍ مِنْ أَثَمَانِ أَرْبَعِ مائَةِ دِرْهَمٍ وَنَحْوِهَا، وَالكِبْرُ وَالخُيَلاَءُ عَلَى مِشْيَتِهِ ظَاهِرٌ، فَإِنْ نَصحْتَهُ وَلُمْتَهُ بِرِفقٍ كَابَرَ، وَقَالَ: مَا فِيَّ خُيَلاَءُ وَلاَ فَخْرٌ، وَهَذَا السَّيِّدُ ابْنُ عُمَرَ يَخَافُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ تَرَى الفَقِيْهَ المُتْرفَ إِذَا لِيْمَ فِي تَفصيلِ فَرَجِيَّةٍ تَحْتَ كَعْبَيْهِ، قِيْلَ لَهُ: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ) . يَقُوْلُ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيْمَنْ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلاَءَ، وَأَنَا لاَ أَفعلُ خُيَلاَءَ، فَترَاهُ يُكَابِرُ، وَيُبرِّئُ نَفْسَهُ الحمقَاءَ، وَيَعْمَدُ إِلَى نَصٍّ مُستقِلٍّ عَامٍّ، فَيَخُصُّهُ بِحَدِيْثٍ آخرَ مُسْتقلٍّ بِمَعْنَى الخُيَلاَءِ، وَيَترخَّصُ بِقَوْلِ الصِّدِّيْقِ: إِنَّهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ يَسْتَرخِي إِزَارِي، فَقَالَ: (لَسْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاَءَ) . فَقُلْنَا: أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَشُدُّ إِزَارَهُ مَسْدُوْلاً عَلَى كَعْبَيْهِ أَوَّلاً؛ بَلْ كَانَ يَشُدُّهُ فَوْقَ الكَعْبِ، ثُمَّ فِيمَا بَعْدُ يَسْتَرخِي. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (إِزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ) . وَمِثْلُ هَذَا فِي النَّهْيِ لِمَنْ فَصَّلَ سَرَاويلَ مُغَطِّياً لِكِعَابِهِ. وَمِنْه طُولُ الأَكمَامِ زَائِداً، وَتَطوِيْلُ العَذَبَةِ. وَكُلُّ هَذَا مِنْ خُيَلاَءَ كَامنٍ فِي النُّفُوْسِ، وَقَدْ يُعذَرُ الوَاحِدُ مِنْهُم بِالجَهْلِ، وَالعَالِمُ لاَ عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهِ الإِنْكَارَ عَلَى الجَهَلَةِ، فَإِنْ خُلعَ عَلَى رَئِيْسٍ خِلعَةٌ سِيَرَاءُ (2) مِنْ ذَهَبٍ وَحَرِيْرٍ وَقُنْدُسٍ، يُحرِّمُهُ مَا وَردَ فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَلُبْسِهَا، الشَّخْصُ يَسحَبُهَا وَيَختَالُ فِيْهَا، وَيَخْطُرُ بِيَدِهِ وَيَغْضبُ مِمَّنْ لاَ يُهَنِّيْهِ بِهَذِهِ المُحَرَّمَاتِ، وَلاَ سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ خِلْعَةَ وَزَارَةٍ وَظُلْمٍ وَنَظَرِ مَكْسٍ (3) ، أَوْ وِلاَيَةِ شُرطَةٍ، فَلْيَتَهَيَّأْ لِلمَقْتِ وَلِلعَزْلِ وَالإِهَانَةِ وَالضَّرْبِ، وَفِي   (1) الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام، بتخذ من قطن أو حرير أو صوف. (2) السيراء: بكسر السين وفتح الياء والمد: نوع من البرود تتخذ من حرير. (3) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار، وقد تحرفت في المطبوع إلى " ملبس ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 الآخِرَةِ أَشدُّ عَذَاباً وَتنكيلاً. فَرَضِيَ اللهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِيْهِ، وَأَيْنَ مِثْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي دِيْنِهِ، وَوَرَعِهِ، وَعِلمِهِ، وَتَأَلُّهِهِ، وَخَوْفِهِ، مِنْ رَجُلٍ تُعرَضُ عَلَيْهِ الخِلاَفَةُ، فَيَأبَاهَا، وَالقَضَاءُ مِنْ مِثْلِ عُثْمَانَ، فَيردُّهُ، وَنِيَابَةُ الشَّامِ لِعَلِيٍّ، فِيْهربُ مِنْهُ؟! فَاللهُ يَجْتبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَوْلاَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، لَسَرَّنِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَأُهِلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، وَلَكِنْ أَكرَهُ أَنْ آتِيَ الشَّامَ، فَلاَ آتيْهِ، فَيَجِدُ عَلَيَّ، أَوْ آتِيَهُ، فَيرَانِي تَعرَّضتُ لِمَا فِي يَدَيْهِ. رَوَى: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ العِشَاءُ فِي جَمَاعَةٍ أَحْيَى لَيلَتَهُ (1) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُحيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا نَافِعُ، أَسْحَرْنَا؟ فَأَقُوْلُ: لاَ. فَيُعَاودُ الصَّلاَةَ إِلَى أَنْ أَقُوْلَ: نَعَمْ. فَيقعدُ، وَيَسْتَغْفِرُ، وَيدعُو حَتَّى يُصْبِحَ (2) . قَالَ طَاوُوْسٌ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّياً مِثْلَ ابْنِ عُمَرَ أَشدَّ اسْتقبالاً لِلْقِبْلَةِ بِوجهِهِ وَكَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ (3) . وَرَوَى: نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ (4) . هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بن أَبِي بَزَّةَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَرَأَ، فَبَلَغَ: {يَوْمَ   (1) أخرجه أبو نعيم 1 / 303. (2) هو في " الحلية " 1 / 303. (3) هو في " الحلية " 1 / 304، وروى ابن سعد في " الطبقات " 4 / 157 من طريق حماد بن مسعدة، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، قال: كان ابن عمر يحب ان يستقبل كل شيء منه القبلة إذا صلى، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة. (4) هو في " الحلية " 1 / 304. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 6] فَبَكَى حَتَّى خَرَّ، وَامْتنعَ مِنْ قِرَاءةِ مَا بَعْدَهَا. مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَوْ غَيْرِهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ عُمَرَ: يَا خَيْرَ النَّاسِ - أَوِ ابْنَ خَيْرِ النَّاسِ -. فَقَالَ: مَا أَنَا بِخيرِ النَّاسِ، وَلاَ ابْنِ خَيْرِ النَّاسِ، وَلَكِنِّي عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ، أَرْجُو اللهَ، وَأَخَافُهُ، وَاللهِ لَنْ تَزَالُوا بِالرَّجُلِ حَتَّى تُهلكُوْهُ (1) . عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَرْعُفُ (2) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، سَمِعَ عُرْوَةَ يَقولُ: خَطبْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ ابْنتَهُ، وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ، فَسَكَتَ وَلَمْ يُجِبْنِي بِكلمَةٍ، فَقُلْتُ: لَوْ رَضِيَ لأَجَابَنِي، وَاللهِ لاَ أُرَاجعُهُ بِكلمَةٍ. فَقُدِّرَ لَهُ أَنَّهُ صَدَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ قَبْلِي، ثُمَّ قدِمْتُ، فَدَخَلْتُ مَسجِدَ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فَرحَّبَ بِي، وَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: الآنَ. فَقَالَ: كُنْتَ ذَكرْتَ لِي سَوْدَةَ وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ، نَتخَايلُ اللهَ بَيْنَ أَعيُنِنَا، وَكُنْتَ قَادِراً أَنْ تَلْقَانِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ الموطِنِ. فَقُلْتُ: كَانَ أَمْراً قُدِّرَ. قَالَ: فَمَا رَأْيُكَ اليَوْمَ؟ قُلْتُ: أَحْرَصُ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ قَطُّ. فَدَعَا ابْنَيْهِ سَالِماً   (1) أخرجه أبو نعيم 1 / 307 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع..وهذا سند صحيح. (2) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (8904) ، ومن طريقه أبو نعيم 1 / 308 بهذا الإسناد وهو صحيح، وقد تحرف في " المصنف " " عبيد الله " إلى " عبد الله " وفي سنن البيهقي 5 / 81 عن مجاهد، قال: ما رأيت ابن عمر زاحم على الحجر قط، ولقد رأيته مرة زاحم حتى رثم أنفه، وابتدر منخراه دما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وَعَبْدَ اللهِ، وَزَوَّجَنِي (1) . وَبِهِ: إِلَى بِشْرٍ: حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الفِتْنَةِ، كَمَثَلِ قَوْمٍ يَسيرُوْنَ عَلَى جَادَّةٍ يَعرفُوْنَهَا، فَبيْنَا هُم كَذَلِكَ، إِذْ غَشِيتْهُم سَحَابَةٌ وَظُلمَةٌ، فَأَخَذَ بَعضُهُم يَمِيْناً وَشِمَالاً، فَأَخْطَأَ الطَّرِيْقَ، وَأَقَمْنَا حَيْثُ أَدْرَكَنَا ذَلِكَ، حَتَّى جَلاَ اللهُ ذَلِكَ عَنَّا، فَأَبْصَرْنَا طرِيقَنَا الأَوَّلَ، فَعَرفْنَاهُ، فَأَخَذْنَا فِيْهِ، إِنَّمَا هَؤُلاَءِ فِتيَانُ قُرَيْشٍ يَقْتتِلُونَ عَلَى هَذَا السُّلْطَانِ وَعَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا، مَا أُبالِي أَنْ لاَ يَكُوْنَ لِي مَا يَقتلُ عَلَيْهِ بعضُهُم بعضاً بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ الَجرْدَاوَيْنِ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عنْ مَنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَآهُ أَحَدٌ ظنَّ بِهِ شَيْئاً مِمَّا يَتَّبِعُ آثَارَ النَّبِيِّ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكِيْعٌ: عَنْ أَبِي مَوْدُوْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ فِي طرِيقِ مَكَّةَ يَقُوْلُ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَثْنِيْهَا، وَيَقُوْلُ: لَعَلَّ خُفّاً يَقعُ عَلَى خُفٍّ، -يَعْنِي: خُفَّ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحْكَامِ (5)) فِي البَابِ الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ: المُكثِرُوْنَ مِنَ الفُتْيَا مِنَ الصَّحَابَةِ؛ عُمَرُ، وَابْنُه عَبْدُ اللهِ، عَلِيٌّ، عَائِشَةُ، ابْنُ   (1) هو في " حلية الأولياء " 1 / 309، وأخرجه بأطول مما هنا ابن سعد في " الطبقات " 4 / 167، 168 من طريق محمد بن يزيد بن خنيس، عن عبد العزيز بن أبي رواد، حدثني نافع أن عبد الله بن عمر أدركه عروة بن الزبير في الطواف: فخطب إليه ابنته ... ورجاله ثقات. (2) هو في " الحلية " 1 / 309، 310، وأخرجه ابن سعد 4 / 171 من طريق قبيصة بن عقبة، عن هارون بن إبراهيم - وهو البربري - ويقال: ابن أبي إبراهيم، بهذا الإسناد. وسنده صحيح. (3) ابن سعد 4 / 144، وهو في " حلية الأولياء " 1 / 310. (4) " حلية الاوليا " 1 / 310 (5) 5 / 92. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 مَسْعُوْدٍ، ابْنُ عَبَّاسٍ، زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، فَهُمْ سَبْعَةٌ فَقَطْ يُمكنُ أَنْ يُجمعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم سِفْرٌ ضَخْمٌ. وَقَدْ جَمعَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المَأْمُوْنِ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عِشْرِيْنَ كِتَاباً. وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا أَحَدُ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُوْسَى، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَقلَّدَ سَيْفَ عُمَرَ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَكَانَ مُحَلَّىً، كَانَتْ حِليتُهُ أَرْبَعَ مائَةٍ. أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ كُتُبٌ يَنظُرُ فِيْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ. هَذَا غَرِيْبٌ. وَلابْنِ عُمَرَ فِي (مُسنَدِ بَقِيٍّ) : أَلْفَانِ وَسِتُّ مائَةٍ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً بِالمُكَرَّرِ، وَاتَّفَقَا لَهُ عَلَى: مائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّيْنَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ: بِأَحَدٍ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِأَحَدٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَأَوْلاَدُهُ مِنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ بنِ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ: أَبُو بَكْرٍ، وَوَاقِدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَعُمَرُ، وَحَفْصَةُ، وَسَوْدَةُ. وَمِنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ المُحَارِبِيَّةِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِهِ يُكْنَى. وَمِنْ سُرِّيَّةٍ لَهُ: سَالِمٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ. وَمِنْ سُرِّيَّةٍ أُخْرَى: زَيْدٌ، وَعَائِشَةُ. وَمِنْ أُخْرَى: أَبُو سَلَمَةَ، وَقِلاَبَةُ. وَمِنْ أُخْرَى: بِلاَلٌ. فَالجُمْلَةُ: سِتَّةَ عَشَرَ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِلَيْكُم عَنِّي؛ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي، وَلَوْ عَلمْتُ أَنِّي أَبقَى حَتَّى تَفْتَقِرُوا إِلَيَّ، لَتَعلَّمْتُ لَكُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ القَارِئِ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ مِنْ ثَرِيْدٍ يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا بَنُوْهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَكُلُّ مَنْ جَاءَ حَتَّى يَأْكُلَ بعضُهُم قَائِماً، وَمَعَهُ بَعيرٌ لَهُ، عَلَيْهِ مَزَادتَانِ، فِيْهمَا نَبِيْذٌ وَمَاءٌ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ قَدَحٌ مِنْ سَوِيْقٍ بِذَلِكَ النَّبِيذِ (1) . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ، وَالفِرَاخَ، وَالخَبِيْصَ. مَعْنٌ: عَنْ مَالِكٍ: بَلغَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَيَّ الأُمَّةُ إِلاَّ رَجُلَيْنِ مَا قَاتَلْتُهُمَا. سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يُحدِّثُ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، قَالُوا لابْنِ عُمَرَ: إِنَّكَ سَيِّدُ النَّاسِ وَابْنُ سَيِّدِهِم، فَاخرُجْ يُبَايِعْ لَكَ النَّاسُ. فَقَالَ: لَئِنْ اسْتَطَعْتُ لاَ يُهْرَاقَ فِيَّ مِحْجَمَةٌ. قَالُوا: لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَتُقْتَلَنَّ عَلَى فِرَاشِكَ. فَأَعَادَ قَوْلَهُ (2) . قَالَ الحَسَنُ: أَطْمَعُوْهُ، وَخَوَّفُوهُ، فَمَا قَدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ. وَتَرْجَمَةُ هَذَا الإِمَامِ فِي (طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ) مُطَوَّلَةٌ، فِي ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَرَقَةً (3) . يُحوَّلُ إِلَى نُظرَائِهِ.   (1) أخرجه ابن سعد 4 / 148 من طريق الفضل بن دكين بهذا الإسناد. وهو حسن. والنبيذ: ما يعمل من الاشربة من التمر والزبيب. (2) تقدم تخريجه في الصفحة (226) ت (3) . (3) انظر " الطبقات " 4 / 142 - 188. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وَمِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ: 46 - الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسِ بنِ خَالِدٍ الفِهْرِيُّ القُرَشِيُّ * (س) الأَمِيْرُ، أَبُو أُمَيَّةَ. وَقِيْلَ: أَبُو أُنَيْسٍ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: أَبُو سَعِيْدٍ الفِهْرِيُّ، القُرَشِيُّ. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ أَحَادِيْثُ. خَرَّجَ لَهُ النَّسَائِيُّ. وَقَدْ رَوَى عَنْ: حَبِيْبِ بنِ مَسْلَمَةَ أَيْضاً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ - وَوَصَفَهُ بِالعَدَالَةِ - وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوَيْدٍ الفِهْرِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) : شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ، وَسَكَنَهَا. وَكَانَ عَلَى عَسْكرِ دِمَشْقَ يَوْمَ صِفِّيْنَ. حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، عَنْ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 410، نسب قريش: 447، طبقات خليفة: ت 163، 837، 1437، 2831، المحبر: 295، 302، التاريخ الكبير 4 / 332، المعارف: 412، الجرح والتعديل 4 / 457، مشاهير علماء الأمصار: ت 368، المستدرك 3 / 524، جمهرة أنساب العرب: 178، الاستيعاب: 744، تاريخ ابن عساكر 8 / 205 ب، أسد الغابة 3 / 37. الكامل 4 / 149، تهذيب الكمال. 617، تاريخ الإسلام 3 / 21، العبر 1 / 70، تذهيب التهذيب 2 / 198 آ، البداية والنهاية 8 / 241، العقد الثمين 5 / 48، الإصابة 2 / 207، تهذيب التهذيب 4 / 448، خلاصة تذهيب الكمال: 149. (1) في " تاريخه " 8 / 255 ب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى المِنْبَرِ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ - وَهُوَ عَدْلٌ عَلَى نَفْسِهِ -: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ يَزَالُ وَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى النَّاسِ (1)) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بنِ الهَيْثَمِ - حِيْنَ مَاتَ يَزِيْدُ -: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَناً كَقِطَعِ الدُّخَانِ، يَمُوْتُ فِيْهَا قَلْبُ الرَّجُلِ كَمَا يَمُوْتُ بَدَنُهُ) وَإِنَّ يَزِيْدَ قَدْ مَاتَ، وَأَنْتُم إِخْوَانُنَا، فَلاَ تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ لأَنْفُسِنَا (2) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَولاَّهُ الكُوْفَةَ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَقَامَ بِخِلاَفَتِهِ حَتَّى قَدِمَ يَزِيْدُ، ثُمَّ بَعْدَهُ دَعَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبَايعَ لَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ. وَفِي بَيْتِ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّوْرَى، وَكَانَتْ نَبيلَةً (3) . وذَكَرَهُ مُسْلِمٌ: أَنَّهُ بَدْرِيٌّ، فَغَلِطَ. وَقَالَ شَبَابٌ (4) : مَاتَ زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ بِالكُوْفَةِ، فَوَلاَّهَا مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ، ثُمَّ صَرَفَهُ، وَوَلاَّهُ دِمَشْقَ، وَوَلَّى الكُوْفَةَ ابْنَ أُمِّ الحَكَمِ. فَبَقيَ الضَّحَّاكُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى هَلكَ يَزِيْدُ. وَقِيْلَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ خَطبَ بِالكُوْفَةِ قَاعِداً. وَكَانَ جَوَاداً، لَبِسَ بُرْداً تُسَاوِي ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَسَاومَهُ رَجُلٌ بِهِ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: شُحٌّ بِالمَرْءِ أَنْ يَبيعَ عِطَافَهُ (5) .   (1) ابن عساكر 8 / 205 ب. ومحمد بن طلحة لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل. (2) أخرجه أحمد 3 / 453، وابن سعد 7 / 410 وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وهو عند ابن عساكر 8 / 206 آ، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 50. (3) ابن عساكر 8 / 206. (4) في " تاريخه ": 219. (5) ابن عساكر 8 / 208 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 قَالَ اللَّيْثُ: أَظهرَ الضَّحَّاكُ بَيْعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِدِمَشْقَ، وَدَعَا لَهُ، فَسَارَ عَامَّةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَحَشَمُهُم، فَلَحِقُوا بِالأُرْدُنِّ، وَسَارَ مَرْوَانُ وَبَنُو بَحْدَلٍ إِلَى الضَّحَّاكِ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا المَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ يَزِيْدَ لَمَّا مَاتَ، دَعَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ بِحِمْصَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا زُفَرُ بنُ الحَارِثِ أَمِيْرُ قِنَّسْرِيْنَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا إِلَيْهِ بِدِمَشْقَ الضَّحَّاكُ سِرّاً لِمَكَانِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي كَلْبٍ. وَبلغَ حَسَّانَ بنَ بَحْدَلٍ وَهُوَ بِفِلَسْطِيْنَ وَكَانَ هَوَاهُ فِي خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ. فَكَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ يُعْظِمُ حَقَّ بَنِي أُمَيَّةَ، وَيَذُمُّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: إِنْ قَرَأَ الكِتَابَ، وَإِلاَّ فَاقْرَأْهُ عَلَى النَّاسِ. وَكَتَبَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ. فَلَمْ يَقْرَأِ الضَّحَّاكُ كِتَابَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ، فَسَكَّتَهُم خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَهُ (1) أَيَّاماً، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَذَكَرَ يَزِيْدَ، فَشَتَمَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِعَصاً فَاقتتلَ النَّاسُ بِالسُّيوفِ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ دَارَ الإِمَارَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ، وَتَفرَّقَ النَّاسُ؛ فَفِرقَةٌ زُبَيْرِيَّةٌ، وَأُخْرَى بَحْدَلِيَّةٌ (2) ، وَفِرقَةٌ لاَ يُبالُوْنَ. ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُبَايعُوا الوَلِيْدَ بنَ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَبَى، ثُمَّ تُوُفِّيَ. وَطَلبَ الضَّحَّاكُ مَرْوَانَ، فَأَتَاهُ هُوَ وَعَمُّهُ، وَالأَشْدَقُ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَخُوْهُ، فَاعْتذَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: اكتُبُوا إِلَى ابْنِ بَحْدَلٍ حَتَّى يَنْزِلَ الجَابِيَةَ، وَنَسيرُ إِلَيْهِ، وَيَستخلِفُ أَحَدُكُم. فَقَدِمَ ابْنُ بَحْدَلٍ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ وَبَنُو أُمَيَّةَ يُرِيْدُوْنَ الجَابِيَةَ. فَلَمَّا اسْتَقَلَّتِ الرَّايَاتُ مُوجّهَةً، قَالَ مَعْنُ بنُ ثَوْرٍ، وَالقَيْسِيَّةُ لِلضَّحَّاكِ: دَعَوْتَ إِلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ أَحْزمِ النَّاسِ رَأْياً وَفَضلاً وَبَأساً،   (1) في " تهذيب ابن عساكر " 7 / 4: وكانت داره في حجر الذهب مما يلي حائط المدينة مشرفة على بردى. (2) زاد ابن عساكر: هواهم لبني حرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 فَلَمَّا أَجبنَاكَ، سِرْتَ إِلَى هَذَا الأَعْرَابِيِّ تُبَايعُ لابْنِ أُخْتِهِ! قَالَ: فَمَا العَمَلُ؟ قَالُوا: تَصرِفُ الرَّايَاتِ، وَتَنْزِلُ، فَتُظْهِرُ البَيْعَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ. فَفَعَلَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ. فكَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ بِإِمْرَةِ الشَّامِ، وَطَرْدِ الأُمَوِيَّةِ مِنَ الحِجَازِ. وَخَافَ مَرْوَانُ، فَسَارَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيُبَايِعَ، فَلَقِيَهُ بِأَذْرِعَاتٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ مُقْبِلاً مِنَ العِرَاقِ، فَقَالَ: أَنْتَ شَيْخُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، سُبْحَانَ اللهِ! أَرْضِيتَ أَنْ تُبَايِعَ أَبَا خُبَيْبٍ وَلأَنْتَ أَوْلَى. قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: ادْعُ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنَا أَكْفِيكَ قُرَيْشاً وَمَوَالِيهَا. فَرَجَعَ، وَنَزلَ بِبَابِ الفَرَادِيْسِ (1) . وَبَقيَ يَرْكَبُ إِلَى الضَّحَّاكِ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُسلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَطَعَنَهُ رَجُلٌ بِحَربَةٍ فِي ظَهْرِهِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ، فَأَثْبَتَ الحَرْبَةَ، فَرُدَّ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعَادَهُ الضَّحَّاكُ، وَأَتَاهُ بِالرَّجُلِ، فَعَفَا عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ لِلضَّحَّاكِ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! العَجبُ لَكَ وَأَنْت شَيْخُ قُرَيْشٍ، تَدعُو لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنْتَ أَرْضَى مِنْهُ! لأَنَّكَ لَمْ تَزلْ مُتَمَسِّكاً بِالطَّاعَةِ، وَهُوَ فَفَارقَ الجَمَاعَةَ. فَأَصْغَى إِلَيْهِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالُوا: أَخَذْتَ عُهُودَنَا وَبَيعتَنَا لِرَجُلٍ، ثُمَّ تَدْعُو إِلَى خَلْعِهِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ! وَأَبَوْا، فَعَاودَ الدُّعَاءَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: مَنْ أَرَادَ مَا تُرِيْدُ لَمْ يَنْزِلِ المَدَائِنَ وَالحُصُونَ، بَلْ يَبرزُ، وَيَجمعُ إِلَيْهِ الخَيلَ، فَاخْرُجْ، وَضُمَّ الأَجْنَادَ. فَفَعَلَ، وَنَزَلَ المَرجَ، فَانضمَّ إِلَى مَرْوَانَ وَابْنِ زِيَادٍ جَمْعٌ. وَتَزوَّجَ مَرْوَانُ بوَالِدَةِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، وَهِيَ ابْنَةُ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَانضمَّ إِلَيْهِمْ عَبَّادُ بنُ زِيَادٍ فِي مَوَالِيْهِ، وَانضمَّ إِلَى الضَّحَّاكِ زُفَرُ بنُ الحَارِثِ الكِلاَبِيُّ أَمِيْرُ قِنَّسْرِيْنَ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ ذِي الكَلاَعِ، فَصَارَ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَمَرْوَانُ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً، أَكْثَرُهُم رَجَّالَةٌ. وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ مَعَ مَرْوَانَ سِوَى ثَمَانِيْنَ فَرَساً، فَالتَقَوْا بِالمَرجِ أَيَّاماً. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ:   (1) باب الفراديس: من أبواب دمشق القديمة، ويقال له اليوم: باب العمارة، ويقع في شمال الجامع الأموي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 لاَ تَنَالُ مِنْ هَذَا إِلاَّ بِمَكيدَةٍ، فَادْعُ إِلَى المُوَادعَةِ، فَإِذَا أَمِنَ، فَكُرَّ عَلَيْهِم. فَرَاسَلَهُ، فَأَمْسَكُوا عَنِ الحَرْبِ. ثُمَّ شدَّ مَرْوَانُ بِجَمْعهِ عَلَى الضَّحَّاكِ، وَنَادَى النَّاسَ: يَا أَبَا أُنَيْسٍ! أَعَجْزاً بَعْدَ كَيْسٍ؟ فَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَعَمْ لَعَمْرِي. وَالتحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَصَبرَتْ قَيْسٌ، ثُمَّ انهزَمُوا، فَنَادَى مُنَادِي مَرْوَانَ: لاَ تَتْبَعُوا مُوَلِّياً (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: قُتِلَتْ قَيْسٌ بِمَرْجِ رَاهِطٍ مَقْتَلَةً لَمْ تُقْتَلْهَا قَطُّ فِي نِصْفِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّ مَرْوَانَ لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ الضَّحَّاكِ، كَرِهَ قَتْلَهُ، وَقَالَ: الآنَ حِيْنَ كَبِرَتْ سِنِّي، وَاقْتربَ أَجَلِي، أَقْبَلْتُ بِالكَتَائِبِ أَضْرِبُ بَعضَهَا بِبَعْضٍ؟ (2) 47 - الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * (ع) ابْنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإِمَامُ السَّيِّدُ، رَيْحَانَةُ   (1) الخبر بطوله عند ابن عساكر 8 / 208 ب - 210 آما بين الحاصرتين منه، وأثبته بدران في " تهذيبه " 7 / 7، 9. (2) ابن عساكر 8 / 210 آ. (*) نسب قريش: 46، طبقات خليفة: ت 8، 822، 1482، 1968، المخبر: 18، 19، 45، 46، 57، 66، 293، 326، التاريخ الكبير 2 / 286، تاريخ الطبري 5 / 158، الجرح والتعديل 3 / 19، مشاهير علماء الأمصار: ت 6، مروج الذهب 3 / 181، الحلية 2 / 35، جمهرة أنساب العرب: 38، 39، الاستيعاب: 383، تاريخ بغداد 1 / 138، تاريخ ابن عساكر 4 / 244 ب، جامع الأصول 9 / 27، 36، أسد الغابة 2 / 9، الكامل 3 / 460، معجم الطبراني 3 / 5، 97، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 158، وفيات الأعيان 2 / 65، تهذيب الكمال: 271، تاريخ الإسلام 2 / 216، تذهيب التهذيب 1 / 140 آ، الوافي بالوفيات 12 / 107، مرآة الجنان 1 / 122، البداية والنهاية 8 / 14 و33 و45، مجمع الزوائد 9 / 174، العقد الثمين 4 / 157، الإصابة 1 / 328، تهذيب التهذيب 2 / 295، تاريخ الخلفاء: 187، خلاصة تذهيب الكمال: 67، شذرات الذهب 1 / 55، 56، تهذيب ابن عساكر 4 / 202. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِبْطُهُ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الشَّهِيْدُ. مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ. وَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانِهَا. وَعَقَّ عَنْهُ جَدُّهُ بِكَبشٍ (1) . وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ الحَسَنُ بنُ الحَسَنِ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو الحَوْرَاءِ (2) السَّعْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ يَرِيْمَ، وَأَصْبَغُ بنُ نُبَاتَةَ، وَالمُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ. وَكَانَ يُشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَهُ: أَبُو جُحَيْفَةَ (3) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ بُرَيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ يُحدِّثُ عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا تَذكُرُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلتُهَا فِي فِيَّ، فَنَزَعهَا رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلُعَابِهَا، فَجَعَلَهَا فِي التَّمْرِ. فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَمَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ التَّمْرَةِ لِهَذَا الصَّبيِّ؟ قَالَ: (إِنَّا - آلَ مُحَمَّدٍ - لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ) . قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِيْنَةٌ، وَالكَذِبَ رِيْبَةٌ) . وَكَانَ يُعلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ ... ) ، الحَدِيْثَ (4) .   (1) أخرجه من حديث ابن عباس أبو داود (2841) بلفظ " عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بكبش، وعن الحسين بكبش " وإسناده صحيح. وأخرجه من حديث أنس ابن حبان (1061) والبيهقي 9 / 299، ولفظه " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين بكبشين " وإسناده صحيح (2) تصحف في المطبوع إلى " أبي الجوزاء " واسم أبي الحوراء: ربيعة بن شيبان. (3) هو وهب بن عبد الله السوائي، وقوله هذا أخرجه البخاري في " صحيحه " 6 / 411 في المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو في " تاريخ دمشق " 1 / 587 لأبي زرعة. (4) وتمامه. " وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنه لايذل من واليت "، وربما قال " تباركت ربنا وتعاليت " وهو في " المسند " 1 / 200، وإسناده صحيح. وأخرجه أبو داود (1425) ، والترمذي (464) والنسائي 3 / 248، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلمَاتٍ أَقُوْلُهُنَّ فِي القُنُوتِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْتَ (1)) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الحَسَنُ، جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَرُوْنِي ابْنِي؛ مَا سَمَّيْتُمُوْهُ؟) . قُلْتُ: حَرْبٌ. قَالَ: (بَلْ هُوَ حَسَنٌ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . يَحْيَى بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ: قَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ رَجُلاً أُحبُّ الحَرْبَ، فَلَمَّا وُلِدَ الحَسَنُ، هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْباً. فَسَمَّاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحَسَنَ. فَلَمَّا وُلِدَ الحُسَيْنُ، هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْباً، فَسَمَّاهُ: الحُسَيْنَ، وَقَالَ: (إِنَّنِي سَمَّيْتُ ابْنَيَّ هَذَيْنِ بِاسْمِ ابْنَيْ هَرُوْنَ شَبَّرَ وَشَبِيْرَ (3)) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ سَمَّى ابْنَهُ الأَكْبَرَ حَمْزَةَ، وَسَمَّى حُسَيْناً بِعَمِّهِ جَعْفَرٍ. فَدَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (قَدْ غَيَّرْتُ اسْمَ ابْنَيَّ هَذَيْنِ) . فَسَمَّى: حَسَناً، وَحُسَيْناً (4) .   = وابن ماجه (1178) ، والدارمي 1 / 373، والطيالسي (1179) ، وعبد الرزاق (4984) والطبراني (2701) ، و (2702) و (3703) و (2704) و (2705) و (2706) و (2707) و (2708) و (2711) و (2712) ، وصححه ابن حبان (512) ، والحاكم 3 / 172. (1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبراني (2702) من طريق أبي مسلم الكشي، عن الحكم ابن مروان بهذا الإسناد، وانظر الحديث السابق. وقوله في " القنوت " أي: قنوت الوتر كما هو مصرح به في رواية الترمذي وغيره. (2) أخرجه أحمد 1 / 98 و118، والطبراني (2713) و (2774) و (2775) و (2776) وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 52، وزاد نسبته للبزار، وقال: ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ، وهو ثقة، وصححه ابن حبان (2227) . (3) أخرجه الطبراني (2777) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، عن عبد الله بن عمر بن أبان بهذا الإسناد، وانظر " المجمع " 8 / 52. (4) أخرجه أحمد 1 / 159، والطبراني برقم (2780) وأورده في " المجمع " 8 / 52، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا وَلدَتْ فَاطِمَةُ حَسَناً، أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّاهُ: حَسَناً. فَلَمَّا وَلَدَتِ الآخرَ، سَمَّاهُ: حُسَيْناً، وَقَالَ: (هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا) . فَشقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ. ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أَنَّهُ - أَعْنِي الحَسَنَ - وُلِدَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَفِي شَعْبَانَ أَصَحُّ. السُّفْيَانَانِ: عَنْ عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الحَسَنِ بِالصَّلاَةِ حِيْنَ وُلِدَ (1) . أَيُّوْبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ كَبْشاً كَبْشاً (2) . شَرِيْكٌ: عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا وَلدَتْ فَاطِمَةُ حَسَناً، قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ أَعُقُّ عَنِ ابْنِي بِدَمٍ؟ قَالَ: (لاَ، وَلَكِنِ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى المَسَاكِيْنِ) . فَفَعَلْتُ (3) .   = وزاد نسبته إلى أبي يعلى والبزار، وقال: وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. (1) عاصم بن عبيد الله ضعيف، وباقي رجاله ثقات. وهو في " المصنف " (7986) ، و" المسند " 6 / 9، 392، وأبي داود (5105) ، والترمذي (1514) ، والطبراني (2578) ، والبيهقي 9 / 305، وله شاهد من حديث ابن عباس عند البيهقي في " شعب الايمان " يتقوى به نقله عنه ابن القيم في " تحفة المودود " ص (31) . (2) أخرجه أبو داود (2841) في الاضاحي: باب في العقيقة، والطبراني برقم (2566) ، والنسائي 7 / 166، وإسناده صحيح، وصححه ابن دقيق العيد، وله شاهد من حديث أنس، وقد تقدم في الصفحة (246) ت (1) . (3) أخرجه أحمد 6 / 390 و392، والطبراني (917) و (2576) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 57، وقال: وهو حديث حسن. وفي الأصل " بدنة " بدل " بدم " وانظر " تحفة المودود " 97، 99 لابن القيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً (1) . حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ العَصرَ، ثُمَّ قَامَ وَعَلِيٌّ يَمْشيَانِ، فَرَأَى الحَسَنَ يَلعبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ، وَقَالَ: بأَبِي شَبِيْهٌ النَّبِيّ ... لَيْسَ شَبِيْهٌ بِعَلِيّ (2) وَعَلِيٌّ يَتبسَّمُ. عَلِيُّ بنُ عَابِسٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ البَهِيِّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ سَاجِدٌ، يَرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكعٌ، فَيَفْرِجُ لَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الجَانبِ الآخَرِ (3) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُم بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (4) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الحَسَنُ   (1) رجاله ثقات لكنه مرسل، وانظر " الفتح " 9 / 515، فقد نسبه لسعيد بن منصور. (2) كذا الأصل " شبيه " بالرفع، وهو كذلك في البخاري 7 / 75 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب الحسن والحسين، والوجه النصب، وخرج ابن مالك رواية الرفع على أن " ليس " حرف عطف، وهو مذهب كوفي، قال: ويجوز أن يكون " شبيه " اسم ليس، ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف استغناء عن لفظه بنيته، ونحوه قوله في خطبة الحج: " أليس ذو الحجة ". وأخرجه الطبراني (2527) ، والحاكم 3 / 168. (3) إسناده ضعيف لضعف علي بن عابس وشيخه، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 175، وأعله بعلي بن عابس. (4) أخرجه عبد الرزاق (20984) ، والترمذي (3778) ، والطبراني (2543) من طريق معمر، عن الزهري، عن أنس..وهذا سند صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِهِ مَا كَانَ أَسفلَ مِنْ ذَلِكَ (1) . عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ شَبَّهَ الحَسَنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أُسَامَةُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأخُذُنِي وَالحَسَنَ، وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا (2)) . وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ) لِفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ: عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ) . صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَسَنِ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ (4)) . وَرَوَاهُ: نُعَيْمٌ المُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَزَادَ: قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ الحَسَنَ إِلاَّ دَمَعَتْ عَيْنِي (5) .   (1) أخرجه الترمذي (3781) في المناقب، وحسنه، وصححه ابن حبان (2235) . (2) أخرجه البخاري 7 / 70 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب ذكر أسامة بن زيد، وأحمد 5 / 210، وابن سعد 4 / 62. (3) رقم (3782) ولفظه: أبصر حسنا وحسينا، فقال: " اللهم إني أحبهما فأحبهما " وليس فيه عنده " وأحب من يحبهما "، وأخرجه بدونها البخاري 7 / 75، ومسلم (2422) من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " اللهم إني أحبه، فأحبه " وهو في " معجم الطبراني " (2583) مع الزيادة، وذكره الهيثمي 9 / 176، وزاد نسبته للطبراني في " الأوسط " والبزار وأبي يعلى، وقال: ورجال الكبير رجال الصحيح. (4) أسناده صحيح، وهو في " المسند " 2 / 249 و331. (5) أخرجه أبو نعيم 2 / 35. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ. قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: رَأَيتُ رَسُولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المِنْبَرِ، وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (1)) . يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) . صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) . وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً وَهُوَ مُشتمِلٌ عَلَى شَيْءٍ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَكَشَفَ، فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ، فَقَالَ: (هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا بِنْتِي، اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا) (3) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 74 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب الحسن والحسين، وفي الصلح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " إن ابني هذا سيد ... وفي الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، وفي العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " إن ابني هذا لسيد " والترمذي (3775) ، والنسائي 3 / 107، وأبو داود (4662) ، والطبراني (2588) و (2592) و (2593) ، وأحمد 5 / 38 و44 و49 و51. (2) وهو عنده برقم (3768) ، وأخرجه أحمد 3 / 3 و62 و44 و84، والطبراني (2610) و (2612) ، وأبو نعيم 5 / 71، والخطيب 4 / 207 و11 / 90، والحاكم 3 / 166، 167، والفسوي في " تاريخه " 2 / 644، كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد. وهو صحيح، فإن له شواهد كثيرة، منها عن حذيفة، وإسناده صحيح، وسيذكره المصنف في الصفحة (252) تعليق (3) ، وعن عبد الله بن مسعود عند الحاكم 3 / 167 وصححه، ووافقه الذهبي، وعن أسامة بن زيد عند الطبراني (2618) ، وعن جابر بن عبد الله عند ابن حبان (2236) ، وعن علي عند الخطيب البغدادي 1 / 140، والطبراني، وعن عمر عند أبي نعيم 4 / 139، 140، وعن قرة بن إياس، ومالك بن الحويرث، والحسين بن علي، والبراء بن عازب. انظر " مجمع الزوائد " 9 / 182. (3) أخرجه الترمذي (3769) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجَرِ المَدَنِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ أَبِي سَهْلٍ النَّبَّالِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. فَهَذَا مِمَّا يُنتقَدُ تَحسينُهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ (1) . وَحَسَّنَ أَيْضاً لِيُوْسُفَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَنَسٍ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ) . وَكَانَ يَشَمُّهُمَا، وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ (2) . مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ: عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) . حَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) . وَصَحَّحَ لِلْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصرَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا) (4) .   (1) نص كلام المؤلف في " تاريخه " 2 / 217: رواه من حديث عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن مهاجر - مدني مجهول - عن مسلم بن أبي سهل النبال - وهو مجهول أيضا - عن الحسن بن أسامة بن زيد - وهو كالمجهول - عن أبيه، وما أظن لهؤلاء الثلاثة ذكر في رواية إلا في هذا الواحد، تفرد به موسى بن يعقوب الزمعي، عن عبد الله. وتحسين الترمذي لا يكفي في الاحتجاج بالحديث، فإنه قال: وما ذكرنا في كتابنا من حديث حسن، فإنما أردنا بحسن إسناده عندنا كل حديث لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن. (2) أخرجه الترمذي (3772) ، ويوسف بن إبراهيم ضعيف. (3) وهو كما قال، وهو عنده برقم (3781) ، وأخرجه أحمد 5 / 391، والخطيب 6 / 372، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 3 / 151، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (2229) ، لكنه اختصره. (4) هو في " سنن الترمذي " (3782) ، وقد تقدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 قَالَ قَابُوسُ بنُ أَبِي ظِبْيَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَي الحَسَنِ، وَقَبَّلَ زُبَيْبَهُ (1) . وَقَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ سَيِّداً، وَسِيماً، جَمِيْلاً، عَاقِلاً، رَزِيناً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، خَيِّراً، دَيِّناً، وَرِعاً، مُحتشِماً، كَبِيرَ الشَّأْنِ. وَكَانَ مِنْكَاحاً، مِطْلاَقاً، تَزَوَّجَ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وَقَلَّمَا كَانَ يُفَارِقُهُ أَرْبَعُ ضَرَائِرَ. عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزَوِّجُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ مِطْلاَقٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ، فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: تَزَوَّجَ الحَسَنُ امْرَأَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِمائَةِ جَارِيَةٍ، مَعَ كُلِّ جَارِيَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ (2) . وَكَانَ يُعطِي الرَّجُلَ الوَاحِدَ مائَةَ أَلْفٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَحَجَّ كَثِيْراً مِنْهَا مَاشياً مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَنَجَائِبُهُ تُقَادُ مَعَهُ. الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) : مِنْ طرِيقِ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ البَكْرِيِّ، قَالَ: قَامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَخْطُبُهُم، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوْءةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: (مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ) (3) .   (1) أخرجه الطبراني برقم (2658) . وقابوس بن أبي ظبيان لينه الحافظ في " التقريب "، ومع ذلك فقد قال المؤلف في " تاريخه " 2 / 217: قابوس حسن الحديث. (2) " حلية الأولياء " 2 / 38. (3) أخرجه الحاكم 3 / 173، 174. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَفِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) : مِنْ طرِيقِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخذَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، فَقَالَ: (مَنْ أَحَبَّ هَذَيْنِ، وَأَبَاهُمَا، وَأُمَّهُمَا، كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ (1)) . إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَالمَتْنُ مُنْكَرٌ. (المُسْنَدُ) : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ، قَالَ: بَيْنَمَا الحَسَنُ يَخطُبُ بَعْدَ مَا قُتِلَ عَلِيٌّ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ، آدَمُ، طُوَالٌ، فَقَالَ: لَقدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ يَقُوْلُ: (مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ) . وَلَوْلاَ عِزمَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثْتُكُم (2) . عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ (3) : عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هَذَانِ ابْنَايَ، مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي) . جَمَاعَةٌ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَّلَ حَسَناً وَحُسَيْناً وَفَاطِمَةَ بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُم تَطْهِيْراً) (4) .   (1) أخرجه الترمذي (3734) . (2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 5 / 366. (3) تصحف في المطبوع إلى " عباس "، وسند الحديث حسن، وقد أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 180، وقال: رواه البزار، وإسناده جيد. (4) حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهو في " المسند " 6 / 298، 304 والطبراني (2664) و (2665) و (2666) ، والطبري في " تفسيره " 22 / 67 من طريق شهر بن حوشب، عن أم سلمة، وهو عند الطبري أيضا من طريق سعيد بن زربى، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن أم سلمة، ومن طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة. ومن طريق هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن وهب ابن زمعة، عن أم سلمة، ومن طريق الأعمش، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة، وأخرجه أحمد 6 / 292 من طريق ابن نمير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عمن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 إِسْرَائِيْلُ: عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا حُذَيْفَةُ، جَاءنِي جِبْرِيْلُ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ (1)) . وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ: قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَزِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ، قَالَ: جَاءَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَسعيَانِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ، فَجَعَلَ يَدَهُ فِي رَقبتِهِ، ثُمَّ ضَمَّهُ إِلَى إِبطِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، وَقَالَ: (إِنِّيْ أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا) . ثُمَّ قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الوَلَدَ مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ (2)) . مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ   = سمع أم سلمة، عنها، وأخرجه الترمذي (3205) و (3787) ، وابن جرير 22 / 8 من طريق محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة، عن أم سلمة، وأخرجه الطبراني (2668) من طريق جعفر الاحمر، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أم سلمة، وأخرجه الحاكم 3 / 146 من طريق شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، وفي الباب عن عائشة عند مسلم (2424) في فضائل الصحابة: باب فضائل أهل البيت، وعن واثلة عند أحمد 4 / 107، وصححه ابن حبان (2245) ، والحاكم 3 / 147، ووافقه الذهبي. (1) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 5 / 392، وقد تقدم تخريجه في ص (252) ت (3) (2) سعيد بن راشد ويقال: ابن أبي راشد لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، فهو حسن بالشواهد، وأخرجه أحمد 4 / 172، وابن ماجه (3666) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات ": 164 من طريق عفان، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن أمية، أنه قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: " إن الولد مبخلة مجبنة "، وقال البوصيري في " الزوائد " الورقة 247: هذا إسناد صحيح، وصححه الحاكم 3 / 164، وأقره الذهبي، وله شاهد عند البزار (1892) من حديث أبي سعيد، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف، وآخر وهو الحديث الآتي: عند البزار (1891) ، وسنده حسن في الشواهد، وثالث عن عائشة عند البغوي في " شرح السنة " 12 / 35. فالحديث قوي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخذَ حَسَناً، فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: (إِنَّ الوَلَدَ مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ (1)) . كَامِلٌ أَبُو العَلاَءِ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلاَةِ العِشَاءِ، فَكَانَ إِذَا سَجدَ، رَكبَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفعَ رَأْسَهُ، رَفَعَهُمَا رَفْعاً رَفِيقاً، ثُمَّ إِذَا سَجدَ، عَادَا. فَلَمَّا صَلَّى، قُلْتُ: أَلاَ أَذْهبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا؟ قَالَ: فَبَرقَتْ بَرْقَةٌ، فَلَمْ يَزَالاَ فِي ضَوئهَا حَتَّى دَخَلاَ عَلَى أُمِّهِمَا (2) . رَوَاهُ: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْهُ. زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيْصَانِ أَحْمَرَانِ، يَعْثُرَانِ وَيَقُوْمَانِ، فَنَزَلَ، فَأَخَذَهُمَا، فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ ثُمَّ قَالَ: (صَدَقَ اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُم وَأَوْلاَدُكُم فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنُ: 15] رَأَيْتُ هَذَيْنِ، فَلَمْ أَصْبِرْ) . ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطبتِهِ (3) . أَبُو شِهَابٍ: مَسْرُوْحٌ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: (نِعْمَ الجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ العِدْلاَنِ أَنْتُمَا (4)) . مَسْرُوحٌ: لَيِّنٌ (5) .   (1) أخرجه البزار (1891) ، وسنده حسن كما تقدم في التعليق السابق. (2) أبو صالح: هو مولى ضباعة اسمه مينا، لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 3 / 167، ووافقه الذهبي. وهو في " المسند " 2 / 513، وانظر " المجمع " 9 / 181. (3) إسناده حسن كما قال الترمذي، وهو في " المسند " 5 / 354، وسنن أبي داود (1109) ، والترمذي (3774) ، وابن ماجه (3600) ، والنسائي 3 / 193. (4) هو في " معجم الطبراني " رقم (2661) وأورده في " المجمع " 9 / 182 عنه. (5) نقل المؤلف في " ميزانه " عن أبي حاتم قوله فيه: يحتاج إلى التوبة من حديث باطل رواه = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً، فَتَقَدَّمَ، فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ فِي الصَّلاَةِ، فَسَجَدَ سجدَةً أَطَالَهَا، فَرفعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِهِ، فَرَجعْتُ فِي سُجُودِي. فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّكَ أَطَلْتَ! قَالَ: (إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ (1)) . قُلْتُ: أَيْنَ الفَقِيْهُ المُتَنَطِّعُ عَنْ هَذَا الفِعْلِ؟ عَنْ سَلَمَةَ بنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَامِلَ الحَسَنِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا غُلاَمُ! نِعْمَ المَرْكَبُ رَكِبْتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ (2)) . رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) . أَحْمَدُ فِي (مُسْندِهِ (3)) : حَدَّثَنَا تَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى   عن الثوري، يزيد هذا الحديث، وقال ابن حبان في " المجروحين " 3 / 19: يروي عن الثوري مالا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بخبره لمخالفة الاثبات في كل ما يروي، ثم أورد له هذا الحديث. (1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 3 / 493، 494، والنسائي 2 / 229، 230 في التطبيق: باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة. وفي الباب بنحوه عن أنس عند أبي يعلى كما في " المجمع " 9 / 181. (2) وأخرجه الترمذي (3784) من طريق محمد بن بشار، عن أبي عامر العقدي، عن زمعة ابن صالح بهذا الإسناد، وزمعة ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وصححه الحاكم 3 / 170، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: لا. (3) 2 / 442، ومن طريقه الطبراني (2621) ، وهو في " تاريخ بغداد " 7 / 137، والحاكم 3 / 149 وحسنه، وأقره الذهبي، وله شاهد ضعيف يتقوي به من حديث زيد بن أرقم عند الترمذي (3879) ، وابن ماجه (145) ، والطبراني (2619) ، وابن حبان (2244) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 عَلِيٍّ وَابْنَيْهِ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: (أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُم، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم) . الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ: قَالَ عَلِيٌّ: زَارَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاتَ عِنْدَنَا، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ نَائِمَانِ، فَاسْتَسقَى الحَسَنُ، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قُرْبَةٍ، وَسَقَاهُ. فَتنَاوَلَ الحُسَيْنُ لِيَشْرَبَ، فَمَنَعَهُ، وَبدَأَ بِالحَسَنِ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كَأَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ. قَالَ: (لاَ، وَلَكِنْ هَذَا اسْتَسقَى أَوَّلاً) . ثُمَّ قَالَ: (إِنِّيْ وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ) . وَأَحسِبُهُ قَالَ: (وَعَلِيّاً) . بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يْكَرِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حَسَنٌ مِنِّي، وَالحُسَيْنُ مِنْ عَلِيٍّ (2)) . رَوَاهُ: ثَلاَثَةٌ، عَنْهُ، وَإِسْنَادُهُ قويٌّ (3) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ الحَسَنِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَرِنِي أُقَبِّلُ مِنْكَ حَيْثُ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ. فَقَالَ بِقمِيْصِهِ (4) ، فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ (5) .   (1) 2 / 129، 130، وأسناده ضعيف لضعف عمرو بن ثابت، وهو في " معجم الطبراني " (2622) من طريق أبي داود الطيالسي، وأخرجه أحمد 1 / 101 من طريق عفان، عن معاذ بن معاذ، عن قيس بن الربيع، عن أبي المقدام (ثابت بن هرمز) عن عبد الرحمن الازرق، عن علي. وقيس بن الربيع فيه كلام، وعبد الرحمن الازرق مجهول. ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 170: وفي أسناده قيس بن الربيع، وهو مختلف فيه، وبقية رجاله ثقات. (2) بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن، وباقي رجاله ثقات، وهو في " معجم الطبراني " (2628) . (3) هذا مسلم لو أن بقية صرح بالتحديث، أما وقد عنعن فلا. (4) أي: رفع قيمصه، وقد التبست الجملة على محقق المطبوع فقرأها هكذا: فقام لقميصه. ولابن حبان: فكشف عن بطنه، فقبل سرته. (5) أخرجه أحمد 2 / 255 و427 و488 و493، والطبراني (2580) و (2764) ، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْهُ. حَرِيزُ (1) بنُ عُثْمَانَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَوْفٍ الجُرَشِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَهُ أَوْ شَفَتَهُ -يَعْنِي: الحَسَنَ - وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذَّبَ لِسَانٌ أَوْ شَفَتَانِ مَصَّهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ: أَحْمَدُ (2) . يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، يُصْلِحُ اللهُ بِهِ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ (3)) . وَمِثْلُهُ مِنْ: حَدِيْثِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ (4) . رَوَاهُ: يُوْنُسُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَغَيْرُهُم، عَنْهُ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدِّيْوَانَ، أَلْحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفَرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ.   = وصححه ابن حبان (2238) ، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 177، ونسبه لأحمد والطبراني، وقال: ورجالهما رجال الصحيح غير عمير بن إسحاق وهو ثقة، وصححه الحاكم 3 / 168، ووافقه الذهبي، لكنه ذكر عنده في السند " محمد " بدل عمير بن إسحاق، وربما يكون سقط لفظ " أبي " لان كنية عمير بن إسحاق أبو محمد، واحتمال كون محمد هو ابن سيرين بعيد، لان الحديث لا يعرف إلا من رواية عمير بن إسحاق. (1) تصحف في المطبوع إلى " جرير " وكذلك جاء مصحفا في " المسند "، و" البداية " 8 / 36. (2) 4 / 93، وإسناده صحيح. (3) إسناده قوي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 178، وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير "، والبزار، وفيه عبد الرحمن بن مغراء: وثقه غير واحد، وفيه ضعف وبقية رجال البزار رجال الصحيح. (4) تقدم تخريجه في الصفحة (251) ت (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 أَبُو المَلِيحِ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ الجُعْفِيُّ، قَالَ: فَاخَرَ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: فَاخَرْتَ الحَسَنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَعَلَّكَ تَظُنُّ أَنَّ أُمَّكَ مِثْلُ أُمِّهِ، أَوْ جَدَّكَ كَجَدِّهِ، فَأَمَّا أَبُوْكَ وَأَبُوْهُ فَقَدْ تَحَاكَمَا إِلَى اللهِ، فَحَكَمَ لأَبِيْكَ عَلَى أَبِيْهِ (1) . زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي فِي شَبَابِي إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشياً، وَلَقَدْ حَجَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشِياً، وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ، وَلَقَدْ قَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنَّهُ يُعطِي الخُفَّ وَيُمْسِكُ النَّعْلَ (2) . رَوَى نَحْواً مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ؛ لَكنْ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً. رَوَى: مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى: كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَرَأَ الكَهْفَ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَجُلاً إِلَى جَنْبِهِ يَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرزُقَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَانْصَرَفَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ. رَجَاءٌ: عَنِ الحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ مُبَادراً إِلَى نُصْرَةِ عُثْمَانَ، كَثِيرَ الذَّبِّ عَنْهُ، بَقِيَ فِي الخِلاَفَةِ بَعْدَ أَبِيْهِ سَبْعَةَ أَشهُرٍ. إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ خَطبَ، وَقَالَ: إِنَّ الحَسَنَ قَدْ جَمَعَ مَالاً، وَهُوَ يُرِيْدُ أَنْ يَقسِمَهُ بَينَكُم، فَحَضَرَ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 216. (2) عبيد الله بن الوليد هو الوصافي ضعيف، وباقي رجاله ثقات، ونسبه ابن كثير في " البداية " 8 / 37 للبيهقي، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 216، 217، وعلق البخاري في " صحيحه " أنه حج ماشيا والجنائب تقاد بين يديه. وانظر " حلية الأولياء " 2 / 37. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 النَّاسُ، فَقَامَ الحَسَنُ، فَقَالَ: إِنَّمَا جَمَعتُهُ لِلْفُقَرَاءِ. فَقَامَ نِصْفُ النَّاسِ (1) . القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُوْنَ، قَالَ: انْطَلَقْنَا حُجَّاجاً، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَسيْرِنَا وَحَالِنَا، فَلَمَّا خَرَجْنَا، بَعثَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا بِأَرْبَعِ مائَةٍ. فَرَجَعْنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِيَسَارِنَا، فَقَالَ: لاَ تَرُدُّوا عَلَيَّ مَعْرُوفِي، فَلَو كُنْتُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الحَالِ، كَانَ هَذَا لَكُم يَسِيْراً، أَمَا إِنِّيْ مُزوِّدُكُم: إِنَّ اللهَ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَهُ بِعِبَادِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ (2) . قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعيْنَ امْرَأَةً. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى الجَمَلِ سِتَّ مائَةٍ، فَأَتَينَا الرَّبَذَةَ، فَقَامَ الحَسَنُ، فَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكلَّمْ، وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ. قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالمقَامِ، وَأَنَا أُشيْرُهُ الآنَ؛ إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً، وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحلاَمِهَا، قَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ جُحْرِ ضَبٍّ. قَالَ: أَتَرَانِي - لاَ أَبَالَكَ - كُنْتُ مُنتَظراً كَمَا يَنتَظرُ الضَّبُعُ اللَّدْمَ (3) ؟ إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيْمَ، قَالَ: قِيْلَ لِعَلِيٍّ: هَذَا الحَسَنُ فِي المَسجدِ يُحدِّثُ النَّاسَ، فَقَالَ: طَحْنُ إِبلٍ لَمْ تَعَلَّمْ طحناً. شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْدِ يْكَرِبٍ: أَنَّ عَلِيّاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدِ   (1) وحارثة: هو ابن مضرب العبدي الكوفي ثقة. والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 217. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 218. (3) اللدم: اللطم والضرب بشيء ثقيل يسمع وقعه، وكانوا إدا أرادوا صيد الضبع، يجيؤون إلى حجرها فيضربون بحجر أو بأيديهم، فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه، فتصاد. أراد: أي لا أخدع كما تخدع الضبع باللدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: الحَسَنُ. قَالَ: طَحنُ إِبلٍ لَمْ تَعَوَّدْ طَحناً، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ صُدَّاداً، وَإِنَّ صُدَّادَنَا الحَسَنُ. جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ؛ قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزوِّجُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلاَقٌ، قَدْ خَشِيْتُ أَنْ يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي القبَائِلِ. عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: كَانَتِ الخَثْعَمِيَّةُ تَحْتَ الحَسَنِ، فَلَمَّا قُتلَ عَلِيٌّ، وَبُوْيِعَ الحَسَنُ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: لِتَهْنِكَ الخِلاَفَةُ. فَقَالَ: أَظْهَرتِ الشَّمَاتَةَ بِقَتْلِ عَلِيًّ! أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً. فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَردْتُ هَذَا. ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَقَالَتْ: مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيْبٍ مُفَارقِ (1) ... شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: خَطَبَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ سُورَةَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا. مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ لاَ يَدعُو أَحَداً إِلَى الطَّعَامِ، يَقُوْلُ: هُوَ أَهوَنُ مِنْ أَنْ يُدعَى إِلَيْهِ أَحَدٌ. قَالَ المُبَرِّدُ: قِيْلَ لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: الفَقْرُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَالسُّقْمُ أَحبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ. فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، أَمَّا أَنَا فَأَقُوْلُ: مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتيَارِ اللهِ لَهُ، لَمْ يَتَمَنَّ شَيْئاً. وَهَذَا حَدُّ الوُقُوفِ عَلَى الرِّضَى بِمَا تَصَرَّفَ بِهِ القَضَاءُ (2) .   (1) أخرجه الطبراني (2757) من طريق علي بن سعيد الرازي، عن محمد بن حميد الرازي، عن سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد ابن غفلة ... وهذا سند ضعيف لضعف محمد بن حميد، وسلمة بن الفضل، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 339، وقال: رواه الطبراني، وفي رجاله ضعف، وقد وثقوا. وهو في " سنن البيهقي " 7 / 337. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 220، و" البداية " 8 / 39. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 عَنِ الحرْمَازِيِّ: خَطبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ بِالكُوْفَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الحِلْمَ زِينَةٌ، وَالوَقَارَ مُرُوءةٌ، وَالعَجَلَةَ سَفَهٌ، وَالسَّفَهَ ضَعْفٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الدَّنَاءةِ شَيْنٌ، وَمُخَالَطَةَ الفُسَّاقِ رِيْبَةٌ (1) . زُهَيْرٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الأَصَمِّ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ الشِّيْعَةَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيّاً مَبْعُوْثٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ. قَالَ: كَذَبُوا وَاللهِ، مَا هَؤُلاَءِ بِالشِّيْعَةِ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوْثٌ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءهُ، وَلاَ اقْتسَمْنَا مَالَهُ (2) . قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: قُتِلَ عَلِيٌّ، فَبَايَعَ أَهْلُ الكُوْفَةِ الحَسَنَ، وَأَحبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّ أَبِيْهِ. وَقَالَ الكَلْبِيُّ: بُوْيِعَ الحَسَنُ، فَوَلِيَهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ سَلَّمَ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: سَارَ الحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ المَدَائِنَ، وَبَعثَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى المُقَدَّمَاتِ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً، فَوَقَعَ الصَّائِحُ: قُتلَ قَيْسٌ. فَانْتَهَبَ النَّاسُ سُرَادِقَ الحَسَنِ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ، فَطَعَنَهُ بِالخِنْجَرِ، فَوَثَبَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَتَلُوْهُ. فَكَتبَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ (3) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ أَهْلَ العِرَاقِ لَمَّا بَايَعُوا الحَسَنَ، قَالُوا لَهُ: سِرْ إِلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَارتَكَبُوا العَظَائِمَ، فَسَارَ إِلَى أَهْلِ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222 وفيه " والوفاء مروءة ". (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222، و" البداية " 8 / 41 عن ابن سعد، حدثنا الحسن بن موسى وأحمد بن يونس، قالا: حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا أبو إسحاق عن عمرو الأصم. (3) " الطبري " 5 / 159 و160، و" البداية " 8 / 14، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 223 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 الشَّامِ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ جِسرَ مَنْبِجٍ، فَبَيْنَا الحَسَنُ بِالمَدَائِنِ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي عَسْكَرِهِ: أَلاَ إِنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ قَدْ قُتِلَ. فَشَدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ، فَنَهَبُوْهَا حَتَّى انْتُهِبَتْ بُسطُهُ، وَأَخَذُوا رِدَاءهُ، وَطَعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فِي ظَهرِهِ بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيَتِهِ، فَتحوَّلَ، وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى الأَبْيَضَ، وَقَالَ: عَلَيْكُم لَعنَةُ اللهِ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، قَدْ عَلِمْتُ أَنْ لاَ خَيرَ فِيْكُم، قَتلتُم أَبِي بِالأَمسِ، وَاليَوْمَ تَفْعَلُوْنَ بِي هَذَا. ثُمَّ كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُسِلِّمَ لَهُ ثَلاَثَ خِصَالٍ: يُسلِّمَ لَهُ بَيْتَ المَالِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَمَوَاعِيدَهُ وَيَتحمَّلَ مِنْهُ هُوَ وَآلُهُ، وَلاَ يُسَبَّ عَلِيٌّ وَهُوَ يَسَمَعُ، وَأَنْ يُحملَ إِلَيْهِ خَرَاجُ فَسَا وَدَرَابْجِرْدَ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُ مَا سَأَلَ (1) . وَيُقَالُ: بَلْ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَخذَ لَهُ مَا سَألَ، فَكَتبَ إِلَيْهِ الحَسَنُ: أَنْ أَقبِلْ. فَأَقْبَلَ مِنْ جِسْرِ مَنْبِجٍ إِلَى مَسْكَنَ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الحَسَنُ الأَمْرَ، وَبَايَعَهُ حَتَّى قَدِمَا الكُوْفَةَ. وَوَفَّى مُعَاوِيَةُ لِلْحَسَنِ بِبَيْتِ المَالِ، وَكَانَ فِيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ؛ فَاحتَمَلهَا الحَسَنُ، وَتَجَهَّزَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَكَفَّ مُعَاوِيَةُ عَنْ سَبِّ عَلِيٍّ وَالحَسَنُ يَسَمَعُ. وَأَجْرَى مُعَاوِيَةُ عَلَى الحَسَنِ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَعَاشَ الحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِيْنَ (2) . وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَعلَمُ أَنَّ الحَسَنَ أَكْرَهُ النَّاسِ لِلْفِتْنَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ بَعثَ إِلَى الحَسَنِ، فَأَصْلَحَ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ سِرّاً، وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ عَهداً إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَالحَسَنُ حَيٌّ لَيُسَمِّيَنَّهُ، وَلَيَجْعَلَنَّ الأَمْرَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا تَوثَّقَ مِنْهُ الحَسَنُ، قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: وَاللهِ إِنِّيْ لَجَالِسٌ عِنْدَ الحَسَنِ، إِذْ أَخذْتُ لأَقُوْمَ،   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 222، 223. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 224. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 فَجَذَبَ بِثَوْبِي، وَقَالَ: يَا هنَاهُ اجلِسْ! فَجلَسْتُ، فَقَالَ: إِنِّيْ قَدْ رَأَيْتُ رَأْياً، وَإِنِّي أُحبُّ أَنْ تُتَابِعَنِي عَلَيْهِ! قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَعمَدَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَنْزِلَهَا، وَأُخَلِّيَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ هَذَا الحَدِيْثِ، فَقَدْ طَالتِ الفِتْنَةُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَقُطعَتِ الأَرْحَامُ وَالسُّبُلُ، وَعُطِّلَتِ الفُرُوْجُ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَأَنَا مَعَكَ. فَقَالَ: ادْعُ لِي الحُسَيْنَ! فَأَتَاهُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي! قَدْ رَأَيْتُ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تُكذِّبَ عَلِيّاً، وَتُصَدِّقَ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ الحَسَنُ: وَاللهِ مَا أَردْتُ أَمراً قَطُّ إِلاَّ خَالَفْتَنِي، وَاللهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَقذِفَكَ فِي بَيْتٍ، فَأُطَيِّنَهُ عَلَيْكَ، حَتَّى أَقْضِيَ أَمْرِي. فَلَمَّا رَأَى الحُسَيْنُ غَضَبَهُ، قَالَ: أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِ عَلِيٍّ، وَأَنْتَ خَلِيفَتُهُ، وَأَمْرُنَا لأَمْرِكَ تَبَعٌ. فَقَامَ الحَسَنُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّيْ كُنْتُ أَكْرَهُ النَّاسِ لأَوِّلِ هَذَا الأَمْرِ، وَأَنَا أَصلَحْتُ آخِرَهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ وَلاَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ هَذَا الحَدِيْثَ لِخيرٍ يَعْلَمُهُ عِنْدَكَ، أَوْ لِشَرٍّ يَعْلَمُهُ فِيكَ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 111] ثُمَّ نَزَلَ (1) . شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ (إِبْرَاهِيْمَ) عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى خَتَمهَا (2) . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ لاَ يَرَيَانِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رُؤْيَتَهُنَّ حَلاَلٌ لَهُمَا. قُلْتُ: الحِلُّ مُتَيَقَّنٌ. ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ: قَالَ الحَسَنُ: الطَّعَامُ أَدقُّ مِنْ أَنْ نُقْسِمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ قُرَّةُ: أَكلْتُ فِي بَيْتِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَلَمَّا رَفَعْتُ يَدَيَّ، قَالَ: قَالَ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 224، 225. (2) أورده ابن كثير 8 / 19 عن ابن سعد: أخبرنا أبو نعيم بهذا الإسناد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّ الطَّعَامَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ. رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَقْبَلاَنِ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُسَافِرٌ الجَصَّاصُ، عَنْ رُزَيْقِ (1) بنِ سَوَّارٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ الحَسَنِ وَمَرْوَانَ كَلاَمٌ، فَأَغلظَ مَرْوَانُ لَهُ، وَحَسَنٌ سَاكِتٌ، فَامْتَخَطَ مَرْوَانُ بِيَمِيْنِهِ. فَقَالَ الحَسَنُ: وَيْحَكَ! أَمَا عَلمْتَ أَنَّ اليَمِينَ لِلوَجْهِ، وَالشِّمَالَ لِلْفَرْجِ؟ أُفٍّ لَكَ! فَسَكَتَ مَرْوَانُ (2) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ أَلْحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بفَرِيضَةِ أَبِيهِمَا مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ؛ لِقَرَابَتِهِمَا بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اتَّحدَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَقُوْلُ: (هَيَّ يَا حَسَنُ، خُذْ يَا حَسَنُ) . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: تُعِيْنُ الكَبِيْرَ؟ قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ يَقُوْلُ: خُذْ يَا حُسَيْنُ (3)) . شَيْبَانُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ: سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ أُبَايعُكُم إِلاَّ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكُم. قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: تُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَتُحَارِبُوْنَ مَنْ حَارَبْتُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: عَنْ خَلاَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ   (1) تحرف في المطبوع إلى " رزين " وكذا في " البداية "، ورزيق بن سوار ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 504، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 220، و" البداية " 8 / 39 من طريق ابن سعد، عن الفضل ابن دكين، عن مساور الجصاص ... (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 212، وسيورده المؤلف في الصفحة 284 من طريق آخر وفيه: " فاعتركا " بدل " اتحد " وفي " المطالب العالية ": اصطرع الحسن والحسين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 جُدْعَانَ، قَالَ: حَجَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشياً، وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ، وَخَرجَ مِنْ مَالهِ مَرَّتَيْنِ، وَقَاسَمَ اللهَ مَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؛ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا زَالَ حَسَنٌ يَتَزوَّجُ وَيُطلِّقُ حَتَّى خَشِيْتُ أَنْ يَكُوْنَ يُورِثَنَا عَدَاوَةً فِي القَبَائِلِ، يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! لاَ تُزَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ مِطْلاَقٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ: وَاللهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ، فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ (1) . قَالَ المَدَائِنِيُّ: أَحصَنَ الحَسَنُ تِسْعِيْنَ امْرَأَةً. شَرِيْكٌ: عَنْ عَاصِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ (3) : أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَتَى الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُصَلِّي عَاقِصاً رَأْسَهُ، فَحَلَّهُ، فَأَرْسَلَهُ. فَقَالَ الحَسَنُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ عَاقِصاً رَأْسَهُ (4)) . وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُوْسَى، أَخْبَرَنِي سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ مَرَّ بِحَسَنٍ وَقَدْ غَرزَ ضَفِيْرَتَهُ فِي قَفَاهُ، فَحَلَّهَا، فَالْتفَتَ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 219، و" البداية " 8 / 38. (2) في الأصل: " شريك بن عاصم " وهو خطأ. (3) كذا الأصل، وفي ابن ماجه (1042) : عن أبي سعد رجل من أهل المدينة، وفي " التذهيب " و" التهذيب ": أبو سعد المدني. (4) وأخرجه ابن ماجه (1042) من طريق شعبة، عن مخول به ... وأخرجه مختصرا عبد الرزاق (2990) ، وأحمد 6 / 8 و391، عن الثوري، عن مخول، عن رجل، عن أبي رافع. وأبو سعد لايعرف، لكن الطريق الآتية تقويه. وعقص الشعر: ضفره وشده، وغرز طرفه في أعلاه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 مُغْضَباً. قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى صَلاَتِكَ وَلاَ تَغضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ (1)) . يَعْنِي: مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ. حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَتَخَتَّمَانِ فِي اليَسَارِ (2) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (3) . حجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (4) . أَبُو الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ قَدْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ (5) .   (1) أخرجه عبد الرزاق (2991) ، ومن طريقه أبو داود (646) ، والترمذي (384) ، وسنده قوي، فقد صرح ابن جريج بالتحديث عند أبي داود. وقوله: " كفل الشيطان " قال الخطابي: وأما الكفل، فأصله أن يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب عليه. والمراد: تشبيه اجتماع الشعر على القفا بموضع الركوب كأن الشيطان يرتحله. وإنما أمره بإرسال شعره ليسقط معه على الموضع الذي يسجد عليه، ويصلي فيه، فيسجد معه. (2) أخرجه الترمذي في السنن (1743) و (96) في " الشمائل " ورجاله ثقات إلا أنه منقطع: محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من جده. وقد صح من حديث أنس بن مالك قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى خنصره من يده اليسرى. أخرجه مسلم في " صحيحه " (2095) . (3) قيس مولى خباب ترجمه البخاري في " تاريخه " 7 / 151، وأورد له هذا الاثر، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وباقي رجاله ثقات، وانظر " الطبراني " رقم (2532) و (2533) و (2534) و (2535) ، و" مجمع الزوائد " 5 / 163. (4) حجاج بن نصير ضعيف، وكذا شيخه. (5) أبو ربيع السمان - واسمه أشعث - متروك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ غَيْرِهِمَا، قَالُوا: بَايعَ أَهْلُ العِرَاقِ الحَسَنَ، وَقَالُوا لَهُ: سِرْ إِلَى هَؤُلاَءِ. فَسَارَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهُ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً. وَقَالَ غَيْرُهُ: فَنَزَلَ المَدَائِنَ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي عَسْكَرِ الحَسَنِ: قُتلَ قَيْسٌ. فَشدَّ النَّاسُ عَلَى حُجْرَةِ الحَسَنِ، فَانْتَهَبُوْهَا، حَتَّى انْتَهَبُوا جَوَارِيَه، وَسَلبُوْهُ رِدَاءهُ، وَطَعَنهُ ابْنُ أُقَيْصِرٍ بِخِنْجَرٍ مَسْمُوْمٍ فِي أَلْيتِهِ، فَتَحوَّلَ، وَنَزَلَ قَصرَ كِسْرَى، وَقَالَ: عَليكُمُ اللَّعْنَةُ، فَلاَ خَيرَ فِيكُم. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ (1) بنُ الحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ: أَنَّ الحَسَنَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: لأُجِيْزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجِزْ بِهَا أَحَداً. فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ، أَوْ أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا (2) . وَفِي (مُجْتَنَى) ابْنِ دُرَيْدٍ: قَامَ الحَسَنُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا ثَنَانَا عَنْ أَهْلِ الشَّامِ شَكٌّ وَلاَ نَدَمٌ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُهُم بِالسَّلاَمَةِ وَالصَّبرِ، فَشِيبَتِ السَّلاَمَةُ بِالعَدَاوَةِ، وَالصَّبرُ بِالجَزعِ، وَكُنْتُم فِي مُنتدَبِكُم إِلَى صِفِّيْنَ؛ دِيْنُكُم أَمَامَ دُنْيَاكُم، فَأَصْبَحْتُم وَدُنْيَاكُم أَمَامَ دِيْنِكُم، أَلاَ وَإِنَّا لَكُم كَمَا كُنَّا، وَلَسْتُم لَنَا كَمَا كُنْتُم، أَلاَ وَقَدْ أَصْبَحْتُم بَيْنَ قَتِيْلَيْنِ؛ قَتيلٍ بِصِفِّيْنَ تَبكُوْنَ عَلَيْهِ، وَقَتيلٍ بِالنَّهْرَوَانِ تَطلُبُوْنَ بِثَأْرِهِ، فَأَمَّا البَاقِي، فَخَاذِلٌ، وَأَمَّا البَاكِي، فَثَائِرٌ. أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ دَعَانَا إِلَى أَمرٍ ليسَ فِيْهِ عِزٌّ وَلاَ نَصَفَةٌ؛ فَإِنْ أَردْتُمُ الموتَ، رَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَردْتُمُ الحَيَاةَ قَبِلنَاهُ. قَالَ: فَنَادَاهُ القَوْمُ مِنْ كُلِّ جَانبٍ؛ التَّقِيَّةَ التَّقِيَّةَ. فَلَمَّا أَفْردُوْهُ، أَمْضَى الصُّلْحَ. يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ   (1) في الأصل " يزيد " وهو خطأ. (2) إسناده حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 يَخطُبُ، وَيَقُوْلُ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! اتَّقُوا الله فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُم، وَإِنَّا أَضْيَافُكُم، وَنَحْنُ أَهْلُ البَيْتِ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيهِم: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ} [الأَحْزَابُ: 33] . قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ (1) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي جَمِيْلَةَ مَيْسَرَةَ بنِ يَعْقُوْبَ: أَنَّ الحَسَنَ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، إِذْ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَعَنَهُ بِخِنْجَرٍ. قَالَ حُصَيْنٌ: وَعَمِّي أَدْركَ ذَاكَ، فَيَزعُمُوْنَ أَنَّ الطَّعْنَةَ وَقَعَتْ فِي وَرِكِهِ، فَمَرِضَ مِنْهَا أَشهُراً، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللهَ فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُم وَأَضْيَافُكُمُ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيْنَا. قَالَ: فَمَا أَرَى فِي المَسجدِ إِلاَّ مَنْ يَحِنُّ بُكَاءً (2) . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: اسْتَقبلَ -وَاللهِ - الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ مِثْلِ الجِبَالِ. فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنِّيْ لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقتُلَ أَقرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ رَجُلَيْنِ -: أَيْ عَمْرُو! إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، مَنْ لِي بِأُمُوْرِ المُسْلِمِيْنَ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِم، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِم؟! فَبعثَ إِلَيْهِم بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُوْلاَ لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتيَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالاَ: فَإِنَّا نَعرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَنَطلُبُ إِلَيْكَ، وَنَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 225. (2) وأخرجه الطبراني (2761) ، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 172، وقال: رجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إِلاَّ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ. قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُوْلُ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: مَا بَيْنَ جَابَرْسَ وَجَابَلْقَ رَجُلٌ جَدُّهُ نَبِيٌّ غَيرِي وَغَيرَ أَخِي، وَإِنّي رَأَيْتُ أَنْ أُصلِحَ بَيْنَ الأُمَّةِ، أَلاَ وَإِنَّا قَدْ بَايعنَا مُعَاوِيَةَ، وَلاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنَ (2) . قَالَ مَعْمَرٌ: جَابَلْقُ وَجَابَرْسُ (3) : المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ. هُشَيْمٌ: عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الحَسَنَ خَطبَ، فَقَالَ: إِنَّ أَكْيَسَ الكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الحُمْقِ الفُجُورُ، أَلاَ وَإِنَّ هَذِهِ الأُمُوْرَ الَّتِي اخْتَلفتُ فِيهَا أَنَا وَمُعَاوِيَةُ، تَركْتُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصلاَحِ المُسْلِمِيْنَ وَحَقْنِ دِمَائِهِم. هَوْذَةُ: عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا وَرَدَ مُعَاوِيَةُ الكُوْفَةَ، وَاجْتمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، قَالَ لَهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنَّ الحَسَنَ مُرتَفِعٌ فِي الأَنْفُسِ؛ لِقَرَابتِه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ حَدِيثُ السِّنِّ، عَيِيٌّ، فَمُرْهُ فَلْيَخْطُبْ، فَإِنَّهُ سَيَعْيَى، فَيسقُطُ مِنْ أَنْفُسِ النَّاسِ. فَأَبَى، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَمَرهُ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ دُوْنَ مُعَاوِيَةَ: فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوِ ابْتغَيْتُم بَيْنَ جَابَلْقَ   (1) وتمامه " ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " أخرجه البخاري 5 / 225 في الصلح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن ابني هذا سيد ... (2) رجاله ثقات، وأخرجه عبد الرزاق (20980) ومن طريقه الطبراني (2748) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن الحسن ... (3) تصحفت الكلمتان في المطبوع من " المصنف " 11 / 452 إلى " حابلق وحالوس " وقال ياقوت في " معجم البلدان ": وجابرس: مدينة بأقصى المشرق ... وجابلق: مدينة بأقصى المغرب، وأورد هذا الخبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَجَابَرْسَ رَجُلاً جَدُّهُ نَبيٌّ غَيرِي وَغَيرَ أَخِي لَمْ تَجِدُوْهُ، وَإِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا مُعَاوِيَةَ بَيْعَتَنَا، وَرَأَينَا أَنَّ حَقْنَ الدِّمَاءِ خَيْرٌ: {وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} . وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ بَعْدَهُ خُطبَةً عَيِيَّة فَاحِشَةً، ثُمَّ نَزَل. وَقَالَ: مَا أَردتَ بِقَوْلكَ: فِتْنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ؟ قَالَ: أَردْتُ بِهَا مَا أَرَادَ اللهُ بِهَا (1) . القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَازِنٍ، قَالَ: عَرضَ لِلْحَسَنِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: لاَ تَعْذُلْنِي، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيهِم يَثِبُوْنَ عَلَى مِنْبَرهِ رَجُلاً رَجُلاً، فَأَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} . قَالَ: أَلْفُ شَهْرٍ يَملِكُونَهُ بَعْدِي -يَعْنِي: بَنِي أُمَيَّةَ -. سَمِعَهُ مِنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَفِيْهِ انْقطَاعٌ (2) . وَعَنْ فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ؛ قَالَ: أَتَى مَالِكُ بنُ ضَمْرَةَ الحَسَنَ (3) ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُسَخِّمَ وُجُوهِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: لاَ تَقُلْ هَذَا ... ، وَذَكرَ كَلاَماً يَعتَذِرُ بِهِ - رضيَ اللهُ عَنْهُ -. وَقَالَ لَهُ آخَرُ: يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِيْنَ! فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ كَرِهتُ أَنْ أَقتلَكُم عَلَى المُلْكِ (4) . عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ، قَالَ: خَطَبنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.   (1) إسناده صحيح، هوذة: هو ابن خليفة، وعوف: هو ابن أبي جميلة الاعرابي، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 42، ونسبه لابن سعد بهذا الإسناد. (2) كذا قال هنا، وقال في " مختصر المستدرك " قلت: وروى عن يوسف نوح بن قيس، وما علمت أن أحدا تكلم فيه، والقاسم وثقوه، رواه عنه أبو داود الطيالسي والتبوذكي، وما أدري آفته من أين. والحديث في " سنن الترمذي " (3408) ، والحاكم 3 / 170، 171، والطبراني (2754) ، ومتنه منكر كما أوضحه الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 4 / 530. فارجع إليه. (3) تحرفت الجملة في المطبوع بعد إسقاط " أتى " إلى " قال مالك بن ضمرة للحسن ". (4) انظر " المستدرك " 3 / 175، فقد أورده بنحوه من طريق آخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 مُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ: عَنْ مُسْتَقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ شَابَا، وَلَمْ يَخْضِبَا، وَرَأَيتُهُمَا يَرْكَبَانِ البَرَاذِيْنَ بِالسُّرُوجِ المُنَمَّرَةِ (1) . جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كَانَا يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا، وَفِي الخَاتَمِ ذِكْرُ اللهِ (2) . وَعَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (3) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ: أَنَّ الحَسَنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ خَضَبَ بِالسَّوَادِ. ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ نَعُوْدُهُ، فَقَالَ لِصَاحِبِي: يَا فُلاَنُ! سَلْنِي. ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِنَا، فَدَخَلَ كَنِيْفاً، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: إِنِّيْ -وَاللهِ - قَدْ لَفظْتُ طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي قَلَبْتُهَا بِعُوْدٍ، وَإِنِّي قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ مِرَاراً، فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذَا. فَلَمَّا كَانَ الغَدُ، أَتيتُهُ وَهُوَ يَسُوْقُ، فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي! أَنْبِئنِي مَنْ سَقَاكَ؟ قَالَ: لِمَ! لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَنَا مُحدِّثُكَ شَيْئاً، إِنْ يَكُنْ صَاحِبِي الَّذِي أَظُنُّ، فَاللهُ أَشَدُّ نِقْمَةً، وَإِلاَّ - فَوَاللهِ - لاَ يُقتلُ بِي بَرِيْءٌ (4) .   (1) أي: السروج المتخذة من جلود النمور وهي السباع المعروفة. ولاخبر في " معجم الطبراني " (2537) دون قوله: ورأيتهما ... وفي سنده جمهور بن منصور، قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 161: لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. (2) تقدم في الصفحة (268) . (3) تقدم في الصفحة (268) . (4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 38 من طريق محمد بن علي، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا سليمان بن عمر بن خالد بهذا الإسناد. وقوله: أتيته وهو يسوق: يقال: ساق المريض يسوق: إذا أصابه النزع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ. فَقَالَ: كَانَتْ جَمَاجِمُ العَربِ فِي يَدِي، يُسَالِمُوْنَ مَنْ سَالَمْتُ، وَيُحَاربُوْنَ مَنْ حَاربْتُ، فَتركْتُهَا للهِ، ثُمَّ أَبْتَزُّهَا بِأَتْيَاسِ الحِجَازِ (1) ؟ رَوَاهُ: الطَّيَالِسِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ، فَقَالَ مَرَّةً: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (العِلَلِ (2)) : وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الحَسَنُ لِلْحُسَيْنِ: قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ غَيرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذِهِ، إِنِّيْ لأَضعُ كَبِدِي. فَقَالَ: مَنْ فَعَلَهُ؟ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ كَثِيْرَ النِّكَاحِ، وَقَلَّ مَنْ حَظِيَتْ عِنْدَهُ، وَقَلَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا إِلاَّ أَحبَّتْهُ، وَصَبَتْ بِهِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ سُقِيَ، ثُمَّ أُفْلِتَ، ثُمَّ سُقِيَ فَأُفْلِتَ، ثُمَّ كَانَتِ الآخِرَةُ، وَحَضرَتْهُ الوَفَاةُ، فَقَالَ الطَّبِيْبُ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ قَطَعَ السُّمُّ أَمْعَاءهُ. وَقَدْ سَمِعْتُ بَعضَ مَنْ يَقُوْلُ: كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ تَلَطَّفَ لِبَعضِ خَدَمِهِ أَنْ يَسْقِيَهُ سُمّاً. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوْسَى: أَنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ الأَشْعَثِ بنِ   (1) وأخرجه الحاكم 3 / 170، وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 36، 37 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: قلت للحسن ... وصححه الحاكم، وواقفه الذهبي. (2) 2 / 352، ونص كلامه بعد أن أورد الحديث من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن يزيد بن خمير ... فأملى علي أبي: هذا الحديث خطأ إنما هو عبد الرحمن بن نمير، عن أبيه، حدثنا سليمان بن منصور، عن أبي داود هكذا. وقوله: ثم " أبتزها " أي: أستلبها. وقد تصحفت في " العلل " إلى " وأثيرها ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 قَيْسٍ، سَقَتِ الحَسَنَ السُّمَّ، فَاشْتَكَى، فَكَانَ تُوضَعُ تَحْتَهُ طِشْتٌ، وَتُرفَعُ أُخْرَى نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ رَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ (1) : لَمَّا احتُضِرَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْرِجُوا فِرَاشِي إِلَى الصَّحْنِ. فَأَخْرَجُوْهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَحتسِبُ نَفْسِي عِنْدَكَ، فَإِنَّهَا أَعزُّ الأَنْفُسِ عَلَيَّ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ الحَسَنِ، فَقُلْتُ لِلْحُسَيْنِ: اتَّقِ اللهَ، وَلاَ تُثِرْ فِتْنَةً، وَلاَ تَسفِكِ الدِّمَاءَ، ادفُنْ أَخَاكَ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَهِدَ بِذَلِكَ إِلَيْكَ. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ الحَسَنُ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ: ادفِنِّي عِنْد أَبِي -يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ أَنْ تَخَافُوا الدِّمَاءَ، فَادْفِنِّي فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ. فَلَمَّا قُبِضَ، تَسَلَّحَ الحُسَيْنُ، وَجَمعَ مَوَالِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ وَوَصِيَّةَ أَخِيْكَ، فَإِنَّ القَوْمَ لَنْ يَدَعُوْكَ حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَكُم دِمَاءٌ. فَدفَنَهُ بِالبَقِيْعِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَرَأَيْتُم لَوْ جِيْءَ بِابْنِ مُوْسَى لِيُدفَنَ مَعَ أَبِيْهِ، فَمُنِعَ، أَكَانُوا قَدْ ظَلمُوْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَذَا ابْنُ نَبِيِّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جِيْءَ لِيُدْفَنَ مَعَ أَبِيْهِ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرَّةً يَوْمَ دُفِنَ الحَسَنُ: قَاتَلَ اللهُ مَرْوَانَ. قَالَ: وَاللهِ مَا كُنْتُ لأَدَعَ ابْنَ أَبِي تُرَابٍ يُدفَنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ دُفنَ عُثْمَانُ بِالبَقِيْعِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مِرْدَاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: جَعَلَ الحَسَنُ يُوعِزُ لِلْحُسَيْنِ: يَا أَخِي؛ إِيَّاكَ أَنْ تَسفِكَ دَماً، فَإِنَّ النَّاسَ سِرَاعٌ إِلَى الفِتْنَةِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ صيَاحاً، فَلاَ   (1) مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد، وفتح القاف، وقد تحرف في المطبوع إلى " مقصلة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 تَلْقَى إِلاَّ بَاكِياً. وَأَبردَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِخَبرِهِ، وَأَنَّهُم يُرِيْدُوْنَ دَفْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ يَصِلُوْنَ إِلَى ذَلِكَ أَبَداً وَأَنَا حَيٌّ. فَانْتَهَى حُسَيْنٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: احْفِرُوا. فَنكبَ عَنْهُ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ -يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ - فَاعْتزلَ، وَصَاحَ مَرْوَانُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ. فَقَالَ لَهُ حُسَيْنٌ: يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ، مَا لَكَ وَلِهَذَا! أَوَالٍ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لاَ تَخْلُصُ إِلَى هَذَا وَأَنَا حَيٌّ. فَصَاحَ حُسَيْنٌ بِحلفِ الفُضُولِ، فَاجتمعتْ هَاشِمٌ، وَتَيْمٌ، وَزُهْرَةُ، وَأَسدٌ فِي السِّلاَحِ، وَعَقَدَ مَرْوَانُ لِوَاءً، وَكَانَتْ بَيْنَهُم مُرَامَاةٌ. وَجَعلَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُلِحُّ عَلَى الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ! أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى عَهدِ أَخِيْكَ؟ أُذَكِّرُكَ اللهَ أَنْ تَسفِكَ الدِّمَاءَ، وَهُوَ يَأبَى. قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ: فَسَمِعْتُ أَبِي، يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَئِذٍ وَإِنِّي لأُرِيْدُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَ مَرْوَانَ، مَا حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ أَكُوْنَ أَرَاهُ مُسْتوجِباً (1) لِذَلِكَ. ثُمَّ رَفقتُ (2) بِأَخِي، وَذَكَّرْتُهُ وَصيَّةَ الحَسَنِ، فَأَطَاعنِي. قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: لَمَّا أَخرجُوا جَنَازَةَ الحَسَنِ، حَمَلَ مَرْوَانُ سَرِيرَهُ، فَقَالَ الحُسَيْنُ: تَحملُ سَرِيْرَهُ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ تُجَرِّعُهُ الغَيْظَ. قَالَ: كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ يُوَازِنُ حِلْمُهُ الجِبَالَ. وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لاَ يَكُوْنُ لَهُم رَابعٌ أَبَداً، وَإِنَّهُ لَبَيْتِي أَعْطَانِيْهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ. إِسْنَادهُ مُظْلِمٌ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ؛ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لَشَاهِدٌ يَوْمَ مَاتَ الحَسَنُ، فَرَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَقُوْلُ لِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَيَطْعَنُ فِي   (1) تحرف في المطبوع إلى " مستوحيا ". (2) تحرف في المطبوع إلى " دفعت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 عُنُقِهِ: تَقَدَّمْ، فَلَوْلاَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قُدِّمْتَ -يَعْنِي: فِي الصَّلاَةِ -. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي) (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُسَاوِرٌ السَّعْدِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَائِماً عَلَى مَسجدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ الحَسَنُ؛ يَبْكِي، وَيُنَادِي بِأَعلَى صَوْتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَاتَ اليَوْمَ حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَابْكُوا. قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: عَاشَ الحَسَنُ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ عُمُرَهُ ثَمَانٍ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً غَلطاً بَيِّناً. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَالغَلاَبِيُّ، وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَزَادَ بَعْضُهُم: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَغَلِطَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، وَقَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أَنَّهُم لَمَّا التَمَسُوا مِنْ عَائِشَةَ أَنْ يُدفنَ الحَسَنُ فِي الحُجْرَةِ، قَالَتْ: نَعَمْ وَكَرَامَةٌ. فَردَّهُم مَرْوَانُ، وَلَبِسُوا السِّلاَحَ، فَدُفنَ عِنْدَ أُمِّهِ بِالبَقِيْعِ إِلَى جَانِبِهَا. وَمِنَ (الاسْتِيْعَابِ) لأَبِي عُمَرَ، قَالَ: سَارَ الحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ تَغْلِبُ طَائِفَةٌ الأُخْرَى حَتَّى تَذهبَ أَكْثَرُهَا، فَبَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَصِيْرُ الأَمْرُ إِلَيْكَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَطْلُبَ أَحَداً بِشَيْءٍ كَانَ فِي أَيَّامِ أَبِي،   (1) إسناده حسن وهو في " المسند " 2 / 531، وسنن البيهقي 4 / 28، 29 وصححه الحاكم 3 / 171 ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 31، وقال: رواه الطبراني في " الكبير "، والبزار (814) ، ورجاله موثقون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 فَأَجَابَهُ، وَكَادَ يَطِيرُ فَرَحاً، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فَلاَ. فَرَاجَعَهُ الحَسَنُ فِيْهِم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّيْ قَدْ آلَيْتُ مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ أَنْ أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ. فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُكَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِرَقٍّ أَبْيضَ، وَقَالَ: اكتُبْ مَا شِئْتَ فِيْهِ، وَأَنَا أَلتَزِمُهُ. فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ. وَاشْتَرطَ عَلَيْهِ الحَسَنُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ الأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ انفَلَّ حَدُّهُم، وَانكسَرَتْ شَوْكتُهُم. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ بَايَعَ عَلِيّاً أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً عَلَى المَوْتِ، فَوَاللهِ لاَ يُقتَلُوْنَ حَتَّى يُقتَلَ أَعْدَادُهُم مِنَّا، وَمَا -وَاللهِ - فِي العَيشِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ (1) . قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَلَّمَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الأَوَّلِ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ (2) . قَالَ: وَمَاتَ - فِيْمَا قِيْلَ - سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (3) . قَالَ: وَرَوَيْنَا مِنْ وُجُوْهٍ: أَنَّ الحَسَنَ لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ: يَا أَخِي! إِنَّ أَبَاكَ لَمَّا قُبِضَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَشْرَفَ لِهَذَا الأَمْرِ، فَصَرَفَهُ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ، تَشَرَّفَ أَيْضاً لَهَا، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا احتُضِرَ عُمَرُ، جَعَلَهَا شُوْرَى، أَبِي (4) أَحَدُهُم، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهَا لاَ تَعْدُوْهُ، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، بُوْيِعَ، ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيْفَ وَطَلَبَهَا، فَمَا صَفَا لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنِّي -وَاللهِ - مَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ فِيْنَا - أَهْلَ البَيْتِ - النُّبُوَّةَ وَالخِلاَفَةَ؛ فَلاَ أَعْرِفَنَّ مَا اسْتَخَفَّكَ سُفَهَاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَأَخرَجُوكَ، وَقَدْ كُنْتُ طَلَبتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ أُدفَنَ فِي حُجرَتِهَا؛ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا حَيَاءً، فَإِذَا مَا مِتُّ، فَاطلُبْ ذَلِكَ   (1) " الاستيعاب " 1 / 370، 371. (2) " الاستيعاب " 1 / 372. (3) " الاستيعاب " 1 / 374 (4) لفظ " أبي " تحرف في المطبوع إلى " إلى ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 إِلَيْهَا، وَمَا أَظنُّ القَوْمَ إِلاَّ سَيَمنعُوْنَكَ، فَإِنْ فَعَلُوا، فَادْفِنِّي فِي البَقِيْعِ. فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، وَكرَامَةٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: كَذَبَ وَكَذَبَتْ، وَاللهِ لاَ يُدفَنُ هُنَاكَ أَبَداً؛ مَنَعُوا عُثْمَانَ مِنْ دَفْنهِ فِي المَقْبُرَةِ، وَيُرِيْدُوْنَ دَفْنَ حَسَنٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. فَلَبِسَ الحُسَيْنُ وَمَنْ مَعَهُ السِّلاَحَ، وَاسْتَلأمَ مَرْوَانُ أَيْضاً فِي الحَديدِ، ثُمَّ قَامَ فِي إِطفَاءِ الفِتْنَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ (1) . أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الفِتَنِ، وَرَضِيَ عَنْ جَمِيْعِ الصَّحَابَةِ، فَترضَّ عَنْهُم يَا شِيْعِيُّ تُفلحْ، وَلاَ تَدْخُلْ بَيْنَهُم، فَاللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ، يَفعلُ فِيْهِم سَابقَ عِلْمِهِ، وَرَحْمتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ القَائِلُ: (إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي (2)) ، وَ: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُم يُسَألُوْنَ} [الأَنْبِيَاءُ: 23] . فَنسَألُ اللهَ أَنْ يَعفُوَ عَنَّا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَولِ الثَّابتِ، آمِيْنَ. فَبنُو الحَسَنِ هُم: الحَسَنُ، وَزَيْدٌ، وَطَلْحَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ - فَقُتِلُوا بِكَرْبَلاَءَ مَعَ عَمِّهِمُ الشَّهِيْدِ - وَعَمْرٌو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، فَهَؤُلاَءِ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلاَدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ. وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُم سِوَى الرَّجُلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ؛ الحَسَنِ، وَزَيْدٍ. فَلِحَسَنٍ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ أَعْقَبُوا، وَلزِيدٍ ابْنٌ وَهُوَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، فَلاَ عَقِبَ لَهُ إِلاَّ مِنْهُ، وَلِي إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَالقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَزَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -.   (1) " الاستيعاب " 1 / 376، 377. (2) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 13 / 325 في التوحيد: باب قول الله: (ويحذركم الله نفسه) ، وباب: (وكان عرشه على الماء) وباب قول الله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) ، وباب قول الله: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وفي بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) ، ومسلم (2751) في التوبة: باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، والترمذي (3537) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 48 - الحُسَيْنُ الشَّهِيْدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * (ع) الإِمَامُ، الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: جَدِّه، وَأَبَوَيْهِ، وَصِهْرِهِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَهَمَّامٌ الفَرَزْدَقُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَلْحَةُ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَبِنْتُهُ سُكَيْنَةُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلِدُهُ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ. قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فِي الحَمْلِ طُهْرٌ وَاحِدٌ. قَدْ مَرَّتْ فِي تَرْجَمَةِ الحَسَنِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالحُسَيْنِ. رَوَى: هَانِئُ بنُ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ (1) . وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:   (*) نسب قريش: 57، طبقات خليفة: ت 9، 1483، 1969، المحبر: 66، 293، 396، 448، 480، 490، التاريخ الكبير 2 / 381، الجرح والتعديل 3 / 55، تاريخ الطبري 5 / 347، 381، 400، مروج الذهب 3 / 248، الاغاني 14 / 163، المستدرك 3 / 176، الحلية 2 / 39، جمهرة أنساب العرب: 52، الاستيعاب: 392، تاريخ بغداد 1 / 141، تاريخ ابن عساكر 5 / 6 آ، أسد الغابة 2 / 18، الكامل 4 / 46، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 162، تهذيب الكمال: 290، تاريخ الإسلام 2 / 340 و3 / 5، 13، العبر 1 / 65، تذهيب التهذيب 1 / 149 آ، الوافي بالوفيات 12 / 423، مرآة الجنان 1 / 131، البداية والنهاية 8 / 149 وما بعدها، العقد الثمين 4 / 202، غاية النهاية: ت 1114، الإصابة 1 / 332، تهذيب التهذيب 2 / 345، خلاصة تذهيب الكمال: 71، شذرات الذهب 1 / 66، تهذيب ابن عساكر 4 / 314. (1) تقدم تخريجه في الصفحة (250) ت (1) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، فَرَوَاهُ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، وَقَالَ: يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ فِي أَنفِهِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أَسودَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، إِلاَّ شَعرَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ. ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَصبغُ بِالوَسِمَةِ (2) ، كَانَ رَأْسُهُ وَلِحْيتُهُ شَدِيدَيِ السَّوَادِ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ. قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا) (3) .   (1) أخرجه البخاري 7 / 75 في الفضائل، من طريق جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، وأخرجه الترمذي (3778) ، وابن حبان (2243) ، والطبراني (2879) من طريق النضر بن شميل، أخبرنا هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين ... وقوله " فجعل ينكت " أي: يقرع ويضرب من النكت: وهو أن يقرع بطرف القضيب الأرض، فيؤثر فيها، فعل المفكر المهمرم. وفي رواية الترمذي وابن حبان: فجعل يقول بقضيب له في أنفه، وللطبراني (5107) من حديث زيد ابن أرقم: فجعل ينقر بقضيب في يده في عينه وأنفه، فقال له زيد: ارفع القضيب، فلقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه. (2) الوسمة: نبت يختضب به يميل إلى سواد. (3) أخرجه البخاري 7 / 77، 78 في فضائل أصحاب النبي: باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، و10 / 357 في الأدب: باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، والترمذي (3770) ، و؟ ؟ 2 / 93 و110، والطبراني (2884) . قال ابن الأثير: والريحان والريحانة: = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 رَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْهُ. عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا؟! قَالَ: (كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا) . رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (المُعْجَمِ) (1) . وَعَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ (2)) . وَيُرْوَى عَنْ: شُرَيْحٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَفِي البَابِ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ يُقَوِّي بَعضُهَا بَعْضاً. مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ - شِيْعِيٌّ وَاهٍ -: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ الحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُحبُّهُ حُبّاً شَدِيداً، فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ) . فَقُلْتُ: أَذْهبُ مَعَهُ؟ فَقَالَ: (لاَ) . فَجَاءتْ بَرْقَةٌ، فَمَشَى فِي ضَوئِهَا حَتَّى بَلغَ إِلَى أُمِّهِ (3) . وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا رَبِيْع بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ دَخَلَ الحُسَيْنُ المَسْجِدَ -: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدِ شَبَابِ   = الرزق والراحة، ويسمى الولد ريحانا وريحانة لذلك. (1) رقم (3890) وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 181، وقال: رواه الطبراني، وفيه الحسن بن عنبسة وهو ضعيف. (2) أخرجه الطبراني (2599) و (2601) ، والحارث ضعيف، لكن متن الحديث صحيح وقد تقدم. (3) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 186، وقال: رواه الطبراني، وفيه موسى بن عثمان وهو متروك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) . سَمِعتُه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَابَعَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ رَبِيْعٍ الجُعْفِيِّ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) . وَقَالَ شَهْرٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِ بِنْتِي وَحَامَتِي (2) ، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً) . فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم؟ قَالَ: (إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ (3)) . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ شَهْرٍ. وَفِي بَعضِهَا يَقُوْلُ: دَخَلتُ عَلَيْهَا أُعَزِّيْهَا عَلَى الحُسَيْنِ. وَرَوَى نَحْوَهُ: الأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَى: شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، قِصَّةَ الكِسَاءِ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى العَامِرِيِّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً) . وَفِي لَفظٍ: (أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً) (4) .   (1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، ونسبه إلى أبي يعلى وليس لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وهو ثقة. (2) حامة الإنسان: خاصته وما يقرب منه، وهو الحميم أيضا، وقد غيرها محقق المطبوع إلى خاصتي. (3) الحديث صحيح بشواهده وطرقه كما تقدم في الصفحة (254) ت (4) فراجعه. (4) هو في " المسند " 4 / 172، وأخرجه ابن ماجه (144) ، والترمذي (3775) ، وحسنه، وصححه الحاكم 3 / 177، ووافقه الذهبي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخذَ بِيدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: (هَذَانِ ابْنَايَ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي (1)) . وَرَوَى مِثْلَهُ: أَبُو الجَحَّافِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَغَيرُهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً (2) . وَفِي البَابِ: عَنْ أُسَامَةَ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ (3) . عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَعدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ الجَنَائِزِ، فَطَلَعَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِيْهاً حَسَنُ) . فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَى حُسَيْنٍ تُوَالِيهِ؟ فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيْلُ يَقُوْلُ: إِيْهاً حُسَيْنُ (4)) . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، نَحْوُهُ (5) . وَفِي مَرَاسِيْلِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ حُسَيْناً يَبْكِي، فَقَالَ لأُمِّهِ: (أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ بُكَاءهُ يُؤْذِيْنِي) (6) .   (1) حسن، وقد تقدم تخريجه في الصفحة (254) ت (3) . (2) حسن، وقد تقدم تخريجه في الصفحة (277) ت (1) . (3) انظر " مجمع الزوائد " 9 / 179 وما بعدها. (4) هو على انقطاعه ضعيف جدا لضعف علي بن أبي علي اللهبي، وقد تحرف في الأصل إلى " الليثي ". وقوله: " إيها " معناها هنا: التحريض والت؟ جيع والاستحسان. والأصل فيها أنها للكف. (5) نسبه الحافظ في " الإصابة " 1 / 332 إلى أبي يعلى. وانظر الصفحة (266) من هذا الجزء. (6) أخرجه الطبراني رقم (2847) ، وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 201: إسناده منقطع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ (1) ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ! فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَهَلْ أَنْبتَ عَلَى رُؤُوْسِنَا الشَّعْرَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم! وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا (2) . إِسْنَادُه صَحِيْحٌ. رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ جَعلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ عَلِيٍّ، خَمْسَةَ آلاَفٍ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ آلاَفٍ (3) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: بَيْنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، إِذْ رَأَى الحُسَيْنَ، فَقَالَ: هَذَا أَحبُّ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ اليَوْمَ.   (1) في الأصل: " حسين " وهو خطأ. (2) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 1 / 141، وذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 333، وصحح إسناده. (3) انظر الصفحة (266) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ. فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا إِلاَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ. قُلْتُ: مَا فَهِمْتُه (1) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ. هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْقُفُ نَجْرَانَ وَالعَاقِبُ (2) ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، فَقَالاَ: كُنَّا مُسْلِمَينِ قَبْلكَ. قَالَ: (كَذَبْتُمَا! إِنَّهُ مَنَعَ الإِسْلاَمَ مِنْكُمَا ثَلاَثٌ؛ قَوْلُكُمَا: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً، وَأَكْلُكُمَا الخِنْزِيْرَ، وَسُجُوْدُكُمَا لِلصَّنَمِ) . قَالاَ: فَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟ فَمَا عَرَفَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ... ، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ} [آلُ عِمْرَانَ: 59 - 63] . فَدَعَاهُمَا إِلَى المُلاَعَنَةِ (3) ، وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ: (هَؤُلاَءِ بَنِيَّ) . قَالَ: فَخَلاَ أَحَدُهُمَا بِالآخرِ، فَقَالَ: لاَ تُلاَعِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَلاَ بَقِيَّةَ. فَقَالاَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ فِي مُلاَعَنَتِكَ، فَهَلْ مِنْ ثَالِثَةٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ؛ الجِزْيَةُ) . فَأَقَرَّا بِهَا، وَرَجَعَا (4) .   (1) لعل عمرا أراد أن عتق رقبة من بني إسماعيل متعذر، فإنه أحاله على الحسن والحسين، وهما - وإن كانا ينتسبان إلى إسماعيل - حران لا يملكان، فكأنه أيأسه من الوفاء بنذره. (2) هو أمير القوم، وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسيح، انظر ابن هشام 1 / 573 وما بعدها. (3) الملاعنة: تفسيرها كما جاء في الآية الكريمة: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) . (4) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 2 / 38، ونسبه لابن سعد وعبد بن حميد، وانظر ابن كثير 1 / 370، 371. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاهِلَ (1) أَهْلَ نَجْرَانَ، أَخذَ بِيَدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: (اتْبَعِيْنَا) . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الله، رَجَعُوا. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَلاَ أُحدِّثُكُم عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيتِي؟ أَمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ؛ فَصَاحِبُ لَهْوٍ، وَأَمَّا الحَسَنُ، فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ؛ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقتَا البِطَانِ لَمْ يُغْنِ فِي الحَرْبِ عَنْكُم، وَأَمَّا أَنَا وَحُسَيْنٌ؛ فَنَحْنُ مِنْكُم، وَأَنْتُم مِنَّا (2) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ الحَسَنَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ. فَيَقُوْلُ الحُسَيْنُ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ مَا بُسِطَ مِنْ لِسَانِكَ. عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الحُسَيْنِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَجَّ الحُسَيْنُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشياً (3) .   (1) المباهلة: الملاعنة، يقال في الكلام: ماله بهله الله، أي: لعنه الله، وماله؟ عليه بهلة الله، يريد: اللعن. (2) أخرجه الطبراني (2801) ، وقد تصحف فيه " نجبة " إلى " نجية " ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 191. وتمامه: " والله لقد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وبأدائهم الامانة، وخيانتكم، وبطواعيتهم إمامهم، ومعصيتكم له، واجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم على حقكم، حتى تطول دولتهم حتى لا يدعو الله محرما إلا استحلوه، ولا يبقى مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم، وحتى يكون أحدكم تابعا لهم، وحتى يكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد، أطاعه، وإذا غاب عنه، سبه، وحتى يكون أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا، فإن أتاكم الله بعافية، فاقبلوا، فإن ابتليتم، فاصبروا، فإن العاقبة للمتقين ". (3) أخرجه الطبراني (2844) ، وهو منقطع كما قال الهيثمي 9 / 201. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وَكَذَا رَوَى: عُبَيْدُ اللهِ الوَصَّافِيُّ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَزَادَ: وَنجَائِبُه تُقَادُ مَعَهُ. لَكنِ اخْتلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الوَصَّافِيِّ، فَقَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْهُ: الحَسَنُ، وَرَوَى عَنْهُ: زُهَيْرٌ نَحوَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: الحَسَنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى: كَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ يَوْمَ الجَمَلِ الحُسَيْنُ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نُجَيٍّ (2) ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مَطهَرَتِه، فَلَمَّا حَاذَى نِيْنَوَى، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى صِفِّيْنَ، نَادَاهُ عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِشَطِّ الفُرَاتِ. قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، فَقَالَ: (قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ (3) مِنْ تُرْبتِه؟ قُلْتُ: نَعَم. فَمدَّ يَدهُ، فَقَبضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ. قَالَ: فَأَعْطَانِيْهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي (4) . هَذَا غَرِيْبٌ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ. يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الفُرَاتِ: صَبْراً أَبَا عَبْدِ اللهِ. عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ) . فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ. فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " عبد الله الرصافي ". (2) تحرف في المطبوع إلى " يحيى ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " آتيك ". (4) هو في " المسند " 1 / 85، والطبراني (2811) ، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، وزاد نسبته للبزار، وقال: رجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ. قَالَ: (نَعَم) . فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ، أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ (1) . قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهَا كَرْبَلاَءُ. عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ (2) ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنسَائِهِ: (لاَ تُبَكُّوا هَذَا) . يَعْنِي: حُسَيْناً. فَكَانَ يَوْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ لأُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَدَعِي أَحَداً يَدْخُلُ) . فَجَاءَ حُسَيْنٌ، فَبَكَى؛ فَخَلَّتْهُ يَدْخُلُ، فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ جِبْرِيْلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُهُ. قَالَ: (يَقْتُلُوْنَهُ وَهُمْ مُؤْمِنُوْنَ؟) . قَالَ: نَعَمْ. وَأَرَاهُ تُرْبَتَهُ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتيقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ خَاثِراً، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ، وَفِي يَدِهِ تُربَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يُقَلِّبُهَا (3) . قُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ العِرَاقِ، لِلْحُسَيْنِ، وَهَذِهِ تُرْبتُهَا) (4) .   (1) أخرجه أحمد 3 / 242 و265، والطبراني (2813) ، وعمارة بن زاذان كثيرا الخطأ، وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار، وقال: وفيها عمارة بن زاذان، وثقه جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح. (2) في " التقريب ": أبو غالب صاحب أبي أمامة بصري، نزل أصبهان، قيل: اسمه حزور، وقيل سعيد بن الحزور - وقيل: نافع -: صدوق يخطئ من الخامسة. (3) تحرفت في المطبوع إلى " يقبلها ". (4) وأخرجه الطبراني برقم (2821) من طريق ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب الزمعي به، وموسى بن يعقوب الزمعي سيء الحفظ لكن تابعه عباد بن إسحاق كما سيذكره المؤلف، وقوله " وهو خاثر " أي: ثقيل النفس غير طبيب ولا نشيط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وَرَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ إِسْحَاقَ (1) ، عَنْ هَاشِمٍ، وَلَمْ يَذكُرِ: اضْطَجَعَ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: (لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ حُسَيْناً مَقْتُوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ التُّرْبَةَ ... ) ، الحَدِيْثَ (2) . وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَعَنْ: شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ. وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ. وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُمْهَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِتُرَابٍ مِنَ التُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا الحُسَيْنُ. وَقِيْلَ: اسْمُهَا كَرْبَلاَءُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَرْبٌ وَبَلاَءٌ (3)) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيُقْتَلَنَّ الحُسَيْنُ قَتْلاً، وَإِنِّي لأَعْرفُ تُرَابَ الأَرْضِ الَّتِي يُقتَلُ بِهَا (4) . أَبُو نُعَيْمٍ (5) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ: أَنَّ   (1) ويقال: هو عبد الرحمن بن إسحاق صدوق من رجال مسلم. (2) إسناده صحيح كما قال المؤلف في " تاريخه " 3 / 11، وعبد الله بن سعيد: هو ابن أبي هند، وهو في " المسند " 6 / 294، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 187، عن أحمد، وقال: ورجاله رجال الصحيح. (3) مرسل وانظر الطبراني (2819) و (2902) ، و" مجمع الزوائد " 9 / 189. (4) أخرجه الطبراني (2824) ، وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 190: ورجاله ثقات. (5) سقط لفظ " أبو نعيم " من المطبوع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 كَعْباً مَرَّ عَلَى عَلَيٍّ، فَقَالَ: يُقتَلُ مِنْ وَلَدِ هَذَا رَجُلٌ فِي عِصَابَةٍ لاَ يَجِفُّ عَرَقُ خَيْلِهِم حَتَّى يَرِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَمرَّ حَسَنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟ قَالَ: لاَ. فَمَرَّ حُسَيْنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ (1) . حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنِ العَلاَءِ بنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَأْسِ الجَالُوْتِ، قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقتَلُ بِكَرْبَلاَءَ ابْنُ نَبِيٍّ (2) . المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَلَهُ جُمَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ عِمَامَتِهِ (3) . وَقَالَ العَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحُسَيْنِ مِطْرَفاً مِنْ خَزٍّ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (4) . وَرَوَى جَمَاعَةٌ: أَنَّ الحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالوَسِمَةِ، وَأَنَّ خِضَابَهُ أَسْودُ (5) . بلَغَنَا أَنَّ الحُسَيْنَ لَمْ يُعجِبْهُ مَا عَمِلَ أَخُوْهُ الحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الخِلاَفَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ رَأْيُهُ القِتَالَ، وَلَكِنَّهُ كَظَمَ وَأَطَاعَ أَخَاهُ، وَبَايَعَ. وَكَانَ يَقبَلُ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ يَرَى لَهُ، وَيَحتَرِمُهُ، وَيُجِلُّهُ، فَلَمَّا أَنْ فَعلَ مُعَاوِيَةُ مَا فَعلَ بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدِ الحَسَنِ مِنَ العَهْدِ بِالخِلاَفَةِ إِلَى وَلَدِهِ يَزِيْدَ، تَأَلَّمَ   (1) أخرجه الطبراني (2851) ورجاله ثقات إلا أنه منقطع، عمار الدهني لم يدرك القصة. (2) أخرجه الطبراني (2827) وأورده الطبري في تاريخه 5 / 393 من طريق العلاء بن أبي عائشة قال: حدثني رأس الجالوت، عن أبيه ... (3) أخرجه الطبراني برقم (2796) . (4) " تاريخ الإسلام " 3 / 12، وفيه: رأيت الحسين يخضب بالوسمة، ويتختم في شهر رمضان. (5) انظر " الطبراني " رقم (2779) و (2781) و (2782) و (2783) ، و" مجمع الزوائد " 5 / 163. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 الحُسَيْنُ، وَحُقَّ لَهُ، وَامتنَعَ هُوَ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المُبَايعَةِ، حَتَّى قَهَرَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَخَذَ بَيْعتَهُم مُكْرَهِيْنَ، وَغُلِبُوا، وَعَجَزُوا عَنْ سُلْطَانِ الوَقْتِ. فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ، تَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ يَزِيْدُ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلاَ الحُسَيْنُ، وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَرَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَسَارَا فِي اللَّيْلِ مِنَ المَدِيْنَةِ. سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ، فَقُلْتُ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ. فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتحِلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي: مَكَّةَ -. وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَّى نَفْسِي عَنْهُ (1) . يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ (2) : حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أَنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: العِرَاقَ. وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم. قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ، لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إِلاَّ لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا. فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ (3) . زَادَ فِيْهِ الحَسَنُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:   (1) رجاله ثقات وأخرجه الطبراني (2859) ، وقال الهيثمي 9 / 192: ورجاله رجال الصحيح. (2) كذا الأصل، وفي " البداية " 8 / 160 يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي وهو الاصح فإن هذا الاثر رواه عنه شبابة بن سوار، وفي " الجرح والتعديل " 9 / 126 في ترجمة يحيى ابن إسماعيل بن سالم الأسدي أنه روى عنه شبابة، وأما يحيى بن إسماعيل البجلي، - وإن روى عن الشعبي - فإنهم لم يذكروا شبابة بن سوار فيمن روى عنه. (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 332. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 نَاشَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِيْرُ، قَتَلُوا أَبَاكَ، وَضَرَبُوا أَخَاكَ، وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ بِشْرِ بنِ غَالِبٍ، أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ، وَطَعَنُوا أَخَاكَ! فَقَالَ: لأَنْ أُقتلَ، أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُسْتَحَلَّ -يَعْنِي: مَكَّةَ (1) -. أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، حَدَّثَنِي الفَرَزْدَقُ؛ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ، لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ دُنْيَا، أَصَبْتَهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ آخِرَةً، أَصَبْتَهَا. فَرَحلْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، بَلَغَنِي (2) قَتْلُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ مَا ذَكَرتَ؟ قَالَ: كَانَ رَأْياً رَأَيْتُهُ. قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو لِلْحُسَيْنِ فِي مَسِيْرِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَهِدُوا الحَرَّةَ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ (ح) . وَأَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ (ح) ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ - وَسَمَّى طَائِفَةً - ثُمَّ قَالَ: فَكَتَبْتُ جَوَامِعَ حَدِيثِهِم فِي مَقْتَلِ الحُسَيْنِ. قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إِلَى الحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ،   (1) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 161 من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن شريك، عن بشر بن غالب ... (2) في الأصل " لقيني ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا. فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مُتَرَدِّدُ العَزْمِ، فَجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي، وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً، وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ وَلاَ عَزْمٌ وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ (1) . قَالَ: وَقَدِمَ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ وَعِدَّةٌ إِلَى الحُسَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ الحَسَنِ، فَدَعَوْهُ إِلَى خَلْعِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا رَأْيَكَ وَرَأْيَ أَخِيْكَ. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعطِيَ اللهُ أَخِي عَلَى نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعطِيَنِي عَلَى نِيَّتِي فِي حُبِّي جِهَادَ الظَّالِمِيْنَ (2) . وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ الحُسَيْنُ مَرصَداً لِلْفِتْنَةِ، وَأَظُنُّ يَوْمَكُم مِنْهُ طَوِيْلاً (3) . فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ أَعْطَى اللهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدَهُ، لَجَدِيرٌ أَنْ يَفِي، وَقَدْ أُنْبِئتُ بِأَنَّ قَوْماً مِنَ الكُوْفَةِ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَهُمْ مَنْ قَدْ جَرَّبتَ، قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيْكَ وَأَخِيْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاذْكُرِ المِيْثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى تَكِدْنِي، أَكِدْكَ (4) . فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ، وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ جَدِيرٌ، وَمَا أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً وَلاَ خِلاَفاً، وَمَا أَظُنُّ لِي عُذْراً عِنْدَ اللهِ فِي تَرْكِ جِهَادِكِ، وَمَا أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وَلاَيَتِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ إِلاَّ أَسَداً (5) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 329، 330. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330 (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330. (4) تهذيب ابن عساكر " 4 / 330. (5) " تاريخ الإسلام " 2 / 341. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 -وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مُسَافِعِ بنِ شَيْبَةَ، قَالَ: لَقِيَ الحُسَيْنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ عِنْدَ الرَّدْمِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلتِهِ، فَأَنَاخَ بِهِ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيْلاً، وَانْصَرَفَ، فَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ الرَّاحِلَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَزِيْدُ: لاَ يَزَالُ رَجُلٌ قَدْ عَرَضَ لَكَ، فَأَنَاخَ بِكَ. قَالَ: دَعْهُ، لَعَلَّهُ يَطلُبُهَا مِنْ غَيرِي، فَلاَ يُسوِّغُهُ، فَيَقتُلُهُ -. رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ (1) : قَالُوا: وَلَمَّا حُضِرَ مُعَاوِيَةُ، دَعَا يَزِيْدَ، فَأَوْصَاهُ، وَقَالَ: انظُرْ حُسَيْناً، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، فَإِنْ يَكُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَسَيَكْفِيْكَ اللهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ، وَخَذَلَ أَخَاهُ. وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى وَالِي المَدِيْنَةِ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنِ ادْعُ النَّاسَ وَبَايِعْهُم، وَابْدَأْ بِالوُجُوهِ، وَارْفُقْ بِالحُسَيْنِ. فَبَعثَ إِلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي اللَّيْلِ، وَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَةِ يَزِيْدَ، فَقَالاَ: نُصبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَعمَلُ النَّاسُ. وَوَثَبَا، فَخَرَجَا. وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ أَغْلَظَ لِلْحُسَيْنِ، فَشَتَمَهُ حُسَيْنٌ، وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ، فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الوَلِيْدُ: إِنْ هِجْنَا بِهَذَا إِلاَّ أَسَداً. فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ - أَوْ غَيرُهُ -: اقْتُلْهُ. قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَدَمٌ مَصُونٌ (2) . وَخَرَجَ الحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ العَبَّاسِ، وَلَزِمَ عَبْدُ اللهِ الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ (3) ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الحُسَيْنِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَمَ العِرَاقَ، وَيَقُوْلُ: هُم شِيْعَتُكُم. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَاهُ (4) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 330. (3) المعافري: برود باليمن منسوبة إلى قبيلة معافر. (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلاَ تَسِرْ، فَوَاللهِ لَئِنْ قُتِلْتَ لَيَتَّخِذُوْنَا خَوَلاً وَعَبِيداً (1) . وَلَقِيَهُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مُنْصَرِفَيْنِ مِنَ العُمْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: أُذَكِّرُكُمَا اللهَ إِلاَّ رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ فِيْهِ النَّاسُ وَتَنْظُرَانِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْترَقَ عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي تُرِيْدَانِ (2) . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لاَ تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاختَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَلاَ تَنَالُهَا. ثُمَّ اعْتَنَقَهُ، وَبَكَى، وَوَدَّعَهُ. فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: غُلِبْنَا بِخُرُوجِهِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيْهِ وَأَخِيْهِ عِبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الفِتْنَةِ وَخُذْلاَنِ النَّاسِ لَهُم مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يَتَحَرَّكَ (3) . وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: العِرَاقَ وَشِيْعَتِي. قَالَ: إِنِّيْ كَارِهٌ لِوَجهِكَ هَذَا، تَخْرُجُ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيْدٍ: اتَّقِ اللهَ، وألزم بَيْتَكَ. وَكَلَّمَهُ جَابِرٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ، لَكَانَ خَيراً لَهُ. قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ (4) تُعظِّمُ مَا يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتُخبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ، وَتَقُوْلُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   (1) " طبقات ابن سعد " 5 / 145، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 331. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331. (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 331. (4) تحرفت الجملة في المطبوع: وكتب إليك ابن عمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 يَقُوْلُ: (يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلَ) . فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا، قَالَ: فَلاَ بُدَّ إِذاً مِنْ مَصْرعِي (1) . وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُحَذِّرُهُ وَيُنَاشِدُهُ اللهَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّيْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ فِيْهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ (2) . وَأَبَى الحُسَيْنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ إِلاَّ المَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ (3) . وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَظنُّكَ سَتُقتَلُ غَداً بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لأَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ الَّذِي يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ (4) . قَالَ: أَبَا العَبَّاسِ! إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ. فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكِ، وَلَوْ أَعلَمُ أَنَّكَ تُقِيمُ، إِذاً لَفَعَلْتُ. ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: أَقْرَرْتَ عيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، يَخْرُجُ إِلَى العِرَاقِ، وَيَتْرُكُكَ وَالحِجَازَ: يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ البَرُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي وَنَقِّرِيْ مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ... (5)   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 332، 333. (2) " تاريخ الطبري " 5 / 388. (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 333. (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 334. (5) " تاريخ الطبري " 5 / 384، و" ابن الأثير " 4 / 39، و" تاريخ الإسلام " 2 / 343، و" البداية " 8 / 160، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 334. وقوله: " قنبرة " ويروى " قبرة " وهي بضم القاف وتشديد الباء، واحدة القبر، قال البطليوسي في " شرح أدب الكاتب ": وقنبرة أيضا بإثبات النون وهي لغة فصيحة: وهو ضرب من الطير يشبه الحمر. وينسب الرجز لطرفة انظر ملحق ديوانه: 193. يقال: إن طرفة كان مع عمه في سفر وهو ابن سبع سنين، فنزلوا على ماء، فذهب طرفة بفخ له، فنصبه للقنابر، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَتَبَ الأَحْنَفُ إِلَى الحُسَيْنِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَلاَ يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِيْنَ لاَ يُوْقِنُوْنَ} [الرُّوْمُ: 60] . عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: عَنْ لَبَطَةَ بنِ الفَرَزْدَقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقِيتُ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: القُلُوبُ مَعَكَ، وَالسُّيوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ لَبَطَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقِيَنِي الحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِم يَلاَمِقُ (2) الدِّيبَاجِ؛ فَقَالَ: مَا وَرَاءكَ؟ قَالَ: وَكَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مِنْ بِرْسَامٍ عَرَضَ لَهُ. وَقِيْلَ: كَانَ مَعَ الحُسَيْنِ وَجَمَاعَتِهِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَرَساً. وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدِهِ، قَالُوا: وَأَخَذَ الحُسَيْنُ طَرِيقَ العُذَيْبِ (3) ، حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ (4) ، فَخَفَقَ خَفْقَةً، ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِساً يُسَايِرُنَا، وَيَقُوْلُ: القَوْمُ يَسِيْرُوْنَ، وَالمنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِم. ثُمَّ نَزَلَ كَرْبَلاَءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ كَالمُكْرَهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَقُتلَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَكَانُوا خَمْسِيْنَ، وَتَحوَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُوْلَئِكَ عِشْرُوْنَ، وَبَقِيَ عَامَّةَ نَهَارِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَهْزِمُهُم، وَهُم يَكرَهُوْنَ الإِقدَامَ عَلَيْهِ، فَصَرَخَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُم أُمَّهَاتُكُم، مَاذَا تَنْتَظرُوْنَ   = وبقي عامة يومه لم يصد شيئا، ثم حمل فخه وعاد إلى عمه، فحملوا ورحلوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يلتقطن مانثر لهن من الحب، فقال ذلك. وقوله " خلا لك البر " ويروى: " خلا لك الجو " ومعناه هنا: " وما اتسع من الأودية " (1) انظر " الطبري " 5 / 386. (2) اليلامق: جمع يلمق: وهو القباء المحشو، وأصله بالفارسية " يلمه " وانظر " الفسوي " 2 / 673، فقد روى الخبر مطولا من طريق ابن عيينة. (3) قال ياقوت: العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة. (4) في " الطبري " 5 / 407، وابن الأثير 4 / 50: قصر بني مقاتل، قال ياقوت في " معجم البلدان " 4 / 364: وقصر مقاتل: كان بين عين التمر والشام، وقال السكوني: هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريات: منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 بِهِ؟ وَطَعَنَهُ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي ترقُوتِهِ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ - لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدَ لَهُ، قَالُوا: قَدَّمَ الحُسَيْنُ مُسْلِماً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، وَيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ النَّاسِ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ مُسْتَخْفِياً، وَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ، فَأَخَذَ بَيْعَتَهُم، وَكَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ: بَايَعَنِي إِلَى الآنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَعَجِّلْ، فَلَيْسَ دُوْنَ الكُوْفَةِ مَانِعٌ. فَأَغذَّ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى زبَالَةَ (1) ، فَجَاءتْ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيْهِ بِدِيوَانٍ فِيْهِ أَسْمَاءُ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ عَلَى الكُوْفَةِ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَخَافَ يَزِيْدُ أَنْ لاَ يُقْدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى الحُسَيْنِ. فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عَلَى البَصْرَةِ، فَضَمَّ إِلَيْهِ الكُوْفَةَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ لَكَ جَنَاحَانِ، فَطِرْ إِلَى الكُوْفَةِ! فَبَادَرَ مُتَعَمِّماً مُتَنَكِّراً، وَمَرَّ فِي السُّوقِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّفَلَةُ، اشتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ - يَظُنُّونَهُ الحُسَيْنَ - وَصَاحُوا: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! الحمدُ للهِ الَّذِي أَرَانَاكَ. وَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ؛ فَقَالَ: مَا أَشدَّ مَا فَسَدَ هَؤُلاَءِ. ثُمَّ دَخَلَ المسجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَظَفِرَ بِرَسُوْلِ الحُسَيْنِ - وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ بُقْطرٍ - فَقَتَلَهُ. وَقَدِمَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ؛ شَرِيْكُ بنُ الأَعْوَرِ - شِيْعِيٌّ -؛ فَنَزَلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، فَمَرِضَ، فَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يَعُوْدُهُ، فَهَيَّؤُوا لِعُبَيْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً لِيَغتَالُوْهُ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ. وَفَهِمَ عُبَيْدُ اللهِ، فَوَثَبَ، وَخَرَجَ، فَنَمَّ عَلَيْهِم عَبْدٌ لِهَانِئ، فَبَعثَ إِلَى هَانِئ - وَهُوَ شَيْخٌ - فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُجِيْرَ عَدُوِّي؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، جَاءَ حَقٌّ هُوَ أَحَقُّ مِنْ حَقِّكَ. فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بِالعَنَزَةِ حَتَّى غَرزَ رَأْسَهُ بِالحَائِطِ. وَبَلغَ الخبَرُ مُسلِماً، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ الأَرْبَعِ مائَةِ، فَمَا وَصَلَ القَصْرَ إِلاَّ فِي نَحْوِ السِّتِّيْنَ، وَغَربَتِ الشَّمْسُ، فَاقْتَتَلُوا، وَكَثُرَ عَلَيْهِم أَصْحَابُ عُبَيْدِ   (1) قال ياقوت: زبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 اللهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ، فَهَرَبَ مُسْلِمٌ، فَاسْتَجَارَ بِامْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ جِيْءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَتَلَهُ؛ فَقَالَ: دَعْنِي أُوصِ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ سَعْدٍ: يَا هَذَا! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَلَيْسَ هُنَا قُرَشِيٌّ غَيرُكَ، وَهَذَا الحُسَيْنُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَرسِلْ إِلَيْهِ لِيَنصَرِفْ، فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ غَرُّوهُ، وَكَذَّبُوْهُ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ، فَاقْضِهِ عَنِّي، وَوَارِ جُثَّتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ رَجُلاً عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ: ارْجِعْ يَا أَبَه، فَإِنَّهُم أَهْلُ العِرَاقِ وَغَدْرُهُم وَقِلَّةُ وَفَائِهِم. فَقَالَتْ بَنُو عَقِيْلٍ: لَيْسَ بِحِينِ رُجُوْعٍ. وَحَرَّضُوهُ، فَقَالَ حُسَيْنٌ لأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا أَتَانَا، وَمَا أَرَى القَوْمَ إِلاَّ سَيَخْذُلُوْنَنَا، فَمَنْ أَحبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَلْيَرْجِعْ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ قَوْمٌ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ فَجَمعَ المُقَاتِلَةَ، وَبَذَلَ لَهُمُ المَالَ، وَجَهَّزَ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَأَبَى، وَكَرِهَ قِتَالَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَسِرْ إِلَيْهِ لأَعْزِلَنَّكَ، وَلأَهْدِمَنَّ دَارَكَ، وَأَضْرِبَ عُنُقَكَ. وَكَانَ الحُسَيْنُ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً، مِنْهُم تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا هَؤُلاَءِ! دَعُوْنَا نَرجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْنَا. قَالُوا: لاَ. وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِي، وَمَا أَرَانِي إِلاَّ مُخْلٍ سَبِيلَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ. فَقَالَ شِمْرٌ: إِنْ فَعَلْتَ، وَفَاتَكَ الرَّجُلُ، لاَ تَسْتَقِيلُهَا أَبَداً. فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ: الآنَ حَيْثُ تَعَلَّقَتْهُ حِبَالُنَا ... يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ (1) فَنَاهَضَهُ، وَقَالَ لِشِمْرٍ: سِرْ، فَإِنْ قَاتَلَ عُمَرَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ. وَضَبَطَ عُبَيْدُ اللهِ الجِسْرَ، فَمَنَعَ مَنْ يَجُوزُهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ نَاساً يَتَسلَّلُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ.   (1) رواية الشطر الأول في " الطبري " 5 / 411، و" ابن الأثير " 4 / 53: الآن إذ علقت مخالبنا به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 قَالَ: فَرَكِبَ العَسْكَرُ، وَحُسَيْنٌ جَالِسٌ، فَرَآهُم مُقَبِلِيْنَ، فَقَالَ لأَخِيْهِ عَبَّاسٍ: الْقَهُم فَسَلْهُم: مَا لَهُم؟ فَسَأَلَهُم، قَالُوا: أَتَانَا كِتَابُ الأَمِيْرِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعرِضَ عَلَيْكَ النُّزَولَ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ نُنَاجِزُكَ. قَالَ: انْصَرِفُوا عَنَّا العَشِيَّةَ حَتَّى نَنظُرَ اللَّيْلَةَ. فَانْصَرَفُوا، وَجَمَعَ حُسَيْنٌ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: إِنِّيْ لاَ أَحْسِبُ القَوْمَ إِلاَّ مُقَاتِلِيكُم غَداً، وَقَدْ أَذِنتُ لَكُم جَمِيْعاً، فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِنِّي، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ، فَلْيَضُمَّ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُم، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يَطْلبُوْنَنِي، فَإِذَا رَأَوْنِي، لَهَوْا عَنْ طَلَبِكُم. فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: لاَ أَبْقَانَا اللهُ بَعْدَكَ، وَاللهِ لاَ نُفَارِقُكَ. وَقَالَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ (1) . -الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْناً، قَالَ: لاَ يُقَاتِلْ مَعِيَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (2) -. رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ: فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ. وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ، وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ؛ فَاقْدَمْ، لَعَلَّ اللهَ يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ. فَأَتَيْتُ؛ فَإِذْ كَرِهتُم ذَلِكَ، فَأَنَا رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم قَتْلِي، أَوْ يَحِلُّ دَمِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي؟ أَلَمْ يَبلُغْكُم قَوْلُ   (1) " الكامل " لابن الأثير 4 / 57. (2) أخرجه الطبراني (2872) وفي سنده موسى بن عمير، قال المؤلف في " الميزان ": لا يعرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيَّ وَفِي أَخِي: (هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) ؟ فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ. فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ، لأَجَبْتُ. وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! لَيَكُوْنَنَّ لِمَا تَرَى يَوْمٌ (1) يَسُوؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ غَرُّوْنِي، وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي مَا صَنَعُوا، اللَّهُمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَداً. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ مَوْلَىً لِعُبَيْدِ (2) اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَبَرَزَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ تَمِيْمٍ الكَلْبِيُّ، فَقَتَلَهُ، وَالحُسَيْنُ جَالِسٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ، وَالنَّبْلُ يَقعُ حَوْلَهُ، فَوَقَعَتْ نَبْلَةٌ فِي وَلدٍ لَهُ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِسَ لأْمَتَهُ، وَقَاتَلَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، حَتَّى قُتِلُوا جَمِيْعاً، وَحَمَلَ وَلدُهُ عَلِيٌّ يَرْتَجِزُ: أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ ... نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ فَجَاءتْهُ طَعنَةٌ، وَعَطِشَ حُسَيْنٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَاءٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَرمَاهُ حُصَيْنُ بنُ تَمِيْمٍ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي فِيْهِ، فَجَعَلَ يَتَلقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ وَيَحْمَدُ اللهَ. وَتَوجَّهَ نَحْوَ المُسَنَّاةِ يُرِيْدُ الفُرَاتَ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَأَثبتَهُ فِي حَنَكِهِ، وَبَقِيَ عَامَّةَ يَوْمِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَهُوَ رَابطُ الجَأْشِ، يُقَاتِلُ قِتَالَ الفَارِسِ الشُّجَاعِ، إِنْ كَانَ لَيَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَنكَشِفُوْنَ عَنْهُ انكِشَافَ المِعْزَى شَدَّ فِيْهَا الأَسَدُ، حَتَّى صَاحَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم! مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ؟ فَانْتَهَى إِلَيْهِ زُرْعَةُ التَّمِيْمِيُّ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ، وَضرَبَهُ الحُسَيْنُ عَلَى عَاتقِهِ، فَصَرَعَهُ، وَبرَزَ سِنَانٌ النَّخَعِيُّ، فَطعَنَهُ فِي ترقُوتِهِ وَفِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، ثُمَّ نَزَلَ لِيَحتَزَّ رَأْسَهُ، وَنَزَلَ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ، فَاحتَزَّ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً. قَالَ: وَوُجِدَ بِالحُسَيْنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ جِرَاحَةً، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ بنِ   (1) في الأصل " يوما ". (2) تحرف في المطبوع إلى " لعبد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُوْنَ نَفْساً. قَالَ: وَلَمْ يَفْلِتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الحُسَيْنِ سِوَى وَلَدِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ - فَالحُسَيْنِيَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - كَانَ مَرِيضاً. وَحَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ، وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ، فَقَدِمَ بِهِم وَبِزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بِنْتَيْ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتَيِ الحُسَيْنِ، وَزَوْجَتِهِ الرَّبَابِ الكَلْبِيَّةِ وَالِدَةِ سُكَيْنَةَ، وَأُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَهُم. قَالَ: وَأُخِذَ ثَقَلُ الحُسَيْنِ، وَأَخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَبَكَى؛ فَقَالَتْ: لِمَ تَبْكِي؟ فَقَالَ: أَأَسْلُبُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَبْكِي؟ قَالَتْ: فَدَعْهُ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي. وَأَقْبَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا رَجَعَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ بِشَرٍّ مِمَّا رَجَعْتُ بِهِ، أَطَعْتُ ابْنَ زِيَادٍ، وَعَصَيْتُ اللهَ، وَقَطَعْتُ الرَّحِمَ. وَوَردَ البَشِيْرُ عَلَى يَزِيْدَ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ، دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُم بِدُوْنِ قَتْلِ الحُسَيْنِ. وَقَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ؛ أَبَنَاتُ رَسُوْلِ اللهِ سَبَايَا؟ قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي! هُوَ -وَاللهِ - عَلَيَّ أَشدُّ مِنْهُ عَلَيْكِ، أَقْسَمْتُ وَلَوْ أَنَّ بَيْنَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ (1) عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إِلاَّ بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي. فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ. قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا. فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ، فَأُدْخِلْنَ عَلَى نِسَائِهِ، وَأَمَرَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " ما قدم ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَقَمْنَ المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا. جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ الزُّبَيْرِ بن الخِرِّيْتِ، سَمِعَ الفَرَزْدَقَ يَقُوْلُ: لَقِيتُ الحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى أَهْلَ الكُوْفَةِ صَانِعِيْنَ مَعِي؟ فَإِنَّ مَعِي حِمْلاً مِنْ كُتُبِهِم؟ قُلْتُ: يَخذُلُوْنَكَ، فَلاَ تَذْهَبْ. وَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَذكُرُ لَهُ خُروجَ الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: نَحسِبُ أَنَّهُ جَاءهُ رِجَالٌ مِنَ المَشْرِقِ، فَمَنَّوْهُ الخِلاَفَةَ، وَعِنْدَكَ مِنْهُم خَبَرُهُ، فَإِنْ فَعلَ، فَقَدْ قَطَعَ القَرَابَةَ وَالرَّحِمَ، وَأَنْتَ كَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِكَ وَالمَنظُورُ إِلَيْهِ، فَاكْفُفْهُ عَنِ السَّعِيِ فِي الفُرْقَةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ خُروجُهُ لأَمرٍ تَكرَهُ، وَلَسْتُ أَدَعُ النَّصيحَةَ لَهُ. وَبَعَثَ حُسَيْنٌ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلحِقَ بِهِ مَنْ خَفَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَهُم تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَنِسَاءٌ، وَصِبيَانُ، وَتَبِعَهُم أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، فَأَدْرَكَهُ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الخُرُوجَ يَوْمَهُ هَذَا لَيْسَ بِرَأْيٍ، فَأَبَى، فَمَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوجَدَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ، وَقَالَ: تَرغَبُ بوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ أُصَابُ فِيْهِ. وَبَعَثَ أَهْلُ العِرَاقِ رُسُلاً وَكُتُباً إِلَيْهِ، فَسَارَ فِي آلِهِ، وَفِي سِتِّيْنَ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ. فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَيْكَ، وَتَاللهِ مَا أَحَدٌ يُسلِمهُ اللهُ أَحبُّ إِلَيْنَا مِنَ الحُسَيْنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَهِيْجَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لاَ يَسُدُّه شَيْءٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ تَوجَّهَ إِلَيْك الحُسَيْنُ، وَفِي مِثْلِهَا تُعتَقُ أَوْ تُستَرَقُّ. الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجَ الحُسَيْنُ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ نَائِبِهِ (1) : إِنَّ حُسَيْناً صَائِرٌ إِلَى الكُوْفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمَانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلدَانِ، وَأَنْتَ مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهَا تُعتَقُ، أَوْ تَعُوْدُ عَبْداً. فَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي أَعْرَابِيٌّ يُقَالَ لَهُ: بُجَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الثَّعْلَبِيَّة (2) لَهُ مائَةٌ وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: مَرَّ الحُسَيْنُ وَأَنَا غُلاَمٌ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ! أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ بِالسَّوْطِ - وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ -: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوْءةٌ كُتُباً. ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ إِلَى الحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ يُرِيْدُوْنَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُم عُبَيْدُ اللهِ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيْتُهُ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ. وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ. قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ؛ وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ (3) . جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ يَزِيْدَ الرِّشْكِ، قَالَ: حدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الحُسَيْنَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبْنِيَةً مَضْرُوْبَةً لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقرَأُ القُرْآنَ، وَالدُّمُوعُ تَسِيْلُ عَلَى خَدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! مَا أَنْزَلَكَ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " بن أبيه ". (2) قال ياقوت: الثعلبية: من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية، وهي ثلثا الطريق. (3) " المعرفة والتاريخ " 3 / 325. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 هَذِهِ البلاَدَ وَالفَلاَةَ؟ قَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ، وَلاَ أَرَاهُم إِلاَّ قَاتلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمْ يَدَعُوا للهِ حُرمَةً إِلاَّ انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم مَنْ يُذِلُّهُم حَتَّى يَكُوْنُوا أَذلَّ مِنْ فَرَمِ (1) الأَمَةِ - يَعْنِي: مَقنعَتهَا -. المَدَائِنِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لَيُعْتَدَيَنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ فِي السَّبتِ (2) . أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ القَسْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: حَدِّثْنِي بِقَتْلِ الحُسَيْنِ. فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ وَالِي المَدِيْنَةِ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُبَايِعَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي. وَرَفَقَ بِهِ، فَأَخَّرهُ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَعَلَيْهَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَبَعثَ الحُسَيْنُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بنَ عَقِيْلٍ: أَنْ سِرْ، فَانظُرْ مَا كَتَبُوا بِهِ. فَأَخَذَ مُسْلِمٌ دَليلَيْنِ وَسَارَ، فَعطِشُوا فِي البَرِّيَّةِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا. وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الحُسَيْنِ يَسْتَعْفِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: امْضِ إِلَى الكُوْفَةِ. وَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَدِمَهَا، فَنَزَلَ عَلَى عَوْسَجَةٍ، فَدَبَّ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَبَايَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً. فَقَامَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ؛ فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّكَ لَضَعِيْفٌ! قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ ضَعيفاً أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنُ قَوِيّاً فِي مَعصِيَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ لأَهْتِكَ سِتراً سَتَرَهُ اللهُ. وَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيْدَ، وَكَانَ يَزِيْدُ سَاخِطاً عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ الكُوْفَةَ مُضَافاً إِلَى البَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتُلَ مُسْلِماً. فَأَسرعَ عُبَيْدُ اللهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى الكُوْفَةِ مُتَلَثِّماً، فَلاَ يَمرُّ بِمَجْلِسٍ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم إِلاَّ قَالُوا: وَعَلَيْكَ   (1) تصحفت في المطبوع إلى " قرم " قال ابن الأثير في " النهاية " بعد أن أورد خير الحسين هذا: هو بالتحريك: ما تعالج به المرأة فرجها ليضيق، وقيل: هو خرقة الحيض. والخبر في " الطبري " 5 / 394، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 336. (2) " تاريخ الطبري " 5 / 385. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 السَّلاَمُ يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ - يَظنُّونَهُ الحُسَيْنَ -. فَنَزَلَ القَصْرَ؛ ثُمَّ دَعَا مَوْلَىً لَهُ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذهَبْ حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلَ الكُوْفَةِ، فَقُلْ: أَنَا غَرِيْبٌ، جِئْتُ بِهَذَا المَالِ يَتَقْوَّى بِهِ. فَخَرَجَ، وَتَلَطَّفَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي البَيْعَةَ، فَأَدخلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَبَايَعَهُ، وَرَجَعَ، فَأَخْبَرَ عُبَيْدَ اللهِ. وَتَحوَّلَ مُسْلِمٌ إِلَى دَارِ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ المُرَادِيِّ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَا بَالُ هَانِئ لَمْ يَأْتِنَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَغَيرُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ ذَكَرَكَ. فَرَكِبَ مَعَهُم، وَأَتَاهُ وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ القَاضِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ رِجْلاَهُ (1) . فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: يَا هَانِئُ! أَيْنَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي. فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهمِ، فَلَمَّا رَآهُ، قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! وَاللهِ مَا دَعَوتُهُ إِلَى مَنْزلِي، وَلَكِنَّهُ جَاءَ، فَرَمَى نَفْسَهُ عَلَيَّ. قَالَ: ائْتِنِي بِهِ. قَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ. فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فَشَجَّهُ، فَأَهْوَى هَانِئٌ إِلَى سَيْفِ شُرَطِيٍّ يَسْتَلُّهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: قَدْ حَلَّ دَمُكَ. وَسَجَنَهُ، فطَارَ الخَبرُ إِلَى مَذْحِجٍ، فَإِذَا عَلَى بَابِ القَصْرِ جَلَبَةٌ، وَبلغَ مُسلِماً الخبرُ، فَنَادَى بِشعَارِهِ، فَاجتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، فَعَبَّأَهُم، وَقَصَدَ القَصْرَ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَجَمَعَهُم عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُم، فَأَشْرَفُوا مِنَ القَصْرِ عَلَى عَشَائِرِهِم، فَجَعَلُوا يُكلِّمُونَهُم، فَجَعَلُوا يَتَسلَّلُوْنَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُسرِعَ، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ، ذهبَ أُوْلَئِكَ، حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ وَحدَهُ يَتردَّدُ فِي الطُّرُقِ. فَأَتَى بَيْتاً! فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: اسْقِنِي. فَسَقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ، وَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَإِذَا بِهِ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا، إِنَّ مَجْلِسَكَ مَجْلِسُ رِيْبَةٍ،   (1) مثل: يضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه، والحين: الهلاك، وقد حان الرجل: هلك، وأحانه الله، وكل شيء لم يوفق للرشاد، فقد حان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 فَقُمْ. فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بنُ عَقِيْلٍ، فَهَلْ مَأْوَىً؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَدَخَلَتْهُ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلَىً لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ، فَانْطَلقَ إِلَى مَوْلاَهُ، فَأَعلَمَهُ، فَبَعثَ عُبَيْدُ اللهِ الشُّرَطَ إِلَى مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَاتَلَ، فَأَعْطَاهُ ابْنُ الأَشْعَثِ أَمَاناً، فَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَضَربَ عُنُقَهُ، وَأَلقَاهُ إِلَى النَّاسِ، وَقَتَلَ هَانِئاً، فَقَالَ الشَّاعِرُ (1) : فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا المَوْتُ فَانْظُرِي ... إِلَى هَانِئ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيْلِ أَصَابَهُمَا أَمْرُ الأَمِيْرِ فَأَصْبَحَا ... أَحَادِيْثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الهَمَالَيجَ آمِناً ... وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيْلِ يَعنِي: أَسْمَاءَ بنَ خَارِجَةَ. قَالَ: وَأَقبلَ حُسَيْنٌ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ القَادِسِيَّةِ، لَقيَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: ارْجِعْ، لَمْ أَدَعْ لَكَ وَرَائِي خَيْراً. فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ إِخوَةُ مُسْلِمٍ: وَاللهِ لاَ نَرجِعُ حَتَّى نَأْخُذَ بِالثَّأْرِ، أَوْ نُقتَلَ. فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ بَعْدَكُم. وَسَارَ، فَلَقِيَتْهُ خَيلُ عُبَيْدِ اللهِ، فَعَدَلَ إِلَى كَرْبَلاَءَ، وَأَسندَ ظَهْرَهُ إِلَى قُصَمْيَا حَتَّى لاَ يُقَاتَلَ إِلاَّ مِنْ وَجهٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَارِساً، وَنَحْوٌ مِنْ مائَةِ رَاجِلٍ. وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَقَدْ وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ - وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى. فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي، فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ، أَوْ أُرَدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ. فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي. فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ! وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.   (1) في " الكامل " 4 / 36: فقال عبد الله بن الزبير في قتل هانئ ومسلم، وقيل: قاله الفرزدق. والخبر بطوله مع الشعر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 339، 340. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 قَالَ: وَيَجِيْءُ سَهْمٌ، فَيَقَعُ بِابْنٍ لَهُ صَغِيْرٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا، دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا، ثُمَّ يَقْتُلُوْنَنَا. ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مَذْحِجِيٌّ، وَحَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَى بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ: أَوْقِرْ رِكَابِي ذَهَبَا ... فَقَدْ قَتَلْتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَأَبَا (1) ... فَوفَدَهُ إِلَى يَزِيْدَ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ؛ فَجَعَلَ يَزِيْدُ يَنكُتُ بِالقَضِيْبِ عَلَى فِيْهِ، وَيَقُوْلُ (2) : نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ أُنَاسٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُم كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا كَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ. وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ؛ لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاهُ عَلَى فِيْهِ. قَالَ: وَسَرَّحَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِحَرِيْمِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ (3) . وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُم إِلاَّ غُلاَمٌ كَانَ مَرِيضاً مَعَ النِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ لِيُقْتَلَ، فَطَرَحَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لاَ يُقتَلُ حَتَّى تَقْتُلُوْنِي. فَرَقَّ لَهَا، وَجَهَّزَهُم إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى يَزِيْدَ، جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضَرتِهِ، وَهَنَّؤُوهُ؛ فَقَامَ رَجُلٌ   (1) انظر " الطبراني " (2852) . (2) هو للحصين بن الحمام بن ربيعة المري الذبياني، شاعر فارس جاهلي كان سيد بني سهم بن مرة، ويلقب " مانع الضيم " وهو ممن نبذوا عبادة الاوثان في الجاهلية. والبيت من قصيدة مطلعها: جزى الله أفناء العشيرة كلها * بدارة موضوع عقوقا ومأثما وهي في " المفضليات ". ص 64 - 69 فانظر تخريجها ثمة. (3) انظر " الطبراني " (2846) و" المجمع " 9 / 193. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 أَحْمَرُ أَزرقُ، وَنَظَرَ إِلَى صَبِيَّةٍ مِنْهُم، فَقَالَ: هَبْهَا لِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَتْ زَيْنَبُ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ لَكَ إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دِيْنِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: كُفَّ. ثُمَّ أَدخَلَهُم إِلَى عِيَالِهِ، فَجَهَّزَهُم، وَحَمَلَهُم إِلَى المَدِيْنَةِ (1) . إِلَى هُنَا عَنْ: أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ. الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ: لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ، خَطبَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ (2) حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ (3) عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إِلاَّ نَدَماً (4) . خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ الحُسَيْنَ لَمَّا أَرهَقَهُ السِّلاَحُ، قَالَ: أَلاَ تَقْبَلُوْنَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ؟ كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُم، قَبِلَ مِنْهُ. قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَدَعُوْنِي أَرجِعُ. قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَدَعُوْنِي آتِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ. فَقَالَ: بَلْ - إِنْ شَاءَ اللهُ - بِرَحْمَةِ رَبِّي، وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي. فَقُتِلَ، وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكتَهُ بِقَضِيْبِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلاَماً صَبِيْحاً. ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم قَاتِلُهُ؟ فَقَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:   (1) " البداية " 8 / 194. (2) تحرفت في المطبوع إلى " استمرت ". (3) تصحفت في المطبوع إلى " حشيش ". (4) الخبر في " الطبراني " برقم (2842) ، و" الحلية " 2 / 39، و" الطبري " 5 / 403، 404، والزبير هو ابن بكار، ومحمد بن حسن هو ابن زبالة، وهو متروك متفق على ضعفه، ولم يدرك القصة. كما قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 193، وقوله " إلا ندما " في الطبري والطبراني " إلا برما ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَمَا قَالَ لَكَ؟ ... ، فَأَعَادَ الحَدِيْثَ. قَالَ: فَاسوَدَّ وَجهُهُ (1) . أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ: قَالَ الحُسَيْنُ حِيْنَ نَزَلُوا كَرْبَلاَءَ: مَا اسمُ هَذِهِ الأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلاَءَ. قَالَ: كَرْبٌ وَبَلاَءٌ. وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ لِحَرْبِهِ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ! اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَنِي أَرجِعُ، أَوْ فَسَيِّرْنِي إِلَى يَزِيْدَ، فَأَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَسَيِّرْنِي إِلَى التُّركِ، فَأُجَاهِدَ حَتَّى أَمُوْتَ. فَبَعثَ بِذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بنُ ذِي الجَوْشِنِ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكمِكَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لاَ أَفعَلُ. وَأَبطَأَ عُمَرُ عَنْ قِتَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ شِمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، فَقَالَ: إِنْ قَاتَلَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَكُنْ مَكَانَهُ (2) . وَكَانَ مِنْ جُندِ عُمَرَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَعرِضُ عَلَيْكُم ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاَثَ خِصَالٍ فَلاَ تَقْبَلُوْنَ وَاحِدَةً! وَتَحوَّلُوا إِلَى الحُسَيْنِ، فَقَاتَلُوا (3) . عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فحَدَّثَنِي سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ برُودٌ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الطُّهَوِيُّ بِسَهْمٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّهْمِ فِي جَنْبِهِ (4) . هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَمَى زُرْعَةُ الحُسَيْنَ بِسَهمٍ، فَأَصَابَ حَنَكَهُ، فَجَعلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ. وَدَعَا بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ، فَلَمَّا رَمَاهُ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ظَمِّهِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، وَهُوَ يَصِيحُ مِنَ الحَرِّ فِي بَطْنِهِ وَالبَرْدِ فِي ظَهْرِهِ، وَبَيْنَ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 337. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338. (3) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338. (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 338. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 يَدَيْهِ المَرَاوِحُ وَالثَّلجُ وَهُوَ يَقُوْلُ: اسْقُونِي أَهْلَكَنِي العَطَشُ، فَانْقَدَّ بَطْنُهُ (1) . الكَلْبِيُّ: رَافِضِيٌّ، مُتَّهَمٌ. قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أَقْبَلَ مَعَ الحُسَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلاَّ عَلَى الحُسَيْنِ (2) . عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ عِيْسَى بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَكَثْنَا أَيَّاماً سَبْعَةً، إِذَا صَلَّينَا العَصرَ، فَنَظَرْنَا إِلَى الشَّمْسِ عَلَى أَطرَافِ الحِيطَانِ كَأَنَّهَا المَلاَحِفُ المُعَصْفَرَةُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الكَوَاكبِ يَضرِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً (3) . المَدَائِنِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُدْرِكٍ، عَنْ جَدِّهِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: احْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ. هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: تَعْلَمُ هَذِهِ الحُمْرَةُ فِي الأُفُقِ مِمَّ؟ هُوَ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ الحُسَيْنِ. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ سُوْقٍ العَبْديَّةُ؛ قَالَتْ: حدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الأَزْدِيَّةُ، قَالَتْ: لَمَّا أَنْ قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَطَرِتِ السَّمَاءُ مَاءً، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَنَا مَلآنُ دَماً. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي، قَالَتْ: لَمَّا قُتلَ الحُسَيْنُ، مُطِرْنَا مَطَراً كَالدَّمِ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 341. (2) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 342. (3) " الطبراني " (2839) و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 342. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: قُتِلَ الحُسَيْنُ وَلِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَارَ الوَرسُ الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرِهِم رَمَاداً، وَاحْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ، وَنَحَرُوا نَاقَةً فِي عَسكَرِهِم، فَكَانُوا يَرَوْنَ فِي لَحْمِهَا النِّيرَانَ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ الوَرسَ عَادَ رَمَاداً، وَلَقَدْ رَأَيْتُ اللَّحمَ كَأَنَّ فِيْهِ النَّارَ حيَنَ قُتِلَ الحُسَيْنُ (2) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي جَمِيْلُ بنُ مُرَّةَ، قَالَ: أَصَابُوا إِبِلاً فِي عَسكَرِ الحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ، فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَصَارَتْ كَالعَلْقَمِ. قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ، قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا الفَاسِقَ ابْنَ الفَاسِقِ قَتَلَهُ اللهُ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. فَرَمَاهُ اللهُ بِكَوْكَبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ، فَطُمِسَ بَصَرُهُ (3) . قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الحَلَبِيُّ: قَالَ السُّدِّيُّ: أَتيتُ كَرْبَلاَءَ تَاجِراً، فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ طَيٍّ طَعَاماً، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَذَكَرْنَا قَتْلَ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ إِلاَّ مَاتَ مِيْتَةَ سُوءٍ. فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُم، أَنَا مِمَّنْ شَرَكَ فِي ذَلِكَ. فَلَمْ نَبْرحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ يَتَّقِدُ بِنَفْطٍ، فَذَهَبَ يُخرِجُ الفَتِيْلَةَ بِأُصبُعِهِ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا، فَذَهَبَ يُطفِئُهَا بِرِيقِهِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِحْيتِهِ، فَعَدَا، فَأَلقَى نَفْسَهُ فِي المَاءِ، فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ حُمَمَةً (4) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 342. (2) " الطبراني " (2858) . (3) " الطبراني " (2830) قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. (4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 343. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 ابْنُ عُيَيْنَةَ: حدَّثَتْنِي جدَّتِي أُمُّ أَبِي، قَالَتْ: أَدْرَكتُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَطَالَ ذَكَرُهُ حَتَّى كَانَ يَلُفُّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ؛ فَكَانَ يَسْتَقبِلُ الرَّاوِيَةَ، فَيَشْرَبُهَا كُلَّهَا (1) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ الوَلِيْدِ؛ فَقَالَ الوَلِيْدُ: أَيُّكُم يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ المَقْدِسِ يَوْمَ قَتْلِ الحُسَيْنِ؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيْطٌ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ. فَقُلْتُ: أَمَا -وَاللهِ - لأَسُوءنَّكَ. فَقُلْتُ: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيْهِ (3) . الحَاكِمُ (4) فِي (الكُنَى) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي شَدَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ وَقَدْ جِيْءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَلعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَغضِبَ وَاثِلَةَ، وَقَامَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً وَوَلَدَيْهِ بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي   (1) " الطبراني " (2857) و" مجمع الزوائد " 9 / 197. (2) انظر " معجم الطبراني " (2834) و (2856) و" المجمع " 9 / 196. (3) علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وهو في " معجم الطبراني " (2878) وانظر الصفحة 281 ت (1) من هذا الجزء. (4) هو شيخ الحاكم صاحب " المستدرك " واسمه محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري محدث خراسان. مترجم في " تذكرة الحفاظ 3 / 976 للمؤلف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَلْقَى عَلَى فَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا كِسَاءً خَيْبَرِيّاً، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] . سُلَيْمَانُ: ضَعَّفُوهُ، وَالحَنَفِيُّ: مُتَّهَمٌ. وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ السَّبِيْعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَضِيباً، فَجَعَلَ يَفْتَرُّ بِهِ عَنْ شَفَتَيْهِ، فَلَمْ أَرَ ثَغْراً كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ رَفَعْتُ صَوْتِي بِالبُكَاءِ. فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: يُبكِيْنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْتُهُ يَمُصُّ مَوْضِعَ هَذَا القَضِيبِ، وَيَلثُمُهُ، وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّومِ نِصْفَ النَّهَارِ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَبِيَدِهِ قَارُوْرَةٌ فِيْهَا دَمٌ. قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: (هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ مُنْذُ اليَوْمَ أَلتَقِطُهُ) . فَأُحصِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالمَدَائِنِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمَا: أَنَّ مُحفزَ بنَ ثَعْلَبَةَ العَائِذِيَّ قَدِمَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَتَيتُكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَلأَمِهِم. فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا وَلدَتْ أُمُّ مُحفزٍ أَحْمَقُ وَأَلأَمُ؛ لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَتَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلُ عِمْرَانَ: 26] . ثُمَّ بَعَثَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ إِلَى مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ،   (1) أخرجه أحمد 1 / 283، والطبراني (2822) وسنده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 200. وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 343 و الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 فَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ عِنْدَ أُمِّهِ (1) . وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَائِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ الكَلاَعِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا كَرِبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ تَوثَّبَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ بِدِمَشْقَ، فَأَخذْتُ سَفَطاً، وَقُلْتُ: فِيْهِ غَنَائِي، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَخَرَجتُ بِهِ مِنْ بَابِ تُوْمَا. قَالَ: فَفَتَحْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ رَأْسٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: هَذَا رَأْسُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، فَحَفَرْتُ لَهُ بِسَيْفِي، فَدَفَنْتُهُ (2) . أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا رَزِيْنٌ، حدَّثَتْنِي سَلْمَى، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي؛ قُلْتُ: مَا يُبْكِيْكِ؟ قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفاً (3)) . رَزِيْنٌ: هُوَ ابْنُ حَبِيْبٍ، وَثَّقهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ؛ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: سَمِعْتُ الجِنَّ يَبكِيْنَ عَلَى حُسَيْنٍ، وَتَنُوحُ عَلَيْهِ (4) . سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ نَوْحَ الجِنِّ عَلَى الحُسَيْنِ (5) . عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، قَالَ: أَتيْتُ كَرْبَلاَءَ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَربِ: بَلَغَنِي أَنَّكُم تَسْمَعُوْنَ نَوْحَ الجِنِّ! قَالَ: مَا تَلْقَى حُرّاً وَلاَ عَبْداً إِلاَّ أَخبَرَكَ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: سَمِعتُهُم يَقُوْلُوْنَ:   (1) انظر " الطبري " 5 / 463. (2) لا يصح، فيه من لايعرف. (3) أخرجه الترمذي (3771) في المناقب، وسلمى لا تعرف وباقى رجاله ثقات. (4) " معجم الطبراني " (2867) ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي 9 / 199. (5) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 344. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 مَسَحَ الرَّسولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الخُدُوْدِ أَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْ* ـ ... ـشٍ وَجَدُّهُ خَيرُ الجُدُوْدِ (1) مُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ عُبَيْدُ اللهِ الحُسَيْنَ وَأَهْلَهُ، بَعثَ بِرُؤُوْسِهِم إِلَى يَزِيْدَ، فَسُرَّ بِقَتْلِهِم أَوَّلاً؛ ثُمَّ لَمْ يَلبَثْ حَتَّى نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِم، فَكَانَ يَقُوْلُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ احتَمَلْتُ الأَذَى، وَأَنْزَلتُ الحُسَيْنَ مَعِي، وَحَكَّمْتُه فِيمَا يُرِيْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهَنٌ، حِفْظاً لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ، لَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ - يَعْنِي: عُبَيْدَ اللهِ - فَإِنَّهُ أَحْرَجَهُ، وَاضْطَرَّهُ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ أَقبَلَ، أَوْ يَأْتِيَنِي، فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي، أَوْ يَلحَقَ بِثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَتلَهُ، فَأَبغَضَنِي بِقَتْلِهِ المُسْلِمُوْنَ، وَزَرَعَ لِي فِي قُلُوْبِهِمُ العَدَاوَةَ. جَرِيرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ، وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ (2) . قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَتَتَبَّعَهُ، حَتَّى وَقعَ عَلَى أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ: أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ ... فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دَلَّ عَلَى القَبْرِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُتلَ عَلِيٌّ وَهُوَ   (1) " معجم الطبراني " (2865) و (2866) قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 199: وفيه من لم أعرفه، وأبو جناب مدلس، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 344، و" البداية " 8 / 200. (2) " معجم الطبراني " (2860) ورجاله ثقات، و" ابن عساكر " 4 / 345، و" البداية " 8 / 203. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَاتَ لَهَا حَسَنٌ، وَقُتِلَ لَهَا حُسَيْنٌ (1) . قُلْتُ: قَوْلُهُ: مَاتَ لَهَا حَسَنٌ: خَطَأٌ، بَلْ عَاشَ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ. زَادَ بَعضُهُم: يَوْمَ السَّبتِ. وَقِيْلَ: يَوْمَ الجُمُعَةِ. وَقِيْلَ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ. وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ. عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَآخرُ ثِقَةٌ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهَا قَتْلُ الحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعلُوْهَا؟! مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُم نَاراً. وَوَقَعَتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا، فَقُمْنَا. وَنَقَلَ: الزُّبَيْرُ لِسُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ (2) ، يَرْثِي الحُسَيْنَ: وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حَلَّتِ (3)   (1) " الطبراني " (2784) . (2) بفتح القاف ومثناة من فوق مشددة كما ضبطه ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه " ورقة 215، وابن حجر في " تبصير المنتبه " 3 / 1122، وابن الجزري في " طبقات القراء " 1 / 314، وقد تصحف في " تعجيل المنفعة " إلى " قنة "، وهو سليمان بن قتة التيمي مولاهم البصري، روى عن ابن عباس، وعمرو بن العاص وغيرهما، روى عنه موسى بن أبي عائشة وغيره، وكان فارسا شاعرا، قال ابن الجزري: عرض القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، وعرض عليه عاصم الجحدري، مترجم في " تاريخ البخاري " 4 / 32، و" الجرح والتعديل " 4 / 136. والأبيات منسوبة له في " الاستيعاب " 1 / 379، و" البداية " 8 / 211، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 345، 346، والأول والثالث والرابع والخامس منها في " حماسة أبي تمام " 2 / 961، 962 بشرح المرزوقي. ونسبه ياقوت الحموي إلى أبي دهبل، ولم يتابع على ذلك. (3) رواية الشطر الثاني في " الحماسة ": فلم أرها أمثالها يوم حلت قال المرزوقي: يريد أنه قد ظهر عليها من آثار الفجع والمصيبة ما صارت له دهشا، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وَكَانُوا لَنَا غُنْماً، فَعَادُوا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِ فَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا ... وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تَخَلَّتِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ قَوْلُهُ: أَذَلَّ رِقَاباً؛ أَي: لاَ يَرِعُوْنَ عَنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَهُ. أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَعْقَلِهِنَّ، يُقَالُ لَهَا: رَيَّا؛ حَاضِنَةُ يَزِيْدَ - يُقَالَ: بلَغَتْ مائَةَ سَنَةٍ - قَالَتْ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَقَدْ أَمْكَنَكَ اللهُ مِنَ الحُسَيْنِ. وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، قَالَ: فَوُضِعَ فِي طِسْتٍ، فَأَمَرَ الغُلاَمَ، فَكَشَفَ، فَحِيْنَ رَآهُ، خَمَّرَ وَجْهَهُ، كَأَنَّهُ شَمَّ مِنْهُ. فَقُلْتُ لَهَا: أَقَرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟ قَالَتْ: إِيْ وَاللهِ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعضُ أَهْلِنَا: أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الحُسَيْنِ مَصْلُوْباً بِدِمَشْقَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا: أَنَّ الرَّأْسَ مَكثَ فِي خَزَائِنِ السِّلاَحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَبَعَثَ، فَجِيْءَ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَظْماً أَبْيَضَ، فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ، وَطَيَّبَهُ، وَكَفَّنَهُ، وَدفَنَهُ فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ. فَلَمَّا دَخَلَتِ المُسَوِّدَةُ، سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ الرَّأْسِ، فَنَبَشُوهُ، وَأَخَذُوهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِهِ. وَذَكَرَ باقِي الحِكَايَةِ وَهِيَ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ. يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: أَبَى الحُسَيْنُ أَنْ يَسْتَأسِرَ حَتَّى قُتلَ بِالطَّفِّ، وَانْطَلَقُوا بِبَنِيْهِ: عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَسُكَيْنَةَ إِلَى يَزِيْدَ، فَجَعَلَ سُكَيْنَةَ خَلْفَ سَرِيْرِهِ، لِئَلاَّ تَرَى رَأْسَ أَبِيْهَا، وَعَلِيٌّ فِي غِلٍّ، فَضَربَ عَلَى ثَنِيَّتَيِ   = فحالها في ظهور الجزع عليها ليست كحالها في السرور أيام حلوها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 الحُسَيْنِ، وَتَمثَّلَ بِذَاكَ البَيْتِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي الأَرْضِ ... } [الحَدِيْدُ: 22] ، الآيَةَ. فَثَقُلَ عَلَى يَزِيْدَ أَنْ تَمثَّلَ بِبَيْتٍ، وَتَلاَ عَلِيٌّ آيَةً، فَقَالَ: بَلْ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُم} [الشُّوْرَى: 30] . فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ - لَوْ رَآنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَحَبَّ أَنْ يُخَلِّيَنَا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُم. قَالَ: وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لأَحَبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا. قَالَ: صَدَقْتَ، قَرِّبُوْهُم. فَجَعَلَتْ سُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ تَتَطَاوَلاَنِ لِتَرَيَا الرَّأْسَ، وَبَقِيَ يَزِيْدُ يَتَطَاوَلُ فِي مَجْلسِهِ لِيَستُرَهُ عَنْهُمَا. ثُمَّ أَمرَ لَهُم بِجَهَازٍ، وَأَصْلَحَ آلَتَهُم، وَخَرجُوا إِلَى المَدِيْنَةِ (1) . كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، جَعَلَ يَنكُتُ سِنَّهُ، وَيَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَلغَ هَذَا السِّنَّ. وَإِذَا لِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ قَدْ نَصَلَ مِنَ الخِضَابِ. وَمِمَّنْ قُتلَ مَعَ الحُسَيْنِ: أُخُوَّته الأَرْبَعَةُ؛ جَعْفَرٌ، وَعَتِيْقٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالعَبَّاسُ الأَكْبَرُ، وَابْنُهُ الكَبِيْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عَلِيٌّ زِينُ العَابِدِيْنَ مَرِيضاً، فَسَلِمَ، وَكَانَ يَزِيْدُ يُكرِمُهُ وَيَرعَاهُ. وَقُتِلَ مَعَ الحُسَيْنِ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ الحَسَنِ، وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا مُسْلِمِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ وَعَوْنٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بن أَبِي طَالِبٍ. المَدَائِنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُتلَ الحُسَيْنُ، وَأُدخِلْنَا الكُوْفَةَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ، فَأَدْخَلَنَا مَنْزِلَهُ، فَأَلْحَفَنَا، فَنِمْتُ، فَلَمْ أَسْتيقِظْ إِلاَّ بِحِسِّ الخَيلِ فِي الأَزِقَّةِ، فَحُمِلْنَا إِلَى يَزِيْدَ، فَدمعَتْ عَينُهُ حِيْنَ رَآنَا، وَأَعْطَانَا مَا شِئْنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي قَوْمِكَ أُمُوْرٌ، فَلاَ تَدْخُلْ مَعَهُم. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ مَا كَانَ؛ كَتَبَ   (1) الطبراني (2806) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 مَعَ مُسْلِمِ بنِ عُقْبَةَ بِأَمَانِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ القِتَالِ مُسْلِمٌ، بَعثَ إِلَيَّ، فَجِئْتُهُ، فَرَمَى إِلَيَّ بِالكِتَابِ، وَإِذَا فِيْهِ: اسْتوصِ بعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُم فِي أَمرِهِم، فَأَمِّنْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم، فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ. فَأَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَلَمْ يُعْقِبَا. فَوُلِدَ لِزَيْنِ العَابِدِيْنَ: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ مَاتَا صَغِيْرَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ البَاقِرُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الأَوْسَطُ وَلَمْ يُعْقِبْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحُسَيْنٌ الصَّغِيْرُ، وَالقَاسِمُ وَلَمْ يُعْقِبْ. 49 - عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْظَلَةَ الغَسِيْلِ الأَنْصَارِيُّ * (د) ابْنِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهبِ عَبْدِ عَمْرٍو بنِ صَيفِيِّ بنِ النُّعْمَانِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، المَدَنِيُّ، مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. استُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَغَسَّلَتْهُ الملاَئِكَةُ لِكَوْنِهِ جُنُباً (1) ، فَلَو غُسِّلَ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 65، طبقات خليفة: ت 2023، المحبر 403، 424، التاريخ الكبير 5 / 68، المعرفة والتاريخ 1 / 263، الجرح والتعديل 5 / 29، الاستيعاب: 892، تاريخ ابن عساكر 9 / 74 آ، أسد الغابة 3 / 218، تهذيب الكمال: 676، تاريخ الإسلام 3 / 28، تذهيب التهذيب 2 / 139 ب، الإصابة 2 / 299، تهذيب التهذيب 5 / 193، خلاصة تذهيب الكمال: 165. (1) أخرج الحاكم في " المستدرك " 3 / 204، 205، والبيهقي 4 / 15 من طريق ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر ... : " إن صاحبكم تغسله الملائكة " فسألوا صاحبته، فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله صلى الله عيله وسلم: " لذلك غسلته الملائكة " وهذا سند جيد، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني بسند حسن، كما قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 23. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 الشَّهِيْدُ الَّذِي يَكُوْنُ جُنُباً اسْتِدْلاَلاً بِهَذَا، لَكَانَ حَسَناً. حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ - رَفِيقُهُ - وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَضَمْضَمُ بنُ جَوْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ العَدَوِيَّةُ. وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَعَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ. وَكَانَ رَأْسَ الثَّائِرِيْنَ عَلَى يَزِيْدَ نَوْبَةَ الحَرَّةِ (1) . وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوْفُ بِالبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَهُوَ: ابْنُ جَمِيْلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ. وَفَدَ فِي بَنِيْهِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَعْطَاهُم مائَتَيْ أَلْفٍ وَخِلَعاً؛ فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ لَهُ كُبَرَاءُ المَدِيْنَةِ: مَا وَرَاءكَ؟ قَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلاَّ بَنِيَّ، لَجَاهَدتُهُ بِهِم. قَالُوا: إِنَّهُ أَكْرَمَكَ وَأَعْطَاكَ! قَالَ: وَمَا قَبْلتُ إِلاَّ لأَتَقَوَّى بِهِ عَلَيْهِ. وَحَضَّ النَّاسَ فَبَايَعُوْهُ، وَأُمِّرَ عَلَى الأَنْصَارِ، وَأُمِّرَ عَلَى قُرَيْشٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ العَدَوِيُّ، وَعَلَى بَاقِي المُهَاجِرِيْنَ مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ، وَنَفَوْا بَنِي أُمَيَّةَ (2) . فَجَهَّزَ يَزِيْدُ لَهُم جَيْشاً، عَلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ عُقْبَةَ - وَيُدْعَى: مُسْرِفاً المُرِّيَّ - فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَكلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: دَعْنِي أَشْتَفِي؛ لَكنِّي آمُرُ مُسْلِمَ بنَ عُقْبَةَ أَنْ يَتَّخذَ المَدِيْنَةَ طَرِيقَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنْ هُم لَمْ يُحَارِبُوهُ وَتَركُوهُ، فَيَمْضِيَ لِحَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ حَاربُوْهُ قَاتَلَهُم، فَإِنْ نُصِرَ قَتَلَ، وَأَنْهَبَ المَدِيْنَةَ ثَلاَثاً، ثُمَّ يَمضِي إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ.   (1) الحرة: كل أرض ذات حجارة سود، وأكثر الحرار حول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بالحرة هنا: حرة واقم، وهي الشرفية من حرتي المدينة، كانت فيها الوقعة سنة 63 هـ بين أهل المدينة وأهل الشام. انظر خبرها في " تاريخ الطبري " 5 / 482، 495، و" ابن الأثير " 4 / 111، 121، و" ابن كثير " 8 / 217. (2) " تاريخ خليفة ": 237. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ إِلَيْهِم لِيَكُفُّوا، فَقَدِمَ مُسْلِمٌ، فَحَارَبُوْهُ، وَنَالُوا مِنْ يَزِيْدَ، فَأَوقَعَ بِهِم، وَأَنْهَبَهَا ثَلاَثاً، وَسَارَ، فَمَاتَ بِالشَّلَلِ، وَعَهِدَ إِلَى حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، وَذَمَّهُمُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى شَقِّ العَصَا. قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: دخلَ ابْنُ مُطِيْعٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَيَالِيَ الحَرَّةِ؛ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ (1)) . قَالَ المَدَائِنِيُّ: تَوجَّهَ إِلَيْهِم مُسْلِمُ بنُ عُقْبَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَنفَقَ فِيْهم يَزِيْدُ فِي الرَّجُلِ أَرْبَعِيْنَ دِيْنَاراً. فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ: وَجِّهْنِي، أَكْفِكَ. قَالَ: لاَ، لَيْسَ لَهُم إِلاَّ هَذَا الغُشَمَةُ؛ وَاللهِ لاَ أُقِيلُهُم بَعْد إِحْسَانِي إِلَيْهِم، وَعَفْوِي عَنْهُم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي عَشيْرَتِكَ، وَأَنْصَارِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: إِنْ رَجَعُوا فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِم، فَادْعُهُم يَا مُسْلِمُ ثَلاَثاً، وَامضِ إِلَى المُلْحِدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: وَاسْتَوصِ بِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً. جَرِيرٌ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: وَاللهِ مَا كَادَ يَنجُو مِنْهُم أَحَدٌ، لَقَدْ قُتلَ وَلَدَا زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ (2) . قَالَ مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ: أَنْهبَ مُسْرِفُ بنُ عُقْبَةَ المَدِيْنَةَ ثَلاَثاً، وَافْتُضَّ بِهَا أَلْفُ عَذْرَاءَ. قَالَ السَّائِبُ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَافَ أَهْلَ   (1) أخرجه أحمد في " مسنده " 2 / 70 و83 و97 و123 و133 و154 من طرق عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، وهذا سند صحيح. (2) " تاريخ خليفة ": 239. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 المَدِيْنَةِ، أَخَافَهُ اللهُ، وَعَلَيْهِ لَعنَةُ اللهِ (1)) . رَوَاهُ: مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْهُ. وَرَوَى: جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالُوا: خَرَجَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَوْمَ الحَرَّةِ بِجُمُوعٍ وَهَيْئَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَلَمَّا رَآهُم عَسكَرُ الشَّامِ، كَرِهُوا قِتَالَهُم؛ فَأَمَرَ مُسْرِفٌ بِسَرِيرِهِ، فَوُضِعَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَنَادَى مُنَادِيْهِ: قَاتِلُوا عَنِّي، أَوْ دَعُوا. فَشَدُّوا، فَسَمِعُوا التَّكَبِيْرَ خَلفَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ، وَأَقَحَمَ عَلَيْهِم بَنُو حَارِثَةَ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الغَسِيْلِ مُتَسَانِدٌ إِلَى ابْنِهِ نَائِمٌ، فَنَبَّهَهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا جَرَى، أَمَرَ أَكْبَرَ بَنِيْهِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقدِّمُهُمْ وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى قُتِلُوا، وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (2) . وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ، قَالَ: لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الحَرَّةَ، وَأَخْرَجُوا بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ المَدِيْنَةِ، بَايَعُوا ابْنَ الغَسِيْلِ عَلَى المَوْتِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ! وَاللهِ مَا خَرَجْنَا حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرجَمَ مِنَ السَّمَاءِ، رَجُلٌ يَنْكِحُ أُمَّهَاتِ الأَولاَدِ، وَالبَنَاتِ، وَالأَخَوَاتِ، وَيَشرَبُ الخَمْرَ، وَيَدَعُ الصَّلاَةَ. قَالَ: وَكَانَ يَبِيتُ تِلْكَ اللَّيَالِي فِي المَسْجَدِ، وَمَا يَزِيْدُ فِي إِفطَارِهِ عَلَى شَربَةِ سَوِيْقٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ، وَلاَ يَرفعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَخَطَبَ، وَحَرَّضَ عَلَى القِتَالِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا بِكَ وَاثقُوْنَ. فَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَكَبَّرَ أَهْلُ الشَّامِ، وَدُخِلَتِ المَدِيْنَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا، وَقُتِلَ النَّاسُ، وَبَقِيَ لِوَاءُ ابْنِ الغَسِيْلِ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، رَمَى دِرْعَهُ، وَقَاتَلَهُم حَاسِراً حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ؛ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ، لَئِنْ نَصَبْتَهَا   (1) وتمامه " والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " أخرجه أحمد 4 / 55 و56، وإسناده صحيح، ونسبه الحافظ في " الإصابة " إلى النسائي، وفي الباب عن جابر بن عبد الله، عند ابن حبان (1039) . (2) " تاريخ خليفة ": 238، و" ابن عساكر " 9 / 77 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 مَيِّتاً، لَطَالَمَا نَصَبْتَهَا (1) حَيّاً. قَالَ أَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ مُمَعَّطَ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَذَا مَا لَقِيتُ مِنْ ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ، أَخَذُوا مَا فِي البَيْتِ، ثُمَّ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَأَسِفُوا، وَأَضْجَعُوْنِي، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم يَأخُذُ مِنْ لِحْيَتِي خُصْلَةً. قَالَ خَلِيْفَةُ: أُصِيْبَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةُ رِجَالٍ، ثُمَّ سَمَّاهُم (2) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، قَالَ: مَا خَرَجَ فِيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، لَزِمُوا بُيُوْتَهُم، وَسَأَلَ مُسْرِفٌ عَنْ أَبِي، فَجَاءهُ وَمَعَهُ ابْنَا مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَرَحَّبَ بِأَبِي، وَأَوْسَعَ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَوْصَانِي بِكَ. كَانَتِ الوَقْعَةُ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَأُصِيْبَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ حَاكِي وُضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَعِدَّةٌ مِنْ أَوْلاَدِ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ صَبْراً. وَعَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ سَبْعُ مائَةٍ. قُلْتُ: فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الكَائِنَةُ، اشتَدَّ بُغْضُ النَّاسِ لِيَزِيْدَ مَعَ فِعْلِهِ بِالحُسَيْنِ وَآلِهِ، وَمَعَ قِلَّةِ دِيْنِهِ؛ فَخَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو بِلاَلٍ مِرْدَاسُ بنُ أُدَيَّةَ الحَنْظَلِيُّ، وَخَرَجَ نَافِعُ بنُ الأَزْرَقِ، وَخَرَجَ طَوَّافٌ السَّدُوْسِيُّ، فَمَا أَمْهَلَهُ اللهُ، وَهَلَكَ بَعْدَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ يَوْماً.   (1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " لئن يصبها ميتا، لطالما يصيبها حيا " والخبر أورده ابن عساكر مطولا 9 / 77 ب، 78 آ. (2) " تاريخ خليفة ": 240، 250. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 50 - سَلَمَةُ ابْنُ الأَكْوَعِ سِنَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسْلَمِيُّ * (ع) هُوَ: سَلَمَةُ بنُ عَمْرِو بنِ الأَكْوَعِ، وَاسمُ الأَكْوَعِ: سِنَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ. وَيُقَالُ: أَبُو إِيَاسٍ الأَسْلَمِيُّ، الحِجَازِيُّ، المَدَنِيُّ. قِيْلَ: شَهِدَ (1) مُؤْتَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ. رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِيَاسٌ، وَمَوْلاَهُ؛ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَيَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ. قَالَ مَوْلاَهُ يَزِيْدُ: رَأَيْتُ سَلَمَةَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: بَايَعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المَوْتِ، وَغَزَوتُ مَعَهُ سَبْعَ غَزَوَاتٍ.   (*) طبقات ابن سعد 4 / 305، طبقات خليفة: ت 689، المحبر: 119، 289، التاريخ الكبير 4 / 69، المعارف: 323، المعرفة والتاريخ 1 / 336، مشاهير علماء الأمصار: ت 80، المستدرك 3 / 562، جمهرة أنساب العرب: 240، الاستيعاب: 639، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 190، تاريخ ابن عساكر 7 / 245 آ، أسد الغابة 2 / 423، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 229، تهذيب الكمال: 525، تاريخ الإسلام 3 / 158، العبر 1 / 84، الوافي بالوفيات 15 / 321، البداية والنهاية 9 / 6، الإصابة 2 / 66، مجمع الزوائد 9 / 363، تهذيب التهذيب 4 / 150، معجم الطبراني 7 / 5، 41، خلاصة تذهيب الكمال: 126، شذرات الذهب 1 / 81، تهذيب ابن عساكر 6 / 232. (1) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " قتل شهيد ". (2) أخرج البخاري 7 / 346 في المغازي: باب غزوة الحديبية، ومسلم (1860) في الامارة، والترمذي (1952) والنسائي 7 / 141 عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم رسول الله يوم الحديبية؟ قال: على الموت، وأخرج البخاري 7 / 399، ومسلم (1815) وابن سعد 4 / 305 من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، فذكر خيبر، والحديبية، ويوم حنين، ويوم القرد، قال يزيد: ونسيت بقيتها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 ابْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَيَّتْنَا هَوَازِنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، فَقَتَلْتُ بِيَدي لَيْلَتَئِذٍ سَبْعَةَ أَهْلِ أَبيَاتٍ (1) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا إِيَاسٌ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلاَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجْتُ بِفَرسٍ لِطَلْحَةَ (2) ، فَأَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُيَيْنَةَ عَلَى الإِبِلِ، فَقَتلَ رَاعِيْهَا، وَطَرَدَ الإِبِلَ هُوَ وَأَنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اقعُدْ عَلَى هَذَا الفَرَسِ، فَألْحِقْهُ بِطَلْحَةَ، وَأَعْلِمْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ، ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلاَثاً: يَا صَبَاحَاهُ! وَاتَّبَعْتُ القَوْمَ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِم، وَأَعْقِرُ بِهِم، وَذَلِكَ حِيْنَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ، قَعَدْتُ لَهُ فِي أَصلِ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَرمِيْهِم، وَأَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ وَأَصَبتُ رَجُلاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَكُنْتُ إِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا، عَلَوْتُ الجَبلَ، فَرَدَأْتُهُم بِالحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنُهُم حَتَّى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَاسْتَنْقَذْتُهُ. ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيْهِم حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ رُمْحاً، وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا، وَلاَ يُلْقُوْنَ شَيْئاً إِلاَّ جَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً، وَجَمَعتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا امتَدَّ الضُّحَى، أَتَاهُم عُيَيْنَةُ بنُ بَدْرٍ مَدَداً لَهُم، وَهُم فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ، ثُمَّ عَلَوْتُ الجَبَلَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لَقِيْنَا مِنْ هَذَا البَرْحَ، مَا فَارَقَنَا بِسَحَرٍ   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 46، وأبو داود (2638) ، وابن ماجه (2840) ، وابن سعد 4 / 305، وفيه عندهم: وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت. والتبييت: الطروق ليلا على غفلة للغارة. ومعنى " أمت ": أمر بالموت. (2) في مسلم: وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري..، وفي ابن سعد: وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 إِلَى الآنَ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيْدِيْنَا. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَوْلاَ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ وَرَاءهُ طَلَباً لَقَدْ تَرَكَكُمْ، لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُم. فَصَعِدَ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ، فَلَمَّا أَسْمَعتُهُم الصَّوتَ، قُلْتُ: أَتَعرِفُونِي؟ قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِي أَكَرَمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لاَ يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُم فَيُدْرِكَنِي، وَلاَ أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: إِنِّيْ أَظُنُّ. فَمَا بَرِحْتُ ثَمَّ، حَتَّى نَظَرتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَلَّلُوْنَ الشَّجَرَ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالمِقْدَادُ؛ فَولَّى المُشرِكُوْنَ. فَأَنْزِلُ، فَأَخَذتُ بِعِنَانِ فَرَسِ الأَخْرَمِ، لاَ آمَنُ أَنْ يَقتَطِعُوكَ، فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَكَ المُسْلِمُوْنَ. فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتَعلَمُ أَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلاَ تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ. فَخَلَّيتُ عِنَانَ فَرَسِهِ، وَلَحِقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَعَقَرَ الأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ، ثُمَّ قَتلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَتَحوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ، فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ، فَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحوَّلَ عَلَى فَرسِهِ. وَخَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ القَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِنَا شَيْئاً، وَيَعرِضُونَ قُبَيْلَ المَغِيبِ إِلَى شِعْبٍ فِيْهِ مَاءٌ، يُقَالَ لَهُ: ذُو قَرَدٍ (1) ، فَأَبْصرُوْنِي أَعْدُو وَرَاءهُم، فَعَطَفُوا عَنْهُ، وَأَسْنَدُوا فِي الثَّنِيَّةِ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَلْحَقُ رَجُلاً، فَأَرمِيْهِ؛ فَقُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَاليَوْمَ   (1) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر، قال البخاري في " صحيحه " 7 / 352: وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث. قال الحافظ: كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الاكوع، عن أبيه، فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم (1807) من طريقه، قال: فرجعنا، أي: من الغزوة إلى المدينة، فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، وأما ابن سعد، فقال: 2 / 80: كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل في جمادى الأولى، وعن ابن إسحاق: في شعبان منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 يَوْمُ الرُّضَّعِ فَقَالَ: يَا ثُكْلَ أُمِّي، أَكْوَعِيٌّ بُكْرَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ. وَكَانَ الَّذِي رَمَيتُهُ بُكْرَةَ، فَأَتْبَعتُهُ سَهْماً آخَرَ، فَعَلِقَ بِهِ سَهمَانِ. وَيُخَلِّفُوْنَ فَرَسَينِ، فَسُقْتُهُمَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى المَاءِ الَّذِي حَلَّيْتُهُم (1) عَنْهُ - ذُو قَرَدٍ - وَهُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَإِذَا بِلاَلٌ نَحَرَ جَزُوْراً مِمَّا خَلَّفْتُ، فَهُوَ يَشوِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مائَةً، فآخُذَ عَلَيْهِم بِالعَشْوَةِ، فَلاَ يَبْقَى مِنْهُم مُخَبِّرٌ. قَالَ: (أَكُنْتَ فَاعِلاً يَا سَلَمَةُ؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوءِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّهُم يُقْرَوْنَ الآنَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ) . قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَأَخبرَ أَنَّهُم مَرُّوا عَلَى فُلاَنٍ الغَطَفَانِيِّ، فَنَحَرَ لَهُم جَزُوْراً، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا، رَأَوْا غَبْرَةً، فَهَرَبُوا. فَلَمَّا أَصْبَحنَا، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خَيْرُ فُرْسَانِنَا: أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا: سَلَمَةُ) . وَأَعطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالفَارِسِ جَمِيْعاً، ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءهُ عَلَى العَضْبَاءِ رَاجِعِيْنَ إِلَى المَدِيْنَةِ. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَرِيباً مِنْ ضَحْوَةٍ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ كَانَ لاَ يُسبَقُ، جَعلَ يُنَادِي: أَلاَ رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى المَدِيْنَةِ؟ فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَاراً، فَقُلْتُ: مَا تُكرِمُ كَرِيْماً وَلاَ تَهَابُ شَرِيفاً؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بِأَبِي وَأُمِّي، خَلِّنِي أُسَابِقْهُ. قَالَ: (إِنْ شِئْتَ) . وَقُلْتُ: امْضِ. وَصَبَرْتُ عَلَيْهِ شَرفاً أَوْ شَرَفَيْنِ حَتَّى اسْتبْقَيْتُ نَفسِي، ثُمَّ إِنِّيْ عَدَوْتُ حَتَّى أَلحَقَهُ، فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقُلْتُ: سَبَقتُكَ وَاللهِ - أَوْ كَلمَةً نَحْوَهَا -. فَضَحِكَ، وَقَالَ: إِنْ أَظُنُّ، حَتَّى قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ.   (1) أي: صددتهم عنه، ومنعتهم من وروده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) مُطوَّلاً. العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَزِيْنٍ، قَالَ: أَتَينَا سَلَمَةَ ابْنَ الأَكْوَعِ بِالرَّبَذَةِ، فَأَخرَجَ إِلَيْنَا يَداً ضَخْمَةً، كَأَنَّهَا خُفُّ البَعِيرِ، فَقَالَ: بَايَعتُ بِيَدِي هَذِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَأَخَذْنَا يَدَهُ، فَقَبَّلْنَاهَا (2) . الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ يَزِيْدَ (3) الأَسْلَمِيُّ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِرَاراً، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي مِرَاراً، وَاسْتَغْفرَ لِي مِرَاراً، عَدَدَ مَا فِي يَدَيَّ مِنَ الأَصَابِعِ (4) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ: عَنْ سَلَمَةَ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي البَدْوِ، فَأَذِنَ لَهُ (5) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ حَمَّادِ بنِ مَسْعَدَةَ، عَنْهُ. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَاءَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، وَرَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ، وَسَلَمَةُ ابْنُ الأَكْوَعِ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ،   (1) رقم (1807) في الجهاد: باب غزوة ذي قرد وغيرها، وهو في " طبقات ابن سعد " 2 / 81، 84، و" تاريخ ابن عساكر " 7 / 248 ب، 249 أ. (2) سنده حسن، وأخرجه ابن سعد 4 / 306 من طريق سعيد بن منصور بهذا الإسناد، وقد تحرف فيه، " عطاف " إلى " عكاف " وهو في " تاريخ ابن عساكر " 7 / 249 ب. (3) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ". (4) أخرجه الطبراني في " معجمه " (6267) من طريق الحميدي، وعلي بن يزيد ترجمه ابن أبي حاتم 6 / 209 فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 363: ورجاله رجال الصحيح غير علي بن يزيد بن أبي حكيمة وهو ثقة. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 7 / 249 ب. (5) أخرجه أحمد 4 / 47 و54، والبخاري 13 / 30 في الفتن: باب التغرب في الفتنة، ومسلم (1862) والنسائي 7 / 151، 152، والطبراني (6298) وابن عساكر 7 / 250 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَيُحدِّثُونَ مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا (1) . وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ: أَنَّ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ، فَلْنَسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القُدْمِ. فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَلَقِيْنَاهُ يَقُودُهُ قَائِدُهُ، وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ (2) . وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، خَرَجَ سَلَمَةُ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَداً، وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، نَزَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ، وَحَدِيْثُه مِنْ عَوَالِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . 51 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * (ع) حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ   (1) هو في " طبقات ابن سعد " 2 / 372، ومحمد بن عمر هو الواقدي ضعيف. (2) " ابن عساكر " 7 / 250 ب، والزيادة منه. (3) أخرجه البخاري 13 / 35 في الفتن، وابن عساكر 7 / 250 ب. والربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة. قال الحافظ في " الفتح ": ويستفاد من هذه الرواية مدة سكنى سلمة البادية وهي نحو الأربعين سنة، لان قتل عثمان كان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وموت سلمة سنة أربع وسبعين على الصحيح. (*) طبقات ابن سعد 2 / 365، نسب قريش، 26، طبقات خليفة: ت 821، 1485، 2605، الزهد: 188، المحبر: 16، 24، 92، 289، 292، 378، التاريخ الكبير 5 / 3، التاريخ الصغير 1 / 126، 127، 137، أنساب الاشراف 3 / 27، 55، المعرفة والتاريخ 1 / 241، 270، 493، الجرح والتعديل 5 / 116، المستدرك 3 / 533، الحلية 1 / 314، جمهرة أنساب العرب: 19، 20، وانظر الفهرس، الاستيعاب: 933، تاريخ بغداد 1 / 173، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 239، تاريخ ابن عساكر 9 / 238 ب، جامع الأصول 9 / 63، أسد الغابة 3 / 290، الحلة السيراء 1 / 20، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 274، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ (1) بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ. وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَوَالِدِهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَخَلْقٍ. وَقَرَأَ عَلَى: أُبَيٍّ، وَزَيْدٍ. قَرَأَ عَلَيْهِ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُه؛ عَلِيٌّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مَعْبَدٍ، وَمَوَالِيهِ؛ عِكْرِمَةُ، وَمِقْسَمٌ، وَكُرَيْبٌ، وَأَبُو مَعْبَدٍ نَافِذٌ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ، وَأَخُوْهُ؛ كَثِيْرُ بنُ العَبَّاسِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَاوُوْسٌ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرٌ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ؛ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ، وَأَرْبَدَةُ التَّمِيْمِيُّ -   = وفيات الأعيان 3 / 62، تهذيب الكمال: 698، تاريخ الإسلام 3 / 30، تذكرة الحفاظ 1 / 37، العبر 1 / 76، معرفة القراء: 41، تهذيب التهذيب 2 / 156 ب، البداية والنهاية 8 / 295، العقد الثمين 5 / 190، غاية النهاية: ت 1791، الإصابة 2 / 330، تهذيب التهذيب 5 / 276، المطالب العالية 4 / 114، النجوم الزاهرة 1 / 182، خلاصة تذهيب الكمال: 172. (1) شعب بكسر الشين، كان منزل بني هاشم غير مساكنهم، ويعرف بشعب أبي يوسف، وهو الشعب الذي أوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو هاشم لما تحالفت قريش على بني هاشم، وكتبوا الصحيفة. انظر شرح المواهب 1 / 278. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 صَاحِبُ التَّفْسِيْرِ - وَأَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ، وَطَلِيْقُ بنُ قَيْسٍ الحَنَفِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ؛ وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَزِيْدَ، وَأَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَفِي (التَّهْذِيْبِ) مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ: مائَتَانِ، سِوَى ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ. وَأُمُّهُ؛ هِيَ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجَيْرٍ الهِلاَلِيَّةُ، مِنْ هِلاَلِ بنِ عَامِرٍ. وَلَهُ جَمَاعَةُ أَوْلاَدٍ؛ أَكْبَرُهُمُ: العَبَّاسُ - وَبهِ كَانَ يُكْنَى - وَعَلِيٌّ أَبُو الخُلَفَاءِ - وَهُوَ أَصْغَرُهُم - وَالفَضْلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَلُبَابَةُ، وَأَسْمَاءُ. وَكَانَ وَسِيماً، جَمِيْلاً، مَدِيدَ القَامَةِ، مَهِيباً، كَامِلَ العَقْلِ، ذَكِيَّ النَّفْسِ، مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ. وَأَوْلاَدُهُ: الفَضْلُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، مَاتُوا وَلاَ عَقِبَ لَهُم. وَلُبَابَةُ، وَلَهَا أَوْلاَدٌ، وَعَقِبٌ مِنْ زَوْجِهَا عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَبِنْتُهُ الأُخْرَى أَسْمَاءُ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمِّهَا عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ، فَوَلَدَتْ لَهُ: حَسَناً، وَحُسَيْناً. انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ (1) .   (1) أخرجه بهذا اللفظ الاسماعيلي من طريق إسحاق بن موسى، عن ابن عيينة، عن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 رَوَى: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالحِكْمَةِ (1) . شَبِيْبُ بنُ بِشْرٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَخْرَجَ وَخَرَجَ، فَإِذَا تَوْرٌ مُغَطَّى، قَالَ: (مَنْ صَنَعَ هَذَا؟) . فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ تَأْوِيْلَ القُرْآنِ (2)) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ عَلَى أَتَانٍ، وَقَدْ نَاهَزتُ الاحْتِلاَمَ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنَىً (3) .   = عبيد الله، عن ابن عباس فيما ذكره الحافظ في " الفتح " وأخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 192 من طريق عبد الله بن محمد، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله، قال: سمعت ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. وأخرجه البخاري أيضا، والطبري في " تفسيره " (10270) من طريقين عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، أن ابن عباس تلا (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله. وهو في " سنن البيهقي " 9 / 13. (1) أخرجه البخاري 1 / 155 في العلم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم علمه الكتاب " و7 / 78 في فضائل الصحابة: باب ذكر ابن عباس و13 / 208 في أول كتاب الاعتصام، والترمذي (3824) وابن ماجه (166) والطبراني (10588) والبلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 29 كلهم من طريق خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: " اللهم علمه الحكمة " وأخرجه ابن سعد 2 / 365 من طريق عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح على ناصيتي وقال: " اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ". (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 537، وصححه، وتعقبه المؤلف في مختصره، فقال: شبيب فيه لين. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 155 في قصر الصلاة في السفر: باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي، والبخاري 1 / 472 في أول سترة المصلي: باب الامام سترة من خلفه، وفي صفة الصلاة: باب وضوء الصبيان، وفي الحج: باب حج الصبيان، وفي العلم: باب متى يصح سماع الصغير، ومسلم (504) في الصلاة: باب سترة المصلي، وأحمد 1 / 264 أن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 وَرَوَى: أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ عَشرٍ (1) . رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَغَيْرُه، عَنْهُ. وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْهُ: جَمعْتُ المُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُبِضَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ حِجَجٍ (2) . وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَا خَتِيْنٌ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي الشِّعْبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ مَحْصُوْرُوْنَ، فَوُلِدَ قَبْلَ خُرُوجِهِم مِنْهُ بِيَسِيْرٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. أَلاَ تَرَاهُ يَقُوْلُ: وَقَدْ رَاهَقْنَا الاحْتِلاَمَ. وَهَذَا أَثْبَتُ مِمَّا نَقَلهُ أَبُو بِشْرٍ فِي سِنِّهِ.   = يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت الاتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. قوله: وناهزت الاحتلام، أي: قاربته. قلت: وكان ذلك في حجة الوداع. (1) إسناده صحيح أخرجه أحمد 1 / 253 و287 و337 و357 من طرق عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. (2) أخرجه الطيالسي 2 / 148 من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين مختون، قد قرأت المحكم من القرآن. وأخرجه الطبراني (10577) من طريق شعبة به إلا أنه لم يذكر فيه جملة " وأنا ابن عشر سنين مختون ". (3) أخرجه الطيالسي 2 / 149، والحاكم 3 / 533، والطبراني (10578) وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأورده في " المجمع " 9 / 285، ونسبه للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. وأخرج البخاري في " صحيحه " 11 / 75 في الاستئذان: باب الختان بعد الكبر من طريق إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن جبير، قال: سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا يومئذ مختون. قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - فِيمَا رَوَاهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ عَنْهُ -: حَدِيْثُ أَبِي بِشْرٍ عِنْدِي وَاهٍ، قَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ. وَهَذَا يُوَافقُ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ (1) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: غَزَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِفْرِيْقِيَةَ مَعَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ: خَمسَةَ عَشَرَ نَفْساً. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: أُمُّهُ هِيَ: أُمُّ الفَضْلِ، أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ، وُلِدَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ. وَكَانَ أَبيضَ، طَوِيْلاً، مُشْرَباً صُفْرَةً، جَسِيماً، وَسِيماً، صَبِيْحَ الوَجْهِ، لَهُ وَفْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، دَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحِكْمَةِ. قُلْتُ: وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيِّ. سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً مَعَ عَطَاءٍ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَتَذَاكَرْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ القَمَرَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ   (1) قال الحافظ في " الفتح " 11 / 76: المحفوظ الصحيح أنه ولد بالشعب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة، وبذلك قطع أهل السير، وصححه ابن عبد البر، وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: ولدت وبنو هاشم في الشعب، وهذا لا ينافي قوله: " ناهزت الاحتلام " ولاقوله: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك، لاحتمال أن يكون أدرك، فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، وأما قوله " وأنا ابن عشار " فمحمول على إلغاء الكسر، ورواية أحمد " وأنا ابن خمس عشرة " يمكن ردها إلى رواية ثلاث عشرة بأن يكون ابن ثلاث عشرة وشئ، وولد في أثناء السنة، فجبر الكسرين، بأن يكون ولد مثلا في شوال، فله من السنة الأولى ثلاثة أشهر، فأطلق عليها سنة، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع، فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى، وأكمل بينهما ثلاث عشرة، فمن قال: " ثلاث عشرة " ألغى الكسرين، ومن قال " خمس عشرة " جبرهما، والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 عَشْرَةَ إِلاَّ ذَكَرتُ وَجْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبَانَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا مَرَّ فِي الطَّرِيْقِ، قُلْنَ النِّسَاءُ عَلَى الحِيْطَانِ: أَمَرَّ المِسْكُ، أَمْ مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ دَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَرَّبه، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاكَ يَوْماً، فَمَسحَ رَأْسَكَ، وَتَفَلَ فِي فِيْكَ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ (1)) . دَاوُدُ: مَدَنِيٌّ، ضَعِيْفٌ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَغَيْرُه: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَوَضَعتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلاً، فَقَالَ: (مَنْ وَضَعَ هَذَا؟) . قَالُوا: عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ، وَفَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ) (2) .   (1) أخرجه البلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 37. (2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 1 / 266 و314 و328 و335، والطبراني (10587) ، وتاريخ الفسوي 1 / 494، وابن سعد 2 / 365، والبلاذري 3 / 28 وصححه الحاكم 3 / 534، ووافقه الذهبي. وكان ابن عباس رضي الله عنه من أعلم الصحابة في تفسير القرآن، فقد روى يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 495 بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل، وكان يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، وروى هذه الزيادة ابن سعد في " الطبقات " 2 / 366 من وجه آخر عن عبد الله بن مسعود، وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن ابن عمر، قال: هو أعلم الناس بما أنزل الله على محمد. وروى يعقوب أيضا 1 / 495 بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: قرأ ابن عباس سورة النور، ثم جعل يفسرها، فقال رجل: " لو سمعت هذا الديلم، لاسلمت ". ورواه أبو نعيم = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ (1) ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرْنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّ كُرَيْباً أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَجَعَلَنِي حِذَاءهُ، فَلَمَّا انْصرفَ، قُلْتُ: وَيَنْبَغِي لأَحدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءكَ وَأَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ؟! فَدَعَا اللهَ أَنْ يَزِيْدَنِي فَهْماً وَعِلْماً (2) . حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَهُ: أَنْ يَزِيدَهُ اللهُ فَهْماً وَعِلْماً (3) . وَرْقَاءُ (4) : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَضَعْتُ   = في " الحلية " 1 / 324 من وجه آخر بلفظ " سورة البقرة " وزاد أنه كان على الموسم يعني سنة خمس وصلاثين، كان عثمان رضي الله عنه أرسله لما حصر. (1) تحرف في المطبوع إلى " خالد ". (2) هو في " الحلية " 1 / 314، 315، وأخرجه بنحوه أحمد 1 / 330، ويعقوب الفسوي في " تاريخه " 1 / 518 من طريق عبد الله بن بكر، عن حاتم بن أبي صغيرة بهذا الإسناد. (3) أخرجه البلاذري في " أنساب الاشراف " 3 / 29 من طريق عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي بهذا الإسناد. (4) هو ورقاء بن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق. وقد وقع لمحقق المطبوع هنا تحريف طريف، فقد ظن أن " ورقاء " هو من تتمة الخبر السابق، فذكره فيه، وحرفه إلى " ورزقا ". والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 214 في الوضوء: باب وضع الماء عند الخلاء من طريق عبد الله بن محمد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي يزيد ... وليس فيه " وعلمه التأويل " وأخرجه مسلم (2477) من طريق ورقاء به، ولفظه " اللهم فقهه "، وأخرجه البخاري 1 / 155 في العلم و13 / 208 في الاعتصام من طريق خالد بن مهران الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس بلفظ " اللهم علمه الكتاب "، وهو عنده أيضا 7 / 78 في المناقب بلفظ " اللهم علمه الحكمة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضُوءاً، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ بِالحِكْمَةِ مَرَّتينِ (1) . كَوْثَرُ بنُ حَكِيْمٍ - وَاهٍ -: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعاً: (إِنَّ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ ابْنُ عَبَّاسٍ) . تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرُّهَاوِيُّ (2) . عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيْلُ: إِنَّهُ كَائِنٌ هَذَا حَبْرَ الأُمَّةِ، فَاسْتَوصِ بِهِ خَيراً (3) . حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: سَعْدَانُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ كَالمُعْرِضِ عَنْ أَبِي، فَخَرَجنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ ابْنَ عَمِّكَ كَالمُعْرِضِ عَنِّي؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ. قَالَ: أَوَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟ فَقَالَ لِي: (هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللهِ؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ، فَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي عَنْكَ) .   (1) أخرجه ابن سعد 2 / 365 من طريق القاسم بن مالك، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، وأخرجها البلاذري 3 / 28 من طريق يحيى بن آدم، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب البجلي، عن أبيه، عن مجاهد، عن ابن عباس. وللترمذي (3823) من طريق عطاء عن ابن عباس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتى الحكمة مرتين. (2) وهو ضعيف كما في " الميزان " (3) هو في " الحلية " 1 / 316 وقد قال أبو نعيم في سعدان بن جعفر: " ثقة أمين " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . المِنْهَالُ بنُ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ فُرَاتِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَررْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ، وَهُوَ يُنَاجِي دِحْيَةَ بنَ خَلِيْفَةَ الكَلْبِيَّ، وَهُوَ جِبْرِيْلُ وَأَنَا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: ابْنُ عَمِّي. قَالَ: مَا أَشَدَّ وَسَخَ ثِيَابهِ، أَمَا إِنَّ ذُرِّيَتَهُ سَتَسُودُ بَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رَأَيْتَ مَنْ يُنَاجِيْنِي؟) . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (أَمَا إِنَّهُ سَيَذْهَبُ بَصَرُكَ (2)) . إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ. ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ: أَنَّ العَبَّاسَ بَعثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً، فَرَجَعَ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ. فَلَقِيَ العَبَّاسُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْسَلتُ إِلَيْكَ ابْنِي، فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلاً، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُ. فَقَالَ: (يَا عَمِّ! تَدْرِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟) . قَالَ: لاَ. قَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ لَقِيَنِي، لَنْ يَمُوْتَ ابْنُكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ، وَيُؤْتَى عِلْماً) . رَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ ثَوْرٍ، نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ (3) ، فَقَالَ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُوْسَى بنِ   (1) رجاله ثقات وهو في " المسند " 1 / 293 و294 و312، وأخرجه أبو داود الطيالسي 2 / 149، والبلاذري 3 / 28، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 276، وقال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد، ورجالها رجال الصحيح. (2) أخرجه بأطول مما هنا الطبراني (10586) من طريق علي بن عبد العزيز بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 276، ونسبه للطبراني، وقال: وفيه من لم أعرفه. (3) سقط من المطبوع من قوله " عن ثور " إلى هنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 مَيْسَرَةَ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ العَبَّاسِ ... ، فَذَكَرَهُ (1) . زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: دَخَلَ العَبَّاسُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرَ عِنْدَهُ أَحَداً، فَقَالَ لَهُ ابْنُه عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيتُ عِنْدَهُ رَجُلاً. فَسَأَلَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيْلُ (2)) . هَذَا مُرْسَلٌ. حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ: عَنْ رِشْدِيْنَ (3) بنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتيتُ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ، فَقَلْتُ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَبِيْتَ اللَّيْلَةَ عِنْدَكُم. فَقَالَتْ: وَكَيْفَ تَبِيْتُ، وَإِنَّمَا الفِرَاشُ وَاحِدٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، أَفْرُشُ إِزَارِي، وَأَمَّا الوِسَادُ، فَأَضَعُ رَأْسِي مَعَ رُؤُوْسِكُمَا مِنْ وَرَاءَ الوِسَادَةِ. قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَتْهُ مَيْمُوْنَةُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: (هَذَا شَيْخُ قُرَيْشٍ) . إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ (4) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكُم ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوْسُفَ؟ قَالَ: جَلَسَ يَحُلُّ هِمْيَانَهُ، فَصِيحَ بِهِ، يَا يُوْسُفُ! لاَ تَكُنْ كَالطَّيْرِ لَهُ رِيْشٌ، فَإِذَا زَنَى، قَعَدَ لَيْسَ لَهُ رِيْشٌ (5) .   (1) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجاله ثقات. (2) ذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 331، ونسبه لابن سعد. (3) تحرف في المطبوع إلى " رشد ". (4) لضعف حبان بن علي وشيخه فيه رشدين بن كريب. (5) هو في " الحلية " 1 / 323، 324. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ الخَزَّازُ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ، قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، فَسَأَلَهُ أَيُّوْبُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءتُهُ؟ قَالَ: قَرَأَ: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ، ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيْدُ} [ق: 19] ، فَجَعَلَ يُرَتِّلُ، وَيُكْثِرُ (1) فِي ذَلِكَ النَّشِيْجَ (2) . ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَهَبَ النَّاسُ وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ. قِيْلَ: مَا النَّسْنَاسُ؟ قَالَ: الَّذِيْنَ يُشْبِهُوْنَ النَّاسَ وَلَيْسُوا بِالنَّاسِ (3) . ابْنُ طَاوُوْسٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ؟ قُلْتُ: وَلاَ عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ، أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُوْلِ اللهِ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدَّ تَعْظِيماً لِحُرُمَاتِ اللهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (5) . جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ نَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيْرٌ. فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ   (1) تصحفت في المطبوع إلى " ويكبر " (2) هو في " الحلية " 1 / 327، والنشيج: أحر البكاء، وهو مثل البكاء للصبي إذا ردد صوته في صدره، ولم يخرجه. (3) هو في " الحلية " 1 / 328 وفيه " يتشبهون بالناس ". (4) هو في " الحلية " 1 / 329 من طريق أبي بكر بن خلاد، عن أسحاق بن إبراهيم الحربي، عن عباد بن موسى بهذا الإسناد، وأخرجه البلاذري 3 / 35 من طريق عبد الله بن صالح، عن يحيى بن يمان، عن سفيان الثوري به. (5) " الحلية " 1 / 329. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 والسَّلاَمُ - مَنْ تَرَى؟ فَتَرَكَ (1) ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى المَسْألَةِ، فَإِنْ كَانَ لَيبْلُغُنِي الحَدِيْثُ عَنِ الرَّجُلِ، فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، فَتَسْفِي الرِّيْحُ عَلَيَّ التُّرَابَ، فَيَخرجُ، فَيَرَانِي، فَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ! أَلاَ أَرْسَلتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟ فَأَقُوْلُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، فَأَسْأَلَكَ. قَالَ: فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الفَتَى أَعقَلُ مِنِّي (2) . عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ قَدْ وَجَدُوا عَلَى عُمَرَ فِي إِدْنَائِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ دُوْنَهم. قَالَ: وَكَانَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّيْ سَأُرِيْكُمُ اليَوْمَ مِنْهُ مَا تَعْرِفُوْنَ فَضْلَهُ. فَسَأَلَهُم عَنْ هَذِهِ السُّوْرَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} [النَّصْرُ: 1] ، فَقَالَ بَعْضُهُم: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ إِذَا رَأَى النَّاسَ يَدخُلُوْنَ فِي دِيْنِ اللهِ أَفْوَاجاً أَنْ يَحْمَدَهُ وَيَسْتَغْفِرَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تَكَلَّمْ. فَقَالَ: أَعْلَمَهُ مَتَى يَمُوتُ، أَيْ: فَهِيَ آيَتُكَ مِنَ المَوْتِ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ (3) .   (1) في " الطبقات " و" المستدرك ": " فتركت " وفي " المجمع ": " فركبت " وهو تحريف. (2) إسناده صحيح، وهو عند ابن سعد 2 / 367، 368، والفسوي 1 / 542، وصححه الحاكم 3 / 538، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (3) إسناده قوي، وهو بهذا السند عند البلاذري 3 / 33، وأخرجه البخاري في المناقب و8 / 99 في المغازي: باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وفي المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وفي التفسير: باب قوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره) من طريقين عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: (إذا جاء نصر الله والفتح) وذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) . فقال: عمر: ما = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وَرَوَى نَحْوَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ هَذَا الحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، إِنْ كُنْتُ لآتِي الرَّجُلَ مِنْهُم، فَيُقَالُ: هُوَ نَائِمٌ؛ فَلَو شِئْتُ أَنْ يُوْقَظَ لِي، فَأَدَعُهُ حَتَّى يَخرُجَ لأَسْتطِيبَ (1) بِذَلِكَ قَلْبَهُ (2) . يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَسْأَلُ عَنِ الأَمرِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إِسْنَادُه صَحِيْحٌ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ مِنَ القُرْآنِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا، فَيَقرَأُ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَيُفَسِّرُهُمَا آيَةً آيَةً. وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِذَا   = أعلم منها إلا ما تقول. وأخرجه أحمد 1 / 337، 338، والترمذي (3362) ، والطبراني (10616) و (10617) وابن جرير 30 / 333، والحاكم 3 / 539، وأبو نعيم 1 / 316، 317، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 407، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". وقوله: " قد وجدوا على عمر " معناه: غضبوا، ولفظ " وجد " الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب، والحب، والغنى، واللقاء. (1) تحرفت في المطبوع إلى " لا يستطيب ". (2) أخرجه ابن سعد 2 / 368، فقال: أخبرت عن محمد بن عمرو ... ، وأخرجه البلاذري 3 / 34، 35 من طريق وهب بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو ... وهذا سند حسن. ولفظه عندهما: لو شئت أن يوقظ لي لاوقظ، فأجلس على بابه تسفي الريح على وجهي التراب حتى يستيقظ متى استيقظ، فأسأله عما أريد، ثم أنصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 ذَكَرَهُ، قَالَ: ذَلِكَ فَتَى الكُهُولِ، لَهُ لِسَانٌ سَؤُولٌ، وَقَلْبٌ عَقُوْلٌ (1) . إِسْرَائِيْلُ: أَخْبَرَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ القُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلاَّ ثَلاَثاً؛ (الرَّقِيْمَ) ، و (غِسْلِيْنَ) ، و (حَنَاناً (2)) . يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْماً مَا عَلِمْنَاهُ (3) . عَاصِمُ بنُ كُلَيْب: عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَعَانِي عُمَرُ مَعَ الأَكَابِرِ، وَيَقُوْلُ لِي: لاَ تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ يَسْأَلُنِي، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِم، فَيَقُوْلُ: مَا مَنَعَكُم أَنْ تَأْتُونِي بِمِثلِ مَا يَأْتِينِي بِهِ هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي لَمْ تَسْتَوِ شُؤُونُ رَأْسِهِ (4) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ المُهَاجِرُوْنَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَدْعُو أَبْنَاءنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ؛ إِنَّ لَهُ لِسَاناً سَؤُولاً، وَقَلْباً عَقُوْلاً (5) .   (1) أخرجه الطبراني (10620) ، وعنه أبو نعيم 1 / 318، والبلاذري 3 / 37، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، ونسبه للطبراني، وقال: وأبو بكر الهذلي ضعيف. (2) أخرجه الطبراني 15 / 199 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد، وسماك - وهو ابن حرب - صدوق إلا أن روايته خاصة عن عكرمة مضطربة. وذكره السيوطي في " الاتقان " / 10 / 113 ونسبه للفريابي من طريق سماك، عن عكرمة ... وقد ورد عن ابن عباس تفسير " الرقيم " بالكتاب واللوح، أو أنه اسم جبل أصحاب الكهف، و" حنانا ": بالرحمة، و" غسلين ": بأنه صديد أهل النار. انظر الطبري 15 / 198، 199 و16 / 55، و29 / 65. (3) أخرجه البلاذري 3 / ؤ 37 من طريق عبد الله بن صالح وعمرو، عن يحيى بن يمان بهذا الإسناد. (4) شؤون الرأس: عظامه والشعب التي تجمع بين قبائل الرأس، وهي أربعة أشؤن. (5) هو في " المستدرك " 3 / 539، 540 ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَشِيرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الأَمْرِ إِذَا أَهَمَّه، وَيَقُوْلُ: غُصْ غَوَّاصُ. أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: قَالَ عُمَرُ: لاَ يَلُوْمَنِّي أَحَدٌ عَلَى حُبِّ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! إِنَّ عُمَرَ يُدنِيكَ، فَاحفَظْ عَنِّي ثَلاَثاً: لاَ تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرّاً، وَلاَ تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَداً، وَلاَ يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِباً (1) . ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عَلِيّاً حَرقَ نَاساً ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَحرِقَهُم أَنَا بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ) . وَكُنْتُ قَاتِلَهُم، لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ، فَاقْتُلُوْهُ) . فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الهَنَاتِ (2) .   (1) " الحلية " 1 / 318، " ونسب قريش ": 36، و" أنساب الاشراف " 3 / 51، وو " الطبراني " (1069) ، والفسوي 1 / 533، 534، وفي مجالد كلام، وباقي رجاله ثقات وانظر " المجمع " 4 / 221. (2) إسناده صحيح وهو في " تاريخ الفسوي " 1 / 516 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة..-، وأخرجه البخاري 6 / 106 في الجهاد: باب لا يعذب بعذاب الله، و12 / 237 في استتابة المرتدين: باب حكم المرتد والمرتدة، والنسائي 7 / 104 في تحريم الدم: باب الحكم في المرتد، من طرق عن أيوب، عن عكرمة. -. دون قوله: " فبلغ ذلك ... " وأخرجه أبو داود (4351) في أول الحدود، والحاكم 3 / 538، 539، وفيه " فبلغ ذلك عليا، فقال: ويح ابن عباس "، قال الخطابي: قوله " ويح ابن عباس ": لفظه لفظ الدعاء عليه، ومعناه المدح له، والاعجاب بقوله، وهذا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي بصير: " ويل أمه مسعر حرب " وكقول عمر رضي الله عنه حين أعجبه قول الوادعي في تفضيل سهمان الخيل على المقاريف: " هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به " يريد: ما أعلمه، أو ما أصوب رأيه، ولفظ الترمذي (1458) في الحدود: " فبلغ ذلك عليا، فقال: صدق ابن عباس " ولفظ البلاذري 3 / 35: " فبلغ ذلك عليا، فقال: لله در ابن عباس ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْضَرَ فَهْماً، وَلاَ أَلَبَّ لُبّاً، وَلاَ أَكْثَرَ عِلماً، وَلاَ أَوسعَ حِلماً مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يَدعُوْهُ لِلمُعْضِلاَتِ فَيَقُوْلُ: قَدْ جَاءت مُعْضِلَةٌ، ثُمَّ لاَ يُجَاوِزُ قَوْلَه، وَإِنَّ حَوْلَهُ لأَهْلُ بَدْرٍ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ، سَمِعَ طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُوْلُ: لَقَدْ أُعْطِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَهْماً، وَلَقناً، وَعِلْماً، مَا كُنْتُ أَرَى عُمَرَ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً (2) . الأَعْمَشُ: عَنْ مُسْلِمِ بنِ صُبَيْحٍ (3) ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: لَوْ أَدْركَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا، مَا عَشَرهُ مِنَّا أَحَدٌ (4) . وَفِي رِوَايَةٍ: مَا عَاشَرَهُ. الأَعْمَشُ: حَدِّثُوْنَا: أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: وَلَنِعْمَ تَرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ (5) . الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ أَنَّ هَذَا الغُلاَمَ أَدْرَكَ مَا أَدْرَكْنَا، مَا تَعلَّقْنَا مَعَهُ بِشَيْءٍ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثنَا مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ   (1) هو في " طبقات ابن سعد " 2 / 369. (2) " طبقات ابن سعد " 2 / 370. (3) في الأصل " مسلمة " وهو خطأ. (4) في الأصل " مسلمة " وهو خطأ. (4) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 2 / 366، و" تاريخ الفسوي " 1 / 495، و" المستدرك 3 / 537 من طرق عن الأعمش به. (5) " طبقات ابن سعد " 2 / 366، و" تاريخ الفسوي " 1 / 495، وأخرجه الحاكم 3 / 537، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 مُحَمَّدِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ؛ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ - وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَامَ -، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ حَبْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَرَى عَقْلاً وَفَهْماً، وَقَدْ دَعَا لَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّيْنِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ لِي: مَوْلاَكَ -وَاللهِ - أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ. وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالحجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ (1) . قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ يَرَى مُتعَةَ الحجِّ حَتْماً (2) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ (3) ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَنِ النَّاس، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يُسَارعُوا يَوْمَهم هَذَا فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ. قَالَ: فَزَبَرَنِي عُمَر، ثُمَّ قَالَ: مَهْ. فَانطَلَقتُ إِلَى مَنْزِلِي مُكْتَئِباً حَزِيناً، فَقُلْتُ: قَدْ كُنْتُ نَزَلتُ مِنْ هَذَا بِمَنْزِلَةٍ، وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ سَقَطتُ مِنْ نَفْسِهِ، فَاضْطَجَعتُ عَلَى فِرَاشِي، حَتَّى عَادَنِي نِسْوَةُ أَهْلِي وَمَا بِيَ وَجعٌ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، قِيْلَ لِي: أَجِبْ أَمِيْرَ   (1) انظر " تاريخ الفسوي " 1 / 495، و" ابن سعد " 2 / 369. (2) أي: أن يحرم قاصد الحج من الميقات بنية العمرة، فإذا فرغ منها تحلل من إحرامه، وبقي متحللا إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم يحرم في اليوم الثامن بينة الحج. انظر " زاد المعاد " 2 / 178 وما بعدها. (3) بذيمة: بفتح الباء، وكسر الذال، وقد تصحف في المطبوع إلى " نديمة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 المُؤْمِنِيْنَ. فَخَرَجتُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى البَابِ يَنْتَظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ خَلاَ بِي، فَقَالَ: مَا الَّذِي كَرِهتَ مِمَّا قَالَ الرَّجُلُ آنِفاً؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ، فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَأَنْزِلُ حَيْثُ أَحْبَبْتَ. قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي. قُلْتُ: مَتَى مَا يُسَارِعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ يَحْتَقُّوا (1) ، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا اخْتَصَمُوا يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا يَقْتَتِلُوا. قَالَ: للهِ أَبُوْكَ، لَقَدْ كُنْتُ أَكْتُمُهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا (2) . ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُرَّةَ - مَكِّيٌّ - حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: أَنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ كَلَّمُوا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ يَحُجَّ بِهِم، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّرَهُ، فَحَجَّ، ثُمَّ رَجَعَ، فَوَجَدَ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ؛ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ أَنْتَ قُمْتَ بِهَذَا الأَمْرِ الآنَ، أَلْزَمَكَ النَّاسُ دَمَ عُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (3) . وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا قَالَ: سِرْ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الشَّامَ، فَقَالَ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَمَنِّهِ، وَعِدْهُ. قَالَ: لاَ كَانَ هَذَا أَبَداً (4) . وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: لاَ تُحَكِّمْ أَبَا مُوْسَى، فَإِنَّ مَعَهُ رَجُلاً، حَذِراً، مَرِساً، قَارِحاً مِنَ الرِّجَالِ، فَلُزَّنِي إِلَى   (1) أي: يختصموا، ويقول كل واحد منهم: الحق في يدي. وقد تصحف في " المصنف " إلى " يحيفوا ". (2) رجاله ثقات. وهو في " المنصف " برقم (20368) و" تاريخ الفسوي " 1 / 516، 517. (3) رجاله ثقات ما خلا أبا بكر بن محمد فإنني لم أظفر له بترجمة. (4) انظر الصفحة 139 من هذا الجزء في ترجمة معاوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 جَنْبِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحُلُّ عُقْدَةً إِلاَّ عَقَدْتُهَا، وَلاَ يَعْقِدُ عُقْدَةً إِلاَّ حَلَلْتُهَا. قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَمَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أُوْتَى مِنْ أَصْحَابِي، قَدْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُم وَكَلُّوا، هَذَا الأَشْعَثُ يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ فِيْهَا مُضَرِيَّانِ أَبَداً. فَعَذَرْتُ عَلِيّاً (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فَاتَ النَّاسَ بِخِصَالٍ: بِعِلْمِ مَا سَبَقَ، وَفِقْهٍ فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ مِنْ رَأْيِهِ، وَحِلْمٍ، وَنَسَبٍ، وَنَائِلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْهُ، وَلاَ أَعْلَمَ بِمَا مَضَى، وَلاَ أَثقَبَ رَأْياً فِيمَا احتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كُنَّا نَحضُرُ عِنْدَهُ، فَيُحَدِّثُنَا العَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي المَغَازِي، وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي النَّسَبِ، وَالعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي الشِّعْرِ (2) . ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَورَعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ أَعْلَمَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (3) . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ (4) . الأَعْمَشُ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَمَّى البَحْرَ؛ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ (5) . ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ فُتْيَا أَحْسَنَ مِنْ فُتْيَا ابْنِ   (1) أورده ابن عساكر في " تاريخه " 540 من طريق ابن سعد عن الواقدي. (2) " طبقات ابن سعد " 2 / 368، وقد تحرف فيه " نسب " إلى " سيب ". (3) " تاريخ الفسوي " 1 / 496، و" ابن سعد " 2 / 366. (4) أخرجه الحاكم 3 / 535. (5) " أنساب الاشراف " 3 / 33، و" المستدرك " 3 / 535، و" الحلية " 1 / 316. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 عَبَّاسٍ، إِلاَّ أَنْ يَقُوْلَ قَائِلٌ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِذَا ذَاكَرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَخَالَفُوهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَرِّرُهُم حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى قَوْلِهِ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَاجّاً مَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَكَانَ لِمُعَاوِيَةَ مَوْكِبٌ، وَلابْنِ عَبَّاسٍ مَوْكِبٌ مِمَّنْ يَطْلُبُ العِلْمَ. الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَى المَوْسِمِ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّوْرَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ، وَيُفَسِّرُ، فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ وَلاَ سَمِعْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ مِثْلَ هَذَا، لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ، وَالرُّوْمُ، وَالتُّرْكُ، لأَسْلَمَتْ (1) . وَرَوَى: عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، مِثْلَهُ. رَوَى: جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ بَيْتاً أَكْثَرَ خُبْزاً وَلَحْماً مِنْ بَيْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ. سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مَنْ أَرْسَلَهُ الحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ إِلَى الحَسَنِ، فَسَأَلَهُ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ النَّاسَ فِي هَذَا المَسْجَدِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ: ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا نَطَقَ، قُلْتُ: أَفصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا تَحَدَّثَ، قُلْتُ: أَعْلَمُ النَّاسِ (2) . قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَاطِلاً قَطُّ.   (1) " أنساب الاشراف " 3 / 38، و" المستدرك " 3 / 537، و" الحلية " 1 / 324. (2) أخرجه البلاذري 3 / 30 من طريق خلف بن هشام البزار، حدثنا شريك بن عبد الله، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يُدْرَكْ مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ. أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: صَحِبتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا نَزَلَ، قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيُرَتِّلُ القُرْآنَ حَرْفاً حَرْفاً، وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيْجِ وَالنَّحِيْبِ. مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ شُعَيْبِ بنِ دِرْهَمٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَسفَلَ مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْلُ الشِّرَاكِ البَالِي مِنَ البُكَاءِ. عَبْدُ الوَهَّابِ الخَفَّافُ: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ يَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ صَومُكَ؟ قَالَ: أَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ الأَعمَالَ تُرْفَعُ فِيْهِمَا، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (1) . إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا سِنَانٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ أَتَى مُعَاوِيَةَ، فَشَكَا دَيْناً، فَلَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ، فَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفَرَّغَ لَهُ بَيْتَهُ، وَقَالَ: لأَصْنَعَنَّ بِكَ كَمَا صَنَعتَ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ قَالَ: كَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَعِشْرِيْنَ مَمْلُوْكاً، وَكُلَّ مَا فِي البَيْتِ (2) .   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي أمية بن يعلى، واسمه إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري، قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال مرة: متروك الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال البخاري: سكتوا عنه. وفعل ابن عباس ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي (747) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " وهو حديث حسن كما قال الترمذي، فإن له شاهدا من حديث أسامة بن زيد عند أبي داود (2436) والنسائي 4 / 201، 202 وسنده حسن، ومن حديث حفصة عند النسائي 4 / 203، 204. (2) رجاله ثقات إلا أنه منقطع، أبو سنان: هو سعيد بن سنان الشيباني الاصغر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَقَامَ بَعْدَ وَقْعَةِ الجَمَلِ بِالبَصْرَةِ خَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ سَارَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَاسْتَخلَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى البَصْرَةِ، وَوَجَّهَ الأَشْتَرَ عَلَى مُقَدِّمَتِهُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَخلَفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى البَصْرَةِ؟ قَالَ: ابْنُ عَمِّهِ. قَالَ: فَفِيمَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ أَمْسَ بِالمَدِيْنَةِ؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى البَصْرَةِ حَتَّى سَارَ إِلَى صِفِّيْنَ، فَاسْتَخلَفَ أَبَا الأَسْوَدِ بِالبَصْرَةِ عَلَى الصَّلاَةِ، وَزِيَاداً عَلَى بَيْتِ المَالِ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ لَمَّا بُوْيِعَ، قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: اذهَبْ عَلَى إِمْرَةِ الشَّامِ. فَقَالَ: كَلاَّ، أَقَلُّ مَا يَصنَعُ بِي مُعَاوِيَةُ إِنْ لَمْ يَقْتُلْنِي الحَبْسُ، وَلَكِنِ اسْتَعْمِلْهُ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ عَزْلُهُ بَعْدُ، فَلَمْ يَقبَلْ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ لاَ يُوَلِّيَ أَبَا مُوْسَى يَوْمَ الحَكَمَيْنِ، وَقَالَ: وَلِّنِي، أَوْ فَوَلِّ الأَحْنَفَ. فَأَرَادَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، فَغَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَسْمِيَةِ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ: فَكَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رُدَّ بَعْدُ إِلَى وِلاَيَةِ البَصْرَةِ. وَمِمَّا قَالَ حَسَّانٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِيمَا بَلَغَنَا: إِذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَكَ وَجْهُهُ ... رَأَيْتَ لَهُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ فَضْلاَ إِذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالاً لِقَائِلٍ ... بِمُنْتَظَمَاتٍ لاَ تَرَى بَيْنَهَا فَصْلاَ كَفَى وَشَفَى مَا فِي النُّفُوْسِ فَلَمْ يَدَعْ ... لِذِي أَرَبٍ فِي القَوْلِ جِدّاً وَلاَ هَزْلاَ سَمَوْتَ إِلَى العَلْيَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ ... فَنِلْتَ ذُرَاهَا لاَ دَنِيّاً وَلاَ وَغْلاَ خُلِقْتَ حَلِيْفاً لِلمُرُوْءةِ وَالنَّدَى ... بَلِيْجاً وَلَمْ تُخْلَقْ كَهَاماً وَلاَ خَبْلاَ (1)   (1) الأبيات بتمامها في " الاستيعاب " 2 / 354، " ومجمع الزوائد " 9 / 285، وهي عدا الأول والاخير في ديوان حسان ص: 212، و" أنساب الاشراف " 3 / 43، و" نسب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 رَوَى: العُتْبِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا سَارَ الحُسَيْنُ إِلَى الكُوْفَةِ، اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، فَضَرَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جَيْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَتَمَثَّلَ: يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ الجَوُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ... خَلاَ لَكَ -وَاللهِ - يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ الحِجَازُ، وَذَهَبَ الحُسَيْنُ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللهِ مَا تَرَوْنَ إِلاَّ أَنَّكُم أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَرَى مَنْ كَانَ فِي شَكٍّ، وَنَحْنُ فَعَلَى يَقِينٍ، لَكنْ أَخْبِرْنِي عنْ نَفْسِكَ: لِمَ زَعَمْتَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ العَرَبِ؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لِشَرَفِي عَلَيْهِم. قَالَ: أَيُّمَا أَشْرَفُ، أَنْتَ أَمْ مَنْ شُرِّفْتَ بِهِ؟ قَالَ: الَّذِي شَرُفْتُ بِهِ زَادَنِي شَرَفاً. قَالَ: وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى اعتَرَضَ بَيْنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَكَّتُوهُمَا (1) . وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي العِلْمِ بَحْراً يَنشَقُّ لَهُ الأَمْرُ مِنَ الأُمُوْرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ الحِكْمَةَ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ) . فَلَمَّا عَمِيَ، أَتَاهُ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ وَمَعَهُم عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ -أَوْ قَالَ: كُتُبٌ مِنْ كُتُبِهِ - فَجَعَلُوا يَسْتَقْرِؤُونَهُ، وَجَعَلَ يُقدِّمُ وَيُؤَخِّرُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: إِنِّيْ قَدْ   = قريش ": 27، و" المستدرك " 3 / 545، و" الإصابة " 2 / 330. وقوله " بليجا " أي: طلق الوجه بالمعروف، قالت الخنساء: كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة * وكان بليج الوجه منشرح الصدر والكهام، يقال: سيف كهام: كليل لا يقطع، ومن المجاز، رجل كهام: لا غناء عنده ولسان كهام: عيي، وفرس كهام: بطئ عن الغاية، والخبل: الفساد. وقد تحرفت في المطبوع من " الاستيعاب " " بليجا " إلى " فليجا " و" خبلا " إلى " جبلا ". (1) انظر ص 297 ت 5. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 تَلِهْتُ مِنْ مُصِيْبَتِي هَذِهِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِي، فَلْيَقْرَأْ عَلَيَّ، فَإِنَّ إِقْرَارِي لَهُ كَقِرَاءتِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَرَؤُوا عَلَيْهِ. تَلِهْتُ: تَحَيَّرْتُ، وَالأَصْلُ: وَلِهْتُ، كَمَا قِيْلَ فِي وُجَاهُ: تِجَاهُ (1) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ إِلاَّ وَحْدَهُ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ صَفِيقٌ، يَقُوْلُ: إِنِّيْ أَسْتَحْيِي اللهَ أَنْ يَرَانِي فِي الحَمَّامِ مُتَجَرِّداً. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، قَالَ: رَأَيْتُ إِزَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ رُوْمِيَّةٌ وَهُوَ يُصَلِّي. رِشْدِيْنُ بنُ كُرَيْب: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَعْتَمُّ (2) بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَيُرْخِي شِبْراً بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَتَّخِذُ الرِّدَاءَ بِأَلْفٍ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَابُوْرٍ؛ قَالَ رَجُلٌ لِعَطِيَّةَ: مَا أَضْيَقَ كُمَّكَ! قَالَ: كَذَا كَانَ كُمُّ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.   (1) جاء في " اللسان " التله: الحيرة، تله الرجل يتله تلها: حار. ورأيته يتتله، أي: يتردد متحيرا. وقيل: أصل التله بمعنى الحيرة: الوله، قلبت الواو تاء، وقد وله يوله، وتله يتله، وقيل: كان في الأصل: ائتله يأتله، فأدغمت الواو في التاء، فقيل اتله يتله، ثم حذفت التاء، فقيل: تله يتله، كما قالوا: تخذ يتخذ، وتقي يتقى، والاصل فيهما: اتخذ يتخذ، واتقى يتقي. وفي " التهذيب " 6 / 236 عن النوادر: تلهت كذا وتلهت عنه، أي: ضللته وأنسيته. (2) تحرفت في المطبوع من " تاريخ الإسلام " 3 / 35 إلى " ويقيم ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْبَسُ الخَزَّ، وَيَكْرَهُ المُصْمَتَ (1) . عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ المَلِكِ، ارْتَحَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ بِأَهْلِهِمَا حَتَّى نَزَلُوا مَكَّةَ؛ فَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِمَا: أَنْ بَايِعَا. فَأَبَيَا، وَقَالاَ: أَنْتَ وَشَأْنُكَ، لاَ نَعرِضُ لَكَ وَلاَ لِغَيْرِكَ. فَأَبَى، وَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: وَاللهِ لَتُبَايِعُنَّ، أَوْ لأُحَرِّقَنَّكُم بِالنَّارِ. فَبَعَثَا أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بنَ وَاثِلَةَ إِلَى شِيْعَتِهِم بِالكُوْفَةِ، فَانْتَدَبَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَحَمَلُوا السِّلاَحَ، حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، ثُمَّ كَبَّرُوا تَكْبِيْرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ مَكَّةَ، وَانْطَلَقَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المَسْجَدِ هَارِباً حَتَّى دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ - وَقِيْلَ: بَلْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ - وَقَالَ: أَنَا عَائِذٌ بِبَيْتِ اللهِ. قَالَ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَدْ عُمِلَ حَوْلَ دُوْرِهِمُ الحَطَبُ لِيُحْرِقَهَا، فَخَرَجْنَا بِهِم، حَتَّى نَزَلْنَا بِهِمُ الطَّائِفَ. وَلأَبِي الطُّفَيْلِ الكِنَانِيِّ حِيْنَ مَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ مِنَ الاجتِمَاعِ بِالنَّاسِ، كَانَ يَخَافُهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّاسَ عَنْ بَيْعَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنْ لَوْ شَاءَ الخِلاَفَةَ - ذَهَابُ بَصَرِهِ: لاَ دَرَّ دَرُّ اللَّيَالِي كَيْفَ تُضْحِكُنَا ... مِنْهَا خُطُوبٌ أَعَاجِيبٌ وَتُبْكِينَا وَمِثْلُ مَا تُحْدِثُ الأَيَّامُ مِنْ غِيَرٍ ... فِي ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الدُّنْيَا تُسَلِّينَا كُنَّا نَجِيْءُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَيُقْبِسُنَا ... فِقْهاً وَيُكْسِبُنَا أَجْراً وَيَهْدِيْنَا وَلاَ يَزَالُ عُبَيْدُ اللهِ مُتْرَعَةً ... جِفَانُهُ مُطْعِماً ضَيْفاً وَمِسْكِينَا فَالبِرُّ وَالدِّيْنُ وَالدُّنْيَا بِدَارِهِمَا ... نَنَالُ مِنْهَا الَّذِي نَبْغِي إِذَا شِيْنَا   (1) في الأصل: " الصمت "، والخز: ثياب تنسج من صوف وإبريسم، والمصمت: هو الذي جميعه إبريسم لا يخالطه قطن ولاغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 إِنَّ الرَّسُولَ هُوَ النُّوْرُ الَّذِي كُشِفَتْ ... بِهِ عَمَايَاتُ مَاضِينَا وَبَاقِيْنَا وَرَهْطُهُ عِصْمَةٌ فِي دِيْنِنَا وَلَهُم ... فَضْلٌ عَلَيْنَا وَحَقٌّ وَاجِبٌ فِيْنَا فَفِيْمَ تَمْنَعُهُم مِنَّا وَتَمْنَعُنَا ... مِنْهُم، وَتُؤْذِيْهُمُ فِيْنَا وَتُؤْذِيْنَا لَنْ يُؤْتِيَ اللهُ إِنْسَاناً بِبُغْضِهِمُ ... فِي الدِّيْنِ عِزّاً وَلاَ فِي الأَرْضِ تَمْكِينَا (1) قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ (2) فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ القَائِلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا ... فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ قَلْبِي ذَكِيٌّ، وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ ... وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ قَالَ سَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنْ أَبِي كُلْثُوْمٍ: أَنَّ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ لَمَّا دُفِنَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: اليَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ (3) . وَرَوَاهُ بَعْضُهُم، فَقَالَ: عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، بَدَلَ أَبِي كُلْثُوْمٍ (4) . قَالَ حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ، فَدَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ. رَوَاهَا: الأَجْلَحُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَزَادَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ (5) . وَرَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ، وَزَادَ: فَمَا رُئِيَ بَعْدُ -يَعْنِي: الطَّائِرَ -.   (1) الابيات في " الاستيعاب " 2 / 355، 356. (2) 2 / 356. (3) أخرجه ابن سعد 2 / 368، والبلاذري 3 / 54، وهو في " المستدرك " 5 / 543 من طريق آخر بنحوه. (4) هذه الرواية في " تاريخ الفسوي " 1 / 540. (5) انظر " أنساب الاشراف " 3 / 54، و" المستدرك " 3 / 543. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجُوا بِنَعشِهِ، جَاءَ طيْرٌ عَظِيْمٌ أَبيضُ مِنْ قِبَلِ وَجٍّ حَتَّى خَالطَ أَكْفَانَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَوْهُ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الإِحكَامِ (1)) : جَمعَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ بنِ المَأْمُوْنِ أَحَدُ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عِشْرِيْنَ كِتَاباً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيْدٍ؛ قَالَ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقتِهِ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ، ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجاً مِنْهُ، فَلَمَّا دُفِنَ، تُلِيَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى شَفِيْرِ القَبْرِ، لاَ يُدْرَى مَنْ تَلاَهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفَجْرُ: 27] ، الآيَةَ (2) . رَوَاهُ: بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَامِيْنَ (3) ، وَسَمَّى الطَّائِرَ: غُرْنُوْقاً. رَوَاهُ: فُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَان: شَهِدتُ جِنَازَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ ... ، بنَحْوٍ مِنْ حَدِيْثِ سَالِمٍ الأَفْطَسِ (4) . فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ.   (1) : " الاحكام في أصول الاحكام " 5 / 92. (2) أورده في " المجمع " 9 / 285، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وهو في " المستدرك " 3 / 543، 544. (3) هو عبد الله بن يامين، بياء وميم، مجهول الحال، وقد تحرف في المطبوع إلى " مأمن " وخبره هذا أخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 539. (4) " حلية الأولياء " 1 / 329. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. و (مُسْنَدُهُ) : أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ حَدِيثاً. وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ. وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ. 52 - أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع) صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزِيلُ حِمْصَ. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ (1) ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ. رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَأَبُو غَالِبٍ حَزَوَّرٌ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ خَلِيْفَةُ: وَمِنْ قَيْسِ عَيْلاَنَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أَعْصُرَ؛ صُدَيُّ بنُ عَجْلاَنَ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 411، طبقات خليفة: ت 297، 2839، المحبر: 291، 298، التاريخ الكبير 4 / 326، المعارف: 309، الجرح والتعديل 4 / 454، مشاهير علماء الأمصار ت 327، جمهرة أنساب العرب: 247، المستدرك 3 / 641، الاستيعاب: 736، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 226، تاريخ ابن عساكر 8 / 145 ب، أسد الغابة 3 / 16، و6 / 16، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 176، تهذيب الكمال: 1576، تاريخ الإسلام 3 / 313، العبر 1 / 101، تذهيب التهذيب 2 / 192، معجم الطبراني 8 / 105، مرآة الجنان 1 / 177، البداية والنهاية 9 / 73، مجمع الزوائد 9 / 386، الإصابة 2 / 182، تهذيب التهذيب 4 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 149، شذرات الذهب 1 / 96، تهذيب ابن عساكر 6 / 419. (1) تحرف في المطبوع إلى " عمرو " بواو. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 بنِ وَهْبِ بنِ عَرِيْبِ بنِ وَهْبِ بنِ رِيَاحِ بنِ الحَارِثِ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ أَعْصُرَ. قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً (1) . وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ادْعُ اللهَ لِي بِالشَّهَادَةِ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ، وَغَنِّمْهُمْ) . فَغَزَوْنَا، فَسَلِمْنَا، وَغَنِمْنَا. وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ. قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ) . فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ يُلْفَوْنَ إِلاَّ صِيَاماً (2) . الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ هُرْمُزَ - بِمَعْنَاهُ -: عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم، فَرَحَّبُوا بِي، فَقُلْتُ: جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ. فَكَذَّبُوْنِي، وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَنِمْتُ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبتُ، فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي. فَقَالَ القَوْمُ: [أَتَاكُم] رَجُلٌ مِنْ   (1) " ابن عساكر " 8 / 148 آ. (2) أخرجه أحمد 5 / 248، 249 من طريق روح بن عبادة، عن هشام بن حسان، عن همام، عن واصل مولى أبي عيينة، عن محمد بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة، وهذا سند صحيح، وأخرجه الطبراني (7463) ، وأحمد 5 / 249 من طريق مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن أبي يعقوب، حدثنا رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة، وهذا سند صحيح أيضا، وصححه ابن حبان (929) ، وأخرجه مختصرا ابن خزيمة (1893) ، والنسائي 4 / 165، والحاكم 1 / 421، وابن حبان (930) من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن أبي نضرة، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة. وانظر " ابن عساكر " 8 / 148 ب، و" المصنف " (7899) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم، فَرَدَدْتُمُوْهُ؟ قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي. فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي؛ فآمَنُوا (1) . مِسْعَرٌ: عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنْ أَبِي العَدَبَّسِ، عَنْ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصاً، فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (لاَ تَقُوْمُوا كَمَا تَقُوْمُ الأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضاً (2)) . ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ فِي المَسْجَدِ، وَهُوَ سَاجِدٌ يَبْكِي، وَيَدْعُو، فَقَالَ: أَنْتَ أَنْتَ! لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ. صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ، فَيُحَدِّثُنَا حَدِيْثاً كَثِيْراً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَقُوْلُ: اعْقِلُوا، وَبَلِّغُوا عَنَّا مَا تَسْمَعُوْنَ.   (1) صدقه بن هرمز ضعيف، لكنه متابع، والخبر من طريقه عند الحاكم 3 / 641، 642، وأبو غالب هو صاحب أبي أمامة، قال في " التقريب ": صدوق يخطئ، فمثله يكون حديثه حسنا، وقد أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 387، وقال: رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد الأولى حسن، فيها أبو غالب وقد وثق، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 2 / 182 إلى أبي يعلى، وللبيهقي في " الدلائل ". وهو عند ابن عساكر 8 / 149 آ. (2) أبو العدبس - وقد تصحف في المطبوع إلى العديس - مجهول، وأبو مرزوق مجهول أيضا، وهو " في سنن أبي داود " (5230) في الأدب: باب في قيام الرجل للرجل، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير ... ، وأخرجه ابن ماجه (3836) في الدعاء: باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن مسعر، عن أبي مرزوق، عن أبي وائل، عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على عصا، فلما رأيناه، قمنا، فقال: " لا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها " قلنا يا رسول الله: لو دعوت الله لنا، قال: " اللهم اغفر لنا وارحمنا، وارض عنا، وتقبل منا، وأدخلنا الجنة، ونجنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله " قال: فكأنما أحببنا أن يزيدنا، فقال: " أو ليس قد جمعت لكم الامر؟ ". وهو عند " ابن عساكر " 8 / 149 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 لأَبِي أُمَامَةَ كَرَامَةٌ بَاهِرَةٌ، جَزِعَ هُوَ مِنْهَا، وَهِيَ فِي (كَرَامَاتِ الدَّاكَالِيِّ) ، وَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ، فَلَقِيَ تَحْتَ كَرَاجَتِه ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ (1) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ الأَزْدِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ لِي: يَا سَعِيْدُ! إِذَا أَنَا مِتُّ، فَافْعَلُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ، فَنَثَرْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَلْيَقُمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ؛ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجِيْبُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي جَالِساً، ثُمَّ لْيَقُلْ: يَا فُلاَنُ بنُ فُلاَنَةَ، فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: أَرْشِدْنَا يَرْحَمْكَ اللهُ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اذكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا؛ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيْتَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، وَبَالإِسْلاَمِ دِيْناً، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا، مَا نَصْنَعُ بِهِ وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ؟!) . قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ أُمَّهُ. قَالَ: (انْسِبْهُ إِلَى حَوَّاءَ) (2) .   (1) أورده الخبر بتمامه المؤلف في " تاريخه " 3 / 315 من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن مولاة لأبي أمامة قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عنده إلا ثلاثة دنانير، فوقف به سائل، فأعطاه دينارا، ثم آخر، فكذلك، ثم آخر، فكذلك. قلت: لم يبق لنا شيء، ثم راح إلى مسجده صائما، فرققت له، واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاث مئة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له، حمد الله وابتسم، وقال: هذا خير من غيره، ثم تعشى، فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة؟ قال: وما ذاك؟ قلت: الذهب، ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى، وقال: ما هذا ويحك؟ قلت: لاعلم لي، فكثر فزعه. وابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد الشامي الداراني وهو ثقة، ومولاة أبي أمامة لا تعرف. (2) أخرجه الطبراني (7979) ، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 45، ونسبه للطبراني، وقال: وفي إسناده جماعة لم أعرفهم، وهو عند ابن عساكر 8 / 151 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وَيُرْوَى: بِإِسْنَادٍ آخَرَ، إِلَى سَعِيْدٍ هَذَا. قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. 53 - عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ * (ع) ابْنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو خُبَيْبٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَلَدُ الحَوَارِيِّ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، ابْنِ عَمِّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَارِيِّهِ. (مُسْنَدُهُ) : نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَا لَهُ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ: بِحَدِيْثَيْنِ (1) . كَانَ عَبْدُ اللهِ أَوَّلَ مَولُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالمَدِيْنَةِ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى.   (*) نسب قريش: 237 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 69، 1489، 1987، المحبر: 21، 55، 58، 275، 305، 481، التاريخ الكبير 5 / 6، المعرفة والتاريخ 1 / 243، 543، الجرح والتعديل 5 / 56، تاريخ الطبري 5 / 563، 582، 622 و6 / 166، 187، مروج الذهب 3 / 272 وما بعدها، المستدرك 3 / 547، الحلية 1 / 329، جمهرة أنساب العرب: انظر الفهرس، الاستيعاب: 905، طبقات الشيرازي: 50، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 240، جامع الأصول 9 / 65، أسد الغابة 3 / 242، الكامل 4 / 348، الحلة السيراء 1 / 24، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 266، وفيات الأعيان 3 / 71، تهذيب الكمال: 682، تاريخ الإسلام 3 / 167، تذهيب التهذيب 2 / 144 ب، البداية 8 / 332، 345 العقد الثمين 5 / 141، غاية النهاية: ت 1770، الإصابة 2 / 309، تهذيب التهذيب 5 / 213، تاريخ الخلفاء: 211، خلاصة تذهيب الكمال: 167، شذرات الذهب 1 / 79، 80. (1) انظر البخاري 3 / 391 في الحج، و5 / 27 في الشرب، و7 / 16 في المناقب، و8 / 229 و454 في التفسير، و10 / 243 في اللباس، و1 / 218 في الرقاق، ومسلم (579) و (554) في المساجد، و (2357) في الفضائل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحَادِيْثَ. عِدَادُه فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيْراً فِي العِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالجِهَادِ، وَالعِبَادَةِ. وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ؛ الصِّدِّيْقِ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ عُرْوَةُ الفَقِيْهُ، وَابْنَاهُ عَامِرٌ وَعَبَّادٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحَفِيدَاهُ: مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بنُ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ فَارِسَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، وَلَهُ مَوَاقِفُ مَشهُودَةٌ. قِيْلَ: إِنَّهُ شَهِدَ اليَرْمُوْكَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، وَفَتْحَ المَغْرِبِ، وَغَزْوَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، وَيَوْمَ الجَمَلِ مَعَ خَالَتِهِ. وَبُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ عِنْدَ مَوْتِ يَزِيْدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، وَحَكَمَ عَلَى الحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَبَعضِ الشَّامِ. وَلَمْ يَسْتَوسِقْ لَهُ الأَمْرُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعُدَّهُ بَعْضُ العُلَمَاءِ فِي أُمَرَاءِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَدَّ دَوْلَتَهُ زَمَنَ فُرْقَةٍ، فَإِنَّ مَرْوَانَ غَلَبَ عَلَى الشَّامِ ثُمَّ مِصْرَ، وَقَامَ عِنْدَ مَصرعِهِ ابْنُهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، وَحَارَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَحِمَهُ اللهُ - فَاسْتقَلَّ بِالخِلاَفَةِ عَبْدُ المَلِكِ وَآلُهُ، وَاسْتَوسَقَ لَهُمُ الأَمْرُ، إِلَى أَنْ قَهَرَهُم بَنُو العَبَّاسِ بَعْدَ مُلْكِ سِتِّيْنَ عَاماً. قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَدْركَ مِنْ حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ مُلاَزِماً لِلوُلُوجِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، لِكَوْنِهِ مِنْ آلِهِ، فَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 بَيْتِ خَالَتِهِ عَائِشَةَ. شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ، قَالاَ: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ حِيْنَ هَاجَرَتْ حُبْلَى، فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللهِ بِقُبَاءَ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَجَاءَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ سَبْعِ سِنِيْنَ لِيُبَايِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِيْنَ رَآهُ مُقْبِلاً، ثُمَّ بَايَعَهُ. حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ يَتِيْمِ عُرْوَةَ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُوْنَ، أَقَامُوا لاَ يُولَدُ لَهُم، فَقَالُوا: سَحَرَتْنَا يَهُوْدُ، حَتَّى كَثُرتِ القَالَةُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَولُودٍ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً حَتَّى ارْتَجَّتِ المَدِيْنَةُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنَيْهِ بِالصَّلاَةِ. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ؛ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ عَارِضَا ابْنِ الزُّبَيْرِ خَفِيفَيْنِ، فَمَا اتَّصَلَتْ لِحْيَتُهُ حَتَّى بَلَغَ السِّتِّيْنَ. وَفِي البُخَارِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ أَركَبَ وَلَدَهُ عَبْدَ اللهِ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ فَرَساً وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ، وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً (2) .   (1) أخرجه مسلم (2146) في الآداب: باب استحباب تحنيك المولود ... من طريق الحكم بن موسى بهذا الإسناد. وقد اختصره المصنف، ولفظه بتمامه: " خرجت أسماء بنت أبي بكر، حين هاجرت، وهي حبلى بعبد الله بن الزبير. فقدمت قباء. فنفست بعبد الله بقباء. ثم خرجت حين نفست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة. قال قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها، فمضغها. ثم بصقها في فيه. فإن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه، وسماه عبد الله. ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان، ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بذلك الزبير. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا إليه، ثم بايعه ". (2) أخرجه البخاري 7 / 234 في المغازي: باب قتل أبي جهل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا هُنَيْدُ بنُ القَاسِمِ: سَمِعْتُ عَامِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِنَّهُ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ! اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ، فَأَهْرِقْهُ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ) . فَلَمَّا بَرَزَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمدَ إِلَى الدَّمِ، فَشَرِبَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: (مَا صَنَعْتَ بِالدَّمِ؟) . قَالَ: عَمدْتُ إِلَى أَخْفَى مَوْضِعٍ عَلِمْتُ، فَجَعَلْتُهُ فِيْهِ. قَالَ: (لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (وَلِمَ شَرَبْتَ الدَّمَ؟ وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ) . قَالَ مُوْسَى التَّبُوْذَكِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عَاصِمٍ، فَقَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ القُوَّةَ الَّتِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ. رَوَاهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَمَا عَلِمْتُ فِي هُنَيْدٍ جَرْحَةً (1) . خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ يُوْسُفَ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، وَالحَارِثِ، قَالاَ: طَالَمَا حَرَصَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الإِمَارَةِ. قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالاَ: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِصٍّ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَرَقَ. فَقَالَ: (اقْطَعُوْهُ) . ثُمَّ جِيْءَ بِهِ فِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ سَرَقَ، وَقَدْ قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَكَ شَيْئاً إِلاَّ مَا قَضَى فِيكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أَمَرَ بِقَتْلِكَ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ أُغَيْلِمَةً مِنْ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِينَ أَنَا فِيْهم. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمِّرُوْنِي عَلَيْكُم. فَأَمَّرْنَاهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى البَقِيْعِ، فَقَتَلْنَاهُ (2) . هَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ.   (1) ذكره ابن أبي حاتم 9 / 121، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يرو عنه غير التبوذكي موسى بن إسماعيل، وهو في " الحلية " 1 / 330، و" المستدرك " 3 / 554، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 72، وقال: رواه الطبراني والبزار باختصار، ورجال البزار، رجال الصحيح، غير هنيد بن القاسم وهو ثقة. كذا قال، مع أنه لم يوثق ولم يجرح. (2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 398، 399. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 قَالَ الحَارِثُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: أَنَّ نَوْفاً البِكَالِيَّ (1) قَالَ: إِنِّيْ لأَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ المُنْزَلِ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَارِسُ الخُلَفَاءِ. مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي يَعْقُوْبَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَلْقَى ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَيَقُوْلُ: مَرْحَباً بِابْنِ عَمِّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ حَوَارِيِّ رَسُوْلِ اللهِ. وَيَأْمُرُ لَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ (2) . ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: ذُكِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَفِيْفٌ فِي الإِسْلاَمِ، أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّتُهُ خَدِيْجَةُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ، وَاللهِ إِنِّيْ لأُحَاسِبُ لَهُ نَفْسِي مُحَاسَبَةً لَمْ أُحَاسِبْ بِهَا لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (3) . مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ مُصَلِّياً قَطُّ أَحسَنَ صَلاَةً مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (4) . عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ: حَدَّثَتْنَا مَاطِرَةُ المَهْرِيَّةُ، حَدَّثَتْنِي خَالَتِي أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ النُّعْمَانِ: أَنَّهَا سَلَّمَتْ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَوَّامٌ اللَّيْلَ، صَوَّامٌ النَّهَارَ، وَكَانَ يُسَمَّى حَمَامَةَ المَسْجَدِ (5) . قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ فِي قَلْبِكَ مِنِ ابْنِ   (1) هو نوف بن فضالة البكالي، ابن امرأة كعب الاحبار، لم يوثقه غير ابن حبان، وقال: كان راوية للقصص. (2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 399. (3) أخرجه البخاري 8 / 245، 246 في التفسير: باب قوله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار ... ) وهو في " حلية الأولياء " 1 / 334، و" المستدرك " 3 / 549. (4) أخرجه أبو نعيم 1 / 335. (5) " حلية الأولياء " 1 / 335. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَهُ مَا رَأَيتَ مُنَاجِياً وَلاَ مُصَلِّياً مِثْلَهُ (1) . وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَيُصْبِحُ فِي اليَوْمِ السَّابِعِ وَهُوَ أَلْيَثُنَا (2) . قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنِ الوِصَالِ (3) ، وَنَبِيُّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ، وَكُلُّ مَنْ وَاصَلَ، وَبَالَغَ فِي تَجْوِيعِ نَفْسِهِ، انْحَرَفَ مِزَاجُهُ، وَضَاقَ خُلُقُهُ، فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ مُلْكِهِ صِنْفاً فِي العِبَادَةِ. أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ لابْنِ الزُّبَيْرِ مائَةُ غُلاَمٍ، يُكَلِّمُ كُلَّ غُلاَمٍ مِنْهُم بِلُغَةٍ أُخْرَى، فَكُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِ، قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُرِدِ اللهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ (4) . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، كَأَنَّهُ عُوْدٌ، وَحَدَّثَ   (1) " حلية الأولياء " 1 / 335، و" المستدرك " 3 / 550. (2) أي: أشدهم وأجلدهم، وبه سمي الاسد ليثا. وقد تصحف في المطبوع إلى " البثنا " بالباء، والخبر في " الحلية " 1 / 335. وأخرجه الحاكم 3 / 549 من طريق حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، فيصبح يوم الثالث وهو أليثنا، يعني به كأنه ليث. (3) حديث النهي عن الوصال في الصوم، أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 4 / 179، ومسلم (1103) ، وأخرجه من حديث أنس بن مالك مسلم (1104) . (4) هو في " الحلية " 1 / 334، وأخرجه الحاكم 3 / 549، و" تهذيب ابن عساكر " 7 / 413، 414. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ كَذَلِكَ (1) . قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: كُنْتُ أَمُرُّ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ خَلْفَ المَقَامِ يُصَلِّي، كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَنْصُوْبَةٌ لاَ تَتَحَرَّكُ. رَوَى: يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ، عَنِ الثِّقَةِ يُسْنِدُهُ، قَالَ: قَسمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الدَّهْرَ عَلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ؛ فَلَيْلَةٌ هُوَ قَائِمٌ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلَيْلَةٌ هُوَ رَاكِعٌ حَتَّى الصَّباحِ، وَلَيْلَةٌ هُوَ سَاجِدٌ حَتَّى الصَّباحِ (2) . يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، قَالَ: رَكَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْماً رَكْعَةً، فَقَرَأْنَا (3) بِالبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالمَائِدَةِ، وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا مَا بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فِيْهِ حَدِيثُ النَّهْيِ (4) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي فِي الحِجْرِ، وَالمِنْجَنِيْقُ يَصُبُّ تُوْبَهُ (5) ، فَمَا يَلتَفِتُ -يَعْنِي: لَمَّا حَاصَرُوْهُ -. وَرَوَى: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: لَوْ رَأَيتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ غُصْنٌ تَصْفِقُهُ الرِّيْحُ، وَحَجَرُ المِنْجَنِيْقِ يَقَعُ هَا هُنَا (6) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْظَمَ   (1) " حلية الأولياء " 1 / 335. (2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 400. (3) في الأصل: " فقرأ " وهو خطأ، والتصويب من " تاريخ الإسلام " 3 / 169، ولفظ ابن عساكر 7 / 400: " فقرأت ". (4) وهذا مبني على أن ابن الزبير هو الذي قرأ في ركوعه كما جاء في الأصل، ولا يتجه على الرواية الصحيحة المذكورة في " تاريخ المؤلف " و" ابن عساكر ". (5) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " يصيب ثوبه " والتوب: حجر المنجنيق. (6) " حلية الأولياء " 1 / 335. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 سَجْدَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عُمَرَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا دَخَلتْ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بَيْتَهُ، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي، فَسَقطَتْ حَيَّةٌ عَلَى ابْنِهِ هَاشِمٍ، فَصَاحُوا: الحَيَّةَ الحَيَّةَ. ثُمَّ رَمَوْهَا، فَمَا قَطَعَ صَلاَتَهُ (1) . قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: رَأَيتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، فَإِذَا أَفطَرَ، اسْتَعَانَ بِالسَّمْنِ حَتَّى يَلِيْنَ. لَيْثٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ: مَا كَانَ بَابٌ مِنَ العِبَادَةِ يَعْجِزُ عَنْهُ النَّاسُ إِلاَّ تَكَلَّفَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَقَدْ جَاءَ سَيْلٌ طَبَّقَ البَيْتَ، فَطَافَ سِبَاحَةً (2) . وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ يُنَازَعُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَجَاعَةٍ، وَلاَ عِبَادَةٍ، وَلاَ بَلاغَةٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ زَيْداً، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدَ بنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوا المَصَاحِفَ، وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُم أَنْتُم وَزَيْدٌ فِي شَيْءٍ، فَاكْتُبُوْهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهم (3) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ رِدَاءً عَدَنِيّاً يُصَلِّي فِيْهِ، وَكَانَ صَيِّتاً، إِذَا خَطَبَ تَجَاوَبَ الجَبَلاَنِ. وَكَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ إِلَى العُنُقِ، وَلِحْيَتُهُ صَفْرَاءُ.   (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 401. (2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 401. (3) أخرجه البخاري 9 / 13، 18 في فضائل القرآن: باب نزل القرآن بلسان قريش من طريق موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد، وأخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ": 18، 19 من طريق محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن سعد، به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَالزُّبَيْرُ بنُ خُبَيْبٍ، قَالاَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجِيْرُ فِي عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ أَلْفٍ، فَأَحَاطُوا بِنَا وَنَحْنُ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً -يَعْنِي: نَوْبَةَ إِفْرِيْقِيَةَ -. قَالَ: وَاختَلَفَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَدَخَلَ فُسْطَاطَهُ، فَرَأَيتُ غِرَّةً مِنْ جُرْجِيْرَ؛ بَصُرْتُ بِهِ خَلْفَ عَسَاكِرِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْهَبَ، مَعَهُ جَارِيَتَانِ تُظَلِّلاَنِ عَلَيْهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيْسِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَيْشِهِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ، فَأَتَيتُ أَمِيْرَنَا ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَنَدَبَ لِيَ النَّاسَ، فَاختَرتُ ثَلاَثِيْنَ فَارِساً، وَقُلْتُ لِسَائِرِهِم: الْبَثُوا عَلَى مَصَافِّكُم. وَحَمَلتُ، وَقُلْتُ لَهُم: احْمُوا ظَهْرِي. فَخَرَقْتُ الصَّفَّ إِلَى جُرْجِيْرَ، وَخَرجْتُ صَامِداً، وَمَا يَحْسِبُ هُوَ وَلاَ أَصْحَابُهُ إِلاَّ أَنِّي رَسُولٌ إِلَيْهِ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُ، فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَثَابَرَ (1) بِرْذَوْنُهُ مُوَلِّياً، فَأَدْركْتُهُ، فَطَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، فَنَصَبْتُهُ عَلَى رُمْحِي، وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ المُسْلِمُوْنَ، فَارْفَضَّ العَدُوُّ، وَمَنَحَ اللهُ أَكْتَافَهُم (2) . مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أُخِذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ وَسْطِ القَتْلَى يَوْمَ الجَمَلِ، وَبهِ بِضْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ ضَرْبَةً وَطَعْنَةً (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ عَائِشَةَ أَعْطَتْ يَوْمَئِذٍ لِمَنْ بَشَّرَهَا بِسَلاَمَتِهِ عَشْرَةَ آلاَفٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحبَّ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَبَعْدَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ (4) .   (1) في " نسب قريش ": فقبل برذونه موليا، وفي " تاريخ الإسلام " 3 / 170: فتبادر برذونه موليا، وفيه أيضا 2 / 79: فوثب على برذونه وولى مدبرا، وفي " تهذيب ابن عساكر " 7 / 402: فثنى برذونه موليا. (2) الخبر بأطول مما هنا في " نسب قريش ": 237، 238. وفتح إفريقية كان في سنة سبع وعشرين هـ. انظر " تاريخ الإسلام " 2 / 78، 80 للمؤلف. (3) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 402. (4) هو والذي قبله في " تهذيب ابن عساكر " 7 / 402. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا رَبِيْعَةُ بنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: جَاءَ نَعْيُ يَزِيْدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَقَامَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الحَنَفِيَّةِ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَامْتَنَعَا، وَقَالاَ: حَتَّى يَجْتَمِعَ لَكَ النَّاسُ. فَدَارَاهُمَا سَنَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَغلَظَ لَهُمَا، وَدَعَاهُمَا، فَأَبَيَا (1) . قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُ: كَانَ يُقَالُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: عَائِذُ بَيْتِ اللهِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ بَكْرٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ بنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَغَيْرُهُم، قَالُوا: لَمَّا نَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالمَدِيْنَةِ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالُوا: فَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ، وَلَزِمَ الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَشَى إِلَى يَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ الجُمَحِيِّ وَالِي مَكَّةَ، فَبَايَعَهُ لِيَزِيْدَ، فَلَمْ يَرْضَ يَزِيْدُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ فِي جَامِعَةٍ وَوَثَاقٍ. فَقَالَ لَهُ وَلدُهُ مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ: ادفَعْ عَنْكَ الشَّرَّ مَا انْدَفَعَ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَجُوْجٌ لاَ يُطِيعُ لِهَذَا أَبَداً، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِيْنِكَ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّ فِي أَمرِكَ لَعَجَباً! قَالَ: فَادْعُ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَاسْأَلْهُ عَمَّا أَقُوْلُ. فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أَصَابَ ابْنُكَ أَبُو لَيْلَى. فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، وَامْتَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ عَائِذُ بَيْتِكَ، فَقِيْلَ لَهُ: عَائِذُ البَيْتِ. وَبَقِيَ لاَ يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى عَمْرٍو الأَشْدَقِ وَالِي المَدِيْنَةِ أَنْ يُجَهِّزَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ جُنْداً، فَنَدَبَ لِقِتَالِهِ أَخَاهُ عَمْرَو بنَ الزُّبَيْرِ فِي أَلْفٍ، فَظَفِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَخِيْهِ بَعْد قِتَالٍ، فَعَاقَبَهُ. وَأَخَّرَ عَنْ   (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 408. (2) " نسب قريش ": 239، وفيه: وقال بعض الشعراء: وعائذ بيت ربك قد أجرنا * وأبلينا فما نفع البلاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الصَّلاَةِ بِمَكَّةَ الحَارِثَ بنَ يَزِيْدَ، وَقَرَّرَ مُصْعَبَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَكَانَ لاَ يَقْطَعُ أَمْراً دُوْنَ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُصْعَبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَجُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، فَكَانَ يُشَاوِرُهُم فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَيُرِيهِم أَنَّ الأَمْرَ شُوْرَى بَيْنَهم لاَ يَسْتَبدُّ بِشَيْءٍ مِنْهُ دُوْنَهُم، وَيُصَلِّي بِهِمُ الجُمُعَةَ، وَيَحُجُّ بِهِم بِلاَ إِمْرَةٍ. وَكَانَتِ الخَوَارِجُ وَأَهْلُ الفِتَنِ قَدْ أَتَوْهُ، وَقَالُوا: عَائِذُ بَيْتِ اللهِ. ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايَعُوْهُ، وَفَارَقَتْهُ الخَوَارِجُ. فَوَلَّى عَلَى المَدِيْنَةِ أَخَاهُ مُصْعَباً، وَعَلَى البَصْرَةِ الحَارِثَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ، وَعَلَى الكُوْفَةِ عَبْدَ اللهِ بنَ مُطِيْعٍ، وَعَلَى مِصْرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ جَحْدَمٍ الفِهْرِيَّ، وَعَلَى اليَمَنِ، وَعَلَى خُرَاسَانَ، وَأَمَّرَ عَلَى الشَّامِ الضَّحَّاكَ بنَ قَيْسٍ، فَبَايَعَ لَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَبَتْ طَائِفَةٌ، وَالْتَفَّتْ عَلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَجَرَتْ أُمُوْر طَويلَةٌ، وَحُرُوْبٌ مُزْعِجَةٌ، وَجَرَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ، وَقُتِلَ أُلُوفٌ مِنَ العَرَبِ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَاسْتَفحَلَ أَمْرُ مَرْوَانَ إِلَى أَنْ غَلَبَ عَلَى الشَّامِ، وَسَارَ فِي جَيْشٍ عَرَمْرَمٍ، فَأَخَذَ مِصْرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا وَلَدَهُ عَبْدَ العَزِيْزِ، ثُمَّ دَهَمَهُ المَوْتُ. فَقَامَ بَعْدَهُ وَلدُهُ الخَلِيْفَةُ عَبْدُ المَلِكِ، فَلَمْ يَزَلْ يُحَارِبُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ بَعْدَ أَنْ سَارَ إِلَى العِرَاقِ، وَقَتَلَ مُصْعَبَ بنَ الزُّبَيْرِ (1) . قَالَ شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ يَزِيْدَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّيْ قَدْ بَعَثتُ إِلَيْكَ بِسِلْسِلَةٍ فِضَّةً، وَقَيْداً مِنْ ذَهَبٍ، وَجَامِعَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَحَلَفْتُ لَتَأْتِيَنِّي فِي ذَلِكَ. فَأَلْقَى الكِتَابَ، وَأَنْشَدَ: وَلاَ أَلِيْنُ لِغَيْرِ الحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِيْنَ لِضِرْسِ المَاضِغِ الحَجَرُ (2)   (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 410، و" تاريخ الإسلام " 3 / 170، 171. (2) " حلية الأولياء " 1 / 331، و" المستدرك " 3 / 550. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 قُلْتُ: ثُمَّ جَهَّزَ يَزِيْدُ جَيْشاً سِتَّةَ آلاَفٍ، إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ خَلَعُوْهُ، فَجَرَتْ وَقْعَةُ الحَرَّةِ، وَقُتِلَ نَحْوُ أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ سَارَ الجَيْشُ، عَلَيْهِم حُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، فَحَاصَرُوا الكَعْبَةَ، وَبِهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ عَظِيمَةٌ، فَقَلَعَ اللهُ يَزِيْدَ، وَبَايَعَ حُصَيْنٌ وَعَسْكَرُهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِالخِلاَفَةِ، وَرَجَعُوا إِلَى الشَّامِ. قَالَ شَبَابٌ: حَضَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ المَوْسِمَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، فَحَجَّ بِالنَّاسِ، وَحَجَّ بِأَهْلِ الشَّامِ الحَجَّاجُ، وَلَمْ يَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ (1) . قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: أَوَّلُ مَنْ كَسَا الكَعْبَةَ الدِّيبَاجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ يُطَيِّبُهَا حَتَّى يُوجَدَ رِيْحُهَا مِنْ طَرَفِ الحَرَمِ، وَكَانَتْ كِسْوَتُهَا قَبْلَهُ الأَنْطَاعَ (2) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ شُعَيْبٍ الحَجَبِيُّ: إِنَّ المَهْدِيَّ لَمَّا جَرَّدَ الكَعْبَةَ، كَانَ فِيمَا نَزَعَ عَنْهَا كِسْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ دِيبَاجٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا: لِعَبْدِ اللهِ أَبِي بَكْرٍ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى: رَأَيتُ عَلَى رَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِسْكاً يُسَاوِي مَالاً (3) . قُلْتُ: عِيْبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِشُحٍّ، فَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَشِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسَاوِرٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُعَاتِبُ ابْنَ   (1) " تاريخ خليفة ": 269. (2) ذكره المصنف في " تاريخه " 3 / 172، فقال: وروى الدراوردي عن هشام بن عروة، وأخرجه عبد الرزاق (9087) دون قوله: وكان يطيبها..من طريق إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الاسلمي، عن هشام بن عروة، وإبراهيم متروك، وتابعه محمد بن الحسن بن زبالة، وهو ضعيف أخرجه الزبير بن بكار عنه. (3) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 414، و" تاريخ الإسلام " 3 / 172، ولفظه فيهما: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك، ما لو كان لي، كان رأس مال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الزُّبَيْرِ فِي البُخْلِ، وَيَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ المُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيْتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ (1)) . وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكْثِرُ أَنْ يُعَنِّفَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِالبُخْلِ، فَقَالَ: كَمْ تُعَيِّرُنِي. يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَهُ حَيْثُ حُصِرَ: إِنَّ عِنْدِي نَجَائِبَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيَكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَكَ؟ قَالَ: لاَ، إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُلْحِدُ بِمَكَّةَ كَبْشٌ مِنْ قُرَيْشٍ، اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ أَوْزَارِ النَّاسِ) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (2)) . وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ (3) .   (1) تحرف في المطبوع " بشير " إلى " بشر "، و" ليس " إلى " بئس "، وأخرجه ابن أبي شيبة في " الايمان " (100) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (112) ، والخطيب في " تاريخه " 10 / 391، 392 كلهم من طريق عبد الله بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور، عن ابن عباس ... وعبد الله بن مساور لم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن المديني: مجهول لم يرو عنه غير عبد الملك، وباقي رجاله ثقات، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 167، ووافقه الذهبي، وقال المنذري في " الترغيب " والهيثمي في " المجمع " 8 / 167: رجاله ثقات. وللحديث شاهد من حديث أنس أخرجه الطبراني في " الكبير " 1 / 66 / 1، والبزار رقم (119) ، وفي سند الطبراني محمد بن سعيد الأثرم وهو ضعيف، وفي سند البزار علي بن زيد ابن جدعان وهو ضعيف، لكن يتقوى كل منهما بالآخر، فيحسن، وآخر من حديث ابن عباس عند ابن عدي 89 / 2 وفي سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف، فالحديث صحيح بهذه الشواهد. (2) 1 / 64، وفي " تهذيب ابن عساكر " 7 / 414، وقد قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 339 بعد أن أورده من " المسند ": وهذا الحديث منكر جدا، وفي إسناده ضعف، ويعقوب القمي فيه تشيع، ومثل هذا لا يقبل تفرده به، وبتقدير صحته، فليس هو بعبد الله بن الزبير، فإنه كان على صفات حميدة، وقيامه بالامارة إنما كان لله عزوجل، ثم هو كان الامام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت له البيعة في الآفاق، وانتظم له الامر. (3) تحرفت الجملة في المطبوع إلى " وفي إسناده، فقال " ثم وصلها بعباس الترقفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 عَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُلْحِدُ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ، عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ العَالَمِ) ، فَوَاللهِ لاَ أَكُوْنُهُ. فَتَحَوَّلَ مِنْهَا، وَسَكَنَ الطَّائِفَ. قُلْتُ: مُحَمَّدٌ: هُوَ المَصِّيْصِيُّ، لَيِّنٌ (1) ، وَاحتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. أَبُو النَّضْرِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَالإِلْحَادَ فِي حَرَمِ اللهِ، فَأَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (يُحِلُّهَا - وَتَحِلُّ بِهِ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَوْ وُزِنَتْ ذُنُوْبُهُ بِذُنُوْبِ الثَّقَلَيْنِ، لَوَزَنَتْهَا) . قَالَ: فَانظُرْ يَا ابْنَ عَمْرٍو لاَ تَكُوْنُهُ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ (2) . شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا} [الحُجُرَاتُ: 9] ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: ابْنُ الزُّبَيْرِ بَغَى عَلَى أَهْلِ الشَّامِ. وَرَوَاهُ: يُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهِ: بَغَى عَلَى هَؤُلاَءِ، وَنَكَثَ عَهْدَهُم. الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الخَصِيْبِ نَافِعٌ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَجَرَ مِنَ المِنْجَنِيْقِ يَهْوِي حَتَّى أَقُوْلَ: لَقَدْ كَادَ أَنْ يَأْخُذَ لِحْيَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَاللهِ إِنْ أُبَالِي إِذَا وَجَدْتُ ثَلاَثَ مائَةٍ يَصبِرُوْنَ صَبْرِي لَوْ أَجْلَبَ عَلَيَّ أَهْلُ الأَرْضِ (3) .   (1) في " التقريب ": صدوق كثير الغلط، وقد أورد الحديث ابن عساكر 7 / 414. (2) وتمامه: فإنك قد قرأت الكتب، وصحبت الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا. أخرجه أحمد 2 / 219 ورجاله ثقات. (3) خالد بن وضاح لم أجد من ترجمه، وأبو الخصيب نافع أورده ابن أبي حاتم 8 / 454، ولم = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 قُلْتُ: قَدْ كَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ. وَعَنِ المُنْذِرِ بنِ جَهْمٍ (1) ، قَالَ: رَأَيتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ قُتِلَ وَقَدْ خَذَلَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ خِذْلاَناً شَدِيداً، وَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُوْنَ إِلَى الحَجَّاجِ، وَجَعَلَ الحَجَّاجُ يَصِيحُ: أَيُّهَا النَّاسُ! عَلاَمَ تَقْتُلُوْنَ أَنْفُسَكُم؟ مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ آمِنٌ، لَكُم عَهْدُ اللهِ وَمِيْثَاقُهُ - وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ - لاَ أَغْدِرُ بِكُم، وَلاَ لَنَا حَاجَةٌ فِي دِمَائِكُم. قَالَ: فَتَسَلَّلَ إِلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ، فَلَقَدْ رَأَيتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ (2) . وَعَنْ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَضَرْتُ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ جَعَلَتِ الجُيُوْشُ تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجَدِ، فَكُلَّمَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ بَابٍ، حَمَلَ عَلَيْهِم وَحْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُم، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، إِذْ وَقَعَتْ شُرْفَةٌ مِنْ شُرُفَاتِ المَسْجَدِ عَلَى رَأْسِهِ، فَصَرَعَتْهُ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ: أَسْمَاءُ يَا أَسْمَاءُ لاَ تَبْكِينِي ... لَمْ يَبْقَ إِلاَّ حَسَبِي وَدِيْنِي وَصَارِمٌ لاَثَتْ بِهِ يَمِينِي (3) ... قُلْتُ: مَا إِخَالُ أُوْلَئِكَ العَسْكَرَ إِلاَّ لَوْ شَاؤُوا لأَتْلَفُوهُ (4) بِسِهَامِهِم، وَلَكِنْ حَرَصُوا عَلَى أَنْ يُمْسِكُوهُ عَنْوَةً، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُم، فَلَيْتَهُ كَفَّ عَنِ القِتَالِ لَمَّا رَأَى الغَلَبَةَ، بَلْ لَيْتَهُ لاَ الْتَجَأَ إِلَى البَيْتِ، وَلاَ أَحْوَجَ أُوْلَئِكَ الظَّلَمَةَ وَالحَجَّاجَ - لاَ   = يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. (1) تحرف في المطبوع إلى " جهيم " وهو مجهول مترجم في " التاريخ الكبير " 7 / 358، و" الجرح والتعديل " 8 / 243، 244. (2) أورده المؤلف في " تاريخه " 3 / 173 من طريق الواقدي، حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن جهم. (3) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 343 ونسبه للطبراني، وعنه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 333 (4) تحرفت في المطبوع إلى " إلا تلقوه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 بَارَكَ اللهُ فِيْهِ - إِلَى انتِهَاكِ حُرْمَةِ بَيْتِ اللهِ وَأَمْنِهِ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بنُ زُبَيْدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: مَا أُرَانِي اليَوْمَ إِلاَّ مَقْتُوْلاً، لَقَدْ رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي كَأَنَّ السَّمَاءَ فُرِجَتْ لِي، فَدَخَلْتُهَا، فَقَدْ -وَاللهِ - مَلِلْتُ الحَيَاةَ وَمَا فِيْهَا، وَلَقَدْ قَرَأَ يَوْمَئِذٍ فِي الصُّبْحِ: {ن، وَالقَلَمِ} حَرْفاً حَرْفاً، وَإِنَّ سَيْفَهُ لَمَسْلُولٌ إِلَى جَنْبِهِ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ فِيمَا بَيْنَ المَسْجَدِ إِلَى الحَجُوْنِ حِيْنَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: لَمَنْ كَبَّرَ حِيْنَ وُلِدَ أَكْثَرُ وَخَيْرٌ مِمَّنْ كَبَّرَ لِقَتْلِهِ (2) . مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مَا شَيْءٌ كَانَ يُحَدِّثُنَا كَعْبٌ إِلاَّ قَدْ أَتَى عَلَى مَا قَالَ، إِلاَّ قَوْلُهُ: فَتَى ثَقِيْفٍ يَقْتُلُنِي، وَهَذَا رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيَّ -يَعْنِي: المُخْتَارَ الكَذَّابَ -. زِيَادٌ الجَصَّاصُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ لِغُلاَمِهِ: لاَ تَمُرَّ بِي عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ -يَعْنِي: وَهُوَ مَصْلُوْبٌ -. قَالَ: فَغَفِلَ الغُلاَمُ، فَمَرَّ بِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَرَآهُ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا خُبَيْبٍ، مَا عَلِمْتُكَ إِلاَّ صَوَّاماً قَوَّاماً، وَصُوْلاً لِرَحِمِكَ، أَمَا -وَاللهِ - إِنِّيْ لأَرْجُو مَعَ مَسَاوِئِ مَا قَدْ عَمِلْتَ أَنْ لاَ يُعَذِّبَكَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوْءاً يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا) (3) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 415. (2) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 416. (3) إسناد ضعيف لضعف زياد بن أبي زياد الجصاص، وشيخه علي بن زيد، وأورده ابن كثير في " تفسير " 1 / 557، ونسبه إلى أبي بكر بن مردويه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 12 مختصرا، وقال: رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن سليم بن حيان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وأخرج مسلم في " صحيحه " (2545) من طريق الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، أن عبد الله = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ (الخُلَفَاءِ) : صَلَبُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ مُنَكَّساً، وَكَانَ آدَمَ، نَحِيْفاً، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، بَعَثَ عُمَّالَهُ إِلَى المَشْرِقِ كُلِّهِ وَالحِجَازِ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: عَنْ جَدَّتِهِ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ غَسَّلَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعْد مَا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، وَجَاءَ الإِذْنُ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ عِنْدَمَا أَبَى الحَجَّاجُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، فَحَنَّطَتْهُ، وَكَفَّنَتْهُ، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَتْ فِيْهِ شَيْئاً حِيْنَ رَأَتْهُ يَتَفَسَّخُ إِذَا مَسَّتْهُ. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ، فَدَفَنَتْهُ بِالمَدِيْنَةِ فِي دَارِ صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ زِيْدَتْ دَارُ صَفِيَّةَ فِي المَسْجَدِ، فَهُوَ مَدْفُوْنٌ مَعَ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي: بِقُرْبِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعِدَّةٌ: قُتِلَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ. وَوَهِمَ ضَمْرَةُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَقَالاَ: قُتِلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. عَاشَ: نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَمَاتَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَهَا قَرِيبٌ مِنْ مائَةِ عَامٍ. هِيَ آخِرُ مَنْ مَاتَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَيُقَالُ لَهَا: ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. كَانَتْ أَسَنَّ مِنَ عَائِشَةَ بِسَنَوَاتٍ.   = ابن عمر مر على عبد الله بن الزبير وهو مصلوب، فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم، أما والله لامة أنت أشرها لامة خير. (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 421 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَوْلاَدُهَا؛ عَبْدُ اللهِ، وَعُرْوَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَلْقٌ. وَهِيَ وَابْنُهَا عَبْدُ اللهِ، وَأَبُوْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَجَدُّهَا أَبُو قُحَافَةَ صَحَابِيُّونَ، أَضَرَّتْ بِأَخَرَةٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ عَائِشَةَ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ عُمُرُهَا إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَأَمَّا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: عَاشَتْ مائَةَ سَنَةٍ، وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ. وَقَدْ طَلَّقَهَا الزُّبَيْرُ قَبْلَ مَوْتِهِ زَمَنَ عُثْمَانَ. وَقَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَتْ أَسْمَاءُ لاَ تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ (1) . وَقِيْلَ: أَعْتَقَتْ عِدَّةَ مَمَالِيْكَ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ تَرْجَمَتهَا فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (2)) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَمِنْ أَوْلاَدِهَا: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ الفَقِيْهُ (3) . وَمِنْهُم:   (1) وليس ذلك بغريب منها، فإنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي، فقال: " ارضخي ما استعطت، ولا توعي فيوعي الله عليك " أخرجه البخاري 5 / 160، 161، ومسلم (1029) وفي رواية للبخاري 3 / 238 " لا توكي فيوكى عليك " معناه: لا تدخري ما عندك وتمنعي ما في يدك، فيقطع الله عليك مادة الرزق. (2) 3 / 133، 137، وقد بسط ترجمتها أيضا في الجزء الثاني من هذا الكتاب: 208 (3) سترد ترجمته في الجزء الرابع ص 421. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 54 - المُنْذِرُ بنُ الزُّبَيْرِ الأَسَدِيُّ أَبُو عُثْمَانَ * الأَمِيْرُ، أَبُو عُثْمَانَ، أَحَدُ الأَبْطَالِ. وُلِدَ: زَمَنَ عُمَرَ. وَكَانَ مِمَّنْ غَزَا القُسْطَنْطِيْنِيَّة مَعَ يَزِيْدَ، وَوَفَدَ بَعْدُ عَلَيْهِ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ: أَنَّ المُنْذِرَ غَاضَبَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ، فَسَارَ إِلَى الكُوْفَةِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَجَازَهُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، لَكِنْ مَاتَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَضَ المُنْذِرُ الجَائِزَةَ. وَوَصَّى مُعَاوِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ المُنْذِرُ فِي قَبْرِهِ، وَكَانَ بِالكُوْفَةِ لَمَّا بَلَغَهُ خِلاَفُ أَخِيْهِ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَسْرَعَ إِلَى أَخِيْهِ بِمَكَّةَ فِي ثَمَانِ لَيَالٍ، فَلَمَّا حَاصَرَ الشَّامِيُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، قُتِلَ تِلْكَ الأَيَّامَ المُنْذِرُ -رَحِمَهُ اللهُ (1) -. وَبِنْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ (2) ؛ لَهَا رِوَايَةٌ عَالِيَةٌ. وَهِيَ: زَوْجَةُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. عَاشَ المُنْذِرُ: أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. 55 - عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ ** ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُمُّهُ: عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي وَهْبٍ المَخْزُوْمِيَّةُ، مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 182، نسب قريش: 244، 245، المحبر: 70، 100، 448، جمهرة أنساب العرب: 123، تاريخ ابن عساكر 17 / 102 ب، تاريخ الإسلام 3 / 86، البداية والنهاية 8 / 246، العقد الثمين 7 / 280، تعجيل المنفعة: 269. (1) أورده ابن عساكر 17 / 102 ب، 103 آ. (2) ترجمتها في " طبقات ابن سعد " 8 / 477، وهي من رجال التهذيب، أخرج حديثها الستة. (* *) الاستيعاب: 904، تاريخ ابن عساكر 9 / 115 ب، أسد الغابة 3 / 241، تهذيب ابن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 لاَ نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً. كَانَ مَوْصُوَفاً بِالشَّجَاعَةِ وَالفُرُوْسِيَّةِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِهَذَا نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِيْنَ بَطْرِيقٌ، بَرَزَ يَدْعُو إِلَى البِرَازِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَاختَلَفَا ضَرَبَاتٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ، فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللهِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَأَثْبَتَهُ، وَقَطَعَ سَيْفُهُ الدِّرْعَ، وَأَشْرَعَ فِي مَنْكِبِهِ، ثُمَّ وَلَّى الرُّوْمِيُّ مُنْهَزِماً (1) . وَعَزمَ عَلَيْهِ عَمْرُو بنُ العَاصِ أَنْ لاَ يُبَارِزَ، فَقَالَ: لاَ أَصبِرُ. فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ السُّيُوفُ، وُجِدَ فِي رِبْضَةٍ مِنَ الرُّوْمِ عَشْرَةٍ مَقْتُولاً، وَهُمْ حَوْلَهُ، وَقَائِمُ السَّيْفِ فِي يَدِهِ قَدْ غرِيَ (2) ، وَإِنَّ فِي وَجْهِهِ لَثَلاَثِيْنَ ضَرْبَةً. قَالَ الوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الزُّبَيْرَ بنَ سَعِيْدٍ النَّوْفَلِيَّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ شُيُوْخَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا انْهَزَمَتِ الرُّوْمُ يَوْمَئِذٍ، انْطَلَقَ الفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ فِي مائَةٍ نَحْواً مِنْ مِيْلٍ، فَيَجِدُ عَبْدَ اللهِ مَقْتُولاً فِي عَشْرَةٍ مِنَ الرُّوْمِ قَدْ قَتَلَهُم، فَقَبَرُوْهُ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَأَجْنَادِيْنُ (4) كَانَتِ يَوْمَ الاَثْنَيْن، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ   = عساكر 7 / 396 تاريخ الإسلام 1 / 380، البداية والنهاية 8 / 238 و239 و332، العقد الثمين 5 / 140، الإصابة 2 / 308. (1) ابن عساكر 9 / 115 ب، 116 آ، و" تهذيبه ". (2) غري: لزق، وقد تصحف في المطبوع إلى " عري ". (3) ابن عساكر 9 / 116 ب. (4) موضع معروف بالشام: بين الرملة وبيت جبرين. قال المؤلف في " العبر " 1 / 16: واستشهد يومئذ طائفة من الصحابة، ثم كان النصر ولله الحمد، وكان ملحمة عظيمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. وَإِنَّمَا ضَمَمْتُ هَذَا البَطَلَ إِلَى البَطَلِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لاشْتِرَاكِهِمَا فِي الاسْمِ وَالشَّجَاعَةِ. فَأَمَّا: 56 - عَبْدُ اللهِ بنُ الزَّبَيْرِ الأَسَدِيُّ * بِفَتْحِ الزَّايِ، فَهُوَ الأَسَدِيُّ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، شَاعِرٌ مَشْهُوْرٌ، لَهُ نَظْمٌ بَدِيعٌ. وَهُوَ الَّذِي امتَدَحَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. فَقَالَ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا (1) . وَقَدِمَ العِرَاقَ عَلَى مُصْعَبٍ، وَلَهُ أَخْبارٌ (2) . ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ. 57 - وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ بنِ كَعْبِ بنِ عَامِرٍ اللَّيْثِيُّ ** (ع) وَقِيْلَ: وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ عَبْدِ   (*) طبقات خليفة: ت 2593، الجرح والتعديل 5 / 56، الاغاني 13 / 33، جمهرة أنساب العرب: 195، تاريخ ابن عساكر: 9 / 149 ب، طبقات فقهاء اليمن: 51، تاريخ الإسلام 3 / 364، البداية والنهاية 9 / 80، خزانة الأدب 1 / 345، تهذيب ابن عساكر 7 / 423. (1) " تهذيب ابن عساكر " 7 / 424، و" البداية " 9 / 80، 81، و" إن " هنا بمعنى " نعم ". انظر " المغني " 1 / 38. (2) قال المصنف في " تاريخه " 3 / 264: يقال: مات زمن الحجاج. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 407، طبقات خليفة: ت 181، 788، 1349، 2832، التاريخ الصغير 1 / 184، الجرح والتعديل 9 / 47، المستدرك 3 / 569، الحلية 2 / 21، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 يَالَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ، مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ. أَسلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَشَهِدَ غَزْوَةَ تَبُوْكٍ، وَكَانَ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - طَالَ عُمُرُه. وَفِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ: أَبُو الخَطَّابِ، وَأَبُو الأَسْقَعِ. وَقِيْلَ: أَبُو قرْصَافَةَ. وَقِيْلَ: أَبُو شَدَّادٍ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَبُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ النَّصْرِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ، وَيَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم: مَوْلاَهُ؛ مَعْرُوفٌ الخَيَّاطُ البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ رِوَايَةٌ أَيْضاً عَنْ: أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَهُ مَسجدٌ مَشْهُوْرٌ بِدِمَشْقَ (1) ، وَسَكَنَ قَرْيَةَ البَلاَطِ (2) مُدَّةً. وَلَهُ دَارٌ عِنْدَ دَارِ ابْنِ البَقَّالِ بِدَرْبِ ... (3)   = الاستيعاب 3 / 643، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 544، تاريخ ابن عساكر 17 / 353 آ، أسد الغابة 5 / 428، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 142، تهذيب الكمال: 1456، تاريخ الإسلام 3 / 310، العبر 1 / 99، تذهيب التهذيب 4 / 127 ب، غاية النهاية: ت 3797، الإصابة 3 / 626، تهذيب التهذيب 11 / 101، خلاصة تذهيب الكمال: 350، شذرات الذهب 1 / 95، خزانة الأدب 3 / 343. (1) قال يوسف بن عبد الهادي في " ثمار المقاصد ": 63: مسجد عند دار ابن ريش قبلة الزلاقة سفل، له إمام ووقف، ويقال: إنه مسجد واثلة بن الاسقع، وقال أيضا: 64: مسجد واثلة على رأس درب الزلاقة عند الخبازين كبير سفل، له إمام ومؤذن ووقف، وعلى بابه قناة في سويقة باب الصغير وباب الصغير هو باب الشاغور كما قال بدران. (2) من غوطة دمشق الشرقية غربي زبدين. (3) فوق كلمة " بدرب " ما نصه: كذا وجد. وفي " الاستيعاب " 3 / 644، و" أسد الغابة " = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ الصُّفَّةِ مَا مِنَّا رَجُلٌ لَهُ ثَوْبٌ تَامٌّ، وَلَقَدِ اتَّخَذَ العَرَقُ فِي جُلُودِنَا طُرُقاً مِنَ الغُبَارِ، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (لِيُبَشَّرَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ (1)) . الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ - رَجُلٌ مِنَّا - حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ حَسَناً، وَحُسَيْناً، وَفَاطِمَةَ، وَلَفَّ عَلَيْهِم ثَوْبَهُ، وَقَالَ: ( {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ، وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي) . قَالَ وَاثِلَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: (وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي) . قَالَ: فَإِنَّهَا لَمِنْ أَرْجَى مَا أَرْجُو (2) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. قَالَ مَكْحُوْلٌ: عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُم بِالحَدِيْثِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَحَسْبُكُم (3) .   = 5 / 429: وكان منزله على ثلاثة فراسخ من دمشق بقرية يقال لها: البلاط. (1) ابن عساكر 17 / 357 آ، ورجاله ثقات. (2) وأخرجه الطبري في " تفسيره " 22 / 7 من طريق عبد الكريم بن أبي عمير، حدثنا الوليد ابن مسلم، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، قال سمعت واثلة بن الاسقع ... وعبد الكريم بن أبي عمير، قال المصنف في " الميزان ": فيه جهالة وباقي رجاله ثقات. وأخرجه دون قوله: " قال واثلة ... " أحمد 4 / 107 من طريق محمد بن مصعب، عن الاوزاعي بهذا الإسناد، وأخرجه الطبري 22 / 6 من طريق عبد الأعلى بن واصل، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن كلثوم المحاربي عن أبي عمار، عن واثلة ... وهذا سند حسن. كلثوم المحاربي هو ابن زياد، ترجمه ابن أبي حاتم 7 / 164، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وروى عنه غير واحد، وباقي رجاله ثقات. (3) أخرجه الترمذي في " العلل " 1 / 145 بشرح ابن رجب، من طريق محمد بن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا مَعْرُوفٌ الخَيَّاطُ، قَالَ: رَأَيْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ يُمْلِي عَلَيْهِمُ الأَحَادِيْثَ. رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ خَالِدٍ: تُوُفِّيَ وَاثِلَةُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ (1) ، وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَخَمْسِ سِنِيْنَ. اعتَمَدَهُ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. قَالَ قَتَادَةُ: آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِدِمَشْقَ: وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ وَاثِلَةَ قَالَ: وَقَفتُ فِي ظُلْمَةِ قَنْطَرَةِ قَيْنِيَةَ (2) ، لِيَخْفَى عَلَى الخَارِجِيْنَ مِنْ بَابِ الجَابِيَةِ (3) مَوْقِفِي. وَعَنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: فَأَسْمَعُ صَرِيرَ بَابِ الجَابِيَةِ، فَمَكَثْتُ، فَإِذَا بِخَيْلٍ عَظِيمَةٍ، فَأَمْهَلْتُهَا، ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَيْهِم، وَكَبَّرتُ، فَظَنُّوا أَنَّهُم أُحِيْطَ بِهِم، فَانْهَزَمُوا إِلَى البَلَدِ، وَأَسْلَمُوا عَظِيمَهُم، فَدَعَسْتُهُ   = بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن واثلة، وهذا سند رجاله ثقات. وهو في " المحدث الفاصل ": 533، و" المستدرك " 3 / 569، و" الكفاية ": 204. (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 239، و" المستدرك " 3 / 570. (2) قال ياقوت: هي قرية كانت مقابل الباب الصغير من مدينة دمشق، صارت الآن بساتين. (3) باب الجابية: من أحياء دشمق، يقع غربي جامع بني أمية، منسوب إلى قرية الجابية من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، لان الخارج إليها يخرج منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 بِالرُّمْحِ، أَلْقَيْتُهُ عَنْ بِرْذَوْنِهِ، وَضَربْتُ يَدِي عَلَى عِنَانِ البِرْذَوْنِ، وَرَكَضْتُ (1) ، وَالتَفَتُوا، فَلَمَّا رَأَوْنِي وَحْدِي، تَبِعُوْنِي، فَدَعَسْتُ فَارِساً بِالرُّمْحِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ دَنَا آخَرُ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ عَظِيمٌ مِنَ الرُّوْمِ يَلْتَمِسُ الأَمَانَ لأَهْلِ دِمَشْقَ (2) . 58 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ * (د، ت، ق) الصَّحَابِيُّ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ المِصْرِيِّيْنَ، أَبُو الحَارِثِ الزُّبَيْدِيُّ، المِصْرِيُّ. شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَسَكَنَهَا، فَكَانَ آخِرَ الصَّحَابَةِ بِهَا مَوْتاً. لَهُ جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ، رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ زِيَادٍ الحَضْرَمِيُّ، وَعَمْرُو بنُ جَابِرٍ الحَضْرَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَزَعَمَ مَنْ لاَ مَعْرِفَةَ لَهُ: أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيْفَةَ لَقِيَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَهَذَا جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مُتَّهَمٍ بِالكَذِبِ. وَلَعَلَّ أَبَا حَنِيْفَةَ أَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ الزُّبَيْدِيِّ الكُوْفِيِّ أَحَدِ التَّابِعِيْنَ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ. وَأَمَّا الصَّحَابِيُّ، فَلَمْ يَرَهُ أَبَداً. وَيَزْعُمُ الوَاضِعُ: أَنَّ الإِمَامَ ارْتَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ، وَدَارَ عَلَى سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ المُتَأَخِّرِينَ، وَشَافَهَهُم، وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ: أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ.   (1) في ابن عساكر: فراكضته حتى أنهكته، فالتفتوا إلى ... (2) هذا الخبر والذي قبله عند ابن عساكر 17 / 353 ب، 354 آ. (*) طبقات ابن سعد 7 / 497، طبقات خليفة: ت 495، 2715، المعرفة والتاريخ 1 / 268، الجرح والتعديل 5 / 30، المستدرك 3 / 633، الحلية 2 / 6، الاستيعاب: 883، أسد الغابة 3 / 203، تهذيب الكمال: 672، تاريخ الإسلام 3 / 263، العبر 1 / 101، تذهيب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 نَعَمْ وَصَاحِبُ التَّرْجَمَةِ؛ هُوَ ابْنُ أَخِي الصَّحَابِيِّ مَحْمِيَةَ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ (1) . وَقَدْ طَالَ عُمُرُهُ، وَعَمِيَ، وَمَاتَ بِقَرِيَةِ سَفْطِ القُدُوْرِ مِنْ أَسْفَلِ مِصْرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (2) . وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَشْهَرُ. لَهُ رِوَايَةٌ فِي: (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وَ (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) وَ (سُنُنِ القَزْوِيْنِيِّ) - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 59 - عَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ القُرَشِيُّ * (بَخ، م، 4) ابْنِ أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيِّ بنِ عَابِدِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقظَةَ بنِ مُرَّةَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو السَّائِبِ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ. مُقْرِئُ مَكَّةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ.   = التهذيب 2 / 136 ب، مرآة الجنان 1 / 177، الإصابة 2 / 291، تهذيب التهذيب 5 / 178، حسن المحاضرة 1 / 212، خلاصة تذهيب الكمال: 164، شذرات الذهب 1 / 97. (1) كان قديم الإسلام، وهو من مهاجرة الحبشة، وتأخز عوده منها، وأول مشاهده المريسيع، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الاخماس، كما في صحيح مسلم (1072) ، مترجم في " أسد الغابة " 5 / 119، و" الاستيعاب " 3 / 495، و" الإصابة " 3 / 388. (2) " المستدرك " 3 / 633. (*) طبقات ابن سعد 5 / 445، طبقات خليفة: ت 110، 2506، التاريخ الكبير 5 / 8، التاريخ الصغير 1 / 126، المعرفة والتاريخ 1 / 247، الجرح والتعديل 5 / 65، جمهرة أنساب العرب 143، الاستيعاب: 915، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 246، أسد الغابة 3 / 254، تهذيب الكمال: 685، تاريخ الإسلام 3 / 29، معرفة القراء: 42، تذهيب التهذيب 2 / 147، مجمع الزوائد 9 / 409، العقد الثمين 5 / 163، غاية النهاية: ت 1775، الإصابة 2 / 314، تهذيب التهذيب 5 / 229، خلاصة تذهيب الكمال: 168. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وَكَانَ أَبُوْهُ شَرِيْكَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ المَبْعَثِ (1) . قَرَأَ عَبْدُ اللهِ القُرْآنَ عَلَى: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً، وَعَنْ: عُمَرَ. عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: مُجَاهِدٌ، وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ تَلاَ عَلَيْهِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ بِنْتِهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَصَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ، فَقَرَأَ بِسُوْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ (2) . قَالَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: لَهُ صُحْبَةٌ.   (1) أخرج أحمد 3 / 425 من طريق عفان، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن السائب بن أبي السائب أنه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح، جاءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري ". وأخرجه أبو داود (4836) في الأدب: باب كراهية المرء، وابن ماجه (2287) من طريقين عن سفيان، عن إبراهيم بن أبي المهاجر، عن مجاهد، عن قائد السائب، عن السائب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يثنون علي ويذكروني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أعلمكم به " قلت: صدقت بأبي وأمي، كنت شريكي، فنعم الشريك، كنت لا تداري ولا تماري. لا تداري: لا تخالف ولا تمانع، ولا تماري: لا تخاصم. (2) أخرجه مسلم (455) في الصلاة: باب القراءة في الصبح، وأحمد 3 / 411، والنسائي 2 / 176 في الافتتاح: باب قراءة بعض السورة، وأبو داود (649) في الصلاة: باب الصلاة في النعل، وابن ماجه (820) في إقامة الصلاة: باب القراءة في صلاة الفجر، أن عبد الله بن السائب قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى، أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع، وعبد الله بن السائب حاضر ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وَرَوَى: أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ: اكْتَنَيْتُ بِكُنْيَةِ جَدِّي أَبِي السَّائِبِ. وَكَانَ خَلِيْطاً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نِعْمَ الخَلِيْطُ؛ كَانَ لاَ يُشَارِي وَلاَ يُمَارِي (1)) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ شَابُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا نَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِقَارِئِنَا عَبْدِ (2) اللهِ بنِ السَّائِبِ، وَبِفَقِيهِنَا عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَبِمُؤَذِّنِنَا أَبِي مَحْذُوْرَةَ، وَبِقَاضِيْنَا عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ (3) . قِيْلَ: مَاتَ ابْنُ السَّائِبِ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَامَ عَلَى قَبْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، فَدَعَا لَهُ (4) . 60 - المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ بنِ نَوْفَلِ بنِ أُهَيْبٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ زُهْرَةَ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، الإِمَامُ   (1) إسناده ضعيف لجهالة رواية عن عبد الله بن السائب، وقد تقدم الحديث قريبا، وفيه أن شريك النبي صلى الله عليه وسلم هو السائب أبو عبد الله، لا جده. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبيد ". (3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 5 / 445 من طريق الفضل بن دكين بهذا الإسناد، وهو صحيح. (4) ابن سعد 5 / 455 من طريق عبد الله بن نمير، عن عبد الملك بن جريج، عن ابن أبي مليكة. (*) نسب قريش: 262، 263، طبقات خليفة: ت 81، المحبر: 68، التاريخ الكبير 7 / 410، المعارف: 429، المعرفة والتاريخ 1 / 358، الجرح والتعديل 8 / 297، المستدرك 3 / 523، جمهرة أنساب العرب: 129، الاستيعاب: 1399، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 515، تاريخ ابن عساكر 16 / 251 آ، أسد الغابة 5 / 175، تهذيب الأسماء واللغات: 94، تهذيب الكمال: 1329، تاريخ الإسلام 3 / 79، تذهيب التهذيب 4 / 40 ب، مرآة الجنان 1 / 140، العقد الثمين 7 / 197، الإصابة 3 / 419، تهذيب التهذيب 10 / 151، خلاصة = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 الجَلِيْلُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو عُثْمَانَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ. وَأُمُّهُ: عَاتِكَةُ؛ أُخْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، زُهْرِيَّةٌ أَيْضاً. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، كَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: خَالِهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَوَلَدَاهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأُمُّ بَكْرٍ، وَطَائِفَةٌ. قَدِمَ دِمَشْقَ بَرِيْداً مِنْ عُثْمَانَ يَسْتَصْرِخُ بِمُعَاوِيَةَ. وَكَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُ عُمَرَ، وَيَحْفَظُ عَنْهُ. وَقَدِ انْحَازَ إِلَى مَكَّةَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَخطَ إِمْرَةَ يَزِيْدَ، وَقَدْ أَصَابَهُ حَجَرُ مِنْجَنِيْقٍ فِي الحِصَارِ (1) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَتِ الخَوَارِجُ تَغْشَاهُ، وَيَنْتَحِلُوْنَهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مِسْوَرٌ ثِقَةٌ. عُقَيْلٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ المِسْوَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ! مَا فَعَلَ طَعْنُكَ عَلَى الأَئِمَّةِ؟ قَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا، وَأَحْسِنْ فِيمَا جِئْنَا لَهُ. قَالَ: لَتُكَلِّمَنِّي بِذَاتِ نَفْسِكَ بِمَا تَعِيبُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَلَمْ أَترُكْ شَيْئاً إِلاَّ بَيَّنْتُهُ. فَقَالَ: لاَ أَبْرَأُ مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ لَنَا مِمَّا نَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ فِي أَمْرِ العَامَّةِ، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوبَ، وَتَتْرُكُ الإِحْسَانَ؟ قُلْتُ: نَعم.   = تذهيب الكمال: 322، شذرات الذهب 1 / 72. (1) انظر " نسب قريش ": 263. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 قَالَ: فَإِنَّا نَعتَرِفُ للهِ بِكُلِّ ذَنْبٍ، فَهَلْ لَكَ ذُنُوبٌ فِي خَاصَّتِكَ تَخْشَاهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا يَجعلُكَ اللهُ بِرَجَاءِ المَغْفِرَةِ أَحَقَّ مِنِّي، فَوَاللهِ مَا أَلِي مِنَ الإِصْلاَحِ أَكْثَرَ مِمَّا تَلِي، وَلاَ أُخَيَّرُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، إِلاَّ اخْتَرْتُ اللهَ عَلَى سِوَاهُ، وَإِنِّي لَعَلَى دِيْنٍ يُقْبَلُ فِيْهِ العَمَلُ، وَيُجْزَى فِيْهِ بِالحَسَنَاتِ. قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ خَصَمَنِي. قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَسْمَعِ المِسْوَرَ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ (1) . عَنْ أُمِّ بَكْرٍ: أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، طَافَ لِكُلِّ يَوْمٍ غَابَ عَنْهَا سَبْعاً، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ المِسْوَرِ؛ عَنْ أَبِيْهَا: أَنَّهُ وَجَدَ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ إِبْرِيقَ ذَهَبٍ بِاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَنَفَلَهُ سَعْدٌ إِيَّاهُ، فَبَاعَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ (3) . وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) - وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ -: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو (4) بنِ حَلْحَلَةَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُم قَدِمُوا المَدِيْنَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيْدَ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللهِ، لَئِنْ أَعَطَيْتَنِيْهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَداً حَتَّى تَبْلُغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   (1) أخرجه ابن عساكر 16 / 253 آ، ب من طريق ابن وهب، عن حيوة، بهذا الإسناد، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 151. (2) ابن عساكر 16 / 253 ب. (3) ابن عساكر 16 / 254 آ. (4) تحرف في المطبوع إلى " عمر ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: (إِنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِيْنِهَا) . ثُمَّ ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، فَأَحْسَنَ، قَالَ: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً، وَلاَ أُحِلُّ حَرَاماً، وَلَكِنْ -وَاللهِ - لاَ تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ مَكَاناً وَاحِداً أَبَداً (1)) . فَفِيْهِ: أَنَّ المِسْوَرَ كَانَ كَبِيْراً مُحْتَلِماً إِذْ ذَاكَ. وَعَنْ عَطَاءِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ يَقْطَعُ أَمْراً دُوْنَ المِسْوَرِ بِمَكَّةَ. وَعَنْ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: لَمَّا دَنَا الحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ لِحِصَارِ مَكَّةَ، أَخْرَجَ المِسْوَرُ سِلاَحاً قَدْ حَمَلَهُ مِنَ المَدِيْنَةِ وَدُرُوْعاً، فَفَرَّقهَا فِي مَوَالٍ لَهُ فُرْسٍ جُلْدٍ، فَلَمَّا كَانَ القِتَالُ، أَحْدَقُوا بِهِ، ثُمَّ انْكَشَفُوا عَنْهُ، وَالمِسْوَرُ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي الرَّعِيْلِ الأَوَّلِ. وَقَتَلَ مَوَالِي مِسْوَرٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ نَفَراً. وَقِيْلَ: أَصَابَهُ حَجَرُ المِنْجَنِيْقِ، فَانْفَلَقَتْ (2) مِنْهُ قِطْعَةٌ أَصَابتْ خَدَّ المِسْوَرِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَمَرِضَ، وَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي جَاءَ فِيْهِ نَعْيُ يَزِيْدَ (3) . فَعَنْ أُمِّ بَكْرٍ، قَالَتْ: كُنْتُ أَرَى العِظَامَ تُنْزَعُ مِنْ خَدِّهِ. بَقِيَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَمَاتَ. وَقِيْلَ: أَصَابَهُ الحَجَرُ، فَحُمِلَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَبَقِيَ يَوْماً لاَ يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ   (1) هو في " المسند " 4 / 326، ومسلم (2449) (95) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. (2) تحرف في المطبوع إلى " فانفلتت ". (3) أخرجه ابن عساكر 16 / 254 ب، 255 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 أَفَاقَ. وَجَعَلَ عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ قُتِلْنَا. قَالَ: وَوَلِي ابْنُ الزُّبَيْرِ غَسْلَهُ، وَحَمَلَهُ إِلَى الحَجُوْنِ (1) ، وَإِنَّا لَنَطَأُ بِهِ القَتْلَى، وَنَمْشِي بَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ، فَصَلَّوْا مَعَنَا عَلَيْهِ. قُلْتُ: كَانُوا قَدْ عَلِمُوا بِمَوْتِ يَزِيْدَ، وَبَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ. وَعَنْ أُمِّ بَكْرٍ، قَالَتْ: وُلِدَ المِسْوَرُ بِمَكَّةَ، بَعْدَ الهِجْرَةِ بِعَامَيْنِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ لِهِلاَلِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. وَكَذَا أَرَّخَهُ فِيْهَا: جَمَاعَةٌ. وَغَلِطَ المَدَائِنِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ حَجَرِ المِنْجَنِيْقِ. 61 - سُلَيْمَانُ بنُ صُرَدٍ أَبُو مُطَرِّفٍ الخُزَاعِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الأَمِيْرُ، أَبُو مُطَرِّفٍ الخُزَاعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الصَّحَابِيُّ. لَهُ: رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ. وَعَنْ: أُبَيٍّ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ.   (1) هو جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها. (*) طبقات ابن سعد 4 / 292، و6 / 25، طبقات خليفة: ت 665، 942، المحبر: 291، التاريخ الصغير 1 / 146، الكنى 2 / 117، تاريخ الطبري 5 / 583، الجرح والتعديل 4 / 123، مشاهر علماء الأمصار: ت 305، معجم الطبراني 7 / 114، المستدرك 3 / 530، جمهرة أنساب العرب: 238، الاستيعاب: 649، تاريخ بغداد 1 / 200، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 176، أسد الغابة 2 / 449، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 234، تهذيب الكمال: 543، تاريخ الإسلام 3 / 17، العبر 1 / 72، تذهيب التهذيب 2 / 50 ب، الوافي بالوفيات 15 / 392، العقد الثمين 4 / 607، الإصابة 2 / 75، تهذيب التهذيب 4 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 129، شذرات الذهب 1 / 73. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ مِمَّنْ كَاتَبَ الحُسَيْنَ لِيُبَايِعَهُ، فَلَمَّا عَجِزَ عَنْ نَصْرِهِ نَدِمَ، وَحَارَبَ. قُلْتُ: كَانَ دَيِّناً، عَابِداً، خَرَجَ فِي جَيشٍ تَابُوا إِلَى اللهِ مِنْ خِذْلاَنِهِمُ الحُسَيْنَ الشَّهِيْدَ، وَسَارُوا لِلطَّلبِ بِدَمِهِ، وَسُمُّوا جَيْشَ التَّوَّابِينَ. وَكَانَ هُوَ الَّذِي بَارَزَ يَوْمَ صِفِّيْنَ حَوْشَباً ذَا ظُلَيْمٍ، فَقَتَلَهُ. حَضَّ سُلَيْمَانُ عَلَى الجِهَادِ؛ وَسَارَ فِي أُلُوفٍ لِحَرْبِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، وَقَالَ: إِنْ قُتِلْتُ، فَأَمِيْرُكُمُ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ. وَالْتَقَى الجَمْعَانِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ فِي جَيشٍ عَظِيمٍ، فَالْتَحَمَ القِتَالُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ. وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالتَّوَّابِينَ شِيْعَةِ الحُسَيْنِ، وَقُتِلَ أُمَرَاؤُهُم الأَرْبَعَةُ؛ سُلَيْمَانُ، وَالمُسَيَّبُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَالِي، وَذَلِكَ بِعَيْنِ الوَرْدَةِ، الَّتِي تُدْعَى رَأْسَ العَيْنِ (1) ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، وَتَحَيَّزَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُم رِفَاعَةُ بنُ شَدَّادٍ إِلَى الكُوْفَةِ. 62 - أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ.   (1) قال ياقوت: " عين الوردة ": هي رأس العين، وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر..وفيها عيون كثيرة عجيبة صافية، تجتمع كلها في موضع، فتصير نهر الخابور. (*) طبقات ابن سعد 7 / 17، طبقات خليفة: ت 575، 1455، المحبر: 301، 344، 379، التاريخ الكبير 2 / 27، التاريخ الصغير 1 / 209، المعارف: 308، الجرح والتعديل 2 / 286، مشاهير علماء الأمصار: ت 215، المستدرك 3 / 573، الاستيعاب: 108، طبقات = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً. رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْماً جَمّاً، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاذٍ، وَأُسَيْدِ بنِ الحُضَيْرِ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، وَخَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ، وَزَوْجِهَا عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ النَّبَوِيَّةِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: خَلْقٌ عَظِيمٌ، مِنْهُمُ: الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، وَعَمْرُو بنُ عَامِرٍ الكُوْفِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعِيْسَى بنُ طَهْمَانَ، وَعُمَرُ بنُ شَاكِرٍ. وَبَقِيَ أَصْحَابُهُ الثِّقَاتُ إِلَى بَعْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَبَقِيَ ضُعَفَاءُ أَصْحَابِهِ إِلَى بَعْدِ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَبَقِيَ بَعْدَهُم نَاسٌ لاَ يُوثَقُ بِهِم، بَلِ اطُّرِحَ حَدِيْثُهُم جُمْلَةً؛ كَإِبْرَاهِيْمَ بنِ هُدْبَةَ، وَدِيْنَارٍ أَبِي مِكْيَسٍ، وَخِرَاشِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُوْسَى الطَّوِيْلِ، عَاشُوا مُدَيْدَةً بَعْدَ المائتَيْنِ، فَلاَ اعْتِبَارَ بِهِم.   = الشيرازي: 51، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 35، تاريخ ابن عساكر 3 / 17 آ، جامع الأصول 9 / 88، أسد الغابة 1 / 151، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 127، نهاية الارب 18 / 223، تهذيب الكمال 124، تاريخ الإسلام 3 / 339، تذكرة الحفاظ 1 / 42، العبر 1 / 107، تذهيب التهذيب 1 / 73 ب، مرآة الجنان 1 / 182، البداية والنهاية 9 / 88، غاية النهاية: ت 803، مجمع الزوائد 9 / 325، تهذيب التهذيب 1 / 376، الإصابة 1 / 71، النجوم الزاهرة 1 / 224، خلاصة تذهيب الكمال: 35، شذرات الذهب 1 / 100، 101، تهذيب ابن عساكر 3 / 142. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 وَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ المائتَيْنِ بَقَايَا مَنْ سَمِعَ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ كَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ (1) . وَقَدْ سَرَدَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) نَحْوَ مائَتَيْ نَفْسٍ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَسٍ. وَكَانَ أَنَسٌ يَقُوْلُ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَصَحِبَ أَنَسٌ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَمَّ الصُّحْبَةِ، وَلاَزَمَهُ أَكْمَلَ المُلاَزَمَةِ مُنْذُ هَاجَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَغَزَا مَعَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَقَدْ رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي (طَبَقَاتِهِ) : حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَوْلَىً لأَنَسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ بَدْراً؟ فَقَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ، وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ. ثُمَّ قَالَ الأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَدْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ يَخْدُمُهُ (3) . وَقَدْ رَوَاهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، عَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ لأَنَسٍ: ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قُلْتُ: لَمْ يَعُدَّهُ أَصْحَابُ المَغَازِي فِي البَدْرِيِّيْنَ؛ لِكَوْنِهِ حَضَرَهَا صَبِيّاً   (1) تحرف في المطبوع إلى " ابن نعيم ". (2) أخرجه أحمد 3 / 110، ومسلم (2029) (125) ، وابن سعد 7 / 20 من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس، وتمامه: فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر - وأبو بكر على شماله - يا رسول الله أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الايمن فالايمن ". (3) الأنصاري: هو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثقة، وأبوه عبد الله صدوق، خرج له البخاري إلا أنه كثير الغلط، ومولى أنس لا يعرف، لكن تابعه ثمامة في رواية عمر بن شبة، وهو صدوق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 مَا قَاتَلَ، بَلْ بَقِيَ فِي رِحَالِ الجَيْشِ، فَهَذَا وَجْهُ الجَمْعِ. وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حَمْزَةَ بِبَقْلَةٍ اجْتَنَيْتُهَا (1) . وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ - وَفِيْهِ لِينٌ - عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي، فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَقَدْ أَتْحَفَكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلاَّ ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ، فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، فَمَا ضَرَبَنِي، وَلاَ سَبَّنِي، وَلاَ عَبَسَ فِي وَجْهِي. رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: جَاءتْ بِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ) . فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيْرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي يَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ مائَةٍ اليَوْمَ (3) . رَوَى نَحْوَهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْم قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ   (1) أخرجه الترمذي (3918) والطبراني (656) وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف. (2) هذا اللفظ ليس عند الترمذي، وإنما هو لأبي يعلى كما في " المجمع " 1 / 271، 272 وله تتمة عنده روى بعضها الترمذي في مواضع متفرقة من " سننه " انظر (589) و (2678) و (2698) وهو عند ابن عساكر 3 / 78 ب من طريق أبي يعلى. (3) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2481) (143) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أنس بن مالك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 اللهِ! خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللهَ لَهُ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ) . فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِي أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي أَكْثَرُ مِنْ مائَةٍ (1) . حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَعَا لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ) . فَاللهُ أَكْثَرَ مَالِي، حَتَّى إِنَّ كَرْماً لِي لَتَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنَ، وَوُلِدَ لِصُلْبِي مائَةٌ وَسِتَّةٌ (2) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَظِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَكِيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: (أَعِيْدُوا تَمْرَكُم فِي وِعَائِكُم، وَسَمْنَكُم فِي سِقَائِكُم، فَإِنِّي صَائِمٌ) . ثُمَّ قَامَ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَصَلَّى بِنَا صَلاَةً غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً. قَالَ: (وَمَا هِيَ؟) . قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ ارزُقْهُ مَالاً وَوَلَداً، وَبَارِكْ لَهُ فِيْهِ) . قَالَ: فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً، وَحَدَّثَتْنِي أُمَيْنَةُ ابْنَتِي: أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الحَجَّاجِ البَصْرَةَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ وَمائَةٌ (3) .   (1) أخرجه ابن عساكر 3 / 80 آ، وأخرجه البخاري 11 / 122 و154 في الدعوات، ومسلم (2480) في فضائل الصحابة، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس دون قوله: " فأخبرني بعض أهلي ... " وأخرجه معها بنحوه 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار قوما فلم يفطر عندهم، من طريق حميد، عن أنس وفيه: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة، بضع وعشرون ومئة. (2) أخرجه ابن عساكر 3 / 80 ب، وأخرجه بنحوه البخاري في " الأدب المفرد " (653) ، وابن سعد 7 / 19 من طريقين عن سنان بن ربيعة، عن أنس ... وسنده حسن. (3) وأخرجه البخاري 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار قوما فلم يفطر عندهم = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ أَبِي خَلْدَةَ: قُلْتُ لأَبِي العَالِيَةِ: سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيْهَا رَيْحَانٌ يَجِيْءُ مِنْهُ رِيحُ المِسْكِ (1) . أَبُو خَلْدَةَ: ثِقَةٌ. عَنْ مُوْسَى بنِ أَنَسٍ: أَنَّ أَنَساً غَزَا ثَمَانِ غَزَوَاتٍ (2) . وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشبَهَ بِصَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ -يَعْنِي: أَنساً (3) -. وَقَالَ أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَحسَنَ النَّاسِ صَلاَةً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ (4) . وَرَوَى: الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ دَماً، مِمَّا يُطِيلُ القِيَامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، قَالَ: جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُوكَ. فَتَرَدَّى أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلاَّ يَسِيْراً (5) .   = من طريق محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، عن أنس.. (1) رجاله ثقات، وهو في " سنن الترمذي " (3833) من طريق محمود بن غيلان بهذا الإسناد وحسنه، وأخرجه ابن عساكر 3 / 82 ب. (2) ابن عساكر 3 / 84 ب. (3) رجاله ثقات. أخرجه ابن سعد من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت ... وهو عند ابن عساكر 3 / 84 ب. (4) ابن عساكر 3 / 84 ب. (5) ابن عساكر 3 / 85. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 رَوَى نَحْوَهُ: الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثُمَامَةَ (1) . قُلْتُ: هَذِهِ كَرَامَةٌ بَيِّنَةٌ ثَبَتَتْ بِإِسْنَادَيْنِ. قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي مَن صَحِبَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا أَحرَمَ أَنَسٌ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَلَّ مِنْ شِدَّةِ إِبْقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ (2) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُوْسَى بنِ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ بَعَثَ إِلَى أَنَسٍ لِيُوَجِّهَهُ عَلَى البَحْرَيْنِ سَاعِياً. فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَرَدْتُ أَنْ أَبْعَثَ هَذَا عَلَى البَحْرَيْنِ، وَهُوَ فَتَىً شَابٌّ. قَالَ: ابعَثْهُ، فَإِنَّهُ لَبِيبٌ كَاتِبٌ. فَبَعَثَه، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ، قَدِمَ أَنَسٌ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَاتِ مَا جِئْتَ بِهِ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، البَيْعَةَ أَوَّلاً. فَبَسَطَ يَدَهُ (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: استَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الصَّدَقَةِ؛ فَقَدِمْتُ، وَقَدْ مَاتَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَنَسُ! أَجِئْتَنَا بِظَهْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: جِئْنَا بِهِ، وَالمَالُ لَكَ. قُلْتُ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَهُوَ لَكَ. وَكَانَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ (4) . رَوَى: ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَحِبْتُ جَرِيرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي، وَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ يَصْنَعُوْنَ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئاً، لاَ أَرَى أَحَداً مِنْهُم إِلاَّ خَدَمْتُهُ (5) .   (1) أخرجه ابن سعد في " طبقات " 7 / 21. (2) في ابن سعد 7 / 22 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا شيخ لنا يكنى أبا الحباب، قال: سمعت الجريري يقول: أحرم أنس بن مالك من ذات عرق، قال: فما سمعناه متكلما إلا بذكر الله حتى حل، قال: فقال له: يا ابن أخي هكذا الاحرام. (3) ابن عساكر 3 / 86 ب. (4) ابن عساكر 3 / 86 ب. (5) ابن عساكر 3 / 87 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: (يَا ذَا الأُذُنَيْنِ (1)) . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخُصُّهُ بِبَعْضِ العِلْمِ. فَنَقَلَ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ طَافَ عَلَى تِسْعِ نِسْوَةٍ فِي ضَحْوَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ (2) . قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: كَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْد مَوْتِ يَزِيْدَ إِلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ فَصَلَّى بِالنَّاسِ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً. وَقَدْ شَهِدَ أَنَسٌ فَتْحَ تُسْتَرَ، فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِصَاحِبِهَا الهُرْمُزَانَ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ -رَحِمَهُ اللهُ -. قَالَ الأَعْمَشُ: كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ -يَعْنِي: لَمَّا آذَاهُ الحَجَّاجُ -: إِنِّيْ خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ النَّصَارَى أَدْرَكُوا رَجُلاً خَدَمَ نَبِيَّهُم، لأَكْرَمُوْهُ (3) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالقَصْرِ، وَالحَجَّاجُ يَعْرِضُ النَّاسَ لَيَالِيَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَجَاءَ أَنَسٌ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: يَا خَبِيثُ، جَوَّالٌ فِي الفِتَنِ، مَرَّةً مَعَ عَلِيٍّ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ؛ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَسْتَأْصِلَنَّكَ كَمَا تُسْتَأْصَلُ الصَّمْغَةُ، وَلأُجَرِدَنَّكَ كَمَا يُجَرَّدُ الضَّبُّ. قَالَ: يَقُوْلُ أَنَسٌ: مَنْ يَعْنِي الأَمِيْرُ؟ قَالَ: إِيَّاكَ أَعْنِي، أَصَمَّ اللهُ سَمْعَكَ. قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ أَنَسٌ، وَشُغِلَ الحَجَّاجُ. فَخَرَجَ أَنَسٌ، فَتَبِعْنَاهُ إِلَى الرَّحْبَةِ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي ذَكَرْتُ وَلَدِي وَخَشِيتُ   (1) أخرجه أبو داود (5002) في الأدب، والترمذي (3828) ، والطبراني (663) ، من طريق شريك، عن عاصم، عن أنس. وشريك: - وهو ابن عبد الله النخعي القاضي - كثير الخطأ. وأخرجه الطبراني (662) من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد، عن حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس. (2) انظر صحيح مسلم (309) ، وسنن أبي داود (218) ، والنسائي 1 / 144، وابن ماجه (588) ، والترمذي (140) ، والبخاري 1 / 324. (3) ابن عساكر 3 / 87 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 عَلَيْهِم بَعْدِي، لَكَلَّمْتُهُ بِكَلاَمٍ لاَ يَسْتَحْيِينِي بَعْدَهُ أَبَداً (1) . قَالَ سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ: رَأَيتُ عَلَى أَنَسٍ عِمَامَةً سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ. وَقَالَ أَبُو طَالُوْتَ عَبْدُ السَّلاَمِ: رَأَيتُ عَلَى أَنَسٍ عِمَامَةً. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: نَهَى عُمَرُ أَنْ نَكْتُبَ فِي الخَوَاتِيمِ عَرَبِيّاً. وَكَانَ فِي خَاتَمِ أَنَسٍ ذِئْبٌ، أَوْ ثَعْلَبٌ (2) . وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَنَسٍ أَسَدٌ رَابِضٌ (3) . قَالَ ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ كَرْمُ أَنَسٍ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ (4) . قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: سَمِعْتُ أَنساً يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ صَلَّى القِبْلَتَينِ غَيْرِي (5) . قَالَ المُثَنَّى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُوْلُ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى فِيْهَا حَبِيبِي. ثُمَّ يَبْكِي (6) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا؟ - قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ مَنْ يُكْثِرْ يَهْجُرْ (7) .   (1) أخرجه الطبراني (704) وعلي بن زيد ضعيف، وبه أعله الهيثمي في " المجمع " 7 / 274، وهو في ابن عساكر 3 / 87 آ. (2) رجاله ثقات، وهو عند ابن سعد 7 / 18. (3) رجاله ثقات، وهو عند ابن سعد 7 / 18. (4) أخرجه ابن سعد 7 / 20 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة. (5) أخرجه البخاري 8 / 131 في تفسير سورة البقرة: باب قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) ، وابن سعد 7 / 20، وقوله " ممن صلى القبلتين " يعني الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة. (6) أخرجه ابن سعد 7 / 20، ورجاله ثقات. (7) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 7 / 22 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، إن = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 هَمَّامٌ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ نَقَشَ فِي خَاتَمِهِ: (مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ) ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ، نَزَعَهُ (1) . قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ مِطْرَفَ خَزٍّ، وَعِمَامَةَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزٍّ (2) . رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَزْهَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الخَيْلِ الَّذِيْنَ بَيَّتُوا أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَكَانَ فِيْمَنْ يُؤَلِّبُ عَلَى الحَجَّاجِ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَأَتَوْا بِهِ الحَجَّاجَ، فَوَسَمَ فِي يَدِهِ: عَتِيْقُ الحَجَّاجِ (3) . قَالَ الأَعْمَشُ: كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ: قَدْ خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِيْنَ، وَإِنَّ الحَجَّاجَ يُعَرِّضُ بِي حَوَكَةَ البَصْرَةِ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! اكْتُبْ إِلَى الحَجَّاجِ: وَيْلَكَ! قَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَصْلُحَ عَلَى يَدَيَّ أَحَدٌ، فَإِذَا جَاءكَ كِتَابِي، فَقُمْ إِلَى أَنَسٍ حَتَّى تَعْتَذِرَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَتَاهُ الكِتَابُ، قَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ بِمَا هُنَا؟ قَالَ: إِي وَاللهِ؛ وَمَا كَانَ فِي وَجْهِهِ أَشَدُّ مِنْ هَذَا. قَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ، أَعْلَمْتُهُ. فَأَتَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى قَدْ خَافَكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْكَ، فَقُمْ إِلَيْهِ. فَأَقْبَلَ أَنَسٌ يَمْشِي حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! غَضِبْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، تُعَرِّضُنِي بِحَوَكَةِ البَصْرَةِ؟ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكَ كَقْولِ الَّذِي قَالَ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمِعِي يَا جَارَةُ، أَرَدْتُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ لأَحَدٍ عَلَيَّ مَنْطِقٌ (4) .   = بني أنس بن مالك قالوا لابيهم: يا أبانا ألا تحدثنا كما تحدث الغرباء؟. وقوله " يهجر " من هجر في كلامه: إذا خلط فيه وإذا هذى. (1) أخرجه ابن سعد 7 / 22، 23. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 23. (3) ابن عساكر 3 / 87 ب. (4) ابن عساكر 3 / 87 ب، وهو في " المستدرك " 3 / 574 مختصرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وَرَوَى: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَبْرَصَ، وَبِهِ وَضَحٌ شَدِيدٌ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ، فَيَلْقَمُ لُقَماً كِبَاراً (1) . قَالَ حُمَيْدٌ: عَنْ أَنَسٍ: يَقُوْلُوْنَ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ فِي قَلْبٍ، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ حُبَّهُمَا فِي قُلُوْبِنَا (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا رَأَتْ أَنَساً مُتَخَلِّقاً بِخَلُوْقٍ، وَكَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُوْلُ لأَهْلِهِ: لَهَذَا أَجْلَدُ مِنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَهُوَ أَسَنُّ مِنْ سَهْلٍ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِي (3) . قَالَ أَبُو اليَقْظَانِ: مَاتَ لأَنسٍ فِي طَاعُوْنِ الجَارِفِ (4) ثَمَانُوْنَ ابْناً. وَقِيْلَ: سَبْعُوْنَ. وَرَوَى: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: ضَعفَ أَنَسٌ عَنِ الصَّوْمِ، فَصَنَعَ جَفْنَةً مِنْ ثَرِيْدٍ، وَدَعَا ثَلاَثِيْنَ مِسْكِيْناً، فَأَطْعَمَهُم (5) . قُلْتُ: ثَبَتَ مَوْلِدُ أَنَسٍ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.   (1) ابن عساكر 3 / 88 آ. (2) ذكره المؤلف أيضا في " تاريخه " 3 / 342، 343. (3) ابن عساكر 3 / 88 ب. (4) كان طاعون الجارف بالبصرة سنة 69 هـ، قال المدائني: حدثني من أدرك ذلك، قال: كان ثلاثة أيام، فمات نحو مئتي ألف نفس، وقال غيره: مات في طاعون الجارف لأنس من أولاده وأولادهم سبعون نفسا " دول الإسلام " 1 / 52. (5) ابن عساكر 3 / 88 ب، وفي البخاري 8 / 135: فقد أطعم أنس بن مالك بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر. وقال الحافظ: وروى عبد حميد من طريق النضر بن أنس، عن أنس أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر، فأطعم مسكينا كل يوم، ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس، عن مروان، عن معاوية، عن حميد، قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفي، فسألت ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا، فلما عرف أنه لا يطيق القضاء، أمر بجفان من خبز ولحم، فأطعم العدة أو أكثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وَأَمَّا مَوْتُهُ: فَاخْتَلَفُوا فِيْهِ، فَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ. وَكَذَا أَرَّخَهُ: قَتَادَةُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَرَوَى: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنِ ابْنٍ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. وَتَابَعَهُ: الوَاقِدِيُّ. وَقَالَ عِدَّةٌ - وَهُوَ الأَصَحُّ -: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَعِيْدُ (1) بنُ عَامِرٍ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ، وَقَعْنَبٌ. فَيَكُوْنُ عُمُرُهُ عَلَى هَذَا: مائَةً وَثَلاَثَ سِنِيْنَ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِي سِنِّ أَنَسٍ، فَقَالَ بَعْضُهُم: بَلَغَ مائَةً وَثَلاَثَ سِنِيْنَ. وَقَالَ بَعَضُهُم: بَلغَ مائَةً وَسَبْعَ سِنِيْنَ. (مُسْنَدُهُ) : أَلْفَانِ وَمائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُوْنَ. اتَّفَقَ لَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى مائَةٍ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِتِسْعِيْنَ. 63 - عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ القُرَشِيُّ * (ع) ابْنِ هِلاَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ، أَبُو حَفْصٍ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَدَنِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ.   (1) تحرف في المطبوع إلى " سعد ". (*) المحبر: 84، 293، التاريخ الكبير 6 / 139، الجرح والتعديل 6 / 117، جمهرة أنساب العرب: 88، الاستيعاب: 1159، تاريخ بغداد 1 / 194، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 339، تاريخ ابن عساكر 13 / 116 ب، أسد الغابة 4 / 183، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 16، تهذيب الكمال: 1012، تاريخ الإسلام 3 / 194، 286، تذهيب التهذيب 3 / 85 آ، العقد الثمين 6 / 307، الإصابة 2 / 519، تهذيب التهذيب 7 / 455، خلاصة تذهيب الكمال: 240. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وُلِدَ: قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَر، فَإِنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَخَلَّفَ أَرْبَعَةَ أَوْلاَدٍ، هَذَا أَكْبَرُهُم، وَهُم: عُمَرُ، وَسَلَمَةُ، وَزَيْنَبُ، وَدُرَّةُ. ثُمَّ كَانَ عُمَرُ هُوَ الَّذِي زَوَّجَ أُمَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَبِيٌّ (1) . ثمّ إِنَّهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ وَقَدِ احْتَلَمَ، وَكَبِرَ، فَسَأَلَ عَنِ القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (2) ، فَبَطَلَ مَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ فِي (الاسْتِيعَابِ) مِنْ أَنَّ مَوْلِدَهُ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ أَبَوَاهُ - بَلْ وَسَنَةَ إِحْدَى - بِالمَدِيْنَةِ، وَشَهِدَ أَبُوْهُ بَدْراً، فَأَنَّى يَكُوْنُ مَوْلِدُهُ فِي الحَبَشَةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ؟ بَلْ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيْرٍ. وَقَدْ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ صَارَ رَبِيْبَهُ أَدَبَ الأَكْلِ، وَقَالَ: (يَا بُنَيَّ! ادْنُ، وَسَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِيْنِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ (3)) . وَحَفِظَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   (1) أخرجه النسائي 6 / 81 في النكاح: باب إنكاح الابن أمه، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 4 / 459. ولفظه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، بعث إليها أبو بكر يخطبها عليه، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى، وأني امرأة مصيبة، وليس أحد من أوليائي شاهدا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: " ارجع إليها، فقل لها، أما قولك: إني امرأة غيرى، فسأدعو الله لك، فيذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصيبة، فستكفين صبيانك، وأما قولك: أن ليس أحد من أوليائي شاهدا، فليس أحد من أوليائك شاهدا ولا غائبا يكره ذلك " فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه. (2) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1108) من طريق عبد ربه بن سعيد، عن عبد الله ابن كعب الحميري، عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " لام سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والله إني لاتقاكم لله، وأخشاكم له ". (3) أخرجه مالك 4 / 934، والبخاري 9 / 458 في الاطعمة: باب التسمية على الطعام والاكل باليمين، ومسلم (2022) في الاشربة: باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، وأبو داود (3787) والترمذي (1858) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أُمِّهِ. رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَقُدَامَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو وَجْزَةَ يَزِيْدُ بنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ. وَرُوِيَ عَنِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: عُمَرُ أَكْبَرُ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ. وَقِيْلَ: طَلَبَ عَلِيٌّ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنْ تَسِيرَ مَعَهُ نَوْبَةَ الجَمَلِ، فَبَعَثَتْ مَعَهُ ابْنَهَا عُمَرَ. وَطَالَ عُمُرُهُ، وَصَارَ شَيْخَ بَنِي مَخْزُوْمٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ: أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ (1) . وَأَخُوْهُ: 64 - سَلَمَةُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ القُرَشِيُّ * طَالَ عُمُرُهُ، وَمَا رَوَى كَلِمَةً. وَهُوَ الَّذِي زَوَّجَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ (2) ، فَجَزَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ عُمْرَةِ القَضِيَّةِ (3) بِأَنْ زَوَّجَهُ بِبِنْتِ عَمِّهِ أُمَامَةَ   (1) ذكر ذلك في " أسد الغابة " في ترجمته 4 / 183، ولكنه في " تاريخه " 5 / 525 أرخ وفاته سنة 86. (*) المحبر: 64 الاستيعاب: 641، أسد الغابة 2 / 429، تاريخ الإسلام 3 / 156، الوافي بالوفيات 15 / 318، العقد الثمين 4 / 598، الإصابة 2 / 66. (2) كذا قال ابن إسحاق، ونقله عنه غير واحد وأقره حتى إن الحافظ في " الإصابة " 2 / 66 جعله أثبت من قول من قال: إن الذي زوجه إياها ابنها عمر، مع أنه قد صحح إسناد حديث النسائي المتقدم، المصرح بأن الذي تولى تزويجها هو عمر. (3) عمرة القضية - وقد تحرفت في المطبوع إلى " العقبة " - كانت في ذي القعدة سنة سبع، سميت بذلك، لأنه قاضى أهل مكة عليها، انظر " زاد المعاد " 2 / 90، 91، و3 / 370، 371. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 بِنْتِ حَمْزَةَ الَّتِي اخْتَصَمَ فِي كَفَالَتِهَا: عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بنُ حَارِثَةَ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لاَ نَعْلَمُهُ حَفِظَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئاً. وَتُوُفِّيَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَخِيْهِ عُمَرَ. هَكَذَا يَرْوِي: ابْنُ سَعْدٍ. 65 - بُسْرُ بنُ أَرْطَاةَ القُرَشِيُّ العَامِرِيُّ * (د، ت، س) الأَمِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، الصَّحَابِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ. لَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيْثُ: (لاَ تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الغَزْوِ) (2) . وَحَدِيثُ:   (1) أورده الحافظ في " الإصابة " 2 / 66 عن ابن إسحاق: حدثني من لاأتهم، عن عبد الله بن شداد ... وخبر خصومة علي وجعفر وزيد بن حارثة في كفالة أمامة، أخرجه البخاري 7 / 385، 390 في الحج: باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، وباب لبس السلاح للمحرم، وفي الصلح: باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان، وأخرجه أبو داود (2278) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 409، نسب قريش: 439، طبقات خليفة: ت 155، 976، 2824، المحبر: 293، التاريخ الكبير 2 / 123، تاريخ الطبري 5 / 167، الجرح والتعديل 2 / 422، مشاهير علماء الأمصار: ت 364، مروج الذهب 3 / 211، 371، الاغاني 2 / 79، جمهرة أنساب العرب: 170، المستدرك 3 / 591، الاستيعاب: 157، تاريخ بغداد 1 / 210، تاريخ ابن عساكر 3 / 148 آ، أسد الغابة 1 / 213 الكامل 3 / 383، تهذيب الكمال: 144، تاريخ الإسلام 3 / 140، تذهيب التهذيب: 1 / 81 / آالوافي بالوفيات 10 / 129، العقد الثمين 3 / 362، تهذيب التهذيب 1 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 40، تهذيب ابن عساكر 3 / 223. (2) أخرجه أبو داود (4408) في الحدود: باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟ من طريق ابن وهب، عن حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس القتباني، عن شييم بن بيتان، ويزيد بن صبح الاصبحي، عن جنادة بن أبي أمية، عن بسر بن أرطاة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقطع الايدي في السفر " وهذا سند صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 181 من طريق آخر عن عياش بن عباس ... ولفظه " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطع في الغزو "، وأخرجه النسائي 8 / 91 من طريق حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس ... وأخرجه الترمذي (1450) والطبراني (1195) من طريق ابن لهيعة عن عياش بن عباس ... بلفظ " لا تقطع الايدي في الغزو ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا (1)) . رَوَى عَنْهُ: جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا ثَمَانِ سِنِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: صَحَابِيٌّ، شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ وَحَمَّامٌ، وَلِيَ الحِجَازَ وَاليَمَنَ لِمُعَاوِيَةَ، فَفَعَلَ قَبَائِحَ، وَوُسْوِسَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. قُلْتُ: كَانَ فَارِساً شُجَاعاً، فَاتِكاً مِنْ أَفرَادِ الأَبْطَالِ، وَفِي صُحْبَتِهِ تَرَدُّدٌ. قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَبَى مُسْلِمَاتٍ بِاليَمَنِ، فَأُقِمْنَ لِلْبَيْعِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَتَلَ قُثَمَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ صَغِيْرَيْنِ بِاليَمَنِ، فَتَوَلَّهَتْ أُمُّهُمَا عَلَيْهِمَا. وَقِيْلَ: قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَهَدَمَ بُيُوْتَهُم بِالمَدِيْنَةِ. وَخَطَبَ، فَصَاحَ: يَا دِيْنَارُ! يَا رُزَيْقُ! شَيْخٌ سَمْحٌ عَهِدْتُهُ هَا هُنَا بِالأَمْسِ مَا فَعَلَ؟ -يَعْنِي عُثْمَانَ - لَوْلاَ عَهْدُ مُعَاوِيَةَ، مَا تَرَكْتُ بِهَا مُحْتَلِماً إِلاَّ قَتَلْتُهُ. وَلَكِنْ كَانَ لَهُ نِكَايَةٌ فِي الرُّوْمِ، دَخَلَ وَحْدَهُ إِلَى كَنِيْسَتِهِم، فَقَتَلَ جَمَاعَةً، وَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ تَلاَحَقَ أَجْنَادُهُ، فَأَدْرَكُوهُ وَهُوَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ بِسَيْفِهِ، فَقَتَلُوا مَنْ بَقِيَ، وَاحْتَمَلُوْهُ. وَفِي الآخِرِ جُعِلَ لَهُ فِي القِرَابِ سَيْفٌ مِنْ   (1) أخرجه أحمد 4 / 181 من طريق هيثم بن خارجة، حدثنا محمد بن أيوب بن ميسرة ابن حلبس، قال: سمعت أبي يحدث عن بسر بن أرطاة القرشي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة " وأيوب بن ميسرة لم يوثقه غير ابن حبان، وأخرج حديثه هذا في " صحيحه " (2424) و (2425) ، وهو في " معجم الطبراني " (1196) و (1198) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 خَشَبٍ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِأَحَدٍ. وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ -. 66 - النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرِ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الأَمِيْرُ، العَالِمُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ صَاحِبِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، ابْنُ أُخْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ. (مُسْنَدُهُ) : مائَةٌ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِأَرْبَعَةٍ (1) . شَهِدَ أَبُوْهُ بَدْراً. وَوُلِدَ النُّعْمَانُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ؛ وَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ الصِّبْيَانِ بِاتِّفَاقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ مُحَمَّدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ،   (*) طبقات ابن سعد 6 / 53، طبقات خليفة: ت 593، 930، 2853، المحبر: 276، 294، 421، التاريخ الكبير 8 / 75، المعارف: 294، أخبار القضاة 3 / 201، الجرح والتعديل 8 / 444، الاغاني 16 / 28، 54، المستدرك 3 / 530، جمهرة أنساب العرب: 364، الاستيعاب: 1496، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 531، تاريخ ابن عساكر 17 / 293 ب، أسد الغابة 5 / 326، الكامل 4 / 149، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 129، تهذيب الكمال: 1413، تاريخ الإسلام 3 / 88، تذهيب التهذيب 4 / 97 ب، البداية والنهاية 8 / 244، الإصابة 3 / 559، تهذيب التهذيب 10 / 447، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 1 / 72. (1) انظر البخاري 11 / 373 و2 / 173 و1 / 117، 119 و5 / 155، 156 و10 / 367 و5 / 94، ومسلم (213) و (436) و (878) و (1599) و (1623) و (1879) و (2586) و (2745) و (2977) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَمَوْلاَهُ؛ حَبِيْبُ بنُ سَالِمٍ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ؛ فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ مُدَّةً، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ بَعْدَ فَضَالَةَ (1) ، ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ حِمْصَ. قَالَ البُخَارِيُّ: وُلِدَ عَامَ الهِجْرَةِ. قِيْلَ: وَفَدَ أَعْشَى هَمْدَانَ عَلَى النُّعْمَانِ وَهُوَ أَمِيْرُ حِمْصَ، فَصَعِدَ المِنْبَر، فَقَالَ: يَا أَهْلَ حِمْصَ - وَهُم فِي الدِّيْوَانِ: عِشْرُوْنَ أَلْفاً -! هَذَا ابْنُ عَمِّكُم مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ وَالشَّرَفِ جَاءَ يَسْتَرفِدُكُم، فَمَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، احْتَكِمْ لَهُ. فَأَبَى عَلَيْهِم. قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ حَكَمْنَا لَهُ عَلَى أَنْفُسِنَا بِدِيْنَارَيْنِ دِيْنَارَيْنِ. قَالَ: فَعَجَّلَهَا مِنْ بَيْتِ المَالِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ -وَاللهِ - مِنْ أَخْطَبِ مَنْ سَمِعْتُ. قِيْلَ: إِنَّ النُّعْمَانَ لَمَّا دَعَا أَهْلَ حِمْصَ إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ذَبَحُوهُ. وَقِيْلَ: قُتِلَ بِقَرْيَةِ بِيْرِيْنَ (2) ، قَتَلَهُ خَالِدُ بنُ خَلِيٍّ بَعْدَ وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ، فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 67 - الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ بنِ أَبِي عَمْرٍو الأُمَوِيُّ * ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ،   (1) " تاريخ القضاة " 3 / 201. (2) قال ياقوت: بيرين: من قرى حمص، وفيها قتل خالد بن خلي النعمان بن بشير. (*) طبقات ابن سعد 6 / 24 و7 / 476، نسب قريش: 138، طبقات خليفة: ت 57، 825، 974، 1487، 3064، المحبر: انظر الفهرس، المعارف: 318، الجرح والتعديل 9 / 8، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 الأَمِيْرُ؛ أَبُو وَهْبٍ الأُمَوِيُّ. لَهُ: صُحْبَةٌ قَلِيْلَةٌ، وَرِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ. وَهُوَ أَخُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ لأُمِّهِ، مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ؛ بَعَثَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي المُصْطَلِقِ (1) ، وَأَمَرَ بِذَبْحِ وَالِدِهِ صَبْراً يَوْمَ   = مروج الذهب 3 / 79، 99، 119، الاغاني 5 / 122، جمهرة أنساب العرب: 115، الاستيعاب: 1552، تاريخ ابن عساكر 17 / 434 ب، أسد الغابة 5 / 451، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 145، تهذيب الكمال: 1470، تذهيب التهذيب 4 / 138 آ، البداية والنهاية 8 / 214، العقد الثمين 7 / 398، الإصابة 3 / 637، تهذيب التهذيب 11 / 142، خلاصة تذهيب الكمال: 358. (1) أخرج الامام إحمد في " مسنده " 4 / 279، والطبراني (3395) من طرق عن محمد ابن سابق، عن عيسى بن دينار، عن أبيه، أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه، وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي، جمعت زكاته، فيرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بأن كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الا بان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله عزوجل، ورسوله، فدعا بسرواة قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ماكان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث، ليقبض ما كان عنده، مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله: إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه، إذ استقبل البعث وفصل من المدينة، لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم، قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال: لا، والذي بعث محمدا بالحق، ما رأيته بتة، ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " منعت الزكاة، وأردت قتل رسولي؟ " قال: لا، والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عزوجل ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 بَدْرٍ (1) . رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى الهَمْدَانِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ. وَوَلِيَ الكُوْفَةَ لِعُثْمَانَ، وَجَاهَدَ بِالشَّامِ، ثُمَّ اعْتَزَلَ بِالجَزِيْرَةِ بَعْدَ قَتْلِ أَخِيْهِ عُثْمَانَ، وَلَمْ يُحَارِبْ مَعَ أَحَدٍ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ. وَكَانَ سَخِيّاً، مُمَدَّحاً، شَاعِراً، وَكَانَ يَشْرَبُ الخَمْرَ، وَقَدْ بَعَثَهُ عُمَرُ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي تَغْلِبَ. وَقَبْرُهُ بِقُرْبِ الرَّقَّةِ (2) . قَالَ عَلْقَمَةُ: كُنَّا بِالرُّوْمِ وَعَلَيْنَا الوَلِيْدُ، فَشَرِبَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحُدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: أَتَحُدُّونَ أَمِيْرَكُم، وَقَدْ دَنَوْتُم مِنْ عَدُوِّكُم، فَيَطْمَعُوْنَ فِيْكُم؟ وَقَالَ هُوَ: لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ... وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَا (3) وَقَالَ حُضَيْنُ (4) بنُ المُنْذِرِ: صَلَّى الوَلِيْدُ بِالنَّاسِ الفَجْرَ أَرْبَعاً وَهُوَ سَكْرَانُ، ثُمَّ التَفَتَ، وَقَالَ: أَزِيْدُكُم؟ فَبَلَغَ عُثْمَانَ، فَطَلَبَهُ، وَحَدَّهُ (5) .   = فعلتم نادمين) ، إلى هذا المكان (فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) . وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 108، 109، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات، كذا قال، مع أن دينارا والد عيسى لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، ولم يرو عنه غير ابنه عيسى. وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 632: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عزوجل (إن جاءكم فاسق بنبأ) نزلت في الوليد بن عقبة. (1) انظر ابن سعد 2 / 18، وسيرة ابن هشام 1 / 644. (2) انظر ابن عساكر 17 / 435 ب. (3) ابن عساكر 17 / 440. (4) هو حضين بن المنذر بن الحارث الرقاشي أبو ساسان وهو لقبة، وكنيته أبو محمد، كان من أمراء علي بصفين، وهو ثقة من رجال مسلم. (5) أخرجه مسلم (1707) في الحدود: باب حد الخمر، من طريق عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج، حدثنا حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وَهَذَا مِمَّا نَقَمُوا عَلَى عُثْمَانَ أَنْ عَزَلَ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الكُوْفَةِ، وَوَلَّى هَذَا. وَكَانَ مَعَ فِسْقِهِ - وَاللهُ يُسَامِحُهُ - شُجَاعاً، قَائِماً بِأَمْرِ الجِهَادِ. رَوَى: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ لِعَلِيٍّ: أَنَا أَحَدُّ مِنْكَ سِنَاناً، وَأَبْسَطُ لِسَاناً، وَأَمْلأُ لِلْكَتِيبَةِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: اسْكُتْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ فَاسِقٌ. فَنَزَلَتْ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً) [السَّجْدَةُ (1) : 18] . قُلْتُ: إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، لَكِنَّ سِيَاقَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي أَهْلِ النَّارِ. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ السِّبَابُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ عُقْبَةَ نَفْسِهِ. قَالَهُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (2) . وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَة فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (3)) ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. وَرَوَى: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَاصِمٍ: أَنَّ الوَلِيْدَ أَرسَلَ إِلَى   = عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيا، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها - فكأنه وجد عليه - فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده - وعلي يعد - حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي. وانظر ابن عساكر 17 / 444 آ، و" الأغاني " 5 / 126. (1) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 177، 178، ونسبه للاغاني 5 / 140، والواحدي، وابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر 17 / 439 آ، من طرق عن ابن عباس. (2) نسبه السيوطي في " الدر " 5 / 178 إلى ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر. (3) 17 / 434 ب - 443 ب، وقد طول ترجمته أبو الفرج أيضا في " الاغاني " 5 / 122 - 153. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 ابْنِ مَسْعُوْدٍ: أَنِ اسْكُتْ عَنْ هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ: أَحْسَنُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُّ الأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا. 68 - عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ * (د، ق) صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَزَلَ الشَّامَ بِحِمْصَ. وَلَهُ: جَمَاعَةُ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ يَحْيَى، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَلُقْمَانُ بنُ عَامِرٍ، وَعَامِرُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاسِحٍ الحَضْرَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَأَى الاسْمَ لاَ يُحِبُّهُ، حَوَّلَهُ، لَقَدْ أَتَيْنَاهُ، وَإِنَّا لَتِسْعَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَكْبَرُنَا العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ، فَبَايَعْنَاهُ جَمِيْعاً (1) . وَعَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ، قَالَ: كَانَ اسْمِي عَتَلَةَ، فَسَمَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُتْبَةَ (2) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: عَاشَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 348، 2834، التاريخ الكبير 6 / 521، المعرفة والتاريخ 1 / 340، الجرح والتعديل 6 / 371، الاستيعاب: 1031، الحلية 2 / 15، تاريخ ابن عساكر 11 / 28 آ، أسد الغابة 3 / 563، تهذيب الكمال: 905، تاريخ الإسلام 3 / 282، العبر 1 / 103، تذهيب التهذيب 3 / 26 ب، مرآة الجنان 1 / 22، البداية والنهاية 9 / 73، الإصابة 2 / 454، تهذيب التهذيب 7 / 98، خلاصة تذهيب الكمال: 218، شذرات الذهب 1 / 97، 98 وفيه عتبة بن عبيد. (1) رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 51، 52، ونسبه للطبراني، وقال: ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 11 / 29 ب. (2) ابن عساكر 11 / 29 ب، و" الإصابة " 2 / 454، و" الاستيعاب " 3 /؟ ؟. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. فَأَمَّا: 69 - عُتْبَةُ بنُ النُّدَّرِ السُّلَمِيُّ الشَّامِيُّ * (ق) الصَّحَابِيُّ، الشَّامِيُّ، فَآخَرُ. لَهُ: حَدِيْثَانِ (1) . يَرْوِي عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ. ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ: البَغَوِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. لَمْ يَجِئْ حَدِيْثُهُ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَنْزِلُ دِمَشْقَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. 70 - عَمْرُو بنُ حُرَيْثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ المَخْزُوْمِيُّ ** (ع) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ المَخْزُوْمِيُّ، أَخُو   (*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 349، 2837، التاريخ الكبير 6 / 521، المعرفة والتاريخ 1 / 340، الجرح والتعديل 6 / 374، الاستيعاب: 3 / 117، 119، الحلية 2 / 15، تاريخ ابن عساكر 11 / 31 آ، أسد الغابة 3 / 570، تهذيب الكمال: 906، تاريخ الإسلام 3 / 283، العبر 1 / 98، تذهيب التهذيب 3 / 27 ب، الإصابة 2 / 456، تهذيب التهذيب 7 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 218. (1) أخرج ابن ماجه (2444) من طريق محمد بن المصطفى الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، عن مسلمة بن علي، عن سعيد بن أبي أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة بن الندر يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ (طسم) حتى إذا بلغ قصة موسى قال: " إن موسى صلى الله عليه وسلم آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا، على عفة فرجه وطعام بطنه ". وإسناده ضعيف لتدليس بقية، وليس لعتبة هذا في الكتب الستة، سوى هذا الحديث. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 23، نسب قريش: 333، طبقات خليفة ت 106، 833، المحبر: 156، 379، التاريخ الكبير 6 / 305، التاريخ الصغير 1 / 189، المعارف: 293، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 سَعِيْدِ بنِ حُرَيْثٍ. كَانَ عَمْرٌو مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِيْنَ كَانُوا نَزَلُوا الكُوْفَةَ. مَوْلِدُهُ: قُبَيْلَ الهِجْرَةِ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ جَعْفَرٌ، وَالحَسَنُ العُرَنِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ سُبَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ سَرِيْعٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَآخِرُ مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً: خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ، أَخْبَرَنَا المُسَيَّبُ بنُ مَنْصُوْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ بِآمُلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ خَالِدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ؛ حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي بَطْنِ المَرْأَةِ يَوْمَ بَدْرٍ (1) . وَرَوَى: فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ؛ سَمِعَ مَوْلاَهُ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ:   = المعرفة والتاريخ 1 / 323، الكنى 1 / 71، الجرح والتعديل 6 / 226، تاريخ الطبري 5 / 523، الاستيعاب: 1172، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 363، أسد الغابة 4 / 213، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 26، تهذيب الكمال: 1030، تاريخ الإسلام 3 / 289، العبر 1 / 100، تذهيب التهذيب 3 / 96 آ، مرآة الجنان 1 / 176، مجمع الزوائد 9 / 405، العقد الثمين 6 / 368، الإصابة 2 / 531، تهذيب التهذيب 7 / 17، خلاصة تذهيب الكمال: 244، شذرات الذهب 1 / 95. (1) شريك: هو شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي القاضي: كثير الخطأ، وباقي رجاله ثقات. وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 405، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 انْطُلِقَ بِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا غُلاَمٌ؛ فَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، وَمَسَحَ رَأْسِي، وَخَطَّ لِي دَاراً بِالمَدِيْنَةِ بِقَوْسٍ، ثُمَّ قَالَ: (أَلاَ أَزِيْدُكَ (1) ؟) . وَرَوَى: مَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنْ أَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: ثُمَّ وَلِيَ الكُوْفَةَ لِزِيَادِ ابْنِ أَبِيْهِ، وَلابْنِهِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ: عَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ، وَحَصَّلَ مَالاً عَظِيماً وَأَوْلاَداً، مِنْهُم: عَبْدُ اللهِ، وَجَعْفَرٌ، وَيَحْيَى، وَخَالِدٌ، وَأُمُّ الوَلِيْدِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَسَعِيْدٌ، وَمُغِيْرَةُ، وَعُثْمَانُ، وَحُرَيْثٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً (2) . وَشَهِدَ أَخُوْهُ سَعِيْدُ بنُ حُرَيْثٍ فَتْحَ مَكَّةَ وَهُوَ حَدَثٌ. 71 - العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ السُّلَمِيُّ * (4) مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الصُّفَّةِ، سَكَنَ حِمْصَ، وَرَوَى أَحَادِيْثَ.   (1) أخرجه أبو داود (3060) في الامارة: باب في إقطاع الارضين من طريق مسدد، حدثنا عبد الله بن داود بهذا الإسناد، وخليفة المخزومي والد فطر لين الحديث، وباقي رجاله ثقات. (2) أخرجه ابن سعد 6 / 23. (*) طبقات ابن سعد 4 / 276 و7 / 412، طبقات خليفة: ت 347، 2833، المحبر: 281، التاريخ الكبير 7 / 85، الجرح والتعديل 7 / 39، الحلية 2 / 13، الاستيعاب: 3 / 166 أسد الغابة 4 / 19، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 330، تهذيب الكمال: 928، تاريخ الإسلام 3 / 192، العبر 1 / 85، تذهيب التهذيب 3 / 37 ب، مرآة الجنان 1 / 156، الإصابة 2 / 473، تهذيب التهذيب 7 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 269، شذرات الذهب 1 / 82. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 رَوَى عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو رُهْمٍ السَّمَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَحُجْرُ بنُ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي المُطَاعِ، وَعَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ، وَالمُهَاصِرُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعِدَّةٌ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بنُ حُجْرٍ، قَالاَ: أَتَينَا (1) العِرْبَاضَ بنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيْهِ: {وَلاَ عَلَى الَّذِيْنَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُم قُلْتَ: لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُم عَلَيْهِ} [التَّوْبَةُ: 93] ، فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَا زَائِرِيْنَ، وَعَائِدِيْنَ، وَمُقْتَبِسِيْنَ. فَقَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُوْنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوْبُ. فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: (أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيّاً، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُم بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيْراً، فَعَلَيْكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ المَهْدِيِّيْنَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُوْرِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ (2)) . رَوَاهُ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنِ الوَلِيْدِ، وَزَادَ: قَالَ الوَلِيْدُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ   (1) تحرفت في المطبوع إلى " أنبأنا ". (2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 126، 127، وسنن أبي داود (4607) في السنة: باب في لزوم السنة، وأخرجه الترمذي (2676) في العلم: باب ما جاء في الاخذ بالسنة من طريق علي بن حجر، حدثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان ... وأخرجه الدارمي 1 / 44 من طريق أبي عاصم، أخبرنا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن معدان ... وأخرجه ابن ماجه (42) في المقدمة، من طريق عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثني يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية ... وقال الترمذي: حسن صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 زَبْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بنُ أَبِي المُطَاعِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ العِرْبَاضِ. وَرَوَاهُ: بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحْدَهُ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، عَنِ العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ - وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُقْبَضَ - فَكَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وَوَهَنَ عَظْمِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ أُصَلِّي، وَأَدْعُو أَنْ أُقْبَضَ؛ إِذْ أَنَا بِفَتَىً مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ، وَعَلَيْهِ دُوَّاجٌ (1) أَخْضَرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُو بِهِ؟ قُلْتُ: كَيْفَ أَدْعُو يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ حَسِّنِ العَمَلَ، وَبَلِّغِ الأَجَلَ. فَقُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ قَالَ: أَنَا رُتْبَابِيْلُ الَّذِي يَسُلُّ الحُزْنَ مِنْ صُدُورِ المُؤْمِنِيْنَ. ثُمَّ الْتَفَتُّ، فَلَمْ أَرَ أَحَداً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كُنْيَةُ العِرْبَاضِ: أَبُو نَجِيْحٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ، عِنْد قَنَاةِ الحَبَشَةِ، وَهُوَ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ (2) كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ، لاَ يُدْرَى أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ. قُلْتُ: لَمْ يَصِحَّ أَنَّ العِرْبَاضَ قَالَ ذَلِكَ (3) . فَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عُتْبَةُ بنُ عَبْدٍ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةً مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَكْبَرُنَا العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ، فَبَايَعْنَاهُ (4) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ،   (1) الدواج: ضرب من الثياب. (2) تحرف في المطبوع إلى " عنبسة ". (3) وهو صحيح عن عمرو بن عبسة، وقد تقدم ذلك في ترجمته. (4) تقدم تخزجه في الصفحة: 416 ت 1. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 عَنِ العِرْبَاضِ، قَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُقَالُ: فَعَلَ أَبُو نَجِيْحٍ؛ لأَلْحَقْتُ مَالِي سُبْلَةً، ثُمَّ لَحِقْتُ وَادِياً مِنْ أَوْدِيَةِ لُبْنَانَ، عَبَدْتُ اللهَ حَتَّى أَمُوْتَ (1) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي الفَيْضِ؛ سَمِعَ أَبَا حَفْصٍ الحِمْصِيَّ يَقُوْلُ: أَعْطَى مُعَاوِيَةُ المِقْدَادَ حِمَاراً مِنَ المَغْنَمِ، فَقَالَ لَهُ العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ: مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَلاَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَكَ، كَأَنِّي بِكَ فِي النَّارِ تَحْمِلُهُ. فَرَدَّهُ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ العِرْبَاضُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ. 72 - سَهْلُ بنُ سَعْدِ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ الخَزْرَجِيُّ * (ع) ابْنِ خَالِدِ بنِ ثَعْلَبَةَ، الإِمَامُ، الفَاضِلُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو العَبَّاسِ الخَزْرَجِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، السَّاعِدِيُّ. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَانَ سَهْلٌ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ المُتَلاَعِنَيْنِ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.   (1) هو في " طبقات ابن سعد " 4 / 276 بأخصر مما هنا. (*) طبقات خليفة: ت 606، المعرفة والتاريخ 1 / 338، الجرح والتعديل 4 / 198، مشاهير علماء الأمصار: ت 114، المستدرك 3 / 571، جمهرة أنساب العرب: 366، الاستيعاب: 664، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 186، أسد الغابة 2 / 472، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 238، تهذيب الكمال: 558، تذهيب التهذيب 2 / 61 آ، البداية والنهاية 9 / 83، الإصابة 2 / 88، تهذيب التهذيب 4 / 252، خلاصة تذهيب الكمال: 133، شذرات الذهب 1 / 99. (2) أخرجه الطبراني (5691) من طريق ابن وهب، إخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد ... وخبر المتلاعنين أخرجه مطولا عبد الرزاق (12446) ، وأحمد 5 / 334 و336، 337، والبخاري 8 / 340 في التفسير، و9 / 393، 398، ومسلم (1492) ، ومالك 2 / 23، 24، وأبو داود (2245) ، والنسائي 6 / 170، 171، وابن ماجه (2066) من طريق ابن شهاب الزهري عن سهل بن سعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 رَوَى سَهْلٌ: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبَّاسٌ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَيْمُوْنٍ الحَضْرَمِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ المائَةِ. عَبْدُ المُهَيْمِنِ بنُ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ اسْمُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ حَزْناً، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: تَزَوَّجَ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً. وَيُرْوَى: أَنَّه حَضَرَ مَرَّةً وَلِيْمَةً، فَكَانَ فِيْهَا تِسْعٌ مِنْ مُطَلَّقَاتِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ، وَقَفْنَ لَهُ، وَقُلْنَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا العَبَّاسِ؟ قُلْتُ: بَعْضُ النَّاسِ أَسْقَطَ مِنْ نَسَبِهِ (سَعْداً) الثَّانِي. وَبَعْضُهُم كَنَّاهُ: أَبَا يَحْيَى. ذَكَرَ عَدَدٌ كَبِيْرٌ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَتِلْمِيذُهُ البُخَارِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بِالثَّغْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيِّ بِمِصْرَ، أَخْبَرَكُمَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ سَمِعَهُ يَقُوْلُ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِدْرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي،   (1) أخرجه الطبراني (5705) وعبد المهيمن ضعيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . 73 - مَسْلَمَةُ بنُ مُخَلَّدِ بنِ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ * (د) الخَزْرَجِيُّ، الأَمِيْرُ، نَائِبُ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ. يُكْنَى: أَبَا مَعْنٍ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ: أَبُو سَعِيْدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو مُعَاوِيَةَ. لَهُ صُحْبَةٌ، وَلاَ صُحْبَةَ لأَبِيْهِ. قَالَ عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ مَقْدَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَدِيْنَةَ، وَقُبِضَ وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ (2) . حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو قَبِيْلٍ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي رُقَيَّةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ نَوْبَةَ صِفِّيْنَ، ثُمَّ وَلِيَ لَهُ وَلِيَزِيْدَ إِمْرَةَ مِصْرَ.   (1) أخرجه البخاري 10 / 309، 310 في اللباس: باب الامتشاط، و11 / 20، 21 في الاستئذان: باب الاستئذان من أجل البصر، و12 / 215 في الديات: باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له. (*) طبقات ابن سعد 7 / 504، طبقات خليفة: ت 607، 2716، التاريخ الكبير 7 / 387، الولاة والقضاة: 38، المستدرك 3 / 495، جمهرة أنساب العرب: 366، الاستيعاب: 1397، تاريخ ابن عساكر 16 / 228 آ، أسد الغابة 5 / 174، تهذيب الكمال: 1329، تاريخ الإسلام 3 / 78، العبر 1 / 66، تذهيب التهذيب 4 / 40 آ، الإصابة 3 / 418، تهذيب التهذيب 10 / 148، خلاصة تذهيب الكمال: 322، شذرات الذهب 1 / 70. (2) ابن عساكر 16 / 229، وأخرجه ابن سعد 7 / 504 من طريق معن بن عيسى، عن موسى بن علي بهذا الإسناد، وهو صحيح، ولفظه: " أسلمت وأنا ابن أربع سنين، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة، وسيذكرها المصنف عن الواقدي بعد قليل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 رَوَى: ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ ضَرِيرٍ (1) ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو أَيُّوْبَ إِلَى عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ بِمِصْرَ، لِيَسْأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَالْتَقَاهُ مَسْلَمَةُ، وَعَانَقَهُ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَشَذَّ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ (3) . وَوَرَدَ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مَسْلَمَةَ عَامِلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي فِزَارَةَ. قَالَ اللَّيْثُ: عُزِلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ عَنْ مِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَوَلِيَهَا مَسْلَمَةُ حَتَّى مَاتَ زَمَنَ يَزِيْدَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَّيْتُ خَلْفَ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، فَقَرَأَ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَمَا تَرَكَ وَاواً وَلاَ أَلِفاً.   (1) هو أبو سعد المكي الاعمى وهو مجهول لم يرو عنه سوى ابن جريج. (2) أخرجه الحميدي في " مسنده " (384) ، ومن طريقه الخطيب البغدادي في " الرحلة " (34) حدثنا سفيان، حدثنا ابن جريج، قال: سمعت أبا سعد الاعمى، يحدث عن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة، فلما قدم، أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو أمير مصر، فأخبر به، فعجل، فخرج إليه، فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة، فعجل، فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن. قال عقبة: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة " فقال أبو أيوب: صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر. وهو في " المسند " 4 / 153 مختصرا، وللحديث طرق أخرى يتقوى بها انظرها في " الرحلة " (35) و (36) و (37) ، و" مجمع الزوائد " 1 / 134. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 265، 266. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ. 74 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَرْجِسَ المُزَنِيُّ * (م، 4) الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، مِنْ حُلفَاءِ بَنِي مَخْزُوْمٍ. صَحَّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَغْفَرَ لَهُ (1) . وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ. أَظُنُّ أَنَّ أَيُّوْبَ السَّخْتِيَانِيَّ أَدْرَكَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: لاَ يَخْتَلِفُوْنَ فِي ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى قَاعِدَتِهِم فِي السَّمَاعِ وَاللِّقَاءِ. فَأَمَّا قَوْلُ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: إِنِّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَرْجِسَ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ الصُّحْبَةَ الَّتِي يَذْهَبُ إِلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَغَيْرُهُ مِنْ طُولِ المُصَاحَبَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 58، طبقات خليفة: ت 224، 1369، التاريخ الكبير 5 / 17، المعرفة والتاريخ 1 / 256، الجرح والتعديل 5 / 63، الاستيعاب: 916، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 246، أسد الغابة 3 / 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 269، تهذيب الكمال: 687، تاريخ الإسلام 3 / 265، تذهيب التهذيب 2 / 148 ب، العقد الثمين 5 / 165، تهذيب التهذيب 5 / 232، خلاصة تذهيب الكمال: 168. (1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2346) من طريق عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الاحول، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزا ولحما، أو قال: ثريدا، قال: فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) قال: ثم درت خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل. وهو في " المسند " 5 / 82، وابن سعد 7 / 58. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 مَاتَ ابْنُ سَرْجِسَ: فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ، بِالبَصْرَةِ. رِوَايتُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . 75 - المِقْدَامُ بنُ مَعْدِ يْكَرِبَ بنِ عَمْرِو بنِ يَزِيْدَ * (خَ، 4) أَبُو كَرِيْمَةَ. وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ. وَقِيْلَ: أَبُو صَالِحٍ. وَيُقَالُ: أَبُو بِشْرٍ. وَيُقَالُ: أَبُو يَحْيَى، نَزِيْلُ حِمْصَ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَامِرٍ الهَوْزَنِيُّ، وَالحَسَنُ وَيَحْيَى ابْنَا جَابِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَوْفٍ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ يَحْيَى بنُ المِقْدَامِ، وَحَفِيدُهُ؛ صَالِحُ بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ. أَبُو مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الكَلاَعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ المِقْدَامَ فِي المَسْجَدِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا يَزِيْدَ! إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ لَقَدْ رَأَيتُهُ وَأَنَا أَمْشِي مَعَ عَمِّي. فَأَخَذَ بِأُذُنِي هَذِهِ، وَقَالَ لِعَمِّي: (أَتَرَى هَذَا؟) . يَذْكُرُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 415، التاريخ الكبير 7 / 429، الاستيعاب: 1482، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 508، تاريخ ابن عساكر 17 / 77 ب، أسد الغابة 5 / 254، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 112، تهذيب الكمال: 1368، تاريخ الإسلام 3 / 306، العبر 1 / 103، تذهيب التهذيب 4 / 67 آ، البداية والنهاية 9 / 73، الإصابة 3 / 455، تهذيب التهذيب 10 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 331، شذرات الذهب 1 / 98. (1) إسناده ضعيف، وهو في ابن عساكر 17 / 77 ب، وأورده الحافظ في " الإصابة " 3 / 455 ونسبه للبغوي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الأَبْرَشُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (1) بنُ سُلَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ المِقْدَامِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ، إِنْ مُتَّ وَلَمْ تَكُنْ أَمِيْراً، وَلاَ جَابِياً، وَلاَ عَرِيْفاً (2)) . قَالَ جَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. زَادَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: قَبْرُهُ بِحِمْصَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 76 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةَ بنِ خَالِدِ بنِ الحَارِثِ الأَسْلَمِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الأَسْلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ. مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ، وَخَاتِمَةُ مَنْ مَاتَ بِالكُوْفَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ (3) . وَكَانَ أَبُوْهُ صَحَابِيّاً أَيْضاً.   (1) في الأصل " سليم " وهو خطأ. (2) صالح بن يحيى ابن، وباقي رجاله ثقات، وهو في " المسند " 4 / 133، وابن عساكر 17 / 80 آ. وقديم: تصغير مقدام. (*) طبقات ابن سعد 4 / 301 و6 / 21، طبقات خليفة: ت 684، 946، المحبر: 298، التاريخ الكبير 5 / 24، المعرفة والتاريخ 1 / 265، الجرح والتعديل 5 / 120، مشاهير علماء الأمصار: ت 320، جمهرة أنساب العرب: 242، الاستيعاب: 870، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 242، تاريخ ابن عساكر 9 / 524 آ، أسد الغابة 3 / 182، تهذيب الكمال: 667، تاريخ الإسلام 3 / 260، العبر 1 / 101، تذهيب التهذيب 2 / 132 آ، مرآة الجنان 1 / 177، البداية والنهاية 9 / 75، الإصابة 2 / 279، تهذيب التهذيب 5 / 151، خلاصة تذهيب الكمال: 162، شذرات الذهب 1 / 96. (3) ابن سعد 4 / 302 و6 / 21. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 وَلَهُ: عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُسْلِمٍ الهَجَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَأَبُو يَعْفُوْرٍ وَقْدَانُ، وَمَجْزَأَةُ بنُ زَاهِرٍ، وَغَيْرُهُم. وَقِيْلَ: لَمْ يُشَافِهْهُ الأَعْمَشُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي البَلَدِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى، كَانَ الأَعْمَشُ رَجُلاً لَهُ بِضْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَقَدْ فَازَ عَبْدُ اللهِ بِالدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ حَيْثُ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ وَالِدِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) . وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ مِنَ الكِبَرِ. شُعْبَةُ: عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - قَالَ: نَهَانَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ النَّبِيْذِ فِي الجَرِّ الأَخْضَرِ (1) . شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُتِيَ بِصَدَقَةٍ، قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِم) . فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) . وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِنَا (2) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 353 و356 و380، والبخاري 1 / 54 في الاشربة: باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الاوعية والظروف بعد النهي. والجر: واحد جرار الخزف. وهذا النهي منسوخ، فقد أبيح لهم أن ينتبذوا في كل الاوعية بشرط أن لا يشربوا مسكرا، وانظر " الفتح " 10 / 54، و" جامع الأصول " 5 / 143، 159. (2) أخرجه البخاري 3 / 286 في الزكاة: باب صلاة الامام ودعائه لصاحب الصدقة، وفي المغازي: باب غزوة الحديبية، وفي الدعوات: باب قول الله تعالى: (وصل عليهم) ، وباب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (1078) في الزكاة: باب الدعاء لمن أتى = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي يَعْفُوْرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الجَرَادَ (1) . المُحَارِبِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بِذِرَاعِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: ضُرِبْتُهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ (2) . تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَقَدْ قَارَبَ مِائَةَ سَنَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 77 - عَبْدُ اللهِ بنُ بُسْرِ بنِ أَبِي بُسْرٍ أَبُو صَفْوَانَ المَازِنِيُّ * (ع) الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، بَرَكَةُ الشَّامِ، أَبُو صَفْوَانَ المَازِنِيُّ، نَزِيْلُ حِمْصَ.   = بصدقته، وأبو داود (1590) ، والنسائي 5 / 31، وأحمد 4 / 354 و381. وقوله " على آل أبي أوفى " يريد أبا أوفى نفسه، لان الآل يطلق على ذات الشئ، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أبي موسى: " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود ". (1) أخرجه البخاري 9 / 535، 536 في الصيد: باب أكل الجراد، ومسلم (1952) في الصيد: باب إباحة الجراد، والترمذي (1822) و (1823) ، وأبو داود (3812) ، والنسائي 7 / 210، وابن سعد 4 / 301، وقد تحرف عنده " أبو يعفور " إلى " أبي يعقوب ". (2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 21 في المغازي: باب غزوة حنين، وابن سعد 4 / 301، وأحمد 4 / 355 من طريق يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد ... قال الحافظ: ووقفت في بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق. (*) طبقات ابن سعد 7 / 413، طبقات خليفة: ت 350، 2835، التاريخ الكبير 5 / 14، التاريخ الصغير 2 / 76، المعرفة والتاريخ 1 / 258، الجرح والتعديل 5 / 11، الاستيعاب 874، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 243، تاريخ ابن عساكر 9 / 1 ب، أسد الغابة 3 / 186، تهذيب الكمال: 668، تاريخ الإسلام 3 / 261، و4 / 18، العبر 1 / 103، 113، تذهيب التهذيب: 2 / 133 آ، مرآة الجنان 1 / 178، البداية والنهاية 9 / 75، مجمع الزوائد 9 / 404، الإصابة 2 / 281، تهذيب التهذيب 5 / 158، خلاصة تذهيب الكمال: 162، شذرات الذهب 1 / 111. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 لَهُ: أَحَادِيْثُ قَلِيلَةٌ، وَصُحْبَةٌ يَسِيْرَةٌ، وَلأَخَوَيْهِ عَطِيَّةَ وَالصَّمَّاءِ وَلأَبِيهِم صُحْبَةٌ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اليَحْصُبِيُّ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَحَسَّانُ بنُ نُوْحٍ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَحَرِيْزُ (2) بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّوْنَ. وَقَدْ غَزَا جَزِيْرَةَ قُبْرُسَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي دَوْلَةِ عُثْمَانَ. قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ، حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ وَثِيَابُهُ مُشَمَّرَةٌ، وَرِدَاؤُهُ فَوْقَ القَمِيْصِ، وَشَعْرُهُ مَفْرُوْقٌ يُغَطِّي أُذُنَيْهِ، وَشَارِبُهُ مَقْصُوْصٌ مَعَ الشَّفَةِ، كُنَّا نَقِفُ عَلَيْهِ، وَنَتَعَجَّبُ (3) . قَالَ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: رَأَيْتُ فِي جَبْهَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ أَثَرَ السُّجُودِ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: (يَعِيْشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً) . قَالَ: فَعَاشَ مائَةَ سَنَةٍ. سَمِعَهُ: شُرَيْحُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ، مِنْهُ. عِصَامُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَيُّوْبَ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: أَرَانِي عَبْدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ شَامَةً فِي قَرْنِهِ، فَوَضَعتُ أُصْبُعِي عَلَيْهَا، فَقَالَ: وَضَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُصْبُعَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: (لَتَبْلُغَنَّ قَرْناً) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) (4) .   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 216 (2) تصحف في المطبوع إلى " جرير ". (3) " تاريخ ابن عساكر " 5 / 323 ب. (4) 4 / 189، وسنده حسن، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 405 وقال: رواه الطبراني = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 جُنَادَةُ بنُ مَرْوَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الحِمْصِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ، قَالَ: أَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَنَا حَيْساً، وَدَعَا لَنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ وَأَنَا غُلاَمٌ، فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ قَالَ: (يَعِيْشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً) . فَعَاشَ مائَةً (1) . رَوَى نَحْوَهُ: سَلَمَةُ بنُ حَوَّاسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ بُسْرٍ فِي قَرْيتِهِ، وَزَادَ فِيْهِ: فَقَلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! كَمِ القَرْنُ؟ قَالَ: (مائَةُ سَنَةٍ (2)) . وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : لِحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ شَيْخاً؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيْضٌ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ هَاشِمٍ الطَّائِيَةُ، قَالَتْ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ يَتَوَضَّأُ، فَخَرَجَتْ نَفْسُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (4) -. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ. قَالَ: وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. وَكَذَا أَرَّخَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ (5) : مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ مائَةٍ.   = وأحمد، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب وهو ثقة، ورجال الطبراني ثقات. (1) ابن عساكر 5 / 324 ب. (2) ابن عساكر 5 / 324 ب. (3) أخرجه البخاري 6 / 412 في المناقب: باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في " المسند " 4 / 187 و188، و" تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 154، 155 و213، والعنفقة: ما بين الذقن والشفة السفلى. (4) " تاريخ دمشق لأبي زرعة " 1 / 215. (5) في " تاريخه " 2 / 693. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ الحَافِظُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجِسِيُّ: تُوُفِّيَ فِي إِمْرَةِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ (1) . حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. 78 - أَبُو عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيُّ * (ق) الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ. شَهِدَ اليَرْمُوْكَ، وَصَاحَبَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، وَسَكَنَ حِمْصَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرُ بنُ كُرَيْبٍ، وَبَكْرُ بنُ زُرْعَةَ، وَطَلْقُ بنُ سُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. رَوَيْنَا فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَه) : حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيَّ - وَكَانَ مِمَّنْ صَلَّى القِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ الدَّمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لاَ يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّيْنِ غَرْساً يَسْتَعْمِلُهُم بِطَاعَتِهِ) (2) .   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 242 و2 / 693. (*) طبقات ابن سعد 7 / 436، طبقات خليفة: ت 473، 2996، التاريخ الكبير 9 / 61، المعرفة والتاريخ 2 / 529، وقد تحرف فيه إلى أبي عذبة، 1 / 46، الجرح والتعديل 9 / 418، الاستيعاب 1722، أسد الغابة 6 / 233، تهذيب الكمال: 1632، 1633، تاريخ الإسلام 3 / 320، تذهيب التهذيب 4 / 227 آ، الإصابة 4 / 141، تهذيب التهذيب 12 / 189، خلاصة تذهيب الكمال: 393. (2) هو في " سنن ابن ماجه " 1 / 5، قال البوصيري في " الزوائد " ورقة: 3: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد توبع هشام عليه، رواه ابن حبان في " صحيحه " = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ أَهْلُ حِمْصَ: هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَأَنْكَرُوا أَنْ تَكُوْنَ لَهُ صُحْبَةٌ. قُلْتُ: هَذَا يُحْمَلُ عَلَى إِنْكَارِهِمُ الصُّحْبَةَ التَّامَّةَ، لاَ الصُّحْبَةَ العَامَّةَ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) : حَدَّثَنَا سُرَيْجُ (2) بنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عِنَبَةَ - قَالَ سُرَيْجٌ: وَلَهُ صُحْبَةٌ -: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَلَهُ) . قِيْلَ: وَمَا عَسَلَهُ (3) ؟ قَالَ: (يَفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَسْلَمَ وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ، وَصَحِبَ مُعَاذاً، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ: حَيْوَةُ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ ابْنِ زِيَادٍ (4) .   = (88) ، وأحمد 4 / 200 من طريق الهيثم بن خارجه، عن الجراح به. (1) 4 / 200 ورجاله ثقات، وذكره الهيثمي في " المجمع "، ونسبه لأحمد والطبراني، وقال: وفيه بقية مدلس، وقد صرح بالسماع في " المسند " وبقية رجاله ثقات. كذا قال، مع أنه ليس في المطبوع من " مسند أحمد " التصريح بالسماع، لكن في الباب ما يقويه، فقد روى أحمد في " المسند " 5 / 224 من حديث عمرو بن الحمق أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بعبد خيرا، استعمله " قيل: وما استعمله؟ قال: " يفتح له عمل صالح بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله " وسندح حسن، وصححه ابن حبان (1822) ، وأخرج أحمد 3 / 106 و120 و230، والترمذي (2142) من حد يث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله " قيل: كيف استعمله؟ قال " يوفقه لعمل صالح قيل الموت، ثم يقبضه عليه، وصححه ابن حبان (1821) والحاكم، وقال الترمذي: حسن صحيح. (2) تصحف في المطبوع إلى " شريح ". (3) قال ابن الأثير: العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل منه العسل، شبه ما رزقه الله تعالى من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل فيه الطعام فيحلولي به ويطيب. (4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 351، وحيوة هو ابن شريح، وبقية: هو ابن الوليد، وابن زياد: هو محمد بن زياد الالهاني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَبَا عِنَبَةَ وَكَانَ هُوَ وَأَبُو فَالِجٍ الأَنْمَارِيُّ قَدْ أَكَلاَ الدَّمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَصْحَبَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) . 79 - مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبِ بنِ الحَارِثِ الجُمَحِيُّ * (ت، س، ق) ابْنِ مَعْمَرِ بنِ حَبِيْبٍ الجُمَحِيُّ. مَوْلِدُهُ: بِالحَبَشَةِ، هُوَ وَأَخُوْهُ الحَارِثُ، فَتُوُفِّيَ أَبُوْهُمَا هُنَاكَ. وَجَدُّهُم حَبِيْبٌ مِنْ كِبَارِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ ابْنُ وَهْبِ بنِ حُذَافَةَ بنِ جُمَحِ بنِ عَمْرِو بنِ هُصَيْصِ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. وَأُمُّهُ: مِنَ المُهَاجِرَاتِ، وَهِيَ أُمُّ جَمِيْلٍ بِنْتُ المُجَلّلِ. وَلَهُ: صُحْبَةٌ، وَحَدِيثٌ فِي الدُّفِّ فِي العُرْسِ (2) . وَيَرْوِي عَنْ: عَلِيٍّ أَيْضاً.   (1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 351، 352 من طريق الوليد بن عتبة، عن الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد. (*) طبقات خليفة: ت 141، 2513، المحبر: 153، 379، التاريخ الكبير 1 / 17، المعرفة والتاريخ 1 / 306، الجرح والتعديل 7 / 224، الاستيعاب: 1368، جمهرة أنساب العرب: 162، أسد الغابة 5 / 85، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 79، تهذيب الكمال: 1184، تاريخ الإسلام 3 / 207، تذهيب التهذيب 3 / 195 ب، 196 آ، الوافي بالوفيات 2 / 317، مجمع الزوائد 9 / 415، مرآة الجنان 1 / 155، العقد الثمين 1 / 450، الإصابة 3 / 372، تهذيب التهذيب 9 / 106، خلاصة تذهيب الكمال: 282، شذرات الذهب 1 / 82. (2) أخرجه أحمد 3 / 418 و4 / 259، والترمذي (1088) ، والنسائي 6 / 127، وابن ماجه (1896) في النكاح: باب إعلان النكاح، ولفظه " فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح " وحسنه الترمذي وهو كمال قال، وصححه الحاكم 2 / 184، ووافقه = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ الحَارِثُ، وَعُمَرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَلُقْمَانُ، وَحَفِيدُهُ؛ عُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُمَحِيُّ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو بَلْجٍ يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ. وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ. وَقِيْلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّداً فِي الإِسْلاَمِ. فَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ (1) فَسُمِّيَ مُحَمَّداً قَبْلِ المَبْعَثِ. وَيُكْنَى مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبٍ: أَبَا إِبرَاهِيْمَ. زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، قَالَ: تَنَاوَلْتُ قِدْراً، فَاحْتَرَقَتْ يَدِي، فَانْطَلَقَتْ بِي أُمِّي إِلَى رَجُلٍ جَالِسٍ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَأَدْنَتْنِي مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْفُثُ، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ، فَسَأَلْتُ أُمِّي بَعْدَ ذَلِكَ: مَا كَانَ يَقُوْلُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُوْلُ: (أَذْهِبِ البَاسَ - رَبَّ النَّاسِ - وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ (2)) . سَمِعَهُ مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ. وَتَابَعَهُ: شَرِيْكٌ، وَشُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ. رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ. مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ حَاطِبٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ.   = الذهبي. وفي الباب عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعلنوا النكاح " قال الهيثمي في " المجمع " 4 / 289: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، ورجال أحمد ثقات، وصححه ابن حبان (1285) ، والحاكم 2 / 183، ووافقه الذهبي. (1) الأوسي الحارثي المدني، حليف بني عبد الاشهل، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي، وأسلم على يدي مصعب بن عمير، قبل سعد بن معاذ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، وشهد المشاهد بدرا وما بعدها إلا غزوة تبوك، فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة. (2) سنده حسن، وأخرجه أحمد 3 / 418 و4 / 259 من طرق عن سماك بن حرب به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 80 - السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ ثُمَامَةَ الكِنْدِيُّ * (ع) أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو يَزِيْدَ الكِنْدِيُّ، المَدَنِيُّ، ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ، وَذَلِكَ شَيْءٌ عُرِفُوا بِهِ. وَكَانَ جَدُّهُ سَعِيْدُ بنُ ثُمَامَةَ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. قَالَ السَّائِبُ: حَجَّ بِي أَبِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ (1) . قُلْتُ: لَهُ نَصِيْبٌ مِنْ صُحْبَةٍ وَرِوَايَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قَارِظٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَالجُعَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ، وَعُمَرُ بنُ عَطَاءِ بنِ أَبِي الخُوَارِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ، عَنِ السَّائِبِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ خَطَلٍ يَوْمَ الفَتْحِ، أَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ الأَسْتَارِ،   (*) طبقات خليفة: ت 39، التاريخ الكبير 4 / 150، المعرفة والتاريخ 1 / 358، مشاهير علماء الأمصار: ت 141، معجم الطبراني 7 / 172، جمهرة أنساب العرب: 428، الاستيعاب: 576، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 202، تاريخ ابن عساكر 7 / 26 ب، أسد الغابة 2 / 321، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 208، تهذيب الكمال: 466، تاريخ الإسلام 3 / 369، تذهيب التهذيب 2 / 5 ب، الوافي بالوفيات 15 / 104، مرآة الجنان 1 / 180، الإصابة 2 / 12، تهذيب التهذيب 3 / 450، خلاصة تذهيب الكمال: 113، شذرات الذهب 1 / 99، تهذيب ابن عساكر 6 / 63. (1 أخرجه البخاري 4 / 61 في الحج: باب حج الصبيان، والطبراني (6678) ، وأحمد 3 / 449، وأخرجه الترمذي (925) وزاد فيه: " في حجة الوداع " وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 فَضَرَبَ عُنُقَهُ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالمَقَامِ، ثُمَّ قَالَ: (لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْراً (1)) . عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ مَوْلَى السَّائِبِ، قَالَ: كَانَ السَّائِبُ رَأْسُهُ أَسْوَدُ مِنْ هَامَتِهِ إِلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَسَائِرُ رَأْسِهِ - مُؤَخَّرُهُ وَعَارِضَاهُ وَلِحْيَتُهُ - أَبْيَضُ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا رَأَيتُ أَعْجَبَ شَعْراً مِنْكَ! فَقَالَ لِي: أَوَ تَدْرِي مِمَّا ذَاكَ يَا بُنِيَّ؟ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِي وَأَنَا أَلْعَبُ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: (بَارَكَ اللهُ فِيْكَ) ، فَهُوَ لاَ يَشِيْبُ أَبَداً (2) . يَعْنِي: مَوْضِعَ كَفِّهِ. يُوْنُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَا اتَّخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِياً، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرُ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ لِلسَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ: لَوْ رَوَّحْتُ عَنِّي بَعْضَ الأَمْرِ. حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ (3) . قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى الفَرْوِيُّ: رَأَيْتُ عَلَى السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ مِطْرَفَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزٍّ، وَعِمَامَةَ خَزٍّ (4) . يُرْوَى عَنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَفَاةُ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.   (1) وهو في " تاريخ ابن عساكر " 7 / 28 ب، وانظر " المسند " 4 / 213، والدارمي 2 / 198. (2) أخرجه الطبراني في " الكبير " (6693) و1 / 249 في " الصغير " و" الأوسط ": 365 من " مجمع البحرين ". قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 409: ورجال الكبير رجال الصحيح، غير عطاء مولى السائب، وهو ثقة. (3) ابن عساكر 7 / 29 ب. (4) ابن عساكر 7 / 29 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وَشَذَّ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. 81 - جُبَيْرُ بنُ الحُوَيْرِثِ بنِ نَقِيْدِ بنِ بُجَيْرِ بنِ عَبْدِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ * وَقِيْلَ: فِي نَسَبِهِ هَكَذَا، لَكِنْ بِحَذْفِ بُجَيْرٍ. صَحَابِيٌّ صَغِيْرٌ، لَهُ رُؤْيَةٌ بِلاَ رِوَايَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعِيْدِ بنِ يَرْبُوْعٍ. رَوَى لَهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، فَوَهِمَ، وَقَالَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَرْبُوْعٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَاقِفاً عَلَى قَزحٍ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ الحُوَيْرِثُ أَبُوْهُ مِمَّنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ يَوْمَ الفَتْحِ. وَعَنْ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ، فَسَمِعَ أَبَا سُفْيَانَ يُحَرِّضُهُم عَلَى الجِهَادِ (2) .   (*) طبقات خليفة: ت 1991، الجرح والتعديل 2 / 512، الاستيعاب: 234، أسد الغابة 1 / 322، تاريخ الإسلام 2 / 273، العقد الثمين 3 / 410 وفيه ابن الحويرث بن نفيل، الإصابة 1 / 225، تعجيل المنفعة: 48. (1) وتمامه: وهو يقول: يا أيها الناس أسفروا. ثم دفع، فكأني أنظر إلى فخذه مما بخرش بعيره بمحجنه " أخرجه الشافعي في " مسنده " 2 / 60، 61 من طريق سفيان. وقزح: هو القرن الذي يقف عنده الامام بالمزدلفة وهو المشعر الحرام. (2) ونقل الحافظ في " الإصابة " 1 / 225 عن الواقدي، عن ابن المسيب، عن جبير بن الحويرث قال: حضرت يوم اليرموك المعركة، فلا أسمع للناس كلمة إلا صوت الحديد. وعلق الحافظ عليه، فقال: ومن يكون يوم اليرموك رجلا، يكون يوم الفتح مميزا، فلا مانع من عده من = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 82 - قُثَمُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ * (ص) (1) ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخُو: الفَضْلِ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ، وَكَثِيْرٍ. وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ الفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ الهِلاَلِيَّةُ، وَكَانَتْ ثَانِيَةَ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ، أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيْجَةَ. قَالَهُ: الكَلْبِيُّ. لِقُثَمَ صُحْبَةٌ، وَقَدْ أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ (2) . وَكَانَ أَخَا الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ مِنَ الرَّضَاعَةِ (3) .   = الصحابة، وإن لم يرو. وقال ابن عبد البر: في صحبته نظر، وعده ابن حبان في التابعين. (*) طبقات ابن سعد 7 / 367، نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1973، المحبر: 17، 46، 107، التاريخ الكبير 7 / 194، التاريخ الصغير 1 / 142، الجرح والتعديل 7 / 145، أنساب الاشراف 3 / 65، جمهرة أنساب العرب: 19، الاستيعاب: 1304، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 427، أسد الغابة 4 / 392، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 59، تهذيب الكمال: 1125، تاريخ الإسلام 2 / 311، العبر 1 / 61، تذهيب التهذيب 3 / 157 ب، مرآة الجنان 1 / 138، البداية والنهاية 8 / 78، العقد الثمين 7 / 67، الإصابة 3 / 226، تهذيب التهذيب 8 / 361، خلاصة تذهيب الكمال: 271، شذرات الذهب 1 / 61. (1) هذا الرمز للنسائي، لكتابه خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 7 / 194، وأحمد 1 / 205 من طريق روح بن عبادة، أخبرنا ابن جريج، أخبرني جعفر بن خالد بن سارة المخزومي، أن أباه أخبره أن عبد الله بن جعفر قال: لو رأيتني، وقثما، وعبيد الله بن عباس نلعب، إذ مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم على دابته، فقال: ارفعوا هذا إلي، فحملني أمامه، وقال لقثم: ارفعوا هذا إلي، فحمله وراءه ... ورجاله ثقات. (3) أخرجه أحمد 6 / 339 من طريق يحيى بن بكير، حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن مخارق، عن أم الفضل قالت: رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فجزعت من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: " خيرا، تلد فاطمة غلاما فتكفلينه بلبن ابنك قثم " قالت: فولدت حسنا، فأعطيته، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ آخِرَ مَنْ خَرَجَ مِنْ لَحْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُثَمُ. وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، اسْتَعْمَلَ قُثَمَ عَلَى مَكَّةَ، فَمَا زَالَ عَلَيْهَا حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ. قَالَهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) . وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: اسْتَعْمَلَهُ عَلِيٌّ عَلَى المَدِيْنَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يُعْقِبْ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: غَزَا قُثَمُ خُرَاسَانَ وَعَلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَقَالَ لَهُ: أَضْرِبُ لَكَ بِأَلْفِ سَهْمٍ؟ فَقَالَ: لاَ، بَلْ خَمِّسْ، ثُمَّ أَعْطِ النَّاسَ حُقُوقَهُم؛ ثُمَّ أَعْطِنِي بَعْدُ مَا شِئْتَ. وَكَانَ قُثَمُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَيِّداً، وَرِعاً، فَاضِلاً (2) . قَالَ الزُّبَيْرُ: سَارَ قُثَمُ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ مَعَ سَعِيْدِ بنِ عُثْمَانَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَاسْتُشْهِدَ بِهَا. قُلْتُ: لاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِ نَيْسَابُوْرَ) ، فَقَالَ: كَانَ شَبِيْهَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْداً. وَحَدِيثُ أُمِّ الفَضْلِ نَاطِقٌ بِذَلِكَ بِأَسَانِيْدَ كَثِيْرَةٍ.   = فأرضعته حتى تحرك، أو فطمته، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسته في، حجره، فبال، فضربت بين كتفيه، فقال: " ارفقي بابني رحمك الله، أو أصلحك الله، أوجعت ابني " قالت: قلت يا رسول الله: اخلع إزارك، والبس ثوبا غيره، حتى أغسله، قال: " إنما يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام ". وسنده حسن. (1) في " تاريخه ": 201. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 367. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 قَالَ: فَأَمَّا وَفَاةُ قُثَمَ، وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ، فَمُخْتَلَفٌ فِيْهِ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَبِهَا قَبْرُهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِمَرْوَ. قَالَ الحَاكِمُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَبْرَهُ بِسَمَرْقَنْدَ. قَالَ: وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأُمَوِيُّ (1) ، غَزَا خُرَاسَانَ، فَوَرَدَ نَيْسَابُوْرَ فِي عَسْكَرٍ، مِنْهُم جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى مَرْوَ، وَمِنْهَا إِلَى جَيْحُوْنَ، وَفَتَحَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَطَلْحَةَ. رَوَى عَنْهُ: هَانِئُ بنُ هَانِئٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ. أَخُوْهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ سَيَأْتِي فِيمَا بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - (2) . أَخُوْهُمَا: 83 - مَعْبَدُ بنُ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * مِنْ صِغَارِ وَلَدِ العَبَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أُمِّ الفَضْلِ. لَهُ أَوْلاَدٌ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَبَّاسٌ، وَمَيْمُوْنَةُ. وَأُمُّهُم: أُمُّ جَمِيْلٍ عَامِرِيَّةٌ. وَلَهُ: بَقِيَّةٌ، وَذُرِّيَّةٌ كَثِيْرَةٌ. أَخُوْهُم:   (1) مترجم في " الجرح والتعديل " 4 / 47. (2) انظره في الصفحة (512) . * نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1974، المحبر: 107، 409، 455، التاريخ الصغير 1 / 52، أنساب الاشراف 3 / 66، جمهرة أنساب العرب: 18، الاستيعاب: 1427، أسد الغابة 5 / 220، تاريخ الإسلام 2 / 93، العقد الثمين 7 / 239، الإصابة 3 / 479. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 84 - كَثِيْرُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ. تَابِعِيٌّ، يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَغَيْرِهِ. وَكَانَ فَقِيْهاً، جَلِيْلاً، صَالِحاً، ثِقَةً. لَهُ عَقِبٌ. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ. أَخُوْهُم: 85 - تَمَّامُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ ** مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، وَهُوَ شَقِيْقُ كَثِيْرٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ تَمَّامٌ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ زَمَانِهِ بَطْشاً (1) . وَلَهُ أَوْلاَدٌ، وَأَوْلاَدُ أَوْلاَدٍ، فَانْقَرَضُوا، وَآخِرُهُم: يَحْيَى بنُ جَعْفَرِ بنِ تَمَّامٍ، مَاتَ زَمَن المَنْصُوْرِ، وَوَرِثَهُ أَعْمَامُ المَنْصُوْرِ، فَأَطْلَقُوا المِيْرَاثَ كُلَّه لِعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَلِيٍّ (2) . أَخُوْهُم:   (*) نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1975، المحبر: 56، التاريخ الكبير 7 / 207، أنساب الاشراف 3 / 67 المعرفة والتاريخ 1 / 361، الجرح والتعديل 7 / 153، جمهرة أنساب العرب: 18، الاستيعاب: 1308، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 427، أسد الغابة 4 / 460، تهذيب الكمال: 1142، تاريخ الإسلام 3 / 292، تذهيب التهذيب 3 / 167 ب، العقد الثمين 7 / 90، الإصابة 3 / 310، تهذيب التهذيب 8 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 272. (* *) طبقات خليفة: ت 1976، المحبر: 56، 442، التاريخ الكبير 2 / 157، أنساب الاشراف: 3 / 67، المعرفة والتاريخ 1 / 361، الاستيعاب: 159، أسد الغابة 1 / 253، الوافي بالوفيات 10 / 396، العقد الثمين 3 / 381، الإصابة 1 / 186، تعجيل المنفعة: 43. (1) ابن سعد 4 / 6. (2) " أنساب الاشراف " 3 / 67. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 86 - الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * وَأَخُوْهُم عَبْدُ اللهِ مَرَّ. 87 - سَعِيْدُ بنُ العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ الأُمَوِيُّ ** (م، س) سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ   (*) هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكنى أبا محمد أو أبا عبد الله، وكان أسن ولد العباس، وأمه أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا مع رسول الله صلى الله عيله وسلم مكة وحنينا، وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى الناس، وشهد معه حجة الوداع، وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه وأمهر عنه، وفي بعض حديثه في حجة الوداع لما حجب وجهه عن الخثعمية: " رأيت شابا وشابة، فلم آمن عليهما الشيطان "، وكان فيمن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وولي دفنه. مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يترك ولدا إلا أم كلثوم تزوجها الحسن بن علي، ثم فارقها، فتزوجها أبو موسى الأشعري. وهو مترجم في: طبقات ابن سعد 4 / 54 و7 / 399، نسب قريش: 25 / 28، طبقات خليفة: ت 2807، التاريخ الكبير 7 / 114، التاريخ الصغير 1 / 36، الجرح والتعديل 7 / 63، أنساب الاشراف 3 / 23، جمهرة أنساب العرب: 18، المستدرك 3 / 274، الاستيعاب: 1269، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 411، تاريخ ابن عساكر 14 / 117 ب، أسد الغابة 4 / 366، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 50، تهذيب الكمال: 1100، تاريخ الإسلام 1 / 25، تذهيب التهذيب 3 / 138 ب، العقد الثمين 7 / 10، الإصابة 3 / 208، تهذيب التهذيب 8 / 280، خلاصة تذهيب الكمال: 263. (1) في الصفحة (331) . * * طبقات ابن سعد 5 / 30، المحبر: 55، 150، 174، التاريخ الكبير 3 / 502، أنساب الاشراف 4 / 433، معجم الطبراني 6 / 73، المعرفة والتاريخ 1 / 292، مشاهير علماء الأمصار: ت 446، الجرح والتعديل 4 / 48، تاريخ الطبري 5 / 293، مروج الذهب 3 / 80، الاغاني 16 / 39، جمهرة أنساب العرب: 80 وفيه سعيد هو أبو أحيحة، الاستيعاب: 621، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 174، تاريخ ابن عساكر 7 / 127 آ، أسد الغابة 2 / 391، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 218، تهذيب الكمال: 497، تاريخ الإسلام 2 / 286، العبر = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 بنِ قُصَيٍّ، وَالِدُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ الأَشْدَقِ، وَوَالِدُ يَحْيَى، القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَمِيْرُ. قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْم بَدْرٍ مُشْرِكاً، وَخلَّفَ سَعِيْداً طِفْلاً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ. قُلْتُ: لَمْ يَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ مُقِلٌّ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَعُرْوَةُ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَانَ أَمِيْراً، شَرِيْفاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، حَلِيماً، وَقُوراً، ذَا حَزْمٍ وَعَقْلٍ، يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ. وَلِيَ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ لِمُعَاوِيَةَ. وَقَدْ وَلِي أَمْرَ الكُوْفَةِ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. وَقَدِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، فَأَحْسَنَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ مُعَاوِيَةَ. وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِمُعَاوِيَةَ، وَفَدَ سَعِيْدٌ إِلَيْهِ، فَاحْتَرَمَهُ، وَأَجَازَهُ بِمَالٍ جَزِيْلٍ. وَلَمَّا كَانَ عَلَى الكُوْفَةِ، غَزَا طَبَرِسْتَانَ، فَافْتَتَحَهَا. وَفِيْهِ يَقُوْلُ الفَرَزْدَقُ: تَرَى الغُرَّ الجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ ... إِذَا مَا الأَمْرُ ذُو الحَدَثَانِ عَالاَ قِيَاماً يَنْظُرُوْنَ إِلَى سَعِيْدٍ ... كَأَنَّهُمُ يَرَوْنَ بِهِ هِلاَلاَ   = 1 / 64، تذهيب التهذيب 2 / 22 آ، الوافي بالوفيات 15 / 227، البداية والنهاية 8 / 83، العقد الثمين 4 / 571، الإصابة 2 / 47، تهذيب التهذيب 4 / 48، خلاصة تذهيب الكمال: 118، شذرات الذهب 1 / 65، تهذيب ابن عساكر 6 / 133. (1) البيتان في ديوانه: 615، 618، و" طبقات ابن سلام ": 321، و" الاغاني " 21 / 321، و" معجم الأدباء " 7 / 258، و" نسب قريش ": 176، و" سيرة ابن هشام " 1 / 243، و" أنساب الاشراف " 4 / 438، و" أمالي المرتضى " 1 / 296، وابن عساكر 7 / 128 ب، و" خزانة الأدب " 3 / 74، و" تهذيب ابن عساكر " 6 / 136. والغر: جمع أغر: وهو الابيض الغرة، والجحاجح جمع جحجاح: السيد السمح الكريم، والحدثان: ما يحدث من نوائب الدهر، وعال: أثقل وفدح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِسَعِيْدٍ تِسْعُ سِنِيْنَ أَوْ نَحْوُهَا. وَلَمْ يَزَلْ فِي صَحَابَةِ عُثْمَانَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ لَمَّا عَزَلَ عَنْهَا الوَلِيْدَ بنَ عُقْبَةَ، فَقَدِمَهَا وَهُوَ شَابٌّ مُتْرَفٌ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهَا، فَوَلِيَهَا خَمْسَ سِنِيْنَ إِلاَّ أَشْهُراً. ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا، وَطَرَدُوْهُ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِم أَبَا مُوْسَى، فَأَبَى، وَجَدَّدَ البَيْعَةَ فِي أَعْنَاقِهِم لِعُثْمَانَ، فَوَلاَّهُ عُثْمَانُ عَلَيْهِم. وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ المُقَاتِلَةِ عَنْ عُثْمَانَ. وَلَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَنَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَامَ سَعِيْدٌ خَطِيباً، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عُثْمَانَ عَاشَ حَمِيداً، وَذَهَبَ فَقِيداً شَهِيداً، وَقَدْ زَعَمْتُم أَنَّكُم خَرَجْتُم تَطْلُبُوْنَ بِدَمِهِ، فَإِنْ كُنْتُم تُرِيْدُوْنَ ذَا، فَإِنَّ قَتَلَتَهُ عَلَى هَذِهِ المَطِيِّ، فَمِيْلُوا عَلَيْهِم. فَقَالَ مَرْوَانُ: لاَ، بَلْ نَضْرِبُ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ. فَقَالَ المُغِيْرَةُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى سَعِيْدٌ. وَمَضَى إِلَى الطَّائِفِ، وَانْعَزَلَ سَعِيْدٌ بِمَنِ اتَّبَعَهُ بِمَكَّةَ، حَتَّى مَضَتِ الجَمَلُ وَصِفِّيْنُ (1) . قَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: سَأَلُوا مُعَاوِيَةَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟ قَالَ: أَمَا كَرِيْمَةُ قُرَيْشٍ فَسَعِيْدُ بنُ العَاصِ ... ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً (2) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، قَالَ: خَطَبَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أُمَّ كُلْثُوْمٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بَعْدَ عُمَرَ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمائَةِ أَلْفٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَخُوْهَا الحُسَيْنُ، وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجِيْهِ. فَقَالَ الحَسَنُ: أَنَا أُزَوِّجُهُ. وَاتَّعَدُوا لِذَلِكَ، فَحَضَرُوا. فَقَالَ سَعِيْدٌ: وَأَيْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ الحَسَنُ: سَأَكْفِيكَ. قَالَ: فَلَعَلَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ   (1) أورده ابن سعد في " الطبقات " 5 / 31، 35 بأطول مما هنا. (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 592، 593، وابن عساكر 7 / 130. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 كَرِهَ هَذَا. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ أَدْخُلُ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَرَجَعَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ المَالِ شَيْئاً (1) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيُّ: إِنَّ عَرَبِيَّةَ القُرْآنِ أُقِيمَتْ عَلَى لِسَانِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، لأَنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُم لَهْجَةً بِرَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: أَنَّ سَعِيْداً أُصِيْبَ بِمَأْمُوْمَةٍ (3) يَوْمَ الدَّارِ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ، غُشِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ هُشَيْمٌ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ الكُوْفَةَ، وَعَلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فَبَعَثَ إِلَى الزُّبَيْرِ بِسَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا. وَقَالَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ يَخِفُّ بَعْضَ الخِفَّةِ مِنَ المَأْمُوْمَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْفَرِ الرِّجَالِ وَأَحْلَمِهِ. ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ يَسُبُّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي الجُمَعِ، فَعُزِلَ بِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، فَكَانَ لاَ يَسُبُّهُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ إِذَا قَصَدَهُ سَائِلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، قَالَ: اكْتُبْ عَلَيَّ سِجِلاًّ بِمَسْأَلَتِكَ إِلَى المَيْسَرَةِ. وَذَكَرَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ العَاصِ اسْتَسْقَى مِنْ بَيْتٍ، فَسَقَوْهُ، وَاتَّفَقَ أَنَّ صَاحِبَ المَنْزِلِ أَرَادَ بَيْعَهُ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَأَدَّى عَنْهُ أَرْبعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَطْعَمَ النَّاسَ فِي قَحْطٍ حَتَّى نَفِدَ مَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَادَّانَ، فَعَزَلَهُ مُعَاوِيَةُ.   (1) أخرجه ابن عساكر 7 / 133 آمن طريق ابن سعد. (2) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ": 24 من طريق العباس بن الوليد، حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ... (3) المأمومة: الشجة التي بلغت أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 وَقِيْلَ: مَاتَ وَعَلَيْهِ ثَمَانُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَعَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: القُلُوْبُ تَتَغَيَّرُ، فَلاَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُوْنَ مَادِحاً اليَوْمَ ذَامّاً غَداً. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ بِقَصْرِهِ بِالعَرصَةِ، عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَحُمِلَ إِلَى البَقِيْعِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. كَذَا أَرَّخَهُ: خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: مَاتَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأَشْدَقَ سَارَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَبَاعَهُ مَنْزِلَهُ وَبُسْتَانَهُ الَّذِي بِالعَرصَةِ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَيُقَالُ: بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَهُ: الزُّبَيْرُ. وَفِي ذَلِكَ المَكَانِ يَقُوْلُ عَمْرُو بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُقْبَةَ: القَصْرُ ذُو النَّخْلِ وَالجُمَّارُ فَوْقَهُمَا ... أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ أَبْوَابِ جَيْرُوْنَ (1) وَقَدْ كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أَحَدَ مَنْ نَدَبَه عُثْمَانُ لِكِتَابَةِ المُصْحَفِ؛   (1) الجمار: شحم النخل، واحدته جمارة، ورواية مصعب الزبيري في " نسب قريش ": 177، وابن عساكر 7 / 135 ب: القصر ذو النخل بالجماء فوقهما * أشهى إلى القلب من أبواب جيرون ورواه صاحب " الاغاني " 1 / 8 و11، وياقوت في " معجم البلدان " 2 / 159: القصر فالنخل فالجماء بينهما * أشهى إلى القلب من أبواب جيرون وعلق عليه أبو الفرج فقال: القصر الذي عناه ها هنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة، والنخل الذي عناه: نخل كان لسعيد بين قصره وبين الجماء، وهي أرض كانت له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 لِفَصَاحَتِهِ، وَشَبَهِ لَهْجَتِهِ بِلَهْجَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) . فَأَمَّا ابْنُهُ: 88 - عَمْرٌو الأَشْدَقُ بنُ العَاصِ الأُمَوِيُّ * فَمِنْ سَادَةِ بَنِي أُمَيَّةَ. اسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ عَلَى دِمَشْقَ لَمَّا سَارَ لِيَمْلِكَ العِرَاقَ، فَتَوَثَّبَ عَمْرٌو عَلَى دِمَشْقَ، وَبَايَعُوْهُ. فَلَمَّا تَوَطَّدَتِ العِرَاقُ لِعَبْدِ المَلِكِ، وَقُتِلَ مُصْعَبٌ، رَجَعَ، وَحَاصَرَ عَمْراً بِدِمَشْقَ، وَأَعْطَاهُ أَمَاناً مُؤَكَّداً، فَاغْتَرَّ بِهِ عَمْرٌو. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ، غَدَرَ بِهِ، وَقَتَلَهُ، وَخَرَجَتْ أُخْتُهُ تَنْدُبُهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ الوَلِيْدِ، فَقَالَتْ (2) : أيَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ عَلَى عَمْرِو ... عَشِيَّةَ تُبْتَزُّ الخِلاَفَةُ بِالغَدْرِ   (1) أخرجه البخاري 9 / 14، 19 في فضائل القرآن: باب جمع القرآن من طريق موسى ابن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس بن مالك، وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " 1 / 590 من طريق الحكم بن نافع، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن أنس. (*) نسب قريش: 175 وما بعدها، طبقات خليفة: ت 53، 2811، المحبر: 104، 304، 377، التاريخ الكبير 6 / 338، التاريخ الصغير 1 / 159، الجرح والتعديل 6 / 236، تاريخ الطبري 5 / 474، مروج الذهب 3 / 303، أنساب الاشراف 4 / 441، جمهرة أنساب العرب: 81، الاستيعاب: 1177، تاريخ ابن عساكر 13 / 226 ب، الكامل 4 / 297، تهذيب الكمال: 1035، تاريخ الإسلام 3 / 57، تذهيب التهذيب 3 / 98 ب، البداية والنهاية 8 / 310، العقد الثمين 6 / 389، الإصابة 3 / 175، تهذيب التهذيب 8 / 37، خلاصة تذهيب الكمال: 245. (2) نسبها في " مروج الذهب " 6 / 218، 219 لاخت عمرو، ونسبها البلاذري: 4 / 449، وابن عساكر 13 / 229 ب إلى يحيى بن الحكم، وتابعهما على ذلك المصنف في " تاريخ الإسلام " 3 / 58، وقال البلاذري، ويقال: بشر بن مروان، وهي غير منسوبة في " الاخبار الطوال ": 287. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 غَدَرْتُم بِعَمْرٍو يَا بَنِي خَيْطِ بَاطِلٍ ... وَكُلُّكُم يَبْنِي البُيُوْتَ عَلَى غَدْرِ (1) وَمَا كَانَ عَمْرٌو غَافِلاً غَيْرَ أَنَّهُ ... أَتَتْهُ المَنَايَا غَفْلَةً وَهُوَ لاَ يَدْرِي كَأَنَّ بَنِي مَرْوَانَ إِذْ يَقْتُلُوْنَهُ ... خِشَاشٌ مِنَ الطَّيْرِ اجْتَمَعْنَ عَلَى صَقْرِ (2) لَحَى اللهُ دُنْيَا تُعقِبُ النَّارَ أَهْلَهَا ... وَتَهْتِكُ مَا بَيْنَ القَرَابَةِ مِنْ سِتْرِ (3) أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْوَفَاءِ وَلِلْغَدْرِ ... وَلِلْمُغْلِقِيْنَ البَابَ قَسْراً عَلَى عَمْرِو فَرُحْنَا وَرَاحَ الشَّامِتُونَ عَشِيَّةً ... كَأَنَّ عَلَى أَعْنَاقِهِم فِلَقَ الصَّخْرِ وَقَدْ كَانَ عَمْرٌو كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: يُرِيْدُ ابْنُ مَرْوَانٍ أُمُوْراً أَظُنُّهَا ... سَتَحْمِلُهُ مِنِّي عَلَى مَرْكَبٍ صَعْبِ أَتَنْقُضُ عَهْداً كَانَ مَرْوَانُ شَدَّهُ ... وَأَكَّدَ فِيْهِ بِالقَطِيعَةِ وَالكِذْبِ فَقَدَّمَهُ قَبْلِي وَقَدْ كُنْتُ قَبْلَهُ ... وَلَوْلاَ انْقِيَادِي كَانَ كَرْباً مِنَ الكَرْبِ وَكَانَ الَّذِي أَعْطَيْتُ مَرْوَانَ هَفْوَةً ... عُنِيتُ بِهَا رَأْياً وَخَطْباً مِنَ الخَطْبِ فَإِنْ تُنْفِذُوا الأَمْرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا ... فَنَحْنُ جَمِيْعاً فِي السُّهُولِ وَفِي الرَّحْبِ وَإِنْ تُعْطِهَا عَبْدَ العَزِيْزِ ظُلاَمَةً ... فَأَوْلَى بِهَا مِنَّا وَمِنْهُ بَنُو حَرْبِ 89 - الهِرْمَاسُ بنُ زِيَادِ بنِ مَالِكٍ أَبُو حُدَيْرٍ البَاهِلِيُّ (د، ق)   (1) رواية الشطر الثاني في ابن عساكر: وأنتم ذوو قربائه وذوو صهر (2) خشاش الطير: شرارها وما لا يصيد منها، وفي " أنساب الاشراف "، وابن عساكر: " بغاث الطير "، والبغاث: كل طائر ليس من جوارح الطير. (3) رواية البلاذري وابن عساكر: وتهتك ما دون المحارم من ستر. (*) طبقات ابن سعد 5 / 553، طبقات خليفة: ت 299، 2683، التاريخ الكبير 8 / 246، الجرح والتعديل 9 / 118، الاستيعاب: 1548، أسد الغابة 5 / 393، تهذيب الكمال: 1435، تاريخ الإسلام 3 / 309، تذهيب التهذيب 4 / 112 ب، مجمع الزوائد 9 / 408، الإصابة 3 / 600، تهذيب التهذيب 11 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 351. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ. رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِمِنَىً عَلَى بَعِيْرٍ. عُمِّرَ دَهْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ. وَقَعَ لِي حَدِيثُهُ عَالِياً. قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ (1) : حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنِ الهِرْمَاسِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم النَّحْرِ يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ العَضْبَاءِ (2) . قُلْتُ: أَظُنُّ الهِرْمَاسَ بَقِيَ حَيّاً إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ. 90 - قُدَامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ الكِلاَبِيُّ العَامِرِيُّ * (د، س، ق) عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ لَهُم رُؤْيَةٌ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي الجِمَارَ. كَنَّاهُ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: أَبَا عِمْرَانَ. رَوَى: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَيْمَنَ (3) بنِ نَابِلٍ؛ عَنْ قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي الجَمْرَةَ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ، لاَ ضَرْبَ، وَلاَ طَرْدَ، وَلاَ جَلْدَ، وَلاَ إِلَيْكَ إِلَيْكَ (4) .   (1) تحرف في المطبوع إلى " الغندي " واسم أبي عامر: عبد الملك بن عمرو القيسي. (2) إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (1954) في المناسك، وأحمد 3 / 485 و5 / 7، وابن سعد 5 / 553، من طرق عن عكرمة بن عمار، عن الهرماس بن زياد. (*) طبقات خليفة: ت 415، التاريخ الكبير 7 / 178، جمهرة أنساب العرب: 288، الاستيعاب: 1279، أسد الغابة 4 / 393، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 60، تهذيب الكمال: 1126، تاريخ الإسلام 3 / 291، تذهيب التهذيب 3 / 158 آ، العقد الثمين 7 / 71، الإصابة 3 / 227، تهذيب التهذيب 8 / 364، خلاصة تذهيب الكمال: 268. (3) تحرف في المطبوع إلى " أعين ". (4) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (903) في الحج: باب ما جاء في كراهية طرد = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 كَانَ قُدَامَةُ يَكُوْنُ بِنَجْدٍ. عَاشَ إِلَى بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. وَمَا عَلِمْتُ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ سِوَى أَيْمَنَ الحَبَشِيِّ المَكِّيِّ (1) ، وَالحَدِيْثُ: فَفِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (القَزْوِيْنِيِّ) ، وَفِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ) ، وَيَقَعُ لَنَا بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ. 91 - سُفْيَانُ بنُ وَهْبٍ الخَوْلاَنِيُّ أَبُو أَيْمَن المِصْرِيُّ * الصَّحَابِيُّ، المُعَمَّرُ، أَبُو أَيْمَن الخَوْلاَنِيُّ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَدِيْثٍ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) ، وَ (بَقِيٍّ) (2) .   = الناس عند رمي الجمار، والنسائي 5 / 270 في الحج: باب الركوب إلى الجمار، وابن ماجه (3035) في الحج: باب رمي الجمار راكبا، وأحمد 3 / 412 و413، والدارمي 2 / 62. (1) ذكر ابن حجر في " الإصابة " 3 / 277 أن ممن روى عنه أيضا: حميد بن كلاب، وقال: وفيه تعقب على قول مسلم، والحاكم، والازدي، وغيرهم أن أيمن تفرد بالرواية عنه. * طبقات ابن سعد 7 / 440، التاريخ الكبير 4 / 87، المعرفة والتاريخ 2 / 487، الجرح والتعديل 4 / 217، مشاهير علماء الأمصار: ت 922، تاريخ ابن عساكر 7 / 191 آ، أسد الغابة 2 / 410، تاريخ الإسلام 3 / 251، الوافي بالوفيات 15 / 282، الإصابة 2 / 58، تعجيل المنفعة: 106، تهذيب ابن عساكر 6 / 187. (2) هو في " المسند " 4 / 168 من طريق ابن لهيعة، حدثني أبوعشانة، أن سفيان بن وهب الخولاني حدثه، إنه كان تحت ظل راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حجة الوداع، أو أن رجلا حدثه ذلك، رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل بلغت؟ " فظننا أنه يريدنا، فقلنا: نعم، ثم أعاده ثلاث مرات، وقال فيما يقول: " روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وغدوة في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها، وإن المؤمن على المؤمن حرام، عرضه وماله ونفسه، حرمة كحرمة هذا اليوم "، وابن لهيعة ضعيف، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني (6404) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي عشانة، عن سفيان ابن وهب، دون قوله " وإن المؤمن ... " ورجاله ثقات. وفي الباب عن أنس بلفظ " غدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها ". وعن سهل بن سعد متفق عليهما، وعن أبي هريرة عند مسلم، وعن ابن عباس عند الترمذي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَالزُّبَيْرِ. وَغَزَا المَغْرِبَ زَمَنَ عُثْمَانَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُشَّانَةَ المَعَافِرِيُّ، وَبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ. وَقَدْ طَلَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ لِيُحَدِّثَهُ، فَأُتِيَ بِهِ مَحْمُوْلاً مِنَ الكِبَرِ. عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ: أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُم. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، فَذَكَرَاهُ فِي التَّابِعِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَدْ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ - فِيْمَا قِيْلَ -. أَرَّخَ المُسَبِّحِيُّ وَفَاتَهُ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ. 92 - غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ زُنَيْمٍ السَّكُوْنِيُّ * (د، س، ق) أَبُو أَسْمَاءَ السَّكُوْنِيُّ، الكِنْدِيُّ، الشَّامِيُّ. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ رِوَايَةٌ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَبِلاَلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءَ، وَطَائِفَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 429، 443، طبقات خليفة: ت 2899، الجرح والتعديل 7 / 54، الاستيعاب: 1254، تاريخ ابن عساكر 14 / 66 ب، أسد الغابة 4 / 340، تهذيب الكمال: 1091، تاريخ الإسلام 3 / 201، تذهيب التهذيب 3 / 134 آ، الإصابة 3 / 186، تهذيب التهذيب 8 / 248، خلاصة تذهيب الكمال: 261. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَائِذٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. سَكَنَ حِمْصَ. خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ يَزِيْدَ الثُّمَالِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي رَزِيْنٍ الثُّمَالِيُّ، سَمِعْتُ غُضَيْفَ بنَ الحَارِثِ، قَالَ: كُنْتُ صَبِيّاً أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ، فَأَتَوْا بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ بِرَأْسِي، وَقَالَ: (كُلْ مَا سَقَطَ، وَلاَ تَرْمِ نَخْلَهُم (1)) . مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعاً يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلاَةِ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ بُرْدٍ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ: أَنَّهُ مَرَّ بِعُمَرَ، فَقَالَ: نِعْمَ الفَتَى غُضَيْفٌ، فَلِقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَخِي! اسْتَغْفِرْ لِي. قُلْتُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي. قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ: نِعْمَ الفَتَى غُضَيْفٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ اللهَ ضَرَبَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ) (3) .   (1) العلاء بن يزيد ترجمه ابن أبي حاتم 6 / 362 فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وباقي رجاله ثقات. وهو عند ابن عساكر 14 / 67 آ. (2) رجاله ثقات، وسنده قوي. وهو في " المسند " 4 / 105 و5 / 290، وابن سعد 7 / 429، وابن عساكر 14 / 67 آ. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 145 من طريق يونس وعفان، بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 165 و177، وأبو داود (2962) ، وابن ماجه (108) من طريق ابن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف، عن أبي ذر، وصححه الحاكم 3 / 86، 87 ووافقه الذهبي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 رَوَى: مَكْحُوْلٌ؛ عَنْ غُضَيْفٍ، نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ. قَالَ أَبِي، وَأَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَلَهُ صُحْبَةٌ. وَقِيْلَ فِيْهِ: الحَارِثُ بنُ غُضَيْفٍ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ ثِقَةٌ، فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الشَّامِ. أَبُو اليَمَانِ: عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ غُضَيْفَ بنَ الحَارِثِ كَانَ يَتَوَلَّى لَهُم صَلاَةَ الجُمُعَةِ إِذَا غَابَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ (3) . بَقِيَّةُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفٍ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عَبْدُ المَلِكِ، فَقَالَ: يَا أَبَا أَسْمَاءَ! قَدْ جَمَعْنَا النَّاسَ عَلَى أَمْرَيْنِ: رَفْعِ الأَيْدِي عَلَى المَنَابِرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالقَصَصِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالعَصْرِ. قَالَ غُضَيْفٌ: أَمَا إِنَّهُمَا أَمْثَلُ بِدْعَتِكُم عِنْدِي، وَلَسْتُ مُجِيْبَكَ إِلَيْهِمَا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلاَّ رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ (4)) . قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ سُمَيْعٍ: غُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ الثُّمَالِيُّ مِنَ الأَزْدِ، حِمْصِيٌّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ.   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 54، 55. (2) في " الطبقات " 7 / 443. (3) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 603. (4) 4 / 105، وإسناده ضعيف لتدليس بقية، ولضعف أبي بكر بن عبد الله وهو ابن أبي مريم الغساني، وهو عند ابن عساكر 14 / 69 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 93 - عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * (ع) عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ. السَّيِّدُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الحَبَشِيُّ المَوْلِدِ، المَدَنِيُّ الدَّارِ، الجَوَادُ ابْنُ الجَوَادِ ذِي الجَنَاحَيْنِ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَرِوَايَةٌ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ. اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَكَفِلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشَأَ فِي حَجْرِهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَمِّهِ؛ عَلِيٍّ، وَعَنْ أُمِّهِ؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَعَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى عَبْدِ المَلِكِ. وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَرِيْماً، جَوَاداً، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ.   (*) نسب قريش: 81، 82، طبقات خليفة: ت 823، 1484، المحبر: 55، 148، 149، 293، التاريخ الكبير 5 / 7، التاريخ الصغير 1 / 197، المعرفة والتاريخ 1 / 242، الكنى 1 / 66، الجرح والتعديل 5 / 21، المستدرك 3 / 566، جمهرة أنساب العرب: 68، الاستيعاب: 880، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 239، تاريخ ابن عساكر 9 / 27 ب، أسد الغابة 3 / 198، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 263، تهذيب الكمال: 670، تاريخ الإسلام 3 / 163، العبر 1 / 91، تذهيب التهذيب 2 / 135 آ، البداية والنهاية 9 / 33، العقد الثمين 5 / 120، الإصابة 2 / 289، تهذيب التهذيب 5 / 170، المطالب العالية 4 / 105، خلاصة تذهيب الكمال: 163، شذرات الذهب 1 / 87. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً، فَدَخَلَ حَائِطاً، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ (1) . ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَمَلَةَ، قَالَ: وَفَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَلَى يَزِيْدَ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَي أَلْفٍ (2) . قُلْتُ: مَا ذَاكَ بِكِثِيْرٍ، جَائِزَةُ مَلِكِ الدُّنْيَا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى الحَبَشَةِ؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: عَبْدَ اللهِ، وَعَوْناً (3) ، وَمُحَمَّداً (4) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ بَايَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا ابْنَا سَبْعِ سِنِيْنَ. فَلَمَّا رَآهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ، وَبَسَطَ يَدَهُ، وَبَايَعَهُمَا (5) . مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ   (1) إسناده صحيح على شرط مسلم، وتمامه: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت، فقال: " من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ " فجاء فتى من الانصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: " أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه " أخرجه أحمد 1 / 204، 205، وأبو داود (2549) ، وصححه الحاكم 2 / 99، 100، ووافقه الذهبي. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 9 / 28 آ. (2) ابن عساكر 9 / 28 آ. (3) تحرف في المطبوع إلى " عوف ". (4) " نسب قريش ": 80. (5) " المستدرك " 3 / 566، 567، وابن عساكر 9 / 31 آ. وإسماعيل بن عياش ضعيف في رواية عن غير أهل بلده، وهذا منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 بنِ جَعْفَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُم بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُم بِقَتْلِ جَعْفَرٍ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، فَقَالَ: (لاَ تَبْكُوا أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ) . ثُمَّ قَالَ: (ائْتُوْنِي بِبَنِي أَخِي) . فَجِيْءَ بِنَا كَأَنَّنَا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: (ادْعُوا لِيَ الحَلاَّقَ) . فَأَمَرَهُ، فَحَلَقَ رُؤُوْسَنَا، ثُمَّ قَالَ: (أَمَا مُحَمَّدٌ؛ فَشِبْهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ؛ فَشِبْهُ خَلْقِي وَخُلُقِي) . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَشَالَهَا، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَتِهِ) . قَالَ: فَجَاءتْ أُمُّنَا، فَذَكَرَتْ يُتْمَنَا، فَقَالَ: (العَيْلَةَ تَخَافِيْنَ عَلَيْهِم وَأَنَا وَلِيُّهُم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ (1)) . وَرَوَى أَيْضاً: لِعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، تُلُقِّيَ بِالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مَرَّةً مِنْ سَفَرٍ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيْءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ (2) . فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ بِالتُّرَابِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ (3)) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:   (1) 1 / 204 من طريق وهب بن جرير، عن أبيه بهذا الإسناد وهو قوي، وأخرجه مختصرا أبو داود (4192) والنسائي 8 / 182، وهو عند ابن عساكر 9 / 30 ب. (2) أخرجه أحمد 1 / 203، ومسلم (2428) في فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله ابن جعفر رضي الله عنهما. وهو عند ابن عساكر 9 / 31 ب. (3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، ورجالهما ثقات، وهو عند ابن عساكر 9 / 32 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ (1) . عَنْ أَبَانَ بنِ تَغْلِبَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ وِفَادَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، يُعْطِيهِ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَيَقْضِي لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ. قِيْلَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَصَدَ مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، فَعَلَيْكَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ. فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ عَبْدَ اللهِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ... صَلاَتُهُمُ لِلْمُسْلِمِيْنَ طُهُوْرُ أَبَا جَعْفَرٍ! ضَنَّ الأَمِيْرُ بِمَالِهِ ... وَأَنْتَ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ أَمِيْرُ أَبَا جَعْفَرٍ! يَا ابْنَ الشَّهِيْدِ الَّذِي لَهُ ... جَنَاحَانِ فِي أَعْلَى الجِنَانِ يَطِيرُ أَبَا جَعْفَرٍ! مَا مِثْلُكَ اليَوْمَ أَرْتَجِي ... فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالفَلاَةِ أَدُوْرُ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! سَارَ الثَّقَلُ، فَعَلَيْك بِالرَّاحِلَةِ بِمَا عَلَيْهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنِ السَّيْفِ، فَإِنِّي أَخَذْتُهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ (2) . وَيُرْوَى: أَنَّ شَاعِراً جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَأَنْشَدَهُ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ فِي المَنَامِ ... كَسَانِي مِنُ الخَزِّ دُرَّاعَهْ شَكَوْتُ إِلَى صَاحِبِي أَمْرَهَا ... فَقَالَ: سَتُوْتَى بِهَا السَّاعَهْ سَيَكْسُوْكَهَا المَاجِدُ الجَعْفَرِيُّ ... وَمَنْ كَفُّهُ الدَّهْرَ نَفَّاعَهْ وَمَنْ قَالَ لِلْجُودِ: لاَ تَعْدُنِي ... فَقَالَ لَهُ: السَّمْعُ وَالطَّاعَهْ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِغُلاَمِهِ: أَعْطِهِ جُبَّتِي الخَزَّ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ لَمْ تَرَ جُبَّتِي الوَشْيَ؟ اشْتَرَيْتُهَا بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ. فَقَالَ: أَنَامُ،   (1) أخرجه البخاري 7 / 62. (2) الخبر مع الابيات في ابن عساكر 9 / 34 ب، 35 آ، وزاد بعد البيت الثاني: أبا جعفر إن الحجيج ترحلوا * وليس لرحلي فاعلمن بعير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 فَلَعَلَّي أَرَاهَا. فَضَحِكَ عَبْدُ اللهِ، وَقَالَ: ادْفَعُوْهَا إِلَيْهِ (1) . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَلَى قُرَيْشٍ وَأَسَدٍ وَكِنَانَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ. حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَرَّ عُثْمَانُ بِسَبْخَةٍ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقِيْلَ: اشْتَرَاهَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ بِسِتِّيْنَ أَلْفاً. فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلٍ. فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللهِ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ؛ وَأَلْقَى فِيْهَا العُمَّالَ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَأْخُذُ عَلَى يَدَيِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ؟ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّيْنَ أَلْفاً. قَالَ: فَأَقبَلْتُ. فَرَكِبَ عُثْمَانُ يَوْماً، فَرَآهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا. قَالَ: أَمَا وَاللهِ دُوْنَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيَّ مَنْ سَفَّهْتَنِي (2) عِنْدَهُم، فَيَطْلُبُوْنَ إِلَيَّ ذَلِكَ، فَلاَ أَفْعَلُ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْقُصُكَ جُزْأَيْنِ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً. قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا (3) . وَعَنِ العُمَرِيِّ: أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ أَسْلَفَ الزُّبَيْرَ أَلْفَ أَلْفٍ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ جَعْفَرٍ: إِنِّيْ وَجَدْتُ فِي كُتُبِ الزُّبَيْرِ أَنَّ لَهُ عَلَيْكَ أَلْفَ أَلْفٍ. قَالَ: هُوَ صَادِقٌ. ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! وَهِمْتُ؛ المَالُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَهُوَ لَهُ. قَالَ: لاَ أُرِيْدُ ذَلِكَ (4) .   (1) الخبر والابيات في ابن عساكر 9 / 35 آ. (2) تحرف في المطبوع إلى " سفهني ". (3) ابن عساكر 9 / 35 ب. (4) وتمامه عند ابن عساكر 9 / 35 ب: قال: فاختر إن شئت، فهو له، وإن كرهت ذلك، فلك فيه نظرة ما شئت، فإن لم ترد ذلك، فبعني من ماله ما شئت، فقال: أبيعك، ولكن أقوم، فقوم الاموال، ثم أتاه، فقال: أحب أن لا يحضرني وإياك أحد، فقال عبد الله: يحضرنا الحسن والحسين، فيشهدان لك، فقال: ما أحب أن يحضرنا أحد، قال: انطلق، فمضى معه، فأعطاه خرابا وسباخا لاعمارة له وقومه عليه، حتى إذا فرغ، قال عبد الله لغلامه: ألق لي في هذا الموضع مصلى، فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ بِدَجَاجَةٍ مَسْمُوطَةٍ، فَقَالَتْ لابْنِ جَعْفَرٍ: بِأَبِي أَنْتَ! هَذِهِ الدَّجَاجَةُ كَانَتْ مِثْل بِنْتِي، فَآلَيْتُ أَنْ لاَ أَدْفِنَهَا إِلاَّ فِي أَكْرَمِ مَوْضِعٍ أَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَلاَ وَاللهِ مَا فِي الأَرْضِ أَكْرَمُ مِنْ بَطْنِكَ. قَالَ: خُذُوهَا مِنْهَا، وَاحْمِلُوا إِلَيْهَا. فَذَكَرَ أَنْوَاعاً مِنَ العَطَاءِ، حَتَّى قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ! إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِيْنَ (1) . هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ رَجُلاً جَلَبَ سُكَّراً إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكَسَدَ، فَبَلَغَ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، فَأَمَرَ قَهْرَمَانَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَأَنْ يُنْهِبَهُ النَّاسَ. ذَكَرَ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَقِيهُ أَهْلِ الحِجَازِ عَلَى نَخَّاسٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ جَارِيَةً، فَعَلِقَ بِهَا، وَأَخَذَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا، فَمَشَى إِلَيْهِ عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، يَعْذُلُوْنَهُ. وَبَلَغَ خَبَرُهُ عَبْدَ اللهِ، فَاشْتَرَاهَا بِأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَزَيَّنَهَا، وَحَلاَّهَا، ثُمَّ طَلَبَ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ حُبُّكَ فُلاَنَةً؟ قَالَ: هِيَ الَّتِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِهَا، وَالنَّفْسُ مَشْغُولَةٌ بِهَا. فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، أَخْرِجِيهَا. فَأَخْرَجَتْهَا تَرْفُلُ فِي الحُلِيِّ وَالحُلَلِ، فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْهَا. فَقَالَ: لَقَدْ تَفَضَّلتَ بِشَيْءٍ مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ إِلاَّ اللهُ. فَلَمَّا وَلَّى بِهَا، قَالَ: يَا غُلاَمُ! احْمِلْ مَعَهُ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: لَئِنْ -وَاللهِ - وُعِدْنَا نَعِيْمَ الآخِرَةِ، فَقَدْ عَجَّلْتَ نَعِيْمَ الدُّنْيَا (2) . وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ أَخْبَارٌ فِي الجُوْدِ وَالبَذْلِ (3) .   = فصلى ركعتين، وسجد فأطال السجود يدعو، فلما قضى ما أراد من الدعاء، قال لغلامه: احفر في موضع سجودي، فحفر، فإذا عين قد أنبطها، فقال له ابن الزبير: أقلني، فقال: أما دعائي وإجابة الله إياي، فلا أقيلك، فصار ما أخذ منه أعمر مما في يدي ابن الزبير. (1) ابن عساكر 9 / 38 ب. (2) ابن عساكر 9 / 39 آ، ب. (3) أوردها ابن عساكر، انظرها في 9 / 34 ب وما بعدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 وَكَانَ وَافِرَ الحِشْمَةِ، كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَمِمَّنْ يَسْتَمِعُ الغِنَاءَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَيُقَالُ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ. 94 - قَيْسُ بنُ عَائِذٍ أَبُو كَاهِلٍ الأَحْمَسِيُّ * (س، ق) عِدَادُهُ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ. نَزَلَ الكُوْفَةَ، وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ. رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبُو مُعَاذٍ رَجُلٌ تَابِعِيٌّ. رَوَى لَهُ: أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه. بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ. 95 - حُجْرُ بنُ عَدِيِّ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ رَبِيْعَةَ الكِنْدِيُّ ** ابْنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ الحَارِثِ بنِ مُعَاوِيَةَ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 62، طبقات خليفة: ت 223، 849، التاريخ الكبير 7 / 142، الجرح والتعديل 7 / 102، الاستيعاب: 1296، أسد الغابة 4 / 435 و6 / 260، تهذيب الكمال: 1638، تاريخ الإسلام 3 / 291، تذهيب التهذيب 4 / 229 ب، الإصابة 4 / 164، تهذيب التهذيب 12 / 208، خلاصة تذهيب الكمال: 394. (1) أخرجه أحمد 4 / 78 و177 و178 و306، وابن ماجه (1284) و (1285) . من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن عائذ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته، وحبشي آخذ بخطامها. وإسناده صحيح. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 217، طبقات خليفة: ت 1042، المحبر: 292، التاريخ الكبير 3 / 72، التاريخ الصغير 1 / 95، المعارف: 334، الجرح والتعديل 3 / 266، تاريخ = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 الكِنْدِيُّ، وَهُوَ حُجْرُ الخَيْرِ، وَأَبُوْهُ عَدِيُّ الأَدْبَرُ. وَكَانَ قَدْ طُعِنَ مُوَلِّياً، فَسُمِّيَ الأَدْبَرَ، الكُوْفِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّهِيْدُ. لَهُ: صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَفَدَ مَعَ أَخِيْهِ هَانِئِ بنِ الأَدْبَرِ، وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَمِعَ مِنَ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ. رَوَى عَنْهُ: مَوْلاَهُ؛ أَبُو لَيْلَى، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ شَرِيفاً، أَمِيْراً مُطَاعاً، أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، مُقْدِماً عَلَى الإِنْكَارِ، مِنْ شِيْعَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. شَهِدَ صِفِّيْنَ أَمِيْراً، وَكَانَ ذَا صَلاَحٍ وَتَعَبُّدٍ. قِيْلَ: كَذَّبَ زِيَادَ بنَ أَبِيْهِ مُتَوَلِّي العِرَاقِ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَحَصَبَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَعَسْكَرَ حُجْرٌ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفٍ بِالسِّلاَحِ، وَخَرَجَ عَنِ الكُوْفَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَقَعَدَ، فَخَافَ زِيَادٌ مِنْ ثَوْرَتِهِ ثَانِياً، فَبَعَثَ بِهِ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ حُجْرٌ جَاهِلِيّاً، إِسْلاَمِيّاً، شَهِدَ القَادِسِيَّةَ. وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ مَرْجَ عَذْرَاءَ، وَكَانَ عَطَاؤُهُ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَلَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ وَالِياً، دَعَا بِهِ، فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنِّيْ أَعْرِفُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى مَا عَلِمْتَ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ، وَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَأَنْشُدُكَ اللهَ أَنْ يُقْطَرَ لِي مِنْ دَمِكَ قَطْرَةٌ، فَأَسْتَفْرِغَهُ كُلَّهُ، أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ مَنْزِلُكَ، وَهَذَا سَرِيرِي فَهُوَ مَجْلِسُكَ، وَحَوَائِجُكَ مَقْضِيَّةٌ لَدَيَّ، فَاكْفِنِي نَفْسَكَ، فَإِنِّي أَعْرِفُ عَجَلَتَكَ، فَأَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَهَذِهِ السِّفْلَةِ أَنْ   = الطبري 5 / 253، مروج الذهب 3 / 188، مشاهير علماء الأمصار: 648، الاغاني 17 / 133، معجم الطبراني 4 / 39، المستدرك 3 / 468، جمهرة أنساب العرب: 426، الاستيعاب: 329، تاريخ ابن عساكر 4 / 131 ب، أسد الغابة 1 / 461، الكامل 3 / 472، تاريخ الإسلام 2 / 275، العبر 1 / 57، مرآة الجنان 1 / 125، البداية والنهاية 8 / 49، الإصابة 1 / 314، شذرات الذهب 1 / 57، تهذيب ابن عساكر 4 / 87. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 يَسْتَزِلُّوكَ عَنْ رَأْيِكَ، فَإِنَّكَ لَوْ هُنْتَ عَلَيَّ، أَوِ اسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ، لَمْ أَخُصَّكَ بِهَذَا. فَقَالَ: قَدْ فَهِمْتُ، وَانْصَرَفَ. فَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ، فَقَالُوا: مَا قَالَ لَكَ؟ فَأَخْبَرَهُم. قَالُوا: مَا نَصَحَ. فَأَقَامَ وَفِيْهِ بَعْضُ الاعْتِرَاضِ، وَالشِّيْعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ شَيْخُنَا وَأَحَقُّ مَنْ أَنْكَرَ، وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ، مَشَوْا مَعَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خَلِيْفَةُ زِيَادٍ عَلَى الكُوْفَةِ عَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ - وَزِيَادٌ بِالبَصْرَةِ -: مَا هَذِهِ الجَمَاعَةُ؟ فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: تُنكِرُوْنَ مَا أَنْتُم فِيْهِ؟ إِلَيْكَ وَرَاءكَ أَوْسَعُ لَكَ. فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى زِيَادٍ: إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالكُوْفَةِ، فَعَجِّلْ. فَبَادَرَ، وَنَفَّذَ إِلَى حُجْرٍ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ، وَجَرِيرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَخَالِدَ بنَ عُرْفُطَةَ، لِيُعْذِرُوا إِلَيهِ، وَأَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا غُلاَمُ! اعْلِفِ البَكْرَ. فَقَالَ عَدِيٌّ: أَمَجْنُوْنٌ أَنْتَ؟ أُكَلِّمُكَ بِمَا أُكلِّمُكَ، وَأَنْتَ تَقُوْلُ هَذَا؟! وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ إِلَى كُلِّ مَا أَرَى. وَنَهَضُوا، فَأَخْبَرُوا زِيَاداً، فَأَخْبَرُوْهُ بِبَعْضٍ، وَخَزَنُوا بَعْضاً، وَحَسَّنُوا أَمْرَهُ، وَسَأَلُوا زِيَاداً الرِّفْقَ بِهِ، فَقَالَ: لَسْتُ إِذاً لأَبِي سُفْيَانَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الشُّرَطَ وَالبُخَارِيَّةَ، فَقَاتَلَهُم بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ انْفَضُّوا عَنْهُ، وَأُتِيَ بِهِ إِلَى زِيَادٍ وَبِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّيْ عَلَى بَيْعَتِي لِمُعَاوِيَةَ. فَجَمَعَ زِيَادٌ سَبْعِيْنَ، فَقَالَ: اكْتُبُوا شَهَادَتَكُم عَلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ. ثُمَّ أَوْفَدَهُم عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَبَعَثَ بِحُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَيْهِ، فَبَلَغَ عَائِشَةَ الخَبَرُ، فَبَعَثَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ تَسْأَلُهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيْلَهُم. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لاَ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُم، هَاتُوا كِتَابَ زِيَادٍ. فَقُرِئَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ الشُّهُودُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اقْتُلُوْهُم عِنْدَ عَذْرَاءَ. فَقَالَ حُجْرٌ: مَا هَذِهِ القَرْيَةُ؟ قَالُوا: عَذْرَاءُ (1) . قَالَ: أَمَا -وَاللهِ - إِنِّيْ لأَوَّلُ مُسْلِمٍ نَبَّحَ كِلاَبَهَا   (1) هي من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريبا وبها قبر حجر بن عدي وأصحابه، في مسجدها، ولا تزال إلى يومنا هذا. وأخطأ من زعم أنه دفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حي مسجد الاقصاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 فِي سَبِيْلِ اللهِ. ثُمَّ أُحْضِرُوا مَصْفُودِيْنَ (1) ، وَدَفَعَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُم إِلَى رَجُلٍ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ حُجْرٌ: يَا قَوْمُ، دَعُوْنِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَتَرَكُوهُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَطَوَّلَ. فَقِيْلَ لَهُ: طَوَّلْتَ، أَجَزِعْتَ؟ فَقَالَ: مَا صَلَّيْتُ صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، وَلَئِنْ جَزِعْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ سَيْفاً مَشْهُوْراً، وَكَفَناً مَنْشُوراً، وَقَبْراً مَحْفُوراً. وَكَانَتْ عَشَائِرُهُم قَدْ جَاؤُوهُم بِالأَكْفَانِ، وَحَفَرُوا لَهُمُ (2) القُبُوْرَ. وَيُقَالُ: بَلْ مُعَاوِيَةُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ حُجْرٌ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعْدِيكَ (3) عَلَى أُمَّتِنَا، فَإِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ شَهِدُوا عَلَيْنَا، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَتَلُوْنَا. فَقِيْلَ لَهُ: مُدَّ عُنُقَكَ. فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَدَمٌ مَا كُنْتُ لأُعِيْنَ عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بنَ فَيَّاضٍ، فَقَتَلَهُم، وَكَانَ أَعْوَرَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُم مِنْ خَثْعَمَ، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتِ الطَّيرُ، قُتِلَ نِصْفُنَا، وَنَجَا نِصْفُنَا. فَلَمَّا قَتَلَ سَبْعَةً، بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِرَسُولٍ بِإِطْلاَقِهِم، فَإِذَا قَدْ قُتِلَ سَبْعَةٌ، وَنَجَا سِتَّةٌ، وَكَانُوا ثَلاَثَةَ عَشَرَ. وَقَدِمَ ابْنُ هِشَامٍ بِرِسَالَةِ عَائِشَةَ، وَقَدْ قُتِلُوا، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! أَيْنَ عَزَبَ عَنْكَ حِلْمُ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: غَيْبَةُ مِثْلِكَ عَنِّي - يَعْنِي: أَنَّهُ نَدِمَ -. وَقَالَتْ هِنْدُ الأَنْصَارِيَّةُ وَكَانَتْ شِيْعِيَّةً إِذْ بُعِثَ بِحُجْرٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: تَرفَّعْ أَيُّهَا القَمَرُ المُنِيْرُ ... تَرَفَّعْ هَلْ تَرَى حُجْراً يَسِيْرُ؟ يَسِيْرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بنِ حَرْبٍ ... لِيَقْتُلَهُ كَمَا زَعَمَ الخَبِيْرُ تَجَبَّرَتِ الجَبَابِرُ بَعْدَ حُجْرٍ ... فَطَابَ لَهَا الخَوَرْنَقُ وَالسَّدِيرُ (4)   (1) أي: مقيدين. (2) تحرف في المطبوع إلى " إليهم ". (3) في الأصل: " تستعيذ بك " وهو خطأ. (4) الخورنق: قصر كان بظهر الحيرة، والسدير: قريب منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 وَأَصْبَحَتِ البِلاَدُ لَهُ مُحُولاً ... كَأَنْ لَمْ يُحْيِهَا يَوْماً مَطِيرُ أَلاَ يَا حُجْرُ - حُجْرَ بَنِي عَدِيٍّ* - ... تَلَقَّتْكَ السَّلاَمَةُ وَالسُّرُوْرُ أَخَافُ عَلَيْكَ مَا أَرْدَى عَدِيّاً ... وَشَيْخاً فِي دِمَشْقَ لَهُ زَئِيْرُ (1) فَإِنْ تَهْلِكْ فُكُلُّ عَمِيدِ قَوْمٍ ... إِلَى هُلْكٍ مِنَ الدُّنْيَا يَصِيرُ (2) قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِحُجْرٍ، قَالَ: ادْفِنُوْنِي فِي ثِيَابِي، فَإِنِّيْ أُبْعَثُ مُخَاصِماً (3) . وَرَوَى: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي السُّوقِ، فَنُعِيَ إِلَيْهِ حُجْرٌ، فَأَطْلَقَ (4) حَبْوَتَهُ، وَقَامَ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّحِيْبُ (5) . هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحُجْرٍ، قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: أَوَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنَا؟ اضْرِبُوا عُنُقَهُ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ لأَهْلِهِ: لاَ تُطْلِقُوا عَنِّي حَدِيداً، وَلاَ تَغْسِلُوا عَنِّي دَماً، فَإِنِّي مُلاَقٍ مُعَاوِيَةَ عَلَى الجَادَّةِ. وَقِيْلَ: إِنَّ رَسُوْلَ مُعَاوِيَةَ عَرَضَ عَلَيْهِم البَرَاءةَ مِنْ رَجُلٍ وَالتَّوبَةَ، فَأَبَى ذَلِكَ عَشْرَةٌ، وَتَبَرَّأَ عَشْرَةٌ، فَلَمَّا انْتَهَى القَتْلُ إِلَى حُجْرٍ، جَعَلَ يُرْعَدُ. وَقِيْلَ: لَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ، اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَقَتَلْتَ   (1) تصحف في المطبوع إلى " زبير ". (2) " طبقات ابن سعد " 6 / 217، 220، والطبري 5 / 252، 280، و" الكامل " لابن الأثير 3 / 472، 488، و" البداية " 8 / 49، 55، و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 87، 90، و" الاغاني " 17 / 133، 155. (3) أخرجه ابن سعد 6 / 220 من طريق حماد بن مسعدة بهذا الإسناد، ومحمد هو ابن سيرين. (4) تحرف في المطبوع إلى " فأطبق ". (5) رواه أحمد كما في " البداية " 8 / 55 من طريق ابن علية بهذا الإسناد، وهو صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 حُجْراً؟ قَالَ: وَجَدْتُ فِي قَتْلِهِ صَلاَحَ النَّاسِ، وَخِفْتُ مِنْ فَسَادِهِم (1) . وَكَانَ قَتْلُهُم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَمَشْهَدُهُم ظَاهِرٌ بِعَذْرَاءَ، يُزَارُ. وَخَلَّفَ حُجْرٌ وَلَدَيْنِ: عُبَيْدَ اللهِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، قَتَلَهُمَا مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْرِ الأَمِيْرُ، وَكَانَا يَتَشَيَّعَانِ. أَمَّا: 96 - حُجْرٌ الشَّرُّ حُجْرُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَلَمَةَ الكِنْدِيُّ * فَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لِحُجْرِ الخَيْرِ، وَهُوَ حُجْرُ بنُ يَزِيْدَ بنِ سَلَمَةَ بنِ مُرَّةَ بنِ حُجْرِ بنِ عَدِيِّ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ الكِنْدِيُّ. وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَانَ مِنْ شِيْعَةِ عَلِيٍّ، وَشَهِدَ يَوْمَ الحَكَمَينِ، ثُمَّ صَارَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ، فَوَلاَّهُ أَرْمِيْنِيَةَ. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ (2) . وَلاَ رِوَايَةَ لِهَذَا أَيْضاً. 97 - أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ الكِنَانِيُّ ** (ع) خَاتَمُ مَنْ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّنْيَا، وَاسْتمَرَّ الحَالُ عَلَى ذَلِكَ فِي   (1) رواه أحمد كما في " البداية " 8 / 55 عن عفان، عن ابن علية، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة أو غيره. (*) المحبر: 252، جمهرة أنساب العرب: 426، تاريخ ابن عساكر 4 / 139 آ، أسد الغابة 1 / 463، تاريخ الإسلام 2 / 216، الإصابة 1 / 315، تهذيب ابن عساكر 4 / 90. (2) في " الإصابة " 1 / 315: قال ابن سعد في الطبقة الرابعة: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وكان شريفا، وكان يلقب حجر الشر، وإنما قيل له ذلك، لان حجر بن الاد؟ كان يقال له: حجر الخير، فأرادوا تمييزهما. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 457 و6 / 64، طبقات خليفة: ت 176 و841 و2519، تاريخ البخاري 6 / 446، المعارف: 341، المعرفة والتاريخ 1 / 295 و359، الكنى 1 / 40، الجرح والتعديل 6 / 328، مشاهير علماء الأمصار: ت 214، الاغاني 13 / 166، جمهرة أنساب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 عَصْرِ التَّابِعِيْنَ وَتَابِعِيْهِم وَهَلُمَّ جَرَّا، لاَ يَقُوْلُ آدَمِيٌّ: إِنَّنِي رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَبَغَ بِالهِنْدِ بَعْدَ خَمْسِ مائَةِ عَامٍ بَابَا رَتَنَ، فَادَّعَى (1) الصُّحْبَةَ، وَآذَى نَفْسَهُ، وَكَذَّبَهُ العُلَمَاءُ (2) . فَمَنْ صَدَّقه فِي دَعْوَاهُ، فَبَارَكَ اللهُ فِي عَقْلِهِ، وَنَحْنُ نَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ. وَاسْمُ أَبِي الطُّفَيْلِ: عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ، الكِنَانِيُّ، الحِجَازِيُّ، الشِّيْعِيُّ. كَانَ مِنْ شِيْعَةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ. مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الهِجْرَةِ. رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَسْتَلمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ المِحْجَنَ (3) .   = العرب: 183، المستدرك 3 / 618، الاستيعاب: 1344، تاريخ بغداد 1 / 198، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 378، تاريخ ابن عساكر 8 / 412 ب، أسد الغابة 3 / 145، و6 / 179، تهذيب الكمال: 647، 1623، تاريخ الإسلام 4 / 78، العبر 1 / 118 و136، تذهيب التهذيب 2 / 118 آ، مرآة الجنان 11 / 207، البداية والنهاية 9 / 190، العقد الثمين 5 / 87، الإصابة 4 / 113، تهذيب التهذيب 5 / 82، النجوم الزاهرة 1 / 243، خلاصة تذهيب الكمال: 157، شذرات الذهب 1 / 118، خزانة الأدب 4 / 41 و2 / 91، تهذيب ابن عساكر 7 / 203. (1) تحرف في المطبوع إلى " فآذى ". (2) قال المؤلف رحمه الله في " ميزان الاعتدال " 2 / 45: رتن الهندي، وما أدراك مارتن؟ ! شيخ دجال بلا ريب، ظهر بعد الستمئة، فادعى الصحبة، والصحابة لا يكذبون، وهذا اجترأ على الله ورسوله، وقد ألفت في أمره جزءا، وقد قيل: إنه مات سنة 632 وقيل بعدها، ومع كونه كذابا، فقد كذبوا عليه جملة كبيرة من أسمج الكذب والمحال. وقد نقل الحافظ ابن حجر جملة كبيرة من جزء الذهبي في " الإصابة " في ترجمة " رتن " 1 / 532، 538 في القسم الرابع من حرف الراء. وهو فيمن ذكر في الكتب على سبيل الوهم والغلط. (3) أخرجه مسلم (1275) في الحج: باب جواز الطواف على بعير وغيره، وأبو داود (1879) في المناسك: باب الطواف الواجب، وابن ماجه (2949) ، وأحمد 5 / 454 من طرق، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل ... وهو عند ابن عساكر 8 / 413 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَرَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٍّ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُثَيْمٍ، وَمَعْرُوفُ بنُ خَرَّبُوْذَ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ مَعْرُوفٌ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ يَطُوْفُ بِالبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) الهَمْدَانِيِّ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا أَبْقَى لَكَ الدَّهْرُ مِنْ ثُكْلِكَ عَلِيّاً؟ قَالَ: ثُكْلَ العَجُوْزِ المِقْلاَتِ (3) وَالشَّيْخِ الرَّقُوبِ. قَالَ: فَكَيْفَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوْسَى لِمُوْسَى، وَإِلَى اللهِ أَشْكُو التَّقْصِيرَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مِنْ حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِ سِنِيْنَ (4) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ: وَخُلِّفْتُ سَهْماً فِي الكِنَانَةِ وَاحِداً ... سَيُرمَى بِهِ أَوْ يَكْسِرُ السَّهْمَ كَاسِرُهْ (5) وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ كَانَ حَامِلَ رَايَةِ المُخْتَارِ لَمَّا ظَهَرَ بِالعِرَاقِ،   (1) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة. (2) تحرف في المطبوع إلى " الرحيم ". (3) المقلات: هي التي لم يبق لها ولد، وكذلك الشيخ الرقوب، والخبر عند ابن عساكر 8 / 413. (4) ابن سعد 6 / 64، و" تاريخ البخاري " 6 / 446. (5) ابن عساكر 8 / 417 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَحَارَبَ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ. وَكَانَ أَبُو الطُّفَيْلِ ثِقَةً فِيمَا يَنْقُلُهُ، صَادِقاً، عَالِماً، شَاعِراً، فَارِساً، عُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ حُرُوْبَهُ. قَالَ خَلِيْفَةُ: وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا - كَذَا قَالَ -. ثُمَّ قَالَ: وَيُقَالُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ (2) : حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، فَرَأَيْتُ جِنَازَةً، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو الطُّفَيْلِ (3) . قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ وَفَاتِهِ لِثُبُوتِهِ، وَيَعْضُدُهُ مَا قَبْلَهُ. وَلَوْ عُمِّرَ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَمَا عُمِّرَ هُوَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَاشَ إِلَى سَنَةِ بِضْعٍ وَمائَتَيْنِ. 98 - أُمُّ خَالِدٍ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ الأُمَوِيَّةُ * (خَ، د، س) ابْنِ أَبِي أُحَيْحَةَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيَّةُ، الأُمَوِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، الحَبَشِيَّةُ المَوْلِدِ. اسْمُهَا: أَمَةُ.   (1) انظر " طبقات خليفة " ت (176) وت (2519) . (2) في " تاريخه الصغير " 1 / 250. (3) ابن عساكر 8 / 418 آ. (*) طبقات ابن سعد 8 / 234، طبقات خليفة: ت 3244، المحبر: 410، الجرح والتعديل 9 / 462، الاستيعاب: 1934، أسد الغابة 7 / 325، تهذيب الكمال: 1677، تاريخ الإسلام 3 / 219، تذهيب التهذيب 4 / 256 ب، العقد الثمين 8 / 184، الإصابة 4 / 238، تهذيب التهذيب 12 / 400. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 لَهَا صُحْبَةٌ، وَرَوَتْ حَدِيْثَيْنِ (1) . وَتَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ، فَوَلَدَتْ لَهُ: عَمْراً وَخَالِداً. حَدَّثَ عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَظُنُّهَا آخِرَ الصَّحَابِيَّاتِ وَفَاةً. بَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّجَاشِيَّ يَقُوْلُ يَوْمَ خَرَجْنَا لأَصْحَابِ السَّفِيْنَتَيْنِ: أَقْرِئُوا جَمِيْعاً رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي السَّلاَمَ. قَالَتْ: فَكُنْتُ فِيْمَنْ أَقْرَأَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النَّجَاشِيِّ السَّلاَمَ (2) . الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثِيَابٍ فِيْهَا خَمِيْصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيْرَةٌ، فَقَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ أَكْسُو هَذِهِ؟) . فَسَكَتُوا، فَقَالَ: (ائْتُوْنِي بِأُمِّ خَالِدٍ) . فَأُتِي بِي أُحْمَلُ، فَأَلْبَسَنِيْهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) . يَقُوْلُهَا مَرَّتَيْنِ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيْصَةِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ، فَقَالَ: (هَذَا سَنَا يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا) . وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى العَلَمِ. وَسَنَا بِالحَبَشِيَّةِ: حَسَنٌ. قَالَ إِسْحَاقُ: فَحَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي: أَنَّهَا رَأَتِ الخَمِيْصَةَ عِنْدَ أُمِّ خَالِدٍ (3) .   (1) الأول: ما رواه البخاري في " صحيحه " 3 / 192 في الجنائز: باب التعوذ من عذاب القبر، وفي الدعوات: باب التعوذ من عذاب القبر من طريقين عن موسى بن عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر. والثاني سيذكره المصنف من رواية الطيالسي. (2) أخرجه ابن سعد 8 / 234، والواقدي لا يحتج به. (3) إسناده صحيح، والطيالسي: هو أبو الوليد، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 234 = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 ابْنُهَا: 99 - عَمْرُو بنُ الزُّبَيْرِ * يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ. وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ شَرٌّ وَتَقَاطُعٌ. وَكَانَ بَدِيعَ الجَمَالِ، شَدِيدَ العَارِضَةِ، جَرِيئاً، مَنِيعاً. كَانَ يَجْلِسُ، فَيُلْقِي عَصَاهُ بِالبلاَطِ (1) ، فَلاَ يَتَخَطَّاهَا أَحَدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَهُ   = من طريق الفضل بن دكين، وهشام أبي الوليد الطيالسي بهذا لاسناد، وأخرجه البخاري 10 / 236 في اللباس: باب الخميصة السوداء من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، و10 / 256: باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا من طريق أبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن إسحاق بن سعيد به. وأخرجه أيضا 6 / 128 في الجهاد: باب من تكلم بالفارسية والرطانة، وفي الأدب: باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به 10 / 356 من طريق حبان بن موسى، عن عبد الله، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، عن أم خالد، وأخرجه 7 / 145 في فضائل أصحاب النبي: باب هجرة الحبشة من طريق الحميدي، عن سفيان، عن إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن أم خالد، وأخرجه أبو داود (4024) من طريق إسحاق بن الجراح، عن أبي النضر، عن إسحاق بن سعيد ... وقوله: " أبلي " هو بفتح الهمزة وسكون الباء وكسر اللام أمر بالابلاء، وكذا قوله " أخلقي " بالقاف، أمر بالاخلاق، وهما بمعنى، والعرب تطلق ذلك، وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي: أنه تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق. قال الحافظ: ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري: " وأخلفي " بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف، لان الأولى تستلزم التأكيد، إذ الابلاء والاخلاق بمعنى، لكن جاء العطف لتغاير اللفظتين، والثانية تفيد معنى زائدا، وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، ويؤيد هذه الرواية ما أخرجه أبو داود (4020) بسند صحيح عن أبي نضرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا، قيل له: تبلي ويخلف الله. (*) طبقات ابن سعد 5 / 185، نسب قريش: 178، 214، 215، المحبر: 304، 481، جمهرة أنساب العرب: 125، تاريخ ابن عساكر 13 / 220 آ، تاريخ الإسلام 3 / 54، العقد الثمين 6 / 378. (1) البلاط: الأرض، وقيل الأرض المستوية الملساء، وفي معجم ياقوت: والبلاط: موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سوق المدينة. وقد تحرف في = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 مِنَ الرَّقِيْقِ نَحْوُ المائَتَيْنِ. قِيْلَ: كَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى نَائِبِهِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ: وَجِّهْ جُنْداً لابْنِ الزُّبَيْرِ. فَسَأَلَ: مَنْ أَعْدَى النَّاسِ لَهُ؟ فَقِيْلَ: أَخُوْهُ عَمْرٌو. فَتَوَجَّهَ عَمْرٌو فِي أَلْفٍ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ لِقِتَالِ أَخِيْهِ. فَقَالَ لَهُ جُبَيْرُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ غَيْرُكَ أَوْلَى بِهَذَا؛ تَسِيْرُ إِلَى حَرَمِ اللهِ وَأَمْنِهِ، وَإِلَى أَخِيْكَ فِي سِنِّهِ وَفَضْلِهِ تَجْعَلُهُ فِي جَامِعَةٍ، مَا أَرَى النَّاسَ يَدَعُوْنَكَ وَمَا تُرِيْدُ. قَالَ: أُقَاتِلُ مَنْ حَالَ دُوْنَ ذَلِكَ. ثُمَّ نَزَلَ دَارَهُ عِنْد الصَّفَا، وَرَاسَلَ أَخَاهُ، فَلاَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: إِنِّيْ لَسَامِعٌ مُطِيعٌ، أَنْتَ عَامِلُ يَزِيْدَ، وَأَنَا أُصَلِّي خَلْفَكَ مَا عِنْدِي خِلاَفٌ، فَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِي جَامِعَةٌ وَأُقَادَ، فَكَلاَّ، فَرَاجِعْ صَاحِبَكَ. فَبَرَزَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ فِي عَسْكَرٍ، فَالْتَقَوْا، فَخُذِلَ الشَّامِيُّونَ، وَجِيْءَ بِعَمْرٍو أَسِيْراً، وَقَدْ جُرِحَ. فَقَالَ أَخُوْهُ عُبَيْدَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَجَرْتُهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا حَقِّي، فَنَعَمْ، وَأَمَّا حَقُّ النَّاسِ، فَقِصَاصٌ. وَنَصَبَهُ لِلنَّاسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي فَيَقُوْلُ: نَتَفَ لِحْيَتِي. فَيَقُوْلُ: انتِفْ لِحْيَتَهُ (1) . وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: جَلَدَنِي مائَةَ جَلْدَةٍ. فَجُلِدَ مائَةً، فَمَاتَ، فَصَلَبَهُ أَخُوْهُ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ مِنْ سَحْبِهِم إِيَّاهُ إِلَى السِّجْنِ، وَصُلِبَ، فَصَلَبَ الحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ المَكَانِ (2) . 100 - عَمْرُو بنُ أَخْطَبَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ.   = المطبوع إلى " الملاط "، وفي المطبوع من " تاريخ الإسلام " 3 / 55: وكان يجلس بالبلاد. وهو خطأ أيضا. (1) أخرجه ابن عساكر 13 / 221 ب، 222 آمفصلا. (2) ابن سعد 5 / 186. (*) طبقات ابن سعد 7 / 28، طبقات خليفة: ت 636، 1459، التاريخ الكبير = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 مِنْ مَشَاهِيْرِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ نَزَلُوا البَصْرَةَ. رُوِيَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ) . فَبَلَغَ مائَةَ سَنَةٍ، وَمَا ابْيَضَّ مِنْ شَعْرِهِ إِلاَّ اليَسِيْرُ (1) . وَلَهُ بِالْبَصْرَةِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِهِ (2) . رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيْثَ، وَغَزَا مَعَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ غَزْوَةً (3) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ بَشِيْرٌ، وَيَزِيْدُ الرِّشْكُ، وَعِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَجَمَاعَةٌ. حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.   6 / 309، المعرفة والتاريخ 1 / 331، الكنى 1 / 32، الجرح والتعديل 6 / 220، الاستيعاب: 2 / 524، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 372، أسد الغابة 4 / 190، تهذيب الكمال: 1027، تذهيب التهذيب 3 / 93 ب، البداية والنهاية 8 / 324، الإصابة 2 / 522 و4 / 78، تهذيب التهذيب 8 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 243. (1) أخرجه الترمذي (3629) في المناقب من طريق محمد بن بشار، عن أبي عاصم النبيل، عن عزرة بن ثابت، عن علباء بن أحمر، حدثنا أبو زيد بن أخطب، قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجهي ودعا لي. قال عزرة: إنه عاش مئة وعشرين سنة، وليس في رأسه إلا شعرات بيض. وهو في " المسند " 5 / 77 و341، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (2274) والحاكم، وهو كما قالوا. وأخرجه أحمد 5 / 340 من طريق آخر بنحوه، وصححه ابن حبان (2273) . (2) ابن سعد 7 / 28. (3) " المسند " 5 / 340، وابن سعد 7 / 28 من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن تميم بن حويص (وقد تحرف في " المسند " إلى مربض) قال: سمعت أبا زيد يقول: قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة. ورجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 101 - أَبُو عَسِيْبٍ * مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ نَزَلَ البَصْرَةَ، وَطَالَ عُمُرُهُ. خَرَّجَ لَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . يُقَالُ: اسْمُهُ أَحْمَرُ. وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ العُبَّادِ. حَدَّثَ عَنْهُ: خَازِمُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو نُصَيْرَةَ مُسْلِمُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمَيْمُوْنَةُ بِنْتُ أَبِي عَسِيْبٍ، وَقَالَتْ: يُوَاصِلُ بَيْنَ ثَلاَثٍ فِي الصِّيَامِ، وَيُصَلِّي الضُّحَى قَائِماً، فَعَجِزَ، فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِداً، وَيَصُوْمُ البِيْضَ. قَالَتْ: وَكَانَ فِي سَرِيْرِهِ جُلْجُلٌ، فَيَعْجِزُ صَوْتُهُ، حَتَّى يُنَادِيَهَا بِهِ، فَإِذَا حَرَّكَهُ، جَاءتْ. رَوَى ذَلِكَ: التَّبُوْذَكِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بِنْتِ زَبَّانَ، سَمِعْتُ مَيْمُوْنَةَ بِذَلِكَ (2) . وَقَالَ خَازِمُ بنُ القَاسِمِ - فِيمَا سَمِعَهُ مِنْهُ التَّبُوْذَكِيُّ -: رَأَيْتُ أَبَا عَسِيْبٍ يُصَفِّرُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ. وَقَالَ يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرَةَ: سَمِعْتُ أَبَا عَسِيْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَتَانِي جِبْرِيْلُ بِالحُمَّى وَالطَّاعُوْنِ، فَأَمْسَكْتُ الحُمَّى بِالمَدِيْنَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُوْنَ إِلَى الشَّامِ) (3) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 61، طبقات خليفة: ت 28، التاريخ الكبير 9 / 61، الكنى 1 / 44، الجرح والتعديل 9 / 418، الحلية 2 / 27، الاستيعاب: 71، أسد الغابة 1 / 67 و6 / 214، العقد الثمين 8 / 72، الإصابة 4 / 133. (1) 5 / 81. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 61. وقولها: " ويصوم البيض " هي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، سميت لياليها بيضا، لان القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها. (3) أخرجه أحمد 5 / 81، وابن سعد 7 / 61 وتمامه " فالطاعون شهادة لامتي ورحمة لهم، ورجس على الكفار " وإسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 كِبَارُ التَّابِعِيْنَ 102 - مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ الأُمَوِيُّ * (خ) ابْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، المَلِكُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا القَاسِمِ، وَأَبَا الحَكَمِ. مَوْلِدُهُ: بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَقِيْلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ. رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ. وَعَنْهُ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ،   (*) طبقات ابن سعد 5 / 35، نسب قريش: 159، 160، طبقات خليفة: ت 1984، المحبر: 22، 55، 58، 228، 377، التاريخ الكبير 7 / 368، المعارف: 353، الجرح والتعديل 8 / 271، تاريخ الطبري 5 / 530 وما بعدها، و610، مروج الذهب 3 / 285، جمهرة أنساب العرب: 87، الاستيعاب: 1387، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 501، تاريخ ابن عساكر 16 / 170 آ، أسد الغابة 5 / 144، الكامل 4 / 191، الحلة السيراء 1 / 28، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 87، تهذيب الكمال: 1315، تاريخ الإسلام 3 / 70، تذهيب التهذيب 4 / 30 آ، البداية والنهاية 8 / 239 و257، العقد الثمين 7 / 165، الإصابة 3 / 477، تهذيب التهذيب 10 / 91، النجوم الزاهرة 1 / 164، 169، خلاصة تذهيب الكمال: 318، شذرات الذهب 1 / 73. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ. وَكَانَ كَاتِبَ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ، وَإِلَيه الخَاتِمُ، فَخَانَهُ، وَأَجْلَبُوا بِسَبِبِهِ عَلَى عُثْمَانَ، ثُمَّ نَجَا هُوَ، وَسَارَ مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَقَتَلَ طَلْحَةَ يَوْمَ الجَمَلِ، وَنَجَا - لاَ نُجِّيَ - ثُمَّ وَلِي المَدِيْنَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِمُعَاوِيَةَ. وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ طَرَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الطَّائِفِ (1) ، ثُمَّ أَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى المَدِيْنَةِ لأَنَّهُ عَمُّهُ. وَلَمَّا هَلَكَ وَلَدُ يَزِيْدَ؛ أَقْبَلَ مَرْوَانُ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَغَيْرُهُم، وَحَارَبَ الضَّحَّاكَ الفِهْرِيَّ، فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ دِمَشْقَ، ثُمَّ مِصْرَ، وَدَعَا بِالخِلاَفَةِ. وَكَانَ ذَا شَهَامَةٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَمَكْرٍ، وَدَهَاءٍ، أَحْمَرَ الوَجْهِ، قَصِيراً؛ أَوْقَصَ (2) ، دَقِيْقَ العُنُقِ، كَبِيْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، يُلَقَّبُ: خَيْطَ بَاطِلٍ (3) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا انْهَزَمُوا يَوْمَ الجَمَلِ، سَأَلَ عَلِيٌّ عَنْ مَرْوَانَ، وَقَالَ: يَعْطِفُنِي عَلَيْهِ رَحِمٌ مَاسَّةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَيِّدٌ مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ (4) . وَقَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟ فَسَمَّى رِجَالاً، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا القَارِئُ الفَقِيْهُ الشَّدِيدُ فِي حُدُوْدِ اللهِ، مَرْوَانُ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مَرْوَانُ يَتَتَبَّعُ قَضَاءَ عُمَرَ. وَرَوَى: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ أَمِيْراً عَلَيْنَا، فَكَانَ يَسُبُّ رَجُلاً كُلَّ جُمُعَةٍ، ثُمَّ عُزِلَ بِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَكَانَ سَعِيْدٌ لاَ يَسُبُّهُ، ثُمَّ أُعِيْدَ مَرْوَانُ، فَكَانَ يَسُبُّ. فَقِيْلَ لِلْحَسَنِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُوْلُ؟   (1) انظر " أسد الغابة " 2 / 37. (2) الاوقص: قصير العنق خلقة. (3) قال الثعالبي في " ثمار القلوب ": 76: لقب بذلك لأنه كان طويلا مضطربا. (4) ابن عساكر 16 / 173 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 فَجَعَلَ لاَ يَرُدُّ شَيْئاً ... ، وَسَاقَ حِكَايَةً (1) . قَالَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَمَرْوَانَ، وَالحُسَيْنُ يُسَابُّ مَرْوَانَ، فَنَهَاهُ الحَسَنُ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَنْتُم أَهْلُ بَيتٍ مَلْعُوْنُوْنَ. فَقَالَ الحَسَنُ: وَيْلَكَ قُلْتَ هَذَا! وَاللهِ لَقَدْ لَعَنَ اللهُ أَبَاكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ -يَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (2) -. وَأَبُو يَحْيَى هَذَا: نَخَعِيٌّ، لاَ أَعْرِفُهُ. جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ، وَلاَ يُعِيدَانِ (3) . العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو العَاصِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً، اتَّخَذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً، وَدِيْنَ اللهِ دَغَلاً، وَعِبَادَ اللهِ خَوَلاً (4) . جَاءَ هَذَا مَرْفُوعاً، لَكِنْ فِيْهِ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ (5) . قُلْتُ: اسْتَولَى مَرْوَانُ عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ خَنْقاً،   (1) أوردها المصنف بتمامها في " تاريخه " 3 / 72. (2) ابن عساكر 16 / 174 ب. (3) أورده ابن كثير في " البداية " 8 / 358: عن الشافعي: أنبأنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وزاد فيه " ويقعدان بها " وهو عند ابن عساكر 16 / 175 آ. (4) ابن عساكر 6 / 176 ب. (5) أخرجه أحمد 3 / 80 من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد مرفوعا ... ورواه أبو يعلى عن زكريا بن زحمويه، عن صالح بن عمر، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد..وإسناده ضعيف لضعف عطية العوفي، ورواه الطبراني من طريق أبي المغيرة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن أبي ذر. وإسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم، ثم هو منقطع، وله طرق أخرى أوردها ابن كثير في " البداية " 8 / 259 وكلها لا تصح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. قَالَ مَالِكٌ: تَذَكَّرَ مَرْوَانُ، فَقَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ أَصْبَحْتُ فِيمَا أَنَا فِيْهِ مِنْ هرقِ الدِّمَاءِ وَهَذَا الشَّأْنِ (1) ؟! قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانُوا يَنْقِمُوْنَ عَلَى عُثْمَانَ تَقْرِيبَ مَرْوَانَ، وَتَصَرُّفَهُ. وَقَاتَلَ يَوْمَ الجَمَلِ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَلَمَّا رَأَى الهَزِيْمَةَ (2) ، رَمَى طَلْحَةَ بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ، وَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ، فَحُمِلَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ، فَدَاوَوْهُ، وَاخْتَفَى، فَأَمَّنَهُ عَلِيٌّ، فَبَايَعَهُ، وَرُدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَكَانَ يَوْمَ الحَرَّةِ مَعَ مُسْرِفِ بنِ عُقْبَةَ يُحَرِّضُهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. قَالَ: وَعَقَدَ لِوَلَدَيْهِ؛ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بَعْدَهُ، وَزَهَّدَ النَّاسَ فِي خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَوَضَعَ مِنْهُ، وَسَبَّهُ يَوْماً، وَكَانَ مُتَزَوِّجاً بِأُمِّهِ، فَأَضْمَرَتْ لَهُ الشَّرَّ، فَنَامَ، فَوَثَبَتْ فِي جَوَارِيهَا، وَغَمَّتْهُ بِوِسَادَةٍ قَعَدْنَ عَلَى جَوَانِبِهَا، فَتَلِفَ، وَصَرَخْنَ، وَظُنَّ أَنَّهُ مَاتَ فُجَاءةً (3) . وَقِيْلَ: مَاتَ بِالطَّاعُوْنِ. 103 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ أَبُو القَاسِمِ العَبْشَمِيُّ * هُوَ: الأَمِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ العَبْشَمِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ، وُلِدَ لأَبِيْهِ لَمَّا هَاجَرَ   (1) ابن عساكر 16 / 179 آ. (2) تحرفت في المطبوع إلى " الهدنة ". (3) " طبقات ابن سعد " 5 / 37، 40، وانظر 3 / 223. (*) المحبر: 104، 274، التاريخ الصغير 1 / 81، تاريخ الطبري 5 / 105، الولاة والقضاة: 14، جمهرة أنساب العرب: 77، الاستيعاب: 1369، تاريخ ابن عساكر 15 / 106 آأسد الغابة 5 / 87، الكامل 3 / 265، الوافي بالوفيات 2 / 328، العقد الثمين 1 / 454، الإصابة 3 / 373. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 الهِجْرَةَ الأُوْلَى إِلَى الحَبَشَةِ. وَلَهُ رُؤْيَةٌ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هَذَا ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، البَدْرِيِّيْنَ. وَكَانَ جَدُّهُ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ سَيِّدَ المُشْرِكِيْنَ وَكَبِيْرَهُم، فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَاسْتُشْهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، فَنشَأَ مُحَمَّدٌ فِي حَجْرِ عُثْمَانَ. وَأُمُّهُ: هِيَ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ العَامِرِيَّةُ. وَتَرَبَّى فِي حِشْمَةٍ وَبَأْوٍ، ثُمَّ كَانَ مِمَّنْ قَامَ عَلَى عُثْمَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُلَيْلٍ (1) البَلَوِيُّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: وَانْبَرَى بِمِصْرَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى مُتَوَلِّيهَا عُقْبَةَ بنِ مَالِكٍ، اسْتَعْمَلَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَرْحٍ لَمَّا وَفَدَ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَخْرَجَ عُقْبَةَ عَنِ الفُسْطَاطِ، وَخَلَعَ عُثْمَانَ. وَكَانَ يُسَمَّى: مَشْؤُومَ قُرَيْشٍ. وَذَكَرَهُ شَبَابٌ فِي تَسْمِيَةِ عُمَّالِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى مِصْرَ، فَقَالَ: وَلَّى مُحَمَّداً، ثُمَّ عَزَلَهُ بِقَيْسِ بنِ سَعْدٍ (2) . ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُلَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ جَالِساً بِقُرْبِ المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَاسْتَوَى عَلَى المِنْبَرِ، فَخَطَبَ، وَقَرَأَ سُوْرَةً - وَكَانَ مِنْ أَقْرَأِ النَّاسِ - فَقَالَ عُقْبَةُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لَيَقْرَأَنَّ القُرْآنَ رِجَالٌ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، يَمْرُقُوْنَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ   (1) في الأصل " مليك " وهو خطأ، والتصويب من مشتبه المؤلف وغيره. (2) " تاريخ خليفة ": 201. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 مِنَ الرَّمِيَّةِ) . فَسَمِعَهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ كُنْتَ صَادِقاً - وَإِنَّكَ مَا عَلِمْتُ لَكَذُوبٌ - إِنَّكَ لَمِنْهُم (1) . قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: حَمْلُ هَذَا الحَدِيْثِ أَنَّهُم يُجَمِّعُوْنَ مَعَهُم، وَيَقُوْلُوْنَ لَهُم هَذِهِ المَقَالَةَ. ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بنِ عُتْبَةَ وَكَعْباً رَكِبَا سَفِيْنَةً، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا كَعْبُ! أَمَا تَجِدُ سَفِيْنَتَنَا هَذِهِ فِي التَّوْرَاةِ كَيْفَ تَجْرِي؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَجِدُ فِيْهَا رَجُلاً أَشْقَى الفِتْيَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، يَنْزُو فِي الفِتْنَةِ نَزْوَ الحِمَارِ، لاَ تَكُوْنُ أَنْتَ هُوَ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، قَالَ: انْطَلَقَ ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى دَخَلَ بِهِمُ الشَّامَ، فَفَرَّقَهُم نِصْفَيْنِ، فَسَجَنَ ابْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَجَمَاعَةً بِدِمَشْقَ، وَسَجَنَ ابْنَ عُدَيْسٍ وَجَمَاعَةً بِبَعْلَبَكَّ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قُتِلَ ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِفِلَسْطِيْنَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ. وَكَانَ مِمَّنْ أَخْرَجَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ مِصْرَ. قُلْتُ: عَامَّةُ مَنْ سَعَى فِي دَمِ عُثْمَانَ قُتِلُوا، وَعَسَى القَتْلُ خَيْراً لَهُم وَتَمْحِيْصاً. 104 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ *   (1) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 4 / 145 من طريق علي بن إسحاق بهذا الإسناد. (*) نسب قريش: 277، التاريخ الكبير 1 / 124، التاريخ الصغير 1 / 253، الجرح والتعديل 7 / 301، تاريخ الطبري 5 / 94، مروج الذهب 3 / 160، 197، الولاة والقضاة: 26، جمهرة أنساب العرب: 138، الاستيعاب: 366، أسد الغابة 5 / 102، الكامل 3 / 352، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 85، تهذيب الكمال: 1178، العبر 1 / 44، تذهيب = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وَلَدَتْهُ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقْتَ الإِحْرَامِ (1) . وَكَانَ قَدْ وَلاَّهُ عُثْمَانُ إِمْرَةَ مِصْرَ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيْرَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ سَارَ لِحِصَارِ عُثْمَانَ، وَفَعَلَ أَمْراً كَبِيْراً، فَكَانَ أَحَدَ مَنْ تَوَثَّبَ عَلَى عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ انْضَمَّ إِلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ مِنْ أُمَرَائِهِ، فَسَيَّرَهُ عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فِي رَمَضَانِهَا، فَالْتَقَى هُوَ وَعَسْكَرُ مُعَاوِيَةَ، فَانْهَزَمَ جَمْعُ مُحَمَّدٍ، وَاخْتَفَى هُوَ فِي بَيْتِ مِصْرِيَّةٍ، فَدَلَّتْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: احْفَظُونِي فِي أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ: قَتَلْتَ ثَمَانِيْنَ مِنْ قَوْمِي فِي دَمِ الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ، وَأَتْرُكُكَ، وَأَنْتَ صَاحِبُهُ! فَقَتَلَهُ، وَدَسَّهُ فِي بَطْنِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، وَأَحْرَقَهُ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: أُتِيَ بِمُحَمَّدٍ أَسِيْراً إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَتَلَهُ -يَعْنِي: بِعُثْمَانَ -. قُلْتُ: أَرْسَلَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ. 105 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ زَيْدِ بنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ * ابْنِ الأَسْوَدِ بنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخُو أَنَسِ بنِ مَالِكٍ لأُمِّهِ (2) .   = التهذيب 3 / 192 آ، البداية والنهاية 7 / 318، العقد الثمين 2 / 68، الإصابة 3 / 472، تهذيب التهذيب 9 / 80، النجوم الزاهرة 1 / 106، خلاصة تذهيب الكمال: 280، شذرات الذهب 1 / 48. (1) انظر " مسند الشافعي " 2 / 4، و" صحيح مسلم " (1218) في الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. (*) طبقات ابن سعد 5 / 74، طبقات خليفة: ت 2029، التاريخ الكبير 5 / 94، الجرح والتعديل 5 / 57، الاستيعاب: 929، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 272، أسد الغابة 3 / 284، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 273، تهذيب الكمال: 697، تاريخ الإسلام 3 / 266، تذهيب التهذيب 2 / 155 ب، البداية والنهاية 9 / 43، الإصابة 3 / 60، تهذيب التهذيب 5 / 269، خلاصة تذهيب الكمال: 171. (2) تحرفت في المطبوع إلى " لأنه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 وُلِدَ: فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنَّكَهُ (1) . وَهُوَ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ لَيْلَةَ مَاتَ وَلَدُهَا، فَكَتَمَتْ أَبَا طَلْحَةَ مَوْتَهُ، حَتَّى تَعَشَّى، وَتَصَنَّعَتْ لَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - حَتَّى أَتَاهَا، وَحَمَلَتْ بِهَذَا. فَأَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ غَادِياً عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: (أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ بَارَكَ اللهُ لَكُم فِي لَيْلَتِكُم (2)) . وَيُقَالُ: ذَاكَ الصَّبِيُّ المَيِّتُ هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ صَاحِبُ النُّغَيْرِ (3) . فَنَشَأَ عَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ العِلْمَ، وَجَاءهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ قَرَؤُوا القُرْآنَ، وَرَوَى أَكْثَرُهُم العِلْمَ، مِنْهُم: إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ - شَيْخُ مَالِكٍ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ هَذَانِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَسُلَيْمَانُ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُم. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ أَخِيْهِ؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.   (1) أخرجه البخاري 9 / 508، ومسلم (2144) من طريق أنس قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له، فقال: " هل تمر؟ " فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه، فلاكهن، ثم فغر فالصبي، فمجه في فيه، فجعل الصبي يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حب الانصار التمر ". وسماه عبد الله. (2) انظر الحديث بطوله في البخاري 3 / 135، 137 في الجنائز: باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة، و9 / 508 في العقيقة، ومسلم (2144) (23) في الآداب: باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته. (3) النغير: تصغير النغر وهو طائر يشبه العصفور، أحمر المنقار يجمع على نغران. قال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه فطيما وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير - نغير كان يلعب به ... أخرجه البخاري 10 / 481، ومسلم (2150) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وَمَاتَ: قَبْلَ أَنَسٍ بِمُدَّةٍ لَيْسَتْ بِكَثِيْرَةٍ. رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. 106 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ المَخْزُوْمِيُّ * (خَ، 4) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، مِنْ أَشْرَافِ بَنِي مَخْزُوْمٍ. كَانَ أَبُوْهُ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَمِمَّنْ حَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَلاَ صُحْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَلْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَتِلْكَ صُحْبَةٌ مُقَيَّدَةٌ. وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ حَفْصَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ - وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَهِشَامُ بنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ أَرْسَلَتْهُ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُكَلِّمُهُ فِي حُجْرِ بنِ الأَدْبَرِ، فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ، وَفَرَطَ الأَمْرُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُوْلُ: لأَنْ أَكُوْنَ قَعَدْتُ عَنْ مَسِيْرِي   (*) طبقات ابن سعد 5 / 5، طبقات خليفة: ت 1997، المحبر: 67، التاريخ الكبير 5 / 272، التاريخ الصغير 2 / 73، الجرح والتعديل 5 / 224، مشاهير علماء الأمصار: ت 445، جمهرة أنساب العرب: 145، الاستيعاب 827، تاريخ ابن عساكر: 9 / 447 ب، أسد الغابة 3 / 431، تهذيب الكمال: 782، تذهيب التهذيب 2 / 207 ب، العقد الثمين 5 / 345، الإصابة 3 / 66، تهذيب التهذيب 6 / 156، خلاصة تذهيب الكمال: 191. (1) " الطبقات " 5 / 6. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 إِلَى البَصْرَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِي عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ. قُلْتُ: هُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي جَهْلٍ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ. تُوُفِّيَ: قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ زَمَنَ عُمَرَ. 107 - مَحْمُودُ بنُ لَبِيْدِ بنِ عُقْبَةَ بنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) أَبُو نُعَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيْثَ يُرْسِلُهَا. وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَقَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَفِي أَبِيْهِ نَزَلَتْ آيَةُ الرُّخْصَةِ (1) ، فِيْمَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ الصَّوْمَ. قَالَ البُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 77، طبقات خليفة: ت 2039، التاريخ الكبير 7 / 402، المعرفة والتاريخ 1 / 356، الجرح والتعديل 8 / 289، الاستيعاب: 1378، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 505، أسد الغابة 5 / 117، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 84، تهذيب الكمال: 1310، تاريخ الإسلام 4 / 52، العبر 1 / 115: تذهيب التهذيب 4 / 26 ب، مرآة الجنان 1 / 200، البداية والنهاية 9 / 189، الإصابة 3 / 387، تهذيب التهذيب 10 / 65، خلاصة تذهيب الكمال: 317، شذرات الذهب 1 / 112. (1) وهي فيما أظن الآية (184) من سورة البقرة، ونصها (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ، لكن لم أحد أحدا من العلماء تابع المؤلف على ذلك. انظر " الطبري " 3 / 425 وما بعدها، و" الدر المنثور " 1 / 177، 179، وابن كثير 1 / 215. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هُوَ أَسَنُّ مِنْ مَحْمُوْدِ بنِ الرَّبِيْعِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ لَبِيْدٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَيُقَالُ: فِي سَنَةِ سِتٍّ. 108 - هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ * وَيُعْرَفُ: بِالمِرْقَالِ (1) . مِنْ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ؛ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئِذٍ، وَشَهِدَ فُتُوحَ دِمَشْقَ. وَكَانَ مَعَهُ رَايَةُ الإِمَامِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ (2) . وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالشَّجَاعَةِ وَالإِقدَامِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وَبَعْضُهُم عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ، بِاعْتِبَارِ إِدْرَاكِ زَمَنِ النُّبُوَّةِ. 109 - طَارِقُ بنُ شِهَابِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ سَلَمَةَ الأَحْمَسِيُّ * (ع) البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (*) طبقات خليفة: ت 831، المحبر: انظر الفهرس، تاريخ الطبري 5 / 42، مروج الذهب 3 / 130، المستدرك 3 / 395، الاستيعاب: 1546، تاريخ بغداد 1 / 196، أسد الغابة 5 / 377، العبر 1 / 39، مرآة الجنان 1 / 101، العقد الثمين 7 / 359، الإصابة 3 / 593، شذرات الذهب 1 / 46. (1) نقل الحافظ في " الإصابة " 3 / 593 عن الدولابي: أنه لقب بالمرقال، لأنه كان يرقل في الحرب، أي: يسرع، من الارقال: وهو ضرب من العدو. (2) أورده الحافظ في " الإصابة " 3 / 593 من طريق يعقوب بن شيبة، عن حبيب بن أبي ثابت، ومن طريق يعقوب بن سفيان، عن الزهري ... (* *) طبقات خليفة: ت 735، 958، التاريخ الكبير 4 / 352، الجرح والتعديل 4 / 485، مشاهير علماء الأمصار: ت 319، جمهرة أنساب العرب: 389، الاستيعاب. 755، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 234، تاريخ ابن عساكر 8 / 242 ب، أسد الغابة = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَزَا فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَبِلاَلٍ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَسُلَيمَانُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَمُخَارِقُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَزَوتُ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ -أَوْ قَالَ: بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ - مِنْ بَيْنِ غَزْوَةٍ وَسَرِيَّةٍ (1) . قُلْتُ: وَمَعَ كَثْرَةِ جِهَادِهِ (2) ، كَانَ مَعْدُوْداً مِنَ العُلَمَاءِ. مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. فَأَمَّا مَا رَوَاهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ؛ مِنْ أَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فَخَطَأٌ بَيِّنٌ، أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ.   = 3 / 70، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 251، تهذيب الكمال: 622، تاريخ الإسلام 3 / 259، تذهيب التهذيب 2 / 101 آ، مجمع الزوائد 9 / 407، البداية والنهاية 9 / 51، الإصابة 2 / 202، تهذيب التهذيب 5 / 3، خلاصة تذهيب الكمال: 151. (1) أخرجه أحمد 4 / 314، 315، والطبراني (8205) من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، وهذا سند صحيح، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 407، 408 عنهما، وقال: ورجالهما: رجال الصحيح، وهو عند ابن عساكر 8 / 244 ب. وأخرجه الطيالسي في " مسنده " 2 / 146، والطبراني (8204) من طريق شعبة " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوت في خلافة أبي بكر في السرايا غيرها ". (2) تحرف في المطبوع إلى " ومع كبره وجهاده ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 110 - عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ اللَّيْثِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ * (ع) الفَقِيْهُ، أَبُو الوَلِيْدِ المَدَنِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ. وَأُمُّهُ: هِيَ سُلْمَى، أُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. وَكَانَتْ سُلْمَى تَحْتَ حَمْزَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ، تَزَوَّجَهَا شَدَّادٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَذَرٌّ الهَمْدَانِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. عَدَّهُ خَلِيْفَةُ فِي تَابِعِي أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ: رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَكَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، شِيْعِيّاً (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: كَانَ يَأْتِي الكُوْفَةَ كَثِيْراً، فَنَزَلَهَا، وَخَرَجَ مَعَ ابْنِ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 61 و6 / 126، طبقات خليفة: ت 1096، المحبر: 108، التاريخ الكبير 5 / 115، الكنى 2 / 147، الجرح والتعديل 5 / 80، جمهرة أنساب العرب: 182، الاستيعاب: 926، تاريخ بغداد 9 / 437، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 263، تاريخ ابن عساكر 9 / 202 آ، أسد الغابة 3 / 275، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 272، تهذيب الكمال: 292، تاريخ الإسلام 3 / 265، تذهيب التهذيب 2 / 151 ب، البداية والنهاية 9 / 37، الإصابة 3 / 60، تهذيب التهذيب 5 / 251، خلاصة تذهيب الكمال: 170، شذرات الذهب 1 / 90. (1) " طبقات ابن سعد " 5 / 61. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 الأَشْعَثِ، فَقُتِلَ لَيْلَةَ دُجَيْلَ (1) ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. قَالَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي قُمْتُ عَلَى المِنْبَرِ مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى الظُّهْرِ، فَأَذْكُرُ فَضَائِلَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَنْزِلُ، فَيُضْرَبُ عُنُقِي (2) . قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ وَإِسْرَافٌ. سَمِعَهَا: خَالِدٌ الطَّحَّانُ، مِنْ عَطَاءٍ. حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ: مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلاَ نِزَاعَ فِي ثِقَتِهِ. 111 - كَعْبُ الأَحْبَارِ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ * (د، ت، س) هُوَ: كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العَلاَّمَةُ، الحَبْرُ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً، فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ (3) ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلاَمِ،   (1) ابن سعد 5 / 61، ودجيل: اسم نهر ببغداد، انظر خبر الوقعة في الطبري 6 / 382. (2) ابن عساكر 9 / 205 آ. (*) طبقات ابن سعد 7 / 445، طبقات خليفة: ت 2895، المحبر: 131، التاريخ الكبير 7 / 223، التاريخ الصغير 1 / 62، المعارف: 430، الجرح والتعديل 7 / 161، جمهرة أنساب العرب: 434، تاريخ ابن عساكر 14 / 280 آ، أسد الغابة 4 / 487، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 68، تهذيب الكمال: 1146، تذكرة الحفاظ 1 / 49، العبر 1 / 35، تذهيب التهذيب 3 / 170 آ، الإصابة 3 / 315، تهذيب التهذيب 8 / 438، النجوم الزاهرة 1 / 90، خلاصة تذهيب الكمال: 273، شذرات الذهب 1 / 40. (3) قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النمل، بعدما أورد طائفة من الاخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان عيله السلام: والاقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الاوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَصُهَيْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ، وَهُوَ نَادِرٌ عَزِيزٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، وَتُبَيْعٌ الحِمْيَرِيُّ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَأَبُو سَلاَّمٍ الأَسْوَدُ. وَرَوَى عَنْهُ: عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ؛ كَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، مُرْسَلاً. وَكَانَ خَبِيْراً بِكُتُبِ اليَهُوْدِ، لَهُ ذَوْقٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ بَاطِلِهَا فِي الجُمْلَةِ. وَقَعَ لَهُ رِوَايَةٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (النَّسَائِيِّ (1)) . سَكَنَ بِالشَّامِ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ. رَوَى: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: لأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةٍ،   = ونسخ، وقد أغنانا الله بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة. وأخرج البخاري في " صحيحه " 13 / 281، 282 في الاعتصام: باب قول النبي صلى الله عيه وسلم: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء " من طريق حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة لما حج في خلافته وذكر كعب الاحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا لنبلو مع ذلك عليه الكذب. وما يحكيه كعب عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من أهل العلم، وهذا عمر رضي الله عنه يقول له فيما أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه " 1 / 544: لتتركن الأحاديث، أو لالحقنك بأرض القردة. وليس كل ما نسب إليه في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده، قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. (1) وأخطأ من زعم أنه خرج له البخاري ومسلم، فإنهما لم يسندا من طريقه شيئا من الحديث، وإنما جرى ذكره في " الصحيحين " عرضا، وليس يؤثر عن أحد من المتقدمين توثيق كعب، إلا أن بعض الصحابة أثنى عليه بالعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِوَزْنِي ذَهَباً (1) . تُوُفِّيَ كَعْبٌ بِحِمْصَ، ذَاهِباً لِلْغَزْوِ، فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبَابِ مُطَرِّفُ بنُ مَالِكٍ القُشَيْرِيُّ، أَحَدُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ تُسْتَرَ. فَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي الرَّبَابِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - نَعُوْدُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيْرٌ، وَكُنْتُ أَحَدَ خَمْسَةٍ وَلُوا قَبْضَ السُّوْسِ. فَأَتَانِي رَجُلٌ بِكِتَابٍ، فَقَالَ: بِيْعُوْنِيْهِ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللهِ، أُحْسِنُ أَقْرَؤُهُ وَلاَ تُحْسِنُوْنَ. فَنَزَعْنَا دُفَّتَيْهِ، فَأَخَذَهُ بِدِرْهَمَيْنِ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، خَرَجْنَا إِلَى الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَؤُهُ، وَيَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا أَشْبَهَ هَذَا المُصْحَفَ بِمُصْحَفٍ شَأْنُهُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ، فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَهَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ. قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ. فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُوْنَ مِنَ اليَهُوْدِ، فِيْهِم شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيْرَةٍ، فَقَالُوا: أَوْسِعُوا أَوْسِعُوا. فَأَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُم، فَتَكَلَّمُوا. فَقَالَ كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ! أَتُجِيْبُ هَؤُلاَءِ، أَوْ أُجِيْبُهُم؟ قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أُفَقِّهَ هَؤُلاَءِ مَا قَالُوا، إِنَّ هَؤُلاَءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا خَيراً، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُم، فَزَعَمُوا أَنَّا بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هَلُمَّ فَلنُوَاثِقْكُم، فَإِنْ جِئْتُم بِأَهْدَى مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ، اتَّبَعنَاكُم، وَإِلاَّ فَاتَّبِعُوْنَا إِنْ جِئْنَا بِأَهْدَى مِنْهُ. قَالَ: فَتَوَاثَقُوا. فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ المُصْحَفَ. فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا بَيْنَنَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، لاَ يُحْسِنُ أَحَدٌ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهُ   (1) ابن عساكر 14 / 285 آ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 اليَوْمَ. فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُم، فَقَرَأَ كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ، نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ كَالرَّجُلِ يُؤذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يه. فَنَبَذَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: آهُ. وَأَخَذَهُ، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى آيَةٍ مِنْهُ، فَخَرُّوا سُجَّداً، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يَبْكِي. قِيْلَ: وَمَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: وَمَا لِي لاَ أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي الضَّلاَلَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلاَمَ حَتَّى كَانَ اليَوْمَ. وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ (1) ، قَالَ: أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ، فِي لَحْدٍ مِنْ صُفْرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا أَسْنَتُوا، اسْتَخْرَجُوهُ، فَاسْتَسْقَوْا بِهِ؛ وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْطَتَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ وَسِتِّيْنَ جَرَّةً مَخْتُوْمَةً، فَفَتَحْنَا وَاحِدَةً، فَإِذَا فِيْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيْهَا كِتَابٌ، وَكَانَ مَعَنَا أَجِيْرٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ، فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ. ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ حُرْقُوْصٌ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوْسَى الرَّبْطَتَيْنِ، وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ. ثُمَّ إِنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّبْطَتَيْنِ، فَأَبَى، فَشَققَهَا عَمَائِمَ، وَكَتَبَ أَبُو مُوْسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَعَا أَنْ لاَ يَرِثَهُ إِلاَّ المُسْلِمُوْنَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ، وَادْفِنْهُ. قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا فَرْقَدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيْمَةَ: أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ جَاءَ: أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيْثِ مُطَرِّفِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَبَدَا لِي أَنْ آتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطَّرِيْقِ، إِذَا أَنَا بِرَاكِبٍ شَبَّهْتُهُ بِذَلِكَ الأَجِيْرِ   (1) ترجمه في " الجرح والتعديل " 8 / 312، فقال: مطرف بن مالك أبو الرئاب القشيري شهد فتح تستر مع أبي موسى الأشعري، روى عنه زرارة بن أوفى ومحمد بن سيرين سمعت أبي يقول ذلك. وباقي رجال السند ثقات، وانظر في ما ورد في دانيال " البداية والنهاية " 2 / 40، 42. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 النَّصْرَانِيِّ، فَقُلْتُ: نُعَيْمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: مَا فَعَلْتَ بِنَصْرَانِيَّتِكَ؟ قَالَ: تَحَنَّفْتُ بَعْدَكَ. ثُمَّ أَتَيْنَا دِمَشْقَ، فَلَقِيْتُ (1) كَعْباً، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُم بَيْتَ المَقْدِسِ، فَاجْعَلُوا الصَّخْرَةَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القِبْلَةِ. ثُمَّ انْطَلَقْنَا ثَلاَثَتُنَا حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ. فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِكَعْبٍ: أَلاَ تُعْدِنِي عَلَى أَخِيْكَ؟ يَقُوْمُ اللَّيْلَ وَيَصُوْمُ النَّهَارَ. قَالَ: فَجَعَلَ لَهَا مِنْ كُلِّ ثَلاَثِ لَيَالٍ لَيْلَةً. ثُمَّ أَتَيْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَمِعَتْ يَهُوْدُ بِنُعَيْمٍ وَكَعْبٍ، فَاجْتَمَعُوا. فَقَالَ كَعْبٌ: هَذَا كِتَابٌ قَدِيْمٌ، وَإِنَّهُ بِلُغَتِكُمْ (2) ، فَاقْرَؤُوهُ. فَقَرَأَهُ قَارِئُهُم حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ المَكَانِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيْناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ) [آلُ عِمْرَانَ: 85] . فَأَسْلَمَ مِنْهُم اثْنَانِ وَأَرْبَعُوْنَ حَبْراً، فَفَرَضَ لَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَعْطَاهُم. ثُمَّ قَالَ هَمَّامٌ: وَحَدَّثَنِي بِسْطَامُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: أَنَّهُم تَذَاكَرُوا ذَلِكَ الكِتَابَ، فَمَرَّ بِهِم شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، فَقَالَ: عَلَى الخَبِيْرِ سَقَطْتُم؛ إِنَّ كَعْباً لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ: أَلاَ رَجُلٌ أَأْتَمِنُهُ عَلَى أَمَانَةٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَدَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الكِتَابَ، وَقَالَ: ارْكَبِ البُحَيْرَةَ، فَإِذَا بَلَغْتَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَاقْذِفْهُ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ كَعْبٍ، فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ عِلْمٌ، وَيَمُوْتُ كَعْبٌ لاَ أُفَرِّطُ بِهِ. فَأَتَى كَعْباً، وَقَالَ: فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً. فَعَلِمَ كَذِبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ يُؤَدِّي أَمَانَةً؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَرَكِبَ سَفِيْنَةً، فَلَمَّا أَتَى ذَلِكَ المَكَانَ، ذَهَبَ لِيَقْذِفَهُ، فَانْفَرَجَ لَهُ البَحْرُ، حَتَّى رَأَى الأَرْضَ، فَقَذَفَهُ، وَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُوْسَى،   (1) تحرف في المطبوع إلى " فبلغت ". (2) تحرف في المطبوع إلى " بلغكم ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَلَكِنْ خَشِيْتُ أَنْ يُتَّكَلَ عَلَى مَا فِيْهَا، وَلَكِن قُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَقِّنُوْهَا مَوْتَاكُم. هَكَذَا رَوَاهُ: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ. وَشَهْرٌ لَمْ يَلْحَقْ كَعْباً. وَهَذَا القَوْلُ مِنْ كَعْبٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِيْكَ النُّسْخَةَ مَا غُيِّرَتْ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ. فَمَنِ الَّذِي يَسْتَحِلُّ أَنْ يُورِدَ اليَوْمَ مِنَ التَّوْرَاةِ شَيْئاً عَلَى وَجْهِ الاحْتِجَاجِ مُعْتَقِداً أَنَّهَا التَّوْرَاةُ المُنْزَلَةُ؟ كَلاَّ وَاللهِ. 112 - زِيَادُ بنُ أَبِيْهِ زِيَادُ بنُ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ * وَهُوَ زِيَادُ بنُ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ زِيَاد ابْنُ سُمَيَّةَ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَهُوَ زِيَادُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ (1) مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ أَخُوْهُ. كَانَتْ سُمَيَّةُ مَوْلاَةً لِلْحَارِثِ بنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ طَبِيبِ العَرَبِ. يُكْنَى: أَبَا المُغِيْرَةِ. لَهُ إِدْرَاكٌ، وُلِدَ عَامَ الهِجْرَةِ، وَأَسْلَمَ زَمَنَ الصِّدِّيْقِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ. وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ الصَّحَابِيِّ لأُمِّهِ. ثُمَّ كَانَ كَاتِباً لأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ زَمَنَ إِمْرَتِهِ عَلَى البَصْرَةِ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 99، طبقات خليفة: ت 1516، المحبر: 184، 303، 479، التاريخ الكبير 3 / 357، التاريخ الصغير 1 / 115، المعارف: 346، تاريخ الطبري 5 / 176، 214، 288، مروج الذهب 3 / 192، 215، الاستيعاب: 523، تاريخ ابن عساكر 6 / 242 آ، أسد الغابة 2 / 271، الكامل 3 / 493، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 198، العبر 1 / 58، تاريخ الإسلام 2 / 279، 280، الوافي بالوفيات 15 / 10، مرآة الجنان 1 / 126، الإصابة 1 / 580، شذرات الذهب 1 / 59، خزانة الأدب 2 / 517، تهذيب ابن عساكر 5 / 409. (1) في الأصل: " استحلفه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 سَمِعَ مِنَ: عُمَرَ، وَغَيْرِهِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ رَأْياً، وَعَقْلاً، وَحَزْماً، وَدَهَاءً، وَفِطْنَةً. كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي النُّبْلِ وَالسُّؤْدُدِ. وَكَانَ كَاتِباً بَلِيْغاً. كَتَبَ أَيْضاً لِلْمُغِيْرَةِ، وَلابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَابَ عَنْهُ بِالبَصْرَةِ. يُقَالُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى الطَّائِفَ، فَسَكِرَ، فَطَلَبَ بَغِيّاً، فَوَاقَعَ سُمَيَّةَ، وَكَانَتْ مُزَوَّجَةً بِعُبَيْدٍ، فَوَلَدَتْ مِنْ جِمَاعِهِ زِيَاداً. فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الدَّهْرِ، اسْتَعْطَفَهُ، وَادَّعَاهُ، وَقَالَ: نَزَلَ مِنْ ظَهْرِ أَبِي. وَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ، كَانَ زِيَادٌ نَائِباً لَهُ عَلَى إِقْلِيْمِ فَارِسٍ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ زِيَادٌ لأَبِي بَكْرَةَ: أَلَمْ تَرَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُرِيْدُنِي عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ وُلِدْتُ عَلَى فِرَاشِ عُبَيْدٍ، وَأَشْبَهْتُهُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (1) .   (1) " تهذيب ابن عساكر 5 / 412، وأخرج البخاري 12 / 46 في الفرائض: باب من ادعى إلى غير أبيه، من طريق مسدد، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن خالد بن مهران الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام ". فذكرته (القائل أبو عثمان النهدي) لأبي بكرة، فقال: وأنا سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم برقم (63) من طريق عمرو الناقد، حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا خالد عن أبي عثمان قال: لما ادعي زياد لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد ابن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام " فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في " الفتح " 12 / 46: وكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين بحديث: " الولد للفراش " وإنما خص أبو عثمان النهدي، أبا بكرة بالانكار، لان زيادا كان أخاه من أمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 ثُمَّ أَتَى فِي العَامِ المُقْبِلِ، وَقَدِ ادَّعَاهُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخْطَبَ مِنْ زِيَادٍ. وَقَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخْصَبَ نَادِياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْ زِيَادٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ خَيْراً مِنْ زِيَادٍ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الفِصَلِ) : لَقَدِ امْتَنَعَ زِيَادٌ وَهُوَ فِقَعَةُ القَاعِ (1) ، لاَ نَسَبَ لَهُ وَلاَ سَابِقَةً، فَمَا أَطَاقَهُ مُعَاوِيَةُ إِلاَّ بِالمُدَارَاةِ، ثُمَّ اسْتَرْضَاهُ، وَوَلاَّهُ. قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ: كَانَ زِيَادٌ أَفْتَكَ مِنَ الحَجَّاجِ لِمَنْ يُخَالِفُ هَوَاهُ. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ زِيَاداً كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ قَدْ ضَبَطْتُ العِرَاقَ بِيَمِيْنِي، وَشِمَالِي فَارِغَةٌ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ الحِجَازَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَجْعَلْ فِي القَتْلِ كَفَّارَةً، فَمَوْتاً لابْنِ سُمَيَّةَ لاَ قَتْلاً. فَخَرَجَ فِي أُصْبُعِهِ طَاعُوْنٌ، فَمَاتَ. قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: بَلَغَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ أَنَّ زِيَاداً يَتَتَبَّعُ شِيْعَةَ عَلِيٍّ بِالبَصْرَةِ، فَيَقْتُلُهُم، فَدَعَا عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ جَمَعَ أَهْلَ الكُوْفَةِ لِيَعْرِضَهُم عَلَى البَرَاءةِ مِنْ أَبِي الحَسَنِ، فَأَصَابَهُ حِيْنَئِذٍ طَاعُوْنٌ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَةٌ. وَليَ المِصْرَيْنِ؛ فَكَانَ يَشْتُو بِالبَصْرَةِ، وَيَصِيْفُ بِالكُوْفَةِ.   (1) الفقعة: جمع فقع: ضرب من الكمأة أبيض يظهر على وجه الأرض، فيوطأ، والكمأة السوداء تستر في الأرض، ويقال للذي لاأصل له: فقع. والقاع: الأرض الواسعة السهلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أُتِيَ زِيَادٌ فِي مَيِّتٍ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً، فَقَالَ: قَضَى فِيْهَا عُمَرُ أَنْ جَعَلَ الخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الأُخْتِ، وَالعَمَّةَ بِمَنْزِلَةِ الأَخِ، فَأَعْطَاهُمَا المَالَ (1) . 113 - صِلَةُ بنُ أَشْيَمَ أَبُو الصَّهْبَاءِ العَدَوِيُّ * الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو الصَّهْبَاءِ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ، زَوْجُ العَالِمَةِ مُعَاذَةَ (2) العَدَوِيَّةِ. مَا عَلِمْتُهُ رَوَى سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَهْلُهُ؛ مُعَاذَةُ، وَالحَسَنُ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُم. ابْنُ المُبَارَكِ فِي (الزُّهْدِ) : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَكُوْنُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: صِلَةُ، يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ كَذَا وَكَذَا (3)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُعْضَلٌ. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ يَزِيْدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذَةَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو الصَّهْبَاءِ يُصَلِّي حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ إِلاَّ زَحْفاً (4) .   (1) ابن سعد 7 / 100. (*) طبقات ابن سعد 7 / 134، طبقات خليفة: ت 1528، التاريخ الكبير 4 / 321، الكنى 2 / 13، الجرح والتعديل 4 / 447، الحلية 2 / 237، أسد الغابة 4 / 34، تاريخ الإسلام 3 / 19، البداية والنهاية 9 / 15، الإصابة 2 / 200. (2) من رجال " التهذيب " وحديثها في الكتب الستة. (3) إسناده ضعيف لاعضاله، كما قال المؤلف، والحديث المعضل: هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي. والخبر في " حلية الأولياء " 2 / 241 من طريق ابن المبارك. (4) أخرجه ابن سعد 7 / 136 من طريق عفان بهذا الإسناد، وهو صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وَقَالَتْ مُعَاذَةُ: كَانَ أَصْحَابُهُ - تَعْنِي: صِلَةَ - إِذَا الْتَقَوْا عَانَقَ بَعْضُهُم بَعْضاً. وَقَالَ ثَابِتٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى صِلَةَ بِنَعْيِ أَخِيْهِ، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ، فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِيْنٍ، قَالَ -تَعَالَى -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُوْنَ (1) } [الزُّمَرُ: 30] . وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ: أَنَّ صِلَةَ كَانَ فِي الغَزْوِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! تَقَدَّمْ، فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ. فَحَمَلَ، فَقَاتَلَ، حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ صِلَةُ، فَقُتِلَ، فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ، فَقَالَتْ: مَرْحَباً إِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِتُهَنِّئْنَنِي، وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَارْجِعْنَ (2) . جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ صِلَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي قَرْيَةٍ وَأَنَا عَلَى دَابَّتِي فِي زَمَانِ فُيُوضِ المَاءِ، فَأَنَا أَسِيْرُ عَلَى مُسَنَّاةٍ (3) ، فَسِرْتُ يَوْماً لاَ أَجِدُ مَا آكُلُ، فَلَقِيَنِي عِلْجٌ يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئاً، فَقُلْتُ: ضَعْهُ. فَإِذَا هُوَ خُبْزٌ، قُلْتُ: أَطْعِمْنِي. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ فِيْهِ شَحْمُ خِنْزِيْرٍ. فَتَرَكْتُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُ آخَرَ، فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي. قَالَ: هُوَ زَادِي لأَيَّامٍ، فَإِنْ نَقصتَهُ، أَجَعْتَنِي. فَتَرَكْتُهُ، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَسِيْرُ، إِذْ سَمِعْتُ خَلْفِي وَجْبَةً كَوَجْبَةِ الطَّيْرِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ شَيْءٌ مَلْفُوفٌ فِي سِبٍّ أَبْيَضَ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا دَوْخَلَةٌ مِنْ رُطَبٍ فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الأَرْضِ رُطبَةٌ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ، ثُمَّ لَفَفْتُ مَا بَقِيَ، وَرَكِبْتُ الفَرَسَ، وَحَمَلْتُ مَعِي نُوَاهُنَّ.   (1) " حلية الأولياء " 2 / 238، وابن سعد 7 / 137، ورجاله ثقات. (2) ابن سعد 7 / 137، و" حلية الأولياء " 2 / 239، ورجاله ثقات. (3) المسناة: صغيرة (أي: سد) تبنى للسيل لترد الماء، سميت مسناة، لان فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه لئلا يغلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 قَالَ جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: فَحَدَّثَنِي أَوْفَى بنُ دِلْهَمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ذَلِكَ السِّبَّ مَعَ امْرَأَتِهِ، فِيْهِ مُصْحَفٌ، ثُمَّ فُقِدَ بَعْدُ (1) . وَرَوَى نَحْوَهُ: عَوْفٌ، عَنْ أَبِي السَّلِيْلِ، عَنْ صِلَةَ (2) . فَهَذِهِ كَرَامَةٌ ثَابِتَةٌ. ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ جَعْفَرِ بنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي غَزَاةٍ إِلَى كَابُلَ، وَفِي الجَيْشِ صِلَةُ، فَنَزَلُوا، فَقُلْتُ: لأَرْمُقَنَّ عَمَلَهُ. فَصَلَّى، ثُمَّ اضطَجَعَ، فَالْتَمَسَ غَفْلَةَ النَّاسِ، ثُمَّ وَثَبَ، فَدَخَلَ غَيْضَةً، فَدَخَلْتُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ أَسَدٌ حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَصَعدْتُ شَجَرَةً، أَفَتَرَاهُ الْتَفَتَ إِلَيْهِ حَتَّى سَجَدَ؟ فَقُلْتُ: الآنَ يَفْتَرِسُهُ فَلاَ شَيْءَ. فَجَلَسَ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: يَا سَبْعُ! اطْلُبِ الرِّزْقَ بِمَكَانٍ آخَرَ. فَوَلَّى وَإِنَّ لَهُ زَئِيْراً أَقُوْلُ؛ تَصَدَّعَ مِنْهُ الجَبَلُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ جَلَسَ، فَحَمِدَ اللهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيْرَنِي مِنَ النَّارِ، أَوَ مِثْلِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ الجَنَّةَ (3) ؟! ابْنُ المُبَارَكِ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ هِلاَلٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِصِلَةَ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ! رَأَيْتُ أَنِّي أُعْطِيْتُ شَهِدَةً، وَأُعْطِيْتَ شَهِدتَيْنِ. فَقَالَ: تَسْتَشْهِدُ وَأَنَا وَابْنِي. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ يَزِيْدَ بنِ زِيَادٍ، لَقِيَتْهُمُ التُّرْكُ بِسِجِسْتَانَ، فَانْهَزَمُوا. وَقَالَ صِلَةُ: يَا بُنَيَّ! ارْجِعْ إِلَى أُمِّكَ. قَالَ: يَا أَبَه؛ تُرِيْدُ الخَيْرَ لِنَفْسِكَ، وَتَأْمُرُنِي بِالرُّجُوْعِ! قَالَ: فَتَقَدَّمْ. فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى   (1) رجاله ثقات، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 239 من طريق عبد الله بن المبارك بهذا الإسناد. والسب: الخمار، والدوخلة: زبيل من خوص يجعل فيه التمر. (2) في " تاريخ المؤلف " 3 / 20: قلت: هذا حديث صحيح، روى نحوه عوف الاعرابي عن أبي السليل، عن صلة. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 240 من طريق ابن المبارك. وإسناده ضعيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 أُصِيْبَ، فَرَمَى صِلَةُ عَنْ جَسَدِهِ، وَكَانَ رَامِياً، حَتَّى تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَأَقْبَلَ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ، فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (1) . قُلْتُ: وَكَانَتْ هَذِهِ المَلْحَمَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -. 114 - أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيَّةُ * ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ الهَاشِمِيَّةُ، شَقِيْقَةُ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ. وُلِدَتْ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ، وَرَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَرْوِ عَنْهُ شَيْئاً. خَطَبَهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا تُرِيْدُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَنَسَبِي) (2) .   (1) رجاله ثقات. (*) طبقات ابن سعد 8 / 463، نسب قريش: 349، المحبر: 53، 101، 437، التاريخ الصغير 1 / 102، جمهرة أنساب العرب: انظر الفهرس، الاستيعاب: 1954، أسد الغابة 7 / 387، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 365، تاريخ الإسلام 2 / 254، الإصابة 4 / 492. (2) حديث صحيح، أخرجه الحاكم 3 / 142 من طريق السري بن خزيمة، عن معلى ابن راشد، حدثنا وهيب بن خالد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، أن عمر بن الخطاب ... وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في " المختصر " فقال: منقطع، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 463 من طريق أنس بن عياض الليثي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عمر ... ، وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 15، وزاد نسبته للبزار، والطبراني، والبيهقي، والضياء المقدسي في " المختارة " وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 173 وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير "، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ تَزَوَّجَهَا، فَأَصْدَقَهَا أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: قَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ: زَوِّجْنِيْهَا أَبَا حَسَنٍ، فَإِنِّي أَرْصُدُ مِنْ كَرَامَتِهَا مَا لاَ يَرْصُدُ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَنَا أَبْعَثُهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيْتَهَا، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا - يَعْتَلُّ بِصِغَرِهَا -. قَالَ: فَبَعَثَهَا إِلَيْهِ بِبُرْدٍ، وَقَالَ لَهَا: قُوْلِي لَهُ: هَذَا البُرْدُ الَّذِي قُلْتُ لَكَ. فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: قُوْلِي لَهُ: قَدْ رَضِيْتُ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ -. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاقِهَا، فَكَشَفَهَا، فَقَالَتْ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ لَوْلاَ أَنَّكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، لَكَسَرْتُ أَنْفَكَ. ثُمَّ مَضَتْ إِلَى أَبِيْهَا، فَأَخْبَرَتْهُ، وَقَالَتْ: بَعَثْتَنِي إِلَى شَيخِ سُوءٍ! قَالَ: يَا بُنِيَّةُ! إِنَّهُ زَوْجُكِ (1) . وَرَوَى نَحْوَهَا: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، مُرْسَلاً (2) . وَنَقَلَ الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُه: أَنَّهَا وَلَدَتْ لِعُمَرَ زَيْداً. وَقِيْلَ: وَلَدَتْ لَهُ رُقَيَّةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ عَنْهَا عُمَرُ، فَتَزَوَّجَهَا عَوْنُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ. فَحَدَّثنِي أَبِي، قَالَ: دَخَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهَا لَمَّا مَاتَ عُمَرُ، فَقَالاَ: إِنْ مَكَّنْتِ أَبَاكِ مِنْ رُمَّتِكِ (3) ، أَنْكَحَكِ بَعْضَ أَيْتَامِهِ، وَإِنْ أَرَدْتِ أَنْ تُصِيْبِي بِنَفْسِكِ مَالاً عَظِيْماً، لَتُصِيْبِنَّهُ.   = ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة. وفي الباب عن المسور بن مخرمة عند أحمد 4 / 322 بلفظ: " إن الأنساب يوم القيامة تنقطع، غير نسبي وسبي وصهري " وسنده حسن في الشواهد، وعن ابن عمر عند ابن عساكر. (1) انظر التعليق السابق. (2) أخرجه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور في " سننه " (520 - 521) ، وابن عبد البر 4 / 491 في " الاستيعاب ". (3) تحرفت في المطبوع إلى " رقبتك ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 فَلَمْ يَزَلْ بِهَا عَلِيٌّ حَتَّى زَوَّجَهَا بِعَوْنٍ، فَأَحَبَّتْهُ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا (1) . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَوَّجَهَا أَبُوْهَا بِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَاتَ، ثُمَّ زَوَّجَهَا أَبُوْهَا بِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قُلْتُ: فَلَمْ يُولِدْهَا أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ الثَّلاَثَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَدَتْ جَارِيَةً لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ اسْمُهَا بَثْنَةُ. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جِئْتُ وَقَدْ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَخِيْهِ زَيْدِ بنِ عُمَرَ، وَأُمُّهُ أُمُّ كُلْثُوْم بِنْتُ عَلِيٍّ (2) . وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُوْمَ وَزَيْدَ بنَ عُمَرَ مَاتَا، فَكُفِّنَا، وَصَلَّى عَلَيْهِمَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ -يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ (3) -. وَكَانَ ابْنُهَا زَيْدٌ مِنْ سَادَةِ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، تُوُفِّيَ شَابّاً، وَلَمْ يُعْقِبْ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: وَفَدْنَا مَعَ زَيْدٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَكَانَ زَيْدٌ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، فَأسْمَعَهُ بُسْرٌ كَلِمَةً؛ فَنَزَلَ إِلَيْهِ زَيْدٌ، فَصَرَعَهُ، وَخَنَقَهُ، وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَنْ رَأْيِكَ، وَأَنَا ابْنُ الخَلِيفَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا، قَدْ تَشَعَّثَ رَأْسُهُ وَعِمَامَتُهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، وَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ، وَلِعَشْرٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ بِمَبْلَغٍ. يُقَالُ: وَقَعَتْ هَوسَةٌ بِاللَّيْلِ، فَرَكِبَ زَيْدٌ فِيْهَا، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ، فَمَاتَ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ -.   (1) أورد الخبر بأطول مما هنا ابن الأثير في " أسد الغابة " 7 / 388. (2) انظر ابن سعد 8 / 464، و" التاريخ الصغير " 1 / 102 للبخاري. (3) أخرجه ابن سعد 8 / 464، 465 من طريق وكيع بن الجراح بهذا الإسناد، وهو صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 115 - عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ العُذْرِيُّ * (خَ، د، س) الشَّيْخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ العُذْرِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ. مَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ، فَوَعَى ذَلِكَ (1) . وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ عَامَ الفَتْحِ، وَقَدْ شَهِدَ الجَابِيَةَ. فَلَوْ كَانَ مَوْلِدُهُ عَامَ الفَتْحِ، لَصَبَا عَنْ شُهُودِ الجَابِيَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَجَابِرٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ. وَكَانَ شَاعِراً، فَصِيْحاً، نَسَّابَةً. رَوَى: مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ كَانَ يُجَالِسُ عَبْدَ اللهِ بنَ ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ النَّسَبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الفِقْهِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ هَذَا، فَعَلَيْكَ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ (2) . قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.   (*) طبقات خليفة: ت 130، 2043، التاريخ الكبير 5 / 35، المعرفة والتاريخ 1 / 253، 358، الكنى 1 / 52، الجرح والتعديل 5 / 19، المستدرك 3 / 279، جمهرة أنساب العرب: 450، الاستيعاب: 876، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 245، وفيه صغير بالغين، تاريخ ابن عساكر 9 / 9 ب، أسد الغابة 3 / 190، تهذيب الكمال: 669، تاريخ الإسلام 3 / 262، العبر 1 / 104، تذهيب التهذيب 2 / 134 آ، مرآة الجنان 1 / 179، الإصابة 2 / 285، تهذيب التهذيب 5 / 165، خلاصة تذهيب الكمال: 163، شذرات الذهب 1 / 98. (1) " التاريخ الكبير " 5 / 36. (2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 5 / 36 بإسناد صحيح عن ابن شهاب كما قال الحافظ في " الإصابة " 2 / 285. وهو عند ابن عساكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وَمِمَّنْ أَدْرَكَ زَمَانَ النُّبُوَّةِ: 116 - عَبْدُ اللهِ بنُ رُبَيِّعَةَ بنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ * (د، س) قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَحَدِيْثُهُ مِنْ قَبِيْلِ المُرْسَلِ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَيْدِ بنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ - وَهُوَ عَمُّ وَالِدِ مَنْصُوْرٍ - وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَطَائِفَةٌ. نَزَلَ الكُوْفَةَ. شُعْبَةُ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رُبَيِّعَةَ؛ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. هَكَذَا قَالَ (1) . تُوُفِّيَ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. وَرُبَيِّعَةُ بِالتَّثْقِيْلِ: مِنَ الأَسْمَاءِ المُفْرَدَةِ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 196، طبقات خليفة: ت 1003، التاريخ الكبير 5 / 86، الجرح والتعديل 5 / 54، الاستيعاب: 897، أسد الغابة 3 / 230، تهذيب الكمال: 680، تاريخ الإسلام 3 / 264، تذهيب التهذيب 2 / 143 ب، الإصابة 2 / 305، تهذيب التهذيب 5 / 208، خلاصة تذهيب الكمال: 167. (1) جاء في " سنن النسائي " 2 / 19 في الاذان: باب أذان الراعي، أخبرنا إسحاق بن منصور، أنبأنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فسمع صوت رجل يؤذن، فقالى مثل قوله، ثم قال: " إن هذا لراعي غنم أو عازب عن أهله " فنظروا فإذا هو راعي غنم. وإسناده صحيح. وفي " الإصابة " 2 / 305: وقال ابن المبارك عن شعبة في روايته: وله صحبة. قال البخاري: لم يتابع شعبة على ذلك. قلت (القائل ابن حجر) : الحديث أخرجه أبو داود (2524) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن ربيعة السلمي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن عبيد بن خالد السلمي، فذكر حديثا..= الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 117 - الصُّنَابِحِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ المُرَادِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ المُرَادِيُّ، ثُمَّ الصُّنَابِحِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ. قَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَيَالٍ، وَصَلَّى خَلْفَ الصِّدِّيْقِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَعَنْ: مُعَاذٍ، وَبِلاَلٍ، وَعُبَادَةَ، وَشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ، وَعَدِيُّ بنُ عَدِيٍّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَرَوَى عَنْهُ: رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، فَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: بَقِيَ إِلَى زَمَنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى   = قلت: ليست جملة (وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المطبوع من " سنن أبي داود "، ولكنها في " سنن النسائي " 4 / 74 في الجنائز: باب الدعاء من طريق سويد بن نصر، أنبأنا عبد الله، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن ربيعة السلمي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن عبيد بن خالد السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين، فقتل أحدهما، ومات الآخر بعده، فصلينا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما قلتم؟ " قالوا: دعونا له: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ألحقه بصاحبه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأين صلاته بعد صلاته؟ وأين عمله بعد عمله؟ فلما بينهما كما بين السماء والارض " وإسناده صحيح. (*) طبقات ابن سعد 7 / 443، 509، طبقات خليفة: ت 2734، التاريخ الكبير 5 / 321، المعرفة والتاريخ 2 / 306، 314، 361، الجرح والتعديل 5 / 262، الاستيعاب 841، طبقات الشيرازي: 77، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 283، تاريخ ابن عساكر 10 / 27 ب، أسد الغابة 3 / 475، تهذيب الكمال: 805، 806، تاريخ الإسلام 3 / 187، تذهيب التهذيب 2 / 219 آ، البداية والنهاية 8 / 323، الإصابة 3 / 97، تهذيب التهذيب 6 / 229، خلاصة تذهيب الكمال: 196. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 السَّرِيْرِ، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَعَبْدُ اللهِ الصُّنَابِحِيُّ يُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صُحْبَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ فِي الحَوْضِ (2) ، هُوَ الصُّنَابِحُ بنُ الأَعْسَرِ الأَحْمَسِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ.   (1) وذكره ابن سعد 7 / 426 في الصحابة الذين نزلوا الشام، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث: " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ... " أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 220، وعنه الشافعي في " الرسالة " رقم (874) ، و" اختلاف الحديث " ص: 125، و" الام " 1 / 396 - 397، من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، أن رسول الله ... ، ورواه زهير بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن عبد الله الصنابحي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينفرد زهير بهذا التصريح بسماع عبد الله الصنابحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صرح به مالك أيضا. فيما أخرجه الدارقطني في غرائب مالك، من طريق إسماعيل بن أبي الحارث، وابن مندة من طريق إسماعيل الصائغ، كلاهما عن مالك، وزهير بن محمد، قالا: حدثنا زيد بن أسلم بهذا، ورواه أيضا ابن سعد 7 / 426 من طريق سهيل بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: سمعت عبد الله الصنابحي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشمس تطلع من قرن شيطان، فإذا طلعت قارنها، فإذا ارتفعت فارقها، ويقارنها حين تستوي، فإذا نزلت للغروب قارنها، وإذا غربت فارقها، فلا تصلوا هذه الساعات الثلاث ". وجاء في " حاشية الام " 1 / 130 عن السراج البلقيني ما نصه، حديث الصنابحي هذا هو في " الموطأ " روايتنا من طريق يحيى بن يحيى، وأخرجه النسائي من حديث قتيبة عن مالك كذلك، وأما ابن ماجه فأخرج الحديث (1253) من طريق شيخه إسحاق بن منصور الكوسج، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي عبد الله الصنابحي، كذا وقع في كتاب ابن ماجه عن أبي عبد الله، واعلم أن جماعة من الأقدمين نسبوا الامام مالكا إلى أنه وقع له خلل في هذا الحديث، باعتبار اعتقادهم أن الصنابحي في هذا الحديث هو عبد الرحمن بن عسيلة، أبو عبد الله، وليس الامر كما زعموا، بل هذا صحابي غير عبد الرحمن بن عسيلة، وغير الصنابح بن الاعسر الاحمسي، وقد بينت ذلك بيانا شافيا في تصنيف لطيف سميته: " الطريقة الواضحة في تبيين الصنابحة " فلينظر، فإنه نفيس. (2) أخرجه أحمد 4 / 351، وابن ماجه (3944) في الفتن من طرق، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن الصنابح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إني = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الصُّنَابِحِيُّ ثِقَةً، قَلِيلَ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ أَحَادِيْثُ يُرْسِلُهَا. وَبَعْضُهُم يَهِمُ فِيْهِ، فَيَقُوْلُ: عَبْدُ اللهِ الصُّنَابِحِيُّ. وَبَعْضُهُم يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّنَابِحِيُّ. وَعَنْ مَرْثَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُسَيْلَةَ، قَالَ: مَا فَاتَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ بِخَمْسِ لَيَالٍ، قُبِضَ وَأَنَا بِالجُحْفَةِ (2) . قَالَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، عَنْ مَحْمُوْدِ (3) بنِ الرَّبِيْعِ: كُنَّا عِنْدَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، فَأَقْبَلَ الصُّنَابِحِيُّ، فَقَالَ عُبَادَةُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ كَأَنَّمَا رُقِيَ بهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَعَمِلَ عَلَى مَا رَأَى، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا (4) . رَوَاهَا: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ رَجَاءٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ رَبِّ: قَالَ لَنَا الصُّنَابِحِيُّ بِدِمَشْقَ وَقَدِ احْتُضِرَ (5) . 118 - صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ أُمُّ مَنْصُوْرٍ القُرَشِيَّةُ * (ع) ابْنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ   = فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي ". وإسناده صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقة: 245. (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 509. (2) أخرجه ابن سعد 7 / 510 من طريق عبد الله بن نمير، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد ... وهو في " تاريخ الفسوي " 2 / 314 و363، وابن عساكر 1 / 30 آ، و" الرحلة في طلب الحديث ": 167 للخطيب. (3) في الأصل: محمد، وهو خطأ. (4) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 361، 362 من طريق ابن المبارك، عن ابن عون، عن رجاء بن حيوة ... ، وهو عند ابن عساكر 10 / 30 ب. (5) بياض قدر نصف سطر في الأصل، وكتب فيه: كذا وجد. * طبقات ابن سعد 8 / 469، الاستيعاب: 1873، أسد الغابة 7 / 172، تهذيب الأسماء = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 كِلاَبٍ، الفَقِيْهَةُ، العَالِمَةُ، أُمُّ مَنْصُوْرٍ القُرَشِيَّةُ، العَبْدِرِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، الحَجَبِيَّةُ. يُقَالُ: لَهَا رُؤْيَةٌ. وَوَهَّى هَذَا: الدَّارَقُطْنِيُّ (1) . وَكَانَ أَبُوْهَا مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى المَرَاسِيلِ. وَرَوَتْ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيْبَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ؛ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُهَا؛ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجَبِيُّ، وَسِبْطُهَا؛ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الحَجَبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَقَتَادَةُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَيْصِنٍ السَّهْمِيُّ المُقْرِئُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بَلْ أَدْرَكَهَا.   = واللغات 1 / 2 / 349، تهذيب الكمال: 1686، تاريخ الإسلام 3 / 258، تذهيب التهذيب 4 / 264 آ، العقد الثمين 8 / 258، الإصابة 4 / 348، تهذيب التهذيب 12 / 430، خلاصة تذهيب الكمال: 424. (1) رده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 4 / 348 فقال: وأبعد من قال: لا رؤية لها، فقد ثبت حديثها في " صحيح البخاري " تعليقا 3 / 171 في الجنائز قال: وقال أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال: " يا ايها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والارض ... " الحديث. ووصله ابن ماجه (3109) من هذا الوجه. وأخرج ابن مندة، من طريق محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة قالت: والله لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ... وأخرج أبو داود (1878) من طريق ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية قالت: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، طاف على بعير يستلم الركن بمحجن في يده، قالت: وأنا أنظر إليه. قال المزي: وسنده حسن. وانظر " فتح الباري " 9 / 207. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 وَفِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَه) ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ: أَنَّهَا رَأَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم الفَتْحِ دَخَلَ الكَعْبَةَ، وَلَهَا عِيْدَانٌ، فَكَسَرَهَا (1) . أَحْسِبُ أَنَّهَا عَاشَتْ إِلَى دَوْلَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. 119 - يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمِ بنِ الحَارِثِ الإِبْرَاهِيْمِيُّ * (4) أَبُو يَعْقُوْبَ الإِبْرَاهِيْمِيُّ، الإِسْرَائِيْلِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيفُ الأَنْصَارِ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّاهُ: يُوْسُفَ، وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ (2) ، وَلَهُ رُؤْيَةٌ مَا. وَلَهُ رِوَايَةُ حَدِيْثَيْنِ، حُكْمُهُمَا الإِرسَالُ. وَحَدَّث عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ. رَوَى عَنْهُ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِيْسَى بنُ مَعْقِلٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي الهَيْثَمِ العَطَّارُ. وَشَهِدَ مَوْتَ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِدِمَشْقَ. وَقَدْ رَوَى: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ يَزِيْدَ بنِ   (1) أخرجه ابن ماجه (2947) في المناسك: باب من استلم الركن بمحجنه، ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق. (*) طبقات خليفة: ت 30 و978، التاريخ الكبير 8 / 371، الجرح والتعديل 9 / 225، الاستيعاب: 1590، تاريخ ابن عساكر نسخة باريس 45 آ، أسد الغابة 3 / 264، و5 / 529، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 165، تهذيب الكمال: 1559، تاريخ الإسلام 4 / 70، تذهيب التهذيب 4 / 189 ب، الإصابة 3 / 671، تهذيب التهذيب 11 / 416، خلاصة تذهيب الكمال: 377. (2) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (838) ، وأحمد 4 / 35 و6 / 6، وأسناده صحيح كما قال الحافظ في " الفتح 11 / 476. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 أَبِي أُمَيَّةَ الأَعْوَرِ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ كِسْرَةً، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، وَقَالَ: (هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ) . فَأَكَلَهَا (1) . فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَهُوَ صَحَابِيٌّ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الخَامِسَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ: يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ؛ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، مِنْ وَلَدِ يُوْسُفَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ثِقَةً. لَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ شَبَابٌ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. خَلَفُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: غَدَوْتُ مَعَ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ كَانَتِ الصَّلاَةُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ؟ قَالَ: كَانَ يَبْدَأُ بِالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ. غَرِيْبٌ جِدّاً. 120 - عَبْدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ الجُهَنِيُّ * (م، 4) قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَدْ أَسْلَمَ بِلاَ رَيْبٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى   (1) رجاله ثقات، خلا يزيد بن أبي أمية الاعور، فإنه مجهول، وهو في " سنن أبي داود " (3830) في الاطعمة: باب في التمر. (*) طبقات ابن سعد 6 / 113، طبقات خليفة: ت 754، 965، التاريخ الكبير = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. وَهُوَ القَائِلُ: أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْل مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ: (أَنْ لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ (1)) . حَدَّث عَنْهُ بِذَلِكَ: الحَكَمُ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. رَوَى عَنْهُ: هِلاَلٌ الوَزَّانُ (2) ، وَمُسْلِمٌ الجُهَنِيُّ، وَالحَكَمُ، وَجَمَاعَةٌ. رَوَى: مُوْسَى الجُهَنِيُّ، عَنْ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ، قَالَتْ: كَانَ أَبِي يُحِبُّ عُثْمَانَ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى يُحِبُّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. قَالَتْ: وَكَانَا مُتَوَاخِيَيْنِ، فَمَا سَمِعْتُهُمَا يَذْكُرَانِهِمَا بِشَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ صَاحِبَكَ صَبَرَ، أَتَاهُ النَّاسُ (3) . قِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُكَيْمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. شُعْبَةُ: عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ: (أَنْ لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ) (4) .   = 5 / 39، الجرح والتعديل 5 / 121، جمهرة أنساب العرب: 445، الاستيعاب: 949، تاريخ بغداد 10 / 3، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 246، أسد الغابة 3 / 339، تهذيب الكمال: 712، تاريخ الإسلام 3 / 267، تذهيب التهذيب 2 / 167، تهذيب التهذيب 5 / 323، الإصابة 2 / 346، خلاصة تذهيب الكمال: 175. (1) أخرجه أبو داود (4127) و (4128) ، والترمذي (1729) ، والنسائي 7 / 175، وابن سعد 6 / 113. وهو حديث ضعيف لاضطرابه كما ذكر غير واحد من أئمة الحديث، وقد بسط ذلك الزيلعي في " نصب الراية " 1 / 120، 122، وابن حجر في " تلخيص الحبير " 1 / 47، 48. (2) تحرف في المطبوع إلى " الوراق ". (3) أخرجه ابن سعد 6 / 114 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان بهذا الإسناد. (4) ابن سعد 6 / 113، وقد تقدم أنه ضعيف لاضطرابه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 قَالَ هِلاَلٌ الوَزَّانُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُكَيْمٍ يَقُوْلُ: بَايَعْتُ عُمَرَ بِيَدِي هَذِهِ. ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: أَشْهِدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، قَالَ: وَإِنَّ الَّذِيْنَ كَذَّبُوا مُحَمَّداً لَجَاحِدُوْنَ (1) . وَعَنِ الحَكَمِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي لَيْلَى قَدَّمَ عَبْدَ اللهِ بنَ عُكَيْمٍ فِي الصَّلاَةِ عَلَى أُمِّهِ، وَكَانَ إِمَامَهُم (2) . وَذَكَرَ: هِلاَلُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ (3) عُكَيْمٍ، قَالَ: لاَ أُعِيْنُ عَلَى دَمِ (4) خَلِيْفَةٍ أَبَداً بَعْدَ عُثْمَانَ. فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ! أَوَ أَعَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: كُنْتُ أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيْهِ عَوْناً عَلَى دَمِهِ. تُوُفِّيَ ابْنُ عُكَيْمٍ: فِي وِلاَيَةِ الحَجَّاجِ. 121 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ * ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخُو: عَبْدِ اللهِ،   (1) أخرجه ابن سعد 6 / 114. (2) ابن سعد 6 / 114. (3) تحرف في المطبوع إلى " أبي ". (4) تصحف في المطبوع إلى " ذمه ". (*) نسب قريش: 27، طبقات خليفة: ت 1972، المحبر: 17، 107، 146، 292، 456، التاريخ الصغير 1 / 142، مروج الذهب 3 / 370، جمهرة أنساب العرب: 18، 19، الاستيعاب: 1009، أسد الغابة 3 / 524، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 312، تهذيب الكمال: 881، تاريخ الإسلام 2 / 304 و3 / 281، العبر 1 / 63، تذهيب التهذيب 2 / 265 آ، مرآة الجنان 1 / 130، البداية والنهاية 8 / 90، العقد الثمين 5 / 309، الإصابة 2 / 437، تهذيب التهذيب 7 / 19، خلاصة تذهيب الكمال: 212، شذرات الذهب 1 / 64، خزانة الأدب 3 / 256، 502. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 وَكَثِيْرٍ، وَالفَضْلِ، وَقُثَمَ، وَمَعْبَدٍ، وَتَمَّامٍ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيْلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ. وَلَهُ حَدِيْثٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ (1)) ، حُكْمُهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ أَمِيْراً، شَرِيْفاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً. ذَكَرَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الخَامِسَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: كَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ رَجُلاً تَاجِراً، مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ. فَذَكَرَ الوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى دَوْلَةِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ. قُلْتُ: هُوَ شَقِيْقُ عَبْدِ اللهِ، وَلِيَ إِمْرَةَ اليَمَنِ لابْنِ عَمِّهِ عَلِيٍّ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ، وَقَدْ ذَبَحَ بُسْرُ بنُ أَرْطَاةَ وَلَدَيْهِ عُدْوَاناً وَظُلْماً، وَتَوَلَّهَتْ أُمُّهُمَا عَلَيْهِمَا، وَهَرَبَ عُبَيْدُ الله. قِيْلَ: إِنَّ عُبَيْدَ (2) اللهِ وَصَلَ مَرَّةً رَجُلاً بِمائَةِ أَلْفٍ.   (1) 6 / 148 في الطلاق: باب إحلال المطلقة ثلاثا والنكاح الذي يحلها به، من طريق علي ابن حجر، عن هشيم، أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق (وقد تحرف في المطبوع إلى يحيى عن أبي إسحاق) عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عباس (وقد تحرف في المطبوع إلى عبد الله بن عباس) أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أنه لا يصل إليها، فلم يلبث أن جاء زوجها، فقال: يارسول الله هي كاذبة، وهو يصل إليها، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس ذلك حتى تذوقي عسيلته ". وأخرجه أحمد 1 / 214 من طريق هشيم بهذا الإسناد، ورجاله ثقات، إلا أنه ليس بصريح بأن عبيد الله شهد القصة. وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 340 مختصرا عن عبيد الله والفضل بن العباس، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. (2) تحرف في المطبوع إلى " عبد ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 قَالَ الفَسَوِيُّ: مَاتَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، فَقَالاَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بِسَنَةٍ، سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - قُثَمُ بنُ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ وَأُمُّهُ: أُمُّ الفَضْلِ، الَّتِي يَقُوْلُ فِيْهَا الكَلْبِيُّ: إِنَّهَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيْجَةَ، قَدْ ذُكِرَ (1) . 122 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ النَّوْفَلِيُّ * (خَ، م) ابْنِ عَدِيِّ بنِ نَوْفَلِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ، النَّوْفَلِيُّ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الطُّلَقَاءِ. مَا ذَكَرَهُ فِي   (1) في الصفحة 440 من هذا الجزء. (*) طبقات خليفة: ت 1982، المحبر: 357، التاريخ الكبير 5 / 391، المعرفة والتاريخ 1 / 411، الجرح والتعديل 5 / 329، الاستيعاب: 1010، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 303، تاريخ ابن عساكر 10 / 353 آ، أسد الغابة 3 / 256، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 313، تهذيب الكمال: 886، تاريخ الإسلام 4 / 30، تذهيب التهذيب 3 / 19 آ، البداية والنهاية 9 / 51، العقد الثمين 5 / 312، الإصابة 3 / 74، تهذيب التهذيب 7 / 36، خلاصة تذهيب الكمال: 213. (2) جاء في " صحيح البخاري " 7 / 46 و144 أن عثمان رضي الله عنه قال له: يا ابن أخي: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولكن قد خلص إلي من علمه ما خلص من العذراء في سترها، قال الحافظ: ومراده بالادراك: إدراك السماع منه والاخذ عنه، وبالرؤية به رؤية المميز له، ولم يرد هنا الادراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي 7 / 282، 283 في قصة مقتل حمزة، من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 الصَّحَابَةِ أَحَدٌ، سِوَى ابْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَكَعْبٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عُرْوَةُ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَمَعْمَرُ بنُ أَبِي حَبِيْبَةَ. رَوَى: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، وَهُوَ مَحْصُوْرٌ، وَعَلِيٌّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّيْ أَتَحَرَّجُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَ هَؤُلاَءِ وَأَنْتَ الإِمَامُ. فَقَالَ: إِنَّ الصَّلاَةَ أَحْسَنُ مَا عَمِلَ النَّاسُ، فَإِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ مُحْسِنِيْنَ، فَأَحْسِنْ مَعَهُم (1) . قَالَ عَطَاءُ بنُ يَزِيْدَ (2) : كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ مِنْ فُقَهَاءِ قُرَيْشٍ، وَعُلَمَائِهِم. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الأَكْبَرِ بنِ الخِيَارِ، وَأُمُّهُ: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتِ أُسَيْدِ بنِ أَبِي العَيْصِ الأُمَوِيَّةُ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ. وَلَهُ دَارٌ بِالمَدِيْنَةِ. مَاتَ: فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ، فَقَالَ: قُتِلَ عَدِيُّ بنُ الخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِراً (3) . قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ عُبَيْدُ اللهِ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   (1) أخرجه ابن عساكر 10 / 353 ب. (2) تحرف في المطبوع إلى " زيد ". (3) قال الحافظ في " الفتح " 7 / 46: لم يثبت أنه قتل كافرا، وإن ذكر ابن ماكولا وغيره، فإن ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 123 - رَبِيْعَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهُدَيْرِ القُرَشِيُّ * (خَ، د) التَّمِيْمِيُّ، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّهُ رَآهُ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ مُقِلٌّ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَا أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدٌ وَأَبُو بَكْرٍ ابْنَا المُنْكَدِرِ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَغَيْرُهُم. وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ (1)) . مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. فَلَعَلَّهُ وُلِدَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، سَنَةَ سِتٍّ. وَجَدُّهُ الهُدَيْرُ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ العُزَّى بنِ عَامِرِ بنِ الحَارِثِ بنِ حَارِثَةَ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ. وَلَمْ أَرَ أَحَداً عَدَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الهُدَيْرِ فِي مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، فَلَعَلَّهُ مَاتَ قَبْلَ الفَتْحِ، لاَ بَلْ تَأَخَّرَ حَتَّى وُلِدَ لَهُ المُنْكَدِرُ فِيمَا بَعْدُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 124 - رَبِيْعَةُ بنُ عِبَادٍ الدِّيْلِيُّ الحِجَازِيُّ **   (*) طبقات ابن سعد 5 / 27، طبقات خليفة: ت 1995، التاريخ الكبير 3 / 281، مشاهير علماء الأمصار: ت 484، الاستيعاب: 492، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 136، أسد الغابة 2 / 214، تهذيب الكمال: 410، تذهيب التهذيب 1 / 220 ب، العقد الثمين 4 / 397، الإصابة 1 / 523، تهذيب التهذيب 3 / 257، خلاصة تذهيب الكمال: 99، شذرات الذهب 1 / 79. (1) وقال ابن سعد 5 / 27: وكان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: تابعي، مدني ثقة من كبار التابعين وقال الدارقطني: تابعي كبير، قليل المسند. (* *) طبقات خليفة: ت 212 وفيه عباد، التاريخ الكبير 3 / 280، الجرح والتعديل = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُوْقِ ذِي المَجَازِ (1) قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَشَهِدَ اليَرْمُوْكَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَعِبَادٌ: بِالكَسْرِ وَالتَّخْفِيْفِ عِنْدَ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ المِصْرِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِالتَّخْفِيْفِ وَالفَتْحِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، وَهَذَا فِيْهِ نَظَرٌ. وَلاَ رَيْبَ فِي سَمَاعِ رَبِيْعَةَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ. قَالَ خَلِيْفَةُ: شَهِدَ اليَرْمُوْكَ، وَتُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ. 125 - أَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الأَوْسِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، الحُجَّةُ. اسْمُهُ: أَسْعَدُ بِاسْمِ جَدِّهِ لأُمِّهِ، النَّقِيبُ، السَّيِّدُ، أَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ.   = 3 / 472، مشاهير علماء الأمصار: ت 552، الاستيعاب 492، تاريخ ابن عساكر 6 / 107 ب، تاريخ ابن عساكر نسخة الزيتونة 27 ب، أسد الغابة 2 / 213، الإصابة 1 / 509. (1) أخرجه أحمد 3 / 492 من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن ربيعة بن عباد الديلي، وكان جاهليا أسلم، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: " يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " الحديث وهذا سند قوي. (*) طبقات ابن سعد 5 / 82، طبقات خليفة: ت 654 و2176، المعرفة والتاريخ 1 / 375، الكنى 1 / 14، مشاهير علماء الأمصار: ت 139، الاستيعاب: 82، تاريخ ابن عساكر 2 / 403 آ، أسد الغابة 3 / 470 و6 / 18، تهذيب الكمال: 94، تاريخ الإسلام 4 / 71، العبر 1 / 118، تذهيب التهذيب 1 / 59 ب، مرآة الزمان 1 / 207، البداية والنهاية 9 / 190، الإصابة 4 / 9، تهذيب التهذيب 1 / 263، خلاصة تذهيب الكمال: 38، شذرات الذهب 1 / 118، تهذيب ابن عساكر 3 / 7. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَآهُ - فِيمَا قِيْلَ -. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنَاهُ؛ مُحَمَّدٌ وَسَهْلٌ ابْنَا أَبِي أُمَامَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ، وَكَانَ مِنْ عِلِّيَّةِ الأَنْصَارِ وَعُلَمَائِهِم، وَمِنْ أَبْنَاءِ البَدْرِيِّيْنَ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ: عَنْ حَكِيْمِ بنِ حَكِيْمِ بنِ عَبَّادِ بنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، قَالَ: كَتَبَ مَعِي عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ (1)) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ عُتْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: اسْتوَى عُثْمَانُ عَلَى   (1) أخرجه الترمذي (2130) في الفرائض، وهو في " المسند " 1 / 28 و46، وابن ماجه (2737) ، وسنده حسن كما قال الترمذي، وصححه ابن حبان (1227) ، وله شاهد من حديث المقدام الكندي عند أبي داود (2900) وابن ماجه (2634) ، وصححه ابن حبان (1225) وغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 المِنْبَرِ، فَحَصَبُوْهُ حَتَّى حِيْلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ (1) . اتَّفَقُوا عَلَى وَفَاتِهِ فِي سَنَةِ مائَةٍ. 126 - مَحْمُوْدُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ سُرَاقَةَ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو نُعَيْمٍ - الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ. وَأُمُّهُ: هِيَ جَمِيْلَةُ بِنْتُ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيَّةُ. أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقَلَ مِنْهُ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ فِي دَارِهِم، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ (2) .   (1) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 9. (*) طبقات خليفة: ت 646 و2038، التاريخ الكبير 7 / 402، المعرفة والتاريخ 1 / 355، الجرح والتعديل 8 / 289، الاستيعاب: 1378، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 504، أسد الغابة 5 / 116، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 84، تهذيب الكمال: 1309، تاريخ الإسلام 4 / 52، العبر 1 / 117، تذهيب التهذيب 4 / 26 آ، مرآة الزمان 1 / 206، الإصابة 3 / 386، تهذيب التهذيب 10 / 63، خلاصة تذهيب الكمال: 317، شذرات الذهب 1 / 116. (2) أخرجه البخاري 1 / 157 في العلم، باب متى يصح سماع الصغير من طريق الزبيدي، عن الزهري، عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين. وذكر القاضي عياض في " الالماع " ص: 63 وغيره أن في بعض الروايات أنه كان ابن أربع، قال الحافظ في " الفتح ": ولم أقف على هذا صريحا في شيء من روايات بعد التتبع التام، إلا إن كان ذلك مأخوذا من قول صاحب " الاستيعاب ": إنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس ". وأخرجه مسلم (265) في المساجد: باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر من طريق الاوزاعي، حدثني الزهري، عن محمود الربيع قال: " إني لاعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلو في دارنا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَعِتْبَانَ (1) بنِ مَالِكٍ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَالزُّهْرِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ سُمَيْعٍ: هُوَ خَتَنُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَهُ صُحْبَةٌ. وَأَمَّا أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: اجْتَازَ بِدِمَشْقَ غَازِياً إِلَى القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. وَكَذَا أَرَّخَهُ: عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. 127 - قَيْسُ بنُ مَكْشُوْحٍ أَبُو حَسَّانٍ المُرَادِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو حَسَّانٍ المُرَادِيُّ، مِنْ وُجُوْهِ العَرَبِ المَوْصُوْفِيْنَ بِالشَّجَاعَةِ. وَكَانَ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ الأَسْوَدِ العَنْسِيِّ، وَقُلِعَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَكَانَ ذَا رَأْيٍ فِي الحَرْبِ وَنَجْدَةٍ. وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.   (1) تحرفت في المطبوع إلى " وغسان ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 525، المحبر: 261، معجم الشعراء: 198، الاستيعاب: 1299، أسد الغابة 4 / 447، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 64، الإصابة 3 / 260، شذرات الذهب 1 / 49، المنتخب من ذيل المذيل: 545. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 128 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ العَنْزِيُّ * بِالسُّكُوْنِ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ. وَعَنْزٌ: أَخُو بَكْرِ بنِ وَائِلٍ. استُشْهِدَ أَخُوْهُ سَمِيُّهُ عَبْدُ اللهِ فِي حِصَارِ الطَّائِفِ. وَكَانَ أَبُوْهُمَا عَامِرُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ مِنْ كِبَارِ المُهَاجِرِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ. وَلَهُ حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوْدَ (1)) . حَدَّثَ عَنْهُ: عَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَفْصٍ الوَقَّاصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 5 /؟، طبقات خليفة: ت 128 و438 و2009، التاريخ الكبير 5 / 11، المعرفة والتاريخ 1 / 251، 358، الجرح والتعديل 5 / 122، الاستيعاب: 930، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 244، أسد الغابة 3 / 286، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 1 / 273، تهذيب الكمال: 697، تاريخ الإسلام 3 / 267، العبر 1 / 100 وفيه العتري، وهو تصحيف، تذهيب التهذيب 2 / 155 ب، مرآة الجنان 1 / 176، العقد الثمين 5 / 185، الإصابة 2 / 329، تهذيب التهذيب 5 / 270، خلاصة تذهيب الكمال: 171. (1) أخرجه أحمد 3 / 447، وأبو داود (4991) من طريق الليث، عن محمد بن عجلان، عن مولى لعبد الله بن عامر، حدثه عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعالى أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما إنك لو لم تعطيه شيئا، كتبت عليك كذبة ". ورجاله ثقات، خلا مولى عبد الله فإنه مجهول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 129 - يَزِيْدُ بنُ مُفَرِّغٍ زِيَادِ بنِ رَبِيْعَةَ الحِمْيَرِيُّ * مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَكَانَ أَبُوْهُ زِيَادُ بنُ رَبِيْعَةَ حَدَّاداً. وَقِيْلَ: شَعَّاباً بِتَبَالَةَ. وَتَبَالَةُ بِالفَتْحِ: قَرْيَةٌ بِالحِجَازِ، مِمَّا يَلِي اليَمَنَ (1) . وَلُقِّبَ مُفَرِّغاً؛ لأَنَّهُ رَاهَنَ عَلَى سقَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَهُ حَتَّى فَرَّغَهُ. وَلابْنِ مُفَرِّغٍ هَجْوٌ مُقْذِعٌ، وَمَدِيْحٌ، وَنَظْمُهُ سَائِرٌ. وَهَجَا عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ؛ فَأَتَى وَطَلَبَ مِنْ مُعَاوِيَةَ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَأذَنْ، وَقَالَ: أَدِّبْهُ. وَاسْتَجَارَ يَزِيْدُ بِالمُنْذِرِ بنِ الجَارُوْدِ، فَأَتَى عُبَيْدُ اللهِ البَصْرَةَ، فَسَقَاهُ مُسْهِلاً، وَأَرْكَبَهُ حِمَاراً رَبَطَهُ فَوْقَهُ، وَطَوَّفَ بِهِ وَهُوَ يَسْلَحُ فِي الأَسْوَاقِ، فَقَالَ: يَغْسِلُ المَاءُ مَا صَنَعْتَ وَشِعْرِي ... رَاسِخٌ مِنْكَ فِي العِظَامِ البَوَالِي (2)   (*) طبقات فحول الشعراء: 686، 693، الشعر والشعراء: 276، أنساب الاشراف 4 / 374، تاريخ الطبري 5 / 317، الاغاني 18 / 254، 298، جمهرة أنساب العرب: 436، تاريخ ابن عساكر 18 / 138 ب، معجم الأدباء 20 / 43، 46، الكامل 3 / 522، وفيات الأعيان 6 / 342، 362، تاريخ الإسلام 3 / 90، البداية والنهاية 8 / 95 و314، خزانة الأدب 2 / 515. (1) قال ابن خلكان 6 / 343: هي بليدة على طريق اليمن للخارج من مكة. وهذا المكان كثير الخصب، له ذكر في الاخبار والامثال والاشعار، وهي أول ولاية وليها الحجاج بن يوسف الثقفي، ولم يكن رآها قبل ذلك، فخرج إليها، فلما قرب منها سأل عنها، فقيل له: إنها وراء تلك الاكمة، فقال: لاخير في ولاية تسترها أكمة، ورجع عنها محتقرا لها وتركها. فضربت العرب بها المثل، وقالت للشئ الحقير: أهون من تبالة على الحجاج. (2) الخبر مطولا في " الاغاني " 18 / 263، 264 و" أنساب الاشراف " 4 / 375، وخزانة الأدب 2 / 215 والبيت من قصيدة مطلعها: دار سلمى بالخبت ذي الاطلال * كيف نوم الاسير في الاغلال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 وَهُوَ القَائِلُ هَذَا البَيْتَ: العَبْدُ يُقْرَعُ بِالعَصَا ... وَالحُرُّ تَكْفِيْهِ المَلاَمَهْ (1) وَنَقَلَ صَاحِبُ (المِرْآةِ) : أَنَّ ابْنَ مُفَرِّغٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ. 130 - عَمْرُو بنُ سَلِمَةَ أَبُو بُرَيْدٍ الجَرْمِيُّ * (خَ، د، س) وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَبِيٌّ (2) . وَلأَبِيْهِ: صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهُ وَفَدَ مَعَ أَبِيْهِ، وَلَهُ رُؤْيَةٌ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) البيت في شعر ابن مفرغ 140، و" طبقات فحول الشعراء " 688، 689 و" الاغاني " 18 / 261، وخزانة الأدب 2 / 213، 214 من قصيدة مطلعها: أصرمت حبلك من أمامة * من بعد أيام برامه (*) طبقات ابن سعد 7 / 89، الكنى 1 / 126، الجرح والتعديل 6 / 235، جمهرة أنساب العرب: 452، الاستيعاب 1179، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 371، أسد الغابة 4 / 234، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 27، تهذيب الكمال: 1036، تاريخ الإسلام 3 / 290، العبر 1 / 100، تذهيب التهذيب 3 / 99 ب، العبر 1 / 176، الإصابة 2 / 541، تهذيب التهذيب 8 / 42، خلاصة تذهيب الكمال: 245، شذرات الذهب 1 / 95. (2) أخرج البخاري 8 / 18 في المغازي: باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح من طريق سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم، ما للناس ما للناس، ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقا، فقال: صلو صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت، تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَأَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَغَيْرُهُم. لَهُ رِوَايَةٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَفِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) . وَكَانَ قَدْ نَزَلَ البَصْرَةَ. أَرَّخَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. أَمَّا: 131 - عَمْرُو بنُ سَلِمَةَ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ * (بَخ) فَتَابِعِيٌّ كَبِيْرٌ، مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ. سَمِعَ: عَلِيّاً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ أَيْضاً، وَدُفِنَ هُوَ وَعَمْرُو بنُ حُرَيْثٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (1) . 132 - كَعْبُ بنُ سُوْرٍ الأَزْدِيُّ ** قَاضِي البَصْرَةِ، وَلِيهَا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ   فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. وأخرجه أبو داود (585) وفيه: " فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين "، وللنسائي 2 / 80، 81: " فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين "، وانظر ابن سعد 7 / 89، 90. (*) طبقات ابن سعد 6 / 171، التاريخ الكبير 6 / 337، التاريخ الصغير 1 / 189، الجرح والتعديل 6 / 235، تهذيب الكمال: 1036، تاريخ الإسلام 3 / 290، العبر 1 / 100، تذهيب التهذيب 3 / 99 ب، تهذيب التهذيب 8 / 42، خلاصة تذهيب الكمال: 45، شذرات الذهب 1 / 96. (1) " التاريخ الصغير " 1 / 189. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 91، طبقات خليفة: ت 1617، التاريخ الكبير 7 / 223، = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 وَعُلَمَائِهِم. قُتِلَ يَوْمَ الجَمَلِ، قَامَ يَعِظُ النَّاسَ وَيُذَكِّرُهُم، فَجَاءهُ سَهْمُ غَرْبٍ، فَقَتَلَهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. 133 - زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ بنِ حُجْرِ بنِ الحَارِثِ العَبْدِيُّ * ابْنِ هِجْرِسِ بنِ صَبِرَةَ بنِ حِدْرِجَانَ بنِ عِسَاسٍ العَبْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. أَخُو صَعْصَعَةَ بنِ صُوْحَانَ، وَلَهُمَا أَخٌ اسْمُهُ سَيْحَانُ، لاَ يَكَادُ يُعْرَفُ. كُنْيَةُ زَيْدٍ: أَبُو سُلَيْمَانَ. وَقِيْلَ: أَبُو عَائِشَةَ. كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّادِ، ذَكَرُوْهُ فِي كُتُبِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ، وَلاَ صُحْبَةَ لَهُ. لَكِنَّهُ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَ مِنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَسَلْمَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَالعَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ، وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ فِي الأُمَّهَاتِ، لأَنَّهُ قَدِيْمُ الوَفَاةِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُم: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ لاَحِقٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَنَزَلَ رَجُلٌ، فَسَاقَ بِالقَوْمِ، وَرَجَزَ، ثُمَّ نَزَلَ آخَرُ،   = التاريخ الصغير 1 / 75، المعارف: 430، أخبار القضاة 1 / 274، الجرح والتعديل 7 / 162، جمهرة أنساب العرب: 380، الاستيعاب: 1318، أسد الغابة 4 / 479، الإصابة 3 / 314. (*) طبقات ابن سعد 6 / 123، طبقات خليفة: ت 1024، وفيه بفتح الصاد، التاريخ الكبير 3 / 397، المعارف: 402، مشاهير علماء الأمصار: ت 745، الاستيعاب: 555، تاريخ بغداد 8 / 439، تاريخ ابن عساكر 6 / 315 ب، أسد الغابة 2 / 291، الوافي بالوفيات 15 / 32، مرآة الجنان 1 / 99، مجمع الزوائد 9 / 398، الإصابة 1 / 568 و574، تعجيل المنفعة: 97، شذرات الذهب 1 / 44، تهذيب ابن عساكر 6 / 12. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 ثُمَّ بَدَا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوَاسِيَ أَصْحَابَهُ، فَنَزَلَ. فَجَعَلَ يَقُوْلُ: جُنْدُبُ وَمَا جُنْدُبُ ... وَالأقْطَعُ الخَيْرِ زَيْدُ قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! سَمِعْنَاكَ اللَّيْلَةَ تَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: (رَجُلاَنِ فِي الأُمَّةِ يَضْرِبُ أَحَدُهُمَا ضَرْبَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَالآخَرُ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، ثُمَّ يَتْبَعُ آخِرُ جَسَدِهِ أَوَّلَهُ) . قَالَ الأَجْلَحُ: أَمَّا جُنْدُبٌ، فَقَتَلَ السَّاحِرَ، وَأَمَّا زَيْدٌ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ يَوْمَ جَلُوْلاَءَ، وَقُتِلَ يَوْمَ الجَمَلِ (1) . قَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّ حَدِيْثَكَ يُعْجِبُنِي، وَإِنَّ يَدَكَ لَتُرِيْبُنِي. قَالَ: أَوَ مَا تَرَاهَا الشِّمَالَ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي اليَمِيْنَ يَقْطَعُوْنَ أَمِ الشِّمَالَ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ اللهُ: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً، وَأَجْدَرُ أَنْ لاَ يَعْلَمُوا حُدُوْدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ} [التَّوْبَةُ: 98] . فَذَكَرَ الأَعْمَشُ: أَنَّ يَدَهُ قُطِعَتْ يَوْمَ نَهَاوْنَدَ (2) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الهُذَيْلِ: أَنَّ وَفْدَ الكُوْفَةِ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، فِيهِم زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ، فَجَاءهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَسْتَمِدُّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَة! إِنَّكُم كَنْزُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، إِنِ اسْتَمَدَّكُم أَهْلُ البَصْرَةِ، أَمْدَدْتُمُوْهُم، وَإِنِ اسْتَمَدَّكُم أَهْلُ الشَّامِ، أَمْدَدْتُمُوْهُم. وَجَعَلَ عُمَرُ يُرَحِّلُ لِزِيْدٍ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ! هَكَذَا فَاصْنَعُوا بِزَيْدٍ، وَإِلاَّ عَذَّبْتُكُم (3) .   (1) الاجلح وهو ابن عبد الله بن حجية ضعيف، وعبيد بن لاحق لم أجد من ترجمه، وهو في " الطبقات ابن سعد " 6 / 123 (2) " طبقات ابن سعد " 6 / 123، 124. (3) ابن سعد 6 / 124. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 وَرَوَى: الأَجْلَحُ، عَنِ ابْنِ أَبِي الهُذَيْلِ، قَالَ: دَعَا عُمَرُ زَيْدَ بنُ صُوْحَانَ، فَضَفَّنَهُ عَلَى الرَّحْلِ كَمَا تُضَفِّنُوْنَ أُمَرَاءكُم، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: اصْنَعُوا هَذَا بِزَيدٍ وَأَصْحَابِ زَيْدٍ (1) . سِمَاكٌ: عَنِ النُّعْمَانِ أَبِي قُدَامَةَ: أَنَّهُ كَانَ فِي جَيْشٍ، عَلَيْهِم سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، فَكَانَ يَؤُمُّهُم زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ، يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ سَلْمَانُ (2) . سِمَاكٌ، عَنْ رَجُلٍ (3) : أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَقُوْلُ لِزَيْدِ بنِ صُوْحَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: قُمْ، فَذَكِّرْ قَوْمَكَ. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، قَالَ: قَامَ زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مِلْتَ فَمَالَتْ أُمَّتُكَ، اعْتَدِلْ يَعْتَدِلُوا. قَالَ: أَسَامِعٌ مُطِيْعٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: الْحَقْ بِالشَّامِ. فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِحَيْثُ أَمَرَهُ (4) . أَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ: عَنْ غَيْلاَنَ (5) بنِ جَرِيرٍ، قَالَ: ارْتُثَّ (6) زَيْدُ بنُ صُوْحَانَ يَوْمَ الجَمَلِ، فَدَخلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: أَبْشِرْ بِالجَنَّةِ. قَالَ: تَقُوْلُوْنَ قَادِرِيْنَ، أَوِ النَّارَ فَلاَ تَدْرُوْنَ، إِنَّا غَزَوْنَا القَوْمَ فِي بِلاَدِهِم، وَقَتَلْنَا أَمِيْرَهُم، فَلَيْتَنَا إِذْ ظُلِمْنَا، صَبَرْنَا (7) .   (1) ابن سعد 6 / 124. وقوله " فضفنه على الرجل " أي: حمله عليه. (2) ابن سعد 6 / 124. (3) سماه ابن سعد 6 / 124 ملحان بن ثروان. (4) ابن سعد 6 / 124، 125. (5) تحرف في المطبوع إلى " علان ". (6) الارتثات: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف أثخنته جراحه، فهو مرتث ورثيث. (7) ابن سعد 6 / 125. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 رَوَى نَحْوَهُ: العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ الحيِّ الَّذِيْنَ كَانَ فِيهِم زَيْدٌ ... ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: شُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي، فَإِنِّي مُخَاصِمٌ، وَأَفْضُوا بِخَدِّي إِلَى الأَرْضِ، وَأَسْرِعُوا الانْكِفَاتَ عَنِّي (1) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ مُخَوَّلٍ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ صُوْحَانَ، قَالَ: لاَ تَغْسِلُوا عَنِّي دَماً، وَلاَ تَنْزِعُوا عَنِّي ثَوْباً، إِلاَّ الخُفَّيْنِ، وَأَرْمِسُونِي فِي الأَرْضِ رَمْساً، فَإِنِّي مُخَاصِمٌ، أُحَاجُّ يَوْمَ القِيَامَةِ (2) . قَالَ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ: قَالَ زَيْدٌ: ادْفُنُوْنِي وَابْنَ أُمِّي فِي قَبْرٍ، وَلاَ تَغْسِلُوا عَنَّا دَماً، فَإِنَّا قَوْمٌ مُخَاصِمُوْنَ (3) . قِيْلَ: كَانَ قُتِلَ مَعَهُ أَخُوْهُ سَيْحَانُ، فَدُفِنَا فِي قَبْرٍ. وَرُوِي: أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَهُ مُصْحَفُهُ. نَقَلَهُ: ابْنُ سَعْدٍ (4) ، بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، قَلِيلَ الحَدِيْثِ. 134 - صَعْصَعَةُ بنُ صُوْحَانَ أَبُو طَلْحَةَ * (س) أَحَدُ خُطَبَاءِ العَرَبِ. كَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ. قُتِلَ   (1) ابن سعد 6 / 125. (2) ابن سعد 6 / 125، وابن عساكر 6 / 319 ب، 320 آ. (3) ابن سعد 6 / 125. (4) 6 / 125، 126. (*) طبقات ابن سعد 6 / 221، طبقات خليفة: ت 1025، التاريخ الكبير 4 / 319، المعارف: 402، الجرح والتعديل 4 / 446، مروج الذهب 3 / 228، الاستيعاب: 717، تاريخ ابن عساكر 8 / 153، أسد الغابة 3 / 21، تهذيب الكمال: 607، تاريخ الإسلام 2 / 293، تذهيب التهذيب 2 / 92 ب، الإصابة 2 / 200، تهذيب التهذيب 4 / 422، خلاصة تذهيب الكمال: 147، تهذيب ابن عساكر 6 / 425. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 أَخَوَاهُ يَوْمَ الجَمَلِ، فَأَخَذَ صَعْصَعَةُ الرَّايَةَ. يَرْوِي عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَبَقِيَ إِلَى خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ -. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ. وَكَانَ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، أَمِيْراً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَأَبُو إِسْحَاقَ. يُقَالُ: وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَخَطَبَ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُبْغِضُ أَنْ أَرَاكَ خَطِيْباً. قَالَ: وَأَنَا إِنْ كُنْتُ لأُبْغِضُ أَنْ أَرَاكَ خَلِيْفَةً (1) . وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عُمَرَ. 135 - عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيُّ * (ع) ابْنِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، السَّيِّدُ، الأَمِيْرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، وَلَقَبُهُ: بَبَّةُ. لأَبِيْهِ وَلِجَدِّهِ: صُحْبَةٌ. وَكَانَ نَوْفَلٌ مِنْ أَسَنِّ الصَّحَابَةِ، مِنْ أَسْنَانِ حَمْزَةَ، وَالعَبَّاسِ عَمَّيْهِ. عِدَادُهُ فِي مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئاً.   (1) الخبر عند ابن عساكر 8 / 156 آب، وذكر الخطبة بطولها. (*) طبقات ابن سعد 5 / 24 و7 / 100، نسب قريش: 30، 31، 86، طبقات خليفة: ت 1511 و1630 و1979 و2050، المحبر: 104، 257، التاريخ الكبير 5 / 63، أخبار القضاة 1 / 113، الجرح والتعديل 5 / 30، الاستيعاب: 885، تاريخ بغداد 1 / 211، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 248، تاريخ ابن عساكر 9 / 46 ب، أسد الغابة 3 / 207، تهذيب الكمال: 673، تاريخ الإسلام 3 / 263، العبر 1 / 98، تذهيب التهذيب 2 / 137 آ، العقد الثمين 5 / 128، الإصابة 3 / 58، تهذيب التهذيب 5 / 180، خلاصة تذهيب الكمال: 164. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 وَأَمَّا الحَارِثُ، فَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (مُسْنِدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ) . وَقَدْ وَلِي إِمْرَةَ مَكَّةَ لِعُمَرَ، تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَكَانَ قَدْ أَتَى بِوَلَدِهِ بَبَّةَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنَّكَهُ. حَدَّثَ بَبَّةُ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ، وَالعَبَّاسِ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَأُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَعْبٍ الحَبْرِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: وَلدُهُ؛ إِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، تَابِعِيٌّ، أَتَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَتَفَلَ فِي فِيْهِ، وَدَعَا لَهُ (1) . وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أُمُّهُ هِيَ هِندٌ؛ أُخْتُ مُعَاوِيَةَ. قُلْتُ: وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أُمِّ حَبِيْبَةَ. قَالَ: وَكَانَتْ تُنَقِّزُهُ وَتَقُوْلُ: يَا بَبَّةُ يَا بَبَّهْ ... لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جَارِيَةً خِدَبَّهْ (2) ... تَسُودُ أَهْلَ الكَعْبَهْ اصْطَلَحَ كُبَرَاءُ أَهْلِ البَصْرَةِ عَلَى تَأْمِيْرِهِ عَلَيْهِم عِنْدَ هُرُوْبِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ إِلَى الشَّامِ لَمَّا هَلَكَ يَزِيْدُ. ثُمَّ كَتَبُوا بِالبَيْعَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَوَلاَّهُ   (1) ابن سعد 5 / 240. (2) الخدبة: السمينة العظيمة، والشعر عند ابن عساكر 9 / 47 ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 عَلَيْهِم، ثُمَّ عَزَلَهُ (1) . وَلَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ ابْنِ الأَشْعَثِ (2) ، هَرَبَ عَبْدُ اللهِ إِلَى الشَّامِ خَوْفاً مِنَ الحَجَّاجِ. وَقِيْلَ: مَاتَ بِعُمَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: عَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقَارَبَ الثَّمَانِيْنَ. وَكَانَ مِنْ سَادَةِ بَنِي هَاشِمٍ، يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ لِعِلْمِهِ، وَسُؤْدُدِهِ. 136 - حُكَيْمُ (3) بنُ جَبَلَةَ العَبْدِيُّ * الأَمِيْرُ، أَحَدُ الأَشْرَافِ الأَبْطَالِ، كَانَ ذَا دِيْنٍ وَتَأَلُّهٍ. أَمَّرَهُ عُثْمَانُ عَلَى السِّنْدِ مُدَّةً، ثُمَّ نَزَلَ البَصْرَةَ. وَكَانَ أَحَدَ مَنْ ثَارَ فِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ. فَقِيْلَ: لَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ يَوْمَ الجَمَلِ حَتَّى قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا، وَضَرَبَ بِهَا الَّذِي قَطَعَهَا، فَقَتَلَهُ بِهَا، وَبَقِي يُقَاتِلُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَيَرْتَجِزُ، وَيَقُوْلُ:   (1) ابن سعد 5 / 25، 26. (2) ابن الاشعث: هو عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس الكندي، قال المؤلف في " دول الإسلام " 1 / 57: وفي سنة ثمانين بعث الحجاج على إمرة سجستان عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس، فسار إليها، فلما استقر بها، خلع الحجاج، وخرج، وبايعه خلق عظيم، وأقبل بهم كالسيل العرم، والتف عليه أمم لبغضهم في الحجاج وعسفه، فجرت بينه وبين الحجاج حروب يطول وصفها، حتى قيل: كان بينهم ثمانون وقعة. وقد تم الغلب للحجاج، وظفر به في سجستان سنة أربع وثماين، وقتله. (3) ضبط في الأصل بضم الحاء على التصغير، وكذلك ضبطه الحافظ في " الإصابة " 1 / 379. (*) مروج الذهب 3 / 87، جمهرة أنساب العرب: 298، الاستيعاب 366، أسد الغابة 2 / 44. الإصابة 1 / 379. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 يَا سَاقِ لَنْ تُرَاعِي ... إِنَّ مَعِي ذِرَاعِي أَحْمِي بِهَا كُرَاعِي ... فَنَزَفَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيْرٌ، فَجَلَسَ مُتَّكِئاً عَلَى المَقْتُوْلِ الَّذِي قَطَعَ سَاقَهُ، فَمَرَّ بِهِ فَارِسٌ، فَقَالَ: مَنْ قَطَعَ رِجْلَكَ؟ قَالَ: وِسَادَتِي. فَمَا سُمِعَ بِأَشْجَعَ مِنْهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ سُحَيْمٌ الحُدَّانِيُّ، فَقَتَلَهُ. 137 - جَبَلَةُ بنُ الأَيْهَمِ الغَسَّانِيُّ أَبُو المُنْذِرِ * مَلِكُ آلِ جَفْنَةَ بِالشَّامِ، أَسْلَمَ، وَأَهْدَى لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً (1) ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِالرُّوْمِ. وَكَانَ دَاسَ رَجُلاً، فَلَكَمَهُ الرَّجُلُ، فَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: الْطِمْهُ بَدَلَهَا. فَغَضِبَ، وَارْتَحَلَ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى رِدَّتِهِ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ العُتُوِّ وَالكِبْرِ -. 138 - عُقْبَةُ بنُ نَافِعٍ القُرَشِيُّ الفِهْرِيُّ ** الأَمِيْرُ، نَائِبُ إِفْرِيْقِيَةَ لِمُعَاوِيَةَ، وَلِيَزِيْدَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ   (*) المحبر: 76، 372، الاغاني 15 / 157، 173، جمهرة أنساب العرب: 372، تاريخ الإسلام 2 / 214، البداية والنهاية 8 / 63، شذرات الذهب 1 / 27، خزانة الأدب 2 / 241. (1) نقل ابن كثير في " البداية " 8 / 63 عن ابن عساكر قوله: إنه لم يسلم قط، وهكذا صرح به الواحدي، وسعيد بن عبد العزيز. (* *) التاريخ الكبير 6 / 435، فتوح مصر: 194، 197، الطبري 5 / 240، رياض النفوس 1 / 62، جمهرة أنساب العرب: 163، 178، الاستيعاب: 1075، تاريخ ابن عساكر 11 / 358 ب، أسد الغابة 4 / 59، الكامل 4 / 105، معالم الايمان 1 / 164، 167، تاريخ الإسلام 3 / 49، البداية والنهاية 8 / 217، العقد الثمين 6 / 111، الإصابة 2 / 492، حسن المحاضرة 2 / 220. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 القَيْرَوَانَ، وَأَسْكَنَهَا النَّاسَ. وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ، وَحَزْمٍ، وَديَانَةٍ، لَمْ يَصِحَّ لَهُ صُحْبَةٌ، شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَاخْتَطَّ بِهَا. حَكَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الأَمِيْرُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَرَّةً، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هُبَيْرَةَ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعَمَّارُ بنُ سَعْدٍ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي العَاصِ بنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ لأُمِّهِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: جَهَّزَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفٍ، فَافْتَتَحَ إِفْرِيْقِيَةَ، وَاخْتَطَّ قَيْرَوَانَهَا. وَكَانَ المَوْضِعُ غَيْضَةً لاَ يُرَامُ مِنَ السِّبَاعِ وَالأَفَاعِي، فَدَعَا عَلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِيْهَا شَيْءٌ، وَهَرَبُوا، حَتَّى إِنَّ الوُحُوشَ لَتَحْمِلُ أَوْلاَدَهَا. فَحَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: نَادَى: إِنَّا نَازلُوْنَ فَاظعَنُوا. فَخَرَجْنَ مِنْ جِحَرتِهِنَّ هَوَارِبَ (1) . وَرَوَى نَحْوَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ عُقْبَةُ إِفْرِيْقِيَةَ، قَالَ: يَا أَهْلَ الوَادِي! إِنَّا حَالُّوْنَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَاظْعَنُوا، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَمَا رَأَيْنَا حَجَراً وَلاَ شَجَراً إِلاَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهِ دَابَّةٌ حَتَّى هَبَطْنَ بَطْنَ الوَادِي. ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا بِسْمِ اللهِ (2) . وَعَنْ مُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ، قَالَ: كَانَ عُقْبَةُ بنُ نَافِعٍ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. وَعَنْ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، قَالَ: قَدِمَ عُقْبَةُ عَلَى يَزِيْدَ، فَرَدَّهُ وَالِياً عَلَى المَغْرِبِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فَغَزَا السُّوْسَ الأَدْنَى، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَدْ سَبَقَهُ جُلُّ الجَيْشِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ العَدُوِّ، فَقُتِلَ عُقْبَةُ وَأَصْحَابُهُ.   (1) الطبري 5 / 240، وابن عساكر 11 / 359 آ، 360 ب. (2) ابن عساكر 11 / 360 آ، ب و" رياض النفوس " 1 / 9، و" طبقات علماء إفريقية ": 8، و" معالم الايمان " 1 / 9، و" معجم ما استعجم " 3 / 1105، و" حسن المحاضرة " 2 / 220، 221. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قُتِلَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. 139 - الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ * وَلِي لِعَمِّهِ مُعَاوِيَةَ المَدِيْنَةَ، وَكَانَ ذَا جُوْدٍ، وَحِلْمٍ، وَسُؤْدُدٍ، وَدِيَانَةٍ، وَوَلِي المَوْسِمَ مَرَّاتٍ. وَلَمَّا جَاءهُ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ، وَبَيْعَةُ يَزِيْدَ، لَمْ يُشَدِّدْ عَلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فَانْمَلَسَا مِنْهُ. فَلاَمَهُ مَرْوَانُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَقْتُلَهُمَا، وَلاَ أَقْطَعَ رَحِمَهُمَا. وَقِيْلَ: إِنَّهُم أَرَادُوْهُ عَلَى الخِلاَفَةِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ بنِ يَزِيْدَ، فَأَبَى. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: أَرَادَ أَهْلُ الشَّامِ الوَلِيْدَ بنَ عُتْبَةَ (1) عَلَى الخِلاَفَةِ، فَطُعِنَ، فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ بنِ يَزِيْدَ. وَيُقَالُ: قُدِّمَ لِلصَّلاَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بنِ يَزِيْدَ، فَأَخَذَهُ الطَّاعُوْنُ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمْ يُرْفَعْ إِلاَّ وَهُوَ مَيتٌ (2) . 140 - قَيْسُ بنُ ذَرِيْحٍ اللَّيْثِيُّ ** مِنْ أَعْرَابِ الحِجَازِ، شَاعِرٌ مُحْسِنٌ، كَانَ يُشَبِّبُ بِأُمِّ مَعْمَرٍ لُبْنَى بِنْتِ   (*) نسب قريش: 132، 133، المحبر: 85، 441، الجرح والتعديل 9 / 12، جمهرة أنساب العرب: 111، تاريخ ابن عساكر 17 / 431 ب، العقد الثمين 7 / 391، شذرات الذهب 1 / 72. (1) تحرفت في المطبوع إلى " عقبة ". (2) ابن عساكر 17 / 433 آ. (* *) الشعر والشعراء: 628، 629، الاغاني 9 / 180، 219، المؤتلف والمختلف: 120، سمط اللآلي: 379 و701 و710، تاريخ ابن عساكر 14 / 221 آ، تاريخ الإسلام = الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 الحُبَابِ الكَعْبِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا. وَقِيْلَ: كَانَ أَخاً لِلْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِنَ الرَّضَاعَةِ. وَكَانَ يَكُوْنُ بِقُدَيْدٍ وَقَعَ بَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَ لُبْنَى فَأَبْغَضَتْهَا، فَمَا زَالَتْ تَتَحَيَّلُ حَتَّى طَلَّقَ لُبْنَى، وَقَالَ لأُمِّهِ: أَمَا إِنَّهُ آخِرُ عَهْدِكِ بِي، وَعَظُمَ بِهِ فِرَاقُ أَهْلِهِ، وَجَهَدَهُ. وَهُوَ القَائِلُ: وَكُلُّ مُلِمَّاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا ... - سِوَى فُرْقَةِ الأَحْبَابِ - هَيِّنَةَ الخَطْبِ (1) وَنَظْمُهُ فِي الذُّرْوَةِ العُلْيَا رِقَّةً، وَحَلاَوَةً، وَجَزَالَةً. وَكَانَ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ. 141 - أَسْمَاءُ بنُ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرٍ الفَزَارِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو حَسَّانٍ. وَقِيْلَ: أَبُو هِنْدٍ،   = 3 / 61، الوافي بالوفيات 3 / 204، 208، البداية والنهاية 8 / 313، النجوم الزاهرة 1 / 182، تزيين الاشواق 1 / 53، 62، عصر المأمون 2 / 152، رغبة الآمل 5 / 242. (1) البيت في " الاغاني " 9 / 189، و" مجالس ثعلب " 1 / 237، من قصيدة مطلعها: أيا كبدا طارت صدوعا نوافذا * ويا حسرتا ماذا تغلغل في القلب. وأورد أبو تمام في باب النسيب من " حماسته " 3 / 222 بشرح التبريزي: ثلاثة أبيات، أولها البيت الذي ذكره المصنف، وبعده: وقلت لقلبي حسين لج به الهوى * وكلفني ما لاأطيق من الحب ألا أيها القلب الذي قاده الهوى * أفق لاأقر الله عينك من قلب ولم ينسبها لأحد. (*) المحبر: 154، مشاهير علماء الأمصار: ت 532، الكامل 4 / 260، تاريخ الإسلام 2 / 385، فوات الوفيات 1 / 168، 169، البداية والنهاية 9 / 43، النجوم الزاهرة 1 / 179، تهذيب ابن عساكر 3 / 44، 49. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 الفَزَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، مِنْ كِبَارِ الأَشْرَافِ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ؛ أَحَدِ المُؤلَّفَةِ قُلُوْبُهُم. رَوَى أَسْمَاءُ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَعَنْهُ: وَلَدُهُ؛ مَالِكٌ، وَعَلِيُّ بنُ رَبِيْعَةَ. وَفِيه يَقُوْلُ القَطَامِيُّ (1) : إِذَا مَاتَ ابْنُ خَارِجَةَ بنِ حِصْنٍ ... فَلاَ مَطَرَتْ عَلَى الأَرْضِ السَّمَاءُ وَلاَ رَجَعَ البَرِيْدُ بِغُنْمِ جَيْشٍ ... وَلاَ حَمَلَتْ عَلَى الطُّهْرِ النِّسَاءُ (2) قَالَ المُحَدِّثُ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَسْمَاءَ بنِ خَارِجَةَ الفَزَارِيُّ: أَتَيْتُ الأَعْمَشَ، فَانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ قَسَمَ جَدُّكَ أَسْمَاءُ قَسْماً، فَنَسِيَ جَاراً لَهُ، فَاسْتَحْيَى أَنْ يُعْطِيَهُ، وَقَدْ بَدَّى غَيْرَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ المَالَ صَبّاً، أَفَتَفْعَلُ ذَا أَنْتَ؟ وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: فَاخَرَ أَسْمَاءُ بنُ خَارِجَةَ   (1) هو عمير بن شييم بن عمرو بن عباد من بني جشم بن بكر أبو سعيد التغلبي، والقطامي لقب غلب عليه، قال ابن سلام: كان شاعرا فحلا، رقيق الحواشي، حلو الشعر، والأخطل أبعد منه ذكرا، وأمتن شعرا. ومما يتمثل به من شعره: والناس من يلق خيرا قائلون له * ما يشتهي ولام المخطئ الهبل قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل " طبقات فحول الشعراء ": 535، 540. (2) أوردهما ابن سلام: 539 للقطامي، وليسا في ديوانه، ولا في زيادته، وهما مع بيتين آخرين للاخطل في " تهذيب ابن عساكر " 3 / 42، و" حماسة ابن الشجري " 108، 109، و" أنساب الاشراف " 11 / 249، و" فوات الوفيات " 1 / 168 وليست في ديوانه، ونسبت لعبد الله ابن الزبيري الأسدي في " الوحشيات " رقم (904) ، و" الاغاني " 4 / 246، وهي غير منسوبة في " العقد الفريد " 3 / 290. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 رَجُلاً، فَقَالَ: أَنَا ابْنُ الأَشْيَاخِ الكِرَامِ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: ذَاكَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ الذَّبِيْحِ (1) بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلِ. إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ أَسْمَاءُ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: وَمِنْ أَوْلاَدِهِ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسْمَاءَ بنِ خَارِجَةَ. وَبَنُو فَزَارَةَ مِنْ مُضَرَ. وَلِخَارِجَةَ أَيْضاً صُحْبَةٌ يَسِيْرَةٌ، وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ وَلاَ لِعُيَيْنَةَ. 142 - حَسَّانُ بنُ مَالِكِ بنِ بَحْدَلِ بنِ أُنَيْفٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الكَلْبِيُّ * أَمِيْرُ العَرَبِ، أَبُو سُلَيْمَانَ الكَلْبِيُّ. مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّيْنَ. وَهُوَ الَّذِي شَدَّ مِنْ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَبَايَعَهُ. قَالَ الكَلْبِيُّ: سَلَّمُوا بِالخِلاَفَةِ عَلَى حَسَّانٍ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ سَلَّمَ الأَمْرَ إِلَى مَرْوَانَ. وَلَهُ قَصْرٌ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ قَصْرُ البَحَادِلَةِ، ثُمَّ صَارَ يُعْرَفُ: بِقَصْرِ ابْنِ أَبِي الحديدِ. وَهُوَ الَّذِي يَفْتَخِرُ وَيَقُوْلُ: فَإِنْ لاَ يَكُنْ مِنَّا الخَلِيْفَةُ نَفْسُهُ ... فَمَا نَالَهَا إِلاَّ وَنَحْنُ شُهُودُ   (1) الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم: أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق. وانظر تفصيل ذلك في " زاد المعاد " 1 / 71، 75. (*) الطبري 5 / 531 - 533، - الكامل 4 / 145 - 148، تاريخ الإسلام 3 / 5، تاج العروس 7 / 222، تهذيب ابن عساكر 4 / 148. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 143 - شَقِيْقُ بنُ ثَوْرٍ أَبُو الفَضْلِ السَّدُوْسِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ السَّدُوْسِيُّ، سَيِّدُ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ فِي الإِسْلاَمِ، وَكَانَ رَأْسَهُم يَوْمَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ، وَيَوْمَ الجَمَلِ. يَرْوِي عَنْ: عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ. وَعَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَخَلاَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَقُتِلَ أَبُوْهُ فِي فَتْحِ تُسْتَرَ. قِيْلَ: إِنَّ شَقِيْقاً هَذَا لَمَّا احتُضِرَ، قَالَ: لَيْتَهُ لَمْ يَسُدْ قَوْمَهُ، فَكَمْ مِنْ بَاطِلٍ قَدْ حَقَّقْنَاهُ، وَحَقٍّ أَبْطَلْنَاهُ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. 144 - المُخْتَارُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ الكَذَّابُ ** كَانَ وَالِدُهُ الأَمِيْرُ أَبُو عُبَيْدٍ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَمْرِو بنِ عُمَيْرِ بنِ عَوْفِ بنِ عُقْدَةَ بنِ عَنَزَةَ بنِ عَوْفِ بنِ ثَقِيفٍ، قَدْ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُ صُحْبَةً. اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَلَى جَيْشٍ، فَغَزَا العِرَاقَ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ   (*) التاريخ الكبير 4 / 246، الجرح والتعديل 4 / 372، مشاهير علماء الأمصار: ت 669، جمهرة أنساب العرب: 318، تاريخ ابن عساكر 8 / 52 آ، تهذيب الكمال: 588، تاريخ الإسلام 3 / 18، تذهيب التهذيب 2 / 18 آ، تهذيب التهذيب 4 / 361، خلاصة تذهيب الكمال: 142، تهذيب ابن عساكر 6 / 335. (1) ابن عساكر 8 / 53 آ. (* *) المحبر: 70، 302، 491، المعارف: 400، تاريخ الطبري 5 / 569، و6 / 7، 38. وما بعدها، 93 مروج الذهب 3 / 273، جمهرة أنساب العرب: 268، الاستيعاب: 1465، أسد الغابة 5 / 122، الكامل 4 / 211، 267، تاريخ الإسلام 2 / 377، و3 / 70، البداية والنهاية 8 / 289، الإصابة 3 / 518، شذرات الذهب 1 / 74، 75. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 وَقْعَةُ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ. وَنَشَأَ المُخْتَارُ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ ثَقِيْفٍ، وَذَوِي الرَّأْيِ، وَالفَصَاحَةِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَقِلَّةِ الدِّيْنِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَكُوْنُ فِي ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ (1)) . فَكَانَ الكَذَّابُ هَذَا، ادَّعَى أَنَّ الوَحْيَ يَأْتِيهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، وَكَانَ المُبِيْرُ الحَجَّاجَ - قَبَّحَهُمَا اللهُ -. قَالَ أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ) : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ (2) ، حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ رِفَاعَةَ الفِتْيَانِيِّ (3) ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المُخْتَارِ، فَأَلْقَى لِي وِسَادَةً، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ جِبْرِيْلَ قَامَ عَنْ هَذِهِ، لأَلْقَيْتُهَا لَكَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَذَكَرْتُ حَدِيْثاً حَدَّثَنِيْهِ عَمْرُو بنُ الحمقِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِناً عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ القَاتِلِ بَرِيْءٌ (4)) . وَرَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَقْرَأَنِي الأَحْنَفُ كِتَابَ المُخْتَارِ إِلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَكَانَ المُخْتَارُ قَدْ سَارَ مِنَ الطَّائِفِ بَعْدَ مَصْرِعِ الحُسَيْنِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَى ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ قَدْ طُرِدَ لِشرِّهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَظْهَرَ المُنَاصَحَةَ،   (1) أخرجه مسلم (2545) في فضائل الصحابة من حديث أسماء بنت أبي بكر، وأخرجه أحمد 2 / 62، والترمذي (2220) و (3944) من حديث ابن عمر. (2) تحرف في المطبوع إلى " عمير ". (3) بكسر الفاء وسكون التاء وفتح الياء وبعد الالف نون: نسبة إلى فتيان بن ثعلبة بن معاوية ابن زيد كما في " المشتبه " و" اللباب " و" تبصير المنتبه " و" توضيح المشتبه ": 2 الورقة: 192. وأخطأ الحافظ في " التقريب " فقال: " القتباني " بكسر القاف وسكون التاء بعدها موحدة. (4) إسناده حسن، وهو في " المسند " 5 / 223، وأخرجه أحمد 5 / 222، وابن ماجه (2688) من طريقين، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد الفتياني قال: كنت أقوم على رأس المختار، فلما تبينت كذابته، هممت وايم الله أن أسل سيفي، فأضرب عنقه، حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أمن رجلا على نفسه، فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة " وإسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 وَتَرَدَّدَ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَكَانُوا يَسْمَعُوْنَ مَا يُنْكَرُ. فَلَمَّا مَاتَ يَزِيْدُ، اسْتَأْذَنَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الرَّوَاحِ إِلَى العِرَاقِ، فَرَكَنَ إِلَيْهِ، وَأَذِنَ لَهُ، وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ بِالعِرَاقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ يُوصِيْهِ بِهِ، فَكَانَ يَخْتلِفُ إِلَى ابْنِ مُطِيْعٍ. ثُمَّ أَخَذَ يَعِيْبُ فِي البَاطِنِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَيُثْنِي عَلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَأَخَذَ يَشْغَبُ عَلَى ابْنِ مُطِيْعٍ، وَيَمْكُرُ، وَيَكْذِبُ، فَاسْتَغْوَى جَمَاعَةً، وَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ الشِّيْعَةُ، فَخَافَهُ ابْنُ مُطِيْعٍ، وَفَرَّ مِنَ الكُوْفَةِ، وَتَمَكَّنَ هُوَ، وَدَعَا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِلَى مُبَايعَةِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَبَى، فَحَصَرَهُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَتَوَعَّدَهُ، فَتَأَلَّمَتِ الشِّيْعَةُ لَهُ، وَرَدَّ المُخْتَارَ إِلَى مَكَّةَ. ثُمَّ بَعَثَ مَعَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ عَلَى خَرَاجِ الكُوْفَةِ، فَقَدِمَ المُخْتَارُ وَقَدْ هَاجَتِ الشِّيْعَةُ لِلطَّلَبِ بِالثَّأْرِ، وَعَلَيْهِم سُلَيْمَانُ بنُ صُرَدٍ. فَأَخَذَ المُخْتَارُ يُفْسِدُهُم، وَيَقُوْلُ: إِنِّيْ جِئْتُ مِنْ قِبَلِ المَهْدِيِّ ابْنِ الوَصِيِّ - يُرِيْدُ: ابْنَ الحَنَفِيَّةِ -. فَتَبِعَهُ خَلْقٌ، وَقَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لاَ يَصْنَعُ شَيْئاً، إِنَّمَا يُلْقِي بِالنَّاسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلاَ خِبْرَةَ لَهُ بِالحَرْبِ. وَخَافَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَذَهَبَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ نَائِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ إِلَى ابْنِ صُرَدٍ، فَقَالاَ: إِنَّكُم أَحَبُّ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلَيْنَا، فَلاَ تَفْجَعُوْنَا بِأَنْفُسِكُم، وَلاَ تَنْقُصُوا عَدَدَنَا بِخُرُوجِكُم، قِفُوا حَتَّى نَتَهَيَّأَ. قَالَ ابْنُ صُرَدٍ: قَدْ خَرَجْنَا لأَمْرٍ، وَلاَ نُرَانَا إِلاَّ شَاخِصِيْنَ. فَسَارَ، وَمَعَهُ كُلُّ مُسْتَمِيْتٍ، وَمَرُّوا بِقَبْرِ الحُسَيْنِ، فَبَكَوْا، وَأَقَامُوا يَوْماً عِنْدَهُ، وَقَالُوا: يَا رَبِّ، قَدْ خَذَلْنَاهُ، فَاغْفِرْ لَنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا. ثُمَّ نَزَلُوا قَرْقِيْسِيَا، فَتَمَّ المَصَافُّ بِعَيْنِ الوَرْدَةِ، وَقُتِلَ ابْنُ صُرَدٍ وَعَامَّةُ التَّوَّابِيْنَ، وَمَرِضَ عُبَيْدُ اللهِ بِالجَزِيْرَةِ، فَاشْتَغَلَ بِذَلِكَ وَبقِتَالِ أَهْلِهَا عَنِ العِرَاقِ سَنَةً، وَحَاصَرَ المَوْصِلَ. وَأَمَّا المُخْتَارُ، فَسُجِنَ مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ، فَحَارَبَهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَقَتلَ رِفَاعَةَ بنَ شَدَّادٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ سَعْدٍ، وَعِدَّةً. وَغَلَبَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَهَرَبَ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 نَائِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِمَّنْ قَاتَلَ الحُسَيْنَ، وَقَتَلَ الشِّمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، وَعُمَرَ بنَ سَعْدٍ، وَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيْلَ يَنْزِلُ عَلَيَّ بِالوَحْيِ. وَاخْتَلَقَ كِتَاباً عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِ الشِّيْعَةِ، وَثَارَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْتَرِ فِي عَشِيْرَتِهِ، فَقَتلَ صَاحِبَ الشُّرَطَةِ، وَسُرَّ بِهِ المُخْتَارُ، وَقَوِيَ، وَعَسْكَرُوا بِدَيْرِ هِنْدٍ، فَحَارَبَهُم نَائِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ ضَعُفَ وَاخْتَفَى، وَأَخَذَ المُخْتَارُ فِي العَدْلِ، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ. وَبَعَثَ إِلَى النَّائِبِ بِمَالٍ، وَقَالَ: اهْرُبْ. وَوَجَدَ المُخْتَارُ فِي بَيْتِ المَالِ سَبْعَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَنْفَقَ فِي جَيْشِهِ، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّيْ رَأَيْتُ عَامِلَكَ مُدَاهِناً لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَلَمْ يَسَعْنِي أَنْ أُقِرَّهُ. فَانْخَدَعَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِوِلاَيَةِ الكُوْفَةِ، فَجَهَّزَ ابْنَ الأَشْتَرِ لِحَرْبِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَمَعَهُ كُرْسِيٌّ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ. وَقَالَ المُخْتَارُ: هَذَا فِيْهِ سِرٌّ، وَهُوَ آيَةٌ لَكُم، كَمَا كَانَ التَّابُوتُ لِبَنِي إِسْرَائِيْلَ. فَحَفُّوا بِهِ يَدْعُوْنَ، فَتَأَلَّمَ ابْنُ الأَشْتَرِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ إِذْ عَكَفُوا عَلَى العِجْلِ. فَعَنْ طُفَيْلِ بنِ جَعْدَةَ بنِ هُبَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ لِي جَارٌ زَيَّاتٌ، لَهُ كُرْسِيٌّ، فَاحْتَجْتُ (1) ، فَقُلْتُ لِلْمُخْتَارِ: إِنِّيْ كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئاً، وَالآنَ أَذْكُرُهُ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: كُرْسِيٌّ كَانَ أَبِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ، كَانَ يَرَى أَنَّ فِيْهِ أَثَارَةً مِنْ عِلْمٍ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! لِمَ أَخَّرتَه؟ فَجِيْءَ بِهِ وَعَلَيْهِ سِتْرٌ، فَأَمَرَ لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَدَعَا بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الأُمَمِ الخَالِيَةِ أَمْرٌ إِلاَّ وَهُوَ كَائِنٌ فِيْكُم، وَقَدْ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ التَّابُوتُ، وَإِنَّ فِيْنَا   (1) تحرف في المطبوع إلى " قد احتجب ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 مِثْلَهُ، اكْشِفُوا هَذَا. فَكَشَفُوا الأَثْوَابَ، وَقَامَتِ السَّبَائِيَّةُ (1) ، فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُم، فَأَنْكَرَ شَبَثُ بنُ رِبْعِيٍّ، فَضُرِبَ. فَلَمَّا انْتَصَرُوا عَلَى عُبَيْدِ اللهِ، افْتُتِنُوا بِالكُرْسِيِّ، وَتغَالَوْا فِيْهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ، وَنَدِمْتُ. فَلَمَّا زَادَ كَلاَمُ النَّاسِ، غُيِّبَ. وَكَانَ المُخْتَارُ يَرْبِطُهُم بِالمُحَالِ وَالكَذِبِ، وَيَتَأَلَّفُهُم بِقَتْلِ النَّوَاصِبِ (2) . عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي مَعَ المُخْتَارِ، فَقَالَ لَنَا: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ شُرطَةَ اللهِ قَدْ حَسُّوهُم بِالسُّيُوْفِ بِقُرْبِ (3) نَصِيْبِيْنَ. فَدَخَلْنَا المَدَائِنَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَيَخْطُبُنَا، إِذْ جَاءتْهُ البُشْرَى بِالنَّصْرِ، فَقَالَ: أَلَمْ أُبَشِّرْكُم بِهَذَا؟ قَالُوا: بَلَى. فَقَالَ لِي هَمْدَانِيٌّ: أَتُؤْمِنُ الآنَ؟ قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِأَنَّ المُخْتَارَ يَعْلَمُ الغَيْبَ، أَلَمْ يَقُلْ لَنَا: إِنَّهُم هُزِمُوا؟ قُلْتُ: إِنَّمَا زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِنَصِيْبِيْنَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالخَازِرِ (4) مِنَ المَوْصِلِ. قَالَ: وَاللهِ لاَ تُؤْمِنُ يَا شَعْبِيُّ حَتَّى تَرَى العَذَابَ الأَلِيْمَ. وَقِيْلَ: كَانَ رَجُلٌ يَقُوْلُ: قَدْ وُضِعَ لَنَا اليَوْمَ وَحْيٌ، مَا سَمِعَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؛ فِيْهِ نَبَأُ مَا يَكُوْنُ. وَعَنْ مُوْسَى بنِ عَامِرٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَضَعُ لَهُم عَبْدُ اللهِ بنُ نَوْفٍ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ المُخْتَارَ أَمَرَنِي بِهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ المُخْتَارُ. فَقَالَ سُرَاقَةُ البَارِقِيُّ:   (1) تحرف في المطبوع إلى " السباسبة " والسبائية: أتباع عبد الله بن سبأ. (2) أورده المؤلف في " تاريخه " 2 / 373 من طريق ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، حدثتي معبد بن خالد، حدثني طفيل بن جعدة بن هبيرة.. (3) تحرف في المطبوع إلى " ففرقت ". (4) قال ياقوت: الخازر: بعد الالف زاي مكسورة، وهو نهر بين إربل والموصل، ثم بين الزاب الأعلى والموصل، وهو موضع كانت عنده وقعة بين عبيد الله بن زياد، وإبراهيم بن مالك الاشتر النخعي في أيام المختار في سنة 67 هـ. وانظر تفصيلها في " تاريخ الإسلام " 2 / 375 وما بعدها للمؤلف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 كَفَرْتُ بِوَحْيِكُم وَجَعَلْتُ نَذْراً ... عَلَيَّ هِجَاءكُم حَتَّى المَمَاتِ أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَيَاهُ ... كِلاَنَا عَالِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ وَوَقَعَ المَصَافُّ، فَقُتِلَ ابْنُ زِيَادٍ، قَدَّهُ ابْنُ الأَشْتَرِ نِصْفَيْنِ. وَكَانَ بَطَلَ النَّخَعِ، وَفَارِسَ اليَمَانِيَّةِ، فَدَخَلَ المَوْصِلَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الجَزِيْرَةِ. ثُمَّ وَجَّهَ المُخْتَارُ أَرْبعَةَ آلاَفِ فَارِسٍ فِي نَصْرِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَكَلَّمُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الشِّعْبِ، وَأَقَامُوا فِي خِدْمَتِه أَشْهُراً، حَتَّى بَلَغَهُم قَتْلُ المُخْتَارِ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلِمَ مَكْرَهُ، فَنَدَبَ لِحَرْبِهِ أَخَاهُ مُصْعَباً. فَقَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَشَبَثُ (1) بنُ رِبْعِيٍّ إِلَى البَصْرَةِ يَسْتَصْرِخَانِ النَّاسَ عَلَى الكَذَّابِ، ثُمَّ الْتَقَى مُصْعَبٌ وَجَيْشُ المُخْتَارِ، فَقُتِلَ ابْنُ الأَشْعَثِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَانْفَلَّ الكُوْفِيُّوْنَ، فَحَصَرَهُم مُصْعَبٌ فِي دَارِ الإِمَارَةِ. فَكَانَ المُخْتَارُ يَبْرُزُ فِي فُرْسَانِهِ، وَيُقَاتِلُ، حَتَّى قَتَلَهُ طَرِيْفٌ الحَنَفِيُّ وَأَخُوْهُ طَرَّافٌ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَأَتَيَا بِرَأْسِهِ مُصْعَباً، فَوَهَبَهُمَا ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ سَبْعُ مائَةٍ. وَقِيْلَ: كَانَ المُخْتَارُ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً. ثُمَّ إِنَّ مُصْعَباً أَسَاءَ، فَأَمَّنَ بِقَصْرِ الإِمَارَةِ خَلْقاً، ثُمَّ قَتَلَهُم غَدْراً، وَذُبِحَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ صَبْراً، لأَنَّهَا شَهِدَتْ أَنَّ زَوْجَهَا المُخْتَارَ عَبْدٌ صَالِحٌ. وَأَقْبَلَ فِي نَجْدَةِ مُصْعَبٍ المُهَلَّبُ بنُ أَبِي صُفْرَةَ فِي الرِّجَالِ وَالأَمْوَالِ. وَلَمَّا خُذِلَ المُخْتَارُ، قَالَ لِصَاحِبِهِ: مَا مِنَ المَوْتِ بُدٌّ، وَحَبَّذَا مَصَارِعُ الكِرَامِ. وَقَلَّ عَلَيْهِ القُوْتُ فِي الحِصَارِ وَالمَاءُ، وَجَاعُوا فِي القَصْرِ، فَبَرَزَ المُخْتَارُ لِلْمَوْتِ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ مُقَاتِلاً. فَقَالَ المُخْتَارُ: أَتُؤَمِّنُوْنِي؟ قَالُوا: لاَ، إِلاَّ عَلَى الحُكْمِ. قَالَ: لاَ أُحَكِّمُ فِي   (1) تحرفت في المطبوع إلى " شئيت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 نَفْسِي. وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَمْكَنَ أَهْلُ القَصْرِ مِنْ أَنْفُسِهِم، فَبَعَثَ إِلَيْهِم عَبَّادَ بنَ حُصَيْنٍ، فَكَانَ يُخْرِجُهُم مُكَتَّفِيْنَ، وَيَقْتُلُهُم. فَقَالَ رَجُلٌ لِمُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي ابْتَلاَنَا بِالأَسْرِ، وَابْتَلاَكَ أَنْ تَعْفُوَ، وَهُمَا مَنْزِلَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا رِضَى اللهِ، وَالأُخْرَى سَخَطُهُ، مَنْ عَفَا، عَفَا اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ قَتَلَ، لَمْ يَأْمَنِ القِصَاصَ، نَحْنُ أَهْلُ قِبْلَتِكُم وَعَلَى مِلَّتِكُم، لَسْنَا تُرْكاً وَلاَ دَيْلَماً، قَاتَلْنَا إِخْوَانَنَا كَمَا اقْتَتَلَ أَهْلُ الشَّامِ بَيْنَهُم، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، وَقَدْ مَلَكْتُم، فَأَسْجِحُوا. فَرَقَّ مُصْعَبٌ، وَهَمَّ أَنْ يَدَعَهُم، فَوَثَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ، وَقَالَ: اخْتَرْنَا أَوِ اخْتَرْهُم. وَقَالَ آخَرُ: قُتِلَ أَبِي فِي خَمْسِ مائَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَتُخَلِّيْهِم؟! وَسُمِرَتْ كَفُّ المُخْتَارِ إِلَى جَانِبِ المَسْجَدِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ مُصْعَبٌ يَزُوْرُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيْ عَمِّ! أَسْأَلُكَ عَنْ قَوْمٍ خَلَعُوا الطَّاعَةَ، وَقَاتَلُوا حَتَّى إِذَا غُلِبُوا، تَحَصَّنُوا، وَطَلَبُوا الأَمَانَ، فَأُعْطُوا، ثُمَّ قُتِلُوا. قَالَ: كَمِ العَدَدُ؟ قَالَ: خَمْسَةُ آلاَفٍ. فَسَبَّحَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُصْعَبُ! لَوْ أَنَّ امْرَءاً أَتَى مَاشِيَةَ الزُّبَيْرِ، فَذَبَحَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلاَفِ شَاةٍ فِي غَدَاةٍ، أَكُنْتَ تَعُدُّهُ مُسْرِفاً؟ قَالَ: نَعَمَ. قَالَ: فَتَرَاهُ إِسْرَافاً فِي البَهَائِمِ، وَقَتَلْتَ مَنْ وَحَّدَ اللهَ، أَمَا كَانَ فِيهِم مُكْرَهٌ أَوْ جَاهِلٌ تُرْجَى تَوْبَتُهُ؟! اصْبُبْ يَا ابْنَ أَخِي مِنَ المَاءِ البَارِدِ مَا اسْتَطَعْتَ فِي دُنْيَاكَ. وَقَدْ كَانَ المُخْتَارُ مُعْظِماً لابْنِ عُمَرَ، يُنْفِذُ إِلَيْهِ بِالأَمْوَالِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ تَحْتَهُ صَفِيَّةُ أُخْتُ المُخْتَارِ. وَنَشَأَ المُخْتَارُ بِالمَدِيْنَةِ، يُعْرَفُ بِالمَيْلِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى البَصْرَةِ يُظْهِرُ بِهَا ذِكْرَ الحُسَيْنِ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، فَأُخْبِرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ، فَأُمْسِكَ، وَضَرَبَهُ مائَةً، وَدرَّعَهُ عَبَاءةً، وَنَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ. فَلَمَّا عَاذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالبَيْتِ، خَرَجَ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 145 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ أَبُو حَفْصٍ * أَمِيْرُ العِرَاقِ، أَبُو حَفْصٍ. وَلِيَ البَصْرَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثِنْتَانِ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ خُرَاسَانَ، فَكَانَ أَوَّلَ عَرَبِيٍّ قَطَعَ جَيْحُوْنَ، وَافتَتَحَ بِيْكَنْدَ (1) ، وَغَيْرَهَا. وَكَانَ جَمِيْلَ الصُّوْرَةِ، قَبِيْحَ السَّرِيْرَةِ. وَقِيْلَ: كَانَتْ أُمُّهُ مَرْجَانَةُ مِنْ بَنَاتِ مُلُوْكِ الفُرْسِ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِالبَصْرَةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ثَلاَثَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ جَاءتْهُ مِنْ خَرَاجِ أَصْبَهَانَ، وَهِيَ كَالتَّلِّ. رَوَى: السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَمَّرَهُ مُعَاوِيَةُ، غُلاَماً سَفِيْهاً، سَفَكَ الدِّمَاءَ سَفْكاً شَدِيْداً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ، فَقَالَ: انْتَهِ (2) عَمَّا أَرَاكَ تَصْنَعُ، فَإِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ. قَالَ: مَا أَنْتَ وَذَاكَ؟ إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ حُثَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَهَلْ كَانَ فِيْهِم حُثَالَةٌ لاَ أُمَّ لَكَ! قَالَ: فَمَرِضَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، فَجَاءهُ الأَمِيْرُ عُبَيْدُ اللهِ عَائِداً، فَقَالَ: أَتَعْهَدُ إِلَيْنَا شَيْئاً؟ قَالَ: لاَ تُصَلِّ عَلَيَّ، وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِي. قَالَ الحَسَنُ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ جَبَاناً، رَكِبَ، فَرَأَى النَّاسَ فِي   (*) المحبر: 245، 246، التاريخ الكبير 5 / 381، التاريخ الصغير 1 / 150، 151، تاريخ الطبري 5 / 295، 316، 504 و6 / 86، مروج الذهب 3 / 282، تاريخ ابن عساكر 10 / 328 آ، تاريخ الإسلام 3 / 43، البداية والنهاية 8 / 823، شذرات الذهب 1 / 74. (1) قال ياقوت: بكسر الباء، وفتح الكاف، وسكون النون: بلدة بين بخارى وجيحون على مرحلة من بخارى. (2) تحرفت في المطبوع إلى " انتبه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 السِّكَكِ، فَقَالَ: مَا لِهَؤُلاَءِ؟ قَالُوا: مَاتَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ (1) . وَقِيْلَ: الَّذِي خَاطَبَهُ هُوَ عَائِذُ بنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ، كَمَا فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (2)) ، فَلَعَلَّهَا وَاقِعَتَانِ. وَقَدْ جَرَتْ لِعُبَيْدِ اللهِ خُطُوبٌ، وَأَبْغَضَهُ المُسْلِمُوْنَ لِمَا فَعَلَ بِالحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ يَزِيْدَ، هَرَبَ بَعْدَ أَنْ كَادَ يُؤْسَرُ، وَاخْتَرَقَ البَرِّيَّةَ إِلَى الشَّامِ، وَانْضَمَّ إِلَى مَرْوَانَ. ثُمَّ سَارَ فِي جَيْشٍ كَثِيْفٍ، وَعَمِلَ المَصَافَّ بِرَأْسِ عَيْنٍ. وَاسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ شَابّاً مَلِيْحاً، وَسِيْماً، صَالِحاً، فَتَمَرَّضَ، وَمَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ. قِيْلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: مَا أَصَبْتُ مِنْ حَلاَوَتِهَا، فَلِمَ أَتَحَمَّلُ مَرَارَتَهَا؟ وَعَاشَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ: ابْنُ عَمِّهِ عُثْمَانُ بنُ عَنْبَسَةَ (3) بنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَرَادُوْهُ عَلَى الخِلاَفَةِ، فَأَبَى، وَلَحِقَ بِخَالِهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَبَايَعَهُ. وَهَمَّ مَرْوَانُ بِمُبَايَعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ هَارِباً مِنَ العِرَاقِ، وَكَانَ قَدْ خَطَبَ، وَنَعَى إِلَى النَّاسِ يَزِيْدَ، وَبَذَلَ العَطَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ سَلَمَةُ الرِّيَاحِيُّ يَدْعُو إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ. فَقَالَ النَّاسُ لِعُبَيْدِ اللهِ: أَخْرِجْ لَنَا إِخْوَانَنَا مِنَ السُّجُونِ - وَكَانَتْ مَمْلُوْءةً مِنَ الخَوَارِجِ -. قَالَ: لاَ   (1) أخرجه ابن عساكر 10 / 331 / آ، ب، والزيادة منه. (2) رقم (1830) في لامارة: باب فضيلة الامام العادل من طريق شيبان بن فروخ، عن جرير بن حازم عن الحسن أن عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن شر الرعاء الحطمة " فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم، وأخرجه أحمد 5 / 64 من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن جرير بن حازم. (3) تحرف في الأصل إلى " عتبة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 تَفْعَلُوا. فَأَبَوْا، فَأَخْرَجَهُم، فَجَعَلُوا يُبَايِعُوْنَهُ، فَمَا تَكَامَلَ آخِرُهُم حَتَّى أَغْلَظُوا لَهُ، ثُمَّ عَسْكَرُوا. وَقِيْلَ: خَرَجُوا يَمْسَحُوْنَ الجُدُرَ بِأَيْدِيهِم، وَيَقُوْلُوْنَ: هَذِهِ بَيْعَةُ ابْنِ مَرْجَانَةَ. وَنَهَبُوا خَيْلَهُ، فَخَرَجَ لَيْلاً، وَاسْتجَارَ بِمَسْعُوْدِ بنِ عَمْرٍو رَئِيْسِ الأَزْدِ، فَأَجَارَهُ. وَأَمَّرَ أَهْلُ البَصْرَةِ عَلَيْهِم عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ الهَاشِمِيَّ، فَشَدَّتِ الخَوَارِجُ عَلَى مَسْعُوْدٍ، فَقَتَلُوْهُ، وَتَفَاقَمَ الشَّرُّ، وَصَارُوا حِزْبَيْنِ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، فَكَانَ عَلَى الخَوَارِجِ نَافِعُ بنُ الأَزْرَقِ، وَفَرَّ عُبَيْدُ اللهِ قَبْلَ مَقْتَلِ مَسْعُوْدٍ فِي مائَةٍ مِنَ الأَزْدِ إِلَى الشَّامِ، فَوَصَلَ إِلَى الجَابِيَةِ وَهُنَاكَ بَنُو أُمَيَّةَ، فَبَايَعَ هُوَ وَمَرْوَانُ خَالِدَ بنَ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، ثُمَّ الْتَقَوْا هُم وَالضَّحَاكُ بِمَرْجِ دِمَشْقَ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً فِي ذِي الحِجَّةِ. وَكَانَ الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَالأُمَوِيَّةُ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَشَارَ عُبَيْدُ اللهِ بِمَكِيدَةٍ، فَسَأَلُوا الضَّحَّاكَ المُوَادَعَةَ، فَأَجَابَ، فَكَبَسَهُم مَرْوَانُ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ فِي عِدَّةٍ مِنْ فُرْسَانِ قَيْسٍ، وَثَارَتِ الخَوَارِجُ بِمِصْرَ، وَدَعَوْا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ يَظُنُّونَهُ مِنْهُم، فَبَعَثَ عَلَى مِصْرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ جَحْدَمٍ الفِهْرِيَّ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الكُوْفَةِ عَامِرَ بنَ مَسْعُوْدٍ الجُمَحِيَّ، وَهَدَمَ الكَعْبَةَ، وَبَنَاهَا، وَأَلْصَقَ بَابَيْهَا بِالأَرْضِ، وَأَدْخَلَ فِيْهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ (1) . وَأَمَّا أَكْثَرُ الشَّامِيِّيْنَ، فَبَايَعُوا مَرْوَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ، وَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى خُرَاسَانَ المُهَلَّبَ بنَ أَبِي صُفْرَةَ، فَحَارَبَ الخَوَارِجَ، وَمَزَّقَهُم. وَسَارَ   (1) انظر البخاري بشرح " الفتح " 3 / 351، 358 في الحج: باب فضل مكة وبنيانها، ومسلم (1333) (398) و (399) و (400) و (401) و (402) و (403) و (404) في الحج: باب نقض الكعبة وبنائها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 مَرْوَانُ، فَأَخَذَ مِصْرَ بَعْد حِصَارٍ وَقِتَالٍ شَدِيْدٍ، وَتَزَوَّجَ بِوَالِدَةِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، فَمَا تَمَّ ذَلِكَ، وَقَتَلَتْهُ الزَّوْجَةُ، لِكَوْنِهِ قَالَ لِخَالِدٍ مَرَّةً: يَا ابْنَ رَطبَةِ الاسْتِ. وَجَهَّزَ إِلَى العِرَاقِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ، فَالْتَقَاهُ شِيْعَةُ الحُسَيْنِ، فَغُلِبُوا، وَكَانَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ حُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ السَّكُوْنِيُّ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ ذِي الكَلاَعِ، وَأَدْهَمُ البَاهِلِيُّ، وَرَبِيْعَةُ بنُ مُخَارِقٍ، وَحَمِيْلَةُ الخَثْعَمِيُّ، وَقَوْمُهُم. وَكَانَتْ مَلْحَمَةً مَشْهُودَةً، فَتَوَثَّبَ المُخْتَارُ الكَذَّابُ بِالكُوْفَةِ، وَجَهَّزَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ الأَشْتَرِ لِحَرْبِ عُبَيْدِ اللهِ فِي ثَمَانِيَةِ آلاَفٍ، فَالْتَقَوْا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ بِالخَازِرِ، كَبَسَهُمُ ابْنُ الأَشْتَرِ سَحَراً، وَالْتَحَمَ الحَرْبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، فَانْهَزَمَ الشَّامِيُّوْنَ، وَقُتِلَ عُبَيْدُ اللهِ، وَحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ ذِي الكَلاَعِ، وَبَعَثَ برُؤُوْسِهِم إِلَى مَكَّةَ. ثُمَّ تَمَكَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَضِبَ عَلَى المُخْتَارِ، وَلاَحَ لَهُ ضَلاَلُهُ، فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِ مُصْعَبَ بنَ الزُّبَيْرِ، فَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَ مِنْ أَعْوَانِهِ خَلاَئِقَ، وَكَتَبَ إِلَى الجَزِيْرَةِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ: إِنْ أَطَعْتَنِي وَبَايَعْتَ، فَلَكَ الشَّامُ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: إِنْ بَايَعْتَنِي، فَلَكَ العِرَاقُ. فَاسْتَشَارَ قُوَّادَهُ، فَتَرَدَّدُوا، فَقَالَ: لاَ أُوثِرُ عَلَى مِصْرِي وَقَوْمِي أَحَداً. وَسَارَ إِلَى خِدْمَةِ مُصْعَبٍ، فَكَانَ مَعَهُ إِلَى أَنْ قُتِلاَ. وَقَدْ كَانَتْ مَرْجَانَةُ تَقُوْلُ لابْنِهَا عُبَيْدِ اللهِ: قَتَلْتَ ابْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ تَرَى الجَنَّةَ - أَوْ نَحْوَ هَذَا -. قَالَ أَبُو اليَقْظَانِ: قُتِلَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ يَوْمَ عَاشُورَاء سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: عَزَلْنَا سَبْعَةَ أَرْؤُسٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 وَغَطَّيْنَا مِنْهَا رَأْسَ حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَجِئْتُ، فَكَشَفْتُهَا، فَإِذَا حَيَّةٌ فِي رَأْسِ عُبَيْدِ اللهِ تَأْكُلُ (1) . وَصَحَّ مِنْ حَدِيْثِ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: جِيْءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ، فَأَتَيْنَاهُم وَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءتْ، قَدْ جَاءتْ. فَإِذَا حَيَّةٌ تَخَلَّلُ الرُّؤُوْسَ، حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخِرِ عُبَيْدِ اللهِ، فَمَكَثَتْ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَتْ، وَغَابَتْ. ثُمَّ قَالُوا: قَدْ جَاءتْ، قَدْ جَاءتْ. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثاً (2) . قُلْتُ: الشِّيْعِيُّ لاَ يَطِيْبُ عَيْشُهُ حَتَّى يَلْعَنَ هَذَا وَدُوْنَهُ، وَنَحْنُ نُبْغِضُهُم فِي اللهِ، وَنَبْرَأُ مِنْهُم وَلاَ نَلْعَنُهُم، وَأَمْرُهُم إِلَى اللهِ. تَمَّ بِعَوْنهِ -تَعَالَى - الجُزءُ الثَّالِثُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) . وَيَلِيْهِ الجُزْءُ الرَّابِعُ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ المَجْنُوْنِ قَيْسِ بنِ المُلَوِّحِ.   (1) ابن عساكر 10 / 335 آ. (2) أخرجه الترمذي (3780) في المناقب، وقال: حسن صحيح، وهو كما قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 الْجُزْءُ الْرَّابِعُ 1 - المَجْنُوْنُ قَيْسُ بنُ المُلَوِّحِ العَامِرِيُّ * وَقِيْلَ: ابْنُ مُعَاذٍ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: بَخْتَرِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. مِنْ بَنِي عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ. وَقِيْلَ: مِنْ بَنِي كَعْبِ بنِ سَعْدٍ؛ الَّذِي قَتَلَهُ الحُبُّ فِي لَيْلَى بِنْتِ مَهْدِيٍّ العَامِرِيَّةِ. سَمِعْنَا أَخْبَارَهُ تَأْلِيْفَ ابْنِ المَرْزُبَانِ (1) . وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ لَيْلَى وَالمَجْنُوْنَ، وَهَذَا دَفْعٌ بِالصَّدْرِ، فَمَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ، وَلاَ المُثْبِتُ كَالنَّافِي، لَكِنْ إِذَا كَانَ المُثْبِتُ لِشَيْءٍ شِبْهَ خُرَافَةٍ، وَالنَّافِي لَيْسَ غَرَضُهُ دَفْعُ الحَقِّ، فَهُنَا النَّافِي مُقَدَّمٌ، وَهُنَا تَقَعُ المُكَابَرَةُ وَتُسْكَبُ العَبْرَةُ. فَقِيْلَ: إِنَّ المَجْنُوْنَ عَلِقَ لَيْلَى عَلاَقَةَ الصِّبَا، وَكَانَا يَرْعَيَانِ البَهْمَ (2) . أَلاَ تَسْمَعُ قَوْلَهُ، وَمَا أَفْحَلَ شِعْرَهُ:   (*) ترجمته في: الشعر والشعراء 467، الاغاني 2 / 1، المؤتلف والمختلف 188، نشوار المحاضرة 5 / 102، سمط اللآلي 350، تاريخ الإسلام 3 / 64، فوات الوفيات 2 / 136، سرح العيون 195، شرح الشواهد 238، النجوم الزاهرة 1 / 170، تزيين الاسواق 1 / 97، شذرات الذهب 1 / 277، خزانة الأدب للبغدادي 2 / 170. (1) في تاريخ الإسلام للمؤلف: " سمعنا أخباره في جزء ألفه ابن المرزبان " وابن المرزبان مؤرخ، عالم بالادب، له تصانيف كثيرة منها: الشعراء، النساء والغزل. (2) البهم: جمع بهمة، وهو الصغير من الضأن، الذكر والانثى في ذلك سواء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 تَعَلَّقْتُ لَيْلَى وَهْيَ ذَاتُ ذُؤَابَةٍ ... وَلَمْ يَبْدُ لِلأَتْرَابِ مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ صَغِيْرَيْنِ نَرْعَى البَهْمَ، يَا لَيْتَ أَنَّنَا ... إِلَى اليَوْمِ لَمْ نَكْبَرْ وَلَمْ تَكْبَرِ البَهْمُ (1) وَعَلِقَتْهُ هِيَ أَيْضاً، وَوَقَعَ بِقَلْبِهَا. وَهُوَ القَائِلُ: أَظُنُّ هَوَاهَا تَارِكِي بِمَضَلَّةٍ ... مِنَ الأَرْضِ لاَ مَالٌ لَدَيَّ وَلاَ أَهْلُ وَلاَ أَحَدٌ أَقْضِي إِلَيْهِ وَصِيَّتِي ... وَلاَ وَارِثٌ إِلاَّ المَطِيَّةُ وَالرَّحْلُ (2) مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا ... وَحَلَّتْ مَكَاناً لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ فَاشْتَدَّ شَغَفُهُ بِهَا حَتَّى وُسْوِسَ، وَتُخُبِّلَ فِي عَقْلِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لأَجْلِسُ فِي النَّادِي أُحَدِّثُهُمْ ... فَأَسْتَفِيْقُ وَقَدْ غَالَتْنِيَ الغُوْلُ (3) يُهْوِي بِقَلْبِي حَدِيْثُ النَّفْسِ نَحْوَكُمُ ... حَتَّى يَقُوْلَ جَلِيْسِي: أَنْتَ مَخْبُوْلُ (4) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَزَايَدَ بِهِ الأَمْرُ حَتَّى فَقَدَ عَقْلَهُ، فَكَانَ لاَ يُؤْوِيْهِ رَحْلٌ، وَلاَ يَعْلُوْهُ ثَوْبٌ إِلاَّ مَزَّقَهُ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْمَ لَيْلَى شَكَوُا المَجْنُوْنَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَأَهْدَرَ دَمَهُ، وَتَرَحَّلَ قَوْمُهَا بِهَا، فَجَاءَ، وَبَقِيَ يَتَمَرَّغُ فِي المَحَلَّةِ، وَيَقُوْلُ: أَيَا حَرَجَاتِ الحَيِّ حَيْثُ تَحَمَّلُوْا ... بِذِي سَلَمٍ لاَ جَادَكُنَّ رَبِيْعُ   (1) في الأصل: بليلى وهو تحريف، والتصويب من الديوان ص 238 ورواية الديوان والشعر والشعراء: " وهي غر صغيرة " وفي رواية أخرى في الاغاني 2 / 12: " وعلقتها غراء ذات ذوائب " الذؤابة مقدم شعر الرأس، والذؤابة من كل شيء أعلاه. الاتراب: جمع ترب وهو المماثل في السن، وأكثر ما يستعمل في المؤنث. (2) في الديوان: " أفضي " يقال: وقضيت إلى فلان الامر، أي أنهيته إليه وأبلغته ذلك. (3) الغول: نوع من الشياطين كانت العرب تزعم أنها تظهر للناس في الفلاة، فتتلون لهم بصور شتى. وغالتني: أضلتني وأهلكتني. (4) للبيت رواية أخرى في " بسط سامع المسامر " ص 77 وهي: يغشى بقلبي حديث النفس عندهم * حتى يقول حبيبي أنت مخبول (5) في الديوان ص 190: " حين " بدل " حيث ". وحرجات: ج حرجة، وهي الغيضة الملتفة الشجر، أو الشجرة بين الاشجار لا تصل إليها الايدي. وذو سلم: موضع بالحجاز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وَخَيْمَاتُكِ اللاَّتِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... بَلِيْنَ بِلَىً لَمْ تَبْلَهُنَّ رُبُوْعُ وَقِيْلَ: إِنَّ قَوْمَهُ حَجُّوا بِهِ لِيَزُوْرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَدْعُو، حَتَّى إِذَا كَانَ بِمِنَىً سَمِعَ نِدَاءً: يَا لَيْلَى، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَبَكَى أَبُوْهُ، فَأَفَاقَ يَقُوْلُ: وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالخَيْفِ مِنْ مِنَىً ... فَهَيَّجَ أَطْرَابَ الفُؤَادِ وَلَمْ يَدْرِ (1) دَعَا بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... أَطَارَ بِلَيْلَى طَائِراً كَانَ فِي صَدْرِي (2) وَجَزِعَتْ هِيَ لِفِرَاقِهِ وَضَنِيَتْ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَاهُ قَيَّدَهُ، فَبَقِيَ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِرَاعَيْهِ، وَيَضْرِبُ بِنَفْسِهِ، فَأَطْلَقَهُ، فَهَامَ فِي الفَلاَةِ، فَوُجِدَ مَيْتاً، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى الحَيِّ، وَغَسَّلُوْهُ، وَدَفَنُوْهُ، وَكَثُرَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ بُقُوْلِ الأَرْضِ، وَأَلِفَتْهُ الوَحْشُ، وَكَانَ يَكُوْنُ بِنَجْدٍ، فَسَاحَ حَتَّى حُدُوْدِ الشَّامِ. وَشِعْرُهُ كَثِيْرٌ مِنْ أَرَقِّ شَيْءٍ وَأَعْذَبِهِ، وَكَانَ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. 2 - أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ ثُوَبٍ * (م، 4) الدَّارَانِيُّ، سَيِّدُ التَّابِعِيْنَ، وَزَاهِدُ العَصْرِ.   (1) رواية الديوان ص 144 والشعر والشعراء ص 163: " فهيج أحزان الفؤاد وما يدري ". والخيف: موضع في منى، منه سمي مسجد الخيف. والاطراب: جمع طرب وهو خفة تعتري المرء عند شدة الفرح أو شدة الحزن. (2) انظر الخبر مفصلا في الاغاني 2 / 21. (*) طبقات ابن سعد 7 / 448، طبقات خليفة ت 2888، تاريخ البخاري 5 / 58، المعرفة والتاريخ 2 / 308 و382، الحلية 2 / 22، الاستيعاب ت 1479، تاريخ ابن عساكر 9 / 12 ب، أسد الغابة 3 / 129، اللباب 1 / 395، تهذيب الكمال ص 170 و1654 تذكرة الحفاظ 1 / 46، تاريخ الإسلام 3 / 102، فوات الوفيات 1 / 209، البداية والنهاية 8 / 146، الإصابة ت 6302، تهذيب التهذيب 12 / 235، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 13، شذرات الذهب 1 / 70، تهذيب ابن عساكر 7 / 314. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 اسْمُهُ عَلَى الأَصَحِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ ثُوَبٍ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ ثَوَابٍ (1) . وَقِيْلَ: ابْنُ عُبَيْدٍ. وَيُقَالُ: اسْمُهُ يَعْقُوْبُ بنُ عَوْفٍ. قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ، وَقَدْ أَسْلَمَ فِي أَيَّامِ النَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ المَدِيْنَةَ فِي خِلاَفَةِ الصِّدِّيْقِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ - وَمَا أَدْرَكَاهُ - وَعَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَلَمْ يَلْحَقُوْهُ، لَكِنْ أَرْسَلُوا عَنْهُ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَتَى أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ. فَحَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ: أَنَّ الأَسْوَدَ (2) تَنَبَّأَ بِاليَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَتَاهُ بِنَارٍ عَظِيْمَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَلْقَى أَبَا مُسْلِمٍ فِيْهَا، فَلَمْ تَضَرَّهُ. فَقِيْلَ لِلأَسْوَدِ: إِنْ لَمْ تَنْفِ هَذَا عَنْكَ، أَفْسَدَ عَلَيْكَ مَنِ اتَّبَعَكَ. فَأَمَرَهُ بِالرَّحِيْلِ، فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ يُصَلِّي، فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَامَ   (1) زاد ابن عساكر 9 / 12 ب: ويقال: ابن أثوب، ويقال: ابن مسلم. وانظر تاريخ الإسلام 3 / 102. (2) هو الأسود العنسي، واسمه عيهلة وقيل: عبهلة بن كعب بن عوف، من مذحج. متنبئ مشعوذ من أهل اليمن، أسلم كما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أول من ارتد في الإسلام، ادعى النبوة، وضل به كثير من مذحج حتى اتسع سلطانه. اغتيل قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر واحد. اهـ مختصرا، الاعلام 5 / 299. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 إِلَيْهِ، فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنَ اليَمَنِ. قَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي حَرَّقَهُ الكَذَّابُ بِالنَّارِ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدُ اللهِ بنُ ثُوَبٍ. قَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَاعْتَنَقَهُ عُمَرُ، وَبَكَى، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّدِّيْقِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ صُنِعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ بِإِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلِ. رَوَاهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، لَكِنَّ شُرَحْبِيْلَ أَرْسَلَ الحِكَايَةَ (1) . وَيُرْوَى عَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ: أَنَّ كَعْباً رَأَى أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو مُسْلِمٍ. فَقَالَ: هَذَا حَكِيْمُ هَذِهِ الأُمَّةِ (2) . وَرَوَى: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَكَانَ يَتَنَاوَلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَلاَ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَانَ قَدْ أُوْتِيَ حِكْمَةً. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، سَمِعَ أَهْلَ الشَّامِ يَنَالُوْنَ مِنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِمَثَلِي وَمَثَلِ أُمِّكُمْ هَذِهِ؟ كَمَثَلِ عَيْنَيْنِ فِي رَأْسٍ تُؤْذِيَانِ صَاحِبَهُمَا، وَلاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُعَاقِبَهُمَا إِلاَّ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُمَا، فَسَكَتَ. فَقَالَ الزُهْرِيُّ: أَخْبَرَنِيْهِ أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ (3) . قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: عَلَّقَ أَبُو مُسْلِمٍ سَوْطاً فِي المَسْجِدِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَوْلَى بِالسَّوْطِ مِنَ البَهَائِمِ. فَإِذَا فَتَرَ، مَشَقَ (4) سَاقَيْهِ سَوْطاً أَوْ سَوْطَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ رَأَيْتُ الجَنَّةَ عِيَاناً، أَوِ النَّارَ عِيَاناً مَا كَانَ عِنْدِي مُسْتَزَادٌ.   (1) أورده ابن عساكر في تاريخه 9 / 15 ب مطولا. (2) ابن عساكر 9 / 16 آ. (3) ابن عساكر 9 / 16 ب. (4) مشقه: ضربه بسرعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ شُرَحْبِيْلَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا أَبَا مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَجِدَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَأَتَيَا المَسْجِدَ، فَوَجَدَاهُ يَرْكَعُ، فَانْتَظَرَاهُ، فَأَحْصَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَكَعَ ثَلاَثَ مائَةِ رَكْعَةٍ (1) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: أَنْبَأَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ سَمِعَ رَجُلاً يَقُوْل: سَبَقَ اليَوْمَ (2) فُلاَنٌ. فَقَالَ: أَنَا السَّابِقُ. قَالُوا: وَكَيْفَ يَا أَبَا مُسْلِمٍ؟ قَالَ: أَدْلَجْتُ مِنْ دَارِيَّا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَكُمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ غَازٍ فِي أَرْضِ الرُّوْمِ، وَقَدِ احْتَفَرَ جُوْرَةً فِي فُسْطَاطِهِ (3) ، وَجَعَلَ فِيْهَا نِطْعاً، وَأَفْرَغَ فِيْهِ المَاءَ، وَهُوَ يَتَصَلَّقُ فِيْهِ (4) . فَقَالُوا: مَا حَمَلَكَ عَلَى الصِّيَامِ وَأَنْتَ مُسَافِرٌ؟! قَالَ: لَوْ حَضَرَ قِتَالٌ لأَفْطَرْتُ، وَلَتَهَيَّأْتُ لَهُ وَتَقَوَّيْتُ، إِنَّ الخَيْلَ لاَ تَجْرِي الغَايَاتِ (5) وَهُنَّ بُدَّنٌ، إِنَّمَا تَجْرِي وَهُنَّ ضُمَّرٌ؛ أَلاَ وَإِنَّ أَيَّامَنَا بَاقِيَةٌ جَائِيَةٌ، لَهَا نَعْمَلُ (6) . وَقِيْلَ: كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ حَتَّى مَعَ الصِّبْيَانِ، وَيَقُوْلُ: اذْكُرِ اللهَ حَتَّى يَرَى الجَاهِلُ أَنَّهُ مَجْنُوْنٌ (7) .   (1) زاد ابن عساكر في تاريخه 9 / 17 آما نصه: "..والآخر أربع مئة ركعة قبل أن ينصرف، فقالا له: يا أبا مسلم كنا قاعدين خلفك ننتظرك، فقال: إني لو عرفت مكانكما، لانصرفت إليكما أن تحفظا علي صلاتي، وأقسم لكما بالله، إن خير كثرة السجود ليوم القيامة ". اه. وانظر تاريخ الإسلام 3 / 104. (2) ما بين الحاصرتين من تاريخ ابن عساكر. (3) الفسطاط: البيت من الشعر. (4) تصلق: تقلب وتلوى على جنبيه. (5) الغايات: النهايات، وفي الحديث: " أنه صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية. (6) في الحلية 2 / 127: " بين أيدينا أياما لها نعمل " وانظر تاريخ ابن عساكر 9 / 17 ب وتاريخ الإسلام 3 / 104. (7) رواية ابن عساكر في التاريخ 9 / 17 ب: " اذكر الله حتى يرى الجاهل أنك مجنون ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَزَا أَرْضَ الرُّوْمِ، فَمَرُّوا بِنَهَرٍ، فَقَالَ: أَجِيْزُوا بِسْمِ اللهِ. وَيَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِيْهِم، فَيَمُرُّوْنَ بِالنَّهْرِ الغَمْرِ، فَرُبَّمَا لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الدَّوَابِّ إِلاَّ الرُّكَبُ، فَإِذَا جَازُوا قَالَ الرَّجُلُ: هَلْ ذَهَبَ لَكُم شَيْءٌ؟ فَمَنْ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ، فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ. فَأَلْقَى بَعْضُهُم مِخْلاَتِهِ عَمْداً، فَلَمَّا جَاوَزُوا، قَالَ الرَّجُلُ: مِخْلاَتِي وَقَعَتْ. قَالَ: اتَّبِعْنِي. فَاتَّبَعَهُ، فَإِذَا بِهَا مُعَلَّقَةٌ بِعُوْدٍ فِي النَّهْرِ، قَالَ: خُذْهَا (1) . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ أَتَى عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تَرْمِي بِالخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا، فَذَهَبَ (2) عَلَيْهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَسِيْرَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ فِي البَحْرِ، ثُمَّ لَهَزَ (3) دَابَّتَهُ، فَخَاضَتِ المَاءَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ حَتَّى قَطَعُوْهَا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ فَقَدْتُمْ شَيْئاً مِنْ مَتَاعِكُمْ، فَأَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ (4) ؟ عَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ إِذَا اسْتَسْقَى سُقِي (5) . وَرَوَى: بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ: أَنَّ امْرَأَةً خَبَّبَتْ عَلَيْهِ (6) امْرَأَتَهُ، فَدَعَا عَلَيْهَا، فَعَمِيَتْ، فَأَتَتْهُ، فَاعْتَرَفَتْ، وَتَابَتْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً، فَارْدُدْ بَصَرَهَا. فَأَبْصَرَتْ (7) .   (1) تاريخ ابن عساكر 9 / 18 آوما بين الحاصرتين منه. (2) لفظ ابن عساكر: فوقف. (3) لهز: ضرب بجمع كفه. (4) تاريخ الإسلام 3 / 104 وما بين الحاصرتين منه. (5) لفظ ابن عساكر: سقانا. (6) يقال: خبب فلان على فلان صديقه، إذا أفسده عليه. والخبر في الحلية 2 / 129 و130. وفي ابن عساكر 9 / 19 آمطولا. (7) ابن عساكر 9 / 19 آوتاريخ الإسلام 3 / 105. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ بِلاَلِ بنِ كَعْبٍ: أَنَّ الصِّبْيَانَ قَالُوا لأَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَحْبِسَ عَلَيْنَا هَذَا الظَّبْيَ، فَنَأْخُذَهُ. فَدَعَا اللهَ، فَحَبَسَهُ، فَأَخَذُوْهُ (1) . وَعَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ: أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَتْ: لَيْسَ لَنَا دَقِيْقٌ. فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: دِرْهَمٌ بِعْنَا بِهِ غَزْلاً. قَالَ: ابْغِيْنِيْهِ، وَهَاتِي الجِرَابَ. فَدَخَلَ السُّوْقَ، فَأَتَاهُ سَائِلٌ، وَأَلَحَّ، فَأَعْطَاهُ الدِّرْهَمَ، وَمَلأَ الجِرَابَ نُشَارَةً مِنْ تُرَابٍ، وَأَتَى وَقَلْبُهُ مَرْعُوْبٌ مِنْهَا، وَذَهَبَ، فَفَتَحَهُ، فَإِذَا بِهِ دَقِيْقٌ حُوَّارَى (2) ، فَعَجَنَتْ، وَخَبَزَتْ. فَلَمَّا جَاءَ لَيْلاً، وَضَعَتْهُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنَ الدَّقِيْقِ. فَأَكَلَ، وَبَكَى (3) . أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ اسْتَبْطَأَ خَبَرَ جَيْشٍ كَانَ بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَدَخَلَ طَائِرٌ، فَوَقَعَ، فَقَالَ: أَنَا رُتْبَابِيْلُ (4) مُسْلِي الحُزْنِ مِنْ صُدُوْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الجَيْشِ، فَقَالَ: مَا جِئْتَ حَتَّى اسْتَبْطَأْتُكَ؟ قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَرْتَجِزُ يَوْمَ صِفِّيْنَ (5) ، وَيَقُوْلُ: مَا عِلَّتِي مَا عِلَّتِي ... وَقَدْ لَبِسْتُ دِرْعَتِي أَمُوْتُ عِنْدَ طَاعَتِي ... (6)   (1) المصدر السابق. (2) الدقيق الحوارى: الابيض. (3) ابن عساكر 9 / 19 ب. (4) كذا في الأصل، وعند ابن عساكر: اردياليل. (5) صفين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس. فيه كانت واقعة صفين بين علي رضي الله عنه ومعاوية سنة 37 هـ في غرة صفر. معجم البلدان 3 / 414. وانظر أخبارها في تاريخ الإسلام 2 / 166 ولنصر بن مزاحم المنقري المتوفى 212 مؤلف مطبوع سماه " وقعة صفين ". (6) ابن عساكر 9 / 21 آوتاريخ الإسلام 3 / 105. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ قَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَمِيْلَ عَلَى قَبِيْلَةٍ، فَيَذْهَبَ حَيْفُكَ بِعَدْلِكَ (1) . وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَجِيْرُ. فَقَالَوا: مَهْ. قَالَ: دَعُوْهُ، فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَا يَقُوْلُ، وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ. ثُمَّ وَعَظَهُ، وَحَثَّهُ عَلَى العَدْلِ (2) . وَقَالَ شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ الوُلاَةُ يَتَيَمَّنُوْنَ بِأَبِي مُسْلِمٍ، وَيُؤَمِّرُوْنَهُ عَلَى المُقَدِّمَاتِ (3) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَاتَ أَبُو مُسْلِمٍ بِأَرْضِ الرُّوْمِ، وَكَانَ شَتَا مَعَ بُسْرِ بنِ أَبِي أَرْطَاةَ، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ، فَعَادَهُ بُسْرٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسْلِمٍ: يَا بُسْرُ، اعْقِدْ لِي عَلَى مَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ الغَزَاةِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ بِهِم يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى لِوَائِهِم (4) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حُدِّثْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ بَعْضِ المَشْيَخَةِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ أَرْضِ الرُّوْمِ، فَمَرَرْنَا بِالعُمَيْرِ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ حِمْصَ، فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَاطَّلَعَ رَاهِبٌ مِنْ صَوْمَعَةٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُوْنَ أَبَا مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوْهُ، فَأَقْرِؤُوْهُ السَّلاَمَ، فَإِنَّا نَجِدُهُ فِي الكُتُبِ رَفِيْقَ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، أَمَا إِنَّكُم لاَ تَجِدُوْنَهُ حَيّاً. قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الغُوْطَةِ، بَلَغَنَا مَوْتُهُ.   (1) أورده ابن عساكر 9 / 21 ب مطولا. (2) تاريخ ابن عساكر 9 / 22 آ. (3) المصدر السابق 9 / 23 ب. (4) المصدر السابق وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) : يَعْنِي سَمِعُوا ذَلِكَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَرْضِ الرُّوْمِ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ هَانِئ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّمَا المُصِيْبَةُ كُلُّ المُصِيْبَةِ بِمَوْتِ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَكُرَيْبِ بنِ سَيْفٍ الأَنْصَارِيِّ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ أَبُو مُسْلِمٍ مَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا هُوَ مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ (2) . وَقَدْ قَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ الغَلاَبِيُّ: إِنَّ عَلْقَمَةَ، وَأَبَا مُسْلِمٍ مَاتَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ (3) - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَبِدَارَيَّا قَبْرٌ يُزَارُ، يُقَالُ: إِنَّهُ قَبْرُ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ. 3 - القَارِّيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدٍ المَدَنِيُّ * (ع) يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا وُلِدَ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ صَغِيْرٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: عَضَلٌ وَالقَارَّةُ ابْنَا يَثْيَعِ (4) بنِ الهُوْنِ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ.   (1) في تاريخه 9 / 24 آ. (2) هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، تأتي ترجمته في ص 139. (3) ابن عساكر 9 / 24 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 57، طبقات خليفة ت 2016، تاريخ البخاري 5 / 318، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 261، الاستيعاب ت 1433، أسد الغابة 3 / 307، تهذيب الكمال ص 806، تاريخ الإسلام 3 / 186، العبر 1 / 92، الإصابة ت 6223، تهذيب التهذيب 6 / 223، خلاصة تذهيب الكمال 231، شذرات الذهب 1 / 88. (4) يثيع: وزان يضرب، وفي الأصل يثيع، والتصويب من الجمهرة والقاموس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 قُلْتُ: رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: السَّائِبُ بنُ يَزِيْدَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَعُرْوَةُ، وَالأَعْرَجُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، بِالمَدِيْنَةِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. 4 - عَامِرُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ التَّمِيْمِيُّ العَنْبَرِيُّ البَصْرِيُّ * القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو - التَّمِيْمِيُّ، العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ. رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَسَلْمَانَ. وَعَنْهُ: الحَسَنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ، وَغَيْرُهُم، وَقَلَّمَا رَوَى. قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، مِنْ عُبَّادِ التَّابِعِيْنَ، رَآهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ، فَقَالَ: هَذَا رَاهِبُ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (2) فِي (القِرَاءاتِ) : كَانَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ عَبْدِ قَيْسٍ يُقْرِئُ النَّاسَ. حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عَامِراً كَانَ يَقُوْلُ: مَنْ أُقْرِئُ؟ فَيَأْتِيْهِ نَاسٌ، فَيُقْرِئُهُمُ القُرْآنَ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَيُصَلِّي إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي   (1) في الطبقات 5 / 57. (*) طبقات ابن سعد 7 / 103، طبقات خليفة ت 1543، الزهد لأحمد بن حنبل 218، المعرفة والتاريخ 2 / 69، تاريخ البخاري 6 / 445، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 325، البدء والتاريخ 1 / 76، المعارف 438، الحلية 2 / 87، تاريخ ابن عساكر جزء عاصم عايذ 323، أسد الغابة 3 / 88، تاريخ الإسلام 3 / 25، طبقات القراء للجزري ت 1502، الإصابة ت 6284، خلاصة تذهيب الكمال 185، رغبة الآمل للمرصفي 2 / 37. (2) هو القاسم بن سلام المتوفى 224 هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 إِلَى العَصْرِ، ثُمَّ يُقْرِئُ النَّاسَ إِلَى المَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ العِشَاءيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَأْكُلُ رَغِيْفاً، وَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيْفَةً، ثُمَّ يَقُوْمُ لِصَلاَتِهِ، ثُمَّ يَتَسَحَّرُ رَغِيْفاً، وَيَخْرُجُ (1) . قَالَ بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ: وُشِيَ بِعَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَوا: هَا هُنَا رَجُلٌ قِيْلَ لَهُ: مَا إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- خَيْراً مِنْكَ! فَسَكَتَ، وَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءَ. فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: انْفِهِ إِلَى الشَّامِ عَلَى قَتَبٍ (2) . فَلَمَّا جَاءهُ الكِتَابُ، أَرْسَلَ إِلَى عَامِرٍ، فَقَالَ: أَنْتَ قِيْلَ لَكَ: مَا إِبْرَاهِيْمُ خَيْراً مِنْكَ، فَسَكَتَّ؟! قَالَ: أَمَا وَاللهِ، مَا سُكُوْتِي إِلاَّ تَعَجُّبٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي غُبَارُ قَدَمَيْهِ. قَالَ: وَتَرَكْتَ النِّسَاءَ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَجِيْءُ الوَلَدُ، وَتَشَعَّبُ (3) فِيَّ الدُّنْيَا، فَأَحْبَبْتُ التَّخَلِّي. فَأَجْلاَهُ عَلَى قَتَبٍ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْزَلَهُ مُعَاوِيَةُ مَعَهُ فِي الخَضْرَاءِ (4) ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِجَارِيَةٍ، وَأَمَرَهَا أَنْ تُعْلِمَه مَا حَالُهُ. فَكَانَ يَخْرُجُ مِنَ السَّحَرِ، فَلاَ تَرَاهُ إِلاَّ بَعْدَ العَتَمَةِ، فَيَبْعَثُ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ بِطَعَامٍ، فَلاَ يَعْرِضُ لَهُ، وَيَجِيْءُ مَعَهُ بِكِسَرٍ، فَيَبُلُّهَا وَيَأْكُلُ، ثُمَّ يَقُوْمُ إِلَى أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ، فَيَخْرُجُ. فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ يَذْكُرُ حَالَهُ، فَكَتَبَ: اجْعَلْهُ أَوَّلَ دَاخِلٍ وَآخِرَ خَارِجٍ، وَمُرْ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الرَّقِيْقِ، وَعَشْرَةٍ مِنَ الظَّهْرِ. فَأَحْضَرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ شَيْطَاناً قَدْ غَلَبَنِي، فَكَيْفَ أَجْمَعُ عَلَيَّ عَشْرَةً. وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ (5) .   (1) تاريخ الإسلام 3 / 26 وما بين الحاصرتين منه. (2) القتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير. (3) يقال: شعب الرجل أمره: إذا شتته وفرقه. (4) الخضراء: هي دار الامارة بدمشق، بناها معاوية بالطوب ثم نقضها وبناها بالحجارة. وموقعها حذاء سوق الصفارين (سوق القباقبية اليوم) من الجنوب، قبلي الجامع الأموي، ويقال: إنه كان لها باب يفضي إلى المسجد مما يلي المقصورة. انظر أخبارها في تاريخ ابن عساكر المجلدة الثانية 250. (5) أورده ابن عساكر (جزء عاصم عايذ) 332 مطولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 فَرَوَى: بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ، عَمَّنْ رَآهُ بِأَرْضِ الرُّوْمِ عَلَيْهَا، يَرْكَبُهَا عُقْبَةً، وَيَحْمِلُ المُهَاجِرِيْنَ عُقْبَةً (1) . قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ إِذَا فَصَلَ غَازِياً يَتَوَسَّمُ مَنْ يُرَافِقُهُ، فَإِذَا رَأَى رُفْقَةً تُعْجِبُهُ، اشْتَرَطَ عَلَيْهِم أَنْ يَخْدِمَهُم، وَأَنْ يُؤَذِّنَ، وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِم طَاقَتَهُ. رَوَاهُ: ابْنُ المُبَارَكِ بِطُوْلِهِ فِي (الزُّهْدِ) لَهُ (2) . هَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يَنْزِعَ شَهْوَةَ النِّسَاءِ مِنْ قَلْبِهِ، فَكَانَ لاَ يُبَالِي أَذَكَراً لَقِيَ أَمْ أُنْثَى. وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَمْنَعَ قَلْبَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ ذَلِكَ ذَهَبَ عَنْهُ (3) . وَعَنْ أَبِي الحُسَيْنِ المُجَاشِعِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ: أَتُحَدِّثُ نَفْسَكَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: أُحَدِّثُهَا بِالوُقُوْفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، وَمُنْصَرَفِي. وَعَنْ كَعْبٍ: أَنَّهُ رَأَى بِالشَّامِ عَامِرَ بنَ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ: هَذَا رَاهِبُ هَذِهِ الأُمَّةِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: قِيْلَ لِعَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ: إِنَّكَ تَبِيْتُ خَارِجاً، أَمَا تَخَافُ الأَسَدَ؟! قَالَ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَخَافَ شَيْئاً دُوْنَهُ. وَرَوَى: هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ (4) . حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: لَقِيَ رَجُلٌ عَامِرَ بنَ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَجَعَلْنَا لَهُم أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} ؟ [الرَّعْدُ: 38] قَالَ: أَفَلَمْ يَقُلِ اللهُ -تَعَالَى-: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 56] (5) .   (1) عقبة: أي نوبة. (2) وهو في ابن عساكر 332 و333 (جزء عاصم عايذ) . (3) تاريخ ابن عساكر 345 (جزء عاصم عايذ) . (4) تاريخ ابن عساكر 347 (جزء عاصم عايذ) . (5) تاريخ ابن عساكر ص 361 وتاريخ الإسلام 3 / 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَقِيْلَ: كَانَ عَامِرٌ لاَ يَزَالُ يُصَلِّي مِنْ طُلُوْعِ الشَّمْسِ إِلَى العَصْرِ، فَيَنْصَرِفُ وَقَدِ انْفَتَحَتْ سَاقَاهُ، فَيَقُوْلُ: يَا أَمَّارَةً بِالسُّوْءِ، إِنَّمَا خُلِقْتِ لِلْعِبَادَةِ (1) . وَهَبَطَ وَادِياً بِهِ عَابِدٌ حَبَشِيٌّ، فَانْفَرَدَ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةٍ، وَالحَبَشِيُّ فِي نَاحِيَةٍ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً لاَ يَجْتَمِعَانِ إِلاَّ فِي فَرِيْضَةٍ (2) . مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ: أَنَّ عَامِراً كَانَ يَأْخُذُ عَطَاءهُ، فَيَجْعَلُهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ، فَلاَ يَلْقَى مِسْكِيْناً إِلاَّ أَعْطَاهُ، فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ، رَمَى بِهِ إِلَيْهِم، فَيَعُدُّوْنَهَا، فَيَجِدُوْنَهَا كَمَا أُعْطِيْهَا (3) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: أَنَّ عَامِرَ بنَ عَبْدِ قَيْسٍ بَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيْرُ البَصْرَةِ: مَا لَكَ لاَ تَزَوَّجَ النِّسَاءَ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُهُنَّ، وَإِنِّي لَدَائِبٌ فِي الخِطْبَةِ. قَالَ: مَا لَكَ لاَ تَأْكُلُ الجُبْنَ (4) ؟ قَالَ: إِنَّا بِأَرْضٍ فِيْهَا مَجُوْسٌ، فَمَا شَهِدَ مُسْلِمَانِ أَنْ لَيْسَ فِيْهِ مَيْتَةٌ، أَكَلْتُهُ (5) . قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ الأُمَرَاءَ؟ قَالَ: إِنَّ لَدَى أَبْوَابِكُم طُلاَّبَ الحَاجَاتِ، فَادْعُوْهُم، وَاقْضُوا حَاجَاتِهِم، وَدَعُوا مَنْ لاَ حَاجَةَ لَهُ إِلَيْكُم (6) . قَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ: أَنَّ عَامِراً مَرَّ فِي الرَّحْبَةِ، وَإِذَا رَجُلٌ يُظْلَمُ، فَأَلْقَى رِدَاءهُ، وَقَالَ: لاَ أَرَى ذِمَّةَ اللهِ تُخْفَرُ وَأَنَا حَيٌّ، فَاسْتَنْقَذَهُ (7) . وَيُرْوَى: أَنَّ سَبَبَ إِبْعَادِهِ إِلَى الشَّامِ كَوْنُهُ أَنْكَرَ وَخَلَّصَ هَذَا الذِّمِّيَّ.   (1) تاريخ ابن عساكر ص 340 وتاريخ الإسلام 3 / 27. (2) تاريخ الإسلام 3 / 27. (3) ابن عساكر ص 356. (4) في الأصل: الخبز، وهو تصحيف، والتصويب من تاريخ الإسلام 3 / 27 وتاريخ ابن عساكر، وفي كتاب الزهد لأحمد: السمن وكلاهما صحيح. (5) في الأصل " فأكلته " والصواب ما أثبتناه من تاريخ الإسلام وابن عساكر. (6) تاريخ ابن عساكر ص 334 وتاريخ الإسلام 3 / 27. (7) تاريخ الإسلام 3 / 27 و28 والحلية 2 / 91. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا الجُرَيْرِيُّ، قَالَ: لَمَّا سُيِّرَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، شَيَّعَهُ إِخْوَانُهُ، وَكَانَ بِظَهْرِ المِرْبَدِ، فَقَالَ: إِنِّي دَاعٍ فَأَمِّنُوا: اللَّهُمَّ مَنْ وَشَى بِي، وَكَذَبَ عَلَيَّ، وَأَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرِي، وَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَانِي، فَأَكْثِرْ مَالَهُ، وَأَصِحَّ جِسْمَهُ، وَأَطِلْ عُمُرَهُ (1) . قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: بُعِثَ بِعَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَشَرَنِي رَاكِباً. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا احْتُضِرَ عَامِرٌ، بَكَى. فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكِي جَزَعاً مِنَ المَوْتِ، وَلاَ حِرْصاً عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الهَوَاجِرِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ (2) . وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ قَبْرَ عَامِرَ بنَ عَبْدِ قَيْسٍ بِبَيْتِ المَقْدِسِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ. 5 - أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ أَبُو عَمْرٍو بنُ عَامِرِ بنِ جَزْءِ بنِ مَالِكٍ المُرَادِيُّ * هُوَ القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، سَيِّدُ التَّابِعِيْنَ فِي زَمَانِهِ. أَبُو عَمْرٍو، أُوَيْسُ بنُ عَامِرِ بنِ جَزْءِ بنِ مَالِكٍ القَرَنِيُّ، المُرَادِيُّ، اليَمَانِيُّ.   (1) الحلية 2 / 91 وتاريخ ابن عساكر ص 339 وتاريخ الإسلام 3 / 28. (2) في ابن عساكر ص 368 و369 بلفظ مخالف وطرق مختلفة وانظر تاريخ الإسلام 3 / 28. (*) طبقات ابن سعد 6 / 161، طبقات خليفة ت 1044، تاريخ البخاري 2 / 55، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 326، الحلية 2 / 79، أسد الغابة 1 / 151، تاريخ ابن عساكر 3 / 97 آ، وأخباره مستوعبة فيه، الإصابة ت 500، تهذيب التهذيب 1 / 386، لسان الميزان 1 / 471، شرح المقامات الحريرية 2 / 217، تاريخ الإسلام 2 / 173، مسالك الابصار 1 / 122، خلاصة تذهيب الكمال 41، تاج العروس مادة (أوس) ، تهذيب ابن عساكر 3 / 157. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وَقَرَنُ: بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ. وَفَدَ عَلَى عُمَرَ، وَرَوَى قَلِيْلاً عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ. رَوَى عَنْهُ: يُسَيْرُ بنُ عَمْرِوٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عَبْدِ رَبٍّ الدِّمَشْقِيُّ، وَغَيْرُهُم، حِكَايَاتٍ يَسِيْرَةً، مَا رَوَى شَيْئاً مُسْنَداً وَلاَ تَهَيَّأَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِلِيْنٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، وَمِنْ عِبَادِهِ المُخْلَصِيْنَ. عَفَّانُ (م) : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ اليَمَنِ، جَعَلَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ، فَيَقُوْلُ: هَلْ فِيْكُم أَحَدٌ مِنْ قَرَنَ؟ فَوَقَعَ زِمَامُ عُمَرَ - أَوْ زِمَامُ أُوَيْسٍ - فَنَاوَلَهُ - أَوْ نَاوَلَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ - فَعَرَفَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أَنَا أُوَيْسٌ. قَالَ: هَلْ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ بِكَ مِنَ البَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَوْتُ اللهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنِّي، إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ مِنْ سُرَّتِي، لأَذْكُرَ بِهِ رَبِّي. قَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ فِي سُرَّتِهِ) . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ فِي غِمَارِ النَّاسِ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ وَقَعَ. قَالَ: فَقَدِمَ الكُوْفَةَ. قَالَ: فَكُنَّا نَجْتَمِعُ فِي حَلْقَةٍ، فَنَذْكُرُ اللهَ، فَيَجْلِسُ مَعَنَا، فَكَانَ إِذَا ذَكَرَ هُوَ، وَقَعَ فِي قُلُوْبِنَا، لاَ يَقَعُ حَدِيْثٌ غَيْرُهُ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. هَكَذَا اخْتَصَرَهُ (1) . (م) : حَدَّثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ اليَمَنِ سَأَلَهُم: أَفِيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى   (1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2542) مع خلاف في اللفظ والسياق، وأورده المؤلف في تاريخ الإسلام 1 / 230، 231 و2 / 173، بروايات مختلفة ولفظ مخالف، وأقرب الروايات للنص عند الامام أحمد في مسنده 1 / 38. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أويس بنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ، فَبَرِأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَأْتِي عَلَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ، هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَافْعَلْ) ، فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: الكُوْفَةَ. قَالَ: أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا. قَالَ: أَكُوْنُ فِي غُبَّرَاتِ (1) النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِم، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الهَيْئَةِ (2) ، قَلِيْلَ المَتَاعِ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَأْتِي عَلَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ، فَبِرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ، هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَافْعَلْ) . فَأَتَى أُوَيْساً، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: لَقِيْتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاسْتَغْفَرْ لَهُ. قَالَ: فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، وَكَانَ كُلُّ مَنْ رَآهُ قَالَ (3) : مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذِهِ البُرْدَةُ؟ (4) (م) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ   1) غبرات مفردها غبر، قال أبو عبيدة: الغبرات: البقايا، والمعنى: أراد أن يبقى مع البقايا المتأخرين لا المتقدمين المشهورين. ولفظ مسلم غبراء " ومعناه قريب منه. (2) لفظ مسلم: " رث البيت ". (3) لفظ مسلم: " فكان كلما رآه إنسان قال ". (4) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رقم (2542) وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوْهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُم (1)) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هَذَا حَدِيْثٌ بَصْرِيٌّ. قُلْتُ: تَفَرَّدَ بِهِ أُسَيْرُ بنُ جَابِرٍ. وَيُقَالُ: يُسَيْرُ بنُ عَمْرٍو أَبُو الخَبَّازِ: بَصْرِيٌّ، رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ قَيْسٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أُسَيْرُ بنُ جَابِرٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: قَدِمَ أُسَيْرٌ البَصْرَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُم، فَقَالُوا: هَذَا هَكَذَا، فَكَيْفَ النَّهْرُ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ؟ - يَعْنُوْنَ: ابْنَ مَسْعُوْدٍ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَهْلُ البَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: أُسَيْرُ بنُ جَابِرٍ. وَأَهْلُ الكُوْفَةِ يَقُوْلُوْنَ: ابْنُ عَمْرٍو. وَيُقَالُ: يُسَيْرٌ (2) . وَقَالَ العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: وُلِدَ فِي مُهَاجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. أَبُو النَّضْرِ (م) : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ (3) أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ: سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (خَيْرُ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ فِي سُرَّتِهِ، لاَ يَدَعُ بِاليَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُم، فَمُرُوْهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُم) . قَالَ عُمَرُ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنَ اليَمَنِ. قُلْتُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أُوَيْسٌ. قُلْتُ: فَمَنْ تَرَكْتَ بِاليَمَنِ؟ قَالَ: أُمّاً لِي. قُلْتُ: أَكَانَ بِكَ بَيَاضٌ، فَدَعَوْتَ اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَوَ يَسْتَغْفِرُ مِثْلِي لِمِثْلِكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟! قَالَ:   (1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رقم (2542) . (2) انظر الخلاف حول اسمه في تهذيب التهذيب 11 / 378. (3) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 فَاسْتَغْفَرَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ أَخِي لاَ تُفَارِقُنِي. قَالَ: فَانْمَلَسَ مِنِّي (1) ، فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْكُمُ الكُوْفَةَ. قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ بِالكُوْفَةِ وَيَحْقِرُهُ، يَقُوْلُ: مَا هَذَا مِنَّا وَلاَ نَعْرِفُهُ. قَالَ عُمَرُ: بَلَى، إِنَّهُ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ - كَأَنَّهُ يَضَعُ شَأْنَهُ -: فِيْنَا رَجُلٌ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ. فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ، فَلاَ أُرَاكَ تُدْرِكُهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُوَيْسٍ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ. فَقَالَ لَهُ أُوَيْسٌ: مَا هَذِهِ عَادَتُكَ! فَمَا بَدَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ فِيْكَ كَذَا وَكَذَا، فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: لاَ أَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلَ لِي عَلَيْكَ أَنْ لاَ تَسْخَرَ بِي فِيْمَا بَعْدُ، وَأَنْ لاَ تَذْكُرَ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ عُمَرَ لأَحَدٍ. قَالَ: نَعَمْ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ أُسَيْرٌ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ فَشَا أَمْرُهُ فِي الكُوْفَةِ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَخِي! أَلاَ أَرَاكَ العُجْبَ، وَنَحْنُ لاَ نَشْعُرُ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ فِي هَذَا مَا أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَمَا يُجْزَى كُلُّ عَبْدٍ إِلاَّ بِعَمَلِهِ. قَالَ: وَانْمَلَسَ مِنِّي، فَذَهَبَ (2) . وَبِالإِسْنَادِ إِلَى أُسَيْرِ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ بِالكُوْفَةِ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ لاَ أَسْمَعُ أَحَداً يَتَكَلَّمُ بِهِ، فَفَقَدْتُهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقَالُوا: ذَاكَ أُوَيْسٌ. فَاسْتَدْلَلْتُ عَلَيْهِ، وَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ عَنَّا؟ قَالَ: العُرْيُ. قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَسْخَرُوْنَ بِهِ، وَيُؤْذُوْنَهُ. قُلْتُ: هَذَا بُرْدٌ، فَخُذْهُ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّهُم إِذاً يُؤْذُوْنَنِي. فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى لَبِسَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِم، فَقَالُوا: مَنْ تَرَوْنَ خَدَعَ عَنْ هَذَا البُرْدِ؟ قَالَ: فَجَاءَ، فَوَضَعَهُ. فَأَتَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا تُرِيْدُوْنَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَقَدْ آذَيْتُمُوْهُ؟ الرَّجُلُ يَعْرَى مَرَّةً، وَيَكْتَسِي أُخْرَى، وَآخَذْتُهُم بِلِسَانِي (3) .   (1) انملس: أفلت. (2) لم يرد الحديث عند مسلم بهذا السياق أو اللفظ، ولكنه يقاربه. (3) لفظ ابن سعد في الطبقات 6 / 162 وابن عساكر في تاريخه 3 / 99 ب: " فأخذتهم بلساني أخذا شديدا ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 فَقُضِيَ أَنَّ أَهْلَ الكُوْفَةِ وَفَدُوا عَلَى عُمَرَ، فَوَفَدَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَا هُنَا (1) رَجُلٌ مِنَ القَرَنِيِّيْنَ؟ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ رَجُلاً يَأْتِيْكُم مِنَ اليَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، لاَ يَدَعُ بِاليَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُم، فَمُرُوْهُ (2) ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُم) . قَالَ عُمَرُ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا هُنَا، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أُوَيْسٌ. قُلْتُ: مَنْ تَرَكْتَ بِاليَمَنِ؟ قَالَ: أُمّاً لِي. قُلْتُ: هَلْ كَانَ بِكَ بَيَاضٌ، فَدَعَوْتَ اللهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! يَسْتَغْفِرُ مِثْلِي لِمِثْلِكَ؟! قُلْتُ: أَنْتَ أَخِي، لاَ تَفَارِقُنِي. فَانْمَلَسَ مِنِّي، فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْكُمُ الكُوْفَةَ. قَالَ: وَجَعَلَ الرَّجُل يُحَقِّرُهُ عَمَّا يَقُوْلُ فِيْهِ عُمَرُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: مَاذَا فِيْنَا، وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا (3) . قَالَ عُمَرُ: بَلَى، إِنَّهُ رَجُلٌ كَذَا. فَجَعَلَ يَضَعُ (4) مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ عِنْدَنَا نَسْخَرُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: أُوَيْسٌ؟ قَالَ: هُوَ هُوَ، أَدْرِكْ، وَلاَ أُرَاكَ تُدْرِكُ. فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ. فَقَالَ أُوَيْسٌ: مَا كَانَتْ هَذِهِ عَادَتُكَ! فَمَا بَدَا لَكَ؟ أَنْشُدُكَ اللهَ. قَالَ: لَقِيْتُ عُمَرَ، فَقَالَ كَذَا، وَقَالَ كَذَا، فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: لاَ أَسْتَغْفِرُ لَكَ حَتَّى تَجْعَلَ لِي عَلَيْكَ أَنْ لاَ تَسْخَرَ بِي، وَلاَ تَذْكُرَ مَا سَمِعْتَ مِنْ عُمَرَ إِلَى أَحَدٍ. قَالَ: لَكَ ذَاكَ. قَالَ: فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ أُسَيْرٌ: فَمَا لَبِثَ أَنْ فَشَا حَدِيْثُهُ بِالكُوْفَةِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، أَلاَ أَرَاكَ أَنْتَ العُجْبُ، وَكُنَّا لاَ نَشْعُرُ. قَالَ: مَا كَانَ فِي هَذَا مَا أَتَبَلَّغُ بِهِ إِلَى النَّاسِ، وَمَا يُجْزَى كُلُّ عَبْدٍ إِلاَّ بِعَمَلِهِ. فَلَمَّا فَشَا الحَدِيْثُ، هَرَبَ، فَذَهَبَ (5) .   (1) في طبقات ابن سعد: " هل ها هنا ". (2) ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد. (3) لفظ ابن سعد في الطبقات: " ما هذا فينا يا أمير المؤمنين وما نعرفه ". (4) في نسخة للمؤلف: " يصف ". (5) الخبر في طبقات ابن سعد 6 / 161 وما بعدها والحلية 2 / 79، 80 وتاريخ الإسلام 2 / 173. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وَرَوَاهُ: أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ. وَفِي لَفْظٍ: أَوَ يُسْتَغْفَرُ لِمِثْلِكَ. وَرَوَى نَحْواً مِنْ ذَلِكَ: عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، وَزَادَ فِيْهَا: ثُمَّ إِنَّهُ غَزَا أَذْرَبِيْجَانَ، فَمَاتَ، فَتنَافَسَ أَصْحَابُهُ فِي حَفْرِ قَبْرِهِ (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَصْفَرِ، عَنْ صَعْصَعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: كَانَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ رَجُلاً مِنْ قَرَنٍ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَكَانَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، فَخَرَجَ بِهِ وَضَحٌ، فَدَعَا اللهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ. قَالَ: دَعْ فِي جَسَدِي مِنْهُ مَا أَذْكُرُ بِهِ نِعَمَكَ عَلَيَّ. فَتَرَكَ لَهُ مَا يَذْكُرُ بِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ. وَكَانَ رَجُلٌ يَلْزَمُ المَسْجِدَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، يُوْلَعُ بِهِ، فَإِنْ رَآهُ مَعَ قَوْمٍ أَغْنِيَاءَ، قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ يَسْتَأْكِلُهُم. وَإِنْ رَآهُ مَعَ قَوْمٍ فُقَرَاءَ، قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ يَخْدَعُهُم. وَأُوَيْسٌ لاَ يَقُوْلُ فِي ابْنِ عَمِّهِ إِلاَّ خَيْراً، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا مَرَّ بِهِ، اسْتَتَرَ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْثَمَ فِي سَبَبِهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْأَلُ الوُفُوْدَ إِذَا هُم قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنَ الكُوْفَةِ: هَلْ تَعْرِفُوْنَ أُوَيْسَ بنَ عَامِرٍ القَرَنِيَّ؟ فَيَقُوْلُوْنَ: لاَ. فَقَدِمَ وَفْدٌ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فِيْهِمُ ابْنُ عَمِّهِ ذَاكَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُوْنَ أُوَيْساً؟ قَالَ ابْنُ عَمِّهِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَهُوَ رَجُلٌ نَذْلٌ فَاسِدٌ، لَمْ يَبْلُغْ مَا أَنْ تَعْرِفَهُ أَنْتَ. قَالَ: وَيْلَكَ هَلَكْتَ! وَيْلَكَ هَلَكْتَ! إِذَا قَدِمْتَ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ، وَمُرْهُ فَلْيَفِدْ إِلَيَّ. فَقَدِمَ الكُوْفَةَ، فَلَمْ يَضَعْ ثِيَابَ سَفَرِهِ عَنْهُ حَتَّى أَتَى المَسْجِدَ، فَرَأَى أُوَيْساً، فَلَمَّ بِهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا ابْنَ عَمِّي. قَالَ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا ابْنَ عَمِّ. قَالَ: وَأَنْتَ فَغَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أُوَيْسُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، قَالَ:   (1) هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه ذكرها أبو نعيم في الحلية 2 / 83 وابن عساكر في تاريخه 3 / 110 آوما بعدها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 وَمَنْ ذَكَرَنِي لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: هُوَ ذَكَرَكَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُبَلِّغَكَ (1) أَنْ تَفِدَ إِلَيْهِ. قَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَوَفَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْتَ الَّذِي خَرَجَ بِكَ وَضَحٌ، فَدَعَوْتَ اللهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْكَ، فَأَذْهَبَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ دَعْ لِي فِي جَسَدِي مِنْهُ مَا أَذْكُرُ بِهِ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ، فَتَرَكَ لَكَ فِي جَسَدِكَ مَا تَذْكُرُ بِهِ نِعَمَهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: وَمَا أَدْرَاكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَوَاللهِ مَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا بَشَرٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ مِنْ قَرَنٍ، يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ، يَخْرُجُ بِهِ وَضَحٌ، فَيَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ، فَيُذْهِبَهُ، فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ دَعْ لِي فِي جَسَدِي مَا أَذْكُرُ بِهِ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ. فَيَدَعُ لَهُ مَا يَذْكُرُ بِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُم، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَهُ) ، فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا أُوَيْسُ. قَالَ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَأَنْتَ غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أُوَيْسَ بنَ عَامِرٍ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا عُمَرَ، قَالَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَجُلٌ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا أُوَيْسُ. وَقَالَ آخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا أُوَيْسُ. فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ، انْسَابَ، فَذَهَبَ، فَمَا رُؤِيَ حَتَّى السَّاعَةِ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَبِي الأَصْفَرِ. وَأَبُو الأَصْفَرِ: لَيْسَ بِمَعْرُوْفٍ (2) . مُعَلَّلُ بنُ نُفَيْلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِحْصَنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عُمَرُ، إِذَا رَأَيْتَ أُوَيْساً القَرَنِيَّ، فَقُلْ لَهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَإِنَّهُ يُشَفَّعُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مِثْلِ رَبِيْعَةَ وَمُضَرٍ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلاَمَةُ وَضَحٍ مِثْلُ الدِّرْهَمِ) .   (1) في الأصل: " نبلغك " وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه من ابن عساكر وابن حبان. (2) أورد الخبر ابن حبان بطوله في " المجروحين والضعفاء " 3 / 151 وقال عن أبي الاصفر هذا: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وأورده ابن عساكر في تاريخه 3 / 100 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 أَخْرَجَهُ: الإِسْمَاعِيْلِيُّ، فِي مُسْنَدِ عُمَرَ. وَمُحَمَّدُ بنُ مِحْصَنٍ: هُوَ العُكَاشِيُّ، تَالِفٌ (1) . أُنْبِئْتُ عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، قَالَ: فَمِنَ الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنَ التَّابِعِيْنَ: سَيِّدُ العُبَّادِ، وَعَلَمُ الأَصْفِيَاءِ مِنَ الزُّهَّادِ، أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ القَرَنِيُّ، بَشَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ، وَأَوْصَى بِهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ: وَرَوَاهُ: الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِزِيَادَةِ أَلْفَاظٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَمَا رَوَاهُ أَحَدٌ سِوَى: مَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ نَوْفَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْهُ. وَمِنْ أَلْفَاظِهِ: فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا أُوَيْسٌ؟ قَالَ: (أَشْهَلُ، ذُوْ صُهُوْبَةٍ، بَعِيْدُ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، مُعْتَدِلُ القَامَةِ، آدَمُ، شَدِيْدُ الأُدْمَةِ، ضَارِبٌ بِذَقْنِهِ عَلَى صَدْرِهِ، رَامٍ بِبَصَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، وَاضِعٌ يَمِيْنَهُ عَلَى شِمَالِهِ، يَتْلُوْ القُرْآنَ، يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ، ذُوْ طِمْرَيْنِ، لاَ يُؤْبَهُ لَهُ، يَتَّزِرُ بِإِزَارٍ صُوْفٍ، وَرِدَاءٍ صُوْفٍ، مَجْهُوْلٌ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، مَعْرُوْفٌ فِي السَّمَاءِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ وَإِنَّ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الأَيْسَرِ لَمْعَةً بَيْضَاءَ، أَلاَ وَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، قِيْلَ لِلْعُبَّادِ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ، وَيُقَالُ لأُوَيْسٍ: قِفْ، فَاشْفَعْ. فَيُشَفِّعُهُ اللهُ فِي مِثْلِ عَدَدِ رَبِيْعَةَ وَمُضَرٍ. يَا عُمَرُ، وَيَا عَلِيٌّ، إِذَا رَأَيْتُمَاهُ، فَاطْلُبَا إِلَيْهِ يَسْتَغْفِرْ لَكُمَا، يَغْفِرِ اللهُ لَكُمَا) . فَمَكَثَا يَطْلُبَانِهِ عَشْرَ سِنِيْنَ لاَ يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ السَّنَةِ الَّتِي هَلَكَ فِيْهَا عُمَرُ، قَامَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَهْلَ الحَجِيْجِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، أَفِيْكُم أُوَيْسٌ مِنْ مُرَادٍ؟ فَقَامَ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أُوَيْسٌ، وَلَكِنَّ ابْنَ أَخٍ لِي يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَهُوَ أَخْمَلُ ذِكْراً، وَأَقَلُّ مَالاً، وَأَهْوَنُ أَمْراً مِنْ أَنْ نَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَيَرْعَى إِبِلَنَا بِأَرَاكِ عَرَفَاتٍ.   (1) هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم ينسب إلى جده محصن فيقال: محمد بن محصن قال عنه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: كذاب. وقال الدارقطني: يضع الحديث. اه " الميزان " للمؤلف 3 / 476 و4 / 25. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 فَذَكَرَ اجْتِمَاعَ عُمَرَ بِهِ وَهُوَ يَرْعَى، فَسَأَلَهُ الاسْتِغْفَارَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَالاً، فَأَبَى. وَهَذَا سِيَاقٌ مُنْكَرٌ، لَعَلَّهُ مَوْضُوْعٌ (1) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ العُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ: عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَأُوَيْسٍ القَرَنِيِّ، وَهَرِمِ بنِ حَيَّانَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، وَمَسْرُوْقِ بنِ الأَجْدَعِ، وَالأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي الحَسَنِ (2) . وَرُوِيَ عَنْ هَرِمِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلاَّ أُوَيْسٌ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَدُفِعْتُ إِلَيْهِ بِشَاطِئ الفُرَاتِ، يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، مَحْلُوْقُ الرَّأْسِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَهِيْبُ المَنْظَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ يَدِي لأُصَافِحَهُ، فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي، فَخَنَقَتْنِي العَبْرَةُ لَمَّا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أُوَيْسُ، كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي؟ قَالَ: وَأَنْتَ فَحَيَّاكَ الله يَا هَرِمُ، مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ: {سُبْحَانَ رَبِّنَا، إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُوْلاً} [الإِسْرَاءُ: 108] . قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي، وَاسْمَ أَبِي؟! فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُكَ قَطُّ، وَلاَ رَأَيْتَنِي؟ قَالَ: عَرَفَتْ رُوْحِي رُوْحَكَ، حَيْثُ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ، لأَنَّ الأَرْوَاحَ لَهَا أُنْسٌ كَأُنْسِ الأَجْسَادِ (3) ، وَإِنَّ المُؤْمِنِيْنَ يَتَعَارَفُوْنَ بِرُوْحِ اللهِ، وَإِنْ نَأَتْ   (1) الحلية 2 / 81 وما بين الحاصرتين منه. (2) الحلية 2 / 87 وما بين الحاصرتين منه. (3) لفظ أبي نعيم في الحلية: أنفس كأنفس الاجساد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 بِهِمُ الدَّارُ، وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ المَنَازِلُ. قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِيْثٍ أَحْفَظُهُ عَنْكَ، فَبَكَى، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُدْرِكْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَعَلَّهُ قَدْ رَأَيْتُ مَنْ رَآهُ؛ عُمَرَ وَغَيْرَهُ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنَّ أَفْتَحَ هَذَا البَابَ عَلَى نَفْسِي، لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُوْنَ قَاصّاً (1) أَوْ مُفْتِياً. ثُمَّ سَأَلَهُ هَرِمٌ أَنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، فَتَلاَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيْقَاتُهُمْ أَجْمَعِيْنَ، يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً شَيْئاً، وَلاَ هُمْ يُنْصَرُوْنَ، إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ، إِنَّهُ هُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ} [الدُّخَانُ: 40 - 42] . ثُمَّ قَالَ: يَا هَرِمَ بنَ حَيَّانَ، مَاتَ أَبُوْكَ، وَيُوْشِكُ أَنْ تَمُوْتَ، فَإِمَّا إِلَى جَنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ. وَمَاتَ آدَمُ وَمَاتَتْ حَوَّاءُ، وَمَاتَ إِبْرَاهِيْمُ وَمُوْسَى وَمُحَمَّدٌ - عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ - وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيْفَةُ المُسْلِمِيْنَ، وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيْقِي وَصَفِيِّي عُمَرُ، وَاعُمَرَاهُ، وَاعُمَرَاهُ. قَالَ: وَذَلِكَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ. قَالَ: بَلَى، إِنَّ رَبِّي قَدْ نَعَاهُ لِي، وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ، وَأَنَا وَأَنْتَ غَداً فِي المَوْتَى. ثُمَّ دَعَا بِدَعَوَاتٍ خَفِيَّةٍ (2) ... ، وَذَكَرَ القِصَّةَ. أَوْرَدَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ (3)) ، وَلَمْ تَصِحَّ، وَفِيْهَا مَا يُنْكَرُ. عَنْ أَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: إِنَّمَا مَنَعَ أُوَيْساً أَنْ يَقْدَمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرُّهُ بِأُمِّهِ (4) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الأَشْعَثِ بنِ سَوَّارٍ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَأْتِيَ   (1) لفظ أبي نعيم في الحلية: قاضيا. (2) لفظ أبي نعيم في الحلية: خفاف. (3) 2 / 84 وما بعدها. (4) الحلية 2 / 87. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 مَسْجِدَهُ أَوْ مُصَلاَّهُ مِنَ العُرْيِ، يَحْجُزُهُ إِيْمَانُهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، مِنْهُم أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ، وَفُرَاتُ بنُ حَيَّانَ) (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: إِنْ كَانَ أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ لَيَتَصَدَّقُ بِثِيَابِهِ، حَتَّى يَجْلِسَ عُرْيَاناً، لاَ يَجِدُ مَا يَرُوْحُ فِيْهِ إِلَى الجُمُعَةِ (2) . أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ أَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ أُوَيْسٌ إِذَا أَمْسَى، يَقُوْلُ: هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوْعِ، فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ. وَكَانَ إِذَا أَمْسَى يَقُوْلُ: هَذِهِ لَيْلَةُ السُّجُوْدِ، فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ. وَكَانَ إِذَا أَمْسَى، تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (3) ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوْعاً، فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْياً، فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ (4) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ عَلَى أُوَيْسٍ القَرَنِيِّ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ أَحْمَدُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ: كَيْفَ الزَّمَانُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: كَيْفَ الزَّمَانُ عَلَى رَجُلٍ إِنْ أَصْبَحَ ظَنَّ أَنَّهُ لاَ يُمْسِي، وَإِنْ أَمْسَى ظَنَّ أَنَّهُ لاَ يُصْبِحُ، فَمُبَشَّرٌ بِالجَنَّةِ أَوْ مُبَشَّرٌ بِالنَّارِ. يَا أَخَا مُرَادٍ، إِنَّ المَوْتَ وَذِكْرَهُ لَمْ يَتْرُكْ لِمُؤْمِنٍ فَرَحاً، وَإِنَّ عِلْمَهُ بِحُقُوْقِ اللهِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ فِي مَالِهِ فِضَّةً وَلاَ ذَهَباً، وَإِنَّ قِيَامَهُ للهِ بِالحَقِّ لَمْ يَتْرُك لَهُ صَدِيْقاً (5) .   (1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2 / 84، وعبد الله بن الاشعث بن سوار لايعرف، ومحارب ابن دثار تابعي فالحديث منقطع. (2) الحلية 2 / 84. (3) لفظ أبي نعيم في الحلية: الثياب بدل الشراب. (4) الحلية 2 / 87. (5) الحلية 2 / 83. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 شَرِيْكٌ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: نَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّيْنَ: أَفِيْكُم أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا تُرِيْدُ مِنْهُ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ خَيْرُ التَّابِعِيْنَ بِإِحْسَانٍ (1)) . وَعَطَفَ دَابَّتَهُ، فَدَخَلَ مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حَكِيْمٍ الأَوْدِيِّ، أَنْبَأَنَا شَرِيْكٌ. وَزَادَ بَعْضُ الثِّقَاتِ فِيْهِ: عَنْ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: فَوُجِدَ فِي قَتْلَى صِفِّيْنَ. أَنْبَأَنَا وَخُبِّرْنَا عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ الهُذَيْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو - شَيْخٌ كُوْفِيٌّ - عَنْ أَبِي سِنَانٍ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بنَ صَالِحٍ، سَمِعْتُ أُوَيْساً القَرَنِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (احْفَظُوْنِي فِي أَصْحَابِي، فَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَلْعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ المَقْتُ عَلَى الأَرْضِ وَأَهْلِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ، فَلْيَضَعْ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ لِيَلْقَ رَبَّهُ -تَعَالَى- شَهِيْداً، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ (3)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ جِدّاً، وَإِسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ مُعَاوِيَةَ: تَالِفٌ. وَيُرْوَى عَنْ: عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ أُوَيْسٍ مِثْلُ رَبِيْعَةَ وَمُضَرٍ) (4) .   (1) إسناده ضعيف، لضعف شريك ويزيد بن أبي زياد، وهو في المستدرك 3 / 402. (2) الحلية 2 / 86. (3) الحلية 2 / 87، وهو خبر باطل كما قال المصنف رحمه الله. (4) لم نقف عليه وانظر ما يأتي قريبا، ففيه حديث صحيح بنحوه إلا أن الرجل الذي يشفع مبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ السَّدُوْسِيُّ (1) ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: نَادَى عُمَرُ بِمِنَىً عَلَى المِنْبَرِ: يَا أَهْلَ قَرَنٍ. فَقَامَ مَشَايِخٌ، فَقَالَ: أَفِيْكُم مَنِ اسْمُهُ أُوَيْسٌ؟ فَقَالَ شَيْخٌ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ذَاكَ مَجْنُوْنٌ يَسْكُنُ القِفَارَ، لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي أَعْنِيْهِ، فَإِذَا عُدْتُمْ، فَاطْلُبُوْهُ، وَبَلِّغُوْهُ سَلاَمِي وَسَلاَمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَقَالَ: عَرَّفَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَشَهَّرَ بِاسْمِي، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، السَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ. ثُمَّ هَامَ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يُوْقَفْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَثَرٍ دَهْراً، ثُمَّ عَادَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَاسْتُشْهِدَ مَعَهُ بِصِفِّيْنَ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ جِرَاحَةً (2) . وَرَوَى: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ أُوَيْسٍ أَكْثَرُ مِنْ رَبِيْعَةَ وَمُضَرٍ. وَرَوَى: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الجَدْعَاءِ: سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ (3) بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ (4)) . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (الكَامِلِ) : أُوَيْسٌ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، وَمَالِكٌ   (1) لم نقف له على ترجمة، وكذا ضبط في الأصل، ولعله أبو قرة الأسدي الذي يروي عن سعيد بن المسيب. (2) تاريخ الإسلام، 2 / 174 و175. (3) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل. (4) أخرجه الترمذي (2440) في صفة القيامة والدارمي 2 / 328 وابن ماجه 4316 وأحمد 3 / 469، 470، من حديث عبد الله بن جدعاء، وسنده قوي، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 366 من حديث خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر مجمع الزوائد 10 / 381 و382. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 يُنْكِرُ أُوَيْساً، ثُمَّ قَالَ: وَلاَ يَجُوْزُ أَنَّ يُشَكَّ فِيْهِ. أَخْبَارُ أُوَيْسٍ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ (1)) . الحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ (2)) : مَنْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرٍو البَجَلِيِّ، عَنْ حِبَّانَ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَرِيْفٍ، عَنْ أَصْبَغَ بنِ نُبَاتَةَ: شَهِدْتُ عَلِيّاً يَوْم صِفِّيْنَ يَقُوْلُ: مَنْ يُبَايِعُنِي عَلَى المَوْتِ؟ فَبَايَعَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُوْنَ، فَقَالَ: أَيْنَ التَّمَامُ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى أَطْمَارِ صُوْفٍ، مَحْلُوْقُ الرَّأْسِ، فَبَايَعَ. فَقِيْلَ: هَذَا أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ. فَمَا زَالَ يُحَارِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى قُتِلَ. سَنَدُهُ ضَعِيْفٌ. أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ، فَقَالَ لَهُ أُوَيْسٌ: يَا أَخَا مُرَادٍ، إِنَّ المَوْتَ لَمْ يُبْقِ لِمُؤْمِنٍ فَرَحاً، وَإِنَّ عِرْفَانَ المُؤْمِنِ بِحَقِّ اللهِ لَمْ يُبْقِ لَهُ فِضَّةً وَلاَ ذَهَباً، وَلَمْ يُبْقِ لَهُ صَدِيْقاً. وَعَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لأُوَيْسٍ: أَمَا حَجَجْتَ؟ فَسَكَتَ، فَأَعْطَوْهُ نَفَقَةً وَرَاحِلَةً، فَحَجَّ. أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ المَقْبُرِيِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ مُضَرٍ وَتَمِيْمٍ) . قِيْلَ: مَنْ هُوَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (أُوَيْسٌ القَرَنِيُّ) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: الأَعَيْنُ (3) ، وَهُوَ ثِقَةٌ.   (1) 3 / 97 آ. (2) 3 / 402 و403. (3) هو محمد بن أبي عتاب البغدادي، نقل عبد الخالق بن منصور عن ابن معين قوله: ليس هو من أصحاب الحديث. قال الخطيب: يعني لم يكن بالحافظ للطرق والعلل، وأما الصدق والضبط فلم يكن مدفوعا عنه، وعلة الحديث شيخ الاعين أبو صالح واسمه عبد الله بن صالح وهو ضعيف لكثرة غلطه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 6 - الأَشْتَرُ مَالِكُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ * مَلِكُ العَرَبِ، مَالِكُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ وَالأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ. وَكَانَ شَهْماً، مُطَاعاً، زَعِراً (1) ، أَلَبَّ عَلَى عُثْمَانَ، وَقَاتَلَهُ، وَكَانَ ذَا فَصَاحَةٍ وَبَلاَغَةٍ. شَهِدَ صِفِّيْنَ (2) مَعَ عَلِيٍّ، وَتَمَّيْزَ يَوْمَئِذٍ، وَكَادَ أَنْ يَهْزِمَ مُعَاوِيَةَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ عَلِيٍّ لَمَّا رَأَوْا مُصْحَفَ جُنْدِ الشَّامِ عَلَى الأَسِنَّةِ يَدْعُوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ. وَمَا أَمْكَنَهُ مُخَالَفَةُ عَلِيٍّ، فَكَفَّ (3) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَلِمَةَ المُرَادِيُّ: نَظَرَ عُمَرُ إِلَى الأَشْتَرِ، فَصَعَّدَ فِيْهِ النَّظَرَ، وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مِنْ هَذَا يَوْماً عَصِيْباً. وَلَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ مِنْ مَوْقِعَةِ صِفِّيْنَ، جَهَّزُ الأَشْتَرَ وَالِياً عَلَى دِيَارِ مِصْرَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ مَسْمُوْماً. فَقِيْلَ: إِنَّ عَبْداً لِعُثْمَانَ عَارَضَهُ، فَسَمَّ لَهُ عَسَلاً. وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ يَتَبَرَّمُ بِهِ، لأَنَّهُ صَعْبُ المِرَاسِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ نَعْيُهُ، قَالَ: إِنَّا للهِ، مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ! وَهَلْ مَوْجُوْدٌ مِثْلُ ذَلِكَ؟! لَوْ كَانَ حَدِيْداً لَكَانَ قَيْداً، وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً، عَلَى مِثْلِهِ فَلْتَبْكِ البَوَاكِي (4) .   (*) طبقات ابن سعد 6 / 213، طبقات خليفة ت 1057، المحبر 234، تاريخ البخاري 7 / 311، والجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 207، الولاة والقضاة 23، المؤتلف والمختلف 28، معجم الشعراء للمرزباني 262، سمط اللآلي 277، شرح الحماسة للتبريزي 1 / 75، تاريخ ابن عساكر 16 / 87 ا، تهذيب الكمال ص 1299، العبر 1 / 45، الإصابة ت 8341، تهذيب التهذيب 10 / 11، النجوم الزاهرة 1 / 102، وما بعدها، خلاصة تذهيب الكمال 366، دائرة المعارف الإسلامية 2 / 210. (1) زعر فلان: ساء خلقه فهو زعر. والزعارة: الشراسة وسوء الخلق. (2) انظر ص 12 تعليق 5 3) انظر تاريخ الطبري 5 / 48 وما بعدها. (4) ولاة مصر وقضاتها 24 وابن عساكر 16 / 191 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وَقَالَ بَعْضُهُم: قَالَ عَلِيٌّ: لِلْمَنْخَرَيْنِ وَالفَمِ (1) . وَسُرَّ بِهَلاَكِهِ عَمْرُو بنُ العَاصِ، وَقَالَ: إِنَّ للهِ جُنُوْداً مِنْ عَسَلٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَارَزَ الأَشْتَرَ، وَطَالَتِ المُحَاوَلَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: اقْتُلُوْنِي وَمَالِكاً ... وَاقْتُلُوا مَالِكاً مَعِي (2) 7 - ابْنُه ُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْتَرِ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ * أَحَدُ الأَبْطَالِ وَالأَشْرَافِ كَأَبِيْهِ، وَكَانَ شِيْعِيّاً، فَاضِلاً. وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ يَوْمَ وَقْعَةِ الخَازِرِ (3) ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً. قُتِلَ مَعَ مُصْعَبٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ (4) . 8 - يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ ** بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ الخَلِيْفَةُ، أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ،   (1) من أمثالهم، ويروى: " لليدين وللفم " انظر جمهرة الأمثال لأبي هلال 2 / 91. (2) وذهب مثلا، يضرب لكل من أراد بصاحبه مكروها وإن ناله منه ضرر. وفي رواية للطبري 4 / 520 أن قائله عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد في وقعة الجمل. انظر الفاخر للمفضل بن عاصم 160 ورواية الوفيات 7 / 195 والنجوم الزاهرة 1 / 105: اقتلاني ومالكا * واقتلا مالكا معي * تاريخ الإسلام 3 / 129، البداية والنهاية 8 / 323. (3) الخازر: نهر بين إربل والموصل، ثم بين الزاب الأعلى والموصل. انظر معجم البلدان. (4) في رواية للطبري في تاريخه 6 / 158 أنه كان قتل إبراهيم سنة إحدى وسبعين مع مصعب في قتاله عبد الملك بن مروان. (* *) المعارف 351، تاريخ اليعقوبي 2 / 215، مروج الذهب 2 / 567، جمهرة الأنساب 103، تاريخ ابن عساكر 18 / 195 آ، الكامل في التاريخ 4 / 126، منهاج السنة 2 / 237، تاريخ الإسلام 3 / 91، العبر 1 / 69، البداية والنهاية 8 / 226، تهذيب التهذيب 11 / 360، لسان الميزان 6 / 293، القلائد الجوهرية 262، تاريخ الخميس 2 / 300، شذرات الذهب 1 / 71، رغبة الآمل 4 / 83 و5 / 129. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. قَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهُوَ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ (1)) . لَهُ عَلَى هَنَاتِهِ حَسَنَةٌ، وَهِيَ غَزْوُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، وَكَانَ أَمِيْرَ ذَلِكَ الجَيْشِ، وَفِيْهِم مِثْلُ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ. عَقَدَ لَهُ أَبُوْهُ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، فَتَسَلَّمَ المُلْكَ عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً. فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ؛ وَلَمْ يُمْهِلْهُ اللهُ عَلَى فِعْلِهِ بِأَهْلِ المَدِيْنَةِ (2) لَمَّا خَلَعُوْهُ. فَقَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَمَاتَ، وَهُوَ أَبُو لَيْلَى مُعَاوِيَةُ. عَاشَ: عِشْرِيْنَ سَنَةً (3) ، وَكَانَ خَيْراً مِنْ أَبِيْهِ، وَبُوْيِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالمَشْرِقِ. وَيَزِيْدُ مِمَّنْ لاَ نَسُبُّهُ وَلاَ نُحِبُّهُ، وَلَهُ نُظَرَاءُ مِنْ خُلَفَاءِ الدَّوْلَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي مُلُوْكِ النَّوَاحِي، بَلْ فِيْهِم مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ (4) . وَإِنَّمَا عَظُمَ الخَطْبُ، لِكَوْنِهِ وَلِيَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَالعَهْدُ قَرِيْبٌ، وَالصَّحَابَةُ مَوْجُوْدُوْنَ، كَابْنِ عُمَرَ الَّذِي كَانَ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ. قِيْلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَزَوَّجَ مَيْسُوْنَ بِنْتَ بَحْدَلٍ الكَلْبِيَّةَ، فَطَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِيَزِيْدَ، فَرَأَتْ كَأَنَّ قَمَراً خَرَجَ مِنْهَا. فَقِيْلَ: تَلِدِيْنَ خَلِيْفَةً. وَكَانَ يَزِيْدُ - لَمَّا هَلَكَ أَبُوْهُ - بِنَاحِيَةِ حِمْصَ، فَتَلَقَّوْهُ إِلَى الثَّنِيَّةِ (5) ، وَهُوَ بَيْنَ أَخْوَالِهِ عَلَى بُخْتِيٍّ (6) ، لَيْسَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَلاَ سَيْفٌ. وَكَانَ ضَخْماً، كَثِيْرَ   (1) تاريخ الإسلام 3 / 91. (2) في وقعة الحرة المشهورة، انظر جوامع السيرة ص 357، 358 لابن حزم. (3) في " العبر " للمؤلف 1 / 69: عاش إحدى وعشرين سنة، وفي " الكامل " لابن الأثير 4 / 130: ومات وعمره إحدى وعشرون سنة وثمانية عشر يوما. (4) في الأصل: (منهم) وهو تصحيف. (5) هي ثنية العقاب بالضم: مشرفة على غوطة دمشق، يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص. اه معجم البلدان. (وتعرف اليوم بطلوع الثنايا) . (6) البختي: جمل طويل العنق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 الشَّعْرِ، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ، بِوَجْهِهِ أَثَرُ جُدَرِيٍّ. فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا الأَعْرَابِيُّ الَّذِي وَلِيَ أَمْرَ الأُمَّةِ! فَدَخَلَ عَلَى بَابِ تُوْمَا، وَسَارَ إِلَى بَابِ الصَّغِيْرِ، فَنَزَلَ إِلَى قَبْرِ مُعَاوِيَةَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، وَصَفَّنَا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً، ثُمَّ أُتِيَ بِبَغْلَةٍ، فَأَتَى الخَضْرَاءَ (1) ، وَأَتَى النَّاسُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ، وَقَدْ تَغَسَّلَ، وَلَبِسَ ثِيَاباً نَقِيَّةً، فَصَلَّى، وَجَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، وَخَطَبَ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يُغْزِيْكُمُ البَحْرَ، وَلَسْتُ حَامِلَكُم فِي البَحْرِ، وَإِنَّهُ كَانَ يُشْتِيْكُم بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَلَسْتُ أُشْتِي المُسْلِمِيْنَ فِي أَرْضِ العَدُوِّ، وَكَانَ يُخْرِجُ العَطَاءَ أَثْلاَثاً، وَإِنِّي أَجْمَعُهُ لَكُم. فَافْتَرَقُوا، يُثْنُوْنَ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ: سَمِعَ يَزِيْدَ يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: إِنَّ اللهَ لاَ يُؤَاخِذُ عَامَّةً بِخَاصَّةٍ، إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ مُنْكَرٌ فَلاَ يُغَيَّرُ، فَيُؤَاخِذُ الكُلَّ. وَقِيْلَ: قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ هَمَّامٍ، فَقَالَ: أَجَرَكَ اللهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى الرَّزِيَّةِ، وَبَارَكَ لَكَ فِي العَطِيَّةِ، وَأَعَانَكَ عَلَى الرَّعِيَّةِ، فَقَدْ رُزِئْتَ عَظِيْماً، وَأَعْطَيْتَ جَزِيْلاً، فَاصْبِرْ، وَاشْكُرْ، فَقَدْ أَصْبَحْتَ تَرْعَى الأُمَّةَ، وَاللهُ يَرْعَاكَ. وَعَنْ زِيَادٍ الحَارِثِيِّ، قَالَ: سَقَانِي يَزِيْدُ شَرَاباً مَا ذُقْتُ مِثْلَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَمْ أُسَلْسِلْ مِثْلَ هَذَا. قَالَ: هَذَا رُمَّانُ حُلْوَانَ، بِعَسَلِ أَصْبَهَانَ، بِسُكَّرِ الأَهْوَازِ، بِزَبِيْبِ الطَّائِفِ، بِمَاءِ بَرَدَى. وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مِسْمَعٍ، قَالَ: سَكِرَ يَزِيْدُ، فَقَامَ يَرْقُصُ، فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ، فَانْشَقَّ، وَبَدَا دِمَاغُهُ. قُلْتُ: كَانَ قَوِيّاً، شُجَاعاً، ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَفِطْنَةٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَكَانَ نَاصِبِيّاً (2) ، فَظّاً، غَلِيْظاً، جَلْفاً، يَتَنَاوَلُ المُسْكِرَ، وَيَفْعَلُ المُنْكَرَ.   (1) انظر ص 16 تعليق (4) . (2) من " الناصبية " وهم المنافقون المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه، سموا بذلك لانهم نصبوا له وعادوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيْدِ الحُسَيْنِ، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةِ الحَرَّةِ، فَمَقَتَهُ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمُرِه. وَخَرَجَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ الحُسَيْنِ: كَأَهْلِ المَدِيْنَةِ قَامُوا (1) للهِ، وَكَمِرْدَاسِ بنِ أُدَيَّةَ الحَنْظَلِيِّ البَصْرِيِّ (2) ، وَنَافِعِ بنِ الأَزْرَقِ (3) ، وَطَوَّافِ بنِ مُعَلَّى السَّدُوْسِيِّ (4) ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ (5) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ، فَقَالَ: أَصَبْتُمُ اسْمَهُ. ثُمَّ قَالَ: عُمَرُ الفَارُوْقُ قَرْنٌ مِنْ حَدِيْدٍ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ، ابْنُ عَفَّانَ ذُوْ النُّوْرَيْنِ قُتِلَ مَظْلُوْماً، مُعَاوِيَةُ وَابْنُهُ مَلَكَا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ، وَالسَّفَّاحُ، وَسَلاَمٌ، وَمَنْصُوْرٌ وَجَابِرٌ، وَالمَهْدِيُّ، وَالأَمِيْنُ، وَأَمِيْرُ العُصَبِ (6) : كُلُّهُم مِنْ بَنِي كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، كُلُّهُم صَالِحٌ، لاَ يُوْجَدُ مِثْلَهُ. تَابَعَهُ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ (7) . وَرَوَى: يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو حِيْنَ بَعَثَهُ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لَهُ: إِنِّي أَجِدُ فِي الكُتُبِ: إِنَّكَ   (1) انظر ص 36 تعليق (2) . (2) انظر خبر خروجه في: تاريخ الطبري 5 / 313 وتاريخ ابن الأثير 3 / 518 وتاريخ الإسلام 2 / 359. (3) انظر خبر خروجه الطبري 5 / 565 و613، وابن الأثير 4 / 143 و165 و194، وتاريخ الإسلام 2 / 360. (4) في الأصل: " معل " وهو تصحيف وما أثبتناه من تاريخ خليفة وتاريخ الإسلام ويقال له: طواف بن غلاق. انظر خبر خروجه تاريخ خليفة 259 وابن الأثير 3 / 516 وتاريخ الإسلام 2 / 360. (5) انظر خبر خروجه تاريخ خليفة 251 وما بعدها، وابن الأثير 4 / 129، وتاريخ الإسلام 2 / 360 وما بعدها، والبداية والنهاية 8 / 224 و238. (6) في الأصل " الغضب " وهو تصحيف، والتصويب من تهذيب اللغة 2 / 47 للازهري. (7) الخبر في تاريخ الإسلام 3 / 91 وقد قال المؤلف في نهايته ما نصه: " روى نحوه محمد ابن عثمان بن أبي شيبة عن أبيه، عن أبي سامة، عن الثوري، عن هشام بن حسان، ثنا محمد بن سيرين. وله طريق آخر ولم يرفعه أحد " اهـ. = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 سَتُعَنَّى وَنُعَنَّى، وَتَدَّعِي الخِلاَفَةَ وَلَسْتَ بِخَلِيْفَةٍ، وَإِنِّي أَجِدُ الخَلِيْفَةَ يَزِيْدَ. وَعَنِ الحَسَنِ: أَنَّ المُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ أَشَارَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِبَيْعَةِ ابْنِهِ، فَفَعَلَ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا وَرَاءكَ؟ قَالَ: وَضَعْتُ رِجْلَ مُعَاوِيَةَ فِي غَرْزِ غَيٍّ لاَ يَزَالُ فِيْهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قَالَ الحَسَنُ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَايَعَ هَؤُلاَءِ أَوْلاَدَهُم، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَتْ شُوْرَى. وَرُوِيَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُعْطِي عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ فِي العَامِ أَلْفَ أَلْفٍ، فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى يَزِيْدَ أَعْطَاهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَجْمَعُهُمَا لِغَيْرِكَ (1) . رَوَى: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُوْلٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِماً حَتَّى يَثْلِمَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، يُقَالُ لَهُ: يَزِيْدُ (2)) . أَخْرَجَهُ: أَبُو يَعْلَى فِي (مُسْنَدِهِ) . وَيَرْوِيْهِ: صَدَقَةُ السَّمِيْنُ - وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ - عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، مَرْفُوْعاً.   = وأورده المؤلف في ترجمة عثمان بن عفان 2 / 147 إلى قوله: "..قتل مظلوما. " وهو الصواب لان عبد الله بن عمرو راوي الخبر لم يدرك السفاح وما بعده. وأورد فيه أيضا 2 / 143 خبرا بنحوه وبأخصر منه من طريق الجريري،، عن عبد الله بن شقيق، عن الاقرع مؤذن عمر أن عمر دعا الاسقف، فقال: هل تجدونا في كتبكم؟ قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدني؟ قال: قرن من حديد، قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: فالذي بعدي؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال: يرحم الله ابن عفان فالذي بعده؟ قال: صدع - وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ - من حديد، فقال عمر: وادقراه وادفراه، قال: مهلا يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء. ورجاله ثقات إلا أنه منكر. (1) لفظ المؤلف في تاريخ الإسلام 3 / 92 هكذا: "..فلما وفد على يزيد أعطاه ألف ألف. فقال عبد الله له: بأبي أنت وأمي، فأمر له بألف ألف أخرى. فقال له عبد الله: والله لا أجمعهما لأحد بعدك " اهـ. (2) الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعن، ثم إن فيه انقطاعا أو اعضالا بين مكحول وأبي عبيدة وطريق أبي يعلى فيه صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف. وانقطاع بين أبي نعلبة؟ ؟ وأبي عبيدة فالخبر لا يصح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وَعَنْ صَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَشَى عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَرَادُوْهُ عَلَى خَلْعِ يَزِيْدَ، فَأَبَى. فَقَالَ ابْنُ مُطِيْعٍ: إِنَّهُ يَشْرَبُ الخَمْرَ، وَيَتْرُكُ الصَّلاَةَ، وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الكِتَابِ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا تَذْكُرُ (1) ، وَقَدْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَرَأَيْتُهُ مُوَاظِباً لِلصَّلاَةِ، مُتَحَرِّياً لِلْخَيْرِ، يَسْأَلُ عَنِ الفِقْهِ. قَالَ: ذَاكَ تَصَنُّعٌ وَرِيَاءٌ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ نَوْفَلِ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَزِيْدُ. فَأَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَ عِشْرِيْنَ سَوْطاً (2) . تُوُفِّيَ يَزِيْدُ فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. 9 - عَبِيْدَةُ بنُ عَمْرٍو السَّلْمَانِيُّ المُرَادِيُّ الكُوْفِيُّ * الفَقِيْهُ، المُرَادِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وَسَلْمَانُ جَدُّهُم، هُوَ ابْنُ نَاجِيَةَ بنِ مُرَادٍ. أَسْلَمَ عَبِيْدَةُ فِي عَامِ فَتْحِ مَكَّةَ، بِأَرْضِ اليَمَنِ، وَلاَ صُحْبَةَ لَهُ. وَأَخَذَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَكَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ   (1) في تاريخ الإسلام والبداية 8 / 233 " ما تذكرون ". (2) تاريخ الإسلام 3 / 94. (*) ويقال ابن قيس، مترجم في: طبقات ابن سعد 6 / 93، طبقات خليفة ت 1045، تاريخ البخاري 6 / 82، المعارف 425، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 91، الاستيعاب ت 1754، تاريخ بغداد 11 / 117، طبقات الشيرازي 80، أسد الغابة 3 / 356، اللباب 1 / 552، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 317، تهذيب الكمال ص 902. 903، تاريخ الإسلام 3 / 191، تذكرة الحفاظ 1 / 47، العبر 1 / 79، البداية والنهاية 8 / 328، طبقات القراء / ت 2073، الإصابة ت 6405، تهذيب التهذيب 7 / 84، النجوم الزاهرة 1 / 189، طبقات الحفاظ للسيوطي 14، خلاصة تذهيب الكمال 256، شذرات الذهب 1 / 78، تاج العروس مادة (سلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 سَلِمَةَ المُرَادِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَمُسْلِمٌ أَبُو حَسَّانٍ الأَعْرَجُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِي شُرَيْحاً فِي القَضَاءِ (1) . قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَشَدَّ تَوَقِّياً مِنْ عَبِيْدَةَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ مُكْثِراً عَنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ عَبِيْدَةُ أَحَدَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الَّذِيْنَ يُقْرِئُوْنَ وَيُفْتُوْنَ، وَكَانَ أَعْوَرَ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخَطِيْبِ عَامَ سَبْعِ مائَةٍ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوَّاقُ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ حَامِدٍ الرُّخَّجِيُّ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ عَبِيْدَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَنَتَيْنِ، وَلَمْ أَرَهُ (2) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ (3) : رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، أَنَّهُ قَالَ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، عَنْ عَبِيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ. قُلْتُ: لاَ تَفَوُّقَ (4) لِهَذَا الإِسْنَادِ مَعَ قُوَّتِهِ عَلَى: إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَلاَ عَلَى: الزُهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَيْنِ الإِسْنَادَيْنِ رُوِيَ بِهِمَا أَحَادِيْثُ جَمَّةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الأَوَّلُ، فَمَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) لِعَبِيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ.   (1) انظر ص 102 رقم (3) . (2) في تاريخ الإسلام 3 / 191: " أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وصليت ولم ألقه " وما بين الحاصرتين منه، وانظر طبقات ابن سعد 6 / 93. (3) في مقدمة ابن الصلاح بتحقيق الطباخ ص 11. (4) في الأصل: " لا شقوق " وهو تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 وَعِنْدَ البُخَارِيِّ حَدِيْثٌ آخَرُ، مَوْقُوْفٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيْثٍ آخَرَ، سَأَرْوِيْهِ بَعْدُ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: كُنْيَةُ عَبِيْدَةَ: أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَبُو عَمْرٍو. وَرَوَى: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيْدَةَ، قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الأَشْرِبَةِ، فَمَا لِي شَرَابٌ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً إِلاَّ العَسَلُ وَاللَّبَنُ وَالمَاءُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقُلْتُ لِعَبِيْدَةَ: إِنَّ عِنْدَنَا مِنْ شَعْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً مِنْ قِبَلِ أَنسِ بنِ مَالِكٍ. فَقَالَ: لأَنْ يَكُوْنَ عِنْدِي مِنْهُ شَعْرَةٌ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ عَبِيْدَةَ هُوَ مِعْيَارُ كَمَالِ الحُبِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤْثِرَ شَعْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِأَيْدِي النَّاسِ. وَمِثْلُ هَذَا يَقُوْلُهُ هَذَا الإِمَامُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسِيْنَ سَنَةً، فَمَا الَّذِي نَقُوْلُهُ نَحْنُ فِي وَقْتِنَا لَوْ وَجَدْنَا بَعْضَ شَعْرِهِ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ، أَوْ شِسْعَ نَعْلٍ كَانَ لَهُ، أَوْ قُلاَمَةَ ظُفْرٍ، أَوْ شَقَفَةً مِنْ إِنَاءٍ شَرِبَ فِيْهِ. فَلَوْ بَذَلَ الغَنِيُّ مُعْظَمَ أَمْوَالِهِ فِي تَحْصِيْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ، أَكُنْتَ تَعُدُّهُ مُبَذِّراً أَوْ سَفِيْهاً؟ كَلاَّ. فَابْذُلْ مَا لَكَ فِي زَوْرَةِ مَسْجِدِهِ الَّذِي بَنَى فِيْهِ بِيَدِهِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ عِنْدَ حُجْرَتِهِ فِي بَلَدِهِ، وَالْتَذَّ بِالنَّظَرِ إِلَى أُحُدِهِ وَأَحِبَّهُ، فَقَدْ كَانَ نَبِيُّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّه، وَتَمَلَّأْ بِالحُلُوْلِ فِي رَوْضَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، فَلَنْ تَكُوْنَ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُوْنَ هَذَا السَّيِّدُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ وَوَلَدِكَ وَأَمْوَالِكَ وَالنَّاسِ كُلِّهِم. وَقَبِّلْ حَجَراً مُكَرَّماً نَزَلَ مِنَ الجَنَّةِ، وَضَعْ فَمَكَ لاَثِماً مَكَاناً قَبَّلَهُ سَيِّدُ البَشَرِ بِيَقِيْنٍ، فَهَنَّأَكَ اللهُ بِمَا أَعْطَاكَ، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مَفْخَرٌ. وَلَوْ ظَفِرْنَا بِالمِحْجَنِ الَّذِي أَشَارَ بِهِ الرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الحَجَرِ ثُمَّ قَبَّلَ مِحْجَنَهُ، لَحُقَّ لَنَا أَنْ نَزْدَحِمَ عَلَى ذَلِكَ المِحْجَنِ بِالتَّقْبِيْلِ وَالتَّبْجِيْلِ. وَنَحْنُ نَدْرِي بِالضَّرُوْرَةِ أَنَّ تَقْبِيْلَ الحَجَرِ أَرْفَعُ وَأَفَضْلُ مِنْ تَقْبِيْلِ مِحْجَنِهِ وَنَعْلِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وَقَدْ كَانَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ إِذَا رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ أَخَذَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا، وَيَقُوْلُ: يَدٌ مَسَّتْ يَدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَنَقُوْلُ نَحْنُ إِذْ فَاتَنَا ذَلِكَ: حَجَرٌ مُعْظَّمٌ بِمَنْزِلَةِ يَمِيْنِ اللهِ فِي الأَرْضِ مَسَّتْهُ شَفَتَا نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَثِماً لَهُ. فَإِذَا فَاتَكَ الحَجُّ، وَتَلَقَّيْتَ الوَفْدَ، فَالْتَزِمِ الحَاجَّ، وَقَبِّلْ فَمَهُ، وَقُلْ: فَمٌ مَسَّ بِالتَّقْبِيْلِ حَجَراً قَبَّلَهُ خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ، أَتَعْجَزُوْنَ أَنْ تَكُوْنُوا مِثْلَ السَّلْمَانِيِّ وَالهَمْدَانِيِّ؟ -يَعْنِي الحَارِثَ بنَ الأَزْمَعِ وَلَيْسَ بِالأَعْوَرِ- إِنَّمَا هُمَا شَطْرَا رَجُلٍ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: وَكَانَ عَبِيْدَةُ أَعْوَرَ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ مِنْهُم مَنْ يُقَدِّمُ عَبِيْدَةَ، وَمِنْهُم مَنْ يُقَدِّمُ عَلْقَمَةَ، وَلاَ يَخْتَلِفُوْنَ أَنَّ شُرَيْحاً آخِرَهُم (1) . قَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنِ النُّعْمَانِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: دَعَا عَبِيْدَةُ بِكُتُبِهِ عِنْد مَوْتِهِ، فَمَحَاهَا، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تَضَعُوْهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا (2) . قَالَ عَاصِمٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: جَاءَ قَوْمٌ إِلَى عَبِيْدَةَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُم، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ حَتَّى تُؤَمِّرُوْنِي. عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي: قُلْتُ لِعَبِيْدَةَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَمُوْتُ، ثُمَّ تَرْجِعُ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، تَحْمِلُ رَايَةً، فَيُفْتَحُ لَكَ فَتْحٌ (3) . قَالَ: لَئِنْ أَحْيَانِي اللهُ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَاتَنِي اثْنَتَيْنِ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، مَا أَرَادَ بِي خَيْراً.   (1) انظر الخبر أو نحوه ص 56 رقم (4) و102 رقم (2) من هذا الجزء. (2) في طبقات ابن سعد 6 / 94: " أخشى أن يليها أحد بعدي فيضعوها الخ..". (3) زاد ابن سعد في الطبقات 6 / 95: " فيفتح لك فتح [لم يفتح لأحد قبلك ولا يفتح لأحد بعدك] .." الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 قَالَ أَبُو حُصَيْنٍ: أَوْصَى عَبِيْدَةُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ. فَقَالَ الأَسْوَدُ: عَجِّلُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَجِيْءَ الكَذَّابُ -يَعْنِي: المُخْتَارَ (1) -. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيْدَةَ، قَالَ: ذَكَرَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلَ النَّهْرَوَانِ، فَقَالَ: فِيْهِم رَجُلٌ مُوْدَنُ اليَدِ، أَوْ مُثْدَنُ اليَدِ (2) ، أَوْ مُخْدَجُ اليَدِ، لَوْلاَ أَنْ تَبْطَرُوا، لأَنْبَأْتُكُم مَا وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ يَقْتُلُوْنَهُ (3) عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِيْ وَرَبِّ الكَعْبَةِ. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. رَوَاهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ أَيْضاً، عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ. وَرَوَاهُ: ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ (4) . وَفِي وَفَاةِ عَبِيْدَةَ أَقْوَالٌ، أَصَحُّهَا: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.   (1) هو المختار بن أبي عبيد الثقفي، حبسه عبيد الله بن زياد لانحرافه عنه بعد قتله الحسين ثم نفاه. فعاهد ابن الزبير بمكة ثم تركه. ودعا إلى إمامة ابن الحنفية وقال: إنه استخلفه فبايعه كثير من الناس. ، فخرج بهم وعظم شأنه وتتبع قتلة الحسين، وهو الذي بعث ابن الاشتر لحرب ابن زياد وقتله. ولما كان مصعب أمير البصرة نشبت وقائع بينهما فحصر مصعب المختار في قصر الكوفة وقتله سنة 67 هـ قال المؤلف في " الميزان ": لا ينبغي أن يروى عنه شيء، لأنه ضال مضل كان يزعم أن جبريل عليه السلام ينزل عليه، وهو شر من الحجاج أو مثله. (2) عند مسلم وأبي داود وابن ماجه وأحمد بلفظ (مثدون) وانفرد أحمد بإحدى رواياته 1 / 83 بلفظ (مثدن) ومخدج اليد، ومودن اليد: أي يده ناقصة الخلق، قصيرة، ومثدن ومثدون اليد: صغير اليد مجتمعها. (3) كذا في الأصل، وهي عند مسلم وغيره: " يقتلونهم ". (4) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1066) (155) في الزكاة باب التحريض على قتل = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 10 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ الأَشْعرِيُّ * (م، 4) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، شَيْخُ أَهْلِ فِلَسْطِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - وَتَفَقَّهَ بِهِ - وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَأَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْعرِيِّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : ثِقَةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. بَعَثَهُ عُمَرُ إِلَى الشَّامِ يُفَقِّهُ النَّاسَ، وَكَانَ أَبُوْهُ صَحَابِيّاً، هَاجَرَ مَعَ أَبِي مُوْسَى. قَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: وُلِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. قُلْتُ: رَوَى لَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي (مُسْنَدِهِ) أَحَادِيْثَ، لَكِنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صُحْبَةٌ. فَقَدْ ذَكَرَ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَهُ رُؤْيَةٌ.   = الخوارج، وأبو داود (4763) في السنة، باب قتال الخوارج، وابن ماجه (167) في المقدمة، وأحمد في مسند علي 1 / 83 و95 و113 و121 و122 و144 و155. (*) طبقات ابن سعد 7 / 441، طبقات خليفة ت 2883، المعرفة والتاريخ 2 / 309، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 274، الاستيعاب ت 1449، تاريخ ابن عساكر 10 / 73 آ، أسد الغابة 3 / 318، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 302، تهذيب الكمال ص 813، تاريخ الإسلام 3 / 188، تذكرة الحفاظ 1 / 48، العبر 1 / 89، البداية والنهاية 9 / 29، الإصابة ت 6371، تهذيب التهذيب 6 / 250، النجوم الزاهرة 1 / 198، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 30، خلاصة تذهيب الكمال 233، شذرات الذهب 1 / 84. (1) في الطبقات 7 / 441. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 وَأَمَّا أَبُو مُسْهِرٍ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ، هُوَ رَأْسُ التَّابِعِيْنَ، كَانَ بِفِلَسْطِيْنَ. وَقِيْلَ: تَفَقَّهَ بِهِ عَامَّةُ التَّابِعِيْنَ بِالشَّامِ، وَكَانَ صَادِقاً، فَاضِلاً، كَبِيْرَ القَدْرِ. مَاتَ هُوَ وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي وَقْتٍ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَشَبَابٌ (1) : تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ. 11 - كَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ أَبُو شَجَرَةَ الحَضْرَمِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو شَجَرَةَ الحَضْرَمِيُّ، الرُّهَاوِيُّ، الشَّامِيُّ، الحِمْصِيُّ، الأَعْرَجُ. وَيُكْنَى: أَبَا القَاسِمِ. أَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَنُعَيْمِ بنِ هَمَّارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبِي فَاطِمَةَ الأَزْدِيِّ، وَشُرَحْبِيْلَ بنِ السِّمْطِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرُ بنُ كُرَيْبٍ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَصَالِحُ بنُ أَبِي عُرَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَشُرَيْحُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَلُقْمَانُ بنُ عَامِرٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَائِذٍ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، مُرْسَلاً. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: أَنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ بِحِمْصَ سَبْعِيْنَ بَدْرِيّاً. قَالَ   (1) هو خليفة بن خياط في تاريخه ص 277. (*) طبقات ابن سعد 7 / 448، طبقات خليفة ت 2917، تاريخ البخاري 7 / 208، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 157، تاريخ ابن عساكر 14 / 258 آ، أسد الغابة 4 / 233، الإصابة ت 7485، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 66، تهذيب الكمال ص 1145، تاريخ الإسلام 3 / 204، تذكرة الحفاظ 1 / 49، تهذيب التهذيب 8 / 428، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 15، خلاصة تذهيب الكمال 320. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 اللَّيْثُ: وَكَانَ يُسَمَّى الجُنْدَ المُقَدَّمَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَحَادِيْثِهِم إِلاَّ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا. مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَمَرَرْتُ بِعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ وَهُوَ بَاسِطٌ رِجْلَيْهِ، فَضَمَّهُمَا، ثُمَّ قَالَ: يَا كَثِيْرُ، أَتَدْرِي لِمَ بَسَطْتُ رِجْلِي؟ بَسَطْتُهُمَا رَجَاءَ أَنْ يَجِيْءَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَأُجْلِسَهُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُوْنَ رَجُلاً صَالِحاً. هَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ، عَنْ صَحَابِيٍّ جَلِيْلٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: قُلْتُ لِدُحَيْمٍ: فَمَنْ يَكُوْنُ مَعَ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ فِي طَبَقَتِهِمَا؟ قَالَ: كَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ. فَذَاكَرْتُهُ سِنَّهُ، وَمُنَاظَرَةَ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِيَّاهُ فِي القِرَاءةِ خَلْفَ الإِمَامِ، وَقَوْلَ عَوْفٍ فِيْهِ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُوْنَ صَالِحاً، فَرَآهُ مَعَهُمَا فِي طَبَقَةٍ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: بَقِيَ كَثِيْرٌ إِلَى خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. قُلْتُ: عِدَادُهُ فِي المُخَضْرَمِيْنَ، وَمَاتَ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ أَوْ قَبْلَهُ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا، إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُوْرِ العِيْنِ: لاَ تُؤْذِيْهِ - قَاتَلَكِ اللهُ - فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيْلٌ، يُوْشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الحَسَنِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَإِسْنَادُهُ: صَحِيْحٌ، مُتَّصِلٌ (1) .   (1) أخرجه الترمذي في سننه (1174) (19) في أبواب الرضاع، وابن ماجه (2014) (62) كتاب النكاح باب في المرأة تؤذي زوجها، وأحمد 5 / 242. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 12 - هَرِمُ بنُ حَيَّانَ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ وَيُقَالُ: الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ العَابِدِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَلِيَ بَعْضَ الحُرُوْبِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ بِبِلاَدِ فَارِسٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ عَامِلاً لِعُمَرَ، وَكَانَ ثِقَةً، لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ. وَقِيْلَ: سُمِّيَ هَرِماً؛ لأَنَّهُ بَقِيَ حَمْلاً سَنَتَيْنِ حَتَّى طَلَعَتْ أَسْنَانُهُ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِمَ هَرِمٌ دِمَشْقَ فِي طَلَبِ أُوَيْسٍ القَرَنِيِّ. سَعْدَوَيْه: عَنْ يُوْسُفَ بنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا المُعَلَّى بنُ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ هَرِمٌ يَخْرُجُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَجِبْتُ مِنَ الجَنَّةِ كَيْفَ نَامَ طَالِبُهَا؟! وَعَجِبْتُ مِنَ النَّارِ كَيْفَ نَامَ هَارِبُهَا؟! ثُمَّ يَقُوْلُ: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً (2) ... } [الأَعْرَافُ: 97] . سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: قِيْلَ لِهَرِمِ بنِ حَيَّانَ العَبْدِيِّ: أَوْصِ. قَالَ: قَدْ صَدَقَتْنِي نَفْسِي، وَمَا لِي مَا أُوْصِي بِهِ، وَلَكِنْ أُوْصِيْكُم بِخَوَاتِيْمِ سُوْرَةِ النَّحْلِ. هِشَامٌ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ هَرِمٍ: أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: أَوصِنَا. فَقَالَ: أُوْصِيْكُم بِخَوَاتِيْمِ سُوْرَةِ البَقَرَةِ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ: أَنَّ هَرِمَ بنَ حَيَّانَ أَشْرَفَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ، وَإِذَا صَاحِبُ حَرَسِهِ يَلْعَبُ، وَكَانَ عَامِلاً لِعُمَرَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 131، طبقات خليفة ت 1581، تاريخ البخاري 8 / 243، المعارف ص 435، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 110، الحلية 2 / 119، الاستيعاب ت 2675، أسد الغابة 5 / 57، تاريخ الإسلام 3 / 211، الإصابة ت 8947، النجوم الزاهرة 1 / 132. (1) في الطبقات 7 / 131، 132. (2) زاد أبو نعيم في الحلية 2 / 119: "..ثم يقرأ (والعصر) و (ألهاكم) ثم يرجع إلى أهله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: أَوْقَدَ هَرِمٌ نَاراً، فَجَاءَ قَوْمُهُ، فَسَلَّمُوا مِنْ بَعِيْدٍ. قَالَ: ادْنُوا. قَالُوا: مَا نَقْدِرُ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَتُرِيْدُوْنَ أَنْ تُلْقُوْنِي فِي نَارٍ أَعْظَمَ مِنْهَا. أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ هَرِمِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ: إِيَّاكُم وَالعَالِمَ الفَاسِقَ. فَبَلَغَ عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ - وَأَشْفَقَ مِنْهَا -: مَا العَالِمُ الفَاسِقُ؟ فَكَتَبَ: مَا أَرَدْتُ إِلاَّ الخَيْرَ، يَكُوْنُ إِمَامٌ يَتَكَلَّمُ بِالعِلْمِ، وَيَعْمَلُ بِالفِسْقِ، وَيُشَبِّهُ عَلَى النَّاسِ، فَيَضِلُّوا. الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ القَحْذَمِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ أَبِي العَاصِ وَجَّهَ هَرِمَ بنَ حَيَّانَ إِلَى قَلْعَةٍ، فَافْتَتَحَهَا عَنْوَةً (1) . وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: خَرَجَ هَرِمٌ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، فَبَيْنَمَا رَوَاحِلُهُمَا تَرْعَى، إِذْ قَالَ هَرِمٌ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ كُنْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، لَقَدْ رَزَقَنِي اللهُ الإِسْلاَمَ، وَإِنِّي لأَرْجُو. قَالَ: وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَأَكَلَتْنِي هَذِهِ النَّاقَةُ، ثُمَّ بَعَرَتْنِي، فَاتُّخِذْتُ جُلَّةً (2) وَلَمْ أُكَابِدِ الحِسَابَ، يَا ابْنَ أَبِي عَامِرٍ، وَيْحَكَ! إِنِّي أَخَافُ الدَّاهِيَةَ الكُبْرَى. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ هَرِمُ بنُ حَيَّانَ يَقُوْلُ: مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، إِلاَّ أَقْبَلَ اللهُ بِقُلُوْبِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَرْزُقَهُ وُدَّهُم. وَعَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَاتَ هَرِمُ بنُ حَيَّانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَلَمَّا نَفَضُوا أَيْدِيَهُم عَنْ قَبْرِهِ، جَاءتْ سَحَابَةٌ حَتَّى قَامَتْ عَلَى القَبْرِ، فَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَلاَ أَقْصَرَ مِنْهُ، وَرَشَّتْهُ حَتَّى رَوَّتْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَتْ. رَوَاهَا: اثْنَانِ (3) ، عَنْ هِشَامٍ.   (1) تاريخ خليفة ص 159. (2) الجلة: البعر الذي لم ينكسر، يستعمل في الوقود. (3) هما: عبد الواحد بن سليمان البراء، وعمرو بن حمدان أبو النضر، كما في الحلية 2 / 122. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 ضَمْرَةُ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أُمْطِرَ قَبْرُ هَرِمٍ مِنْ يَوْمِهِ، وَأَنْبَتَ العُشْبُ. 13 - الأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ أَبُو عَمْرٍو النَّخَعِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَمْرٍو النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، وَوَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، وَابْنُ أَخِي عَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَخَالُ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. فَهَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ رُؤُوْسِ العِلْمِ وَالعَمَلِ. وَكَانَ الأَسْوَدُ مُخَضْرَماً، أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلاَمَ. وَحَدَّثَ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَبِلاَلٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَخُوْهُ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ نَظِيْرُ مَسْرُوْقٍ فِي الجَلاَلَةِ وَالعِلْمِ وَالثِّقَةِ وَالسِّنِّ، يُضْرَبُ بِعِبَادَتِهِمَا المَثَلُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ يُذْكَرُ أَنَّهُ ذَهَبَ بِمَهْرِ أُمِّ عَلْقَمَةَ إِلَيْهَا مِنْ قَيْسٍ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 70، طبقات خليفة ت 1255، تاريخ البخاري 1 / 449، المعارف ص 432، المعرفة والتاريخ 2 / 559، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 291، الحلية 2 / 102، الاستيعاب ت 53، طبقات الشيرازي 79، أسد الغابة 1 / 88، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 122، تهذيب الكمال ص 113، تاريخ الإسلام 3 / 137، تذكرة الحفاظ 1 / 48، العبر 1 / 86، البداية والنهاية 9 / 12، طبقات القراء / ت 796، الإصابة ت 457، تهذيب التهذيب 1 / 342، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 15، خلاصة تذهيب الكمال 37، شذرات الذهب 1 / 82. (1) في الطبقات 6 / 70. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 جَدِّهِ، وَرَوَى عَنِ: الصِّدِّيْقِ أَنَّهُ جَرَّدَ مَعَهُ الحَجَّ. وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَسَمِعَ بِاليَمَنِ مِنْ مُعَاذٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ: كَانَ أَبِي يَسْجُدُ فِي بُرْنُسِ طَيَالِسَةٍ وَيَدَاهُ فِيْهِ، أَوْ فِي ثِيَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَقَدْ أَرْسَلَهَا مِنْ خَلْفِهِ، وَرَأَيْتُهُ أَصْفَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَجَّ الأَسْوَدُ ثَمَانِيْنَ، مِنْ بَيْنِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَنْدَلٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ الأَسْوَدُ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ، وَكَانَ يَنَامُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، وَكَانَ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ سِتِّ لَيَالٍ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، فَقَالَ: كَانَ صَوَّاماً، قَوَّاماً، حَجَّاجاً. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: رُبَّمَا أَحْرَمَ الأَسْوَدُ مِنْ جَبَّانَةِ عَرْزَمٍ (1) . وَقَالَ جَابِرٌ الجُعْفِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ الأَسْوَدَ إِذَا أَهَلَّ يُسَمِّي حَجّاً وَلاَ عُمْرَةً قَطُّ، يَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ نِيَّتِي. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَ الأَسْوَدُ يَقُوْلُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوْبِ. وَمِنْ مَنَاكِيْرِ مُوْسَى بنِ عُمَيْرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ: الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ،   (1) يستحب الاحرام من المواقيت، وعرزم محلة بالكوفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (حَصِّنُوا أَمْوَالَكُم بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُم بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاَءِ الدُّعَاءَ (1)) . قَرَأَ الأَسْوَدُ عَلَى: عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ فِي زُهْدِ الثَّمَانِيَةِ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: كَانَ الأَسْوَدُ يَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، وَيَصُوْمُ حَتَّى يَخْضَرَّ وَيَصْفَرَّ، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى. فَقِيْلَ لَهُ: مَا هَذَا الجَزَعُ؟ فَقَالَ: مَا لِي لاَ أَجْزَعُ، وَاللهِ لَوْ أُتُيْتُ بِالمَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ، لأَهَمَّنِي الحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا قَدْ صَنَعْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ الذَّنْبُ الصَّغِيْرُ فَيَعْفُو عَنْهُ، فَلاَ يَزَالُ مُسْتَحِياً مِنْهُ. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ: أَنَّ الأَسْوَدَ كَانَ يَصُوْمُ الدَّهْرَ - هَذَا صَحِيْحٌ عَنْهُ - وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ (2) ، أَوْ تَأَوَّلَ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 104 و4 / 237 والخطيب في " تاريخ بغداد " 6 / 334. وموسى بن عمير الذي تفرد به ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " القسم الأول من المجلد الرابع 155 نقلا عن عبد الرحمن عن أبيه قال: [موسى بن عمير] أبو هارون ذاهب الحديث كذاب. وضعفه أبو زرعة، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 63، 64 وعزاه للطبراني وقال: فيه موسى بن عمير الكوفي متروك. (2) وهو ما أخرجه البخاري 495 في الصوم باب صوم داود عليه السلام، ومسلم 1159 في الصيام باب النهي عن صيام الدهر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صام من صام الابد، صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله " وقوله: " لاصام من صام الابد " بمعنى الدعاء عليه. قال أبو بكر بن العربي في العارضة 3 / 299: فيا بؤس من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من قال إنه خبر، فيا بؤس من أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، فقد علم أنه لا يكتب له ثواب لوجوب الصدق في خبره صلى الله عليه وسلم، وقد نفى الفضل عنه فكيف يطلب ما نفاه النبي عليه السلام. وروى عبد الرزاق في المصنف 7371 من حديث ابن عيينة، عن هارون بن سعد، عن أبي عمرو الشيباني قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتي بطعام له، فاعتزل رجل من القوم، فقال: ماله؟ قال: إنه صائم، قال وما صومه؟ قال: الدهر. قال فجعل يقرع رأسه بقناة معه ويقول: كل يا دهر، كل يا دهر. واسنادة صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 وَرَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: كَانَ الأَسْوَدُ يَصُوْمُ حَتَّى يَسْوَدَّ لِسَانُهُ مِنَ الحَرِّ. وَرَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ الأَسْوَدَ كَانَ يُحْرِمُ مِنْ بَيْتِهِ. وَقَالَ أَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَعَمْرَو بنَ مَيْمُوْنٍ أَهَلاَّ مِنَ الكُوْفَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ يَسْجُدُ فِي بُرْنُسِ طَيَالِسَةٍ. قَدْ نَقَلَ العُلَمَاءُ فِي وَفَاةِ الأَسْوَدِ أَقْوَالاً، أَرْجَحُهَا: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ - وَاللهُ يَرْحَمُهُ -. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ الأَسْوَدُ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، أَنَاخَ بَعِيْرَهُ وَلَوْ عَلَى حَجَرٍ. 14 - عَلْقَمَةُ بنُ قَيْسِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيُّ * (ع) فَقِيْهُ الكُوْفَةِ، وَعَالِمُهَا، وَمُقْرِئُهَا، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المُجْتَهِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو شِبْلٍ عَلْقَمَةُ بنُ قَيْسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ سَلاَمَانَ بنِ كَهْلٍ (1) . وَقِيْلَ: ابْنُ كُهَيْلِ بنِ بَكْرِ بنِ عَوْفٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ المُنْتَشِرِ بن النَّخَعِ النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، عَمُّ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَخِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَالُ فَقِيْهِ العِرَاقِ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الرِّسَالَة المُحَمَّدِيَّةِ، وَعِدَادُهُ فِي المُخَضْرَمِيْنَ، وَهَاجَرَ فِي   (*) طبقات ابن سعد 6 / 86، طبقات خليفة ت 1054، تاريخ البخاري 7 / 41، المعارف 431، المعرفة والتاريخ 2 / 552، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 404، الحلية 2 / 98، تاريخ بغداد 12 / 296، طبقات الشيرازي 79، تاريخ ابن عساكر 11 / 404 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 342، تهذيب الكمال ص 957، تاريخ الإسلام 3 / 50، تذكرة الحفاظ 1 / 45، العبر 1 / 66، 67، مرآة الجنان 1 / 137، البداية والنهاية 8 / 217، طبقات القراء / ت 2135، الإصابة ت 6454، تهذيب التهذيب 7 / 276، النجوم الزاهرة 1 / 157، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 12، خلاصة تذهيب الكمال 271، شذرات الذهب 1 / 70. (1) في جمهرة ابن حزم (سلامان بن كميل) 416. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 طَلَبِ العِلْمِ وَالجِهَادِ، وَنَزَلَ الكُوْفَةَ، وَلاَزَمَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ حَتَّى رَأَسَ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَتَفَقَّهَ بِهِ العُلَمَاءُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسُلَيْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحُذَيْفَةَ، وَخَبَّابٍ، وَعَائِشَةَ، وَسَعْدٍ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ، وَأَبِي مُوْسَى، وَمَعْقِلِ بنِ سِنَانٍ، وَسَلَمَةَ بنِ يَزِيْدَ الجُعْفِيِّ، وَشُرَيْحِ بنِ أَرْطَاةَ، وَقَيْسِ بنِ مَرْوَانَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. وَجَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى: ابْنِ مَسْعُوْدٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَعُبَيْدُ بنُ نُضَيْلَةَ (1) ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّةٌ: كَإِبْرَاهِيْمَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَتَصَدَّى لِلإِمَامَةِ وَالفُتْيَا بَعْد عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَكَانَ يُشَبَّهُ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ. وَكَانَ طَلَبَتُهُ يَسْأَلُوْنَهُ وَيَتَفَقَّهُوْنَ بِهِ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُوْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُبَيْدُ بنُ نُضَيْلَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو الضُّحَى مُسْلِمُ بنُ صُبَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو ظَبْيَانَ حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبٍ الجَنْبِيُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَخْبَرَةَ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو قَيْسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَرْوَانَ الأَوْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْسَجَةَ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمَرَةَ، وَقَيْسُ بنُ رُوْمِيٍّ، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَهُنَيُّ بنُ نُوَيْرَةَ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أُوَيْسٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ لاَ الأُمَوِيُّ، وَأَبُو الرُّقَادِ النَّخَعِيُّ، وَالمُسَيَّبُ بنُ رَافِعٍ. وَأَرْسَلَ عَنْهُ: أَبُو الزِّنَادِ، وَغَيْرُهُ.   (1) كذا في الأصل، وأسد الغابة 3 / 354، وطبقات ابن سعد 6 / 117. وأما عند ابن حجر في الإصابة والتهذيب: ابن نضلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وَرَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَنَّى عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ عَلْقَمَةَ أَبَا شِبْلٍ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ عَقِيْماً، لاَ يُوْلَدُ لَهُ. الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ عَلْقَمَةُ: مَا حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي قِرْطَاسٍ أَوْ رُقْعَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبلٍ: عَلْقَمَةُ ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، وَكَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَسُئِلَ عَنْهُ وَعَنْ عَبِيْدَةَ فِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمْ يُخِيِّرْ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: عَلْقَمَةُ أَعْلَمُ بِعَبْدِ اللهِ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ أَصْحَابٌ حَفِظُوا عَنْهُ، وَقَامُوا بِقَوْلِهِ فِي الفِقْهِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَعْلُمُ النَّاسِ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ: عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَعَبِيْدَةُ، وَالحَارِثُ. وَرَوَى: زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَبَاحٍ أَبِي المُثَنَّى: أَلَيْسَ قَدْ رَأَيْتَ عَبْدَ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، وَحَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ ثَلاَثَ حَجَّاتٍ وَأَنَا رَجُلٌ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ وَعَلْقَمَةُ يَصُفَّانِ النَّاسَ صَفَّيْنِ عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَيُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ رَجُلاً، وَيُقْرِئُ عَلْقَمَةُ رَجُلاً، فَإِذَا فَرَغَا، تَذَاكَرَا أَبْوَابَ المَنَاسِكِ، وَأَبْوَابَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ. فَإِذَا رَأَيْتَ عَلْقَمَةَ، فَلاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَرَى عَبْدَ اللهِ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ سَمْتاً وَهَدْياً. وَإِذَا رَأَيْتَ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ، فَلاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَرَى عَلْقَمَةَ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ سَمْتاً وَهَدْياً. الأَعْمَشُ: عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: قُوْمُوا بِنَا إِلَى أَشْبَهِ النَّاسِ بِعَبْدِ اللهِ هَدْياً وَدَلاًّ وَسَمْتاً. فَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى جَلَسْنَا إِلَى عَلْقَمَةَ. وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِم. قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ أَبْطَنَ (1)   (1) يقال: بطن من فلان وبه: إذا صار من خواصه، واستبطن امره: إذا وقف على دخلته، فهو أبطن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 القَوْمِ بِهِ، وَكَانَ مَسْرُوْقٌ قَدْ خَلَطَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ (1) أَشَدَّ القَوْمِ اجْتِهَاداً، وَكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِي شُرَيْحاً فِي العِلْمِ وَالقَضَاءِ. رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَدِمَ الشَّامَ، فَدَخَلَ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَلِيْساً صَالِحاً. فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ. قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ... ، الحَدِيْثَ (2) . وَقَالَ الأَسْوَدُ: إِنِّي لأَذْكُرُ لَيْلَةَ عُرْسِ أُمِّ عَلْقَمَةَ. وَقَالَ شَبَابٌ (3) : شَهِدَ عَلْقَمَةُ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. وَرَوَى: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ الفُقَهَاءُ بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالكُوْفَةِ فِي أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ: عَلْقَمَةُ، وَعَبِيْدَةُ، وَشُرَيْحٌ، وَمَسْرُوْقٌ. وَرَوَى: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ القَوْمَ وَهُمْ يُقَدِّمُوْنَ خَمْسَةً: مَنْ بَدَأَ بِالحَارِثِ الأَعْوَرِ، ثَنَّى بِعَبِيْدَةَ، وَمَنْ بَدَأَ بِعَبِيَدَةَ، ثَنَّى بِالحَارِثِ، ثُمَّ عَلْقَمَةُ الثَّالِثُ، لاَ شَكَّ فِيْهِ، ثُمَّ مَسْرُوْقٌ، ثُمَّ شُرَيْحٌ، وَإِنَّ قَوْماً أَخَسُّهُم شُرَيْحٌ، لَقَوْمٌ لَهُم شَأْنٌ (4) . وَرَوَى: ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ خَمْسَةً، كُلُّهُم فِيْهِ عَيْبٌ: عَبِيْدَةُ أَعْوَرُ، وَمَسْرُوْقٌ أَحْدَبُ، وَعَلْقَمَةُ أَعْرَجُ، وَشُرَيْحٌ كَوْسَجٌ (5) ، وَالحَارِثُ أَعْوَرُ.   (1) في الأصل (خيثم) وهو تصحيف وما أثبتناه من نص المؤلف في ترجمته ص 258 وتاريخ الإسلام 3 / 15 و247 و365 وتهذيب التهذيب 3 / 242. وهو مصحف في مصادر عدة. (2) أخرجه البخاري في فتح الباري 8 / 543، باب وما خلق الذكر والانثى ومسلم 828 في صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يتعلق بالقراءات. (3) هو خليفة بن خياط في تاريخ 196. (4) انظر الخبر أو نحوه ص 43 رقم (1) و102 رقم (2) من هذا الجزء. (5) الكوسج: الذي لا شعر على عارضيه: ويقال: النقي الخدين من الشعر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وَرَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ الَّذِيْنَ يُقْرِئُوْنَ النَّاسَ القُرْآنَ، وَيُعَلِّمُوْنَهُمُ السُّنَّةَ، وَيَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِم، سِتَّةً: عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَعَبِيْدَةُ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ، وَعَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَالحَارِثُ بنُ قَيْسٍ. وَرَوَى: إِسْرَائِيْلُ، عَنْ غَالِبٍ أَبِي الهُذَيْلِ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: أَعَلْقَمَةُ كَانَ أَفَضْلَ أَوِ الأَسْوَدُ؟ قَالَ: عَلْقَمَةُ، وَقَدْ شَهِدَ صِفِّيْنَ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، فَقَالَ: كَانَ الأَسْوَدُ صَوَّاماً، قَوَّاماً، كَثِيْرَ الحَجِّ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ مَعَ البَطِيْءِ، وَيُدْرِكُ السَّرِيْعَ. وَقَالَ مُرَّةُ الهَمْدَانِيُّ: كَانَ عَلْقَمَةُ مِنَ الرَّبَّانِيِّيْنَ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ عَقِيْماً؛ لاَ يُوْلَدُ لَهُ. وَرَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ سَنَتَيْنِ. وَرَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ كَانَا يُسَافِرَانِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ عَلْقَمَةُ أَبْطَنَ (1) القَوْمِ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ. الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ اللهِ بِشَرَابٍ، فَقَالَ: أَعْطِ عَلْقَمَةَ، أَعْطِ مَسْرُوْقاً. فَكُلُّهُم قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ: {يَخَافُوْنَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيْهِ القُلُوْبُ وَالأَبْصَارُ} [النُّوْرُ: 37] . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: كَانَ عَلْقَمَةُ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي خَمْسٍ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَطِيْلُوا كَرَّ (2) الحَدِيْثِ لاَ يَدْرَسُ. الأَعْمَشُ: عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ زِيَادٍ يَرَانِي مَعَ مَسْرُوْقٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدِمْتَ، فَالْقَنِي. فَأَتَيْتُ عَلْقَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ مِنْ دُنْيَاهُم شَيْئاً إِلاَّ أَصَابُوا   (1) انظر ص 55 رقم (1) (2) في الأصل: " اطلبوا كريذ الحديث " وهو تصحيف، وما أثبتناه هو الذي صوبه ابن عساكر في تاريخه من نسخة (ع) . وفي نسخة (س) 11 / 413 ب من حديث سليمان (ذكر الحديث) وكر الحديث مراجعته وتكراره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 مِنْ دِيْنِكَ مَا هُوَ أَفَضْلُ مِنْهُ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَعَ أَلْفَيَّ أَلْفَيْنِ وَأَنِّي أَكْرَمُ الجُنْدِ عَلَيْهِ (1) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: كَتَبَ أَبُو بُرْدَةَ عَلْقَمَةَ فِي الوَفْدِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: امْحُنِي، امْحُنِي. وَقَالَ عَلْقَمَةُ: مَا حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي قِرْطَاسٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: عَنْ عَلْقَمَةَ (2) : أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِرْذَوْنٌ يُرَاهِنُ عَلَيْهِ. الأَعْمَشُ: عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ: قُلْنَا لِعَلْقَمَةَ: لَوْ صَلَّيْتَ فِي المَسْجِدِ، وَجَلَسْنَا مَعَكَ، فَتُسْأَلَ. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا عَلْقَمَةُ. قَالُوا: لَوْ دَخَلْتَ عَلَى الأُمَرَاءِ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَنْتَقِصُوا مِنِّي أَكْثَرَ مِمَّا أَنْتَقِصُ مِنْهُم. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً قَدْ أَعْطَانِي اللهُ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالقُرْآنِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يُرْسِلُ إِلَيَّ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغْتُ مِنْ قِرَاءتِي، قَالَ: زِدْنَا - فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي - فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ زِيْنَةُ القُرْآنِ (3)) . أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا أَقْرَأُ شَيْئاً وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَلْقَمَةُ يَقْرَؤُهُ أَوْ يَعْلَمُهُ. قَالَ زِيَادُ بنُ حُدَيْرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،   (1) تاريخ ابن عساكر 11 / 412 ب وما بين الحاصرتين منه (2) في الأصل (إبراهيم) بدل (علقمة) وهو وهم من الناسخ وما أثبتناه من طبقات ابن سعد 6 / 88. (3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 6 / 90 وابن عساكر في تاريخه 11 / 409 ب وفي سنده سعيد بن زربي وهو منكر الحديث. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب: " زبنوا القرآن بأصواتكم " أخرجه أحمد 4 / 285 و304، وأبو داود (1468) والنسائي 2 / 179، 180 وابن ماجه (1342) والدارمي 2 / 474، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (660) والحاكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وَاللهِ مَا عَلْقَمَةُ بِأَقْرَئِنَا. قَالَ: بَلَى - وَالله - وَإِنْ شِئْتَ لأُخْبِرَنَّكَ بِمَا قِيْلَ فِي قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ. وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي خَمْسٍ، وَالأَسْوَدُ فِي سِتٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ فِي سَبْعٍ. جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: لأَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَأْتِي عَلْقَمَةَ وَتَدَعُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُوْنَ عَلْقَمَةَ وَيَسْتَفْتُوْنَهُ. شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ مَسْعُوْدٍ: مَا عَلْقَمَةُ بِأَقْرَئِنَا. قَالَ: بَلَى - وَالله - إِنَّهُ لأَقْرَؤُكُم. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، قَالَ: قِيْلَ لِعَلْقَمَةَ: لَوْ جَلَسْتَ فَأَقْرَأْتَ النَّاسَ وَحَدَّثْتَهُم. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُوْطَأَ عَقِبِي (1) ، وَأَنْ يُقَالَ: هَذَا عَلْقَمَةُ. فَكَانَ يَكُوْنُ فِي بَيْتِهِ يَعلِفُ غَنَمَهُ، وَيَقُتُّ (2) لَهُم، وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يُفْرِعُ بَيْنَهُنَّ إِذَا تَنَاطَحْنَ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ (3) يَأْتِي عَلْقَمَةَ، فَيَقُوْلُ: مَا أَزُوْرُ أَحَداً غَيْرَكَ أَوْ مَا أَزُوْرُ أَحَداً مَا أَزُوْرُكَ.   (1) يقال: فلان موطأ العقب، أي كثير الاتباع، والعقب مؤخر القدم. وفي حديث عمار، أن رجلا وشى به إلى عمر فقال: اللهم إن كذب علي فاجعله موطأ العقب، أي أن يكون سلطانا مقدما فيتبعه الناس ويمشون وراءه. (2) القت: الفصفصة وهي الرطبة من علف الدواب أو اليابس منه. (3) انظر ص 56 رقم (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِنْ كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ، فَهُم أَهْلُ هَذَا البَيْتِ؛ عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ. وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ الأَوْدِيُّ: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ آخِذاً بِالرِّكَابِ لِعَلْقَمَةَ. الأَعْمَشُ: عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: قِيْلَ لِعَلْقَمَةَ: أَلاَ تَغْشَى الأُمَرَاءَ، فَيَعْرِفُوْنَ مِنْ نَسَبِكَ؟ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مَعَ أَلْفَيَّ أَلْفَيْنِ، وَأَنِّي أَكْرَمُ الجُنْدِ عَلَيْهِ. فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَغْشَى المَسْجِدَ فَتَجْلِسَ وَتُفْتِيَ النَّاسَ؟ قَالَ: تُرِيْدُوْنَ أَنْ يَطَأَ النَّاسُ عَقِبِي، وَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا عَلْقَمَةُ. حُصَيْنٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ أَوْصَى، قَالَ: إِذَا أَنَا حُضِرْتُ، فَأَجْلِسُوا عِنْدِي مَنْ يُلَقِّنُنِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى حُفْرَتِي، وَلاَ تَنْعَوْنِي إِلَى النَّاسِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ نَعْياً كَنَعْيِ الجَاهِلِيَّةِ (1) . قَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ، وَأَحْسَنَ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. فَعَلَى هَذَا، أَصَحُّ ذَلِكَ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَعَنْ   (1) وأخرج أحمد 5 / 406، والترمذي (986) وابن ماجه (1476) والبيهقي 4 / 74 من حديث حذيفة بن اليمان أنه كان إذا مات له ميت قال: لا تؤذنوا به أحدا، إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي. وأخرج المرفوع منه ابن أبي شيبة في " المصنف " 4 / 98 وحسنه الحافظ في " الفتح " لكن هذا النهي قيده العلماء بما إذا كان يشبه النعي الذي كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب الدور والاسواق، أما إذا لم يقترن بشيء من ذلك وشبهه فلا حظر فيه، فقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعا، وأخرج البخاري في الجنائز: باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه. عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم..وأخرجه أحمد 5 / 299 و300، 301 من حديث أبي قتادة مطولا، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، إنهم انطلقوا حتى لقوا العدو، فأصيب زيد شهيدا، فاستغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على القوم حتى قتل شهيدا، أشهد له بالشهادة، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الامراء، هو أمر نفسه، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه وقال: " اللهم هو سيف من سيوفك فانصره " سنده قوي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 مَنْصُوْرٍ، وَعَنْهُمَا يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَنْهُمَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ -. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ عَلْقَمَةُ فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَعْنَبُ بنُ مُحَرِّرٍ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَلَمْ يَصِحَّ. وَشَذَّ: أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هَانِئ النَّخَعِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ. وَكَذَا نُقِلَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ (1) . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيُّ: عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَمِنْ طَبَقَتِهِ: 15 - عَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصِ بنِ مِحْصَنِ بنِ كَلَدَةَ اللَّيْثِيُّ * (ع) العُتْوَارِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَبِلاَلِ بنِ الحَارِثِ المُزَنِيِّ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ بِالكَثِيْرَةِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَمْرٌو وَعَبْدُ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى المَازِنِيُّ. وَلَهُ دَارٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَعَقِبٌ. مَاتَ: فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ (2) . حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السّتَّةِ.   (1) انظر أخبار موته تاريخ ابن عساكر 11 / 414 ب وما بعدها. (*) طبقات ابن سعد 5 / 60، طبقات خليفة ت 2017، تاريخ البخاري 7 / 40، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 405، الاستيعاب ت 1852، أسد الغابة 4 / 15، تهذيب الكمال ص 958، تاريخ الإسلام 3 / 193، تذكرة الحفاظ 1 / 50، الإصابة ت 6260، تهذيب التهذيب 7 / 280، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 16، خلاصة تذهيب الكمال 271. (2) الكامل لابن الأثير 4 / 525 ذكره في حوادث سنة ست وثمانين دون تحديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا فَارُوْقٌ الخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُقْبَلَ رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ (1) : تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ مَعْمرٌ هَذَا. 16 - جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ الأَزْدِيُّ الدَّوْسِيُّ * (ع) مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَعُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَبُسْرِ بنِ أَبِي أَرْطَاةَ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ سُلَيْمَانُ، وَبُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الصُّنَابِحِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو الخَيْرِ مَرْثَدٌ اليَزَنِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) في حلية الأولياء 2 / 101 وعلقمة الذي في السند هو علقمة بن قيس النخعي لاعلقمة ابن وقاص كما توهم المؤلف. وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 162 ونسبه للطبراني في الكبير والبزار وقال: ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي نعيم في الحلية 6 / 276، وصححه ابن حبان (913) وآخر من حديث ابن عمر عند ابن حبان أيضا (914) وأخرجه أحمد في المسند 2 / 108 إلا أن لفظه عنده: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 439، طبقات خليفة ت 2905، تاريخ البخاري 2 / 232، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 515، الاستيعاب ت 336، تاريخ ابن عساكر 4 / 15 آو 13 ب، أسد الغابة 1 / 298، وفيه: اسم أبيه كثير، وهو تصحيف، تهذيب الكمال ص 206، تاريخ الإسلام 3 / 146، العبر 1 / 91، البداية والنهاية 1 / 26، الإصابة ت 1201 وفيه نبه ابن حجر على الوهم بينه وبين جنادة الأزدي بن مالك، تهذيب التهذيب 2 / 115، النجوم الزاهرة 6 / 181 و200، خلاصة تذهيب الكمال 64، شذرات الذهب 1 / 88. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَلأَبِيْهِ أَبِي أُمَيَّةَ صُحْبَةٌ مَا (1) ، وَاسُمُهُ كَبِيْرٌ بِمُوَحَّدَةٍ. وَلِيَ جُنَادَةُ غَزْوَ البَحْرِ لِمُعَاوِيَةَ، وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَقَدْ أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلاَمَ. وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَسُئِلَ: أَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، لَهُ صُحْبَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ؟ قَالَ: هُوَ هُوَ. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ (2) ، وَالعِجْلِيُّ، وَطَائِفَةٌ، فَقَالُوا: تَابِعِيٌّ، شَامِيٌّ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّ لَهُ حَدِيْثٌ، فَيَكُوْنُ مُرْسَلاً. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ. وَكَذَا قَالَ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ (3) ، وَاللهُ أَعْلَمُ. 17 - مَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ بنِ مَالِكِ الوَادِعِيُّ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَلَمُ، أَبُو عَائِشَةَ الوَادِعِيُّ، الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَهُوَ: مَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ بنِ مَالِكِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرِّ بنِ سَلْمَانَ بنِ مَعْمَرٍ. وَيُقَالُ: سَلاَمَانُ بنُ مَعْمَرِ بنِ الحَارِثِ بنِ سَعْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ   (1) في العبر للمؤلف 1 / 91 أن له ولابيه صحبة. (2) في الطبقات 7 / 439. (3) انظر طبقات خليفة 2 / 790 وتاريخ ابن عساكر 4 / 17 ب. (*) طبقات ابن سعد 6 / 76، طبقات خليفة ت 1066، تاريخ البخاري 8 / 35، المعارف 432، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 396، الحلية 2 / 95، تاريخ بغداد 13 / 232، طبقات الشيرازي 79، تاريخ ابن عساكر 16 / 207 ب، أسد الغابة 4 / 354، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 88، تهذيب الكمال ص 1321 وما بعدها، تاريخ الإسلام 3 / 75، العبر 1 / 68 تذكرة الحفاظ 1 / 46، طبقات القراء / ت 3591، الإصابة ت 8406، تهذيب التهذيب، 1 / 109، النجوم الزاهرة 1 / 161، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 14، خلاصة تذهيب الكمال 374، شذرات الذهب 1 / 71، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 بنِ وَادِعَةَ بنِ عُمَرَ بنِ عَامِرِ بنِ نَاشِحِ (1) بنِ دَافِعِ (2) بنِ مَالِكِ بنِ جُشَمَ بنِ حَاشِدِ بنِ جُشَمَ بنِ خَيْوَانَ بنِ نَوْفِ بنِ هَمْدَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: يُقَالُ: إِنَّهُ سُرِقَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ وُجِدَ، فَسُمِّيَ مَسْرُوْقاً. وَأَسْلَمَ أَبُوْهُ الأَجْدَعُ. حَدَّثَ هُوَ عَنْ: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ - إِنْ صَحَّ - وَعَنْ أُمِّ رُوْمَانَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَخَبَّابٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ (3) ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَسُبَيْعَةَ، وَمَعْقِلِ بنِ سِنَانٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَزَيْدٍ. حَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ: عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ؛ قَاصِّ مَكَّةَ. وَعَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُرَّةَ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَيَحْيَى بنُ الجَزَّارِ، وَأَبُو الضُّحَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُبَيْدُ بنُ نُضَيْلَةَ، وَمَكْحُوْلٌ الشَّامِيُّ - وَمَا أُرَاهُ لَقِيَهُ - وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَشْرٍ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ الجُشَمِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ هَانِئ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ، وَحِبَالُ بنُ رُفَيْدَةَ، وَأَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَعِدَادُهُ فِي كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَفِي المُخَضْرَمِيْنَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ الأَجْدَعُ أَفْرَسَ فَارِسٍ بِاليَمَنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً: وَمَسْرُوْقٌ هُوَ ابْنُ أُخْتِ عَمْرِو بنِ مَعْدِ يْكَرِبَ.   (1) في الأصل: ناشج بالمعجمة، وهو تصحيف، والتصويب من جمهرة ابن حزم 394 والاشتقاق 422 وفيه: الناشح: الشارب الذي لم يبلغ ريه. (2) في الأصل: رافع وهو تصحيف وما اثبتناه من الإكمال 3 / 306 و4 / 1 وجمهرة ابن حزم 394. (3) يذكر المؤلف في ص 67 أنه لم يرو عن عثمان شيئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: لَقِيْتُ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ فَقُلْتُ: مَسْرُوْقُ بنُ الأَجْدَعِ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الأَجْدَعُ شَيْطَانٌ (1)) ، أَنْتَ مَسْرُوْقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَرَأَيْتُهُ فِي الدِّيْوَانِ (2) ؛ مَسْرُوْقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ، عَنْ مُرَّةَ، قَالَ: مَا وَلَدَتْ هَمْدَانِيَّةٌ مِثْلَ مَسْرُوْقٍ. وَقَالَ أَيُّوْبُ الطَّائِيُّ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً كَانَ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ فِي أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ مِنْ مَسْرُوْقٍ. وَقَالَ مَنْصُوْرٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ الَّذِيْنَ يُقْرِئُوْنَ النَّاسَ، وَيُعَلِّمُوْنَهُم السُّنَّةَ: عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدَ، وَعَبِيَدَةَ، وَمَسْرُوْقاً، وَالحَارِثَ بنَ قَيْسٍ، وَعَمْرَو بنَ شُرَحْبِيْلَ. وَرَوَى: عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: كَانَ مَسْرُوْقٌ أَعْلَمَ بِالفَتْوَى مِنْ شُرَيْحٍ، وَكَانَ شُرَيْحٌ أَعْلَمَ بِالقَضَاءِ مِنْ مَسْرُوْقٍ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَشِيْرُ مَسْرُوْقاً، وَكَانَ مَسْرُوْقٌ لاَ يَسْتَشِيْرُ شُرَيْحاً. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَجَّ مَسْرُوْقٌ، فَلَمْ يَنَمْ إِلاَّ سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى رَجَعَ. وَرَوَى: أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، عَنِ امْرَأَةِ مَسْرُوْقٍ، قَالَتْ: كَانَ مَسْرُوْقٌ يُصَلِّي حَتَّى تَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، فُرُبَّمَا جَلَسْتُ أَبْكِي مِمَّا أَرَاهُ يَصْنَعُ بِنَفْسِهِ. المُثَنَّى القَصِيْرُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي مُوْسَى أَيَّامَ الحَكَمَيْنِ، فُسْطَاطِي إِلَى جَانِبِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ ذَاتَ يَوْمٍ قَدْ   (1) أخرجه أحمد 1 / 31 وأبو داود (4957) في الأدب باب تغيير الاسم القبيح، ومجالد: هو ابن سعيد فيه مقال. وباقي رجاله ثقات. (2) الديوان: الكتاب الذي يكتب فيه أسماء الجيش؟ وأهل العطاء والعمال، وهو فارسي معرب، وأول من دون الديوان عمر رضي الله عنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 لَحِقُوا بِمُعَاوِيَةَ، فَرَفَعَ أَبُو مُوْسَى رَفْرَفَ فُسْطَاطِهِ، وَقَالَ: يَا مَسْرُوْقُ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ. قَالَ: إِنَّ الإِمَارَةَ مَا ائْتُمِرَ فِيْهَا، وَإِنَّ المُلْكَ مَا غُلِبَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا مَسْرُوْقُ، إِنَّكَ مِنْ وَلَدِي، وَإِنَّكَ لَمِنْ أَحَبِّهِم إِلَيَّ، فَهَلْ لَكَ عِلْمٌ بِالمُخْدَجِ (1) ؟ قَالَ أَبُو السَّفَرِ: مَا وَلدَتْ هَمْدَانِيَّةٌ مِثْلَ مَسْرُوْقٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمَّا قَدِمَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ الكُوْفَةَ، قَالَ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ؟ قَالُوا لَهُ: مَسْرُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَنَا مَا أُقَدِّمُ عَلَى مَسْرُوْقٍ أَحَداً صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ مَسْرُوْقٌ: لأَنْ أُفْتِيَ يَوْماً بِعَدْلٍ وَحَقٍّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ سَنَةً. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ: أَهْدَى خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُسَيْدٍ عَامِلُ البَصْرَةِ إِلَى عَمِّي مَسْرُوْقٍ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُحْتَاجٌ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: زَوَّجَ مَسْرُوْقٌ بِنْتَهُ بِالسَّائِبِ بنِ الأَقْرَعِ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفٍ لِنَفْسِهِ، يَجْعَلُهَا فِي المُجَاهِدِيْنَ وَالمَسَاكِيْنِ. الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: غَابَ مَسْرُوْقٌ عَامِلاً عَلَى السِّلْسِلَةِ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ قَدِمَ، فَنَظَرَ أَهْلَهُ فِي خُرْجِهِ، فَأَصَابُوا فَأْساً، فَقَالُوا: غِبْتَ ثُمَّ جِئْتَنَا بِفَأْسٍ بِلاَ عُوْدٍ. قَالَ: إِنَّا للهِ، اسْتَعَرْنَاهَا، نَسِيْنَا نَرُدُّهَا. قَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: قَالَ لِي مَسْرُوْقٌ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُرْغَبُ فِيْهِ، إِلاَّ أَنْ نُعَفِّرَ وُجُوْهَنَا فِي التُّرَابِ، وَمَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ السُّجُوْدِ للهِ -تَعَالَى-.   (1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه 16 / 210 آ، وانظر خبر المخدج في صحيح مسلم (1066) (155) وصفحة 44 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وَقَالَ الكَلْبِيُّ: شُلَّتْ يَدُ مَسْرُوْقٍ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ، وَأَصَابَتْهُ آمَّةٌ (1) . قَالَ وَكِيْعٌ: تَخَّلفَ عَنْ عَلِيٍّ: مَسْرُوْقٌ، وَالأَسْوَدُ، وَالرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ (2) ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ. وَيُقَالُ: شَهِدَ صِفِّيْنَ، فَوَعَظَ، وَخَوَّفَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ. وَقِيْلَ: شَهِدَ قِتَالَ الحَرُوْرِيَّةِ مَعَ عَلِيٍّ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْ تَأَخُّرِهِ عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيْلَ: إِنَّ قَبْرَهُ بِالسِّلْسِلَةِ، بِوَاسِطَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَقِيَ مَسْرُوْقٌ بَعْدَ عَلْقَمَةَ لاَ يُفَضَّلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَسْرُوْقٌ ثِقَةٌ، لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. وَسَأَلَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ يَحْيَى عَنْ مَسْرُوْقٍ وَعُرْوَةَ فِي عَائِشَةَ، فَلَمْ يُخِيِّرْ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أُقَدِّمُ عَلَى مَسْرُوْقٍ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَقِيَ عُمَراً وَعَلِيّاً، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ عُثْمَانَ (3) شَيْئاً. وَقَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ أَحَدَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ الَّذِيْنَ يُقْرِئُوْنَ وَيُفْتُوْنَ. وَكَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (4) : كَانَ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ. رَوَى: سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ الحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: غُشِيَ عَلَى مَسْرُوْقٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ تَبَنَّتْهُ، فَسَمَّى بِنْتَهُ عَائِشَةَ، وَكَانَ   (1) الآمة: الشجة التي بلغت أم الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. (2) انظر ص 56 رقم (1) . (3) سبق للمؤلف أن عد عثمان ممن حدث عنهم علقمة، انظر ص 64 رقم (3) . (4) في الطبقات 6 / 84. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 لاَ يَعْصِي ابْنَتَهُ شَيْئاً. قَالَ: فَنَزَلتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَفْطِرْ وَاشْرَبْ. قَالَ: مَا أَرَدْتِ بِي يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتِ: الرِّفْقَ. قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّمَا طَلَبْتُ الرِّفْقَ لِنَفْسِي فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ مَسْرُوْقاً كَانَ لاَ يَأْخُذُ عَلَى القَضَاءِ أَجْراً، وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ... } ، الآيَةَ. [التَّوْبَةُ: 111] . الأَعْمَشُ: عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: كَفَى بِالمَرْءِ عِلْماً أَنْ يَخْشَى اللهَ -تَعَالَى- وَكَفَى بِالمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ. مَنْصُوْرٌ: عَنْ هِلاَلِ بن يِسَافٍ، قَالَ: قَالَ مَسْرُوْقٌ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ، وَعِلْمَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَلْيَقْرَأْ سُوْرَةَ الوَاقِعَةِ. قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ مَسْرُوْقٌ عَلَى المُبَالَغَةِ، لِعِظَمِ مَا فِي السُّوْرَةِ مِنْ جُمَلِ أُمُوْرِ الدَّارَيْنِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَلْيَقْرَأِ الوَاقِعَةَ، أَيْ: يَقْرَأْهَا بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ وَحُضُوْرٍ، وَلاَ يَكُنْ كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً. عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا قِيْلَ لَهُ: أَبْطَأْتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ مَشَاهِدِهِ، فَيَقُوْلُ: أَرَأَيْتُم لَوْ أَنَّهُ حِيْنَ صُفَّ بَعْضُكُم لِبَعْضٍ، فَنَزَلَ بَيْنَكُم مَلَكٌ فَقَالَ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم، إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيْماً} [النِّسَاءُ: 29] ، أَكَانَ ذَلِكَ حَاجِزاً لَكُم؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ نَزَلَ بِهَا مَلَكٌ كَرِيْمٌ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُم، وَإِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ: أَخْبَرَكُمُ الفَتْحُ بنُ   (1) الخبر في تاريخ ابن عساكر 16 / 215 آ، بروايات مختلفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ (ح) . قَالَ الفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقاً) - زَادَ عُثْمَانُ (خَالِصاً) ، ثُمَّ اتَّفَقَا - (وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيْهِ خَلَّةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، بِهِ. قَالَ مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِنَّ مَسْرُوْقاً قَالَ: لأَنْ أَقْضِيَ بِقَضِيَّةٍ وِفْقَ الحَقِّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رِبَاطِ سَنَةٍ فِي سَبِيْلِ الله، أَوْ قَالَ: مَنْ غَزْوِ سَنَةٍ. قَالَ أَبُو الضُّحَى: سُئِلَ مَسْرُوْقٌ عَنْ بَيْتِ شِعْرٍ، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَجِدَ فِي صَحِيْفَتِي شِعْراً. حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. 18 - سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ بنِ عَوْسَجَةَ بنِ عَامِرٍ الجُعْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو أُمَيَّةَ الجُعْفِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (1) صحيح مسلم (58) (106) في الايمان، باب بيان خصال المنافق، وأخرجه البخاري 1 / 84 في الايمان باب علامات النفاق. (*) طبقات ابن سعد 6 / 68، طبقات خليفة ت 1049، تاريخ البخاري 4 / 142، المعارف 427، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 234، الحلية 4 / 174، الاستيعاب ت 1120، أسد الغابة 2 / 379، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 240 = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَصِحَّ، بَلْ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَمِعَ كِتَابَهُ إِلَيْهِم، وَشَهِدَ اليَرْمُوْكَ. وَحدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَبِلاَلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو لَيْلَى الكِنْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَمَيْسَرَةُ أَبُو صَالِحٍ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مِنْ أَقْرَانِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السِّنِّ. فَقَالَ نُعَيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ: حَدَّثَنِي بَعْضُهُم، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ: أَنَا لِدَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُلِدْتُ عَامَ الفِيْلِ. زِيَادُ بنُ خَيْثَمَةَ: عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ: أَنَا أَصْغَرُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَنَتَيْنِ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ، حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ أَبُو صَالِحٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: أتَانَا مُصَدِّقُ (1) النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتُ عَهْدَهُ. سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شَمِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْدَبَ الشَّعْرِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، وَاضِحَ الثَّنَايَا، أَحْسَنَ شَعْرٍ وَضَعَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ إِنْسَانٍ.   = تاريخ الإسلام 3 / 252، العبر 1 / 93، تذكرة الحفاظ 1 / 50، البداية والنهاية 9 / 37، الإصابة ت 3606، تهذيب التهذيب 4 / 278، النجوم الزاهرة 1 / 203، طبقات الحفاظ ص 17، خلاصة تذهيب الكمال 159، شذرات الذهب 1 / 90. (1) المصدق: هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها، وللخبر تتمة في طبقات ابن سعد 6 / 68. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَنْدَةَ فِي (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) (1) . مُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ صَلَّيْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً؟ قَالَ: لاَ، بَلْ مِرَاراً، كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نُوْدِيَ بِالأَذَانِ كَأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ أَحَداً مِنَ النَّاسِ. هَذَا حَدِيْثٌ ضَعِيْفُ الإِسْنَادِ (2) كَالَّذِي قَبْلَهُ. وَقَدْ قَالَ زُهَيْرُ بنُ مُعَاِويَةَ: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُسْلِمِ بنِ الرُّحَيْلِ الجُعْفِيُّ، قَالَ: قَدِمَ الرُّحَيْلُ وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ حِيْنَ فَرَغُوا مِنْ دَفْنِ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ صَحَابَةِ الحَجَّاجِ عَلَى مُؤَذِّنِ قَبِيْلَةِ جُعْفَى وَهُوَ يُؤَذِّنُ، فَأَتَى الحَجَّاجُ، فَقَالَ: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ أَنِّي سَمِعْتُ مُؤَذِّنَ الجُعْفِيِّيْنَ يُؤَذِّنُ بِالهَجِيْرِ؟ قَالَ: فَأَرسَلَ، فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: لَيْسَ لِي أَمْرٌ، إِنَّمَا سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهَذَا. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى سُوَيْدٍ، فَجِيْءَ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: صَلَّيْتُهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ. فَلَمَّا ذَكَرَ عُثْمَانَ، جَلَسَ، وَكَانَ مُضْطَجِعاً، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَهَا مَعَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَؤُمَّنَّ قَوْمَكَ، وَإِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِم، فَسُبَّ فُلاَناً (4) . قَالَ: نَعَمْ، سَمْعٌ وَطَاعَةٌ. فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ الحَجَّاجُ:   (1) سفيان بن وكيع ضعيف، وعمرو بن شمر، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث، وبعضهم اتهمه. (2) قال المؤلف في الميزان: أسامة بن عطاء عن سويد بن غفلة لا يصح. (3) انظر الخبر من طريق آخر في الإصابة ترجمة رحيل 2838. (4) في تاريخ الإسلام (عليا) بدل (فلانا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 لَقَدْ عَهِدَ الشَّيْخُ النَّاسَ وَهُمْ يُصَلُّوْنَ الصَّلاَةَ هَكَذَا (1) . الخُرَيْبِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: بَلَغَ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةَ سَنَةٍ، لَمْ يُرَ مُحْتَبِياً قَطُّ، وَلاَ مُتَسَانِداً، وَأَصَابَ بِكْراً -يَعْنِي: فِي العَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ-. وَقَالَ عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: تَزَوَّجَ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ بِكْراً، وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَسِتَّ عَشْرَة سَنَةً. وَعَنْ عِمْرَانَ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ إِذَا قِيْلَ لَهُ: أُعْطِيَ فُلاَنٌ، وَوُلِّيَ فُلاَنٌ، قَالَ: حَسْبِي كِسْرَتِي وَمِلْحِي. عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَنْزِلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَمَا شَبَّهْتُهُ إِلاَّ بِمَا وُصِفَ مِنْ بَيْتِ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، مِنْ زُهْدِهِ وَتَوَاضُعِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-. عَنْ مَيْسَرَةَ: عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَتَانَا. وَرَوَى: الوَلِيْدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ يَؤُمُّنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي القِيَامِ، وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ عِشْرُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: مَاتَ سُوَيْدُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ (الحِلْيَةِ) مُخْتَصَراً (2) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المَادَرَائِيُّ (3)   (1) الخبر في طبقات ابن سعد 6 / 69 والحلية 4 / 175 مختصرا. (2) الحلية 4 / 175. (3) في الأصل: " مادراني " بالنون، وما أثبتناه من " مختصر ابن الدبيثي " للمؤلف. هذه النسبة إلى " مادرايا " قرية فوق واسط من أعمال فم الصلح ذكرها ياقوت في " معجم البلدان " بالذال المعجمة وصوبها غير واحد بالدال المهملة، انظر " الإكمال " 1 / 406. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 بِقِرَاءتِي، أَنْبَأَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الجَنَّةَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: (وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ) ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، مُتَّصِلُ الإِسْنَادِ. وَهُوَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) : مِنْ طَرِيْقِ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَأَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. وَإِنَّمَا المَحْفُوْظُ: رِوَايَةُ شُعْبَةَ، وَجَرِيْرٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 19 - أَبُو تَمِيْمٍ الجَيْشَانِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ * (م، ت، س، ق) مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ بِمِصْرَ. وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكِ بنِ أَبِي الأَسْحَمِ، وَهُوَ أَخُو سَيْفٍ. وُلِدَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِمَا المَدِيْنَةَ زَمَنَ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى مُعَاذٍ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ هُبَيْرَةَ، وَكَعْبُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَمَرْثَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَزَنِيُّ، وَبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وَغَيْرُهُم. قَالَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ: كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ مِصْرَ.   (1) أخرجه البخاري في الجنائز واللباس. ومسلم (153، 154) (94) في كتاب الايمان والترمذي (2646) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 510 طبقات خليفة ت 2838، تاريخ البخاري 5 / 203، المعرفة والتاريخ 2 / 487، 492، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 171، الاستيعاب ت 2879، أسد الغابة 5 / 152، وتهذيب الكمال ص 830 و1594، تاريخ الإسلام 3 / 207، العبر 1 / 88، الإصابة في قسم الكنى ت 161، تهذيب التهذيب 5 / 379، خلاصة تذهيب الكمال 211، شذرات الذهب 1 / 84. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 المُقْرِئُ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ هُبَيْرَةَ، سَمِعْتُ أَبَا تَمِيْمٍ الجَيْشَانِيَّ يَقُوْلُ: أَقْرَأَنِي مُعَاذٌ القُرْآنَ حِيْنَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ (1) . وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: جَاءَ مُعَاذٌ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَقْرِئْهُ) . فَأَقْرَأْتُهُ مَا كَانَ مَعِي، ثُمَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ يُقْرِئُنَا. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: تُوُفِّيَ أَبُو تَمِيْمٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ (2) . 20 - أَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِىء المِصْرِيُّ * (م، د، س) رَوَى عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَالِمٌ، وَبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَحَفِيْدُهُ؛ سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ. شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ. 21 - مُرَّةُ الطَّيِّبُ بنُ شَرَاحِيْلَ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ ** (ع) وَيُقَالُ لَهُ أَيْضاً: مُرَّةُ الخَيْرُ؛ لِعِبَادَتِهِ، وَخَيْرِهِ، وَعِلْمِهِ. وَهُوَ: مُرَّةُ بنُ شَرَاحِيْلَ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُخَضْرَمٌ، كَبِيْرُ الشَّأْنِ.   (1) رجاله ثقات، والمقرئ: هو عبد الله بن يزيد، وروايته عن ابن لهيعة صحيحة. (2) وقيل: سنة ثمان وسبعين، انظر طبقات ابن سعد 7 / 510 وفي تهذيب التهذيب 4 / 122 قال ابن يونس: توفي بالإسكندرية في إمرة عبد العزيز بن مروان. (*) تاريخ البخاري 4 / 87، المعرفة والتاريخ 2 / 463، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 219، أسد الغابة 2 / 322، تهذيب الكمال ص 517، و1613، تاريخ الإسلام 3 / 217، و318، الإصابة ت 3689، تهذيب التهذيب 4 / 122، خلاصة تذهيب الكمال 146 (* *) طبقات ابن سعد 6 / 116، طبقات خليفة ت 1071، تاريخ البخاري 8 / 5، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع. 366، الحلية 4 / 161، تهذيب الكمال ص 1316، تاريخ الإسلام 3 / 303، تذكرة الحفاظ 1 / 63، تهذيب التهذيب 10 / 88، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 26، خلاصة تذهيب الكمال 372، طبقات المفسرين للداودي 2 / 317. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَعُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَسْلَمُ الكُوْفِيُّ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَبَلَغَنَا عَنْهُ: أَنَّهُ سَجَدَ للهِ حَتَّى أَكَلَ التُّرَابُ جَبْهَتَهُ. سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بنَ السَّائِبِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُصَلَّى مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ مِثْل مَبْرَكِ البَعِيْرِ. وَنَقَلَ عَطَاءٌ - أَوْ غَيْرُهُ -: أَنَّ مُرَّةَ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سِتَّ مائَةٍ. قُلْتُ: مَا كَانَ هَذَا الوَلَيُّ يَكَادُ يَتَفَرَّغُ لِنَشْرِ العِلْمِ، وَلِهَذَا لَمْ تَكْثُرْ رِوَايَتُهُ، وَهَلْ يُرَادُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ ثَمَرَتُهُ. مَاتَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- بِالكُوْفَةِ. 22 - الحَارِثُ بنُ قَيْسٍ الجُعْفِيُّ الكُوْفِيُّ * (س) العَابِدُ، الفَقِيْهُ، قَدِيْمُ الوَفَاةِ. صَحِبَ عَلِيّاً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ، وَقَلَّمَا رَوَى. رَوَى عَنْهُ: خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) قَوْلَهُ: إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَكَ الشَّيْطَانُ: إِنَّكَ تُرَائِي، فَزِدْهَا طُوْلاً.   (1) في طبقات خليفة 1 / 339: مات سنة ست أو سبع وسبعين. (*) طبقات ابن سعد 6 / 167، طبقات خليفة ت 1173، تاريخ البخاري 2 / 279، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 86، الحلية 4 / 132، تهذيب الكمال ص 219، تاريخ الإسلام 2 / 215، طبقات القراء لابن الجزري ت 924، تهذيب التهذيب 2 / 154، خلاصة تذهيب الكمال 68. (2) عبارة المؤلف في تاريخ الإسلام 2 / 215: " ولا يكاد يوجد له حديث مسند، بل روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا كنت. الخ..". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وَحَكَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ هَانِئ، وَأَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، ذَا عِبَادَةٍ وَتَأَلُّهٍ. يُذْكَرُ مَعَ: عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ. تُوُفِّيَ: زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو مُوْسَى الأَشْعرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (1) . 23 - جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرِ بنِ مَالِكِ بنِ عَامِرٍ الحَضْرَمِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، الحِمْصِيُّ. أَدْرَكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ - فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَقِيَهُ - وَعَنْ عُمَرَ، وَالمِقْدَادِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمَكْحُوْلٌ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرُ بنُ كُرَيْبٍ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، عَنْهُ، قَالَ: اسْتَقْبَلْتُ الإِسْلاَمَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أَرَى فِي النَّاسِ صَالِحاً وَطَالِحاً (2) . وَكَانَ جُبَيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ. سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي بَشِيْرُ بنُ كُرَيْبٍ   (1) نقل المؤلف في تاريخ الإسلام 2 / 215 قول ابن المديني: قتل الحارث مع علي. (*) طبقات ابن سعد 7 / 440، طبقات خليفة ت 2896، تاريخ البخاري 2 / 223، المعرفة والتاريخ 2 / 307، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 512، الحلية 5 / 133، الاستيعاب ت 314، أسد الغابة 1 / 273، تهذيب الكمال ص 186، تاريخ الإسلام 3 / 145. ، تذكرة الحفاظ 1 / 49، العبر 1 / 91، البداية والنهاية 9 / 33، الإصابة ت 1274، تهذيب التهذيب 2 / 64، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 16، خلاصة تذهيب الكمال 61، شذرات الذهب 1 / 88. (2) في الأصل: صائحا. والتصويب من تاريخ الإسلام وطبقات ابن سعد 3 / 145 و7 / 440. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 الأُمْلُوْكِيُّ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَفْنَةٌ مِنْ لَحْمٍ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَكُلْ، فَإِنَّ كَنِيْسَةً فِي نَاحِيَتِنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُهَا مِمَّا ذَبَحُوا لَهَا. فَأَكَلْتُ مَعَهُ. فِيْهِ: أَنَّ مَا ذُبِحَ لِمَعْبَدٍ مُبَاحٌ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا مَا ذُبِحَ عَلَى نُصُبٍ. بَقِيَّةُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زُبَيْدٍ الخَوْلاَنِيُّ، عَنْ مَرْثَدِ بنِ سُمَيٍّ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى أَبِيْهِ: أَنَّ جُبَيْرَ بنَ نُفَيْرٍ قَدْ نَشَرَ فِي مِصْرِي حَدِيْثاً، فَقَدْ تَرَكُوا القُرْآنَ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى جُبَيْرٍ، فَجَاءَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ يَزِيْدَ، فَعَرَفَ بَعْضَهُ، وَأَنْكَرَ بَعْضَهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لأَضْرِبَنَّكَ ضَرْباً أَدَعُكَ لِمَنْ بَعْدَكَ نَكَالاً. قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، لاَ تَطْغَ فِيَّ، إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ انْكَسَرَتْ عِمَادُهَا، وَانْخَسَفَتْ أَوْتَادُهَا، وَأَحَبَّهَا أَصْحَابُهَا. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَأَخَذَ بِيَدِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِهِ جُبَيْرٌ، لَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَلَوْ شَاءَ جُبَيْرٌ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّمَا سَمِعَهُ مِنِّي، لَفَعَلَ، وَلَوْ ضَرَبْتُمُوْهُ، لَضَرَبَكُمُ اللهُ بِقَارِعَةٍ تَتْرُكُ دِيَارَكُم بَلاَقِعَ. هَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، لَمْ يَكُنْ لِجُبَيْرٍ ذِكْرٌ بَعْدُ فِي زمَنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، بَلْ كَانَ شَابّاً يَتَطَلَّبُ العِلْمَ، وَأَيْضاً فَكَانَ يَزِيْدُ فِي آخِرِ مُدَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ طِفْلاً عُمُرُهُ خَمْسُ سِنِيْنَ، وَلَعَلَّ (1) قَدْ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَمِمَّنْ رَوَى جُبَيْرٌ عَنْهُم: مَالِكُ بنُ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ. وَكَانَ هُوَ وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ بِحِمْصَ وَبِدِمَشْقَ. قَالَ بِتَوْثِيْقِهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ   (1) عبارة المؤلف في تاريخ الإسلام 3 / 146: ولعل بعضه قد جرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 وَسَبْعِيْنَ. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ، وَشَبَابٌ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، فَقَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. 24 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو بَكْرٍ النَّخَعِيُّ، أَخُو الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ. حَدَّثَ عَنْ: عُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ، وَجَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: بَعْدَ ثَمَانِيْنَ، وَقَدْ شَاخَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ عُمَرَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وَقَالَ أَبُو صَخْرَةَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ (1) عِمَامَةً سَوْدَاءَ. 25 - ابْنُه ُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ ** (4) يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ عَمِّهِ؛ الأَسْوَدِ، وَعَنْ عَمِّ أَبِيْهِ؛ عَلْقَمَةَ. وَعَنْهُ: زُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَالحَكَمُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَالحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَفِيْعُ القَدْرِ مِنَ الجِلَّةِ. وَقَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: الكَيِّسُ؛ لِتَلَطُّفِهِ فِي العِبَادَةِ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 121، طبقات خليفة ت 1056، تاريخ البخاري 5 / 363، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 299، تهذيب الكمال ص 830، تاريخ الإسلام 3 / 274، تهذيب التهذيب 6 / 299، النجوم الزاهرة 1 / 204، خلاصة تذهيب الكمال 236. (1) في الأصل: الأسود، والتصيح من الطبقات 6 / 121 و122. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 298، تهذيب الكمال ص 1232، تاريخ الإسلام 4 / 51، تهذيب التهذيب 9 / 308، خلاصة تذهيب الكمال 394. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 26 - عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ العَنْسِيُّ * (خَ، م) وَيُقَالُ لَهُ: عُمَيْرُ بنُ الأَسْوَدِ، أَبُو عِيَاضٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - الحِمْصِيُّ، نَزِيْلُ دَارِيَّا. أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلاَمَ، وَكَانَ مِنْ سَادَةِ التَّابِعِيْنَ دِيْناً وَوَرَعاً. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ الشَّهِيْدَةِ، وَالعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُجَاهِدٌ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَأَبُو رَاشِدٍ الحُبْرَانِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ سَيْفٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سُمَيْعٍ: عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ هُوَ عُمَيْرٌ، يُكْنَى: أَبَا عِيَاضٍ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الجِهَادِ مِنْ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (1)) عُمَيْرُ بنُ الأَسْوَدِ، وَجَعَلَهُمَا ابْنُ سَعْدٍ اثْنَيْنِ. بَقِيَّةُ: عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: حَجَّ عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى المَدِيْنَةِ، نَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَأَلَ عَنْهُ. فَقِيْلَ: شَامِيٌّ، يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بنُ الأَسْوَدِ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ صَلاَةً وَلاَ هَدْياً وَلاَ خُشُوْعاً وَلاَ لِبْسَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذَا الرَّجُلِ (2) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 442، تاريخ البخاري 6 / 315، المعرفة والتاريخ 2 / 314 و348، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 220، الحلية 5 / 155، تاريخ ابن عساكر 13 / 196 آ، أسد الغابة 4 / 84، تهذيب الكمال ص 1030، تاريخ الإسلام 3 / 194، الإصابة ت 6526، تهذيب التهذيب 8 / 4، خلاصة تذهيب الكمال 287. (1) في كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في قتال الروم 3 / 232. (2) ابن عساكر 13 / 197 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ أَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي رُزَيْقٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَلْهَانِيُّ: أَنَّ عَمْرَو بنَ الأَسْوَدِ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي، فَقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ النَّاسِ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَنظُرْ إِلَى هَذَا. ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ بِقِرَىً وَعَلَفٍ وَنَفَقَةٍ، فَقَبِلَ ذَلِكَ، وَرَدَّ النَّفَقَةَ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَحَكِيْمِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالاَ: قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْيِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَدْيِ عَمْرِو بنِ الأَسْوَدِ (1) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ وَحْدَهُ، عَنْ عَمْرِو بنِ الأَسْوَدِ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى عُمَرَ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الأَسْوَدِ العَنْسِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَدَعُ كَثِيْراً مِنَ الشِّبَعِ مَخَافَةَ الأَشَرِ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ العَلاَءِ الحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ (2) ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الأَسْوَدِ العَنْسِيِّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ، قَبَضَ بِيَمِيْنِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَخَافَةَ أَنْ تُنَافِقَ يَدِي.   (1) مسند أحمد 1 / 18 - 19. (2) كذا الأصل، وهو كذلك في اللباب. وفي تاريخ الإسلام 3 / 195، وتهذيب الكمال وخلاصة تذهيب الكمال والتهذيب والتقريب: بحير بن سعيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 قُلْتُ: يُمْسِكُهَا خَوْفاً مِنْ أَنْ يَخْطُرَ بِيَدِهِ فِي مِشْيَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الخُيَلاَءِ (1) . تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. 27 - أَمَّا : عُمَيْرُ بنُ هَانِىء العَنْسِيُّ * الدَّارَانِيُّ فَتَابِعِيٌّ صَغِيْرٌ جَلِيْلٌ. وَلِيَ الخَرَاجَ بِدِمَشْقَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَدْ سَارَ رَسُوْلاً إِلَى الحَجَّاجِ وَهُوَ يُحَاصِرُ ابْنَ الزُّبَيْرِ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ مُطَوَّلَةٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) . قُتِلَ، وَأُتِيَ بِرَأْسِهِ إِلَى مَرْوَانَ الحِمَارِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 28 - أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ ظَالِمُ بنُ عَمْرٍو ** (ع) وَيُقَالُ: الدِّيْلِيُّ. العَلاَّمَةُ، الفَاضِلُ، قَاضِي البَصْرَةِ. وَاسْمُهُ: ظَالِمُ بنُ عَمْرٍو عَلَى الأَشْهَرِ (2) . وُلِدَ: فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ.   (1) ربما يكون قول الذهبي هذا مستقى من عبارة ابن عساكر في نهاية الخبر 13 / 198 ب، حيث قال:..يعني كي لا يخطر بها في مشيته فيعجب فيكون نفاقا. اه. (*) تاريخ البخاري ت 3236، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 378، الحلية 5 / 157، تاريخ ابن عساكر 13 / 343 ب، تهذيب الكمال ص 1064، تاريخ الإسلام 5 / 119، العبر 1 / 164، تهذيب التهذيب 8 / 149، خلاصة تذهيب الكمال 297، شذرات الذهب 1 / 173. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 99، طبقات خليفة ت 1515، تاريخ البخاري 6 / 334، المعارف 434، الكنى للدولابي 107، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 503، مراتب النحويين 11، الاغاني 12 / 297، أخبار النحويين البصريين 13، معجم الشعراء للمرزباني 67، طبقات النحويين 21، الفهرست لابن النديم 39، سمط اللآلي 66، تاريخ ابن عساكر 8 / 303 آ، نزهة الالباء 1 / 8، معجم الأدباء 12 / 34، أسد الغابة 3 / 69، إنباه الرواة 1 / 13، وفيات الأعيان 2 / 535، تهذيب الكمال ص 632، 1580، تاريخ الإسلام 3 / 94، العبر 1 / 77، البداية والنهاية 8 / 312، طبقات القراء لابن الجزري ت 1493، الإصابة ت 4329، و4333 - كنى ت 88 و99، تهذيب التهذيب 12 / 10، النجوم الزاهرة 1 / 184، بغية الوعاة 2 / 22، خلاصة تذهيب الكمال 443، خزانة الأدب 1 / 136، تهذيب ابن عساكر 7 / 104. (2) يراجع في الخلاف حول اسمه طبقات ابن سعد 7 / 99 وطبقات خليفة ت 1515، ومعجم = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَالزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَطَائِفَةٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ. قَرَأَ عَلَيْهِ: وَلَدُهُ؛ أَبُو حَرْبٍ، وَنَصْرُ بنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ، وَحُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ. قُلْتُ: الصَّحِيْحُ أَنَّ حُمْرَانَ هَذَا إِنَّمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، نَعَمْ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ، وَعُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّحْوِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَاتَلَ أَبُو الأَسْوَدِ يَوْمَ الجَمَلِ مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ مِنْ وُجُوْهِ الشِّيْعَةِ، وَمِنْ أَكْمَلِهِم عَقْلاً، وَرَأْياً. وَقَدْ أَمَرَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِوَضْعِ شَيْءٍ فِي النَّحْوِ لَمَّا سَمِعَ اللَّحْنَ. قَالَ: فَأَرَاهُ أَبُو الأَسْوَدِ مَا وَضَعَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَحْسَنَ هَذَا النَّحْوَ الَّذِي نَحَوْتَ! فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ النَّحْوُ نَحْواً. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَدَّبَ عُبَيْدَ اللهِ ابنَ الأَمِيْرِ زِيَادِ ابْنِ أَبِيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ دَابٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ، فَأَدْنَى مَجْلِسَهُ، وَأَعْظَمَ جَائِزَتَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ (1) : أَبُو الأَسْوَدِ هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ بَابَ   = الأدباء 2 / 34 واللباب 1 / 429، و430 وإنباه الرواة 1 / 3 والمزهر 2 / 263 وبغية الوعاة 2 / 22. (1) في طبقات فحول الشعراء 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 الفَاعِلِ، وَالمَفْعُوْلِ، وَالمُضَافِ، وَحَرْفِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالجَرِّ وَالجَزْمِ، فَأَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَخَذَ أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عَلِيٍّ العَرَبِيَّةَ، فَسَمِعَ قَارِئاً يَقْرَأُ: {أَنَّ اللهَ بَرِيْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ وَرَسُوْلِهِ} - بِكَسْرِ اللاَّمِ بَدَلاً عَنْ ضَمِّهَا (1) -[التَّوْبَةُ: 3] ، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَمْرَ النَّاسِ قَدْ صَارَ إِلَى هَذَا. فَقَالَ لِزِيَادٍ الأَمِيْرِ: ابْغِنِي كَاتِباً لَقِناً (2) . فَأَتَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الأَسْوَدِ: إِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي بِالحَرْفِ، فَانْقُطْ نُقْطَةً أَعْلاَهُ، وَإِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ ضَمَمْتُ فَمِي، فَانْقُطْ نُقْطَةً بَيْنَ يَدَيِ الحَرْفِ، وَإِنْ كَسَرْتُ، فَانْقُطْ نُقْطَةً تَحْتَ الحَرْفِ، فَإِذَا أَتْبَعْتُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ غُنَّةً، فَاجْعَلْ مَكَانَ النُّقْطَةِ نُقْطَتَيْنِ، فَهَذَا نَقْطُ أَبِي الأَسْوَدِ (3) . وَقَالَ المُبَرِّدُ (4) : حَدَّثَنَا المَازِنِيُّ، قَالَ: السَّبَبُ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ أَبْوَابُ النَّحْوِ: أَنَّ بِنْتَ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَتْ لَهُ: مَا أَشَدُّ الحَرِّ! فَقَالَ: الحَصْبَاءُ بِالرَّمْضَاءِ. قَالَتْ: إِنَّمَا تَعَجَّبْتُ مِنْ شِدَّتِهِ. فَقَالَ: أَوَقَدْ لَحَنَ النَّاسُ؟! فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَعْطَاهُ أُصُوْلاً بَنَى مِنْهَا، وَعَمِلَ بَعْدَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ المَصَاحِفَ، وَأَخَذَ عَنْهُ النَّحْوَ: عَنْبَسَةُ الفِيْلُ، وَأَخَذَ عَنْ عَنْبَسَةَ: مَيْمُوْنٌ الأَقْرَنُ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ مَيْمُوْنٍ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَخَذَهُ عَنْهُ: عِيْسَى بنُ عُمَرَ، وَأَخَذَهُ عَنْهُ: الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَخَذَهُ عَنْهُ: سِيْبَوَيْه، وَأَخَذَهُ عَنْهُ: سَعِيْدٌ الأَخْفَشُ (5) . وَيَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَلْمٍ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ   (1) أي: بكسر اللام. (2) اللقن: سريع الفهم. (3) الخبر في تاريخ الإسلام 3 / 95، وانظره مفصلا في صبح الاعشى 3 / 160. (4) انظر الاغاني 12 / 298، وطبقات النحويين 21، وتاريخ الإسلام 3 / 95. (5) هو الاخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشعي المتوفى 215 هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 جَدِّي، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ، فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقاً، فَقُلْتُ: فِيْمَ تَتَفَكَّرُ يَا أَمِيَرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ بِبَلَدِكُم لَحْناً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ كِتَاباً فِي أُصُوْلِ العَرَبِيَّةِ. فَقُلْتُ: إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، أَحْيَيْتَنَا. فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، فَأَلْقَى إِلَيَّ صَحِيْفَةً، فِيْهَا: الكَلاَمُ كُلُّهُ اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، فَالاسْمُ: مَا أَنْبَأَ عَنِ المُسَمَّى، وَالفِعْلُ: مَا أَنْبَأَ عَنْ حَرَكَةِ المُسَمَّى، وَالحَرْفُ: مَا أَنْبَأَ عَنْ مَعْنَىً لَيْسَ بِاسْمٍ وَلاَ فِعْلٍ. ثُمَّ قَالَ لِي: زِدْهُ وَتَتَبَّعْهُ. فَجَمَعْتُ أَشْيَاءَ، ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَيْهِ. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو الأَسْوَدِ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: أَرَى العَرَبَ قَدْ خَالَطَتِ العَجَمَ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْسِنَتُهُم، أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَضَعَ لِلْعَرَبِ كَلاَماً يُقِيْمُوْنَ بِهِ كَلاَمَهُم؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، تُوُفِّيَ أَبَانَا وَتَرَكَ بَنُوْنَ. فَقَالَ: ادْعُ لِي أَبَا الأَسْوَدِ. فَدُعِيَ، فَقَالَ: ضَعْ لِلنَّاسِ الَّذِي نَهَيْتُكَ عَنْهُ. قَالَ الجَاحِظُ (1) : أَبُو الأَسْوَدِ مُقَدَّمٌ فِي طَبَقَاتِ النَّاسِ، كَانَ مَعْدُوْداً فِي الفُقَهَاءِ، وَالشُّعَرَاءِ، وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَالأَشْرَافِ، وَالفُرْسَانِ، وَالأُمَرَاءِ، وَالدُّهَاةِ، وَالنُّحَاةِ، وَالحَاضِرِي الجَوَابِ، وَالشِّيْعَةِ، وَالبُخَلاَءِ، وَالصُّلْعِ الأَشْرَافِ. وَمِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (2)) : أَبُو الأَسْوَدِ ظَالِمُ بنُ عَمْرِو بنِ ظَالِمٍ. وَقِيْلَ: جَدُّهُ سُفْيَانُ. وَيُقَالُ: هُوَ عُثْمَانُ بنُ عَمْرٍو. وَيُقَالُ: عَمْرُو بنُ ظَالِمٍ، وَأَنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ زَمَنَ عَلِيٍّ.   (1) في البيان والتبيين 1 / 324 بلفظ مختلف وانظر الاغاني 12 / 99 ومعجم الأدباء 12 / 34 وتاريخ الإسلام 3 / 96 وبغية الوعاة 2 / 22 وخزانة الأدب 1 / 136. (2) لابن عساكر 8 / 303 ب وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 قَالَ الحَازِمِيُّ: أَبُو الأَسْوَدِ الدُّوْلِيُّ مَنْسُوْبٌ إِلَى دُوْلِ بنِ حَنِيْفَةَ بنِ لُجَيْمٍ. وَقَالَ أَبُو اليَقْظَانِ: الدُّوْلُ - بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُوْنِ الوَاوِ - مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ. عَدَدُهُم كَثِيْرٌ، مِنْهُم فَرْوَةُ بنُ نُفَاثَةَ؛ صَاحِبُ بَعْضِ الشَّامِ فِي الجَاهِلِيَّةِ. وَزَعَمَ يُوْنُسُ أَنَّ الدُّوْلَ امْرَأَةٌ مِنْ كِنَانَةَ، وَهُمْ رَهْطُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَأَمَّا بَنُوْ عَدِيِّ بنِ الدُّوْلِ، فَلَهُم عَدَدٌ كَثِيْرٌ بِالحِجَازِ، مِنْهُم: عَمْرُو بنُ جَنْدَلٍ وَالِدُ أَبِي الأَسْوَدِ ظَالِمٍ، وَأَمُّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيْبٍ: فِي عَنْزَةَ الدُّوْلُ بنُ سَعْدِ مَنَاةَ. وَفِي ضَبَّةَ: الدُّوْلُ بنُ جَلٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ (1) : الدُّوْلُ فِي بَنِي حَنِيْفَةَ، وَالدِّيْلُ (2) فِي بَنِي عَبْدِ القَيْسِ. وَالدُّئْلُ بِالهَمْزِ فِي كِنَانَةَ، مِنْهُم: أَبُو الأَسْوَدِ الدُّئْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ (3) : أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ عَلَى زِنَةِ العُمَرِيِّ - هَكَذَا يَقُوْلُ البَصْرِيُّوْنَ - مَنْسُوْبٌ إِلَى دُؤَلٍ؛ حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ. وَقَالَ عِيْسَى بنُ عُمَرَ: بِالكَسْرِ عَلَى الأَصْلِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَقُوْلُوْنَ: الدِّيْلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الدُّؤَلِيُّ - بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الهَمْزَةِ -: قَبِيْلَةٌ مِنْ كِنَانَةَ. قَالَ: وَالدُّئِلُ -يَعْنِي بِكَسْرِ الهَمْزَةِ-: فِي عَبْدِ القَيْسِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ: الدِّيْلُ مِنْ بَنِي حَنِيْفَةَ، وَالدُّوْلُ مِنْ كِنَانَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ (4) : أَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الهَمْزَةِ. وَقَالَ المُبَرِّدُ (5) : بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الهَمْزَةِ، مِنَ الدُّئِلِ بِالكَسْرِ، هِيَ دَابَّةٌ، امْتَنَعُوا مِنَ الكَسْرِ لِئَلاَّ يُوَالُوا بَيْنَ الكَسْرَاتِ، كَمَا قَالُوا فِي النَّمِرِ: النَّمَرِيُّ.   (1) في " المعارف " 115، وانظر سمط اللآلي 66. (2) في الأصل بكسر الدال غير مهموز، وعند ابن قتيبة في " المعارف " الدئل بالهمز. وما أثبتناه من الاشتقاق 325 وجمهرة أنساب العرب 299 وهو موافق للأصل. (3) انظر اللباب 1 / 430. (4) في طبقات فحول الشعراء ص 12. (5) انظر إنباه الرواة 1 / 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 قَالَ ابْنُ حَبِيْبٍ (1) : فِي تَغْلِبَ الدِّيْلُ، وَفِي عَبْدِ القَيْسِ، وَفِي إِيَادٍ، وَفِي الأَزْدِ. انْتَهَى مَا نَقَلَهُ الحَازِمِيُّ. فَيَجِيْءُ فِي أَبِي الأَسْوَدِ: الدُّوْلِيُّ، وَالدِّيْلِيُّ، وَالدُّؤَلِيُّ، وَالدُّئِلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ السِّيْدِ: الدُّئِل بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، لاَ أَعْلَمُ فِيْهِ خِلاَفاً. وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ ابْنَ مَاكُوْلاَ وَالحَازِمِيَّ وَهِمَا فِي أَنَّ فَرْوَةَ بنَ نُفَاثَةَ مِنَ الدُّوْلِ، بَلْ هُوَ جُذَامِيٌّ. وَجُذَامٌ وَالدُّوْلُ لاَ يَجْتَمِعَانِ إِلاَّ فِي سَبَأِ بنِ يَشْجُبَ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ أَبُو الأَسْوَدِ فِي طَاعُوْنِ الجَارِفِ (3) ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ. وَقِيْلَ: مَاتَ قُبَيْلَ ذَلِكَ. وَعَاشَ: خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. 29 - الأَحْنَفُ بنُ قَيْسِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ حُصَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع) الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، العَالِمُ النَّبِيْلُ، أَبُو بَحْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَحَدُ مَنْ يُضْرَبُ بِحِلْمِهِ وَسُؤْدُدِهِ المَثَلُ.   (1) المصدر السابق. (2) انظر اللسان والتاج مادة (د أل) . (3) وقع طاعون الجارف بالبصرة في أول سنة تسع وستين زمن ابن الزبير، فأتى على أهلها إلا قليلا منهم عجزوا عن نقل الموتى لكثرتهم، وسمي بالجارف لأنه جرف الناس كالسيل، فقيل: إنه كان يموت في كل يوم سبعون ألفا، وصارت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم، وقيل: لم يحضر الجمعة إلا سبعة نفر وامرأة. اه، مختصرا عن تاريخ الإسلام 2 / 383 والتاج مادة (جرف) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 93، طبقات خليفة ت 1555، تاريخ البخاري 2 / 50، المعارف 423، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 322، أخبار أصبهان 1 / 224، الاستيعاب ت 160، تاريخ ابن عساكر 8 / 210 ب، أسد الغابة 1 / 55، وفيات الأعيان 2 / 499، تهذيب الكمال ص 72، تاريخ الإسلام 3 / 129، العبر 1 / 80، البداية والنهاية 8 / 326، الإصابة ت 429، تهذيب التهذيب 1 / 191، النجوم الزاهرة 1 / 184، خلاصة تذهيب الكمال 44، شذرات الذهب 1 / 78، تهذيب ابن عساكر 7 / 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 اسْمُهُ: ضَحَّاكٌ، وَقِيْلَ: صَخْرٌ. وَشُهِرَ بِالأَحْنَفِ؛ لِحَنَفِ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ العَوَجُ وَالمَيْلُ. كَانَ سَيِّدَ تَمِيْمٍ. أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَالعَبَّاسِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ جَاوَانَ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَطَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمِيْرَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَخُلَيْدٌ العَصَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ. كَانَ مِنْ قُوَّادِ جَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَدِيْقاً لِمُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ إِلَى الكُوْفَةِ، فَمَاتَ عِنْدَهُ بِالكُوْفَةِ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: كَانَ أَحْنَفَ الرِّجْلَيْنِ جَمِيْعاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ بَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاسْمُهُ: صَخْرُ بنُ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ. وَأُمُّهُ بَاهِلِيَّةٌ، فَكَانَتْ تُرَقِّصُهُ، وَتَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْلاَ حَنَفٌ بِرِجْلِهِ ... وَقِلَّةٌ أَخَافُهَا مِنْ نَسْلِهِ مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُم مِنْ مِثْلِهِ ... قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: هُوَ افْتَتَحَ مَرْوَ الرُّوْذَ (2) . وَكَانَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيْرِيْنَ فِي جَيْشِهِ ذَاكَ. قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، هُمَا يَصْغُرَانِ (3) عَنْ ذَلِكَ.   (1) في الطبقات 7 / 93 و97. (2) مرو الروذ، مدينة تقع في الجانب الشرقي لنهر مورغاب، وهي تبعد نحوا من مئة وستين ميلا فوق مدينة مرو الكبرى في خراسان اه، بتصرف عن بلدان الخلافة الشرقية 447. (3) في الأصل: (يصبوان) وهو تحريف، وقد نبه المؤلف لصغرهما لأنه عندما فتحت مرو = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَطُوْفُ بِالبَيْتِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ إِذْ بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَوْمِكَ بَنِي سَعْدٍ أَدْعُوْهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، فَجَعَلْتُ أُخْبِرُهُم، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِم، فَقُلْتَ: إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ، وَمَا أَسْمَعُ إِلاَّ حَسَناً؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ) . فَكَانَ الأَحْنَفُ يَقُوْلُ: فَمَا شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) . العَلاَءُ بنُ الفَضْلِ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمِّهِ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ تُسْتَرَ، فَقَالَ: قَدْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُم تُسْتَرَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ البَصْرَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ هَذَا -يَعْنِي الأَحْنَفَ- الَّذِي كَفَّ عَنَّا بَنِي مُرَّةَ حِيْنَ بَعَثَنَا رَسُوْلُ اللهِ فِي صَدَقَاتِهِم، وَقَدْ كَانُوا هَمُّوا بِنَا. قَالَ الأَحْنَفُ: فَحَبَسَنِي عُمَرُ عِنْدَهُ سَنَةً، يَأْتِيْنِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلاَ يَأْتِيْهِ عَنِّي إِلاَّ مَا يُحِبُّ. ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا أَحْنَفُ، هَلْ تَدْرِي لِمَ حَبَسْتُكَ عِنْدِي؟ قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَذَّرَنَا كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيْمٍ (2) ، فَخَشِيْتُ أَنْ تَكُوْنَ مِنْهُم، فَاحْمَدِ اللهَ يَا أَحْنَفُ. حَمَّادٌ: عَنِ ابْن جُدْعَانَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: احْتَبَسَنِي   = الروذ عام 32 هـ كان عمر الحسن أحد عشر عاما، وكانت ولادة ابن سيرين في السنة التالية لفتح المدينة. (1) مسند أحمد 5 / 372 وعلي بن زيد: هو ابن جدعان ضعيف. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 614. (2) أخرج أحمد 1 / 22 و44 من طريق ديلم بن غزوان العبدي، حدثنا ميمون الكردي، عن أبي عثمان النهدي، قال: إني لجالس تحت منبر عمر، وهو يخطب الناس، فقال في خطبته: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة، كل منافق عليم اللسان " وسنده = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 عُمَرُ عِنْدَهُ حَوْلاً، وَقَالَ: قَدْ بَلَوْتُكَ وَخَبَرْتُكَ، فَرَأَيْتُ عَلاَنِيَتَكَ حَسَنَةً، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُوْنَ سَرِيْرَتُكَ مِثْلَ عَلاَنِيَتِكَ، وَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ، إِنَّمَا يُهْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيْمٍ. قَالَ العِجْلِيُّ: الأَحْنَفُ بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ، وَكَانَ أَعْوَرَ، أَحْنَفَ، دَمِيْماً، قَصِيْراً، كَوْسَجاً (1) ، لَهُ بَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، حَبَسَهُ عُمَرُ سَنَةً يَخْتَبِرُهُ، فَقَالَ: هَذَا -وَاللهِ- السَّيِّدُ. مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدِمَ الأَحْنَفُ، فَخَطَبَ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ مَنْطِقُهُ. قَالَ: كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُوْنَ مُنَافِقاً عَالِماً، فَانْحَدِرْ إِلَى مِصْرِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُوْنَ مُؤْمِناً. وَعَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: كَذَبْتُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ سَأَلَنِي عُمَرُ عَنْ ثَوْبٍ: بِكَمْ أَخَذْتَهُ؟ فَأَسْقَطْتُ ثُلُثَيِ الثَّمَنِ. يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: وَفَّدَ أَبُو مُوْسَى وَفْداً مِنَ البَصْرَةِ إِلَى عُمَرَ، مِنْهُمُ الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، فَتَكَلَّمَ كُلُّ رَجُلٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَكَانَ الأَحْنَفُ فِي آخِرِ القَوْمِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ نَزَلُوا مَنَازِلَ فِرْعَوْنَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ نَزَلُوا مَنَازِلَ قَيْصَرَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ الكُوْفَةِ نَزَلُوا مَنَازِلَ كِسْرَى وَمَصَانِعَهُ فِي الأَنْهَارِ وَالجِنَانِ، وَفِي مِثْلِ عَيْنِ البَعِيْرِ وَكَالحُوَارِ فِي السَّلَى (2) ، تَأْتِيْهِم ثِمَارُهُم قَبْلَ أَنْ تَبلُغَ، وَإِنَّ أَهْلَ البَصْرَة نَزَلُوا فِي أَرْضٍ سَبْخَةٍ، زَعِقَةٍ،   = قوي، وله شاهد من حديث عمران بن حصين عند ابن حبان (91) وسنده صحيح. (1) يعني: لا شعر على عارضيه أو نقي الخدين من الشعر. (2) الحوار: ولد الناقة ساعة وضعه، أو حين يوضع إلى أن يفطم. والسلى: الجلد الرقيق الذي يخرج منه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه وأراد بعين البعير الخصب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 نَشَّاشَةٍ (1) ، لاَ يَجِفُّ تُرَابُهَا، وَلاَ يَنْبُتُ مَرْعَاهَا، طَرَفُهَا فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ، وَطَرَفٌ فِي فَلاَةٍ، لاَ يَأْتِيْنَا شَيْءٌ إِلاَّ فِي مِثْلِ مَرِيْءِ (2) النَّعَامَةِ، فَارْفَعْ خَسِيْسَتَنَا وَانْعَشْ وَكِيْسَتَنَا، وَزِدْ فِي عِيَالِنَا عِيَالاً، وَفِي رِجَالِنَا رِجَالاً، وَصَغِّرْ دِرْهَمَنَا، وَكَبِّرْ قَفِيْزَنَا، وَمُرْ لَنَا بِنَهْرٍ نَسْتَعْذِبْ مِنْهُ. فَقَالَ عُمَرُ: عَجَزْتُم أَنْ تَكُوْنُوا مِثْلَ هَذَا، هَذَا -وَاللهِ- السَّيِّدُ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَسْمَعُهَا بَعْدُ. وَفِي رِوَايَةٍ: فِي مِثْلِ حُلْقُوْمِ النَّعَامَةِ (3) . قَالَ خَلِيْفَةُ (4) : تَوَجَّهَ ابْنُ عَامِرٍ (5) إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَلَى مُقَدَّمَتِهِ الأَحْنَفُ، فَلَقِيَ أَهْلَ هَرَاةَ، فَهَزَمَهُم، فَافْتَتَحَ ابْنُ عَامِرٍ أَبْرَشَهْرَ (6) صُلْحاً - وَيُقَالُ: عَنْوَةً - وَبَعَثَ الأَحْنَفَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَتَجَمَّعُوا لَهُ مَعَ طُوقَانَ شَاهُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً، فَهَزَمَ اللهُ المُشْرِكِيْنَ. قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ الأَحْنَفُ يَحْمِلُ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ عَلَى كُلِّ رَئِيْسٍ حَقَّا ... أَنْ يَخْضِبَ القَنَاةَ أَوْ تَنْدَقَّا (7)   (1) سبخة: ذات نز وملح. ويقال: بئر زعقة إذا كان ماؤها مرا غليظا. ونشاشة: نزازة، لان السبخة ينز ماؤها فينش ويعود ملحا. اه تاج. (2) في الأصل: (سرى) وهو تصحيف، وما أثبتناه من النهاية لابن الأثير وفيه: المرئ: مجرى الطعام، وإنما خص النعام لدقة عنقه. (3) انظر الخبر في الطبري 4 / 75 وتاريخ ابن عساكر 8 / 214 آ، والفائق للزمخشري 1 / 345. (4) في تاريخه ص 164. (5) هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة الأموي الذي افتتح فارس وخراسان وكابل، وهو ابن خال عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال فيه أمير المؤمنين علي: ابن عامر سيد فتيان قريش. تقدمت ترجمته في الجزء الثالث. (6) هي نيسابور، ذكرها البحتري في قصيدته التي يرثي بها طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين: فلله قبر في خراسان أدركت * نواحيه أقطار العلى والمآثر مقيم بأدنى أبر شهر وطوله * على قصو آفاق البلاد الظواهر (7) تاريخ خليفة 165 وزاد الطبري 4 / 169: إن لنا شيخا بها ملقى * سيف أبي حفص الذي تبقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَقِيْلَ: سَارَ الأَحْنَفُ إِلَى بَلْخَ، فَصَالَحُوْهُ عَلَى أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى خُوَارِزْمَ، فَلَمْ يُطِقْهَا، فَرَجَعَ. وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ خَرَجَ مِنْ خُرَاسَانَ مُعْتَمِراً، قَدْ أَحْرَمَ مِنْهَا، وَخَلَّفَ عَلَى خُرَاسَانَ الأَحْنَفَ، وَجَمَعَ أَهْلُ خُرَاسَانَ جَمْعاً كَبِيْراً، وَتَجَمَّعُوا بِمَرْوَ، فَالْتَقَاهُمُ الأَحْنَفُ، فَهَزَمَهُم، وَكَانَ ذَلِكَ الجَمْعُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ. ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ بَنِي تَمِيْمٍ، فَذمَّهُم، فَقَامَ الأَحْنَفُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ائْذَنْ لِي. قَالَ: تَكَلَّمْ. قَالَ: إِنَّكَ ذَكَرْتَ بَنِي تَمِيْمٍ، فَعَمَمْتَهُم بِالذَّمِّ، وَإِنَّمَا هُمْ مِنَ النَّاسِ، فِيْهِمُ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ. فَقَالَ: صَدَقْتَ. فَقَامَ الحُتَاتُ - وَكَانَ يُنَاوِئُهُ - فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ائْذَنْ لِي، فَلأَتَكَلَّمَ. قَالَ: اجْلِسْ، فَقَدْ كَفَاكُمْ سَيِّدُكُمُ الأَحْنَفُ. رَوَى: ابْنُ جُدْعَانَ، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوْسَى: ائْذَنْ لِلأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، وَشَاوِرْهُ، وَاسْمَعْ مِنْهُ. قَتَادَةُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَرِيْفَ قَوْمٍ كَانَ أَفَضْلَ مِنَ الأَحْنَفِ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: قِيْلَ لِلأَحْنَفِ: بِمَ سَوَّدُوْكَ؟ قَالَ: لَوْ عَابَ النَّاسُ المَاءَ لَمْ أَشْرَبْهُ. وَقِيْلَ: عَاشَتْ بَنُوْ تَمِيْمٍ بِحِلْمِ الأَحْنَفِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَفِيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا الأَبْصَارُ أَبْصَرَتِ ابْنَ قَيْسٍ ... ظَلَلْنَ مَهَابَةً مِنْهُ خُشُوْعَا (1) وَقَالَ خَالِدُ بنُ صَفْوَانَ: كَانَ الأَحْنَفُ يَفِرُّ مِنَ الشَّرَفِ، وَالشَّرَفُ يَتْبَعُهُ. وَقِيْلَ لِلأَحْنَفِ: إِنَّكَ كَبِيْرٌ، وَالصَّوْمُ يُضْعِفُكَ. قَالَ: إِنِّي أُعِدُّهُ لِسَفَرٍ طَوِيْلٍ. وَقِيْلَ: كَانَتْ عَامَّةُ صَلاَةِ الأَحْنَفِ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى   (1) تاريخ ابن عساكر 215 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 المِصْبَاحِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: حَسِّ - كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الأَلَمِ (1) -. وَيَقُوْلُ: مَا حَمَلَكَ يَا أَحْنَفُ عَلَى أَنْ صَنَعْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا. مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الحَرِيْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَصْفَرِ: أَنَّ الأَحْنَفَ اسْتُعْمِلَ عَلَى خُرَاسَانَ، فَأَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يُوْقِظْ غِلْمَانَهُ، وَكَسَرَ ثَلْجاً، وَاغْتَسَلَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ المُزَنِيُّ: عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ (2) ، سَمِعَ الأَحْنَفَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَغفِرْ لِي، فَأَنْتَ أَهْلُ ذَاكَ، وَإِنْ تُعَذِّبْنِي، فَأَنَا أَهْلُ ذَاكَ. قَالَ مُغِيْرَةُ: ذَهَبَتْ عَيْنُ الأَحْنَفِ، فَقَالَ: ذَهَبَتْ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، مَا شَكَوْتُهَا إِلَى أَحَدٍ. ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: ذَكَرُوا عَنْ مُعَاوِيَةَ شَيْئاً، فَتَكَلَّمُوا وَالأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَحْرٍ، مَا لَكَ لاَ تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: أَخْشَى اللهَ إِنْ كَذَبْتُ، وَأَخْشَاكُم إِنْ صَدَقْتُ. وَعَنِ الأَحْنَفِ: عَجِبْتُ لِمَنْ يَجْرِي فِي مَجْرَى البَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ! قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: قَالَ الأَحْنَفُ: ثَلاَثٌ فِيَّ مَا أَذْكُرُهُنَّ إِلاَّ لِمُعْتَبِرٍ: مَا أَتَيْتُ بَابَ سُلطَانٍ إِلاَّ أَنْ أُدْعَى، وَلاَ دَخَلْتُ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى يُدْخِلاَنِي بَيْنَهُمَا، وَمَا أَذْكُرُ أَحَداً بَعْدَ أَنْ يَقُوْمَ مِنْ عِنْدِي إِلاَّ بِخَيْرٍ (3) . وَعَنْهُ: مَا نَازَعَنِي أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذْتُ أَمْرِي بِأُمُوْرٍ، إِنْ كَانَ فَوْقِي عَرَفْتُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُوْنِي رَفَعْتُ قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِي تَفَضَّلْتُ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: لَسْتُ بِحَلِيْمٍ، وَلَكِنِّي أَتَحَالَمُ (4) .   (1) كلمة تقال عند الالم. (2) في الأصل (الاصغر) وما أثبتناه من التقريب والخلاصة وتاريخ الإسلام 3 / 132. (3) تاريخ الإسلام 3 / 132 والوفيات 5 / 500 وما بين الحاصرتين منهما. (4) ذكره ابن عساكر 8 / 218 ب و219 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَقِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً خَاصَمَ الأَحْنَفَ، وَقَالَ: لَئِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً، لَتَسْمَعَنَّ عَشْراً. فَقَالَ: لَكِنَّكَ إِنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً. وَقِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ لِلأَحْنَفِ: بِمَ سُدْتَ؟ - وَأَرَادَ أَنْ يَعِيْبَهُ -. قَالَ الأَحْنَفُ: بِتَرْكِي مَا لاَ يَعْنِيْنِي كَمَا عَنَاكَ مِنْ أَمْرِي مَا لاَ يَعْنِيْكَ. الأَصْمَعِيُّ: عَنْ مُعْتَمِرِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُقْبَةَ أَخِي ذِي الرُّمَّةِ، قَالَ: شَهِدْتُ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ وَقَدْ جَاءَ إِلَى قَوْمٍ فِي دَمٍ، فَتَكلَّمَ فِيْهِ، وَقَالَ: احْتَكِمُوا. قَالُوا: نَحْتَكِمُ دِيَتَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ لَكُم. فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ: أَنَا أُعْطِيْكُم مَا سَأَلْتُم، فَاسْمَعُوا: إِنَّ اللهَ قَضَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ العَرَبَ تَعَاطَى بَيْنَهَا دِيَةً وَاحِدَةً، وَأَنْتُمُ اليَوْمَ تُطَالِبُوْنَ، وَأَخْشَى أَنْ تَكُوْنُوا غَداً مَطْلُوْبِيْنَ، فَلاَ تَرْضَى النَّاسُ مِنْكُمْ إِلاَّ بِمِثْلِ مَا سَنَنْتُم. قَالُوا: رُدَّهَا إِلَى دِيَةٍ (1) . عَنِ الأَحْنَفِ: ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْتَصِفُوْنَ مِنْ ثَلاَثَةٍ: شَرِيْفٌ مِنْ دَنِيْءٍ، وَبَرٌّ مِنْ فَاجِرٍ، وَحَلِيْمٌ مِنْ أَحْمَقَ. وَقَالَ: مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُوْنَ، قَالُوا فِيْهِ مَا لاَ يَعْلَمُوْنَ. وَعَنْهُ، سُئِلَ: مَا المُرُوْءةُ؟ قَالَ: كِتْمَانُ السِّرِّ، وَالبُعْدُ مِنَ الشَّرِّ. وَعَنْهُ: الكَامِلُ مَنْ عُدَّتْ سَقَطَاتُهُ. وَعَنْهُ، قَالَ: رَأْسُ الأَدَبِ آلَةُ المَنْطِقِ، لاَ خَيْرَ فِي قَوْلٍ بِلاَ فِعْلٍ، وَلاَ فِي مَنْظَرٍ بِلاَ مَخْبَرٍ، وَلاَ فِي مَالٍ بِلاَ جُوْدٍ، وَلاَ فِي صَدِيْقٍ بِلاَ وَفَاءٍ، وَلاَ فِي فِقْهٍ بِلاَ وَرَعٍ، وَلاَ فِي صَدَقَةٍ إِلاَّ بِنِيَّةٍ، وَلاَ فِي حَيَاةٍ إِلاَّ بِصِحَّةٍ وَأَمْنٍ.   (1) انظر وفيات الأعيان 2 / 501. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وَعَنْهُ: العِتَابُ مِفْتَاحُ الثُّقَالَى، وَالعِتَابُ خَيْرٌ مِنَ الحِقْدِ. هِشَامٌ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: رَأَى الأَحْنَفُ فِي يَدِ رَجُلٍ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: لِي. قَالَ: لَيْسَ هُوَ لَكَ حَتَّى تُخْرِجَهُ فِي أَجْرٍ أَوِ اكْتِسَابِ شُكْرٍ، وَتَمَثَّلَ: أَنْتَ لِلْمَالِ إِذَا أَمْسَكْتَهُ ... وَإِذَا أَنْفَقْتَهُ فَالمَالُ لَكْ (1) وَقِيْلَ: كَانَ الأَحْنَفُ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ وَسَّعَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ، أَرَاهُ كَأَنَّهُ يُوْسِعُ لَهُ. وَعَنْهُ، قَالَ: جَنِّبُوا مَجَالِسَنَا ذِكْرَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ، إِنِّي أُبْغِضُ الرَّجُلَ يَكُوْنُ وَصَّافاً لِفَرْجِهِ وَبَطْنِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَلَّم مُصْعَباً فِي مَحْبُوْسَيْنِ، وَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، إِنْ كَانُوا حُبِسُوا فِي بَاطِلٍ، فَالعَدْلُ يَسَعُهُم، وَإِنْ كَانُوا حُبِسُوا فِي حَقٍّ، فَالعَفْوُ يَسَعُهُم. وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لِلأَمِيْرِ الغَضَبُ، لأَنَّ الغَضَبَ فِي القُدْرَةِ لِقَاحُ السَّيْفِ وَالنَّدَامَةِ. الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الأَحْنَفُ الكُوْفَةَ مَعَ مُصْعَبٍ، فَمَا رَأَيْتُ صِفَةً تُذَمُّ إِلاَّ رَأَيْتُهَا فِيْهِ، كَانَ ضَئِيْلاً، صَعْلَ الرَّأْسِ، مُتَرَاكِبَ الأَسْنَانِ، مَائِلَ الذَّقَنِ، نَاتِئَ الوَجْنَةِ، بَاخِقَ العَيْنِ، خَفِيْفَ العَارِضَيْنِ، أَحْنَفَ الرِّجْلَيْنِ، فَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ، جَلاَ عَنْ نَفْسِهِ. الصَّعَلُ: صِغَرُ الرَّأْسِ، وَالبَخَقُ: انْخِسَافُ العَيْنِ، وَالحَنَفُ: أَنْ تُفْتَلَ كُلُّ رِجْلٍ عَلَى صَاحِبَتِهَا.   (1) تاريخ ابن عساكر 8 / 222 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَقِيْلَ: كَانَ مُلْتَصِقَ الأَلْيَةِ، فَشُقَّ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الأَحْنَفُ: الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ. عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَالخُلَفَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ الكَلاَمَ مِنْ مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلاَ أَحْسَنَ مِنْ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ. وَعَنْهُ: لاَ يَتِمُّ أَمْرُ السُّلْطَانِ إِلاَّ بِالوُزَرَاءِ وَالأَعْوَانِ، وَلاَ يَنْفَعُ الوُزَرَاءُ وَالأَعْوَانُ إِلاَّ بِالمَوَدَّةِ وَالنَّصِيْحَةِ، وَلاَ تَنْفَعُ المَوَدَّةُ وَالنَّصِيْحَةُ إِلاَّ بِالرَّأْيِ وَالعِفَّةِ. قِيْلَ: كَانَ زِيَادٌ مُعَظِّماً لِلأَحْنَفِ، فَلَمَّا وُلِّيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ، تَغَيَّرَ أَمْرُ الأَحْنَفِ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي الأَشْرَافِ، فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللهِ: أَدْخِلْهُم عَلَيَّ عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهِم. فَأَخَّرَ الأَحْنَفُ، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ، أَكْرَمَهُ لِمَكَانِ سِيَادَتِهِ، وَقَالَ: إِلَيَّ يَا أَبَا بَحْرٍ. وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُم، فَأَخَذُوا فِي شُكْرِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، وَسَكَتَ الأَحْنَفُ. فَقَالَ لَهُ: لِمَ لاَ تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: إِنْ تَكَلَّمْتُ خَالَفْتُهُم. قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ عَزَلْتُ عُبَيْدَ اللهِ. فَلَمَّا خَرَجُوا، كَانَ فِيْهِم مَنْ يَرُوْمُ الإِمَارَةَ، ثُمَّ أَتَوْا مُعَاوِيَةَ بَعْد ثَلاَثٍ، وَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ شَخْصاً، وَتَنَازَعُوا. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا تَقُوْلُ يَا أَبَا بَحْرٍ؟ قَالَ: إِنْ وَلَّيْتَ (1) أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، لَمْ تَجِدْ مِثْلَ عُبَيْدِ اللهِ. فَقَالَ: قَدْ أَعَدُّتُهُ. قَالَ: فَخَلاَ مُعَاوِيَةُ بِعُبَيْدِ اللهِ، وَقَالَ: كَيْفَ ضَيَّعْتَ مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي عَزَلَكَ وَأَعَادَكَ وَهُوَ سَاكِتٌ!؟ فَلَمَّا رَجَعَ عُبَيْدُ اللهِ، جَعَلَ الأَحْنَفَ صَاحِبَ سِرِّهِ (2) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ المِصْرِيُّ الفَقِيْهُ: عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ المَعَافِرِيِّ، عَنْ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَارَةَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَضَرْتُ جَنَازَةَ الأَحْنَفِ بِالكُوْفَةِ،   (1) في الأصل (وليتك) وما أثبتناه من الوفيات وتاريخ الإسلام. (2) الخبر في تاريخ الإسلام 3 / 133 وانظره مفصلا في الوفيات 2 / 503. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 فَكُنْتُ فِيْمَنْ نَزَلَ قَبْرَهُ، فَلَمَّا سَوَّيْتُهُ، رَأَيْتُهُ قَدْ فُسِحَ لَهُ مَدَّ بَصَرِي، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَصْحَابِي، فَلَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: تُوُفِّيَ الأَحْنَفُ فِي دَارِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي غَضَنْفَرٍ، فَلَمَّا دُلِّيَ فِي حُفْرَتِهِ، أَقْبَلَتْ بِنْتٌ لأَوْسٍ السَّعْدِيِّ وَهِيَ عَلَى رَاحِلَتِهَا عَجُوْزٌ، فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: مَنِ المُوَافَى بِهِ حُفْرَتَهُ لِوَقْتِ حِمَامِهِ؟ قِيْلَ لَهَا: الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ. قَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ كُنْتُم سَبَقْتُمُوْنَا إِلَى الاسْتِمْتَاعِ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، لاَ تَسْبِقُوْنَا إِلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. ثُمَّ قَالَتْ: للهِ دَرُّكَ مِنْ مِجَنٍّ فِي جَنَنٍ، وَمُدْرَجٍ فِي كَفَنٍ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجعُوْنَ، نَسْأَلُ مَنِ ابْتَلاَنَا بِمَوْتِكَ، وَفَجَعَنَا بِفَقْدِكَ: أَنْ يُوْسِعَ لَكَ فِي قَبْرِكَ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَكَ يَوْمَ حَشْرِكَ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ فِي بِلاَدِهِ هُمْ شُهُوْدُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنَّا لَقَائِلُوْنَ حَقّاً، وَمُثْنُوْنَ صِدْقاً، وَهُوَ أَهْلٌ لِحُسْنِ الثَّنَاءِ، أَمَا وَالَّذِي كُنْتُ مِنْ أَجَلِهِ فِي عِدَّةٍ، وَمِنَ الحَيَاةِ فِي مُدَّةٍ، وَمِنَ المِضْمَارِ إِلَى غَايَةٍ، وَمِنَ الآثَارِ إِلَى نِهَايَةٍ، الَّذِي رُفِعَ عَمَلُكَ عِنْد انْقَضَاءِ أَجَلِكَ، لَقَدْ عِشْتَ مَوْدُوْداً حَمِيْداً، وَمُتَّ سَعِيْداً فَقِيْداً، وَلَقَدْ كُنْتَ عَظِيْمَ الحِلْمِ، فَاضِلَ السَّلْمِ، رَفِيْعَ العِمَادِ، وَارِيَ الزِّنَادِ، مَنِيْعَ الحَرِيْمِ، سَلِيْمَ الأَدِيْمِ، عَظِيْمَ الرَّمَادِ، قَرِيْبَ البَيْتِ مِنَ النَّادِ (1) . قَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الضَّحَّاكِ: أَنَّهُ أَبْصَرَ مُصْعَباً يَمْشِي فِي جَنَازَةِ الأَحْنَفِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ. قَالَ الفَسَوِيُّ: مَاتَ الأَحْنَفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَاتَ فِي إِمْرَةِ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ عَلَى العِرَاقِ -رَحِمَهُ اللهُ-.   (1) الخبر في تاريخ ابن عساكر 8 / 225 آ، وزاد فيه: "..ولقد كنت في المحافل شريفا وعلى الأرامل عطوفا، ومن الناس قريبا، وفيهم غريبا، وإن كنت فيهم مسودا وإلى الخلفاء لموفدا، وإن كانوا لقولك لمستمعين، ولرأيك لمتبعين، رحمنا الله وإياك " اه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 قُلْتُ: قَدِ اسْتَقْصَى الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ الأَحْنَفِ فِي كَرَارِيْسَ (1) ، وَطَوَّلْتُهَا - أَنَا - فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (2)) - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. 30 - عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الفَقِيْهُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو عَمْرٍو القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَأُمُّهُ: هِيَ جَمِيْلَةُ بِنْتُ ثَابِتِ بنِ أَبِي الأَقْلحِ الأَنْصَارِيَّةُ. وَكَانَ طَوِيْلاً، جَسِيْماً، حَتَّى قِيْلَ: كَانَ ذِرَاعُهُ ذِرَاعاً وَنَحْواً مِنْ شِبْرٍ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، دَيِّناً، خَيِّراً، صَالِحاً، وَكَانَ بَلِيْغاً، فَصِيْحاً، شَاعِراً، وَهُوَ جَدُّ الخَلِيْفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ لأُمِّهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ حَفْصٌ وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (3) : لاَ يُرْوَى عَنْهُ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. مَاتَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ، فَرثَاهُ ابْنُ عُمَرَ أَخُوْهُ، حَيْثُ يَقُوْلُ: فَلَيْتَ المَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِماً ... فَعِشْنَا جَمِيْعاً أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعَا   (1) المجلد الثامن نسخة (س) من 210 ب - 225 ب. (2) تاريخ الإسلام 3 / 129 - 133. (*) طبقات ابن سعد 5 / 15، طبقات خليفة ت 2003، تاريخ البخاري 6 / 477، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 346، الاستيعاب ت 1311، الكامل لابن الأثير 4 / 308، أسد الغابة 3 / 76، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 255، تهذيب الكمال ص 636، تاريخ الإسلام 3 / 25، العبر 1 / 78، الإصابة ت 6154، تهذيب التهذيب 5 / 52، النجوم الزاهرة 1 / 185، خلاصة تذهيب الكمال 183، شذرات الذهب 1 / 77. (3) في الجرح والتعديل 3 / 346. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 31 - أَسْلَمُ العَدَوِيُّ العُمَرِيُّ مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ * (ع) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، أَبُو زَيْدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو خَالِدٍ - القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. قِيْلَ: هُوَ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ (1) . وَقِيْلَ: هُوَ يَمَانِيٌّ. وَقِيْلَ: حَبَشِيٌّ، اشْتَرَاهُ عُمَرُ بِمَكَّةَ إِذْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي العَامِ الَّذِي يَلِي حَجَّةَ الوَدَاعِ، زَمَنَ الصِّدِّيْقِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ يَقُوْلُ: نَحْنُ قَوْمٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّيْنَ، وَلَكِنَّا لاَ نُنْكِرُ مِنَّةَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ زَيْدٌ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَمُسْلِمُ بنُ جُنْدُبٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: قَدِمْنَا الجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ، فَأُتِيْنَا بِالطِّلاَءِ، وَهُوَ مِثْلُ عَقِيْدِ الرُّبِّ. قُلْتُ: هُوَ الدِّبْسُ المُرَمَّلُ (2) . حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اشْتَرَانِي عُمَرُ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 10، تاريخ البخاري 2 / 23، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 306، تاريخ ابن عساكر 2 / 405 ب، أسد الغابة 1 / 77، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 117، تهذيب الكمال ص 94، تاريخ الإسلام 3 / 138، العبر 1 / 91، تذكرة الحفاظ 1 / 49، الإصابة ت 131 و449، تهذيب التهذيب 1 / 266، طبقات الحفاظ 16، خلاصة تذهيب الكمال 31، شذرات الذهب 1 / 88. (1) عين التمر: بلدة قريبة من الانبار غربي الكوفة، افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد سنة 12 هـ. (2) المرمل: المعصود. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي قُدِمَ فِيْهَا بِالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ أَسِيْراً، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الحَدِيْدِ، يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ يَقُوْلُ لَهُ: فَعَلْتَ وَفَعَلْتَ. حَتَّى كَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَسْمَعُ الأَشْعَثَ يَقُوْلُ: يَا خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ، اسْتَبْقِنِي لِحَرْبِكَ، وَزَوِّجْنِي أُخْتَكَ. فَمَنَّ عَلَيْهِ الصِّدِّيْقُ، وَزوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بنَ الأَشْعَثِ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ الحَبَشِيُّ الأَسْوَدُ - وَاللهِ مَا أُرِيْدُ عَيْبَهُ -: بَلَغَنِي أَنَّ بَنِيْهِ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُم عَرَبٌ. وَعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، إِنِّي أَرَى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَلْزَمُكَ لُزُوْماً لاَ يَلْزَمُهُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِكَ، لاَ يَخْرُجُ سَفَراً إِلاَّ وَأَنْتَ مَعَهُ، فَأَخْبِرْنِي عَنْهُ. قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَوْلَى القَوْمِ (1) بِالظِّلِّ، وَكَانَ يُرَحِّلُ رَوَاحِلَنَا، وَيُرَحِّلُ رَحْلَهُ وَحْدَهُ، وَلَقَدْ فَرَغْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ رَحَّلَ رِحَالَنَا، وَهُوَ يُرَحِّلُ رَحْلَهُ، وَيَرْتَجِزُ: لاَ يَأْخُذِ اللَّيْلُ عَلَيْكَ بِالهَمْ ... وَإِلْبَسَنْ لهُ القَمِيْصَ وَاعْتَمْ وَكُنْ شَرِيْكَ نَافِعٍ وَأَسْلَمْ ... وَإِخْدُمِ الأَقْوَامَ حَتَّى تُخْدَمْ (2) رَوَاهُ: القَعْنَبِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ. زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ عُمَرُ إِذَا بَعَثَنِي إِلَى بَعْضِ وَلَدِهِ، قَالَ: لاَ تُعْلِمْهُ لِمَا أَبْعَثُ إِلَيْهِ، مَخَافَةَ أَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّيْطَانُ كَذْبَةً. فَجَاءتِ امْرَأَةٌ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا عِيْسَى لاَ يُنْفِقُ عَلَيَّ، وَلاَ يَكْسُوْنِي. فَقَالَ: وَيْحَكِ، وَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟ قَالَتْ: ابْنُكَ. قَالَ: وَهَلْ لِعِيْسَى مِنْ أَبٍ؟ فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: لاَ تُخْبِرْهُ. فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ دِيْكٌ وَدَجَاجَةٌ هِنْدِيَّانِ، قُلْتُ: أَجِبْ أَبَاكَ.   (1) في الأصل: (بالقوم) وما أثبتناه من تاريخ الإسلام وابن عساكر. (2) انظر " عيون الاخبار " 1 / 265، ولفظه ولفظ ابن عساكر: " ثم اخدم الاقوام حتى تخدم ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 قَالَ: وَمَا يُرِيْدُ؟ قُلْتُ: نَهَانِي أَنْ أُخْبِرَكَ. قَالَ: فَإِنِّي أُعْطِيْكَ الدِّيْكَ وَالدَّجَاجَةَ. قَالَ: فَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُخْبِرَ عُمَرَ، وَأَخْبَرْتُهُ، فَأَعْطَانِيْهُمَا. فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرْتَهُ؟ - فَوَاللهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَقُوْلَ لاَ - فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَرَشَاكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَخْبَرْتُهُ. فَقَبَضَ عَلَى يَدِي بِيَسَارِهِ، وَجَعَلَ يَمْصَعُنِي بِالدِّرَّةِ، وَأَنَا أَنْزُو، فَقَالَ: إِنَّكَ لَجَلِيْدٌ. ثُمَّ قَالَ: أَتَكْتَنِي بِأَبِي عِيْسَى، وَهَلْ لِعِيْسَى مِنْ أَبٍ (1) ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تُوُفِّيَ أَسْلَمُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ. وَيُقَالُ: عَاشَ مائَةً وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. 32 - شُرَيْحٌ القَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ بنُ الحَارِثِ الكِنْدِيُّ * (س) هُوَ الفَقِيْهُ، أَبُو أُمَيَّةَ، شُرَيْحُ بنُ الحَارِثِ بنِ قَيْسِ بنِ الجَهْمِ الكِنْدِيُّ، قَاضِي الكُوْفَةِ. وَيُقَالُ: شُرَيْحُ بنُ شَرَاحِيْلَ أَوِ ابْنُ شُرَحْبِيْلَ. وَيُقَالُ: وَهُوَ مِنْ أَوْلاَدِ الفُرْسُ الَّذِيْنَ كَانُوا بِاليَمَنِ. يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَصِحَّ، بَلْ هُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْتَقَلَ مِنَ اليَمَنِ زَمَنَ الصِّدِّيْقِ.   1) قال ابن عساكر في نهاية الخبر 2 / 408 ب: " الصواب عبيد الله " أي: المخاطب عبيد الله. (2) في الطبقات 5 / 11. (*) طبقات ابن سعد 16 / 131، طبقات خليفة ت 1037، تاريخ البخاري 4 / 228، المعارف 433، المعرفة والتاريخ 2 / 586، وأخباره مستفيضة في " أخبار القضاة " لوكيع 2 / 189 - 402 وترجمته أيضا في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 332، الحلية 4 / 132، الاستيعاب ت 1172، طبقات الشيرازي 80، تا ريخ ابن عساكر 8 / 19، أسد الغابة 2 / 394، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 243، وفيات الاعبان 2 / 460، تهذيب الكمال 576، تاريخ الإسلام 3 / 160، العبر 1 / 89، تذكره الحفاظ 1 / 55. البداية والنهاية 9 / 22 و74، الإصابة ت 3880، تهذيب التهذيب 4 / 328، النجوم الزاهرة 1 / 194، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 20، خلاصة تذهيب الكمال 165، شذرات الذهب 1 / 85 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ نَزْرُ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَتَمِيْمُ بنُ سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَغَيْرُهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ: إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فِي كِتَابِ اللهِ، فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ وَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهِمَا، فَاقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ أَئِمَّةُ الهُدَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَأَنْتَ بِالخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ تَجْتَهِدُ رَأْيَكَ، وَإِنْ شِئْتَ تُؤَامِرُنِي، وَلاَ أَرَى مُؤَامَرَتَكَ إِيَّايَ إِلاَّ أَسْلَمَ لَكَ. صَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَلاَّهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَقِيْلَ: أَقَامَ عَلَى قَضَائِهَا سِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَدْ قَضَى بِالبَصْرَةِ سَنَةً. وَفَدَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ إِلَى دِمَشْقَ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: قَاضِي المِصْرَيْنِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ شُرَيْحٍ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ، وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ لِي أَهْلَ بَيْتٍ ذَوِي عَدَدٍ بِاليَمَنِ. قَالَ: (جِئْ بِهِم) . فَجَاءَ بِهِم، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قُبِضَ (2) . رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: شُرَيْحٌ القَاضِي هُوَ ابْنُ شُرَحْبِيْلَ، ثِقَةٌ. أَبُو مَعْشَرٍ البَرَّاءُ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لِشُرِيْحٍ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلاَمِ، وَعِدَادِي فِي كِنْدَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ اليَمَنِ، لأَنَّ أُمَّهُ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَبِيْهِ، فَاسْتَحْيَا مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ، وَكَانَ شَاعِراً، قَائِفاً.   (1) انظر الوفيات 2 / 460. (2) أخرجه ابن عساكر 8 / 19 آ، ب، وابن حجر في الإصابة 3880 ترجمة شريح بن الحارث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ دَاوُدَ الوَابِشِيَّةُ، قَالَتْ: خَاصَمْتُ إِلَى شُرَيْحٍ، وَكَانَ لَيْسَ لَهُ لِحْيَةٌ (1) . رَوَى: أَشْعَثُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ الكُوْفَةَ، وَبِهَا أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُعَدُّ بِالفِقْهِ، فَمَنْ بَدَأَ بِالحَارِثِ، ثَنَّى بِعَبِيْدَةَ، وَمَنْ بَدَأَ بِعَبِيْدَةَ، ثَنَّى بِالحَارِثِ، ثُمَّ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ شُرَيْحٍ. وَإِنَّ أَرْبَعَةً أَخَسُّهُم شُرَيْحٌ لَخِيَارٌ (2) . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ شُرَيْحٌ أَعْلَمَهُم بِالقَضَاءِ، وَكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِيْهِ فِي عِلْمِ القَضَاءِ (3) . قَالَ أَبُو وَائِلٍ: كَانَ شُرَيْحٌ يُقِلُّ غِشْيَانَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ لِلاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ (4) . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَعَثَ عُمَرُ ابنَ سُوْرٍ (5) عَلَى قَضَاءِ البَصْرَةِ، وَبَعَثَ شُرَيْحاً عَلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ (6) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَر رَزَقَ شُرَيْحاً مائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى القَضَاءِ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيْمَ: أَنَّ عَلِيّاً جَمَعَ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ، وَقَالَ: إِنِّي مُفَارِقُكم. فَاجْتَمَعُوا فِي الرَّحْبَةِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُوْنَهُ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُم، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ شُرَيْحٌ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ أَقْضَى العَرَبِ (7) .   (1) طبقات ابن سعد 6 / 132. (2) انظر الخبر أو نحوه ص 43 رقم (1) و56 رقم (4) من هذا الجزء. (3) انظر ص 41 رقم (1) . (4) وفي رواية لابن عساكر 8 / 21 ب " عن أبي وائل ايضا قال: ما رأيت شريحا عند عبد الله قط، قال: وما كان يمنعه أن يأتيه إلا استغناء عنه ". (5) هو كعب بن سور بن بكر الأزدي مترجم في " الإصابة " رقم الترجمة (7487) وأخبار القضاة 1 / 274، 283. (6) تاريخ الطبري 4 / 241. (7) الحلية 4 / 134، ووفيات الأعيان 2 / 462. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقْضِي بِقَضَاءِ عَبْدِ اللهِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوا ابْنَ اللَّتِّيِّ (1) ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ (2) ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تُخَاصِمُ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ فِي شَهْرَيْنِ (3) ثَلاَثَ حِيَضٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْتَ هَا هُنَا؟! قَالَ: اقْضِ بَيْنَهُمَا. قَالَ: إِنْ جَاءتْ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مَنْ يُرْضَى دِيْنُهُ وَأَمَانتُهُ يَزْعُمُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ تَطْهُرُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ، وَتُصلِّي، جَازَ لَهَا، وَإِلاَّ فَلاَ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالُوْنُ. وَقَالُوْنُ: بِلِسَانِ الرُّوْمِ: أَحْسَنْتَ. جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ شُرَيْحاً عَنِ القَضَاءِ، فَلَمَّا وَلِيَ الحَجَّاجُ رَدَّهُ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي هَاشِمٍ: أَنَّ فَقِيْهاً جَاءَ إِلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ: مَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي القَضَاءِ؟ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ أَحْدَثُوا، فَأَحْدَثْتُ (4) . قَالَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، قَالَ: قَالَ خَصْمٌ لِشُرَيْحٍ: قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيْتَ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالكَاذِبَ (5) . وَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقُوْلُ لِلشَّاهِدَيْنِ: إِنَّمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَنْتُمَا، وَإِنِّي لَمُتَّقٍ بِكُمَا، فَاتَّقِيَا (6) .   (1) هو عبد الله بن عمر بن علي بن زيد بن اللتي البغدادي. (2) انظر تعليق (1) ص (319) . (3) في أخبار القضاة 2 / 194 وتاريخ ابن عساكر 8 / 23 ب: (شهر) . (4) أخبار القضاة 2 / 318 وطبقات ابن سعد 6 / 133. (5) طبقات ابن سعد 6 / 135. (6) لفظ وكيع في أخبار القضاة 2 / 363 " إني لم أدعكما، وإن قمتما لم أمنعكما وإنما يقضي = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ غَزَّالُوْنَ، فَقَالَ بَعْضُهُم: إِنَّهُ سُنَّةُ نَبِيِّنَا. قَالَ: بَلْ سُنَّتُكُم بَيْنَكُم (1) . زُهَيْرُ بنُ مُعَاِويَةَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، قَالَ: مَرَّ عَلَيْنَا شُرَيْحٌ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ جَعَلَ دَارَهُ حُبْساً عَلَى قَرَابَتِهِ. قَالَ: فَأَمَرَ حَبِيْباً، فَقَالَ: أَسْمِعِ الرَّجُلَ: لاَ حُبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللهِ. قَالَ الحَسَنُ بنُ حَيٍّ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: بَلَغنَا أَنَّ عَلِيّاً رَزَقَ شُرَيْحاً خَمْسَ مائَةٍ (2) . قَالَ وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ شُرَيْحٍ: الخَاتَمُ خَيْرٌ مِنَ الظَّنِّ (3) . قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: رَأَيْتُ شُرَيْحاً يَقْضِي، وَعَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ وَبُرْنُسٌ، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمّاً قَدْ أَرْسَلَهَا مِنْ خَلْفِهِ (4) . وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: زَعَمُوا، كُنْيَةُ الكَذِبِ (5) . وَقَالَ مَنْصُوْرٌ: كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا أَحْرَمَ كَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ. تَمِيْمُ بنُ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: اخْتَلَفْتُ إِلَى شُرَيْحٍ أَشْهُراً لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ، أَكْتَفِي بِمَا أَسْمَعُهُ يَقْضِي بِهِ (6) .   = الخ.." وانظر طبقات ابن سعد 6 / 136. (1) طبقات ابن سعد 6 / 136. (2) أخبار القضاة 2 / 227. (3) طبقات ابن سعد 6 / 135 و139. (4) المصدر السابق 6 / 139. (5) المصدر السابق 6 / 141، وأخرج أبو داود (4972) وغيره من حديث ابي مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بئس مطية الرجل زعموا " وسنده قابل للتحسين، وفيه ذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان سبيله الظن والتخمين، فأمر بالتثبت في الاخبار، والتوثق لما يحكيه، فلا يروي الخبر حتى يكون معزوا إلى ثبت، ومرويا عن ثقة. (6) المصدر السابق 6 / 139. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 حَجَّاجُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: كَانَ إِذَا قِيْلَ لِشُرَيْحٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَشَطْرُ النَّاسِ عَلَيَّ غِضَابٌ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: قَالَ شُرَيْحٌ: مَا شَدَدْتُ لَهَوَاتِي عَلَى خَصْمٍ، وَلاَ لَقَّنْتُ خَصْماً حُجَّةً قَطُّ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: اخْتُصِمَ إِلَى شُرَيْحٍ فِي وَلَدِ هِرَّةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: هُوَ وَلَدُ هِرَّتِي. وَقَالَتِ الأُخْرَى: بَلْ هُوَ وَلَدُ هِرَّتِي. فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَلْقِهَا مَعَ هَذِهِ، فَإِنْ هِيَ قَرَّتْ وَدَرَّتْ وَاسْبَطَرَّتْ فَهِي لَهَا، وَإِنْ هِيَ هَرَّتْ وَفَرَّتْ وَاقْشَعَرَّتْ، فَلَيْسَ لَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: وَازْبَأَرَّتْ، أَيِ: انْتَفَشَتْ. وَقَوْلُهُ: اسْبَطَرَّتْ، أَيِ: امْتَدَّتْ لِلرَّضَاعِ (2) . ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: أَقَرَّ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ، ثُمَّ ذَهَبَ يُنْكِرُ، فَقَالَ: قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ ابْنُ أُخْتِ خَالَتِكَ (3) . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: خَرَجَتْ قَرْحَةٌ بِإِبْهَامِ شُرَيْحٍ. فَقِيْلَ: أَلاَ أَرَيْتَهَا طَبِيْباً؟ قَالَ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهَا. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ شُرَيْحٌ: إِنِّي لأُصَابُ بِالمُصِيْبَةِ، فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَأَحْمَدُ إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَأَحْمُدُ إِذْ وَفَّقَنِي لِلاسْتِرْجَاعِ لِمَا أَرْجُو مِنَ الثَّوَابِ، وَأَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِيْنِي. قَالَ مُغِيْرَةُ: كَانَ لِشُرَيْحٍ بَيْتٌ يَخْلُو فِيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، لاَ يَدْرِي النَّاسُ مَا يَصْنَعُ فِيْهِ.   (1) المصدر السابق 6 / 133. (2) تاريخ ابن عساكر 8 / 25 ب، وانظر أخبار القضاة لوكيع 2 / 393. (3) طبقات ابن سعد 6 / 135. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وَقَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: لَبِثَ شُرَيْحٌ فِي الفِتْنَةِ -يَعْنِي: فِتْنَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ- تِسْعَ سِنِيْنَ لاَ يَخْبَرُ. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ سَلِمْتَ. قَالَ: كَيْفَ بِالهَوَى؟ وَقِيْلَ: كَانَ شُرَيْحٌ فَائِقاً، عَائِفاً، أَيْ: يَزْجُرُ الطَّيْرَ، وَيُصِيْبُ الحَدْسَ (2) . وَرُوِيَ لِشُرَيْحٍ: رَأَيْتُ رِجَالاً يَضْرِبُوْنَ نِسَاءهُم ... فَشَلَّتْ يَمِيْنِي حِيَنَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا وَزَيْنَبُ شَمْسٌ وَالنِّسَاءُ كَوَاكِبٌ ... إِذَا طَلَعتْ لَمْ تُبْقِ مِنْهُنَّ كَوْكَبَا (3) وَعَنْ أَشْعَثَ: أَنَّ شُرَيْحاً عَاشَ مائَةً وَعَشْرَ سِنِيْنَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَاشَ مائَةً وَثَمَانِيَ سِنِيْنَ. وَقَالَ هُوَ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَالهَيْثَمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ (4) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ (5) ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ اسْتَعْفَى مِنَ القَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - (6) .   (1) انظر طبقات ابن سعد 6 / 141 وأخبار القضاة 2 / 216 و218 و370. (2) ابن سعد 6 / 132 وأخبار القضاة 2 / 211. (3) البيتان في العقد 6 / 141 ووفيات الأعيان 2 / 462. وروى وكيع في أخبار القضاة البيت الأول منهما 2 / 205 وكذا ابن سعد في الطبقات 6 / 143. وزاد صاحب العقد وابن خلكان بينهما ثالثا وهو قوله: أأضربها من غير ذنب أتت به * فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا وذكر ابن عساكر بعدهما في 8 / 30 آما نصه: " قال القاضي: وقد أغار شريح في هذا البيت على قول النابغة في مدح النعمان بن المنذر وهو: ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب فإنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكب " (4) انظر تاريخ البخاري 4 / 229 وطبقات ابن سعد 6 / 145. (5) في الطبقات 1 / 330. (6) انظر أخبار القضاة 2 / 392. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 33 - شُرَيْحُ بنُ هَانِىء أَبُو المِقْدَامِ الحَارِثِيُّ * (م، 4) المَذْحِجِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، الرَّجُلُ الصَّالِحُ، صَاحِبُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ مُحَمَّدٌ وَالمِقْدَامُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمَرَةَ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو المِقْدَامِ (م) : سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيّاً، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . وَقَدْ شَهِدَ تَحْكِيْمَ الحَكَمَيْنِ، وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ شَافِعاً فِي كَثِيْرِ بنِ شِهَابٍ، فَأَطْلَقَهُ لَهُ. فَعَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بنِ النَّضْرِ: أَنَّ عَلِيّاً بَعَثَ أَبَا مُوْسَى فِي أَرْبَعِ مائَةٍ، عَلَيْهِم شُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَمَعَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي بِهِم إِلَى دُوْمَةِ الجَنْدَلِ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 128، طبقات خليفة ت 1065، تاريخ البخاري 4 / 228، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 333، الاستيعاب ت 1175، تاريخ ابن عساكر 8 / 33 آ، أسد الغابة 2 / 395، تهذيب الكمال ص 578، تاريخ الإسلام 3 / 162، العبر 1 / 89، تذكرة الحفاظ 1 / 56، البداية والنهاية 9 / 29، الإصابة ت 3972، تهذيب التهذيب 4 / 330، النجوم الزاهرة 1 / 201، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 20، خلاصة تذهيب الكمال 165، شذرات الذهب 1 / 86. (1) وتمامه: " فأتيت عليا فسألته، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم ". أخرجه مسلم (276) في الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين. وهو في المسند 1 / 96 و100 و113 و117 و118 و120 و149، والنسائي 1 / 84 وابن ماجه (552) . (2) دومة الجندل: حصن على سبع مراحل من دمشق قرب جبلي طيئ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: كَانَ شُرَيْحُ بنُ هَانِئ جَاهِلِيّاً إِسْلاَمِيّاً، وَهُوَ القَائِلُ فِي إِمْرَةِ الحَجَّاجِ (1) : أَصْبَحْتُ ذَا بَثٍّ أُقَاسِي الكِبَرَا ... قدْ عِشْتُ بَيْنَ المُشْرِكِيَنَ أَعْصُرَا ثَمَّتَ أَدْرَكْتُ النَّبِيَّ المُنْذِرَا ... وَبَعْدَهُ صِدِّيْقَهُ وَعُمَرَا وَالجَمْعَ فِي صِفِّيْنِهِم وَالنَّهَرَا ... وَيَوْمَ مِهْرَانَ وَيَوْمَ تُسْتَرَا وَيَا جُمَيْرَاوَاتِ وَالمُشَقَّرَا ... هَيْهَاتَ مَا أَطْوَلَ هَذَا عُمُرَا! (2) قَالَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمَرَةَ: مَا رَأَيْتُ حَارِثِيّاً أَفَضْلَ مِنْ شُرَيْحِ بنِ هَانِئ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: عَاشَ شُرَيْحُ بنُ هَانِئ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ هَانِئ: أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْنَى أَبَا الحَكَمِ، فَقَالَ: (لِمَ يُكَنِّيْكَ هَؤُلاَءِ أَبَا الحَكَمِ؟) . قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّي أَحْكُمُ بَيْنَ قَوْمِي فِي الشَّيْءِ، فَيَرْضَى هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ. قَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا اسْمُ أَكْبَرِهِم؟) . قَالَ: شُرَيْحٌ. قَالَ: (فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ (3)) . تَابَعَهُ: بَشَّارُ بنُ مُوْسَى الخَفَّافُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ المِقْدَامِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، نَحْوَهُ.   (1) قال هذا الرجز حينما شد على أصحب رتبيل في غزوته مع عبيد الله بن أبي بكرة كما في الطبري 6 / 323 وابن الأثير 4 / 451. (2) با جميراوات: في الأصل: با خميراوات بالخاء المعجمة وهو تصحيف ورواية الطبري 6 / 323 وابن الأثير 4 / 4 51: " وباجميرات مع المشقرا " وفيهما البيت السادس مكان الخامس. وصفين والنهر ومهران وتستر وباجميرا والمشقر: أسماء مواضع جرت فيها معارك سميت بها. (3) أخرجه أبو داود (4955) في الأدب باب تغيير الاسم القبيح، والنسائي (5389) في القضاء باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم، وإسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 قَالَ الأَثْرَمُ: قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْبَلٍ: شُرَيْحُ بنُ هَانِئ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا مُتَقَدِّمٌ جِدّاً. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) : وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَلَّى الحَجَّاجُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي بَكْرَةَ سِجِسْتَانَ، فَوَجَّهَ عُبَيْدُ اللهِ ابْنَهُ أَبَا بَرْذَعَةَ، فَأُخِذَ عَلَيْهِ بِالمَضِيْقِ (2) ، وَقُتِلَ شُرَيْحُ بنُ هَانِئ، وَأَصَابَ المُسْلِمِيْنَ ضِيْقٌ وَجُوْعٌ شَدِيْدٌ، فَهَلَكَ عَامَّةُ ذَلِكَ الجَيْشِ. 34 - خَرَشَةُ بنُ الحُرِّ * (ع) نَزَلَ الكُوْفَةَ، وَلأَخِيْهِ سَلاَمَةَ صُحْبَةٌ، وَكَانَ يَتِيْماً فِي حِجْرِ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ. رَوَى عَنْهُ: رِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ البَجَلِيُّ، وَالمُسَيَّبُ بنُ رَافِعٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُسْهِرٍ، وَآخَرُوْنَ. ثِقَةٌ بِاتِّفَاقٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. 35 - مَالِكُ السَّرَايَا أَبُو حَكِيْمٍ مَالِكُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَثْعَمِيُّ ** الأَمِيْرُ، أَبُو حَكِيْمٍ مَالِكُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَثْعَمِيُّ، الفِلَسْطِيْنِيُّ. يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَصِحَّ. كَانَ مِنْ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، قَادَ جُيُوْشَ الصَّوَائِفِ أَرْبَعِيْنَ   (1) في تاريخه ص 277. (2) في الأصل: (المضيق) وما أثبتناه من تاريخ خليفة، وما بين الحاصرثين منه. (*) طبقات ابن سعد 6 / 147، طبقات خليفة ت 1009 و1101، تاريخ البخاري 3 / 213، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 381، الاستيعاب ت 641، أسد الغابة 2 / 109، تهذيب الكمال ص 372، تاريخ الإسلام 3 / 153، العبر 1 / 84، الإصابة ت 2241، تهذيب التهذيب 3 / 138، خلاصة تذهيب الكمال 108. (* *) طبقات خليفة ت 729، التاريخ الصغير للبخاري ص 94، الاستيعاب ت 2275، تاريخ ابن عساكر 16 / 109 آ، الكامل لابن الأثير 5 / 576، أسد الغابة 4 / 283، تاريخ الإسلام 2 / 315، الإصابة ت 4647، تعجيل المنفعة 386. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 سَنَةً. وَلَمَّا تُوُفِّيَ، كُسِرَ عَلَى قَبْرِهِ - فِيْمَا قِيْلَ - أَرْبَعُوْنَ لِوَاءً. وَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ صِيَامٍ، وَقِيَامٍ، وَجِهَادٍ. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ، أَوْ بَعْدَهَا (1) . بَقِيَّةُ الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِيْنَ 36 - ابْنُ الحَنَفِيَّةِ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ القُرَشِيُّ * وَابْنَاهُ (ع) السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو القَاسِمِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ عَمْرِو بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، أَخُو الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ. وَأُمُّهُ: مِنْ سَبْيِ اليَمَامَةِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَهِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ الحَنَفِيَّةُ. فَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ الحَنَفِيَّةَ وَهِيَ سَوْدَاءُ، مُشْرَطَةٌ، حَسَنَةُ الشَّعْرِ، اشْتَرَاهَا عَلِيٌّ بِذِي المَجَازِ، مَقْدَمَهُ مِنَ اليَمَنِ، فَوَهَبَهَا لِفَاطِمَةَ، فَبَاعَتْهَا، فَاشْتَرَاهَا مُكَمَّلٌ الغِفَارِيُّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَوْنَةَ (2) .   (1) ذكر ابن الأثير غزوه أرض الروم في حوادث سنة 146 هـ وهو خطأ بين، انظر ترجمته في الكامل 5 / 576. (*) طبقات ابن سعد 5 / 91، نسب قريش ص 41، طبقات خليفة ت 1971، تاريخ البخاري 1 / 182، المعارف 210 و216، المعرفة والتاريخ 1 / 544، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 26، البدء والتاريخ 5 / 75، الحلية 3 / 174، طبقات الشيرازي 62، تاريخ ابن عساكر 15 / 364 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 88، وفيات الأعيان 4 / 169، تهذيب الكمال ص 1245، تاريخ الإسلام 3 / 294، العبر 1 / 93، البداية والنهاية 9 / 38، العقد الثمين 2 / 157، طبقات القراء لابن الجزري ت 3262، تهذيب التهذيب 9 / 354، خلاصة تذهيب الكمال 352، شذرات الذهب 1 / 88، نزهة الجليس 2 / 254. (2) انظر طبقات ابن سعد 5 / 91. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وَقِيْلَ: بَلْ تَزَوَّجَ بِهَا مُكَمَّلٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَوْنَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَهَبَهَا عَلِيّاً. وُلِدَ: فِي العَامِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ أَبُو بَكْرٍ. وَرَأَى عُمَرَ، وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُثْمَانَ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَوْنٌ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَمرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرمَةَ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَكَانَتِ الشِّيْعَةُ فِي زَمَانِهِ تَتَغَالَى فِيْهِ، وَتَدَّعِي إِمَامَتَهُ، وَلَقَّبُوْهُ: بِالمَهْدِيِّ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: صَرَعَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ مَرْوَانَ يَوْمَ الجَمَلِ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ. قَالَ: فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ لَهُ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ جَلَسْتَ عَلَى صَدْرِ مَرْوَانَ؟ قَالَ: عَفْواً يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: أَمْ (1) وَاللهِ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أُكَافِئَكَ، لَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا صَارَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَبَنَى دَارَهُ بِالبَقِيْعِ، كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الوُفُوْدِ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَنْزَلَهُ بِقُرْبِهِ. وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ فِي إِذْنِ العَامَّةِ،   (1) أم: للتقبيح، انظر التاج مادة (أم) . (2) تاريخ الإسلام 3 / 294 وابن عساكر 15 / 364 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 فَيُسَلِّمُ مَرَّةً وَيَجْلُسُ، وَمَرَّةً يَنْصَرِفُ. فَلَمَّا مَضَى شَهْرٌ، كَلَّمَ عَبْدَ المَلِكِ خَالِياً، فَذَكَرَ قَرَابَتَهُ وَرَحِمَهُ، وَذَكَرَ دَيْناً، فَوَعَدَهُ بِقَضَائِهِ، ثُمَّ قَضَاهُ، وَقَضَى جَمِيْعَ حَوَائِجِهِ (1) . قُلْتُ: كَانَ مَائِلاً لِعَبْدِ المَلِكِ؛ لإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَلإِسَاءةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: سَمَّتْهُ الشِّيْعَةُ المَهْدِيَّ. فَأَخْبَرَنِي عَمِّي مُصْعَبٌ، قَالَ: قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ: هُوَ المَهْدِيُّ أَخْبَرَنَاهُ كَعْبٌ ... أَخُو الأَحْبَارِ فِي الحِقَبِ الخَوَالِي (2) فَقِيْلَ لَهُ: أَلَقِيْتَ كَعْباً؟ قَالَ: قُلْتُهُ بِالتَّوَهُّمِ. وَقَالَ أَيْضاً: أَلاَ إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ ... وُلاَةَ الحَقِّ أَرْبعَةٌ سَوَاءُ عَلِيٌّ وَالثَّلاَثَةُ مِنْ بَنِيْهِ ... هُمُ الأَسْبَاطُ لَيْسَ بِهِم خَفَاءُ فَسِبْطٌ سِبْطُ إِيْمَانٍ وَبِرٍّ ... وَسِبْطٌ غَيَّبَتْهُ كَرْبُلاَءُ وَسِبْطٌ لاَ تَرَاهُ العَيْنُ حَتَّى ... يَقُوْدَ الخَيْلَ يَقْدُمُهَا لِوَاءُ تَغَيَّبَ - لاَ يُرَى - عَنْهُم زَمَاناً ... بِرَضْوَى عِنْدَهُ عَسَلٌ وَمَاءُ (3) وَقَدْ رَوَاهَا: عُمَرُ بنُ عُبَيْدَةَ لِكَثِيْرِ بنِ كَثِيْرٍ السَّهْمِيِّ (4) .   (1) انظر الخبر مفصلا في طبقات ابن سعد 5 / 111 وما بعدها. (2) في ديوانه 1 / 275 وروايته (خبرناه) وكذا المسعودي في مروج الذهب 2 / 101 والاغاني 9 / 16 وهو في " نسب قريش " ص 41 وتاريخ الإسلام 3 / 294. (3) الديوان 2 / 186 وما بعدها وروايته: " هم أسباطه والاوصياء " و" فسبط سبط إيمان وحلم " و" وسبط لا يذوق الموت حتى " و" يقدمها اللواء ". والأبيات في عيون الاخبار 2 / 144، ومروج الذهب 2 / 101 والاغاني 9 / 14 والملل والنحل 1 / 200 وتاريخ الإسلام 3 / 295. (4) وتروى أيضا للسيد الحميري كما في الاغاني 7 / 246 وكثير هذا شاعر قليل الحديث كان = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 قَالَ الزُّبَيْرُ (1) : كَانَتْ شِيْعَةُ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ: أَلاَ قُلْ لِلوَصِيِّ: فَدَتْكَ نَفْسِي ... أَطَلْتَ بِذَلِكَ الجَبَلِ المُقَامَا أَضَرَّ بِمَعْشَرٍ وَالَوْكَ (2) مِنَّا ... وَسَمَّوْكَ الخَلِيْفَةَ وَالإِمَامَا وَعَادَوْا فِيْكَ أَهْلَ الأَرْضِ طُرّاً ... مُقَامُكَ عَنْهُم سِتِّيْنَ (3) عَامَا وَمَا ذَاقَ ابْنُ خَوْلَةَ طَعْمَ مَوْتٍ ... وَلاَ وَارَتْ لَهُ أَرْضٌ عِظَامَا لَقَدْ أَمْسَى بِمُوْرِقِ شِعْبِ رَضْوَى ... تُرَاجِعُهُ المَلاَئِكَةُ الكَلاَمَا وَإِنَّ لَهُ بِهِ لَمَقِيْلَ صِدْقٍ ... وَأَنْدِيَةً تُحَدِّثُهُ كِرَامَا هَدَانَا اللهُ إِذْ خُزْتُمْ (4) لأَمْرٍ ... بِهِ وَعَلَيْهِ نَلْتَمِسُ التَّمَامَا تَمَامَ مَوَدَّةِ المَهْدِيِّ حَتَّى ... تَرَوْا رَايَاتِنَا تَتْرَى نِظَامَا وَلِلسَّيِّدِ الحِمْيَرِيِّ: يَا شِعْبَ رَضْوَى مَا لِمَنْ بِكَ لاَ يُرَى ... وَبِنَا إِلَيْهِ مِنَ الصَّبَابَةِ أَوْلَقُ حَتَّى مَتَى؟ وَإِلَى مَتَى؟ وَكَمِ المَدَى؟ ... يَا ابنَ الوَصِيِّ وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ (5)   = يتشيع وثقه أحمد وابن معين وهو القائل حينما ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى المدينة بسب علي رضي الله عنه: لعن الله من يسب عليا * وحسينا من سوقة وإمام انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 5 / 485 ومعجم الشعراء للمرزباني 239 والعقد الثمين 7 / 91 وتهذيب التهذيب 8 / 426 وخلاصة تذهيب الكمال 320. (1) انظر " نسب قريش " ص 42 والاغاني 9 / 14 وتاريخ الإسلام 3 / 295 والبداية والنهاية 9 / 39 وفي عيون الاخبار 2 / 144 خمسة أبيات من 1 - 5 (2) في الأصل (وأبوك) مصحفة، والتصويب من نسب قريش والاغاني. (3) كذا في الأصل والاغاني، وفي نسب قريش (عشرين) . (4) في نسب قريش والاغاني (جرتم) بالمعجمة. (5) البيتان في مروج الذهب 2 / 102 وتاريخ ابن عساكر 15 / 365 آوتاريخ الإسلام 3 / 295 والثاني منهما في طبقات الشعراء لابن المعتز ص 33 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَوْلِدُهُ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ سِنْدِيَّةً سَوْدَاءَ، كَانَتْ أَمَةً لِبَنِي حَنِيْفَةَ، لَمْ تَكُنْ مِنْهُم، وَإِنَّمَا صَالَحَهُم خَالِدٌ عَلَى الرَّقِيْقِ، وَلَمْ يُصَالِحْهُم عَلَى أَنْفُسِهِم (2) . وَكَنَّاهُ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَالبُخَارِيُّ: أَبَا القَاسِمِ. قَالَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ مُنْذِرٍ، سَمِعَ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ يَقُوْلُ: كَانَتْ رُخْصَةً لِعَلِيٍّ، قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمَّيْهِ بِاسْمِكَ، وَأُكَنِّيْهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ (3)) . وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ فِي الشِّعْبِ، فَقُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ (4) - وَكَنَّاهُ بِهَا -. النَّسَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ، وَرَوَى ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ الأَبْرَشُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ المُسَيِّبِ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ؟ قَالَ: وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا منْ خِلاَفَتِهِ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: ذَاكَ مَوْلِدِي (5) .   (1) تاريخ ابن عساكر 15 / 365 آ. (2) طبقات ابن سعد 5 / 91. (3) المصدر السابق وأخرجه أبو داود (4967) في الأدب باب في الرخصة في الجمع بينهما والترمذي (2846) في الأدب باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته. إسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث صحيح. (4) تاريخ ابن عساكر 15 / 365 ب وما بين الحاصرتين منه. (5) المصدر السابق 15 / 366 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 رَوَى: الرَّبِيْعُ بنُ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ كَلاَمٌ، فَقَالَ طَلْحَةُ: لِجُرْأَتِكَ (1) عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّيْتَ بِاسْمِهِ، وَكَنَّيْتَ بِكُنْيَتِهِ، وَقَدْ نَهَى أَنْ يَجْمَعَهُمَا أَحَدٌ. قَالَ: إِنَّ الجَرِيْءَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، اذْهَبْ يَا فُلاَنُ، فَادْعُ لِي فُلاَناً وَفُلاَناً - لِنَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ -. فَجَاؤُوا، فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُوْنَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سَيُوْلَدُ لَكَ بَعْدِي غُلاَمٌ، فَقَدْ نَحَلْتُهُ اسْمِي وَكُنْيَتِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَهُ (2)) . رَوَاهُ: ثِقَتَانِ، عَنِ الرَّبِيْعِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ مُنْذِرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ يَقُوْلُ: دَخَلَ عُمَرُ، وَأَنَا عِنْدَ أُخْتِي أُمِّ كُلْثُوْمٍ، فَضَمَّنِي، وَقَالَ: أَلْطِفِيْهِ بِالحَلْوَاءِ (3) . سَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ خَيْرٌ مِنِّي، وَلَقَدْ عَلِمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخْلِيْنِي دُوْنَهُمَا؛ وَإِنِّي صَاحِبُ البَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ (4) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ: لاَ نَعْلَمُ أَحَداً أَسْنَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَكْثَرَ وَلاَ أَصَحَّ مِمَّا أَسْنَدَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ. إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ كَانَ يُكْنَى: أَبَا القَاسِمِ، وَكَانَ وَرِعاً، كَثِيْرَ العِلْمِ.   (1) في طبقات ابن سعد: "..فقال طلحة: لا كجرأتك..". (2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 5 / 91، و92 وابن عساكر 15 / 266 و367 آ. والربيع بن منذر مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 470 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. (3) تاريخ ابن عساكر 15 / 367 آ. (4) المصدر السابق 15 / 367 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 وَقَالَ خَلِيْفَةُ (1) : قَالَ أَبُو اليَقْظَانِ: كَانَتْ رَايَةُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا سَارَ مِنْ ذِي قَارٍ، مَعَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ. ابْنُ سَعْدٍ (2) : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: مَا أَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ بِالنَّجَاةِ، وَلاَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ عَلَى أَبِي. فَنَظَرَ إِلَيْهِ القَوْمُ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ فِي النَّاسِ مِثْلَ عَلِيٍّ سَبَقَ لَهُ كَذَا، سَبَقَ لَهُ كَذَا. أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ، عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنَ العَرَبِ يَتَّخِذُهُمَا النَّاسُ أَنْدَاداً مِنْ دُوْنِ اللهِ: نَحْنُ، وَبَنُوْ عَمِّنَا هَؤُلاَءِ - يُرِيْدُ بَنِي أُمَيَّةَ (3) -. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ أَبُو زُبَيْدٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ نَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِ اللهِ أَنْدَاداً: نَحْنُ، وَبَنُوْ أُمَيَّةَ (4) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ المَلِكِ: مِنْ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ. فَلَمَّا نَظَرَ مُحَمَّدٌ إِلَى عُنْوَانِ الكِتَابِ، قَالَ: إِنَّا للهِ، الطُّلَقَاءُ وَلُعَنَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المَنَابِرِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لأُمُوْرٌ لَمْ يَقِرَّ قَرَارُهَا (5) . قُلْتُ: كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَمِيْلُهُ (6) ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَاتَّسَقَ الأَمْرُ لِعَبْدِ المَلِكِ، بَايَعَ مُحَمَّدٌ.   (1) في تاريخه 184. (2) في الطبقات 5 / 94. (3) المصدر السابق. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق 5 / 109. (6) في الأصل: (يستمليه) مصحفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ: قَالَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ: وَفَدْتُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَقَضَى حَوَائِجِي، وَوَدَّعْتُهُ، فَلَمَّا كِدْتُ أَنْ أَتَوَارَى، نَادَانِي: يَا أَبَا القَاسِمِ، يَا أَبَا القَاسِمِ. فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّكَ يَوْمَ تَصْنَعُ بِالشَّيْخِ مَا تَصْنَعُ ظَالِمٌ لَهُ -يَعْنِي: لَمَّا أَخَذَ يَوْمَ الدَّارِ مَرْوَانَ، فَدَغَتَهُ (1) بِرِدَائِهِ-. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: وَأَنَا أَنْظُرُ يَوْمئِذٍ وَلِي ذُؤَابَةٌ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعَ الزُهْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ: مَا بَالُ أَبِيْكَ كَانَ يَرْمِي بِكَ فِي مَرَامٍ لاَ يَرْمِي فِيْهَا الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ؟ قَالَ: لأَنَّهُمَا كَانَا خَدَّيْهُ، وَكُنْتُ يَدَهُ، فَكَانَ يَتَوَقَّى بِيَدَيْهِ (3) عَنْ خَدَّيْهِ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: لَيْسَ بِحَكِيْمٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالمَعْرُوْفِ مَنْ لاَ يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ بُدّاً حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ مِنْ أَمْرِهِ فَرَجاً -أَوْ قَالَ: مَخْرَجاً (4) -. وَعَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلدُّنْيَا عِنْدَهٌ قَدْرٌ. وَعَنْهُ: أَنَّ اللهَ جَعَلَ الجَنَّةَ ثَمَناً لأَنْفُسِكُم، فَلاَ تَبِيْعُوْهَا بِغَيْرِهَا (5) . وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ إِلَى المَدِيْنَةِ، كَانَ بِهَا الحُسَيْنُ، وَابْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ الحُسَيْنُ   (1) دغته: خنقه حتى قتله، ويقال بالعين المهملة إذا دفعه دفعا عنيفا اهـ لسان. ولفظ ابن سعد (دعثه) بالثاء، أي ضرب به الأرض. (2) طبقات ابن سعد 5 / 112. (3) لفظ ابن عساكر 15 / 368 آوتاريخ الإسلام 3 / 296 (بيده) . (4) تاريخ ابن عساكر 15 / 368 ب. (5) المصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِدُنُوِّ جَيْشِ مُسْرفٍ زَمَنَ الحَرَّةِ، رَحَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَلَمَّا مَاتَ يَزِيْدُ، بُوْيِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالاَ: لاَ، حَتَّى تَجْتَمِعَ لَكَ البِلاَدُ. فَكَانَ مَرَّةً يُكَاشِرُهُمَا، وَمَرَّةً يَلِيْنُ لَهُمَا، ثُمَّ غَلُظَ عَلَيْهِمَا، وَوَقَعَ بَيْنَهُم حَتَّى خَافَاهُ، وَمَعَهُمَا النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، فَأَسَاءَ جِوَارَهُم، وَحَصَرَهُم، وَقَصَدَ مُحَمَّداً، فَأَظْهَرَ شَتْمَهُ وَعَيْبَهُ، وَأَمَرَهُم وَبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَلْزَمُوا شِعْبَهُم، وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءَ، وَقَالَ فِيْمَا يَقُوْلُ: وَاللهِ لَتُبَايِعُنَّ، أَوْ لأُحَرِّقَنَّكُم، فَخَافُوا. قَالَ سُلَيْمٌ أَبُو عَامِرٍ: فَرَأَيْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ مَحْبُوْساً فِي زَمْزَمَ، وَالنَّاسُ يُمْنَعُوْنَ مِنَ الدُّخُوْلِ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لأَدْخُلَنَّ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: مَا بَالُكَ وَهَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: دَعَانِي إِلَى البَيْعَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ، فَأَنَا كَأَحَدِهِم، فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا مِنِّي، فَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَقُلْ: مَا تَرَى؟ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ ذَاهِبُ البَصَرِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنْصَارِيٌّ. قَالَ: رُبَّ أَنْصَارِيٍّ هُوَ أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ عَدُوِّنَا. قُلْتُ: لاَ تَخَفْ، أَنَا مِمَّنْ لَكَ كُلُّهُ. قَالَ: هَاتِ. فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: لاَ تُطِعْهُ وَلاَ نُعْمَةَ عَيْنٍ إِلاَّ مَا قُلْتَ، وَلاَ تَزِدْهُ عَلَيْهِ. فَأَبْلَغْتُهُ، فَهَمَّ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ أَنْ يَسِيْرَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ المُخْتَارَ، فَثَقُلَ عَلَيْهِ قُدُوْمُهُ، فَقَالَ: إِنَّ فِي المَهْدِيِّ عَلاَمَةً يَقْدَمُ بَلَدَكُم هَذَا، فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ فِي السُّوْقِ بِالسَّيْفِ لاَ يَضُرُّهُ وَلاَ يَحِيْكُ (1) فِيْهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الحَنَفِيَّة، فَأَقَامَ، فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى شِيْعَتِكَ بِالكُوْفَةِ، فَأَعْلَمْتَهُم مَا أَنْتَ فِيْهِ. فَبَعَثَ أَبَا الطُّفَيْلِ إِلَى شِيْعَتِهِمْ، فَقَالَ لَهُم: إِنَّا لاَ نَأْمَنُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَؤُلاَءِ. وَأَخْبَرَهُم بِمَا هُمْ فِيْهِ مِنَ الخَوْفِ، فَقَطَعَ المُخْتَارُ بَعْثاً إِلَى مَكَّةَ، فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَعَقَدَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيِّ عَلَيْهِم،   (1) أي لا يعمل فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 وَقَالَ لَهُ: سِرْ، فَإِنْ وَجَدْتَ بَنِي هَاشِمٍ فِي حَيَاةٍ، فَكُنْ لَهُم عَضُداً، وَانْفُذْ لِمَا أَمَرُوْكَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدْتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَتَلَهُم، فَاعْتَرِضْ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ لاَ تَدَعْ لآلِ الزُّبَيْرِ شَعْراً (1) وَلاَ ظُفُراً. وَقَالَ: يَا شُرْطَةَ اللهِ، لَقَدْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِهَذَا المَسِيْرِ، وَلَكُم بِهَذَا الوَجْهِ عَشْرُ حِجَجٍ، وَعَشْرُ عُمَرٍ. وَسَارُوا حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى مَكَّةَ، فَجَاءَ المُسْتَغِيْثُ: عَجِّلُوا، فَمَا أُرَاكُم تُدْرِكُوْنَهُم. فَانْتَدَبَ مِنْهُم ثَمَانِ مائَةٍ، رَأْسُهُم عَطِيَّةُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، فَكَبَّرُوا تَكَبِيْرَةً سَمِعَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَهَرَبَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ - وَيُقَالُ: تَعَلَّقَ بَأْسْتَارِ الكَعْبَةِ - وَقَالَ: أَنَا عَائِذُ اللهِ. قَالَ عَطِيَّةُ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الحنفِيَّةِ وَأَصْحَابِهِمَا فِي دُوْرٍ قَدْ جُمِعَ لَهُمُ الحَطَبُ، فَأُحِيْطَ بِهِمْ حَتَّى سَاوَى الجُدُرَ، لَوْ أَنَّ نَاراً تَقَعُ فِيْهِ مَا رُئِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأَخَّرْنَاهُ عَنِ الأَبْوَابِ، وَعَجِلَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، فَأَسْرَعَ فِي الحَطَبِ لِيَخْرُجَ، فَأَدْمَاهُ. وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكُنَّا صَفَّيْنِ، نَحْنُ وَهُمْ فِي المَسْجِدِ نَهَارَنَا، لاَ نَنْصَرِفُ إِلَى صَلاَةٍ حَتَّى أَصْبَحْنَا، وَقَدِمَ الجَدَلِيُّ فِي الجَيْشِ، فَقُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ: ذَرُوْنَا نُرِحِ النَّاسَ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالاَ: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللهُ، مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِنَبِيِّهِ سَاعَةً، فَامْنَعُوْنَا، وَأَجِيْرُوْنَا. قَالَ: فَتَحَمَّلُوا، وَإِنَّ مُنَادِياً لَيُنَادِي فِي الجَبَلِ: مَا غَنِمَتْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا، مَا غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ، إِنَّ السَّرِيَّةَ تَغْنَمُ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ، وَإِنَّمَا غَنِمْتُمْ دِمَاءنَا. فَخَرَجُوا بِهِم، فَأَنْزَلُوْهُمْ مِنَىً، فَأَقَامُوا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الطَّائِفِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَبَقِيْنَا معَهُ. فَلَمَّا كَانَ الحَجُّ، وَافَى مُحَمَّدٌ بِأَصْحَابِهِ، فَوَقَفَ، وَوقَفَ نَجْدَةُ بنُ عَامِرٍ الحَنَفِيُّ فِي الخوَارِجِ نَاحِيَةً، وَحَجَّتْ بَنُوْ أُمَيَّةَ عَلَى لِوَاءٍ، فَوَقَفُوا بِعَرَفَةَ (2) .   (1) كذا في الأصل، وفي الطبقات وابن عساكر (شفرا) . (2) الخبر في طبقات ابن سعد 5 / 100، وهو مطول في ابن عساكر 15 / 369 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الَّذِي أَقَامَ الحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَحَجَّ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ فِي الخَشَبِيَّةِ (1) أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، نَزَلُوا فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنَىً، فَخِفْتُ الفِتْنَةَ، فَجِئْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا القَاسِمِ، اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّا فِي مَشْعَرٍ حَرَامٍ، فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، وَالنَّاسُ وَفْدُ اللهِ، فَلاَ تُفْسِدْ عَلَيْهِم حَجَّهُمْ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيْدُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أَدْفَعُ عَنْ نَفْسِي، وَمَا أَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ أَنْ لاَ يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فِيْهِ اثْنَانِ، فَائْتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَكَلِّمْهُ، عَلَيْكَ بِنَجْدَةَ، فَكَلِّمْهُ. فَجِئْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَنَا أَرْجِعُ! قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيَّ وَبَايَعَنِي النَّاسُ، وَهَؤُلاَءِ أَهْلُ خِلاَفٍ. قُلْتُ: إِنَّ خَيْراً لَكَ الكَفُّ. قَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ جِئْتُ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيَّ، فَأَجِدُهُ فِي أَصْحَابِهِ، وَعِكْرِمَةُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَلَمْ يَنْشَبْ (2) أَنْ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَعَظَّمْتُ عَلَيْهِ، وَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْ أَبْتَدِئَ أَحَداً بِقِتَالٍ، فَلاَ. قُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ الرَّجُلِيْنِ لاَ يُرِيْدَانِ قِتَالَكَ. ثُمَّ جِئْتُ شِيْعَةَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَلَّمْتُهُم، فَقَالُوا: لاَ نُقَاتِلُ، فَلَمْ أَرَ فِي تِلْكَ الأَلْوِيَةِ أَسْكَنَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ. وَوَقَفْتُ تِلْكَ العَشِيَّةَ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ، الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! ادْفَعْ. فَدَفَعْتُ مَعَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَفَعَ (3) . قَالَ خَلِيْفَةُ (4) : فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ دَعَا ابْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ إِلَى بِيْعَتِهِ، فَأَبَى، فَحَصَرَهُ فِي شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، وَتَوَعَّدَهُمْ، حَتَّى بَعَثَ المُخْتَارُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيَّ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، سَنَةَ سِتٍّ، فَأَقَامُوا مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ المُخْتَارُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (5) .   (1) الخشبية: هم أصحاب المختار بن عبيد الثقفي المتقلب الذي لم يوقف له على مذهب، وانظر في سبب تسميتهم بالخشبية ما نقله شارح القاموس مادة: خشب عن البلاذري في " الأنساب ". (2) أي لم يلبث. (3) ابن سعد 5 / 103، وابن عساكر 15 / 370 آ. (4) في تاريخه ص 262. (5) وقيل غير ذلك، وانظر 123 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 الوَاقِدِيُّ (1) : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: كَانَ المُخْتَارُ أَشدَّ شَيْءٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ يُلْقِي إِلَى النَّاسِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ ظَلَمَهُ، وَجَعَلَ يُعَظِّمُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، فَيُبَايِعُوْنَهُ سِرّاً. فَشَكَّ قَوْمٌ، وَقَالُوا: أَعْطَيْنَا هَذَا عُهُوْدَنَا أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُوْلُ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيْسَ مِنَّا بِبَعِيْدٍ. فَشَخَصَ إِلَيْهِ قَوْمٌ، فَأَعْلَمُوْهُ أَمْرَ المُخْتَارِ، فَقَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ حَيْثُ تَرَوْنَ مَحْبُوْسُوْنَ (2) ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي سُلْطَانَ الدُّنْيَا بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ يَشَاءُ، فَاحْذَرُوا الكَذَّابِيْنَ. قَالَ: وَكَتَبَ المُخْتَارُ كِتَاباً عَلَى لِسَانِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، وَجَاءهُ يَسْتَأْذِنُ - وَقِيْلَ: المُخْتَارُ أَمِيْنُ آلِ مُحَمَّدٍ وَرَسُوْلُهُمْ - فَأَذِنَ لَهُ، وَرحَّبَ بِهِ، فَتَكَلَّمَ المُخْتَارُ - وَكَانَ مُفَوَّهاً - ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ، قَدْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِنُصْرَةِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رُكِبَ مِنْهُم مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْكَ المَهْدِيُّ كِتَاباً، وَهَؤُلاَءِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ (3) ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ، وَرَأَيْنَاهُ حِيْنَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ. فَقَرَأَهُ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُجِيْبُ، قَدْ أُمِرْنَا بِطَاعَتِكَ وَمُؤَازَرَتِكَ، فَقُلْ مَا بَدَا لَكَ. ثُمَّ كَانَ يَرْكَبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَزَرَعَ ذَلِكَ فِي الصُّدُوْرِ. وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَتَنَكَّرَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ. وَجَعَلَ أَمْرُ المُخْتَارِ يَغْلُظُ؛ وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ، فَقَتَلَهُمْ، وَجْهَّزَ ابْنَ الأَشْتَرِ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَظَفِرَ بِهِ ابْنُ الأَشْتَرِ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى المُخْتَارِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَدَعَتْ بَنُوْ هَاشِمٍ لِلْمُخْتَارِ، وَكَانَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ لاَ يُحِبُّ كَثِيْراً مِمَّا يَأْتِي بِهِ، وَكَتَبَ المُخْتَارُ   (1) في طبقات ابن سعد 5 / 98. (2) عبارة ابن سعد محتسبون. (3) وهم: يزيد بن أنس الأسدي، وأحمر بن شميط البجلي، وعبد الله بن كامل الشاكري، وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة، كما في طبقات ابن سعد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 إِلَيْهِ: لِمُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ مِنَ المُخْتَارِ الطَّالِبِ بِثَأْرِ آلِ مُحَمَّدٍ (1) . أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً مِنْ عَنَزَةَ، فَقَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيُّ. قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ. قُلْتُ: إِنَّ لِي حَاجَةً. فَلَمَّا قَامَ، دَخَلْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: مَا زَالَ بِنَا الشَّيْنُ فِي حُبِّكُمْ حَتَّى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الأَعْنَاقُ، وَشُرِّدْنَا فِي البِلاَدِ، وَأُوْذِيْنَا، وَلَقَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنَا عَنْكَ أَحَادِيْثُ مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَكَ. فَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَعَلَيْكُم بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ بِهِ هُدِيَ أَوَّلُكُم، وَبِهِ يُهْدَى آخِرُكُمْ، وَلَئِنْ أُوْذِيْتُمْ، لَقَدْ أُوْذِيَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكُمْ، وَلأَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ أَبْيَنُ مِنْ طُلُوْعِ الشَّمْسِ (2) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو الجَحَّافِ - شِيْعِيٌّ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ حِيْنَ خَرَجَ المُخْتَارُ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَرَجَ عِنْدَنَا يَدْعُو إِلَيْكُمْ، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرِكُمُ، اتَّبَعْنَاهُ. قَالَ: سَآمُرُكَ بِمَا أَمَرْتُ بِهِ ابْنِي هَذَا، إِنَّا - أَهْلَ بَيْتٍ - لاَ نَبْتَزُّ هَذِهِ الأُمَّةَ أَمْرَهَا، وَلاَ نَأْتِيْهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهَا، وَإِنَّ عَلِيّاً كَانَ يَرَى أَنَّهُ لَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُقَاتِلْ حَتَّى جَرَتْ لَهُ بَيْعَةٌ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لاَ حَرَجَ إِلاَّ فِي دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. فَقُلْتُ: يَطْعَنُ عَلَى أَبِيْكَ. قَالَ: لاَ، بَايَعَهُ أُوْلُوْ الأَمْرِ، فَنَكَثَ نَاكِثٌ، فَقَاتَلَهُ، وَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَحْسُدُنِي عَلَى مَكَانِي، وَدَّ أَنِّي أَلْحَدُ فِي الحَرَمِ كَمَا أَلْحَدَ (4) .   (1) ونصه: " أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم، وإن الله قد أهلك الفسقة وأشياع الفسقة، وقد بقيت بقايا أرجو أن يلحق الله آخرهم بأولهم ". والخبر بطوله في ابن سعد 5 / 99 وما بين الحاصرتين منه. (2) رواه ابن سعد مطولا 5 / 95 وكذا ابن عساكر 15 / 371 آ. (3) تاريخ ابن عساكر 15 / 371 ب وما بين الحاصرتين منه. (4) المصدر السابق وفي رواية أخرى 15 / 372 آعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 الثَّوْرِيُّ: عَنِ الحَارِثِ الأَزْدِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ: رَحِمَ (1) اللهُ امْرَأً أَغْنَى نَفْسَهُ، وَكَفَّ يَدَهُ، وَأَمْسَكَ لِسَانَهُ، وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ، لَهُ مَا احْتَسَبَ، وَهُوَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، أَلاَ إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي أُمَيَّةَ أَسْرَعُ فِيْهِم مِنْ سُيُوْفِ المُسْلِمِيْنَ، أَلاَ إِنَّ لأَهْلِ الحَقِّ دَوْلَةً يَأْتِي بِهَا اللهُ إِذَا شَاءَ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ، كَانَ عِنْدَنَا فِي السَّهْمِ (2) الأَعْلَى، وَمَنْ يَمُتْ، فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى (3) . أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ (4) ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا مَهْدِيُّ. فَقَالَ: أَجَلْ، أَنَا مَهْدِيٌّ، أَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ وَالخَيْرِ، اسْمِي مُحَمَّدٌ. فَقَالُوا: سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَوْ يَا أَبَا القَاسِمِ (5) . رَوَى: الرَّبِيْعُ بنُ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ: لَوَدِدْتُ أَنِّي فَدَيْتُ شِيْعَتَنَا هَؤُلاَءِ بِبَعْضِ دَمِي. ثُمَّ قَالَ: بِحَدِيْثِهِمُ الكَذِبَ، وَإِذَاعَتِهْمُ السِّرَّ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمُّ أَحَدِهِمْ، لأَغْرَى بِهَا حَتَّى تُقْتَلَ (6) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (7) : قُتِلَ المُخْتَارُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ بَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخَاهُ عُرْوَةَ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، يَقُوْلُ: إِنِّي غَيْرُ تَارِكِكَ أَبَداً حَتَّى تُبَايِعَنِي، أَوْ أُعِيْدَكَ فِي الحَبْسِ، وَقَدْ قَتَلَ اللهُ الكَذَّابَ الَّذِي كُنْتَ تَدَّعِي نُصْرَتَهُ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ العِرَاقِ (8) عَلَيَّ، فَبَايِعْ. فَقَالَ: يَا عُرْوَةُ، مَا أَسْرَعَ أَخَاكَ إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، وَالاسْتِخْفَافِ بِالحَقِّ! وَمَا أَغْفَلَهُ عَنْ تَعْجِيْلِ عُقُوْبَةِ اللهِ! مَا يَشُكُّ أَخُوْكَ فِي الخُلُوْدِ، وَوَاللهِ مَا بُعِثَ المُخْتَارُ دَاعِياً وَلاَ نَاصِراً (9) ، وَلَهُوَ -   (1) في الأصل (رحمه) وهو تصحيف. (2) في ابن سعد (السنام) . (3) ابن سعد 5 / 97، وابن عساكر 15 / 372 آ. (4) هو نصر بن عمران الضبعي. (5) ابن سعد 5 / 94، وابن عساكر 15 / 372 آ. (6) ابن عساكر 15 / 372 ب. (7) في الطبقات 5 / 105. (8) في ابن سعد وابن عساكر (العراقين) . (9) عبارة ابن سعد وابن عساكر هكذا: " ما يشك أخوك في الخلود، وإلا فقد كان أحمد للمختار ولهديه مني، والله ما بعثت المختار داعيا. " انظر ابن سعد 5 / 106. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 كَانَ - أَشَدُّ إِلَيْهِ انْقِطَاعاً مِنْهُ إِلَيْنَا، فَإِنْ كَانَ كَذَّاباً، فَطَالَمَا قَرَّبَهُ عَلَى كَذِبِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَمَا عِنْدِي خِلاَفٌ مَا أَقَمْتُ فِي جِوَارِهِ، وَلَوْ كَانَ، لَخَرَجْتُ إِلَى مَنْ يَدْعُوْنِي، وَلَكِنْ هَا هُنَا لأَخِيْكَ قِرْنٌ - وَكِلاَهُمَا يُقَاتِلاَنِ عَلَى الدُّنْيَا - عَبْدُ المَلِكِ، فَلَكَأَنَّكَ بِجُيُوْشِهِ قَدْ أَحَاطَتْ بِرَقَبَةِ أَخِيْكَ، وَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ جِوَارَهُ خَيْرٌ مِنْ جِوَارِكُمْ، وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ يَعْرِضُ عَلَيَّ مَا قِبَلَهُ، وَيَدْعُوْنِي إِلَيْهِ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: أَسْتخِيْرُ اللهَ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَاحِبِكَ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: وَاللهِ لَوْ أَطَعْتَنَا، لَضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَقَالَ: وَعَلَى مَاذَا؟ رَجُلٌ جَاءَ بِرِسَالَةٍ مِنْ أَخِيْهِ، وَأَنْتُم تَعْلَمُوْنَ أَنَّ رَأْيِيَ لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ سِوَى إِنْسَانٍ لَمَا قَاتَلْتُهُ. فَانْصَرَفَ عُرْوَةُ، وَأَخْبَرَ أَخَاهُ، وَقَالَ: مَا أَرَى لَكَ أَنْ تَعْرِضَ لَهُ، دَعْهُ، فَلْيَخْرُجْ عَنْكَ، فَعَبْدُ المَلِكِ أَمَامَهُ، لاَ يَتْرُكُهُ يَحُلُّ بِالشَّامِ حَتَّى يُبَايِعَهُ، وَهُوَ فَلاَ يُبَايِعُهُ أَبَداً حَتَّى يُجْمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ (1) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى أَيْلَةَ (2) بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ عَبْدُ المَلِكِ قَدْ كَتَبَ لَهُ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي أَرْضِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَتَّفِقَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى رَجُلٍ بِعَهْدِ اللهِ وَمِيْثَاقِهِ ... - فِي كَلاَمٍ طَوِيْلٍ - فَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ الشَّامَ، كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: إِمَّا أَنْ تُبَايِعَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَرْضِي - وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ آلاَفٍ -. فَبَعَثَ إِلَيْهِ: عَلَى أَنْ تُؤَمِّنَ أَصْحَابِي. فَفَعَلَ، فَقَامَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ وَلِيُّ الأُمُوْرِ كُلِّهَا وَحَاكِمُهَا، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَيَعُوْدَنَّ فِيْهِ الأَمْرُ كَمَا بَدَأَ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَقَنَ دِمَاءكُم، وَأَحْرَزَ دِيْنَكُم، مَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أَنْ يَأْتِيَ مَأْمَنَهُ إِلَى بَلَدِهِ   (1) ابن سعد 5 / 106 وما بين الحاصرتين منه، وابن عساكر 15 / 372 ب. (2) أيلة: مدينة على ساحل البحر الاحمر مما يلي الشام، وتسمى اليوم العقبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 آمِناً مَحْفُوْظاً، فَلْيَفْعَلْ، كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيْبٌ، عَجِلْتُم بِالأَمْرِ قَبْلَ نُزُوْلِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ فِي أَصْلاَبِكُم لَمَنْ يُقَاتِلُ مَعَ آلِ مُحَمَّدٍ، مَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ، أَمْرُ آلِ مُحَمَّدٍ مُسْتَأْخِرٌ. قَالَ: فَبَقِيَ فِي تِسْعِ مائَةٍ، فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَقَلَّدَ هَدْياً، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنَّ نَدْخُلَ الحَرَمَ، تَلَقَّتْنَا خَيْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَمَنَعَتْنَا أَنْ نَدْخُلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ: لَقَدْ خَرَجْتُ وَمَا أُرِيْدُ قِتَالاً، وَرَجَعْتُ كَذَلِكَ، دَعْنَا نَدْخُلْ، فَلْنَقْضِ نُسُكَنَا، ثُمَّ لْنَخْرُجْ عَنْكَ، فَأَبَى. قَالَ: وَمَعَنَا البُدْنَ مُقَلَّدَةً، فَرَجَعْنَا إِلَى المَدِيْنَةِ، فَكُنَّا بِهَا حَتَّى قَدِمَ الحَجَّاجُ، وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَمَّا سَارَ، مَضَيْنَا، فَقَضَيْنَا نُسُكَنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ القَمْلَ يَتَنَاثَرُ مِنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى المَدِيْنَةِ، فَمَكَثَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ (1) . إِسْنَادُهَا ثَابِتٌ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ، قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ أَبَانٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَعِنْدَهُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، فَدَعَا عَبْدُ المَلِكِ بِسَيْفِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعَا بِصَيْقَلٍ (2) ، فَنَظَر، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ حَدِيْدَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْهَا. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: وَلاَ وَاللهِ مَا رَأَى النَّاسُ مِثْلَ صَاحِبِهَا! يَا مُحَمَّدُ، هَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَيُّنَا أَحَقُّ بِهِ، فَلْيَأْخُذْهُ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: إِنْ كَانَ لَكَ قَرَابَةٌ، فَلِكُلٍّ قَرَابَةٌ. فَأَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الحَجَّاجِ - قَدِ اسْتَخَفَّ بِي، وَآذَانِي، وَلَوْ كَانَتْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فِيْهَا. قَالَ: لاَ إِمْرَةَ لَهُ عَلَيْكَ. فَلَمَّا وَلَّى مُحَمَّدٌ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ لِلْحَجَّاجِ: أَدْرِكْهُ، فَسُلَّ سَخِيْمَتَهُ. فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لأَسُلَّ سَخِيْمَتَكَ، وَلاَ مَرْحَباً بِشَيْءٍ سَاءكَ. قَالَ: وَيْحَكَ يَا حَجَّاجُ! اتَّقِ اللهَ، وَاحْذَرْهُ، مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلاَّ وَللهِ فِي كُلِّ عَبْدٍ مِنْ   (1) انظر ابن سعد 5 / 108، وابن عساكر 15 / 373 آ. (2) الصيقل: شحاذ السيوف وجلاؤها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 عِبَادِه ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ لَحْظَةً، إِنْ أَخَذَ، أَخَذَ بِمَقْدِرَةٍ، وَإِنْ عَفَا، عَفَا بِحِلْمٍ، فَاحْذَرِ اللهَ. فَقَالَ: لاَ تَسْأَلُنِي شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَيْتُكَهُ. قَالَ: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: صُرْمُ الدَّهْرِ (1) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الحَجَّاجَ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى المَقَامِ، فَزَجَرَهُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَنَهَاهُ (2) . إِسْرَائِيْلُ: حَدَّثَنَا ثُوَيْرٌ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ (3) . وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ: أَنَّهُ رَأَى ابْنَ الحَنَفِيَّةِ يَرْمِي الجِمَارَ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْهَبَ (4) . وَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ مِطْرَفَ خَزٍّ أَصْفَرَ بِعَرَفَةَ (5) . وَعَنْ رِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ: رَأَيْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَيُرْخِيْهَا شِبْراً أَوْ دُوْنَهُ (5) . وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ الحنفِيَّةِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ (6) . وَقِيْلَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ: لِمَ تَخْضِبُ؟ قَالَ: أَتَشَبَّبُ بِهِ لِلنِّسَاءِ (6) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَإِذَا هُوَ مُكَحَّلٌ، مَصْبُوْغُ اللِّحْيَةِ بِحُمْرَةٍ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ لأَبِي: بَعَثْتَنِي   (1) ابن سعد 5 / 112 وما بين الحاصرتين منه، وانظره مطولا في ابن عساكر 15 / 373 ب. (2) ابن سعد 5 / 113. (3) ابن سعد 5 / 114، والكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه، وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد للكتابة. (4) ابن سعد 5 / 113. (5) ابن سعد 5 / 114. (6) المصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 إِلَى شَيْخٍ مُخَنَّثٍ؟! قَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ، ذَاكَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا رَبِيْعُ بنُ مُنْذِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَرَادَ أَنَّ يَتَوَضَّأَ، فَنَزَعَ خُفَّيْهِ، وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ (2) . قُلْتُ: هَذَا قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الإِمَامِيَّةُ، وَبِظَاهِرِ الآيَةِ، لَكِنْ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ شَرْعٌ لاَزِمٌ، بَيَّنَهُ لَنَا الرَّسُوْلُ - اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ - وَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ (3)) ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الأُمَّةِ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِمَنْ شَذَّ. قَالَ رَافِضِيٌّ: فَأَنْتُم تَرَوْنَ مَسْحَ مَوْضِعَ ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ، بَلْ شَعْرَةٌ مِنَ الرَّأْسِ يُجْزِئُ، وَالنَّصُّ فَلاَ يَحْتَمِلُ هَذَا، وَلاَ يُسَمَّى مَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَاسِحاً لِرَأْسِهِ عُرْفاً، وَلاَ رَأَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ اجْتَزَأَ بِذَلِكَ، وَلاَ جَوَّزَهُ. فَالجَوَابُ: أَنَّ البَاءَ لِلتَّبْعِيْضِ (4) فِي قَوْلِهِ: (بِرُؤُوْسِكُمْ) ، وَلَيْسَ المَوْضِعُ يَحْتَمِلُ تَقرِيْرَ هَذِهِ المَسْأَلَةِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: لَمْ يُبَايِعْ أَبِي الحَجَّاجَ، لَمَّا قُتِل ابْنُ الزُّبَيْرِ، بَعَثَ الحَجَّاجُ إِلَيْهِ: أَنْ قَدْ قُتِلَ عَدُوُّ اللهِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعَ النَّاسُ، بَايَعْتُ. قَالَ: وَاللهِ لأَقْتُلَنَّكَ. قَالَ: إِنَّ للهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلاَثَ مائَةٍ وَسِتِّيْنَ نَظْرَةً (5) ، فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ قَضِيَّةً، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكْفِيْنَاكَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ. وَكَتَبَ الحَجَّاجُ فِيْهِ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بِذَلِكَ، فَأَعَجْبَ عَبْدَ المَلِكِ   (1) ابن سعد 5 / 115. (2) المصدر السابق. (3) أخرجه البخاري 1 / 170 في العلم، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه، وباب رفع صوته بالعلم، وفي الوضوء باب غسل الرجلين، ومسلم (241) في الطهارة باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. (4) الباء للتبعيض قول مرجوح، وقول الحذاق من اللغويين هي للالصاق. (5) عند ابن سعد: (لحظة) وما بين الحاصرتين في هذا الخبر منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 قَوْلُهُ، وَكَتَبَ بِمِثْلِهَا إِلَى طَاغِيَةِ الرُّوْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الرُّوْمِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ يَتَهَدَّدُهُ بِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ لَهُ جُمُوْعاً كَثِيْرَةً. وَكَتَبَ إِلَى الحَجَّاجِ: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ مُحَمَّداً لَيْسَ عِنْدَهُ خِلاَفٌ، فَارْفُقْ بِهِ، فَسَيُبَايِعُكَ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَبَايَعَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِمُحَمَّدٍ: مَا بَقِيَ شَيْءٌ، فَبَايِعْ. فَكَتَبَ بِالبَيْعَةِ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَهِيَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ الأُمَّةَ قَدِ اخْتَلَفَتْ، اعْتَزَلْتُهُم، فَلَمَّا أَفْضَى الأَمْرُ إِلَيْكَ، وَبَايَعَكَ النَّاسُ، كُنْتُ كَرَجُلٍ مِنْهُم، فَقَدْ بَايَعْتُكَ، وَبَايَعْتُ الحَجَّاجَ لَكَ، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُؤَمِّنَنَا، وَتُعْطِيَنَا مِيْثَاقاً عَلَى الوَفَاءِ، فَإِنَّ الغَدْرَ لاَ خَيْرَ فِيْهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: إِنَّكَ عِنْدَنَا مَحْمُوْدٌ، أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَأَقْرَبُ بِنَا رَحِماً مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَكَ ذِمَّةُ اللهِ وَرَسُوْلِهِ أَنْ لاَ تُهَاجَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ بِشَيْءٍ (1) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: مَاتَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا زَيْدُ بنُ السَّائِبِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ: أَيْنَ دُفِنَ أَبُوْكَ؟ قَالَ: بِالبَقِيْعِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فِي المُحَرَّمِ، وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، فَجَاءَ أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَخِي: مَا تَرَى؟ فَقَالَ أَبَانٌ: أَنْتُمْ أَوْلَى بِجَنَازَتِكُمْ. فَقُلْنَا: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ، فَتَقَدَّمَ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، سَمِعْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ يَقُوْلُ: لِي خَمْسٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، جَاوَزْتُ سِنَّ أَبِي، فَمَاتَ تِلْكَ السَّنَةَ (3) .   (1) وتتمة كتابه: " بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت، ولست أدع صلتك وعونك ما حييت " انظر ابن سعد 5 / 110. (2) ابن سعد 5 / 116. (3) ابن سعد 5 / 115. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ. وَانْفَرَدَ المَدَائِنِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. 37 - ابْنَاه ُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ الهَاشِمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو هَاشِمٍ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ. رَوَى عَنْ أَبِيْهِ حَدِيْثَ تَحْرِيْمِ المُتْعَةِ (1) . رَوَى عَنْه: الزُهْرِيِّ، وَعَمرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ أَبُو هَاشِمٍ صَاحِبَ الشِّيْعَةِ، فَأَوْصَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ كُتُبَهُ، وَمَاتَ عِنْدَهُ، وَانْقَرَضَ عَقِبُهُ، وَأَمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتِ الشِّيْعَةُ تَنْتَحِلُهُ. وَلَمَّا احْتُضِرَ، أَوْصَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الأَمْرِ، وَهُوَ فِي وَلَدِكَ. وَصَرَفَ الشِّيْعَةَ إِلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُتُبَهُ. مَاتَ: فِي خِلاَفَةِ سُلَيْمَانَ. قَالَ البُخَارِيُّ (3) ، قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا الزُهْرِيُّ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ أَوْثَقَهُمَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَتْبَعِ السَّبَائِيَّةَ (4) .   (*) طبقات ابن سعد 5 / 327، طبقات خليفة ت 2046، تاريخ البخاري 5 / 187، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 155، تاريخ ابن عساكر صل 66 ب، تهذيب الكمال 838، تاريخ الإسلام 4 / 20، العبر 1 / 116، تذهيب التهذيب 2 / 184 ب، تهذيب التهذيب 6 / 16، خلاصة تذهيب التهذيب 313. (1) حديث المتعة أخرجه مالك في الموطأ 2 / 542، في النكاح، باب نكاح المتعة، والبخاري 7 / 369 في المغازي باب غزوة خيبر، و6 / 143، 144، ومسلم (1407) في النكاح باب نكاح المتعة. (2) في الطبقات 5 / 328. (3) في تاريخه الكبير 5 / 187. (4) هم أصحاب عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية التي تقول بألوهية علي ورجعته، وتقول بتناسخ الجزء الالهي في الأئمة بعد علي. انظر الملل والنحل 1 / 174، ولسان الميزان 3 / 289. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 رَوَاهُ: الحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَجْمَعُ أَحَادِيْثَ السَّبَائِيَّةِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: هُمَا ثِقَتَانِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: أَنَّ أَحَدَهُمَا شِيْعِيٌّ وَالآخَرَ مُرْجِئٌ. وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ دَسَّ مَنْ سَقَى أَبَا هَاشِمٍ سُمّاً، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً. وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَوَّلُ مَنْ أَلَّفَ شَيْئاً فِي الإِرْجَاءِ. 38 - الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ الهَاشِمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ. كَانَ أَجَلَّ الأَخَوَيْنِ، وَأَفَضْلَهُمَا. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَسَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: الزُهْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ دِيْنَارٍ، وَمُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ البَيْتِ، وَنَاهِيْكَ أَنَّ عَمرَو بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِمَا اخْتَلَفَ فِيْهِ النَّاسُ مِنَ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ، مَا كَانَ زُهْرِيُّكُمْ إِلاَّ غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِهِ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) : مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ المِرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ بِحَرَّانَ، وَجَمَاعَةٌ، وَأَنْبَأَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ   (*) طبقان ابن سعد 5 / 328، طبقات خليفة ت 2047، تاريخ البخاري 2 / 305، المعارف 126، المعرفة والتاريخ 1 / 543، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 35، طبقات الفقهاء للشيرازي 63، تاريخ ابن عساكر 4 / 296 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 160، تهذيب الكمال 280، تاريخ الإسلام 3 / 357، العبر 1 / 122، تذهيب التهذيب 1 / 145 آ، البداية والنهاية 9 / 140 و185، تهذيب التهذيب 2 / 320، النجوم الزاهرة 1 / 227، خلاصة تذهيب التهذيب 81، شذرات الذهب 1 / 121. (1) في الطبقات 1 / 599. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 بِحَلَبَ، أَنْبَأَنَا المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَبِيْبَرْسُ العَدِيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ القَاضِي، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَمْلاَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُوْمِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنَ حَدِيْثِ مَالِكٍ، وَمِنْ طَرِيْقِ: يُوْنُسَ، وَمَعْمَرٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ جَمِيْعاً، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 39 - سُلَيْمُ بنُ عِتْرٍ أَبُو سَلَمَةَ التُّجِيْبِيُّ المِصْرِيُّ * الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي مِصْرَ، وَوَاعِظُهَا، وَقَاصُّهَا، وَعَابِدُهَا، أَبُو سَلَمَةَ التُّجِيْبِيُّ،   (1) أخرجه مالك في الموطأ 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة، والبخاري 7 / 369 في المغازي، باب غزوة خيبر، و9 / 143 و144، ومسلم (1407) في النكاح، باب نكاح المتعة. ويرى ابن القيم أن حديث علي رضي الله عنه المذكور، قد وهم فيه بعض الرواة، فالذي رواه علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر " فتوهم بعض الرواة أن " يوم خيبر " ظرف لتحريمهما، فرواه: " حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر، والحمر الاهلية " انظر " زاد المعاد " 2 / 434 و435. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تحريم المتعة عام الفتح إلى يوم القيامة كما في صحيح مسلم (1406) (21) . (*) تاريخ الطبري 4 / 125، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 211، ولاة مصر وقضاتها 303 و306، تاريخ الإسلام 3 / 156، العبر 1 / 86، النجوم الزاهرة 1 / 194، حسن المحاضرة 1 / 255 و295، شذرات الذهب 1 / 83 وفيه سليم بن عنزة وهو تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 المِصْرِيُّ، وَكَانَ يُدْعَى: النَّاسِكَ؛ لِشِدَّةِ تَأَلُّهِهِ. حَضَرَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالجَابِيَةِ (1) ، وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحَفْصَةَ. وَعَنْهُ: عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَمِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، وَأَبُو قَبِيْلٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالحَسَنُ بنُ ثَوْبَانَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ الهَيْثَمُ بنُ خَالِدٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ سُلَيْمُ بنُ عِتْرٍ يَقُصُّ وَهُوَ قَائِمٌ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلاَثَ خَتَمَاتٍ (2) ، وَيَأْتِي امْرَأَتَهُ، وَيَغْتَسِلُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَنَّهَا قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ: رَحِمَكَ اللهُ، لَقَدْ كُنْتَ تُرْضِي رَبَّكَ، وَتُرْضِي أَهْلَكَ (3) . وَعَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، قَالَ: اخْتُصِمَ إِلَى سُلَيْمِ بنِ عِتْرٍ فِي مِيْرَاثٍ، فَقَضَى بَيْنَ الوَرَثَةِ، ثُمَّ تَنَاكَرُوا، فَعَادُوا إِلَيْهِ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ، وَكَتَبَ كِتَاباً (4) بِقَضَائِهِ، وَأَشْهَدَ فِيْهِ شُيُوْخَ الجُنْدِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَجَّلَ بِقَضَائِهِ. ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنِ الحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ: أَنَّ سُلَيْمَ بنَ عِتْرٍ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ضَمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنِ الحَسَنِ بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بنِ عِتْرٍ، قَالَ:   (1) الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وبالقرب منها تل يسمى تل الجابية، وباب الجابية بدمشق، منسوب لهذا الموضع. معجم البلدان. (2) لا يعقل ذلك، وربما لا يصح عنه، لأنه مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " رواه ابو داود (1394) والترمذي (2950) بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم يرخص لعبد الله بن عمرو أن يختم القرآن في أقل من ثلاث أخرجه البخاري 9 / 84، ومسلم (1159) ، وانظر تعليق المؤلف ص 325. (3) انظر " ولاة مصر وقضاتها " 303 و307 و308. (4) في الأصل: (كتابه) ، وما أثبتناه من " تاريخ الإسلام " و" قضاة مصر ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 لَمَّا قَفَلْتُ مِنَ البَحْرِ، تَعبَّدْتُ فِي غَارٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، لاَ أَكَلْتُ، وَلاَ شَرِبْتُ (1) . تُوُفِّيَ سُلَيْمٌ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. 40 - أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَخْبَرَةَ الأَزْدِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ، وَخَبَّابٍ، وَالمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي مَعْمَرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: كُفْرٌ بِاللهِ ادِّعَاءُ نَسَبٍ لاَ يُعْرَفُ (2) . حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ التَّيْمِيُّ،   (1) تاريخ الإسلام 3 / 157، وما بين الحاصرتين منه. وزاد أبو عمر الكندي في " ولاة مصر " 307 مانصه: " ولولا أني خشيت أن أضعف لاتممتها عشرا ". (*) طبقات ابن سعد 6 / 103، طبقات خليفة ت 1079، تاريخ البخاري 5 / 97، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 68، تهذيب الكمال 687، تاريخ الإسلام 3 / 30، تذهيب التهذيب 2 / 147، ب، تهذيب التهذيب 5 / 231، وانظر 3 / 454 سخبرة، خلاصة تذهيب التهذيب 199. (2) كانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره، ويصير الولد ينسب إلى الذي يتبناه حتى نزل قوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) (وما جعل أدعياءكم أبناء كم) فنسب كل منهم إلى أبيه الحقيقي. قال المناوي: ومناسبة إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله، كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان ولم يخلقني من ماء فلان، والواقع خلافه. وقول أبي بكر هذا أخرجه أبو بكر المروزي (90) والدارمي 2 / 342 مرفوعا، وفي سنده: السري بن إسماعيل وهو ضعيف وباقي رجاله ثقات. وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 97 عن البزار وأعله بالسري، واخرجه الخطيب في " تاريخه " 3 / 144، وفي سنده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد (7019) وابن ماجه (2744) بلفظ " كفر بامرى ادعاء نسب لا يعرفه، أو جحد، وإن دق " وسنده حسن فيتقوى به الحديث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ، فَيَلْحَنُ فِيْهِ اقْتدَاءً بِالَّذِي سَمِعَ (1) . قِيْلَ: وُلِدَ أَبُو مَعْمَرٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيْثُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: تُوُفِّيَ بِالكُوْفَةِ، فِي وِلاَيَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ. قُلْتُ: وَذَلِكَ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ. 41 - عُمَرُ بنُ عَلِيِّ * بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ. بَقِيَ حَتَّى وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ لِيُوَلِّيَهُ صَدَقَةَ أَبِيْهِ. وَمَوْلِدُهُ: فِي أَيَّامِ عُمَرَ. فَعُمَرُ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، وَنَحَلَهُ غُلاَماً اسْمُهُ مُوَرِّقٌ. قَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. قَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ (3) : فَلَمْ يُعْطِهِ الوَلِيْدُ صَدَقَةَ عَلِيٍّ، وَقَالَ: لاَ أُدْخِلُ عَلَى بَنِي فَاطِمَةَ غَيْرَهُمْ - وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ -. قَالَ: فَذَهَبَ غَضْبَانَ، وَلَمْ يَقبَلْ مِنَ الوَلِيْدِ صِلَةً. وَيُقَالُ: قُتِلَ عُمَرُ مَعَ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيْرِ. وَلاَ يَصِحُّ، بَلْ ذَاكَ أَخُوْهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ.   (1) انظر " الباعث الحثيث " ص 145. (2) في الطبقات 6 / 103. (*) طبقات ابن سعد 5 / 117، طبقات خليفة ت 1970، تاريخ البخاري 6 / 179، المعارف 210 و217، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 124، تاريخ ابن عساكر 13 / 172 ب، تهذيب الكمال ص 1024، تاريخ الإسلام 3 / 54 و289، تذهيب التهذيب 3 / 90 ب. تهذيب التهذيب 7 / 485، خلاصة تذهيب التهذيب 285. (3) في نسب قريش ص 42 و43 وهو فيه مطول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 42 - أَبو مَيْسَرَةَ عُمَرُ بنُ شُرَحْبِيْلَ الهَمْدَانِيُّ * (خَ، م، د، س) الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ إِمَامَ مَسْجِدِ بَنِي وَادْعَةَ، مِنَ العُبَّادِ الأَوْلِيَاءِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمَرَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ. قَالَ إِسْرَائِيْلُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَبو مَيْسَرَةَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، تَصَدَّقَ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ أَهْلَهُ فَعَدُّوْهُ، وَجَدُوْهُ سَوَاءً، فَقَالَ لِبَنِي أَخِيْهِ: أَلاَ تَفْعَلُوْنَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ، لَفَعَلْنَا. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّي (1) . أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ هَمْدَانِيّاً قَطُّ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسْلاَخِهِ مِنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. وَرَوَى: عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: مَا اشْتَمَلَتْ هَمْدَانِيَّةٌ عَلَى مِثْلِ أَبِي مَيْسَرَةَ. قِيْلَ: وَلاَ مَسْرُوْقٌ؟! قَالَ: وَلاَ مَسْرُوْقٌ (2) . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ لأَبِي مَيْسَرَةَ وَأَصْحَابِهِ طَيَالِسَةً، لَهَا أَزْرَارُ طوَالٌ مِنْ دِيْبَاجٍ. قَالَ: وَأَوْصَى أَبُو مَيْسَرَةَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى لَحْدِهِ طُنُّ قَصَبٍ أَوْ حَرَادِيٍّ (3) . وَقَالَ: يُطَيِّبُ نَفْسِيَ أَنِّي لاَ أَتْرُكُ عَلَيَّ دِيْنَاراً وَلاَ أَتْرُكُ وَلَداً (4) .   (*) طبقات ابن سعد 6 / 106، طبقات خليفة ت 1069، تاريخ البخاري 6 / 341، الجرح والتعديل القسم الأول المجلد الثالث 237، الحلية 4 / 141، تهذيب الكمال ص 1040، تاريخ الإسلام 3 / 56، تذهيب التهذيب 3 / 100 آ، غاية النهاية ت 2453، الإصابة ت 6488، تهذيب التهذيب 8 / 74، خلاصة تذهيب التهذيب 290. (1) ابن سعد 6 / 106. (2) المصدر السابق. (3) الحرادي: جمع حردي وحردية وهي حياصة الحظيرة التي تشد على حائط القصب عرضا. (4) ابن سعد 6 / 107. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: قَالَ عَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ: وَلاَ تُطِيْلُوا جَدَثِي (1) ، فَإِنَّ المُهَاجِرِيْنَ كَانُوا يَكْرَهُوْنَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ فِي جِنَازَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ آخِذاً بِقَائِمَةِ السَّرِيْرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا مَيْسَرَةَ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: مَاتَ فِي وِلاَيَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ (3) . 43 - الجُرَشِيُّ يَزِيْدُ بنُ الأَسْوَدِ مِنْ سَادَةِ التَّابِعِيْنَ بِالشَّامِ، يَسْكُنُ بِالغُوطَةِ، بِقَرْيَةِ زِبْدِيْنَ (4) . أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلَهُ دَارٌ بِدَاخِلِ بَابِ شَرْقِيٍّ. قَالَ يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الأَسْوَدِ! كَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَدْرَكْتُ العُزَّى تُعْبَدُ فِي قَرْيَةِ قَوْمِي (5) . قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِقَوْمِي: اكْتُبُوْنِي فِي الغَزْوِ. قَالُوا: قَدْ كَبِرْتَ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! اكْتُبُوْنِي، فَأَيْنَ سَوَادِي فِي المُسْلِمِيْنَ؟ قَالُوا: أَمَّا إِذْ فَعَلْتَ، فَأَفْطِرْ، وَتَقَوَّ عَلَى العَدُوِّ. قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَانِي أَبْقَى حَتَّى أُعَاتَبَ فِي نَفْسِي، وَاللهِ لاَ أُشْبِعُهَا مِنَ الطَّعَامِ، وَلاَ أُوطِئُهَا مِنْ مَنَامٍ حَتَّى تَلْحَقَ بِاللهِ (6) .   (1) [يعني القبر] عن ابن سعد 6 / 108. (2) ابن سعد 6 / 109. (3) المصدر السابق. (*) طبقات ابن سعد 7 / 444، تاريخ البخاري 8 / 318، المعرفة والتاريخ 2 / 380، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 250، الاستيعاب ت 2754، تاريخ ابن عساكر 18 / 120 ب، أسد الغابة 5 / 103، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 161، تاريخ الإسلام 3 / 213، البداية والنهاية 8 / 324، الإصابة ت 9393. (4) هي قرية في الغوطة الشرقية شرق دمشق، تقع إلى الجنوب من " الحديثة ". (5) تاريخ البخاري 8 / 318. (6) ابن عساكر 18 / 121 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وَرَوَى: صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَسْقِي، فَلَمَّا قَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَ: أَيْنَ يَزِيْدُ بنُ الأَسْوَدِ؟ فَنَادَاهُ النَّاسُ، فَأَقْبَلَ يَتَخَطَّاهُمْ، فَأَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِخَيْرِنَا وَأَفَضْلِنَا يَزِيْدَ بنِ الأَسْوَدِ، يَا يَزِيْدُ، ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى اللهِ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ النَّاسُ، فَمَا كَانَ بِأَوْشَكَ مِنْ أَنْ ثَارَتْ سَحَابَةٌ كَالتُّرْسِ، وَهَبَّتْ رِيْحٌ، فَسُقِيْنَا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لاَ يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ. سَمِعَهَا: أَبُو اليَمَانِ، مِنْ صَفْوَانَ (1) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَغَيْرُهُ: اسْتَسْقَى الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ بِيزِيْدَ بنِ الأَسْوَدِ، فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سُقُوا (2) . وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ المَشْيَخَةِ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ الأَسْوَدِ الجُرَشِيَّ كَانَ يَسِيْرُ فِي أَرْضِ الرُّوْمِ هُوَ وَرَجُلٌ، فَسَمِعَ هَاتِفاً يَقُوْلُ: يَا يَزِيْدُ، إِنَّكَ لَمِنَ المُقَرَّبِيْنَ، وَإِنَّ صَاحِبَكَ لَمِنَ العَابِدِيْنَ، وَمَا نَحْنُ بِكَاذِبِيْنَ (3) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ عَبْدَ المَلِكِ لَمَّا سَارَ إِلَى مُصْعَبٍ، رَحَلَ مَعَهُ يَزِيْدُ بنُ الأَسْوَدِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا، قَالَ: اللَّهُمَّ احْجُزْ بَيْنَ هَذَيْنِ الجَبَلِيْنِ، وَوَلِّ أَحَبَّهُمَا إِلَيْكَ، فَظَفِرَ عَبْدُ المَلِكِ (4) . قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (5) : بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي العِشَاءَ الآخِرَةَ بِمَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَيَخْرُجُ إِلَى زِبْدِيْنَ، فَتُضِيْءُ إِبْهَامُهُ اليُمْنَى، فَلاَ يَزَالُ يَمْشِي فِي ضَوْئِهَا إِلَى القَرْيَةِ. وَشَهِدَهُ وَقْتَ المَوْتِ وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ.   (1) انظر ابن سعد 7 / 444 ولفظة: " فما كان أوشك أن ثارت سحابة الخ". (2) انظره مطولا في " المعرفة والتاريخ " 2 / 381. (3) ابن عساكر 18 / 121 ب. (4) ابن عساكر 18 / 122 ب. (5) في تاريخه 18 / 120 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 44 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرَةَ * الثَّقَفِيُّ الأَمِيْرُ، مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلِيَ سِجِسْتَانَ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، شُجَاعاً، كَبِيْرَ القَدْرِ. وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيٍّ. وَعَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ جُمْهَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ (سِجِسْتَانَ) سَنَةَ خَمْسِيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلِيَهَا الحَجَّاجُ. وَقِيْلَ: كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِ مائَةٍ وَسِتِّيْنَ دَاراً مِنْ جِيْرَانِ دَارِهِ، وَيَعْتِقُ فِي كُلِّ عِيْدٍ مائَةَ مَمْلُوْكٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ المُهَلَّبَ طَلَبَ مِنْهُ لَبَنَ بَقَرٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِسَبْعِ مائَةِ بَقَرَةٍ وَرُعَاتِهَا (1) ، وَوَصَلَ ابْنَ مُفَرِّغٍ الشَّاعِرَ بِخَمْسِيْنَ أَلْفاً. وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي الكَرَمِ، وَكَانَ أَسْوَدَ اللَّوْنِ. قَالَ أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ: مَاتَ بِسِجِسْتَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ. 45 - عِيَاضُ بنُ عَمْرٍو (2) الأَشْعرِيُّ ** (م، ق) حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ، وَخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعِيَاضِ بنِ غَنْمٍ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 190، طبقات خليفة ت 1643، تاريخ البخاري 5 / 375، المعارف 289، أخبار القضاة 1 / 302، تاريخ ابن عساكر 10 / 374 آ، تاريخ الإسلام 3 / 189، العبر 1 / 90، تعجيل المنفعة 214، النجوم الزاهرة 1 / 202، شذرات الذهب 1 / 87 وفيه " عبد الله " وهو تصحيف (1) انظر ص 412 من هذا الجزء. (* *) تاريخ البخاري 7 / 19، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 407، الاستيعاب ت 2013، تاريخ ابن عساكر 13 / 404 آ، أسد الغابة 4 / 164، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 42، تهذيب الكمال ص 1079، تاريخ الإسلام 2 / 310، الإصابة ت 6139، تهذيب التهذيب 8 / 202، خلاصة تذهيب التهذيب 301. (2) في الأصل: (عصرو) وهو تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 الأَشْعرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) . سَكَنَ الكُوْفَةَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَرَّ عِيَاضُ بنُ عَمْرٍو فِي يَوْمِ عِيْدٍ، فَقَالَ: مَا لِي لاَ أَرَاهُمْ يُقَلِّسُوْنَ، فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ (2) ؟! قَالَ هُشَيْمٌ: التَّقْلِيْسُ، الضَّرْبُ بِالدُّفِّ (3) . وَقَالَ سِمَاكٌ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ اليَرْمُوْكَ، فَقَتَلْنَاهُمْ أَرْبَعَ فَرَاسِخَ، وَرَأَيْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ سَابَقَ بِفَرَسٍ عَرَبِيٍّ (4) . 46 - مُعَاوِيَةُ بنُ يَزِيْدَ * بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَبُو لَيْلَى الخَلِيْفَةُ. بُوْيِعَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ، وَكَانَ شَابّاً، دَيِّناً، خَيْراً مِنْ أَبِيْهِ. وَأُمُّهُ: هِيَ بِنْتُ أَبِي هَاشِمٍ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ. فَوَلِيَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً. وَقِيْلَ: ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَقِيْلَ: بَلْ وَلِيَ عِشْرِيْنَ يَوْماً. وَمَاتَ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: بَلْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ، وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ قَبْرِ أَبِيْهِ، وَلَمْ يُعْقِبْ. وَامْتَنَعَ أَنْ يَعْهَدَ بِالخِلاَفَةِ إِلَى أَحَدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.   (1) ما بين الحاصرتين من " أسد الغابة " و" الإصابة ". (2) أخرجه ابن ماجه (1302) في إقامة الصلاة باب ما جاء في التقليس يوم العيد من طريق شريك عن مغيرة عن عامر، قال: شهد عياض الأشعري عيدا بالانبار فقال: مالي لا أراكم تقلسون كما كان يقلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البوصيري في " الزوائد ": رجاله ثقات. (3) " قال أبو الجراح: هو استقبال الولاة عند قدومهم المصر بأصناف اللهو..ومنه حديث عمر رضي الله تعالى عنه لما قدم الشام لقيه المقلسون بالسيوف والريحان ". (4) الخبر مطول في " ابن عساكر " 13 / 405 آ. (*) المعارف 352، تاريخ ابن عساكر 16 / 395 ب، تاريخ الإسلام 3 / 83، العبر 1 / 69، البداية والنهاية 8 / 237، النجوم الزاهرة 1 / 163، تاريخ الخلفاء 211. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 47 - حَسَّانُ بنُ النُّعمَانِ * بنِ المُنْذِرِ الغَسَّانِيُّ مِنْ مُلُوْكِ العَرَبِ. وَلِيَ المَغْرِبَ، فَهَذَّبَهُ، وَعَمَرَهُ. وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مُجَاهِداً، لَبِيْباً، مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَجَّهَهُ مُعَاوِيَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَصَالَحَ البَرْبَرَ، وَرتَّبَ عَلَيْهِمُ الخَرَاجَ، وَانْعَمَرَتِ البِلاَدُ. وَلَهُ غَزْوَاتٌ مَشْهُوْدَةٌ بَعْدَ قَتْلِ الكَاهِنَةِ (1) . فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الوَلِيْدُ، عَزَلَهُ، وَبَعَثَ نُوَّاباً عِوَضَهُ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الغَزْوِ. فَقَدِمَ حَسَّانُ عَلَى الوَلِيْدِ بِأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ وَتُحَفٍ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنّمَا ذَهَبْتُ مُجَاهِداً، وَمَا مِثْلِي مَنْ يَخُوْنُ. قَالَ: إِنِّي رَادُّكَ إِلَى عَمَلِكَ. فَحَلَفَ أَنَّهُ لاَ يَلِي شَيْئاً أَبَداً. وَكَانَ يُدْعَى: الشَّيْخَ الأَمِيْنَ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فَلَعَلَّ الَّذِي عَزَلَهُ عَبْدُ المَلِكِ. 48 - مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْرِ** بنِ العَوَّامِ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ، أَبُو عِيْسَى، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، لاَ رِوَايَةَ لَهُ.   (*) تاريخ ابن عساكر 4 / 199 ب، تاريخ الإسلام 3 / 244، العبر 1 / 92، النجوم الزاهرة 1 / 200، الشذرات 1 / 8، تهذيب ابن عساكر 4 / 149، وانظر ايضا ص 294 من هذا الجزء فقد كرر المصنف ترجمته. (1) هي امرأة ملك البربر، تعرف بالكاهنة، كانت تخبرهم بأشياء من الغيب، ولها سلطان قوي في نفوسهم، هزمت حسان بن النعمان فعززه عبد الملك بالجيوش والاموال حتى استطاع القضاء عليها سنة 74 هـ. انظر " الكامل " لابن الأثير 4 / 370. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 182، طبقات خليفة ت 2067، تاريخ البخاري 7 / 350، الاخبار الموفقيات 525 وما بعدها، المعارف 224، الاغاني ط الدار 19 / 122، تاريخ بغداد 13 / 105، تاريخ ابن عساكر 16 / 263 آ، تاريخ الإسلام 3 / 208، العبر 1 / 80 و81، فوات الوفيات 4 / 143 تحقيق د. إحسان عباس، البداية والنهاية 8 / 317، تعجيل المنفعة 403، النجوم الزاهرة 1 / 187. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 كَانَ فَارِساً، شُجَاعاً، جَمِيْلاً، وَسِيْماً، حَارَبَ المُخْتَارَ وَقَتَلَهُ، وَكَانَ سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ. سَارَ لِحَرْبِهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ. وَأُمُّهُ: هِيَ الرَّبَابُ بِنْتُ أُنَيْفٍ الكَلْبِيَّةُ. وَكَانَ يُسَمَّى مِنْ سَخَائِهِ: آنِيَةَ النَّحْلِ (1) . وَفِيْهِ يَقُوْلُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ: إِنَّمَا مُصْعَبٌ شِهَابٌ مِنَ اللَّـ ... ـهِ تَجَلَّتْ عَنْ وَجْهِهِ الظَّلْمَاءُ مُلْكُهُ مُلْكُ عِزَّةٍ لِيْسَ فِيْهَا ... جَبَرُوْتٌ مِنْهُ وَلاَ كِبْرِيَاءُ يتَّقِي اللهَ فِي الأُمُوْرِ وَقَدْ أَفْـ ... ـلَحَ مَنْ كَانَ هَمَّهُ الاتِّقَاءُ (2) قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: مَا رَأَيْتُ أَمِيْراً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مُصْعَبٍ. وَرَوَى عُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ: أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَمِيْراً قَطُّ عَلَى مِنْبَرٍ أَحْسَنَ مِنْ مُصْعَبٍ. قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ يُحْسَدُ عَلَى الجَمَالِ. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اجْتَمَعَ فِي الحِجْرِ: عَبْدُ اللهِ، وَمُصْعَبٌ، وَعُرْوَةُ - بَنُوْ الزُّبَيْرِ - وَابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: تَمَنَّوْا. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ (3) : أَتَمَنَّى الخِلاَفَةَ. وَقَالَ عُرْوَةُ: أَتَمَنَّى أَنَّ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْمُ. وَقَالَ مُصْعَبٌ: أَتَمَنَّى إِمْرَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنَا، فَأَتَمَنَّى المَغْفِرَةَ. فَنَالُوا مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ (4) .   (1) انظر " ثمار القلوب " ص 508. (2) الابيات في " الشعر والشعراء " ص 450 وروايته: " ملك رحمة ... جبروت يخشى.." و" الكامل " 2 / 269 وروايته: "..ملك قوة ... " " و" الاغاني " ط الدار 5 / 79 وروايته: ".. ليس فيه.." ثم انظر الديوان ص 91 وروايته: " ليس فيه. جبروت ولا به كبرياء..". (3) أي: عبد الله. (4) رواه أبو نعيم في الحلية 2 / 171، وقد أورده ابن قتيبة في " عيون الاخبار " 3 / 258 بغير إسناد وسياق مختلف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وَكَانَ عَبْدُ المَلِكِ وَدُوْداً لِمُصْعَبٍ، وَصَدِيْقاً. قَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ: بَلَغَ مُصْعباً شَيْءٌ عَنْ عَرِيْفِ الأَنْصَارِ، فَهَمَّ بِهِ، فَأَتَاهُ أَنَسٌ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (اسْتَوْصُوا بِالأَنْصَارِ خَيْراً، اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيْئِهِم) . فَأَلْقَى مُصْعَبٌ نَفْسَهُ عَنِ السَّرِيْرَ، وَأَلْزَقَ خَدَّهُ بِالبِسَاطِ، وَقَالَ: أَمْرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى العَيْنِ وَالرَّأْسِ؛ وَترَكَهُ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ (1) . قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: أُهْدِيَتْ لِمُصْعَبٍ نَخْلَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَثَاكِلُهَا مِنْ صُنُوْفِ الجَوْهَرِ، قُوِّمَتْ بِأَلْفَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ، كَانَتْ لِلْفُرْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ (2) . قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا كَتَبَ لأَحَدٍ بِجَائِزَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ (3) ، جَعَلَهَا مُصْعَبٌ مائَةَ أَلْفٍ. وَقَدْ سُئِلَ سَالِمٌ: أَيُّ ابْنَيِ الزُّبَيْرِ أَشْجَعُ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا، جَاءَ المَوْتُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. وَقِيْلَ: تَذَاكَرُوا الشُّجْعَانَ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: أَشَجَعُ العَرَبِ مَنْ وَلِيَ العِرَاقَيْنِ خَمْسَ سِنِيْنَ، فَأَصَابَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ أَلْفٍ، وَتَزَوَّجَ بِنْتَ الحُسَيْنِ، وَبِنْتَ طَلْحَةَ، وَبِنْتَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، وَأُمُّهُ رَبَابُ بِنْتُ أُنَيْفٍ (4) الكَلْبِيُّ، سَيِّدُ   (1) في مسنده 3 / 240 و241 من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وعلي هذا ضعيف، لكن أخرج البخاري في صحيحه 7 / 91، 92 من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أوصيكم بالانصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ". (2) الخبر في " ابن عساكر " 16 / 267 آ، وابن أبي فروة هو كاتب مصعب كما في " الموفقيات " ص 531 و" الاغاني " 19 / 125 ط الدار. (3) من تاريخ الإسلام 3 / 109. (4) في الأصل (وبنت رباب بن أنيف) وهو تصحيف ظاهر لان الرباب أمه، وما أثبتناه من = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 ضَاحِيَةِ العَرَبِ، وَأُعْطِيَ الأَمَانَ، فَأَبَى، وَمَشَى بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: رَأَيْتُ بِقَصْرِ الكُوْفَةِ رَأْسَ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، ثُمَّ رَأْسَ ابْنِ زِيَادٍ، ثُمَّ رَأْسَ المُخْتَارِ، ثُمَّ رَأْسَ مُصْعَبٍ بَيْنَ يَدَي عَبْدِ المَلِكِ. قُتِلَ مُصْعَبٌ يَوْمَ نِصْفِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً. وَكَانَ مُصْعَبٌ قَدْ سَارَ لِيَأْخُذَ الشَّامَ. فَقَصَدَهُ عَبْدُ المَلِكِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مَلْحَمَةٌ كُبْرَى بِدَيْرِ الجَاثَلِيْقِ، بِقُرْبِ أَوَانَا (1) ، وَكَانَ قَدْ كَاتَبَ عَبْدُ المَلِكِ جَمَاعَةً مِنَ الوُجُوْهِ، يُمَنِّيْهِمْ وَيَعِدُهُمْ إِمْرَةَ العِرَاقِ، وَإِمْرَةَ العَجَمِ، فَأَجَابُوْهُ، إِلاَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ الأَشْتَرِ، فَأَتَى مُصْعَباً بِكِتَابِهِ، وَفِيْهِ: إِنْ بَايَعْتَنِي، وَلَّيْتُكَ العِرَاقَ. وَقَالَ: قَدْ كَتَبَ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَأَطِعْنِي، وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ: إِذاً تَغْضَبُ عَشَائِرُهُمْ. قَالَ: فَاسْجُنْهُم. قَالَ: فَإِنِّي لَفِي شُغُلٍ عَنْ ذَلِكَ، يَرْحَمُ اللهُ الأَحْنَفَ، إِنْ كَانَ لَيُحَذِّرُ غَدْرَ العِرَاقِيِّيْنَ. وَقِيْلَ: قَالَ لَهُم قَيْسُ بنُ الهَيْثَمِ: وَيْحَكُمْ! لاَ تُدْخِلُوا أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُم مَنَازِلَكُم. وَأَشَارَ ابْنُ الأَشْتَرِ بِقَتْلِ زِيَادِ بنِ عَمْرٍو، وَمَالكِ بنِ مِسْمَعٍ. فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَانِ، لَحِقُوا بِعَبْدِ المَلِكِ، وَهَرَبَ عَتَّابُ بنُ وَرْقَاءَ، وَخَذَلُوا مُصْعَباً (2) . فَقَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ (3) :   = " تاريخ بغداد " 13 / 106 وما بين حاصرتين منه، للايضاح. والخبر في " الاغاني " ط الدار 19 / 131 وفيه (عاصم) بدل (عامر) والصحيح هو عبد الله بن عامر بن كريز. (1) دير الجاثليق: دير قديم رحب الفناء من ناحية مسكن قرب بغداد في غربي دجلة، وهو رأس الحد بين السواد وأرض تكريت. وأوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر، نزهة من نواحي دجيل، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من جهة تكريت، وكثيرا ما يذكرها الخلعاء في أشعارهم. اه. معجم البلدان. (2) انظر التفاصيل في " الموفقيات " ص 557 وما بعدها، و" الاغاني " ط الدار 19 / 123 وما بعدها. (3) الأبيات في " الموفقيات " ص 533 و" الكامل " 1 / 271 و272 وروايته: " بالطف يوم الطف شيعة " و" الاغاني " ط الدار 9 / 128 وروايته: " تالله لو كانت له " و" لوجد تموه حين يدلج " و" معجم البلدان " مادة (مسكن) وروايته: " حين يعدو لا يعرس بالمضيعة " = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 إِنَّ الرَّزِيَّةَ يَوْمَ مَسْـ ... ـكَنَ وَالمُصِيْبَةَ وَالفَجِيْعَهْ بِابْنِ الحَوَارِيِّ الَّذِي ... لَمْ يَعْدُهُ يَوْمُ الوَقِيْعَهْ غَدَرَتْ بِهِ مُضَرُ العِرَا ... قِ وَأَمْكَنَتْ مِنْهُ رَبِيْعَهْ فَأَصَبْتِ وِتْرَكِ يَا رَبِيْـ ... ـعُ وَكُنْتِ سَامِعَةً مُطِيْعَهْ يَا لَهْفَ لَو كَانَتْ لهُ ... بِالدَّيْرِ يَوْمَ الدَّيْرِ شِيْعَهْ أَوْ لَمْ يَخُونُوا عَهْدَهُ ... أَهْلُ العِرَاقِ بَنُوْ اللَّكِيْعَهْ لَوَجَدْتُمُوْهُ حِيْنَ يَحْـ ... ـدِرُ لاَ يُعَرِّسُ بِالمَضِيْعَهْ وَجَعَلَ مُصْعَبٌ كُلَّمَا قَالَ لِمُقَدَّمٍ مِنْ جَيْشِهِ: تَقَدَّمْ، لاَ يُطِيْعُهُ. فَقِيْلَ: أُخْبِرَ عَبْدُ اللهِ بنُ خَازِمٍ السُّلَمِيُّ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ بِمَسِيْرِ مُصْعَبٍ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: أَمَعَهُ عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ؟ قِيْلَ: لاَ، ذَاكَ اسْتَعَمَلَهُ عَلَى فَارِسٍ. قَالَ: أَفَمَعَهُ المُهَلَّبُ بنُ أَبِي صُفْرَةَ؟ قِيْلَ: لاَ، وَلاَّهُ المَوْصِلَ. قَالَ: أَمَعَهُ عَبَّادُ بنُ حُصَيْنٍ؟ قِيْلَ: اسْتعَمَلَهُ عَلَى البَصْرَةِ. فَقَالَ: وَأَنَا هُنَا، ثُمَّ تَمَثَّلَ: خُذِيْنِي وَجُرِّيْنِي ضِبَاعُ وَأَبْشِرِي ... بِلَحْمِ امْرِئٍ لَمْ يَشْهَدِ اليَوْمَ نَاصِرُهْ (1) قَالَ الطَّبَرِيُّ (2) : فَقَالَ مُصْعَبٌ لابْنِهِ عِيْسَى: ارْكَبْ بِمَنْ مَعَكَ إِلَى عَمِّكَ   = و" الديوان " ص 184 وروايته: " لم تعده أهل الوقيعة " و" بالطف يوم الطف " و" حين يغضب لا يعرج بالمضيعة ". ومسكن: موضع المعركة التي قتل فيها مصعب، والطلف: الموضع الذي قتل فيه الحسين. انظر " معجم البلدان ". (1) نسب البيت في " الكتاب " 2 / 38 للنابغة الجعدي وروايته: " فقلت لها عيثي جعار وجرري " وكذا في اللسان (جعر) وفي (جرر) (عيشي) بدل (عيثي) و" أمالي الشجري " 2 / 113. والخبر في " الطبري " 6 / 158 وروايته: " خذيني فجريني جعار وأبشري ". وأما في " الكامل " 3 / 5 فقد ذكر المبرد أن المخبر والمتمثل بالبيت هو عبد الله بن الزبير. (2) في تاريخه 6 / 158 وما يأتي بين الحاصرتين منه، وهو مفصل فيه وفي " الاغاني " ط الدار 19 / 125 وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعَ أَهْلُ العِرَاقِ، وَدَعْنِي، فَإِنِّي مَقتُوْلٌ. قَالَ: لاَ أُخْبِرُ قُرَيْشاً عَنْكَ أَبَداً، وَلَكِنْ سِرْ إِلَى البَصْرَةِ، فَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، أَوِ الْحَقْ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: لاَ تَتَحَدَّثُ قُرَيْشٌ أَنَّنِي فَرَرَتُ لِخُذْلاَنِ رَبِيْعَةَ، وَمَا السَّيْفُ بِعَارٍ، وَمَا الفِرَارُ لِي بِعَادَةٍ وَلاَ خُلُقٍ، وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَرْجِعَ، فَارْجِعْ، فَقَاتِلْ. فَرَجَعَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَبَعَث إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ مَعَ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي - يَا ابْنَ العَمِّ - أَمَّنْتُكَ. قَالَ: مِثْلِي لاَ يَنْصَرِفُ عَنْ هَذَا المَقَامِ إِلاَّ غَالِباً أَوْ مَغْلُوْباً. فَقِيْلَ: أَثْخَنُوْهُ بِالسِّهَامِ، ثُمَّ طَعَنَهُ زَائِدَةُ الثَّقَفِيُّ - وَكَانَ مِنْ جُنْدِهِ - وَقَالَ: يَا لَثَارَاتِ المُخْتَارِ. وَقَاتَلَ قَتَلَةَ ابْنِ الأَشْتَرِ حَتَّى قُتِلَ، وَاسْتَوْلَى عَبْدُ المَلِكِ عَلَى المَشْرِقِ. 49 - بِشْرُ بنُ مَرْوَانَ * بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ أَحَدُ الأَجْوَادِ، وَلِيَ العِرَاقَيْنِ لأَخِيْهِ عِنْدَ مَقْتَلِ مُصْعَبٍ، وَدَارُهُ بِدِمَشْقَ عِنْدَ عَقَبَةِ الكَتَّانِ (1) . رَوَى: ابْنُ جُدْعَانَ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا بِشْرٌ البَصْرَةَ، وَهُوَ أَبْيَضُ بَضٌّ، أَخُو خَلِيْفَةٍ، وَابْنُ خَلِيْفَةٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ الحَاجِبُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: حَسَنٌ البَصْرِيُّ. قَالَ: ادْخُلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُطِيْلَ، وَلاَ تُمِلَّهُ. فَأَدْخُلُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيْرٍ عَلَيْهِ فُرُشٌ، قَدْ كَادَ أَنْ يَغُوْصَ فِيْهَا، وَرَجُلٌ بِالسَّيْفِ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ الفَقِيْهُ. فَأَجْلَسَنِي، ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي زَكَاةِ أَمْوَالِنَا؟ نَدْفَعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ، أَمْ إِلَى الفُقَرَاءِ؟ قُلْتُ: أَيَّهُمَا   (*) المعارف 355، تاريخ ابن عساكر المجلدة العاشرة بتحقيق الأستاذ محمد أحمد دهمان ص 111 و3 / 176 ب، تاريخ الإسلام 3 / 141، العبر 1 / 86، البداية والنهاية 9 / 7، النجوم الزاهرة 1 / 191، شذرات الذهب 1 / 83، خزانة الأدب 4 / 117، تهذيب ابن عساكر 3 / 251. (1) موضع بدمشق ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 14 / 221 والنعيمي في الدارس 2 / 237. وقد تصحف في " البداية " إلى " الكتاب " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ. فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: لِشَيْءٍ مَا يَسُوْدُ مَنْ يَسُوْدُ. ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ العَشِيِّ، وَإِذَا هُوَ انْحَدَرَ مِنْ سَرِيْرِهِ يَتمَلْمَلُ وَحَوْلَهُ الأَطِبَّاءُ، ثُمَّ عُدْتُ مِنَ الغَدِ وَالنَّاعِيَةُ تَنْعَاهُ، وَدَوَابُّهُ قَدْ جُزَّتْ نَوَاصِيْهَا. وَوَقَفَ الفَرَزْدَقُ عَلَى قَبْرِهِ، وَرَثَاهُ بِأَبْيَاتٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلاَّ بَكَى (1) . قَالَ خَلِيْفَةُ (2) : مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَخِيْهِ: إِنَّكَ شَغَلْتَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالعِرَاقِ، وَبَقِيَتِ الأُخْرَى فَارِغَةً. فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِوِلاَيَةِ الحَرَمَيْنِ وَاليَمَنِ. فَمَا جَاءهُ الكِتَابُ إِلاَّ وَقَدْ وَقَعَتِ القَرْحَةُ فِي يَمِيْنِهِ، فَقِيْلَ: اقْطَعْهَا مِنَ المَفْصِلِ (3) . فَجَزِعَ، فَبَلَغَتِ المِرْفَقَ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ بَلَغتِ الكَتِفَ، وَمَاتَ. فَجَزِعَ عَلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ، وَأَمَرَ الشُّعَرَاءَ فَرَثَوْهُ (4) . 50 - شَبِيْبُ بنُ يَزِيْدَ * بنِ أَبِي نُعَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ رَأْسُ الخَوَارِجِ بِالجَزِيْرَةِ، وَفَارِسُ زَمَانِهِ. بَعَثَ لِحَرْبِهِ الحَجَّاجُ خَمْسَةَ قُوَّادٍ، فَقَتَلَهُمْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الكُوْفَةِ،   (1) الخبر مفصل في " ابن عساكر " المجلدة العاشرة تحقيق دهمان ص 124، وما بين الحاصرتين منه، وفيه قطعة من مرثية الفرزدق، وهي في الديوان 2 / 268 منها: أعيني إلا تسعداني ألمكما * فما بعد بشر من عزاء ولاصبر ألم تر أن الأرض دكت جبالها * وأن نجوم الليل بعدك لا تسري فإن لا تكن هند بكته فقد بكت * عليه الثريافي كواكبها الزهر (2) في تاريخه ص 273. (3) لفظ " ابن عساكر ": (من مفصل الكف) . (4) انظر " ابن عساكر " المجلدة العاشرة ص 127. (*) المعارف 410، تاريخ الطبري 6 / حوادث سنة 76 و77، مروج الذهب 3 / 346 وما بعدها، جمهرة ابن حزم ص 327، تاريخ ابن الأثير 4 / حوادث سنة 76 و77، وفيات الأعيان 2 / 454، تاريخ الإسلام 3 / 160، البداية والنهاية 9 / 19، خطط المقريزي 2 / 355، النجوم الزاهرة 1 / 196. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وَحَاصَرَ الحَجَّاجَ، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَزَالَةُ عَدِيْمَةَ النَّظِيْرِ فِي الشَّجَاعَةِ، فَعَيَّرَ الحَجَّاجَ شَاعِرٌ، فَقَالَ (1) : أَسَدٌ عَلَيَّ، وَفِي الحُرُوْبِ نَعَامَةٌ ... فَتَخَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيْرِ الصَّافِرِ؟! هَلاَّ بَرَزْتَ إِلَى غَزَالَةَ فِي الوَغَى ... بَلْ كَانَ قَلْبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ وَكَانَتْ أُمُّ شَبِيْبٍ جَهِيْزَةُ (2) تَشْهَدُ الحَرْبَ. قَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُ شَبِيْباً دَخَلَ المَسْجِدَ، فَبَقِي المَسْجِدُ يَرْتَجُّ لَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ طَيَالِسَةٌ. وَهُوَ طَوِيْلٌ، أَشْمَطُ، جَعْدٌ، آدَمُ (3) . غَرِقَ شَبِيْبٌ فِي القِتَالِ بِدُجَيْلٍ (4) ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ سَنَةً. قِيْلَ: حَضَرَ عِتْبَانُ الحَرُوْرِيُّ عِنْدَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: أَنْتَ القَائِلُ: فَإِنْ يَكُ مِنْكُم كَانَ مَرْوَانُ وَابْنُهُ ... وَعَمْرٌو وَمِنْكُمْ هَاشِمٌ وَحَبِيْبُ فَمِنَّا حُصَيْنٌ وَالبَطِيْنُ وَقَعْنَبٌ ... وَمِنَّا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ شَبِيْبُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ: (وَمِنَّا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ شَبِيْبُ) عَلَى النِّدَاءِ، فَأَعْجَبَهُ، وَأَطْلَقَهُ (5) .   (1) هو عمران بن حطان كما في " الاغاني " ط الدار 18 / 116 و" شعر الخوارج " 25. (2) هي من سبي سلمان بن ربيعة حين غزا أرض الروم في أيام عثمان، انظر " الطبري " 6 / 282، وبها يضرب المثل: " أحمق من جهيزة " انظر " مجمع الأمثال " للميداني 1 / 218، وجمهرة الأمثال للعسكري 1 / 393، واللسان (جهز) وتاريخ الإسلام 3 / 160. (3) وفيات الأعيان 2 / 455. (4) هو نهر بالاهواز، حفره أردشير بابك أحد ملوك الفرس، وقال حمزة: كان اسمه في أيام الفرس (ديلدا كودك) ومعناه: دجلة الصغيرة فعرب على (دجيل) ومخرجه من أرض أصهان؟ ؟، ومصبه في بحر فارس قرب عبادان: اه. معجم البلدان. (5) الخبر في " وفيات الأعيان " 2 / 456، والبيتان في " معجم المرزباني " 109 وفيه: (سويد) بدل (حصين) ولعله هو الصواب لان سويد بن سليم، والبطين بن قعنب، وقعنب بن سويد كانوا من قادة جند شبيب. انظر " عيون الاخبار " 2 / 155. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 وَلَمَّا غَرِقَ، قِيْلَ لأُمِّهِ، فَقَالَتْ: لَمَّا وَلَدْتُهُ، رَأَيْتُ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي شِهَابُ نَارٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لاَ يُطْفِئُهُ إِلاَ المَاءُ (1) . وَكَانَ قَدْ خَرَجَ صَالِحُ بنُ مُسَرِّحٌ العَابِدُ التَّمِيْمِيُّ بِدَارَا (2) ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يُفَقِّهُهُم، وَيَقُصُّ عَلَيْهِم، وَيَذُمُّ عُثْمَانَ وَعَلِيّاً، كَدَأْبِ الخَوَارِجِ، وَيَقُوْلُ: تَأَهَّبُوا لِجِهَادِ الظَّلَمَةِ، وَلاَ تَجْزَعُوا مِنَ القَتْلِ فِي اللهِ، فَالقَتْلُ أَسَهْلُ مِنَ المَوْتِ، وَالمَوْتُ لاَ بُدَّ مِنْهُ. فَأَتَاهُ كِتَابُ شَبِيْبٍ يَقُوْلُ: إِنَّكَ شَيْخُ المُسْلِمِيْنَ، وَلَنْ نَعْدِلَ بِكَ أَحَداً، وَقَدِ اسْتَجَبْتُ لَكَ، وَالآجَالُ غَادِيَةٌ وَرَائِحَةٌ، وَلاَ آمَنُ أَنْ تَخْتَرِمَنِي المَنِيَّةُ، وَلَمْ أُجَاهِدِ الظَّالِمِيْنَ، فَيَا لَهُ غَبْناً، وَيَا لَهُ فَضْلاً مَتْرُوْكاً، جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنْ يُرِيْدُ اللهَ بِعَمَلِهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوْهُ مُصَادٌ (3) ، وَالمُحَلِّلُ (3) بنُ وَائِلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَجَرٍ، وَالفَضْلُ بنُ عَامِرٍ الذُّهْلِيُّ، إِلَى صَالِحٍ، فَصَارُوْا مائَةً وَعَشْرَةَ أَنْفُسٍ، ثُمَّ شَدُّوا عَلَى خَيْلٍ لِمُحَمَّدِ بنِ مَرْوَانَ، فَأَخَذُوْهَا، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُم. فَسَارَ لِحَرْبِهِمْ عَدِيُّ بنُ عَدِيِّ بنِ عُمَيْرَةَ الكِنْدِيُّ، فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ عَدِيٌّ، وَبَعْدَ مُدِيْدَةٍ تُوُفِّيَ صَالِحٌ مِنْ جِرَاحَاتٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَعُهِدَ إِلَى شَبِيْبٍ، فَهَزَمَ العَسَاكِرَ، وَعَظُمَ الخَطْبُ، وَهَجَمَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَقَتَلَ جَمَاعَةَ أَعْيَانٍ. فَنَدَبَ الحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ زَائِدَةَ بنَ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ، فَالْتَقَوْا، فَقُتِلَ زَائِدَةُ، وَدَخَلَتْ غَزَالَةُ جَامِعَ الكُوْفَةِ، وَصَلَّتْ وِرْدَهَا، وَصَعِدَتِ المِنْبَرَ، وَوَفَتْ نَذْرَهَا. وَهَزَمَ شَبِيْبٌ جُيُوْشَ الحَجَّاجِ مَرَّاتٍ، وَقَتَلَ عِدَّةً مِنَ الأَشْرَافِ، وَتَزَلْزَلَ لَهُ عَبْدُ   (1) تاريخ الطبري 6 / 282. (2) دارا: بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين، وهي من بلاد الجزيرة، ذات بساتين ومياه جارية، وعندها كان معسكردارا بن دارا الملك ابن قباذ الملك لما لقي الاسكندر المقدوني فقتله الاسكندر وتزوج ابنته وبنى في موضع معسكره هذه المدينة وسماها باسمه. اه. معجم البلدان. (3) في الأصل بالمعجمة، وما أثبتناه من الطبري وابن الأثير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 المَلِكِ، وَتَحَيَّرَ الحَجَّاجُ فِي أَمْرِهِ، وَقَالَ: أَعْيَانِي هَذَا. وَجَمَعَ لَهُ جَيْشاً كَثِيْفاً نَحْوَ خَمْسِيْنَ أَلْفاً (1) . وَعَرَضَ شَبِيْبٌ جُنْدَهُ، فَكَانُوا أَلْفاً، وَقَالَ: يَا قَوْمُ، إِنَّ اللهَ نَصَرَكُم وَأَنْتُم مائَةٌ، فَأَنْتُمُ اليَوْمَ مِئُوْنَ. ثُمَّ ثَبَتَ مَعَهُ سِتُّ مائَةٍ، فَحَمَلَ فِي مَائتَيْنِ عَلَى المَيْسَرَةِ هَزَمَهَا، ثُمَّ قَتَلَ مُقَدَّمَ العَسَاكِرِ عَتَّابَ بنَ وَرْقَاءَ التَّمِيْمِيَّ. فَلَمَّا رَآهُ شَبِيْبٌ صَرِيْعاً، تَوَجَّعَ لَهُ، فَقَالَ خَارِجِيٌّ لَهُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، تَتَوَجَّعُ لِكَافِرٍ؟! ثُمَّ نَادَى شَبِيْبٌ بِرَفْعِ السَّيْفِ، وَدَعَا إِلَى طَاعَتِهِ، فَبَايَعُوْهُ، ثُمَّ هَرَبُوا فِي اللَّيْلِ (2) ، ثُمَّ جَاءَ المَدَدُ مِنَ الشَّامِ، فَالْتَقَاهُ الحَجَّاجُ بِنَفْسِهِ، فَجَرَى مَصَافٌّ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَثَبَتَ الفَرِيْقَانِ، وَقُتِلَ مُصَادٌ أَخُو شَبِيْبٍ، وَزَوْجَتُهُ غَزَالَةُ، وَدَخَلَ اللَّيْلُ، وَتَقَهْقَرَ شَبِيْبٌ وَهُوَ يَخْفُقُ رَأْسُهُ، وَالطَّلَبُ فِي أَثَرِهِ. ثُمَّ فَتَرَ الطَّلَبُ عَنْهُم، وَسَارُوا إِلَى الأَهْوَازِ، فَبَرَزَ مُتَوَلِّيْهَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، فَبَارَزَ شَبِيْباً، فَقَتَلَهُ شَبِيْبٌ، وَمَضَى إِلَى كَرْمَانَ (3) ، فَأَقَامَ شَهْرَيْنِ، وَرَجَعَ، فَالْتَقَاهُ سُفْيَانُ بنُ أَبْرَدَ الكَلْبِيُّ، وَحَبِيْبٌ الحَكَمِيُّ عَلَى جِسْرِ دُجَيْلٍ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى دَخَلَ اللَّيْلُ. فَعَبَرَ شَبِيْبٌ عَلَى الجِسْرِ، فَقُطِع بِهِ، فَغَرِقَ. وَقِيْلَ: بَلْ نَفَرَ بِهِ فَرَسُهُ، فَأَلْقَاهُ فِي المَاءِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَعَلَيْهِ الحَدِيْدُ، فَقَالَ: {ذَلِكَ تَقْدِيْرُ العَزِيْزِ العَلِيْمِ} [يس: 38] ، وَأَلْقَاهُ دُجَيْلٌ إِلَى السَّاحِلِ مَيْتاً، وَحُمِلَ إِلَى الحَجَّاجِ، فَشَقَّ جَوْفَهُ، وَأَخْرَجَ قَلْبَهُ، فَإِذَا دَاخِلُهُ قَلْبٌ آخَرَ (4) .   (1) انظر التفاصيل في " تاريخ الطبري " 6 / 218 وما بعدها. (2) انظر الطبري 6 / 262 وما بعدها. (3) هي ولاية مشهورة، وناحية كبيرة معمورة، ذات بلاد وقرى ومدن واسعة (تقع في القسم الشرقي من إيران اليوم) ..شرقيها مكران والبحر وغربيها أرض فارس وشماليها مفازة خراسان وجنوبيها بحر فارس. قال ابن الكلبي: سميت بكرمان بن فلوج بن لنطي بن يافث بن نوح عليه السلام، فتحها عثمان بن أبي العاص في عهد عمربن الخطاب رضي الله عنه. (4) انظر الطبري 6 / 271 وما بعدها و279 وما بعدها. وفيه: " فأخرج قلبه فكان مجتمعا صلبا كأنه صخرة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 51 - شَبَثُ بنُ رِبْعِيٍّ * التَّمِيْمِيُّ اليَرْبُوْعِيُّ أَحَدُ الأَشْرَافِ وَالفُرْسَانِ، كَانَ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ التَّحْكِيْمَ، ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَحُذَيْفَةَ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. لَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) . قَالَ الأَعْمَشُ: شَهِدْتُ جَنَازَةَ شَبَثٍ، فَأَقَامُوا العَبِيْدَ عَلَى حِدَةٍ وَالجَوَارِيَ عَلَى حِدَةٍ، وَالجِمَالَ عَلَى حِدَةٍ ... ، وَذَكَرَ الأَصْنَافَ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُم يَنُوْحُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَلْتَدِمُوْنَ (1) . قُلْتُ: كَانَ سَيِّدَ تَمِيْمٍ هُوَ وَالأَحْنَفُ. 52 - عَبْدُ اللهِ بنُ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ ** (م، س، ق) أَبُو صَفْوَانَ الجُمَحِيُّ، المَكِّيُّ. مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، لاَ صُحْبَةَ لَهُ. يُقَالُ: وُلِدَ أَيَّامَ النُّبُوَّةِ. وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحَفْصَةَ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 216، طبقات خليفة ت 1100، تهذيب الكمال ص 569، تاريخ الإسلام 3 / 159 و254، تذهيب التهذيب 2 / 68 ب، الإصابة ت 3955، تهذيب التهذيب 4 / 303، خلاصة تذهيب التهذيب 168، تاج العروس (شبث) . (1) ابن سعد 6 / 216، والتدام النساء: ضربهن صدورهن ووجوههن في النياحة في المآتم. (* *) طبقات خليفة ت 2014، تاريخ البخاري 5 / 118، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 84، الاستيعاب ت 1577، تاريخ ابن عساكر 9 / 218 آ، أسد الغابة 3 / 185، تهذيب الكمال ص 697، تاريخ الإسلام 3 / 176 تذهيب التهذيب 2 / 154 آ، البداية والنهاية 8 / 345، العقد الثمين 5 / 178، الإصابة ت 6177، تهذيب التهذيب 5 / 265، خلاصة تذهيب التهذيب 202، شذرات الذهب 1 / 80. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَعَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ أُمَيَّةُ بنُ صَفْوَانَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ. وَلَهُ دَارٌ بِدِمَشْقَ. قِيْلَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ، فَتَلَقَّاهُ ابْنُ صَفْوَانَ عَلَى بَعِيْرٍ، فَسَايَرَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ الشَّامِيُّوْنَ: مَنْ هَذَا الأَعْرَابِيُّ؟ فَقَدَّمَ لِمُعَاوِيَةَ أَلْفَيْ شَاةٍ (1) . وَكَانَ سَيِّدَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي زَمَانِهِ، لِحِلْمِهِ، وَسَخَائِهِ، وَعَقْلِهِ. قُتِل مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالأَسْتَارِ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: جَاؤُوا إِلَى المَدِيْنَةِ بِرَأْسِ ابْنِ صَفْوَانَ، وَرَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَأْسِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعٍ. 53 - قَطَرِيُّ بنُ الفُجَاءةِ أَبُو نَعَامَةَ التَّمِيْمِيُّ المَازِنِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو نَعَامَةَ التَّمِيْمِيُّ، المَازِنِيُّ، البَطَلُ المَشْهُوْرُ، رَأْسُ الخَوَارِجِ. خَرَجَ زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَزَمَ الجُيُوْشَ، وَاسْتَفْحَلَ بَلاَؤُهُ. جَهَّزَ إِلَيْهِ الحَجَّاجُ جَيْشاً بَعْدَ جَيْشٍ، فَيَكْسِرُهُم، وَغلَبَ عَلَى بِلاَدِ فَارِسٍ، وَلَهُ وَقَائِعُ مَشْهُوْدَةٌ، وَشجَاعَةٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَشِعْرٌ فَصِيْحٌ سَائِرٌ. فَلَهُ: أَقُوْلُ لَهَا وَقَدْ طَارَتْ شَعَاعاً ... مِنَ الأَبْطَالِ: وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعِي فَإِنَّكِ لَوْ سَأَلْتِ بَقَاءَ يَوْمٍ ... عَلَى الأَجَلِ الَّذِي لَكِ لَمْ تُطَاعِي فَصَبْراً فِي مَجَالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَمَا نَيْلُ الخُلُوْدِ بِمُسْتَطَاعِ   (1) ابن عساكر 9 / 219 ب، والخبر مفصل في تاريخ الإسلام 3 / 176. (2) ابن عساكر 9 / 221 آ. (*) البيان والتبيين 1 / 341، المعارف 411، الاخبار الطوال ص 180، الكامل للمبرد 3 / 355 وما بعدها وانظر الفهارس، المبهج ص 18، سمط اللآلي 590، تاريخ ابن الأثير 4 / 441، وفيات الأعيان 4 / 93، تاريخ الإسلام 3 / 203، شرح الشواهد بهامش الخزانة 2 / 452، النجوم الزاهرة 1 / 197، شذرات الذهب 1 / 86، تاج العروس (قطر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وَلاَ ثَوْبُ الحَيَاةِ بِثَوْبِ عِزٍّ ... فَيُطْوَى عَنْ أَخِي الخَنَعِ اليَرَاعِ سَبِيْلُ المَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حَيٍّ ... وَدَاعِيْهِ لأَهْلِ الأَرْضِ دَاعِي وَمَنْ لَمْ يُعْتَبَطْ يَهْرَمْ وَيَسْأَمْ ... وَتُسْلِمْهُ المَنُوْنُ إِلَى انْقِطَاعِ وَمَا لِلْمَرْءِ خَيْرٌ فِي حَيَاةٍ ... إِذَا مَا عُدَّ مِنْ سَقَطِ المَتَاعِ (1) وَاسْمُ الفُجَاءةِ: جَعْوَنَةُ بنُ مَازِنٍ. بَقِيَ قَطَرِيٌّ يُحَارِبُ نَيِّفَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ. اسْتَوْفَى المُبَرِّدُ (2) فِي (كَامِلِهِ) أَخْبَارَهُ إِلَى أَنْ سَارَ لِحَرْبِهِ سُفْيَانُ بنُ الأَبْرَدِ الكَلْبِيُّ، فَانْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ. وَقِيْلَ: عَثَرَ بِهِ الفَرَسُ، فَانْكَسَرَتْ فَخِذُهُ بِطَبَرِسْتَانَ، فَظَفِرُوا بِهِ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى الحَجَّاجِ. وَكَانَ خَطِيْباً، بَلِيْغاً، كَبِيْرَ المَحَلِّ، مِنْ أَفْرَادِ زَمَانِهِ. 54 - الحَارِثُ الأَعْوَرُ أَبُو زُهَيْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ * (4) هُوَ العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو زُهَيْرٍ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ أَسَدٍ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. كَانَ فَقِيْهاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، عَلَى لِيْنٍ فِي حَدِيْثِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَغَيْرُهُم.   (1) الابيات في ديوان الحماسة بشرح التبريزي 1 / 96 وروايته: " ولا ثوب البقاء بثوب عز " و" ومن لم يعتبط يسأم ويهرم " وأمالي المرتضى 1 / 336 وروايته: " أقول لها إذا جشأت حياء " " ما طول الحياة بثوب مجد " و" سبيل الموت منهج كل حي " و" تفض به المنون إلى انقطاع " ووفيات الأعيان 4 / 94 وروايته: "..لا تراعي ". (2) انظر مصادر الترجمة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 168، طبقات خليفة ت 1070 و1075، تاريخ البخاري 2 / 273، المعارف 624، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 78، طبقات الشيرازي 80، تهذيب الكمال ص 216، تاريخ الإسلام 3 / 4، العبر 1 / 73، ميزان الاعتدال 1 / 435 تذهيب التهذيب 1 / 114 آ، غاية النهاية ت 922، تهذيب التهذيب 2 / 145، النجوم الزاهرة 1 / 185، خلاصة تذهيب التهذيب 18، شذرات الذهب 1 / 73. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 وَقَدْ جَاءَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ سَمِعَ مِنَ الحَارِثِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَبَاقِي ذَلِكَ مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ الحَارِثُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَحْسَبَ النَّاسِ، تَعَلَّمَ الفَرَائِضَ مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الكُوْفَةِ وَهُمْ يُقَدِّمُوْنَ خَمْسَةً: مَنْ بَدَأَ بِالحَارِثِ الأَعْوَرِ، ثَنَّى بِعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمَنْ بَدَأَ بِعَبِيْدَةَ، ثَنَّى بِالحَارِثِ، ثُمَّ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ مَسْرُوْقٍ، ثُمَّ شُرَيْحٍ (1) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ الحَارِثُ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِنَ الشِّيْعَةِ الأُوَلِ. كَانَ يَقُوْلُ: تَعَلَّمْتُ القُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ، وَالوَحْيَ فِي ثَلاَثِ سِنِيْنَ. فَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: الحَارِثُ كَذَّابٌ، فَمَحْمُوْلٌ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِالكَذِبِ الخَطَأَ، لاَ التَّعَمُّدَ، وَإِلاَّ فَلِمَاذَا يَرْوِي عَنْهُ وَيَعْتَقِدُهُ بِتَعَمُّدِ الكَذِبِ فِي الدِّيْنِ؟! وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ: هُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَكَذَا قَالَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ أَيْضاً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. ثُمَّ إِنَّ النَّسَائِيَّ وَأَرْبَابَ السُّنَنِ احْتَجُّوا بِالحَارِثِ. وَهُوَ مِمَّنْ عِنْدِي وِقْفَةٌ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ. قَالَ عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ، غَلَبَكُم نِصْفُ رَجُلٍ (2) . قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الحَارِثِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ. وَرَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: الحَارِثُ اتُّهِمَ.   (1) انظر الخبر ص 43 و56 و102 من هذا الجزء. (2) طبقات ابن سعد 6 / 168. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مَا سَمِعَ مِنَ الحَارِثِ -يَعْنِي: أَبَا إِسْحَاقَ- إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَسَائِرُ ذَلِكَ كِتَابٌ أَخَذَهُ. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: لَمْ يَكنِ الحَارِثُ يُصَدَّقُ عَنْ عَلِيٍّ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: كَانَ زَيْفاً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً فِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْهُ: ضَعِيْفٌ. وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ غَيْرُ مَحْفُوْظٍ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ، تَرْجِيْحَ حَدِيْثِ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ عَلَى حَدِيْث الحَارِثِ، فَقَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيْثِ عَاصِمٍ عَلَى حَدِيْثِ الحَارِثِ. قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: لاَ يُتَابَعُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَلَى قَوْلِهِ فِي الحَارِثِ: أَنَّهُ ثِقَةٌ. قَالَ حُصَيْنٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، مَا كُذِبَ عَلَى عَلِيٍّ. وَرَوَى: مُفَضَّلُ بنُ مُهَلْهِلٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ، سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الحَارِثُ الأَعْوَرُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الكَذَّابِيْنَ. قَالَ بُنْدَارُ: أَخَذَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ وَابْنُ مَهْدِيٍّ القَلَمَ مِنْ يَدِي، فَضَرَبَا عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْ: حَدِيْثِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ الحَارِثُ غَالِياً فِي التَّشَيُّعِ، وَاهِياً فِي الحَدِيْثِ، هُوَ الرَّاوِي عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَفْتَحَنَّ عَلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ) . رَوَاهُ: الفِرْيَابِيُّ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهُ (1) . وَإِنَّمَا ذَا قَوْلُ عَلِيٍّ.   (1) الضعفاء 1 / 222، وحديث " لاتفتحن " أخرجه أبو داود (908) في الصلاة باب النهي عن التلقين، والحارث ضعيف. وقال أبو داود: أبو إسحاق سمع من الحارث أربعة أحاديث ليس = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وَخَرَّجَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لِمُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عَبَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنِيْنُ المَرِيْضِ تَسْبِيْحُهُ، وَصِيَاحُهُ تَهْلِيْلُهُ، وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ، وَنَفَسُهُ صَدَقَةٌ، وَتَقَلُّبُهُ قِتَالٌ لِعَدُوِّهِ ... ) ، الحَدِيْثَ. فَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ جِدّاً، مَا أَظُنُّ أَنَّ إِسْرَائِيْلَ حَدَّثَ بِذَا. وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ تَرْجَمَةَ الحَارِثِ فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (1)) ، وَأَنَا مُتَحَيِّرٌ فِيْهِ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، بِالكُوْفَةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: (لَعَنَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا، وَمُوْكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ، وَالوَاشِمَةَ، وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَالحَالَّ، وَالمُحَلَّلَ لَهُ، وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ، وَنَهَى عَنِ النَّوْحِ (2)) . مُجَالِدٌ أَيْضاً لَيِّنٌ.   = هذا منها. وقد روي عن علي رضي الله عنه قوله: إذا استطعمكم الامام فأطعموه يريد إذا تعايا في القراءة فلقنوه وفي الباب عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: " أصليت معنا "؟ قال: نعم، قال: " فما منعك ". (1) 1 / 435. (2) إسناده ضعيف، لكن غالب ألفاظ الحديث جاءت من وجه آخر وكلها صحيحة، فلعن " آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " أخرجه مسلم (1598) من حديث جابر، ولعن " الواشمة والمستوشمة " متفق عليه من حديث ابن مسعود، ولعن " الحال والمحلل " أخرجه أحمد والدرامي والنسائي والترمذي من حديث ابن مسعود، وإسناده صحيح، والنهي عن النوح ثابت في صحيح. مسلم (934) من حديث أبي مالك الأشعري. والحال المحلل له: هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا قيتزوجها رجل آخر بشرط أن يطلقها بعد مواقعته إياها لتحل للزوج الأول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 55 - الحَارِثُ بنُ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ الكُوْفِيُّ أَبُو عَائِشَةَ * (ع) إِمَامٌ، ثِقَةٌ، رَفِيْعُ المَحَلِّ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٍّ. يُكْنَى: أَبَا عَائِشَةَ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعُمَارَةُ بنُ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، قَدِيْمُ المَوْتِ، قَدْ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَعَظَّمَ شَأْنَهُ، وَرَفَعَ مِنْ قَدْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. 56 - عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرِ بنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيُّ الجُنْدَعِيُّ المَكِّيُّ ** (ع) الوَاعِظُ، المُفَسِّرُ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 167، طبقات خليفة ت 994، و1020، تاريخ البخاري 2 / 269، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 75، الحلية 4 / 126، تهذيب الكمال 215، تاريخ الإسلام 3 / 150، تذهيب التهذيب 1 / 113، العقد الثمين 4 / 16، الإصابة ت 1920، تهذيب التهذيب 2 / 143، خلاصة تذهيب التهذيب 67. (1) في الطبقات 6 / 167. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 463، طبقات خليفة ت 2524، تاريخ البخاري 5 / 455، المعارف 434 وفيه: " كان قاضي مكة " مصحف (قاص) المعرفة والتاريخ 2 / 24، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 409، الحلية 3 / 266، الاستيعاب ت 1736، أسد الغابة 3 / 353، تهذيب الكمال ص 899، تذكرة الحفاظ 1 / 47، تاريخ الإسلام 3 / 190، تذهيب التهذيب 3 / 23 ب، البداية والنهاية 9 / 5 وفيه أيضا صحف لفظ (قاص) إلى (قاضي) العقد الثمين 5 / 543، غاية النهاية ت 2064، الإصابة ت 6242، تهذيب التهذيب 7 / 71، النجوم الزاهرة 1 / 197، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 14 وفيه أيضا تصحف لفظ (قاص) إلى (قاضي) ، خلاصة تذهيب التهذيب 255. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ وَأَئِمَّتِهِم بِمَكَّةَ. وَكَانَ يُذَكِّرُ النَّاسَ، فَيَحْضُرُ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- مَجْلِسَهُ. رَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَصَّ عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ (1) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: خَفِّفْ، فَإِنَّ الذِّكْرَ ثَقِيْلٌ - تَعْنِي: إِذَا وَعَظْتَ (1) -. وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ، وَلَهُ جُمَّةٌ إِلَى قَفَاهُ، وَلِحْيَتُهُ صَفْرَاءُ. قُلْتُ: هُوَ مِنْ خِضَابِ السُّنَّةِ. تُوُفِّيَ: قَبْلَ ابْنِ عُمَرَ (2) بِأَيَّامٍ يَسِيْرَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ مِنْ عُلَمَاءِ المَكِّيِّيْنَ. وَكَانَ حَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَعْرُوْفُ بِالمُحْرِمِ ضَعِيْفاً. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ، وَجَمَاعَةٍ. لَحِقَهُ: دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ. 57 - فَابْنُه ُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ * (م، 4) يُكْنَى: أَبَا هَاشِمٍ. مَا رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ شَيْئاً.   (1) انظر ابن سعد 5 / 463. (2) في الأصل (عمير) مصحف، وما أثبتناه من تاريخ الإسلام وتاريخ البخاري. وقد ذكر ابن قتيبة في " المعارف " 434 وفاته فقال " وكان موته قريبا من موت ابن عباس سنة ثمان وستين ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 474، طبقات خليفة ت 2549، تاريخ البخاري 5 / 143، المعارف 434، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 101، الحلية 3 / 354، تهذيب الكمال = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 يَرْوِي عَنْ: عَائِشَةَ أَيْضاً، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، بِمَكَّةَ. 58 - عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ المَذْحِجِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وَأَسْلَمَ فِي الأَيَّامِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَدِمَ الشَّامَ مَعَ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، ثُمَّ سَكَنَ الكُوْفَةَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ (1) . أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانِ بنِ   = ص 708، تاريخ الإسلام 4 / 268، تذهيب التهذيب 2 / 164 آ، العقد الثمين 5 / 205، غاية النهاية ت 1808، تهذيب التهذيب 5 / 308، خلاصة تذهيب التهذيب 205. (*) طبقات ابن سعد 6 / 117، طبقات خليفة ت 1050، تاريخ البخاري 6 / 367، المعارف 426، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 258، الحلية 4 / 148، الاستيعاب ت 1959، تاريخ ابن عساكر 13 / 322 آ، أسد الغابة 4 / 134، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 34، تهذيب الكمال ص 1056، تذكرة؟ ؟ الحفاظ 1 / 61، تاريخ الإسلام 3 / 197، العبر 1 / 85، تذهيب التهذيب 3 / 111 آ، العقد الثمين 6 / 417، غاية النهاية ت 2463، الإصابة ت 6515، تهذيب التهذيب، 8 / 109، النجوم الزاهرة 1 / 195، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 24، خلاصة تذهيب التهذيب 294، شذرات الذهب 1 / 82. (1) ابن عساكر 13 / 322 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ اليَمَنَ، رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الشِّحْرِ، رَافِعاً صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ، أَجَشَّ الصَّوْتِ، فَأُلْقِيَتْ مَحَبَّتِي عَلَيْهِ، فَمَا فَارَقْتُهُ حَتَّى حَثَوْتُ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ. ثُمَّ نَظَرْتُ فِي أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ. رَوَاهُ: أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ: فَأُلْقِيَتْ عَلَيَّ مَحَبَّتُهُ (1) . (خَ) نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ، وَحُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، فَرَجَمُوْهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُم (2) . شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حِطَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي حَرْثٍ، فَرَأَيْتُ قُرُوْداً كَثِيْرَةً قَدِ اجْتَمَعْنَ، فَرَأَيْتُ قِرْداً وَقِرْدَةً اضَّطَجَعَا، ثُمَّ أَدْخَلَتِ القِرْدَةُ يَدَهَا تَحْتَ عُنُقِ القِرْدِ، وَاعْتَنَقَهَا، وَنَامَا. فَجَاءَ قِرْدٌ، فَغَمَزَهَا، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ، وَانْسلَّتْ يَدُهَا مِنْ تَحْتِ رَأْسِ القِرْدِ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ مَعَهُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، فَنَكَحَهَا وَأَنَا أَنْظُرُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَضْجَعِهَا، فَذَهَبَتْ تُدْخِلُ يَدَهَا تَحْتَ عُنُقِ القِرْدِ، فَانْتَبَهَ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَشَمَّ دُبُرَهَا. قَالَ: فَاجْتَمَعَتِ القِرَدَةُ، فَجَعَلَ يُشِيْرُ إِلَيْهَا، فَتَفَرَّقَتِ القِرَدَةُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ جِيْءَ   (1) إسناده صحيح، وهو في المسند 5 / 231، وأخرجه أبو داود (432) في الصلاة باب إذا أخر الامام الصلاة عن الوقت، وتمامه: " فقال لي: كيف أنت إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير وقتها؟ " قال، فقلت: ما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " صل الصلاة لوقتها واجعل ذلك معهم سبحة ". والاجش: الذي في صوته جشة وهي شدته مع غنة، والسبحة: ما يصليه المرء نافلة من الصلوات، ومن ذلك سبحة الضحى. (2) أخرجه البخاري 7 / 121 في الأنبياء، باب أيام الجاهلية، ونعيم بن حماد كثير الخطأ، وهشيم مدلس وقد عنعن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 بِذَلِكَ القِرْدِ بِعَيْنِهِ - أَعْرِفُهُ - فَانْطَلَقُوا بِهَا وَبِهِ إِلَى مَوْضِعٍ كَثِيْرِ الرَّمْلِ، فَحَفَرُوا لَهُمَا حُفَيْرَةً، فَجَعَلُوْهُمَا فِيْهَا، ثُمَّ رَجَمُوْهُمُا، حَتَّى قَتَلُوْهُمَا (1) . رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، نَحْوَهُ. عَمْرٌو: وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَجَّ عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ سِتِّيْنَ مَرَّةً، مِنْ بَيْنِ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: مائَةَ مَرَّةٍ (2) . مَنْصُوْرٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لَمَّا كَبرَ عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ، أُوْتِدَ لَهُ فِي الحَائِطِ، فَكَانَ إِذَا سَئِمَ مِنَ القِيَامِ، أَمْسَكَ بِهِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِحَبْلٍ (3) . يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ إِذَا رُئِيَ، ذُكِرَ اللهُ (4) . عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ مَيْمُوْنٍ، وَسُوَيْدَ بنَ غَفَلَةَ الْتَقَيَا، فَاعْتَنَقَا. أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ غَدَاةَ طُعِنَ (5) ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي. هُشَيْمٌ: عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَتَمَنَّى المَوْتَ،   (1) عيسى بن حطان لم يوثقه غير ابن حبان، قال ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة عمرو بن ميمون: القصة بطولها تدور على عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان، وليسا ممن يحتج بهما. وهذا عند جماعة أهل العلم منكر إضافة الزنى إلى غير مكلف وإقامة الحدود في البهائم. (2) الحلية 4 / 148. (3) الحلية 4 / 150. (4) ابن سعد 6 / 118. (5) في الأصل: (عمرو طعن) وما أثبتناه من الحلية 4 / 151 وله تتمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 يَقُوْلُ: إِنِّي أُصَلِّي فِي اليَوْمِ كَذَا، وَكَذَا، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَتَعَنَّتَهُ، وَلَقِيَ مِنْهُ شِدَّةً، فَكَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِالأَخْيَارِ، وَلاَ تُخَلِّفْنِي مَعَ الأَشْرَارِ، وَاسْقِنِي مِنْ عَذْبِ الأَنْهَارِ (1) . قَالَ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. 59 - شَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الكُوْفَةِ، أَبُو وَائِلٍ الأَسَدِيُّ؛ أَسَدُ خُزَيْمَةَ، الكُوْفِيُّ. مُخَضْرَمٌ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا رَآهُ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَمُعَاذٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مُوْسَى، وَحُذَيْفَةَ، وَعَائِشَةَ، وَخَبَّابٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ، وَسَلْمَانَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَسَهْلِ بنِ حَنِيْفٍ، وَشَيْبَةَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ المُصْطَلِقِيِّ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي غَرَزَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَيَرْوِي عَنْ أَقْرَانِهِ: كَمَسْرُوْقٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَحُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ.   (1) الحلية 4 / 148 وما بين الحاصرتين منه. (*) طبقات ابن سعد 6 / 96 و180، طبقات خليفة ت 1114، تاريخ البخاري 4 / 245، المعارف 449، المعرفة والتاريخ 2 / 574، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 371، الحلية 4 / 101، الاستيعاب ت 1201، تاريخ بغداد 9 / 268، تاريخ ابن عساكر 8 / 53 ب، أسد الغابة 3 / 3، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 247، وفيات الأعيان 2 / 476، تهذيب الكمال ص 586، تذكرة الحفاظ 1 / 56، تاريخ الإسلام 3 / 255، تذهيب التهذيب 2 / 80 ب، غاية النهاية ت 1429، الإصابة 3982، تهذيب التهذيب 4 / 361، النجوم الزاهرة 1 / 201، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 20، خلاصة تذهيب التهذيب 167، تهذيب ابن عساكر 6 / 336. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَوَاصِلٌ الأَحْدَبُ، وَحَمَّادٌ الفَقِيْهُ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، وَأَبُو حَصِيْنٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَنُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَمُغِيْرَةُ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَسَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: الزِّبْرِقَانُ السَّرَّاجُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: إِنِّي أَذْكُرُ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَرْعَى غَنَماً -أَوْ قَالَ: إِبِلاً- لأَهْلِي حِيْنَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعَ سِنِيْنَ مِنْ سِنِيِّ الجَاهِلِيَّةِ. وَكِيْعٌ: عَنْ أَبِي العَنْبَسِ: قُلْتُ لأَبِي وَائِلٍ: هَلْ أَدْرَكْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا غُلاَمٌ أَمْرَدُ، وَلَمْ أَرَهُ (1) . وَرَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِكَبْشٍ، فَقُلْتُ: خُذْ صَدَقَةَ هَذَا. قَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا صَدَقَةٌ (1) . وَقَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ لِي شَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ: يَا سُلَيْمَانُ (2) ، لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ هُرَّابٌ مِنْ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ يَوْمَ بُزَاخَةَ (3) ، فَوَقَعْتُ عَنِ البَعِيْرِ، فَكَادَتْ تَنْدَقُّ   (1) ابن سعد 6 / 96. (2) في الأصل: (ثنا سليمان) يعنى (حدثنا) وهو تصحيف، وما أثبتناه من المصدر السابق. (3) بزاخة: ماء لطئ بأرض نجد، وقال أبو عمرو الشيباني: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد تنبأ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع إليه أسد وغطفان، فقوي أمره، فبعث إليه أبو بكر خالد بن الوليد، فقدم خالد أمامه عكاشة ابن محصن الأسدي حليف الانصار، فلقيه ببزاخة ماء لبني أسد فقتل عكاشة، وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبع مئة من بني فزارة، وجاء خالد على الاثر، فلما رأى عيينة = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 عُنُقِي، فَلَوْ مُتُّ يَوْمئِذٍ، كَانَتِ النَّارُ. قَالَ: وَكُنْتُ يَوْمئِذٍ ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً. وَفِي نُسْخَةٍ: ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَشْبَهُ. قُلْتُ: كَوْنُهُ جَاءَ بِالكَبْشِ ثُمَّ هَرَبَ مِنْ خَالِدٍ، يُؤْذِنُ بِارْتِدَادِهِ، ثُمَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلاَمِ؛ أَلاَ تَرَاهُ يَقُوْلُ: لَوْ مُتُّ يَوْمئِذٍ كَانَتِ النَّارُ؟ فَكَانَتْ للهِ بِهِ عِنَايَةٌ. وَرَوَى: يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ مَسْرُوْقٍ. مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ تَعَلَّمَ القُرْآنَ فِي شَهْرَيْنِ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ مُرَّةَ: مَنْ أَعْلَمُ أَهْلِ الكُوْفَةِ بِحَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ؟ قَالَ: أَبُو وَائِلٍ. قَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: عَلَيْكَ بِشَقِيْقٍ، فَإِنِّي أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ مُتَوَافِرُوْنَ، وَإِنَّهُم لَيَعُدُّوْنَهُ مِنْ خِيَارِهِم (1) . وَرَوَى: مُغِيْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ - وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو وَائِلٍ - فَقَالَ: إِنِّي لأَحْسِبُهُ مِمَّنْ يُدْفَعُ عَنَّا بِهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ خَيْرٌ مِنِّي (2) . قَالَ عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ: مَا سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ سَبَّ إِنْسَاناً قَطُّ، وَلاَ بَهِيْمَةً. قَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ سُئِلَ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوِ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ؟ قَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْهُ سِنّاً، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنِّي عَقْلاً (3) .   = أن سيوف المسلمين قد استلحمت المشركين قال لطليحة: أما ترى ما يصنع جيش أبي الفضل - يعني خالد بن الوليد - فهل جاءك ذوالنون بشيء؟ قال: نعم قد جاء ني وقال لي إن لك يوما ستلقاه ليس لك أوله ولكن لك آخره، ورحى كرحاه، وحديثا لا تنساه، فقال: أرى والله أن لك حديثا لا تنساه، يا بني فزارة هذا كذاب! وولى عسكره فانهزم الناس وظهر المسلمون. اه. معجم البلدان. (1) ابن سعد 6 / 99. (2) انظر تاريخ بغداد 9 / 270. (3) ابن سعد 6 / 96. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَقَالَ عَاصِمٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا رَأَى أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: التَّائِبُ. قَالَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ يُحِبُّ عُثْمَانَ (1) . رَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، قَالَ: قِيْلَ لأَبِي وَائِلٍ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ؟ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ أَحَبَّ إِلَيَّ، ثُمَّ صَارَ عُثْمَانُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَبُو وَائِلٍ ثِقَةٌ، لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ: يَا سُلَيْمَانُ، مَا فِي أُمَرَائِنَا هَؤُلاَءِ وَاحِدَةٌ مِنِ اثْنَتَيْنِ: مَا فِيْهِم تَقْوَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ عُقُوْلُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ. عَمْرُو بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ: عَنِ الأَعْمَشِ: قَالَ لِي شَقِيْقٌ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا، لَوْ أَطَعْنَاهُ مَا عَصَانَا. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي وَائِلٍ، فَذَكَرُوا قُرْبَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ، يَقُوْلُ اللهُ -تَعَالَى-: (ابْنَ آدَمَ، ادْنُ مِنِّي شِبْراً أَدْنُ مِنْكَ ذِرَاعاً، ادْنُ مِنِّي ذِرَاعاً أَدْنُ مِنْكَ بَاعاً، امْشِ إِلَيَّ، أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ) (3) .   (1) انظر تاريخ بغداد 9 / 270. (2) في طبقاته 6 / 102. (3) هو في معنى حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري 13 / 325 و327 و328: ومسلم (2675) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عزوجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاهم خير منهم، وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا. وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " وقد استوفى الحافظ ابن حجر شرحه في الفتح فراجعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي وَائِلٍ، فَجَعَلْتُ أَسُبُّ الحَجَّاجَ، وَأَذْكُرُ مَسَاوِئَهُ، فَقَالَ: لاَ تَسُبَّهُ، وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ إِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ يَنْشِجُ نَشِيْجاً، وَلَوْ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَحَدٌ يَرَاهُ، مَا فَعَلَهُ (2) . قَالَ مُغِيْرَةُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ يُذَكِّرُ فِي مَنْزِلِ أَبِي وَائِلٍ، وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يَنْتَفِضُ انْتِفَاضَ الطَّيْرِ. قَالَ عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ يَقُوْلُ لِجَارِيَتِهِ: إِذَا جَاءَ يَحْيَى -يَعْنِي ابْنَهُ- بِشَيْءٍ، فَلاَ تَقْبَلِيْهِ، وَإِذَا جَاءَ أَصْحَابِي بِشَيْءٍ، فَخُذِيْهِ. وَكَانَ ابْنُهُ قَاضِياً عَلَى الكُنَاسَةِ (3) . قَالَ: وَكَانَ لأَبِي وَائِلٍ -رَحِمَهُ اللهُ- خُصٌّ مِنْ قَصَبٍ، يَكُوْنُ فِيْهِ هُوَ وَفَرَسُهُ، فَإِذَا غَزَا نَقَضَهُ، وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِذَا رَجَعَ أَنْشَأَ بِنَاءهُ (4) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا السَّيِّدُ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: مَاتَ فِي زَمَنِ الحَجَّاجِ، بَعْدَ الجَمَاجِمِ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ (5) : مَاتَ بَعْدَ الجَمَاجِمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَأَمَّا قَوْلُ   (1) الحلية 4 / 102. (2) تاريخ بغداد 9 / 270. (3) الكناسة: محلة بالكوفة. (4) الحلية 4 / 103. (5) في طبقاته 1 / 328. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الوَاقِدِيِّ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَوَهْمٌ. مَاتَ: فِي عَشْرِ المائَةِ. قَالَ عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ: قُلْتُ لأَبِي وَائِلٍ: شَهِدْتَ صِفِّيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَبِئْسَتِ الصُّفُّوْنُ كَانَتْ. فَقِيْلَ لَهُ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ؟ قَالَ: عَلِيٌّ، ثُمَّ صَارَ عُثْمَانُ أَحَبَّ إِلَيَّ. عَامِرُ بنُ شَقِيْقٍ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ: اسْتَعْمَلَنِي ابْنُ زِيَادٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فَأَتَانِي رَجُلٌ بِصَكٍّ: أَنْ أَعْطِ صَاحِبَ المَطْبَخِ ثَمَانِ مائَةِ دِرْهَمٍ. فَأَتَيْتُ ابْنَ زِيَادٍ، فَكَلَّمْتُهُ فِي الإِسْرَافِ، فَقَالَ: ضَعِ المَفَاتِيْحَ، وَاذْهَبْ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّفُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ شَقِيْقِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ) (2) . 60 - زِرُّ بنُ حُبَيْشِ بنِ حُبَاشَةَ بنِ أَوْسٍ الأَسَدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، مُقْرِئُ الكُوْفَةِ مَعَ السُّلَمِيِّ، أَبُو مَرْيَمَ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ، وَيُكْنَى أَيْضاً: أَبَا مُطَرِّفٍ، أَدْرَكَ أَيَّامَ الجَاهِلِيَّةِ.   (1) ابن عساكر 8 / 60 آ. (2) وأخرجه أحمد 1 / 387، و413، و442، والبخاري 11 / 275 في الرقاق من طرق عن شقيق عن ابن مسعود. (*) طبقات ابن سعد 6 / 104، طبقات خليفة ت 983، تاريخ البخاري 3 / 447، المعارف 427، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 622، الحلية 4 / 181، الاستيعاب ت 869، تاريخ ابن عساكر 6 / 207 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 196، تهذيب الكمال ص 429، تذكرة الحفاظ 1 / 54، تاريخ الإسلام 3 / 249، العبر 1 / 95، تذهيب التهذيب 1 / 235، ب، غاية النهاية ت 1290، الإصابة ت 2971، تهذيب = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعَمَّارٍ، وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَصَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ. وَقَرَأَ عَلَى: ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٍّ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَعَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُم. وَحَدَّثُوا عَنْهُ: هُم، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَاصِمٌ: كَانَ زِرٌّ مِنْ أَعْرَبِ النَّاسِ، كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَسْأَلُهُ عَنِ العَرَبِيَّةِ (1) . وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: وَفَدْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ الحِرْصُ عَلَى لُقِيِّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَقِيْتُ صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَغزَوَتُ مَعَهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً (2) . شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ حَرَّضَنِي عَلَى الوِفَادَةِ إِلاَّ لُقِيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   = التهذيب 3 / 312، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 19، خلاصة تذهيب التهذيب 130، شذرات الذهب 1 / 91، تهذيب ابن عساكر 5 / 377. (1) في الطبقات 6 / 105. (2) الحلية 4 / 182. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، أَتَيْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، فَكَانَا جَلِيْسَيَّ وَصَاحِبَيَّ. فَقَالَ أُبَيٌّ: يَا زِرُّ، مَا تُرِيْدُ أَنْ تَدَعَ مِنَ القُرْآنِ آيَةً إِلاَّ سَأَلْتَنِي عَنْهَا (1) ؟ شُعْبَةُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ فِي يَوْمِ عِيْدٍ، فَإِذَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ضَخْمٌ أَصْلَعُ، كَأَنَّهُ عَلَى دَابَّةٍ مَشْرَفٍ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: لَزِمْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، وَأُبَيّاً. ثُمَّ قَالَ عَاصِمٌ: أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً كَانُوا يَتَّخِذُوْنَ هَذَا اللَّيْلَ جَمَلاً، يَلْبَسُوْنَ المُعَصْفَرَ، وَيَشْرَبُوْنَ نَبِيْذَ الجَرِّ، لاَ يَرَوْنَ بِهِ بَأْساً، مِنْهُم زِرٌّ وَأَبُو وَائِلٍ (2) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ عُثْمَانِيّاً، وَكَانَ زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ عَلَوِيّاً، وَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُمَا قَطُّ تَكَلَّمَ فِي صاحِبِهِ حَتَّى مَاتَا. وَكَانَ زِرٌّ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي وَائِلٍ، فَكَانَا إِذَا جَلَسَا جَمِيْعاً، لَمْ يُحَدِّثْ أَبُو وَائِلٍ مَعَ زِرٍّ -يَعْنِي: يَتَأَدَّبُ مَعَهُ لِسِنِّهِ-. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: رَأَيْتُ زِرَّ بنَ حُبَيْشٍ وَإِنَّ لَحْيَيْهِ لَيَضْطَرِبَانِ مِنَ الكِبَرِ، وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ عِشْرُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ (3) . وَعَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقْرَأَ مِنْ زِرٍّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ زِرٌّ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. قَالَ خَلِيْفَةُ (4) ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. قَالَ إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: زِرٌّ ثِقَةٌ.   (1) ابن عساكر 6 / 209 ب. (2) ابن عساكر 6 / 210 آ. (3) ابن سعد 6 / 105. (4) طبقات خليفة 1 / 294. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَقَالَ لَنَا الحَافِظُ أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ (1)) : زِرُّ بنُ حُبَيْشِ بنِ حُبَاشَةَ بنِ أَوْسِ بنِ بِلاَلٍ - وَقِيْلَ: هِلاَلٌ بَدَلَ بِلاَلٍ - ابْنِ سَعْدِ بنِ حَبَّالِ بنِ نَصْرِ بنِ غَاضِرَةَ بنِ مَالِكِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ دُوْدَانَ بنِ أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ الأَسَدِيُّ، مُخَضْرَمٌ، أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ. وَرَوَى عَنْ: ... ، فَسَمَّى (2) المَذْكُوْرِيْنَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَائِشَةَ، وَعَنْ: أَبِي وَائِلٍ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ -. رَوَى عَنْهُ: ... ، بِسَرْدِ المَذْكُوْرِيْنَ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَشِمْرُ بنُ عَطِيَّةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَرْزُوْقٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ الجَهْمِ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَعِيْسَى بنُ عَاصِمٍ الأَسَدِيُّ، وَعِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو رَزِيْنٍ مَسْعُوْدُ بنُ مَالِكٍ. شَيْبَانُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ: قُلْتُ لأُبَيٍّ: يَا أَبَا المُنْذِرِ، اخْفِضْ (3) لِي جَنَاحَكَ، فَإِنَّمَا أَتَمَتَّعُ مِنْكَ تَمَتُّعاً. مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَشْيَاخَنَا؛ زِرّاً، وَأَبَا وَائِلٍ، فَمِنْهُم: مَنْ عُثْمَانُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَمِنْهُم: مَنْ عَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عُثْمَانَ، وَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ تَحَابّاً وَتَوَادّاً. قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرٍّ وَهُوَ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مَرْيَمَ، قَدْ كُنْتُ أُكْرِمُكَ عَنْ ذَا. قَالَ: إِذاً لاَ أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً حَتَّى تَلْحَقَ بِاللهِ.   (1) ص 431. (2) أي الحافظ المزي صاحب التهذيب وفي الأصل (تسمى) وهو تحريف. (3) في الأصل: (احفظ) وما أثبتناه من الحلية 4 / 182. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ: قُلْتُ لِزِرٍّ: كَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ هُشَيْمٌ: بَلَغ زِرٌّ مائَةً وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ الهَيْثَمُ: مَاتَ قَبْلَ الجَمَاجِمِ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ ابْنَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى: زَكَرِيَّا بنُ حَكِيْمٍ الحَبَطِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ زِرّاً كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ كِتَاباً يَعِظُهُ (1) . 61 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الهُذَيْلِ العَنَزِيُّ * (م، ت، س) القُدْوَةُ، العَابِدُ، الإِمَامُ، أَبُو المُغِيْرَةِ العَنَزِيُّ، الكُوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُرْسَلاً. وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَأُبَيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَخَبَّابٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، وَأَبُو التَّيَّاحِ الضُّبَعِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ رَجَاءٍ، وَأَجْلَحُ الكِنْدِيُّ، وَسَلْمُ بنُ عَطِيَّةَ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَالعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو التَّيَّاحِ: مَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ وَكَأَنَّهُ مَذْعُوْرٌ. وَقَالَ العَوَّامُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الهُذَيْلِ: إِنِّي لأَتَكَلَّمُ حَتَّى أَخْشَى اللهَ، وَأَسْكُتُ حَتَّى أَخْشَى اللهَ (2) . وَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الهُذَيْلِ، قَالَ: أَدْرَكْنَا أَقْوَاماً، وَإِنَّ أَحَدَهُم يَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: يَعْنِي التَّكَشُّفَ.   (1) انظر الحلية 4 / 184. (*) طبقات ابن سعد 6 / 115، طبقات خليفة ت 1134، تاريخ البخاري 5 / 222، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 196، الحلية 4 / 358، تهذيب الكمال ص 751، تاريخ الإسلام 3 / 270، تذهيب التهذيب 2 / 192، ب، غاية النهاية ت 1926، تهذيب التهذيب 6 / 62. (2) الحلية 4 / 358، 359. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 أَنْبَأَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الهُذَيْلِ، عَنْ عَمَّارٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (1)) . تَابَعَهُ: عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ، عَنِ ابْنِ أَبِي الهُذَيْلِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَجِيْءَ بِشَيْخٍ نَشْوَانَ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ! فَضَرَبَه ثَمَانِيْنَ. 62 - مَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعْدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ - النَّصْرِيُّ، الحِجَازِيُّ، المَدَنِيُّ. أَدْرَكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) الحلية 4 / 361 وهو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري وأم سلمة وهما في الصحيح، وقتادة بن النعمان عند النسائي، وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص. قال الحافظ في الفتح 1 / 452، " وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة " وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار رضي الله عنهما، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه. (*) طبقات ابن سعد 5 / 56، طبقات خليفة ت 2020، تاريخ البخاري 7 / 305، المعارف 427، المعرفة والتاريخ 1 / 397، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 203، الاستيعاب ت 2253، تاريخ ابن عساكر 16 / 84 ب، أسد الغابة 4 / 372، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 79، تذكرة الحفاظ 1 / 63، تاريخ الإسلام 4 / 49، العبر 1 / 106، تذهيب التهذيب 4 / 16 ب، الإصابة ت 7595، تهذيب التهذيب 10 / 10، النجوم الزاهرة 1 / 190، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 26، خلاصة تذهيب التهذيب 366، شذرات الذهب 1 / 99. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَالعَبَّاسِ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ، وَسَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَشَهِدَ الجَابِيَةَ، وَفَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بنُ أَوْسٍ: أَنَّ عُمَرَ دَعَاهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيْرٍ لَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّمَالِ فِرَاشٌ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ حَضَرُوا المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُم بِرَضْخٍ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُم. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِذَلِكَ غَيْرِي. قَالَ: اقْسِمْهُ أَيُّهَا المَرْءُ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ (2) : مَالِكُ بنُ أَوْسٍ، قَالَ بَعْضُهُم: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلاَ يَصِحُّ. قَالَ: وَقَدْ رَكِبَ الخَيْلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ. قَالَهُ: الوَاقِدِيُّ. وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسٍ، قَالَ: كُنْتُ عَرِيْفاً فِي زَمَنِ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: كَانَ مَذْكُوْراً بِالبَلاَغَةِ وَالفَصَاحَةِ، وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ عَاشَ مائَةَ سَنَةٍ. ذَكَرَهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (تَارِيْخِهِ) . 63 - عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَعْمَرٍ أَبُو حَفْصٍ التَّيْمِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو حَفْصٍ التَّيْمِيُّ، مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ. كَانَ جَوَاداً،   (1) الخبر في " ابن عساكر " 16 / 85 آوله تتمة، وما بين الحاصرتين منه. (2) في تاريخه الكبير 7 / 305. (*) تاريخ البخاري 6 / 175، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 120، تاريخ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 مُمَدَّحاً، شُجَاعاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، لَهُ فُتُوْحَاتٌ مَشْهُوْدَةٌ، وَلِيَ البَصْرَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ. وَحَدَّثَ عَنْ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ. وَعَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ عَوْنٍ. وَوَلِيَ إِمْرَةَ فَارِسٍ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَتُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ. وَكَانَ مُرَاهِقاً عِنْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَحْمَرُ قُرَيْشٍ، يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ. وَقَدْ بَعَثَ مَرَّةً بِأَلْفِ دِيْنَارٍ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: وَصَلَتْهُ رَحِمٌ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ اشْتَرَى مَرَّةً جَارِيَةً بِمائَةِ أَلْفٍ، فَتَوَجَّعَتْ لِفِرَاقِ سَيِّدِهَا، فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا وَثَمَنَهَا. قَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. 64 - أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ سَعْدُ بنُ إِيَاسٍ * (ع) اسْمُهُ: سَعْدُ بنُ إِيَاسٍ الكُوْفِيُّ، مِنْ بَنِي شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ. أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وَكَادَ أَنْ يَكُوْنَ صَحَابِيّاً. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ العَيْزَارِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   = ابن عساكر 13 / 168 ب، تاريخ الإسلام 3 / 287، البداية والنهاية 9 / 46، تعجيل المنفعة 299. (*) طبقات ابن سعد 6 / 104، طبقات خليفة ت 1131، تاريخ البخاري 4 / 47، المعارف 426، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 78، الاستيعاب ت 919، أسد الغابة 2 / 270، تهذيب الكمال ص 471، تاريخ الإسلام 4 / 83، تذكرة الحفاظ 1 / 63، العبر 1 / 116، تذهيب التهذيب 2 / 7 ب، غاية النهاية ت 1327، الإصابة ت 3669، تهذيب التهذيب 3 / 468، النجوم الزاهرة 1 / 208، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 26، خلاصة تذهيب التهذيب 134، شذرات الذهب 1 / 113. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وَعَاشَ: مائَةَ عَامٍ وَعِشْرِيْنَ عَاماً. فَعَنْهُ، قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَرْعَى إِبِلاً بِكَاظِمَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ يَوْمَ القَادِسِيَّةِ ابْنَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (1) . قَالَ عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ يُقْرِئُ القُرْآنَ فِي المَسْجِدِ الأَعْظَمِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ، فَاتَّهَمَنِي بِهَوَىً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ. قُلْتُ: هُوَ مِنْ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَمَاتَ: فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ - فِيْمَا أَحْسِبُ -. 65 - المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، أَبُو أُمَيَّةَ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَعَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، وَمُغِيْرَةُ اليَشْكُرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (2) : قَالَ الأَعْمَشُ: رَأَيْتُهُ وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ. 66 - طَلْحَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ ** (خَ، 4) قَاضِي المَدِيْنَةِ زَمَنَ يَزِيْدَ.   (1) ابن سعد 6 / 104. (*) طبقات ابن سعد 6 / 118، طبقات خليفة ت 1095، تاريخ البخاري 8 / 39، المعارف 432، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 415، تهذيب الكمال ص 1353، تذكرة الحفاظ 1 / 63، تاريخ الإسلام 3 / 306، تذهيب التهذيب 4 / 54 ب، تهذيب التهذيب 10 / 230، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 25، خلاصة تذهيب التهذيب 397. (2) في الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 415. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 160، طبقات خليفة ت 2078، المعارف 235، المعرفة والتاريخ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ شَرِيْفاً، جَوَاداً، حُجَّةً، إِمَاماً. يُقَالُ لَهُ: طَلْحَةُ النَّدَى. مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. 67 - أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلٍّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الوَقْتِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلٍّ - وَقِيْلَ: ابْنُ مَلِيٍّ - ابنِ عَمْرِو بنِ عَدِيٍّ البَصْرِيُّ. مُخَضْرَمٌ، مُعَمَّرٌ، أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلاَمَ. وَغَزَا فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ وَبَعْدَهَا غَزَوَاتٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَبِلاَلٍ، وَسعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ،   = 1 / 368، أخبار القضاة 1 / 120، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 472، تاريخ ابن عساكر 8 / 266 آ، تهذيب الكمال ص 627، تاريخ الإسلام 4 / 16، تذهيب التهذيب 2 / 104 ب، الإصابة ت 4305، تهذيب التهذيب 5 / 19، خلاصة تذهيب التهذيب 179، شذرات الذهب 1 / 112، تهذيب ابن عساكر 7 / 72. (*) طبقات ابن سعد 7 / 97، طبقات خليفة ت 1670، المعارف 426، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 283، الاستيعاب ت 1461، أسد الغابة 3 / 324، تاريخ بغداد 10 / 202، تهذيب الكمال ص 1632، تاريخ الإسلام 4 / 82، تذكرة الحفاظ 1 / 61، العبر 1 / 119، تذهيب التهذيب 2 / 228 آ، البداية والنهاية 9 / 15 و190، الإصابة ت 6379، تهذيب التهذيب 6 / 277، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 25، خلاصة تذهيب التهذيب 235، شذرات الذهب 1 / 118. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَحَجَّاجُ بنُ أَبِي زَيْنَبَ، وَخَلْقٌ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ اليَرْمُوْكِ. وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَقِيْلَ: أَصْلُهُ كُوْفِيٌّ، وَتَحَوَّلَ إِلَى البَصْرَةِ. وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ مِنْ أَرْضِ قَوْمِهِ وَقْتَ اسْتِخْلاَفِ عُمَرَ. وَكَانَ مِنْ سَادَةِ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. رَوَى: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْهُ، قَالَ: بَلَغْتُ مائَةً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنسِ بنِ مَالِكٍ، وَمِنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، نَعَمْ، وَمِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: أَسْلَمَ أَبُو عُثْمَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنَّهُ أَدَّى إِلَى عُمَّالِهِ الزَّكَاةَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ أَبِي زَيْنَبَ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُوْلُ: كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ نَعْبُدُ حَجَراً، فَسَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي: يَا أَهْلَ الرِّحَالِ، إِنَّ رَبَّكُم قَدْ هَلَكَ، فَالْتَمِسُوا رَبّاً. فَخَرَجْنَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُوْلٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي: إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا رَبَّكُم أَوْ شِبْهَهُ. فَجِئْنَا، فَإِذَا حَجَرٌ، فَنَحَرْنَا عَلَيْهِ الجُزُرَ (1) . وَرَوَى: عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: رَأَيْت يَغُوْثَ صَنَماً مِنْ رَصَاصٍ، يُحْمَلُ عَلَى جَمَلٍ أَجْرَدَ، فَإِذَا بَلَغَ وَادِياً، بَرَك فِيْهِ، وَقَالُوا: قَدْ رَضِي لَكُم رَبُّكُم هَذَا الوَادِي. أَبُو قُتَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَبِيْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ حِجَّتَيْنِ. عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ   (1) ابن سعد 7 / 97. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 النَّهْدِيُّ - وَأَنَا أَسْمَعُ -: هَلْ أَدْرَكْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ صَدَقَاتٍ، وَلَمْ أَلْقَهُ. وَغَزَوْتُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَشَهِدْتُ: اليَرْمُوْكَ، وَالقَادِسِيَّةَ، وَجَلُوْلاَءَ، وَتُسْتَرَ، وَنَهَاوَنْدَ، وَأَذْرَبِيْجَانَ، وَمِهْرَانَ، وَرُسْتُمَ (1) . عَبْدُ القَاهِرِ بنُ السَّرِيِّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ قُضَاعَةَ، وَسَكَنَ الكُوْفَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، تَحَوَّلَ إِلَى البَصْرَةِ، وَقَالَ: لاَ أَسْكُنُ بَلَداً قُتِلَ فِيْهِ ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَحَجَّ سِتِّيْنَ مَرَّةً، مَا بَيْنَ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَقَالَ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ، وَمَا شَيْءٌ إِلاَّ وَقَدْ أَنْكَرْتُهُ، خَلاَ أَمَلِي، فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ (2) . زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: صَحِبْتُ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. حَمَّادٌ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالبِشَارَةِ يَوْمَ نَهَاوَنْدَ. مُعْتَمِرٌ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ يُصَلِّي حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عِبَادَةَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، مِنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَخَذَهَا. أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: إِنِّي لأَحْسِبُ أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ كَانَ لاَ يُصِيْبُ دُنْيَا، كَانَ لَيْلَهُ قَائِماً، وَنَهَارَهُ صَائِماً، وَإِنْ كَانَ لَيُصَلِّي حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ. عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مائَةَ رَكْعَةٍ.   (1) تاريخ بغداد 10 / 204 وله تتمة. (2) انظر ابن سعد 7 / 98 وتاريخ بغداد 10 / 204. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (1) : كَانَ ثِقَةً. وَكَانَ عَرِيْفَ قَوْمِهِ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو طَالُوْتَ عَبْدُ السَّلاَمِ: رَأَيْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ شُرْطِيّاً. قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ. وَشَذَّ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي: (جُزْءِ الأَنْصَارِيِّ) ، وَفِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (2)) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَقِيْهِ، وَجَمَاعَةٌ - إِذْناً - قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قَالَ: خَرَجَ فِتْيَةٌ يَتَحَدَّثُوْنَ، فَإِذَا هُمْ بِإِبِلٍ مُعَطَّلَةٍ، فَقَالَ بَعْضُهُم: كَأَنَّ أَرْبَابَ هَذِهِ لَيْسُوا مَعَهَا. فَأَجَابَه بَعِيْرٌ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ أَرْبَابَهَا حُشِرُوا ضُحَىً. وَبِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا الفُقَرَاءُ، وَإِنَّ أَهْلَ الجَدِّ مَحْبُوْسُوْنَ) (3) .   (1) في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 283 و284. (2) الغيلانيات: هي أحد عشر جزءا، تخريج الحافظ الدارقطني من حديث أبي بكر محمد ابن عبد الله بن إبراهيم البغدادي (الشافعي البزار) ..المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. القدر المسموع لأبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار المتوفى سنة أربعين وأربع مئة من أبي بكر المذكور وهي من أعلى الحديث وأحسنه. الرسالة المستطرفة لمحمد جعفر الكتاني ص 92 و93 ط الثانية. (3) وأخرجه البخاري 11 / 361 في الرقاق باب صفة الجنة والنار، ومسلم (2736) في = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 68 - أَبُو الشَّعْثَاءِ سُلَيْمُ بنُ أَسْوَدَ المُحَارِبِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) هُوَ: سُلَيْمُ بنُ أَسْوَدَ المُحَارِبِيُّ، الفَقِيْهُ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ عَلِيٍّ. رَوَى عَنْ: عَلِيٍّ، وَشَهِدَ مَعَهُ مشَاهِدَهُ. وَعَنْ: حُذَيْفَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَأَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَغَيْرُهُم. مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيْقِهِ. وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَقَالَ: لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ (1) . قِيْلَ: إِنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيَّ قُتِلَ يَوْمَ الزَّاوِيَةِ (2) مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. أَمَّا أَبُو الشَّعْثَاءِ (ع) عَالِمُ البَصْرَةِ: فَأَصْغَرُ مِنْ هَذَا، وَسَيَأْتِي (3) . 69 - عَابِسُ بنُ رَبِيْعَةَ النَّخَعِيُّ ** (ع) كُوْفِيٌّ، مُخَضْرَمٌ، حُجَّةٌ.   = الذكر باب أكثر أهل الجنة الفقراء من طرق عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد. وأصحاب الجد: أي الغنى، محبوسون: أي ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء من أجل المحاسبة على المال. (*) طبقات ابن سعد 6 / 195، طبقات خليفة ت 1099، تاريخ البخاري 4 / 120، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 211، تهذيب الكمال ص 530، تاريخ الإسلام 3 / 318، العبر 1 / 95، تذهيب التهذيب 2 / 43 ب، تهذيب التهذيب 4 / 165، النجوم الزاهرة 1 / 204، خلاصة تذهيب التهذيب 149، شذرات الذهب 1 / 91. (1) عبارة أبي حاتم في الجرح والتعديل: " هو من التابعين لا يسأل عنه ". (2) الزاوية: موضع قرب البصرة، كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وابن الاشعث. انظر أخبارها في " الطبري " 6 / 342. (3) انظر ترجمته على ص 481 من هذا الجزء. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 122، طبقات خليفة ت 1063، تاريخ البخاري 7 / 80، الجرح = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَعَائِشَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ. 70 - سَعِيْدُ بنُ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ الخَيْوَانِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، ن) مِنْ كُبَرَاءِ شِيْعَةِ عَلِيٍّ. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَخَبَّابٍ. أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَزِمَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ: القُرَادُ؛ لِلُزُوْمِهِ إِيَّاهُ. وَرَوَى عَنْ: سَلْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالقَاضِي شُرَيْحٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَوَلدُهُ؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ، وَكَانَ عَرِيْفَ قَوْمِهِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. لَهُ أَحَادِيْثُ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. مَاتَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ. كَذَا قُلْتُ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (1)) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.   = والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 35، تهذيب الكمال ص 633، تاريخ الإسلام 3 / 259، تذهيب التهذيب 2 / 109 آ، تهذيب التهذيب 5 / 37، خلاصة تذهيب التهذيب 304. (*) طبقات ابن سعد 6 / 170، طبقات خليفة ت 1072، تاريخ البخاري 3 / 517، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 69، وأسد الغابة 2 / 316، تهذيب الكمال ص 508، تاريخ الإسلام 3 / 156 و4 / 7، تذهيب التهذيب 2 / 30 آ، الإصابة ت 3685، تهذيب التهذيب 4 / 95، خلاصة تذهيب التهذيب 143. (1) 3 / 156. (2) في الطبقات 6 / 170. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 71 - جَمِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ * بنِ مَعْمَرٍ أَبُو عَمْرٍو العُذْرِيُّ الشَّاعِرُ البَلِيْغُ، صَاحِبُ بُثَيْنَةَ، وَمَا أَحْلَى اسْتِهْلاَلَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ: أَلاَ أَيُّهَا النُّوَّامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا! ... أُسَائِلُكُمْ: هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ (1) ؟ وَيُحْكَى عَنْهُ: تَصَوُّنٌ، وَدِيْنٌ، وَعِفَّةٌ. يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ عَاشَ حَتَّى وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَنَظْمُهُ فِي الذُّرْوَةِ، يُذْكَرُ مَعَ: كُثَيِّرِ عَزَّةَ، وَالفَرَزْدَقِ. 72 - القُبَاعُ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ ** الأَمِيْرُ، مُتَوَلِّي البَصْرَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ. لُقِّبَ بِالقُبَاعِ بِاسْمِ مِكْيَالٍ وَضَعَهُ لَهُم. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمُعَاوِيَةَ. وَعَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَطَاءٍ، وَابْنُ سَابِطٍ.   (*) طبقات فحول الشعراء ص 543، الشعر والشعراء ص 346، الاغاني 7 / 77، المؤتلف والمختلف للآمدي 72، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1 / 169، تاريخ ابن عساكر 4 / 5 آ، وفيات الأعيان 1 / 366، تاريخ الإسلام 3 / 347، البداية والنهاية 9 / 44، حسن المحاضرة 1 / 558، تزيين الاسواق 1 / 38، شذرات الذهب 1 / 91، خزانة الأدب تحقيق هارون 1 / 397، تهذيب ابن عساكر 3 / 398 وسيكرر المؤلف ترجمته في ص 385. (1) الديوان ص 25، والتخريج فيه. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 28 و464، طبقات خليفة ت 2001، تاريخ البخاري 2 / 273، المعرفة والتاريخ 1 / 372، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 77، تاريخ ابن عساكر 4 / 54 آ، تهذيب الكمال ص 215، تاريخ الإسلام 3 / 244، تذهيب التهذيب 1 / 114 آ، البداية والنهاية 9 / 43، الإصابة ت 2043، تهذيب التهذيب 2 / 144، خلاصة تذهيب التهذيب 68، تهذيب ابن عساكر 3 / 453. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 رَوَى: حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ قَالَ فِي الطَّوَافِ: قَاتَلَ اللهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَكْذِبُ عَلَى عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: (لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ، لَنَقَضْتُ البَيْتَ حَتَّى أَزِيْدَ فِيْهِ الحِجْرَ) . فَقَالَ لَهُ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ: لاَ تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَنَا سَمِعْتُهَا تَقُوْلُهُ. فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قُبَيْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (1) . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ أُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً، فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: إِنَّ لَنَا أَهْلَ دِيْنٍ غَيْرَكُم. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَقَدْ سَادَ هَذَا. وَقِيْلَ: كَانَتْ حَبَشِيَّةً، فَكَانَ هُوَ أَسْوَدَ. وَكَانَ خَطِيْباً بَلِيْغاً دَيِّناً (2) . 73 - حُمْرَانُ بنُ أَبَانٍ الفَارِسِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ. كَانَ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ (3) ، ابْتَاعَهُ عُثْمَانُ مِنَ المُسَيِّبِ بنِ نَجَبَةَ. حَدَّثَ عَنْ: عُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ   (1) أخرجه مسلم في صحيحه (1333) (404) في الحج باب نقض الكعبة وبنائها. وانظر البخاري 3 / 351، 353، و8 / 129. (2) انظر ابن سعد 5 / 29. (*) طبقات ابن سعد 5 / 283 و7 / 148. طبقات خليفة ت 1611 و1656، تاريخ البخاري 3 / 80، المعارف 435، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 265، تاريخ ابن عساكر 5 / 144 آ، تهذيب الكمال ص 331، تاريخ الإسلام 3 / 152 و245، تذهيب التهذيب 1 / 175 ب، البداية والنهاية 9 / 12، الإصابة ت 1998،، تهذيب التهذيب 3 / 24، خلاصة تذهيب التهذيب 93، تهذيب ابن عساكر 4 / 438. (3) عين التمر: بلدة قريبة من الانبار غربي الكوفة، منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد، افتتحها المسلمون أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد فسبى نساءها وقتل رجالها، اه. معجم البلدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 يَزِيْدَ اللَّيْثِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَمُعَاذُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: كَانَ مِمَّنْ سَبَاهُ خَالِدٌ مِنْ عَيْنِ التَّمْرِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: إِنَّمَا هُوَ حُمْرَانُ بنُ أَبَّا. فَقَالَ بَنُوْهُ: ابْنُ أَبَانٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : نَزَلَ البَصْرَةَ، وَادَّعَى وَلَدُهُ أَنَّهُ مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ حُمْرَانُ يُصَلِّي خَلْفَ عُثْمَانَ، فَإِذَا أَخْطَأَ، فَتَحَ عَلَيْهِ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ حُمْرَانَ كَانَ يَأْذَنُ عَلَى عُثْمَانَ. وَقِيْلَ: كَانَ كَاتِبَ عُثْمَانَ. وَكَانَ وَافِرَ الحُرْمَةِ عِنْدَ عَبْدِ المَلِكِ. طَالَ عُمُرُهُ، وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ. وَسَيَأْتِي أَبَانٌ وَلَدُ عُثْمَانَ، وَأَخُوْهُ عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ (2) . 74 - ابْنُ الأَشْعَثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ * الأَمِيْرُ، مُتَوَلِّي سِجِسْتَانَ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ. بَعَثَهُ الحَجَّاجُ عَلَى سِجِسْتَانَ، فَثَارَ هُنَاكَ، وَأَقْبَلَ فِي جَمْعٍ كَبِيْرٍ، وَقَامَ مَعَهُ عُلَمَاءُ وَصُلَحَاءُ للهِ -تَعَالَى- لِمَا انْتَهَكَ الحَجَّاجُ مِنْ إِمَاتَةِ وَقْتِ الصَّلاَةِ، وَلِجَوْرِهِ وَجَبَرُوْتِهِ. فَقَاتَلَهُ الحَجَّاجُ، وَجَرَى بَيْنَهُمَا عِدَّةُ مَصَافَّاتٍ، وَيَنْتَصِرُ ابْنُ   (1) في الطبقات 5 / 283. (2) انظر ترجمتهما في 351 وصفحة 353 من هذا الجزء. (*) المعارف 334، تاريخ الطبري 6 / حوادث سنة 80 - 85 هـ، تاريخ ابن الأثير 4 / حوادث سنة 80 - 85 هـ. تاريخ الإسلام 3 / 273، العبر 1 / 90 و97، البداية والنهاية 9 / 53، النجوم الزاهرة 1 / 202، شذرات الذهب 1 / 94. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الأَشْعَثِ. وَدَامَ الحَرْبُ أَشْهُراً، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَفِي آخِرِ الأَمْرِ انْهَزَمَ جَمْعُ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَفَرَّ هُوَ إِلَى المَلِكِ رُتْبِيْلَ مُلْتَجِئاً إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عَلْقمَةُ بنُ عَمْرٍو: أَخَافُ عَلَيْكَ، وَكَأَنِّي بِكِتَابِ الحَجَّاجِ قَدْ جَاءَ إِلَى رُتْبِيْلَ يُرْغِبُهُ وَيُرْهِبُهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ بَعَثَ بِكَ أَوْ قَتَلَكَ، وَلَكِن هَا هُنَا خَمْسُ مائَةِ مُقَاتِلٍ قَدْ تَبَايَعْنَا عَلَى أَنْ نَدْخُلَ مَدِيْنَةً نَتَحَصَّنُ بِهَا، وَنُقَاِتُلُ حَتَّى نُعْطَى أَمَاناً، أَوْ نَمُوْتَ كِرَاماً. فَأَبَى عَلَيْهِ، وَأَقَامَ الخَمْسَ مائَةٍ حَتَّى قَدِمَ عُمَارَةُ بنُ تَمِيْمٍ، فَقَاتَلُوْهُ، حَتَّى أَمَّنَهُم، وَوَفَى لَهُم. ثُمَّ تَتَابَعَتْ كُتُبُ الحَجَّاجِ إِلَى رُتْبِيْلَ بِطَلَبِ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ عَلَى أَنْ تَرَكَ لَهُ الحِمْلَ (1) سَبْعَةَ أَعْوَامٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الأَشْعَثِ أَصَابَهُ السِّلُّ، فَمَاتَ، فَقُطِعَ رَأْسُهُ، وَنُفِذَ إِلَى الحَجَّاجِ. وَقِيْلَ: إِنَّ الحَجَّاجَ كَتَبَ إِلَى رُتْبِيْلَ: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ عُمَارَةَ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً يَطْلُبُوْنَ ابْنَ الأَشْعَثِ. فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَهُ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ عُبَيْدُ بنُ أَبِي سُبَيْعٍ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى رُتْبِيْلَ، فَخَفَّ عَنْ رُتْبِيْلَ، وَاخْتَصَّ بِهِ. قَالَ لابْنِ الأَشْعَثِ أَخُوْهُ القَاسِمُ: لاَ آمَنُ غَدْرَ رُتْبِيْلَ، فَاقْتُلْهُ -يَعْنِي: عُبَيْداً- فَهَمَّ بِهِ. فَفَهِمَ ذَلِكَ، وَخَافَ، فَوُشِيَ بِهِ إِلَى رُتْبِيْلَ، وَخَوَّفَهُ مِنْ غَائِلَةِ الحَجَّاجِ، وَهَرَبَ سِرّاً إِلَى عُمَارَةَ، فَاسْتَعْجَلَ فِي ابْنِ الأَشْعَثِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ عُمَارَةُ إِلَى الحَجَّاجِ، فَكَتَبَ: أَنْ أَعْطِ عُبَيْدَةَ وَرُتْبِيْلَ مَا طَلَبَا. فَاشْتَرَطَ أُمُوْراً، فَأُعْطِيَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الأَشْعَثِ وَإِلَى ثَلاَثِيْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ هَيَّأَ لَهُم القُيُوْدَ وَالأَغْلاَلَ، فَقَيَّدَهُم، وَبَعَثَ بِهِم إِلَى عُمَارَةَ، وَسَارَ بِهِم. فَلَمَّا قَرُبَ ابْنُ الأَشْعَثِ مِنَ العِرَاقِ، أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ قَصْرٍ خَرَابٍ أَنْزَلُوْهُ فَوْقَهُ، فَهَلَكَ. فَقِيْلَ: أَلْقَى نَفْسَهُ وَالحُرَّ مَعَهُ الَّذِي هُوَ مُقَيَّدٌ مَعَهُ، وَالقَيْدُ فِي رِجْلَيِ الاثْنَيْنِ، فَهَلَكَا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.   (1) كذا الأصل - وهو محتمل - ولعلها (الصلح) فقد جاءت عبارة الطبري 6 / 390 هكذا: " وترك له الصلح الذي كان يأخذه منه سبع سنين " وقد صححها محقق تاريخ الإسلام، ب (الجعل) ولا نراه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 75 - أَعْشَى هَمْدَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ * شَاعِرٌ، مُفَوَّهٌ، شَهِيْرٌ، كُوْفِيٌّ. وَهُوَ: أَبُو المُصَبَّحِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ الهَمْدَانِيُّ. كَانَ مُتَعَبِّداً فَاضِلاً، ثُمَّ عَبَثَ بِالشِّعْرِ، وَامْتَدَحَ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، فَاعْتَنَى بِهِ، وَجَمَعَ لَهُ مِنْ جَيْشِ حِمْصَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. ثُمَّ إِنَّ الأَعْشَى خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِ الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ زَوْجَ أُخْتِهِ. قَتَلَهُ الحَجَّاجُ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ. 76 - مَعْبَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُوَيْمِرٍ الجُهَنِيُّ * (ق) وَقِيْلَ: ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ الجُهَنِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالقَدَرِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ. حَدَّثَ عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَحُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الوَقْتِ عَلَى بِدْعَتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَزَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَآخَرُوْنَ.   (*) الاكليل، 10 / 58 وفيه: " عبد الرحمن بن الحارث " وكذا في جمهرة ابن حزم 393، الاغاني 5 / 146، المؤتلف والمختلف 14، تاريخ ابن عساكر 9 / 499 ب، تاريخ الإسلام 3 / 242. (* *) تاريخ البخاري 7 / 399، تاريخ البخاري الصغير 1 / 204، المعارف 547 و625، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 280، وفيه: " الصحيح أنه لا ينسب "، المجروحين 3 / 35، 36، تاريخ ابن عساكر 16 / 399 ب، تهذيب الكمال ص 1351، تاريخ الإسلام 3 / 304، العبر 1 / 92، تذهيب التهذيب 4 / 53 ب، الميزان 4 / 141، البداية والنهاية 9 / 34، تهذيب التهذيب 10 / 225، النجوم الزاهرة 1 / 206، خلاصة تذهيب التهذيب 383. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وَقَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقِيْلَ: هُوَ وَلَدُ صَاحِبِ حَدِيْثِ: (لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ (1)) . وَقِيْلَ: هُوَ مَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ. وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ القُرَّاءَ اجْتَمَعُوا عَلَى مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، وَكَانَ أَحَدَ مَنْ شَهِدَ الحَكَمَيْنِ، وَقَالُوا لَهُ: قَدْ طَالَ أَمْرُ هَذَيْنِ: عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَلَوْ كَلَّمْتَهُمَا. قَالَ: لاَ تُعَرِّضُوْنِي لأَمْرٍ أَنَا لَهُ كَارِهٌ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ كَقُرَيْشٍ، كَأَنَّ قُلُوْبَهُم أُقْفِلَتْ بِأَقْفَالِ الحَدِيْدِ، وَأَنَا صَائِرٌ إِلَى مَا سَأَلْتُم. قَالَ مَعْبَدٌ: فَلَقِيْتُ أَبَا مُوْسَى، فَقُلْتُ: انْظُرْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ. قَالَ: يَا مَعْبَدُ، غَداً نَدْعُو النَّاسَ إِلَى رَجُلٍ لاَ يَخْتَلِفُ فِيْهِ اثْنَانِ. فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَزَلَ صَاحِبَهُ. ثُمَّ لَقِيْتُ عَمْراً، وَقُلْتُ: قَدْ وَلِيْتَ أَمْرَ الأُمَّةِ، فَانْظُرْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ. فَنَزَعَ عِنَانَهُ مِنْ يَدِي، ثُمَّ قَالَ: إِيْهاً تَيْسَ جُهَيْنَةَ؛ مَا أَنْتَ وَهَذَا؟! لَسْتَ مِنْ أَهْلِ السِّرِّ وَلاَ العَلاَنِيَةِ، وَاللهِ مَا يَنْفَعُكَ الحَقُّ وَلاَ يَضُرُّكَ البَاطِلُ (2) . قَالَ الجَوْزَجَانِيُّ: كَانَ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي القَدَرِ، احْتَمَلَ النَّاسُ حَدِيْثَهُم لِمَا عَرَفُوا مِنِ اجْتِهَادِهِم فِي الدِّيْنِ وَالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، وَلَمْ يُتَوَهَّمْ عَلَيْهِمُ الكَذِبَ، وَإِنْ بُلُوا بِسُوْءِ رَأْيِهِم، مِنْهُمْ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَعْبَدٌ رَأْسُهُم. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ فِي القَدَرِ   (1) أخرجه أصحاب السنن، وهو حديث ضعيف لاضطرا به كما ذكر غير واحد من الأئمة، انظر بسط ذلك في " نصب الراية " 1 / 120 ; 122، و" تلخيص الحبير " 1 / 147، 148 ; وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: " أيما إهاب دبغ فقد طهر ". (2) الخبر في " ابن عساكر " 16 / 400 آ، ب مطول، وزاد في نهاية الخبر: "..ثم مضى وتركني فأنشأ معبد يقول: إني لقيت أبا موسى فأخبرني * بما أردت وعمرو ضن بالخبر شتان بين أبي موسى وصاحبه * عمرو لعمرك عند الفضل والخطر هذا له غفلة أبدت سريرته * وذاك ذو حذر كالحية الذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 سَوْسَنٌ بِالعِرَاقِ، كَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، فَأَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ. وَأَخَذَ غَيْلاَنُ القَدَرِيُّ عَنْ مَعْبَدٍ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، قَالَ: كُنَّا فِي المَسْجِدِ، إِذْ مُرَّ بِمَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا هُوَ البَلاَءُ. فَقَالَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ: إِنَّ البَلاَءَ كُلَّ البَلاَءِ إِذَا كَانَتِ الأَئِمَّةُ مِنْهُم (2) . قَالَ مَرْحُوْمٌ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي، سَمِعَا الحَسَنَ يَقُوْلُ: إِيَّاكُم وَمَعْبَداً الجُهَنِيَّ، فَإِنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ. قَالَ يُوْنُسُ: أَدْرَكْتُ الحَسَنَ يَعِيْبُ قَوْلَ مَعْبَدٍ، ثُمَّ تَلَطَّفَ لَهُ مَعْبَدٌ، فَأَلْقَى فِي نَفْسِهِ مَا أَلْقَى. قَالَ طَاوُوْسٌ: احْذَرُوا قَوْلَ مَعْبَدٍ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيّاً. وَقَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: لَقِيْتُ مَعْبَداً بِمَكَّةَ بَعْد فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ وَهُوَ جَرِيْحٌ، قَدْ قَاتَلَ الحَجَّاجَ فِي المَوَاطِنِ كُلِّهَا (3) . وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ صَدَقَةَ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: كَانَ الحَجَّاجُ يُعَذِّبُ مَعْبَداً الجُهَنِيَّ بِأَصْنَافِ العَذَابِ وَلاَ يَجْزَعُ، ثُمَّ قَتَلَهُ. قَالَ خَلِيْفَةُ (4) : مَاتَ قَبْلَ التِّسْعِيْنَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ صَلَبَ عَبْدُ المَلِكِ مَعْبَداً الجُهَنِيَّ بِدِمَشْقَ. قُلْتُ: يَكُوْنُ صَلَبَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ. 77 - مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ الحَرَشِيُّ العَامِرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، البَصْرِيُّ، أَخُو يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ.   (1) ابن عساكر 16 / 401 آ. (2) ابن عساكر 16 / 401 ب. (3) تاريخ البخاري 7 / 399 ولفظ (فتنة) ساقط في سائر مصادر الخبر. (4) في تاريخه ص 302. (*) طبقات ابن سعد 7 / 141، الزهد لأحمد ص 238، طبقات خليفة ت 1570، تاريخ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْ: أَبِي مُسْلِمٍ الجَذْمِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ قَيْسِ بنِ عَاصِمٍ المِنْقَرِيِّ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ، وَيَزِيْدُ الرِّشْكُ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ رُشَيْدٍ، وَأَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ النَّجِيْرَمِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِصَدْرِهِ أَزِيْزٌ كَأَزِيْزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ (2) .   = البخاري 7 / 396، المعارف 436، المعرفة والتاريخ 2 / 80 و90، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 312، الحلية 2 / 198، ابن عساكر 16 / 282 ب، تهذيب الكمال ص 1336، تاريخ الإسلام 4 / 56، تذكرة الحفاظ 1 / 60، العبر 1 / 113، تذهيب التهذيب 4 / 43 ب، البداية والنهاية 9 / 69 و140، الإصابة ت 8324، تهذيب التهذيب 10 / 173، النجوم الزاهرة 1 / 214، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 24، خلاصة تذهيب التهذيب 378، شذرات الذهب 1 / 110. (1) نسبة إلى نجيرم محلة بالبصرة. اللباب. (2) وأخرجه الترمذي في الشمائل (351) ، وأحمد 4 / 25، 26،، وأبو داود (904) في الصلاة باب البكاء في الصلاة، والنسائي 3 / 13، في السهو باب البكاء في الصلاة، وإسناده قوي وصححه ابن خزيمة وابن حبان رقم (522) والحاكم. وأزيز المرجل: صوته، يريد غليان جوفه بالبكاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ذَكَرَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ (1) : رَوَى عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. وَكَانَ ثِقَةً، لَهُ فَضْلٌ، وَوَرَعٌ، وَعَقْلٌ، وَأَدَبٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، لَمْ يَنْجُ بِالبَصْرَةِ مِنْ فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ إِلاَّ هُوَ وَابْنُ سِيْرِيْنَ. وَلَمْ يَنْجُ مِنْهَا بِالكُوْفَةِ إِلاَّ خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ. قَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، فَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَأَمِتْهُ. فَخَرَّ مَيْتاً مَكَانَهُ. قَالَ: فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلاً (2) . وَعَنْ غَيْلاَنَ: أَنَّ مُطَرِّفاً كَانَ يَلْبَسُ المَطَارِفَ وَالبَرَانِسَ، وَيَرْكَبُ الخَيْلَ، وَيَغْشَى السُّلْطَانَ، وَلَكِنَّهُ إِذَا أَفْضَيْتَ إِلَيْهِ، أَفْضَيْتَ إِلَى قُرَّةِ عَيْنٍ (3) . وَكَانَ يَقُوْلُ: عُقُوْلُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ زَمَانِهِم (4) . وَرَوَى: قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: فَضْلُ العِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ العِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِيْنِكُمُ الوَرَعُ (5) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ: مُطَرِّفٌ أَكْبَرُ مِنِّي بِعَشْرِ سِنِيْنَ، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: عَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَوْلِدَ مُطَرِّفٍ كَانَ عَامَ بَدْرٍ، أَوْ عَامَ أُحُدٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ، وَأُبَيٍّ.   (1) في الطبقات 7 / 141، 142. (2) الحلية 2 / 206. (3) ابن سعد 7 / 144، والزهد لأحمد 239 وسيرد في ص (191) . (4) ابن سعد 7 / 143. (5) ابن سعد 7 / 142، والزهد لأحمد 240، والحلية 2 / 212. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : تُوُفِّيَ مُطَرِّفٌ فِي أَوَّلِ وِلايَةِ الحَجَّاجِ. قُلْتُ: بَلْ بَقِيَ إِلَى (2) أَنْ خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. وَأَمَّا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَالتِّرْمِذِيُّ: فَأَرَّخَا مَوْتَهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَهَذَا أَشْبَهُ. وَفِي (الحِلْيَةِ (3)) : رَوَى أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: لأَنْ أَبِيْتَ نَائِماً وَأُصْبِحَ نَادِماً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيْتَ قَائِماً وَأُصْبِحَ مُعْجَباً. قُلْتُ: لاَ أَفْلَحَ -وَاللهِ- مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، أَوْ أَعْجَبَتْهُ. وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: لأَنْ يَسْأَلَنِي اللهُ -تَعَالَى- يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُوْلُ: يَا مُطَرِّفُ، أَلاَ فَعَلْتَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ: لِمَ فَعَلْتَ (4) ؟ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، قَالَ: قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا وَجَدْتُ العَبْدَ مُلْقَىً بَيْنَ رَبِّهِ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنْ اسْتَشْلاَهُ رَبُّهُ وَاسْتَنْقَذَهُ، نَجَا، وَإِنْ تَرَكَهُ وَالشَّيْطَانَ، ذَهَبَ بِهِ (5) . جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ: لَوْ أُخْرِجَ قَلْبِي، فَجُعِلَ فِي يَسَارِي، وَجِيْءَ بِالخَيْرِ، فَجُعِلَ فِي يَمِيْنِي، مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أُوْلِجَ قَلْبِي مِنْهُ شَيْئاً حَتَّى يَكُوْنَ اللهُ يَضَعُهُ (6) . أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: إِنَّ هَذَا المَوْتَ قَدْ أَفْسَدَ   (1) في الطبقات 7 / 146. (2) ساقط من الأصل. (3) 2 / 200. (4) المصدر السابق. (5) الحلية 2 / 201 وفي النهاية لابن الأثير (شلا) واستشلاه: استنقذه من الهلكة. (6) الحلية 2 / 201. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 عَلَى أَهْلِ النَّعِيْمِ نَعِيْمَهُم، فَاطْلُبُوا نَعِيْماً لاَ مَوْتَ فِيْهِ (1) . حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَصْعَدَ فَيُلْقِي نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ، وَيَقُوْلُ: قَدَّرَ لِي رَبِّي، وَلَكِنْ يَحْذَرُ، وَيَجْتَهِدُ، وَيَتَّقِي، فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ، عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيْبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ (2) . غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ: عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: لاَ تَقُلْ: فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ، وَلَكِنْ قُلْ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-. وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ مَرَّتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَيَقُوْلُ: لاَ شَيْءَ إِلاَّ شَيْءٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ (3) . أَبُو عَقِيْلٍ بَشِيْرُ بنُ عُقْبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِيَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ: مَا كَانَ مُطَرِّفٌ يَصْنَعُ إِذَا هَاجَ النَّاسُ؟ قَالَ: يَلْزَمُ قَعْرَ بَيْتِهِ، وَلاَ يَقْرَبُ لَهُم جُمُعَةً وَلاَ جَمَاعَةً حَتَّى تَنْجَلِيَ (4) . وَقَالَ أَيُّوْبُ: قَالَ مُطَرِّفٌ: لأَنْ آخُذَ بِالثِّقَةِ فِي القُعُوْدِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْتَمِسَ فَضْلَ الجِهَادِ بِالتَّغْرِيْرِ (5) . قَالَ غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ: كَانَ مُطَرِّفٌ يَلْبَسُ البَرَانِسَ وَالمَطَارِفَ، وَيَرْكَبُ الخَيْلَ، وَيَغْشَى السُّلْطَانَ، لَكِنْ إِذَا أَفْضَيْتَ إِلَيْهِ، أَفْضَيْتَ إِلَى قُرَّةِ عَيْنٍ (6) . قَالَ مَسْلَمَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ بِشْرُ بنُ كَثِيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي   (1) الزهد لأحمد 238، والحلية 2 / 204. (2) الحلية 2 / 202. (3) الخبر في الحلية 2 / 203، ولفظه: " فيقول: لا شيء لا شيء، أليس بشيء؟ ". (4) ابن سعد 7 / 142. (5) ابن سعد 7 / 143. (6) تقدم الخبر على الصفحة 189. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 امْرَأَةُ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً وَبَغْلَةٍ وَقَطِيْفَةٍ وَمَاشِطَةٍ. وَرَوَى: مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، أَنَّ غَيْلاَنَ قَالَ: تَزَوَّجَ مُطَرِّفٌ امْرَأَةً عَلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً (1) . قُلْتُ: كَانَ مُطَرِّفٌ لَهُ مَالٌ، وَثَرْوَةٌ، وَبِزٌّةٌ جَمِيْلَةٌ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ. وَرَوَى أَبُو خَلْدَةَ: أَنَّ مُطَرِّفاً كَانَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ النَّجِيْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي زَيْدَ بنَ صُوْحَانَ، فَكَانَ يَقُوْلُ: يَا عِبَادَ اللهِ، أَكْرِمُوا وَأَجْمِلُوا، فَإِنَّمَا وَسِيْلَةُ العِبَادِ إِلَى اللهِ بِخَصْلَتَيْنِ: الخَوْفِ وَالطَّمَعِ. فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ كَتَبُوا كِتَاباً، فَنَسَقُوا كَلاَماً مِنْ هَذَا النَّحْوِ: إِنَّ اللهَ رَبُّنَا، وَمُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا، وَالقُرْآنُ إِمَامُنَا، وَمَنْ كَانَ مَعَنَا كُنَّا وَكُنَّا، وَمَنْ خَالَفَنَا كَانَتْ يَدُنَا عَلَيْهِ، وَكُنَّا، وَكُنَّا. قَالَ: فَجَعَلَ يَعْرِضُ الكِتَابِ عَلَيْهِم رَجُلاً رَجُلاً، فَيَقُوْلُوْنَ: أَقْرَرْتَ يَا فُلاَنُ؟ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيَّ، فَقَالُوا: أَقْرَرْتَ يَا غُلاَمُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ -يَعْنِي زَيْداً-: لاَ تَعْجَلُوا عَلَى الغُلاَمِ، مَا تَقُوْلُ يَا غُلاَمُ؟ قُلْتُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَخَذَ عَلَيَّ عَهْداً فِي كِتَابِهِ، فَلَنْ أُحْدِثَ عَهْداً سِوَى العَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيَّ. فَرَجَعَ القَوْمُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِم مَا أَقَرَّ مِنْهُم أَحَدٌ، وَكَانُوا زُهَاءَ ثَلاَثِيْنَ نَفْساً (2) . قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ مُطَرِّفٌ إِذَا كَانَتِ الفِتْنَةُ، نَهَى عَنْهَا، وَهَرَبَ. وَكَانَ الحَسَنُ يَنْهَى عَنْهَا، وَلاَ يَبْرَحُ. قَالَ مُطَرِّفٌ: مَا أُشَبِّهُ الحَسَنَ إِلاَّ بِرَجُلٍ يُحَذِّرُ النَّاسَ السَّيْلَ، وَيَقُوْمُ بِسَنَنِهِ (3) .   (1) ابن سعد 7 / 145. (2) الحلية 2 / 204. (3) ابن سعد 7 / 142 والمصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ (1) : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَصَاحِبٌ لَهُ سَرَيَا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَإِذَا طَرَفُ سَوْطِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ضَوْءٌ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا، كَذَّبُوْنَا. فَقَالَ مُطَرِّفٌ: المُكَذِّبُ أَكْذَبُ - يَقُوْلُ: المُكَذِّبُ بِنِعْمَةِ اللهِ أَكْذَبُ -. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ: أَقْبَلَ مُطَرِّفٌ مَعَ ابْنِ أَخٍ لَهُ مِنَ البَادِيَةِ - وَكَانَ يَبْدُو - فَبَيْنَا هُوَ يَسِيْرُ، سَمِعَ فِي طَرَفِ سَوْطِهِ كَالتَّسْبِيْحِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَخِيْهِ: لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا، كَذَّبُوْنَا. فَقَالَ: المُكَذِّبُ أَكْذَبُ النَّاسِ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ يَبْدُو، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، أَدْلَجَ عَلَى فَرَسِهِ، فَرُبَّمَا نَوَّرَ لَهُ سَوْطُهُ، فَأَدْلَجَ لَيْلَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ القُبُوْرِ، هَوَّمَ (3) عَلَى فَرَسِهِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ أَهْلَ القُبُوْرِ، صَاحِبَ كُلِّ قَبْرٍ جَالِساً عَلَى قَبْرِهِ، فَلَمَّا رَأَوْنِي، قَالُوا: هَذَا مُطَرِّفٌ يَأْتِي الجُمُعَةَ. قُلْتُ: أَتُعَلِّمُوْنَ عِنْدَكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، نَعْلم مَا تَقُوْلُ الطَّيْرُ فِيْهِ. قُلْتُ: وَمَا تَقُوْلُ الطَّيْرُ؟ قَالُوا: تَقُوْلُ: سَلاَمٌ سَلاَمٌ مِنْ يَوْمٍ صَالِحٍ. إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ (4) . عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ   (1) في الحلية 2 / 205. (2) المصدر السابق. (3) هوم: هز رأسه من النعاس أو نام نوما خفيفا. (4) الحلية 2 / 205، وانظر الزهد لأحمد 246. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 البُنَانِيِّ، وَرَجُلٍ آخَرَ: أَنَّهُمَا دَخَلاَ عَلَى مُطَرِّفٍ وَهُوَ مُغْمَىً عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَطَعَتْ مَعَهُ ثَلاَثَةُ أَنْوَارٍ: نُوْرٌ مِنْ رَأْسِهِ، وَنُوْرٌ مِنْ وَسَطِهِ، وَنُوْرٌ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ، فَأَفَاقَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: صَالِحٌ. فَقِيْلَ: لَقَدْ رَأَيْنَا شَيْئاً هَالَنَا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْنَا: أَنْوَارٌ سَطَعَتْ مِنْكَ. قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُم ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: تِلْكَ تَنْزِيْلُ السَّجْدَةِ، وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ آيَةً، سَطَعَ أَوَّلُهَا مِنْ رَأْسِي، وَوَسَطُهَا مِنْ وَسَطِي، وَآخِرُهَا مِنْ قَدَمَيَّ، وَقَدْ صُوِّرَتْ تَشْفَعُ لِي، فَهَذِهِ ثَوَابِيَّةٌ تَحْرُسُنِي (1) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْضَ عَنَّا، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ عَنَّا، فَاعْفُ عَنَّا، فَإِنَّ المَوْلَى قَدْ يَعْفُو عَنْ عَبْدِهِ، وَهُوَ عَنْهُ غَيْرُ رَاضٍ (2) . وَعَنْ مُطَرِّفٍ: أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ: يَا أَبَا فُلاَنٍ، إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ، فَلاَ تُكَلِّمْنِي، وَاكْتُبْهَا فِي رُقْعَةٍ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى فِي وَجْهِكَ ذُلَّ السُّؤَالِ (3) . رَوَى: أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ أَخَاهُ أَوْصَى أَنْ لاَ يُؤْذِنَ بِجَنَازَتِهِ أَحَداً (4) . وَكَانَ يَزِيْدُ أَخُو مُطَرِّفٍ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ، عَاشَ بَعْد أَخِيْهِ أَعْوَاماً. ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: لَقِيْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا بَطَّأَ بِكَ؟ أَحُبُّ عُثْمَانَ؟ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ كَانَ أَوْصَلَنَا لِلرَّحِمِ، وَأَتْقَانَا لِلرَّبِّ. وَقَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: قَالَ مُطَرِّفٌ: لَقَدْ كَادَ خَوْفُ النَّارِ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَسْأَلَ اللهَ الجَنَّةَ (5) .   1) انظر ابن سعد 7 / 146، وهوفي الحلية 2 / 206، ولفظه: " فهذا ثوبها يحرسني ". (2) الحلية 2 / 207 وانظر الزهد لأحمد 240. (3) انظر الحلية 2 / 210. (4) ابن سعد 7 / 145. (5) الزهد لأحمد 239. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي كَذَبْتُ كِذْبَةً وَأَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ أَخَذَهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: أَتَتِ الحَرُوْرِيَّةُ مُطَرِّفَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى رَأْيِهِم، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، لَوْ كَانَ لِي نَفْسَانِ، بَايَعْتُكُم بِإِحْدَاهُمَا، وَأَمْسَكْتُ الأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقُوْلُوْنَ هُدَىً، أَتْبَعْتُهَا الأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ ضَلاَلَةً، هَلَكَتْ نَفْسٌ وَبَقِيَتْ لِي نَفْسٌ، وَلَكِنْ هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ لاَ أُغِرِّرُ بِهَا (1) . قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ مُطَرِّفٌ: لأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ (2) أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: كَانَ مُطَرِّفٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ، سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَةُ بَيْتِهِ (3) . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ مُطَرِّفٌ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، قَالَ لِرَجُلٍ: إِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ فَأَرِنَا بِهِ. فَمَاتَ مَكَانَهُ (4) . وَقَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: عَنْ غَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ: حَبَسَ السُّلْطَانُ ابْنَ أَخِي مُطَرِّفٍ، فَلَبِسَ مُطَرِّفٌ خُلْقَانَ ثِيَابِهِ، وَأَخَذَ عُكَّازاً، وَقَالَ: أَسْتكِيْنُ (5) لِرَبِّي، لَعَلَّهُ أَنْ يُشَفِّعَنِي فِي ابْنِ أَخِي. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (6) : مَاتَ مُطَرِّفٌ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ فِي وَفَاتِهِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا مَضَى.   (1) ابن سعد 7 / 143. (2) ساقط من الأصل، والخبر في " ابن سعد " 7 / 144 والحلية 2 / 200. (3) الحلية 2 / 205، 206. (4) انظره مطولا في " ابن عساكر " 16 / 290 آولفظه " إن كان كذب علي فأرني به ". (5) وفي رواية لابن عساكر (أتمسكن) والخبر فيه 16 / 290 ب. (6) في طبقاته 1 / 467. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 78 - زَيْدُ بنُ وَهْبٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الجُهَنِيُّ الكُوْفِيُّ * الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سُلَيْمَانَ الجُهَنِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُخَضرَمٌ قَدِيْمٌ. ارْتَحَلَ إِلَى لِقَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصُحْبَتِهِ، فَقُبِضَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَيْدٌ فِي الطَّرِيْقِ - عَلَى مَا بَلَغَنَا -. سَمِع: عُمَرَ، وَعَلِيّاً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ، وَأَبَا ذَرٍّ الغِفَارِيَّ، وَحُذَيْفَةَ بنَ اليَمَانِ، وَطَائِفَةً. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: بَعْد وَقْعَةِ الجَمَاجِمِ (1) ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ مَشَاهِدَهُ. وَغَزَا فِي أَيَّامِ عُمَرَ أَذْرَبِيْجَانَ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: رَأَيْتُهُ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ. 79 - حَفْصُ بنُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ القُرَشِيُّ ** (ع) العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 102، طبقات خليفة ت 1149، تاريخ البخاري 3 / 407، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 574، الحلية 4 / 171، الاستيعاب ت 861، أسد الغابة 2 / 243، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 205، تهذيب الكمال ص 458، تاريخ الإسلام 3 / 251 و369، تذكرة الحفاظ 1 / 62، تذهيب التهذيب 1 / 255، غاية النهاية ت 1309، الإصابة ت 3001، تهذيب التهذيب 3 / 427، النجوم الزاهرة 1 / 201، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 25، خلاصة تذهيب التهذيب 129. (1) دير الجماجم: بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة، وعند هذا الموضع كانت الوقعة بين الحجاج وابن الاشعث التي كسر فيها ابن الاشعث وقتل القراء. انظر أخبارها في " الطبري " 6 / 357. (2) في الطبقات 6 / 102، 103. (* *) طبقات خليفة ت 2121، تاريخ البخاري 2 / 359، المعارف 188، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 184، تهذيب الكمال ص 303، تاريخ الإسلام 3 / 359، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُحَيْنَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ المُعَلَّى، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عُمَرُ، وَعِيْسَى، وَرَبَاحٌ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَقَرَابَتُهُ؛ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّانِ، وَخُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مِنْ سَرَوَاتِ الرِّجَالِ. مُتَّفَقٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ. 80 - أَيُّوْبُ القِرِّيَّةُ أَيُّوْبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ النَّمَرِيُّ * هُوَ: أَيُّوْبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسِ بنِ زُرَارَةَ النَّمَرِيُّ، الهِلاَلِيُّ، الأَعْرَابِيُّ. صَحِبَ الحَجَّاجَ، وَوَفَدَ عَلَى الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. وَكَانَ رَأْساً فِي البَلاَغَةِ، وَالبَيَانِ، وَاللُّغَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ؛ لأَنَّ الحَجَّاجَ نَفَّذَهُ إِلَى ابْنِ الأَشْعَثِ إِلَى سِجِسْتَانَ رَسُوْلاً. فَأَمَرَهُ ابْنُ الأَشْعَثِ أَنْ يَقُوْمَ وَيَسُبَّ الحَجَّاجَ، وَيَخْلَعَهُ، أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ، فَفَعَلَ مُكْرَهاً. ثُمَّ أُسِرَ أَيُّوْبُ، وَلَمَّا ضَرَبَ الحَجَّاجُ عُنُقَهُ، نَدِمَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَلَهُ كَلاَمٌ بَلِيْغٌ مُتَدَاوَلٌ (1) .   = تذهيب التهذيب 1 / 162 ب، البداية والنهاية 9 / 93، تهذيب التهذيب 2 / 402، خلاصة تذهيب التهذيب 87. (*) المعارف 404، تاريخ الطبري 6 / 385، تاريخ ابن عساكر 3 / 148 آ، تاريخ ابن الأثير 4 / 498، تهذيب الكمال ص 1133، تاريخ الإسلام 3 / 242، العبر 1 / 97، البداية والنهاية 9 / 52 و54، النجوم الزاهرة 1 / 207، شذرات الذهب 1 / 93، تهذيب ابن عساكر 3 / 219 وفيه تصحف إلى " أيوب بن زيد " وقد كرر المؤلف ترجمته ص 346. (1) ومن كلامه ما جاء في " عيون الاخبار " 3 / 69 أن الحجاج قال لايوب: اخطب علي هند بنت أسماء ولا تزد على ثلاث كلمات، فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والامير = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 81 - قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ * (ع) العَالِمُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الأَحْمَسِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: حُصَيْنُ بنُ عَوْفٍ. وَقِيْلَ: عَوْفُ بنُ عَبْدِ الحَارِثِ بنِ عَوْفِ بنِ حُشَيْشِ بنِ هِلاَلٍ. وَفِي نَسَبِهِ اخْتِلاَفٌ. وَبَجِيْلَةُ: هُمْ بَنُوْ أَنْمَارٍ. أَسْلَمَ، وَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُبَايِعَهُ، فَقُبِضَ نَبِيُّ اللهِ وَقَيْسٌ فِي الطَّرِيْقِ، وَلأَبِيْهِ أَبِي حَازِمٍ صُحْبَةٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ لِقَيْسٍ صُحْبَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ. رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَخَالِدٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَخَبَّابٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَمُعَاذٍ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَعَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ، وَالمُغِيْرَةِ، وَبِلاَلٍ، وَجَرِيْرٍ، وَعَدِيِّ بنِ عُمَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ عُقْبَةَ بنِ عَمْرٍو، وَخَلْقٍ.   = يعطيكم ما تسألون، أفتنكحون أم تردون؟ قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. ولما أراد الحجاج أن يطلقها أمر ابن القرية أن يأتيها فيطلقها بكلمتين ويمتعها بعشرة آلاف درهم، فأتاها فقال لها: إن الحجاج يقول لك، كنت فبنت وهذه عشرة آلاف متعة لك. فقالت: قل له: كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه العشرة آلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي " عيون الاخبار 2 / 209. (*) طبقات ابن سعد 6 / 67، طبقات خليفة ت 1087، تاريخ البخاري 7 / 145، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 102، الاستيعاب ت 2126، تاريخ بغداد 12 / 452، تاريخ ابن عساكر 14 / 235 آ، أسد الغابة 4 / 211، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 61، تهذيب الكمال ص 1134، تاريخ الإسلام 4 / 46، تذكرة الحفاظ 1 / 57، العبر 1 / 115، تذهيب التهذيب 3 / 162 آ، الإصابة ت 7274 و7295، تهذيب التهذيب 8 / 386، النجوم الزاهرة 1 / 241، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 22، خلاصة تذهيب التهذيب 317، شذرات الذهب 1 / 112. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وَعَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ شُبَيْلٍ (1) ، وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَمُجَالِدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ قَاضِي سِجِسْتَانَ - إِنْ صَحَّ - وَعِيْسَى بنُ المُسَيِّبِ البَجَلِيُّ، وَالمُسَيَّبُ بنُ رَافِعٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: رَوَى عَنْ بِلاَلٍ، وَلَمْ يَلْقَهُ. وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلاَ سَلْمَانَ. وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَرْوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَجْوَدُ التَّابِعِيْنَ إِسْنَاداً قَيْسٌ. وَقَدْ رَوَى عَنْ تِسْعَةٍ مِنَ العَشْرَةِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: أَدْرَكَ قَيْسٌ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ، وَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ مُتْقِنُ الرِّوَايَةِ؛ وَقَدْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِيْهِ، فَمِنْهُم: مَنْ رَفَعَ قَدْرَهُ، وَعَظَّمَهُ، وَجَعَلَ الأَحَادِيْثَ عَنْهُ مِنْ أَصَحِّ الأَسَانِيْدِ. وَمِنْهُم: مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ. وَالَّذِيْنَ أَطْرَوْهُ حَمَلُوا عَنْهُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُم غَيْرُ مَنَاكِيْرَ، وَقَالُوا: هِيَ غَرَائِبُ. وَمِنْهُم: مَنْ لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الحَدِيْثِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِهِ، وَقَالُوا: كَانَ يَحْمِلُ عَلَى عَلِيٍّ. وَالمَشْهُوْرُ: أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ، وَلِذَلِكَ تَجَنَّبَ كَثِيْرٌ مِنْ قُدَمَاءِ الكُوْفِيِّيْنَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ.   (1) ويقال: شبل. (2) تاريخ بغداد 12 / 454. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَعَ شُهْرَتِهِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ كَبِيْرُ أَحَدٍ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَ هَؤُلاَءِ. وَأَرْوَاهُم عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ - وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً - وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ - وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً - ... ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً (1) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: هُوَ كُوْفِيٌّ جَلِيْلٌ، لَيْسَ فِي التَّابِعِيْنَ أَحَدٌ رَوَى عَنِ العَشْرَة إِلاَّ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ (2) . وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ أَوْثَقُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَمِنَ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ (3) . وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، أَنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ قَالَ لَهُ: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ يَحْيَى أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ، مِنْهَا: حَدِيْثُ (كِلاَبِ الحَوْأَبِ (4)) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ يَقُوْلُ لابْنِ نُمَيْرٍ: يَا أَبَا هِشَامٍ، أَمَا تَذْكُرُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ وَهُوَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ،   (1) ابن عساكر 14 / 238 ب. (2) تاريخ بغداد 12 / 454. (3) تاريخ بغداد 12 / 455. (4) الحوأب: موضع بئر بين مكة والبصرة، نبحت كلابه على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عند مقبلها إلى البصرة في وقعة الجمل، وحديثها أخرجه أحمد 6 / 52 و97 من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقبلت عائشة بغلت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، وقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عزو جل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: " كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب " وإسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 هَذِهِ الأُسْطُوَانَةَ - يَعْنِي: أَنَّهُ فِي الثِّقَةِ مِثْلُ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ (1) -. وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي غَنِيَّةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: كَبِرَ قَيْسٌ حَتَّى جَازَ المائَةَ بِسِنِيْنَ كَثِيْرَةٍ، حَتَّى خَرِفَ، وَذَهَبَ عَقْلُهُ. قَالَ: فَاشْتَرَوْا لَهُ جَارِيَةً سَوْدَاءَ أَعْجَمِيَّةً. قَالَ: وَجُعِلَ فِي عُنُقِهَا قَلاَئِدُ مِنْ عِهْنٍ وَوَدَعٍ وَأَجْرَاسٍ مِنْ نُحَاسٍ، فَجُعِلَتْ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَأُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ. قَالَ: وَكُنَّا نَطَّلِعُ إِلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ البَابِ وَهُوَ مَعَهَا. قَالَ: فَيَأْخُذُ تِلْكَ القَلاَئِدَ بِيَدِهِ، فَيُحَرِّكُهَا، وَيَعْجَبُ مِنْهَا، وَيَضْحَكُ فِي وَجْهِهَا. رَوَاهَا: يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيُّ، عَنْ يَحْيَى (2) . رَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَشَذَّ الفَلاَّسُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَلاَ عِبْرَةَ بِمَا رَوَاهُ: حَفْصُ بنُ سَلْمٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ - فَقَدِ اتُّهِمَ - عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ مَعَ أَبِي، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِيْنَ. فَهَذَا لَوْ صَحَّ، لَكَانَ قَيْسٌ هَذَا هُوَ قَيْسُ بنُ عَائِذٍ صَحَابِيٌّ صَغِيْرٌ (3) ، فَإِنَّ قَيْسَ بنَ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبَايِعَهُ، فَجِئْتُ وَقَدْ قُبِضَ. رَوَاهُ: السَّرِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْهُ (4) . وَقِيْلَ: كَانَ قَيْسٌ فِي جَيْشِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، إِذْ قَدِمَ الشَّامَ عَلَى بَرِّيَّةِ السَّمَاوَةِ.   (1) الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 102، وتاريخ بغداد 12 / 454. (2) تاريخ بغداد 12 / 455. (3) هو أبو كاهل الاحمسي، مرت ترجمته في الجزء الثالث، وهوفي الاستيعاب ت 3142، وأسد الغابة 4 / 221، والاصابة كنى ت 956. (4) انظر أسد الغابة 4 / 211 فقد نبه ابن الأثير على ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 وَرَوَى: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: أَمَّنَا خَالِدٌ بِاليَرْمُوْكِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (1) . وَرَوَى: مُجَالِدٌ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ تُرَوِّحُهُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَشْمٍ فِي ذِرَاعِهَا، فَقَالَ لأَبِي: يَا أَبَا حَازِمٍ، قَدْ أَجَزْتُ لَكَ فَرَسَكَ (2) . 82 - العَلاَءُ بنُ زِيَادِ بنِ مَطَرِ بنِ شُرَيْحٍ العَدَوِيُّ * (ق) القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو نَصْرٍ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ. أَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَ عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَعِيَاضِ بنِ حِمَارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ، وَأَسِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَأَوْفَى بنُ دِلْهَمٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ رَبَّانِيّاً، تَقِيّاً، قَانِتاً للهِ، بَكَّاءً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ العَلاَءُ بنُ زِيَادٍ قَدْ بَكَى حَتَّى غَشِيَ بَصَرُهُ، وَكَانَ إِذَا   (1) زاد ابن عساكر 14 / 235 ب "..قد خالف بين طرفيه وخلفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ". (2) لفظ ابن عساكر 14 / 237 ب هكذا: " قد أجزت لك فرسيك، قال: وكان وعدني ووعد أبي فرسا ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 217، الزهد لأحمد 252، طبقات خليفة ت 1633، تاريخ البخاري 6 / 507، المعرفة والتاريخ 2 / 93، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 355، الحلية 2 / 242، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 342، تهذيب الكمال ص 1074، تاريخ الإسلام 4 / 41، تذهيب التهذيب 3 / 123 ب، البداية والنهاية 9 / 26، تهذيب التهذيب 8 / 181، النجوم الزاهرة 1 / 202، خلاصة تذهيب التهذيب 299. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَتَكَلَّمَ، جَهَشَهُ البُكَاءُ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ بَكَى حَتَّى عَمِيَ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: كَانَ قُوْتُ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ رَغِيْفاً كُلَّ يَوْمٍ. وَقَالَ أَوْفَى بنُ دِلْهَمٍ: وَكَانَ لِلْعَلاَءِ بنِ زِيَادٍ مَالٌ وَرَقِيْقٌ، فَأَعْتَقَ بَعْضَهُم، وَبَاعَ بَعْضَهُم، وَتَعَبَّدَ، وَبَالَغَ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَتَذَلَّلُ للهِ، لَعَلَّهُ يَرْحَمُنِي (1) . وَعَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ العَلاَءَ بنَ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: ائْتِ العَلاَءَ بنَ زِيَادٍ، فَقُلْ لَهُ: لِمَ تَبْكِي؟ قَدْ غُفِرَ لَكَ. قَالَ: فَبَكَى، وَقَالَ: الآنَ حِيْنَ لاَ أَهْدَأُ. وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ سَعِيْدٍ: رُؤِيَ العَلاَءُ بنُ زِيَادٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَمَكَثَ ثَلاَثاً لاَ تَرْقَأُ لَهُ دَمْعَةٌ، وَلاَ يَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلاَ يَذُوْقُ طَعَاماً. فَأَتَاهُ الحَسَنُ، فَقَالَ: أَيْ أَخِي، أَتَقْتُلُ نَفْسَكَ أَنْ بُشِّرْتَ بِالجَنَّةِ! فَازْدَادَ بُكَاءً، فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى أَمْسَى، وَكَانَ صَائِماً، فَطَعِمَ شَيْئاً. رَوَاهَا: عُبَيْدُ اللهِ العَنْسِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسَأَلَ هِشَامَ بنَ زِيَادٍ العَدَوِيَّ، فَقَالَ: تَجَهَّزَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لِلْحَجِّ، فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ: ائْتِ البَصْرَةَ، فَائْتِ العَلاَءَ بنَ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ، أَقْصَمُ الثَّنِيَّةِ، بَسَّامٌ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ. فَقَالَ: رُؤْيَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ. فَأَتَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ، وَجَاءهُ بِوَعِيْدٍ، فَأَصْبَحَ، وَتَجَهَّزَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البُيُوْتِ، إِذَا الَّذِي أَتَاهُ فِي مَنَامَهِ يَسِيْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا نَزَلَ فَقَدَهُ. قَالَ: فَجَاءَ، فَوَقَفَ عَلَى بَابِ العَلاَءِ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ العَلاَءُ؟ قُلْتُ: لاَ، انْزِلْ - رَحِمَكَ اللهُ - فَضَعْ رَحْلَكَ. قَالَ: لاَ، أَيْنَ العَلاَءُ؟ قُلْتُ: فِي المَسْجِدِ. فَجَاءَ العَلاَءُ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَ، تَبَسَّمَ، فَبَدَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَقَالَ: هَذَا - وَالله - هُوَ. فَقَالَ العَلاَءُ: هَلاَّ حَطَطْتَ رَحْلَ   (1) انظر الحلية 2 / 243. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الرَّجُلِ، أَلاَ أَنْزَلْتَهُ! قَالَ: قُلْتُ لَهُ، فَأَبَى. قَالَ العَلاَءُ: انْزِلْ - رَحِمَكَ اللهُ -. قَالَ: أَخْلِنِي. فَدَخَلَ العَلاَءُ مَنْزِلَهُ، وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ، تَحَوَّلِي. فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَبَشَّرَهُ بِرُؤْيَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَرَكِبَ، وَأَغْلَقَ العَلاَءُ بَابَهُ، وَبَكَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ -أَوْ قَالَ: سَبْعَةً- لاَ يَذُوْقُ فِيْهَا طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً. فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي خِلاَلِ بُكَائِهِ: أَنَا، أَنَا. وَكُنَّا نَهَابُهُ أَنْ نَفْتَحَ بَابَهُ، وَخَشِيْتُ أَنْ يَمُوْتَ، فَأَتَيْتُ الحَسَنَ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَجَاءَ، فَدَقَّ عَلَيْهِ، فَفَتَحَ، وَبِهِ مِنَ الضُّرِّ شَيْءٌ اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ. ثُمَّ كَلَّمَ الحَسَنَ؛ فَقَالَ: وَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - أَفَقَاتِلٌ نَفْسَكَ أَنْتَ؟ قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنَا العَلاَءُ - لِي وَللْحَسَنِ - بِالرُّؤْيَا، وَقَالَ: لاَ تُحَدِّثُوا بِهَا مَا كُنْتُ حَيّاً (1) . قَتَادَةُ: عَنِ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: مَا يَضُرُّكَ شَهِدْتَ عَلَى مُسْلِمٍ بِكُفْرٍ، أَوْ قَتَلْتَهُ (2) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: كَانَ العَلاَءُ يَصُوْمُ حَتَّى يَخْضَرَّ، وَيُصَلِّي حَتَّى يَسْقُطَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسٌ وَالحَسَنُ، فَقَالاَ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْكَ بِهَذَا كُلِّهِ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أُخْبِرْتُ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ الحَسَنِ عَلَى العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، وَقَدْ أَسَلَّهُ الحُزْنُ، وَكَانَتْ لَهُ أُخْتٌ تَنْدِفُ عَلَيْهِ القُطْنَ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا عَلاَءُ؟ قَالَ: وَاحُزْنَاهُ عَلَى الحُزْنِ (4) . حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنِ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ فِي النَّوْمِ، يَتْبَعُوْنَ شَيْئاً، فَتَبِعْتُهُ، فَإِذَا عَجُوْزٌ كَبِيْرَةٌ هَتْمَاءُ عَوْرَاءُ، عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ حِلْيَةٍ   (1) رواها أبو نعيم في الحلية 2 / 245، 246. (2) المصدر السابق. (3) الحلية 2 / 243. (4) الحلية 2 / 242. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وَزِيْنَةٍ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الدُّنْيَا. قُلْتُ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَغِّضَكِ إِلَيَّ. قَالَتْ: نَعَمْ، إِنْ أَبْغَضْتَ الدَّرَاهِمَ (1) . رَوَى: الحَارِثُ بنُ نَبْهَانَ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ، عَنِ العَلاَءِ، بِنَحْوِهِ. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ زِيَادٍ أَخُو العَلاَءِ: أَنَّ العَلاَءَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَنَامَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ، فَأَتَاهُ مَنْ أَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ، فَقَالَ: قُمْ يَا ابْنَ زِيَادٍ، فَاذْكُرِ اللهَ يَذْكُرْكَ. فَقَامَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الشَّعْرَاتُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ قَائِمَةً حَتَّى مَاتَ (2) . قَالَ البُخَارِيُّ فِي تَفْسِيْر (حم، المُؤْمِنُ) فِي: {لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزُّمَرُ: 53] : رَوَى: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ الدُّنْيَا عَجُوْزاً شَوْهَاءَ هَتْمَاءَ، عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِيْنَةٍ وَحِلْيَةٍ، وَالنَّاسُ يَتْبَعُوْنَهَا، قُلْتُ: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: الدُّنْيَا ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ (3) . ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَنَّ العَلاَءَ بنَ زِيَادٍ تُوُفِّيَ فِي أَخَرَةِ وِلاَيَةِ الحَجَّاجِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخْبَرَكُم يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا فَارُوْقٌ وَحَبِيْبُ بنُ الحَسَنِ فِي جَمَاعَةٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو   (1) المعرفة والتاريخ 2 / 93، والحلية 2 / 243، 244. (2) الحلية 2 / 244. (3) الذي في صحيح البخاري 8 / 426 في تفسير سورة المؤمن: وكان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل: لم تقنط الناس؟ قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس! والله عزوجل يقول: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) ويقول: (وإن المسرفين هم أصحاب النار) ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا بالجنة لمن أطاعه ومنذرا بالنار لمن عصاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 بنُ مَرْزُوْقٍ، أَنْبَأَنَا عِمْرَانُ القَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الجَنَّةُ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ) . رَوَاهُ: مَطَرٌ الوَرَّاقُ، عَنِ العَلاَءِ، مِثْلَهُ. إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ (1) . فَأَمَّا (العَلاَءُ بنُ زِيَادٍ) : فَشَيْخٌ آخَرُ، بَصْرِيٌّ، يَرْوِي عَنِ: الحُسَيْنِ، رَوَى عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، رَوَى لَهُ: النَّسَائِيُّ. وَقَدْ جَعَلَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ الحَافِظُ التَّرْجَمَتَيْنِ وَاحِدَةً، وَلاَ يَسْتقِيْمُ ذَلِكَ. 83 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَعْقِلِ بن مُقَرِّنٍ المُزَنِيُّ * (خَ، م، د، س) الإِمَامُ، أَبُو الوَلِيْدِ المُزَنِيُّ، الكُوْفِيُّ. لأَبِيْهِ صُحْبَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ سُلَيْمَانُ بنُ فَيْرُوْزٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. ذَكَرَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ التَّابِعِيْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. 84 - عَبْدُ اللهِ بنُ مَعْبَدٍ الزَّمَّانِيُّ ** (م، 4) بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، جَلِيْلٌ.   (1) الحلية 2 / 248، وهوفي المسند 2 / 362 من طريق أبي داود الطيالسي عن عمران به. * طبقات ابن سعد 6 / 175، طبقات خليفة ت 1097، تاريخ البخاري 5 / 195، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 169، تهذيب الكمال ص 746، تذهيب التهذيب 2 / 189 ب، تاريخ الإسلام 3 / 270، الإصابة ت 6643، تهذيب التهذيب 6 / 40، خلاصة تذهيب التهذيب 215. (* *) طبقات خليفة 1716 وفيه تصحف (معبد) إلى (معبد) تاريخ البخاري 5 / 198، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 رَوَى عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. مَاتَ: قَبْلَ المائَةِ. 85 - أَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعُ بنُ مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. كَانَ مَوْلَىً لامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رِيَاحِ بنِ يَرْبُوْعٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ. أَدْرَك زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ شَابٌّ، وَأَسْلَمَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ. وَسَمِعَ مِنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعِدَّةٍ. وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَقَرَأَهُ عَلَى: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَتَصَدَّرَ لإِفَادَةِ العِلْمِ، وَبعُدَ صِيْتُهُ. قَرَأَ عَلَيْهِ: أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ - فِيْمَا قِيْلَ - وَمَا ذَاكَ بِبَعِيْدٍ فَإِنَّهُ تَمِيْمِيٌّ،   = الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 173، تهذيب الكمال ص 745، تذهيب التهذيب 2 / 189 آ، تاريخ الإسلام 3 / 270، تهذيب التهذيب 6 / 40، خلاصة تذهيب التهذيب 215. (*) طبقات ابن سعد 7 / 112، الزهد لأحمد 302، طبقات خليفة ت 1634، تاريخ البخاري 3 / 326، المعارف 454، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 510، الحلية 2 / 217، تاريخ أصبهان 1 / 314، طبقات الفقهاء للشيرازي 88، تاريخ ابن عساكر 6 / 131 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 251، تهذيب الكمال ص 417 و1625، تذكرة الحفاظ 1 / 58، تاريخ الإسلام 3 / 319 و4 / 79، العبر 1 / 108، تذهيب التهذيب 1 / 226 ب، و4 / 219 ب، غاية النهاية ت 1272، الإصابة ت 2740 وكنى ت 838، تهذيب التهذيب 3 / 284، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 22، خلاصة تذهيب التهذيب 119، طبقات المفسرين 1 / 172، شذرات الذهب 1 / 102، تهذيب ابن عساكر 5 / 326. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 وَكَانَ مَعَهُ بِبَلَدِهِ، وَأَدْرَكَ مِنْ حَيَاةِ أَبِي العَالِيَةِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ أَبُو العَالِيَةِ القِرَاءةَ عَرْضاً (1) عَنْ: أُبَيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُقَالُ: قَرَأَ عَلَى عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ القِرَاءةَ عَرْضاً: شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: قَرَأْتُ القُرْآنَ بَعْد وَفَاةِ نَبِيِّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ سِنِيْنَ (2) . وَرَوَى: مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو العَالِيَةِ: قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَلاَثَ مِرَارٍ (3) . وَعَنْ أَبِي خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرْفَعُنِي عَلَى السَّرِيْرِ، وَقُرَيْشٌ أَسْفَلَ مِنَ السَّرِيْرِ، فَتَغَامَزَتْ بِي قُرَيْشٌ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا العِلْمُ يَزِيْدُ الشَّرِيْفَ شَرَفاً، وَيُجْلِسُ المَمْلُوْكَ عَلَى الأَسِرَّةِ (4) . قُلْتُ: هَذَا كَانَ سَرِيْرَ دَارِ الإِمْرَةِ، لَمَّا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُتَوَلِّيَهَا لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: وَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ مِنْ أَبِي العَالِيَةِ، وَبَعْدَهُ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ. وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا العَالِيَةِ: الحَافِظَانِ؛ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ.   (1) القراءة على الشيخ حفظا أو من كتاب يسمى عندهم عرضا. (2) ابن سعد 7 / 113. (3) ابن عساكر 6 / 134 آ. (4) ابن عساكر 6 / 135 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 قَالَ خَالِدٌ أَبُو المُهَاجِرِ: عَنْ أَبِي العَالِيَةِ: كُنْتُ بِالشَّامِ مَعَ أَبِي ذَرٍّ. وَقَالَ أَبُو خَلْدَةَ خَالِدُ بنُ دِيْنَارٍ: سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةِ يَقُوْلُ: كُنَّا عَبِيْداً مَمْلُوْكِيْنَ، مِنَّا مَنْ يُؤَدِّي الضَّرَائِبَ، وَمِنَّا مَنْ يَخْدُمُ أَهْلَهُ، فَكُنَّا نَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَشَقَّ عَلَيْنَا، حَتَّى شَكَا بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَلَقِيْنَا أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَّمُوْنَا أَنْ نَخْتِمَ كُلَّ جُمُعَةٍ، فَصَلَّيْنَا، وَنِمْنَا، وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْنَا (1) . قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: ذُكِرَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ لأَبِي العَالِيَةِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَدْرَكْنَا الخَيْرَ، وَتَعَلَّمْنَا قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ. وَكُنْتُ آتِي ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَمِيْرُ البَصْرَةِ، فَيُجْلِسُنِي عَلَى السَّرِيْرِ، وَقُرَيْشٌ أَسْفَلُ. وَرَوَى: جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَشْبَهُ أَهْلِ البَصْرَةِ عِلْماً بِإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ أَبُو العَالِيَةِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: كُنْتُ أَرْحَلُ إِلَى الرَّجُلِ مَسِيْرَةَ أَيَّامٍ لأَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَتَفَقَّدُ صَلاَتَهُ، فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُحْسِنُهَا، أَقَمْتُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَجِدْهُ يُضِيِّعُهَا، رَحَلْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَقُلْتُ: هُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ (2) . قَالَ شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ: حَابَيْتُ أَبَا العَالِيَةِ فِي ثَوْبٍ، فَأَبَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي الثَّوْبَ. قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: لَمَّا كَانَ زَمَانُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَإِنِّي لَشَابٌّ، القِتَالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، فَتَجَهَّزْتُ بِجَهَازٍ حَسَنٍ حَتَّى أَتَيْتُهُم، فَإِذَا صَفَّانِ مَا يُرَى طَرَفَاهُمَا، إِذَا كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، وَإِذَا هَلَّلَ   (1) ابن سعد 7 / 113. (2) الحلية 2 / 220. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 هَؤُلاَءِ، هَلَّلَ هَؤُلاَءِ، فَرَاجَعْتُ نَفْسِي، فَقُلْتُ: أَيُّ الفَرِيْقَيْنِ أُنَزِّلُهُ كَافِراً؟ وَمَنْ أَكْرَهَنِي عَلَى هَذَا؟ قَالَ: فَمَا أَمْسَيْتُ حَتَّى رَجَعْتُ، وَتَرَكْتُهُم (1) . قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: كَانَ أَبُو العَالِيَةِ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، قَامَ، فَتَرَكَهُم (2) . مَعْمَرٌ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: أَنْتُم أَكْثَرُ صَلاَةً وَصِيَاماً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُم، وَلَكِنَّ الكَذِبَ قَدْ جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِكُم. زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: تَعَلَّمْتُ الكِتَابَةَ وَالقُرْآنَ، فَمَا شَعَرَ بِي أَهْلِي، وَلاَ رُئِيَ فِي ثَوْبِي مِدَادٌ قَطُّ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَاصِماً الأَحْوَلَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَإِذَا تَعْلَّمْتُمُوْهُ، فَلاَ تَرْغَبُوا عَنْهُ، وَإِيَّاكُم وَهَذِهِ الأَهْوَاءَ، فَإِنَّهَا (4) تُوْقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ بَيْنَكُم، فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ -يَعْنِي: عُثْمَانَ- بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ الحَسَنَ، فَقَالَ: قَدْ نَصَحَكَ -وَاللهِ- وَصَدَقَكَ (5) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِيْنِي منذُ سِتِّيْنَ، أَوْ سَبْعِيْنَ سَنَةً (6) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ، أَنَّ أَبَا العَالِيَةِ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لاَ يَهْلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ: نِعْمَةٍ يَحْمَدُ اللهُ عَلَيْهَا، وَذَنْبٍ يَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهُ.   (1) ابن سعد 7 / 114. (2) الحلية 2 / 218. (3) الحلية 2 / 217. (4) في الأصل: (فإنكم) وهو تصحيف. (5) الحلية 2 / 218. (6) الحلية 2 / 219. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَقَالَ أَبُو خَلْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةِ يَقُوْلُ: تَعَلَّمُوا القُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ، فَإِنَّهُ أَحْفَظُ عَلَيْكُم، وَجِبْرِيْلُ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ (1) . قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ: أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ (2) . أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو العَالِيَةِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابٌ، يُرَحِّبُ بِهِم، وَيَقْرَأُ: {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِيْنَ يُؤْمِنُوْنَ بِآيَاتِنَا، فَقُلْ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم} ، الآيَةَ [الأَنْعَامُ (3) : 54] . مُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: إِنَّ اللهَ قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ: مَنْ آمَنَ بِهِ هَدَاهُ، وَتَصْدِيْقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التَّغَابُنُ: 11] . وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَتَصْدِيْقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلاَقُ: 3] . وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَازَاهُ، وَتَصْدِيْقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً، فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيْرَةً} [البَقَرَةُ: 245] . وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنْ عَذَابِهِ أَجَارَهُ، وَتَصْدِيْقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {وَاعْتَصِمُوا بَحْبِلِ اللهِ جَمِيْعاً} [آلُ عِمْرَانَ: 103] ، وَالاعْتِصَامُ: الثِّقَةُ بِاللهِ. وَمَنْ دَعَاهُ أَجَابَهُ، وَتَصْدِيْقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي، فَإِنِّي قَرِيْبٌ، أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البَقَرَةُ: 186] (4) .   (1) الحلية 2 / 219، 220. (2) الحلية 2 / 221، وما وراء النهر: أطلقه المسلمون العرب على البلدان التي افتتحوها وراء نهر جيحون، من هذه البلدان وأجلها شأنا: الصغد وبخاري وسمرقند وخوارزم وطشقند انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 476. (3) الحلية 2 / 221. (4) الخبر في الحلية 2 / 221، 222 وما بين الحاصرتين ساقط من الأصل استدركناه منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وَمِنْ مَرَاسِيْلِ أَبِي العَالِيَةِ الَّذِي صَحَّ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ: الأَمْرُ بِإِعَادَةِ الوُضُوْءِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ. وَبِهِ يَقُوْلُ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَدِيْث أَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ -يَعْنِي: مَا يُرْوَى فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلاَةِ-. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، قَالَ: قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: اشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُعْتِقَنِي، فَقَالَ بَنُوْ عَمِّهَا: تُعْتِقِيْنَهُ، فَيَذْهَبَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَيَنْقَطِعَ؟! فَأَتَتْ لِي مَكَاناً فِي المَسْجِدِ، فَقَالَتْ: أَنْتَ سَائِبَةٌ - تُرِيْدُ: لاَ وَلاَء لأَحَدٍ عَلَيْكَ -. قَالَ: فَأَوْصَى أَبُو العَالِيَةِ بِمَالِهِ كُلِّهِ (2) . وَقَالَ أَبُو خَلْدَةَ: عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ مَالٍ، فَثُلُثُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَثُلثُهُ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثُلُثُهُ فِي الفُقَرَاءِ. قُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ مَوَالِيْكَ؟ قَالَ: السَّائِبَةُ يَضَعُ نَفْسَهُ حَيْثُ شَاءَ (3) . هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: قَرَأْتُ المُحْكَمَ بَعْد وَفَاةِ نَبِيِّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ سِنِيْنَ، فَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ بِنِعْمَتَيْنِ، لاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَفَضْلُ: أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي حَرُوْرِيّاً (4) .   (1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3761) ، والدارقطني من طريقه عن معمر، عن قتادة، عن أبي العالية، أن رجلا أعمى تردى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي في أصحابه، فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة. وعبد الرزاق فمن فوقه من رجال الصحيحين. (2) طبقات ابن سعد 7 / 112. (3) انظر الخبر مفصلا في " ابن سعد " 7 / 112، 113. (4) ابن سعد 7 / 113، والحرورية نسبة إلى حروراء، قرية من قرى الكوفة، تجمع بها المحكمة الأولى الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بعد تحكيم الحكمين، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةِ يَقُوْلُ: زَارَنِي عَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ صُوْفٌ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا زِيُّ الرُّهْبَانِ، إِنَّ المُسْلِمِيْنَ إِذَا تَزَاوَرُوا، تَجَمَّلُوا. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: أَنَّ أَبَا العَالِيَةِ أَوْصَى مُوَرِّقاً العِجْلِيَّ أَنْ يَجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيْدَتَيْنِ (1) . وَقَالَ مُوَرِّقٌ: وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يُوْضَعَ فِي قَبْرِهِ جَرِيْدَتَانِ (2) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: مَا تَرَكَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- حِيْنَ رُفِعَ إِلاَ مِدْرَعَةَ صُوْفٍ، وَخُفَّيْ رَاعٍ، وَقَذَّافَةً يَقْذِفُ بِهَا الطَّيْرَ (3) . قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: مَاتَ أَبُو العَالِيَةِ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ (4) ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. وَشَذَّ: المَدَائِنِيُّ، فَوَهِمَ، وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ.   = فاجتمعوا فيها ورأسهم عبد الله بن الكواء، وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية، وعدة فكفروا عليا وتبرؤوا منه فحاربهم بالنهروان فقتلهم وقتل ذا الثدية. ومنهم افترقت فرق الخوارج كلها. انظر " المقالات والفرق " ص 5 و" الملل والنحل " للشهرستاني 1 / 115 وما بعدها. (1) ابن سعد 7 / 117. (2) علقه البخاري 3 / 176 في الجنائز باب الجريدة على القبر، وقد وصله ابن سعد في. الطبقات 7 / 8 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الاحول، قال: قال مورق: أوصاني.. (3) الحلية 2 / 221. (4) في تاريخه الكبير 3 / 326. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 86 - عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ بنِ ظَبْيَانَ السَّدُوْسِيُّ * (خَ، د، ت) البَصْرِيُّ. مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاءِ، لَكِنَّهُ مِنْ رُؤُوْسِ الخَوَارِجِ. حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَقَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ الخَوَارِجِ. ثُمَّ ذَكَرَ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ، وَأَبَا حَسَّانٍ الأَعْرَجَ. قَالَ الفَرَزْدَقُ: عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ مِنْ أَشْعَرِ النَّاسِ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُوْلَ مِثْلَنَا، لَقَالَ، وَلَسْنَا نَقْدِرُ أَنْ نَقُوْلَ مِثْلَ قَوْلِهِ. حَدَّثَ: سَلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: تَزَوَّجَ عِمْرَانُ خَارِجِيَّةً، وَقَالَ: سَأَرُدُّهَا. قَالَ: فَصَرَفَتْهُ إِلَى مَذْهَبِهَا (1) . فَذَكَرَ المَدَائِنِيُّ: أَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، وَكَانَ دَمِيْماً، فَأَعْجَبَتْهُ يَوْماً، فَقَالَتْ: أَنَا وَأَنْتَ فِي الجَنَّةِ، لأَنَّكَ أُعْطِيْتَ، فَشَكَرْتَ، وَابْتُلِيْتُ، فَصَبَرْتُ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ كَانَ ضَيْفاً لِرَوْحِ بنِ زِنْبَاعٍ، فَذَكَرَهُ لِعَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَنَا. فَهَرَبَ، وَكَتَبَ:   (*) طبقات ابن سعد 7 / 155، طبقات خليفة ت 1705، تاريخ البخاري 6 / 413، الكامل للمبرد 3 / 167، وانظر الفهارس، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 296، الاغاني 16 / 152، تهذيب الكمال ص 1060، تاريخ الإسلام 3 / 284، العبر 1 / 98 تذهيب التهذيب 3 / 113 ب، البداية والنهاية 9 / 52، الإصابة ت 6875، تهذيب التهذيب 8 / 127، النجوم الزاهرة 1 / 216، خلاصة تذهيب التهذيب 295، شذرات الذهب 1 / 95، خزانة الأدب بتحقيق هارون 5 / 350. (1) انظر الاغاني 18 / 115 ط الدار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 يَا رَوْحُ! كَمْ مِنْ كَرِيْمٍ قَدْ نَزَلْتُ بِهِ ... قدْ ظَنَّ ظَنَّكَ مِنْ لَخْمٍ وَغَسَّانِ؟ حَتَّى إِذَا خِفْتُهُ، زَايَلْتُ مَنْزِلَهُ ... مِنْ بَعْدِ مَا قِيْلَ عِمْرَانُ بنُ حِطَّانِ قَدْ كنْتُ ضَيْفَكَ حَوْلاً مَا تُرَوِّعُنِي ... فِيْهِ طَوَارِقُ مِنْ إِنْسٍ وَلاَ جَانِ حَتَّى أَرَدْتَ بِيَ العُظْمَى فَأَوْحَشَنِي ... مَا يُوْحِشُ النَّاسَ مِنْ خَوْفِ ابْنِ مَرْوَانِ لَوْ كُنْتُ مُسْتَغْفِراً يَوْماً لِطَاغِيَةٍ ... كُنْتَ المُقَدَّمَ فِي سِرٍّ وَإِعْلاَنِ لَكِنْ أَبَتْ لِي آيَاتٌ مُفَصَّلَةٌ ... عَقْدَ الوِلاَيَةِ فِي (طه) وَ (عِمْرَانِ (1)) وَمِنْ شِعْرِهِ فِي مَصْرَعِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا إِنِّي لأَذْكُرُهُ حِيْناً فَأَحْسِبُهُ ... أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ مِيْزَانَا أَكْرِمْ بِقَوْمٍ بُطُوْنُ الطِّيْرِ قَبْرُهُمُ ... لَمْ يَخْلِطُوا دِيْنَهُم بَغْياً وَعُدْوَانَا (2) فَبَلَغَ شِعْرُهُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ، فَأَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةٌ لِقَرَابَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ   (1) الابيات في " الكامل " للمبرد 3 / 170 وروايته: " يا روح كم من أخي مثوى نزلت به " و" فارقت منزله " و" كنت ضيفك.." و" فيه روائع من إنس ومن جان " و". العظمى فأدركني ما أدرك الناس" " و" كنت المقدم في سري وإعلاني " و" آيات مطهرة " و" عند الولاية " وكذا في الاغاني 18 / 112 ط الدار. (2) الابيات عدا الأخير في الكامل " للمبرد 3 / 169، و" الاغاني " 18 / 111 ط الدار. وقد رد على عمران بن حطان الفقيه الطبري - كما جاء في نسخة من الكامل للمبرد - فقال: يا ضربة من شقي ما أراد بها * إلا ليهدم من ذي العرش بنيانا إني لاذكره يوما فألعنه * إيها وألعن عمران بن حطانا وقال محمد بن أحمد الطبيب يرد على عمران بن حطان: يا ضربة من غدور صار ضاربها * أشقى البرية عند الله إنسانا إذا تفكرت فيه ظلت ألعنه * وألعن الكلب عمران بن حطانا وللسيد الحميري ولغيره قصائد ردوا فيها على عمران، انظرها في ترجمته في الخزانة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 اللهُ عَنْهُ- فَنَذَرَ دَمَهُ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ العُيُوْنَ. فَلَمْ تَحْمِلْهُ أَرْضٌ، فَاسْتَجَارَ بِرَوْحِ بنِ زِنْبَاعٍ، فَأَقَامَ فِي ضِيَافَتِهِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنَ الأَزْدِ. فَبَقِي عِنْدَهُ سَنَةً، فَأَعْجَبَهُ إِعْجَاباً شَدِيْداً، فَسَمَرَ رَوْحٌ لَيْلَةً عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَتَذَاكَرَا شِعْرَ عِمْرَانَ هَذَا. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَوْحٌ، تَحَدَّثَ مَعَ عِمْرَانَ بِمَا جَرَى، فَأَنْشَدَهُ بَقِيَّةَ القَصِيْدِ. فَلَمَّا عَادَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: إِنَّ فِي ضِيَافَتِي رَجُلاً مَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيْثاً قَطُّ إِلاَ وَحَدَّثَنِي بِهِ وَبِأَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَقَدْ أَنْشَدَنِي تِلْكَ القَصِيْدَةَ كُلَّهَا. قَالَ: صِفْهُ لِي. فَوَصَفَهُ لَهُ، قَالَ: إِنَّكَ لَتَصِفُ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ، اعْرِضْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْقَانِي. قَالَ: فَهَرَبَ إِلَى الجَزِيْرَةِ، ثُمَّ لَحِقَ بِعُمَانَ، فَأَكْرَمُوْهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَقِيَنِي عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ، فَقَالَ: يَا أَعْمَى، احْفَظْ عَنِيِّ هَذِهِ الأَبْيَاتَ: حَتَّى مَتَى تُسْقَى النُّفُوْسُ بِكَأْسِهَا ... رَيْبَ المَنُوْنِ، وَأَنْتَ لاَهٍ تَرْتَعُ؟ أَفَقَدْ رَضِيْتَ بِأَنْ تُعَلَّلَ بِالمُنَى ... وَإِلَى المَنِيَّةِ كُلَّ يَوْمٍ تُدْفَعُ؟ أَحْلاَمُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ... إِنَّ اللَّبِيْبَ بِمِثْلِهَا لاَ يُخْدَعُ فَتَزَوَّدَنَّ لِيَوْمِ فَقْرِكَ دَائِباً ... وَاجْمَعْ لِنَفْسِكَ لاَ لِغَيْرِكَ تَجْمَعُ (1) وَبَلَغَنَا أَنَّ الثَّوْرِيَّ كَانَ كَثِيْراً مَا يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ عِمْرَانَ هَذِهِ: أَرَى أَشْقِيَاءَ النَّاسِ لاَ يَسْأَمُوْنَهَا ... عَلَى أَنَّهُمْ فِيْهَا عُرَاةٌ وَجُوَّعُ أَرَاهَا وَإِنْ كَانَتْ تُحِبُّ فَإِنَّهَا ... سَحَابَةُ صَيْفٍ، عَنْ قَلِيْلٍ تَقَشَّعُ كَرَكْبٍ قَضَوْا حَاجَاتِهِم وَتَرَحَّلُوا ... طَرِيْقُهُمُ بَادِي العَلاَمَةِ مَهْيَعُ (2) قَالَ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ الحَافِظُ: تُوُفِّيَ عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.   (1) الابيات في تاريخ الإسلام 3 / 285 وخزانة الأدب بتحقيق هارون 5 / 360، 361. (2) الابيات في تاريخ الإسلام 3 / 286 وخزانة الأدب تحقيق عبد السلام هارون 5 / 361 وفيه: " بادي الغيابة مهيع ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 87 - عَبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأَسَدِيُّ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، القَاضِي، أَبُو يَحْيَى القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ. كَانَ عَظِيْمَ المَنْزِلَةِ عِنْدَ وَالِدِهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى القَضَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانُوا يَظنُّوْنَ أَنَّ أَبَاهُ تَعَهَّدَ إِلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدَّتِهِ؛ أَسْمَاءَ، وَخَالَةِ أَبِيْهِ؛ عَائِشَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ يَحْيَى، وَابْنُ عَمِّهِ؛ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ حَمْزَةَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ حَسَنَةٌ فِي (النَّسَبِ (1)) ، وَلَمْ أَظْفَرْ لَهُ بِوَفَاةٍ. 88 - سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ القُرَشِيُّ المَخْزُوْمِيُّ ** (ع) ابْنِ أَبِي وَهْبٍ بنِ عَمْرِو بنِ عَائِذِ بنِ عِمْرَانَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ، الإِمَامُ، العَلَمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، عَالِمُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ،   (*) طبقات خليفة ت 2240، تاريخ البخاري 6 / 32، المعارف 226، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 82، تهذيب الكمال ص 650، تاريخ الإسلام 3 / 260، تذهيب التهذيب 2 / 120 ب، العقد الثمين 5 / 89، تهذيب التهذيب 5 / 98، خلاصة تذهيب التهذيب 186. (1) " نسب قريش " للزبير بن بكار 1 / 70 تحقيق محمود شاكر. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 119، طبقات خليفة ت 2096، تاريخ البخاري 3 / 510، المعارف 437، المعرفة والتاريخ 1 / 468، الجرح والتعديل القسم الأول المجلد الثاني 59، الحلية 2 / 161، طبقات الفقهاء للشيرازي 57، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 219، وفيات الأعيان 2 / 375، تهذيب الكمال ص 505، تاريخ الإسلام 4 / 4 و188، تذكرة الحفاظ 1 / 51، العبر 1 / 110، تذهيب التهذيب 2 / 28 آ، البداية والنهاية 9 / 99، غاية النهاية ت 1354، تهذيب التهذيب 4 / 84، النجوم الزاهرة 1 / 228، طبقات الحفاظ للسيوطي 17، خلاصة تذهيب التهذيب 143، شذرات الذهب 1 / 102. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 وَسَيِّدُ التَّابِعِيْنَ فِي زَمَانِهِ. وُلِدَ: لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقِيْلَ: لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْهَا، بِالمَدِيْنَةِ. رَأَى عُمَرَ، وَسَمِعَ: عُثْمَانَ، وَعَلِيّاً، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، وَأَبَا مُوْسَى، وَسَعْداً، وَعَائِشَةَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَخَلْقاً سِوَاهُم. وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ. وَرَوَى عَنْ: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ مُرْسَلاً، وَبِلاَلٍ كَذَلِكَ، وَسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ كَذَلِكَ، وَأَبِي ذرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَذَلِكَ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ: عَلِيٍّ، وَسَعْدٍ، وَعُثْمَانَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ شَرِيْكٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِيْهِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَعَنْ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَمَعْمَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ: فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) . وَرِوَايَتُهُ عَنْ: جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمَا فِي (البُخَارِيِّ) . وَرِوَايَتُهُ عَنْ: عُمَرَ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) . وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ، وَصُهَيْبٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ سُفْيَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ: عَتَّابِ بنِ أَسِيْدٍ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَرْسَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. وَكَانَ زَوْجَ بِنْتِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِهِ. رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ، مِنْهُم: إِدْرِيْسُ بنُ صَبِيْحٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدِ اللَّيْثِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَبَشِيْرٌ (1) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ العَبْدِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَعُقْبَةُ   (1) هو بشير بن المحرر. قال المؤلف في الميزان 1 / 329: لا يعرف. ونقله ابن حجر في التهذيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 بنُ حُرَيْثٍ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَعَلِيُّ بنُ نُفَيْلٍ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طُعْمَةَ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ عَاصِمٍ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَقَتَادَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَفْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَبِيْبَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَمَعْبَدُ بنُ هُرْمُزَ، وَمَعْمَرُ بنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، وَمُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، وَمَيْسَرَةُ الأَشْجَعِيُّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَأَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ السِّنْدِيُّ - وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ - وَهَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ الوَقَّاصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ قُسَيْطٍ، وَيَزِيْدُ بنُ نُعَيْمِ بنِ هَزَّالٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَيُوْنُسُ بنُ سَيْفٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ (1) ، وَأَبُو قُرَّةَ الأَسَدِيُّ، مِنْ (التَّهْذِيْبِ) . وَعَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ (2) ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِمَّنْ بَرَّزَ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. وَقَعَ لَنَا جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ   (1) في الأصل: " والخطمي " بزيادة الواو وهو خطأ، والتصويب من " التهذيب " (2) سبق ذكره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ) . هَذَا صَحِيْحٌ، عَالٍ، فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الخِصَالَ مِنْ كِبَارِ الذُّنُوْبِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً مَعَ عُلُوِّهِ فِي نَفْسِهِ لِمُسْلِمٍ وَلَنَا. فَإِنَّ أَعْلَى أَنْوَاعِ الإِبْدَالِ أَنْ يَكُوْنَ الحَدِيْثُ مِنْ أَعْلَى حَدِيْثِ صَاحِبِ ذَلِكَ الكِتَابِ. وَيَقَعُ لَكَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ أَعْلَى بِدَرَجَةٍ أَوْ أَكْثَرَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ الآدَمِيُّ (ح) ، وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ يُوْسُفُ سَمَاعاً، وَقَالَ الآخَرُ إِجَازَةً: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ كَاتِبُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَالَ لِي جِبْرِيْلُ: لِيَبْكِ الإِسْلاَمُ عَلَى مَوْتِ عُمَرَ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. وَحَبِيْبٌ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، مَعَ أَنَّ سَعِيْداً عَنْ أُبَيٍّ: مُنْقَطِعٌ. عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ: أَنَّ جَدَّهُ حَزْناً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا اسْمُكَ؟) . قَالَ: حَزْنٌ.   (1) برقم (59) (110) في الايمان باب بيان خصال المنافق. والمراد من النفاق هنا النفاق الفعلي لا الاعتقادي الذي يخرج صاحبه عن الملة. (2) الحلية 2 / 175. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 قَالَ: (بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ) . قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! اسْمٌ سَمَّانِي بِهِ أَبَوَايَ، وَعُرِفْتُ بِهِ فِي النَّاسِ. فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ سَعِيْدٌ: فَمَا زِلْنَا تُعْرَفُ الحُزُوْنَةُ فِيْنَا أَهْلَ البَيْتِ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ، وَمَرَاسِيْلُ سَعِيْدٍ مُحْتَجٌّ بِهَا. لَكِنَّ عَلِيَّ بنَ زَيْدٍ: لَيْسَ بِالحُجَّةِ. وَأَمَّا الحَدِيْثُ فَمَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ مُتَّصِلٍ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (مَا اسْمُكَ؟) . قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: (أَنْتَ سَهْلٌ) . فَقَالَ: لاَ أُغَيِّرُ اسْماً سَمَّانِيْهِ أَبِي. قَالَ سَعِيْدٌ: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الحُزُوْنَةُ فِيْنَا بَعْدُ (2) . العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: مَا فَاتَتْنِي الصَّلاَةُ فِي جَمَاعَةٍ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (3) . سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: مَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، إِلاَّ وَأَنَا فِي المَسْجِدِ. إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ حَازِمٍ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ (4) . مِسْعَرٌ (5) : عَنْ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعَ ابْنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرُ مِنِّي.   (1) ابن سعد 5 / 119. (2) أخرجه البخاري 10 / 473 و474 في الأدب باب اسم الحزن، والحزن: ما غلظ من الأرض وهو ضد السهل، واستعمل في الخلق، يقال: فلان حزون، أي في خلقه غلظة وقساوة. وأبو داود (4965) . (3) الحلية 2 / 162. (4) الحلية 2 / 163. (5) في الأصل (مسعير) وهو تصحيف، والخبر في ابن سعد 5 / 120. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَقَالَ: هُوَ -وَاللهِ- أَحَدُ المُفْتِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مُرْسَلاَتُ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ صِحَاحٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمَكْحُوْلٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ - وَاللَّفْظُ لِقَتَادَةَ -: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَعْلَمُ فِي التَّابِعِيْنَ أَحَداً أَوْسَعَ عِلْماً مِنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، هُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِيْنَ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ أَرْبَعِيْنَ حِجَّةً. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَانَ سَعِيْدٌ يُكْثِرُ أَنْ يَقُوْلَ فِي مَجْلِسِهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ (1) . مَعْنٌ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: إِنْ كُنْتُ لأَسِيْرُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ الوَاحِدِ (2) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَرِيْفٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ يَعْقُوْبَ، سَمِعَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ عُمَرَ كَلِمَةً مَا بَقِيَ أَحَدٌ سَمِعَهَا غَيْرِي (3) . أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ: عَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَخْنَسِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ   (1) الحلية 2 / 164. (2) المعرفة والتاريخ 1 / 468، 469. (3) ابن سعد 5 / 120. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 المُسَيِّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ عَلَى المِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ أَجِدُ أَحَداً جَامَعَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، إِلاَّ عَاقَبْتُهُ (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ. وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ عَشْرَ سِنِيْنَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، وَسُئِلَ عَمَّنْ أَخَذَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ عِلْمَهُ؟ فَقَالَ: عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ. وَجَالَسَ: سعْداً، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ. وَدَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَسَمِعَ   (1) رجاله ثقات، وفيه حجة لمن يقول: إن سعيدا رأى عمر وسمع منه، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 87 حديثا وقع له بإسناد صحيح لا مطعن فيه، فيه تصريح سعيد بسماعه من عمر. وقد كان الحكم في ابتداء الإسلام أن من جامع فأكسل لا يجب عليه الغسل، فقد أخرج البخاري في صحيحه 1 / 338 عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب، أمروه بذلك. ثم صار منسوخا بإيجاب الغسل وإن لم ينزل. فقد أخرج أحمد 5 / 115، 116، وأبو داود (214) والترمذي (110) من حديث الزهري، عن سهل بن سعد، عن أبي بن كعب قال: الماء من الماء شيء في أول الإسلام ثم ترك ذلك بعد، وأمروا بالغسل إذا مس الختان الختان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وجاء من طريق أخرى أخرجه أبو داود (215) والدارمي (194) والبيهقي في السنن 1 / 165، 166، من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: حدثني أبي بن كعب: إن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد. وأخرجه الدارقطني في سننه ص 46، وقال: صحيح، وصححه ابن حبان 228 و229، وابن خزيمة. قال البغوي في شرح السنة: وممن بقي على المذهب الأول في إن الاكسال لا يوجب الاغتسال سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديج، وذهب إلى قوله سليمان الأعمش. (2) ابن سعد 5 / 120. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 مِنْ: عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَصُهَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ. وَجُلُّ رِوَايَتِهِ المُسْنَدَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَصْحَابِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَكَانَ يُقَالُ: لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكُلِّ مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ مِنْهُ (1) . وَعَنْ قُدَامَةَ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُسَيِّبِ يُفْتِي وَالصَّحَابَةُ أَحْيَاءٌ (1) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، قَالَ: كَانَ المُقَدَّمَ فِي الفَتْوَى فِي دَهْرِهِ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَيُقَالَ لَهُ: فَقِيْهُ الفُقَهَاءِ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ عَالِمُ العُلَمَاءِ (1) . وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: ابْنُ المُسَيِّبِ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الآثَارِ، وَأَفْقَهُهُم فِي رَأْيِهِ (2) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: أَخْبَرَنِي مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْقَهِ أَهْلِهَا، فَدُفِعْتُ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ (3) . قُلْتُ: هَذَا يَقُوْلُهُ مَيْمُوْنٌ مَعَ لُقِيِّهِ لأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. عُمَرُ بنُ الوَلِيْدِ الشَّنِّيُّ: عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّادٍ العَصَرِيِّ: حَجَجْتُ، فَأَتَيْنَا المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْنَا عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: سَعِيْدٌ (4) . قُلْتُ: عُمَرُ لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَهُ: النَّسَائِيُّ. مَعْنُ بنُ عِيْسَى: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لاَ يَقْضِي   (1) ابن سعد 5 / 121. (2) ابن سعد 5 / 121، 122. (3) ابن سعد 5 / 122. (4) ابن سعد 5 / 122. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 بِقَضِيَّةٍ -يَعْنِي: وَهُوَ أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ- حَتَّى يَسْأَلَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَأَرْسَل إِلَيْهِ إِنْسَاناً يَسْأَلُهُ، فَدَعَاهُ، فَجَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ لَهُ: أَخْطَأَ الرَّسُوْلُ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَاهُ يَسْأَلُكَ فِي مَجْلِسِكَ. وَكَانَ عُمَرُ يَقُوْلُ: مَا كَانَ بِالمَدِيْنَةِ عَالِمٌ إِلاَّ يَأْتِيْنِي بِعِلْمِهِ، وَكُنْتُ أُوْتَى بِمَا عِنْدَ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ (1) . سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ، قَالَ: سَأَلَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، فَانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ أَبُوْكَ إِلَيَّ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ، وَسَأَلَنِي. قَالَ سَلاَّمٌ: يَقُوْلُ عِمْرَانُ: وَاللهِ مَا أَرَاهُ مَرَّ عَلَى أُذُنِهِ شَيْءٌ قَطُّ إِلاَّ وَعَاهُ قَلْبُهُ -يَعْنِي: ابْنَ المُسَيِّبِ- وَإِنِّي أَرَى أَنَّ نَفْسَ سَعِيْدٍ كَانَتْ أَهْوَنَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ اللهِ مِنْ نَفْسِ ذُبَابٍ (2) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: بَلَغَنِي أَنَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ بَقِيَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَأْتِ المَسْجِدَ فَيَجِدُ أَهْلَهُ قَدِ اسْتَقْبَلُوْهُ خَارِجِيْنَ مِنَ الصَّلاَةِ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ مَا مَنَعَكَ مِنَ الحَجِّ إِلاَّ أَنَّكَ جَعَلْتَ للهِ عَلَيْكَ إِذَا رَأَيْتَ الكَعْبَةَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى ابْنِ مَرْوَانَ. قَالَ: مَا فَعَلْتُ، وَمَا أُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ دَعَوْتُ اللهَ عَلَيْهِم، وَإِنِّي قَدْ حَجَجْتُ وَاعْتَمَرْتُ بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ علِيَّ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعُمْرَةٌ، وَإِنِّي أَرَى نَاساً مِنْ قَوْمِكَ يَسْتَدِيْنُوْنَ، وَيَحِجُّوْنَ، وَيَعْتَمِرُوْنَ، ثُمَّ يَمُوْتُوْنَ، وَلاَ يُقْضَى عَنْهُم، وَلَجُمُعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ تَطَوُّعاً. فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الحَسَنَ، فَقَالَ: مَا قَالَ شَيْئاً، لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ، مَا حَجَّ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ اعْتَمَرُوا (3) .   (1) المصدر السابق. (2) انظر ابن سعد 5 / 122، والحلية 2 / 164. (3) ابن سعد 5 / 128. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 فَصْلٌ: فِي عِزَّةِ نَفْسِهِ وَصَدْعِهِ بِالحَقِّ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ فِي بَيْتِ المَالِ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، عَطَاؤُهُ. وَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا، فَيَأْبَى، وَيَقُوْلُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي مَرْوَانَ (1) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: أَنَّهُ قِيْلَ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: مَا شَأْنُ الحَجَّاجَ لاَ يَبْعَثُ إِلَيْكَ، وَلاَ يُحَرِّكُكَ، وَلاَ يُؤْذِيْكَ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي، إِلاَّ أَنَّهُ دَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مَعَ أَبِيْهِ المَسْجِدَ، فَصَلَّى صَلاَةً لاَ يُتِمُّ رُكُوْعَهَا وَلاَ سُجُوْدَهَا، فَأَخَذْتُ كَفّاً مِنْ حَصَىً، فَحَصَبْتُهُ بِهَا. زَعَمَ أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ: مَا زِلْتُ بَعْدُ أُحْسِنُ الصَّلاَةَ (2) . فِي (الطَّبَقَاتِ) لابْنِ سَعْدٍ (3) : أَنْبَأَنَا كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنٌ، وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ المَدِيْنَةَ، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ القَائِلَةُ، وَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: انْظُرْ، هَلْ فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ مِنْ حُدَّاثِنَا؟ فَخَرَجَ، فَإِذَا سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي حَلْقَتِهِ، فَقَامَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ غَمَزَهُ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ وَلَّى، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ سَعِيْدٌ. فَقَالَ: لاَ أُرَاهُ فَطِنَ. فَجَاءَ، وَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ غَمَزَهُ، وَقَالَ: أَلَمْ تَرَنِي أُشِيْرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: إِلَيَّ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قَالَ: انْظُرْ بَعْضَ حُدَّاثِنَا، فَلَمْ أَرَى أَحَداً أَهْيَأَ مِنْكَ. قَالَ: اذْهَبْ، فَأَعْلِمْهُ أَنِّي لَسْتُ مِنْ حُدَّاثِهِ. فَخَرَجَ الحَاجِبُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا أَرَى هَذَا الشَّيْخَ إِلاَّ مَجْنُوْناً. وَذَهَبَ، فَأَخْبَرَ عَبْدَ المَلِكِ، فَقَالَ: ذَاكَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، فَدَعْهُ.   (1) المصدر السابق. (2) ابن سعد 5 / 129. (3) 5 / 130. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَلْحَةَ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: حَجَّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَة، وَوَقَفَ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، أَرْسَلَ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ رَجُلاً يَدْعُوْهُ وَلاَ يُحَرِّكُهُ. فَأَتَاهُ الرَّسُوْلُ، وَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَاقِفٌ بِالبَابِ يُرِيْدُ أَنْ يُكَلِّمَكَ. فَقَالَ: مَا لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَيَّ حَاجَةٌ، وَمَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَإِنَّ حَاجَتَهُ لِي لَغَيْرُ مَقْضِيَّةٍ. فَرَجَعَ الرَّسُوْلُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّمَا أُرِيْدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ، وَلاَ تُحَرِّكْهُ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلاً. فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَيَّ فِيْكَ، مَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِرَأْسِكَ، يُرْسِلُ إِلَيْكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُكَلِّمُكَ تَقُوْلُ مِثْلَ هَذَا! فَقَالَ: إِنْ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ بِي خَيْراً، فَهُوَ لَكَ، وَإِنْ كَانَ يُرِيْدُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ أَحُلُّ حَبْوَتِي حَتَّى يَقْضِيَ مَا هُوَ قَاضٍ. فَأَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، أَبَى إِلاَّ صَلاَبَةً (1) . زَادَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ فِي حَدِيْثِهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ: فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الوَلِيْدُ، قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَرَأَى شَيْخاً قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ. فَلَمَّا جَلَسَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ الرَّسُوْلُ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: لَعَلَّكَ أَخْطَأْتَ بِاسْمِي، أَوْ لَعَلَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى غَيْرِي. فَرَدَّ الرَّسُوْلَ، فَأَخْبَرَهُ، فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ. قَالَ: وَفِي النَّاسِ يَوْمئِذٍ تَقِيَّةٌ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَقِيْهُ المَدِيْنَةِ، وَشَيْخُ قُرَيْشٍ، وَصَدِيْقُ أَبِيْكَ، لَمْ يَطْمَعْ مَلِكٌ قَبْلَكَ أَنْ يَأْتِيَهُ. فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَضْرَبَ عَنْهُ (2) . عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ - مِنْ أَصْحَابِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ -: مَا عَلِمْتُ فِيْهِ   (1) ابن سعيد 5 / 129. (2) ابن سعد 5 / 129، 130. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 لِيْناً. قُلْتُ: كَانَ عِنْدَ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ أَمْرٌ عَظِيْمٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَسُوْءِ سِيْرَتِهِم، وَكَانَ لاَ يَقْبَلَ عَطَاءهُم. قَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: لَوْ تَبَدَّيْتَ، وَذَكَرْتُ لَهُ البَادِيَةَ وَعَيْشَهَا وَالغَنَمَ. فَقَالَ: كَيْفَ بِشُهُوْدِ العَتْمَةِ (1) . ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا الوَلِيْدُ بنُ عَطَاءِ بنِ الأَغَرِّ المَكِّيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيَالِيَ الحَرَّةِ، وَمَا فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ غَيْرِي، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَيَدْخُلُوْنَ زُمَراً يَقُوْلُوْنَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا المَجْنُوْنِ. وَمَا يَأْتِي وَقْتُ صَلاَةٍ إِلاَّ سَمِعْتُ أَذَاناً فِي القَبْرِ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ، فَأَقَمْتُ، وَصَلَّيْتُ، وَمَا فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ غَيْرِي (2) . عَبْدُ الحَمِيْدِ هَذَا: ضَعِيْفٌ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدٌ أَيَّامَ الحَرَّةِ (3) فِي المَسْجِدِ لَمْ يَخْرُجْ، وَكَانَ يُصَلِّي مَعَهُمُ   (1) ابن سعد 5 / 131. (2) ابن سعد 5 / 132. (3) هي حرة واقم شرقي المدينة المنورة، وفيها كانت الوقعة المشهورة، يقول فيها ابن حزم في كتابه جوامع السيرة ص 357 ما نصه: "..أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة حرم الله تعالى. فقتل بقايا المهاجرين والانصار يوم الحرة، وهي أيضا أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لان أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرا ظلما في الحرب وصبرا. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله. وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاء أعتق، وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله. فضرب عنقه صبرا. وهتك مسرف أو مجرم الإسلام هتكا، وأنهب المدينة ثلاثا، واستخف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 الجُمُعَةَ، وَيَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ. قَالَ: فَكُنْتُ إِذَا حَانَتِ الصَّلاَةُ، أَسْمَعُ أَذَاناً يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ القَبْرِ، حَتَّى أَمِنَ النَّاسُ (1) . ذِكْرُ مِحْنَتِهِ: الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: اسْتَعْمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرَ بنَ الأَسْوَدِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى البَيْعَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: لاَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ. فَضَرَبَهُ سِتِّيْنَ سَوْطاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ إِلَى جَابِرٍ يَلُوْمُهُ، وَيَقُوْلُ: مَا لَنَا وَلِسَعِيْدٍ، دَعْهُ (2) . وَعَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ جَابِرُ بنُ الأَسْوَدِ - عَامِلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى المَدِيْنَةِ - قَدْ تَزَوَّجَ الخَامِسَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، فَلَمَّا ضَرَبَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، صَاحَ بِهِ سَعِيْدٌ وَالسِّيَاطُ تَأْخُذُهُ: وَاللهِ مَا رَبَّعْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَإِنَّك تَزَوَّجْتَ الخَامِسَةَ قَبْل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَمَا هِيَ إِلاَّ لَيَالٍ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَسَوْفَ يَأْتِيْكَ مَا تَكْرَهُ. فَمَا مَكَثَ إِلاَّ يَسِيْراً حَتَّى قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ (3) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مَرْوَانَ تُوُفِّيَ   = بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدت الايدي إليهم وانتهبت دورهم، وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام، وذلك لان مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال، وولي مكانه الحصين بن نمير. وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين. وانصرفت الجيوش عن مكة " اه. (1) انظر ابن سعد 5 / 132. (2) ابن سعد 7 / 122، 123 وما بين الحاصرتين منه. (3) ابن سعد 7 / 123. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَعَقَدَ عَبْدُ المَلِكِ لابْنَيْهِ: الوَلِيْدِ وَسُلَيْمَانَ بِالعَهْدِ، وَكَتَبَ بِالبَيْعَةِ لَهُمَا إِلَى البُلْدَانِ، وَعَامِلُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى المَدِيْنَةِ هِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَخْزُوْمِيُّ. فَدَعَا النَّاسَ إِلَى البَيْعَةِ، فَبَايَعُوا، وَأَبَى سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ أَنْ يُبَايِعَ لَهُمَا، وَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ. فَضَرَبَهُ هِشَامٌ سِتِّيْنَ سَوْطاً، وَطَافَ بِهِ فِي تُبَّانٍ مِنْ شَعْرٍ، حَتَّى بَلَغَ بِهِ رَأْسَ الثَّنِيَّةِ، فَلَمَّا كَرُّوا بِهِ، قَالَ: أَيْنَ تَكُرُّوْنَ بِي؟ قَالُوا: إِلَى السِّجْنِ. فَقَالَ: وَالله لَوْلاَ أَنِّي ظَنَنْتُهُ الصَّلْبُ، مَا لَبِسْتُ هَذَا التُّبَّانَ أَبَداً. فَرَدُّوْهُ إِلَى السِّجْنِ، فَحَبَسَهُ، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ يُخْبِرُهُ بِخِلاَفِهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ يَلُوْمُهُ فِيْمَا صَنَعَ بِهِ، وَيَقُوْلُ: سَعِيْدٌ! كَانَ -وَاللهِ- أَحْوَجَ إِلَى أَنْ تَصِلَ رَحِمَهُ مِنْ أَنْ تَضْرِبَهُ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ مَا عِنْدَهُ خِلاَفٌ (1) . وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: دَخَلَ قَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بِكِتَابِ هِشَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَذْكُرُ أَنَّهُ ضَرَبَ سَعِيْداً، وَطَافَ بِهِ. قَالَ قَبِيْصَةُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَفْتَاتُ عَلَيْكَ هِشَامٌ بِمِثْلِ هَذَا، وَاللهِ لاَ يَكُوْنُ سَعِيْدٌ أَبَداً أَمْحَلَ وَلاَ أَلَجَّ مِنْهُ حِيْنَ يُضْرَبُ، لَوْ لَمْ يُبَايِعْ سَعِيْدٌ، مَا كَانَ يَكُوْنُ مِنْهُ، وَمَا هُوَ مِمَّنْ يُخَافُ فَتْقُهُ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اكْتُبْ إِلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: اكْتُبْ أَنْتَ إِلَيْهِ عَنِّي تُخْبِرْهُ بِرَأْيِي فِيْهِ، وَمَا خَالَفَنِي مِنْ ضَرْبِ هِشَامٍ إِيَّاهُ. فَكَتَبَ قَبِيْصَةُ بِذَلِكَ إِلَى سَعِيْدٍ، فَقَالَ سَعِيْدٌ حِيْنَ قَرَأَ الكِتَابَ: اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ ظَلَمنِي (2) . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الهُذَلِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ السِّجْنَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ، فَجُعِلَ الإِهَابُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضْباً رَطْباً. وَكَانَ كُلَّمَا نَظَرَ إِلَى عَضُدَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْنِي مِنْ هِشَامٍ.   (1) ابن سعد 5 / 125، 126. (2) ابن سعد 5 / 126. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ: حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ، قَالَ: دُعِيَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ لِلْوَلِيْدِ وَسُلَيْمَانَ بَعْدَ أَبِيْهِمَا، فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُ اثْنَيْنِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. فَقِيْلَ: ادْخُلْ وَاخْرُجْ مِنَ البَابِ الآخَرِ. قَالَ: وَاللهِ لاَ يَقْتَدِي بِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَجَلَدَهُ مائَةً، وَأَلْبَسَهُ المُسُوْحَ (1) . ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ بنُ جَمِيْلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدٍ القَارِّيُّ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ حِيْنَ قَامَتِ البَيْعَةُ لِلْوَلِيْدِ وَسُلَيْمَانَ بِالمَدِيْنَةِ: إِنِّي مُشِيْرٌ عَلَيْكَ بِخِصَالٍ. قَالَ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: تَعْتَزِلُ مَقَامَكَ، فَإِنَّكَ تَقُوْمُ حَيْثُ يَرَاكَ هِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. قَالَ: مَا كُنْتُ لأُغَيِّرَ مَقَاماً قُمْتُهُ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ: تَخْرُجُ مُعْتَمِراً. قَالَ: مَا كُنْتُ لأُنْفِقَ مَالِي وَأُجْهِدَ بَدَنِي فِي شَيْءٍ لَيْسَ لِي فِيْهِ نِيَّةٌ. قَالَ: فَمَا الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: تُبَايِعُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ اللهُ أَعْمَى قَلْبَكَ كَمَا أَعْمَى بَصَرَكَ، فَمَا عَلَيَّ؟ قَالَ: - وَكَانَ أَعْمَى - قَالَ رَجَاءٌ: فَدَعَاهُ هِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى البَيْعَةِ، فَأَبَى، فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: مَالَكَ وَلِسَعِيْدٍ، وَمَا كَانَ عَلَيْنَا مِنْهُ شَيْءٌ نَكْرَهُهُ، فَأَمَّا إِذْ فَعَلْتَ، فَاضْرِبْهُ ثَلاَثِيْنَ سَوْطاً، وَأَلْبِسْهُ تُبَّانَ شَعْرٍ، وَأَوْقِفْهُ لِلنَّاسِ، لِئَلاَّ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ. فَدَعَاهُ هِشَامٌ، فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أُبَايِعُ لاثْنَيْنِ. فَأَلْبَسَهُ تُبَّانَ شَعْرٍ، وَضَرَبَه ثَلاَثِيْنَ سَوْطاً، وَأَوْقَفَهُ لِلنَّاسِ. فَحَدَّثَنِي الأَيْلِيُّوْنَ الَّذِيْنَ كَانُوا فِي الشُّرَطِ بِالمَدِيْنَةِ، قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ يَلْبَسُ التُّبَّانَ طَائِعاً، قُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ القَتْلُ، فَاسْتُرْ عَوْرَتَكَ. قَالَ: فَلَبِسَهُ، فَلَمَّا ضُرِبَ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّا خَدَعْنَاهُ. قَالَ: يَا مُعَجِّلَةَ أَهْلِ أَيْلَةَ، لَوْلاَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهُ القَتْلُ مَا لَبِسْتُهُ (2) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُسَيِّبِ حِيْنَ ضُرِبَ فِي تُبَّانٍ شَعْرٍ.   (1) الحلية 2 / 170. (2) الحلية 2 / 170، 171. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 يَحْيَى بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَقَدْ أُلْبِسَ تُبَّانَ شَعْرٍ، وَأُقِيْمَ فِي الشَّمْسِ، فَقُلْتُ لِقَائِدِي: أَدْنِنِي مِنْهُ. فَأَدْنَانِي، فَجَعَلْتُ أَسْأَلُهُ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَفُوْتَنِي، وَهُوَ يُجِيْبُنِي حِسْبَةً، وَالنَّاسُ يَتَعَجَّبُوْنَ (1) . قَالَ أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ ضَرَبَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ خَمْسِيْنَ سَوْطاً، وَأَقَامَهُ بِالحَرَّةِ، وَأَلْبَسَهُ تُبَّانَ شَعْرٍ. فَقَالَ سَعِيْدٌ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُم لاَ يَزِيْدُوْنِي عَلَى الضَّرْبِ مَا لَبِسْتُهُ، إِنَّمَا تَخَوَّفْتُ مِنْ أَنْ يَقْتُلُوْنِي، فَقُلْتُ: تُبَّانٌ أَسْتَرُ مِنْ غَيْرِهِ (2) . قَبِيْصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: ادْعُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ. قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ دِيْنَكَ، وَأَظْهِرْ أَوْلِيَاءكَ، وَاخْزِ أَعْدَاءكَ فِي عَافِيَةٍ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: عَنْ أَبِي يُوْنُسَ القَوِيِّ (4) ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ المَدِيْنَةِ، فَإِذَا سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ جَالِسٌ وَحْدَهُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُ؟ قِيْلَ: نُهِيَ أَنْ يُجَالِسَهُ أَحَدٌ (5) . هَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُجَالِسَهُ، قَالَ: إِنَّهُم قَدْ جَلَدُوْنِي، وَمَنَعُوا النَّاسَ أَنْ يُجَالِسُوْنِي (6) . عَنْ أَبِي عِيْسَى الخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: لَا تَمْلَؤُوا أَعْيُنَكُم مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إِلاَّ بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوْبِكُم، لِكَيْلاَ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُم.   (1) الحلية 2 / 171. (2) ابن سعد 5 / 127، 128. (3) ابن سعد 5 / 128. (4) في الأصل (القوني) بالنون، والتصحيح من التبصير 1115 وتقريب التهذيب. (5) ابن سعد 5 / 128. (6) الحلية 2 / 172. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 تَزْوِيْجُهُ ابْنَتَهُ: أُنْبِئْتُ عَنْ أَبِي المَكَارِمِ الشُّرُوْطِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: كُتِبَ إِلَى ضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيِّ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ (1) . سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، عَنْ يَسَارِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَةً لَهُ عَلَى دِرْهَمَيْنِ مِنِ ابْنِ أَخِيْهِ (2) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَتْ بِنْتُ سَعِيْدٍ قَدْ خَطَبَهَا عَبْدُ المَلِكِ لابْنِهِ الوَلِيْدِ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ عَبْدُ المَلِكِ عَلَيْهِ حَتَّى ضَرَبَهُ مائَةَ سَوْطٍ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، وَصَبَّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ، وَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوْفٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ وَهْبٍ، عَنْ عَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ -يَعْنِي: كَثِيْراً- قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَفَقَدَنِي أَيَّاماً، فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي، فَاشْتَغَلْتُ بِهَا. فَقَالَ: أَلاَ أَخْبَرْتَنَا، فَشَهِدْنَاهَا. ثُمَّ قَالَ: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَمَنْ يُزَوِّجُنِي وَمَا أَمْلِكُ إِلاَّ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً؟ قَالَ: أَنَا. فَقُلْتُ: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَحَمَّدَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ -أَوْ قَالَ: ثَلاَثَةٍ- فَقُمْتُ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الفَرَحِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيْمَنْ أَسْتدِيْنُ. فَصَلَّيْتُ المَغْرِبَ، وَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِماً، فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ، وَكَانَ خُبْزاً وَزَيْتاً، فَإِذَا بَابِي يُقْرَعُ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: سَعِيْدٌ. فَأَفْكَرْتُ فِي كُلِّ مَنِ   (1) الحلية 2 / 167. (2) ابن سعد 5 / 138. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 اسْمُهُ سَعِيْدٌ إِلاَّ ابْنَ المُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلاَّ بَيْنَ بَيْتِهِ وَالمَسْجِدِ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا سَعِيْدٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟ قَالَ: لاَ، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلاً عَزَباً، فَتَزَوَّجْتَ، فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيْتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِنْ خَلْفِهِ فِي طُوْلِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا، فَدَفَعَهَا فِي البَابِ، وَرَدَّ البَابَ. فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ مِنَ الحِيَاءِ، فَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ البَابِ، ثُمَّ وَضَعْتُ القَصْعَةَ فِي ظِلِّ السِّرَاجِ لَكِي لاَ تَرَاهُ، ثُمَّ صَعِدْتُ السَّطْحَ، فَرَمَيْتُ الجِيْرَانَ، فَجَاؤُوْنِي، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُم، وَنَزَلُوا إِلَيْهَا، وَبَلَغَ أُمِّي، فَجَاءتْ، وَقَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ مَسَسْتَهَا قَبْلَ أَنْ أُصْلِحَهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. فَأَقَمْتُ ثَلاَثاً، ثُمَّ دَخَلْتُ بِهَا، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَحْفَظِ النَّاسِ لِكِتَابِ اللهِ، وَأَعْلَمِهِم بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْرَفِهِم بِحَقِّ زَوْجٍ. فَمَكَثْتُ شَهْراً لاَ آتِي سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي حَلْقَتِهِ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، وَلَمْ يُكَلِّمْنِي حَتَّى تَقَوَّضَ المَجْلِسُ. فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي، قَالَ: مَا حَالُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ؟ قُلْتُ: خَيْرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيْقُ، وَيَكْرَهُ العَدُوُّ. قَالَ: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ، فَالعَصَا. فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: ابْنُ أَبِي وَدَاعَةَ هُوَ كَثِيْرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ. قُلْتُ: هُوَ سَهْمِيٌّ، مَكِيٌّ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ المُطَّلِبِ؛ أَحَدِ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. وَعَنْهُ: وَلَدُهُ؛ جَعْفَرُ بنُ كَثِيْرٍ، وَابْنُ حَرْمَلَةَ. تَفَرَّدَ بِالحِكَايَةِ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ. وَعَلَى ضَعْفِهِ قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.   (1) أوردها أبو نعيم في الحلية 2 / 167، 168 (2) وثقه ابن أبي حاتم وغيره، إلا أنه تغير بأخرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 قَالَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: زَوَّجَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بِنْتاً لَهُ مِنْ شَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَمْسَتْ، قَالَ لَهَا: شُدِّي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ، وَاتْبَعِيْنِي. فَفَعَلَتْ، ثُمَّ قَالَ: صَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى زَوْجِهَا، فَوَضَعَ يَدَهَا فِي يَدهِ، وَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَا. فَذَهَبَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْهَا أَمُّهُ، قَالَتْ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: امْرَأَتِي. قَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ أَفْضَيْتَ إِلَيْهَا حَتَّى أَصْنَعَ بِهَا صَالِحَ مَا يُصْنَعُ بِنِسَاءِ قُرَيْشٍ. فَأَصْلَحَتْهَا، ثُمَّ بَنَى بِهَا (1) . وَمِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالتَّعْبِيْرِ: قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلرُّؤْيَا، أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَأَخَذَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ أَبِيْهَا. ثُمَّ سَاقَ الوَاقِدِيُّ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ، مِنْهَا (2) : حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ مُسَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ حَبِيْبِ بنِ قُلَيْعٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْد سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ يَوْماً، وَقَدْ ضَاقَتْ بِيَ الأَشْيَاءُ، وَرَهِقَنِي دَيْنٌ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَخَذْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ، فَأَضْجَعْتُهُ إِلَى الأَرْضِ، وَبَطَحْتُهُ، فَأَوْتَدْتُ فِي ظَهْرِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ. قَالَ: مَا أَنْتَ رَأَيْتَهَا. قَالَ: بَلَى. قَالَ: لاَ أُخْبِرُكَ أَوْ تُخْبِرَنِي. قَالَ: ابْنُ الزُّبَيْرِ رَآهَا، وَهُوَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ. قَالَ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُ، قَتَلَهُ عَبْدُ المَلِكِ، وَخَرَجَ مِنْ صُلْبِ عَبْدِ المَلِكِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُم يَكُوْنُ خَلِيْفَةً. قَالَ: فَرَحلْتُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بِالشَّامِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَسُرَّ، وَسَأَلَنِي عَنْ سَعِيْدٍ وَعَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَأَمَرَ بِقَضَاءِ دَيْنِي، وَأَصَبْتُ مِنْهُ خَيْراً (3) .   (1) ابن سعد 5 / 138. (2) انظر طبقات ابن سعد 5 / 124 وما بعدها. (3) ابن سعد 5 / 123. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 قَالَ: وَحَدَّثَنِي الحَكَمُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُ كَأَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ يَبُوْلُ فِي قِبْلَةِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ مِرَارٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، قَامَ فِيْهِ مِنْ صُلْبِهِ أَرْبَعَةُ خُلَفَاءَ (1) . وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَفْصٍ، عَنْ شَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: رَأَيْتُ كَأَنَّ أَسْنَانِي سَقَطَتْ فِي يَدِي، ثُمَّ دَفَنْتُهَا. فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، دَفَنْتَ أَسْنَانَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ (2) . وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الحَنَّاطِ (3) : قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُسَيِّبِ: رَأَيْتُ أَنِّي أَبُوْلُ فِي يَدِي. فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّ تَحْتَكَ ذَاتُ مَحْرَمٍ. فَنَظَرَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ (2) . وَبِهِ: وَجَاءهُ آخَرُ، فَقَالَ: أَرَانِي كَأَنِّي أَبُوْلُ فِي أَصْلِ زَيْتُوْنَةٍ. فَقَالَ: إِنَّ تَحْتَكَ ذَاتُ رَحِمٍ. فَنَظَرَ، فَوَجَدَ كَذَلِكَ (2) . وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً وَقَعَتْ عَلَى المَنَارَةِ. فَقَالَ: يَتَزَوَّجُ الحَجَّاجُ ابْنَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ (4) . وَبِهِ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: الكَبْلُ فِي النَّوْمِ ثَبَاتٌ فِي الدِّيْنِ. قِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي الظِّلِ، فَقُمْتُ إِلَى الشَّمْسِ. فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، لَتَخْرُجَنَّ مِنَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنِّي أَرَانِي   (1) المصدر السابق. (2) ابن سعد 5 / 124. (3) في المشتبه للمؤلف تعليق (2) ص 253: قال يحيى بن معين: كان مسلم هذا يبيع الخبط والحنطة، وكان خياطا، فقد اجتمع فيه الثلاثة. وقال ابن حجر في التبصير ص 517: " والاشهر في مسلم بالمهملة والنون ". (4) ابن سعد 5 / 124. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 أُخْرِجْتُ حَتَّى أُدْخِلْتُ فِي الشَّمْسِ، فَجَلَسْتُ. قَالَ: تُكْرَهُ عَلَى الكُفْرِ. قَالَ: فَأُسِرَ، وَأُكْرِهَ عَلَى الكُفْرِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَكَانَ يُخْبِرُ بِهَذَا بِالمَدِيْنَةِ (1) . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ السَّائِبِ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُسَيِّبِ: إِنَّهُ رَأَى كَأَنَّهُ يَخُوْضُ النَّارَ. قَالَ: لاَ تَمُوْتُ حَتَّى تَرْكَبَ البَحْرَ، وَتَمُوْتَ قَتِيْلاً. فَرَكِبَ البَحْرَ، وَأَشْفَى عَلَى الهَلَكَةِ، وَقُتِلَ يَوْمَ قُدَيْدٍ (2) . وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ خَوَّاتٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: آخِرُ الرُّؤْيَا أَرْبَعُوْنَ سَنَةً -يَعْنِي: تَأْوِيْلَهَا (1) -. رَوَى هَذَا الفَصْلَ: ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ (3)) ، عَنِ الوَاقِدِيِّ. سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَى الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ كَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوْبٌ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، فَاسْتَبْشَرَ بِهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ. فَقَصُّوْهَا عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُ، فَقَلَّمَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ. فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ. وَمِنْ كَلاَمِهِ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: مَا أَيِسَ الشَّيْطَانُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ (4) . ثُمَّ قَالَ لَنَا سَعِيْدٌ - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَعْشُو بِالأُخْرَى -: مَا شَيْءٌ أَخَوْفُ عِنْدِي مِنَ النِّسَاءِ (5) .   (1) ابن سعد 5 / 125. (2) ابن سعد 5 / 124، 125. وقديد: موضع بين مكة والمدينة، فيه كانت الوقعة سنة 130 هـ بين أهل المدينة وبين أبي حمزة الخارجي فقتل منهم مقتلة عظيمة. انظر الطبري 7 / 393. (3) 5 / 123 وما بعدها. (4) في هامش الأصل (الثناء) . (5) الحلية 2 / 166. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وَقَالَ: مَا أُصَلِّي صَلاَةً، إِلاَّ دَعَوْتُ اللهَ عَلَى بَنِي مَرْوَانَ (1) . قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ سَبَّ أَحَداً مِنَ الأَئِمَّةِ، إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قَاتَلَ الله فُلاَناً (2) ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ قَضَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ قَالَ: (الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ (3)) . سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُسَيِّبِ لاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً. العَطَّافُ: عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدٌ: لاَ تَقُوْلُوا مُصَيْحِفٌ، وَلاَ مُسَيْجِدٌ، مَا كَانَ للهِ فَهُوَ عَظِيْمٌ حَسَنٌ جَمِيْلٌ (4) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، سَمِعَ ابْنَ المُسَيِّبِ يَقُوْل: لاَ خَيْرَ فِيْمَنْ لاَ يُرِيْدُ جَمْعَ المَالِ مِنْ حِلِّهِ، يُعْطِي مِنْهُ حَقَّهُ، وَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ عَنِ النَّاسِ (5) .   (1) الحلية 2 / 167. (2) ربما يعني معاوية فإنه قد استلحق زياد بن أبيه في سنة أربع وأربعين، ولما بلغ أبا بكرة أن معاوية استلحقه، وأنه رضي بذلك، آلى يمينا ألا يكلمه أبدا وقال: هذا زنى أمه وانتفى من أبيه، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط. انظر الاستيعاب ت 825، والاصابة ت 2981 والعواصم من القواصم ص 235 وما بعدها. (3) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وعائشة 4 / 250 و5 / 54 و12 / 26 و31، ومسلم (1457) وغيرهما. وقد قال ابن عبد البر: هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عن بضعة وعشرين نفسا من الصحابة. وقال الترمذي عقيب إخراجه من حديث أبي هريرة: وفي الباب عن عمر وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وأبي أمامة وعمرو بن خارجة، والبراء، وزيد بن أرقم. وزاد الحافظ العراقي عليه: معاوية وابن عمر. وزاد أبو القاسم بن مندة في تذكرته: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وعلي بن أبي طالب، والحسين بن علي، وعبد الله بن حذافة، وسعد بن أبي وقاص، وسودة بنت زمعة. وزاد عليه الحافظ ابن حجر: ابن عباس، وأبا مسعود البدري، وواثلة بن الاسقع، وزينب بنت جحش. (4) ابن سعد 5 / 137. (5) الحلية 2 / 173. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 الثَّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ خَلَّفَ مائَةَ دِيْنَارٍ. وَعَنْ عَبَّادِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ خَلَّفَ أَلْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ. وَعَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: مَا تَرَكْتُهَا إِلاَّ لأَصُوْنَ بِهَا دِيْنِي. وَعَنْهُ، قَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ، افْتَقَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ (1) . دَاوُدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ: عَنْ بِشْرِ بنِ عَاصِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: يَا عَمِّ، أَلاَ تَخْرُجُ، فَتَأْكُلَ اليَوْمَ مَعَ قَوْمِكَ؟ قَالَ: مَعَاذِ اللهِ يَا ابْنَ أَخِي! أَدَعُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَقَدْ سَمِعْتُ كَعْباً (2) يَقُوْلُ:   (1) الحلية 2 / 173. (2) هو كعب بن ماتع الحميري، يكنى أبا إسحاق، يقال له كعب الأحبار (العلماء) ، كان من أحبار اليهود ومن أوسعهم اطلاعا على كتبهم، ولد في اليمن، وكان قد أدرك الجاهلية والاسلام، وتأخر إسلامه إلى سنة اثنتي عشرة في زمن عمر، ثم خرج إلى الشام وأقام بحمص وتوفي بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان. قال المعلمي في " الانوار الكاشفة " ص 99: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضا، لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما، ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن، وليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وأخرج البخاري في صحيحه 13 / 281، 282 في كتاب الاعتصام باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء: عن حميد بن عبد الرحمن، سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة لما حج في خلافته، وذكر كعب الاحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا نبلو مع ذلك عليه الكذب. وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، فيه وفي وهب بن منبه: سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ، وقد أغنانا الله بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 وَدِدْتُ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ عَادَ قَطِرَاناً. تَتْبَعُ قُرَيْشٌ أَذْنَابَ الإِبِلِ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الشَّاذِّ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ (1) . العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّهُ اشْتَكَى عَيْنَهُ، فَقَالُوا: لَوْ خَرَجْتَ إِلَى العَقِيْقِ، فَنَظَرْتَ إِلَى الخُضْرَةِ، لَوَجَدْتَ لِذَلِكَ خِفَّةً. قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِشُهُوْدِ العَتْمَةِ وَالصُّبْحِ (2) . العَطَّافُ: عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ: قُلْتُ لِبُرْدٍ مَوْلَى ابْنِ المُسَيِّبِ: مَا صَلاَةُ ابْنِ المُسَيِّبِ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، إِنَّهُ لَيُصَلِّي صَلاَةً كَثِيْرَةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَقْرَأُ بـ: {ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (3) } . وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ العَبَّاسِ الأَسَدِيُّ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ يُذَكِّرُ، وَيُخَوِّفُ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي اللَّيْلِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَيُكْثِرُ، وَسَمِعْتُهُ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الشِّعْرَ، وَكَانَ لاَ يُنْشِدُهُ، وَرَأَيْتُهُ يَمْشِي حَافِياً وَعَلَيْهِ بَتٌّ (4) ، وَرَأَيْتُهُ يُخْفِي شَارِبَهُ شَبِيْهاً بِالحَلْقِ، وَرَأَيْتُهُ يُصَافِحُ كُلَّ مَنْ لَقِيَهُ، وَكَانَ يَكْرَهُ كَثْرَةَ الضَّحِكِ (5) . سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَ وَلَدَهُ بَأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ (5) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ فِي رَحْلِهِ، وَكَانَ يَلْبَسُ مُلاَءً شَرْقِيَّةً (5) . سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَا أُحْصِي مَا رَأَيْتُ   (1) انظر ابن سعد 5 / 131. (2) ابن سعد 5 / 132 والحلية 2 / 173. والعقيق: موضع بناحية المدينة فيه عيون ونخل. (3) الخبر في الطبقات 5 / 132. (4) البت: الطيلسان من خز ونحوه. (5) ابن سعد 5 / 133. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ مِنْ عِدَّةِ قُمُصِ الهَرَوِيِّ (1) ، وَكَانَ يَلْبَسُ هَذِهِ البُرُوْدَ الغَالِيَةَ البِيْضَ. أَبَانُ بنُ يَزِيْدَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: سَأَلْتُ سَعِيْداً عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الطَّنْفِسَةِ، فَقَالَ: مُحْدَثٌ (2) . مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، حَدَّثَتْنِي غُنَيْمَةُ جَارِيَةُ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَأْذَنُ لِبِنْتِهِ فِي لُعَبِ العَاجِ، وَيُرَخِّصُ لَهَا فِي الكَبَرِ - تَعْنِي: الطَّبْلَ (2) -. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: مَا تِجَارَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنَ البَّزِّ، مَا لَمْ يَقَعْ فِيْهِ أَيْمَانٌ (2) ! مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: قَالَ بُرْدٌ مَوْلَى ابْنِ المُسَيِّبِ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ! قَالَ سَعِيْدٌ: وَمَا يَصْنَعُوْنَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَحَدُهُم الظُّهْرَ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ صَافّاً رِجْلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ العَصْرَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا بُرْدُ! أَمَا -وَاللهِ- مَا هِيَ بِالعِبَادَةِ، إِنَّمَا العِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اللهِ، وَالكَفُّ عَنْ مَحَارِم اللهِ (3) . سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: مَا خِفْتُ عَلَى نَفْسِي شَيْئاً مَخَافَةَ النِّسَاءِ. قَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يُرِيْدُ النِّسَاءَ، وَلاَ تُرِيْدُهُ النِّسَاءُ. فَقَالَ: هُوَ مَا أَقُوْلُ لَكُم. وَكَانَ شَيْخاً كَبِيْراً، أَعْمَشَ (4) .   (1) هرى ثوبه: اتخذه هرويا (نسبة إلى هراة) أو صبغه وصفره..قال ابن الاعرابي: ثوب مهرى إذا صبغ بالصبيب وهو ماء ورق السمسم. والخبر في طبقات ابن سعد 5 / 134. (2) المصدر السابق. (3) ابن سعد 5 / 135 وما بين الحاصرتين منه. (4) ابن سعد 5 / 136. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: قِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليُسْرَيْنِ (1) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: قُلْ لِقَائِدِكَ يَقُوْمُ، فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِلَى جَسَدِهِ. فَقَامَ، وَجَاءَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ وَجْهَ زِنْجِيٍّ، وَجَسَدُهُ أَبْيَضُ. فَقَالَ سَعِيْدٌ: إِنَّ هَذَا سَبَّ هَؤُلاَءِ: طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَلِيّاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - فَنَهَيْتُهُ، فَأَبَى، فَدَعَوْتُ اللهَ عَلَيْهِ. قُلْتُ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَسَوَّدَ اللهُ وَجْهَكَ. فَخَرَجَتْ بِوَجْهِهِ قَرْحَةٌ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ (2) . مَالِكٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ عَنْ آيَةٍ، فَقَالَ سَعِيْدٌ: لاَ أَقُوْلُ فِي القُرْآنِ شَيْئاً (3) . قُلْتُ: وَلِهَذَا قَلَّ مَا نُقِل عَنْهُ فِي التَّفْسِيْرِ. ذِكْرُ لِبَاسِهِ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ (4)) : أَخْبَرَنَا قَبِيْصَةُ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ نِسْطَاسَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، ثُمَّ يُرْسِلُهَا خَلْفَهُ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ إِزَاراً وَطَيْلَسَاناً وَخُفَّيْنِ. أَخْبَرَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ: أَنَّهُ رَأَى سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَعْتَمُّ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ لَطِيْفَةٌ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ، لَهَا عَلَمٌ أَحْمَرُ، يُرْخِيْهَا وَرَاءهُ شِبْراً (4) . أَخْبَرَنَا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عُثَيْمٌ: رَأَيْتُ ابْنَ المُسَيِّبِ يَلْبَسُ فِي الفِطْرِ   (1) المصدر السابق ولفظه (اليسارين) . (2) ابن سعد 5 / 136 وما بين الحاصرتين منه. (3) ابن سعد 5 / 137. (4) 5 / 138. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 وَالأَضْحَى عِمَامَةً سَوْدَاءَ، وَيَلْبَسُ عَلَيْهَا بُرْنُساً أَحْمَرَ أُرْجُوَاناً (1) . أَخْبَرَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ: رَأَيْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ بُرْنُسَ أُرْجُوَانٍ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ: رَأَيْتُ عَلَى سَعِيْدٍ قَمِيْصاً إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَكُمَّاهُ إِلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَرِدَاءً فَوْقَ القَمِيْصِ، خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ (2) . أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عِمْرَانَ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ يَلْبَسُ طَيْلَسَاناً أَزْرَارُهُ دِيْبَاجٌ (2) . أَخْبَرَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ، قَالَ: لَمْ أَرَ سَعِيْداً لَبِسَ غَيْرَ البَيَاضِ (2) . وَعَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ سَرَاوِيْلَ. (2) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ الخَزَّ (3) . أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ (4) ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُسَيِّبِ لاَ يَخْضِبُ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ: رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ (5) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الغُصْنِ: أَنَّهُ   (1) ابن سعد 5 / 138، 139. (2) ابن سعد 5 / 139. (3) ابن سعد 5 / 140. (4) في الأصل (عمر) وما أثبتناه من ابن سعد 5 / 140 وتهذيب التهذيب. (5) ابن سعد 5 / 140. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 رَأَى سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ أَبَيْضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (1) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ كَانَ إِذَا مَرَّ بِالمَكْتَبِ، قَالَ لِلصِّبْيَانِ: هَؤُلاَءِ النَّاسُ بَعْدَنَا (2) . ذِكْرُ مَرَضِهِ وَوَفَاتِهِ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ وَهُوَ شَدِيْدُ المَرَضِ، وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ يُوْمِئُ إِيْمَاءً، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: بِـ (الشَّمْسِ وَضُحَاهَا) . الثَّوْرِيُّ: عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُسَيِّبِ فِي جَنَازَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: اسْتَغْفِرُوا لَهَا. فَقَالَ: مَا يَقُوْلُ رَاجِزُهُم! قَدْ حَرَّجْتُ عَلَى أَهْلِي أَنْ يَرْجُزَ مَعِي رَاجِزٌ، وَأَنْ يَقُوْلُوا: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، حَسْبِي مَنْ يَقْلِبُنِي (4) إِلَى رَبِّي، وَأَنْ يَمْشُوا مَعِي بِمِجْمَرٍ، فَإِنْ أَكُنْ طَيِّباً، فَمَا عِنْدَ اللهِ أَطْيَبُ مِنْ طِيْبِهِم. مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: أَوْصَيْتُ أَهْلِي بِثَلاَثٍ: أَنْ لاَ يَتْبَعَنِي رَاجِزٌ وَلاَ نَارٌ، وَأَنْ يَعْجَلُوا بِي، فَإِنْ يَكُنْ لِي عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، فَهُوَ خَيْرٌ مِمَّا عِنْدَكُم (5) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ المَخْزُوْمِيِّ، قَالَ: اشْتدَّ وَجَعُ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ يَعُوْدُهُ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ نَافِعٌ: وَجِّهُوْهُ. فَفَعَلُوا، فَأَفَاقَ،   (1) المصدر السابق وما بين الحاصرتين منه. (2) ابن سعد 5 / 141. (3) في الطبقات 5 / 141. (4) في الطبقات 5 / 141: (يقبلني) وفي رواية له: (يبلغني) . (5) ابن سعد 5 / 142. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُحَوِّلُوا فِرَاشِي إِلَى القِبْلَةِ، أَنَافِعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ لَهُ سَعِيْدٌ: لَئِنْ لَمْ أَكُنْ عَلَى القِبْلَةِ وَالمِلَّةِ وَاللهِ لاَ يَنْفَعُنِي تَوْجِيْهُكُم فِرَاشِي (1) . ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنْ أَخِيْهِ المُغِيْرَةِ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَبِيْهِ عَلَى سَعِيْدٍ، وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَوُجِّهِ إِلَى القِبْلَةِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: مَنْ صَنَعَ بِي هَذَا، أَلَسْتُ امْرَءاً مُسْلِماً؟ وَجْهِي إِلَى اللهِ حَيْثُ مَا كُنْتُ (2) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ القَيْسِ الزَّيَّاتُ، عَنْ زُرْعَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: يَا زُرْعَةُ، إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى ابْنِي مُحَمَّدٍ لاَ يُؤْذِنَنَّ بِي أَحَداً، حَسْبِي أَرْبَعَةٌ يَحْمِلُوْنِي إِلَى رَبِّي (3) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، تَرَكَ دَنَانِيْرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَتْرُكْهَا إِلاَّ لأَصُوْنَ بِهَا حَسَبِي وَدِيْنِي (4) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ: شَهِدتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ يَوْمَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَرَأَيْتُ قَبْرَهُ قَدْ رُشَّ عَلَيْهِ المَاءُ، وَكَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ السَّنَةِ سَنَةَ الفُقَهَاءِ؛ لَكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُم فِيْهَا (5) . وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ عِدَّةُ فُقَهَاءٍ، مِنْهُم سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ. وَفِيْهَا أَرَّخَ وَفَاةَ ابْنِ المُسَيِّبِ: سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالوَاقِدِيُّ. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ سِوَاهُ.   (1) ابن سعد 5 / 142 وما بين الحاصرتين منه. (2) ابن سعد 5 / 142، 143. (3) ابن سعد 5 / 143 وزاد: " ولا تتبعني صائحة تقول في ما ليس في ". (4) المصدر السابق. (5) ابن سعد 5 / 143. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَمَّا مَا قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، فَغَلَطٌ. وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ بَعْضُهُم، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ. وَمَالَ إِلَيْهِ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. آخِرُ التَّرْجَمَةِ، وَالحَمْدُ للهِ. 89 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ * بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ الخَلِيْفَةُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الوَلِيْدِ الأُمَوِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ. سَمِعَ: عُثْمَانَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَبَرِيْرَةَ، وَغَيْرَهُم. ذَكَرْتُهُ لِغَزَارَةِ عِلْمِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عُرْوَةُ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 223، طبقات خليفة ت 2061، المحبر 377، تاريخ البخاري 5 / 429، المعارف 355، المعرفة والتاريخ 1 / 563، تاريخ اليعقوبي 3 / 14، مروج الذهب 3 / 292، تاريخ بغداد 10 / 388، طبقات الفقهاء للشيرازي 62، تاريخ ابن عساكر 10 / 252 آ، تاريخ ابن الأثير 4 / 517 وما بعدها، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 309، تهذيب الكمال ص 866، تاريخ الإسلام 3 / 276، العبر 1 / 102، تذهيب التهذيب 2 / 253 ب، ميزان الاعتدال 2 / 664، فوات الوفيات 2 / 402، البداية والنهاية 8 / 260، و9 / 61، العقد الثمين 5 / 512، تهذيب التهذيب 6 / 422، النجوم الزاهرة 1 / 212، خلاصة تذهيب التهذيب 246، شذرات الذهب 1 / 97. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ الشَّامَ وَمِصْرَ، ثُمَّ حَارَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ الخَلِيْفَةَ، وَقَتَلَ أَخَاهُ مُصْعَباً فِي وَقْعَةِ مَسْكِنَ (1) ، وَاسْتَوْلَى عَلَى العِرَاقِ، وَجْهَّزَ الحَجَّاجَ لِحَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتَوْسَقَتِ المَمَالِكُ لِعَبْدِ المَلِكِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ قَبْلَ الخِلاَفَةِ عَابِداً، نَاسِكاً بِالمَدِيْنَةِ. شَهِدَ مَقْتَلَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَاسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى المَدِيْنَةِ - كَذَا قَالَ - وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ أَبَاهُ. وَكَانَ أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، أَعْيَنَ، مُشْرِفَ الأَنْفِ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، لَيْسَ بِالبَادِنِ، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (3) . عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ لاَ يَغْزُو، أَوْ يُجَهِّزُ غَازِياً، أَوْ يَخْلُفُهُ بِخَيْرٍ إِلاَّ أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ المَوْتِ (4)) . قَالَ عُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لِمَرْوَانَ ابْناً فَقِيْهاً، فَسَلُوْهُ (5) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا هُرِيْرَةَ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَهُوَ غُلاَمٌ، فَقَالَ: هَذَا يَمْلِكُ العَرَبَ.   (1) انظر صفحة 144 من هذا الجزء. (2) في الطبقات 5 / 224، و234. (3) تاريخ بغداد 10 / 391. (4) رجاله ثقات خلا عبد الملك، وأخرجه أبو داود (2503) وابن ماجه (2762) والدارمي 2 / 209، من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا يحيى بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة..وسنده قوي. (5) المعرفة والتاريخ 1 / 563، تاريخ بغداد 10 / 389. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ المَدِيْنَةَ وَمَا بِهَا شَابٌّ أَشَدُّ تَشْمِيْراً وَلاَ أَفْقَهُ وَلاَ أَنْسَكُ وَلاَ أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللهِ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ (1) . وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَعُرْوَةُ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ (2) . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: وُلِدَ النَّاسُ أَبْنَاءً، وَوُلِدَ مَرْوَانُ أَباً. وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، وَفِتْيَانٌ مَعَهُ كَانُوا يُصَلُّوْنَ إِلَى العَصْرِ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَداً إِلاَّ وَجَدْتُ لِي عَلَيْهِ الفَضْلَ إِلاَّ عَبْدُ المَلِكِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تَأَوَّهَ مِنْ تَنْفِيْذِ يَزِيْدَ جَيْشَهُ إِلَى حَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا وَلِيَ الأَمْرَ، جَهَّزَ إِلَيْهِ الحَجَّاجَ الفَاسِقَ. قَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: أَفْضَى الأَمْرُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ وَالمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَطْبَقَهُ، وَقَالَ: هَذَا آخِرُ العَهْدِ بِكَ (3) . قُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ تَمْكُرْ بِنَا. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قِيْلَ لِعَبْدِ المَلِكِ: عَجِلَ بِكَ الشَّيْبُ. قَالَ: وَكَيْفَ لاَ وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيْرَ عَبْدُ المَلِكِ، وَكَتَبَ عَلَيْهَا القُرْآنَ (4) .   (1) ابن عساكر 10 / 254 آ، وانظر ابن سعد 5 / 234. (2) المعرفة والتاريخ 1 / 563. (3) تاريخ بغداد 10 / 390. (4) وقال المؤلف في تاريخه 3 / 279: " وقال مصعب بن عبد الله: كتب عبد الملك على الدينار (قل هو الله أحد) وطوقه بطوق فضة وكتب فيه ضرب بمدينة كذا " وكتب في خارج الطوق (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ إِذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ، قِيْمَ عَلَى رَأْسِهِ بِالسُّيُوْفِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى (1) الغَسَّانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ كَثِيْراً مَا يَجْلِسُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي مُؤَخَّرِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ. فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّك شَرِبْتَ الطِّلاَءَ (2) بَعْدَ النُّسْكِ وَالعِبَادَةِ! فَقَالَ: إِي وَاللهِ، وَالدِّمَاءَ. وَقِيْلَ: كَانَ أَبْخَرَ (3) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: خَطَبَ عَبْدُ المَلِكِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوْبِي عِظَامٌ، وَهِيَ صِغَارٌ فِي جَنْبِ عَفْوِكَ يَا كَرِيْمُ، فَاغْفِرْهَا لِي (4) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ رِجَالِ الدَّهْرِ، وَدُهَاةِ الرِّجَالِ، وَكَانَ الحَجَّاجُ مِنْ ذُنُوْبِهِ. تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ستٍّ وَثَمَانِيْنَ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. 90 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ المَدَنِيُّ * (د) أَمِيْرُ مِصْرَ، أَبُو الأَصْبَغِ المَدَنِيُّ. وَلِيَ العَهْدَ بَعْدَ عَبْدِ المَلِكِ، عَقَدَ لَهُ بِذَلِكَ أَبُوْهُ، وَاسْتَقَلَّ بِمُلْكِ مِصْرَ عِشْرِيْنَ سَنَةً وَزِيَادَةً.   (1) في الأصل: (يحيى بن بحر) وهو تصحيف وما أثبتناه من الميزان للمؤلف، والخبر في ابن عساكر 10 / 262 آ. (2) الطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، وبعض العرب تسمي الخمر به. (3) له نتن في فمه. (4) ابن عساكر 10 / 263 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 236، طبقات خليفة ت 2062، تاريخ البخاري 6 / 8، المعارف 355 و362، ولاة مصر وقضاتها 48، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 393، تاريخ ابن عساكر 10 / 194 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 206، تهذيب الكمال ص 847، تاريخ الإسلام 3 / 274، العبر 1 / 99، تذهيب التهذيب 2 / 243 ب، البداية والنهاية 9 / 57، خطط المقريزي 1 / 209، تهذيب التهذيب 6 / 356، النجوم الزاهرة 1 / 171 وما بعدها، حسن المحاضرة 1 / 260 و586، خلاصة تذهيب التهذيب 241، شذرات الذهب 1 / 95، خزانة الأدب 3 / 583. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَلَهُ بِدِمَشْقَ دَارٌ إِلَى جَانِبِ الجَامِعِ، هِيَ السُّمَيْسَاطِيَّةُ (1) . رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَبَحِيْرُ بنُ ذَاخِرٍ (2) . وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَلَهُ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) حَدِيْثٌ. قَالَ سُوَيْدُ بنُ قَيْسٍ: بَعَثَنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَجِئْتُهُ بِهَا، فَفَرَّقَهَا (3) . قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: شَهِدْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ عِنْدَ المَوْتِ يَقُوْل: يَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئاً، يَا لَيْتَنِي كَهَذَا المَاءِ الجَارِي. وَقِيْلَ: قَالَ: هَاتُوا كَفَنِي، أُفٍّ لَكِ، مَا أَقْصَرَ طَوِيْلَكِ وَأَقَلَّ كَثِيْرَكِ (4) . وَعَنْ حَمَّادِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عَبْدُ العَزِيْزِ، أَتَاهُ البَشِيْرُ يُبَشِّرُهُ بِمَالِهِ الوَاصِلِ فِي العَامِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: هَذِهِ ثَلاَثُ مائَةِ مُدْيٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: مَا لِي وَلَهُ، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ بَعْراً حَائِلاً بِنَجْدٍ (5) . قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ كُلِّ مَلِكٍ كَثِيْرِ الأَمْوَالِ، فَهَلاَّ يُبَادِرُ بِبَذْلِهِ.   (1) هي خانقاه السميساطية نسبة للسميساطي أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الحبشي، من أكابر الرؤساء بدمشق المتوفى 423 هـ الذي اشتراها حين قدم دمشق. وسميساط قلعة على الفرات بين قلعة الروم وملطبة. انظر الدارس 2 / 151. (2) هو بحير المعافري، ذكر البخاري أنه كان من حرس عبد العزيز بن مروان. (3) ابن عساكر 10 / 197 آ. (4) ابن عساكر 10 / 198 آ. (5) الخبر في ابن عساكر 10 / 198 آولفظه: "..أتى بشير يبشره بماله الذي كان بمصر حين كان عاملا عليها، فقال: مالك، هذه ثلاث مئة مدي من ذهب، قال: مالي وله والله لوددت أنه كان بعرا حائلا ببحر ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَالزِّيَادِيُّ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَالَ اللَّيْثُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ستٍّ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: الأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ كَانَ مَاتَ قَبْلَهُ ابْنُهُ أَصْبَغُ بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْماً، فَحَزِنَ عَلَيْهِ، وَمَرِضَ، وَمَاتَ بِحُلْوَانَ؛ مَدِيْنَةٍ صَغِيْرَةٍ أَنْشَأَهَا عَلَى بَرِيْدٍ فَوْقَ مِصْرَ. وَعَاشَ أَخُوْهُ عَبْدُ المَلِكِ بَعْدَهُ، فَلَمَّا جَاءهُ نَعْيُهُ، عَقَدَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ لابْنَيْهِ: الوَلِيْدِ، ثُمَّ سُلَيْمَانَ. 91 - رَوْحُ بنُ زِنْبَاعِ * بنِ رَوْحِ بنِ سَلاَمَةَ أَبُو زُرْعَةَ الجُذَامِيُّ الأَمِيْرُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو زُرْعَةَ الجُذَامِيُّ، الفِلَسْطِيْنِيُّ، سَيِّدُ قَوْمِهِ. وَكَانَ شِبْهَ الوَزِيْرِ لِلْخَلِيْفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَعَنْ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ رَوْحُ بنُ رَوْحٍ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ دَارٌ بِدِمَشْقَ فِي البُزُوْرِيِّيْنَ (1) ، وَلِيَ جُنْدَ فِلَسْطِيْنَ لِيَزِيْدَ. وَكَانَ يَوْمَ مَرْجِ رَاهِطٍ (2) مَعَ مَرْوَانَ. وَقَدْ وَهِمَ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا الصُّحْبَةُ لأَبِيْهِ.   (*) تاريخ البخاري 3 / 307، البيان والتبيين 1 / 358، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 494، الاستيعاب ت 786، تاريخ ابن عساكر 6 / 149 ب، أسد الغابة 2 / 189، تاريخ الإسلام 3 / 248، العبر 1 / 98، البداية والنهاية 9 / 52 و54، الإصابة ت 2713، تعجيل المنفعة 131، النجوم الزاهرة / 205، شذرات الذهب 1 / 95، تهذيب ابن عساكر 5 / 340. (1) البزوريين: من أسواق دمشق القديمة، يعرف بسوق القمح أيضا، واليوم ب (سوق البزورية) موقعه في الجهة الجنوبية من (الخضراء) انظر تاريخ ابن عساكر المجلدة الثانية ص 142 والمخطط رقم (1) . (2) راهط: اسم رجل من قضاعة، ومرج راهط: موضع به كانت الوقعة المشهورة بين = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، قَالَ: كَانَ رَوْحُ بنُ زِنْبَاعٍ إِذَا خَرَجَ مِنَ الحَمَّامِ، أَعْتَقَ رَقَبَةً. قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: هُوَ صَدُوْقٌ، وَمَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَحَدِيْثُهُ قَلِيْلٌ. 92 - ابْنُ أُمِّ بُرْثُنٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ آدَمَ البَصْرِيُّ * (م، د) الأَمِيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ آدَمَ البَصْرِيُّ، صَاحِبُ السِّقَايَةِ، هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ بُرْثُنٍ. لَعَلَّهُ ابْنُ مُلاَعِنَةٍ. وَآدَمُ هُنَا، هُوَ أَبُوْنَا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-. وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بُرْثُمٍ، وَابْنُ بُرْثُنٍ. وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ، مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَعَنْهُ: أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَقَتَادَةُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ. قَالَ المَدَائِنِيُّ: اسْتَعْمَلَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ ابْنَ أُمِّ بُرْثُنٍ، ثُمَّ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَغَرَّمَهُ مائَةَ أَلْفٍ، فَخَرَجَ إِلَى يَزِيْدَ. قَالَ: فَنَزَلْتُ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ دِمَشْقَ،   = مروان بن الحكم وأنصار عبد الله بن الزبير. وكان مروان قد هم بالمسير إلى المدينة لمبايعة ابن الزبير، فقال له عبيد الله بن زياد: استحييت لك من هذا الفعل إذ أصبحت شيخ قريش المشار إليه وتبايع عبد الله بن الزبير وأنت أولى بهذا الامر منه! فقال له: لم يفت شيء فبايعه، وبايعه أهل الشام وخالف عليه الضحاك بن قيس الفهري، وصار أهل الشام حزبين: حزب اجتمع إلى الضحاك بمرج راهط بغوطة دمشق، وحزب مع مروان، وكانت الوقعة بينهما، قتل فيها الضحاك واستقام الامر لمروان، انظر معجم البلدان وتاريخ الطبري 5 / 535. (*) طبقات خليفة ت 1652، تاريخ البخاري 5 / 254، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 209، تاريخ ابن عساكر 9 / 424 آ، تهذيب الكمال ص 774، تاريخ الإسلام 3 / 270، تذهيب التهذيب 2 / 203 آ، تهذيب التهذيب 6 / 134، خلاصة تذهيب التهذيب 223. وفيه (برثم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَضُرِبَ لِي خِبَاءٌ وَحُجْرَةٌ، فَإِذَا كَلْبٌ دَخَلَ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذْتُهُ، وَطَلَعَ فَارِسٌ، فَهِبْتُهُ، وَأَنْزَلْتُهُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ تَوَافَتِ الخَيْلُ، فَإِذَا هُوَ يَزِيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لِي بَعْدَ مَا صَلَّى: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَتَبْتُ لَكَ هُنَا، وَإِنْ شِئْتَ دَخَلْتَ. قُلْتُ: بَلْ تَكْتُبُ لِي مِنْ مَكَانِي. قَالَ: وَأَمَرَ بِأَنْ تُرَدَّ عَلَيَّ المائَةُ أَلْفٍ، فَرَجَعْتُ. قَالَ: وَأَعْتَقَ هُنَاكَ ثَلاَثِيْنَ مَمْلُوْكاً، وَكَانَ يَتَأَلَّهُ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ (1) : رَمَى عَبْداً لَهُ بِسَفُّودٍ، فَأَخْطَأَهُ، وَأَصَابَ وَلَدَهُ، فَنَتَرَ دِمَاغَهُ. فَخَافَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَأَنْتَ حُرُّ، فَلَوْ قَتَلْتُكَ لَكُنْتُ هَلَكْتُ، لأَنِّي كُنْتُ مُتَعَمِّداً، وَأَصَبْتُ ابْنِي خَطَأً. ثُمَّ عَمِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدُ، وَمَرِضَ. وَقِيْلَ: كَانَتْ أُمُّهُ تَعْمَلُ الطِّيْبَ، وَتُخَالِطُ نِسَاءَ ابْنِ زِيَادٍ، فَالْتَقَطَتْ هَذَا، وَرَبَّتْهُ. مَاتَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَهُوَ ثِقَةٌ. 93 - أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ عِمْرَانُ بنُ مِلْحَانَ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عِمْرَانُ بنُ مِلْحَانَ التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ. مِنْ كِبَارِ المُخَضْرَمِيْنَ، أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْرَدَهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِ (الاسْتِيْعَابِ (2)) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ.   (1) في الأصل: (فقال) لعله تصحيف لان ابن عساكر أورد الخبر متصلا فلم يكرر ذكر المدائني. ابن عساكر 9 / 424 ب وما بين الحاصرتين منه. (*) طبقات ابن سعد 7 / 138، طبقات خليفة ت 1564، تاريخ البخاري 6 / 410، المعارف 427، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 303، الحلية 2 / 304، الاستيعاب ت 1971، أسد الغابة 4 / 136 و5 / 191، تاريخ الإسلام 4 / 217، تذكرة الحفاظ 1 / 62، العبر 1 / 129، تذهيب التهذيب 3 / 115 ب، الإصابة كنى ت 433، تهذيب التهذيب 8 / 140، النجوم الزاهرة 1 / 243، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 25، خلاصة تذهيب التهذيب 296، شذرات الذهب 1 / 130. (2) 3 / 1209 ت 1971. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ. وَتَلقَّنَ عَلَيْهِ القُرْآنَ، ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَسَنُّ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ خَيِّراً، تَلاَّءً لِكِتَابِ اللهِ. قَرَأَ عَلَيْهِ: أَبُو الأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسَلْمُ بنُ زَرِيْرٍ، وَصَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هَرَبْنَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ لَهُ: مَا طَعْمُ الدَّمِ؟ قَالَ: حُلْوٌ (1) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: قُلْتُ لأَبِي رَجَاءٍ: مَا تَذْكُرُ؟ قَالَ: أَذْكُرُ قَتْلَ بِسْطَامَ، ثُمَّ أَنْشَدَ: وَخَرَّ عَلَى الأَلاَءةِ لَمْ يُوَسَّدْ ... كَأَنَّ جَبِيْنَهُ سَيْفٌ صَقِيْلُ (2) ثُمَّ قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قُتِلَ بِسْطَامُ قَبْلَ الإِسْلاَمِ بِقَلِيْلٍ. أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَارِثِ الكَرْمَانِيُّ - وَكَانَ ثِقَةً - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا شَابٌّ أَمْرَدُ، وَلَمْ أَرَ نَاساً كَانُوا أَضَلَّ مِنَ العَرَبِ، كَانُوا (3) يَجِيْئُوْنَ بِالشَّاةِ البَيْضَاءِ، فَيَعْبُدُوْنَهَا، فَيَخْتَلِسُهَا الذِّئْبُ، فَيَأْخُذُوْنَ أُخْرَى مَكَانَهَا يَعْبُدُوْنَهَا، وَإِذَا رَأَوْا صَخْرَةً حَسَنَةً، جَاؤُوا   (1) انظر تفصيل الخبر على صفحة 256. (2) ابن سعد 7 / 138، والبيت من مرثية لابن عنمة الضبي في مقتل بسطام بن قيس أوردها أبو تمام في حماسته رقم (355) صفحة 1021 بشرح المرزوقي، وهوفي المعارف لابن قتيبة 428 والجمهرة 1 / 189 واللسان والتاج مادة (ألا) وقد تصحف في الأصل لفظ الالاءة إلى (ألاآة) . (3) في الأصل (كان) والخبر في الاستيعاب 3 / 1210، 1211، وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 بِهَا، وَصَلُّوا إِلَيْهَا، فَإِذَا رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهَا رَمَوْهَا. فَبُعِثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي، فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوْجِهِ، لَحِقْنَا بِمُسَيْلِمَةَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ اسْمَ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ عِمْرَانُ بنُ تَيْمٍ، وَبَنُوْ عُطَارِدٍ: بَطْنٌ مِنْ تَمِيْمٍ، وَكَانَ أَبُو رَجَاءٍ - فِيْمَا قِيْلَ - يَخْضِبُ رَأْسَهُ دُوْنَ لِحْيَتِهِ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ أَبُو رَجَاءٍ عَابِداً، كَثِيْرَ الصَّلاَةِ وَتِلاَوَةِ القُرْآنِ، كَانَ يَقُوْلُ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ أَنْ أُعَفِّرَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ (2) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ (3) رَجُلاً فِيْهِ غَفْلَةٌ، وَلَهُ عِبَادَةٌ، عُمِّرَ عُمُراً طَوِيْلاً أَزْيَدَ مِنْ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. ذَكَرَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ فِي جَنَازَةِ أَبِي رَجَاءٍ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَالفَرَزْدَقُ. فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، يَقُوْلُ النَّاسُ: اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الجَنَازَةِ خَيْرُ النَّاسِ وَشَرُّهُم. فَقَالَ الحَسَنُ: لَسْتُ بِخِيْرِ النَّاسِ، وَلَسْتَ بِشَرِّهِم، لَكِنْ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا اليَوْمِ يَا أَبَا فَرَاسٍ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّاسَ مَاتَ كَبِيْرُهُم ... وَقَدْ كَانَ قَبْلَ البَعْثِ بَعْثِ مُحَمَّدِ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ عَيْشُ سَبْعِيْنَ حِجَّةً ... وَسِتِّيْنَ لَمَّا بَاتَ غَيْرُ مُوَسَّدِ إِلَى حُفْرَةٍ غَبْرَاءَ يُكْرَهُ وَرْدُهَا ... سِوَى أَنَّهَا مَثْوَى وَضِيْعٍ وَسَيِّدِ   (1) في الأصل: سمعنا بمسيلمة، والتصحيح من تاريخ المؤلف والاستيعاب، وقال الحافظ في الإصابة: " وفي صحيح البخاري من طريق: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فررنا إلى بالنار إلى مسيلمة ". (2) انظر الحلية 2 / 306. (3) في الاستيعاب 3 / 1211. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 وَلَوْ كَانَ طُوْلُ العُمْرِ يُخْلِدُ وَاحِداً ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ عَيْبَ عُمْرٍ عَمَرَّدِ لَكَانَ الَّذِي رَاحُوا بِهِ يَحْمِلُوْنَهُ ... مُقِيْماً، وَلَكِنْ لَيْسَ حَيٌّ بِمُخْلَدِ نَرُوْحُ وَنَغْدُو وَالحُتُوْفُ أَمَامَنَا ... يَضَعْنَ بِنَا حَتْفَ الرَّدَى كُلَّ مَرْصَدِ (1) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: بَلَغنَا أَمْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ عَلَى مَاءٍ لَنَا، يُقَالَ لَهُ: سَنَدٌ (2) ، فَانْطَلَقْنَا نَحْوَ الشَّجَرَةِ هَارِبِيْنَ بِعِيَالِنَا، فَبَيْنَا أَنَا أَسُوْقُ القَوْمَ، إِذْ وَجَدْتُ كُرَاعَ ظَبْيٍ، فَأَخَذْتُهُ، فَأَتَيْتُ المَرْأَةَ، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَعِيْرٌ؟ فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ فِي وِعَاءٍ لَنَا عَامَ أَوَّلٍ شَيْءٌ مِنَ الشَّعِيْرِ، فَمَا أَدْرِي بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لاَ. فَأَخَذْتُهُ، فَنَفَضْتُهُ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ شَعِيْرٍ، وَرَضَخْتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَأَلْقَيْتُهُ وَالكُرَاعَ فِي بُرْمَةٍ لَنَا، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى بَعِيْرٍ، فَفَصَدْتُهُ إِنَاءً مِنْ دَمٍ، وَأَوْقَدْتُ تَحْتَهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ عُوْداً، فَلَبَكْتُهُ بِهِ لَبْكاً شَدِيْداً حَتَّى أَنْضَجْتُهُ، ثُمَّ أَكَلْنَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَكَيْفَ طَعْمُ الدَّمِ؟ قَالَ: حُلْوٌ (3) . مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، فَقَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ لَنَا صَنَمٌ مُدَوَّرٌ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى قَتَبٍ، وَتَحَوَّلْنَا، فَفَقَدْنَا الحَجَرَ، انْسَلَّ فَوْقَعَ فِي رَمْلٍ، فَرَجَعْنَا فِي طَلَبِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي رَمْلٍ قَدْ غَابَ فِيْهِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّل إِسْلاَمِي. فَقُلْتُ: إِنَّ إِلَهاً لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ تُرَابٍ يَغِيْبُ فِيْهِ لإِلَهُ سَوْءٍ، وَإِنَّ العَنْزَ لَتَمْنَعُ حَيَاهَا بِذَنَبِهَا. فَكَانَ   (1) الابيات والخبر في الاستيعاب 3 / 1211، وانظر ابن سعد 7 / 140 وطبقات ابن سلام 335 والكامل للمبرد 1 / 119 وصفحة 584 من هذا الجزء. (2) بلد معروف في البادية وقيل ماء معروف لبني سعد. معجم البلدان. (3) الحلية 2 / 305 وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 ذَلِكَ أَوَّلَ إِسْلاَمِي. فَرَجَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ عُمَارَةُ المِعْوَلِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: كُنَّا نَعْمَدُ إِلَى الرَّمْلِ، فَنَجْمَعُهُ، وَنَحْلِبُ عَلَيْهِ، فَنَعْبُدُهُ، وَكُنَّا نَعْمَدُ إِلَى الحَجَرِ الأَبْيَضِ، فَنَعْبُدُهُ (2) . قَالَ أَبُو الأَشْهَبِ: كَانَ أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ يَخْتِمُ بِنَا فِي قِيَامٍ لِكُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ (3) ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو رَجَاءٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَلَهُ أَزْيَدُ مِنْ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ المُؤَرِّخِيْنَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. 94 - الأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ أَبُو سَلاَّمٍ المُحَارِبِيُّ * (خَ، م، د، س) الكُوْفِيُّ، مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِيْنَ، أَدْرَكَ أَيَّامَ الجَاهِلِيَّةِ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.   (1) الحلية 2 / 305، 306. (2) الحلية 2 / 306. (3) في الاستيعاب 3 / 1211. (*) طبقات ابن سعد 6 / 119، طبقات خليفة ت 1004، تاريخ البخاري 1 / 449، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 292، تهذيب الكمال ص 103، تاريخ الإسلام 3 / 242، تذهيب التهذيب 1 / 68 آ، الإصابة ت 459، تهذيب التهذيب 1 / 342، خلاصة تذهيب التهذيب 37. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 95 - الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمِ بنِ عَائِذٍ أَبُو يَزِيْدَ الثَّوْرِيُّ * (خَ، م) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو يَزِيْدَ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. أَدْرَكَ زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْسَلَ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَبِيْرُ الشَّأْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَهِلاَلُ بنُ يِسَافٍ، وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ. رُوِيَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ إِذَا دَخَلَ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِذْنٌ لأَحَدٍ حَتَّى يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: يَا أَبَا يَزِيْدَ، لَوْ رَآكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَحَبَّكَ، وَمَا رَأَيْتُكَ إِلاَّ ذَكَرْتُ المُخْبِتِيْنَ (1) . فَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيْمَةٌ لِلرَّبِيْعِ، أَخْبَرَنِي بِهَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَثَنَا أَزْهَرُ بنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ بنُ خُثَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ. أَبُو الأَحْوَصِ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 182، طبقات خليفة ت 992، تاريخ البخاري 3 / 269، المعارف 497، المعرفة والتاريخ 2 / 563، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 459، الحلية 2 / 105، تهذيب الكمال ص 404، تذكرة الحفاظ 1 / 54، تاريخ الإسلام 3 / 15 و247 و365: تذهيب التهذيب 1 / 217 آ، البداية والنهاية 8 / 217، غاية النهاية ت 1263، تهذيب التهذيب 3 / 242، خلاصة تذهيب التهذيب 115. (1) الحلية 2 / 106، وانظر ابن سعد 6 / 182، 183، والمخبتون: هم المطمئنون وقيل: هم المتواضعون الخاشعون لربهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 الرَّبِيْعُ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُ، قَالَ: اتَّقِ اللهَ فِيْمَا عَلِمْتَ، وَمَا اسْتُؤْثِرَ بِهِ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ، لأَنَّا عَلَيْكُمْ فِي العَمْدِ أَخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُم فِي الخَطَأِ، وَمَا خَيِّرُكُمْ اليَوْمَ بِخَيِّرٍ، وَلَكِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آخِرِ شَرٍّ مِنْهُ، وَمَا تَتَّبِعُوْنَ الخَيْرَ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، وَمَا تَفِرُّوْنَ مِنَ الشَّرِّ حَقَّ فِرَارِهِ، وَلاَ كُلُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكْتُمْ، وَلاَ كُلُّ مَا تَقْرَؤُوْنَ تَدْرُوْنَ مَا هُوَ. ثُمَّ يَقُوْلُ: السَّرَائِرَ السَّرَائِرَ اللاَّتِي يَخْفَيْنَ مِنَ النَّاسِ وَهُنَّ -وَاللهِ- بَوَادٍ (1) ، الْتَمِسُوا دَوَاءهُنَّ، وَمَا دَوَاؤُهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَتُوْبَ، ثُمَّ لاَ يَعُوْدَ (2) . رَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قَالَ فُلاَنٌ: مَا أَرَى الرَّبِيْعَ بنَ خُثَيْمٍ تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، إِلاَّ بِكَلِمَةٍ تَصْعَدُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ، قَالَ: صَحِبْتُ الرَّبِيْعَ عِشْرِيْنَ عَاماً مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً تُعَابُ (3) . وَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَالَسْتُ الرَّبِيْعَ بنَ خُثَيْمٍ سِنِيْنَ، فَمَا سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ مِمَّا فِيْهِ النَّاسُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ لِي مَرَّةً: أُمُّكَ حَيَّةٌ (4) ؟ وَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ إِذَا قِيْلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتُم؟ قَالَ: ضُعَفَاءَ مُذْنِبِيْنَ، نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا، وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا (5) . وَعَنْهُ، قَالَ: كُلُّ مَا لاَ يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللهِ يَضْمَحِلُّ (6) . وَرَوَى: الأَعْمَشُ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ: أَنَّ الرَّبِيْعَ أَخَذَ يُطْعِمُ مُصَاباً   (1) في الأصل (لواد) وهو تصحيف. (2) الحلية 2 / 108، وانظر ابن سعد 6 / 185. (3) ابن سعد 6 / 185. (4) الحلية 2 / 110 وزاد: " وقال مرة: كم لكم مسجدا؟ ". (5) ابن سعد 6 / 185. (6) ابن سعد 6 / 186. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 خَبِيْصاً، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُدْرِيْهِ مَا أَكَلَ؟ قَالَ: لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي (1) . الثَّوْرِيُّ: عَنْ سُرِّيَّةٍ لِلرَّبِيْعِ: أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ (2) ، وَفِي حَجْرِهِ المُصْحَفُ، فَيُغَطِّيْهِ. وَعَنِ ابْنَةٍ لِلرَّبِيْعِ، قَالَتْ (3) : كُنْتُ أَقُوْلُ: يَا أَبَتَاهُ، أَلاَ تَنَامُ؟! فَيَقُوْلُ: كَيْفَ يَنَامُ مَنْ يَخَافُ البَيَاتَ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ يُقَادُ إِلَى الصَّلاَةِ وَبِهِ الفَالِجُ. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ رُخِّصَ لَكَ. قَالَ: إِنِّي أَسْمَعُ (حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ) ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَأْتُوْهَا وَلَوْ حَبْواً. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ هَذَا الَّذِي بِي بِأَعْتَى الدَّيْلَمِ عَلَى اللهِ (4) . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: قِيْلَ لَهُ: لَوْ تَدَاوَيْتَ. قَالَ: ذَكَرْتُ عَاداً وَثَمُوْدَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ، وَقُرُوْناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيْراً، كَانَتْ فِيْهِم أَوْجَاعٌ، وَكَانَتْ لَهُم أَطِبَّاءٌ، فَمَا بَقِيَ المُدَاوِي وَلاَ المُدَاوَى إِلاَّ وَقَدْ فَنِيَ (5) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا جَلَسَ رَبِيْعٌ فِي مَجْلِسٍ مُنْذُ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ، يَقُوْلُ: أَخَافُ أَنْ أَرَى أَمْراً، أَخَافُ أَنْ لاَ أَرُدَّ السَّلاَمَ، أَخَافُ أَنْ لاَ أُغْمِضَ بَصَرِي (6) .   (1) انظره مفصلا في ابن سعد 6 / 188، 189. (2) في الأصل: الراجل وما أثبتناه من " المعرفة والتاريخ " والخبر فيه 2 / 570 وانظر الحلية 2 / 107. (3) في الأصل: (قال) وهو تصحيف، والخبر في " المعرفة والتاريخ " 2 / 570، وانظر الحلية 2 / 114، 115. (4) ابن سعد 6 / 189، 190 والمعرفة والتاريخ 2 / 571 وانظر الحلية 2 / 113، 115. والديلم هنا: الاعداء وفي معجم البلدان: الديلم: ماء لبني عبس من أرض اليمامة. (5) المعرفة والتاريخ 2 / 571، وانظر ابن سعد 6 / 192، والحلية 2 / 106. (6) المعرفة والتاريخ 2 / 572 ولفظه: (حاملا) بدل (أمرا) وقد أورد الفسوي الخبر مفصلا في الصفحة 569، وانظر الحلية 2 / 116. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 قَالَ نُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ: مَا تَطَوَّعَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ فِي مَسْجِدِ الحَيِّ إِلاَّ مَرَّةً (1) . قَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، وَكَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ (2) . وَعَنْ مُنْذِرٍ: أَنَّ الرَّبِيْعَ كَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، فَرَّقَهُ، وَتَرَكَ قَدْرَ مَا يَكْفِيْهِ (2) . وَعَنْ يَاسِيْنَ الزَّيَّاتِ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ الكَوَّاءِ إِلَى الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. قَالَ: نَعَمْ، مَنْ كَانَ مَنْطِقُهُ ذِكْراً، وَصَمْتُهُ تَفَكُّراً، وَمَسِيْرُهُ تَدَبُّراً، فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي (3) . وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ الرَّبِيْعُ أَوْرَعَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ (4) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ لَيْلَةً بِثُلُثِ القُرْآنِ؟) . فَأَشْفَقْنَا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرٍ نَعْجَزُ عَنْهُ. قَالَ: فَسَكَتْنَا. قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ بِثُلُثِ القُرْآنِ؟ فَإِنَّهُ مَنْ قَرَأَ: اللهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ، فَقَدْ قَرَأَ لَيْلَتَئِذٍ ثُلُثَ القُرْآنِ) (5) .   (1) ابن سعد 6 / 187، وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 572 ولفظه: " عن نسير بن ذعلوق عن الربيع بن خثيم قال: ما أرى متطوعا في مسجد الحي قط غير مرة ". (2) المعرفة والتاريخ 2 / 573. 3) الحلية 2 / 106. (4) الحلية 2 / 107. (5) الحلية 2 / 117، وأخرجه أحمد 5 / 418، 419 من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وَرَوَاهُ: الشَّعْبِيُّ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ. قَدْ تَجَمَّعَ فِي إِسْنَادِهِ خَمْسَةٌ تَابِعِيُّوْنَ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ زَائِدَةَ. وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ: غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ ربِيْعٍ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَحَذَفَ مِنْهُ: ابْنَ أَبِي لَيْلَى. وَرَوَاهُ: جَرِيْرٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، فَحَذَفَ مِنْهُ: ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَالمَرْأَةَ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنِ العَلاَءِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ فِي بَنِي ثَوْرٍ ثَلاَثُوْنَ رَجُلاً، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ دُوْنَ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ (1) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مَا كَانَ يَقُوْلُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ قَوْماً قَطُّ أَكْثَرَ عِلْماً، وَلاَ أَعْظَمَ حِلْماً، وَلاَ أَكَفَّ عَنِ الدُّنْيَا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، وَلَوْلاَ مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الصَّحَابَةُ، مَا قَدَّمْنَا عَلَيْهِمْ أَحَداً. حَمَّادُ بنُ يَزِيْدَ: عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْماً سُوْدَ الرُّؤُوْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ مِنْ قَوْمٍ فِيْهِمْ جُرَةٌ (2) . قِيْلَ: تُوُفِّيَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. 96 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى الأَنْصَارِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عِيْسَى الأَنْصَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، وَيُقَالُ:   = زائدة بن قدامة عن منصور عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الانصار عن أبي أيوب. ورواه الترمذي (2896) والنسائي 2 / 171، 172، عن محمد بن بشار، ورواه الترمذي وقتيبة كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي به، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، عند أحمد 3 / 8، والبخاري 9 / 53، وأبي داود (1461) والنسائي 2 / 171، وعن أبي هريرة عند مسلم (813) والترمذي (2900) وعن أبي الدرداء عند مسلم (811) . (1) ابن سعد 6 / 190. (2) الجرة: لغة في (الجرأة) وهي الشجاعة، والخبر في المعرفة والتاريخ 2 / 577. (*) طبقات ابن سعد 6 / 109، طبقات خليفة ت 1080، تاريخ البخاري 5 / 368، المعرفة = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 أَبُو مُحَمَّدٍ، مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ. وُلِدَ فِي: خِلاَفَةِ الصِّدِّيْقِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَبِلاَلٍ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَصُهَيْبٍ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ، وَالمِقْدَادِ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَوَالِدِهِ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - وَمَا إِخَالُهُ لَقِيْهُ، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) -. وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ فِي وَسَطِ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَرَآهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى الخُفِّيْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَالأَعْمَشُ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَلِيٍّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: جَلَسْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُهُ يُعَظِّمُوْنَهُ، كَأَنَّهُ أَمِيْرٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: كُنَّا إِذَا قَعَدْنَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ لِرَجُلٍ: اقْرَأِ القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّنِي عَلَى مَا تُرِيْدُوْنَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي كَذَا، وَهَذِهِ الآيَةُ فِي كَذَا (1) . وَرَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، [عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى] (2) ، قَالَ: أَدْرَكْتُ عِشْرِيْنَ وَمائَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأَنْصَارِ، إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَنْ شَيْءٍ، وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ (3) .   = والتاريخ 2 / 617، أخبار القضاة 2 / 406، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 301، الحلية 4 / 350، تاريخ بغداد 10 / 199، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 303، وفيات الأعيان 3 / 126، تهذيب الكمال ص 817، تذكرة الحفاظ 1 / 55، تاريخ الإسلام 3 / 272، العبر 1 / 96، تذهيب التهذيب 2 / 226 آ، غاية النهاية ت 1602، الإصابة ت 5192، تهذيب التهذيب 6 / 260، النجوم الزاهرة 1 / 206، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 19، خلاصة تذهيب التهذيب 234، طبقات المفسرين 1 / 269، شذرات الذهب 1 / 92. (1) تاريخ البخاري 5 / 368. (2) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل استدركناه من تاريخ الإسلام وتهذيب بن حجر. (3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 6 / 110 من طريق يزيد بن هارون عن شعبة عن عطاء = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ: أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَقَالَ: مَا شَعَرْتُ أَنَّ النِّسَاءَ وَلَدْنَ مِثْلَ هَذَا. شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: صَحِبْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَكْثَرُ مَا يَتَحَدَّثُوْنَ عَنْهُ بَاطِلٌ (1) . قَالَ الأَعْمَشُ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ ضَرَبَهُ الحَجَّاجُ، وَكَأَنَّ ظَهْرَهُ مِسْحٌ (2) ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى ابْنِهِ، وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ: الْعَنِ الكَذَّابِيْنَ، فَيَقُوْلُ: لَعَنَ اللهُ الكَذَّابِيْنَ. يَقُوْلُ: اللهُ اللهُ، عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، المُخْتَارُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ: وَأَهْلُ الشَّامِ كَأَنَّهُمْ حَمِيْرٌ لاَ يَدْرُوْنَ مَا يَقْصِدُ، وَهُوَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ اللَّعْنِ (3) . قُلْتُ: ثُمَّ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ كِبَارِ مَنْ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، وَكَانَ لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ. ذَكَرَهَا: وَلَدُهُ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، حَدَّثَنَا اللَّبَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي، فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ (4) . وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ   = وهذا سند صحيح، فإن شعبة سمع من عطاء قبل الاختلاط. (1) أخرج ابن سعد 6 / 113 من طريق آخر نحوه. (2) المسح؟ ؟: كساء من شعر. (3) المعرفة والتاريخ 2 / 618، وانظر ابن سعد 6 / 112، 113، والحلية 4 / 351. (4) الحلية 4 / 351 وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 618. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَحْلُوْقاً عَلَى المِصْطَبَةِ، وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: الْعَنِ الكَذَّابِيْنَ. وَكَانَ رَجُلاً ضَخْماً، بِهِ رَبْوٌ (1) ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنِ الكَذَّابِيْنَ، آهٍ - ثُمَّ يَسْكُتُ - عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، وَالمُخْتَارُ (2) . اسْمُ وَالِدِهِ أَبِي لَيْلَى: يَسَارٌ. وَقِيْلَ: بِلاَلٌ. وَقِيْلَ: دَاوُدُ بنُ أَبِي أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاَحِ بنِ الحَرِيْشِ بنِ جَحْجَبَى (3) بنِ كُلْفَةَ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى بَيْتٌ فِيْهِ مَصَاحِفُ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فِيْهِ القُرَّاءُ، قَلَّمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ عَنْ طَعَامٍ. فَأَتَيْتُهُ وَمَعِي تِبْرٌ، فَقَالَ: أَتُحَلِّي بِهِ سَيْفاً؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَتُحَلِّي بِهِ مُصْحَفاً؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَلَعَلَّكَ تَجْعَلُهَا أَخْرَاصاً، فَإِنَّهَا تُكْرَهُ (4) . قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، نَشَرَ المُصْحَفَ، وَقَرَأَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (5) . شَرِيْكٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ يَعْمَلُ بِمِسْحَاةٍ لَهُ، فَأَصَابَ أَبَاهُ، فَشَجَّهُ، فَقَالَ: لاَ يَصْحَبُنِي مَنْ فَعَلَ بِأَبِي مَا فَعَلَ. فَقَطَعَ يَدَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَةَ المَلِكِ أَرَادَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فَقَالَ: مَنْ نَبْعَثُ بِهَا؟ قَالُوا: فُلاَنٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَعْفِنِي. قَالَ: لاَ. قَالَ: فَأَجِّلْنِي إِذاً أَيَّاماً. قَالَ: فَذَهَبَ، فَقَطَعَ مَذَاكِيْرَهُ فِي حُقٍّ (6) ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ خَاتِمُهُ   (1) الربو هنا: النفس العالي. (2) الحلية 4 / 351 وما بين الحاصرتين منه. (3) في الأصل (جمحبا) مصحف، وما أثبتناه من الاشتقاق وجمهرة ابن حزم والتاج. واشتقاق جحجبى من الجحجبة وهو التردد في الشئ والمجئ والذهاب. (4) ابن سعد 6 / 110، 111 والاخراص: جمع خرص، وهو القرط، والدرع. (5) ابن سعد 6 / 111. (6) الحق: الوعاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذِهِ وَدِيْعَتِي عِنْدَكَ، فَاحْفَظْهَا. قَالَ: وَنَزَّلَهَا (1) المَلِكُ مَنْزِلاً مَنْزِلاً، انْزِلْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، وَيَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، فَوَقَّتَ لَهُ وَقْتاً. فَلَمَّا سَارَ، جَعَلَتِ ابْنَةُ المَلِكِ لاَ تَرْتَفِعُ بِهِ (2) ، فَتَنْزِلُ حَيْثُ شَاءتْ، وَتَرْتَحِلُ مَتَى شَاءتْ، وَجَعَلَ إِنَّمَا هُوَ يَحْرُسُهَا، وَيَنَامُ عِنْدَهَا. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَنَامُ عِنْدَهَا. فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: خَالَفْتَ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ. فَقَالَ: ارْدُدْ عَلَيَّ وَدِيْعَتِي. فَلَمَّا رَدَّهَا، فَتَحَ الحُقَّ، وَتَكَشَّفَ عَنْ مِثْلِ الرَّاحَةِ، فَفَشَا ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ. قَالَ: فَمَاتَ قَاضٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: مَنْ نَجْعَلُ مَكَانَهُ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ. فَأَبَى، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ: دَعُوْنِي حَتَّى أَنْظَرَ فِي أَمْرِي. فَكَحَّلَ عَيْنَيْهِ بِشَيْءٍ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ عَلَى القَضَاءِ، فَقَامَ لَيْلَةً، فَدَعَا اللهَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُ لَكَ رِضَىً، فَارْدُدْ عَلَيَّ خَلْقِي أَصَحَّ مَا كَانَ. فَأَصْبَحَ، وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَمُقْلَتَيْهِ أَحْسَنَ مَا كَانَتَا، وَيَدَهُ، وَمَذَاكِيْرَهُ (3) . أَنْبَأَنَا بِهَا: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ -يَعْنِي: العَسَّالَ فِي كِتَابِهِ- حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، فَذَكَرَهَا. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ (4) ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ رَاكِبٌ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَأَى الهِلاَلَ؛ هِلاَلَ شَوَّالٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْطِرُوا. ثُمَّ قَامَ إِلَى عُسٍّ (5) مِنْ مَاءٍ،   (1) في الحلية: (ونزله) . (2) لا ترتقع به، أي: لا تبالي. (3) الحلية 4 / 352، 353. (4) هو إسرائيل بن يونس تصحف في الحلية إلى: (إسماعيل) (5) العس: القدح الضخم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى مُوْقَيْنِ لَهُ (1) ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ. فَقَالَ لَهُ الرَّاكِبُ: مَا جِئْتُكَ إِلاَّ لأَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، أَشَيْئاً رَأَيْتَ غَيْرَكَ يَفْعَلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ خَيْراً مِنِّي، وَخَيْرَ الأُمَّةِ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ (2) . تَفَرَّدَ بِهِ: إِسْرَائِيْلُ. رُوِيَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ: أَنَّ الحَجَّاجَ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي لَيْلَى عَلَى القَضَاءِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ لِيَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ قَدْ شَهِدَ النَّهْرَوَانَ مَعَ عَلِيٍّ. وَقَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ: قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، فَاقْتَحَمَ بِهِمَا فَرَسُهُمَا الفُرَاتَ، فَذَهَبَا -يَعْنِي: غَرَقاً (3) -. وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، فَقَالَ: قُتِلَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِوَقْعَةِ الجَمَاجِمِ، يَعْنِي: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ (4) . وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ. 97 - أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبٍ * (ع) مُقْرِئُ الكُوْفَةِ، الإِمَامُ، العَلَمُ، عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ رُبَيِّعَةَ الكُوْفِيُّ. مِنْ أَوْلاَدِ الصَّحَابَةِ، مَوْلِدُهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) الموق: خف غليظ يلبس فوق الخف. (2) الحلية 4 / 354 وعبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي الكوفي ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن مهدي والقطان وابن سعد والنسائي. وقال ابن عدي: يحدث بأشياء لا يتابع عليها. (3) انظر ابن سعد 6 / 113. (4) انظر تاريخ بغداد 10 / 201. (*) طبقات ابن سعد 6 / 172، طبقات خليفة ت 1102، تاريخ البخاري 5 / 72، المعارف 528، المعرفة والتاريخ 2 / 589، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 37، الحلية 4 / 191، تاريخ بغداد 9 / 430، تهذيب الكمال ص 1628، تذكرة الحفاظ 1 / 55، تاريخ الإسلام 3 / 222، تذهيب التهذيب 2 / 137 آ، البداية والنهاية 9 / 6، العقد الثمين 8 / 66، غاية النهاية ت 1755، تهذيب التهذيب 5 / 183، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 19. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 قَرَأَ القُرْآنَ، وَجَوَّدَهُ، وَمَهَرَ فِيْهِ، وَعَرَضَ عَلَى عُثْمَانَ - فِيْمَا بَلَغنَا - وَعَلَى عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَطَائِفَةٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً (1) عَنْ: عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزِيْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. أَخَذَ عَنْهُ القُرْآنَ: عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ. وَعَرَضَ عَلَيْهِ: الحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَاصِمٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ تَعَلَّمَ القُرْآنَ مِنْ عُثْمَانَ، وَعَرَضَ عَلَى عَلِيٍّ. مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ يُقْرِئُ النَّاسَ فِي المَسْجِدِ الأَعْظَمِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (2) . وَقَالَ سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ: أَقرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ الحَجَّاجِ (3) .   (1) انظر تعريف القراءة عرضا صفحة 208 رقم (1) . (2) الحلية 2 / 192. (3) انظر المعرفة والتاريخ 2 / 590. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ (1) . كَذَا قَالَ شُعْبَةُ، وَلَمْ يُتَابَعْ. وَرَوَى: أَبَانٌ العَطَّارُ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخَذْتُ القِرَاءةَ عَنْ عَلِيٍّ (2) . وَرَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ إِمَامَ المَسْجِدِ، وَكَانَ يُحْمَلُ فِي اليَوْمِ المَطِيْرِ (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ (4) : عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخَذْنَا القُرْآنَ عَنْ قَوْمٍ أَخْبَرُوْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوْهُنَّ إِلَى العَشْرِ الآخَرِ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيْهنَّ، فَكُنَّا نَتَعَلَّمُ القُرْآنَ وَالعَمَلَ بِهِ، وَسَيَرِثُ القُرْآنَ بَعْدَنَا قَوْمٌ يَشْرَبُوْنَهُ شُرْبَ المَاءِ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ (5) . عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّهُ جَاءَ وَفِي الدَّارِ جِلاَلٌ وَجُزُرٌ، فَقَالُوا: بَعَثَ بِهَا عُمَرُ بنُ حُرَيْثٍ؛ لأَنَّكَ عَلَّمْتَ ابْنَهُ القُرْآنَ. فَقَالَ: رُدَّ، إِنَّا لاَ نَأْخُذُ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْراً (6) . وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَالِدِي عَلَّمَنِي القُرْآنَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَزَا مَعَهُ (7) .   (1) ابن سعد 6 / 172 والحلية 4 / 193، 194. وفي قول شعبة نظر، كما قال المؤلف في تاريخه 3 / 222، فقد أخرج البخاري في صحيحه 9 / 66 في فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه من طريق حجاج بن منهال، حدثنا شعبة قال: أخبرني علقمة بن مرثد، سمعت سعد ابن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ". (2) ابن سعد 6 / 172. (3) رواية ابن سعد في الطبقات 6 / 172: " يحمل في الطين في اليوم المطير ". (4) في الأصل (يزيد) وهو تحريف. (5) زاد ابن سعد 6 / 172: " بل لا يجاوز هاهنا، ووضع يده على الحلق ". (6) ابن سعد 6 / 173. (7) له تتمة في ابن سعد 6 / 173. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وَرَوَى: سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (1)) . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَذَلِكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي هَذَا المَقْعَدَ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ يُعَلِّمُنَا القُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ (2) . قَالَ أَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ: كُنَّا نَذْهَبُ بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَكَانَ أَعْمَى. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَلِيٍّ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَنَا أُقْرِئُ. وَرَوَى: أَبُو جَنَابٍ الكَلْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ (3) ، قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقْرَأُ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي هَاشِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَفْصٌ أَبُو عُمَرَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى: أَنَّهُم قَرَؤُوْا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى عُثْمَانَ عَامَّةَ القُرْآنِ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ القُرْآنِ، فَيَقُوْلُ: إِنَّكَ تَشْغَلُنِي عَنْ أَمْرِ النَّاسِ، فَعَلَيْكَ بِزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ، وَيَتَفَرَّغُ لَهُم، وَلَسْتُ   (1) انظر تخريج الحديث على الصفحة السابقة. (2) ابن سعد 6 / 172. (3) هو محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي، وقد تحرف في الأصل إلى (عوان) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 أُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ. قَالَ: وَكُنْتُ أَلْقَى عَلِيّاً، فَأَسْأَلُهُ، فَيُخْبِرُنِي، وَيَقُوْلُ: عَلَيْكَ بِزَيْدٍ. فَأَقْبَلْتُ عَلَى زَيْدٍ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ مَرَّةً. قُلْتُ: لَيْسَ إِسْنَادُهَا بِالقَائِمِ (1) . وَرَوَى: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الَّذِيْنَ كَانُوا يُقْرِؤُوْنَنَا: عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيٌّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقْرِئُهُمُ العَشْرُ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَهْدَى لَهُ قَوْساً، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ القِرَاءةِ. كَذَا عِنْدِي: وَكِيْعٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ. وَعَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَعُوْدُهُ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ يُرَجِّيْهِ، فَقَالَ: أَنَا أَرْجُو رَبِّي، وَقَدْ صُمْتُ لَهُ ثَمَانِيْنَ رَمَضَاناً (3) . قُلْتُ: مَا أَعْتَقِدُ صَامَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَدْ كَانَ ثَبْتاً فِي القِرَاءةِ، وَفِي الحَدِيْثِ. حَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي إِمْرَةِ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ   (1) لان حفصا وهو ابن سليمان الأزدي متروك الحديث مع إمامته في القراءة. (2) وأخرجه الطبري 1 / 36 من طريق ابن حميد عن جرير عن عطاء عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا. وجرير سمع من عطاء بعد الاختلاط، وأخرجه الطبري 1 / 35، من طريق الحسين بن واقد، حدثنا الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. ورجاله ثقات. (3) تاريخ بغداد 9 / 431، وبلفظ مخالف عند ابن سعد 6 / 175، وكذا في المعرفة والتاريخ 2 / 590 والحلية 4 / 192. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 عَلَى العِرَاقِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَائِلِ وِلاَيَةِ الحَجَّاجِ عَلَى العِرَاقِ. وَغَلِطَ ابْنُ قَانِعٍ حَيْثُ قَالَ فِي وَفَاتِهِ: إِنَّهَا سَنَةُ خَمْسٍ وَمائَةٍ. 98 - أُمَيَّةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدٍ الأُمَوِيُّ * (س، ق) ابْنِ أَبِي العِيْصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ، وَلِيَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، وَالمُهَلَّبُ الأَمِيْرُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. 99 - أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ عَائِذُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ (ع) وَيُقَالُ فِيْهِ: عَيِّذُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ عَائِذِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قَاضِي دِمَشْقَ، وَعَالِمُهَا، وَوَاعِظُهَا. وُلِدَ: عَامَ الفَتْحِ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 478، تاريخ البخاري 2 / 7، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 301، تاريخ ابن عساكر 3 / 64 آ، تاريخ الإسلام 3 / 242، تذهيب التهذيب 1 / 72 ب، العقد الثمين 3 / 332، الإصابة ت 550، تهذيب التهذيب 1 / 371، خلاصة تذهيب التهذيب 40، تهذيب ابن عساكر 3 / 131. * * طبقات ابن سعد 7 / 448، طبقات خليفة ت 2900، تاريخ البخاري 7 / 83، المعرفة والتاريخ 2 / 319، أخبار القضاة 3 / 202، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 37، الحلية 5 / 122، الاستيعاب كنى ت 2834، طبقات الفقهاء الشيرازي 74، تاريخ ابن عساكر 8 / 418 ب، أسد الغابة 5 / 134، تهذيب الكمال ص 646 و1578، تذكرة الحفاظ 1 / 53، تاريخ الإسلام 3 / 215، العبر 1 / 91، تذهيب التهذيب 2 / 118 ب، البداية والنهاية 9 / 34، الإصابة ت 6157، تهذيب التهذيب 5 / 85، النجوم الزاهرة 1 / 201، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 18، خلاصة تذهيب التهذيب 185، شذرات الذهب 1 / 88، تاج العروس (عوذ) تهذيب ابن عساكر 7 / 206. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ حَوَالَةَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَعِدَّةٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ (1) : سَمَاعُهُ مِنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ صَحِيْحٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ أَبُو إِدْرِيْسَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ. قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلاَّمٍ الأَسْوَدُ، وَمَكْحُوْلٌ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ اليَحْصُبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرَّحَبِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَرَبِيْعَةُ القَصِيْرُ، وَآخَرُوْنَ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، لَكِنْ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، سُئِلَ دُحَيْمٌ عَنْهُ وَعَنْ جُبَيْرٍ: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَبُو إِدْرِيْسَ هُوَ المُقَدَّمُ، وَرَفَعَ أَيْضاً مِنْ شَأْنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ لإِسْنَادِهِ وَأَحَادِيْثِهِ (2) . قُلْتُ: هُمَا كَانَا مَعَ كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَقَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَيْرِيْزٍ الجُمَحِيِّ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ عُلَمَاءَ الشَّامِ فِي عَصْرِهِمْ فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَبُو إِدْرِيْسَ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ (3) . يُوْنُسَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ.   (1) انظر قوله في الاستيعاب 4 / 1594. (2) ابن عساكر 8 / 223 ب، 424 آ. (3) ابن عساكر 8 / 424 آ. (4) ابن عساكر 8 / 424 آ، ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَرَوَى: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ (1) . وَكَذَلِكَ رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ. وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ (2) . ابْنُ جَوْصَاءَ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: كَانَتْ حَلْقَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْرُسُوْنَ جَمِيْعاً، فَإِذَا بَلَغُوا سَجْدَةً، بَعَثُوْا إِلَى أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، فَيَقْرَؤُهَا، ثُمَّ يَسْجُدُ، فَيَسْجُدُ أَهْلُ المَدَارِسِ (3) . مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرٍ: أَخْبَرَنِي يَزِيْدُ بنُ عُبَيْدَةَ: أَنَّهُ رَأَى أَبَا إِدْرِيْسَ فِي زَمَنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَأَنَّ حِلَقَ المَسْجِدِ بِدِمَشْقَ يَقْرَؤُوْنَ القُرْآنَ، يَدْرُسُوْنَ جَمِيْعاً، وَأَبُو إِدْرِيْسَ جَالِسٌ إِلَى بَعْضِ العُمُدِ، فَكُلَّمَا مَرَّتْ حَلْقَةٌ بِآيَةِ سَجْدَةٍ، بَعَثُوْا إِلَيْهِ يَقْرَأُ بِهَا، وَأَنْصَتُوا لَهُ، سَجَدَ بِهِم جَمِيْعاً، وَرُبَّمَا سَجَدَ بِهِم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةٍ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ قِرَاءتِهِمْ، قَالَ أَبُو إِدْرِيْسَ يَقُصُّ: ثُمَّ قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ: ثُمَّ إِنَّهُ قَدَّمَ القَصَصَ بَعْدَ ذَلِكَ (4) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، فَيُحَدِّثُنَا، فَحَدَّثَ يَوْماً عَنْ بَعْضِ مَغَازِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى اسْتَوْعَبَ الغَزَاةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ المَجْلِسِ:   (1) ابن عساكر 8 / 424 ب وانظر الاستيعاب 4 / 1594 وطبقات الفقهاء للشيرازي 74. (2) ابن عساكر 8 / 424 ب. (3) أورده ابن عساكر مطولا 8 / 425 آ. (4) ابن عساكر 8 / 424 ب، 425 آ، وتمامه: " وأخروا القراءة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 أَحَضَرْتَ هَذِهِ الغَزْوَةَ؟ فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ حَضَرْتُهَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَنْتَ أَحْفَظُ لَهَا مِنِّي (1) . أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ عَزَلَ بِلاَلاً (2) عَنِ القَضَاءِ -يَعْنِي: وَوَلَّى أَبَا إِدْرِيْسَ (3) -. وَرَوَى: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ عَزَلَ أَبَا إِدْرِيْسَ عَنِ القَصَصِ، وَأَقَرَّهُ عَلَى القَضَاءِ، فَقَالَ أَبُو إِدْرِيْسَ: عَزَلْتُمُوْنِي عَنْ رَغْبَتِي، وَتَرَكْتُمُوْنِي فِي رَهْبَتِي (3) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ القَاصُّ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ يَكُوْنُ لَهُ صُوْرَةٌ عَظِيْمَةٌ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيْسَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (بَايِعُوْنِي (4)) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَفِظْنَا مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ - وَوَعَيْتُ عَنْهُ - وَعُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، وَشَدَّادَ بنَ أَوْسٍ - وَوَعَيْتُ عَنْهُمَا - وَفَاتَنِي مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ (5) .   (1) أورده ابن عساكر مطولا 8 / 425 آ. (2) هو بلال بن أبي الدرداء تأتي ترجمته في ص 285. (3) ابن عساكر 8 / 425 ب. (4) أخرجه أحمد 5 / 314، والبخاري 12 / 74، من طريق ابن عيينة عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا،..فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ". وأخرجه البخاري 1 / 60 و7 / 243 من طريق شعيب عن الزهري، وأخرجه البخاري 7 / 174 من طريق ابن أخي الزهري عن عمه به. (5) ابن عساكر 8 / 421 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَبُو إِدْرِيْسَ ثِقَةٌ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: فَعَلَى مَوْلِدِهِ عَامَ حُنَيْنٍ يَكُوْنُ عُمُرُهُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. وَلأَبِيْهِ صُحْبَةٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَنْبَأَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) . وَأَنبانَا أَبُو المَعَالِي، أَنْبَأَنَا القَاضِي أَبُو صَالِحٍ نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَطِّيْخٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَسِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ الرِّضَى، قَالُوا: أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بِنْتُ أَبِي نَصْرٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ وَاثِلَةُ بنُ كَرَّازٍ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّحَبِيُّ، قَالَ هُوَ وَشُهْدَةُ: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ، فَلْيُوْتِرْ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ. أَخْرَجَاهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُهْرِيِّ (1) . 100 - أُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى هُجَيْمَةُ الحِمْيَرِيَّةُ * (ع) الدِّمَشْقِيَّةُ، السَّيِّدَةُ، العَالِمَةُ، الفَقِيْهَةُ، هُجَيْمَةُ. وَقِيْلَ: جُهَيْمَةُ، الأَوْصَابِيَّةُ، الحِمْيَرِيَّةُ، الدِّمَشْقِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى. رَوَتْ عِلْماً جَمّاً عَنْ: زَوْجِهَا؛ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعَنْ: سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَعْبِ بنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَرَضَتِ القُرْآنَ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَالَ عُمُرُهَا، وَاشَتَهَرَتْ بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ وَالزُّهْدِ. حَدَّثَ عَنْهَا: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، ومَكْحُوْلٌ، وَعَطَاءٌ الكَيْخَارَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَزَيْدُ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ حَيَّانَ المُرِّيُّ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: أُمُّ الدَّرْدَاءِ هِيَ هُجَيْمَةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الوَصَّابِيَّةُ (2) ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ الكُبْرَى هِيَ خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ، لَهَا صُحْبَةٌ.   (1) أخرجه مالك 1 / 91، والبخاري 1 / 229، 230، ومسلم (237) . والاستجمار: هو استعمال الجمار (الأحجار) في الاستنجاء، ومنه رمي الجمار (الحصى) بمنى. (*) المعرفة والتاريخ 2 / 327، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 463، اللباب 1 / 76، تهذيب الكمال ص 1709 تذكرة الحفاظ 1 / 50، تاريخ الإسلام 3 / 316، البعر 1 / 93، تذهيب التهذيب 4 / 277 آ، البداية والنهاية 9 / 47، غاية النهاية ت 3783، تهذيب التهذيب 12 / 465، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 17، خلاصة تذهيب التهذيب 498. (2) نسبة إلى (وصاب) بطن من حمير كما في " تاج العروس " (وصب) وانظر الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 463. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، اسْمُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ الفَقِيْهَةُ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ: هُجَيْمَةُ بِنْتُ حَيٍّ الأَوْصَابِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ جَابِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ يَتِيْمَةً فِي حِجْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، تَخْتَلِفُ مَعَهُ فِي بُرْنُسٍ، تُصَلِّي فِي صُفُوْفِ الرِّجَالِ، وَتَجْلِسُ فِي حِلَقِ القُرَّاءِ، تَعَلَّمُ القُرْآنَ، حَتَّى قَالَ لَهَا أَبُو الدَّرْدَاءِ يَوْماً: الْحَقِي بِصُفُوْفِ النِّسَاءِ. عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ المَوْتِ: إِنَّكَ خَطَبْتَنِي إِلَى أَبَوَيَّ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَحُوْكَ، وَأَنَا أَخْطِبُكَ إِلَى نَفْسِكَ فِي الآخِرَةِ. قَالَ: فَلاَ تَنْكِحِيْنَ بَعْدِي. فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي كَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكِ بِالصِّيَامِ. وَرُوِيَتْ مِنْ وَجْهٍ عَنْ لُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَزَادَ: وَكَانَ لَهَا جَمَالٌ وَحُسْنٌ. وَرَوَى: مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: لاَ تَسْأَلِي أَحَداً شَيْئاً. فَقُلْتُ: إِنِ احْتَجْتُ؟ قَالَ: تَتَبَّعِي الحَصَّادِيْنَ، فَانْظُرِي مَا يَسْقُطُ مِنْهُم، فَخُذِيْهِ، فَاخْبُطِيْهِ، ثُمَّ اطْحَنِيْهِ، وَكُلِيْهِ. قَالَ مَكْحُوْلٌ: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فَقِيْهَةً. وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَنَذْكُرَ اللهَ عِنْدَهَا. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ: كُنَّ النِّسَاءُ يَتَعَبَّدْنَ مَعَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَإِذَا ضَعُفْنَ عَنِ القِيَامِ، تَعَلَّقْنَ بِالحِبَالِ (1) . وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَيَّانَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُوْلُ: إِنَّ أَحَدُهُمْ يَقُوْلُ:   (1) وقد فعلت ذلك إحدى أمهات المؤمنين، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بحله وقال، ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد " كما في البخاري 3 / 30 ومسلم (784) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ لاَ يُمْطِرُ عَلَيْهِ ذَهَباً وَلاَ دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ أُعْطِيَ شَيْئاً، فَلْيَقْبَلْ، فَإِنْ كَانَ غَنِيّاً، فَلْيَضَعْهُ فِي ذِي الحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيْراً، فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ جَالِساً فِي صَخْرَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ مَعَهُ جَالِسَةٌ، حَتَّى إِذَا نُوْدِيَ لِلْمَغْرِبِ، قَامَ (1) ، وَقَامَتْ تَتَوَكَّأُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا المَسْجِدَ، فَتَجْلِسُ مَعَ النِّسَاءِ، وَيَمْضِي عَبْدُ المَلِكِ إِلَى المَقَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ كَثِيْراً مَا يَجْلِسُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ بِدِمَشْقَ. وَعَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَّتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. 101 - أَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ مَوْلاَهُمْ سَعِيْدُ بنُ فَيْرُوْزٍ * (ع) الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ العُبَّادِ. اسْمُهُ: سَعِيْدُ بنُ فَيْرُوْزٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَرَوَى عَنْهُ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَيُوْنُسُ بنُ خَبَّابٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ.   (1) في الأصل (قامت) وهو تصحيف. (*) طبقات ابن سعد 6 / 292، طبقات خليفة ت 1107، تاريخ البخاري 3 / 506، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 54، الحلية 4 / 379، تهذيب الكمال ص 502 و1583، تاريخ الإسلام 3 / 316، العبر 1 / 96، تذهيب التهذيب 2 / 26 آ، تهذيب التهذيب 4 / 72، خلاصة تذهيب التهذيب 142، شذرات الذهب 1 / 92. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَكَانَ مُقَدَّمَ الصَّالِحِيْنَ القُرَّاءِ الَّذِيْنَ قَامُوا عَلَى الحَجَّاجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَقُتِلَ أَبُو البَخْتَرِيِّ فِي وَقْعَةِ الجَمَاجِمِ، سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِيْنَ (1) . قَالَ حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: اجْتَمَعْتُ أَنَا، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو البَخْتَرِيِّ، فَكَانَ أَبُو البَخْتَرِيِّ أَعْلَمَنَا وَأَفْقَهَنَا. 102 - زَاذَانُ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمْ * (م، 4) الكُوْفِيُّ، البَزَّازُ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ العُلَمَاءِ الكِبَارِ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالجَابِيَةِ (2) . رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَسَلْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَحُذَيْفَةَ، وَجَرِيْرٍ البَجَلِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَغَيْرِهِمْ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، رَوَى جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ (3) ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.   (1) انظر ابن سعد 6 / 292. (*) طبقات ابن سعد 6 / 178، طبقات خليفة ت 1150، تاريخ البخاري 3 / 437، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 614، الحلية 4 / 199، تاريخ بغداد 8 / 487، تاريخ ابن عساكر 6 / 159 آ، تهذيب الكمال ص 422، تاريخ الإسلام 3 / 248، العبر 1 / 94، تذهيب التهذيب 1 / 230 آ، البداية والنهاية 9 / 47، تهذيب التهذيب 3 / 302، النجوم الزاهرة 1 / 206، خلاصة تذهيب التهذيب 130، شذرات الذهب 1 / 90، تهذيب ابن عساكر 5 / 347. (2) مر تعريف (الجابية) ص 132 رقم (1) . (3) هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد كما في تهذيب ابن حجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 وَقَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ سَهْلَ بنَ كُهَيْلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: أَبُو البَخْتَرِيِّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيْثُهُ لاَ بَأْسَ بِهَا. وَقَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِلْحَكَمِ: لِمَ لَمْ تَحْمِلْ عَنْهُ -يَعْنِي: زَاذَانَ -؟ قَالَ: كَانَ كَثِيْرَ الكَلاَمِ (1) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَيْسَ بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُمْ. كَذَا قَالَ: أَبُو أَحْمَدَ (2) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: تَابَ عَلَى يَدِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، قَالَ: قَالَ زَاذَانُ: كُنْتُ غُلاَماً حَسَنَ الصَّوْتِ، جَيِّدَ الضَّرْبِ بِالطُّنْبُوْرِ، فَكُنْتُ مَعَ صَاحِبٍ لِي، وَعِنْدَنَا نَبِيْذٌ، وَأَنَا أُغَنِّيْهِمْ، فَمَرَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَدَخَلَ، فَضَرَبَ البَاطِيَةَ (3) ، بَدَّدَهَا، وَكَسَرَ الطُّنْبُوْرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ مَا يُسْمَعُ مِنْ حُسْنِ صَوْتِكَ يَا غُلاَمُ بِالقُرْآنِ، كُنْتَ أَنْتَ أَنْتَ. ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ. فَأَلْقَى فِي نَفْسِي التَّوْبَةَ، فَسَعَيْتُ أَبْكِي، وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَاعْتَنَقَنِي، وَبَكَى، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ، اجْلِسْ. ثُمَّ دَخَلَ، وَأَخْرَجَ لِي تَمْراً (4) . قَالَ زُبَيْدٌ: رَأَيْتُ زَاذَانَ يُصَلِّي كَأَنَّهُ جِذْعٌ (5) . رُوِيَ أَنَّ زَاذَانَ قَالَ يَوْماً: إِنِّي جَائِعٌ. فَسَقَطَ عَلَيْهِ رَغِيْفٌ مِثْلُ الرَّحَا (6) . وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا بَاعَ ثَوْباً لَمْ يَسُمْ فِيْهِ (7) . مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.   (1) ابن عساكر 6 / 161 ب. (2) ابن عساكر 6 / 160 آ. (3) الباطية: الناجود، وهو كل إناء يجعل فيه الخمر. (4) أورده ابن عساكر مطولا 6 / 160 آ. ب. (5) ابن عساكر 6 / 161 آ، وفي رواية له: " كأنه خشبة ". (6) ابن عساكر 6 / 161 ب. (7) ابن عساكر 6 / 161 ب وفي رواية له: " وكان إذا جاءه الرجل أراه شر الطرفين وسامه سومة واحدة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 103 - قَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبِ بنِ حَلْحَلَةَ الخُزَاعِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الفَقِيْهُ، أَبُو سَعِيْدٍ الخُزَاعِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الوَزِيْرُ. مَوْلِدُهُ: عَامَ الفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ. وَمَاتَ أَبُوْهُ ذُؤَيْبُ بنُ حَلْحَلَةَ صَاحِبُ بُدْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِقَبِيْصَةَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ - فِيْمَا قِيْلَ - فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَعِ هُوَ ذَلِكَ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ - إِنْ صَحَّ - وَعَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِلاَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِسْحَاقُ، وَمَكْحُوْلٌ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَهَارُوْنُ بنُ رِئَابٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ عَلَى الخَتْمِ وَالبَرِيْدِ لِلْخَلِيْفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَقَدْ أُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ الحَرَّةِ، وَلَهُ دَارٌ مُعْتَبَرَةٌ بِبَابِ البَرِيْدِ (1) . وَقَدْ كَنَّاهُ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (2) أَبَا إِسْحَاقَ، وَقَالَ: شَهِدَ أَبُوْهُ الفَتْحَ، وَكَانَ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 176 و7 / 447، طبقات خليفة ت 2916، تاريخ البخاري 7 / 174، المعارف 447، المعرفة والتاريخ 1 / 404 و557، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 125، الاستيعاب ت 2100، طبقات الفقهاء للشيرازي 62، تاريخ ابن عساكر 14 / 197 آ، أسد الغابة 4 / 191، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 56، تهذيب الكمال 1121، تذكرة الحفاظ 1 / 57، تاريخ الإسلام 3 / 290، العبر 1 / 101، تذهيب التهذيب 3 / 154 آ، البداية والنهاية 8 / 313 و9 / 73، العقد الثمين 7 / 37، الإصابة ت 7271، تهذيب التهذيب 8 / 346، النجوم الزاهرة 1 / 214، طبقات الحفاظ للسيوطي 21، خلاصة تذهيب التهذيب 314، شذرات الذهب 1 / 97. (1) باب البريد: اسم لأحد أبواب جامع دمشق من جهة الغرب، به سميت محلة باب البريد وهي من أنزه المواضع (قديما) ودار قبيصة هي في موضع دار الحكم، كما ذكر ابن عساكر في ترجمته. وانظر معجم البلدان وتاريخ ابن عساكر المجلدة الثانية مخطط (1) . (2) في الطبقات 5 / 176، وانظر 7 / 447، وابن عساكر 14 / 197 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 يَنْزِلُ بِقُدَيْدٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ الكُتُبَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى الخَلِيْفَةِ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ، أَوْ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. قَالَ البُخَارِيُّ (1) : سَمِعَ قَبِيْصَةُ: أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الفِقْهِ وَالنُّسُكِ: هُوَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ (3) بنِ نُبَيْهٍ الخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ قَبِيْصَةَ بنَ ذُؤَيْبٍ كَانَ مُعَلِّمَ كُتَّابٍ (4) . قُلْتُ: يَعْنِي فِي مَبْدَأِ أَمْرِهِ. وَعَنْ مُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ قَبِيْصَةُ كَاتِبَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَعَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ قَبِيْصَةَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ قَبِيْصَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِقَضَاءِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ (5) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ قَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ (6) . قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. 104 - هَمَّامُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ.   (1) في التاريخ الصغير 1 / 203، 204. (2) تاريخ البخاري 7 / 175، وانظر ابن عساكر 14 / 199 آ. (3) مترجم في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 177، وما بين الحاصرتين منه. (4) ابن عساكر 14 / 198 ب. (5) تاريخ البخاري 7 / 175. (6) ابن عساكر 14 / 198 ب. (*) طبقات ابن سعد 6 / 118، طبقات خليفة ت 1059، تاريخ البخاري 8 / 236، الجرح = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَالمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَوَبَرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَثَّقَه يَحْيَى بنُ مَعِيْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : تُوُفِّيَ زَمَنَ الحَجَّاجِ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ النَّاسُ يَتَعَلَّمُوْنَ مِنْ هَدْيِهِ وَسَمْتِهِ، وَكَانَ طَوِيْلَ السَّهَرِ -رَحِمَهُ اللهُ-. حُصَيْنٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ هَمَّامَ بنَ الحَارِثِ كَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ اشْفِنِي مِنَ النَّوْمِ بِاليَسِيْرِ، وَارْزُقْنِي سَهَراً فِي طَاعَتِكَ. قَالَ: فَكَانَ لاَ يَنَامُ إِلاَّ هُنَيْهَةً، وَهُوَ قَاعِدٌ (2) . 105 - مَرْثَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ المِصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو الخَيْرِ اليَزَنِيُّ، المِصْرِيُّ، عَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَةِ، وَمُفْتِيْهَا. وَيَزَنُ: بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي بَصْرَةَ الغِفَارِيِّ،   = والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 106، الحلية 4 / 178، تهذيب الكمال ص 1451، تاريخ الإسلام 3 / 212، تذهيب التهديب 4 / 121 ب، تهذيب التهذيب 11 / 66، خلاصة تذهيب التهذيب 411. (1) في الطبقات 6 / 118. (2) الحلية 4 / 178، وانظر طبقات ابن سعد 6 / 118. (*) طبقات ابن سعد 7 / 511، طبقات خليفه ت 2735، تاريخ البخاري 7 / 416، المعرفة والتاريخ 2 / 491 و499، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 299، طبقات الفقهاء للشيرازي 78، تهذيب الكمال ص 1315 و1608، تذكرة الحفاظ 1 / 68، تاريخ الإسلام 3 / 303، العبر 1 / 105، تذهيب التهذيب 4 / 29 آ، تهذيب التهذيب 10 / 82، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 29، حسن المحاضرة 1 / 296، 345، خلاصة تذهيب التهذيب 372. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَابْنِهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَمَاعَةٍ. وَلَزِمَ عُقْبَةَ مُدَّةً، وَتَفَقَّهَ بِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَيَّاشُ بنُ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَرْوَانَ -يَعْنِي: مُتَوَلِّي مِصْرَ- يُحْضِرُهُ مَجْلِسَهُ لِلْفُتْيَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: تُوُفِّيَ أَبُو الخَيْرِ سَنَةَ تِسْعِيْنَ. 106 - بِلاَلُ بنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ الأَنْصَارِيُّ * (د) حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ. رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَحَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ أَسَنَّ مِنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى. قَالَ البُخَارِيُّ (1) : بِلاَلٌ أَمِيْرُ الشَّامِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَلِيَ القَضَاءَ بَعْد النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَبْدُ المَلِكِ، عَزَلَهُ بِأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ (2) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.   (*) طبقات خليفة ت 2910، تاريخ البخاري 2 / 107، المعرفة والتاريخ 2 / 328، أخبار القضاة 3 / 201، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 397، تاريخ ابن عساكر 3 / 249 ب تهذيب الكمال ص 167، تاريخ الإسلام 3 / 345، العبر 1 / 108، تذهيب التهذيب 1 / 92 آالبداية والنهاية 9 / 93، تهذيب التهذيب 1 / 502، النجوم الزاهرة 1 / 225، خلاصة تذهيب التهذيب 53، شذرات الذهب 1 / 101، تهذيب ابن عساكر 3 / 325. (1) في تاريخه الكبير 2 / 107. (2) ابن عساكر 3 / 250 آ. وانظر 8 / 425 ب، وصفحة 275 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 107 - صَفْوَانُ بنُ مُحْرِزٍ المَازِنِيُّ البَصْرِيُّ * (خَ، م) العَابِدُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَابْنِ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَثَابِتٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : ثِقَةٌ، لَهُ فَضْلٌ وَوَرَعٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ وَاعِظاً، قَانِتاً للهِ، قَدِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ سَرَباً (2) يَبْكِي فِيْهِ. عُثْمَانُ بنُ مَطَرٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَقِيْتُ أَقْوَاماً كَانُوا فِيْمَا أَحَلَّ اللهُ لَهُم أَزْهَدَ مِنْكُم فِيْمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكُم، وَصَحِبْتُ أَقْوَاماً كَانَ أَحَدُهُم يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَنَامُ عَلَى الأَرْضِ، مِنْهُم: صَفْوَانُ بنُ مُحْرِزٍ، كَانَ يَقُوْلُ: إِذَا أَوَيْتُ إِلَى أَهْلِي، وَأَصَبْتُ رَغِيْفاً، فَجَزَى اللهُ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا شَرّاً. وَاللهِ مَا زَادَ عَلَى رَغِيْفٍ حَتَّى مَاتَ، كَانَ يَظَلُّ صَائِماً، وَيُفْطِرُ عَلَى رَغِيْفٍ، وَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يَأْخُذُ المُصْحَفَ، فَيَتْلُو حَتَّى يَرْتَفِعَ النَّهَارُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ إِلَى الظُّهْرِ، فَكَانَتْ تِلْكَ نَوْمَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَيُصَلِّي مِنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ، وَيَتْلُو فِي المُصْحَفِ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. تَفَرَّدَ بِهَا: عُثْمَانُ هَذَا، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 147، طبقات خليفة ت 1540، تاريخ البخاري 4 / 305، المعارف 458، المعرفة والتاريخ 2 / 84، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 423، الحلية 2 / 213 تاريخ الإسلام 4 / 14، تذكرة الحفاظ 1 / 57، تذهيب التهذيب 2 / 95 ب، الإصابة ت 4150، تهذيب التهذيب 4 / 430، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 21، خلاصة تذهيب التهذيب 174. (1) في الطبقات 7 / 147. (2) السرب: حفير - وقيل: بيت تحت الأرض (تاج) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ التَّابِعِيْنَ 108 - أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ عَوْفٍ بنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، الحَافِظُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ بِالمَدِيْنَةِ. قِيْلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ. وَقِيْلَ: إِسْمَاعِيْل. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِشَيْءٍ قَلِيْلٍ؛ لِكَوْنِهِ تُوُفِّيَ وَهَذَا صَبِيٌّ. وَعَنْ: أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَبِنْتِهَا؛ زَيْنَبَ، وَأُمِّ سُلَيْمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَمُعَيْقِيْبٍ الدَّوْسِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَحَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، وَثَوْبَانَ، وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - مُرْسَلٌ - وَطَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ - كَذَلِكَ - وَرَبِيْعَةَ بنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَنَافِعِ بنِ عَبْدِ الحَارِثِ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ عَنْ: بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، وَعُرْوَةَ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِم. وَنَزَلَ، إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ: عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. كَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، فَقِيْهاً، مُجْتَهِداً، كَبِيْرَ القَدْرِ، حُجَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَابْنُ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 155، المعارف 238، المعرفة والتاريخ 1 / 558، أخبار القضاة 1 / 116، طبقات الفقهاء للشيرازي 61، تاريخ ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 149 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 240 تهذيب الكمال ص 1616، تاريخ الإسلام 4 / 76، تذكرة الحفاظ 1 / 59، العبر 1 / 112، تذهيب التهذيب 4 / 214 ب، البداية والنهاية 9 / 116، تهذيب التهذيب 12 / 115، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 23، خلاصة تذهيب التهذيب 145. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 أَخِيْهِ؛ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ زُرَارَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَعُرْوَةُ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَنُوْحُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة مِنَ المَدَنِيِّيْنَ (1) : كَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَأُمُّهُ تُمَاضِرُ بِنْتُ الأَصْبَغِ بنِ عَمْرٍو، مِنْ أَهْلِ دُوْمَةَ الجَنْدَلِ، أَدْرَكَتْ حَيَاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ أَوَّلُ كَلْبِيَّةٍ نَكَحَهَا قُرَشِيٌّ. وَأَرْضَعَتْهُ: أُمُّ كُلْثُوْمٍ، فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ (2) . وَرَوَى: الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَوْ رَفَقْتَ بِابْنِ عَبَّاسٍ، لاَسْتَخْرَجْتَ مِنْهُ عِلْماً كَثِيْراً (3) . قَالَ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (4) . شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ فِي زَمَانِهِ خَيْرٌ مِنِ ابْنِ عُمَرَ فِي زَمَانِهِ (5) .   (1) في الطبعة التي قدم لها د. إحسان عباس من الطبقات، معدود في الطبقة الأولى من تابعي المدينة، انظر طبقات ابن سعد 5 / 155 و157، ثم انظر 2 / 89 وابن عساكر 9 / 49 آ. (2) انظر أخبار القضاة 1 / 117. (3) المعرفة والتاريخ 1 / 559 ولفظه: " لو وقفت " وانظر ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 150 ب. (4) ابن سعد 5 / 156. (5) ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 150 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ عِنْدَنَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِ العِلْمِ، اسْمُ أَحَدِهِم كُنْيَتُهُ؛ مِنْهُم: أَبُو سَلَمَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ الضَّبِّيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا البَصْرَةَ أَبُو سَلَمَةَ فِي إِمَارَةِ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ رَجُلاً صَبِيْحاً، كَأَنَّ وَجْهَهُ دِيْنَارٌ هِرَقْلِيٌّ (1) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَجَدْتُهُم بُحُوْراً: عُرْوَةُ، وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ كَثِيْراً مَا يُخَالِفُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَحُرِمَ لِذَلِكَ مِنْهُ عِلْماً كَثِيْراً. قَالَهُ: الزُّهْرِيُّ (2) . عُقَيْلٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَدِمْتُ مِصْرَ عَلَى عَبْدِ العَزِيْزِ -يَعْنِي: مُتَوَلِّيْهَا- وَأَنَا أُحَدِّثُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ قَارِظٍ: مَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ سَعِيْدٍ! فَقُلْتُ: أَجَلْ. فَقَالَ: لَقَدْ تَرَكْتَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِكَ لاَ أَعْلَمُ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْهُمَا: عُرْوَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ (3) . قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَجَدْتُ عُرْوَةَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ. قُلْتُ: لَمْ يُكْثِرْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ مِنْ عَشِيْرَتِهِ؛ رُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَإِلاَّ فَمَا أَبُو سَلَمَةَ بِدُوْنِ عُرْوَةَ فِي سَعَةِ العِلْمِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (4) : تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.   (1) ابن سعد 5 / 156. (2) انظر ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 150 ب ولفظه: " فكان يماري ابن عباس " وفي رواية أخرى: " وكان أبو سلمة ينازع ابن عباس في المسائل ويماريه ". (3) ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 150 ب. (4) في الطبقات 5 / 157. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: فِي وَفَاتِهِ وَسِنِّهِ مَا لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ فِي وَفَاتِهِ كَالأَوَّلِ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ زَمَن بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ زَوَّجَ بِنْتَهُ بِمُدِّ تَمْرٍ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَنَا أَفْقَهُ مَنْ بَالَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي المَبَارِكِ. رَوَاهَا: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْهُ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ أَبُو سَلَمَةَ مَعَ قَوْمٍ، فَرَأَوْا قَطِيْعاً مِنْ غَنَمٍ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِكَ أَنْ أَكُوْنَ خَلِيْفَةً، فَاسْقِنَا مِنْ لَبَنِهَا. فَانْتَهَى إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ تُيُوْسٌ كُلُّهَا (2) . قَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ حَدَثٌ: إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ الفَرُّوْجِ، يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ تَصِيْحُ، فَيَصِيْحُ (3) . وَرُوِيَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو سَلَمَةَ الكُوْفَةَ، فَكَانَ يَمْشِي بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ، فَسُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ، فَتَمَنَّعَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: رَجُلٌ بَيْنَكُمَا (4) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، أَنَّ عُمَرَ بنَ طَبَرْزَذَ (5) أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ   (1) انظر أخبار القضاة 1 / 116 وابن عساكر نسخة (ع) 9 / 151 ب. (2) المعرفة والتاريخ 1 / 560 وابن عساكر نسخة (ع) 9 / 152 آ. (3) أورده ابن عساكر مطولا في نسخة (ع) 9 / 151 ب. (4) المصدر السابق وانظر ابن سعد 5 / 156. (5) هو المسند الكبير ابو حفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي المؤدب، ويعرف بابن طبرزذ المتوفى 607 هـ والطبرزذ: بذال معجمة هو السكر فارسي معرب. تأتي ترجمته في المجلد الثالث عشر من الأصل 116 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي، وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى (1)) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ البَطِرِ (2) ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ الرَّبَالِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُم شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلْيَبْزُقْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ (4)) . قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (5) : عُزِلَ مَرْوَانُ عَنِ المَدِيْنَة فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَوَلِيَهَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فَاسْتَقْضَى أَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،   (1) سنده حسن، وأخرجه البخاري 3 / 51، ومسلم (1397) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد الاقصى " وأخرجه مسلم (827) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ " لا تشدوا الرحال ". (2) هو مسند العراق نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر البغدادي البزاز المتوفى 494 هـ تأتي ترجمته في المجلد الثاني عشر من الأصل 10 آ. (3) نسبة إلى ربال جده، وهو حفص بن عمرو بن ربال. (4) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في الموطأ 2 / 957 عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي قتادة، والبخاري 12 / 344 من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وأخرجه مسلم (2261) (2) عن القعنبي، عن سليمان بن بلال. عن يحيى بن سعيد. (5) في تاريخه ص 228. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 فَلَمْ يَزَلْ قَاضِياً حَتَّى عُزِلَ سَعِيْدٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. سَلَمَةُ الأَبْرَشُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَأْتِي المَكْتَبَ، فَيَنْطَلِقُ بِالغُلاَمِ إِلَى بَيْتِهِ، فَيُمْلِي عَلَيْهِ الحَدِيْثَ (1) . 109 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ * (خَ، م) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخُو أَبِي سَلَمَةَ الفَقِيْهِ، وَحُمَيْدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَعْدٍ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَصَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَغَيْرُهُم. وَأُمُّهُ: هِيَ المُهَاجِرَةُ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ شَهِدَ حِصَارَ الدَّارِ مَعَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) ابن عساكر نسخة (ع) 9 / 151 ب، 152 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 55، طبقات خليفة ت 2076، تاريخ البخاري 1 / 295، المعارف 237، المعرفة والتاريخ 1 / 367، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 111، الاستيعاب ت 2، تاريخ ابن عساكر 2 / 230 آ، أسد الغابة 1 / 42، تهذيب الكمال ص 59، تاريخ الإسلام 3 / 335، العبر 1 / 112، تذهيب التهذيب 1 / 38 ب، الإصابة ت 404، تهذيب التهذيب 1 / 139، خلاصة تذهيب التهذيب 19، شذرات الذهب 1 / 111، تهذيب ابن عساكر 2 / 228. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 110 - وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ * (ع) أَخُوْهُ وَشَقِيْقُهُ، وَخَالُهُمَا عُثْمَانُ؛ لأَنَّهُ أَخُو أُمِّ كُلْثُوْمٍ مِنَ الأُمِّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبَوَيْهِ. وَعَنْ: خَالِهِ؛ عُثْمَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَقَتَادَةُ، وَآخَرُوْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَحِقَ عُمَرَ، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، بَلْ وُلِدَ فِي أَيَّامِهِ. وَكَانَ فَقِيْهاً، نَبِيْلاً، شَرِيْفاً. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ. مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَمائَةٍ، فَقَدْ وَهِمَ (1) . 111 - حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ ** (ع) شَيْخٌ، بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، عَالِمٌ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ. مَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ مَوْتِ سَمِيِّهِ: حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ. وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ: سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، وَأَوْلاَدِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 153، طبقات خليفة ت 2075، تاريخ البخاري 2 / 345، المعارف 238، المعرفة والتاريخ 1 / 367، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 225، أسد الغابة 2 / 54، تهذيب الكمال ص 339، تاريخ الإسلام 3 / 360، العبر 1 / 113، تذهيب التهذيب 1 / 179 آ، البداية والنهاية 9 / 140، تهذيب التهذيب 3 / 45، خلاصة تذهيب التهذيب 94، شذرات الذهب 1 / 111. (1) انظر ابن سعد 5 / 155. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 147، طبقات خليفة ت 1662، تاريخ البخاري 2 / 346، المعرفة والتاريخ 2 / 67، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 225، أخبار أصبهان 1 / 290، طبقات الفقهاء للشيرازي 88، تهذيب الكمال ص 339، تاريخ الإسلام 3 / 246 و360، تذهيب التهذيب 1 / 179 آ، تهذيب التهذيب 3 / 46، خلاصة تذهيب التهذيب 94. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ إِيَاسٍ، وَدَاوُدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ يَقُوْل: هُوَ أَفْقَهُ أَهْلِ البَصْرَةِ. رَوَاهُ: مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ (1) . وَرَوَى: هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَعْلَمَ أَهْلِ المِصْرَيْنِ -يَعْنِي: الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ-. 112 - حَسَّانُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ الغَسَّانِيُّ أَمِيْرُ المَغْرِبِ * وَأَمِيْرُ العَرَبِ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ حَسَّانُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ الغَسَّانِيُّ. حَكَى عَنْهُ: أَبُو قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، غَزَّاءً. افْتَتَحَ فِي المَغْرِب بِلاَداً، وَكَانَتْ لَهُ فِي دِمَشْقَ دَارٌ كَبِيْرَةٌ، وَقَدْ جَهَّزَهُ مُعَاوِيَةُ، فَصَالَحَ البَرْبَرَ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِم الخَرَاجَ، وَحَكَمَ عَلَى المَغْرِبِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَهَذَّبَ الإِقْلِيْمَ، إِلَى أَنْ عَزَلَهُ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَقَدِمَ بِأَمْوَالٍ، وَتُحَفٍ، وَجَوَاهِرَ عَظِيْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّمَا خَرَجْتُ مُجَاهِداً للهِ، وَلَيْسَ مِثْلِي مِنْ يَخُوْنُ. وَأَحْضَرَ خَزَائِنَ المَالِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى وِلاَيَتِكَ. فَأَبَى، وَحَلَفَ: أَنَّهُ لاَ يَلِي لِبَنِي أُمَيَّةَ أَبَداً. وَكَانَ يُدْعَى: الشَّيْخَ الأَمِيْنَ؛ لِثِقَتِهِ، وَجَلاَلَتِهِ. وَأَمَّا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: فَأَرَّخَ مَوْتَ حَسَّانٍ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -. 113 - الشَّعْبِيُّ عَامِرُ بنُ شَرَاحِيْلَ بن عَبْدِ بنِ ذِي كِبَارٍ ** وَذُوْ كِبَارٍ: قَيْلٌ مِنْ أَقْيَالِ   (1) انظر تاريخ البخاري 2 / 346 والمعرفة والتاريخ 2 / 68. (*) تقدمت ترجمته ومصادرها على الصفحة 140 من هذا الجزء. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 246، طبقات خليفة ت 1144، تاريخ البخاري 6 / 450، تاريخ البخاري الصغير 1 / 243، 253، 254، المعارف 449، المعرفة والتاريخ 2 / 592، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 اليَمِنِ، الإِمَامُ، عَلاَّمَةُ العَصْرِ، أَبُو عَمْرٍو الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ الشَّعْبِيُّ. وَيُقَالُ: هُوَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ سَبْيِ جَلُوْلاَءَ (1) . مَوْلِدُهُ: فِي إِمْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، لِسِتِّ سِنِيْنَ خَلَتْ مِنْهَا، فَهَذِهِ رِوَايَةٌ. وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، قَالَهُ شَبَابٌ (2) . وَكَانَتْ جَلُوْلاَءُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ (3) . وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: وُلِدْتُ عَامَ جَلُوْلاَءَ (4) . فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَلَيْسَ السَّرِيُّ بِمُعْتَمَدٍ، قَدِ اتُّهِمَ. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ: وُلِدَ الشَّعْبِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ (5) .   = أخبار القضاة 2 / 413، المنتخب من ذيل المذيل للطبري 635، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 322، الاكليل 8 / 145، الحلية 4 / 310، طبقات الشافعية للعبادي 58، تاريخ بغداد 12 / 227، طبقات الفقهاء للشيرازي 81، سمط اللآلي 751، الجمع بين رجال الصحيحين 377، تاريخ ابن عساكر (عاصم عايذ) 138، والاصل (س) 8 / 342 ب، طبقات فقهاء اليمن 70، اللباب 2 / 21، معجم البلدان (شعب) ، وفيات الأعيان 3 / 12، تهذيب الكمال ص 642، تاريخ الإسلام 4 / 130، تذكرة الحفاظ 1 / 74، العبر 1 / 127، تذهيب التهذيب 2 / 114 آ، البداية والنهاية 9 / 230، غاية النهاية ت 1500، طبقات المعتزلة 130، 139، تهذيب التهذيب 5 / 65، النجوم الزاهرة 1 / 253، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 32، خلاصة تذهيب التهذيب 184، شذرات الذهب 1 / 126، تهذيب ابن عساكر 7 / 141. (1) انظر أخبار القضاة 2 / 425 وتاريخ بغداد 12 / 227 وجلولاء: قرية بناحية فارس كانت بها الوقعة المشهورة التي انتصر فيها المسلمون سنة 16 هـ. وموضعها اليوم في العراق، مرحلة قزرلرباط (أي الرباط الاحمر) سمتها الحكومة العراقية بالسعدية. انظر معجم البلدان وبلدان الخلافة الشرقية ص 87 ووفيات الأعيان 3 / 16. وانظر خبر الوقعة في الطبري 4 / 24. (2) هو خليفة بن خياط في تاريخه ص 149. (3) في الطبري وابن الأثير ومعجم البلدان سنة 16 هـ، وفي تاريخ خليفة: ومعجم ما استعجم سنة 17 كما هنا وقيل: سنة تسع عشرة. (4) ابن عساكر (عاصم عايذ) 141. (5) المصدر السابق ص 142. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَيُقَارِبُهَا: رِوَايَةُ حَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، عَنْ شُعْبَةَ: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: الشَّعْبِيُّ أَكْبَرُ مِنِّي بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ (1) . قُلْتُ: وَإِنَّمَا وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْد سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (2) : هُوَ مِنْ حِمْيَرٍ، وَعِدَادُهُ فِي هَمْدَانَ. قُلْتُ: رَأَى عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَصَلَّى خَلْفَهُ. وَسَمِعَ مِنْ: عِدَّةٍ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَزَيْدِ بن أَرْقَمَ، وَبُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَحُبْشِيِّ بنِ جُنَادَةَ، وَالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيِّ، وَوَهْبِ بنِ خَنْبَشٍ الطَّائِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ مُضَرِّسٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَأَبِي سَرِيْحَةَ الغِفَارِيِّ، وَمَيْمُوْنَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَأُمِّ هَانِئ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَالمِقْدَامِ بن مَعْدِ يْكَرِبَ، وَعَامِرِ بنِ شَهْرٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ البَارِقِيِّ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعِ بنِ الأَسْوَدِ العَدَوِيِّ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَغَيْرِ هَؤُلاَءِ الخَمْسِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ.   (1) انظر أخبار القضاة 2 / 426. (2) في الطبقات 6 / 246. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَحَدَّثَ عَنْ: عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَالحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَالقَاضِي شُرَيْحٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: الحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَمَكْحُوْلٌ الشَّامِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الغُدَانِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَمُجَالِدٌ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطُ (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفُ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَقَبِيْلَتُهُ: مَنْ كَانَ مِنْهُم بِالكُوْفَةِ، قِيْلَ: شَعْبِيٌّ. وَمَنْ كَانَ بِمِصْرَ، قِيْلَ: الأُشْعُوْبِيُّ. وَمَنْ كَانَ بِاليَمَنِ، قِيْلَ لَهُم: آلُ ذِي شَعْبَيْنِ. وَمَنْ كَانَ بِالشَّامِ، قِيْلَ: الشَّعْبَانِيُّ. وَأُرَى قَبِيْلَةَ شَعْبَانَ نَزَلَتْ بِمَرْجِ كَفْرَ بَطْنَا (2) ، فَعُرِفَ بِهِم، وَهُمْ جَمِيْعاً وَلَدُ حَسَّانِ بنِ عَمْرِو بنِ شَعْبَيْنِ (3) . قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَبَنُو عَلِيِّ بنِ حَسَّانِ بنِ عَمْرٍو رَهْطُ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، دَخَلُوا فِي جُمْهُوْرِ هَمْدَانَ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ تَوْءماً ضَئِيْلاً، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي زُوْحِمْتُ فِي الرَّحِمِ. قَالَ: وَأَقَامَ فِي المَدِيْنَة ثَمَانِيَة أَشْهُرٍ هَارِباً مِنَ المُخْتَارِ، فَسَمِع مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَعَلَّمَ الحِسَابَ مِنَ الحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَكَانَ حَافِظاً، وَمَا كَتَبَ شَيْئاً قَطُّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (4) : أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُرَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، حَدَّثَنِي   (1) ثلثه ابن ماكولا تبعا للدار قطني، فإنه قال: وعيسى بن أبي عيسى الحباط والحناط والخياط، وهو يشتهر بالحاء والنون. انظر المشتبه للمؤلف 252. (2) من قرى غوطة دمشق (الشرقية) من إقليم داعية، تقع إلى الغرب من قرية " جسرين " انظر معجم البلدان وغوطة دمشق لمحمد كرد علي. (3) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 145، 146. (4) في الطبقات 6 / 246. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 أَشْيَاخٌ مِنْ شَعْبَانَ؛ مِنْهُم: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ - وَكَانَ عَالِماً -: أَنَّ مَطَراً أَصَابَ اليَمَنَ، فَجَحَفَ السَّيْلُ مَوْضِعاً، فَأَبْدَى عَنْ أَزَجٍ (1) عَلَيْهِ بَابٌ مِنْ حِجَارَةٍ، فَكُسِرَ الغَلَقُ، وَدُخِلَ، فَإِذَا بَهُوٌ عَظِيْمٌ، فِيْهِ سَرِيْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا عَلَيْهِ رَجُلٌ، شَبَرْنَاهُ فَإِذَا طُوْلُهُ اثْنَا عَشَرَ شِبْراً، وَإِذَا عَلَيْهِ جِبَابٌ مِنْ وَشْيٍ مَنْسُوْجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَإِلَى جَنْبِهِ مِحْجَنٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى رَأْسِهِ يَاقُوْتَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، لَهُ ضَفْرَانِ، وَإِلَى جَنْبِهِ لَوْحٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهِ بِالحِمْيَرِيَّةِ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ رَبَّ حِمْيَرٍ، أَنَا حَسَّانُ بنُ عَمْرٍو القَيْلُ (2) ، إِذْ لاَ قَيْلَ إِلاَّ اللهُ، عِشْتُ بِأَمَلٍ، وَمُتُّ بِأَجِلٍ؛ أَيَّامَ وَخْزِهَيْدَ (3) ، وَمَا وَخْزُهَيْدُ؟ هَلَكَ فِيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ، فَكُنْتُ آخِرَهُم قَيْلاً، فَأَتَيْتُ جَبَلَ ذِي شَعْبَيْنِ؛ لِيُجِيْرَنِي مِنَ المَوْتِ، فَأَخْفَرَنِي. وَإِلَى جَنْبِهِ سَيْفٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهِ: أَنَا قَيْلٌ، بِي يُدْرَكُ الثَّأْرُ. شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبِيِّ (5) . هُشَيْمٌ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا مَاتَ ذُوْ قَرَابَةٍ   (1) الازج: بناء مستطيل مقوس السقف. (2) القيل: الملك من ملوك حمير يتقيل من قبله من ملوكهم (يشبهه) (لسان) . (3) في الأصل: " وخزهيذ " بالذال المعجمة، وما أثبتناه من الاشتقاق والتاج. وال " وخز ": الطعن النافذ، أو هو الطاعون. و" هيد " قال ياقوت في معجم البلدان: وأيام هيد أيام موتان كانت في الجاهلية في الدهر الأول، قيل: مات فيها. اثنا عشر ألفا. هكذا ذكره العمراني في أسماء الاماكن ولا أدري ما معناه. اه. انظر ابن سعد 6 / 246، والاشتقاق 524 وابن عساكر (عاصم عايذ) 144، 145. (4) التاريخ الصغير للبخاري 1 / 253، 254 وأخبار القضاة 2 / 428. (5) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 167 وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 لِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، إِلاَّ وَقَضَيْتُ عَنْهُ، وَلاَ ضَرَبْتُ مَمْلُوْكاً لِي قَطُّ، وَلاَ حَلَلْتُ حَبْوَتِي إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَنْظُرُ النَّاسُ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ. قُلْتُ: وَلاَ شُرَيْحٌ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحاً لَمْ أَنْظُرْ أَمْرَهُ (1) . زَائِدَةُ: عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ فِي أَصْحَابِ المُلاَّ، فَأَقْبَلَ الشَّعْبِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيْمُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَعْوَرُ، لَوْ أَنَّ أَصْحَابِي أَبْصَرُوْكَ. ثُمَّ جَاءَ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعِ إِبْرَاهِيْمَ. سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ، إِلاَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَلاَ طَاوُوْسَ، وَلاَ عَطَاءً، وَلاَ الحَسَنَ، وَلاَ ابْنَ سِيْرِيْنَ، فَقَدْ رَأَيْتُ كُلَّهُم. عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ أَيُّوْبَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: شَرُّ الثَّلاَثَةِ هُوَ (2) ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَرُجِمَتْ أُمُّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، وَلَمْ تُؤَخَّرْ حَتَّى تَلِدَ.   (1) ابن عساكر (عاصم عايذ) 170 ولفظه: " لم أبطن أمره ". (2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2 / 311، وأبو داود (3963) والحاكم 2 / 214 من طريق جرير عن سهيل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد الزنى شر الثلاثة " وسهيل بن أبي صالح ثقة لكنه تغير حفظه بأخرة، وأخرجه الحاكم 2 / 215 من طريق أخرى عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، وأخرجه الحاكم أيضا من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ولد الزنى شر الثلاثة " فقالت: رحم الله أبا هريرة، أساء سمعا فأساء إصابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من يعذرني من فلان " قيل: يارسول الله، مع ما به ولد زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو شر الثلاثة " والله عزوجل يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . وسلمة بن الفضل مختلف فيه. وباقي رجاله ثقات وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا حُرٌّ، عَنْ مُغِيْرَةَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الكَيْسَانِيَّةِ (1) عِنْدَ الشَّعْبِيِّ: كَانَتْ عَائِشَةُ مِنْ أَبْغَضِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ. قَالَ: خَالَفْتَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ. عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ: قَالَ لِي ابْنُ سِيْرِيْنَ: الْزَمِ الشَّعْبِيَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسْتَفْتَى وَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُوْنَ (2) . قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ فِي كِتَابِ (الحِكْمَةِ) : قِيْلَ لِلشَّعْبِيِّ: مِنْ أَيْنَ لَكَ كُلُّ هَذَا العِلْمِ؟ قَالَ: بِنَفْيِ الاغْتِمَامِ، وَالسَّيْرِ فِي البِلاَدِ، وَصَبْرٍ كَصَبْرِ الحَمَامِ، وَبُكُوْرٍ كَبُكُوْرِ الغُرَابِ (3) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عُلَمَاءُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ (4) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (5) : كَانَ الشَّعْبِيُّ ضَئِيْلاً، نَحِيْفاً، وُلِدَ هُوَ وَأَخٌ لَهُ تَوْءماً.   = (13860) من طريق معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان إذا قيل لها: هو شر الثلاثة، عابت ذلك، وقالت: ما عليه من وزر أبويه، قال الله: (لاتزر وازرة وزر أخرى) وإسناده صحيح، وأخرجه أيضا (13861) من طريق الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه وأخرج أحمد 6 / 109 عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه " وإسناده ضعيف. وأخرجه البيهقي في سننه 10 / 58 وقال ليس بالقوي، وقد روى مثله بإسناد ضعيف عن ابن عباس، وقال صاحب الاستذكار: قد أنكر ابن عباس على من روى في ولد الزنى أنه شر الثلاثة، وقال: لو كان شر الثلاثة ما استوني بأمه أن ترجم حتى تضعه. رواه ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن علي بن طلحة عن ابن عباس. (1) الكيسانية هم أتباع كيسان مولى علي رضي الله عنه، وقيل: كيسان لقب المختار الثقفي، والكيسانية فرقة شيعية اعتقدت بإمامها بأنه محيط بالعلوم كلها، ويجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل، فحملهم ذلك على تأويل الاركان الشرعية على رجال فعطلوها. انظر الملل والنحل 1 / 147، والمقالات والفرق 21، والفاطميون في مصر 34، والتاج (كيس) . (2) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 166. (3) ابن عساكر (عاصم عايذ) 163 ولفظه: " وصبر كصبر الحمار ". (4) تاريخ بغداد 12 / 227 وانظر أخبار القضاة 2 / 421. (5) في الطبقات 6 / 247. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَمِعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَلاَ يَكَادُ يُرْسِلُ إِلاَّ صَحِيْحاً. رَوَى: عَقِيْلُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الغُدَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ خَمْسَ مائَةِ صَحَابِيٍّ، أَوْ أَكْثَرَ، يَقُوْلُوْنَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ (1) . وَأَمَّا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، وَفِيْهِ: يَقُوْلُوْنَ: عَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ (2) . ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَلاَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيْثٍ قَطُّ إِلاَّ حَفِظْتُهُ، وَلاَ أَحْبَبْتُ أَنَّ يُعِيْدَهُ عَلَيَّ (3) . هَذَا سَمَاعُنَا فِي (مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ) . أَنْبَأَنَا مَالِكُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ: فَكَأَنَّ الشَّعْبِيَّ يُخَاطِبُكَ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُمِّيٌّ، لاَ كَتَبَ وَلاَ قَرَأَ. الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (4)) : حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شُبْرُمَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً رَجُلاً يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ نَسِيْتُ مِنَ العِلْمِ مَا لَوْ حَفِظَهُ رَجُلٌ لَكَانَ بِهِ عَالِماً. نُوْحُ بنُ قَيْسٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ وَادِعٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،   (1) ابن عساكر (عاصم عايذ) 155، 156. (2) المصدر السابق 156. (3) المصدر السابق 157 وانظر ابن سعد 6 / 249 وتاريخ بغداد 2 / 229. (4) 3 / 372 وهو في قسم النصوص المقتبسة من المجلد المفقود. والخبر في تاريخ بغداد 12 / 229 وانظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 158. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 قَالَ: مَا أَرْوِي شَيْئاً أَقَلَّ مِنَ الشِّعْرِ، وَلَوْ شِئْتُ، لأَنْشَدْتُكُم شَهْراً لاَ أُعِيْدُ (1) . وَرُوِيَتْ عَنْ: نُوْحٍ مَرَّةً، فَقَالَ: عَنْ يُوْنُسَ، وَوَادِعٍ. مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: كَانَ عُمَرُ فِي زَمَانِهِ رَأْسَ النَّاسِ وَهُوَ جَامِعٌ، وَكَانَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ الشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ يَحْيَى بنُ آدَمَ (2) . شَرِيْكٌ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِالشَّعْبِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ المَغَازِي، فَقَالَ: كَأَنَّ هَذَا كَانَ شَاهِداً مَعَنَا، وَلَهُوَ أَحْفَظُ لَهَا مِنِّي وَأَعْلَمُ (3) . أَشْعَبُ بنُ سَوَّارٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، وَلِلشَّعْبِيِّ حَلْقَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَالصَّحَابَةُ يَوْمَئِذٍ كَثِيْرٌ (4) . ابْن عُيَيْنَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ عَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالحِجَازِ وَالآفَاقِ مِنَ الشَّعْبِيِّ (4) . أَبُو مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الأَعْوَرِ؟! يَأْتِيْنِي بِاللَّيْلِ، فَيَسْأَلُنِي، وَيُفْتِي بِالنَّهَارِ - يَعْنِي: إِبْرَاهِيْمَ - (5) . أَبُو شِهَابٍ: عَنِ الصَّلْتِ بنِ بَهْرَامَ، قَالَ: مَا بَلَغَ أَحَدٌ مَبْلَغَ الشَّعْبِيِّ أَكْثَرَ مِنْهُ يَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي (6) .   (1) ابن عساكر (عاصم عايذ) 160. (2) المصدر السابق. (3) المصدر السابق 164. (4) الحلية 4 / 310. (5) المعرفة والتاريخ 2 / 603. (6) ابن سعد 6 / 250. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 أَبُو عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ اتَّقَاهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَقُوْلُ وَيَقُوْلُ (1) . جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ صَاحِبَ قِيَاسٍ، وَالشَّعْبِيُّ صَاحِبَ آثَارٍ (2) . ابْنُ المُبَارَكِ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: كَانَ الشَّعْبِيُّ مُنْبَسِطاً، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ مُنْقَبِضاً، فَإِذَا وَقَعَتِ الفَتْوَى، انْقَبَضَ الشَّعْبِيُّ، وَانْبَسَطَ إِبْرَاهِيْمُ (2) . وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ: مَا اجْتَمَعَ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيْمُ، إِلاَّ سَكَتَ إِبْرَاهِيْمُ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الجَابِيَةِ الفَرَّاءُ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّا لَسْنَا بِالفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّا سَمِعنَا الحَدِيْثَ فَرَوَيْنَاهُ، وَلَكِنَّ الفُقَهَاءَ مَنْ إِذَا عَلِمَ، عَمِلَ (3) . مَالِكُ بنُ مِغْولٍ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْل: لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ عَلِمْتُ مِنْ ذَا العِلْمِ شَيْئاً (4) . قُلْتُ: لأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى العَالِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، ويُنَبِّهَ الجَاهِلَ، فَيَأْمُرَهُ وَيَنْهَاهُ، وَلأَنَّهُ مَظِنَّةٌ أَنْ لاَ يُخْلِصَ فِيْهِ، وَأَن يَفْتَخِرَ بِهِ، ويُمَارِيَ بِهِ، لِيَنَالَ رِئَاسَةً، ودُنْيَا فَانِيَةً. الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْ فِيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: أَبُو عَمْرٍو يَقُوْلُ فِيْهِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الشَّعْبِيُّ:   (1) ابن عساكر (عاصم عايذ) 176. (2) المصدر السابق 177. (3) المصدر السابق 178 وانظر الحلية 4 / 311. (4) ابن عساكر (عاصم عايذ) 178. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 هَذَا فِي المَحْيَا، فَأَنْتَ فِي المَمَاتِ عَلَيَّ أَكْذَبُ (1) . قَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: وَجَّهَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ الشَّعْبِيَّ إِلَى مَلِكِ الرُّوْمِ -يَعْنِي: رَسُوْلاً- فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: يَا شَعْبِيُّ، أَتَدْرِي مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ مَلِكُ الرُّوْمِ؟ قَالَ: وَمَا كَتَبَ بِهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَعَجَّبُ لأَهْلِ دِيَانَتِكَ، كَيْفَ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا عَلَيْهِم رَسُوْلَكَ؟! قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لأَنَّهُ رَآنِي وَلَمْ يَرَكْ (2) . أَوْرَدَهَا: الأَصْمَعِيُّ؛ وَفِيْهَا قَالَ: يَا شَعْبِيُّ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُغْرِيَنِي بِقَتْلِكَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ الرُّوْمِ، فَقَالَ: للهِ أَبُوْهُ! وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ ذَاكَ (2) . يُوْسُفُ بنُ بَهْلُوْلٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ نُوْحٍ، حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الحَجَّاجُ، سَأَلنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ العِلْمِ، فَوَجَدَنِي بِهَا عَارِفاً، فَجَعَلَنِي عَرِيْفاً عَلَى قَوْمِي الشَّعْبِيِّيْنَ، وَمَنْكِباً (3) عَلَى جَمِيْعِ هَمْدَانَ، وَفَرَضَ لِي، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ بِأَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ حَتَّى كَانَ شَأْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ، فَأَتَانِي قُرَّاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّكَ زَعِيْمُ القُرَّاءِ. فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُم، فَقُمْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَذْكُرُ الحَجَّاجَ، وَأَعِيْبُهُ بِأَشْيَاءَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الخَبِيْثِ؟! أَمَا لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، لأَجْعَلَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ (4) . قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هُزِمْنَا، فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ، فَمَكَثْتُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَنَدَبَ النَّاسَ لِخُرَاسَانَ، فَقَامَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: أَنَا لَهَا. فَعَقَدَ لَهُ عَلَى خُرَاسَانَ، فَنَادَى مُنَادِيْهِ: مَنْ لَحِقَ بِعَسْكَرِ قُتَيْبَةَ، فَهُوَ آمِنٌ. فَاشْتَرَى مَوْلَىً لِي حِمَاراً، وَزَوَّدَنِي، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَكُنْتُ فِي العَسْكَرِ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا فَرْغَانَةَ (5) ؛   (1) المصدر السابق 178، 179. (2) المصدر السابق 199. (3) قال الليث: منكب القوم رأس العرفاء. (4) المسك: الجلد، ولفظ ابن عساكر حمل) بالمهملة. (5) فرغانة: مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان في زاوية من ناحية = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ بَرِقَ (1) ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، عِنْدِي عِلْمُ مَا تُرِيْدُ. فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُعِيْذُكَ أَلاَّ تَسْأَلَ عَنْ ذَاكَ. فَعَرَفَ أَنِّي مِمَّنْ يُخْفِي نَفْسَهُ، فَدَعَا بِكِتَابٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ نُسْخَةً. قُلْتُ: لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. فَجَعَلْتُ أُمِلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الفَتْحِ. قَالَ: فَحَمَلَنِي عَلَى بَغْلَةٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِسَرَقٍ (2) مِنْ حَرِيْرٍ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي أَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ، فَإِنِّي لَيْلَةً أَتَعَشَّى مَعَهُ، إِذَا أَنَا بِرَسُوْلِ الحَجَّاجِ بِكِتَابٍ فِيْهِ: إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِنَّ صَاحِبَ كِتَابِكَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، فَإِنْ فَاتَكَ، قَطَعْتُ يَدَكَ عَلَى رِجْلِكَ، وَعَزَلْتُكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَرَفْتُكَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الأَرْضِ، فَوَاللهِ لأَحْلِفَنَّ لَهُ بِكُلِّ يَمِيْنٍ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْر، إِنَّ مِثْلِي لاَ يَخْفَى. فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى خَضْرَاءِ وَاسِطَ، فَقَيِّدُوْهُ، ثُمَّ أَدْخِلُوْهُ عَلَى الحَجَّاجِ. فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْ وَاسِطٍ، اسْتَقْبَلَنِي ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي لأَضِنُّ بِكَ عَنِ القَتْلِ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى الأَمِيْرِ، فَقُلْ كَذَا، وَقُلْ كَذَا. فَلَمَّا أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، وَرَآنِي، قَالَ: لاَ مَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً، جِئْتَنِي وَلَسْتَ فِي الشَّرَفِ مِنْ قَوْمِكَ، وَلاَ عرِيْفاً، فَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، ثُمَّ خَرَجْتَ عَلَيَّ. وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقَالَ: تَكَلَّمْ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، كُلُّ مَا قُلْتَهُ حَقٌّ، وَلَكِنَّا قَدِ اكْتَحَلْنَا بَعْدَكَ السَّهَرَ، وَتَحَلَّسْنَا (3) الخَوْفَ، وَلَمْ نَكُنْ مَعَ ذَلِكَ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ، فَهَذَا أَوَانُ حَقَنْتَ لِي دَمِي، وَاسْتَقْبَلْتَ بِيَ التَّوْبَةَ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ (4) .   = هيطل من جهة مطلع الشمس على يمين القاصد لبلاد الترك. اه. معجم البلدان. (1) برق: تحير. (2) السرق: مفردها سرقة، وهي القطعة من جيد الجرير. (3) انظر الصفحة التالية 306 حاشية (1) . (4) أورد ابن عساكر الخبر مطولا (عاصم عايذ) 208 وما بعدها، وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمَّا أُدْخِلَ الشَّعْبِيُّ عَلَى الحَجَّاجِ، قَالَ: هِيْه يَا شَعْبِيُّ! فَقَالَ: أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ، وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ (1) ، فَلَمْ نَكُنْ فِيْمَا فَعَلْنَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ. فَقَالَ: للهِ دَرُّكَ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : قَالَ أَصْحَابُنَا: كَانَ الشَّعْبِيُّ فِيْمَنْ خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ، ثُمَّ اخْتَفَى زَمَاناً، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يُكَلِّمَ فِيْهِ الحَجَّاجَ. قُلْتُ: خَرَجَ القُرَّاءُ وَهُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالصَّلاَحِ بِالعِرَاقِ عَلَى الحَجَّاجِ؛ لِظُلْمِهِ وَتَأْخِيْرِهِ الصَّلاَةَ وَالجَمْعِ فِي الحَضَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَباً وَاهِياً لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَكُوْنُ عَلَيْكُم أُمَرَاءُ يُمِيْتُوْنَ الصَّلاَةَ) (4) . فَخَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ، وَكَانَ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَجَدَّتُهُ أُخْتُ الصِّدِّيْقِ، فَالْتَفَّ (5) عَلَى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيْدُوْنَ، وَضَاقَتْ عَلَى الحَجَّاجِ الدُّنْيَا، وَكَادَ أَنْ يَزُوْلَ مُلْكُهُ، وَهَزَمُوْهُ مَرَّاتٍ، وَعَايَنَ التَّلَفَ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِقْدَامٌ، إِلَى أَنِ انْتَصَرَ، وَتَمَزَّقَ جَمْعُ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ   (1) أحزن بنا المنزل: صار ذا حزونة (خشونة) كأن المنزل أركبهم الحزونة حيث نزلوا فيه. واستحلس فلان الخوف: إذا لم يفارقه الخوف ولم يأمن. (2) ابن عساكر (عاصم عايذ) 211، وانظر الحلية 4 / 325 واللسان (حلس) . (3) في الطبقات 6 / 249. له تتمة. (4) أخرج مسلم في صحيحه (648) وأبو داود (431) والترمذي (176) وابن ماجه (1256) عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها "؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: " صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ". وأخرج أبو داود (434) من حديث قبيصة بن وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة ". (5) التف عليه القوم: اجتمعوا. فعلى هذا تكون العبارة: " فالتف عليه مئة ألف ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَكَانَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ الحَجَّاجُ مِنْهُم، قَتَلَهُ، إِلاَّ مَنْ بَاءَ مِنْهُم بِالكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَدَعُهُ. سَعْدُ بنُ عَامِرٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عِيْسَى الحَنَّاطِ (1) ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ هَذَا العِلْمَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيْهِ خَصْلَتَانِ: العَقْلُ وَالنُّسْكُ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلاً، وَلَمْ يَكُنْ نَاسِكاً، قَالَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ النُّسَّاكُ، فَلَنْ أَطْلُبَهُ. وَإِنْ كَانَ نَاسِكاً، وَلَمْ يَكُنْ عَاقِلاً، قَالَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ العُقَلاَءُ، فَلَنْ أَطْلُبَهُ. يَقُوْلُ الشَّعْبِيُّ: فَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ يَكُوْنَ يَطْلُبُهُ اليَوْمَ مِنْ لَيْسَ فِيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لاَ عَقْلَ وَلاَ نُسْكَ (2) . قُلْتُ: أَظُنُّهُ أَرَادَ بِالعَقْلِ الفَهْمَ وَالذَّكَاءَ. قَالَ مُجَالِدٌ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ يَزْدَرِدُ العِلْمَ ازْدِرَاداً. وَقَلَّمَا رَوَى الأَعْمَشُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، فَرَوَى: حَفْصٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيْحَةِ اللِّيْطَةِ (3) . فَقُلْتُ لِلأَعْمَشِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا مَنَعَكَ مِنْ إِتْيَانِ الشَّعْبِيِّ؟ قَالَ: وَيْحَكَ! كَيْفَ كُنْتُ آتِيْهِ، وَهُوَ إِذَا رَآنِي سَخَرَ بِي، وَيَقُوْلُ: هَذِهِ هَيْئَةُ عَالِمٍ! مَا هَيْئَتُكَ إِلاَّ هَيْئَةُ حَائِكٍ. وَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ أَكْرَمَنِي، وَأَدْنَانِي. قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا يُرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: مَنْ دُوْنَهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا، إِنْ كَانَ فِيْهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانُ. خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَا كُذِبَ عَلَى عَلِيٍّ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا جَلَسْتُ مَعَ قَوْمٍ مُذْ كَذَا   (1) انظر التعليق (1) صفحة 297. (2) ابن عساكر (عاصم عايذ) 226. (3) الليطة: قشرة القصب المحددة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 وَكَذَا، فَخَاضُوا فِي حَدِيْثٍ إِلاَّ كُنْتُ أَعْلَمَهُم بِهِ. عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ مَرَّةً وَأَخْطَأْتُ مَرَّةً، لأَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الوَاحِدَةَ (1) . وَعَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَأَنِّي بِهَذَا العِلْمِ تَحَوَّلَ إِلَى خُرَاسَانَ. عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ عَمْرِو بنِ خَلِيْفَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَصْبَحَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ: مُحِبٌّ لِعَلِيٍّ مُبْغِضٌ لِعُثْمَانَ، وَمُحِبٌّ لِعُثْمَانَ مُبْغِضٌ لِعَلِيٍّ، وَمُحِبٌّ لَهُمَا، وَمُبْغِضٌ لَهُمَا. قُلْتُ: مِنْ أَيِّهِمَا أَنْتَ؟ قَالَ: مُبْغِضٌ لِبَاغِضِهِمَا (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: أُحَدِّثُكَ عَنِ القَوْمِ كَأَنَّكَ شَهِدْتَهُم، كَانَ شُرَيْحٌ أَعْلَمَهُم بِالقَضَاءِ، وَكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِي شُرَيْحاً فِي عِلْمِ القَضَاءِ، وَأَمَّا عَلْقَمَةُ فَانْتَهَى إِلَى عِلْمِ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يُجَاوِزْهُ، وَأَمَّا مَسْرُوْقٌ فَأَخَذَ عَنْ كُلٍّ، وَكَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ أَعْلَمَهُم عِلْماً، وَأَوْرَعَهُم وَرَعاً (3) . قَالَ زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَمُرُّ بِأَبِي صَالِحٍ (4) ، فَيَأْخُذُ بِأُذُنِهِ، وَيَقُوْل: تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَأَنْتَ لاَ تَقْرَأُ القُرْآنَ! عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنِي رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى الشَّعْبِيِّ بِدِمَشْقَ، فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (اعْبُدُوا   (1) انظر الحلية 4 / 320، 321 وقوله: لاعدوا، أي لعدوا. انظر التاج (عدد) . (2) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 182 والحلية 4 / 321. (3) لقد تكرر الخبر في عدة مواضع بسياقات مختلفة، انظر ص 102. (4) هو باذام مولى أم هانئ، ضعفه غير واحد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 رَبَّكُم، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَقِيْمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَأَطِيْعُوا الأُمَرَاءَ، فَإِنْ كَانَ خَيْراً، فَلَكُم، وَإِنْ كَانَ شَرّاً، فَعَلَيْهِم، وَأَنْتُم مِنْهُ بُرَآءُ (1)) . فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: كَذَبْتَ. هَكَذَا رَوَاهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُضَارِبٍ العُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا: أَخْطَأْتَ. قُرَادٌ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ طَارِقِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عَلَى بَابِ الشَّعْبِيِّ، إِذْ جَاءَ جَرِيْرُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَرِيْرٍ البَجَلِيُّ، فَدَعَا الشَّعْبِيُّ لَهُ بِوِسَادَةٍ. فَقُلْنَا لَهُ: حَوْلَكَ أَشْيَاخٌ، وَجَاءَ هَذَا الغُلاَمُ فَدَعَوْتَ لَهُ بِوِسَادَةٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْقَى لِجَدِّهِ وِسَادَةً، وَقَالَ: (إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيْمُ قَوْمٍ، فَأَكْرِمُوْهُ (2)) . شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ قَيْسٍ الأَرْقَبِ، فَمَرَرْنَا بِالشَّعْبِيِّ، فَقَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: اتَّقِ اللهَ، لاَ يُشْعِلْكَ بِنَارِهِ. فَقَالَ قَيْسٌ: أَمَا -وَاللهِ- قَدْ كُنْتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ - كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّهُ فِي هَذَا الرَّأْيِ -. ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَمَا تَرَكْتُهُ إِلاَّ لِحُبِّ الدُّنْيَا. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَلَعَنَكَ اللهُ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَ عَلِيٍّ؟ قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ فُقَهَاءَ الكُوْفَةِ، إِلاَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ يُسَمَّوْنَ قَنَادِيْلَ المَسْجِدِ، أَوْ سُرُجَ المِصْرِ. قَالَ قَيْسٌ: أَفَلاَ تَعْرِفُ أَصْحَابَ عَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الحَارِثَ الأَعْوَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ،   (1) رجاله ثقات خلا سعيد بن عبد العزيز فإنه اختلط بأخرة. (2) حديث حسن أخرجه حسن الطبراني عن جرير، وابن عدي والبيهقي وابن خزيمة والبزار، وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر، والبزار عن أبي هريرة، وابن عدي عن معاذ وأبي قتادة، والحاكم عن جابر، والطبراني عن ابن عباس، وابن عساكر عن أنس. وانظر المقاصد الحسنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 لَقَدْ تَعْلَّمْتُ مِنْهُ حِسَابَ الفَرَائِضِ، فَخَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْهُ الوَسْوَاسَ، فَلاَ أَدْرِي مِمَّنْ تَعَلَّمَهُ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ ابْنَ صَبُوْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِفَقِيْهٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِف صَعْصَعَةَ بنَ صُوْحَانَ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلاً خَطِيْباً، وَلَمْ يَكُنْ بِفَقِيْهٍ. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ رُشَيْداً الهَجَرِيَّ؟ قَالَ الشَّعْبِيُّ: نَعَمْ، بَيْنمَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الهَجَرِيِّيْنَ، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ عَلَيْنَا، يُحِبُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَدْخَلَنِي عَلَى رُشَيْدٍ، فَقَالَ: خَرَجْتُ حَاجّاً، فَلَمَّا قَضَيْتُ نُسُكِي، قُلْتُ: لَوْ أَحْدَثْتُ عَهْداً بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَمَرَرْتُ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ بَابَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقُلْتُ لإِنْسَانٍ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى سَيِّدِ المُسْلِمِيْنَ. فَقَالَ: هُوَ نَائِمٌ، وَهُوَ يَحْسِبُ أَنِّي أَعْنِي الحَسَنَ. قُلْتُ: لَسْتُ أَعْنِي الحَسَنَ، إِنَّمَا أَعْنِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِمَامَ المُتَّقِيْنَ، وَقَائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلِيْنَ. قَالَ: أَوَ لَيْسَ قَدْ مَاتَ؟ فَبَكَى، فَقُلْتُ: أَمَا - وَاللهِ - إِنَّهُ لَيَتَنَفَّسُ الآنَ بِنَفَسِ حَيٍّ، وَيَعْتَرِقُ مِنَ الدِّثَارِ الثَّقِيْلِ. فَقَالَ: أَمَا إِذْ عَرَفْتَ سِرَّ آلِ مُحَمَّدٍ، فَادْخُلْ عَلَيْهِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَنْبَأَنِي بِأَشْيَاءَ تَكُوْنُ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقُلْتُ لِرُشَيْدٍ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَلَعَنَكَ اللهُ. ثُمَّ خَرَجْتُ، وَبَلَغَ الحَدِيْثُ زِيَاداً، فَقَطَعَ لِسَانَهُ، وَصَلَبَهُ (1) . قَالَ شَبَابَةُ: وَحَدَّثَنِيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: أَفْرَطَ نَاسٌ فِي حُبِّ عَلِيٍّ، كَمَا أَفْرَطَتِ النَّصَارَى فِي حُبِّ المَسِيْحِ. وَرَوَى: خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حُبُّ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ.   (1) رشيد الهجري، قال الجوزجاني: كذاب غير ثقة، وقال النسائي: ليس بالقوي وقال البخاري: يتكلمون فيه. وقال ابن معين: لا يساوي شيئا. وانظر الخبر في الضعفاء والمجروحين 1 / 298 والميزان للمؤلف 2 / 52. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: مَا بَكَيْتُ مِنْ زَمَانٍ، إِلاَّ بَكَيْتُ عَلَيْهِ (1) . رَوَى: مُجَالِدٌ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ رَجُلاً مُغَفَّلاً لَقِيَ الشَّعْبِيَّ، وَمَعَهُ امْرَأَةٌ تَمْشِي، فَقَالَ: أَيُّكُمَا الشَّعْبِيُّ؟ قَالَ: هَذِهِ (2) . وَعَنْ عَامِرِ بنِ يِسَافٍ (3) ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: امْضِ بِنَا، نَفِرَّ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. فَخَرَجْنَا، قَالَ: فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنْعَتُكَ؟ قَالَ: رَفَّاءٌ. قَالَ: عِنْدَنَا دَنٌّ مَكْسُوْرٌ، تَرْفُوْهُ لَنَا؟ قَالَ: إِنْ هَيَّأْتَ لِي سُلُوْكاً مِنْ رَمْلٍ، رَفَوْتُهُ. فَضَحِكَ الشَّعْبِيُّ حَتَّى اسْتَلْقَى (4) . رَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا اخْتَلَفَتْ أُمَّةٌ بَعْد نَبِيِّهَا، إِلاَّ ظَهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا (5) . عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ سَلَّمَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ. فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَ لَيْسَ فِي رَحْمَةِ اللهِ، لَوْلاَ ذَلِكَ، لَهَلَكَ (6) . رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ أَرَأَيْتَ (7) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَرَأَيْتُم لَوْ قُتِلَ الأَحْنَفُ، وَقُتِلَ مَعَهُ صَغِيْرٌ، أَكَانَتْ دِيَتُهُمَا سَوَاءً، أَمْ يُفَضَّلُ الأَحْنَفُ لِعَقْلِهِ وَحِلْمِهِ؟ قُلْتُ: بَلْ سَوَاءٌ. قَالَ: فَلَيْسَ القِيَاسُ بِشَيْءٍ (7) .   (1) الحلية 4 / 323. (2) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 233. (3) هو عامر بن عبد الله بن يساف اليمامي ينسب إلى جده. (4) انظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 234. (5) الحلية 4 / 313. (6) لا ندري كيف خفي على الشعبي حديث مسلم في الصحيح (2167) من طريق أبي هريرة مرفوعا: " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ". (7) الحلية 4 / 320 وانظر ما قبلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: نِعْمَ الشَّيْءُ الغَوْغَاءُ، يَسُدُّوْنَ السَّيْلَ، وَيُطْفِئُوْنَ الحَرِيْقَ، وَيَشْغَبُوْنَ عَلَى وُلاَةِ السَّوْءِ (1) . وَبَلَغَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا لَيْتَنِي أَنْفَلِتُ مِنْ عِلْمِي كَفَافاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِيَ (2) . إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ: مَا اسْمُ امْرَأَةِ إِبْلِيْسَ؟ قَالَ: ذَاكَ عُرْسٌ مَا شَهِدْتُهُ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يُطِلِّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَنَهَيْتُ الشَّعْبِيَّ أَنَا، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ، نَذْرُكَ فِي عُنُقِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي المَسْجِدِ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ مِلْحَفَةً حَمْرَاءَ، وَإِزَاراً أَصْفَرَ (4) . قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: اسْتَعْمَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الشَّعْبِيَّ عَلَى قَضَاءٍ، وَكَلَّفَهُ أَنْ يُسَامِرَهُ، فَقَالَ: لاَ أَسْتطِيْعُ، فَأَفْرِدْنِي بِأَحَدِهِمَا (5) . قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: كَانَ الشَّعْبِيُّ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنَ الحَسَنِ، وَأَسَنَّ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ. الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَرِهَ الصَّالِحُوْنَ   (1) الحلية 4 / 324. (2) انظر ابن سعد 6 / 250 وابن عساكر (عاصم عايذ) 175. (3) ابن عساكر (عاصم عايذ) 232. (4) المعرفة والتاريخ 5 / 593، وانظر ابن سعد 6 / 253. وفي الأصل سقطت ألف (أصفر) . (5) انظر المعرفة والتاريخ 2 / 593، وأخبار القضاة 2 / 414. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 الأَوَّلُوْنَ الإِكثَارَ مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا حَدَّثْتُ إِلاَّ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: الهَيْثَمُ وَاهٍ. وَرُوِيَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رُزِقَ صِبِيَانُ هَذَا الزَّمَانِ مِنَ العَقْلِ مَا نَقَصَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: مَرَّ الشَّعْبِيُّ وَأَنَا مَعَهُ بِإِنْسَانٍ وَهُوَ يَقُوْلُ: فُتِنَ الشَّعْبِيُّ لَمَّا ... رَفَعَ الطَّرْفَ إِلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى الشَّعْبِيَّ كَأَنَّهُ (1) وَلَمْ يُتِمَّ البَيْتَ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَظَرَ الطَّرْفَ إِلَيْهَا. قُلْتُ: هَذِهِ أَبْيَاتٌ مَشْهُوْرَةٌ، عَمِلَهَا رَجُلٌ تَحَاكَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ إِلَى الشَّعْبِيِّ أَيَّامَ قَضَائِهِ (2) يَقُوْلُ فِيْهَا: فَتَنَتْهُ بِبَنَانٍ ... وَبِخَطَّيْ مُقْلَتَيْهَا (3) قَالَ لِلْجِلْوَازِ (4) : قَدِّمْـ ... ـهَا، وَأَحْضِرْ شَاهِدَيْهَا   (1) [يعني هابه] زيادة عند ابن عساكر (عاصم عايذ) 223، والخبر أيضا في المعرفة والتاريخ 2 / 594، 595. (2) ذكر وكيع بسنده في " أخبار القضاة " 2 / 416، 417 أن الابيات للبارقي اختصم مع امرأة الخ..وفي خبر آخر نسبها للحكم بن عبدل. وقد ساق صاحب العقد الخبر والابيات، وأضاف ما نصه: " قال الشعبي: فدخلت على عبد الملك بن مروان، فلما نظر إلي تبسم وقال: فتن الشعبي..ثم قال: ما فعلت بقائل هذه الابيات؟ قلت: أوجعته ضربا يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة، وبما افترى به علي. قال: أحسنت ". انظر العقد الفريد 1 / 73. (3) كذا الأصل، ولعله وهم، فرواية وكيع وصاحب العقد وابن عساكر: " وبخطي حاجبيها " ولفظ المقلتين جاء في بيت آخر: وبنان كالمدارى * وبحسن مقلتيها (4) في الأصل: (للجواز) وهو تصحيف والجلواز: الشرطي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فَقَضَى جَوْراً عَلَى الخَصْـ ... ـمِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِذَا عَظُمَتِ الحَلْقَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ نَجَاءٌ أَوْ نِدَاءٌ (1) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَارِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ كَعْبٍ (ح) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ (ح) . وَحَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ مُوْسَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أُتِيَ بِيَ الحَجَّاجُ مُوْثَقاً، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ القَصْرِ، لَقِيَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ يَا شَعْبِيُّ لِمَا بَيْنَ دَفَّتَيْكَ مِنَ العِلْمِ، وَلَيْسَ بِيَوْمِ شَفَاعَةٍ، بُؤْ لِلأَمِيْرِ بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ. ثُمَّ لَقِيَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَجَّاجِ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَةِ يَزِيْدَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَنْتَ يَا شَعْبِيُّ فِيْمَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَكَثَّرَ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ، وَأَجْدَبَ الجَنَابُ (3) ، وَضَاقَ المَسْلَكُ، وَاكْتَحَلْنَا السَّهَرَ، وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ، وَوَقَعْنَا فِي خِزْيَةٍ لَمْ نَكُنْ فِيْهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ. قَالَ: صَدَقَ وَاللهِ، مَا بَرُّوْا فِي خُرُوْجِهِمْ عَلَيْنَا، وَلاَ قَوُوْا عَلَيْنَا حَيْثُ فَجَرُوا، فَأَطْلَقُوا عَنِّي. قَالَ: فَاحْتَاجَ إِلَى فَرِيْضَةٍ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أُخْتٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ؟ قُلْتُ: اخْتَلَفَ فِيْهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ   (1) ما بين الحاصرتين من ابن سعد 6 / 254 والحلية 4 / 323. ولفظ اللسان والتاج: " بذاء أو نجاء " انظر مادة (نجا) (2) نسبة إلى بوشنج وهي بلد على سبعة فراسخ من هراة. اه. أنساب السمعاني. (3) جناب القوم: ما حولهم، والجدب: المحل نقيض الخصب. ويقال: فلان خصيب الجناب وجديب الجناب. (لسان) وانظر حاشية (1) صفحة 306. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ إِنْ كَانَ لَمُنَقِّباً (1) . قُلْتُ: جَعَلَ الجَدَّ أَباً، وَأَعْطَى الأُمَّ الثُّلُثَ، وَلَمْ يُعْطِي الأُخْتَ شَيْئاً. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ يَعْنِي: عُثْمَانَ. قُلْتُ: جَعَلَهَا أَثْلاَثاً. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا زَيْدٌ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ، فَأَعْطَى الأُمَّ ثَلاَثاً، وَأَعْطَى الجَدَّ أَرْبَعاً، وَأَعْطَى الأُخْتَ سَهْمَيْنِ. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، أَعْطَى الأُخْتَ ثَلاَثاً، وَأَعْطَى الأُمَّ سَهْماً، وَأَعْطَى الجَدَّ سَهْمَيْنِ. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا أَبُو تُرَابٍ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، فَأَعْطَى الأُخْتَ ثَلاَثاً، وَالأُمَّ سَهْمَيْنِ، وَالجَدَّ سَهْماً. قَالَ: مُرِ القَاضِي، فَلْيُمْضِهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانُ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الحَاجِبُ، فَقَالَ: إِنَّ بِالبَابِ رُسُلاً. قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ. فَدَخَلُوا عَمَائِمُهُمْ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَسُيُوْفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَكُتُبُهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: سِيَابَةُ بنُ عَاصِمٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ. قَالَ: كَيْفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ كَيْفَ حَشَمُهُ؟ قَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَصَابَنِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ ثَلاَثُ سَحَائِبَ. قَالَ: فَانْعَتْ لِي. قَالَ: أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحَوْرَانَ، فَوَقَعَ قَطْرٌ صِغَارٌ، وَقَطْرٌ كِبَارٌ، فَكَانَ الكِبَارُ لُحْمَةً لِلْصِّغَارِ، فَوَقَعَ سَبْطٌ مُتَدَارَكٌ، وَهُوَ السَّحُّ (2) الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ، فَوَادٍ سَائِلٍ، وَوَادٍ نَازِحٍ (3) ، وَأَرْضٌ مُقْبِلَةٌ، وَأَرْضٌ مُدْبِرَةٌ، فَأَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِسَوَاءَ -أَوْ قَالَ: بِالقَرْيَتَيْنِ (4) - شَكَّ عِيْسَى، فَلَبَّدَتْ الدِّمَاثَ،   (1) كذا الأصل، ولفظ الحلية " لمتقيا " ولفظ الفسوي " لمفتيا " ونقب عن الاخبار وغيرها: بحث عنها وفتش وأخبر بها. (2) مطر سبط: متدارك سح، أراد بالسبط المطر الواسع الكثير، والسح الصب الكثير أو السيلان من فوق. (3) في الأصل: " تارح " مصحف، وما أثبتناه من الحلية، ولفظ الفسوي: " سائح ". (4) قال ياقوت في " معجم البلدان ": سوى بضم أوله والقصر: اسم ماء لبهراء من ناحية السماوة..ولما احتاج ابن قيس الرقيات إلى مده لضرورة الشعر فتح أوله قياسا فقال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وَأَسَالَتِ العَزَازَ، وَأَدْحَضَتِ التِّلاَعَ (1) ، فَصَدَعَتْ عَنِ الكَمْأَةِ أَمَاكِنَهَا، وَأَصَابَتْنِي أَيْضاً سَحَابَةٌ فَقَاءتِ العُيُوْنُ بَعْدَ الرِّيِّ، وَامْتَلأَتِ الإِخَاذُ (2) ، وَأُفْعِمَتِ (3) الأَوْدِيَةُ، وَجِئْتُكَ فِي مِثْلِ وِجَارِ (4) الضَّبُعِ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ. فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟ قَالَ: لاَ، كَثُرَ الإِعْصَارُ، وَاغْبَرَّ البِلاَدُ، وَأُكِلَ مَا أَشْرَفَ مِنَ الجَنْبَةِ (5) ، فَاسْتَيْقَنَّا أَنَّهُ عَامُ سَنَةٍ. فَقَالَ: بِئْسَ المُخْبِرُ أَنْتَ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ. فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟ قَالَ: تَقَنَّعَتِ (6) الرُّوَّادُ تَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا (7) ، وَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُوْلُ: هَلُمَّ أُظْعِنُكُمْ إِلَى مَحَلَّةٍ تُطْفَأُ فِيْهَا النِّيْرَانُ، وَتَشَكَّى فِيْهَا النِّسَاءُ، وَتَنَافَسُ فِيْهَا   وسواء وقريتان وعين التمر * خرق يكل فيه البعير والقريتان: قرية كبيرة من أعمال حمص، بينها وبين تدمر مرحلتان. (1) الدماث: السهول، ولبدت الدماث: أي صيرتها لا تسوخ فيها الارجل. والعزاز: الأرض الصلبة أو المكان الصلب السريع السيل. وأدحضت التلاع: صيرتها مزلقة. (2) قاءت الأرض الكمأة: أخرجتها وأظهرتها. وفي حديث عائشة تصف عمر: وبعج الأرض فقاءت أكلها: أي أظهرت نباتها وخزائنها. والاخاذ: هو مجتمع الماء، شبيه بالغدير. (3) في الأصل: " أنعمت " مصحفة، وما أثبتناه من " المعرفة والتاريخ " و" الحلية " و" ابن عساكر ". (4) الوجار: سرب الضبع إذا حفر فأمعن. قال ابن الأثير: قال الخطابي: هو خطأ، وإنما هو " في مثل جار الضبع " يقال: غيث جار الضبع، أي يدخل عليها في وجارها حتى يخرجها منه، قال: ويشهد لذلك أنه جاء في رواية أخرى: " وجئتك في ماء يجر الضبع ويستخرجها من وجارها انظر اللسان (وجر) . (5) في الأصل (الجببة) ، وما أثبتناه من الحلية وابن عساكر واللسان، والجنبة: وهي رطب الصليان من النبات، وقيل: الجنبة هو ما فوق البقل ودون الشجر، والصليان: نبت له سنمة عظيمة كأنها رأس القصبة، والعرب تسميه خبزة الابل. (6) في الحديث: " تقنع يديك في الدعاء " أي ترفعهما. (7) كذا الأصل، و" الحلية " بالزاي المعجمة، ورواية " المعرفة والتاريخ " وابن عساكر = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 المِعْزَى. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَمْ يَدْرِ الحَجَّاجُ مَا قَالَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّمَا تُحَدِّثُ أَهْلَ الشَّامِ، فَأَفْهِمْهُمْ. فَقَالَ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، أَخْصَبَ النَّاسُ، فَكَانَ التَّمْرُ، وَالسَّمْنُ، وَالزُّبْدُ، وَاللَّبَنُ، فَلاَ تُوْقَدُ نَارٌ لِيُخْتَبَزَ بِهَا، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ تَظَلُّ بِرِبْقِ (1) بَهْمِهَا تَمْخَضُ لَبَنَهَا، فَتَبِيْتُ وَلَهَا أَنِيْنٌ مِنْ عَضُدَيْهَا، كَأَنَّهَا لَيْسَتَا مَعَهَا، وَأَمَّا تَنَافُسُ المِعْزَى، فَإِنَّهَا تَرْعَى مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ، وَأَلْوَانِ الثَّمَرِ، وَنَوْرِ النَّبَاتِ مَا تُشْبِعُ بُطُوْنَهَا، وَلاَ تُشْبِعُ عُيُوْنَهَا، فَتَبِيْتُ وَقَدِ امْتَلأَتْ أَكْرَاشُهَا، لَهَا مِنَ الكَظَّةِ جِرَّةٌ (2) ، فَتَبْقَى الجِرَّةُ حَتَّى تَسْتَنْزِلَ بِهَا الدَّرَّةَ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ. فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي، كَانَ يُقَالُ أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (3) ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي لاَ أُحْسِنُ أَقُوْلُ كَمَا قَالَ هَؤُلاَءِ. قَالَ: قُلْ كَمَا تُحْسِنُ. قَالَ: أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحُلْوَانَ (4) ، فَلَمْ أَزَلْ أَطَأُ فِي إِثْرِهَا حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى الأَمِيْرِ. فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرَهُمْ فِي المَطَرِ خُطْبَةً، إِنَّكَ أَطْوَلُهُمْ بِالسَّيْفِ خَطْوَةً (5) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ مُوْسَى العُكْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ   = واللسان: " سمعت الرواد تدعو إلى ريادتها " بالراء المهملة، ولعله هو الصواب. (1) الربق والربقة: الحبل والحلقة تشد بها الغنم الصغار لئلا ترضع. (لسان) ولفظ ابن عساكر: " تربق بهمها وتمخض لبنها ". (2) الكظة: البطنة، والجرة: ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه (لسان) . (3) زاد ابن عساكر: " قال: من أين؟ قال من خراسان. فقال: هل كان..الخ ". (4) حلوان: مدينة عامرة في آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان. انظر معجم البلدان. (5) الخبر في الحلية 4 / 325 وما بعدها، وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 598 وما بعدها، وابن عساكر (عاصم عايذ) 215 وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 الهُذَلِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ حَدِيْثاً تَحْفَظُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ إِنْ كُنْتُ حَافِظاً كَمَا حَفِظتُ: إِنَّهُ لَمَّا أُتِيَ بِيَ الحَجَّاجُ وَأَنَا مُقَيَّدٌ، فَخَرَجَ إِلَيَّ يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ (1) . عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَمُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيّاً جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَكَأَنَّهُم أَنْكَرُوا، أَوْ رَأَى أَنَّهُم أَنْكَرُوا، فَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَزَادَ بَعْضُهُم: إِنَّهَا اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَى. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ الشَّعْبِيُّ سَنَة أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. زَادَ ابْنُ مُجَالِدٍ: وَقَدْ بَلَغَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (3) . وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (4) . وَفِيْهِمَا أَرَّخَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَالأَوَّلُ أَشْهَرُ. وَمِنْ كَلاَمِهِ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ هَوَىً؛ لأَنَّهُ يَهْوِي بِأَصْحَابِهِ (5) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لاَ أَدْرِي: نِصْفُ العِلْمِ (6) .   (1) الحلية 4 / 327 وانظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 215 وما بعدها. (2) الحلية 4 / 329. سنده قوي، وأخرجه أحمد 1 / 107 و140 و141 و143 و153 من طرق عن الشعبي. (3) انظر طبقات خليفة 1 / 363، وتاريخ البخاري 6 / 450، وابن عساكر (عاصم عايذ) 241 وما بعدها. (4) انظر ابن سعد 6 / 255. (5) انظر الحلية 4 / 320. (6) انظر ابن سعد 6 / 250. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ (1) ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ - قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا حَدَّثُوْكَ هَؤُلاَءِ (2) عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخُذْهُ، وَمَا قَالُوْهُ بِرَأْيِهِم، فَأَلْقِهِ فِي الحُشِّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، وَيَزِيْدُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَمَشَى نِصْفَ الطَّرِيْقِ، ثُمَّ رَكِبَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ عَاماً قَابِلاً، فَلْيَرْكَبْ مَا مَشَى، وَلْيَمْشِي مَا رَكِبَ، وَيَنْحَرُ بَدَنَةً. 114 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ (4) بنُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ * (ع) أَخُو عُبَيْدِ اللهِ المَذْكُوْرِ (5) . يُكْنَى: أَبَا بَحْرٍ. وَقِيْلَ: أَبَا حَاتِمٍ.   (1) هو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية الحموي السرخسي. راوي الصحيح، المتوفى 381 هـ. تأتي ترجمته في المجلد 10 / 541 من الأصل الخطي. (2) على لغة " أكلوني البراغيث " وانظر ابن سعد 6 / 251 وابن عساكر (عاصم عايذ) 181 (3) نسبة إلى سمر بلد من أعمال كسكر بين واسط والبصرة. اه. (أنساب السمعاني) . (4) سيكرر المؤلف ترجمته في ص 411. (*) طبقات ابن سعد 7 / 190، طبقات خليفة ت 1641، تاريخ البخاري 5 / 260، المعارف 289، تاريخ ابن عساكر 10 / 114 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 295، تهذيب الكمال ص 779، تاريخ الإسلام 4 / 23 و141، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 2 / 206 آ، الإصابة ت 6678، تهذيب التهذيب 6 / 148، خلاصة تذهيب التهذيب 224، شذرات الذهب 1 / 122. (5) ص 138 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَلِيّاً. وَعَنْهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو بِشْرٍ (1) ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَآخَرُوْنَ. وُلِدَ: زَمَنَ عُمَرَ، وَكَانَ ثِقَةً، كَبِيْرَ القَدْرِ، مُقْرِئاً، عَالِماً. قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ أَقْرَأَ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَنْعَمُ النَّاسِ، أَنَا أَبُو أَرْبَعِيْنَ، وَعَمُّ أَرْبَعِيْنَ، وَخَالُ أَرْبَعِيْنَ، وَعَمِّي زِيَادٌ الأَمِيْرُ، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَوْلُوْدٍ بِالبَصْرَةِ (2) . كَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، أَعْطَى إِنْسَاناً تِسْعَ مائَةِ جَامُوْسَةٍ. وَقِيْلَ: ذَاكَ أَخُوْهُ (3) . قَالَ المَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. 115 - خَيْثَمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَبْرَةَ المَذْحِجِيُّ * (ع) يَزِيْدَ بنِ مَالِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذُؤَيْبِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَمْرِو بنِ ذُهْلِ (4) بنِ مُرَّانَ بنِ جُعْفِيٍّ المَذْحِجِيُّ، ثُمَّ الجُعْفِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ. وَلأَبِيْهِ وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَعَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَلَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ.   (1) هو ابن وحشية جعفر بن إياس. (2) انظر ابن عساكر 10 / 116 آوقد كرر المؤلف الخبر في ترجمته على ص 412. (3) انظر الخبر في ترجمة أخيه ص 138، وفي ترجمته أيضا ص 412. (*) طبقات ابن سعد 6 / 286، طبقات خليفة ت 1138 و1148، تاريخ البخاري 3 / 215، المعرفة والتاريخ 3 / 141، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 393، الحلية 4 / 113، تهذيب الكمال ص 384، تاريخ الإسلام 3 / 247، تذهيب التهذيب 1 / 203 آ، تهذيب التهذيب 3 / 178، خلاصة تذهيب التهذيب 107. (4) في جمهرة ابن حزم ص 410: " سلمة بن سعد بن عمرو بن ذهل. الخ ": الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشُ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّادِ، مَا نَجَا مِنْ فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ إِلاَّ هُوَ وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ - فِيْمَا قِيْلَ - وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ. وَكَانَ سَخِيّاً، جَوَاداً، يَرْكَبُ الخَيْلَ، وَيَغْزُو. قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: لَمَّا وُلِدَ أَبِي، سَمَّاهُ جَدِّي عَزِيْزاً، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (سَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (1)) . وَقِيْلَ: وُلِدَ لِلْمُسَيّبِ بِالكُوْفَةِ ابْنٌ، فَاشْتَرَى خَيْثَمَةُ لَهُ ظِئْراً، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ (2) . وَقَالَ طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ: كَانَ خَيْثَمَةُ وَإِبْرَاهِيْمُ أَعْجَبَ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ (3) . قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ نُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا وَائِلٍ فِي جَنَازَةِ خَيْثَمَةَ، وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ يَقُوْلُ: وَاحُزْنَاهُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا (4) . وَرُوِيَ عَنْ خَيْثَمَةَ: أَنَّهُ أَدْرَكَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ صَحَابِيّاً، مَا مِنْهُم مَنْ غَيَّرَ شَيْبَهُ. 116 - سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ هِشَامٍ الوَالِبِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُفَسِّرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - الأَسَدِيُّ، الوَالِبِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.   (1) ابن سعد 6 / 286 وأخرجه أحمد 4 / 178 عن أبي إسحاق عن خيثمة عن أبيه. (2) ابن سعد 6 / 287. (3) انظر ابن سعد 6 / 287. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق ولفظه: " غير شيئا " وانظر الحلية 4 / 120. (*) طبقات ابن سعد 6 / 256، الزهد لأحمد، 370، طبقات خليفة ت 2534، تاريخ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 رَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ -. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ - وَهُوَ مُرْسَلٌ -. وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ. وَرَوَى عَنِ التَّابِعِيْنَ؛ مِثْلِ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: ابْنِ عَبَّاسٍ. قَرَأَ عَلَيْهِ: أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَطَائِفَةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ وَالِدُ يَحْيَى، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ شِهَابٍ، وَثَابِتُ بنُ عَجْلاَنَ، وَأَبُو المِقْدَامِ ثَابِتُ بنُ هُرْمُزَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَحَسَّانُ بنُ أَبِي الأَشْرَسِ، وَحُصَيْنٌ، وَالحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَخُصَيْفٌ الجَزَرِيُّ، وَذَرٌّ الهَمْدَانِيُّ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ، وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ، وَطَارِقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَأَبُو سِنَانٍ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ   = البخاري 3 / 461، المعارف 445، المعرفة والتاريخ 1 / 712، أخبار القضاة 2 / 411، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 9، الحلية 272 4، أخبار أصبهان 1 / 324، طبقات الفقهاء للشيرازي 82، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 216، وفيات الأعيان 2 / 371، تهذيب الكمال 480، تاريخ الإسلام 4 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 71، العبر 1 / 112، تذهيب التهذيب 2 / 13 ب، البداية والنهاية 9 / 96 و98، العقد الثمين 4 / 549، غاية النهاية ت 1340، تهذيب التهذيب 4 / 11، النجوم الزاهرة 1 / 228، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 31، خلاصة تذهيب التهذيب 136، طبقات المفسرين 1 / 181، شذرات الذهب 1 / 108. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، وعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ قَيْسٍ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَعَزْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَمْرٍو المَدَنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَعَمْرُو بنُ هَرِمٍ، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي بَزَّةَ، وَكَثِيْرُ بنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ، وَكُلْثُوْمُ بنُ جَبْرٍ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَمُجَاهِدٌ - رَفِيْقُهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الأَكْبَرُ مُوْسَى بنُ نَافِعٍ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَهِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ، وَوَبَرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَوَهْبُ بنُ مَأْنُوْسٍ، وَأَبُو هُبَيْرَةَ يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ، وَيَحْيَى بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو المُعَلَّى العَطَّارُ، وَيَعْلَى بنُ حَكِيْمٍ، وَيَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو حَصِيْنٍ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو الصَّهْبَاءِ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، عَنْ أَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ دِيْكٌ، كَانَ يَقُوْم مِنَ اللَّيْلِ بِصِيَاحِهِ، فَلَمْ يَصِحْ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمْ يُصَلِّ سَعِيْدٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ، قَطَعَ اللهُ صَوْتَهُ؟! فَمَا سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ بَعْدُ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ، لاَ تَدْعُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا (1) .   (1) الحلية 4 / 274. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: قَدِمَ سَعِيْدٌ أَصْبَهَانَ زَمَنَ الحَجَّاجِ، وَأَخَذُوا عَنْهُ (1) . وَعَنْ عُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ بِأَصْبَهَانَ لاَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ. فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: انْشُرْ بَزَّكَ حَيْثُ تُعْرَفُ (2) . قَالَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ بفَارِسٍ، وَكَانَ يَتَحَزَّنُ، يَقُوْلُ: لَيْسَ أَحَدٌ يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ. وَكَانَ يُبْكِيْنَا، ثُمَّ عَسَى أَنْ لاَ يَقُوْمَ حَتَّى نَضْحَكَ. شُعْبَةُ: عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ بِأَصْبَهَانَ، وَكَانَ غُلاَمٌ مَجُوْسِيٌّ يَخْدِمُهُ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ بِالمُصْحَفِ فِي غِلاَفِهِ. قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ: سَمِعْتُ سَعِيْداً يُرَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ فِي الصَّلاَةِ بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجِعُوْنَ فِيْهِ إِلَى اللهِ} [البَقَرَةُ (3) : 281] . أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ هِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، قَالَ: دَخَلَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ الكَعْبَةَ، فَقَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ (4) . الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ وِقَاءِ بنِ إِيَاسٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعَشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانُوا يُؤَخِّرُوْنَ العِشَاءَ (5) .   (1) انظر أخبار أصبهان 1 / 324. (2) انظر أخبار أصبهان 1 / 324. (3) الحلية 4 / 272. (4) الزهد لأحمد 370. (5) إسناده ضعيف لضعف وقاء، وانظر ابن سعد 6 / 259 فقد تصحف فيه إلى (وفاء) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 قُلْتُ: هَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ قِرَاءةِ القُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (1) . يَزِيْدُ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ (2) . يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، يَقُوْلُ: أَلَيْسَ فِيْكُمُ ابْنُ أُمِّ الدَّهْمَاءِ؟ -يَعْنِي: سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ (3) -. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ (4) ، قَالَ: لَقَدْ مَاتَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ. وَقَالَ ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: التَّوَكُّل عَلَى اللهِ جِمَاعُ الإِيْمَانِ. وَكَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَحُسْنَ الظَنِّ بِكَ (5) . أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ هِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي رَجَبٍ، فَأَحْرَمَ مِنَ الكُوْفَةِ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالحَجِّ فِي النِّصْفِ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، وَكَانَ يُحْرِمُ (6) فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً لِلْحَجِّ، وَمَرَّةً لِلْعُمْرَةِ.   (1) انظر التعليق (2) ص 132. (2) ابن سعد 6 / 259، والزهد لأحمد 370، والحلية 4 / 273. (3) الحلية 4 / 273، وانظر ابن سعد 6 / 257. (4) في الأصل: " أمه " وهو تصحيف. والخبر في المعرفة والتاريخ 1 / 712، 713 والحلية 4 / 273. وانظر ابن سعد 6 / 266. (5) الحلية 4 / 274. (6) كذا الأصل، ولفظ أحمد وأبي نعيم: " يخرج " انظر الزهد 370 والحلية 4 / 275. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عَطَاءِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ الخَشْيَةَ أَنْ تَخْشَى اللهَ حَتَّى تَحُوْلَ خَشْيَتُكَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ، فَتِلْكَ الخَشْيَةُ، وَالذِّكْرُ طَاعَةُ اللهِ، فَمَنْ أَطَاعَ اللهَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ، وَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ، فَلَيْسَ بِذَاكِرٍ، وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيْحَ وَتِلاَوَةَ القُرْآنِ (1) . وَرُوِيَ عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: لأَنْ أَنْشُرَ عِلْمِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَذْهَبَ بِهِ إِلَى قَبْرِي (2) . قَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلاَمَةُ هَلاَكِ النَّاسِ؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَ عُلَمَاؤُهُم (3) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: كَتَبَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ إِلَى أَبِي كِتَاباً أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَقَالَ: إِنَّ بَقَاءَ المُسْلِمِ كُلَّ يَوْمٍ غَنِيْمَةٌ ... ، فَذَكَرَ الفَرَائِضَ وَالصَّلَوَاتِ وَمَا يَرْزُقُهُ اللهُ مِنْ ذِكْرِهِ (4) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنِ الفُضَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَرِيْزٍ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: لاَ تُطْفِئُوا سُرُجَكُم (5) لَيَالِيَ العَشْرِ - تُعْجِبُهُ العِبَادَةُ - وَيَقُوْل: أَيْقِظُوا خَدَمَكُم يَتَسَحَّرُوْنَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ (6) . عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: أَنْبَأَنَا هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: خَرَجْنَا مَعَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي   (1) الحلية 4 / 276. (2) انظر ابن سعد 6 / 258. (3) الحلية 4 / 276، وانظر ابن سعد 6 / 262. (4) الحلية 4 / 280، وانظر 4 / 276. (5) في نسخة " مصابيحكم ". (6) الحلية 4 / 281. وكان رحمه الله يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في فضل العبادة في هذه الايام، فقد روى البخاري 2 / 381 و383 في العيدين باب فضل العمل في أيام التشريق، والترمذي (757) وأبو داود (2438) وابن ماجه (1727) من طرق عن مسلم البطين، عن سعيد = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 جَنَازَةٍ، فَكَانَ يُحَدِّثُنَا فِي الطَّرِيْقِ، وَيُذَكِّرُنَا حَتَّى بَلَغَ، فَلَمَّا جَلَسَ، لَمْ يَزَلْ يُحَدِّثُنَا حَتَّى قُمْنَا، فَرَجَعْنَا، وَكَانَ كَثِيْرَ الذِّكْرِ للهِ (1) . وَعَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: وَدِدْتُ النَّاسَ أَخَذُوا مَا عِنْدِي، فَإِنَّهُ مِمَّا يَهُمُّنِي (2) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَادِمٌ -يَعْنِي: خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ- وَلاَ آمَنُهُ عَلَيْكَ، فَأَطِعْنِي، وَاخْرُجْ. فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ. قُلْتُ: إِنِّي لأَرَاكَ كَمَا سَمَّتْكَ أُمُّكَ (3) سَعِيْداً. فَقَدِمَ خَالِدٌ مَكَّةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بنُ شِبْلٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ بُوْذَوَيْه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ وَهْبٍ وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَخِيْلِ ابْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ لَهُ وَهْبٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاجِ؟ قَالَ: خَرَجْتُ عَنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَامِلٌ، فَجَاءنِي الَّذِي فِي بَطْنِهَا، وَقَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ. فَقَالَ وَهْبٌ: إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَهُم بَلاَءٌ عَدَّهُ رُخَاءً، وَإِذَا أَصَابَهُ رُخَاءٌ عَدَّهُ بَلاَءً (4) .   = ابن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الايام العشر " قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولا الجهاد، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ". وصوم يوم عرفة سنة لغير الحاج، لما رواه مسلم (1162) وأبو داود (2425) من حديث أبي قتادة مرفوعا: " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ". (1) الحلية 4 / 280. (2) الحلية 4 / 283. (3) في الأصل: (أمتك) وما أثبتناه من الحلية 4 / 274، 275 وتاريخ الطبري 6 / 488. وانظر ص 337. (4) الحلية 4 / 289، 290. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قَالَ سَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: لَمَّا أُتِيَ الحَجَّاجُ بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَنَا سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ. قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ، لأَقْتُلَنَّكَ. قَالَ: فَإِذاً أَنَا كَمَا سَمَّتْنِي أُمِّي. ثُمَّ قَالَ: دَعُوْنِي أُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: وَجِّهُوْهُ إِلَى قِبْلَةِ النَّصَارَى. قَالَ: {أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} . وَقَالَ: إِنِّي أَسْتعِيْذُ مِنْكَ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَرْيَمُ. قَالَ: وَمَا عَاذَتْ بِهِ؟ قَالَ: قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوْذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} . رَوَاهَا: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَالِمٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَقْتُلْ بَعْدَ سَعِيْدٍ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً (1) . وَعَنْ عُتْبَةَ مَوْلَى الحَجَّاجِ، قَالَ: حَضَرْتُ سَعِيْداً حِيْنَ أَتَى بِهِ الحَجَّاجُ بِوَاسِطَ، فَجَعَلَ الحَجَّاجُ يَقُوْلُ: أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ؟! أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ؟! فَيَقُوْلُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ مِنْ خُرُوْجِكَ عَلَيْنَا؟ قَالَ: بَيْعَةٌ كَانَتْ عَلَيَّ - يَعْنِي: لابْنِ الأَشْعَثِ -. فَغَضِبَ الحَجَّاجُ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: فَبَيْعَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ كَانَتْ أَسْبَقُ وَأَوْلَى. وَأَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ (2) . وَقِيْلَ: لَوْ لَمْ يُوْاجِهْهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ بِهَذَا، لاَسْتَحْيَاهُ كَمَا عَفَا عَنِ الشَّعْبِيِّ لَمَّا لاَطَفَهُ فِي الاعْتِذَارِ. حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ أَبِي شَدَّادٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِداً يُسَمَّى المُتَلَمِّسَ بنَ أَحْوَصَ فِي عِشْرِيْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُوْنَهُ، إِذَا هُمْ برَاهِبٍ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: صِفُوْهُ لِي. فَوَصَفُوْهُ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، فَانْطَلقُوا، فَوَجَدُوْهُ سَاجِداً يُنَاجِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ، فَدَنَوْا، وَسَلَّمُوا،   (1) الحلية 4 / 290. (2) الحلية 4 / 290، وانظر ابن سعد 6 / 265. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، فَقَالُوا: إِنَّا رُسُلُ الحَجَّاجِ إِلَيْكَ، فَأَجِبْهُ. قَالَ: وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِجَابَةِ؟ قَالُوا: لاَ بُدَّ. فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَامَ مَعَهُم، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَيْرِ الرَّاهِبِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا مَعْشَرَ الفُرْسَانِ أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُم؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: اصْعَدُوا، فَإِنَّ اللَّبْوَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْرِ. فَفَعَلُوا، وَأَبَى سَعِيْدٌ أَنْ يَدْخُلَ، فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ إِلاَّ وَأَنْتَ تُرِيْدُ الهَرَبَ مِنَّا. قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ لاَ أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَداً. قَالُوا: فَإِنَّا لاَ نَدَعُكَ، فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ. قَالَ: لاَ ضَيْرَ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنِّي، وَيَجْعَلُهَا حَرَساً تَحْرُسُنِي. قَالُوا: فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: مَا أَنَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ مُذْنِبٌ. قَالَ الرَّاهِبُ: فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ عَلَى طُمَأْنِيْنَةٍ. فَعَرَضُوا عَلَى سَعِيْدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيْدُ. قَالَ: إِنِّي أُعْطِي العَظِيْمَ الَّذِي لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لاَ أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى أُصْبِحَ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. فَرَضِيَ الرَّاهِبُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُم: اصْعَدُوا، وَأَوْتِرُوا القِسِّيَّ، لِتُنَفِّرُوا السِّبَاعَ عَنْ هَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّخُوْلَ فِي الصَّوْمَعَةِ لِمَكَانِكُمْ. فَلَمَّا صَعِدُوا، وَأَوْتَرُوا القِسِّيَّ، إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيْدٍ، تَحَكَّكَتْ بِهِ، وَتَمَسَّحَتْ بِهِ، ثُمَّ رَبَضَتْ قَرِيْباً مِنْهُ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَصْنَعُ كَذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ، وَأَصْبَحُوا، نَزَلَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ دِيْنِهِ، وَسُنَنِ رَسُوْلِهِ، فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيْدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَأَسْلَمَ، وَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَى سَعِيْدٍ يَعْتَذِرُوْنَ إِلَيْهِ، وَيُقَبِّلُوْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَأْخُذُوْنَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا سَعِيْدُ، حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلاَقِ وَالعَتَاقِ، إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ لاَ نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ. قَالَ: امْضُوا لأَمْرِكُم، فَإِنِّي لاَئِذٌ بِخَالِقِي (1) ، وَلاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ. فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطَ، فَقَالَ سَعِيْدٌ: قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُم وَصَحِبْتُكُم، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ، فَدَعُوْنِي اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْتِ، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ، وَأَذْكُرْ عَذَابَ القَبْرِ، فَإِذَا أَصْبَحْتُم،   (1) في الأصل " فإني لاند لخالقي " والصواب ما أثبتناه من الحلية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 فَالمِيْعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيْدُوْنَ. فَقَالَ بَعْضُهُم: لاَ تُرِيْدُوْنَ (1) أَثَراً بَعْد عَيْنٍ. وَقَالَ بَعْضُهُم: قَدْ بَلَغْتُم أَمْنَكُم (2) ، وَاسْتَوْجَبْتُم جَوَائِزَ الأَمِيْرِ، فَلاَ تَعْجَزُوا عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُم: يُعْطِيْكُم مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ، وَيْلَكُم! أَمَا لَكُم عِبْرَةٌ بِالأَسَدِ. وَنَظَرُوا إِلَى سَعِيْدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوْهُ وَصَحِبُوْهُ، فَقَالُوا: يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ، وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْكَ، الوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيْلاً، كَيْفَ ابْتُلِيْنَا بِكَ! اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ القَاضِي الأَكْبَرُ، وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُوْرُ. قَالَ: مَا أَعْذَرَنِي لَكُم وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِ اللهِ فِيَّ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ البُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ، قَالَ كَفِيْلُهُ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلاَمِكَ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَداً. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَخَلَّوْا سَبِيْلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُم مُحْتَفُوْنَ اللَّيْلَ كُلَّهُ، يُنَادُوْنَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْفِ. فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُوْدُ الصُّبْحِ، جَاءهُم سَعِيْدٌ، فَقَرَعَ البَابَ، فَنَزَلُوا، وَبَكَوْا مَعَهُ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ، وَآخَرَ مَعَهُ، فَدَخَلاَ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُوْنِي بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟ قَالُوا (3) : نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنَّا العَجَبَ. فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُم، فَقَالَ: أَدْخِلُوْهُ عَلَيَّ. فَخَرَجَ المُتَلَمِّسُ، فَقَالَ لِسَعِيْدٍ (4) : أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ. فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ. قَالَ: أَنْتَ شَقِيُّ بنُ كُسَيْرٍ. قَالَ: بَلْ أُمِّي كَانَتْ أَعْلَمَ بِاسْمِي مِنْكَ. قَالَ: شَقِيْتَ أَنْتَ، وَشَقِيَتْ أُمُّكَ. قَالَ: الغَيْبُ يَعْلَمُهُ (5) غَيْرُكَ. قَالَ: لأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَاراً تَلَظَّى. قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ   (1) لفظ الحلية: " لا نريد ". (2) لفظ الحلية: " أملكم ". (3) في الأصل: " قالا " وما أثبتناه من الحلية. (4) من الحلية. (5) في الأصل: " يعلمك " وما أثبتناه من الحلية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 بِيَدِكَ لاتَّخَذْتُكَ إِلَهاً. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، إِمَامُ الهُدَى. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، فِي الجَنَّةِ هُوَ أَمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: لَوْ دَخَلْتُهَا، فَرَأَيْتُ أَهْلَهَا، عَرَفْتُ. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي الخُلَفَاءِ؟ قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِم بِوَكِيْلٍ. قَالَ: فَأَيُّهُم أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَرْضَاهُم لِخَالِقِي. قَالَ: فَأَيُّهُم أَرْضَى لِلْخَالِقِ؟ قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ. قَالَ: أَبَيْتَ أَنْ تَصْدُقَنِي. قَالَ: إِنِّي لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَكْذِبَكَ. قَالَ: فَمَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ؟ قَالَ: لَمْ تَسْتَوِ القُلُوْبُ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَجَمَعَهُ بنُ يَدَيْ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ جَمَعْتَهُ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَصَالِحٌ، وَإِلاَّ فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُذْهِلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَلاَ خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلاَّ مَا طَابَ وَزَكَا. ثُمَّ دَعَا الحَجَّاجُ بِالعُوْدِ وَالنَّايِ، فَلَمَّا ضُرِبَ بِالعُوْدِ وَنُفِخَ فِي النَّايِ، بَكَى، فَقَالَ الحَجَّاجُ: مَا يُبْكِيْكَ؟ هُوَ اللَّهْوُ. قَالَ: بَلْ هُوَ الحُزْنُ، أَمَّا النَّفْخُ فَذَكَّرَنِي يَوْمَ نَفْخِ الصُّوْرِ، وَأَمَّا العُوْدُ فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، وَأَمَّا الأَوْتَارُ فَأَمْعَاءُ شَاةٍ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالَ الحَجَّاجُ: وَيْلَكَ يَا سَعِيْدُ! قَالَ: الوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الجَنَّةِ، وَأُدْخِلَ النَّارُ. قَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيْدُ أَنْ أَقْتُلَكَ؟ قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً، إِلاَّ قَتَلْتُكَ قَتْلَةً فِي الآخِرَةِ. قَالَ: فَتُرِيْدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ العَفْوُ، فَمِنَ اللهِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْرَ. قَالَ: اذْهبُوا بِهِ، فَاقْتُلُوْهُ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البَابِ، ضَحِكَ، فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ، فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ، وَحِلْمِهِ عَنْكَ! فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ، فَبُسِطَ، فَقَالَ: اقْتُلُوْهُ. فَقَالَ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} . قَالَ: شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ القِبْلَةِ. قَالَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} . قَالَ: كُبُّوْهُ لِوَجْهِهِ. قَالَ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُم، وَفِيْهَا نُعِيْدُكُم} . قَالَ: اذْبَحُوْهُ. قَالَ: إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ القِيَامَةِ. ثُمَّ دَعَا اللهَ سَعِيْدٌ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي. فَذُبِحَ عَلَى النِّطْعِ. وَبَلَغَنَا: أَنَّ الحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَ عَشَرةَ لَيْلَةً، وَقَعَتْ فِي بَطْنِهِ الأَكِلَةُ (1) ، فَدَعَا بِالطَّبِيْبِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ، فَعَلَّقَهُ فِي خَيْطٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ، فَتَرَكَهُ سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ، وَقَدْ لَزِقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ. هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، غَيْرُ صَحِيْحَةٍ. رَوَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ) ، فَقَالَ (2) : حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا خَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ كِتَابَةً، حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ يَحْيَى. هَارُوْنُ الحَمَّالُ (3) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ كَاتِبِ الحَجَّاجِ، قَالَ مَالِكٌ - هُوَ أَخٌ لأَبِي سَلَمَةَ الَّذِي كَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ - قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِلْحَجَّاجِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ يَسْتَخِفُّنِي، وَيَسْتَحْسِنُ كِتَابَتِي، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً بَعْدَ مَا قَتَلَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا لِي وَلِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. فَخَرَجْتُ رُوَيْداً، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ بِي قَتَلَنِي، فَلَمْ يَنْشَبْ قَلِيْلاً حَتَّى مَاتَ (4) . أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: دَعَا سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ حِيْنَ دُعِيَ لِلْقَتْلِ (5) ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا   (1) الاكلة: كفرحة، داء يقع في العضو فيأتكل منه. (2) 4 / 291 - 294. (3) قيل: إنه لقب بالحمال لكثرة ما حمل من العلم. (أنساب السمعاني) . (4) الحلية 4 / 291. (5) عباره أبي نعيم: " دعا سعيد بن جبير ابنه.." انظر الحلية 4 / 275. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 يُبْكِيْكَ؟! مَا بَقَاءُ أَبِيْكَ بَعْدَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، عَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: قُحِطَ النَّاسُ فِي زَمَانِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوْكِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ ثَلاَثَ سِنِيْنَ، فَقَالَ المَلِكُ: لَيُرْسِلَنَّ عَلَيْنَا السَّمَاءَ، أَوْ لَنُؤْذِيَنَّهُ. قَالُوا: كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُؤْذِيَهُ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ فِي الأَرْضِ؟! قَالَ: أَقْتُلُ أَوْلِيَاءهِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَكُوْنُ ذَلِكَ أَذَىً لَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ (1) . وَرَوَى: أَصْبَغُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ الأَعْرَجِ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ يَبْكِي بِاللَّيْلِ حَتَّى عَمِشَ (2) . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا، يُرَجِّعُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ (3) . وَرَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدٌ: قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي رَكْعَتَيْنِ فِي الكَعْبَةِ (4) . جَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ جِهْبِذُ العُلَمَاءِ (5) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ، فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ أُمِّي أَنْ أَسْتَرْقِيَ، فَأَعْطَيْتُ الرَّاقِي يَدِي الَّتِي لَمْ تُلْدَغْ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُحَنِّثَهَا (6) .   (1) الحلية 4 / 282. (2) الحلية 4 / 272 وانظر الزهد لأحمد 370. (3) الحلية 4 / 273، وانظر ابن سعد 6 / 260. (4) ابن سعد 6 / 256. (5) سيكرر المؤلف الخبر على ص 341، وما بين الحاصرتين منه. والجهبذ: النقاد الخبير بغوامض الأمور، البارع العارف بطرق النقد، وهو معرب. (6) الحلية 4 / 275، وحنث الرجل في يمينه إذا لم يبر فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ يَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: مَا رَأَيْتُ أَرْعَى لِحُرْمَةِ هَذَا البَيْتِ، وَلاَ أَحْرَصَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، لَقَدْ رَأَيْتُ جَارِيَةً ذَاتَ لَيْلَةٍ تَعَلَّقَتْ بَأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، تَدْعُو وَتَضَرَّعُ وَتَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ. إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ. مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا أَهْبَطَ اللهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، كَانَ فِيْهَا نَسْرٌ وَحُوْتٌ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمَا، فَلَمَّا رَأَى النَّسْرُ آدَمَ، وَكَانَ يَأْوِي إِلَى الحُوْتِ يَبِيْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا حُوْتُ، لَقَدْ أُهْبِطَ اليَوْمَ إِلَى الأَرْضِ شَيْءٌ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ، وَيَبْطِشُ بِيَدَيْهِ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَادِقاً مَا لِي فِي البَحْرِ مِنْهُ مَنْجَىً، وَلاَ لَكَ فِي البَرِّ (1) . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَوْ فَارَقَ ذِكْرُ المَوْتِ قَلْبِي، لَخِشِيْتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ قَلْبِي (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا جَمْعٌ (3) مِنْ جُمَعِ الآخِرَةِ. رَوَاهُ: ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، عَنْ هِشَامٍ (4) ، عَنْهُ. قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ بُكَيْرِ بنِ عَتِيْقٍ، قَالَ: سَقَيْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ فِي قَدَحٍ، فَشَرِبَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لأُسْأَلَنَّ عَنْهُ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: شَرِبْتُهُ، وَأَنَا أَسْتَلِذُّهُ (5) . وَعَنْ خَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَقْتَلَ سَعِيْدٍ، فَلَمَّا بَانَ   (1) الحلية 4 / 278. (2) الزهد لأحمد 371 والحلية 4 / 279. (3) لفظ أحمد وأبي نعيم " جمعة من جمع ". (4) في الأصل: " هاشم " وما أثبتناه من نص الخبر عند أحمد في " الزهد " 371، والحلية 4 / 279، 280 وسرد المؤلف لرواة سعيد في صدر الترجمة. (5) الحلية 4 / 281، وما بين الحاصرتين منه. وانظر الزهد لأحمد 371. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 رَأْسُهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَمْ يُتِمَّ الثَّالِثَةَ (1) . هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَآنِي أَبُو مَسْعُوْدٍ البَدْرِيُّ فِي يَوْمِ عِيْدٍ وَلِي ذُؤَابَةٌ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! إِنَّهُ لاَ صَلاَةَ فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ قَبْلَ صَلاَةِ الإِمَامِ، فَإِذَا صَلَّى الإِمَامُ، فَصَلِّ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَأَطِلِ القِرَاءةَ. شُعْبَةُ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: حَدِّثْ. قَالَ: أُحَدِّثُ وَأَنْتَ هَا هُنَا؟! قَالَ: أَوَلَيْسَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ أَنْ تُحِدِّثَ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَإِنْ أَصَبْتَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ عَلَّمْتُكَ (2) . يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رُبَّمَا أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَكَتَبْتُ فِي صَحِيْفَتِي حَتَّى أَمْلأَهَا، وَكَتَبْتُ فِي نَعْلِي حَتَّى أَمْلأَهَا، وَكَتَبْتُ فِي كَفِّي (3) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَا عَمِيَ إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَسْأَلُوْنَهُ، يَقُوْلُ: تَسْأَلُوْنِي وَفِيْكُم ابْنُ أُمِّ دَهْمَاءَ! -يَعْنِي: سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ (4) -. وَقَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ فِي صَحِيْفَةٍ، وَلَوْ عَلِمَ بِهَا، كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (5) .   (1) الحلية 4 / 291، وانظر ابن سعد 6 / 265، وصفحة 340 رقم (2) من هذا الجزء. (2) ابن سعد 6 / 256، 257، وانظر وفيات الأعيان 2 / 371. (3) ابن سعد 6 / 257 وزاد في آخره: "..وربما أتيته فلم أكتب حديثا حتى أرجع، لا يسأله أحد عن شيء ". (4) ابن سعد 6 / 257 وما بين الحاصرتين منه، وانظر الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 9. (4) ابن سعد 6 / 257 وما بين الحاصرتين منه، وانظر الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 9. (5) ابن سعد 6 / 258. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنْ فَرِيْضَةٍ، فَقَالَ: ائْتِ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِالحِسَابِ مِنِّي، وَهُوَ يَفْرِضُ فِيْهَا مَا أَفْرِضُ (1) . عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ يَقُصُّ لَنَا سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، بَعْدَ الفَجْرِ وَبَعْدَ العَصْرِ (2) . قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنِ الصَّعْبِ بنِ عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: مَا مَضَتْ عَلَيَّ لَيْلَتَانِ مُنْذُ قُتِلَ الحُسَيْنُ إِلاَّ أَقْرَأُ فِيْهِمَا القُرْآنَ، إِلاَّ مَرِيْضاً أَوْ مُسَافِراً (3) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِيْنِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُ أَحَداً يَغْتَابُ عِنْدَهُ (4) . أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ يُصَلِّي فِي الطَّاقِ، وَلاَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ، وَيَعْتَمُّ، وَيُرْخِي لَهَا طَرَفاً مِنْ وَرَائِهِ شِبْراً (5) . قُلْتُ: الطَّاقُ: هُوَ المِحْرَابُ. قَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ أَهَلَّ مِنَ الكُوْفَةِ (6) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (7) : كَانَ الَّذِي قَبَضَ عَلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: وَالِي مَكَّةَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيُّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ، فَأَخْبَرَنَا يَزِيْدُ، عَنْ عَبْدِ   (1) ابن سعد 6 / 258، وانظر أخبار القضاة 2 / 411، والجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 9. (2) ابن سعد 6 / 259. (3) ابن سعد 6 / 259، 260. (4) انظر ابن سعد 6 / 261. (5) ابن سعد 6 / 262. (6) المصدر السابق وما بين الحاصرتين منه. (7) في الطبقات 6 / 264. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ صَوْتَ القُيُوْدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيْلَ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَطَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، وَأَصْحَابُهُمَا يَطُوْفُوْنَ بِالبَيْتِ. فَقَالَ: اقْطَعُوا عَلَيْهِمُ الطَّوَافَ. وَأَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، أَنْبَأَنَا الرَّبِيْعُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ حِيْنَ جِيْءَ بِهِ إِلَى الحَجَّاجِ، فَبَكَى رَجُلٌ، فَقَالَ سَعِيْدٌ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: لِمَا أَصَابَكَ. قَالَ: فَلاَ تَبْكِ، كَانَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا، ثُمَّ تَلاَ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُم إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (1) } [الحَدِيْدُ: 22] . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ: سُئِلَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنِ الخِضَابِ بِالوَسِمَةِ (2) ، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: يَكْسُو اللهُ العَبْدَ النُّوْرَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يُطْفِئُهُ بِالسَّوَادِ (3) . الحُسَيْنُ بنُ حُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيْداً بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَادِمٌ -يَعْنِي: خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ- وَلَسْتُ آمَنُهُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ فَرَرْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ (4) . قُلْتُ: طَالَ اخْتِفَاؤُهُ، فَإِنَّ قِيَامَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ، وَمَا ظَفِرُوا بِسَعِيْدٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ؛ السَّنَةِ الَّتِي قَلَعَ اللهُ فِيْهَا الحَجَّاجَ.   (1) ابن سعد 6 / 264. (2) الوسمة: شجر له ورق يختضب به. (3) ابن سعد 6 / 267، وانظر حديث النهي عن الخضاب بالسواد في صفحة 339 وأخرج مسلم في " صحيحه " (2102) من طريق جابر قال: أتي بأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كأن رأسه ثغامة بيضاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيروه وجنبوه السواد ". (4) تقدم الخبر على الصفحة 327، وانظره مفصلا في تاريخ الطبري 6 / 487، 488. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: فَأَخْبَرَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: أَتَيْنَا سَعِيْداً، فَإِذَا هُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ، وَبِنْتُهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَكَتْ، وَشَيَّعْنَاهُ إِلَى بَابِ الجِسْرِ، فَقَالَ الحَرَسُ لَهُ: أَعْطِنَا كَفِيْلاً، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ تُغْرِقَ نَفْسَكَ. قَالَ: فَكُنْتُ فِيْمَنْ كَفَلَ بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ الحَجَّاجَ قَالَ: ائْتُوْنِي بِسَيْفٍ عَرِيْضٍ (1) . قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ ابْنُ جُبَيْرٍ لاَ يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ الحَجَّاجُ إِذَا أَتَى بِالرَّجُلِ -يَعْنِي: مِمَّنْ قَامَ عَلَيْهِ- قَالَ لَهُ: أَكَفَرْتَ بِخُرُوْجِكَ عَلَيَّ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، خَلَّى سَبِيْلَهُ. فَقَالَ لِسَعِيْدٍ: أَكَفَرْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: اخْتَرْ أَنْتَ، فَإِنَّ القِصَاصَ أَمَامَكَ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: مَا تَقُوْلُ لِلْحَجَّاجِ؟ قَالَ: لاَ أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالكُفْرِ. ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (إِنَّ فِي النَّارِ لَرَجُلاً يُنَادِي قَدْرَ أَلْفِ عَامٍ: يَا حَنَّانُ، يَا مَنَّانُ. فَيَقُوْلُ: يَا جِبْرِيْلُ، أَخْرِجْ عَبْدِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَيَأْتِيْهَا، فَيَجِدُهَا مُطَبَقَةً، فَيَرْجِعُ، فَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} [الهُمَزَةُ: 8] . فَيَقُوْلُ: يَا جِبْرِيْلُ، ارْجِعْ، فَفُكَّهَا، فَأَخْرِجْ عَبْدِي مِنَ النَّارِ. فَيَفُكُّهَا، فَيَخْرُجُ مِثْلَ الخِيَالِ، فَيَطْرَحُهُ عَلَى سَاحِلِ الجَنَّةِ، حَتَّى يُنْبِتَ اللهُ لَهُ شَعْراً وَلَحْماً (2)) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كَانَ نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمَانُ إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ، رَأَى شَجَرَةً نَابِتَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتِ: الخُرْنُوْبُ (3) . قَالَ: لأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ (4) ؟ فَقَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا البَيْتِ. فَقَالَ:   (1) انظر الحلية 4 / 275. (2) الحلية 4 / 285. (3) ويروى بفتح الخاء، ويقال: الخروب: وهو نوعان بري، وشامي، فالاول: ذو أفنان وحمل، وله شوك يرتفع قدر الذراع، وفيه حب صلب زلال بشع، لا يؤكل إلا في الجهد. والثاني: حلو يؤكل، عريض وأكبر من سابقه. التاج (خرب) . (4) في الحلية: " أنبت ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 اللَّهُمَّ عَمِّ عَلَيْهِم (1) مَوْتِي حَتَّى يَعْلَمَ الإِنْسُ أَنَّ الجِنَّ لاَ تَعْلَمُ الغَيْبَ. قَالَ: فَنَحَتَهَا عَصاً يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، فَأَكَلَتْهَا الأَرَضَةُ، فَسَقَطَتْ، فَخَرَّ، فَحَزِرُوْا أَكْلَهَا الأَرَضَةَ، فَوَجَدُوْهُ حَوْلاً، فَتَبَيَّنَتِ الإِنْسُ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُوْنَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المَهِيْنِ (2) - وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا هَكَذَا - فَشَكَرَتِ الجِنُّ الأَرَضَةَ، فَكَانَتْ تَأْتِيْهَا بِالمَاءِ حَيْثُ كَانَتْ (3) . قَرَأْتُهُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ الفُوِّيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبُ بنُ عَبْدِ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ إِسْحَاقَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُوْنَ بِهَذَا السَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الحَمَامِ، لاَ يَرِيْحُوْنَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) (4) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيِّ.   (1) في الحلية: " عم على الجن ". (2) الآية 14 من سورة سبأ: (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) . (3) الحلية 4 / 304 وانظر التاج (خرب) (4) أخرجه النسائي 8 / 138 في الزينة، باب النهي عن الخضاب بالسواد، وأبو داود (4212) في الترجل، باب ما جاء في خضاب السواد، وأحمد 1 / 273، وإسناده قوي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 قَالَ خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: إِنَّ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ لَمَّا نَدَرَ (1) رَأْسُهُ، هَلَّلَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يُفْصِحُ بِهَا (2) . يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ التِّنِّيْسِيُّ (3) : حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ عُمَرَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الحَجَّاجُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ مَقْتُوْلاً، وَسَأُخْبِرُكُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي دَعَوْنَا حِيْنَ وَجَدْنَا حَلاَوَةَ الدُّعَاءِ، ثُمَّ سَأَلْنَا اللهَ الشَّهَادَةَ، فَكِلاَ صَاحِبَيَّ رُزِقَهَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُهَا. قَالَ: فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الإِجَابَةَ عِنْدَ حَلاَوَةِ الدُّعَاءِ (4) . قُلْتُ: وَلَمَّا عَلِمَ مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، ثَبَتَ لِلْقَتْلِ، وَلَمْ يَكْتَرِثْ، وَلاَ عَامَلَ عَدُوَّهُ بِالتَّقِيَّةِ المُبَاحَةِ لَهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: لَمَّا جِيْءَ بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَطَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَصْحَابِهِمَا دَخَلْتُ عَلَيْهِمُ السِّجْنَ، فَقُلْتُ: جَاءَ بِكُمْ شُرْطِيٌّ أَوْ جُلَيْوِيْزٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى القَتْلِ، أَفَلاَ كَتَّفْتُمُوْهُ وَأَلْقَيْتُمُوْهُ فِي البَرِّيَّةِ؟! فَقَالَ سَعِيْدٌ: فَمَنْ كَانَ يَسْقِيْهِ المَاءَ إِذَا عَطِشَ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي رَبِيْعَةُ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: وَكَانَ سَعِيْدٌ مِنَ العُبَّادِ العُلَمَاءِ، قَتَلَهُ الحَجَّاجُ، وَجَدَهُ فِي الكَعْبَةِ وَنَاساً فِيْهِم طَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، فَسَارِ بِهِم إِلَى العِرَاقِ، فَقَتَلَهُمْ عَنْ غَيْرِ شَيْءٍ تَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِهِ إِلاَّ العِبَادَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيْرٌ حَتَّى رَاعَ الحَجَّاجَ، فَدَعَا طَبِيْباً، قَالَ لَهُ: مَا بَالُ دَمِ هَذَا   (1) ندر الشئ: سقط. (2) انظر ص 335 رقم (1) . (3) نسبة إلى جزيرة " تنيس " في بحر مصر، قريبة من البر ما بين الفرما ودمياط. (معجم البلدان والأنساب) . (4) الحلية 4 / 274. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 كَثِيْرٌ؟ قَالَ: إِنْ أَمَّنْتَنِي أَخْبَرْتُكَ. فَأَمَّنَهُ، قَالَ: قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَهُ (1) . عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ: عَنْ خُصَيْفٍ، قَالَ: كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالقُرْآنِ: مُجَاهِدٌ، وَأَعْلَمَهُمْ بِالحَجِّ: عَطَاءٌ، وَأَعْلَمَهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: طَاوُوْسٌ، وَأَعْلَمَهُمْ بِالطَّلاَقِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَجْمَعَهُمْ لِهَذِهِ العُلُوْمِ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ (2) . أَبُو أُسَامَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ الحَكَمِ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: أَتُجَالِسُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لأُحِبُّ مُجَالَسَتَهُ وَحَدِيْثَهُ. ثُمَّ أَشَارَ نَحْوَ الكُوْفَةِ، وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يُشِيْرُوْنَ إِلَيْنَا بِمَا لَيْسَ عِنْدَنَا (3) . جَرِيْرٌ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ جِهْبِذُ العُلَمَاءِ (4) . الأَصْبَغُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ عَنْ حَدِيْثٍ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَدِّثَنِي، قَالَ: كَيْفَ تُبَاعُ الحِنْطَةُ؟ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. قِيْلَ: وَلاَ طَاوُوْسٌ؟ قَالَ: وَلاَ طَاوُوْسٌ، وَلاَ أَحَدٌ. وَكَانَ قَتْلُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَاشَ تِسْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُهُ (5) لابْنِهِ: مَا بَقَاءُ أَبِيْكَ بَعْدَ سَبْعٍ   (1) انظر وفيات الأعيان 2 / 374. (2) انظر طبقات الفقهاء للشيرازي 82، ووفيات الأعيان 2 / 372. (3) انظر ابن سعد 6 / 258. (4) الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 10، والحلية 4 / 273، وانظر الخبر ومعنى جهبذ على الصفحة 333 رقم (5) . (5) على الصفحة 333. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 وَخَمْسِيْنَ. فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ مَوْلِدُهُ فِي خِلاَفَةِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ (1) ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَّمَ -: (اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ، وَلَوْ بِشَوْصِ السِّوَاكِ (2)) . وَبِهِ: إِلَى المُخَلِّصِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَلُوْنَا، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَسْأَلُوْنَا عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَقَدْ سَأَلْنَا عَنْهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: أَفِي الجَنَّةِ غِنَاءٌ؟ قَالَ: فِيْهَا أَكْمَاتٌ (3) مِنْ مِسْكٍ، عَلَيْهِنَّ جَوَارٍ يَحْمَدْنَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ بِمِثْلِهَا قَطُّ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كِتَابَةً، أَنَّ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوْحَى اللهُ إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ بِيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وإِنِّي قَاتِلٌ بِابْنِ ابْنَتِكَ سَبْعِيْنَ أَلْفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفاً) .   (1) في الأصل بالياء مصحف، وما أثبتناه من أنساب السمعاني ومشتبه النسبة للمؤلف. (2) رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني والبزار والبيهقي. وقد صححه الحافظ العراقي والهيثمي والسخاوي. وشوص السواك بضم الشين وفتحها: غسالة السواك أو ما يتفتت منه. (3) جمع أكمة، وهي التل. وسند الحديث حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيْفُ الإِسْنَادِ، مُنْكَرُ اللَّفْظِ. وَعَبْدُ اللهِ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ. 117 - الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ * أَهْلَكَهُ اللهُ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، كَهْلاً. وَكَانَ ظَلُوْماً، جَبَّاراً، نَاصِبِيّاً، خَبِيْثاً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ، وَإِقْدَامٍ، وَمَكْرٍ، وَدَهَاءٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَبَلاَغَةٍ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ. قَدْ سُقْتُ مِنْ سُوْءِ سِيْرَتِهِ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ) ، وَحِصَارِهِ لابْنِ الزُّبَيْرِ بِالكَعْبَةِ، وَرَمْيِهِ إِيَّاهَا بِالمَنْجَنِيْقِ، وَإِذْلاَلِهِ لأَهْلِ الحَرَمَيْنِ، ثُمَّ وِلاَيَتِهِ عَلَى العِرَاقِ وَالمَشْرِقِ كُلِّهِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَحُرُوْبِ ابْنِ الأَشْعَثِ لَهُ، وَتَأْخِيْرِهِ لِلصَّلَوَاتِ إِلَى أَنِ اسْتَأْصَلَهُ اللهُ، فَنَسُبُّهُ وَلاَ نُحِبُّهُ، بَلْ نُبْغِضُهُ فِي اللهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيْمَانِ. وَلَهُ حَسَنَاتٌ مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، وَلَهُ تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ وَالأُمَرَاءِ. 118 - أَبُو بُرْدَةَ (1) بنُ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ ** (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الثَّبْتُ، حَارِثٌ - وَيُقَالُ:   (*) تاريخ البخاري 2 / 373، المعارف 395 و548، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 168، مروج الذهب 3 / 365، البدء والتاريخ 6 / 27، تاريخ ابن عساكر 4 / 105 تاريخ ابن الأثير 4 / 583، تاريخ الإسلام 3 / 349، العبر 1 / 112، سرح العيون 170، البداية والنهاية 9 / 117، تهذيب التهذيب 2 / 210، لسان الميزان 2 / 180، تعجيل المنفعة 87، النجوم الزاهرة 1 / 230 خلاصة تذهيب التهذيب 73، شذرات الذهب 1 / 106، تهذيب ابن عساكر 4 / 51. (1) سيكرر المؤلف ترجمته في أول المجلد الخامس من الأصل. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 268، طبقات خليفة ت 1153، تاريخ البخاري 6 / 447، تاريخ البخاري الصغير 1 / 248، المعارف 589، أخبار القضاة 2 / 408، الاكليل 10 / 46، تاريخ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 عَامِرٌ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ - ابْنُ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، وَكَانَ قَاضِيَ الكُوْفَةِ لِلْحَجَّاجِ، ثُمَّ عَزَلَهُ بِأَخِيْهِ أَبِي بَكْرٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَالأَغَرِّ المُزَنِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَالرَبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ سَعِيْدٌ، وَيُوْسُفُ، وَالأَمِيْرُ بِلاَلٌ، وَحَفِيْدُهُ؛ بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مُخَيْمَرَةَ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ الشَّامِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَعَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَعَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالنَّضْرُ بنُ أَنَسٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَفُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ.   = ابن عساكر (عاصم عايذ) 371، وفيات الأعيان 3 / 10، تهذيب الكمال ص 1578، تاريخ الإسلام 4 / 216، تذكرة الحفاظ 1 / 89، العبر 1 / 128، تذهيب التهذيب 4 / 199 آ، البداية والنهاية 9 / 231، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 36، النجوم الزاهرة 1 / 252، شذرات الذهب 1 / 126. (1) لم نجد هذا القول في ترجمته في المطبوع من الطبقات ط دار صادر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ لَمَّا وَلِيَ خُرَاسَانَ، قَالَ: دُلُّوْنِي عَلَى رَجُلٍ كَامِلٍ لِخِصَالِ الخَيْرِ. فَدُلَّ عَلَى أَبِي بُرْدَةَ الأَشْعَرِيِّ، فَلَمَّا جَاءَ، رَآهُ رَجُلاً فَائِقاً، فَلَمَّا كَلَّمَهُ، رَأَى مِنْ مَخْبَرَتِهِ أَفَضْلَ مِنْ مَرْآتِهِ، فَقَالَ: إِنِّي وَلَّيْتُكَ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَمَلِي. فَاسْتَعْفَاهُ، فَأَبَى أَنَّ يُعْفِيَهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ حَدَّثَنِيْهُ أَبِي إِنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: هَاتِهِ. قَالَ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ تَوَلَّى عَمَلاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ العَمَلِ بِأَهْلٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَيُّهَا الأَمِيْرُ أَنِّي لَسْتُ بِأَهْلٍ لِمَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ. فَقَالَ: مَا زِدْتَ عَلَى أَنْ حَرَّضْتَنَا عَلَى نَفْسِكَ، وَرَغَّبْتَنَا فِيْكَ، فَاخْرُجْ إِلَى عَهْدِكَ، فَإِنِّي غَيْرُ مُعْفِيْكَ. فَخَرَجَ، ثُمَّ أَقَامَ فِيْهِم مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُقِيْمَ، فَاسْتَأْذَنَ فِي القُدُوْم عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ حَدَّثَنِيْهُ أَبِي سَمِعَهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: قَالَ: (مَلْعُوْنٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَمَلْعُوْنٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْراً) ، وَأَنَا سَائِلُكَ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ مَا أَعْفَيْتَنِي أَيُّهَا الأَمِيْرُ مِنْ عَمَلِكَ، فَأَعْفَاهُ. رَوَاهُ: الرُّوْيَانِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَحْمَدَ (1) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَأَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ أَبَا بُرْدَةَ بنَ أَبِي مُوْسَى: كَمْ   (1) رجاله ثقات إلا عبد الله بن عياش، فقد قال أبو حاتم: ليس بالمتين، صدوق يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة. وضعفه أبو داود والنسائي، وأخرج له مسلم في الشواهد لا في الأصول. والخبر بتمامه أورده ابن عساكر في تاريخه (عاصم عايذ) 387 من طريق الروياني. والحديث الثاني " ملعون من سأل.." رواه الطبراني أيضا من حديث أبي موسى الأشعري، وحسنه الحافظ العراقي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، فإذا ضم هذا السند إلى سند الروياني حدث منهما قوة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَشُدَّانِ - يَعْنِي: أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِيْنَ - (1) . ذِكْرُ الاخْتِلاَفِ فِي وَفَاةِ أَبِي بُرْدَةَ: رَوَى: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفِ (2) : أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. 119 - أَيُّوْبُ ابْنُ القِرِّيَّةِ (3) النَّمَرِيُّ * وَهِيَ أُمُّهُ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: يَزِيْدُ (4) بنُ قَيْسِ بنِ زُرَارَةَ النَّمَرِيُّ، الهِلاَلِيُّ، أَعْرَابِيٌّ، أُمِّيٌّ، فَصِيْحٌ، مُفَوَّهٌ، يُضْرَبُ بِبَلاَغَتِهِ المَثَلُ (5) . وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَعَلَى الحَجَّاجِ، فَأُعْجِبَ بِفَصَاحَتِهِ، ثُمَّ بَعَثَهُ رَسُوْلاً إِلَى ابْنِ الأَشْعَثِ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلَعَ الحَجَّاجَ، وَيَقُوْمَ بِذَلِكَ وَيَشْتِمَهُ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلٌ. فَقَالَ: لَتَفْعَلَنَّ، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَفَعَلَ، فَلَمَّا انْتَصَرَ الحَجَّاجُ، جِيءَ بِابْنِ القِرِّيَّةِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ؟ قَالَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَقٍّ وَبِبَاطِلٍ. قَالَ: فَأَهْلُ الحِجَازِ؟ قَالَ: أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى فِتْنَةٍ، وَأَعْجَزُهُمْ عَنْهَا. قَالَ: فَأَهْلُ الشَّامِ؟ قَالَ: أَطْوَعُ شَيْءٍ لأُمَرَائِهِمْ. قَالَ: فَأَهْلُ مِصْرَ؟   (1) ابن عساكر (عاصم عايذ) 389، وانظر تاريخ البخاري 6 / 448. (2) واسمه عبد الله، وهو غير ابن عياش القتباني، انظر ميزان الاعتدال 2 / 469، 470 وانظر ابن عساكر (عاصم عايذ) 390. (*) سبق للمؤلف أن ترجم له ص 197، فمصادر ترجمته هناك. (3) القرية من الطير: الحوصلة (الاشتقاق) . (4) انظر وفيات الأعيان 1 / 250 والاشتقاق 335 ففيهما اسم أبيه (زيد) . (5) ذكرنا نتفا من بلاغته في الحاشية (1) ص 197. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 قَالَ: عَبِيْدُ مَنْ عَلِمْتَ. قَالَ: فَأَهْلُ الجَزِيْرَةِ؟ قَالَ: أَشْجَعُ فُرْسَانٍ، وَأَقْتَلُ لِلأَقْرَانِ. قَالَ: فَأَهْلُ اليَمَنِ؟ قَالَ: أَهْلُ سَمْعٍ وَطَاعَةٍ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ قبَائِلِ العَرَبِ، وَعَنِ البُلْدَانِ، وَهُوَ يُجِيْبُ، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ، وَنَدِمَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. طَوَّلَ أَخْبَارَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) . 120 - الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاس ِ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الَّذِي أَنْشَأَ جَامِعَ بَنِي أُمَيَّةَ. بُوْيِعَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ، وَكَانَ مُتْرَفاً، دَمِيْماً، سَائِلَ الأَنْفِ، طَوِيْلاً، أَسْمَرَ، بِوَجْهِهِ أَثَرُ جُدَرِيٍّ، فِي عَنْفَقَتِهِ (2) شَيْبٌ، يَتَبَخْتَرُ فِي مَشْيِهِ. وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْمِ، نُهْمَتُهُ فِي البِنَاءِ، أَنْشَأَ أَيْضاً مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَخْرَفَهُ، وَرُزِقَ فِي دَوْلَتِهِ سَعَادَةً. فَفَتَحَ بَوَّابَةَ الأَنْدَلُسِ، وَبِلاَدَ التُّرْكِ، وَكَانَ لُحَنَةً، وَحَرَصَ عَلَى النَّحْوِ أَشْهُراً، فَمَا نَفَعَ، وَغَزَا الرُّوْمَ مَرَّاتٍ فِي دَوْلَةِ أَبِيْهِ، وَحَجَّ. وَقِيْلَ: كَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ، وَخَتَمَ فِي رَمَضَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً. وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوْطٍ، مَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَداً يَفْعَلُ ذَلِكَ.   (1) انظر مصادر الترجمة ص 197. (*) المعارف 359، تاريخ اليعقوبي 3 / 27، الطبري 6 / 495 وما بعدها، مروج الذهب 3 / 365 وما بعدها، عنوان المعارف 15، تاريخ ابن عساكر 17 / 420 آ، تاريخ ابن الأثير 5 / 8 وما بعدها، تاريخ الإسلام 4 / 65، العبر 1 / 114، فوات الوفيات 4 / 254، البداية والنهاية 9 / 70 و161، العقد الثمين 7 / 389، الذهب المسبوك للمقريزي 29، النجوم الزاهرة 1 / 220 و234، تاريخ الخلفاء 223، تاريخ الخميس 2 / 311، 314، شذرات الذهب 1 / 111. (2) العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 قَالَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: رَحِمَ اللهُ الوَلِيْدَ، وَأَيْنَ مِثْلُ الوَلِيْدِ، افْتَتَحَ الهِنْدَ وَالأَنْدَلُسَ، وَكَانَ يُعْطِي قِصَاعَ الفِضَّةِ أَقْسِمُهَا عَلَى القُرَّاءِ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ (يَا لَيْتُهَا) بِالضَّمِّ (2) ، وَكَانَ فِيْهِ عَسَفٌ، وَجَبَرُوْتٌ، وَقِيَامٌ بِأَمْرِ الخِلاَفَةِ، وَقَدْ فَرَضَ لِلْفُقَهَاءِ، وَالأَيْتَامِ، وَالزَّمْنَى، وَالضُّعَفَاءِ، وَضَبَطَ الأُمُوْرَ - فَاللهُ يُسَامِحُهُ -. وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَارَهُ (3) . مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ سَنَةً. وَكَانَ فِي الخِلاَفَةِ عَشْرَ سِنِيْنَ، سِوَى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقَبْرُهُ بِبَابِ الصَّغِيْرِ. وَقَام بَعْدَهُ: أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ بِعَهْدٍ لَهُ مِنْ أَبِيْهِمَا عَبْدِ المَلِكِ. وَقَدْ كَانَ عَزَمَ عَلَى خَلْعِ سُلَيْمَانَ مِنْ وِلاَيَةِ العَهْدِ لِوَلَدِهِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَ: لِسُلَيْمَانَ بَيْعَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا. فَأَخَذَهُ الوَلِيْدُ، وَطَيَّنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَتَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَقَدْ مَالَتْ عُنُقُهُ. وَقِيْلَ: خَنَقَهُ بِالمِنْدِيْلِ حَتَّى صَاحَتْ أُخْتُهُ أُمُّ البَنِيْنَ، فَشَكَرَ سُلَيْمَانُ لِعُمَرَ ذَلِكَ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. 121 - مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَالكٍ الزُّهْرِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، أَخُو: عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ الأَمِيْرِ، وَعَامِرِ بن سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ.   (1) ابن عساكر 17 / 423 ب. (2) الخبر في ابن عساكر 17 / 424 آ، وتمامه: " قرأ: (يا ليتها كانت القاضية) وضم التاء، فقال عمر بن عبد العزيز: يا ليتها كانت عليك وأراحتنا منك ". (3) س 17 / 420 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 167 و6 / 221، طبقات خليفة ت 2081، تاريخ البخاري 1 / 88، المعارف 244، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 261، تهذيب الكمال 1200، تاريخ الإسلام 3 / 294، العبر 1 / 95، تذهيب التهذيب 3 / 205 ب، تهذيب التهذيب 9 / 183، خلاصه تذهيب التهذيب 337، شذرات الذهب 1 / 91. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عُثْمَانَ بنِ عَفَّان، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ جُبَيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَجَمَاعَةٌ. رَوَى جُمْلَةً صَالِحَةً مِنَ العِلْمِ، ثُمَّ كَانَ مِمَّنْ قَامَ عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، فَأُسِرَ يَوْمَ دَيْرِ الجَمَاجِمِ، فَقَتَلَهُ الحَجَّاجُ. رَوَى لَهُ: الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ. قِيْلَ: إِنَّهُ انْهَزَمَ إِلَى المَدَائِنِ، فَتَجَمَّعَ إِلَيْهِ نَاسٌ كَثِيْرٌ، ثُمَّ لَحِقَ بِالبَصْرَةِ. وَكَانَ مَصْرعُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. 122 - أَخُوْه ُ: عَامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) إِمَامٌ، ثِقَةٌ، مَدَنِيٌّ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَجَابِرَ بنَ سَمُرَةَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ دَاوُدُ بنُ عَامِرٍ، وَابْنَا إِخْوَتِهِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَآخَرُوْنَ. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. 123 - وَأَخُوْهُمَا : عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ ** (س) أَمِيْرُ السَّرِيَةِ الَّذِيْنَ قَاتَلُوا الحُسَيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ قَتَلَهُ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 167، طبقات خليفة ت 2079، تاريخ البخاري 6 / 449، المعارف 244، المعرفة والتاريخ 1 / 368، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 321، تهذيب الكمال ص 641، تاريخ الإسلام 4 / 130، العبر 1 / 127، تذهيب التهذيب 2 / 114 آالبداية والنهاية 9 / 230، تهذيب التهذيب 5 / 63 خلاصة تذهيب التهذيب 184، شذرات الذهب 1 / 126. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 168، طبقات خليفة ت 2080، تاريخ البخاري 6 / 158، المعارف 243، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 111، تاريخ ابن عساكر = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 المُخْتَارُ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ وَإِقْدَامٍ. رَوَى لَهُ: النَّسَائِيُّ. قُتِلَ هُوَ وَوَلَدَاهُ صَبْراً. 124 - وَأَخُوْهُم : عَمْرُو بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ * قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ. 125 - وَأَخُوْهُم : مُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ ** (ع) بَقِيَ بِالكُوْفَةِ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. خَرَّجُوا لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. 126 - وَأَخُوْهُم : إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ *** (خَ، م) وَالِدُ قَاضِي المَدِيْنَةِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ. حَدِيْثُهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . 127 - وَأَخُوْهُم : عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ **** قُتِلَ أَيْضاً يَوْمَ الحَرَّةِ.   = 13 / 109 آ، تهذيب الكمال ص 1014، تاريخ الإسلام 3 / 52، العبر 1 / 73، تذهيب التهذيب 3 / 84 آ، البداية والنهاية 8 / 273، الإصابة ت 6827، تهذيب التهذيب 7 / 450، خلاصة تذهيب التهذيب 283. (*) طبقات ابن سعد 5 / 168، المعارف 106، شذرات الذهب 1 / 74. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 169 و6 / 222، طبقات خليفة ت 2082، تاريخ البخاري 7 / 350، المعارف 244، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 303، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 95، تهذيب الكمال ص 1333، تاريخ الإسلام 4 / 204، العبر 1 / 125، تذهيب التهذيب 4 / 41 ب، البداية والنهاية 9 / 229، تهذيب التهذيب 10 / 160، شذرات الذهب 1 / 125، خلاصة تذهيب التهذيب 377. (* * *) طبقات ابن سعد 5 / 169، طبقات خليفة ت 2083، تاريخ البخاري 1 / 288، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 101، تهذيب الكمال ص 56، تذهيب التهذيب 1 / 35 ب، تهذيب التهذيب 1 / 123، خلاصة تذهيب التهذيب 17. (* * * *) طبقات ابن سعد 5 / 169. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 128 - وَإِخْوَتُهُم : إِسْمَاعِيْلُ * 129 - وَيَحْيَى ** 130 - و َعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبْنَاءُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ *** لَهُم ذِكْرٌ. 131 - بُشَيْرُ بنُ كَعْبِ بنِ أُبَيٍّ الحِمْيَرِيُّ العَدَوِيُّ **** (خَ، 4) الفَقِيْهُ، أَبُو أَيُّوْبَ الحِمْيَرِيُّ، العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ، العَابِدُ، أَحَدُ المُخَضْرَمِيْنَ. قِيْلَ: إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ اسْتعَمَلَهُ عَلَى بَعْضِ الأُمُوْرِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَقَتَادَةُ، وَطَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ، وَالعَلاَءُ بنُ زِيَادٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ أَحَدَ القُرَّاءِ وَالزُّهَّادِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 132 - أَمَّا: بَشِيْرُ بنُ كَعْبٍ ***** العَلَوِيُّ بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ، فَهُوَ شَاعِرٌ، لَهُ ذِكْرٌ. كَانَ فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. 133 - أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ الأُمَوِيُّ المَدَنِيُّ ****** (م، 4) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الأَمِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي عَمْرٍو الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 170. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 170، طبقات خليفة ت 2086، تاريخ البخاري 8 / 275، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 153. (* * *) طبقات ابن سعد 5 / 170. (* * * *) طبقات ابن سعد 7 / 223، طبقات خليفة ت 1685، تاريخ البخاري 2 / 132، المعرفة والتاريخ 2 / 93، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 395، تهذيب الكمال ص 155، تذهيب التهذيب 1 / 86 ب، تاريخ الإسلام 3 / 243، الإصابة ت 822، تهذيب التهذيب 1 / 471، خلاصة تذهيب التهذيب 50، تهذيب ابن عساكر 3 / 274. (* * * * *) تاريخ الإسلام 3 / 243. (* * * * * *) طبقات ابن سعد 5 / 151، طبقات خليفة ت 2058، تاريخ البخاري 1 / 450 = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 سَمِعَ: أَبَاهُ، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَجَمَاعَةٌ. لَهُ أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ، وَوِفَادَةٌ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبَانٍ، سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْءٌ، أَوْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا أَصَابَ أَبَانَ الفَالِجُ، قَالَ: إِنِّي -وَاللهِ- نَسِيْتُ هَذَا الدُّعَاءَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِيَمْضِيَ فِيَّ أَمْرُ اللهِ. حَدِيْث صَحِيْح. وَرَوَاهُ عَنْ أَبَانَ: مُنْذِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحِزَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : ثِقَةٌ، لَهُ أَحَادِيْثُ عَنْ أَبِيْهِ. وَكَانَ بِهِ صَمَمٌ، وَوَضَحٌ كَثِيْرٌ، أَصَابَهُ الفَالِجُ فِي أَوَاخِر عُمُرِهِ. قَالَ خَلِيْفَةُ (3) : هُوَ أَخُو عَمْرٍو، وَأُمُّهُمَا: أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ جُنْدُبٍ. قَالَ الوَاقِدِيُّ (4) : كَانَ وِلاَيَةُ أَبَانٍ عَلَى المَدِيْنَةِ سَبْعَ سِنِيْنَ.   = المعارف 201، أخبار القضاة 1 / 129، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 295، تاريخ ابن عساكر 2 / 153 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 97، تهذيب الكمال ص 48، تاريخ الإسلام 3 / 241، العبر 1 / 129، تذهيب التهذيب 1 / 31 آ، البداية والنهاية 9 / 233، تهذيب التهذيب 1 / 97، النجوم الزاهرة 1 / 253، شذرات الذهب 1 / 131، تهذيب ابن عساكر 2 / 134. (1) (3385) في الدعوات باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد 446 و474 وابنه عبد الله في زوائده (528) وأبو داود (5088) وابن ماجه (3369) وصححه ابن حبان (2352) والحاكم 1 / 514 ووافقه المؤلف في مختصره. وانظر ابن سعد 5 / 152، 153. (2) في الطبقات 5 / 152، 153. (3) في طبقاته 2 / 601. (4) انظر ابن سعد 5 / 152. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: مَاتَ أَبَانٌ قَبْلَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ عَشْرَةٌ: أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ ... ، وَذَكَرَ سَائِرَهُم. قَالَ مَالِكٌ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ وَالِدَهُ أَبَا بَكْرٍ بنَ حَزْمٍ كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَبَانٍ القَضَاءَ. وَعَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِحَدِيْثٍ وَلاَ فَقْهٍ مِنْ أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: إِنَّ أَبَاناً تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. 134 - أَخُوْه ُ: عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ الأُمَوِيُّ * (ع) قَدِيْمُ المَوْتِ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ. وَعَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَآخَرُوْنَ. ثِقَةٌ، لَيْسَ بِالمُكْثِرِ. 135 - مُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ أَبُو المُعْتَمِرِ البَصْرِيُّ ** الإِمَامُ، أَبُو المُعْتَمِرِ البَصْرِيُّ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 150، طبقات خليفة ت 2059، المعارف 199، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 248، تاريخ ابن عساكر 13 / 291 آ، تهذيب الكمال ص 1048، تاريخ الإسلام 3 / 197 و290، تذهيب التهذيب 3 / 106 آ، تهذيب التهذيب 8 / 78، خلاصة تذهيب التهذيب 291. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 213، الزهد لأحمد 305، طبقات خليفة ت 1720، تاريخ البخاري 8 / 51، المعارف 470، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 403، الحلية 2 / 234، تهذيب الكمال ص 1384، تاريخ الإسلام 4 / 206، العبر 1 / 122، تذهيب التهذيب 4 / 75 ب، تهذيب التهذيب 10 / 331، خلاصة تذهيب التهذيب 398. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 يَرْوِي عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ لَمْ يَلْحَقِ السَّمَاعَ مِنْهُم، فَذَلِكَ مُرْسَلٌ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: تَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، عَابِداً، تُوُفِّيَ فِي وِلاَيَةِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ عَلَى العِرَاقِ. يُوْسُفُ بنُ عَطِيَّةَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بنُ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ مُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ: مَا مِنْ أَمْرٍ يَبْلُغُنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَوْتِ أَحَبِّ أَهْلِي إِلَيَّ (2) . وَقَالَ: تَعَلَّمْتُ الصَّمْتَ فِي عَشْرِ سِنِيْنَ، وَمَا قُلْتُ شَيْئاً قَطُّ إِذَا غَضِبْتُ أَنْدَمُ عَلَيْهِ إِذَا زَالَ غَضَبِي (3) . رَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيْلِ (4) بنِ مُرَّةَ، قَالَ: كَانَ مُوَرِّقٌ -رَحِمَهُ اللهُ- يَجِيْئُنَا، فَيَقُوْلُ: أَمْسِكُوا لَنَا هَذِهِ الصُّرَةَ، فَإِنِ احْتَجْتُم، فَأَنْفِقُوْهَا. فَيَكُوْنُ آخِرَ عَهْدِهِ بِهَا. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كَانَ مُوَرِّقٌ يَتَّجِرُ، فَيُصِيْبُ المَالَ، فَلاَ يَأْتِي عَلَيْهِ جُمُعَةٌ وَعِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَانَ يَأْتِي الأَخَ، فَيُعْطِيْهِ الأَرْبَعَ مائَةٍ وَالخَمْسَ مائَةٍ، وَيَقُوْل: ضَعْهَا لَنَا عِنْدَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ بَعْدُ، فَيَقُوْلُ: شَأْنُكَ بِهَا، لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا (5) .   (1) في الطبقات 7 / 213 و216. (2) الحلية 2 / 234،، وانظر ابن سعد 7 / 215. (3) الحلية 2 / 235، وانظر ابن سعد 7 / 213، 214. (4) في الأصل: " حميد " مصحف، وما أثبتناه من التهذيب، والخبر في ابن سعد 7 / 215. (5) ابن سعد 7 / 215، 216، والحلية 2 / 236، وما بين الحاصرتين منهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ خُلَيْفٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، قَالَ: مَا امْتَلأْتُ غَضَباً قَطُّ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ حَاجَةً مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَمَا شَفَّعَنِي فِيْهَا، وَمَا سَئِمْتُ مِنَ الدُّعَاءِ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فَارُوْقٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ (2) مَسْعُوْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فَضْلُ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ عَلَى صَلاَةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ دَرَجَةً) (3) . 136 - أَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ الحَبَشِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ * (م، 4) الأَسْوَدُ، الأَعْرَجُ. وَقِيْلَ: إِنَّمَا قِيْلَ لَهُ الحَبَشِيُّ نِسْبَةً إِلَى حَيٍّ مِنْ حِمْيَرٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ بِالشَّامِ. حَدَّثَ عَنْ: حُذَيْفَةَ، وَثَوْبَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَكَثِيْرٌ مِنْ ذَلِكَ مَرَاسِيْلُ، كَعَادَةِ الشَّامِيِّيْنَ يُرْسِلُوْنَ عَنِ الكِبَارِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي   (1) في الطبقات 7 / 214. (2) في الأصل: " أبي " مصحف. (3) رجاله ثقات، وهو في الحلية 2 / 237 وأخرجه أحمد 1 / 437. وفي الباب عن ابن عمر، عند مالك 1 / 129، والبخاري 2 / 109، 110، ومسلم (650) بلفظ " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". وعن أبي هريرة عن مالك في الموطأ 1 / 129 والبخاري 2 / 113، ومسلم بلفظ " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا ". وعن أبي سعيد الخدري عند البخاري 2 / 112 بلفظ " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". وانظر " مجمع الزوائد " 2 / 38، 39. (*) تاريخ البخاري 8 / 57، المعرفة والتاريخ 2 / 334، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 431، تاريخ ابن عساكر 17 / 96 ب، تهذيب الكمال ص 1373 و1619، تاريخ الإسلام 4 / 205، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 4 / 68 ب، تهذيب التهذيب 10 / 296، خلاصة تذهيب التهذيب 398، شذرات الذهب 1 / 124. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) بنِ غَنْمٍ، وَأَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْعرِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَطَائِفَة. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُسْهِرٍ: أَنَّ أَبَا سَلاَّمٍ سَمِعَ مِنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدَاهُ؛ يَزِيْدُ وَمُعَاوِيَةُ ابْنَا سَلاَّمٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَعُمِّرَ دَهْراً. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ بِأَحَادِيْثَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ. وَاسْتَقْدَمَهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - فِي خِلاَفَتِهِ - إِلَيْهِ عَلَى البَرِيْدِ، لِيُشَافِهَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْ ثَوْبَانَ فِي حَوْضِ (2) النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ:   (1) في الأصل: " عبد الرحيم " مصحف، وما أثبتناه من؟ ؟ التهذيب. (2) حديث ثوبان في الحوض أخرجه أحمد 5 / 275 من طريق الحسين بن محمد، حدثنا ابن عياش عن محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم اللخمي قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي فحمل إليه على البريد ليسأله عن الحوض فقدم به عليه فسأله فقال: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد ". فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات وفتحت لي السدد إلا أن يرحمني الله، والله لا جرم أن لا أدهن رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. وأخرجه الترمذي (2444) في القيامة باب ما جاء في صفة أواني الحوض، وابن ماجه (4303) في الزهد باب ذكر الحوض من حديث محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن ابن سلام، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه المؤلف عليه في " مختصره " وأخرجه مسلم (2301) وأحمد أيضا 5 / 280، 282 من طريق سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني لبعقر حوضي أذود الناس لاهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم " فسئل عن عرضه فقال: " من مقامي إلى عمان " وسئل عن شرابه فقال: " أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 شَقَقْتَ عَلِيَّ. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَأَكْرَمَهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَمائَةٍ. فَإِنْ كَانَ الأَوْزَاعِيُّ شَافَهَهُ، فَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ. 137 - مَالِكُ بنُ أَسْمَاءَ * بنِ خَارِجَةَ الفَزَارِيُّ مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ عَامِلاً عَلَى الحِيْرَةِ لِلْحَجَّاجِ. وَكَانَ جَمِيْلاً، وَسِيْماً. وَمِنْ شِعْرِهِ: رُبَّمَا قَدْ لُقِيْتُ أَمْسِ كَئِيْباً ... أَقْطَعُ اللَّيْلَ عَبْرَةً وَنَحِيْبَا أَيُّهَا المُشْفِقُ المُلِحُّ حِذَاراً ... إِنَّ لِلْمَوْتِ طَالِباً وَرَقِيْبَا 138 - أَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ شَرَاحِيْلُ بنُ آدَةَ ** (م، 4) مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ، وَفِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ، أَقْوَاهَا: شَرَاحِيْلُ بنُ آدَةَ. حَدَّثَ عَنْ: عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، وَأَوْسِ بنِ أَوْسٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى الذِّمَارِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَجَمَاعَةٌ.   (*) الشعر والشعراء 666، الاغاني 16 / 41، معجم المرزباني 266، سمط اللآلي 15، تاريخ ابن عساكر 16 / 81 ب، تاريخ الإسلام 4 / 188، لسان الميزان 5 / 2. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 536، طبقات خليفة ت 2913، تاريخ البخاري 4 / 255، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 373، تاريخ ابن عساكر 8 / 8 آ، تاريخ الإسلام 3 / 254 و4 / 71، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 2 / 71 ب، تهذيب التهذيب 4 / 319، خلاصة تذهيب التهذيب 164، شذرات الذهب 1 / 123، تهذيب ابن عساكر 6 / 296. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) : هُوَ يَمَانِيٌّ، نَزَلَ دِمَشْقَ. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) : لَعَلَّهُ مِنْ صَنْعَاءِ اليَمَنِ، فَنَزَلَ صَنْعَاءَ دِمَشْقَ (3) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ بَعْدَ المائَةِ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ، وَلاَ لأَبِي سَلاَّمٍ؛ لأَنَّهُمَا لاَ يَكَادَانِ يُصَرِّحَانِ بِاللِّقَاءِ، وَهُوَ لاَ يَقْنَعُ بِالمُعَاصَرَةِ (4) . وَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) : عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الأَشْعَثِ، فَقَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأَشْعَثِ. فَجَلَسَ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيْثَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ. قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً، وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا، فَكَانَ فِيْمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً أَنْ يَبِيْعَهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَقَامَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى   (1) في الطبقات 5 / 536. (2) في تاريخه 8 / 9 ب. (3) صنعاء اليمن: هي قصبتها وأحسن بلادها، تشبه بدمشق لكثرة فواكهها، وتدفق مياهها، تقع إلى الشمال من عدن، وتبعد عنها ثمانية وستين ميلا. وصنعاء دمشق: قرية على بابها، دون المزة. انظر معجم البلدان. (4) يشترط البخاري رحمه الله في الحديث، الذي يرويه العدل الضابط غير المدلس عن شيخه بلفظ عن، ثبوت ملاقاة الراوي لمن روى عنه ولو مرة واحدة، بينما يكتفي الامام مسلم بالمعاصرة، وقد أنكر على شيخه البخاري في خطبة صحيحه اشتراط اللقي وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وأن الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك كونهما في عصر واحد. انظر مقدمة صحيح مسلم 1 / 28، 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ (1) ... ، الحَدِيْثَ. 139 - رِبْعِيُّ بنُ حِرَاشِ بنِ جَحْشِ بنِ عَمْرٍو الغَطَفَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مَرْيَمَ (2) الغَطَفَانِيُّ، ثُمَّ العَبْسِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُعَمَّرُ، أَخُو العَبْدِ الصَّالِحِ مَسْعُوْدٍ؛ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ المَوْتِ. سَمِع مِنْ: عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَوْمَ الجَابِيَةِ (3) ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَأَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ   (1) أخرجه مسلم (1587) في المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا. وتمامه: " والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى " فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه، فلم نسمعها منه! فقام عبادة ابن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية - أو قال وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء. (*) طبقات ابن سعد 6 / 127، طبقات خليفة ت 1104، تاريخ البخاري 3 / 327، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 509، الحلية 4 / 367 وفيه صحف بالخاء المعجمة، تاريخ بغداد 8 / 433، تاريخ ابن عساكر 6 / 99 ب، أسد الغابة 2 / 162، وفيات الأعيان 2 / 300، تهذيب الكمال ص 402، تاريخ الإسلام 4 / 111، تذكرة الحفاظ 1 / 65، العبر 1 / 121، تذهيب التهذيب 1 / 215 ب، الإصابة ت 2721، تهذيب التهذيب 3 / 236، النجوم الزاهرة 1 / 253، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 27، خلاصة تذهيب التهذيب 114، شذرات الذهب 1 / 121، تهذيب ابن عساكر 5 / 300. (2) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل استدركناه من الإصابة وتهذيب الكمال. (3) انظر تعريف الجابية ص 132 رقم (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 عُمَيْرٍ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ. عِمْرَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ (1) . وَعَنِ الكَلْبِيِّ (2) : أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى حِرَاشِ بنِ جَحْشٍ، فَخَرَّقَ كِتَابَهُ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ: رَأَيْتُ رِبْعِيَّ بنَ حِرَاشٍ مَرَّ بِعَشَّارٍ، وَمَعَهُ مَالٌ، فَوَضَعَهُ عَلَى قَرَبُوْسِ سَرْجِهِ، ثُمَّ غَطَّاهُ، وَمَرَّ (4) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَتَى رَجُلٌ الحَجَّاجَ، فَقَالَ: إِنَّ رِبْعِيَّ بنَ حِرَاشٍ زَعَمُوا لاَ يَكْذِبُ، وَقَدْ قَدِمَ وَلدَاهُ عَاصِيَيْنِ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ الحَجَّاجُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ ابْنَاكَ؟ قَالَ: هُمَا فِي البَيْتِ - وَاللهُ المُسْتَعَانُ -. فَقَالَ لَهُ الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ: هُمَا لَكَ. وَأَعْجَبَهُ صِدْقُهُ (5) . وَرَوَاهَا: الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، وَزَادَ: قَالُوا: مَنْ ذَكَرْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ رِبْعِيّاً؛ وَتَدْرُوْنَ مَنْ رِبْعِيٌّ؟ كَانَ رِبْعِيٌّ مِنْ أَشْجَعَ، زَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ (5) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: رِبْعِيٌّ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ.   (1) ابن عساكر 6 / 100 آ. (2) هو محمد بن السائب أبو النضر الكوفي المفسر النسابة، ضعفه غير واحد، وبعضهم اتهمه، وقال الدارقطني وجماعة: متروك. وقال ابن حبان: لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به. (3) ابن سعد 6 / 127. (4) ابن عساكر 6 / 101 ب، والقربوس: حنو السرج. (5) ابن عساكر 6 / 101 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 البُرْجُلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا بَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ، عَنِ الحَارِثِ الغَنَوِيِّ، قَالَ: آلَى رِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ أَنْ لاَ تَفْتَرَّ أَسْنَانُهُ ضَاحِكاً حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ مَصِيْرُهُ؟ قَالَ الحَارِثُ: فَأَخْبَرَ الَّذِي غَسَّلَهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَبَسِّماً عَلَى سَرِيْرِهِ، وَنَحْنُ نُغَسِّلِهُ، حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ (1) -. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: بَنُوْ حِرَاشٍ ثَلاَثَةٌ: رِبْعِيٌّ، وَرَبِيْعٌ، وَمَسْعُوْدٌ. قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ: سُعِيَ إِلَى الحَجَّاجِ بِأَنَّكَ ضَرَبْتَ البَعْثَ عَلَى ابْنَيْ رِبْعِيٍّ، فَعَصَيَا. فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ مُنْحَنٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ ابْنَاكَ؟ قَالَ: هُمَا فِي البَيْتِ. قَالَ: فَحَمَلَهُ، وَكَسَاهُ، وَأَوْصَى بِهِ خَيْراً (2) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رِيَاحٍ الأَشْجَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبِيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ، فَكَانَ الرَّبِيْعُ أَكْثَرَنَا صَلاَةً وَصِيَاماً فِي الهَوَاجِرِ، وَإِنَّهُ تُوُفِّيَ، فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ قَدْ بَعَثْنَا مَنْ يَبْتَاعُ لَهُ كَفَناً، إِذْ كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم. فَقَالَ القَوْمُ: عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ يَا أَخَا عِيْسَى، أَبَعْدَ المَوْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَقِيْتُ رَبِّي بَعْدَكُم، فَلقِيْتُ رَبّاً غَيْرَ غَضْبَانَ، وَاسْتَقْبَلَنِي بِرُوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، أَلاَ وَإِنَّ أَبَا القَاسِمِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَعَجِّلُوْنِي. ثُمَّ كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَصَاةٍ رُمِيَ بِهَا فِي طَسْتٍ. فَنُمِيَ الحَدِيْثُ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَتَكَلَّمُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ المَوْتِ) (3) .   (1) ابن عساكر 6 / 102 آ. (2) انظر الحلية 4 / 369 وابن عساكر 6 / 101 ب. (3) الخبر في الحلية 4 / 367، 368، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة زيد بن خارجة ت 844 ورجال إسناده ثقات لكن ليس فيه المرفوع، وهو الاصح فقد رواه عن عبد الملك غير واحد فما رفعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ (1) : وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَمَا رَفَعَهُ سِوَى عَبِيْدَةُ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، قَالَ: مَاتَ أَخٌ لَنَا، فَسَجَّيْنَاهُ، فَذَهَبْتُ فِي الْتِمَاسِ كَفَنِهِ، فَرَجَعْتُ وَقَدْ كَشَفَ الثَّوْبَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ؛ وَفِيْهِ: وَعَدْتُ (2) رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لاَ يَذْهَبَ حَتَّى أُدْرِكَهُ. قَالَ: فَمَا شَبَّهْتُ خُرُوْجَ نَفْسِهِ إِلاَّ كَحَصَاةٍ أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ، فَرَسَبَتْ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: قَدْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَجُلاً مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ المَوْتِ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: حَدَّثُوْنَا أَنَّ رِبْعِيّاً تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ (3) : بَعْد الجَمَاجِمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَنَة مائَةٍ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. 140 - أَبُو ظَبْيَانَ الجَنْبِيُّ الكُوْفِيُّ حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبٍ * (ع) وَاسْمُهُ: حُصَيْنُ بنُ جُنْدُبِ بنِ عَمْرٍو، مِنْ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ.   (1) في الحلية 4 / 368. (2) لفظ أبي نعيم في الحلية: " ووعدني ". (3) في تاريخه 288. (*) طبقات ابن سعد 6 / 224 و241، طبقات خليفة ت 1152، تاريخ البخاري 3 / 3، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 190، تاريخ ابن عساكر 5 / 73 ب، تهذيب = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 يَرْوِيْ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَحُذَيْفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ. وَرَوَى عَنْ: جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ قَابُوْسٌ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا. وَكَانَ مِمَّنْ غَزَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ مَعَ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ. 141 - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. يُقَالُ اسْمُهُ: عَامِرٌ، وَلَكِنْ لاَ يَرِدُ إِلاَّ بِالكُنْيَةِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ شَيْئاً، وَأَرْسَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ، وَعَنْ: مَسْرُوْقٍ، وَعَلْقَمَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَخُصَيْفٌ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَثَّقُوْهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.   = الكمال ص 50 و1624، تاريخ الإسلام 3 / 319 و4 / 79، العبر 1 / 105، تذهيب التهذيب 1 / 160 ب، تهذيب التهذيب 2 / 379، خلاصة تذهيب التهذيب 85، شذرات الذهب 1 / 99، تهذيب ابن عساكر 4 / 373. (*) طبقات ابن سعد 6 / 210، طبقات خليفة ت 1098، تاريخ البخاري 9 / 51، الحلية 4 / 204، تهذيب الكمال ص 645 و1623، تاريخ الإسلام 3 / 320، تذهيب التهذيب 2 / 117 آ، تهذيب التهذيب 5 / 75، خلاصة تذهيب التهذيب 185، شذرات الذهب 1 / 90. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 142 - طُوَيْسٌ المَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ المُنْعِمِ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الله * أَحَدُ مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي صِنَاعَةِ الغِنَاءِ. اسْمُهُ: أَبُو عَبْدِ المُنْعِمِ، عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَانَ أَحْوَلَ، طُوَالاً. وَكَانَ يُقَالُ: أَشْأَمُ مِنْ طُوَيْسٍ؛ قِيْلَ: لأَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفُطِمَ يَوْمَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَلَغَ يَوْمَ مَقْتَلِ عُمَرَ، وَتَزَوَّجَ يَوْمَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَوُلِدَ لَهُ يَوْمَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. 143 - مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ المَدَنِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو عِيْسَى القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عِمْرَانُ، وَحَفِيْدُهُ؛ سُلَيْمَانُ بنُ عِيْسَى، وَأَوْلاَدُ إِخْوَتِهِ؛ مُعَاوِيَةُ وَمُوْسَى ابْنَا إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ، وَطَلْحَةُ وَإِسْحَاقُ ابْنَا يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ   (*) المعارف 322، الاغاني 2 / 170، وفيات الأعيان 3 / 506، تاريخ الإسلام 4 / 16، فوات الوفيات 2 / 137، سرح العيون 380، البداية والنهاية 9 / 84، النجوم الزاهرة 1 / 225، شذرات الذهب 1 / 100. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 161 و6 / 211، نسب قريش لمصعب 281، طبقات خليفة ت 1109، تاريخ البخاري 7 / 286، المعارف 233، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 147، الحلية 4 / 371، تاريخ ابن عساكر 17 / 137 ب، تهذيب الكمال ص 1386، تاريخ الإسلام 4 / 206، العبر 1 / 126، تذهيب التهذيب 4 / 79 ب، غايه النهاية 3683، تهذيب التهذيب، 10 / 350، خلاصة تذهيب التهذيب 391، شذرات الذهب 1 / 125. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 بنِ مَوْهَبٍ، وَابْنَاهُ؛ مُحَمَّدٌ وَعَمْرُو ابْنَا عُثْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (1) : هُوَ أَفَضْلُ وَلَدِ طَلْحَةَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ. قُلْتُ: كَانَ مُحَمَّدٌ هَذَا أَكْبَرَ أَوْلاَدِ أَبِيْهِ، قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ الجَمَلِ، وَكَانَ عَابِداً، نَبِيْلاً، ثُمَّ أَفَضْلُهُمْ مُوْسَى صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ، ثُمَّ عِيْسَى بنُ طَلْحَةَ (2) ، ثُمَّ يَحْيَى بنُ طَلْحَةَ (3) ، ثُمَّ يَعْقُوْبُ بنُ طَلْحَةَ (4) أَحَدُ الأَجْوَادِ، قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ، ثُمَّ زَكَرِيَّا بنُ طَلْحَةَ (5) سِبْطِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، ثُمَّ إِسْحَاقُ بنُ طَلْحَةَ (6) ، ثُمَّ عِمْرَانُ بنُ طَلْحَةَ (7) ، وَلَهُمْ أَوْلاَدٌ وَعَقِبٌ. قِيْلَ: كَانَ مُوْسَى يُسَمَّى المَهْدِيُّ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَرَوَى: الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بنِ سُمَيْرٍ (8) ، قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ المُخْتَارُ الكَذَّابُ بِالكُوْفَةِ، هَرَبَ مِنْهُ نَاسٌ، فَقَدِمُوا عَلَيْنَا البَصْرَةَ، فَكَانَ مِنْهُم   (1) في الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 148. (2) ترجمته في ص 367. (3) انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 5 / 164، طبقات خليفة ت 1111 و2095، تاريخ البخاري 8 / 283، المعارف 232، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 160، تاريخ ابن عساكر 18 / 71 ب، تهذيب الكمال ص 1503، تذهيب التهذيب 4 / 157 ب، تهذيب التهذيب 11 / 233، خلاصة تذهيب التهذيب 424. (4) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5 / 165، طبقات خليفة ت 1996، المعارف 232، تاريخ ابن عساكر نسخة باريس 15 آ، العبر 1 / 68، شذرات الذهب 2 / 71. (5) في الأصل: " زكريا وطلحة " تصحيف. وانظر ترجمته في طبقات ابن سعد 5 / 166، المعارف 233. (6) تأتي ترجمته في ص 368. (7) تأتي ترجمته في ص 370. (8) هو خالد بن سمير السدوسي البصري، وثقه النسائي وغيره، ووقع في تهذيب التهذيب والخلاصة مصحفا بالشين المعجمة. انظر الإكمال والتبصير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَكَانَ فِي زَمَانِهِ يَرَوْنَ أَنَّهُ المَهْدِيُّ، فَغَشِيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ طَوِيْلُ السُّكُوْتِ، شَدِيْدُ الكَآبَةِ وَالحُزْنِ، إِلَى أَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ يَوْماً، فَقَالَ: وَاللهِ لأَنْ أَعْلَمَ أَنَّهَا فِتْنَةٌ لَهَا انْقِضَاءٌ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَأَعْظَمَ الخَطَرَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، وَمَا الَّذِي تَرْهَبُ أَنْ يَكُوْنَ أَعْظَمَ مِنَ الفِتْنَةِ؟ قَالَ: الهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُوْنَا القَتْلَ القَتْلَ حَتَّى تَقُوْمَ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ (1) . وَعَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، قَالَ: صَحِبْتُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ مَوْهَبٍ: رَأَيْتُ مُوْسَى بنَ طَلْحَةَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (2) . وَقَالَ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: رَأَيْتُ عَلَى مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ بُرْنُسَ خَزٍّ (3) . رَوَى: صَالِحُ بنُ مُوْسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، قَالَ: فُصَحَاءُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ، وَقَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ الأَسَدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ (3) . وَوَرَدَ مِثْلُ هَذَا القَوْلِ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ (4) . مَاتَ مُوْسَى: فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ   (1) انظر الخبر مطولا عند ابن سعد في الطبقات 5 / 162، وانظر الحلية 4 / 371، 372 (2) ابن سعد 6 / 212. (3) الحلية 4 / 371. (4) انظر المصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَجُهَيْنَةُ، وَأَشْجَعُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَوَالِيَّ دُوْنَ النَّاسِ، وَاللهُ وَرَسُوْلُهُ مَوْلاَهُم) (1) . 144 - عِيْسَى بنُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ * (ع) التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الإِخْوَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ الحُلَمَاءِ الأَشْرَافِ، وَالعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَعَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ. وَرَوَى: أَيُّوْبُ بنُ عَبَايَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مِرْبَاعٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ إِلَى عِيْسَى بنِ طَلْحَةَ، فَأَنْشَدَ عِيْسَى: يَقُوْلُوْنَ: لَوْ عَذَّبْتَ قَلْبَكَ لاَرْعَوَى ... فَقُلْتُ: وَهَلْ لِلْعَاشِقِيْنَ قُلُوْبُ؟ عَدِمْتُ فُؤَادِي كَيْفَ عَذَّبَهُ الهَوَى*؟! ... وَمَا لِفُؤَادِي مِنْ هَوَاهُ طَبِيْبُ فَقَامَ الرَّجُلُ، فَأَسْبَلَ إِزَارَهُ، وَمضَى إِلَى بَابِ الحُجْرَةِ يَتَبَخْتَرُ، ثُمَّ يَرْجِعُ حَتَّى   (1) إسناده صحيح، وهو في الحلية 4 / 374، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 82. وصححه المؤلف في مختصره، وأخرجه الحاكم أيضا 2 / 82 من طريق يحيى بن جعفر عن يزيد بن هارون به. (*) طبقات ابن سعد 5 / 164، طبقات خليفة ت 1110، 2094، تاريخ البخاري 6 / 385، المعارف 232، المعرفة والتاريخ 1 / 366، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 279، تاريخ ابن عساكر 14 / 7 آ، تهذيب الكمال ص 1083، تاريخ الإسلام 4 / 43، العبر 1 / 120، تذهيب التهذيب 3 / 128 آ، تهذيب التهذيب 8 / 215، خلاصة تذهيب التهذيب 302، شذرات الذهب 1 / 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ طَرِباً، وَقَالَ: أَحْسَنْتَ. فَضَحِكَ عِيْسَى وَجَلَسَاؤُهُ لِطَرَبِ الرَّجُلِ (1) . 145 - مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ * المُلَقَّبُ بِالسَّجَّادِ لِعِبَادَتِهِ وَتَأَلُّهِهِ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتِلَ شَابّاً يَوْمَ الجَمَلِ (2) ، لَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُوْهُ حَتَّى سَارَ مَعَهُ. وَأُمُّهُ: هِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَسَيَأْتِي ابْنُهُ إِبْرَاهِيْمُ. 146 - إِسْحَاقُ بنُ طَلْحَةَ * حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَائِشَةَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُعَاوِيَةُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى.   (1) البيت الأول لبشار بن برد، وهو في ديوانه 1 / 186 من قصيدة يتغزل فيها بسعدى بنت صقر، وأورده صاحب الاغاني في ترجمته 3 / 171، والرواية فيه " لو عزيت ". والخبر والبيتان في تاريخ ابن عساكر 14 / 8 ب، 9 آوروايته موافقة للديوان. (*) طبقات ابن سعد 5 / 52، نسب قريش لمصعب 281، طبقات خليفة ت 1994، المعارف 231، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 291، مستدرك الحاكم 3 / 374 وما بعدها، الاستيعاب ت 2334، أسد الغابة 4 / 322، العقد الثمين 2 / 36، الإصابة ت 7781، تعجيل المنفعة 366، شذرات الذهب 1 / 43. (2) في " نسب قريش " لمصعب 281: " وكان طلحة أمره يوم الجمل أن يتقدم باللواء، فتقدم ونثل درعه بين رجليه، وقام عليها، فجعل كلما حمل عليه رجل قال: نشدتك ب " حم " فينصرف الرجل عنه، حتى شد عليه رجل من أسد بن خزيمة، يقال له جرير، فنشده محمد ب " حم " فلم يثنه ذلك. ففي ذلك يقول الأسدي: وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم ضممت إليه بالسنان قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يظلم فذكرني حاميم والرمح شاجر * فهلا تلا حاميم قبل التقدم فمر به علي رضي الله عنه في القتلى فقال: " السجاد ورب الكعبة، هذا الذي قتله بر أبيه ". (* *) طبقات ابن سعد 5 / 166، تاريخ البخاري 1 / 393، المعارف 232، أخبار القضاة 1 / 226، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 226، تاريخ ابن عساكر 2 / 381 آ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَجَدُّهُ: هُوَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيْعَةَ. وَلاَّهُ مُعَاوِيَةُ خَرَاجَ خُرَاسَانَ، فَمَاتَ هُنَاكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. أَرَّخَهُ: المَدَائِنِيُّ. 147 - عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيَّةُ * (ع) بِنْتُ أُخْتِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ؛ أُمِّ كُلْثُوْمٍ؛ بِنْتَيِ الصِّدِّيْقِ. تَزَوَّجَهَا ابْنُ خَالِهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، ثُمَّ بَعْدَهُ: أَمِيْرُ العِرَاقِ مُصْعَبٌ، فَأَصْدَقَهَا مُصْعَبٌ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ. قِيْلَ: وَكَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ زَمَانِهَا وَأَرْأَسَهُنَّ. وَحَدِيْثُهَا مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ. وَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْرِ، تَزَوَّجَهَا عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، فَأَصْدَقَهَا أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ الشَّاعِرُ (1) : بُضْعُ الفَتَاةِ بِأَلْفِ أَلْفٍ كَامِلٍ ... وَتَبِيْتُ سَادَاتُ الجُيُوْشِ جِيَاعَا (2) رَوَتْ عَنْ: خَالَتِهَا عَائِشَةَ. وَعَنْهَا: حَبِيْبُ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَابْنُ أَخِيْهَا؛ طَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَابْنُ أَخِيْهَا الآخَرُ؛ مُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ ابْنِ أَخِيْهَا مُوْسَى؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، وَفُضَيْلٌ الفُقَيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَفَدَتْ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَاحْتَرَمَهَا، وَوَصَلَهَا بِجُمْلَةٍ كَبِيْرَةٍ. وَثَّقَهَا: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.   = تهذيب الكمال ص 86، تاريخ الإسلام 2 / 273، تذهيب التهذيب 1 / 56 آ، تهذيب التهذيب 1 / 238، خلاصة تذهيب التهذيب 28، تهذيب ابن عساكر 2 / 444. (*) طبقات ابن سعد 8 / 467، المعارف 233، الاغاني 11 / 176 ط دار الكتب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 352، تهذيب الكمال ص 1697، تاريخ الإسلام 4 / 135، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 4 / 267 آ، البداية والنهاية 9 / 302، تهذيب التهذيب 12 / 436، النجوم الزاهرة 1 / 290، خلاصة تذهيب التهذيب 493، شذرات الذهب 1 / 122. (1) هو أنس بن زنيم الديلي كما في المعارف 233 والاغاني ط الدار 3 / 361 وقبله: أبلغ أمير المؤمنين رسالة * من ناصح لك لا يريد خداعا (2) في الأصل: " جياع " وهو تصحيف والبضع: المهر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 هُشَيْمٌ: أَنْبَأَنَا مُغِيْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ، قَالَتْ: إِنْ تَزَوَّجَتْ مُصْعَباً فَهُوَ عَلَيْهَا كَظَهْرِ أُمِّهَا. فَتَزَوَّجَتْهُ، فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَأُمِرَتْ أَنْ تُكَفِّرَ، فَأَعْتَقَتْ غُلاَماً لَهَا ثَمَنَ أَلْفَيْنِ (1) . رَوَاهُ: سَعِيْدٌ فِي (سُنَنِهِ (2)) . بَقِيَتْ إِلَى قَرِيْبٍ مِنْ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ. 148 - عِمْرَانُ بنُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ * (د، ت، ق) قَدِيْمُ الوَفَاةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأُمِّهِ؛ حَمْنَةَ، وَعَلِيٍّ. وَعَنْهُ: ابْنَا أَخِيْهِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ، وَسَعْدُ بنُ طَرِيْفٍ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقِيْلَ: انْقَرَضَ عَقِبُهُ. وَيُقَالُ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 149 - عِكْرِمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ ** (خَ، م) ابْنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ، سَيِّدُ بَنِي مَخْزُوْمٍ فِي   (1) أي بثمن ألفين، ولفظ المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " ثمنه ألفان ". (2) هو سعيد بن منصور المروزي المتوفى 227 هـ. وسننه من مظان المعضل والمنقطع والمرسل. انظر الرسالة المستطرفة 34. (*) طبقات ابن سعد 5 / 166، طبقات خليفة ت 2092، تاريخ البخاري 6 / 416، المعارف 232، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 499، تاريخ ابن عساكر 12 / 339 آ، أسد الغابة 4 / 138، تهذيب الكمال ص 1061، تاريخ الإسلام 3 / 286، تذهيب التهذيب 3 / 114 ب، العقد الثمين 6 / 422، الإصابة ت 6271، تهذيب التهذيب 8 / 133، خلاصة تذهيب التهذيب 295. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 209، طبقات خليفة ت 2099، تاريخ البخاري 7 / 50، المعرفة والتاريخ 1 / 372، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 10، تهذيب الكمال ص 953، تاريخ الإسلام 4 / 156، تذهيب التهذيب 3 / 48 ب، تهذيب التهذيب 7 / 260، خلاصة تذهيب التهذيب 270. كرر المؤلف ترجمته في ص 419. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 زَمَانِهِ. أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَخُو الفَقِيْهِ أَبِي بَكْرٍ. سَمِع: أَبَاهُ، وَابْنَ عَمْرٍو السَّهْمِيَّ، وَأُمَّ سَلَمَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : هُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ بَعْدَ المائَةِ. 150 - أَبُو الجَوْزَاءِ أَوْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّبَعِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو الأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، وَبُدَيْلُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ أَحَدَ العُبَّادِ الَّذِيْنَ قَامُوا عَلَى الحَجَّاجِ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الجَمَاجِمِ. رَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَالِكٍ، سَمِعَ أَبَا الجَوْزَاءِ يَقُوْلُ: مَا لَعَنْتُ شَيْئاً قَطُّ، وَلاَ أَكَلْتُ شَيْئاً مَلْعُوْناً قَطُّ، وَلاَ آذَيْتُ أَحَداً قَطُّ (2) . قُلْتُ: انْظُر إِلَى هَذَا السَّيِّدِ، وَاقْتَدِ بِهِ.   (1) في الطبقات 5 / 209. (*) طبقات ابن سعد 7 / 223، طبقات خليفة ت 1668، تاريخ البخاري 2 / 16، المعارف؟ ؟ 469، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 304، الحلية 3 / 78، تهذيب الكمال ص 117 و1599، تاريخ الإسلام 3 / 316، العبر 1 / 96، تذهيب التهذيب 1 / 75 آ، تهذيب التهذيب 1 / 383، خلاصة تذهيب التهذيب 41، شذرات الذهب 1 / 93. (2) الحلية 3 / 78، 79، وانظر ابن سعد 7 / 223 و224. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 وَعَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا مَارَيْتُ (1) أَحَداً قَطُّ. وَرَوَى عَنْهُ: عَمْرُو بنُ مَالِكٍ، قَالَ: لأَنْ أُجَالِسَ الخَنَازِيْرَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَالِسَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ (2) . وَكَانَ أَبُو الجَوْزَاءِ قَوِيّاً بِالمَرَّةِ. رَوَى: نُوْحُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو الجَوْزَاءِ يُوْاصِلُ أُسْبُوْعاً، وَيَقْبِضُ عَلَى ذِرَاعِ الشَّابِّ، فَيَكَادُ يَحْطِمُهَا (3) . 151 - شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشْعرِيُّ * (4، م مَقْرُوْناً) الشَّامِيُّ، مَوْلَى الصَّحَابِيَّةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيَّةِ، كَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَتِهِ؛ أَسْمَاءَ. وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُرْسِلُ عَنْ: بِلاَلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ   (1) المراء: الجدل. وفي الاثر: " من ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في الجنة ". (2) الحلية 3 / 78 وما بين الحاصرتين منه، وانظر ابن سعد 7 / 224. (3) الحلية 3 / 79، 80، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن صوم الوصال في الأحاديث الصحيحة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 449، طبقات خليفة ت 2931، تاريخ البخاري 4 / 258، المعارف 448، المعرفة والتاريخ 2 / 97، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 382، الحلية 6 / 59، ذكر أخبار أصبهان 1 / 343، طبقات الفقهاء للشيرازي 74، تاريخ ابن عساكر 8 / 69 ب، تهذيب الكمال ص 589، تاريخ الإسلام 4 / 12، العبر 1 / 119، تذهيب التهذيب 2 / 82 ب، البداية والنهاية 9 / 304 وانظر 176، غاية النهاية ت 1434، تهذيب التهذيب 4 / 369، النجوم الزاهرة 1 / 271،، خلاصه تذهيب التهذيب 169، شذرات الذهب 1 / 119، تهذيب ابن عساكر 6 / 345. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 بنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُدَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ المَكِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَبَانُ بنُ صَمْعَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِشَهْرٍ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ (1) ... ، وَبِهَا كَنَّاهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ شَهْرٍ، قَالَ: عَرَضْتُ القُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ (2) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَهِيْكٍ، قَالَ: قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقْرَأَ مِنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ. رَوَاهُ: البُخَارِيُّ (3) فِي تَرْجَمَةِ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ مِنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَجُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، قَالَ: أَتَى عَلَى شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَرَأَيْتُهُ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، طَرَفُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَعِمَامَةٍ أُخْرَى قَدْ أَوْثَقَ بِهَا وَسَطَهُ سَوْدَاءَ، وَرَأَيْتُهُ مَخْضُوْباً خِضَابَةً سَوْدَاءَ فِي حُمْرَةٍ، وَوَفَدَ عَلَى بِلاَلِ بنِ مِرْدَاسٍ الفَزَارِيِّ بِحَوْلاَيَا (4) ، فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ نُوَيْرَةَ: دُعِيَ شَهْرُ بنُ   (1) ابن عساكر 8 / 70 آ. (2) ابن عساكر 8 / 70 ب. (3) ليست هذه الرواية في ترجمة شهر عند البخاري من المطبوع في تاريخه 4 / 258، 259 ولا في التاريخ الصغير وانظر ابن عساكر 8 / 70 ب. (4) حولايا: قرية كانت بنواحي النهروان خربت الآن اه. معجم البلدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 حَوْشَبٍ إِلَى وَلِيْمَةٍ، وَأَنَا مَعَهُ، فَدَخَلْنَا، فَأَصَبْنَا (1) مِنْ طَعَامِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ شَهْرُ المِزْمَارَ، وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَخَرَجَ. رَوَى: حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: شَهْرٌ ثِقَةٌ، مَا أَحْسَنَ حَدِيْثَهُ (2) ! وَقَالَ حَنْبَلٌ (3) : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: شَهْرٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ-: شَهْرٌ حَسَنُ الحَدِيْثِ. وَقَوَّى أَمْرَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عَوْنٍ، ثُمَّ إِنَّهُ رَوَى عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: شَهْرٌ ثَبْتٌ (5) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَلاَ يُتَدَيَّنُ بِحَدِيْثِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ هُوَ بِدُوْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، قَالَ: إِنَّ شَهْراً تَرَكُوْهُ (6) .   (1) في الأصل: " فأطيبنا " وهو تصحيف، وما أثبتناه من تاريخ ابن عساكر 8 / 71 آ، وما بين الحاصرتين منه. (2) انظر ابن عساكر 8 / 71 آ. (3) هو حنبل بن إسحاق بن حنبل كما في ابن عساكر 8 / 71 آ. (4) انظر ابن عساكر 8 / 71 ب. (5) ابن عساكر 8 / 71 ب. (6) المعارف 448، وابن عساكر 8 / 73 ب، وزاد ما نصه: " قال أبو داود، قال النضر: تركوه أي طعنوا فيه ". وفي تهذيب الكمال للمزي: " قال يعقوب بن سفيان: وشهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقة ". وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 97، 98. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: قَدِمَ شَهْرٌ عَلَى الحَجَّاجِ، فَحَدَّثَ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يُوْقَفْ مِنْهُ عَلَى كَذِبٍ، وَكَانَ رَجُلاً يَتَنَسَّكُ (1) . وَقَالَ: قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ شَهْرٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْهُ. قُلْتُ: يَعْنِي الاحْتِجَاجَ وَعَدَمَهُ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ الكَرْمَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فَأَخَذَ خَرِيْطَةً فِيْهَا دَرَاهِمُ، فَقِيْلَ فِيْهِ: لَقَدْ بَاعَ شَهْرٌ دِيْنَهُ بِخَرِيْطَةٍ ... فَمَنْ يَأْمَنُ القُرَّاءَ بَعْدَكَ يَا شَهْرُ؟ أَخَذْتَ بِهَا شَيْئاً طَفِيْفاً وَبِعْتَهُ ... مِنِ ابْنِ جَرِيْرٍ، إِنَّ هَذَا هُوَ الغَدْرُ (2) قُلْتُ (3) : إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَلَعَلَّهَا وَقَعَتْ وَتَابَ مِنْهَا، أَوْ أَخَذَهَا مُتَأَوِّلاً أَنَّ لَهُ فِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِيْنَ حَقّاً - نَسْأَلُ اللهَ الصَّفْحَ -. فَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى القَطَّانِ، عَنْ عَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، فَسَرَقَ عَيْبَتِي (4) ، فَمَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ! وَمِنْ مَلِيْحِ قَوْلِ شَهْرٍ: مَنْ رَكِبَ مَشْهُوْراً مِنَ الدَّوَابِّ، وَلَبِسَ مَشْهُوْراً مِنَ الثِّيَابِ، أَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ كَرِيْماً (5) .   (1) ابن عساكر 8 / 72 آ، وتتمة الخبر: " إلا أنه روى أحاديث ينفرد بها لم يشركه فيها غيره مثل حديث البناني عن شهر عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: (عمل غير صالح) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) ولا يبالي ويذكر عنه أحاديث عدة، ثم يقول راوي الخبر: " فشهر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث من القرآن لا يأتي بها غيره " انظر بعض هذه الأحاديث ص 377، 378، من هذا الجزء. (2) البيتان والخبر في تاريخ ابن عساكر 8 / 72 ب، 73 آ. وقد أوردهما الطبري في تاريخه 6 / 538، 539، من طريق آخر، وعزا البيتين للقطامي الكلبي، ويقال لسنان بن مكمل النمري. (3) في الأصل: " قال " تصحيف. (4) العيبة: الوعاء. والخبر في ابن عساكر 8 / 72 ب. (5) ابن عساكر 8 / 71 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 قُلْتُ: مَنْ فَعَلَهُ لِيُعِزَّ الدِّيْنَ، وَيُرْغِمَ المُنَافِقِيْنَ، وَيَتَوَاضَعَ مَعَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ، وَيَحْمَدَ رَبَّ العَالِمِيْنَ، فَحَسَنٌ، وَمَنْ فَعَلَهُ بَذْخاً وَتِيْهاً وَفَخْراً، أَذَلَّهُ اللهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَإِنْ عُوْتِبَ وَوُعِظِ، فَكَابَرَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْتَالٍ وَلاَ تَيَّاهٍ، فَأَعْرِضْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ أَحْمَقٌ مَغْرُوْرٌ بِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ: شَهْرٌ لاَ يُشْبِهُ حَدِيْثُهُ حَدِيْثَ النَّاسِ، كَأَنَّهُ مُوْلَعٌ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّعْدِيُّ (1) . الطَّيَالِسِّيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: قَالَ شُعْبَةُ: فَلَقِيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَطَاءٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بنُ مِخْرَاقٍ، فَقَدِمْتُ عَلَى زِيَادٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ، عَنْ عُمَرَ فِي الوُضُوْءِ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنْ: حَدِيْثِ هِلاَلِ بنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيْدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ) . فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: مَا يُصْنَعُ بِشَهْرٍ، إِنَّ شُعْبَةَ قَدْ تَرَكَ شَهْراً (2) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ شَهْرٍ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ حَدِيْثُهُ مُقَارِبٌ مِنْ حَدِيْثِ   (1) ابن عساكر 8 / 74 آ. (2) ابن عساكر 8 / 73 آ، وأخرجه أحمد 2 / 297 و427 و428، وابن ماجه (2798) من طريق هلال بن أبي زينب، عن شهر، عن أبي هريرة. وإسناده ضعيف لضعف شهر وجهالة هلال. (3) ابن عساكر 8 / 74 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 شَهْرٍ، وَكَانَ يَحْفَظُهَا كَأَنَّهُ يَقْرَأُ سُوْرَةً، وَهِيَ سَبْعُوْنَ حَدِيْثاً (1) . قَالَ سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، مَكَثَ آدَمُ مائَةَ سَنَةٍ لاَ يَضْحَكُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: تَغَيَّرَتِ البِلاَدُ وَمَنْ عَلَيْهَا ... فَوَجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيْحُ تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ ... وَقَلَّ بَشَاشَةً الوَجْهُ المَلِيْحُ (2) إِسْحَاقُ بنُ المُنْذِرِ: شَيْخٌ، صَدُوْقٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمٌ، وَحَرَمِيَ المَدِيْنَةُ (3)) . ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (4) } [هُوْدٌ: 46] . الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ: عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ (5) .   (1) ابن عساكر 8 / 71 وتمامه: " وهى طوال، وفيها حروف ينبغي أن تضبط، ولكن يقطعونها ". (2) الحلية 6 / 63، والميزان 2 / 284. وقد روى الطبري الخبر والبيتين من طريق آخر في تاريخه 1 / 145 وتفسيره 6 / 190، وفيه: برفع " بشاشة " وخفض " الوجه المليح " وفيه على هذا إقواء. والشعر مفتعل منحول. (3) أخرجه أبو نعيم في " ذكر أخبار أصبهان " 1 / 343 من طريق عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن عبد الله، عن إسماعيل بن أبان عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، عن ابن عباس. وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 318 من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر عن ابن عباس، وتمامه عنده: " اللهم إني أحرمها بحرمك أن لا يؤوى فيها محدث، ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد ". وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 8 / 70 آ، وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 301 ونسبه لأحمد وحسن إسناده. (4) وأخرجه أحمد 6 / 294 و322 من طريق ثابت عن شهر. وهي قراءة الكسائي انظر " الكشف عن وجوه القراءات السبع " 1 / 530 وتفسير القرطبي 9 / 46. (5) أخرجه أحمد 6 / 309 وأبو داود (3686) من طريق الحكم عن شهر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعاً وَلاَ يُبَالِي (1) } [الزُّمَرُ: 53] . فَهَذَا مَا اسْتُنْكِرَ مِنْ حَدِيْثِ شَهْرٍ فِي سَعَةِ رِوَايَتِهِ، وَمَا ذَاكَ بِالمُنْكَرِ جِدّاً (2) . يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: شَهْرٌ ثِقَةٌ، طَعَنَ فِيْهِ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ: شَهْرٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عَوْنٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ. قُلْتُ: الرَّجُلُ غَيْرُ مَدْفُوْعٍ عَنْ صِدْقٍ وَعِلْمٍ، وَالاحْتِجَاجُ بِهِ مُتَرَجِّحٌ. ذِكْرُ الاخْتِلاَفِ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ: قَالَ صَاحِبُهُ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَةٍ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ: المَدَائِنِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَخَلِيْفَةُ، وَآخَرُوْنَ. وَيُرْوَى أَنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَلَمْ يَصِحَّ. وَأَمَّا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَةٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. وَيَعْضُدُهُ: أَنَّ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ، وَتَرَكْتُهُ عَمْداً، لَمْ آخُذْ عَنْهُ. قُلْتُ: وَمَوْلِدُهُ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ، فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.   (1) أخرجه أحمد 6 / 454 والترمذي (3235) وحسنه. وذكره القرطبي في التفسير 15 / 269 ثم قال: " وفي مصحف ابن مسعود (إن الله يغفر الذنوب جميعا) لمن يشاء. قال أبو جعفر النحاس: وهاتان القراءتان على التفسير " اه. وأم سلمة هي أسماء بنت يزيد بن السكن الانصارية. (2) انظر صفحة 375 حاشية (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 152 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ * بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ، شَاعِرُ قُرَيْشٍ فِي وَقْتِهِ، أَبُو الخَطَّابِ المَخْزُوْمِيُّ، وَكَانَ يَتَغَزَّلُ بِالثُّرَيَّا العَبْشَمِيَّةِ. مَوْلِدُهُ: لَيْلَةَ مَقْتَلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) -. وَشِعْرُهُ سَائِرٌ مُدَوَّنٌ، غَزَا البَحْرَ، فَأَحْرَقَ العَدُوُّ سَفِيْنَتَهُ، فَاحْتَرَقَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَا بَيَّنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. 153 - يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ الأَسَدِيُّ الكَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم ** (م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، الأَسَدِيُّ، الكَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ. قَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: اسْمُ أَبِيْهِ وَثَّابٍ: بَزْدَوَيْه بنُ مَاهَوَيْه، سَبَاهُ مُجَاشِعُ بنُ مَسْعُوْدٍ السُّلَمِيُّ مِنْ قَاشَانَ، إِذِ افْتَتَحَهَا، وَكَانَ وَثَّابٌ مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِهَا، ثُمَّ وَقَعَ فِي سَهْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَمَّاهُ وَثَّاباً. وَتَزَوَّجَ، فَوُلِدَ لَهُ يَحْيَى، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الرُّجُوْعِ إِلَى قَاشَانَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ هُوَ وَابْنُهُ يَحْيَى الكُوْفَةَ. فَقَالَ يَحْيَى: يَا أَبَتِ، إِنِّي آثَرْتُ العِلْمَ عَلَى المَالِ. فَأَذِنَ لَهُ فِي المُقَامِ، فَأَقْبَلَ عَلَى   (*) الشعر والشعراء 457، الاغاني 1 / 30، تاريخ ابن عساكر 3 / 120 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 15، وفيان الأعيان 3 / 436، تاريخ الإسلام 4 / 161، سرح العيون 356، البداية والنهاية 9 / 92، العقد الثمين 6 / 311، النجوم الزاهرة 1 / 247، شذرات الذهب 1 / 101، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 2 / 32. (1) وقد قيل: أي حق رفع، وأي باطل وضع. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 299، طبقات خليفة ت 1116، تاريخ البخاري 8 / 308، المعارف 529، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 193، ذكر أخبار أصبهان 2 / 356، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 159، تهذيب الكمال ص 1527، تاريخ الإسلام 4 / 209، العبر 1 / 126، تذهيب التهذيب 4 / 168 آ، غاية النهاية ت 3871، تهذيب التهذيب 11 / 294، النجوم الزاهرة 1 / 252، خلاصة تذهيب التهذيب 429، شذرات الذهب 1 / 125. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 القُرْآنِ، وَتَلاَ عَلَى أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، حَتَّى صَارَ أَقْرَأَ أَهْلِ زَمَانِهِ. فَأَوْرَثَ وَثَّابٌ عَقِبَهُ، فَحَازُوا رِئَاسَةَ الدَّارَيْنِ، لأَنَّ يَحْيَى فَاقَ نُظَرَاءهُ فِي القُرْآنِ وَالآثَارِ، وَفَاقَ خَالِدُ بنُ وَثَّابٍ، وَوَلَدَاهُ أَزْهَرُ وَمَخْلَدٌ فِي رِئَاسَةِ الدُّنْيَا وَالوِلاَيَاتِ، وَاتَّصَلَتْ رِئَاسَةُ عَقِبِهِ إِلَى أَيَّامِنَا بِأَصْبَهَانَ، وَلَهُمُ الصِّيْتُ وَالذِّكْرُ فِي الثَّرْوَةِ، وَالتِّنَايَةِ (1) ، وَالحَظِّ الجَسِيْمِ مِنَ الجَلاَلَةِ وَالنَّبَاهَةِ. قُلْتُ حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى مُرْسَلاً: عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَرَوَى أَيْضاً عَنِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَزِرٍّ، وَالأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَالأَسْوَدِ، وَالشَّيْبَانِيِّ، وَالسُّلَمِيِّ. قُلْتُ: الثَّبْتُ أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عُبَيْدِ بنِ نُضَيْلَةَ؛ صَاحِبِ عَلْقَمَةَ، فَتَحَفَّظَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ آيَةً (2) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: تَعَلَّمَ يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ مِنْ عُبَيْدٍ آيَةً آيَةً، وَكَانَ -وَاللهِ- قَارِئاً (3) . قُلْتُ: قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْمَشُ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَحُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ، وَطَائِفَةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَاصِمٌ، وَأَبُو العُمَيْسِ عُتْبَةُ المَسْعُوْدِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالأَعْمَشُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ الأَعْمَشُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ،   (1) التناية: الفلاحة والزراعة. (2) انظر ابن سعد 6 / 117 و342. (3) ابن سعد 6 / 299. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ قَدْ جَثَا، قُلْتُ: هَذَا وُقِفَ لِلْحِسَابِ، فَيَقُوْلُ: أَيْ رَبِّ، أَذْنَبْتُ كَذَا، فَعَفَوْتَ عَنِّي، فَلاَ أَعُوْدُ، وَأَذْنَبْتُ كَذَا، فَعَفَوْتَ عَنِّي، فَلاَ أَعُوْدُ. يَحْيَى بنُ عِيْسَى الرَّمْلِيُّ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ قِرَاءةً، رُبَّمَا اشْتَهَيْتُ أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَهُ مِنْ حُسْنِ قِرَاءتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ، لاَ تُسْمَعُ فِي المَسْجِدِ حَرَكَةٌ، كَأَنْ لَيْسَ فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ. حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ: كَانَ يَحْيَى إِذَا قَضَى صَلاَتَهُ، مَكَثَ مَلِيّاً، تُعْرَفُ فِيْهِ كَآبَةُ الصَّلاَةِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: هُوَ تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، مُقْرِئٌ، يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَقَدْ أَمَرَ الحَجَّاجُ أَنْ لاَ يَؤُمَّ بِالكُوْفَةِ إِلاَّ عَرَبِيٌّ، وَاسْتَثْنَى يَحْيَى بنَ وَثَّابٍ، فَصَلَّى بِهِمْ يَوْماً، ثُمَّ تَرَكَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: كَانَ الأَعْمَشُ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ أَقْرَأُ مَنْ بَالَ عَلَى تُرَابٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: قَرَأَ يَحْيَى عَلَى عَلْقَمَةَ، وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَأَيُّ قِرَاءةٍ أَفَضْلُ مِنْ هَذِهِ (1) ؟! قَالَ مَخْلَدُ بنُ خِدَاشٍ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً بَالَ فِي التُّرَابِ أَقْرَأَ مِنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. رَوَى: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى: عَنِ ابْنِ عُمَرَ الحَدِيْثَ: (مَنْ رَاحَ إِلَى الجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ) .   (1) ابن سعد 6 / 211 وروايته: "..قرأ يحيى على عبيد بن نضيلة، وقرأ عبيد بن نضيلة على علقمة. " وهو الاشبه بالصواب، وانظر أيضا ابن سعد 6 / 117 و342. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 هَذَا حَسَنٌ، نَظِيْفُ الإِسْنَادِ (1) . 154 - خَالِدُ ابْنُ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيُّ * (د) الإِمَامُ، البَارِعُ، أَبُو هَاشِمٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، أَخُو: الخَلِيْفَةِ مُعَاوِيَةَ، وَالفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: دِحْيَةَ - وَلَمْ يَلْقَهُ -. وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الأَعْيَسِ الخَوْلاَنِيُّ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ مَوْصُوْفاً بِالعِلْمِ وَقَوْلِ الشِّعْرِ. وَقِيْلَ: دَارُ الحِجَارَةِ كَانَتْ دَارَهُ، وَقَدْ صَارَتِ اليَوْمَ قَيْسَارِيَّةً لِلذَّهَبِ المَمْدُوْدِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: وَهُوَ وَأَخَوَاهُ مِنْ صَالِحِي القَوْمِ (2) . وَرَوَى الزُّهْرِيُّ: أَنَّ خَالِداً كَانَ يَصُوْمُ الأَعْيَادَ: الجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالأَحَدَ. قُلْتُ: أَجَازَ شَاعِراً بِمائَةِ أَلْفٍ؛ لِقَوْلِهِ فِيْهِ: سَأَلْتُ النَّدَى وَالجُوْدَ: حُرَّانِ أَنْتُمَا*؟ ... فَقَالاَ جَمِيْعاً: إِنَّنَا لَعَبِيْد   (1) وأخرجه مالك في الموطأ 1 / 102، والبخاري 2 / 295 من طريق نافع عن ابن عمر بلفظ: " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " وأخرجه مسلم (844) من طريق الليث عن ابن شهاب ونافع عن ابن عمر به. (*) تاريخ البخاري 3 / 181، المعارف 352، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 357، فهرست ابن النديم 419، تاريخ ابن عساكر 5 / 288 ب، معجم الأدباء 11 / 35 أسد الغابة 2 / 97، وفيات الأعيان 2 / 224، تهذيب الكمال ص 368، تاريخ الإسلام 3 / 246، العبر 1 / 105، تذهيب التهذيب 1 / 194 ب، البداية والنهاية 8 / 236 و9 / 80، الإصابة ت 2362، تهذيب التهذيب 3 / 128، النجوم الزاهرة 1 / 221، خلاصة تذهيب التهذيب 103، تهذيب ابن عساكر 5 / 119. (2) انظر ابن عساكر 5 / 289 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 فَقُلْتُ: فَمَنْ مَوْلاَكُمَا؟ فَتَطَاوَلاَ ... عَلَيَّ، وَقَالاَ: خَالِدُ بنُ يَزِيْد (1) وَقَدْ ذُكِرَ خَالِدٌ لِلْخِلاَفَةِ عِنْدَ مَوْتِ أَخِيْهِ مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ مَرْوَانُ بِشَرْطِ أَنَّ خَالِداً وَلِيُّ عَهْدِهِ. قِيْلَ: تَهَدَّدَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ خَالِداً، وَسَطَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَتُهَدِّدُنِي وَيَدُ اللهِ فَوْقَكَ مَانِعَةٌ، وَعَطَاؤُهُ دُوْنَكَ مَبْذُوْلٌ؟! (2) قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قِيْلَ لِخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ: مَا أَقْرَبُ شَيْءٍ؟ قَالَ: الأَجَلُ. قِيْلَ: فَمَا أَبْعَدُ شَيْءٍ؟ قَالَ: الأَمَلُ. قِيْلَ: فَمَا أَرْجَى شَيْءٍ؟ قَالَ: العَمَلُ (3) . وَعَنْهُ، قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَجُوْجاً، مُمَارِياً، مُعْجَباً بِرَأْيِهِ، فَقَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ (3) . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) : كَانَ خَالِدٌ يَعْرِفُ الكِيْمِيَاءَ، وَصَنَّفَ فِيْهَا ثَلاَثَ رَسَائِلَ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ. 155 - المُهَلَّبُ بنُ أَبِي صُفْرَةَ ظَالِمٍ الأَزْدِيُّ * (د، ت، س) الأَمِيْرُ، البَطَلُ، قَائِدُ الكَتَائِبِ، أَبُو سَعِيْدٍ المُهَلَّبُ بنُ أَبِي صُفْرَةَ ظَالِمِ   (1) انظر الخبر والبيتين في " ابن عساكر " 5 / 291 آ. (2) ابن عساكر 5 / 291 آ. وانظر الاخبار الموفقيات 467، 468. (3) ابن عساكر 5 / 291 ب. (4) في " وفيات الأعيان " 2 / 224. (*) طبقات ابن سعد 7 / 129، طبقات خليفة ت 1620، تاريخ البخاري 8 / 25، المعارف 399، تاريخ الطبري 6 / 354،، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 369، تاريخ ابن عساكر 17 / 221 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 117، وفيات الأعيان 5 / 350، تهذيب الكمال ص 1383، تاريخ الإسلام 307، العبر 1 / 95، تذهيب التهذيب 4 / 75 آ، سرح العيون 194، الإصابة ت 8633، تهذيب التهذيب، 10 / 329، النجوم الزاهرة 1 / 206، خلاصة تذهيب التهذيب 389، شذرات الذهب 1 / 90. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 بنِ سَرَّاقِ بنِ صُبْحِ بنِ كِنْدِيِّ بنِ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ: عَامَ الفَتْحِ. وَقِيْلَ: بَلْ ذَلِكَ أَبُوْهُ. حَدَّثَ المُهَلَّبُ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ. رَوَى عَنْهُ: سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعُمَرُ بنُ سَيْفٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : ارْتَدَّ قَوْمُ المُهَلَّبِ، فَقَاتَلَهُمْ عِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، وَظَفِرَ بِهِمْ، وَبَعَث بِذَرَارِيْهِمْ إِلَى الصِّدِّيْقِ، فِيْهِم أَبُو صُفْرَةَ مُرَاهِقاً، ثُمَّ نَزَلَ البَصْرَةَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ (2) : سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ غَزَا المُهَلَّبُ الهِنْدَ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَارَبَ الخَوَارِجَ، ثُمَّ وَلِيَ خُرَاسَانَ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ الحَجَّاجَ بِالَغَ فِي احْترَامِ المُهَلَّبِ لَمَّا دَوَّخَ الأَزَارِقَةَ، وَلَقَدْ قُتِلَ مِنْهُم فِي مَلْحَمَةٍ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَثَمَانِ مائَةٍ. وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَمِيْراً قَطُّ أَفَضْلَ وَلاَ أَسْخَى وَلاَ أَشْجَعَ مِنَ المُهَلَّبِ، وَلاَ أَبْعَدَ مِمَّا يَكْرَهُ، وَلاَ أَقْرَبَ مِمَّا يُحِبُّ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ مِثْلَهُمْ: الأَحْنَفُ: فِي حِلْمِهِ، وَعَفَافِهِ، وَمَنْزِلَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَالحَسَنُ: فِي زُهْدِهِ، وَفَصَاحْتِهِ، وَسَخَائِهِ، وَمَحَلِّهِ مِنَ القُلُوْبِ، وَالمُهَلَّبُ بنُ أَبِي صُفْرَةَ: ... فَذَكَرَ أَمْرَهُ، وَسَوَّارٌ القَاضِي: فِي عَفَافِهِ، وَتَحَرِّيْهِ لِلْحَقٍّ (3) . وَعَنِ المُهَلَّبِ، قَالَ: يُعْجِبُنِي فِي الرَّجُلِ أَنْ أَرَى عَقْلَهُ زَائِداً عَلَى لِسَانِهِ (4) .   (1) في الطبقات، انظر 7 / 101، 102. (2) في تاريخه، انظر 206 و262. (3) ابن عساكر 17 / 225 ب. (4) ابن عساكر 17 / 226 ب، وانظر ما قبلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَرَوَى: رَوْحُ بنُ قَبِيْصَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ المُهَلَّبُ: مَا شَيْءٌ أَبْقَى لِلْمُلْكِ مِنَ العَفْوِ، خَيْرُ مَنَاقِبِ المَلِكِ العَفْوُ (1) . قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ العَفْوُ مِنَ المَلِكِ عَنِ القَتْلِ، إِلاَّ فِي الحُدُوْدِ، وَأَنْ لاَ يَعْفُوَ عَنْ وَالٍ ظَالِمٍ، وَلاَ عَنْ قَاضٍ مُرْتَشٍ، بَلْ يُعَجِّلُ بِالعَزْلِ، وَيُعَاقِبُ المُتَّهَمَ بِالسَّجْنِ، فَحِلْمُ المُلُوْكِ مَحْمُوْدٌ إِذَا مَا اتَّقَوُا اللهَ، وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ المُهَلَّبُ غَازِياً، بِمَرْوِ الرُّوْذِ (2) ، فِي ذِي الحُجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ، وَوَلِيَ خُرَاسَانَ بَعْدَهُ: ابْنُهُ؛ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ. 156 - جَمِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ * بنِ مَعْمَرٍ أَبُو عَمْرٍو العُذْرِيُّ الشَّاعِرُ الشَّهِيْرُ، صَاحِبُ بُثَيْنَةَ، لَهُ شِعْرٌ فِي الذُّرْوَةِ لَطَافَةً، وَرِقَةً، وَبَلاَغَةً. بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ فِي زَمَانِهِ: الأَخْطَلُ شَاعِرُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَاسْمُهُ غِيَاثُ بنُ غَوْثٍ التَّغْلِبِيُّ النَّصْرَانِيُّ (3) ، مُقَدَّمُ الشُّعَرَاءِ، وَشَاعِرُ وَقْتِهِ جَرِيْرُ بنُ الخَطْفَى (4) ، وَشَاعِرُ العَصْرِ الفَرَزْدَقُ المُجَاشِعِيُّ (5) ، وَشَاعِرُ قُرَيْشٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ (6) ، وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ (7) وَلَدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ الخُزَاعِيُّ المَدَنِيُّ،   (1) ابن عساكر 17 / 227 آولفظه: " خير مناقب الملوك العفو ". (2) انظر التعريف بمرو الروذ ص 87 حاشية (2) . (*) طبقات فحول الشعراء 2 / 669، الشعر والشعراء 346، الاغاني 7 / 77، المؤتلف والمختلف 72، تاريخ ابن عساكر 4 / 5 آ، وفيات الأعيان، 1 / 366، تاريخ الإسلام 3 / 347، البداية والنهاية 9 / 44، حسن المحاضرة 1 / 558، شذرات الذهب 1 / 91، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 1 / 397، تهذيب ابن عساكر 3 / 398. وقد تقدمت ترجمته في ص 181. (3) ستأتي ترجمته في ص 589 من هذا الجزء. (4) ستأتي ترجمته في ص 590 من هذا الجزء. (5) ستأتي ترجمته في ص 590 من هذا الجزء. (6) مرت ترجمته في ص 379 من هذا الجزء. (7) انظر ترجمته في المجلد الخامس 45 آمن الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 وَشَاعِرُ المَدِيْنَةِ عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ (1) الَّذِي يَتَغَزَّلُ فِي كَثِيْرَة، وَالأَحْوَصُ (2) المَدَنِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَاصِمِ بنِ ثَابِتِ بنِ أَبِي الأَقْلَحِ، وَزِيَادٌ الأَعْجَمُ (3) أَحَدُ البُلَغَاءِ، وَعَدِيُّ بنُ زَيْدٍ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّقَاعِ الأَبْرَصِ (4) ، أَمَّا عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ (5) الحَمَّادُ العِبَادِيُّ فَقَدِيْمٌ نَصْرَانِيٌّ، شَاعِرٌ، مُفْلِقٌ. 157 - عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، السَّيِّدُ، الإِمَامُ، زَيْنُ العَابِدِيْنَ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ. يُكْنَى: أَبَا الحُسَيْنِ. وَيُقَالُ: أَبُو الحَسَنِ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: سَلاَّمَةُ سُلاَفَةُ بِنْتُ مَلِكِ الفُرْسِ يَزْدَجِرْدَ. وَقِيْلَ: غَزَالَةُ. وُلِدَ فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ ظَنّاً. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ كَائِنَةِ كَرْبَلاَءَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعُوْكاً، فَلَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ تَعَرَّضُوا لَهُ، بَلْ أَحْضَرُوْهُ   (1) والمشهور (عبيد الله) ، انظر ترجمته في تاريخ الإسلام للمؤلف 3 / 190. (2) ستأتي ترجمته في ص 593 من هذا الجزء. (3) ستأتي ترجمته في ص 597 من هذا الجزء. (4) انظر ترجمته في المجلد الخامس 33 آمن الأصل. (5) انظر ترجمته في المجلد الخامس 33 آمن الأصل. (*) طبقات ابن سعد 5 / 211، طبقات خليفة ت 2044، تاريخ البخاري 6 / 266، المعارف 214، المعرفة والتاريخ 1 / 360 و544، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 178، الحلية 3 / 133، طبقات الفقهاء للشيرازي 63، تاريخ ابن عساكر 12 / 15 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 343، وفيات الأعيان 3 / 266، تهذيب الكمال ص 965، تاريخ الإسلام 4 / 34، تذكره الحفاظ 1 / 70، العبر 1 / 111، تذهيب التهذيب 3 / 57 آ، البداية والنهاية 9 / 103، غاية النهاية ت 2206، تهذيب التهذيب 7 / 304، النجوم الزاهرة 1 / 229، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 30، خلاصة تذهيب التهذيب 272. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 مَعَ آلِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُ يَزِيْدُ، وَرَدَّهُ مَعَ آلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: جَدِّهِ مُرْسَلاً، وَعَنْ: صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْهَا فِي (مُسْلِمٍ) ، وَعَنْ: أَبِي رَافِعٍ، وَعَمِّهِ؛ الحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْ: مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ، وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ، وَزَيْدٌ المَقْتُوْلٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ، وَأَبُوْهُ؛ عُمَرُ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ هُرْمُزَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفُرَاتِ التَّمِيْمِيُّ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ، وَطَاوُوْسٌ، وَهُمَا مِنْ طَبَقَتِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : هُوَ عَلِيٌّ الأَصْغَرُ، وَأَمَّا أَخُوْهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ، فَقُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ بِكَرْبَلاَءَ. وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَالِياً، رَفِيْعاً، وَرِعاً. رَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِياً أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (2) .   (1) في الطبقات 5 / 211 و222. (2) ابن عساكر 12 / 18 آ، والمعرفة والتاريخ 1 / 544. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ قَالَ يَوْمَ كَرْبَلاَءَ: لاَ تَعَرَّضُوا لِهَذَا المَرِيْضِ -يَعْنِي: عَلِيّاً (1) -. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلاَتِهِ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ، لَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ، فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عُبَيْدُ اللهِ فِي صَلاَتِهِ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَقِيْلَ لَهُ: عَلِيٌّ وَهُوَ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُ! فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الأَمْرَ أَنْ يُعَنَّى بِهِ (2) . وَقَالَ: قَالَ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ: إِنَّكَ تُجَالِسُ أَقْوَاماً دُوْناً! قَالَ: آتِي مَنْ أَنْتَفِعُ بِمُجَالَسَتِهِ فِي دِيْنِي. قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ رَجُلاً لَهُ فَضْلٌ فِي الدِّيْنِ (3) . ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى رَاحِلَتِه إِلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُ لاَ يَقْرَعُهَا، وَكَانَ يُجَالِسُ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَدَعُ قُرَيْشاً، وَتُجَالِسُ عَبْدَ بَنِي عَدِيٍّ! فَقَالَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَنْتَفِعُ (4) . وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَرْدَكَ - يُقَالُ: هُوَ أَخُو عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ لأُمِّهِ - قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَدْخُلُ المَسْجِدَ، فَيَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، تَأْتِي تَتَخَطَّى حَتَّى تَجْلِسَ مَعَ هَذَا العَبْدِ! فَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: العِلْمُ يُبْتَغَى وَيُؤْتَى وَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ كَانَ (5) .   (1) انظر ابن سعد 5 / 212، وابن عساكر 12 / 17 آ. (2) ابن عساكر 12 / 17 ب، وانظر ابن سعد 5 / 215، 216، والمعرفة والتاريخ 1 / 545. (3) ابن عساكر 12 / 17 ب. (4) ابن سعد 5 / 216 وابن عساكر 12 / 17 ب. (5) ابن عساكر 12 / 17 ب، وانظر الحلية 3 / 137، 138، والخبر أيضا في تهذيب الكمال وما بين الحاصرتين منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الأَعْمَشُ: عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ مَالِكٍ: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَشْيَاءُ أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، إِنَّ النَّاسَ يَأْتُوْنَنَا بِمَا لَيْسَ عِنْدَنَا (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: مَا كَانَ أَكْثَرَ مُجَالَسَتِي مَعَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ (2) . وَرَوَى: شُعَيْبٌ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ أَفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَحْسَنِهِم طَاعَةً، وَأَحَبِّهِم إِلَى مَرْوَانَ، وَإِلَى عَبْدِ المَلِكِ (3) . مَعْمَرٌ: عَنِ الزُهْرِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (4) . وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِيْهِم مِثْلَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ البَيْتِ مِثْلُهُ، وَهُوَ ابْنُ أَمَةٍ (5) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفَضْلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُوْلُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِبُّوْنَا حُبَّ الإِسْلاَمِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَاراً (6) . أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ، أَحِبُّوْنَا   (1) ابن عساكر 12 / 18 آ، وانظر ابن سعد 5 / 516. (2) انظر ابن عساكر 12 / 19 ب. (3) ابن سعد 5 / 215 ولفظه: " من أقصد أهل بيته " وابن عساكر 12 / 18 آ، ب. (4) الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 179. (5) ابن عساكر 12 / 19 آ. (6) ابن سعد 5 / 214 وابن عساكر 12 / 19 آ، وانظر الحلية 3 / 136. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 حُبَّ الإِسْلاَمِ، وَلاَ تُحِبُّوْنَا حُبَّ الأَصْنَامِ، فَمَا زَالَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا شَيْناً (1) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقِبٌ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ- إِلاَّ مِنِ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ وَلَدٌ إِلاَّ مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ الحَسَنِ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَرَى نَسْلَ أَبِيْكَ قَدِ انْقَطَعَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ السَّرَارِي، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْهُنَّ. قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَشْتَرِي. قَالَ: فَأَنَا أُقْرِضُكَ. فَأَقْرَضَهُ مائَةَ أَلْفٍ، فَاتَّخَذَ السَّرَارِيَ، وَوُلِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الوَلَدِ، ثُمَّ أَوْصَى مَرْوَانُ لَمَّا احْتُضِرَ: أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ المَالُ (2) . إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَمَرْوَانُ مَا احْتُضِرَ، فَإِنَّ امْرَأَتَهَ غَمَّتْهُ تَحْتَ وِسَادَةٍ هِيَ وَجَوَارِيْهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ (3) : نَسْلُ الحُسَيْنِ كُلُّهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ، وَكَانَ أَفَضْلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ قُرَيْشاً رَغِبَتْ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ بَعْدَ الزُّهْدِ فِيْهنَّ حِيْنَ نَشَأَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ (4) . قَالَ العِجْلِيُّ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ عَائِشَةَ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: سِنُّهُ وَسِنُّ الزُّهْرِيِّ وَاحِدٌ. قُلْتُ: وَهِمَ ابْنُ صَالِحٍ، بَلْ عَلِيٌّ أَسَنُّ بِكَثِيْرٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ.   (1) ابن عساكر 12 / 23 آ. (2) ابن عساكر 12 / 19 آ. (3) هو الحافظ أحمد بن عبد الله بن البرقي، نسبة إلى " برقة " من قرى قم، كان هو وإخوته يتجرون إليها فعرفوا بها، تأتي ترجمته ضمن ترجمة أخيه محمد بن عبد الله في المجلد التاسع 10 من الأصل. (4) ابن عساكر 12 / 19 آ، وانظر ص 460 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ كُلِّهَا: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ! هَكَذَا حُدِّثْنَاهُ. قُلْتُ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيْثٍ أَنْتَ (2) أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَلَيْسَ مَا لاَ يُعْرَفُ مِنَ العِلْمِ، إِنَّمَا العِلْمُ مَا عُرِفَ، وَتَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الأَلْسُنُ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ المُسَيِّبِ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْ فُلاَنٍ! قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ (4) ! وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: مَا أَكَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْهَماً قَطُّ (5) . ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ المُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَخَافَ أَنْ يَرُدَّهَا، فَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا قُتِلَ المُخْتَارُ، بَعَثَ يُخْبِرُ بِهَا عَبْدَ المَلِكِ، وَقَالَ: ابْعَثْ مَنْ يَقْبَضُهَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: يَا ابْنَ العَمِّ، خُذْهَا، قَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ، فَقَبِلَهَا (6) . مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: عَنْ أَبِي نُوْحٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَقَعَ حَرِيْقٌ فِي بَيْتٍ فِيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ، النَّارَ! فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى طُفِئَتْ. فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلْهَتْنِي عَنْهَا   (1) ابن عساكر 12 / 19 ب. (2) في الأصل: " انه " وهو تصحيف. (3) انظر ابن عساكر 12 / 19 ب. (4) الحلية 3 / 141 وابن عساكر 12 / 19 ب. (5) ابن عساكر 12 / 19 ب. (6) رواه ابن سعد في الطبقات 5 / 213 مطولا وابن عساكر 12 / 19 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 النَّارُ الأُخْرَى (1) . ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا مَشَى لاَ تُجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَيْهِ، وَلاَ يَخْطِرُ بِهَا، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ. فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: تَدْرُوْنَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُوْمُ وَمَنْ أُنَاجِي (2) ؟! وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، اصْفَرَّ (3) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ: حَجَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَحْرَمَ اصْفَرَّ، وَانْتَفَضَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُلَبِّيَ. فَقِيْلَ: أَلاَ تُلَبِّي؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ: لَبَّيْكَ، فَيَقُوْلُ لِي: لاَ لَبَّيْكَ. فَلَمَّا لَبَّى، غُشِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْضُ ذَلِكَ بِهِ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ (3) . إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ. وَرَوَى: مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَالِكٍ: أَحْرَمَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ، قَالَهَا، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ نَاقَتِهِ، فَهُشِمَ. وَلَقَدْ بَلَغَنِي: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يُسَمَّى: زَيْنُ العَابِدِيْنَ؛ لِعِبَادَتِهِ (4) . وَيُرْوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى. فَقُلْتُ: يَا أَبْتِ! مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلاَّ كَانَ للهِ   (1) ابن عساكر 12 / 19 ب. (2) ابن سعد 5 / 216، وانظر الحلية 3 / 133. (3) ابن عساكر 12 / 20 آ. (4) ابن عساكر 12 / 20 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 فِيْهِ المَشِيْئَةُ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ (1) . إِسْنَادُهَا تَالِفٌ. عَنْ طَاوُوْسٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ فِي الحِجْرِ يَقُوْلُ: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِيْنُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيْرُكَ بِفِنَائِكَ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَعَوْتُ بِهِ فِي كَرْبٍ قَطُّ، إِلاَّ كُشِفَ عَنِّي (2) . حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قَاسَمَ اللهَ -تَعَالَى- مَالَهُ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُذْنِبَ التَّوَّابَ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ، يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِيْنَ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ (4) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَعِيْشُوْنَ لاَ يَدْرُوْنَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُم، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ (5) . جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ: لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَدُوا بِظَهْرِهِ أَثَراً مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ الجُرْبَ بِاللَّيْلِ إِلَى مَنَازِلِ الأَرَامِلِ (6) .   (1) المصدر السابق. (2) أورده ابن عساكر مطولا 12 / 20 آ، ب. (3) ابن سعد 5 / 219، وابن عساكر 12 / 21 آ، وانظر الحلية 3 / 140. (4) ابن عساكر 12 / 21 آ، وانظر الحلية 3 / 135، 136. (5) الحلية 3 / 136، وابن عساكر 12 / 21 آ، وما بين الحاصرتين منهما. (6) ابن عساكر 12 / 21 آ، وانظر الحلية 3 / 136. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَقَالَ شَيْبَةُ بنُ نَعَامَةَ: لَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ، وَجَدُوْهُ يَعُوْلَ مائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ (1) . قُلْتُ: لِهَذَا كَانَ يُبَخَّلُ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ سِرّاً، وَيَظُنُّ أَهْلُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ. وَقَالَ بَعْضُهُم: مَا فَقَدْنَا صَدَقَةَ السِّرِّ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلِيٌّ (2) . وَرَوَى: وَاقِدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ: أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ بَعُضْوٍ مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ (3)) ، فَأَعْتَقَ عَلِيٌّ غُلاَماً لَهُ، أَعْطَاهُ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ. وَرَوَى: حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ مُحَمَّدٌ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ. قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قَالَ: بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَهِيَ عَلَيَّ (4) . عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَا: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَرَى الأَخَ مِنْ إِخْوَانِي، فَأَسْأَلَ اللهَ لَهُ الجَنَّةَ، وَأَبْخَلَ عَلَيْهِ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ غَداً قِيْلَ لِي: لَوْ كَانَتِ الجَنَّةُ بِيَدِكَ، لَكُنْتَ بِهَا أَبْخَلَ وَأَبْخَلَ (5) . قَالَ أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْقَهَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، سَمِعْتُهُ وَقَدْ سُئِلَ: كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟   (1) ابن عساكر 12 / 21 آ، وانظر ابن سعد 5 / 222، والحلية 3 / 136. (2) انظر الحلية 3 / 136، وابن عساكر 12 / 21 آ، ب. (3) متفق عليه. (4) الحلية 3 / 141 وابن عساكر 12 / 21 ب، ولفظهما: " خمسة عشر ألف دينار ". (5) ابن عساكر 12 / 21 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى القَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: بِمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ السَّاعَةَ (1) . رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ. يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: عَنِ الصِّدِّيْقِ تَسْأَلُ؟ قَالَ: وَتُسَمِّيْهِ الصِّدِّيْقَ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! قَدْ سَمَّاهُ صِدِّيْقاً مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمُهَاجِرُوْنَ، وَالأَنْصَارُ، فَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ صِدِّيْقاً، فَلاَ صَدَّقَ اللهَ قَوْلَهُ، اذْهَبْ، فَأَحِبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَوَلَّهُمَا، فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ فَفِي عُنُقِي (2) . وَعَنْهُ: أَنَّهُ أَتَاهُ قَوْمٌ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: حَسْبُنَا أَنْ نَكُوْنَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِنَا. الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُدَامَةَ الجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ مِنَ العِرَاقِ، فَجَلَسُوا إِلَيَّ، فَذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَسَبُّوْهُمَا، ثُمَّ ابْتَرَكُوا فِي عُثْمَانَ ابْتِرَاكاً، فَشَتَمْتُهُم (3) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَا يَسُرُّنِي بِنَصِيْبِي مِنَ الذُّلِّ حُمْرُ النَّعَمِ (4) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ،   (1) ابن عساكر 12 / 22 آ. (2) ابن عساكر 12 / 22 ب. (3) أورده ابن عساكر مطولا 12 / 22 ب، وابترك الرجل في عرضه، وعليه: " تنقصه واجتهد في ذمه. (4) الحلية 3 / 137 وابن عساكر 12 / 24 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَنْ ضَحِكَ ضِحْكَةً، مَجَّ مَجَّةً مِنْ عِلْمٍ (1) . وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: إِنَّ الجَسَدَ إِذَا لَمْ يَمْرَضْ أَشِرَ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَدٍ يَأْشَرُ (2) . وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: فَقْدُ الأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ. وَكَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَوَائِحِ (3) العُيُوْنِ عَلاَنِيَتِي، وَتُقَبِّحَ فِي خَفِيَّاتِ العُيُوْنِ سَرِيْرَتِي، اللَّهُمَّ كَمَا أَسَأْتُ وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَإِذَا عُدْتُ، فَعُدْ عَلَيَّ (4) . قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ: اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي، فَأَعْجَزُ عَنْهَا، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى المَخْلُوْقِيْنَ، فَيُضَيِّعُوْنِي (5) . قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ الزُهْرِيِّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ عَنِ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: كِتَابُ اللهِ وَكَلاَمُهُ (6) . أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: جَاءنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: جِئْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَمَا جِئْتُ حَاجّاً وَلاَ مُعْتَمِراً. قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: جِئْتُ لأَسْأَلَكَ مَتَى يُبْعَثُ عَلِيٌّ؟ فَقُلْتُ: يُبْعَثُ - وَاللهِ - يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ.   (1) الحلية 3 / 134. (2) الحلية 3 / 134. (3) لوائح الشئ: ما يبدو منه وتظهر علامته عليه، ولفظ أبي نعيم في الحلية: " لوائع " بالعين المهملة، ولفظ ابن عساكر: " لوامع ". (4) الحلية 3 / 134، وابن عساكر 12 / 28 آ. (5) ابن عساكر 12 / 20 ب. (6) ابن عساكر 12 / 22 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوْبَ المَدَنِيُّ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ شَيْءٌ، فَمَا تَرَكَ حَسَنٌ شَيْئاً إِلاَّ قَالَهُ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ، فَذَهَبَ حَسَنٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ، أَتَاهُ عَلِيٌّ، فَخَرَجَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا ابْنَ عَمِّي، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَغَفَرَ اللهُ لَكَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ. قَالَ: فَالْتَزَمَهُ حَسَنٌ، وَبَكَى، حَتَّى رَثَى لَهُ (1) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ - ثِقَةٌ - قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنِ المُخْتَارِ، فَقَالَ: قَامَ أَبِي عَلَى بَابِ الكَعْبَةِ، فَلَعَنَ المُخْتَارَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَلْعَنُهُ، وَإِنَّمَا ذُبِحَ فِيْكُم؟! قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَعَلَى رَسُوْلِهِ (2) . وَعَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: إِنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَهُم -يَعْنِي: الأُمَوِيَّةَ- مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُم مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ (3) . رَوَاهُ: أَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، عَنْهُ. وَرَوَى: عُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: وَاللهِ مَا قُتِلَ عُثْمَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى وَجْهِ الحَقِّ (4) . نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ. وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ كِسَاءٌ أَصْفَرُ يَلْبَسُهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ (5) .   (1) انظر ابن عساكر 12 / 24 آ. (2) ابن سعد 5 / 213 وابن عساكر 12 / 23 ب. (3) ابن سعد 5 / 213. (4) ابن سعد 5 / 216. (5) انظر ابن سعد 5 / 217. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ كِسَاءَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزًّ (1) . وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الخَزِّ بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، يَشْتُو فِيْهِ، ثُمَّ يَبِيْعُهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ يَعْتَمُّ، وَيُرْخِي مِنْهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ (2) . وَقِيْلَ: كَانَ يَلْبَسُ فِي الصِّيْفِ ثَوْبَيْنِ مُمُشَّقَيْنِ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ، وَيَتْلُو: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِيْنَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (2) } [الأَعْرَافُ: 31] . وَقِيْلَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا سَارَ فِي المَدِيْنَةِ عَلَى بَغْلَتِهِ، لَمْ يَقُلْ لأَحَدٍ: الطَّرِيْقَ، وَيَقُوْلُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ، لَيْسَ لِي أَنْ أُنَحِّيَ عَنْهُ أَحَداً. وَكَانَ لَهُ جَلاَلَةٌ عجِيْبَةٌ، وَحُقَّ لَهُ -وَاللهِ- ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ أَهْلاً لِلإِمَامَةِ العُظْمَى؛ لِشَرَفِهِ، وَسُؤْدَدِهِ، وَعِلْمِهِ، وَتَأَلُّهِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ. قَدِ اشْتَهَرَتْ قَصِيْدَةُ الفَرَزْدَقِ - وَهِيَ سَمَاعُنَا -: أَنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ حَجَّ قُبَيْلَ وِلاَيَتِهِ الخِلاَفَةَ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اسْتِلاَمَ الحَجَرِ، زُوْحِمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنَ الحَجَرِ، تَفَرَّقُوا عَنْهُ؛ إِجْلاَلاً لَهُ. فَوَجَمَ لَهَا هِشَامٌ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَمَا أَعْرِفُهُ؟ فَأَنْشَأَ الفَرَزْدَقُ يَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا: ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ   (1) ابن سعد 5 / 217. (2) انظر ابن سعد 5 / 218. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ ... رُكْنَ الحَطِيْمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ يُغْضِي حَيَاءً، وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِيْنَ يَبْتَسِمُ هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ ... بِجَدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا (1) وَهِيَ قَصِيْدَةٌ طَوِيْلَةٌ. قَالَ: فَأَمَرَ هِشَامٌ بِحَبْسِ الفَرَزْدَقِ، فَحُبِسَ بِعُسْفَانَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اعْذِرْ أَبَا فَرَاسٍ. فَرَدَّهَا، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلاَّ غَضَباً للهِ وَلِرَسُوْلِهِ. فَرَدَّهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا قَبِلْتَهَا، فَقَدْ عَلِمَ اللهُ نِيَّتَكَ، وَرَأَى مَكَانَكَ، فَقَبِلَهَا. وَقَالَ فِي هِشَامٍ: أَيَحْبِسُنِي بَيْنَ المَدِيْنَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا قُلُوْبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيْبُهَا يُقَلِّبُ رَأْساً لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ ... وَعَيْنَيْنِ حَوْلاَوَيْنِ بَادٍ عُيُوْبُهَا (2) وَكَانَتْ أُمُّ عَلِيٍّ مِنْ بَنَاتِ مُلُوْكِ الأَكَاسِرَةِ، تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَوْلاَهُ زُيَيْدٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ: عَبْدَ اللهِ بنَ زُيَيْدٍ - بِيَاءيْنِ -. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ (3) . وَقِيْلَ: هِيَ عَمَّةُ أُمِّ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ   (1) أورد ابن عساكر الخبر والابيات بروايات مختلفة 12 / 25 ب، 26 آ، وانظر الخبر والابيات في الحلية 3 / 139 والاغاني ط الدار 15 / 326، 327 وفي نسبة الابيات أقوال: أحدها أنها للحزين الكناني في عبد الله بن عبد الملك، الثاني أنها لداود بن سلم في قثم بن العباس، الثالث أنها للفرزدق، وقد رجح أبو الفرج الأول، انظر الاغاني ط الدار 15 / 325 - 329. والابيات في ديوان الفرزدق 2 / 848، 849. (2) البيتان والخبر في ابن عساكر 12 / 26 آ، والاغاني ط الدار 15 / 327 ولفظه: " وعينا له حولاء باد عيوبها " وهما أيضا في الديوان 1 / 51 وروايته: يرددني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب عينا لم تكن لخليفة * مشوهة حولاء باد عيوبها (3) في الطبقات 5 / 211. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 وَتِسْعِيْنَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ. وَقَالَ يَحْيَى أَخُو مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ: مَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَشَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: سَنَةَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَالأَوَّلُ الصَّحِيْحُ (1) . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: عَاشَ أَبِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: قَبْرُهُ بِالبَقِيْعِ، وَلاَ بَقِيَّةَ لِلْحُسَيْنِ، إِلاَّ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ (2) ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ خَوْلاَنَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ (3) الكَاتِبَةُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ) (4) .   (1) انظر أخبار وفاته في ابن عساكر 12 / 28 ب وما بعدها. (2) نسبة إلى أبرقوه، ومعناه فوق الجبل، وهو بلد مشهور بأرض فارس. انظر معجم البلدان وأنساب السمعاني. (3) تأتي ترجمتها في المجلد الثاني عشر 275 من الأصل. (4) الحلية 3 / 144، وأخرجه البخاري 12 / 43، ومسلم (1614) كلاهما في الفرائض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 كَذَا يَقُوْلُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ. وَخَالَفَهُ عَشْرَةٌ ثِقَاتٌ، فَرَوَوْهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. فَكُلُّهُم قَالَ: عَنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : عَمْرٌو. 158 - ابْنُه ُ: أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ * (ع) هُوَ السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، الفَاطِمِيُّ، المَدَنِيُّ، وَلَدُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، فِي حَيَاة عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. أَرَّخَ ذَلِكَ: أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ. رَوَى عَنْ جَدَّيْهِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُرْسَلاً. وَعَنْ جَدَّيْهِ: الحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ مُرْسَلاً أَيْضاً. وَعَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ مُرْسَلاً. د وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِيْهِ؛ زَيْنِ العَابِدِيْنَ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ مُرْسَلاً أَيْضاً. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَهُوَ فِي الرِّوَايَة كَأَبِيْهِ وَابْنِهِ جَعْفَرٍ، ثَلاَثتُهُمْ لاَ يَبْلُغُ حَدِيْثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم جُزْءاً ضَخْماً، وَلَكِنْ لَهُم مَسَائِلُ وَفَتَاوٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالأَعْرَجُ - مَعَ تَقَدُّمِهِمَا - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ،   (*) طبقات ابن سعد 5 / 320، طبقات خليفة ت 2233، تاريخ البخاري 1 / 183، المعارف 215، المعرفة والتاريخ 1 / 360، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 26، ذيل المذيل 641، الحلية 3 / 180، طبقات الفقهاء للشيرازي 64، تاريخ ابن عساكر 15 / 350 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 87، تهذيب الكمال ص 1244 و1597، تذكرة الحفاظ 1 / 117، العبر 1 / 142 و148، تاريخ الإسلام 4 / 299، البداية والنهاية 9 / 309، تهذيب التهذيب 9 / 350، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 49، خلاصة تذهيب التهذيب 352، طبقات المفسرين 2 / 537، شذرات الذهب 1 / 149. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَالأَعْمَشُ، وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ، وَحَرْبُ بنُ سُرَيْجٍ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرِوَايَتُهُ عَنِ الحَسَنِ وَعَائِشَةَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَمُرَةَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) . وَكَانَ أَحَدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ، وَالثِّقَةِ وَالرَّزَانَةِ، وَكَانَ أَهْلاً لِلْخِلاَفَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِيْنَ تُبَجِّلُهُمُ الشِّيْعَةُ الإِمَامِيَّةُ، وَتَقُوْلُ بِعِصْمَتِهِمْ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ بِجَمِيْعِ الدِّيْنِ. فَلاَ عِصْمَةَ إِلاَّ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّيْنَ، وَكلُّ أَحَدٍ يُصِيْبُ وَيُخْطِئُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، سِوَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ مَعْصُوْمٌ، مُؤَيَّدٌ بِالوَحْيِ. وَشُهِرَ أَبُو جَعْفَرٍ: بِالبَاقِرِ، مِنْ: بَقَرَ العِلْمَ، أَيْ: شَقَّهُ، فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ. وَلَقَدْ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ إِمَاماً مُجْتَهِداً، تَالِياً لِكِتَابِ اللهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَلَكِنْ لاَ يَبْلُغُ فِي القُرْآنِ دَرَجَةَ ابْنِ كَثِيْرٍ وَنَحْوِهُ، وَلاَ فِي الفِقْهِ دَرَجَةَ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيْعَةَ، وَلاَ فِي الحِفْظِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ دَرَجَةَ قَتَادَةَ وَابْنِ شِهَابٍ، فَلاَ نُحَابِيْهِ وَلاَ نَحِيْفُ عَلَيْهِ، وَنُحِبُّهُ فِي اللهِ؛ لِمَا تَجَمَّعَ فِيْهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ. قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَهُ جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالاَ لِي: يَا سَالِمُ، تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً (1) . كَانَ سَالِمٌ فِيْهِ تَشَيُّعٌ ظَاهِرٌ، وَمعَ هَذَا فَيَبُثُّ هَذَا القَوْلَ الحَقَّ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ ذُوْ الفَضْلِ، وَكَذَلِكَ نَاقِلُهَا ابْنُ فُضَيْلٍ شِيْعِيٌّ، ثِقَةٌ، فَعَثَّرَ اللهُ شِيْعَةَ زَمَانِنَا، مَا أَغْرَقَهُمْ فِي الجَهْلِ وَالكَذِبِ! فَيَنَالُوْنَ مِنْ   (1) ابن عساكر 15 / 355 ب، وانظر ابن سعد 5 / 321. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 الشَّيْخَيْنِ، وَزِيْرَيِ المُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَحْمِلُوْنَ هَذَا القَوْلَ مِنَ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَى التَّقِيَّةِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَتَوَلاَّهُمَا، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَمَا أَدْرَكْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ وَهُوَ يَتَوَلاَّهُمَا (1) . وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ نَخْتَلِفُ إِلَى جَابِرٍ، نَكْتُبُ عَنْهُ فِي أَلْوَاحٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً. وَقَدْ عَدَّهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ فِي فُقَهَاءِ التَّابِعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَاتَّفَقَ الحُفَّاظُ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِأَبِي جَعْفَرٍ. قَالَ القَطِيْعِيُّ فِي (فَوَائِدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالمَجُوْسِ! فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ) (2) . هَذَا مُرْسَلٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ يُقَالُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: بَاقِرُ العِلْمِ، وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ القُرَظِيُّ:   (1) ابن عساكر 15 / 355 ب، وانظر ابن سعد 5 / 321. (2) أخرجه ابن عساكر 15 / 351 آوقال في نهايته: " هذا منقطع، محمد لم يدرك عمر " وأخرج مالك في " الموطأ " من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر..، وفي البخاري 6 / 184، 185، من طريق سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول: لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 يَا بَاقِرَ العِلْمِ لأَهْلِ التُّقَى ... وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى عَلَى الأَجْبُلِ وَقَالَ فِيْهِ مَالِكُ بنُ أَعْيَنَ (1) : إِذَا طَلَبَ النَّاسُ عِلْمَ القُرَا ... نِ كَانَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ عِيَالاَ وَإِنْ قِيْلَ: إِبْنُ ابْنِ بِنْتِ الرَّسُوْ ... لِ نِلْتَ بِذَلِكَ فَرْعاً طُوَالاَ تَحُوْمُ تُهَلِّلُ لِلْمُدْلِجِيْنَ ... جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْماً جِبَالاَ (2) ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَسَّانٍ القُرَشِيُّ، عَنْ عَمِّهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: أَجْلَسَنِي جَدِّي الحُسَيْنُ فِي حِجْرِه، وَقَالَ لِي: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ (3) . عَنْ أَبَانِ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَتَانِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا فِي الكِتَابِ، فَقَالَ لِي: اكْشِفْ عَنْ بَطْنِكَ. فَكَشَفْتُ، فَأَلْصَقَ بَطْنَهُ بِبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ أَنْ أُقْرِئَكَ مِنْهُ السَّلاَمَ (3) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبَانٍ غَيْرُ المُفَضَّلِ بنِ صَالِحٍ أَبِي جَمِيْلَةَ النّخَّاسِ. لُوَيْنٌ (4) : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي   (1) هو مالك بن أعين الجهني؟ ؟، حجازي، توفي سنة ثمان وأربعين ومئة. انظر معجم المرزباني 268. (2) الخبر والابيات في ابن عساكر 15 / 351 ب. ولفظه: " وإن قيل: إني ابن بنت الرسول " و" نجوم تهلل للمدلجين " والابيات أيضا في معجم المرزباني 268 ولفظه: " وإن قيل أين ابن بنت الرسول " و" نجوم تهلل ". (3) ابن عساكر 15 / 352 ب. (4) هو أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب، تأتي ترجمته في المجلد الثامن 133 من الأصل. لقب بلوين لأنه يبيع الدواب فيقول: هذا الفرس لوين. هذا الفرس. وانظر تهذيب التهذيب 9 / 198. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 جَعْفَرٍ إِزَاراً أَصْفَرَ، وَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِيْنَ رَكْعَةً بِالمَكْتُوْبَةِ (1) . وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: فِي قَوْلِهِ: {لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ} [الحِجْرُ: 75] ، قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْهُم (2) . الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَجَّ الخَلِيْفَةُ هِشَامٌ، فَدَخَلَ الحَرَمَ مُتَّكِئاً عَلَى يَدِ سَالِمٍ مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ. فَقَالَ: المَفْتُوْنُ بِهِ أَهْلُ العِرَاقِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اذْهب إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ وَيَشْرَبُوْنَ إِلَى أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى مِثْلِ قُرْصَةِ النَّقِيِّ (3) ، فِيْهَا الأَنْهَارُ مُفَجَّرَةٌ. فَرَأَى هِشَامٌ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: مَا أَشْغَلَهُمْ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَوْمَئِذٍ! فَفَعَلَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: هُم فِي النَّارِ أَشْغَلُ، وَلَمْ يُشْغَلُوا أَنْ قَالُوا: {أَفِيْضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ (4) } [الأَعْرَافُ: 49] . قَالَ المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَذْكُرُ ذُنُوْبَهُ، وَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيْهِ، فَبَكَى (5) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَنْ دَخَلَ قَلْبَهُ مَا فِي خَالِصِ دِيْنِ اللهِ، شَغَلَهُ عَمَّا سِوَاهُ، مَا الدُّنْيَا؟! وَمَا عَسَى أَنْ تَكُوْنَ؟! هَلْ هُوَ إِلاَّ مَرْكَبٌ رَكِبْتَهُ، أَو ثَوْبٌ لَبِسْتَهُ، أَوِ امْرَأَةٌ أَصَبْتَهَا؟! (6)   (1) الحلية 3 / 182. (2) ابن عساكر 15 / 353 ب. (3) قال ابن الأثير: النقي: يعني الخبز الحوارى. (4) ابن عساكر 15 / 353 ب. (5) ابن عساكر 15 / 354 آ. (6) أورده ابن عساكر مطولا، يخاطب أبو جعفر فيه جابر الجعفي 15 / 354 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: اذْكُرُوا مِنْ عَظَمَةِ اللهِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوْنَ مِنْهُ شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ (1) أَعْظَمُ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ النَّارِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ الجَنَّةِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَفَضْلُ (2) . وَعَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَجْمَعَ بَنُوْ فَاطِمَةَ عَلَى أَنْ يَقُوْلُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحْسَنَ مَا يَكُوْنُ مِنَ القَوْلِ (3) . قُلْتُ: أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ: هِيَ صَاحِبَةُ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ. مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: عَنْ خَلَفِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ - وَكَانَ يَتَرَفَّضُ - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ - وَأَظُنُّ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِي -: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلَّى وَأُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي نَفْسِي غَيْرُ هَذَا، فَلاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ (4) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا} [المَائِدَةُ: 58] . قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُم (5) . شَبَابَةُ: أَنْبَأَنَا بَسَّامٌ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ   (1) في الأصل: " وهم " وما أثبتناه من ابن عساكر. (2) ابن عساكر 15 / 354 ب. (3) ابن عساكر 15 / 355 آ. (4) ابن عساكر 15 / 355 ب. (5) ابن عساكر 15 / 356 ب، 357 آ، وانظر الحلية 3 / 185. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ، يَتَبَادَرَانِ (1) الصَّفَّ، وَكَانَ الحُسَيْنُ يَسُبُّ مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى يَنْزِلَ، أَفَتَقِيَّةٌ هَذِهِ؟! أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: يَزْعُمُوْنَ أَنِّي المَهْدِيُّ، وَإِنِّي إِلَى أَجَلِي أَدْنَى مِنِّي إِلَى مَا يَدْعُوْنَ (2) . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: اشْتَكَى بَعْضُ أَوْلاَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، فَجَزِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، فَسُرِّيَ عَنْهُ. فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَدْعُوْا اللهَ فِيْمَا نُحِبُّ، فَإِذَا وَقَعَ مَا نَكْرَهُ، لَمْ نُخَالِفِ اللهَ فِيْمَا أَحَبَّ (3) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ: هَذِهِ تُوُفِّيَ لِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. فَمَاتَ فِيْهَا (4) . قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ جُبَّةَ خَزٍّ، وَمُطْرَفَ خَزٍّ (5) . وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ثَوْباً مُعْلَماً، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِالأُصْبُعَيْنِ مِنَ العَلَمِ بِالإِبرِيْسِمِ فِي الثَّوْبِ (6) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ مَوْهَبٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مِلْحَفَةً حَمْرَاءَ.   (1) في الأصل: سقطت الراء من " يبادران " ولفظ ابن عساكر " يبتدران "، والخبر فيه 15 / 357 آ. (2) ابن عساكر 15 / 357 آوتمامه: " ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم العدل من باب لخالفهم القدر حتى يأتي من باب آخر " اه. (3) ابن عساكر 15 / 358 آ، وانظر الحلية 3 / 187. (4) ابن سعد 5 / 324 وابن عساكر 15 / 358 آ. وفي الأصل " ثمان وخمسون " بالرفع. (5) ابن سعد 5 / 321. (6) ابن سعد 5 / 322، وما بين الحاصرتين منه، والابريسم: الحرير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 وَرَوَى: إِسْرَائِيْلُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى: أَنَّهُ رَأَى مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ يُرْسِلُ عِمَامَتَهُ خَلْفَهُ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الوَسْمَةِ، فَقَالَ: هُوَ خِضَابُنَا أَهْلَ البَيْتِ (1) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَصِّيْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَبَّأَنَا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَرِيْكٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنْ حِلْيَةِ السُّيُوْفِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ حَلَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ سَيْفَهُ. قُلْتُ: وَتَقُوْلُ الصِّدِّيْقُ؟ فَوَثَبَ وَثْبَةً، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، فَمَنْ لَمْ يَقُلِ الصِّدِّيْقَ، فَلاَ صَدَّقَ اللهُ لَهُ قَوْلاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (3) . عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِئٍ مِنَ الكِبْرِ شَيْءٌ إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ (4) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: الصَّوَاعِقُ تُصِيْبُ المُؤْمِنَ وَغَيْرَ المُؤْمِنِ، وَلاَ تُصِيْبُ الذَّاكِرَ. وَعَنْهُ، قَالَ: سِلاَحُ اللِّئَامِ، قُبْحُ الكَلاَمِ (5) .   (1) ابن سعد 5 / 322. (2) الحلية 3 / 188. (3) الحلية 3 / 184، 185. (4) انظر الحلية 3 / 180. (5) الحلية 3 / 183 ولفظه: " سلام اللئام ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ. أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَمِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ (1) ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ) (2) . 159 - قُرَّةُ بنُ شَرِيْكٍ* القَيْسِيُّ القِنَّسْرِيْنِيُّ نَائِبُ دِيَارِ مِصْرَ لِلْوَلِيْدِ، ظَالِمٌ، جَبَّارٌ، عَاتٍ، فَاسِقٌ. مَاتَ بِمِصْرَ بَعْدَ أَنْ وَلِيَهَا سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، أَنْشَأَ جَامِعَ الفُسْطَاطِ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْهُ الصُّنَّاعُ، دَخَلَهُ، وَدَعَا بِالخُمُوْرِ وَالمُطْرِبِيْنَ، وَيَقُوْلُ: لَنَا اللَّيْلُ، وَلَهُمُ النَّهَارُ. وَكَانَ جَائِراً، عَسُوْفاً، هَمَّتِ الخَوَارِجُ بِاغْتِيَالِهِ، فَعَلِمَ، وَقَتَلَهُمْ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: الوَلِيْدُ بِالشَّامِ، وَالحَجَّاجُ بِالعِرَاقِ، وَعُثْمَانُ المُرِّيُّ بِالحِجَازِ، وَقُرَّةُ بِمِصْرَ، امْتَلأَتِ الدُّنْيَا -وَاللهِ- جَوْراً (3) .   (1) هو عبد الله بن محمد الصريفيني، تأتي ترجمته في المجلد الحادي عشر 440 من الأصل. ومعنى هزار مرد: ألف رجل (بالفارسية) وقد ضبطه محقق التاج خطأ بكسر الهاء. انظر التاج (هزارمرد) (هزر) . (2) وأخرجه ابن ماجه (2902) وأحمد 6 / 294، 303، 314، من طريق القاسم بن الفضل، عن أبي جعفر محمد بن علي عن أم سلمة ورجاله ثقات، لكنه منقطع، وله شاهد من حديث علي رضي الله عنه عند القضاعي، وآخر من حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 421 والنسائي 5 / 113، 114 يتقوى بهما. (*) ولاة مصر وقضاتها 63، تاريخ ابن عساكر 14 / 208 آ، تاريخ الإسلام 4 / 46، العبر 1 / 113، البداية والنهاية 9 / 169، النجوم الزاهرة 1 / 217، حسن المحاضرة 1 / 587، 588، شذرات الذهب 1 / 111. (3) ابن عساكر 14 / 208 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 وَقِيْلَ: وَصَلَ نَعْيُ الحَجَّاجِ وَقُرَّةَ فِي وَقْتٍ عَلَى الوَلِيْدِ، وَلَمْ يَصِحَّ، فَإِنَّ قُرَّةَ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ (1) . 160 - قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمِ * بنِ عَمْرِو بنِ حُصَيْنِ بنِ رَبِيْعَةَ البَاهِلِيُّ الأَمِيْرُ، أَبُو حَفْصٍ، أَحَدُ الأَبْطَالِ وَالشُّجْعَانِ، وَمِنْ ذَوِي الحَزْمِ، وَالدَّهَاءِ، وَالرَّأْيِ، وَالغَنَاءِ. وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ خُوَارَزْمَ، وَبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْدَ، وَكَانُوا قَدْ نَقَضُوا وَارْتَدُّوا، ثُمَّ إِنَّهُ افْتَتَحَ فَرْغَانَةَ، وَبِلاَدَ التُّرْكِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَلِيَ خُرَاسَانَ عَشْرَ سِنِيْنَ. وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ. وَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتَ الوَلِيْدِ، نَزَعَ الطَّاعَةَ، فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ جَيْشُهُ، وَقَام عَلَيْهِ رَئِيْسُ تَمِيْمٍ وَكِيْعُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فِي عَشْرَةٍ مِنْ فُرْسَانِ تَمِيْمٍ، فَقَتَلُوْهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقَدْ قُتِلَ أَبُوْهُ الأَمِيْرُ أَبُو صَالِحٍ مَعَ مُصْعَبٍ. وَبَاهِلَةُ: قَبِيْلَةٌ مُنْحَطَّةٌ بَيْنَ العَرَبِ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَوْ قِيْلَ لِلْكَلْبِ: يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبْ (2)   (1) انظر المصدر السابق. (*) البيان والتبيين 2 / 132، المعارف 406، الكامل للمبرد 3 / 13، تاريخ الطبري 6 / 506، وما بعدها، معجم المرزباني 212، تاريخ ابن الأثير 5 / 12، وفيات الأعيان 4 / 86، تاريخ الإسلام 4 / 45، العبر 1 / 114، سرح العيون 186، تاريخ ابن خلدون 3 / 59 و66، النجوم الزاهرة 1 / 233، شذرات الذهب 1 / 112، خزانة الأدب 3 / 657، رغبة الآمل 3 / 6 و6 / 118. (2) البيت في الكامل للمبرد 3 / 11، وثمار القلوب 119، ووفيات الأعيان 4 / 90. ونسبه الثعالبي لأبي هفان، وقبله: أباهل ينبحني كلبكم * وأسدكم ككلاب العرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَقَالَ آخَرُ: وَمَا يَنْفَعُ الأَصْلُ مِنْ هَاشِمٍ ... إِذَا كَانَتِ النَّفْسُ مِنْ بَاهِلَهْ (1) قِيْلَ: إِنَّ قُتَيْبَةَ قَالَ لِهُبَيْرَةَ: أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ لَوْلاَ أَنَّ أَخْوَالَكَ مِنْ سَلُوْلٍ، فَلَوْ بَادَلْتَ بِهِم. قَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، بَادِلْ بِهِم مَنْ شِئْتَ، وَجَنِّبْنِي بَاهِلَةَ (2) . وَقِيْلَ لأَعْرَابِيٍّ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ بَاهِلِيٌّ وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: إِيْ وَاللهِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَهْلُ الجَنَّةِ أَنِّي بَاهِلِيٌّ (3) . وَلقِيَ أَعْرَابِيٌّ آخَرَ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَاهِلَةَ. فَرَثَى لَهُ، فَقَالَ: أَزِيْدُكَ؟ إِنِّي لَسْتُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ مِنْ مَوَالِيْهِمْ. فَأَخَذَ الأَعْرَابِيُّ يُقَبِّلُ يَدَيْهِ، وَيَقُوْلُ: مَا ابْتَلاَكَ اللهُ بِهَذِهِ الرَّزِيَّةِ إِلاَّ وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ (4) . قُلْتُ: لَمْ يَنَلْ قُتَيْبَةُ أَعْلَى الرُّتَبِ بِالنَّسَبِ، بَلْ بِكَمَالِ الحَزْمِ، وَالعَزْمِ، وَالإِقْدَامِ، وَالسَّعْدِ، وَكَثْرَةِ الفُتُوْحَاتِ، وَوُفُوْرِ الهَيْبَةِ. وَمِنْ أَحْفَادِهِ: الأَمِيْرُ سَعِيْدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ، الَّذِي وَلِيَ أَرْمِيْنِيَةَ، وَالمَوْصِلَ، وَالسِّنْدَ، وَسِجِسْتَانَ، وَكَانَ فَارِساً جَوَاداً، لَهُ أَخْبَارٌ وَمَنَاقِبُ، مَاتَ زَمَنَ المَأْمُوْنِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمَائتَيْنِ. 161 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحَارِثِ الثَّقَفِيُّ * (ع) وَيُقَالُ: اسْمُ أَبِيْهِ: مَسْرُوْحٌ الثَّقَفِيُّ، أَبُو بَحْرٍ.   (1) أورده الثعالبي في " ثمار القلوب " 119، و" التمثيل والمحاضرة " 456، ولم يعزه لأحد، وقبله: فخرت فأصلك أصل شريف * ضررت به نفسك الخاملة (2) وفيات الأعيان 4 / 90. (3) انظر ثمار القلوب 119، ووفيات الأعيان 4 / 90، 91. (4) انظر وفيات الأعيان 4 / 90. (*) تقدمت ترجمته ومصادرها في ص 319. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وَقِيْلَ: أَبُو حَاتِمٍ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ وُلِدَ بِالبَصْرَةِ. سَمِع: عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَاهُ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو بِشْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ أَبِيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ نَوْبَةً أُخْرَى. قَالَ خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: وَكَانَتِ البَصْرَةُ حِيْنَئِذٍ صَغِيْرَةً جِدّاً، لَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : نَحَرُوا لَهُ جَزُوْراً وَهُمْ بِالخُرَيْبَةِ (2) ، وَأَطْعَمَ أَهْلَ البَصْرَةِ، وَكَفَتْهُمْ، وَكَانُوا ثَلاَثَ مائَةٍ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيْثُ. قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ صَفْوَانَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيَّ، يَقُوْلُ: أَنَا أَنْعَمُ النَّاسِ، أَنَا أَبُو أَرْبَعِيْنَ، وَعَمُّ أَرْبَعِيْنَ، وَخَالُ أَرْبَعِيْنَ، أَبِي أَبُو بَكْرَةَ، وَعَمِّي زِيَادٌ، وَأَنَا أَوَّلُ مَوْلُوْدٍ وُلِدَ بِالبَصْرَةِ، فَنُحِرَتْ عَلِيَّ جَزُوْرٌ (3) . رَوَاهُ: هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، عَنْهُ. رَوَى: هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ، فَوُصِفَ لَهُ لَبَنُ الجَوَامِيْسِ، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا بِجَامُوْسَةٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِتِسْعِ مائَةِ جَامُوْسَةٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ وَاحِدَةً. فَبَعَثَ إِلَيْهِ (4) أَنِ اقْبِضْهَا كُلَّهَا. وَرُوِيَتْ هَذِهِ الحِكَايَةُ لأَخِيْهِ الأَمِيْرِ عُبَيْدِ اللهِ، وَذَلِكَ أَشْبَهُ (5) .   (1) في الطبقات 7 / 190. (2) الخريبة: موضع بالبصرة. (3) تقدم الخبر، انظره في ص 320. (4) في الأصل: " إليها " تصحيف. (5) راجع ص 138. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْر ذَلِكَ. 162 - تُبَيْعُ بنُ عَامِرٍ الحِمْيَرِيُّ الحَبْرُ * (س) ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبِ الأَحْبَارِ. قَرَأَ الكُتُبَ، وَأَسْلَمَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ عُمَرَ. وَرَوَى عَنْ: كَعْبٍ - فَأَكْثَرَ - وَعَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعَرَضَ القُرْآنَ عَلَى: مُجَاهِدٍ، وَكَانَ رَفِيْقَهُ فِي الغَزْوِ. رَوَى عَنْهُ: مُجَاهِدٌ، وَأَبُو قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَحَكِيْمُ بنُ عُمَيْرٍ، وَحَيَّانُ أَبُو النَّضْرِ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ سَبْعُ كُنَى، ذَكَرَهَا الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهِيَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُتْبَةَ، وَأَبُو أَيْمَنَ، وَأَبُو حِمْيَرٍ، وَأَبُو غَطِيْفٍ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَالأُوْلَى (1) أَشْهَرُهَا. وَقَالَ: قَرَأَ القُرْآنَ بِأَرْوَادَ (2) ، جَزِيْرَةٌ قَرِيْبَةٌ مِنْ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَنَهَى عَمْراً الأَشْدَقَ عَنْ خُرُوْجِهِ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ. وَقَالَ عَبْدُ الغَنِيِّ المِصْرِيُّ: هُوَ تُبَيْعٌ صَاحِبُ المَلاَحِمِ. وَعَنْ حُسَيْنِ بنِ شُفَيٍّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَأَقْبَلَ تُبَيْعٌ، فَقَالَ: أَتَاكُمْ أَعْرَفُ مَنْ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا تُبَيْعُ، أَخْبِرْنَا عَنِ الخَيْرَاتِ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 452، طبقات خليفة ت 2893، تاريخ ابن عساكر 3 / 257 ب تهذيب الكمال ص 168، تاريخ الإسلام 4 / 95، تذهيب التهذيب 1 / 93 ب، الإصابة ت 860، تهذيب التهذيب 1 / 508، خلاصة تذهيب التهذيب 55، تهذيب ابن عساكر 3 / 342. (1) في الأصل " الأول ". (2) غزاها المسلمون وفتحوها سنة أربع وخمسين مع جنادة بن أبي أمية في أيام معاوية. وبها أقرأ مجاهد تبيعا القرآن، ويقال: بل أقرأه القرآن برودس انظر معجم البلدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 الثَّلاَثِ؟ قَالَ: اللِّسَانُ الصَّدُوْقُ، وَقَلْبٌ تَقِيٌّ، وَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ (1) . اللَّيْثُ: عَنْ رَشِيْدِ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كُنَّا بِرُوْدِسَ (2) ، وَأَمِيْرُنَا جُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ الشِّتَاءُ، فَتَأَهَّبُوا. فَقَالَ تُبَيْعُ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ: تَقْفُلُوْنَ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَأَنْكَرُوا، حَتَّى قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا يُسَمُّوْنَكَ إِلاَّ الكَذَّابَ. قَالَ: فَإِنَّهُ يَأْتِيْهِمُ الإِذْنُ يَوْمَ كَذَا، وَيَأْتِي رِيْحٌ يَوْمَئِذٍ تَقْلَعُ هَذِهِ البُنَيَّةَ (3) . فَانْتَشَرَ قَوْلُهُ، وَأَصْبَحُوا يَنْتَظِرُوْنَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَتْ رِيْحٌ أَحَاطَتْ بِالبُنَيَّةِ (3) ، فَقَلَعَتْهَا، وَتَصَايَحَ النَّاسُ، فَإِذَا قَارِبٌ فِي البَحْرِ، فِيْهِ الخَبَرُ بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ، وَبَيْعَةِ يَزِيْدَ، وَأَذِنَ لَهُم فِي القُفُوْلِ، فَأَثْنَوْا عَلَى تُبَيْعٍ (4) . تُوُفِّيَ تُبَيْعٌ عَنْ عُمُرٍ طَوِيْلٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ، بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ. خَرَّجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ بَأْساً، وَحَدِيْثُهُ عَزِيْزٌ. 163 - أَبُو رَافِعٍ الصَّائغُ المَدَنِيُّ ثُمَّ البَصْرِيُّ نُفَيْعٌ * (ع) مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ، وَهُوَ مَوْلَى آلِ عُمَرَ. اسْمُهُ: نُفَيْعٌ، ذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوْسَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُم.   (1) أورده ابن عساكر مطولا 3 / 259 آ. (2) رودس: جزيرة مقابل الإسكندرية على ليلة منها في البحر وهي أول بلاد إفرنجة. انظر معجم البلدان. (3) لفظ ابن عساكر: " الثنية ". (4) أورده ابن عساكر مطولا 3 / 259 ب. (*) طبقات ابن سعد 7 / 122، طبقات خليفة ت 2013، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 489، الاستيعاب ت 2947، أسد الغابة 5 / 191، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 230، تهذيب الكمال ص 1427، 1610، تاريخ الإسلام 4 / 74، تذكرة الحفاظ 1 / 65، تذهيب التهذيب 4 / 104 ب، الإصابة - كنى ت 432، تهذيب التهذيب 404. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 رَوَى عَنْهُ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، وَثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: لَمَّا أُعْتِقَ أَبُو رَافِعٍ، بَكَى، وَقَالَ: كَانَ لِي أَجْرَانِ، فَذَهَبَ أَحَدُهُمَا. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَمِنْ نُظَرَاءِ أَبِي العَالِيَةِ وَبَابَتِهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ. 164 - خَالِدُ بنُ مُهَاجِرٍ ابْنِ سَيْفِ اللهِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيُّ * (م) حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ. رَوَى عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ رَافِعٍ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ. وَكَانَ فَاضِلاً، شَاعِراً، وَافِرَ الحُرْمَةِ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: اتَّهَمَهُ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ دَسَّ عَلَى عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَالِدٍ طَبِيْباً سَمَّهُ، فَقَتَلَ مُعَاوِيَةُ الطَّبِيْبَ. وَقِيْلَ: بَلْ قَتَلَ الطَّبِيْبَ - وَاسْمُهُ ابْنُ أَثَالٍ - خَالِدٌ؛ وَلَدُ المَسْمُوْمِ. فَنَابَذَ خَالِدُ بنُ مُهَاجِرٍ بَنِي أُمَيَّةَ، وَانْضَمَّ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ (1) . خَرَّجَ لَهُ: مُسْلِمٌ.   (*) تاريخ البخاري 3 / 170، المعرفة والتاريخ 1 / 373، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 351، الاغاني 15 / 11، تاريخ ابن عساكر 5 / 263 آ، تهذيب الكمال ص 365، تاريخ الإسلام 3 / 362، تذهيب التهذيب، 1 / 193 آ، تهذيب التهذيب 3 / 120، خلاصة تذهيب التهذيب 103، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 2 / 234، تهذيب ابن عساكر 5 / 94. (1) انظر الخبر مفصلا في الاغاني ط الدار 16 / وانظر ابن عساكر 5 / 264 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 165 - أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ المَخْزُوْمِيُّ * (ع) ابْنِ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ الإِمَامُ. أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ. وَهُوَ مِنْ سَادَةِ بَنِي مَخْزُوْمٍ، وَهُوَ وَالِدُ: عَبْدِ اللهِ، وَسَلَمَةَ، وَعَبْدِ المَلِكِ، وَعُمَرَ، وَأَخُو: عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ المَلِكِ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمُغِيْرَةَ، وَيَحْيَى، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ الحَارِثِ. وَكَانَ ضرِيْراً. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَوْفَلِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطِيْعٍ، وَأَبِي رَافِعٍ النَّبَوِيِّ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ المَلِكِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعُمَرُ بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ، وَسُمَيٌّ مَوْلاَهُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَعْبٍ الحِمْيَرِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، وَابْنُ أُخْتِهِ؛ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَقَدْ أَضَرَّ، وَقَدِ اسْتُصْغِرَ يَوْمَ الجَمَلِ، فَرُدَّ هُوَ وَعُرْوَةُ. وَكَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، عَالِماً، سَخِيّاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 5 / 207، نسب قريش لمصعب 303، 304، طبقات خليفة ت 2097، تاريخ البخاري 9 / 9، المعارف 282، الحلية 2 / 187، طبقات الفقهاء للشيرازي 59، تاريخ ابن عساكر (باريس) 86 ب، تهذيب الكمال ص 1588، تاريخ الإسلام 4 / 72، تذكرة الحفاظ 1 / 59، العبر 1 / 111، تذهيب التهذيب 4 / 201 ب، البداية والنهاية 9 / 115، تهذيب التهذيب 9 / 295 و12 / 30، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 24، خلاصة تذهيب التهذيب 444، شذرات الذهب 1 / 104. (1) ابن سعد 5 / 208. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: رَاهِبُ قُرَيْشٍ؛ لِكَثْرَةِ صَلاَتِهِ، وَكَانَ مَكْفُوْفاً. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: هُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، هُوَ وَإِخْوَتُهُ، يُضْرَبُ بِهِمُ المَثَلُ (2) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ إِذَا سَجَدَ، يَضَعُ يَدَهُ فِي طَشْتِ مَاءٍ؛ مِنْ عِلَّةٍ كَانَ يَجِدُهَا. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ أَحَدُ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ السَّبْعَةِ، وَكَانَ يُسَمَّى: الرَّاهِبَ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ (3) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ الفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ الَّذِيْنَ كَانَ أَبُو الزِّنَادِ يَذْكُرُهُمْ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ (4) . وَرَوَى: الشَّعْبِيُّ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) : أَنَّ أَخَاهُ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصُوْمُ وَلاَ يُفْطِرُ ... ، فِي حَدِيْثٍ ذَكَرَهُ (6) .   (1) في الطبقات 5 / 207، 208 عن محمد بن عمر الواقدي. (2) انظر ابن عساكر (باريس) 87 ب. (3) المصدر السابق 86 ب. (4) المصدر السابق 87 ب. (5) في الأصل: " عبد العزيز " وهو تصحيف، وما أثبتناه من ابن عساكر وتهذيب ابن حجر. (6) الخبر في ابن عساكر (باريس) 88 آ، ب، وتمامه: " فدخل عليه ابنه وهو مفطر فقال: ما شأنك اليوم مفطرا؟ قال: أصابتني جنابة فلم أغتسل حتى أصبحت، فأفتاني أبو هريرة أن أفطر. فأرسلوا إلى عائشة يسألونها، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم تصيبه الجنابة فيغتسل بعدما يصبح ثم يخرج رأسه يقطر، فيصلي بأصحابه ثم يصوم ذلك اليوم ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 قُلْتُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِمَّنْ جَمَعَ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالشَّرَفَ، وَكَانَ مِمَّنْ خَلَفَ أَبَاهُ فِي الجَلاَلَةِ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَصْرَ، فَدَخَلَ مُغْتَسَلَهُ، فَسَقَطَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أَحْدَثْتُ فِي صَدْرِ نَهَارِي هَذَا شَيْئاً. فَمَا عَلِمْتُ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ حَتَّى مَاتَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، بِالمَدِيْنَةِ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ (2) : يُقَالَ لَهَا: سَنَةُ الفُقَهَاءِ؛ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُم. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ: ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ (3) .   (1) ابن سعد 5 / 208، وابن عساكر (باريس) 89 آ، وما بين الحاصرتين منهما. (2) انظر ابن سعد 5 / 208. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 656. والبخاري 4 / 353، ومسلم (1567) وأبو داود (3481) والترمذي (1276) و (1133) و (2072) وابن ماجه (2159) والنسائي (4670) . وحلوان الكاهن: ما يأخذه المتكهن على كهانته. وفعل الكهان والتنجيم، والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون والمشعوذون من استطلاع الغيب، حرام وباطل، لا يجوز لأحد أن يأتي أمثال هؤلاء فيسألهم أو يصدق مقالهم. فقد أخرج الامام أحمد 2 / 408 و476 من حديث أبي هريرة مرفوعا " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " إسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 وَبِهِ: إِلَى يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ (1) ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَبَا مَسْعُوْدٍ عُقْبَةَ بنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلاَثٌ هُنَّ سُحْتٌ: ثَمَنُ الكَلْبِ، وَمَهْرُ البَغِيِّ، وَحُلْوَانُ الكَاهِنِ) . وَأَخْرَجَهُ: أَصْحَابُ الأُمَّهَاتِ السِّتَّةِ مِنْ: حَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، عَنِ الزُهْرِيِّ (2) . وَكَانَ وَالِدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ، يُوْصَفُ بِالعَقْلِ وَالفَضْلِ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا عَلِمْتُ لَهُ صُحْبَةً. لَهُ رِوَايَةٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . 166 - وَأَخُوْه ُ: عِكْرِمَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ * (خَ، م، د، س) ثِقَةٌ، جَلِيْلُ القَدْرِ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ. قِيْلَ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ - رَحْمَهُ اللهُ -. 167 - فَأَمَّا جَدُّه ُ: الحَارِثُ بنُ هِشَامٍ المَخْزُوْمِيُّ ** (ق) أَخُو أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، وَكَانَ خَيِّراً،   (1) في الأصل: " مزيد " وهو تصحيف. (2) انظر تخريج الحديث السابق. (*) طبقات ابن سعد 5 / 209، طبقات خليفة ت 2099، تاريخ البخاري 7 / 50، المعرفة والتاريخ 1 / 372، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 10، تهذيب الكمال ص 953، تاريخ الإسلام 4 / 156، تذهيب التهذيب 3 / 48 ب، تهذيب التهذيب، 7 / 260، خلاصة تذهيب التهذيب 270، وقد تقدمت ترجمته في ص 370. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 444 و7 / 404، طبقات خليفة ت 2819، المعارف 281، الجرح = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 شَرِيْفاً، كَبِيْرَ القَدْرِ. وَهُوَ الَّذِي أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ (1)) . لَهُ رِوَايَةٌ فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (2)) . أَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مائَةً مِنَ الإِبِلِ. اسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ، وَتَزَوَّجَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَزَوَّجَ عُمَرُ بِابْنَتِهِ أُمِّ حَكِيْمٍ. مَاتَ: فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاسَ (3) ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. ابْنُ المُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ بنِ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: خَرَجَ الحَارِثُ بنُ هِشَامٍ، فَجَزِعَ (4) أَهْلُ مَكَّةَ، وَخَرَجُوا يُشَيِّعُوْنَهُ، فَوَقَفَ،   = والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 92، المستدرك 3 / 277 وما بعدها، الاستيعاب ت 440، تاريخ ابن عساكر 4 / 68 ب، أسد الغابة 1 / 420، تهذيب الكمال ص 223، العبر 1 / 22، تذهيب التهذيب 1 / 116 آ، تاريخ الإسلام 2 / 25، البداية والنهاية 7 / 93، العقد الثمين 4 / 32. الإصابة ت 1504، تهذيب التهذيب 2 / 161، خلاصة تذهيب التهذيب 69، تهذيب ابن عساكر 4 / 8. (1) أخرجه مالك 1 / 152، والبخاري 6 / 195، 196، ومسلم 1 / 498 (336) (82) من طريق أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب..وانظر شرح الموطأ للزرقاني 1 / 305، 306 فقد توسع في بيان اسم الذي أجارته. (2) رقم (1991) في النكاح باب متى يستحب البناء بالنساء من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عبد الملك بن الحارث بن هشام عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة في شوال وجمعها إليه في شوال. (3) ويقال عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، وقيل: هي ضيعة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وفيها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة وغيرهم، وقيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين. انظر معجم البلدان. (4) في الأصل: " فخرج " مصحف، والصواب ما أثبتناه من الاستيعاب وابن عساكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَوَقَفُوا حَوْلَهُ يَبْكُوْنَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً بِنَفْسِي عَنْكُم، وَلاَ اخْتِيَارَ بَلَدٍ عَلَى بَلَدِكُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الأَمْرَ كَانَ، فَخَرَجَتْ فِيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا كَانُوا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهَا، وَلاَ فِي بُيُوْتِهَا، وَأَصْبَحْنَا -وَاللهِ- لَوْ أَنَّ جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَباً فَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ، مَا أَدْرَكْنَا يَوْماً مِنْ أَيَّامِهِمْ، فَنَلْتَمِسُ أَنْ نُشَارِكَهُمْ فِي الآخِرَةِ، فَاتَّقَى اللهَ امْرُؤٌ (1) . فَتَوَجَّهَ غَازِياً إِلَى الشَّامِ، وَاتَّبَعَهُ ثَقَلُهُ، فَأُصِيْبَ شَهِيْداً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. 168 - عُرْوَةُ ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (ع) وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ: الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، الإِمَامُ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ؛ لِصِغَرِهِ. وَعَنْ: أُمِّهِ؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. وَعَنْ: خَالَتِهِ؛ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَلاَزَمَهَا، وَتَفَقَّهَ بِهَا. وَعَنْ: سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، وَجَابِرٍ، وَالحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي   (1) أورده ابن عبد البر في " الاستيعاب " 1 / 303، 304، وابن عساكر 4 / 71 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 178، الزهد لأحمد 371، طبقات خليفة ت 2066، تاريخ البخاري 7 / 31، جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار 262، 283، المعارف 222، المعرفة والتاريخ 1 / 264 و550، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 395، الحلية 2 / 176 طبقات الفقهاء للشيرازي 58، تاريخ ابن عساكر 11 / 280 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 331، وفيات الأعيان 3 / 255، تهذيب الكمال ص 932، تاريخ الإسلام 4 / 31، تذكرة الحفاظ 1 / 58، العبر 1 / 110، تذهيب التهذيب 3 / 38 ب، البداية والنهاية 9 / 101، غاية النهاية ت 2114، تهذيب التهذيب 7 / 180، النجوم الزاهرة 1 / 228، طبقات الحفاظ للسيوطي 23، خلاصة تذهيب التهذيب 265، شذرات الذهب 1 / 103. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَابْنِهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: بَنُوْهُ؛ يَحْيَى، وَعُثْمَانُ، وَهِشَامٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَبَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ يَتِيْمُ عُرْوَةَ - وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَحَفِيْدُهُ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ خَلِيْفَةُ (1) : وُلِدَ عُرْوَةُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ. فَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ. وَقِيْلَ: مَوْلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: وُلِدَ لَسِتِّ سِنِيْنَ خَلَتْ مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَقَالَ مَرَّةً (2) : وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَذْكُرُ أَنَّ أَبِي الزُّبَيْرَ كَانَ يُنَقِّزُنِي، وَيَقُوْلُ: مُبَارَكٌ مِنْ وَلَدِ الصِّدِّيْقِ ... أَبْيَضُ مِنْ آلِ أَبِي عَتِيْقِ أَلَذُّهُ كَمَا أَلَذُّ رِيْقِي (3) ... قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: وَقَفْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَنْظُرُ إِلَى الَّذِيْنَ قَدْ حَصَرُوا عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ مَشَى   (1) في تاريخه 156 (2) قول مصعب هذا في تاريخ ابن عساكر 11 / 283، وكذا في تاريخ الإسلام للمؤلف. (3) ابن عساكر 11 / 283 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 أَحَدُهُمْ عَلَى الخَشَبَةِ لِيَدْخُلَ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَقِيَهُ عَلَيْهَا أَخِي عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، طَاحَ قَتِيْلاً عَلَى البَلاَطِ. فَقُلْتُ لِصِبْيَانٍ مَعِي: قَتَلَهُ أَخِي. فَوَثَبَ عَلَيَّ الَّذِيْنَ حَصَرُوا عُثْمَانَ، فَكَشَفُوْنِي، فَوَجَدُوْنِي لَمْ أُنْبِتْ، فَخَلَّوْنِي (1) . هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رُدِدْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الجَمَلِ، اسْتُصْغِرْنَا (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكُلُّ هَذَا مُطَابِقٌ؛ لأَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بنُ صَالِحِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ قَدِمَ البَصْرَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ عَامِلٌ عَلَيْهَا، فَيُقَالُ أَنْشَدَهُ: أَمُتُّ بِأَرْحَامٍ إِلَيْكَ قَرِيْبَةٍ ... وَلاَ قُرْبَ بِالأَرْحَامِ مَا لَمْ تُقَرِّبِ فَقَالَ لِعُرْوَةَ: مَنْ قَالَ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ جَحْشٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهَلْ تَدْرِي مَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: قَالَ لَهُ: (صَدَقْتَ) . ثُمَّ قَالَ لِي: مَا أَقْدَمَكَ البَصْرَةَ؟ قُلْتُ: اشْتَدَّتِ الحَالُ، وَأَبَى عَبْدُ اللهِ أَنْ يَقْسِمَ سَبْعَ حِجَجٍ، وَتَأَلَّى حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَ الزُّبَيْرِ. قَالَ: فَأَجَازَنِي، وَأَعْطَانِي، ثُمَّ لَحِقَ عُرْوَةُ بِمِصْرَ، فَأَقَامَ بِهَا بَعْدُ (3) .   (1) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 283 ب، وما بين الحاصرتين منه. وأنبت الغلام: إذا نبتت عانته. (2) ابن عساكر 11 / 283 ب، وابن سعد 5 / 179. (3) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 290 آ. والبيت في ابن هشام 1 / 474 برواية مختلفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ أَتَعَلَّقُ بِشَعْرٍ فِي ظَهْرِ أَبِي (1) . وَيُرْوَى عَنِ: الزُهْرِيِّ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: كُنَّا فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ وَإِلَى آخِرِهَا نَجْتَمِعُ فِي حَلْقَةٍ بِالمَسْجِدِ بِاللَّيْلِ، أَنَا، وَمُصْعَبٌ وَعُرْوَةُ ابْنَا الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المِسْوَرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَكُنَّا نَتَفَرَّقُ بِالنَّهَارِ، فَكُنْتُ أَنَا أُجَالِسُ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، وَهُوَ مُتَرَئِّسٌ بِالمَدِيْنَةِ فِي القَضَاءِ وَالفَتْوَى وَالقِرَاءةِ وَالفَرَائِضِ فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، ثُمَّ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَانَ عُرْوَةُ يَغْلِبُنَا بِدُخُوْلِهِ عَلَى عَائِشَةَ (2) . قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ: مَا مَاتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى تَرَكْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ (2) . مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لَنَا وَنَحْنُ شَبَابٌ: مَا لَكُم لاَ تَعَلَّمُوْنَ، إِنْ تَكُوْنُوا (3) صِغَارَ قَوْمٍ يُوْشِكُ أَنْ تَكُوْنُوا كِبَارَ قَوْمٍ، وَمَا خَيْرُ الشَّيْخِ أَنْ يَكُوْنَ شَيْخاً وَهُوَ جَاهِلٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي قَبْلَ مَوْتِ عَائِشَةَ بِأَرْبَعِ حِجَجٍ وَأَنَا أَقُوْلُ، لَوْ مَاتَتِ اليَوْمَ مَا نَدِمْتُ عَلَى حَدِيْثٍ عِنْدَهَا إِلاَّ وَقَدْ وَعَيْتُهُ، وَلَقَدْ كَانَ يَبْلُغُنِي عَنِ الصَّحَابِيِّ الحَدِيْثُ، فَآتِيْهِ، فَأَجِدُهُ قَدْ قَالَ، فَأَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ أَسْأَلُهُ عَنْهُ (4) .   (1) انظر ابن عساكر 11 / 284 آ. (2) ابن عساكر 11 / 284 آ. (3) في الأصل: " نكون " تصحيف. (4) أورد بعضها أبو نعيم في الحلية 2 / 177 من طريق الاصمعي عن ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 551 وابن عساكر 11 / 285 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ اللاَّحِقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا أَجِدُ أَعْلَمَ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَا أَعْلَمُهُ يَعْلَمُ شَيْئاً أَجْهَلُهُ (1) . قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ أَرْبَعَةٌ: سَعِيْدٌ، وَعُرْوَةُ، وَقَبِيْصَةُ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ (1) . ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عُرْوَةَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ (2) . يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: وَاللهِ مَا تَعَلَّمْنَا جُزْءاً مِنْ أَلْفَيْ جُزْءٍ أَوْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي (3) . الأَصْمَعِيُّ: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ صُعَيْرٍ (4) عَنْ شَيْءٍ مِنَ الفِقْهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِهَذَا. وَأَشَارَ إِلَى ابْنِ المُسَيِّبِ، فَجَالَسْتُهُ سَبْعَ سِنِيْنَ، لاَ أَرَى أَنَّ عَالِماً غَيْرَهُ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ إِلَى عُرْوَةَ، فَفَجَّرْتُ بِهِ ثَبَجَ بَحْرٍ (5) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي المَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ أَبِي: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عُرْوَةُ، فَأَخْبَرْتُهُ، وَتَعَجَّبْتُ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لاَ تَعْجَبْ، لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُوْنَهُ (6) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ عَلَى حَدِيْثِهِ (7) .   (1) ابن عساكر 11 / 284 آ. (2) ابن عساكر 11 / 284 ب، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 552. (3) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 282 آ، وانظر تاريخ البخاري 7 / 32. (4) هو عبد الله بن ثعلبة بن صعير المازني، شيخ للزهري، وأبوه له صحبة انظر مشتبه النسبة 411. (5) ابن عساكر 11 / 284 ب. (6) ابن عساكر 11 / 285 آ. (7) الحلية 2 / 176، وابن عساكر 11 / 285 ب، وقد كرره المؤلف في ص 431. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ. مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ أَحْرَقَ كُتُباً لَهُ، فِيْهَا فِقْهٌ، ثُمَّ قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ فَدَيْتُهَا بِأَهْلِي وَمَالِي (1) . ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْوَى لِلشِّعْرِ مِنْ عُرْوَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا أَرْوَاكَ لِلشِّعْرِ! فَقَالَ: مَا رِوَايَتِي مَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهَا شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْشَدَتْ فِيْهِ شِعْراً (2) . ضَمْرَةُ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يَقْرَأُ رُبُعَ القُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فِي المُصْحَفِ نَظَراً، وَيَقُوْمُ بِهِ اللَّيْلَ، فَمَا تَرَكَهُ إِلاَّ لَيْلَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، وَكَانَ وَقَعَ فِيْهَا الآكِلَةُ (3) ، فَنُشِرَتْ، وَكَانَ إِذَا كَانَ أَيَّامَ الرُّطَبِ يَثْلِمُ حَائِطَهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِيْهِ، فَيَدْخُلُوْنَ يَأْكُلُوْنَ وَيَحْمِلُوْنَ (4) . الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهُدَيْرِيُّ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، قَالَ: العِلْمُ لِوَاحِدٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ: لِذِي حَسَبٍ يُزَيِّنُهُ بِهِ، أَوْ ذِي دِيْنٍ يَسُوْسُ بِهِ دِيْنَهُ، أَوْ مُخْتَبِطٍ (5) سُلْطَاناً يُتْحِفُهُ بِعِلْمِهِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَشْرَطَ لِهَذِهِ الخِلاَلِ مِنْ عُرْوَةَ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ (6) .   (1) ابن عساكر 11 / 286 آ، وانظر ابن سعد 5 / 179، وانظر ص 436 من هذا الجزء. (2) ابن عساكر 11 / 286 آ. (3) كذا الأصل، وضبط المعجم الكبير: الاكلة، وهي المرض المسمى ب (الغنغرينا) . وانظر الحلية 2 / 178، 179. (4) ابن عساكر 11 / 286 ب. وانظر الحلية 2 / 178 - 180. (5) الخبط: طلب المعروف، والمختبط: الذي يسألك بلا وسيلة ولا قرابة ولا معرفة. (6) ابن عساكر 11 / 285 ب، وزاد في نهايته: " كلاهما حسيب دين، من السلطان بارا ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا اتَّخَذَ عُرْوَةُ قَصْرَهُ بِالعَقِيْقِ (1) ، قَالَ لَهُ النَّاسُ: جَفَوْتَ مَسْجِدَ رَسُوْلَ اللهِ! قَالَ: رَأَيْتُ مَسَاجِدَهُم لاَهِيَةً، وَأَسْوَاقَهُم لاَغِيَةً، وَالفَاحِشَةَ فِي فِجَاجِهِم عَالِيَةً، فَكَانَ فِيْمَا هُنَالِكَ - عَمَّا هُم فِيْهِ - عَافِيَةً (2) . مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ جَدِّهِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ مَقْدَمُهُ المَدِيْنَةَ، فَكَشَفَنِي، وَسَأَلَنِي، وَاسْتَنْشَدَنِي، ثُمَّ قَالَ لِي: أَتَرْوِي قَوْلَ جَدَّتِكَ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: خَالَجْتُ آبَادَ الدُّهُوْرِ عَلَيْهِمُ ... وَأَسْمَاءُ لَمْ تَشْعُرْ بِذَلِكَ أَيِّمُ فَلَو كَانَ زَبْرٌ مُشْرِكاً لَعَذَرْتُهُ ... وَلَكِنَّهُ - قَدْ يَزْعُمُ النَّاسُ - مُسْلِمُ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَرْوِي قَوْلَهَا: أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عَمِّي رَسُوْلاً ... فَفِيْمَ الكَيْدُ فِيْنَا وَالإِمَارُ وَسَائِلْ فِي جُمُوْعِ بَنِي عَلِيٍّ ... إِذَا كَثُرَ التَّنَاشُدُ وَالفَخَارُ بِأَنَّا لاَ نُقِرُّ الضَّيْمَ فِيْنَا ... وَنَحْنُ لِمَنْ تَوَسَّمَنَا نُضَارُ مَتَى نَقْرَعْ بِمَرْوَتِكُمْ نَسُؤْكُم ... وَتَظْعَنْ مِنْ أَمَاثِلِكُم دِيَارُ وَيَظْعَنْ أَهْلُ مَكَّةَ وَهْيَ سَكْنٌ ... هُمُ الأَخْيَارُ إِنْ ذُكِرَ الخِيَارُ مَجَازِيْلُ العَطَاءِ إِذَا وَهَبْنَا ... وَأَيْسَارُ إِذَا حُبَّ القَتَارُ وَنَحْنُ الغَافِرُوْنَ إِذَا قَدَرْنَا ... وَفِيْنَا عِنْدَ عَدْوَتِنَا انْتِصَارُ وَأَنَّا وَالسَّوَابِحُ يَوْمَ جَمْعٍ ... بِأَيْدِيْهَا وَقَدْ سَطَعَ الغُبَارُ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ فِي قَتْلِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، تُعَيِّرُ بِهِ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ،   (1) العقيق: موضع بناحية المدينة، ويقال هما عقيقان: الأكبر وهو مما يلي الحرة، ما بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل، والثاني هو الاصغر، وقد حددهما ياقوت في " معجم البلدان ". (2) ابن عساكر 11 / 292 آ، ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَكَانَ صِهْرُهُ قَتَلَهُ هِشَامُ بنُ الوَلِيْدِ ... ، وَذَكَرَ القِصَّةَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ يَا ابْنَ أَخِي، هَذِهِ بِتِلْكَ (1) . وَلِعُرْوَةَ فِي قَصْرِهِ بِالعَقِيْقِ: بَنَيْنَاهُ فَأَحْسَنَّا بُنَاهُ ... بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ العَقِيْقِ تَرَاهُم يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ شَزْراً ... يَلُوْحُ لَهُم عَلَى وَضَحِ الطَّرِيْقِ فَسَاءَ الكَاشِحِيْنَ وَكَانَ غَيْظاً ... لأَعْدَائِي وَسُرَّ بِهِ صَدِيْقِي يَرَاهُ كُلُّ مُخْتَلِفٍ وَسَارٍ ... وَمُعْتَمِدٍ إِلَى البَيْتِ العتِيْقِ (2) وَقِيْلَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ وَبِئَارِهِ (3) ، دَعَا جَمَاعَةً، فَطَعِمَ النَّاسُ، وَجَعَلُوا يُبَرِّكُوْنَ وَيَنْصَرِفُوْنَ (4) . الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عِكْرِمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ فِي آخِرِ أُمَّتِي مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُوْرِ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوْطٍ) . قَالَ عُرْوَةُ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْهُ، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهَا، وَخَشِيْتُ أَنْ يَقَعَ وَأَنَا بِهَا، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يُصِيْبُ إِلاَّ أَهْلَ القَصَبَةِ (5) . قَالَ الزُّبَيْرُ: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ مِثْلَهُ، بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ. وَبِئرُ عُرْوَةَ: مَشْهُوْرٌ بِالعَقِيْقِ، طَيِّبُ المَاءِ، وَفِيْهِ يَقُوْلُ الشَّاعِرُ: لَوْ يَعْلَمُ الشَّيْخُ غُدُوِّي بِالسَّحَرْ ... قَصْداً إِلَى البِئْرِ الَّتِي كَانَ حَفَرْ   (1) الخبر والابيات في ابن عساكر 11 / 290 آ. (2) الابيات في ابن عساكر 11 / 292 ب. (3) بئاره: أي حفر آباره. (4) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 292 آ. (5) ضعيف لارساله وجهالة محمد بن يعقوب بن عتبة، وعبد الله بن عكرمه لم يوثقه غير ابن حبان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 فِي فَتِيَةٍ مِثْلِ الدَّنَانِيْرِ غُرَرْ ... وَقَاهُمُ اللهُ النِّفَاقَ وَالضَّجَرْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٍ وَعُمَرْ ... ثُمَّ الحَوَارِيِّ لَهُم جَدٌّ أَغَرّ قَدْ شَمَخَ المَجْدُ هُنَاكَ وَازْمَخَرّ ... فَهُم عَلَيْهَا بِالعَشِيِّ وَالبُكَرْ يَسْقُوْنَ مَنْ جَاءَ وَلاَ يُؤْذَى بَشَرْ ... لَزَادَ فِي الشُّكْرِ وَإِنْ كَانَ شَكَرْ قَالَ الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا عَمِّي مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ قَدْ بَاعَ مَالَهُ بِالغَابَةِ (1) ، الَّذِي يُعْرَفُ بِالسِّقَايَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قَسَمَهَا فِي بَنِي أَسَدٍ وَتَيْمٍ، فَاشْتُرِيَ مُجَاحٌ (2) لِعُرْوَةَ مِنْ ذَلِكَ بِأُلُوْفِ دَنَانِيْرَ. الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَامِرِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: قَدِمَ عُرْوَةُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، فَجَاءَ قَوْمٌ، فَوَقَعُوا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ. فَخَرَجَ عُرْوَةُ، وَقَالَ لِلآذِنِ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَخِي، فَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَقَعُوا فِيْهِ، فَلاَ تَأْذَنُوا لِي عَلَيْكُم. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَلِكِ: حَدَّثُوْنِي بِمَا قُلْتَ، وَإِنَّ أَخَاكَ لَمْ نَقْتُلْهُ لِعَدَاوَةٍ، وَلَكِنَّهُ طَلَبَ أَمْراً وَطَلَبْنَاهُ، فَقَتَلْنَاهُ، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ مِنْ أَخْلاَقِهِمْ أَنْ لاَ يَقْتُلُوا رَجُلاً إِلاَّ شَتَمُوْهُ، فَإِذَا أَذِنَّا لأَحَدٍ قَبْلَكَ، فَقَدْ جَاءَ مَنْ يَشْتِمُهُ، فَانْصَرفَ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ قَدِمَ عَلَى الوَلِيْدِ حِيْنَ شَئِفَتْ (3) رِجْلُهُ، فَقِيْلَ: اقْطَعْهَا. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقْطَعَ مِنِّي طَائِفاً. فَارْتَفَعَتْ إِلَى الرُّكْبَةِ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهَا إِنْ وَقَعَتْ فِي رُكْبَتِكَ، قَتَلَتْكَ. فَقَطَعَهَا، فَلَمْ يُقَبِّضْ وَجْهَهُ. وَقِيْلَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا: نَسْقِيْكَ دَوَاءً لاَ تَجِدُ لَهَا أَلَماً؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ هَذَا الحَائِطَ وَقَانِي أَذَاهَا. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: وَقَعَتْ الآكِلَةُ فِي رِجْلِ عُرْوَةَ، فَصَعِدَتْ فِي   (1) الغابة: موضع قرب المدينة، على بريد منها من ناحية الشام. انظر معجم البلدان. (2) مجاح: قال البكري: ماء لبني عبد الله بن الزبير، معروف، أعطاه عروة أخاه، هكذا روى الزبير بن أبي بكر وهكذا ضبط عنه. معجم ما استعجم 1164. (3) شئفت رجله: إذا خرجت بها الشأفة، وهي قرحة تخرج في القدم أو في أسفله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 سَاقِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الوَلِيْدُ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ، وَدَعَا الأَطِبَّاءَ. فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إِلاَّ القَطْعُ، فَقُطِعَتْ، فَمَا تَضَوَّرَ وَجْهُهُ (1) . عُمَرُ بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: أَنَّ أَبَاهُ وَقَعَتْ فِي رِجْلِهِ الآكِلَةُ، فَقِيْلَ: أَلاَ نَدْعُوْا لَكَ طَبِيْباً؟ قَالَ: إِنَّ شِئْتُم. فَقَالُوا: نَسْقِيْكَ شَرَاباً يَزُوْلُ فِيْهِ عَقْلُكَ. فَقَالَ: امْضِ لِشَأْنِكَ، مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ خَلْقاً يَشْرَبُ مَا يُزِيْلُ عَقْلَهُ حَتَّى لاَ يَعْرِفَ بِهِ (2) . فَوُضِعَ المِنْشَارُ عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى، فَمَا سَمِعْنَا لَهُ حِسّاً. فَلَمَّا قَطَعَهَا، جَعَلَ يَقُوْلُ: لَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ، وَلَئِنْ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ، وَمَا تَرَكَ جُزْءهُ بِالقُرْآنِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ (3) . يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ (4) : حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي القُرَى، وَجَدَ فِي رِجْلِهِ شَيْئاً، فَظَهَرَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، ثُمَّ تَرَقَّى بِهِ الوَجَعُ، وَقَدِمَ عَلَى الوَلِيْدِ وَهُوَ فِي مَحْمِلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، اقْطَعْهَا. قَالَ: دُوْنَكَ، فَدَعَا لَهُ الطَّبِيْبَ، وَقَالَ: اشْرَبْ المُرْقِدَ (5) . فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ، فَمَا زَادَ أَنْ يَقُوْلَ: حَسِّ حَسِّ (6) . فَقَالَ الوَلِيْدُ: مَا رَأَيْتُ شَيْخاً قَطُّ أَصْبَرَ مِنْ هَذَا. وَأُصِيْبَ عُرْوَةُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، رَكَضَتْهُ بَغْلَةٌ فِي اصْطَبْلٍ، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةً. فَلَمَّا كَانَ بِوَادِي القُرَى، قَالَ: {لَقَدْ لَقِيْنَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكَهْفُ: 63] ، اللَّهُمَّ كَانَ لِي بَنُوْنَ سَبْعَةٌ، فَأَخَذْتَ وَاحِداً أَبْقَيْتَ لِي سِتَّةً، وَكَانَ لِي أَطْرَافٌ   (1) الحلية 2 / 179 وابن عساكر 11 / 286 ب. (2) في ابن عساكر: " لايعرف ربه ". (3) ابن عساكر 11 / 286 ب. (4) هو يعقوب بن إبراهيم العبدي الدورقي المتوفى سنة 251 تأتى ترجمته في المجلد الثامن 117 من الأصل. (5) المرقد: شيء يشرب فينوم من يشربه ويرقده. (6) حس: كلمة تقال عند الالم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 أَرْبَعَةٌ، فَأَخَذْتَ طَرَفاً وَأَبْقَيْتَ ثَلاَثَةً، وَلَئِنْ (1) ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ، وَلَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ (2) . وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: نَظَرَ أَبِي إِلَى رِجْلِهِ فِي الطَّسْتِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي مَا مَشَيْتُ بِكِ إِلَى مَعْصِيَةٍ قَطُّ، وَأَنَا أَعْلَمُ (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا بَنِيَّ سَلُوْنِي، فَلَقَدْ تُرِكْتُ حَتَّى كِدْتُ أَنْسَى، وَإِنِّي لأُسْأَلُ عَنِ الحَدِيْثِ، فَيُفْتَحُ لِي حَدِيْثُ يَوْمَيْنِ (4) . قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ عُرْوَةُ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ عَلَى حَدِيْثِهِ (5) . أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ لَهُ: أَفْطِرْ، فَلَمْ يُفْطِرْ (6) . سُلَيْمَانُ بنُ مَعْبَدٍ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: اجْتَمَعَ فِي الحِجْرِ مُصْعَبٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعُرْوَةُ بَنُوْ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عُمَرَ، فَقَالُوا: تَمَنَّوْا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا أَنَا، فَأَتَمَنَّى الخِلاَفَةَ. وَقَالَ عُرْوَةُ: أَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْمُ. وَقَالَ مُصْعَبٌ: أَمَّا أَنَا، فَأَتَمَنَّى إِمْرَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: أَتَمَنَّى المَغْفِرَةَ. فَنَالُوا مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ (7) .   (1) في الأصل: " إن ابتليت " وما أثبتناه من ابن عساكر. (2) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 287 ا، وانظر جمهرة نسب قريش للزبير 283، والمعرفة والتاريخ 1 / 553 والحلية 2 / 179. (3) ابن عساكر 11 / 287 ب، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 553. (4) ابن سعد 5 / 179 و180، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 552. (5) تقدم الخبر في ص 425 رقم (7) . (6) ابن عساكر 11 / 288 آ. (7) الحلية 2 / 176 وابن عساكر 11 / 288 ب، وانظره رقم (4) من صفحة 141 من هذا الجزء في ترجمة مصعب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 مَعْمَرٌ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ آتِي عُرْوَةَ، فَأَجِلِسُ بِبَابِهِ مَلِيّاً، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَدْخُلَ دَخَلْتُ، فَأَرْجِعُ وَمَا أَدْخُلُ إِعْظَاماً لَهُ (1) . وَعَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَطَبْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِنْتَهُ سَوْدَةَ، وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ، فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ المَدِيْنَةَ بَعْدَهُ، مَضَيْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَكُنْتَ ذَكَرْتَ سَوْدَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ ذَكَرْتَهَا وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ يَتَخَايَلُ اللهُ بَيْنَ أَعْيُنِنَا، أَفَلَكَ فِيْهَا حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: أَحْرَصُ مَا كُنْتُ. قَالَ: يَا غُلاَمُ، ادْعُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَنَافِعاً مَوْلَى عَبْدِ اللهِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَبَعْضَ آلِ الزُّبَيْرِ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَمَوْلَى خُبَيْبٍ؟ قَالَ: ذَاكَ أَبْعَدُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: هَذَا عُرْوَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ عَلِمْتُمَا حَالَهُ، وَقَدْ خَطَبَ إِلَيَّ سَوْدَةَ، وَقَدْ زَوَّجْتُهُ إِيَّاهَا بِمَا جَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ مِنْ إِمْسَاكٍ بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ تَسْرِيْحٍ بِإِحْسَانٍ، وَعَلَى أَنْ يَسْتَحِلَّهَا بِمَا يَسْتَحِلُّ بِهِ مِثْلَهَا، أَقَبِلْتَ يَا عُرْوَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ (2) . قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: أَقَامَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِيْنَ، وَعُرْوَةُ مَعَهُ (3) . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، خَرَجَ عُرْوَةُ إِلَى المَدِيْنَةِ بِالأَمْوَالِ، فَاسْتَدْعُوْهَا، وَسَارَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ قَبْلَ البَرِيْدِ بِالخَبَرِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى البَابِ، قَالَ لِلْبَوَّابٍ: قُلْ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بِالبَابِ. فَقَالَ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: قُلْ لَهُ كَذَا. فَدَخَلَ، فَقَالَ: هَا هُنَا رَجُلٌ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، قَالَ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: ذَاكَ عُرْوَةُ، فَائْذَنْ لَهُ. فَلَمَّا رَآهُ، زَالَ لَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ كَيْفَ أَبُو بَكْرٍ؟ -يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ-. فَقَالَ: قُتِلَ -رَحِمَهُ اللهُ-. فَنَزَلَ عَبْدُ المَلِكِ عَنِ السَّرِيْرِ، فَسَجَدَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحَجَّاجُ: إِنَّ عُرْوَةَ قَدْ خَرَجَ،   (1) ابن عساكر 11 / 288 ب. (2) ابن عساكر 11 / 289 ب، 290 آ. (3) ابن عساكر 11 / 290 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وَالأَمْوَالُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: مَا تَدَعُوْنَ الرَّجُلَ حَتَّى يَأْخُذَ سَيْفَهُ فَيَمُوْتَ كَرِيْماً! فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، كَتَبَ إِلَى الحَجَّاجِ: أَنْ أَعْرِضْ عَنْ ذَلِكَ (1) . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : هُوَ الَّذِي حَفَرَ بِئْرَ عُرْوَةَ بِالمَدِيْنَةِ، وَمَا بِالمَدِيْنَةِ أَعْذَبُ مِنْ مَائِهَا. جَرِيْرٌ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ يَذْكُرُ أَبِي بِسُوْءٍ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الفِتَنِ (4) . وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ (5) . قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: مَا بَرَّ وَالِدَهُ مَنْ شَدَّ الطَّرَفَ إِلَيْهِ (5) . عَامِرُ بنُ صَالِحٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: سَقَطَ أَخِي مُحَمَّدٌ - وَأُمُّهُ بِنْتُ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ - مِنْ أَعْلَى سَطْحٍ فِي اصْطَبْلِ الوَلِيْدِ، فَضَرَبَتْهُ الدَّوَابُّ بِقَوَائِمِهَا، فَقَتَلَتْهُ (6) . فَأَتَى عُرْوَةَ رَجُلٌ يُعَزِّيْهِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُعَزِّيْنِي بِرِجْلِي، فَقَدِ احْتَسَبْتُهَا. قَالَ: بَلْ أُعَزِّيْكَ بِمُحَمَّدٍ ابْنِكَ. قَالَ: وَمَا لَهُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَخَذْتَ عُضْواً وَتَرَكْتَ أَعْضَاءً، وَأَخَذْتَ ابْناً وَتَرَكْتَ أَبْنَاءً. فَلَمَّا   (1) المعرفة والتاريخ 1 / 554 وابن عساكر 11 / 290 ب. (2) في وفيات الأعيان 3 / 257. (3) ابن عساكر 11 / 291 ب. (4) ابن عساكر 11 / 291 ب، وقد كرره المؤلف في ص 436. (5) ابن عساكر 11 / 291 ب. (6) انظر خبر مقتله في جمهرة نسب قريش للزبير 277 و278. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 قَدِمَ المَدِيْنَةَ، أَتَاهُ ابْنُ المُنْكَدِرِ، فَقَالَ: كَيْفَ كُنْتَ؟ قَالَ: {لَقَدْ لَقِيْنَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً (1) } [الكَهْفُ: 63] . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عِيْسَى بنَ طَلْحَةَ جَاءَ إِلَى عُرْوَةَ حِيْنَ قَدِمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ لِبَعْضِ بَنِيْهِ: اكْشِفْ لِعَمِّكَ رِجْلِي. فَفَعَلَ، فَقَالَ عِيْسَى: إِنَّا - وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ - مَا أَعْدَدْنَاكَ لِلصِّرَاعِ، وَلاَ لِلسِّبَاقِ، وَلَقَدْ أَبْقَى اللهُ مِنْكَ لَنَا مَا كُنَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ رَأْيَكَ وَعِلْمَكَ. فَقَالَ: مَا عَزَّانِي أَحَدٌ مِثْلَكَ (2) . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : كَانَ أَحْسَنَ مَنْ عَزَّاهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا بِكَ حَاجَةٌ إِلَى المَشْيِ، وَلاَ أَرَبٌ فِي السَّعْيِ، وَقَدْ تَقَدَّمَكَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِكَ، وَابْنٌ مِنْ أَبْنَائِكَ إِلَى الجَنَّةِ، وَالكُلُّ تَبَعٌ لِلبَعْضِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَقَدْ أَبْقَى اللهُ لَنَا مِنْكَ مَا كُنَّا إِلَيْهِ فُقَرَاءَ مِنْ عِلْمِكَ وَرَأْيِكَ، وَاللهُ وَلِيُّ ثَوَابِكَ، وَالضَّمِيْنُ بِحِسَابِكَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: تُوُفِّيَ عُرْوَةُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً (4) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَشَبَابٌ: مَاتَ عُرْوَةُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ الهَيْثَمُ، وَالوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) مِنْ شُيُوْخِ عُرْوَةَ: أُمُّهُ أَسْمَاءُ،   (1) أورده ابن عساكر مطولا 11 / 290 ب. (2) ابن عساكر 11 / 288 آ. (3) في وفيات الأعيان 3 / 256. (4) ابن عساكر 11/ 294 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 وَخَالَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَأُمُّ حَبِيْبَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمُّ هَانِئ، وَأُمُّ شَرِيْكٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ، وَبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَمْرَةُ الأَنْصَارِيَّةُ. وَمِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ: بَكْرُ بنُ سَوَادَةَ، وَتَمِيْمُ بنُ سَلَمَةَ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَجَعْفَرُ بنُ مُصْعَبٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحَبِيْبٌ مَوْلَى عُرْوَةَ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَدَاوُدُ بنُ مُدْرِكٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بنُ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ، وَزُمَيْلٌ مَوْلَى عُرْوَةَ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعِيْدُ بنُ خَالِدٍ الأُمَوِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُوَيْمِرٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَشَيْبَةُ الخُضْرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ حَسَّانٍ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِنْسَانَ الطَّائِفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نِيَارٍ، وَعَبْدُ اللهِ البَهِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَابْنُهُ؛ عُثْمَانُ، وَعُثْمَانُ بنُ الوَلِيْدِ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَحَفِيْدُهُ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، وَمُجَاهِدُ بنُ وَرْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَمَخْلَدُ بنُ خِفَافٍ، وَمُسَافِعُ بنُ شَيْبَةَ، وَمُسْلِمُ بنُ قُرْطٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ، وَمُنْذِرُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَمُوْسَى بنُ عُتْبَةَ، وَهِشَامٌ - ابْنُهُ - وَهِلاَلٌ الوَزَّانُ، وَالوَلِيْدُ بنُ أَبِي الوَلِيْدِ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ - وَقِيْلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ - وَيَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ، وَيَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ (1) ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي يَزِيْدَ، وَأَبُو بُرْدَةَ بنُ   (1) هو يزيد بن عبد الله بن خصيفة، ترجمته في المجلد الخامس 205 من الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 أَبِي مُوْسَى، وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُمَا مِنْ أَقْرَانِهِ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَفْصٍ الزُّهْرِيُّ. وَقَدْ رَوَى رَفِيْقُهُ أَبُو سَلَمَةَ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عُرْوَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ عُرْوَةُ ثِقَةً، ثَبْتاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، فَقِيْهاً، عَالِماً. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الفِتَنِ (2) . وَرَوَى: يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ إِذَا حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، ثُمَّ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ، صَدَّقَ عِنْدِي حَدِيْثُ عَمْرَةَ حَدِيْثَ عُرْوَةَ، فَلَمَّا تَبَحَّرْتُهُمَا، إِذَا عُرْوَةُ بَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ (3) . الأَصْمَعِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: كُنَّا نَقُوْلُ لاَ نَتَّخِذُ كِتَاباً مَعَ كِتَابِ اللهِ، فَمَحَوْتُ كُتُبِي، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ كُتُبِي عِنْدِي، إِنَّ كِتَابَ اللهِ قَدِ اسْتَمَرَّتْ مَرِيْرَتُهُ (4) . عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ الهُنَائِيُّ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَصُوْمُ الدَّهْرَ إِلاَّ يَوْمَ الفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَمَاتَ وَهُوَ صَائِمٌ (5) . وَقَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: رُبَّ كَلِمَةِ ذُلٍّ احْتَمَلْتُهَا، أَوْرَثَتْنِي عِزّاً طَوِيْلاً (6) .   (1) في الطبقات 5 / 179 عن محمد بن عمر. (2) سبق للمؤلف أن ذكر الخبر في ص 433. 3) ابن سعد 5 / 181 وتاريخ البخاري 7 / 31 ولفظه: " فلما استخبرتهما ". (4) الحلية 2 / 176 وابن عساكر 11 / 286 آواستمرت مريرته: أي قوي واستحكم وانظر. ص 426. (5) ابن سعد 5 / 180 وابن عساكر 11 / 288 ب، وانظر الزهد لأحمد 371. (6) الحلية 2 / 177. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 وَقَالَ: مَا حَدَّثْتُ أَحَداً بِشَيْءٍ مِنَ العِلْمِ قَطُّ لاَ يَبْلُغُهُ عَقْلُهُ، إِلاَّ كَانَ ضَلاَلَةً عَلَيْهِ (1) . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وُلِدَ عُرْوَةُ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ (2) : عَنْ عِيْسَى بنِ هِلاَلٍ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كُنْتُ غُلاَماً لِي ذُؤَابَتَانِ، فَقُمْتُ أَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، فَبَصُرَ بِي عُمَرُ، وَمَعَهُ الدِّرَّةُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، فَرَرْتُ مِنْهُ، فَلَحِقَنِي، فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي. قَالَ: فَنَهَانِي. قُلْتُ: لاَ أَعُوْدُ (3) . الأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا جَرَى لأَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ، أَوْ جَرَى لَهُ مَعَ عُثْمَانَ. 169 - خَارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ ابْنُ الإِمَامِ، وَأَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الأَعْلاَمِ،   (1) المعرفة والتاريخ 1 / 550 وابن عساكر 11 / 286 آ. (2) في المعرفة والتاريخ 1 / 364، 365. (3) وأورده ابن عساكر في تاريخه 11 / 283 ب، ولفظه " فأحضر في طلبي حتى تعلق بذؤابتي. يا أمير المؤمنين لا أعود " وكذا لفظ الفسوي في " المعرفة والتاريخ ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 262، طبقات خليفة ت 2185، تاريخ البخاري 3 / 204، المعارف 260، المعرفة والتاريخ 1 / 376 و567، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 374، الحلية 2 / 189، طبقات الفقهاء للشيرازي 60، تاريخ ابن عساكر 5 / 200 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 172، وفيات الأعيان 2 / 223، تهذيب الكمال، تاريخ الإسلام 3 / 362، تذكرة الحفاظ 1 / 85، العبر 1 / 119، تذهيب التهذيب 1 / 184 ب، البداية والنهاية 9 / 187، تهذيب التهذيب 3 / 74، النجوم الزاهرة 1 / 242، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 35، خلاصة تذهيب التهذيب 99، شذرات الذهب 1 / 118، تهذيب ابن عساكر 5 / 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، وَأَجَلُّ إِخْوَتِهِ، وَهُمْ: إِسْمَاعِيْلُ، وَسُلَيْمَانُ، وَيَحْيَى، وَسَعْدٌ. وَجَدُّهُ لأُمِّهِ هُوَ: سَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ الأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ السَّادَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ؛ يَزِيْدَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَأُمِّهِ؛ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدٍ، وَأُمِّ العَلاَءِ الأَنْصَارِيَّةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ. وَلَمْ يَكُنْ بِالمُكْثِرِ مِنَ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سُلَيْمَانُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَأَبُو الزِّنَادِ - وَهُوَ تِلْمِيْذُهُ فِي الفِقْهِ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ الأَنْصَارِيُّ، وَمُجَالِدُ بنُ عَوْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدِّيْبَاجُ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَمِّهِ مُرْسَلَةٌ؛ قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: لأَنَّ عَمَّهُ قُتِلَ زَمَنَ الصِّدِّيْقِ (1) . وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ الَّذِيْنَ يُسْأَلُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيُنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِمْ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ (2) . وَرَوَى: الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الفِقْهُ بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالمَدِيْنَةِ فِي: خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ،   (1) قال البخاري: فإن صح قول موسى بن عقبة أن يزيد بن ثابت قتل أيام اليمامة في عهد أبي بكر، فإن خارجة لم يدرك يزيد. اه. انظر التاريخ الصغير 1 / 42. (2) ابن عساكر 5 / 201 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَقَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُوْنَةَ. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ فِي زَمَانِهِمَا يُسْتَفْتَيَانِ، وَيَنْتَهِي النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِمَا، وَيَقْسِمَانِ المَوَارِيْثَ بَيْنَ أَهْلِهَا مِنَ الدُّوْرِ، وَالنَّخِيْلِ، وَالأَمْوَالِ، وَيَكْتُبَانِ الوَثَائِقَ لِلنَّاسِ (1) . وَرَوَى: مَعْنٌ القَزَّازُ، عَنْ زَيْدِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَجَازَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ خَارِجَةَ بنَ زَيْدٍ بِمَالٍ، فَقَسَمَهُ (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ نَجِيْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ -: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَتَبَ أَنَّ يُعْطَى خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ مَا قُطِعَ عَنْهُ مِنَ الدِّيْوَانِ. فَمَشَى خَارِجَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنَّ يَلْزَمَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ هَذَا مَقَالَةٌ، وَلِيَ نُظَرَاءُ، فَإِنْ عَمَّهُمْ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِهَذَا، فَعَلْتُ، وَإِنْ هُوَ خَصَّنِي بِهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ: لاَ يَسَعُ المَالُ لِذَلِكَ، وَلَوْ وَسِعَهُ، لَفَعَلْتُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ: مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ (1) . ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ خَارِجَةَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ غِلْمَانُ شَبَابٌ زَمَنَ عُثْمَانَ، وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ (2) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُصْعَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنِّي بَنَيْتُ   (1) ابن عساكر 5 / 202 آ. (2) ابن عساكر 5 / 202 ب، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 567. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 سَبْعِيْنَ دَرَجَةً، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا، تَهَوَّرَتْ، وَهَذِهِ السَّنَةُ لِي سَبْعُوْنَ سَنَةً قَدْ أَكْمَلْتُهَا، فَمَاتَ عَنْهَا (1) . الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدِمَ قَادِمٌ السَّاعَةَ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ خَارِجَةَ بنَ زَيْدٍ مَاتَ. فَاسْتَرْجَعَ عُمَرُ، وَصَفَّقَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَقَالَ: ثُلْمَةٌ -وَاللهِ- فِي الإِسْلاَمِ (2) . قَالَ الفَلاَّسُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ خَارِجَةُ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: صَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ (3) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ، وَأَنْبَأَنَا ابْنُ عَلَوْنَ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَرْقَانِيُّ، قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُوْدٍ، فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُ، كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِلَى يَهُوْدٍ إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِم، فَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، قَرَأْتُ كِتَابَهُم لَهُ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (4) تَعْلِيْقاً، فَقَالَ: وَقَالَ خَارِجَةُ، عَنْ أَبِيْهِ.   (1) ابن عساكر 5 / 202 ب، ولفظه: " فمات فيها ". (2) ابن عساكر 5 / 202 ب. (3) انظر ابن سعد 5 / 263. (4) 13 / 161 في الاحكام باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد، بصيغة الجزم. وهو حديث صحيح أخرجه موصولا أبو داود (3645) والترمذي (2716) وأحمد 5 / 186 من حديث عبد = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 وَمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الزِّنَادِ مِنْ شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَهُوَ وَسَطٌ. ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ سَكْرَانُ أَنْصَارِيّاً فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةٌ إِلاَّ لَطْخٌ وَشُبْهَةٌ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ النَّاسِ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ وُلاَةُ المَقْتُوْلِ، ثُمَّ يُسَلَّمُ إِلَيْهِم، فَيَقْتُلُوْهُ. فَرَكِبْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَكَتَبَ إِلَى سَعِيْدِ بنِ العَاصِ: إِنْ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَهُ حَقّاً أَنْ يُحْلِفَنَا عَلَى القَاتِلِ، ثُمَّ يُسْلِمَهُ إِلَيْنَا. فَجِئْنَا بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ إِلَى سَعِيْدٍ، فَقَالَ: أَنَا مُنَفِّذٌ كِتَابَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَاغْدُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. فَغَدَوْنَا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَهُ إِلَيْنَا بَعْدَ أَنْ حَلَفْنَا خَمْسِيْنَ يَمِيْناً. 170 - يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ العَدْوَانِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، المُقْرِئُ، أَبُو سُلَيْمَانَ العَدْوَانِيُّ، البَصْرِيُّ، قَاضِي مَرْوَ. وَيُكْنَى: أَبَا عَدِيٍّ.   = الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت، قال: قال زيد بن ثابت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلمت له كتاب يهود، وقال: " إني والله ما آمن يهود على كتابي " فتعلمته، فلم يمر بي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كتب وأقرأ له إذا كتب إليه. وسنده حسن. وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم 1 / 75 ووافقه المؤلف. وأخرجه أحمد 5 / 183 والحاكم 3 / 422 من طريق جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد، قال: قال زيد بن ثابت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتحسن السريانية؟ إنها تأتيني كتب " فقلت: لا، قال: " فتعلمها " فتعلمتها في سبعة عشر يوما. وإسناده صحيح. (1) ابن عساكر 5 / 201 آ. (*) طبقات ابن سعد 7 / 368، طبقات خليفة ت 1649، تاريخ البخاري 8 / 311، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 196، معجم المرزباني 485 وفيه يحيى بن نعيم، طبقات النحويين واللغويين 27، فهرست ابن النديم 47، معجم الأدباء 20 / 42، ونزهة الألباء (بتحقيق السامرائي) 8، وفيات الأعيان 6 / 173، تهذيب الكمال ص 1529، تاريخ الإسلام 4 / 68، تذكرة الحفاظ 1 / 71، تذهيب التهذيب 4 / 171 آ، البداية والنهاية 9 / 73، غاية النهاية ت = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ - مُرْسَلاً -. وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِدَّةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي الأَسْوَدِ الدُّئْلِيُّ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُقَيْلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَحَمَلَةِ الحُجَّةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ نَقَّطَ المَصَاحِفَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوْجَدَ تَشْكِيْلُ الكِتَابَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيْلَةٍ، وَكَانَ ذَا لَسَنٍ وَفَصَاحَةٍ، أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. وَكَانَ الحَجَّاجُ قَدْ نَفَاهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الأَمِيْرُ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَلاَّهُ قَضَاءَ خُرَاسَانَ، فَكَانَ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، اسْتُخْلِفَ عَلَى القَضَاءِ بِهَا، ثُمَّ إِنَّ قُتَيْبَةَ عَزَلَهُ؛ لِمَا قِيْلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَشْرَبُ المُنَصَّفَ (1) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: رَوَى القِرَاءةَ عَنْهُ عَرْضاً: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ. عِمْرَانُ القَطَّانُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بن عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ فُطَيْمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فِي القُرْآنِ لَحْنٌ، سَتُقِيْمُهُ العَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا (2) .   = 3871، تهذيب التهذيب 11 / 350، النجوم الزاهرة 1 / 217، بغية الوعاة 2 / 345، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 30، خلاصة تذهيب التهذيب 429، شذرات الذهب 1 / 175. (1) المنصف من الشراب: الذي يطبخ حتى يذهب نصفه. (2) إسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن فطيمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) : تُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ قَبْلَ التِّسْعِيْنَ. 171 - عُمَيْرُ بنُ سَعِيْدٍ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ * (خَ، م، د، ق) شَيْخٌ، ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، مُعَمَّرٌ، مِنَ البَقَايَا. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَالأَعْمَشُ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ المائَةَ. 172 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي كَبْشَةَ جِبْرِيْلَ بنِ يَسَارٍ البَتَلْهِيُّ (3) ** (خ) مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاءِ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: جِبْرِيْلُ بنُ يَسَارٍ. عُدَّ فِي التَّابِعِيْنَ.   1) في تاريخه 302، 303 (*) طبقات ابن سعد 6 / 170، طبقات خليفة ت 1143، تاريخ البخاري 6 / 532، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 376، ذكر أخبار أصبهان 2 / 35، تهذيب الكمال ص 1064، تذهيب التهذيب 3 / 117 آ، تاريخ الإسلام 4 / 287، تهذيب التهذيب 8 / 146، خلاصة تذهيب التهذيب 296. (2) في الطبقات 6 / 170. (* *) تاريخ البخاري 8 / 354، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 286، تاريخ ابن عساكر 18 / 186 آ، تهذيب الكمال ص 1544، تذهيب التهذيب 4 / 179 آ، تهذيب التهذيب 11 / 354، خلاصة تذهيب التهذيب 434. (3) نسبة إلى " بيت لهيا " أي بيت الالهة. قرية مشهورة بغوطة دمشق، قيل: إن آزر أبا إبراهيم الخليل كان ينحت بها الاصنام. انظر معجم البلدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ؛ أَبِي كَبْشَةَ السَّكْسَكِيِّ، وَمَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ. رَوَى عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَالحَكَمُ، وَأَبُو بِشْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ السَّكْسَكِيُّ. وَكَانَ مُقَدَّمَ السَّكَاسِكِ، وَصَاحِبُ شُرْطَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَوَلِيَ عَلَى الغَزَاةِ، ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ العِرَاقَيْنِ لِلْوَلِيْدِ. فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ سُلَيْمَانُ، وَلاَّهُ خَرَاجَ السِّنْدِ، وَنَزَلَتْ رُتْبَتُهُ قَلِيْلاً، فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِالسِّنْدِ قَبْلَ سَنَةِ مائَةٍ. وَوَقَعَ لَنَا رِوَايَتُهُ فِي (السَّهْوِ) ، فِي نُسْخَةِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَوَرَدَ: أَنَّهُ كَانَ يَصُوْمُ فِي السَّفَرِ، وَوَلِيَ العِرَاقَيْنِ بَعْدَ الحَجَّاجِ، وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَقَلَّمَا رَوَى. لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّوْمِ فِي (البُخَارِيِّ) . 173 - سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ المَدَنِيُّ مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ * (ع) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو أَيُّوْبَ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ - المَدَنِيُّ، مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ الهِلاَلِيَّةِ، وَأَخُو: عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: كَانَ سُلَيْمَانُ مُكَاتَباً لأُمِّ سَلَمَةَ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَحَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 174، طبقات خليفة ت 2131، تاريخ البخاري 4 / 41، المعرفة والتاريخ 1 / 549، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 149، الحلية 2 / 190، طبقات الفقهاء للشيرازي 60، تاريخ ابن عساكر (أحمد الثالث) صورة رقم 648، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 234، وفيات الأعيان 2 / 399، تهذيب الكمال ص 549، تاريخ الإسلام 4 / 120، تذكرة الحفاظ 1 / 85، العبر 1 / 131، تذهيب التهذيب 2 / 57 آ، البداية والنهاية 9 / 244، غاية النهاية ت 1396، تهذيب التهذيب 4 / 228، النجوم الزاهرة 1 / 252، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 35، خلاصة تذهيب التهذيب 155، شذرات الذهب 1 / 134. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 سَلَمَةَ، وَمَيْمُوْنَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، وَالمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ - وَذَلِكَ فِي (أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَ (ابْنِ مَاجَهْ) وَمَا أُرَاهُ لَقِيَهُ - وَسَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ البَيَاضِيِّ - مُرْسَلٌ - وَعَبْدِ اللهِ بنِ حُذَافَةَ السَّهمِيِّ - مُرْسَلٌ - وَالفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ - مُرْسَلٌ - وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَعَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ: عُرْوَةَ، وَكُرَيْبٍ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي مُرَاوِحٍ، وَعَمْرَةَ، وَمُسْلِمِ بنِ السَّائِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ فَضَّلَهُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَيَعْلَى بنُ حَكِيْمٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الكِنْدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَخُثَيْمُ بنُ عِرَاكٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ وَعُلَمَائِهِم، مِمَّنْ يُرْضَى وَيُنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِم: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، فِي مَشْيَخَةٍ أَجِلَّةٍ سِوَاهُم مِنْ نُظَرَائِهِم، أَهْلُ فَقْهٍ، وَصَلاَحٍ، وَفَضْلٍ (1) .   (1) ابن عساكر (أحمد الثالث) 652. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ عِنْدَنَا أَفْهَمُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ (1) . الوَاقِدِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الهُذَلِيِّ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ يَسَارٍ يَقُوْلُ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بَقِيَّةُ النَّاسِ. وَسَمِعْتُ السَّائِلَ يَأْتِي سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبْ إِلَى سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ اليَوْمَ (2) . وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّاسِ بَعْدَ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يُوْافِقُ سَعِيْداً، وَكَانَ سَعِيْدٌ لاَ يُجْتَرَأُ عَلَيْهِ (3) . قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ عُثْمَانَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَسَامَتْهُ نَفْسَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِذاً أَفْضَحُكَ. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ، وَتَرَكَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَهَرَبَ مِنْهَا. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَرَأَيْتُ يُوْسُفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَكَأَنِّي أَقُوْلُ لَهُ: أَنْتَ يُوْسُفُ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا يُوْسُفُ الَّذِي هَمَمْتُ، وَأَنْتَ سُلَيْمَانُ الَّذِي لَمْ تَهُمَّ (4) . إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سُلَيْمَانُ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَأْمُوْنٌ، فَاضِلٌ، عَابِدٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَحَدُ الأَئِمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (5) : كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ (6) .   (1) ابن سعد 5 / 174، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 549 وزاد: " ولم يقل أفقه ". (2) ابن عساكر (أحمد الثالث) 655. (3) المعرفة والتاريخ 1 / 549، وابن عساكر (أحمد الثالث) 655. (4) الحلية 2 / 190، 191، وابن عساكر (أحمد الثالث) 654. (5) في الطبقات 5 / 175. (6) لفظ ابن سعد: " عاليا " وزاد في نهاية الخبر: " وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وَكَذَا أَرَّخَهُ: مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، وَالبُخَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَيَكُوْنُ مَوْلِدُهُ فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ عُثْمَانَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ. وَهَذَا وَهْمٌ، لَعَلَّهُ تَصَحَّفَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: سَنَةَ مائَةٍ. وَهَذَا شَاذٌّ، وَأَشَذُّ مِنْهُ: رِوَايَةُ البُخَارِيِّ (1) ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّهُ مَاتَ هُوَ وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ الفُقَهَاءِ؛ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ (2) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَخُو أَهْلِ الشَّامِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدِّثْنَا حَدِيْثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: سَمِعتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى فِيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيْهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيْلِكَ حَتَّى اسْتُشَهِدْتَ. فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلاَنٌ جَرِيْءٌ، فَقَدْ قِيْلَ. فَأُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيْهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وَقَرَأْتُ القُرْآنَ، وَعَلَّمْتُهُ فِيْكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلاَنٌ عَالِمٌ، وَفُلاَن قَارِئٌ، فَقَدْ قِيْلَ. فَأُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مِنْ أَنْوَاعِ المَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نَعِمَهُ،   (1) في التاريخ الصغير 1 / 235. (2) في الأصل: " سيف " وهو تصحيف، والصواب من الحلية ومصادر التخريج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 فَعَرَفَهَا، قَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيْهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيْهِ، إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيْهِ لَكَ. فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلاَنٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيْلَ. فَأُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (1) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ دِمَشْقَ، فَدَعَاهُ أَبِي إِلَى الحَمَّامِ، وَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً (2) ، وَكَانَ أَبُوْهُ يَسَارٌ فَارِسِيّاً. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ سُوْقَ المَدِيْنَةِ لأَمِيْرِهَا عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ (3) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ: يُكْنَى: أَبَا أَيُّوْبَ. وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِهَا بِالطَّلاَقِ، فَقِيْلَ: سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ (4) . وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَكَانَ أَخُوْهُ عَطَاءٌ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً (5) . 174 - عَطَاءُ بنُ يَسَارٍ المَدَنِيُّ * (ع) وَكَانَ أَخُوْهُ إِمَاماً، فَقِيْهاً، وَاعِظاً، مُذَكِّراً، ثَبْتاً، حُجَّةً، كَبِيْرَ القَدْرِ.   (1) الحلية 2 / 192 وما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، استدركناه منه، وأخرجه مسلم في صحيحه (1905) في الامارة باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأحمد 2 / 322 من طريق ابن جريج عن يونس بن يوسف، عن سليمان بن يسار، به. (2) ابن عساكر (أحمد الثالث) 651. (3) ابن سعد 5 / 175. (4) ابن عساكر (أحمد الثالث) 655. (5) ابن عساكر (أحمد الثالث) 654. (*) طبقات ابن سعد 5 / 173، طبقات خليفة ت 2132، تاريخ البخاري 6 / 461 = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ، وَزَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَهِلاَلُ بنُ عَلِيٍّ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ. رَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَلْزَمَ لِمَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَيُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ قَبْلَ المائَةِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 175 - مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ أَبُو الحَجَّاجِ المَكِّيُّ الأَسْوَدُ * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالمُفَسِّرِيْنَ، أَبُو الحَجَّاجِ المَكِّيُّ، الأَسْوَدُ، مَوْلَى السَّائِبِ بنِ أَبِي السَّائِبِ المَخْزُوْمِيِّ. وَيُقَالُ: مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ   = المعارف 459، المعرفة والتاريخ 1 / 564، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 338، تاريخ ابن عساكر 11 / 335 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 335، تهذيب الكمال ص 940، تاريخ الإسلام 4 / 34 و155، تذكرة الحفاظ 1 / 84، العبر 1 / 125، تذهيب التهذيب 3 / 43 آ، غاية النهاية ت 2122، تهذيب التهذيب 7 / 217، النجوم الزاهرة 1 / 229، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 34، خلاصة تذهيب التهذيب 267، شذرات الذهب 1 / 125. (*) طبقات ابن سعد 5 / 466، طبقات خليفة ت 2535، تاريخ البخاري 7 / 411، المعارف 444، المعرفة والتاريخ 1 / 711، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 319، الحلية 3 / 279، طبقات الفقهاء للشيرازي 69، تاريخ ابن عساكر 16 / 125 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 83، تهذيب الكمال ص 1306، تاريخ الإسلام 4 / 190، تذكرة الحفاظ 1 / 86، العبر 1 / 125، تذهيب التهذيب 4 / 22 آ، البداية والنهاية 9 / 224، العقد الثمين 7 / 132، غاية النهاية ت 2659، الإصابة ت 8363، تهذيب التهذيب 10 / 42، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 35، خلاصة تذهيب التهذيب 369، شذرات الذهب 1 / 125. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 القَارِئِ. وَيُقَالُ: مَوْلَى قَيْسِ بنِ الحَارِثِ المَخْزُوْمِيِّ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ - فَأَكْثَرَ وَأَطَابَ - وَعَنْهُ أَخَذَ القُرْآنَ، وَالتَّفْسِيْرَ، وَالفِقْهَ. وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأُمِّ كُرْزٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ هَانِئ، وَأُسَيْدِ بنِ ظُهَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. تَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: ابْنُ كَثِيْرٍ الدَّارِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: عِكْرِمَةُ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ، وَمَعْرُوْفُ بنُ مُشْكَانَ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَالفَضْلُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَحُمَيْدٌ الأَعْرَجُ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَخْنَسِ، وَالحَسَنُ الفُقَيْمِيُّ، وَخُصَيْفٌ، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، وَسَيْفُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَالعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مَيْمُوْنٍ، سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُوْلُ: عَرَضْتُ القُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثِيْنَ مَرَّةً (1) . وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَرَضْتُ القُرْآنَ ثَلاَثَ عَرْضَاتٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ، أَسْأَلُهُ: فِيْمَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ كَانَتْ (2) ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا   (1) ابن سعد 5 / 466، والحلية 3 / 280 وابن عساكر 16 / 127 آولفظهم: " ثلاثين عرضة " (2) الحلية 3 / 279، 280، وابن عساكر 16 / 127 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلِ بنِ عَبَّادٍ، وَقَرَأَ عَلَى ابْنِ كَثِيْرٍ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ كَثِيْرٍ: أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (1) . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: خُذُوا التَّفْسِيْرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ (2) . وَقَالَ خُصَيْفٌ: كَانَ مُجَاهِدٌ أَعْلَمَهُم بِالتَّفْسِيْرِ (3) . وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّفْسِيْرِ مُجَاهِدٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِلأَعْمَشِ: مَا بَالُهُم يَتَّقُوْنَ تَفْسِيْرَ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الكِتَابِ (4) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعَ مُجَاهِدٌ مِنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا (5) . قُلْتُ: بَلَى، قَدْ سَمِعَ مِنْهَا شَيْئاً يَسِيْراً. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لأَنْ أَكُوْنَ سَمِعْتُ مِنْ مُجَاهِدٍ، فَأَقُوْلَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي (6) . قُلْتُ: مَعَ أَنَّهُ قَلَّمَا سَمِعَ مِنْ مُجَاهِدٍ حَرْفَيْنِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَطَائِفَةٌ: مُجَاهِدٌ ثِقَةٌ.   (1) ابن عساكر 16 / 127 آ. (2) ابن عساكر 16 / 128 آ، والضحاك هو ابن مزاحم تأتي ترجمته في ص 598. (3) ابن عساكر 16 / 128 آ. (4) ابن سعد 5 / 467. (5) ابن عساكر 16 / 128 آ. وفي رواية أخرى لابن عساكر: " قال يحيى بن سعيد: كان شعبة ينكر مجاهدا سمع من عائشة ". (6) ابن عساكر 16 / 128 ب، وروايته: " لان أكون سمعت من محمد بن مجاهد..". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 وَيُقَالُ: سَكَنَ الكُوْفَةَ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَسْفَارِ وَالتَّنَقُّلِ. قَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِهَذَا العِلْمِ وَجْهَ اللهِ إِلاَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ (1) . بَقِيَّةُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ، سَمِعَ مُجَاهِداً يَقُوْلُ: اسْتَفْرَغَ عِلْمِيَ القُرْآنُ (2) . شُعْبَةُ: عَنْ رَجُلٍ، سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُوْلُ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَخْدُمَهُ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي (3) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: رُبَّمَا أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ لِي بِالرِّكَابِ (4) . قَالَ الأَعْمَشُ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ مُجَاهِداً، ازْدَرَيْتُهُ مُتَبَذِّلاً، كَأَنَّهُ خَرْبَنْدَجٌ ضَلَّ حِمَارَهُ، وَهُوَ مُغْتَمٌّ (5) . رَوَى: الأَجْلَحُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ وَمَا لَنَا فِيْهِ نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِّيَّةَ بَعْدُ (6) . وَقَالَ مَنْصُوْرٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لاَ تُنَوِّهُوا بِي فِي الخَلْقِ (7) .   (1) ابن عساكر 16 / 129 آ. (2) المعرفة والتاريخ 1 / 712 وابن عساكر 16 / 128 آ. (3) ابن عساكر 16 / 129 آ، والحلية 3 / 285، 286، وروايته: " شعبة عن عبيد الله بن عمر عن مجاهد يقول. " وفي رواية أخرى لابن عساكر " عبيد الله بن عمر، عن مجاهد يقول". (4) ابن عساكر 16 / 129 ب. (5) ابن عساكر 16 / 129 ب، وانظر ابن سعد 5 / 466، 467، والمعرفة والتاريخ 1 / 711، 712، والحلية 3 / 279، ولفظ أبي نعيم: " خربندة " وهو حارس الحمار أو مؤجره واللفظة فارسية. (6) المعرفة والتاريخ 1 / 712 وابن عساكر 16 / 129 ب، 130 آ. (7) ابن عساكر 16 / 130 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 حُصَيْنٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي، إِذْ قَامَ مِثْلُ الغُلاَمِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ لآخُذَهُ، فَوَثَبَ، فَوَقَعَ (1) خَلْفَ الحَائِطِ حَتَّى سَمِعْتُ وَجْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُم يَهَابُوْنَكُمْ كَمَا تَهَابُوْنَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ (2) . وَرُوِيَ عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ كَأَنَّهُ حَمَّالٌ، فَإِذَا نَطَقَ، خَرَجَ مِنْ فِيْهِ اللُّؤْلُؤُ. وَقَالَ حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ: كَانَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ- يُكَبِّرُ مِنْ سُوْرَةِ (وَالضُّحَى (3)) . قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (4) : قَدِمَ مُجَاهِدٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَشَهِدَ وَفَاتَهُ. فَرَوَى: مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مَعْرُوْفِ بنِ مُشْكَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: يَا مُجَاهِدُ، مَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيَّ؟ قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ: مَسْحُوْرٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِمَسْحُوْرٍ. ثُمَّ دَعَا غُلاَماً لَهُ، فَقَالَ: وَيَحَكَ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَقَيْتَنِي السُّمَّ؟ قَالَ: أَلْفُ دِيْنَارٍ أُعْطِيْتُهَا، وَأَنْ أُعْتَقَ. قَالَ: هَاتِهَا. فَجَاءَ بِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ (5) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: مُجَاهِدٌ مَوْلَىً لِبَنِي زُهْرَةَ (6) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مُجَاهِدٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ (7) . وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَوْلَى قَيْسِ بنِ السَّائِبِ.   (1) في الأصل " وقع " وما أثبتناه من ابن عساكر. (2) ابن عساكر 16 / 130 آ. (3) أي عند ختم القرآن. وانظر ابن عساكر 16 / 127 ب. (4) في تاريخه 16 / 125 ب. (5) المصدر السابق، وما بين الحاصرتين منه. (6) ابن عساكر 16 / 126 آ. (7) المصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ فِي أَحَادِيْثِ مُجَاهِدٍ كُلِّهَا: مُجَاهِدُ بنُ جُبَيْرٍ (1) ، وَهُوَ مَوْلَى قَيْسِ بنِ السَّائِبِ بنِ أَبِي السَّائِبِ، وَكَانَ السَّائِبُ شَرِيْكَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَوْلَى قَيْسٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَقَوْلِ أَحْمَدَ. قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ المِصْرِيُّ (3) لِلْمِصْرِيِّيْنَ: مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ آخَرُ، ذَكَرَهُ ابْنُ يُوْنُسَ (4) . قَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كُنْتُ قَرَأْتُ قِرَاءةَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ القُرْآنِ مِمَّا سَأَلْتُ (5) . رَوَاهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْهُ. مَطَرٌ الوَرَّاقُ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: الزُّهْرِيُّ، وَأَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالقُرْآنِ: مُجَاهِدٌ (5) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (6) : مُجَاهِدٌ: ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، عَالِمٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: أَحَادِيْثُ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ: مَرَاسِيْلُ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: رُبَّمَا أَخَذَ لِي ابْنُ عُمَرَ بِالرِّكَابِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصَابِعَهُ فِي إِبِطِي (7) . يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا أَدْرِي أَيُّ   (1) كذا الأصل، إذ يقال له ابن جبير أيضا كما في صدر ترجمته عند ابن عساكر. ولفظه في هذا الخبر: " جبر " 16 / 126 ب. (2) في الطبقات 5 / 466. (3) هو عبد الغني بن سعيد أبو محمد الأزدي المصري، صاحب كتاب المؤتلف، المتوفى سنة 409، تأتي ترجمته في المجلد الحادي عشر 59 ب من الأصل. (4) ابن عساكر 16 / 127 آ. (5) ابن عساكر 16 / 128 آ. (6) في الطبقات 5 / 467. (7) الحلية 3 / 285. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ: أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ، أَوْ عَافَانِي مِنْ هَذِهِ الأَهْوَاءِ (1) ؟ قُلْتُ: مِثْلُ الرَّفْضِ، وَالقَدَرِ، وَالتَّجَهُّمِ. يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي، فَجَاءَ وَلَدُهُ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ، إِنَّ لَنَا أَصْحَاباً يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِيْمَانَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الأَرْضِ وَاحِدٌ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا هَؤُلاَءِ بِأَصْحَابِي، لاَ يَجْعَلُ اللهُ مَنْ هُوَ مُنْغَمِسٌ فِي الخَطَايَا كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ (2) . وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ، فَسَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ لامْرَأَةِ المَيِّتِ: لاَ تَسْبِقِيْنِي بِنَفْسِكِ. قَالَتْ: قَدْ سُبِقْتَ. قُلْتُ: وَلِمُجَاهِدٍ أَقْوَالٌ وَغَرَائِبُ فِي العِلْمِ وَالتَّفْسِيْرِ تُسْتَنْكَرُ، وَبَلَغَنَا: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَابِلَ، وَطَلَبَ مِنْ مُتَوَلِّيْهَا أَنْ يُوْقِفَهُ عَلَى هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ. قَالَ: فَبَعَثَ مَعِي يَهُوْدِيّاً، حَتَّى أَتَيْنَا تَنُّوْراً فِي الأَرْضِ، فَكَشَفَ لَنَا عَنْهُمَا، فَإِذَا بِهِمَا مُعَلَّقَانِ مُنَكَّسَانِ. فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكُمَا، فَاضْرِبَا. فَغُشِيَ عَلِيَّ وَعَلَى اليَهُوْدِيِّ، ثُمَّ أَفَقْنَا بَعْدَ حِيْنٍ، فَلاَمَنِي اليَهُوْدِيُّ، وَقَالَ: كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنَا (3) . قَالَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: مَاتَ مُجَاهِدٌ سَنَةَ مائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ، فَإِنَّ مُجَاهِداً رَأَى عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَمُوْتُ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ مُجَاهِدٌ وَهُوَ سَاجِدٌ، سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَمائَةٍ (4) . وَكَذَا أَرَّخَهُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ حَمَّادٌ الخَيَّاطُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ   (1) الحلية 3 / 293 وفيه " علي بن عبيد " مصحف. وابن عساكر 16 / 130 آ، ب. (2) ابن عساكر 16 / 130 ب. (3) ستذكر القصة برواية أخرى على الصفحة التالية. (4) ابن سعد 5 / 467 وابن عساكر 16 / 130 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَعَنْهُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغ مُجَاهِدٌ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) . وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ الحَافِظُ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ لاَ يَسْمَعُ بِأُعْجُوْبَةٍ، إِلاَّ ذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ذَهَبَ إِلَى بِئْرِ بَرَهُوْتَ (2) بِحَضْرَمَوْتَ، وَذَهَب إِلَى بَابِلَ، عَلَيْهَا وَالٍ. فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: تَعْرِضُ عَلِيَّ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ؟ قَالَ: فَدَعَا رَجُلاً مِنَ السَّحَرَةِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ. فَقَالَ اليَهُوْدِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَدْعُوَ اللهَ عِنْدَهُمَا. قَالَ: فَذَهَبَ بِي إِلَى قَلْعَةٍ، فَقَطَعَ مِنْهَا حَجَراً، ثُمَّ قَالَ: خُذْ بِرِجْلِي. فَهَوَى بِهِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى جَوْبَةٍ (3) ، فَإِذَا هُمَا مُعَلَّقَانِ مُنَكَّسَانِ (4) كَالجَبَلَيْنِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ خَالِقِكُمَا. فَاضْطَرَبَا، فَكَأَنَّ الجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ، فَغُشِيَ عَلَيَّ وَعَلَى اليَهُوْدِيِّ، ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلِي، فَقَالَ: أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ، وَأَهْلَكْتَنِي (5) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شِيْرَوَيْه، حَدَّثَنَا ابْنُ رَاهُوَيْه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، وَالمُحَارِبِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَرَضْتُ القُرْآنَ   (1) ابن سعد 5 / 467. (2) كذا ضبطها صاحب التاج (برهت) ، وهو واد معروف، أو بئر عميقة بحضرموت اليمن، لا يستطاع النزول إلى قعرها، وهو مقر أرواح الكفار، كما حققه ابن ظهيرة في " تاريخ مكة " ويقال: برهوت كعصفور. وفي حديث علي: " شر بئر في الأرض برهوت ". (3) الجوبة: فجوة أو منفتق من الأرض بلا بناء. (4) في الأصل: " معلقين منكسين ". (5) انظر الحلية 3 / 288، وإسناده ضعيف لضعف محمد بن حميد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَث عَرْضَاتٍ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ، أَسْأَلُهُ فِيْمَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ كَانَتْ؟ (1) وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ بِصَوْتِهِ (2) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، نَبَّأَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّتَيْنِ عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَزْناً بِوَزْنٍ) (3) . 176 - سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الحَافِظُ، مُفْتِي   (1) تقدم الخبر في ص 450 - رقم (2) . (2) الحلية 2 / 284، 285، وأخرجه ابن جرير 1 / 150 من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم عن مجاهد. (3) رجاله ثقات، وأخرجه مالك في الموطأ 2 / 632، 633، والبخاري 4 / 317 ومسلم (1584) عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 195، طبقات خليفة ت 2113، تاريخ البخاري 4 / 115، المعارف 186، المعرفة والتاريخ 1 / 554، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 184، الحلية 2 / 193، طبقات الفقهاء للشيرازي 62، تاريخ ابن عساكر 7 / 12 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 207، وفيات الأعيان 2 / 349، تهذيب الكمال ص 461، تاريخ الإسلام 4 / 115، تذكرة الحفاظ 1 / 82، العبر 1 / 130، تذهيب التهذيب 2 / 2 ب، البداية والنهاية 9 / 234، غاية النهاية ت 1315، تهذيب التهذيب 3 / 436، النجوم الزاهرة 1 / 256، طبقات الحفاظ = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 المَدِيْنَةِ، أَبُو عُمَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، المَدَنِيُّ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ. مَوْلِدُهُ: فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بنُ أَشْرَسَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ - وَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ - عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَقَالَ: (أَلاَ إِنَّ الفِتَنَ مِنْ هَا هُنَا - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - وَمِنْ ثَمَّ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ (1)) . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ عَالٍ، وَلاَ يَقَعُ لَنَا حَدِيْثُ سَالِمٍ أَعْلَى مِنْ هَذَا. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ - فَجَوَّدَ وَأَكْثَرَ -. وَعَنْ: عَائِشَةَ - وَذَلِكَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) - وَأَبِي هُرَيْرَةَ - وَذَلِكَ فِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) -. وَعَنْ: زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيِّ، وَأَبِي لُبَابَةَ بنِ عَبْدِ المُنْذِرِ - وَذَلِكَ مُرْسَلٌ -. وَعَنْ: رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَسَفِيْنَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَامْرَأَةِ أَبِيْهِ؛ صَفِيَّةَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ القَهْرمَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، وَكَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ أَبُو وَاقِدٍ، وَعَاصِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عُمَرُ بنُ حَمْزَةَ، وَابْنُ ابْنِ   = للسيوطي ص 33، خلاصة تذهيب التهذيب 131، شذرات الذهب 1 / 133، تهذيب ابن عساكر 6 / 52. (1) ابن عساكر 7 / 12 ب. وإسناده حسن كما ذكر المصنف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 أَخِيْهِ؛ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَابْنُ ابْنِ أَخِيْهِ؛ خَالِدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. رَوَى: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَتَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي سَالِماً؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: بِاسْمِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ -يَعْنِي: أَحَدَ السَّابِقِيْنَ (1) -. يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ أَشْبَهَ وَلَدِ عُمَرَ بِهِ، وَكَانَ سَالِمٌ أَشْبَهَ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ بِهِ (2) . رَوَى: سَلَمَةُ الأَبْرَشُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَلْبَسُ الصُّوْفَ، وَكَانَ عِلْجَ الخَلْقِ، يُعَالِجُ بِيَدَيْهِ، وَيَعْمَلُ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَدِمَ جَمَاعَةٌ مِنَ المِصْرِيِّيْنَ المَدِيْنَةَ، فَأَتَوْا بَابَ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَسَمِعُوا رُغَاءَ بِعِيْرٍ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، خَرَجَ عَلَيْهِم رَجُلٌ شَدِيْدُ الأُدْمَةِ، مُتَّزِرٌ بِكِسَاءِ صُوْفٍ إِلَى ثَنْدُوَتِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَوْلاَكَ دَاخِلٌ؟ قَالَ: مَنْ تُرِيْدُوْنَ؟ قَالُوا: سَالِمٌ. قَالَ: فَلَمَّا كَلَّمَهُم، جَاءَ شَيْءٌ غَيَّرَ المَنْظَرَ. قَالَ: مَنْ أَرَدْتُمْ؟ قَالُوا: سَالِمٌ. قَالَ: هَا أَنَا ذَا، فَمَا جَاءَ بِكُم؟ قَالُوا: أَرَدْنَا أَنْ نُسَائِلَكَ. قَالَ (4) : سَلُوا عَمَّا شِئْتم. وَجَلَسَ، وَيَدُهُ مُلَطَّخَةٌ (5) بِالدَّمِ وَالقَيْحِ الَّذِي أَصَابَهُ مِنَ البَعِيْرِ، فَسَأَلُوْهُ (6) . قَالَ أَشْهَبٌ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ سَالِمٍ أَشْبَهَ بِمَنْ مَضَى مِنَ الصَّالِحِيْنَ، فِي الزُّهْدِ، وَالفَضْلِ، وَالعَيْشِ مِنْهُ؛ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ   (1) ابن عساكر 7 / 13 آ. (2) ابن عساكر 7 / 13 ب، 14 آ. (3) ابن عساكر 7 / 15 ب. (4) في الأصل: " قالوا ". (5) في الأصل: " ملطخ ". (6) ابن عساكر 7 / 14 ب، 15 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 بِدِرْهَمَيْنِ، وَيَشْتَرِي الشِّمَالَ (1) لِيَحْمِلَهَا. قَالَ: فَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ لِسَالِمٍ وَرَآهُ حَسَنَ السُّحْنَةِ: أَيَّ شَيْءٍ تَأْكُلُ؟ قَالَ: الخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَإِذَا وَجَدْتُ اللَّحْمَ، أَكَلْتُهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ (2) : أَوَ تَشْتَهِيْهِ؟ قَالَ: إِذَا لَمْ أَشْتَهِهِ، تَرَكْتُهُ حَتَّى أَشْتَهِيَهُ (3) . وَرَوَى: أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَوَّمْتُ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَيْتِهِ، فَمَا وَجَدْتُهُ يَسْوَى مائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَا وَجَدْتُ مَا يَسْوَى ثَمَنَ طَيْلَسَانَ، وَدَخَلتُ عَلَى سَالِمٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِ أَبِيْهِ (4) . رَوَى: زَيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُقَبِّلُ سَالِماً، وَيَقُوْلُ: شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخاً (5) . ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ المَكِّيِّ، سَمِعَ خَالِدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُلاَمُ فِي حُبِّ سَالِمٍ، فَكَانَ يَقُوْلُ: يَلُوْمُوْنَنِي فِي سَالِمٍ وَأَلُوْمُهُمْ ... وَجِلْدَةُ بَيْنَ العَيْنِ وَالأَنْفِ سَالِمُ (6) قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَكْرَهُوْنَ اتِّخَاذِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم الغُرُّ السَّادَةُ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَفَاقُوا أَهْلَ المَدِيْنَةِ عِلْماً وَتُقَىً وَعِبَادَةً وَوَرَعاً، فَرَغِبَ النَّاسُ حِيْنَئِذٍ فِي السَّرَارِي (7) .   (1) مفردها: شملة، وهي كساء دون القطيفة يشتمل به. (2) كذا الأصل وتاريخ ابن عساكر، ويحتمل أن يكون القائل له هو عمر بن عبد العزيز، لأنه كان يجلس في مجلس سليمان، وإلا فيكون سقط من الأصل: " يا أبا " فإنها كنية المترجم. (3) المعرفة والتاريخ 1 / 556 وابن عساكر 7 / 14 آ. (4) ابن عساكر 7 / 14 آ. (5) ابن عساكر 7 / 14 آ. (6) طبقات ابن سعد 5 / 196 وابن عساكر 7 / 14 آ. (7) ابن عساكر 7 / 14 ب، وقد تقدم الخبر بنحوه في ص 390. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ فُقَهَاءُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ الَّذِيْنَ كَانُوا يَصْدُرُوْنَ عَنْ رَأْيِهِم سَبْعَةٌ: ابْنُ المُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسَالِمٌ، وَالقَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَكَانُوا إِذَا جَاءتْهُم مَسْأَلَةٌ، دَخَلُوا فِيْهَا جَمِيْعاً، فَنَظَرُوا فِيْهَا، وَلاَ يَقْضِي القَاضِي حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْهِم، فَيَنْظُرُوْنَ فِيْهَا، فَيَصْدُرُوْنَ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوْقِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَاشْتَرَى شَمْلَةً، فَانْتَهَى بِهَا إِلَى المَسْجِدِ، فَرَمَى بِهَا إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَبْعَثُ مَنْ يَحْمِلُهَا لَكَ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَحْمِلُهَا. وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوْقِ، فَيَشْتَرِي، وَكَانَ سَالِمٌ دَهْرَهُ يَشْتَرِي فِي الأَسْوَاقِ، وَكَانَ مِنْ أَفَضْلِ أَهْلِ زَمَانِهِ (2) . وَرَوَى: أَبُو سَعِيْدٍ الحَارِثِيُّ، عَنِ العُتْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلَ سَالِمٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَلَى سَالِمٍ ثِيَابٌ غَلِيْظَةٌ رَثَّةٌ، فَلَمْ يَزَلْ سُلَيْمَانُ يُرَحِّبُ بِهِ، وَيَرْفَعُهُ حَتَّى أَقْعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِهِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي المَجْلِسِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أُخْرَيَاتِ النَّاسِ: مَا اسْتَطَاعَ خَالُكَ أَنْ يَلْبَسَ ثِيَاباً فَاخِرَةً أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ، يَدْخُلُ فِيْهَا عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟! قَالَ: وَعَلَى المُتَكَلِّمِ ثِيَابٌ سَرِيَّةٌ، لَهَا قِيْمَةٌ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا رَأَيْتُ هَذِهِ الثِّيَابَ الَّتِي عَلَى خَالِي وَضَعَتْهُ فِي مَكَانِكَ، وَلاَ رَأَيْتُ ثِيَابَكَ هَذِهِ رَفَعَتْكَ إِلَى مَكَانِ خَالِي ذَاكَ (3) .   (1) ابن عساكر 7 / 14 ب، وقد تقدم بنحوه في ص 438، 439. (2) ابن عساكر 7 / 16 آ. (3) ابن عساكر 7 / 16 آ، وزاد في نهايته: " قال القاضي: لقد أحسن عمر في جوابه وأجاد في الذب عن خاله. وقد أنشدنا ابن دريد في خبر قد ذكرته في غير هذا الموضع لبعض الأعراب: = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهُوَيْه: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: سَالِمٌ وَالقَاسِمُ حَدِيْثُهُمَا قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ؛ وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ أَيْضاً قَرِيْبٌ مِنْهُمَا، وَإِبْرَاهِيْمُ أَعْجَبُ إِلَيَّ مُرْسَلاَتٍ مِنْهُم. قَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فَسَالِمٌ أَعْلَمُ بِابْنِ عُمَرَ أَوْ نَافِعٍ؟ قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ نَافِعاً لَمْ يُحَدِّثْ حَتَّى مَاتَ سَالِمٌ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يَسْمَعْ سَالِمٌ مِنْ عَائِشَةَ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ مَرْفُوْعاً: (فِيْمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ (4) ... ) ، الحَدِيْثَ: وَرَوَاهُ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ: هَذَا أَحَدُهَا. وَالثَّانِي: (مَنْ بَاعَ عَبْداً لَهُ مَالٌ (5)) ، فَقَالَ: سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً. وَقَالَ: نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَوْلَهُ.   = يغايظونا بقمصان لهم جدد * كأنها لا ترى في السوق قمصانا ليس القميص إذا جددت رقعته * بجاعل رجلا إلا كما كانا " (1) ابن عساكر 7 / 14 ب. (2) ابن عساكر 7 / 14 آ. (3) انظر ابن عساكر 7 / 14 ب. (4) أخرجه البخاري 3 / 274، 276 وأبو داود (1596) والنسائي 5 / 41 وابن ماجه (1817) . ونقل الحافظ في التلخيص 2 / 169 قول أبي زرعة: الصحيح وقفه على ابن عمر، ذكره ابن أبي حاتم عنه في العلل. وقد رواه مسلم (980) والنسائي 5 / 41، 42، من حديث جابر، ورواه الترمذي (639) وابن ماجه (1816) من حديث أبي هريرة، والنسائي 5 / 42، وابن ماجه (1818) من حديث معاذ. (5) وتمامه: " فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " أخرجه الشافعي 2 / 160 والبخاري 5 / 37 و38 في الشرب باب الرجل يكون له حمر أو شرب من حائط أو في نخل. ومسلم (1543) (80) من = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 وَقَالَ سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: (يَخْرُجُ نَارٌ مِنْ قِبَلِ اليَمَنِ (1) ... ) . وَرَوَاهُ: نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ، قَوْلَهُ. قَالَ: أَبُو سَالِمٍ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ، وَأَحَادِيْثُ نَافِعٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ سَالِمٌ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَالِياً مِنَ الرِّجَالِ، وَرِعاً. قَالَ أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ: حَجَّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (3) فِي سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَعْجَبَتْهُ سُحْنَتُهُ، فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: الخُبْزَ وَالزَّيْتَ. قَالَ: فَإِذَا لَمْ تَشْتَهِهِ؟ قَالَ: أُخَمِّرُهُ حَتَّى أَشْتَهِيَهُ. فَعَانَهُ (4) هِشَامٌ، فَمَرِضَ، وَمَاتَ، فَشَهِدَهُ هِشَامٌ، وَأَجْفَلَ النَّاسُ فِي جَنَازَتِهِ (5) ، فَرَآهُم هِشَامٌ، فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ لَكَثِيْرٌ. فَضَرَبَ عَلَيْهِم بَعْثاً، أَخْرَجَ فِيْهِ جَمَاعَةً مِنْهُم، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُم أَحَدٌ. فَتَشَاءمَ بِهِ أَهْلُ المَدِيْنَةِ، فَقَالُوا: عَانَ فَقِيْهَنَا، وَعَانَ أَهْلَ بَلَدِنَا (6) . قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي أَشْعَبُ الطَّمَعِ، قَالَ: قَالَ لِي سَالِمٌ: لاَ تَسْأَلْ أَحَداً غَيْرَ اللهِ -تَعَالَى-. وَقَالَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (7) .   = طريق ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر. وقد رجح مسلم ما رجحه النسائي ورجح البخاري رواية سالم في رفع الحديث كما نقله الترمذي عنه في العلل. (1) الترمذي (2217) . (2) في الطبقات 5 / 200. (3) لفظ ابن عساكر: " فجاءه سالم الخ؟ ؟ ". (4) عانه: أصابه بالعين. (5) أجفل القوم: انقلعوا كلهم فمضوا (6) في الأصل: " أعان " والصواب ما أثبتناه؟ ؟ من ابن عساكر واللسان، والخبر في ابن عساكر 7 / 17 ب، وانظر ابن سعد 5 / 200، 201. (7) ابن سعد 5 / 197. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 وَقَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنِي خَالِدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى سَالِمٍ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ، وَعِمَامَةً بَيْضَاءً يَسْدُلُ مِنْهَا خَلْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ (1) . قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: أَتَيْنَا (2) سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ فِي قَمِيْصٍ وَجُبَّةٍ قَدْ اتَّزَرَ فَوْقَهَا. قَالَ نَافِعٌ: كَانَ سَالِمٌ يَرْكَبُ فِي عَهْدِ ابْنِ عُمَرَ بِالقَطِيْفَةِ الأُرْجُوَانِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : أُخْبِرْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: أَشْبَهُ وَلَدِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ: سَالِمٌ. وَقِيْلَ: كَانَ سَالِمٌ يَرْكَبُ حِمَاراً عَتِيْقاً زَرِيّاً، فَعَمَدَ أَوْلاَدُهُ، فَقَطَعُوا ذَنَبَهُ حَتَّى لاَ يَعُوْدَ يَرْكَبُهُ سَالِمٌ، فَرَكِبَ وَهُوَ أَقْطَشُ الذَّنَبِ، فَعَمَدُوا، فَقَطَعُوا أُذُنَهُ، فَرَكِبَهُ، وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ذَلِكَ، ثُمَّ جَدَعُوا أُذُنَهُ الأُخْرَى، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْكَبُهُ تَوَاضُعاً، وَاطِّرَاحاً لِلتَّكَلُّفِ (4) . الأَصْمَعِيُّ: عَنْ أَشْعَبَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: حُمِلَ إِلَيْنَا هَرِيْسَةٌ وَأَنَا صَائِمٌ، فَاقْعُدْ كُلْ. قَالَ: فَأَمْعَنْتُ؛ فَقَالَ: ارْفُقْ، فَمَا بَقِيَ يُحْمَلُ مَعَكَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَقَالَتِ المَرْأَةُ: يَا مَشْؤُوْمُ، بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ يَطْلُبُكَ، وَقُلْتُ: إِنَّكَ مَرِيْضٌ! قَالَ: أَحْسَنْتَ. فَدَخَلَ حَمَّاماً، وَتَمَرَّجَ بِدُهْنٍ وَصُفْرَةٍ. قَالَ: وَعَصَبْتُ رَأْسِي، وَأَخَذْتُ قَصَبَةً أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، وَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ: أَشْعَبُ؟! قُلْتُ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا قُمْتُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ. قَالَ: وَعِنْدَهُ سَالِمٌ، وَلَمْ أَشْعُرْ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَشْعَبُ! وَغَضِبَ، وَخَرَجَ، فَقَالَ عَبْدُ   (1) ابن سعد 5 / 197. (2) لفظ ابن سعد 5 / 197: " أمنا سالم". (3) في الطبقات 5 / 195، 196. (4) انظر ابن عساكر 7 / 15 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 اللهِ: مَا غَضِبَ خَالِي سَالِمٌ إِلاَّ مِنْ شَيْءٍ. فَاعْتَرَفْتُ لَهُ، فَضَحِكَ هُوَ وَجُلَسَاؤُهُ، وَوَهَبَ لِي، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا أَشْعَبُ قَدْ لَقِيَ سَالِماً، فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَلَمْ تَأْكُلْ عِنْدِي الهَرِيْسَةَ؟ قُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ شَكَّكْتَنِي (1) . وَحَكَى الأَصْمَعِيُّ: أَنَّ أَشْعَبَ مَرَّ فِي طَرِيْقٍ، فَعَبَثَ بِهِ الصِّبْيَانُ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! سَالِمٌ يَقْسِمُ جَوْزاً أَوْ تَمْراً. فَمَرُّوا يَعْدُوْنَ، فَغَدَا أَشْعَبُ مَعَهُم، وَقَالَ: مَا يُدْرِيْنِي لَعَلَّهُ حَقٌّ (2) . مَاتَ سَالِمٌ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ. قَالَهُ: ابْنُ شَوْذَبٍ، وَعَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، وَضَمْرَةُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٌ. زَادَ بَعْضُهُم: فِي ذِي القَعْدَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُم: فِي ذِي الحِجَّةِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بَعْد انْصِرَافِهِ مِنَ الحَجِّ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَأَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ (3) : قَدِمَ سَالِمٌ الشَّامَ وَافداً عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بِبَيْعَةِ وَالِدِهِ لَهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى الوَلِيْدِ، ثُمَّ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِسَالِمٍ فِي حَدِيْثٍ: أَسَمِعْتَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَرَّةً وَاحِدَةً! أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ مَرَّةٍ (4) .   (1) أورده ابن عساكر مطولا مع خلاف يسير، في ترجمة أشعب 3 / 28 آ. (2) انظر ابن عساكر 3 / 29 ب. (3) في تاريخه 7 / 12 آ. (4) المعرفة والتاريخ 1 / 554، وابن عساكر 7 / 14 آ، ولفظهما: " نعم وأكثر من مئة مرة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 قَالَ هَمَّامٌ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ: دَفَعَ الحَجَّاجُ رَجُلاً إِلَى سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَمُسْلِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَصَلَّيْتَ اليَوْمَ الصُّبْحَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرُدَّ إِلَى الحَجَّاجِ، فَرَمَى بِالسَّيْفِ، وَقَالَ: ذَكَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ، وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ (1)) . فَقَالَ: لَسْنَا نَقْتُلُهُ عَلَى صَلاَةٍ، وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. فَقَالَ: هَا هُنَا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِعُثْمَانَ مِنِّي. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: مِكْيَس، مِكْيَس (2) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلَ هِشَامٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا هُوَ بِسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: سَلْنِي حَاجَةً. قَالَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَسْأَلَ فِي بَيْتِهِ غَيْرَهُ. فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ: الآنَ فَسَلْنِي حَاجَةً. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا، أَمْ مِنْ حَوَائِجِ الآخِرَةِ؟ فَقَالَ: مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا. قَالَ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُ الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُهَا، فَكَيْفَ أَسْأَلُهَا مَنْ لاَ يَمْلِكُهَا (3) ؟ وَكَانَ سَالِمٌ حَسَنَ الخُلُقِ؛ فَرُوِيَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ إِذَا خَلاَ، حَدَّثَنَا حَدِيْثَ الفِتْيَانِ. وَعَنْ أَبِي سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ غَلِيْظاً، كَأَنَّهُ حَمَّالٌ (4) . وَقِيْلَ: كَانَ عَلَى سَمْتِ أَبِيْهِ فِي عَدَمِ الرَّفَاهِيَةِ. حَمَّادُ بنُ عِيْسَى الجُهَنِيُّ: حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ   (1) أخرجه مسلم في صحيحه (657) من حديث جندب بن عبد الله، وتمامه: " فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء. فيدركه فيكبه في نار جهنم " وأخرجه الترمذي (2164) من حديث أبي هريرة. (2) كذا ضبط في الأصل، وفي اللسان والتاج مكيس كمعظم: كيس معروف بالعقل. والخبر في ابن سعد 5 / 196 وابن عسار 7 / 15 آ. (3) ابن عساكر 7 / 16 ب، وما بين الحاصرتين منه. (4) ابن عساكر 7 / 17 آ، وفيه جمال بالمعجمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَدَّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يُرْسِلْهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ (1) . تَفَرَّدَ بِهِ: حَمَّادٌ، وَفِيْهِ لِيْنٌ. 177 - أَبُو الطُّفَيْلِ * عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ الكِنَانِيُّ قَدْ ذُكِرَ (2) ، وَكَانَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ عَامَ أُحُدٍ (3) . وَقَالَ سَيْفُ بنُ وَهْبٍ: دَخَلْتُ بِمَكَّةَ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ، فَقَالَ لِي: أَنَا ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَنِصْفِ سَنَةٍ (4) . وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ جِنَازَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ بِمَكَّةَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ (5) . قُلْتُ: هُوَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَاةً.   (1) ابن عساكر 7 / 12 ب، وأخرجه الترمذي (3383) من طريق حماد بن عيسى، وهو مع ضعفه فقد حسنه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " بشواهد، منها حديث ابن عباس عند أبي داود (1485) . (*) طبقات ابن سعد 5 / 457 و6 / 64، طبقات خليفة ت 176 و841 و2519، تاريخ البخاري 6 / 446، المعارف 341، المعرفة والتاريخ 1 / 295 و359، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 328. الأغاني 13 / 166، الاستيعاب ت 1344، ابن عساكر 8 / 412 ب، أسد الغابة 3 / 96، تهذيب الكمال 646 و1623، تاريخ الإسلام 4 / 78، العبر 1 / 118، 136، تذهيب التهذيب 2 / 118 آ، البداية والنهاية 9 / 190، العقد الثمين 5 / 87، الإصابة ت 4436، كنى 676، تهذيب التهذيب 5 / 82، النجوم الزاهرة 1 / 243، خلاصة تذهيب التهذيب 185، شذرات الذهب 1 / 118، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 4 / 41، تهذيب ابن عساكر 7 / 203. (2) في القسم الأول من المجلد الرابع 114 آمن الأصل. (3) انظر ابن سعد 6 / 64. (4) ابن عساكر 8 / 417 آ، وطوله البخاري 6 / 446، 447، وكذا ابن عساكر 414 آ. (5) ابن عساكر 8 / 418 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 178 - أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ * (ع) ابْنِ عَمْرِو - أَوْ عَامِرِ - بنِ نَاتِلِ (1) بنِ مَالِكٍ، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، البَصْرِيُّ. وَجَرْمٌ: بَطْنٌ مِنَ الحَافِ (2) بنِ قُضَاعَةَ. قَدِمَ الشَّامَ، وَانْقَطَعَ بِدَارَيَّا، مَا عَلِمْتُ مَتَى وُلِدَ. حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا. وَعَنْ: أَنَسٍ كَذَلِكَ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ كَذَلِكَ. وَعَنْ: حُذَيْفَةَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ فِي (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ) ، وَعَنْبَسَةَ بنِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ فِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) ، وَعَنْ زَهْدَمِ بنِ مُضَرِّبٍ (3) ، وَعَمِّهِ؛ أَبِي المُهَلَّبِ الجَرْمِيِّ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَمُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ الكُبْرَى فِي (مُسْلِمٍ) وَ (التِّرْمِذِيِّ) وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَمُعَاوِيَةَ فِي (أَبِي دَاوُدَ) وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَعَمْرِو بنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيِّ فِي (البُخَارِيِّ) وَ (سُنَن النَّسَائِيِّ) ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ فِي (أَبِي دَاوُدَ) وَ (النَّسَائِيِّ) وَ (ابْنِ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 183، طبقات خليفة ت 1730، تاريخ البخاري 5 / 92، المعارف 446، المعرفة والتاريخ 2 / 65، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 57، تاريخ داريا 60، الحلية 2 / 282، طبقات الفقهاء للشيرازي 89، تاريخ ابن عساكر 9 / 156 آ، تهذيب الكمال ص 685، 1645، تاريخ الإسلام 4 / 221، تذكرة الحفاظ 1 / 88، العبر 1 / 127، تذهيب التهذيب 2 / 146 آ، البداية والنهاية 9 / 231، تهذيب التهذيب 5 / 224، النجوم الزاهرة 1 / 254، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 36، خلاصة تذهيب التهذيب 198، شذرات الذهب 1 / 126، تهذيب ابن عساكر 7 / 429. (1) كذا ضبط في الأصل وفي جمهرة ابن حزم. وقد جاء في تاريخ داريا وابن عساكر (نايل) . (2) ويقال الحافي كما في جمهرة ابن حزم. والحاف من الحفى كما في " الاشتقاق " و" الحاف " مما حذفت العرب ياءه اجتزاء بالكسرة كالعاص بن أمية، وقوله تعالى: (دعوة الداع) " انظر أمالي ابن الشجري 2 / 73. (3) في تقريب التهذيب " مضرس " وهو تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 مَاجَه) ، وَقَبِيْصَةَ بنِ مُخَارِقٍ فِي (أَبِي دَاوُدَ) وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَعَنْ خَلْقٍ سِوَاهُم. وَهُوَ يُدَلِّسُ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الهُدَى. حَدَّثَ عَنْهُ: مَوْلاَهُ؛ أَبُو رَجَاءٍ سَلْمَانُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ، وَالمُثَنَّى بنُ سَعِيْدٍ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ، وَمَيْمُوْنُ القَنَّادُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَأَبُو عَامِرٍ الخَزَّارُ، وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ دِيْوَانُهُ بِالشَّامِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ دِمَشْقَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَوْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ بِالعِرَاقِ مَنْ هُوَ أَفَضْلُ مِنْكَ لَجَاءنَا بِهِ. فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم عَبْدَ اللهِ بنَ زَيْدٍ أَبَا قِلاَبَةَ الجَرْمِيَّ! قَالَ: فَمَا ذَهَبَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو قِلاَبَةَ (2) . قَالَ القَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيُّ فِي (تَارِيْخِ دَارِيَّا (3)) : مَوْلِدُ أَبِي قِلاَبَةَ بِالبَصْرَةِ، وَقَدِمَ الشَّامَ، فَنَزَلَ دَارِيَّا، وَسَكَنَ بِهَا عِنْدَ ابْنِ عَمِّهِ بَيْهَسِ بنِ صُهَيْبِ بنِ عَامِلِ بنِ نَاتِلٍ. رَوَى: أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنُ المُسَيِّبِ وَالقَاسِمُ وَلَمْ يَتْرُكُوا كُتُباً، وَمَاتَ أَبُو قِلاَبَةَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ تَرَكَ حِمْلَ بَغْلٍ كُتُباً (4) . وَرَوَى: أَيُّوْبُ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَوْ كَانَ أَبُو قِلاَبَةَ مِنَ العَجَمِ،   (1) في الطبقات 7 / 183. (2) ابن عساكر 9 / 156 ب وانظر ص 511 من هذا الجزء. (3) ص 61، وكذا ابن عساكر 9 / 157 آ، وما بين الحاصرتين منهما. (4) ابن عساكر 9 / 159 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 لَكَانَ مُوْبَذَ مُوْبَذَانَ -يَعْنِي: قَاضِي القُضَاةِ (1) -. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي خُشَيْنَةَ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ أَبُو قِلاَبَةَ عِنْدَ ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: ذَاكَ أَخِي حَقّاً (2) . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ذَكَرَ أَيُّوْبُ لِمُحَمَّدٍ حَدِيْثَ أَبِي قِلاَبَةَ، فَقَالَ: أَبُو قِلاَبَةَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَكِنْ عَمَّنْ ذَكَرَهُ أَبُو قِلاَبَةَ (3) . قَالَ حَمَّادٌ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ ذَكَرَ أَبَا قِلاَبَةَ، فَقَالَ: كَانَ -وَاللهِ- مِنَ الفُقَهَاءِ ذَوِي الأَلْبَابِ، إِنِّي وَجَدْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالقَضَاءِ أَشَدَّهُم مِنْهُ فِرَاراً، وَأَشَدَّهُم مِنْهُ فَرَقاً؛ وَمَا أَدْرَكْتُ بِهَذَا المِصْرِ أَعْلَمَ بِالقَضَاءِ مِنْ أَبِي قِلاَبَةَ، لاَ أَدْرِي مَا مُحَمَّدٌ (4) . ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أُذَيْنَةَ -يَعْنِي: قَاضِي البَصْرَةِ- زَمَنَ شُرَيْحٍ، ذُكِرَ أَبُو قِلاَبَةَ لِلْقَضَاءِ، فَهَرَبَ حَتَّى أَتَى اليَمَامَةَ. قَالَ: فَلَقِيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ مَثَلَ القَاضِي العَالِمِ إِلاَّ مَثَلَ رَجُلٍ وَقَعَ فِي بَحْرٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يَسْبَحَ حَتَّى يَغْرَقَ (5) . وَقَالَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ: كَانَ أَبُو قِلاَبَةَ إِذَا حَدَّثَنَا بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتُ (6) .   (1) ابن سعد 7 / 183، والمعرفة والتاريخ 2 / 65 والحلية 2 / 284. (2) ابن سعد 7 / 183، 184. (3) ابن عساكر 9 / 160 آ. (4) ابن سعد 7 / 183 وزاد: " لو خبر " وفي رواية لابن عساكر 9 / 161 آ: " لو جبر عليه " وفي رواية أخرى 9 / 161 ب زاد في نهاية الخبر: " لا أدري ما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء فيفر إلى الشام مرة، ويفر إلى اليمامة مرة، فكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج " وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 67 والحلية 2 / 285. (5) ابن عساكر 9 / 161 به وانظر ابن سعد 7 / 183 والمعرفة والتاريخ 2 / 65، 66. (6) ابن سعد 7 / 185 والحلية 2 / 287. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: بَصْرِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ يَحْمِلُ عَلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئاً، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ ثَوْبَانَ شَيْئاً (1) . وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي قِلاَبَةَ (2) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَبُو قِلاَبَةَ عَرَبِيٌّ مِنْ جَرْمٍ، مَاتَ بِالشَّامِ، وَأَدْرَكَ خِلاَفَةَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. أَبُو رَجَاءٍ: عَنْ مَوْلاَهُ؛ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَذَكَرُوا القَسَامَةَ (3) ، فَحَدَّثْتُهُ عَنْ أَنَسٍ بِقِصَّةِ العُرَنِيِّيْنَ (4) . قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيْكُم هَذَا، أَوْ مِثْلُ هَذَا (5) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: رَوَى أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ سَمُرَةَ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ هِشَامِ بنِ عَامِرٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.   (1) انظر ابن عساكر 9 / 160 ب. (2) ابن عساكر 9 / 163 آ. (3) حديث القسامة أخرجه مسلم (1669) والبخاري 10 / 443. والقسامة: قال البغوي في " شرح السنة " 10 / 216: صورة قتيل القسامة أن يوجد قتيل وادعى وليه على رجل أو على جماعة وعليهم لوث ظاهر، واللوث ما يغلب على القلب صدق المدعي بأنه وجد فيما بين قوم أعداء لهم لا يخالطهم غيرهم كقتيل خيبر وجد بينهم والعداوة بين الانصار وبين أهل خيبر ظاهرة، أو اجتمع جماعة في بيت أو صحراء وتفرقوا عن قتيل، أو وجد في ناحية قتيل وثم رجل مختضب بدمه أو شهد عدل واحد على أن فلانا قتله أو قاله جماعة من العبيد والنسوان جاؤوا متفرقين بحيث يؤمن تواطؤهم ونحو ذلك من أنواع اللوث فيبدأ بيمين المدعي فيحلف خمسين يمينا ويستحق دعواه، وإن لم يكن هناك لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه كما في سائر الدعاوى. (4) حديث العرنيين أخرجه البخاري 12 / 98 في المحاربين في فاتحته، باب لم يحسم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردة حتى هلكوا، وباب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا، وباب سمر النبي صلى الله عليه وسلم أعين المحاربين، وفي المغازي باب قصة عكل وعرينة، وفي تفسير سورة المائدة باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..وأخرجه مسلم (1671) في القسامة باب حكم المحاربين من حديث أنس بن مالك. (5) الحلية 2 / 284، وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 65. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 قُلْتُ: قَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيْراً. قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: رَآنِي أَبُو قِلاَبَةَ وَقَدِ اشْتَرَيْتُ تَمْراً رَدِيْئاً، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ نَزَعَ مِنْ كُلِّ رَدِيْءٍ بَرَكَتَهُ (1) . وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنَ الرُّوْحِ، مَا انْتُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْتَنَ (2) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، حَدَّثَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الأَهْوَاءِ، وَلاَ تُحَادِثُوْهُم، فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَغْمُرُوْكُم فِي ضَلاَلَتِهِم، أَوْ يُلْبِسُوا عَلَيْكُم مَا كُنْتُم تَعْرِفُوْنَ (3) . وَعَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِالسُّنَّةِ، فَقَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا وَهَاتِ كِتَابَ اللهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ (4) . قُلْتُ أَنَا: وَإِذَا رَأَيْتَ المُتَكَلِّمَ المُبْتَدِعَ يَقُوْلُ: دَعْنَا مِنَ الكِتَابِ وَالأَحَادِيْثِ الآحَادِ وَهَاتِ العَقْلَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَبُو جَهْلٍ، وَإِذَا رَأَيْتَ السَّالِكَ التَّوْحِيْدِيَّ يَقُوْلُ: دَعْنَا مِنَ النَّقْلِ وَمِنَ العَقْلِ وَهَاتِ الذَّوْقَ وَالوَجْدَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِبْلِيْسُ قَدْ ظَهَرَ بِصُوْرَةِ بَشَرٍ، أَوْ قَدْ حَلَّ فِيْهِ، فَإِنْ جَبُنْتَ مِنْهُ، فَاهْرُبْ، وَإِلاَّ فَاصْرَعْهُ، وَابْرُكْ عَلَى صَدْرِهِ، وَاقْرَأْ عَلَيْهِ آيَةَ الكُرْسِيِّ، وَاخْنُقْهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،   (1) انظر الحلية 2 / 286 وابن عساكر 9 / 163 آ، والخبر فيهما مطول. (2) الحلية 2 / 287. (3) الحلية 2 / 287، وابن سعد 7 / 184 وفيه: " ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم ". (4) ابن سعد 7 / 184. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عَلَى أَبِي قِلاَبَةَ يَعُوْدُهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا قِلاَبَةَ، تَشَدَّدْ، لاَ يَشْمَتْ بِنَا المُنَافِقُوْنَ (1) . رَوَى: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: قِيْلَ لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ: هَذَا أَبُو قِلاَبَةَ. قَالَ: مَا أَقْدَمَهُ؟ قَالُوا: مُتَعَوِّذاً مِنَ الحَجَّاجِ، أَرَادَهُ عَلَى القَضَاءِ، فَكَتَبَ إِلَى الحَجَّاجِ بِالوَصَاةِ بِهِ. فَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لَنْ أَخْرُجَ مِنَ الشَّامِ (2) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (3) : لاَ يُعْرَفُ لأَبِي قِلاَبَةَ تَدْلِيْسٌ. قُلْتُ: مَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ إِذَا رَوَى شَيْئاً عَنْ عُمَرَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَثَلاً مُرْسَلاً لاَ يَدْرِي مَنِ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ، بِخِلاَفِ تَدْلِيْسِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ، ثُمَّ يُسْقِطُهُم، كَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ تِلْمِيْذِهِ. وَيُرْوَى: أَنَّ أَبَا قِلاَبَةَ عَطِشَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكْرَمَهُ اللهُ لَمَّا دَعَا بِأَنْ أَظَلَّتْهُ سَحَابَةٌ، وَأَمْطَرَتْ عَلَى جَسَدِهِ، فَذَهَبَ عَطَشُهُ (4) . قَالَ سَلَمَةُ بنُ وَاصِلٍ: مَاتَ أَبُو قِلاَبَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- بِالشَّامِ، فَأَوْصَى بِكُتُبِهِ لأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ (5) . وَقَالَ أَيُّوْبُ: فَلَمَّا جَاءتْنِي الكُتُبُ، أَخْبَرْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ، وَقُلْتُ لَهُ: أُحَدِّثُ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: لاَ آمُرُكَ، وَلاَ أَنْهَاكَ (6) .   (1) انظر ابن سعد 7 / 185 وكذا في المعرفة والتاريخ 2 / 67 وابن عساكر 9 / 163 آ. (2) أورده ابن عساكر مطولا 9 / 156 ب، وما بين الحاصرتين منه. (3) في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 58. (4) انظر الخبر مطولا في ابن عساكر 9 / 160 ب. (5) ابن عساكر 9 / 163 آ، ب. (6) ابن عساكر 9 / 163 ب، ولفظه: " فأخذت منها " وانظر ابن سعد 7 / 185. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وَقِيْلَ: إِنَّ أَيُّوْبَ وَزَنَ كِرَاءَ حِمْلِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، فَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: جِيْءَ بِهَا فِي عِدْلِ رَاحِلَةٍ. وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ المُؤْمِنِ شَيْخُنَا: أَنَّ أَبَا قِلاَبَةَ مِمَّنْ ابْتُلِيَ فِي بَدَنِهِ وَدِيْنِهِ، أُرِيْدَ عَلَى القَضَاءِ، فَهَرَبَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ بِعَرِيْشِ مِصْرَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَدْ ذَهَبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ وَبَصَرُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حَامِدٌ شَاكِرٌ. وَكَذَا أَرَّخَ مَوْتَهُ: شَبَابٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ، أَوْ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ (1) ، أَنْبَأَنَا مَحْمُوْدٌ الأَزْدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو العَبَّاسِ المَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي: أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُم فِي أَمْرِ اللهِ: عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُم حَيَاءً: عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُم: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُم بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، أَلاَ وَإِنَّ أَمِيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجرَّاحِ) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، صَحِيْحٌ (2) . وَبِهِ فِي (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (3)) : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ   (1) هو نصر بن سيار بن صاعد أبو الفتح الكتاني متوفى سنة 572 هـ تأتي ترجمته في المجلد الثاني عشر 275 ب من الأصل. (2) رجاله ثقات، وسنده قوي، وهو في سنن الترمذي (3791) وأخرجه أحمد 3 / 184 و281، وابن ماجه (154) . (3) رقم (3790) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 الرَّحْمَنِ، عَنْ دَاوُدَ العَطَّارِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي: أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُم فِي دِيْنَ اللهِ: عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُم حَيَاءً: عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُم بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: مُعَاذٌ، وَأَفْرَضُهُم: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُم: أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. قُلْتُ: سُفْيَانُ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. 179 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ الهُذَلِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، وَعَالِمُهَا، وَأَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْمَى. وَهُوَ أَخُو المُحَدِّثِ عَوْنٍ، وَجَدُّهُمَا عُتْبَةُ هُوَ: أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، أَوْ بُعَيْدَهَا. وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَلاَزَمَهُ طَوِيْلاً - وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَمَيْمُوْنَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، وَوَالِدِهِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْ: عُمَرَ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ، وَغَيْرِهِم مُرْسَلاً. وَعَنْهُ: أَخُوْهُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَضَمْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ المَازِنِيُّ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَخُصَيْفٌ الجَزَرِيُّ،   (*) طبقات ابن سعد 5 / 250، طبقات خليفة ت 2087، تاريخ البخاري 5 / 385، المعارف 250، المعرفة والتاريخ 1 / 560، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 319، الحلية 2 / 188، طبقات الفقهاء للشيرازي 60، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 312، وفيات الأعيان 3 / 115، تهذيب الكمال ص 884، تاريخ الإسلام 4 / 30، تذكرة الحفاظ 1 / 74. العبر 1 / 116، تذهيب التهذيب 2 / 265 ب، تهذيب التهذيب 7 / 23، طبقات الحفاظ للسيوطي 32، خلاصة تذهيب التهذيب 251، شذرات الذهب 1 / 114. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الجَهْمِ العَدَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، فَقِيْهاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ بِالشِّعْرِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ أَعْمَشَ، وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ، ثِقَةً، رَجُلاً صَالِحاً، جَامِعاً لِلْعِلْمِ، وَهُوَ مُعَلِّمُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، إِمَامٌ. يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ (2) : عَنْ عُمَارَةَ (3) بنِ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَخْزُنُ عَنْهُ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يُلْطِفُهُ، فَكَانَ يُعِزُّهُ عِزّاً (4) . عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ: عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَداً مِنَ العُلَمَاءِ إِلاَّ وَأَرَى أَنِّي قَدْ أَتَيْتُ عَلَى مَا عِنْدَهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، حَتَّى مَا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْهُ إِلاَّ مُعَاداً، مَا خَلاَ عُبَيْدَ اللهِ، فَإِنَّهُ لَمْ آتِهِ إِلاَّ وَجَدْتُ عِنْدَهُ عِلْماً طَرِيْفاً. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِّيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ   (1) ابن سعد 5 / 250. (2) في الأصل " المؤذن " وهو تصحيف. (3) كذا الأصل، وفي الطبقات: حماد بن زيد، ويغلب على الظن أن ما في الطبقات هو الصواب. (4) أي: يتحفه بالقليل، والخبر في ابن سعد 5 / 250. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ حَدِيْثاً قَطُّ فَأَشَاءُ (1) أَنْ أَعِيَهُ إِلاَّ وَعَيْتُهُ. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ هَذَا، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ لاَ أَشَاءُ أَنْ أَقَعَ مِنْهُ عَلَى مَا لاَ أَجِدُهُ إِلاَّ عِنْدَهُ إِلاَّ وَقَعْتُ عَلَيْهِ. مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ حَتَّى أَنْ كُنْتُ أَسْتَقِي لَهُ المَاءَ المَالِحَ، وَكَانَ يَقُوْلُ لِجَارِيَتِهِ: مَنْ بِالبَابِ؟ فَتَقُوْلُ: غُلاَمُكَ الأَعْمَشُ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَتَبَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: بِسْمِ الَّذِي أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِهِ السُّوَرُ ... وَالحَمْدُ للهِ، أَمَّا بَعْدُ يَا عُمَرُ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ ... فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ قَدْ يَنْفَعُ الحَذَرُ وَاصْبِرْ عَلَى القَدَرِ المَحْتُوْمِ، وَارْضَ بِهِ ... وَإِنْ أَتَاكَ بِمَا لاَ تَشْتَهِي القَدَرُ فَمَا صَفَا لامْرِئٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ ... إِلاَّ سَيَتْبَعُ يَوْماً صَفْوَهُ كَدَرُ (2) قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بَحْراً مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَأْتِي   (1) في الأصل: " حاشا " والصواب ما أثبتناه من المعرفة والتاريخ 1 / 560 وتاريخ الإسلام 4 / 30. (2) الخبر والابيات في الحلية 2 / 188، 189. (3) انظر المعرفة والتاريخ 1 / 561. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُ وَيَسْتَسْقِي هَوَ لَهُ المَاءَ مِنَ البِئْرِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يُطَوِّلُ الصَّلاَةَ، وَلاَ يَعْجَلُ عَنْهَا لأَحَدٍ. قَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ جَاءهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَلَسَ يَنْتَظِرُهُ، وَطَوَّلَ عَلَيْهِ، فَعُوْتِبَ عُبَيْدُ اللهِ فِي ذَلِكَ، وَقِيْلَ: يَأْتِيْكَ ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحْبِسُهُ هَذَا الحَبْسَ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ غَفْراً، لاَ بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ أَنْ يُعَنَّى (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المُعْطِي، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّارُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، حَدَّثَهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: جِئْتُ أَنَا وَالفَضْلُ عَلَى أَتَانٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا عَنْهَا، وَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ، وَلَمْ يَقُلْ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً (2) . وَبِهِ: عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) . هَذَا مُرْسَلٌ، قَوِيُّ الإِسْنَادِ (3) ، فِيْهِ الحَضُّ عَلَى غَسْلِ اليَدِ مِنَ الزَّفَرِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ: مَاتَ عُبَيْدُ اللهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ.   (1) انظر الخبر بنحوه في ترجمة علي بن الحسين ص 388 من هذا الجزء. (2) وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 155، 156 من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس، وهو في البخاري 1 / 472 ومسلم (504) . (3) وهو حديث صحيح أخرجه موصولا أبو داود (3852) والدارمي 2 / 104، وأحمد 2 / 263، 341، 537، وابن ماجه (3297) من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه " والغمر: الدسم والزهومة من ريح اللحم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. 180 - صَالِحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ أَبُو الخَلِيْلِ الضُّبَعِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) البَصْرِيُّ، وهُوَ صَالِحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ. رَوَى عَنْ: سَفِيْنَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَأَبِي عَلْقَمَةَ. وَعَنْهُ: مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي مُوْسَى، مُرْسَلاً. بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ المائَةِ. 181 - كُرَيْبُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ أَبُو رِشْدِيْنَ الهَاشِمِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو رِشْدِيْنَ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الحِجَازِيُّ، وَالِدُ: رِشْدِيْنَ وَمُحَمَّدٍ. أَدْرَكَ عُثْمَانَ، وَأَرْسَلَ عَنِ: الفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ؛ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ الفَضْلِ أُمَّهِ، وَأُخْتِهَا؛ مَيْمُوْنَةَ، وَأُسَامَةَ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 237، تاريخ البخاري 4 / 289، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 415، تهذيب الكمال ص 599، تاريخ الإسلام 4 / 14، تذهيب التهذيب 2 / 88 ب، تهذيب التهذيب 4 / 402، خلاصة تذهيب التهذيب 171. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 293، طبقات خليفة ت 2538، تاريخ البخاري 7 / 231، المعرفة والتاريخ 1 / 417، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 168، تاريخ ابن عساكر 14 / 272 ب، تهذيب الكمال ص 1146، 1611، تاريخ الإسلام 4 / 48، العبر 1 / 117، تذهيب التهذيب 3 / 169 ب، البداية والنهاية 9 / 186 تهذيب التهذيب 8 / 433، خلاصة تذهيب التهذيب 322، شذرات الذهب 1 / 114. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 بنِ زَيْدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُمِّ هَانِئ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالمِسْوَرِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَمَكْحُوْلٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَأَخُوْهُ؛ يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ، وَأَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ زُهَيْرُ بنُ مُعَاِويَةَ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَضَعَ عِنْدَنَا كُرَيْبٌ حِمْلَ بَعِيْرٍ - أَوْ عِدْلَ بَعِيْرٍ - مِنْ كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَانَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَرَادَ الكِتَابَ، كَتَبَ إِلَيْهِ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِصَحِيْفَةِ كَذَا وَكَذَا. فَيَنْسَخُهَا، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ إِحِدَاهُمَا (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ مُحَمَّدٌ وَرِشْدِيْنُ. 182 - بَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ البَصْرِيُّ * (ع) العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو الشَّعْثَاءِ البَصْرِيُّ.   (1) في الطبقات 5 / 293. (2) الخبر في ابن سعد 5 / 293. (*) طبقات خليفة ت 1597، 1655، تاريخ البخاري 2 / 105، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 379، تهذيب الكمال ص 155، تاريخ الإسلام 3 / 345، تذهيب التهذيب 1 / 86 ب، تهذيب التهذيب 1 / 470، خلاصة تذهيب التهذيب 50. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 عَنْ: بَشِيْرِ بنِ الخَصَاصِيَّةِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ بَرَكَةَ، وَأَبُو مِجْلَزٍ لاَحِقٌ، وَالنَّضْرُ بنُ أَنَسٍ، وَخَالِدُ بنُ سُمَيْرٍ (1) ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ. حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. شَذَّ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. 183 - سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى * مِنْ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ، وَثِقَاتِهِمْ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: ذَرٌّ الهَمْدَانِيُّ، وَالحَكَمُ، وَقَتَادَةُ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ. وَهُوَ مُقِلٌّ. 184 - أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ الأَزْدِيُّ اليَحْمَدِيُّ * (ع) مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الخَوْفِيُّ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ (2) -. وَالخَوْفُ: نَاحِيَةٌ مِنْ عُمَانَ. كَانَ عَالِمَ أَهْلِ البَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ، يُعَدُّ مَعَ   (1) انظر التعليق رقم (8) ص 365. (*) تاريخ البخاري 3 / 494، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 39، تهذيب الكمال ص 497، تاريخ الإسلام 4 / 4، تذهيب التهذيب 2 / 22 ب، تهذيب التهذيب 4 / 54، خلاصة تذهيب التهذيب 140. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 179، طبقات خليفة ت 1729، تاريخ البخاري 2 / 204، المعارف 453، المعرفة والتاريخ 2 / 12، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 494، الحلية 3 / 85، طبقات الفقهاء للشيرازي 88، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 141 والقسم الأول من الجزء الثاني 244، تهذيب الكمال ص 179، 1620 تاريخ الإسلام 4 / 77، تذكرة الحفاظ 1 / 67، العبر 1 / 108، تذهيب التهذيب 1 / 99 آ، البداية والنهاية 9 / 93، غاية النهاية، ت 868، تهذيب التهذيب 2 / 38، النجوم الزاهرة 1 / 252،، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 28، خلاصة تذهيب التهذيب 59، شذرات الذهب 1 / 101. (2) كذا ضبط في الأصل ونص عليه المؤلف في " مشتبه النسبة " و" تاريخ الإسلام " وتبعه = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَيُّوْبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ البَصْرَةِ نَزَلُوا عِنْدَ قَوْلِ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، لأَوْسَعَهُم عِلْماً عَمَّا فِي كِتَابِ اللهِ (1) . وَرُوِيَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَسْأَلُوْنِي وَفِيْكُم جَابِرُ بنُ زَيْدٍ (2) ! وَعَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ (3) . قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَتْ لأَبِي الشَّعْثَاءِ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ البَصْرَةِ يُفْتِي فِيْهَا قَبْلَ الحَسَنِ، وَكَانَ مِنَ المُجْتَهِدِيْنَ فِي العِبَادَةِ، وَقَدْ كَانُوا يُفَضِّلُوْنَ الحَسَنَ عَلَيْهِ، حَتَّى خَفَّ الحَسَنُ فِي شَأْنِ ابْنِ الأَشْعَثِ. قُلْتُ: لَمْ يَخِفَّ، بَلْ خَرَجَ مُكْرَهاً. قَالَ أَيُّوْبُ: رَأَيْتُ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَكَانَ لَبِيْباً (4) . وَقَالَ قَتَادَةُ يَوْمَ مَوْتِ أَبِي الشَّعْثَاءِ: اليَوْمَ دُفِنَ عِلْمُ أَهْلِ البَصْرَةِ -أَوْ قَالَ: عَالِمُ العِرَاقِ (5) -. وَعَنْ إِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ البَصْرَةِ وَمُفْتِيْهِم جَابِرُ بنُ زَيْدٍ (6) .   = ابن حجر في " التبصير " إلا أنه في تهذيب الكمال ومعجم البلدان والقاموس ينسب إلى درب الجوف بالبصرة. واختلف أيضا في ضبط الخوف التي في عمان، فقيل بالجيم والحاء والخاء، انظر التاج. (1) ابن سعد 7 / 179، 180 والمعرفة والتاريخ 2 / 12 والحلية 3 / 85. (2) الحلية 3 / 86. (3) المصدر السابق والمعرفة والتاريخ 2 / 13 وروايتهما: " ما رأيت أحدا أعلم بالفتيا من أبي الشعثاء ". (4) انظر ابن سعد 7 / 180 والمعرفة والتاريخ 2 / 12. (5) انظر الحلية 3 / 86. (6) انظر ابن سعد 7 / 180 والحلية 3 / 86. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: لَوِ ابْتُلِيْتُ بِالقَضَاءِ، لَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي، وَهَرَبْتُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ، وَالفَلاَّسُ، وَالبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُم: تُوُفِّيَ أَبُو الشَّعْثَاءِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. وَشَذَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. حَدِيْثُهُ فِي الدَّوَاوِيْنِ المَعْرُوْفَةِ. 185 - الحَسَن ابْنُ سِبْطِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (س) السَّيِّدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ، ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ وَالفُتْيَا مَعَ صِدْقِهِ وَجَلاَلَتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يَسَارٍ وَالِدُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُم. ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ سُهَيْلٍ، وَسَعِيْدٍ مَوْلَى المُهْرِيِّ، عَنْ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً وَقَفَ عَلَى البَيْتِ الَّذِي فِيْهِ قَبْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو لَهُ، وَيُصَلِّي   (1) انظر الحلية 3 / 86. (*) طبقات ابن سعد 5 / 319، نسب قريش لمصعب 46، طبقات خليفة ت 2045، تاريخ البخاري 2 / 289، المعارف 212، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 5، تاريخ ابن، عساكر 4 / 217 آ، تهذيب الكمال ص 255، تاريخ الإسلام 3 / 356، العبر 1 / 196، تذهيب التهذيب 1 / 132 ب، البداية والنهاية 9 / 170، تهذيب التهذيب 2 / 263، خلاصة تذهيب التهذيب 77، تهذيب ابن عساكر 4 / 165. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ (1) : لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَتَّخِذُوا بَيْتِيَ عِيْداً، وَلاَ تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُم قُبُوْراً، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُم، فَإِنَّ صَلاَتَكُم تَبْلُغُنِي) (2) . هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَا اسْتَدَلَّ حَسَنٌ فِي فَتْوَاهُ بِطَائِلٍ مِنَ الدَّلاَلَةِ، فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ ذَلِيْلاً، مُسْلِماً، مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ، فَيَا طُوْبَى لَهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ، وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ، وَقَدْ أَتَى بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ، أَوْ فِي صَلاَتِهِ، إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ، وَأَجْرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ فَقَطْ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً، وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَسَاءَ أَدَبَ الزِّيَارَةِ، أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ، أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ، فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً، فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ، وَاللهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ. فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ، وَالصِّيَاحُ وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةِ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَحُبُّهُ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ، وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ لِعُمُوْمِ قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ) (3) . فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) في الأصل: " فقالوا " وما أثبتناه من ابن عساكر. (2) حديث حسن وأخرجه ابن أبي شيبة وابن عساكر 4 / 217 آ، وعبد الرزاق في المصنف (6726) من طريق سهيل بن أبي سهيل ويقويه ما أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي رقم (20) من طريق علي بن الحسين أنه رأى رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويصنع ذلك ما اشتهره عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن حسين: هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي؟ قال نعم، فقال له علي بن الحسين: أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي وسلموا حيث ما كنتم فسيبلغني صلاتكم وسلامكم " وفي سنده مستور وباقي رجاله ثقات. (3) سبق تخريجه في ص 291. رقم (1) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ بِلاَ نِزَاعٍ، إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ بِتَحِيَّةِ صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِيْنَ (1) -. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أُمُّ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ هَذَا هِيَ: خَوْلَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ (2) الفَزَارِيَّةُ، وَهِيَ وَالِدَةُ إِبْرَاهِيْمَ وَدَاوُدَ وَالقَاسِمِ؛ أَوْلاَدِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ السَّجَّادِ. قَالَ: وَكَانَ الحَسَنُ وَلِيَّ صَدَقَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ يَوْماً، وَهُوَ يُسَايِرُهُ فِي مَوْكِبِهِ بِالمَدِيْنَةِ: أَدْخِلْ عَمَّكَ عُمَرَ بنَ عَلِيٍّ مَعَكَ فِي صَدَقَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ عَمُّكَ وَبَقِيَّةُ أَهْلِكَ. فَقَالَ: لاَ أُغَيِّرُ شَرْطَ عَلِيٍّ. قَالَ: إِذاً أَدْخِلْهُ مَعَكَ. قَالَ: فَسَارَ الحَسَنُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَوَصَلَهَ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَاباً إِلَى الحَجَّاجِ لاَ يُجَاوِزُهُ (3) . زَائِدَةُ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُصْعَبٍ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى هِشَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ يُكَاتِبُ أَهْلَ العِرَاقِ، فَاسْتَحْضِرْهُ. قَالَ: فَجِيءَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: يَا ابْنَ عَمِّ، قُلْ كَلِمَاتِ الفَرَجِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الحَلِيْمُ الكَرِيْمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَلِيُّ العَظِيْمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيْمِ. قَالَ: فَخُلِّيَ عَنِّي (4) .   (1) قصد المؤلف رحمه الله بهذا الاستطراد الرد على شيخه ابن تيمية الذي يقول بعدم جواز شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويرى أن على الحاج أن ينوي زيارة المسجد النبوي كما هو مبين في محله. (2) هي خولة بنت منظور بن زبان بن سيار، كما في " ابن سعد " و" نسب قريش " لمصعب و" ابن عساكر ". (3) أورده مصعب الزبيري في " نسب قريش " 46، 47 مطولا، وكذا ابن عساكر 4 / 218 آ، ب. (4) أورده ابن عساكر 4 / 218 ب مطولا، وأخرجه البخاري 11 / 123 في الدعوات باب = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 وَرُوِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، لَكِنْ قَالَ: كَتَبَ الوَلِيْدُ إِلَى عُثْمَانَ المُرِّيِّ: انْظُرِ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ، فَاجْلِدْهُ مائَةً، وَوَقِّفْهُ لِلنَّاسِ يَوْماً، وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَاتِلَهُ. قَالَ: فَعَلَّمَهُ عَلِيٌّ كَلِمَاتِ الكَرْبِ. فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ مِنَ الرَّافِضَّةِ: إِنَّ قَتْلَكَ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تَمْزَحُ! فَقَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ مِنِّي بِمُزَاحٍ (1) . قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ (2) : كَانَ فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ يَقُوْل: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ مِنَ الرَّافِضَّةِ: أَحِبُّوْنَا، فَإِنْ عَصَيْنَا اللهَ، فَأَبْغِضُوْنَا، فَلَوْ كَانَ اللهُ نَافِعاً أَحَداً بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغَيْرِ طَاعَةٍ، لَنَفَعَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ (3) . وَرَوَى: فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: دَخَلَ عَلَيَّ المُغِيْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: الَّذِي أُحْرِقَ فِي الزَّنْدَقَةِ- فَذَكَرَ مِنْ قَرَابَتِي وَشَبَهِي بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنْتُ أُشَبَّهُ وَأَنَا شَابٌّ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لَعَنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَعِنْدِي! ثُمَّ خَنَقْتُهُ -وَاللهِ- حَتَّى دَلعَ لِسَانُهُ (4) . تُوُفِّيَ الحَسَنُ بنُ الحَسَنِ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ.   = الدعاء عند الكرب، ومسلم (2730) في الذكر والدعاء باب دعاء الكرب من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ". (1) ابن عساكر 4 / 219 آ. (2) في " نسب قريش " 49. (3) والخبر في " ابن عساكر " 4 / 219 آ، وقد أورده ابن سعد 5 / 319، 320 عن شبابة بن سوار الفزاري عن الفضيل بن مرزوق مطولا. (4) أورد المؤلف هذه القصة في ترجمته للمغيرة بن سعيد البجلي في " ميزان الاعتدال " 4 / 161، ولكنه عزاها لابنه إبراهيم بن حسن، وفضيل بن مرزوق روى عنهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 وَقِيْلَ: كَانَتْ شِيْعَةُ العِرَاقِ يُمَنُّوْنَ الحَسَنَ الإِمَارَةَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُبْغِضُهُم دِيَانَةً. وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيْلَةٌ فِي (تَارِيْخِ ابْنِ عَسَاكِرَ (1)) ، وَكَانَ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ. 186 - أَخُوْهُ: زَيْدُ ابْنُ سِبْطِ رَسُوْلِ اللهِ * - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِدُ أَمِيْرِ المَدِيْنَةِ الحَسَنِ بنِ زَيْدٍ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ وَيَزِيْدُ بنُ عِيَاضِ بنِ جُعْدُبَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي المَوَّالِ. ذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ زَيْدَ بنَ الحَسَنِ شَرِيْفُ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَدُّوا إِلَيْهِ صَدَقَاتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقِيْلَ: كَانَ يَتَعَجَّبُ النَّاسُ مِنْ عِظَمِ خِلْقَتِهِ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلِلشُّعَرَاءِ فِيْهِ مدَائِحُ. مَاتَ: بَعْدَ المائَةِ. 187 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَائِذٍ الأَزْدِيُّ الثُّمَالِيُّ ** (4) الحِمْصِيُّ. مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ، وَبَعْضُهُم يَظُنُّ   (1) 4 / 217 آ. (*) طبقات ابن سعد 5 / 318، تاريخ البخاري 3 / 392، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 560، تاريخ ابن عساكر 6 / 300 ب، تهذيب الكمال ص 454، تاريخ الإسلام 4 / 113، تذهيب التهذيب 1 / 250 ب، تهذيب التهذيب 3 / 406، خلاصة تذهيب التهذيب 127، تهذيب ابن عساكر 5 / 462. (* *) طبقات خليفة ت 2927، تاريخ البخاري 5 / 324، المعرفة والتاريخ 2 / 382، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 270، أسد الغابة 3 / 303، تهذيب الكمال ص = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ. وَكَانَ ثِقَةً، طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَحْفُوْظُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَسُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، وَيَحْيَى بنُ جَابِرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: أَحَادِيْثُهُ مَرَاسِيْلُ -يَعْنِي: أَنَّهُ يُرْسِلُ عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ كَعَوَائِدِ الشَّامِيِّيْنَ، وَإِنَّمَا اعْتَنَوْا بِالإِسْنَادِ لَمَّا سَكَنَ فِيْهِمُ الزُّهْرِيُّ، وَنَحْوُهُ-. قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ عَائِذٍ كَانَ فِيْمَنْ خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ، فَأُسِرَ يَوْمَ الجَمَاجِمِ (1) ، فَعَفَا عَنْهُ الحَجَّاجُ لِجَلاَلَتِهِ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ، خَلَّفَ صُحُفاً وَكُتُباً. قَالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ حِمْصَ يَأْخُذُوْنَ كُتُبَ ابْنِ عَائِذٍ، فَمَا وَجَدُوا فِيْهَا مِنَ الأَحْكَامِ عَمَدُوا بِهَا عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، قَنَاعَةً بِهَا، وَرِضَىً بِحَدِيْثِهِ (2) . قَالَ بَقِيَّةُ: وَحَدَّثَنِي أَرْطَاةُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ: اقْتَسَمَ رِجَالٌ مِنَ الجُنْدِ كُتُبَ ابْنِ عَائِذٍ بَيْنَهُم بِالمِيْزَانِ؛ لِقَنَاعَتِهِ فِيْهِم.   = 799، تاريخ الإسلام 4 / 26، تذهيب التهذيب 2 / 214 ب، الإصابة ت 5147، 6694، تهذيب التهذيب 6 / 203، خلاصة تذهيب التهذيب 229. (1) انظر تعريف يوم الجماجم في ص 196 رقم (1) و526 رقم (4) . (2) المعرفة والتاريخ 2 / 383. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 هَارُوْنُ الحَمَّالُ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا الأَحْوَصُ بنُ حَكِيْمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَائِذٍ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُغَيِّرُ لِحْيَتَهُ بِمَاءِ السِّدْرِ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا بِالتَّغْيِيْرِ، مُخَالَفَةً لِلْعَجَمِ (1) . قِيْلَ: إِنَّ الحَجَّاجَ لَمَّا أُتِيَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَائِذٍ، قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: لاَ كَمَا يُرِيْد اللهُ، وَلاَ كَمَا يُرِيْدُ الشَّيْطَانُ، وَلاَ كَمَا أُرِيْدُ. قَالَ: وَيَحك! مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُرِيْد اللهُ أَنْ أَكُوْنَ عَابِداً زَاهِداً، وَمَا أَنَا كَذَلِكَ، وَيُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ أَكُوْنَ فَاسِقاً مَارِقاً، وَمَا أَنَا بِذَاكَ، وَأُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مُخَلَّىً فِي بَيْتِي، آمِناً فِي أَهْلِي، وَمَا أَنَا بِذَاكَ. فَقَالَ الحَجَّاجُ: أَدَبٌ عِرَاقِيٌّ، وَمَوْلِدٌ شَامِيٌّ، وَجِيْرَانُنَا إِذْ كُنَّا بِالطَّائِفِ، خَلُّوا عَنْهُ. 188 - عَلِيُّ بنُ رَبِيْعَةَ أَبُو المُغِيْرَةِ الوَالِبِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَأَسْمَاءَ بنِ الحَكَمِ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: سَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الصُّفَيْرَا (2) ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.   (1) إسناده ضعيف لضعف الاحوص بن حكيم، ثم هو مرسل. والسدر: شجر النبق، وهو لونان: عبري لا شوك له أصفر مز ينبت على الماء، وضال بري لا يصلح ورقه للغسول اهـ. (لسان) . (*) طبقات ابن سعد 6 / 226، طبقات خليفة ت 1118، تاريخ البخاري 6 / 273، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثالث 185، تهذيب الكمال ص 971، تاريخ الإسلام 4 / 39، تذهيب التهذيب 3 / 61 آ، تهذيب التهذيب 7 / 320، خلاصة تذهيب التهذيب 274. (2) هو إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيرا، من رجال الترمذي كما في التبصير 839. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 189 - رَاشِدُ بنُ سَعْدٍ الحُبْرَانِيُّ * (4) وَيُقَالُ: المَقْرَائِيُّ (1) ، الفَقِيْهُ، مُحَدِّثُ حِمْصَ. يَرْوِي عَنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَثَوْبَانَ، وَعُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَنَسٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَحَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَأَهْلُ حِمْصَ. وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُم: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَحْدَهُ: هُوَ ضَعِيْفٌ. فَهَذَا مِنْ أَقْوَالِهِ المَرْدُوْدَةِ. وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، يُعْتَبَرُ بِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ يَرْوِي أَيْضاً عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَإِنَّهُ شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا - وَهُوَ مُمْكِنٌ - فَقَدْ عَاشَ نَحْوَ التِّسْعِيْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَكْحُوْلٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 456، طبقات خليفة ت 2934، تاريخ البخاري 3 / 292، المعرفة والتاريخ 2 / 332، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 483، الحلية 6 / 117، تاريخ ابن عساكر 6 / 88 آ، تهذيب الكمال ص 399، تاريخ الإسلام 4 / 111 و248، تذهيب التهذيب 1 / 214 آ، البداية والنهاية 9 / 257، تهذيب التهذيب 3 / 225، خلاصة تذهيب التهذيب 113، تهذيب ابن عساكر 5 / 292. (1) كذا ضبط في الأصل، نسبة إلى " مقرى " قرية تحت جبل قاسيون، قال المؤلف في " مشتبه النسبة " 610: والمحدثون يضمونه وهو خطأ. وانظر معجم البلدان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 ثَوْرٌ - فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) -: عَنْ رَاشِدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ البَرْدُ، فَأَمَرَهُم أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِيْنِ (1) . إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. وَخَرَّجَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَأَخْطَأَ، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ مَا احْتَجَّا بِرَاشِدٍ وَلاَ ثَوْرٍ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ. 190 - خِلاَسُ بنُ عَمْرٍو الهَجَرِيُّ * (ع) بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، خَرَّجُوا لَهُ فِي الصِّحَاحِ. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْهُ: قَتَادَةُ، وَعَوْفٌ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَإِنَّمَا رِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ كِتَابٌ وَقَعَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 191 - أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ** (م، 4) وَالرَّحْبَةُ: قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ (2) . قَالَ الحَافِظُ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ: رَحْبَةُ دِمَشْقَ رَأَيْتُهَا عَامِرَةً، بَيْنَهَا وَبَيْنَ البَلَدِ مِيْلٌ.   (1) أخرجه أبو داود (146) في الطهارة باب المسح على العمامة، وصححه الحاكم 1 / 169 ووافقه المؤلف، وإسناده صحيح. وإعلال أحمد له بعدم سماع راشد بن سعد من ثوبان فيه نظر، فإنهم قالوا: إن راشدا شهد مع معاوية " صفين " وثوبان مات سنة أربع وخمسين، ومات راشد سنة ثمان ومئة. والتساخين: الخفاف وكل ما تسخن به القدم كالجورب. (*) طبقات ابن سعد 7 / 149، أخبار القضاة 2 / 383، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 177، تهذيب الكمال ص 383، تاريخ الإسلام 3 / 364، تذهيب التهذيب 1 / 203 آ، تهذيب التهذيب 3 / 176، خلاصة تذهيب التهذيب 108. (* *) طبقات خليفة ت 2886، تاريخ البخاري 9 / 5، تاريخ ابن عساكر 13 / 302 آ، تهذيب الكمال ص 1580، تاريخ الإسلام 4 / 71، تذهيب التهذيب 3 / 109 آ، تهذيب التهذيب 8 / 99، خلاصة تذهيب التهذيب 293. (2) قد يتوهم القارئ أن أبا أسماء ينسب إلى هذه القرية، والصواب ما ذكره المؤلف في = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 حَدَّثَ عَنْ: شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَثَوْبَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَوْسِ بنِ أَوْسٍ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ. وَعَنْ: أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي (مُسْلِمٍ) . حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ، وَيَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، وَرَاشِدٌ الصَّنْعَانِيُّ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الشَّامِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ. وَفِي اسْمِ أَبِي أَسْمَاءَ اخْتِلاَفٌ، فَقِيْلَ: عَمْرُو بنُ مَرْثَدٍ. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ سُمَيْعٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: اسْمُهُ: عَمْرُو بنُ أَسْمَاءَ. لَمْ أَقَعْ لَهُ بِوَفَاةٍ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. أَرَى أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. 192 - حَنَشُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ حَنْظَلَةَ النَّسَائِيُّ * (م، 4) أَبُو رِشْدِيْنَ النَّسَائِيُّ، الصَّنْعَانِيُّ.   = " مشتبه النسبة " 311 من أن أبا أسماء ينسب إلى رحبة بن زرعة وهو بطن من حمير، والسمعاني في " الأنساب " 249 ب. وانظر التاج واللسان (رحب) . (*) طبقات ابن سعد 5 / 536، تاريخ البخاري 3 / 99، المعرفة والتاريخ 2 / 530، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 291، تاريخ ابن عساكر 5 / 179 ب، طبقات فقهاء اليمن 57، تهذيب الكمال ص 343، تاريخ الإسلام 3 / 246 و361، العبر 1 / 119، تذهيب التهذيب 1 / 181 آ، البداية والنهاية 9 / 187، تهذيب التهذيب 3 / 57، شذرات الذهب 1 / 119، تهذيب ابن عساكر 5 / 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 حَدَّثَ (1) عَنْ: فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوَيْفِعِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَارِثُ، وَقَيْسُ بنُ الحَجَّاجِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هُبَيْرَةَ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعِدَّةٌ. نَزَلَ إِفْرِيْقِيَةَ مُرَابطاً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ مائَةٍ. وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ. وَأَمَّا ابْنُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، وَقَدِمَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ مِصْرَ، ثُمَّ ثَارَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَظَفِرَ بِهِ ابْنُ مَرْوَانَ، فَعَفَا عَنْهُ. قُلْتُ: وَهِمَ ابْنُ يُوْنُسَ وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) فِي أَنَّهُ صَاحِبُ عَلِيٍّ؛ لأَنَّ ذَاكَ حَنَشُ بنُ رَبِيْعَةَ (3) ، أَوِ ابْنُ المُعْتَمِرِ الكِنَانِيُّ الكُوْفِيُّ، يَرْوِي عَنْهُ: الحَكَمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَهْلُ الكُوْفَةِ، وَفِيْهِ لِيْنٌ. مَاتَ قَبْلَ التِّسْعِيْنَ. 193 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ أَبُو العَلاَءِ العَامِرِيُّ * (ع) البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ؛ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَعَائِشَةَ   (1) ساقط من الأصل. (2) انظر قول ابن عساكر 5 / 179 ب. (3) انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 6 / 225، طبقات خليفة ت 1092، تاريخ البخاري 3 / 99، الجرح، والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 291، تهذيب الكمال ص 346، تاريخ الإسلام 3 / 246، تذهيب التهذيب 1 / 181 آ، الإصابة ت 2114، تهذيب التهذيب 3 / 58، خلاصة تذهيب التهذيب 96. (*) طبقات ابن سعد 7 / 155، طبقات خليفة ت 1700، تاريخ البخاري 8 / 345، المعارف 436، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 274، الحلية 2 / 212 أسد الغابة 5 / 116، تهذيب الكمال ص 1540، تاريخ الإسلام 4 / 212، العبر 1 / 133، تذهيب التهذيب 4 / 177 آ، الإصابة 9445، تهذيب التهذيب 11 / 341، النجوم الزاهرة 1 / 270، شذرات الذهب 1 / 135. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِيَاضِ بنِ حِمَارٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَكْبَرُ مِنَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: عَلَى هَذَا يَكُوْن مَوْلِدُهُ فِي خِلاَفَةِ الصِّدِّيْقِ. وَكَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي المُصْحَفِ، فَرُبَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خُلَيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ فِي مَجْلِسٍ، فَقِيْلَ لأَبِي العَلاَءِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ: تَكَلَّمْ. فَقَالَ: أَوَهُنَاكَ أَنَا؟ ... ثُمَّ ذَكَرَ الكَلاَمَ وَمُؤْنَتَهُ (1) . قُلْتُ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنَّ يَتَكَلَّمَ بِنِيَّةٍ وَحُسْنِ قَصْدٍ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ كَلاَمُهُ، فَلْيَصْمُتْ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ الصَّمْتُ، فَلْيَنْطِقْ، وَلاَ يَفْتُرْ عَنْ مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهَا تُحِبُّ الظُّهُوْرَ وَالثَّنَاءَ. تُوُفِّيَ يَزِيْدُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: رَأَيْتُ أَبَا العَلاَءِ بنَ الشِّخِّيْرِ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. 194 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَيْرِيْزِ بنِ جُنَادَةَ بنِ وَهْبٍ القُرَشِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو مُحَيْرِيْزٍ القُرَشِيُّ، الجُمَحِيُّ، المَكِّيُّ.   (1) الحلية 2 / 213. (*) طبقات ابن سعد 7 / 447، طبقات خليفة ت 2753، تاريخ البخاري 5 / 193، المعرفة = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 حَدَّثَ عَنْ: عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي مَحْذُوْرَةَ المُؤَذِّنِ زَوْجِ أُمِّهِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَالصُّنَابِحِيِّ (1) ، وَطَائِفَةٍ. وَاسْمُ زَوْجِ أُمِّهِ: سَمُرَةُ، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً ذَكَرَ مُحَيْرِيْزاً فِي الصَّحَابَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الطُّلَقَاءِ (2) . حَدَّثَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَمَكْحُوْلٌ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ يَحْيَى السَّيْبَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنْ سَادَةِ التَّابِعِيْنَ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا يَقْدَمُ فِلَسْطِيْنَ، فَيَلْقَى ابْنَ مُحَيْرِيْزٍ، فَتَتَقَاصَرُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ (3) . قَالَ عَمْرُو بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَيْرِيْزٍ: كَانَ جَدِّي يَخْتِمُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَرُبَّمَا فَرَشْنَا لَهُ، فَلَمْ يَنَمْ عَلَيْهِ (4) . وَقَالَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: إِنْ يَفْخَرْ عَلَيْنَا أَهْلُ المَدِيْنَةِ بِعَابِدِهِم ابْنِ عُمَرَ،   = والتاريخ 2 / 335، 364، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 168، الحلية 5 / 138، الاستيعاب ت 1652، تاريخ ابن عساكر المجلدة 29 (صل) 69 آ، أسد الغابة 3 / 252، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 287، تهذيب الكمال ص 340، تاريخ الإسلام 4 / 21، تذكرة الحفاظ 1 / 64، العبر 1 / 117، تذهيب التهذيب 2 / 185 ب، البداية والنهاية 9 / 185، العقد الثمين 5 / 246، الإصابة ت 6633، تهذيب التهذيب 6 / 32، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 27، خلاصة تذهيب التهذيب 214، شذرات الذهب 1 / 116. (1) هو أبو عبد الله عبد الرحمن عسيلة الصنابحي نسبة إلى صنابح بن زاهر من مراد كما في " اللباب ". (2) الطلقاء هم كفار قريش الذين جمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعيد فتح مكة وقال لهم: " ما تظنون أني فاعل بكم؟ " فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ". (3) ابن عساكر المجلدة 29 (صل) 70 ب. (4) المصدر السابق 71 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 فَإِنَّا نَفْخَرُ عَلَيْهِم بِعَابِدِنَا ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ (1) . قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مُحَيْرِيْزٍ صَمُوْتاً، مُعْتَزِلاً فِي بَيْتِهِ (2) . وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ مُحَيْرِيْزٍ مِنْ أَحْرَصِ شَيْءٍ أَنْ يَكْتُمَ مِنْ نَفْسِهِ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى عَلَى خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ جُبَّةَ خَزٍّ، فَقَالَ: أَتَلْبَسُ الخَزَّ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَلْبَسُ لِهَؤُلاَءِ. وَأَشَارَ إِلَى الخَلِيْفَةِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ خَوْفُكَ مِنَ اللهِ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ (3) . وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَنْ كَانَ مُقْتَدِياً، فَلْيَقْتَدِ بِمِثْلِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِلَّ أُمَّةً فِيْهَا ابْنُ مُحَيْرِيْزٍ (4) . قَالَ يَحْيَى السَّيْبَانِيُّ: قَالَ لَنَا ابْنُ مُحَيْرِيْزٍ: إِنِّي أُحَدِّثُكُم، فَلاَ تَقُوْلُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ مُحَيْرِيْزٍ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَصْرَعَنِي ذَلِكَ القَوْلُ مَصْرَعاً يَسُوْؤُنِي (5) . وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ مُحَيْرِيْزٍ يَقُوْل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ذِكْراً خَامِلاً (5) . وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ: بَقَاءُ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ أَمَانٌ لِلنَّاسِ (6) . مَاتَ: فِي دَوْلَةِ الوَلِيْدِ. 195 - مُوْسَى بنُ نُصَيْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ * الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ، مُتَوَلِّي إِقْلِيْمِ المَغْرِبِ، وَفَاتِحُ الأَنْدَلُس.   (1) المعرفة والتاريخ 2 / 335. (2) ابن عساكر المجلدة 29 (صل) 71 آ. (3) المصدر السابق 71 ب بخلاف يسير. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق 72 آ. (6) المصدر السابق 73 ب، ولفظه: " بقاء ابن محيريز بين أظهر هؤلاء الناس أمان لهم ". (*) تاريخ علماء الأندلس 2 / 18، جذوة المقتبس 317، تاريخ ابن عساكر 17 / 204 ب = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 قِيْلَ: كَانَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنْ لَخْمٍ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُه لِبَنِي أُمَيَّةَ. وَكَانَ أَعْرَجَ، مَهِيْباً، ذَا رَأْيٍ وَحَزْمٍ. يَرْوِي عَنْ: تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ العَزِيْزِ، وَيَزِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ. وَلِيَ غَزْوَ البَحْرِ لِمُعَاوِيَةَ، فَغَزَا قُبْرُسَ (1) ، وَبَنَى هُنَاكَ حُصُوْناً، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَقْصَى المَغْرِبِ مَوْلاَهُ طَارِقاً، فَبَادَرَ، وَافْتَتَحَ الأَنْدَلُسَ، وَلَحِقَهُ مُوْسَى، فَتَمَّمَ فَتْحَهَا، وَجَرَتْ لَهُ عَجَائِبُ هَائِلَةٌ، وَعَمِلَ مَعَ الرُّوْمِ مَصَافّاً مَشْهُوْداً، وَلَمَّا هَمَّ المُسْلِمُوْنَ بِالهَزِيْمَةِ، كَشَفَ مُوْسَى سُرَادِقَهُ عَنْ بَنَاتِهِ وَحَرَمِهِ، وَبَرَزَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالبُكَاءِ، فَكُسِرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ جُفُوْنُ السُّيُوْفِ، وَصَدَقُوا اللِّقَاءَ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، وَغَنِمُوا مَا لاَ يُعَبَّرُ عَنْهُ، مِنْ ذَلِكَ مَائِدَةُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مِنْ ذَهَبٍ وَجَوَاهِرَ. وَقِيْلَ: ظَفِرَ بِسِتَّةَ عَشَرَ قُمْقُماً (2) ، عَلَيْهَا خَتْمُ سُلَيْمَانَ، فَفَتَحَ أَرْبَعَةً، وَنَقَبَ مِنْهَا وَاحِداً، فَإِذَا شَيْطَانٌ يَقُوْلُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لاَ أَعُوْدُ أُفْسِدُ فِي الأَرْضِ. ثُمَّ نَظَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرَى سُلَيْمَانَ وَلاَ مُلْكَهُ. وَذَهَب، فَطُمِرَتِ البَوَاقِي. وَقَالَ اللَّيْثُ: بَعَثَ مُوْسَى ابْنَهُ مَرْوَانَ عَلَى الجَيْشِ، فَأَصَابَ مِنَ السَّبْيِ مائَةَ أَلْفٍ، وَبَعَثَ ابْنَ أَخِيْهِ، فَسَبَى أَيْضاً مائَةَ أَلْفٍ مِنَ البَرْبَرِ، وَدَلَّهُ رَجُلٌ عَلَى كَنْزٍ بِالأَنْدَلُسِ، فَنَزَعُوا بَابَهُ، فَسَالَ عَلَيْهِم مِنَ اليَاقُوْتِ وَالزَّبَرْجَدِ مَا بَهَرَهُم. قَالَ اللَّيْثُ: إِنْ كَانَتِ الطِّنْفِسَةُ لَتُوْجَدُ مَنْسُوْجَةً بِالذَّهَبِ وَاللُّؤْلُؤِ وَاليَاقُوْتِ، لاَ يَسْتَطِيْعُ   = بغية الملتمس 442، الحلة السيراء 30، وفيات الأعيان 5 / 318، البيان المغرب 1 / 46، تاريخ الإسلام 4 / 58، العبر 1 / 116، البداية والنهاية 9 / 171، النجوم الزاهرة 1 / 235، نفح الطيب 1 / 229، 283، شذرات الذهب 1 / 112. (1) قبرس: جزيرة في شرق البحر المتوسط تقع بين الساحل السوري والساحل التركي. (2) القمقم آنية معروفة من نحاس وغيره، يسخن فيها الماء ويكون ضيق الرأس، معرب (كمكم) ومنه صغير الحجم يعجل فيه ماء الورد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 اثْنَانِ حَمْلَهَا، فَيَقْسِمَانِهَا بِالفَأْسِ (1) . وَقِيْلَ: لَمَّا دَخَلَ مُوْسَى إِفْرِيْقِيَةَ، وَجَدَ غَالِبَ مَدَائِنِهَا خَالِيَةً لاخْتِلاَفِ أَيْدِي البَرْبَرِ، وَكَانَ القَحْطُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَحِ، وَبَرَزَ بِهِم إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَمَعَهُ سَائِرُ الحَيَوَانَاتِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلاَدِهَا، فَوَقَعَ البُكَاءُ وَالضَّجِيْجُ، وَبَقِيَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى، وَخَطَبَ، فَمَا ذَكَرَ الوَلِيْدَ. فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَدْعُو لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟! فَقَالَ: هَذَا مَقَامٌ لاَ يُدْعَى فِيْهِ إِلاَّ للهِ. فَسُقُوا، وَأُغِيْثُوا. وَلَمَّا تَمَادَى فِي سَيْرِهِ فِي الأَنْدَلُسِ، أَتَى أَرْضاً تَمِيْدُ بِأَهْلِهَا، فَقَالَ عَسْكَرُهُ: إِلَى أَيْنَ تُرِيْدُ أَنْ تَذْهَبَ بِنَا؟ حَسْبُنَا مَا بِأَيْدِيْنَا. فَقَالَ: لَوْ أَطَعْتُمُوْنِي، لَوَصَلْتُ إِلَى القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَغْرِبِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلِهِ كَوْكَبٍ، وَهُوَ يَجُرُّ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَمَرَ بِالعَجَلِ تَجُرُّ أَوْقَارَ الذَّهَبِ وَالحَرِيْرِ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَأَخَذَ مَعَهُ مائَةً مِنْ كُبَرَاءِ البَرْبَرِ، وَمائَةً وَعِشْرِيْنَ مِنَ المُلُوْكِ وَأَوْلاَدِهِم، فَقَدِمَ مِصْرَ فِي هَيْئَةٍ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، فَوَصَلَ العُلَمَاءَ وَالأَشْرَافَ، وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، فَبَلَغَهُ مَرَضُ الوَلِيْدِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ يَأْمُرُهُ بِالتَّوَقُّفِ، فَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَآلَى سُلَيْمَانُ إِنْ ظَفِرَ بِهِ، لَيَصْلِبَنَّهُ. وَقَدِمَ قَبْلَ مَوْتِ الوَلِيْدِ، فَأَخَذَ مَا لاَ يُحَدُّ مِنَ النَّفَائِسِ، وَوَضَعَ بَاقِيْهِ فِي بَيْتِ المَالِ، وَقُوِّمَتِ المَائِدَةُ بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَوَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَأَهَانَهُ، وَوُقِّفَ فِي الحَرِّ - وَكَانَ سَمِيْناً - حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَتَأَلَّمُ لَهُ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَفْصٍ، مَا أَظُنُّ إِلاَّ أَنَّنِي خَرَجْتُ مِنْ يَمِيْنِي. وَضَمَّهُ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ إِلَيْهِ، ثُمَّ فَدَى نَفْسَهُ بِبَذْلِ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقِيْلَ   (1) انظر الخبر مفصلا في ابن عساكر 17 / 206 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 لَهُ: أَنْتَ فِي خَلْقٍ مِنْ مَوَالِيْكَ وَجُنْدِكَ، أَفَلاَ أَقَمْتَ فِي مَقَرِّ عِزِّكَ، وَبَعَثْتَ بِالتَّقَادُمِ! قَالَ: لَوْ أَرَدْتُ لَصَارَ، وَلَكِنْ آثَرْتُ اللهَ، وَلَمْ أَرَ الخُرُوْجَ. فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: وَكَّلْنَا ذَاكَ الرَّجُلَ - أَرَادَ بِهَذَا قُدُوْمَهُ عَلَى الحَجَّاجِ -. وَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ يَوْماً: مَا كُنْتَ تَفْزَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الحَرْبِ؟ قَالَ: الدُّعَاءُ وَالصَّبْرُ. قَالَ: فَأَيَّ الخَيْلِ رَأَيْتَ أَصْبَرَ؟ قَالَ: الشُّقْرُ. قَالَ: فَأَيُّ الأُمَمِ أَشَدُّ قِتَالاً؟ قَالَ: هُم أَكْثَرُ مَنْ أَنْ أَصِفَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الرُّوْمِ. قَالَ: أُسْدٌ فِي حُصُوْنِهِمْ، عُقْبَانُ عَلَى خُيُوْلِهِم، نِسَاءٌ فِي مَرَاكِبِهِم، إِنْ رَأَوْا فُرْصَةً، انْتَهَزُوْهَا، وَإِنْ رَأَوْا غَلَبَةً، فَأَوْعَالٌ تَذْهَبُ فِي الجِبَالِ، لاَ يَرَوْنَ الهَزِيْمَةَ عَاراً. قَالَ: فَالبَرْبَرُ؟ قَالَ: هُم أَشْبَهُ العَجَمِ بِالعَرَبِ لِقَاءً وَنَجْدَةً وَصَبْراً وَفُرُوْسِيَّةً، غَيْرَ أَنَّهُم أَغْدَرُ النَّاسِ. قَالَ: فَأَهْلُ الأَنْدَلُسِ؟ قَالَ: مُلُوْكٌ مُتْرَفُوْنَ، وَفُرْسَانٌ لاَ يَجْبُنُوْنَ. قَالَ: فَالفِرَنْجُ؟ قَالَ: هُنَاكَ العَدَدُ وَالجَلَدُ وَالشِّدَّةُ وَالبَأْسُ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتِ الحَرْبُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم؟ قَالَ: أَمَّا هَذَا، فَوَاللهِ مَا هُزِمَتْ لِي رَايَةٌ قَطُّ، وَلاَ بُدِّدَ لِي جَمْعٌ، وَلاَ نُكِبَ المُسْلِمُوْنَ مَعِي مُنْذُ اقْتَحَمْتُ الأَرْبَعِيْنَ إِلَى أَنْ بَلَغْتُ الثَّمَانِيْنَ، وَلَقَدْ بَعَثْتُ إِلَى الوَلِيْدِ بِتَوْرِ (1) زَبَرْجَدٍ، كَانَ يُجْعَلُ فِيْهِ اللَّبَنُ حَتَّى تُرَى فِيْهِ الشَّعْرَةُ البَيْضَاءُ ... ، ثُمَّ أَخَذَ يُعَدِّدُ مَا أَصَابَ مِنَ الجَوْهَرِ وَالزَّبَرْجَدِ حَتَّى تَحَيَّرَ سُلَيْمَانُ. وَقِيْلَ: إِنَّ مَرْوَانَ لَمَّا قَرَّرَ وَلَدَهُ عَبْدَ العَزِيْزِ عَلَى مِصْرَ، جَعَلَ عِنْدَهُ مُوْسَى بنَ نُصَيْرٍ، ثُمَّ كَانَ مُوْسَى مَعَ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ وَزِيْراً بِالعِرَاقِ. قَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ ذَا حَزْمٍ وَتَدْبِيْرٍ، افْتَتَحَ بِلاَداً كَثِيْرَةً، وَوَلِيَ إِفْرِيْقِيَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ مَرَّةً: وَاللهِ لَوِ انْقَادَ النَّاسُ لِي، لَقُدْتُهُم حَتَّى أُوْقِفَهُم عَلَى   (1) التور: الاناء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 رُوْمِيَّةَ، ثُمَّ لَيَفْتَحَنَّهَا اللهُ عَلَى يَدَيَّ. وَقِيْلَ: جَلَسَ الوَلِيْدُ عَلَى مِنْبَرِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأَتَى مُوْسَى وَقَدْ أَلْبَسَ ثَلاَثِيْنَ مِنَ المُلُوْكِ التِّيْجَانَ وَالثِّيَابَ الفَاخِرَةَ، وَدَخَلَ بِهِمُ المَسْجِدَ، وَأَوْقَفَهُم تَحْتَ المِنْبَرِ، فَحَمِدَ الوَلِيْدُ اللهَ وَشَكَرَهُ. وَقَدْ حَجَّ مُوْسَى مَعَ سُلَيْمَانَ، فَمَاتَ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَالَ مَرَّةً: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَقَدْ كَانَتِ الأَلْفُ شَاةٍ تُبَاعُ بِمائَةِ دِرْهَمٍ، وَتُبَاعُ النَّاقَةُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَتَمُرُّ النَّاسُ بِالبَقَرِ، فَلاَ يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، وَلَقَدْ رَأَيْتُ العِلْجَ الشَّاطِرَ وَزَوْجَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ يُبَاعُوْنَ بِخَمْسِيْنَ دِرْهَماً. 196 - وَكَانَ فَتْحُ إِقْلِيْمِ الأَنْدَلُسِ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، عَلَى يَدِ: طَارِقٍ* مَوْلَى مُوْسَى بنِ نُصَيْرٍ وكَان أَمِيْراً عَلَى طَنْجَةَ بِأَقْصَى المَغْرِبِ، فَبَلَغَهُ اخْتِلاَفُ الفِرَنْجِ وَاقْتِتَالُهُم، وَكَاتَبَهُ صَاحِبُ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ لِيَمُدَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ، فَبَادَرَ طَارِقٌ، وَعَدَّى فِي جُنْدِهِ، وَهَزَمَ الفِرَنْجَ، وَافْتَتَحَ قُرْطُبَةَ، وَقَتَلَ صَاحِبَهَا لُذْرِيْقَ، وَكَتَبَ بِالنَّصْرِ إِلَى مَوْلاَهُ، فَحَسَدَهُ عَلَى الانْفِرَادِ بِهَذَا الفَتْحِ العَظِيْمِ، وَتَوَعَّدَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ مَكَانَهُ، وَأَسْرَعَ مُوْسَى بِجُيُوْشِهِ، فَتَلَقَّاهُ طَارِقٌ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا مَوْلاَكَ، وَهَذَا الفَتْحُ لَكَ. فَأَقَامَ مُوْسَى بنُ نُصَيْرٍ بِالأَنْدَلُسِ سَنَتَيْنِ يَغْزُو وَيَغْنَمُ، وَقَبَضَ عَلَى طَارِقٍ، وَأَسَاءَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عَلَى الأَنْدَلُسِ وَلَدَهُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مُوْسَى، وَكَانَ جُنْدُهُ عَامَّتُهُم مِنَ البَرْبَرِ، فِيْهِم شَجَاعَةٌ مُفْرِطَةٌ وَإِقْدَامٌ.   (*) تاريخ الطبري 6 / 468، تاريخ ابن عساكر 8 / 241 ب، بغية الملتمس 11 و315، تاريخ ابن الأثير 4 / 556، المعجب 9، البيان المغرب 1 / 43، تاريخ الإسلام 4 / 15، نفح الطيب 1 / 229 وما بعدها، تهذيب ابن عساكر 7 / 41. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 وَلَهُ فُتُوْحَات عَظِيْمَةٌ جِدّاً بِالمَغْرِبِ، كَمَا كَانَ لِقُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ بِالمَشْرِقِ - فِي هَذَا الوَقْتِ - فُتُوْحَاتٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا. وَفِي هَذِهِ المُدَّةِ وَبَعْدَهَا كَانَتْ غَزْوَةُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ، وَدَامَ الحِصَارُ نَحْواً مِنْ سَنَةٍ، وَكَانَ عَلَمُ الجِهَادِ فِي أَطْرَافِ البِلاَدِ مَنْشُوْراً، وَالدِّيْنُ مَنْصُوْراً، وَالدَّوْلَةُ عَظِيْمَةً، وَالكَلِمَةُ وَاحِدَةً. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ: أَنَّ سُلَيْمَانَ هَمَّ بِالإِقَامَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ مُوْسَى بنُ نُصَيْرٍ، وَأَخُوْهُ مَسْلَمَةُ، فَجَاءهُ الخَبَرُ أَنَّ الرُّوْمَ طَلَعُوا مِنْ سَاحِلِ حِمْصَ، وَسَبَوْا جَمَاعَةً فِيْهِمُ امْرَأَةٌ لَهَا ذِكْرٌ. فَغَضِبَ سُلَيْمَان، وَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا، نَغْزُوْهُم وَيَغْزُوْنَا، وَاللهِ لأَغْزُوَنَّهُم غَزْوَةً أَفْتَحُ فِيْهَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، أَوْ أَمُوْتُ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مَسْلَمَةَ وَإِلَى مُوْسَى بنِ نُصَيْرٍ، فَقَالَ: أَشِيْرَا عَلَيْهِ. فَقَالَ مُوْسَى: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ، فَسِرْ سِيْرَةَ الصَّحَابَةِ فِيْمَا فَتَحُوْهُ، كُلَّمَا فَتَحُوا مَدِيْنَةً اتَّخَذُوْهَا دَاراً، وَحَازُوْهَا لِلإِسْلاَمِ، فَابْدَأْ بِالدُّرُوْبِ، وَافْتَحْ حُصُوْنَهَا حَتَّى تَبْلُغَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَإِنَّهُم سَيُعْطُوْنَ بِأَيْدِيْهِم. فَقَالَ لِمَسْلَمَةَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: هَذَا الرَّأْيُ إِنْ طَالَ عُمُرٌ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى رَأْيِكَ، وَبَرِيْدُ ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُغْزِيَ المُسْلِمِيْنَ بَرّاً وَبَحْراً القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَيُحَاصِرُوْنَهَا، فَإِنَّهُم مَا دَامَ عَلَيْهِم البَلاَءُ، أَعْطَوُا الجِزْيَةَ، أَوْ أُخِذَتْ عَنْوَةً، فَمَتَى وَقَعَ ذَلِكَ، كَانَ مَا دُوْنَهَا مِنَ الحُصُوْنِ بِيَدِكَ. قَالَ: هَذَا الرَّأْيُ. فَأَغْزَى أَهْلَ الشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ فِي البَرِّ، فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِيْنَ وَمائَةِ أَلْفٍ، وَأَغْزَى أَهْلَ مِصْرَ وَالمَغْرِبَ فِي البَحْرِ، فِي أَلْفِ مَرْكَبٍ، عَلَيْهِم عُمَرُ بنُ هُبَيْرَةَ، وَعَلَى الكُلِّ مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ أَخْرَجَ لَهُمُ العَطَاءَ، وَبَيَّنَ لَهُم غَزْوَتَهُم وَطُوْلَهَا، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَصَلَّى الجُمُعَةَ، ثُمَّ عَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 إِلَى المِنْبَرِ، وَأَخْبَرَهُم بِيَمِيْنِهِ مِنْ حِصَارِهِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ: فَانْفِرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، وَعَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ. وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِدَابِقٍ (1) ، وَسَارَ مَسْلَمَةُ، وَأَخَذَ مَعَهُ أَليُوْنَ الرُّوْمِيَّ المَرْعَشِيَّ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ وَالعُوَارِ، وَأَخَذَ مِيْثَاقَهُ عَلَى المُنَاصَحَةِ إِلَى أَنْ عَبَرُوا الخَلِيْجَ، وَحَاصَرُوا قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ إِلَى أَنْ بَرَّحَ بِهِمُ الحِصَارُ، وَعَرَضَ أَهْلُهَا الفِدْيَةَ، فَأَبَى مَسْلَمَةُ إِلاَّ أَنَّ يَفْتَحَهَا عَنْوَةً. قَالُوا: فَابْعَثْ إِلَيْنَا أَلْيُوْنَ، فَإِنَّهُ مِنَّا، وَيَفْهَمُ كَلاَمَنَا. فَبَعَثَهُ، فَغَدَرَ، وَقَالَ: إِنْ مَلَّكْتُمُوْنِي، أَمِنْتُم. فَمَلَّكُوْهُ، فَخَرَجَ، وَقَالَ: قَدْ أَجَابُوْنِي أَنْ يَفْتَحُوْهَا، لَكِنْ لاَ يَفْتَحُوْنَهَا حَتَّى تَتَنَحَّى عَنْهُم. قَالَ: أَخْشَى غَدْرَكَ. فَحَلَفَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِيْهَا مِنْ سَبْيٍ وَمَالٍ، فَانْتَقَلَ مَسْلَمَةُ، وَدَخَلَ أَلْيُوْنُ - لَعَنَهُ اللهُ - فَلَبِسَ التَّاجَ، وَأَمَرَ بِنَقْلِ العُلُوْفَاتِ مِنْ خَارِجٍ. فَمَلَؤُوا الأَهْرَاءَ (2) ، وَجَاءَ الصَّرِيْخُ إِلَى مَسْلَمَةَ، فَكَبَّرَ بِالجَيْشِ، فَأَدْرَكَ شَيْئاً مِنَ العُلُوْفَاتِ، فَغَلَّقُوا الأَبْوَابَ دُوْنَهُ، فَبَعَثَ إِلَى أَلْيُوْنَ يُنَاشِدُهُ عَهْدَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلْيُوْنُ يَقُوْلُ: مُلْكُ الرُّوْمِ لاَ يُبَاعُ بِالوَفَاءِ. وَنَزَلَ مَسْلَمَةُ بِفِنَائِهَا ثَلاَثِيْنَ شَهْراً حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ فِي المُعَسْكَرِ المَيْتَةَ وَالعَذِرَةَ مِنَ الجُوْعِ، هَذَا وَفِي وَسَطِ المُعَسْكَرِ عُرْمَةُ حِنْطَةٍ مِثْلُ الجَبَلِ، يَغْبِطُوْنَ بِهَا الرُّوْمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ: غَزَوْنَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَجُعْنَا حَتَّى هَلَكَ نَاسٌ كَثِيْرٌ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ إِلَى قَضَاءِ الحَاجَةِ وَالآخَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا قَامَ، أَقْبَل ذَاكَ عَلَى رَجِيْعِهِ، فَأَكَلَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَذْهَبُ إِلَى الحَاجَةِ، فَيُؤْخَذُ وَيُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ، وَإِنَّ الأَهْرَاءَ مِنَ الطَّعَامِ كَالتِّلاَلِ لاَ نَصِلُ إِلَيْهَا، نُكَايِدُ بِهَا أَهْلَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ. فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَذِنَ لَهُم فِي التَّرَحُّلِ عَنْهَا.   (1) دابق: قرية قرب حلب من أعمال عزاز. (2) مفردها هري: وهو بيت ضخم يجمع فيه طعام السلطان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 197 - يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ * بنِ أَبِي صُفْرَةَ أَبُو خَالِدٍ الأَزْدِيُّ الأَمِيْرُ، أَبُو خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. وَلِي المَشْرِقَ بَعْدَ أَبِيْهِ، ثُمَّ وَلِي البَصْرَةَ لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ عَزَلَهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بَعَدِيِّ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَلَبَهُ عُمَرُ، وَسَجَنَهُ (1) . رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. مَوْلِدُهُ: زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَكَانَ الحَجَّاجُ قَدْ عَزَلَهُ وَعَذَّبَهُ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ الضَّرْبَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَقَصَدَهُ الأَخْطَلُ، وَمَدَحَهُ، فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفٍ، فَعَجِبَ الحَجَّاجُ مِنْ جُوْدِهِ فِي تِلْكَ الحَالِ، وَعَفَا عَنْهُ، وَاعْتَقَلَهُ، ثُمَّ هَرَبَ مِنْ حَبْسِهِ. وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي السَّخَاءِ وَالشَّجَاعَةِ، وَكَانَ الحَجَّاجُ مُزَوَّجاً بِأُخْتِهِ، وَكَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ آلُ المُهَلَّبِ بُرَآءَ، فَلاَ تُسَلِّطْنِي عَلَيْهِم، وَنَجِّهِمْ. وَقِيْلَ: هَرَبَ يَزِيْدُ مِنَ الحَبْسِ، وَقَصَدَ عَبْدَ المَلِكِ، فَمَرَّ بِعُرَيْبٍ فِي البَرِّيَّةِ، فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: اسْتَسْقِنَا مِنْهُم لَبَناً. فَسَقَوْهُ، فَقَالَ: أَعْطِهِم أَلْفاً. قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْرِفُوْنَكَ. قَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ نَفْسِي (2) . وَقِيْلَ: أَغْرَمَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ عُمَرَ بنَ هُبَيْرَةَ الأَمِيْرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَمَشَى فِي جَمَاعَةٍ إِلَى يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ، فَأَدَّاهَا عَنْهُ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ وَلاَّهُ العِرَاقَ وَخُرَاسَانَ. قَالَ: فَوَدَّعَنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَ: يَا يَزِيْدُ، اتَّقِ   (*) المعارف 400، تاريخ اليعقوبي 3 / 52، تاريخ الطبري 6 / 523 وما بعدها، التنبيه والاشراف 277، معجم ما استعجم 950، تاريخ ابن الأثير 5 / 23 وما بعدها، وفيات الأعيان 6 / 278، تاريخ الإسلام 4 / 215، العبر 1 / 125، شذرات الذهب 1 / 124، خزانة الأدب 1 / 105، رغبة الآمل 4 / 189. (1) انظر خبر القبض على يزيد بن المهلب في الطبري 6 / 556، وابن الأثير 5 / 48. (2) وفيات الأعيان 6 / 280. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 اللهَ، فَإِنِّي وَضَعْتُ الوَلِيْدَ فِي لَحْدِهِ، فَإِذَا هُوَ يَرْتَكِضُ فِي أَكْفَانِهِ. قَالَ خَلِيْفَةُ (1) : فَسَارَ يَزِيْدُ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ رُدَّ مِنْهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَعَزَلَهُ عُمَرُ بَعَدِيِّ بنِ أَرْطَاةَ، فَدَخَلَ لِيُسَلِّمَ عَلَى عَدِيٍّ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَجَهَّزَهُ إِلَى عُمَرَ، فَسَجَنَهُ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ. وَحَكَى المَدَائِنِيُّ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ كَانَ يَصِلُ نَدِيْماً لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ، أَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. قُلْتُ: مُلُوْكُ دَهْرِنَا أَكْرَمُ! فَأُوْلَئِكَ كَانُوا لِلْفَاضِلِ وَالشَّاعِرِ، وَهَؤُلاَءِ يُعْطُوْنَ مَنْ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، وَلاَ فِيْهِ نَجْدَةٌ أَكْثَرَ مِنْ عَطَاءِ المُتَقَدِّمِيْنَ. قِيْلَ: أَمَرَ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ بِإِنْفَاذِ مائَةِ أَلْفٍ إِلَى رَجُلٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: لَمْ أَذْكُرْهَا تَمَنُّناً، وَلَمْ أَدَعْ ذِكْرَهَا تَجَبُّراً. وَعَنْهُ، قَالَ: مَنْ عُرِفَ بِالصِّدْقِ، جَازَ كَذِبُهُ، وَمَنْ عُرِفَ بِالكَذِبِ، لَمْ يَجُزْ صِدْقُهُ. قَالَ الكَلْبِيُّ: أَنْشَدَ زِيَادٌ الأَعْجَمُ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ: وَمَا مَاتَ المُهَلَّبُ مُذْ رَأَيْنَا ... عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ يَزِيْدَا لَهُ كَفَّانِ كَفُّ نَدَىً وَجُوْدٍ ... وَأُخْرَى تُمْطِرُ العَلَقَ الحَدِيْدَا فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ حَجَّ، فَلَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ الحَلاَّقُ، أَعْطَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَدُهِشَ بِهَا، وَقَالَ: أَمْضِي أُبَشِّرُ أُمِّي. قَالَ: أَعْطُوْهُ أَلْفاً أُخْرَى. فَقَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إِنْ حَلَقْتُ رَأْسَ أَحَدٍ بَعْدَكَ. قَالَ: أَعْطُوْهُ أَلْفَيْنِ آخَرَيْنِ (2) . قِيْلَ: دَخَلَ حَمْزَةُ بنُ بِيْضٍ عَلَى يَزِيْدَ فِي حَبْسِهِ، فَأَنْشَدَهُ:   (1) في تاريخه ص 320. (2) وفيات الأعيان 6 / 280. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 أَصْبَحَ فِي قَيْدِكَ السَّمَاحُ مَعَ الـ ... ـحِلْمِ وَفَنُّ الآدَابِ وَالخُطَبُ لاَ بَطِرٌ إِنْ تَتَابَعَتْ نِعَمٌ ... وَصَابِرٌ فِي البَلاَءِ مُحْتَسِبُ فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا هَذَا. قَالَ: وَجَدْتُكَ رَخِيْصاً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُسْلِفَكَ. فَقَالَ لِخَادِمِهِ: كَمْ مَعَكَ مِنَ النَّفَقَةِ؟ قَالَ: نَحْوُ عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: ادْفَعْهَا إِلَيْهِ (1) . غَزَا يَزِيْدُ طَبَرِسْتَانَ، وَهَزَمَ الإِصْبَهْبَذَ (2) ، ثُمَّ صَالَحَهُم عَلَى سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ، وَعَلَى أَرْبَعِ مائَةِ حِمْلِ زَعْفَرَانَ. ثُمَّ نَكَثَ أَهْلُ جُرْجَانَ، فَحَاصَرَهُم مُدَّةً، وَافْتَتَحَهَا عَنْوَةً، فَصَلَبَ مِنْهُم مَسَافَةَ فَرْسَخَيْنِ، وَأَسَرَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، ثُمَّ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُم عَلَى نَهْرِ جُرْجَانَ حَتَّى دَارَتِ الطَّاحُوْنُ بِدِمَائِهِم. وَكَانَ ذَا تِيْهٍ وَكِبْرٍ، رَآهُ مُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ يَسْحَبُ حُلَّتَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ. قَالَ: أَوَ مَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: بَلَى، أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ العَذِرَةَ (3) . وَعَنْهُ، قَالَ: الحَيَاةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ المَوْتِ، وَحُسْنُ الثَّنَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الحَيَاةِ. وَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُنْشِئُ لَكَ دَاراً؟ قَالَ: لاَ، إِنْ كُنْتُ مُتَوَلِّياً، فَدَارُ الإِمَارَةِ، وَإِنَّ كُنْتُ مَعْزُوْلاً، فَالسِّجْنُ.   (1) البيتان والخبر في الاغاني ط الدار 12 / 291 بسياق مختلف، وقيل: إنها ليزيد بن الحكم ورواية البيت الأول فيه: أصبح في قيدك السماحة وال * جود وفضل الصلاح والخطب وزاد ثالثا: بززت سبق الجهاد في مهل * وقصرت دون سعيك العرب وذكر الخبر والابيات أيضا بسياق آخر في 16 / 149، 150 (طبعة دار الثقافة) وأما ابن خلكان فقد نسب البيتين للفرزدق، انظر وفيات الأعيان 6 / 300. (2) الاصبهبذ: الأمير. وهو منقول عن الفارسية: (اسبه) جيش، (وبد) رئيس. (3) انظر وفيات الأعيان 6 / 284. (4) وفيات الأعيان 6 / 294. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ، وَإِنْ كَانَ غَازِياً فَالسَّرْجُ، وَإِنْ كَانَ حَاجّاً فَالكُوْرُ (1) ، وَإِنْ كَانَ مَيْتاً فَالقَبْرُ، فَهَلْ مِنْ عَامِرٍ لِدَارِ مَقَرِّهِ؟! ثُمَّ إِنَّ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ، لَمَّا اسْتُخْلِفَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ غَلَبَ عَلَى البَصْرَةِ، وَتَسَمَّى بِالقَحْطَانِيِّ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَالْتَقَوْا، فَقُتِلَ يَزِيْدُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. وَقَدِ اسْتَوْعَبَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ خَلِّكَانَ أَخْبَارَ يَزِيْدَ بنِ (2) المُهَلَّبِ بِطُوْلِهَا. قَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ: سَمِعْتُ الحَسَنَ البَصْرِيَّ يَقُوْلُ فِي فِتْنَةِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ: هَذَا عَدُوُّ اللهِ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ، كُلَّمَا نَعَقَ بِهِم نَاعِقٌ، اتَّبَعُوْهُ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ: أَنَّ يَزِيْدَ قَالَ: أَدْعُوْكُم إِلَى سُنَّةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. فَخَطَبَ الحَسَنُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْرَعْ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ صَرْعَةً تَجْعَلُهُ نَكَالاً، يَا عَجَباً لِفَاسِقٍ غَيَّرَ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، يَنْتَهِكُ المَحَارِمَ، يَأْكُلُ مَعَهُم مَا أَكَلُوا، وَيَقْتُلُ مَنْ قَتَلُوا، حَتَّى إِذَا مُنِعَ شَيْئاً، قَالَ: إِنِّي غَضْبَانُ فَاغْضَبُوا، فَنَصَبَ قَصَباً عَلَيْهَا خِرَقٌ، فَاتَّبَعَهُ رِجْرِجَةٌ وَرَعَاعٌ، يَقُوْل: أَطْلُبُ بِسُنَّةِ عُمَرَ، إِنَّ مِنْ سُنَّةِ عُمَرَ أَنْ تُوْضَعَ رِجْلاَهُ فِي القَيْدِ، ثُمَّ يُوْضَعَ حَيْثُ وَضَعَهُ عُمَرُ (3) . قُلْتُ: قُتِلَ عَنْ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلَقَدْ قَاتَلَ قِتَالاً عَظِيْماً، وَتَفَلَّلَتْ جُمُوْعُهُ، فَمَا زَالَ يَحْمِلُ بِنَفْسِه فِي الأُلُوْفِ لاَ لِجِهَادٍ، بَلْ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً، حَتَّى ذَاقَ حِمَامَهُ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ هَذِهِ القِتْلَةِ الجَاهِلِيَّةِ -.   (1) الكور: الرحل. (2) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، فترجمة يزيد عند ابن خلكان تقع في 32 صفحة 6 / 78 - 309، أما عند ابن عساكر في التاريخ فترجمته تقع في القسم المفقود ما بين يزيد بن معاوية ويزيد بن يزيد. (3) انظر وفيات الأعيان 6 / 304. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 198 - حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ أُمُّ الهُذَيْلِ الفَقِيْهَةُ * (ع) الأَنْصَارِيَّةُ. رَوَتْ عَنْ: أُمِّ عَطِيَّةَ، وَأُمِّ الرَّائِحِ، وَمَوْلاَهَا؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي العَالِيَةِ. رَوَى عَنْهَا: أَخُوْهَا؛ مُحَمَّدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ. رُوِيَ عَنْ: إِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَداً أُفَضِّلُهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ: قَرَأَتِ القُرْآنَ وَهِيَ بِنْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَتْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَذَكَرُوا لَهُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَمَا أُفَضِّلُ عَلَيْهَا أَحَداً. وَقَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: مَكَثَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً لاَ تَخْرُجُ مِنْ مُصَلاَّهَا إِلاَّ لِقَائِلَةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ بَعْدَ المائَةِ. 199 - عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّةُ ** (ع) ابْنِ زُرَارَةَ بنِ عُدُسٍ الأَنْصَارِيَّةُ، النَّجَّارِيَّةُ، المَدَنِيَّةُ، الفَقِيْهَةُ، تَرْيِبَةُ عَائِشَةَ وَتِلْمِيْذَتُهَا. قِيْلَ: لأَبِيْهَا صُحْبَةٌ، وَجَدُّهَا سَعْدٌ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ أَخُو النَّقِيْبِ الكَبِيْرِ أَسْعَدِ بنِ زُرَارَةَ.   (*) طبقات ابن سعد 8 / 484، تهذيب الكمال ص 1679، تاريخ الإسلام 4 / 107، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 4 / 258 ب، تهذيب التهذيب 12 / 409، النجوم الزاهرة 1 / 275، خلاصة تذهيب التهذيب 490، شذرات الذهب 1 / 122. (* *) طبقات ابن سعد 8 / 480، تهذيب الكمال ص 1697، تاريخ الإسلام 4 / 40، العبر 1 / 117، تذهيب التهذيب 4 / 267 ب، تهذيب التهذيب 12 / 438، خلاصة تذهيب التهذيب 494، شذرات الذهب 1 / 114. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 حَدَّثَتْ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأُخْتِهَا؛ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ. حَدَّثَ عَنْهَا: وَلَدُهَا؛ أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنَاهُ؛ حَارِثَةُ وَمَالِكٌ، وَابْنُ أُخْتِهَا؛ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَتْ عَالِمَةً، فَقِيْهَةً، حُجَّةً، كَثِيْرَةَ العِلْمِ. رَوَى: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ قَالَ لِي: يَا غُلاَمُ، أَرَاكَ تَحْرِصُ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ، أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى وِعَائِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: عَلَيْكَ بِعَمْرَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، فَوَجَدْتُهَا بَحْراً لاَ يُنْزَفُ. قُلْتُ: اخْتَلَفُوا فِي وَفَاتِهَا، فَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ. وَحَدِيْثُهَا كَثِيْرٌ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ. 200 - مُعَاذَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ أُمُّ الصَّهْبَاءِ العَدَوِيَّةُ * (ع) السِّيدَةُ، العَالِمَةُ، أُمُّ الصَّهْبَاءِ العَدَوِيَّةُ، البَصْرِيَّةُ، العَابِدَةُ، زَوْجَةُ السَّيِّدِ القُدْوَة ِ: صِلَةَ بنِ أَشْيَمَ. رَوَتْ عَنْ: عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةَ، وَهِشَامِ بنِ عَامِرٍ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَيَزِيْدُ الرِّشْكُ (1) ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ،   (*) طبقات ابن سعد 8 / 483، تهذيب الكمال ص 1705، تذهيب التهذيب 4 / 272 ب، تاريخ الإسلام 3 / 304، تهذيب التهذيب 12 / 452، شذرات الذهب 1 / 122، خلاصة تذهيب التهذيب 496. (1) يقال: الرشك هو الكبير اللحية، ويقال: هو الذي يعد على الرماة في السبق. وقد رجح شارح القاموس الأول وقال: وحقيقة هذه اللفظة: ريشك بزيادة الياء: وريش هو اللحية والكاف للتصغير، أريد به التهويل والتعظيم، ثم عربت بحذف الياء. انظر التاج (رشك) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدِيْثُهَا مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ. وَثَّقَهَا: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. بَلَغَنَا: أَنَّهَا كَانَتْ تُحْيِي اللَّيْلَ عِبَادَةً، وَتَقُوْلُ: عَجِبْتُ لِعَيْنٍ تَنَامُ، وَقَدْ عَلِمَتْ طُوْلَ الرُّقَادِ فِي ظُلَمِ القُبُوْرِ. وَلَمَّا اسْتُشْهِدَ زَوْجُهَا صِلَةُ وَابْنُهَا فِي بَعْضِ الحُرُوْبِ، اجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَتْ: مَرْحَباً بِكُنَّ إِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِلْهَنَاءِ، وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَارْجِعْنَ. وَكَانَتْ تَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ البَقَاءَ إِلاَّ لأَتَقَرَّبَ إِلَى رَبِّي بِالوَسَائِلِ، لَعَلَّهُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَابْنِهِ فِي الجَنَّةِ. أَرَخَّ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَفَاتَهَا: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ. 201 - فَأَمَّا زَوْجُهَا : صِلَةُ بنُ أَشْيَمَ * فَسَيِّدٌ كَبِيْرٌ، لَكِنَّهُ مَا رَوَى سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَاتَ: شَهِيْداً، قَبْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ - كَمَا قَدَّمْنَا -. 202 - رَبِيْعَةُ بنُ لَقِيْطٍ ** التُّجِيْبِيُّ المِصْرِيُّ رَوَى عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ، وَابْنِ حَوَالَةَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 134، طبقات خليفة ت 1528، تاريخ البخاري 4 / 321، المعرفة والتاريخ 2 / 77، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 447، الحلية 2 / 237، أسد الغابة 3 / 29، تاريخ الإسلام 3 / 19، البداية والنهاية 9 / 15، الإصابة ت 4132، النجوم الزاهرة 1 / 194. وقد مرت ترجمته كما أشار المؤلف برقم (333) . (* *) تاريخ البخاري 3 / 283، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 475، أسد الغابة 2 / 172، تاريخ الإسلام 3 / 218، و365، الإصابة ت 2756، تعجيل المنفعة 128، حسن المحاضرة 1 / 267. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِسْحَاقُ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ. وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ. قَالَ يَزِيْدُ: أَخْبَرَنِي رَبِيْعَةُ بنُ لَقِيْطٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمْرِو بنِ العَاصِ عَامَ الجَمَاعَةِ، فَمُطِرُوا دَماً عَبِيْطاً (1) ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْصِبُ الإِنَاءَ فَيَمْتَلِئُ، وَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، وَمَاجُوا، فَقَامَ عَمْرٌو، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَصْلِحُوا مَا بَيْنَكُم، وَلاَ يَضُرُّكُم لَوِ اصْطَدَمَ هَذَانِ الجَبَلاَنِ. وَرَوَاهُ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْهُ: أَنَّهُم كَانُوا حِيْنَ قَفَلُوا مِنَ العِرَاقِ، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ بِدِجْلَةَ دَماً عَبِيْطاً، فَقَالُوا: القِيَامَةَ ... ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ. 203 - مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ * (د، س، ق) القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ. وَقِيْلَ: مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ، مِنْ مَوَالِي طَلْحَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. رَوَى عَنْ: عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ - وَلَمْ يَلْقَهُ -. وَعَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِيْهِ يَسَارٍ - فَقِيْلَ: لأَبِيْهِ صُحْبَةٌ -. وَعَنْ: أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَقَتَادَةُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَآخَرُوْنَ.   (1) العبيط: الدم الطري. (*) طبقات ابن سعد 7 / 186، الزهد لأحمد 248، طبقات خليفة ت 1672، تاريخ البخاري 7 / 275، المعارف 234، المعرفة والتاريخ 2 / 85، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 198، الحلية 2 / 290، طبقات الفقهاء للشيرازي 88، تاريخ ابن عساكر 16 / 243 ب، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 93، تهذيب الكمال ص 1329، تاريخ الإسلام 4 / 54 و203، العبر 1 / 120، تذهيب التهذيب 4 / 38 ب، البداية والنهاية 9 / 186، العقد الثمين 7 / 192 تهذيب التهذيب 10 / 140، خلاصة تذهيب التهذيب 376، شذرات الذهب 1 / 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ لاَ يُفَضَّلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، عَابِداً، وَرِعاً. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ دِمَشْقَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَوْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ بِالعِرَاقِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْكَ، لأَتَانَا بِهِ. فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم أَبَا قِلاَبَةَ (3) ؟! رَوَى: هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ خَامِسُ خَمْسَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ البَصْرَةِ (4) . وَرَوَى: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ زِيَادٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: لَوْ كُنْتُ مُتَمَنِّياً، لَتَمَنَّيْتُ فِقْهَ الحَسَنِ، وَوَرَعَ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَصَوَابَ مُطَرِّفٍ، وَصَلاَةَ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ (5) . رَوَى: حُمَيْدُ بنُ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ هَذَا المَسْجِدَ، وَمَا فِيْهِ حَلْقَةٌ تُنْسَبُ إِلَى الفِقْهِ، إِلاَّ حَلْقَةُ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ (6) . قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا صَلَّى كَأَنَّهُ وَدٌّ، لاَ يَمِيْلُ لاَ هَكَذَا، وَلاَ هَكَذَا (7) .   (1) ابن سعد 7 / 186. (2) في الطبقات 7 / 188. (3) الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 87، وابن عساكر في تاريخه 16 / 244 آوأضافا: " فما ذهبت الايام والليالي حتى أتانا الله بأبي قلابة " وانظر الخبر فقد تقدم في ترجمة أبي قلابة ص 469 من هذا الجزء. (4) المعرفة والتاريخ 2 / 88، وابن عساكر 16 / 245 آ. (5) ابن عساكر 16 / 245 اوانظر صفحة 577 و602. (6) الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 86، وابن عساكر في تاريخه 16 / 245 آ، وأضافا: " قال: إن في الحلقة من هو أسن منه، غير أنها كانت تنسب إليه ". (7) المعرفة والتاريخ 2 / 85، وابن عساكر 16 / 245 ب. والود: الوتد. ثم انظر ابن سعد 7 / 186 والحلية 2 / 291. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 وَقَالَ غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ: كَانَ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ إِذَا صَلَّى، كَأَنَّهُ ثَوْبٌ مُلْقَىً (1) . وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كَانَ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ يَقُوْلُ لأَهْلِهِ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ: تَحَدَّثُوا، فَلَسْتُ أَسْمَعُ حَدِيْثَكُم (2) . وَرَوَى: أَنَّهُ وَقَعَ حَرِيْقٌ فِي دَارِهِ، وَأُطْفِئَ، فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: مَا شَعَرْتُ (3) . رَوَاهَا: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، عَنْ مَعْدِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: كَانَ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَيُحَجِّجُ مَعَهُ رِجَالاً مِنْ إِخْوَانِهِ، تَعَوَّدُوا ذَلِكَ، فَأَبْطَأَ عَاماً حَتَّى فَاتَتْ أَيَّامُ الحَجِّ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اخْرُجُوا. فَقَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: لاَ بُدَّ أَنْ تَخْرُجُوا. فَفَعَلُوا اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَأَصَابَهُم حِيْنَ جَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ إِعصَارٌ شَدِيْدٌ، حَتَّى كَادَ لاَ يَرَى بَعْضُهُم بَعْضاً، فَأَصْبَحُوا وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَى جِبَالِ تِهَامَةَ، فَحَمِدُوا اللهَ، فَقَالَ: مَا تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا فِي قُدْرَةِ الله -تَعَالَى (4) -. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ فِي كَلاَمٍ فِي القَدَرِ: هُمَا وَادِيَانِ عَمِيْقَانِ، يَسْلُكُ فِيْهِمَا النَّاسُ، لَنْ يُدْرَكَ غَوْرُهُمَا، فَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ، تَعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ يُنْجِيَكَ إِلاَّ عَمَلُكَ، وَتَوَكَّلْ تَوَكُّلَ رَجُلٍ، تَعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يُصِيْبُكُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَكَ (5) .   (1) الحلية 2 / 291 وابن عساكر 16 / 245 ب. وأورده الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 85 بطريق أخرى. (2) الحلية 2 / 290 وابن عساكر 16 / 246 آ، وانظر ابن سعد 7 / 186. (3) ابن عساكر 16 / 246 آ، وانظر ابن سعد 7 / 186. (4) ابن عساكر 16 / 247 آ. (5) ابن عساكر 16 / 248 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ زَمَن ابْنِ الأَشْعَثِ، خَفَّ مُسْلِمٌ فِيْهَا، وَأَبْطَأَ الحَسَنُ، فَارْتَفَعَ الحَسَنُ، وَاتَّضَعَ مُسْلِمٌ. قُلْتُ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الآخِرَةِ، فَقَدْ يَرْتَفِعَانِ مَعاً. قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: قِيْلَ لابْنِ الأَشْعَثِ: إِنْ أَرَدْتَ أَنَّ يُقْتَلُوا حَوْلَكَ كَمَا قُتِلُوا يَوْمَ الجَمَلِ حَوْلَ جَمَلِ عَائِشَةَ، فَأَخْرِجْ مَعَكَ مُسْلِمَ بنَ يَسَارٍ. فَأَخْرَجَهُ مُكْرَهاً (1) . قَالَ أَيُّوْبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ لِي مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ: إِنِّي أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْك أَنِّي لَمْ أُرْمَ بِسَهْمٍ، وَلَمْ أَضْرِبْ فِيْهَا (2) بِسَيْفٍ. قُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ بِمَنْ رَآكَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. فَقَالَ: هَذَا مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ لَنْ يُقَاتِلَ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ؟ فَبَكَى - وَاللهِ - حَتَّى وَدِدْتُ أَنَّ الأَرْضَ انْشَقَّتْ فَدَخَلْتُ فِيْهَا (3) . قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: وَفِي القُرَّاءِ الَّذِيْنَ خَرَجُوا مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْهُم قُتِلَ، إِلاَّ رَغِبَ لَهُ عَنْ مَصْرَعِهِ، أَوْ نَجَا إِلاَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ (4) . قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ الحَسَنَ البَصْرِيَّ لَمَّا مَاتَ مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ، قَالَ: وَامُعَلِّمَاهُ (5) . قُلْتُ: لِمُسْلِمٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - تَرْجَمَةٌ حَافِلَةٌ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ) (6) .   (1) المعرفة والتاريخ 2 / 86 وابن عساكر 16 / 248 ب. (2) الضمير عائد على فتنة ابن الاشعث. (3) ابن عساكر 16 / 248 ب، وما بين الحاصرتين منه، وانظر ابن سعد 7 / 188. والمعرفة والتاريخ 2 / 86، 87. (4) انظر ابن سعد 7 / 188. (5) ابن عساكر 16 / 249 آ. (6) 16 / 243 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ. 204 - أَمَّا : مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ أَبُو عُثْمَانَ المِصْرِيُّ الطُّنْبُذِيُّ * (د، ت، ق) وَطُنْبُذُ (1) : قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ، فَكَانَ رَضِيْعَ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَكْرُ بنُ عَمْرٍو، وَالمَعَافِرِيُّ، وَأَبُو هَانِئ حُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادٍ الإِفْرِيْقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، صَدُوْقٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ. 205 - و َمُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ الجُهَنِيُّ ** (د، ت، س) تَابِعِيٌّ. رَوَى شَيْئاً عَنْ: عُمَرَ. وَقِيْلَ: عَنْ نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَطَّابِيُّ. 206 - و َمُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ *** الدَّوْسِيُّ لَهُ شَيْءٌ عَنْ مَوْلاَهُ لأُمِّ سَلَمَةَ.   (*) طبقات خليفة ت 2784، تاريخ البخاري 7 / 275، الجرح والتعديل القسم االاول من المجلد الرابع 199، تهذيب الكمال ص 1329، 1631، تاريخ الإسلام 4 / 55 و203، تذهيب التهذيب 4 / 39 آ، تهذيب التهذيب 10 / 141، حسن المحاضرة 1 / 262، خلاصة تذهيب التهذيب 376، تاج العروس (طنبذ) . (1) كذا الأصل وأنساب السمعاني واللباب وتاج العروس، أما ياقوت فقد ضبطه في معجم البلدان بالفتح وزيادة تاء (طنبذة) وقال: قرية من أعمال البهنسى من صعيد مصر. (* *) تاريخ البخاري 7 / 276، تهذيب الكمال ص 1330، تذهيب التهذيب 4 / 39 آميزان الاعتدال 4 / 108، تهذيب التهذيب 10 / 142. (* * *) الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 199، ميزان الاعتدال 4 / 108. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 207 - زِيَادُ بنُ جُبَيْرِ بنِ حَيَّةَ الثَّقَفِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) عَنْ: أَبِيْهِ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: ابْنَا أَخِيْهِ؛ سَعِيْدٌ وَمُغِيْرَةُ؛ ابْنَا عُبَيْدِ اللهِ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. 208 - عِيَاضُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ القُرَشِيُّ ** (ع) العَامِرِيُّ، المِصْرِيُّ، ابْنُ أَمِيْرِ مِصْرَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ. وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ. 209 - زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى أَبُو حَاجِبٍ العَامِرِيُّ *** (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، قَاضِي البَصْرَةِ، أَبُو حَاجِبٍ العَامِرِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.   (1) تكررت ترجمة زياد بن جبير في ص 605. (*) طبقات خليفة 1697، تاريخ البخاري 3 / 347، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 526، تهذيب الكمال ص 441، تاريخ الإسلام 4 / 133، تذهيب التهذيب 1 / 242 آ، تهذيب التهذيب 3 / 357، خلاصة تذهيب التهذيب 124. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 242، تاريخ البخاري 7 / 21، الجرح التعديل القسم الأول من المجلد الثالث 408، تهذيب الكمال ص 1079، تاريخ الإسلام 4 / 178، تذهيب التهذيب 3 / 126 ب، تهذيب التهذيب 8 / 200، خلاصة تذهيب التهذيب 301. (* * *) طبقات ابن سعد 7 / 150، طبقات خليفة ت 1571، تاريخ البخاري 3 / 438، أخبار القضاة 1 / 292، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 603، الحلية 2 / 258، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 سَمِعَ: عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. صَحَّ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، فَلَمَّا قَرَأَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُوْرِ} [المُدَّثِّرُ: 8] ، خَرَّ مَيْتاً. وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي سُوَيْدٍ الذَّارِعُ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ: (الحَالُّ المُرْتَحِلُ) . قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ: (صَاحِبُ القُرْآنِ، يَضْرِبُ فِي أَوَّلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ، وَفِي آخِرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَّلَهُ (1)) . وَكَذَا رَوَاهُ: يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ صَالِحٍ، وَهُوَ لَيِّنٌ. عَتَّابُ بنُ المُثَنَّى القُشَيْرِيُّ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا زُرَارَةُ فِي مَسْجِدِ بَنِي قُشَيْرٍ، فَقَرَأَ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُوْرِ} [المُدَّثِّرُ: 8] ، فَخَرَّ مَيْتاً، فَكُنْتُ فِيْمَنْ حَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ، وَقَدِمَ الحَجَّاجُ البَصْرَةَ وَهُوَ يَقُصُّ فِي دَارِهِ (2) .   = تهذيب الكمال ص 429، تاريخ الإسلام 3 / 368، العبر 1 / 109، تذهيب التهذيب 1 / 236 آ، البداية والنهاية 9 / 93، تهذيب التهذيب 3 / 322، خلاصة تذهيب التهذيب 121، شذرات الذهب 1 / 102. (1) الحلية 2 / 260، وإسناده ضعيف لضعف صالح المري. (2) الحلية 2 / 258، 259. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 210 - صِلَةُ بنُ زُفَرَ العَبْسِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) تَابِعِيٌّ كَبِيْرٌ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ، مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا. يَرْوِي عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمَا أَظُنُّهُ شَافَهَهُ، لأَنَّهُ يُقَالُ: تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ مُصْعَبٍ، وَوِلاَيَتِهِ عَلَى العِرَاقِ. 211 - يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ أَبُو عَوْفٍ العَامِرِيُّ ** (م، 4) مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ بِالرَّقَّةِ، وَلأَبِيْهِ صُحْبَةٌ، وَهُوَ عَمْرٌو - وَيُقَالُ: عَبْدُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: عُدَسُ بنُ مُعَاوِيَةَ - الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَوْفٍ العَامِرِيُّ، البَكَّائِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: خَالَتِهِ؛ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ، وَابْنِ خَالَتِهِ؛ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِم. وَلَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ، وَكَانَ بِالكُوْفَةِ فِي خِلاَفَتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ الأَصَمِّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَرَاشِدُ بنُ كَيْسَانَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 195، طبقات خليفة ت 1006، تاريخ البخاري 4 / 321، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 446، تاريخ بغداد 9 / 335، تهذيب الكمال ص 613، تاريخ الإسلام 3 / 163، تذهيب التهذيب 2 / 95 ب، تهذيب التهذيب 4 / 437، خلاصة تذهيب التهذيب 176. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 479، طبقات خليفة ت 3067، تاريخ البخاري 8 / 318، المعرفة والتاريخ 1 / 396، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 252، الحلية 4 / 97، تاريخ ابن عساكر 18 / 124 آ، أسد الغابة 5 / 104، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 161، تهذيب الكمال ص 1532، تاريخ الإسلام 4 / 210، العبر 1 / 126، تذهيب التهذيب 4 / 172 ب، العقد الثمين 7 / 460، الإصابة ت 9381، تهذيب التهذيب 11 / 313، خلاصة تذهيب التهذيب 430. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 الشَّيْبَانِيُّ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَجْلَحُ الكِنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ - عَلَى خِلاَفٍ فِيْهِ - وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبُو جَنَابٍ الكَلْبِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَطَاءٍ، وَآخَرُوْنَ. وَأُمُّهُ: بَرْزَةُ الهِلاَلِيَّةُ (1) ؛ أُخْتُ: أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَأُمِّ الفَضْلِ لُبَابَةَ الكُبْرَى (2) ، وَعِصْمَةَ وَالِدَةِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ (3) . وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ. وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُم. قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: سَمَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَصَمَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَتَبَ لَهُ بِمَائِهِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ ذِي القَصَّةِ (4) . قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الظُّلَّةِ -يَعْنِي: أَصْحَابَ الصُّفَّةِ (5) -. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: هُوَ ابْنُ أُخْتِ مَيْمُوْنَةَ، وَهِيَ رَبَّتْهُ (6) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ الشَّعْبِيِّ المَسْجِدَ، فَقَالَ: هَلْ تَرَى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا نَجْلِسُ إِلَيْهِ؟ ثُمَّ نَظَرَ، فَرَأَى   (1) انظر ترجمتها في طبقات ابن سعد 8 / 280، والاصابة - نساءت 718. (2) انظر ترجمتها في طبقات ابن سعد 8 / 277، والاصابة - نساءت 1448. (3) انظر ترجمتها في طبقات ابن سعد 8 / 279، والاصابة - نساءت 943. (4) ذو قصة: موضع بين زبالة والشقوق، دون الشقوق بميلين، فيه قلب للاعراب يدخلها ماء عذب زلال. وقال نصر: ذو القصة موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا وهو طريق الربذة، انظر معجم البلدان. (5) ابن عساكر 18 / 126 آ، وأهل الصفة كانوا أضياف الإسلام، كانوا يبيتون في مسجده صلى الله عليه وسلم، وهي موضع مظلل من المسجد. (6) ابن عساكر 18 / 126 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 يَزِيْدَ بنَ الأَصَمِّ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ نَجْلِسَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ خَالَتَهُ مَيْمُوْنَةُ؟ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ (1) . قَالَ شَيْخُنَا فِي (تَهْذِيْبِهِ) : يُقَالُ: إِنَّ لَهُ رُؤْيَةً مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ بَعْضُ وَلَدِ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ (2) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَصَمِّ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ الأَصَمِّ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُوْنَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَجَدَ، جَافَى حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ (3) . 212 - يَزِيْدُ بنُ الحَكَمِ * بنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيُّ البَصْرِيُّ مِنْ فُصَحَاءِ الشُّعَرَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ. رَوَى عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَوَصَلَهُ بِمَالٍ جَسِيْمٍ، وَكَانَ قَدْ عُيِّنَ لإِمْرَةِ فَارِسٍ. وَمِنْ شِعْرِهِ: شَرَيْتُ الصِّبَا وَالجَهْلَ بِالْحِلْمِ وَالتُّقَى ... وَرَاجَعْتُ عَقْلِي، وَالحَلِيْمُ يُرَاجِعُ   (1) المصدر السابق. (2) ابن عساكر 18 / 125 ب، وانظر ابن سعد 7 / 479. (3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (497) (239) وأبو داود (898) والنسائي 2 / 213. (*) الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 257، الاغاني ط الدار 12 / 286، سمط اللآلي 238، تاريخ ابن عساكر 21 / 134 ب، تاريخ الإسلام 4 / 211، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 1 / 113، رغبة الآمل 8 / 40، 48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 أَبَى الشَّيْبُ وَالإِسْلاَمُ أَنْ أَتْبَعَ الهَوَى ... وَفِي الشَّيْبِ وَالإِسْلاَمِ لِلْمَرْءِ وَازِعُ (1) 213 - إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ أَبُو عِمْرَانَ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو عِمْرَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ عَمْرِو بنِ رَبِيْعَةَ بنِ ذُهْلِ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّخَعِ (2) النَّخَعِيُّ، اليَمَانِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وَهُوَ ابْنُ مُلَيْكَةَ؛ أُخْتِ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ. رَوَى عَنْ: خَالِهِ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيِّ، وَسَالِمِ بنِ مِنْجَابٍ، وَسُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَالقَاضِي شُرَيْحٍ، وَشُرَيْحِ بنِ أَرْطَاةَ، وَأَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ، وَعُبَيْدِ بنِ نُضَيْلَةَ، وَعُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَخَالِهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، وَهَمَّامِ بنِ الحَارِثِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. وَلَمْ نَجْد لَهُ سَمَاعاً مِنَ الصَّحَابَةِ المُتَأَخِّرِيْنَ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَهُ بِالكُوْفَةِ   (1) البيت الأخير في حماسة ابن الشجري 139. (*) طبقات ابن سعد 6 / 270، طبقات خليفة ت 1140، تاريخ البخاري 1 / 333، المعارف 463، المعرفة والتاريخ 2 / 100 و604، الجرح والتعدل القسم الأول من المجلد الأول 144، الحلية 4 / 219، طبقات الفقهاء للشيرازي 82، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 104، وفيات الأعيان 1 / 25، تهذيب الكمال ص 68، تذكرة الحفاظ 1 / 69، تاريخ الإسلام 3 / 335، العبر 1 / 113، تذهيب التهذيب 1 / 45 آ، البداية والنهاية 9 / 140، غاية النهاية ت 125، تهذيب التهذيب 1 / 177، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 29، خلاصة تذهيب التهذيب 23 شذرات الذهب 1 / 111. (2) في الأصل: " ربيعة بن ذهل " مكرر سهوا، وما بين الحاصرتين ساقط، وقد ساق ابن حزم نسبه في الجمهرة 415 على الشكل التالي: " إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن ربيع بن ذهل بن حارثة ابن سعد بن مالك بن النخع " أما عند ابن سعد وخليفة وابن خلكان فبإسقاط " ذهل ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 كَالبَرَاءِ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ. وَقَدْ دَخَلَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَلَمْ يَلْبَثْ لَهُ مِنْهَا سَمَاعٌ، عَلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهَا فِي كُتُبِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالقَزْوِيْنِيِّ، فَأَهْلُ الصَّنْعَةِ يَعُدُّوْنَ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ مَعَ عَدِّهِم كُلِّهِم لإِبْرَاهِيْمَ فِي التَّابِعِيْنَ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كِبَارِهِم. وَكَانَ بَصِيْراً بِعِلْمِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، كَثِيْرَ المَحَاسِنِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. رَوَى عَنْهُ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - تِلْمِيْذُهُ - وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ - تِلْمِيْذُهِ - وَأَبُو مَعْشَرٍ بنُ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ، وَأَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَعُبَيْدَةُ بنُ مُعَتِّبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَالحَارِثُ العُكْلِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَشِبَاكٌ الضَّبِّيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، وَعُبَيْدَةُ بنُ مُعَتِّبٍ (1) ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، وَفُضَيْلُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَائِذٍ الأَسَدِيُّ، وَوَاصِلُ بنُ حَيَّانَ الأَحْدَبُ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ الأَعْوَرُ مَيْمُوْنٌ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: لَمْ يُحَدَّثْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَدْرَكَ مِنْهُم جَمَاعَةً، وَرَأَى عَائِشَةً. وَكَانَ مُفْتِيَ أَهْلِ الكُوْفَةِ هُوَ وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِمَا، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، فَقِيْهاً، مُتَوَقِّياً، قَلِيْلَ التَّكَلُّفِ وَهُوَ مُخْتَفٍ مِنَ الحَجَّاجِ. رَوَى: أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ صَيْرَفِيَّ الحَدِيْثِ (2) .   (1) سبق ذكره قبل سطرين. (2) أورده أبو نعيم في الحلية 4 / 219، 220 مطولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 وَرَوَى: جَرِيْرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَأَبُو الضُّحَى يَجْتَمِعُوْنَ فِي المَسْجِدِ يَتَذَاكَرُوْنَ الحَدِيْثَ، فَإِذَا جَاءهُم شَيْءٌ لَيْسَ فِيْهِ عِنْدَهُم رِوَايَةٌ، رَمَوْا إِبْرَاهِيْمَ بِأَبْصَارِهِم (1) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَرَاسِيْلُ إِبْرَاهِيْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَرَاسِيْلِ الشَّعْبِيِّ. قَالَهُ: عَبَّاسٌ، عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَصَفْتُ إِبْرَاهِيْمَ لابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَعَلَّهُ ذَاكَ الفَتَى الأَعْوَرُ الَّذِي كَانَ يُجَالِسُنَا عِنْد عَلْقَمَةَ، كَانَ فِي القَوْمِ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِيْهِم (2) . شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَا كَتَبْتُ شَيْئاً قَطُّ (3) . قَالَ مُغِيْرَةُ: كُنَّا نَهَابُ إِبْرَاهِيْمَ هَيْبَةَ الأَمِيْرِ (4) . وَقَالَ طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ: مَا بِالكُوْفَةِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَيْثَمَةَ (5) . قَالَ فُضَيْلٌ الفُقَيْمِيُّ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ: مَا كَتَبَ إِنْسَانٌ كِتَاباً إِلاَّ اتَّكَلَ عَلَيْهِ (5) . قَالَ أَبُو قَطَنٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَأَسْنِدْ. قَالَ: إِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِذَا قُلْتُ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ، فَحَدَّثَنِي فُلاَنٌ (6) . وَقَالَ مُغِيْرَةُ: كَرِهَ إِبْرَاهِيْمُ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى سَارِيَةٍ (7) .   (1) الحلية 4 / 221 بخلاف يسير. (2) ابن سعد 6 / 270. (3) المصدر السابق والمعرفة والتاريخ 2 / 609. (4) ابن سعد 6 / 271 والمعرفة والتاريخ 2 / 604. (5) ابن سعد 6 / 271. (6) ابن سعد 6 / 272 وانظر ص 527 من هذا الجزء. (7) ابن سعد 6 / 273. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: جَلَستُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ فِي المُرْجِئَة قَوْلاً غَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ. وَجَاءَ ذَمُّ الإِرْجَاءِ مِنْ وَجُوْهٍ عَنْهُ (1) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: أَتَسْتَفْتُوْنِي وَفِيْكُم إِبْرَاهِيْمُ (2) ؟! قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ يَحُجُّ مَعَ عَمِّهِ وَخَالِهِ؛ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، وَكَانَ يُبْغِضُ المُرْجِئَةَ، وَيَقُوْل: لأَنَا عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ المُرْجِئَةِ، أَخَوْفُ عَلَيْهِم مِنْ عِدَّتِهِم مِنَ الأَزَارِقَةِ (3) . تُوُفِّيَ: وَلَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، حَدَّثَتْنِي هُنَيْدَةُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً (4) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ صَالِحٍ الأَشَجُّ: عَنْ حَكِيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَا بِهَا عَرِيْفٌ إِلاَّ كَافِرٌ (5) . عَفَّانُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَأْتِي السُّلْطَانَ، فَيَسْأَلُهُمُ الجَوَائِزَ (6) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ: عَنِ العَلاَءِ بنِ زُهَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَى أَبِي وَهُوَ عَلَى حُلْوَانَ، فَحَمَلَهُ عَلَى بِرْذَوْنٍ، وَكَسَاهُ أَثْوَاباً، وَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَبِلَهُ (6) .   (1) انظر ابن سعد 6 / 273، 274. (2) ابن سعد 6 / 270 والحلية 4 / 221. (3) ابن سعد 6 / 274. (4) ابن سعد 6 / 276 والحلية 4 / 224. (5) ابن سعد 6 / 276. (6) ابن سعد 6 / 277. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 قَالَ الأَعْمَشُ: رُبَّمَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ يُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِيْنَا، فَيَمْكُثُ سَاعَةً كَأَنَّهُ مَرِيْضٌ (1) . قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: بَشَّرْتُ إِبْرَاهِيْمَ بِمَوْتِ الحَجَّاجِ، فَسَجَدَ، وَرَأَيْتُهُ يَبْكِي مِنَ الفَرَحِ (2) . وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ: مَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ فِي صَيْفٍ قَطُّ، إِلاَّ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِزَارٌ أَصْفَرُ (3) . وَقَالَ مُغِيْرَةُ: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ يُرْخِي عِمَامَتَهُ مِنْ وَرَائِهِ (4) . وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ وَهُوَ (5) ابْنُ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ، بَعْدَ الحَجَّاجِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: دَخَلَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَسَمِعَ: زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، وَالمُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَأَنَسَ بنَ مَالِكٍ. رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَالأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُم مِنَ التَّابِعِيْنَ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ: يَا أَبَا عِمْرَانَ، مَنْ أَدْرَكْتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ.   (1) ابن سعد 6 / 279 والمعرفة والتاريخ 2 / 605. (2) ابن سعد 6 / 280. (3) ابن سعد 6 / 281، وقد رواه بطريق أخرى 6 / 282 عن أكيل قال: ما رأيت. (4) انظر ابن سعد 6 / 283. (5) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، استدركناه من ابن سعد 6 / 284. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المُبَارَكِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ. وَقَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَذْكُرُ: أَنَّ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ قَدِمَ عَلَيْهِمُ البَصْرَةَ، فَجَاءهُ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ صُوْفٌ، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ عَنْكَ نَصْرَانِيَّتَكَ هَذِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي (1) نَنْتَظِرُ إِبْرَاهِيْمَ، فَيَخْرُجُ، عَلَيْهِ مُعَصْفَرَةٌ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ المَيْتَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ (2) . شُعْبَةُ بنُ أَبِي مَعْشَرٍ: عَنِ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ، فَيَرَى عَلَيْهَا ثِيَاباً حِبَراً. فَقَالَ أَيُّوْبُ: وَكَيْفَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: كَانَ يَخْرُجُ مَعَ عَمِّهِ وَخَالِهِ حَاجّاً وَهُوَ غُلاَمٌ قَبْل أَنْ يَحْتَلِمَ، وَكَانَ بَيْنَهُم وِدٌّ وَإِخَاءٌ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ وِدٌّ وَإِخَاءٌ (3) . شَرِيْكٌ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يُسَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَدْخَلَنِي خَالِي الأَسْوَدُ عَلَى عَائِشَةَ، وَعَلَيَّ أَوْضَاحٌ (4) . جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ، وَمَاتَ وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، أَوْ نَحْوَهُ. وَقَالَ سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: مَاتَ إِبْرَاهِيْمُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الخَمْسِيْنَ إِلَى السِتِّيْنَ. عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ: قَتَلَ الحَجَّاجُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ. قَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، مَا تُرِكَ بَعْدَهُ خَلَفٌ. قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ   (1) لفظ الحلية " رأيتنا ". (2) الحلية 4 / 221، 222. (3) انظر ابن سعد 6 / 271. (4) الاوضاح: حلي من الدراهم أو الفضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 الشَّعْبِيُّ، فَقَالَ: هُوَ بِالأَمْسِ يَعِيْبُهُ بِخُرُوْجِهِ عَلَى الحَجَّاجِ، وَيَقُوْلُ اليَوْمَ هَذَا! فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيْمُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا تُرِكَ بَعْدَهُ خَلَفٌ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: تَبِعْتُ الشَّعْبِيَّ، فَمَرَرْنَا بِإِبْرَاهِيْمَ، فَقَامَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: أَمَا إِنِّي أَفْقَهُ مِنْكَ حَيّاً، وَأَنْتَ أَفْقَهُ مِنِّي مَيْتاً، وَذَاكَ أَنَّ لَكَ أَصْحَاباً يَلْزَمُوْنَكَ، فَيُحْيُوْنَ عِلْمَكَ (1) . مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: حَدَّثَنِي مَيْمُوْنٌ أَبُو حَمْزَةَ الأَعْوَرُ، قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ: تَكَلَّمْتُ، وَلَوْ وَجَدْتُ بُدّاً، لَمْ أَتَكَلَّمْ، وَإِنَّ زَمَاناً أَكُوْنُ فِيْهِ فَقِيْهاً لَزَمَانُ سُوْءٍ (2) . قَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ، إِنَّ الحَسَنَ البَصْرِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُوْلُ فِي النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا مَنْ قَاتَلَ عَلَى الدُّنْيَا، فَأَمَّا قِتَالُ مَنْ بَغَى، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ يَوْم الزَّاوِيَةِ (3) ؟ قَالَ: فِي بَيْتِي. قَالُوا: فَأَيْنَ كُنْتُ يَوْمَ الجَمَاجِمِ (4) ؟ قَالَ: فِي بَيْتِي. قَالُوا: فَإِنَّ عَلْقَمَةَ شَهِدَ صِفِّيْنَ مَعَ عَلِيٍّ. فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، مَنْ لَنَا مِثْلُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالِهِ. عَنْ شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ دَفَنَ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ لَيْلاً   (1) انظر ابن سعد 6 / 284. (2) الحلية 4 / 223. (3) الزاوية: موضع قرب البصرة، كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن الاشعث، قتل فيها خلق كثير من الفريقين وذلك في سنة 83 للهجرة. انظر معجم البلدان وتاريخ الطبري 6 / 342. (4) يوم الجماجم كان بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث سنة 83 أو 82 هـ على سبعة فراسخ من الكوفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدَفَنْتُم صَاحِبَكُم؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ مَا تَرَكَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْهُ، أَوْ أَفْقَهَ مِنْهُ. قُلْتُ: وَلاَ الحَسَنَ، وَلاَ ابْنَ سِيْرِيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلاَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَلاَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَلاَ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَلاَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ (1) . رَوَى: التِّرْمِذِيُّ (2) ، مِنْ طَرِيْقِ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ: أَسْنِدْ لِي عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. فَقَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُم عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، فَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ، وَإِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ، فَهُوَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ. فِي سِنِّ إِبْرَاهِيْمَ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: عَاشَ تِسْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، الثَّانِي: أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الوَلِيِّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَعِيْسَى بنُ بَرَكَةَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالَ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوْبَ، كَانَتْ تَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَتَتْه، فَقَالَتْ: مَا حَدِيْثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ: أَنَّكَ لَعَنْتَ الوَاشِمَاتِ، وَالمُسْتَوْشِمَاتِ،   (1) أورده أبو نعيم في الحلية 4 / 220 مطولا، وانظر ابن سعد 6 / 284. (2) أي في كتاب العلل ص 223 بشرح الحافظ ابن رجب الحنبلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ؟ قَالَ: وَمَا لِيَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ. فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ المُصْحَفِ، فَمَا وَجَدْتُهُ (1) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثُوْنَا عَنِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ كَثِيْراً مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوْخٌ. قُلْتُ: وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ حَدِيْثِهِ نَاسِخاً، لأَنَّ إِسْلاَمَهُ لَيَالِيَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَالنَّاسِخُ وَالمَنْسُوْخُ فِي جَنْبِ مَا حَمَلَ مِنَ العِلْمِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزْرٌ قَلِيْلٌ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَمِنْ أَهْلِ الفَتْوَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ لاَ تُرَدُّ بِالدَّعَاوَى. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرَدَّ لِحَدِيْثٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ. وَقِيْلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ لَمَّا احْتُضِرَ، جَزِعَ جَزَعاً شَدِيْداً، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَأَيُّ خَطَرٍ أَعْظَمُ مِمَّا أَنَا فِيْهِ، أَتَوَقَّعُ رَسُوْلاً يَرِدُ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي، إِمَّا بِالجَنَّةِ، وَإِمَّا بِالنَّارِ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا تَلَجْلَجُ فِي حَلْقِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (2) .   (1) أخرجه البخاري 10 / 313، 314 في اللباس باب المتفلجات للحسن، وباب المتنمصات، وباب الموصولة، وباب المستوشمة، ومسلم (2125) في اللباس والزينة باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة وفيه زيادة: " قال ابن مسعود: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7] . والوشم هو أن تغرز المرأة ظهر كفها ومعصمها بإبرة أو بمسلة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوه بالكحل أو النيل أو بالنؤور - والنؤور دخان الشحم - فيزرق أثره أو يخضر. والنامصة التي تزين النساء بالنمص وهو نتف الشعر من الوجه. والمتفلجات: من الفلج وهو تباعد ما بين الأسنان، يكون خلقة. والمتفلجات هن اللاتي يفعلن ذلك ويتكلفنه - اه. (لسان) . (2) وفيات الأعيان 1 / 25. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 رَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: جَهَدْنَا أَنَّ نُجْلِسَ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ إِلَى سَارِيَةٍ، وَأَرَدْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَبَى، وَكَانَ يَأْتِي المَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ وَرَيْطَةٌ (1) مُعَصْفَرَةٌ. قَالَ: وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ الشُّرَطِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ ذَكِيّاً، حَافِظاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ. قَالَ مُغِيْرَةُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ إِذَا طَلَبَهُ إِنْسَانٌ لاَ يُحِبُّ لِقَاءهُ، خَرَجَتِ الجَارِيَةُ، فَقَالَتِ: اطْلُبُوْهُ فِي المَسْجِدِ (2) . رَوَى: قَيْسٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ رَجُلاً بِشَيْءٍ، فَبَلَغَهُ عَنِّي، فَكَيْفَ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: تَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّ اللهَ لَيْعَلَمُ مَا قُلْتُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ إِبْرَاهِيْمُ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ. قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْمَشُ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ. وَرَوَى: وَكِيْعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: الجَهْرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: بِدْعَةٌ (3) . 214 - أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ المُنْذِرُ بنُ مَالِكِ بنِ قُطَعَةَ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيُّ،   (1) القباء: ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه، والريطة، الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة. (2) انظر وفيات الأعيان 1 / 25. (3) أخرج أحمد 4 / 85 والترمذي (244) والنسائي 2 / 135 عن ابن عبد الله بن مغفل وقال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم وقال: أي بني إياك والحدث، فقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين، وهو حديث حسن. انظر شرح السنة 3 / 52، 57. (*) طبقات ابن سعد 7 / 208، طبقات خليفة ت 1718، تاريخ البخاري 7 / 355، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 ثُمَّ العَوَقِيُّ، البَصْرِيُّ. وَالعَوَقَةُ: بَطْنٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسُمَيْرِ (1) بنِ نَهَارٍ، وَسَعْدِ بنِ الأَطْوَلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَوَلَةَ، وَقَيْسِ بنِ عُبَادٍ، وَأَبِي فَرَاسٍ النَّهْدِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ بِالبَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَأَبُو بِشْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَالصَّلْتُ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَكَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ، وَأَبُو الأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ، وَالمُسْتَمِرُّ بنُ الرَّيَّانِ، وَأَبُو عَقِيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي نَضْرَةَ، وَالعَوَّامُ بنُ حَمْزَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُوَيْدُ بنُ حُجَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْتَجُّ بِهِ.   = المعارف 449، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 241، الحلية 3 / 97، تهذيب الكمال ص 1375، 1659، العبر 1 / 133، تاريخ الإسلام 4 / 225، تذهيب التهذيب 4 / 69 ب، البداية والنهاية 9 / 259، تهذيب التهذيب 10 / 302، خلاصة تذهيب التهذيب 387، شذرات الذهب 1 / 135. (1) ويقال شتير. (2) في الطبقات 7 / 208. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 سَالِمُ بنُ نُوْحٍ: أَنْبَأَنَا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَصَّرَيْنِ (1) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : كَانَ مِمَّنْ يُخْطِئُ، وَكَانَ مِنْ فُصَحَاءِ النَّاسِ، فُلِجَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ، أَوْ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الحَسَنُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ عَلَى العِرَاقِ. قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَلَمْ يَرْوِ لَهُ. وَقَدْ أَوْرَدَهُ: العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابَيْهِمَا، فَمَا ذَكَرَا لَهُ شَيْئاً يَدُلُّ عَلَى لِيْنٍ فِيْهِ. بَلَى قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ عَرِيْفاً لِقَوْمِهِ. قُلْتُ: هُوَ مِمَّنْ اشْتُهِرَ بِالكُنْيَةِ، وَقَعَ لِي حَدِيْثُهُ بِعُلُوٍّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ العَصْرُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، نَبَّأَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ يَمِيْناً وَشِمَالاً. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ... ) . فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً، فَقَالَ لَهُم: (تَقَدَّمُوا، فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُم مَنْ بَعْدَكُم، لاَ   (1) الثوب الممصر: المصبوغ بحمرة خفيفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُوْنَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ) . أَخْرَجَهُمَا: مُسْلِمٌ (1) ، مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الأَشْهَبِ. 215 - بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أَبُو عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوَاعِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، يُذْكَرُ مَعَ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَحَبِيْبٌ العَجَمِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَقَتَادَةُ، وَغَالِبٌ القَطَّانُ، وَأَبُو عَامِرٍ صَالِحٌ الخَزَّازُ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَصَالِحٌ المُرِّيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ (2) : كَانَ بَكْرٌ المُزَنِيُّ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، حُجَّةً، فَقِيْهاً. قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: الحَسَنُ شَيْخُ البَصْرَةِ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ فَتَاهَا (3) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ: أَخْبَرَتْنِي أُخْتِي، قَالَتْ: كَانَ أَبُوْكَ قَدْ جَعَلَ عَلَى   (1) الأول برقم (1728) في اللقطة باب استحباب المواساة بفضول المال. والثاني برقم (438) في الصلاة باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول. (*) طبقات ابن سعد 7 / 209 طبقات خليفة ت 1680، تاريخ البخاري 2 / 90، المعارف 457، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 388، الحلية 2 / 224، تهذيب الكمال ص 158، تاريخ الإسلام 4 / 93، العبر 1 / 133، تذهيب التهذيب 1 / 88 ب البداية والنهاية 9 / 256، تهذيب التهذيب 1 / 484، خلاصة تذهيب التهذيب 51، شذرات الذهب 1 / 135. (2) في الطبقات 7 / 209. (3) المصدر السابق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَسْمَعَ رَجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي القَدَرِ، إِلاَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (1) . قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ البَصْرَةَ كَانَتْ تَغْلِي فِي ذَلِكَ الوَقْتِ بِالقَدَرِ، وَإِلاَّ فَلَوْ جَعَلَ الفَقِيْهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، لأَوْشَكَ أَنْ يَبْقَى السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ لاَ يَسْمَعُ مُتَنَازِعَيْنِ فِي القَدَرِ وَللهِ الحَمْدُ، وَلاَ يَتَظَاهِرُ أَحَدٌ بِالشَّامِ وَمِصْرَ بِإِنْكَارِ القَدَرِ. عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ - وَهُوَ فِي (الزُّهْدِ) لأَحْمَدَ - قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ إِذَا بَلَغ المَبْلَغَ، فَمَشَى فِي النَّاسِ، تُظِلُّهُ غَمَامَةٌ (2) . قُلْتُ: شَاهِدُهُ أَنَّ اللهَ قَالَ: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغَمَامَ} [البَقَرَةُ: 57، الأَعْرَافُ: 159] فَفَعَلَ بِهِم تَعَالَى ذَلِكَ عَاماً، وَكَانَ فِيْهِمُ الطَّائِعُ وَالعَاصِي، فَنَبِيُّنَا - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ - أَكْرَمُ الخَلْقِ عَلَى رَبِّهِ، وَمَا كَانَتْ لَهُ غَمَامَةُ تُظِلُّهُ، وَلاَ صَحَّ ذَلِكَ (3) ، بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمَّا رَمَى الجَمْرَةَ، كَانَ بِلاَلٌ يُظِلُّهُ بِثَوْبِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَلَكِنْ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ الأَعَاجِيْبُ وَالآيَاتُ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ خَيْرَ الأُمَمِ، وَإِيْمَانُهُم أَثْبَتَ، لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى بُرْهَانٍ، وَلاَ إِلَى خَوَارِقَ، فَافْهَمْ هَذَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ المُؤْمِنُ عِلْماً وَيَقِيْناً، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الخَوَارِقِ، وَإِنَّمَا الخَوَارِقُ لِلضُّعَفَاءِ، وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فِي اقْتِرَابِ السَّاعَةِ. عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ الحَذَّاءُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، قَالَ: قُوِّمَتْ كِسْوَةُ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ. وَسَاقَهَا: أَبُو نُعَيْمٍ (4) بِإِسْنَادٍ آخَرَ، عَنْ حُمَيْدٍ.   (1) الحلية 2 / 225 وانظر المصدر السابق. (2) الحلية 2 / 226 وله تتمة. (3) يريد المؤلف رحمه الله خبر التقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ببحيرى الراهب وقد أورده في تاريخه الكبير 2 / 26 - 30 واستنكره جدا وقال: وفيه ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية لكن الحافظ ابن حجر وغيره صححوا الحديث، وعدوا لفظ (وبعث معه أبو بكر بلالا) منكرا. (4) في الحلية 2 / 227. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ: سَمِعْتُ إِنْسَاناً، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي: أَنَّهُ كَانَ وَاقِفاً بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي فِيْهِم، لَقُلْتُ: قَدْ غُفِرَ لَهُم (1) . قُلْتُ: كَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْرِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَهْضِمَهَا. أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ غَالِبٍ القَطَّانِ، عَنْ بَكْرٍ: أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ بِهِ لِلْقَضَاءِ، قَالَ: إِنِّي سَأُخْبِرُكَ عَنِّي، إِنِّي لاَ عِلْمَ لِي -وَاللهِ- بِالقَضَاءِ، فَإِنْ كُنْتُ صَادِقاً، فَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَنِي، وَإِنْ كُنْتُ كَاذِباً، فَلاَ تُوَلِّ كَاذِباً (2) . رَوَى: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ بَكْرٍ، قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَعِيْشَ عَيْشَ الأَغْنِيَاءِ، وَأَمُوْتَ مَوْتَ الفُقَرَاءِ. فَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- كَذَلِكَ، يَلْبَسُ كِسْوَتَهُ، ثُمَّ يَجِيْءُ إِلَى المَسَاكِيْنِ، فَيَجْلِسُ مَعَهُم يُحَدِّثُهُم، وَيَقُوْلُ: لَعَلَّهم يَفْرَحُوْنَ بِذَلِكَ (3) . قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: كَانَتْ قِيْمَةُ كِسْوَةِ بَكْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، كَانَتْ أُمُّهُ ذَاتَ مَيْسَرَةٍ، وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ كَثِيْرُ المَالِ (4) . وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ كُلْثُوْمِ بنِ جَوْشَنٍ، قَالَ: اشْتَرَى بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ طَيْلَسَاناً بِأَرْبَعِ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَرَادَ الخَيَّاطُ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَذَهَبَ لِيَذُرَّ عَلَيْهِ تُرَاباً، فَقَالَ لَهُ بَكْرٌ: كَمَا أَنْتَ. فَأَمَرَ بِكَافُوْرٍ، فَسُحِقَ، ثُمَّ ذَرَّهُ عَلَيْهِ (5) . عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ الكِلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيُّ، سَمِعْتُ بَكْراً المُزَنِيَّ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: أَصْبَحْتُ لاَ أَمْلِكُ مَا أَرْجُو، وَلاَ أَدْفَعُ عَنْ نَفْسِي مَا أَكْرَهُ، أَمْرِي بِيَدِ غَيْرِي، وَلاَ فَقِيْرَ أَفْقَرُ مِنِّي (6) .   (1) ابن سعد 7 / 209. (2) ابن سعد مطولا 7 / 210. (3) ابن سعد 7 / 210 وانظر الحلية 2 / 227. (4) ابن سعد 7 / 210 وزاد: " وكان يكره أن يرد عليها شيئا ". (5) ابن سعد 7 / 210. (6) ابن سعد 7 / 210، 211 وله تتمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 قَالَ أَبُو الأَشْهَبِ: سَمِعْتُ بَكْراً يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا رِزْقاً يَزِيْدُنَا لَكَ شُكْراً، وَإِلَيْك فَاقَةً وَفَقْراً، وَبِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ غِنَىً (1) . قَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: كَانَ بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُجَابَ الدَّعْوَةِ (2) . قَالَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: حَضَرَ الحَسَنُ جِنَازَةَ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ عَلَى حِمَارٍ، فَرَأَى النَّاسَ يَزْدَحِمُوْنَ، فَقَالَ: مَا يُوْزَرُوْنَ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤْجَرُوْنَ، كَانُوا يَنْظُرُوْنَ، فَإِنَّ قَدِرُوا عَلَى حَمْلِ الجِنَازَةِ، أَعْقَبُوا إِخْوَانَهُم (3) . قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ: قَالَ بَكْرٌ: إِيَّاكَ مِنَ الكَلاَمِ، مَا إِنْ أَصَبْتَ فِيْهِ لَمْ تُؤْجَرْ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ تُوْزَرْ، وَذَلِكَ سُوْءُ الظَنِّ بِأَخِيْكَ (4) . قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بَكْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ (5) . قَالَ مُؤَمِّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَاتَ بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ - وَهُوَ أَصَحُّ -: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ (6) . قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ: لَوْ قِيْلَ لِي: خُذْ بِيَدِ خَيْرِ أَهْلِ المَسْجِدِ، لَقُلْتُ: دُلُّوْنِي عَلَى أَنْصَحِهِم لِعَامَّتِهِم، فَإِذَا قِيْلَ: هَذَا، أَخَذْتُ بِيَدِهِ. وَلَوْ قِيْلَ لِي: خُذْ بِيَدِ شَرِّهِم، لَقُلْتُ: دُلُّوْنِي عَلَى أَغَشِّهِم لِعَامَّتِهِم. وَلَوْ أَنَّ مُنَادِياً نَادَى مِنَ السَّمَاءِ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْكُم إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، لَكَانَ يَنْبَغِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَلْتَمِسَ   (1) ابن سعد 7 / 211 وانظر الحلية 2 / 225. (2) الحلية 2 / 230. (3) ابن سعد 7 / 211. (4) ابن سعد 7 / 210 وانظر الحلية 2 / 226. (5) ابن سعد 7 / 211. (6) انظر ابن سعد 7 / 211. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 أَنْ يَكُوْنَ هُوَ. وَلَوْ أَنَّ مُنَادِياً نَادَى: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُم إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، لَكَانَ يَنْبَغِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنَّ يَفْرَقَ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ الوَاحِدَ (1) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بن مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ بنُ فَضَالَةَ أَخُو مُبَارَكٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، وَمَعَهَا صَبِيَّانِ لَهَا، فَأَعْطَتْهَا ثَلاَثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ تَمْرَةً، فَأَكَلاَ تَمْرَتَيْهِمَا، ثُمَّ نَظَرَا إِلَى أُمِّهِمَا، فَأَخَذَتِ التَّمْرَةَ، فَشَقَّتْهَا نِصْفَيْنِ، فَأَعْطَتْ ذَا نِصْفاً وَذَا نِصْفاً. فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: (مَا أَعْجَبَكِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنَّ اللهَ قَدْ رَحِمَهَا بِرَحْمَتِهَا صَبِيَّيْهَا (2)) . غَرِيْبٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: عُبَيْدُ الرَّحْمَن، وَهُوَ صَدُوْقٌ، مُقِلٌّ، رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. 216 - خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ بنِ أَبِي كَرِبٍ الكَلاَعِيُّ * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الكَلاَعِيُّ، الحِمْصِيُّ.   (1) الحلية 2 / 224 ولعمر رضي الله عنه قول بمعناه. (2) الحلية 2 / 230، 231 وأخرجه أحمد 6 / 92 ومسلم (2630) في البر والصلة باب فضل الاحسان إلى البنات، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا. ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم: فحدثته حديثها فقال: " من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 455، طبقات خليفة ت 2928، تاريخ البخاري 3 / 176، = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 حَدَّثَ عَنْ: خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مُرْسَلٌ -. رَوَى عَنْ: ثَوْبَانَ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالمِقْدَامِ بنِ مَعْدِيْ كَرِبٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ المَازِنِيِّ، وَذِي مِخْبَرٍ ابْنِ أَخِي النَّجَاشِيِّ، وَجُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ، وَحُجْرِ بنِ حُجْرٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ الغَازِ، وَخِيَارِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، وَعَمْرِو بنِ الأَسْوَدِ - وَهُوَ عُمَيْرٌ - وَكَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَمَالِكِ بنِ يَخَامِرَ، وَأَبِي بَحْرِيَّةَ، وَأَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَعَامِرُ بنُ جَشِيْبٍ، وَفُضَيْلُ بنُ فَضَالَةَ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ (1) ، وَالأَحْوَصُ بنُ حَكِيْمٍ، وَبَحِيْرُ بنُ سَعْدٍ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَبْدَةُ بِنْتُ خَالِدٍ - ابْنَتُهُ - وَقَوْمٌ، آخِرُهُم وَفَاةً: حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ الرَّحَبِيُّ. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي أَئِمَّةِ الفِقْهِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَابْنُ خِرَاشٍ، وَالنَّسَائِيُّ. رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَتْنَا عَبْدَةُ بِنْتُ خَالِدٍ، وَأُمُّ الضَّحَّاكِ بِنْتُ   = المعارف 625، المعرفة والتاريخ 2 / 332، ذيل المذيل 632، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 351 الحلية 5 / 210، تاريخ ابن عساكر 5 / 257 آ، تهذيب الكمال ص 365، تاريخ الإسلام 4 / 109، تذكرة الحفاظ 1 / 87، العبر 1 / 126، تذهيب التهذيب 1 / 192 آ، البداية والنهاية 9 / 230، تهذيب التهذيب 3 / 118، النجوم الزاهرة 1 / 252، طبقات السيوطي ص 36، خلاصة تذهيب التهذيب 103، شذرات الذهب 1 / 126، تهذيب ابن عساكر 5 / 89. (1) في الأصل: " مزيد " تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 رَاشِدٍ مَوْلاَةُ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ: أَنَّ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَم لِلْعِلْمِ مِنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَكَانَ عِلْمُهُ فِي مُصْحَفٍ لَهُ أَزْرَارٌ وَعُرَىً (1) . وَقَالَ أَيْضاً: كَتَبَ الوَلِيْدُ إِلَى خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ فِي مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَهُ فِيْهَا خَالِدٌ، فَحَمَلَ القُضَاةَ عَلَى قَوْلِهِ (1) . وَرَوَى: بَقِيَّةُ، عَنْ عُمَرَ بنِ جُعْثُمٍ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ إِذَا قَعَدَ، لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْهُم يَذْكُرُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ؛ هَيْبَةً لَهُ (2) . بَقِيَّةُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: مَا خِفْنَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ مَا خِفْنَا خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ (2) . وَقَالَ بَقِيَّةُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يُعَظِّمُ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ، فَقَالَ لَنَا: لَهُ عَقِبٌ؟ فَقُلْنَا: لَهُ ابْنَةٌ. قَالَ: فَائْتُوْهَا، فَسَلُوْهَا عَنْ هَدْيِ أَبِيْهَا. قَالَ: فَكَانَ سَبَبُ إِتْيَانِنَا عِنْدَهُ بِسَبَبِ الأَوْزَاعِيِّ (3) . وَقَالَ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: كَانَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ إِذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالغَزْوِ، كَانَ فُسْطَاطُهُ أَوَّلَ فُسْطَاطٍ بِدَابِقٍ (4) . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ إِذَا جَلَسْنَا مَعَهُ، إِنَّمَا يُسْمِعُ (5) المَوْتُ المَوْتَ. فَحَدَّثَنَا عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: لَوْ كَانَ المَوْتُ عِلْماً يُسْتَبَقُ إِلَيْهِ، مَا سَبَقَنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ، إِلاَّ أَنْ يَسْبِقَنِي رَجُلٌ بِفَضْلِ قُوَّةٍ؛ قَالَ: فَمَا   (1) ابن عساكر 5 / 258 ب. (2) ابن عساكر 5 / 259 آ. (3) ابن عساكر 5 / 259 آ. (4) المصدر السابق، ودابق: بكسر الباء. وقد روي بفتحها، قرية قرب حلب من أعمال عزاز بينها وبين حلب أربعة فراسخ، انظر معجم البلدان. (5) لفظ ابن عساكر: " نسمع " بالنون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 زَالَ الثَّوْرِيُّ يُحِبُّ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ مُذْ بَلَغَهُ هَذَا عَنْهُ (1) . الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عَبْدَةَ بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ: قَلَّمَا كَانَ خَالِدٌ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ إِلاَّ وَهُوَ يَذْكُرُ شَوْقَهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلَى أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، ثُمَّ يُسَمِّيْهِم، وَيَقُوْلُ: هُم أَصْلِي وَفَصْلِي، وَإِلَيْهِم يَحِنُّ قَلْبِي، طَالَ شَوْقِي إِلَيْهِم، فَعَجِّلْ رَبِّ قَبْضِي إِلَيْكَ. حَتَّى يَغْلِبَهُ النَّوْمُ، وَهُوَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ (2) . ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: لاَ يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الفِقْهِ حَتَّى يَرَى النَّاسَ فِي جَنْبِ اللهِ أَمْثَالَ الأَبَاعِرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ (3) ، فَيَكُوْنُ لَهَا أَحْقَرَ حَاقِرٍ (4) . وَقَالَ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ: عَنْ عَمْرٍو الإِيَامِيِّ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلاَّ وَلَهُ أَرْبَعُ (5) أَعْيُنٍ: عَيْنَانِ فِي رَأْسِهِ يُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ الدُّنْيَا، وَعَيْنَان فِي قَلْبِهِ يُبْصِرُ بِهِمَا أَمْرَ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً، فَتَحَ عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي قَلْبِهِ، فَأَبْصَرَ بِهِمَا مَا وُعِدَ بِالغَيْبِ، فَأَمِنَ الغَيْبَ بِالغَيْبِ (6) . بَقِيَّةُ: عَنْ بَحِيْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ خَلِيْلُ اللهِ إِذَا أُتِيَ بِقِطْفٍ مِنَ العِنَبِ، أَكَلَ حَبَّةً حَبَّةً، وَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَبَّةٍ (7) . الأَوْزَاعِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: أَكْلٌ وَحَمْدٌ، خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ (8) .   (1) ابن عساكر 5 / 259 ب، وانظر ابن سعد 7 / 455 والحلية 5 / 210، 211. (2) الحلية 5 / 210 وابن عساكر 5 / 259 ب. (3) في الأصل " نفسها " وهو تصحيف. (4) الحلية 5 / 212. (5) في الأصل: " أربعة " وهو تصحيف. (6) ابن عساكر 5 / 260 آ، وأورده أبو نعيم في الحلية 5 / 212 بطريق آخر. (7) انظر الحلية 5 / 211. (8) الحلية 5 / 212. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، قَالَ: إِذَا فَتَحَ أَحَدُكُم بَابَ خَيْرٍ، فَلْيُسْرِعْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ (1) . وَقَالَ أَيْضاً: العَيْنُ مَالٌ، وَالنَّفْسُ مَالٌ، وَخَيْرُ مَالِ العَبْدِ مَا انْتَفَعَ بِهِ وَابْتَذَلَهُ، وَشَرُّ أَمْوَالِكَ مَا لاَ تَرَاهُ وَلاَ يَرَاكَ، وَحِسَابُهُ عَلَيْكَ، وَنَفْعُهُ لِغَيْرِكَ (2) . رَوَى: عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ يَقُوْلُ: مَنِ الْتَمَسَ المَحَامِدَ فِي مُخَالَفَةِ الحَقِّ، رَدَّ اللهُ تِلْكَ المَحَامِدَ عَلَيْهِ ذَمّاً، وَمَنِ اجْترَأَ عَلَى المَلاَوِمِ فِي مُوَافِقَةِ الحَقِّ، رَدَّ اللهُ تِلْكَ المَلاَومَ عَلَيْهِ حَمْداً (3) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ وَهُوَ صَائِمٌ (4) . وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ الأَشْعرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ يُسَبِّحُ فِي اليَوْمِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ تَسبِيْحَةٍ، سِوَى مَا يَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ، فَلَمَّا مَاتَ فَوُضِعَ عَلَى سَرِيْرِهِ لِيُغَسَّلَ، جَعَلَ بِأُصْبُعِهِ كَذَا يُحَرِّكُهَا -يَعْنِي: بِالتَّسْبِيْحِ (5) -. هَذَا إِسْنَادٌ مُنْقَطِعٌ. قَالَ الهَيْثَمُ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (6) : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ.   (1) الحلية 5 / 211 ولفظه: " إذا فتح لاحدكم ". (2) المصدر السابق. (3) الحلية 5 / 213، 214 وابن عساكر 5 / 260 آ. (4) ابن سعد 7 / 455 وابن عساكر 5 / 260 آ، وانظر الحلية 5 / 210. (5) الحلية 5 / 210 وابن عساكر 5 / 260 آبطريق آخر. (6) في الطبقات 7 / 455. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 وَقَالَ عُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَدُحَيْمٌ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. 217 - نَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ القُرَشِيُّ * (ع) ابْنِ نَوْفَلِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - القُرَشِيُّ، النَّوْفَلِيُّ، المَدَنِيُّ، أَخُو مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ. رِوَايَتُهُ عَنِ: العَبَّاسِ، وَالزُّبَيْرِ عِنْدَ البُخَارِيِّ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَائِشَةَ، وَجَرِيْرٍ، وَعَلِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ، وَأَبِي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيِّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمَسْعُوْدِ بنِ الحَكَمِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ عُرْوَةُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَزِيْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَطَاءِ بنِ أَبِي الخُوَارِ، وَوَاقِدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 205، طبقات خليفة ت 2065، تاريخ البخاري 8 / 82، المعارف 285، المعرفة والتاريخ 1 / 364 و565، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع 451، تاريخ ابن عساكر 17 / 250 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 121، تهذيب الكمال ص 1405، تاريخ الإسلام 4 / 62، العبر 1 / 117، تذهيب التهذيب 4 / 89 آ، البداية والنهاية 9 / 186، تهذيب التهذيب 10 / 404، خلاصة تذهيب التهذيب 399، شذرات الذهب 1 / 116. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَصْحَابُ زَيْدٍ الَّذِيْنَ كَانُوا يَأْخُذُوْنَ عَنْهُ، وَيُفْتُوْنَ بِفَتْوَاهُ، مِنْهُم مَنْ لَقِيَهُ، وَمِنْهُم مَنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَذَكَرَ مِنْهُم: نَافِعَ بنَ جُبَيْرٍ (1) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، كَانَ يَحُجُّ مَاشِياً وَنَاقَتُهُ تُقَادُ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالوَسِمَةِ (2) . وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ يُعَدُّ مِنْ فُصَحَاءِ قُرَيْشٍ؛ هُوَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (3) . وَعَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً لِيَرَاهُ أَهْلُهَا، فَلاَ يَشْهَدْهَا (4) . وَقِيْلَ: قَدِمَ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ عَلَى الحَجَّاجِ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: قَتَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ صَفْوَانَ، وَابْنَ مُطِيْعٍ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَتَلْتُ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَادَ اللهُ بِكَ، خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ لِنَفْسِكَ. قَالَ: صَدَقْتَ. فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ لَهُ عَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدٍ: لاَ خَيْرَ لَكَ فِي المُقَامِ عِنْدَ هَذَا. قَالَ: جِئْتُ لِلْغَزْوِ. ثُمَّ وَدَّعَ الحَجَّاجَ، وَسَارَ نَحْوَ الدَّيْلَمِ (5) . مَالِكُ بنُ يَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، فَيَغْمِزُنِي، فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نُصَلِّي.   (1) ابن عساكر 17 / 251 ب. (2) انظر ابن سعد 5 / 206. (3) انظر ابن عساكر 17 / 251 ب، 252 آ. (4) ابن عساكر 17 / 252 ب، ولفظه: " ومن لم يشهد الجنازة إلا ليراه أهلها فلا يشهدها ". (5) ابن عساكر 17 / 252 ب، 253 آمطولا، وانظر المعرفة والتاريخ 565، 566 وانظر التعريف بالديلم صفحة 260. (6) ابن عساكر 17 / 252 آ، وانظر معنى الفتح ص 559. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: عَنْ عَمْرٍو: أَنَّ نَافِعَ بنَ جُبَيْرٍ كَانَ يَحُجُّ مَاشِياً، وَرَاحِلَتُهُ تُقَادُ مَعَهُ. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَا صَخِبْتُ بِمَكَّةَ قَطُّ، وَلاَ آجَرْتُ أَرْضاً لِي قَطُّ، مَنِ اسْتَقْرَضَهَا، أَقْرَضْتُهُ. قَالَ: وَكَانَ يَقْضِي مَنَاسِكَهُ عَلَى رِجْلَيْهِ (1) . ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: كَأَنَّهُ -يَعْنِي: التِّيْهَ-. فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَكِبْتُ الحِمَارَ، وَلَبِسْتُ الشَّمْلَةَ، وَحَلَبْتُ الشَّاةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا فِيْمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الكِبْرِ شَيْءٌ) . هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ (2) . قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ (3) ، وَخَلِيْفَةُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: مَاتَ نَافِعٌ فِي خِلاَفَةِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَسُلَيْمَانُ اسْتُخْلِفَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ. وَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ - فِيْمَا أَرَى -. 218 - وَأَخُوْه ُ: مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ القُرَشِيُّ * (ع) إِمَامٌ، فَقِيْهٌ، ثَبْتٌ. يُكْنَى: أَبَا سَعِيْدٍ.   1) ابن عساكر 17 / 252 ب. (2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 5 / 206 والترمذي (2001) من طريق شبابة عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن نافع بن جبير عن أبيه بنحوه، وقال: هذا حديث حس صحيح غريب. ورواية المرسل أصح، لان المعروف بالتيه نافع لا أبوه. (3) في الطبقات 5 / 207. (*) طبقات ابن سعد 5 / 205، طبقات خليفة ت 2064، تاريخ البخاري 1 / 52، المعرفة = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ. رَوَى عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ جُبَيْرٌ، وَعُمَرُ، وَسَعِيْدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَآخَرُوْنَ مِنَ المَدَنِيِّيْنَ. وَكَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ الأَشْرَافِ، صَاحِبَ كُتُبٍ وَعِنَايَةٍ بِالعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: مَاتَ بَعْدَ أَخِيْهِ نَافِعٍ بِقَلِيْلٍ، بِالمَدِيْنَةِ. فَقِيْلَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. 219 - وَهْبُ بنُ مُنَبِّهِ بنِ كَامِلِ بنِ سِيْجِ بنِ ذِي كِبَارٍ * (ع) وهُوَ الأُسْوَارُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، القَصَصِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبْنَاوِيُّ، اليَمَانِيُّ، الذِّمَارِيُّ، الصَّنْعَانِيُّ. أَخُو: هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَمَعْقِلِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَغَيْلاَنَ بنِ مُنَبِّهٍ.   = والتاريخ 1 / 363، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 218، تاريخ ابن عساكر 15 / 79 آ، تهذيب الكمال ص 1181، تاريخ الإسلام 4 / 50، تذهيب التهذيب 3 / 193 ب، البداية والنهاية 9 / 186، تهذيب التهذيب 9 / 91، خلاصة تذهيب التهذيب 330. (1) في الطبقات 5 / 205. (*) طبقات ابن سعد 5 / 543، الزهد لأحمد 371، طبقات خليفة ت 2652، تاريخ البخاري 8 / 164، المعارف 459، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الرابع 24 ذيل المذيل 640، الحلية 4 / 23، طبقات الفقهاء للشيرازي 74، تاريخ ابن عساكر 17 / 474 آ، طبقات فقهاء اليمن 57، معجم الأدباء 19 / 259، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من المجلد الثاني 149، وفيات الأعيان 6 / 37، تهذيب الكمال ص 1484، تاريخ الإسلام 5 / 14، تذكرة الحفاظ 1 / 95، العبر 1 / 143، تذهيب التهذيب 4 / 143 آ، البداية والنهاية 9 / 276، تهذيب التهذيب 11 / 166، طبقات الخواص 161، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 41، خلاصة تذهيب التهذيب 419، شذرات الذهب 1 / 150. (2) كذا ضبطه المؤلف، وقال شارح القاموس: بالفتح والكسر والتحريك. انظر (سيج) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 مَوْلِدُهُ: فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، سَنَة أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَرَحَلَ، وَحَجَّ. وَأَخَذَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - إِنْ صَحَّ - وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ - عَلَى خِلاَفٍ فِيْهِ - وَطَاوُوْسٍ. حَتَّى إِنَّهُ يَنْزِلُ وَيَرْوِي عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَخِيْهِ؛ هَمَّامٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَفَنَّجٍ اليَمَانِيِّ - وَلاَ يُدْرَى مَنْ فَنَّجٌ؟! حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَسِمَاكُ بنُ الفَضْلِ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى، وَهَمَّامُ بنُ نَافِعٍ أَبُو عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ حَكِيْمٍ، وَالمُنْذِرُ بنُ النُّعْمَانِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَقِيْلُ بنُ مَعْقِلٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ، وَسِبْطُهُ؛ إِدْرِيْسُ بنُ سِنَانٍ، وَصَالِحُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَوْرَانَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ خُلَّجٍ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ، وَعِمْرَانُ بنُ هِرْبِذٍ أَبُو الهُذَيْلِ، وَعِمْرَانُ بنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّوْنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَرِوَايَتُهُ (لِلْمُسْنَدِ) قَلِيْلَةٌ، وَإِنَّمَا غَزَارَةُ عِلْمِهِ فِي الإِسْرَائِيْلِيَّاتِ، وَمِنْ صَحَائِفِ أَهْلِ الكِتَابِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ، لَهُ شَرَفٌ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ لَهُ (ذِي) هُوَ شَرِيْفٌ، يُقَالَ: فُلاَنٌ لَهُ (ذِي) ، وَفُلاَنٌ لاَ (ذِي) لَهُ. قَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ عَلَى قَضَاءِ صَنْعَاءَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ: سَمِعْتُ مَسْلَمَةَ بنَ هَمَّامِ بنِ مَسْلَمَةَ بنِ هَمَّامٍ يَذْكُرُ عَنْ آبَائِهِ: أَنَّ هَمَّاماً، وَوَهْباً، وَعَبْدَ اللهِ، وَمَعْقِلاً، وَمَسْلَمَةَ بَنُوْ مُنَبِّهٍ أَصْلُهُم مِنْ خُرَاسَانَ، مِنْ هَرَاةَ، فَمُنَبِّهٌ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، خَرَجَ أَيَّامَ كِسْرَى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 وَكِسْرَى أَخْرَجَهُ مِنْ هَرَاةَ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ. وَمَسْكَنُهُم بِاليَمَنِ، وَكَانَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ يَخْتَلِفُ إِلَى هَرَاةَ، وَيَتَفَقَّدُ أَمْرَ هَرَاةَ (1) . حَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَبَّانَ (2) ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَوْلَىً لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سَيَكُوْنُ فِي أُمَّتِي رَجُلاَنِ؛ أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: وَهْبٌ، يُؤْتِيْهِ اللهُ الحُكْمَ، وَالآخَرُ يُقَالُ لَهُ: غَيْلاَنُ، هُوَ أَشَدُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيْسَ (3)) . سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ زَبَّانَ، وَشَيْخِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُمَا. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ مَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ - وَاهٍ (4) - عَنْ أَحْوَصَ بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوْعاً، نَحْوَهُ، وَقَالَ: (أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي) . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَإِنَّ كَعْباً أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ جَمَعَ عِلْمَهُمَا، أَهُوَ أَعْلَمُ أَمْ هُمَا (5) ؟ إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ. وَعَنْ كَثِيْرٍ: أَنَّهُ سَارَ مَعَ وَهْبٍ، فَبَاتُوا بِصَعْدَةَ (6) عِنْدَ رَجُلٍ، فَخَرَجَتْ بِنْتُ الرَّجُلِ، فَرَأَتْ مِصْبَاحاً، فَاطَّلَعَ صَاحِبُ المَنْزِلِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ صَافّاً قَدَمَيْهِ فِي   (1) ابن عساكر 17 / 476 آ. (2) في الأصل " ريان " مصحف، وما أثبتناه من الإكمال 4 / 119 والميزان للمؤلف. (3) ابن عساكر 17 / 476 ب، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 5 / 543، ولا يصح. (4) نقل المؤلف في " الميزان " عن الدارقطني أنه متروك، وقال البخاري ومسلم وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو عروبة الحراني: يضع الحديث. وقال ابن عدي: عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه. ثم أورد له هذا الخبر. وشيخه فيه وهو أحوص بن حكيم ضعيف الحفظ، قال فيه ابن حجر في " لسان الميزان " 6 / 253: الإسناد إلى الاحوص واه جدا. (5) ابن عساكر 17 / 477 آ. (6) اسم موضع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 ضِيَاءٍ كَأَنَّهُ بَيَاضُ الشَّمْسِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُكَ اللَّيْلَةَ فِي هَيْئَةٍ. وَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ (1) . مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: حَدَّثَنِي المُثَنَّى بنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: لَبِثَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَسُبَّ شَيْئاً فِيْهِ الرُّوْحُ، وَلَبِثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ العِشَاءِ وَالصُّبْحِ وُضُوْءاً. قَالَ: وَقَالَ وَهْبٌ: لَقَدْ قَرَأْتُ ثَلاَثِيْنَ كِتَاباً نَزَلَتْ عَلَى ثَلاَثِيْنَ نَبِيّاً (2) . جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: صَحِبْتُ عَمِّي وَهْباً أَشْهُراً يُصَلِّي الغَدَاةَ بِوُضُوْءِ العِشَاءِ (1) . وَقَالَ سَلْمُ بنُ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصُ: عَنْ مُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، قَالَ: لَبِثَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لاَ يَرْقُدُ عَلَى فِرَاشٍ، وَعِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ وُضُوْءاً (3) . وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ وَهْباً إِذَا قَامَ فِي الوَتْرِ، قَالَ: لَكَ الحَمْدُ السَّرْمَدُ حَمْداً لاَ يُحْصِيْهِ العَدَدُ، وَلاَ يَقْطَعُهُ الأَبَدُ، كَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحْمَدَ، وَكَمَا أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ، وَكَمَا هُوَ لَكَ عَلَيْنَا حَقٌّ (4) . وَرَوَى: عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ وَهْبٌ يَحْفَظُ كَلاَمَهُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ سَلِمَ أَفْطَرَ، وَإِلاَّ طَوَى (4) . قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ: قَالَ الجَعْدُ بنُ دِرْهَمٍ: مَا كَلَّمْتُ عَالِماً قَطُّ إِلاَّ غَضِبَ، وَحَلَّ حَبْوَتَهُ غَيْرَ وَهْبٍ (4) . مَعْمَرٌ: عَنْ سِمَاكِ بنِ الفَضْلِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُرْوَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَمِيْرِ،   (1) ابن عساكر 17 / 477 ب. (2) ابن سعد 5 / 543 وابن عساكر 17 / 477 آ. (3) ابن عساكر 17 / 477 آ. (4) ابن عساكر 17 / 477 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 وَإِلَى جَنْبِهِ وَهْبٌ، فَجَاءَ قَوْمٌ، فَشَكَوْا عَامِلَهُم، وَذَكَرُوا مِنْهُ شَيْئاً قَبِيْحاً، فَتَنَاوَلَ وَهْبٌ عَصاً كَانَتْ فِي يَدِ عُرْوَةَ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ العَامِلِ حَتَّى سَالَ الدَّمُ. فَضَحِكَ عُرْوَةُ، وَاسْتَلْقَى، وَقَالَ: يَعِيْبُ عَلَيْنَا وَهْبٌ الغَضَبَ وَهُوَ يَغْضَبُ! قَالَ: وَمَا لِيَ لاَ أَغْضَبُ وَقَدْ غَضِبَ الَّذِي خَلَقَ الأَحْلاَمَ، يَقُوْلُ تَعَالَى: {فَلَمَّا آسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنْهُم (1) } [الزُّخْرُفُ: 55] . وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مَعْقِلٍ: قِيْلَ لِوَهْبٍ: إِنَّكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كُنْتَ تَرَى الرُّؤْيَا، فَتُحَدِّثُنَا بِهَا، فَتَكُوْنُ حَقّاً! قَالَ: هَيْهَاتَ، ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي مُنْذُ وَلِيْتُ القَضَاءَ (2) . وَعَنْ وَهْبٍ: الدَّرَاهِمُ خَوَاتِيْمُ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ ذَهَب بِخَاتَمِ اللهِ، قُضِيَتْ حَاجَتُهُ (3) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى وَهْبٍ دَارَهُ بِصَنْعَاءَ، فَأَطْعَمَنِي مِنْ جَوْزِةٍ فِي دَارِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ كَتَبْتَ فِي القَدَرِ كِتَاباً. فَقَالَ: وَأَنَا وَاللهِ (4) . أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَجَّ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ سَنَةَ مائَةٍ، فَحَجَّ وَهْبٌ، فَلَمَّا صَلُّوُا العِشَاءَ، أَتَاهُ نَفَرٌ فِيْهِم عَطَاءٌ وَالحَسَنُ، وَهُم يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُذَاكِرُوْهُ القَدَرَ. قَالَ: فَافْتَنَّ فِي بَابٍ مِنَ الحَمْدِ، فَمَا زَالَ فِيْهِ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَافْتَرَقُوا وَلَمْ يَسْأَلُوْهُ عَنْ شَيْءٍ (5) . قَالَ أَحْمَدُ: اتُّهِم بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَرَجَعَ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: رَجَعَ.   (1) ابن عساكر 17 / 477 ب. (2) المصدر السابق، وانظر الحلية 4 / 56. (3) ابن عساكر 17 / 482 آ، وانظر الحلية 4 / 53. (4) ابن عساكر 17 / 479 آ. (5) ابن عساكر 17 / 479 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ عِيْسَى بنِ سِنَانٍ، سَمِعْتُ وَهْباً يَقُوْلُ: كُنْتُ أَقُوْلُ بِالقَدَرِ، حَتَّى قَرَأْتُ بِضْعَةً وَسَبْعِيْنَ كِتَاباً مِنْ كُتُبِ الأَنْبِيَاءِ، فِي كُلِّهَا: مَنْ جَعَلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئاً مِنَ المَشِيْئَةِ فَقَدْ كَفَرَ، فَتَرَكْتُ قَوْلِي (1) . أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ، سَمِعْتُ وَهْباً يَقُوْلُ لِعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ: كَانَ العُلَمَاءُ قَبْلَنَا قَدِ اسْتَغْنَوْا بِعِلْمْهِم عَنْ دُنْيَا غَيْرِهِم، فَكَانُوا لاَ يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، وَكَانَ أَهْلُ الدُّنْيَا يَبْذُلُوْنَ دُنْيَاهُم فِي عِلْمِهِم، فَأَصْبَحَ أَهْلُ العِلْمِ يَبْذُلُوْنَ لأَهْلِ الدُّنْيَا عِلْمَهُم، رَغْبَةً فِي دُنْيَاهُم، وَأَصْبَحَ أَهْلُ الدُّنْيَا قَدْ زَهِدُوا فِي عِلْمِهِم لَمَّا رَأَوْا مِنْ سُوْءِ مَوْضِعِهِ عِنْدَهُم (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: احْفَظُوا عَنِّي ثَلاَثاً: إِيَّاكُم وَهَوَىً مُتَّبَعاً، وَقَرِيْنَ سُوْءٍ، وَإِعْجَابَ المَرْءِ بِنَفْسِهِ (3) . وَعَنْهُ: دَعْ المِرَاءَ وَالجَدَلَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَعْجُزَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَكَيْفَ تُعَادِي وَتُجَادِلُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟! وَرَجُلٌ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَكَيْفَ تُعَادِي وَتُجَادِلُ مَنْ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَلاَ يُطِيْعُكَ (4) ؟! أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلاَّمٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: العِلْمُ خَلِيْلُ المُؤْمِنِ، وَالحِلْمُ وَزِيْرُهُ، وَالعَقْلُ دَلِيْلُهُ، وَالعَمَلُ قَيِّمُهُ، وَالصَّبْرُ أَمِيْرُ جُنُوْدِهِ، وَالرِّفْقُ أَبُوْهُ، وَاللِّيْنُ أَخُوْهُ (5) . عَنْ وَهْبٍ: المُؤْمِنُ يَنْظُرُ لِيَعْلَمَ، وَيَتَكَلَّمُ لِيَفْهَمَ، وَيَسْكُتُ لِيَسْلَمَ، وَيَخْلُو لِيَغْنَمَ (6) .   (1) المصدر السابق، وانظر ابن سعد 5 / 543 والحلية 4 / 24. (2) ابن عساكر 17 / 480 آ، وفي الحلية 4 / 79 له تتمة. (3) الزهد لأحمد 374 وابن عساكر 17 / 480 آ. (4) ابن عساكر 17 / 470 آ. (5) ابن عساكر 17 / 480 آ، ب. (6) الحلية 4 / 68 وابن عساكر 17 / 480 ب، وانظر صفحة 551 من هذا الجزء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 الإِيْمَانُ عُرْيَانُ، وَلِبَاسُهُ التَّقْوَى، وَزِيْنَتُهُ الحَيَاءُ، وَمَالُهُ الفِقْهُ (1) . ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ أَصَابَ البِرَّ: السَّخَاءُ، وَالصَّبْرُ عَلَى الأَذَى، وَطِيْبُ الكَلاَمِ (1) . أَبُو اليَمَانِ: عَنْ عَبَّاسِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: قَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ: اسْتَكْثِرْ مِنَ الإِخْوَانِ مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْهُم، لَمْ يَضُرُّوْكَ، وَإِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهِم، نَفَعُوْكَ (2) . وَعَنْ وَهْبٍ: إِذَا سَمِعْتَ مَنْ يَمْدَحُكُ بِمَا لَيْسَ فِيْكَ، فَلاَ تَأْمَنْهُ أَنْ يَذُمَّكَ بِمَا لَيْسَ فِيْكَ (3) . ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، فَقَالَ: قَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ لاَ أُخَالِطَ النَّاسَ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، إِنَّهُ لاَ بُدَّ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ بُدَّ لَهُم مِنْكَ، وَلَهُم إِلَيْكَ حَوَائِجُ، وَلَكَ نَحْوُهَا، لَكِنْ كُنْ فِيْهِم أَصَمَّ، سَمِيْعاً، أَعْمَى، بَصِيْراً، سَكُوْتاً، نَطُوْقاً (4) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ (5) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رُسْتَه، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي   (1) ابن عساكر 17 / 480 ب. (2) ابن عساكر 17 / 480 ب، 481 آ. (3) ابن عساكر 17 / 481 ب، وانظر عيون الاخبار 1 / 275، 276. (4) ابن عساكر 17 / 481 آ، وانظر عيون الاخبار 3 / 21. ولقاء الناس ونصحهم وحثهم على فعل الخير والصبر على أذاهم أفضل من البعد عنهم، وذلك في نص الحديث الذي خرجه الترمذي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه عن ابن عمر: مرفوعا " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " وسنده قوي. (5) هو أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، تأتي ترجمته في المجلد العاشر 235 آمن الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 سِنَانٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ وَهْبٌ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، فَقَالَ لَهُ عَطَاءٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الَّذِي فَشَا عَنْكَ فِي القَدَرِ؟ فَقَالَ: مَا تَكَلَّمْتُ فِي القَدَرِ بِشَيْءٍ، وَلاَ أَعْرِفُ هَذَا، قَرَأْتُ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ كِتَاباً مِنْ كُتُبِ اللهِ، مِنْهَا سَبْعُوْنَ ظَاهِرَةٌ فِي الكَنَائِسِ، وَمِنْهَا عِشْرُوْنَ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ القَلِيْلُ، فَوَجَدْتُ فِيْهَا كُلِّهَا: أَنَّ مَنْ وَكَلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئاً مِنَ المَشِيْئَةِ، فَقَدْ كَفَرَ (1) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ وَهْباً يَقُوْلُ: رُبَّمَا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ بِوُضُوْءِ العَتَمَةِ (2) . وَعَنْ وَهبٍ، قَالَ: كَانَ نُوْحٌ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ أَجْمَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ يَلْبَسُ البُرْقُعَ، فَأَصَابَتْهُم مَجَاعَةٌ فِي السَّفِيْنَةِ، فَكَانَ نُوْحٌ إِذَا تَجَلَّى لَهُم بِوَجْهِهِ، شَبِعُوا (3) . وَعَنْ وَهْبٍ: أَنَّ عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ لِلْحَوَارِيِّيْنَ: أَشَدُّكُم جَزَعاً عَلَى المُصِيْبَةِ، أَشَدُّكُم حُبّاً لِلدُّنْيَا (3) . وَعَنْ وَهْبٍ، قَالَ: المُؤْمِنُ يُخَالِطُ لِيَعْلَمَ، وَيَسْكُتُ لِيَسْلَمَ، وَيَتَكَلَّمُ لِيَفْهَمَ، وَيَخْلُو لِيَغْنَمَ (4) . وَعَنْهُ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ: ابْنَ آدَمَ، لاَ خَيْر لَكَ فِي أَنْ تَعْلَمَ مَا لَمْ تَعْلَمْ وَلَمْ تَعْمَلْ بِمَا عَلِمْتَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَرَجُلٍ احْتَطَبَ حَطَباً، فَحَزَمَ حُزْمَةً، فَذَهَبَ يَحْمِلُهَا، فَعَجِزَ عَنْهَا، فَضَمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى (5) .   (1) الحلية 4 / 24، وانظر ابن سعد 5 / 543. (2) الحلية 4 / 66، 67. (3) الحلية 4 / 67. (4) انظره فقد تقدم ص 549 رقم (6) . (5) الحلية 4 / 71. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوْسَى اليَمَانِيِّ (1) ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَكَنَ البَادِيَةَ، جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ، غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ، افْتُتِنَ (2)) . أَبُو مُوْسَى: مَجْهُوْلٌ (3) . مُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ: قَالَ وَهْبٌ: طُوْبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عَيْبِ أَخِيْهِ، طُوْبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ للهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، طُوْبَى لِمَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالٍ جَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، طُوْبَى لأَهْلِ الضُّرِّ وَأَهْلِ المَسْكَنَةِ، طُوْبَى لِمَنْ جَالَسَ أَهْلَ العِلْمِ وَالحِلْمِ، طُوْبَى لِمَنِ اقْتَدَى بِأَهْلِ العِلْمِ وَالحِلْمِ وَالخَشْيَةِ، طُوْبَى لِمَنْ وَسِعَتْهُ السُّنَّةُ فَلَمْ يَعْدُهَا (4) . عَنْ وَهْبٍ: الأَحْمَقُ إِذَا تَكَلَّمَ، فَضَحَهُ حُمْقُهُ، وَإِذَا سَكَتَ، فَضَحَهُ عِيُّهُ، وَإِذَا عَمِلَ، أَفْسَدَ، وَإِذَا تَرَكَ، أَضَاعَ، لاَ عِلْمُهُ يُعِيْنُهُ، وَلاَ عِلْمُ غَيْرِهِ يَنْفَعُهُ، تَوَدُّ أُمُّهُ أَنَّهَا ثَكِلَتْهُ، وَامْرَأَتُهُ لَوْ عَدِمَتْهُ، وَيَتَمَنَّى جَارُهُ مِنْهُ الوَحْدَةَ، وَيَجِدُ جَلِيْسُهُ مِنْهُ الوَحْشَةَ.   (1) في الأصل: " الثمامي " وهو تصحيف وما أثبتناه من الحلية وميزان الاعتدال. (2) أخرجه أبو نعيم في الحلية 4 / 72، وهو في المسند 1 / 357 وسنن أبي داود (2859) والترمذي (2256) والنسائي (7 / 195، 196) باب اتباع الصيد كلهم من حديث سفيان عن أبي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس. وأبو موسى مجهول وباقي رجاله ثقات. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 371، وسنده حسن. (3) قال المؤلف في الميزان: شيخ يماني يجهل، وما روى عنه غير الثوري، ولعله إسرائيل ابن موسى، وإلا فهو مجهول. (4) ابن عساكر 17 / 483 ب، وما بين الحاصرتين منه، وأورده الامام أحمد في " الزهد " 371، 372 من طريق عمر بن أيوب عن جعفر عن وهب، وأبو نعيم في " الحلية " 4 / 67 من طريق إسماعيل بن سعيد الكسائي عن كثير بن هشام عن جعفر عن وهب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ (1) : حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ لِي صَدِيْقٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَمِرٍ ذُوْ خَوْلاَنَ، فَخَرَجْتُ مِنْ صَنْعَاءَ أُرِيْدُ قَرْيَتَهُ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا، وَجَدْتُ كِتَاباً مَخْتُوْماً إِلَى أَبِي شَمِرٍ، فَجِئْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ مَهْمُوْماً حَزِيْناً، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدِمَ رَسُوْلٌ مِنْ صَنْعَاءَ، فَذَكَرَ أَنَّ أَصْدِقَاءَ لِي كَتَبُوا لِي كِتَاباً، فَضَيَّعَهُ الرَّسُوْلُ. قُلْتُ: فَهَذَا الكِتَابُ. فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ. فَفَضَّهُ، فَقَرَأَهُ، فَقُلْتُ: أَقْرِئْنِيْهِ. فَقَالَ: إِنِّي لأَسْتَحْدِثُ سِنَّكَ. قُلْتُ: فَمَا فِيْهِ؟ قَالَ: ضَرْبُ الرِّقَابِ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ كَتَبَهُ إِلَيْكَ نَاسٌ حَرُوْرِيَّةٌ فِي زَكَاةِ مَالِكٍ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُهُم؟ قُلْتُ: إِنِّي وَأَصْحَاباً لِي نُجَالِسُ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ، فَيَقُوْلُ لَنَا: احْذَرُوا أَيُّهَا الأَحْدَاثُ الأَغْمَارُ هَؤُلاَءِ الحَرُوْرَاءَ، لاَ يُدْخِلُوْنَكُم فِي رَأْيِهِم المُخَالِفِ، فَإِنَّهُم عُرَّةٌ (2) لِهَذِهِ الأُمَّةِ. فَدَفَعَ إِلَيَّ الكِتَابَ، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنَّا نَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ، وَنُوْصِيْكَ بِتَقْوَاهُ، فَإِنَّ دِيْنَ اللهِ رُشْدٌ وَهُدَىً، وَإِنَّ دِيْنَ اللهِ طَاعَةُ اللهِ، وَمُخَالَفَةُ مَنْ خَالَفَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ، فَإِذَا جَاءكَ كِتَابُنَا، فَانْظُرْ أَنْ تُؤَدِّيَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ حَقِّهِ، تَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ وَلاَيَةِ اللهِ، وَوَلاَيَةَ أَوْلِيَائِهِ، وَالسَّلاَمُ. قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْهُم. قَالَ: فَكَيْفَ أَتَّبِعُ قَوْلَكَ، وَأَتْرُكُ قَوْلَ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْكَ؟! قُلْتُ: فَتُحِبُّ أَنْ أُدْخِلَكَ عَلَى وَهْبٍ حَتَّى تَسْمَعَ قَوْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَنَزَلنَا إِلَى صَنْعَاءَ، فَأَدْخَلْتُهُ عَلَى وَهْبٍ - وَمَسْعُوْدُ بنُ عَوْفٍ وَالٍ عَلَى اليَمَنِ مِنْ قِبَلِ عُرْوَةَ بنِ مُحَمَّدٍ - فَوَجَدْنَا عِنْدَ وَهْبٍ نَفَراً. فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّفَرِ: مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: لَهُ حَاجَةٌ. فَقَامَ القَوْمُ، فَقَالَ وَهْبٌ: مَا حَاجَتُكَ يَا ذَا خَوْلاَنَ؟ فَهَرَجَ (3) ، وَجَبُنَ، فَقَالَ لِي وَهْبٌ: عَبِّرْ عَنْهُ. قُلْتُ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ   (1) ابن عساكر 17 / 483 آ. (2) العرة: عذرة الناس، ويقال: فلان عرة أهله، أي شرهم. (3) هرج في الحديث: خلط فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 القُرْآنِ وَالصَّلاَحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسَرِيْرَتِهِ، فَأَخْبَرَنِي: أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ حَرُوْرَاءَ، فَقَالُوا لَهُ: زَكَاتُكَ الَّتِي تُؤَدِّيْهَا إِلَى الأُمَرَاءِ لاَ تُجْزِئُ عَنْكَ، لأَنَّهُم لاَ يَضَعُوْنَهَا فِي مَوَاضِعِهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْنَا، وَرَأَيْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنَّ كَلاَمَكَ أَشْفَى لَهُ مِنْ كَلاَمِي. فَقَالَ: يَا ذَا خَوْلاَنَ، أَتُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ بَعْدَ الكِبَرِ حَرُوْرِيّاً، تَشْهَدُ عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ بِالضَّلاَلَةِ؟! فَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ غَداً حِيْنَ يَقِفُكَ اللهُ وَمَنْ شَهِدْتَ عَلَيْهِ؟ فَاللهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالإِيْمَانِ، وَأَنْتَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالكُفْرِ، وَالله يَشْهَدُ لَهُ بِالهُدَى، وَأَنْتَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالضَّلاَلَةِ، فَأَيْنَ تَقَعُ إِذَا خَالَفَ رَأْيُكَ أَمْرَ اللهِ؟ وَشَهَادَتُكَ شَهَادَةَ اللهِ؟ أَخْبِرْنِي يَا ذَا خَوْلاَنَ، مَاذَا يَقُوْلُوْنَ لَكَ؟ فَتَكَلَّمَ عِنْد ذَلِكَ، وَقَالَ لِوَهْبٍ: إِنَّهُم يَأْمُرُوْنَنِي أَنْ لاَ أَتَصَدَّقَ إِلاَّ عَلَى مَنْ يَرَى رَأْيَهُم، وَلاَ أَسْتَغْفِرَ إِلاَّ لَهُ. فَقَالَ: صَدَقْتَ، هَذِهِ مِحْنَتُهُم الكَاذِبَةُ، فَأَمَّا قَوْلُهُم فِي الصَّدَقَةِ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا (1) ، أَفَإِنْسَانٌ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللهَ يُوَحِّدُهُ وَلاَ يُشْرِكُ بِهِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ جُوْعٍ أَوْ هِرَّةٌ؟! وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْناً وَيَتِيْماً وَأَسِيْراً} [الإِنْسَانُ: 8] الآيَاتُ. وَأَمَّا قَوْلُهُم: لاَ يُسْتَغْفَرُ إِلاَّ لِمَنْ يَرَى رَأْيَهُم، أَهُمْ خَيْرٌ أَمِ المَلاَئِكَةُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيَسْتَغْفِرُوْنَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشُّوْرَى: 5] ، فَوَاللهِ مَا فَعَلَتِ المَلاَئِكَةُ ذَلِكَ حَتَّى أُمِرُوا بِهِ: {لاَ يَسْبِقُوْنَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ} [الأَنْبِيَاءُ: 27] ، وَجَاءَ مُيَسَّراً: {وَيَسْتَغْفِرُوْنَ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا} [غَافِرُ: 7] . يَا ذَا خَوْلاَنَ، إِنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ صَدْرَ الإِسْلاَمِ، فَوَاللهِ مَا كَانَتِ الخَوَارِجُ   (1) حديث الهرة أخرجه البخاري 6 / 254 في بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، ومسلم (2242) في البر والصلة باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 جَمَاعَةً قَطُّ، إِلاَّ فَرَّقَهَا اللهُ عَلَى شَرِّ حَالاَتِهِم، وَمَا أَظْهَرَ أَحَدٌ مِنْهُم قَوْلَهُ، إِلاَّ ضَرَبَ اللهُ عُنُقَهُ، وَلَوْ مَكَّنَ اللهُ لَهُم مِنْ رَأْيِهِم، لَفَسَدَتِ الأَرْضُ، وَقُطِعَتِ السُّبُلُ وَالحَجُّ، وَلَعَادَ أَمْرُ الإِسْلاَمِ جَاهِلِيَّةً، وَإِذاً لَقَامَ (1) جَمَاعَةٌ كُلٌّ مِنْهُم يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ الخِلاَفَةَ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ، يُقَاتِلُ بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ بِالكُفْرِ، حَتَّى يُصْبِحَ المُؤْمِنُ خَائِفاً عَلَى نَفْسِهِ وَدِيْنِهِ وَدَمِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، لاَ يَدْرِي مَعَ مَنْ يَكُوْنُ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البَقَرَةُ: 251] ، وَقَالَ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمَنُوا} [غَافِرُ: 51] ، فَلَوْ كَانُوا مُؤْمِنِيْنَ لَنُصِرُوا، وَقَالَ: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُوْنَ} [الصَّافَّاتُ: 173] . أَلاَ يَسَعُكَ يَا ذَا خَوْلاَنَ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ مَا وَسِعَ نُوْحاً مِنْ عَبَدَةِ الأَصْنَامِ، إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُوْنَ} [الشُّعَرَاءُ: 111] . ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ ذُوْ خَوْلاَنَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أُنْظُرْ زَكَاتَكَ، فَأَدِّهَا إِلَى مَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَجَمَعَهُم عَلَيْهِ، فَإِنَّ المُلْكَ مِنَ اللهِ وَحْدِهِ وَبِيَدِهِ، يُؤْتِيْهِ مَنْ يَشَاءُ، فَإِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى وَالِي الأَمْرِ، بَرِئْتَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فَضْلٌ، فَصِلْ بِهِ أَرْحَامَكَ وَمَوَالِيْكَ وَجِيْرَانَكَ وَالضَّيْفَ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي نَزَلْتُ عَنْ رَأْيِ الحَرُوْرِيَّةِ (2) . وَفِي (العَقْلِ) لابْنِ المُحَبَّرِ (3) : ذِكْرُ صِفَاتٍ حَمِيْدَةٍ لِلْعَاقِلِ، نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ سَطْراً، فِيْهَا مائَةُ خَصْلَةٍ. وَعَنْ وَهْبٍ، قَالَ: احْتمَالُ الذُّلِّ خَيْرٌ مِنِ انْتِصَارٍ يَزِيْدُ صَاحِبَهُ قَمْأَةً (4) . وَقَدِ امْتُحِنَ وَهْبٌ، وَحُبِسَ، وَضُرِبَ: فَرَوَى حِبَّانُ بنُ زُهَيْرٍ العَدَوِيُّ، قَالَ:   (1) في الأصل: وإذا أقام جماعة. (2) أورده ابن عساكر مطولا 17 / 478 آ. (3) هو داود بن المحبر. انظر ما قيل فيه وفي كتابه، الميزان للمؤلف 2 / 20. (4) القمأة: الخصب والدعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 حَدَّثَنِي أَبُو الصَّيْدَاءِ (1) صَالِحُ بنُ طَرِيْفٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ (2) العِرَاقَ، بَكَيْتُ، وَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي ضَرَبَ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ حَتَّى قَتَلَهُ (3) . يَعْنِي: لَمَّا وَلِيَ إِمْرَةَ اليَمَنِ، ثُمَّ نَقَلَهُ الخَلِيْفَةُ هِشَامٌ إِلَى إِمْرَةِ العِرَاقِ، وَكَانَ جَبَّاراً، عَنِيْداً، مَهِيْباً، كَانَ سِمَاطُهُ بِالعِرَاقِ - فِيْمَا حَكَى المَدَائِنِيُّ - كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ مَائِدَةٍ، أَبْعَدُ المَوَائِدِ وَأَقْرَبُهَا سَوَاءٌ فِي الجُوْدَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ عُزِلَ عَنِ العِرَاقِ عِنْدَ مَقْتَلِ الوَلِيْدِ الفَاسِقِ، ثُمَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ - وَللهِ الحَمْدُ - فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (4) . قُلْتُ: لاَ شَيْءَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) لِوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ: أَنْبَأَنَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيْهِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: لَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيْثاً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِّي، إِلاَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ (5) ، وَشَبَابٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ إِدْرِيْسَ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ وَالِدُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. زَادَ عَبْدُ الصَّمَدِ: فِي المُحَرَّمِ.   (1) في الأصل: " أبو الصيد " وما أثبتناه من الكنى للدولابي 2 / 14 وتاريخ الطبري 6 / 559 و7 / 54 وما بعدها. (2) في الأصل: " عمى " تصحيف. (3) انظر الخبر مفصلا في " الكنى " للدولابي 2 / 14، وقد أورده ابن عساكر في تاريخه ناقصا 17 / 483 ب. (4) ستأتي ترجمة يوسف بن عمر في المجلد الخامس 136 ب، وما بين الحاصرتين استدركناه منه. (5) في الطبقات 5 / 543. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 وَقِيْلَ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. 220 - رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ بنِ جَرْوَلٍ الكِنْدِيُّ * (م، 4 خت) وَقِيْلَ: ابْنُ جَزْلٍ (1) . وَقِيْلَ: ابْنُ جَنْدَلٍ. الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوزِيْرُ العَادِلُ، أَبُو نَصْرٍ الكِنْدِيُّ، الأَزْدِيُّ - وَيُقَالُ: الفِلَسْطِيْنِيُّ - الفَقِيْهُ، مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ، وَلِجَدِّهِ جَرْوَلِ بنِ الأَحْنَفِ صُحْبَةٌ - فِيْمَا قِيْلَ -. حَدَّثَ رَجَاءٌ عَنْ: مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بن الصَّامِتِ، وَطَائِفَةٍ. أَرْسَلَ عَنْ: هَؤُلاَءِ، وَعَنْ غَيْرِهِم. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَأَبِيْهِ؛ حَيْوَةَ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَكْحُوْلٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَعُرْوَةُ بنُ رُوَيْمٍ، وَرَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 454، طبقات خليفة ت 2924، تاريخ البخاري 3 / 312، المعارف 472، المعرفة والتاريخ 2 / 329 و368، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 501، الحلية 5 / 170، طبقات الفقهاء للشيرازي 75، تاريخ ابن عساكر 6 / 116 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 190، وفيات الأعيان 2 / 301، تهذيب الكمال 411، تاريخ الإسلام 4 / 249، تذكرة الحفاظ 1 / 111، العبر 1 / 138، تذهيب التهذيب 1 / 223 آ، البداية والنهاية 9 / 304 تهذيب التهذيب 3 / 265، النجوم الزاهرة 1 / 271، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 45، خلاصة تذهيب التهذيب 117، شذرات الذهب 1 / 145، تهذيب ابن عساكر 5 / 315. (1) كذا الأصل وفي الاشتقاق 368، 562 (خنزل) وفي الإصابة في ترجمة جده جرول نقلا عن ابن عساكر (جنزل) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، فَاضِلاً، كَثِيْرَ العِلْمِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ مَكْحُوْلٌ: مَا زِلْتُ مُضْطَلِعاً عَلَى مَنْ نَاوَأَنِي (2) حَتَّى عَاوَنَهُم عَلَيَّ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ سَيِّدَ أَهْلِ الشَّامِ فِي أَنْفُسِهِم (3) . قُلْتُ: كَانَ مَا بَيْنَهُمَا فَاسِداً، وَمَا زَالَ الأَقْرَانُ يَنَالُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَمَكْحُوْلٌ وَرَجَاءٌ إِمَامَانِ، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فِي الآخَرِ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ (4) : كَانَ رَجَاءٌ قَدِمَ الكُوْفَةَ مَعَ بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ، فَسَمِعَ مِنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ. ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً أَفَضْلَ مِنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ (5) . وَقَالَ ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَقْتَدِيَ بِهِ مِنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ (6) . وَيُرْوَى عَنْ: رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ: مَنْ لَمْ يُؤَاخِ إِلاَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيْهِ، قَلَّ صَدِيْقُهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْ صَدِيْقِهِ إِلاَّ بِالإِخْلاَصِ لَهُ، دَامَ سَخَطُهُ، وَمَنْ عَاتَبَ إِخْوَانَهُ عَلَى كُلِّ ذَنْبٍ، كَثُرَ عَدُوُّهُ (7) .   (1) في الطبقات 7 / 454. (2) في الأصل: " ناداني " وما أثبتناه من ابن عساكر. (3) ابن عساكر 6 / 118 آ، وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 368 وقد ورد الخبر في ترجمة مكحول البصري في المجلد الخامس من الأصل 48 آ. (4) في المعرفة والتاريخ 2 / 368، 369. (5) الحلية 5 / 170 وابن عساكر 6 / 118 آ، وانظر المعرفة والتاريخ 2 / 371 ففيه بلفظ " أفقه " بدل " أفضل " وله تتمة. وكذا في طبقات الفقهاء للشيرازي 75. (6) ابن عساكر 6 / 118 آ، وفي المعرفة والتاريخ 2 / 371، 372 من طريق ضمرة عن رجاء عن نعيم بن سلامة قال:. (7) ابن عساكر 6 / 118 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 قَالَ رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ: وَقَفَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ فِي قِرَاءتِهِ، فَقَالَ لِرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ: أَلاَ فَتَحْتَ عَلَيَّ (1) ؟ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ إِذَا ذَكَرَ مَنْ يُعْجِبُهُ، ذَكَرَ رَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ (2) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ثَلاَثَةً مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُم: مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ بِالعِرَاقِ، وَالقَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ بِالحِجَازِ، وَرَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ بِالشَّامِ (3) . الأَنْصَارِيُّ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ يَأْتُوْنَ بِالحَدِيْثِ عَلَى المَعَانِي، وَكَانَ القَاسِمُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَرجَاءٌ يُعِيْدُوْنَ الحَدِيْثَ عَلَى حُرُوْفِهِ (4) . ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ يُجْرِي عَلَى رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ هِشَامٌ الخِلاَفَةَ، قَالَ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ. فَقَطَعَهَا، فَرَأَى هِشَامٌ أَبَاهُ فِي النَّوْمِ، فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَجْرَاهَا (5) . قُلْتُ: كَانَ فِي نَفْسِ هِشَامٍ مِنْهُ شَيْءٌ (6) ؛ لِكَوْنِهِ عَمِلَ عَلَى تَأْخِيْرِهِ وَقْتَ وَفَاةِ أَخِيْهِ سُلَيْمَانَ، وَعَقَدَ الخِلاَفَةَ لابْنِ عَمِّهِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ: نَظَرَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ إِلَى رَجُلٍ يَنْعُسُ بَعْدَ   (1) المصدر السابق يقال: فتح عليه، علمه وعرفه، ومنه الفتح على القارئ إذا أرتج عليه (تاج) (2) الحلية 5 / 170. (3) ابن عساكر 6 / 118 ب، وتاريخ الإسلام 4 / 249، وما بين الحاصرتين منهما، وانظر المعرفة والتاريخ 1 / 548 و2 / 368 والحلية 5 / 170. (4) ابن عساكر 6 / 119 آ، وانظر ابن سعد 7 / 454 والمعرفة والتاريخ 2 / 368. (5) ابن عساكر 6 / 119 آ، والمعرفة والتاريخ 2؟ ؟ / 370 بخلاف يسير. (6) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 الصُّبْحِ، فَقَالَ: انْتَبِهْ، لاَ يَظُنُّوْنَ أَنَّ ذَا عَنْ سَهَرٍ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ذَكْوَانَ، عَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً عَلَى بَابِ سُلَيْمَانَ، إِذْ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَرَهُ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا رَجَاءُ، إِنَّكَ قَدِ ابْتُلِيْتَ بِهَذَا، وَابْتُلِيَ بِكَ، وَفِي قُرْبِهِ الوَتَغُ (2) ، فَعَلَيْكَ بِالمَعْرُوْفِ وَعَوْنِ الضَّعِيْفِ، يَا رَجَاءُ، مَنْ كَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْ سُلْطَانٍ، فَرَفَعَ حَاجَةَ ضَعِيْفٍ لاَ يَسْتَطِيْعُ رَفْعَهَا، لَقِيَ اللهَ وَقَدْ شَدَّ قَدَمَيْهِ لِلْحِسَابِ بَيْنَ يَدَيْهِ (3) . قُلْتُ: كَانَ رَجَاءٌ كَبِيْرَ المَنْزِلَةِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَجْرَى اللهُ عَلَى يَدَيْهِ الخَيْرَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أُخِّرَ، فَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ. فَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قِيْلَ لِرَجَاءٍ: إِنَّكَ كُنْتَ تَأْتِي السُّلْطَانَ، فَتَرَكْتَهُم! فَقَالَ: يَكْفِيْنِي الَّذِي أَدَعُهُم لَهُ (4) . وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، فَكَانَ يَدْعُو بَعْدَ الصُّبْحِ بِدَعَوَاتٍ، فَغَابَ (5) ، فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ المُؤَذِّنِيْنَ، فَأَنْكَرَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا يَا أَبَا المِقْدَامِ. قَالَ: اسْكُتْ، فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَسْمَعَ الخَيْرَ إِلاَّ مِنْ أَهْلِهِ (6) .   (1) المعرفة والتاريخ 2 / 371، وابن عساكر 6 / 120 ب بخلاف يسير. (2) الوتغ: الهلاك. (3) ابن عساكر 6 / 119 ب، وأورده أبو نعيم في " الحلية " 5 / 171 بألفاظ مقاربة ولكن من طريق عبد الله بن بكر عن سالم بن نوح عن محمد بن ذكوان عن رجاء بن حيوة. (4) ابن عساكر 6 / 119 ب، وانظر تاريخ البخاري 3 / 312 والمعرفة والتاريخ 2 / 370 والحلية 5 / 171. (5) في الأصل: " فعات " وما أثبتناه من الحلية وابن عساكر. (6) ابن عساكر 6 / 120 آ، والحلية 5 / 172. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 قَالَ صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ القَارِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، فَتَذَاكَرْنَا شُكْرَ النِّعَمِ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ يَقُوْمُ بِشُكْرِ نِعْمَةٍ. وَخَلْفَنَا رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ كِسَاءٌ، فَقَالَ: وَلاَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَقُلْنَا: وَمَا ذِكْرُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هُنَا! وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَغَفَلْنَا عَنْهُ، فَالْتَفَتَ رَجَاءٌ، فَلَمْ يَرَهُ، فَقَالَ: أُتِيْتُم مِنْ صَاحِبِ الكِسَاءِ، فَإِنْ دُعِيْتُم فَاسْتُحْلِفْتُم، فَاحْلِفُوا. قَالَ: فَمَا عِلْمُنَا إِلاَّ بِحَرَسِيٍّ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: هِيْهِ يَا رَجَاءُ، يُذْكَرُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَلاَ تَحْتَجُّ لَهُ؟! قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُم شُكْرَ النِّعَمِ، فَقُلْتُم: مَا أَحَدٌ يَقُوْمُ بِشُكْرِ نِعْمَةٍ، قِيْلَ لَكُم: وَلاَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَقُلْتَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ. فَقُلْتُ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. قَالَ: آللهِ؟ قُلْتُ: آللهِ. قَالَ: فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ السَّاعِي، فَضُرِبَ سَبْعِيْنَ سَوْطاً، فَخَرَجْتُ وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِدَمِهِ، فَقَالَ: هَذَا وَأَنْتَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ؟ قُلْتُ: سَبْعِيْنَ سَوْطاً فِي ظَهْرِكَ، خَيْرٌ مِنْ دَمِ مُؤْمِنٍ. قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: فَكَانَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ يَقُوْلُ، وَيَتَلَفَّتُ: احْذَرُوا صَاحِبَ الكِسَاءِ (1) . قَالَ مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيْرُ السَّرَايَا: بِرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ وَبِأَمْثَالِهِ نُنْصَرُ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَدْرَكَ رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ مُعَاوِيَةَ، وَمَاتَ فِي أَوَّلِ إِمْرَةِ هِشَامٍ (3) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (4) : مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (1) ابن عساكر 6 / 120 آ، ب. (2) انظر ابن عساكر 6 / 117 ب. (3) ابن عساكر 6 / 120 ب. (4) في الطبقات 2 / 793 وتاريخه 343. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 221 - عُمَرُ بنُ هُبَيْرَةَ * بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ سُكَيْنٍ الفَزَارِيُّ الأَمِيْرُ، أَبُو المُثَنَّى الفَزَارِيُّ، الشَّامِيُّ، أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ، وَوَالِدُ أَمِيْرِهَا يَزِيْدَ. كَانَ يَنُوْبُ لِيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَعَزَلَهُ هِشَامٌ. وَقَدْ وُلِّيَ غَزْوَ البَحْرِ سَنَةَ سَبْعٍ، نَوْبَةَ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَجُمِعَتْ لَهُ العِرَاقُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ، ثُمَّ عُزِلَ بِخَالِدٍ القَسْرِيِّ، فَقَيَّدَهُ، وَأَلْبَسَهُ عَبَاءةً، وَسَجَنَهُ، فَتَحَيَّلَ غِلْمَانُهُ، وَنَقَبُوا سَرَباً أَخْرَجُوْهُ مِنْهُ، فَهَرَبَ، وَاسْتَجَارَ بِالأَمِيْرِ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَأَجَارَهُ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ تَقَرِيْباً. 222 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ ** (م، 4) اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَعَ جَدِّهِ يَوْم الجَمَلِ. وَرَوَى عَنْ: سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ، وَلِيَ خَرَاجَ العِرَاقِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ   (*) المعارف 408، مروج الذهب 4 / 37، تاريخ ابن عساكر 13 / 188 ب، تاريخ ابن الأثير 5 / 97، 98، 103، تاريخ الإسلام 4 / 176، خزانة الأدب 3 / 144. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 52، طبقات خليفة ت 2237، تاريخ البخاري 1 / 315، المعارف 232، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 124، تاريخ ابن عساكر 2 / 255 آ، تهذيب الكمال ص 63، تاريخ الإسلام 4 / 90، العبر 1 / 135، تذهيب التهذيب 1 / 41 آ، تهذيب التهذيب 1 / 153، خلاصة تذهيب التهذيب 21، شذرات الذهب 1 / 136، تهذيب ابن عساكر 2 / 260. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 المَلِكِ، فَوَعَظَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أَسَدُ قُرَيْشٍ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، فَصِيْحاً، صَارِماً، وَكَانَ أَعْرَجَ، مُوَثَّقاً. الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: وَلِيَ الحَجَّاجُ الحَرَمَيْنِ، فَبَالَغَ فِي إِجْلاَلِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثُمَّ أَخَذَه مَعَهُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدِمْتُ عَلَيْكَ بِرَجُلِ الحِجَازِ، لَمْ أَدَعْ لَهُ نَظِيْراً. فَأَذِنَ لَهُ، وَأَجْلَسَهُ عَلَى فُرُشِهِ، وَقَالَ: إِنَّ الحَجَّاجَ أَذْكَرَنَا فَضْلَكَ. قَالَ: فَنَصَحَهُ، وَذَكَرَ عَسْفَ الحَجَّاجِ، فَتَنَمَّرَ لَهُ، وَأَقَامَهُ، ثُمَّ بَعْدَ سَاعَةٍ خَرَجَ الحَجَّاجُ، فَاعْتَنَقَ إِبْرَاهِيْمَ، وَدَعَا لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَهْزَأُ بِي. ثُمَّ أُدْخِلْتُ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: لَعَلَّ - يَا ابْنَ طَلْحَةَ - شَارَكَكَ فِي نَصِيْحَتِكَ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُحَابِياً أَحَداً، لَحَابَيْتُ الحَجَّاجَ، لأَثَارَةٍ عِنْدِي، وَلَكِنْ آثَرْتُ اللهَ وَرَسُوْلَهُ. فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَأَزَلْتُهُ عَنِ الحَرَمَيْنِ، وَأَعْلَمْتُهُ أَنَّكَ اسْتَنْزَلْتَنِي عَنْهُمَا اسْتِصْغَاراً لَهُمَا، وَوَلَّيْتُهُ العِرَاقَيْنِ؛ لِمَا هُنَاكَ مِنَ الأُمُوْرِ، فَاخْرُجْ مَعَهُ (1) . تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيْمُ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، عَنْ نَحْوِ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مَوْتُهُ بِمِنَىً، زَمَنَ الحَجِّ. 223 - الحَسَنُ البَصْرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ * (4) هُوَ: الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسَنِ يَسَارٍ، أَبُو سَعِيْدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ   (1) أورده ابن عساكر في تاريخه مطولا 2 / 255 آ، ب. (*) طبقات ابن سعد 7 / 156، طبقات خليفة ت 1726، الزهد لأحمد 258، تاريخ البخاري 2 / 289، المعارف 440، المعرفة والتاريخ 2 / 32 و3 / 338، أخبار القضاة 2 / 3، ذيل المذيل 636، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الأول 40، الحلية 2 / 131، ذكر أخبار أصبهان 1 / 254، فهرست ابن النديم 202، طبقات الفقهاء للشيرازي 87، الحسن البصري = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 الأَنْصَارِيُّ. وَيُقَالُ: مَوْلَى أَبِي اليَسَرِ كَعْبِ بنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ. قَالَهُ: عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّرٍ، عَنْ غَاضِرَةَ بِنْتِ قَرْهَدٍ (1) العَوْفِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ أُمُّ الحَسَنِ مَوْلاَةً لأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ المَخْزُوْمِيَّةِ. وَيُقَالُ: كَانَ مَوْلَى جَمِيْلِ بنِ قُطْبَةَ (2) . وَيسَارٌ أَبُوْهُ: مِنْ سَبْيِ مَيْسَانَ (3) ، سَكَنَ المَدِيْنَةَ، وَأُعْتِقَ، وَتَزَوَّجَ بِهَا فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا الحَسَنُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ. وَاسْمُ أُمِّهِ: خَيْرَةُ. ثُمَّ نَشَأَ الحَسَنُ بِوَادِي القُرَى، وَحَضَرَ الجُمُعَةَ مَعَ عُثْمَانَ، وَسَمِعَهُ يَخْطُبُ، وَشَهِدَ يَوْمَ الدَّارِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ الحَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ: سُبِيَتْ أُمُّ الحَسَنِ البَصْرِيِّ مِنْ مَيْسَانَ، وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ، وَوَلَدَتْهُ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَالَ سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنِي أَبُو كَرِبٍ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيْرِيْنَ مَوْلَيَيْنِ لِعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، وَقَدِمَا البَصْرَةَ مَعَ أَنَسٍ. قُلْتُ: القَوْلاَنِ شَاذَّانِ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الشَّعَّابُ بِإِسْنَادٍ لَهُ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَبْعَثُ أُمَّ الحَسَنِ فِي الحَاجَةِ، فَيَبْكِي وَهُوَ طِفْلٌ، فَتُسْكِتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِثَدْيِهَا،   = لأبي الفرج بن الجوزي، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 161، وفيات الأعيان 2 / 69، تهذيب الكمال ص 256، تاريخ الإسلام 4 / 98، تذكرة الحفاظ 1 / 66، تذهيب التهذيب 1 / 133 آ، البداية والنهاية 9 / 266 و268، غاية النهاية ت 1074، تهذيب التهذيب 2 / 263، النجوم الزاهرة 1 / 267، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 28، خلاصة تذهيب التهذيب 77، طبقات المفسرين 1 / 147، شذرات الذهب 1 / 136. (1) كذا الأصل، وضبطه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 56: " فرهد " بالفاء. (2) انظر أخبار القضاة 2 / 4. (3) ميسان: كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط. انظر معجم البلدان. (4) وانظر أخبار القضاة 2 / 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 وَتُخْرِجُهُ إِلَى أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ صَغِيْرٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مُنْقَطِعَةً إِلَيْهَا، فَكَانُوا يَدْعُوْنَ لَهُ، فَأَخْرَجَتْهُ إِلَى عُمَرَ، فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ، وَحَبِّبْهُ إِلَى النَّاسِ (1) . قُلْتُ: إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ. يُوْنُسُ: عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرْضِعُ لأُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ المَدَائِنِيُّ: قَالَ الحَسَنُ: كَانَ أَبِي وَأُمِّي لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَسَاقَ أَبِي وَأُمِّي فِي مَهْرِهَا، فَأَعْتَقَتْنَا السَّلَمِيَّةُ (2) . يُوْنُسُ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ لِي الحَجَّاجُ: مَا أَمَدُكَ يَا حَسَنُ؟ قُلْتُ: سَنَتَانِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ (3) . وَكَانَ سَيِّدَ أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْماً وَعَمَلاً. قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ أَبِي يَقُوْلُ: الحَسَنُ شَيْخُ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ ثَدْيَ أُمِّ سَلَمَةَ دَرَّ عَلَيْهِ، وَرَضِعَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ (4) . رَأَى: عُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالكِبَارَ. وَرَوَى عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَجَابِرٍ، وَجُنْدُبٍ البَجَلِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَمْرِو بنِ تَغْلِبٍ، وَمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ سَرِيْعٍ، وَأَنَسٍ، وَخَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: حِطَّانَ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ. وَرَوَى عَنْ: خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ.   (1) أخبار القضاة 2 / 5. (2) انظر ابن سعد 7 / 156. (3) ابن سعد 7 / 157، والامد: أمدان، الأول عند ولادة الإنسان، والثاني عند موته. وقول الحجاج من الأول كما في التاج (أمد) . (4) انظر الخبر في الحلية 2 / 147. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَعَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ العَطَّارُ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَزْمٌ القُطَعِيُّ، وَسَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَشُمَيْطُ بنُ عَجْلاَنَ، وَصَالِحٌ أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وَعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ قَاضِي سِجِسْتَانَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الضَّالُّ (1) ، وَوَاصِلٌ أَبُو حَرَّةَ الرَّقَاشِيُّ، وَهِشَامُ بنُ زِيَادٍ، وَشَبِيْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَشْعَثُ بنُ بِرَازٍ، وَأَشْعَثُ بنُ جَابِرٍ الحُدَّانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَأَبُو الأَشْهَبِ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ. وَقَدْ رَوَى بِالإِرسَالِ عَنْ طَائِفَةٍ: كَعَلِيٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا، وَلاَ مِنْ أَبِي مُوْسَى، وَلاَ مِنِ ابْنِ سَرِيْعٍ، وَلاَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَلاَ مِنْ عَمْرِو بنِ تَغْلِبٍ، وَلاَ مِنْ عِمْرَانَ، وَلاَ مِنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَلاَ مِنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَلاَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ مِنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَلاَ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَلاَ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَلاَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ مِنْ جَابِرٍ، وَلاَ مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ. قَالَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يُعْرَفْ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ دَغْفَلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَلَمَةَ بنِ المُحَبِّقِ (2) ، وَلاَ مِنَ العَبَّاسِ، وَلاَ مِنْ أُبَيٍّ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: قُلْتُ لابْنِ المَدِيْنِيِّ: يُقَالُ عَنِ الحَسَنِ: أَخَذْتُ   (1) قال السمعاني في الأنساب: وليس هذا من الضلالة في الدين، وإنما سمي الضال لأنه ضل في طريق مكة، وكان من عقلاء أهل البصرة ومتقيهم وثقاتهم. (2) قال أبو محمد العسكري في كتاب التصحيف: المحبق بكسر الباء، وأصحاب الحديث يصحفون ويفتحون الباء. انظر التاج (حبق) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 بِحُجْزَةِ سَبْعِيْنَ بَدْرِيّاً. فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، أَحْصَيْتُ أَهْلَ بَدْرٍ الَّذِيْنَ يُرْوَى عَنْهُم، فَلَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِيْنَ، مِنْهُم مِنَ المُهَاجِرِيْنَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُوْنَ. وَقَالَ شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، عَنْهُ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ إِبْرِيْقٍ (1) . وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: أَحَادِيْثُهُ عَنْ سَمُرَةَ، سَمِعْنَا أَنَّهَا كِتَابٌ (2) . قُلْتُ: قَدْ صَحَّ سَمَاعُهُ فِي حَدِيْثِ العَقِيْقَةِ (3) ، وَفِي حَدِيْثِ النَّهْيِ عَنْ المُثْلَةِ مِنْ سَمُرَةَ (4) . وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا شَافَهَ الحَسَنُ بَدْرِيّاً بِحَدِيْثٍ (5) . قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ فِي أَحَادِيْثِ سَمُرَةَ رِوَايَةَ الحَسَنِ: سَمِعْنَا أَنَّهَا مِنْ كِتَابِ مَعْنٍ القَزَّازِ (2) . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: الوُضُوْءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ. فَقَالَ الحَسَنُ: لاَ أَدَعُهُ أَبَداً (6) .   (1) ابن سعد 7 / 157. (2) انظر ابن سعد 7 / 157 والمنتخب من ذيل المذيل 637. (3) حديث العقيقة أخرجه أحمد 5 / 7 و17 و22، وأبو داود (2838) والنسائي 7 / 166، والترمذي (1522) من طريق الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه " وإسناده صحيح فقد أخرج البخاري 9 / 512 من طريق عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة، فسألته فقال: من سمرة بن جندب. (4) حديث النهي عن المثلة أخرجه أبو داود (2667) من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن الهياج بن عمران، أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني لاسأل له، فأتيت سمرة بن جندب فسألته فقال: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة ". (5) انظر ابن سعد 7 / 159 والمعرفة والتاريخ 2 / 35. (6) ابن سعد 7 / 158. وقد صح من طريق جابر رضي الله عنه قوله: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما غيرت النار. وأخرجه أبو داود (192) والنسائي 1 / 108 وإسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: كَانَ مُوْسَى نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَغْتَسِلُ إِلاَّ مُسْتَتِراً. فَقَالَ لَهُ ابْنُ بُرَيْدَةَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) . قَالَ يُوْنُسُ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ: لَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (2) . هَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ فِي خُطْبَتِهِ - أُرَاهُ قَالَ -: اقْتُلُوا الكِلاَبَ وَالحَمَامَ. شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ: عَنِ الحَسَنِ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ جُمَعاً تِبَاعاً يَأْمُرُ بِذَبْحِ الحَمَامِ وَقَتْلِ الكِلاَبِ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَآخَرُ، عَنِ الحَسَنِ، بِمِثْلِهِ. بَهْزُ بنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ نَائِماً فِي المَسْجِدِ حَتَّى جَاءهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الحَصَى عَلَى جَنْبِهِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: خَرَجَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ، فَكَانَ بَيْنَهُم تَخْلِيْطٌ، فَتَرَامَوْا بِالحَصْبَاءِ. وَعَنْ أَبِي مُوْسَى، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَامَ يَخْطُبُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ كِتَابَ اللهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: اجْلِسْ، أَمَا لِكِتَابِ اللهِ مُنْشِدٌ غَيْرَكَ؟! قَالَ: فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ - أَوْ قَامَ رَجُلٌ غَيْرُهُ - فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، أَمَا لِكِتَابِ اللهِ مُنْشِدٌ غَيْرَكَ. فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشُّرَطَ لِيُجْلِسُوْهُ، فَقَامَ النَّاسُ، فَحَالُوا بَيْنَهُم وَبَيْنَهُ، ثُمَّ تَرَامَوْا بِالبَطْحَاءِ (3) حَتَّى يَقُوْلَ القَائِلُ: مَا أَكَادُ أَرَى السَّمَاءَ مِنَ البَطْحَاءِ.   (1) ابن سعد 7 / 158، وما بين الحاصرتين منه. (2) المصدر السابق وانظر المنتخب من ذيل المذيل 637. (3) البطحاء: التراب السهل اللين والحصى مما قد جرته السيول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 فَنَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، وَدَخَلَ دَارَهُ، وَلَمْ يُصَلِّ الجُمُعَةَ يَوْمَئِذٍ. مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيْلٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، قَالَ: خَرَجَ عُثْمَانُ، فَقَامَ يَخْطُبُ ... ، فَذَكَرَ بَعْضَ حَدِيْثِ أَبِي مُوْسَى. سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَوْماً يَخْطُبُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّا نَسْأَلُكَ كِتَابَ اللهِ ... ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. فَحَصَبُوْهُ، فَحَصَبُوا الَّذِيْنَ حَصَبُوْهُ، ثُمَّ تَحَاصَبُ القَوْمُ -وَاللهِ- فَأُنْزِلَ الشَّيْخُ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، مَا كَادَ أَنَّ يُقِيْمَ عُنُقَهُ حَتَّى أُدْخِلَ الدَّارَ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتُمْ بِأُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، عَسَى أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُ. قَالَ: فَجَاؤُوا بِأُمِّ حَبِيْبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فِي مِحَفَّةٍ (1) ، فَلَمَّا جَاؤُوا بِهَا إِلَى الدَّارِ، صَرَفُوا وَجْهَ البَغْلَةِ حَتَّى رَدُّوْهَا. حُرَيْثُ بنُ السَّائِبِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ، قَالَ: كُنْتُ أَدْخُلُ بُيُوْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ أَتَنَاوَلُ سَقْفَهَا بِيَدِي، وَأَنَا غُلاَمٌ مُحْتَلِمٌ يَوْمَئِذٍ (2) . ضَمْرَةُ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ: كُنْتُ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ الحَسَنُ: لَوْلاَ النِّسْيَانُ، كَانَ العِلْمُ كَثِيْراً. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ. جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ تَغْلِبٍ، مَرْفُوْعاً: (تُقَاتِلُوْنَ قَوْماً يَنْتَعِلُوْنَ الشَّعْرَ (3)) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا   (1) المحفة: مركب للنساء كالهودج إلا أنه لا قبة له. (2) انظر ابن سعد 7 / 161. (3) أخرجه أحمد 5 / 69، 70 وإسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى جَنْبِ خَشَبَةٍ؛ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، قَالَ: (ابْنُوا لِي مِنْبَراً لَهُ عَتَبَتَانِ) . فَلَمَّا قَامَ عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ، حَنَّتِ الخَشَبَةُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَأَنَا فِي المَسْجِدِ، فَسَمِعْتُ الخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِيْنَ الوَالِهِ، فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا، فَاحْتَضَنَهَا، فَسَكَنَتْ. وَكَانَ الحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ، بَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللهِ، الخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَوْقاً إِلَيْهِ، فَأَنْتُم أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ (1) ، مَا وَقَعَ لِي مِنْ رِوَايَةِ الحَسَنِ أَعْلَى مِنْهُ، سِوَى حَدِيْثٍ آخَرَ، سَأَسُوْقُهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، أَنْبَأَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدٌ الطَّرَائِفِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}   (1) رجاله ثقات، لكن مباركا عنعن. وأخرجه أحمد في المسند 3 / 226 من طريق هاشم عن المبارك عن الحسن. وحنين الجذع ثابت عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها حديث جابر عند البخاري 2 / 323، والنسائي 3 / 102، وحديث ابن عمر عند البخاري 6 / 331 و332، والترمذي (505) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 [الجَاثِيَةُ: 23] ، قَالَ: هُوَ المُنَافِقُ، لاَ يَهْوَى شَيْئاً إِلاَّ رَكِبَهُ (1) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الحُبَابِ الكَاتِبُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، وَأَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الإِبَرِيَّةُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، قَالَتَا: أَخْبَرَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَفَّارُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا حَزْمٌ القُطَعِيُّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (رَحِمَ اللهُ عَبْداً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ (2)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَامَ خَلْفَ المَقَامِ، فَصَلَّى، فَجَاءَ عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، فَجَلَسُوا إِلَيْهِ. هَذَا أَعْلَى مَا يَقَعُ لَنَا عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قِيْلَ لَهُ: فَفِي بَعْضِ الحَدِيْثِ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ! قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا رَبِيْعَةُ بنُ كُلْثُوْمٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: نَبَّأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثاً: الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالوِتْرُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، وَصِيَامُ ثَلاَثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (3) . رَبِيْعَةُ: صَدُوْقٌ، خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ.   (1) رجاله ثقات. (2) أخرجه ابن المبارك في الزهد 380 من طريق ابن لهيعة، قال: حدثني خالد بن أبي عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك لسانه طويلا ثم أرسله ثم قال: " أتخوف عليكم هذا، رحم الله عبدا قال خيرا وغنم، أو سكت عن سوء فسلم ". ورجاله ثقات لكنه معضل. وقد روي موصولا من حديث أبي أمامة. وقال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء 3 / 95: روى ابن أبي الدنيا في الصمت والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند فيه ضعف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن الحجازيين، فالحديث حسن بمجموع طرقه. وأخرجه أحمد في الزهد 277. (3) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 7 / 158 من طريق مسلم بن إبراهيم عن ربيعة بن = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ سَالِمٍ الخَيَّاطِ، سَمِعْتُ الحَسَنَ، وَابْنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلاَنِ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. سَالِمٌ: وَاهٍ. وَالحَسَنُ - مَعَ جَلاَلَتِهِ -: فَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَمَرَاسِيْلُهُ لَيْسَتْ بِذَاكَ، وَلَمْ يَطْلُبِ الحَدِيْثَ فِي صِبَاهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الجِهَادِ، وَصَارَ كَاتِباً لأَمِيْرِ خُرَاسَانَ الرَّبِيْعِ بنِ زِيَادٍ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: كَانَ الحَسَنُ يَغْزُو، وَكَانَ مُفْتِيَ البَصْرَةِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ، ثُمَّ جَاءَ الحَسَنُ، فَكَانَ يُفْتِي. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ الحَسَنُ -رَحِمَهُ اللهُ- جَامِعاً، عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، ثِقَةً، حُجَّةً، مَأْمُوْناً، عَابِداً، نَاسِكاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، فَصِيْحاً، جَمِيْلاً، وَسِيْماً، وَمَا أَرْسَلَهُ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. الأَصْمَعِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ زَنْداً أَعْرَضَ مِنْ زَنْدِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، كَانَ عَرْضُهُ شِبْراً. قُلْتُ: كَانَ رَجُلاً تَامَّ الشَّكْلِ، مَلِيْحَ الصُّوْرَةِ، بَهِيّاً، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ المَوْصُوْفِيْنَ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنِ الأَصْبَغِ بنِ زَيْدٍ، سَمِعَ العَوَّامَ بنَ حَوْشَبٍ، قَالَ: مَا أُشَبِّهُ الحَسَنَ إِلاَّ بِنَبِيٍّ. وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ (2) .   = كلثوم عن الحسن، وأخرجه أحمد 2 / 254 من طريق أسود بن عامر، عن جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قال: قال أبو هريرة. (1) في الطبقات 7 / 157 و158. (2) انظر ابن سعد 7 / 162 وأخبار القضاة 2 / 7. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: قَالَ لَنَا أَبُو قَتَادَةَ: الْزَمُوا هَذَا الشَّيْخَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ رَأْياً بِعُمَرَ مِنْهُ -يَعْنِي: الحَسَنَ (1) -. وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَلُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِيْنَا. وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ: لَمَّا ظَهَرَ الحَسَنُ، جَاءَ كَأَنَّمَا كَانَ فِي الآخِرَةِ، فَهُوَ يُخْبِرُ عَمَّا عَايَنَ (2) . مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ الَّذِي كَانَ أَسْوَدَ مِنَ الحَسَنِ. عَنْ أَمَةِ الحَكَمِ، قَالَتْ: كَانَ الحَسَنُ يَجِيْءُ إِلَى حِطَّانَ الرَّقَاشِيِّ، فَمَا رَأَيْتُ شَابّاً قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْهُ! وَعَنْ جُرْثُوْمَةَ (3) ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ (4) . أَبُو هِلاَلٍ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يُغَيِّرُ بِالصُّفْرَةِ. وَقَالَ عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا جَمَعْتُ عِلْمَ الحَسَنِ إِلَى أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، إِلاَّ وَجَدْتُ لَهُ فَضْلاً عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَتَبَ فِيْهِ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ، وَمَا جَالَسْتُ فَقِيْهاً قَطُّ، إِلاَّ رَأَيْتُ فَضْلَ الحَسَنِ. قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى الحَسَنِ ثَلاَثَ حِجَجٍ مَا يَسْأَلُهُ عَنِ المَسْأَلَةِ هَيْبَةً لَهُ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: قُلْتُ لِلأَشْعَثِ: قَدْ لَقِيْتَ عَطَاءً وَعِنْدَكَ مَسَائِلُ، أَفَلاَ سَأَلْتَهُ؟! قَالَ: مَا لَقِيْتُ أَحَداً بَعْدَ الحَسَنِ إِلاَّ صَغُرَ فِي عَيْنِي. وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ، فَجَاءَ خَبَرٌ بِمَوْتِ الحَسَنِ، فَقُلْتُ:   (1) ابن سعد 7 / 161 والمعرفة والتاريخ 2 / 47، 48 بنحوه. (2) انظر المعرفة والتاريخ 2 / 48. (3) هو جرثومة بن عبد الله أبو محمد النساج مولى بلال بن أبي بردة. (4) وانظر ابن سعد 7 / 160. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 لَقَدْ كَانَ غَمَسَ فِي العِلْمِ غَمْسَةً. قَالَ قَتَادَةُ: بَلْ نَبَتَ (1) فِيْهِ، وَتَحَقَّبَهُ (2) ، وَتَشَرَّبَهُ، وَاللهِ لاَ يُبْغِضُهُ إِلاَّ حَرُوْرِيٌّ (3) . مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يُقَالُ: مَا خَلَتِ الأَرْضُ قَطُّ مِنْ سَبْعَةِ رَهْطٍ، بِهِم يُسْقَوْنَ، وَبِهِم يُدْفَعُ عَنْهُم، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الحَسَنُ أَحَدَ السَّبْعَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَكْمَلَ مُرُوْءةً مِنَ الحَسَنِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ، وَيُوْنُسُ: مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْمَلَ مُرُوْءةً مِنَ الحَسَنِ. وَعَنْ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَغَيْرِهِم: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الحَسَنِ، وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَلَهُ مِثْلُ أَسْنَانِهِم، مَا تَقَدَّمُوْهُ (4) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ القِرَاءةِ عَلَى الجَنَازَةِ، قَالَ: مَا سَمِعْنَا وَلاَ عِلَمْنَا أَنَّهُ يُقْرَأُ عَلَيْهَا. قُلْتُ: إِنَّ الحَسَنَ يَقُوْلُ: يُقْرَأُ عَلَيْهَا (5) . قَالَ عَطَاءٌ: عَلَيْكَ بِذَاكَ، ذَاكَ إِمَامٌ ضَخْمٌ يُقْتَدَى بِهِ. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَقْرَبَ قَوْلاً مِنْ فِعْلٍ مِنَ الحَسَنِ (6) . أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى الحَسَنِ   (1) ابن سعد: " ثبت ". (2) ابن سعد: " تحقنه ". (3) ابن سعد 7 / 174. (4) وانظر ابن سعد 7 / 161. (5) وهو في الصحيح، فقد أخرج البخاري في صحيحه 3 / 164 عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها سنة. (6) وأورده ابن سعد 7 / 176 من طريق آخر عن عمارة بألفاظ مقاربة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 عَشْرَ سِنِيْنَ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ، فَلَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلاَّ أَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَمْ أَسْمَعْ قَبْلَ ذَلِكَ. مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ قَبَاءً مِثْلَ الذَّهَبِ يَتَأَلَّقُ. وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ يُوْنُسَ: كَانَ الحَسَنُ يَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ: قَبَاءً حِبَرَةً، وَطَيْلَسَاناً كُرْدِيّاً، وَعِمَامَةً سَوْدَاءَ، وَفِي الصِّيفِ: إِزَارَ كَتَّانٍ، وَقَمِيْصاً، وَبُرْداً حِبَرَةً. وَرَوَى: حَوْشَبٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: المُؤْمِنُ يُدَارِي دِيْنَهُ بِالثِّيَابِ. يُوْنُسُ: عَنِ الحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ رُؤُوْسِ العُلَمَاءِ فِي الفِتَنِ وَالدِّمَاءِ وَالفُرُوْجِ (1) . وَقَالَ عَوْفٌ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِطَرِيْقِ الجَنَّةِ مِنَ الحَسَنِ (2) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ حَازِمٍ، قَالَ: قَامَ الحَسَنُ مِنَ الجَامِعِ، فَاتَّبَعَهُ نَاسٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: إِنَّ خَفْقَ النِّعَالِ حَوْلَ الرِّجَالِ قَلَّمَا يُلْبِثُ الحَمْقَى (3) . وَرَوَى: حَوْشَبٌ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ، وَاللهِ إِنْ قَرَأْتَ القُرْآنَ ثُمَّ آمَنْتَ بِهِ، لَيَطُوْلَنَّ فِي الدُّنْيَا حُزْنُكَ، وَلَيَشْتَدَّنَّ فِي الدُّنْيَا خَوْفُكَ، وَلَيَكْثُرَنَّ فِي الدُّنْيَا بُكَاؤُكَ (4) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عِيْسَى اليَشْكُرِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَطْوَلَ حُزْناً مِنَ الحَسَنِ، مَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ حَسِبْتُهُ حَدِيْثَ عَهْدٍ بِمُصِيْبَةٍ (5) .   (1) أورده ابن سعد 7 / 163 بإسقاط " الفروج " وهي الثغور. (2) انظر المعرفة والتاريخ 2 / 50. (3) انظر ابن سعد 7 / 168 ويلبث: من اللبث، وهو المكث والتوقف. (4) الزهد لأحمد 259 والحلية 2 / 133، 134. (5) الزهد لأحمد 259 والحلية 2 / 133. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 الثَّوْرِيُّ: عَنْ عِمْرَانَ القَصِيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ الحَسَن عَنْ شَيْءٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الفُقَهَاءَ يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيْهاً بِعَيْنِكَ! إِنَّمَا الفَقِيْهُ: الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، البَصِيْرُ بِدِيْنِهِ (1) ، المُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ (2) . عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ صَفْوَانَ، قَالَ: لَقِيْتُ مَسْلَمَةَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: يَا خَالِدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ أَهْلِ البَصْرَةِ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أُخْبِرُكَ عَنْهُ بِعِلْمٍ، أَنَا جَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَلِيْسُهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَأَعْلَمُ مَنْ قِبَلِي بِهِ: أَشْبَهُ النَّاسِ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ، وَأَشْبَهُهُ قَوْلاً بِفِعْلٍ، إِنْ قَعَدَ عَلَى أَمْرٍ، قَامَ بِهِ، وَإِنْ قَامَ عَلَى أَمْرٍ، قَعَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِأَمْرٍ، كَانَ أَعْمَلَ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ، كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، رَأَيْتُهُ مُسْتَغْنِياً عَنِ النَّاسِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ مُحْتَاجِيْنَ إِلَيْهِ. قَالَ: حَسْبُكَ، كَيْفَ يَضِلُّ قَوْمٌ هَذَا فِيْهِم (3) ؟ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَحْلِفُ بِاللهِ: مَا أَعَزَّ أَحَدٌ الدِّرْهَمَ إِلاَّ أَذَلَّهُ اللهُ (4) . وَقَالَ حَزْمُ بنُ أَبِي حَزْمٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: بِئْسَ الرَّفِيْقَانِ: الدِّيْنَارُ وَالدِّرْهَمُ، لاَ يَنْفَعَانِكَ حَتَّى يُفَارِقَاكَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ: قَالَ الحَسَنُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدْتَ لَهُ أَصْلاً ثَابِتاً، مَا خَلاَ أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ.   (1) لفظ الامام أحمد في الزهد: " البصير بذنبه ". (2) الحلية 2 / 147 وانظر الزهد لأحمد 267 و279. (3) الحلية 2 / 147، 148، وأورده الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 51، 52 من طريق عبد الله بن بكير السهمى عن محمد بن ذكوان، ولفظه؟ ؟ "؟ ؟ كيف ضل قوم هذا فيهم - يعني اتباعهم ابن المهلب ". (4) الزهد لأحمد 270 والحلية 2 / 152. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الأَسْوَدُ، قَالَ: تَمَنَّى رَجُلٌ، فَقَالَ: لَيْتَنِي بِزُهْدِ الحَسَنِ، وَوَرَعِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعِبَادَةِ عَامِرِ بنِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَفِقْهِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَذِكْرِ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدُوْهُ كُلَّهُ كَامِلاً فِي الحَسَنِ (1) . عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنِ الفُضَيْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: أَنَا يَوْمَ الدَّارِ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، جَمَعْتُ القُرْآنَ، أَنْظُرُ إِلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. الفُضَيْلُ: لاَ يُعْرَفُ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيَّ يَقُوْلُ: حَفِظْتُ عَنِ الحَسَنِ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمَ فِي آخَرِيْنَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الحَسَنِ! وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ: قَالَ لَنَا أَبُو قَتَادَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ رَأْياً بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِنْهُ -يَعْنِي: الحَسَنَ (2) -. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ وَهُوَ نَائِمٌ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ سَلَّةٌ، فَجَذَبْنَاهَا، فَإِذَا خُبْزٌ وَفَاكِهَةٌ، فَجَعَلْنَا نَأْكُلُ، فَانْتَبَهَ، فَرَآنَا، فَسَرَّهُ، فَتَبَسَّمَ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَوْ صَدِيْقِكُم} لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم (3) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: كَانَ الحَسَنُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِ بِكَلاَمٍ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِم كَأَنَّهُ القَيْءُ.   (1) ابن سعد 7 / 165، ولفظه: " وذكر مطرفا بن الشخير بشيء لا يحفظه روح ". (2) ابن سعد 7 / 161 والمعرفة والتاريخ 2 / 47، 48، 51، وانظر الزهد لأحمد 267. (3) الآية: (أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) [النور: 61] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 وَقَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: كَانَ الحَسَنُ يَصُوْمُ: البِيْضَ، وَأَشْهُرَ الحُرُمِ، وَالاثْنَيْنَ، وَالخَمِيْسَ (1) . يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كُنَّا نُعَارِي (2) أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. غَالِبٌ القَطَّانُ: عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَفْقَهِ مَنْ رَأَيْنَا، فَلْيَنْظُرْ إِلَى الحَسَنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الحَسَنُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ (3) . رَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: لَمْ يَحُجَّ الحَسَنُ إِلاَّ حَجَّتَيْنِ، وَكَانَ يَكُوْنُ بِخُرَاسَانَ! وَكَانَ يُرَافِقُ مِثْلَ قَطَرِيِّ بنِ الفُجَاءةِ، وَالمُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ. قَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: كَانَ الحَسَنُ أَشْجَعَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنَ الحَسَنِ، وَالحَجَّاجِ. فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَا حُلِّيَتِ الجَنَّةُ لأُمَّةٍ مَا حُلِّيَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ لاَ تَرَى لَهَا عَاشِقاً. أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَمَ، تَرْكُ الخَطِيْئَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ مُعَالَجَةِ التَّوْبَةِ، مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ تَكُوْنَ أَصَبْتَ كَبِيْرَةً أُغْلِقَ دُوْنَهَا بَابُ التَّوْبَةِ، فَأَنْتَ فِي غَيْرِ مَعْمَلٍ (4) .   (1) الزهد لأحمد 269. (2) يقال: نحن نعاري: أي نركب الخيل أعراء. (3) ابن سعد 7 / 163. (4) أورد بعضه أحمد في الزهد 279. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: أَهِيْنُوا الدُّنْيَا، فَوَاللهِ لأَهْنَأُ مَا تَكُوْنُ إِذَا أَهَنْتَهَا (1) . وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ الحَسَنُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ، وَكَانَ المُهَلَّبُ إِذَا قَاتَلَ المُشْرِكِيْنَ، يُقَدِّمُهُ (2) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ (3) فِي (طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ) : كَانَ عَامَّةُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ النُّسَّاكِ يَأْتُوْنَ الحَسَنَ، وَيَسْمَعُوْنَ كَلاَمَهُ، وَيُذْعِنُوْنَ لَهُ بِالفِقْهِ فِي هَذِهِ المَعَانِي خَاصَّةً، وَكَانَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ مِنَ المُلاَزِمِيْنَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ خَاصٌّ فِي مَنْزِلِهِ، لاَ يَكَادُ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ إِلاَّ فِي مَعَانِي الزُّهْدِ وَالنُّسُكِ وَعُلُوْمِ البَاطِنِ، فَإِنْ سَأَلَهُ إِنْسَانٌ غَيْرَهَا، تَبَرَّمَ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا خَلَوْنَا مَعَ إِخْوَانِنَا نَتَذَاكَرُ. فَأَمَّا حَلْقَتُهُ فِي المَسْجِدِ، فَكَانَ يَمُرُّ فِيْهَا الحَدِيْثُ، وَالفِقْهُ، وَعِلْمُ القُرْآنِ وَاللُّغَةِ، وَسَائِرُ العُلُوْمِ، وَكَانَ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنِ التَّصَوُّفِ، فَيُجِيْبُ، وَكَانَ مِنْهُم مَنْ يَصْحَبُهُ لِلْحَدِيْثِ، وَكَانَ مِنْهُم مَنْ يَصْحَبُهُ لِلْقُرَآنِ وَالبَيَانِ، وَمِنْهُم مَنْ يَصْحَبُهُ لِلْبَلاَغَةِ، وَمِنْهُم مَنْ يَصْحَبُهُ لِلإِخْلاَصِ وَعِلْمِ الخُصُوْصِ، كَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ (4) ، وَأَبِي جَهِيْرٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ، وَصَالِحٍ المُرِّيِّ، وَشُمَيْطٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ النَّاجِيِّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ اشْتُهِرَ بِحَالٍ -يَعْنِي: فِي العِبَادَةِ-. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: كَذَبَ عَلَى الحَسَنِ ضَرْبَانِ مِنْ   (1) ابن سعد 7 / 168 ولفظه: " إذا أهنتموها "، والزهد لأحمد 282. (2) أورده الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 49 مطولا. (3) هو أحمد بن محمد بن زياد أبو سعيد بن الاعرابي البصري الصوفي المتوفى سنة 340 هـ. وكتابه هذا نقل عنه المؤلف في أكثر من موضع، انظر ترجمته في المجلد العاشر 100 آمن الأصل. (4) انظر ترجمته في المجلد الخامس 186 آمن الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 النَّاسِ، قَوْمٌ القَدَرُ رَأْيُهُم؛ لِيُنْفِقُوْهُ فِي النَّاسِ بِالحَسَنِ، وَقَوْمٌ فِي صُدُوْرِهِم شَنَآنٌ وَبُغْضٌ لِلْحَسَنِ، وَأَنَا نَازَلْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي القَدَرِ حَتَّى خَوَّفْتُهُ بِالسُّلْطَانِ، فَقَالَ: لاَ أَعُوْدُ فِيْهِ بَعْدَ اليَوْمِ، فَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَعِيْبَ الحَسَنَ إِلاَّ بِهِ، وَقَدْ أَدْرَكْتُ الحَسَنَ -وَاللهِ- وَمَا يَقُوْلُهُ (1) . قَالَ الحَمَّادَانِ: عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: مَا اسْتَخَفَّ الحَسَنَ شَيْءٌ مَا اسْتَخَفَّهُ القَدَرُ (2) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَنَّ أَيُّوْبَ، وَحُمَيْداً خَوَّفَا الحَسَنَ بِالسُّلْطَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: وَلاَ تَرَيَانِ ذَاكَ؟ قَالاَ: لاَ. قَالَ: لاَ أَعُوْدُ (3) . قَالَ حَمَّادٌ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَعِيْبَ الحَسَنَ إِلاَّ بِهِ. وَرَوَى: أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ الحَسَنَ تَكَلَّمَ فِي القَدَرِ. رَوَاهُ: مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، عَنْهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: رَجَعَ الحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ فِي القَدَرِ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: خَلَقَ اللهُ الشَّيْطَانَ، وَخَلَقَ الخَيْرَ، وَخَلَقَ الشَّرَّ. فَقَالَ رَجُلٌ: قَاتَلَهُمُ اللهُ، يَكْذِبُوْنَ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ. أَبُو الأَشْهَبِ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {وَحِيْلَ بَيْنَهُم وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُوْنَ} [سَبَأٌ: 54] ، قَالَ: حِيْلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإِيْمَانِ (4) . وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ القُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى الحَسَنِ، فَفَسَّرَهُ   (1) أورده الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 34 مجزءا، وانظر ابن سعد 7 / 167. (2) أخبار القضاة 2 / 13. (3) انظر ابن سعد 7 / 167. (4) المعرفة والتاريخ 2 / 40، وانظر 39 منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 لِي أَجْمَعَ عَلَى الإِثْبَاتِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوْبِ المُجْرِمِيْنَ} [الشُّعَرَاءُ: 200] ، قَالَ: الشِّرْكُ سَلَكَهُ اللهُ فِي قُلُوْبِهِم (1) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، قَالَ: سَأَلَ الرَّجُلُ الحَسَنَ، فَقَالَ: {وَلاَ يَزَالُوْنَ مُخْتَلِفِيْنَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هُوْدٌ: 118، 119] ؟ قَالَ: أَهْلُ رَحْمَتِهَ لاَ يَخْتَلِفُوْنَ، وَلِذَلِكَ خَلَقهُم، خَلَقَ هَؤُلاَءِ لِجَنَّتِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلاَءِ لِنَارِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، آدَمُ خُلِقَ لِلسَّمَاءِ أَمْ لِلأَرْضِ؟ قَالَ: لِلأَرْضِ خُلِقَ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، لأَنَّهُ خُلِقَ لِلأَرْضِ. فَقُلْتُ: {وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِيْنَ* إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيْمِ} [الصَّافَّاتُ: 162، 163] ؟ قَالَ: نَعَمْ، الشَّيَاطِيْنُ لاَ يُضِلُّوْنَ إِلاَّ مَنْ أَحَبَّ اللهُ لَهُ أَنْ يَصْلَى الجَحِيْمَ (2) . أَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ: دَخَلْتُ عَلَى الحَسَنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ جَمَّعَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَمَا جَمَّعْتَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنَعَنِي قَضَاءُ اللهِ (3) . مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: سَأَلْنَا الحَسَنَ عَنِ القُرْآنِ، فَفَسَّرَهُ كُلَّهُ عَلَى الإِثْبَاتِ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَنْ كَذَّبَ بِالقَدَرِ فَقَدْ كَفَرَ (4) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ الحَسَنُ القَضَاءَ، كَلَّمَنِي   (1) المعرفة والتاريخ 2 / 40. (2) المعرفة والتاريخ 2 / 41 وانظر 38، 39 منه. (3) المعرفة والتاريخ 2 / 36. (4) الزهد لأحمد 285، والمعرفة والتاريخ 2 / 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 رَجُلٌ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي مَالِ يَتِيْمٍ يُدْفَعُ إِلَيْهِ وَيَضُمُّهُ. فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. رَجَاءُ بنُ سَلَمَةَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ - وَقِيْلَ لَهُ فِي الحَسَنِ: وَمَا كَانَ يَنْحَلُ إِلَيْهِ أَهْلُ القَدَرِ؟ - قَالَ: كَانُوا يَأْتُوْنَ الشَّيْخَ بِكَلاَمٍ مُجْمَلٍ، لَوْ فَسَّرُوْهُ لَهُم، لَسَاءهُم (1) . ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: كَلَّمْتُ مَطَراً الوَرَّاقَ فِي بَيْعِ المَصَاحِفِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ حَبْرَا الأُمَّةِ، أَوْ فَقِيْهَا الأُمَّةِ لاَ يَرَيَانِ بِهِ بَأْساً: الحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ (2) . ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ مَطَرٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ نَعُوْدُهُ، فَمَا كَانَ فِي البَيْتِ شَيْءٌ، لاَ فِرَاشٌ، وَلاَ بِسَاطٌ، وَلاَ وِسَادَةٌ، وَلاَ حَصِيْرٌ، إِلاَّ سَرِيْرٌ مَرْمُوْلٌ هُوَ عَلَيْهِ (3) . عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وُلِّيَ وَهْبٌ القَضَاءَ زَمَنَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمْ يُحْمَدْ فَهْمُهُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ مَعْمَراً، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: وُلِّيَ الحَسَنُ القَضَاءَ زَمَن عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمْ يُحْمَدْ فَهْمُهُ (4) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ يَجْلِسُ إِلَى الحَسَنِ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَيَتَكَلَّمُ فِي الخُصُوْصِ حَتَّى نَسَبَتْهُ القَدَرِيَّةُ إِلَى الجَبْرِ، وَتَكَلَّمَ فِي الاكْتِسَابِ حَتَّى نَسَبَتْهُ السُّنَّةُ إِلَى القَدَرِ، كُلُّ ذَلِكَ لافْتِنَانِهِ، وَتَفَاوُتِ النَّاسِ   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 47 من طريق سعيد بن أسد عن ضمرة عن رجل عن ابن عون..وربما يكون الصواب: لو فسروه له. (2) المعرفة والتاريخ 2 / 48، ولفظه: " فقال: أتنهوني عن بيع المصحف وقد كان حبرا الأمة..". (3) المعرفة والتاريخ 2 / 48 والسرير المرمول: الذي نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. انظر اللسان (رمل) . (4) أورده الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 49 بألفاظ مقاربة، وانظر أخبار القضاة 2 / 7 و8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 عِنْدَهُ، وَتَفَاوُتِهِمْ فِي الأَخْذِ عَنْهُ، وَهُوَ بَرِيْءٌ مِنَ القَدَرِ، وَمِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ. قُلْتُ: وَقَدْ مَرَّ إِثْبَاتُ الحَسَنِ لِلأَقْدَارِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ، سِوَى حِكَايَةِ أَيُّوْبَ عَنْهُ، فَلَعَلَّهَا هَفْوَةٌ مِنْهُ، وَرَجَعَ عَنْهَا - وَللهِ الحَمْدُ -. كَمَا نَقَلَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بنُ إِهَابٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: الخَيْرُ بِقَدَرٍ، وَالشَّرُّ لَيْسَ بِقَدَرٍ. قُلْتُ: قَدْ رُمِيَ قَتَادَةُ بِالقَدَرِ. قَالَ غُنْدَرٌ: عَنْ شُعْبَةَ: رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ. وَقَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ طَيْلَسَاناً، كَأَنَّمَا يَجْرِي فِيْهِ المَاءُ، وَخَمِيْصَةً كَأَنَّهَا خَزٌّ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ الحَسَنُ يَرْوِي بِالمَعْنَى (1) . أَيُّوْبُ: قِيْلَ لابْنِ الأَشْعَثِ: إِنَّ سَرَّكَ أَنَّ يُقْتَلُوا حَوْلَكَ كَمَا قُتِلُوا حَوْلَ جَمَلِ عَائِشَةَ، فَأَخْرِجِ الحَسَنَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَكْرَهَهُ. قَالَ سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالُوا لابْنِ الأَشْعَثِ: أَخْرِجِ الحَسَنَ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بَيْنَ الجِسْرَيْنِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، فَغَفِلُوا عَنْهُ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي نَهْرٍ حَتَّى نَجَا مِنْهُم، وَكَادَ يَهْلِكُ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ القَاسِمُ الحُدَّانِيُّ: رَأَيْتُ الحَسَنَ قَاعِداً فِي أَصْلِ مِنْبَرِ ابْنِ الأَشْعَثِ (2) . هِشَامٌ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ العِلْمَ، فَلاَ يَلْبَثُ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ، وَزُهْدِهِ، وَلِسَانِهِ، وَبَصَرِهِ (3) .   (1) انظر ابن سعد 7 / 158. (2) ابن سعد 7 / 165. (3) أورده أحمد في " الزهد " 261 و285 بخلاف يسير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 حَمَّادٌ: سَمِعْتُ ثَابِتاً يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنْ تَصْنَعُوا بِي مَا صَنَعْتُمْ بِالحَسَنِ، حَدَّثْتُكُم أَحَادِيْثَ مُوْنِقَةً. ثُمَّ قَالَ: مَنَعُوْهُ القَائِلَةَ، مَنَعُوْهُ النَّوْمَ. حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: كَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ: اصْحَبِ النَّاسَ بِمَا شِئْتَ أَنْ تَصَحَبَهُمْ، فَإِنَّهُم سَيَصْحَبُوْنَكَ بِمِثْلِهِ. قَالَ أَيُّوْبُ: مَا وَجَدْتُ رِيْحَ مَرْقَةٍ طُبِخَتْ أَطْيَبَ مِنْ رِيْحِ قِدْرِ الحَسَنِ (1) . وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: قَلَّمَا دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ، إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْنَا قِدْراً يَفُوْحُ مِنْهَا رِيْحٌ طَيِّبَةٌ. مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ: شَهِدْتُ الحَسَنَ فِي جِنَازَةِ أَبِي رَجَاءٍ عَلَى بَغْلَةٍ، وَالفَرَزْدَقُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى بَعِيْرٍ، فَقَالَ لَهُ الفَرَزْدَقُ: قَدِ اسْتَشْرَفَنَا النَّاسُ، يَقُوْلُوْنَ: خَيْرُ النَّاسِ، وَشَرُّ النَّاسِ. قَالَ: يَا أَبَا فَرَاسٍ، كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ خَيْرٌ مِنِّي، وَكَمْ مِنْ شَيْخٍ مُشْرِكٍ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْهُ، مَا أَعْدَدْتَ لِلْمَوْتِ؟ قَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. قَالَ: إِنَّ مَعَهَا شُرُوْطاً، فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ المُحْصَنَةِ. قَالَ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ (2) . ضَمْرَةُ: عَنْ أَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: مَاتَ الحَسَنُ، وَتَرَكَ كُتُباً فِيْهَا عِلْمٌ. مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ الحُصَيْنِ البَاهِلِيُّ، قَالَ: بَعَثْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِكُتُبِ أَبِيْكَ. فَبَعَثَ إِلَيَّ: أَنَّهُ لَمَّا ثَقُلَ، قَالَ لِي: اجْمَعْهَا لِي، فَجَمَعْتُهَا لَهُ، وَمَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا، فَقَالَ لِلْخَادِمِ: اسْجُرِي التَّنُّوْرَ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَأُحْرِقَتْ غَيْرَ صَحِيْفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: ارْوِ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيْفَةِ. ثُمَّ لَقِيْتُهُ بَعْدُ، فَأَخْبَرَنِي بِهِ مُشَافَهَةً بِمِثْلِ مَا أَدَّى الرَّسُوْلُ (3) .   (1) ابن سعد 7 / 167. (2) انظر طبقات ابن سلام 335 والكامل للمبرد 1 / 119 وصفحة 255 من هذا الجزء. (3) ابن سعد 7 / 174، 175 والمنتخب من ذيل المذيل 639. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 وَعَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ فِي ذِكْرِ الثَّمَانِيَةِ مِنَ التَّابِعِيْنَ، قَالَ: وَأَمَّا الحَسَنُ، فَمَا رَأَيْنَا أَحَداً أَطْوَلَ حُزْناً مِنْهُ، مَا كُنَّا نَرَاهُ إِلاَّ حَدِيْثَ عَهْدٍ بِمُصِيْبَةٍ، ثُمَّ قَالَ: نَضْحَكُ وَلاَ نَدْرِي لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا. وَقَالَ: لاَ أَقْبَلُ مِنْكُم شَيْئاً، وَيَحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! هَلْ لَكَ بِمُحَارِبَةِ اللهِ -يَعْنِي: قُوَّةً-. وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاماً كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاماً يُمْسِي (1) أَحَدُهُمْ وَلاَ يَجِدُ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوْتاً، فَيَقُوْلُ: لاَ أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي. فَيَتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ، وَلَعَلَّهُ أَجْوَعُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ (2) . قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ الحَسَنَ، لَقُلْتَ: إِنَّكَ لَمْ تُجَالِسْ فَقِيْهاً قَطُّ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: مَا زَالَ الحَسَنُ يَعِي الحِكْمَةَ حَتَّى نَطَقَ بِهَا، وَكَانَ إِذَا ذُكِرَ الحَسَنُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي يُشْبِهُ كَلاَمُهُ كَلاَمَ الأَنْبِيَاءِ (3) . صَالِحٌ المُرِّيُّ: عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَمَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ بَعْضُكَ (4) . مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: فَضَحَ المَوْتُ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَتْرُكْ فِيْهَا لِذِي لُبٍّ فَرَحاً (5) . وَرَوَى: ثَابِتٌ، عَنْهُ، قَالَ: ضَحِكُ المُؤْمِنِ غَفْلَةٌ مِنْ قَلْبِهِ (6) .   (1) في الأصل: " يمشي " بالمعجمة وما أثبتناه من الحلية. (2) أورده أبو نعيم في الحلية 2 / 134 مطولا. (3) الحلية 2 / 147، وأورد الفسوي بعضه في " المعرفة والتاريخ " 2 / 45. (4) الحلية 2 / 148. (5) الحلية 2 / 149، وأورده أحمد في " الزهد " 258 من طريق آخر. (6) ابن سعد 7 / 170، والحلية 2 / 152، وأورد نحوه أحمد في " الزهد " 279. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ (1)) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عِصْمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ الخَزَّازُ (2) ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: خَرَجَ الحَسَنُ مِنْ عِنْدِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَإِذَا هُوَ بِالقُرَّاءِ عَلَى البَابِ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ هَا هُنَا، تُرِيْدُوْنَ الدُّخُوْلَ عَلَى هَؤُلاَءِ الخُبَثَاءِ، أَمَا وَاللهِ مَا مُجَالَسَتُهُمْ مُجَالَسَةُ الأَبرَارِ، تَفَرَّقُوا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أَرْوَاحِكُم وَأَجَسَادِكُم، قَدْ فَرْطَحْتُم (3) نِعَالَكُم، وَشَمَّرْتُم ثِيَابَكُم، وَجَزَزْتُم شُعُوْرَكُم، فَضَحْتُمُ القُرَّاءَ، فَضَحَكُمُ اللهُ، وَاللهِ لَوْ زَهِدْتُم فِيْمَا عِنْدَهُم، لَرَغِبُوا فِيْمَا عِنْدَكُم، وَلَكِنَّكُم رَغِبْتُم فِيْمَا عِنْدَهُم، فَزَهِدُوا فِيْكُم، أَبْعَدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَ. وَعَنِ الحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَم، السِّكِّيْنُ تُحَدُّ، وَالكَبْشُ يُعْلَفُ، وَالتَّنُّوْرُ يُسْجَرُ (4) . ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: المُؤْمِنُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا قَالَ اللهُ كَمَا قَالَ، وَالمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلاً، وَأَشَدُّ النَّاسِ وَجَلاً، فَلَو أَنْفَقَ جَبَلاً مِنْ مَالٍ، مَا أَمِنَ دُوْنَ أَنْ يُعَايِنَ، لاَ يَزْدَادُ صَلاَحاً وَبِرّاً إِلاَّ ازْدَادَ فَرَقاً، وَالمُنَافِقُ يَقُوْلُ: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وَسَيُغْفَرُ لِي، وَلاَ بَأْسَ عَلَيَّ، فَيُسِيْءُ العَمَلَ، وَيَتَمَنَّى عَلَى اللهِ (5) . الطَّيَالِسِيُّ فِي (المُسْنَدِ (6)) الَّذِي سَمِعْنَاهُ: حَدَّثَنَا جَسْرٌ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ الْتِمَاسَ وَجْهِ اللهِ، غُفِرَ لَهُ) .   (1) 2 / 150، 151. (2) في الحلية: " الحراني " وهو تصحيف. انظر ترجمته في الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 20. (3) كل شيء عرضته فقد فرطحته. (4) الحلية 2 / 152 والزهد لأحمد 270. (5) الحلية 2 / 153 ولفظه: " فينسئ العمل ". (6) 2 / 23، وجسر ضعيف، والحسن مدلس وقد عنعن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 رَوَاهُ: يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الحَسَنِ. خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ، عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ الحَسَنَ الوَفَاةُ، جَعَلَ يَسْتَرْجِعُ، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ، قَدْ غَمَمْتَنَا، فَهَلْ رَأَيْتَ شَيْئاً؟ قَالَ: هِيَ نَفْسِي، لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهَا. قَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَشِيَّةَ يَوْمِ الخَمِيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: مَاتَ الحَسَنُ. فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَأَمْسَكَ عَنِ الكَلاَمِ، فَمَا تَكَلَّمَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَمْسَكَ القَوْمُ عَنْهُ مِمَّا رَأَوْا مِنْ وَجْدِهِ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا عَاشَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ بَعْدَ الحَسَنِ إِلاَّ مائَةَ يَوْمٍ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: مَاتَ الحَسَنُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ: إِنَّ أَبَاهُ عَاشَ نَحْواً مِنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً، صَلَّوْا عَلَيْهِ عَقِيْبَ الجُمُعَةِ بِالبَصْرَةِ، فَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، حَتَّى إِنَّ صَلاَةَ العَصْرِ لَمْ تُقَمْ فِي الجَامِعِ. وَيُرْوَى: أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ إِفَاقَةً، فَقَالَ: لَقَدْ نَبَّهْتُمُوْنِي مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُوْنٍ، وَمَقَامٍ كَرِيْمٍ. قُلْتُ: اخْتَلَفَ النُّقَّادُ فِي الاحْتِجَاجِ بِنُسْخَةِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهِيَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، فَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ سَمُرَةَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيْثَ العَقِيْقَةِ (1) . وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ، عَنْ هَيَّاجِ بنِ   (1) انظر تخريج حديث العقيقة ص 567 حاشية (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 عِمْرَانَ البُرْجُمِيِّ: أَنَّ غُلاَماً لَهُ أَبَقَ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ إِنْ قَدِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَلَمَّا قَدِرَ عَلَيْهِ، بَعَثَنِي إِلَى عِمْرَانَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ المُثْلَةِ، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ غُلاَمِهِ. قَالَ: وَبَعَثنِي إِلَى سَمُرَةَ، فَقَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ المُثْلَةِ، لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ غُلاَمِهِ. قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا أَعْرَضَ أَهْلُ الصَّحِيْحِ عَنْ كَثِيْرٍ مِمَّا يَقُوْلُ فِيْهِ الحَسَنُ عَنْ فُلاَنٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ لُقِيُّهُ فِيْهِ لِفُلاَنٍ المُعَيَّنِ، لأَنَّ الحَسَنَ مَعْرُوْفٌ بِالتَّدْلِيْسِ، وَيُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، فَيَبْقَى فِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّنَا وَإِنْ ثَبَّتْنَا سَمَاعَهُ مِنْ سَمُرَةَ، يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ لَمْ يَسْمَعْ فِيْهِ غَالِبَ النُّسْخَةِ الَّتِي عَنْ سَمُرَةَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 224 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ يَسَارٍ البَصْرِيُّ * (ع) أَخُو الحَسَنِ البَصْرِيِّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ (1) . حَدَّثَ عَنْ: أُمِّهِ؛ خَيْرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَى عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 178، طبقات خليفة ت 1727، الزهد لأحمد 287، تاريخ البخاري 3 / 462، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 72، تهذيب الكمال ص 486، تاريخ الإسلام 4 / 7 و119، تذهيب التهذيب 2 / 15 ب، تهذيب التهذيب 4 / 16، خلاصة تذهيب التهذيب 137. (1) في الأصل الذي اعتمدناه، خرم يبدأ من هنا إلى آخر المجلد، وقد اعتمدنا النسخة الثانية لأحمد الثالث لاكمال هذا الخرم، وهي لا ترقى إلى الأصل الذي اعتمدناه من حيث الضبط وسلامة النص. فلذا اضطررنا إلى مقابلة النصوص جميعها على المصادر التي نقل عنها المؤلف ما وجدنا إلى ذلك سبيلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَزِنَ عَلَيْهِ أَخُوْهُ، وَبَكَى. قِيْلَ: مَاتَ قَبْلَهُ بِعَامٍ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ مائَةٍ، وَكَانَ يُسَمَّى رَاهِباً لِدِيْنِهِ (1) -رَحِمَهُ اللهُ-. حَدِيْثُهُ فِي الدَّوَاوِيْنِ كُلِّهَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 225 - الأَخْطَلُ غِيَاثُ بنُ غَوْثٍ التَّغْلِبِيُّ النَّصْرَانِيُّ * شَاعِرُ زَمَانِهِ، وَاسْمُهُ: غِيَاثُ بنُ غَوْثٍ التَّغْلِبِيُّ، النَّصْرَانِيُّ. قِيْلَ لِلْفَرَزْدَقِ: مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟ قَالَ: كَفَاكَ بِي إِذَا افْتَخَرْتُ، وَبِجَرِيْرٍ إِذَا هَجَا، وَبِابْنِ النَّصْرَانِيَّةِ إِذَا امْتَدَحَ. وَكَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ يُجْزِلُ عَطَاءَ الأَخْطَلِ، وَيُفَضِّلُهُ فِي الشِّعْرِ عَلَى غَيْرِهِ. وَلِلأُخَيْطِلِ (2) : وَالنَّاسُ هَمُّهُمُ الحَيَاةُ، وَلاَ أَرَى ... طُوْلَ الحَيَاةِ يَزِيْدُ غَيْرَ خَبَالِ وَإِذَا افْتَقَرْتَ إِلَى الذَّخَائِرِ لَمْ تَجِدْ ... ذُخْراً يَكُوْنُ كَصَالِحِ الأَعْمَالِ (3) وَقِيْلَ: إِنَّ الأَخْطَلَ قَيَّدَهُ الأُسْقُفُّ، وَأَهَانَهُ، فَلِيْمَ فِي صَبْرِهِ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ الدِّيْنُ، إِنَّهُ الدِّيْنُ (4) . وَقَدْ حَصَّلَ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَاتَ قَبْلَ الفَرَزْدَقِ بِسَنَوَاتٍ.   (1) في الأصل:: راهب المدينة، والراهب: المتعبد، هو من الرهبة، الخوف. (*) طبقات ابن سلام 1 / 451، الشعر والشعراء 393، الاغاني 7 / 169، سمط اللآلي 44، تاريخ ابن عساكر 14 / 73 آ، تاريخ الإسلام 3 / 337، شرح شواهد المغني 46، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 1 / 459. (2) في الأصل " للاخطيل " وهو تحريف. (3) البيتان في ديوانه 248 وتاريخ الإسلام 3 / 337. وعزاهما الطبري في تاريخه 6 / 186 لابن مقبل، وأورد الثاني منهما ابن سلام في طبقاته 1 / 493 وكذا أبو الفرج في أغانيه ط دار الكتب 8 / 310 وابن عساكر 14 / 73 ب، 77 آ. وعزاه المبرد في " الكامل " 2 / 14 للخليل بن أحمد. والمرجح أنهما من قصيدة للاخطل. (4) انظر الخبر مفصلا في طبقات ابن سلام 1 / 490. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 226 - الفَرَزْدَقُ أَبُو فِرَاسٍ هَمَّامُ بنُ غَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ * شَاعِرُ عَصْرِهِ، أَبُو فِرَاسٍ هَمَّامُ بنُ غَالِبِ بنِ صَعْصَعَةَ بنِ نَاجِيَةَ التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ. أَرْسَلَ عَنْ: عَلِيٍّ. وَيَرْوِي عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالحُسَيْنِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: الكُمَيْتُ، وَمَرْوَانُ الأَصْفَرُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَأَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ، وَالصَّعِقُ بنُ ثَابِتٍ، وَابْنُهُ؛ لَبَطَةُ (1) ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَعْيَنُ بنُ لَبَطَةَ. وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ، وَعَلَى سُلَيْمَانَ، وَمَدَحَهُمَا. وَنَظْمُهُ فِي الذِّرْوَةِ. كَانَ وَجْهُهُ كَالفَرَزْدَقِ، وَهِيَ الطُّلْمَةُ (2) الكَبِيْرَةُ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ، فَكَانَ أَشْعَرَ أَهْلِ زَمَانِهِ مَعَ جَرِيْرٍ وَالأَخْطَلِ النَّصْرَانِيِّ. وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ مِنَ الأَعْيَانِ مَعَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ - فِي قَوْلٍ - وَجَرِيْرُ بنُ الخَطَفَى التَّمِيْمِيُّ الشَّاعِرُ، وَنُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ الأَشْجَعِيُّ الكُوْفِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ. 227 - جَرِيْرٌ أَبُو حَزْرَةَ بنُ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفَى التَّمِيْمِيُّ ** شَاعِرُ زَمَانِهِ، أَبُو حَزْرَةَ جَرِيْرُ بنُ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفَى التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ.   (*) طبقات ابن سلام 1 / 299، الشعر والشعراء 381، الاغاني 8 / 186 و19 / 3، معجم المرزباني 465، المبهج 50، سمط اللآلي 44، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثاني 280، وفيات الأعيان 6 / 86، تاريخ الإسلام 4 / 178، مرآة الجنان 1 / 238، سرح العيون 389 و464، البداية والنهاية 9 / 265، النجوم الزاهرة 1 / 268، شذرات الذهب 1 / 141، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 1 / 217. (1) لبطة: من قولهم تلابط القوم بالسيوف إذا تضاربوا. (الاشتقاق) 240. (2) في الأصل: " الظلمة " بالمعجمة تصحيف، وهي الخبزة، ولفظ المؤلف في تاريخه: " وهو الرغيف الضخم ". (* *) طبقات ابن سلام 1 / 374، الشعر والشعراء 374، الاغاني 7 / 38، سمط اللآلي = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 مَدَحَ يَزِيْدَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَخُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَشِعْرُهُ مُدَوَّنٌ. عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيْراً وَمَا تُضَمُّ شَفَتَاهُ مِنَ التَّسْبِيْحِ. قُلْتُ: هَذَا حَالُكَ وَتَقْذِفُ المُحْصنَاتِ! فَقَالَ: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هُوْدٌ: 115] وَعْدٌ مِنَ اللهِ حَقٌّ. وَعَنْ بَشَّارٍ الأَعْمَى، قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ أَجْمَعُوا عَلَى جَرِيْرٍ وَالفَرَزْدَقِ وَالأَخْطَلِ النَّصْرَانِيِّ. قُلْتُ: فَضَّلَ جَرِيْراً عَلَى الفَرَزْدَقِ جَمَاعَةٌ. وَرَوَى يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ: أَنَّ الفَرَزْدَقَ قَالَ لامْرَأَتِهِ نَوَارٍ: أَنَا أَشْعَرُ أَمِ ابْنُ المَرَاغَةِ؟ قَالَتْ: غَلَبَكَ عَلَى حُلْوِهِ، وَشَرِكَكَ فِي مُرِّهِ. وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: ذَهَبَ الفَرَزْدَقُ بِالفَخَارِ، وَإِنَّمَا ... حُلْوُ القَرِيْضِ وَمُرُّهُ لِجَرِيْرِ وَقِيْلَ: كَانَ جَرِيْرٌ عَفِيْفاً، مُنِيْباً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ عَشْرٍ بَعْدَ الفَرَزْدَقِ بِشَهْرٍ، وَتَرْجَمَتُهُ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (1)) فِي كُرَّاسَيْنِ. 228 - بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ المَدَنِيُّ * (ع) مَدَنِيٌّ، إِمَامٌ، ثِقَةٌ، مِنْ مَوَالِي الأَنْصَارِ، وَمَا هُوَ بِأَخِي عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَلاَ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ.   = 292، شرح المقامات الحريرية 2 / 349، وفيات الأعيان 1 / 321، تاريخ الإسلام 4 / 95، مرآة الجنان 1 / 235، البداية والنهاية 9 / 260 النجوم الزاهرة 1 / 269، شرح شواهد المغني 1 / 45، شذرات الذهب 1 / 140، خزانة الأدب 1 / 36. (1) يبدو أن ترجمة جرير تقع في القسم المفقود ما بين " جبريل - جعونة " من تاريخ ابن عساكر. (*) طبقات ابن سعد 5 / 303، طبقات خليفة ت 2155، 2225، تاريخ البخاري 2 / 132، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 394، تهذيب الأسماء واللغات القسم = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ فَقِيْهاً، أَدْرَكَ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ. قُلْتُ: رَوَى عَنْ: سُوَيْدِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَيَّصَةَ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَسَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ. لَهُ: أَحَادِيْثُ. رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَالوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ (2) وَمائَةٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 229 - بُسْرُ (3) بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ (ع) الفَقِيْهُ، شَامِيٌّ، جَلِيْلٌ، ثِقَةٌ. يَرْوِي عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَرُوَيْفِعٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَابْنُ زَبْرٍ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: هُوَ أَحْفَظُ أَصْحَابِ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ. قُلْتُ: عَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ. تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.   = الأول من الجزء الأول 134، تهذيب الكمال ص 157، تاريخ الإسلام 4 / 93، العبر 1 / 123، تذهيب التهذيب 1 / 87 آ، تهذيب التهذيب 1 / 472، خلاصة تذهيب التهذيب 51. (1) في الطبقات 5 / 303. (2) وفي العبر ذكره المؤلف مع من توفي بعد المئة. (3) في الأصل " بشر " بالمعجمة تصحيف. (*) تاريخ البخاري 2 / 124، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 423، تهذيب الكمال ص 146، تاريخ الإسلام 4 / 93، تذهيب التهذيب 1 / 82 ب، تهذيب التهذيب 1 / 438. خلاصة تذهيب التهذيب 47. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 230 - الأَحْوَصُ الشَّاعِرُ * أَبُو عَاصِمٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ ... ابْنِ ثَابِتِ بن أَبِي الأَقْلَحِ الأَنْصَارِيُّ، الَّذِي نَفَاهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى جَزِيْرَةِ دَهْلَكَ (1) ؛ لِكَثْرَةِ هَجْوِهِ. وَقِيْلَ: نَفَاهُ سُلَيْمَانُ الخَلِيْفَةُ؛ لِكَوْنِهِ شَبَّبَ بِعَاتِكَةَ بِنْتِ يَزِيْدَ، بِقَوْلِهِ: يَا بَيْتَ عَاتِكَةَ الَّذِي أَتَعَزَّلُ ... حَذَرَ العِدَى، وَبِهِ الفُؤَادُ مُوَكَّلُ إِنِّي لأَمْنَحُكَ الصُّدُوْدَ، وَإِنَّنِي ... - قَسَماً إِلَيْكِ - مَعَ الصُّدُوْدِ لأَمْيَلُ (2) 231 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ أَبُو العَلاَءِ بنُ دِيْنَارٍ الثَّقَفِيُّ ** أَمِيْرُ المَغْرِبِ، أَبُو العَلاَءِ بنُ دِيْنَارٍ الثَّقَفِيُّ، مَوْلَى الحَجَّاجِ، وَكَاتِبُهُ، وَمُشِيْرُهُ. اسْتَخْلَفَهُ الحَجَّاجُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى أَمْوَالِ الخَرَاجِ، فَضَبَطَ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ الوَلِيْدُ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ: مَثَلِي وَمَثَلُ الحَجَّاجِ وَأَبِي العَلاَءِ، كَمَنْ ضَاعَ مِنْهُ دِرْهَمٌ فَوَجَدَ دِيْنَاراً. ثُمَّ وَلِيَ الخِلاَفَةَ سُلَيْمَانُ، فَطُلِبَ أَبُو العَلاَءِ فِي غُلٍّ، وَكَانَ قَصِيْراً، دَمِيْماً، كَبِيْرَ البَطْنِ، مُشَوَّهاً، فَنَظَر إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ مَنْ وَلاَّكَ. قَالَ: لاَ تَفْعَلْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّك رَأَيْتَنِي وَالأُمُوْرُ مُدْبِرَةٌ عَنِّي، فَلَوْ رَأَيْتَنِي فِي الإِقْبَالِ، لاسْتَعْظَمْتَ مَا اسْتَحْقَرْتَ. فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، مَا أَسَدَّ (3) عَقْلَهُ. ثُمَّ   (*) طبقات ابن سلام 655، الشعر والشعراء 424، الاغاني 4 / 40 و6 / 53، الموشح 231، المبهج 23، سمط اللآلي 73، تاريخ الإسلام 4 / 91، خزانة الأدب (بتحقيق هارون) 2 / 16. (1) دهلك: جزيرة في بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة. (2) البيتان من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز حينما كان أمير المدينة. انظر: الاغاني ط الدار 21 / 97 - 101 . (* *) تاريخ الطبري 6 / 617، الكامل لابن الأثير 5 / 101، تاريخ ابن عساكر 18 / 193 ب، وفيات الأعيان 6 / 309، تاريخ الإسلام 4 / 215، مرآة الجنان 1 / 212، النجوم الزاهرة 1 / 245، شذرات الذهب 1 / 124، الاستقصا 1 / 46، رغبة الآمل 5 / 167، 169. (3) في الأصل: " ما أشد " بالمعجمة، تصحيف، وما أثبتناه من وفيات الأعيان 6 / 310. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 قَالَ: أَتَرَى الحَجَّاجَ يَهْوِي بَعْدُ فِي جَهَنَّمَ، أَوْ بَلَغَ قَعْرَهَا؟ قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَإِنَّهُ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ وَلاَّهُ. فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا فَلْيُصْطَنَعْ. ثُمَّ إِنَّهُ كَشَفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ خَانَ فِي دِرْهَمٍ، وَهَمَّ باسْتِكْتَابِهِ، ثُمَّ أَمَّرَهُ عَلَى إِفْرِيْقِيَةَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَثَارَتْ عَلَيْهِ الخَوَارِجُ، فَفَتَكُوا بِهِ؛ لِظُلْمِهِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. 232 - أَبُو بَحْرِيَّةَ * عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ (4) التَّرَاغِمِيُّ، الحِمْصِيُّ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، شَهِدَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالجَابِيَةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَيَزِيْدُ بنُ قُطَيْبٍ، وَضَمْرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَابْنُهُ؛ بَحْرِيَّةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو ظَبْيَةَ الكَلاَعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ عَالِماً، فَاضِلاً، نَاسِكاً، مُجَاهِداً. عَنِ الوَاقِدِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنْ أَغْزِ الصَّائِفَةَ رَجُلاً مَأْمُوْناً عَلَى المُسْلِمِيْنَ، رَفِيْقاً بِسِيَاسَتِهِم. فَعَقَدَ لأَبِي بَحْرِيَّةَ عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ - وَكَانَ فَقِيْهاً، نَاسِكاً، يُحْمَلُ عَنْهُ الحَدِيْثُ - حَتَّى مَاتَ فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ. وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ وَخُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ يُعَظِّمُوْنَهُ. 233 - بُسْرُ (1) بنُ سَعِيْدٍ المَدَنِيُّ مَوْلَى بَنِي الحَضْرَمِيِّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي الحَضْرَمِيِّ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 442، تاريخ البخاري 5 / 171، المعرفة والتاريخ 2 / 313، الكنى 1 / 125، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 138، تاريخ ابن عساكر صل 27 ب تهذيب الكمال ص 725، 1578، تاريخ الإسلام 4 / 72، تذهيب التهذيب 2 / 174 آ، غاية النهاية ت 1850، الاصابد كنى ت 148، تهذيب التهذيب 5 / 364، خلاصة تذهيب التهذيب 210. (1) في الأصل: " بشر " بالمعجمة وكذا في سائر الترجمة وهو تصحيف. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 281، طبقات خليفة ت 2156، 2228 تاريخ البخاري =. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 حَدَّثَ عَنْ: عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَأَخُوْهُ؛ يَعْقُوْبُ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) : كَانَ مِنَ العُبَّادِ المُنْقَطِعِيْنَ، وَالزُّهَّادِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَرُوِيَ: أَنَّ الوَلِيْدَ سَأَلَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ أَفَضْلُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالمَدِيْنَةِ؟ فَقَالَ: مَوْلَىً لِبَنِي الحَضْرَمِيِّ، يُقَالُ لَهُ: بُسْرٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ رَجُلاً وَشَى عَلَى بُسْرٍ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: بِأَنَّهُ يَعِيْبُكُم. قَالَ: فَأَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَمْ أَقُلْهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ صَادِقاً، فَأَرِنِي بِهِ آيَةً. فَاضْطَّرَبَ الرَّجُلُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ مَالِكٌ: تُوُفِّيَ بُسْرٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فَمَا خَلَّفَ كَفَناً. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ) ، كَأَنَّهُ نَسِيَهُ. 234 - سَبَلاَنُ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنَ * (م، د، س، ق) وهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى المَهْرِيِّ (2) ، وَهُوَ   = 2 / 123 المعرفة والتاريخ 1 / 422، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 423، تهذيب الكمال ص 145، تاريخ الإسلام 3 / 345، العبر 1 / 119، تذهيب التهذيب 1 / 82 آ، تهذيب التهذيب 1 / 437، خلاصة تذهيب التهذيب 47. (1) في الطبقات 5 / 282. (*) طبقات ابن سعد 5 / 301، طبقات خليفة ت 2166، تاريخ البخاري 4 / 109، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 184، تهذيب الكمال ص 464، تاريخ الإسلام 4 / 117، تذهيب التهذيب 2 / 3 ب، تهذيب التهذيب 3 / 438، خلاصة تذهيب التهذيب 131. (2) في الأصل: " النهري " وفي التاريخ للمؤلف " المهدي " وكلاهما تصحيف، وما أثبتناه من التهذيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 سَالِمٌ الدَّوْسِيُّ (1) ، وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى شَدَّادِ بنِ الهَادِ. كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ المَدِيْنَةِ. رَوَى عَنْ: سَعْدِ (2) بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو الأَسْوَدِ اليَتِيْمُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَآخَرُوْنَ. وُثِّقَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ. 235 - سُلَيْمَانُ بنُ قَتَّةَ التَّيْمِيُّ * مَوْلاَهُم البَصْرِيُّ المُقْرِئُ، مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ. عَرَضَ خَتْمَةً عَلَى: ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَ مِنْ: مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ: عَاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ (3) . وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأَبَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَتَّةُ: هِيَ أُمُّهُ.   (1) في الأصل: " السدوسي " وكذا في تاريخ المؤلف وهو تصحيف، وما أثبتناه من تاريخ البخاري والجرح والتعديل والتهذيب. (2) في الأصل: " سعيد " تصحيف. وما بين الحاصرتين من تاريخ الإسلام. (*) تاريخ البخاري 4 / 32، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 136، المبهج 44 تاريخ الإسلام 4 / 120، غاية النهاية ت 1385، تعجيل المنفعة 167 وفيه قنة مصحف، تبصير المنتبه 1122، تاج العروس (قتت) . (3) في الأصل: " الحجازي " وهو تصحيف. وما أثبتناه من الميزان وتاريخ الإسلام للمؤلف وتعجيل المنفعة، وغاية النهاية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 236 - زِيَادٌ الأَعْجَمُ بنُ سُلَيْمٍ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم * (د، ت، ق) مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ. وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ زِيَادُ بنُ سُلَيْمٍ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم. وَكَانَ فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ. رَوَى عَنْ: أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَشَهِدَ مَعَهُ فَتْحَ إِصْطَخْرَ (1) ، وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَحَدِيْثُهُ فِي السُّنَنِ. رَوَى عَنْهُ: طَاوُوْسٌ، وَهِشَامُ بنُ قَحْذَمٍ (2) ، وَأَخُوْهُ؛ المُحَبِّرُ بنُ قَحْذَمٍ (2) . امْتَدَحَ عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ، وَرَثَى المُهَلَّبَ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. خَرَّجَ لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 237 - الرَّاعِي أَبُو جَنْدَلٍ عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْرِيُّ ** مِنْ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ، أَبُو جَنْدَلٍ عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْرِيُّ، الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ جَرِيْرٌ:   (*) طبقات فحول الشعراء 693، الشعر والشعراء 343، الاغاني 14 / 102 وفيه زياد بن سليمان، معجم الأدباء 11 / 168، وفيه زياد بن سلمى، تاريخ ابن عساكر 6 / 237 ب، تاريخ الإسلام 4 / 113، العبر 1 / 123، شرح شواهد المغني 206، خزانة الأدب 4 / 193، شذرات الذهب 1 / 123، تهذيب ابن عساكر 5 / 404، تهذيب التهذيب 3 / 370. (1) إصطخر: بلدة بفارس، من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها، قيل: كان أول من أنشأها إصطخر بن طهمورث ملك الفرس. انظر معجم البلدان. (2) في الأصل " محذم " وهو تصحيف. (* *) طبقات فحول الشعراء 502، الاغاني 20 / 168، المؤتلف والمختلف 122، سمط اللآلي 50، تاريخ ابن عساكر 11 / 6 آ، تاريخ الإسلام 4 / 111، شرح شواهد المغني 336، خزانة الآدب 1 / 504. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا (1) وَإِنَّمَا لُقِّبَ بِالرَّاعِي؛ لِكَثْرَةِ مَا يَصِفُ الإِبِلَ فِي شِعْرِهِ. امْتَدَحَ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ، وَلَهُ فِي ابْنِ الرِّقَاعِ العَامِلِيِّ: لَوْ كُنْتُ مِنْ أَحَدٍ يُهْجَى هَجَوْتُكُمُ ... يَا ابْنَ الرِّقَاعِ، وَلَكِنْ لَسْتَ مِنْ أَحَدِ تَأْبَى قُضَاعَةُ أَنْ تَعْرِفْ لَكُم نَسَباً ... وَابْنَا نِزَارٍ فَأَنْتُم بَيْضَةُ البَلَدِ (2) وَهُوَ القَائِلُ: إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي نَرْجُوْ هَوَادِيَهُ ... يَأْتِي عَلَى الحَجَرِ القَاسِي فَيَنْفَلِقُ مَا الدَّهْرُ لِلنَّاسِ إِلاَّ مِثْلُ وَارِدَةٍ ... إِذَا مَضَى عُنُقٌ مِنْهَا بَدَا عُنُقُ (3) 238 - الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ * الهِلاَلِيُّ (4) أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: أَبُو القَاسِمِ، صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ) . كَانَ مِنْ أَوعِيَةِ العِلْمِ، وَلَيْسَ بِالمُجَوِّدِ لِحَدِيْثِهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ. وَكَانَ لَهُ أَخَوَانِ: مُحَمَّدٌ، وَمُسْلِمٌ، وَكَانَ يَكُوْنُ بِبَلْخٍ وَبِسَمَرْقَنْدَ.   (1) البيت في ديوانه 821 والكامل 1 / 340 والخزانة 4 / 595، وفيه (فغض) بتثليث الضاد. (2) روي البيتان في كتب كثيرة منها طبقات ابن سلام 503، 504 والاغاني ط دار الثقافة 23 / 361 ولفظه: " لم تعرف لكم نسبا " وكذا اللسان (بيض) ، والديوان 64 وروايته: " أن ترضى لكم نسبا " ورواية المؤلف في تاريخه: " أن يعزى لكم ". (3) البيتان في شعره ص 105، وخاص الخاص للثعالبي 84. والواردة: وارد الماء، والعنق: الطائفة من الناس. (*) طبقات ابن سعد 6 / 300 و7 / 369، طبقات خليفة ت 2950، تاريخ البخاري 4 / 332، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 458، تهذيب الكمال ص 618، تذهيب التهذيب 2 / 98 ب، تاريخ الإسلام 4 / 125، العبر 1 / 124، ميزان الاعتدال 2 / 325، المغني في الضعفاء 1 / 312، مرآة الجنان 1 / 213، البداية والنهاية 9 / 223، غاية النهاية ت 1467، تهذيب التهذيب 4 / 453، النجوم الزاهرة 1 / 248، خلاصة تذهيب التهذيب 177، طبقات المفسرين 1 / 216، شذرات الذهب 1 / 124. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنِ: الأَسْوَدِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَبَعْضُهُم يَقُوْلُ: لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَارَةُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ (1) ، وَجُوَيْبِرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُقَاتِلٌ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ، وَأَبُو رَوْقٍ (2) عَطِيَّةُ، وَأَبُو جَنَابٍ الكَلْبِيُّ يَحْيَى بن أَبِي حَيَّةَ، وَنَهْشَلُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ الرَّمَّاحِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَحَدِيْثُهُ فِي السُّنَنِ، لاَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَقَدْ ضَعَّفَهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. وَقِيْلَ: كَانَ يُدَلِّسُ. وَقِيْلَ: كَانَ فَقِيْهَ مَكْتَبٍ كَبِيْرٍ إِلَى الغَايَةِ، فِيْهِ ثَلاَثَةُ آلاَفِ صَبِيٍّ، فَكَانَ يَرْكَبُ حِمَاراً، وَيَدُوْرُ عَلَى الصِّبْيَانِ. وَلَهُ بَاعٌ كَبِيْرٌ فِي التَّفْسِيْرِ وَالقَصَصِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ الضَّحَّاكُ يُعَلِّمُ وَلاَ يَأْخُذُ أَجْراً. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ مُشَاشٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الضَّحَّاكَ: هَلْ لَقِيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لاَ. وَرَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ الضَّحَّاكُ ابْنَ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا لَقِيَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ بِالرَّيِّ، فَأَخَذَ عَنْهُ التَّفْسِيْرَ (3) . قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُوْنَ الضَّحَّاكُ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَطُّ. ثُمَّ قَالَ القَطَّانُ: وَالضَّحَّاكُ عِنْدَنَا ضَعِيْفٌ.   (1) في الأصل " أبو سعيد " وما أثبتناه من التاريخ للمؤلف والتهذيب. (2) في الأصل: " ردف " وهو تصحيف. (3) ابن سعد 6 / 301. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وَأَمَّا أَبُو جَنَابٍ (1) الكَلْبِيُّ: فَرَوَى عَنِ الضَّحَّاك، قَالَ: جَاوَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سَبْعَ سِنِيْنَ. قُلْتُ: أَبُو جَنَابٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَرَوَى: قَبِيْصَةُ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ الضَّحَّاكُ إِذَا أَمْسَى، بَكَى، فَيُقَالَ لَهُ، فَيَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي مَا صَعَدَ اليَوْمَ مِنْ عَمَلِي (2) . سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنِ الضَّحَّاك (3) ، قَالَ: أَدْرَكْتُهُم وَمَا يَتَعَلَّمُوْنَ إِلاَّ الوَرَعَ. قَالَ قُرَّةُ: كَانَ هِجِّيْرَى (4) الضَّحَّاكِ إِذَا سَكَتَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. وَرَوَى: مَيْمُوْنٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ فَقِيْهاً، وَتَلاَ قَوْلَ اللهِ: {كُوْنُوا رَبَّانِيِّيْنَ بِمَا كُنْتُم تُعَلِّمُوْنَ الكِتَابَ} [آلُ عِمْرَانَ: 79] . زُهَيْرُ بنُ مُعَاِويَةَ: عَنْ بَشِيْرٍ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: كُنْتُ ابْنَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً جَلْداً، غَزَّاءَ. نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَفَاةُ الضَّحَّاكِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالنَّيْسَابُوْرِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ.   (1) في الأصل: " أبو سفيان " وهو تصحيف. (2) تاريخ الإسلام 4 / 125، وما بين الحاصرتين منه. (3) في الأصل: " عن أبي الضحاك " زيادة من الناسخ. والخبر في طبقات ابن سعد 6 / 301. (4) الهجير والهجيرى: الدأب والعادة والديدن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 239 - طَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ العَنَزِيُّ * (م، 4) بَصْرِيٌّ، زَاهِدٌ كَبِيْرٌ، مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجُنْدُبِ بنِ سُفْيَانَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ شَيْبَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ طَيِّبَ الصَّوْتِ بِالقُرْآنِ، بَرّاً بِوَالِدَيْهِ. رُوِيَ عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَخْشَى اللهَ -تَعَالَى-. عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَتْ فِتْنَةُ ابْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ طَلْقُ بنُ حَبِيْبٍ: اتَّقُوْهَا بِالتَّقْوَى. فَقِيْلَ لَهُ: صِفْ لَنَا التَّقْوَى. فَقَالَ: العَمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ، عَلَى نُوْرٍ مِنَ اللهِ، رَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَتَرْكِ مَعَاصِي اللهِ، عَلَى نُوْرٍ مِنَ اللهِ، مَخَافَةَ عَذَابِ اللهِ (1) . قُلْتُ: أَبْدَعَ وَأَوْجَزَ، فَلاَ تَقْوَى إِلاَّ بِعَمَلٍ، وَلاَ عَمَلَ إِلاَّ بِتَرَوٍّ مِنَ العِلْمِ وَالاتِّبَاعِ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالإِخْلاَصِ للهِ، لاَ لِيُقَالَ: فُلاَنٌ تَارِكٌ لِلْمَعَاصِي بِنُوْرِ الفِقْهِ، إِذِ المَعَاصِي يَفْتَقِرُ اجْتِنَابُهَا إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَيَكُوْنُ التَّرْكُ خَوْفاً مِنَ اللهِ، لاَ لِيُمْدَحَ بِتَرْكِهَا، فَمَنْ دَاوَمَ عَلَى هَذِهِ الوَصِيَّةِ، فَقَدْ فَازَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 227، طبقات خليفة ت 1722، تاريخ البخاري 4 / 359، المعارف 468، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 490، الحلية 3 / 63، تهذيب الكمال ص 632، تاريخ الإسلام 4 / 129، تذهيب التهذيب 2 / 108 آ، ميزان الاعتدال 2 / 345، البداية والنهاية 9 / 101، تهذيب التهذيب 5 / 31، خلاصة تذهيب التهذيب 181. (1) انظر الحلية 3 / 64. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 وَرَوَى: سَعْدُ (1) بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ طَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: إِنَّ حُقُوْقَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُوْمَ بِهَا العِبَادُ، وَإِنَّ نِعَمَ اللهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَكِنْ أَصْبِحُوا تَائِبِيْنَ، وَأَمْسُوا تَائِبِيْنَ (2) . قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ يُقَالُ: فِقْهُ الحَسَنِ، وَوَرَعُ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَحِلْمُ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَعِبَادَةُ طَلْقٍ، وَكَانَ طَلْقٌ يَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ وَيَعِظُ (3) . قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْبَدَ مِنْ طَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ الحَجَّاجَ - قَاتَلَهُ اللهُ - قَتَلَ طَلْقاً مَعَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (4) : طَلْقٌ: صَدُوْقٌ، يَرَى الإِرْجَاءَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الكَرِيْمِ يَقُوْلُ: كَانَ طَلْقٌ لاَ يَرْكَعُ إِذَا افْتَتَحَ سُوْرَةَ البَقَرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ العَنْكَبُوْتَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَشْتَهِي أَنْ أَقُوْمَ حَتَّى يَشْتَكِيَ صُلْبِي (5) . غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ طَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمَ الخَائِفِيْنَ مِنْكَ، وَخَوْفَ العَالِمِيْنَ (6) بِكَ، وَيَقِيْنَ المُتَوَكِّلِيْنَ عَلَيْكَ، وَتَوَكُّلَ المُوْقِنِيْنَ بِكَ، وَإِنَابَةَ المُخْبِتِيْنَ إِلَيْكَ، وَإِخْبَاتَ   (1) في الأصل: " سعيد " تصحيف. (2) انظر الحلية 3 / 65. (3) انظر الحلية 3 / 64. وصفحة 511 و577. (4) في الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 491. (5) الحلية 3 / 64. (6) في الأصل: " العاملين " وما أثبتناه من التاريخ للمؤلف والحلية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 المُنِيْبِيْنَ إِلَيْكَ، وَشُكْرَ الصَّابِرِيْنَ لَكَ، وَصَبْرَ الشَّاكِرِيْنَ لَكَ، وَلَحَاقاً بِالأَحْيَاءِ المَرْزُوْقِيْنَ عِنْدَكَ (1) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: طَلْقٌ: سَمِعَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، مُرْجِئٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِبَلَدنَا أَحَدٌ أَحْسَنَ مُدَارَاةً لِصَلاَتِهِ مِنْ طَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ (2) . وَعَنْ كُلْثُوْمِ بنِ جَبْرٍ، قَالَ: كَانَ المُتَمَنِّي بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُ (3) : عِبَادَةُ طَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ، وَحِلْمُ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ. مَاتَ طَلْقٌ: قَبْلَ المائَةِ. 240 - الضَّحَّاكُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَرْزَبٍ الأَشْعرِيُّ * (ت، ق) وَقِيْلَ: ابْنِ عَرْزَمٍ (4) . الأَمِيْرُ، نَائِبُ دِمَشْقَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعرِيُّ، الطَّبَرَانِيُّ، الأُرْدُنِيُّ. رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ، وَابْنِهِ. وَعَنْهُ: مَكْحُوْلٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَأَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ.   (1) الحلية 3 / 63، 64 وروايته: " ونجاة الاحياء المرزوقين عندك ". (2) الحلية 3 / 64. (3) في الأصل " بورع " بدل " يقول " وما أثبتناه من الحلية 3 / 64. (*) تاريخ البخاري 4 / 333، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 459، تاريخ ابن عساكر 8 / 203 آ، تهذيب الكمال ص 616، تاريخ الإسلام 4 / 124، ميزان الاعتدال 2 / 324، تذهيب التهذيب 2 / 97 آ، تهذيب التهذيب 4 / 446، خلاصة تذهيب التهذيب 176، تهذيب ابن عساكر 7 / 6. (4) قال المؤلف في تاريخ الإسلام 4 / 124: " وعرزب بالباء أصح ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ مِنْ خَيْرِ الوُلاَةِ. قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: سَمِعْتُهُ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ. قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ مَنْ تَوَلَّى إِمْرَةَ دِمَشْقَ أَوْ نَحْوَهَا، هُوَ الَّذِي يَخْطُبُ بِالنَّاسِ. 241 - الضَّحَّاكُ المِشْرَقِيُّ * (خَ، م) عَنْ: أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ. حَدِيْثُهُ فِي: (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) . 242 - عَبْدُ اللهِ بنُ حُنَيْنٍ المَدَنِيُّ ** (ع) مَوْلَى العَبَّاسِ، أَبُو عَلِيٍّ. يروِي عَنْ: عَلِيٍّ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. ثِقَةٌ، كَبِيْرٌ. 243 - وَابْنُه ُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ المَدَنِيُّ *** (ع) أَبُو إِسْحَاقَ. أَرْسَلَ عَنْ: عَلِيٍّ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ.   (*) هو ابن شرحبيل أو شراحيل كما نص المؤلف في تاريخه. وترجمته في تاريخ البخاري 4 / 335، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الثاني 461، تهذيب الكمال ص 615، تاريخ الإسلام 4 / 126، مشتبه النسبة 592، تذهيب التهذيب 2 / 97 آ، ميزان الاعتدال 2 / 324، تهذيب التهذيب 4 / 444، خلاصة تذهيب التهذيب 176. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 286، تاريخ البخاري 5 / 69، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 40، تهذيب الكمال ص 676، تاريخ الإسلام 4 / 136، تذهيب التهذيب 2 / 139 ب، تهذيب التهذيب 5 / 193، خلاصة تذهيب التهذيب 195. (* * *) تاريخ البخاري 1 / 299، المعرفة والتاريخ 1 / 415، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 108، تهذيب الكمال ص 58، تاريخ الإسلام 4 / 90، العبر 1 / 122، تذهيب التهذيب 1 / 37 ب، تهذيب التهذيب 1 / 133، خلاصة تذهيب التهذيب 18، شذرات الذهب 1 / 122. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 وَعَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَعِدَّةٌ. وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضاً. مَاتَ: بَعْدَ أَبِيْهِ بِيَسِيْرٍ، بَعْدَ المائَةِ. حَدِيْثُهُمَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ قَلِيْلٌ. 244 - عُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ * (ع) مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ. رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوْسَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعِدَّةٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَلَهُ أَخَوَانِ: مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ. 245 - زِيَادُ بنُ جُبَيْرِ بنِ حَيَّةَ الثَّقَفِيُّ ** بَصْرِيٌّ، حُجَّةٌ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَسَعْدٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: ابْنُ عَوْنٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 285، طبقات خليفة ت 2129، 2172، تاريخ البخاري 5 / 446 الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني 404، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 262، تهذيب الكمال ص 894،، تاريخ الإسلام 4 / 149، تذهيب التهذيب 3 / 22 ب، تهذيب التهذيب 7 / 63، خلاصة تذهيب التهذيب 254. (* *) سبق للمؤلف أن ترجم له في ص 515 فمصادر ترجمته هناك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 246 - مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ * الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَنَسِيُّ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ سَبْيِ جَرْجَرَايَا (1) ، تَمَلَّكَهُ أَنَسٌ، ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى أُلُوْفٍ مِنَ المَالِ، فَوَفَّاهُ، وَعَجَّلَ لَهُ مَالَ الكِتَابَةِ قَبْلَ حُلُوْلِهِ، فَتَمَنَّعَ أَنَسٌ مِنْ أَخْذِهِ لَمَّا رَأَى سِيْرِيْنَ قَدْ كَثُرَ مَالُهُ مِنَ التِّجَارَةِ، وَأَمَلَ أَنْ يَرِثَهُ، فَحَاكَمَهُ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَلْزَمَهُ تَعْجِيْلَ المُؤَجَّلِ. قَال َ أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: وُلِدَ أَخِي مُحَمَّدٌ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ (2) ، وَوُلِدْتُ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ قَابِلَةٍ. سَمِع: أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ، وَشُرَيْحاً القَاضِي، وَأَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم. رَوَى عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَخَالِدٌ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 193، الزهد لأحمد 306، طبقات خليفة ت 1728، تاريخ البخاري 1 / 90، المعارف 442، المعرفة والتاريخ 2 / 54، ذيل المذيل 640، الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 280، الحلية 2 / 263، تاريخ بغداد 5 / 331، طبقات الفقهاء للشيرازي 88، تاريخ ابن عساكر 15 / 210 آ، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الأول 82، وفيات الأعيان 4 / 181، تهذيب الكمال ص 1207، تاريخ الإسلام 4 / 192، تذكرة الحفاظ 1 / 73، العبر 1 / 135، تذهيب التهذيب 3 / 210 ب، مرآة الجنان 1 / 232، البداية والنهاية 9 / 267 و274، غاية النهاية ت 3057، تهذيب التهذيب 9 / 214، النجوم الزاهرة 1 / 268، طبقات الفقهاء للسيوطي 31، خلاصة تذهيب التهذيب 340، شذرات الذهب 1 / 138. (1) جرجرايا: بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي، انظر معجم البلدان. (2) كذا الأصل، والصواب (عثمان) كما في ابن سعد 7 / 193 وتاريخ الخطيب 5 / 333 وباقي الروايات والمصادر، وقد أثبتنا (عمر) لوروده في رواية أخرى بعد سطور، ولتعليق المؤلف على ذلك في الصفحة التالية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 الحَذَّاءُ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصَمُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ سُلْمَى الهُذَلِيُّ، وَحَيَّانُ بنُ حُصَيْنٍ، وَشَبِيْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَخُلَيْدُ بنُ دَعْلَجٍ. قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ: وُلِدَ أَخِي مُحَمَّدٌ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ. قَالَ الحَاكِمُ: هَكَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: عُمَرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عُثْمَانَ. قُلْتُ: الثَّانِي أَشْبَهُ، وَلَوْ كَانَ أَوْلاَهُمَا الأَوَّلُ، لَكَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ فِي سِنِّ الحَسَنِ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ مُحَمَّداً كَانَ أَصْغَرَ بِسَنَوَاتٍ، لَكِنْ يَشْهَدُ لِلأَوَّلِ: قَوْلُ عَارِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: عَاشَ ابْنُ سِيْرِيْنَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي: قَوْلُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُعَلَّى بنِ هِلاَلٍ (1) ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: حَجَّ بِنَا أَبُو الوَلِيْدِ، فَمَرَّ بِنَا عَلَى المَدِيْنَةِ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَنَحْنُ سَبْعَةٌ وَلَدُ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ لَهُ: هَؤُلاَءِ بَنُوْ سِيْرِيْنَ. فَقَالَ زَيْدٌ: هَذَانِ لأُمٍّ، وَهَذَانِ لأُمٍّ، وَهَذَانِ لأُمٍّ، وَهَذَا مِنْ أُمٍّ. قَالَ: فَمَا أَخْطَأَ. وَكَانَ يَحْيَى أَخَا مُحَمَّدٍ مِنْ أُمِّهِ. وَقِيْلَ: بَلْ مَعْبَدٌ كَانَ أَخَا مُحَمَّدٍ لأُمِّهِ (2) . قَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: أَدْرَكَ مُحَمَّدٌ ثَلاَثِيْنَ صَحَابِيّاً. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ عَطِيَّةَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ قَصِيْراً، عَظِيْمَ   (1) في الأصل: " معلى بن الاعلم " تحريف، وما أثبتناه من تهذيب الكمال. (2) المعرفة والتاريخ 2 / 58، وانظر بن سعد 7 / 193 وتاريخ الخطيب 5 / 332، 333. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 البَطْنِ، لَهُ وَفْرَةٌ، يَفْرِقُ شَعْرَهُ، كَثِيْرَ المُزَاحِ وَالضَّحِكِ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ (1) . قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى حُرُوْفِهِ، وَكَانَ الحَسَنُ صَاحِبَ مَعْنَىً. عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنِي أَصْدَقُ مَنْ أَدْرَكْتُ؛ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ. قَالَ حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ: كُنْتُ عِنْدَ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ طَاوُوْسٍ. فَقَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ - وَكَانَ جَالِساً -: وَاللهِ لَوْ رَأَى مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ، لَمْ يَقُلْهُ. مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ. وَعَنْ خُلَيْفِ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عُثْمَانَ البَتِّيِّ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالبَصْرَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالقَضَاءِ مِنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ (2) . وَعَنْ شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُوْلُ لَنَا: عَلَيْكُم بِذَلِكَ الأَصَمِّ -يَعْنِي: ابْنَ سِيْرِيْنَ (3) -. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ أَفْطَنَ مِنَ الحَسَنِ فِي أَشْيَاءَ (4) .   (1) ابن عساكر 15 / 213 آ، وزاد: " وافر اللحية ". (2) ابن سعد 7 / 196 وتاريخ الخطيب 5 / 337، ولفظهما: " لم يكن أحد بهذه النقرة أعلم بالقضاء.." وابن عساكر 15 / 217 آ، ولفظه: " ما رأيت بهذه النقرة - يعني البصرة - أحدا أعلم بالقضاء..". (3) ابن سعد 7 / 195 وابن عساكر 15 / 217 ب، 218 آ. (4) ابن عساكر 15 / 217 ب بنحوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 وَقَالَ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ حَسَنَ العِلْمِ بِالفَرَائِضِ وَالقَضَاءِ وَالحِسَابِ (1) . حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمٍ، سَمِعْتُ مُوَرِّقاً العِجْلِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ فِي وَرَعِهِ، وَلاَ أَوْرَعَ فِي فَقْهِهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ (2) . وَقَالَ عَاصِمٌ: وَذُكِرَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ أَبِي قِلاَبَةَ، فَقَالَ: اصْرِفُوْهُ كَيْفَ شِئْتُم، فَلَتَجِدُنَّهُ أَشَدَّكُم وَرَعاً، وَأَمْلَكَكُم لِنَفْسِهِ (3) . حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: وَمِنْ يَسْتَطِيْعُ مَا يُطِيْقُ؟! مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حَدِّ السِّنَانِ (4) . النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: ثَلاَثَةٌ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُم: ابْنُ سِيْرِيْنَ بِالعِرَاقِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالحِجَازِ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ بِالشَّامِ، كَأَنَّهُمُ الْتَقَوْا، فَتَوَاصَوْا. وَقَدْ وَقَفَ عَلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ دَيْنٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَجْلِ زَيْتٍ كَثِيْرٍ أَرَاقَهُ؛ لِكَوْنِهِ وَجَدَ فِي بَعْضِ الظُّرُوْفِ فَأْرَةً. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثَابِتٍ: قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَالَسَتِكُم إِلاَّ مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِيَ البَلاَءُ حَتَّى قُمْتُ عَلَى المَصْطَبَةِ. فَقِيْلَ: هَذَا ابْنُ سِيْرِيْنَ، أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ، وكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيْرٌ (5) .   (1) انظر تاريخ البخاري 1 / 91 والجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث 280. (2) ابن سعد 7 / 196، والمعرفة والتاريخ 2 / 56. (3) ابن عساكر 15 / 211 آ، 216 ب، 217 آ، وانظر ابن سعد 7 / 196 والمعرفة والتاريخ 2 / 56 وتاريخ الخطيب 5 / 334 وتاريخ البخاري 1 / 90، 91. (4) ابن عساكر 15 / 211 آ، وأورد ابن سعد 7 / 198 بنحوه، وكذا المعرفة والتاريخ 2 / 57 والحلية 2 / 267 وتاريخ الخطيب 5 / 337. (5) ابن سعد 7 / 199 والمعرفة والتاريخ 2 / 61 والحلية 2 / 271 وتاريخ الخطيب 5 / 335 = الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ فِي السُّوْقِ، فَمَا رَآهُ أَحَدٌ إِلاَّ ذَكَرَ اللهَ (1) . مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ البَاهِلِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ كُوْفِيٌّ وَلاَ بَصْرِيٌّ لَهُ مِثْلُ وَرَعِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ. وَعَنْ زُهَيْرٍ الأَقْطَعِ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، مَاتَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عَلَى حِدَةٍ (2) . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَرَى أَنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ أَسْرَعُ النَّاسِ رِدَّةً، وَأَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ فِيْهِم: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِيْنَ يَخُوْضُوْنَ فِي آيَاتِنَا، فَأَعْرِضْ عَنْهُم حَتَّى يَخُوْضُوا فِي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ} [الأَنْعَامُ: 68] ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسْخَى نَفْساً مِنِ ابْنِ عَوْنٍ (3) . مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنْ قُرَّةَ، قَالَ: أَكَلْتُ عِنْدَ ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: إِنَّ الطَّعَامَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ (4) . وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ مُتَوَارِياً مِنَ الحَجَّاجِ، فَمَاتَتْ بِنْتٌ لَهُ، فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَقُوْلَ لِي: صَلِّ عَلَيْهَا. فَبَكَى، حَتَّى ارْتَفَعَ نَحِيْبُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: اذْهبْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَقُلْ لَهُ: لِيُصَلِّ عَلَيْهَا. فَعَرَفَ حِيْنَ جَاءَ الحَقَائِقُ، أَنَّهُ لاَ يَعْدِلُ بِابْنِ سِيْرِيْنَ أَحَداً (5) . الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ،   = وابن عساكر 15 / 226 ب، ولفظهم: " فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي فأقمت على المصطبة". (1) المعرفة والتاريخ 2 / 63 بنحوه. (2) الزهد 308 والمعرفة والتاريخ 2 / 59. (3) في الأصل لم يذكر قائل هذا. ولعله أقحم في النص. (4) انظر الحلية 2 / 268، 269. (5) انظر ابن سعد 7 / 204. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 وَالشَّعْبِيُّ: يَأْتُوْنَ بِالحَدِيْثِ عَلَى المَعَانِي، وَكَانَ القَاسِمُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: يُقَيِّدُوْنَ الحَدِيْثَ عَلَى حُرُوْفِهِ. خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ سُوْدَ الرُّؤُوْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، إِلاَّ أَنَّ فِيْهِم حِدَّةً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ فَقِيْهاً، عَالِماً، وَرِعاً، أَدِيْباً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَدُوْقاً، شَهِدَ لَهُ أَهْلُ العِلْمِ وَالفَضْلِ بِذَلِكَ، وَهُوَ حُجَّةٌ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ: قَالَ مُحَمَّد: إِنَّ هَذَا العِلْمَ دَيْنٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُوْنَ دَيْنَكُم (1) . الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: نَزَلَ بِنَا أَبُو قَتَادَةَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى سَطْحٍ لَنَا - قَالَ: وَنَحْنُ عَشْرَةٌ مِنْ وَلَدِ سِيْرِيْنَ - فَانْقَضَّ كَوْكَبٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَتْبَعْنَاهُ أَبْصَارَنَا، فَنَهَانَا أَبُو قَتَادَةَ عَنْ ذَلِكَ. وَعَنْ شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ: قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: مَا تَرَى فِي السَّمَاعِ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ؟ قَالَ: لاَ نَسْمَعُ مِنْهُم وَلاَ كَرَامَةً. الحَاكِمُ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ الأَهْوَازِيُّ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ الرَّجُلُ، فَلاَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: مَا أَتَّهِمُكَ، وَلاَ الَّذِي يُحَدِّثُكَ، وَلَكِنْ مَنْ بَيْنَكُمَا أَتَّهِمُهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا يَقَعُ الكَذِبُ بِالَّذِي وَضَعَ الحَدِيْثَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) انظر ابن سعد 7 / 194 والحلية 2 / 278 ومسلم 1 / 14 في المقدمة في باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 وَقَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: ذَهَب العِلْمُ وَبَقِيَتْ مِنْهُ شَذَرَاتٌ فِي أَوْعِيَةٍ شَتَّى. خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيْثِ النَّاسِ، وَيُنْشِدُ الشِّعْرَ، وَيَضْحَكُ حَتَّى يَمِيْلَ، فَإِذَا جَاءَ بِالحَدِيْثِ مِنَ المُسْنَدِ، كَلَحَ وَتَقَبَّضَ. أَشْهَلُ بنُ حَاتِمٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لابْنِ مَسْعُوْدٍ - أَوْ لأَبِي مَسْعُوْدٍ -: إِنَّكَ تُفْتِي النَّاسَ وَلَسْتَ بِأَمِيْرٍ، وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا (1) . قَالَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّمَا يُفْتِي النَّاسَ أَحَدُ ثَلاَثَةٍ: مَنْ يَعْلَمُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ. قَالُوا: وَمَنْ يَعْلَمُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: عُمَرُ، أَوْ أَمِيْرٌ لاَ يَجِدُ بُدّاً، أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ (2) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: وَلَسْتُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُوْنَ الثَّالِثَ. يَزِيْدُ بنُ طَهْمَانَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ لاَ يُتَّهَمُ فِي الحَدِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي رَكِبَ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ حَتَّى حُبِسَ بِهِ؟ فَقَالَ: كَانَ بَاعَ مِنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ جَارِيَةً، فَرَجَعَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَشَكَتْ أَنَّهَا تُعَذِّبُهَا،   (1) اورده الدارمي 1 / 61 في المقدمة من طريق آخر، قال عمر لابن مسعود: ألم أنبأ أو أنبئت أنك تفتي ولست بأمير، ول حارها من تولى قارها. وأورده عبد الرزاق في المصنف 20678 عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين بنحوه. (2) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 فَأَخَذَهَا مُحَمَّدٌ، وَكَانَ قَدْ أَنْفَقَ ثَمَنَهَا، فَهِيَ الَّتِي حَبَسَتْهُ، وَهِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا سَلْمُ بنُ زِيَادٍ، وَأَخْرَجَهَا إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ أَبُوْهَا يُلَقَّبُ: كِرْكِرَةَ (1) . وَقَالَ المَدَائِنِيُّ (2) : كَانَ سَبَبُ حَبْسِهِ أَنْ أَخَذَ زَيْتاً بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَوَجَدَ فِي زِقٍّ مِنْهُ فَأْرَةً، فَظَنَّ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي المَعْصَرَةِ، وَصَبَّ الزَّيْتَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي ابْتُلِيْتُ بِذَنْبٍ أَذَنَبْتُهُ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قَالَ: فَكَانُوا يَظُنُّوْنَ أَنَّهُ عَيَّرَ رَجُلاً بِفَقْرٍ (3) . إِسْمَاعِيْلُ (4) بنُ زَكَرِيَّا: عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يُسْأَلُ عَنْ إِسْنَادِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ، سُئِلَ عَنْ إِسْنَادِ الحَدِيْثِ، فَيُنْظَرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، تُرِكَ حَدِيْثُهُ (5) . قَالَ أَشْعَثُ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ (6) إِذَا سُئِلَ عَنِ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتَّى تَقُوْلَ: كَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي كَانَ (7) . وَقَالَ يُوْنُسُ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ صَاحِبَ ضَحِكٍ وَمُزَاحٍ. هُشَيْمٌ: عَنْ مَنْصُوْرٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَضْحَكُ حَتَّى تَدْمَعَ عَيْنَاهُ، وَكَانَ الحَسَنُ يُحَدِّثُنَا وَيَبْكِي (8) .   (1) انظر ابن سعد 7 / 199 وصفحة 616 من هذا الجزء. (2) في الأصل: " المديني " وما أثبتناه من تاريخ الخطيب وابن عساكر. (3) أورد ابن عساكر 15 / 226 آبنحوه، وانظر تاريخ الخطيب 5 / 335. (4) في الأصل: " إسماعيل وزكريا " تصحيف. (5) انظر الحلية 2 / 278. (6) في الأصل: " ابن السمان " تصحيف. (7) الحلية 2 / 264 وابن عساكر 15 / 218 آ، وانظر ابن سعد 7 / 195 والمعرفة والتاريخ 2 / 60. (8) انظر ابن عساكر 15 / 220 ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ مِهْرَانَ، قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَة حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، فَوُضِعَتِ الجَنَازَةُ، وَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ صِهْرِيْجاً يَتَوَضَّأُ. فَقَالَ الحَسَنُ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالُوا: يَتَوَضَّأُ صَبّاً صَبّاً، دَلْكاً دَلْكاً، عَذَابٌ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ (1) . حَمَّادٌ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: سَمِعَ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَنْهَى عَنِ الجِدَالِ، إِلاَّ رَجَاءَ إِنْ كَلَّمْتَهُ أَنْ يَرْجِعَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ: كَاتَبَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَبِي أَبَا عَمْرَةَ عَلَى أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَدَّاهَا مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَنَسٍ: هَذِهِ مُكَاتَبَةُ سِيْرِيْنَ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَيْناً (2) . قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ بِوَاسِطَ، فَلَمْ أَرَ أَجْبَنَ مِنْ فَتْوَىً مِنْهُ، وَلاَ أَجْرَأَ عَلَى رُؤْيَا مِنْهُ (3) . قَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِضُ لِمُحَمَّدٍ أَمْرَانِ فِي ذِمَّتِهِ (4) ، إِلاَّ أَخَذَ بِأَوْثَقِهِمَا (5) . قَالَ بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَوْرَعِ مَنْ أَدْرَكْنَا، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ (6) .   (1) انظر المعرفة والتاريخ 2 / 58. (2) المعرفة والتاريخ 2 / 57، وتاريخ الخطيب 5 / 332، وابن عساكر 15 / 212 ب وقد نصوا على المكاتبة وهي: " هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفا وعلى غلامين يعملان عمله ". (3) ابن عساكر 15 / 218 آ. (4) لفظ المؤلف في التاريخ، وأبي نعيم في الحلية وابن عساكر: " دينه ". (5) ابن عساكر 15 / 219 آ، وانظر الحلية 2 / 268. (6) انظر الزهد لأحمد 308 والحلية 2 / 266. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 وَقَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَتَّجِرُ، فَإِذَا ارْتَابَ فِي شَيْءٍ، تَرَكَهُ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ إِزْارَءً عَلَى نَفْسِهِ (2) . وَقَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ: خُذُوا بِحِلْمِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَلاَ تَأْخُذُوا بِغَضَبِ الحَسَنِ (3) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً (4) . وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَصُوْمُ عَاشُوْرَاءَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَيْنِ (5) . قَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ رَجُلاً، فَقَالَ: ذَاكَ الأَسْوَدُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ للهِ، إِنِّي اغْتَبْتُهُ (6) . مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بَعَثَ إِلَى الحَسَنِ، فَقَبِلَ، وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَلَمْ يَقْبَلْ (7) . ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ رَجَاءٍ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ يَجِيْءُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَيَعِيْبُهُم، وَكَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ لاَ يَجِيْءُ إِلَيْهِم، وَلاَ يَعِيْبُهُم (8) . قَالَ هِشَامٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عِنْدَ السُّلْطَانِ أَصْلَبَ مِنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ (9) .   (1) ابن سعد 7 / 197 بنحوه. (2) ابن عساكر 15 / 220 آ، وتاريخ الخطيب 5 / 335 بنحوه. (3) ابن سعد 7 / 195. (4) ابن سعد 7 / 200 وابن عساكر 15 / 221 آ، وانظر الزهد 307. (5) ابن عساكر 15 / 221 آ. (6) ابن سعد 7 / 196 بنحوه، وانظر الحلية 2 / 268 وابن عساكر 15 / 222 ب. (7) ابن سعد 7 / 202 وابن عساكر 15 / 224 آ. (8) المعرفة والتاريخ، 2 / 64 وابن عساكر 15 / 224 آ. (9) ابن عساكر 15 / 224 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ: رَأَيْت الحَسَنَ فِي النَّوْمِ مُقَيَّداً، وَرَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ فِي النَّوْمِ مُقَيَّداً (1) . أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ: أَنَّ ابْنَ سِيْرِيْنَ اشْتَرَى بَيْعاً مِنْ مَنُوْنِيَا (2) ، فَأَشْرَفَ فِيْهِ عَلَى رِبْحِ ثَمَانِيْنَ أَلْفاً، فَعَرَضَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ، فَتَرَكَهُ. قَالَ هِشَامٌ: مَا هُوَ -وَاللهِ- بِرِباً (3) . مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: سَأَلْتُ الأَنْصَارِيَّ عَنْ سَبَبِ الدَّيْنِ الَّذِي رَكِبَ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ حَتَّى حُبِسَ؟ قَالَ: اشْتَرَى طَعَاماً بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، فَأُخْبِرَ عَنْ أَصْلِ الطَّعَامِ بِشَيْءٍ، فَكَرِهَهُ، فَتَرَكَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، فَحُبِسَ عَلَى المَالِ، حَبَسَتْهُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ الَّذِي حَبَسَهُ مَالِكُ بنُ المُنْذِرِ (4) . وَقَالَ هِشَامٌ: تَرَكَ مُحَمَّدٌ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً فِي شَيْءٍ مَا يَرَوْنَ بِهِ اليَوْمَ بَأْساً (5) . وَعَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ مَرَّةً لِرَجُلٍ: يَا مُفْلِسُ، فَعُوْقِبْتُ (6) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ - وَبَلَغَهُ هَذَا - فَقَالَ: قَلَّتْ ذُنُوْبُ القَوْمِ، فَعَرَفُوا مِنْ أَيْنَ أُتُوا، وَكَثُرَتْ ذُنُوْبُنَا، فَلَمْ نَدْرِ مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى (6) . قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ (7) : أَنَّ السَّجَّانَ قَالَ لابْنِ سِيْرِيْنَ: إِذَا كَانَ اللَّيْلُ، فَاذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ،   (1) تاريخ الخطيب 5 / 336 وابن عساكر 15 / 224 ب، وانظر ابن سعد 7 / 197. (2) منونيا: قرية من قرى " نهر الملك " كانت أولا مدينة ولها ذكر في أخبار الفرس. و" نهر الملك " كورة واسعة ببغداد. (3) ابن سعد 7 / 199، وابن عساكر 15 / 227 آ. (4) ابن سعد 7 / 198 وابن عساكر 15 / 226 آ، وما بين الحاصرتين منهما، وانظر ص 613. (5) انظر الحلية 2 / 266. (6) انظر الحلية 2 / 271. (7) في الأصل: " مسلم عن يسار " تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 فَإِذَا أَصْبَحْتَ، فَتَعَالَ. قَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ أَكُوْنُ لَكَ عَوْناً عَلَى خِيَانَةِ السُّلْطَانِ (1) . قَالَ مَعْمَرٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً، فَخَرَجَتْ مِنْهَا أَعْظَمَ مَا كَانَتْ، وَرَأَيْتُ حَمَامَةً أُخْرَى الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً، فَخَرَجَتْ أَصْغَرَ مِمَّا دَخَلَتْ، وَرَأَيْتُ أُخْرَى الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً، فَخَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ. فَقَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: أَمَّا الأُوْلَى: فَذَاكَ الحَسَنُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ فَيُجَوِّدُهُ بِمَنْطِقِهِ، وَيَصِلُ فِيْهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ، وَأَمَّا الَّتِي صَغُرَتْ فَأَنَا، أَسْمَعُ الحَدِيْثَ فَأُسْقِطُ مِنْهُ، وَأَمَّا الَّتِي خَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ فَقَتَادَةُ، فَهُوَ أَحْفَظُ النَّاسِ (2) . ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ المَرْوَزِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ سِيْرِيْنَ، فَتَرَكْتُهُ، وَجَالَسْتُ الإِبَاضِيَّةَ، فَرَأَيْتُ كَأَنِّي مَعَ قَوْمٍ يَحْمِلُوْنَ جِنَازَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: مَالَكَ جَالَسْتَ أَقْوَاماً يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَدْفِنُوا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! وَعَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: قَصَّ رَجُلٌ عَلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ بِيَدِي قَدَحاً مِنْ زُجَاجٍ فِيْهِ مَاءٌ، فَانْكَسَرَ القَدَحُ، وَبَقِيَ المَاءُ. فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّك لَمْ تَرَ شَيْئاً. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ: فَمَنْ كَذَبَ فَمَا عَلَيَّ، سَتَلِدُ امْرَأَتُكَ وَتَمُوْتُ، وَيَبْقَى وَلَدُهَا. فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُل، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً. فَمَا لَبِثَ أَنَّ وُلِدَ لَهُ، وَمَاتَتِ امْرَأَتُهُ (4) . قَالَ: وَدَخَلَ آخَرُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي وَجَارِيَةً سَوْدَاءَ نَأْكُلُ فِي قَصْعَةٍ   (1) تاريخ الخطيب 5 / 334 وابن عساكر 15 / 226 ب. (2) ابن عساكر 15 / 227 ب، وأورده بسياق آخر 227 آ. (3) ابن عساكر 15 / 227 ب، والاباضية: قوم من الخوارج. راجع التاج (أبض) . (4) ابن عساكر 15 / 227 ب، 228 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 سَمَكَةً. قَالَ: أَتُهَيِّئُ لِي طَعَاماً وَتَدْعُوْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَفَعَلَ، فَلَمَّا وُضِعَتِ المَائِدَةُ، إِذَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ سِيْرِيْنَ: هَلْ أَصَبْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَادْخُلْ بِهَا المَخْدَعَ. فَدَخَلَ، وَصَاحَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، رَجُلٌ -وَاللهِ-. فَقَالَ: هَذَا الَّذِي شَارَكَكَ فِي أَهْلِكَ (1) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ بنِ حَفْصٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ الجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتِ الثُّرَيَّا. قَالَ: هَذَا الحَسَنُ يَمُوْتُ قَبْلِي، ثُمَّ أَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَرْفَعُ مِنِّي (2) . قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ فِي التَّعْبِيْرِ عَجَائِبُ يَطُوْلُ الكِتَابُ بِذِكْرِهَا، وَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ تَأْيِيْدٌ إِلَهِيٌّ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، قَالَ: كَانَ لِمُحَمَّدٍ سَبْعَةُ أَوْرَادٍ، فَإِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ، قَرَأَهُ بِالنَّهَارِ (3) . حَمَّادٌ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ مُحَمَّداً كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ (4) . قُلْتُ: كَانَ مَشْهُوْراً بِالوَسْوَاسِ. قَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: رَأَيْتُهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، بَلَغَ عَضَلَةَ سَاقَيْهِ (5) . قَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ كُنْيَتَهَ: أَبُو بَكْرٍ، وَرَأَيْتُهُ يَتَخَتَّمُ فِي الشِّمَالِ (6) .   (1) أورده ابن عساكر 15 / 228 آمطولا. (2) ابن عساكر 15 / 228 آ، وانظر الحلية 2 / 277. (3) ابن عساكر 15 / 221 آ، وما بين الحاصرتين من تاريخ المؤلف وابن عساكر. وأورد أبو نعيم في الحلية 2 / 271، 272 بنحوه. (4) ابن سعد 7 / 200. (5) ابن سعد 7 / 203. (6) انظر ابن سعد 7 / 203. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: سَمِعْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ: عَقَقْتُ عَنْ نَفْسِي بُخْتِيَّةً (1) . وَقَالَ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَلْبَسُ طَيْلَسَاناً، وَيَلْبَسُ كِسَاءً أَبْيَضَ فِي الشِّتَاءِ، وَعِمَامَةً بَيْضَاءَ وَفَرْوَةً (2) . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الثَّمِيْنَةَ، وَالطَّيَالِسَ، وَالعَمَائِمَ (2) . يَحْيَى بنُ خُلَيْفٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَتَعَمَّمُ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ لاَطِيَةٍ، قَدْ أَرْخَى ذَوَائِبَهَا مِنْ خَلْفِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ (2) . قَالَ أَبُو الأَشْهَبِ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَ كَتَّانٍ (2) . مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: رَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَخْضِبُ بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ، وَرَأَيْتُهُ لاَ يُحْفِي شَارِبَهُ (3) . قَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: أَمَرَ ابْنُ سِيْرِيْنَ سُوَيْداً أَنْ يَجْعَلَ لَهُ حُلَّةً حِبَرَةً يُكَفَّنُ فِيْهَا (4) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيْرِيْنَ، قَالَتْ: كَانَتْ وَالِدَةُ مُحَمَّدٍ حِجَازِيَّةً، وَكَانَ يُعْجِبُهَا الصِّبْغُ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا اشْتَرَى لَهَا ثَوْباً، اشْتَرَى أَلْيَنَ مَا يَجِدُ، فَإِذَا كَانَ عِيْدٌ، صَبَغَ لَهَا ثِيَاباً، وَمَا رَأَيْتُهُ رَافِعاً صَوْتَهُ عَلَيْهَا، كَانَ إِذَا كَلَّمَهَا كَالمُصْغِي إِلَيْهَا (5) .   (1) انظر ابن سعد 7 / 204، وعققت: من عق فلان عن ابنه: إذا ذبح عنه شاة يوم أسبوعه. والبختية: الانثى من الجمال البخت (طوال الاعناق) . (لسان) . (2) ابن سعد 7 / 204. (3) انظر ابن سعد 7 / 204 و205. (4) ابن سعد 7 / 205. (5) ابن سعد 7 / 198 وابن عساكر 15 / 223 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ مُحَمَّداً كَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّهِ لَوْ رَآهُ رَجُلٌ لاَ يَعْرِفُهُ، ظَنَّ أَنَّ بِهِ مَرَضاً مِنْ خَفْضِ كَلاَمِهِ عِنْدَهَا (1) . أَزْهَرُ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلاً بِسَيِّئَةٍ، ذَكَرَهُ هُوَ بِأَحْسَنِ مَا يَعْلَمُ. وَجَاءهُ نَاسٌ، فَقَالُوا: إِنَّا نِلْنَا مِنْكَ، فَاجْعَلْنَا فِي حِلٍّ. قَالَ: لاَ أُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً حَرَّمَهُ اللهُ (2) . جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَشْتَرِيَ البَزَّ، فَأَتَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ بِالكُوْفَةِ، فَسَاوَمْتُهُ، فَجَعَلَ إِذَا بَاعَنِي صِنْفاً مِنْ أَصْنَافِ البَزِّ، قَالَ: هَلْ رَضِيْتَ؟ فَأَقُوْلُ: نَعَمْ. فَيُعِيْدُ ذَلِكَ عَلَيَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلَيْنِ، فَيُشْهِدُهُمَا، وَكَانَ لاَ يَشْتَرِي وَلاَ يَبِيْعُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الحَجَّاجِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَرَعَهُ، مَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِنْ حَاجَتِي أَجِدُهُ عِنْدَهُ إِلاَّ اشْتَرَيْتُهُ، حَتَّى لَفَائِفَ البَزِّ (3) . أَبُو كُدَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ إِذَا وَقَعَ عِنْدَهُ دِرْهَمُ زَيْفٍ أَوْ سُتُّوْقٍ، لَمْ يَشْتَرِ بِهِ، فَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَعِنْدَهُ خَمْسُ مائَةٍ زُيُوْفاً وَسُتُّوْقَةً (4) . عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَانَتْ وَصِيَّةُ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ: ذَكَرَ مَا أَوْصَى بِهِ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَمْرَةَ أَهْلَهُ وَبَنِيْهِ؛ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِم، وَأَنْ يُطِيْعُوا اللهَ وَرَسُوْلَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِيْنَ، وَأَوْصَاهُم بِمَا أَوْصَى بِهِ: { ... إِبْرَاهِيْمُ بَنِيْهِ وَيَعْقُوْبُ: يَا بَنِيَّ، إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّيْنَ، فَلاَ تَمُوْتُنَّ   (1) ابن عساكر 15 / 223 آ. (2) ابن سعد 7 / 200، وانظر الحلية 2 / 263. (3) ابن سعد 7 / 202 وابن عساكر 15 / 219 ب. (4) ابن سعد 7 / 201، 202. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُوْنَ} [البَقَرَةُ: 132] ، وَأَوْصَاهُم أَنْ لاَ يَدَعُوا أَنَّ يَكُوْنُوا إِخْوَانَ الأَنْصَارِ وَمَوَالِيَهُم فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّ العَفَافَ وَالصِّدْقَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَكْرَمُ مِنَ الزِّنَى وَالكَذِبِ، وَأَوْصَى فِيْمَا تَرَكَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ قَبْلَ أَنْ أُغَيِّرَ وَصِيَّتِي ... ، فَذَكَرَ الوَصِيَّةَ (1) . مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَمَّا ضَمِنْتُ عَلَى أَبِي دَيْنَهُ، قَالَ لِي: بِالوَفَاءِ؟ قُلْتُ: بِالوَفَاءِ. فَدَعَى لِي بِخَيْرٍ، فَقضَى عَبْدُ اللهِ عَنْهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَمَا مَاتَ عَبْدُ اللهِ حَتَّى قَوَّمْنَا مَالَهُ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ نَحْوَهَا (2) . قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: أَنَا زَرَرْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ القَمِيْصَ -يَعْنِي: لَمَّا كَفَّنَهُ (3) -. وَرَوَى: أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ يُجْعَلَ لِقَمِيْصِ المَيِّتِ أَزْرَارٌ، وَيُكَفَّ (4) . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِمائَةِ يَوْمٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: مَاتَ ابْنُ سِيْرِيْنَ لِتِسْعٍ مَضَيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ (5) . أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ تَآخَيَا، فَتَعَاهَدَا إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا وَجَدَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، فَرَآهُ   (1) ابن سعد 7 / 205، وابن عساكر 15 / 228 ب. (2) ابن سعد 7 / 205. (3) ابن سعد 7 / 206، وانظر 205، وما بين الحاصرتين من تاريخ المؤلف. (4) ابن سعد 7 / 205. (5) ابن عساكر 15 / 230 آ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 الآخَرُ فِي النَّوْمِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ؟ قَالَ: ذَاكَ مَلَكٌ فِي الجَنَّةِ لاَ يَعْصِي. قَالَ: فَابْنُ سِيْرِيْنَ؟ قَالَ: ذَاكَ فِيْمَا شَاءَ وَاشْتَهَى، شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. قَالَ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَدْرَكَ الحَسَنَ؟ قَالَ: بِشِدَّةِ الخَوْفِ وَالحُزْنِ (1) . جَمَاعَةٌ: سَمِعُوا المُحَارِبِيَّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ دِيْنَارٍ، قَالَ: كَانَ الحَكَمُ بنُ جَحْلٍ صَدِيْقاً لابْنِ سِيْرِيْنَ، فَحَزِنَ عَلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ حَتَّى كَانَ يُعَادُ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ فِي حَالِ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْتُهُ لَمَّا سَرَّنِي: مَا فَعَلَ الحَسَنُ؟ قَالَ: رُفِعَ فَوْقِي سَبْعِيْنَ دَرَجَةً. قُلْتُ: بِمَ؟ فَقَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّكَ فَوْقَهُ! قَالَ: بِطُوْلِ الحُزْنِ (2) . وَقَدْ كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَشَارَ عَلَيْهِ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى البَصْرَةِ، لِلُقِيِّ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَأَتَى، فَوَجَدَهُ فِي مَرَضِ المَوْتِ، فَعَادَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وَبَلَغَنِي أَنَّ اسْمَ أُمِّهِ: صَفِيَّةُ، مَوْلاَةٌ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. 247 - أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ * (ع) كَان آخِرَهُم مَوْتاً، أُدْخِلَ عَلَى زَيْدِ (3) بنِ ثَابِتٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: جُنْدُبٍ البَجَلِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوْقٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ عَوْنٍ، وَخَالِدٌ، وَشُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَهَمَّامٌ، وَأَبَانٌ العَطَّارُ، وَخَلْقٌ.   (1) ابن عساكر 15 / 230 آ، ب، وما بين الحاصرتين من التاريخ للمؤلف. (2) ابن عساكر 15 / 230 ب. (*) طبقات ابن سعد 7 / 207، طبقات خليفة ت 1777، المعارف 442، أخبار القضاة 2 / 382، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 287، تاريخ ابن عساكر 3 / 73 ب تهذيب الكمال ص 124، تاريخ الإسلام 4 / 233، العبر 1 / 151، تذهيب التهذيب 1 / 73 آ، مرآة الجنان 1 / 256، تهذيب التهذيب 1 / 374، خلاصة تذهيب التهذيب 40، شذرات الذهب 1 / 157، تهذيب ابن عساكر 3 / 138. (3) في الأصل: " يزيد " تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ (1) -. جَاءَ فِي الأَصْلِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ مَا نَصُّهُ: تَمَّ الجُزءُ الرَّابِعُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) لِلشَّيْخِ الإِمَامِ الحُجَّةِ شَمْسِ الدِّيْنِ بنِ الذَّهَبِيِّ، فسح الله فِي مدَّته. وَهُوَ أَوَّلُ نُسْخَةٍ نُسِخَتْ مِنْ خَطِّ المُصَنِّفِ وَقُوْبِلَتْ عَلَيْهِ. وَيَتلُوهُ فِي الجُزْءِ الَّذِي يَلِيْهِ وَهُوَ الخَامِسُ: أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ نَسْخِهِ فِي سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيُّهِ، وَخِيرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ وَسَلَّمَ المُجَلَّدُ الخَامِسُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 الْجُزْءُ الْخَامِسُ 1 - أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ * (ع) . عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، قَاضِي الكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَآخَرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ أَبُو بُرْدَةَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَابْنُهُ؛ بِلاَلُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ الأَمِيْرُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ، وَأَبُو يُوْسُفَ، وَحُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ أَبِي المُسَاوِرِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، حُجَّةً بِاتِّفَاقٍ، اسْمُهُ عَامِرٌ - فِيْمَا قِيْلَ - وَوَلِيَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ بَعْدَ شُرَيْحٍ مُدَّةً، ثُمَّ عَزَلَهُ الحَجَّاجُ، وَوَلَّى أَخَاهُ؛ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي مُوْسَى. عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ (1) القِتْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 268، طبقات خليفة 68، تاريخ خليفة 330، الجرح والتعديل 6 / 325، تاريخ ابن عساكر 371، 392، وفيات الأعيان 3 / 10، 12، تهذيب الكمال 1578، تذكرة الحفاظ 1 / 95، تذهيب التهذيب 4 / 199، تاريخ الإسلام 4 / 216، دول الإسلام 73، العبر 1 / 128، الوافي بالوفيات 4 / 142، تهذيب التهذيب 12 / 18، النجوم الزاهرة 1 / 199، 252، خلاصة تذهيب الكمال 443، تهذيب ابن عساكر 7 / 168. (1) واسمه عبد الله بن عياش القتباني، وهو ضعيف، ضعفه أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وباقي رجال الإسناد ثقات. والخبر في تاريخ دمشق ص 387. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 المُهَلَّبِ وَلِيَ خُرَاسَانَ، فَقَالَ: دُلُّوْنِي عَلَى رَجُلٍ كَامِلٍ بِخِصَالِ الخَيْرِ. فَدُلَّ عَلَى أَبِي بُرْدَةَ، فَلَمَّا رَآهُ، رَأَى رَجُلاً قَانِعاً، فَلَمَّا كَلَّمَهُ، رَأَى مِنْ مَخْبَرِهِ أَفْضَلَ مِنْ مَرْآهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي وَلَّيْتُكَ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَمَلِي. فَاسْتَعْفَاهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ تَولَّى عَمَلاً - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ - فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) . أَخْرَجَهُ: الرُّوْيَانِيُّ (1) فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي؛ أَبُو مُوْسَى إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ لأَتَعَلَّمَ مِنْهُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ أَبُو بُرْدَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ. فَأَمَّا أَخُوْهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ القَاضِي المَذْكُوْرُ، فَهُوَ كُوْفِيٌّ، عُثْمَانِيٌّ، عَالِمٌ، ثِقَةٌ، حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ، وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، وَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ، وَلاَّهُ الحَجَّاجُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، وَعَاشَ بَعْدَ أَخِيْهِ أَبِي بُرْدَةَ قَلِيْلاً، حَدِيْثُهُمَا فِي الكُتُبِ. وَأَمَّا الأَمِيْرُ بِلاَلُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ (2) ، فَوُلِّيَ أَيْضاً عَلَى البَصْرَةِ، وَكَانَ جَلِيْلاً،   (1) هو الامام أبو بكر محمد بن هارون صاحب المسند المشهور مات سنة سبع وثلاث مئة " تذكرة الحفاظ " 2 / 752، 753. (2) ترجمته في " تهذيب الكمال " 164، 167، " وتهذيب التهذيب " 1 / 500، و" خزانة الأدب " 1 / 452 و" تهذيب ابن عساكر " 3 / 318. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 كَرِيْماً، مَدَحَهُ ذُوْ الرُّمَّةِ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ جُذَامٌ، فَكَانَ يَنْتَقِعُ فِي السَّمْنِ الكَثِيْرِ (1) ، وَلَمَّا وَلِي يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ (2) العِرَاقَ، أَخَذَ بِلاَلاً، وَعَذَّبَهُ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بُرْدَةَ افْتَخَرَ يَوْماً بِأَبِيْهِ، وَبِصُحْبَتِه، فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لأَبِي مُوْسَى مَنْقَبَةٌ إِلاَّ أَنَّهُ حَجَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَامْتَعَضَ لَهَا أَبُو بُرْدَةَ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ مَا حَجَمَ أَحَداً غَيْرَهُ. فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: كَانَ أَبُو مُوْسَى أَوْرَعَ مِنْ أَنْ يُجَرِّبَ الحِجَامَةَ فِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَسَكَتَ أَبُو بُرْدَةَ عَلَى حَنَقٍ. 2 - أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ سَلْمَانُ الكُوْفِيُّ * (ع) صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ. وَاسْمُهُ: سَلْمَانُ الكُوْفِيُّ، مَوْلَى عَزَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرَ، وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ. رَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَفُرَاتٌ القَزَّازُ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ.   (1) في " تهذيب الكمال " عن المدائني قال: كان بلال قد خاف الجذام، فوصف له السمن يستنقع فيه، فكان يفعل ثم يأمر بذلك السمن، فيباع، فتنكب الناس شراء السمن بالبصرة. (2) انظر ترجمته وخبر تعذيبه بلالا في " وفيات الأعيان " 7 / 101، 112، وقد قالوا: إنه أول من أظهر الجور من القضاة في الحكم، وكان يقول: إن الرجلين ليختصمان إلي، فأجد أحدهما أخف على قلبي، فأقضي له. (*) طبقات ابن سعد 6 / 294، التاريخ الكبير 4 / 137، الجرح والتعديل 4 / 297، تهذيب الكمال: 525، تهذيب التهذيب 2 / 41 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 73، 74، تهذيب التهذيب 4 / 140، خلاصة تذهيب الكمال: 147. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: نُعِيْمُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ كَيْسَانَ، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ. مَاتَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ مائَةٍ. يُقَالُ: إِنَّهُ جَالَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِيْنَ. 3 - أَبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ، وَعُلَمَائِهِم. اسْمُهُ: كُنْيَتُهُ عَلَى الأَشْهَرِ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: هَرِمٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: عَمْرٌو كَأَبِيْهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ، فَسُمِّيَ أَبُو زُرْعَةَ بِاسْمِهِ. قِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى عَلِيّاً. وَحَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَخَرَشَةَ بنِ الحُرِّ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمُّهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَحَفِيْدَاهُ؛ جَرِيْرٌ وَيَحْيَى ابْنَا أَيُّوْبَ بنِ أَبِي زُرْعَةَ، وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ العُكْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ، وَمُوْسَى الجُهَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ التَّيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً، شَرِيْفاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، وَفَدَ مَعَ جَدِّهِ جَرِيْرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ. 4 - أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ البَصْرِيُّ عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ ** (ع) مُحَدِّثٌ، إِمَامٌ، اسْمُهُ: عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ. وَقِيْلَ: إِنَّ دَاوُدَ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 297، طبقات خليفة 158، الجرح والتعديل 9 / 374، تهذيب الكمال: 1605 تهذيب التهذيب 4 / 213 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 74، تهذيب التهذيب 12 / 99، خلاصة تهذيب الكمال 450. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 225، طبقات خليفة 206، التاريخ الكبير 6 / 273، الجرح والتعديل 6 / 184، تهذيب الكمال: 970، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 223، تهذيب التهذيب 12 / 99، خلاصة تذهيب الكمال: 450. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَجَابِرٍ. وَعَنْهُ: قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، وَأَبُو عَقِيْلٍ بَشِيْرُ بنُ عُقْبَةَ، وَعِدَّةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَى ثِقَتِهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. 5 - سَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مِنْ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ، وَكَانَ زَوْجَ ابْنَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَالمُسْتَورِدِ بنِ الأَحْنَفِ. وَعَنْهُ: زُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ. مَاتَ: بَعْدَ المائَةِ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: فِي الكُهُوْلَةِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ بِضْعٍ وَمائَةٍ، وَلَوْلاَ قِدَمُ مَوْتِهِ، لأَخَّرْتُهُ إِلَى الطَّبَقَةِ الآتِيَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 6 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ ** (ع) حِجَازِيٌّ جَلِيْلٌ، مِنْ مَوَالِي سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 298، طبقات خليفة: 155، تاريخ خليفة: 355، الجرح والتعديل 4 / 89، تهذيب الكمال: 474، تذهيب التهذيب 2 / 10 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 118، تهذيب التهذيب 4 / 478، خلاصة تذهيب الكمال: 135. (* *) طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 3 / 518، الجرح والتعديل 4 / 71، كتاب المجروحين 1 / 362، تهذيب الكمال: 509، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 119، العبر 1 / 123، تهذيب التهذيب 4 / 93، خلاصة تذهيب الكمال: 143، شذرات الذهب 1 / 123. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ: عَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَنَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ، فِي أَوَّلِهَا. قُلْتُ: لَعَلَّهُ تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ. اتَّفَقُوا عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ. وَمَاتَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. فَذَلِكَ مِنْ عَوَالِي (صَحِيْحِهِ) . 7 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبَانٍ الأُمَوِيُّ * (4) ابْنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، أَحَدُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ. رَوَى عَنْ أَبِيْهِ يَسِيْراً. وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَمُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ. قَالَ مُوْسَى التَّيْمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ لِلدِّيْنِ وَالمَمْلَكَةِ وَالشَّرَفِ مِنْهُ. وَقِيْلَ: كَانَ يَشْتَرِي أَهْلَ البَيْتِ، فَيَكْسُوْهُم، وَيُعْتِقُهُم، وَيَقُوْلُ: أَسْتَعِيْنُ بِهِم عَلَى غَمَرَاتِ المَوْتِ (1) ، فَمَاتَ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِهِ. وَقِيْلَ: كَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ   (*) طبقات خليفة 259، الجرح والتعديل 5 / 210، تهذيب الكمال 772، تذهيب التهذيب 2 / 203 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 140، تهذيب التهذيب 6 / 130، خلاصة تذهيب الكمال: 223. (1) نص الخبر في " تهذيب الكمال ": كان عبد الرحمن بن أبان يشتري أهل البيت، ثم يأمر بهم فيكسون، ثم يعرضون عليه، فيقول أنتم أحرار لوجه الله، أستعين بكم على غمرات الموت (*) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَالتَّأَلُّهِ، رَآهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَهُ نُسُكُهُ وَهَدْيُهُ، فَاقْتَدَى بِهِ فِي الخَيْرِ. 8 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ * (ع) ابْنِ قَيْسٍ، أَبُو حَفْصٍ النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ ابْنُ الإِمَامِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ؛ عَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِم. وَأَدْرَكَ أَيَّامَ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَأَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الصَّقْعَبُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَبْعَثُنِي إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا احْتَلَمْتُ، أَتَيْتُهَا، فَنَادَيْتُ مَنْ وَرَاءِ الحِجَابِ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ، مَا يُوْجِبُ الغُسْلَ؟ فَقَالَتْ: أَفَعَلْتَهَا يَا لُكَعُ؟ إِذَا الْتَقَتِ المُوَاسِي (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ: وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْأَلَ كَمَا سَأَلَ إِبْرَاهِيْمُ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: جَرِّدُوا القُرْآنَ. قُلْتُ: كَانَ مِنَ المُتَهِجِّدِيْنَ العُبَّادِ. وَرَوَى: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّهُ عَدَّ عَلَى ابْنِ الأَسْوَدِ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَبْلَ الصَّلاَةِ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 289، طبقات خليفة 157، التاريخ الكبير 5 / 252، الجرح والتعديل 5 / 209، تهذيب الكمال: 776، تذهيب التهذيب 2 / 204 / 2، العبر 1 / 116، تاريخ الإسلام 4 / 24، تهذيب التهذيب 6 / 140. (1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 6 / 289. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 وَرَوَى: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ حَاجّاً، فَاعْتَلَّتْ رِجْلُهُ، فَصَلَّى عَلَى قَدَمٍ حَتَّى أَصْبَحَ. وَقَالَ هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ، وَعُقْبَةُ مَوْلَى أَدِيْمٍ، وَسَعْدٌ أَبُو هِشَامٍ يُحْرِمُوْنَ مِنَ الكُوْفَةِ، وَيَصُوْمُوْنَ يَوْماً، وَيُفْطِرُوْنَ يَوْماً حَتَّى يَرْجِعُوا. وَعَنِ الحَكَمِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الأَسْوَدِ لَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ؟ فَقَالَ: أَسَفاً عَلَى الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ. وَلَمْ يَزَلْ يَتْلُو حَتَّى مَاتَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ: عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَرُوِيَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَامَ حَتَّى أَحْرَقَ الصَّوْمُ لِسَانَهُ. قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. 9 - عِكْرِمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، 4، م مَقْرُوْناً) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، البَرْبَرِيُّ الأَصْلِ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 287، طبقات خليفة: 280، التاريخ الصغير 1 / 257، 258 و2 / 119، مقدمة فتح الباري: 424، 429، تاريخ الفسوي 2 / 5، الجرح والتعديل 7 / 7، طبقات الشيرازي 70، حلية الأولياء 3 / 326 - 347، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 340، وفيات الأعيان 3 / 265، تهذيب الكمال: 954، 957، تذهيب التهذيب 3 / 49 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 95، ميزان الاعتدال 3 / 93، العبر 1 / 131، تاريخ الإسلام 4 / 156، دول الإسلام: 75، العقد الثمين 6 / 123، 125، تهذيب التهذيب 7 / 263، النجوم الزاهرة 1 / 163، طبقات الحفاظ 37، خلاصة تذهيب الكمال: 270، طبقات المفسرين 1 / 380، شذرات الذهب 1 / 130، شرح العلل 1 / 325، 326 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 قِيْلَ: كَانَ لِحُصَيْنِ بنِ أَبِي الحُرِّ العَنْبَرِيِّ، فَوَهَبَهُ لابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ - وَذَلِكَ فِي (النَّسَائِيِّ) ، وَأَظُنُّهُ مُرْسَلاً - وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَالحَجَّاجِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْ: يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ - وَمَاتَا قَبْلَهُ - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرٍ الدَّارِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَقَتَادَةُ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ الحِمْصِيُّ، وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرٌ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَالحَسَنُ بنُ زَيْدٍ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبَّاسِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ أَبَانٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَدَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ، وَأَبُو الجَحَّافِ دَاوُدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ الحُرَيْثِ، وَزَيْدٌ أَبُو أُسَامَةَ الحَجَّامُ، وَزَيْدٌ مَوْلَى قَيْسٍ الحَذَّاءِ، وَسَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَسُفْيَانُ بنُ دِيْنَارٍ التَّمَّارُ، وَسُفْيَانُ بنُ زِيَادٍ العُصْفُرِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَسَلَمَةُ بنُ وَهْرَامَ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَصَالِحُ بنُ رُسْتُمَ الخَزَّازُ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الحِمْصِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، وَعَاصِمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الأَحْوَلُ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَأَبُو حَرِيْزٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، وَابْنُ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ - مُرْسَلٌ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَشِيْرٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ صَفْوَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، وَعُثْمَانُ الشَّحَّامُ، وَعُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعُقَيْلٌ الأَيْلِيُّ، وَعِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَعُمَارَةُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَعُمَرُ بنُ عَطَاءِ بنِ وَرَازٍ، وَعُمَرُ بنُ فَرُّوْخٍ العَبْدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى المُطَّلِبِ، وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ الجَنَدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ هَرِمٍ، وَالفَضْلُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَفَضْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَقُبَاثُ بنُ رَزِيْنٍ اللَّخْمِيُّ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ النُّعْمَانِ اليَشْكُرِيُّ، وَمَهْدِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ الغَافِقِيُّ، وَمُوْسَى بنُ مُسْلِمٍ الطَّحَّانُ، وَنِزَارُ بنُ حَيَّانَ، وَالنَّضْرُ أَبُو عُمَرَ الخَزَّازُ، وَنُوْحُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ النَّحْوِيُّ، وَأَبُو الأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. رَوَى: حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: طَلَبْتُ العِلْمَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكُنْت أُفْتِي بِالبَابِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي الدَّارِ. وَرَوَى: الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيْتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَضَعُ فِي رِجْلِي الكَبْلَ (1) عَلَى تَعَلِيْمِ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وَرَوَى: يَزِيْدُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَأَفْتِ النَّاسَ، وَأَنَا لَكَ عَوْنٌ. قُلْتُ: لَوْ أَنَّ هَذَا النَّاسَ مِثْلُهُم مَرَّتَيْنِ، لأَفْتَيْتُهُم.   (1) الكبل: القيد من أي شيء كان، وفي قصيدة كعب: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول. أي: مقيد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 قَالَ: انْطَلِقْ، فَأَفْتِهِم، فَمَنْ جَاءكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا يَعْنِيْهِ، فَأَفْتِهِ، وَمَنْ سَأَلَكَ عَمَّا لاَ يَعْنِيْهِ، فَلاَ تُفْتِهِ، فَإِنَّكَ تَطْرَحُ عَنْكَ ثُلُثَيْ مُؤْنَةِ النَّاسِ. قَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ، طَرَفُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَدْ أَدَارَهَا تَحْتَ لِحْيَتِهِ، وَقَمِيْصُهُ إِلَى الكَعْبَيْنِ، وَكَانَ رِدَاؤُهُ أَبْيَضَ، وَقَدِمَ عَلَى بِلاَلِ بنِ مِرْدَاسٍ - وَكَانَ عَلَى المَدَائِنِ (1) - فَأَجَازَهُ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ، فَقَبَضَهَا مِنْهُ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: عِكْرِمَةُ: مِنْ سُكَّانِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ كَانَ سَكَنَ مَكَّةَ، قَدِمَ مِصْرَ. قُلْتُ: كَانَ كَثِيْرَ الأَسْفَارِ. قَالَ: وَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَّاسِ الغَافِقِيِّ، وَصَارَ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ أَعْلَمَ شَاكِرْدِيِّ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالتَّفْسِيْرِ (2) ، وَكَانَ يَدُوْرُ البُلْدَانَ يَتَعَرَّضُ. وَقَدِمَ مَرْوَ عَلَى مَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي السَّرَّاجِيْنَ فِي دُكَّانِ أَبِي سَلَمَةَ السَّرَاجِ مُغِيْرَةَ بنِ مُسْلِمٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى بَغْلَةٍ خَضْرَاءَ. وَقَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ: عَنْ ضِمَادِ بنِ عَامِرٍ القَسْمَلِيِّ، عَنِ الفَرَزْدَقِ بنِ جَوَّاسٍ الحِمَّانِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ بِجُرْجَانَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ، فَقُلْنَا لِشَهْرٍ: أَلاَ نَأْتِيْهِ؟ قَالَ: ائْتُوْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهَا حَبْرٌ، وَإِنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ: لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ الجُنْدَ، أَهْدَى لَهُ طَاوُوْسٌ نُجُباً بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً. فَقِيْلَ لِطَاوُوْسٍ: مَا يَصْنَعُ هَذَا العَبْدُ بِنُجُبٍ بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً؟ قَالَ: أَتَرَوْنِي لاَ أَشْتَرِي عِلْمَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً لِعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ، فَبَاعَهُ   (1) المدائن: قرب بغداد تبعد عنها سبعة فراسخ على حافتي دجلة، كانت مسكن الملوك من الاكاسرة الساسانية، وفتحت على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في صفر في خلافة عمر رضي الله عنه. (2) شاكردي: كلمة فارسية معناها: التلميذ والخادم، والمعنى: كان عكرمة أعلم تلاميذ ابن عباس بالتفسير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ. فَقِيْلَ لَهُ: تَبِيْعُ عِلْمَ أَبِيْكَ؟! فَاسْتَرَدَّهُ. رَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي سَبْرَةَ، قَالَ: بَاعَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ مِنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: مَا خِيْرَ لَكَ، بِعْتَ عِلْمَ أَبِيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ؟! فَاسْتَقَالَهُ، فَأَقَالَهُ، وَأَعْتَقَهُ. دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الآيَةَ: {لِمَ تَعِظُوْنَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَاباً شَدِيْداً} [الأَعْرَافُ: 164] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَدْرِ، أَنَجَا القَوْمُ أَمْ هَلَكُوا؟ قَالَ: فَمَا زِلْتُ أُبَيِّنُ لَهُ أُبَصِّرُهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُم قَدْ نَجَوْا. قَالَ: فَكَسَانِي حُلَّةً. ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، إِذْ جَاءَ عِكْرِمَةُ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، أُذَكِّرُكَ اللهَ، هَلْ سَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: مَا حَدَّثَكُم عَنِّي عِكْرِمَةُ، فَصَدِّقُوْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: نَعَمْ. قَالَ أَيُّوْبُ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: دَفَعَ إِلَيَّ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ مَسَائِلَ، أَسْأَلُ عِكْرِمَةَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: هَذَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا البَحْرُ، فَسَلُوْهُ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ أَبَا الشَّعْثَاءِ يَقُوْلُ: هَذَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا أَعْلَمُ النَّاسِ. قَالَ سُفْيَانُ: الوَجْهُ الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهِ عِكْرِمَةُ المَغَازِي، إِذَا تَكَلَّم فَسَمِعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَيْهِم يَرَاهُم. مُغِيْرَةُ: قِيْلَ لِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، عِكْرِمَةُ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: تَزَوَّجَ عِكْرِمَةُ أُمَّ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَلَمَّا قُتِلَ سَعِيْدٌ (1) ، قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.   (1) قتله شقي هذه الأمة الحجاج بن يوسف الثقفي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ عِكْرِمَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: الحَسَنُ، وَأَعْلَمُهُم بِالمَنَاسِكِ: عَطَاءٌ، وَأَعْلَمُهُم بِالتَّفْسِيْرِ: عِكْرِمَةُ. وَرَوَى: سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ أَعْلَمَ التَّابِعِيْنَ أَرْبَعَةٌ: كَانَ عَطَاءٌ أَعْلَمَهُم بِالمَنَاسِكِ، وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ أَعْلَمَهُم بِالتَّفْسِيْرِ، وَكَانَ عِكْرِمَةُ أَعْلَمَهُم بِسِيْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ الحَسَنُ أَعْلَمَهُم بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ. رَوَى: حَاتِمُ بنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: اجْتَمَعَ حُفَّاظُ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْهُم: سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ عَلَى عِكْرِمَةَ، فَأَقْعَدُوْهُ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُوْنَهُ عَنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكُلَّمَا حَدَّثَهُم حَدِيْثاً، قَالَ سَعِيْدٌ: هَكَذَا، يَعْقِدُ ثَلاَثِيْنَ، حَتَّى سُئِلَ عَنِ الحُوْتِ (1) ؟ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ يُسَايِرُهُمَا فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ المَاءِ. فَقَالَ سَعِيْدٌ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَا يَحْمِلاَنِهِ فِي مِكْتَلٍ. فَقَالَ أَيُّوْبُ: أُرَاهُ كَانَ يَقُوْلُ القَوْلَيْنِ جَمِيْعاً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ اخْتَلَفَا فِي رَجُلٍ مِنَ المُسْتَهْزِئِيْنَ. فَقَالَ سَعِيْدٌ: الحَارِثُ بنُ غَيْطَلَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَارِثُ بنُ قَيْسٍ. فَقَالَ: صَدَقَا جَمِيْعاً، كَانَتْ أُمُّهُ تُدْعَى غَيْطَلَةَ (2) ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُدْعَى قَيْساً.   (1) يريد الحوت الذي نسيه موسى وفتاه حين بلغا مجمع البحرين، والضحضاح: مارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، وقد استعير للنار في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه " أخرجه البخاري 7 / 149، ومسلم (210) . (2) وهو كذلك في تفسير الطبري 14 / 70، وفي سيرة ابن هشام 1 / 409: الحارث بن الطلاطلة. قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والاذى والاستهزاء. وذكر عظماء المستهزئين، ثم قال: فلما تمادوا في الشر، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى عليه (فاصدع بما تؤمر وأعرض = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 أَبُو سِنَانٍ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسَةٌ لاَ يَجْتَمِعُ مِثْلُهُم أَبَداً: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، فَأَقْبَلَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيْدٌ يُلْقِيَانِ عَلَى عِكْرِمَةَ التَّفْسِيْرَ، فَلَمْ يَسْأَلاَهُ عَنْ آيَةٍ إِلاَّ فَسَّرَهَا لَهُمَا. فَلَمَّا نَفِدَ مَا عِنْدَهُمَا، جَعَلَ يَقُوْلُ: أُنْزِلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَآيَةُ كَذَا فِي كَذَا. قَالَ: ثُمَّ دَخَلُوا الحَمَّامَ لَيْلاً. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ سِتَّةٌ: مُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيْدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَجَابِرُ بنُ زَيْدٍ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: لَوْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّ الحَسَنَ تَرَكَ كَثِيْراً مِنَ التَّفْسِيْرِ حِيْنَ دَخَلَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ البَصْرَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، لَصَدَقْتُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: خُذُوا التَّفْسِيْرَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ. قَالَ أَيُّوْبُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنِّي لأَخْرُجُ إِلَى السُّوْقِ، فَأَسْمَعُ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، فَيَنْفَتِحُ لِي خَمْسُوْنَ بَاباً مِنَ العِلْمِ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: قَالَ لِي ابْنُ جُرَيْجٍ: قَدِمَ عَلَيْكُم عِكْرِمَةُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَكَتَبْتُم عَنْهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاتَكُم ثُلُثَا العِلْمِ. وَقَالَ أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: مَا لَكُم لاَ تَسْأَلُوْنِي، أَفْلَسْتُم؟ أُمَيَّةُ بنُ شِبْلٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ، فَاجْتَمَعَ النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتٍ. مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: كُنْتُ أُرِيْدُ أَنْ أَرْحَلَ إِلَى عِكْرِمَةَ، إِلَى أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ، فَإِنِّي لَفِي سُوْقِ البَصْرَةِ، إِذَا رَجُلٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقِيْلَ لِي: عِكْرِمَةُ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَمَا قَدِرْتُ عَلَى شَيْءٍ أَسْأَلُهُ، ذَهَبَتْ مِنِّي المَسَائِلُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِ حِمَارِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُوْنَهُ، وَأَنَا أَحْفَظُ. وَعَنْ أَيُّوْبَ - وَسُئِلَ عَنْ عِكْرِمَةَ - فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي ثِقَةً، لَمْ أَكْتُبْ   = عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) [الحجر: 95] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 عَنْهُ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: قِيْلَ لأَيُّوْبَ: أَكُنْتُم تَتَّهِمُوْنَ عِكْرِمَةَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَلَمْ أَكُنْ أَتَّهِمُهُ. الأَعْمَشُ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: مَرَّ عِكْرِمَةُ بِعَطَاءٍ وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ يُحَدِّثهُم، فَلَمَّا قَامَ، قُلْتُ لَهُم: مَا تُنْكِرَانِ مِمَّا حَدَّثَ شَيْئاً؟ قَالاَ: لاَ. شَيْبَانُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ يَقُوْلُ: إِنَّكُم لَتُحَدِّثُوْنَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيْثَ، لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ مَا حَدَّثَ بِهَا. قَالَ: فَجَاءَ عِكْرِمَةُ، فَحَدَّثَ بِتِلْكَ الأَحَادِيْثِ كُلِّهَا، وَالقَوْمُ سُكُوْتٌ، فَمَا تَكَلَّمَ سَعِيْدٌ. ثُمَّ قَامَ عِكْرِمَةُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: فَعَقَدَ ثَلاَثِيْنَ، وَقَالَ: أَصَابَ الحَدِيْثَ. قَالَ أَيُّوْبُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: أَرَأَيْتَ هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يُكَذِّبُوْنِي مِنْ خَلْفِي، أَفَلاَ يُكَذِّبُوْنِي فِي وَجْهِي؟! حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ: عَنْ أَرْطَاةَ بنِ أَبِي أَرْطَاةَ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ القَوْمَ، وَفِيْهِم سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِلْعِلْمِ ثَمَناً، فَأَعْطُوْهُ ثَمَنَهُ. قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: أَنْ تَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يُحْسِنُ حِفْظَهُ وَلاَ يُضَيِّعُهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: لَقِيْتُ عِكْرِمَةَ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، قُلْتُ: أَيَحْفَظُ هَذَا مِنْ حَدِيْثِكَ شَيْئاً؟ قَالَ: إِنَّهُ يُقَالُ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي عَالِمٍ أَهْلُهُ. قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوْبَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِعِكْرِمَةَ: فُلاَنٌ قَذَفَنِي فِي النَّوْمِ. قَالَ: اضْرِبْ ظِلَّهُ ثَمَانِيْنَ. عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى السُّؤَّالَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، سَبَّهُم، وَيَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسُبُّهُم، وَيَقُوْلُ: لاَ تَشْهَدُوْنَ جُمُعَةً وَلاَ عِيْداً إِلاَّ لِلْمَسْأَلَةِ وَالأَذَى، وَإِذَا كَانَتْ رَغْبَةُ النَّاسِ إِلَى اللهِ، كَانَتْ رَغْبْتُهُم إِلَى النَّاسِ. قُلْتُ: فَكَيْفَ إِذَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ غِنَىً مَا عَنِ السُّؤَالِ، وَقُوَّةٌ عَلَى التَّكَسُّبِ. وَقَدْ نَقَمُوا عَلَى هَذَا العَالِمِ أَخْلاَقاً وَآرَاءً. وَرَوَى: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ الحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، قَالَ: أَفَلاَ تُكْرَهُ لَهُ الخِرَاءةُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ هَيَّجَ عِكْرِمَةَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ، قُلْتُ لَهُ: أَنَا أَعْرِفُ قَوْماً لَوْ أَتَيْتَهُم. قَالَ: فَلَقِيَنِي جَلِيْسٌ لَهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا عِكْرِمَةُ يَتَجَهَّزُ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِم، اتَّهَمُوْهُ. قَالَ: وَكَانَ قَلِيْلَ العَقْلِ، خَفِيْفاً، كَانَ قَدْ سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْهُ بَعْدُ، فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنِ الآخَرِ، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: مَا أَكْذَبَهُ! فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَوَرَعٌ - فَقَالَ: لاَ بَأْسَ، أَنَا أَشْفِيْكُم مِنْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: صَدَقْتَ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَكَذَا. قَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ بِرَأْيِ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ (1) ، وَأَتَاهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ جَاءَ الخَبِيْثُ. سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ سَبَّبَ لِعِكْرِمَةَ الخُرُوْجَ إِلَى المَغْرِبِ، وَذَلِكَ أَنِّي قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلَقِيَنِي عِكْرِمَةُ، وَسَأَلَنِي عَنْ أَهْلِ المَغْرِبِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِغَفْلَتِهِم. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَحْدَثَ فِيْهِم رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ (2) .   (1) هو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة رأس الفرقة النجدية، ويعرف أصحابها بالنجدات، انفرد عن سائر الخوارج بآراء والحرورية: نسبة إلى حروراء: موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه. وقدم نجدة مكة، وقتل سنة 69 هـ، وله مقالات معروفة، وأتباع انقرضوا، مترجم في " تاريخ الإسلام " 3 / 88، و" لسان الميزان " 6 / 148، و" شذرات الذهب " 1 / 76. وقد قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص 427 وهو يرد عن عكرمة ما ألصق به: لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل، فنسبوه إليهم، وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتاب " الثقات " له: عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه الناس به من الحرورية. وقال ابن جرير: ولو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة، ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه. (2) هم فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الاصفر، وقولهم كقول الازارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون، إلا أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ولا نسائهم، وقالوا: كل ذنب له حد معلوم في = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَدِمَ عِكْرِمَةُ مِصْرَ، وَنَزَلَ هَذِهِ الدَّارَ، وَخَرَجَ إِلَى المَغْرِبِ، فَالخَوَارِجُ الَّذِيْنَ بِالمَغْرِبِ عَنْهُ أَخَذُوا. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى رَأْيَ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عِكْرِمَةَ -يَعْنِي فِي (المُوَطَّأِ) -. قَالَ: لأَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَنْتَحِلُ رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ. وَرَوَى: عُمَرُ بنُ قَيْسٍ المَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ إِبَاضِيّاً (1) . وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ بَيْهَسِيّاً (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الجُوْزَجَانِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَكَانَ يَرَى رَأْيَ الإِبَاضِيَّةِ؟ فَقَالَ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ صُفْرِيّاً. قُلْتُ: أَتَى البَرْبَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَى خُرَاسَانَ يَطُوْفُ عَلَى الأُمَرَاءِ، يَأْخُذُ مِنْهُم (3) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حُكِيَ عَنْ يَعْقُوْبَ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:   = الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركا ولا كافرا، بل يدعى باسمه المشتق من جريمته، فيقال: سارق، وقاتل، وقاذف، وكل ذنب ليس فيه حد كمن يترك الصلاة، فمرتكبه كافر، ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعا مؤمنا. " مقالات الإسلاميين " ص 182، 183، " والفرق بين الفرق " ص 70، و" التبصير في الدين " ص 52، و" الملل والنحل " 1 / 137. (1) هم أتباع عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم خرج في دولة بني أمية، نقل عن الشهرستاني في " الملل والنحل " 1 / 134 قوله: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم عند الحرب حلال، وما سواه حرام، وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال، وإقامة الحجة، ولا تزال بقية من هؤلاء في بلاد الجزائر، وقد طول الزركلي في أعلامه في ترجمة عبد الله بن إياض، فراجعه. (2) فرقة من الصفرية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبعي رأس الفرقة البيهسية من الخوارج، وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد، فهرب إلى المدينة، فطلبه بها عثمان بن حيان المري، فظفر به، وحبسه، ثم قتله بأمر من الوليد سنة 94 هـ. والاباضية والصفرية والبيهسية من الازارقة انظر " الملل والنحل " 1 / 125، 127. (3) قبوله لجوائز الاماء لا يمنع من قبول روايته، فابن شههاب الزهري كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك، فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 وَقَفَ عِكْرِمَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا فِيْهِ إِلاَّ كَافِرٌ. قَالَ: وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الإِبَاضِيَّةِ. وَرَوَى: خَلاَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِفْرِيْقِيَةَ فِي وَقْتِ المَوْسِمِ، فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي اليَوْمَ بِالمَوْسِمِ، بِيَدِي حَرْبَةٌ أَضْرِبُ بِهَا يَمِيْناً وَشِمَالاً. وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَعْتَرِضُ بِهَا مَنْ شَهِدَ المَوْسِمَ. قَالَ خَالِدٌ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ رَفَضَهُ أَهْلُ إِفْرِيْقِيَةَ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ، وَادَّعَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ. هَذِهِ حِكَايَةٌ بِلاَ إِسْنَادٍ. قَالَ أَبُو خَلَفٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى الخَزَّازُ، عَنْ يَحْيَى البَكَّاءِ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ لِنَافِعٍ: اتَّقِ اللهَ، وَيْحَكَ، لاَ تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا أَحَلَّ الصَّرْفَ، وَأَسْلَمُ ابْنُهُ صَيْرَفِيّاً. البَكَّاءُ: وَاهٍ (1) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لِغُلاَمٍ لَهُ: يَا بُرْدُ، لاَ تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا يَكْذِبُ (2) عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.   (1) بل هو متروك اتفقوا على ضعفه، ومن المحال - كما قال ابن حبان - أن يجرح العدل بكلام المجروح. (2) قال ابن حبان في ترجمة برد هذا من كتاب " الثقات ": أهل الحجاز يطلقون " كذب " في موضع " أخطأ " ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله " كذب أبو محمد " لما أخبر أنه يقول: " الوتر واجب " فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال له: إنه كذب، وإنما يقال: إنه أخطأ. قلت: وخبر عبادة أخرجه مالك 1 / 123، وأبو داود (1420) وأحمد 5 / 315 و319، والنسائي 1 / 230، والدارمي 1 / 370، وابن ماجه (1401) كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلا من كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر لواجب، قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن، لم ينقص منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة " ورجال إسناده رجال الصحيح ما عدا المخدجي، فإنه لايعرف بغير هذا الحديث، لكن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 قَالَ إِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ: سَأَلْتُ مَالِكاً: أَبَلَغَكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِنَافِعٍ: لاَ تَكْذِبْ عَلَيَّ كَمَا كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلَى عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي بَلَغَنِي أَنَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ قَالَ ذَلِكَ لِبُرْدٍ مَوْلاَهُ. قُلْتُ: هَذَا أَشْبَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِعِكْرِمَةَ ذِكْرٌ فِي أَيَّامِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ كَانَ تَصَدَّى لِلرِّوَايَةِ. جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ مُقَيَّدٌ عَلَى بَابِ الحُشِّ. قَالَ: قُلْتُ: مَا لِهَذَا كَذَا. قَالَ: إِنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى أَبِي (1) . هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: إِنَّ عِكْرِمَةَ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) . فَقَالَ: كَذَبَ مَخْبَثَانُ (3) ، اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَسُبَّهُ، سَأُحَدِّثِكُم: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا حَلَّ، تَزَوَّجَهَا. وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ عَنْ آيَةٍ،   = تابعه عبد الله الصنابحي عند أحمد 5 / 217، وأبي داود (425) وأبو إدريس الخولاني عند الطيالسي (78) فصح الحديث، وقد صححه ابن حبان (252) وغيره. (1) يزيد بن أبي زياد ضعيف لا يحتج بنقله، فالخبر لا يصح. والحش: البستان. (2) لقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة أنه كان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم. وهو معدود في أوهامه رضي الله عنه، فقد صح عن يزيد بن الأصم بن أخت ميمونة، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف أخرجه الترمذي (854) ومسلم (1411) وأبو داود (1843) وابن ماجه (1964) وعن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة حلالا، وبنى بها حلالا، وكنت أنا الرسول بينهما. أخرجه أحمد 6 / 293، والترمذي (841) وحسنه، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 348 عن سليمان بن يسار مولى ميمونة مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الانصار، فزوجاه ميمونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج. (3) في " اللسان ": هو الخبيث، ويقال للرجل والمرأة جميعا، وكأنه يدل على المبالغة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 فَقَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنِ القُرْآنِ، وَسَلْ عَنْهُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ -يَعْنِي: عِكْرِمَةَ-. وَقَالَ مَطَرٌ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَ الكِتَابُ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْن ِ، فَقَالَ: كَذَبَ عِ، كْرِمَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: امْسَحْ عَلَى الخُفَّيْنِ وَإِنْ خَرَجْتَ مِنَ الخَلاَءِ (1) . مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِساً مَعَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَمَرَّ بِهِ عِكْرِمَةُ وَمَعَهُ نَاسٌ. فَقَالَ لَنَا سَعِيْدٌ: قُوْمُوا إِلَيْهِ، وَاسْأَلُوْهُ، وَاحْفَظُوا مَا تَسْأَلُوْنَ عَنْهُ، وَمَا يُجِيْبُكُم. فَقُمْنَا، وَسَأَلْنَاهُ، فَأَجَابَنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا سَعِيْداً، فَأَخْبَرَنَاهُ، فَقَالَ: كَذَبَ (2) . بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ، أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ قَوْلِهِ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] ، قَالَ: بُسُوْقُهَا كَبُسُوْقِ النِّسَاءِ عِنْدَ وَلاَدِتِهَا. فَرُحْتُ إِلَى سَعِيْدٍ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: كَذَبَ. بُسُوْقُهَا: طُوْلُهَا (3) . إِسْرَائِيْلُ: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الأَرْضِ.   (1) وأخرجه البيهقي في " سننه " 1 / 273، وقال: ويحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعد نزول المائدة قال ما قال عطاء. ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لان كل من روي عنه منهم إنكاره، فقد روي إثباته. وقال ابن عبد البر: لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقال النووي: وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، وفي مصنف ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. (2) مسلم بن خالد الزنجي ضعيف كثير الاوهام، فالخبر لا يصح. (3) وقد وافق عكرمة في تفسيره هذا الحسن البصري والفراء، ففي القرطبي 17 / 6، 7: وقال الحسن وعكرمة والفراء: مواقير: حوامل، يقال للشاة: بسقت: إذا ولدت، على أن تفسير " الباسقات " بالطوال مروي أيضا عن عكرمة نقله عنه الطبري 26 / 153 من طريق هناد، عن أبي الاحوص، عن سماك.. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيْدٍ، فَقَالَ: كَذَبَ عِكْرِمَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُوْلُ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُم صَانِعُوْنَ اسْتِئْجَارُ الأَرْضِ البَيْضَاءِ سَنَةً بِسَنَةٍ (1) . وَقَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: عَنِ الصَّلْتِ بنِ دِيْنَارٍ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: مَا يَسُوْؤُنِي أَنْ يَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَلَكِنَّهُ كَذَّابٌ. وَرَوَى: عَارِمٌ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ دِيْنَارٍ: قُلْتُ لابْنِ سِيْرِيْنَ: إِنَّ عِكْرِمَةَ يُؤْذِيْنَا، وَيُسْمِعُنَا مَا نَكْرَهُ. فَقَالَ كَلاَماً فِيْهِ لِيْنٌ، أَسْأَلَ اللهَ أَنْ يُمِيْتَهُ وَيُرِيْحَنَا مِنْهُ (2) . وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ وَأَيُّوْبَ ذَكَرَا عِكْرِمَةَ، فَقَالَ يَحْيَى: كَانَ كَذَّاباً. وَقَالَ أَيُّوْبُ: لَمْ يَكُنْ بِكَذَّابٍ. هِشَامُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عِكْرِمَةَ المَخْزُوْمِيُّ (3) : سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ، وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ. هَكَذَا رَوَاهُ: عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى بنِ مُجَاشِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ، عَنْهُ. وَرَوَاهُ: العُقَيْلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زُرَيْقِ بنِ جَامِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً. فَاللهُ أَعْلَمُ، وَالرِّوَايَةُ الأُوْلَى أَشْبَهُ. قَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَا تَرَكُوا أَيُّوْبَ حَتَّى اسْتَخْرَجُوا مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيْدُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ-. وَقَالَ ضَمْرَةُ: قِيْلَ لِدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ: هَلْ تَرْوِي عَنْ عِكْرِمَةَ؟ قَالَ: هَذَا عَمَلُ أَيُّوْبَ. قَالَ: عِكْرِمَةُ؟ فَقُلْنَا: عِكْرِمَةُ.   (1) إسناده صحيح، وعلق قول ابن عباس البخاري في " صحيحه " 5 / 19 في الحرث: باب كراء الأرض بالذهب والفضة، وقال الحافظ: وصله الثوري في " جامعه " قال: أخبرني عبد الكريم هو الجزري، عن سعيد بن جبير عنه، ولفظه: إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء ليس فيها شجر يعني من السنة إلى السنة. وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي 6 / 133 من طريق عبد الله بن الوليد العدني، عن سفيان به. (2) يغلب على الظن أن طعن ابن سيرين عليه من جهة الرأي، فقد قال خالد الحذاء: كل ما قال ابن سيرين: ثبت عن ابن عباس، فإنما أخذه عن عكرمة، وكان لا يسميه، لأنه لم يكن يرضاه. (3) قال ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 3 / 91: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 وَقَالَ مَعْنٌ، وَغَيْرُهُ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يَرَى عِكْرِمَةَ ثِقَةً، وَيَأْمُرُ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ عَنْهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ عِكْرِمَةَ. قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ؟ قَالَ: شَيْءٌ يَسِيْرٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يُسَمِّ مَالِكٌ عِكْرِمَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ إِلاَّ فِي حَدِيْثِ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الَّذِي يُصِيْبُ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. قَالَ: يَصُوْمُ وَيُهْدِي (1) ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ. وَكَانَ يَقُوْلُ فِي كُتُبِهِ: رَجُلٌ. وَرَوَى: الرَّبِيْعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَمَالِكٌ سَيِّئُ الرَّأْيِ فِي عِكْرِمَةَ، قَالَ: لاَ أَرَى لأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَ حَدِيْثَهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عِكْرِمَةُ بنُ خَالِدٍ أَوْثَقُ مِنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عِكْرِمَةُ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ يَخْتَلِفُ عَنْهُ، وَمَا أَدْرِي. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا حَفِظْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلاَّ بَيْتَ شِعْرٍ، رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوْبُ. فَعَلَى هَذَا رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَدْلِيْسٌ. وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) لِقَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ: فِي تَكْبِيْرَاتِ الصَّلاَةِ، وَالخِنْصَرِ وَالإِبْهَامِ سَوَاءٌ، وَالمُتَشَبِّهِيْنَ بِالنِّسَاءِ، وَفِي زَوْجِ بَرِيْرَةَ (2) ، وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيْثُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَثْيَمَةَ: رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، سَمِعْتُ   (1) أخرجه مالك 1 / 384 في الحج: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض أي: قبل أن يطوف طواف الافاضة. وقوله: " يصوم ويهدي " كذا الأصل، وهو كذلك في تهذيب الكمال، والذي في " الموطأ " " يعتمر ويهدي " وهو الصواب. (2) انظر البخاري 2 / 225 في صفة الصلاة: باب التكبير وإذا قام من السجود، و12 / 198 في الديات: باب دية الاصابع و10 / 279 في اللباس: باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، و9 / 258 في النكاح: باب خيار الأمة تحت العبد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: حَدَّثُوْنِي -وَاللهِ- عَنْ أَيُّوْبَ: أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ: عِكْرِمَةُ لاَ يُحْسِنُ الصَّلاَةَ. قَالَ أَيُّوْبُ: وَكَانَ يُصَلِّي؟! الفَضْلُ بنُ مُوْسَى: عَنْ رِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ قَدْ أُقِيْمَ قَائِماً فِي لَعِبِ النَّرْدِ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: قَدِمَ عِكْرِمَةُ البَصْرَةَ، فَأَتَاهُ أَيُّوْبُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَيُوْنُسُ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُم، إِذْ سَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا. ثُمَّ قَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، لَقَدْ أَجَادَ. فَأَمَّا سُلَيْمَانُ وَيُوْنُسُ فَمَا عَادَا إِلَيْهِ، وَعَادَ إِلَيْهِ أَيُّوْبُ، فَأَحْسَنَ أَيُّوْبُ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: ذَكَرَ أَيُّوْبُ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: كَانَ قَلِيْلَ العَقْلِ، أَتَيْنَاهُ يَوْماً، فَقَالَ: وَاللهِ لأُحَدِّثَنَّكُم. فَمَكَثَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُنَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُحْسِنُ حَسَنُكُم مِثْلَ هَذَا؟ وَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ رَأَى أَعْرَابِيّاً، فَقَالَ: هَاه (1) ، أَلَمْ أَرَكَ بِأَرْضِ الجَزِيْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَتَرَكَنَا. وَرَوَى: شَبَابَةُ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ خُرَاسَانَ، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: سَلُوْهُ: مَا جُلاَجِلُ الحَاجِّ؟ فَسُئِلَ، فَقَالَ: وَأَنَّى هَذَا بِهَذِهِ الأَرْضِ؟! جُلاَجِلُ الحَاجِّ: الإِفَاضَةُ. فَقِيْلَ لأَبِي مِجْلَزٍ، فَقَالَ: صَدَقَ. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ: قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: تَرَكْتَ الحَرَمَيْنِ، وَجِئْتَ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: أَسْعَى عَلَى بَنَاتِي. شَبَابَةُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُوْسَى بنُ يَسَارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ جَائِياً مِنْ سَمَرْقَنْدَ عَلَى حِمَارٍ، تَحْتَهُ جُوَالِقَانِ (2) ، فِيْهِمَا حَرِيْرٌ، أَجَازَهُ بِذَلِكَ عَامِلُ   (1) كلمة تقال للتذكر، وتقال أيضا عند التوجع والتلهف. (2) تثنية جوالق، بضم الجيم وكسر اللام أو فتحها: عدل كبير منسوج من صوف أو شعر. فارسي معرب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 سَمَرْقَنْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ. وَقِيْلَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَى هَذِهِ البِلاَدِ؟ قَالَ: الحَاجَةُ. وَقَالَ عِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ: تَنَاوَلَ عِكْرِمَةُ عِمَامَةً لَهُ خَلَقاً، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا تُرِيْدُ إِلَى هَذِهِ؟ عِنْدَنَا عَمَائِمُ نُرْسِلُ إِلَيْكَ بِوَاحِدَةٍ! قَالَ: لاَ آخُذُ مِنَ النَّاسِ شَيْئاً، إِنَّمَا آخُذُ مِنَ الأُمَرَاءِ. الأَعْمَشُ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لَقِيْتُ عِكْرِمَةَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ البَطْشَةِ الكُبْرَى (1) ؟ قَالَ: يَوْمُ القِيَامَةِ. فَقُلْتُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَقُوْلُ: يَوْمُ بَدْرٍ! فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَوْمُ بَدْرٍ. قُلْتُ: القَوْلاَنِ مَشْهُوْرَانِ (2) . عَبَّاسُ بنُ حَمَّادٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ مُرَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَاسِمِ: إِنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ المُزَفَّتِ، وَالنَّقِيْرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالحَنْتَمِ، وَالجِرَارِ (3) . قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّ عِكْرِمَةَ كَذَّابٌ، يُحَدِّثُ غُدْوَةً حَدِيْثاً   (1) أي: في قوله تعالى (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) وتفسير ابن مسعود أخرجه البخاري 8 / 439 في التفسير: باب (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي، والضحاك، وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير الطبري. (2) انظر الطبري 25 / 111، 115 وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 427: وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبر به ابن مسعود، فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمه لا القدح، إذ كان يظن شيئا، فبلغه عمن هو أولى منه خلافه، فترك قوله لاجل قوله. (3) ولم ينفرد عكرمة بذلك، بل رواه عن ابن عباس أبو جمرة نصر بن عمران، انظر البخاري 1 / 120، 125 و166 و6 / 146، و8 / 67 ومسلم (17) وأبو داود (3692) وأحمد 1 / 228 و274. والمزفت: الوعاء المطلي بالزفت من داخل، والنقير: أصل خشبة تنقر، وقيل: أصل نخلة، والدباء: القرع، واحدها: دباءة، والحنتم: جرار خضر كانوا يخزنون فيها الخمر، والجرار: جمع جرة وهو من الخزف معروف، وقيل: هو ماكان منه مدهونا. وهذه الاوعية الأربعة تسرع بالشدة في الشراب، وتحدث فيه القوة المسكرة عاجلا. وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ كما في حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا: " كنت نهيتكم عن الاشربة في ظروف الادم، فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرا " أخرجه مسلم في " صحيحه " (977) (65) 3 / 1585. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 يُخَالِفُهُ عَشِيَّةً. وَرَوَى: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، عَنْ عُثْمَانَ، نَحْوَهُ. القَاسِمُ بنُ مَعْنٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَ عِكْرِمَةُ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: يَا غُلاَمُ! هَاتِ الدَّوَاةَ وَالقِرْطَاسَ. فَقَالَ: أَعْجَبَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُهُ بِرَأْيِي (1) . أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ فِي عِكْرِمَةَ: نِعْمَ صَاحِبُ رَجُلٍ عَالِمٌ، وَبِئْسَ صَاحِبُ رَجُلٍ جَاهِلٌ، أَمَّا العَالِمُ، فَيَأْخُذُ مَا يَعْرِفُ، وَأَمَّا الجَاهِلُ، فَيَأْخُذُ كُلَّ مَا سَمِعَ. ثُمَّ قَالَ سَعِيْدٌ: وَكَانَ عِكْرِمَةُ يُحَدِّثُ الحَدِيْثَ، ثُمَّ يَقُوْلُ فِي نَفْسِهِ: إِنْ كَانَ كَذَلِكَ. النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو عَتَّابٍ بَصْرِيٌّ، قَالَ: كُنْتُ أَطُوْفُ أَنَا وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ، فَضَحِكَ بَكْرٌ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: العَجَبُ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُم -يَعْنِي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- فِي تَحْلِيْلِ الصَّرْفِ، فَإِنْ كَانَ عِكْرِمَةُ حَدَّثَهُم أَنَّهُ أَحَلَّهُ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَدَقَ، وَلَكِنِّي أُقِيْمُ خَمْسِيْنَ مِنْ أَشْيَاخِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ يَشْهَدُوْنَ أَنَّهُ انْتَفَى مِنْهُ (2) . مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِيْهِ: قِيْلَ لِطَاوُوْسٍ: إِنَّ عِكْرِمَةَ يَقُوْلُ: لاَ يُدَافِعَنَّ أَحَدُكُمُ الغَائِطَ وَالبَوْلَ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ. فَقَالَ طَاوُوْسٌ: المِسْكِيْنُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا سَمِعَ كَانَ قَدْ سَمِعَ عِلْماً. قُلْتُ: أَصَابَ هُنَا عِكْرِمَةُ، فَقَدْ صَحَّ الحَدِيْثُ فِي ذَلِكَ (3) - أَعْنِي: قَبْلَ   (1) قال الحافظ: وأما قصة القاسم بن معن، ففيها دلالة على تحريه فإنه حدثه في المذاكرة بشيء فلما رآه يريد أن يكتبه عنه، شك فيه، فأخبره أنه إنما قاله برأيه، فهذا أولى أن يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على ابن عباس رضي الله عنه. (2) سالم أبو عتاب لايعرف بجرح ولا تعديل كما في " الجرح والتعديل " 4 / 191. وانظر " فتح الباري " 4 / 319، ومسلم (1594) و (1596) . (3) أخرج مسلم في " صحيحه " (560) في المساجد: باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 الإِحْرَامِ بِالصَّلاَةِ - فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ، وَأَمْكَنَهُ الصَّبْرُ، فَصَلاَتُهُ صَحِيْحَةٌ، وَإِنْ أَجْهَدَهُ ذَلِكَ، فَلْيَنْصَرِفْ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ: لَوْ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اتَّقَى اللهَ، وَكَفَّ مِنْ حَدِيْثِهِ، لَشُدَّتْ إِلَيْهِ المَطَايَا. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ المَرْوَزِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، قَالَ: عِكْرِمَةُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِيْمَا رَوَى، وَلَمْ يُحَدِّث عَنْ أَقْرَانِهِ، أَكْثَرُ حَدِيْثِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ: كُلُّ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: نُبِّئْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ. قِيْلَ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: كَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ، رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَوْضِعاً إِلاَّ خَرَجَ إِلَيْهِ: خُرَاسَانَ، وَالشَّامَ، وَاليَمَنَ، وَمِصْرَ، وَإِفْرِيْقِيَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ إِفْرِيْقِيَةَ رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ مِنْ عِكْرِمَةَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِم، وَكَانَ يَأْتِي الأُمَرَاءَ يَطْلُبُ جَوَائِزَهُم. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ فِي المَرْأَةِ تَمُوْتُ وَلَمْ يُلاَعِنْهَا زَوْجُهَا: يَرِثُهَا؟ فَقَالَ أَبَانُ بنُ عُثْمَانَ: ادْعُوا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَدُعِيَ، فَأَخْبَرَهُم، فَعَجِبُوا مِنْهُ، وَكَانُوا يَعْرِفُوْنَهُ بِالعِلْمِ (1) .   = الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الاخبثين من حديث عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الاخبثان " وأخرجه أبو داود (89) وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن حبان (195) بلفظ " لا يصلي أحدكم وهو يدافعه الاخبثان " وعن عبد الله بن الارقم عند مالك في " الموطأ " 1 / 159، وأبي داود (88) والترمذي (142) والنسائي 2 / 110، 111، وابن ماجه (616) وإسناده صحيح، وصححه الترمذي، والحاكم 1 / 168 ووافقه الذهبي، ولفظه " إذا أراد أحدكم الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة " وفي لفظ " إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء، وقامت الصلاة، فليبدأ بالخلاء ". (1) انظر أقوال العلماء في الوقت الذي تقع فيه الفرقة بين الزوجين في اللعان في " شرح السنة " 9 / 255 وما بعدها بتحقيقنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 وَمَاتَ هُوَ وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: مَاتَ أَعْلَمُ النَّاسِ، وَأَشْعَرُ النَّاسِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِ عِكْرِمَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: فَعِكْرِمَةُ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عُبَيْدُ اللهِ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا، وَلَمْ يَخْتَرْ. قُلْتُ: فَعِكْرِمَةُ، أَوْ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَاناً يَقَعُ فِي عِكْرِمَةَ، وَفِي حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ. قُلْتُ: هَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى الوُقُوْعِ فِيْهِمَا بِهَوَىً وَحَيْفٍ فِي وَزْنِهِمَا، أَمَّا مَنْ نَقَلَ مَا قِيْلَ فِي جَرْحِهِمَا وَتَعْدِيْلِهِمَا عَلَى الإِنْصَافِ، فَقَدْ أَصَابَ، نَعَمْ، إِنَّمَا قَالَ يَحْيَى هَذَا فِي مَعْرِضِ رِوَايَةِ حَدِيْثٍ خَاصٍّ فِي رُؤْيَةِ اللهِ -تَعَالَى- فِي المَنَامِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ يُسْتَنْكَرُ. وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ مَنْدَةَ فِيْهِ جُزْءاً، سَمَّاهُ: (صِحَّةُ حَدِيْثِ عِكْرِمَةَ) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ فِي مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ أَغْزَرَ مِنْ عِكْرِمَةَ. كَانَ عِكْرِمَةُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، قَدْ رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَجَابِرٌ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَكِّيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، بَرِيْءٌ مِمَّا يَرْمِيْهِ بِهِ النَّاسُ مِنَ الحَرُوْرِيَّةِ -يَعْنِي: مَنْ رَأْيِهِم-. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلاَّ وَهُوَ يَحْتَجُّ بِعِكْرِمَةَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَمَالِكٌ، فَلِسَبَبِ رَأْيِهِ. قِيْلَ لأَبِي: فَمَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: كُرَيْبٌ، وَسُمَيْعٌ، وَشُعْبَةُ، وَعِكْرِمَةُ، وَهُوَ أَعْلاَهُم. وَسُئِلَ أَبِي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ بِالتَّفْسِيْرِ؟ فَقَالَ: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِيَالٌ عَلَى عِكْرِمَةَ (1) . قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) : وَعِكْرِمَةُ لَمْ أُخَرِّجْ هُنَا مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً؛ لأَنَّ الثِّقَاتِ إِذَا رَوَوْا عَنْهُ، فَهُوَ مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ ضَعِيْفٌ، فَيَكُوْنَ قَدْ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ الضَّعِيْفِ، لاَ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَمْ يَمْتَنِعِ الأَئِمَّةُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَأَصْحَابُ الصِّحَاحِ أَدْخَلُوا أَحَادِيْثَهُ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ فِي صِحَاحِهِم، وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ أَحْتَاجَ أَنْ أُخَرِّجَ لَهُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِهِ، وَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: احْتَجَّ بِحَدِيْثِهِ الأَئِمَّةُ القُدَمَاءُ، لَكِنَّ بَعْضَ المُتَأَخِّرِيْنَ أَخْرَجَ حَدِيْثَهُ مِنْ حَيِّزِ الصِّحَاحِ. قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ مُسْلِماً أَخْرَجَ لَهُ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهُ مَقْرُوْنٌ بِآخَرَ، فَرَوَى لابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ؛ وَطَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجِّ ضُبَاعَةَ (3) . قَالَ الخَصِيْبُ بنُ نَاصِحٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، قَالَ: شَهِدْتُ حَمَّادَ بنَ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 8، 9. (2) الكامل اللوحة 623. (3) هي ضباعة بنت الزبير أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فما تأمرني؟ قال: أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني، قال: فأدركت. أخرجه مسلم في " صحيحه " (1208) في الحج: باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 زَيْدٍ فِي آخِرِ يَوْمٍ مَاتَ فِيْهِ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ قَطُّ، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَمْ أُحَدِّثْ بِهِ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: إِنَّمَا أَنْزَل اللهُ مُتَشَابِهَ القُرْآنِ لِيُضِلَّ بِهِ. قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةٌ رَدِيْئَةٌ، بَلْ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ اللهُ -تَعَالَى- لِيَهْدِيَ بِهِ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِيْنَ، كَمَا أَخْبَرَنَا -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سُوْرَةِ البَقَرَةِ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عِكْرِمَةُ كَثِيْرَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ، بَحْراً مِنَ البُحُوْرِ، وَلَيْسَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، وَيَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِيْهِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ، فَطَلَبَهُ مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ، فَتَغَيَّبَ عِنْدَ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهُ. قُلْتُ: وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ عَنْهُ دَاوُدُ بِأَشْيَاءَ تُسْتَغْرَبُ، وَكَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ عَدُّوا تِلْكَ الإِفْرَادَاتِ مَنَاكِيْرَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا انْفَرَدَ بِهَا مِثْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَنَحْوِهِ. رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أُتِيَ بِجِنَازَةِ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُثَيِّرِ عَزَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً مِنْ أَهْلِ المَسْجِدِ حَلَّ حَبْوَتَهُ إِلَيْهِمَا. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: مَاتَ كُثَيِّرٌ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: فَشَهِدَ النَّاسُ جِنَازَةَ كُثَيِّرٍ، وَتَرَكُوا جِنَازَةَ عِكْرِمَةَ.   (1) نص الآية (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) [البقرة: 26، 27] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 قُلْتُ: مَا تَرَكُوا عِكْرِمَةَ - مَعَ عِلْمِهِ - وَشَيَّعُوا كُثَيِّراً إِلاَّ عَنْ بَلِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ فِي نُفُوْسِهِم لَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: مَاتَ عِكْرِمَةُ وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَمَا شَهِدَهُمَا إِلاَّ سُوْدَانُ المَدِيْنَةِ. وَقَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: مَاتَا فِي يَوْمٍ، فَقَالَ النَّاسُ: مَاتَ فَقِيْهُ النَّاسِ، وَشَاعِرُ النَّاسِ. البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: مَاتَ عِكْرِمَة بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، فَزَاد: قَالَ: فَمَا حَمَلَهُ أَحَدٌ، اكْتَرَوْا لَهُ أَرْبَعَةً. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ، وَابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَكَذَا نَقَلَ: أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ. قَالَ التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَتْنِي بِنْتُهُ أُمُّ دَاوُدَ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. وَالأَصَحُّ: سَنَةَ خَمْسٍ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَقَعْنَبُ بنُ المُحَرَّرِ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُوْناً بِطَاوُوْسٍ فِي الحَجِّ، فَالَّذِيْنَ أَهْدَرُوْهُ كِبَارٌ، وَالَّذِيْنَ احْتَجُّوا بِهِ كِبَارٌ (1) - وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ -.   (1) قال أبو جعفر بن جرير الطبري: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خَيْرُ يَوْمٍ يُحْتَجَمُ فِيْهِ: يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَمَا مَرَرْتُ بِمَلأٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلاَّ قَالُوا: عَلَيْكَ بِالحِجَامَةِ يَا مُحَمَّدُ (1)) . تَفَرَّدَ بِهِ: عَبَّادٌ، وَفِيْهِ ضَعْفٌ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ يَزِيْدَ. وَرَوَى: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المَعَارِجُ: 4] ، قَالَ: مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى آخِرِهَا خَمْسُوْنَ أَلْفَ سَنَةٍ، لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ كَمْ مَضَى، وَكَمْ بَقِيَ، إِلاَّ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- (2) .   = إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالاخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته، لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب علي وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب. وقال ابن مندة في " صحيحه ": وأما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من نبلاء التابعين، فمن بعدهم، وحدثوا عنه، واحتجوا بمقاريده في الصفات والسنن والاحكام، روى عنه زهاء ثلاث مئة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابته من سقيمه، وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته، وهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه، واحتجوا به على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج عنه مقرونا وعدله بعدما جرحه. (1) أخرجه أحمد 1 / 354، والترمذي (2054) والطيالسي (2666) والحاكم 4 / 409، وسنده ضعيف لضعف عباد بن منصور لتدليسه وسوء حفظه وتغيره. (2) وأخرجه عبد الرزاق في " تفسيره " عن معمر فيما ذكره الحافظ ابن كثير 4 / 419. وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) قال: يوم القيامة. ورجاله ثقات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 قَالَ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ فِي (تَفْسِيْرِهِ) : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِغُلاَمِهِ: إِنْ لَمْ أَجْلِدْكَ مائَةَ سَوْطٍ، فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، قَالَ: لاَ يَجْلِدُ غُلاَمَهُ، وَلاَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ. قُلْتُ: هَذَا وَاضِحٌ فِي أَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَرَى أَنَّ اليَمِيْنَ بِالطَّلاَقِ فِي الغَضَبِ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، فَلاَ يَقَعُ بِذَلِكَ طَلاَقٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقِيْلَ: إِنَّ عِكْرِمَةَ هِيَ الحِمَامَةُ الأُنْثَى. 10 - أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ ذَكْوَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (ع) القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، ذَكْوَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ جُوَيْرِيَةَ الغَطَفَانِيَّةِ. كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ إِلَى الكُوْفَةِ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَشَهِدَ - فِيْمَا بَلَغَنَا - يَوْمَ الدَّارِ، وَحَصْرَ عُثْمَانَ. وَسَمِعَ مِنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. وَلاَزَمَ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَالأَعْمَشُ، وَسُمَيٌّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. ذَكَرَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ وَأَوْثَقِهِم. وَقِيْلَ: كَانَ عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ. وَرَوَى: أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَلْفَ حَدِيْثٍ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 301، التاريخ الكبير 3 / 260، التاريخ الصغير 1 / 239، تاريخ الفسوي 1 / 415، الجرح والتعديل 3 / 450، تهذيب الكمال: 400، تذهيب التهذيب 1 / 213 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 219، العبر 1 / 121، تذكرة الحفاظ 1 / 89، تهذيب التهذيب 3 / 219. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَتْ لأَبِي صَالِحٍ لِحْيَةٌ طَوِيْلَةٌ، فَإِذَا ذَكَرَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَكَى، فَارْتَجَّتْ لِحْيَتُهُ، وَقَالَ: هَاهْ، هَاهْ. وَذَكَرَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ فَضْلِهِ. حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ مُؤَذِّناً، فَأَبْطَأَ الإِمَامُ، فَأَمَّنَا، فَكَانَ لاَ يَكَادُ يُجِيْزُهَا مِنَ الرِّقَّةِ وَالبُكَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ إِذَا رَأَى أَبَا صَالِحٍ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا أَنْ يَكُوْنَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ. 11 - أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ * (4) وَيُقَالُ: بَاذَانُ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَتِهِ؛ أُمِّ هَانِئ، وَأَخِيْهَا؛ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ، وَالأَعْمَشُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ السَّائِبِ الكَلْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْهُ الكَلْبِيُّ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ أَر أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا تَرَكَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ تَفْسِيْرٌ، قَلَّ مَا لَهُ مِنَ المُسْنَدِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. كَذَا عِنْدِي، وَصَوَابُهُ: بِقَوِيٍّ، فَكَأَنَّهَا   (*) طبقات ابن سعد 5 / 302، التاريخ الكبير 2 / 144، التاريخ الصغير 1 / 238، الفسوي 2 / 685، 686 و782 و785 و800، الجرح والتعديل 2 / 431، المجروحين والضعفاء 1 / 185، تهذيب الكمال: 140، تذهيب التهذيب 1 / 79 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 233، ميزان الاعتدال 1 / 266، تهذيب التهذيب 1 / 416، خلاصة تذهيب الكمال: 54. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 تَصَحَّفَتْ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ لاَ يَقُوْلُ: لِيْسَ بِثِقَةٍ فِي رَجُلٍ مُخَرَّجٍ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ مِنْ طَبَقَةِ السَّمَّانِ، لَكِنَّهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً. 12 - أَبُو صَالِحٍ الحَنَفِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، د، س) يُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قَيْسٍ. لَهُ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْهُ: بَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَسَعِيْدٌ وَالِدُ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ. 13 - طَاوُوْسُ بنُ كَيْسَانَ الفَارِسِيُّ ** (ع) الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ اليَمَنِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ اليَمَنِيُّ، الجَنَدِيُّ (1) ، الحَافِظُ. كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الفُرْسِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم كِسْرَى لأَخْذِ اليَمَنِ لَهُ. فَقِيْلَ: هُوَ مَوْلَى بَحِيْرِ بنِ رَيْسَانَ الحِمْيَرِيِّ. وَقِيْلَ: بَلْ وَلاَؤُهُ لِهَمْدَانَ. أُرَاهُ وُلِدَ فِي دَوْلَةِ   (*) طبقات ابن سعد 2 / 615، التاريخ الكبير 5 / 338، تاريخ الفسوي 2 / 615، الجرح والتعديل 5 / 276، تهذيب الكمال: 813، تذهيب التهذيب 2 / 226 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 78، تهذيب التهذيب 6 / 256، خلاصة تذهيب الكمال: 233. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 537، طبقات خليفة: 287، تاريخ خليفة: 236، التاريخ الكبير 4 / 365، التاريخ الصغير 1 / 252، تاريخ الفسوي 1 / 705، الجرح والتعديل 4 / 500، حلية الأولياء 4 / 3، 23، طبقات الفقهاء للشيرازي 73، اللباب 1 / 241، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 251، وفيات الأعيان 2 / 509، تهذيب الكمال: 623، تذهيب التهذيب 2 / 101 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 126، تذكرة الحفاظ 1 / 90، العبر 1 / 130، طبقات القراء 1 / 341، تهذيب التهذيب 5 / 8، النجوم الزاهرة 1 / 260، طبقات الحفاظ: 34، خلاصة تذهيب الكمال: 181، شذرات الذهب 1 / 133. (1) نسبة إلى مدينة كبيرة باليمن كثيرة الخيرات، بها قوم من خولان، وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها، نزل بها طاووس، فنسب إليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. سَمِعَ مِنْ: زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَلاَزَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ مُدَّةً، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي كُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: جَابِرٍ، وَسُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَعَنْ: زِيَادٍ الأَعْجَمِ، وَحُجْرٍ المَدَرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَرَوَى عَنْ: مُعَاذٍ مُرْسَلاً. رَوَى عَنْهُ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى الدِّمَشْقِيُّ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ المَكِّيُّ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ حُجَّةٌ بَاتِّفَاقٍ. فَرَوَى: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنِّي لأَظُنُّ طَاوُوْسَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. وَقَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ: هُوَ فِيْنَا مِثْلُ ابْنِ سِيْرِيْنَ فِي أَهْلِ البَصْرَةِ. سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ لِطَاوُوْسٍ: رَأَيْتُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُصَلِّي فِي الكَعْبَةِ، وَالنَبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَابِهَا يَقُوْلُ لَكَ: (اكْشِفْ قِنَاعَكَ، وَبَيِّنْ قِرَاءتَكَ) . قَالَ طَاوُوْسٌ: اسْكُتْ، لاَ يَسْمَعْ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ. قَالَ: ثُمَّ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ انْبَسَطَ فِي الكَلاَمِ -يَعْنِي: فَرَحاً بِالمَنَامِ-. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّ الأَسَدَ حَبَسَ لَيْلَةً النَّاسَ فِي طَرِيْقِ الحَجِّ، فَدَقَّ النَّاسُ بَعْضُهُم بَعْضاً، فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ، ذَهَبَ عَنْهُم، فَنَزَلُوا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 وَنَامُوا، وَقَامَ طَاوُوْسٌ يُصَلِّي. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلاَ تَنَامُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَنَامُ أَحَدٌ السَّحَرَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَدْرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ مُدْركٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ هَاشِمٍ، عَنِ الحُرِّ بنِ أَبِي الحُصَيْنِ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: مَرَّ طَاوُوْسٌ بِرَوَّاسٍ قَدْ أَخْرَجَ رَأْساً، فَغُشِيَ عَلَيْهِ (1) . وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: كَانَ طَاوُوْسٌ إِذَا رَأَى تِلْكَ الرُّؤُوْسَ المَشْوِيَّةَ، لَمْ يَتَعَشَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. سَمِعَهُ مِنْهُ: مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، أَوْ غَيْرِهِ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَسِيْرُ مَعَ طَاوُوْسٍ، فَسَمِعَ غُرَاباً يَنْعَبُ، فَقَالَ: خَيْرٌ. فَقَالَ طَاوُوْسٌ: أيُّ خَيْرٍ عِنْدَ هَذَا أَوْ شَرٍّ؟ لاَ تَصْحَبْنِي، أَوْ قَالَ: لاَ تَمْشِ مَعِي. وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ الزُّبَيْرِ الصَّنْعَانِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، أَوْ أَيُّوْبَ بنَ يَحْيَى بَعَثَ إِلَى طَاوُوْسٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِيْنَارٍ، أَوْ خَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ لِلرَّسُوْلِ: إِنْ أَخَذَهَا الشَّيْخُ مِنْكَ، فَإِنَّ الأَمِيْرَ سَيُحْسِنُ إِلَيْكَ وَيَكْسُوْكَ. فَقَدِمَ بِهَا عَلَى طَاوُوْسٍ الجَنَد، فَأَرَادَهُ عَلَى أَخْذِهَا، فَأَبَى، فَغَفِلَ طَاوُوْسٌ، فَرَمَى بِهَا الرَّجُلُ فِي كُوَّةِ البَيْتِ، ثُمَّ ذَهَبَ، وَقَالَ لَهُم: قَدْ أَخَذَهَا. ثُمَّ بَلَغَهُم عَنْ طَاوُوْسٍ شَيْءٌ يَكْرَهُوْنَهُ، فَقَالَ: ابْعَثُوا إِلَيْهِ، فَلْيَبْعَثْ إِلَيْنَا بِمَالِنَا. فَجَاءهُ الرَّسُوْلُ، فَقَالَ: المَالَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الأَمِيْرُ إِلَيْكَ. قَالَ: مَا قَبَضْتُ مِنْهُ شَيْئاً. فَرَجَعَ الرَّسُوْلُ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ صَادِقٌ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الرَّجُلَ الأَوَّلَ، فَقَالَ: المَالَ   (1) حلية الأولياء 4 / 4. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 الَّذِي جِئْتُكَ بِهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: هَلْ قَبَضْتُ مِنْكَ شَيْئاً؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ نَظَرَ حَيْثُ وَضَعَهُ، فَمَدَّ يَدَهُ، فَإِذَا بِالصُرَّةِ قَدْ بَنَى العَنْكَبُوْتُ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِم. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لِطَاوُوْسٍ: ارْفَعْ حَاجَتَكَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: سُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ-. قَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ. فَكَأَنَّ عُمَرَ عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَلَفَ لَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الكَعْبَةِ: وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ (1) مَا رَأَيْتُ أَحَداً، الشَّرِيْفُ وَالوَضِيْعُ عِنْدهَ بِمَنْزِلَةٍ إِلاَّ طَاوُوْساً. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، قَالَ: كُنْتُ لاَ أَزَال أَقُوْلُ لأَبِي: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ عَلَى هَذَا السُّلْطَانِ، وَأَنْ يُفْعَلَ بِهِ. قَالَ: فَخَرَجْنَا حُجَّاجاً، فَنَزَلْنَا فِي بَعْضِ القُرَى، وَفِيْهَا عَامِلٌ -يَعْنِي: لأَمِيْرِ اليَمَنِ- يُقَالُ لَهُ: ابْنُ نَجِيْحٍ، وَكَانَ مِنْ أَخْبَثِ عُمَّالِهِم، فَشَهِدْنَا صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، فَجَاءَ ابْنُ نَجِيْحٍ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ طَاوُوْسٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَدَلَ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا بِهِ، قُمْتُ إِلَيْهِ، فَمَدَدْتُ بِيَدِهِ، وَجَعَلْتُ أُسَائِلُهُ، وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَعْرِفْكَ. فَقَالَ العَامِلُ: بَلَى، مَعْرِفَتُهُ بِي فَعَلَتْ مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَمَضَى وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَقُوْلُ لِي شَيْئاً، فَلَمَّا دَخَلْتُ المَنْزِلَ، قَالَ: أَيْ لُكَعُ، بَيْنَمَا أَنْتَ زَعَمْتَ تُرِيْدُ أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْهِم بِسَيْفِكَ، لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْبِسَ عَنْهُ لِسَانَكَ.   (1) البنية: الكعبة لشرفها، إذ هي أشرف مبنى، يقال: لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُطَهِّرُ بنُ الهَيْثَمِ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَجَّ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَخَرَجَ حَاجِبُهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: ابْغُوا إِلَيَّ فَقِيْهاً أَسْأَلْهُ عَنْ بَعْضِ المَنَاسِكِ. قَالَ: فَمَرَّ طَاوُوْسٌ، فَقَالُوا: هَذَا طَاوُوْسٌ اليَمَانِيُّ. فَأَخَذَهُ الحَاجِبُ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: أَعْفِنِي. فَأَبَى، ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ. قَالَ طَاوُوْسٌ: فَلَمَّا وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَمَجْلِسٌ يَسْأَلُنِي اللهُ عَنْهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ صَخْرَةً كَانَتْ عَلَى شَفِيْرِ جُبٍّ فِي جَهَنَّمَ، هَوَتْ فِيْهَا سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَرَارَهَا، أَتَدْرِي لِمَنْ أَعَدَّهَا اللهُ؟ قَالَ: لاَ، وَيْلَكَ لِمَنْ أَعَدَّهَا؟ قَالَ: لِمَنْ أَشْرَكَهُ اللهُ فِي حُكْمِهِ، فَجَارَ. قَالَ: فَكَبَا بِهَا. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: زَعَمَ لِي سُفْيَانُ، قَالَ: جَاءَ ابْنٌ لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ طَاوُوْسٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَقِيْلَ لَهُ: جَلَسَ إِلَيْكَ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ! قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ للهِ عُبَّاداً يَزْهَدُوْنَ فِيْمَا فِي يَدَيْهِ. رَوَى: أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ شَابُوْرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِطَاوُوْسٍ: ادْعُ اللهَ لَنَا. قَالَ: مَا أَجِدُ لِقَلْبِي خَشْيَةً، فَأَدْعُوَ لَكَ. وَيُرْوَى: أَنَّ طَاوُوْساً جَاءَ فِي السَّحَرِ يَطْلُبُ رَجُلاً، فَقَالُوا: هُوَ نَائِمٌ. قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَحَداً يَنَامُ فِي السَّحَرِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَن طَاوُوْساً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا نَجِيْحٍ! مَنْ قَالَ: وَاتَّقَى اللهَ خَيْرٌ مِمَّنْ صَمَتَ وَاتَّقَى اللهَ؟ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامِ بنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: لاَ يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ. وَرَوَى: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ طَاوُوْسٍ: اللَّهُمَّ احْرِمْنِي كَثْرَةَ المَالِ وَالوَلَدِ، وَارْزُقْنِي الإِيْمَانَ وَالعَمَلَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَوْ رَأَيْتَ طَاوُوْساً، عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ. الأَعْمَشُ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ خَمْسِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسَةٌ لاَ يَجْتَمِعُ مِثْلُهُم عِنْدَ أَحَدٍ: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ. مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَقِي عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِبْلِيْسَ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يُصِيْبُكَ إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَكَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَارْقَ ذِرْوَةَ هَذَا الجَبَلِ، فَتَرَدَّ مِنْهُ، فَانْظُرْ أَتَعِيْشُ أَمْ لاَ؟ قَالَ عِيْسَى: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: (لاَ يُجَرِّبْنِي عَبْدِي، فَإِنِّي أَفْعَلُ مَا شِئْتُ) . وَرَوَاهُ: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيْهِ: فَقَالَ: إِنَّ العَبْدَ لاَ يَبْتَلِي رَبَّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ. قَالَ: فَخَصَمَهُ. حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُوْسٌ إِذَا شَدَّدَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ، رَخَّصَ هُوَ فِيْهِ، وَإِذَا تَرَخَّصَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ، شَدَّدَ فِيْهِ. قَالَ لَيْثٌ: وذَلِكَ لِلْعِلْمِ. عَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَالِماً قَطُّ يَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي، أَكْثَرَ مِنْ طَاوُوْسٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ طَاوُوْسٌ يَتَشَيَّعُ (1) . وَقَالَ مَعْمَرٌ: احْتَبَسَ طَاوُوْسٌ عَلَى رَفِيْقٍ لَهُ حَتَّى فَاتَهُ الحَجُّ. قُلْتُ: قَدْ حَجَّ مَرَّاتٍ كَثِيْرَةً.   (1) قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1 / 94: التشيع في عرف المتقدمين: هو اعتقاد تفضيل. علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا، فلا ترد روايته لاسيما إن كان غير داعية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ طَاوُوْساً يَخْضِبُ بِحِنَّاءٍ شَدِيْدِ الحُمْرَةِ. وَقَالَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ: كَانَ طَاوُوْسٌ يَتَقَنَّعُ وَيَصْبِغُ بِالحِنَّاءِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيُّ: رَأَيْتُ طَاوُوْساً وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُوْدِ. سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ طَاوُوْسٍ: اللَّهُمَّ احْرِمْنِي كَثْرَةَ المَالِ وَالوَلَدِ (1) . قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً. قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم، الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الإِيْمَانِ مَعَ عَسْفِهِ، وَسَفْكِهِ الدِّمَاءَ، وَسَبِّهِ الصَّحَابَةَ (2) . ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الثَّقَفِيَّ اسْتَعْمَلَ طَاوُوْساً عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَةِ، فَسَأَلْتُ طَاوُوْساً: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ لِلرَّجُلِ: تُزَكِّي - رَحِمَكَ اللهُ - مِمَّا أَعْطَاكَ اللهُ؟ فَإِنْ أَعْطَانَا أَخَذْنَا، وَإِنْ تَوَلَّى، لَمْ نَقُلْ: تَعَالَ. وَبَلَغَنَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُجِلُّ طَاوُوْساً، وَيَأْذَنُ لَهُ مَعَ الخَوَاصِّ، وَلَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ اليَمَنَ، أَنْزَلَهُ طَاوُوْسٌ عِنْدَهُ، وَأَعْطَاهُ نَجِيْباً (3) . رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اتَّقَى اللهَ، وَكَفَّ مِنْ حَدِيْثِهِ، لَشُدَّتْ إِلَيْهِ المَطَايَا. تُوُفِّيَ طَاوُوْسٌ: بِمَكَّةَ، أَيَّامَ المَوَاسِمِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قَبْرَ طَاوُوْسٍ بِبَعْلَبَكَّ،   (1) أورده أبو نعيم في " الحلية " 3 / 9، والزيادة منه وتمامه: وارزقني الايمان والعمل. (2) في " التهذيب ": قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج، لغلبناهم. (3) النجيب من الابل: القوي منها، الخفيف السريع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 فَهُوَ لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، بَلْ ذَاكَ شَخْصٌ اسْمُهُ طَاوُوْسٌ إِنْ صَحَّ، كَمَا أَنَّ قَبْرَ أُبَيٍّ بِشَرْقِيِّ دِمَشْقَ، وَلَيْسَ بِأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ البَتَّةَ. وطَاوُوْسٌ: هُوَ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْهُ وَلَدُهُ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الحَلِفَ بِالطَّلاَقِ شَيْئاً، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ الحَجَّاجَ وَذَوِيْهِ كَانُوا يُحَلِّفُوْنَ النَّاسَ عَلَى البَيْعَةِ لِلإِمَامِ بِاللهِ، وَبِالعِتَاقِ، وَالطَّلاَقِ، وَالحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّ أَخَا الحَجَّاجِ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَمِيْرُ اليَمَنِ - حَلَّفَ النَّاسَ بِذَلِكَ، فَاسْتُفْتِيَ طَاوُوْسٌ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَعُدَّهُ شَيْئاً، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِكَوْنِهِم أُكْرِهُوا عَلَى الحَلِفِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: شَهِدْتُ جَنَازَةَ طَاوُوْسٍ بِمَكَّةَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، فَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَاتَ طَاوُوْسٌ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ ابْنُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بِالحَرَسِ. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ، وَاضِعاً السَّرِيْرَ عَلَى كَاهِلِهِ، فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَمُزِّقَ رِدَاؤُهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَمَا زَايَلَهُ إِلَى القَبْرِ، تُوُفِّيَ بِمُزْدَلِفَةَ، أَوْ بِمِنَىً. قُلْتُ: إِنْ كَانَ فِيْهِ تَشَيُّعٌ، فَهُوَ يَسِيْرٌ لاَ يَضُرُّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالهَيْثَمُ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ طَاوُوْسٌ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (1) ، مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الخَلِيْفَةُ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ اتَّفَقَ لَهُ الصَّلاَةُ بِالمَدِيْنَةِ عَلَى سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ) : حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الأَخْنَسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ الخُوْزِيُّ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ   (1) هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي به، لان الحجاج فيما مضى كانوا يتروون فيه من الماء، وينهضون إلى منى ولا ماء بها، فيتزودون ريهم من الماء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 اللَّيْثِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، وَالحَكَمُ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ، وَالضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ، وَعَامِرُ بنُ مُصْعَبٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ - مَسْأَلَةً - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ الوَصَّافِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَعَمْرُو بنُ قَتَادَةَ، وَعَمْرُو بنُ مُسْلِمٍ الجَنَدِيُّ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ حَكِيْمٍ الصَّنْعَانِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، وَالنُّعْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَانِئُ بنُ أَيُّوْبَ، وَهِشَامُ بنُ حُجَيْرٍ، وَوَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّامِيُّ. رَوَى: جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا طَاوُوْسٌ - وَلاَ تَحْسَبَنَّ فِيْنَا أَحَداً أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ طَاوُوْسٍ - ... وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ طَاوُوْسٍ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ: مَعَ مَنْ كُنْتَ تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مَعَ عَطَاءٍ، وَأَصْحَابِهِ. قُلْتُ: وَطَاوُوْسٌ؟ قَالَ: أَيْهَانِ (1) ذَاكَ، كَانَ يَدْخُلُ مَعَ الخَوَاصِّ. لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُوْسٌ يَعُدُّ الحَدِيْثَ حَرْفاً حَرْفاً، وَقَالَ: تَعَلَّمْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُمُ الأَمَانَةُ. قَالَ حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ: قَالَ لِي طَاوُوْسٌ: إِذَا حَدَّثْتُكَ الحَدِيْثَ، فَأَثْبَتُّهُ   (1) هي كهيهات بمعنى: بعد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 لَكَ، فَلاَ تَسْأَلَنَّ عَنْهُ أَحَداً. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: طَاوُوْسٌ ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ اليَمَنِ، وَمِنْ سَادَاتِ التَّابِعِيْنَ، مُسْتجَابَ الدَّعْوَةِ، حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً. وَكِيْعٌ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّامِيِّ - وَقِيْلَ: وَكِيْعٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّامِيِّ - قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى طَاوُوْسٍ لأَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيَّ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، فَظَنَنْتُهُ هُوَ، فَقَالَ: لاَ، أَنَا ابْنُهُ. قُلْتُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَهُ، فَقَدْ خَرِفَ أَبُوْكَ. قَالَ: تَقُوْل ذَاكَ! إِنَّ العَالِمَ لاَ يَخْرَفُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي طَاوُوْسٌ: سَلْ وَأَوْجِزْ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَّمْتُكَ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا القُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيْلَ. قُلْتُ: إِنْ عَلَّمْتَنِيْهِم لاَ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ. قَالَ: خَفِ اللهَ مَخَافَةً لاَ يَكُوْنُ شَيْءٌ عِنْدَكَ أَخَوْفَ مِنْهُ، وَارْجُهُ رَجَاءً هُوَ أَشَدُّ مِنْ خَوْفِكِ إِيَّاهُ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ طَاوُوْسٌ يُصَلِّي فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ مُغَيِّمَةٍ، فَمَرَّ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَخُو الحَجَّاجِ، أَوْ أَيُّوْبُ بنُ يَحْيَى فِي مَوْكِبِهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَمَرَ بِسَاجٍ أَوْ طَيْلَسَانٍ مُرْتَفِعٍ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، نَظَرَ فَإِذَا السَّاجُ عَلَيْهِ، فَانْتَفَضَ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى مَنْزِلِهِ (1) . لَيْثٌ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ إِلاَّ أُحْصِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَنِيْنُهُ فِي مَرَضِهِ. هِشَامُ بنُ حُجَيْرٍ: عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: لاَ يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ.   (1) حلية الأولياء 3 / 4. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي طَاوُوْسٌ: تَزَوَّجْ، أَوْ لأَقُوْلَنَّ لَكَ مَا قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ النِّكَاحِ إِلاَّ عَجْزٌ أَوْ فُجُوْرٌ. ابْنُ طَاوُوْسٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: البُخْلُ: أَنْ يَبْخَلَ الرَّجُلُ بِمَا فِي يَدَيْهِ، وَالشُحُّ: أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ. مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ رُبَّمَا يُدَاوِي المَجَانِيْنَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيْلَةٌ، فَجُنَّتْ، فَجِيْءَ بِهَا إِلَيْهِ، فَتُرِكَتْ عِنْدَهُ، فَأَعْجَبَتْهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلتْ مِنْهُ. فَجَاءهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنْ عُلِمَ بِهَا، افْتَضَحْتَ، فَاقْتُلْهَا، وَادْفِنْهَا فِي بَيْتِكَ. فَقَتَلَهَا، وَدَفَنَهَا، فَجَاءَ أَهْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسْأَلُوْنَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَاتَتْ. فَلَمْ يَتَّهِمُوْهُ لِصَلاَحِهِ، فَجَاءهُمُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ، وَلَكِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلتْ مِنْهُ، فَقَتَلَهَا، وَدَفَنَهَا فِي بَيْتِهِ. فَجَاءَ أَهْلُهَا، فَقَالُوا: مَا نَتَّهِمُكَ، وَلَكِنْ أَيْنَ دَفَنْتَهَا؟ أَخْبِرْنَا، وَمَنْ كَانَ مَعَكَ؟ فَنَبَشُوا بَيْتَهُ، فَوَجَدُوْهَا، فَأُخِذَ، فَسُجِنَ. فَجَاءهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ أُخْرِجَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيْهِ، فَاكْفُرْ بِاللهِ. فَأَطَاعَهُ، فَكَفَرَ، فَقُتِلَ، فَتَبَرَّأَ مِنْهُ الشَّيْطَان حِيْنَئِذٍ. قَالَ طَاوُوْسٌ: فَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيْهِ: {كَمَثِلَ الشَّيْطَانُ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ: اكْفُرْ} الآيَة [الحَشْرُ: 16] ، أَوْ بِمِثْلِهِ (1) . عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ: رَأَيْت طَاوُوْساً وَأَصْحَابَهُ إِذَا صَلُّوُا العَصْرَ، اسْتَقْبَلُوا القِبْلَةَ، وَلَمْ يُكَلِّمُوا أَحَداً، وَابْتَهَلُوا بِالدُّعَاءِ.   (1) قال ابن جرير في تفسير الآية 28 / 49: يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدة حاجتهم إليهم، وإلى نصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غر إنسانا، ووعده على اتباعه وكفره بالله النصرة عند الحاجة، فكفر بالله، واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته، أسلمه وتبرأ منه، وقال له: إني أخاف الله رب العالمين، في نصرتك. والقصة التي أوردها المؤلف هي كما قال ابن كثير - كالمثال لهذا المثل، لاأنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 لاَ رَيْبَ فِي وَفَاةِ طَاوُوْسٍ فِي عَامِ سِتَّةٍ وَمائَةٍ. فَأَمَّا قَوْلُ الهَيْثَمِ: مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَشَاذٌّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَطَائِفَةٌ إِذْناً، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ أَخْبَرَهَ: أَنَّ طَاوُوْساً حَدَّثَهُ: أَنَّ حُجْرَ بنَ قَيْسٍ المَدَرِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ زَيْدٌ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (العُمْرَى مِيْرَاثٌ) (1) . 14 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأُمَوِيُّ * (س، ق) ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيُّ، أَخُو خَالِدٍ، كَانَ مِنَ الأَتْقِيَاءِ العُبَّادِ. حَدَّثَ عَنْ: ثَوْبَانَ. وَعَنْهُ: أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ (2) .   (1) رجاله ثقات، واخرجه الطبراني كما في " الجامع الصغير " بلفظ " العمرى والرقبى سبيلهما سبيل الميراث " وهو في صحيح ابن حبان (1149) بلفظ " من أعمر أرضا، فهي لوارثه " وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1625) (31) في الهبات: باب العمرى من حديث جابر بن عبد الله بلفظ " العمرى ميراث لاهلها " وفي رواية " العمرى لمن وهبت له " العمرى من قولهم: أعمرته الدار عمري، أي: جعلتها له يسكنها مدة عمره، فإذا مات، عادت إلى المعمر، كذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأبطل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن من أعمر شيئا في حياته، فهو لورثته من بعده. (*) التاريخ الكبير 5 / 364، تاريخ الفسوي 1 / 576، الجرح والتعديل 5 / 299، تهذيب الكمال: 828، تذهيب التهذيب 2 / 234 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 145، تهذيب التهذيب 6 / 300، خلاصة تذهيب الكمال: 237. (2) له حديث واحد عند النسائي وابن ماجه (1837) رواه عن ثوبان، قال: قال رسول الله = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 قَالَ الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَرِقُّ لَهُ؛ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ النُّسُكِ، فَرَفَعَ دَيْناً عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَوَعَدَهُ أَنْ يُوْفِيَهِ، وَقَالَ: وَكِّلْ أَخَاكَ الوَلِيْدَ. فَوَكَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقْضِيَ عَنْ وَاحِدٍ هَذَا المَالَ، وَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهَا فِي حَقٍّ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ مِنْ أَخْلاَقِ المُؤْمِنِ أَنْ يُنْجِزَ مَا وَعَدَ. قَالَ: وَيْحَكَ! وَضَعْتَنِي هَذَا المَوْضِعَ. فَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: عِبَادُ الرَّحْمَنِ مِنْ قُرَيْشٍ كُلُّهُم عَابِدٌ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ. وَقِيْلَ: اجْتَهَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ فِي العِبَادَةِ حَتَّى صَارَ كَالشِّنِّ البَالِي -رَحِمَهُ اللهُ-. 15 - عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ مَرْو وَقَاضِيْهَا، أَبُو سَهْلٍ الأَسْلَمِيُّ، المَرْوَزِيُّ، أَخُو سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَكَانَا تَوْأَمَيْنِ، وُلِدَا سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ - فَأَكْثَرَ - وَعِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، وَأَبِي مُوْسَى، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَذَلِكَ فِي السُّنَنِ. وَفِي (التِّرْمِذِيِّ) أَيْضاً: عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَمُرَةَ بنِ   = صلى الله عليه وسلم: " ومن يتقبل لي بواحدة، أتقبل له بالجنة " قلت: أنا، فقال: " لا تسأل الناس شيئا " قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل، فيأخذه. وأخرجه أحمد 5 / 277 و281 وسنده قوي. (*) طبقات خليفة: 211، التاريخ الكبير 5 / 51، التاريخ الصغير 2 / 139، 140، الجرح والتعديل 5 / 13، تهذيب الكمال: 667، تذهيب التهذيب 2 / 131 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 263، تذكرة الحفاظ 1 / 102، العبر 1 / 143، تهذيب التهذيب 5 / 157، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب الكمال: 192، شذرات الذهب 1 / 151، تهذيب ابن عساكر 7 / 309. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 جُنْدَبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ - مُرْسَلاً - وَعِدَّةٍ. وَعَنْ: أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيْلِيِّ، وَبُشَيْرِ بنِ كَعْبٍ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَحَنْظَلَةَ بنِ عَلِيٍّ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ صَخْرٌ وَسَهْلٌ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَسَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ سُبَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ ثَعْلَبَةَ الطَّائِيُّ، وَأَبُو رَبِيْعَةَ الإِيَادِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَبَشِيْرُ بنُ المُهَاجِرِ، وَثَوَابُ بنُ عُتْبَةَ، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ حَيَّانَ القُرَشِيُّ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِيْسَى بنُ عُبَيْدٍ الكِنْدِيُّ، وَفَائِدٌ أَبُو العَوَّامِ، وَكَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرُ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الثَّقَفِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ابْنَا بُرَيْدَةَ؟ قَالَ: أَمَّا سُلَيْمَانُ، فَلَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ! ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ وَكِيْعٌ يَقُوْلُ: كَانُوا لِسُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ أَحْمَدَ مِنْهُم لِعَبْدِ اللهِ - أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ -. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ حُسَيْنُ بنُ وَاقِدَةَ مَا أَنْكَرَهَا! وَأَبُو المُنِيْبِ أَيْضاً، قَالَ: يَقُوْلُ: كَأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ هَؤُلاَءِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَكَذَا قَالَ: أَبُو حَاتِمٍ، وَالعِجْلِيُّ. أَبُو تُمَيْلَةَ: عَنْ رُمَيْحِ بنِ هِلاَلٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: وُلِدْتُ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ خِلاَفَة عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَجَاءَ عَبْدٌ لَنَا، فَبَشَّرَ أَبِي وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ. وَوُلِدَ أَخِي سُلَيْمَانُ بَعْدِي، وَكَانَا تَوْأَماً، فَجَاءَ غُلاَمٌ آخَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 لَنَا إِلَى أَبِي وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: وُلِدَ لَكَ غُلاَمٌ. قَالَ: سَبَقَكَ فُلاَنٌ. قَالَ: إِنَّهُ آخَرُ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَهَذَا أَيْضاً - أَي: أَعْتِقْهُ -. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وُلِدَ ابْنَا بُرَيْدَةَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ بِمَرْوَ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ بِهَا، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَوَلِيَ أَخُوْهُ بَعْدَهُ القَضَاءَ بِهَا، فَكَانَ عَلَى القَضَاءِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَيَكُوْنُ عُمُرُ عَبْدِ اللهِ مائَةَ عَامٍ، وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَعَاهَدَ مِنْ نَفْسِهِ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ لاَ يَدَعُهَا: المَشْيُ، فَإِنِ احْتَاجَهَ وَجَدَهُ، وَأَنْ لاَ يَدَعَ الأَكْلَ، فَإِنَّ أَمْعَاءهُ تَضِيْقُ، وَأَنْ لاَ يَدَعَ الجِمَاعَ، فَإِنَّ البِئْرَ إِذَا لَمْ تُنْزَعْ ذَهَبَ مَاؤُهَا. قُلْتُ: يَفْعَلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ بَاقْتِصَادٍ، وَلاَ سِيَّمَا الجِمَاعَ، إِذَا شَاخَ، فَتَرْكُهُ أَوْلَى. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَنَا عَلَى الفِرَاشِ، ثُمَّ أَكَلْنَا، ثُمَّ شَرِبَ مُعَاوِيَةُ، فَنَاوَلَ أَبِي، ثُمَّ قَالَ: مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ، وَأَجْوَدَهُ ثَغْراً، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَّةً - وَأَنَا شَابٌّ - أَجِدُهُ غَيْرَ اللَّبَنِ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الحَدِيْثِ يُحَدِّثُنِي (1) . 16 - أَخُوْه ُ: سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ * قَدْ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُفَضِّلُهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَائِشَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ.   (1) أخرجه أحمد 5 / 347، وسنده حسن. (*) طبقات خليفة: 322، التاريخ الكبير 4 / 4، الجرح والتعديل 4 / 102، تهذيب الكمال: 535، تذهيب التهذيب 2 / 46 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 87، العبر 1 / 129، تهذيب التهذيب 4 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 131. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 وَعَنْهُ: عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَجَمَاعَةٌ. ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً. 17 - عَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ الفَزَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ * أَمِيْرُ البَصْرَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ. وَعَنْهُ: أَبُو سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٌ، وَبَكْرٌ المُزَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ: خَطَبَنَا عَدِيٌّ عَلَى مِنْبَرِ المَدَائِنِ حَتَّى بَكَى، وَأَبْكَانَا. قَالَ مَعْمَرٌ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَدِيِّ بنِ أَرْطَاةَ: إِنَّكَ غَرَرْتَنِي بِعِمَامَتِكَ السَّوْدَاءِ، وَمُجَالَسَتِكَ القُرَّاءَ، وَقَدْ أَظْهَرَنَا اللهُ عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّا تَكْتُمُوْنَ، أَمَا تَمْشُوْنَ بَيْنَ القُبُوْرِ؟! قَالَ شَبَابٌ: قَدِمَ عَدِيٌّ عَلَى البَصْرَةِ، فَقَيَّدَ يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ، وَنَفَّذَهُ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، انْفَلَتَ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَتَسَمَّى بِالقَحْطَانِيِّ، وَنَصَبَ رَايَاتٍ سُوْداً، وَقَالَ: أَدْعُو إِلَى سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. فَحَارَبَهُ مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَقَتَلَهُ، ثُمَّ وَثَبَ وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَتَلَ عَدِيّاً، وَجَمَاعَةً صَبْراً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. 18 - القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ ** (ع) ابْنُ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ، الإِمَامُ،   (*) طبقات خليفة 312، تاريخ خليفة: 322 و325، التاريخ الكير 7 / 44، الطبري 6 / 554 و556 و558 و578 - 584 و600، الجرح والتعديل 7 / 3، ابن الأثير 5 / 43، 44، 49، 71، 73، 85، 99، تهذيب الكمال: 925، تذهيب التهذيب 3 / 36 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 150، ميزان الاعتدال 3 / 61، العبر 1 / 124، تهذيب التهذيب 7 / 164، خلاصة تذهيب الكمال: 263، شذرات الذهب 1 / 124، رغبة الآمل 2 / 76، و7 / 159. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 187، طبقات خليفة: 244، تاريخ خليفة: 338، التاريخ الصغير = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، عَالِمُ وَقْتِهِ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ سَالِمٍ وَعِكْرِمَةَ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ انْقطَاعٌ عَلَى انْقطَاعٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يُحِقَّ أَبَاهُ، وَرُبِّيَ القَاسِمُ فِي حَجْرِ عَمَّتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَتَفَقَّهَ مِنْهَا، وَأَكْثَرَ عَنْهَا. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ مَسْعُوْدٍ - مُرْسَلاً -. وَعَنْ: زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - مُرْسَلاً -. وَعَنْ: فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ جَدَّتِهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ خَبَّابٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْ: صَالِحِ بنِ خَوَّاتٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعِ؛ ابْنَيْ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَنَافِعٌ العُمَرِيُّ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأَيُّوْبُ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَرَبِيْعَةُ بنُ عَطَاءٍ، وَثَابِتٌ بنُ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ سَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَشَيْبَةُ بنُ نِصَاحٍ، وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ القَدَّاحُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، وَعِيْسَى بنُ مَيْمُوْنٍ الوَاسِطِيُّ، وَمُوْسَى بنُ سَرْجِسَ، وَأَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَأَيْمَنُ بنُ نَابِلٍ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ.   = 1 / 241 و253، الجرح والتعديل 7 / 118، حلية الأولياء 2 / 183، طبقات الفقهاء للشيرازي: 59، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 55، وفيات الأعيان 4 / 59، تهذيب الكمال 1116، تذهيب التهذيب: 3 / 150 / 2 تاريخ الإسلام 4 / 182، تذكرة الحفاظ 1 / 96، العبر 1 / 132، تهذيب التهذيب 8 / 323، نكت الهميان: 230، طبقات الحفاظ: 38، خلاصة تذهيب الكمال: 313، شذرات الذهب 1 / 135. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، يُقَالُ لَهَا: سَوْدَةُ، وَكَانَ ثِقَةً، عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، إِمَاماً، وَرِعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَأْذَنَ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: ائْذَنْ لَهُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: مَهْيَم (1) ؟ قَالَ: مَاتَ فُلاَنٌ ... ، فَذَكَرَ قصَّته. قَالَ: فَوَلَّى، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَدَ وَلداً أَشْبَهَ بِهِ مِنْ هَذَا الفَتَى. وَعَنِ القَاسِمِ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ قَدِ اسْتَقَلَّتُ بِالفَتْوَى فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَتْ، وَكُنْتُ مُلاَزِماً لَهَا مَعَ تُرَّهَاتِي (2) ، وَكُنْتُ أَجَالِسُ البَحْرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَدْ جَلَسْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، فَأَكْثَرْتُ. فَكَانَ هُنَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ- وَرَعٌ وَعِلْمٌ جَمٌّ، وَوُقُوْفٌ عَمَّا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا أَدْرَكْنَا بِالمَدِيْنَةِ أَحَداً نُفَضِّلُهُ عَلَى القَاسِمِ. وُهَيْبٌ: عَنْ أَيُّوْبَ - وَذَكَرَ القَاسِمَ - فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَقَدْ تَرَكَ مائَةَ أَلْفٍ وَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ. البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ - وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ - وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ - يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُوْلُ: طَيَّبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ، الحَدِيْثَ (3) .   (1) قال الجوهري: مهيم: كلمة يستفهم بها، معناها: ما حالك وما شأنك؟ (2) الترهات: جمع ترهة: الأباطيل، والقول الخالي عن النفع. (3) أخرجه البخاري 3 / 466 في الحج: باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الافاضة، ولفظه بتمامه: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنَ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَمَا كَانَ الرَّجُلُ يُعَدُّ رَجُلاً حَتَّى يَعْرِفَ السُّنَّةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدَّ ذِهْناً مِنَ القَاسِمِ، إِنْ كَانَ لَيَضْحَكُ مِنْ أَصْحَابِ الشُّبَهِ كَمَا يَضْحَكُ الفَتَى. وَرَوَى: خَالِدُ بنُ نِزَارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ عَائِشَةَ ثَلاَثَةٌ: القَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَعَمْرَةُ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: تَرْجَمَةٌ مُشَبَّكَةٌ بِالذَّهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ القَاسِمُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ يُحَدِّثُوْنَ بِالحَدِيْثِ عَلَى حُرُوْفِهِ، وَكَانَ الحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَالشَّعْبِيُّ يُحَدِّثُوْنَ بِالمَعَانِي (1) . يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَعْلَمُ، أَنْتَ أَمْ سَالِمٌ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، كُلٌّ سَيُخْبِرُكَ بِمَا عَلِمَ. فَقَالَ: أَيُّكُمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! فَأَعَادَ، فَقَالَ: ذَاكَ سَالِمٌ، انْطَلِقْ، فَسَلْهُ، فَقَامَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَرِهَ أَنْ يَقُوْلَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَيَكُوْنُ تَزْكِيَةً، وَكَرِهَ أَنْ يَقُوْلَ: سَالِمٌ أَعْلَمُ مِنِّي، فَيَكْذِبُ. وَكَانَ القَاسِمُ أَعْلَمَهُمَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ذَكَرَ مَالِكٌ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ هَذِهِ   (1) جمهور العلماء سلفا وخلفا على جواز رواية الحديث بالمعنى إذا كان الراوي عالما بالالفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، وعليه العمل كما هو مشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجئ الألفاظ متعددة من وجوه مختلفة متباينة. وأكثر مرويات الصحابة والتابعين بالمعنى إلا فيما يتعبد بلفظه كالتشهد والقنوت والصلاة وما هو من جوامع حكمه صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يحرصون على روايته باللفظ النبوي. ثم إن هذا الخلاف لا يجري في الكتب المصنفة كالكتب الستة والمسانيد والمعاجم وغيرها، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه لان الرواية بالمعنى إنما رخص فيها من رخص حين كان الحرج شديدا على الرواة في ضبط الألفاظ، وهذا غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 الأُمَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنِي مَالِكٌ: أَنَّ ابْنَ سِيْرِيْنَ كَانَ قَدْ ثَقُلَ وَتَخَلَّفَ عَنِ الحَجِّ، فَكَانَ يَأْمُرُ مَنْ يَحُجَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْيِ القَاسِمِ، وَلَبُوْسِهِ، وَنَاحِيَتِهِ، فَيُبَلِّغُوْنَهُ ذَلِكَ، فَيَقْتَدِي بِالقَاسِمِ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: القَاسِمُ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِيْنَ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِيْنَ وَفُقَهَائِهِم. وَقَالَ: مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ (1) ، ثِقَةٌ، نَزِهٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: لأَنْ يَعِيْشَ الرَّجُلُ جَاهِلاً بَعْد أَنْ يَعْرِفَ حَقَّ اللهِ عَلَيْهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ مَا لاَ يَعْلَمُ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى القَاسِمَ أَمِيْرٌ مِنْ أُمَرَاءِ المَدِيْنَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ إِكْرَامِ المَرْءِ نَفْسَهُ أَنْ لاَ يَقُوْلَ إِلاَّ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: مَا كَانَ القَاسِمُ يُجِيْبُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الظَّاهِرِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: لَوْ كَانَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الأَمْرِ، شَيْءٌ مَا عَصَّبْتُهُ إِلاَّ بِالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَدْ وَلِيَ العَهْدَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ القَاسِمُ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، قَلِيْلَ الفُتْيَا، وَكَانَ يَكُوْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ المُدَارَاةُ فِي الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ لَهُ القَاسِمُ: هَذَا الَّذِي تُرِيْدُ أَنْ تُخَاصِمَنِي فِيْهِ هُوَ لَكَ، فَإِنْ كَانَ حَقّاً، فَهُوَ لَكَ، فَخُذْهُ، وَلاَ تَحْمَدْنِي فِيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِي، فَأَنْتَ مِنْهُ فِي حِلٍّ، وَهُوَ لَكَ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَكْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَدْ جَعَلَ اللهُ فِي الصَّدِيْقِ البَارِّ المُقْبِلِ عِوَضاً مِنْ ذِي الرَّحِمِ العَاقِّ المُدْبِرِ.   (1) زيادة من التهذيب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 رَوَى: حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ، قَالَ: مَاتَ القَاسِمُ وَسَالِمٌ، أَحَدُهُمَا سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَالآخَرُ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ أَوْ أَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. زَادَ يَحْيَى: بِقُدَيْدٍ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالفَلاَّسُ: سَنَة ثَمَانٍ وَمائَةٍ. زَادَ الوَاقِدِيُّ: وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ عَمِيَ. وَشَذَّ ابْن سَعْدٍ، فَقَالَ: تُوُفِيَّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ أَصْلاً. وَكَذَا نَقَلَ: أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ سَخْبَرَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً (2)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ عَشْرَةٌ ... ، فَذَكَرَ مِنْهُمُ القَاسِمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا حَدَّثَ القَاسِمُ مائَةَ حَدِيْثٍ.   (1) موضع في الطريق بين مكة والمدينة بينها وبين الجحفة - ميقات أهل الشام - سبعة وعشرون ميلا. (2) " حلية الأولياء " 2 / 186، وإسناده ضعيف لجهالة ابن سخبرة وبعضهم يسميه الطفيل بن سخبرة، ويقال: هو عيسى بن ميمون المدني فإن يكنه، فهو ضعيف، وأخرجه أحمد 6 / 82 و145، والحاكم 2 / 178، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، فأخطا، وأخرج أبو داود (2117) من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " خير النكاح أيسره " وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (1257) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَوْ كَانَ إِلَيَّ أَنْ أَعْهَدَ مَا عَدَوْتُ صَاحِبَ الأَعْوَصِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ بنَ أُمَيَّةَ- أَوْ (1) أُعَيْمِشَ بَنِي تَمِيْمٍ -يَعْنِي: القَاسِمَ-. فَرَوَى: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، أَنَّهَا بَلَغَتِ القَاسِمَ، فَقَالَ: إِنِّي لأَضْعُفُ عَنْ أَهْلِي، فَكَيْفَ بِأَمْرِ الأُمَّةِ؟! قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ القَاسِمُ مِمَّنْ يَأْتِي بِالحَدِيْثِ بِحُرُوْفِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: كَانَ القَاسِمُ لاَ يَكَادُ يَعِيْبُ عَلَى أَحَدٍ، فَتَكَلَّمَ رَبِيْعَةُ يَوْماً، فَأَكْثَرَ، فَلَمَّا قَامَ القَاسِمُ، قَالَ - وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيَّ -: لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ، أَتُرَاهُم كَانُوا غَافِلِيْنَ عَمَّا يَقُوْلُ صَاحِبُنَا -يَعْنِي: عَمَّا يَقُوْلُ رَبِيْعَةُ بِرَأْيِهِ-. حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ (2) ، قَالَ: أَرْسَلَنِي عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ إِلَى القَاسِمِ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: كَانَ القَاسِمُ لاَ يُفَسِّرُ القُرْآنَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ القَاسِمَ وَسَالِماً يَلْعَنَانِ القَدَرِيَّةَ. قَالَ زَيْدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ، قَالَ: سَأَلْتُ القَاسِمَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ أَحَادِيْثَ، فَمَنَعَنِي، وَقَالَ: إِنَّ الأَحَادِيْثَ كَثُرَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَنَاشَدَ النَّاسَ أَنْ يَأْتُوْهُ بِهَا، فَلَمَّا أَتَوْهُ بِهَا، أَمَرَ بِتَحْرِيْقِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَثْنَاةَ كَمَثْنَاةِ (3) أَهْلِ الكِتَابِ.   (1) في الأصل " إذ " وهو خطأ، والأعوص: موضع على أميال من المدينة، والذي منع عمر بن عبد العزيز أن يعهد إلى واحد منهما أن سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة، وليزيد من بعده. (2) هو سليمان بن حبيب المحاربي يعرف بابن قتة، وهو القائل في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما: وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت " تبصير المنتبه " 1122. قلت: لكن البيت ومعه أربعة أبيات أخر أوردها ياقوت في " معجم البلدان ": طف، ونسبها إلى أبي دهبل الجمحي. (3) المثناة: كتاب وضعه أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 رَوَى: أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، قَالَ: اخْتِلاَفُ الصَّحَابَةِ رَحْمَةٌ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى القَاسِمِ جُبَّةَ خَزٍّ، وَكِسَاءَ خَزٍّ، وَعِمَامَةَ خَزٍّ. وَقَالَ أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ: كَانَ القَاسِمُ يَلْبَسُ جُبَّةَ خَزٍّ. وَقَالَ عَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: رَأَيْتُ القَاسِمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ صَفْرَاءُ، وَرِدَاءٌ مَثْنِيٌّ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ العَلاَءِ: رَأَيْتُ القَاسِمَ وَعَلَى رَحْلِهِ قَطِيْفَةٌ مِنْ خَزٍّ غَبْرَاءُ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مُمَصَّرٌ. وَقَالَ ابْنُ زَبْرٍ: دَخَلْتُ عَلَى القَاسِمِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مُعَصْفَرَةٍ، وَتَحْتَهُ فِرَاشٌ مُعَصْفَرٌ. وَقَالَ خَالِدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ: رَأَيْتُ عَلَى القَاسِمِ عِمَامَةً بَيْضَاءَ، قَدْ سَدَلَ خَلْفَهُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ. وَقِيْلَ: كَانَ يَخْضِبُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ قَدْ ضَعُفَ جِدّاً. وَقِيْلَ: كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِقُدَيْدٍ، فَقَالَ: كَفِّنُوْنِي فِي ثِيَابِي الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي فِيْهَا، قَمِيْصِي وَرِدَائِي. هَكَذَا كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ. وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ. 19 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ بنِ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ * (ع) تَيْمُ الرَّبَابِ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، عَابِدُ الكُوْفَةِ، أَبُو أَسْمَاءَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ يَزِيْدَ بنِ شَرِيْكٍ التَّيْمِيِّ، وَكَانَ أَبُوْهُ يَزِيْدُ مِنْ أَئِمَّةِ الكُوْفَةِ أَيْضاً. يَرْوِي عَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَالكِبَارِ. أَخَذَ عَنْهُ أَيْضاً: الحَكَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الدَّوَاوِيْنِ السِّتَّةِ. نَعَمْ وَحَدَّثَ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ:   (*) طبقات ابن سعد 6 / 285، طبقات خليفة: 155، التاريخ الكبير 1 / 333، 334، الجرح والتعديل 2 / 146، اللباب 1 / 190، تهذيب الكمال: 18، تذهيب التهذيب 1 / 45 / 1، تاريخ الإسلام 3 / 337، العبر 1 / 106، طبقات القراء 1 / 29، تهذيب التهذيب 1 / 176، النجوم الزاهرة 1 / 225، طبقات الحفاظ: 29، خلاصة تذهيب الكمال: 23. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: عَائِشَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَبَيَانُ بنُ بِشْرٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ شَابّاً، صَالِحاً، قَانِتاً للهِ، عَالِماً، فَقِيْهاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَاعِظاً. المُحَارِبِيُّ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: مَا أَكَلْتُ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً إِلاَّ حَبَّةَ عِنَبٍ. أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: رُبَّمَا أَتَى عَلَيَّ شَهْرٌ لاَ أَطْعَمُ طَعَاماً، وَلاَ أَشْرَبُ شَرَاباً، لاَ يَسْمَعَنَّ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ إِذَا سَجَدَ، كَأَنَّهُ جِذْمُ حَائِطٍ يَنْزِلُ عَلَى ظَهْرِهِ العَصَافِيْرُ. يُقَالُ: قَتَلَهُ الحَجَّاجُ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي حَبْسِهِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. لَمْ يَبْلُغْ إِبْرَاهِيْمُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. رَوَى الثَّوْرِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: كَمْ بَيْنَكُم وَبَيْنَ القَوْمِ! أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا، فَهَرَبُوا، وَأَدْبَرَتْ عَنْكُم، فَاتَّبَعْتُمُوْهَا. رَوَى: أَبُو حَيَّانَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خِفْتُ أَنْ أَكُوْنَ مُكَذِّباً. قَالَ العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: مَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيَّ رَافِعاً بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ قَطُّ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَظْلِمُنِي، فَأَرْحَمُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 وَرَوَى عَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَهَاوَنُ فِي التَّكْبِيْرَةِ الأُوْلَى فَاغْسِلْ يَدَكَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: طَلَبَ الحَجَّاجُ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ، فَجَاءَ الرَّسُوْلُ، فَقَالَ: أُرِيْدُ إِبْرَاهِيْمَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ: أَنَا إِبْرَاهِيْمُ. وَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى النَّخَعِيِّ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ فِي الدِّيْمَاسِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُم ظِلٌّ مِنَ الشَّمْسِ، وَلاَ كِنٌّ مِنَ البَرْدِ، وَكَانَ كُلُّ اثْنَيْنِ فِي سِلْسِلَةٍ، فَتَغَيَّرَ إِبْرَاهِيْمُ، فَعَادَتْهُ أُمُّهُ، فَلَمْ تَعْرِفْهُ، حَتَّى كَلَّمَهَا، فَمَاتَ. فَرَأَى الحَجَّاجُ فِي نَوْمِهِ قَائِلاً يَقُوْلُ: مَاتَ فِي البَلَدِ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَسَأَلَ، فَقَالُوا: مَاتَ فِي السِّجْنِ إِبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ. فَقَالَ: حُلْمٌ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ. وَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ عَلَى الكُنَاسَةِ (1) . 20 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو الحَكَمِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَكَمُ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَرْدَانُبَةَ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ بُكَيْرُ بنُ عَامِرٍ: كَانَ لَوْ قِيْلَ لَهُ: قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْكَ مَلَكُ المَوْتِ، مَا كَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةُ عَمَلٍ، وَكَانَ يَمْكُثُ جُمُعَتَيْنِ لاَ يَأْكُلُ.   (1) الخبر في الطبقات 6 / 285، والزيادة منه. (*) طبقات ابن سعد 6 / 298، التاريخ الكبير 5 / 356، تاريخ الفسوي 2 / 574، الجرح والتعديل 5 / 295، حلية الأولياء 5 / 69، 73، تهذيب الكمال: 823، تذهيب التهذيب 2 / 231 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 144، تهذيب التهذيب 6 / 286، خلاصة تذهيب الكمال: 235. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ يُحْرِمُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ، وَيَقُوْلُ: لَبَّيْكَ، لَوْ كَانَ رِيَاءً لاضْمَحَلَّ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ أَنْكَر عَلَى الحَجَّاجِ كَثْرَةَ القَتْلِ، فَهَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ فِي بَطْنِهَا أَكْثَرُ مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِهَا. رَوَاهَا: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ، فَذَكَرَهَا. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، وَهُوَ يُلَبِّي بِصَوْتٍ حَزِيْنٍ، ثُمَّ يَأْتِي خُرَاسَانَ وَأَطْرَافَ الأَرْضِ، ثُمَّ يُوَافِي مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. قَالَ: وَكَانَ يُفْطِرُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ. قُلْتُ: مَاتَ بَعْدَ المائَةِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مَرْدَانُبَةَ، وَالحَكَمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) (1) . 21 - عِرَاكُ بنُ مَالِكٍ الغِفَارِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَزَيْنَبَ بِنْت أَبِي سَلَمَةَ، وَعَنْ   (1) حلية الأولياء 5 / 71، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 3 و62 و64 و80 و82، والحاكم 3 / 166، 167، والترمذي (3771) وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (2228) وفي الباب عن حذيفة عن أحمد 5 / 391، 392، والترمذي (3783) والخطيب في " تاريخه " 6 / 372، وسنده صحيح، وعن علي عند أبي نعيم 4 / 140، والخطيب 12 / 4، وعن ابن مسعود عند الحكام 3 / 167 ورجاله ثقات، وعن البراء عند الطبراني وحسنه الهيثمي في " المجمع " 9 / 184، وعن أبي هريرة عند الطبراني 1 / 123 / 1. (*) طبقات خليفة: 248، التاريخ الصغير 1 / 248، تاريخ الفسوي 1 / 396، الجرح والتعديل = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 عَائِشَةَ، فَقِيْلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ خُثَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَكْثَرَ صَلاَةً مِنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ. قِيْلَ: وَكَانَ عِرَاكٌ يُحَرِّضُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ عَلَى انْتِزَاعِ مَا بِأَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالفَيْءِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ نَفَى عِرَاكاً إِلَى جَزِيْرَةِ دَهْلَكَ (1) مِنْ غَرْبِيِّ اليَمَنِ، فَمَاتَ هُنَاكَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي إِمْرَةِ يَزِيْدَ المَذْكُوْرِ. حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ هُوَ بِالكَثِيْرِ الرِّوَايَةِ، لَعَلَّهُ تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا. 22 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ * (ق) المَدَنِيُّ، الشَّاعِرُ ابْنُ الشَّاعِرِ. وَأُمُّهُ: هِيَ سِيْرِيْنُ؛ خَالَةُ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   = 7 / 38، تهذيب الكمال: 927، تاريخ الإسلام 4 / 153، ميزان الاعتدال 3 / 63، العبر 1 / 122، تهذيب التهذيب 7 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 264، شذرات الذهب 1 / 122. (1) قال ياقوت: هي جزيرة في بحر اليمن، ضيقة حرجة حارة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها، قال أبو الفتح نصر بن عبد الله بن قلاقس الاسكندري يذكر دهلك وصاحبه مالك بن الشداد: واقبح بدهلك من بلدة * فكل امرئ حلها هالك كفاك دليلا على أنها * جحيم وخازنها مالك (*) طبقات ابن سعد 5 / 266، طبقات خليفة: 251، التاريخ الكبير 5 / 270، التاريخ الصغير 1 / 76، تاريخ الفسوي 1 / 235، الجرح والتعديل 5 / 223، تهذيب الكمال: 784، تذهيب التهذيب 2 / 208 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 141، تهذيب التهذيب 6 / 162، الإصابة ت 6199، خلاصة تذهيب الكمال: 226. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 حَدَّثَ عَنْ: أَبَوَيْهِ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَعِيْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بَهْمَانَ، وَهُوَ نَزْرُ الحَدِيْثِ. قِيْلَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَهُوَ القَائِلُ فِي بِنْتِ مُعَاوِيَةَ: هِيَ زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الغَوَّا ... صِ مِيْزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُوْنِ فَإِذَا مَا نَسَبْتَهَا لَمْ تَجِدْهَا ... فِي سَناً مِنَ المَكَارِمِ دُوْنِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ. قِيْلَ: فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: ثُمَّ خَاصَرْتُهَا إِلَى القُبَّةِ الخَضْرَا ... ءِ تَمْشِي فِي مَرْمَرٍ مَسْنُوْنِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. 23 - القُرَظِيُّ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبِ بنِ سُلَيْمٍ * (ع) وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُحَمَّدُ بنُ كَعْبِ بنِ حَيَّانَ بنِ سُلَيْمٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الصَّادِقُ، أَبُو حَمْزَةَ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - القُرَظِيُّ، المَدَنِيُّ، مِنْ حُلَفَاءِ الأَوْسِ، وَكَانَ أَبُوْهُ كَعْبٌ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، سَكَنَ الكُوْفَةَ، ثُمَّ المَدِيْنَةَ. قِيْلَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ: عَنْ أَبِي كَبِيْرٍ البَصْرِيِّ، قَالَتْ أُمُّ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ لَهُ: يَا بُنَيَّ! لَوْلاَ أَنِّي أَعْرِفُكَ طَيِّباً صَغِيْراً وَكَبِيْراً، لَقُلْتُ: إِنَّكَ أَذْنَبْتَ ذَنْباً مُوْبِقاً؛ لِمَا أَرَاكَ تَصْنَعُ بِنَفْسِكَ. قَالَ: يَا أُمَّاهُ! وَمَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُوْنَ   (*) طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 1 / 216، التاريخ الصغير: 243، 255، تاريخ الفسوي 1 / 563، 564، الجرح والتعديل 8 / 67، حلية الأولياء 3 / 212، تهذيب الكمال: 1261، تذهيب التهذيب، تاريخ الإسلام 4 / 199، البداية والنهاية 9 / 257، تهذيب التهذيب 9 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 357، شذرات الذهب 1 / 136. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 اللهُ قَدِ اطَّلَعَ عَلَيَّ، وَأَنَا فِي بَعْضِ ذُنُوْبِي، فَمَقَتَنِي، وَقَالَ: اذْهَبْ، لاَ أَغْفِرُ لَكَ، مَعَ أَنَّ عَجَائِبَ القُرْآنِ تَرِدُ بِي عَلَى أُمُوْرٍ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْقَضِي اللَّيْلُ وَلَمْ أَفْرُغْ مِنْ حَاجَتِي. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ البَزَّازِ، قَالَ: كَانَ لِمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ جُلَسَاءُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالتَّفْسِيْرِ، وَكَانُوا مُجْتَمِعِيْنَ فِي مَسْجِدِ الرَّبَذَةِ (1) ، فَأَصَابَتْهُم زَلْزَلَةٌ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ المَسْجِدُ، فَمَاتُوا جَمِيْعاً تَحْتَهُ (2) . قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ سَعْدٍ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي صِرْمَةَ الأَنْصَارِيِّ البَدْرِيِّ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ خُثَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَافِعٍ، وَأَبَانِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بن الهَادِ، وَطَائِفَةٍ. وَهُوَ يُرْسِلُ كَثِيْراً، وَيَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُم. فَرَوَى عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَلِيٍّ، وَالعَبَّاسِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَسَلْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ العَاصِ. وَيَرْوِي عَنْ: رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.   (1) الربذة من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله عنه. (2) تاريخ الفسوي 1 / 564. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَيَزِيْدُ بنُ الهَادِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ، وَأَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَعَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَزِيَادَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَالِحُ بنُ حَسَّانٍ، وَعَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَأَبُو المِقْدَامِ هِشَامُ بنُ زِيَادٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ رِفَاعَةَ القُرَظِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرِعاً. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَزَادَ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، رَجُلٌ صَالِحٌ، عَالِمٌ بِالقُرْآنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيْرِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ أَبُوْهُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَتُرِكَ (1) . ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُوْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ حَسَنَةٌ) (2) . قَالَ البُخَارِيُّ: لاَ أَدْرِي أَحَفِظَهُ أَمْ لاَ؟ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ مُنْقَطِعٌ، شَاذٌّ.   (1) التاريخ الكبير 1 / 216، وممن خلي سبيله من أسرى بني قريظة لأنه لم ينبت عطية القرظي كما في سنن أبي داود (4404) والترمذي (1584) والنسائي 6 / 155، وابن ماجه (2541) وسنده حسن. (2) التاريخ الكبير 1 / 216، ورجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (2912) في ثواب القرآن من طريق ابن بشار، عن أبي بكر الحنفي، عن الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود..وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ العَبَّاسِ. وَرَوَى: ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ (1) أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ القُرْآنَ دِرَاسَةً لاَ يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُوْنُ مِنْ بَعْدِهِ) . قَالَ نَافِعُ بنُ يَزِيْدَ: قَالَ رَبِيْعَةُ: فَكُنَّا نَقُوْلُ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ. يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِّيِّ: عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ عَوْنَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِتَأْوِيْلِ القُرْآنِ مِنَ القُرَظِيِّ. وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَمْلاَكٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَحَصَّلَ مَالاً مَرَّةً، فَقِيْلَ لَهُ: ادَّخِرْ لِوَلَدِكَ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَدَّخِرُهُ لِنَفْسِي عِنْدَ رَبِّي، وَأَدَّخِرُ رَبِّي لِوَلَدِي. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ. 24 - يُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ الفَارِسِيُّ * (ع) مِنْ مَوَالِي أَهْلِ مَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ   (1) وبعضهم سماه عبد الله بن معتب، لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وأبوه لا يعرف، فالحديث ضعيف، وهو في " المسند " 6 / 11 من طريق ابن وهب. وقد تحرف فيه معتب إلى معقب وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 563، 564 من طريق نافع بن يزيد، عن أبي صخر، عن عبد الله بن معتب أو مغيث بن أبي بردة، عن أبيه عن جده..، وأورده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة أبي بردة الظفري، ونسبه لأحمد والبغوي. (*) طبقات ابن سعد 5 / 470، 471، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 345، تاريخ الفسوي 1 / 223، الجرح والتعديل 9 / 229، تهذيب الكمال: 1561، تذهيب التهذيب 4 / 191، تاريخ الإسلام 5 / 21، العقد الثمين 7 / 497، تهذيب التهذيب 11 / 421، خلاصة تذهيب الكمال: 439، شذرات الذهب 1 / 147. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ. وَعَنْهُ: أَبُو بِشْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَالفَلاَّسُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 25 - الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُقْرِئُ، أَبُو دَاوُدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ. سَمِعَ: أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مَالِكِ بنِ بُحَيْنَةَ، وَطَائِفَةً. وَجَوَّدَ القُرْآنَ وَأَقْرَأَهُ، وَكَانَ يَكْتُبُ المَصَاحِفَ. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَتَلاَ عَلَيْهِ: نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقِيْلَ: بَلْ وَلاَؤُهُ لِبَنِي مَخْزُوْمٍ. أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الأَعْرَجُ يَكْتُبُ المَصَاحِفَ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 283، طبقات خليفة: 239، التاريخ الكبير 5 / 360، التاريخ الصغير 1 / 283، تاريخ الفسوي 2 / 737، الجرح والتعديل 5 / 297، اللباب 1 / 75، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 305، 306، تهذيب الكمال: 824، تذهيب التهذيب 2 / 232 / 2 تاريخ الإسلام 4 / 275، تذكرة الحفاظ 1 / 97، طبقات القراء للذهبي 1 / 63، مرآة الجنان 1 / 350، طبقات القراء 1 / 381، تهذيب التهذيب 6 / 290، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 38، بغية الوعاة 2 / 91، خلاصة تذهيب الكمال 236، شذرات الذهب 1 / 153. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 مَالكٌ: عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ يَقُوْلُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُم يَلْعَنُوْنَ الكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ سُوْرَةَ البَقَرَةِ فِي ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ (1) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ العَرَبِيَّةَ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنْسَابِ قُرَيْشٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيْلِيِّ. اتَّفَقَ أَنَّ الأَعْرَجَ سَافَرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى مِصْرَ، وَمَاتَ مُرَابِطاً بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ. أَرَخَّ وَفَاتَهُ: مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَأَظُنُّهُ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ. 26 - أَبُو السَّفَرِ سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ الهَمْدَانِيُّ * (ع) هُوَ: سَعِيْدُ بنُ يُحْمِدَ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَاجِيَةَ بنِ كَعْبٍ. وَعَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 115، وعنه عبد الرزاق في " المصنف " (7734) وإسناده صحيح. (*) طبقات ابن سعد 6 / 299، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 73، تهذيب الكمال: 510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 252، تهذيب التهذيب 4 / 96، خلاصة تذهيب الكمال: 143. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 27 - أَبُو الضُّحَى مُسْلِمُ بنُ صُبَيْحٍ القُرَشِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، مَوْلَى آلِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ. سَمِعَ: ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَالنُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، وَمَسْرُوْقاً، وَغَيْرَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُغِيْرَةُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَتَفَقَّهَ: بِعَلْقَمَةَ، وَغَيْرِهِ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الفِقْهِ وَالتَّفْسِيْرِ، ثِقَةً، حُجَّةً، وَكَانَ عَطَّاراً. مَاتَ: نَحْوَ سَنَةِ مائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. 28 - مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ الجَزَرِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، عَالِمُ الجَزِيْرَةِ، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو أَيُّوْبَ الجَزَرِيُّ، الرَّقِّيُّ، أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي نَصْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بِالكُوْفَةِ، فَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ سَكَنَ الرَّقَّةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ الفِهْرِيِّ الأَمِيْرِ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ العَبْدَرِيَّةِ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَافِعٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، وَمِقْسَمٍ، وَعِدَّةٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: عُمَرَ، وَالزُّبَيْرِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَمْرٌو، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ إِيَاسٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَسُلَيْمَانُ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 288، طبقات خليفة: 157، تاريخ خليفة: 325، الجرح والتعديل 4 / 186، تهذيب الكمال: 1327، تذهيب التهذيب 4 / 38 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 78، تهذيب التهذيب 10 / 132، خلاصة تذهيب الكمال: 375. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 477، طبقات خليفة: 319، تاريخ الفسوي 2 / 389، الجرح والتعديل 8 / 233، حلية الأولياء 4 / 82، طبقات الشيرازي: 77، تهذيب الكمال: 1396، تذهيب التهذيب 4 / 86 / 2، العبر 1 / 147، تاريخ الإسلام 5 / 8، تذكرة الحفاظ 1 / 98، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 10 / 390، طبقات الحفاظ: 39، خلاصة تذهيب الكمال: 394، شذرات الذهب 1 / 154. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 الأَعْمَشُ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَخُصَيْفٌ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي المُهَاجِرِ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَفُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، وَالجُرَيْرِيُّ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قِيْلَ: إِنَّ مَوْلِدَهُ عَامَ مَوْتِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَوْثَقُ مِنْ عِكْرِمَةَ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، قَالَ: هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ عُلَمَاءُ النَّاسِ فِي زَمَنِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: مَكْحُوْلٌ، وَالحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كُنْتُ أُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: رَجُلٌ أَسْرَعَ فِي الدِّمَاءِ، أَوْ رَجُلٌ أَسْرَعَ فِي المَالِ؟ فَرَجَعْتُ، وَقُلْتُ: لاَ أَعُوْدُ. وَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَ: إِذَا ذَهَبَ هَذَا وَضُرَبَاؤُهُ، صَارَ النَّاسُ بَعْدَهُ رِجْرَاجَةً (1) . قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ. رَوَى: عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: إِنِّي وَدِدْتُ أَنَّ أُصْبُعِي قُطِعَتْ مِنْ هَا هُنَا، وَأَنِّي لَمْ أَلِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ. أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي مَرْزُوْقٍ: قَالَ مَيْمُوْنٌ: وَدِدْتُ أَنَّ   (1) في " اللسان ": وفي حديث عمر بن عبد العزيز: الناس رجاج بعد هذا الشيخ - يعني ميمون ابن مهران - هم رعاع الناس وجهالهم، وفي " النهاية " في حديث ابن مسعود: " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كرجرجة الماء الخبيث " الرجرجة بكسر الراءين: بقية الماء الكدرة في الحوض المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها. قال أبو عبيد: الحديث يروى كرجراجة الماء والمعروف في الكلام رجرجة وقال الزمخشري: الرجراجة: هي المرأة يترجرج كفلها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 إِحْدَى عَيْنَيَّ ذَهَبَتْ، وَأَنِّي لَمْ أَلِ عَمَلاً قَطُّ، لاَ خَيْرَ فِي العَمَلِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ. قُلْتُ: كَانَ وَلِيَ خَرَاجَ الجَزِيْرَةِ، وَقَضَاءهَا، وَكَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ. رَوَى: أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ القَدَرِ، وَلاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ تَعَلَّمُوا النُّجُوْمَ (1) . بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي النُّعْمَانِ الجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: خَاصَمَهُ رَجُلٌ فِي الإِرْجَاءِ (2) ، فَبَيْنَمَا هُمَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ سَمِعَا امْرَأَةً تُغَنِّي، فَقَالَ مَيْمُوْنٌ: أَيْنَ إِيْمَانُ هَذِهِ مِنْ إِيْمَانِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ؟! فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ (3) .   (1) المحظور من علم النجوم هو ما عليه الكهان والمشعوذون من علم التأثير الذي يزعمون أنهم يعلمون به الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، وأما علم التسيير الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس، وتعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ولمعرفة الجهات وغير ذلك مما هو مفيد ونافع فلا حرج في تعلمه. (2) الارجاء يطلقه المعتزلة القائلون بتخليد صاحب الكبيرة في النار على أهل السنة والجماعة، لانهم لا يقطعون بعقاب الفساق الذين يرتكبون الكبائر، ويفوضون أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم. ويطلقه المحدثون على من لا يقول بزيادة الايمان ولا نقصانه، ولا يقول بدخول العمل بحقيقة الايمان ومسماه، وهو مذهب أبي حنيفة والجلة من العلماء وهم يعتدون بالاعمال، ويحرضون عليها، ويفسقون من ضيع شيئا منها، ويرجئون أمر العصاة الذين يرتكبون الكبائر إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم. ويطلقه الجمهور على الطائفة المذمومة المتهمة في دينها التي تقول: الايمان هو المعرفة، وما سوى الايمان من الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي غير ضارة ولا نافعة..ومن كان من هذا القبيل، فهو مرفوض الرواية ولا كرامة. (3) يريد ميمون أن يثبت بمقالته هذه أن الايمان تتفاوت نسبته بين مؤمن وآخر، وأنه يزيد وينقص، وهو مذهب جمهور سلف الأمة، ونصوص القرآن، وما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم تقوي ذلك وترجحه، انظر " شرح السنة " 1 / 33، 47 للبغوي بتحقيقنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ فُرَاتِ بنِ السَّائِبِ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِد مَلَطْيَةَ (1) ، فَتَذَاكَرْنَا هَذِهِ الأَهْوَاءَ، فَانْصَرَفْتُ، فَنِمْتُ، فَسَمِعْتُ هَاتِفاً يَهْتِفُ: الطَّرِيْقُ مَعَ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَائِدَةَ، قَالَ: ضُرِبَ عَلَى أَهْلِ الرَّقَّةِ بَعْثٌ، فَجَهَّزَ فِيْهِ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ بِنِبَّالٍ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو أَيُّوْبَ فِي طَاعَتِنَا شِمْرِيّاً (2) . يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا هَارُوْنَ البَرْبَرِيُّ، قَالَ: كَتَبَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ رَقِيْقٌ، كَلَّفْتَنِي أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَانَ عَلَى الخرَاجِ وَالقَضَاءِ بِالجَزِيْرَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي لَمْ أُكَلِّفْكَ مَا يُعَنِّيْكَ، اجْبِ الطَّيِّبَ مِنَ الخَرَاجِ، وَاقْضِ بِمَا اسْتبَانَ لَكَ، فَإِذَا لُبِّسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَارْفَعْهُ إِلَيَّ، فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ كَانَ إِذَا كَبُرَ عَلَيْهِم أَمْرٌ تَرَكُوْهُ، لَمْ يَقُمْ دِيْنٌ وَلاَ دُنْيَا. جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: لاَ يَكُوْنُ الرَّجُلُ تَقِيّاً حَتَّى يَكُوْنَ لِنَفْسِهِ أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنَ الشَّرِيْكِ لِشَرِيْكِهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ وَمَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ. أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى مَيْمُوْنٍ جُبَّةَ صُوْفٍ تَحْتَ ثِيَابِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلاَ تُخْبِرْ بِهِ أَحَداً. وَقَالَ جَامِعُ بنُ أَبِي رَاشِدٍ: سَمِعْتُ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ: ثَلاَثَةٌ تُؤَدَّى إِلَى البَرِّ وَالفَاجِرِ: الأَمَانَةُ، وَالعَهْدُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ.   (1) ملطية: مدينة على الفرات، في تركيا كانت من الثغور الشامية. (2) يقال: رجل شمري، أي: ماض في الأمور والحوائج مجرب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ يَخْطِبُ بِنْتَهُ، فَقَالَ: لاَ أَرْضَاهَا لَكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهَا تُحِبُّ الحُلِيَّ وَالحُلَلَ. قَالَ: فَعِنْدِي مِنْ هَذَا مَا تُرِيْدُ. قَالَ: الآنَ لاَ أَرْضَاكَ لَهَا. قَالَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنِّي لأُشَبِّهُ وَرَعَ جَدِّكَ بِوَرَعِ ابْنِ سِيْرِيْنَ. قَالَ أَبُو المَلِيْحِ: قَالَ رَجُلٌ لِمَيْمُوْنٍ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ! مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَبْقَاكَ اللهُ لَهُم. قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ، مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَوْا رَبَّهُم. ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ بَعْد طَاعُوْنٍ كَانَ بِبِلاَدِهِم أَسْأَلُهُ عَنْ أَهْلِهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ: بَلَغَنِي كِتَابُكَ، وَإِنَّهُ مَاتَ مِنْ أَهْلِي وَخَاصَّتِي سَبْعَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً، وَإِنِّي أَكْرَهُ البَلاَءَ إِذَا أَقْبَلَ، فَإِذَا أَدْبَرَ، لَمْ يَسُرَّنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. رَوَى: أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ: مَنْ أَسَاءَ سِرّاً، فَلْيَتُبْ سِرّاً، وَمَنْ أَسَاءَ عَلاَنِيَةً، فَلْيَتُبْ عَلاَنِيَةً، فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُوْنَ وَلاَ يَغْفِرُوْنَ، وَالله يَغْفِرُ وَلاَ يُعَيِّرُ. خَالِدُ بنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ: قَالَ لِي مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: يَا جَعْفَرُ، قُلْ لِي فِي وَجْهِي مَا أَكْرَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْصَحُ أَخَاهُ حَتَّى يَقُوْلَ لَهُ فِي وَجْهِهِ مَا يَكْرَهُ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: عَنْ أَبِي المَلِيْحِ، قَالَ: قَالَ مَيْمُوْنٌ: إِذَا أَتَى رَجُلٌ بَابَ سُلْطَانٍ، فَاحْتَجَبَ عَنْهُ، فَلْيَأْتِ بُيُوْتَ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهَا مُفَتَّحَةٌ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَسْأَلْ حَاجَتَهُ. وَقَالَ مَيْمُوْنٌ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ فِي الدِّيْوَانِ، فَيَكُوْنَ لَكَ سَهْمٌ فِي الإِسْلاَمِ؟ قُلْتُ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لِي سِهَامٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 فِي الإِسْلاَمِ. قَالَ: مَنْ أَيْنَ، وَلَسْتَ فِي الدِّيْوَانِ؟! فَقُلْتُ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ سَهْمٌ، وَالصَّلاَةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ سَهْمٌ، وَالحَجُّ سَهْمٌ. قَالَ: مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ لأَحَدٍ فِي الإِسْلاَمِ سَهْماً إِلاَّ مَنْ كَانَ فِي الدِّيْوَانِ. قُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ لَمْ يَأْخُذْ دِيْوَاناً قَطُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسْأَلَةً، فَقَالَ: (اسْتَعِفَّ يَا حَكِيْمُ خَيْرٌ لَكَ) . قَالَ: وَمِنْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: وَمِنِّي. قَالَ: لاَ جَرَمَ لاَ أَسْأَلُكَ وَلاَ غَيْرَكَ شَيْئاً أَبَداً، وَلَكِنْ ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يُبَارِكَ لِي فِي صَفْقَتِي -يَعْنِي: التِّجَارَةَ-. فَدَعَا لَهُ (1) . رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي المَلِيْحِ، عَنْهُ. قَالَ فُرَاتٌ: سَمِعْتُ مِيْموناً يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ فِيْكُم رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِ، مَا عَرَفَ إِلاَّ قِبْلَتُكُم. أَبُو المَلِيْحِ: سَمِعْتُ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ زَوْجَةَ هِشَامٍ مَاتَتْ، وَأَعْتَقَتْ كُلَّ مَمْلُوْكٍ لَهَا. فَقَالَ: يَعْصُوْنَ اللهَ مَرَّتَيْنِ، يَبْخَلُوْنَ بِهِ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يُنْفِقُوْهُ، فَإِذَا صَارَ لِغَيْرِهِم، أَسْرَفُوا فِيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: مَيْمُوْنٌ ثِقَةٌ. زَادَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْمِلُ عَلَى   (1) رجاله ثقات، لكنه منقطع، ميمون بن مهران لم يدرك حكيم بن حزام، وأخرج البخاري 3 / 265، 266، في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة من حديث الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: " يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى. " فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيم إني أعرض عليه حقه من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَمْلٌ، إِنَّمَا كَانَ يُفَضِّلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا حَقٌّ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ السِّمَّرِيِّ: أَنَّ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ صَلَّى فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ، انْقَطَعَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ، فَمَاتَ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَمْلأُ عَيْنَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَرَقاً مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. وَعَنْهُ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَنْ كُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَتَكَلَّمَ عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَيْمُوْنٌ يُكْنَى: أَبَا أَيُّوْبَ، ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: نَزَلَ الرَّقَّةَ، وَبِهَا عَقِبُهُ. مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ فُرَاتِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: ثَلاَثٌ لاَ تَبْلُوَنَّ نَفْسَكَ بِهنَّ: لاَ تَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِن قُلْتَ: آمُرُهُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَلاَ تُصْغِيَنَّ بِسَمْعِكَ إِلَى هَوَىً، فَإِنَّك لاَ تَدْرِي مَا يَعْلَقُ بِقَلْبِكَ مِنْهُ، وَلاَ تَدْخُلْ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَوْ قُلْتَ: أُعَلِّمُهَا كِتَابَ اللهِ. وَرَوَى: حَبِيْبُ بنُ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ مَيْمُوْنٍ: وَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ ذَهَبَتْ، وَبَقِيَتِ الأُخْرَى أَتَمَتَّعُ بِهَا، وَأَنِّي لَمْ أَلِ عَمَلاً قَطُّ. قُلْتُ لَهُ: وَلاَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ؟ قَالَ: لاَ لِعُمَرَ، وَلاَ لِغَيْرِهِ. أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: لاَ تَضْرِبِ المَمْلُوْكَ فِي كُلِّ ذَنْبٍ، وَلَكِنِ احْفَظَ لَهُ، فَإِذَا عَصَى اللهَ، فَعَاقِبْهُ عَلَى المَعْصِيَةِ، وَذَكِّرْهُ الذُّنُوْبَ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. أَبُو المَلِيْحِ، سَمِعْتُ مَيْمُوْناً يَقُوْلُ: لأَنْ أُؤْتَمَنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤْتَمَنُ عَلَى امْرَأَةٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: مَا نَال رَجُلٌ مِنْ جَسِيْمِ الخَيْرِ - نَبِيٌّ وَلاَ غَيْرُهُ - إِلاَّ بِالصَّبْرِ. الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ، قَالَ: لَقِيْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - مُقْبِلَةً مِنْ مَكَّةَ، أَنَا وَابْنٌ لِطَلْحَةَ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا، وَقَدْ كُنَّا وَقَعْنَا فِي حَائِطٍ مِنْ حِيْطَانِ المَدِيْنَةِ، فَأَصَبْنَا مِنْهُ، فَبَلَغَهَا ذَلِكَ، فَأَقْبَلَتْ عَلَى ابْنِ أُخْتِهَا تَلُوْمُهُ، ثُمَّ وَعَظَتْنِي، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ سَاقَكَ حَتَّى جَعَلَكَ فِي بَيْت نَبِيِّهِ، ذَهَبَتْ -وَاللهِ- مَيْمُوْنَةُ، وَرُمِيَ بِرَسَنِكَ عَلَى غَارِبِكَ، أَمَا إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ (1) . جَرَى القَلَمُ بِكِتَابَةِ هَذَا هُنَا، وَيَزِيْدُ بنُ الأَصَمِّ: مِنْ فُضَلاَءِ التَّابِعِيْنَ بِالرَّقَّةِ. وَقَدْ خَرَّجَ أَربَابُ الكُتُبِ لِمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ سِوَى البُخَارِيِّ، فَمَا أَدْرِي لِمَ تَرَكَهُ؟ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ شَبَابٌ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-. لَهُ حَدِيْثٌ سَيَأْتِي. 29 - عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمَ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُفْتِي الحَرَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم،   (1) سند هذا الخبر قوي ورجاله كلهم ثقات ويزيد بن الأصم: هو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة لهذا الخبر بالمترجم له، وإنما ذكره المؤلف رحمه الله استطرادا، وقد نبه على ذلك بقوله: جرى القلم بكتابه هذا هنا. (*) طبقات ابن سعد 5 / 467، طبقات خليفة: 280، تاريخ البخاري 6 / 463، التاريخ الصغير 1 / 277، تاريخ الفسوي 1 / 701، الجرح والتعديل 6 / 330، طبقات الشيرازي: 69، وفيات الأعيان 3 / 261، تهذيب الكمال: 938، تذهيب التهذيب 3 / 41 / 1، تاريخ الإسلام = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 المَكِّيُّ. يُقَالَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي جُمَحٍ، كَانَ مِنْ مُوَلَّدِي الجَنَدِ (1) ، وَنَشَأَ بِمَكَّةَ. وُلِدَ: فِي أَثْنَاءِ خِلاَفَةِ عُثْمَانِ. حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُمِّ هَانِئ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَرْسَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعَتَّابِ بنِ أَسِيْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَالفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَسَالِمِ بنِ شَوَّالٍ، وَصَفْوَانَ بنِ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَعِدَّةٍ. حَتَّى إِنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى: أَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ أَبِي أُمَيَّةَ البَصْرِيِّ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالقُدَمَاءُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَالأَعْمَشُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَخَلْقٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ المَكِّيُّ، وَالأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى الفَقِيْهُ، وَأَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ اليَمَامِيُّ، وَبُدَيْلُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ،   = 4 / 278، ميزان الاعتدال 3 / 70، العبر 1 / 141، نكت الهميان: 199، البداية 9 / 306، العقد الثمين 6 / 84، طبقات القراء 1 / 513، تهذيب التهذيب 7 / 199، النجوم الزاهرة 1 / 273، طبقات الحفاظ: 309، خلاصة تذهيب الكمال: 266، شذرات الذهب 1 / 147. (1) الجند، بفتح الجيم والنون، بعدها دال مهملة: بلدة مشهورة باليمن، خرج منها جماعة من العلماء، بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَخُصَيْفٌ الجَزَرِيُّ، وَرَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ المَكِّيُّ، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَالزُّبَيْرُ بنُ خُرَيْقٍ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَطَلْحَةُ بنُ عَمْرٍو المَكِّيُّ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ النَّاجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ المَخْزُوْمِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلَيْمٍ البَصْرِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ، وَعِسْلُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَعُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ، وَعُقْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصَمُّ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ، وَعُمَارَةُ بنُ ثَوْبَانَ، وَعُمَارَةُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ قَيْسٍ سَنْدَلٌ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَكَثِيْرُ بنُ شِنْظِيْرٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمُبَارَكُ بنُ حَسَّانٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيُّ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ، وَمُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ نَافِعٍ أَبُو شِهَابٍ الكُوْفِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَأَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اسْمُ أَبِي رَبَاحٍ: أَسْلَمُ مَوْلَى حَبِيْبَةَ بِنْتِ مَيْسَرَةَ بنِ أَبِي خُثَيْمٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مَوْلَى لِبَنِي فِهْرٍ، أَوْ بَنِي جُمَحٍ، انْتَهَتْ فَتْوَى أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ، وَإِلَى مُجَاهِدٍ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ إِلَى عَطَاءٍ. سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ العِلْمِ يَقُوْلُ: كَانَ عَطَاءٌ أَسْوَدَ، أَعْوَرَ، أَفْطَسَ، أَشَلَّ، أَعْرَجَ، ثُمَّ عَمِيَ، وَكَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، عَالِماً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُوْهُ نُوْبِيٌّ، وَكَانَ يَعْمَلُ المَكَاتِلَ، وَكَانَ عَطَاءٌ أَعْوَرَ، أَشَلَّ، أَفْطَسَ، أَعْرَجَ، أَسْوَدَ. قَالَ: وَقُطِعَتْ يَدُهُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ يَوْمَئِذٍ لَخَنْشَلِيْلٌ (1) بِالسَّيْفِ. قَالَ: إِنَّهُم دَخَلُوا عَلَيْنَا. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ يَدَ عَطَاءٍ شَلاَّءَ، ضُرِبَتْ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: رَأَيْتُ عَطَاءً أَسْوَدَ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ مُعَلِّمَ كُتَّابٍ. وَعَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي نَوْفٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! تَجْتَمِعُوْنَ عَلَيَّ وَعِنْدَكُم عَطَاءٌ! وَقَالَ قَبِيْصَةُ: عَنْ سُفْيَانَ بِهَذِهِ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهَا، فَقَالَ لَهَا: (سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ) . وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ البَاقِرَ يَقُوْلُ لِلنَّاسِ - وَقَدِ اجْتَمَعُوا -: عَلَيْكُم بِعَطَاءٍ، هُوَ -وَاللهِ- خَيْرٌ لَكُم مِنِّي. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: خُذُوا مِنْ عَطَاءٍ مَا اسْتَطَعْتُم. وَرَوَى: أَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَنَاسِكِ الحَجِّ مِنْ عَطَاءٍ. عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالحَجِّ مِنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ. أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ، فَجَعَلَ   (1) الخنشليل: هو المسن القوي والجيد الضرب بالسيف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 يَسْأَلُنِي، فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَسْأَلُهُ؟! قَالَ: مَا تُنْكِرُوْنَ؟ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَكَانَ عَالِماً بِالحَجِّ -: قَدْ حَجَّ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِيْنَ حَجَّةً. قَالَ: وَكَانَ يَوْم مَاتَ ابْنَ نَحْوِ مائَةِ سَنَةٍ، رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ المَاءَ فِي رَمَضَانَ، وَيَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَعَلَى الَّذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البَقَرَةُ: 184] : إِنِّي أُطْعِمُ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِيْنٍ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: لَمْ يَزَالُوا مُتَنَاظِرِيْنَ حَتَّى خَرَجَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا، اسْتَبَانَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ: أَذْكُرُهُم فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ يَأْمُرُوْنَ فِي الحَجِّ مُنَادِياً يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ، فَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ: فَاقَ عَطَاءٌ أَهْلَ مَكَّةَ فِي الفَتْوَى.   (1) أخرجه الحافظ أبو بكر بن مردويه فيما ذكره ابن كثير 1 / 215 من حديث الحسين بن محمد بن بهرام المخزومي، حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا. وأخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 135 في تفسير سورة البقرة من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء سمع ابن عباس يقول: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكينا. قال الحافظ: " يطوقونه " بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع، وهذه قراءة ابن مسعود أيضا. وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن أي: يكلفون إطاقته. ولابي داود (2318) والطبري 3 / 427 من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا - قال أبو داود: يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا. وإسناده قوي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 وَرَوَى: هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ هِشَامٍ: هَلْ بِالبَلَدِ -يَعْنِي: مَكَّةَ- أَحَدٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَقْدَمُ رَجُلٍ فِي جَزِيْرَةِ العَرَبِ عِلْماً. فَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ. ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ - فِيْمَا يَظُنُّ الرَّاوِي - قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ لِي أَرْبَعَةٌ، لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِهِم، وَلَمْ أُبَالِ مَنْ خَالَفَهُم: الحَسَنُ، وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَعَطَاءٌ، هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الأَمْصَارِ. ضَمْرَةُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ أَسْوَدَ، شَدِيْدَ السَّوَادِ، لَيْسَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ إِلاَّ شَعْرَاتٌ، فَصِيْحٌ إِذَا تَكَلَّمَ، فَمَا قَالَ بِالحِجَازِ قُبِلَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يُطِيْلُ الصَّمْتَ، فَإِذَا تَكَلَّم، يُخَيَّلُ لَنَا أَنَّهُ يُؤَيِّدُ. وَقَالَ أَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ يَسْأَلُ، فَأُرْشِدَ إِلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَجَعَلَ الأَعْرَابِيٌّ يَقُوْلُ: أَيْنَ أَبُو مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ سَعِيْدٌ: مَا لَنَا هَا هُنَا مَعَ عَطَاءٍ شَيْءٌ. وَرَوَى: عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ لَقِيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَلاَ لَقِيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْتُهُ قَطُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ جَاءنِي فِيْهِ بِحَدِيْثٍ، وَزَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا أَلْفَ حَدِيْثٍ مِنْ رَأْيِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْطِقْ بِهَا (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدِّيْبَاجُ (2) : مَا رَأَيْتُ مُفْتِياً خَيْراً مِنْ عَطَاءٍ، إِنَّمَا   (1) في " الميزان " ما أتيته بشيء قط إلا جاء فيه بحديث وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها. ولفظ ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 1 / 209: ما أتيته بشيء قط من رأي إلا جاءني فيه بحديث وزعم أنه عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها. (2) لقب به لحسن وجهه، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي المدني = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 كَانَ مَجْلِسُهُ ذِكْرَ اللهِ لاَ يَفْتُرُ، وَهُمْ يَخُوْضُوْنَ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، أَحْسَنَ الجَوَابَ. وَرَوَى: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَاتَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ أَرْضَى أَهْلِ الأَرْضِ عِنْدَ النَّاسِ، وَمَا كَانَ يَشْهَدُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ تِسْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِهَذَا العِلْمِ وَجْهَ اللهِ غَيْرَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: عَطَاءٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ المَسْجِدُ فِرَاشَ عَطَاءٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَلاَةً. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ: مَا كَانَ مَعَاشُ عَطَاءٍ؟ قَالَ: صِلَةُ الإِخْوَانِ، وَنَيْلُ السُّلْطَانِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى السَّرِيْر، وَحَوْلَهُ الأَشْرَافُ، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ، فِي وَقْتِ حَجِّهِ فِي خِلاَفَتِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ عَبْدُ المَلِكِ، قَامَ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَاجَتَكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اتَّقِ اللهَ فِي حَرَمِ اللهِ، وَحَرَمِ رَسُوْلِهِ، فَتَعَاهَدْهُ بِالعَمَارَةِ، وَاتَّقِ اللهَ فِي أَوْلاَدِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، فَإِنَّك بِهِم جَلَسْتَ هَذَا المَجْلِسَ، وَاتَّقِ اللهَ فِي أَهْلِ الثُّغُوْرِ، فَإِنَّهُم حِصْنُ المُسْلِمِيْنَ، وَتَفَقَّدْ أُمُوْرَ المُسْلِمِيْنَ، فَإِنَّكَ وَحْدَكَ المَسْؤُوْلُ عَنْهُم، وَاتَّقِ اللهَ فِيْمَنْ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَغْفُلْ عَنْهُم، وَلاَ تُغْلِقْ دُوْنَهُم بَابَكَ. فَقَالَ لَهُ: أَفْعَلُ. ثُمَّ نَهَضَ، وَقَامَ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ، وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إِنَّمَا سَأَلْتَنَا حَوَائِجَ غَيْرِكَ، وَقَدْ قَضَيْنَاهَا، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: مَا لِي إِلَى مَخْلُوْقٍ حَاجَةٌ. ثُمَّ   = الصدوق، وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لامه، قتله المنصور سنة خمس وأربعين ومئة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 خَرَجَ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: هَذَا - وَأَبِيْكَ - الشَّرَفُ، هَذَا - وَأَبِيْكَ - السُّؤْدُدُ. مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ حَيَّانَ أَخُو مُقَاتِلٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي: نِصْفُ العِلْمِ - وَيُقَالُ: نِصْفُ الجَهْلِ -. الوَلِيْدُ المُوَقَّرِيُّ (1) : عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مَكَّةَ. قَالَ: فَمَنْ خَلَّفْتَ يَسُوْدُهَا؟ قُلْتُ: عَطَاءٌ. قَالَ: أَمِنَ العَرَبِ أَمْ مِنَ المَوَالِي؟ قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي. قَالَ: فِيْمَ سَادَهُم؟ قُلْتُ: بِالدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ. قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُسَوَّدُوا، فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ اليَمَنِ؟ قُلْتُ: طَاوُوْسٌ. قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَوِ المَوَالِي؟ قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي. قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الشَّامِ؟ قُلْتُ: مَكْحُوْلٌ. قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَمْ مِنَ المَوَالِي؟ قُلْتُ: مِنَ المَوَالِي، عَبْدٌ نُوْبِيٌّ أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ. قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الجَزِيْرَةِ؟ قُلْتُ: مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، وَهُوَ مِنَ المَوَالِي. قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ خُرَاسَانَ؟ قُلْتُ: الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ مِنَ المَوَالِي. قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ البَصْرَةِ؟ قُلْتُ: الحَسَنُ مِنَ المَوَالِي. قَالَ: فَمَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ الكُوْفَةِ؟ قُلْتُ: إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ. قَالَ: فَمِنَ العَرَبِ، أَمْ مِنَ المَوَالِي؟ قُلْتُ: مِنَ العَرَبِ. قَالَ: وَيْلَكَ! فَرَّجْتَ عَنِّي، وَاللهِ لَيَسُوْدَنَّ المَوَالِي عَلَى العَرَبِ فِي هَذَا البَلَدِ حَتَّى يَخْطُبَ لَهَا عَلَى المَنَابِرِ، وَالعَرَبُ تَحْتَهَا. قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّمَا هُوَ دِيْنٌ، مَنْ حَفِظَهُ، سَادَ، وَمَنْ ضَيَّعَهُ، سَقَطَ. الحِكَايَة مُنْكَرَةٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ: وَاهٍ، فَلَعَلَّهَا تَمَّتْ لِلزُّهْرِيِّ مَعَ أَحَدِ أَوْلاَدِ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَيْضاً فَفِيْهَا: مَنْ يَسُوْدُ أَهْلَ مِصْرَ؟ قُلْتُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي   (1) بضم الميم، وفتح الواو، وفتح القاف المشددة نسبة إلى موقر: حصن بالبلقاء، ضعفه أبو حاتم، وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وكذبه يحيى بن معين، وقال النسائي: متروك الحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 حَبِيْبٍ، وَهُوَ مِنَ المَوَالِي. فَيَزِيْدُ: كَانَ ذَاكَ الوَقْتَ شَابّاً لاَ يُعْرَفُ بَعْدُ، وَالضَّحَّاكُ، فَلاَ يَدْرِي الزُّهْرِيُّ مَنْ هُوَ فِي العَالَمِ، وَكَذَا مَكْحُوْلٌ يَصْغُرُ عَنْ ذَاكَ. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. قِيْلَ: أَلاَ تَقُوْلُ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ يُدَانَ فِي الأَرْضِ بِرَأْيِي. يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ سُوْقَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ، لَعَلَّهُ يَنْفَعُكُم، فَقَدْ نَفَعَنِي، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ الكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ أَنْ تَنْطِقَ فِي مَعِيْشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْهَا، أَتُنْكِرُوْنَ أَنَّ عَلَيْكُم حَافِظِيْنَ، كِرَاماً كَاتِبِيْنَ، عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيْدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ؟ أَمَا يَسْتَحْي أَحَدُكُم لَوْ نُشِرَتْ صَحِيْفَتُهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُنِي بِالحَدِيْثِ، فَأُنْصِتُ لَهُ كَأَنِّي لَمْ أَسَمَعْهُ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ (1) . رَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، قَالَ: مُرْسَلاَتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلاَتِ عَطَاءٍ بِكَثِيْرٍ، كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ. الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي المُرْسَلاَتِ شَيْءٌ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلاَتِ الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، كَانَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمُرْسَلاَتُ ابْنِ المُسَيِّبِ أَصَحُّ المُرْسَلاَتِ، وَمُرْسَلاَتُ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ لاَ بَأْسَ بِهَا. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ   (1) ومثله قوله: وتراه يصغي للحديث بسمعه * وبقلبه ولعله أدرى به الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 اخْتَلَطَ (1) بِأَخَرَةٍ، تَرَكَهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ. قُلْتُ: لَمْ يَعْنِ عَلِيٌّ - بِقَوْلِهِ: تَرَكَهُ هَاذَانِ - التَّرْكَ العُرْفِيَّ، وَلَكِنَّهُ كَبُرَ وَضَعُفَتْ حَوَاسُّهُ، وَكَانَا قَدْ تَكَفَّيَا مِنْهُ، وَتَفَقَّهَا، وَأَكْثَرَا عَنْهُ، فَبَطَّلاَ، فَهَذَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: تَرَكَاهُ (2) . وَلَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ. رَوَى: العَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ القُدُّوْسِ، عَنْ حَجَّاجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: وَدِدْتُ أَنِّي أُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَعْقِلُ مَقْتَلَ عُثْمَانَ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ قَيْسٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً: مَتَى وُلِدْتَ؟ قَالَ: لِعَامَيْنِ خَلَوْا مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَزِمْتُ عَطَاءً ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَضَعُفَ يَقُوْمُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَيَقْرَأُ مائَتَيْ آيَةٍ مِنَ البَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ، لاَ يَزُوْلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَتَحَرَّكُ. قَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصاً قَطُّ، وَلاَ رَأَيْتُ عَلَيْهِ ثَوْباً يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُوْلُ: إِذَا تَنَاهَقَتِ الحَمِيْرُ بِاللَّيْلِ، فَقُوْلُوا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ (3) . وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَوِ ائْتُمِنْتُ عَلَى بَيْتِ مَالٍ، لَكُنْتُ أَمِيْناً، وَلاَ آمَنُ نَفْسِي   (1) سقطت من الأصل، واستدركت من تاريخ الإسلام للمؤلف. (2) لفظ المؤلف في " الميزان ": قلت: لم يعن الترك الاصطلاحي، بل عنى أنهما بطلا الكتابة عنه، وإلا فعطاء ثبت رضي. (3) الثابت عنه صلى الله عليه وسلم التعوذ بالله دون البسملة إذا سمع نهيق الحمير في الليل أو النهار، فقد أخرج البخاري في " صحيحه " 6 / 251، ومسلم (2729) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا سمعتم نهيق الحمير، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 عَلَى أَمَةٍ شَوْهَاءَ. قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَفِي الحَدِيْثِ: (أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ (1)) . رَوَى: عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، وَعَطَاءٌ حَيٌّ، فَقُلْتُ: إِذَا أَفْطَرْتُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَاتَ فِي رَمَضَانَ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَدْخُلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي عُمَارَةُ بنُ مَيْمُوْنٍ: الْزَمْ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ عَطَاءٍ. قَالَ الهَيْثَمُ، وَأَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ عَطَاءٌ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سَنَةَ أَرْبَعَ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالوَاقِدِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ شَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. فَهَذَا خَطَأٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ: أَعْلَمُ بِذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ عَطَاءٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ: مُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَآخَرُوْنَ. 30 - ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ * (ع) ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ   (1) قطعة من حديث صحيح أخرجه أحمد 1 / 18، والترمذي (2166) في الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة من حديث محمد بن سوقه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: " أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، من سرته حسنته، وساءته سيئته، فذلكم المؤمن " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 1 / 113 و115 ووافقه المؤلف في " مختصره ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 473، طبقات خليفة: 257، تاريخ البخاري 5 / 137، التاريخ الصغير 1 / 283، الجرح والتعديل 5 / 99، تهذيب الكمال: 708، تذهيب التهذيب 2 / 146 / 1، = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 جُدْعَانَ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ. الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَكِّيُّ، القَاضِي، الأَحْوَلُ، المُؤَذِّنُ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، أَوْ قَبْلَهَا. وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَأُخْتِهَا؛ أَسْمَاءَ، وَأَبِي مَحْذُوْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ، وَالمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ - وَهُوَ مُرْسَلٌ -. وَعَنْ: جَدِّهِ؛ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ، وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَوَلَةَ، وَعُبَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَعْلَى بن مَمْلَكٍ، وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ عَالِماً، مُفْتِياً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَإِتْقَانٍ. مَعْدُوْدٌ فِي طَبَقَةِ عَطَاءٍ، وَقَدْ وَلِيَ القَضَاءَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالأَذَانَ أَيْضاً. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو العُمَيْسِ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَيْمَنَ، وَحَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ الوَرْدِ، وَزَنْفَلٌ العَرَفِيُّ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ، وَنَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى التَّوْأَمُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيُّ، وَعِدَّةٌ.   = تذكرة الحفاظ 1 / 101، العبر 1 / 145، تاريخ الإسلام 4 / 267، العقد الثمين 5 / 204، طبقات القراء 1 / 430، تهذيب التهذيب 5 / 306، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 41، خلاصة تذهيب الكمال: 205، شذرات الذهب 1 / 153. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ العَبَّادُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: (إِنَّ بَنِي هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ اسْتَأْذَنُوْنِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلاَّ أَنْ يُرِيْدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُم، فَإِنَّمَا هِيَ بِضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيْبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا (1)) . أَخْرَجَهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى ابْنِ مَاجَة - عَنْ قُتَيْبَةَ. 31 - بِلاَلُ بنُ سَعْدِ بنِ تَمِيْمٍ السَّكُوْنِيُّ * (ت) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، الوَاعِظُ، أَبُو عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ دِمَشْقَ. كَانَ لأَبِيْهِ سَعْدٍ صُحْبَةٌ.   (1) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب فاطمة، وفي الجمعة: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، وفي الجهاد: باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وفي النكاح: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، وفي الطلاق: باب الشقاق، وأخرجه مسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) و (2070) و (2071) والترمذي (3866) . (*) طبقات ابن سعدد 7 / 461، التاريخ الكبير 2 / 108، تاريخ الفسوي 2 / 72، 73 و330 و405 و407، الجرح والتعديل 2 / 398، حلية الأولياء 5 / 221، تاريخ ابن عساكر 10 / 356، تهذيب الكمال: 167، تذهيب التهذيب 1 / 93 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 234، البداية 9 / 348، تهذيب التهذيب 1 / 503، خلاصة تذهيب الكمال: 53، تهذيب ابن عساكر 3 / 318. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَكَانَ بَلِيْغَ المَوْعِظَةِ، حَسَنَ القَصَصِ، نَفَّاعاً لِلْعَامَّةِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ نَسْمَعْ أَحَداً قَوِيَ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفُ رَكْعَةٍ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ. وَبَعْضُهُم يُشَبِّهُهُ بِالحَسَنِ البَصْرِيِّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: كَانَ لأَهْلِ الشَّامِ كَالحَسَنِ البَصْرِيِّ بِالعِرَاقِ. وَكَانَ قَارِئَ أَهْلِ الشَّامِ، جَهِيْرَ الصَّوْتِ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ وَاعِظاً قَطُّ أَبْلَغَ مِنْ بِلاَلِ بنِ سَعْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ التُّقَى، إِنَّكُم لَمْ تُخْلَقُوا لِلْفَنَاءِ، وَإِنَّمَا تُنْقَلُوْنَ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، كَمَا نُقِلْتُم مِنَ الأَصْلاَبِ إِلَى الأَرْحَامِ، وَمِنَ الأَرْحَامِ إِلَى الدُّنْيَا، وَمِنَ الدُّنْيَا إِلَى القُبُوْرِ، وَمِنَ القُبُوْرِ إِلَى المَوْقِفِ، وَمِنَ المَوْقِفِ إِلَى الخُلُوْدِ فِي جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الجَرَّاحِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ نَيْرُوْزٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِلاَلَ بنَ سَعْدٍ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ إِمَامَ جَامِعِ دِمَشْقَ، فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ إِمَامَ الجَامِعِ، وَإِذَا كَبَّرَ، سُمِعَ صَوْتُهُ مِنَ الأَوْزَاعِ (1) ، وَتَبِيْنُ قِرَاءتُهُ مِنَ العَقَبَةِ الَّتِي فِيْهَا دَارُ الصَّيَارِفَةِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا العُمْرَانُ. قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ: رَأَيْتُهُ يَعِظُ فِي المُصَلَّى إِلَى جَانِبِ المِنْبَرِ حَتَّى يَخْرُجَ الخَلِيْفَةُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَكَفَى بِهِ ذَنْباً أَنَّ اللهَ يُزَهِّدُنَا فِي الدُّنْيَا، وَنَحْنُ نَرْغَبُ فِيْهَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: خَرَجُوا يَسْتَسْقُوْنَ بِدِمَشْقَ، وَفِيْهِم بِلاَلُ بنُ سَعْدٍ، فَقَامَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَ، أَلَسْتُم مُقِرِّيْنَ بِالإِسَاءةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: {مَا عَلَى المُحْسِنِيْنَ مِنْ سَبِيْلٍ} [التَّوْبَةُ: 91] وَقَدْ أَقْرَرْنَا بِالإِسَاءةِ، فَاعْفُ عَنَّا، وَاسْقِنَا. قَالَ: فَسُقِيْنَا يَوْمَئِذٍ. تُوُفِّيَ بِلاَلٌ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعَشْرَةٍ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ بَيَانٍ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {خُذُوا زِيْنَتَكُم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأَعْرَافُ: 31] ، قَالَ: الصَّلاَةُ فِي النَّعْلَيْنِ، وَقَدْ صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَعْلَيْهِ، قَالَ: فَخَلَعَهُمَا، فَخَلَعَ النَّاسُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: (لِمَ خَلَعْتُم نِعَالَكُم؟) . قَالُوا: رَأْيْنَاكَ خَلَعْتَ، فَخَلَعْنَا.   (1) الأوزاع من قرى دمشق القريبة منها كانت شمال الجامع الأموي ويغلب على الظن أنها هي التي تسمى الآن العقيبة، قال ياقوت: وهو في الأصل اسم قبيلة من اليمن سميت القرية باسمهم لسكناهم بها فيما أحسب، والأوزاع بطن من ذي الكلاع من حمير، وقيل: بطن من همدان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ فِيْهِمَا دَمَ حَيْضَةٍ) . إِسْنَادُهُ: وَاهٍ؛ لِضَعْفِ صَالِحٍ (1) وَشَيْخِهِ. 32 - أَبُو الحُبَابِ سَعِيْدُ بنُ يَسَارٍ المَدَنِيُّ * (ع) مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ؛ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، وَسَعِيْدُ المَقْبُرِيُّ، وَأَبُو طُوَالَةَ   (1) قال الدارقطني: متروك، وشيخه فرات بن السائب قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال الدارقطني وغيره: متروك، فالخبر باطل، والصحيح أن قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) نزلت ردا على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة كما رواه مسلم (3028) وابن جرير 8 / 160 واللفظ له من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء الرجل بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: اليوم يبدو بعضه أوكله * وما بدا منه فلا أحله فقال الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة، والزينة: اللباس وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وهكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة والسدي والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة. ونقل ابن حزم الاتفاق على أنها في ستر العورة وقال الامام النووي: وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدا، ويتركونها تداس بالارجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء، حتى جاء الإسلام، فأمر الله بستر العورة، فقال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يطوف بالبيت عريان ". (*) طبقات ابن سعد 5 / 284، تاريخ البخاري 3 / 520، الجرح والتعديل 4 / 72، تهذيب الكمال: 512، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 253، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 4 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 144، شذرات الذهب 1 / 153. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ. 33 - أَبُو المَلِيْحِ بنُ أُسَامَةَ بنِ عُمَيْرٍ الهُذَلِيُّ * (ع) ابْنِ عَامِرِ بنِ أُقَيْشِرٍ الهُذَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَثْبَاتِ. قِيْلَ: اسْمُهُ عَامِرٌ. وَقِيْلَ: زَيْدٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَبُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ إِيَاسٍ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مُتَوَلِيّاً عَلَى الأُبُلَّةِ (1) . أَرَخَّ وَفَاتَهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 219، طبقات خليفة: 207، التاريخ الكبير 6 / 449، التاريخ الصغير 1 / 237، تاريخ الفسوي 2 / 151 و3 / 72، الجرح والتعديل 6 / 319، تهذيب الكمال: 1656، تذهيب التهذيب، تاريخ الإسلام 5 / 25، تهذيب التهذيب 12 / 246، خلاصة تذهيب الكمال: 460. (1) الابلة: بضم الهمزة والباء واللام المشددة: مدينة بالعراق، بينها وبين البصرة أربعة فراسخ، ونهرها الذي في شمالها وجانبها الآخر على غربي دجلة، كان خالد بن صفوان يقول: ما رأيت أرضا مثل الابلة مسافة ولا أغذى نطفة، ولا أوطأ مطية، ولا أربح لتاجر، ولا أخفى لعائذ. وقال الاصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق، ونهر بلخ، ونهر الابلة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 34 - نَافِعٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ ثُمَّ العَدَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُفْتِي، الثَّبْتُ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، ثُمَّ العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَاوِيَتُهُ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي لُبَابَةَ بنِ عَبْدِ المُنْذِرِ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ؛ زَوْجَةِ مَوْلاَهُ، وَسَالِمٍ وَعَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدِ اللهِ وَزَيْدٍ؛ أَوْلاَدِ مَوْلاَهُ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُقَيْلٌ، وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَفْصُ بنُ عِنَانٍ اليَمَامِيُّ، وَخَالِدُ بنُ زِيَادٍ التِّرْمِذِيُّ - مُتَأَخِّرٌ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الطَّوِيْلُ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ (1) ، وَعُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ؛ وَلَدَا نَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ،   (*) تاريخ خليفة: 206، التاريخ الكبير 8 / 84، التاريخ الصغير 2 / 59، المعارف: 460، تاريخ الفسوي 1 / 645، 647، الجرح والتعديل 8 / 451، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 123، وفيات الأعيان 5 / 367، تهذيب الكمال: 1404، تذهيب التهذيب 4 / 91 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 10، تذكرة الحفاظ 1 / 99، العبر 1 / 147، مرآة الجنان 1 / 251، البداية 9 / 319، تهذيب التهذيب 10 / 412، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب الكمال: 400، شذرات الذهب 1 / 154. (1) في الأصل: داود وهو تصحيف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَعَاصِمٌ، وَوَاقِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ بَنُو مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العُمَرِيِّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَنَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيدِ اللهِ الكُتُبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا القَطَّافُ بنُ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، لَقِيَهُ خَبَرٌ مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا بِالمَوْتِ، وَكَانَ إِذَا نُوْدِيَ لِلْمَغْرِبِ، نَزَلَ مَكَانَهُ، فَصَلَّى. فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ العَشِيَّةُ، نُوْدِيَ بِالمَغْرِبِ، فَسَارَ حَتَّى أَمْسَى، وَظَنَنَّا أَنَّهُ نَسِيَ، فَقُلْنَا: الصَّلاَةَ! فَسَارَ، حَتَّى إِذَا كَادَ الشَّفَقُ يَغِيْبُ، نَزَلَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ، وَغَابَ الشَّفَقُ، فَصَلَّى العَتَمَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: هَكَذَا كُنَّا نَصْنَعُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ العَطَّافِ (1) ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَوَّلُ طَبَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ: أَيُّوْبُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَمَالِكٌ. الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. الثَّالِثَةُ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى. الرَّابِعَةُ: يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثُ. الخَامِسَةُ: ابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ. السَّادِسَةُ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ.   (1) أخرجه النسائي 1 / 288 في المواقيت: باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء، وسنده حسن. وقوله: إذا جد به السير، أي: إذا اهتم به، وأسرع فيه، يقال: جد يجد بالضم والكسر، وجد به الامر، وأجد به، وجد فيه: إذا اجتهد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 السَّابِعَةُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الأَخْنَسِ. الثَّامِنَةُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ. التَّاسِعَةُ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. العَاشِرَةُ: إِسْحَاقُ بنُ أَبِي فَرْوَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، وَعُثْمَانُ البُرِّيُّ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ البُخَارِيُّ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (1) . قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: بَعَثَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ نَافِعاً مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَنَ. الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا العُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مَوْلاَيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، فَأَعْطَاهُ فِيَّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَأَبَى، وَأَعْتَقَنِي - أَعْتَقَهُ اللهُ -. وَرَوَى: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ حَجَّةً وَعُمْرَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا اخْتَلَفَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ، مَا أُقْدِمُ عَلَيْهِمَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا حَدَثُ السِّنِّ، وَمَعِيَ غُلاَمٌ لِي، فَيَقْعُدُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ صَغِيْرَ النَّفْسِ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ سَالِمٍ لاَ يُفْتِي شَيْئاً.   (1) إطلاق الاصحية على بعض الأسانيد يتفاوت بين حافظ وآخر. فقد قال أحمد وإسحاق: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه. وقال ابن المديني وعمرو بن علي الفلاس: أصحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي. وقال يحيى بن معين: أصحها الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود. وقال البخاري: أصحها مالك، عن نافع، عن ابن عمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ فِي نَافِعٍ حِدَّةٌ، ثُمَّ حَكَى مَالِكٌ: أَنَّهُ كَانَ يُلاَطِفُهُ وَيُدَارِيْهِ. وَيُقَالُ: كَانَ فِي نَافِعٍ لُكْنَةٌ وَعُجْمَةٌ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: كُنَّا نَرُدُّ عَلَى نَافِعٍ اللَّحْنَ، فَيَأْبَى. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ جَمَاعَةٍ، قَالُوا: كَانَ كِتَابُ نَافِعٍ الَّذِي سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ صَحِيْفَةً، فَكُنَّا نَقْرَؤُهَا. قَالَ يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ: قَالَ نَافِعٌ: مَنْ يَعْذِرُنِي (1) مِنْ زُهْرِيِّكُم، يَأْتِيْنِي فَأُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى سَالِمٍ، فَيَقُوْلُ: هَلْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيْكَ؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنْ سَالِمٍ، وَيَدَعُنِي، وَالسِّيَاقُ مِنْ عِنْدِي. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ، فَيَنْزِلُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، لاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ، وَكَانَ يَلْبَسُ كِسَاءً، وَرُبَّمَا وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ لاَ يُكَلِّمُ أَحَداً، وَكُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ يَلْتَفُّ بِكِسَاءٍ لَهُ أَسْوَدَ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى نَافِعٍ، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ، فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذَا العَبْدِ؟ فَتَرَكْتُهُ، وَلَزِمَهُ غَيْرِي، فَانْتَفَعَ بِهِ. مَعْمَرٌ: كَانَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يُحَدِّثُنَا عَنْ نَافِعٍ، وَنَافِعٌ حَيٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قَالَ نَافِعٌ شَيْئاً، فَاخْتِمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: نَافِعٌ: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ. وَرَوَى أَيُّوْبُ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ وَلَّى نَافِعاً صَدَقَاتِ اليَمَنِ.   (1) أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه فلا يلومني، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي الفقيه الحافظ انعقدت الخناصر على جلالته وإتقانه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي فَرْوَةَ، قَالُوا: كَانَ كِتَابُ نَافِعٍ الَّذِي سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيْفَةٍ، فَكُنَّا نَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَتَقُوْلُ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ. الأَصْمَعِيُّ: عَنْ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: قَدْ كَتَبُوا عِلْمَكَ. قَالَ: كَتَبُوا؟! قِيْلَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلْيَأْتُوا بِهِ حَتَّى أُقَوِّمَهُ. عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ سَعْداً (1) ، وَضَغْطَةَ القَبْرِ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ نَافِعٌ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَشَذَّ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، فَقَالاَ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: كُنَّا نَرُدُّ نَافِعاً عَنِ اللَّحْنِ، فَيَأْبَى، وَيَقُوْلُ: لاَ، إِلاَّ الَّذِي سَمِعْتُهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحْتَدِ نَافِعٍ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقِيْلَ: هُوَ بَرْبَرِيٌّ. وَقِيْلَ: نَيْسَابُوْرِيٌّ. وَقِيْلَ: دَيْلَمِيٌّ. وَقِيْلَ: طَالَقَانِيٌّ. وَقِيْلَ: كَابُلِيٌّ. وَالأَرْجَحُ أَنَّهُ فَارِسِيُّ المَحْتَدِ فِي الجُمْلَةِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ نَافِعٍ: مَالِكٌ، ثُمَّ أَيُّوْبُ، ثُمَّ عُبَيْدُ اللهِ، ثُمَّ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ ابْنُ عَوْنٍ، ثُمَّ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، ثُمَّ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، ثُمَّ ابْنُ   (1) هو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الاشهلي سيد الاوس، شهد بدرا وأحدا والخندق ورمي يوم الخندق بسهم فعاش شهرا، ثم انتقض جرحه فمات منه. وهو الذي حكم في يهود قريظة أن تقتل رجالهم، وتقسم أموالهم، وتسبى ذراريهم ورضي بحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد قضيت بحكم الله، كما في " الصحيح " وحديث ضغطة القبر صحيح أخرجه أحمد 6 / 55 و98 من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها، نجا سعد بن معاذ " وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " من حديث ابن عمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 جُرَيْجٍ، ثُمَّ كَثِيْرُ بنُ فَرْقَدٍ، ثُمَّ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَسَالِمٌ أَجَلُّ مِنْهُ، لَكِنَّ أَحَادِيْثَ نَافِعٍ الثَّلاَثَةَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَبَلَغَنَا: أَنَّهُم تَذَاكَرُوا حَدِيْثَ إِتْيَانِ الدُّبُرِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ نَافِعٌ عَنْ مَوْلاَهُ، فَقَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا نَافِعٌ بَعْد مَا كَبِرَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ. وَرُوِيَ: أَنَّ سَالِماً قَالُوا لَهُ: هَذَا عَنْ نَافِعٍ، فَقَالَ: كَذَبَ العَبْدُ - أَوْ أَخْطَأَ العَبْدُ - إِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: يَأْتِيْهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي الفَرْجِ. وَعَنْ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ رَفَثاً قَطُّ إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا المُنْذِرِ! نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُفَضِّلُ أَبَاكَ عُرْوَةَ عَلَى أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، وَمَا يَدْرِي نَافِعٌ عَاضَّ بَظْرِ أُمِّهِ! عَبْدُ اللهِ خَيْرٌ - وَالله - وَأَفَضْلُ مِنْ عُرْوَةَ. قُلْتُ: وَقَدْ جَاءتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ بِتَحْرِيْمِ أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَمَا جَاءَ عَنْهُ بِالرُّخْصَةِ، فَلَوْ صَحَّ، لَمَا كَانَ صَرِيْحاً، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِدُبُرِهَا: مِنْ وَرَائِهَا فِي القُبُلِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا المَسْأَلَةَ فِي مُصَنَّفٍ مُفِيْدٍ، لاَ يُطَالِعُهُ عَالِمٌ إِلاَّ وَيَقْطَعُ بِتَحْرِيْمِ ذَلِكَ (1) .   (1) اتفق أهل العلم على أنه يجوز للرجل إتيان زوجته في قبلها من جانب دبرها، وعلى أي صفة يشاء، وفيه نزلت الآية، قال ابن عباس (فأتوا حرثكم أنى شئتم) قال: ائتها من بين يديها، ومن خلفها بعد أن يكون في المأتى. أخرجه الدارمي 1 / 258 من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وأخرجه الطبري (4310) من طريق عطاء، عن سعيد عن ابن عباس بلفظ: ائتها أنى شئت مقبلة ومدبرة ما لم تأتها في الدبر والمحيض، وقال عكرمة: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) : إنما هو الفرج. وأما الاتيان في الدبر، فحرام، فمن فعله جاهلا بتحريمه، نهي عنه، فإن عاد، عزر، فقد أخرج الشافعي 2 / 360، وأحمد 2 / 213، والطحاوي 2 / 25، من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (1299) وابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " ووصفه الحافظ في " الفتح " 8 / 43 بأنه من الأحاديث = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 قَدْ ذَكَرْنَا: أَنَّ الأَصَحَّ وَفَاةُ نَافِعٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَوْلُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: كَبِرَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ، قَوْلٌ شَاذٌّ، بَلْ اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقاً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ. 35 - عُلَيُّ بنُ رَبَاحِ بنِ قَصِيْرٍ اللَّخْمِيُّ * (م، 4) ابْنِ قَشِيْبِ بنِ يَيْنَعَ اللَّخْمِيُّ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُوْسَى اللَّخْمِيُّ، المِصْرِيُّ. سَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً.   = الصالحة الإسناد. وأخرج أحمد 2 / 444 و479، وأبو داود (2162) وابن ماجه (1923) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأة في دبرها " صححه البوصيري في " الزوائد " وله شاهد من حديث عقبة بن عامر عند ابن عدي في " الكامل " 211 / 1 بسند حسن فيصح به. وأخرج الترمذي (1165) من حديث ابن عباس مرفوعا " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " وسنده حسن وصححه ابن حبان (1302) وقال أبو الدرداء حين سئل عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟. وهل يفعل ذلك إلا كافر. أخرجه عنه أحمد (6968) بسند صحيح وهو في الطبري (4332) وسنن البيهقي 7 / 199. وذكر لابن عمر ذلك، فقال: وهل يفعله أحد من المسلمين؟ ! أخرجه الطبري (4329) والطحاوي 2 / 23، وإسناده صحيح. (*) طبقات ابن سعد 7 / 512، طبقات خليفة: 293، التاريخ الكبير 6 / 274، تاريخ الفسوي 2 / 490، الجرح والتعديل 6 / 186، تاريخ علماء الأندلس: 310، رياض النفوس 1 / 77، تهذيب الكمال: 969، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 282، العبر 1 / 142، تهذيب التهذيب 7 / 318، خلاصة تذهيب الكمال: 273، نفح الطيب 3 / 8، شذرات الذهب 1 / 149. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ - فَأَكْثَرَ - وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَحُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَمَعْرُوْفُ بنُ سُوَيْدٍ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ، وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ مُؤَدِّبِي، فَسَمِعْتُهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟! قَالَ: قُتِلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانُ، وَكُنْتُ بِالشَّامِ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ عَامَ اليَرْمُوْكِ. قَالَ: وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْم غَزْوَةِ ذَاتِ الصَّوَارِي فِي البَحْرِ مَعَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ (1) . وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنَ الأَمِيْرِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ الَّذِي زَفَّ بِنْتَهُ أُمَّ البَنِيْنَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى عَمِلَ عُرْسَهَا عَلَى الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، فَأَغْزَاهُ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ، فَلَمْ يَزَلْ مُرَابِطاً بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ. سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: كَانَتْ بَنُو (2) أُمَيَّةَ إِذَا سَمِعُوا بِمَوْلُوْدٍ اسْمُهُ عَلِيٌّ، قَتَلُوْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَبَاحاً، فَغَيَّرَ اسْمَ ابْنِهِ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ عُلَيٌّ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَدَّاسُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَعَلَى أَنْ يَكُوْنَ وُلِدَ عَامَ اليَرْمُوْكِ، فَقَدْ تَعَدَّى المائَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقِيْلَ: إِنَّ حَدِيْثَهُ مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ إِلَى سِتِّ مائَةٍ. 36 - المُسَيَّبُ بنُ رَافِعٍ أَبُو العَلاَءِ الأَسَدِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَلاَءِ الأَسَدِيُّ، الكَاهِلِيُّ، كُوْفِيٌّ، ثَبْتٌ.   (1) قال المؤلف في " العبر " 1 / 34: وفي سنة أربع وثلاثين كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية اسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح، وأما الطبري 4 / 288، وابن الأثير 3 / 117، وابن كثير 7 / 157، فقد قالوا: إنها كانت في سنة إحدى وثلاثين. (2) في الأصل: أبو وهو تحريف. (*) طبقات ابن سعد 6 / 293، طبقات خليفة: 155، تاريخ خليفة: 336، التاريخ الكبير = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 حَدَّثَ عَنْ: جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَطَائِفَةٍ. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَلاَءُ، وَالأَعْمَشُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ إِلاَّ مِنَ البَرَاءِ، وَعَامِرِ بنِ عَبَدَةَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ هُبَيْرَةَ الأَمِيْرَ أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ المُسَيَّبَ القَضَاءَ، فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي، وَإِنَّ سَوَارِي مَسْجِدِكُم لِي ذَهَباً. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. 37 - عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ الهُذَلِيُّ * (م، 4) ابْنِ مَسْعُوْدٍ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو فَقِيْهِ المَدِيْنَةِ عُبَيْدِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَطَائِفَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِن قِيْلَ: رِوَايَتُهُ عَنْهُمَا   = 7 / 407، 408، الجرح والتعديل 8 / 293، تهذيب الكمال: 1329، تذهيب التهذيب 4 / 41 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 203، تهذيب التهذيب 10 / 153، خلاصة تذهيب الكمال: 377، شذرات الذهب 1 / 131. (1) عامر بن عبدة ليس بصحابي، بل هو تابعي كما نص عليه غير واحد من الأئمة، وقد اضطرب ابن عبد البر، فذكره في التابعين، ثم غفل، فذكره في الصحابة، وقال: روى عن النبي صلى الله وعليه وسلم، فذكر حديثا هو في مقدمة صحيح مسلم 1 / 12 من طريق عامر بن عبدة قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث. وراجع " الإصابة " ت (6555) . (*) طبقات ابن سعد 6 / 313، تاريخ البخاري 7 / 13، التاريخ الصغير 1 / 273، الجرح والتعديل 6 / 384، حلية الأولياء 4 / 240، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 41، تهذيب الكمال: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 20 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 287، تهذيب التهذيب 8 / 171، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب 1 / 140. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 مُرْسَلَةٌ. وَأَرْسَل أَيْضاً عَنْ: عَمِّ أَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ يَزِيْدَ الهُذَلِيُّ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَصَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَلَّى عَوْنٌ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الخِلاَفَةَ، جَاءهُ رَاحِلاً إِلَيْهِ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَمُوْسَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ، فَكَلَّمُوْهُ فِي الإِرْجَاءِ، وَنَاظَرُوْهُ، فَزَعُمُوا أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُم فِي شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ: وَكَانَ عَوْنٌ ثِقَةً يُرْسِلُ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: عَوْنٌ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ مِنْ آدَبِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَأَفْقَهِهِم، كَانَ مُرْجِئاً، ثُمَّ تَرَكَهُ. وَقِيْلَ: خَرَجَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَفَرَّ، فَأَمَّنَهُ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بِالجَزِيْرَةِ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ وَلَدُهُ مَرْوَانُ. فَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ ابْنَ أَخِيْكَ؟ قَالَ: أَلْزَمْتَنِي أَيُّهَا الأَمِيْرُ رَجُلاً إِنْ قَعَدْتُ عَنْهُ، عَتِبَ، وَإِنْ جِئْتُهُ، حُجِبَ، وَإِنْ عَاتَبْتُهُ، صَخِبَ، وَإِنْ صَاخَبْتُهُ، غَضِبَ. فَتَرَكَهُ، وَلَزِمَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَكَانَتْ لَهُ مِنْهُ مَكَانَةٌ، وَقَدْ كَانَ طَالَ مُقَامُ جَرِيْرٍ بِبَابِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَكَتَبَ إِلَى عَوْنٍ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: يَا أَيُّهَا القَارِئُ المُرْخِي عِمَامَتَهُ ... هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي أَبْلِغْ خَلِيْفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاَقِيَهُ ... أَنِّي لَدَى البَابِ كَالمَصْفُوْدِ فِي قَرَنِ (1) رَوَى: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ   (1) ديوانه 2 / 738. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 يَقُصُّ، فَإِذَا فَرَغَ، أَمَرَ جَارِيَةً لَهُ أَنْ تَعِظَ وَتُطَرِّبَ (1) ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ صِدْقٍ، وَإِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيَّهُ بِالحُمْقِ، وَصَنِيْعُكَ هَذَا حُمْقٌ. زَيْدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ زَرْبَى، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ لِعَوْنٍ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: بُشْرَةُ، تَقْرَأُ بِأَلْحَانٍ، فَقَالَ لَهَا يَوْماً: اقْرَئِي عَلَى إِخْوَانِي. فَكَانَتْ تَقْرَأُ بِصَوْتٍ وَجِيْعٍ حَزِيْنٍ، فَرَأَيْتُهُم يُلْقُوْنَ العَمَائِمَ، وَيَبْكُوْنَ. فَقَالَ لَهَا يَوْماً: يَا بُشْرَةُ، قَدْ أُعْطِيْتُ بِكِ أَلْفَ دِيْنَارٍ لِحُسْنِ صَوْتِكِ، اذْهَبِي، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 38 - عَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ السُّوَائِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ اللهِ السُّوَائِيُّ، الكُوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَالمُنْذِرِ بنِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُمَيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. مَاتَ: قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 39 - مُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ** (ع) أَبُو عَاصِمٍ العَدَوِيُّ،   (1) التطريب في الصوت: مده وتحسينه، وطرب في قراءته: مد ورجع، ويعني بوعظها أنها كانت تقرأ القرآن بصوت شجي، ولحن عذب يبينه الخبر الآتي. (*) طبقات ابن سعد 6 / 319، طبقات خليفة: 159، تاريخ خليفة: 351، تاريخ البخاري 7 / 15، الجرح والتعديل 6 / 385، تهذيب الكمال: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 120 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 288، تهذيب التهذيب 8 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 298. (* *) طبقات خليفة: 262، التاريخ الكبير 1 / 84، الجرح والتعديل 7 / 256، تهذيب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ؛ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ الخَمْسَةُ؛ عَاصِمٌ، وَوَاقِدٌ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالأَعْمَشُ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. قِيْلَ: إِنَّهُ وَفَدَ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَتَبَاخَلَ عَلَيْهِ، وَمَا وَصَلَهُ بِشَيْءٍ. 40 - مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ * (ع) المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ. يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ المَخْزُوْمِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةٍ. وَهُوَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ. حَدَّثَ عَنْهُ: زِيَادُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. 41 - مُوْسَى بنُ يَسَارٍ المَخْرَمِيُّ مَوْلاَهُم ** (م، د، س، ق) المَدَنِيُّ، عَمُّ صَاحِبِ (المَغَازِي) . سَمِعَ: أَبَا هُرَيْرَةَ.   = الكمال: 1198، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 192، تهذيب التهذيب 9 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 337. (*) طبقات ابن سعد 5 / 475، طبقات خليفة: 281، تاريخ البخاري، 1 / 175، التاريخ الصغير 2 / 365، تاريخ الفسوي 1 / 374، الجرح والتعديل 8 / 13، تهذيب الكمال 1198، تذهيب التهذيب 3 / 216 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 199، العقد الثمين 2 / 40، 41، تهذيب التهذيب 9 / 243. (* *) التاريخ الكبير 7 / 298، الجرح والتعديل 8 / 168، تهذيب الكمال: 1396، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 8، ميزان الاعتدال 4 / 226، العقد الثمين 7 / 310، تهذيب التهذيب 10 / 377، خلاصة تذهيب الكمال: 393. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 وَعَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ الفَرَّاءُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ (1) . وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. 42 - عُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ * (خَ، م) الفَقِيْهُ، أَبُو الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ. مَدَنِيٌّ، حُجَّةٌ، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى. يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَعَائِشَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو حَزْرَةَ يَعْقُوْبُ بنُ مُجَاهِدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ. 43 - مُوْسَى بنُ وَرْدَانَ العَامِرِيُّ مَوْلاَهُم ** (د، ت، ق) الإِمَامُ، الوَاعِظُ، أَبُو عُمَرَ العَامِرِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ، القَاصُّ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ   (1) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري المعروف بابن الغسيل، والغسيل لقب حنظلة جد أبيه، وإنما قيل له ذلك، لأنه حين استشهد في غزوة أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته "، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لذلك غسلته الملائكة " أخرجه إبن إسحاق وغيره بسند صحيح، وصححه ابن حبان، والحاكم 3 / 204، ووافقه المؤلف في مختصره. (*) تاريخ البخاري 6 / 94، الجرح والتعديل 6 / 95، تهذيب الكمال: 655، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 135، تهذيب التهذيب 5 / 114، خلاصة تذهيب الكمال: 188. * * التاريخ الكبير 7 / 297، تاريخ الفسوي 2 / 492، الجرح والتعديل 8 / 165، 166، المجروحين والضعفاء 2 / 239، تهذيب الكمال: 1393، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 7، ميزان الاعتدال 4 / 226، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 10 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 393، شذرات الذهب 1 / 154. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ. رَوَى عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِم. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ ثَوْبَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَعَيَّاشُ بنُ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم: ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. وَكَانَ صَاحِبَ ثَرْوَةٍ وَتِجَارَةٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 44 - سَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ رَافِعٍ الأَشْجَعِيُّ * (ع) الغَطَفَانِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. رَوَى عَنْ: ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِيْهِ؛ أَبِي الجَعْدِ رَافِعٍ، وَجَمَاعَةٍ. ويَرْوِي عَنْ: عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، فَهُوَ صَاحِبُ تَدْلِيْسٍ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 6 / 291، طبقات خليفة: 156، التاريخ الكبير 4 / 107، التاريخ الصغير 1 / 211، 212، الجرح والتعديل 4 / 181، تهذيب الكمال: 460، تذهيب التهذيب 2 / 2 / 1، تاريخ الإسلام 3 / 369، العبر 9 / 189، البداية 9 / 189، تهذيب التهذيب 3 / 432، خلاصة تذهيب الكمال: 131، شذرات الذهب 1 / 118. (1) أي: أنه يروي عمن لم يسمع منه موهما أنه سمع منه، كأن يقول: عن فلان، أو قال = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 حَدَّثَ عَنْهُ: الحَكَمُ، وَقَتَادَةُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَآخَرُوْنَ. وكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ المَوَالِي، وَعُلَمَائِهِم. مَاتَ: سَنَةَ مائَةٍ. وَيُقَالُ: قَبْلَ المائَةِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ. وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، كَانَ يَكْتُبُ. قَالَ مَنْصُوْرٌ: كَانَ سَالِمٌ إِذَا حَدَّثَ، حَدَّثَ فَأَكْثَر، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ إِذَا حَدَّثَ، جَزَمَ (1) ، فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: إِنَّ سَالِماً كَانَ يَكْتُبُ. قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ: أَنَّ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدَ، وَابْنَ نُضَيْلَةَ رَخَّصُوا لِسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ أَنْ يَبِيْعَ وَلاَءَ مَوْلَىً لَهُ مِنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً (2) ، يَسْتعِيْنُ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: بَلْ مَاتَ فِي خِلاَفَةِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالُوا: كَانَ لأَبِي الجَعْدِ سِتَّةُ بَنِيْنَ: فَاثْنَانِ شِيْعِيَّانِ، وَاثْنَانِ مُرْجِئَانِ، وَاثْنَانِ خَارِجِيَّانِ. فَكَانَ أَبُوْهُم يَقُوْلُ: قَدْ خَالَفُ اللهُ بَيْنَكُم. قُلْتُ: وَهُمْ عُبَيْدٌ، وَعِمْرَانُ، وَزِيَادٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللهِ (3) .   = فلان، أو نحو ذلك، وحديثه الذي من هذا القبيل ضعيف، أما إذا صرح بالسماع أو التحديث، ولم يكن سمعه من شيخه، فلا يكون مدلسا، بل هو كذاب فاسق ترد روايته مطلقا. (1) الخبر ذكره في " الطبقات " 6 / 291، والجزم: هو القطع، وأراد به هنا أنه لا يذكر الحديث بتمامه، ولفظ الخبر في " تهذيب الكمال ": قلت لابراهيم: ما لسالم بن أبي الجعد أتم حديثا منك؟ قال: لأنه كان يكتب. وأما قول إبراهيم النخعي ولا أصل له في المرفوع التكبير جزم، والسلام جزم فمعناه كما قال الزمخشري الاسراع به، والامساك عن إشباع الحركات والتعمق فيها، وقطعها أصلا في مواضع الوقف والاضراب عن الهمز المفرط، والمد الفاحش وأن يختلس الحركة. وما ورد في بعض المصادر من تفسيره بأنه تسكن أواخر حروفه ولا تعرب فخطأ محض، لان استعمال الجزم في مقابل الاعراب اصطلاح حادث. (2) في " الطبقات " بعشرة آلاف. (3) لم يذكر السادس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَلْقَ سَالِمٌ عَائِشَةَ، وَلَقِيَ: ابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، وَالمُغِيْرَةَ بنَ شُعْبَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَطَائِفَةً. 45 - عَدِيُّ بنُ الرِّقَاعِ * العَامِلِيُّ الشَّاعِرُ. مَدَحَ الوَلِيْدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، وَهَاجَى جَرِيْرَ بنَ الخَطَفَى. وَقِيْلَ: كَانَ أَبْرَصَ، آيَةً فِي الشِّعْرِ. 46 - أَمَّا : عَدِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ الحِمَارِ العِبَادِيُّ ** التَّمِيْمِيُّ، النَّصْرَانِيُّ: فَجَاهِلِيٌّ، مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ. وَهُوَ أَحَدُ الفُحُوْلِ الأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ هُم: هُوَ، وَطَرَفَةُ بنُ العَبْدِ، وَعَبِيْدُ بنُ الأَبْرَصِ، وَعَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ. وَأَمَّا صَاحِبُ (الأَغَانِي) : فَقَيَّدَ جَدَّهُ: الخُمَارَ، بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُوْمَةٍ. وَهُوَ القَائِلُ: أَيْنَ أَهْلُ الدِّيَارِ مِنْ قَوْمِ نُوْحٍ ... ثُمَّ عَادٌ مِنْ بَعْدِهِم وَثَمُوْدُ؟ أَيْنَ آبَاؤُنَا؟ وَأَيْنَ بَنُوْهُم؟ ... أَيْنَ آبَاؤُهُم؟ وَأَيْنَ الجُدُوْدُ؟   (*) الأغاني 8 / 172، 177، المؤتلف والمختلف: 116، المرزباني: 253، تاريخ الإسلام 4 / 150، طبقات ابن سلام: 88، 89، الاشتقاق: 225، سمط اللآلي: 309، خزانة الأدب 4 / 470، شرح الشواهد: 168، الشعر والشعراء 2 / 618، 621، وجاء فيه: وكان شاعرا محسنا، وهو أحسن من وصف ظبية وصفا، فقال: كالظبية البكر الفريدة ترتعي * من أرضها قفراتها وعهادها خضبت لها عقد البراق (المراق) جبينها * من عركها علجانها وعرادها كالزين في وجه العروس تبدلت * بعد الحياء فلاعبت أرادها تزجي أغن كأن إبرة روقه * قلم أصاب من الدواة مدادها (* *) طبقات ابن سلام: 31، تاريخ خليفة: 482، 483، الشعر والشعراء 1 / 225، 233، الاغاني 2 / 97، سمط اللآلي: 221، ابن الأثير 1 / 483، 485، اللباب 1 / 111، تاريخ الإسلام 4 / 151، معاهد التنصيص: 139، 145، بلوغ الارب 2 / 262، 265، شعراء الجاهلية: 439، 474، خزانة الأدب 1 / 183، 186. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 سَلَكُوا مَنْهَجِ المَنَايَا فَبَادُوا ... وَأُرَانَا قَدْ حَانَ مِنَّا وُرُوْدُ بَيْنَمَا هُمْ عَلَى الأَسِرَّةِ وَالأَنْمَا ... طِ أَفْضَتْ إِلَى التُّرَابِ الخُدُوْدُ ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ الحَدِيْثُ وَلَكِنْ ... بَعْد ذَاكَ الوَعِيْدُ وَالمَوْعُوْدُ وَأَطِبَّاءٌ بَعْدَهُم لَحِقُوْهُم ... ضَلَّ عَنْهُم صَعُوْطُهُم وَاللَّدُوْدُ (1) وَصَحِيْحٌ أَضْحَى يَعُوْدُ مَرِيْضاً ... هُوَ أَدْنَى لِلْمَوْتِ مِمَّنْ يَعُوْدُ وَهَذِهِ الكَلِمَةُ السَّائِرَةُ لَهُ أَيْضاً: أَيُّهَا الشَّامِتُ المُعَيِّرُ بِالدَّهْـ ... ـرِ أَأَنْتَ المُبَرَّأ المَوْفُوْرُ (2) ؟ فَذَكَرَ القَصِيْدَةَ. وَأَظُنُّهُ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 47 - سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ * ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ، الخَلِيْفَةُ، أَبُو أَيُّوْبَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ. بُوْيِعَ بَعْدَ أَخِيْهِ الوَلِيْدِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَكَانَ لَهُ دَارٌ كَبِيْرَةٌ مَكَان طَهَارَةِ جَيْرُوْنَ (3) ، وَأُخْرَى أَنْشَأَهَا لِلْخِلاَفَةِ بِدَرْبِ مُحْرِزٍ، وَعَمِلَ لَهَا قُبَّةً شَاهِقَةً صَفْرَاءَ. وَكَانَ دَيِّناً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، عَادِلاً، مُحِبّاً لِلْغَزْوِ. يُقَالُ: نَشَأَ بِالبَادِيَةِ. مَاتَ: بِذَاتِ الجَنْبِ. وَنَقْشُ خَاتَمَهِ: أُوْمِنُ بِاللهِ مُخْلِصاً. وَأُمُّهُ وَأُمُّ الوَلِيْدٍ هِيَ: وَلاَّدَةُ   (1) الصعوط والسعوط: اسم للدواء يصب في الانف، واللدود من الادوية: ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم، ولديد الفم: جانباه. (2) انظر القصيدة بتمامها في " الشعر والشعراء " والاغاني. (*) تاريخ خليفة: 281 و298، التاريخ الكبير 4 / 25، تاريخ الفسوي 1 / 223، تاريخ اليعقوبي 3 / 36، الطبري 6 / 546، الجرح والتعديل 4 / 130، مروج الذهب 2 / 127، ابن الأثير 5 / 37، وفيات الأعيان 2 / 420، 427، تاريخ الإسلام 4 / 8، العبر 1 / 115 و118، فوات الوفيات 2 / 68، 70، البداية 9 / 183، ابن خلدون 3 / 74، تاريخ الخميس 2 / 314، شذرات الذهب 1 / 116. (3) هي إلى جانب الباب الشرقي لجامع بني أمية، وباب الجامع هذا يقال له: باب جيرون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 بِنْتُ العَبَّاسِ بنِ حَزَنٍ العَبْسِيَّةُ. وَلِسُلَيْمَانَ مِنَ البَنِيْنَ: يَزِيْدُ، وَقَاسِمٌ، وَسَعِيْدٌ، وَيَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ، وَالحَارِثُ، وَغَيْرُهُم. جَهَّزَ جُيُوْشَهُ مَعَ أَخِيْهِ مَسْلَمَةَ بَرّاً وَبَحْراً لِمُنَازَلَةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، فَحَاصَرَهَا مُدَّةً حَتَّى صَالَحُوا عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدِهَا. وَكَانَ أَبْيَضَ، كَبِيْرَ الوَجْهِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبِ، جَمِيْلاً، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، عَاشَ تِسْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، قَسَمَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَنَظَرَ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ يَسْتَعِيْنُ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَزَلَ عُمَّالَ الحَجَّاجِ، وَكَتَبَ: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ قَدْ أُمِيْتَتْ، فَأَحْيُوْهَا بِوَقْتِهَا. وَهَمَّ بِالإِقَامَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ نَزَلَ قِنَّسْرِيْنَ (1) لِلرِّبَاطِ، وَحَجَّ فِي خِلاَفَتِهِ. وَقِيْلَ: رَأَى بِالمَوْسِمِ الخَلْقَ، فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَمَا تَرَى هَذَا الخَلْقَ الَّذِيْنَ لاَ يُحْصِيْهِم إِلاَّ اللهُ، وَلاَ يَسَعُ رِزْقَهُم غَيْرُهُ؟! قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَؤُلاَءِ اليَوْمَ رَعِيَّتُكَ، وَهُمْ غَداً خُصَمَاؤُكَ. فَبَكَى، وَقَالَ: بِاللهِ أَسْتَعِيْنُ. وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: يَرْحِمُ اللهُ سُلَيْمَانَ، افْتَتَحَ خِلاَفَتَهُ بِإِحْيَاءِ الصَّلاَةِ، وَاخْتَتَمَهَا بَاسْتِخْلاَفِهِ عُمَرَ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الغِنَاءِ. وَكَانَ مِنَ الأَكَلَةِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ أَكَلَ مَرَّةً أَرْبَعِيْنَ دَجَاجَةً. وَقِيْلَ: أَكَلَ مَرَّةً خَرُوْفاً وَسِتَّ دَجَاجَاتٍ، وَسَبْعِيْنَ رُمَّانَةً، ثُمَّ أُتِيَ بِمَكُّوْكِ (2) زَبِيْبٍ طَائِفِيٍّ،   (1) بلدة بالشام بين حلب وانطاكية، فتحها المسلمون سنة 17 هـ بقيادة أبي عبيدة بن الجراح. (2) المكوك: مكيال يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، يقال إنه يسع صاعا ونصفا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 فَأَكَلَهُ. وَلَمَّا مَرِضَ بِدَابِقٍ (1) ، قَالَ لِرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ الكِنْدِيِّ: مَنْ لِهَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: ابْنُكَ غَائِبٌ. قَالَ: فَالآخَرُ؟ قَالَ: صَغِيْرٌ. قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟ قَالَ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ: أَتَخَوَّفُ إِخْوَتِي. قَالَ: وَلِّ عُمَرَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ يَزِيْدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، وَتَكْتُبُ كِتَاباً، وَتَخْتِمُهُ، وَتَدْعُوْهُم إِلَى بَيْعَةِ مَنْ فِيْهِ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَ. وَكَتَبَ العَهْدَ، وَجَمَعَ الشُّرَطَ، وَقَالَ: مَنْ أَبَى البَيْعَةَ، فَاقْتُلُوْهُ. وَفَعَلَ ذَلِكَ، وَتَمَّ. ثُمَّ كُفِّنَ سُلَيْمَانُ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقِيْلَ: عَاشَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَخِلاَفَتُهُ سَنَتَانِ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُوْنَ يَوْماً - عَفَا اللهُ عَنْهُ -. فِي آلِ مَرْوَانَ نَصْبٌ (2) ظَاهِرٌ سِوَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَمِيْرُ (3) وَلِي الدِّيَارَ المِصْرِيَّةَ بَعْدَ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ إِلَى أَنْ صُرِفَ بِقُرَّةَ بنِ شَرِيْكٍ (4) سَنَةَ تِسْعِيْنَ. وَوَلِيَ غَزْوَ الرُّوْمِ، فَأَنْشَأَ مَدِيْنَةَ المَصِّيْصَةَ (5) ، وَلَهُ دَارٌ بِدِمَشْقَ. قِيْلَ: مَاتَ بُسْرُ بنُ سَعِيْدٍ الفَقِيْهُ (6) ، فَمَا تَرَكَ كَفَناً، وَمَاتَ سَنَةَ مائَةٍ عَبْدُ اللهِ هَذَا، فَخَلَّفَ ثَمَانِيْنَ مُدَّ ذَهَبٍ.   (1) دابق: قرية من أرض قنسرين بين حلب ومعرة النعمان عندها مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزوا الصائفة وبه قبر سليمان بن عبد الملك. (2) أي: بغض لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه. (3) ولاة مصر للكندي: 59. (4) هو قرة بن شريك بن مرثد العبسي الغطفاني القنسريني ولي إمارة مصر، واستمر فيها إلى أن مات سنة 96 وصفه المؤلف في " دول الإسلام " 1 / 63 بأنه كان ظالما كالحجاج، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: الوليد الخليفة بدمشق، والحجاج بالعراق، وأخوه باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز وقرة بن شريك بمصر، امتلات والله الدنيا جورا. (5) مدينة على ساحل البحر من ثغور الشام. بالقرب من أنطاكية. (6) المدني العابد مولى ابن الحضرمي، قال ابن سعد: كان من العباد المنقطعين، وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة، كثير الحديث، أخرج له الجماعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 48 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ * (ع) ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، المُجْتَهِدُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، السَّيِّدُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً، أَبُو حَفْصٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الخَلِيْفَةُ، الزَّاهِدُ، الرَّاشِدُ، أَشَجُّ بَنِي أُمَيَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ قَدَحاً شَرِبَ مِنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّ بِأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذَا الفَتَى. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَارِظٍ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ، وَيُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَخَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيْمٍ، وَغَيْرِهِم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَمِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ حَزْمٍ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْلَةَ، وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَائِدَةَ اللَّيْثِيُّ،   (*) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم، طبقات ابن سعد 5 / 330، تاريخ خليفة: 321، 322، التاريخ الكبير 6 / 174، تاريخ الفسوي 1 / 568، 620، الطبري 6 / 565، 573، الجرح والتعديل 6 / 122، الاغاني 9 / 254، حلية الأولياء 5 / 253، طبقات الشيرازي: 64، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، ابن الأثير 5 / 58، 66، تهذيب الكمال 1017، تذهيب التهذيب 3 / 88 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 164، تذكرة الحفاظ 1 / 118، العبر 1 / 120، فوات الوفيات 3 / 133، البداية 9 / 192، 219، سيرة عمر بن عبد العزيز للآجري، العقد الثمين 6 / 331، طبقات ابن الجزري 1 / 593، تهذيب التهذيب 7 / 475، النجوم الزاهرة 1 / 246، تاريخ الخلفاء: 228، خلاصة تذهيب التهذيب: 284، شذرات الذهب 1 / 119. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 وَابْنُهُ؛ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ، وَأَخُوْهُ؛ زَبَّانُ، وَصَخْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَرْمَلَةَ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بنُ دَاوُدَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَعُمَرُ بنُ عَامِرٍ البَجَلِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مُهَاجِرٍ، وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئ العَنْسِيُّ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عَطَاءٍ الكَاتِبُ، وَغَيْلاَنُ بنُ أَنَسٍ، وَكَاتِبُهُ؛ لَيْثُ بنُ أَبِي رُقَيَّةَ، وَأَبُو هَاشِمٍ مَالِكُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ القَاصُّ، وَمَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَمِيْرُ، وَالنَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، وَكَاتِبُهُ؛ نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَيْنِيُّ، وَمَوْلاَهُ؛ هِلاَلٌ أَبُو طُعْمَةَ، وَالوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ المُعَيْطِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ تَابِعِيِّ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: أُمُّهُ: هِيَ أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. قَالُوا: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمٌ وَوَرَعٌ، وَرَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَكَانَ إِمَامَ عَدْلٍ - رَحِمَهُ اللهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ -. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ أَبَوَيْهِ: عَاصِمٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ الخُرَيْبِيَّ يَقُوْلُ: الأَعْمَشُ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى وُلِدُوا سَنَةَ مَقْتَلِ الحُسَيْنِ -يَعْنِي: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ-. وَكَذَلِكَ قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِي مَوْلِدِهِ. وَذَكَرَ صِفَتَهُ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ أَسْمَرَ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، حَسَنَهُ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، غَائِرَ العَيْنَيْنِ، بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ نَفْحَةِ دَابَّةٍ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: رَأَيْتُ صِفَتَهُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ: أَبْيَضَ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، جَمِيْلاً، نَحِيْفَ الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، غَائِرَ العَيْنَيْنِ، بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ حَافِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 دَابَّةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ: أَشَجَّ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: دَخَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى إِصْطَبْلِ أَبِيْهِ، وَهُوَ غُلاَمٌ، فَضَرَبَهُ فَرَسٌ، فَشَجَّهُ، فَجَعَلَ أَبُوْهُ يَمْسَحُ عَنْهُ الدَّمَ، وَيَقُوْلُ: إِنْ كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي أُمَيَّةَ، إِنَّكَ إِذاً لَسَعِيْدٌ. وَرَوَى: ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بَكَى وَهُوَ غُلاَمٌ صَغِيْرٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ، وَقَالَتْ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ المَوْتَ. قَالَ: وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ جَمَعَ القُرْآنَ، فَبَكَتْ أُمُّهُ حِيْنَ بَلَغهَا ذَلِكَ. أَبُو خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنْ هَذَا البَابِ -يَعْنِي: بَاباً مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ بِالمَدِيْنَةِ- فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: بَعَثَ إِلَيْنَا هَذَا الفَاسِقُ بَابْنِهِ هَذَا يَتَعَلَّمُ الفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَكُوْنُ خَلِيْفَةً بَعْدَهُ، وَيَسِيْرُ بِسِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ: فَقَالَ لَنَا دَاوُدُ: فَوَاللهِ مَا مَاتَ حَتَّى رَأَيْنَا ذَلِكَ فِيْهِ. قِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلاً، بِوَجْهِهِ شَتَرٌ، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً. مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ يَمْلَؤُهَا عَدْلاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجُوْراً؟! سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عَبْدَ العَزِيْز بنَ مَرْوَانَ بَعَثَ ابْنَهُ عُمَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ يَتَأَدَّبُ بِهَا، وَكَتَبَ إِلَى صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ يَتَعَاهَدُهُ، وَكَانَ يُلْزِمُهُ الصَّلَوَاتِ، فَأَبْطَأَ يَوْماً عَنِ الصَّلاَة، فَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: كَانَتْ مُرَجِّلَتِي تُسَكِّنُ شَعْرِي. فَقَالَ: بَلَغَ مِنْ تَسْكِيْنِ شَعْرِكَ أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى الصَّلاَةِ. وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى وَالِدِهِ، فَبَعَثَ عَبْدُ العَزِيْزِ رَسُوْلاً إِلَيْهِ، فَمَا كَلَّمَهُ حَتَّى حَلَقَ شَعْرَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 وَكَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَخْتَلِفُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، يَسْمَعُ مِنْهُ العِلْمَ، فَبَلَغَ عُبَيْدَ اللهِ أَنَّ عُمَرَ يَتَنَقَّصُ عَلِيّاً، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَتَى بَلَغَكَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- سَخِطَ عَلَى أَهْل بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ رَضِيَ عَنْهُم؟ قَالَ: فَعَرَفَ مَا أَرَادَ، فَقَالَ: مَعْذِرَةً إِلَى اللهِ وَإِلَيْكَ، لاَ أَعُوْدُ. فَمَا سُمِعَ عُمَرُ بَعْدَهَا ذَاكِراً عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلاَّ بِخَيْرٍ. نَقَلَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، عَنِ العُتْبِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَا اسْتُبِيْنَ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ أَنَّ أَبَاهُ وَلِيَ مِصْرَ، وَهُوَ حَدِيْثُ السِّنِّ، يُشَكُّ فِي بُلُوْغِهِ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ، أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُوْنَ أَنْفَعَ لِي وَلَكَ: تُرَحِّلُنِي إِلَى المَدِيْنَةِ، فَأَقْعُدَ إِلَى فُقَهَاءِ أَهْلِهَا، وَأَتَأَدَّبَ بِآدَابِهِم. فَوَجَّهَهُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاشْتُهِرَ بِهَا بِالعِلْمِ وَالعَقْلِ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ. قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيْهِ، وَخَلَطَهُ بِوَلَدِهِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُم، وَزَوَّجَهُ بَابْنَتِهِ فَاطِمَةَ الَّتِي قِيْلَ فِيْهَا: بِنْتُ الخَلِيْفَةِ، وَالخَلِيْفَةُ جَدُّهَا ... أُخْتُ الخَلاَئِفِ، وَالخَلِيْفَةُ زَوْجُهَا وَكَانَ الَّذِيْنَ يَعِيْبُوْنَ عُمَرَ مِمَّنْ يَحْسُدُهُ بِإِفْرَاطِهِ فِي النِّعْمَةِ، وَاخْتِيَالِهِ فِي المِشْيَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: وَلِيَ عُمَرُ المَدِيْنَةَ فِي إِمْرَةِ الوَلِيْدِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ: لَيْسَ لَهُ آثَارٌ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَلاَ سَمَاعٌ مِنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا وَهُوَ حَدَثٌ، لأَخَذَ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَوَّلُهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ المَدِيْنَةَ وَالِياً، فَصَلَّى الظُّهْرَ، دَعَا بِعَشْرَةٍ: عُرْوَةَ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ يَسَارٍ، وَالقَاسِمَ، وَسَالِماً، وَخَارِجَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي دَعَوْتُكُم لأَمْرٍ تُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ، وَنَكُوْنُ فِيْهِ أَعْوَاناً عَلَى الحَقِّ، مَا أُرِيْدُ أَنْ أَقْطَعَ أَمراً إِلاَّ بِرَأْيِكُم، أَوْ بِرَأْيِ مَنْ حَضَرَ مِنْكُم، فَإِنْ رَأَيْتُم أَحَداً يَتَعَدَّى، أَوْ بَلَغَكُم عَنْ عَامِلٍ ظُلاَمَةٌ، فَأُحَرِّجُ بِاللهِ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ إِلاَّ أَبْلَغَنِي. فَجَزَوْهُ خَيْراً، وَافْتَرَقُوا. اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي قَادِمٌ البَرْبَرِيُّ: أَنَّهُ ذَاكَرَ رَبِيْعَةَ بنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْئاً مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذْ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ، فَقَالَ رَبِيْعَةُ: كَأَنَّكَ تَقُوْلُ: أَخْطَأَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَخْطَأَ قَطُّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الأَحَدِ بنُ أَبِي زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: أَتَى فِتْيَانٌ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالُوا: إِنَّ أَبَانَا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً عِنْدَ عَمِّنَا حُمَيْدٍ الأَمَجِيِّ (1) . فَأَحْضَرَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: أَنْتَ القَائِلُ: حُمَيْدٌ الَّذِي أَمَجٌ دَارُهُ ... أَخُو الخَمْرِ ذُوْ الشَّيْبَةِ الأَصْلَعِ أَتَاهُ المَشِيْبُ عَلَى شُرْبِهَا ... وَكَانَ كَرِيْماً فَلَمْ يَنْزِعِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ سَوْفَ أَحُدُّكَ، إِنَّكَ أَقْرَرْتَ بِشُرْبِ الخَمْرِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَنْزِعْ عَنْهَا. قَالَ: أَيْهَاتَ! أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ أَلَمْ تَسْمَعِ اللهَ يَقُوْلُ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُوْنَ} إِلَى قَوْله: {وَأَنَّهُم يَقُوْلُوْنَ مَا لاَ يَفْعَلُوْنَ} [الشُّعَرَاءُ: 224 - 226]   (1) قال ياقوت في " معجم البلدان " أمج: بلد من أعراض المدينة منها حميد الامجي، وأورد البيتين قبلهما بيت آخر هو: شربت المدام فلم أقلع * وعوتبت فيها فلم أسمع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 فَقَالَ: أَوْلَى لَكَ يَا حُمَيْدٌ، مَا أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ أُفْلِتَّ، وَيْحَكَ يَا حُمَيْدُ! كَانَ أَبُوْكَ رَجُلاً صَالِحاً، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوْءٍ. قَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، وَأَيُّنَا يُشْبِهُ أَبَاهُ؟ كَانَ أَبُوْكَ رَجُلَ سُوْءٍ، وَأَنْتَ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُم تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً عِنْدَكَ. قَالَ: صَدَقُوا. وَأَحْضَرَهُ بِخَتْمِ أَبِيْهِم، وَقَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْهِم مِنْ مَالِي، وَهَذَا مَالُهُم. قَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقَّ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا عِنْدَهُ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيَعُوْدُ إِلَيَّ وَقَدْ خَرَجَ مِنِّي (1) ؟! العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، قَالَ لَنَا أَنَسٌ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ مِنْ إِمَامِكُم هَذَا -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-. قَالَ زَيْدٌ: فَكَانَ عُمَرُ يُتِمُّ الرُّكُوْعَ وَالسُّجُوْدَ، وَيُخَفِّفُ القِيَامَ وَالقُعُوْدَ (2) . قَالَ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي غَدَاةَ عَرَفَةَ، فَوَقَفْنَا لِنَنْظُرَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَهُوَ أَمِيْرُ الحَاجِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبتَاهُ! وَاللهِ إِنِّي لأَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لِمَا أَرَاهُ دَخَلَ لَهُ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ مِنَ المَوَدَّةِ، وَأَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، نَادَى جِبْرِيْلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً، فَأَحِبُّوْهُ) ، الحَدِيْثَ (3) .   (1) أورد الخبر مع الابيات البكري في " معجم ما استعجم " 1 / 191، والحميري في " الروض المعطار " 30، 31، وأنشد المبرد في " الكامل " 1 / 216 البيت الأول مستشهدا به على حذف التنوين من " حميد ". (2) سنده حسن، وأخرجه النسائي 2 / 166 في الافتتاح: باب تخفيف القيام والقراءة من طريق قتيبة، عن العطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: صليتم؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية هلمي لي وضوءا، ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا. قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود. (3) أخرجه مسلم (2637) (157) (158) من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا أحب عبدا، دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا، فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ (1) ، قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَجِيْبَةٌ، وَإِنَّ نَجِيْبَةَ بَنِي أُمَيَّةَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ. رَوَى: الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: كَانَتِ العُلَمَاءُ مَعَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ تَلاَمِذَةً. مَعْمَرٌ: عَنْ أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ الوَلِيْدُ إِلَى عُمَرَ - وَهُوَ عَلَى المَدِيْنَةِ -: أَنْ يَضْرِبَ خُبَيْبَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (2) ، فَضَرَبَهُ أَسْوَاطاً، وَأَقَامَهُ فِي البَرْدِ، فَمَاتَ. قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَثْنَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِخُبَيْبٍ - رَحِمَهُمَا اللهُ -. قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ حَسَنَ الخَلْقِ وَالخُلُقِ، كَامِلَ العَقْلِ، حَسَنَ السَّمْتِ، جَيِّدَ السِّيَاسَةِ، حَرِيْصاً عَلَى العَدْلِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَافِرَ العِلْمِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، ظَاهِرَ الذَّكَاءِ وَالفَهْمِ، أَوَّاهاً، مُنِيْباً، قَانِتاً للهِ، حَنِيْفاً، زَاهِداً مَعَ الخِلاَفَةِ، نَاطِقاً بِالحَقِّ مَعَ قِلَّةِ المُعِيْنِ، وَكَثْرَةِ الأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ الَّذِيْنَ مَلُّوْهُ وَكَرِهُوا مُحَاقَقَتَهُ لَهُم، وَنَقْصَهُ أُعْطِيَاتِهِم، وَأَخْذَهُ كَثِيْراً مِمَّا فِي أَيْدِيْهِم مِمَّا أَخذُوْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى سَقَوْهُ السُّمَّ، فَحَصَلَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَالسَّعَادَةُ، وَعُدَّ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، وَالعُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. مُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْنَا، فَمَا كُنَّا مَعَهُ إِلاَّ تَلاَمِذَةً. وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِ. وَفِي (المُوَطَّأِ) : بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ   = فلانا، فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض " وأخرجه البخاري في " صحيحه مختصرا 6 / 220 في بدء الخلق تعليقا، ووصله في الأدب 10 / 385، 386: باب المقة من الله. (1) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين ثقة فاضل أخرج حديثه الجماعة. (2) قال مصعب الزبيري في " نسب قريش " ص 240: كان خبيب يعلم علما كثيرا مع فضل له وصلاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 حِيْنَ خَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ، الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى (1) أَنْ نَكُوْنَ مِمَّنْ نَفَتْهُ المَدِيْنَةُ (2) . ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ مِنَ المَدِيْنَةِ وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَعْلَمَ مِنِّي، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ، نَسِيْتُ. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمَرْتُ مَعَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ لَيْلَةً، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: كُلُّ مَا حَدَّثْتَهُ اللَّيْلَةَ فَقَدْ سَمِعْتُهُ، وَلَكِنَّكَ حَفِظْتَ وَنَسِيْنَا. عُقَيْلٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الوَلِيْدَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالظَّهِيْرَةِ، فَوَجَدَهُ قَاطِباً بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ: فَجَلَسْتُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ ابْنُ الرَّيَّانِ، قَائِمٌ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَسُبُّ الخُلَفَاءَ؟ أَتَرَى أَنْ يُقْتَلَ؟ فَسَكَتُّ، فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَسَكَتُّ، فَعَادَ لِمِثْلِهَا، فَقُلْتُ: أَقَتَلَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟! قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ سَبَّ الخُلَفَاءَ. قُلْتُ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُنَكَّلَ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى ابْنِ الرَّيَّانِ، فَقَالَ: إِنَّهُ فِيْهِمْ لَنَابِهٌ. عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، قَالَ: حَجَّ سُلَيْمَانُ، وَمَعَهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَصَابَهُمْ بَرْقٌ وَرَعْدٌ حَتَّى كَادَتْ تَنْخَلِعُ قُلُوْبُهُم، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا حَفْصٍ، هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَطُّ، أَوْ سَمِعْتَ بِهَا؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا صَوْتُ رَحْمَةِ اللهِ، فَكَيْفَ لَوْ سَمِعْتَ صَوْتَ عَذَابِ اللهِ!؟ وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا كَذَبْتُ مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ الكَذِبَ يَضُرُّ أَهْلَهُ. عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ، وَفِي لَفْظٍ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الدُّنْيَا لاَ تَنْقَضِي حَتَّى   (1) في البداية 9 / 195: نخشى. (2) الموطأ 2 / 889 في الجامع: باب ما جاء في سكن المدينة والخروج منها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، يَعْمَلُ بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ. قَالَ: فَكَانَ بِلاَلٌ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بِوَجْهِهِ شَامَةٌ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ هُوَ، حَتَّى جَاءَ اللهُ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. أَمُّهُ: هِيَ ابْنَةُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ. رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْهُ. جُوَيْرِيَةُ: عَنْ نَافِعٍ: بَلَغنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلاً بِوَجْهِهِ شَيْنٌ، يَلِي فَيَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً. قَالَ نَافِعٌ: فَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: لَيْتَ شِعْرِي، مَنْ هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ، فِي وَجْهِهِ عَلاَمَةٌ، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً. تَفَرَّدَ بِهِ: مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْهُ، وَهُوَ صَدُوْقٌ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، عَنْ رِيَاحِ بنِ عَبِيْدَةَ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى الصَّلاَةِ، وَشَيْخٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا شَيْخٌ جَافٍ. فَلَمَّا صَلَّى وَدَخَلَ، لَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، مَنِ الشَّيْخُ الَّذِي كَانَ يَتَّكِئُ عَلَى يَدِكَ؟ فَقَالَ: يَا رِيَاحُ، رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَحْسِبُكَ إِلاَّ رَجُلاً صَالِحاً، ذَاكَ أَخِي الخَضِرُ، أَتَانِي، فَأَعْلَمَنِي أَنِّي سَأَلِي أَمْرَ الأُمَّةِ، وَأَنِّي سَأَعْدِلُ فِيْهَا (1) .   (1) وأخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 577 من طريق عبد العزيز الرملي، عن ضمرة ابن ربيعة، عن السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة وأخرجه أبو عروبة الحراني في " تاريخه " وأبو نعيم في " الحلية " 5 / 254 عن أيوب بن محمد الوزان، عن ضمرة بن ربيعة به. وهذا الخبر ضعيف السند تفرد به ضمرة وهو معدود في جملة منكراته، فإنه وإن كان ثقة أنكر عليه الامام أحمد حديث " من ملك ذا رحم محرم فهو عتيق " ورده ردا شديدا وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا، وأخرجه الترمذي، وقال: لا يتابع ضمرة عليه، وهو خطأ عند أهل الحديث. ثم إن في الخبر ما يدل على بطلانه وهو حياة الخضر عليه السلام فقد صرح بموته جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان في " البحر المحيط "، وذكر الحافظ في " الإصابة " منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، وأبا طاهر ابن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن العربي، وابن الجوزي وغيرهم. ونقل عن أبي الحسن بن المنادي قوله: بحثت عن تعمير الخضر وهل هو باق أم لا؟ فإذا أكثر المغفلين مغترون بأنه باق من أجل ما روي في ذلك، قال: والأحاديث المرفوعة في ذلك واهية، والسند إلى أهل الكتاب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 المَدَائِنِيُّ: عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، عَنْ هِزَّانَ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، رَآنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي الدَّارِ، أَخْرُجُ، وَأَدْخُلُ، وَأَتَرَدَّدُ، فَقَالَ: يَا رَجَاءُ، أُذَكِّرُكَ اللهَ وَالإِسْلاَمَ أَنْ تَذْكُرَنِي لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَوْ تُشِيْرَ بِي، فَوَاللهِ مَا أَقْوَى عَلَى هَذَا الأَمْرِ. فَانْتَهَرْتُهُ، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَحَرِيْصٌ عَلَى الخِلاَفَةِ. فَاسْتَحْيَى، وَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ: مَنْ تَرَى لِهَذَا الأَمْرِ؟ فَقُلْتُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ قَادِمٌ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- وَسَائِلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، وَمَا صَنَعْتَ فِيْهِ. قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟ قُلْتُ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِعَهْدِ عَبْدِ المَلِكِ إِلَى الوَلِيْدِ، وَإِلَيَّ فِي ابْنَيْ عَاتِكَةَ، أَيُّهُمَا بَقِيَ؟ قُلْتُ: تَجْعَلُهُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: أَصَبْتَ، جِئْنِي بِصَحِيْفَةٍ. فَأَتَيْتُهُ بِصَحِيْفَةٍ، فَكَتَبَ عَهْدَ عُمَرَ وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ بَعْدُ، ثُمَّ دَعَوْتُ رِجَالاً، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: عَهْدِي فِي هَذِهِ الصَّحِيْفَةِ مَعَ رَجَاءٍ، اشْهَدُوا وَاخْتِمُوا الصَّحِيْفَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَكَفَفْتُ النِّسَاءَ عَنِ الصِّيَاحِ، وَخَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ السَّاعَةَ. قَالُوا: للهِ الحَمْدُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ دَابِقَ، وَكَانَ مُجْتَمَعَ غَزْوِ النَّاسِ، فَمَاتَ سُلَيْمَانُ بِدَابِقَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ صَاحِبُ أَمْرِهِ وَمَشُوْرَتِهِ، خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَأَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ كِتَاباً، وَعَهِدَ عَهْداً - وَأَعْلَمَهُم بِمَوْتِهِ - أَفَسَامِعُوْنَ أَنْتُم مُطِيْعُوْنَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَقَالَ هِشَامٌ: نَسْمَعُ وَنُطِيْعُ إِنْ كَانَ فِيْهِ اسْتِخْلاَفُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ: وَيَجْذِبُهُ النَّاسُ حَتَّى سَقَطَ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. فَقَالَ رَجَاءٌ: قُمْ يَا عُمَرُ - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ -. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لأَمْرٌ مَا سَأَلْتُهُ اللهَ قَطُّ.   = ساقط لعدم ثقتهم، وخبر مسلمة بن مصقلة كالخرافة، وخبر رياح كالريح، قال: وما عدا ذلك كله من الاخبار كلها واهية الصدور والاعجاز لا يخلو حالها من أحد أمرين، إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا ويكون بعضهم تعمد ذلك، وقد قال تعالى: (وما جعلنا لبشر بن قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) [الأنبياء: 34] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ سُلَيْمَانُ بِدَابِقَ، قَالَ: يَا رَجَاءُ، أَسْتَخْلِفُ ابْنِي؟ قَالَ: ابْنُكَ غَائِبٌ. قَالَ: فَالآخَرُ؟ قَالَ: هُوَ صَغِيْرٌ. قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟ قَالَ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ: أَتَخَوَّفُ بَنِي عَبْدِ المَلِكِ أَنْ لاَ يَرْضَوْا. قَالَ: فَوَلِّهِ، وَمِنْ بَعْدِهِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَتَكْتُبُ كِتَاباً وَتَخْتِمُهُ، وَتَدْعُوْهُم إِلَى بَيْعَةٍ مَخْتُوْمٍ عَلَيْهَا. قَالَ: فَكَتَبَ العَهْدَ، وَخَتَمَهُ، فَخَرَجَ رَجَاءُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا لِمَنْ فِي هَذَا الكِتَابِ. قَالُوا: وَمَنْ فِيْهِ؟ قَالَ: مَخْتُوْمٌ، وَلاَ تُخْبَرُوْنَ بِمَنْ فِيْهِ حَتَّى يَمُوْتَ. فَامْتَنَعُوا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِ الشُّرَطِ، وَنَادِ الصَّلاَةَ جَامِعَةً، وَمُرْهُم بِالبَيْعَةِ، فَمَنْ أَبَى، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَفَعَلَ، فَبَايَعُوا. قَالَ رَجَاءٌ: فَلَمَّا خَرَجُوا، أَتَانِي هِشَامٌ فِي مَوْكِبِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَوْقِفَكَ مِنَّا، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُوْنَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَزَالَهَا عَنِّي، فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي الأَمْرِ نَفَسٌ. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! يَسْتَكْتِمُنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَأُطْلِعُكَ، لاَ يَكُوْنُ ذَاكَ أَبَداً، فَأَدَارَنِي، وَأَلاَصَنِي (1) ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ، فَانْصَرَفَ. فَبَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ، إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةً خَلْفِي، فَإِذَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ: يَا رَجَاءُ، قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَمْرٌ كَبِيْرٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُوْنَ جَعَلَهَا إِلَيَّ، وَلَسْتُ أَقُوْمُ بِهَذَا الشَّأْنِ، فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي الأَمْرِ نَفَسٌ، لَعَلِّي أَتَخَلَّصُ. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! يَسْتَكْتِمُنِي أَمْراً أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ! رَوَى نَحْوَهَا: الوَاقِدِيُّ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي سُهَيْلٍ، سَمِعَ رَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ يَقُوْلُ، وَزَادَ: فَصَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ،   (1) يقال: ألاصه على كذا: إذا أداره على الشئ الذي يريده، وقال عمر لعثمان في معنى كلمة الاخلاص: هي الكلمة التي ألاص عليها النبي صلى الله عليه وسلم عمه يعني أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله، أي: أداره عليها، وراوده فيها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ، فَقَالَ: دَابَّتِي أَرْفَقُ لِي. فَرَكِبَ بَغْلَتَهُ، ثُمَّ قِيْلَ: تَنْزِلُ مَنْزِلَ الخِلاَفَةِ؟ قَالَ: فِيْهِ عِيَالُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَفِي فُسْطَاطِي كِفَايَةٌ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ: يَا رَجَاءُ، ادْعُ لِي كَاتِباً. فَدَعَوْتُهُ، فَأَمْلَى عَلَيْهِ كِتَاباً أَحْسَنَ إِمْلاَءٍ وَأَوْجَزَهُ، وَأَمَرَ بِهِ، فَنُسِخَ إِلَى كُلِّ بَلَدٍ. وَقَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ أَمْثَلِ الخُلَفَاءِ، نَشَرَ عَلَمَ الجِهَادِ، وَجَهَّزَ مائَةَ أَلْفٍ بَرّاً وَبَحْراً، فَنَازَلُوا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَاشْتَدَّ القِتَالُ وَالحِصَارُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: يَا أَبَا حَفْصٍ، إِنَّا وَلِيْنَا مَا قَدْ تَرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بِتَدْبِيْرِهِ عِلْمٌ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ مَصْلَحَةِ العَامَّةِ، فَمُرْ بِهِ. فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ عَزْلُ عُمَّالِ الحَجَّاجِ، وَأُقِيْمَتِ الصَّلَوَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ أُمِيْتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، مَعَ أُمُوْرٍ جَلِيْلَةٍ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ عُمَرَ فِيْهَا. فَقِيْلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ حَجَّ، فَرَأَى الخَلاَئِقَ بِالْمَوْقِفِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَى هَذَا الخَلْقَ الَّذِي لاَ يُحْصِي عَدَدَهُم إِلاَّ اللهُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ اليَوْمَ رَعِيَّتُكَ، وَهُمْ غَداً خُصَمَاؤُكَ. فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً. قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ لَهُ وَزِيْرَ صِدْقٍ، وَمَرِضَ بِدَابِقَ أُسْبُوْعاً، وَتُوُفِيَّ، وَكَانَ ابْنُهُ دَاوُدُ غَائِباً فِي غَزْوِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ. وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ: ثَقُلَ سُلَيْمَانُ، وَلَمَّا مَاتَ، أَجْلَسْتُهُ، وَسَنَّدْتُهُ، وَهَيَّأْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَصْبَحَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قُلْتُ: أَصْبَحَ سَاكِناً، فَادْخُلُوا سَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَبَايِعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا فِي العَهْدِ. فَدَخَلُوا، وَقُمْتُ عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِالوُقُوْفِ. ثُمَّ أَخَذْتُ الكِتَابَ مِنْ جَيْبِهِ، وَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الكِتَابِ. فَبَايَعُوا، وَبَسَطُوا أَيْدِيَهِم، فَلَمَّا فَرَغُوا، قُلْتُ: آجَرَكُمُ اللهُ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 قَالُوا: فَمَنْ؟ فَفَتَحْتُ الكِتَابَ، فَإِذَا فِيْهِ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. فَتَغَيَّرَتْ وَجُوْهُ بَنِي عَبْدِ المَلِكِ، فَلَمَّا سَمِعُوا: وَبَعْدَهُ يَزِيْدُ، تَرَاجَعُوا، وَطُلِبَ عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ فِي المَسْجِدِ، فَأَتَوْهُ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ، فَعَقِرَ (1) ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ النُّهُوْضَ حَتَّى أَخَذُوا بَضَبُعَيْهِ، فَأَصْعَدُوْهُ المِنْبَرَ، فَجَلَسَ طَوِيْلاً لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ رَجَاءٌ: أَلاَ تَقُوْمُوْنَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَتُبَايِعُوْنَهُ؟ فَنَهَضُوا إِلَيْهِ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِم، فَلَمَّا مَدَّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ يَدَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ. فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، إِنَّا للهِ، حِيْنَ صَارَ يَلِي هَذِهِ الأُمَّةَ أَنَا وَأَنْتَ. ثُمَّ قَامَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَسْتُ بِفَارِضٍ، وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، وَإِنَّ مَنْ حَوْلَكُم مِنَ الأَمْصَارِ إِنْ أَطَاعُوا كَمَا أَطَعْتُم، فَأَنَا وَالِيْكُم، وَإِنْ هُم أَبَوْا، فَلَسْتُ لَكُم بِوَالٍ. ثُمَّ نَزَلَ، فَأَتَاهُ صَاحِبُ المَرَاكِبِ، فَقَالَ: لاَ، ائْتُوْنِي بِدَابَّتِي. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِ الأَمْصَارِ. قَالَ رَجَاءٌ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ صُنْعَهُ فِي الكِتَابِ، عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَقْوَى. قَالَ عَمْرُو بنُ مُهَاجِرٍ: صَلَّى عُمَرُ المَغْرِبَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: مَاتَ سُلَيْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، عَاشِرَ صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَ خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ عُمَرَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ حِيْنَ جَاءهُ أَصْحَابُ مَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ يَسْأَلُوْنَهُ العَلُوْفَةَ وَرِزْقَ خَدَمِهَا. قَالَ: ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَمْصَارِ الشَّامِ يَبِيْعُوْنَهَا، وَاجْعَلْ أَثَمَانَهَا فِي مَالِ اللهِ، تَكْفِيْنِي بَغْلَتِي هَذِهِ الشَّهْبَاءُ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عَنْ قَبْرِ سُلَيْمَانَ، قَدَّمُوا لَهُ مَرَاكِبَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ:   (1) العقر بفتحتين: أن يفجأه الروع، فلا يقدر أن يتقدم أو يتأخر دهشا، وبابه طرب ومنه قول عمر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر فتلا (إنك ميت وإنهم ميتون) : فعقرت حتى خررت إلى الأرض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 فَلَوْلاَ التُّقَى ثُمَّ النُّهَى خَشْيَةَ الرَّدَى ... لَعَاصَيْتُ فِي حُبِّ الصَّبِيِّ كُلَّ زَاجِرِ قَضَى مَا قَضَى فِيْمَا مَضَى ثُمَّ لاَ تُرَى ... لَهُ صَبْوَةٌ أُخْرَى اللَّيَالِي الغَوَابِرِ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ: أَنَّ مَوْلَىً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ لَهُ بَعْدَ جَنَازَةِ سُلَيْمَانَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغْتَمّاً؟ قَالَ: لِمِثْلِ مَا أَنَا فِيْهِ فَلْيُغْتَمَّ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أُوْصِلَ إِلَيْهِ حَقَّهُ غَيْرَ كَاتِبٍ إِلَيَّ فِيْهِ، وَلاَ طَالِبِهِ مِنِّي. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: خَطَبَهُم عُمَرُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِخَيْرِ أَحَدٍ مِنْكُم، وَلَكِنِّي أَثْقَلُكُمْ حِمْلاً. أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى سَالِمٍ لِيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِسِيْرَةِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَاتِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ إِنْ عَمِلْتَ بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ فِي زَمَانِهِ وَرِجَالِهِ فِي مِثْل زَمَانِكَ وَرِجَالِكَ، كُنْتَ عِنْدَ اللهِ خَيْراً مِنْ عُمَرَ. قُلْتُ: هَذَا كَلاَمٌ عَجِيْبٌ، أَنَّى يَكُوْنَ خَيْراً مِنْ عُمَرَ؟! حَاشَى وَكَلاَّ، وَلَكِنَّ هَذَا القَوْلَ مَحْمُوْلٌ عَلَى المُبَالَغَةِ، وَأَيْنَ عِزُّ الدِّيْنِ بِإِسْلاَمِ عُمَرَ؟ وَأَيْنَ شُهُوْدُهُ بَدْراً؟ وَأَيْنَ فَرَقُ الشَّيْطَانِ مِنْ عُمَرَ؟ وَأَيْنَ فُتُوْحَاتُ عُمَرَ شَرْقاً وَغَرْباً؟ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَبِي هَاشِمٍ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَعُمَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِذَا رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ، وَأَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَكَ: يَا عُمَرُ، إِذَا عَمِلْتَ، فَاعْمَلْ بِعَمَلِ هَذَيْنِ. فَاسْتَحْلَفَهُ بِاللهِ: لَرَأَيْتَ؟ فَحَلَفَ لَهُ، فَبَكَى. قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: إِنَّ اللهَ كَانَ يَتَعَاهَدُ النَّاسَ بِنَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ، وَإِنَّ اللهَ تَعَاهَدَ النَّاسَ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 قَالَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، بَكَى، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ حُبُّكَ لِلدُّنْيَا وَالدِّرْهَمِ؟ قَالَ: لاَ أُحِبُّهُ. قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّ اللهَ سَيُعِيْنُكَ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامِ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا بِبَابِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَسَمِعْنَا بُكَاءً، فَقِيْلَ: خَيَّرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ امْرَأَتَهُ بَيْنَ أَنْ تُقِيْمَ فِي مَنْزِلِهَا وَعَلَى حَالِهَا، وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ قَدْ شُغِلَ بِمَا فِي عُنُقِهِ عَنِ النِّسَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ تَلْحَقَ بِمَنْزِلِ أَبِيْهَا. فَبَكَتْ، فَبَكَتْ جَوَارِيْهَا. جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ سُمَّارٌ يَسْتشِيْرُهُم، فَكَانَ عَلاَمَةُ مَا بَيْنِهِم إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَقُوْمُوا، قَالَ: إِذَا شِئْتُم. وَعَنْهُ: أَنَّهُ خَطَبَ، وَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ عَبْداً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ إِلاَّ قَدْ مَاتَ، لَمُعْرَقٌ لَهُ فِي المَوْتِ (1) . جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: جَمَعَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بَنِي مَرْوَانَ حِيْنَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ لَهُ فَدَكٌ (2) يُنْفِقُ مِنْهَا، وَيَعُوْدُ مِنْهَا عَلَى صَغِيْرِ بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ مِنْهَا أَيِّمَهُم، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا، فَأَبَى، فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، عَمِلاَ فِيْهَا عَمَلَهُ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ صَارَت لِي، فَرَأَيْتُ أَمْراً - مَنَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَهُ - لَيْسَ لِي بِحَقٍّ،   (1) أي: إن له فيه عرقا، وإنه أصيل في الموت، وعرق كل شيء أصله. (2) هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر، وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلاث، واشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 وَإِنِّي أُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1) . قَالَ اللَّيْثُ: بَدَأَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَخَذَ مَا بِأَيْدِيْهِم، وَسَمَّى أَمْوَالَهُم مَظَالِمَ، فَفَزِعَتْ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مَرْوَانَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ عَنَانِي أَمْرٌ. فَأَتَتْهُ لَيْلاً، فَأَنْزَلَهَا عَنْ دَابَّتِهَا، فَلَمَّا أَخَذَتْ مَجْلِسَهَا، قَالَ: يَا عَمَّةُ، أَنْتِ أَوْلَى بِالكَلاَمِ. قَالَتْ: تَكَلَّمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ عَذَاباً، وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، فَتَرَكَ لَهُم نَهْراً، شُرْبُهُم سَوَاءٌ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَتَرَكَ النَّهْرَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ عُمَرُ، فَعَمِلَ عَمَلَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّهْرُ يَشْتَقُّ مِنْهُ يَزِيْدُ، وَمَرْوَانُ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَالوَلِيْدُ، وَسُلَيْمَانُ، حَتَّى أَفْضَى الأَمْرُ إِلَيَّ، وَقَدْ يَبِسَ النَّهْرُ الأَعْظَمُ، وَلَنْ يَرْوِيَ أَهْلَهُ حَتَّى يَعُوْدَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: حَسْبُكَ، فَلَسْتُ بِذَاكِرَةٍ لَكَ شَيْئاً. وَرَجَعَتْ، فَأَبْلَغَتْهُم كَلاَمَهُ. وَعَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: لَوْ أَقَمْتُ فِيْكُم خَمْسِيْنَ عَاماً، مَا اسْتَكْمَلْتُ فِيْكُمُ العَدْلَ، إِنِّي لأُرِيْدُ الأَمْرَ مِنْ أَمْرِ العَامَّةِ،   (1) أخرجه أبو داود (2972) في الخراج والامارة: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاموال، ورجاله ثقات. وقال ياقوت في " معجم البلدان ": فكانت في أيدي ولد فاطمة أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد الملك، قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة، فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي ابن ابي طالب، فلما ولي المنصور، وخرج عليه بنو الحسن، قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن منصور الخلافة، أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون، فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب، فطالب بها، فأمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل، وقرئ على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد: أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا وانظر البخاري 7 / 377 في المغازي: باب غزوة خيبر، وف ي الجهاد: باب فرض الخمس، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة " ومسلم (1759) في الجهاد والسير: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 فَأَخَافُ أَلاَّ تَحْمِلَهُ قُلُوْبُهُم، فَأَخْرُجَ مَعَهُ طَمَعاً مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا (1) . ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ: قُلْتُ لِطَاوُوْسٍ: هُوَ المَهْدِيُّ -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-. قَالَ: هُوَ المَهْدِيُّ، وَلَيْسَ بِهِ، إِنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ العَدْلَ كُلَّهُ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الطِّلاَءِ (2) ، قَالَ: نَهَى عَنْهُ إِمَامُ هُدَىً -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-. قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،   (1) وتمامه في تاريخ المصنف 4 / 170: فإن أنكرت قلوبكم هذا، سكنت إلى هذا، وفي " البداية " 9 / 200: وإني لاريد الامر، فما أنفذه إلا مع طمع من الدنيا حتى تسكن قلوبهم. (2) الطلاء بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير العنب وهو الرب. وقد رأى جواز شربه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ومعاذ إذا طبخ، فصار على الثلث، ونقص منه الثلثان، فقد أخرج مالك 2 / 847 من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، فقالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر أصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط فقال: هذا الطلاء هو مثل طلاء الابل، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لاأحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد، فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الابل، فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الاخبثان: ثلث بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن يشربوه. ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ، فذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم واحد. قال الحافظ في " الفتح " 10 / 55: وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم يحل، وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء. أخرجه النسائي عنهما، وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن المسيب والحسن وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر، وكرهه طائفة تورعا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَفِي رِوَايَةٍ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ. وَوَرَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ نَحْوَهُ. وَرَوَى: عَبَّادُ بنُ السَّمَّاكِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، مِثْلَهُ. أَبُو المَلِيْحِ: عَنْ خُصَيْفٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ رَجُلاً، وَعَنْ يَمِيْنِهِ وَشِمَالِهِ رَجُلاَنِ، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الَّذِي عَنْ يَمِيْنِهِ وَبَيْنَهُ، فَلَصِقَ صَاحِبُهُ، فَجَذَبَهُ الأَوْسَطُ، فَأَقْعَدَهُ فِي حِجْرِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا عُمَرُ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ أَسِيْدٍ، قَالَ: وَاللهِ، مَا مَاتَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِيْنَا بِالمَالِ العَظِيْمِ، فَيَقُوْلُ: اجْعَلُوا هَذَا حَيْثُ تَرَوْنَ. فَمَا يَبْرَحُ يَرْجِعُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، قَدْ أَغْنَى عُمَرُ النَّاسَ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ (1) بِنْتِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَأَثْنَتْ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَتْ: فَلَوْ كَانَ بَقِيَ لَنَا، مَا احْتَجْنَا بَعْدُ إِلَى أَحَدٍ. وَعَنْ ضَمْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى النَّاسِ إِلَى ظُلْمِهِم، فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْكَ، وَنَفَادَ مَا تَأْتِي إِلَيْهِم، وَبَقَاءَ مَا يَأْتُوْنَ إِلَيْكَ. عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي مُصَلاَّهُ، يَدُهُ عَلَى خَدِّهِ، سَائِلَةٌ دُمُوْعُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَلِشَيْءٍ حَدَثَ؟ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، إِنِّي تَقَلَّدْتُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَفَكَّرْتُ فِي الفَقِيْرِ الجَائِعِ، وَالمَرِيْضِ الضَّائِعِ، وَالعَارِي المَجْهُوْدِ، وَالمَظْلُوْمِ المَقْهُوْرِ، وَالغَرِيْبِ المَأْسُوْرِ، وَالكَبِيْرِ، وَذِي   (1) هي فاطمة الصغرى روت عن أبيها ولم تسمع منه، وعن أخيها محمد بن الحنفية، وأسماء بنت عميس وروى عنها الحارث بن كعب الكوفي، والحكم بن عبد الرحمن، وموسى الجهني، ونافع ابن أبي نعيم القارئ وغيرهم. قال ابن جرير: توفيت سنة سبع عشرة ومئة. أخرج حديثها النسائي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 العِيَالِ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي سَيَسْأَلُنِي عَنْهُم، وَأَنَّ خَصْمَهُم دُوْنَهُم مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَشِيْتُ أَلاَّ تَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُوْمَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي، فَبَكَيْتُ. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ النَّضْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْهَا، نَحْوَهُ، وَقَالَ: حَدَّثَتْنِي بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ. قَالَ الفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، وَعِنْدَهُ أَشْرَافُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: أَتُحِبُّوْنَ أَنْ أُوَّلِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُم جُنْداً مِنْ هَذِهِ الأَجْنَادِ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُم: لِمَ تَعْرِضُ عَلَيْنَا مَا لاَ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: تَرَوْنَ بِسَاطِي هَذَا، إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِيْرُ إِلَى بِلَىً، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُدَنِّسُوْهُ عَلَيَّ بِأَرْجُلِكُم، فَكَيْفَ أُوَلِّيْكُم دِيْنِي؟ وَأُوَلِّيْكُم أَعْرَاضَ المُسْلِمِيْنَ وَأَبْشَارَهُم تَحْكُمُوْنَ فِيْهِم؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ. قَالُوا: لِمَ، أَمَا لَنَا قَرَابَةٌ؟ أَمَا لَنَا حَقٌّ؟ قَالَ: مَا أَنْتُم وَأَقْصَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ عِنْدِي فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ سَوَاءٌ، إِلاَّ رَجُلٌ حَبَسَهُ عَنِّي طُوْلُ شُقَّةٍ (1) . يَحْيَى بنُ أَبِي غَنِيَّةَ: عَنْ حَفْصِ بنِ عُمَرَ بن أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ: أَنْ أَدِقَّ قَلَمَكَ، وَقَارِبْ بَيْنَ أَسْطُرِكَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ أَمْوَالِ المُسْلِمِيْنَ مَا لاَ يَنْتَفِعُوْنَ بِهِ. قَالَ مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: أَقَمْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، مَا رَأَيْتُهُ غَيَّرَ رِدَاءهُ، كَانَ يَغْسِلُ مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، وَيَبِيْنَ بِشَيْءٍ مِنْ زَعْفَرَانَ. الثَّوْرِيُّ: عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: كَانَ مُؤَذِّنٌ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ   (1) الشقة: السفر الطويل البعيد، وفي حديث وفد عبد قيس: إنا نأتيك من شقة بعيدة، أي: مسافة بعيدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 العَزِيْزِ إِذَا أَذَّنَ، رَعَّدَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: أَذِّنْ أَذَاناً سَمْحاً، وَلاَ تَغُنَّهُ، وَإِلاَّ فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ. وَرَوَى: عُمَرُ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ: مَا زِلْتُ أَلْطُفُ فِي أَمْرِ الأُمَّةِ أَنَا وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ حَتَّى قُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ الطَّوَامِيْرِ (1) الَّتِي تَكْتُبُ فِيْهَا بِالقَلَمِ الجَلِيْلِ، وَهِيَ مِنْ بَيْتِ المَالِ؟! فَكَتَبَ إِلَى الآفَاقِ بِتَرْكِهِ، فَكَانَتْ كُتُبُهُ نَحْوَ شِبْرٍ. قَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ: أَمَلَّ عَلَيَّ الحَسَنُ رِسَالَةً إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَبْلَغَ، ثُمَّ شَكَى الحَاجَةَ وَالعِيَالَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! لاَ تُهَجِّنِ الكِتَابَ بِالمَسْأَلَةِ، اكْتُبْ هَذَا فِي غَيْرِ ذَا. قَالَ: دَعْنَا مِنْكَ. فَأَمَرَ بِعَطَائِهِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، اكْتُبْ إِلَيْهِ فِي المَشُوْرَةِ، فَإِنَّ أَبَا قِلاَبَةَ قَالَ: كَانَ جِبْرِيْلُ يَنْزِلُ بِالوَحْيِ، فَمَا مَنَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ذَلِكَ أَنْ أَمَرَهُ اللهُ بِالمَشُوْرَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَكَتَبَ بِالمَشُوْرَةِ، فَأَبْلَغَ. رَوَاهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْهُ (2) . خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ رِسَالَةً، لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرِي وَغَيْرُ مَكْحُوْلٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِاليَسِيْرِ، وَمَنْ عَدَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيْمَا يَنْفَعُهُ، وَالسَّلاَمُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاقِبَ رَجُلاً، حَبَسَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ عَاقَبَهُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْجَلَ فِي أَوَّلِ غَضَبِهِ. مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُوَيْدٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ صَلَّى بِهِمُ   (1) في " اللسان " عن ابن سيده: الطامور والطومار: الصحيفة، قيل: هو دخيل، قال: وأراه عربيا محضا، لان سيبويه قد اعتد به في الابنية. (2) الخبر في تاريخ المولف 4 / 171، والزيادة منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 الجُمُعَةَ، ثُمَّ جَلَسَ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ مَرْقُوْعُ الجَيْبِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَاكَ، فَلَوْ لَبِسْتَ! فَقَالَ: أَفْضَلُ القَصْدِ عِنْدَ الجِدَةِ، وَأَفَضْلُ العَفْوِ عِنْدَ المَقْدِرَةِ (1) . قَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ نَفْسِي تَوَّاقَةٌ، وَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَلَمَّا أُعْطِيَتْ مَا لاَ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ -يَعْنِي: الجَنَّةَ-. قَالَ حَمَّادُ بنُ وَاقِدٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ عَنِّي زَاهِدٌ، إِنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الَّذِي أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَتَرَكَهَا. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامِ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: دَعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: كَمْ كَانَتْ غَلَّةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ حِيْنَ اسْتُخْلِفَ؟ قُلْتُ: خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: كَمْ كَانَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ؟ قُلْتُ: مائَتَا دِيْنَارٍ. وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ وَقَمِيْصُهُ وَسِخٌ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِهِ، وَهِيَ أُخْتُ مَسْلَمَةَ: اغْسِلُوْهُ. قَالَتْ: نَفْعَلُ. ثُمَّ عُدْتُ، فَإِذَا القَمِيْصُ عَلَى حَالِهِ، فَقُلْتُ لَهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا لَهُ قَمِيْصٌ غَيْرُهُ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ: كَانَتْ نَفَقَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، عَنْ عَوْنِ بنِ المُعْتَمِرِ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ لامْرَأَتِهِ: عِنْدَكِ دِرْهَمٌ أَشْتَرِي بِهِ عِنَباً؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: فَعِنْدَكِ فُلُوْسٌ؟ قَالَتْ: لاَ، أَنْتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ! قَالَ: هَذَا أَهْوَنُ   (1) الخبر في طبقات ابن سعد 5 / 402، وقد تصحفت فيه " الجدة " إلى " الحدة ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 مِنْ مُعَالَجَةِ الأَغْلاَلِ فِي جَهَنَّمَ. مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: كَانَ سِرَاجُ بَيْتِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ عَلَى ثَلاَثِ قَصَبَاتٍ، فَوْقَهُنَّ طِيْنٌ. عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَزْهَرَ - صَاحِبٌ لَهُ - قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَخْطُبُ بِخُنَاصِرَةَ (1) ، وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ. قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ، حَدَّثَنِي أَخِي عَمْرٌو: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَأْخُذُ قَضِيْبَهُ فِي يَدِهِ يَوْمَ العِيْدِ. وَقَالَ مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَدِمَ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخَضْرَانِ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ أَبِي السَّائِبِ: كَانَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ جُبَّةُ خَزٍّ غَبْرَاءُ، وَجُبَّةُ خَزٍّ صَفْرَاءُ، وَكِسَاءُ خَزٍّ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ: رَأَيْتَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَخْطُبُ الأُوْلَى جَالِساً، وَبِيَدِهِ عَصَا، قَدْ عَرَضَهَا عَلَى فَخِذِهِ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّهَا عصَا رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، سَكَتَ. ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ الثَّانِيَة مُتَوَكِّئاً عَلَيْهَا، فَإِذَا مَلَّ، لَمْ يَتَوَكَأْ، وَحَمَلَهَا حَمْلاً، فَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، وَضَعَهَا إِلَى جَنْبِهِ. وَفِي (الزُّهْد) لابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَشِيْطٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ نَافِعٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ،   (1) خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية، وقد ذكرها عدي بن الرقاع فقال: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه * فسقى خناصرة الاحص وجادها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 فَقَالَ: أَلاَ تُخْبِرِيْنِي عَنْ عُمَرَ؟ قَالَتْ: مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ وَلاَ احْتِلاَمٍ مُنْذُ اسْتُخْلِفَ. قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُهَاجِرٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ تُسْرَجُ عَلَيْهِ الشَّمْعَةُ مَا كَانَ فِي حَوَائِجِ المُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا فَرَغَ، أَطْفَأَهَا، وَأَسْرَجَ عَلَيْهِ سِرَاجَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: أُتِيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِعَنْبَرَةٍ، فَأَمْسَكَ عَلَى أَنْفِهِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَجِدَ رِيْحَهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهُ سَدَّ أَنْفَهُ، وَقَدْ أُحْضِرَ مِسْكٌ مِنَ الخَزَائِنِ. خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ ثَلاَثُ مائَةِ حَرَسِيٍّ وَثَلاَثُ مائَةِ شُرَطِيٍّ، فَشَهِدْتُهُ يَقُوْلُ لِحَرَسِهِ: إِنَّ لِي عَنْكُم بِالقَدَرِ حَاجِزاً، وَبِالأَجَلِ حَارِساً، مَنْ أَقَامَ مِنْكُم، فَلَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيْرَ، وَمَنْ شَاءَ، فَلْيَلْحَقْ بِأَهْلِهِ. عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ جَعْوَنَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ مَنْ قَبْلَكَ كَانَتِ الخِلاَفَةُ لَهُم زَيْناً، وَأَنْتَ زَيْنُ الخِلاَفَةِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ، قَالَ لِي رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ: مَا أَكْمَلَ مُرُوْءةَ أَبِيْكَ! سَمَرْتُ عِنْدَهُ، فَعَشِيَ السِّرَاجُ، وَإِلَى جَانِبِهِ وَصِيْفٌ نَامَ، قُلْتُ: أَلاَ أُنَبِّهُهُ؟ قَالَ: لاَ، دَعْهُ. قُلْتُ: أَنَا أَقُوْمُ. قَالَ: لاَ، لَيْسَ مِنْ مُرُوْءةِ الرَّجُلِ اسْتِخْدَامُهُ ضَيْفَهُ. فَقَامَ إِلَى بَطَّةِ (1) الزَّيْتِ، وَأَصْلَحَ السِّرَاجَ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: قُمْتُ وَأَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً. فَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ رَجَاءٍ   (1) البطة: الدبة بلغة أهل مكة، لأنها تعمل على شكل البطة من الحيوان، وهي إناء كالقارورة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 الرَّمْلِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ كَاتِبِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنْ كَثِيْرٍ مِنَ الكَلاَمِ مَخَافَةُ المُبَاهَاةِ. جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ بنِ حَكِيْمٍ، قَالَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ: أَنَّهُ يَكُوْنَ فِي النَّاسِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلاَةً وَصِيَاماً مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ فَرَقاً مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ، كَانَ إِذَا صَلَّى العِشَاءَ، قَعَدَ فِي مَسْجِدِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، ثُمَّ يَنْتَبِهُ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو رَافِعاً يَدَيْهِ يَبْكِي حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَعَ. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ هِشَامِ بنِ الغَازِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ: لَوْ حَلَفْتُ، لَصَدَقْتُ، مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ وَلاَ أَخَوْفَ للهِ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ النُّفَيْلِيُّ (1) : حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَكَانَ يَنْتَفِضُ أَبَداً، كَأَنَّ عَلَيْهِ حُزْنَ الخَلْقِ. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ الغَسَّانِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدِّثْنِي. فَحَدَّثَتْهُ، فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً، فَقُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ، لَحَدَّثْتُكَ أَلْيَنَ مِنْهُ. فَقَالَ: إِنَّا نَأْكُلُ العَدَسَ، وَهِيَ مَا عَلِمْتُ مُرِقَّةٌ لِلْقَلْبِ، مُغْزِرَةٌ لِلدَّمْعَةِ، مُذِلَّةٌ لِلْجَسَدِ. حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ: عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، جِيْءَ بِطَبِيْبٍ، فَقَالَ: بِهِ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ، غَلَبَ الخَوْفُ عَلَى قَلْبِهِ.   (1) هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وقد تحرف في المطبوع من تاريخ المؤلف 4 / 174 إلى " الرملي ". (2) هو إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في " الثقات " وتعقبه المؤلف في " ميزانه " في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي، فقال: والصواب: إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان، فلم يصب. قلت: وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل الذي أخرجه ابن حبان في " صحيحه " رقم (94) انفرد به عن أبيه عن جده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَجْمَعُ كُلَّ لَيْلَةٍ الفُقَهَاءَ، فَيَتَذَاكَرُوْنَ المَوْتَ وَالقِيَامَةَ وَالآخِرَةَ، وَيَبْكُوْنَ. وَقِيْلَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى رَجُلٍ: إِنَّكَ إِنِ اسْتَشْعَرْتَ ذِكْرَ المَوْتِ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، بَغَّضَ إِلَيْكَ كُلَّ فَانٍ، وَحَبَّبَ إِلَيْكَ كُلَّ بَاقٍ، وَالسَّلاَمُ. وَمِنْ شِعْرِهِ: مَنْ كَانَ حِيْنَ تُصِيْبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ ... أَوِ الغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْماً رَاغِماً جَدَثَا فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوْحِشَةٍ ... يُطِيْلُ فِي قَعْرِهَا تَحْتَ الثَّرَى اللَّبَثَا تَجَهَّزِي بِجِهَازٍ تَبْلُغِيْنَ بِهِ ... يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، اضْطَرَبَتْ أَوْصَالُهُ. وَمِمَّا رُوِيَ لَهُ: وَلاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ امْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ... مِنَ اللهِ فِي دَارِ القَرَارِ نَصِيْبُ فَإِنْ تُعْجِبِ الدُّنْيَا أُنَاساً فَإِنَّهَا ... مَتَاعٌ قَلِيْلٌ وَالزَّوَالُ قَرِيْبُ وَمِمَّا رُوِيَ لَهُ: أَيَقْظَانُ أَنْتَ اليَوْمَ؟ أَمْ أَنْتَ نَائِمُ؟ ... وَكَيْفَ يُطِيْقُ النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ؟ فَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الغَدَاةَ، لَخَرَّقَتْ ... مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوْعُ السَّوَاجِمُ تُسَرُّ بِمَا يَبْلَى، وَتَفْرَحُ بِالمُنَى ... كَمَا اغْتَرَّ بِاللَّذَاتِ فِي اليَوْمِ حَالِمُ نَهَارُكَ يَا مَغْرُوْرُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ وَسَعْيُكَ فِيْمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيْشُ البَهَائِمُ وَعَنْ وُهَيْبِ بنِ الوَرْدِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَتَمَثَّلُ كَثِيْراً بِهَذِهِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 يُرَى مُسْتَكِيْناً وَهْوَ لِلَّهْوِ مَاقِتٌ ... بِهِ عَنْ حَدِيْثِ القَوْمِ مَا هُوَ شَاغِلُهْ وَأَزْعَجَهُ عِلْمٌ عَنِ الجَهْلِ كُلِّهِ ... وَمَا عَالِمٌ شَيْئاً كَمَنْ هُوَ جَاهِلُهْ عَبُوْسٌ عَنِ الجُهَّالِ حِيْنَ يَرَاهُمُ ... فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُم خَدِيْنٌ يُهَازِلُهْ تَذَكَّرَ مَا يَبْقَى مِنَ العَيْشِ آجِلاً ... فَأَشْغَلَهُ عَنْ عَاجِلِ العَيْشِ آجِلُهْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ: سَمِعَ عُمَيْرَ بنَ هَانِئ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ رَأَى سِلْسِلَةً دُلِّيَتْ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَانْقَطَعَتْ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَصَلَ، ثُمَّ صَعِدَ، ثُمَّ جَاءَ الَّذِي رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، فَتَعَلَّقَ بِهَا، فَصَعِدَ، فَكَانَ خَامِسَهُم. قَالَ عُمَيْرٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هُوَ هُوَ، وَلَكِنَّهُ كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ. قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ عَلِيّاً، وَمَا أَمْكَنَ الرَّأْيُ يُفْصِحُ بِهِ؛ لِظُهُوْرِ النُّصْبِ (1) إِذْ ذَاكَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ، قَالَ: قِيْلَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَوْ جَعَلْتَ عَلَى طَعَامِكَ أَمِيْناً لاَ تُغْتَالَ، وَحَرَسِيّاً إِذَا صَلَّيْتَ، وَتَنَحَّ عَنِ الطَّاعُوْنِ. قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَافُ يَوْماً دُوْنَ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلاَ تُؤْمِنْ خَوْفِي. قَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ، قَالَ: لَقِيَنِي يَهُوْدِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ سَيَلِي. ثُمَّ لَقِيَنِي آخَرُ وِلاَيَةَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ سُقِيَ، فَمُرْهُ، فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ. فَأَعْلَمْتُ عُمَرَ، فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ مَا أَعْلَمَهُ! لَقَدْ عَلِمْتُ السَّاعَةَ الَّتِي سُقِيْتُ فِيْهَا، وَلَوْ كَانَ شِفَائِي أَنْ أَمْسَحَ شَحْمَةَ أُذُنِي، مَا فَعَلْتُ. وَقَدْ رَوَاهَا: أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ   (1) أي بغض أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال له: " إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " أخرجه مسلم في " صحيحه " (78) في الايمان: باب الدليل على أن حب الانصار وعليا رضي الله عنه من الايمان، والنسائي 8 / 114، وابن ماجه (114) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، بَدَلَ الوَلِيْدِ (1) . مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ مَعْرُوْفِ بنِ مُشْكَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا يَقُوْلُ فِيَّ النَّاسِ؟ قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ: مَسْحُوْرٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِمَسْحُوْرٍ. ثُمَّ دَعَا غُلاَماً لَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَقَيْتَنِي السُّمَّ؟ قَالَ: أَلْفُ دِيْنَارٍ أُعْطِيْتُهَا، وَعَلَى أَنْ أُعْتَقَ. قَالَ: هَاتِهَا. فَجَاءَ بِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ (2) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، قَالَ: اشْتَهَى عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ تُفَّاحاً، فَأَهْدَى لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ تُفَّاحاً، فَقَالَ: مَا أَطْيَبَ رِيْحَهُ وَأَحْسَنَهُ! وَقَالَ: ارْفَعْهُ يَا غُلاَمُ لِلَّذِي أَتَى بِهِ، وَأَقْرِ مَوْلاَكَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ هَدِيَّتَكَ وَقَعَتْ عِنْدَنَا بِحَيْثُ تُحِبُّ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ابْنُ عَمِّكَ، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، وَقَدْ بَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ. قَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّ الهَدِيَّةَ كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ اليَوْمَ لَنَا رَشْوَةٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ: مَا آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُوْكَ؟ فَقَالَ: كَانَ لَهُ مِنَ الوَلَدِ: أَنَا، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَاصِمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَكُنَّا أُغَيْلِمَةً، فَجِئْنَا كَالمُسَلِّمِيْنَ عَلَيْهِ، وَالمُوَدِّعِيْنَ لَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: تَرَكْتَ وَلَدَكَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ تُؤْوِهِمْ إِلَى أَحَدٍ! فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُعْطِيَهُم مَا لَيْسَ لَهُم، وَمَا كُنْتُ لآخُذَ مِنْهُم حَقّاً هُوَ لَهُم، وَإِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ فِيْهِم، الَّذِي يَتَوَلَّى الصَّالِحِيْنَ، إِنَّمَا هُمْ أَحَدُ   (1) وهذا سند رجاله ثقات، رواه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 605 عن أبي عمير (وقد تصحف في المطبوع إلى أبي عمر) واسمه عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن عمر بن أبي حملة، عن عمرو بن مهاجر. (2) رجال إسناد الخبر ثقات، وقد قال المؤلف في " تاريخه " 4 / 175 بعد أن أورد الخبر: قلت: كانت بنو أمية قد تبرمت بعمر، لكونه شدد عليهم، وانتزع كثيرا مما في أيديهم مما قد غصبوه، وكان قد أهمل التحرز، فسقوه السم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 رَجُلَيْنِ: صَالِحٌ، أَوْ فَاسِقٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ فِيْهِم خَالُهُم مَسْلَمَةُ. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: قِيْلَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَوْ أَتَيْتَ المَدِيْنَةَ، فَإِنْ قَضَى اللهُ مَوْتاً، دُفِنْتَ فِي مَوْضِعِ القَبْرِ الرَّابِعِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَاللهِ لأَنْ يُعَذِّبَنِي اللهُ بِغَيْرِ النَّارِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ قَلْبِي أَنِّي أُرَانِي لِذَلِكَ أَهْلاً (1) . وَرَوَى: ابْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، مِثْلَهُ. وَعَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي رُقَيَّةَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: أَجْلِسُوْنِي. فَأَجْلَسُوْهُ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي، فَقَصَّرْتُ، وَنَهَيْتَنِي، فَعَصَيْتُ - ثَلاَثاً - وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. ثُمَّ أَحَدَّ النَّظَرَ، وَقَالَ: إِنِّي لأَرَى خُضْرَةً مَا هُمْ بِإِنْسٍ وَلاَ جِنٍّ. ثُمَّ قُبِضَ. وَرَوَى نَحْوَهَا: أَبُو يَعْقُوْبَ الخَطَّابِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَقَالَ المُغِيْرَةُ بنُ حَكِيْمٍ: قُلْتُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ: كُنْتُ أَسْمَعُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي مَرَضِهِ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَخْفِ عَلَيْهِم أَمْرِي وَلَوْ سَاعَةً. قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: أَلاَ أَخْرُجُ عَنْكَ، فَإِنَّك لَمْ تَنَمْ. فَخَرَجْتُ، فَجَعَلْت أَسْمَعُهُ يَقُوْلُ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لاَ يُرِيْدُوْنَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ} [القَصَصُ: 83] مِرَاراً. ثُمَّ أَطْرَقَ، فَلَبِثْتُ طَوِيْلاً لاَ يُسْمَعُ لَهُ حِسٌّ، فَقُلْتُ لِوَصِيْفٍ: وَيْحَكَ! انْظُرْ. فَلَمَّا دَخَلَ، صَاحَ، فَدَخَلْتُ، فَوَجَدْتُهُ مَيِّتاً، قَدْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى القِبْلَةِ، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى فِيْهِ، وَالأُخْرَى عَلَى عَيْنَيْهِ. سَمِعَهَا (2) : جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، مِنْهُ.   (1) أخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 608 من طريق أبي النعمان، وابن سعد في " الطبقات " 5 / 404 من طريق عارم بن الفضل، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب، ورجاله ثقات. (2) في الأصل: " سمعنا " وهو تحريف، فقد جاء في تاريخ المصنف 4 / 175: جرير بن حازم حدثني المغيرة بن حكيم..وأورده أبو نعيم في " الحلية " 5 / 335 من طريق ابن إسحاق، عن أبي = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 عَنْ عُبَيْدِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: اخْرُجُوا عَنِّي. فَقَعَدَ مَسْلَمَةُ وَفَاطِمَةُ عَلَى البَابِ، فَسَمِعُوْهُ يَقُوْلُ: مَرْحَباً بِهَذِهِ الوُجُوْهِ، لَيْسَتْ بِوُجُوْهِ إِنْسٍ وَلاَ جَانٍّ، ثُمَّ تَلاَ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا ... } الآيَةَ، ثُمَّ هَدَأَ الصَّوْتُ. فَقَالَ مَسْلَمَةُ لِفَاطِمَةَ: قَدْ قُبِضَ صَاحِبُكِ. فَدَخَلُوا، فَوَجَدُوْهُ قَدْ قُبِضَ. هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ، قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبْكِي عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ أَرْبَعِيْنَ صَبَاحاً. وَقَالَ هِشَامٌ لَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ إِلَى الحَسَنِ، قَالَ: مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ: أَنَّ الوَفْدَ الَّذِيْنَ بَعَثَهُمْ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوْهُ إِلَى الإِسْلاَمِ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَهُ قُدُوْمُنَا، تَهَيَّأَ لَنَا، وَأَقَامَ البَطَارِقَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَالنَّسْطُوْرِيَّةَ وَاليَعْقُوْبِيَّةَ (1) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَانِي رَسُوْلُهُ: أَنْ أَجِبْ. فَرَكِبْتُ، وَمَضَيْتُ، فَإِذَا أُوْلَئِكَ قَدْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَإِذَا البَطَارِقَةُ قَدْ ذَهَبُوا، وَوَضَعَ التَّاجَ، وَنَزَلَ عَنِ السَّرِيْرِ، فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ. قُلْتُ: لاَ. قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ مَسْلَحَتِي كَتَبَ إِلَيَّ: أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ مَاتَ. قَالَ: فَبَكَيْتُ، وَاشْتَدَّ بُكَائِي، وَارْتَفَعَ صَوْتِي. فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيْكَ؟! أَلِنَفْسِكَ تَبْكِي، أَمْ لَهُ، أَمْ لأَهْلِ دِيْنِكَ؟ قُلْتُ: لِكُلٍّ أَبْكِي. قَالَ: فَابْكِ لِنَفْسِكَ، وَلأَهْلِ دِيْنِكَ،   = كريب عن ابن المبارك، عن جرير بن حازم (وقد تصحف فيها إلى جابر بن حازم) عن المغيرة بن حكيم، قال: حدثتني فاطمة. وهذا سند قوي وهو في " أخبار عمر " ص 83 للآجري. (1) النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الاناجيل بحكم رأيه، واليعقوبية: هم أصحاب يعقوب قالوا بالاقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الاله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو " الملل والنحل " 1 / 224، 228 للشهرستاني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 فَأَمَّا عُمَرُ، فَلاَ تَبْكِ لَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ عَلَيْهِ خَوْفَ الدُّنْيَا وَخَوْفَ الآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: مَا عَجِبْتُ لِهَذَا الرَّاهِبِ الَّذِي تَعَبَّدَ فِي صَوْمَعَتِهِ وَتَرَكَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ عَجِبْتُ لِمَنْ أَتَتْهُ الدُّنْيَا مُنْقَادَةً، حَتَّى صَارَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ صَالِحَ بنَ عَلِيٍّ الأَمِيْرَ سَأَلَ عَنْ قَبْرِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ، حَتَّى دُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: قَبْرَ الصِّدِّيْقِ تُرِيْدُوْنَ؟ هُوَ فِي تِلْكَ المَزْرَعَةِ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عِنْدَ المَوْتِ، فَدَعَا بِشَعْرٍ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَظْفَارٍ مِنْ أَظْفَارِهِ، فَقَالَ: اجْعَلُوْهُ فِي كَفَنِي (1) . وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كُنْ فِيْمَنْ يُغَسِّلُنِي، وَتَدْخُلُ قَبْرِي، فَإِذَا وَضَعْتُمُوْنِي فِي لَحْدِي، فَحُلَّ العُقَدَ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى وَجْهِي، فَإِنِّي قَدْ دَفَنْتُ ثَلاَثَةً مِنَ الخُلَفَاءِ، كُلُّهُم إِذَا أَنَا وَضَعْتُهُ فِي لَحْدِهِ حَلَلْتُ العُقَدَ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا وَجْهُهُ مُسْوَدٌّ إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ. قَالَ رَجَاءٌ: فَدَخَلْتُ القَبْرَ، وَحَلَلْتُ العُقَدَ، فَإِذَا وَجْهُهُ كَالقَرَاطِيْسِ فِي القِبْلَةِ. إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ، وَهِيَ فِي (طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ) (2) . وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ، عَنْ عَبَّادِ بنِ عُمَرَ الوَاشِحِيِّ المُؤَذِّنِ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ - وَكَانَ فَاضِلاً خَيِّراً - عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُسَوِّي التُّرَابَ عَلَى قَبْرِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، إِذْ سَقَطَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَقٍّ مِنَ السَّمَاءِ، فِيْهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَمَانٌ مِنَ اللهِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنَ النَّارِ.   (1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 5 / 406 رواه عن شيخه محمد بن عمر الواقدي، وهو على سعة علمه متروك كما في " التقريب ". (2) 5 / 407. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 قُلْتُ: مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ لَوْ تَمَّتْ، لَنَقَلَهَا أَهْلُ ذَاكَ الجَمْعِ، وَلَمَا انْفَرَدَ بِنَقْلِهَا مَجْهُوْلٌ، مَعَ أَنَّ قَلْبِي مُنْشَرِحٌ لِلشَّهَادَةِ لِعُمَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيْعَةَ، قَالَ: وَجَدُوا فِي بَعْضِ الكُتُبِ: تَقْتُلُهُ خَشْيَةُ اللهِ -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-. مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ اشْتَرَى مَوْضِعَ قَبْرِهِ قَبْل أَنْ يَمُوْتَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيْرَ. وَلِكُثَيِّرِ عَزَّةَ يَرْثِيْهِ: عَمَّتْ صَنَائِعُهُ، فَعَمَّ هَلاَكُهُ ... فَالنَّاسُ فِيْهِ كُلُّهُم مَأْجُوْرُ وَالنَّاسُ مَأْتَمُهُم عَلَيْهِ وَاحِدٌ ... فِي كُلِّ دَارٍ رَنَّةٌ وَزَفِيْرُ يُثْنِي عَلَيْكَ لِسَانُ مَنْ لَمْ تُوْلِهِ ... خَيْراً لأَنَّكَ بِالثَّنَاءِ جَدِيْرُ رَدَّتْ صَنَائِعُهُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ ... فَكَأَنَّهُ مِنْ نَشْرِهَا مَنْشُوْرُ رَوَى: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ مَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَةٍ، بِدَيْرِ سَمْعَانَ (1) مِنْ أَرْضِ حِمْصَ. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَرْضِ المَعَرَّةِ، وَلَكِنَّ المَعَرَّةَ كَانَتْ مِنْ أَعْمَالِ حِمْصَ هِيَ وَحَمَاةُ. وَعَاشَ: تِسْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً وَنِصْفاً. وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عَاصِمٍ: إِنَّهُ مَاتَ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَدُفِنَ بِدَيْرِ سَمْعَانَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ: وَكَانَ أَسْمَرَ، دَقِيْقَ الوَجْهِ، حَسَنَهُ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، بِجَبْهَتِهِ شَجَّةٌ.   (1) وقال الشريف الرضي في عمر بن عبد العزيز: يا ابن عبد العزيز لو بكت العيـ * ن فتى من أمية لبكيتك أنت أنقذتنا من السب والشت * م فلو أمكن الجزا لجزيتك دير سمعان لاعدتك العوادي * خير ميت من آل مروان ميتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: مَاتَ بِدَيْرِ سَمْعَانَ، مِنْ أَرْضِ حِمْصَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، لِعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً وَنِصْفٌ. وَقَالَ طَائِفَةٌ: فِي رَجَبٍ - لَمْ يَذْكُرُوا اليَوْمَ - وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ سَنَتَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّاماً. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الخَصِيُّ غُلاَمُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بِدِيْنَارَيْنِ إِلَى أَهْلِ الدَّيْرِ، فَقَالَ: إِنْ بِعْتُمُوْنِي مَوْضِعَ قَبْرِي، وَإِلاَّ تَحَوَّلْتُ عَنْكُم. قَالَ هِشَامُ بنُ الغَازِ: نَزَلْنَا مَنْزِلاً مَرْجِعَنَا مِنْ دَابِقَ، فَلَمَّا ارْتَحَلْنَا، مَضَى مَكْحُوْلٌ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَيْنَ يَذْهَبُ، فَسِرْنَا كَثِيْراً حَتَّى جَاءَ، فَقُلْنَا: أَيْنَ ذَهَبْتَ؟ قَالَ: أَتَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَنْزِلِ، فَدَعَوْتُ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ حَلَفْتُ مَا اسْتَثْنَيْتُ، مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَخَوْفَ للهِ وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا مِنْهُ. قَالَ الحَكَمُ بنُ عُمَرَ الرُّعَيْنِيُّ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ وَسَرَاوِيْلَ، وَكَانَ لاَ يُحْفِي شَارِبَهُ، وَرَأَيْتُهُ يَبْدَأُ بِالخُطْبَةِ قَبْلَ العِيْدَيْنِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي، وَشَهِدْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَتَبَ إِلَى أَصْحَابِ الطَّرْزِ: لاَ تَجْعَلُوا سُدَى الخَزِّ (1) إِلاَّ مِنْ قُطْنٍ، وَلاَ تَجْعَلُوا فِيْهِ إِبْرِيْسَمَ. وَصَلَّيْت مَعَهُ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ فِي كُلِّ سُوْرَةٍ يَقْرَؤُهَا (2) ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ الفَجْرَ، فَقَنَتَ   (1) قال ابن الأثير: الخز: ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة قد لبسها الصحابة والتابعون، والسدى بوزن الحصى: خلاف اللحمة، وهو ما مد طولا في النسج. (2) جاء في " نصب الراية 1 / 354 نقلا عن الحافظ ابن عبد الهادي: وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها، فباطل لا أصل له. قلت: وأخرج البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وأخرجه الترمذي (246) وعنده " القراءة " بدل الصلاه وزاد: عثمان، وأخرجه مسلم = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 قَبْلَ الرُّكُوْعِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْتِي العِيْدَيْنِ مَاشِياً، وَيَرْجِعُ مَاشِياً، وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَفَصُّهُ مِنْ فِضَّةٍ مُرَبَّعٌ. فَهَذِهِ الفَوَائِدُ مِنْ نُسْخَةِ خَالِدِ بنِ مِرْدَاسٍ، سَمِعَهَا مِنَ الحَكَمِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرَوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ وَهُوَ عَلَى المَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَةِ! إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الحُبِّ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيْثِ جَرِيْرٍ عَنْ سُهَيْلٍ، وَهُوَ: (إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً، دَعَا جِبْرِيْلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاَناً فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيْلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَناً، فَأَحِبُّوْهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوْضَعُ لَهُ القَبُوْلُ فِي الأَرْضِ (1)) . سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ حَيَّانَ بنَ   = (399) بلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. ورواه أحمد 3 / 264 والطحاوي 1 / 119، والدارقطني: 119، وقالوا فيه: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه ابن حبان في " صحيحه " وزاد: ويجهرون بالحمد لله رب العالمين، وفي لفظ للنسائي 2 / 135، وابن حبان: فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده ": " فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين " وفي لفظ للطبراني في " معجمه " وأبي نعيم في " الحلية " وابن خزيمة (498) والطحاوي 1 / 119: وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قال الزيلعي: ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح جمع. (1) أخرجه مسلم (2637) (158) في البر والصلة: باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 شُرَيْحٍ عَامِلَ مِصْرَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَدْ أَشْرَعُوا فِي الإِسْلاَمِ، وَكَسَرُوا الجِزْيَةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَاعِياً، وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِياً، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةَ أَشْرَعُوا فِي الإِسْلاَمِ، وَكَسَرُوا الجِزْيَةَ، فَاطْوِ كِتَابَكَ، وَأَقْبِلْ (1) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ ذَكَرَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنَ العَدْلِ وَالجَوْرِ، فَقَالَ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: إِنَّا -وَاللهِ- لاَ نَعِيْبُ أَبَانَا، وَلاَ نَضَعُ شَرَفَنَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَيْبٍ أَعْيَبُ مِمَّنْ عَابَهُ القُرْآنُ؟! قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً. قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ لُوْطِ بنِ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ الوُلاَةُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ قَبْلَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ يَشْتِمُوْنَ رَجُلاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَلَمَّا وَلِيَ هُوَ، أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ الخُزَاعِيُّ: وَلِيْتَ فَلَمْ تَشْتِمْ عَلِيّاً، وَلَمْ تُخِفْ ... بَرِيّاً، وَلَمْ تَتْبَعْ مَقَالَةَ مُجْرِمِ تَكَلَّمْتَ بِالحَقِّ المُبِيْنِ، وَإِنَّمَا ... تَبَيَّنُ آيَاتُ الهُدَى بِالتَّكَلُّمِ فَصَدَّقْتَ مَعْرُوْفَ الَّذِي قُلْتَ بِالَّذِي ... فَعَلْتَ، فَأَضْحَى رَاضِياً كُلُّ مُسْلِمِ لِجَرِيْرٍ: لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ، وَالأَقْدَارُ غَالِبَةٌ ... تَأْتِي رَوَاحاً وَتِبْيَاناً وَتَبْتَكِرُ رَدَدْتُ عَنْ عُمَرَ الخَيْرَاتِ مَصْرَعَهُ ... بِدَيْرِ سَمْعَانَ، لَكِنْ يَغْلِبُ القَدَرُ (2) وَلِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنَ الوَلَدِ: ابْنُهُ عَبْدُ المَلِكِ الَّذِي تُوُفِّيَ قَبْلَهُ، وَعَبْدُ   (1) رجاله ثقات. (2) لم أجدهما في المطبوع من ديوانه، وقد أوردهما الحافظ ابن كثير مع أربعة أبيات أخرى في " البداية " ونسبها لمحارب بن دثار الكوفي الفقيه الثقة المتوفى سنة ست عشرة ومئة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 اللهِ الَّذِي وَلِيَ العِرَاقَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الَّذِي وَلِيَ الحَرَمَيْنِ، وَعَاصِمٌ، وَحَفْصٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوْبُ، وَيَزِيْدُ، وَإِصْبَغٌ، وَالوَلِيْدُ، وَزَبَّانُ، وَآدَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ. فَأُمُّ إِبْرَاهِيْمَ كَلْبِيَّةٌ، وَسَائِرُهُم لِعَلاَّتٍ (1) . وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَةٍ: عَمُّهُ الأَمِيْرُ: 49 - مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ * أَمِيْرُ الجَزِيْرَةِ حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مَرْوَانُ الحِمَارُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَكَانَ مُفْرِطَ القُوَى، شَدِيْدَ البَأْسِ، مَوْصُوْفاً بِالشَّجَاعَةِ. كَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ المَلِكِ يَغْبِطُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَحْسُدُهُ، وَرُبَّمَا قَابَلَهُ بِمَا يَكْرَهُ، فَغَضِبَ، وَتَجَهَّزَ لِلرَّحِيْلِ إِلَى أَرْمِيْنِيَةَ، وَأَتَى يُوَدِّعُ أَخَاهُ الخَلِيْفَةَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَقَمْتَ، فَلَنْ تَرَى بَعْدَهَا مَا تَكْرَهُ. وَلَهُ: حُرُوْبٌ، وَمَصَافَّاتٌ (2) مَشْهُوْدَةٌ مَعَ نَصَارَى الرُّوْمِ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ. 50 - عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الخَلِيْفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ ** أَبُو الأَصْبَغِ الأُمَوِيُّ. وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَلِيَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، وَعَزَمَ أَبُوْهُ عَلَى خَلْعِ أَخِيْهِ سُلَيْمَانَ مِنْ وِلاَيَةِ العَهْدِ لِيُوَلِّيَ ابْنَهُ هَذَا، وَأَرَادَ عَلَى ذَلِكَ آلَهُ. فَامْتَنَعَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَالَ: لِسُلَيْمَانَ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ. فَغَضِبَ الوَلِيْدُ، وَطَيَّنَ عَلَى عُمَرَ، ثُمَّ فَتَحَ   (1) أولاد العلات: الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري 6 / 353، 354، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة مرفوعا " الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد ". (*) تاريخ خليفة: 325، ابن الأثير 5 / 70، تاريخ الإسلام 4 / 86، العبر 1 / 121، دول الإسلام 1 / 70، لسان الميزان 5 / 375، شذرات الذهب 1 / 121، فتوح البلدان للبلاذري 340. (2) المصاف: بالفتح وتشديد الفاء: جمع مصنف وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف (* *) تاريخ خليفة 305 و306 و311 و312، الطبري 6 / 454، ابن الأثير 4 / 555 و578 و582 و5 / 41 و91 و6 / 438، تاريخ الإسلام 4 / 146. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ، وَقَدْ ذَبُلَ، وَمَالَتْ عُنُقُهُ. وَقِيْلَ: خُنِقَ بِمِنْدِيْلٍ حَتَّى صَاحْتْ أُمُّ البَنِيْنَ أُخْتُ الوَلِيْدِ، فَلِذَلِكَ شَكَرَ سُلَيْمَانُ لِعُمَرَ، وَأَعْطَاهُ الخِلاَفَةَ مِنْ بَعْدِهِ. وَقَدْ حَجَّ عَبْدُ العَزِيْزِ بِالنَّاسِ، وَغَزَا الرُّوْمَ، وَكَانَ لَبِيْباً، عَاقِلاً، دَعَا إِلَى نَفْسِهِ بِالخِلاَفَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بَاسْتِخْلاَفِ خَالِهِ، سَكَنَ، وَدَخَلَ فِي الطَّاعَةِ. 51 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الأَمِيْرُ العَادلُ، أَبُو عُمَرَ العَدَوِيُّ، الخَطَّابِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ. وَلَهُ أَخَوَانِ: أَسِيْدٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ. وَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَمُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَمِقْسَمٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عُمَرُ وَزَيْدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَطَائِفَةٌ. آخِرُهُم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ. وَثَّقَهُ: ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ. رَوَى: المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ أَجَازَ عَامِلَهُ عَلَى الكُوْفَةِ عَبْدَ الحَمِيْدِ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. قُلْتُ: اتَّفَقَ مَوْتُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الخَطَّابِيِّ بِحَرَّانَ، فِي سَنَةِ نَيِّفَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، كَبِيْرُ القَدْرِ. 52 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ ** شَاعِرُ قُرَيْشٍ. وَاسْمُ جَدِّهِ: عُمَرُ بنُ المُغِيْرَةِ بنِ   (*) التاريخ الكبير 6 / 45، التاريخ الصغير 1 / 212، الجرح والتعديل 6 / 15، تهذيب الكمال: 769، تذهيب التهذيب 2 / 201 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 273، تهذيب التهذيب 6 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 222، العقد الفريد 4 / 436، 437، رغبة الآمل 4 / 437. (* *) الشعر والشعراء: 348، 352، الجرح والتعديل 6 / 119، الامالي 1 / 227 و2 / 14 و307، = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ. وَفَدَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَامْتَدَحَهُ، فَأَجَازَهُ بِمَالٍ جَزِيْلٍ؛ لِشَرَفِهِ، وَحُسْنِ نَظْمِهِ. وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. رَوَى عَنْهُ: مُصْعَبُ بنُ شَيْبَةَ، وَعَطَّافُ بنُ خَالِدٍ (1) . قِيْلَ: إِنَّهُ غَزَا البَحْرَ، فَاحْتَرَقَتْ سَفِيْنَتُهُم، وَاحْتَرَقَ. وَنَظْمُهُ: فَائِقٌ، سَائِرٌ، فَمِنْهُ: وَلَهُنَّ بِالبَيْتِ العَتِيْقِ لُبَانَةٌ ... وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُنَّ لَوْ يَتَكَلَّمُ لَوْ كَانَ حَيَّى مِثْلَهُنَّ ظَعَائِناً ... حَيَّى الحَطِيْمُ وُجُوْهَهُنَّ وَزَمْزَمُ 53 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلِيْفَةُ أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ * الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. اسْتُخْلِفَ بِعَهْدٍ عَقَدَهُ لَهُ أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ بَعْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَأُمُّهُ: هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ. وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ أَبْيَضَ، جَسِيْماً، جَمِيْلاً، مُدَوَّرَ الوَجْهِ، لَمْ يَتَكَهَّلْ. قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: أَقْبَلَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ إِلَى مَجْلِسِ مَكْحُوْلٍ، فَهَمَمْنَا أَنْ نُوَسِّعَ لَهُ، فَقَالَ: دَعُوْهُ يَتَعَلَّمِ التَّوَاضُعَ. ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ   = الاغاني 1 / 60، 248، الموشح: 201، زهر الآداب: 246، الكامل: 60 و137 و171 و252 و965 و986 و1004، وفيات الأعيان 3 / 436، تاريخ الإسلام 4 / 161، سرح العيون: 198، البداية 9 / 92، العقد الثمين 6 / 311، 329، شرح شواهد المغني 1 / 29، شذرات الذهب 1 / 101، خزانة الأدب 1 / 240. (1) قال المؤلف في " تاريخه " 4 / 161: وأخشى أن تكون رواية عطاف عنه منقطعة، فما أراه بقي إلى حدود العشرين ومائة، فإنه من طبقة جرير والفرزدق، وعبد الله بن قيس الرقيات. (*) تاريخ خليفة 9 / 278، تاريخ اليعقوبي 3 / 52، الطبري 7 / 21، ابن الأثير 5 / 120، تاريخ الإسلام 4 / 212، العبر 1 / 128، فوات الوفيات 4 / 322، البداية 9 / 231، شذرات الذهب 1 / 128. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 العَزِيْزِ، قَالَ يَزِيْدُ: سِيْرُوا بِسِيْرَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَتَى بِأَرْبَعِيْنَ شَيْخاً شَهِدُوا أَنَّ الخُلَفَاءَ مَا عَلَيْهِم حِسَابٌ وَلاَ عَذَابٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ المَاجِشُوْنِ، وَآخَرُ: إِنَّ يَزِيْد قَالَ: وَاللهِ مَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِأَحْوَجَ إِلَى اللهِ مِنِّي. فَأَقَامَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً يَسِيْرُ بِسِيْرَتِهِ، فَتَلَطَّفَتْ حَبَابَةُ، وَغَنَّتْهُ أَبْيَاتاً، فَقَالَ لِلْخَادِمِ: وَيْحَكَ! قُلْ لِصَاحِبِ الشُّرَطِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَهِيَ الَّتِي أَحَبَّ يَوْماً الخَلْوَةَ مَعَهَا، فَحَذَفَهَا بِعِنَبَةٍ، وَهِيَ تَضْحَكُ، فَوَقَعَتْ فِي فِيْهَا، فَشَرِقَتْ، فَمَاتَتْ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى أَرْوَحَتْ، وَاغْتَمَّ لَهَا، ثُمَّ زَارَ قَبْرَهَا، وَقَالَ: فَإِنْ تَسْلُ عَنْكِ النَّفْسُ أَوْ تَدَعِ الصِّبَى ... فَبِاليَأْسِ تَسْلُو عَنْكِ لاَ بِالتَّجَلُّدِ وَكُلُّ خَلِيْلٍ زَارَنِي فَهُوَ قَائِلٌ: ... مِنَ اجْلِكِ هَذَا هَامَةُ اليَوْمِ أَوْ غَدِ ثُمَّ رَجَعَ، فَمَا خَرَجَ إِلاَّ عَلَى النَّعْشِ. وَقِيْلَ: عَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. وَكَانَتْ بَدِيْعَةَ الحُسْنِ، مُجِيْدَةً لِلْغِنَاءِ، لاَمَهُ أَخُوْهُ مَسْلَمَةُ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا، وَتَرْكِهِ مَصَالِحَ المُسْلِمِيْنَ، فَمَا أَفَادَ.   (1) إن صح هذا الخبر، ولا إخاله يصح، فإن هؤلاء الشيوخ قد شهدوا زورا وبهتانا، ونقضوا الأحاديث الصحيحة المصرحة أن كل إنسان خليفة أو أميرا أو من عامة الناس سيسأل يوم القيامة عن كل تصرفاته وأعماله، ويحاسب من قبل ربه، ويجازى بما يستحق من نعيم أو عذاب، ففي البخاري 2 / 317 و13 / 100، ومسلم (1829) من حديث ابن عمر مرفوعا " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام راع ومسؤول عن رعيته..". وأخررج البخاري 13 / 112، ومسلم (1460) من حديث معقل بن يسار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وأخرج أبو داود (2948) والترمذي (1332) عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 4 / 93، 94، وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند أحمد 5 / 238، 239. وأخرج الترمذي (2419) والخطيب البغدادي في " اقتضاء العلم العمل " رقم (1) بسند صحيح عن أبي برزة الاسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه " وله شاهد من حديث معاذ عند الخطيب والبزار والطبراني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 وَكَانَ لاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، مَصْرُوْفَ الهِمَّةِ إِلَى اللَّهْوِ وَالغَوَانِي. قِيْلَ: مَشَى مَعَ جَارِيَةٍ فِي قُصُوْرِهِ بَعْدَ مَوْتِ حَبَابَةَ، فَقَالَتْ جَارِيَتُهُ: كَفَى حَزَناً بِالوَالِهِ الصَّبِّ أَنْ يَرَى ... مَنَازِلَ مَنْ يَهْوَى مُعَطَّلَةً قَفْرَا فَصَاحَ، وَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ. قِيْلَ: مَاتَ بِسَوَادِ الأُرْدُنِّ، وَمَرِضَ بِنَوْعٍ مِنَ السِّلِّ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَاتَ بِإِرْبِدَ. وَقَالُوا: مَاتَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ: أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ وَشَهْراً. وَعَهِدَ بِالخِلاَفَةِ إِلَى أَخِيْهِ هِشَامٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ ذَاكَ الفُوَيْسِقِ، وَخَلَّفَ أَحَدَ عَشَرَ ابْناً. 54 - كُثَيِّرُ عَزَّةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ الخُزَاعِيُّ * مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ أَبُو صَخْرٍ كُثَيِّرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ الخُزَاعِيُّ، المَدَنِيُّ. امْتَدَحَ عَبْدَ المَلِكِ وَالكِبَارَ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ شِيْعِيّاً، يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ الأَرْوَاحِ، وَكَانَ خَشَبِيّاً (1) ، يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، وَكَانَ قَدْ تَتَيَّمَ بِعَزَّةَ، وَشَبَّبَ بِهَا، وَبَعْضُهُم يُقَدِّمُهُ عَلَى الفَرَزْدَقِ وَالكِبَارِ. وَمَاتَ هُوَ وَعِكْرِمَةُ: فِي يَوْمٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.   طبقات ابن سلام: 457، الشعر والشعراء: 410، الاغاني 8 / 25، المؤتلف والمختلف: 169، الموشح: 143، معجم الشعراء: 250، اللآلي: 61، شرح ديوان الحماسة 3 / 140، وفيات الأعيان 4 / 106، تاريخ الإسلام 4 / 186، عيون الاخبار 2 / 144، شرح شواهد المغني 1 / 131، معاهد التنصيص 2 / 36، تزيين الاسواق 1 / 43، شذرات الذهب 1 / 131، خزانة الأدب 2 / 381. (1) انظر في تعريف الخشبية " شرح القاموس 1 / 234 "، وقوله يؤمن بالرجعة، أي رجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا، كذا قال المؤلف، والمعروف أن كثيرا هو على مذهب الكيسانية الذين ادعو حياة محمد بن الحنفية ولم يصدقوا بموته، وأنه سيعود بعد الغيبة، وأبياته التالية شاهدة بذلك: ألا إن الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه * هم الاسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ التَّابِعِيْنَ 55 - مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ بنِ إِيَاسِ بنِ هِلاَلٍ المُزَنِيُّ * (ع) ابْنِ رِئَابٍ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الثَّبْتُ، أَبُو إِيَاسٍ المُزَنِيُّ، البَصْرِيُّ، وَالِدُ القَاضِي إِيَاسٍ. حَدَّثَ عَنْ: وَالِدِهِ. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ - إِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُ - وَابْنِ عُمَرَ، وَمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِدِ بنِ عَمْرٍو المُزَنِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْ: عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَهْمَسٍ صَاحِبِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِيَاسٌ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ، وَقَتَادَةُ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُشَيْرٍ، وَمُعَلَّى بنُ زِيَادٍ، وَخَالِدُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَبِسْطَامُ بنُ مُسْلِمٍ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَشُعْبَةُ، وَالقَاسِمُ الحُدَّانِيُّ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَحَمَّادُ بنُ يَحْيَى الأَبَحُّ،   = وسبط لا يذوق الموت حتى * يقود الخيل يقدمها اللواء تغيب لا يرى فيهم زمانا * برضوى عنده عسل وماء انظر " مقالات الإسلاميين " 1 / 92، 93 و" الفرق بين الفرق " ص 28، 29 للبغدادي، و" الملل والنحل " 2 / 150 للشهرستاني و" تاريخ الإسلام " 1 / 405 للدكتور حسن إبراهيم حسن. ونقل المؤلف في " تاريخه " 4 / 188 عن الزبير بن بكار قول عمر بن عبد العزيز: إني لاعرف صلاح بني هاشم وفسادهم بحب كثير، فمن أحبه منهم، فهو فاسد، ومن أبغضه منهم، فهو صالح، لأنه كان خشبيا يؤمن بالرجعة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 221، طبقات خليفة: 207، تاريخ خليفة: 257، تاريخ البخاري 7 / 330، الجرح والتعديل 8 / 278، 379، تهذيب الكمال: 1346، تذهيب التهذيب 4 / 52 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 304، تهذيب التهذيب 10 / 216، خلاصة تذهيب الكمال: 382. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 وَأَبُو عَوَانَةَ، وَحَفِيْدُهُ؛ المُسْتَنِيْرُ بنُ أَخْضَرَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى إِنَّ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ رَوَى عَنْهُ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ. رَوَى: مَطَرٌ الأَعْنَقُ (1) ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: لَقِيْتُ كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُم مِنْ مُزَيْنَةَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ رَجُلاً. وَرَوَى: أَبُو طَلْحَةَ شَدَّادُ بنُ سَعِيْدٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ مَنْ طَعَنَ أَوْ طُعِنَ، أَوْ ضَرَبَ أَوْ ضُرِبَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ تَمَّامُ بنُ نَجِيْحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَوْ خَرَجُوا فِيْكُمُ اليَوْمَ، مَا عَرَفُوا شَيْئاً مِمَّا أَنْتُم فِيْهِ إِلاَّ الأَذَانَ. حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الأَسْوَدُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ قُرَّةَ قَالَ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ بَكَّاءٍ بِاللَّيْلِ، بَسَّامٍ بِالنَّهَارِ. وَرَوَى: عَوْنُ بنُ مُوْسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: بُكَاءُ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بُكَاءِ العَيْنِ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: لاَ تُجَالِسْ بِعِلْمِكَ السُّفَهَاءَ، وَلاَ تُجَالِسْ بِسَفَهِكَ العُلَمَاءَ. أَسَدُ بنُ مُوْسَى: عَنْ عَوْنِ بنِ مُوْسَى: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ قُرَّةَ يَقُوْلُ: لأَنْ لاَ يَكُوْنَ فِيَّ نِفَاقٌ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ، وَآمَنُهُ أَنَا؟! قِيْلَ: مَوْلِدُ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ الجَمَلِ.   (1) هو مطر بن عبد الرحمن العبدي الاعنق أبو عبد الرحمن البصري من رجال " التهذيب ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ هُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. ابْنُهُ: 56 - إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ أَبُو وَاثِلَةَ المُزَنِيُّ * قَاضِي البَصْرَةِ، العَلاَّمَةُ، أَبُو وَاثِلَةَ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. وَعَنْهُ: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الضَّائِعُ (1) ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، وَالدَّهَاءِ، وَالسُّؤْدُدِ، وَالعَقْلِ. قَلَّمَا رُوِيَ عَنْهُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. لَهُ شَيْءٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) . وَاسْتَوْعَبَ شَيْخُنَا المِزِّيُّ أَخْبَارَهُ فِي (تَهْذِيْبِهِ) ، وَابْنُ عَسَاكِرَ قَبْلَهُ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، كَهْلاً. 57 - مَكْحُوْلٌ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ ** (م، 4) عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ. يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: أَبُو أَيُّوْبَ. وَقِيْلَ: أَبُو مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ، وَدَارُهُ بِطَرَفِ سُوْقِ الأَحَدِ.   (*) طبقات خليفة 212، المعارف لابن قتيبة: 467، ثمار القلوب: 72، حليه الأولياء 3 / 123، الشريشي 1 / 113، وفيات الأعيان 1 / 247، 250، ميزان الاعتدال 1 / 283، البداية 9 / 334، شذرات الذهب 1 / 160، تهذيب ابن عساكر 3 / 178، 188. (1) ويلقب أيضا بالضال، وليس بضال في الدين، بل هو ثقة من عقلاء أهل البصرة، وإنما قيل له ذلك، لأنه ضل طريق مكة كما ذكره السمعاني والازدي. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 453، طبقات خليفة: 310، تاريخ خليفة: 345، التاريخ الكبير 8 / 21، التاريخ الصغير 2 / 272، الجرح والتعديل 8 / 407، حلية الأولياء 5 / 177، طبقات الشيرازي: 75، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 113، 114، وفيات الأعيان 5 / 280، تهذيب الكمال: 1368، تذهيب التهذيب 4 / 67، تاريخ الإسلام 5 / 3، تذكرة الحفاظ 1 / 107، العبر 1 / 140، البداية 9 / 305، تهذيب التهذيب 10 / 289، النجوم الزاهرة 1 / 272، طبقات الحفاظ: 42، حسن المحاضرة 1 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 386. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 أَرْسَلَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَادِيْثَ. وَأَرْسَلَ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُدْرِكْهُم؛ كَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَثَوْبَانَ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، وَأَبِي جَنْدَلٍ بنِ سُهَيْلٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، وَأُمِّ أَيْمَنَ، وَعَائِشَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: طَائِفَةٍ مِنْ قُدَمَاءِ التَّابِعِيْنَ، مَا أَحْسِبُهُ لَقِيَهُم؛ كَأَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَمَسْرُوْقٍ، وَمَالِكِ بنِ يَخَامِرَ. وَحَدَّثَ عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَشُرَحْبِيْلَ بنِ السِّمْطِ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَيْرِيْزٍ، وَجُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَطَاوُوْسٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، وَأَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، وَوَقَّاصِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَكُرَيْبٍ، وَغُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، وَعَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ - وَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَقِيَهُ - وَأَبِي سَلاَّمٍ الأَسْوَدِ، وَأَبِي الشِّمَالِ بنِ ضَبَابٍ، وَأَبِي مُرَّةَ الطَّائِفِيِّ، وَقَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، وَقَزَعَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَنَحْوِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَعَامِرٌ الأَحْوَلُ، وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَبَحِيْرُ بنُ سَعِيْدٍ، وَثَابِتُ بنُ ثَوْبَانَ، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَتَمِيْمُ بنُ عَطِيَّةَ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ، وَعَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ حَبِيْبٍ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 حَمَلَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم، ذَكَرَهُمْ صَاحِبُ (التَّهْذِيْبِ) شَيْخُنَا، وَذَكَرَ فِيْهِم: الهَيْثَمَ بنَ حُمَيْدٍ، فَوَهِمَ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْ أَصْحَابِ مَكْحُوْلٍ، وَكَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِ وَيَدْرِيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَلاَءِ مَكْحُوْلٍ: فَقِيْلَ: مَوْلَى امْرَأَةٍ هُذَلِيَّةٍ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيْلَ: مَوْلَى امْرَأَةٍ أُمَوِيَّةٍ. وَقِيْلَ: كَانَ لِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، فَوَهَبَهُ لِلْهُذَلِيَّةِ، فَأَعْتَقَتْهُ، وَكَانَ نُوْبِيّاً. وَقِيْلَ: مَنْ سَبْيِ كَابُلَ (1) . وَقِيْلَ: مِنَ الأَبْنَاءِ (2) ، وَلَمْ يُمَلَّكْ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. وَقِيْلَ: أَصْلُهُ مِنْ هَرَاةَ، وَهُوَ: مَكْحُوْلُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ شَهْرَابَ بنِ شَاذِلَ بنِ سَنَدَ بنِ شُرْوَانَ بنِ يَزْدَكَ بنِ يَغُوْثَ بنِ كِسْرَى، وَأَنَّ مَكْحُوْلاً سُبِيَ مِنْ كَابُلَ. عِدَادُهُ فِي أَوْسَاطِ التَّابِعِيْنَ، مِنْ أَقْرَانِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَنْبَسَةَ. وَسُئِلَ أَبُو مُسْهِرٍ: هَلْ سَمِعَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ قَالَ: سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فَقُلْتُ لأَبِي مُسْهِرٍ: هَلْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِت إِلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: فَوَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ؟ قَالَ: مَنْ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو الأَزْهَرِ عَلَى وَاثِلَةَ، فَكَأَنَّهُ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ (3) . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ العَلاَءِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى   (1) من ثغور خراسان، وهي اليوم عاصمة أفغانستان، وتقع في شمال شرقي البلاد على نهر كابل. (2) الابناء: لفظ يطلق على كل من ولد باليمن من أبناء الفرس الذين وجههم كسرى مع سيف بن ذي يزن. (3) الجرح والتعديل 8 / 408. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ. وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: سَمِعَ مِنْ: وَاثِلَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هِنْدٍ. يُقَالُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَى هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ. يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: طُفْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ العِلْمِ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْهُ عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، لاَ عَلَى حَقِيْقَتِهِ. أَبُو وَهْبٍ الكَلاَعِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدٍ، فِيْمَا رَوَاهُ: يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، عَنْهُ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: عُتِقْتُ بِمِصْرَ، فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْماً إِلاَّ احْتَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيْمَا أَرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ العِرَاقَ، فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْماً إِلاَّ احْتَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيْمَا أَرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْماً إِلاَّ احْتَوَيْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّامَ، فَغَرْبَلْتُهَا، كُلُّ ذَلِكَ أَسْأَلُ عَنِ النَّفَلِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُخْبِرُنِي عَنْهُ، حَتَّى مَرَرْتُ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ يُقَالُ لَهُ: زِيَادُ بنُ جَارِيَةَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ، فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي حَبِيْبُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَلَ فِي البُدَاءةِ الرُّبُعَ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ (1) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ العَلاَءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: العُلَمَاءُ أَرْبَعَةٌ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بِالمَدِيْنَةِ، وَالشَّعْبِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَالحَسَنُ بِالبَصْرَةِ، وَمَكْحُوْلٌ بِالشَّامِ.   (1) أخرجه أبو داود (2750) في الجهاد: باب فيمن قال: الخمس قبل النفل، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1672) وفي الباب عن عبادة بن الصامت أخرجه أحمد 5 / 319، 320، وابن ماجه (2852) والترمذي (1561) وحسنه. قال الخطابي: البداءة: ابتداء السفر للغزو، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر، فإذا أوقعت بطائفة من العدو، فما غنموا، كان لهم فيه الربع، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه، فإنه قفلوا من الغزاة، ثم رجعوا، فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث، لان نهوضهم بعد القفل أشق، لكون العدو على حذر وحزم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى يَقُوْلُ: إِذَا جَاءنَا العِلْمُ مِنَ الحِجَازِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَبِلْنَاهُ، وَإِذَا جَاءنَا مِنَ الشَّامِ عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَبِلْنَاهُ، وَإِذَا جَاءنَا مِنَ الجَزِيْرَةِ عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَبِلْنَاهُ، وَإِذَا جَاءنَا مِنَ العِرَاقِ عَنِ الحَسَنِ، قَبِلْنَاهُ، هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ عُلَمَاءُ النَّاسِ فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ. وَرَوَى: مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: كَانَ مَكْحُوْلٌ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، مَكْحُوْلٌ أَفْقَهُ أَهْلِ الشَّامِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ: كَانَ مَكْحُوْلٌ رَجُلاً أَعْجَمِياً لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَقُوْلَ: قُلْ، يَقُوْلُ: كُل، فَكُلُّ مَا قَالَ بِالشَّامِ قُبِلَ مِنْهُ. وَرَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ مَكْحُوْلٍ أَبْصَرَ بِالفُتْيَا مِنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: مَكْحُوْلٌ إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، يَرَى القَدَرَ. وَرَوَى: مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَداً مِنَ التَّابِعِيْنَ تَكَلَّمَ فِي القَدَرِ إِلاَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: الحَسَنُ، وَمَكْحُوْلٌ، فَكَشَفْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ بَاطِلٌ. قُلْتُ: يَعْنِي: رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا بِالشَّامِ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْ مَكْحُوْلٍ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: ذُكِرَ أَنَّ مَكْحُوْلاً مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. وَيُقَالُ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ مِصْرِيٌّ، فَأَعْتَقَهُ، فَسَكَنَ الشَّامَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الفُرْسِ مِنَ السَّبْيِ الَّذِيْنَ سُبُوا مِنْ فَارِسٍ، وَيُكْنَى: أَبَا مُسْلِمٍ. وَكَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، وَرَأَى: أَبَا أُمَامَةَ، وَأَنَساً، وَسَمِعَ: وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ. وَفَاتُهُ مُخْتَلَفٌ فِيْهَا: فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَدُحَيْمٌ، وَجَمَاعَةٌ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مَرَّةً: بَعْدَ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 وَقَالَ مَرَّةً: أَوْ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ، وَآخَرُ: سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَهَذَا بَعِيْدٌ. أَمَّا: 58 - مَكْحُوْلٌ الأَزْدِيُّ البَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ * فَرَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ. وَعَنْهُ: عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، وَهَارُوْنُ بنُ مُوْسَى النَّحْوِيُّ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: لَهُ فِي (الأَدَبِ) لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُكَ اللهُ إِنْ كُنْتَ حَمِدْتَ اللهَ (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، صَالِحُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ   (*) تاريخ البخاري 8 / 22، الجرح والتعديل 8 / 407، تهذيب الكمال: 1369، تذهيب التهذيب 4 / 68 / 2، تهذيب التهذيب 10 / 293، خلاصة تهذيب الكمال: 387. (1) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (936) من طريق عارم، حدثنا عمارة بن زاذان، قال: حدثني مكحول الأزدي قال:..وعمارة بن زاذان صدوق كثير الخطأ، وباقي رجاله ثقات. وإلى هنا انتهى المؤلف من ترجمه مكحول الأزدي العارضة ثم عاد إلى ترجمة مكحول الشامي. (2) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 2 / 132 و153، والترمذي (3531) في الدعوات، وابن ماجه (4253) في الزهد، وصححه ابن حبان (2449) والحاكم 4 / 257، ووافقه المؤلف في مختصره. وقوله: ما لم يغرغر أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فتكون بمنزلة الشئ يتغرغر به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. وَعِنْدَ القَزْوِيْنِيِّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَلَمْ يَصْنَع شَيْئاً، صَوَابُهُ: ابْنُ عُمَرَ. قَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَكْحُوْلٌ رَأَى أَبَا هِنْدٍ الدَّارِيَّ وَوَاثِلَةَ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: وَاثِلَةَ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَنَسٍ. وَخَطَّأَ مَنْ رَوَى: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: رَوَى مَكْحُوْلٌ عَنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْمَعْ عَنْهُم. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: قَالَ لِي مَكْحُوْلٌ: عَامَّةُ مَا أُحَدِّثُكَ فَعَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ تَمِيْمُ بنُ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: اخْتَلَفْتُ إِلَى شُرَيْحٍ سِتَّة أَشْهُرٍ أَسْمَعُ مَا يَقْضِي بِهِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: قَالَ مَكْحُوْلٌ: مَا اسْتَوْدَعْتُ صَدْرِي شَيْئاً سَمِعْتُهُ، إِلاَّ وَجَدْتُهُ حِيْنَ أُرِيْدُ. ثُمَّ قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ مَكْحُوْلٌ أَفْقَهَ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، لاَ يُجِيْبُ حَتَّى يَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، هَذَا رَأْيٌ، وَالرَّأْيُ يُخْطِئُ وَيُصِيْبُ. قَالَ تَمِيْمُ بنُ عَطِيَّةَ العَبْسِيُّ: كَثِيْراً مَا كَانَ مَكْحُوْلٌ يُسْأَلُ، فَيَقُوْلُ: نَدَانَمْ -يَعْنِي: لاَ أَدْرِي-. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَحَدٌ أَحْسَنَ سَمْتاً فِي العِبَادَةِ مِنْ مَكْحُوْلٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ الدِّمَشْقِيُّ، القَصِيْرُ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ، تَابِعِيٌّ صَغِيْرٌ. يَرْوِي عَنْ: أَنَسٍ، وَعِدَّةٍ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ مَكْحُوْلٍ: لأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلِيَ القَضَاءَ، وَلأَنْ أَلِيَ القَضَاءَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلِيَ بَيْتَ المَالِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 وَرَوَى: الأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدٌ، عَنْهُ، قَالَ: إِنْ يَكُنْ فِي مُخَالَطَةِ النَّاسِ خَيْرٌ، فَالعُزْلَةُ أَسْلَمُ. أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَكْحُوْلٍ، فَقَالَ: بِأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم، وَقَدْ زَهَّدَكُم فِي أَمْرٍ، فَرَغِبْتُم فِيْهِ، وَرَغَّبَكُم فِي أَمْرٍ، فَزَهِدْتُم فِيْهِ؟ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنْ سَعِيْدٍ: أَنَّ مَكْحُوْلاً أُعْطِيَ مَرَّةً عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَكَانَ يُعْطِي الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً ثَمَنَ الفَرَسِ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ إِلَى مَكْحُوْلٍ فِي أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأْيْنَاهُ هَمَمْنَا بِالتَّوْسِعَةِ لَهُ، فَقَالَ مَكْحُوْلٌ: دَعُوْهُ يَجْلِسْ حَيْثُ أَدْرَكَ، يَتَعَلَّمِ التَّوَاضُعَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانُوا يُؤَخِّرُوْنَ الصَّلاَةَ زَمَنَ الوَلِيْدِ، وَيَسْتَحْلِفُوْنَ النَّاسَ: أَنَّهُم مَا صَلَّوْا. فَأَتَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زَكَرِيَّا، فَاسْتُحْلِفَ: مَا صَلَّى، فَحَلَفَ. وَأَتَى مَكْحُوْلٌ، فَقَالَ: فَلِمَ جِئْنَا إِذاً؟ قَالَ: فَتُرِكَ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ المَدِيْنِيُّ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى الشَّامِ: أَنِ انْظُرُوا الأَحَادِيْثَ الَّتِي رَوَاهَا مَكْحُوْلٌ فِي الدِّيَاتِ، فَأَحْرِقُوْهَا. فَأُحْرِقَتْ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ الزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، يَقُوْلاَنِ: أَمِرُّوا هَذِهِ الأَحَادِيْثَ كَمَا جَاءتْ. وَقَالَ ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ يَلْعَنُ أَحَداً إِلاَّ رَجُلَيْنِ: يَزِيْدَ بنَ المُهَلَّبِ، وَمَكْحُوْلاً. قُلْتُ: أَظُنُّهُ لأَجْلِ القَدَرِ. ضَمْرَةُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ حَمَلَةَ، قَالَ: كُنَّا عَلَى سَاقِيَةٍ بِأَرْضِ الرُّوْمِ، وَالنَّاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 يَمُرُّوْنَ، وَذَلِكَ فِي الغَلَسِ، وَرَجُلٌ يَقُصُّ، فَدَعَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا رِزْقاً طَيِّباً، وَاسْتَعْمِلْنَا صَالِحاً. فَقَالَ مَكْحُوْلٌ، وَهُوَ فِي القَوْمِ: إِنَّ اللهَ لاَ يَرْزُقُ إِلاَّ طَيِّباً. وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَعَدِيُّ بنُ عَدِيٍّ نَاحِيَةً، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيْلَ لِمَكْحُوْلٍ: إِنَّ رَجَاءً وَعَدِيّاً سَمِعَاكَ. فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ: أَنَا أَكْفِيْكَ رَجَاءً. فَلَمَّا نَزَلُوا، جَاءَ ابْنُ زَيْدٍ، فَأَجْرَى ذِكْرَ مَكْحُوْلٍ. فَقَالَ رَجَاءٌ: دَعْهُ عَنْكَ، أَلَيْسَ هُوَ صَاحِبُ الكَلِمَةِ؟ فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ - رَحِمَكَ اللهُ - فِي رَجُلٍ قَتَلَ يَهُوْدِياً، فَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَكَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ: أَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ إِيَّاهُ؟ فَقَالَ رَجَاءٌ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمَلَةَ لِمَكْحُوْلٍ: يُجَالِسُكَ غَيْلاَنُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا لَنَا مَجْلِسٌ، فَلاَ أَسْتطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لِهَذَا: قُمْ، وَلِهَذَا: اجْلِسْ. وَقَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ رَجَاءٍ، قَالَ: جَاءَ مَكْحُوْلٌ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: يَا أَبَا المِقْدَامِ، إِنَّهُم يُرِيْدُوْنَ دَمِي. قَالَ: قَدْ حَذَّرْتُكَ القُرَشِيِّيْنَ، وَمُجَالَسَتَهُم، وَلَكِنَّهُم أَدْنَوْكَ، وَقَرَّبُوْكَ، فَحَدَّثْتَهُم بِأَحَادِيْثَ، فَلَمَّا أَفْشَوْهَا عَنْكَ، كَرِهْتَهَا. فَرَاحَ، فَجَاءَ الَّذِيْنَ يَعِيْبُوْنَهُ، فَذَكَرُوْهُ. فَقَالَ أَبِي: دَعُوْهُ، فَقَدْ كُنْتُم حَدِيْثاً وَأَنْتُم تُحْسِنُوْنَ ذِكْرَهُ. قَالَ رَجَاءٌ: قَالَ مَكْحُوْلٌ: مَا زِلْتُ مُسْتَقِلاًّ بِمَنْ بَغَانِي حَتَّى أَعَانَهُم عَلَيَّ رَجَاءٌ (1) ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَجُلُ أَهْلِ الشَّامِ فِي أَنْفُسِهِم. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَكْحُوْلٌ يَقُوْلُهُ -يَعْنِي: القَدَرَ- وَبَلَغَنَا أَنَّ مَكْحُوْلاً   (1) مضى النص في ترجمة رجاء من هذا الكتاب بلفظ " ما زلت مضطلعا على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة " وعلق المصنف رحمه الله عليه بقوله: قلت: كان ما بينهما فاسدا، وما زال الاقران ينال بعضهم من بعض، ومكحول ورجاء إمامان، فلا يلتفت إلى قول أحد منهما في الآخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 تَنَصَّلَ مِنَ القَدَرِ، فَرَضِيَ عَنْهُ الدَّوْلَةُ، وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يُبَرِّئُهُ مِنَ القَدَرِ. 59 - قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو عَمْرٍو الجَدَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو الجَدَلِيُّ، الكُوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ بنُ عَائِذٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو العُمَيْسِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُرْجِئاً. أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: مَا رَفَعَ قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا؛ تَعْظِيْماً للهِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَفَعُ الرَّأْسِ إِلَى السَّمَاءِ يَلْزَمُ المُسْلِمَ لِيَعْرِفَ مَوَاقِيْتَ الصَّلاَةِ، وَالنُّجُوْمَ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 60 - سَعِيْدُ بنُ الحَارِثِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ المُعَلَّى الأَنْصَارِيُّ ** (ع) الفَقِيْهُ، قَاضِي المَدِيْنَةِ. حَدَّثَ عَنْ:   (*) طبقات ابن سعد 6 / 317، طبقات خليفة: 160، التاريخ الصغير 1 / 303، التاريخ الكبير 5 / 154، تاريخ الفسوي 1 / 422 و563، الجرح والتعديل 7 / 103، تهذيب الكمال: 1139، تذهيب التهذيب 3 / 166 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 297، تهذيب التهذيب 8 / 403، خلاصة تذهيب الكمال: 318. (* *) التاريخ الكبير 3 / 463، الجرح والتعديل 4 / 12، تهذيب الكمال: 485، تذهيب التهذيب 2 / 16 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 78، تهذيب التهذيب 4 / 15، خلاصة تذهيب الكمال: 136. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. مُجْمَعٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ. مَاتَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ. 61 - عَمْرُو بنُ شُعَيْبِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّهْمِيُّ * (4) ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ. الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، السَّهْمِيُّ، الحِجَازِيُّ، فَقِيْهُ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَمُحَدِّثُهُم، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ كَثِيْراً إِلَى مَكَّةَ، وَيَنْشُرُ العِلْمَ، وَلَهُ مَالٌ بِالطَّائِفِ. وَأُمُّهُ: حَبِيْبَةُ بِنْتُ مُرَّةَ الجُمَحِيَّةُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ - فَأَكْثَرَ -. وَعَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَطَاوُوْسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَعَمْرِو بنِ الشَّرِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ سُفْيَانَ، وَالزُّهْرِيِّ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَطَائِفَة. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ - وَلَهُمَا صُحْبَةٌ -. وَعَنْ: عَمَّتِهِ؛ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أُمِّ كُرْزٍ الخُزَاعِيَّةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - شَيْخُهُ - وَعَمْرُو بنُ   (*) طبقات خليفة: 286، تاريخ خليفة: 349، التاريخ الكبير 6 / 342، الجرح والتعديل 6 / 238، المغني في الضعفاء 2 / 484، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 28، 29، تهذيب الكمال: 1037، تذهيب التهذيب 3 / 101 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 285، ميزان الاعتدال 3 / 263، العبر 1 / 148، العقد الثمين 6 / 396، تهذيب التهذيب 8 / 41، لسان الميزان 7 / 325، خلاصة تذهيب الكمال: 290، شذرات الذهب 1 / 155. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 دِيْنَارٍ، وَمَكْحُوْلٌ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَوَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ طَاوُوْسٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَحَبِيْبٌ المُعَلِّمُ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَعَامِرٌ الأَحْوَلُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَالعَلاَءُ بنُ الحَارِثِ، وَالضَّحَّاكُ بنُ حَمْزَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْلَى الطَّائِفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْمَلَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ الأَسْلَمِيُّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَدَاوُدُ بنُ شَابُوْرٍ، وَدَاوُدُ بنُ قَيْسٍ الفَرَّاءُ، وَرَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَالمُثَنَّى بنُ الصَّبَّاحِ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. رَوَى: صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: إِذَا رَوَى عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ الثِّقَاتُ، فَهُوَ ثِقَةٌ، مُحْتَجٌّ بِهِ. هَكَذَا نَقَلَ: صَدَقَةُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: حَدِيْثُهُ عِنْدَنَا وَاهٍ. وَرَوَى: عَلِيٌّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَ حَدِيْثُهُ عِنْدَ النَّاسِ فِيْهِ شَيْءٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ يَقُوْلُ: كَانَ لاَ يُعَابُ عَلَى قَتَادَةَ وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، إِلاَّ أَنَّهُمَا كَانَا لاَ يَسْمَعَانِ شَيْئاً إِلاَّ حَدَّثَا بِهِ. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَهُ أَشْيَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 مَنَاكِيْرُ، وَإِنَّمَا نَكْتُبُ حَدِيْثَهُ نَعْتَبِرُ بِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً، فَلاَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الجُوْزَجَانِيُّ الوَرَّاقُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ شَيْئاً؟ قَالَ: يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبِي. قُلْتُ: فَأَبُوْهُ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو؟ قَالَ: نَعَمْ، أُرَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: رُبَّمَا احْتَجَجْنَا بِهِ، وَرُبَّمَا وَجَسَ فِي القَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمَالِكٌ يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَنِ البُخَارِيِّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ، وَعَلِيّاً، وَإِسْحَاقَ، وَأَبَا عُبَيْدٍ، وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّوْنَ بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُم؟ قُلْتُ: أَسْتَبْعِدُ صُدُوْرَ هَذِهِ الأَلْفَاظِ مِنَ البُخَارِيِّ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ أَبُو عِيْسَى وَهِمَ. وَإِلاَّ فَالبُخَارِيُّ لاَ يُعَرِّجُ عَلَى عَمْرٍو، أَفَتَرَاهُ يَقُوْلُ: فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُم، ثُمَّ لاَ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْلاً وَلاَ مُتَابَعَةً؟ بَلَى، احْتَجَّ بِهِ: أَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْن حِبَّانَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالحَاكِمُ (1) . وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ إِذَا   (1) قال في " المستدرك " 2 / 65: " وقد أكثرت في هذا الكتاب الحجج في تصحيح روايات عمرو ابن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة، وكنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد، عن عبد الله بن عمرو، فلم أصل إليها إلا في هذا الوقت: حدثني أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه النيسابوري، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذاك، فسله، قال شعيب فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: أحرم مع الناس، واصنع ما يصنعون، وإذا أدركت قابلا، فحج وأهد، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله، قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول: أنت؟ فقال: قولي مثل ما قالا " هذا = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 شَاؤُوا، احْتَجُّوا بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَإِذَا شَاؤُوا، تَرَكُوْهُ. قُلْتُ: هَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى أَنَّهُم يَتَرَدَّدُوْنَ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ، لاَ أَنَّهُم يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيْلِ التَّشَهِّي. وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْهُ، قَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَهُوَ كِتَابٌ، وَيَقُوْلُ: أَبِي عَنْ جَدِّي، فَمِنْ هُنَا جَاءَ ضَعْفُهُ، أَوْ نَحْوُ هَذَا القَوْلِ، فَإِذَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، أَوْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، أَوْ عُرْوَةَ، فَهُوَ ثِقَةٌ عَنْهُم، أَوْ قَرِيْبٌ مِنْ هَذَا. وَرَوَى: عَبَّاسٌ أَيْضاً، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا أَقُوْلُ؟ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ   = حديث ثقات رواته حفاظ، وهو كالاخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد، عن جده عبد الله بن عمرو، وأقره المؤلف رحمة الله عليه في " مختصره ". وممن جزم بصحة حديثه أبو عمر بن عبد البر، فقد ذكر في كتابه " التقصي لحديث الموطأ " ص 254، 255: حديث مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع وسلف، ثم قال: هذا الحديث معروف مشهور من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح لا يختلف أهل العلم في قبوله، والعمل به. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مقبول عند أكثر أهل العلم بالنقل، ثم روى بإسناده عن علي بن المديني قال: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع عمرو بن شعيب من أبيه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو بن العاص. وكذلك قال البيهقي في " السنن " 7 / 397: وسماع شعيب بن محمد بن عبد الله صحيح من جده عبد الله، لكن يجب أن يكون الإسناد إلى عمرو صحيحا. ومما يؤكد الجزم بسماعه منه ما رواه البيهقي 5 / 92 عن عمرو بن شعيب، عن أبيه قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله بن عمرو بن العاص. فهذا يشير إلى صحة ما نقل المؤلف أن والد شعيب تركه صغيرا، ورباه جده عبد الله بن عمرو، ولذلك يسميه هنا أباه، إذ هو أبوه الأعلى، وهو الذي رباه وقال النووي رحمه الله: إن الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث، وهم أهل هذا الفن، وعنهم يؤخذ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ. فَهَذَا إِمَامُ الصَّنْعَةِ أَبُو زَكَرِيَّا قَدْ تَلَجْلَجَ قَوْلُهُ فِي عَمْرٍو، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ مُطْلَقاً، وَأَنَّ غَيْرَهُ أَقْوَى مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: إِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَقَالُوا: إِنَّمَا سَمِعَ أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً، وَأَخَذَ صَحِيْفَةً كَانَتْ عِنْدَهُ فَرَوَاهَا، وَمَا أَقَلَّ مَا تُصِيْبُ عَنْهُ مِمَّا رَوَى عَنْ غَيْرِ أَبِيْهِ مِنَ المُنْكَرِ، وَعَامَّةُ هَذِهِ المَنَاكِيْرِ الَّتِي تُرْوَى عَنْهُ، إِنَّمَا هِيَ عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالضُّعُفَاءِ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ. قُلْتُ: وَيَأْتِي الثِّقَاتُ عَنْهُ أَيْضاً بِمَا يُنْكَرُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْك - هُوَ، أَوْ بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ -؟ فَقَالَ: عَمْرٌو أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عِنْدَكَ حُجَّةٌ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ نِصْفُ حُجَّةٍ. وَرَجَّحَ بَهْزَ بنَ حَكِيْمٍ عَلَيْهِ. وَرَوَى: جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْبَأُ بِصَحِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ إِذَا قَعَدَ إِلَى عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، غَطَّى رَأْسَهُ -يَعْنِي: حَيَاءً مِنَ النَّاسِ-. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: مَا رَوَى عَنْهُ أَيُّوْبُ وَابْنُ جُرَيْجٍ، فَذَاكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ، وَمَا رَوَى عَمْرٌو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَإِنَّمَا هُوَ كِتَابٌ وَجَدَهُ، فَهُوَ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: هَذَا الكَلاَمُ قَاعِدٌ قَائِمٌ. قَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، عَنْ مُغِيْرَةَ: كَانَ لاَ يَعْبَأُ بِحَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَخِلاَسِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَبِصَحِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. ثُمَّ قَالَ مُغِيْرَةُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ صَحِيْفَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو عِنْدِي بِتَمْرَتَيْنِ، أَوْ بِفِلْسَيْنِ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 الحَافِظُ أَيْضاً: اعْتَبَرْتُ حَدِيْثَهُ، فَوَجَدْتُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ يُسَمِّي عَبْدَ اللهِ، وَبَعْضَهُم يَرْوِي ذَلِكَ الحَدِيْثَ بِعَيْنِهِ، فَلاَ يُسَمِّيْهِ، وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِهَا قَدْ رَوَى: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَفِي بَعْضِهَا: عَمْرٌو، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدٍ. قُلْتُ: جَاءَ هَذَا فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفٍ، وَعَمْرٌو لَمْ يَلْحَقْ جَدَّهُ مُحَمَّداً أَبَداً. وَمِنَ الأَحَادِيْثِ الَّتِي جَاءَ فِيْهَا عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ: حَرْمَلَةُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، أَنَّ عَمْرَو بنَ شُعَيْبٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ مُزَنِيّاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيْسَةِ الجَبَلِ؟ قَالَ: (هِيَ وَمِثْلُهَا وَالنَّكَالُ) . قَالَ: فَإِذَا جَمَعَهَا المَرَاحُ؟ قَالَ: (قَطْعُ اليَدِ إِذَا بَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ (1)) . ابْنُ عَجْلاَنَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بِحَدِيْثٍ فِي اللُّقَطَةِ (2) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ رَاشِدٍ - عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ) (3) .   (1) إسناده حسن وأخرجه النسائي 8 / 85، 86 في قطع السارق: باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين من طريق ابن وهب به، وأخرجه أيضا من طريق قتيبة عن الليث، عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب، عن أبيه: عن جده عبد الله بن عمرو. وحريسة الجبل: يقال للشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مراحها: حريسة. والنكال: العقوبة، والمراح، بضم الميم: الموضع الذي تروح إليه الماشية، أو تأوي إليه ليلا. (2) سنده حسن، أخرجه أبو داود (1710) من طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث عن ابن عجلان به، وفيه: وسئل عن اللقطة، فقال: " ما كان منها في طريق الميتاء أو القرية الجامعة، فعرفها سنة، فإن جاء طالبها، فادفعها إليه، وإن لم يأت، فهي لك، وما كان في الخراب، ففيها وفي الركاز الخمس " والطريق الميتاء: هي المسلوكة التي يأتيها الناس. (3) سليمان بن موسى فيه لين، وباقي رجاله ثقات، وهو في " المصنف (17702) وفي الباب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، مَرْفُوْعاً: (فِي الموَاضِحِ خَمْسٌ) (1) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيْباً، وَقَالَ: (لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ (2)) ، الحَدِيْثَ. جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِكَلِمَاتٍ مِنَ الفَزَعِ: (أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِيْن، وَأَنْ يَحْضُرُوْنَ) . كَذَا هَذَا: عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي (الدَّعَوَاتِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَالَوَيْه، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ   = ما يقويه عن أبي موسى الأشعري عند أبي داود (4557) والنسائي 8 / 56، وابن ماجه (2654) . (1) أخرجه أبو داود (4566) في الديات: باب ديات الاعضاء، وسنده حسن. والمواضح جمع الموضحة: وهي التي تبدي وضح العظام، أي: بياضه. (2) رجاله ثقات أخرجه أحمد 2 / 180، وتمامه " والمسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، ترد سراياهم على قعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم " وقوله: " لا حلف في الإسلام " أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والثارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم " لا حلف في الإسلام " وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم، وصلة الارحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (2530) من حديث جبير بن مطعم: " أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان ويأتلفان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ ... ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: صَحِيْحُ الإِسْنَادِ، مُتَّصِلٌ فِي مَوْضِعِ الخِلاَفِ. قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: أَظُنُّ (عَنْ) فِيْهِ زَائِدَةً، وَإِلاَّ فَيَكُوْنُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ. قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ (1)) ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: عَنْ جَدِّهِ. الدَّارَقُطْنِيُّ فِي (سُنَنِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي عَمِّي، حَدَّثَنَا مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ شُعَيْباً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فِي البَيِّعَيْنِ بِالخِيَارِ (2)) . أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ عِدَةٍ أَوْ حِبَاءٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، فَهُوَ لَهَا) (3) .   (1) 2 / 181، وأخرجه أبو داود (3893) في الطب: باب كيف الرقى من طريق حماد، والترمذي (3528) في الدعوات وابن السني ص 239 من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده..ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، لكن يشهد له حديث " الموطأ " المرسل 2 / 950، فيتقوى به، وقد حسنه الحافظ في " أمالي الاذكار " فيما نقله عنه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2) أخرجه الدارقطني 3 / 50، ولفظه: " أيما رجل ابتاع من رجل بيعة، فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل لأحد أن يفارق صاحبه مخافة ألا يقيله " وأخرجه أبو داود (3456) والنسائي 7 / 251، 252، والترمذي (1247) من طريق الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " وسنده حسن. (3) هو في " المصنف " (10739) ورواه عنه أحمد في " المسند " 2 / 182، وأخرجه ابن ماجه (1955) من طريق أبي خالد عن ابن جريج، وأخرجه النسائي 6 / 120، والبيهقي 7 / 248 من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج، وابن جريج قد عنعن وهو مدلس وقوله: قبل عصمة النكاح، أي: قبل عقد النكاح، والعصمة: هي ما يعتصم به من عقد أو سبب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ الَّذِي يَسْتَرِدُّ مَا وَهَبَ، كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيْءُ (1)) . وَعِنْدِي عِدَّةُ أَحَادِيْثَ سِوَى مَا مَرَّ يَقُوْلُ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَالمُطْلَقُ مَحْمُوْلٌ عَلَى المُقَيَّدِ المُفَسَّرِ بِعَبْدِ اللهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، إِلاَّ إِذَا رَوَى عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، يَكُوْنَ مُرْسَلاً، لأَنَّ جَدَّهُ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَلاَ صُحْبَةَ لَهُ. قُلْتُ: الرَّجُلُ لاَ يَعْنِي بِجَدِّهِ إِلاَّ جَدَّهُ الأَعْلَى عَبْدَ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ جَاءَ كَذَلِكَ مُصَرَّحاً بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ، يَقُوْلُ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُرْسَلٍ. وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ وَالِدِهِ مِنْ: جَدِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَمِنْ: مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِم. وَمَا عَلِمْنَا بِشُعَيْبٍ بَأْساً، رُبِّيَ يَتِيْماً فِي حَجْرِ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَافَرَ مَعَهُ، وَلَعَلَّهُ وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمْ نَجِدْ صَرِيْحاً لِعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ وَرَدَ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ هَيْئَتُهَا: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَبَعْضُهَا: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ، وَمَا أَدْرِي؛ هَلْ حَفِظَ شُعَيْبٌ شَيْئاً مِنْ أَبِيْهِ أَمْ لاَ؟ وَأَنَا عَارِفٌ بِأَنَّهُ لاَزَمَ جَدَّهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ.   (1) سنده حسن وأخرجه أبو داود (3540) في البيوع: باب الرجوع في الهبة من طريق سليمان ابن داود المهري، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه. وتمامه " فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليوقف، فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب " وأخرجه أبو داود (3539) من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، عن طاووس، عن ابن عمرو، وابن عباس بلفظ " ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها يأكل، فإذا أشبع، قاء ثم عاد في قيئه " وسنده قوي، وقال الترمذي (2133) : حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري 5 / 160، ومسلم (1622) بلفظ " العائد في هبته كالعائد في قيئه ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 وَأَمَّا تَعْلِيْلُ بَعْضِهِم بِأَنُّهَا صَحِيْفَةٌ، وَرِوَايَتُهَا وِجَادَةً (1) بِلاَ سَمَاعٍ، فَمِنْ جِهَةٍ أَنَّ الصُّحُفَ يَدْخُلُ فِي رِوَايَتِهَا التَّصْحِيْفُ لاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، إِذْ لاَ شَكْلَ بَعْدُ فِي الصُّحُفِ وَلاَ نَقْطَ، بِخِلاَفِ الأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ، بُلِيَ بِكِتَابِ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ. وَمِمَّنْ تَرَدَّدَ وَتَحَيَّرَ فِي عَمْرٍو أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، فَقَالَ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) : إِذَا رَوَى عَنْ طَاوُوْسٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ أَبِيْهِ، فَهُوَ ثِقَةٌ، يَجُوْزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَفِيْهِ مَنَاكِيْرُ كَثِيْرَةٌ، فَلاَ يَجُوْزُ عِنْدِي الاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِذَا رَوَى عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَإِنَّ شُعَيْباً لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللهِ، فَيَكُوْنُ الخَبَرُ مُنْقَطِعاً، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ جَدَّهُ الأَدْنَى، فَهُوَ مُحَمَّدٌ، وَلاَ صُحْبَةَ لَهُ، فَيَكُوْنُ مُرْسَلاً (2) . قُلْتُ: قَدْ أَجَبْنَا عَنْ هَذَا، وَأَعْلَمْنَا بِأَنَّ شُعَيْباً صَحِبَ جَدَّهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ. وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِهِ عَنِ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ الجُوْزْدَانِيَّةُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ رِيْذَةَ، أَنْبَأَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالكَجِّيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ   (1) الوجادة في اصطلاح المحدثين: هو أن يقف الراوي على أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه أم لم يلقه، ولم يسمع منه، أو وجد أحاديث في كتب مؤلفين معروفين، ففي هذه الانواع كلها لا يجوز أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان إذا عرف الخط ووثق منه، أو يقول: قال فلان ونحو ذلك وقد نقل عن أكثر المحدثين وفقهاء المالكية وغيرهم أن العمل بالاحاديث التي يتحملها بها غير جائز، ونقل عن الشافعي والمحققين من أصحابه جوازه، وذهب بعض المحققين إلى وجوب العمل بها عند حصول الثقة بما وجده، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه غيره في الاعصار المتأخرة، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية، لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها، فإذا اطمأن الباحث إلى صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وكان ثقة مأمونا، وجب أن يعمل بما فيه من الأحاديث التي يصح سندها. (2) كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 72. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مُتَّكِئاً، وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلاَنِ (1) . فَهَذَا شُعَيْبٌ يُخْبِرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَاتِمٍ بنَ حِبَّانَ تَحَرَّجَ مِنْ تَلْيِيْنِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى تَوْثِيْقِهِ، فَقَالَ: وَالصَّوَابُ فِي عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ أَنْ يُحَوَّلَ مِنْ هُنَا إِلَى تَارِيْخِ الثِّقَاتِ؛ لأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ تَقَدَّمَتْ. فَأَمَّا المَنَاكِيْرُ فِي حَدِيْثِهِ إِذَا كَانَتْ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثِّقَاتِ إِذَا رَوَوُا المَقَاطِيْعَ وَالمَرَاسِيْلَ بِأَنْ يُتْرَكَ مِنْ حَدِيْثِهِمُ المُرْسَلُ وَالمَقْطُوْعُ، وَيُحْتَجَّ بِالخَبَرِ الصَّحِيْحِ. فَهَذَا يُوْضِحُ لَكَ أَنَّ الآخَرَ مِنَ الأَمْرَيْنِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ: أَنَّ عَمْراً ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ رِوَايَتَهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، إِمَّا مُنْقَطِعَةٌ أَوْ مُرْسَلَةٌ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ قَبِيْلِ المُسْنَدِ المُتَّصِلِ، وَبَعْضُهَا يَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ رِوَايَتُهُ وِجَادَةً أَوْ سَمَاعاً، فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَاحْتِمَالٍ. وَلَسْنَا مِمَّنْ نَعُدُّ نُسْخَةَ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيْحِ الَّذِي لاَ نِزَاعَ فِيْهِ مِنْ أَجْلِ الوِجَادَةِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ فِيْهَا مَنَاكِيْرَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ حَدِيْثُهُ، وَيَتَحَايَدَ مَا جَاءَ مِنْهُ مُنْكَراً، وَيُرْوَى مَا عَدَا ذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالأَحْكَامِ مُحَسِّنِيْنَ لإِسْنَادِهِ، فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ، وَوَثَّقُوْهُ فِي الجُمْلَةِ، وَتَوَقَّفَ فِيْهِ آخَرُوْنَ قَلِيْلاً، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً تَرَكَهُ. شَرِيْكٌ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَا يُرَغِّبُنِي   (1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (3770) وابن ماجه (244) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله، عن أبيه. وقوله: لا يطأ عقبه رجلان. أي: لا يمشي خلفه رجلان فضلا عن الزيادة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 فِي الحَيَاةِ إِلاَّ خَصْلَتَانِ: الصَّادِقَةُ وَالوَهْطَةُ، فَأَمَّا الصَّادِقَةُ: فَصَحِيْفَةٌ كَتَبْتُهَا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الوَهْطَةُ: فَأَرْضٌ (1) تَصَدَّقَ بِهَا عَمْرُو بنُ العَاصِ، كَانَ يَقُوْمُ عَلَيْهَا. أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِيّاً أَفْضَلَ - وَفِي لَفْظٍ: مَا أَدْرَكْتُ قُرَشِيّاً أَكْمَلَ - مِنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعَ شُعَيْبٌ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَسَمِعَ مِنْهُ: ابْنُهُ؛ عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ. وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ رَاهُوَيْه، قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ ثِقَةً، فَهُوَ كَأَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ: ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ الَّذِيْنَ نَظَرُوا فِي الرِّجَالِ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالحَكَمِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيْثِهِ، وَسَمِعَ أَبُوْهُ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: صَحَّ سَمَاعُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَصَحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لِعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ ثَلاَثَةُ أَجْدَادٍ: الأَدْنَى مِنْهُم: مُحَمَّدٌ، وَالأَوْسَطُ: عَبْدُ اللهِ، وَالأَعْلَى: عَمْرٌو، وَقَدْ سَمِعَ شُعَيْبٌ مِنَ الأَدْنَى مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ تَابِعِيٌّ، وَسَمِعَ جَدَّهَ عَبْدَ اللهِ، فَإِذَا بَيَّنَهُ وَكَشَفَ، فَهُوَ صَحِيْحٌ حِيْنَئِذٍ. قَالَ: وَلَمْ يَتْرُكْ حَدِيْثَهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَدِّهِ عَمْرِو بنِ العَاصِ.   (1) هي بالطائف على ثلاثة أميال من وج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضاً: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّقَّاشَ يَقُوْلُ: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ: لَيْسَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: عِشْرُوْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ. قُلْتُ: فَسَكَتَ الدَّارَقُطْنِيُّ، بَلْ عَمْرٌو تَابِعِيٌّ، قَدْ سَمِعَ مِنْ رَبِيْبَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ، وَمِنَ الرُّبَيِّعِ، وَلَهُمَا صُحْبَةٌ (1) . قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ النَّاسِ وَثِقَاتُهُم، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ، إِلاَّ أَنَّ أَحَادِيْثَهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مَعَ احْتِمَالِهِم إِيَّاهُ، لَمْ يُدْخِلُوْهَا فِي صِحَاحِ مَا خَرَّجُوا، وَقَالُوا: هِيَ صَحِيْفَةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَشَبَابٌ: مَاتَ عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. زَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ: بِالطَّائِفِ. قُلْتُ: الضُّعَفَاءُ الرَّاوُوْنَ عَنْهُ مِثْلُ: المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ حَمْزَةَ، وَنَحْوِهِم، فَإِذَا انْفَرَدَ هَذَا الضَّرْبُ عَنْهُ بِشَيْءٍ، ضَعُفَ نُخَاعُهُ، وَلَمْ يُحْتَجَّ بِهِ، بَلْ وَإِذَا رَوَى عَنْهُ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِيْهِ كَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، فَفِي النَّفْسِ مِنْهُ، وَالأَوْلَى أَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، بِخِلاَفِ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الفَقِيْه، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، فَالأَوْلَى أَنْ يُحْتَجَّ بِذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ شَاذّاً وَلاَ مُنْكَراً. فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُ الجَمَاعَةِ: لَهُ أَشْيَاءُ مَنَاكِيْرُ. قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ   (1) في " تهذيب الكمال ": 1038 بعد أن نقل كلام أبي بكر النقاش ما نصه: وكأن الدارقطني قد وافقه على أنه ليس من التابعين، وليس كذلك، فإنه قد سمع من زينب بنت أبي سلمة، ومن الربيع بنت معوذ بن عفراء، ولهما صحبة. قلت: وترجمة الربيع وزينب في " الإصابة " ت (413) و (468) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، فَحَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعْتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حَبِيْبٌ المُعَلِّمُ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلاَثَةٌ: وَاعٍ دَاعٍ، أَوْ لاَغٍ، أَوْ مُنْصِتٌ (1)) . قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٌ جَالِسٌ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، سَمِعَ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ لِلَّيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ: شُدَّ يَدَكَ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ طَاوُوْسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَإِيَّاكَ وَجَوَالِيْقَ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فَإِنَّهُمَا صَاحِبَا كُتُبٍ -يَعْنِي: يَرْوِيَانِ عَنِ الصُّحُفِ (2) -. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، بِنُسْخَةٍ طَوِيْلَةٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ نَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ. قَالَ: فَمِنْهَا: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ زَادَكُم صَلاَةً، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ الوَتْرُ) (3) .   (1) سنده حسن، أخرجه أبو داود (1113) في الصلاة: باب الكلام والامام يخطب من طريق مسدد وأبي كامل، عن يزيد، عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو، وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عزوجل إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عزوجل يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ". (2) لكن ثمت فرق كبير بين ما يرويه عمرو بن شعيب وجادة من صحيفة جد أبيه عبد الله بن عمرو التي دون فيها ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبين ما يرويه وهب بن منبه عن كتب أهل الكتاب المحرفة المبتورة السند، وفيها الكثير من الاخبار المنكرة، والقصص الواهية، والحكايات الباطلة. (3) وأخرجه الدارقطني ص 174 من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي، وأحمد 2 / 180 من طريق الحجاج، و206 عن المثنى بن الصباح - وثلاثتهم ضعفاء - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وَمِنْهَا: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنِ اسْتُوْدِعَ وَدِيْعَةً، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (1)) . وَمِنْهَا: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي أَيْدِيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟) . قَالَتَا: لاَ. قَالَ: (فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ (2)) . وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ صَلَّى مَكْتُوْبَةً، فَلْيَقْرَأْ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَقُرْآنٍ مَعَهَا) (3) .   = جده وله شاهد صحيح يقوى به من حديث أبي بصرة الغفاري أخرجه أحمد 6 / 7، والطبراني في " المعجم الكبير " 1 / 100 / 1 من طريقين عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة، فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله زادكم صلاة - وهي الوتر فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " قال أبو تميم، فأخذ بيدي أبو ذر، فسار في المسجد إلى أبي بصرة، فقال له: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو؟ قال أبو بصرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد 6 / 397، والطحاوي 1 / 250. من طريق ابن لهيعة، عن ابن هبيرة.. (1) حديث حسن بطرقه أخرجه ابن ماجه (2401) من طريق أيوب بن سويد عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وأخرجه الدارقطني 3 / 41، عن عمرو بن عبد الجبار، عن عبيدة بن حسان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على مؤتمن ضمان " وعمرو وعبيدة ضعيفان، وأخرجه الدارقطني 3 / 41، والبيهقي 6 / 289 من طريق يزيد بن عبد الملك، عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده بلفظ " لا ضمان على مؤتمن ". (2) أخرجه الترمذي (637) من طريق ابن لهيعة، وعبد الرزاق (7065) من طريق المثنى بن الصباح، وأخرجه أبو داود (1563) والنسائي 5 / 38 من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده..وهذا سند حسن، وصححه ابن القطان وابن الملقن، وقال الحافظ المنذري: إسناده لا مقال فيه، وقال الحافظ ابن حجر: هذا إسناد تقوم به الحجة. وقد قال بإيجاب الزكاة في الحلي عمر، وابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عباس، وهو قول سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء وابن سيرين، وجابر بن زيد، ومجاهد، وإليه ذهب الزهري والثوري وأصحاب الرأي. (3) لكن الحديث على ضعف سنده صحيح بشواهده فقد أخرج مسلم (395) (37) وأبو داود (822) من طريق الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 وَمِنْهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - قَالَ: (مَنْ أَعْهَرَ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةِ قَوْمٍ، فَوَلَدَتْ، فَالوَلَدُ وَلَدُ زِنَىً، لاَ يَرِثُ وَلاَ يُوْرَثُ (1)) . وَمِنْهَا: (لاَ تَمْشُوا فِي المَسَاجِدِ، وَعَلَيْكُم بِالقَمِيْصِ وَتَحْتَهُ الإِزَارُ) . وَمِنْهَا: (العِرَافَةُ: أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا عَذَابٌ يَوْمَ القِيَامَةِ (2)) . وَمِنْ أَفْرَادِ عَمْرٍو: حَدِيْثُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيْبٍ، وَدَاوُدَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوْعاً: (لاَ يَجُوْزُ لامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا (3)) . وَحَدِيْثُ: (مَنْ زَوَّجَ فَتَاتَهُ، فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (4)) . رَوَاهُ: سَوَّارٌ أَبُو حَمْزَةَ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوْعاً.   = صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا " وأخرج أبو داود (818) من حديث أبي سعيد الخدري قال: " أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر " ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان (453) من حديث أبي هريرة بلفظ " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وما تيسر " وانظر " نصب الراية " 1 / 364، 365. (1) حديث حسن أخرجه الترمذي (2113) في الفرائض: باب ما جاء في إبطالا ميراث ولد الزنى من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقال: وقد روى غير ابن لهيعة هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، والعمل على هذا عند أهل العلم أن ولد الزنى لا يرث من أبيه، ورواه أبو داود (2265) والبيهقي 6 / 260 من طريق محمد بن راشد، عن سليمان ابن موسى عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بنحوه. (2) لكن له شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة أخرجه الطيالسي في " مسنده " والعرافة: الامارة قال الامام النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية والعرافة سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط فيه إذا جوزي بالخزي والعذاب يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدلا، فأجره عظيم كما تظاهرت به الاخبار. (3) أخرجه أبو داود (3547) في البيوع والاجازات: باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها، وسنده حسن. (4) أخرجه أبو داود (496) و (4114) وأحمد 2 / 187، والدارقطني: 85، وسنده حسن وله طريق آخر ضعيف عند ابن عدي ساقه الزيلعي في " نصب الراية ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 62 - فَأَمَّا: شُعَيْبٌ * (4) فَمَا عَلِمْتُ بِهِ بَأْساً. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: رَوَى عَنْ: جَدِّهِ، وَأَبِيْهِ؛ مُحَمَّدٍ، وَمُعَاوِيَةَ. قُلْتُ: مَعَ أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِيْهِ مُحَمَّدٍ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وَ (النَّسَائِيِّ) وَ (التِّرْمِذِيِّ) ، وَالمَتْنُ هُوَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ (1)) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَمْرٌو وَعُمَرُ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، فَنَسَبَهَ إِلَى جَدِّهِ، فَقَالَ: شُعَيْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ أَيْضاً: عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ، وَمِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَلَمْ نَعْلَمْ مَتَى تُوُفِّيَ، فَلَعَلَّهُ مَاتَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ، فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ. 63 - وَأَمَّا: أَبُو شُعَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيُّ ** (د، ت، س) فَذَكَرَهُ ابْنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَقَالَ: رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ شُعَيْبٌ، وَحَكَمُ بنُ الحَارِثِ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: أُمُّهُ: هِيَ بِنْتُ مَحْمِيَةَ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الأَزْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ (2) بنُ أَبِي   (*) التاريخ الكبير 4 / 218، تهذيب الكمال 587، تهذيب التهذيب 4 / 356، خلاصة تذهيب الكمال 167. (1) أخرجه أبو داود (3504) والنسائي 7 / 288 والطيالسي (2257) وابن ماجه (2188) وأحمد (6628) و (6671) وسنده حسن. والسلف بفتحتين: القرض، والمعنى: لا يحل بيع مع شرط قرض بأن يقول: بعتك هذه السلعة على أن تسلفني ألفا، وقيل: هو أن تقرضه، ثم تبيع منه شيئا بأكثر من قيمته، فإنه حرام، لأنه قرض جر نفعا. (* *) تهذيب الكمال 1221، تهذيب التهذيب 9 / 266، خلاصة تذهيب الكمال 345. (2) في الأصل عبد الحميد، وهو تحريف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: طَاف مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو مَعَ أَبِيْهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّابِعِ، أَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى دُبُرِ الكَعْبَةِ ... ، الحَدِيْثَ (1) . وَمُحَمَّدٌ نَزْرُ الرِّوَايَةِ، قَدْ ذَكَرْنَا لَهُ حَدِيْثَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُرَّزَاذَ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ - قَالَ مَرَّةً: عَنْ أَبِيْهِ، وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ جَدِّهِ -: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُوْمِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَعَنِ الجَلاَّلَةِ (2) . هَكَذَا يَرْوِيْهِ: أَبُو عَلِيٍّ الأَسْيُوْطِيُّ، عَنِ النَّسَائِيِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَيُّوْيَه، عَنِ النَّسَائِيِّ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَهُوَ وَهْمٌ. وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَرَوَاهُ عَنْ: سَهْلِ بنِ بَكَّارٍ بِإِسْنَادِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، كَبَاقِي أَحَادِيْثِهِ. فَهَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ رِوَايَةً. وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيْهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الجَرَّاحِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قُرِئَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ - وَأَنَا   (1) رجاله ثقات. (2) النسائي 7 / 239، 240 في. الضحايا: باب النهي عن أكل لحوم الجلالة،، وأبو داود (3811) في الاطعمة: باب في لحوم الحمر الاهلية، وسنده حسن. والجلالة: هي التي تأكل الجلة، وهي العذرة، وأصل الجلة: البعر فكنى بها عن العذرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلاَةُ القَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ القَائِمِ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، مَحْفُوْظُ المَتْنِ. وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي كِتَابِ (المُخْتَارَةِ (2)) لَهُ نُسْخَةً لِعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَآلُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ - إِلَى اليَوْمِ - لَهُم بَقِيَّةٌ بِالطَّائِفِ، يَتَوَارَثُوْنَ الوَهْطَ؛ وَهُوَ بُسْتَانٌ كَبِيْرٌ إِلَى الغَايَةِ لِجَمَاعَةٍ كَبِيْرَةٍ هُوَ مَعَاشُهُم. وَالطَّائِفُ: وَادٍ طَيِّبٌ، كَثِيْرُ الفَوَاكِهِ، وَالأَعْنَابِ، وَالمِيَاهِ البَارِدَةِ، وَيَتَجَلَّدُ فِيْهِ المَاءُ فِي البَرْدِ، أَخْبَرَنِي صَدُوْقٌ عَايَنَ الجَلِيْدَ بِهَا، وَلَهُم جَامِعٌ كَبِيْرٌ، وَهُوَ مَسِيْرَةُ أَرْجَحَ مِنْ يَوْمٍ عَنْ مَكَّةَ، وَخَيْرَاتُ الطَّائِفِ تُجْلَبُ إِلَى مَكَّةَ وَغَيْرِهَا.   (1) إسناده حسن، وأخرجه مسلم (735) في صلاة المسافرين وقصرها: باب جواز النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة قائما وقاعدا، وأبو داود (950) في الصلاة: باب في صلاة القاعد، والنسائي 3 / 223 في قيام الليل: باب فصل صلاة القائم على القاعد من طريق منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " قال: فأتيته، فوجدته يصلي جالسا، فوضعت يدي على رأسه، فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت " صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة " وأنت تصلي قاعدا: قال: " أجل، ولكني لست كأحدكم ". (2) لم يطبع بعد ومنه أجزاء في المكتبة الظاهرية بدمشق، قال الحافظ ابن كثير: وفيه علوم حسنة حديثية، وهو أجود من مستدرك الحاكم لو كمل، ونقل في " الباعث الحثيث " ص 29 أن بعض الحفاظ من مشايخه كان يرجحه على مستدرك الحاكم وكأنه يعني شيخه الحافظ ابن تيمية، وذكر السيوطي في " اللآلي " عن الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن حبان. ومؤلفه هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي، الحافظ الرحالة سمع الكثير بدمشق ومصر وبغداد وهراة، وكتب عن شيوخ كثيرين، له تآليف تنبئ عن حفظه واطلاعه، وتضلعه من علوم الحديث متنا وإسنادا، توفي سنة 643 هـ، وستأتي ترجمته في المجلد الأخير من هذا الكتاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 64 - المِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو أَبُو عَمْرٍو الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، 4) الكُوْفِيُّ. يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي عُمَرَ زَاذَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. رَوَى عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَمَنْصُوْرٌ، وَشُعْبَةُ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَسَوَّارُ بنُ مُصْعَبٍ، وَطَائِفَةٌ كَبِيْرَةٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ سَوَّاراً إِنَّمَا رَوَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّ شُعْبَةَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ سَمِعَ آلَةَ الطَّرَبِ مِنْ بَيْتِهِ (1) . وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي شَأْنِ القَبْرِ بِطُوْلِهِ فِيْهِ نَكَارَةٌ وَغَرَابَةٌ، يَرْوِيْهِ عَنْ: زَاذَانَ، عَنِ البَرَاءِ (2) . وَقَدْ تَلاَ عَلَى: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ (3) . قَرَأَ عَلَيْهِ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 8 / 12، الجرح والتعديل 8 / 356، 357، تهذيب الكمال 1377، تذهيب التهذيب 4 / 74 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 7، ميزان الاعتدال 4 / 192، طبقات القراء 2 / 315، تهذيب التهذيب 10 / 319، 320. (1) عبارة المؤلف في " الميزان " لأنه سمع من بيته صوت غناء وتعقبه بقوله: وهذا لا يوجب غمز الشيخ، وفي " الجرح والتعديل " 8 / 357: لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب. (2) بل هو حديث حسن وليس فيه علة أخرجه الامام أحمد 4 / 287 و295 و296، وأبو داود (4753) في السنة: باب في المسألة عند القبر، وصححه الحاكم 1 / 37، 40، وأقره المؤلف في " مختصره ". (3) وروى عنه حديث ابن عباس " أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة " قاله المؤلف في " تاريخه 5 / 7. قلت: وحديث ابن عباس هذا أخرجه ابن جرير 30 / 258، والحاكم 2 / 222 من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم 2 / 222 من طريق جرير عن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 65 - سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ الكَلاَعِيُّ الخَبَائِرِيُّ * (م، 4) الحِمْصِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَالمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَيَجُوْزُ أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنِ المِقْدَادِ وَنَحْوِهِ مُرْسَلَةٌ، وَأَنَّهُ مَا شَافَهَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَحَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَآخَرُوْنَ. وَعُمِّرَ دَهْراً. وَكَانَ يَقُوْلُ: اسْتَقْبَلْتُ الإِسْلاَمَ مِنْ أَوَّلِهِ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. رَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ عَامِرٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ الكَلاَعِيُّ زَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِم كِتَابَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: شَهِدَ فَتْحَ القَادِسِيَّةِ.   = منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، وكان بموقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في اثر بعض، قال: (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) وصححه الحاكم، ووافقه المؤلف في " مختصره " وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 370، وزاد نسبته إلى ابن الضريس، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 464، التاريخ الكبير 4 / 125، التاريخ الصغير 1 / 313، تاريخ الفسوي 2 / 331، الجرح والتعديل 4 / 211، اللباب 1 / 418، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 232، تهذيب الكمال: 532، تذهيب التهذيب 2 / 44 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 255، تهذيب التهذيب 4 / 166، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 140. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الحِمْصِيُّ: عَاشَ سُلَيْمٌ بَعْدَ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: جَاوَزَ المائَةَ بِسَنَتَيْنِ، فَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ (1) ، وَخَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ (2) : أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَهُوَ بَعِيْدٌ، مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ، وَلَوْ عَاشَ إِلَى هَذَا الوَقْتِ، لَسَمِعَ مِنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ وَأَقْرَانُهُ. 66 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ مُنْقِذِ بنِ عَمْرٍو، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَازِنِيُّ، المَدَنِيُّ، حَفِيْدُ الصَّحَابِيِّ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي البُيُوْعِ، وَيَقُوْلُ: لاَ خِلاَبَةَ (3) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَرَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ   (1) ابن سعد 7 / 467. (2) في الطبقات ص 313. (*) طبقات ابن سعد 7 / 449، 450، طبقات خليفة: 258، التاريخ الكبير 1 / 265، تاريخ الفسوي 1 / 389، الجرح والتعديل 8 / 122، 123، تهذيب الكمال 1284، تذهيب التهذيب 4 / 8 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 162، العبر 1 / 153، تهذيب التهذيب 9 / 507، خلاصة تذهيب الكمال: 363، شذرات الذهب 1 / 159. (3) الخلابة: الخديعة: وهي مصدر: خلبت الرجل: إذا خدعته، أخلبه خلبا وخلابة، وفي المثل: " إذا لم تغلب فاخلب " يقول: إذا أعياك الامر مغالبة، فاطلبه مخادعة والحديث أخرجه مالك 2 / 685 في البيوع: باب جامع البيوع، والبخاري 4 / 283 في البيوع: باب ما يكره من الخداع في البيع، وفي الاستقراض: باب ماينهى عن إضاعة المال، وفي الخصومات: باب من رد السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الامام، وفي الحيل باب ما ينهى من الخداع في البيوع ومسلم (1533) في البيوع: باب من يخدع في البيع من حديث ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بايعت فقل لا خلابة " قال: فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة. ولأحمد من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر: كان رجل من الانصار وزاد ابن الجارود في " المنتقى " 567 من طريق سفيان عن نافع أنه حبان بن منقد، وهو بفتح الحاء وتشديد الباء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 مُحَيْرِيْزٍ، وَعَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، وَعَمِّهِ؛ وَاسِعِ بنِ حَبَّانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى المَازِنِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَاللَّيْثُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَهُوَ إِمَامٌ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ لِلْفَتْوَى، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: أَرَّخَ جَمَاعَةٌ مَوْتَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ مَشْيَخَةِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 67 - ابْنُ مَوْهَبٍ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ. سَكَنَ العِرَاقَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَشَيْبَانُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ مَا لاَ يَسُوْغُ، وَهُوَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ المَهْدِيِّ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 273، التاريخ الكبير 6 / 231، الجرح والتعديل 6 / 155، تهذيب الكمال: 915، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 108، تهذيب التهذيب 7 / 132، خلاصة تذهيب الكمال: 261. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 68 - عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الوَاعِظُ، الأَنْصَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، سِبْطُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنِ: البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ صُرَدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ البَرَاءِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَأَبُو اليَقْظَانِ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَمِسْعَرٌ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالعَلاَءُ بنُ صَالِحٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، وَتَبِعَهُمَا النَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَانَ إِمَامَ مَسْجِدِ الشِّيْعَةِ، وَقَاصَّهُم. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: عُبَيْدُ بنُ عَازِبٍ (1) أَخُو البَرَاءِ هُوَ جَدُّ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، رَوَى فِي الوُضُوْءِ وَالحَيْضِ، شَهِدَ عُبَيْدٌ وَالبَرَاءُ مَعَ عَلِيٍّ مَشَاهِدَهُ كُلَّهَا (2) . وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَدِيُّ بنُ أَبَانِ بنِ ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ الخَطِيْمِ الأَنْصَارِيُّ، الظَّفَرِيُّ، وَثَابِتٌ صَحَابِيٌّ كَبِيْرٌ.   (*) طبقات خليفة: 161، تاريخ خليفة: 351، التاريخ الكبير 7 / 44، الجرح والتعديل 7 / 2، تهذيب الكمال: 925، تذهيب التهذيب 3 / 36 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 276، دول الإسلام 1 / 80، ميزان الاعتدال 3 / 61، العبر 1 / 144، تهذيب التهذيب 7 / 165، خلاصة تذهيب الكمال: 263. (1) وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر من الصحابة إلى الكوفة مع عمار بن ياسر فيما ذكره ابن سعد. (2) الاستيعاب ت (1733) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ عَدِيٌّ فِي وِلاَيَةِ خَالِدٍ القَسْرِيِّ عَلَى العِرَاقِ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ 116. وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: هُوَ عَدِيُّ بنُ ثَابِتِ بنِ دِيْنَارٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ (ح (1)) . وَأُنْبِئْتُ عَنْهُمَا، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ: سَمِعْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، وَتَرَدَّى بِالعَظَمَةِ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيَّ: (إِنَّهُ لاَ يُحِبَّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (2) مِنْ طَرِيْقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. 69 - الجَرَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَكَمِيُّ أَبُو عُقْبَةَ * مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ، فَارِسُ الكَتَائِبِ، أَبُو عُقْبَةَ الجَرَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَكَمِيُّ. وَلِيَ البَصْرَةَ مِنْ جِهَةِ الحَجَّاجِ، ثُمَّ وَلِيَ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، طُوَالاً، عَابِداً، قَارِئاً، كَبِيْرَ القَدْرِ. رَوَى عَنِ: ابْنِ سِيْرِيْنَ. وَعَنْهُ: صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَيَحْيَى بنُ عَطِيَّةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ فَضَالَةَ.   (1) رمز لتحويل السند. (2) رقم (78) في الايمان: باب الدليل على حب الانصار وعلي رضي الله عنهم من الايمان وعلاماته..وأخرجه النسائي 8 / 114 في الايمان: باب علامة الايمان، وابن ماجه (114) . (*) طبقات خليفة 156، 157، تاريخ خليفة: 310 و317 و318 و320 و322 و329 و330 و331 و333 و336 و337 و341 و342 و343 و361، التاريخ الكبير 2 / 226، 227، الطبري 6 / 350 و361 و433 و447 و491 و526 و554 و557 و562 و585 و7 / 14 و21 و67 و70 و71 و114، الجرح والتعديل 2 / 522، ابن الأثير 5 / 48، 50 و158 و161، تاريخ الإسلام 4 / 237، 238، العبر 1 / 137، 138، شذرات الذهب 1 / 144. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ حَكَمٍ، قَالَ: قَالَ الجَرَّاحُ الحَكَمِيُّ: تَرَكْتُ الذُّنُوْبَ حَيَاءً أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ أَدْرَكَنِي الوَرَعُ. قَالَ شَبَابٌ: هُوَ دِمَشْقِيٌّ، نَزَلَ البَصْرَةَ وَالكُوْفَةَ، وَكَانَ مِنَ القُرَّاءِ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ إِذَا مَرَّ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ، يُمِيْلُ رَأْسَهُ عَنِ القَنَادِيْلِ مِنْ طُوْلِهِ. وَقَالَ مُجَالِدٌ: وَلِيَ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ العِرَاقَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، اسْتَخْلَفَ الجَرَّاحَ عَلَى العِرَاقِ. وَعَنِ الحَسَنِ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كَانَ الجَرَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى خُرَاسَانَ كُلِّهَا؛ حَرْبِهَا، وَصِلاَتِهَا، وَمَالِهَا. قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ غَزَا الجَرَّاحُ بِلاَدَ التُّرْكِ، وَرَجَعَ، فَأَدْرَكَتْهُ التُّرْكُ، فَقُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ: كَانَ الجَرَّاحُ عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، فَقَتَلَتْهُ الخَزَرُ (1) ، فَفَزِعَ النَّاسُ لِقَتْلِهِ فِي البُلْدَانِ. قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: دَخَلْتُ عَلَى الجَرَّاحِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَرَفَعَ الأُمَرَاءُ أَيْدِيَهُم، فَمَكَثَ طَوِيْلاً، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا يَحْيَى، هَلْ تَدْرِي مَا كُنَّا فِيْهِ؟ قُلْتُ: لاَ، وَجَدْتُكُم فِي رَغْبَةٍ، فَرَفَعْتُ يَدِي مَعَكُم. قَالَ: سَأَلْنَا اللهَ الشَّهَادَةَ، فَوَاللهِ مَا بَقِيَ مِنْهُم أَحَدٌ فِي تِلْكَ الغَزَاةِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ. قَالَ خَلِيْفَةُ: زَحَفَ الجَرَّاحُ مِنْ بَرْذَعَةَ (2) سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ إِلَى ابْنِ خَاقَانَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً، فَقُتِلَ الجَرَّاحُ فِي رَمَضَانَ، وَغَلَبَتِ الخَزَرُ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ، وَبَلَغُوا إِلَى قَرِيْبٍ مِنَ المَوْصِلِ (3) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ البَلاَءُ بِمَقْتَلِ الجَرَّاحِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ عَظِيْماً، بَكَوْا عَلَيْهِ فِي كُلِّ جُنْدٍ.   (1) الخزر: شعب قطن شمالي بحر قزوين ثم قسما من أرمينيا انظر للتعريف بهم " معجم البلدان " و" الروض المعطار " ص 218 و219 و" مروج الذهب " 2 / 7. (2) برذعة: قصبة أذربيجان. (3) تاريخ خليفة ص 342. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 70 - طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفِ بنِ عَمْرٍو اليَامِيُّ * (ع) ابْنِ كَعْبٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ اليَامِيُّ، الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. تَلاَ عَلَى: يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، وَغَيْرِهِ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَمُرَّةَ الطَّيِّبِ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَرٍّ الهَمْدَانِيِّ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَشُعْبَةُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: أُخْبِرْتُ أَنَّ طَلْحَةَ بنَ مُصَرِّفٍ شُهِرَ بِالقِرَاءةِ، فَقَرَأَ عَلَى الأَعْمَشِ لِيَنْسَلِخَ ذَلِكَ الاسْمُ عَنْهُ (1) ، فَسَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: كَانَ يَأْتِي، فَيَجْلِسُ عَلَى البَابِ حَتَّى أَخْرُجَ، فَيَقْرَأُ، فَمَا ظَنُّكُم بِرَجُلٍ لاَ يُخْطِئُ وَلاَ يَلْحَنُ. وَقَالَ مُوْسَى الجُهَنِيُّ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ مُصَرِّفٍ يَقُوْلُ: قَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَيَّ فِي عُثْمَانَ، وَيَأْبَى قَلْبِي إِلاَّ أَنْ يُحِبَّهُ (2) .   (*) طبقات ابن سعد 6 / 308، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 4 / 346، التاريخ الصغير 1 / 271، الجرح والتعديل 4 / 473، حلية الأولياء 5 / 14، تهذيب الكمال: 631، تذهيب التهذيب 2 / 107 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 260، العبر 1 / 139، تهذيب التهذيب 5 / 25، خلاصة تهذيب الكمال: 180، شذرات الذهب 1 / 145، الجمع بين رجال الصحيحين: 230، طبقات القراء 1 / 343. (1) قال في " الشذرات ": كان يسمى سيد القراء ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه لتنزل رتبته في أعينهم، ويأبى الله إلا رفعته. (2) وحق له أن يحبه، فهو أمير المؤمنين ومن أول الناس إسلاما وزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتيه رقية وأم كلثوم، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا هو وأبو بكر وعمر وعثمان رجف بهم، فقال: اثبت أحد عليك نبي وصديق وشهيدان، وكان صلى الله عليه وسلم يستحي منه ويقول: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وشهد له صلى الله عليه وسلم أنه هو وأصحابه على الهدى، ولما جهز جيش العسرة بألف دينار قال له صلى الله عليه وسلم: " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ (1) بنِ أَبْجَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ طَلْحَةَ بنَ مُصَرِّفٍ فِي مَلأٍ إِلاَّ رَأَيْتُ لَهُ الفَضْلَ عَلَيْهِم. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو: قَالَ لِي طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ: لَوْلاَ أَنِّي عَلَى وُضُوْءٍ، لأَخْبَرْتُكَ بِمَا تَقُوْلُ الرَّافِضَّةُ. قَالَ فُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ: قِيْلَ لِطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: لَوْ ابْتَعْتَ طَعَاماً، رَبِحْتَ فِيْهِ. قَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمَ اللهُ مِنْ قَلْبِي غِلاًّ عَلَى المُسْلِمِيْنَ. وَقَالَ فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: بَلَغَنِي عَنْ طَلْحَةَ أَنَّهُ ضَحِكَ يَوْماً، فَوَثَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ: وَلِمَ تَضْحَكُ؟ إِنَّمَا يَضْحَكُ مَنْ قَطَعَ الأَهْوَالَ، وَجَازَ الصِّرَاطَ. ثُمَّ قَالَ: آلَيْتُ أَنْ لاَ أَفْتَرَّ ضَاحِكاً حَتَّى أَعْلَمَ بِمَ تَقَعُ الوَاقِعَةُ. فَمَا رُئِيَ ضَاحِكاً حَتَّى صَارَ إِلَى اللهِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي جَنَابٍ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ مُصَرِّفٍ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ الجَمَاجِمَ (2) ، فَمَا رُمِيْتُ، وَلاَ طُعِنْتُ، وَلاَ ضُرِبْتُ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ هَذِهِ سَقَطَتْ هَا هُنَا وَلَمْ أَكُنْ شَهِدْتُهَا. قَالَ لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ: حَدَّثْتُ طَلْحَةَ بنَ مُصَرِّفٍ فِي مَرَضِهِ: أَنَّ طَاوُوْساً كَرِهَ الأَنِيْنَ، فَمَا سُمِعَ طَلْحَةُ يَئِنُّ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ شُعْبَةُ: كُنَّا فِي جَنَازَةِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو مَعْشَرٍ، وَقَالَ: مَا خَلَّفَ مِثْلَهُ.   (1) في الأصل: عبد الله، وهو تحريف. (2) موضع في العراق قريب من الكوفة نشبت عنده معركة سنة 82 أو 83 هـ بين عبد الرحمن ابن الاشعث والحجاج، كان الغلب والظفر فيها للحجاج بعد أن كانت بينهما وقائع كثيرة انهزم في معظمها الحجاج وجيشه انظر " الكامل " 4 / 469 - 472. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ طَلْحَةُ يُحَرِّمُ النَّبِيْذَ. قُلْتُ: وَكَانَ يُحِبُّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهَاتَانِ خَصْلَتَانِ عَزِيْزَتَانِ فِي الرَّجُلِ الكُوْفِيِّ. تُوُفِّيَ طَلْحَةُ: فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 71 - أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرُ بنُ كُرَيْبٍ الحِمْصِيُّ * (م، د، س، ق) إِمَامٌ مَشْهُوْرٌ، مِنْ عُلَمَاءِ الشَّامِ. سَمِعَ: أَبَا أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ، وَجُبَيْرَ بنَ نُفَيْرٍ، وَطَائِفَةً. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ، وَأَحْوَصُ بنُ حَكِيْمٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى فِي (تَارِيْخِهِ) : زَعَمُوا أَنَّهُ أَدْرَكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكْتُبُ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَغْفَيْتُ فِي صَخْرَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَجَاءتِ السَّدَنَةُ، فَأَغْلَقُوا عَلَيَّ البَابَ، فَمَا انْتَبَهْتُ إِلاَّ بِتَسْبِيْحِ المَلاَئِكَةِ، فَوَثَبْتُ مَذْعُوْراً، فَإِذَا المَكَانُ صُفُوْفٌ، فَدَخَلْتُ مَعَهُم فِي الصَّفِّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ سَنَةَ مائَةٍ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَشَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 311، تاريخ البخاري 3 / 98، التاريخ الصغير 301، تاريخ الفسوي 2 / 448 و3 / 203، الجرح والتعديل 3 / 295، حلية الأولياء 6 / 100، تهذيب الكمال 241، تذهيب التهذيب 1 / 125 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 194، 4 / 74، البداية 9 / 190، تهذيب التهذيب 2 / 218، خلاصة تذهيب الكمال: 97، تهذيب ابن عساكر 4 / 93، 95. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 72 - القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ * (4) الإِمَامُ، مُحَدِّثُ دِمَشْقَ. أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأُمَوِيِّ. وَهُوَ القَاسِمُ بنُ أَبِي القَاسِمِ. يُرْسِلُ كَثِيْراً عَنْ: قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ؛ كَعَلِيٍّ، وَتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَيَرْوِي عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مَوْلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ أُمِّ حَبِيْبَةَ. وَقِيْلَ: مَوْلَى مُعَاوِيَةَ. لَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِ الشَّامِيِّيْنَ: أَنَّ القَاسِمَ أَدْرَكَ أَرْبَعِيْنَ بَدْرِيّاً. ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) : أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً، وَابْنَ مَسْعُوْدٍ، وَهَذَا مِنْ وَهْمِ البُخَارِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: ابْنُ شَابُوْرٍ (2) ، عَنْ يَحْيَى الذِّمَارِيِّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ مائَةً مِنَ الصَّحَابَةِ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ دِمَشْقَ. قُلْتُ: أَنْكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ هَذَا، وَقَالَ: كَيْفَ يَكُوْنَ لَهُ هَذَا اللِّقَاءُ، وَهُوَ مَوْلَىً لِخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 449، 450، طبقات خليفة: 311، التايخ الكبير 7 / 159، الجرح والتعديل 7 / 113، تهذيب الكمال: 1112، تذهيب التهذيب 3 / 148 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 293، ميزان الاعتدال 3 / 373، العبر 1 / 139، تهذيب التهذيب 8 / 322، خلاصة تذهيب الكمال: 312، شذرات الذهب 1 / 145. (1) أي: " التاريخ الصغير " 1 / 220، ولكنه حين ترجمه في " التاريخ الكبير " 7 / 159، لم يذكر عليا وابن مسعود واقتصر على قوله: سمع أبا أمامة. (2) هو محمد بن شعيب بن شابور الأموي مولاهم الدمشقي من كبار التاسعة، مات سنة 200 هـ وهو من رجال " التهذيب ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ أَبِي الرَّبِيْعِ، عَنِ القَاسِمِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِيْنَ عَلَى شَيْخٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: سَهْلُ ابْنُ الحَنْظَلِيَّةِ. قَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ القَاسِمُ مَوْلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَوُرِثَتْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنَ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنَّا بِالقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، وَكَانَ النَّاسُ يُرْزَقُوْنَ رَغِيْفَيْنِ رَغِيْفَيْنِ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ بِرَغِيْفٍ، وَيَصُوْمُ وَيُفْطِرُ عَلَى رَغِيْفٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: فِي حَدِيْثِ القَاسِمِ مَنَاكِيْرُ مِمَّا تَرْوِيْهِ الثِّقَاتُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مِنْهُم مَنْ يُضَعِّفُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيْثُ القَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: (الدِّبَاغُ طَهُوْرٌ) هَذَا مُنْكَرٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضاً: رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بنُ يَزِيْدَ أَعَاجِيْبَ، وَمَا أُرَاهَا إِلاَّ مِنْ قِبَلِ القَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنِ الصَّحَابَةِ المُعْضِلاَتِ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ أَرْبَعِيْنَ بَدْرِيّاً. وَقَالَ جَمَاعَةٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: كَانَ خِيَاراً، فَاضِلاً، أَدْرَكَ أَرْبَعِيْنَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 73 - القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ * (ح، 4)   (1) لكن في الباب أحاديث صحيحة يؤخذ منها طهارة الجلد المدبوغ، انظرها في " نصب الراية " 1 / 115 - 120. (*) طبقات ابن سعد 6 / 330، طبقات خليفة: 159، تاريخ خليفة: 334 و351، التاريخ = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ، قَاضِي الكُوْفَةِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوْفِيُّ، عَمُّ القَاسِمِ بنِ مَعْنٍ الفَقِيْهِ. وُلِدَ: فِي صَدْرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَلْقَ ابْنَ عُمَرَ. قَالَ الأَعْمَشُ: كُنْتُ أَجْلِسُ إِلَيْهِ وَهُوَ قَاضٍ. وَقَالَ مُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ: صَحِبْنَاهُ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، فَفَضَلَنَا بِكَثْرَةِ الصَّلاَةِ، وَطُوْلِ الصَّمْتِ وَالسَّخَاءِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَى القَضَاءِ رِزْقاً، كَانَ فِي كِفَايَةٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِمِسْعَرٍ: مَنْ أَشَدُّ مَنْ رَأَيْتَ تَوَقِّياً لِلْحَدِيْثِ؟ قَالَ: القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 74 - عَمْرُو بنُ مُرَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ المُرَادِيُّ * (ع) ابْنِ طَارِقٍ بنِ الحَارِثِ بنِ سَلَمَةَ بنِ كَعْبِ بنِ وَائِلِ بنِ جَمَلِ بنِ كِنَانَةَ بنِ نَاجِيَةَ بنِ مُرَادٍ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المُرَادِيُّ، ثُمَّ   = الكبير 7 / 158، التاريخ الصغير 1 / 265، تاريخ الفسوي 2 / 584، الجرح والتعديل 7 / 112، تهذيب الكمال: 1112، تذهيب التهذيب 3 / 148 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 293، ميزان الاعتدال 3 / 374، تهذيب التهذيب 8 / 321، خلاصة تذهيب الكمال: 312. (*) طبقات خليفة: 163، تاريخ خليفة: 349، التاريخ الكبير 6 / 368، التاريخ الصغير 1 / 78، تاريخ الفسوي 2 / 615، الجرح والتعديل 6 / 257، نهاية الارب: 300، جمهرة أنساب العرب 445، تهذيب الكمال: 1051، تذهيب التهذيب 3 / 110 / 1، تاريخ الإسلام / 286، العبر 1 / 234، تهذيب التهذيب 8 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 293، شذرات الذهب 1 / 152. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 الجَمَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى. وَأَرْسَلَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَمُرَّةَ الطَّيِّبِ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَهِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَأَبِي البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ زَاذَانَ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَلِمَةَ، وَأَبِي الضُّحَى، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَالأَعْمَشُ، وَإِدْرِيْسُ بنُ يَزِيْدَ، وَالعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالاَنِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَمِسْعَرٌ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الرَّازِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَزَكَّاهُ. وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، يَرَى الإِرْجَاءَ (1) . قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ: مَا سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يُثْنِي عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ عَلَى عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: كَانَ مَأْمُوْناً عَلَى مَا عِنْدَهُ. قَالَ بَقِيَّةُ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ؟ قَالَ: كَانَ أَكْثَرَهُم عِلْماً. وَرَوَى: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِلاَّ يُدَلِّسُ (2) ، إِلاَّ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ، وَابْنَ عَوْنٍ.   (1) الارجاء الذي يعد بدعة هو قول من يقول: لا تضر مع الايمان معصية، وأما من يقول: نرجئ أمر المؤمنين ولو كانوا فساقا إلى الله، لاننزلهم جنة ولا نارا، ولا نتبرأ منهم، ونتولاهم في الدين فهو من الارجاء المحمود الذي يقول به جمهور الأئمة من المسلمين، والذي يغلب على الظن أن المترجم يقول بالارجاء الثاني لا بالاول. (2) هذا من مبالغات شعبة فإن كثيرا من المحدثين غيرهما لا يوصفون بالتدليس كما يعلم من مراجعة كتب التراجم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفِيْفٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ أَبُو نُوْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ فِي صَلاَةٍ قَطُّ، إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَتِلُ حَتَّى يُسْتَجَابَ لَهُ. وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ القُرَشِيُّ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلاَ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ. وَبِهِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنِي نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ، قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِمِسْعَرٍ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ أَدْرَكْتَ؟ قَالَ: مَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ. وَبِهِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ ضَرِيْراً. وَبِهِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالاَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بنِ مُرَّةَ: تُحَدِّثُ فُلاَناً وَهُوَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: إِنَّمَا اسْتُوْدِعْنَا شَيْئاً، فَنَحْنُ نُؤَدِّيْهِ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: لَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ بَقِيَّةٌ حَتَّى دَخَلَ عَمْرُو بنُ مُرَّةَ فِي الإِرْجَاءِ، فَتَهَافَتَ النَّاسُ فِيْهِ. وَبِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَيْسَرَةَ وَنَحْنُ فِي جَنَازَةِ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأَحْسِبُهُ خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 وَرَوَى: مِسْعَرٌ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: عَلَيْكُم بِمَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْهِ المُتَفَرِّقِيْنَ، يُرِيْدُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -: الإِجْمَاعَ وَالمَشْهُوْرَ. رَوَى: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ مُرَّةَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ. أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: عَنْ حَمَّادِ بنِ زَاذَانَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: حُفَّاظُ الكُوْفَةِ أَرْبَعَةٌ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَمَنْصُوْرٌ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَبُو حُصَيْنٍ. أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ بِالكُوْفَةِ لاَ يُخْتَلَفُ فِي حَدِيْثِهِم، فَمَنِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِم، فَهُوَ مُخْطِئٌ، مِنْهُم: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ عَمْرٌو سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَمِنْ حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ، قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِم) . فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) (1) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 3 / 286 في الزكاة: باب صلاة الامام ودعائه لصاحب الصدقة وفي المغازي 7 / 345 باب: غزوة الحديبية، ومسلم (178) في الزكاة: باب الدعاء لمن أتى بصدقة من طرق، عن شعبة عن عمرو بن مرة به، وقوله: " اللهم صل على آل أبي أوفى " يريد أبا أوفى نفسه، لان الآل يطلق على ذات الشئ، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أبي موسى الأشعري: " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود " واسم أبي أوفى: علقمة بن خالد بن الحارث الاسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 وَبِهِ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَلاَ الضَّالِّيْنَ} ، ثُمَّ قَرَأَ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} ، وَكَانَ لاَ يُتِمُّ التَّكْبِيْرَ، وَيُسَلِّمُ تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ الجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جِئْتُ أَنَا وَغُلاَمٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى حِمَارٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْنَا عَنْهُ، وَتَرَكْنَاهُ يَأْكُلُ مِنْ بَقْلِ الأَرْضِ - أَوْ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ - فَدَخَلْنَا مَعَهُ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ؟ قَالَ: لاَ (2) . 75 - سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ * (خَ، م) ابْنِ العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ. كَانَ مَعَ أَبِيْهِ عَمْرٍو الأَشْدَقِ، إِذْ تَمَلَّكَ دِمَشْقَ، ثُمَّ أَمَّنَهُ عَبْدُ المَلِكِ، وَغَدَرَ بِهِ، فَذَبَحَهُ (3) ، فَسَارَ سَعِيْدٌ بِآلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.   (1) إسناده صحيح. (2) إسناده صحيح، وأورده الهيثمي في " المجمع " 2 / 63 ونسبه إلى أبي يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه مالك 1 / 155 - 156، والبخاري 1 / 472 أول سترة المصلي، ومسلم (504) من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت الاتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. والعنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا، وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها. (*) طبقات خليفة: 286، التاريخ الكبير 8 / 415، التاريخ الصغير 1 / 306، الجرح والتعديل 9 / 302، تهذيب الكمال: 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 20، تهذيب التهذيب 11 / 403، خلاصة تذهيب الكمال: 438، تهذيب ابن عساكر 6 / 167، 168. (3) انظر الطبري 6 / 140، 145. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، وَوَالِدِهِ. رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عَمْرٌو، وَإِسْحَاقُ، وَخَالِدٌ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَمْرُو بنُ يَحْيَى، وَشُعْبَةُ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مِنْ سَرَوَاتِ قَوْمِهِ، وَعُلَمَائِهِم. وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ فِي خِلاَفَتِهِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ أَسَنَّ. 76 - يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ العَامِرِيُّ * (م، 4) شَيْخٌ، ثِقَةٌ، طَائِفِيٌّ، سَكَنَ وَاسِطَ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَوَكِيْعِ بنِ عُدُسٍ، وَعُمَارَةَ بنِ حَدِيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ الشَّرِيْدِ، وَجَمَاعَةٍ كَثِيْرَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَشَرِيْكٌ، وَهُشَيْمٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 77 - القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ الهَمْدَانِيُّ ** (خت، م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عُرْوَةَ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ. وَعَنْ: عَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ، وَشُرَيْحِ بنِ هَانِئ،   (*) التاريخ الكبير 3 / 499، تاريخ الفسوي 1 / 292، الجرح والتعديل 4 / 49، تهذيب الكمال: 503، تذهيب التهذيب 2 / 26 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 79، تهذيب التهذيب 4 / 68، خلاصة تذهيب الكمال: 141. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 303، طبقات خليفة: 157 و311، تاريخ خليفة: 325، التاريخ الكبير 7 / 167، تاريخ الفسوي 2 / 407، الجرح والتعديل 7 / 120، تهذيب الكمال: 1117، تذهيب التهذيب 3 / 152 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 294، العبر 1 / 227، تهذيب التهذيب 8 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 314، شذرات الذهب 1 / 144. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 وَوَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيْرَةِ، وَأَبِي عَمَّارٍ الهَمْدَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَأَبِي مَرْيَمَ الأَزْدِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُوْهُ؛ إِسْحَاقُ السَّبِيْعِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَالحَكَمُ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَهِلاَلُ بنُ يِسَافٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَحَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَالحَسَنُ بنُ الحُرِّ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الشَّامِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَوْشَبٍ النَّصْرِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. ذَكَرَهُ: ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، وَلَهُ أَحَادِيْثُ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ كُوْفِيٌّ، وَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، وَلَمْ نَسْمَعْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ يَحْيَى، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، كُوْفِيٌّ، كَانَ مُعَلِّماً بِالكُوْفَةِ، ثُمَّ سَكَنَ الشَّامَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: كُنَّا فِي كُتَّابِ القَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، فَكَانَ يُعَلِّمُنَا، وَلاَ يَأْخُذُ مِنَّا. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ، يَقْدَمُ عَلَيْنَا هَا هُنَا مُتَطَوِّعاً، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ، اسْتَأْذَنَ الوَالِي، فَقِيْلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَكَ؟ قَالَ: إِذاً أُقِيْمُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوْهُ} [النُّوْرُ: 62] . وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، نَحْوَ ذَلِكَ. وَزَادَ فِيْهَا: وَيَقُوْلُ: مَنْ عَصَى مَنْ بَعَثَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ حَتَّى يَرْجِعَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: ذَكَرَ الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ القَاسِمَ بنَ مُخَيْمِرَةَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ عَلِمْتَ مَا يُقَالُ فِي المَسْأَلَةِ. قَالَ: لَيْسَ أَنَا ذَاكَ، إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، سَلْ حَاجَتَكَ. قَالَ: تُلْحِقُنِي فِي العَطَاءِ. قَالَ: قَدْ أَلْحَقْنَاكَ فِي خَمْسِيْنَ، فَسَلْ حَاجَتَكَ. قَالَ: تَقْضِي عَنِّي دَيْنِي. قَالَ: قَدْ قَضَيْنَاهُ، فَسَلْ حَاجَتَكَ. قَالَ: تَحْمِلُنِي عَلَى دَابَّةٍ. قَالَ: قَدْ حَمَلْنَاكَ، فَسَلْ. قَالَ: تُلْحِقُ بَنَاتِي فِي العِيَالِ. قَالَ: قَدْ فَعَلْنَا، فَسَلْ حَاجَتَكَ. قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ؟ فَقَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِخَادِمٍ، فَخُذْهَا مِنْ عِنْدَ أَخِيْكَ الوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى مَائِدَتِي لَوْنَانِ مِنْ طَعَامٍ قَطُّ، وَمَا أَغْلَقْتُ بَابِي قَطُّ وَلِي خَلْفَهُ هَمٌّ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أَتَى القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَفَرَضَ لَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِغُلاَمٍ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَغْنَانِي عَنِ التِّجَارَةِ. وَكَانَ لَهُ شَرِيْكٌ، كَانَ إِذَا رَبِحَ، قَاسَمَ شَرِيْكَهُ، ثُمَّ يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ، لاَ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْكُلَهُ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ: كَانَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ إِذَا وَقَعَتْ عِنْدَهُ الزُّيُوْفُ، كَسَرَهَا، وَلَمْ يَبِعْهَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَنْ مُوْسَى بنِ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: مَنْ أَصَابَ مَالاً مِنْ مَأْثَمٍ، فَوَصَلَ بِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيُّ: كَانَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ يَدْعُو بِالمَوْتِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ، قَالَ لأُمِّ وَلَدِهِ: كُنْتُ أَدْعُو بِالمَوْتِ، فَلَمَّا نَزَلَ بِي، كَرِهْتُهُ. قُلْتُ: هَكَذَا يَتِمُّ لِغَالِبِ مَنْ يَتَمَنَّى المَوْتَ، وَالنَبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَهَى أَنْ يَتَمَنَّى أَحَدُنَا المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَقَالَ: (لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إِذَا كَانَتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي) (1) . قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَشَبَابٌ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، بِدِمَشْقَ. وَقَالَ الفَلاَّسُ، وَالمُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ مائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ إِحْدَى وَمائَةٍ. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: قَالَ القَاسِمُ بنُ مُخَيْمِرَةَ: مَا اجْتَمَعَ عَلَى مَائِدَتِي لَوْنَانِ. وَقَالَ ابْنُ جَابِرٍ: رَأَيْتُ القَاسِمَ بنَ مُخَيْمِرَةَ يُجِيْبُ إِذَا دُعِيَ، وَلاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ لَوْنٍ وَاحِدٍ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانَ القَاسِمُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا مُرَابِطاً، مُتَطَوِّعاً، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لأَنْ أَطَأَ عَلَى سِنَانٍ مَحْمِيٍّ يَنْفُذُ مِنْ قَدَمِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُؤْمِنٍ مُتَعَمِّداً (2) . 78 - ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع)   (1) أخرجه البخاري: 10 / 107، 108 في المرض: باب تمني المريض الموت، ومسلم (2680) في الذكر والدعاء: باب كراهة تمني الموت لضر نزل به من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لايتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " وأخرجه البخاري 10 / 109، 110 من حديث أبي هريرة بلفظ " لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا، فلعله أن يستعتب " وأخرجه مسلم (2682) بلفظ " لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ". (2) لان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الجلوس على القبر، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (971) وأبو داود (3228) والنسائي 4 / 95، وابن ماجه (1566) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لان يجلس أحدكم على جمرة فيحترق ثوبه حتى تخلص إليه خير له من أن يجلس على قبر ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 239، التاريخ الكبير 2 / 177، تاريخ الفسوي 2 / 244، 248، الجرح والتعديل 2 / 466، تهذيب الكمال: 178، تذهيب التهذيب 1 / 98 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 237، تهذيب التهذيب 2 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 58. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 رَوَى عَنْ: جَدِّهِ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ عَوْنٍ، وَمَعْمَرٌ، وَعَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الضَّالُّ (1) ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الصَّادِقِيْنَ، وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ جَدِّي ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. 79 - مَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ الجَدَلِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) العَابِدُ، قَاصُّ الكُوْفَةِ، وَأَحَدُ الأَثْبَاتِ، أَبُو القَاسِمِ. حَدَّثَ عَنْ: جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَالمُسْتَوْرِدِ بنِ شَدَّادٍ، وَحَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: مِسْعَرٌ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 80 - جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ أَبُو صَخْرَةَ المُحَارِبِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو صَخْرَةَ المُحَارِبِيُّ، أَحَدُ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ.   (1) هو معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة من عقلاء أهل البصرة، وهو مولى أبي بكر، قيل له الضال، لأنه ضل طريق مكة. (*) طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 7 / 399، الجرح والتعديل 8 / 280، تهذيب الكمال: 1347، تذهيب التهذيب 4 / 53 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 305، تهذيب التهذيب 10 / 221، 222، خلاصة تذهيب الكمال: 382، شذرات الذهب: 156. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 318، طبقات خليفة: 160، تاريخ خليفة: 378، التاريخ الكبير 2 / 240، 241، التاريخ الصغير 1 / 285، الجرح والتعديل 2 / 529، تهذيب الكمال: 186، تذهيب التهذيب 1 / 101 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 237، تهذيب التهذيب 2 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 60. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، وَحُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَشَرِيْكٌ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الأَعْمَشِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْتُهُ؛ لأَنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 81 - عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ أَبُو الحَارِثِ الحَضْرَمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَارِثِ الحَضْرَمِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَطَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، وَأَمْثَالِهِم. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَلَكِنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ. حَدَّثَ عَنْهُ: غَيْلاَنُ بنُ جَامِعٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 82 - عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيُّ ** (4، م مَقْرُوْناً) الإِمَامُ، العَالِمُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَعْمَى.   (*) طبقات خليفة: 163، تاريخ خليفة: 351، التاريخ الكبير 7 / 41، تهذيب الكمال: 956، تذهيب التهذيب 2 / 53، تاريخ الإسلام 4 / 281، تهذيب التهذيب 7 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 271، شذرات الذهب 1 / 157. (* *) طبقات خليفة: 215، التاريخ الكبير 6 / 275، التاريخ الصغير 1 / 318، الجرح والتعديل 6 / 186، تهذيب الكمال: 969، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 111، تذكرة الحفاظ 1 / 140، ميزان الاعتدال 3 / 127، 129، العقد الثمين 6 / 174، 175، تهذيب التهذيب 7 / 322، طبقات الحفاظ: 58، خلاصة تذهيب الكمال: 274، شذرات الذهب 1 / 176. (1) أي أن مسلما أخرج حديثه مقرونا بغيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وُلِدَ - أَظُنُّ -: فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَالحَسَنِ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَشَرِيْكٌ، وَعِدَّةٌ. وُلِدَ أَعْمَى كَقَتَادَةَ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، عَلَى تَشَيُّعٍ قَلِيْلٍ فِيْهِ، وَسُوْءِ حَفِظٍ يَغُضُّهُ مِنْ دَرَجَةِ الإِتْقَانِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِهِ؛ لِسُوْءِ حِفْظِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوْقٌ، وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُلَيِّنُهُ. وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ - وَكَانَ رَفَّاعاً -. وَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَقْلِبُ الأَحَادِيْثَ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَتَّقِيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ضَعِيْفٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: اخْتُلِطَ فِي كِبَرِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ يَزَالُ عِنْدِي فِيْهِ لِيْنٌ. قُلْتُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتُ أَخْبَارَهُ فِي (المِيْزَانِ) وَغَيْرِهِ، وَلَهُ عَجَائِبُ وَمَنَاكِيْرُ، لَكِنَّهُ وَاسِعُ العِلْمِ. قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ: لَمَّا مَاتَ الحَسَنُ، قُلْنَا لِعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ: اجْلِسْ مَكَانَهُ. وَقَالَ الجُرَيْرِيُّ: أَصْبَحَ فُقَهَاءُ البَصْرَةِ عُمْيَاناً: قَتَادَةُ، وَابْنُ جُدْعَانَ، وَأَشْعَثُ الحُدَّانِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 مَاتَ عَلِيٌّ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 83 - الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، عَالِمُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ. وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَشُرَيْحٍ القَاضِي، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيْقِ بنِ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيِّ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَمِقْسَمٍ، وَأَبِي عُمَرَ الصِّيْنِيِّ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَيَحْيَى بنِ الجَزَّارِ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَمْرِو بنِ نَافِعٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ حَبِيْبٍ الزَّيَّاتُ، وَشُعْبَةُ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مِنْ أَقْرَانِ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وُلِدَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ. قُلْتُ: مَا عَيَّنَ السَّنَةَ، وَهِيَ نَحْوُ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 331، طبقات خليفة: 162، التاريخ الصغير 1 / 276، 277، الجرح والتعديل 3 / 123، طبقات الشيرازي: 82، تهذيب الكمال: 316، تذهيب التهذيب 1 / 167 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 242، تذكرة الحفاظ 1 / 117، العبر 1 / 143، تهذيب التهذيب 2 / 432، طبقات الحفاظ: 44، خلاصة تذهيب الكمال: 89، شذرات الذهب 1 / 151، وفي ميزان المؤلف 1 / 577 وهو بصدد ترجمة الحكم بن عتيبة بن نهاس المجهول: وقد جعل البخاري هذا والحكم بن عتيبة الامام المشهور واحدا، فعد من أوهام البخاري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 كَتَبَ إِلَيَّ مَنْ سَمِعَ أَبَا حَفْصٍ المُعَلِّمَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ فِي أَصْحَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الحَكَمِ فِي أَصْحَابِهِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: حَجَجْتُ، فَلقِيْتُ عَبْدَةَ بنَ أَبِي لُبَابَةَ، فَقَالَ لِي: هَلْ لَقِيْتَ الحَكَمَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَالْقَهُ، فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَفْقَهُ مِنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ مِثْلُ الحَكَمِ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: كَانَ الحَكَمُ صَاحِبَ عِبَادَةٍ وَفَضْلٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ الحَكَمُ ثِقَةً، ثَبْتاً، فَقِيْهاً، مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ الحَكَمُ يُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قُلْتُ: الشَّاذَكُوْنِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ الحَكَمَ يَقعُ مِنْهُ هَذَا. وَرَوَى: أَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، عَنْ مُجَاهِدِ بنِ رُوْمِيٍّ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ فَضْلَ الحَكَمِ إِلاَّ إِذَا اجْتَمَعَ عُلَمَاءُ النَّاسِ فِي مَسْجِدِ مِنَىً، نَظَرْتُ إِلَيْهِم، فَإِذَا هُم (1) عِيَالٌ عَلَيْهِ. وَبِإِسْنَادِي إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَكَمَ وَحَمَّاداً فِي مَجْلِسِ مُحَارِبٍ، وَهُوَ عَلَى   (1) لفظه في " تهذيب الكمال ": ما كنت أعرف فضل الحكم إلا إذا اجتمع الناس في مسجد منى حتى رأيت علماء الناس عيالا عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 القَضَاءِ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِيْنِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَيَنْظُرُ إِلَى هَذَا مَرَّةً، وَإِلَى هَذَا مَرَّةً. قَالَ شُعْبَةُ: أَحَادِيْثُ الحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ كِتَابٌ سِوَى خَمْسَةِ (1) أَحَادِيْثَ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هِيَ حَدِيْثُ الوَتْرِ، وَحَدِيْثُ القُنُوْتِ، وَحَدِيْثُ عَزِيْمَةِ الطَّلاَقِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَإِتْيَانِ الحَائِضِ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَالحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ لَيْسَ بِصَحِيْحٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ بِالقَاحَةِ (2) . لَمْ يَقُلْ بَهْزٌ: بِالقَاحَةِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعِ   (1) حديث عزيمة الطلاق: أخرجه الطبري 2 / 429 من طريق شعبة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس قال: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الاشهر، وإسناده صحيح، وحديث اجزاء الصيد: أخرجه الطبري 7 / 44 من طريق جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ، قال: إذا أصاب المحرم الصيد، وجب عليه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاء، ذبحه، فتصدق به، فإن لم يجد جزاءه، قوم الجزاء دراهم، ثم قوم الدراهم حنطة، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما. قال: وإنما أريد بالطعام الصوم، فإذا وجد طعاما وجد جزاء. وإسناده صحيح. وحديث إتيان الحائض: أخرجه أبو داود (264) من طريق مسدد، عن يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: " يتصدق بدينار أو نصف دينار " وإسناده صحيح وقد صححه غير واحد من الأئمة، وأخرجه النسائي 1 / 153، وابن ماجه (640) وأحمد 1 / 229، 230، 286، وابن الجارود 58 و59 والحاكم 1 / 171 و172 والبيهقي من طرق عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا ولم يذكر عبد الحميد، وأخرجه الدارمي 1 / 255 عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس موقوفا. (2) أخرجه أحمد 1 / 244 و248، والطيالسي ص 353، والطحاوي 351 من طرق عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وصححه البخاري والترمذي وغيرهما، وضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان وغيرهما. والقاحة: اسم موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل منها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 الحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ -يَعْنِي: حَدِيْثَ الحِجَامَةِ (1) -. حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَاللهِ إِنَّ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُوْنَهُ لَمَجْنُوْنٌ. قَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ لِي الحَكَمُ: لَوْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ قَبْلَ اليَوْمِ، مَا كُنْتُ أُفْتِي فِي كَثِيْرٍ مِمَّا كُنْتُ أُفْتِي. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: خَرَجْتُ عَلَى جِنَازَةٍ وَأَنَا غُلاَمٌ، فَصَلَّى عَلَيْهَا زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ، فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعاً. وَقَالَ مَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: قُلْتُ لِلْحَكَمِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَيُّ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الحَكَمُ وَمَنْصُوْرٌ مَا أَقْرَبَهُمَا! قَالَ المَدَائِنِيُّ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ كِنْدِيٌّ. وَيُقَالُ: أَسَدِيٌّ مَوْلَىً. قَالَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْرَائِيْلَ يَقُوْلُ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيْهِ الحَكَمَ يَوْمَ مَاتَ الشَّعْبِيُّ، جَاءَ إِنْسَانٌ يَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالُوا: عَلَيْكَ بِالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ الحَكَمُ إِذَا قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فُرِّغَتْ لَهُ سَارِيَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَيْهَا. حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُوْلُ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُوْلُ:   (1) وقال أحمد: رواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن طاووس، عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام احتجم وهو محرم، وكذلك رواه روح عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو، عن طاووس عن ابن عباس مثله، وكذلك رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وقال أحمد: فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 مَا قَالَتِ الصَّعَافِقَةُ (1) مَا قَالَ النَّاسُ -يَعْنِي: الحَكَمَ-. وَقَالَ ضَمْرَةُ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: لَقِيْتُ الحَكَمَ بِمِنَىً، فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ السَّمْتِ مُتَقَنِّعاً. وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ وَنَحْنُ بِمِنَىً: لَقِيْتَ الحَكَمَ بنَ عُتَيْبَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْهُ. قَالَ: وَبِهَا عَطَاءٌ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الحَكَمِ، قَالَ لِرَجُلٍ: أَنْتَ مِثْلُ الطِّيْرِ الَّذِي يَرَى الكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ يَحْسِبُ أَنَّهَا سَمَكٌ. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ: مَتَى مَاتَ الحَكَمُ؟ قَالَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: فِيْهَا وُلِدْتُ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَغَيْرُهُ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُوْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيْبَ مِنْهَا. فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْأَلَهُ. فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِم) .   (1) أراد الذين ليس عندهم علم ولا فقه، شبههم بالصعافقة الذين يشهدون السوق وليست عندهم رؤوس أموال ولانقد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ (1) ، مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، فَوَقَعَ لَنَا عَالِياً. وَابْنُ أَبِي رَافِعٍ: هُوَ عُبَيْدُ اللهِ. 84 - ابْنُ أَبِي المُهَاجِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الحَمَيْدِ الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ، وَمُفَقِّهُ أَوْلاَدِ عَبْدِ المَلِكِ الخَلِيْفَةِ، مِنَ الثِّقَاتِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَائِفَةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مَعْنٍ التَّنُوْخِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَزْهَدَ مِنْهُ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَدْ كَانَ وَلاَّهُ عُمَرُ المَغْرِبَ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ، وَوَلَّوْا بَعْدَهُ يَزِيْدَ بنَ أَبِي مُسْلِمٍ. قَالَ شَبَابٌ: أَسْلَمَ عَامَّةُ البَرْبَرِ فِي وِلاَيَةِ إِسْمَاعِيْلَ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: أَدْرَكَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ غُلاَمٌ. قِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ المَلِكِ قَالَ لَهُ: يَا إِسْمَاعِيْلُ، عَلِّمْ وَلَدِي، وَلَسْتُ أُعْطِيْكَ عَلَى القُرْآنِ، إِنَّمَا أُعْطِيْكَ عَلَى النَّحْوِ. مَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، قَبْلَ دُخُوْلِ بَنِي العَبَّاسِ دِمَشْقَ بِالسَّيْفِ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ.   (1) أخرجه أبو داود (1650) في الزكاة: باب الصدقة على بني هاشم، والترمذي (657) في الزكاة: باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه، والنسائي 5 / 107 في الزكاة: باب مولى القوم منهم، وأحمد 6 / 8 و10، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم 1 / 204، ووافقه المؤلف في " مختصره " وهو كما قالوا. (*) طبقات خليفة: 315، التاريخ الكبير 1 / 366، التاريخ الصغير 2 / 11، الجرح والتعديل 2 / 182، تهذيب الكمال: 107، تذهيب التهذيب 1 / 65 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 226، تهذيب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 85 - أَبُو يَعْفُوْرٍ وَاقِدٌ العَبْدِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ. اسْمُهُ: وَاقِدٌ. وَقِيْلَ: وَقْدَانُ. وَهُوَ أَبُو يَعْفُوْرٍ الكَبِيْرُ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَابْنُهُ؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي يَعْفُوْرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، لَمْ أَقَعْ بِوَفَاتِهِ. 86 - أَبُو قَبِيْلٍ المَعَافِرِيُّ حَيُّ بنُ هَانِىء ** (ت، س) المُحَدِّثُ، حَيُّ (1) بنُ هَانِئ بنِ نَاضِرٍ - بِمُعْجَمَةٍ - يَمَانِيٌّ، قَدِمَ وَاسْتَوْطَنَ مِصْرَ. وَرَوَى عَنْ: عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَشُفَيِّ بنِ مَاتِعٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَجَمَاعَةٌ.   = التهذيب 1 / 317، خلاصة تذهيب الكمال: 35، تهذيب تاريخ دمشق 3 / 28، 31. (*) طبقات ابن سعد 6 / 348، التاريخ الكبير 9 / 82، الجرح والتعديل 9 / 48، تهذيب الكمال: 1458، تذهيب التهذيب 4 / 131 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 197، تهذيب التهذيب 11 / 123. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 512، طبقات خليفة: 294، التاريخ الكبير 3 / 75، التاريخ الصغير 1 / 262، تاريخ الفسوي 5 / 507، الجرح والتعديل 3 / 275، تهذيب الكمال: 351، تذهيب التهذيب: 1 / 184 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 195، 196، ميزان الاعتدال 1 / 624، تهذيب التهذيب 3 / 72، خلاصة تذهيب الكمال: 97، شذرات الذهب 1 / 175. (1) حي بياء واحدة، وهو كذلك في " طبقات ابن سعد " " وطبقات خليفة " " والجرح والتعديل " والاكمال. وفي التهذيب، وفروعه، وتاريخ البخاري الكبير والصغير " حيي " بيائين وسيذكره المؤلف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ. رَوَى: ضِمَامٌ، عَنْهُ، قَالَ: جَاءنَا بِاليَمَنِ مَقْتَلُ عُثْمَانَ، فَفَزِعْنَا. وَقِيْلَ: اسْمُهُ حُيَيٌّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ المائَةَ. 87 - زِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ بنِ مَالِكٍ أَبُو مَالِكٍ الثَّعْلَبِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، مِنَ الثِّقَاتِ المُعَمَّرِيْنَ. يُقَالُ: إِنَّهُ أَدْرَكَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ قُطْبَةَ بنِ مَالِكٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَأُسَامَةَ بنِ شَرِيْكٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَطَائِفَةٌ. وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ: أَدْرَكَ ابْنَ مَسْعُوْدٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيْرٍ. قُلْتُ: أَحْسِبُهُ جَاوَزَ المائَةَ، وَقَعَ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً. قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عِيْسَى المُعَدَّلِ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ،   (*) طبقات ابن سعد 6 / 316، طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 3 / 364، الجرح والتعديل 3 / 540، تهذيب الكمال: 447، تذهيب التهذيب 1 / 245 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 72، تهذيب التهذيب 3 / 380، شذرات الذهب 1 / 166. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 سَمِعَ أُسَامَةَ بنَ شَرِيْكٍ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ الأَعْرَابَ يَسْأَلُوْنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ عَلَيْنَا مِنْ جُنَاحٍ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: (عِبَادَ اللهِ، وَضَعُ اللهُ الحَرَجَ إِلاَّ امْرَءاً اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ أَخِيْهِ شَيْئاً، فَذَاكَ الَّذِي حَرِجَ) . قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ العَبْدُ؟ قَالَ: (خُلُقٌ حَسَنٌ) (1) . 88 - سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ أَبُو سَعْدٍ بنُ كَيْسَانَ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَعْدٍ سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ كَيْسَانَ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، المَقْبُرِيُّ. كَانَ يَسْكُنُ بِمَقْبُرَةِ البَقِيْعِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَسَعْدٌ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حِرَاشٍ: ثِقَةٌ، جَلِيْلٌ، وَأَثْبَتُ النَّاسِ فِيْهِ اللَّيْثُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ   (1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن ماجه (3436) من حديث سفيان، عن زياد بن علاقة به، وزاد فيه: فقالوا: يا رسول الله! هل علينا جناح ألا نتداوى؟ قال: " تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم " وإسناده صحيح، وأخرج بعضه أبو داود (2015) وقوله: اقترض: معناه: اغتاب أخاه أو سبه، أو آذاه، وأصله من القرض وهو القطع. (*) التاريخ الكبير 3 / 474، التاريخ الصغير 1 / 282، الجرح والتعديل 4 / 57، اللباب 3 / 246، تهذيب الكمال: 493، تذهيب التهذيب 2 / 20 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 80، تذكرة الحفاظ 1 / 116، ميزان الاعتدال 2 / 139، تهذيب التهذيب 4 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 138، شذرات الذهب 1 / 163. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 لَكِنَّهُ اخْتُلِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: مَا أَحْسِبُهُ رَوَى شَيْئاً فِي مُدَّةِ اخْتِلاَطِهِ، وَكَذَلِكَ لاَ يُوْجَدُ لَهُ شَيْءٌ مُنْكَرٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيْرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مائَةَ سَنَةٍ) (1) . 89 - مُحَارِبُ بنُ دِثَارِ بنِ كُرْدُوْسِ بنِ قِرْوَاشٍ السَّدُوْسِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي الكُوْفَةِ، وَلِيَهَا لِخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيِّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيِّ، وَالأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَيْسَ حَدِيْثُهُ بِالكَثِيْرِ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2826) في الجنة من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 8 / 481 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج عن أبي هريرة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 307، طبقات خليفة: 161، التاريخ الكبير 7 / 28، التاريخ الصغير 1 / 287، تاريخ الفسوي 2 / 674، الجرح والتعديل 8 / 416، تهذيب الكمال: 1305، تذهيب التهذيب 4 / 25 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 297، ميزان الاعتدال 3 / 441، تهذيب التهذيب 10 / 49، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب: 1 / 152. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 حَدَّثَ عَنْهُ: زُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً. قَالَ سُفْيَانُ: مَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَحَداً أُفَضِّلُهُ عَلَى مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنَ المُرْجِئَةِ الأُوْلَى الَّذِيْنَ يُرْجِئُوْنَ عَلِيّاً وَعُثْمَانَ إِلَى أَمْرِ اللهِ، وَلاَ يَشْهَدُوْنَ عَلَيْهِمَا بِإِيْمَانٍ وَلاَ بِكُفْرٍ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ مُحَارِباً يَقْضِي فِي المَسْجِدِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَكَمَ وَحَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي مَجْلِسِ حُكْمِ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِيْنِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: اسْتُعْمِلَ مُحَارِبٌ عَلَى القَضَاءِ، فَبَكَى أَهْلُهُ، وَعُزِلَ عَنِ القَضَاءِ، فَبَكَى أَهْلُهُ. وَقَالَ سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ: حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ الجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ قَضَاءِ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ، فَأَنْكَرَ، فَقَالَ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فُلاَنٌ. فَقَالَ خَصْمُهُ: إِنَّا للهِ، لَئِنْ شَهِدَ عَلَيَّ، لَيَشْهَدَنَّ بِزُوْرٍ، وَلَئِنْ سَأَلْتَنِي عَنْهُ، لأُزَكِّيَنَّهُ. فَلَمَّا جَاءَ الشَّاهِدُ، قَالَ مُحَارِبٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الطَّيْرَ لَتَضْرِبُ بِمَنَاقِيْرِهَا، وَتَقْذِفُ مَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّوْرِ لاَ تَقَارُّ قَدَمَاهُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يُقْذَفَ بِهِ فِي النَّارِ (1)) . ثُمَّ قَالَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: قَدْ نَسِيْتُ، أَرْجِعُ فَأَتَذَكَّرُ.   (1) قال المصنف في ترجمة هارون بن الجهم من " الميزان ": حدث عنه سعد بن الصلت بحديث منكر عن عبد الملك بن عمير، عن محارب بن دثار عن ابن عمر. وقال العقيلي: يخالف في حديثه، وليس بمشهور بالنقل، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 200 ونسبه للطبراني في " الأوسط " وقال: وفيه من لاأعرفه، وأخرجه مختصرا ابن ماجه (2373) عن ابن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 تُوُفِّيَ مُحَارِبٌ: فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. رَوَى: زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُحَارِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ، فَمَا سَأَلَ وَاحِدٌ مِنَّا صَاحِبَهُ عَنِ الهَوَى. كَانَ عِمْرَانُ خَارِجِيّاً، وَكَانَ مُحَارِبٌ يَتَشَيَّعُ. 90 - عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأَسَدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو الحَارِثِ الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ العُبَّادِ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَمْرَو بنَ سُلَيْمٍ. وَعَنْهُ: أَبُو صَخْرَةَ جَامِعٌ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: أَنَّ عَامِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنَ اللهِ سِتَّ مَرَّاتٍ -يَعْنِي: يَتَصَدَّقُ كُلَّ مَرَّةٍ بِدِيَتِهِ-. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ أَبُوْهُ لِمَا يَرَى مِنْهُ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ يَكُوْنَا هَكَذَا. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ عَامِرٌ يُوَاصِلُ ثَلاَثاً (1) .   = عمر مرفوعا: " لن تزول قدما شاهد الزور حتى يوجب الله به النار " وفي سنده محمد بن الفرات متفق على ضعفه، وكذبه أحمد، وهو في " المستدرك " 4 / 98، وصححه الحاكم، فأخطأ، وعجب من المؤلف كيف وافقه على تصحيحه في " مختصره " مع أنه حين ترجم لمحمد بن الفرات في " الميزان " نقل تكذيبه عن أحمد وأبي داود، وتضعيفه عن غير واحد من الأئمة وأورد حديثه هذا في جملة منكراته. (*) نسب قريش: 243، طبقات خليفة: 259، التاريخ الكبير 6 / 448، تاريخ الفسوي 1 / 665، الجرح والتعديل 6 / 325، حلية الأولياء 3 / 166، 168، تهذيب الكمال: 645، تذهيب التهذيب 2 / 117 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 91، تهذيب التهذيب 5 / 74، خلاصة تذهيب الكمال: 184. (1) ربما لم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مالك 1 / 300، والبخاري 4 / 177، ومسلم (1102) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: " إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى " وقال الامام النووي: اتفق أصحابنا على النهي عن الوصال وهو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 قَالَ مُصْعَبٌ: سَمِعَ عَامِرٌ المُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي. فَقِيْلَ: إِنَّكَ عَلِيْلٌ! قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ، فَلاَ أُجِيْبُهُ. فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي المَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ. القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ يَقِفُ عِنْدَ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ يَدْعُو وَعَلَيْهِ قَطِيْفَةٌ، فَتَسْقُطُ وَمَا يَشْعُرُ. مَعْنٌ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: رُبَّمَا انْصَرَفَ عَامِرٌ مِنَ العَتَمَةِ، فَيَعْرِضُ لَهُ الدُّعَاءُ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو إِلَى الفَجْرِ. قُلْتُ: مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ: خُبَيْبٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَيُّوْبُ، وَهَاشِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَعَبَّادٌ، وَثَابِتٌ. 91 - ثَابِتُ بنُ أَسْلَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ البُنَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ البُنَانِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. وَبُنَانَةُ: هُم بَنُو سَعْدِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. وَيُقَالُ: هُم بَنُو سَعْدِ بنِ ضُبَيْعَةَ بنِ نِزَارٍ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - وَذَلِكَ فِي (مُسْلِمٍ) - وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ - وَذَلِكَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) -. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ - وَذَلِكَ فِي (البُخَارِيِّ) - وَأَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ رَبِيْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ فِي (التِّرْمِذِيِّ) وَ (النَّسَائِيِّ) ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 232، طبقات خليفة: 214، التاريخ الكبير 2 / 159، 160، التاريخ الصغير 1 / 318، 319، تاريخ الفسوي 2 / 98، الجرح والتعديل 2 / 449، حلية الأولياء 3 / 180، تهذيب الكمال: 173، تذهيب التهذيب 1 / 96 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 50، 52، تذكرة الحفاظ 1 / 125، العبر 1 / 142، طبقات القراء 2 / 202، تهذيب التهذيب 2 / 2، النجوم الزاهرة 1 / 273، طبقات الحفاظ: 49، خلاصة تذهيب الكمال: 300، شذرات الذهب 1 / 149. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 اللهِ، وَأَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ، وَأَبِي بُرْدَةَ الأَشْعَرِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَالجَارُوْدِ بنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَوَلَدِهِ؛ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، وَكِنَانَةَ بنِ نُعَيْمٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ المَرَاغِيِّ، وَأَبِي ظَبْيَةَ الكَلاَعِيِّ، وَأَبِي العَالِيَةِ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ضُبَيْعَةَ الضُّبَعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبَّاسٍ القُرَشِيِّ، وَوَاقِعِ بنِ سَحْبَانَ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُدْعَانَ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُثَنَّى، وَأَشْعَثُ بنُ بَرَازٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنُ شَوْذَبٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَسَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَحَاتِمُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَالحَكَمُ بنُ عَطِيَّةَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بنُ يَحْيَى الأَبَحُّ، وَبَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ، وَبَكْرُ بنُ الحَكَمِ أَبُو البِشْرِ المُزَلَّقُ، وَبَحْرُ بنُ كَنِيْزٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَدَيْلَمُ بنُ غَزْوَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ زَرْبَى، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي حَزْمٍ، وَأَبُو المُنْذِرِ سَلاَمُ بنُ سُلَيْمَانَ القَارِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ بنُ نَبَرَاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ البَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَمَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العَطَّارُ، وَهَارُوْنُ بنُ مُوْسَى النَّحْوِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ، وَعُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ ثَابِتٍ وَقَتَادَةَ، فَقَالَ: ثَابِتٌ تَثَبَّتَ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُصُّ، وَقَتَادَةُ كَانَ يَقُصُّ، وَكَانَ أَذْكَرَ، وَكَانَ مُحَدِّثاً، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 مِنَ الثِّقَاتِ المَأْمُوْنِيْنَ، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ ثَابِتٌ، ثُمَّ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ البَصْرَةِ، وَزُهَّادِهِم، وَمُحَدِّثِيْهِم. كَتَبَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ، وَأَرْوَى النَّاسِ عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَحَادِيْثُهُ مُسْتقِيْمَةٌ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ، وَمَا وَقَعَ فِي حَدِيْثِهِ مِنَ النَّكِرَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مَجْهُوْلُوْنَ ضُعَفَاءُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ - أَوْ بَهْزٌ - عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ القُصَّاصَ لاَ يَحْفَظُوْنَ الحَدِيْثَ، فَكُنْتُ أَقْلِبُ الأَحَادِيْثَ عَلَى ثَابِتٍ أَجْعَلُ أَنَساً لابْنِ أَبِي لَيْلَى وَبِالعَكْسِ، أُشَوِّشُهَا عَلَيْهِ، فَيَجِيْءُ بِهَا عَلَى الاسْتِوَاءِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِلْخَيْرِ أَهْلاً، وَإِنَّ ثَابِتاً هَذَا مِنْ مَفَاتِيْحِ الخَيْرِ. عَفَّانُ: عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ ثَابِتٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَداً الصَّلاَةَ فِي قَبْرِهِ، فَأَعْطِنِي الصَّلاَةَ فِي قَبْرِي. فَيُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ اسْتُجِيْبَتْ لَهُ، وَإِنَّهُ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ - فِيْمَا قِيْلَ -. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ثَابِتٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ فِي شَأْنِ الحُدَيْبِيَةِ، وَصَحِبْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مَا رَأَيْتُ أَعَبْدَ مِنْهُ! وَقِيْلَ: بُنَانَةُ: هِيَ وَالِدَةُ سَعْدِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَفَاةِ ثَابِتٍ: فَعَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، مِمَّا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ الأَوْسَطِ) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَحْبُوْبٍ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْهُ، قَالَ: مَاتَ: ثَابِتٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ عَنِ الثَّلاَثَةِ: مَاتُوا فِي سَنَةِ وَاحِدَةٍ، قَبْلَ الطَّاعُوْنِ، أُرَاهُ بِسَنَتَيْنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ، قَالَ: مَاتَ ثَابِتٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ ابْنُ جُدْعَانَ بَعْدَهُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: مَاتَ ثَابِتٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بنُ أَبِي حَزْمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ} ، قَالَ: (يَقُوْلُ رَبُّكُم -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَلاَ يُشْرَكَ بِي غَيْرِي، وَأَنَا أَهْلٌ لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُشْرِكَ بِي أَنْ أَغْفِرَ لَهُ) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (2) ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَة، ثَلاَثَتُهُم مِنْ طَرِيْقِ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، عَنْ سُهَيْلٍ القُطَعِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا   (1) " التاريخ الصغير " 1 / 318. (2) بل ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم، وعجب من المؤلف كيف يحسن حديثه هنا وقد نقل في " ميزانه " تضعيفه عن أبي حاتم والبخاري والنسائي وابن معين، وأخرجه الترمذي (3325) في تفسير القرآن، وابن ماجه (4299) في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله في يوم القيامة من حديث زيد بن الحباب، وأخرجه النسائي من حديث المعافى بن عمران كلاهما عن سهيل القطعي به، ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن هدبة بن خالد عن سهيل به، وهكذا رواه أبو يعلى والبزار والبغوي وغيرهم من حديث سهيل به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ يَوْماً: إِنَّ لِلْخَيْرِ مَفَاتِيْحَ، وَإِنَّ ثَابِتاً مِنْ مَفَاتِيْحِ الخَيْرِ. وَقَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ: عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، فَمَا أَدْرَكْنَا الَّذِي هُوَ أَعَبْدُ مِنْهُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى قَتَادَةَ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي رَزِيْنٍ، أَنَّ ثَابِتاً قَالَ: كَابَدْتُ الصَّلاَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَتَنَعَّمْتُ بِهَا عِشْرِيْنَ سَنَةً. رَوْحٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: كَانَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيَصُوْمُ الدَّهْرَ (1) . وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُ ثَابِتاً يَبْكِي حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: بَكَى ثَابِتٌ حَتَّى كَادَتْ عَيْنُهُ تَذْهَبُ، فَنَهَاهُ الكَحَّالُ عَنِ البُكَاءِ، فَقَالَ: فَمَا خَيْرُهُمَا إِذَا لَمْ يَبْكِيَا. وَأَبَى أَنْ يُعَالَجَ (2) .   (1) أخرج البخاري 4 / 195 في الصوم، ومسلم (1159) في الصوم أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاصام من صام الابد " وقوله: لا صام من صام الابد من الدعاء عليه، قال ابن العربي في " العارضة " 3 / 299: فيا بؤس من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من قال: إنه خبر، فيا بؤس من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، فقد علم أنه لا يكتب له ثواب لوجوب الصدق في خبره صلى الله عليه وسلم وقد نفى الفضل عنه، فكيف يطلب ما نفاه النبي عليه الصلاة والسلام. وروى عبد الرزاق في " المصنف " (7871) عن أبي عمر السيباني قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتي بطعام له فاعتزل رجل من القوم فقال: ماله؟ قالوا: إنه صائم، قال: وما صومه، قالوا: الدهر، قال: فجعل يضرب رأسه بقناة معه ويقول: " كل يا دهر كل يا دهر " وإسناده صحيح. وأخرج البخاري 4 / 195 من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال في ثلاث، وأخرج البخاري 9 / 84، ومسلم (1159) (182) من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في كل شهر، قال: قلت إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة قال: قلت إني أجد قوة، قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك. (2) كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أسامة بن شريك وهو الواجب الاتباع بنص القرآن أن أناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتداوى؟ قال: " نعم يا عباد الله، إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء " أخرجه أحمد 4 / 278، وابن ماجه (3436) ، وأبو داود (3855) ، والترمذي (39؟ 2) ، وإسناده = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: قَرَأَ ثَابِتٌ: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكَهْفُ: 37] وَهُوَ يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ يَنْتَحِبُ وَيُرَدِّدُهَا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: رَأَيْتُ ثَابِتاً يَلْبَسُ الثِّيَابَ الثَّمِيْنَةَ، وَالطَّيَالِسَ، وَالعَمَائِمَ. وَقَالَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ: دَخَلْتُ عَلَى ثَابِتٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُصَلِّيَ البَارِحَةَ كَمَا كُنْتُ أُصَلِّي، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَصُوْمَ، وَلاَ أَنْزِلَ إِلَى أَصْحَابِي فَأَذْكُرَ مَعَهُم، اللَّهُمَّ إِذْ حَبَسْتَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَلاَ تَدَعْنِي فِي الدُّنْيَا سَاعَةً (1) . 92 - مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ العَامِرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشْرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فِي وَصْفِ صَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَجَمَاعَةٍ.   = صحيح. وصححه الترمذي وابن حبان (1395) و (1924) ، وأخرج أبو داود (3874) عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام " وسنده قوي. (1) الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تمني الموت، فقد أخرج البخاري 10 / 107 - 108، ومسلم (2680) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". (*) طبقات خليفة: 263، التاريخ الكبير 1 / 189، الجرح والتعديل 8 / 29، تهذيب الكمال: 1251، تاريخ الإسلام 4 / 300، تهذيب التهذيب 9 / 373، خلاصة تذهيب الكمال: 354، شذرات الذهب 1 / 144. (2) حديثه مخرج في البخاري 2 / 252، 255 في صفة الصلاة: باب سنة الجلوس في التشهد عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي داود في عشرة فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى المَازِنِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَمُرُوْءةٌ، كَانُوا يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّهُ تُفْضِي إِلَيْهِ الخِلاَفَةُ؛ لِهَيْئَتِهِ، وَعَقْلِهِ، وَكَمَالِهِ، لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَغَيْرَهَ، وَكَانَ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيْثُ. تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. 93 - وَهْبُ بنُ كَيْسَانَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَسَدِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، أَبُو نُعَيْمٍ الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، المُؤَدِّبُ، مِنْ مَوَالِي آلِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ. رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ. رَوَى عَنْهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٌ، وَآخَرُوْنَ، وَثَّقُوْهُ. مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   = كبر، جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه، فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش، ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته. (*) طبقات خليفة: 260، تاريخ خليفة: 378، التاريخ الكبير 8 / 163، الجرح والتعديل 9 / 23، تهذيب الكمال: 1478، تذهيب التهذيب 4 / 143 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 179، تهذيب التهذيب 11 / 166، خلاصة تهذيب الكمال: 419، شذرات الذهب 1 / 173. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 94 - نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرُ المَدَنِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، مَوْلَى آلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، كَانَ يُبَخِّرُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. جَالَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَّةً. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ مِنْ بَقَايَا العُلَمَاءِ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَمُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مَالِكٍ: سَمِعَ نُعَيْماً المُجْمِرَ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: عَاشَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 95 - يَزِيْدُ بنُ صُهَيْبٍ الفَقِيْرُ أَبُو عُثْمَانَ الكُوْفِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) ثِقَةٌ، مُقِلٌّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ. وَعَنْهُ: الحَكَمُ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَمِسْعَرٌ، وَعِدَّةٌ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 92، الجرح والتعديل 8 / 460، تهذيب الكمال: 1421، تذهيب التهذيب 4 / 103 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 12، تهذيب التهذيب 10 / 465، خلاصة تذهيب الكمال: 403. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 305، التاريخ الكبير 8 / 342، الجرح والتعديل 9 / 272، تهذيب الكمال: 1535، تذهيب التهذيب 4 / 212، خلاصة تذهيب الكمال 432. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قُلْتُ: لُقِّبَ بِالفَقِيْرِ؛ لأَنَّهُ اشْتَكَى فَقَارَ ظَهْرِهِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِ أَبِي حَنِيْفَةَ. 96 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ الأَسَدِيُّ الطَّائِفِيُّ * (ع) المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، الطَّائِفِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالقَاضِي شُرَيْحٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَشَرِيْكٌ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ. وَحَدِيْثُهُ: نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً. رَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ وَرِفَاقِهِ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَلَّمَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلاَّ وَطَلَبَتِ الطَّلاَقَ؛ لِكَثْرَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا، وَقَدْ أَسَنَّ وَمَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَةِ أَوِ التِّسْعِيْنَ. تُوُفِيَّ: فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ البُخَارِيُّ: رَأَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الجَنَّةَ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: (وَإِنْ   (*) طبقات خليفة: 165، الجرح والتعديل 5 / 381، تهذيب الكمال: 839، تذهيب التهذيب 2 / 240 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 102، تهذيب التهذيب 6 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب 1 / 177. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ) ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (1) ، عَالٍ. 97 - عَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ أَبُو القَاسِمِ الأَسَدِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) ثُمَّ الغَاضِرِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، التَّاجِرُ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ، نَزَلَ دِمَشْقَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَلْقَمَةَ، وَسُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَزِرٍّ، وَأَبِي وَائِلٍ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ شَرِيْكاً لِلْحَسَنِ بنِ الحُرِّ، فَقَدِمَا مَكَّةَ بِتِجَارَةٍ، فَتَصَدَّقَا بِرَأْسِ المَالِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَقِيَ عَبْدَةُ ابْنَ عُمَرَ بِالشَّامِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا مِنَ العِرَاقِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدَةَ وَابْنِ الحُرِّ. وَرَوَى: ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي سَبْعِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ. وَرَوَى: الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ لَجُوْجاً، مُمَارِياً، مُعْجَباً بِرَأْيِهِ، فَقَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ. قَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: قَدِمَ ابْنُ الحُرِّ وَعَبْدَةُ فِي تِجَارَةِ مَكَّةَ وَبِهَا فَاقَةٌ، فَتَصَدَّقَا بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَفَضَلَ خَلْقٌ مِنَ المَسَاكِيْنِ، فَمَا تَخَلَّصُوا مِنْهُم إِلاَّ بِإِنْفَاقِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً، وَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ لَيْلاً. يُرْوَى عَنْ عَبْدَةَ، قَالَ: ذُقْتُ مَاءَ البَحْرِ لَيْلَةَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِيْنَ، فَوَجَدْتُهُ عَذْباً.   (1) وأخرجه البخاري 3 / 88، 89 في أول الجنائز و13 / 387، ومسلم (94) في الايمان: باب من مات لا يشرك بالله شيئا من طريق واصل الاحدب، عن المعرور بن سويد عن أبي ذر، وأخرجه البخاري 5 / 41، 42 من طريق الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر.. (*) طبقات ابن سعد 6 / 328، طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 6 / 114، الجرح والتعديل 6 / 99، المجروحين والضعفاء 3 / 133، تهذيب الكمال: 875، تذهيب التهذيب 2 / 262 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 106، تهذيب التهذيب 6 / 461. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 وَرَوَى: الأَوْزَاعِيُّ، عَنْهُ، قَالَ: أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الرِّيَاءِ آمَنُهُم مِنْهُ. وَقَالَ رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ يَقُوْلُ: لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّيَ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ أَنَّهُم لاَ يَسْأَلُوْنِي عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ أَسْأَلُهُم، إِنَّهُم يَتَكَاثَرُوْنَ بِالمَسَائِلِ كَمَا يَتَكَاثَرُ أَهْلُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ. مَاتَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 98 - يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ الجُبْلاَنِيُّ * (د، ت، ق) أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَلْبَسٍ الجُبْلاَنِيُّ، الأَعْمَى، عَالِمُ دِمَشْقَ، وَأَخُو أَيُّوْبَ، وَيَزِيْدَ. طَالَ عُمُرُهُ، وَحَدَّثَ عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَوَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَالصُّنَابِحِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ، وَمَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: بَلَغَ مائَةً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ فِي الجَامِعِ، وَلَهُ كَلاَمٌ نَافِعٌ فِي الزُّهْدِ وَالمَعْرِفَةِ. وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَهُوَ القَائِلُ: إِذَا تَكَلَّفْتَ مَا لاَ يَعْنِيْكَ، لَقِيْتَ مَا يُعَنِّيْكَ. قَالَ عَمْرُو بنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى المِنْبَرِ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عِمْرَانَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ حَلْبَسٍ، وَكَانَ يَدْعُو عِنْدَ المَغِيْبِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ فِي سَبِيْلِكَ. فَأَقُوْلُ: مَنْ أَيْنَ يُرْزَقُهَا وَهُوَ أَعْمَى؟! فَلَمَّا دَخَلَتِ المُسَوِّدَةُ دِمَشْقَ، قُتِلَ، فَبَلَغَنِي أَنَّ اللَّذَيْنِ قَتَلاَهُ بَكَيَا لَمَّا أُخْبِرَا بِصَلاَحِهِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 402، التاريخ الصغير 1 / 280، الجرح والتعديل 9 / 246، حلية الأولياء 5 / 250، 253، تهذيب الكمال: 1570، تذهيب التهذيب 4 / 195 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 320، تهذيب التهذيب 11 / 448، خلاصة تذهيب الكمال: 441. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 99 - حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ * (4، قَرَنَهُ م) العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ بنُ مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ، مَوْلَى الأَشْعَرِيِّيْنَ، أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ. رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَتَفَقَّهَ: بِإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَهُوَ أَنْبَلُ أَصْحَابِهِ وَأَفْقَهُهُم، وَأَقْيَسُهُم، وَأَبْصَرُهُم بِالمُنَاظَرَةِ وَالرَّأْيِ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ؛ لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ. وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، فَهُوَ فِي عِدَادِ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: تِلْمِيْذُهُ؛ الإِمَامُ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَابْنُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالأَعْمَشُ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَمُغِيْرَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ الجُعْفِيُّ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ الأَذْكِيَاءِ، وَالكِرَامِ الأَسْخِيَاءِ، لَهُ ثَرْوَةٌ وَحِشْمَةٌ وَتَجَمُّلٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَالِدُ حَمَّادٍ مَوْلَى أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: رَأَيْتُ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جَاءَ إِلَى   (*) طبقات ابن سعد 6 / 332، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 3 / 18، الضعفاء للعقيلي 107 - 110، الجرح والتعديل 3 / 146، تهذيب الكمال: 331، تذهيب التهذيب 1 / 174 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 243، العبر 1 / 151، تهذيب التهذيب 3 / 16، طبقات الحفاظ: 48، خلاصة تذهيب الكمال: 92. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 أَبِي طَلْحَةَ الكَحَّالِ يَسْتَنْعِتُهُ مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، فَرَأَيْتُهُ أَشْهَبَ اللِّحْيَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ إِيَاسٍ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَكَ؟ قَالَ: حَمَّادٌ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: فَمَا سَمِعْتُ الشَّيْبَانِيَّ ذَكَرَ حَمَّاداً إِلاَّ أَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: رَأَيْتُ حَمَّاداً وَقَدْ دَخَلَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَمَعَهُ أَطْرَافٌ (1) ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ إِبْرَاهِيْمَ عَنْهَا. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: مَا هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَطْرَافٌ. رَوَى: مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِكِتَابَةِ الأَطْرَافِ. وَرَوَى: شَرِيْكٌ، عَنْ جَامِعٍ أَبِي صَخْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ حَمَّاداً يَكْتُبُ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّا لاَ نُرِيْدُ بِذَلِكَ دُنْيَا، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مَعْمَرٌ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَفْقَهَ مِنَ: الزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَقَتَادَةَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَكَانَ حَمَّادٌ أَبْصَرَ بِإِبْرَاهِيْمَ مِنَ الحَكَمِ. ابْنُ إِدْرِيْسَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَا أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِعِلْمٍ مِنْ حَمَّادٍ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا إِبْرَاهِيْمَ نَعُوْدُهُ حِيْنَ اخْتفَى، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَمَّادٍ، فَإِنَّهُ قَدْ سَأَلَنِي عَنْ جَمِيْعِ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ النَّاسُ.   (1) جمع طرف: الطائفة من الشئ، أي أنه كتب من الحديث طرفا منه ليستثبته وكان إبراهيم النخعي يكره كتابة العلم وتخليده في الكراريس، والصواب خلافه، كما هو رأي الجمهور، فإن الحديث لا يضبط إلا بالكتابة، ثم بالمقابلة والمدارسة والتعهد والتحفظ والمذاكرة، انظر " المحدث الفاصل " 363 - 388، و" تقييد العلم " 109 - 112، و" جامع بيان العلم " 89 - 100. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نُرَى أَنَّ بَعْدَ إِبْرَاهِيْمَ الأَعْمَشُ، حَتَّى جَاءَ حَمَّادٌ بِمَا جَاءَ بِهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: كَانَ حَمَّادٌ وَمُغِيْرَةُ أَحْفَظَ مِنَ الحَكَمِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: حَمَّادٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُغِيْرَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا إِسْحَاقَ، فَيَقُوْلُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُم؟ فَنَقُوْلُ: مِنْ عِنْدِ حَمَّادٍ. فَيَقُوْلُ: مَا قَالَ لَكُم أَخُو المُرْجِئَةِ؟ فَكُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَى حَمَّادٍ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُم؟ قُلْنَا: مِنْ عِنْدِ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ: الْزَمُوا الشَّيْخَ، فَإِنَّهُ يُوْشَكُ أَنْ يُطْفَى. قَالَ: فَمَاتَ حَمَّادٌ قَبْلَهُ. قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِحَمَّادٍ: كُنْتَ رَأْساً، وَكُنْتَ إِمَاماً فِي أَصْحَابِكَ، فَخَالَفْتَهُم، فَصِرْتَ تَابِعاً! قَالَ: إِنِّي أَنْ أَكُوْنَ تَابعاً فِي الحَقِّ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأْساً فِي البَاطِلِ. قُلْتُ: يُشِيْرُ مَعْمَرٌ إِلَى أَنَّهُ تَحَوَّلَ مُرْجِئاً إِرْجَاءَ الفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنَّهُم لاَ يَعُدُّوْنَ الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ مِنَ الإِيْمَانِ، وَيَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَيَقِيْنٌ فِي القَلْبِ، وَالنِّزَاعُ عَلَى هَذَا لَفْظِي - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَإِنَّمَا غُلُوُّ الإِرْجَاءِ مَنْ قَالَ: لاَ يَضُرُّ مَعَ التَّوْحِيْدِ تَرْكُ الفَرَائِضِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. رَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَنَّ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: مَنْ أَمِنَ أَنْ يُسْتَثْقَلَ، ثَقُلَ. قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَيْنِ الأُضْحِيَةِ يَكُوْنُ فِيْهَا البَيَاضُ؟ فَلَمْ يَكْرَهْهَا. وَسَأَلَتُهُ عَنِ الرَّجُلِ: يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ كَاذِباً وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ؟ قَالَ: لاَ يَكُفِّرُ. وَسَأَلْتُهُ عَنِ التَّرَبُّع فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَسَأَلْتُ حَمَّاداً عَنِ الرَّجُلِ يَسْرِقُ مِنْ بَيْتِ المَالِ؟ فَقَالَ: يُقْطَعُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إِنْ فَارَقْتُ غَرِيْمِي، فَمَا لِي عَلَيْهِ فِي المَسَاكِيْنِ؟ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَسَأَلْتُهُ عَنِ الصُّفْرِ بِالحَدِيْدِ، نَسِيْئَةٌ. قَالَ مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ حَمَّاداً قَدْ جَلَسَ يُفْتِي. قَالَ: وَمَا يَمْنَعُهُ وَقَدْ سَأَلَنِي عَمَّا لَمْ تَسْأَلْنِي عَنْ عُشْرِهِ؟ وَقَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْتُ الحَكَمَ يَقُوْلُ: وَمَنْ فِيْهِم مِثْلُ حَمَّادٍ؟ -يَعْنِي: أَهْلَ الكُوْفَةِ-. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ: حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَفْقَهُ مِنَ الشَّعْبِيِّ، مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ حَمَّادٍ! وَقَالَ شُعْبَةُ: كَانَ حَمَّادٌ صَدُوْقَ اللِّسَانِ، لاَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مُرْجِئٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مُسْتقِيْمٌ فِي الفِقْهِ، فَإِذَا جَاءَ الأَثَرُ، شَوَّشَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ أَفْقَهَ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَتْ رُبَّمَا تَعْتَرِيْهِ مُوْتَةٌ (1) وَهُوَ يُحَدِّثُ. وَبَلَغَنَا: أَنَّ حَمَّاداً كَانَ ذَا دُنْيَا مُتَّسِعَةٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يُفَطِّرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسَ مائَةِ إِنْسَانٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيْهِم بَعْدَ العِيْدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مائَةَ دِرْهَمٍ. وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ السُّنَنِ، مَا أَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ، وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيْثاً وَاحِداً مَقْرُوْناً بِغَيْرِهِ. وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادٌ - وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ - عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. وَفِي لَفْظٍ: وَمَا كُنَّا نَثِقُ بِحَدِيْثِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ: إِنَّهُ ذَكَرَ لَهُ عَنْ حَمَّادٍ شَيْئاً، فَقَالَ: كَذَبَ. يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: حَجَّ حَمَّادُ بنُ أَبِي   (1) الموتة: الغشي، وفي تاريخ المؤلف: وكانت به موتة، كان ربما حدث، فتعتريه، فإذا أفاق أخذ من حيث انتهى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا قَدِمَ، أَتَيْنَاهُ نُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ، فَإِنِّي قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِ الحِجَازِ، فَرَأَيْتُ عَطَاءً، وَطَاوُوْساً، وَمُجَاهِداً، فَصِبْيَانُكُم، بَلْ صِبْيَانُ صِبْيَانِكُم أَفْقَهُ مِنْهُم. قَالَ مُغِيْرَةُ: فَرَأَيْنَا أَنَّ ذَاكَ بَغْيٌ مِنْهُ. خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ: عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي أَحْدَثْتَ؟ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ! فَقَالَ: لَوْ كَانَ حَيّاً، لَتَابَعَنِي عَلَيْهِ -يَعْنِي: الإِرْجَاءَ-. الفِرْيَابِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَأْتِي حَمَّاداً إِلاَّ خِفْيَةً مِنْ أَصْحَابِنَا. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ يُصْرَعُ، وَإِذَا أَفَاقَ، تَوَضَّأَ. قُلْتُ: نَعَمْ، لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الإِغْمَاءِ، وَهُوَ أَخُو النَّوْمِ، فَيَنْقُضُ الوُضُوْءَ. وَرَوَى: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: كَانَ حَمَّادٌ يُصِيْبُهُ المَسُّ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ، عَادَ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيْهِ. حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مَا أَحْدَثَ. قَالَ العُقَيْلِيُّ فِي تَرْجَمَةِ حَمَّادٍ الفَقِيْهِ - وَطَوَّلَهَا -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ، حَدَّثَنَا القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ البَصْرَةَ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلَ صِبْيَانُ البَصْرَةِ يَسْخَرُوْنَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ وَطِئَ دَجَاجَةً مَيْتَةً، فَخَرَجَتْ مِنْ بَطْنِهَا بَيْضَةٌ؟ وَقَالَ لَهُ آخَرُ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مِلْءَ سُكُرُّجَةٍ؟ وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الرَّقَّةَ، فَخَرَجْتُ لأَسْمَعَ مِنْهُ، فَإِذَا عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ حَمْرَاءُ، وَقَدْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِالسَّوَادِ، فَرَجَعْتُ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَلَيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَحَادِيْثِ (المُسْنَدِ) ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُوْنَهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَكُنْتُ إِذَا جِئْتُ، قَالَ: لاَ جَاءَ اللهُ بِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: حَمَّادٌ مُقَارَبُ الحَدِيْثِ، مَا رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَلَكِنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ عِنْدَهُ عَنْهُ تَخْلِيْطٌ. فَقُلْتُ لأَحْمَدَ: أَبُو مَعْشَرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ حَمَّادٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ؟ قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وَقَالَ الأَثْرَمُ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ: أَمَّا رِوَايَاتُ القُدَمَاءِ عَنْ حَمَّادٍ فَمُقَارِبَةٌ، كَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَهِشَامٍ، وَأَمَّا غَيْرُهُم، فَقَدْ جَاؤُوا عَنْهُ بِأَعَاجِيْبَ. قُلْتُ لَهُ: حَجَّاجٌ وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ؟ فَقَالَ: حَمَّادٌ عَلَى ذَاكَ لاَ بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ سَقَطَ فِيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ وَذَاكَ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَظَنَّنَا أَنَّهُ عَنَى سَلَمَةَ الأَحْمَرَ أَوْ عَنَى غَيْرَهُ. قَالَ كَاتِبُهُ: إِنَّمَا التَّخْلِيْطُ فِيْهَا مِنْ سُوْءِ حِفْظِ الرَّاوِي عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَقَعُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَفْرَادٌ وَغَرَائِبُ، وَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ، مُتَمَاسِكٌ فِي الحَدِيْثِ. مَاتَ حَمَّادٌ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. أَرَّخَهُ: خَلِيْفَةُ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. فَأَفْقَهُ أَهْلِ الكُوْفَةِ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِهِمَا: عَلْقَمَةُ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِهِ: إِبْرَاهِيْمُ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ: حَمَّادٌ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِ حَمَّادٍ: أَبُو حَنِيْفَةَ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِهِ: أَبُو يُوْسُفَ. وَانْتَشَرَ أَصْحَابُ أَبِي يُوْسُفَ فِي الآفَاقِ، وَأَفْقَهُهُم: مُحَمَّدٌ، وَأَفْقَهُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الكُوْفِيُّ: مَاتَ حَمَّادٌ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُم بِالتَّشَهُّدِ: (التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطِّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ (1)) . وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2)) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ السَّيِّدِ الأَنْصَارِيُّ بِالمِزَّةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ قِرَاءةً عَلَيْهِمَا، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَعْرُوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (402) من طريق منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأخرجه البخاري 2 / 257، و11 / 12 من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله. (2) إسناده صحيح وأخرجه أحمد 3 / 203 و209 و278، والبخاري 1 / 179 و180، ومسلم (2) والترمذي (2661) ، وابن ماجه (32) من حديث أنس وهو حديث متواتر رواه أكثر من سبعين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ، قَالُوا: (المَيْتُ يُغَسَّلُ وِتْراً، وَيُكَفَّنُ وِتْراً، وَيُجَمَّرُ وِتْراً (1)) . وَبِهِ: عَنْ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِداً، وَإِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُوْنَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِن شِئْتَ فَأَفْطِرْ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ - يَعْنُوْنَ: رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ -. وَبِهِ: عَنْ حَمَّادٍ، سَأَلْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ عَنِ الجُنُبِ يَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَوَ لَيْسَ هُوَ فِي جَوْفِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرْجُلاَنِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ السَّلُوْلِيِّ، سَمِعْتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ سَخِيّاً عَلَى الطَّعَامِ، جَوَاداً بِالدَّنَانِيْرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَقَالَ أَيْضاً عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، عَنِ الصَّلْتِ بنِ بِسْطَامَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ يَزُوْرُنِي، فَيُقِيْمُ عِنْدِي سَائِرَ نَهَارِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، قَالَ: انْظُرِ الَّذِي تَحْتَ الوِسَادَةِ، فَمُرْهُم يَنْتَفِعُوْنَ بِهِ. فَأَجِدُ الدَّرَاهِمَ الكَثِيْرَةَ. وَعَنِ الصَّلْتِ بنِ بِسْطَامَ، قَالَ: وَكَانَ يُفَطِّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ خَمْسِيْنَ إِنْسَاناً، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الفِطْرِ، كَسَاهُم ثَوْباً ثَوْباً. رَوَى: عُثْمَانُ بنُ زُفَرَ التَّيْمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَبِيْحٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الزِّنَادِ الكُوْفَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ، كَلَّمَ رَجُلٌ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيْمَنْ يُكَلِّمُ أَبَا الزِّنَادِ يَسْتَعِيْنُ بِهِ فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِ. فَقَالَ حَمَّادٌ: كَمْ يُؤَمِّلُ صَاحِبُكَ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنْ يُصِيْبَ مَعَهُ؟ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَ: قَدْ أَمَرْتُ لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَلاَ يُبْذَلُ وَجْهِي إِلَيْهِ. قَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً. قَالَ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (2)) : قَالَ حَمَّادٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الحَاكِمِ،   (1) رجاله ثقات. (2) 13 / 140 في الاحكام: باب الشهادة تكون عند الحاكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 رُجِمَ -يَعْنِي: الزَّانِي-. وَرَوَى لَهُ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) ، وَأَخْرَج لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُوْناً بِغَيْرِهِ وَالبَاقُوْنَ. 100 - غَيْلاَنُ بنُ جَرِيْرٍ أَبُو يَزِيْدَ الأَزْدِيُّ المِعْوَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو يَزِيْدَ الأَزْدِيُّ، المِعْوَلِيُّ، بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ رَبَاحٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى. حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: فِرَاسُ بنُ يَحْيَى الهَمْدَانِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ بِاليَمَامَةِ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ المَدَنِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ قَاضِي أَفْرِيْقِيَةَ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَقَيْسُ بنُ حَجَّاجٍ السُّلَفِيُّ. 101 - رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو شُعَيْبٍ الإِيَادِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو شُعَيْبٍ الإِيَادِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، القَصِيْرُ. حَدَّثَ عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَجُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ ثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 465، طبقات خليفة: 313، التاريخ الكبير 3 / 288، الجرح والتعديل 3 / 474، تهذيب الكمال: 413، تذهيب التهذيب 1 / 223 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 68، العبر 1 / 250، تهذيب التهذيب 3 / 264، خلاصة تذهيب الكمال: 119، شذرات الذهب 1 / 161. (* *) تاريخ خليفة: 389، التاريخ الكبير 7 / 101، الجرح والتعديل 7 / 52، تهذيب الكمال: 1092، تذهيب التهذيب 3 / 135 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 121، تهذيب التهذيب 8 / 253، خلاصة تذهيب الكمال: 307. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 حَدَّثَ عَنْهُ: حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ المِصْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَعِدَّةٌ. قَالَ فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ: كَانَ رَبِيْعَةُ يُفَضَّلُ عَلَى مَكْحُوْلٍ -يَعْنِي: فِي العِبَادَةِ-. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَحَدٌ أَحْسَنَ سَمْتاً فِي العِبَادَةِ مِنْهُ، وَمِنْ مَكْحُوْلٍ. وَقِيْلَ: كَانَتْ دَارُ رَبِيْعَةَ القَصِيْرِ بِنَاحِيَةِ بَابِ الفَرَادِيْسِ (1) . قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَامِرٍ، سَمِعْتُ رَبِيْعَةَ بنَ يَزِيْدَ يَقُوْلُ: مَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلاَّ وَأَنَا فِي المَسْجِدِ، إِلاَّ أَنْ أَكُوْنَ مَرِيْضاً أَوْ مُسَافِراً. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَبِيْعَةُ: يُعْرَفُ بِالقَصِيْرِ، يُعْتَبَرُ بِهِ. وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: خَرَجَ رَبِيْعَةُ القَصِيْرُ مَعَ كُلْثُوْمِ بنِ عِيَاضٍ غَازِياً، فَقَتَلَهُ البَرْبَرُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: اسْتُشْهِدَ رَبِيْعَةُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِأَفْرِيْقِيَةَ. 102 - عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ * (ع) أَبُو عُمَرَ الظَّفَرِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، المَدَنِيُّ. وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو، أَحَدُ العُلَمَاءِ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، وَرُمَيْثَةَ الصَّحَابِيَّةِ - وَهِيَ جَدَّتُهُ - وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ.   (1) هو أحد أبواب دمشق السبعة ويقع شمال شرق جامع بني أمية، ويسمى في عصرنا: باب العمارة، والفراديس: البساتين. (*) طبقات خليفة: 258، تاريخ الفسوي 1 / 422، الجرح والتعديل 6 / 346، تهذيب الكمال: 638، تذهيب التهذيب 2 / 112 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 261، ميزان الاعتدال 2 / 355، تهذيب التهذيب 5 / 53، خلاصة تذهيب الكمال: 183. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 حَدَّثَ عَنْهُ: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الغَسِيْلِ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ عَارِفاً بِالمَغَازِيِ، يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ كَثِيْراً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَيُقَالُ: سَنَةَ سِتٍّ، أَوْ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ جَدُّهُ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَيْنَهُ، فَعَادَتْ - بِإِذْنِ اللهِ - كَمَا كَانَتْ. 103 - مَسْلَمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ * (د) الأَمِيْرُ الضِّرْغَامُ، قَائِدُ الجُيُوْشِ، أَبُو سَعِيْدٍ، وَأَبُو الأَصْبَغِ الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وَيُلَقَّبُ: بِالجَرَادَةِ الصَّفْرَاءِ. حَكَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ. وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) . لَهُ مَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ مَعَ الرُّوْمِ، وَهُوَ الَّذِي غَزَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَكَانَ مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ، وَقَدْ وَلِيَ العِرَاقَ لأَخِيْهِ يَزِيْدَ، ثُمَّ أَرْمِيْنِيَةَ. قَالَ اللَّيْثُ: وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَمائَةٍ غَزَا مَسْلَمَةُ التُّرْكَ وَالسِّنْدَ. قَالَ خَلِيْفَةُ (1) : مَاتَ مَسْلَمَةُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: كَانَ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْ سَائِرِ إِخْوَتِهِ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُو نُخَيْلَةَ: أَمَسْلَمُ، إِنِّي يَا ابْنَ خَيْرِ خَلِيْفَةٍ ... وَيَا فَارِسَ الهَيْجَاءِ، يَا جَبَلَ الأَرْضِ شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ مِنَ التُّقَى ... وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يُغْضِي   (*) تاريخ خليفة: 301، الجرح والتعديل 8 / 266، تهذيب الكمال: 1328، تذهيب التهذيب 4 / 39 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 302، تهذيب التهذيب 10 / 144. (1) في تاريخه الصفحة (350) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 وَأَحْسَنْتَ لِي ذِكْرِي، وَمَا كُنْتُ خَامِلاً ... وَلَكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أَنْبَهُ مِنْ بَعْضِ 104 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي يَزِيْدَ المَكِّيُّ * (ع) مَوْلَى بَنِي كِنَانَةَ؛ حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَالحُسَيْنِ، وَسِبَاعِ بنِ ثَابِتٍ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَقِيْلِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ، وَوَرْقَاءُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؛ كَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَيَقُوْلُ: هُوَ شَيْخٌ قَدِيْمٌ، يُوْهِمنَا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً عَلَى بَابِ دَارٍ، إِذْ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ: ادْخُلْ بِنَا عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ. فَقُلْتُ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: شَيْخٌ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ. قُلْتُ: أَأَدْخُلُ مَعَكُم؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَسَمِعْتُ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ أَحَادِيْثَ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، فَحَدَّثَ عَنْهُ. فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ. قَالَ: وَقَدْ وَقَعْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ ثِقَةً. قَالَ: وَعَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا أَحَادِيْثُ مِنْ عَوَالِيْهِ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 481، طبقات خليفة: 282، التاريخ الكبير 5 / 403، التاريخ الصغير 1 / 327، الجرح والتعديل 5 / 337، تهذيب الكمال: 893، تذهيب التهذيب 3 / 22 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 105، تهذيب التهذيب 7 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 254، شذرات الذهب 1 / 171. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 105 - أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) أَحَدُ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ، وَعَائِذِ بنِ عَمْرٍو المُزَنِيِّ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَالحمَّادَانِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. اسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ الأَمِيْرُ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ إِلَى خُرَاسَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى البَصْرَةِ. قَالَ مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ: رَأَيْتُ أَبَا جَمْرَةَ مُضَبَّبَ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَبُو جَمْرَةَ وَأَبُو حَمْزَةَ رَويَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ: نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ، وَأَبُو حَمْزَةَ عِمْرَانُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ وَاسطِيٌّ ثِقَةٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَيْرُوْنَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الحَافِظُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يُجْلِسُنِي مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِهِ، فَقَالَ لِي: أَقمْ عِنْدِي، حَتَّى أَجعلَ لَكَ سَهْماً مِنْ مَالِي. فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَبُو جَمْرَةَ ثِقَةٌ. مَاتَ: فِي وِلاَيَةِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ عَلَى   (*) طبقات ابن سعد 7 / 235، طبقات خليفة: 214، التاريخ الكبير 8 / 104، الجرح والتعديل 8 / 465، تهذيب الكمال: 1409، تذهيب التهذيب 4 / 95، تاريخ الإسلام 5 / 167، تهذيب التهذيب 10 / 431، خلاصة تذهيب الكمال: 401، شذرات الذهب 1 / 175. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 العِرَاقِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ بِسَرْخَسَ، فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ. 106 - إِيَادُ بنُ لَقِيْطٍ السَّدُوْسِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، د، ت، س) مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ، وَثِقَاتِهِم. حَدَّثَ عَنْ: البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَأَبِي رِمْثَةَ البَلَوِيِّ، وَالبَرَاءِ بنِ قَيْسٍ، وَالحَارِثِ بنِ حَسَّانٍ البَكْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ العَامِرِيِّ البَكَّائِيِّ، وَلَهمَا صُحْبَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِيَادٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْلَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 107 - إِيَاسُ بنُ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ الأَسْلَمِيُّ المَدَنِيُّ ** (ع) مَشْهُوْرٌ، وَمَا عَلِمتُه رَوَى عَنْ غَيْرِ أَبِيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَبُو العُمَيْسِ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَيَعْلَى بنُ الحَارِثِ المُحَارِبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. مَاتَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة 156 و199، التاريخ الكبير 2 / 69، تاريخ الفسوي 3 / 103 و145 و180، الجرح والتعديل 2 / 345 تهذيب الكمال: 129، تذهيب التهذيب 1 / 75 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 233، تهذيب التهذيب 1 / 386، خلاصة تذهيب الكمال: 45. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 248، طبقات خليفة: 249، التاريخ الكبير 1 / 439، الجرح والتعديل 2 / 279، تهذيب الكمال: 129، تذهيب التهذيب 1 / 76 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 233، تهذيب التهذيب 1 / 388، خلاصة تذهيب الكمال: 42. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 108 - سَعِيْدُ بنُ مِيْنَا الحِجَازِيُّ * (خَ، م، د، ت، ق) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو الوَلِيْدِ الحِجَازِيُّ. حَدِيْثُهُ فِي الصِّحَاحِ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَسُلَيْمُ بنُ حَيَّانَ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَغَيْرُهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ. 109 - سِمَاكُ بنُ حَرْبِ بنِ أَوْسٍ الذُّهْلِيُّ البَكْرِيُّ ** (م، 4) ابْنِ خَالِدِ بنِ نِزَارِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ حَارِثَةَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو المُغِيْرَةِ الذُّهْلِيُّ، البَكْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيْمَ. حَدَّثَ عَنْ: ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ اللَّيْثِيِّ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: قَبِيْصَةَ بنِ هُلَبٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ الجُمَحِيِّ، وَمُرِّيِّ بنِ قَطَرِيٍّ، وَمُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، وَعِكْرِمَةَ - وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ - وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَتَمِيْمِ بنِ طَرَفَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، وَسُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي سَلاَمَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ حِصْنٍ - وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 311، التاريخ الكبير 3 / 512، الجرح والتعديل 4 / 61، تهذيب الكمال: 509، تهذيب التهذيب 4 / 91، تاريخ الإسلام 4 / 252، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 1، خلاصة تذهيب الكمال: 143. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 323، طبقات خليفة: 161، تاريخ خليفة: 363، التاريخ الكبير 4 / 173، الجرح والتعديل 4 / 279، شرح علل الترمذي ص 106 و444، المجروحين والضعفاء 2 / 249، الثقات 3 / 103، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 84، ميزان الاعتدال 2 / 232، 234، تهذيب التهذيب 4 / 232، خلاصة تذهيب الكمال: 155، شذرات الذهب 1 / 161. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 عَمِيْرَةَ بنِ حِصْنٍ - وَأَبِي المُهَاجِرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمِيْرَةَ القَيْسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمِيْرَةَ صَاحِبِ الأَحْنَفِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمِيْرَةَ قَائِدِ الأَعْشَى فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَثَرْوَانَ بنِ مِلْحَانَ، وَجَعْفَرِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي ظَبْيَانَ الجَنْبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَحُمَيْدٍ ابْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ، وَحَسَنٍ الكِنَانِيِّ، وَسَيَّارِ بنِ مَعْرُوْرٍ المَازِنِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ حُبَيْشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ الخُزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ المَازِنِيِّ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنِ: القَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ مِنْ حَملَةِ الحُجَّةِ بِبَلَدهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَحَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قَرْمِ بنِ مُعَاذٍ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُوْسَى بنِ وَجِيْهٍ الوَجِيْهِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَشَرِيْكٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمُعْتِقُهُ؛ يَزِيْدُ بنُ عَطَاءٍ اليَشْكُرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَأَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَمِنَ القُدَمَاءِ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْهُ: أَدْرَكْتُ ثَمَانِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي، فَدعوتُ اللهَ -تَعَالَى- فَرَدَّ عَلَيَّ بَصَرِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا سَقَطَ لِسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ حَدِيْثٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الحُفَّاظُ. هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ فِي التَّفْسِيْرِ: عِكْرِمَةَ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ: ابْنَ عَبَّاسٍ، لَقَالَهُ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: فَكَانَ شُعْبَةُ لاَ يَرْوِي تَفْسِيْرَهُ إِلاَّ عَنْ عِكْرِمَةَ -يَعْنِي: لاَ يَذْكُرُ فِيْهِ ابْنَ عَبَّاسٍ-. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، سُئِلَ عَنْ سِمَاكٍ: مَا الَّذِي عَابَهُ؟ قَالَ: أَسْنَدَ أَحَادِيْثَ لَمْ يُسْنِدْهَا غَيْرُه، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: رُبَّمَا خَلَّطَ، وَيَخْتَلِفُوْنَ فِي حَدِيْثِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: جَائِزُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِ عِكْرِمَةَ رُبَّمَا وَصلَ الشَّيْءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُبَّمَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّمَا كَانَ عِكْرِمَةُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ بَعْضَ الضَّعفِ، وَلَمْ يَرغبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ عَالِماً بِالشِّعرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، فَصِيْحاً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُهُ: فَقُلْتُ لأَبِي: قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَصلَحُ حَدِيْثاً مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُضْطَرِبَةٌ. فَشُعْبَةُ وَسُفْيَانُ يَجعلُونَهَا عَنْ عِكْرِمَةَ، وَغَيْرُهمَا أَبُو الأَحْوَصِ وَإِسْرَائِيْلُ يَقُوْلُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: سِمَاكٌ ضَعِيْفٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: رِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةٌ مُضْطَرِبَةٌ، وَهُوَ فِي غَيْرِ عِكْرِمَةَ صَالِحٌ، وَلَيْسَ مِنَ المُتثبِّتِيْنَ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً مِثْلُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، فَحَدِيْثُهُم عَنْهُ صَحِيْحٌ مُسْتقِيْمٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: يُضَعَّفُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ شَيْءٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: فِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 قُلْتُ: وَلِهَذَا تَجنَّبَ البُخَارِيُّ إِخرَاجَ حَدِيْثِهِ، وَقَدْ علَّقَ لَهُ البُخَارِيُّ اسْتِشهَاداً بِهِ. فَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نُسْخَةُ عِدَّةِ أَحَادِيْثَ، فَلاَ هِيَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ لإِعرَاضهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلاَ هِيَ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ؛ لإِعرَاضهِ عَنْ سِمَاكٍ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تُعدَّ صَحِيْحَةً؛ لأَنَّ سِمَاكاً إِنَّمَا تُكُلِّمَ فِيْهِ مِنْ أَجلِهَا. قَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: أَتَيْتُ سِمَاكَ بنَ حَرْبٍ فَرَأَيْتُهُ يَبُولُ قَائِماً، فَرَجَعتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ (1) ، وَقُلْتُ: خَرِفَ. قَالَ جَنَّادٌ المُكْتِبُ: كُنَّا نَأتِي سِمَاكاً نَسْأَلُهُ عَنِ الشِّعرِ، وَيَأْتِيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَيُقْبِلُ عَلَيْنَا، وَيَقُوْلُ: سَلُوا، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ ثُقَلاَءُ. رَوَى: مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، سَمِعَ سِمَاكاً يَقُوْلُ: ذَهَبَ بَصَرِي، فَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: ذَهَب بَصَرِي. فَقَالَ: انزِلْ فِي الفُرَاتِ، فَاغمِسْ رَأْسَكَ، وَافْتحْ عَيْنَيْكَ، وَسلْ أَنْ يَرُدَّ اللهُ عَلَيْكَ بَصَركَ. فَفَعَلتُ ذَلِكَ، فَردَّ اللهُ عَلَيَّ بَصَرِي. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: إِذَا انْفردَ سِمَاكٌ بِأصلٍ لَمْ يَكُنْ حُجّةً، لأَنَّهُ كَانَ يُلقَّنُ، فَيَتَلقَّنُ. وَرَوَى: حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ لِسِمَاكٍ: عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، فَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُلقِّنُهُ. وَرَوَى: قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَكْذِبَ صَاحِبُكَ، فَلَقِّنْهُ. وَقَالَ آخَرُ: كَانَ سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، يُزَيِّنُ الحَدِيْثَ مَنطقُهُ وَفصَاحتُهُ. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَا   (1) لا يدل صنيع سماك على خرف، فربما فعل ذلك من عذر، والنبي صلى الله عليه وسلم بال قائما كما رواه البخاري 1 / 282، ومسلم (272) من حديث حذيفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 سَمِعَ مِنْهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. 110 - فَأَمَّا : سِمَاكُ بنُ الفَضْلِ الخَوْلاَنِيُّ * (د، ت، س) الصَّنْعَانِيُّ: فَشَيْخٌ صَدُوْقٌ. يَرْوِي عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَغَيْرُهُمَا. رَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لاَ يَكَادُ يَسْقُطُ لِسِمَاكِ بنِ الفَضْلِ حَدِيْثٌ لِصحَّةِ حَدِيْثهِ. وَوَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. رَوَى لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ حَدِيْثاً وَاحِداً عَنْ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو حَدِيْثَ: فِي كَمْ أَقْرَأُ القُرْآنَ (1) ؟ وَسَاقهُ النَّسَائِيُّ أَيْضاً: عَنْ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ. 111 - وَلَهُم : سِمَاكُ بنُ الوَلِيْدِ الحَنَفِيُّ اليَمَامِيُّ ** (م، 4) المُحَدِّثُ، أَبُو زُمَيْلٍ الحَنَفِيُّ، اليَمَامِيُّ، نَزِيلُ الكُوْفَةِ. عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ.   (*) طبقات خليفة 288، التاريخ الكبير 4 / 174، الجرح والتعديل 4 / 280، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 84، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156. (1) أخرجه أبو داود (1395) في الصلاة: باب تخريب القرآن، والترمذي (2947) في القراءات: باب في كم يختم القرآن، من طريق سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوما، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال في خمس عشرة، ثم قال في عشر، ثم قال: في سبع، لم ينزل من سبع، وإسناده صحيح. (* *) التاريخ الكبير 4 / 173، التاريخ الصغير 1 / 268، الجرح والتعديل 4 / 280، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 256، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 وَعَنْهُ: سِبْطُهُ؛ عَبْدُ رَبِّهِ بنُ بَارِقٍ الحَنَفِيُّ، وَمِسْعَرٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةُ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. 112 - و َ: سِمَاكُ بنُ عَطِيَّةَ المِرْبَدِيُّ * (خَ، م، د) بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، مُقِلٌّ، مَاتَ شَابّاً. رَوَى عَنْ: الحَسَنِ. وَعَنْ: أَيُّوْبَ، وَمَاتَ قَبْلَ أَيُّوْبَ. وَعَنْهُ: حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. لَهُ حَدِيْثَانِ فِي الكُتُبِ. فَهَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ مُتعَاصِرُوْنَ أَقْوِيَاءُ. وَمَا فِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ) مَنِ اسْمُهُ سِمَاكٌ غَيْرُهم. 113 - بَكْرُ بنُ سَوَادَةَ أَبُو ثُمَامَةَ الجُذَامِيُّ ** (م، 4) المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَالِمٍ الجَيْشَانِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، بِمِصْرَ.   (*) التاريخ الكبير 4 / 174، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 3 / 58، تاريخ الإسلام 5 / 260، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156. (* *) طبقات خليفة: 295، التاريخ الكبير 2 / 89، 90، الجرح والتعديل 2 / 386، تهذيب الكمال: 160، تذهيب التهذيب 1 / 89 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 48، البداية 10 / 29، تهذيب التهذيب 1 / 483، خلاصة تذهيب الكمال: 51، شذرات الذهب 1 / 175، معالم الايمان 1 / 160. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 114 - أَبُو طُوَالَةَ الأَنْصَارِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * (ع) الإِمَامُ، قَاضِي المَدِيْنَةِ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَعْمَرِ بنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسٍ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: مَالِكٌ، وَفُلَيْحٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ فَقِيْهاً، ثِقَةً، صَوَّاماً، قَوَّاماً، خَيِّراً. مَاتَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 115 - أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيْدُ بنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ ** (ع) هُوَ الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيْدُ بنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَمُوْسَى بنِ سَلَمَةَ بنِ المُحَبَّقِ، وَحُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ سُبَيْعٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيِّ، وَزَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ، وَالمُثَنَّى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَخَلْقٌ.   (*) طبقات خليفة: 264، تاريخ خليفة: 324، التاريخ الصغير 2 / 79، تاريخ الفسوي 1 / 426، تهذيب الكمال: 704، تذهيب التهذيب 2 / 164 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 267، تهذيب التهذيب 5 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 204. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 238، طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير 8 / 326، الجرح والتعديل 9 / 256، تهذيب الكمال: 1530، تذهيب التهذيب 4 / 174 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 186، تهذيب التهذيب 11 / 320، خلاصة تذهيب الكمال: 431. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: ثَبْتٌ، ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ شُعْبَةُ: إِنَّمَا كُنَّا نُكَنِّيْهِ بِأَبِي حَمَّادٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُكْنَى بِأَبِي التَّيَّاحِ وَهُوَ غُلاَمٌ. حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ أَبَا إِيَاسٍ يَقُوْلُ: مَا بِالبَصْرَةِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ -تَعَالَى- بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَالَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ: مَاتَ أَبُو جَمْرَةَ وَأَبُو التَّيَّاحِ بِسَرْخَسَ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَالتِّرْمِذِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 116 - عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * (1) (م، 4) الإِمَامُ، السَّيِّدُ، أَبُو الخَلاَئِفِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، السَّجَّادُ. وُلِدَ: عَامَ قُتِلَ الإِمَامُ عَلِيٍّ، فَسُمِّيَ بِاسْمِهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهم. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عِيْسَى، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَأُمّهُ: هِيَ ابْنَةُ مِشْرَحِ بنِ عَدِيٍّ الكِنْدِيِّ؛ أَحَدِ المُلُوْكِ الأَرْبَعَةِ. كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- عَالِماً، عَامِلاً، جسِيْماً، وَسِيْماً، طُوَالاً، مَهِيْباً، يَخْضِبُ لِحْيَتَهُ بِالوَسِمَةِ.   (1) سيكرر المؤلف ترجمته في الصفحة 284 ولم يفطن لذلك، وسنذكر هناك مصادر الترجمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 ذَكرَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ كُلَّ يَوْمٍ أَلفَ سَجدَةٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، وَقَالَ: قَالَ لَهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ: لاَ أَحتمِلُ لَكَ الاسْمَ وَالكُنْيَةَ جَمِيْعاً. فَغَيَّرَهُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: وَكَانَ يُكْنَى بِأَبِي الحَسَنِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلابْنهِ عَلِيٍّ: اذْهبَا إِلَى أَبِي سَعِيْدٍ، فَاسْمعَا مِنْ حَدِيْثِهِ. فَأَتَيْنَاهُ فِي حَائِطٍ لَهُ. مَيْمُوْنُ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ مَعَنَا بِالشَّامِ، وَكَانَتْ لَهُ لِحْيَةٌ طَوِيْلَةٌ يَخضِبهَا بِالوَسِمَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَلفَ رَكْعَةٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ جَسِيْماً، آدَمَ، وَرَأَيْتُ لَهُ مَسْجِداً كَبِيْراً فِي وَجْههِ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ لَهُ خَمْسُ مائَةِ شَجَرَةٍ، يُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ شَجَرَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ. قُلْتُ: كَانَ هُوَ وَأَوْلاَدُهُ قَدْ خَافَ مِنْهُم هِشَامٌ، وَأَسكَنَهُم بِالحُمَيْمَةِ مِنَ البَلْقَاءِ. تُوُفِّيَ عَلِيٌّ: سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 117 - عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ العَدَوِيُّ العُمَرِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.   (*) طبقات خليفة: 263، التاريخ الصغير 2 / 31، الجرح والتعديل 5 / 46، تهذيب الكمال: 679، تذهيب التهذيب 2 / 142 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 265، تذكرة الحفاظ 1 / 126، ميزان الاعتدال 2 / 417، تهذيب التهذيب 5 / 201، طبقات الحفاظ: 50، خلاصة تذهيب الكمال: 196، شذرات الذهب 1 / 173. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 سَمِعَ: ابْنَ عُمَرَ، وَأَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ يَسَارٍ، وَأَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ تَفَرَّدَ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَى إِخرَاجِهِ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) . وَقَدْ أَسَاءَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ (2) بِإِيرَادِهِ فِي (كِتَابِ الضُّعَفَاءِ) لَهُ، فَقَالَ: فِي   (1) أخرجه البخاري 5 / 121 و12 / 37، ومسلم (1506) كلاهما في العتق: باب النهي عن بيع الولاء وهبته. وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في " صحيحه ": الناس في هذا الحديث عيال عليه، وقال الترمذي بعد تخريجه: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، رواه عنه سعيد وسفيان ومالك، ويروى عن شعبة أنه قال: وددت أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه، فأقبل رأسه. وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار، فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار.. (2) هو أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي الحجازي المتوفى بمكة سنة 322 هـ، وقد جرح في كتابه الضعفاء كثيرا من رجال " الصحيحين " وأئمة الفقه وحملة الآثار مما حمل ابن عبد البر وغيره من الأئمة ومنهم المؤلف رحمه الله على تعقبه وبيان ما نأى فيه عن الصواب، وقد قال المؤلف رحمه الله في " ميزانه " في ترجمة علي بن المديني ت (5874) : ذكره العقيلي في كتابه الضعفاء فبئس ما صنع، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفمالك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط، ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الاثر، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 رِوَايَةِ المَشَايِخِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ اضْطِرَابٌ. ثُمَّ إِنَّهُ أَوْرَدَ لَهُ حَدِيْثَيْنِ مُضْطَرِبَيِ الإِسْنَادِ، وَلاَ ذَنْبَ لِعَبْدِ اللهِ، وَإِنَّمَا الاضْطِرَابُ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدِيْثُهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. 118 - أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ البَصْرِيٌّ. رَأَى عِمرَانَ بنَ حُصَيْنٍ. وَرَوَى عَنْ: جُنْدُبٍ البَجَلِيِّ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَأَبَانٌ العَطَّارُ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي حَزْمٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ، وَآخَرُوْنَ.   = عرفوها اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه [في] الشئ، فيعرف ذلك، فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه! وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث. وإن تفرد الثقة المتن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا، يصيره متروك الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعه، أو له هفوة، أو ذنوب، يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما عن الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أولهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الاشياء بالعدل والورع. (*) طبقات خليفة: 215، التاريخ الكبير 5 / 410، التاريخ الصغير 1 / 318، الجرح والتعديل 5 / 346، حلية الأولياء 2 / 309، 318، تهذيب الكمال: 853، تذهيب التهذيب 2 / 248 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 104، تهذيب التهذيب 6 / 389، خلاصة تذهيب الكمال: 243، شذرات الذهب 1 / 175. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَحَدِيْثُهُ فِي الأُصُوْلِ السِّتَّةِ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ الغَالِبَ عَلَيْهِ الكَلاَمُ فِي الحُكمِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ ضَيَّعْنَا، إِنَّ للهِ عِبَاداً آثَرُوا طَاعَةَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى شَهوَاتِهم. وَكَانَ يَقُوْلُ: أَجرَى اللهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُم مِحْنَتَهُ، وَجَعَلَ قُلُوْبَنَا أَوطَاناً تَحِنُّ إِلَيْهِ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ. 119 - عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُم * (4، خَ، م مَقْرُوْناً) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، مُقْرِئُ العَصْرِ، أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: بَهْدَلَةُ. وَقِيْلَ: بَهْدَلَةُ أُمُّهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَبُوْهُ. مَوْلِدُه: فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ الأَسَدِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُمَا. وَعَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. وَرَوَى - فِيْمَا قِيْلَ - عَنِ: الحَارِثِ بنِ حَسَّانٍ البَكْرِيِّ، وَرِفَاعَةَ بنِ يَثْرِبِيٍّ التَّمِيْمِيِّ - أَوِ التَّيْمِيِّ - وَلَهمَا صُحْبَةٌ. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ مُدَّةً بِالكُوْفَةِ، فَتلاَ عَلَيْهِ: أَبُو بَكْرٍ، وَحَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ،   (*) طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 6 / 487، التاريخ الصغير 2 / 9، الجرح والتعديل 6 / 340، تاريخ ابن عساكر: 3، 26، وفيات الأعيان 3 / 9، تهذيب الكمال: 634، تذهيب التهذيب 2 / 109 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 89، ميزان الاعتدال 2 / 357، العبر 1 / 167، تهذيب التهذيب 5 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 182، تهذيب ابن عساكر 7 / 122، 124، طبقات القراء 1 / 346. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 وَالمُفَضَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَمَّادُ بنُ شُعَيْبٍ، وَأَبَانٌ العَطَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَنُعَيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَانتهتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الإِقْرَاءِ بَعْدَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ شَيْخِه. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: لَمَّا هَلَكَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، جَلَسَ عَاصِمٌ يُقرِئُ النَّاسَ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالقُرْآنِ حَتَّى كَأَنَّ فِي حُنْجرتِه جَلاَجلَ. قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَغَيْرُهُ: اسْمُ أَبِي النَّجُوْدِ: بَهْدَلَةُ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: بَهْدَلَةُ أُمُّهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الكُوْفَةِ: يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ، وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَهُمْ مِنْ مَوَالِي بَنِي أَسدٍ. ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ، وَبِلاَلٌ قَائِمٌ مُتَقَلِّدٌ سَيْفاً (1) . أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقرَأَ مِنْ عَاصِمٍ. يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَفصَحَ مِنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، إِذَا تَكَلَّم، كَادَ يَدْخُلُه خُيَلاَءُ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، قَالَ: مَا قَدِمتُ عَلَى أَبِي وَائِلٍ مِنْ سفرٍ إِلاَّ قَبَّلَ كَفِّي. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، فَقَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ، خَيِّرٌ، ثِقَةٌ. قُلْتُ: أَيُّ القِرَاءاتِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: قِرَاءةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَقِرَاءةُ عَاصِمٍ.   (1) وأخرجه أحمد 3 / 482 من طريق أبي بكر بن عياش عن الحارث بن حسان البكري، ورواه أحمد 3 / 422، وأبو بكر بن أبي شيبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ لِي عَاصِمٌ: مَرِضتُ سَنَتَيْنِ، فَلَمَّا قُمْتُ، قَرَأْتُ القُرْآنَ، فَمَا أَخطَأْتٌ حَرفاً. مِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، قَالَ: كَانَ عَاصِمٌ صَاحِبَ هَمْزٍ وَمَدٍّ وَقِرَاءةٍ شَدِيْدَةٍ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ شِمْرِ بنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَامَ فِيْنَا رَجُلاَنِ؛ أَحَدُهمَا أَقرَأَ القُرْآنِ لِقِرَاءةِ زَيْدٍ، وَهُوَ عَاصِمٌ، وَالآخَرُ أَقرَأَ النَّاسِ لِقِرَاءةِ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ الأَعْمَشُ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: عَاصِمٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَقِرَاءةٍ، كَانَ رَأْساً فِي القُرْآنِ، قَدِمَ البَصْرَةَ، فَأَقرَأَهُم، قَرَأَ عَلَيْهِ سَلاَّمٌ أَبُو المُنْذِرِ، وَكَانَ عُثْمَانِيّاً. قَرَأَ عَلَيْهِ: الأَعْمَشُ فِي حدَاثتِهِ، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَه عَلَى: يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ عَاصِمٌ نَحْويّاً فَصِيْحاً إِذَا تَكَلَّم، مَشْهُوْرَ الكَلاَمِ، وَكَانَ هُوَ وَالأَعْمَشُ وَأَبُو حُصَيْنٍ الأَسَدِيُّ لاَ يُبْصِرُوْنَ. جَاءَ رَجُلٌ يَوْماً يَقُودُ عَاصِماً، فَوَقَعَ وَقْعَةً شَدِيْدَةً، فَمَا نَهَرهُ، وَلاَ قَالَ لَهُ شَيْئاً. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: كُنَّا نَأتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيفَاعُ. قُلْتُ: هَذَا يُوضِحُ أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى السُّلَمِيِّ فِي صِغَرِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ عَاصِمٌ: مَنْ لَمْ يُحْسنْ مِنَ العَرَبِيَّةِ إِلاَّ وَجْهاً وَاحِداً، لَمْ يُحْسنْ شَيْئاً. ثُمَّ قَالَ: مَا أَقْرَأَنِي أَحَدٌ حَرفاً إِلاَّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكُنْتُ أَرجِعُ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَعْرِضُ عَلَى زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَكَانَ زِرٌّ قَدْ قَرَأَ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقُلْتُ لعَاصِمٍ: لَقَدِ اسْتَوثَقتَ. رَوَاهَا: يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا أُحصِي مَا سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ عَاصِمٍ. وَرَوَى: جَمَاعَةٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ حَفْصٍ الغَاضِرِيِّ، عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ بِالقِرَاءةِ، وَذَكَرَ عَاصِمٌ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءتِهِ، وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يُخَالِفْ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءتِهِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُلُّ قِرَاءةِ عَاصِمٍ قِرَاءةُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِلاَّ حَرفاً. أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ يُقرِئُ النَّاسَ فِي المَسْجِدِ الأَعْظَمِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلتُه عَنْ آيَةٍ، فَاتَّهَمَنِي بِهوَىً، فَكُنْتُ إِذَا دَخَلتُ المَسْجِدَ، يُشِيْرُ إِلَيَّ، وَيُحَذِّرُ أَصْحَابَه مِنِّي. وَرُوِيَ عَنْ: حَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ لِي عَاصِمٌ: مَا كَانَ مِنَ القِرَاءةِ الَّتِي قَرَأْتُ بِهَا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهِي الَّتِي أَقَرَأتُكَ بِهَا، وَمَا كَانَ مِنَ القِرَاءةِ الَّتِي أَقَرَأْتُ بِهَا أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، فَهِي القِرَاءةُ الَّتِي عَرضتُهَا عَلَى زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. قَالَ سَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ: كَانَ عَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ ذَا أَدبٍ، وَنُسُكٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَصَوْتٍ حَسَنٍ. يَزْدَادُ بنُ أَبِي حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَاصِمٌ يَعدُّ {الم} آيَةً، وَلاَ {حم} آيَةً، وَلاَ {كهيعص} آيَةً، وَلاَ {طه} آيَةً، وَلاَ نَحْوَهَا. زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ عَاصِمٌ إِذَا صَلَّى، يَنتَصِبُ كَأَنَّهُ عُودٌ، وَكَانَ يَكُوْنُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي المَسْجِدِ إِلَى العَصْرِ، وَكَانَ عَابِداً، خَيِّراً، يُصَلِّي أَبَداً، رُبَّمَا أَتَى حَاجَةً، فَإِذَا رَأَى مَسْجِداً، قَالَ: مِلْ بِنَا، فَإِنَّ حَاجَتَنَا لاَ تَفُوتُ. ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيُصَلِّي. حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: عَنْ صَالِحِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي سَأَلَ عَاصِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 بنَ أَبِي النَّجُوْدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، عَلَى مَا تَضعُوْنَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ) وَعَلِمْتَ مَكَانَ الثَّالِثِ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا نَضَعُه، إِلاَّ أَنَّهُ عَنَى عُثْمَانَ، هُوَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: دَخَلْتُ عَلَى عَاصِمٍ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَرَأَ: {ثُمَّ رِدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ} بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ لُغَةٌ لِهُذَيْلٍ (1) . أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى عَاصِمٍ، فَأُغمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ثُمَّ رِدُّوا إِلَى اللهِ ... } الآيَةَ، فَهَمَزَ، فَعَلِمْتُ أَنَّ القِرَاءةَ مِنْهُ سَجِيَّةٌ. قُلْتُ: كَانَ عَاصِمٌ ثَبْتاً فِي القِرَاءةِ، صَدُوْقاً فِي الحَدِيْثِ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي حِفْظهِ شَيْءٌ -يَعْنِي: لِلْحَدِيْثِ لاَ لِلْحُرُوْفِ- وَمَا زَالَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَكُوْنُ العَالِمُ إِمَاماً فِي فَنٍّ مُقصِّراً فِي فُنُوْنٍ. وَكَذَلِكَ كَانَ صَاحِبُه حَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ ثَبْتاً فِي القِرَاءةِ، وَاهِياً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ الأَعْمَشُ بِخِلاَفِه، كَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، لَيِّناً فِي الحُرُوْفِ، فَإِنَّ لِلأَعْمَشِ قِرَاءةً مَنقُولَةً فِي كِتَابِ (المَنْهَجِ) وَغَيْرِهِ، لاَ تَرتَقِي إِلَى رُتبَةِ القِرَاءاتِ السَّبْعِ، وَلاَ إِلَى قِرَاءةِ يَعْقُوْبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ النَّسَائِيُّ: عَاصِمٌ: لَيْسَ بِحَافِظٍ. تُوُفِّيَ عَاصِمٌ: فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: حَدِيْثُه فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) مُتَابعَةٌ، وَهَذَا الحَدِيْثُ أَعْلَى مَا وَقَعَ لِي مِنْ حَدِيْثِ عَاصِمٍ، بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعَةُ أَنْفُسٍ.   (1) وذكرها عن عاصم ابن الجزري في " طبقات القراء " 1 / 348، وذكرها أبو حيان في " البحر المحيط " 4 / 149، ولم ينسبها لعاصم، وإنما قال: وقرئ بكسر الراء، نقل حركة الدال التي أدغمت إلى الراء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكُم يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ قَادْشَاه (ح) . وَأَنْبَأَنِي عَنْ خَلِيْلٍ، وَعَلِيٍّ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُمَا، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ لِي: مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقُلْتُ: ابْتغَاءُ العِلْمِ. قَالَ: (فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَىً بِمَا يَطْلُبُ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . 120 - عَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ * (خَ، م، د، ت، ق) ابْنِ مَالِكِ بنِ خَالِدٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، السَّاعِدِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ العَدَوِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مَوْلِدُه: فِي نَحْوِ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، فِي أَوَّلِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ أُبَيٌّ وَعَبْدُ المُهَيْمِنِ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدْ آذَاهُ الحَجَّاجُ وَضَرَبَه، وَاعْتدَى عَلَيْهِ؛   (1) حلية الأولياء 7 / 308 وتمامه " قلت: حاك في نفسي أو صدري مسح على الخفين بعد الغائط والبول، فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا؟ قال: نعم كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لا من غائط وبول ونوم " قلت: سمعته يذكر الهوى؟ قال: نعم بينما نحن معه في مسير إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري، فقال: يا محمد فأجابه على نحو من كلامه هاء، قال: أرأيت رجلا أحب قوما ولم يلحق بهم؟ قال: " المرء مع من أحب " ثم أنشأ يحدثنا أن من قبل المغرب بابا يفتح للتوبة مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يغلق حتى تطلع الشمس " وسنده حسن، وأخرجه الشافعي في " المسند " 1 / 33، وأحمد 4 / 240 من طريق سفيان، عن عاصم عن زر به. (*) طبقات ابن سعد 5 / 271، التاريخ الصغير 1 / 253، تاريخ الفسوي 1 / 567، الجرح والتعديل 6 / 210، تهذيب الكمال: 657، تذهيب التهذيب 2 / 125 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 17، و262، 263 تهذيب التهذيب 5 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 188. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَ أَبُوْهُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ يَشْفَعُ فِيْهِ، وَقَالَ: أَلاَ تَحفَظُ فِيْنَا وَصِيَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِم، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيْئِهِم (1)) . فَأَطْلَقَهُ، وَكَاشَرَ عَنْهُ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ. 121 - مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ القُرَشِيُّ الجُمَحِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَهُوَ مَدَنِيٌّ، نَزَلَ البَصْرَةَ. حَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. لَهُ: نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ مُسْلِمٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. 122 - سُكَيْنَةُ ** بِنْتُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ رَوَتْ عَنْ: أَبِيْهَا. وَكَانَتْ بَدِيعَةَ الجمَالِ، تَزَوَّجهَا ابْنُ عمِّهَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الأَكْبَرِ، فَقُتِلَ مَعَ أَبِيْهَا قَبْل الدُّخولِ بِهَا، ثُمَّ   (1) أخرجه البخاري 7 / 93 في المناقب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم "، ومسلم (2510) في فضائل الصحابة: باب من فضائل الانصار من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الانصار كرشي وعيبتي، وإن الناس سيكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم ". (*) التاريخ الكبير 1 / 82، تاريخ الفسوي 2 / 191، الجرح والتعديل 7 / 257، تهذيب الكمال: 1197، تذهيب التهذيب 3 / 204 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 130، تهذيب التهذيب 9 / 169، خلاصة تذهيب الكمال: 336. (* *) طبقات ابن سعد 8 / 475، نسب قريش: 59، المحبر: 438، التاريخ الصغير 1 / 205، الاغاني 17 / 41 / 54، مصارع العشاق: 272، وفيات الأعيان 2 / 394، 397، تاريخ الإسلام 4 / 253، الدر المنثور: 244، شذرات الذهب 1 / 154. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 تَزَوَّجهَا مُصْعَبٌ أَمِيْرُ العِرَاقِ، ثُمَّ تَزَوَّجتْ بِغَيْرِ وَاحِدٍ. وَكَانَتْ شَهمَةً، مَهِيْبَةً، دَخَلتْ عَلَى هِشَامٍ الخَلِيْفَةِ، فَسَلَبتْهُ عِمَامَتَه وَمِطْرَفَه، وَمِنْطَقَتَه، فَأَعْطَاهَا ذَلِكَ. وَلَهَا نَظمٌ جَيِّدٌ. قَالَ بَعْضُهُم: أَتَيْتُهَا، فَإِذَا بِبَابِهَا جَرِيْرٌ وَالفَرَزْدَقُ وَجَمِيْلٌ وَكُثَيِّرٌ، فَأَمَرَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِأَلفِ دِرْهَمٍ. تُوُفِّيَتْ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَلَّمَا رَوَتْ. 123 - هَارُوْنُ بنُ رِئَابٍ أَبُو بَكْرٍ التَّمِيْمِيُّ * (م، د، س) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، العَابِدُ، أَبُو بَكْرٍ التَّمِيْمِيُّ، الأُسَيِّدِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، وَقَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، وَكِنَانَةَ بنِ نُعَيْمٍ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ أَجَلَّ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: هُوَ مُقِلٌّ مِنَ الرِّوَايَةِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عِندَهُ أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ. قَالَ: وَكَانَ يُخفِي الزُّهْدَ، وَيَلبَسُ الصُّوْفَ تَحْتُ، وَكَانَ النُّوْرُ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ هَارُوْنَ بنَ رِئَابٍ، كَأَنَّمَا أَقلَعَ عَنِ البُكَاءِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، أَنْبَأَنَا البَابْلُتِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ رِئَابٍ، قَالَ: حَملَةُ العَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، يَتَجَاوَبُوْنَ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ حَسَنٍ، يَقُوْلُ   (*) التاريخ الكبير 8 / 219، الجرح والتعديل 9 / 89، تهذيب الكمال 1428، تذهيب التهذيب 4 / 108 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 169، تهذيب التهذيب 11 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 407، حلية الأولياء: 3 / 55 - 57، وقد تصحف فيه إلى رباب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 أَرْبَعَةٌ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ. وَيَقُوْلُ الآخَرُوْنَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ الفَقِيْهُ: يَمَانٌ، وَهَارُوْنُ، وَعَلِيٌّ بَنُو رِئَابٍ، فَهَارُوْنُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَيَمَانٌ مِنْ أَئِمَّةِ الخَوَارِجِ، وَعَلِيٌّ مِنْ أَئِمَّةِ الرَّوَافِضِ، وَكَانُوا مُتَعَادِيْنَ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عُدتُ هَارُوْنَ بنَ رِئَابٍ، وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَمَا فَقَدتُ وَجْهَ رَجُلٍ فَاضِلٍ، إِلاَّ رَأَيْتُه عِنْدَه. فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَا أَخُوْكم، يُذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ، أَوْ يَعْفُو اللهُ. قِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. 124 - السُّدِّيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * (م، 4) ابْنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، الإِمَامُ، المُفَسِّرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحِجَازِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، الأَعْوَرُ، السُّدِّيُّ، أَحَدُ مَوَالِي قُرَيْشٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ خَيْرٍ الهَمْدَانِيِّ، وَمُصْعَبِ بنِ مَسْعَدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، وَمُرَّةَ الطَّيِّبِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَأَبُو (1) عَوَانَةَ، وَالمُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 323، طبقات خليفة: 163، التاريخ الكبير 1 / 360، التاريخ الصغير 1 / 312، 313، الجرح والتعديل 2 / 184، 185، اللباب 1 / 537، تهذيب الكمال: 106، تذهيب التهذيب 1 / 65 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 43، ميزان الاعتدال 1 / 236، روضات الجنات: 101، 102، تهذيب التهذيب 1 / 313، النجوم الزاهرة 1 / 308، خلاصة تذهيب الكمال: 35، طبقات المفسرين 1 / 109. (1) في الأصل: أبي، وهو خطأ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وَوَرَدَ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ. قَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: مُقَارِبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي صَدُوْقٌ. وَقِيْلَ: كَانَ السُّدِّيُّ عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ جِدّاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيَّ قَدْ أُعْطِيَ حَظّاً مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ قَدْ أُعْطِيَ حَظّاً مِنَ الجَهْلِ بِالقُرْآنِ. قُلْتُ: مَا أَحَدٌ إِلاَّ وَمَا جَهِلَ مِنْ عِلْمِ القُرْآنِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلِمَ. وَقَدْ قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: كَانَ السُّدِّيُّ أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ مِنَ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُمَا اللهُ -. وَقَالَ سَلْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - شَيْخٌ لِشَرِيْكٍ -: مَرَّ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ بِالسُّدِّيِّ وَهُوَ يُفَسِّرُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُفَسِّرُ تَفْسِيْرَ القَوْمِ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ إِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: أَمَّا السُّدِّيُّ الصَّغِيْرُ، فَهُوَ: مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ الكُوْفِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ، كَانَ فِي زَمَنِ وَكِيْعٍ. 125 - هِلاَلُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ عَلِيٍّ العَامِرِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) هُوَ: هِلاَلُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ العَامِرِيُّ، المَدَنِيُّ، مَوْلَى آلِ عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 204، 205، الجرح والتعديل 9 / 76، تهذيب الكمال: 1451، تذهيب التهذيب 4 / 124 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 172، تهذيب التهذيب 11 / 82، خلاصة تذهيب الكمال: 412. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ. رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 126 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَعْرَجُ. عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُبَيْدِ بنِ جُرَيْجٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، يُسْتعَانُ بِهِ فِي الأَعْمَالِ؛ لأمَانَتِهِ وَفِقهِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْهُ قَلِيْلاً. مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدِيْثُه حَسَنٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَيُقَالُ: بَلَغ تِسْعِيْنَ سَنَةً. 127 - نُصَيْبُ بنُ رَبَاحٍ * أَبُو مِحْجَنٍ الأَسْوَدُ الشَّاعِرُ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. مَدَحَ عَبْدَ المَلِكِ   (*) تاريخ خليفة: 354، التاريخ الكبير 8 / 344، الجرح والتعديل 9 / 273، تهذيب الكمال: 1536، تذهيب التهذيب 4 / 178 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 187، تهذيب التهذيب 11 / 342، خلاصة تذهيب الكمال: 332، شذرات الذهب 1 / 160. (* *) طبقات فحول الشعراء: 141، الشعر والشعراء: 410، 412، الاغاني 1 / 125، 145، سمط اللآلي: 291، 292، معجم الأدباء 19 / 228، 243، تاريخ الإسلام 5 / 11. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 بنَ مَرْوَانَ، وَشِعرُه فِي الذِّرْوَةِ. تَنَسَّكَ، وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِه، وَتَرَكَ التَّغَزُّلَ. لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) . 128 - ذُوْ الرُّمَّةِ غَيْلاَنُ بنُ عُقْبَةَ بنِ بُهَيْسٍ * مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، غَيْلاَنُ بنُ عُقْبَةَ بنِ بُهَيْسٍ (1) ، مُضَرِيُّ النَّسَبِ، وَالرُّمَّةُ: هِيَ الحَبْلُ. شَبَّبَ بِمَيَّةَ بِنْتِ مُقَاتِلٍ المِنْقَرِيَّةِ، وَبِالخَرْقَاءِ. وَلَهُ مَدَائِحُ فِي الأَمِيْرِ بِلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: افْتُتِحَ الشُّعَرَاءُ بِامْرِئِ القَيْسِ، وَخُتِمُوا بِذِي الرُّمَّةِ. وَقِيْلَ: إِنَّ الفَرَزْدَقَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنشِدُ، فَأَعْجَبهُ شِعرُه. وَكَانَ يَكُوْنُ بِبَادِيَةِ العِرَاقِ، وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ، وَامْتَدَحَه. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَعِيْسَى بنُ عُمَرَ النَّحْوِيُّ. وَقِيْلَ: إِنَّ الوَلِيْدَ قَالَ لِلْفَرَزْدَقِ: أَتَعلَمُ أَحَداً أَشعَرَ مِنْكَ؟ قَالَ: غُلاَمٌ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، يَرْكَبُ أَعجَازَ الإِبِلِ - يُرِيْدُ: ذَا الرُّمَّةِ -. قُلْتُ: هُوَ القَائِلُ: وَعَيْنَانِ، قَالَ اللهُ: كُوْنَا، فَكَانَتَا ... فَعُوْلاَنِ بِالأَلْبَابِ مَا تَفْعَلُ الخَمْرُ مَاتَ ذُوْ الرُّمَّةِ: بِأَصْبَهَانَ، كَهْلاً، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 129 - حَمْزَةُ بنُ بِيْضٍ ** الحَنَفِيُّ الكُوْفِيُّ مِنْ بُلَغَاءِ الشُّعَرَاءِ، سَائِرُ القَوْلِ، كَثِيْرُ المُجُوْنِ، كَانَ   (*) طبقات فحول الشعراء 121، 125، الشعر والشعراء 524، 536، الاغاني 16 / 106، 125، سمط اللآلي، 81 و82، وفيات الأعيان 4 / 11، تاريخ الإسلام 4 / 247، البداية 9 / 319، 320، الاشتقاق 116، خزانة الأدب 1 / 50، 53. (1) كذا الأصل بهيس بالسين المهملة، وضبطه في المشتبه 1 / 96 بالشين المعجمة، وهو كذلك في الإكمال، والروض الانف، والشعر والشعراء، وذكر ابن السيد أنه نهيس بالنون. (* *) الاغاني 16 / 142، أخبار الحمقى والمغفلين: 43، معجم الأدباء 10 / 280، تاريخ الإسلام 4 / 245، فوات الوفيات 1 / 395، نهاية الارب 4 / 79، تاج العروس 5 / 14. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 مُنْقَطِعاً إِلَى المُهَلَّبِ وَبَنِيْهِ، ثُمَّ إِلَى أَمِيْرِ البَصْرَةِ بِلاَلٍ. حَصَّلَ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً مِنَ الجَوَائِزِ، وَخَيْلاً، وَرَقِيْقاً. وَلَهُ نَظمٌ فَائقٌ. وَبِيْضٌ: بِكَسْرِ أَوَّلِه. أَخْبَارُه مُسْتَقصَاةٌ فِي كِتَابِ (الأَغَانِي) ، فَإِنَّ شِئْتَ، فَطَالِعْهَا. 130 - العَرْجِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ عَمْرِو بنِ عَفَّانَ * مِنْ أَعْيَانِ الشُّعَرَاءِ. هُوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ عَمْرِو بنِ عَفَّانَ الأُمَوِيُّ، وَكَانَ أَيْضاً بَطَلاً، شُجَاعاً، مُجَاهِداً، اتُّهِمَ بِدَمٍ (1) ، فَأُخِذَ، وَسُجِنَ بِمَكَّةَ، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ. وَلَهُ: أَضَاعُوْنِي وَأَيُّ فَتَىً أَضَاعُوا ... لِيَوْمِ كَرِيْهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ وَخَلَّوْنِي بِمُعْتَرَكِ المَنَايَا ... وَقَدْ شُرِعَتْ أَسِنَّتُهَا لِنَحْرِي كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ فِيْهِم وَسِيطاً ... وَلَمْ تَكُ نِسْبَتِي فِي آلِ عَمْرِو 131 - البَطَّالُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله ** رَأْسُ الشُّجْعَانِ وَالأَبْطَالِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ البَطَّالُ. وَقِيْلَ: أَبُو يَحْيَى، مِنْ أَعْيَانِ أُمَرَاءِ الشَّامِيِّيْنَ. وَكَانَ شَالِيْشَ الأَمِيْرِ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ مَقرُّهُ   (*) الشعر والشعراء: 574، 576، الاغاني 1 / 147، 160، سمط اللآلي: 422، 423، معجم البلدان: عرج، تاريخ الإسلام 4 / 277، شرح شواهد المغني: 52، معاهد التنصيص 3 / 260، خزانة الأدب 1 / 50. ولقب بالعرجي لأنه كان يسكن العرج وهو منزل بطريق مكة. (1) الذي في الخزانة وغيرها أنه مات في حبس محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي - وهو خال هشام بن عبد الملك وكان واليا بمكة، بعد ضرب كثير وتشهير في الاسواق لأنه شبب بأمه ليفضحه لا لمحبة كانت بينه وبينها. (* *) الطبري 7 / 88 و90 و191، ابن الأثير 5 / 248، تاريخ الإسلام 4 / 227، البداية 9 / 331، المسعودي 2 / 353، النجوم الزاهرة 1 / 272، دول الإسلام 1 / 79، وسماه عبد الملك، وأرخ وفاته سنة 113 هـ، وفيه: ولكن كذب عليه جهلة القصاص وحكوا عنه من الخرافات ما لا يليق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 بِأَنْطَاكِيَّةَ، أَوْطَأَ الرُّوْمَ خَوْفاً وَذُلاًّ. وَلَكِنْ كُذِبَ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مُسْتحِيْلَةٌ فِي سِيْرتِه المَوْضُوْعَةِ. وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ: أَنَّهُ أَوْصَى مَسْلَمَةَ: أَنْ صَيِّرْ عَلَى طَلاَئِعكَ البَطَّالَ، وَمُرْهُ فَلْيَعُسَّ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّهُ أَمِيْرٌ شُجَاعٌ مِقدَامٌ. وَقَالَ رَجُلٌ: عَقدَ مَسْلَمَةُ لِلْبَطَّالِ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفٍ، وَجَعَلَهُم يَزْكاً (1) . وَعَنْ أَبِي مَرْوَانَ، عَنِ البَطَّالِ، قَالَ: اتَّفَقَ لِي أَنَّا أَتَيْنَا قَرْيَةً لِنُغِيْرَ، فَإِذَا بَيْتٌ فِيْهِ سرَاجٌ وَصَغِيْرٌ يَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اسكُتْ، أَوْ لأَدفَعَنَّكَ إِلَى البَطَّالِ. فَبَكَى، فَأَخَذَتْهُ مِنْ سَرِيْرِهِ، وَقَالَتْ: خُذْهُ يَا بَطَّالُ. فَقُلْتُ: هَاتِهِ. وَجَرَتْ لَهُ أَعَاجِيْبُ، وَفِي الآخِرِ أَصْبَحَ فِي مَعرَكَةٍ مَثخُوناً وَبِهِ رَمقٌ، فَجَاءَ المَلِكُ لِيُوْنُ، فَقَالَ: أَبَا يَحْيَى، كَيْفَ رَأَيْتَ؟ قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ؟ كَذَلِكَ الأَبْطَالُ تَقْتُلُ، وَتُقْتَلُ. فَقَالَ: عَلَيَّ بِالأَطِبَّاءِ. فَأَتَوْا، فَوَجَدُوْهُ قَدْ أَنفَذَتْ مَقَاتِلُه، فَقَالَ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: تَأْمُرُ مَنْ يَثبُتُ مَعِي بِوِلاَيتِي وَكَفَنِي وَالصَّلاَةِ عَلَيَّ، ثُمَّ تُطلِقُهُم. فَفَعَلَ. قُتِلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 132 - قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ بنِ قَتَادَةَ بنِ عَزِيْزٍ السَّدُوْسِيُّ * (ع) وَقِيْلَ: قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ بنِ عُكَابَةَ، حَافِظُ   (1) اليزك: طلائع الجيش، والكلمة فارسية. (*) طبقات ابن سعد 7 / 229، طبقات خليفة: 213، تاريخ خليفة: 332 و348، التاريخ الكبير 7 / 185، التاريخ الصغير 1 / 282، المعارف: 462، تاريخ الفسوي 2 / 277، الجرح والتعديل 7 / 133، جمهرة الأنساب: 318، طبقات الشيرازي: 89، معجم الأدباء 17 / 9، 10، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 57، وفيات الأعيان 4 / 85، تهذيب الكمال: 1122، تذهيب التهذيب 3 / 155 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 295، تذكرة الحفاظ 1 / 122، ميزان الاعتدال 3 / 385، العبر 1 / 146، نكت الهميان 230، البداية 9 / 313، 314، طبقات القراء 2 / 25، تهذيب التهذيب 8 / 351، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 47، خلاصة تذهيب الكمال: 315، طبقات المفسرين 2 / 43، شذرات الذهب 1 / 153. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 العَصْرِ، قُدْوَةُ المفسِّرِيْنَ وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو الخَطَّابِ السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ، الضَّرِيْرُ، الأَكْمَهُ. وَسَدُوْسُ: هُوَ ابْنُ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ، مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ. مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ. وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ الكِنَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي العَالِيَةِ رُفَيْعٍ الرِّيَاحِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَزُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، وَالنَّضْرِ بنِ أَنَسٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي المَلِيْحِ بنِ أُسَامَةَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَأَبِي حَسَّانٍ الأَعْرَجِ، وَهِلاَلِ بنِ يَزِيْدَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، وَبِشْرِ بنِ عَائِذٍ المِنْقَرِيِّ، وَبِشْرِ بنِ المُحْتَفِزِ، وَبُشَيْرِ بنِ كَعْبٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، وَجُرَيِّ بنِ كُلَيْبٍ السَّدُوْسِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ سَالِمٍ - فِيْمَا كَتَبَ إِلَيْهِ - وَحَسَّانِ بنِ بِلاَلٍ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَخَالِدِ بنِ عُرْفُطَةَ، وَخِلاَسٍ الهَجَرِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَعُقْبَةَ بنِ صُهْبَانَ، وَمُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَنَصْرِ بنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَأَبِي أَيُّوْبَ المَرَاغِيِّ، وَأَبِي الجَوْزَاءِ الرِّبْعِيِّ. وَعَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَسَفِيْنَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً. وَعَنْ: مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَقَزَعَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِمَّنْ يُضرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي قُوَّةِ الحِفظِ. رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ الإِسْلاَمِ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَمَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ المِصْرِيُّ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبَانٌ العَطَّارُ، وَسَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَسَلاَمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، وَشِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، وَحُسَامُ بنُ مِصَكٍّ، وَخُلَيْدُ بنُ دَعْلَجٍ، وَسَعِيْدُ بنُ زَرْبَى، وَالصَّعِقُ بنُ حَزْنٍ، وَعُفَيْرُ بنُ مَعْدَانَ، وَمُوْسَى بنُ خَلَفٍ العَمِّيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 التُّسْتَرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَهُوَ حُجّةٌ بِالإِجْمَاعِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرَى القَدَرَ - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -. وَمعَ هَذَا، فَمَا تَوقَّفَ أَحَدٌ فِي صِدقِه، وَعَدَالَتِه، وَحِفظِه، وَلَعَلَّ اللهَ يَعْذُرُ أَمْثَالَه مِمَّنْ تَلبَّسَ بِبدعَةٍ يُرِيْدُ بِهَا تَعْظِيْمَ البَارِي وَتَنزِيهَه، وَبَذَلَ وِسْعَهُ، وَاللهُ حَكَمٌ عَدلٌ لَطِيْفٌ بِعِبَادِه، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. ثُمَّ إِنَّ الكَبِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُه، وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلْحقِّ، وَاتَّسَعَ عِلْمُه، وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ، وَعُرِفَ صَلاَحُه وَوَرَعُه وَاتِّبَاعُه، يُغْفَرُ لَهُ زَلَلُهُ، وَلاَ نُضِلِّلْهُ وَنَطرْحُهُ وَنَنسَى مَحَاسِنَه. نَعَم، وَلاَ نَقتَدِي بِهِ فِي بِدعَتِه وَخَطَئِه، وَنَرجُو لَهُ التَّوبَةَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: أَقَامَ قَتَادَةُ عِنْدَ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ لَهُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ: ارْتَحِلْ يَا أَعْمَى، فَقَدْ أَنْزَفْتَنِي (1) . قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيْهَا شَيْئاً. وَعَنْهُ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ شَيْئاً إِلاَّ وَحَفِظتُه. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَتَادَةُ مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وُلِدَ قَتَادَةُ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَكَانَ مِنْ سَدُوْسَ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: مَولِدُ قَتَادَةَ وَالأَعْمَشِ وَاحِدٌ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، قِيْلَ لِلزُّهْرِيِّ: أَقَتَادَةُ أَعْلَمُ عِنْدَكُم أَوْ مَكْحُوْلٌ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ قَتَادَةُ، مَا كَانَ عِنْدَ مَكْحُوْلٍ إِلاَّ شَيْءٌ يَسِيْرٌ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: قَتَادَةُ أَحْفَظُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ. أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ: عَنْ غَالِبٍ القَطَّانِ، عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: مَنْ سَرَّه   (1) أي: أخذت مني علمي كله ولم يبق منه شيء، يقال: نزفت ماء البئر نزفا: إذا نزحته كله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَحْفَظِ مَنْ أَدْرَكْنَا، فَلْيَنْظُرْ إِلَى قَتَادَةَ. جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَتَادَةُ حَاطِبُ لَيْلٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزِّمِّيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَوْزِيُّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَدْرِي مَا حَاطِبُ لَيْلٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ، فَيَحْتَطِبُ، فَيَضَعُ يَدَه عَلَى أَفْعَى، فَتَقْتُلُه، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبتُه لَكَ لِطَالِبِ العِلْمِ، أَنَّهُ إِذَا حَمَلَ مِنَ العِلْمِ مَا لاَ يُطِيْقُه، قَتَلَه عِلْمُه، كَمَا قَتَلَتِ الأَفْعَى حَاطِبَ اللَّيْلِ. قَالَ الصَّعِقُ بنُ حَزْنٍ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ أَبُو عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، يَقُوْلُ: مَا أَتَانِي عِرَاقِيٌّ أَحْفَظُ مِنْ قَتَادَةَ. ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ رَوْحِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ مَطَرٍ، قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ إِذَا سَمِعَ الحَدِيْثَ يَختَطِفُه اخْتِطَافاً، يَأْخُذُه العَوِيلُ وَالزَّوِيلُ (1) ، حَتَّى يَحفَظَهُ. قَالَ عَفَّانُ: أَهدَى حُسَامُ بنُ مِصَكٍّ إِلَى قَتَادَةَ نَعْلاً، فَجَعَلَ قَتَادَةُ يُحرِّكُهَا وَهِيَ تَتَثنَّى مِنْ رِقَّتِهَا، وَقَالَ: إِنَّكَ لَتَعرِفُ سُخْفَ الرَّجُلِ فِي هَدِيَّتِه. وَقَالَ عَفَّانُ: قَالَ لَنَا قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَدِمَ قَتَادَةُ الكُوْفَةَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَأتِيَه، فَقِيْلَ لَنَا: إِنَّهُ يُبغِضُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. فَلَمْ نَأتِه، ثُمَّ قِيْلَ لَنَا بَعْدُ: إِنَّهُ أَبعَدُ النَّاسِ مِنْ هَذَا، فَأَخَذْنَا عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. البَغَوِيُّ فِي تَرْجَمَةِ قَتَادَةَ لَهُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ لِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: يَا أَبَا النَّضْرِ، خُذِ المُصْحَفَ. قَالَ: فَأَعْرَضَ (2) عَلَيْهِ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَلَمْ يُخْطِ فِيْهَا حَرفاً. قَالَ: فَقَالَ: يَا أَبَا النَّضْرِ، أَحْكَمْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لأَنَا لِصَحِيْفَةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَحْفَظُ مِنِّي لِسُوْرَةِ البَقَرَةِ. قَالَ: وَكَانَتْ قُرِئتْ عَلَيْهِ الصَّحِيْفَةُ الَّتِي   (1) أي القلق والانزعاج. (2) في التهذيب: فعرض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 يَروِيهَا سُلَيْمَانُ اليَشْكُرِيُّ عَنْ جَابِرٍ. وَبِهِ: قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: جَالَستُ الحَسَنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أُصَلِّي مَعَهُ الصُّبْحَ ثَلاَثَ سِنِيْنَ. قَالَ: وَمِثْلِي يَأْخُذُ عَنْ مِثْلِهِ. قَالَ وَكِيْعٌ: قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ قَتَادَةُ يَغضَبُ إِذَا وَقَفْتُه عَلَى الإِسْنَادِ. قَالَ: فَحَدَّثتُه يَوْماً بِحَدِيْثٍ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قُلْتُ: فُلاَنٌ، عَنْ فُلاَنٍ. قَالَ: فَكَانَ يَعُدُّه. قَالَ أَبُو هِلاَلٍ: سَأَلْتُ قَتَادَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. فَقُلْتُ: قُلْ فِيْهَا بِرَأْيكَ. قَالَ: مَا قُلْتُ بِرَأْيٍ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَا قَالَ فِي العِلْمِ شَيْئاً بِرَأْيِهِ. قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: مَا أَفْتَيتُ بِرَأْيٍ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. أَبُو رَبِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: شَهِدتُ قَتَادَةَ يُدرِّسُ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ. وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: دَهْنُ الحَاجِبَيْنِ أَمَانٌ مِنَ الصُّدَاعِ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ حَفْصٍ، عَنْ قَائِدٍ لِقَتَادَةَ، قَالَ: قُدْتُ قَتَادَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يُبغِضُ المَوَالِي، وَيَقُوْلُ: دَبَّاغِيْنَ حَجَّامِيْنَ أَسَاكِفَةً. فَقُلْتُ: مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ يَجِيْءَ بَعْضُهم فَيَأْخُذُ بِيَدِكَ، فَيَذهَبُ بِكَ إِلَى بِئْرٍ، فَيَطرَحُكَ فِيْهَا؟ قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَدتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ قُدْتَنِي بَعْدَهَا. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِحَدِيْثٍ فِي الوَصِيَّةِ، فَسَأَلت عَمْراً، ثُمَّ قَلَّلَ مَعنَاهُ غَيْرَ مَا قَالَ قَتَادَةُ، فَقُلْتُ: إِنَّ قَتَادَةَ نَبَّأَ عَنْكَ بِكَذَا وَكَذَا! قَالَ: إِنِّي أُوْهِمْتُ يَوْمَ حَدَّثْتُ بِهِ قَتَادَةَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالُوا: كَانَ مَعْمَرٌ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ فِي هَؤُلاَءِ أَفْقَهَ مِنَ: الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 ضَمْرَةُ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ: إِنْ لَمْ تَجدْ إِلاَّ مِثْلَ عِبَادَةِ ثَابِتٍ، وَحِفظِ قَتَادَةَ، وَوَرَعِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعِلْمِ الحَسَنِ، وَزُهْدِ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ لاَ تَطلُبِ العِلْمَ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تَكرِيْرُ الحَدِيْثِ فِي المَجْلِسِ يُذْهِبُ نُوْرَه، وَمَا قُلْتُ لأَحَدٍ قَطُّ: أَعِدْ عَلَيَّ. وَبِهِ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تُقْرَأَ الأَحَادِيْثُ الَّتِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ. قَالَ أَبُو هِلاَلٍ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ يَكْذِبَ صَاحِبُكَ، فَلَقِّنْهُ. الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ عِمْرَانَ القَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَكْذِبَ الشَّيْخُ، فَلَقِّنْهُ. أَبُو هِلاَلٍ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيشبعُ مِنَ الكَلاَمِ، كَمَا يَشبَعُ مِنَ الطَّعَامِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ: كُنَّا نَعْرِفُ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةَ مِمَّا سَمِعَ، إِذَا قَالَ: قَالَ فُلاَنٌ، وَقَالَ فُلاَنٌ، عَرَفنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنظُرُ إِلَى فَمِ قَتَادَةَ كَيْفَ يَقُوْلُ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، يَعْنِي: كَتَبتُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ: كُنْتُ أَتَفَطَّنُ إِلَى فَمِ قَتَادَةَ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ، وَحَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، فَإِذَا حَدَّثَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ، قَالَ: حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَحَدَّثَ أَبُو قِلاَبَةَ. قَالَ عَفَّانُ: قَالَ لِي هَمَّامٌ: كُلُّ شَيْءٍ أَقُوْلُ لَكُم: قَالَ قَتَادَةُ، فَأَنَا سَمِعْتُه مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ فِيْهِ لَحنٌ، فَأَعْرِبُوْهُ، فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ لاَ يَلحَنُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، قَالَ: مَا زَالَ قَتَادَةُ مُتَعَلِّماً حَتَّى مَاتَ. قَالَ أَبُو هِلاَلٍ: قَالُوا لِقَتَادَةَ: نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكتُبَ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ أَنَّهُ يَكْتُبُ، فَقَالَ: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52] ، وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: الحِفظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقشِ فِي الحَجَرِ. رَوَى: بَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ، عَنْ ضِرَارِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ قَتَادَةَ: بَابٌ مِنَ العِلْمِ يَحفَظُه الرَّجُلُ لِصَلاَحِ نَفْسِه وَصَلاَحِ مَنْ بَعْدَهُ، أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ حَوْلٍ. أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي مُصْحَفِ الفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ: (وَأَنْزَلْنَا بِالمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (1)) . بِشْرُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: قَلَّمَا سَاهَرَ اللَّيْلَ مُنَافِقٌ. زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: عَنِ الوَزِيْرِ بنِ عِمْرَانَ، قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ إِذَا دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ، حَلَّ أَزرَارَهُ. أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِنَّمَا حَدَثَ هَذَا الإِرْجَاءُ بَعْدَ هَزِيْمَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ. قَالَ حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ: كُنْتُ أَرَى طَاوُوْساً إِذَا أَتَاهُ قَتَادَةُ، يَفِرُّ، قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يُتَهَّمُ بِالقَدَرِ. أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبَانٌ العَطَّارُ، قَالَ: ذُكِرَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ عِنْدَ قَتَادَةَ، فَقَالَ: مَتَى كَانَ العِلْمُ فِي السَّمَّاكِيْنَ؟! فَذُكِرَ قَتَادَةُ عِنْدَ يَحْيَى، فَقَالَ: لاَ يَزَالُ أَهْلُ البَصْرَةِ بِشَرٍّ مَا كَانَ فِيْهِم قَتَادَةُ. قُلْتُ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ يُطْوَى وَلاَ يُرْوَى، فَإِنْ ذُكِرَ، تَأَمَّلَهُ المُحَدِّثُ، فَإِنْ   (1) نسب هذه القراءة أبو حيان في " البحر " 8 / 411 و412 إلى ابن الزبير وابن عباس والفضل ابن عباس، وعبد الله بن يزيد، وعكرمة وقتادة، والتلاوة (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) [النبأ: 14] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 وَجَدَ لَهُ مُتَابعاً، وَإِلاَّ أَعرَضَ عَنْهُ. أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُوْلُ: مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ شَيْئاً قَطُّ إِلاَّ وَعَاهُ قَلْبِي. وَبِهِ: إِلَى أَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَسْأَلَ عَمَّا يُخْتَلَفُ فِيْهِ مِنْكَ. قُلْتُ: إِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعقِلُ. وَعَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً التَقَطَتْ لُؤْلُؤَةً، فَقَذَفَتْهَا سَوَاءً. قَالَ: ذَاكَ قَتَادَةُ، مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ. قَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ: كَانَ قَتَادَةُ عَبْدَ العِلْمِ. حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} ، قَالَ: كَفَى بِالرَّهبَةِ عِلْماً، اجْتَنِبُوا نَقضَ المِيْثَاقِ، فَإِنَّ اللهَ قَدَّمَ فِيْهِ وَأَوعَدَ، وَذَكَرهُ فِي آيٍ مِنَ القُرْآنِ تَقدِمَةً وَنَصِيْحَةً وَحُجّةً، إِيَّاكُم وَالتَكَلُّفَ وَالتَنَطُّعَ وَالغُلُوَّ وَالإِعجَابَ بِالأَنْفُسِ، تَوَاضَعُوا للهِ، لَعَلَّ اللهَ يَرْفَعُكُم. قَالَ سَلاَمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ: كَانَ قَتَادَةُ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي سَبْعٍ، وَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، خَتمَ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ، فَإِذَا جَاءَ العَشرُ، خَتَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنْ عِمْرَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ لِقَتَادَةَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ خَلَقَ مِثْلَك. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ قَتَادَةُ عَالِماً بِالتَّفْسِيْرِ، وَباخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ ... ، ثُمَّ وَصَفَه بِالفِقْهِ وَالحفظِ، وَأَطنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: قَلَّمَا تَجِدُ مَنْ يَتَقَدَّمُه. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: وَهَلْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ قَتَادَةَ. وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ قَتَادَةُ أَحْفَظَ أَهْلِ البَصْرَةِ، لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 حَفِظَه، قُرِئَ عَلَيْهِ صَحِيْفَةُ جَابِرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَحَفِظَهَا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: قَالَ شُعْبَةُ: نَصَصْتُ عَلَى قَتَادَةَ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً كُلُّهَا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. قَالَ شُعْبَةُ: لاَ يُعْرَفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي رَافِعٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وَلاَ مِنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ. قُلْتُ: قَدْ عَدُّوا رِوَايَةَ قَتَادَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، وَكَانَ مُدَلِّساً. قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا يَقُوْلُوْنَ: قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ إِلاَّ المَعَاصِي (1) . وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: مَا كَانَ قَتَادَةُ لاَ يَرضَى حَتَّى يَصِيْحَ بِهِ صِيَاحاً -يَعْنِي: القَدَرَ-. قُلْتُ: قَدِ اعْتَذَرْنَا عَنْهُ وَعَنْ أَمثَالِه، فَإِنَّ اللهَ عَذَرَهُم، فَيَا حَبَّذَا، وَإِنْ هُوَ عَذَّبَهم، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَظلِمُ النَّاسَ شَيْئاً، أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ. وَقَدْ كَانَ قَتَادَةُ أَيْضاً رَأْساً فِي العَرَبِيَّةِ، وَالغَرِيْبِ، وَأَيَّامِ العَرَبِ، وَأَنسَابِهَا،   (1) يغلب على الظن أن القدر الذي نفاه قتادة رحمه الله إنما هو القدر الذي حكاه الله تعالى عن المشركين في قوله (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولاحرمنا من شيء..) وقد رد الله مقالتهم تلك ووصفهم بالكذب والجهل، واتباع الظنون والاوهام، فقال: (كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) وقد اتفق الأئمة الذين يعتد بهم في هذا الشأن: أن قدرة العبد مؤثرة في عمله كتأثير سائر الاسباب في المسببات بمشيئة الله الذي ربط بعضها ببعض كما هو ثابت بالحس والوجدان والقرآن. والله سبحانه يكره من عباده أن يعملوا الشر وإن وقع بإرادته إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وليس معنى المشيئة أنه يحب ذلك الشر بل معناها: أن الشر لا يقع على الرغم منه، وحاشا له. وإرادة الله لا ترغم العبد على فعل الشر، فلو أن العبد فعل الخير بدل الشر، لكان فعل الخير بإرادته سبحانه أيضا فالطاعات والمعاصي تقع من العبد بإرادة الله سبحانه ومشيئته، أي: بغير أن يكون مكرها على وقوعها، كما أن مشيئته تعالى لم تكره العبد على المعصية التي تقع منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 حَتَّى قَالَ فِيْهِ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: كَانَ قَتَادَةُ مِنْ أَنْسبِ النَّاسِ. وَنَقَلَ القِفْطِيُّ (1) فِي (تَارِيْخِهِ) : أَنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَا يَخْتَلِفَانِ فِي البَيْتِ مِنَ الشِّعرِ، فَيُبْرِدَانِ بَرَيْداً إِلَى العِرَاقِ، يَسْأَلاَنِ قَتَادَةَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: اترُكْ مَنْ كَانَ رَأْساً فِي بِدعَةٍ يَدْعُو إِلَيْهَا. قَالَ: فَكَيْفَ يُصْنَعُ بِقَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ ... ، وَذَكَرَ قَوْماً. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: إِنْ تَرَكَ هَذَا الضَّربَ، تَرَكَ نَاساً كَثِيْراً. ثُمَّ قَالَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ أَثْبَتُ مِنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْرَجَ قَتَادَةُ حَيَّانَ الأَعْرَجَ مِنَ الحُجْرَةِ. قُلْتُ: لِمَ أَخْرَجَهُ؟ قَالَ: لأَنَّهُ ذَكرَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ذَكَرتُ لِقَتَادَةَ حَدِيْثَ: احتجَّ آدَمُ وَمُوْسَى، فَقَالَ: مَجْنُوْنٌ أَنْتَ وَإِيْش هَذَا! قَدْ كَانَ الحَسَنُ يُحَدِّثُ بِهَا. أَخْبَرَنَا ابْنُ البُخَارِيِّ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ، أَوْ غَيْرِه: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَقِيَ آدَمُ مُوْسَى. فَقَالَ مُوْسَى: يَا آدَمُ! أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، فَفَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، وَأَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ؟! فَقَالَ: أَنْتَ مُوْسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ، وَكَلَّمَكَ، وَآتَاكَ التَّوْرَاةَ، فَأَنَا أَقْدَمُ أَمِ الذِّكْرُ؟ قَالَ: بَلِ الذِّكْرُ) . فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَحَجَّ آدَمُ مُوْسَى) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ حَرَمِيِّ بنِ حَفْصٍ، وَأَبِي   (1) هو علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد الشيباني القفطي أحد الكتاب المشهورين المبرزين في النظم والنثر، وكانت له معرفة باللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والاصول والمنطق والحكمة، والهندسة والتاريخ، وله تصانيف كثيرة تشهد له بالتفوق في العلم والبراعة فيه توفي سنة 646 هـ ترجم له ياقوت في " معجم الأدباء " 5 / 175، 203 ترجمة مطولة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 سَلَمَةَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، فَقَالَ عَنْ جُنْدُبٍ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَهَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ (1) . قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: مَا أَقَامَ قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ حَدِيْثاً. وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: مَا نَسِيتُ شَيْئاً. ثُمَّ قَالَ: يَا غُلاَمُ، نَاولْنِي نَعْلِي. قَالَ: نَعْلُكَ فِي رِجْلِكَ. قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ غَيْرَةٌ، فَإِنَّ الدَّعَاوِي لاَ تُثمِرُ خَيْراً. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ} [البَقَرَةُ: 204] ، قَالَ: جَدَلٌ بَاطِلٌ (2) . مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {لَيُوْحُوْنَ إِلَى أَوْلِيَائِهِم لِيُجَادِلُوْكُم} [الأَنْعَامُ: 121] ، قَالَ: جَادَلَهم المُشْرِكُوْنَ فِي الذَّبِيْحَةِ (3) .   (1) كيف وفيه عنعنة الحسن، نعم صح الحديث من طريق أبي هريرة، فقد أخرجه البخاري 11 / 441 في القدر: باب تحاج آدم وموسى عند الله، ومسلم (2652) في القدر: باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، ومالك 2 / 898 في القدر: باب النهي عن القول بالقدر، وأبو داود (4701) والترمذي (2135) ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تحاج آدم وموسى، فقال أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك، وأشقيتهم، قال: فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدره علي قبل أن يخلقني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى " وله ألفاظ أخرى انظرها في " جامع الأصول " 10 / 124، 126. وقوله " فحج آدم موسى " آدم مرفوعة الميم على الفاعلية، و (موسى) في محل النصب، أي ألزمه آدم الحجة، قال الخطابي: إنما حجه آدم في دفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا، وأما الحكم الذي تنازعاه، فهما فيه على السواء لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب. (2) رجاله ثقات، وأخرجه الطبري 2 / 315 من طريق عبد الرزاق ولفظه: " جدل بالباطل " وأخرج الطبري أيضا من طريق سعيد عن قتادة: قوله (وهو ألد الخصام) يقول: شديد القسوة في معصية، جدل بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان، جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة. (3) رجاله ثقات وتمامه كما في " الطبري " 8 / 18: فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه، يعنون الميتة: فكانت هذه مجادلتهم إياهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ، فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى ... } [الأَنْعَامُ: 68] إِلَى بَعْدُ، مَا نَهَى اللهُ رَسُوْلَه أَنْ يُجَالِسَ أَهْلَ الاسْتِهزَاءِ بِكِتَابِ اللهِ إِلاَّ رَيْثَ مَا يَنْسَى، فَيُعرِضُ إِذَا ذَكَرَ (1) . أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ: يَا رَبُّ، أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الأَرْضِ، فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رِضَاكَ وَغَضَبَك؟ قَالَ: إِذَا رَضِيْتُ عَلَيْكُم، اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُم خِيَارَكُم، وَإِذَا غَضِبْتُ، اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُم شِرَارَكُم. وَمِنْ عَالِي مَا يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ قَتَادَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيْحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لاَ رِيْحَ لَهَا، وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيْحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيْحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ) . وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.   (1) وأخرجه الطبري 7 / 228 من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة بلفظ " نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها، فإن نسي، فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 أَخْرَجَهُ: الشَّيْخَانِ (1) ، عَنْ هُدْبَةَ. وَأَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُم بِعُلُوٍّ. وَعِنْدِي حَدِيْثُ ابْنِ الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَشَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي إِخفَاءِ البَسمَلَةِ، كَتَبتُه فِي أَخْبَارِ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ المُقْرِئُ عِمَادُ الدِّيْنِ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ - شَيْخُ نَابُلُسَ بِهَا - وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الغَسُّوْلِيُّ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا تَوَاجَهُ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُوْلُ فِي النَّارِ (2)) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الحَلَبِيُّ قِرَاءةً، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَبُو مُضَرَ الضَّبِّيُّ، أَنْبَأَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَائِرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيْمَةٌ، إِلاَّ كَانَتْ   (1) أخرجه البخاري 9 / 58، 59 في فضائل القرآن: باب فضل القرآن على سائر الكلام، ومسلم (797) في صلاة المسافرين: باب فضيلة حافظ القرآن، من طريق هدبة بن خالد، عن همام عن قتادة به، وأخررجه البخاري 9 / 481 في الاطعمة: باب ذكر الطعام، ومسلم (797) ، والترمذي (2865) من طريق قتيبة بن سعيد، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس عن أبي موسى. (2) وأخرجه البخاري 1 / 81 في الايمان: باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، و12 / 173 في الديات: باب ومن أحياها، ومسلم (2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما من طريق حماد بن زيد، عن أيوب ويونس، عن الحسن، عن الاحنف بن قيس، عن أبي بكرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 لَهُ صَدَقَةٌ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ (1) ، فَوَافَقْنَاهُم. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ قَتَادَةُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ خَلِيْفَةُ: هُوَ قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ بنِ عَزِيْزِ بنِ زَيْدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ كَرِبِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ سَدُوْسَ، أَبُو الخَطَّابِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ بِوَاسِطَ. وَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: مَاتَ بِوَاسِطَ، كَانَ عِنْدَ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: أَوْصَى قَتَادَةُ إِلَى مَطَرٍ. وَبِإِسْنَادِي المَذْكُوْرِ إِلَى البَغَوِيِّ فِي (الجَعْدِيَّاتِ) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأَنْعَامُ: 158] ، قَالَ: طُلُوْعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثْتُ سُفْيَانَ بِحَدِيْثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي سُفْيَانُ: وَكَانَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ قَتَادَةَ؟! قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيْثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلَى طَعَامٍ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُوْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِذْنُهُ (3)) : قَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي   (1) أخرجه البخاري 5 / 2 في أول المزارعة، ومسلم (1552) (8) في المساقاة: باب فضل الغرس والزرع، والترمذي (1382) في الاحكام: باب ما جاء في فضل الغرس. (2) إسناده صحيح، وأخرج البخاري 8 / 223 في التفسير: باب لا ينفع نفسا إيمانها، من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس. آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " وأخرجه مسلم (157) في الايمان: باب الزمن الذي لا يقبل فيه الايمان من طرق عن أبي هريرة. (3) أخرجه أبو داود (5190) في الاددب: باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه، والبخاري في " الأدب المفرد " (1075) وإسناده صحيح، وعلقه البخاري في " صحيحه " 11 / 27 بصيغة الجزم، = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 رَافِعٍ. قُلْتُ: بَلْ سَمِعَ مِنْهُ، فَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) حَدِيْثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيْثَ: (إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي (1)) . قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: جَالَسْتُ الحَسَنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أُصَلِّي مَعَهُ الصُّبْحَ ثَلاَثَ سِنِيْنَ، وَمِثْلِي أَخَذَ عَنْ مِثْلِهِ. وَعَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: تُوُفِيَّ قَتَادَةُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 133 - نَافِعُ بنُ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو سُهَيْلٍ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَوَالِدِهِ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ شِهَابٍ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. تَأَخَّرَ إِلَى قَرِيْبِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   = وإعلال أبي داود له بأن قتادة لم يسمع من أبي رافع رده المصنف هنا، والحافظ في " الفتح " 11 / 27 بأنه ثبت سماعه منه في الحديث الذي أخرجه في " صحيحه " 13 / 439، وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1076) وأبو داود (5189) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " رسول الرجل إلى الرجل إذنه " وله شاهد موقوف على ابن مسعود عند البخاري في " الأدب المفرد " (1074) قال: إذا دعي الرجل، فقد أذن له. (1) أخرجه البخاري 13 / 439 في التوحيد: باب قول الله تعالى " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " من طريق المعتمر سمعت أبي يقول: حدثنا قتادة أن أبا رافع حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق، إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش ". (*) التاريخ الكبير 8 / 86، تاريخ الفسوي 1 / 406، الجرح والتعديل 8 / 453، تهذيب الكمال: 1403، تذهيب التهذيب 4 / 91 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 307، تهذيب التهذيب 10 / 409، خلاصة تذهيب الكمال: 399. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 134 - عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ * (م، 4) ابْنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإِمَامُ، القَانِتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، السَّجَّادُ. وُلِدَ: عَامَ قُتِلَ الإِمَامُ عَلِيٍّ، فَسُمِّيَ بِاسْمِهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: بَنُوْهُ؛ عِيْسَى، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَأُمُّهُ: ابْنَةُ مَلكِ كِنْدَةَ مِشْرَحِ بنِ عَدِيٍّ، وَكَانَ جَسِيْماً، وَسِيْماً كَأَبِيْهِ، طُوَالاً، مَهِيْباً، مَلِيحَ اللِّحْيَةِ، يَخْضِبُ بِالوَسِمَةِ. وَرَدَ عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ أَلفَ سَجدَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. قَالَ لَهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ: لاَ أَحتَمِلُ لَكَ الاسْمَ وَالكُنْيَةَ، فَغَيِّرْهُ. وَكَنَّاهُ: أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلابْنِهِ عَلِيٍّ: انطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيْثِهِ. فَأَتَيْنَاهُ فِي حَائِطٍ لَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ آدَمَ، جَسِيْماً، وَرَأَيْتُ لَهُ مَسْجِداً كَبِيْراً فِي وَجْهِهِ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ لَهُ خَمْسُ مائَةِ شَجَرَةٍ، يُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ شَجَرَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ.   (*) طبقات خليفة: 239، تاريخ الفسوي 2 / 381، الجرح والتعديل 6 / 193، تهذيب الكمال: 984، تذهيب التهذيب 3 / 69 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 282، تهذيب التهذيب 7 / 357، خلاصة تذهيب الكمال: 275، شذرات الذهب 1 / 148. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 وَعَنْ أَبِي المُغِيْرَةِ: كُنَّا نَطلُبُ لَهُ النَّعْلَ فَمَا نَجِدُه حَتَّى يَسْتَعْمِلَه؛ لِكِبَرِ رِجْلِه. قُلْتُ: لُقِّبِ بِالسَّجَّادِ؛ لِكَثْرَةِ صَلاَتِه. وَقِيْلَ: إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، فَأَجلَسَه مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ. قَالَ المُبَرِّدُ: ضَرَبَه الوَلِيْدُ مَرَّتَيْنِ، إِحدَاهُمَا فِي تَزْوِيْجِه لُبَابَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ المَلِكِ، فَعَضَّ تُفَّاحَةً وَنَاوَلَهَا، وَكَانَ أَبْخَرَ، فَقَشَطَتْهَا بِسِكِّيْنٍ، وَقَالَتْ: أُمِيطُ عَنْهَا الأَذَى. فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجهَا عَلِيٌّ. وَرُؤِيَ مَضْرُوْباً وَهُوَ عَلَى جَملٍ مَقْلُوْباً يُنَادَى عَلَيْهِ: هَذَا عَلِيٌّ الكَذَّابُ؛ لأَنَّهُم بَلَغَهُم عَنْهُ أَنَّهُ يَقُوْلُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ سَيصِيْرُ فِي وَلَدِي، وَحَلَفَ لَيَكُوْننَّ فِيْهِم، حَتَّى تَملكَ عَبِيْدُهمُ الصِّغَارُ الأَعْيُنِ العِرَاضُ الوُجُوْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ، فَاحْتَرَمَه، وَأَعْطَاهُ ثَلاَثِيْنَ أَلفاً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ اخْتَلَّ وَخَلَّطَ، يَقُوْلُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ سَيَنتَقِلُ إِلَى وَلَدِي. فَسَمِعَهَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: وَاللهِ لَيَكُوْننَّ ذَلِكَ، وَلَيَتَمَلَّكَنَّ هَذَانِ. وَكَانَ مَعَهُ وَلدَا ابْنِهِ؛ السَّفَّاحُ وَالمَنْصُوْرُ. قُلْتُ: كَانَ قَدْ أَسكَنَهُ هِشَامٌ بِالحُمَيْمَةِ (1) ؛ قَرْيَةٍ مِنَ البَلْقَاءِ هُوَ وَأَوْلاَدُه. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَهُوَ جَدُّ الخُلَفَاءِ، وَلَهُ مِنَ الوَلدِ المَذْكُوْرُوْنَ، وَمُحَمَّدٌ الإِمَامُ، وَصَالِحٌ، وَأَحْمَدُ، وَبَشِيْرٌ، وَمُبَشِّرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَعُثْمَانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوْبُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ، وَالأَحْنَفُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ.   (1) قال ياقوت: الحميمة: بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 135 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زَكَرِيَّا أَبُو يَحْيَى الخُزَاعِيُّ * (د) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو يَحْيَى الخُزَاعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. أَرْسَلَ عَنْ: سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَطَائِفَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَغَيْرِهَا. حَدَّثَ عَنْهُ: صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَخَالِدُ بنُ دِهْقَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ سَيِّدَ أَهْلِ المَسْجِدِ. فَقِيْلَ: بِمَ سَادَهم؟ قَالَ: بِحُسْنِ الخُلُقِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ يُعْدَلُ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ يَمَانُ بنُ عَدِيٍّ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زَكَرِيَّا عَابِدَ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا عَالَجتُ مِنَ العِبَادَةِ شَيْئاً أَشَدَّ مِنَ السُّكُوْتِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ رَجُلٌ يُفَضَّلُ عَلَى ابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا. وَرَوَى: بَقِيَّةُ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زَكَرِيَّا لاَ يَكَادُ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ أَنْ يُسْأَلَ، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَبَسُّماً. قَالَ: مَا مَسَستُ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً قَطُّ، وَلاَ اشْتَرَيتُ شَيْئاً قَطُّ، وَلاَ بِعتُه إِلاَّ مَرَّةً، وَكَانَ لَهُ إِخوَةٌ يَكفُوْنَهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، صَاحِبَ غَزْوٍ، وَكَانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يُجْلِسُه مَعَهُ عَلَى السَّرِيْرِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُم -.   (*) طبقات خليفة: 312، تاريخ الفسوي 2 / 320، 378، الجرح والتعديل 5 / 7، حلية الأولياء 5 / 149، 153، تهذيب الكمال: 683، تذهيب التهذيب 2 / 145 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 264، تهذيب التهذيب 5 / 218، خلاصة تذهيب الكمال: 198. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 136 - أَبُو جَعْفَرٍ القَارِئُ يَزِيْدُ بنُ القَعْقَاعِ المَدَنِيُّ * أَحَدُ الأَئِمَّةِ العَشْرَةِ فِي حُرُوْفِ القِرَاءاتِ. وَاسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ القَعْقَاعِ المَدَنِيُّ. تَلاَ عَلَى: مَوْلاَهُ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيِّ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضاً عَلَى: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخْذِهِم عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَقَدْ صَلَّى بِابْنِ عُمَرَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ نَزرُ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّهُ فِي الإِقْرَاءِ إِمَامٌ. قِيْلَ: تَصَدَّرَ لِلأدَاءِ مِنْ قَبْلِ وَقْعَةِ الحَرَّةِ. وَيُقَالُ: تَلاَ عَلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ. قَرَأَ عَلَيْهِ: نَافِعٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ جَمَّازٍ، وَعِيْسَى بنُ وَرْدَانَ، وَطَائِفَةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ. وَوَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ يُقرِئُ قَبْلَ وَقْعَةِ الحَرَّةِ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْهُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ: قَالَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُقرِئُ قَبْلَ الحَرَّةِ، وَكَانَ يُمسِكُ المُصْحَفَ عَلَى مَوْلاَهُ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَقرَأِ النَّاسِ، وَكُنْتُ أَرَى كُلَّ مَا يَقْرَأُ، وَأَخَذتُ عَنْهُ قِرَاءتَه. وَأَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ مَسَحَتْ عَلَى رَأْسِهِ، وَدَعَتْ لَهُ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادٍ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ: مَتَى عَلِمتَ القُرْآنَ؟ قَالَ: زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ نَافِعٌ القَارِئُ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُوْمُ اللَّيْلَ، فَإِذَا أَقرَأَ، يَنْعُسُ، فَيَقُوْلُ لَهُم: ضَعُوا الحَصَى بَيْنَ أَصَابِعِي، وَضُمُّوهَا. فَكَانُوا يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ، وَالنَّوْمُ يَغلِبُه.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 352، طبقات خليفة: 262، تاريخ خليفة: 405، التاريخ الكبير 8 / 353، 354، الجرح والتعديل 9 / 284، تهذيب الكمال: 1593، تذهيب التهذيب 4 / 207 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 188، وفيات الأعيان، 6 / 274، طبقات القراء 2 / 382، تهذيب التهذيب 12 / 58، شذرات الذهب 1 / 176. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 فَقَالَ: إِذَا نِمْتُ، فَمُدُّوا خَصلَةً مِنْ لِحْيَتِي. قَالَ: فَمَرَّ بِهِ مَوْلاَهُ، فَيَرَى مَا يَفْعَلُوْنَ بِهِ، فَيَقُوْلُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! ذَهَبَتْ بِكَ الغَفْلَةُ. فَيَقُوْلُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا فِي خُلُقِه شَيْءٌ، دُوْرُوا بِنَا وَرَاءَ القَبْرِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي جَعْفَرٍ - وَكَانَ فِي دِيْنِه فَقِيْهاً، وَفِي دُنْيَاهُ أَبْلَهَ -: هَنِيئاً لَكَ مَا آتَاكَ مِنَ القُرْآنِ. قَالَ: ذَاكَ إِذَا أَحلَلْتُ حَلاَلَه، وَحَرَّمتُ حَرَامَه، وَعَمِلتُ بِمَا فِيْهِ. وَكَانَ يُصَلِّي خَلْفَ القُرَّاءِ فِي رَمَضَانَ، يُلَقِّنُهُم، يُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَجَعَلُوا بَعْدَه شَيْبَةَ. وَقِيْلَ: كَانَ يَتَصَدَّقُ حَتَّى بِإِزَارِه، وَكَانَ مِنَ العُبَّادِ. وَرَوَى: زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ القَارِئَ عَلَى الكَعْبَةِ، فَقَالَ: أَقرِئْ إِخْوَانِيَ السَّلاَمَ، وَخَبِّرْهُم أَنَّ اللهَ جَعَلَنِي مِنَ الشُّهدَاءِ الأَحْيَاءِ المَرْزُوْقِيْنَ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ المُسَيِّبِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا غُسِّلَ أَبُو جَعْفَرٍ، نَظَرُوا مَا بَيْنَ نَحرِهِ إِلَى فُؤَادِه كَوَرَقَةِ المُصْحَفِ، فَمَا شَكَّ مَنْ حَضَرَه أَنَّهُ نُوْرُ القُرْآنِ. وَقَدْ سُقتُ كَثِيْراً مِنْ أَخْبَارِ أَبِي جَعْفَرٍ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى. وَقَالَ شَبَابٌ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَعَاشَ: نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. 137 - حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ أَبُو يَحْيَى القُرَشِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، فَقِيْهُ الكُوْفَةِ، أَبُو يَحْيَى القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُم. وَاسْمُ أَبِيْهِ: قَيْسُ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 320، طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 2 / 323، تاريخ الفسوى 2 / 204، الجرح والتعديل 3 / 107، طبقات الشيرازي: 83، تهذيب الكمال: 229، تذهيب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 بنُ دِيْنَارٍ، وَقِيْلَ: قَيْسُ بنُ هِنْدٍ، وَيُقَالُ: هِنْدٌ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - وَقِيْلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا، وَحَدِيْثُه عَنْهُمَا فِي ابْنِ مَاجَة - وَحَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ - وَحَدِيْثُه عَنْهُ فِي (التِّرْمِذِيِّ) ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعِنْدِي لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ - وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَعَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَذَرٍّ الهَمْدَانِيِّ، وَأَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، وَالسَّائِبِ بنِ فَرُّوْخٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَأَبِي المِنْهَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَكُرَيْبٍ، وَعُرْوَةَ فِي المُسْتَحَاضَةِ - وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ عُرْوَةُ المُرِّيُّ -. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَعُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ - وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ -. رَوَى عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَحُصَيْنٌ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَأَبُو حُصَيْنٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الكِبَارِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَحَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سِيَاهٍ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: كَانَ بِالكُوْفَةِ ثَلاَثَةٌ، لَيْسَ لَهُم رَابِعٌ: حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، كَانُوا مِنْ أَصْحَابِ الفُتْيَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ إِلاَّ يَذِلُّ لِحَبِيْبٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ مُفْتِي الكُوْفَةِ قَبْلَ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَكَانَ دِعَامَةً، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى القَتَّاتِ، قَالَ: قَدِمتُ الطَّائِفَ مَعَ   = التهذيب 1 / 118 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 240، تذكرة الحفاظ 1 / 116، العبر 1 / 150، تهذيب التهذيب 2 / 178، النجوم الزاهرة 1 / 283، طبقات الحفاظ: 44، شذرات الذهب 1 / 156. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، فَكَأَنَّمَا قَدِمَ عَلَيْهِم نَبِيٌّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. فَقِيْلَ لِيَحْيَى: حَبِيْبٌ ثَبْتٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا رَوَى حَدِيْثَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: أَظُنُّ يَحْيَى يُرِيْدُ مُنْكَرَيْنِ: حَدِيْثَ: (تُصَلِّي المُسْتَحَاضَةُ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيْرِ (1)) ، وَحَدِيْثَ: (القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (2)) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ.   (1) أخرجه ابن ماجه (624) في الطهارة: باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها من طريق وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: " لا إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير " ورجاله ثقات، وأخرجه أحمد 6 / 42، والطحاوي ص 61، والدارقطني ص 78، والبيهقي 1 / 344. وقد توسع في الكلام عليه صاحب " نصب الراية " 1 / 199 و200، والجوهر النقي 1 / 344 و345. (2) هذا خطأ من المؤلف رحمه الله صوابه: وحديث ترك الوضوء من القبلة كما في سنن أبي داود (180) والنسائي 1 / 104، 105، والترمذي (86) والبيهقي 1 / 126، والدارقطني ص 51، ولفظ الحديث من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قلت: من هي إلا أنت فضحكت. وقال ابن عبد البر فيما نقله عنه صاحب " الجوهر النقي " 1 / 124 في رد دعوى من يقول: إن حبيبا لم يسمع من عروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتا، وقا أيضا: لا شك أنه لقي عروة، وقال أبو داود في كتاب السنن: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثا صحيحا. قال ابن " التركماني " وهذا يدل ظاهرا على أن حبيبا سمع من عروة وهو مثبت، فيقدم على النافي، والحديث الذي أشار إليه أبو داود هو أنه كان عليه السلام يقول: " اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري.." رواه الترمذي وقال حسن غريب. على أن حبيبا لم ينفرد بروايته، فقد تابعه عليه هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، فقد روى الدارقطني 1 / 50 من حديث وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ولم يتوضأ، ثم ضحكت، وقد جاء الحديث باسناد آخر صحيح عن عائشة رواه البزار في " مسنده " ورجاله ثقات رجال الصحيح خلا شيخ البزار إسماعيل بن يعقوب بن صبيح وهو ثقة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 وَرَوَى: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ حَبِيْبٌ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئاً. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ إِلاَّ عَنْ عُرْوَةَ المُزَنِيِّ. قُلْتُ: قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - وَذَلِكَ فِي (النَّسَائِيِّ) وَ (ابْنِ مَاجَة) - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ - وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِه، فَقَالَ هُوَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالبُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ -. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ: فَرَوَى عَنِ الهَيْثَمِ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: مَاتَ حَبِيْبٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فِي وِلاَيَةِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَهُوَ ثِقَةٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ. وَقَدْ تَنَاكَدَ الدُّوْلاَبِيُّ بِذِكرِهِ فِي (الضُّعَفَاءِ) لَهُ؛ لِمُجَرَّدِ قَوْلِ ابْنِ عَوْنٍ فِيْهِ: كَانَ أَعْوَرَ. وَإِنَّمَا هَذَا نَعتٌ لِبَصَرِه، لاَ جَرْحٌ لَهُ. قَالَ فِيْهِ البُخَارِيُّ: سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ زَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ وَضَعَ جَبِيْنَه للهِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الكِبْرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: رَأَيْتُ حَبِيْبَ بنَ أَبِي ثَابِتٍ سَاجِداً، فَلَوْ رَأَيْتَه، قُلْتَ: مَيِّتٌ -يَعْنِي: مَنْ طُوْلِ السُّجُوْدِ-. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمِيْرَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الرِّبْعِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَأْذِنُه فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟) . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَفِيْهِمَا فَجَاهِدْ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ (1) ، مِنْ طَرِيْقِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيْبٍ. وَاسْمُ أَبِي العَبَّاسِ: السَّائِبُ بنُ فَرُّوْخٍ.   (1) أخرجه البخاري 6 / 97، 98، في الجهاد: باب الجهاد بإذن الأبوين من طريق شعبة عن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 138 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ يَزِيْدَ اليَحْصُبِيُّ * (م، ت) ابْنِ تَمِيْمٍ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، مُقْرِئُ الشَّامِ، وَأَحدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عِمْرَانَ اليَحْصُبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. يُقَالُ: وُلِدَ عَامَ الفَتْحِ، وَهَذَا بَعِيْدٌ. وَالصَحِيْحُ: مَا قَالَ تِلْمِيْذُه يَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ: أَنَّ مَوْلِدَه سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. وَرَوَيْنَا بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ: أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ سَمِعَ قِرَاءةَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَلَعَلَّ وَالِدَه حَجَّ بِهِ، فَتَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ. وَقِيْلَ: قَرَأَ عَلَيْهِ نِصْفَ القُرْآنَ، وَلَمْ يَصِحَّ. وَجَاءَ أَيْضاً: أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى قَاضِي دِمَشْقَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ الصَّحَابِيِّ، وَالمَشْهُوْرُ: أَنَّهُ تَلاَ عَلَى المُغِيْرَةِ بنِ أَبِي شِهَابٍ المَخْزُوْمِيِّ صَاحِبِ عُثْمَانَ. وَحَدَّثَ عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَوَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَيَحْيَى الذِّمَارِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ، وَجَمَاعَةٌ. وَتَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ الحَارِثِ، وَغَيْرُه. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ.   = حبيب..ومسلم (2549) في البر والصلة: باب بر الوالدين وأنهما أحق به من طريق شعبة والاعمش عن حبيب. (*) طبقات خليفة: 235، التاريخ الصغير 1 / 100 و164، الجرح والتعديل 5 / 122، تاريخ ابن عساكر، تهذيب الكمال: 697، تذهيب التهذيب 2 / 156 / 1، تاريخ الإسلام 3 / 267، ميزان الاعتدال 2 / 449، طبقات القراء 1 / 423، تهذيب التهذيب 5 / 274، خلاصة تذهيب الكمال: 202. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عِمْرَانَ: كَانَ ابْنُ عَامِرٍ رَئِيْسَ أَهْلِ المَسْجِدِ زَمَنَ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَبَعدَه. خَفِيَتْ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ سُنَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ. فَنَقَلَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: ضَرَبَ ابْنُ عَامِرٍ عَطِيَّةَ بنَ قَيْسٍ حِيْنَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ، حَجَبَه عَنِ الدُّخُولِ إِلَيْهِ. وَفِي كُنْيَةِ ابْن عَامِرٍ أَقْوَالٌ تِسْعَةٌ: أَقوَاهَا: أَبُو عِمْرَانَ، وَالأصَحُّ: أَنَّهُ عَرَبِيٌّ، ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ حِمْيَرٍ. قَالَ يَحْيَى الذِّمَارِيُّ: كَانَ ابْنُ عَامِرٍ قَاضِيَ الجُنْدِ، وَكَانَ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَكَانَ رَئِيْسَ المَسْجِدِ، لاَ يَرَى فِيْهِ بِدعَةً إِلاَّ غَيَّرَهَا. قَالَ: وَمَاتَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. وَمُرَادُه بِالجُنْدِ: جُنْدُ دِمَشْقَ، وَهِيَ البَلَدُ، وَمَا يَلتَحِقُ بِهَا مِنَ السَّوَاحلِ وَالقِلاَعِ. قَدْ سُقتُ تَرْجَمَةَ هَذَا الإِمَامِ مُسْتَوْفَاةً فِي كِتَابِ (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . 139 - أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ الإِسْكَافُ * (م، 4، خَ مَقْرُوْناً) الوَاسِطِيُّ، عِرَاقِيٌّ، صَدُوْقٌ. رَوَى عَنْ: جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَشُعْبَةُ، وَغَيْرُهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: أَبُو الزُّبَيْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّمَا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ صَحِيْفَةٌ. قُلْتُ:   (*) طبقات خليفة 155، التاريخ الكبير 4 / 346، الجرح والتعديل 4 / 475، تهذيب الكمال 631، تذهيب التهذيب 2 / 108 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 23، ميزان الاعتدال 2 / 342، العقد الثمين 5 / 71، تهذيب التهذيب 5 / 26، خلاصة تذهيب الكمال 180. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 خَرَّجَ لَهُ البُخَارِيُّ مَقْرُوْناً بِآخَرَ. وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَتُرِيْدُ أَنْ أَقُوْلَ: ثِقَةٌ، الثِّقَةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ. 140 - مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَارِثِ التَّيْمِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الحَافِظُ، مِنْ عُلَمَاءِ المَدِيْنَةِ مَعَ سَالِمٍ، وَنَافِعٍ. وَكَانَ جَدُّه الحَارِثُ بنُ خَالِدِ بنِ صَخْرِ بنِ عَامِرِ بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ القُرَشِيُّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُهَاجِرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. رَأَى مُحَمَّدٌ: سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعِيْسَى بنِ طَلْحَةَ، وَنَافِعِ بنِ عُجَيْرٍ، وَعُرْوَةَ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَأَبِي العَلاَءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الحُرَقَةِ، وَمُعَاذِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ حَازِمٍ التَّمَّارِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَحُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ الأَعْرَجُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُهُ؛ مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ فَقِيْهاً، مُحَدِّثاً - عَنَى: وَلَدَه مُوْسَى (1) -.   (*) طبقات خليفة: 256، التاريخ الكبير 1 / 22، الجرح والتعديل 7 / 184، تهذيب الكمال: 1155، تذهيب التهذيب 3 / 177 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 298، ميزان الاعتدال 3 / 445، تهذيب التهذيب 9 / 5، خلاصة تذهيب الكمال: 324، شذرات الذهب 1 / 157. (1) النص في الطبقات: فولد محمد بن إبراهيم موسى بن محمد، وكان فقيها محدثا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ذَكَرَ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيَّ، فَقَالَ: فِي حَدِيْثِهِ شَيْءٌ، يَرْوِي أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ - أَوْ مُنْكَرَةً -. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ جَدُّه الحَارِثُ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ الأَوَّلِيْنَ. مَاتَ مُحَمَّدٌ: فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَكَانَ عَرِيْفَ قَوْمِه. قُلْتُ: لَعَلَّ مَالِكاً لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ؛ لِمَكَانِ العَرَافَةِ، لَكِنَّهُ يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَقَالَ الهَيْثَمُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. قُلْتُ: مَنْ غَرَائِبِه المُنْفَرِدِ بِهَا حَدِيْثُ (الأَعْمَالِ (1)) عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ جَازَ القَنْطَرَةَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الصِّحَاحِ بِلاَ مَثْنَوِيَّةٍ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ المُسْتَمْلِي، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ   (1) ونصه " إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " أخرجه مالك في " الموطأ " ص 401 برواية محمد بن الحسن، والبخاري 1 / 7 و5، ومسلم (1907) ، وأبو داود (2201) ، والترمذي (1647) ، وابن ماجه (2427) ، والنسائي 1 / 58، 60، وقد قال الحفاظ: لم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وعن يحيى انتشر، فرواه جمع من الأئمة، فهو غريب في أوله، مشهور في آخره. (2) أي: بلا استثناء من قولهم: حلفت يمينا غير مثنوية، أي: غير محللة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ المَنِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُخَاصِمُ فِي أَرْضٍ، فَقَالَتْ: اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ ظَلَمَ قِيْدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضَيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ حَبَّانَ، عَنْ أَبَانِ بنِ يَزِيْدَ نَحْوَهُ. 141 - زُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ اليَامِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الحَافِظُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي وَائِلٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيْدٍ النَّخَعِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَمَا عَلِمتُ لَهُ شَيْئاً عَنِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رَآهُم، وَعِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَشُعْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ شُعْبَةُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً خَيْراً مِنْ زُبَيْدٍ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ زُبَيْدٌ: أَلفُ بَعرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلفِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: كَانَ زُبَيْدٌ يُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجزَاءٍ: جُزْءاً عَلَيْهِ، وَجُزْءاً عَلَى ابْنِه، وَجُزْءاً عَلَى ابْنِه الآخَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَكَانَ هُوَ يُصَلِّي، ثُمَّ يَقُوْلُ لأَحَدِهِمَا: قُمْ. فَإِنْ تَكَاسَلَ، صَلَّى جُزءهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ لِلآخَرِ: قُمْ. فَإِنْ تَكَاسَلَ أَيْضاً، صَلَّى جُزءهُ، فَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّه.   (1) رقم (1612) في المساقاة: باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها. (*) طبقات ابن سعد 6 / 309. طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 3 / 450، التاريخ الصغير 1 / 315، الجرح والتعديل 3 / 623، تهذيب الكمال: 426، تذهيب التهذيب 1 / 231 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 69، ميزان الاعتدال 2 / 66، تهذيب التهذيب 3 / 310، خلاصة تذهيب الكمال: 130، شذرات الذهب 1 / 160. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 قَالَ نُعَيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: لَوْ خُيِّرتُ مَنْ أَلْقَى اللهَ -تَعَالَى- فِي مِسلاَخِه، لاَخْتَرتُ زُبَيْداً اليَامِيَّ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ يَأْتِي زُبَيْدَ بنَ الحَارِثِ، فَكَانَ يَذْكُرُ لَهُ أَهْلَ البَيْتِ، وَيَعْصِرُ عَيْنَيْهِ؛ يُرِيْدُهُ عَلَى الخُرُوْجِ أَيَّامَ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ. فَقَالَ زُبَيْدٌ: مَا أَنَا بِخَارِجٍ إِلاَّ مَعَ نَبِيٍّ، وَمَا أَنَا بِوَاجِدِه. قُلْتُ: اخْتُلِفَ فِي كُنْيَةِ زُبَيْدٍ، فَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: زُبَيْدٌ ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَعْجَبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ ... ، فَذَكَرَ مِنْهُم زُبَيْداً. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ زُبَيْدَ بنَ الحَارِثِ مُقْبِلاً مِنَ السُّوْقِ، رَجَفَ قَلْبِي. وَرَوَى: شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ عَمِّي زُبَيْدٌ حَاجّاً، فَاحْتَاجَ إِلَى الوُضُوْءِ، فَقَامَ، فَتَنَحَّى، ثُمَّ قَضَى حَاجَتَه، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَإِذَا هُوَ بِمَاءٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم مَاءٌ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءهُم لِيُعْلِمَهُم، فَأَتَوْا، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً. قَالَ يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، قَالَ: كَانَ زُبَيْدٌ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِه، فَكَانَ يَقُوْلُ لِلصِّبْيَانِ: تَعَالَوْا، فَصَلُّوا، أَهَبْ لَكُم جَوْزاً. فَكَانُوا يُصَلُّوْنَ، ثُمَّ يُحِيطُوْنَ بِهِ. فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُم جَوْزاً بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَيَتَعَوَّدُوْنَ الصَّلاَةَ. وَبَلَغَنَا عَنْ زُبَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةً مَطِيرَةً، طَافَ عَلَى عَجَائِزِ الحَيِّ، وَيَقُوْلُ: أَلَكُم فِي السُّوْقِ حَاجَةٌ؟ قَالَ الحَسَنُ بنُ حَيٍّ، قَالَ زُبَيْدٌ: سَمِعْتُ كَلِمَةً، فَنَفَعَنِي اللهُ بِهَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 قَالَ حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَعْطَى أَمِيْرٌ زُبَيْداً دَرَاهِمَ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَدْرَكَ زُبَيْدٌ ابْنَ عُمَرَ، وَأَنَسَ بنَ مَالِكٍ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الصَّفَّارِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ - فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ - حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الدَّاهِرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، عَنْ زُبَيْدٍ اليَامِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَزَالُوْنَ مَدْفُوْعاً عَنْهُم بِـ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (1)) . غَرِيْبٌ، وَالدَّاهِرِيُّ: ضَعِيْفٌ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 142 - سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلِ بنِ حُصَيْنٍ الحَضْرَمِيُّ التِّنْعِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبُو يَحْيَى الحَضْرَمِيُّ، ثُمَّ التِّنْعِيُّ (2) ، الكُوْفِيُّ. وَتِنْعَةُ: بَطْنٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الكَلْبِيِّ: أَنَّ تِنْعَةَ قَرْيَةٌ فِيْهَا بِئْرُ بَرَهُوْتَ. دَخلَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَلَى زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَجُنْدُبٍ البَجَلِيِّ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَسُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَحَبَّةَ بنِ جُوَيْنٍ، وَحُجَيَّةَ بنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ،   (1) حلية الأولياء 5 / 33، وأبو بكر الداهري وقد تصحف فيه إلى الزهراني اسمه عبد الله بن حكيم قال أحمد: ليس بشيء، وكذا قال ابن المديني وغيره، وقال ابن معين مرة: ليس بثقة، وكذا قال النسائي: وقال الجوزجاني: كذاب. (*) طبقات ابن سعد 6 / 316، التاريخ الكبير 4 / 74، التاريخ الصغير 1 / 311، تاريخ الفسوي 2 / 648، الجرح والتعديل 4 / 170، تهذيب الكمال: 530، تذهيب التهذيب 2 / 43 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 81، تهذيب التهذيب 4 / 155، خلاصة تذهيب الكمال: 149، شذرات الذهب 1 / 159. (2) انظر معجم البلدان 2 / 49. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، وَعَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَكُرَيْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ، وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَهِلاَلُ بنُ يِسَافٍ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَالعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَأَخُوْهُ؛ عَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، وَمِسْعَرٌ، وَعُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ مائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ مُتْقِناً لِلْحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ، وَحَدِيْثُهُ أَقَلُّ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ عَلَى تَشَيُّعِهِ. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: لَمَّا قَدِمَ شُعْبَةُ البَصْرَةَ، قَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ: إِنْ حَدَّثْتُكُم عَنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِي، فَإِنَّمَا أُحَدِّثُكُم عَنْ نَفَرٍ يَسِيْرٍ مِنْ هَذِهِ الشِّيْعَةِ: الحَكَمُ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَمَنْصُوْرٌ. وَرَوَى: خَلَفُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: مَا اجْتَمَعْنَا فِي مَكَانٍ، إِلاَّ غَلَبَنَا هَذَا القَصِيْرُ عَلَى أَمرِنَا -يَعْنِي: سَلَمَةَ بنَ كُهَيْلٍ-. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَكَانَ رُكناً مِنَ الأَركَانِ، وَشَدَّ قَبضَتَهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَثْبَتُ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مَنْصُوْرٍ، وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ: وُلِدَ أَبِي فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَمَاتَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، فِي آخِرِهَا يَوْماً. وَقَالَ الهَيْثَمُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 143 - أَبُو يُوْنُسَ سُلَيْمُ بنُ جُبَيْرٍ * (م، د، ت) مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، اسْمُهُ: سُلَيْمُ بنُ جُبَيْرٍ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ، وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَكَانَ وَالِدُهُ مُكَاتَباً لأَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَجِزَ، فَرَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَوْلاَهُ عَلَى مَسْلَمَةَ بنِ مَخْلَدٍ وَمَعَهُ وَلَدُهُ أَبُو يُوْنُسَ، فَشَفَعَ فِيْهِمَا مَسْلَمَةُ، فَأَعتَقَهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَسَكَنَا مِصْرَ. وَتُوُفِيَّ أَبُو يُوْنُسَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 144 - عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُمَحِيُّ مَوْلاَهُم ** (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الجُمَحِيُّ مَوْلاَهُم، المَكِّيُّ، الأَثْرَمُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَشَيْخُ الحَرَمِ فِي زَمَانِهِ. وُلِدَ: فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَغَيْرِهِم مِنَ الصَّحَابَةِ.   (*) التاريخ الكبير 4 / 122، الجرح والتعديل 4 / 213، تهذيب الكمال: 532، تذهيب التهذيب 2 / 44 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 83، تهذيب التهذيب 4 / 166، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 161. (* *) طبقات ابن سعد 5 / 479، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 368، التاريخ الكبير 6 / 328، التاريخ الصغير: 169، المعارف: 468، تاريخ الفسوي 2 / 18 و207، الجرح والتعديل 6 / 231، طبقات الشيرازي: 70، تهذيب الكمال: 1032، تذهيب التهذيب 3 / 97 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 114، العقد الثمين 6 / 374، 376، طبقات القراء 1 / 600، تهذيب التهذيب 8 / 28، طبقات الحفاظ: 43، خلاصة تذهيب الكمال: 288، شذرات الذهب 1 / 171 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 ذَكَرَهُ: الحَاكِمُ فِي كِتَابِ (مُزَكِّي الأَخْبَارِ) ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. كَذَا قَالَ، وَلَمْ يُصِبْ، فَإِنَّ كبَارَ التَّابِعِيْنَ: عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ المَكِّيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَمثَالُهُم. وَأَوسَاطُ التَّابِعِيْنَ: كَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَطَاوُوْسٍ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ. فَبِالجُهْدِ حَتَّى يُعَدَّ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ، وَإِلاَّ فَالأَوْلَى أَنَّهُ مِنْ طَبَقَةٍ تَابِعَةٍ لَهُم: كَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَكْحُوْلٍ، وَأَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَنَحْوِهِم، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنَى بِقَوْلِه: إِنَّهُ مِنْ كِبَارِهِم فِي الفَضْلِ وَالجَلاَلَةِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ المُقَدَّمِيْنَ. أَفْتَى بِمَكَّةَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. سَمِعَ: ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَجَابِراً، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَالبَرَاءَ بنَ عَازِبٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، وَأَنَساً، وَالمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ، وَأَبَا الطُّفَيْلِ. قُلْتُ: وَسَمِعَ: بَجَالَةَ بنَ عَبَدَةَ، وَعُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُطْعِمٍ، وَأَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بنَ زَيْدٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَاوُوْساً، وَسَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، وَعِدَّةً. وَيَنْزِلُ إِلَى: أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَنَحْوِه. وَرِوَايَتُه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءتْ فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَة) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَأَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَمَّادَانِ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَزَمْعَةُ بنُ صَالِحٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمَعْقِلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ نَافِعاً مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَرْوِي عَنْهُ. قَالَ شُعْبَةُ: مَا رَأَيْتُ فِي الحَدِيْثِ أَثْبَتَ مِنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عَمْرٌو لاَ يَدَعُ إِتْيَانَ المَسْجِدِ، كَانَ يُحْمَلُ عَلَى حِمَارٍ، مَا رَكِبَهُ إِلاَّ وَهُوَ مُقْعَدٌ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أُحَرِّجُ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ عَنِّي، فَمَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً، كُنْتُ أَتَحَفَّظُ. قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ بِالمَعْنَى، وَكَانَ فَقِيْهاً -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَفْقَهَ مِنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، لاَ عَطَاءاً وَلاَ مُجَاهِداً وَلاَ طَاوُوْساً. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَمْرٌو ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ. قَالَ: كَانَ عَمْرٌو مِنْ أَبْنَاءِ الفُرْسِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَهْلُ المَدِيْنَةِ لاَ يَرْضَوْنَ عَمْراً، يَرْمُوْنَهُ بِالتَّشَيُّعِ وَالتَّحَامُلِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلاَ بَأْسَ بِهِ، هُوَ بَرِيْءٌ مِمَّا يَقُوْلُوْنَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِنَا أَعْلَمُ مِنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَلاَ فِي جَمِيْعِ الأَرْضِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّهُ لَيَزِيْدُنِي فِي الحَجِّ رَغبَةً لِقَاءُ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ جَزَّأَ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجزَاءٍ: ثُلُثاً يَنَامُ، وَثُلُثاً يُدَرِّسُ حَدِيْثَه، وَثُلُثاً يُصَلِّي. هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قُلْتُ لِمِسْعَرٍ: مَنْ رَأَيْتَ أَشَدَّ تَثَبُّتاً فِي الحَدِيْثِ مِمَّنْ رَأَيْتَ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ شُعْبَةُ لاَ يُقَدِّمُ عَلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ أَحَداً، لاَ الحَكَمَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 وَلاَ غَيْرَهُ فِي الثَّبْتِ. قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو مَوْلَى هَؤُلاَءِ، وَلَكِنَّ اللهَ شَرَّفَهُ بِالعِلْمِ. عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: رَأَيْت مَالِكاً وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ جَاءا إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللهِ: مَا فَعَلَ مَوْلاَكُم ثَابِتٌ؟ -يَعْنِي: الأَعْرَجَ-. فَقَالَ: هُوَ حَيٌّ. قَالَ: فَذَكَرَ قِصَّةَ طَلاَقِ المُكْرَهِ. قَالَ سُفْيَانُ: فَسَمِعنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ سُفْيَانُ: أَدْرَكْنَا عَمْراً وَقَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُه مَا هِيَ إِلاَّ نَابٌ، فَلَوْلاَ أَنَّا أَطَلنَا مُجَالَسَتَهُ، لَمْ نَفْهَمْ كَلاَمَه. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا كَانَ أَثْبَتَ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ! إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قِيْلَ لإِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ: أَيَّ أَهْلِ مَكَّةَ رَأَيْتَ أَفْقَهَ؟ قَالَ: أَسْوَؤُهُم خُلُقاً عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ الَّذِي كُنْتُ إِذَا سَأَلتُه عَنْ حَدِيْثٍ، يَقْلَعُ عَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ إِذَا بَدَأَ بِالحَدِيْثِ، جَاءَ بِهِ صَحِيْحاً مُسْتقِيْماً، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ، اسْتَلقَى، وَقَالَ: بَطْنِي بَطْنِي. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا كَانَ عِنْدَنَا أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَلاَ أَعْلَمُ، وَلاَ أَحْفَظُ مِنْهُ. إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ البَاقِرَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ لَيَزِيْدُنِي فِي الحَجِّ رَغبَةً لِقَاءُ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، فَإِنَّهُ يُحِبُّنَا وَيُفِيْدُنَا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَبُو صَالِحٍ سَمِعْتَ بِهِ؟ قَالَ: لاَ، وَمَنْ يَدْرِي مَنْ أَبُو صَالِحٍ؟ قَالَ الحَاكِمُ: عَنَى بِهَذَا الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: قَالُوا لِعَطَاءٍ: بِمَنْ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: بِعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: جِئْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَلَيْسَ مَعِي أَحَدٌ، فَقَالَ لأَخَوَيْهِ زَيْدٍ وَأَخٍ لَهُ: قُومَا إِلَى عَمِّكُمَا، فَأَنْزِلاَهُ. فَقَامَا إِلَيَّ، فَنَزَّلاَنِي. وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ عَمْرٍو مَا لَبِثَ نُوْحٌ فِي قَوْمِهِ - يُرِيْدُ: أَلفاً إِلاَّ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً -. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ إِذَا جَاءهُ رَجُلٌ يُرِيْدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ، لَمْ يُحَدِّثْه، وَإِذَا جَاءَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ مَازَحَه وَحَدَّثَه وَأَلْقَى إِلَيْهِ الشَّيْءَ، انْبسَطَ إِلَيْهِ وَحَدَّثَه. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرٌو: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَرِضَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، فَعَادَهُ الزُّهْرِيُّ، فَلَمَّا قَامَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَنَصَّ لِلْحَدِيْثِ الجَيِّدِ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَمْرٌو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ عَنْهُ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَمْرٌو أَثْبَتُ مِنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَطَاءٍ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي رَبَاحٍ-. وَعَمْرٌو يَرْوِي أَيْضاً عَنْ: عَطَاءِ بنِ مِيْنَاءَ، وَعَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ قِرَاءةً، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَلاَجِلِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَرْبُ خَدْعَةٌ) (1) .   (1) إسناده قوي، وأخرجه البخاري 6 / 110 في الجهاد: باب الحرب خدعة، ومسلم (1739) في الجهاد: باب جواز الخداع في الحرب، وأبو داود (2636) ، والترمذي (1675) من = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 وَبِهِ: قُرِئَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلاَةُ القَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ القَائِمِ) (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُجَاهِدِ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ، وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الدَّائِمِ الوَزَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَاسِطِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَزِيْزٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُبَارَكٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الحَرِيْمِيُّ، وَزَاذَانُ الوَاسِطِيُّ، فَقَالَ: وَأَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ حُضُوْراً، وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قِوَامٍ، وَيُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَسُوْنَجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَفَاطِمَةُ الآمِدِيَّةُ، وَخَدِيْجَةُ المَرَاتِبِيَّةُ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الذِّكْرِ، وَمُوْسَى بنُ قَاسِمٍ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي الفُتُوْحِ بِالقَاهِرَةِ، وَيُوْسُفُ العَادِلِيُّ، وَحَسَنٌ الخَلاَّلِيُّ، وَمَحْمُوْدٌ السُّلْطَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّيْرَقَانُوْنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مَطَرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ، وَعِيْسَى بنُ بَرَكَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَعَبْدُ   = طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر. وقوله " خدعة " يروى هذا الحرف من ثلاثة أوجه، أصوبها: خدعة بفتح الخاء وسكون الدال، قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي: معنى الخدعة أنها مرة واحدة، أي إذا خدع المقاتل مرة، لم يكن لها إقالة. ويقال: أي ينقضي أمرها بخدعة واحدة، ويروى " خدعة " بضم الخاء وسكون الدال، وهو اسم من الخداع، كما يقال: هذه لعبة، يقال: " خدعة " بضم الخاء وفتح الدال، ومعناها: أنها تخدع الرجال وتمنيهم ثم لا تفي لهم. (1) سنده حسن، وأخرجه أبو داود (950) ومسلم (735) والنسائي من طريق جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو..وهذا الحديث خاص بصلاة التطوع، لان أداء الفرائض قاعدا مع القدرة على القيام لا يجوز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 المُنْعِمِ بنُ عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الحُسَامِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ المُكَبَّرُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَّاغُ، وَأَبُو الحَزْمِ، وَأَبُو بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا عُثْمَانُ السُّنْبُوْسَكِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَنْبَرٍ، وَسُنْقُرُ الحَلَبِيُّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ غَنِيْمَةَ، وَابْنُ السُّخْنَةِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَنَفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسَاكِرَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَالحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، قَالُوا سِتَّتُهُم: أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى البَاهِلِيُّ إِمْلاَءً سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مُعَاذاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِيْنَ حَضَرتْهُ الوَفَاةُ، يَقُوْلُ: اكْشِفُوا عَنِّي سُجفَ القُبَّةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوْهُ إِلاَّ مَخَافَةَ أَنْ تَتَّكِلُوا: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ مُخْلِصاً وَثَبْتاً مِنْ قَلْبِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ، وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ (1)) . أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ المِعْمَارُ قِرَاءةً، أَنْبَأَنَا جَدِّي لأُمِّي؛ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَصْرٍ قَاضِي حَرَّانَ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَنْبَأَنَا   (1) وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 226 من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أنا من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول: اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه، لم يدخل النار أو دخل الجنة، وقال مرة: دخل الجنة ولم تمسه النار " وإسناده صحيح، وقد قيد العلماء هذا الحديث وما شابهه بمن عمل الاعمال الصالحة، لأنه ثبت بالادلة القطعية أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، قُرِئَتْ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (نِكَاحُ الحُرَّةِ عَلَى الأَمَةِ طَلاَقُ الأَمَةِ (1)) . رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: لِعَمْرٍو نَحْوُ أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَحْدَه قَدْ سَمِعَ مِنْهُ تِسْعَ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، فَلَعَلَّ عَلِيّاً عَنَى (المُسْنَدَ) فَقَطْ. أَبُو سَلَمَةَ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: جَالَستُ جَابِراً، وَابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ: مِثْلُكَ حَفِظتُ الحَدِيْثَ، وَكُنْتُ صَغِيْراً. قَالَ: وَبَلَغَه أَنِّي أَكْتُبُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَرَوَى: الأَزْرَقُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: جَلَستُ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ خَمْسَ مائَةِ مَجْلِسٍ، فَمَا حَفِظتُ عَنْهُ سِوَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فِي كُلِّ خَمْسَةِ مَجَالِسَ حَدِيْثاً. 145 - فَأَمَّا : عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ البَصْرِيُّ * (ت، ق) فَهُوَ: أَبُو يَحْيَى الأَعْوَرُ، قَهرَمَانُ آلِ الزُّبَيْرِ بنِ شُعَيْبٍ البَصْرِيِّ، مُقِلٌّ، لَهُ حَدِيْثَانِ، أَوْ أَكْثَرُ.   (1) وأخرجه البيهقي 7 / 176 من طريق سعدان بن نصر، عن سفيان بن عمرو، عن ابن عباس، ورجاله ثقات. (*) التاريخ الكبير 6 / 329، الجرح والتعديل 6 / 232، كتاب المجروحين 2 / 71، تهذيب الكمال 1033، تذهيب التهذيب، ميزان الاعتدال 3 / 259، تهذيب التهذيب 8 / 30، 31. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 حَدَّثَ عَنْ: سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَصَيْفِيِّ بنِ صُهَيْبٍ. رَوَى عَنْهُ: الحَمَّادَانِ، وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَصَالِحٌ المُرِّيُّ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ذَاهِبٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَيْضاً: ضَعِيْفٌ. وَكَذَا ضَعَّفَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالنَّاسُ. وَأَسرَفَ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: لاَ يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيْثِه إِلاَّ عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، يَنْفَرِدُ بِالمَوْضُوْعَاتِ عَنِ الأَثْبَاتِ. قُلْتُ: رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيْثِ. تَفَرَّدَ عَنْ: سَالِمٍ بِأَحَادِيْثَ. قُلْتُ: القَهْرَمَانُ نَحْوُ الوَكِيلِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ: وَكِيلُ آلِ الزُّبَيْرِ. لَهُ حَدِيْثُ: (مَنْ دَخَلَ السُّوْقَ (1)) ، وَحَدِيْثُ: (مَنْ رَأَى مُبْتَلَىً، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنِي (2) ... ) ، الحَدِيْثَ. وَمَاتَ: فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) أخرجه الترمذي (3429) من طريق حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان قالا: حدثنا عمرو ابن دينار وهو قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال في السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة " وسنده ضعيف، لكن للحديث طرق يحسن بها انظرها في " المستدرك " 1 / 538 و539، وابن السني (178) والترمذي (3428) والزهد لأحمد ص 214. (2) أخرجه الترمذي (3431) وابن ماجه (3892) ، وأبو نعيم في " الحلية " 6 / 265، وسنده ضعيف لضعف عمرو بن دينار، لكن جاء الحديث من طريقين آخرين يصح بهما، فقد رواه الترمذي (3432) من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " من رأى مبتلى، فقال: الحمدلله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء ". وأخرجه أبو نعيم 5 / 13 من طريق مروان بن محمد الطاطري، حدثنا الوليد بن عتبة، حدثنا محمد بن سوقة عن نافع، عن ابن عمر..وهذا سند حسن في الشواهد يتقوى به الطريق السابق، فيصح الحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 146 - سُلَيْمَانُ بنُ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيُّ * (خَ، د، ق) الدِّمَشْقِيُّ، الدَّارَانِيُّ، قَاضِي دِمَشْقَ، أَبُو أَيُّوْبَ. وَقِيْلَ: أَبُو ثَابِتٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَأَسْوَدَ بنِ أَصْرَمَ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى أَبُو كَعْبٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ إِمَاماً، كَبِيْرَ القَدْرِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَكمَ بِدِمَشْقَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ: قَالَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا أَقَلْتَ السُّفَهَاءَ مِنْ أَيمَانِهِم، فَلاَ تُقِلْهُمُ العِتَاقَ وَالطَّلاَقَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 147 - حُمَيْدُ بنُ هِلاَلِ بنِ سُوَيْدِ بنِ هُبَيْرَةَ العَدَوِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو نَصْرٍ العَدَوِيُّ؛ عَدِيُّ تَمِيْمٍ، البَصْرِيُّ. رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ المُزَنِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ العَدَوِيِّ، وَهِصَّانَ بنِ كَاهِلٍ، وَبِشْرِ بنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 456، طبقات خليفة: 312، التاريخ الكبير 4 / 6، التاريخ الصغير 1 / 304، الطبري 6 / 491، الجرح والتعديل 4 / 105، تهذيب الكمال: 536، تذهيب التهذيب 2 / 246، تاريخ الإسلام 5 / 82، تهذيب التهذيب 4 / 177، خلاصة تذهيب الكمال: 150، تهذيب ابن عساكر 6 / 248، 249. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 231، طبقات خليفة: 212، الجرح والتعديل 3 / 230، تهذيب الكمال: 344، تذهيب التهذيب 1 / 180 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 245، ميزان الاعتدال 1 / 616، تهذيب التهذيب 3 / 51، خلاصة تذهيب الكمال: 95. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 الشِّخِّيْرِ، وَأَبِي الدَّهْمَاءِ قِرْفَةَ بنِ بُهَيْسٍ، وَأَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَرِبْعِيِّ بنِ خِرَاشٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قُرْطٍ، وَسَعْدِ بنِ هِشَامِ بنِ عَامِرٍ، وَخَالِدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَمَرْوَانَ بنِ أَوْسٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَأَبِي الأَحْوَصِ الجُشَمِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بِدَهْرٍ - وَابْنُ عَوْنٍ، وَيُوْنُسُ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَأَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وَأَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَرَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ لاَ يَرضَى حُمَيْدَ بنَ هِلاَلٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَبِي، فَقَالَ: دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ السُّلْطَانِ. فَلِهَذَا كَانَ لاَ يَرضَاهُ، وَكَانَ فِي الحَدِيْثِ ثِقَةً. وَرَوَى: أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ الرَّاسِبِيِّ، قَالَ: مَا كَانَ بِالبَصْرَةِ أَعْلَمُ مِنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، مَا أَسْتَثنِي الحَسَنَ، وَلاَ ابْنَ سِيْرِيْنَ غَيْرَ أَنَّ التَّنَاوُهَ (1) أَضَرَّ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ، وَالَّذِي حَكَاهُ القَطَّانُ مِنْ أَنَّ ابْنَ سِيْرِيْنَ لاَ يَرضَاهُ، لاَ أَدْرِي مَا وَجْهُه! فَلَعَلَّهُ كَانَ لاَ يَرضَاهُ فِي مَعْنَىً آخَرَ لَيْسَ الحَدِيْثَ، فَأَمَّا فِي الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَبِرِوَايَاتِه. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَلْقَ عِنْدِي أَبَا رِفَاعَةَ العَدَوِيَّ. قُلْتُ: رِوَايَتُه عَنْهُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَقَدْ أَدْرَكَه، ثُمَّ هُوَ رَجُلٌ مِنْ قَبِيْلَتِه وَمَعَهُ فِي وَطَنِه. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي وِلاَيَةِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ عَلَى العِرَاقِ.   (1) أي: الشهرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، احْتَجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدٌ الجَمَّالُ، وَأَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَنْهُمَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُمَا، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُوْمَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ (1)) . تَابَعَهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، بِهِ. 148 - هَمَّامُ بنُ مُنَبِّهِ بنِ كَامِلِ بنِ سِيْجَ الأَبْنَاوِيُّ * (ع) الصَّنْعَانِيُّ، المُحَدِّثُ، المُتْقِنُ، أَبُو عُقْبَةَ، صَاحِبُ تِلْكَ الصَّحِيْفَةِ الصَّحِيْحَةِ الَّتِي كَتَبَهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهِيَ: نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. حَدَّثَ بِهَا عَنْهُ: مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ. وَقَدْ حَفِظَ أَيْضاً عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ.   (1) " حلية الأولياء " 2 / 254، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2946) في الفتن وأشراط الساعة: باب في بقية من أحاديث الدجال من طريق أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة، قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أعلم بحديثه مني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ". (*) طبقات خليفة: 287، الجرح والتعديل 9 / 107، تهذيب الأسماء 2 / 140، تهذيب الكمال: 1447، تذهيب التهذيب 4 / 122 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 309، تهذيب التهذيب 11 / 67، خلاصة تذهيب الكمال: 411، شذرات الذهب 1 / 182. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ وَهْبٌ صَاحِبُ القَصَصِ - وَمَاتَ قَبْلَه بِزَمَانٍ - وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَقِيْلُ بنُ مَعْقِلٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أَنَسٍ الصَّنْعَانِيُّ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَغْزُو، وَكَانَ يَشْتَرِي الكُتُبَ لأَخِيْهِ، فَجَالَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالمَدِيْنَةِ، وَعَاشَ حَتَّى أَدْرَكَ ظُهُوْرَ المُسَوِّدَةِ (1) ، وَسَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كُنْتُ أَتَوَقَّعُ قُدُوْمَ هَمَّامٍ مَعَ الحُجَّاجِ عَشْرَ سِنِيْنَ. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي صَحِيْفَةِ هَمَّامٍ: أَدْرَكهُ مَعْمَرٌ أَيَّامَ السُّودَانِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَمَّامٌ، حَتَّى إِذَا مَلَّ، أَخَذَ مَعْمَرٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ البَاقِي، وَعَبْدُ الرَّزَّاق لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ مِمَّا قَرَأَهُ هُوَ، وَهِيَ نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. قُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ سَمِعَهَا مِنْ هَمَّامٍ كَمَا عَاشَ هَمَّامٌ بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، لَعَاشَ إِلَى سَنَةِ بِضْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَمَا رَأَينَا مَنْ رَوَى الصَّحِيْفَةَ عَنْ هَمَّامٍ إِلاَّ مَعْمَرٌ، وَجَمِيْعُ مَا عَاشَ بَعْدَه نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: سَأَلْتُ رَجُلاً لَقِيَ هَمَّاماً عَنْ مَوْتِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذَرُوْنِي مَا تَرَكْتُكُم، فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُم بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِم وَاخْتِلاَفِهِم   (1) أي: العباسيين، فإن السواد كان شعارهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 عَلَى أَنْبِيَائِهِم، فَإِذَا نَهَيْتُكُم عَنْ شَيْءٍ، فَاجْتَنِبُوْهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُم بِأَمْرٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم (1)) . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا أَبِي، وَغَيْرُهُ: أَنَّ هَمَّامَ بنَ مُنَبِّهٍ قَعَدَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَجُلٌ بِنَجْرَانَ مِنَ الأَبْنَاءِ يُعَظِّمُونَه، يُقَالُ لَهُ: حَنَشٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ لِحْيَةٌ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ. قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَجُوْزُكُم - يُرِيْد حَنَشاً -؟ قَالَ هَمَّامٌ: عَجُوْزُنَا أَسلَمَتْ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ، وَعَجُوْزُكُم حَمَّالَةُ الحَطَبِ. فَبُهِتَ القُرَشِيُّ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا تَدْرِي مَنْ كَلَّمتَ؟ لِمَ تَعَرَّضتَ بِابْنِ مُنَبِّهٍ؟ رَوَاهَا: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْهُ. 149 - عَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو الوَازِعِ الهَمْدَانِيُّ، الوَادِعِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ شَرِيْكٍ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنِ: الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي حُذَيْفَةَ سَلَمَةَ بنِ صُهَيْبَةَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ عَوْفٍ الجُشَمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ. 150 - أَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ ** (ع) ابْنِ حَزْمِ بنِ زَيْدِ بنِ لَوْذَانَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ،   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1337) والنسائي (5 / 110 و111) كلاهما من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 311، طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 6 / 261، الجرح والتعديل 6 / 174، تهذيب الكمال 957، تذهيب التهذيب 3 / 53 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 281، خلاصة تذهيب الكمال 271. (* *) تاريخ خليفة 320، الجرح والتعديل 9 / 337، تهذيب الكمال 1586، تذهيب التهذيب 4 / 204 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 22، تهذيب التهذيب 12 / 38. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ قَاضِي المَدِيْنَةِ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ. قِيْلَ: كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالقَضَاءِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: عَبَّادِ بنِ تَمِيْمٍ. وَعَنْ: سَلْمَانَ الأَغَرِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَعَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، وَأَبِي حَبَّةَ البَدْرِيِّ، وَخَالَتِهِ؛ عَمْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَثَّقُوْهُ. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ عَلَى المَدِيْنَةِ أَمِيْرٌ أَنْصَارِيٌّ سِوَاهُ. وَقِيْلَ: كَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالتَّهَجُّدِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: هُوَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيَتَوَلَّى أَمرَهُم، وَاسْتَقضَى ابْنَ عَمِّهِ أَبَا طُوَالَةَ. قَالَ أَبُو الغُصْنِ المَدَنِيُّ: رَأَيْتُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ خَاتَمَ ذَهَبٍ، فَصُّه يَاقُوْتَةٌ حَمْرَاءُ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ التَّحرِيْمُ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ فَعَلَه وَتَابَ. وَرَوَى: عَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ زَوْجَةِ ابْنِ حَزْمٍ: أَنَّهُ مَا اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ بِاللَّيْلِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: كَانَ رِزقُه فِي الشَّهْرِ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ. قَالَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ حَزْمٍ أَعْظَمَ مُرُوْءةً، وَأَتَمَّ حَالاً! وَلاَ رَأَيْتُ مَنْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ وِلاَيَةَ المَدِيْنَةِ وَالقَضَاءِ وَالمَوْسِمِ! قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ. 151 - وَلَدُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ * (ع) ابْنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ،   (*) طبقات خليفة 264، الجرح والتعديل 5 / 17، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 195، 196، = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 صَاحِبُ (المَغَازِي) ، وَشَيْخُ ابْنِ إِسْحَاقَ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبَّادِ بنِ تَمِيْمٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ نَافِعٍ، وَطَائِفَةٍ. وَيُرسِلُ كَثِيْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٌ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَجُلَ صِدْقٍ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. عَاشَ: سَبْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ: وَتُوُفِيَّ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ إِخوَةٌ وَأَقَاربُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. 152 - جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ التَّيْمِيُّ * (ع) وَقِيْلَ: الشَّيْبَانِيُّ. مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ بِالكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَحَنْظَلَةَ؛ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَكَانَ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ يُوَثِّقَانِه. وَلَهُ: نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. وَكَذَا لِنظِيْرِه آدَمَ بنِ عَلِيٍّ.   = تهذيب الكمال: 669، تذهيب التهذيب 2 / 134 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 264، تهذيب التهذيب 5 / 164، خلاصة تذهيب الكمال 192. (*) طبقات ابن سعد 6 / 312، طبقات خليفة 161، التاريخ الكبير 2 / 219، تاريخ الفسوي 3 / 376، الجرح والتعديل 2 / 580، تهذيب الكمال 187، تذهيب التهذيب 1 / 102 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 53، تهذيب التهذيب 2 / 61، خلاصة تذهيب الكمال 60، شذرات الذهب 1 / 169. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 153 - زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ العَدَوِيُّ العُمَرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: وَالِدِهِ؛ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَأَوْلاَدُه؛ أُسَامَةُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بَنُو زَيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ لِلْعِلْمِ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا فِي مَجْلِسِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ أَرْبَعِيْنَ فَقِيْهاً، أَدْنَى خَصلَةٍ فِيْنَا التَّوَاسِي بِمَا فِي أَيْدِيْنَا، وَمَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِهِ مُتَمَارِيَينِ، وَلاَ مُتَنَازِعَيْنِ فِي حَدِيْثٍ لاَ يَنْفَعُنَا. وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ يَقُوْلُ: لاَ أَرَانِي اللهُ يَوْمَ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، إِنَّهُ لَمْ يَبقَ أَحَدٌ أَرْضَى لِدِيْنِي وَنَفْسِي مِنْهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ نَعِيُّ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، فَعُقِرَ، فَمَا شَهِدَهُ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَجْلِسُ إِلَى زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ إِلَى مَنْ يَنْفَعُه فِي دِيْنِه. قُلْتُ: لزِيْدٍ تَفْسِيْرٌ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. أَرَخَّ ابْنُه وَفَاتَه: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. ظَهَرَ لزِيْدٍ مِنَ المُسْنَدِ أَكْثَرُ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ.   (*) طبقات خليفة 263، التاريخ الكبير 3 / 287، التاريخ الصغير 2 / 32، 40، تاريخ الفسوي 1 / 675، الجرح والتعديل 3 / 554، حلية الأولياء 3 / 221، 229، تهذيب الكمال 451، تذهيب التهذيب 1 / 248 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 251، تذكرة الحفاظ 1 / 132، 133، تهذيب التهذيب 3 / 395، طبقات الحفاظ 53، خلاصة تذهيب الكمال 126، شذرات الذهب 1 / 194، تهذيب ابن عساكر 5 / 442، 446. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيُّ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، أَنْبَأَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ القَاسِمِ، قَالاَ: قَالَ مَالِكٌ: اسْتُعْمِلَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ عَلَى مَعدَنِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَانَ مُعذراً، لاَ يَزَالُ يُصَابُ فِيْهِ النَّاسُ مِنْ قِبَلِ الجِنِّ. فَلَمَّا وَلِيَهُم، شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُم بِالأَذَانِ أَنْ يُؤَذِّنُوا وَيَرفَعُوا أَصوَاتَهُم، فَفَعَلُوا، فَارتَفَعَ عَنْهُم ذَلِكَ حَتَّى اليَوْمَ. قَالَ مَالِكٌ: أَعْجَبنِي ذَلِكَ مِنْ مَشُوْرَةِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. 154 - المُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ * بنِ حَنْطَبٍ القُرَشِيُّ (4) المَخْزُوْمِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَكَانَ جَدُّه حَنْطَبُ بنُ الحَارِثِ بنِ عُبَيْدٍ المَخْزُوْمِيُّ مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. أَرْسَل المُطَّلِبُ عَنْ: عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَغَيْرِه. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ الحَكَمُ وَعَبْدُ العَزِيْزِ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلاَهُم، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَابْنُ أُخْتِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَعَامَّةُ حَدِيْثِه مَرَاسِيْلُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَيْسَ يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لأَنَّهُ يُرسِلُ كَثِيْراً. قُلْتُ: وَفَدَ عَلَى الخَلِيْفَةِ هِشَامٍ، فَوَصَلَهُ بِسَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. كَانَ حَيّاً فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة 245، التاريخ الكبير 8 / 7، الجرح والتعديل 8 / 359، تهذيب الكمال 1335، تذهيب التهذيب 4 / 45 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 303، تهذيب التهذيب 10 / 178، خلاصة تذهيب الكمال: 379. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 155 - عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرِ * بنِ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيُّ ابْنِ زَاذَانَ بنِ فَيْرُوْزَانَ بنِ هُرْمُزَ، الإِمَامُ، العَلَمُ، مُقْرِئُ مَكَّةَ، وَأَحَدُ القُرَّاءِ السَّبعَةِ، أَبُو مَعْبَدٍ الكِنَانِيُّ، الدَّارِيُّ، المَكِّيُّ، مَوْلَى عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ الكِنَانِيِّ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا عَبَّادٍ. وَقِيْلَ: أَبَا بَكْرٍ، فَارِسِيُّ الأَصْلِ. وَكَانَ دَارِيّاً؛ وَهُوَ العَطَّارُ. وَقَدْ وَهِمَ البُخَارِيُّ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: هُوَ مِنْ قَوْمِ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وَالدَّارُ: بَطْنٌ مِنْ لَخْمٍ، أَبُوْهُمُ الدَّارُ بنُ هَانِئ بنِ حَبِيْبِ بنِ نُمَارَةَ بنِ لَخْمِ، مِنْ أُدَدَ بنِ سَبَأٍ. وَكَذَا تَابَعَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، فَوَهِمَا. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: الَّذِي لاَ يَبرحُ مِنْ دَارِه هُوَ الدَّارِيُّ، فَلاَ يَطلُبُ مَعَاشاً. وَعَنْهُ، قَالَ: كَانَ ابْنُ كَثِيْرٍ عَطَّاراً. قُلْتُ: هَذَا الحَقُّ، وَاشتِرَاكُ الأَنسَابِ لاَ يُبطِلُ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ الَّذِيْنَ بَعَثَهُم كِسْرَى إِلَى صَنْعَاءِ اليَمَنِ، فَطَردُوا عَنْهَا الحَبَشَةَ. قِيْلَ: قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ المَخْزُوْمِيِّ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، وَالمَشْهُوْرُ تِلاَوَتُه عَلَى: مُجَاهِدٍ، وَدِرْبَاسٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ، وَمَعْرُوْفُ بُن مُشْكَانَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ قُسْطَنْطِيْنَ، وَعِدَّةٌ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي المِنْهَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطْعِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِم. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَزَمْعَةُ بنُ صَالِحٍ،   (*) طبقات خليفة 282، التاريخ الكبير 5 / 181، التاريخ الصغير 1 / 304، 305، الجرح والتعديل 5 / 144، تهذيب الكمال 726، تذهيب التهذيب 2 / 175 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 268، 269، تهذيب التهذيب 5 / 367، خلاصة تذهيب الكمال 210، طبقات القراء 1 / 433، 444 (1) في " تهذيب الكمال " وأهل مكة يقولون للعطار: داري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَعُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ المَكِّيُّ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ رَجُلاً مَهِيْباً، طَوِيْلاً، أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ، جَسِيْماً، أَسْمَرَ، أَشهَلَ العَيْنَيْنِ، تَعلُوْهُ سَكِيْنَةٌ وَوَقَارٌ، وَكَانَ فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَاعِظاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. يُقَالُ: إِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَدْرَكَه، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَصِحَّ، إِنَّمَا شَهِدَ جَنَازَتَه. وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ أَيْضاً. وَعَاشَ: خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُهُ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ، وَيَقُصُّ لِلْجَمَاعَةِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ قَادْشَاه، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ إِذَا بَلَغُوا ذَا طُوَىً، نَزَعُوا نِعَالَهُم. عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ كَثِيْرٍ يَبِيْعُ العِطرَ قَدِيْماً. وَقَالَ شِبْلُ بنُ عَبَّادٍ: وُلِدَ ابْنُ كَثِيْرٍ بِمَكَّةَ، سَنَةَ 48، وَمَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ كَثِيْرٍ المُقْرِئُ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفاً بِمَكَّةَ فِي جَنَازَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، وَأَنَا غُلاَمٌ سَنَةَ عِشْرِيْنَ، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتَ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، أَسْمَع قَصَصَه وَأَنَا غُلاَمٌ، كَانَ قَاصَّ الجَمَاعَةِ. قُلْتُ: فَهَاذَانِ قَوْلاَنِ لابْنِ عُيَيْنَةَ، فَإِمَّا شَكَّ، وَإِمَّا عَنَى بِأَنَّ الَّذِي مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ السَّهْمِيُّ؛ الَّذِي خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الجَنَائِزِ، مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْهُ، وَهَذَا أَشْبَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: حَدِيْثُ السَّلَفِ يَرْوِيْهِ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ، وَغَيْرُهُ: هُوَ ابْنُ كَثِيْرٍ القَارِئُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، بَلْ هُوَ ابْنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ السَّهْمِيُّ، كَذَا نَسَبَه الكَلاَبَاذِيُّ، وَهُوَ أَخُو كَثِيْرِ بنِ كَثِيْرٍ، لاَ شَيْءَ لَهُ فِي الصَّحِيْحِ سِوَى حَدِيْث السّلمِ (1) ، عَنْ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . وَكَذَا ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالحَاكِمُ، وَغَيْرُهُمَا عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ فِي رِجَالِ (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَذَكَرَهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، لَكِنَّهُ وَهِمَ فِي نِسبَتِه إِلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرٍ القَارِئُ الدَّارِيُّ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَدْ رَوَى عَنِ الدَّارِيِّ: أَيُّوْبُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ ثِقَةً. حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: رَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ يَقْرَأُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَحَدٌ أَقرَأَ مِنْ حُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ فَصِيْحاً بِالقُرْآنِ. وَذَكَرَ الدَّانِيُّ: أَنَّ ابْنَ كَثِيْرٍ أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ. ابْنُ مُجَاهِدٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قَاسِمٌ الرَّحَّالُ فِي جَنَازَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ -يَعْنِي: فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ-. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا   (1) أخرجه البخاري 4 / 355 في أول السلم من طريق عمرو بن زرارة، عن إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين، أو قال: عامين أو ثلاثة، شك إسماعيل، فقال: " من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم " قال الحافظ: ومداره على عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي، وكلاهما ثقة، والاول أرجح فإنه مقتضى صنيع البخاري في " تاريخه ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 هِبَةُ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُوْنَ فِي التَّمْرِ العَامَ وَالعَامَيْنِ -أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ وَثَلاَثَةً- فَقَالَ: (مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُوْمٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُوْمٍ) . أَخرَجُوْهُ سِتَّتُهُم (1) ، عَنْ رِجَالِهِم، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ. فَتَرَدَّدْنَا فِي ابْنِ كَثِيْرٍ هَذَا، هَلْ هُوَ الدَّارِيُّ أَوِ السَّهْمِيُّ؟ وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ قَبْلَنَا فِيْهِ، وَفِي (رِجَالِ مُسْلِمٍ) لِلدَّارَقُطْنِيِّ ذَكَرَ السَّهْمِيَّ فَقَطْ، وَذَكَرَ فِي (رِجَالِ البُخَارِيِّ) عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ المَكِّيَّ فَقَطْ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَكِّيٌّ، وَالَّذِي عُلِمَ بِالتَأَمُّلِ، أَنَّ الدَّارِيَّ رَجُلٌ كَبِيْرٌ شهِيْرٌ، وَأَنَّ السَّهْمِيَّ لاَ يَكَادُ يُعْرَفُ إِلاَّ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ فِي اسْتِغفَارِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ البَقِيْعِ. تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: فِي خُرُوْجِه - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لَيْلاً، وَاسْتِغفَارِه لَهُم. وَهُوَ مِنَ المُوَافَقَاتِ العَالِيَةِ فِي (فَوَائِدِ الإِخْمِيْمِيِّ) . ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي عَقِبِه: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ بِهَذَا (2) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ. قُلْتُ: المُطَّلِبُ هَذَا هُوَ: ابْنُ الحَارِثِ بنِ صُبَيْرَةَ بنِ سَعِيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ سَهْمٍ القُرَشِيُّ. وَلِعَبْدِ اللهِ إِخوَةٌ: كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ، وَسَعِيْدٌ، وَلَيْسُوا بِالمَشْهُوْرِيْنَ.   (1) أخرجه أحمد 1 / 217 و222 و288 و358، والبخاري 4 / 355 في أول السلم، ومسلم (1604) في المساقاة: باب السلم، والترمذي (1311) في البيوع: باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر، وأبو داود (3463) في الاجازة: باب في السلف، والنسائي 7 / 290 في البيوع: باب السلف في الثمار، وابن ماجه (2280) في التجارات: باب السلف في كيل معلوم. (2) صحيح مسلم (974) (103) في الجنائز: باب ما يقال عند دخول المقابر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ. ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: حَجَّاجٌ فِي ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَنَا، أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ. قُلْتُ: مَا اخْتَلَفَا فِيْهِ، وَإِنَّمَا ابْنُ مُسْلِمٍ زَادَ مِنْ عِنْدِه إِيْضَاحاً بِحَسبِ ظنِّهِ، فَقَالَ بَعْدَ عَبْدِ اللهِ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. فَهَذَا مَا عِنْدَنَا مِنْ ذِكْرِ السَّهْمِيِّ، وَلَمْ نَتَيَقَّنْ لَهُ رِوَايَةَ حَدِيْثٍ سِوَى هَذَا. وَأَمَّا حَدِيْثُ السَّلَفِ، فَمُتجَاذَبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِيِّ، فَلْيُلْتَمَسْ مُرَجِّحٌ لأَحَدِهِمَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَأَمَّا الكَلاَبَاذِيُّ، فَقَالَ فِي رِجَالِ البُخَارِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ القُرَشِيُّ العَبْدَرِيُّ المَكِّيُّ القَاصُّ حَدَّثَ عَنْ أَبِي المِنْهَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطْعِمٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ فِي أَوَّلِ السَّلْمِ، فَهَذَا كَمَا تَرَى: جَعَلَ ابْنَ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ عَبْدَرِيّاً، وَإِنَّمَا هُوَ سَهْمِيٌّ، وَجَعَلَهُ القَاصَّ، وَإِنَّمَا القَاصُّ الدَّارِيُّ القَارِئُ. وَكَذَا قَالَ البُخَارِيُّ فِي ابْنِ المُطَّلِبِ: إِنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بنِ قُصَيٍّ. وَمَا ذَكرَ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) سِوَاهُ، وَمَا ذَكرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) سِوَاهُ، إِلاَّ ابْنَ كَثِيْرٍ الطَّوِيْلَ الدِّمَشْقِيَّ. 156 - عَمْرُو بنُ قَيْسِ * بنِ ثَوْرِ بنِ مَازِنٍ السَّكُوْنِيُّ (4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو ثَوْرٍ السَّكُوْنِيُّ، الكِنْدِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ حِمْصَ. وَلِجَدِّهِ مَازِنُ بنُ خَيْثَمَةَ: صُحْبَةٌ. وُلِدَ عَمْرٌو: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَوَفَدَ مَعَ أَبِيْهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَوَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، وَعَاصِمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ.   (1) 5 / 181. (2) 5 / 144. (*) طبقات خليفة 314، التاريخ الكبير 6 / 363، تاريخ الفسوي 2 / 329، 350، الجرح والتعديل 6 / 254، تهذيب الكمال 1048، تذهيب التهذيب 3 / 108 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 286، تهذيب التهذيب 8 / 91، خلاصة تذهيب الكمال 292، شذرات الذهب 1 / 209. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وَعَنْهُ: ثَوَابَةُ بنُ عَوْنٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: أَدْرَكَ سَبْعِيْنَ صَحَابِيّاً، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الغَزْوِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى المِنْبَرِ نَزَعَ بِهَذِهِ الآيَةِ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ} نَزَلتْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. بَقِيَّةُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى وَالِي حِمْصَ: انْظُرْ إِلَى الَّذِيْنَ نَصَبُوا أَنْفُسَهم لِلْفِقْهِ، وَحَبَسُوهَا فِي المَسْجِدِ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا، فَأَعْطِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُم مائَةَ دِيْنَارٍ. فَكَانَ عَمْرُو بنُ قَيْسٍ، وَأَسَدُ بنُ وَدَاعَةَ فِيْمَنْ أَخَذَهَا. وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ قَيْسٍ كَانَ مِمَّنْ سَارَ لِلطَّلَبِ بِدَمِ الوَلِيْدِ الفَاسِقِ. قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ مائَةِ عَامٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 157 - عُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ الأُرْدُنِيُّ* (4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، قَاضِي طَبَرِيَّةَ، أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ، الأُرْدُنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأُبَيِّ بنِ عِمَارَةَ - بِكَسرِ العَيْنِ - وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 456، التاريخ الكبير 6 / 95، التاريخ الصغير 1 / 285، تاريخ الفسوي 2 / 329، الجرح والتعديل 6 / 96، تهذيب الكمال 656، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 261، تهذيب التهذيب 5 / 113، خلاصة تذهيب الكمال 188. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 حَدَّثَ عَنْهُ: بُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ سَيِّداً، شَرِيْفاً، وَافِرَ الجَلاَلَةِ، ذَا فَضْلٍ وَصَلاَحٍ، وَعِلْمٍ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَلِيَ قَضَاءَ الأُرْدُنِّ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ وَلِيَ الأُرْدُنَّ نَائِباً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا كَامِلُ بنُ سَلَمَةَ الكِنْدِيُّ، قَالَ: سَأَلَهُم هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: مَنْ سَيِّدُ أَهْلِ فِلَسْطِيْنَ؟ قَالُوا: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ الأُرْدُنِّ؟ قَالُوا: عُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ دِمَشْقَ؟ قَالُوا: يَحْيَى بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ حِمْصَ؟ قَالُوا: عَمْرُو بنُ قَيْسٍ السَّكُوْنِيُّ. قَالَ: فَمَنْ سَيِّدُ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ؟ قَالُوا: عَدِيُّ بنُ عَدِيٍّ الكِنْدِيُّ. وَعَنْ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: فِي كِنْدَةَ ثَلاَثَةٌ، إِنَّ اللهَ بِهِم يُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَنْصُرُنَا: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَعُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ، وَعَدِيُّ بنُ عَدِيٍّ. وَقِيْلَ: أَهدَى رَجُلٌ قُلَّةَ عَسَلٍ لِعُبَادَةَ، فَقَبِلَهُ، وَقَضَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ذَهَبتِ القُلَّةُ يَا فُلاَنُ. قَالُوا: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 158 - عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ أَبُو يَحْيَى الكَلْبِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، القَانِتُ، مُقْرِئُ دِمَشْقَ مَعَ ابْنِ عَامِرٍ، أَبُو يَحْيَى الكَلْبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المَذبُوحُ. عَرَضَ عَلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَكَانَتْ عَارِفَةً بِالتَنْزِيلِ، قَدْ أَخَذتْ عَنْ زَوْجِهَا أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 460، طبقات خليفة 311، التاريخ الكبير 7 / 9، التاريخ الصغير 1 / 307، تاريخ الفسوي 2 / 332، 397، الجرح والتعديل 6 / 383، تهذيب الكمال 942، تذهيب التهذيب 3 / 44 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 155، تهذيب التهذيب 7 / 228، خلاصة تذهيب الكمال 268. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَائِفَةٍ. وَغَزَا فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. عَرَضَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: عَلِيُّ بنُ أَبِي حَمَلَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عِمْرَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَرَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ سَعْدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَغَيْرُهُم. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمْ نَكُنْ نَطمَعُ أَنْ يُفتَحَ ذِكْرُ الدُّنْيَا فِي مَجْلِسِ عَطِيَّةَ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَلَهُ دَارٌ قِبْلِي كَنِيْسَةٍ لِلْيَهُوْدِ. وَكَانَ قَارِئَ الجُنْدِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنِ ابْنِ عَامِرٍ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: هُوَ حِمْصِيٌّ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: ذَكَرتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ قِدَمَ عَطِيَّةَ، فَقَالَ: سَمِعْتُه يَذْكُرُ أَنَّهُ كَانَ فِيْمَنْ غَزَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. قَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ هُوَ وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ فَارِسَيِ الجُنْدِ. وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ قَيْسٍ: كَانُوا يُصلِحُوْنَ مَصَاحِفَهُم عَلَى قِرَاءةِ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، وَهُم جُلُوْسٌ عَلَى دَرَجِ الكَنِيْسَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَوْلِدُه سَنَةَ سَبْعٍ، وَتُوُفِيَّ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَرَوَى: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ أَيْضاً: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 159 - عَطِيَّةُ بنُ سَعْدِ بنِ جُنَادَةَ العَوْفِيُّ * (د، ت، ق) الكُوْفِيُّ، أَبُو الحَسَنِ، مِنْ مشَاهِيْرِ التَّابِعِيْنَ، ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 304، طبقات خليفة 160، التاريخ الكبير 7 / 8، التاريخ الصغير 1 / 236، الجرح والتعديل 6 / 382، تهذيب الكمال 942، تذهيب التهذيب 3 / 44 / 1، تاريخ الإسلام 4 / 280، ميزان الاعتدال 3 / 79، تهذيب التهذيب 7 / 224، خلاصة تذهيب الكمال 267، شذرات الذهب 1 / 144. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَسَنُ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ شِيْعِيّاً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. 160 - أَخْبَارُ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ * (ع) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شِهَابِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ، العَلَمُ، حَافِظُ زَمَانِه، أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيلُ الشَّامِ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ شَيْئاً قَلِيْلاً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهُمَا، وَأَنْ يَكُوْنَ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُ، فَإِنَّ مَوْلِدَه فِيْمَا قَالَهُ دُحَيْمٌ وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَفِيْمَا قَالَهُ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. وَرَوَى عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَفدتُ إِلَى مَرْوَانَ وَأَنَا مُحْتَلِمٌ. فَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَه، وَأَبَى ذَلِكَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. حَتَّى قَالَ لَهُ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، فَإِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ وَفَدَ إِلَى مَرْوَانَ. فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عَنْبَسَةُ مَوْضِعاً لِكِتَابَةِ الحَدِيْثِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ مِنِ ابْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ، وَقَالَ عَبْدُ   (*) طبقات خليفة: 261، التاريخ الكبير 1 / 220، التاريخ الصغير 1 / 320، تاريخ الفسوي 1 / 620، الجرح والتعديل 8 / 71، معجم المرزباني: 345، حلية الأولياء 3 / 360، 381، طبقات الشيرازي: 63، تهذيب الأسماء 1 / 90، 92، وفيات الأعيان 4 / 177، 179، تهذيب الكمال 1268، تاريخ الإسلام 5 / 136، تذكرة الحفاظ 1 / 108، 113، ميزان الاعتدال 4 / 40، العبر 1 / 158، البداية 9 / 340، 344، طبقات القراء 2 / 262، صفة الصفوة 2 / 77، تهذيب التهذيب 9 / 445، النجوم الزاهرة 1 / 294، طبقات الحفاظ: 42، 43، خلاصة تذهيب الكمال 359، شذرات الذهب 1 / 162. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيْثَيْنِ. قُلْتُ: وَرَوَى عَنْ: سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَلَقِيَهُ بِدِمَشْقَ - وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، وَسنينَ أَبِي جَمِيْلَةَ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَزْهَرَ، وَرَبِيْعَةَ بنِ عَبَّادٍ الدِّيْلِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَمَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ - وَجَالَسَه ثَمَانِيَ سَنَوَاتٍ، وَتَفَقَّهَ بِهِ - وَعَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ، وَكَثِيْرِ بنِ العَبَّاسِ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، وَقَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ إِسْحَاقَ العَامِرِيِّ، وَأَبِي الأَحْوَصِ مَوْلَى بَنِي ثَابِتٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ، وَخَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي عُمَرَ - رَجُلٍ مِنْ بُلَيٍّ، لَهُ صُحْبَةٌ - وَأَبَانِ بنِ عُثْمَانَ. فَحَدِيْثُه عَنْ: رَافِعِ بنِ خَدِيْجٍ، وَعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ مَرَاسِيْلُ، أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ. وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَتبَ عَبْدُ المَلِكِ إِلَى الحَجَّاجِ: اقْتدِ بِابْنِ عُمَرَ فِي مَنَاسِكِكَ. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْم عَرفَةَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَروحَ، فَآذِنَّا. قَالَ: فَجَاءَ هُوَ وَسَالِمٌ، وَأَنَا مَعَهُمَا حِيْنَ زَاغتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: مَا يَحْبِسُهُ؟ فَلَمْ يَنشَبْ أَنْ خَرَجَ الحَجَّاجُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتبَ إِلَيَّ أَنْ أَقْتدِيَ بِكَ، وَآخُذَ عَنْكَ. قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ السُّنَّةَ، فَأَوجزِ الخُطبَةَ وَالصَّلاَةَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَائِماً، فَلقِيْتُ مِنَ الحرِّ شِدَّةً. قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 وَمَاتَ قَبْلَه بِبِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَقَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَعُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَبَكْرُ بنُ وَائِلٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ، وَمَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، وَصَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَهُشَيْمُ بنُ بَشِيْرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدِيْثُه أَلفَانِ وَمائَتَا حَدِيْثٍ، النِّصْفُ مِنْهَا مُسْنَدٌ. أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَالِماً قَطُّ أَجْمَعَ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ، يُحَدِّثُ فِي التَّرغِيبِ، فَتَقُوْلُ: لاَ يُحسنُ إِلاَّ هَذَا، وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ العَرَبِ وَالأَنسَابِ، قُلْتَ: لاَ يُحسنُ إِلاَّ هَذَا، وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ حَدِيْثَه. وَقَالَ اللَّيْثُ: قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ المَدِيْنَةِ حَاجَةٌ زَمَانَ فِتْنَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فَعمَّتْ، فَقَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ أَصَابَنَا أَهْلَ البَيْتِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَداً، فَتَذَكَّرْتُ: هَلْ مِنْ أَحَدٍ أَخْرُجُ إِلَيْهِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ الرِّزقَ بِيَدِ اللهِ. ثُمَّ خَرَجتُ إِلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَاعْتمدتُ إِلَى أَعْظَمِ مَجْلِسٍ رَأَيْتُه، فَجَلَستُ إِلَيْهِم، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَى رَسُوْلُ عَبْدِ المَلِكِ، فَذَكَرَ قِصَّةً سَتَأْتِي بِمَعنَاهَا، وَأَنَّ عَبْدَ المَلِكِ فَرَضَ لَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كُنَّا نَطُوفُ مَعَ الزُّهْرِيِّ عَلَى العُلَمَاءِ وَمَعَهُ الأَلوَاحُ وَالصُّحُفُ، يَكْتُبُ كُلَّمَا سَمِعَ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَكَمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: ضَاقَتْ حَالُ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَهَقَهُ دَيْنٌ، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَجَالَسَ قَبِيْصَةَ بنَ ذُؤَيْبٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ نَسْمُرُ، إِذْ جَاءَ رَسُوْلُ عَبْدِ المَلِكِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُم يَحْفَظُ قَضَاءَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ؟ قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: قُمْ. فَأَدخَلَنِي عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى نِمْرِقَةٍ، بِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ، وَعَلَيْهِ غُلاَلَةٌ، مُلتَحِفٌ بِسبيْبَةٍ (1) ، بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ أَبُوْكَ لَنعَّاراً فِي الفِتَنِ (2) . قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ. فَال: اجْلِسْ. فَجَلَستُ، قَالَ: تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا؟ قُلْتُ: لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا السُّدُسُ، وَلأَبِيْهَا مَا بَقِيَ. قَالَ: أَصَبتَ الفَرْضَ، وَأَخطَأْتَ اللَّفْظَ، إِنَّمَا لأُمِّهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَلأَبِيْهَا مَا بَقِيَ، هَاتِ حَدِيْثَكَ. قُلْتُ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ ... ، فَذَكَرَ قَضَاءَ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ. فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: هَكَذَا حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ. قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اقْضِ دَيْنِي. قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَتَفرِضُ لِي. قَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ نَجمَعُهُمَا لأَحَدٍ. قَالَ: فَتجهَّزتُ إِلَى المَدِيْنَةِ. وَرَوَى نَحْواً مِنْهَا: سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، عَنْ عَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، كَمَا مَضَى. أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يُوْنُسَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَدِمتُ دِمَشْقَ زَمَانَ تَحَرُّكِ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَعَبْدُ المَلِكِ يَوْمَئِذٍ مَشغُولٌ بِشَأْنِه. وَرَوَى سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عِمْرَانَ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، عَنِ   (1) هي الثوب الرقيق. (2) في " اللسان ": ورجل نعار في الفتن: خراج فيها سعاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمتُ الشَّامَ أُرِيْدُ الغَزْوَ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ المَلِكِ، فَوَجَدتُه فِي قُبَّةٍ عَلَى فُرُشٍ، يَفُوْتُ القَائِمُ، وَالنَّاسُ تَحْتَه سِمَاطَانِ. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُوْلُ: نَشَأتُ وَأَنَا غُلاَمٌ، لاَ مَالَ لِي، وَلاَ أَنَا فِي دِيْوَانٍ، وَكُنْتُ أَتَعَلَّمُ نَسَبَ قَوْمِي مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ عَالِماً بِذَلِكَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ قَوْمِي وَحَلِيْفُهُم. فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الطَّلاَقِ، فَعَيَّ بِهَا، وَأَشَار لَهُ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَلاَ أُرَانِي مَعَ هَذَا الرَّجُلِ المُسِنِّ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسَحَ رَأْسَه، وَلاَ يَدْرِي مَا هَذَا؟! فَانطَلَقتُ مَعَ السَّائِلِ إِلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَتَرَكتُ ابْنَ ثَعْلَبَةَ، وَجَالَستُ عُرْوَةَ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى فَقِهتُ، فَرَحَلتُ إِلَى الشَّامِ، فَدَخَلتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فِي السَّحَرِ، وَأَمَّمتُ حَلْقَةً وِجَاهَ المَقصُوْرَةِ عَظِيْمَةً، فَجَلَستُ فِيْهَا، فَنَسَبَنِي القَوْمُ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالُوا: هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِالحُكْمِ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ؟ فَأَخْبَرتُهُم بِقَوْلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. فَقَالُوا: هَذَا مَجْلِسُ قَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ حَامِيكَ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَدْ سَأَلَنَا فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ عِلْماً. فَجَاءَ قَبِيْصَةُ، فَأَخَبَرُوْهُ الخَبَرَ، فَنَسَبَنِي، فَانْتَسبْتُ، وَسَأَلَنِي عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ وَنُظَرَائِهِ، فَأَخْبَرتُه. قَالَ: فَقَالَ: أَنَا أُدخِلُكَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَتَبِعْتُه، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، وَجَلَستُ عَلَى البَابِ سَاعَةً، حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ خَرَجَ الآذِنُ، فَقَالَ: أَيْنَ هَذَا المَدِيْنِيُّ القُرَشِيُّ؟ قُلْتُ: هَا أَنَا ذَا. فَدَخَلتُ مَعَهُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَجِدُ بَيْنَ يَدَيْهِ المُصْحَفَ قَدْ أَطبَقَهُ، وَأَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، وَلَيْسَ عِنْدَه غَيْرُ قَبِيْصَةَ جَالِساً، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ ... ، وَسَاقَ آبَاءهُ إِلَى زُهْرَةَ. فَقَالَ: أَوَّه، قَوْمٌ نَعَّارُوْنَ فِي الفِتَنِ! قَالَ: وَكَانَ مُسْلِمُ بنُ عُبَيدِ اللهِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ثُمَّ قَالَ: مَا عِنْدَكَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ؟ فَأَخْبَرتُه عَنْ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: كَيْفَ سَعِيْدٌ، وَكَيْفَ حَالُهُ؟ فَأَخْبَرتُه، ثُمَّ قُلْتُ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ ... ، فَسَأَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 عَنْهُ، ثُمَّ حَدَّثْتُه الحَدِيْثَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ عَنْ عُمَرَ. فَالْتَفَتَ إِلَى قَبِيْصَةَ، فَقَالَ: هَذَا يُكْتَبُ بِهِ إِلَى الآفَاقِ. فَقُلْتُ: لاَ أَجِدُه أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ، وَلَعَلِّي لاَ أَدخُلُ بَعْدَهَا. فَقُلْتُ: إِنْ رَأَى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَصِلَ رَحِمِي، وَأَنْ يَفرِضَ لِي، فَعَلَ. قَالَ: إِيهاً الآنَ، انْهَضْ لِشَأْنِكَ. فَخَرَجتُ -وَاللهِ- مُؤَيِّساً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَرَجتُ لَهُ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُقِلٌّ مُرمِلٌ، ثُمَّ خَرَجَ قَبِيْصَةُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ لاَئماً لِي، وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعتَ مِنْ غَيْرِ أَمرِي؟ قُلْتُ: ظَنَنْتُ -وَاللهِ- أَنِّي لاَ أَعُودُ إِلَيْهِ. قَالَ: ائْتِنِي فِي المَنْزِلِ. فَمَشَيْتُ خَلْفَ دَابَّتِه، وَالنَّاسُ يُكَلِّمُونَه، حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَه، فَقَلَّمَا لَبِثَ حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ خَادِمٌ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَمَرَ لِي بِبَغْلَةٍ وَغُلاَمٍ وَعَشْرَةِ أَثْوَابٍ، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَيْهِ مِنَ الغدِ عَلَى البَغْلَةِ، ثُمَّ أَدخَلَنِي عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تُكَلِّمَه بِشَيْءٍ، وَأَنَا أَكفِيْكَ أَمَرَهُ. قَالَ: فَسَلَّمتُ، فَأَومَأَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ. ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُنِي عَنْ أَنسَابِ قُرَيْشٍ، فَلهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِهَا مِنِّي، وَجَعَلتُ أَتَمَنَّى أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ؛ لِتَقَدُّمِه عَلَيَّ فِي النَّسَبِ. ثُمَّ قَالَ لِي: قَدْ فَرَضْتُ لَكَ فَرَائِضَ أَهْلِ بَيْتِكَ. ثُمَّ أَمَرَ قَبِيْصَةَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي الدِّيوَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ دِيْوَانُكَ مَعَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَا هُنَا، أَمْ فِي بَلَدِكَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنَا مَعَكَ. ثُمَّ خَرَجَ قَبِيْصَةُ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرَ أَنْ تُثبتَ فِي صَحَابَتِه، وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ رِزقُ الصَّحَابَةِ، وَأَنْ يَرْفَعَ فَرِيْضَتَكَ إِلَى أَرْفَعَ مِنْهَا، فَالزَمْ بَابَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَكَانَ عَلَى عَرضِ الصَّحَابَةِ رَجُلٌ. فَتَخَلَّفتُ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ، فَجَبَهَنِي جَبْهاً شَدِيْداً، فَلَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدَهَا. قَالَ: وَجَعَلَ يَسْأَلُنِي عَبْدُ المَلِكِ: مَنْ لَقِيْتَ؟ فَأَذْكُرُ مَنْ لَقِيْتُ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الأَنْصَارِ، فَإِنَّك وَاجِدٌ عِنْدَهم عِلْماً، أَيْنَ أَنْتَ عَنِ ابْنِ سَيِّدِهِم خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ ... ، وَسَمَّى رِجَالاً مِنْهُم. قَالَ: فَقَدِمتُ المَدِيْنَةَ، فَسَأَلْتُهم، وَسَمِعْتُ مِنْهُم. قَالَ: وَتُوُفِيَّ عَبْدُ المَلِكِ، فَلَزِمتُ ابْنَه الوَلِيْدَ، ثُمَّ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، ثُمَّ يَزِيْدَ. فَاسْتَقْضَى يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ عَلَى قَضَائِهِ الزُّهْرِيَّ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيَّ جَمِيْعاً. قَالَ: ثُمَّ لَزِمتُ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، وَصَيَّرَ هِشَامٌ الزُّهْرِيَّ مَعَ أَوْلاَدِه، يُعَلِّمُهم وَيَحُجُّ مَعَهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُه رَجُلاً قَصِيْراً، قَلِيْلَ اللِّحْيَةِ، لَهُ شُعَيْرَاتٌ طِوَالٌ، خَفِيْفَ العَارِضَيْنِ، -يَعْنِي: الزُّهْرِيَّ-. مَعْنُ بنُ عِيْسَى: عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: جَمَعَ عَمِّي القُرْآنَ فِي ثَمَانِيْنَ لَيْلَةً. الحُمَيْدِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ أَحْمَرَ الرَّأسِ وَاللِّحْيَةِ، فِي حُمرَتِهَا انكِفَاءٌ، كَأَنَّهُ يَجعَلُ فِيْهَا كَتَماً، وَكَانَ رَجُلاً أُعَيْمِشَ، وَلَهُ جُمَّةٌ، قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فَأَقَامَ إِلَى هِلاَلِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَسَّتْ رُكبَتِي رُكبَةَ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ. الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) لَهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنْتُ أَخدُمُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ أَسْتَقِي لَهُ المَاءَ المَالِحَ، وَكَانَ يَقُوْلُ لِجَارِيَتِه: مَنْ بِالبَابِ؟ فَتَقُوْلُ: غُلاَمُك الأَعْمَشُ. رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا سَبَقَنَا ابْنُ شِهَابٍ مِنَ العِلْمِ بِشَيْءٍ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَشُدُّ ثَوْبَه عَنْ صَدْرِه، وَيَسْأَلُ عَمَّا يُرِيْدُ، وَكُنَّا تَمْنَعُنَا الحَدَاثَةُ. ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَكْتُبُ كُلَّمَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ، عَلِمتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ، وَبَصُرَ عَيْنِي بِهِ وَمَعَهُ أَلوَاحٌ أَوْ صُحُفٌ، يَكْتُبُ فِيْهَا الحَدِيْثَ، وَهُوَ يَتَعَلَّمُ يَوْمَئِذٍ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: كُنْتُ أَطُوْفُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ، وَمَعَهُ الأَلوَاحُ وَالصُّحُفُ، فَكُنَّا نَضحَكُ بِهِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنِ اللَّيْثِ، كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُوْلُ: مَا اسْتَودَعتُ قَلْبِي شَيْئاً قَطُّ فَنَسِيْتُهُ. وَكَانَ يَكْرهُ أَكلَ التُّفَّاحِ، وَسُؤْرَ الفَأْرِ، وَكَانَ يَشْرَبُ العَسَلَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّهُ يُذْكِرُ. وَلِفَائِدِ بن أَقْرَمَ يَمدَحُ الزُّهْرِيَّ: ذَرْ ذَا وَأَثْنِ عَلَى الكَرِيْمِ مُحَمَّدٍ ... وَاذْكُرْ فَوَاضِلَهُ عَلَى الأَصْحَابِ وَإِذَا يُقَالُ: مَنِ الجَوَادُ بِمَالِهِ*؟ ... قِيْلَ: الجَوَادُ مُحَمَّدُ بنُ شِهَابِ أَهْلُ المَدَائِنِ يَعْرِفُوْنَ مَكَانَهُ ... وَرَبِيْعُ نَادِيْهِ عَلَى الأَعْرَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 ابْنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ يَوْماً بِحَدِيْثٍ، فَلَمَّا قَامَ، قُمْتُ، فَأَخَذتُ بِعِنَانِ دَابَّتِه، فَاسْتَفهَمْتُهُ. فَقَالَ: تَستَفْهِمُنِي؟! مَا اسْتَفهَمتُ عَالِماً قَطُّ، وَلاَ رَدَدْتُ شَيْئاً عَلَى عَالِمٍ قَطُّ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكٌ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ بِحَدِيْثٍ طَوِيْلٍ، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَسَأَلتُه عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثْتُكُم بِهِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قُلْتُ: كُنْتَ تَكْتُبُ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: أَمَا كُنْتَ تَسْتعِيْدُ؟ قَالَ: لاَ. وَرَوَاهَا: الإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. تَابَعَهُ: ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ البَلْقَاوِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ بِمائَةِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كَمْ حَفِظتَ يَا مَالِكُ؟ قُلْتُ: أَرْبَعِيْنَ. فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِه، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا للهِ! كَيْفَ نَقصَ الحِفْظُ. مُوْسَى: ضَعِيْفٌ. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَا قُلْتُ لأَحَدٍ قَطُّ: أَعِدْ عَلَيَّ. مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعَ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: تَذَكَّرَ ابْنُ شِهَابٍ لَيْلَةً بَعْد العِشَاءِ حَدِيْثاً وَهُوَ جَالِسٌ يَتَوَضَّأُ، فَمَا زَالَ ذَاكَ مَجْلِسُه حَتَّى أَصْبَحَ. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ السِّمْطِ، سَمِعْتُ قُرَّةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ لِلزُّهْرِيِّ كِتَابٌ إِلاَّ كِتَابٌ فِيْهِ نَسَبُ قَوْمِه. إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُوْلُ: أَرْسَلَ إِلَيَّ هِشَامٌ: أَنِ اكْتُبْ لِبَنِيَّ بَعْضَ أَحَادِيْثِكَ. فَقُلْتُ: لَوْ سَأَلْتَنِي عَنْ حَدِيْثَيْنِ، مَا تَابَعتُ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ، فَادْعُ كَاتِباً، فَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَيَّ النَّاسُ، فَسَأَلُونِي، كَتَبْتُ لَهُم. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدْ أَنْقَصْنَاكَ. قُلْتُ: كَلاَّ، إِنَّمَا كُنْتُ فِي عرَارِ الأَرْضِ، الآنَ هَبَطتُ الأَوْدِيَةَ. رَوَاهُ: نُوْحُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَزَادَ فِيْهِ: بَعَثَ إِلَيَّ كَاتِبَيْنِ، فَاخْتَلَفَا إِلَيَّ سَنَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَبْتَغِي العِلْمَ مِنْ عُرْوَةَ، وَغَيْرِه، فَيَأْتِي جَارِيَةً لَهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَيُوقِظُهَا، يَقُوْلُ لَهَا: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَحَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا. فَتَقُوْلُ: مَا لِي وَلِهَذَا؟ فَيَقُوْلُ: قَدْ عَلِمتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِي بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ الآنَ، فَأَرَدتُ أَنْ أَسْتَذكِرَهُ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: خَرَجَ الزُّهْرِيُّ مِنَ الخَضْرَاءِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ المَلِكِ، فَجَلَسَ عِنْدَ ذَلِكَ العَمُودِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا كُنَّا قَدْ مَنَعنَاكُم شَيْئاً قَدْ بَذَلنَاهُ لِهَؤُلاَءِ، فَتَعَالَوْا حَتَّى أُحَدِّثَكُم. قَالَ: فَسَمِعَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، مَا لِي أَرَى أَحَادِيْثَكُم لَيْسَتْ لَهَا أَزِمَّةٌ وَلاَ خُطُمٌ؟! قَالَ الوَلِيْدُ: فَتَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِالأَسَانِيْدِ مِنْ يَوْمَئِذٍ. وَرَوَى نَحْوَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُم أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ، فَلَمَّا أَلزَمَهُ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أَنْ يُملِيَ عَلَى بَنِيْهِ، أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَكْتُبُوا. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَكْرَهُ الكِتَابَ، حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، فَرَأَيْتُ أَنْ لاَ أَمْنَعَهُ مُسْلِماً. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعَ مَعْمَراً يَقُوْلُ: كُنَّا نَرَى أَنَّا قَدْ أَكْثَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَتَّى قُتِلَ الوَلِيْدُ، فَإِذَا الدَّفَاتِرُ قَدْ حُمِلَتْ عَلَى الدَّوَابِّ مِنْ خَزَائِنِهِ، يَقُوْلُ: مِنْ عِلْمِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ زبَالَةَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ وَكَتَبَهُ: ابْنُ شِهَابٍ. خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ أَعْلَمَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا سَاقَ الحَدِيْثَ أَحَدٌ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَنَصَّ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَهْوَنُ عِنْدَه الدَّرَاهِمُ مِنْهُ، كَانَتْ عِنْدَه بِمَنْزِلَةِ البَعْرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: جَالَستُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَداً أَنسَقَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: الزُّهْرِيُّ أَحْسَنُ النَّاسِ حَدِيْثاً، وَأَجْوَدُ النَّاسِ إِسْنَاداً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَنَسٍ: الزُّهْرِيُّ. شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: اخْتَلَفتُ مِنَ الحِجَازِ إِلَى الشَّامِ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَمَا اسْتَطرَفتُ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَلاَ وَجَدْتُ مَنْ يُطرِفُنِي حَدِيْثاً. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الخُلَعِ وَالإِيلاَءِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي لَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، مَا سَأَلتُمُوْنِي عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا. أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَخْتِمُ حَدِيْثَه بِدُعَاءٍ جَامِعٍ، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ مِنْ أَسخَى مَنْ رَأَيْتُ، كَانَ يُعْطِي، فَإِذَا فَرَغَ مَا مَعَهُ، يَسْتَلِفُ مِنْ عَبِيْدِهِ، يَقُوْلُ: يَا فُلاَنُ، أَسْلِفْنِي كَمَا تَعْرِفُ، وَأُضْعِفُ لَكَ كَمَا تَعْلَمُ. وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ الثَّرِيْدَ، وَيَسقِيْهمُ العَسَلَ، وَكَانَ يَسمُرُ عَلَى العَسَلِ كَمَا يَسمُرُ أَهْلُ الشَّرَابِ عَلَى شَرَابِهِم، وَيَقُوْلُ: اسقُونَا، وَحَدِّثُوْنَا. وَكَانَ يُكثِرُ شُرْبَ العَسَلِ، وَلاَ يَأْكُلُ شَيْئاً مِنَ التُّفَّاحِ، وَسَمِعْتُه يَبْكِي عَلَى العِلْمِ بِلِسَانِه، وَيَقُوْلُ: يَذْهَبُ العِلْمُ، وَكَثِيْرٌ مِمَّنْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ وَضَعتَ مِنْ عِلْمِكَ عِنْدَ مَنْ تَرجُو أَنْ يَكُوْنَ خَلَفاً. قَالَ: وَاللهِ، مَا نَشَرَ أَحَدٌ العِلْمَ نَشْرِي، وَلاَ صَبَرَ عَلَيْهِ صَبْرِي، وَلَقَدْ كُنَّا نَجلِسُ إِلَى ابْنِ المُسَيِّبِ، فَمَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ يَبتَدِئَ الحَدِيْثَ، أَوْ يَأْتِيَ رَجُلٌ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ. رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رُؤِيَ أَحَدٌ جَمَعَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا جَمَعَ ابْنُ شِهَابٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 اللَّيْثُ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا بَقِيَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ العِلْمِ مَا بَقِيَ عِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَلَيْكُم بِابْنِ شِهَابٍ هَذَا، فَإِنَّكم لاَ تَلْقَوْنَ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ المَاضِيَةِ مِنْهُ. سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ: عَنْ قَتَادَةَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ وَآخَرُ - كَأَنَّهُ عَنَى نَفْسَه -. سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ. وُهَيْبٌ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيِّ! فَقَالَ لَهُ صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ: وَلاَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيِّ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، يَقُوْلُ: مَا كَانَ إِلاَّ بَحْراً. وَسَمِعْتُ مَكْحُوْلاً، يَقُوْلُ: ابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمُ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الهُذَلِيَّ يَقُوْلُ - وَقَدْ جَالَسَ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ -: لَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ -يَعْنِي: الزُّهْرِيَّ-. وَقَالَ العَدَنِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانُوا يَرَوْنَ يَوْمَ مَاتَ الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ. بَقِيَّةُ: عَنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ: قِيْلَ لِمَكْحُوْلٍ: مَنْ أَعْلَمُ مَنْ لَقِيْتَ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ. قِيْلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ. قِيْلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: بَقِيَ ابْنُ شِهَابٍ، وَمَا لَهُ فِي النَّاسِ نَظِيْرٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ الزُّهْرِيُّ فِي أَصْحَابِهِ كَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ فِي أَصْحَابِهِ. قَالَ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: شَهِدْتُ وُهَيْباً، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ، وَغَيْرَهُمَا، ذَكَرُوا الزُّهْرِيَّ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَداً يَقِيسُوْنَه بِهِ إِلاَّ الشَّعْبِيَّ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَفْتَى أَرْبَعَةٍ: الحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ عِنْدِي أَفْقَهُهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: جَعَلَ يَزِيْدُ الزُّهْرِيَّ قَاضِياً مَعَ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الاَعتصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ. رَوَى: يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْهُ، نَحْوَهُ. وَرَوَى الأَوْزَاعِيُّ، عَنْهُ، قَالَ: أَمِرُّوا أَحَادِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا جَاءتْ. اللَّيْثُ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ: قُلْتُ لِعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ؟ قَالَ: أَمَّا أَعْلَمُهم بِقَضَايَا رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَضَايَا أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأَفْقَهُهُم فِقهاً، وَأَعْلَمُهُم بِمَا مَضَى مِنْ أَمرِ النَّاسِ،: فَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَمَّا أَغزَرُهُم حَدِيْثاً: فَعُرْوَةُ، وَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُفَجِّرَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بَحْراً إِلاَّ فَجَّرتَهُ، وَأَعْلَمُهُم عِنْدِي جَمِيْعاً: ابْنُ شِهَابٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ عِلْمَهُم جَمِيْعاً إِلَى عِلْمِهِ. الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قِيْلَ لِلزُّهْرِيِّ: لَوْ أَنَّكَ سَكَنْتَ المَدِيْنَةَ، وَرُحتَ إِلَى مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَبْرِه، تَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْكَ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَأَرغَبَ فِي الآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: وَمَنْ كَانَ مِثْلُ الزُّهْرِيِّ؟ قُلْتُ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُحتَشِماً، جَلِيْلاً بِزِيِّ الأَجنَادِ، لَهُ صُوْرَةٌ كَبِيْرَةٌ فِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ. رَوَى: الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إِنَّمَا يُذْهِبُ العِلْمَ النِّسْيَانُ، وَتَرْكُ المُذَاكرَةِ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، يَقُوْلُ: أَرَدتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَجَعَلتُ آتِي مَشَايِخَ آلِ عُمَرَ، فَأَقُوْلُ: مَا سَمِعْتَ مِنْ سَالِمٍ؟ فَكُلَّمَا أَتَيْتُ رَجُلاً مِنْهُم، قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ شِهَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُه. قَالَ: وَابْنُ شِهَابٍ يَوْمَئِذٍ كَانَ بِالشَّامِ، فَلَزِمتُ نَافِعاً، فَجَعَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ خَيْراً كَثِيْراً. عَنْبَسَةُ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ: مَا مَاتَ مَنْ تَرَكَ مِثْلَكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ: عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى خَاتَمِ ابْنِ شِهَابٍ: مُحَمَّدٌ يَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ أَسخَى النَّاسِ، فَلَمَّا أَصَابَ تِلْكَ الأَمْوَالَ، قَالَ لَهُ مَوْلَىً لَهُ وَهُوَ يَعِظُه: قَدْ رَأَيْتَ مَا مَرَّ عَلَيْكَ مِنَ الضَّيْقِ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُوْنُ، أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ. قَالَ: إِنَّ الكَرِيْمَ لاَ تُحَنِّكُه التَّجَارِبُ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: القِرَاءةُ عَلَى العَالِمِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ سَوَاءٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: دَفَعتُ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ كِتَاباً نَظَرَ فِيْهِ، فَقَالَ: ارْوِهِ عَنِّي. إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ القَيْسَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ، فَتثَاقلَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتُحِبُّ لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَ مَشَايِخَ، فَصَنَعُوا بِكَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: كَمَا أَنْتَ. وَدَخَلَ، فَأَخرَجَ إِلَيَّ كِتَاباً، فَقَالَ: خُذْ هَذَا، فَارْوِهِ عَنِّي. فَمَا رَويتُ عَنْهُ حَرفاً. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إِعَادَةُ الحَدِيْثِ أَشَدُّ مِنْ نَقلِ الصَّخْرِ. عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الحَدِيْثَ، فَأَلفَيْتُه عَلَى بَابِه، فَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنِي. قَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنِّي قَدْ تَرَكتُ الحَدِيْثَ؟ فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تُحَدِّثَنِي، وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّثكَ. فَقَالَ: حَدِّثْنِي. فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي الحَكَمُ، عَنْ يَحْيَى بنِ الجَزَّارِ، سَمِعَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا، حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يَعْلَمُوا. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ حَافِظٌ، وَكُلُّ مَا قَدِرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 قُلْتُ: مَرَاسِيْلُ الزُّهْرِيِّ كَالمُعْضَلِ؛ لأَنَّهُ يَكُوْنُ قَدْ سَقَطَ مِنْهُ اثْنَانِ، وَلاَ يَسُوغُ أَنْ نَظُنَّ بِهِ أَنَّهُ أَسقَطَ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَه عَنْ صَحَابِيٍّ لأَوضَحَهُ، وَلَمَا عَجِزَ عَنْ وَصْلِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ يَقُوْلُ: عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ عَدَّ مُرْسَلَ الزُّهْرِيِّ كَمُرْسَلِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَدرِ مَا يَقُوْلُ، نَعَمْ، مُرْسَلُه كَمُرْسَلِ قَتَادَةَ، وَنَحْوِه. أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِرسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنَّا نَجِدُه يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَرْقَمَ. زَيْدُ بنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، وَذَكَرَ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ: أَيُّ رَجُلٍ هُوَ؟! لَوْلاَ أَنَّهُ أَفسَدَ نَفْسَه بِصُحبَةِ المُلُوْكِ. قُلْتُ: بَعْضُ مَنْ لاَ يُعتَدُّ بِهِ لَمْ يَأْخُذْ عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ مُدَاخِلاً لِلْخُلَفَاءِ، وَلَئِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَهُوَ الثَّبْتُ الحُجَّةُ، وَأَيْنَ مِثْلُ الزُّهْرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-؟ سَلاَمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ: عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ كَاتِباً عَنْ أَحَدٍ، لَكَتَبتُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قُلْتُ: قَدْ أَخَذَ عَنْهُ أَيُّوْبُ قَلِيْلاً. يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنِي الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: دَخلَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ، مَنِ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ. قَالَ: كَذَبتَ، هُوَ عَلِيٌّ. فَدَخَلَ ابْنُ شِهَابٍ، فَسَأَلَهُ هِشَامٌ، فَقَالَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ. قَالَ: كَذَبتَ، هُوَ عَلِيٌّ. فَقَالَ: أَنَا أَكْذِبُ لاَ أَبَا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ، مَا كَذَبتُ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدٌ، وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ القَوْمُ يُغْرُوْنَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: ارْحَلْ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحمِلَ عَلَى مِثْلِكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ أَنَا اغْتَصَبتُكَ عَلَى نَفْسِي، أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نَفْسِي؟ فَخَلِّ عَنِّي. فَقَالَ لَهُ: لاَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَدَنْتَ أَلْفَيْ أَلْفٍ. فَقَالَ: قَدْ عَلِمتَ وَأَبُوْكَ قَبْلَكَ أَنِّي مَا اسْتَدَنْتُ هَذَا المَالَ عَلَيْكَ وَلاَ عَلَى أَبِيْكَ. فَقَالَ هِشَامٌ: إِنَّا أَنْ نُهِيِّجَ الشَّيْخَ. فَأَمَرَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 فَقَضَى عَنْهُ أَلْفَ أَلْفٍ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَذَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ عَمِّي: وَنَزَلَ ابْنُ شِهَابٍ بِمَاءٍ مِنَ المِيَاهِ، فَالتَمَسَ سلفاً، فَلَمْ يَجِدْ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِه فَنُحِرَتْ، وَدَعَا إِلَيْهَا أَهْلَ المَاءِ، فَمَرَّ بِهِ عَمُّه، فَدَعَاهُ إِلَى الغَدَاءِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ مُرُوْءةَ سَنَةٍ تَذهبُ بِذُلِّ الوَجْهِ سَاعَةً. قَالَ: يَا عَمِّ، انْزِلْ فَاطْعَمْ، وَإِلاَّ فَامضِ رَاشِداً. وَنَزَلَ مَرَّةً بِمَاءٍ، فَشَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ المَاءِ: أَنَّ لَنَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً عُمَرِيَّةً، أَيْ: لَهُنَّ أَعمَارٌ لَيْسَ لَهُنَّ خَادِمٌ. فَاسْتَسْلَفَ ابْنُ شِهَابٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلفاً، وَأَخْدَمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ خَادِماً بِأَلْفٍ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: قَضَى هِشَامٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَبْعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: لاَ تَعُدْ لِمِثلِهَا، تُدَّانُ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ (1)) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ، عَنْ مَالِكٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَجَدْنَا السَّخِيَّ لاَ تَنفَعُه التَّجَارِبُ. يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مرَّ رَجُلٌ تَاجِرٌ بِالزُّهْرِيِّ وَهُوَ بِقَرْيَتِه، وَالرَّجُلُ يُرِيْدُ الحَجَّ، فَأَخَذَ مِنْهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ دِيْنَارٍ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَجِّهِ، فَلَمْ يَبرَحِ الزُّهْرِيُّ حَتَّى فَرَّقَه، فَعَرَفَ الزُّهْرِيُّ فِي وَجْهِ التَّاجِرِ الكَرَاهِيَةَ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَضَاهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً يُنْفِقُهَا. عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ المُوَقَّرِيُّ، قَالَ: قِيْلَ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّهُم يَعِيبُوْنَ عَلَيْكَ كَثْرَةَ الدَّيْنِ. قَالَ: وَكَمْ دَيْنِي؟ قِيْلَ: عِشْرُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: لَيْسَ كَثِيْراً وَأَنَا مَلِيءٌ، لِي خَمْسَةُ أَعْيُنٍ، كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا ثَمَنُ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا ضِمَامٌ، عَنْ عُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ   (1) أخرجه البخاري (439) في الأدب: باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ومسلم (2998) في الزهد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 يَخْرُجُ إِلَى الأَعرَابِ يُفَقِّهُهُم، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَقَدْ نَفَدَ مَا بِيَدِهِ، فَمدَّ الزُّهْرِيُّ يَدَهُ إِلَى عِمَامَتِي، فَأَخَذَهَا، فَأَعْطَاهُ، وَقَالَ: يَا عُقَيْلُ، أُعْطِيْكَ خَيْراً مِنْهَا. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: كُنَّا نَأتِي الزُّهْرِيَّ بِالرَّاهِبِ - وَهِيَ مَحَلَّةٌ قِبْلِي دِمَشْقَ - فَيُقَدِّمُ لَنَا كَذَا وَكَذَا لَوْناً. سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: هَاتُوا مِنْ أَشعَارِكُم وَأَحَادِيْثِكمُ، فَإِنَّ الأُذُنَ مَجَّاجَةٌ، وَإِنَّ لِلنَّفْسِ حَمْضَةً. مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إِذَا طَالَ المَجْلِسُ، كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيْهِ نَصِيْبٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِشْكَابٍ: كَانَ الزُّهْرِيُّ جُندِيّاً. قُلْتُ: كَانَ فِي رُتبَةِ أَمِيْرٍ. قَالَ إِسْحَاقُ المُسَيِّبِيُّ المُقْرِئُ: عَنْ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ: أَنَّهُ عَرضَ القُرْآنَ عَلَى الزُّهْرِيِّ. قُلْتُ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُوْصَفُ بِالعِبَادَةِ، فَرَوَى مَعْنُ بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنِي المُنْكَدِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بَيْنَ عَيْنَيِ الزُّهْرِيِّ أَثَرَ السُّجُوْدِ. قَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ لِلزُّهْرِيِّ قُبَّةٌ مُعَصْفَرَةٌ، وَعَلَيْهِ مِلحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي القَاسِمُ بنُ هِزَّانَ، سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يُرضِي النَّاسَ قَوْلُ عَالِمٍ لاَ يَعْمَلُ، وَلاَ عَمَلُ عَامِلٍ لاَ يَعْلَمُ. القَاسِمُ: ثِقَةٌ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقدَحُ أَبَداً عِنْدَ هِشَامٍ فِي الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، وَيَعِيبُه، وَيَذكُرُ أُمُوْراً عَظِيْمَةً حَتَّى يَذْكُرَ الصِّبْيَانَ، وَأَنَّهُم يَخضِبُوْنَ بِالحِنَّاءِ، وَيَقُوْلُ لِهِشَامٍ: مَا يَحِلُّ لَكَ إِلاَّ خَلْعُهُ. فَكَانَ هِشَامٌ لاَ يَسْتَطِيْعُ ذَلِكَ لِلْعَقْدِ الَّذِي عُقِدَ لَهُ، وَلاَ يَكرَهُ مَا صَنَعَ الزُّهْرِيُّ رَجَاءَ أَنْ يُؤَلِّبَ عَلَيْهِ النَّاسَ، فَكُنْتُ يَوْماً عِنْدَه فِي نَاحِيَةِ الفُسْطَاطِ، أَسْمَعُ ذَمَّ الزُّهْرِيِّ لِلْوَلِيْدِ، فَجَاءَ الحَاجِبُ، فَقَالَ: هَذَا الوَلِيْدُ بِالبَابِ. قَالَ: أَدخِلْهُ. فَأَوسَعَ لَهُ هِشَامٌ عَلَى فِرَاشِه، وَأَنَا أَعْرِفُ فِي وَجْهِ الوَلِيْدِ الغَضَبَ وَالشَرَّ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ الوَلِيْدُ، بَعَثَ إِلَيَّ، وَإِلَى ابْنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ القَاسِمِ، وَرَبِيْعَةَ، قَالَ: فَأَرسَلَ إِلَيَّ لَيْلَةً مُخْلِياً، وَقَدَّمَ العِشَاءَ، وَقَالَ: حَدِيْثٌ حُدِّثَ يَا ابْنَ ذَكْوَانَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 أَرَأَيْتَ يَوْمَ دَخَلتُ عَلَى الأَحْوَلِ، وَأَنْتَ عِنْدَه، وَالزُّهْرِيُّ يَقدَحُ فِيَّ، أَفَتَحفَظُ مِنْ كَلاَمِه شَيْئاً؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَذْكُرُ يَوْمَ دَخَلتَ وَالغَضَبُ فِي وَجْهِكَ أَعْرِفُهُ. قَالَ: كَانَ الخَادِمُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى رَأْسِ هِشَامٍ يَنْقُلُ ذَلِكَ كُلَّه إِلَيَّ، وَأَنَا عَلَى البَابِ قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ إِلَيْكُم، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ لَمْ تَنطِقْ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ كُنْتُ عَاهَدتُ اللهَ، لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ القُدرَةَ بِمِثْلِ هَذَا اليَوْمِ أَنْ أَقتُلَ الزُّهْرِيَّ. رَوَاهَا: الوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَمِّي قَدِ اتَّعَدَ هُوَ وَابْنُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ الوَلِيْدُ يَتَلَهَّفُ لَوْ قَبَضَ عَلَيْهِ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَنْبَأَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ لِهِشَامٍ: اقْضِ دَيْنِي. قَالَ: وَكَم هُوَ؟ قَالَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: إِنِّي أَخَافُ إِنْ قَضَيْتُهَا عَنْكَ أَنْ تَعُودَ. فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ) . فَقَضَاهَا عَنْهُ. قَالَ: فَمَا مَاتَ الزُّهْرِيُّ حَتَّى اسْتَدَانَ مِثْلَهَا، فَبِيْعَتْ شَغْبٌ (1) ، فَقُضِيَ دَيْنُه. العَدَنِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: رَأَيْتُ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، أَتَيَا الزُّهْرِيَّ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَاهُ يَعرِضَانِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنِّي أُرِيْدُ المَدِيْنَةَ وَطَرِيْقِي عَلَيْكُمَا، تَأْتِيَانِ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قَالَ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ هُوَ المُتَكَلِّمَ، وَمَالِكٌ مَعَهُ سَاكِتٌ، وَلَمْ يَسْمَعَا عَلَيْهِ بِمَكَّةَ شَيْئاً. قَالَ مَعْمَرٌ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بِالرُّصَافَةِ، فَجَالَستُه. اللَّيْثُ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، أَنَّ أَبَا جَبَلَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ شِهَابٍ فِي سَفَرٍ، فَصَامَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَصُومُ وَأَنْتَ تُفطِرُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؟! قَالَ: إِنَّ رَمَضَانَ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَإِنَّ عَاشُوْرَاءَ يَفُوْتُ.   (1) قال ياقوت: شغب: ضيعة خلف وادي القرى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثَلاَثٌ إِذَا كُنَّ فِي القَاضِي، فَلَيْسَ بِقَاضٍ: إِذَا كَرِهَ المَلاَمَ، وَأَحَبَّ المَحَامِدَ، وَكَرِهَ العَزْلَ. يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لاَ تُنَاظِرْ بِكِتَابِ اللهِ، وَلاَ بِكَلاَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ المَدِيْنَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيْعَةَ، وَدَخَلاَ إِلَى بَيْتِ الدِّيوَانِ، فَمَا خَرَجَا إِلَى العَصْرِ. فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِيْنَةِ مِثْلَكَ. وَخَرَجَ رَبِيْعَةُ وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً بَلَغَ مِنَ العِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ. ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: العَمَائِمُ تِيْجَانُ العَرَبِ، وَالحَبْوَةُ حِيطَانُ العَرَبِ، وَالاضطِجَاعُ فِي المَسْجِدِ رِبَاطُ المُؤْمِنِيْنَ. يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: الإِيْمَانُ بِالقَدَرِ نِظَامُ التَّوْحِيْدِ، فَمَنْ وَحَّدَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالقَدَرِ، كَانَ ذَلِكَ نَاقِضاً تَوحِيْدَه. سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلاَةِ أَنْ تَقرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ثُمَّ فَاتِحَةَ الكِتَابِ، ثُمَّ تَقرَأَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ثُمَّ تَقرَأَ سُوْرَةً. فَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَأُ أَحْيَاناً سُوْرَةً مَعَ الفَاتِحَةِ، يَفتَتِحُ كُلَّ سُوْرَةٍ مِنْهَا: بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ قَرَأَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ سِرّاً بِالمَدِيْنَةِ: عَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَكَانَ رَجُلاً حَيِيّاً. ابْنُ أَبِي يُوْنُسَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: إِن هَذَا العِلْمَ دَيْنٌ، فَانظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُونَه، لَقَدْ أَدْرَكتُ فِي المَسْجِدِ سَبْعِيْنَ مِمَّنْ يَقُوْلُ: قَالَ فُلاَنٌ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، وَإِنَّ أَحَدَهُم لَوِ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ، لَكَانَ بِهِ أَمِيْناً، فَمَا أَخَذتُ مِنْهُم شَيْئاً؛ لأَنَّهُم لَمْ يَكُوْنُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، وَيَقْدَمُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ وَهُوَ شَابٌّ، فَنَزدَحِمُ عَلَى بَابِه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 قُلْتُ: كَأَنَّ مَالِكاً انخَدَعَ بِخِضَابِ الزُّهْرِيِّ، فَظَنَّه شَابّاً. رَوَاهَا: أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ. مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَحسِبُ أَنِّي قَدْ أَصَبتُ مِنَ العِلْمِ، حَتَّى جَالَستُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، فَكَأَنَّمَا كُنْتُ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ. إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: دَخَلتُ أَنَا وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ وَمَشْيَخَةٌ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ، فَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: تَركْتُمُ العِلْمَ، حَتَّى إِذَا صِرتُم كَالشِّنَانِ (1) قَدْ تَوَهَّتْ، طَلَبتُمُوْهُ، وَاللهِ لاَ جِئْتُم بِخَيْرٍ أَبَداً، فَضَحِكنَا. يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: جَالَستُ ابْنَ المُسَيِّبِ حَتَّى مَا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْهُ إِلاَّ الرُّجُوْعَ -يَعْنِي: المَعَادَ- وَجَالَستُ عُبَيْدَ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَغرَبَ مِنْهُ، وَوَجَدتُ عُرْوَةَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ. أَبُو ضَمْرَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ ابْنَ شِهَابٍ يُؤْتَى بِالكِتَابِ مَا يَقرَأُه وَلاَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، فَنَقُوْلُ: نَأخُذُ هَذَا عَنْكَ؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ. فَيَأْخُذُونَه وَمَا قَرَأهُ وَلاَ يُرَوْنَهُ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَا اسْتَعَدتُ حَدِيْثاً قَطُّ، وَمَا شَكَكتُ فِي حَدِيْثٍ إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي، فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظتُ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنِ المَوَالِي: سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَالأَعْرَجِ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَحَبِيْبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، وَكَثِيْرٍ مَوْلَى أَفْلَحَ. وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ لاَ تَروِي عَنِ المَوَالِي. قَالَ: قَدْ رَويتُ عَنْهُم، وَلَكِنْ إِذَا وَجَدْتُ عَنْ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، فَمَا حَاجَتِي إِلَى غَيْرِهِم. وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ، يَخْرُجُ الحَدِيْثُ مِنْ عِنْدِنَا شِبْراً، وَيَصِيْرُ عِنْدَكُم ذِرَاعاً. عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الخَفَّافُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثٍ، فَلَمَّا فَرَغتُ مِنْهُ، قَالَ: أَحْسَنتَ، بَارَكَ اللهُ فِيْكَ، هَكَذَا   (1) هي القرب المهترئة البالية، والكلام على التشبيه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 حُدِّثْنَاهُ. قُلْتُ: أُرَانِي حَدَّثتُكَ بِحَدِيْثٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَلَيْسَ مِنَ العِلْمِ مَا لاَ يُعْرَفُ، إِنَّمَا العِلْمُ مَا عُرِفَ، وَتَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الأَلْسُنُ. ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَقَدْ هَلَكَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَلَمْ يَتْرُكْ كِتَاباً، وَلاَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَلاَ عُرْوَةُ، وَلاَ ابْنُ شِهَابٍ. قُلْتُ لابْنِ شِهَابٍ، وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَخصِمَه: مَا كُنْتَ تَكتُبُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَلاَ تَسْأَلُ أَنْ يُعَادَ عَلَيْكَ الحَدِيْثُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا ذَكَرَ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ، قَالَ: لَمْ أَرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ. أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِيَّاكَ وَغُلُولَ الكُتُبِ. قُلْتُ: وَمَا غُلُولُهَا؟ قَالَ: حَبْسُهَا. الأَوْزَاعِيُّ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: مَا أَتَاكَ بِهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ غَيْرِه، فَشُدَّ يَدَكَ بِهِ، وَمَا أَتَاكَ بِهِ عَنْ رَأْيِه، فَانْبِذْهُ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: دَارَ عِلْمُ الثِّقَاتِ عَلَى سِتَّةٍ، فَكَانَ بِالحِجَازِ: الزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَبِالبَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَبِالكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ. دَاوُدُ بنُ المُحَبَّرِ: عَنْ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: خَمْسٌ يُوْرِثنَ النِّسْيَانَ: أَكلُ التُّفَّاحِ، وَالبَولُ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ، وَالحِجَامَةُ فِي القَفَا، وَإِلقَاءُ القَملَةِ فِي التُّرَابِ، وَسُؤْرُ الفَأرَةِ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: أَبُو حُمَيْدٍ مَوْلَى مُسَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ حَدِيْثَ: (لَتُنْتَقُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ) (3) .   (1) خبر موضوع، داود بن المحبر البكراوي متروك، وأكثر أحاديث كتاب العقل الذي صنفه موضوعات، وشيخه مقاتل بن سليمان الخراساني البلخي كذبوه وهجروه. (2) أخرجه ابن ماجه (4038) في الفتن: باب شدة الزمان، من طريق يونس بن يزيد الايلي، = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وَحَدِيْثَ: (إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ (1)) ، رَوَاهُمَا يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْهُ. أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الرَّمْلِيُّ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ لَمَّا حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِيْنَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ (2)) . قُلْتُ لَهُ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: مِنَ اللهِ القَوْلُ، وَعَلَى الرَّسُوْلِ البَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّسلِيمُ، أَمِرُّوا حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ كَمَا جَاءَ بِلاَ كَيْفٍ. مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ، وَهُوَ عِنْدَ سَارِيَةٍ عِنْدَ بَابِ الصَّفَا، فَجَلَستُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، قَرَأْتَ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: تَعَلَّمتَ الفَرَائِضَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: كَتَبتَ الحَدِيْثَ؟ قُلْتُ: بَلَى -يَعْنِي: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ-. قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ إِسْنَادٌ. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: أَعْيَا الفُقَهَاءَ وَأَعجَزَهُم أَنْ يَعْرِفُوا نَاسِخَ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَنْسُوْخِه. وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ المَكِّيِّ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحفَظَ   = عن الزهري، عن أبي حميد مولى مسافع، عن أبي هريرة بلفظ " لتنتقون كما ينتقى التمر من أغفاله، فليذهبن خياركم، وليبقين شراركم.." وسنده ضعيف لضعف يونس في روايته عن الزهري، وجهالة أبي حميد مولى مسافع. (1) وأخرجه ابن ماجه (4243) ، وأحمد 6 / 71 و151، من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عوف بن الحارث، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إياك ومحقرات الاعمال، فإن لها من الله طالبا " وصححه ابن حبان (2497) والبوصيري في " الزوائد " وفي الباب عن سهل بن سعد عند أحمد 5 / 331 بلفظ " إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه " وإسناده صحيح وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 190، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن الحكم وهو ثقة، وفي الباب أيضا عن ابن مسعود عند أحمد 1 / 402، والطبراني، وسنده حسن. (2) متفق عليه من حديث أبي هريرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 الحَدِيْثَ، فَلْيَأْكُلِ الزَّبِيْبَ. قَالَ الحَاكِمُ: لأَنَّ زَبِيْبَ الحِجَازِ حَارٌّ، حُلْوٌ، رَقِيْقٌ، فِيْهِ يُبْسٌ مُقَطِّعٌ لِلبَلْغَمِ. أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ لِي القَاسِمُ: أَرَاكَ تَحرِصُ عَلَى الطَّلَبِ، أَفَلاَ أَدلُّكَ عَلَى وِعَائِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: عَلَيْكَ بِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ. فَأَتَيْتُهَا، فَوَجَدتُهَا بَحْراً لاَ يَنزِفُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ يَوْماً بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: هَاتِه بِلاَ إِسْنَادٍ. قَالَ: أَتَرْقَى السَّطحَ بِلاَ سُلَّمٍ؟ عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العِجْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الحَافِظُ لاَ يُوْلدُ إِلاَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مَرَّةً. يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأخِيْرِ فِي الحَدِيْثِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَجُوْزُ فِي القُرْآنِ (1) ، فَكَيْفَ بِهِ فِي الحَدِيْثِ؟ إِذَا أُصِيْبَ مَعْنَى الحَدِيْثِ، وَلَمْ يُحِلَّ بِهِ حَرَاماً، وَلَمْ يُحَرِّمْ بِهِ حَلاَلاً، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ إِذَا أُصِيْبَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ المَرَاتِبِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ البَيْتَ إِلاَّ لحَاجَةِ الإِنْسَانِ (2) .   (1) التقديم والتأخير في القرآن بالنسبة للالفاظ لا يجوز ولو لم يتغير المعنى، لان القرآن لفظه ومعناه من عند الله، فلا يسوغ فيه إلا الاتباع. (2) أخرجه مالك 1 / 312 في الاعتكاف: باب ذكر الاعتكاف، والبخاري 4 / 236 في = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَضَرَبَ إِصْبَعَهُ حَتَّى أَلْقَاهُ، وَرَأَى عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ قُرْطَيْ ذَهَبٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا، حَتَّى رَمَتْ بِهِمَا. هَكَذَا أَرْسَلَه: مَنْصُوْرٌ (1) . وَبِالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي القَاسِمِ - هُوَ البَغَوِيُّ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ أَبْصَرَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَ وَرِقٍ يَوْماً وَاحِداً، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيْمَهُم مِنْ وَرِقٍ، فَلَبِسُوْهَا، فَطَرَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ، وَطَرَحُوا خَوَاتِيْمَهُم، وَرَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً، فَضَرَبَ إِصْبَعَهُ حَتَّى رَمَى بِهِ (2) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ   = الاعتكاف: باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، وباب الحائض ترجل المعتكف، وباب غسل المعتكف وباب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، وفي اللباس: باب ترجيل الحائض زوجها، ومسلم (297) في الحيض: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. (1) وأورده موصولا النسائي في " سننه " 8 / 171 عن الزهري عن عطاء بن يزيد، عن أبي ثعلبة الخشني دون قوله: ورأى على أم سلمة قرطي..وقال: خالفه يونس رواه عن الزهري عن أبي إدريس مرسلا أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو إدريس الخولاني أن رجلا ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من ذهب..ولبس الذهب للمرأة مباح بالاجماع لايعرف له مخالف. (2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 10 / 269، ومسلم (2093) من طريق ابن شهاب، عن أنس، قال الحافظ: هكذا روى الحديث الزهري، عن أنس، واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه، ونسب فيه إلى الغلط لان المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اتخاذ الناس مثله إنما هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، وقال النووي تبعا لعياض، قال جميع أهل الحديث: هذا وهم من ابن شهاب، لان المطروح ما كان إلا خاتم الذهب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 قِرَاءةً، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيْهِمَا، فَقَرَأَ فِيْهِمَا {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، {وَقُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} ، {وَقُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ثُمَّ مَسحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِه، بَدَأَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، مِثْلَهُ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا جُملَةٌ صَالِحَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ طَالَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ، وَبَقِيَتْ أَشْيَاءُ، وَاللهُ المُوِفِّقُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي الحُسَيْنُ بنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاَنِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ قَبْرَ الزُّهْرِيِّ بِأُدْمَا، وَهِيَ خَلْفَ شَغْبٍ وَبَدَّا (2) ، وَهِيَ أَوَّلُ عَمَلِ فِلَسْطِيْنَ، وَآخِرُ عَمَلِ الحِجَازِ، وَبِهَا ضَيْعَةٌ لِلزُّهْرِيِّ، رَأَيْتُ قَبْرَه مُسَنَّماً مُجَصَّصاً. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: تُوُفِّيَ الزُّهْرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ، أَوْ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. تَابَعَهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ عِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ،   (1) 9 / 56 في فضائل القرآن: باب فضل المعوذات، وأخرجه الترمذي في " الشمائل " (254) من طريق قتيبة أيضا. (2) في معجم البلدان: شغب: ضيعة خلف وادي القرى كانت للزهري وبها قبره ينسب إليها. زكريا بن عيسى الشغبي مولى الزهري روى نسخة عن الزهري، عن نافع وقال في بدا: واد قرب أيلة من ساحل البحر، وقيل: بوادي القرى، وقيل: بوادي عذرة قرب الشام، قال كثير: وأنت التي حببت شغبا إلى بدا * إلي وأوطاني بلاد سواهما حللت بهذا حلة ثم حلة * بهذا فطاب الواديان كلاهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 أَنَّ عَمَّهُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَكَذَا قَالَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. زَادَ الوَاقِدِيُّ: وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَالزُّبَيْرُ: مَاتَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَشَذَّ: أَبُو مُسْهِرٍ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ. 161 - يَحْيَى البَكَّاءُ البَصْرِيُّ * (ت، ق) شَيْخٌ، بَصْرِيٌّ، مُحَدِّثٌ، فِيْهِ لِيْنٌ، مِنْ مَوَالِي الأَزْدِ. وَهُوَ: يَحْيَى بنُ مُسْلِمٍ. وَقِيْلَ: يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ. وَقِيْلَ: ابْنُ سُلَيْمٍ، وَهُوَ يَحْيَى بنُ أَبِي خُلَيْدٍ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي العَالِيَةِ، وَغَيْرِهِم. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَقُدَامَةُ بنُ شِهَابٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّرْمَقِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يَرضَاهُ. وَقَالَ عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: يَرْوِي وَكِيْعٌ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ ضَعِيْفٍ، يُقَالُ لَهُ: يَحْيَى بنُ مُسْلِمٍ، كُوْفِيٌّ. قُلْتُ: هَكَذَا سَاقَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ البَكَّاءِ، فَوَهِمَ، لأَنَّ البَكَّاءَ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير 8 / 281، الجرح والتعديل 9 / 186، تهذيب الكمال: 1517، تذهيب التهذيب 4 / 165 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 182، تهذيب التهذيب 11 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 428. (1) بفتح النون وسكون الراء وفتح الميم، وينسب إلى نرمق: قرية من قرى الري وهو منكر الحديث كما في " التقريب ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ، بَصْرِيٌّ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَحْيَى البَكَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لابْنِ عُمَرَ: إِنِّي لأَحبُّكَ. قَالَ: وَأَنَا أُبغِضُكَ فِي اللهِ. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ تَبْغِي فِي أَذَانِكَ، وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْراً. 162 - هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ أَبُو الوَلِيْدِ الأُمَوِيُّ الخَلِيْفَةُ، أَبُو الوَلِيْدِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وُلدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ، وَاسْتُخلِفَ بِعَهْدٍ مَعقُودٍ لَهُ مِنْ أَخِيْهِ يَزِيْدَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِه لِوَلَدِ يَزِيْدَ، وَهُوَ الوَلِيْدُ. وَكَانَتْ دَارُه عِنْدَ بَابِ الخَوَّاصِيْنَ، وَاليَوْمَ بَعْضُهَا هِيَ المَدْرَسَةُ وَالتُّربَةُ النُّوْرِيَةُ (1) . اسْتُخلِفِ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً. وَأُمُّهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الأَمِيْرِ هِشَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ هِشَامٍ، أَخِي خَالِدٍ ابْنَيِ الوَلِيْدِ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيِّ. وَكَانَ جَمِيْلاً، أَبْيَضَ، مُسَمَّناً، أَحْوَلَ، خَضَبَ بِالسَّوَادِ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: زَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ رَأَى أَنَّهُ بَالَ فِي المِحْرَابِ أَرْبَعَ   (*) تاريخ اليعقوبي 3 / 57، تاريخ الطبري 7 / 200، وما بعدها، مروج الذهب 2 / 142، 145 الكامل لابن الأثير 5 / 261، 264، تاريخ الإسلام 5 / 170، 172، دول الإسلام 1 / 85، مرآة الجنان 1 / 261، 263، فوات الوفيات 4 / 238، 239، خلاصة الذهب المسبوك: 26، البداية 9 / 351، 354، النجوم الزاهرة 1 / 296، تاريخ الخلفاء: 269، تاريخ الخميس 2 / 318، شذرات الذهب 1 / 163. (1) جاء في " منادمة الاطلال " (212) في التعريف بالمدرسة النورية: موضعها كان يسمى بالخواصين، وهي معروفة الآن مشهورة في غرب سوق الخياطين، قال النعيمي: كان موضعها قديما دارا لمعاوية بن أبي سفيان، وفي " الكواكب الدرية " أنها صارت بعد لسليمان بن عبد الملك، ولم تزل تنتقل من يد إلى يد إلى أن بنى بعضها الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن زنكي المدرسة المعروفة الآن بالنورية، بناها لأصحاب الامام أبي حنيفة، ثم نقل والده إليها، فدفنه في قبر معروف به بعد أن كان مدفنه في القلعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 مَرَّاتٍ، فَدَسَّ مَنْ سَأَلَ ابْنَ المُسَيِّبِ عَنْهَا، فَقَالَ: يَمْلِكُ مِنْ وَلدِهِ لِصُلبِهِ أَرْبَعَةٌ. فَكَانَ هِشَامٌ آخِرَهُم، وَكَانَ حَرِيْصاً جَمَّاعاً لِلْمَالِ، عَاقِلاً، حَازِماً، سَائِساً، فِيْهِ ظلمٌ مَعَ عَدلٍ. رَوَى: أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ لاَ يَدْخُلُ بَيْتَ المَالِ لِهِشَامٍ شَيْءٌ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعُوْنَ قسَامَةً: لَقَدْ أَخَذَ مِنْ حَقِّه، وَلَقَدْ أُعْطِيَ النَّاسُ حُقُوْقَهُم. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَسْمَعَ رَجُلٌ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ كَلاَماً، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ أَنْ تُسْمِعَ خَلِيْفَتَك. وَغَضِبَ مَرَّةً عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضرِبَكَ سَوْطاً. ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي سَحْبَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنَ الخُلَفَاءِ، أَكْرَهَ إِلَيْهِ الدِّمَاءُ، وَلاَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هِشَامٍ، وَلَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ مَقْتَلِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ وَابْنِه يَحْيَى أَمرٌ شَدِيْدٌ، حَتَّى قَالَ: وَدِدْتُ لَوْ كُنْتُ افْتَدَيتُهُمَا. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ الدِّمَاءُ مِنْ هِشَامٍ، وَلَقَدْ ثَقُلَ عَلَيْهِ خُرُوْجُ زَيْدٍ، فَمَا كَانَ شَيْءٌ حَتَّى أُتِيَ بِرَأْسِهِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: فَلَمَّا ظَهَرَ بَنُو العَبَّاسِ، نَبَشَ هِشَاماً عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ، وَصَلَبَه. قَالَ العَيْشِيُّ: قَالَ هِشَامٌ: مَا بَقِيَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا إِلاَّ وَقَدْ نِلْتُه إِلاَّ شَيْئاً وَاحِداً، أَخٌ أَرْفَعُ مُؤْنَةَ التَّحَفُّظِ مِنْهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَا حُفِظَ لَهُ مِنَ الشِّعرِ سِوَى هَذَا: إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْصِ الهَوَى قَادَكَ الهَوَى ... إِلَى بَعْضِ مَا فِيْهِ عَلَيْكَ مَقَالُ حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: لَمَّا بَنَى هِشَامٌ الرُّصَافَةَ (1) بِقِنَّسْرِيْنَ،   (1) موقع الرصافة في غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف، وإياها عنى الفرزدق بقوله: = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 أَحَبَّ أَنْ يَخلُوَ يَوْماً لاَ يَأْتِيْهِ فِيْهِ غَمٌّ، فَمَا تَنَصَّفَ النَّهَارُ حَتَّى أَتَتْهُ رِيشَةٌ بِدَمٍ مِنْ بَعْضِ الثُّغُورِ، فَقَالَ: وَلاَ يَوْمٌ وَاحِدٌ؟! قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ هِشَامٌ لاَ يُكْتَبُ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ فِيْهِ ذِكْرُ المَوْتِ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عِمْرَانَ: مَاتَ هِشَامٌ بِوَرَمِ الحَلْقِ - دَاءٌ يُقَالُ لَهُ: الحَرْذُوْنُ - بِالرُّصَافَةِ، وَتَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ وَلِيُّ العَهْدِ. وَقِيْلَ: كَانَ هِشَامٌ مُغرَىً بِالخَيْلِ، اقْتَنَى مِنْ جِيَادِهَا مَا لاَ يُوْصَفُ كَثْرَةً. وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَدِ: مُعَاوِيَةُ، وَخَلَفٌ، وَمَسْلَمَةُ، وَمُحَمَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ، وَسَعِيْدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَيَزِيْدُ الأَفْقَمُ، وَمَرْوَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَمُنْذِرٌ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَالوَلِيْدُ، وَقُرَيْشٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَنَاتٌ. نَقلَه: وَكِيْعٌ القَاضِي. 163 - مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ * (ع) ابْنِ الهُدَيْرِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ عَامِرِ بنِ الحَارِثِ بنِ حَارِثَةَ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ. وَيُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ أَخُو أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ: سَلْمَانَ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَطَائِفَةٍ مُرْسَلاً. وَعَنْ: عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ،   = إلام تلفتين وأنت تحتي * وخير الناس كلهم أمامي متى تردي الرصافة تستريحي * من الانساع والجلب الدوامي (*) طبقات خليفة: 268، التاريخ الكبير 1 / 219، التاريخ الصغير 1 / 287 و2 / 32، المعارف: 461، الجرح والتعديل 8 / 97، حلية الأولياء 3 / 146، 165، تهذيب الكمال: 1275، تذهيب التهذيب تاريخ الإسلام 5 / 155، تذكرة الحفاظ 1 / 127، تهذيب التهذيب 9 / 473، طبقات الحفاظ: 51، خلاصة تذهيب الكمال: 360، شذرات الذهب 1 / 177، 178. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 وَرَبِيْعَةَ بنِ عَبَّادٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَمَسْعُوْدِ بنِ الحَكَمِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَحُمْرَانَ، وَذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَرْبُوْعٍ، وَأَبِيْهِ؛ المُنْكَدِرِ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَشُعْبَةُ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَالمُنْكَدِرُ - ابْنُه - وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالوَلِيْدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ المَاجِشُوْنِ، وَابْنُهُ الآخَرُ؛ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَرَوَى: ابْنُ رَاهُوَيْه، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: كَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الصَّالِحُوْنَ، وَلَمْ يُدْرِكْ أَحَداً أَجدَرَ أَنْ يَقْبَلَ النَّاسُ مِنْهُ إِذَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، مِنْهُ. وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: هُوَ حَافِظٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّداً -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِهِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ. قُلْتُ: إِنَّ ثَبتَ الإِسْنَادُ إِلَى ابْنِ المُنْكَدِرِ بِهَذَا، فَجَيِّدٌ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ؛ لأَنَّهُ قَرَابَتُهَا، وَخَصِيصٌ بِهَا، وَلَحِقَهَا وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ القُرَّاءِ، لاَ يَتَمَالَكُ البُكَاءَ إِذَا قَرَأَ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَه بِالحِنَّاءِ. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ: كَانَ المُنْكَدِرُ خَالَ عَائِشَةَ، فَشَكَا إِلَيْهَا الحَاجَةَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 فَقَالَتْ: إِنَّ لِي شَيْئاً يَأْتِيْنِي، أَبعَثُ بِهِ إِلَيْكَ. فَجَاءتْهَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، فَبَعَثَتْ بِهَا إِلَيْهِ، فَاشْتَرَى جَارِيَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ: مُحَمَّداً، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ ابْنُ المُنْكَدِرِ سَيِّدَ القُرَّاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ الفَضْلِ الأَنِيْسِيُّ، سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ: أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَائِمٌ يُصَلِّي، إِذِ اسْتَبْكَى، فَكَثُرَ بُكَاؤُهُ، حَتَّى فَزِعَ لَهُ أَهْلُه، وَسَأَلُوْهُ؟ فَاسْتَعجَمَ عَلَيْهِم، وَتَمَادَى فِي البُكَاءِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أَبِي حَازِمٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا الَّذِي أَبكَاكَ؟ قَالَ: مَرَّتْ بِيَ آيَةٌ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: {وَبَدَا لَهُم مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُوْنُوا يَحْتَسِبُوْنَ} . فَبَكَى أَبُو حَازِمٍ مَعَهُ، فَاشتَدَّ بُكَاؤُهُمَا. وَرَوَى: عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ: أَنَّهُ جَزِعَ عِنْدَ المَوْتِ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَجزَعُ؟! قَالَ: أَخْشَى آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ: {وَبَدَا لَهُم مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُوْنُوا يَحْتَسِبُوْنَ} فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لِي مِنَ اللهِ مَا لَمْ أَكُنْ أَحتَسِبُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ لِمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ جَارٌ مُبْتَلَىً، فَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَه بِالبَلاَءِ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ صَوْتَه بِالحَمْدِ. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَسْأَلُه عَنْ حَدِيْثٍ، إِلاَّ كَانَ يَبْكِي. وَعَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: كَابَدتُ نَفْسِي أَرْبَعِيْنَ سَنَةً حَتَّى اسْتَقَامَتْ. أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: إِنَّ اللهَ يَحفَظُ العَبْدَ المُؤْمِنَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِه، وَيَحفَظُه فِي دُوَيرَتِه وَدُوَيرَاتٍ حَوْلَه، فَمَا يَزَالُوْنَ فِي حِفْظٍ أَوْ فِي عَافِيَةٍ مَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانِيْهِم. وَسَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ يَقُوْلُ: نِعْمَ العَوْنُ عَلَى تَقْوَى اللهِ الغِنَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: بَعَثَ ابْنُ المُنْكَدِرِ إِلَى صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ بِأَرْبَعِيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيْهِ: يَا بَنِيَّ! مَا ظَنُّكُم بِمَنْ فَرَّغَ صَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ لِعبَادَةِ رَبِّه. أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ وَاقِدٍ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ المُنْكَدِرِ: أَيُّ الدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِفضَالُ عَلَى الإِخْوَانِ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَ سَيِّداً، يُطعِمُ الطَّعَامَ، وَيَجْتَمِعُ عِنْدَه القُرَّاءُ. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ: أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَقُوْلُ لأُمِّهِ: قُوْمِي ضَعِي قَدَمَكِ عَلَى خَدِّي. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَخْبَرَكُم يُوْسُفُ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَوْدُوْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا شَيْخٌ يَدْعُو عِنْدَ المِنْبَرِ بِالمَطَرِ، فَجَاءَ المَطَرُ، وَجَاءَ بِصَوْتٍ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، لَيْسَ هَكَذَا أُرِيْدُ. فَتَبِعتُهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَ آلِ حَرَامٍ، أَوْ دَارَ آلِ عُثْمَانَ، فَعَرَضتُ عَلَيْهِ شَيْئاً، فَأَبَى، فَقُلْتُ: أَتَحُجُّ مَعِي؟ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَكَ فِيْهِ أَجرٌ، فَأَكرَهُ أَنْ أَنْفَسَ عَلَيْكَ، وَأَمَّا شَيْءٌ آخُذُه، فَلاَ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ المُنْكَدِرِ: إِنِّي لِلَيْلَةٍ مُوَاجِهٌ هَذَا المِنْبَرَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَدعُو، إِذَا إِنْسَانٌ عِنْدَ أُسْطُوَانَةٍ مُقَنِّعٌ رَأْسَه، فَأَسْمَعُهُ يَقُوْلُ: أَيْ رَبِّ، إِنَّ القَحطَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَى عِبَادِكَ، وَإِنِّي مُقسِمٌ عَلَيْكَ يَا رَبِّ إِلاَّ سَقَيْتَهُم. قَالَ: فَمَا كَانَ إِلاَّ سَاعَةٌ، إِذَا سَحَابَةٌ قَدْ أَقْبَلَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا اللهُ، وَكَانَ عَزِيْزاً عَلَى ابْنِ المُنْكَدِرِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، فَقَالَ: هَذَا بِالمَدِيْنَةِ وَلاَ أَعْرِفُه! فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ، تَقَنَّعَ وَانْصَرَفَ، وَأَتبَعُهُ، وَلَمْ يَجْلِسْ لِلْقَاصِّ حَتَّى أَتَى دَارَ أَنَسٍ، فَدَخَلَ مَوْضِعاً، فَفَتَحَ، وَدَخَلَ. قَالَ: وَرَجَعتُ، فَلَمَّا سَبَّحتُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَدخُلُ؟ قَالَ: ادْخُلْ. فَإِذَا هُوَ يُنَجِّرُ أَقْدَاحاً، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحتَ؟ أَصْلَحَكَ اللهُ. قَالَ: فَاسْتَشهَرَهَا، وَأَعْظَمَهَا مِنِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ إِقسَامَكَ البَارِحَةَ عَلَى اللهِ، يَا أَخِي، هَلْ لَكَ فِي نَفَقَةٍ تُغنِيكَ عَنْ هَذَا، وَتُفَرِّغُكَ لِمَا تُرِيْدُ مِنَ الآخِرَةِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ غَيْرُ ذَلِكَ، لاَ تَذْكُرُنِي لأَحَدٍ، وَلاَ تَذْكُرُ هَذَا لأَحَدٍ حَتَّى أَمُوْتَ، وَلاَ تَأْتِنِي يَا ابْنَ المُنْكَدِرِ، فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِنِي شَهَرتَنِي لِلنَّاسِ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَلقَاكَ. قَالَ: الْقَنِي فِي المَسْجِدِ. قَالَ: وَكَانَ فَارِسِيّاً، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ المُنْكَدِرِ لأَحَدٍ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتقَلَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، فَلَمْ يُرَ، وَلَمْ يُدرَ أَيْنَ ذَهَبَ. فَقَالَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ: اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ المُنْكَدِرِ، أَخْرَجَ عَنَّا الرَّجُلَ الصَّالِحَ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جِئْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ وَأَنَا مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَحْلَلْتَ لِلْوَلِيْدِ أُمَّ سَلَمَةَ؟ قَالَ: أَنَا! وَلَكِنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَنِي جَابِرٌ، أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ طَلاَقَ لِمَا لاَ تَمْلِكُ، وَلاَ عِتْقَ لِمَا لاَ تَمْلِكُ) (2) . وَرَوَاهُ: أَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ الكِنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ. وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ اسْتَقدَمَ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ فِي عِدَّةٍ مِنَ الفُقَهَاءِ أَفْتَوْهُ فِي طَلاَقِ زَوْجَتِه أُمِّ سَلَمَةَ. مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ: أَنَّ المُنْكَدِرَ جَاءَ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، فَشَكَى إِلَيْهَا   (1) حلية الأولياء 3 / 151، 152 وقوله: فلما سبحت، أي: صليت الضحى. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 2 / 419 و420 من طريق عبد الله بن يزيد الدمشقي، عن صدقة بن عبد الله، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وأخرجه أيضا من طريق وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن عطاء ومحمد بن المنكدر، عن جابر..ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع بن وهذا سند قوي، وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك " أخرجه أبو داود (2190) والترمذي (1181) وسنده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 الحَاجَةَ، فَقَالَتْ: أَوَّلُ شَيْءٍ يَأْتِيْنِي أَبعَثُ بِهِ إِلَيْكَ. فَجَاءتْهَا عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: مَا أَسرَعَ مَا امْتُحِنْتِ يَا عَائِشَةُ! وَبَعَثَتْ بِهَا إِلَيْهِ، فَاتَّخَذَ مِنْهَا جَارِيَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ: مُحَمَّداً، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ. كَنَّى أَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَجَمَاعَةٌ مُحَمَّداً: أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَكَنَّاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ: أَبَا بَكْرٍ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: هُوَ غَايَةٌ فِي الإِتقَانِ وَالحِفظِ وَالزُّهْدِ، حُجَّةٌ. وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُنْكَدِرِ يَقُوْلُ: كَمْ مِنْ عَيْنٍ سَاهِرَةٍ فِي رِزقِي فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ؟! وَكَانَ إِذَا بَكَى، مَسَحَ وَجْهَه وَلِحْيَتَه مِنْ دُمُوْعِه، وَيَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّارَ لاَ تَأْكُلُ مَوْضِعاً مَسَّتْه الدُّمُوْعُ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يَقتَرِضُ وَيَحُجُّ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْجُو وَفَاءهَا. وَقَالَ سَهْلُ بنُ مَحْمُوْدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: تَعَبَّدَ ابْنُ المُنْكَدِرِ وَهُوَ غُلاَمٌ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ عِبَادَةٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: مُحَمَّدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ (1) : لاَ يُدرَى أَيُّهُم أَفْضَلُ؟ قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ ابْنُ المُنْكَدِرِ: إِنِّي لأدخُلُ فِي اللَّيْلِ، فَيُهْوِلُنِي، فَأُصبِحُ حِيْنَ أُصْبِحُ وَمَا قَضَيْتُ مِنْهُ أَرَبِي. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ يُصَلِّي فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، فَإِذَا انْصَرَفَ، مَشَى قَلِيْلاً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبلَةَ، وَمَدَّ يَدَيْهِ، وَدَعَا، ثُمَّ يَنحَرِفُ عَنِ القِبلَةِ، وَيُشهِرُ يَدَيْهِ، وَيَدعُو، يَفْعَلُ ذَلِكَ حِيْنَ يَخْرُجُ فِعْلَ المُوَدِّعِ. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَعْقُوْبَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُنْكَدِرِ يَجْلِسُ مَعَ أَصْحَابِه، فَكَانَ يُصِيْبُه صُمَاتٌ، فَكَانَ يَقُوْمُ كَمَا هُوَ حَتَّى   (1) هم أولاد ابن المنكدر كما تقدم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 يَضَعَ خَدَّهُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ. فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ يُصِيْبُنِي خَطَرٌ، فَإِذَا وَجَدْتُ ذَلِكَ، اسْتَعَنْتُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ يَأْتِي مَوْضِعاً مِنَ المَسْجِدِ يَتَمَرَّغُ فِيْهِ، وَيَضطَجِعُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا المَوْضِعِ. وَيُرْوَى: أَنَّهُ حَجَّ، فَوَهَبَ كُلَّ مَا مَعَهُ، حَتَّى بَقِيَ فِي إِزَارٍ، فَلَمَّا نَزَلَ بِالرَّوْحَاءِ، قَالَ وَكِيلُه: مَا بَقِيَ مَعَنَا دِرْهَمٌ. فَرَفَعَ صَوْتَه بِالتَّلبِيَةِ، فَلَبَّى أَصْحَابُهُ وَلَبَّى النَّاسُ، وَبِالمَاءِ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ بِالمَاءِ. فَنَظَرُوا، فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَظُنُّ مَعَهُ شَيْئاً، احْمِلُوا إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ. فَأُتِيَ مُحَمَّدٌ بِهَا. قَالَ المُنْكَدِرُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ أَبِي يَحُجُّ بِوَلَدِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَحُجُّ بِهَؤُلاَءِ؟ قَالَ: أَعرِضُهُم للهِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ ابْنُ المُنْكَدِرِ: بَاتَ أَخِي عُمَرُ يُصَلِّي، وَبِتُّ أَغمِزُ قَدَمَ أُمِّي، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: تَبِعَ ابْنُ المُنْكَدِرِ جَنَازَةَ سَفِيْهٍ، فَعُوتِبَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَرَى رَحمَتَه عَجِزَتْ عَنْ أَحَدٍ. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ نَاسٌ غُزَاةً فِي الصَّائِفَةِ، فِيْهِم مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، فَبَيْنَا هُم يَسِيْرُوْنَ فِي السَّاقَةِ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: أَشْتَهِي جُبناً رَطِباً. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَاسْتَطعِمْهُ اللهَ، فَإِنَّهُ قَادِرٌ. فَدَعَا القَوْمُ، فَلَمْ يَسِيْرُوا إِلاَّ شَيْئاً حَتَّى وَجدُوا مِكتَلاً، فَإِذَا هُوَ جُبنٌ رَطِبٌ، فَقَالَ بَعْضُهُم: لَوْ كَانَ لِهَذَا عَسَلاً. فَقَالَ: الَّذِي أَطْعَمَكُمُوْهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ. فَدَعَوْا،   (1) إسناد القصة ضعيف، فقد قال المصنف في " ميزان الاعتدال " في ترجمة إسماعيل بن يعقوب التيمي: ضعفه أبو حاتم وله حكاية منكرة عن مالك ساقها الخطيب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 فَسَارُوا قَلِيْلاً، فَوَجَدُوا فَاقِرَةَ عَسَلٍ عَلَى الطَّرِيْقِ، فَنَزَلُوا، فَأَكَلُوا الجُبْنَ وَالعَسَلَ. سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَمَامِيُّ، قَالَ: اسْتُودِعَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ وَدِيعَةً، فَاحْتَاجَ، فَأَنفَقَهَا، فَجَاءَ صَاحِبُهَا، فَطَلَبَهَا، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، وَدَعَا، فَقَالَ: يَا سَادَّ الهوَاءِ بِالسِّمَاءِ، وَيَا كَابِسَ الأَرْضِ عَلَى المَاءِ، وَيَا وَاحِدُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ وَبَعْدَ كُلِّ أَحَدٍ، أَدِّ عَنِّي أَمَانَتِي. فَسَمِعَ قَائِلاً يَقُوْلُ: خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّ بِهَا عَنْ أَمَانَتِكَ، وَاقْصِرْ فِي الخُطبَةِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي. رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ سُوَيْدٍ. وَقِيْلَ: كَانَتْ مائَةَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَإِذَا بِصُرَّةٍ فِي نَعْلِه، فَأَدَّاهَا إِلَى صَاحِبِهَا (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: فَأَصْحَابُنَا يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّ الَّذِي وَضَعهَا عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، كَانَ كَثِيْراً مَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ المَاجِشُوْنِ: إِنَّ رُؤْيَةَ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ لَتَنْفَعُنِي فِي دِيْنِي. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ ابْنُ المُنْكَدِرِ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ. قِيْلَ: بَلَغَتْ أَحَادِيْثُ ابْنِ المُنْكَدِرِ المُسْنَدَةُ أَزْيَدَ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ المُقْرِئُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ غَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحَزْمِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَارِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العُقَيْلِيُّ سَمَاعاً مِنْهُم فِي أَوقَاتٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ، وَقَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، وَلُؤْلُؤٍ المُحْسِنِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ القَنَادِيْلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ قُدَامَةَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الخَطِيْبُ، وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المُعْطِي بنِ البَاشِقِ، وَعَبْدِ المُحْسِنِ بنِ هِبَةِ اللهِ   (1) في سويد بن سعيد كلام، وشيخه خالد بن عبد الله اليمامي لم أتبينه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 الفُوَيِّ، أَخْبَرَكُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ الكَرَجِيُّ، وَأَخْبَرَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ عِيْسَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، أَنْبَأَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ حُضُوْراً فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ السَّاوِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ المَرْوَزِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ: سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: (إِذَا رَمَيْتَ الجَمْرَةَ يَوْم النَّحْرِ، فَقَدْ حَلَّ لَكَ مَا وَرَاءَ النِّسَاءِ (1)) . أَخْرَجَاهُ: مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُوْلُ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ، فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقُلْنَا: لاَ نُكَنِّيكَ أَبَا القَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُ لَكَ عَيْناً. فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) . وَأَخْرَجَاهُ (2) : عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. - أَخُوْهُ: عُمَرُ بنُ المُنْكَدِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ العَابِدُ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِيْنَ. وَلَهُ تَرْجَمَةٌ فِي (طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ) ، قَلَّمَا رَوَى.   (1) إسناده صحيح، ورواه ابن حزم في " المحلى " 7 / 119 عن سفيان بن عيينة، عن محمد ابن المنكدر، عن ابن الزبير..وأخرجه الحاكم 1 / 461 من طريق يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن الزبير بأطول مما هنا ولفظه " فإذا رمى الجمرة الكبرى، حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت " وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرج مالك 1 / 328، والبخاري 3 / 315 و317، ومسلم (1189) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " وأخرجه أحمد 6 / 244، من طريق عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت: " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والاحرام حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت " وإسناده صحيح. واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الاحرام بعد رمي جمرة العقبة، ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت انظر " سنن البيهقي " 5 / 135، 137، و" المحلى " 7 / 138، 139. وقول المصنف " أخرجاه " يريد في " الصحيحين " ولم أقف عليه فيهما ولا في أحدهما. (2) أخرجه البخاري 10 / 470، في الآداب: باب أحب الأسماء إلى الله عزوجل، ومسلم (2133) (7) في الآداب: باب النهي عن التكني بأبي القاسم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 164 - مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ * (4) عَلَمُ العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ، مَعْدُوْدٌ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ، وَمِنْ أَعْيَانِ كَتبَةِ المَصَاحِفِ، كَانَ مِنْ ذَلِكَ بُلْغتُهُ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ فَمَنْ بَعْدَه، وَحَدَّثَ عَنْهُ. وَعَنِ: الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ العَطَّارُ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ، وَالحَارِثُ بنُ وَجِيْهٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَسَاطِيْنِ الرِّوَايَةِ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَحَدِيْثُه فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْت ُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ رِزْقِي فِي حَصَاةٍ أَمْتَصُّهَا، لاَ أَلتمِسُ غَيْرَهَا حَتَّى أَمُوْتَ. وَقَالَ: مُذْ عَرَفْتُ النَّاسَ لَمْ أَفرَحْ بِمَدحِهِم، وَلَمْ أَكرَهْ ذَمَّهُم؛ لأَنَّ حَامِدَهُم مُفرِطٌ، وَذَامَّهُم مُفرِطٌ، إِذَا تَعَلَّمَ العَالِمُ العِلْمَ لِلْعَملِ، كَسَرَهُ، وَإِذَا تَعَلَّمَه لِغَيْرِ العَمَلِ، زَادَهُ فَخراً. الأَصْمَعِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَرَّ المُهَلَّبُ عَلَى مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ مُتبخْتِراً، فَقَالَ:   (*) طبقات ابن سعد 7 / 243، طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير 7 / 309، 310، التاريخ الصغير 1 / 316، تاريخ الفسوي 2 / 96، الجرح والتعديل 8 / 208، تهذيب الأسماء 2 / 80، 81، تهذيب الكمال: 1297، تذهيب التهذيب 4 / 18 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 128، ميزان الاعتدال 3 / 426، العبر 1 / 238، تهذيب التهذيب 10 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 367، شذرات الذهب 1 / 173. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 أَمَا عَلِمتَ أَنَّهَا مِشْيَةٌ يَكرَهُهَا اللهُ إِلاَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ؟! فَقَالَ المُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: بَلَى، أَوَّلُكَ نُطفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ العَذِرَةَ. فَانْكَسَرَ، وَقَالَ: الآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ المَعْرِفَةِ. قَالَ حَزْمٌ القُطَعِيُّ: دَخَلنَا عَلَى مَالِكٍ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ، فَرَفَعَ طَرْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ البقَاءَ لِبَطْنٍ وَلاَ فَرْجٍ. قِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ دِيْنَارٌ مِنْ سَبْي سِجِسْتَانَ، وَكَنَّاهُ النَّسَائِيُّ: أَبَا يَحْيَى، وَقَالَ: ثِقَةٌ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي القَلْبِ حُزْنٌ خَرِبَ. وَعَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: مَنْ تَبَاعدَ مِنْ زَهرَةِ الدُّنْيَا، فَذَاكَ الغَالِبُ هَوَاهُ. وَرَوَى: رِيَاحٌ القَيْسِيُّ، عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ شَيْءٌ، إِلاَّ وَدُوْنَهُ عُقَيْبَةٌ، فَإِنَّ صَبَرَ صَاحِبُهَا، أَفَضتْ بِهِ إِلَى رُوْحٍ، وَإِن جَزِعَ، رَجَعَ. وَقِيْلَ: دَخَلَ عَلَيْهِ لِصٌّ، فَمَا وَجَدَ مَا يَأْخُذُ، فَنَادَاهُ مَالِكٌ: لَمْ تَجِدْ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَتَرغَبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَوَضَّأْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَفَعَلَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، فَسُئِلَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: جَاءَ لِيَسرِقَ، فَسَرَقْنَاهُ. عَنْ سَلْمٍ الخَوَّاصِ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: خَرَجَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَذوقُوا أَطْيَبَ شَيْءٍ فِيْهَا. قِيْلَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: مَعْرِفَةُ اللهِ -تَعَالَى-. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ الصِّدِّيْقِيْنَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ، طَرِبَتْ قُلُوْبُهم إِلَى الآخِرَةِ. ثُمَّ يَقُوْلُ: خُذُوا. فَيَتْلُو، وَيَقُوْلُ: اسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَالِكٌ: ثِقَةٌ، قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، كَانَ يَكْتُبُ المَصَاحِفَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَساً أَنَا، وَثَابِتٌ، وَيَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا أَشْبَهَكم بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَنْتُم أَحَبُّ إِلَيَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 مِنْ عِدَّةِ وَلَدِي، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنُوا فِي الفَضْلِ مِثْلَكم، إِنِّي لأَدعُو لَكُم فِي الأَسحَارِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: ثِقَةٌ، وَلاَ يَكَادُ يُحَدِّثُ عَنْهُ ثِقَةٌ. قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: قَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: إِنَّهُ لَتَأْتِي عَلَيَّ السَّنَةُ لاَ آكُلُ فِيْهَا لَحماً إِلاَّ مِنْ أُضحِيَتِي يَوْمَ الأَضْحَى. قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: مَا أَدْرَكتُ أَحَداً أَزْهَدَ مِنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ. جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الخَلاَئِقَ، فَيَأْذَنُ لِي أَنْ أَسجَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ رَضِي عَنِّي، فَيَقُوْلُ لِي: كُنْ تُرَاباً. قَالَ رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: دَخلَ عَلَيَّ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ وَأَنَا أَكْتُبُ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، مَا لَكَ عَمَلٌ إِلاَّ هَذَا؟ تَنقُلُ كِتَابَ اللهِ، هَذَا -وَاللهِ- الكَسْبُ الحَلاَلُ. وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ أُدمُ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِفِلْسَيْنِ مِلْحٍ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ يَنسَخُ المُصْحَفَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَيَدَعُ أُجْرَتَه عِنْدَ البَقَّالِ، فَيَأْكُلُه. وَعَنْهُ: لَوِ اسْتَطَعْتُ لَمْ أَنَمْ مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ العَذَابُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، النَّارَ النَّارَ. قَالَ مُعَلَّى الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: خَلَطتُ دَقِيْقِي بِالرَّمَادِ، فَضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاَةِ. قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: تُوُفِّيَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 165 - صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَقِيْلَ: أَبُو الحَارِثِ - القُرَشِيُّ،   (*) طبقات خليفة: 261، تاريخ خليفة 404، التاريخ الكبير 4 / 307، 308، التاريخ الصغير 2 / 19، تاريخ الفسوي 1 / 661، الجرح والتعديل 4 / 423، حلية الأولياء 3 / 158، 166، تهذيب = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، مَوْلَى حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ عَمْرٍو الجُمَحِيَّةِ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. وَعَنْ: حُمَيْدٍ - مَوْلاَهُ - وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدِ بنِ سَلَمَةَ الأَزْرَقِيِّ، وَسَلْمَانَ الأَغَرِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بُسْرَةَ الغِفَارِيِّ - تَابِعِيٌّ مَجْهُوْلٌ - وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. آخِرُهم وَفَاةً: أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَابِداً. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مِنَ الثِّقَاتِ، يُسْتَشْفَى بِحَدِيْثِهِ، وَيَنْزِلُ القَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ بِذِكرِهِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: كَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثَبْتٌ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ بِالعِبَادَةِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ يُصَلِّي عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ لِئَلاَّ يَجِيْئَهُ النَّوْمُ. إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ يُصَلِّي فِي الشِّتَاءِ فِي السَّطْحِ، وَفِي الصَّيْفِ فِي بَطْنِ البَيْتِ، يَتَيقَّظُ بِالحرِّ وَالبَردِ، حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يَقُوْلَ: هَذَا الجَهدُ مِنْ صَفْوَانَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنَّهُ لَتَرِمُ رِجْلاَهُ حَتَّى يَعُودَ كَالسِّقْطِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَيَظْهَرُ فِيْهِ عُرُوْقٌ خُضْرٌ.   = الكمال: 608، تذهيب التهذيب 2 / 93 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 262، العبر 1 / 176، تهذيب التهذيب 4 / 425، طبقات الحفاظ: 54، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 1 / 189، تهذيب ابن عساكر 6 / 435، 436. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الآدَمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: رَأَيْتُ صَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ، وَلَوْ قِيْلَ لَهُ: غَداً القِيَامَةُ، مَا كَانَ عِنْدَه مَزِيْدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ العِبَادَةِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: عَادَلَنِي صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا وَضَعَ جَنْبَه فِي المَحْمِلِ حَتَّى رَجَعَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ صَفْوَانُ، فَذَهَبتُ بِمنَىً، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: إِذَا دَخَلتَ مَسْجِدَ الخَيْفِ، فَأْتِ المَنَارَةَ، فَانْظُرْ أَمَامَهَا قَلِيْلاً شَيْخاً، إِذَا رَأَيْتَه عَلِمتَ أَنَّهُ يَخْشَى الله -تَعَالَى- فَهُوَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ. فَمَا سَأَلْتُ عَنْهُ أَحَداً حَتَّى جِئْتُ كَمَا قَالُوا، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَمَا رَأَيْتُه، عَلِمتُ أَنَّهُ يَخْشَى اللهَ، فَجَلَستُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَنْتَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَحَجَّ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ سَبْعَةُ دَنَانِيْرَ، فَاشْتَرَى بِهَا بَدَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُوْلُ: {وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، لَكُم فِيْهَا خَيْرٌ} [الحَجُّ: 36] . مُحَمَّدُ بنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ: عَنِ المُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ فِي جَنَازَةٍ، وَفِيْهَا أَبِي وَأَبُو حَازِمٍ ... ، وَذَكَرَ نَفَراً مِنَ العُبَّادِ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهَا، قَالَ صَفْوَانُ: أَمَّا هَذَا، فَقَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَعْمَالُه، وَاحْتَاجَ إِلَى دُعَاءِ مَنْ خَلَّفَ بَعْدَه. قَالَ: فَأَبْكَى -وَاللهِ- القَوْمَ جَمِيْعاً. يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَبِي زُهْرَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ: سَمِعْتُ صَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ يَقُوْلُ: فِي المَوْتِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ شَدَائِدِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ ذَا غُصَصٍ وَكَرْبٍ، ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. قُدَامَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَشْرَمِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ يَأْتِي البَقِيْعَ فِي الأَيَّامِ، فَيَمُرُّ بِي، فَاتَّبَعتُه ذَاتَ يَوْمٍ، وَقُلْتُ: لأَنظُرَنَّ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 يَصْنَعُ. فَقنَّعَ رَأْسَه، وَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى رَحِمتُه، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِه، وَمَرَّ بِي مَرَّةً أُخْرَى، فَاتَّبَعتُه، فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ قَبْرِ غَيْرِه، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِه. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّهم أَهْلُه وَإِخْوَتُه، إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ يُحرِّكُ قَلْبَه بِذِكْرِ الأَمْوَاتِ كُلَّمَا عَرَضَتْ لَهُ قَسوَةٌ. قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ مُحَمَّدٌ يَمُرُّ بِي، فَيَأْتِي البَقِيْعَ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَمَا نَفَعَكَ مَوْعِظَةُ صَفْوَانَ؟ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ انْتَفَعَ بِمَا أَلقَيْتُ إِلَيْهِ مِنْهَا. قَالَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ وَأَعَانَه عَلَى الحَدِيْثِ أَخُوْهُ، قَالَ: حَلَفَ صَفْوَانُ أَلاَّ يَضَعَ جَنبَهُ بِالأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وَاشتَدَّ بِهِ النَزْعُ وَالعَلَزُ (1) وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَتِ ابْنَتُه: يَا أَبَةِ، لَوْ وَضَعتَ جَنبَكَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِذاً مَا وَفَّيْتُ للهِ بِالنَّذْرِ وَالحَلِفِ. فَمَاتَ، وَإِنَّهُ لَجَالِسٌ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي الحَفَّارُ الَّذِي يَحفرُ قُبُوْرَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، قَالَ: حَفَرتُ قَبْرَ رَجُلٍ، فَإِذَا أَنَا قَدْ وَقَعتُ عَلَى قَبْرٍ، فَوَافَيْتُ جُمْجُمَةً، فَإِذَا السُّجُوْدُ قَدْ أَثَّرَ فِي عِظَامِ الجُمجُمَةِ، فَقُلْتُ لإِنْسَانٍ: قَبْرُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَوَ مَا تَدْرِي؟ هَذَا قَبْرُ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ. وَرَوَى: سَهْلُ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ: أُعْطِي اللهَ عَهداً أَنْ لاَ أَضَعَ جَنبِي عَلَى فِرَاشٍ حَتَّى أَلحَقَ بِرَبِّي. فَبَلَغَنِي أَنَّ صَفْوَانَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، قِيْلَ لَهُ: رَحِمَكَ اللهُ، أَلاَ تَضطَجِعُ؟ قَالَ: مَا وَفَّيْتُ للهِ بِالعَهْدِ إِذاً. فَأُسنِدَ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَتْ نَفْسُه. قَالَ: وَيَقُوْلُ أَهْلُ المَدِيْنَةِ: إِنَّهُ بَقِيَتْ جَبْهَتُه مِنْ كَثْرَةِ السُّجُوْدِ.   (1) العلز: القلق والكرب عند الموت، وشبه رعدة تأخذ المريض أو الحريص على الشئ كأنه لا يستقر في مكانه من الوجع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى صَفْوَانَ وَهُوَ فِي مُصَلاَّهُ، فَمَا زَالَ بِهِ أَبِي حَتَّى رَدَّهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَخْبَرَتْهُ مَوْلاَتُه، قَالَتْ: سَاعَةَ خَرَجْتُم مَاتَ. وَرَوَى: كَثِيْرُ بنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَدِمَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المَدِيْنَةَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عَامِلٌ عَلَيْهَا. قَالَ: فَصَلَّى بِالنَّاسِ بِالظُّهرِ، ثُمَّ فَتحَ بَابَ المَقصُوْرَةِ، وَاسْتَنَدَ إِلَى المِحْرَابِ، وَاسْتَقبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، فَنَظَرَ إِلَى صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، فَقَالَ لِعُمَرَ: مَنْ هَذَا؟ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ سَمتاً مِنْهُ! قَالَ: صَفْوَانُ. قَالَ: يَا غُلاَمُ، كِيسٌ فِيْهِ خَمْسُ مائَةِ دِيْنَارٍ. فَأَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى ذَلِكَ القَائِمِ. فَأَتَى، حَتَّى جَلَسَ إِلَى صَفْوَانَ وَهُوَ يُصَلِّي، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: يَقُوْلُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ عَلَى زَمَانِكَ وَعِيَالِكَ. فَقَالَ صَفْوَانُ: لَسْتُ الَّذِي أُرْسِلتَ إِلَيْهِ. قَالَ: أَلستَ صَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَإِلَيْكَ أُرْسِلتُ. قَالَ: اذْهَبْ، فَاسْتَثْبِتْ. فَوَلَّى الغُلاَمُ، وَأَخَذَ صَفْوَانُ نَعْلَيْهِ، وَخَرَجَ، فَلَمْ يُرَ بِهَا، حَتَّى خَرَجَ سُلَيْمَانُ مِنَ المَدِيْنَةِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ صَفْوَانُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: آلَى صَفْوَانُ أَنْ لاَ يَضَعَ جَنْبَهُ إِلَى الأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ -تَعَالَى-. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَسَاكِرَ بِسَفحِ قَاسِيُوْنَ، أَنْبَأَنَا المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 (غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ (1)) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَوَّارٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. فَاعْتِبَارُ العَدَدِ كَأَنَّ شَيْخَنَا رَوَاهُ بِالإِجَازَةِ عَنِ النَّسَائِيِّ - وَللهِ المِنَّةُ -. 166 - زَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ الطَّائِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ. حَدِيْثُه عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصِّحَاحِ. وَرَوَى عَنْ: خِشْفِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي يَزِيْدَ الضَّبِّيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَزُهَيْرٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَآخَرُوْنَ.   (1) أخرجه مالك 1 / 102 في الجمعة: باب العمل في غسل يوم الجمعة والبخاري 1 / 212 في الجمعة: باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب الطيب للجمعة، وباب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، وفي الشهادات: باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، وفي صفة الصلاة: باب وضوء الصبيان، وأخرجه مسلم (846) في الجمعة: باب وجوب الجمعة على كل بالغ من الرجال، وأبو داود (341) ، والنسائي، وقد ذهب إلى وجوب غسل الجمعة غير واحد، يروى ذلك عن أبي هريرة وهو قول الحسن، وبه قال مالك، وذهب الاكثرون إلى أنه سنة وليس بواجب، لحديث سمرة بن جندب مرفوعا " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " وهو حديث جيد قوي أخرجه أحمد 5 / 11 و16 و22، وأبو داود (354) والترمذي (497) وله شواهد تقويه انظرها في " نصب الراية " 1 / 91 و93. (2) هذا السند لم يرد في المجتبى الذي بين أيدينا - وهو تأليف ابن السني - فلعله في الكبرى. (*) طبقات ابن سعد 6 / 329، التاريخ الكبير 3 / 390، الجرح والتعديل 3 / 558، تهذيب الكمال: 453، تذهيب التهذيب 1 / 249 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 74، تهذيب التهذيب 3 / 400، خلاصة تذهيب الكمال: 127. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: مَجْمُوْعُ مَا لَهُ سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ. وَقَدْ وَهِمَ العِجْلِيُّ إِذْ يَقُوْلُ: لَيْسَ بِتَابِعِيٍّ. 167 - المَاجِشُوْنُ أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ دِيْنَارٍ المَدَنِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ دِيْنَارٍ، أَوِ ابْنِ مَيْمُوْنٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ المَدَنِيِّ، مَوْلَى آلِ المُنْكَدِرِ التَّيْمِيِّ. سَمِعَ: ابْنَ عُمَرَ، وَعُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالأَعْرَجَ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ يُوْسُفُ وَعَبْدُ العَزِيْزِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ الإِمَامُ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ وَبَنُوْهُ يُلَقَّبُوْنَ: بِالمَاجِشُوْنِ، وَهُوَ بِالفَارِسِيَّةِ: المُوَرَّدُ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ يُعَلِّمُ الغِنَاءَ، وَيَتَّخِذُ القِيَانَ، ظَاهِرٌ أَمرُهُ (1) ، وَكَانَ يُجَالِسُ عُرْوَةَ، وَيُجَالِسُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بِالمَدِيْنَةِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا تَرَكنَاكَ حِيْنَ تَرَكْنَا لُبْسَ الخَزِّ. وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو يُوْسُفَ، وَوُضِعَ عَلَى المُغتَسَلِ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَعَاشَ. وَلَهُ فِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَلَّمَا رَوَى، وَلَمْ يُضَعَّفْ. 168 - الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ ** بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ ابْنِ الحَكَمِ، الخَلِيْفَة، أَبُو العَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ، الأُمَوِيُّ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 381، 382، الجرح والتعديل 9 / 207، وفيات الأعيان 6 / 376، 378، تهذيب الكمال: 1550، تذهيب التهذيب 4 / 186 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 19، تهذيب التهذيب 11 / 388، خلاصة تذهيب الكمال: 436. (1) النص في " تاريخ الإسلام ": وكان يعلم الغناء، ويتخذ القيان، وأمره في ذلك ظاهر مع صدقه في الرواية. (* *) اليعقوبي 3 / 71، الطبري 7 / 209 وما بعدها، مروج الذهب 2 / 145، الاغاني 7 / 951، ابن الأثير 5 / 264، تاريخ الإسلام 5 / 173، 179، البداية 10 / 2، 5، ابن خلدون 3 / 106، الوزراء والكتاب: 68، تاريخ الخميس 2 / 320، خزانة الأدب 1 / 328. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. وَوَقتَ مَوْتِ أَبِيْهِ، كَانَ لِلْوَلِيْدِ نَيِّفَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَعَقَدَ لَهُ أَبُوْهُ بِالعَهْدِ مِنْ بَعْدِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَلَمَّا مَاتَ هِشَامٌ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ الخِلاَفَةُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وُلِدَ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ وَلَدٌ، فَسَمَّوْهُ الوَلِيْدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَمَّيْتُمُوْهُ بَأْسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُم، لَيَكُوْنَنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الوَلِيْدُ، لَهُوَ أَشَدُّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ (1)) . رَوَاهُ: الوَلِيْدُ، وَالهِقْلُ، وَجَمَاعَةٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَأَرْسَلُوْهُ، وَمَا ذَكرُوا عُمَرَ. وَفِي لَفْظٍ: (لَهُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي) . وَجَاءَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيْفٍ: (سَيَكُوْنُ فِي الأُمَّةِ فِرْعُوْنُ، يُقَالُ لَهُ: الوَلِيْدُ) . قَالَ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: صِفْ لِيَ الوَلِيْدَ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَشْعَرِهِم، وَأَشَدِّهِم. قَالَ اللَّيْثُ: حَجَّ الوَلِيْدُ وَهُوَ وَلِيُ عَهْدٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. وَللولِيْدِ مِنَ البَنِيْنَ: عُثْمَانُ وَالحَكَمُ المَذبُوحَيْنِ فِي الحَبْسِ، وَيَزِيْدُ، وَالعَبَّاسُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ. الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقدَحُ أَبَداً عِنْدَ هِشَامٍ فِي الوَلِيْدِ، وَيَذكُرُ أُمُوْراً عَظِيْمَةً، حَتَّى يَذْكُرَ الصِّبْيَانَ، وَأَنَّهُ يَخضِبُهُم، وَيَقُوْلُ: يَجِبُ خَلْعُه. فَلاَ يَقْدِرُ هِشَامٌ، وَلَوْ بَقِيَ الزُّهْرِيُّ، لَفتَكَ بِهِ الوَلِيْدُ (2) .   (1) هو في " المسند 1 / 18، وإسناده ضعيف لانقطاعه وسوء حفظ أبي بكر بن عياش، وقد حكم عليه الحافظ العراقي بالوضع، وأطال الحافظ ابن حجر في الرد عليه لاثبات أن له أصلا في " القول المسدد " (ص 5 و6 و11 و16) فراجعه. (2) الخبر تالف من أجل الواقدي، فإنه متروك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ الحِزَامِيُّ: أَرَادَ هِشَامٌ خَلعَ الوَلِيْدِ، فَقَالَ الوَلِيْدُ: كَفَرْتَ يَداً مِنْ مُنْعِمٍ لَوْ شَكَرْتَهَا ... جَزَاكَ بِهَا الرَّحْمَنُ ذُوْ الفَضْلِ وَالمَنِّ رَأَيْتُكَ تَبْنِي جَاهِداً فِي قَطِيْعَتِي ... وَلَوْ كُنْتَ ذَا حَزْمٍ لَهَدَّمْتَ مَا تَبْنِي أَرَاكَ عَلَى البَاقِيْنَ تَجْنِي ضَغِيْنَةً ... فَيَا وَيْحَهُم إِنْ مِتَّ مِنْ شَرِّ مَا تَجْنِي كَأَنِّي بِهِم يَوْماً وَأَكْثَرُ قِيْلِهِم: ... أَلاَ لَيْتَ أَنَّا، حِيْنَ يَا لَيْتَ لاَ تُغْنِي قَالَ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، فَقَالَ مُنجِّمَانِ لَهُ: نَظَرْنَا، فَوَجَدنَاكَ تَملِكُ سَبْعَ سِنِيْنَ. فَقُلْتُ: كَذَبَا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِالآثَارِ، بَلْ تَملِكُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. فَأَطرَقَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ مَا قَالاَ يَكْسِرُنِي، وَلاَ مَا قُلْتَ يَغُرُّنِي، وَاللهِ لأَجْبِيَنَّ المَالَ مِنْ حِلِّه جِبَايَةَ مَنْ يَعِيْشُ الأَبَدَ، وَلأَصرِفَنَّهُ فِي حَقِّه صَرفَ مَنْ يَمُوْتُ الغَدَ. وَعَنِ العُتْبِيِّ: أَنَّ الوَلِيْدَ رَأَى نَصْرَانِيَّةً اسْمُهَا سَفْرَى، فَجُنَّ بِهَا، وَرَاسَلَهَا، فَأَبَتْ. قَالَ المُعَافَى: جَمَعْتُ مِنْ أَخْبَارِ الوَلِيْدِ وَشِعرِهِ الَّذِي ضَمَّنَه مَا فَجَرَ بِهِ مِنْ خَرَقِه وَسُخفِه وَحُمْقِهِ، وَمَا صَرَّحَ بِهِ مِنَ الإِلحَادِ فِي القُرْآنِ، وَالكُفْرِ بِاللهِ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَرَادَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ الحَجَّ، وَقَالَ: أَشْرَبُ فَوْقَ الكَعْبَةِ. فَهَمَّ قَوْمٌ بِقَتْلِه، فَحَذَّرَهُ خَالِدٌ القَسْرِيُّ، فَقَالَ: مِمَّنْ؟ فَامْتَنعَ أَنْ يُعَرِّفَه، قَالَ: لأَبْعَثنَّ بِكَ إِلَى يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ. قَالَ: وَإِنْ. فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَعَذَّبَه، وَأَهْلَكَهُ. مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ المَهْدِيِّ، فَذَكَرَ الوَلِيْدَ بنَ يَزِيْدَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ زِندِيقاً. قَالَ: مَهْ، خِلاَفَةُ اللهِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي زِنْدِيقٍ. الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ القَحْذَمِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا أَحَاطُوا بِالوَلِيْدِ، نَشَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 المُصْحَفَ، وَقَالَ: أُقْتَلُ كَمَا قُتِلَ ابْنُ عَمِّي عُثْمَانُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ الجَرْمِيُّ، قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ الوَلِيْدِ، قَلَّدُوا أَمرَهم يَزِيْدَ بنَ الوَلِيْدِ، فَشَاوَرَ أَخَاهُ العَبَّاسَ، فَنَهَاهُ، فَخَرَجَ يَزِيْدُ فِي أَرْبَعِيْنَ نَفْساً لَيْلاً، فَكَسَرُوا بَابَ المَقصُوْرَةِ، وَرَبَطُوا وَالِيَهَا، وَحَمَلَ يَزِيْدُ الأَمْوَالَ عَلَى العَجَلِ، وَعَقَدَ رَايَةً لابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَنفَقَ الأَمْوَالَ فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ، فَتَحَارَبَ هُم وَأَعْوَانَ الوَلِيْدِ، ثُمَّ انحَازَ أَعْوَانُ الوَلِيْدِ إِلَى يَزِيْدَ، ثُمَّ نَزَلَ يَزِيْدُ حِصْنَ البَخْرَاءِ، فَقَصَدَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ، وَنَهَبَ أَثْقَالَه، فَانْكَسَرَ أَوَّلاً عَبْدُ العَزِيْزِ، ثُمَّ ظَهَرَ، وَنَادَى مُنَادٍ: اقتُلُوا عَدُوَّ اللهِ قِتْلَةَ قَوْمِ لُوْطٍ، ارمُوْهُ بِالحِجَارَةِ. فَدَخَلَ القَصرَ، فَأَحَاطُوا بِهِ، وَتَدَلَّوْا إِلَيْهِ، فَقَتلُوْهُ، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَنقِمُ عَلَيْكَ انْتِهَاكَ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَشُربَ الخَمْرِ، وَنِكَاحَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِ أَبِيْكَ. وَنُفِدَ إِلَى يَزِيْدَ بِالرَّأْسِ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِهِ مائَةَ أَلفٍ. وَقِيْلَ: سَبَقَتْ كَفُّه رَأْسَه بِلَيْلَةٍ، فَنُصِبَ رَأْسُه عَلَى رُمْحٍ بَعْدَ الجُمُعَةِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: بُعْداً لَهُ، كَانَ شَرُوباً لِلْخَمرِ، مَاجِناً، لَقَدْ رَاوَدَنِي عَلَى نَفْسِي (1) . قِيْلَ: عَاشَ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ مَصْرَعُه فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. فَتَمَلَّكَ سَنَةً وَثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَأُمُّهُ: هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيِّ، أَمِيْرِ اليَمَنِ، أَخِي الحَجَّاجِ. وَنَقَلَ عَنْهُ: المَسْعُوْدِيُّ مَصَائِبَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 169 - الفَأْفَاءُ خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ القُرَشِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو سَلَمَةَ خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ العَاصِ بنِ هِشَامِ بنِ المُغِيْرَةِ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَأْفَاءُ.   (1) قال المؤلف رحمه الله في " تاريخه " 5 / 176، 179: قلت: مقت الناس الوليد لفسقه، وتأثموا من السكوت عنه وخرجوا عليه، ولم يصح عنه كفر ولا زندقة، نعم اشتهر بالخمر والتلوط. (*) طبقات ابن سعد 6 / 347، التاريخ الكبير 3 / 154، الجرح والتعديل 3 / 334، تهذيب الكمال: 359، تذهيب التهذيب 3 / 95، تاريخ الإسلام 5 / 239، ميزان الاعتدال 1 / 631، تهذيب التهذيب 3 / 95، خلاصة تذهيب الكمال 101، شذرات الذهب 1 / 189. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي بُرْدَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَهُشَيْمٌ، وَآخَرُوْنَ. هَرَبَ إِلَى وَاسِطَ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ، فَقُتِلَ بِهَا مَعَ الأَمِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ -. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. وَكَانَ مُرْجِئاً، يَنَالُ مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قُتلَ: فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ مِنْ عَجَائِبِ الزَّمَانِ، كُوْفِيٌّ، نَاصِبِيٌّ، وَيَندُرُ أَنْ تَجِدَ كُوفِيّاً إِلاَّ وَهُوَ يَتَشَيَّعُ. وَكَانَ النَّاسُ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّيْنَ عَلَى أَقسَامٍ: أَهْلُ سُنَّةٍ: وَهُم أُوْلُو العِلْمِ، وَهُم مُحِبُّوْنَ لِلصَّحَابَةِ، كَافُّوْنَ عَنِ الخَوضِ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُم؛ كسَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، وَأُمَمٍ. ثُمَّ شِيْعَةٌ: يَتَوَالَوْنَ، وَيَنَالُوْنَ مِمَّنْ حَارَبُوا عَلِيّاً، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُم مُسْلِمُوْنَ بُغَاةٌ ظَلَمَةٌ. ثُمَّ نَوَاصِبُ: وَهُمُ الَّذِيْنَ حَارَبُوا عَلِيّاً يَوْمَ صِفِّيْنَ، وَيُقِرُّوْنَ بِإِسْلاَمِ عَلِيٍّ وَسَابِقِيْه، وَيَقُوْلُوْنَ: خَذَلَ الخَلِيْفَةَ عُثْمَانَ. فَمَا عَلِمتُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ شِيْعِيّاً كَفَّرَ مُعَاوِيَةَ وَحِزْبَهُ، وَلاَ نَاصِبِيّاً كَفَّرَ عَلِيّاً وَحِزْبَهُ، بَلْ دَخَلُوا فِي سَبٍّ وَبُغْضٍ، ثُمَّ صَارَ اليَوْمَ شِيْعَةُ زَمَانِنَا يُكَفِّرُوْنَ الصَّحَابَةَ، وَيَبْرَؤُوْنَ مِنْهُم جَهلاً وَعُدوَاناً، وَيَتَعَدُّوْنَ إِلَى الصِّدِّيْقِ - قَاتَلَهُمُ اللهُ -. وَأَمَّا نَوَاصِبُ وَقْتِنَا فَقَلِيْلٌ، وَمَا عَلِمتُ فِيْهِم مَنْ يُكفِّرُ عَلِيّاً وَلاَ صَحَابِيّاً. 170 - يَزِيْدُ بنُ الوَلِيْدِ * بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ الخَلِيْفَةُ، أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ،   (*) تاريخ خليفة: 368، تاريخ اليعقوبي 3 / 74، الطبري حوادث سنة 126، ابن الأثير حوادث سنة 126، البداية 10 / 11، ابن خلدون 3 / 106، النجوم الزاهرة 1 / 126، تاريخ الخميس 2 / 321، 322. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 الملقَّبُ: بِالنَّاقِصِ؛ لِكَوْنِهِ نَقَصَ عَطَاءَ الأَجنَادِ. تَوَثَّبَ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، وَتَمَّ لَهُ الأَمْرُ كَمَا مَرَّ، وَاسْتَولَى عَلَى دَارِ الخِلاَفَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَلَكِنَّهُ مَا مُتِّعَ وَلاَ بَلَعَ رِيقَه. ذَكَر سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: أَنَّ قُتَيْبَةَ بنَ مُسْلِمٍ الأَمِيْرَ غَزَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَظَفَرَ بَابْنَتَيْ فَيْرُوْزِ بنِ المَلِكِ يَزْدَجِرْدَ، فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى الحَجَّاجِ، فَبَعَثَ مِنْهُمَا بِشَاهفرندَ إِلَى الوَلِيْدِ، فَوَلَدَتْ لَهُ يَزِيْدَ. وَجَدَّةُ فَيْرُوْزٍ هِيَ بِنْتُ خَاقَانَ مَلِكِ التُّركِ، وَأُمُّهُمَا هِيَ ابْنَةُ قَيْصَرَ عَظِيْمِ الرُّوْمِ، فَكَانَ يَفتَخِرُ، وَيَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ كِسْرَى، وَأَبِي فَمَرْوَانُ ... وَقَيْصَرُ جَدِّي، وَجَدِّي خَاقَانُ قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ الوَلِيْدِ خَطَبَ عِنْدَ قَتْلِ الوَلِيْدِ، فَقَالَ: إِنِّي -وَاللهِ- مَا خَرَجتُ أَشَراً وَلاَ بَطَراً، وَلاَ حِرصاً عَلَى الدُّنْيَا، وَلاَ رَغبَةً فِي المُلْكِ، وَإِنِّي لَظَلُوْمٌ لِنَفْسِي إِنْ لَمْ يَرَحْمْنِي رَبِّي، وَلَكِنْ خَرَجتُ غَضَباً للهِ وَلِدِيْنِه، وَدَاعِياً إِلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ حِيْنَ دَرَسَتْ مَعَالِمُ الهُدَى، وَطُفِئَ نُوْرُ أَهْلِ التَقْوَى، وَظَهَرَ الجَبَّارُ المُسْتَحِلُّ لِلْحُرْمَةِ، وَالرَّاكِبُ البِدْعَةَ، فَأَشفَقْتُ إِذْ غَشِيَكُم ظُلْمُه أَنْ لاَ يُقلِعَ عَنْكُم مِنْ ذُنُوْبِكُم، وَأَشفَقتُ أَنْ يَدْعُوَ أُنَاساً إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَاسْتَخرْتُ اللهَ، وَدَعَوْتُ مَنْ أَجَابَنِي، فَأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ البِلاَدَ وَالعِبَادَ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُم عِنْدِي إِنْ وُلِّيتُ: أَنْ لاَ أَضعَ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلاَ أَنْقُلَ مَالاً مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى أَسُدَّ الثُّغُورَ، فَإِنَّ فَضَلَ شَيْءٌ، رَدَدتُه إِلَى البَلَدِ الَّذِي يَلِيْهِ، حَتَّى تَسْتَقِيْمَ المعِيْشَةُ، وَتَكُوْنَ فِيْهِ سَوَاءً، فَإِنْ أَرَدْتُم بَيْعَتِي عَلَى الَّذِي بَذلتُ لَكُم، فَأَنَا لَكُم، وَإِن مِلتُ، فَلاَ بَيْعَةَ لِي عَلَيْكُم، وَإِنْ رَأَيْتُم أَقْوَى مِنِّي عَلَيْهَا، فَأَرَدتُم بَيْعَتَه، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُ، وَيَدخُلُ فِي طَاعَتِه، وَأَسْتَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم. قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ بِالسِّلاَحِ فِي العِيْدِ يَزِيْدُ بنُ الوَلِيْدِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 خَرَجَ بَيْنَ صَفَّيْنِ مِنَ الخَيْلِ فِي السِّلاَحِ مِنْ بَابِ الحِصنِ إِلَى المُصَلَّى. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ يَزِيْدَ النَّاقِصَ قَالَ: يَا بَنِي أُمَيَّةَ، إِيَّاكُم وَالغِنَاءَ، فَإِنَّهُ يُنْقِصُ الحَيَاءَ، وَيَزِيْدُ فِي الشَّهْوَةِ، وَيَهدِمُ المُرُوْءةَ، وَيَنُوبُ عَنِ الخَمْرِ، فَإِنْ كُنْتُم لاَ بُدَّ فَاعِلِيْنَ، فَجَنِّبُوْهُ النِّسَاءَ، فَإِنَّ الغِنَاءَ دَاعِيَةُ الزِّنَى. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا وَلِيَ يَزِيْدُ بنُ الوَلِيْدِ، دَعَا النَّاسَ إِلَى القَدَرِ، وَحَمَلَهُم عَلَيْهِ، وَقَرَّبَ غَيْلاَنَ القَدَرِيَّ -أَوْ قَالَ: أَصْحَابَ غَيْلاَنَ-. قُلْتُ: كَانَ غَيْلاَنُ قَدْ صَلَبَه هِشَامٌ قَبْلَ هَذَا الوَقْتِ بِمُدَّةٍ. مَاتَ يَزِيْدُ النَّاقصُ: فِي سَابِعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فَكَانَتْ دَوْلَتُه سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ. وَكَانَ شَابّاً أَسْمَرَ، نَحِيْفاً، حَسَنَ الوَجْهِ. وَقِيْلَ: مَاتَ بِالطَّاعُوْنَ، وَبُوْيِعَ مِنْ بَعْدِه أَخُوْهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الوَلِيْدِ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيْرِ - سَامَحَهُ اللهُ -. وَقَالَ ابْنُ الفُوَطِيِّ فِي (مُعْجَمِ الأَلْقَابِ) : إِنَّ لَقَبَه الشَّاكِرُ للهِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، وَتُوُفِيَّ يَوْمَ الأَضْحَى، بِالطَّاعُوْنِ، بِدِمَشْقَ. وَآخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَاحَسْرَتَاهُ، وَاأَسَفَاهُ. وَدُفِنَ بِبَابِ الفَرَادِيْسِ، وَكَانَ مَرْبُوْعاً، أَسْمَرَ، خَفِيْفَ العَارِضَينِ، فَصِيْحاً، شَدِيْدَ العُجْبِ. يُقَالُ: نَبَشَهُ مَرْوَانُ الحِمَارُ، وَصَلَبَه. وَهُوَ عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ لِلْمَذْهَبِ. وَلِيَزِيْدَ مِنَ الأَوْلاَدِ: خَالِدٌ، وَالوَلِيْدُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْبَغُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ المُؤْمِنِ، وَعَلِيٌّ. 171 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ الوَلِيْدِ * بنِ عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ الخَلِيْفَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ.   (*) تاريخ اليعقوبي 3 / 75، الطبري 299، 300، ابن الأثير 5 / 308، 311، 321، تاريخ الإسلام 5 / 41، 42، 224، البداية 10 / 21، 22. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 بُوْيِعَ بِدِمَشْقَ عِنْدَ مَوْتِ أَخِيْهِ يَزِيْدَ، وَكَانَ أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، وَسِيْماً، طَوِيْلاً إِلَى السِّمَنِ. قَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الوَلِيْدِ، جَاءَ إِلَى الزُّهْرِيِّ بِكِتَابٍ عَرَضَه عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أُحَدِّثُ بِهِ عَنْكَ؟ قَالَ: إِيْ لَعَمْرِي، فَمَنْ يُحَدِّثُكُمُوْهُ غَيْرِي؟! قَالَ بُرْدُ بنُ سِنَانٍ: حَضَرتُ يَزِيْدَ بنَ الوَلِيْدِ لَمَّا احْتُضِرَ، فَأَتَاهُ قُطْنٌ، فَقَالَ: أَنَا رَسُوْلُ مَنْ وَرَاءكَ، يَسْأَلُونَكَ بِحَقِّ اللهِ لَمَا وَلَّيْتَ الأَمْرَ أَخَاكَ إِبْرَاهِيْمَ. فَغَضِبَ، وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِه: أَنَا أُوَّلِي إِبْرَاهِيْمَ! ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا العَلاَءِ، إِلَى مَنْ تَرَى أَنْ أَعْهَدَ؟ قُلْتُ: أَمرٌ نَهَيتُكَ عَنِ الدُّخُولِ فِيْهِ، فَلاَ أُشِيْرُ عَلَيْكَ فِي آخِرِه. قَالَ: وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى حَسِبتُه قَدْ قَضَى، فَقَعَدَ قُطْنٌ، فَافْتَعَلَ كِتَاباً عَلَى لِسَانِ يَزِيْدَ بِالعَهْدِ، وَدَعَا نَاساً، فَاسْتَشْهَدَهُم عَلَيْهِ، وَلاَ وَاللهِ مَا عَهِدَ يَزِيْدُ شَيْئاً. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: مَكَثَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الوَلِيْدِ سَبْعِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ خُلِعَ، وَوَلِيَهَا مَرْوَانُ الحِمَارُ. قُلْتُ: وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ مَسجُوناً، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ، وَأُمُّهُ بَرْبَرِيَّةٌ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ أَمرٌ، فَكَانَ جَمَاعَةٌ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ، وَطَائِفَةٌ بِالإِمْرَةِ، وَامْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ بَيْعَتِه، وَقِيْلَ: يُبَايَعُ إِبْرَاهِيْمُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ ... أَلاَ إِنَّ أَمْراً أَنْتَ وَالِيْهِ ضَائِعُ قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ رِجَالِهِ: أَقْبَلَ مَرْوَانُ فِي ثَمَانِيْنَ أَلفاً، فَجَهَّزَ إِبْرَاهِيْمُ لِحَرْبِهِ سُلَيْمَانَ بنَ هِشَامٍ فِي مائَةِ أَلفٍ، فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ سُلَيْمَانُ إِلَى دِمَشْقَ، فَقَتَلُوا عُثْمَانَ، وَالحَكَمَ؛ وَلَدَيِ الوَلِيْدِ، وَأَقبَلَتْ خَيْلُ مَرْوَانَ، فَاخْتَفَى إِبْرَاهِيْمُ. وَنُهِبَ بَيْتُ المَالِ، وَنُبِشَ يَزِيْدُ النَّاقِصُ، وَصُلِبَ عَلَى بَابِ الجَابِيَةِ، وَتَمَكَّنَ مَرْوَانُ، فَأَمَّنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَسُلَيْمَانَ بنَ هِشَامٍ. وَلإِبْرَاهِيْمَ أَرْبَعَةُ أَوْلاَدٍ. ثُمَّ قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ يَوْمَ وَقْعَةِ الزَّابِ - سَامَحَهُ اللهُ -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 172 - خَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيْبِيُّ * (م، د، ت، س) مَوْلَى عَمْرِو بنِ حَارِثَةَ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، قَاضِي أَفْرِيْقِيَةَ، أَبُو عُمَرَ - وَقِيْلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ - التُّوْنُسِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَحَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَطَلْحَةُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ زَحْرٍ، وَاللَّيْثُ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ المَغْرِبِ، ثِقَةً، ثَبْتاً، صَالِحاً، رَبَّانِيّاً. يُقَالُ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ رُوَيْنُ بنُ خَالِدٍ الصَّدَفِيُّ: خَرَجَتِ الصُّفَّرِيَّةُ بِإِفْرِيْقِيَةَ يَوْمَ القَرْنِ، فَبَرَزَ خَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ لِلْقِتَالِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ رَئِيْسُ القَوْمِ فُلاَنٌ الزَّنَاتِيُّ، فَقَتَلَه خَالِدٌ. وَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، قَالَ: صَحِبتُ خَالِدَ بنَ أَبِي عِمْرَانَ، وَمَشَيْتُ خَلْفَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنَّ لِلصُّحبَةِ أَمَانَةً، وَإِنَّ لَهَا خِيَانَةً، وَإِنِّي أَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- فَاذْكُرْهُ. وَعَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: دَعَا خَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَأَمَّنَا، ثُمَّ قَرَأَ سَجدَةً، وَسَجَدَ بِنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ اسْتَجَبْتَ لَنَا، فَأَرِنَا عَلاَمَةً. فَرَفَعَ رَجُلٌ رَأْسَه فَإِذَا بِنُورٍ سَاطِعٍ، فَقِيْلَ: إِنَّ الرَّجُلَ حَيْوَةُ. تُوُفِّيَ خَالِدٌ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 521، طبقات خليفة 295، التاريخ الكبير 3 / 163، الجرح والتعديل 3 / 345، تهذيب الكمال 365، تذهيب التهذيب 1 / 191 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 66، تهذيب التهذيب 3 / 110، خلاصة تذهيب الكمال 102، شذرات الذهب 1 / 176. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 173 - إِبْرَاهِيْمُ الإِمَامُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ * هُوَ السَّيِّدُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ ابْنِ حِبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ، كَانَ بِالحُمَيْمَةِ مِنَ البَلْقَاءِ. عَهِدَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ بِالأَمْرِ، وَعَلِمَ بِهِ مَرْوَانُ الحِمَارُ، فَقَتَلَه. رَوَى عَنْ: جَدِّهِ. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ. وَعَنْهُ: مَالِكُ بنُ الهَيْثَمِ، وَأَخوَاهُ؛ السَّفَّاحُ وَالمَنْصُوْرُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي السِّجْنِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَتْ شِيْعَتُهُم يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْهِ، وَيَكَاتِبُوْنَهُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَآخَذَهُ لِذَلِكَ مَرْوَانُ. قَالَ الخُطَبِيُّ: أَوْصَى مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيْمَ، فَسُمِّيَ بِالإِمَامِ بَعْدَ أَبِيْهِ. وَانتَشَرَتْ دَعوَتُه بِخُرَاسَانَ، وَوَجَّهَ إِلَيْهَا بِأَبِي مُسْلِمٍ وَالِياً عَلَى دُعَاتِه، فَظَهَرَ هُنَاكَ، فَكَانَ يَدْعُو إِلَى طَاعَةِ الإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَصرِيْحٍ بِاسْمِهِ إِلَى أَنْ ظَهَرَ أَمرُهُ، وَوَقَفَ مَرْوَانُ عَلَى أَمرِه، فَأَخَذَ إِبْرَاهِيْمَ وَقَتَلَه. قَالَ صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يُكَاتِبُه، فَقَدِمَ رَسُوْلُه، فَرَآهُ عَرَبِيّاً فَصِيْحاً، فَغَمَّه ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلُكَ عَرَبِيّاً، يَطَّلِعُ عَلَى أَمرِكَ؟ فَإِذَا أَتَاكَ، فَاقْتُلْه. فَأَحَسَّ الرَّسُوْلُ، ثُمَّ قَرَأَ الكِتَابَ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَرْوَانَ، فَأَخَذَ إِبْرَاهِيْمَ، فَغَمَّه بِحَرَّانَ فِي مِرْفَقَةٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ حَضَرَ المَوْسِمَ فِي حَشَمِهِ، فَشَهَرَ نَفْسَهُ، فَكَانَ سَبَباً لأَخْذِه. وَيُقَالُ: أَتَتْهُ عَجُوْزٌ هَاشِمِيَّةٌ تَسْتَرفِدُه، فَوَصَلهَا بِمَالٍ جَزِيْلٍ، وَاعتَذَرَ. وَيُذكَرُ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ صَبَغَ خِرَقاً سُوداً، وَشَدَّهَا فِي رُمْحٍ، وَكَانُوا يَسْمَعُوْنَ   (*) التاريخ الكبير 1 / 317، الطبري 7 / 435، 437، الجرح والتعديل 2 / 124، ابن الأثير 5 / 422، 423، تهذيب الكمال 64، تذهيب التهذيب 1 / 42 / 1، البداية 10 / 39، 40، تهذيب التهذيب 1 / 157. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 بِحَدِيْثِ رَايَاتٍ سُودٍ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، فَتَاقَتْ أَنْفُسُهم إِلَى ذَلِكَ، وَتَبِعَهُ عَبِيْدٌ، فَقَالَ: مَنْ يَتبَعْنِي فَهُوَ حُرٌّ. ثُمَّ خَرَجَ بِهِم، فَوَقَعُوا بِعَامِلٍ فِي تِلْكَ الكُورَةِ، فَقَتَلُوْهُ، ثُمَّ كَثُرُوا، وَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، قَالَ: الأَمْرُ بَعْدِي لابْنِ الحَارِثِيَّةِ -يَعْنِي: السَّفَّاحَ-. 174 - أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ تَدْرُسَ * (م، 4، خَ تَبَعاً) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَكِّيُّ، مَوْلَى حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ. رَوَى عَنْ: جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَحَدِيْثُه عَنْ عَائِشَةَ أَظُنُّه مُنْقَطِعاً. وَرَوَى عَنْ: طَاوُوْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، وَسُفْيَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَالأَعْرَجِ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - شَيْخُهُ - وَالزُّهْرِيُّ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَيُّوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَخُصَيْفٌ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَالأَعْمَشُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُؤَمَّلِ المَخْزُوْمِيُّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ،   (*) طبقات ابن سعد 5 / 481، طبقات خليفة 281، التاريخ الكبير 1 / 221، تاريخ الفسوي 2 / 22، الجرح والتعديل 8 / 74، تهذيب الكمال 1266، تاريخ الإسلام 5 / 152، ميزان الاعتدال 4 / 37، تذكرة الحفاظ 1 / 126، العبر 1 / 168، العقد الثمين 2 / 354، 355، تهذيب التهذيب 9 / 440، طبقات الحفاظ 50 - 51، خلاصة تذهيب الكمال 358، شذرات الذهب 1 / 175. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُشَيْمٌ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يُقَدِّمُنِي إِلَى جَابِرٍ أَحْفَظُ لَهُمُ الحَدِيْثَ. وَعَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، وَكَانَ أَكمَلَ النَّاسِ عَقلاً، وَأَحْفَظَهُم. وَأَمَّا أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، فَكَانَ إِذَا رَوَى عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ أَبُو الزُّبَيْرِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: يُضَعِّفُه بِذَلِكَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ، فَقَالُوا: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) لأَبِي الزُّبَيْرِ مَقْرُوْناً بِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ، فَيَكُوْنُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الضَّعِيْفِ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ يَصْدُقُ عَلَى مِثْلِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَقَدْ عِيْبَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِأُمُوْرٍ لاَ تُوجِبُ ضَعْفَه المُطلَقَ، مِنْهَا التَّدلِيسُ. وَقَدْ رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيُّ، عَنْ وَرْقَاءَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكتَ حَدِيْثَ أَبِي الزُّبَيْرِ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَزِنُ وَيَسْتَرجِحُ فِي المِيْزَانِ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَجُلٍ يَقْدَمُ مِنْ مَكَّةَ، فَأَسْأَلُه عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قَالَ: فَقَدِمتُ مَكَّةَ، فَسَمِعتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَه، إِذْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَافْتَرَى عَلَيْهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 فَقُلْتُ: تَفْتَرِي يَا أَبَا الزُّبَيْرِ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ أَغْضَبَنِي. قُلْتُ: وَمَنْ يُغضِبُكَ تَفْترِي عَلَيْهِ؟ لاَ رَوَيتُ عَنْكَ أَبَداً. فَكَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ: فِي صَدْرِي لأَبِي الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَأَمَّا أَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، فَقَالَ: قِيْلَ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكتَ أَبَا الزُّبَيْرِ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يُسِيءُ الصَّلاَةَ، فَتَرَكتُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ. قَالَ عُمَرُ بنُ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: لَوْ رَأَيْتَ أَبَا الزُّبَيْرِ، لَرَأَيْتَ شُرطِيّاً بِيَدِهِ خَشَبَةٌ. فَقُلْتُ: مَا لَقِيَ مِنْكَ أَبُو الزُّبَيْرِ؟ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: قَدِمتُ مَكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْنِ، وَانقَلْبتُ بِهِمَا، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ عَاوَدتْهُ فَسَأَلتُه: أَسَمِعَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرٍ؟ فَرَجَعتُ، فَسَأَلتُه، فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ. فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ سُفْيَانُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الزُّبَيْرِ وَمَعَهُ كِتَابُ سُلَيْمَانَ اليَشْكُرِيِّ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ أَبَا الزُّبَيْرِ، فَيُحَدِّثُ بَعْضَ الحَدِيْثِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: انظُرْ كَيْفَ هُوَ فِي كِتَابِكَ. قَالَ: فَيُخْبِرُه بِمَا فِي الكِتَابِ، فَيُحَدِّثُه كَمَا فِي الكِتَابِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: جِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ أَنَا وَرَجُلٌ، وَكُنَّا إِذَا سَأَلنَا عَنِ الحَدِيْثِ، فَتَعَايَى فِيْهِ، قَالَ: انْظُرُوا فِي الصَّحِيْفَةِ كَيْفَ هُوَ؟ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا تَنَازَعَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ قَطُّ عَنْ جَابِرٍ إِلاَّ زَادَ عَلَيْهِ أَبُو الزُّبَيْرِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَبُو الزُّبَيْرِ، أَوِ ابْنُ المُنْكَدِرِ؟ فَقَالَ: كِلاَهمَا ثِقَتَانِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: فَلاَ أَقْبَلُ مِنْ حَدِيْثِهِ إِلاَّ مَا فِيْهِ: (سَمِعْتُ جَابِراً) ، وَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْهُ، فَأَحتَجُّ بِهَا مُطْلَقاً، لأَنَّهُ مَا حَمَلَ عَنْهُ إِلاَّ مَا سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، وَعُمْدَةُ ابْنِ حَزْمٍ حِكَايَةُ اللَّيْثِ، ثُمَّ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَه إِنَّمَا هُوَ مُنَاوَلَةٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ: أَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، أَمْ لاَ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: مَا أَبُو الزُّبَيْرِ بِدُوْنِ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ؟ قُلْتُ: مَا تَوَقَّفَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ سِوَى شُعْبَةُ، قَدْ رَوَى عَنْهُ مِثْلُ أَيُّوْبَ، وَمَالِكٍ. وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ أَحْفَظَنَا. يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَقَدِ احْتَجَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِحَدِيْثٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَضَعَّفَه، وَقَالَ: أَبُو الزُّبَيْرِ يَحتَاجُ إِلَى دِعَامَةٍ. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ هُشَيْماً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَأَخَذَهُ شُعْبَةُ، فَمَزَّقَه. سُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: لاَ تَكتُبْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحسِنُ يُصَلِّي. ثُمَّ ذَهَبَ هُوَ، فَأَخَذَ عَنْهُ. أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: السَّاعَةَ يَخْرُجُ، السَّاعَةَ يَخْرُجُ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي يَوْمَ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّجَاشِيِّ. المُحَارِبِيُّ، وَغَيْرُه، قَالاَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 الظَّالِمَ أَنْ تَقُوْل لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم (1)) . سُفْيَانُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يَقْدَمُنِي إِلَى جَابِرٍ أَتَحَفَّظُ لِلْقَوْمِ الحَدِيْثَ. الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ الخَوْلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: رَأَيْتُ العَبَادِلَةَ يَرْجِعُوْنَ عَلَى صُدُوْرِ أَقْدَامِهِم فِي الصَّلاَةِ: ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو (2) . قَالَ يَحْيَى: هُوَ رَأَى اللَّيْثَ، وَمُفَضَّلَ بنَ فَضَالَةَ. هُشَيْمٌ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا يَأْتِي الغَدِيرَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَيَغتَسِلُ فِي نَاحِيَةٍ (3) . مُعَاوِيَةُ بنُ عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ (4) . ثِقَةٌ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنَ الكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ (5) . حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: ذَبَحنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الخَيْلَ (6) .   (1) إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن أبا الزبير لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وهو في " المسند " 2 / 163 و190، وصححه الحاكم، ووافقه المؤلف في مختصره فأخطأ. (2) ابن لهيعة ضعيف. (3) فيه تدليس هشيم وأبي الزبير. (4) أخرجه مسلم (1358) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام وفيه تدليس أبو الزبير، لكن في الباب ما يقويه عن عمرو بن حريث عند مسلم (1359) . (5) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1569) من طريق معقل عن أبي الزبير، قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ففيه التصريح بسماع أبي الزبير من جابر. (6) أخرجه مسلم (1941) (37) في العيد والذبائح: باب في أكل لحوم الخيل، وفيه تصريح أبي الزبير بسماعه من جابر، فالحديث صحيح وفي الباب عن أسماء عند مسلم (1942) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ يَحْمِلَ السِّلاَحَ بِمَكَّةَ (1) . وَبِهِ: رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ، فَأَتَى أَهْلَهُ زَيْنَبَ (2) . وَبِهِ: نَهَى عَنْ تَجْصِيصِ القُبُوْرِ (3) . فَهَذِهِ غَرَائِبُ، وَهِيَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (4)) . حَدِيْثُ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ البَيْتَ لَيْلاً. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (5) ، وَهُوَ عِنْدِي مُنْقَطِعٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ لأَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيْثَ: (فِطْرُكُم يَوْمَ تُفْطِرُوْنَ) (6) .   (1) أخرجه مسلم (1356) في الحج: باب النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة. (2) أخرجه مسلم (1403) في النكاح: باب ندب من رأى امرأة، فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها ولفظه " إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه " وأخرجه أبو داود (2151) والترمذي (1158) وأحمد 3 / 330، و341 و348 و395، وللحديث شاهد يتقوى به أخرجه أحمد 4 / 231 من حديث أبي كبشة الانماري وسنده حسن، وآخر من حديث ابن مسعود عند الدارمي 2 / 146، فالحديث صحيح. (3) أخرجه مسلم (970) في الجنائز: باب النهي عن تجصيص القبر وقد صرح أبو الزبير في رواية بسماعه من جابر، فانتفت شبهة تدليسه، فالحديث صحيح، وصححه الحاكم 1 / 370 ووافقه المؤلف في مختصره. (4) وتحرير القول في أبي الزبير أنه يرد من حديثه ما يقول فيه " عن " أو " قال " ونحو ذلك سواء كان حديث في الصحيح أو غيره، لأنه موصوف بالتدليس، فإذا قال: " سمعت " و" أخبرنا " احتج به، ويحتج به إذا قال " عن " مما رواه عنه الليث به سعد خاصة. (5) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإن الحديث لم يخرجه مسلم، وإنما علقه البخاري في " صحيحه " 3 / 452 في الحج: باب الزيارة يوم النحر، وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل، وقد وصله أبو داود (2000) والترمذي (920) وأحمد 6 / 207، وابن ماجه (3059) من طريق سفيان وهو - الثوري عن أبي الزبير به، قال ابن القطان الفاسي: هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر وكلاهما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى. (6) أبو داود لم يخرجه من طريق أبي الزبير عن أبي هريرة، وإنما أخرجه (2324) من طريق محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة ورجاله ثقات لكنه منقطع، ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، لكن = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ الخَشَّابُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَتْنَا عَيْنُ الشَّمْسِ الثَّقَفِيَّةُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ يُفْتِي الدِّيْنَارَ بِالدِّيْنَارَيْنِ، فَأَغلَظَ لَهُ أَبُو أُسَيْدٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَحَداً يَعْرِفُ قَرَابَتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، يَقُوْلُ مِثْلَ هَذَا يَا أَبَا أُسَيْدٍ! فَقَالَ لَهُ أَبُو أُسَيْدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، وَصَاعُ حِنْطَةٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ، وَصَاعُ شَعِيْرٍ بِصَاعِ شَعِيْرٍ، وَصَاعُ مِلْحٍ بِصَاعِ مِلْحٍ، لاَ فَضْلَ بَيْنَ ذَلِكَ) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَقُوْلُه بِرَأْيِي، وَلَمْ أَسْمَعْ فِيْهِ بِشَيْءٍ (1) . لَمْ يُخْرِجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ مَولِداً. وَلَعَلَّهُ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.   = أخرجه " الترمذي " (697) من طريق إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان، ابن محمد الاخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والاضحى يوم تضحون " وسنده حسن كما قال الترمذي. ومعنى الحديث كما قال الخطابي أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين، فلا شيء عليهم ولا وزر ولا عتب. (1) وأخرجه الحاكم 2 / 19 و20 من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري، عن عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن طهمان..وصححه على شرط مسلم، ووافقه المؤلف في " مختصره " وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 114، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 175 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ بنِ عُدُسٍ، أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ. وَجَاءَ مَرَّةً: ابْنُ (أَسْعَدَ) بنِ زُرَارَةَ، بَدَلَ (سَعْدٍ) ، فَأَسَعْدُ جَدُّهُ لِلأُمِّ. فَأَمَّا جَدُّ جَدِّهِ سَعْدٌ، فَلَهُ صُحْبَةٌ. وَقِيْلَ: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدٍ صُحْبَةٌ أَيْضاً. حَدَّثَ مُحَمَّدٌ عَنْ: عَمَّتِهِ؛ عَمْرَةَ الفَقِيْهَةِ، وَعَنْ خَالِهِ؛ يَحْيَى بنِ أَسْعَدَ - وَهُوَ صَحَابِيٌّ فِيْمَا قِيْلَ -. وَعَنِ: الأَعْرَجِ، وَابْنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَسَنٍ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَهُمَا مِنْ أَقْرَانِهِ - وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ. وَوَلِيَ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 176 - أَبُو حَمْزَةَ القَصَّابُ عِمْرَانُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ الوَاسِطِيُّ ** هُوَ: عِمْرَانُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ الوَاسِطِيُّ. سَمِعَ: ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدَ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، صَدُوْقٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَآخَرُوْنَ. وَلاَؤُهُ لِبَنِي أَسَدٍ.   (*) التاريخ الكبير 1 / 150، التاريخ الصغير 2 / 20، الجرح والتعديل 8 / 312 تهذيب الكمال 1229، تهذيب التهذيب 3 / 224 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 123، تهذيب التهذيب 9 / 301، خلاصة تذهيب الكمال 347. (* *) التاريخ الكبير 6 / 412، التاريخ الصغير 2 / 13، الجرح والتعديل 6 / 302، تهذيب الكمال 1059 تذهيب التهذيب 3 / 115 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 321، ميزان الاعتدل 3 / 239. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 لَيَّنَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ. لَهُ فِي (مُسْلِمٍ) حَدِيْثُ: (لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ) (1) . 177 - الكُمَيْتُ * بنُ زَيْدٍ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ مُقَدَّمُ شُعَرَاءِ وَقْتِه. قِيْلَ: بَلَغَ شِعرُه خَمْسَةَ آلاَفِ بَيْتٍ. رَوَى عَنْ: الفَرَزْدَقِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ. وَعَنْهُ: وَالِبَةُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَحَفْصٌ القَارِئُ. وَفدَ عَلَى يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَلَى أَخِيْهِ هِشَامٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَنِي أَسَدٍ مَنقِبَةٌ غَيْرَ الكُمَيْتِ، لَكَفَاهُم، حَبَّبَهُم إِلَى النَّاسِ، وَأَبقَى لَهُم ذِكراً. وَقَالَ أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: لَوْلاَ شِعرُ الكُمَيْتِ، لَمْ يَكُنْ لِلُغَةٍ تُرجَمَانُ. وَقِيْلَ: كَانَ عَمُّ الكُمَيْتِ رَئِيْسَ أَسَدٍ، وَكَانَ الكُمَيْتُ شِيْعِيّاً، مَدَحَ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ، فَأَعْطَاهُ مِنْ عِنْدِه وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَرْبَعَ مائَةِ أَلفٍ، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ يَا أَبَا المُسْتَهِلِّ. فَقَالَ: لَوْ وَصَلْتَنِي بِدَانِقٍ، لَكَانَ شَرَفاً، وَلَكِنْ أَحْسِنْ إِلَيَّ بِثَوْبٍ يَلِي جَسَدَكِ أَتَبَرَّكُ بِهِ. فَنَزَعَ ثِيَابَه كُلَّهَا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَكَانَ الكُمَيْتُ يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَعْرِفُ بَرَكَةَ دُعَائِهِ. قَالَ المُبَرِّدُ: وَقَفَ الكُمَيْتُ وَهُوَ صَبِيٌّ عَلَى الفَرَزْدَقِ وَهُوَ يُنشِدُ، فَقَالَ: يَا   (1) أخرجه مسلم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه من طريق شعبة، عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس، قال: كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف باب، قال: فجاء، فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب، فادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، فقال: " لاأشبع الله بطنه " وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (2746) . (*) الشعر والشعراء 368، الاغاني 17 / 1، 40، الموشح 191، 192، جمهرة أنساب العرب 187، سمط اللآلي 11 تاريخ الإسلام 5 / 125. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 غُلاَمُ، أَيَسُرُّكَ أَنِّي أَبُوْكَ؟ قَالَ: أَمَّا أَبِي، فَلاَ أَبْغِي بِهِ بَدَلاً، وَلَكِنْ يَسُرُّنِي أَنْ تَكُوْنَ أُمِّي. فَحُصِرَ الفَرَزْدَقُ، وَقَالَ: مَا مَرَّ بِي مِثْلُهَا. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وُلِدَ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ القَائِلُ: وَالحُبُّ فِيْهِ حَلاَوَةٌ وَمَرَارَةٌ ... سَائِلْ بِذَلِكَ مَنْ تَطَعَّمَ أَوْ ذُقِ مَا ذَاقَ بُؤْسَ مَعِيْشَةٍ وَنَعِيْمَهَا ... فِيْمَا مَضَى أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْشَقِ 178 - زَيْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ * (د، ت، ق) ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو الحُسَيْنِ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ. أَخُو: أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَحُسَيْنٍ. وَأُمُّه: أُمُّ وَلَدٍ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ؛ زَيْنِ العَابِدِيْنَ، وَأَخِيْهِ؛ البَاقِرِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَشُعْبَةُ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَالمُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، وَسَعِيْدُ بنُ خُثَيْمٍ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ. وَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَجَلاَلَةٍ وَصَلاَحٍ، هَفَا، وَخَرَجَ، فَاسْتُشْهِدَ. وَفدَ عَلَى مُتَوَلِّي العِرَاقِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ، فَأَحْسَنَ جَائِزَتَه، ثُمَّ رُدَّ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنَ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: ارجِعْ نُبَايِعْكَ، فَمَا يُوْسُفُ بِشَيْءٍ. فَأَصغَى إِلَيْهِم، وَعَسْكَرَ، فَبَرَزَ لِحَرْبِهِ عَسْكَرُ يُوْسُفَ، فَقُتِلَ فِي المَعرَكَةِ، ثُمَّ صُلِبَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 325، طبقات خليفة 258، التاريخ الكبير 3 / 403، الجرح والتعديل 3 / 568، مقاتل الطالبيين 127، وفيات الأعيان 5 / 122، و6 / 110، تهذيب الكمال 459، تذهيب التهذيب 1 / 254 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 74، فوات الوفيات 2 / 35، 38، ابن خلدون 3 / 98، تهذيب التهذيب 3 / 420، خلاصة تذهيب الكمال 129، شذرات الذهب 1 / 158، 159، تاريخ الكوفة 327، تهذيب ابن عساكر 6 / 17، 27. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَلَّمَ هِشَاماً فِي دَيْنٍ، فَأَبَى عَلَيْهِ، وَأَغلَظَ لَهُ. قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: جَاءتِ الرَّافِضَّةُ زَيْداً، فَقَالُوا: تَبَرَّأْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى نَنْصُرَكَ. قَالَ: بَلْ أَتَوَلاَّهُمَا. قَالُوا: إِذاً نَرفُضُكَ، فَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ لَهُمُ: الرَّافِضَّةُ. وَأَمَّا الزَّيْدِيَّةُ، فَقَالُوا بِقَوْلِه، وَحَارَبُوا مَعَهُ. وَذَكَرَ: إِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، عَنْهُ، قَالَ: الرَّافِضَّةُ حِزبُنَا مَرَقُوا عَلَيْنَا. وَقِيْلَ: لَمَّا انْتَهَرَه هِشَامٌ وَكَذَّبَه، قَالَ: مَنْ أَحَبَّ الحَيَاةَ، ذَلَّ. وَقَالَ: إِنَّ المُحَكَّمَ مَا لَمْ يَرْتَقِبْ حَسَداً ... وَيَرْهَبِ السَّيْفَ أَوْ وَخْزَ القَنَا هَتَفَا مَنْ عَاذَ بِالسَّيْفِ لاَقَى فَرجَةً عَجَباً ... مَوْتاً عَلَى عَجَلٍ، أَوْ عَاشَ فَانْتَصَفَا عَاشَ: نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَقُتِلَ يَوْمَ ثَانِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ العَتَكِيُّ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّهُ مُتَسَانِدٌ إِلَى خَشَبَةِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يَقُوْلُ: هَكَذَا تَفْعَلُوْنَ بِوَلَدِي؟! قَالَ عَبَّادٌ الرَّوَاجِنِيُّ: أَنْبَأَنَا عَمْرُو بنُ القَاسِمِ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنَ الرَّافِضَّةِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَبْرَؤُوْنَ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ. فَقَالَ: بِرَأُ اللهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُ، كَانَ -وَاللهِ- أَقرَأَنَا لِكِتَابِ اللهِ، وَأَفْقَهَنَا فِي دِيْنِ اللهِ، وَأَوْصَلَنَا لِلرَّحِمِ، مَا تَرَكَنَا وَفِيْنَا مِثْلُه. وَرَوَى: هَاشِمُ بنُ البَرِيْدِ، عَنْ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِمَامَ الشَّاكرِيْنَ، ثُمَّ تَلاَ: {وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكرِيْنَ} ، ثُمَّ قَالَ: البَرَاءةُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ هِيَ البَرَاءةُ مِنْ عَلِيٍّ. وَعَنْ مُعَاذِ بنِ أَسَدٍ، قَالَ: ظَهَرَ ابْنٌ لِخَالِدٍ القَسْرِيِّ عَلَى زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 وَجَمَاعَةٍ، أَنَّهم عَزَمُوا عَلَى خَلْعِ هِشَامٍ، فَقَالَ هِشَامٌ لِزَيْدِ بنِ عَلِيٍّ: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا؟! قَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ. قَالَ: قَدْ صَحَّ عِنْدِي. قَالَ: أَحلِفُ لَكَ؟ قَالَ: لاَ أُصَدِّقُكَ. قَالَ: إِنَّ اللهَ لَنْ يَرْفَعَ مِنْ قَدْرِ مَنْ حَلَفَ لَهُ بِاللهِ، فَلَمْ يُصَدَّقْ. قَالَ: اخْرُجْ عَنِّي. قَالَ: إِذاً لاَ تَرَانِي إِلاَّ حَيْثُ تَكرَهُ. قُلْتُ: خَرَجَ مُتَأَوِّلاً، وَقُتِلَ شَهِيْداً، وَلَيتَهُ لَمْ يَخْرُجْ، وَكَانَ يَحْيَى وَلَدَهُ لَمَّا قُتِلَ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ يَحْيَى: لِكُلِّ قَتِيْلٍ مَعْشَرٌ يَطْلُبُوْنَهُ ... وَلَيْسَ لِزِيْدٍ بِالعِرَاقَيْنِ طَالِبُ قُلْتُ: ثَارَ يَحْيَى بِخُرَاسَانَ، وَكَادَ أَنْ يَملِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَتَلَهُ سَلْمُ بنُ أَحْوَزَ. وَأُمُّه: هِيَ رَيْطَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ الهَيْثَمُ: لَمْ يُعقِبْ يَحْيَى. وَكَانَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ عَامِلُ خُرَاسَانَ قَدْ بَعَثَ سَلْماً إِلَى يَحْيَى، فَظَفَرَ بِهِ، فَقَتَلَه بَعْدَ حُرُوْبٍ شَدِيْدَةٍ وَزُحُوفٍ، ثُمَّ أَصَابَ يَحْيَى بنَ زَيْدٍ سَهْمٌ فِي صُدْغِه، فَقَتَلَه، فَاحْتزُّوا رَأْسَه، وَبَعَثُوا بِهِ إِلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ إِلَى الشَّامِ، وَصُلِبَتْ جُثَّتُه بِجُوْزَجَانَ، ثُمَّ أَنْزَلَهَا أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ، وَوَارَاهُ، وَكَتَبَ بِإِقَامَةِ النِّيَاحَةِ عَلَيْهِ بِبَلْخٍ أُسْبُوْعاً، وَبِمَرْوَ، وَمَا وُلِدَ إِذْ ذَاكَ وَلَدٌ بِخُرَاسَانَ مِنَ العَرَبِ وَالأَعْيَانِ إِلاَّ سُمِّيَ يَحْيَى. وَدَعَا أَبُو مُسْلِمٍ بِدِيْوَانِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَجَعَلَ يَتَصَفَّحُ أَسْمَاءَ قَتَلَةِ يَحْيَى، وَمَنْ سَارَ فِي ذَلِكَ البَعْثِ لِقِتَالِه، فَمَنْ كَانَ حَيّاً، قَتَلَه. وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: قُتِلَ يَحْيَى سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 179 - سَيَّارُ بنُ وَرْدَانَ أَبُو الحَكَمِ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو الحَكَمِ الوَاسِطِيُّ، العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم.   (*) طبقات خليفة 161، التاريخ الكبير 4 / 161، التاريخ الصغير 2 / 288، تاريخ الفسوي = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 حَدَّثَ عَنْ: طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيْقٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ -. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَهُشَيْمُ بنُ بَشِيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. تُوُفِيَّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ (الحِلْيَة) ، فَقَالَ: وَمِنْهُمُ المُتَعَبِّدُ الصَّبَّارُ أَبُو الحَكَمِ سَيَّارٌ. قَالَ هُشَيْمٌ: دَخَلنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْنَا: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكَى العَابِدِيْنَ قَبْلِي. رَوَى: مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: دَخلَ سَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ عَلَى مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ فِي ثِيَابٍ جِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: مِثْلُكَ يَلْبَسُ هَذَا اللِّبَاسَ؟! فَقَالَ: ثِيَابِي تَضَعُنِي عِنْدَك أَوْ تَرفَعُنِي؟ قَالَ: بَلْ تَضَعُكَ. فَقَالَ: هَذَا التَّوَاضُعُ. ثُمَّ قَالَ: يَا مَالِكُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ ثَوْبَاكَ قَدْ أَنْزَلاَ بِكَ مِنَ النَّاسِ مَا لَمْ يُنْزِلاَ بِكَ مِنَ اللهِ. 180 - أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ * (ع) ابْنِ ذِي يُحْمِدَ. وَقِيْلَ: عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، الحَافِظُ، شَيْخُ الكُوْفَةِ، وَعَالِمُهَا، وَمُحَدِّثُهَا، لَمْ أَظفَرْ لَهُ بِنَسَبٍ   = 1 / 307، الجرح والتعديل 4 / 254، 255، تهذيب الكمال 568، تذهيب التهذيب 2 / 67 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 85، تهذيب التهذيب 4 / 291، خلاصة تذهيب الكمال 160. (*) طبقات ابن سعد 6 / 313، 315، طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 6 / 347، التاريخ الصغير 1 / 326، تاريخ الفسوي 2 / 621، الجرح والتعديل 6 / 242، 243، تهذيب الكمال 1040، تذهيب التهذيب 3 / 103 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 116، تذكرة الحفاظ 1 / 114، ميزان الاعتدال 3 / 270، شرح علل الترمذي 373، 376، تهذيب التهذيب 8 / 63، طبقات الحفاظ 43، 44، العبر 1 / 165، خلاصة تذهيب الكمال 291، شذرات الذهب 1 / 174. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 مُتَّصِلٍ إِلَى السَّبِيْعِ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَبِيْعِ بنِ صَعْبِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ كَثِيْرِ بنِ مَالِكِ بنِ جُشَمِ بنِ حَاشِدِ بنِ جُشَمِ بنِ خَيْرَانَ بنِ نَوْفِ بنِ هَمْدَانَ. وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنْ جِلَّةِ التَّابِعِيْنَ. قَالَ: وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَرَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَخطُبُ. وَرَوَى عَنْ: مُعَاوِيَةَ، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ صُرَدٍ، وَعُمَارَةَ بنِ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ الخُزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِم مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَأَى أَيْضاً: أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ النَّبَوِيَّ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، كَبِيْرَ القَدْرِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، وَمَسْرُوْقِ بنِ الأَجْدَعِ، وَالضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ الفِهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ الهَمْدَانِيِّ، وَالحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَهُبَيْرَةَ بنِ يَرِيْمَ، وَشِمْرِ بنِ ذِيْ الجَوْشَنِ، وَعُمَرَ بنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبِيْدَةَ بنِ عَمْرٍو السَّلْمَانِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَصِلَةَ بنِ زُفَرَ العَبْسِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ وَهْبٍ الخَيْوَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى الخُزَاعِيِّ، وَحَارِثَةَ بنِ مُضَرِّبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، وَصِلَةَ بنِ زُفَرَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، وَمُسْلِمِ بنِ نُذَيْرٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ هِلاَلٍ، وَشُرَيْحٍ القَاضِي، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيِّ، وَكُمَيْلِ بنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، وَالمُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَمِيْرِ، وَالأَسْوَدِ بنِ هِلاَلٍ المُحَارِبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِيْنَ. تَفَرَّدَ بِالأَخذِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ - وَهُم مِنْ أَقْرَانِهِ - وَمَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَوَلَدُه؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَحَفِيْدُه؛ إِسْرَائِيْلُ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَالمَسْعُوْدِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ زُرَيْقٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَأَبُو وَكِيْعٍ الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَشُعَيْبُ بنُ صَفْوَانَ، وَشُعَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَخُوْهُ؛ حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَهُوَ: ثِقَةٌ، حَجَّةٌ بِلاَ نِزَاعٍ. وَقَدْ كَبِرَ وَتغَيَّرَ حِفْظُه تَغَيُّر السِّنِّ، وَلَمْ يَختَلِطْ. قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ عَرْضاً: حَمْزَةُ بنُ حَبِيْبٍ، فَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ فِي كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- وَغَزَا الرُّوْمَ فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ: سَأَلَنِي مُعَاوِيَةُ: كَمْ عَطَاءُ أَبِيْكَ؟ قُلْتُ: ثَلاَثُ مائَةٍ فِي الشَّهْرِ - يَعْنِي قَالَ: فَفَرَضَهَا لِي -. قُلْتُ: نِعمَةٌ طَائِلَةٌ إِذَا حَصَلَ لِلْفَارِسِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً فِي الشَّهْرِ ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ مَعَ نَصِيْبِه مِنَ المَغَانِمِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَبْعِيْنَ رَجُلاً، أَوْ ثَمَانِيْنَ، لَمْ يَروِ عَنْهُم غَيْرُه، وَأُحْصِيَتْ مَشْيَخَتُهُ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ شَيْخٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَرْبَعُ مائَةِ شَيْخٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِيْنَ صَحَابِيّاً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ يُشبِهُ الزُّهْرِيَّ فِي الكَثْرَةِ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: كَانَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ إِذَا رَأَوْا أَبَا إِسْحَاقَ، قَالُوا: هَذَا عَمْرٌو القَارِئُ الَّذِي لاَ يَلْتَفِتُ. ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ) : هُوَ عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ ذِي يُحْمِدَ بنِ السَّبِيْعِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَكْثَرُ مَنْ سَمَّاهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ أَبَاهُ. قَالَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: رَأَيْت عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ شَرِيْكٌ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: غَزَوتُ فِي زَمَنِ زِيَادٍ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِيْهِ- سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزْوَاتٍ -. فَمَاتَ قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، وَمَا رَأَيْتُ قَطُّ خَيْراً مِنْ زِيَادٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَلاَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ؟ قَالَ: مَا كَانَ زَمَنَ زِيَادٍ إِلاَّ عُرْسٌ. رَوَاهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الكُوْفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ. أَنْبَأَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ سَمِعُوا ابْنَ طَبَرْزَدْ، أَنَّ عَبْدَ الوَهَّابِ الحَافِظَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ بِهَذَا (1) . وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، يَقُوْلُ: سَأَلنِي مُعَاوِيَةُ: كَمْ كَانَ عَطَاءُ أَبِيْكَ؟ قُلْتُ: ثَلاَثُ مائَةٍ. فَفَرَضَ لِي ثَلاَثَ مائَةٍ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفرِضُوْنَ لِلرَّجُلِ فِي مِثْلِ عَطَاءِ أَبِيْهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَدْرَكتُ أَبَا إِسْحَاقَ، وَقَدْ بَلَغَ عَطَاؤُهُ أَلفَ دِرْهَمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، لَمْ يُدْرِكْ أَبُو البَخْتَرِيِّ عَلِيّاً، وَلَمْ يَرَهُ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: ضَرَبنِي عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالدِّرَّةِ عِنْدَ المَيْضَأَةِ.   (1) إسناد القصة ضعيف لضعف محمد بن يزيد الكوفي. قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ أَبِي: قُمْ، فَانْظُرْ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَإِذَا هُوَ عَلَى المِنْبَرِ شَيْخاً، أَبْيَضَ الرَّأسِ وَاللِّحْيَةِ، أَجْلَحَ، ضَخْمَ البَطْنِ، رَبْعَةً، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَه. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، أَقنُتُ؟ قَالَ: لاَ. حَدَّثَنَا مَحْمُوْدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: زَعَمَ عَبْدُ المَلِكِ أَنِّي أَكْبَرُ مِنْهُ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ -يَعْنِي: ابْنَ عُمَيْرٍ-. حَدَّثَنِي شُرَيْحٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ صِلَةَ بنَ زُفَرَ مُنْذُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، قَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ العِلْمَ فِي حَيَاةِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا هُوَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ وَمَسْجِدٍ عَلَى بَابِهَا وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِثْلَ الَّذِي أَصَابَه الفَالِجُ، مَا يَنْفَعُنِي يَدٌ وَلاَ رِجْلٌ؟ فَقُلْتُ: أَسَمِعْتَ مِنَ الحَارِثِ؟ فَقَالَ لِي ابْنُه يُوْسُفُ: هُوَ قَدْ رَأَى عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَكَيْفَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الحَارِثِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، رَأَيْتَ عَلِيّاً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سُفْيَانُ: وَاجْتَمَعَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَبَا إِسْحَاقَ. قَالَ: لاَ وَاللهِ، بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَسَنُّ مِنِّي. قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانُوا يَرَوْنَ السَّعَةَ عَوناً عَلَى الدِّيْنِ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: مَا أَقَلَّتْ عَيْنِي غَمضاً مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ، قَالَ: قُلْتُ: تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فُضَيْلٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنِّي -وَاللهِ- أُحِبُّكَ، لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْكَ، لَقَبَّلْتُكَ. فَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيْعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوْبِهِم، وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُم} [الأَنْفَالُ: 63] : نَزَلتْ فِي المُتَحَابِّيْنَ (1) . قَالَ يُوْنُسُ: كَانَ أَبِي يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ أَلْفَ آيَةٍ. وَقَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: قَالَ لَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، اغْتَنِمُوا -يَعْنِي: قُوَّتَكُم وَشَبَابَكُم- قَلَّمَا مَرَّتْ بِي لَيْلَةٌ إِلاَّ وَأَنَا أَقرَأُ فِيْهَا أَلفَ آيَةٍ، وَإِنِّي لأَقرَأُ البَقَرَةَ فِي رَكْعَةٍ، وَإِنِّي لأَصُوْمُ: الأَشْهُرَ الحُرمَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالاثْنَيْنَ، وَالخَمِيْسَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: ذَهَبَتِ الصَّلاَةُ مِنِّي وَضَعُفْتُ، وَإِنِّي لأُصَلِّي، فَمَا أَقرَأُ وَأَنَا قَائِمٌ إِلاَّ بِالبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ. ثُمَّ قَالَ الأَخْنَسِيُّ: حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ العَبْدِيُّ، قَالَ: ضَعُفَ أَبُو إِسْحَاقَ قَبْلَ مَوْتِه بِسَنَتَيْنِ، فَمَا كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَقُوْمَ حَتَّى يُقَامَ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِماً، قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ أَلْفَ آيَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَعجَبُ مِنْ حِفْظِ أَبِي إِسْحَاقَ لِرِجَالِه الَّذِيْنَ يَرْوِي عَنْهُم. ثُمَّ قَالَ الحَسَنُ: وَحَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ إِذَا جَاءَ إِلَى أَبِي، رَحِمتُهُ مِنْ طُوْلِ جُلُوْسِ الأَعْمَشِ مَعَهُ. حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ بِأَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا بِأَحَادِيْثِ عَبْدِ اللهِ غَضّاً، لَيْسَ عَلَيْهَا غُبَارٌ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: سَأَلْتُ أَبَا إِسْحَاقَ: أَيْنَ كُنْتَ أَيَّامَ المُخْتَارِ؟ قَالَ: كُنْتُ غَائِباً بِخُرَاسَانَ.   (1) وأخرجه الطبري 10 / 36 من طريق محمد بن خلف حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا فضيل بن غزوان عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عن عبد الله..) ورجاله ثقات، وصححه الحاكم 2 / 329، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 27، 28، من طريق أخرى، ونسبه للبزار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وَبِهِ: حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ يَقُوْلُ: لَقِيَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَلِيّاً، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ، وَالبَرَاءَ، وَزَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، وَجَابِرَ بنَ سَمُرَةَ، وَحَارِثَةَ بنَ وَهْبٍ، وَحُبْشِيَّ بنَ جُنَادَةَ، وَأَبَا جُحَيْفَةَ، وَالنُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ صُرَدٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يَزِيْدَ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَذَا الجَوْشَنِ، وَعُمَارَةَ بنَ رُوَيْبَةَ، وَالأَشْعَثَ بنَ قَيْسٍ، وَالمُغِيْرَةَ، وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَعَمْرَو بنَ الحَارِثِ، وَعَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ، وَرَافِعَ بنَ خَدِيْجٍ، وَالمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ، وَسَلَمَةَ بنَ قَيْسٍ الأَشْجَعِيَّ، وَسُرَاقَةَ بنَ مَالِكٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبْزَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَخْضِبُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ. قَالَ شَرِيْكٌ: وُلدَ أَبُو إِسْحَاقَ لِثَلاَثِ سِنِيْنَ بَقِيْنَ مِنْ سُلْطَانِ عُثْمَانَ. وَقَالَ مُغِيْرَةُ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، ذَكَرتُ بِهِ الضَّربَ الأَوَّلَ. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ جَالَسَ أَبَا إِسْحَاقَ، فَقَدْ جَالَسَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الحَارِثِ الأَعْوَرِ، فَوَقَعَتْ إِلَيْهِ كُتُبُه. شَبَابَةُ: عَنْ شُعْبَةَ: مَا سَمِعَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الحَارِثِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ -يَعْنِي: أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ كَانَ يُدَلِّسُ-. قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: شَهِدتُ عِنْدَ شُرَيْحٍ فِي وَصِيَّةٍ، فَأَجَازَ شَهَادَتِي وَحْدِي. وَقِيْلَ لِشُعْبَةَ: أَسَمِعَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: وَمَا كَانَ يَصْنَعُ بِهِ، هُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنْ مُجَاهِدٍ، وَمِنَ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 قَالَ عُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ المُسْلِي: رَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ أَعْمَى يَسُوقُه إِسْرَائِيْلُ، وَيَقُودُه ابْنُهُ يُوْسُفُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ لأَبِي إِسْحَاقَ: مَا بَقِيَ مِنْكَ؟ قَالَ: أَقرَأُ البَقَرَةَ فِي رَكْعَةٍ. قَالَ: بَقِيَ خَيْرُكَ، وَذَهَبَ شَرُّكَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: حَفِظَ العِلْمَ عَلَى الأُمَّةِ سِتَّةٌ: فَلأَهْلِ الكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ، وَلأَهْلِ البَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَلأَهْلِ المَدِيْنَةِ: الزُّهْرِيُّ (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: مَا سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَعِيبُ أَحَداً قَطُّ، وَإِذَا ذَكَرَ رَجُلاً مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَأَنَّهُ أَفْضَلُهُم عِنْدَه. قَالَ فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ عِلْمِي كَفَافاً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَبُو إِسْحَاقَ ثِقَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَزُهَيْرٌ، وَإِسْرَائِيْلُ، حَدِيْثُهُم عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَرِيْباً مِنَ السَّوَاءِ، وَإِنَّمَا أَصْحَابُه شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ. وَقَالَ جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ: مَا أَفسَدَ حَدِيْثَ أَهْلِ الكُوْفَةِ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ. قُلْتُ: لاَ يُسْمَعُ قَوْلُ الأَقرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ، وَحَدِيْثُ أَبِي إِسْحَاقَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَيَقَعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: تُوُفِّيَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، يَوْمَ دُخُوْلِ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ غَالِباً عَلَى الكُوْفَةِ.   (1) سقط من هنا السادس وذكره في التاريخ، فقال: ولاهل مكة عمرو بن دينار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 قُلْتُ: فِيْهَا وَرَّخَه الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُم. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ آدَمَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَفَنَّا أَبَا إِسْحَاقَ أَيَّامَ الخَوَارِجِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ يَوْمَ دَخَلَ الضَّحَّاكُ بنُ قَيْسٍ الكُوْفَةَ، سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ الضَّحَّاكُ الكُوْفَةَ، فَرَأَى الجَنَازَةَ وَكَثْرَةَ مَا فِيْهَا، فَقَالَ: كَأَنَّ هَذَا فِيْهِم رَبَّانِيٌّ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ مَاتَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. عَاشَ: ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَبَيْنِي وَبَيْنَه سَبْعَةُ أَنْفُسٍ بِإِجَازَةٍ وَثَمَانِيَةٍ بِالاتِّصَالِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ، فِي كِتَابِهِم، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُه، فَأَحْرَمْنَا بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ: (اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً) . فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالحَجِّ، فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ فَقَالَ: (انْظُرُوا الَّذِي آمُرُكُمْ بِهِ، فَافْعَلُوا) . فَرَدُّوا عَلَيْهِ القَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الغَضَبَ فِي وَجْهِه، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبهُ اللهُ. قَالَ: (وَمَا لِيَ لاَ أَغْضَبُ؟! وَأَنَا آمُرُ بِالأَمْرِ فَلاَ أُتَّبَعُ (1)) . أَخْرَجَهُ:   (1) أخرجه ابن ماجه (2982) في المناسك: باب فسخ الحج، وأحمد 4 / 286 وسنده قوي وفي الباب حديث ابن عباس وفيه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: " حل كله " أخرجه البخاري 3 / 337، 338، ومسلم (1240) وعن جابر بن عبد الله أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معهم، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة. وقصروا، ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا الذي قدمتم = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَالقَزْوِيْنِيُّ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا لُوَيْنُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ (1)) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: وَجَدْنَا الحَدِيْثَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ، وَكَانَ قَتَادَةُ أَعْلَمَهُم بِالاخْتِلاَفِ، وَالزُّهْرِيُّ أَعْلَمَهُم بِالإِسْنَادِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ أَعْلَمَهُم بِحَدِيْثِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَكَانَ عِنْدَ الأَعْمَشِ مِنْ كُلِّ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ.   = بها متعة، فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج، فقال: افعلوا ما أمرتكم، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله " ففعلوا. أخرجه البخاري 3 / 343، ومسلم (1216) (143) وفي الباب غير ما ذكرنا، راجع " زاد المعاد " لابن القيم 2 / 178، 210 بتحقيقنا فإنه قد وفى الموضوع حقه. (1) وأخرجه الترمذي (2572) في صفة الجنة من طريق هناد، والنسائي 8 / 279 من طريق قتيبة كلاهما عن أبي الاحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، وصححه الحاكم 1 / 534، 535، وأقره المؤلف في مختصره وهو كما قالا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ التَّابِعِيْنَ 181 - مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ أَبُو عَتَّابٍ السُّلَمِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَتَّابٍ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَمٍ: هُوَ مِنْ بَنِي بُهْثَةَ بنِ سُلَيْمٍ، مِنْ رَهطِ العَبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ. قُلْتُ: يَرْوِي عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَرِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَذَرِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَكُرَيْبٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَأَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ، وَطَبَقَتِهم. وَمَا عَلِمتُ لَهُ رِحلَةً وَلاَ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبلاَ شَكٍّ كَانَ عِنْدَه بِالكُوْفَةِ بَقَايَا الصَّحَابَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ شَابٌّ مِثْلُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، صَاحِبَ إِتقَانٍ وَتَألُّهٍ وَخَيْرٍ. وَيَنْزِلُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَى: الزُّهْرِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيُفَضِّلُوْنَهُ عَلَى الأَعْمَشِ. وَقِيْلَ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ مُطْلَقاً: سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 337، طبقات خليفة 164، تاريخ خليفة 404، التاريخ الكبير 7 / 346، الجرح والتعديل 8 / 177، حلية الأولياء 5 / 40، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 114، 115، تهذيب الكمال 1375، تذهيب التهذيب 4 / 72 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 305، طبقات القراء 2 / 314، خلاصة تذهيب الكمال 388، شذرات الذهب 1 / 189. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ عَمِّه - وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - وَهُم مِنْ أَقْرَانِهِ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَمَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَالفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَجَعْفَرُ بنُ زِيَادٍ الأَحْمَرُ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَمُفَضَّلُ بنُ مُهَلْهَلٍ، وَهُرَيْمُ بنُ سُفْيَانَ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ، وَوُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَرْوَزِيُّ، وَالجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ أَبُو وَكِيْعٍ، وَالحَكَمُ بنُ هِشَامٍ الثَّقَفِيُّ، وَسَلاَمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ المَسْعُوْدِيُّ، وَمُعَلَّى بنُ هِلاَلٍ الطَّحَّانُ، وَأَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ، وَأَبُو المُحَيَّاةِ يَحْيَى بنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَبَّارُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمٌ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. رَوَى: شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَا كَتَبتُ حَدِيْثاً قَطُّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنْ مَنْصُوْرٍ. أجَازَ لَنَا ابْنُ البُخَارِيِّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَصَّارُ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، عَنْ زَائِدَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ: اليَوْمَ الَّذِي أَصُومُ أَقَعُ فِي الأُمَرَاءِ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَأَقعُ فِي مَنْ يَتَنَاوَلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنِي ابْنُ زَنْجَوَيْه، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَهْدِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَتْ بِنْتٌ لِجَارِ مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ: يَا أَبَةُ، أَيْنَ الخَشَبَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي سَطحِ مَنْصُوْرٍ قَائِمَةً؟ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، ذَاكَ مَنْصُوْرٌ، كَانَ يَقُوْمُ اللَّيْلَ. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: رَأَيْت مَنْصُوْراً إِذَا قَامَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 فِي الصَّلاَةِ، عَقَدَ لِحْيَتَه فِي صَدْرِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الأَجْلَحِ، قَالَ: رَأَيْتُ مَنْصُوْراً أَحْسَنَ النَّاسِ قِيَاماً فِي الصَّلاَةِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَثْبَتَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَبَدَأَ بِمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي حَصِيْنٍ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ. قَالَ: وَكَانَ مَنْصُوْرٌ أَثبَتَهم. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْصُوْراً، كَانَ صَوَّاماً قَوَّاماً. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ مَنْصُوْرٍ مِنَ الثَّوْرِيِّ. وَقَدْ رَوَى: حُصَيْنٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ حُصَيْنٌ أَسَنَّ مِنْهُ. وَقَالَ هُشَيْمٌ: سُئِلَ حُصَيْنٌ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ مَنْصُوْرٌ؟ قَالَ: إِنِّي لأَذكُرُ لَيْلَةَ زُفَّتْ أُمُّ مَنْصُوْرٍ إِلَى أَبِيْهِ. أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ مُغِيْرَةَ، قَالَ: اخْتَلَفَ مَنْصُوْرٌ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، فَلَمَّا أَخَذَ فِي الآثَارِ، فَتَرَ. وَبِهِ: قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا الأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: لَوْ رَأَيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، وَرَبِيْعَ بنَ أَبِي رَاشِدٍ، وَعَاصِمَ بنَ أَبِي النَّجُوْدِ فِي الصَّلاَةِ، قَدْ وَضَعُوا لِحَاهُم عَلَى صُدُوْرِهِم، عَرَفْتَ أَنَّهُم مِنْ أَبزَارِ الصَّلاَةِ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى، وَسُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ: أَيُّهُم أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: إِذَا جَاءكَ مَنْصُوْرٌ، فَقَدْ مَلأتَ يَدَيْكَ لاَ تُرِيْدُ غَيْرَه. كَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ: كُنْتُ لاَ أُحَدِّثُ الأَعْمَشَ عَنْ أَحَدٍ إِلاَّ رَدَّه، فَإِذَا قُلْتُ: مَنْصُوْرٌ، سَكَتَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: قَالَ مَنْصُوْرٌ: وَدِدْتُ أَنِّي كَتَبتُ، وَأَنَّ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، قَدْ ذَهَبَ مِنِّي مِثْلُ عِلْمِي. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَنْصُوْرٌ أَحْسَنُ حَدِيْثاً عَنْ مُجَاهِدٍ مِنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ. وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ - وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ مَنْصُوْرٍ حَدَّثَنِي مَا قَبِلتُه مِنْهُ، وَلَقَدْ سَأَلتُه عَنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي، فَلَمَّا جَرتْ بَيْنِي وَبَيْنَه المَعْرِفَةُ، كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَنِي - قَالَ: حَدَّثَنَا رِبْعِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: اجْتَمَعتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيْهِم سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَرِقَّاؤُنَا لَحِقُوا بِكَ، فَارْدُدْهُم عَلَيْنَا. فَغَضِبَ حَتَّى رُؤِيَ الغَضبُ فِي وَجْهِه ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ القَضَاءَ، كَانَ يَأْتِيْهِ الخَصمَانِ، فَيَقُصُّ ذَا قِصَّتَه، وَذَا قِصَّتَه، فَيَقُوْلُ: قَدْ فَهِمتُ مَا قُلتُمَا، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا أَرُدُّ عَلَيْكُمَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَوِ ابْنَ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَلاَّهُ، فَقَالَ: هَذَا أَمرٌ لاَ يَنْفَعُ إِلاَّ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِشَهْوَةٍ. قَالَ: يَعْنِي: فَعَزَلَهُ. حَدَّثَنَا الأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ مَنْصُوْرٍ جَالِساً فِي مَنْزِلِهِ، فَتَصِيْحُ بِهِ أُمُّه، وَكَانَتْ فَظَّةً عَلَيْهِ، فَتَقُوْلُ: يَا مَنْصُوْرُ، يُرِيْدُك ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاءِ فَتَأْبَى! وَهُوَ وَاضِعٌ لِحْيَتَه عَلَى صَدْرِهِ، مَا يَرْفَعُ طَرْفَه إِلَيْهَا. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَنْصُوْرٌ أَثْبَتُ مِنَ الحَكَمِ.   (1) إسناده ضعيف لضعف شريك وهو ابن عبد الله النخعي، وأخرجه بنحوه أحمد 1 / 155 من طريق شريك، عن منصور، عن ربعي، عن علي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 يَحْيَى القَطَّانُ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، لَقُلْتَ: يَمُوْتُ السَّاعَةَ. وَقَالَ زَائِدَةُ: امْتَنَعَ مَنْصُوْرٌ مِنَ القَضَاءِ، فَدَخَلتُ عَلَيْهِ وَقَدْ جِيْءَ بِالقَيدِ لِيُقَيَّدَ، فَجَاءهُ خَصمَانِ، فَقَعَدَا، فَلَمْ يَسْأَلْهُمَا، وَلَمْ يُكَلِّمْهُمَا. فَقِيْلَ لِيُوْسُفَ بنِ عُمَرَ: لَوْ نَثَرتَ لَحْمَه لَمْ يَلِ القَضَاءِ. فَتَرَكَهُ. يَحْيَى القَطَّانُ: عَنْ شُعْبَةَ: سَأَلْتُ مَنْصُوْراً وَأَيُّوْبَ عَنِ القِرَاءةِ -يَعْنِي: قِرَاءةَ الحَدِيْثِ- فَقَالاَ: جَيِّدَةٌ. ابْنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: كَانَ مَنْصُوْرٌ إِذَا رَأَى مَعِي رُقعَةً، يَقُوْلُ: لاَ تَكتُبْ عَنِّي. فَأَترُكُه، وَآتِي مُغِيْرَةَ. قَالَ العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ مَنْصُوْرٌ يُصَلِّي فِي سَطْحِه، فَلَمَّا مَاتَ، قَالَ غُلاَمٌ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه! الجِذعُ الَّذِي فِي سَطحِ آلِ فُلاَنٍ، لَيْسَ أَرَاهُ! قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَيْسَ ذَاكَ بِجِذعٍ، ذَاكَ مَنْصُوْرٌ، وَقَدْ مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ: أَنَّ مَنْصُوْراً صَامَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَقَامَ لَيْلَهَا، وَكَانَ يَبْكِي، فَتَقُوْلُ لَهُ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ، قَتَلتَ قَتِيْلاً؟ فَيَقُوْلُ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا صَنَعتُ بِنَفْسِي. فَإِذَا كَانَ الصُّبْحُ، كَحَّلَ عَيْنَيْهِ، وَدَهَنَ رَأْسَه، وَبرَّقَ شَفَتَيْهِ، وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ. وَذَكَرَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ مَنْصُوْراً، فَقَالَ: قَدْ كَانَ عَمِشَ مِنَ البُكَاءِ. وَعَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: حَبَسَ ابْنُ هُبَيْرَةَ مَنْصُوْراً شَهراً عَلَى القَضَاءِ، يُرِيْدُهُ عَلَيْهِ، فَأَبَى، وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَحضَرَ قَيداً لِيُقَيِّدَه بِهِ، ثُمَّ خَلاَّهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ مَنْصُوْرٌ أَثْبَتَ أَهْلِ الكُوْفَةِ، لاَ يَخْتَلِفُ فِيْهِ أَحَدٌ، صَالِحٌ، مُتَعَبِّدٌ، أُكرِهَ عَلَى القَضَاءِ، فَقَضَى شَهْرَيْنِ. قَالَ: وَفِيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ، وَكَانَ قَدْ عَمِشَ مِنَ البُكَاءِ. قُلْتُ: تَشَيُّعُه حُبٌّ وَوَلاَءٌ فَقَطْ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: الأَعْمَشُ: حَافِظٌ، يُدَلِّسُ، وَيُخَلِّطُ، وَمَنْصُوْرٌ: أَتْقنُ مِنْهُ، لاَ يُخَلِّطُ وَلاَ يُدَلِّسُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ: أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوْفَةِ: مَنْصُوْرٌ، ثُمَّ مِسْعَرٌ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ فِي (الكُنَى) : أَبُو عَتَّابٍ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ المُعْتَمِرِ بنِ عَتَّابِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ المُعْتَمِرِ بنِ عَتَّابِ بنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ، مِنْ بُهْثَةَ بنِ سُلَيْمٍ، مِنْ رَهطِ العَبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ، وَمُجَاشِعِ بنِ مَسْعُوْدٍ السُّلَمِيَّيْنِ، وَجَدُّهُ عَبْدُ اللهِ بنُ رَبِيْعَةَ السُّلَمِيُّ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَادُه فِي التَّابِعِيْنَ. سَمِعَ: زَيْدَ بنَ وَهْبٍ، وَأَبَا وَائِلٍ شَقِيْقَ بنَ سَلَمَةَ، وَرَوَى عَنْهُ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوْظاً. رَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَيُّوْبُ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مِهْرَانَ الكَاهِلِيُّ - وَهُوَ أَحَدُ مُتَّقِي مَشَايِخِ الكُوْفِيِّينَ وَنُسَّاكِهِم -. مَاتَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَهُوَ ابْنُ عَمِّ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُتْبَةَ بنِ فَرْقَدٍ. قَالَ: وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ أَخُوْهُ لأُمِّهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: طَلبَ مَنْصُوْرٌ الحَدِيْثَ قَبْل وَقْعَةِ الجَمَاجِمِ (1) ، وَالأَعْمَشُ طَلَبَ بَعْدَ الجَمَاجِمِ.   (1) وقعة الجماجم بين عبد الرحمن بن الاشعث والحجاج بن يوسف الثقفي، كان الغلب فيها للحجاج وقتل فيها عدد كثير من القراء كانت سنة ثلاث وثمانين أو اثنتين وثمانين، والجماجم: موضع بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها. انظر العبر 1 / 96، ودول الإسلام 1 / 58. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَتْقَنُ مِنَ الأَعْمَشِ، لاَ يُخَلِّطُ وَلاَ يُدلِّسُ، بِخِلاَفِ الأَعْمَشِ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مَنْصُوْرٌ فِي الدِّيوَانِ، فَكَانَ إِذَا دَارَتْ نَوبَتُه، لَبِسَ ثِيَابَه، وَذَهَبَ، فَحَرَسَ -يَعْنِي: فِي الرِّبَاطِ-. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ صَاحِبَكُم، وَكَانَ مِنْ هَذِهِ الخَشَبِيَّةِ، وَمَا أُرَاهُ كَانَ يَكْذِبُ. قُلْتُ: الخَشَبِيَّةُ: هُمُ الشِّيْعَةُ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: كَانَ مَنْصُوْرٌ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ. وَحِكَايَةُ أَبِي بَكْرٍ البَاغَنْدِيِّ الحَافِظِ مَشْهُوْرَةٌ، سَمِعنَاهَا فِي (مُعْجَمِ الغَسَّانِيِّ) ، أَنَّهُ كَانَ يَنتَخِبُ عَلَى شَيْخٍ، فَكَانَ يَقُوْلُ لَهُ: كَمْ تُضجِرُنِي؟ أَنْتَ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنِّي وَأَحْفَظُ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ جِئْتُ إِلَى الحَدِيْثِ، بِحَسْبِكَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَلَمْ أَسْأَلْه الدُّعَاءَ، وَإِنَّمَا قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَيُّمَا أَثْبَتُ فِي الحَدِيْثِ، مَنْصُوْرٌ أَوِ الأَعْمَشُ؟ فَقَالَ: مَنْصُوْرٌ مَنْصُوْرٌ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بنُ جَمِيْلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: كِدتُ أَنْ أَلْقَى الله - تَعَالَى - بِعَمَلِ نَبِيٍّ. ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: صَامَ مَنْصُوْرٌ سِتِّيْنَ سَنَةً، يَقُوْمُ لَيْلَهَا، وَيَصُوْمُ نَهَارَهَا -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: مَاتَ مَنْصُوْرٌ بَعْدَ مَا قَدِمَ السُّوْدَانُ -يَعْنِي: المُسَوَّدَةَ، أَيْ: آلَ العَبَّاسِ-. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَاتَ مَنْصُوْرٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَشَبَابٌ العُصْفُرِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، بَعْد السُّودَانِ بِقَلِيْلٍ، ثُمَّ أَعَادَه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَمِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُؤَيَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَرَجِ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي مَنْزِلِنَا، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الحَافِظُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ، فَهُوَ مُنَافِقٌ: كَذُوْبٌ إِذَا حَدَّثَ، مُخَالِفٌ إِذَا وَعَدَ، خَائِنٌ إِذَا ائْتُمِنَ، فَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ، فَفِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا (1)) . وَبِهِ: قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مَنْصُوْرٌ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (آيَةُ المُنَافِق ... ) ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً تَابَعَ أَبَا دَاوُدَ عَلَى هَذَا، وَهُوَ ثِقَةٌ. قُلْتُ: يَعْنِي: تَفَرَّدَ بِرَفْعِه.   (1) إسناده صحيح وكذا سند المرفوع الذي أخرجه الطيالسي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 108، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وفي الباب عن أبي هريرة وأخرجه البخاري 1 / 83 و84 في الايمان: باب علامات النفاق، ومسلم (59) في الايمان: باب بيان خصال المنافق بلفظ " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " وعن عبد الله بن عمرو عند البخاري 1 / 84، ومسلم (58) بلفظ " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ، حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَلِجِ النَّارَ) (1) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ. وَإِسْنَادُهُ مُسلْسَلٌ بِحَدَّثَنَا، وَقَلَّ أَنْ يَقَعَ مِثْلُ هَذَا، وَفِي رِجَالِه مَعَ صِدْقِهِم خَمْسَةُ رِجَالٍ فِيْهِم مَقَالٌ، وَمَتْنُهُ مَقْطُوْعٌ بِهِ. وَرَوَاهُ: البَغَوِيُّ أَيْضاً فِي (الجَعْدِيَّاتِ) ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا مَنْصُوْرٌ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنتُ وَإِذَا أَسَأتُ؟ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتَ جِيْرَانَكَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ (2)) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: غَرِيْبٌ مِنْ حَدِيْثِ مَنْصُوْرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا خَطِيْبُ المَوْصِلِ عَبْدُ اللهِ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى المُتَوَلِّي، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ   (1) وأخرجه الترمذي (2660) في العلم: باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طريق شريك بن عبد الله، عن منصور، عن ربعي بن خراش عن علي بن أبي طالب، وهو حديث متواتر. (2) حلية الأولياء 5 / 43، ورجاله ثقات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 بنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 13] ، قَالَ: يُحْرَقُوْنَ عَلَيْهَا، وَيُعَذَّبُوْنَ (1) . أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ بَرَكَةَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، وَأَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الجَبَّارِ - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ بَعْد التَّسْلِيمِ، وَحَدَّثَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (2) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ الحَجَّارُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ، قَالَ: (لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ) (3) .   (1) وأخرجه الطبري 26 / 194 من طريق فضيل بن عياض عن منصور، عن مجاهد بلفظ " ينضجون بالنار " وفي تفسير مجاهد ص 617 حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل (يفتنون) يعني يحرقون، أي كما يفتن الذهب في النار. (2) إسناده صحيح، وأخرجه بنحوه البخاري 1 / 422 و423، ومسلم (572) ، وأبو داود (1020) ، والنسائي 3 / 28، وابن ماجه (1212) . (3) وأخرجه أحمد 2 / 377 و389، والنسائي 5 / 99، وابن ماجه (1839) من طريق أبي بكر ابن عياش عن أبي حصين، عن سالم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " وصححه ابن حبان (806) ، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (1634) والترمذي (652) وأحمد 2 / 164 و192، وصححه الحاكم 1 / 407، وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار عند أبي داود (1633) والنسائي 5 / 99، 100 وإسناده صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 هَذَا حَدِيْثٌ قَوِيُّ الإِسْنَادِ، مُتَجَاذَبٌ بَيْنَ الوَقفِ وَالرَّفعِ، إِذْ قَوْلُه: يَبْلُغُ بِهِ، مُشْعِرٌ بِرَفْعِهِ، وَتَرْكُهُ لِذِكْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُؤْذِنٌ بِوَقْفِهِ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَاذَانَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: حُفَّاظُ الكُوْفَةِ أَرْبَعَةٌ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ، وَمَنْصُوْرٌ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَبُو حَصِيْنٍ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: لَقِيْتُ سُفْيَانَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: مَا خَلَّفتُ بَعْدِي بِالكُوْفَةِ آمَنَ عَلَى الحَدِيْثِ مِنْ مَنْصُوْرٍ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ قَوْماً قَالُوا: مَنْصُوْرٌ أَثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ مِنْ مَالِكٍ. قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ؟ هَؤُلاَءِ جُهَّالٌ، مَنْصُوْرٌ إِذَا نَزَلَ إِلَى المَشَايِخِ اضْطَرَبَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَنْصُوْرٌ نَظِيْرُ أَيُّوْبَ عِنْدِي، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنَ الحَكَمِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الحَكَمُ أَثْبَتُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: إِذَا حَدَّثكَ عَنْ مَنْصُوْرٍ ثِقَةٌ، فَقَدْ مَلأتَ يَدَيْكَ، لاَ تُرِيْدُ غَيْرَه. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَ سُفْيَانُ يَوْماً عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: هَذَا الشَّرَفُ عَلَى الكَرَاسِي. 182 - أَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمِ بنِ حَصِيْنٍ الأَسَدِيُّ * (ع) وَقِيْلَ: بَدَلَ حَصِيْنٍ زَيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (*) طبقات خليفة 159، التاريخ الكبير 6 / 240، 241، الجرح والتعديل 6 / 160، تهذيب الكمال 913، تذهيب التهذيب 3 / 30 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 107، تهذيب التهذيب 7 / 126، خلاصة تذهيب الكمال 260. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُقَالُ: هُوَ مِنْ وَلَدِ عَبِيْدِ بنِ الأَبْرَصِ. رَوَى عَنْ: جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، وَغَيْرِهِم مِنَ الصَّحَابَةِ. وَرَوَى عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ مُرْسَلاً. وَعَنْ: عُمَيْرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبِي الضُّحَى، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَّانِ، وَأَبِي وَائِلٍ الأَسَدِيِّ، وَيَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، وَأَبِي مَرْيَمَ الأَسَدِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَزَائِدَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَأَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ الحَنَفِيُّ - يُقَالُ: حَدِيْثاً وَاحِداً - وَإِسْرَائِيْلُ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ جُشَمِ بنِ الحَارِثِ، ثُمَّ مِنْ أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ بِالكُوْفَةِ لاَ يُخْتَلَفُ فِي حَدِيْثِهِم، فَمَنِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِم، فَهُوَ مُخْطِئٌ، لَيْسَ هُم، مِنْهُم أَبُو حَصِيْنٍ الأَسَدِيُّ. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَثْبَتُ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مَنْصُوْرٌ، وَأَبُو حَصِيْنٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ. قَالَ: وَكَانَ مَنْصُوْرٌ أَثْبَتَ أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَرَوَى: الحَارِثُ بنُ شُرَيْحٍ النَّقَّالُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لاَ تَرَى حَافِظاً يَخْتَلِفُ عَلَى أَبِي حَصِيْنٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: الأَعْمَشُ، وَيَحْيَى بنُ وَثَّابٍ مَوَالِي، وَأَبُو حَصِيْنٍ مِنَ العَرَبِ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ يَصْنَعِ الأَعْمَشُ مَا صَنَعَ، وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ. قِيْلَ لَهُ: أَيُّهُمَا أَصَحُّ حَدِيْثاً، هُوَ أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ؟ قَالَ: أَبُو حَصِيْنٍ أَصَحُّ حَدِيْثاً؛ لِقِلَّةِ حَدِيْثِه، وَكَذَا مَنْصُوْرٌ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ الأَعْمَشِ؛ لِقِلَّةِ حَدِيْثِه. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ أَبُو حَصِيْنٍ شَيْخاً، عَالِياً، وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ. يُقَالُ: كَانَ قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ أَرْوَى النَّاسِ عَنْهُ، عِنْدَهُ عَنْهُ أَرْبَعُ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَانَ ثِقَةً، عُثْمَانِياً، رَجُلاً صَالِحاً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، هُوَ أَسَنُّ مِنَ الأَعْمَشِ، وَكَانَ الَّذِي بَيْنَهُمَا مُتبَاعِداً. وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ، حَتَّى تَحَوَّلَ الأَعْمَشُ عَنْهُ إِلَى بَنِي حَرَامٍ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَصِيْنٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَقرَأُ مِنَ الأَعْمَشِ. وَكَانَا فِي مَسْجِدِ بَنِي كَاهِلٍ، فَقَالَ الأَعْمَشُ لِرَجُلٍ يَقْرَأُ عَلَيْهِ: اهْمِزِ الحُوْتَ. فَهَمَزَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَرَأَ أَبُو حَصِيْنٍ فِي الفَجْرِ: {ن} ، فَقَرَأَ كَصَاحِبِ الحُؤْتِ، فَهَمَزَ. فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لَهُ الأَعْمَشُ: يَا أَبَا حَصِيْنٍ، كَسَرْتَ ظَهْرَ الحُوتِ. قَالَ: فَكَانَ مَا بَلَغَكُم؟ قَالَ: وَالَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قَذَفَه. فَحَلَفَ الأَعْمَشُ لَيَحُدَّنَّه، وَكَلَّمَه بَنُو أَسَدٍ، فَأَبَى، فَقَالَ خَمْسُوْنَ مِنْهُم: وَاللهِ لَنَشْهَدَنَّ أَنَّ أُمَّهُ كَمَا قَالَ. فَحَلَفَ الأَعْمَشُ أَنْ لاَ يُسَاكِنَهُم، وَتَحَوَّلَ (1) . قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: أَبُو حَصِيْنٍ ثِقَةٌ.   (1) لا تصح هذه القصة، فإن في سندها أبا هشام الرفاعي وهو محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوي، وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَصْحَابُ الشَّعْبِيِّ: أَبُو حَصِيْنٍ، ثُمَّ إِسْمَاعِيْلُ، ثُمَّ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، ثُمَّ الشَّيْبَانِيُّ وَمُطَرِّفٌ وَبَيَانٌ طَبَقَةٌ، الشَّيْبَانِيُّ أَعْلاَهم، وَمُغِيْرَةُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، رَوَى عَنْهُ، فَأَجَادَ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي السَّفَرِ طَبَقَةٌ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ وَأَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ وَابْنُ أَبْجَرَ طَبَقَةٌ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ فَوْقَ جَابِرٍ وَابْنِ سَالِمٍ، وَمُجَالِدٌ فَوْقَ أَشْعَثَ، وَفَوْقَ أَجْلَحَ الكِنْدِيِّ. رَوَى: أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: أَبُو حَصِيْنٍ يَسْمَعُ مِنِّي، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَروِيهِ. يَحْيَى بنُ آدَمَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَصِيْنٍ، قَالَ: مَا سَمِعْنَا بِحَدِيْثِ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ (1)) ، حَتَّى جَاءَ هَذَا مِنْ خُرَاسَانَ، فَنَعَقَ بِهِ -يَعْنِي: أَبَا إِسْحَاقَ- فَاتَّبَعَه عَلَى ذَلِكَ نَاسٌ. قُلْتُ: الحَدِيْثُ ثَابِتٌ بِلاَ رَيْبٍ، وَلَكِنْ أَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانِيٌّ، وَهَذَا نَادِرٌ فِي رَجُلٍ كُوْفِيٍّ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى أَبِي حَصِيْنٍ وَهُوَ مُختَفٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي: بَنِي أُمَيَّةَ- يُرِيْدُوْنِي عَلَى دِيْنِي، وَاللهِ لاَ أُعْطِيْهِم إِيَّاهُ أَبَداً. وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ - وَدَخَلتُ مَعَهُ المَسْجِدَ -: انْظُرْ، هَلْ تَرَى أَبَا حَصِيْنٍ نَجلِسْ إِلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ لَمَّا حَضَرتْهُ الوَفَاةُ: بِمَنْ تَأمُرُنَا؟ قَالَ: مَا أَنَا بِعَالِمٍ، وَلاَ أَترُكُ عَالِماً، وَإِنَّ أَبَا حَصِيْنٍ رَجُلٌ صَالِحٌ.   (1) ولفظه بتمامه " من كنت مولاه، فعلي مولاه " وهو حديث صحيح ثابت كما قال المؤلف رحمه الله، فقد أخرجه الترمذي (3713) وأحمد 4 / 370 و372 من حديث زيد بن أرقم، وسنده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه أحمد 4 / 281، وابن ماجه (121) من حديث البراء، ورجال إسناد ابن ماجه، ثقات، وأخرجه أحمد 5 / 358 من حديث بريدة بلفظ " من كنت وليه، فعلي وليه " ورجاله ثقات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 رَوَى مِثْلَهَا: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ. وَقَالَ مِسْعَرٌ: بَعَثَ بَعْضُ الأُمَرَاءِ إِلَى أَبِي حَصِيْنٍ بِأَلْفَي دِرْهَمٍ، وَهُوَ عَائِلٌ، فَرَدَّهَا. فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ رَدَدْتَهَا؟ قَالَ: الحَيَاءُ، وَالتَّكَرُّمُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَبُو حَصِيْنٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالَ: لَيْسَ لِي بِهَا عِلْمٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِيْنٍ يَقُوْلُ: إِنَّ أَحَدَهُم لَيُفْتِي فِي المَسْأَلَةِ، وَلَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ، لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ العَسْكَرِيُّ: أَبُو حَصِيْنٍ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ الكُوْفَةِ خَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلدٌ ذَكَرٌ، وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ، وَبِنتُ بِنْتٍ، تَزَوَّجَ بِهَا قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَصِيْنٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُم وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِيْنَ} [الزُّخْرُفُ: 76] . ثُمَّ أُغمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَخَلِيْفَةُ: مَاتَ أَبُو حَصِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُم: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ. وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَدْ رَوَى: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ رِوَايَةً أُخْرَى شَاذَّةً: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ التَّمِيْمِيُّ بِسَفحِ قَاسِيُوْنَ وَبِالبَلَدِ، عَنْ عَبْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: مَا كُنْتُ أَدِي مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الحَدَّ إِلاَّ شَارِبَ الخَمْرِ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسُنَّ فِيْهِ شَيْئاً، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَة جَمِيْعاً، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى، فَوَافَقْنَاهم بِعُلُوِّ دَرَجَتِه. 183 - مَخْرَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَالِبِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الهَاشِمِيِّ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَكُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قُتِلَ: يَوْمَ وَقْعَةِ قُدَيْدٍ (2) ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ، بِقُربِ مَكَّةَ فِي طَلَبِ الإِمَارَةِ، فَقُتِلَ   (1) أخرجه أبو داود (4486) وابن ماجه (2569) كلاهما في الحدود ورجاله ثقات خلا شريك فهو سيء الحفظ. (*) التاريخ الكبير 8 / 15، الجرح والتعديل 8 / 363، تهذيب الكمال 1311، تذهيب التهذيب 4 / 28 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 162، تهذيب التهذيب 10 / 71، خلاصة تذهيب الكمال 371، شذرات الذهب 1 / 177. (2) كانت بين جيش عبد الله بن يحيى الكندي المتغلب على اليمن، ثم على مكة، وبين جيش الخليفة مروان الأموي، انظر خبرها في " تاريخ الإسلام " 5 / 38 للمؤلف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 يَوْمَئِذٍ نَحْوُ الثَّلاَثِ مائَةٍ فِي صَفَرٍ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ، وَقَالَتِ امْرَأَةٌ: مَا لِلزَّمَانِ وَمَا لِيَهْ ... أَفْنَتْ قُدَيْدُ رِجَالِيَهْ 184 - سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي المَدِيْنَةِ، أَبُو إِسْحَاقَ - وَيُقَالُ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ - القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ. رَأَى: ابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَحَفْصِ بنِ عَاصِمٍ، وَأَبِيْهِ؛ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَمِّهِ؛ حُمَيْدٍ، وَخَالَيْهِ؛ إِبْرَاهِيْمَ وَعَامِرٍ ابْنَيْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَمَعَبْدٍ الجُهَنِيِّ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، يُذْكَرُ مَعَ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ. رَوَى عَنْهُ: وَلدُهُ؛ الحَافِظُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ الهَادِ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَمِسْعَرٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بنُ   (*) التاريخ الكبير 4 / 51، التاريخ الصغير 1 / 324، تاريخ الفسوي 1 / 411، 681، تاريخ الطبري 7 / 227، الجرح والتعديل 4 / 79، تهذيب الكمال 471، تذهيب التهذيب 2 / 7 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 77، تهذيب التهذيب 3 / 463، خلاصة تذهيب الكمال 133، شذرات الذهب 1 / 173. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، وَلِيَ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، قِيْلَ لَهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيْهِ سَمَاعٌ. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَلْقَ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ. قُلْتُ: حَدِيْثُه عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) . وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ لاَ يُحَدِّثُ بِالمَدِيْنَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتُبْ عَنْهُ أَهْلُهَا، وَمَالِكٌ لَمْ يُكْتَبْ عَنْهُ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ: شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ بِوَاسِطَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ بِمَكَّةَ. وَذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ: أَنْ أَبَاهُ سَرَدَ الصَّوْمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بِأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا ذَكَرَ سَعْدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَبِيْبِي سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. مَعْنٌ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ بَانَكَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقْضِي فِي المَسْجِدِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَتَى عَزلُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَنِ القَضَاءِ، كَانَ يُتَّقَى كَمَا يُتَّقَى وَهُوَ قَاضٍ. الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: قَضَى سَعْدُ بنُ   (1) أخرجه البخاري 9 / 495 في الاطعمة: باب القثاء، ومسلم (2044) في الاشربة من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 إِبْرَاهِيْمَ عَلَى رَجُلٍ بِرَأْيِ رَبِيْعَةَ، فَأَخْبَرْتُه عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخِلاَفِ مَا قَضَى بِهِ. فَقَالَ سَعْدٌ لِرَبِيْعَةَ: هَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخِلاَفِ مَا قَضَيْتُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ رَبِيْعَةُ: قَدِ اجْتَهَدتَ، وَمَضَى حُكمُكَ. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاعَجَباً! أُنفِذُ قَضَاءَ سَعْدِ بنِ أُمِّ سَعْدٍ، وَأَرُدُّ قَضَاءً قَضَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! بَلْ أَردُّ قَضَاءَ سَعْدٍ، وَأُنفِذُ قَضَاءَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَدَعَا بِكِتَابِ القَضِيَّةِ، فَشَقَّهُ، وَقَضَى لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ. البُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي سَهْلٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو الهَيْثَمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ عِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ المَخْزُوْمِيِّ أَمِيْرِ المَدِيْنَةِ، فَاختَصَمَ عِنْدَه يَوْماً وَلَدٌ لِمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ وَآخَرُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ. فَقَالَ ابْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَا ابْنُ قَاتِلِ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ. فَقَالَ الحَارِثِيُّ: أَمَا وَاللهِ مَا قُتِلَ إِلاَّ غَدراً. فَانْتَظَرَ سَعْدٌ أَنْ يُغَيِّرَهَا الأَمِيْرُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَامَا، فَلَمَّا اسْتُقْضِيَ سَعْدٌ، قَالَ: أُعطِي اللهَ عَهداً لَئِنْ أُفْلِتَ الحَارِثِيُّ مِنْكَ يَقُوْلُ لِمَوْلاَهُ: لأُوْجِعَنَّكَ. قَالَ شُعْبَةُ: فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ سَعْداً، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سَعْدٌ، شَقَّ القَمِيْصَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ القَائِلُ: إِنَّمَا قُتِلَ ابْنُ الأَشْرَفِ غَدراً. ثُمَّ ضَرَبَه خَمْسِيْنَ وَمائَةَ سَوْطٍ، وَحَلَقَ رَأْسَه وَلِحْيَتَه، وَقَالَ: وَاللهِ لأُقَوِّمَنَّكَ بِالضَّربِ مَا كَانَ لِي عَلَيْكَ سُلْطَانٌ (1) . وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخلَ نَاسٌ مِنَ القُرَّاءِ يَعُودُوْنَهُ، مِنْهُمُ ابْنُ هُرْمُزَ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءمَةِ، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا ابْنِ هُرْمُزَ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيْكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنِّي بِقَائِلَةٍ غَداً تَقُوْلُ: وَاسْعدَاهُ لِلْحَقِّ، وَلاَ سَعْدُ. قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ قُلْتُ ذَاكَ، مَا أَخَذَنِي فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئمٍ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَحَبُّ خَلْقِه إِلَيَّ -يَعْنِي: القُرْآنَ-. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَعْدٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُمَا: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ.   (1) التاريخ الكبير 4 / 51، 52. والزيادات منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُيَيْنَةَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَحتَبِي، فَمَا يَحُلُّ حَبْوَتَه حَتَّى يَقْرَأَ القُرْآنَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَانَ سَعْدٌ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَيَكُوْنُ مَوْلِدُه فِي حَيَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ. 185 - عُمَيْرُ بنُ هَانِىء العَبْسِيُّ الدَّارَانِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو الوَلِيْدِ. سَمِعَ: مُعَاوِيَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةً. وَحَدِيْثُه عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . حَدَّثَ عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَدْ نَابَ عَنِ الحَجَّاجِ بِالكُوْفَةِ، ثُمَّ وَلِيَ الخَرَاجَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قِيْلَ: لَحِقَ ثَلاَثِيْنَ صَحَابِيّاً. قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: كَانَ يَضْحَكُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: إِنِّي لأَستَجِمُّ؛ لِيَكُوْنَ أَنْشَطَ لِي فِي الحَقِّ. فَقُلْتُ: أَرَاكَ لاَ تَفْتُرُ عَنِ الذِّكرِ، فَكَم تُسَبِّحُ؟ قَالَ: مائَةَ أَلفٍ، إِلاَّ أَنْ تُخطِئَ الأَصَابِعُ. وَرَوَى عَنْهُ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ وَجَّهَه بِكُتُبٍ إِلَى الحَجَّاجِ وَهُوَ يُحَاصِرُ ابْنَ الزُّبَيْرِ. قَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: هُوَ مُقِلٌّ، وَقَدْ كَرِهَ ظُلمَ الحَجَّاجِ وَفَارَقَه، وَقَالَ: كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَيَّ   (*) تاريخ خليفة 294، التاريخ الكبير 6 / 535، التاريخ الصغير 1 / 265، الجرح والتعديل 6 / 378، الكامل لابن الأثير 5 / 123، تهذيب الكمال 1062، تذهيب التهذيب 117، تهذيب التهذيب 8 / 149، خلاصة تذهيب الكمال 297، شذرات الذهب 1 / 173. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 فِي رَجُلٍ أَحَدُّه حَدَدْتُه، وَإِذَا كَتَبَ فِيْمَنْ أَقتُلُه، لَمْ أَقْتُلْه. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُتِلَ عُمَيْرٌ صَبْراً، بِدَارَيَّا، أَيَّامَ فِتْنَةِ الوَلِيْدِ؛ لأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّضُ عَلَى قَتْلِه - يَعْنِي: وَقَامَ بِبَيْعَةِ النَّاقِصِ -. قَالَ: فَقَتَلَه ابْنُ مُرَّةَ، وَسَمطَ رَأْسه حلقه، وَأَتَى بِهِ مَرْوَانَ بنَ مُحَمَّدٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: إِنِّي لأُبغِضُه. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ قَدَرِيّاً. وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: كَانَ عُمَيْرٌ أَبغَضَ إِلَى سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِنَ النَّارِ. قَالَ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ بَيْعَةِ النَّاقِصِ: سَارِعُوا إِلَى هَذِهِ البَيْعَةِ، فَإِنَّمَا هُمَا هِجْرَتَانِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه، وَهِجْرَةٌ إِلَى يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ. 186 - حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الهُذَيْلِ السُّلَمِيُّ * (1) (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الهُذَيْلِ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، ابْنُ عَمِّ مَنْصُوْرٍ. وُلِدَ: فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَارَةَ بنِ رُوَيْبَةَ الصَّحَابِيِّ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ. وَعَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ، وَهِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، وَمُرَّةَ بنِ شَرَاحِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، وَأَبِي ظَبْيَانَ حُصَيْنِ بنِ جُنْدَبٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِرَاكٍ الغِفَارِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ حُذَيْفَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَزَائِدَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ،   (*) طبقات ابن سعد 6 / 338، طبقات خليفة 160، 164، التاريخ الكبير 3 / 7، 8، الجرح والتعديل 3 / 193، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 160، تاريخ الإسلام 5 / 237، تذكرة الحفاظ 1 / 143، ميزان الاعتدال 1 / 551، العبر 1 / 183، تهذيب التهذيب 2 / 381، خلاصة تذهيب الكمال 86، شذرات الذهب 1 / 193. (1) سقط من الأصل الذي اعتمدناه من قوله: ومضى حكمك في الصفحة 420 إلى هنا، واستدركناه من مصورة المجمع العلمي العربي بدمشق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 وَعَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعِمْرَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ. رَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الثِّقَةُ، المَأمُوْنُ، مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، سَكَنَ بَلَدَ المُبَارَكِ بِأَخَرَةٍ، وَالوَاسِطِيُّوْنَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ: حُصَيْنٌ حُجَّةٌ؟ قَالَ: إِيْ وَاللهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ. قَالَ: وَفِي آخِرِ عُمُرِهِ سَاءَ حِفْظُه. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: تَغَيَّرَ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ وَحُصَيْنٌ حَيٌّ، كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ نَسِيَ. وَعَنْ يَزِيْدَ، قَالَ: اخْتلَطَ حُصَيْنٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَختَلِطْ. قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَمِنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَمَا هُوَ بِدُوْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَالعَجَبُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَمِنَ العُقَيْلِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، كَيْفَ تَسَرَّعُوا إِلَى ذِكرِ حُصَيْنٍ فِي كُتُبِ الجَرحِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنَ الأَعْمَشِ، وَقَرِيْباً مِنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ عُرسَ وَالِدِ مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ عَلَى أُمِّ مَنْصُوْرٍ. رَوَى: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءنَا قَتْلُ الحُسَيْنِ، فَمَكَثنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 ثَلاَثاً، كَأَنَّ وُجُوهَنَا طُلِيَتْ بِرَمَادٍ. قُلْتُ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ مُتَأَهِّلٌ. قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 187 - وَمِمَّنِ اسْمُهُ: حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * هُوَ: ابْنُ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَشْهَلِيُّ. رَوَى عَنْ: أَنَسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ الأَزْرَقُ، وَابْنُه؛ مُحَمَّدُ بنُ حُصَيْنٍ. رَوَى لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَهُوَ مُقِلٌّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ. 188 - وَمِنْهُم : حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُعْفِيُّ الكُوْفِيُّ ** يَرْوِي عَنْهُ: طُعْمَةُ بنُ غَيْلاَنَ. 189 - و َحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيُّ الكُوْفِيُّ *** عَنِ: الشَّعْبِيِّ. وَعَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَغَيْرُه. 190 - و َحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ **** عَنِ: الشَّعْبِيِّ أَيْضاً. وَعَنْهُ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا وَاثِلَةُ بنُ كَرَّازٍ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلْحَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ   (*) التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 193، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 380، خلاصة تذهيب الكمال 85. (* *) تهذيب التهذيب 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 383. (* * *) التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 193، ت 838، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 383، خلاصة تذهيب الكمال 86. (* * * *) التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 194 ت 840، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 383. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ. فَقَالَ: (لاَ تَقُوْلُوا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُوْلُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . 191 - القَسْرِيُّ أَبُو الهَيْثَمِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ * (د) الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الهَيْثَمِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَسَدِ بنِ كُرْزٍ البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ لِهِشَامٍ، وَوَلِيَ قَبْلَ ذَلِكَ مَكَّةَ لِلْوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ لِسُلَيْمَانَ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْهُ: سَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَوْسَطَ البَجَلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ. وَقَلَّمَا رَوَى. لَهُ حَدِيْثٌ فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) حَدِيْثٌ رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ يَزِيْدَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ.   (1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 11 / 12 في الاستئذان: باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومسلم (402) في الصلاة: باب التشهد في الصلاة، وأبو داود (968) ، والنسائي 2 / 240، والترمذي (289) وابن ماجه (899) من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل السلام على فلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، فقال: " إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك، أصاب كل عبد صالح في السماء والارض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء ". (*) التاريخ الكبير 3 / 158، الجرح والتعديل 3 / 340، الاغاني 22 / 5، 29، ابن الأثير 5 / 124 و276 وما بعدها، وفيات الأعيان 2 / 226، 231، تهذيب الكمال 362، تذهيب التهذيب 1 / 189 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 64، البداية والنهاية 10 / 17، 22، ابن خلدون 3 / 105، تهذيب التهذيب 3 / 101، خلاصة تذهيب الكمال 101، شذرات الذهب 1 / 169، الطبري 7 / 254 وما بعدها، تهذيب ابن عساكر 5 / 70 - 83. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مُعَظَّماً، عَالِيَ الرُّتبَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، لَكِنَّهُ فِيْهِ نُصبٌ مَعْرُوْفٌ، وَلَهُ دَارٌ كَبِيْرَةٌ فِي مُربَّعَةِ القَزِّ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ صَارَتْ تُعْرَفُ بِدَارِ الشَّرِيْفِ اليَزِيْدِيِّ، وَإِلَيْهِ يُنسَبُ الحَمَّامُ الَّذِي مُقَابِلَ قَنْطَرَةِ سِنَانٍ، بِنَاحِيَةِ بَابِ تُوْمَا. قَالَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: قِيْلَ لِسَيَّارٍ: تَروِي عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: عَزَلَ الوَلِيْدُ عَنْ مَكَّةَ نَافِعَ بنَ عَلْقَمَةَ بِخَالِدٍ القَسْرِيِّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِيْهَا إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ، فَوَلاَّهُ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ العِرَاقَ مُدَّةً، إِلَى أَنْ عَزَلَه سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ بِيُوْسُفَ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ. رَوَى: العُتْبِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: خَطَبَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِوَاسِطَ، فَقَالَ: إِنَّ أَكرَمَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لاَ يَرجُوْهُ، وَأَعْظَمَ النَّاسِ عَفْواً مَنْ عَفَا عَنْ قُدرَةٍ، وَأَوصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ عَنْ قَطِيْعَةٍ. ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ خَالِداً القَسْرِيَّ حِيْنَ أَتَى بِالمُغِيْرَةِ بنِ سَعِيْدٍ وَأَصْحَابِه، وَكَانَ يُرِيهِم أَنَّهُ يُحْيِى المَوْتَى، فَقَتَلَ خَالِدٌ وَاحِداً مِنْهُم، ثُمَّ قَالَ لِلْمُغِيْرَةِ: أَحْيِهِ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُحْيِي المَوْتَى. قَالَ: لَتُحْيِيَنَّه، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. ثُمَّ أَمَرَ بِطنٍّ مِنْ قَصَبٍ، فَأَضْرَمُوْهُ، وَقَالَ: اعْتَنِقْه. فَأَبَى، فَعَدَا رَجُلٌ مِنْ أَتبَاعِه، فَاعْتَنَقَه. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَرَأَيْتُ النَّارَ تَأْكُلُه وَهُوَ يُشِيْرَ بِالسَّبَّابَةِ. فَقَالَ خَالِدٌ: هَذَا -وَاللهِ- أَحَقُّ بِالرِّئَاسَةِ مِنْكَ. ثُمَّ قَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَصْحَابَه. قُلْتُ: كَانَ رَافِضِيّاً، خَبِيْثاً، كَذَّاباً، سَاحِراً، ادَّعَى النُّبُوَةَ، وَفَضَّلَ عَلِيّاً عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ مُجَسِّماً، سُقتُ أَخْبَارَه فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ) (1) .   (1) 4 / 160، 162. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى هِنَاتِه يَرْجِعُ إِلَى إِسْلاَمٍ. وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُتَّهَمُ فِي دِيْنِه، بَنَى لأُمِّهِ كَنِيْسَةً تَتَعَبَّدُ فِيْهَا، وَفِيْهِ يَقُوْلُ الفَرَزْدَقُ: أَلاَ قَبَّحَ الرَّحْمَنُ ظَهْرَ مَطِيَّةٍ ... أَتَتْنَا تَهَادَى مِنْ دِمَشْقَ بِخَالِدِ وَكَيْفَ يَؤُمُّ النَّاسَ مَنْ كَانَ أُمُّهُ ... تَدِيْنُ بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِوَاحِدِ بَنَى بِيْعَةً فِيْهَا الصَّلِيْبُ لأُمِّهِ ... وَيَهْدِمُ مِنْ بُغْضٍ مَنَارَ المَسَاجِدِ قَالَ الأَصْمَعِيُّ: حَرَّمَ القَسْرِيُّ الغِنَاءَ، فَأَتَاهُ حُنَيْنٌ فِي أَصْحَابِ المظَالِمِ مُلتَحِفاً عَلَى عُودٍ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، شَيْخٌ ذُوْ عِيَالٍ كَانَتْ لَهُ صِنَاعَةٌ، حُلْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخرَجَ عُودَه، وَغَنَّى: أَيُّهَا الشَّامِتُ المُعَيِّرُ بِالشَّيْ ... ـبِ أَقِلَّنَّ بِالشَّبَابِ افْتِخَارَا قَدْ لَبِسْتُ الشَّبَابَ قَبْلَكَ حِيْناً ... فَوَجَدْتُ الشَّبَابَ ثَوْباً مُعَارَا فَبَكَى خَالِدٌ، وَقَالَ: صَدَقَ وَاللهِ، عُدْ، وَلاَ تُجَالِسْ شَابّاً وَلاَ مُعَربِداً. الأَصْمَعِيُّ: عَنِ ابْنِ نُوْحٍ: سَمِعْتُ خَالِداً يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: إِنِّي لأُطعِمُ كُلَّ يَوْمٍ سِتَّةً وَثَلاَثِيْنَ أَلفاً مِنَ الأَعرَابِ تَمراً وَسَوِيْقاً. الأَصْمَعِيُّ: أَنَّ أَعْرَابِيّاً قَالَ لِخَالِدٍ القَسْرِيِّ: أَصْلَحَكَ اللهُ، لَمْ أَصُنْ وَجْهِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَصُنْهُ عَنِ الرَّدِّ، وَضَعْنِي مِنْ مَعْرُوْفِكَ حَيْثُ وَضَعتُكَ مِنْ رَجَائِي، فَوَصَلَهُ. وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَأمُرُ الأَمِيْرُ لِي بِمِلْءِ جِرَابِي دَقِيْقاً؟ قَالَ: امْلَؤُوْهُ لَهُ دَرَاهِمَ. فَقِيْلَ لِلأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: سَأَلْتُ الأَمِيْرَ مَا أَشْتَهِي، فَأَمَرَ لِي بِمَا يَشْتَهِي. ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ شَمِرٍ الخَوْلاَنِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ مَوْلَى خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنِّي لأَسِيْرُ بَيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 يَدَيْ خَالِدٍ بِالكُوْفَةِ، وَمَعَهُ الوُجُوْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ. فَوَقَفَ، وَكَانَ كَرِيْماً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأمُرُ بِضَربِ عُنُقِي؟ قَالَ: لِمَ؟ قَطَعتَ طَرِيْقاً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَنَزَعتَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَعَلاَمَ أَضرِبُ عُنُقَكَ؟ قَالَ: الفَقْرُ وَالحَاجَةُ. قَالَ: تَمَنَّ؟ قَالَ: ثَلاَثِيْنَ أَلفاً. فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِه، فَقَالَ: هَلْ عَلِمتُم تَاجِراً رَبِحَ الغَدَاةَ مَا رَبِحْتُ؟ نَوَيْتُ لَهُ مائَةَ أَلفٍ، فَتَمَنَّى ثَلاَثِيْنَ أَلفاً. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِهَا. وَقِيْلَ: كَانَ خَالِدٌ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَدْعُو بِالبِدَرِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا هَذِهِ الأَمْوَالُ وَدَائِعُ لاَ بُدَّ مِنْ تَفرِيقِهَا. وَقِيْلَ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ: أَخَالِدُ بَيْنَ الحَمْدِ وَالأَجْرِ حَاجَتِي ... فَأَيُّهُمَا يَأْتِي فَأَنْتَ عِمَادُ أَخَالِدُ إِنِّي لَمْ أَزُرْكَ لِحَاجَةٍ ... سِوَى أَنَّنِي عَافٍ وَأَنْتَ جَوَادُ فَقَالَ: سَلْ. قَالَ: مائَةَ أَلفٍ. قَالَ: أَسرَفْتَ يَا أَعْرَابِيُّ. قَالَ: فَأَحُطُّ لِلأَمِيْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ حَطَطتُكَ تِسْعِيْنَ أَلفاً. فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، فَقَالَ: سَأَلتُكَ عَلَى قَدْرِكَ، وَحَطَطْتُكَ عَلَى قَدْرِي، وَمَا أَسْتَأهِلُه فِي نَفْسِي. قَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ تَغْلِبُنِي، يَا غُلاَمُ، أَعْطِه مائَةَ أَلفٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ فِي مَجْلِسِ الشُّعَرَاءِ: تَعَرَّضْتَ لِي بِالجُوْدِ حَتَّى نَعَشْتَنِي ... وَأَعْطَيْتَنِي حَتَّى ظَنَنْتُكَ تَلْعَبُ فَأَنْتَ النَّدَى وَابْنُ النَّدَى وَأَخُو النَّدَى ... حَلِيْفُ النَّدَى مَا لِلنَّدَى عَنْكَ مَذْهَبُ فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلفٍ. الأَصْمَعِيُّ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، نَحْوَهَا، وَزَادَ: فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ آخَرُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ آدَمُ قَبْلُ حِيْنَ وَفَاتِهِ ... أَوْصَاكَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِالحَوْبَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 بِبَنِيْهِ أَنْ تَرْعَاهُمُ فَرَعَيْتَهُم ... فَكَفَيْتَ (1) آدَمَ عَيْلَةَ الأَبْنَاءِ فَتَمَنَّى أَنْ يُعْطِيَه عِشْرِيْنَ أَلفاً، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَأَنْ يُضرَبَ خَمْسِيْنَ جَلدَةً، وَأَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ لاَ يُحسِنُ قِيْمَةَ الشِّعْرِ. وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَحتَجِبُ الأَمِيْرُ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ لِثَلاَثٍ: لِعَيٍّ، أَوْ لِبُخلٍ، أَوِ اشْتِمَالٍ عَلَى سُوءةٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيُّ رَجُلُ سُوءٍ، يَقعُ فِي عَلِيٍّ. وَقَالَ فَضْلُ بنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ القَسْرِيَّ يَقُوْلُ فِي عَلِيٍّ مَا لاَ يَحِلُّ ذِكْرُهُ. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: خُبِّرتُ أَنَّ القَسْرِيَّ ذَمَّ زَمْزَمَ، وَقَالَ: يُقَالُ: إِنَّ زَمْزَمَ لاَ تُنْزَحُ وَلاَ تُذَمُّ، بَلَى -وَاللهِ- إِنَّهَا تُنْزَحُ وَتُذَمُّ، وَلَكِنْ هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ سَاقَ لَكُم قَنَاةً بِمَكَّةَ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: سَاقَ خَالِدٌ مَاءً إِلَى مَكَّةَ، فَنَصَبَ طِسْتاً إِلَى جَنْبِ زَمْزَمَ، وَقَالَ: قَدْ جِئْتُكم بِمَاءِ العَاذِبَةِ لاَ تُشبِهُ أُمَّ الخَنَافِسِ -يَعْنِي: زَمْزَمَ-. فَسَمِعتُ عُمَرَ بنَ قَيْسٍ يَقُوْلُ: لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ وَطَلْقَ بنَ حَبِيْبٍ، خَطَبَ، فَقَالَ: كَأَنَّكُم أَنْكَرتُم مَا صَنَعتُ، وَاللهِ لَوْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، لَنَقَضتُهَا حَجَراً حَجَراً -يَعْنِي: الكَعْبَةَ-. الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ شَبِيْبَ بنَ شَيْبَةَ، يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ عَزلِ خَالِدٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ: إِنَّ غُلاَمَكَ المَجُوْسِيَّ أَكْرَهَنِي عَلَى الفُجُورِ، وَغَصَبَنِي نَفْسِي. قَالَ: كَيْفَ وَجَدْتِ قُلْفَتَه؟ فَكَتَبَ بِذَلِكَ حَسَّانٌ النَّبْطِيُّ إِلَى هِشَامٍ، فَعَزَلَهُ. وَكَانَ خَطَبَ يَوْماً، فَقَالَ: تَسُومُونَنِي أَنْ أَقِيدَ مِنْ قَائِدٍ لِي، وَلَئِنْ أَقَدتُ مِنْهُ، أَقَدتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَئِنْ أَقَدتُ مِنْ نَفْسِي، لَقَدْ أَقَادَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَئِنْ أَقَادَ، لَقَدْ أَقَادَ رَسُوْلُ اللهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَئِنْ أَقَادَ، لَيَقِيدَنَّ هَاه هَاه،   (1) في الأصل: " فكيف " وهو خطأ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 وَيُوْمِئ بِيَدِهِ إِلَى فَوْقُ (1) . عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: أَرَادَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ الحَجَّ، فَاتَّعَدَ فِتْيَةٌ أَنْ يَفتِكُوا بِهِ فِي طَرِيْقِهِ، وَسَأَلُوا خَالِداً القَسْرِيَّ الدُّخُولَ مَعَهُم، فَأَبَى. ثُمَّ أَتَى خَالِدٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، دَعِ الحَجَّ. قَالَ: وَمَنْ تَخَافُ، سَمِّهِم؟ قَالَ: قَدْ نَصَحتُكَ، وَلَنْ أُسَمِّيَهُم. قَالَ: إِذاً أَبعَثُ بِكَ إِلَى عَدُوِّكَ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ. قَالَ: وَإِنْ. فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَعَذَّبَه حَتَّى قَتَلَهُ. ابْنُ خَلِّكَانَ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هِشَامٌ عَزلَ خَالِدٍ عَنِ العِرَاقِ، وَعِنْدَهُ رَسُوْلُ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ مِنَ اليَمَنِ، قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ تَعَدَّى طَوْرَه، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ. ثُمَّ أَمَرَ بِتَخرِيقِ ثِيَابِه، وَضَرَبَهُ أَسْوَاطاً، وَقَالَ: امضِ إِلَى صَاحِبِكَ، فَعَلَ الله بِهِ. ثُمَّ دَعَا بِسَالِمٍ كَاتِبِه، وَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى يُوْسُفَ: سِرْ إِلَى العِرَاقِ وَالِياً سِرّاً، وَاشْفِنِي مِنِ ابْنِ النَّصْرَانِيَّةِ وَعُمَّالِه. ثُمَّ أَمْسَكَ الكِتَابَ بِيَدِهِ، وَجَعَلَه فِي طَيِّ كِتَابٍ آخَرَ، وَلَمْ يَشعُرِ الرَّسُوْلُ، فَقَدِمَ اليَمَنَ، فَقَالَ يُوْسُفُ: مَا وَرَاءكَ؟ قَالَ: الشَّرُّ، ضَرَبنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَخَرَّقَ ثِيَابِي، وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْكَ، بَلْ إِلَى صَاحِبِ دِيْوَانِكَ. فَفَضَّ الكِتَابَ، وَقَرَأَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الكِتَابَ الصَّغِيْرَ، فَاسْتَخلَفَ عَلَى اليَمَنِ ابْنَه الصَّلْتَ، وَسَارَ إِلَى العِرَاقِ، وَجَاءتِ العُيُوْنُ إِلَى خَالِدٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ نَائِبُه طَارِقٌ: ائْذَنْ لِي إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَضمَنَ لَهُ مَالِي السَّنَةَ مائَةَ أَلفِ أَلفٍ، وَآتِيَكَ بِعَهْدِكَ. قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الأَمْوَالُ؟ قَالَ: أَتَحَمَّلُ أَنَا وَسَعِيْدُ بنُ رَاشِدٍ أَرْبَعِيْنَ أَلفَ أَلفٍ، وَأَبَانٌ وَالزَّيْنَبِيُّ عِشْرِيْنَ أَلفَ أَلفٍ، وَيُفَرَّقُ البَاقِي عَلَى بَاقِي العُمَّالِ. فَقَالَ: إِنِّي إِذاً   (1) وقد أورد ابن كثير في " البداية: 10 / 20، 21، نحوا من هذا، ثم قال: والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه فإنه كان قائما في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الالحاد، وقد نسب إليه صاحب العقد أشياء لا تصح، لان صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع، ومغالاة في أهل البيت، وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي، فمدحه بالحفظ وغيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 لَلَئِيمٌ أُسَوِّغُهُم شَيْئاً، ثُمَّ أَرجِعُ فِيْهِ. قَالَ: إِنَّمَا نَقِيكَ، وَنَقِي أَنْفُسَنَا بِبَعْضِ أَمْوَالِنَا، وَتَبقَى النِّعْمَةُ عَلَيْنَا. فَأَبَى، فَوَدَّعَه طَارِقٌ، وَوَافَى يُوْسُفَ، فَمَاتَ طَارِقٌ فِي العَذَابِ، وَلَقِيَ خَالِدٌ كُلَّ بَلاَءٍ، وَمَاتَ فِي العَذَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُمَّالِه بَعْدَ أَن اسْتَخرَجَ مِنْهُم يُوْسُفُ تِسْعِيْنَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَاماً حَقَدَ عَلَى خَالِدٍ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِه وَأَملاَكِه، وَلأَنَّهُ كَانَ يُطلِقُ لِسَانَه فِي هِشَامٍ، وَكَتَبَ إِلَى يُوْسُفَ: أَن سِرْ إِلَيْهِ فِي ثَلاَثِيْنَ رَاكِباً. فَقَدِمَ الكُوْفَةَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَبَاتَ بِقُربِ الكُوْفَةِ وَقَدْ خَتَنَ وَالِيْهَا طَارِقٌ وَلَدَهُ، فَأَهْدَوْا لِطَارِقٍ أَلفَ عَتِيْقٍ، وَأَلْفَ وَصِيْفٍ، وَأَلفَ جَارِيَةٍ، سِوَى الأَمْوَالِ وَالثِّيَابِ، فَأَتَى رَجُل طَارِقاً، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ قَوْماً أَنْكَرتُهم، وَزَعُمُوا أَنَّهُم سُفَّارٌ، وَصَارَ يُوْسُفُ إِلَى دُورِ بَنِي ثَقِيْفٍ، فَأَمَرَ رَجُلاً، فَجَمَعَ لَهُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مُضَرَ، وَدَخَلَ المَسْجِدَ الفَجْرَ، فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ بِالإِقَامَةِ، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ. فَانْتَهَرَه، وَأَقَامَ، وَصَلَّى، وَقَرَأَ: {إِذَا وَقَعَت} ، وَ* {سَأَلَ سَائِلٌ} ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَالِدٍ وَأَصْحَابِه، فَأُخِذُوا، وَصَادَرَهُم. قَالَ أَشْرَسُ الأَسَدِيُّ: أَتَى كِتَابُ هِشَامٍ يُوْسُفَ، فَكَتَمْنَا، وَقَالَ: أُرِيْدُ العُمْرَةَ. فَخَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ، فَمَا كَلَّمَ أَحَداً مِنَّا بِكَلِمَةٍ، حَتَّى أَتَى العُذَيْبَ، فَقَالَ: مَا هِيَ بِأَيَّامِ عُمْرَةٍ. وَسَكَتَ حَتَّى أَتَى الحِيْرَةَ، ثُمَّ اسْتَلقَى عَلَى ظَهْرِهِ، وَقَالَ: فَمَا لَبَّثَتْنَا العِيسُ أَنْ قَذَفَتْ بِنَا ... نَوَى غُرْبَةٍ وَالعَهْدُ غَيْرُ قَدِيْمِ ثُمَّ دَخَلَ الكُوْفَةَ، فَصَلَّى الفَجْرَ، وَكَانَ فَصِيْحاً، طَيِّبَ الصَّوْتِ. وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ كَتَبَ إِلَى يُوْسُفَ: لَئِنْ شَاكَتْ خَالِداً شَوكَةٌ لأَقتُلَنَّكَ. فَأَتَى خَالِدٌ الشَّامَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا يَغْزُو الصَّوَائِفَ حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ. وَقِيْلَ: بَلْ عَذَّبَه يُوْسُفُ يَوْماً وَاحِداً، وَسَجَنَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهراً، ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 أُطْلِقَ، فَقَدِمَ الشَّامَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ. وَنَقَلَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَنَّ يُوْسُفَ عَصَرَهُ حَتَّى كَسَرَ قَدَمَيْهِ وَسَاقَيْهِ، ثُمَّ عَصَرَهُ عَلَى صُلبِه، فَلَمَّا انْقَصَفَ، مَاتَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَأَوَّهُ وَلاَ يَنطِقُ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ، فَإِنَّهُ جَاءَ إِلَى الشَّامِ، وَبَقِيَ بِهَا، حَتَّى قَتَلَهُ الوَلِيْدُ الفَاسِقُ. قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: لَبِثَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي العَذَابِ يَوْماً، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى صَدْرِهِ المُضرسَةُ، فَقُتِلَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ - فِي قَوْلِ الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ - فَأَقْبَلَ عَامِرُ بنُ سَهْلَةَ الأَشْعَرِيُّ، فَعَقَرَ فَرَسَه عَلَى قَبْرِهِ، فَضَرَبَهُ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ سَبْعَ مائَةِ سَوْطٍ. وَقَالَ فِيْهِ أَبُو الأَشْعَثِ العَبْسِيُّ: أَلاَ إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيّاً وَمَيِّتاً ... أَسِيْرُ ثَقِيْفٍ عِنْدَهُم فِي السَّلاَسِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْمَرْتُمُ السِّجْنَ خَالِداً ... وَأَوْطَأْتُمُوْهُ وَطْأَةَ المُتَثَاقِلِ فَإِنْ سَجَنُوا القَسْرِيَّ لاَ يَسْجُنُوا اسْمَهُ ... وَلاَ يَسْجُنُوا مَعْرُوْفَهُ فِي القَبَائِلِ لَقَدْ كَانَ نَهَّاضاً بِكُلِّ مُلِمَّةٍ ... وَمُعْطِي اللُّهَى غَمْراً كَثِيْرَ النَّوَافِلِ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَغَيْرُهُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: شَهِدتُ خَالِداً القَسْرِيَّ فِي يَوْم أَضْحَى يَقُوْلُ: ضَحُّوا تَقبَّلَ اللهُ مِنْكُم، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالجَعْدِ بنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى تَكلِيماً، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُوْلُ الجَعْدُ عُلُوّاً كَبِيْراً. ثُمَّ نَزَلَ، فَذَبَحَه (1) . قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، هِيَ، وَقَتْلُهُ مُغِيْرَةَ الكَذَّابَ.   (1) عبد الرحمن بن محمد وأبوه لا يعرفان، وأخرجه البخاري في " أفعال العباد " ص 69. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 192 - الجَعْدُ بنُ دِرْهَمٍ * مُؤَدِّبُ مَرْوَانَ الحِمَارِ (1) . هُوَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ بِأَنَّ اللهَ مَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَلاَ كَلَّمَ مُوْسَى، وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوْزُ عَلَى اللهِ. قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ زِندِيقاً. وَقَدْ قَالَ لَهُ وَهْبٌ: إِنِّي لأَظُنُّكَ مِنَ الهَالِكِيْنَ، لَوْ لَمْ يُخْبِرْنَا اللهُ أَنَّ لَهُ يَداً، وَأَنَّ لَهُ عَيْناً مَا قُلْنَا ذَلِكَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ الجَعْدُ أَنْ صُلِبَ. 193 - سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى الدِّمَشْقِيُّ الأَشْدَقُ * (4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، مُفْتِي دِمَشْقَ، أَبُو أَيُّوْبَ - وَيُقَالُ: أَبُو هِشَامٍ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ - الدِّمَشْقِيُّ، الأَشْدَقُ، مَوْلَى آلِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ.   (*) اللباب 1 / 230، تاريخ الإسلام 4 / 238، ميزان الاعتدال 1 / 399، البداية 9 / 350، 360، لسان الميزان 2 / 105، النجوم الزاهرة 1 / 322، تاريخ الخميس 2 / 322، تاج العروس 2 / 321. (1) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 19: كان الجعد بن درهم من أهل الشام وهو مؤدب مروان الحمار، ولهذا يقال له: مروان الجعدي، فنسب إليه، وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون: إن الله في كل مكان بذاته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وكان الجعد بن درهم قد تلقى هذا المذهب الخبيث عن رجل يقال له أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الاعصم، عن خاله لبيد بن الاعصم اليهودي. قلت: ولم يذكر ابن كثير سنده في هذا الخبر حتى ننظر فيه، ويغلب على الظن أنه افتعله أعداء الجعد ولم يحكموه لأن أفكاره التي طرحها في العقيدة مناقضة كل المناقضة لما عليه اليهود، فهو ينكر بعض الصفات القديمة القائمة بذات الله ويؤولها لينزه الله تعالى عن سمات الحدوث، ويقول بخلق القرآن وأن الله لم يكلم موسى بكلام قديم بل بكلام حادث بينما اليهود المعروف عنهم الاغراق في التجسيم والتشبيه، ويرى بعض الباحثين المعاصرين أن قتل الجعد كان لسبب سياسي لا لآرائه في العقيدة، ويعلل ذلك بأن خلفاء بني أمية وولاتهم كانوا أبعد الناس عن قتل المسلمين في مسائل تمت إلى العقيدة. (* *) طبقات خليفة 312، التاريخ الكبير 4 / 38، الجرح والتعديل 4 / 141، حلية الأولياء 6 / 87، 88، تهذيب الكمال: 550، تذهيب التهذيب 2 / 56 / 2، تاريخ الإسلام 4 / 254، ميزان الاعتدال 2 / 425، 426، تهذيب التهذيب 4 / 226، خلاصة تهذيب الكمال 155، شذرات الذهب 1 / 156، تهذيب ابن عساكر 6 / 286. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 يَرْوِي عَنْ: جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَمَالِكِ بنِ يَخَامِرَ، وَأَبِي سَيَّارَةَ المُتَعِيِّ، وَوَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَغَالِبُه مُرْسَلٌ. وَيَرْوِي عَنْ: كَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ - فَلَعَلَّهُ أَدْركَهُ -. وَعَنْ: طَاوُوْسٍ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَكُرَيْبٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَنُصَيْرٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَرَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَزَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ المَخْزُوْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بنُ غَيْلاَنَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَمَسَرَّةُ بنُ مَعْبَدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى أَعْلَمَ أَهْلِ الشَّامِ بَعْدَ مَكْحُوْلٍ، وَلَوْ قِيْلَ لِي: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ؟ لأَخَذتُ بِيَدِ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ عَطَاءٌ إِذَا جَاءَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، يَقُوْلُ: كُفُّوا عَنِ المَسْأَلَةِ، فَقَدْ جَاءكُم مَنْ يَكفِيْكُمُ المَسْأَلَةَ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً مِنْكَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى. قَالَ سَعِيْدٌ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى: حُسْنُ المَسْأَلَةِ نِصْفُ العِلْمِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لاَ نَعْلَمُ مَكْحُوْلاً خَلَّفَ بِالشَّامِ مِثْلَ يَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ، إِلاَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى. وَقَالَ مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُوْلُ: سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ العِرَاقِ: الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الشَّامِ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّ مَكْحُوْلاً يَأْتِيْنَا، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى - وَايْمُ اللهِ - أَحْفَظُ الرَّجُلَيْنِ. وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ لَهِيْعَةَ يَقُوْلُ: مَا لَقِيْتُ مِثْلَهُ -يَعْنِي: سُلَيْمَانَ بنَ مُوْسَى-. فَقُلْتُ لَهُ: وَلاَ الأَعْرَجُ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى. قَالَ زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ: عَاشَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى بَعْدَ مَكْحُوْلٍ سَنَتَيْنِ، فَكُنَّا نَجلِسُ إِلَيْهِ بَعْدَ مَكْحُوْلٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ فِي بَابٍ مِنَ العِلْمِ، فَلاَ يَقْطَعُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْخُذَ فِي بَابٍ غَيْرِه. فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا الرَّبِيْعِ، جَزَاكَ اللهُ عَنَّا خَيْراً، فَإِنَّكَ تُحَدِّثُنَا بِمَا نُرِيْدُ وَمَا لاَ نَعقِلُه. فَلَوْ بَقِيَ لَنَا، لَكفَانَا النَّاسَ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ أَعْلَى أَصْحَابِ مَكْحُوْلٍ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَمَعَهُ يَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ. قَالَ دُحَيْمٌ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ يَحْيَى: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، عَنْ مَالِكِ بنِ يَخَامِرَ مُرْسَلاً، وَعَنْ جَابِرٍ مُرْسَلاً. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: لَمْ يُدْرِكْ سُلَيْمَانُ كَثِيْرَ بنَ مُرَّةَ، وَلاَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ غَنْمٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى مَا حَالُه فِي الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَفِي حَدِيْثِهِ بَعْضُ الاضْطِرَابِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ مَكْحُوْلٍ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلاَ أَثْبَتَ مِنْهُ. وَقَالَ أَيْضاً: أَخْتَارُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بَعْدَ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُوْلٍ لِلْفِقْهِ سُلَيْمَانَ بنَ مُوْسَى. وَقَالَ البُخَارِيُّ: عِنْدَه مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ أَحَدُ الفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ مَرَّةً: فِي حَدِيْثِهِ شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فَقِيْهٌ، رَاوٍ، حَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَهُوَ أَحَدُ العُلَمَاءِ. رَوَى أَحَادِيْثَ يَنْفَرِدُ بِهَا، لاَ يَروِيهَا غَيْرُه، وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ، صَدُوْقٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى بِصَحِيْفَةٍ حَفِظهَا، فَأَعْجَبَه ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ مَكْحُوْلٌ: أَتَعجَبُ؟! مَا سَمِعْتُ شَيْئاً فَاسْتَودعتُه صَدْرِي إِلاَّ وَجَدْتُه حِيْنَ أُرِيْدُه. وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: حَدِيْثُ: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ (1)) يَرْوِيْهِ ابْنُ جُرَيْجٍ؟ فَقَالَ: لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا شَيْءٌ إِلاَّ حَدِيْثُ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: حَدِيْثُ: (أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُوْمُ) (2) ، وَ: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ) أَحَادِيْثُ يُشبِهُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَأَنَا أَذهَبُ إِلَيْهَا. قُلْتُ: رَوَى الثِّقَاتُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ (3)) . وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، نَحْوَه، وَلَفظُه: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَاهُ مَعَ سُلَيْمَانَ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ،   (1) حديث صحيح بطرقه وشواهده. أخرجه أحمد 4 / 394 و413 و418، والترمذي (1101) و (1102) ، وأبو داود (2085) والبيهقي 7 / 107 من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه ابن حبان (1243) و (1244) و (1245) والحاكم 2 / 169، وأطال في تخريج طرقه، وقد اختلف في وصله وإرساله، قال الحاكم: وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة وأم سلمة، وزينب بنت جحش، قال: وفي الباب عن علي، وابن عباس، ومعاذ، وعبد الله بن عمر، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وأبي هريرة، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن عمرو، والمسور بن مخرمة، وأنس بن مالك. (2) حديث صحيح بلا ريب روي من حديث شداد بن أوس، ومن حديث رافع بن خديج، ومن حديث ثوبان، لكنه منسوخ انظر " شرح السنة " 6 / 302، 303، بتحقيقنا. (3) أخرجه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وابن ماجه (1879) من حديث عائشة، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (1248) والحاكم 2 / 168، وقط بسط الكلام عليه البيهقي في " السنن " 7 / 105، 107، والحافظ في " التخليص " 3 / 156. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَقُرَّةُ بنُ حَيْوَئِيْلَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ. وَكُلُّهَا طُرُقٌ غَرِيْبَةٌ، سِوَى حَجَّاجٍ، وَطَرِيْقُه مَشْهُوْرٌ. قُلْتُ: وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثِ زَمَّارَةَ الرَّاعِي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (1) . وَرَوَى: ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوْعاً: (المَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ مِنَ الوُضُوْءِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ (2)) . قَالَ دُحَيْمٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَلَهُ شَيْءٌ فِي (مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ) . 194 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ * (د، س، ق) هُوَ العَلاَّمَةُ، قَاضِي دِمَشْقَ، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ هَانِئ الهَمْدَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي أَيُّوْبَ. وَرَوَى عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَجُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ خَالِدٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَعَمْرُو بنُ وَاقِدٍ، وَآخَرُوْنَ.   (1) أخرجه أبو داود (4924) في الأدب: باب كراهية الغناء والزمر، من طريق سليمان بن موسى، عن نافع قال: سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ فقلت: لا، قال: فرفع اصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا. وسنده صحيح. (2) أخرجه البيهقي 1 / 52 من طريق عصام بن يوسف عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة عن عائشة. وعصام بن يوسف هو البلخي، قال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها، وقال الدارقطني ص 36: تفرد به عصام، ووهم فيه، والصواب عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى مرسلا. (*) طبقات خليفة 311، التاريخ الكبير 8 / 347، الجرح والتعديل 9 / 277، تهذيب الكمال 1537، تذهيب التهذيب 4 / 178 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 187، تهذيب التهذيب 11 / 345، خلاصة تذهيب الكمال 433. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رَأَى أَنَساً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَضَى لِهِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. قُلْتُ: كَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ مَعَ مَكْحُوْلٍ، وَقَدْ نَدَبَهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لِيُفقِّهَ بَنِي نُمَيْرٍ، وَيُقرِئَهم. قَالَ سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ: كَانَ صَاحِبَ كُتُبٍ -يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ بَلِيْغاً فِي تَرَسُّلِه-. قُلْتُ: لَمَّا اسْتُخْلفَ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ، عَزَلَهُ بِالحَارِثِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيِّ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَعْلَمُ بِالقَضَاءِ مِنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، لاَ مَكْحُوْلٌ، وَلاَ غَيْرُه. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 195 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرِ بنِ سُوَيْدِ بنِ حَارِثَةَ القُرَشِيُّ * (ع) وَيُقَالُ: اللَّخْمِيُّ، أَبُو عَمْرٍو - وَيُقَالُ: أَبُو عُمَرَ - الكُوْفِيُّ، الحَافِظُ، وَيُعْرَفُ: بِالقِبْطِيِّ. رَأَى: عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَبَا مُوْسَى الأَشْعَرِيَّ. وَحَدَّثَ عَنْ: جُنْدُبٍ البَجَلِيِّ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَجَبْرِ بنِ عَتِيْكٍ، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَعَطِيَّةَ القُرَظِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَأُمِّ عَطِيَّةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ - إِنْ صَحَّ - وَحُصَيْنِ بن قَبِيْصَةَ - أَوِ ابْنِ عُقْبَةَ - وَإِيَادِ بنِ لَقِيْطٍ، وَالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَحُصَيْنِ بنِ أَبِي الحُرِّ، وَزَيْدِ بنِ عُقْبَةَ، وَرِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ،   (*) طبقات خليفة 163، التاريخ الكبير 5 / 426، التاريخ الصغير 2 / 39، الجرح والتعديل 5 / 360، تهذيب الكمال 860، تذهيب التهذيب 2 / 252 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 271، ميزان الاعتدال 2 / 660، 661، تهذيب التهذيب 6 / 411، خلاصة تذهيب الكمال 245. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَزَعَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَوَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيْرَةِ، وَمُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَأَبِي الأَحْوَصِ الجُشَمِيِّ، وَخَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً، وَصَارَ مُسْنِدَ أَهْلِ الكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمِسْعَرٌ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَزَائِدَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاِءِ: شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) مَقْرُوْناً بِآخَرَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. رَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ إِنِّي لأُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ، فَمَا أَدَعُ مِنْهُ حَرْفاً وَاحِداً. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، لَيْسَ بِحَافِظٍ، تَغَيَّرَ حِفْظُه قَبْلَ مَوْتِه. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مُخَلِّطُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ جِدّاً، مَعَ قِلَّةِ رِوَايَتِه، مَا أَرَى لَهُ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَقَدْ غَلِطَ فِي كَثِيْرٍ مِنْهَا. وَذَكَرَ إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ ضَعَّفَه جِدّاً. وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ أَصلَحُ حَدِيْثاً مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الحُفَّاظُ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ الكُوْفِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: خُذُوا العِلْمَ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: يُقَالُ لَهُ: ابْنُ القِبْطَةِ، كَانَ عَلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ، وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ، رَوَى أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ سُفْيَانُ يَعجَبُ مِنْ تَحَفُّظِ عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لأَبِي: هُوَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فَذَكَرتُ هَذَا لأَبِي، فَقَالَ: هَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سَلْمَانَ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ لَمْ يُوْصَفْ بِالحِفظِ. قَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ مِنْ أَفصَحِ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ القِبْطِيِّ، قَالَ: أَمَّا عَبْدُ المَلِكِ، فَأَنَا، وَأَمَّا القِبْطِيُّ، فَكَانَ فَرَسٌ لَنَا سَابِقٌ. وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: هَذِهِ السَّنَةُ تُوُفِّيَ لِي مائَةٌ وَثَلاَثُ سِنِيْنَ. رَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، قَالَ: مَاتَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا. زَادَ غَيْرُه: فِي ذِي الحِجَّةِ مِنْهَا. أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ، أَنْبَأَنَا نَضْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيُّ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ سَهْلِ بنِ الصَّبَّاحِ بِبَلَدٍ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الإِمَامُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 قَالَ: (لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيْحِ: (لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ) . رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَالكِبَارُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ. أَخْرَجَهُ: الأَئِمَّةُ مِنْ حَدِيْثِهِ فِي كُتُبِهِم. 196 - مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ أَبُو المُغِيْرَةِ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم* (ع) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ وَاسِطَ عِلْماً وَعَمَلاً، أَبُو المُغِيْرَةِ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي العَالِيَةِ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَعَطَاءٍ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَخَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، سَرِيْعَ القِرَاءةِ، يُرِيْدُ أَنْ يَتَرَسَّلَ، فَلاَ يَسْتَطِيْعُ، وَكَانَ يَخْتِمُ فِي الضُّحَى. وَكَانَ قَدْ تَحَوَّلَ، فَنَزَلَ المُبَارَكَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كُلَّه فِي صَلاَةِ الضُّحَى، وَكَانَ يَخْتِمُ القُرْآنَ مِنَ الأُوْلَى إِلَى العَصْرِ، وَيَخْتِمُ فِي اليَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّه (2) .   (1) أخرجه البخاري 13 / 120، 121 في الاحكام: باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، ومسلم (1717) في الاقضية: باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، والشافعي 2 / 232، والترمذي (1334) وأبو داود (3589) والنسائي 8 / 237، 238. (*) طبقات خليفة 325، التاريخ الكبير 7 / 346، الجرح والتعديل 8 / 172، حلية الأولياء 3 / 57، تهذيب الكمال 1373، تذهيب التهذيب 4 / 71 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 303، تهذيب التهذيب 10 / 306، خلاصة تذهيب الكمال 387، شذرات الذهب 1 / 181. (2) تقدم غير مرة أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل كما علمه القرآن " نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه "، وأنه لم يأذن في قراءة القرآن في أقل من ثلاث، وهديه صلى الله عليه وسلم هو الواجب الاتباع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 وَعَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: كَانَ يَخْتِمُ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ إِلَى الطَّوَاسِيْنَ (1) ، وَكَانَ يَبُلُّ عِمَامَتَه مِنْ دُمُوْعِ عَيْنَيْهِ. قَالَ صَالِحُ بنُ عُمَرَ الوَاسِطِيُّ: كَانَ الحَسَنُ يَقعُدُ مَعَ أَصْحَابِه، فَلاَ يَقُوْمُ حَتَّى يَخْتِمَ مَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ. قَالَ هُشَيْمٌ: كَانَ مَنْصُوْرٌ لَوْ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ مَلَكَ المَوْتِ عَلَى البَابِ، مَا كَانَ عِنْدَه زِيَادَةٌ فِي العَمَلِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ طُلُوْعِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ يُسَبِّحُ إِلَى المَغْرِبِ. وَرَوَى: خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ: الهَمُّ وَالحُزْنُ يَزِيْدُ فِي الحَسَنَاتِ، وَالأَشَرُ وَالبَطَرُ يَزِيْدُ فِي السَّيِّئَاتِ. قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ: ذَكَرَ عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةَ مَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّصَارَى عَلَى حِدَةٍ، وَالمَجُوْسَ عَلَى حِدَةٍ، وَاليَهُوْدَ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدْ أَخَذَ خَالِي بِيَدِي مِنْ كَثْرَةِ الزِّحَامِ. شُعْبَةُ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ مَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعشَاءِ، فَقَرَأَ القُرْآنَ، وَبلَغَ فِي الثَّانِيَةِ إِلَى النَّحْلِ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: قَبْرُهُ بِوَاسِطَ ظَاهِرٌ، يُزَارُ. 197 - يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ * بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي عُقَيْلٍ الثَّقَفِيُّ أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ وَخُرَاسَانَ لِهِشَامٍ، ثُمَّ أَقَرَّهُ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ. وَكَانَ شَهْماً، كَافِياً، سَائِساً، مَهِيْباً، جَبَّاراً، عَسُوفاً، جَوَاداً، مِعْطَاءً.   (1) هذا غير معقول، ولا إخاله يصح. (*) الطبري 7 / 148، 166، 260، وغيرها وفيات الأعيان 7 / 101، 112، تاريخ الإسلام 5 / 191، مرآة الجنان 1 / 267، التنبيه والاشراف 281، شذرات الذهب 1 / 172، الكامل 5 / 219، 225، 269، 295، 297. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 نَقَلَ المَدَائِنِيُّ: أَنَّ سِمَاطَه بِالعِرَاقِ كَانَ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ مَائِدَةٍ، كُلُّهَا شِوَاءٌ، وَقَدْ كَانَ وَلِيَ اليَمَنَ، وَضَرَبَ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ حَتَّى أَثخَنَه. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَمَّا هَلَكَ الحَجَّاجُ، أُخِذَ يُوْسُفُ هَذَا فِي آلِ الحَجَّاجِ لِيُعَذَّبَ، فَقَالَ: أَخرِجُونِي أَسْأَلْ. فَدُفِعَ إِلَى الحَارِثِ الجَهْضَمِيِّ، وَكَانَ مُغَفَّلاً، فَأَتَى دَاراً لَهَا بَابَانِ، فَقَالَ: دَعنِي أَدخُلْ إِلَى عَمَّتِي أَسْأَلَهَا. فَدَخَلَ، وَهَرَبَ مِنَ البَابِ الآخَرِ، وَذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ سُلَيْمَانَ. قَالَ شَبَابٌ: وَلِيَ يُوْسُفُ اليَمَنَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ، فَمَا زَالَ عَلَيْهَا حَتَّى جَاءهُ التَّقْلِيْدُ بِوِلاَيَةِ العِرَاقِ، فَاسْتَخلَفَ ابْنَهُ الصَّلْتَ، وَسَارَ. قَالَ اللَّيْثُ: نُزِعَ عَنِ العِرَاقِ خَالِدٌ القَسْرِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ بِيُوْسُفَ، وَكَانَ يُضرَبُ بِحُمْقِه وَتِيْهِهِ المَثَلُ، فَكَانَ يُقَالُ: أَحْمَقُ مِنْ أَحْمَقِ ثَقِيْفٍ. وَحَجَمَه إِنْسَانٌ مَرَّةً، فَهَابَه وَأَرْعَدَ، فَقَالَ يُوْسُفُ: قُلْ لِهَذَا البَائِسِ: لاَ تَخَفْ، وَمَا رَضِيَ أَنْ يُخَاطِبَه. وَقَدْ هَمَّ الوَلِيْدُ بِعَزْلِهِ، فَبَادَرَ، وَقَدَّمَ لَهُ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَبَذَلَ فِي خَالِدٍ القَسْرِيِّ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأُخرِجَ، وَسُلِّمَ إِلَيْهِ العِرَاقُ، فَأَهْلَكَه تَحْتَ العَذَابِ وَالمُصَادَرَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ وَمِنْ أَعْوَانِه تِسْعِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ. وَاقْتَصَّ يَزِيْدُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ مِنْ يُوْسُفَ، وَقَتَلَهُ نَائِبُه، ثُمَّ قُتِلَ يَزِيْدُ، إِذْ تَملَّكَ مَرْوَانُ الحِمَارُ. قَالَ أَبُو الصَّيْدَاءِ: أَنَا شَهِدتُ هَذَا الخَبِيْثَ يُوْسُفَ ضَرَبَ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ حَتَّى قَتَلَهُ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: بَعَثَ يَزِيْدُ بنُ خَالِدٍ مَوْلاَهُ أَبَا الأَسَدِ، فَدَخَلَ السِّجْنَ، فَضَربَ عُنُقَ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَعَاشَ أَزْيَدَ مِنْ سِتِّيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 سَنَةً. وَقِيْلَ: رَمَوْهُ قَتِيْلاً، فَشَدَّ الصِّبْيَانُ فِي رِجْلِهِ حَبلاً، وَجَرُّوْهُ فِي أَزِقَّةِ دِمَشْقَ. وَكَانَ دَمِيْمَ الجُثَّةِ، لَهُ لِحْيَةٌ عَظِيْمَةٌ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ البَغْيِ وَعَوَاقِبِه -. 198 - دَاوُدُ بنُ عَلِيِّ* ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ عَمُّ السَّفَّاحِ، الأَمِيْرُ، أَبُو سُلَيْمَانَ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. لَهُ حَدِيْثٌ طَوِيْلٌ فِي الدُّعَاءِ (1) . تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَيْسٌ، وَمَا هُوَ بِحُجَّةٍ. وَالخَبَرُ يُعَدُّ مُنْكَراً، وَلَمْ يُقَحِّمْ أُوْلُوِ النَّقْدِ عَلَى تَلْيِينِ هَذَا الضَّربِ لِدَوْلَتِهِم. وَكَانَ دَاوُدُ ذَا بَأْسٍ، وَسَطوَةٍ، وَهَيْبَةٍ، وَجَبَرُوتٍ، وَبَلاَغَةٍ. وَقِيْلَ: كَانَ يَرَى القَدَرَ. وَلَمَّا قَامَ السَّفَّاحُ يَوْمَ بُوْيِعَ يَخطُبُ، حُصِرَ، فَقَامَ دُوْنَه عَمُّه هَذَا فَأَبْلَغَ، وَقَالَ فَأَوْجزَ، وَبَسَطَ آمَالَ النَّاسِ.   (*) المحبر 33، الجرح والتعديل 3 / 418، العقد الفريد 4 / 100، 101، تهذيب الكمال 391، تذهيب التهذيب 1 / 206 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 242، ميزان الاعتدال 2 / 13، العقد الثمين 4 / 349، 354، تهذيب التهذيب 3 / 194، خلاصة تذهيب الكمال 110، شذرات الذهب 1 / 191، تهذيب ابن عساكر 5 / 206. (1) أخرجه الترمذي (3419) في الدعوات من طريق عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى عن داود بن علي، هو ابن عبد الله بن عباس عن أبيه، عن جده ابن عباس قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته: " اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء. " وهو حديث طويل ضعيف، والد محمد بن عمران لم يوثقه غير ابن حبان وأبوه سيئ الحفظ، وداود ابن علي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب، وقال ابن عدي: وعندي أنه لا بأس بروايته عن أبيه، عن جده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، بَعدَ أَنْ أَقَامَ المَوْسِمَ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. 199 - أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بنُ ذَكْوَانَ القُرَشِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ، وَيُلَقَّبُ: بِأَبِي الزِّنَادِ. وَأَبُوْهُ مَوْلَى رَمْلَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ؛ زَوْجَةِ الخَلِيْفَةِ عُثْمَانَ. وَقِيْلَ: مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. وَقِيْلَ: مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ. وَقِيْلَ: إِنَّ ذَكْوَانَ كَانَ أَخَا أَبِي لُؤْلُؤَةَ قَاتِلِ عُمَرَ. قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ. قُلْتُ: مَوْلِدُه فِي نَحْوِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، فِي حَيَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَأَبَانِ بنِ عُثْمَانَ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَخَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ - وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ، ثَبْتٌ فِيْهِ - وَعَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، وَمُرَقِّعِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَمُجَالِدِ بنِ عَوْفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةٍ. وَشَهِدَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الهَاشِمِيِّ جِنَازَةً، وَأَرْسَلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الإِسْلاَمِ، وَمِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - مَعَ   (*) طبقات خليفة 259، التاريخ الكبير 5 / 83، التاريخ الصغير 2 / 27، الجرح والتعديل 5 / 49، تهذيب الكمال 679، تذهيب التهذيب 2 / 142 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 265، ميزان الاعتدال 2 / 418، 420، تهذيب التهذيب 5 / 203، خلاصة تذهيب الكمال 196، شذرات الذهب 1 / 182، تهذيب ابن عساكر 7 / 279، 280. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 تَقَدُّمِهِ - وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَالمُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. قَالَ حَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ يُسَمِّي أَبَا الزِّنَادِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ فَوْقَ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفَوْقَ سُهَيْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَعْلَمُ مِنْ رَبِيْعَةَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ثِقَةٌ، حَجَّةٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ أَعْلَمَ مِنِ: ابْنِ شِهَابٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَبُكَيْرٍ الأَشَجِّ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: أَبُو الزِّنَادِ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ، وَأَنَسَ بنَ مَالِكٍ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَهُوَ مِمَّنْ تَقُوْمُ بِهِ الحُجَّةُ إِذَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ. قَالَ البُخَارِيُّ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ كُلِّهَا: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَصحُّ أَسَانِيْدِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ اللَّيْثُ: عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سَعِيْدٍ: دَخَلَ أَبُو الزِّنَادِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مِنَ الأَتبَاعِ -يَعْنِي: طَلَبَةَ العِلْمِ- مِثْلُ مَا مَعَ السُّلْطَانِ، فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيْضَةٍ، وَمِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 سَائِلٍ عَنِ الحِسَابِ، وَمِنْ سَائِلٍ عَنِ الشِّعرِ، وَمِنْ سَائِلٍ عَنِ الحَدِيْثِ، وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ مُعضِلَةٍ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الزِّنَادِ وَخَلْفَه ثَلاَثُ مائَةِ تَابِعٍ مِنْ طَالِبِ فِقْهٍ وَشِعْرٍ وَصُنُوفٍ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَقِيَ وَحْدَه، وَأَقْبَلُوا عَلَى رَبِيْعَةَ. وَكَانَ رَبِيْعَةُ يَقُوْلُ: شِبْرٌ مِنْ حُظوَةٍ، خَيْرٌ مِنْ بَاعٍ مِنْ عِلْمٍ. وَنَقَلَ: أَبُو يُوْسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: قَدِمتُ المَدِيْنَةَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الزِّنَادِ، وَرَأَيْتُ رَبِيْعَةَ، فَإِذَا النَّاسُ عَلَى رَبِيْعَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ أَفْقَهُ الرَّجُلَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ أَفْقَهُ أَهْلِ بَلَدِكَ، وَالعَمَلُ عَلَى رَبِيْعَةَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! كَفٌّ مِنْ حَظٍّ، خَيْرٌ مِنْ جِرَابٍ مِنْ عِلْمٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو الزِّنَادِ فَقِيْهَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَكَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَحِسَابٍ، وَكَانَ كَاتِباً لِخَالِدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحَارِثِ بنِ الحَكَمِ بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ كَاتِباً لِعَبْدِ الحَمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ، وَفَدَ عَلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بِحسَابِ دِيْوَانِ المَدِيْنَةِ، فَجَالَسَ هِشَاماً مَعَ ابْنِ شِهَابٍ. فَسَأَلَ هِشَامٌ ابْنَ شِهَابٍ: فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ عُثْمَانُ يُخْرِجُ العَطَاءَ لأَهْلِ المَدِيْنَةِ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كُنَّا نَرَى أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ لاَ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ وُجِدَ عِلْمُهُ عِنْدَه. فَسَأَلَنِي هِشَامٌ، فَقُلْتُ: فِي المُحَرَّمِ. فَقَالَ هِشَامٌ لابْنِ شِهَابٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَذَا عِلْمٌ أَفَدتُه اليَوْمَ. فَقَالَ: مَجْلِسُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَهْلٌ أَنْ يُفَادَ فِيْهِ العِلْمُ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو الزِّنَادِ مُعَادِياً لِرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَكَانَا فَقِيْهَيِ البَلَدِ فِي زَمَانِهِمَا. وَكَانَ المَاجِشُوْنُ يَعْقُوْبُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ يُعِيْنُ رَبِيْعَةَ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ. وَكَانَ المَاجِشُوْنُ أَوَّلَ مَنْ عَلِمَ الغِنَاءَ مِنْ أَهْلِ المُرُوْءةِ بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: مَثَلِي وَمَثَلُ ذِئْبٍ، كَانَ يُلِحُّ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ، فَيَأْكُلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 صِبْيَانَهُم وَدَوَاجِنَهُم، فَاجْتَمَعُوا لَهُ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِه، فَهَرَبَ مِنْهُم، فَتَقَطَّعُوا عَنْهُ إِلاَّ صَاحِبَ فَخَّارٍ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَوَقَفَ لَهُ الذِّئْبُ، وَقَالَ: هَؤُلاَءِ عَذَرتُهُم، أَرَأَيْتُكَ أَنْتَ مَا لِي وَلَكَ؟! وَاللهِ مَا كَسَرْتُ لَكَ فَخَّارَةً قَطُّ. ثُمَّ قَالَ: مَا لِي وَلِلْمَاجِشُوْنِ، وَالله مَا كَسَرْتُ لَهُ كَبَراً وَلاَ بَرْبَطاً (1) . رَوَى: الأَصْمَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الفُقَهَاءُ بِالمَدِيْنَةِ يَأْتُوْنَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، خَلاَ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَإِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ يَرْضَى أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَهُمَا رَسُوْلٌ، وَأَنَا كُنْتُ الرَّسُوْلَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: وَلَّى عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ أَبَا الزِّنَادِ بَيْتَ مَالِ الكُوْفَةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: قِيْلَ لأَبِي الزِّنَادِ: لِمَ تُحِبُّ الدَّرَاهِمَ وَهِيَ تُدنِيكَ مِنَ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: إِنَّهَا - وَإِنْ أَدْنَتْنِي مِنْهَا - فَقَدْ صَانَتْنِي عَنْهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو الزِّنَادِ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، فَصِيْحاً، بَصِيْراً بِالعَرَبِيَّةِ، عَالِماً، عَاقِلاً. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: هُوَ كَانَ سَبَبَ جَلدِ رَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، ثُمَّ وَلِيَ بَعْدَ ذَلِكَ المَدِيْنَةَ فُلاَنٌ التَّيْمِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي الزِّنَادِ، فَطَيَّنَ عَلَيْهِ بَيْتاً، فَشَفَعَ فِيْهِ رَبِيْعَةُ. قُلْتُ: تَؤُولُ الشَّحنَاءُ بَيْنَ القُرَنَاءِ إِلَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا. وَلَمَّا رَأَى رَبِيْعَةُ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ يَهلِكُ بِسَبَبِه، مَا وَسِعَه السُّكُوْتُ، فَأَخْرَجُوا أَبَا الزِّنَادِ، وَقَدْ عَايَنَ المَوْتَ وَذَبُلَ، وَمَالَتْ عُنُقُه - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ -.   (1) الكبر: طبل له وجه واحد، والبربط: العود أعجمي ليس من ملاهي العرب، أعربته حين سمعت به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 وَرَوَى: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَمَّا أَبُو الزِّنَادِ، فَلَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ رَضِيٍّ. قُلْتُ: انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ ثِقَةٌ رَضِيٌّ. وَقِيْلَ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يَرضَى أَبَا الزِّنَادِ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ أَكْثَرَ مَالِكٌ عَنْهُ فِي (مُوَطَّئِهِ) . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِلثَّوْرِيِّ: جَالَستَ أَبَا الزِّنَادِ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِالمَدِيْنَةِ أَمِيْراً غَيْرَه. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: جَلَسْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ. فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصَىً، فَحَصَبنِي بِهِ. وَكُنْتُ أَسْأَلُ أَبَا الزِّنَادِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ. يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَبِيْعَةَ، فَقَالَ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَأَسْأَلَ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَأَسْأَلَ أَبَا الزِّنَادِ. فَقَالَ: هَذَا يَحْيَى، وَأَمَّا أَبُو الزِّنَادِ، فَلَيْسَ بِثِقَةٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ أَبُو الزِّنَادِ كَاتِباً لِهَؤُلاَءِ -يَعْنِي: بَنِي أُمَيَّةَ- وَكَانَ لاَ يَرضَاهُ -يَعْنِي: لِذَلِكَ-. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو الزِّنَادِ كَمَا قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، وَلَمْ أُوْرِدْ لَهُ حَدِيْثاً؛ لأَنَّ كُلَّهَا مُسْتقِيْمَةٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَابْنُ أَبِي الغَمْرِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَمَّنْ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ الَّذِي قَالُوا: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ (1)) ، فَأَنْكَر ذَلِكَ إِنْكَاراً شَدِيْداً، وَنَهَى أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ أَحَدٌ. فَقِيْلَ: إِنَّ نَاساً   (1) أخرجه أحمد 2 / 244، والآجري في " الشريعة " 341 والبيهقي في " الأسماء والصفات " = الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَتَحَدَّثُوْنَ بِهِ. قَالَ: مَنْ هُم؟ قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ابْنُ عَجْلاَنَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو الزِّنَادِ عَامِلاً لِهَؤُلاَءِ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ صَاحِبَ عُمَّالٍ يَتْبَعُهُم. قُلْتُ: الخَبَرُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ عَجْلاَنَ، بَلْ وَلاَ أَبُو الزِّنَادِ، فَقَدْ رَوَاهُ: شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. وَرَوَاهُ: قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ المَرَاغِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ، وَأَبِي يُوْنُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ: مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَصحَّ أَيْضاً مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهُوَيْه عَالِمُ خُرَاسَانَ: صَحَّ هَذَا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَهَذَا الصَّحِيْحُ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابَيْ (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) . فَنُؤْمِنُ بِهِ، وَنُفَوِّضُ، وَنُسِلِّمُ، وَلاَ نَخُوضُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنَا، مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو الزِّنَادِ فَجْأَةً فِي مُغتَسَلِه، لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ مِنْهَا. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَطَائِفَةٌ: سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ،   = 290 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 323 من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 251 و434، وابن خزيمة 36 عن طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة..وأخرجه البخاري 11 / 2، 6، ومسلم (2841) ، وأحمد 2 / 315، وابن خزيمة: 39، 40 من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة..وأخرجه مسلم (2612) (115) وأحمد 2 / 463، و519، وابن خزيمة: 37 من طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة وحديث ابن عمر أخرجه الآجري: 135، والبيهقي 219، وابن خزيمة: 38 من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر مرفوعا بلفظ " لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن " وقد أعل هذه الرواية ابن خزيمة بتدليس الأعمش وكذا حبيب، وبمخالفة الثوري الأعمش في إرساله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ القُرَشِيِّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ، فَاكْتُبُوْهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوْهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ، فَلاَ تَكْتُبُوْهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوْهَا مِثْلَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا، فَاكْتُبُوْهَا حَسَنَةً) (1) . 200 - يَعْلَى بنُ حَكِيْمٍ الثَّقَفِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) مَكِّيٌّ، ثِقَةٌ، نَزَلَ البَصْرَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَمُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِكْرِمَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: قَتَادَةُ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ ذَكْوَانَ، وَغَيْرُهُم. وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: مَاتَ بِالشَّامِ، وَتَرَكَ أُمَّه، فَكَانَتْ تَأْتِي أَيُّوْبَ. قَالَ: فَأَتَاهَا أَيُّوْبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، يَقعُدُ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (128) في الايمان: باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، والترمذي (3073) في التفسير من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، عن الاعرج به. (*) التاريخ الكبير 8 / 417، التاريخ الصغير 1 / 308، الجرح والتعديل 9 / 303، تهذيب الكمال 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 191، طبقات القراء 2 / 391، تهذيب التهذيب 11 / 401، خلاصة تذهيب الكمال 437. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 عَلَى بَابِهَا، وَتَأْتِيْهِ، فَتَجْتَمِعُ (1) . وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: بَعَثَ يَعْلَى مِنَ الشَّامِ بِصَحِيْفَةٍ ضَخْمَةٍ فِيْهَا مَسَائِلُ، فَقَالَ: سَلْ عَنْهَا قَتَادَةُ. فَسأَلتُهُ، فَقَالَ: يَشُقُّ عَلَيَّ، فَسَلْ سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ. فَفَعَلتُ، ثُمَّ عَرضْتُهَا عَلَى قَتَادَةَ، فَمَا غَيَّرَ إِلاَ شَيْئَيْنِ. 201 - يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ الطَّائِفِيُّ * (م، 4) نَزلَ وَاسِطَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَوْسِ بنِ أَبِي أَوْسٍ، وَعُمَارَةَ بنِ حَدِيْدٍ، وَوَكِيْعِ بنِ عُدُسٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ مِنْ مَوَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 202 - مَطَرٌ الوَرَّاقُ أَبُو رَجَاءٍ الخُرَاسَانِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الصَّادِقُ، أَبُو رَجَاءٍ بنُ طَهْمَانَ الخُرَاسَانِيُّ، نَزِيلُ البَصْرَةِ، مَوْلَى عِلْبَاءَ بنِ أَحْمَرَ اليَشْكُرِيِّ. كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَكَانَ يَكْتُبُ المَصَاحِفَ، وَيُتقِنُ ذَلِكَ.   (1) النص في " تهذيب الكمال " لشيخ المؤلف: وجاء نعي يعلى بن حكيم من الشام إلى أمه، ولم يكن له هاهنا أحد غيرها، وكان أيوب يأتيها ثلاثة أيام بالغداة والعشي، فيقعد وتقعد معه، قال: فلم يزل يصلها حتى ماتت. (*) التاريخ الكبير 8 / 415، الجرح والتعديل 9 / 302، تهذيب الكمال 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188، تاريخ الإسلام 5 / 20، تهذيب التهذيب 11 / 404، خلاصة تذهيب الكمال 438. (* *) طبقات خليفة 215، تاريخ خليفة 389، التاريخ الكبير 7 / 400، 401، الجرح والتعديل 8 / 287، حلية الأولياء 3 / 75، تهذيب الكمال 1331، تذهيب التهذيب 4 / 43 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 164، تهذيب التهذيب 10 / 167، خلاصة تذهيب الكمال 378. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَعِكْرِمَةَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيٌّ، وَآخَرُوْنَ. وَغَيْرُه أَتقَنُ لِلرِّوَايَةِ مِنْهُ، وَلاَ يَنحَطُّ حَدِيْثُه عَنْ رُتبَةِ الحَسَنِ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ فِي عَطَاءٍ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَ الخَلِيْلُ بنُ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُ عَمِّي عِيْسَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَطَرٍ الوَرَّاقِ فِي فِقْهِهِ وَزُهْدِهِ. وَقَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: رَحِمَ اللهُ مَطَراً الوَرَّاقَ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الجَنَّةَ. وَعَنْ شَيْبَةَ بِنْتِ الأَسْوَدِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ مَطَراً الوَرَّاقَ، وَهُوَ يَقُصُّ. يُقَالُ: تُوُفِّيَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَكَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يُشَبِّهُ مَطَراً بِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي سُوءِ الحِفظِ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ عُثْمَانُ بنُ دِحْيَةَ اللُّغَوِيُّ: لاَ يُسَاوِي دَسْتَجَةَ (1) بَقْلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: فِيْهِ ضَعفٌ فِي الحَدِيْثِ. وَعَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، قَالَ: لَمَّا خَلقَ اللهُ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، جَعَلَ دَوَاءَ المَرَّةِ المشِيَ، وَدَوَاءَ الدَّمِ الحِجَامَةَ، وَدَوَاءَ البَلْغَمِ الحَمَّامَ.   (1) الدستجة: الحزمة، والكلمة معربة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 203 - صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ المَدَنِيُّ المُؤَدِّبُ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو الحَارِثِ - المَدَنِيُّ، المُؤَدِّبُ، مُؤَدِّبُ وَلَدِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. يُقَالَ: مَوْلَى بَنِي غِفَارٍ. وَيُقَالُ: مَوْلَى بَنِي عَامِرٍ. وَيُقَالُ: مَوْلَى آلِ مُعَيْقِيْبٍ الدَّوْسِيِّ. رَأَى: عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُمَا. وَحَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ شِهَابٍ - رَفِيْقِهِ -. وَيَنْزِلُ إِلَى: ابْنِ عَجْلاَنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنْ دَوْسٍ، وَكَانَ عَالِماً، ضَمَّه عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ إِلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ أَمِيْرٌ -يَعْنِي: بِالمَدِيْنَةِ-. قَالَ: فَكَانَ يَأْخُذُ عَنْهُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَضَمَّهُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الوَلِيْدِ. وَكَانَ صَالِحٌ جَامِعاً مِنَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالمُرُوْءةِ.   (*) طبقات خليفة 263، التاريخ الكبير 4 / 288، الجرح والتعديل 4 / 410، تهذيب الكمال 600، تذهيب التهذيب 2 / 88 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 82، تذكرة الحفاظ 1 / 148، 149، ميزان الاعتدال 2 / 299، تهذيب التهذيب 4 / 399، طبقات الحفاظ 63، خلاصة تذهيب الكمال 171، شذرات الذهب 1 / 208. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 قَالَ حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ صَالِحٍ: أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، قَدْ رَأَى صَالِحَ بنَ عُمَرَ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَدْ سَمِعَ مِنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَعْمَرٌ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي الزُّهْرِيِّ. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَثْبَتُ مِنْ مَالِكٍ، ثُمَّ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، ثُمَّ مَعْمَرٍ، ثُمَّ يُوْنُسَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ: صَالِحٌ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ أَسَنَّ مِنَ الزُّهْرِيِّ، رَأَى ابْنَ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: صَالِحٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عُقَيْلٍ؛ لأَنَّهُ حِجَازِيٌّ، وَهُوَ أَسَنُّ. رَأَى ابْنَ عُمَرَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، يُعَدُّ فِي التَّابِعِيْنَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ. رَوَى: مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: اجْتَمَعتُ أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ، وَنَحْنُ نَطلُبُ العِلْمَ، فَاجْتَمَعنَا عَلَى أَنْ نَكْتُبَ السُّنَنَ، فَكتَبْنَا كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِه. فَقُلْتُ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ. فَقَالَ: بَلْ هُوَ سُنَّةٌ. فَكَتَبَ، وَلَمْ أَكْتُبْ، فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ. الحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُ حَدِيْثَ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ فِي نُزُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَبْطَحَ، -يَعْنِي: عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ صَالِحٌ. فَقَالَ لَنَا عَمْرٌو: اذْهَبُوا، فَسَلُوْهُ عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ. فَذَهَبنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ. يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 مُؤَدِّبَ ابْنِ شِهَابٍ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ صَالِحٌ الشَّيْءَ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ ابْنُ شِهَابٍ، فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ بِخِلاَفِ مَا قَالَ. فَيَقُوْلُ لَهُ صَالِحٌ: تُكَلِّمُنِي وَأَنَا أَقَمْتُ أَوَدَ لِسَانِكَ. عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ: جِئْتُ صَالِحَ بنَ كَيْسَانَ فِي مَنْزِلِهِ، وَهُوَ يَكسِرُ لِهِرَّةٍ لَهُ يُطعِمُهَا، ثُمَّ يَفُتُّ لِحَمَامَاتٍ لَهُ أَوْ لِحَمَامٍ يُطعِمُه. وَهِمَ الحَاكِمُ وَهْمَيْنِ فِي قَوْلَةٍ، فَقَالَ: مَاتَ زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَنَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ لَقِيَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ تَلْمَذَ بَعْدُ لِلزُّهْرِيِّ، وَتَلَقَّنَ عَنْهُ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً، ابْتَدَأَ بِالعِلْمِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَالجَوَابُ: أَنَّ زَيْداً مَاتَ كَهْلاً مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ. وَصَالِحٌ عَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَ التِّسْعِيْنَ، وَلَوْ عَاشَ كَمَا زَعَمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لَعُدَّ فِي شَبَابِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ، وَلَكَانَ ابْنَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً وَقْتَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ طَلَبَ العِلْمَ - كَمَا قَالَ الحَاكِمُ - وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، لَكَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَهَا نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَسَمِعَ مِنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ، فَتَلاَشَى مَا زَعَمَه. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَالمائَةِ، وَقَبلَ مَخرَجِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. 204 - زِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ * (م، ت، ق) هُوَ الفَقِيْهُ، الرَّبَّانِيُّ، زِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي   (*) طبقات ابن سعد 5 / 305، تاريخ الفسوى 1 / 667، الجرح والتعديل 3 / 532، تهذيب الكمال 443، تذهيب التهذيب 1 / 243 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 72، تهذيب التهذيب 3 / 367، خلاصة تذهيب الكمال 124. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 رَبِيْعَةَ، مِنْ مَشَايِخِ وَقْتِه بِدِمَشْقَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ، وَذُرِّيَّةٌ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي بَحْرِيَّةَ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ عَبداً صَالِحاً، قَانِتاً للهِ. قَالَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: كَانَ مَمْلُوْكاً، فَدَخَلَ يَوْماً عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَكَانَ يُكرِمُه. وَقَالَ الفَرَزْدَقُ وَقَصَدَ بِهَذَا: يَا أَيُّهَا القَارِئُ المُرْخِي عِمَامَتَهُ ... هَذَا زَمَانُكَ، إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي وَكَانَ مُتَعَبِّداً، مُنعَزِلاً، وَلَهُ دَرَاهِمُ يُعَالجُ لَهُ فِيْهَا، وَفِيْهِ عُجمَةٌ، وَكَانَ يَلْبَسُ الصُّوْفَ، وَيَهجُرُ اللَّحْمَ (1) . رَوَى: يَحْيَى الوُحَاظِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يَتَغَدَّى، إِذْ بَصُرَ بِزِيَادٍ، فَطَلَبَه، ثُمَّ قَعَدَ مَعَهُ، وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، هَذَا زِيَادٌ، فَاخرُجِي، فَسَلِّمِي، هَذَا زِيَادٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوْفٍ، وَعُمَرُ قَدْ وَلِيَ أَمرَ الأُمَّةِ. وَبَكَى، فَقَالَتْ: يَا زِيَادُ! هَذَا أَمرُنَا وَأَمرُهُ، مَا فَرِحنَا بِهِ، وَلاَ قَرَّتْ أَعْيُنُنَا مُنْذُ وَلِيَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ يَمُرُّ، فَرُبَّمَا أَفزَعَنِي حِسُّه، فَيَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَيَقُوْلُ: عَلَيْكَ بِالجِدِّ، فَإِنْ كَانَ مَا يَقُوْلُ هَؤُلاَءِ   (1) إن كان يفعل ذلك، لان نفسه تعافه كما يقع لبعض الناس، فلا محذور فيه، وأما إذا كان يفعل ذلك تزهدا، فغير جائز، لان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الزهاد كان يلبس غير الصوف، ويأكل اللحم، ويعجبه منه الذراع، ويهدى إليه فيقبله، ولنا فيه أسوة حسنة، وهديه أكمل الهدي وأحسنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 مِنَ الرُّخَصِ حَقّاً، لَمْ يَضُرَّكَ، وَإِلاَّ كُنْتَ قَدْ أَخَذتَ بِالحَذَرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ قَدْ أَعَانَهُ النَّاسُ عَلَى فِكَاكِ رَقبَتِه، وَتَسَارَعُوا فِي ذَلِكَ، فَفَضَلَ مَالٌ كَثِيْرٌ، فَرَدَّهُ زِيَادٌ إِلَيْهِم بِالحُصَصِ، وَكَتَبَهُم عِنْدَه، فَمَا زَالَ يَدْعُو لَهُم حَتَّى مَاتَ. قُلْتُ: لَهُ فِي الكُتُبِ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ. قُلْتُ: اسْمُ أَبِيْهِ: مَيْسَرَةُ. 205 - سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ المَدَنِيُّ * (م، 4، خَ مَقْرُوْناً) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، الصَّادِقُ، أَبُو يَزِيْدَ المَدَنِيُّ، مَوْلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الأَحْمَسِ الغَطَفَانِيَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانِ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ يَزِيْدَ اللَّيْثِيِّ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الحَاجِبِ، وَالحَارِثِ بنِ مُخَلَّدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَقرَانِه: كَالأَعْمَشِ، وَسُمَيٍّ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ. وَمَا عَلِمتُ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَرَبِيْعَةُ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ - وَهُم مِنَ التَّابِعِيْنَ - وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالحَمَّادَانِ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - وَمَاتَ قَبْلَه بِدَهْرٍ - وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَوُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَنَسُ   (*) طبقات خليفة 266، التاريخ الكبير 4 / 104، تاريخ الفسوي 1 / 423، الجرح والتعديل 4 / 246، تهذيب الكمال 561، تذهيب التهذيب 2 / 62 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 261، تذكرة الحفاظ 1 / 137، تهذيب التهذيب 4 / 263، خلاصة تذهيب الكمال 158، شذرات الذهب 1 / 208. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، لَكِنَّهُ مَرِضَ مَرضَةً غَيَّرَتْ مِنْ حِفْظِه. حَكَى التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ سُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَصْلَحَ حَدِيْثَهُ! وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: وَمَا صَنَعَ شَيْئاً، سُهَيْلٌ أَثْبَتُ عِنْدَهُم. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سُهَيْلٌ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدِيْثُهُمَا قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ، وَلَيْسَ حَدِيْثُهُمَا بِحُجَّةٍ. رَوَاهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: سُهَيْلٌ وَأَخُوْهُ عَبَّادٌ ثِقَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ: سُهَيْلٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوِ العَلاَءُ؟ فَقَالَ: سُهَيْلٌ أَثْبَتُ وَأَشهَرُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ العَلاَءِ، وَمِنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلِسُهَيْلٍ نَسْخٌ، رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ، وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سُمَيٌّ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ: سُمَيٌّ مِنْ رِجَالِ (الصَّحِيْحِيْنِ) ، بِخِلاَفِ سُهَيْلٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ مَرَّةً: ثِقَةٌ، وَأَخوَاهُ عَبَّادٌ وَصَالِحٌ. وَمِنْ غَرَائِبِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَدِيْثُ: (مَنْ قَتَلَ وَزَغاً فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 أَوَّلِ ضَرْبَةٍ (1)) ، وَحَدِيْثُ: (فَرْخُ الزِّنَى لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ (2)) . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ: لِمَ تَرَكَ البُخَارِيُّ سُهَيْلاً فِي (الصَّحِيْحِ) ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ لَهُ فِيْهِ عُذراً، فَقَدْ كَانَ النَّسَائِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ لِسُهَيْلٍ، قَالَ: سُهَيْلٌ -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنْ أَبِي اليَمَانِ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَ (كِتَابُ البُخَارِيِّ) مِنْ هَؤُلاَءِ مَلآنُ، وَخَرَّجَ لِفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلاَ أَعْرِفُ لَهُ وَجْهاً. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ أَخٌ لِسُهَيْلٍ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ، فَنَسِيَ كَثِيْراً مِنَ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَمْ يَزَلْ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَتَّقُوْنَ حَدِيْثَه. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ، وَمَرَّةً: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقِيْلَ: إِنَّ مَالِكاً إِنَّمَا أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ. قَالَ الحَاكِمُ: رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ كَثِيْراً، وَأَكْثَرُهَا فِي الشَّوَاهِدِ. وَيُقَالُ: ظَهَرَ لِسُهَيْلٍ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا   (1) أخرجه مسلم (2240) في السلام، وأبو داود (5263) ، والترمذي (1482) ، وابن ماجه (3228) وأحمد 2 / 355 من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل وزغة في أول ضربة، فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية، فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية " وفي رواية " من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مئة حسنة. " وفي رواية " في أول ضربه سبعين حسنة ". (2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " 189 / 2 من طريق حمزة بن داود، عن محمد بن زنبور، عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة. وحمزة بن داود ليس بشيء، ومحمد بن زنبور مختلف فيه، وقد عده ابن الجوزي في الموضوعات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 أَبُو زُرْعَةَ، أَنْبَأَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِاليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ (1) . وَبِهِ: قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيْعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، أَنَّنِي حَدَّثتُه إِيَّاهُ وَلاَ أَحْفَظُهُ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: وَقَدْ كَانَ أَصَابَ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَضَرَّتْ بِبَعْضِ حِفْظِه، وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيْثِه، فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ بَاباً، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ بَاباً، أَفْضَلُهَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مِنَ العَوَالِي. أَخْرَجَهُ: الأَئِمَّة السِّتَّةُ (2) فِي كُتُبِهِم، مِنْ حَدِيْثِ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ   (1) أخرجه الشافعي 2 / 235، والترمذي (1343) وأبو داود (3610) ، وابن ماجه (2369) ، وسنده حسن وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الشافعي 2 / 234، ومسلم (1712) والعمل على هذا عند بعض أهل العلم جوزوا القضاء للمدعي بالشاهد الواحد مع اليمين في الاموال، وهو قول أجلة الصحابة، وأكثر التابعين، منهم أبو سلمة، وبه قال فقهاء الانصار، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. (2) أخرجه البخاري 1 / 48، 49 في الايمان: باب أمور الايمان، ومسلم (35) في الايمان: باب بيان عدد شعب الايمان، وأبو داود (4676) والترمذي (2617) والنسائي 8 / 110، وابن ماجه (57) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، نَحْوَه. 206 - سُمَيٌّ المَدَنِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ؛ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ الفَقِيْهِ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَجْلاَنَ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَوَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. قُتِلَ: يَوْمَ وَقْعَةِ قُدَيْدٍ (1) ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْث بِالمَدِيْنَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 207 - عَبْدُ الحَمِيْدِ ** بنُ يَحْيَى بنِ سَعْدٍ الأَنْبَارِيُّ أَبُو يَحْيَى العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، أَبُو يَحْيَى الكَاتِبُ، تِلْمِيْذُ سَالِمٍ مَوْلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. سَكنَ الرَّقَّةَ، وَكَتَبَ التَّرَسُّلَ لِمَرْوَانَ الحِمَارِ، وَلَهُ عَقِبٌ.   (*) طبقات خليفة 261، الجرح والتعديل 4 / 315، تهذيب الكمال 554، تذهيب التهذيب 2 / 59 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 260، تهذيب التهذيب 4 / 238، خلاصة تذهيب الكمال 156، شذرات الذهب 1 / 181. (1) قد تقدم في صفحة (417) أنها كانت بين جيش عبد الله بن يحيى الكندي وبين جيش الخليفة مروان الأموي. (* *) البيان والتبيين 3 / 9، الصناعتين 69، صبح الاعشى 10 / 195، عيون الاخبار 1 / 26، الوزراء والكتاب 72، 83، مروج الذهب 3 / 263، ثمار القلوب 196، الفهرست لابن النديم 131، الشريشي 2 / 253، تاريخ الإسلام 5 / 270، أمراء البيان 38، 98. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 أَخَذَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ بَرْمَكٍ، وَغَيْرُه. وَتَنَقَّلَ فِي النَّوَاحِي، وَمَجْمُوْعُ رَسَائِلِه نَحْوٌ مِنْ مائَةِ كُرَّاسٍ. وَيُقَالُ: افْتُتِحَ التَّرَسُّلُ بِعَبْدِ الحَمَيْدِ، وَخُتِمَ بِابْنِ العَمِيْدِ. وَسَارَ مُنْهزِماً فِي خِدمَةِ مَرْوَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ مَخدُوْمُه بِبُوْصِيْرَ، أُسِرَ هَذَا. فَقِيْلَ: حَمَوْا لَهُ طِسْتاً، ثُمَّ وَضَعُوْهُ عَلَى دِمَاغِه، فَتَلِفَ. وَمِنْ تَلاَمِذَتِه: وَزِيْرُ المَهْدِيِّ يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدَ. وَيُرْوَى عَنْ: مُهْزِمِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الحَمِيْدِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَجُوْدَ خَطُّكَ، فَأَطِلْ جُلْفَةَ قَلَمِكَ، وَأَسْمِنْهَا، وَحَرِّفْ قِطَّتَكَ، وَأَيْمِنْهَا. قُتِلَ: فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 208 - عَبْدُ المَلِكِ * بنُ مَرْوَانَ ابْنِ فَاتِحِ الأَنْدَلُسِ مُوْسَى بنِ نُصَيْرٍ اللَّخْمِيُّ الأَمِيْرُ، كَانَ فَصِيْحاً، خَطِيْباً، مُفَوَّهاً، عَادِلاً، كَبِيْرَ القَدْرِ. وَلِي مِصْرَ لِمَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ، فَأَحْسَنَ السِّيْرَةَ، وَلَمَّا زَالتِ الدَّوْلَةُ المَرْوَانِيَّةُ، وَدَخَلَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ مِصْرَ، أَكرَمَ عَبْدَ المَلِكِ هَذَا؛ لِمَا رَأَى مِنْ نَجَابَتِه. وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى العِرَاقِ، فَكَانَ بِهَا أَحَدَ القُوَّادِ الكِبَارِ. ثُمَّ وَلاَّهُ المَنْصُوْرُ إِقْلِيْمَ فَارِسٍ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 209 - نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ أَبُو اللَّيْثِ المَرْوَزِيُّ ** صَاحِبُ خُرَاسَانَ، الأَمِيْر، أَبُو اللَّيْثِ المَرْوَزِيُّ، نَائِبُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ.   (*) الولاة والقضاة 93، 98، تاريخ الإسلام 5 / 272، النجوم الزاهرة 1 / 324. (* *) تاريخ خليفة 383، و388، المحبر 255، الجرح والتعديل 8 / 469، ابن الأثير 5 / 148، تاريخ الإسلام 5 / 308، خزانة الأدب 1 / 326. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ - فِيْمَا قِيْلَ - وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ. خَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ، وَحَارَبَه، فَعَجِزَ عَنْهُ نَصْرٌ، وَاسْتَصْرَخَ بِمَرْوَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَبَعُدَ عَنْ نَجْدَتِه، وَاشْتَغَلَ باخْتِلاَلِ أَمرِ أَذْرَبِيْجَانَ وَالجَزِيْرَةِ، فَتَقَهقَرَ نَصْرٌ، وَجَاءهُ المَوْتُ عَلَى حَاجَةٍ، فَتُوُفِّيَ بِسَاوَةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ وَلِي إِمْرَةَ خُرَاسَانَ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الدَّهْرِ سُؤدُداً وَكَفَاءةً. 210 - وَاصِلُ بنُ عَطَاءٍ أَبُو حُذَيْفَةَ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم * البَلِيْغُ، الأَفْوَهُ، أَبُو حُذَيْفَةَ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الغَزَّالُ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي ضَبَّةَ. مَوْلِدُه: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، بِالمَدِيْنَةِ. وَكَانَ يَلثَغُ بِالرَّاءِ غَيْناً، فَلاِقْتِدَارِهِ عَلَى اللُّغَةِ وَتَوَسُّعِهِ يَتَجَنَّبُ الوُقُوْعَ فِي لَفظَةِ فِيْهَا رَاءٌ (1) ، كَمَا قِيْلَ: وَخَالَفَ الرَّاءَ حَتَّى احْتَالَ لِلشِّعْرِ (2) ... وَهُوَ وَعَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ رَأْسَا الاعْتِزَالِ، طَرَدَهُ الحَسَنُ عَنْ مَجْلِسِهِ لَمَّا قَالَ: الفَاسِقُ لاَ مُؤْمِنٌ وَلاَ كَافِرٌ. فَانضَمَّ إِلَيْهِ عَمْرٌو، وَاعْتَزَلاَ حَلْقَةَ الحَسَنِ، فَسُمُّوا   (*) أمالي المرتضى 1 / 163، معجم الأدباء 19 / 243، وفيات الأعيان 6 / 7، 11، تاريخ الإسلام 5 / 310، ميزان الاعتدال 4 / 329، مرآة الجنان 1 / 274، لسان الميزان 6 / 214، الفرق بين الفرق 117، النجوم الزاهرة 1 / 313، شذرات الذهب 1 / 182. (1) انظر خطبته التي جانب فيها الراء في " نوادر المخطوطات " ص 134، 135. (2) عجز بيت صدره: ويجعل البر قمحا في تصرفه وبعده: ولم يطق مطرا والقول يعجله * فعاذ بالغيث إشفاقا على المطر أوردهما الجاحظ في البيان والتبيين ولم ينسبهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 المُعْتَزِلَة (1) ، قَالَ شَاعِرٌ: وَجَعَلْتَ وَصْلِي الرَّاءَ لَمْ تَلْفِظْ بِهِ ... وَقَطَعْتَنِي حَتَّى كَأَنَّكَ وَاصِلُ وَقِيْلَ: لِوَاصِلٍ تَصَانِيْفُ. وَقِيْلَ: كَانَ يُجِيْزُ التِّلاَوَةَ بِالمَعْنَى، وَهَذَا جَهْلٌ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: عُرِفَ بِالغَزَّالِ؛ لِتَرْدَادِهِ إِلَى سُوْقِ الغَزْلِ؛ لِيَتَصدَّقَ عَلَى النِّسوَةِ الفَقِيْرَاتِ. جَالَسَ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ لاَزمَ الحَسَنَ، وَكَانَ صَمُوتاً، طَوِيْلَ الرَّقَبَةِ جِدّاً. وَلَهُ مُؤَلَّفٌ فِي التَّوْحِيْدِ، وَكِتَاب (المَنْزِلَةُ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ) . 211 - أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ إِيَاسٍ اليَشْكُرِيُّ * (ع) البَصْرِيُّ، ثُمَّ الوَاسِطِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالحُفَّاظِ. حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي الضُّحَى، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَرَوَى عَنْ: عَبَّادِ بنِ شُرَحْبِيْلَ اليَشْكُرِيِّ، وَلَهُ صُحْبَةٌ.   (1) وقال أبو الحسين الملطي المتوفى سنة 377 هـ في " رد الاهواء والبدع " وهو أقدم مصدر يبين وجه تلقيبهم بالمعتزلة: وهم سموا أنفسهم معتزلة، وذلك عندما بايع الحسن بن علي عليه السلام معاوية وسلم إليه الامر، اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس - وكانوا من أصحاب علي - ولزموا منازلهم ومساجدهم، وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة، فسموا بذلك معتزلة، وذكر المسعودي أن تسميتهم معتزلة لقولهم باعتزال الفاسق عن منزلتي المؤمن والكافر. وراجع " الملل والنحل " للشهرستاني 1 / 30 و" الفرق بين الفرق " ص 15، و" التبصير في الدين " للاسفراييني ص 64، 65. (*) طبقات خليفة 325، التاريخ الكبير 2 / 186، التاريخ الصغير 1 / 320، الجرح والتعديل 2 / 473، تهذيب الكمال 207، تذهيب التهذيب 1 / 106 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 54، تهذيب التهذيب 2 / 83، خلاصة تذهيب الكمال 64. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 وَحَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَبُو بِشْرٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَأَوْثَقُ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُ حَدِيْثَ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ شُعْبَةُ أَيْضاً: أَحَادِيْثُ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ سَالِمٍ ضَعِيْفَةٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: كَانَ أَبُو بِشْرٍ سَاجِداً خَلْفَ المَقَامِ حِيْنَ مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 212 - حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ أَبُو بَكْرٍ المُحَارِبِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ المُحَارِبِيُّ مَوْلاَهُم، الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي كَبْشَةَ السَّلُوْلِيِّ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ   (*) التاريخ الكبير 3 / 33، تاريخ الفسوي 2 / 293، الجرح والتعديل 3 / 236، حلية الأولياء 6 / 70، 79، تهذيب الكمال 252، تذهيب التهذيب 1 / 130 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 60، تهذيب التهذيب 2 / 251، خلاصة تذهيب الكمال 76، تهذيب ابن عساكر 4 / 144، 146. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 بنُ مُطَرِّفٍ. وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ رَوَى عَنْهُ، أَنَّى يَكُوْنَ ذَلِكَ؟! وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ عَمَلاً فِي الخَيْرِ مِنْ حَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ. وَقِيْلَ: كَانَ حَسَّانٌ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَدْ رُمِيَ بِالقَدَرِ. قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ذَلِكَ، فَبَلَغَ الأَوْزَاعِيَّ كَلاَمُ سَعِيْدٍ فِيْهِ، فَقَالَ: مَا أَغَرَّ سَعِيْداً بِاللهِ، مَا أَدْرَكتُ أَحَداً أَشَدَّ اجْتِهَاداً، وَلاَ أَعمَلَ مِنْ حَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ. ضَمْرَةُ: عَنْ رَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعَ يُوْنُسَ بنَ سَيْفٍ، يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ مِنَ القَدَرِيَّةِ إِلاَّ كَبْشَانِ: أَحَدُهُمَا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ. وَرَوَى: عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ... ، وَذَكَرَ شَيْئاً مِنْ مَنَاقِبِ حَسَانٍ. الوَلِيْدُ بنُ مِزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ لِحسَّانٍ غَنَمٌ، فَسَمِعَ مَا جَاءَ فِي المَنَائِحِ (1) ، فَتَرَكَهَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ الَّذِي سَمِعَ؟ قَالَ: يَوْمٌ لَهُ، وَيَوْمٌ لِجَارِهِ. وَرَوَى: عَبْدُ المَلِكِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ، يَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- فِي المَسْجِدِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.   (1) المنائح: جمع منيحة: العطية، قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة، فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها، وأخرج البخاري في " صحيحه " 5 / 179 في الهبة: باب فضل المنيحة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة، والشاة الصفي تغدو بإناء، وتروح بإناء " وأخرج البخاري 5 / 180 أيضا من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا أدخله الله بها الجنة "، وأخرج مسلم (1020) من حديث أبي هريرة مرفوعا " من منح منيحة، غدت بصدقة، وراحت بصدقة، صبوحها وغبوقها ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 وَمِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ أَتَعَزَّزَ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَأَنْ أَتَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَشِيْنُنِي عِنْدَكَ. بَقِيَ حسَانٌ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ قَدَرِيّاً. قُلْتُ: لَعَلَّهُ رَجَعَ، وَتَابَ. 213 - يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ * (ع) وَقِيْلَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُجَوِّدُ، عَالِمُ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ، وَشَيْخُ عَالِمِ المَدِيْنَةِ، وَتِلْمِيْذُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، أَبُو سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، القَاضِي. مَوْلِدُه: قَبْلَ السَّبْعِيْنَ، زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ الفَقِيْهِ، وَبَشِيْرِ بنِ يَسَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ الإِخْوَةِ، وَالأَعْرَجِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَحَنْظَلَةَ بنِ قَيْسٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَأَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، وَعَبَّادِ بنِ تَمِيْمٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. رَوَى عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجِشُوْنِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَمَّادُ   (*) طبقات خليفة 270، التاريخ الكبير 8 / 275، 276، تاريخ الفسوي 1 / 648، الجرح والتعديل 9 / 147، 148، 149، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 153، 154، تهذيب الكمال 1499، تذهيب التهذيب 4 / 156 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 149، تهذيب التهذيب 11 / 221، طبقات الحفاظ 57، خلاصة تذهيب الكمال 424، شذرات الذهب 1 / 212. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 بنُ زَيْدٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ العُمَرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثِ: (الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) ، وَعَنْهُ اشْتُهِرَ، حَتَّى يُقَالَ: رَوَاهُ عَنْهُ نَحْوُ المائَتَيْنِ، وَوَقَعَ عَالِياً لأَصْحَابِ ابْنِ طَبَرْزَدْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَتْ حَبِيْبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ إِحْدَى عَمَّاتِي. وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ سَهْلٍ. قُلْتُ: حَبِيْبَةُ هَذِهِ هِيَ القَائِلَةُ: لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بنُ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ. وَأَمَّا قَيْسُ بنُ عَمْرٍو فَصَحَابِيٌّ؛ لَهُ فِي (السُّنَنِ) فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ (1) .   (1) أخرجه أبو داود (1267) في الصلاة: باب من فاتته سنة الصبح متى يقضيها، والترمذي (422) في الصلاة: باب فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر، وابن ماجه (1154) في إقامة الصلاة: باب ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيهما، وأحمد 5 / 447، والحاكم 1 / 275 من طريق عبد الله بن نمير، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن جده قيس بن عمرو قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدني أصلي، فقال: " مهلا يا قيس أصلاتان معا؟ " قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال: " فلا إذن " ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس، لكن للحديث طريق متصل صحيح أخرجه الحاكم (1 / 274، 275) وعنه البيهقي 2 / 483 من طريق الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه عن جده، قال الحاكم: قيس بن قهد صحابي، والطريق إليه صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي على تصحيحه وصححه ابن خزيمة (1116) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ قَاضِي حَرَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُفْتِيْهَا فِي عَصرِه، يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدِ بنِ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ فِي (الطَّبَقَاتِ) : يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدِ بنِ سَهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ أَبُو سَعِيْدٍ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي (الكُنَى) : يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ سَهْلِ بنِ الحَارِثِ بنِ زَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَيُقَالُ: ابْنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدٍ، وَلَمْ يَصِحَّ أَخُو سَعْدٍ وَعَبْدِ رَبِّهِ وَسَعِيْدٍ. قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ جَدَّه هُوَ قَيْسُ بنُ عَمْرِو بنِ سَهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ: جَدُّه قَيْسُ بنُ قهدِ بن قَيْسٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: غَلِطَ مُصْعَبٌ، وَقَيْسُ بنُ قهدٍ هُوَ جَدُّ أَبِي مَرْيَمَ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ القَاسِمِ الأَنْصَارِيِّ، الكُوْفِيِّ. قَالَ: وَكِلاَهمَا لَهُ صُحْبَةٌ. ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خَيْرُ دُوْرِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ (1)) . رَأَى يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ. قَالَهُ: الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ: أَنَساً، وَالسَّائِبَ، وَأَبَا أُمَامَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَيُوْسُفَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ. وَسَمِعَ: ابْنَ المُسَيِّبِ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الفُقَهَاءِ السَّبعَةِ، وَجَالَسَهُم. رَوَى عَنْهُ مِنَ التَّابِعِيْنَ أَرْبَعَةٌ: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ.   (1) أخرجه البخاري 7 / 88 في المناقب: باب فضل دور الانصار، ومسلم (2511) في فضائل الصحابة: باب خير دور الأنصار، من حديث أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير دور الانصار بنو النجار ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ سَهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ. ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ سَهْلٍ النَّجَّارِيُّ تُوُفِّيَ بِالهَاشِمِيَّةِ، وَكَانَ قَاضِياً بِهَا لأَبِي جَعْفَرٍ، سَنَة ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي العَدْلُ، الرِّضَى، الأَمِيْنُ عَلَى مَا يَغِيبُ عَلَيْهِ، أَبُو سَعِيْدٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. قُلْتُ: عَامَّةُ النَّاسِ كَنَّوْهُ هَكَذَا. وَرَوَى: أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةٌ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كُنْيَتُه أَبُو نَصْرٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ قَدْ سَاءتْ حَالَتُه، وَأَصَابَه ضَيْقٌ شَدِيْدٌ، وَرَكِبَه الدَّيْنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَاكَ، إِذْ جَاءهُ كِتَابُ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ يَسْتَقْضِيهِ، فَوَكَلَنِي بِأَهْلِهِ، وَقَالَ لِي: وَاللهِ مَا خَرَجتُ وَأَنَا أَجهَلُ شَيْئاً. فَلَمَّا قَدِمَ العِرَاقَ، كَتَبَ إِلَيَّ: قُلْتُ لَكَ ذَاكَ القَوْلَ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- لأَوَّلُ خَصمَيْنِ جَلَسَا بَيْنَ يَدَيَّ، فَاقَتَصَّا شَيْئاً، وَالله مَا سَمِعْتُه قَطُّ، فَإِذَا جَاءكَ كِتَابِي هَذَا، فَسَلْ رَبِيْعَةَ بنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاكتُبْ إِلَيَّ مَا يَقُوْلُ، وَلاَ تُعْلِمْهُ. هَذِهِ حِكَايَةُ مُنْكَرَةٌ، فَإِنَّ رَبِيْعَةَ كَانَ قَدْ مَاتَ. رَوَاهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ مِنْ وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَزَادَ فِيْهَا: فَلَمَّا خَرَجتُ إِلَى العِرَاقِ، شَيَّعتُه، فَكَانَ أَوَّلَ مَا اسْتَقْبَلَه جِنَازَةٌ، فَتَغَيَّرَ وَجْهِي، فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَغَيَّرْتَ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ صَدقَ طَيرُكَ، لَيُنْعَشَنَّ أَمْرِي. فَمَضَى، فَمَا أَقَامَ إِلاَّ شَهْرَيْنِ حَتَّى قَضَى دَيْنَه، وَأَصَابَ خَيْراً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالَقَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَثْبَتُ النَّاسِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: قَدِمَ أَيُّوْبُ مِنَ المَدِيْنَةِ، فَقِيْلَ لَهُ: مَنْ أَفْقَهُ مَنْ خَلَّفتَ بِهَا؟ قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ. أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُحَدِّثنَا، فَيَسُحُّ عَلَيْنَا مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، إِذَا طَلعَ رَبِيْعَةُ، فَقَطَعَ حَدِيْثَه إِجْلاَلاً لِرَبِيْعَةَ وَإِعْظَاماً (1) . عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: أَدْرَكتُ مِنَ الحُفَّاظِ ثَلاَثَةً: إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ. قُلْتُ: فَالأَعْمَشُ؟ فَأَبَى أَنْ يَجْعَلَه مَعَهُم. مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، نَزَلَ عَلَى عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَكَانَ يَحْيَى لاَ يُملِي، فَكُنَّا نَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَمَعَنَا ابْنُ عُلَيَّة، وَجَمَاعَةٌ، فَنَحفَظُ، فَإِذَا خَرَجنَا، كَتبَ هَذَا مَا حَفِظَ، وَهَذَا مَا حَفِظَ، فَتَرَكتُ لِذَلِكَ حَدِيْثَه، وَقُلْتُ: لاَ آخُذُ دِيْنِي عَنْكُم. مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ فِي مِيْرَاثٍ لَهُ، فَطَلَبَ لَهُ رَبِيْعَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَرِيْدَ، فَرَكِبَه إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ، فَقَدِمَ بِذَلِكَ المِيْرَاثِ، وَهُوَ خَمْسُ مائَةِ دِيْنَارٍ. فَأَتَاهُ النَّاسُ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، وَأَتَاهُ رَبِيْعَةُ أَغلَقَ البَابَ عَلَيْهِمَا، وَدَعَا بِمِنْطَقَتِه، فَصَيَّرَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِيْعَةَ، وَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، وَاللهِ مَا غَيَّبْتُ مِنْهَا دِيْنَاراً إِلاَّ مَا أَنْفَقنَاهُ فِي الطَّرِيْقِ. ثُمَّ عَدَّ مائَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَدَفَعهَا إِلَى رَبِيْعَةَ، وَأَخَذَ هُوَ مِثْلَهَا قَاسَمَه. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَجَلَّ عِنْدَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مِنَ الزُّهْرِيِّ. التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، فَقُلْتُ:   (1) الخبر في " المعرفة والتاريخ " 1 / 648، وفيه: فإذا طلع ربيعة، قطع حديثه إجلالا لربيعة وإعظاما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 أَرَأَيْتَ مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ الأَئِمَّةِ؟ مَا كَانَ قَوْلُهم فِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَشُكُّ فِي تَفْضِيْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عَلِيٍّ، إِنَّمَا كَانَ الاخْتِلاَفُ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَلَمْ أَلقَ بِهَا أَحَداً إِلاَّ وَأَنْتَ تَعْرِفُ وَتُنكِرُ، غَيْرَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَمَالِكٍ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ حَفْصٍ حَدَّثَهُم، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عِيْسَى، وَغَيْرُهُ: أَنَّ قَوْماً كَانَتْ بَيْنَهُم وَبَيْنَ المُسَيِّبِ بنِ زُهَيْرٍ خُصُومَةٌ، فَارتَفَعُوا إِلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى أَنْ يَحضُرَ. فَأَتَوهُ بِكِتَابِ يَحْيَى، فَانْتَهَرَهُم، وَأَبَى، فَجَاؤُوا إِلَى يَحْيَى، فَقَامَ مُغضَباً يُرِيْدُ المُسَيِّبَ، فَوَافَقَه قَدْ رَكِبَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَحْو المائَتَيْنِ مِنَ الخَشَّابَةِ، فَلَمَّا رَأَوُا القَاضِي، أَفْرَجُوا لَهُ، فَأَتَى المُسَيِّبَ، فَأَخَذَ بِحمَائِلِ سَيْفِهِ، وَرَمَى بِهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ بَركَ عَلَيْهِ يَخْنِقُه. قَالَ: فَمَا خَلَّصَ حَمَائِلَ السَّيْفِ مِنْ يَدِهِ إِلاَّ أَبُو جَعْفَرٍ بِنَفْسِهِ. قُلْتُ: هَكَذَا فَلْيَكُنِ الحَاكِمُ، وَمَتَى خَافَ الحَاكِمُ مِنَ العَزلِ لَمْ يُفلِحْ، وَفِي ثُبُوتِ هَذِهِ الحِكَايَةِ نَظَرٌ. الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ: حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَنْبَلَ مِنْهُ ... ، فَذَكَرَ تَفْضِيْلَ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَقَالَ يَحْيَى: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا، وَسَلِّمِ المُؤْمِنِيْنَ مِنَّا. ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: أَهْلُ العِلْمِ أَهْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 وَسْعَةٍ، وَمَا بَرِحَ المُفْتُوْنَ يَخْتَلِفُوْنَ، فَيُحَلِّلُ هَذَا، وَيُحَرِّمُ هَذَا، وَإِنَّ المَسْأَلَةَ لَتَرِدُ عَلَى أَحَدِهِم كَالجَبَلِ، فَإِذَا فَتَحَ لَهَا بَابَهَا، قَالَ: مَا أَهْوَنَ هَذِهِ. يَعْقُوْبُ بنُ كَاسِبٍ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، قَالَ: سَمِعْتُ صَائِحاً يَصِيْحُ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَيَّامَ مَرْوَانَ: لاَ يُفْتِي الحَاجَّ فِي المَسْجِدِ إِلاَّ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: قُلْتُ لِسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَرَّةً وَاحِدَةً، نَعَمْ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ مَرَّةٍ. وَبِهِ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ كَتَبتُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِي مِثْلُ مَا لِي. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الحَنَفِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: حَفِظتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ثَلاَثَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فَمَرِضتُ مَرضَةً، فَنَسِيتُ نِصْفَهَا، فَقَالَ فَتَىً مِنَ القَوْمِ: رُوَيْداً، لَيتكَ مَرِضتَ الثَّانِيَةَ، فَنَسِيتَهَا كُلَّهَا، فَنَستَرِيْحُ مِنْكَ. رَوَاهَا: الحَاكِمُ، وَلاَ أَعْرِفُ الحَنَفِيَّ. كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يُقَدِّمُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ عَلَى الزُّهْرِيِّ؛ لِكَوْنِهِ رَآهُ وَلَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ رَجُلاً صَالِحاً، فَقِيْهاً، ثِقَةً. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانَ حَافِظاً. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مُحَدِّثُو الحِجَازِ: ابْنُ شِهَابٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَرَوَى: أَبُو أُوَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: صَحِبتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ إِلَى الشَّامِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ خَفِيْفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 الحَالِ، فَاسْتَقضَاهُ المَنْصُوْرُ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ نَفْسُهُ وَاحِدَةً، لَمْ يُغَيِّرْهُ المَالُ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: كَمْ تَحفَظُ؟ قَالَ: سِتَّ مائَةٍ، سَبْعَ مائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا يُوَضِّحُ لَكَ ضَعفَ القَوْلِ المَارِّ عَنْ يَزِيْدَ، وَلاَ كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عِنْدَه ثَلاَثَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ قَطُّ. وَعَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الزُّهْرِيِّ؛ لأَنَّ الزُّهْرِيَّ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ، وَيَحْيَى لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَقَالَ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ حَدِيْثٍ، فَكَأَنَّهُ عَنَى (المُسْنَدَ) مِنْ حَدِيْثِهِ، أَوِ الَّذِي اشْتُهِرَ لَهُ. سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: لَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِي كِتَابٌ، وَلَوْ كَانَ، لَسَرَّنِي أَنْ يَكُوْنَ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِالهَاشِمِيَّةِ، بِقُربِ الكُوْفَةِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، سَنَة ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيْدٍ الرُّعَيْنِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بنَ عَامِرٍ يَذْكُرُ: أَنَّ أُخْتَه نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى البَيْتِ حَافِيَةً، غَيْرَ مُختَمِرةٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُقْبَةُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مُرْ أُخْتَكَ، فَلْتَرْكَبْ، وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَرْدٌ.   (1) أخرجه ابو داود (3299) في الايمان والنذور، والترمذي (1544) وأخرجه البخاري 5 / 68 في جزاء الصيد، ومسلم (1644) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لتمش ولتركب ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 وَاسْمُ أَبِي سَعِيْدٍ: جُعْثُلُ بنُ هَاعَانَ، قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ. مَاتَ: سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. مَحَلُّه الصِّدْقُ مَا رَوَاهُ عَنْهُ سِوَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، وَفِيْهِ لِيْنٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مَخْلَدِ بنِ خَالِدٍ الشَّعِيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ بِهَذَا. وَأَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَنَ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ سُفِيَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ. وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. وَوَقَعَ لَنَا عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ، وَهَذَا الحَدِيْثُ مِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَفَادَ يَحْيَى فِي رَحلتِهِ إِلَى إِفْرِيْقِيَةَ. عَارِمٌ: عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: قِيْلَ لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: سَمِعْتَ أَبَاكَ يَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ حَدَّثنِي العَدْلُ، الرِّضَى، الأَمِيْنُ، عِدْلُ نَفْسِي عِنْدِي يَحْيَى بن سَعِيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي. قَالَ النَّسَائِيُّ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ قَاضِياً عَلَى الحِيْرَةِ، وَثَمَّ لَقِيَهُ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، فَرَوَى عَنْهُ مائَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ القَطَّانُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ: طُرُقِ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: عنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) . رَوَاهُ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُيَيْنَةَ الهِلاَلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى المَدَنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ صِرْمَةَ المَدَنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَنَاحٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ زَكَرِيَّا المُعَلِّمُ الضَّرِيْرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اليَسَعِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 الحِمْصِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَمِّعٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ القَاسِمِ أَبُو العَتَاهِيَةِ - فِيْمَا قِيْلَ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا الخُلْقَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زِيَادٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ ثَابِتِ بنِ مُجَمِّعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ الرَّبِيْعِ العَطَّارُ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ، وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَسِيْدُ بنُ القَاسِمِ الكَتَّانِيُّ، وَأَبْرَدُ بنُ الأَشْرَسِ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ أَشْعَثُ بنُ سَعِيْدٍ السَّمَّانُ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَسَدُ بنُ عَمْرٍو، وَأُسَامَةُ بنُ حَفْصٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ وَاقِدٍ - كُوْفِيٌّ - وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ، وَأَبْيَضُ بنُ أَبَانٍ. وَبَحْرُ بنُ كُنَيْزٍ السَّقَّاءُ، وَبَكْرُ بنُ عَمْرٍو المَعَافِرِيُّ، وَبَشِيْرُ بنُ زِيَادٍ الجَزَرِيُّ. وَتَوْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ العَنْبَرِيِّ بنِ أَبِي الأَسَدِ، وَتَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الكُوْفِيُّ. وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَثَابِتُ بنُ كَثِيْرٍ. وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ، وَجُنَادَةُ بنُ سَلْمٍ، وَجَارِيَةُ بنُ هَرِمٍ الهُنَائِيُّ، وَجُمَيْعُ بنُ ثُوْبٍ الشَّامِيُّ. وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدِ بنِ عُمَرَ - كُوْفِيٌّ - وَحَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ أَبُو أُسَامَةَ، وَحَمَّادٌ أَخُو شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَحَمَّادُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَوْلاَنِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ يَحْيَى الأَبَحُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بنُ يُوْنُسَ، وَحَمَّادُ بنُ نَجِيْحٍ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ أَخُو أَبِي بَكْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَحُسَيْنُ بنُ عُلْوَانَ، وَحُرٌّ الحَذَّاءُ، وَحُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَحَسَّانُ بنُ غَيْلاَنَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ القَنَّادُ، وَحَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ القَارِئُ، وَحَكِيْمُ بنُ نَافِعٍ الرَّقِّيُّ، وَالحَارِثُ بنُ عُمَيْرٍ، وَحُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ أَبُو صَخْرٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ. وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وَخَالِدُ بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَخَالِدُ بنُ سَلَمَةَ الجُهَنِيُّ، وَخَالِدُ بنُ القَاسِمِ المَدَائِنِيُّ - وَلَمْ يَصِحَّ - وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، وَخَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَخَلِيْفَةُ بنُ غَالِبٍ - بَصْرِيٌّ - وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَخَطَّابُ بنُ أَبِي خَيْرَةَ، وَالخَلِيْلُ بنُ مُرَّةَ، وَخُصَيْبُ بنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَازِمُ بنُ الحَارِثِ أَبُو عِصْمَةَ، وَالخُصَيْبُ بنُ جَحْدَرٍ، وَالخُصَيْبُ بنُ عُقْبَةَ الوَابِشِيُّ. وَدَاوُدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ، وَدَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَدَاوُدُ بنُ بَكْرِ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَدَاوُدُ بنُ جُشَمٍ. وَذُؤَادُ بنُ عُلْبَةَ. وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَالرَّبِيْعُ بنُ حَبِيْبٍ - كُوْفِيٌّ - وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَرَجَاءُ بنُ صَبِيْحٍ. وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْدُ بنُ بَكْرِ بنِ خُنَيْسٍ، وَزَيْدُ بنُ عَلِيٍّ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَزِيَادُ بنُ خَيْثَمَةَ، وَزَمْعَةُ بنُ صَالِحٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ أَبِي العَتِيْكِ - كُوْفِيٌّ - وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَزُفَرُ الفَقِيْهُ، وَزَائِدَةُ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُمَرَ الحَضْرَمِيُّ - كُوْفِيٌّ - وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُلَيْمَانُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو دَاوُدَ النَّخَعِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَزِيْدَ الكَعْبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خُثَيْمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المَرْزُبَانِ أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَسْلمَةَ الأُمَوِيُّ، وَسُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ الثَّقَفِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ رَجَاءٍ، وَسَلاَّمٌ أَبُو المُنْذِرِ القَارِئُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، وَسَابِقٌ البَرْبَرِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَيْفُ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ، وَسَيْفُ بنُ عُمَرَ، وَسَعَّادُ بنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيُّ، وَسِنَانُ بنُ هَارُوْنَ. وَشُعْبَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، وَشَرْقِيُّ بنُ قُطَامِيٍّ، وَشُجَاعُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَشَقِيْقُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَصَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، وَصَالِحُ بنُ يَحْيَى، وَصَالِحُ بنُ جَبَلَةَ، وَصَالِحُ بنُ قُدَامَةَ الجُمَحِيُّ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ. وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ. وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ اليَامِيُّ، وَطَلْحَةُ بنُ زَيْدٍ. وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو أُوَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ زِيَادِ بنِ سَمْعَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ الهَرَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَرَّادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 حُسَيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُفْيَانَ الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بُدَيْلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحِ بنِ مُوْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المُحَارِبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادٍ أَبُو خَالِدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ العَرْزَمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الكِنْدِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الحُصَيْنِ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ القَاسِمِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زُرَارَةَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَفْصٍ، وَعَبْدُ رَبِّهِ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبَّادُ بنُ صُهَيْبٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ الفَرَّاءُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي بَرْزَةَ السِّجِسْتَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ يَزِيْدَ، وَعُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُقَدَّمٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الحَمَيْدِ الطَّائِيُّ، وَعُمَرُ بنُ هَارُوْنَ، وَعُمَرُ بنُ مَرْوَانَ الجَلاَّبُ، وَعُمَرُ بنُ وَجِيْهٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ نُعَيْمٍ، وَعَامِرُ بنُ خِدَاشٍ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ سُلَيْمَانَ - أَوِ ابْنُ عُثْمَانَ - وَعِمْرَانُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَعَمْرُو بنُ هَاشِمٍ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَدِيُّ بنُ الفَضْلِ، وَعِيْسَى بنُ شُعَيْبٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَعَلِيُّ بنُ القَاسِمِ العُمَرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، وَعِيْسَى بنُ ثَوْبَانَ، وَعِيْسَى بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ الفَقِيْهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 وَعَمْرُو بنُ جُمَيْعٍ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ، وَعُثْمَانُ بنُ مُخَارِقٍ، وَعُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعِصْمَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّرَقِيُّ، وَعَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ، وَعَمَّارُ بنُ سَيْفٍ، وَعَطَاءُ بنُ جَبَلَةَ، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بنِ أَبِي خَيْرَةَ. وَغَسَّانُ بنُ غَيْلاَنَ، وَغِيَاثُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَفَرَحُ بنُ فَضَالَةَ، وَفُلَيْحُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَفَضَالَةُ بنُ نُوْحٍ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ. وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العُمَرِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ، وَقُرَيْبٌ الأَصْمَعِيُّ. وَكِنَانَةُ بنُ جَبَلَةَ، وَكَثِيْرُ بنُ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ. وَاللَّيْثُ، وَابْنُ عَجْلاَنَ. وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَرْدٍ العِجْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَارِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُغِيْثٍ البَجَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ المَدَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو سَعِيْدٍ المُؤَدِّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ رَجَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ دِيْنَارٍ الطَّاحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ العِجْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِصْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، وَمَالِكٌ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ، وَمَعْمَرٌ، وَمَنْدَلٌ، وَمُفَضَّلُ بنُ يُوْنُسَ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عُلَيٍّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ يَسِيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الأَسْوَدِ، وَمُصَادُ بنُ عُقْبَةَ، وَمِسْكِيْنٌ أَبُو فَاطِمَةَ الطَّاحِيُّ، وَالمُسَيِّبُ بنُ شَرِيْكٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى، وَمُعَلَّى بنُ هِلاَلٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَمُغَلِّسُ بنُ زِيَادٍ، وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمِسْعَرٌ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. وَنُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُوْحُ بنُ المُخْتَارِ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَالنُّعْمَانُ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَنَصْرُ بنُ بَابٍ، وَنَصْرُ بنُ طَرِيْفٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ، وَوُهَيْبٌ، وَهَمَّامٌ، وَهُشَيْمٌ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ عَبْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 الكَرِيْمِ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَهَارُوْنُ بنُ عَنْتَرَةَ، وَهَاشِمُ بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، وَهُرَيْمُ بنُ سُفْيَانَ، وَهَبَّارُ بنُ عُقَيْلٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَهِشَامُ بنُ زَيْدٍ. وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ النَّوْفَلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَمْرٍو، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَفْصٍ - كُوْفِيٌّ - وَيُوْنُسُ بنُ رَاشِدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبُو عُقَيْلٍ يَحْيَى بنُ المُتَوَكِّلِ، وَأَبُو المِقْدَامِ يَحْيَى بنُ ثَعْلَبَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المِصْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ العَلاَءِ الرَّازِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَجْلَحِ، وَيَحْيَى بنُ المُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنَةَ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بنُ مَظْعُوْنٍ، كَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى السَّرِيْرِ، قَالَ: (طُوْبَاكَ يَا عُثْمَانُ، لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا، وَلَمْ تَلْبَسْهَا) . مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ هَذَا المَعْرُوْفُ بِالمُحْرِمِ: ضَعَّفُوهُ (1) .   (1) في ميزان المؤلف: ضعفه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، لكن تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون ثابت، فقد أخرجه الترمذي (989) وأبو داود (3163) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي. وقال الترمذي: حسن صحيح، وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة أورده الهيثمي في المجمع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 214 - أَخُوْه ُ: عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) يَرْوِي عَنْ: أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ حَيَّ الفُؤَادِ، وَقَّاداً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 215 - أَخُوْهُمَا : سَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ ** (م، 4) أَحَدُ الثِّقَاتِ. يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ فِيْهِ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. بِعَوْنِهِ تَعَالَى وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ الخَامِسُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) . وَيَلِيْهِ الجُزْءُ السَّادِسُ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ. المُجَلَّدُ السَّادِسُ   (*) التاريخ الكبير 6 / 76، الجرح والتعديل 6 / 41، تهذيب الكمال: 771، تذهيب التهذيب 2 / 202 1، تهذيب التهذيب 6 / 126، خلاصة تذهيب الكمال: 223. (* *) التاريخ الكبير 4 / 56، الجرح والتعديل 4 / 84، تهذيب الكمال 473، تذهيب التهذيب 2 / 8، تاريخ الإسلام 6 / 68، 69، ميزان الاعتدال 2 / 120، تهذيب التهذيب 3 / 470، خلاصة تذهيب الكمال 134. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 الْجُزْءُ الْسَادِسُ 1 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ * (ع) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الفَقِيْهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، المَدَنِيُّ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَسْلَمَ العُمَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةً سِوَاهُم. وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، وَرِعاً، فَقِيْهَ النَّفسِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. رَوَى: البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الحَجِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) . قُلْتُ: وَهُوَ خَالُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ. مَوْلِدُهُ: فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ، وَأَنَا أَتَعَجَّبُ كَيْفَ لَمْ يَحْمِلْ عَنْ جَابِرٍ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ؟! وَقَدْ طَلَبَهُ الخَلِيْفَةُ الفَاسِقُ الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ إِلَى الشَّامِ فِي جَمَاعَةٍ   (*) طبقات خليفة: 268، التاريخ الصغير 1 / 321 - 322، الجرح والتعديل 5 / 278. تهذيب الكمال 814، تذكرة الحفاظ 1 / 126، تاريخ الإسلام 5 / 102، تهذيب التهذيب 6 / 254، خلاصة تذهيب الكمال 233. (1) أخرجه البخاري: 3 / 466 في الحج، باب: الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الافاضة وتمامه: أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يدها ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 لِيَسْتَفْتِيَهُم، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ بِحَوْرَانَ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟) . فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: (فَلْتَنْفِرْ إِذاً (1)) . وَبِهِ: إِلَى الزَّعْفَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: (فَلاَ إِذاً) . أَخْرَجَ الأَوَّلَ: النَّسَائِيُّ، وَالثَّانِيَ: مُسْلِمٌ (2) ، كِلاَهُمَا مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. 2 - سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ المَدَنِيُّ * (ع) كَاتِبُ عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيِّ، وَمَوْلاَهُ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، وَبُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ   (1) إسناده صحيح، ولم نجده في المطبوع من سنن النسائي، فلعله في الكبرى، وأخرجه مالك في الموطأ 1 / 412، والبخاري 3 / 467 في الحج: باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. (2) 2 / 964 رقم الحديث الخاص (383) في الحج: باب وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض. (*) تاريخ البخاري 4 / 111، طبقات خليفة: 268، الجرح والتعديل 4 / 179، تهذيب الكمال 460، تهذيب التهذيب 3 / 431. خلاصة تذهيب الكمال: 131. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 يَسَارٍ، وَعُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَامِرِ بنِ سَعْدٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِحَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَهُوَ حَدِيْثُ: (لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ (1)) . رَوَى عَنْهُ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، ثِقَةٌ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 3 - الخَلاَّلُ حَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ الهَمْدَانِيُّ مَوْلاَهُم * الوَزِيْرُ القَائِمُ بِأَعْبَاءِ الدَّوْلَةِ السَّفَّاحِيَّةِ، أَبُو سَلَمَةَ حَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ الهَمْدَانِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ. رَجُلٌ شَهْمٌ، سَائِسٌ، شُجَاعٌ، مُتَمَوِّلٌ، ذُوْ مُفَاكَهَةٍ، وَأَدَبٍ، وَخِبْرَةٍ بِالأُمُوْرِ. وَكَانَ صَيْرَفِيّاً (2) ، أَنفَقَ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً فِي إِقَامَةِ الدَّولَةِ، وَذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ تَابِعاً لَهُ فِي الدَّعْوَةِ، ثُمَّ تُوُهِّمَ مِنْهُ مَيْلٌ إِلَى آلِ عَلِيٍّ عِنْدَمَا قَتَلَ مَرْوَانُ إِبْرَاهِيْمَ الإِمَامَ، فَلَمَّا قَامَ السَّفَّاحُ، وَزَرَ لَهُ وَفِي النَّفْسِ شَيْءٌ، ثُمَّ كَتَبَ   (1) أخرجه البخاري 6 / 110 في الجهاد: باب لا تتمنوا لقاء العدو، وفي التمني: باب كراهية تمني لقاء العدو، ومسلم (1741) في الجهاد: باب كراهة تمني لقاء العدو. (*) الطبري حوادث سنة 132 هـ، وفيات الأعيان 2 / 195 - 197، البداية والنهاية 10 / 55، شذرات الذهب 1 / 191. (2) الصيرفي: المحتال، المتقلب في أموره، المتصرف في الأمور المجرب لها. قال سويد بن أبي كاهل: ولسانا صيرفيا صارما * كحسام السيف ما مس قطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى السَّفَّاحِ يُحَسِّنُ لَهُ قَتْلَهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: رَجُلٌ قَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لَنَا. فَدَسَّ عَلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ مَنْ سَافَرَ إِلَيْهِ، وَقَتَلَهُ غِيْلَةً لَيْلاً بِالأَنْبَارِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ السَّمَرِ مِنْ عِنْدِ الخَلِيْفَةِ، فَشَدَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَقَتَلُوْهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ السَّفَّاحِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فِي رَجَبِهَا. وَتَحَدَّثَ العَوَامُّ أَنَّ الخَوَارِجَ قَتَلُوْهُ. وَكَانَ - سَامَحَهُ اللهُ - يُقَالَ لَهُ: وَزِيْرُ آلِ مُحَمَّدٍ. وَكَانَ يَنْزِلُ دَربَ الخَلاَّلِيْنَ (1) ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ. وَفِيْهِ قِيْلَ: إِنَّ الوَزِيْرَ، وَزِيْرَ آلِ مُحَمَّدٍ ... أَوْدَى فَمَنْ يَشْنَاكَ صَارَ وَزِيْرَا 4 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ الكِنَانِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، فَقِيْهُ مِصْرَ، أَبُو بَكْرٍ المِصْرِيُّ، الكِنَانِيُّ مَوْلاَهُم، اللَّيْثِيُّ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي أُمَيَّةَ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: يَسَارٌ. قَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: يَسَارٌ مَوْلَى عُرْوَةَ بنِ شُيَيْمٍ اللَّيْثِيِّ، رَأَى عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ الصَّحَابِيَّ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَحَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الأَسْوَدِ يَتِيْمِ عُرْوَةَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي سَالِمٍ الجَيْشَانِيِّ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَطَائِفَةٍ.   (1) وفي ترجيح تلقيبه بالخلال رأيان آخران: أنه كانت له حوانيت يصنع فيها الخل، أو أن اللقب نسبة إلى خلل السيوف وهي أغمادها. (*) تهذيب الكمال 879، تذكرة الحفاظ 1 / 136، تهذيب التهذيب 7 / 5، شذرات الذهب 1 / 90 طبقات الحفاظ ص 56، الجرح والتعديل 5 / 310، طبقات خليفة ص 295. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وَعَنْهُ: عَمْرُو (1) بنُ مَالِكٍ الشَّرْعَبِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرِيْحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ حُمَيْدٍ المَهْرِيُّ (2) ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ يَتَفَقَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، بَابَةُ (3) يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، فَقِيْهُ زَمَانِه. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ عَالِماً، زَاهِداً، عَابِداً. سَعِيْدُ بنُ زَكَرِيَّا الأَدَمُ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ: مَا رَأتْ عَيْنَايَ عَالِماً زَاهِداً إِلاَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي جَعْفَرٍ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَشِيْطٍ الوَعْلاَنِيُّ (4) ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مَا اسْتَعَانَ عَبْدٌ عَلَى دِيْنِه بِمِثْلِ الخَشْيَةِ مِنَ اللهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: غَزَوْنَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَكُسِرَ بِنَا مَركَبُنَا، فَأَلْقَانَا المَوجُ عَلَى خَشَبَةٍ فِي البَحْرِ، وَكُنَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً، فَأَنبَتَ اللهُ لَنَا بَعَدَدِنَا وَرَقَةً لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فَكُنَّا نَمُصُّهَا، فَتُشبِعُنَا وَتَروِينَا، فَإِذَا أَمْسَينَا، أَنبَتَ اللهُ لَنَا مَكَانَهَا.   (1) كذا في الأصل. وفي الخلاصة، والتقريب، وتهذيب الكمال: عمر بلا واو. وقد أورده الحافظ فيمن اسمه عمرو، وقال: صوابه " عمر "، وقد تقدم. والشرعبي: نسبة إلى شرعب بن قيس من حمير. (2) بفتح الميم وسكون الهاء، نسبة إلى مهرة بن حيدان من قضاعة. (3) أي أنه في وزنه ومنزلته. والبابة عند العرب: الوجه. يقال: هذا ليس من بابتك: أي ليس مما يصلح لك. (4) بفتح الواو وسكون العين، نسبة إلى وعلان، بطن من مراد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 قَالَ رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بنُ شَدَّادٍ: سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي جَعْفَرٍ - وَكَانَ أَحَدَ الحُكَمَاءِ - قَالَ: إِذَا كَانَ المَرْءُ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسٍ، فَأَعْجَبَه الحَدِيْثُ، فَلْيُمْسِكْ، وَإِذَا كَانَ سَاكِتاً، فَأَعْجَبَه السُّكُوتُ، فَلْيَتَحَدَّثْ. قَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: وُلدَ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَهُوَ مِنْ سَبْيِ طَرَابُلُسَ المَغْرِبِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ مَدْخَلَ المُسَوَّدَةِ -يَعْنِي: بَنِي العَبَّاسِ- فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَبُو عَوْنٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ يَزِيْدَ أَمِيْرُ مِصْرَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، وَاسْتَنكَرَ لَهُ حَدِيْثاً ثَابِتاً فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، فِي: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) (1) . 5 - مُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ أَبُو هِشَامٍ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو هِشَامٍ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُم،   (1) رواه البخاري 4 / 168 في الصوم: باب من مات وعليه صوم، ومسلم رقم (1147) في الصوم: باب قضاء الصيام عن الميت، وأبو داود رقم (2400) في الصوم: باب فيمن مات وعليه صوم. (*) طبقات خليفة: 165، تاريخ البخاري 4 / 322، التاريخ الصغير: 2 / 28، الجرح والتعديل 8 / 228 - 229، تهذيب الكمال 1365، تذكرة الحفاظ 1 / 143، تهذيب التهذيب 10 / 269، شذرات الذهب 1 / 191 خلاصة تذهيب الكمال 385، مقدمة فتح الباري (445) ، وفيها متفق على توثيقه. لكن ضعف أحمد بن حنبل روايته عن إبراهيم النخعي خاصة. قال: كان يدلسها وإنما سمعها من حماد. قال الحافظ: قلت: ما أخرج له البخاري عن إبراهيم إلا ما توبع عليه. واحتج به الأئمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 الكُوْفِيُّ، الأَعْمَى، الفَقِيْهُ. يُلْحَقُ بِصِغَارِ التَّابِعِيْنَ، لَكِنِّي لَمْ أَعْلَمْ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأُمِّ مُوْسَى سُرِّيَّةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَبِي رَزِيْنٍ الأَسَدِيِّ، وَنُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَمَعَبْدِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، وَأَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ حَبِيْبٍ، وَالحَارِثِ العُكْلِيِّ، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - أَحَدُ التَّابِعِيْنَ - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَزُهَيْرٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَسُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ، وَمُفَضَّلُ بنُ مُهَلْهِلٍ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ، وَالمُفَضَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَخَلْقٌ. رَوَى: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ مُغِيْرَةُ أَحْفَظَ مِنَ الحَكَمِ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَحْفَظَ مِنْ حَمَّادٍ. وَرَوَى: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، قَالَ: كَانَ مُغِيْرَةُ يُدَلِّسُ، وَكُنَّا لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ مَا قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ مُغِيْرَةُ مِنْ أَفْقَهِهِم، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَه مِنْهُ، فَلَزِمتُه. قَالَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، قَالَ: قَالَ مُغِيْرَةُ: مَا وَقَعَ فِي مَسَامعِي شَيْءٌ فَنَسِيتُه. قُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- الحِفظُ، لاَ حِفْظُ مَنْ دَرَسَ كِتَاباً مَرَّاتٍ عِدَّةً حَتَّى عَرَضَه، ثُمَّ تَخَبَّطَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَرَسَه وَحَفِظَه، ثُمَّ نَسِيَه، أَوْ أَكْثَرَه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ أَبِي يَحُثُّنِي عَلَى حَدِيْثِ المُغِيْرَةِ، وَكَانَ عِنْدَه كِتَابٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ مُغِيْرَةُ أَحْفَظَ مِنْ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي: مُغِيْرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمِ ابْنُ شُبْرُمَةَ؟ فَقَالَ: جَمِيْعاً ثِقَتَانِ. قَالَ العِجْلِيُّ: مُغِيْرَةُ ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُرسِلُ الحَدِيْثَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَإِذَا وُقِّفَ أَخْبَرَهُم مِمَّنْ سَمِعَهُ. وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ أَعْمَى، وَكَانَ عُثْمَانِيّاً، يَحْمِلُ بَعْضَ الحِملِ عَلَى عَلِيٍّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ مُغِيْرَةُ مِنْ أَبِي وَائِلٍ، وَمِنْ أَبِي رَزِيْنٍ، وَسَمِعَ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ مائَةً وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمُغِيْرَةُ لاَ يُدَلِّسُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ جَرِيْرٌ: جَلَسْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا سَمِعَ مُغِيْرَةُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئاً. قَالَ عَلِيٌّ: وَكِتَابُ جَرِيْرٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: مائَةُ حَدِيْثٍ سَمَاعٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَدخَلَ مُغِيْرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيْمَ قَرِيْباً مِنْ عِشْرِيْنَ رَجُلاً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ جَرِيْرٌ: عَنْ مُغِيْرَةَ: إِنِّي لأَحتَسِبُ اليَوْمَ فِي مَنْعِيَ الحَدِيْثَ، كَمَا يَحتَسِبُوْنَ فِي بَذلِه. وَرَوَى جَرِيْرٌ، عَنْهُ، قَالَ: إِذَا تَكَلَّمَ اللِّسَانُ بِمَا لاَ يَعْنِيْهِ، قَالَ القَفَا: وَاحَرْبَاهُ (1) .   (1) واحرباه: نداء وندبة وتأسف على ما سلب منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ: مَاتَ سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. قَرَأْتُ بِبَعْلَبَكَّ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ الوَلِيِّ بنِ رَافِعٍ الخَطِيْبِ، وَسَمِعْتُه بِدِمَشْقَ مِنْ عِيْسَى بنِ بَرَكَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، وَجَمَاعَةٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ هُنَيِّ بنِ نُوَيْرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الإِيْمَانِ (1)) . تَابَعَهُ: شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيْرَةَ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ زِيَادٍ. 6 - عَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَصْرِيُّ، الأَحْوَلُ، مُحْتَسِبُ المَدَائِنِ. قِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِتَمِيْمٍ. وَقِيْلَ: لِبَنِي أُمَيَّةَ. رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: رُفَيْعٍ أَبِي العَالِيَةِ، وَمُعَاذَةَ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، وَعَمْرِو بنِ سَلَمَةَ الجَرْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ العُقَيْلِيِّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ أَنَسٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَأَبِي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، وَبَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَسَوَادَةَ بنِ عَاصِمٍ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَأَبِي الوَلِيْدِ عَبْدِ اللهِ بنِ   (1) أخرجه أبو داوود (2666) في الجهاد: باب في النهي عن المثلة، وابن ماجه (2681) في الديات: باب أعف الناس قتلة، وأحمد 1 / 393، وهني بن نويرة الضبي لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. (*) طبقات خليفة: 218، تاريخ البخاري 3 / 485، التاريخ الصغير: 2 / 70، الجرح والتعديل 6 / 343، تهذيب الكمال (633) ، تذكرة الحفاظ 1 / 149، تهذيب التهذيب 5 / 42، شذرات الذهب 1 / 210، خلاصة تذهيب الكمال 182. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ المَعْدُوْدِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: قَتَادَةُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَهُشَيْمٌ، وَثَابِتُ بنُ يَزِيْدَ الأَحْوَلُ، وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَزُهَيْرٌ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: عَاصِمٌ الأَحْوَلُ لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يُضَعِّفُ عَاصِماً الأَحْوَلَ. وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ شُعْبَةَ: عَاصِمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَتَادَةَ فِي أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ؛ لأَنَّهُ أَحْفَظَهُمَا. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ حُفَّاظَ النَّاسِ أَرْبَعَةً: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. قَالَ: وَأَرَى هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ مِنْهُم. وَرَوَى: نَوْفَلُ بنُ مُطَهِّرٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حُفَّاظُ البَصْرَةِ ثَلاَثَةٌ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: إِذَا قَالَ عَاصِمٌ: زَعَمَ، فَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِشَكٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِه. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ. وَوَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَقَالَ مَرَّةً: ثَبْتٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنَيْرٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَدُرْتُ مِنْ خَلْفِهِ، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيْدُ، فَأَلْقَى الرِّدَاءَ عَنْ ظَهْرِه، فَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الخَاتَمِ عَلَى نُغْضِ كَتِفِه مِثْلَ الجُمْعِ، حَوْلَه خِيْلاَنُ كَأَنَّهَا الثَّآلِيْلُ، فَرَجَعتُ حَتَّى اسْتَقبَلْتُه، فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. فَقَالَ: (وَلَكَ) . فَقَالَ القَوْمُ: اسْتَغْفرَ لَكَ رَسُوْلُ اللهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَكُم. ثُمَّ تَلاَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ} (1) . 7 - أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ، أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ كَيْسَانَ العَنَزِيُّ   (1) وأخرجه مسلم (2346) في الفضائل: باب إثبات خاتم النبوة وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم، من حديث حماد عن عاصم بن سليمان به، وأخرجه أحمد 5 / 82 من حديث معمر عن عاصم بن سليمان به. ونغض الكتف: أعلاه، والجمع: قال الحميدي: لعله عنى جمع الكف، وهو أن يجمع أصابعه ويعطفها إلى باطن الكف. والخيلان: جمع خال. وهو الشامة. والثاليل: جمع ثؤلول: حبيبات تعلو الجسد. (*) طبقات ابن سعد 7 / 246، 251، حلية الأولياء 3 / 2 - 14، تهذيب الكمال: (134) ، تذكرة الحفاظ 1 / 130 - 132، تهذيب التهذيب 1 / 397، شذرات الذهب 1 / 181، خلاصة تهذيب الكمال 42. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الآدَمِيُّ. وَيُقَالُ: وَلاَؤُهُ لِطَهِيِّةَ. وَقِيْلَ: لِجُهَيْنَةَ. عِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابعِيْنَ. سَمِعَ مِنْ: أَبِي بُرَيْدٍ عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ الجَرْمِيِّ، وَمُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَمُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، وَقَيْسِ بنِ عَبَايَةَ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي رَجَاءٍ عِمْرَانَ بنِ مِلْحَانَ العُطَارِدِيِّ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مِجْلَزٍ لاَحِقِ بنِ حُمَيْدٍ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَأَبِي الوَلِيْدِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، وَالأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَالقَاسِمِ بنِ عَاصِمٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَقَتَادَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ - وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ - وَيَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَوُهَيْبٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، وَنُوْحُ بنُ قَيْسٍ الحُدَّانِيُّ، وَهُشَيْمُ بنُ بَشِيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. مَوْلِدُه: عَامَ تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَدْ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَمَا وَجَدْنَا لَهُ عَنْهُ رِوَايَةً، مَعَ كَوْنِه مَعَهُ فِي بَلَدٍ، وَكَونِه أَدْرَكَه وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا الجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: أَيُّوْبُ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: لَقِيَ ابْن عُيَيْنَةَ سِتَّةً وَثَمَانِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَيُّوْبَ. حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يُسْرُ بنُ أَنَسٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوْنُسَ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، فَإِذَا ذَكرْنَا لَهُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَكَى حَتَّى نَرحَمَه. حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ سَلاَمٍ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُوْمُ اللَّيلَ كُلَّه، فَيُخفِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، رَفعَ صَوْتَه كَأَنَّهُ قَامَ تِلْكَ السَّاعَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ، قِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ لاَ تَنْظُرُ فِي هَذَا -يَعْنِي: الرَّأْيَ -؟ فَقَالَ: قِيْلَ لِلْحِمَارِ: أَلاَ تَجْتَرُّ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ مَضْغَ البَاطِلِ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ أَشَدَّ تَبُسُّماً فِي وَجُوْهِ الرِّجَالِ مِنْ أَيُّوْبَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُذُوْعِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: لاَ خَبِيْثَ أَخبَثُ مِنْ قَارِئٍ فَاجِرٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 قَالَ أَبُو أَحْمَدَ (1) فِي (الكُنَى) : أَيُّوْبُ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَقَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَالأَعْمَشُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ. أَخْبَرَنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارَمَرْدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: وُلدَ أَيُّوْبُ قَبْلَ طَاعُوْنِ الجَارِفِ بِسَنَةٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ مَولِدَ أَيُّوْبَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: وَكَانَ الطَّاعُوْنُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ. يُقَالَ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ فِيْهِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا: مائَتَا أَلْفِ نَفْسٍ. وَبِهِ: قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: رَأَيْتُ أَيُّوْبَ وَضَعَ يَدَه عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الشِّرْكِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَه إِلاَّ أَبُو تَمِيْمَةَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنٌ الغَزَّالُ، قَالَ: جَاءَ أَيُّوْبُ، فَسَأَل الحَسَنَ عَنْ أَشْيَاءَ، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ لَنَا الحَسَنُ: هَذَا سَيِّدُ الفِتْيَانِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ لأَيُّوْبَ: هَذَا سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا الصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ مِثْلَ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَلاَ بِالكُوْفَةِ مِثْلَ مِسْعَرٍ.   (1) هو محدث خراسان، الامام الحافظ، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، الحاكم، شيخ صاحب " المستدرك " توفي سنة 378 هـ. تذكرة الحفاظ 3 / 976 - 979. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَيُّوْبُ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ مِثْل أَرْبَعَةٍ ... ، فَبَدَأَ بِأَيُّوْبَ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: رَأَيْتُ النَّاسَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي حِبَّانُ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا فُقْنَا أَهْلَ الأَمصَارِ فِي عَصرٍ قَطُّ، إِلاَّ فِي زَمَنِ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ مِثْلُهُم. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ أَيُّوْبُ لاَ يَقِفُ عَلَى آيَةٍ إِلاَّ إِذَا قَالَ: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأَحْزَابُ: 56] ، سَكَتَ سَكتَةً. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ هَا هُنَا، وَكَلاَمُهُم: إِنْ قُضِيَ وَإِنْ قُدِّرَ. وَكَانَ يَقُوْلُ: لِيتَّقِ اللهَ رَجُلٌ، فَإِنْ زَهِدَ، فَلاَ يَجْعَلَنَّ زُهْدَه عَذَاباً عَلَى النَّاسِ، فَلأَنْ يُخْفِيَ الرَّجُلُ زُهْدَه خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُعْلِنَه. وَكَانَ أَيُّوْبُ مِمَّنْ يُخفِي زُهْدَه، دَخَلنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى فِرَاشٍ مُخَمَّسٍ أَحْمَرَ، فَرَفَعتُه- أَوْ رَفَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - فَإِذَا خَصَفَةٌ مَحْشُوَّةٌ بِلِيْفٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: مَا وَاعَدتُ أَيُّوْبَ مَوْعِداً قَطُّ إِلاَّ قَالَ حِيْنَ يُفَارِقُنِي: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَوْعِدٌ. فَإِذَا جِئْتُ، وَجَدْتُه قَدْ سَبَقَنِي. وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: لَحَنَ أَيُّوْبُ فِي حَرْفٍ، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ: أَنَّهُ رَأَى أَيُّوْبَ بَيْنَ قَبْرَيِ الحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، قَائِماً يَبْكِي، يَنْظُرُ إِلَى هَذَا مَرَّةً، وَإِلَى هَذَا مَرَّةً. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، قَالَ: رَأَيْتُ الحَسَنَ فِي النَّوْمِ مُقَيَّداً، وَرَأَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ مُقَيَّداً فِي سَجْنٍ. قَالَ: كَأَنَّهُ أَعْجَبَه ذَلِكَ. قَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: قَالَ أَيُّوْبُ: مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ. رَوَى: مُؤَمَّلٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَيُّوْبَ، فَعَلَيْهِ بِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. قُلْتُ: صَدَقَ، أَثْبَتُ النَّاسِ فِي أَيُّوْبَ هُوَ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكرَمَ عَلَى ابْنِ سِيْرِيْنَ مِنْ أَيُّوْبَ. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَنصَحَ لِلْعَامَّةِ مِنْ أَيُّوْبَ وَالحَسَنِ. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءتْهُ عَبْرَةٌ، فَجَعَلَ يَمْتَخِطُ وَيَقُوْلُ: مَا أَشَدَّ الزُّكَامَ! وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: مَاتَ ابْنُ سِيْرِيْنَ، فَقُلْنَا: مَن ثُمَّ؟ قُلْنَا: أَيُّوْبُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ: كَانَ أَيُّوْبُ ثِقَةً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، جَامِعاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، حُجَّةً، عَدلاً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَسُئِلَ عَنْ أَيُّوْبَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. قُلْتُ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الإِتْقَانِ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَأَمَّا ابْنُ عُلَيَّةَ، فَقَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ: حَدِيْثُ أَيُّوْبَ أَلْفَا حَدِيْثٍ، فَمَا أَقَلَّ مَا ذَهَبَ عَلَيَّ مِنْهَا. وَسُئِلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ، فَقَالَ: أَيُّوْبُ وَفَضْلُه، وَمَالِكٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 وَإِتقَانُه، وَعُبَيْدُ اللهِ وَحِفظُه (1) . رَوَى ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ يَؤُمُّ أَهْلَ مَسْجِدِه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُصَلِّي بِهِم فِي الرَّكعَةِ قَدرَ ثَلاَثِيْنَ آيَةً، وَيُصَلِّي لِنَفْسِهِ فِيْمَا بَيْنَ التَّروِيْحَتَيْنِ بِقَدرِ ثَلاَثِيْنَ آيَةً. وَكَانَ يَقُوْلُ هُوَ بِنَفْسِهِ لِلنَّاسِ: الصَّلاَةَ، وَيُوْتِرُ بِهِم، وَيَدعُو بِدُعَاءِ القُرْآنِ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ، وَآخِرُ ذَلِكَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنَا بِسُنَّتِه، وَأَوْزِعْنَا بِهَدْيِه، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِيْنَ إِمَاماً، ثُمَّ يَسْجُدُ. وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، دَعَا بِدَعَوَاتٍ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَيُّوْبُ عِنْدِي أَفْضَلُ مَنْ جَالَستُه، وَأَشَدُّه اتِّبَاعاً لِلسُّنَّةِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ: عَنْ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، قَالَ: رَأَى أَيُّوْبُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي لأَعرِفُ الذِّلَّةَ فِي وَجْهِه، ثُمَّ تَلاَ: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِم وَذِلَّةٌ} [الأَعْرَافُ: 152] . ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِكُلِّ مُفتَرٍ. وَكَانَ يُسَمِّي أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ: خَوَارِجَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الخَوَارِجَ اخْتَلَفُوا فِي الاسْمِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى السَّيفِ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ؟ فَوَلَّى وَهُوَ يَقُوْلُ: وَلاَ نِصْفِ كَلِمَةٍ - مَرَّتَيْنِ -. وَرَوَى: جَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ جِهْبِذَ (2) العُلَمَاءِ. قَالَ سَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ: كَانَ أَفْقَهَهُم فِي دِيْنِه أَيُّوْبُ. وَعَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ: أَنَّ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيَّ حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.   (1) في الأصل " وايقانه " والتصحيح من تهذيب الكمال. (2) الجهبذ: النقاد الخيبر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَقَالَ وُهَيْبٌ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْنَ كُنْتُ عَنْهُم بِمَعزِلٍ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ أَيُّوْبُ صَدِيْقاً لِيزَيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، فَلَمَّا وَلِيَ الخِلاَفَةَ، قَالَ أَيُّوْبُ: اللَّهُمَّ أَنْسِهِ ذِكْرِي. وَكَانَ يَقُوْلُ: لِيَتَّقِ اللهَ رَجُلٌ، وَإِنْ زَهِدَ، فَلاَ يَجعَلَنَّ زُهْدَه عَذَاباً عَلَى النَّاسِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: غَلَبه البُكَاءُ مَرَّةً، فَقَالَ: الشَّيْخُ إِذَا كَبِرَ مَجَّ (1) . قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ فِي قَمِيْصِ أَيُّوْبَ بَعْضُ التَّذْيِيلِ، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: الشُّهرَةُ اليَوْمَ فِي التَّشمِيْرِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ: قُلْتُ لأَيُّوْبَ: أَوْصِنِي. قَالَ: أَقِلَّ الكَلاَمَ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: لَوْ رَأَيْتُم أَيُّوْبَ، ثُمَّ اسْتَقَاكُم شُرْبَةً عَلَى نُسُكِه، لَمَا سَقَيْتُمُوْهُ، لَهُ شَعرٌ وَافِرٌ، وَشَارِبٌ وَافِرٌ، وَقَمِيْصٌ جَيِّدٌ هَرَوِيٌّ، يَشَمُّ الأَرْضَ، وَقَلَنْسُوَةٌ مُتركَةٌ جَيِّدَةٌ، وَطَيْلَسَانُ كُرْدِيٌّ جَيِّدٌ، وَرِدَاءٌ عَدَنِيٌّ -يَعْنِي: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ سِيْمَا النُّسَّاكِ وَلاَ التَّصنُّعِ-. قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ أَيُّوْبُ: ذُكِرْتُ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُذْكَرَ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ لأَيُّوْبَ بُرْدٌ أَحْمَرُ يَلْبَسَه إِذَا أَحرَمَ، وَكَانَ يُعِدُّه كَفَناً، وَكُنْتُ أَمشِي مَعَهُ، فَيَأْخُذُ فِي طُرُقٍ، إِنِّي لأَعجَبُ لَهُ كَيْفَ يَهتَدِي لَهَا، فِرَاراً مِنَ النَّاسِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا أَيُّوْبُ. وَقَالَ شُعْبَةُ: رُبَّمَا ذَهَبتُ مَعَ أَيُّوْبَ لِحَاجَةٍ، فَلاَ يَدَعُنِي أَمشِي مَعَهُ، وَيَخْرُجُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا؛ لَكِي لاَ يُفطَنَ لَهُ. وَفِي (شَمَائِلِ الزُّهَّادِ) لابْنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا   (1) مج: يقال: مج بريقه يمجه، إذا لفظه. وشيخ ماج: يمج ريقه، ولا يستطيع حبسه من كثره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 أَبُو الرَّبِيْعِ، سَمِعْتُ أَبَا يَعْمُرَ بِالرَّيِّ يَقُوْلُ: كَانَ أَيُّوْبُ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ عَطَشٌ حَتَّى خَافُوا، فَقَالَ أَيُّوْبُ: أَتَكْتُمُوْنَ عَلَيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَدَوَّرَ رِدَاءهُ، وَدَعَا، فَنَبَعَ المَاءُ، وَسَقَوُا الجِمَالَ، وَرَوُوْا، ثُمَّ أَمَرَّ يَدَه عَلَى المَوْضِعِ، فَصَارَ كَمَا كَانَ. قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ: فَلَمَّا رَجَعتُ إِلَى البَصْرَةِ، حَدَّثْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ بِالقِصَّةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَيُّوْبَ فِي هَذِهِ السَّفرَةِ الَّتِي كَانَ هَذَا فِيْهَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ كَثِيْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَلَى حِرَاءَ، فَعَطِشتُ عَطَشاً شَدِيْداً حَتَّى رَأَى ذَلِكَ فِي وَجْهِي، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ خِفتُ عَلَى نَفْسِي. قَالَ: تَسْتُرُ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَاسْتَحْلَفَنِي، فَحَلَفتُ لَهُ أَلاَّ أُخبِرَ أَحَداً مَا دَامَ حَيّاً. فَغَمَزَ بِرِجْلِهِ عَلَى حِرَاءَ، فَنَبَعَ المَاءُ، فَشَرِبتُ حَتَّى رَوِيتُ، وَحَمَلتُ مَعِي مِنَ المَاءِ. قُلْتُ: لاَ يَثبُتُ هَذَا، وَعُثْمَانُ تَالِفٌ (1) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا فَارُوْقٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ الحَكَمِ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: غَدَا عَلَيَّ مَيْمُوْنٌ أَبُو حَمْزَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ البَارِحَةَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا جَاءَ بِكُمَا؟ قَالاَ: جِئنَا نُصَلِّي عَلَى أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِمَوْتِه. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ مَاتَ أَيُّوْبُ البَارِحَةَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَسنَدَ أَيُّوْبُ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَمْرِو بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي العَالِيَةِ، وَأَبِي رَجَاءٍ، وَآخرِيْنَ.   (1) إسناده مسلسل بالضعفاء، وعبد الواحد بن زيد متروك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 بَلَغَنَا أَنَّهُم قَالُوا لِمَالِكٍ: إِنَّك تَتَكَلَّمُ فِي حَدِيْثِ أَهْلِ العِرَاقِ، وَتَروِي مَعَ هَذَا عَنْ أَيُّوْبَ؟ فَقَالَ: مَا حَدَّثتُكُم عَنْ أَحَدٍ، إِلاَّ وَأَيُّوْبُ أَوثَقُ مِنْهُ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيِّ (1) ، أَخْبَرَنَا مَحْمُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قَادْشَاه، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَيُّوْبَ وَذَكَرَ المُعْتَزِلَةَ، وَقَالَ: إِنَّمَا مَدَارُ القَوْمِ عَلَى أَنْ يَقُوْلُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لأَيُّوْبَ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِ مائَةِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ، زَمَنَ الطَّاعُوْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً. وَآخِرُ مَنْ رَوَى حَدِيْثَه عَالِياً: أَبُو الحَسَنِ بنُ البُخَارِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُوَرِ يُعَذَّبُوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُم: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُم) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ   (1) الكراني: بفتح الكاف والراء المشددة: نسبة إلى كران محلة بأصبهان. (2) رقم (2108) في اللباس والزينة: باب تحريم صورة الحيوان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسُئِلَ عَنْهَا (1) ، فَقَالَ: تُقِيْمُ حَتَّى يَكُوْنَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالبَيْتِ. قَالَ طَاوُوْسٌ: فَلاَ أَدْرِي ابْنُ عُمَرَ نَسِيَه، أَمْ لَمْ يَسْمَعْ مَا سَمِعَ أَصْحَابُه؟ فَقَالَ: نُبِّئتُ أَنَّهُ رُخِّصَ لَهُنَّ -يَعْنِي: الحَائِضَ فِي حَجِّهَا (2) -. وَبِهِ: إِلَى المُخَلِّصِ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 6] ، قَالَ: (يَقُوْمُوْنَ حَتَّى يَبْلُغَ الرَّشْحُ أَطْرَافَ آذَانِهِمْ) (3) .   (1) أي: عن الحائض في الحج إذا لم تطف طواف الوداع. (2) رجاله ثقات. وقال ابن المنذر فيما نقله عنه الحافظ في " الفتح " 3 / 467: قال عامة الفقهاء بالامصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا طواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها، كما يجب عليها طواف الافاضة، إذ لو حاضت قبله، لم يسقط عنها، ثم اسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع، عن ابن عمر، قال: طافت امرأة بالبيت يوم النحر، ثم حاضت. فأمر عمر بحبسها بمكة، بعد أن ينفر الناس، حتى تطهر وتطوف بالبيت. قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر، وزيد بن ثابت عن ذلك. وحجة الجمهور ما روى البخاري 3 / 466، ومسلم (1328) من حديث ابن عباس، قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت. إلا أنه رخص للمرأة الحائض ". وفي " الموطأ " 1 / 412، والبخاري 3 / 467 - 468 ومسلم 2 / 964 من حديث عائشة أن صفية بنت حيى بن أخطب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حاضت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحابستنا هي؟ فقيل له: إنها قد أفاضت. فقال: " فلا إذا ". (3) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 8 / 534 - 535 في تفسير سورة المطففين، ومسلم (2862) في الجنة: باب في صفة يوم القيامة، من حديث نافع، عن ابن عمر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَتِيْقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، قَالَ: نَهَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبِيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي (1) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ، عَنْ خَالِدِ بنِ خِدَاشٍ المُهَلَّبِيِّ - وَهُوَ صَدُوْقٌ مُكْثِرٌ - عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، يَنْفَرِدُ عَنْهُ بِغَرَائِبَ (2) . 8 - جَهْمُ بنُ صَفْوَانَ أَبُو مُحْرِزٍ الرَّاسِبِيُّ مَوْلاَهُم * السَّمَرْقَنْدِيُّ، الكَاتِبُ، المُتَكَلِّمُ، أُسُّ الضَّلاَلَةِ، وَرَأْسُ الجَهْمِيَّةِ. كَانَ صَاحِبَ ذَكَاءٍ وَجِدَالٍ. كَتَبَ لِلأَمِيْرِ حَارِثِ بنِ سُرَيْجٍ التَّمِيْمِيِّ، وَكَانَ يُنْكِرُ الصِّفَاتِ، وَيُنَزِّهُ البَارِي عَنْهَا بِزَعمِه، وَيَقُوْلُ   (1) واخرجه الشافعي 2 / 156، والترمذي (1223) من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك به وإسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (1232) ، وأبو داود (3503) ، والنسائي 7 / 289، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك به وإسناده صحيح أيضا. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أحمد (6628 و6671) وأبي داود (3504) والنسائي 7 / 288، والطيالسي (2257) وابن ماجه (2188) وسنده حسن. (2) جاء في هامش الأصل عند انتهاء الترجمة ما نصه: حاشية: قال أبو عمر بن عبد البر، في كتابه " التمهيد ": كان أيوب السختياني يبيع الجلود بالبصرة. فقيل له: السختياني. (*) قتل سنة 128 هـ مع الحارث بن شريح ضد بني أمية. انظر الطبري 7 / 220، 221، 236، 237، وتاريخ الجهمية والمعتزلة ص 10 وما بعدها للقاسمي، وميزان الاعتدال 1 / 426 والملل والنحل 1 / 199 - 200، والفصل 4 / 204 والكامل لابن الأثير 5 / 342 - 344 وخطط المقريزي 2 / 249 و351. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ فِي الأَمكِنَةِ كُلِّهَا. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ يُخَالِفُ مُقَاتِلاً فِي التَّجْسِيْمِ. وَكَانَ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ عَقدٌ بِالقَلْبِ، وَإِن تَلَفَّظَ بِالكُفْرِ. قِيْلَ: إِنَّ سَلْمَ بنَ أَحْوَزَ قَتَلَ الجَهْمَ؛ لإِنْكَارِه أَنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوْسَى. 9 - يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ أَبُو نَصْرٍ الطَّائِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو نَصْرٍ الطَّائِيُّ مَوْلاَهُم، اليَمَامِيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: صَالِحٌ. وَقِيْلَ: يَسَارٌ. وَقِيْلَ: نَشِيْطٌ. رَوَى عَنْ: أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. وَعَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ فِي (كِتَابِ النَّسَائِيِّ) . وَعَنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي قِلاَبَةَ الجَرْمِيِّ، وَبَعْجَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيِّ، وَعِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ، وَهِلاَلِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، وَعِدَّةٍ. وَرَوَى عَنْ: جَابِرٍ - مُرْسَلاً - وَدِيْنَارٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَضَمْضَمِ بنِ جَوْسٍ، وَعُقْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الغَافِرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَحَيَّةَ بنِ حَابِسٍ، وَنَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي سَلاَّمٍ الحَبَشِيِّ، وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ سَلاَّمٍ - حَفِيْدِ هَذَا - وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ - وَهُوَ تِلْمِيْذُهُ -. وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، حُجَّةً. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَعْمَرٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَحَرْبُ بنُ شَدَّادٍ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَأَبَانُ   (*) طبقات ابن سعد: 5 / 555 طبقات خليفة 215، التاريخ الكبير 8 / 301، التاريخ الصغير 2 / 28، تهذيب الكمال (1518) ، تاريخ الإسلام للمؤلف 5 / 179، الميزان 4 / 402 - 403، تهذيب التهذيب 11 / 268. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 بنُ يَزِيْدَ، وَأَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ النَّجَّارِ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَرْقَمَ، وَأَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ، وَعِمْرَانُ القَطَّانُ، وَعَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ القَنَّادُ (1) ، وَخَلْقٌ. وَقَالَ حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ الأَسْوَدِ، إِنَّمَا هُوَ كِتَابٌ. وَرَوَى: وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ: يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا خَالَفَه الزُّهْرِيُّ فَالقَولُ قَوْلُ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ إِمَامٌ، لاَ يَرْوِي إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، وَقَدْ نَالَتْهُ مِحْنَةٌ وَضُرِبَ لِكَلاَمِه فِي وُلاَةِ الجَوْرِ. نَقَلَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَبَعْضُهُم نَقَلَ: أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ، إِنَّمَا يُعَدُّ مَعَ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ، إِذَا حَضَرَ جَنَازَةً، لَمْ يَتَعَشَّ تِلْكَ اللَّيلَةَ، وَلاَ يُكَلِّمُه أَحَدٌ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: كَانَ يُذْكَرُ بِالتَّدلِيسِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَدْ رَأَى أَنَساً يُصَلِّي فِي الحَرَمِ. وَقَالَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: قَالَ لِي يَحْيَى: كُلُّ شَيْءٍ عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ إِنَّمَا هُوَ كِتَابٌ. المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ: قَالَ   (1) القناد: هو إبراهيم بن عبد الملك البصري من رجال التهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ وَالمِرَاءَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيْهِ مَنفَعَةٌ، وَهُوَ يُوْرِثُ العَدَاوَةَ بَيْنَ الإِخْوَانِ. عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ. أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ المُبْتَدِعَ فِي طَرِيْقٍ، فَخُذْ فِي غَيْرِهِ. ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ قَالَ لابْنِهِ: إِنَّ الأَحلاَمَ تَصْدُقُ قَلِيْلاً، وَتَكذِبُ كَثِيْراً، فَعَلَيْكَ بِكِتَابِ اللهِ، فَالْزَمْهُ، وَإِيَّاهُ فَتَأَوَّلْ (1) . عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ بِأَحَادِيْثَ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي حَدِيْثَ كَذَا، وَحَدِيْثَ كَذَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا نَصْرٍ! أَمَا تَكرَهُ كَتْبَ العِلْمِ؟ قَالَ: اكْتُبْه لِي، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكْتُبْ فَقَدْ ضَيَّعتَ، أَوْ عَجَزْتَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، عَنِ المُبَارَكِ بنِ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَحْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ عُمَرَ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ، فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ   (1) أي: اعمل به. كما في حديث عائشة المخرج في " الصحيحين " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي: يتأول القرآن ". قال الثوري، رحمه الله: معنى يتأول القرآن: أي يعمل ما أمر به في القرآن، في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) . رَوَاهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ. وَرَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ أَصْحَابِ يَحْيَى، نَحْوَه. وَرَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الكَوْسَجِ، عَنْ رَوْحٍ، وَالأَنْصَارِيِّ، عَنْ حَجَّاجٍ، وَحَسَّنَهُ (1) . لَكِنَّهُ مَعلُولٌ بِمَا رَوَاهُ: مَعْمَرٌ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، عَنِ الحَجَّاجِ. قَالَ البُخَارِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: قُلْنَا لِيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: هَذِهِ المُرْسَلاَتُ عَمَّنْ؟ قَالَ: أَتَرَى رَجُلاً أَخَذَ مِدَاداً وَصَحِيْفَةً، فَكَتَبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَذِبَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: إِذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا، فَأَخْبِرْنَا. قَالَ: إِذَا قُلْتُ: بَلَغَنِي، فَإِنَّهُ مِنْ كِتَابٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مُرْسَلاَتُ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ شِبهُ الرِّيحِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: مَا حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ لِقَتَادَةَ، وَلاَ لِيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ بِشَيْءٍ مُرْسَلٍ، إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً. حَدَّثَنَا عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لاَ يَرَى طَلاَقَ المُكرَهِ شَيْئاً (2) . قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَصلَبَ وَجْهاً مِنْ يَحْيَى   (1) هو في " المسند " 3 / 450، وأخرجه أبو داود (1862) في المناسك: باب الاحصار. والترمذي (940) في الحج: باب ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج، والنسائي 5 / 198 في الحج: باب فيمن أحصر بعدو، وابن ماجه (3077) في المناسك: باب المحصر. وقال الترمذي: حديث حسن. وسكت عنه أبو داود والمنذري، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ووافقه على تصحيحه الذهبي المؤلف. مع أنه هنا أعله بالارسال. (2) وممن قال بعدم طلاق المكره: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وبه قال شريح، وعطاء، وطاووس، وجابر بن زيد، والحسن، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وسالم، وإليه ذهب مالك، والشافعي، والاوزاعي، وأحمد، وإسحاق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، كُنَّا نُحَدِّثُه بِالغَدَاةِ، فَنَرُوحُ بِالعَشِيِّ، فَيُحَدِّثَنَاهُ. وَيُرْوَى: أَنَّ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ أَقَامَ بِالمَدِيْنَةِ عَشْرَ سِنِيْنَ فِي طَلَبِ العِلْمِ. قَالَ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 10 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، مُفْتِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو رَجَاءٍ الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ. وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ سُوَيْدٌ مَوْلَى امْرَأَةٍ، مَوْلاَةٍ لِبَنِي حَسْلٍ. وَأُمُّهُ: مَوْلاَةٌ لِتُجِيْبٍ. وُلِدَ: بَعْدَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ، فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ الصَّحَابِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ مَرْثَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَزَنِيِّ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ اللَّيْثِيِّ - إِنْ صَحَّ - وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي وَهْبٍ الجَيْشَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيْبِيِّ، وَالحَارِثِ بنِ يَعْقُوْبَ، وَسُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ، وَعِيْسَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَلَهِيْعَةَ بنِ عُقْبَةَ - وَالِدِ عَبْدِ اللهِ - وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَالهَيْثَمِ بنِ شُفَيٍّ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ رَوَى عَنِ: الزُّهْرِيِّ بِالإِجَازَةِ. وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، ارْتَفَعَ بِالتَّقْوَى مَعَ كَوْنِه مَوْلَىً أَسْوَدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ القِتْبَانِيُّ، وَحَيْوَةُ بنُ   (*) طبقات خليفة: 294، تاريخ البخاري 4 / 324، التاريخ الصغير 2 / 10 - 11، الجرح والتعديل 9 / 267، ثقات ابن حبان 3 / 295، تهذيب الكمال (1534) ، تاريخ الإسلام 5 / 184، تذكرة الحفاظ 1 / 128 - 129، تهذيب التهذيب 11 / 318، حسن المحاضرة 1 / 299، شذرات الذهب 1 / 175. خلاصة تذهيب الكمال 182. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 شُرَيْحٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ سَعِيْدٍ التُّجِيْبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ الثَّاتِيُّ (1) ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ مُجمَعٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ. وَذَكَرَه: أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي كِتَابِ (الثِّقَاتِ) لَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ حَلِيْماً، عَاقِلاً، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ العِلْمَ بِمِصْرَ، وَالكَلاَمَ فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ، وَمَسَائِلَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُم كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَتَحَدَّثُوْنَ بِالفِتَنِ وَالمَلاَحِمِ، وَالتَّرغِيبِ فِي الخَيْرِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ سَيِّدُنَا، وَعَالِمُنَا. وَقَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيِّ: اجْتَمَعَ نَاسٌ فِيْهِم يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَهُم يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَعُودُوا مَرِيْضاً، فَتَدَافَعُوا الاسْتِئْذَانَ عَلَى المَرِيْضِ، فَقَالَ يَزِيْدُ: قَدْ عَلِمتُ أَنَّ الضَّأنَ وَالمِعزَى إِذَا اجْتَمَعَتْ تَقَدَّمَتِ المِعزَى. فَتَقَدَّمَ، فَاسْتَأْذَنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: يَزِيْدُ بنُ حَبِيْبٍ مَوْلَىً لِبَنِي عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلَغ زِيَادَةً عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُفِيْدُ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) نسبة إلى قبيلة من حمير، وهو ثاث بن زيد بن رعين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 خَرَجَ يَوْماً، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَه عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَر، فَقَالَ: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، وَأَنَا شَهِيْدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي -وَاللهِ- لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيْتُ مَفَاتِيْحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيْحَ الأَرْضِ - وَإِنِّي -وَاللهِ- مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيْهَا) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجُوْهٍ، عَنْ يَزِيْدَ (1) . 11 - إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي طَلْحَةَ زَيْدِ بنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. سَمِعَ مِنْ: عَمِّهِ؛ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَالطُّفَيْلِ بنِ أُبَيٍّ، وَسَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ مَالِكٌ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَلاَ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً. وَأَبُوْهُ عَبْدُ اللهِ قَدْ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمَلَهُ إِلَيْهِ أَخُوْهُ أَنَسٌ. وَأُمُّهُمَا: أُمُّ سُلَيْمٍ.   (1) أخرجه البخاري 6 / 451 في علامات النبوة في الإسلام و7 / 290 في المغازي: باب أحد جبل يحبنا ونحبه، ومسلم (2296) في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم. وأبو داود (3223) و (3224) في الجنائز: باب الميت يصلى على قبره بعد حين، والنسائي 4 / 61 و62 في الجنائز: باب الصلاة على الشهداء. (*) طبقات خليفة: 265، تاريخ البخاري 1 / 393، الجرح والتعديل 2 / 226، ثقات ابن حبان 3 / 7، الكامل في التاريخ 5 / 395، تهذيب الكمال (86) ، الوافي بالوفيات 8 / 416، تهذيب التهذيب 1 / 239 - 240، شذرات الذهب 1 / 189. خلاصة تذهيب الكمال 29. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 مَاتَ إِسْحَاقُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ. وَأَخرَجَ مُسْلِمٌ لِوَالِدِه عَبْدِ اللهِ، يَرْوِي عَنِ ابْنِهِ، وَعَنْ أَخِيْهِ أَنَسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طُوَالَةَ، وَسُلَيْمَانُ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ نَحْوٍ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. 12 - هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأَسَدِيُّ * (ع) ابْنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ. الإِمَامُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو المُنْذِرِ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّه؛ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَزَوْجَتِه؛ أَسْمَاءَ بِنْتِ عَمِّهِ المُنْذِرِ، وَأَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ كُبَرَاءِ التَّابعِيْنَ، مِنْهُم: أَخُوْهُ؛ عُثْمَانَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ عَبَّادٌ، وَابْنُ ابْنِ عَمِّهِ؛ عَبَّادُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَعَمْرُو بنُ خُزَيْمَةَ، وَعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ كَعْبٍ، وَعَوْفُ بنُ الطُّفَيْلِ، وَمُحَمَّدٌ - وَالِدُ السَّفَّاحِ - وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَأَبُو وَجْزَةَ، وَكُرَيْبٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، وَبَكْرُ بنُ وَائِلٍ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَابْنُ القَاسِمِ، وَيَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ، وَغَيْرُهُم.   (*) نسب قريش (248) طبقات خليفة: 267، تاريخ البخاري 4 / 193 التاريخ الصغير 2 / 83، ثقات ابن حبان 3 / 280، تاريخ بغداد 14 / 47، الكامل في التاريخ 4 / 360، وفيات الأعيان 6 / 580، تهيب الكمال (1445) ، تاريخ الإسلام 6 / 145، تذكرة الحفاظ 1 / 144 - 145، ميزان الاعتدال 4 / 301، العبر 1 / 206، مرآة الجنان 1 / 302، تهذيب التهذيب 11 / 48، خلاصة تذهيب الكمال 410. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وَلَقَدْ كَانَ يُمكِنُه السَّمَاعُ مِنْ: جَابِرٍ، وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَنَسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُ عَنْهُم رِوَايَةٌ. وَقَدْ رَأَى ابْنَ عُمَرَ، وَحَفِظَ عَنْهُ: أَنَّهُ دَعَا لَهُ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَلَحِقَ البُخَارِيُّ بَقَايَا أَصْحَابِه: كَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى. قَالَ وُهَيْبٌ: قَدِمَ عَلَيْنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فَكَانَ مِثْلَ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، حُجَّةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: هِشَامٌ ثَبْتٌ، لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ مَا صَارَ إِلَى العِرَاقِ، فَإِنَّهُ انبَسَطَ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَرْسَلَ عَنْ أَبِيْهِ أَشْيَاءَ، مِمَّا كَانَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَبِيْهِ عَنْ أَبِيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكاً نَقَمَ عَلَى هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ حَدِيْثَه لأَهْلِ العِرَاقِ، وَكَانَ لاَ يَرضَاهُ. ثُمَّ قَالَ: قَدِمَ الكُوْفَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَدْمَةً كَانَ يَقُوْلُ فِيْهَا: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ. وَالثَّانِيَةُ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ. وَقَدِمَ الثَّالِثَةَ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ -يَعْنِي: يُرسِلُ عَنْ أَبِيْهِ-. قُلْتُ: الرَّجُلُ حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وَلاَ عِبرَةَ بِمَا قَالَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ (1) مِنْ أَنَّهُ هُوَ وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ اخْتَلَطَا وَتَغَيَّرَا، فَإِنَّ الحَافِظَ قَدْ يَتَغَيَّرُ حِفْظُه إِذَا كَبِرَ، وَتَنْقُصُ حِدَّةُ ذِهْنِهِ، فَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْخُوْخَتِه كَهُوَ فِي   (1) هو الحافظ العلامة، الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي، الفاسي، الشهير بابن القطان، توفي سنة 628 هـ. ترجمه المؤلف في تذكرة الحفاظ ص: (1407) ووصفه بالحفظ، وقوة الفهم، إلا أنه استدرك فقال: لكنه تعنت في أحوال رجال فما أنصفهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 شَبِيْبَتِه، وَمَا ثَمَّ أَحَدٌ بِمَعْصُوْمٍ مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا هَذَا التَّغَيُّرُ بِضَارٍّ أَصْلاً، وَإِنَّمَا الَّذِي يَضُرُّ الاخْتِلاَطُ، وَهِشَامٌ فَلَمْ يَختَلِطْ قَطُّ، هَذَا أَمْرٌ مَقْطُوْعٌ بِهِ، وَحَدِيْثُه مُحْتَجٌّ بِهِ فِي (المُوَطَّأِ) ، وَالصِّحَاحِ، وَ (السُّنَنِ) . فَقَوْلُ ابْنِ القَطَّانِ: إِنَّهُ اخْتُلِطَ، قَوْلٌ مَرْدُوْدٌ مَرذُولٌ، فَأَرِنِي إِمَاماً مِنَ الكِبَارِ سَلِمَ مِنَ الخَطَأِ وَالوَهمِ. فَهَذَا شُعْبَةُ، وَهُوَ فِي الذِّرْوَةِ، لَهُ أَوهَامٌ، وَكَذَلِكَ مَعْمَرٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِم -. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ خَلِيْلِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ بِأَنْ يَنْتَزِعَهُ انْتِزَاعاً، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوْساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ ثَابِتٌ، مُتَّصِلُ الإِسْنَادِ، هُوَ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ الخَمْسَةِ، مَا عَدَا (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) . وَهُوَ مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ طَرِيْقاً عَنْ هِشَامٍ، وَمِنْ طَرِيْقِ أَبِي الأَسْوَدِ يَتِيْمِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، نَحْوَهُ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ هِشَامٍ عَددٌ كَثِيْرٌ، سَمَّاهُم أَبُو القَاسِمِ العَبْدِيُّ، مِنْهُم: ابْنُ عَجْلاَنَ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَابْنُ شِهَابٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو   (1) أخرجه البخاري 1 / 174 و175 في العلم: باب كيف يقبض العلم و13 / 239 - 241 في الاعتصام: باب ما يذكر في ذم الرأي وتكلف القياس، ومسلم (2673) في العلم: باب رفع العلم وقبضه، والترمذي: (2654) في العلم: باب ما جاء في ذهاب العلم، وابن ماجه (52) في المقدمة: باب اجتناب الرأي والقياس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي فُدَيْكٍ - وَمَا أَحْسِبُهُ لَحِقَهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الوَاسِطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَابْنُ كُنَاسَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ سُوَيْدٍ البُرْجُمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُيَسَّرٍ أَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي ظَبْيَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ - وَهُوَ أَقدَمُ مِنْهُ - وَأَيُّوْبُ بنُ خُوْطٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ وَاقِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَمِّعٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي حَيَّةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الغَنَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ - إِنْ صَحَّ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَعْقِلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ هِلاَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَأَنَسُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ - أَخُو جَرِيْرٍ - وَأَبَانُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبْيَضُ بنُ أَبَانٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَبْيَضُ بنُ عَجْلاَنَ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ، وَأُسَامَةُ بنُ حَفْصٍ، وَأَشْعَثُ بنُ سَعِيْدٍ السَّمَّانُ، وَإِيَاسُ بنُ دَغْفَلٍ، وَآدَمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَشْعَثُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو الرَّبِيْعِ القَاضِي. وَبَحْرُ بنُ كَثِيْرٍ، وَبَكْرُ بنُ سُلَيْمَانَ الصَّوَّافُ، وَبَكْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَعْتَقُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 وَبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ - قَدِيْمٌ - وَبَزِيْعُ بنُ حَسَّانٍ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَتَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ. وثَابِتُ بنُ كَثِيْرٍ، وَثَابِتُ بنُ زُهَيْرٍ، وَثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، وَثَابِتُ بنُ حَمَّادٍ. وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَجَعْفَرُ بنُ زِيَادٍ الأَحْمَرُ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَجُنَادَةُ بنُ سَلْمٍ أَبُو سَلْمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَجَارِيَةُ بنُ هَرِمٍ، وَجَامِعُ بنُ مُدْرِكٍ اللَّخْمِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَجَابِرُ بنُ نُوْحٍ. وَالحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالخُشَنِيُّ الحَسَنُ بنُ يَحْيَى، وَالحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ عُلْوَانَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ، وَحَمَّادُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَاضِي أَفْرِيْقِيَةَ، وَحَمَّادُ بنُ مُصْبِحٍ، وَحَمَّادُ بنُ شُعَيْبٍ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَالحَارِثُ بنُ عُبَيْدَةَ، وَالحَارِثُ بنُ عِمْرَانَ الجَعْفَرِيُّ، وَحَفْصُ بنُ قَيْسٍ الصَّنْعَانِيُّ، وَحَفْصُ بنُ رَاشِدٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَحَفْصُ بنُ عَمْرٍو الجَعْفَرِيُّ، وَحَفْصُ بنُ سَلْمٍ أَبُو مُقَاتِلٍ، وَحَفْصُ بنُ مُخَارِقٍ، وَحَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَحَفْصُ بنُ سُوَيْدٍ البُرْجُمِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَحَجْوَةُ بنُ مُدْرِكٍ الغَسَّانِيُّ، وَحَكِيْمُ بنُ نَافِعٍ، وَحَكِيْمُ بنُ بَشِيْرٍ النَّهْدِيُّ، وَحِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ، وَحَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَمْزَةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحُصَيْنُ بنُ مُخَارِقٍ، وَحَدِيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحُسَامُ بنُ مِصَكٍّ. وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَخَالِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَخْزُوْمِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ القُشَيْرِيُّ، وَخَالِدٌ العَبْدُ، وَخَالِدُ بنُ رَبَاحٍ، وَخَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، وَالخَلِيْلُ بنُ مُرَّةَ، وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَالخُصَيْبُ بنُ نَاصِحٍ، وَخَاقَانُ بنُ الحَجَّاجِ، وَالخَلِيْلُ بنُ مُوْسَى. وَدَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَدَاوُدُ العَطَّارُ، وَدَاوُدُ بنُ الأَسْوَدِ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ، وَدَلْهَمٌ العِجْلِيُّ، وَدَلْهُمُ بنُ صَالِحٍ النُّمَيْرِيُّ، وَدُجَيْنُ بنُ ثَابِتٍ أَبُو الغُصْنِ اليَرْبُوْعِيُّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وَذَوَّادُ بنُ عُلْبَةَ. وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَرَوْحُ بنُ مُسَافِرٍ، وَرَحِيْلُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، وَرَافِعُ بنُ اللَّيْثِ، وَرَوَّادُ بنُ الفَضْلِ، وَرَوَّادُ بنُ دَاوُدَ. وَأَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ زَبَّانُ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى، وَزَيْدُ بنُ بَكْرِ بنِ حُبَيْشٍ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ، وَزِيَادُ بنُ خَيْثَمَةَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ زِيَادُ بنُ كُلَيْبٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ مَنْظُوْرٍ، وَزَمْعَةُ بنُ صَالِحٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ حَبِيْبٍ، وَزُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ، وَزَكَرِيَّا بنُ مُسَافِرٍ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ. وَالسُّفْيَانَانِ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَيَّانَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو أَبُو دَاوُدَ النَّخَعِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَيَّاشٍ، وَسَعِيْدُ بنُ دُرَيْكٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ أَبِي الحُسَامِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ خَالِدٍ القُرَشِيُّ، وَسُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدٌ الأَزْرَقُ، وَسَلاَّمُ بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَسَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، وَسَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ أَبُو الأَحْوَصِ، وَسَلْمُ بنُ رَزِيْنٍ، وَسَيْفُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَسَعِيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَسَابِقٌ البَرْبَرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَزِيْدَ الكَعْبِيُّ. وَشُعْبَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَشُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، وَشَبِيْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَشَبِيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشُبَيْلُ بنُ عَزِيْزٍ، وَشَرْقِيُّ بنُ قَطَامِيٍّ. وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالصَّلْتُ بنُ الحَجَّاجِ، وَالصَّبَّاحُ بنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 مُحَارِبٍ، وَالصَّبَّاحُ بنُ عُمَيْرٍ المُزَنِيُّ، وَصَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَصَالِحُ بنُ حَسَّانٍ، وَصَالِحُ بنُ قُدَامَةَ، وَالصَّبَّاحُ بنُ يَحْيَى. وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ. وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ - وَالِدُ مُصْعَبٍ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُرْوَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَعَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ - وَالِدُ ابْنِ المَدِيْنِيِّ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قطَافٍ أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو أُوَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرْقَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الأَجْلَحِ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ أَبُو يَعْقُوْبَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَاذَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الكُوْفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ القِتْبَانِيُّ. وَعُبَيْدُ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى العَبْسِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الوَازِعِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَكِيْمٍ المَدَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ عَاصِمٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ أَبُو ظَبْيَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ أَبُو بَحْرٍ البَكْرَاوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حُسَيْنٍ أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ قُدَامَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ القَسْمَلِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُخْتَارِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الحُصَيْنِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ الثَّقَفِيُّ - وَالِدُ عَبْدِ الوَهَّابِ - وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُجَاهِدٍ، وَعَبْدُ القَاهِرِ بنُ السَّرِيِّ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ صَخْرٍ، وَعَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ بَكْرِ بنِ خُنَيْسٍ، وَعَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ القَاسِمِ أَبُو مَرْيَمَ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدَةُ بنُ أَبِي رَائِطَةَ، وَعُبَيْدَةُ بنُ الأَسْوَدِ، وَعُبَيْدُ بنُ القَاسِمِ البَصْرِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعِصْمَةُ بنُ المُنْذِرِ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبَّادُ بنُ صُهَيْبٍ الكُلَيْبِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ، وَعَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ القَاضِي، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ صُهْيَانَ (1) الأَسْلَمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العُمَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُجَاشِعٍ، وَعُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ، وَعُمَرُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَعُمَرُ بنُ رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بنُ نَبْهَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ فَرْقَدٍ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانُ بنُ مِكْيَلٍ، وَعُثْمَانُ بنُ مُخَارِقٍ، وَعُثْمَانُ بنُ خَالِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَعَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ غُرَابٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُصْعَبٍ، وَالعَلاَءُ بنُ رَاشِدٍ، وَالعَلاَءُ بنُ المِنْهَالِ، وَعِيْسَى بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَعِيْسَى بنُ مَاهَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَعِمْرَانُ القَطَّانُ، وَعِمْرَانُ بنُ أَبِي الفَضْلِ، وَعَتَّابُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَوْذَبٍ، وَعَثَّامُ بنُ عَلِيٍّ، وَعِصْمَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّرَقِيُّ، وَعِصْمَةُ بنُ عِيَاضٍ، وَعِصْمَةُ بنُ المُنْذِرِ، وَعَاصِمٌ - غَيْرُ مَنْسُوْبٍ - وَعُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ السَّكُوْنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَعَمْرُو بنُ فَايِدٍ، وَعَمْرُو بنُ هَاشِمٍ الجَنْبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ   (1) كذا الأصل بالياء. وفي " ميزان الاعتدال " و" التقريب " و" الجرح والتعديل "، و" الخلاصة ". صهبان بالباء الموحدة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 خَلِيْفَةَ الأَعْشَى أَبُو يُوْسُفَ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعَطَاءُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الجُعْفِيُّ، وَعَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، وَعَنْبَسَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعَابِدُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبَايَةُ بنُ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَعَدِيُّ بنُ الفَضْلِ، وَعَرْعَرَةُ بنُ البِرِنْدِ، وَعُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَيٍّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الحَجَبِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ، وَعَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ سُلَيْمَانَ الزَّرَّادُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ، وَعِمْرَانُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العَوْفِيُّ، وَعَمَّارُ بنُ سَيْفٍ، وَعُثْمَانُ بنُ زَائِدَةَ. وَغَالِبُ بنُ فَائِدٍ. وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى، وَالفَضْلُ بنُ خَالِدٍ أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَفُلَيْحُ بنُ مُسْلِمٍ الحَجَبِيُّ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَفَزَارَةُ بنُ جَرِيْرٍ. وَالقَاسِمُ بنُ غُصْنٍ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، وَالقَاسِمُ بنُ بَهْرَامَ، وَالقَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَبُو العَتَاهِيَةِ، وَالقَاسِمُ بنُ يَحْيَى، وَقُطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقُطْبَةُ بنُ العَلاَءِ، وَقُرَّانُ بنُ تَمَّامٍ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. وَكَثِيْرُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَكَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ، وَكِنَانَةُ بنُ جَبَلَةَ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُثْمَانَ بنِ مُصْعَبٍ. وَلَوْذَانُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَاللَّيْثُ. وَمَالِكٌ، وَمَالِكُ بنُ سُعَيْرٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَمَسْلَمَةُ بنُ قَعْنَبٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَمُبَارَكُ بنُ مُجَاهِدٍ الخُرَاسَانِيُّ، وَمُفَضَّلُ بنُ صَالِحٍ أَبُو جَمِيْلَةَ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مُطَرِّفٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيُّ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَمَعْمَرٌ، وَمُحَاضِرُ بنُ المُوَرِّعِ، وَمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ - وَلَمْ يَلْحَقْهُ - وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ المِعْوَلِيُّ، وَالمُسَيِّبُ بنُ شَرِيْكٍ، وَمُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَمُصْعَبُ بنُ ثَابِتٍ، وَمُصْعَبُ بنُ سَلاَّمٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 وَمِسْعَرٌ، وَمُهَلَّبُ بنُ أَبِي عِيْسَى، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ - وَهُوَ أَقدَمُ مِنْهُ - وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَمِشْمَعِلُّ بنُ مِلْحَانَ، وَوَالِدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَمُجَاشِعُ بنُ عَمْرٍو، وَالمُحَبَّرُ بنُ قَحْذَمٍ، وَمُرَجَّى بنُ رَجَاءٍ، وَمَرْوَانُ بنُ جَنَاحٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُعَاوِيَةُ الضَّالُّ (1) ، وَمُعَلَّى بنُ هِلاَلٍ، وَمُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ تَوْبَةَ. وَنُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ، وَنُوْحُ بنُ دَرَّاجٍ، وَنُوْحُ بنُ ذَكْوَانَ، وَنُوْحُ بنُ قَيْسٍ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ العَامِرِيُّ المَرْوَزِيَّانِ، وَنَصْرُ بنُ طَرِيْفٍ، وَنَصْرُ بنُ قَابُوْسٍ، وَنَصْرُ بنُ بَابٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ، وَنُعَيْمُ بنُ المُوَرِّعِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ، وَنَجِيْحٌ العَطَّارُ، وَنَافِعٌ المُقْرِئُ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ. وَوَكِيْعٌ، وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ وَضَّاحٌ، وَوَهْبُ بنُ وَهْبٍ أَبُو البَخْتَرِيِّ. وَهِشَامُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ، وَهِشَامُ بنُ يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ زِيَادٍ، وَهِشَامُ بنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي خُبْزَةَ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَهُدْبَةُ بنُ المِنْهَالِ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ. وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَه - وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ كَذَلِكَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو زُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بنُ دِيْنَارٍ أَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا الغَسَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ، وَيَحْيَى بنُ عِيْسَى الرَّمْلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ التَّالِفُ (2) ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ عُمَيْرٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ،   (1) هو معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من عقلاء أهل البصرة. لقب بالضال، لأنه ضل طريق مكة. (2) كذبه ابن معين، وقال النسائي وغيره: متروك. وقال ابن عدي: كان ببغداد يضع الحديث ويسرقه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَكَرِيَّا، وَيَحْيَى بنُ يَعْلَى، وَيَحْيَى بنُ الحَارِثِ المُرْهِبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ (1) ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ - قُلْتُ: مَا لَحِقَهُ أَبَداً، بَلْ ذَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ مَدَنِيٌّ - وَيَعْقُوْبُ أَبُو يُوْسُفَ القَاضِي، وَيَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ أَبِي المُتَّئِدِ، وَأَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلِيْفَةَ الأَعْشَى - وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَمْرٌو كَمَا مَرَّ، وَيَعْقُوْبُ أَصَحُّ - وَيَعْقُوْبُ بنُ الوَلِيْدِ المَدَنِيُّ. وَيَزَيْدُ بنُ سِنَانٍ الرُّهَاوِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ سِيَاه، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عِيَاضٍ. وَيَاسِيْنُ بنُ مُعَاذٍ الزَّيَّاتُ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَيُوْنُسُ بنُ رَاشِدٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ الكُوْفِيُّ. وَأَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَبُو سَهْلٍ الخُرَاسَانِيُّ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ إِبْرَاهِيْمُ، وَأَبُو مَرْوَانَ الغَسَّانِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَتَابَعَ هِشَاماً عَلَيْه: الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ. وَرَوَاهُ: عُمَرُ بنُ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: عَنْ أَبِيْهِ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخَوَيْهِ: يَحْيَى وَعُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِمَا، وَلَمْ يَصِحَّ. رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ: وَضَعَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَالِدُ المَنْصُوْرِ وَصِيَّتَهُ عِنْدِي. وَرَوَى: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ المَنْصُوْرُ لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: يَا أَبَا المُنْذِرِ! تَذْكُرُ يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ أَنَا وَإِخْوَتِي مَعَ أَبِي، وَأَنْتَ تَشرَبُ سَوِيْقاً بِقَصَبَةِ يَرَاعٍ، فَلَمَّا خَرَجنَا، قَالَ أَبُوْنَا: اعْرِفُوا لِهَذَا الشَّيْخِ حَقَّهُ، فَإِنَّهُ لاَ   (1) وجد بهامش الأصل ما نصه: ما ذكر يحيى القطان وهو من رواته عنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 يَزَالُ فِي قَوْمِكُم بَقِيَّةٌ مَا بَقِيَ؟ قَالَ: لاَ أَذْكُرُ ذَلِكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: فَلِيْمَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: لَمْ يُعَوِّدْنِي اللهُ فِي الصِّدْقِ إِلاَّ خَيْراً. يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ تَضرِبُ أَطرَافَ مَنْكِبَيْهِ. عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ: عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ إِذَا صَلَّى العَصْرَ، صَفَّنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُهُ يَصعَدُ المِنْبَرَ وَفِي يَدِهِ عَصَا، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَجْلِسُ، وَيُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُوْنَ، فَإِذَا فَرَغُوا، قَامَ فَتَوَكَّأَ عَلَى العَصَا، فَخَطَبَ. عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اقْضِ عَنِّي دَيْنِي. قَالَ: وَكَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: مائَةُ أَلْفٍ. قَالَ: وَأَنْتَ فِي فِقْهِكَ وَفَضْلِكَ تَأخُذُ مائَةَ أَلْفٍ، لَيْسَ عِنْدَكَ قَضَاؤُهَا؟! قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! شَبَّ فِتْيَانٌ مِنْ فِتْيَانِنَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُبَوِّئَهُم، وَاتَّخَذْتُ لَهُم مَنَازِلَ، وَأَوْلَمْتُ عَنْهُم، خَشِيْتُ أَنْ يَنتَشِرَ عَلَيَّ مِنْ أَمرِهِم مَا أَكْرَهُ، فَفَعَلتُ ثِقَةً بِاللهِ وَبأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (1) . قَالَ: فَرَدَدَ عَلَيْهِ مائَةَ أَلْفٍ، اسْتِعظَاماً لَهَا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَأَعْطِنِي مَا أَعْطَيْتَ، وَأَنْتَ طَيِّبُ النَّفسِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً، وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ، بُوْرِكَ لِلْمُعْطِي وَالآخِذِ) . قَالَ: فَإِنِّي طَيِّبُ النَّفْسِ بِهَا. هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ (2) .   (1) في هذا التعبير مباينة لهدي النبي صلى الله عليه وآله، ولا نحسب أن ذلك يخفى على هشام بن عروة، وربما يكون ذلك من الرواة عنه، والذي ينبغي أن يقال في هذا وأمثاله: ثقة بالله ثم بأمير المؤمنين، فقد أخرج أحمد في " المسند " 5 / 384 و394 و398، وأبو داود (4980) بسند صحيح، عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان " وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد 1 / 214 و224 و283، والبخاري في " الأدب المفرد " (783) ، وعن الطفيل بن سخبرة عند أحمد 5 / 72. (2) وعمر بن علي موصوف بالتدليس الشديد. كان يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت. فيقول، هشام بن عروة. وقال أبو حاتم: محله الصدق. ولولا تدليسه، لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وَرُوِيَ: أَنَّ هِشَاماً أَهوَى إِلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ لِيُقَبِّلَهَا، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: يَا ابْنَ عُرْوَةَ! إِنَّا نُكْرِمُكَ عَنْهَا، وَنُكرِمُهَا عَنْ غَيْرِكَ. قُلْتُ: كَانَ يَرَى لَهُ لِشَرَفِهِ، وَعِلمِهِ، وَلِكَونِهِ مِنْ أَوْلاَدِ صَفِيَّةَ أُخْتِ العَبَّاسِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: هِشَامٌ ثَبْتٌ، لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ مَصِيْرِهِ إِلَى العِرَاقِ، فَإِنَّهُ انبَسَطَ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَرْسَلَ عَنْ أَبِيْهِ مِمَّا كَانَ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ. قُلْتُ: فِي حَدِيْثِ العِرَاقِيِّيْنَ عَنْ هِشَامٍ أَوهَامٌ تُحْتَمَلُ، كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيْثِهِم عَنْ مَعْمَرٍ أَوهَامٌ. وَضَبَطَ جَمَاعَةٌ وَفَاةَ هِشَامٍ بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ. وَشَذَّ: الفَلاَّسُ، فَقَالَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَعَ لِي الكَثِيْرُ مِنْ عَوَالِيْهِ، حَتَّى فِي (الجَامِعِ الصَّحِيْحِ) مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، عَنْهُ. وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا عَنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَدْ سَمَاعاً، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ. لَكِنَّ يَحْيَى السِّمْسَارَ لَيْسَ بِثِقَةٍ (1) . وَأَمَّا المَتْنُ فَفِي الصِّحَاحِ.   (1) بل هو كذاب كما تقدم. لكن الحديث صحيح كما قال المصنف، رحمه الله، فقد أخرجه البخاري 10 / 68 في الاشربة، باب شراب الحلواء والعسل و117 في الطب من حديث علي بن المديني، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت، " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل ". وأخرجه أيضا 9 / 483 في الاطعمة عن أبي أسامة، عن هشام و333 في الطلاق، عن علي بن مسهر، عن هشام و12 / 302 في الحيل عن عبيد الله بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن هشام. وأخرجه مسلم (1474) (21) في الطلاق من حديث أبي كريب، وهارون بن عبد الله، عن أبي أسامة، عن هشام، به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 وَحَدِيْثُ هِشَامٍ لَعَلَّهُ أَزْيَدُ مِنْ أَلفِ حَدِيْثٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 13 - إِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدِ بنِ هُبَيْرَةَ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، د، س) البَصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَمُعَاذَةَ العَدَوِيَّةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ تَمِيْمِ بنِ نُذَيْرٍ العَدَوِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَمَّادَانِ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَكَانَ كَبِيْرَ السِّنِّ. مَاتَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 14 - عَطَاءُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ ** (خَ، م، د، س، ق) بَصْرِيٌّ، حُجَّةٌ. حَدَّثَ عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ - فَلَعَلَّهُ مُرْسَلٌ -. وَعَنْ: جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: خَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: هُوَ وَوَلَدُهُ قَدَرِيَّانِ (2) . قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 216، تاريخ البخاري 1 / 389، الجرح والتعديل 2 / 222، ثقات ابن حبان 3 / 7، تهذيب الكمال (85) ، الوافي بالوفيات 8 / 414، تهذيب التهذيب 1 / 236. خلاصة تذهيب الكمال 28. (1) هما، حماد بن سلمة، وحماد بن زيد. (* *) تهذيب الكمال (942) ، تاريخ البخاري: 3 / 469، الجرح والتعديل 6 / 337، ثقات ابن حبان 3 / 191، تهذيب التهذيب 7 / 215 - 216، ميزان الاعتدال 3 / 76. (2) ولا يغض ذلك من شأنهما، فإنه ليس بين أئمة أهل الحديث خلاف في أن الصدوق المتقن، إذا كان فيه بدعة، أن الاحتجاج بخبره جائز، لأنه لا يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتأول انتهى إليه باجتهاده، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ. إلا أنه مقيد بما إذا كان لا ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 15 - أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُسْلِمٍ * اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُسْلِمٍ. وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ بنِ يَسَارٍ الخُرَاسَانِيُّ، الأَمِيْرُ، صَاحِبُ الدَّعوَةِ، وَهَازِمُ جُيُوْشِ الدَّولَةِ الأُمَوِيَّةِ، وَالقَائِمُ بِإِنشَاءِ الدَّولَةِ العَبَّاسِيَّةِ. كَانَ مِنْ أَكْبَرِ المُلُوْكِ فِي الإِسْلاَمِ، كَانَ ذَا شَأْنٍ عَجِيْبٍ، وَنَبَأٍ غَرِيْبٍ (1) ، مِنْ رَجُلٍ يَذْهَبُ عَلَى حِمَارٍ بِإِكَافٍ مِنَ الشَّامِ حَتَّى يَدْخُلَ خُرَاسَانَ، ثُمَّ يَملِكُ خُرَاسَانَ بَعْدَ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَيَعُودُ بِكَتَائِبَ أَمثَالِ الجِبَالِ، وَيَقْلِبُ دَوْلَةً، وَيُقِيْمُ دَوْلَةً أُخْرَى! ذَكَرَهُ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ بنِ خَلِّكَانَ، فَقَالَ: كَانَ قَصِيْراً، أَسْمَرَ، جَمِيْلاً، حُلْواً، نَقِيَّ البَشْرَةِ، أَحوَرَ العَيْنِ، عَرِيْضَ الجَبهَةِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، طَوِيْلَ الشَّعْرِ، طَوِيْلَ الظَّهْرِ، خَافِضَ الصَّوْتِ، فَصِيْحاً بِالعَرَبِيَّةِ وَبِالفَارِسِيَّةِ، حُلْوَ المَنْطِقِ. وَكَانَ رَاوِيَةً لِلشِّعْرِ، عَارِفاً بِالأُمُوْرِ، لَمْ يُرَ ضَاحِكاً وَلاَ مَازِحاً إِلاَّ فِي وَقْتِهِ. وَكَانَ لاَ يَكَادُ يُقَطِّبُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحوَالِهِ، تَأْتِيْهِ الفُتُوْحَاتُ العِظَامُ، فَلاَ يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَثَرُ السُّرُوْرِ، وَتَنْزِلُ بِهِ الفَادِحَةُ الشَّدِيْدَةُ، فَلاَ يُرَى مُكْتَئِباً. وَكَانَ إِذَا غَضِبَ، لَمْ يَسْتَفِزَّهُ الغَضَبُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ فِي العَامِ إِلاَّ مَرَّةً، يُشِيْرُ إِلَى شَرَفِ نَفْسِهِ وَتَشَاغُلِهَا بِأَعبَاءِ المُلْكِ. قِيْلَ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ مائَةٍ، وَأَوَّلُ ظُهُوْرِهِ كَانَ بِمَرْوَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، يَوْمَ   (*) الطبري 6 / 405 و7 / 129، 198، 227، و229، 244، 253 و270 و277 و292، 479 البدء والتاريخ 6 / 78 و95، تاريخ بغداد 10 / 207، الكامل لابن الأثير، 5 / 366 و468 - 480، وفيات الأعيان 3 / 145، تاريخ الإسلام 5 / 198 و213، و322، 324، ميزان الاعتدال 2 / 589 - 590، لسان الميزان 3 / 436، شذرات الذهب 1 / 176 و179. (1) الزيادة من ميزان الاعتدال للمؤلف رحمه الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 الجُمُعَةِ، مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَمُتَوَلِّي خُرَاسَانَ إِذْ ذَاكَ الأَمِيْرُ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ اللَّيْثِيُّ؛ نَائِبُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ الحِمَارِ، خَاتِمَةُ خُلَفَاءِ بَنِي مَرْوَانَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ ظُهُوْرُهُ يَوْمَئِذٍ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً، وَآلَ أَمرُهُ إِلَى أَنْ هَرَبَ مِنْهُ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ قَاصِداً العِرَاقَ، فَنَزَلَ بِهِ المَوْتُ بِنَاحِيَةِ سَاوَةَ، وَصَفَا إِقْلِيْمُ خُرَاسَانَ لأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعوَةِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِيْنَ شَهْراً. قَالَ: وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ أَهْلِ رُسْتَاقِ فريذينَ (1) ، مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمَّى: سنجردَ، وَكَانَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مُلْكاً لَهُ، وَكَانَ يَجلِبُ فِي بَعْضِ الأَوقَاتِ مَوَاشِيَ إِلَى الكُوْفَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ قَاطَعَ عَلَى رُسْتَاقِ فريذينَ -يَعْنِي: ضَمِنَهُ- فَغَرِمَ، فَنَفَذَ إِلَيْهِ عَامِلُ البَلَدِ مَنْ يُحْضِرُهُ، فَهَرَبَ بِجَارِيَتِهِ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا. فَطَلَعَ ذَكِيّاً، وَاخْتَلَفَ إِلَى الكُتَّابِ، وَحَصَّلَ. ثُمَّ اتَّصَلَ بِعِيْسَى بنِ مَعْقِلٍ؛ جَدِّ الأَمِيْرِ أَبِي دُلَفٍ العِجْلِيِّ، وَبأَخِيْهِ إِدْرِيْسَ بنِ مَعْقِلٍ، فَحَبَسَهُمَا أَمِيْرُ العِرَاقِ عَلَى خَرَاجٍ انْكَسَرَ، فَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمَا إِلَى السِّجْنِ، وَيَتَعَهَّدُهُمَا، وَذَلِكَ بِالكُوْفَةِ، فِي اعْتِقَالِ الأَمِيْرِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيِّ. فَقَدِمَ الكُوْفَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ نُقَبَاءِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ؛ وَالِدِ المَنْصُوْرِ وَالسَّفَّاحِ، فَدَخَلُوا عَلَى الأَخَوَيْنِ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهمَا، فَرَأَوْا عِنْدَهُمَا أَبَا مُسْلِمٍ، فَأَعْجَبَهُم عَقْلُهُ وَأَدبُهُ وَكَلاَمُهُ، وَمَالَ هُوَ إِلَيْهِم. ثُمَّ إِنَّهُ عَرَفَ أَمْرَهُم وَدَعْوَتَهُم -يَعْنِي: إِلَى بَنِي العَبَّاسِ- ثُمَّ هَرَبَ الأَخَوَانِ عِيْسَى وَإِدْرِيْسُ مِنَ السِّجْنِ، فَلَزِمَ هُوَ النُّقَبَاءَ، وَسَارَ صُحْبَتَهُم إِلَى مَكَّةَ، فَأَحضَرُوا إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِمَامِ - وَقَدْ مَاتَ الإِمَامُ مُحَمَّدٌ - عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ وَمائَتَي أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَهْدَوْا لَهُ أَبَا مُسْلِمٍ، فَأُعْجِبَ بِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ لَهُم: هَذَا عُضْلَةٌ مِنَ العُضَلِ. فَأَقَامَ مُسْلِمٌ يَخدِمُ الإِمَامَ إِبْرَاهِيْمَ، وَرَجَعَ النُّقَبَاءُ إِلَى خُرَاسَانَ.   (1) على هامش الأصل كتب: " فريذن " بدون ياء، وكتب إلى جانبها علامة صح. وما جاء في الأصل موافق لما جاء في ابن خلكان. سير 6 / 4 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 فَقَالَ: إِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ هَذَا الأَصْبَهَانِيَّ، وَعَرَفتُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، فَوَجَدتُهُ حَجَرَ الأَرْضِ، ثُمَّ قَلَّدَهُ الأَمْرَ، وَنَدَبَهُ إِلَى المُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ. قَالَ المَأْمُوْنُ: أَجلُّ مُلُوْكِ الأَرْضِ ثَلاَثَةٌ، الَّذِيْنَ قَامُوا بِنَقْلِ الدُّوَلِ، وَهُم: الإِسْكَنْدَرُ، وَأَزْدَشِيْرُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: ذَكَرَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَوَّاسِ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ هُوَ وَحَفْصُ بنُ سَلَمَةَ الخَلاَّلُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الإِمَامِ، فَأَمَرَهُمَا بِالمَصِيْرِ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بِالحُمَيْمَةِ (1) مِنْ أَرْضِ البلقَاءِ إِذْ ذَاكَ، سَمِعَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ عِكْرِمَةَ. هَكَذَا قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ، وَهَذَا غَلَطٌ، لَمْ يُدْرِكْهُ. قَالَ: وَسَمِعَ ثَابِتاً البُنَانِيَّ، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الإِمَامَ، وَابْنَهُ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَرْمَلَةَ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْمُوْنٍ الصَّائِغُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَغَيْرُهُم. قُلْتُ: وَلاَ أَدْرَكَ ابْنُ المُبَارَكِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، بَلْ رَآهُ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يُوْسُفَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَكَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ بِشْرٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: مَا هَذَا السَّوَادُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَهَذِهِ   (1) الحميمة: تصغير الحمة، بلد من أرض الشراة من أعمال عمان، في أطراف الشام. كان منزل بني العباس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 ثِيَابُ الهَيْبَةِ، وَثِيَابُ الدَّولَةِ، يَا غُلاَمُ! اضرِبْ عُنُقَهُ (1) . وَقَالَ جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بنُ حَسَنِ بنِ هَارُوْنَ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي خُرَاسَانَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ الدَّاوُوْدِيُّ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ وَعَلَى رَأْسِ أَبِي مُسْلِمٍ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: اسْكُتْ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، يَا غُلاَمُ! اضْرِبْ عُنُقَهُ. وَرُوِيَتُ القِصَّةَ بِإِسْنَادٍ ثَالِثٍ مُظْلِمٍ. قُلْتُ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، يَزِيْدُ عَلَى الحَجَّاجِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ لِلدَّولَةِ لُبْسَ السَّوَادِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي: المَدَائِنِيَّ- أَنَّ حَمْزَةَ بنَ طَلْحَةَ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ بُكَيْرُ بنُ مَاهَانَ كَاتِباً لبَعْضِ عُمَّالِ السِّنْدِ، فَقَدِمَ، فَاجْتَمَعُوا بِالكُوْفَةِ فِي دَارٍ، فَغُمِزَ بِهِم، فَأُخِذُوا، فَحُبِسَ بُكَيْرٌ، وَخُلِّيَ عَنِ الآخَرِيْنَ، وَكَانَ فِي الحَبْسِ أَبُو عَاصِمٍ، وَعِيْسَى العِجْلِيُّ، وَمَعَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ، فَحَدَّثَهُ، فَدَعَاهُم بُكَيْرٌ، فَأَجَابُوْهُ إِلَى رَأْيِهِ، فَقَالَ لِعِيْسَى العِجْلِيِّ: مَا هَذَا الغُلاَمُ؟ قَالَ: مَمْلُوْكٌ. قَالَ: تَبِيْعُهُ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ. قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَأخُذَ ثَمَنَهُ. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنَ السِّجْنِ، وَبَعَث بِهِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، فَدَفَعَهُ إِبْرَاهِيْمُ إِلَى مُوْسَى السَّرَّاجِ، فَسَمِعَ مِنْهُ وحَفِظَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ إِلَى خُرَاسَانَ.   (1) أخرج مسلم (1358) قوله: " دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وزاد " بغير إحرام " من طريق معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير، عن جابر، وهو في سنن أبي داود (4076) ، والترمذي (1735) ، والنسائي (2872) و (5346) ، وابن ماجه (3585) و (2822) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَجَّهَ سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ، وَمَالِكُ بنُ الهَيْثَمِ، وَلاَهِزٌ، وَقَحْطَبَةُ بنُ شَبِيْبٍ مِنْ بِلاَدِ خُرَاسَانَ لِلْحَجِّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فَدَخَلُوا الكُوْفَةَ، فَأَتَوْا عَاصِمَ بنَ يُوْنُسَ العِجْلِيَّ، وَهُوَ فِي الحَبسِ، فَبَدَأَهُم بِالدُّعَاءِ إِلَى وَلَدِ العَبَّاسِ، وَمَعَهُ عِيْسَى بنُ مَعْقِلٍ العِجْلِيُّ، وَأَخُوْهُ، حَبَسَهُمَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ أَمِيْرُ العِرَاقِ فِيْمَنْ حَبَسَ مِنْ عُمَّالِ خَالِدٍ القَسْرِيِّ، هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ: وَمَعَهُمَا أَبُو مُسْلِمٍ يَخدِمُهُمَا، فَرَأَوْا فِيْهِ العَلاَمَاتِ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ هَذَا الفَتَى؟ قَالَ: غُلاَمٌ مَعَنَا مِنَ السَّراجِينَ. وَقَدْ كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ إِذَا سَمِعَ عِيْسَى وَإِدْرِيْسَ يَتَكَلَّمَانِ فِي هَذَا الرّأيِ، بَكَى، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، دَعَوْهُ إِلَى مَا هُم عَلَيْهِ -يَعْنِي: مَنْ نُصْرَةِ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجَابَ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ رَزْقُوَيْه: أَنْبَأَنَا مُظَفَّرُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْثَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّلْحِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ فَهْمٍ؛ مِنْ وَلَدِ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ، قَالَ: كَانَ اسْمُ أَبِي مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ يَسَارٍ، مِنْ وَلَدِ بزرجمهرَ، وَكَانَ يُكْنَى: أَبَا إِسْحَاقَ، وُلِدَ بِأَصْبَهَانَ، وَنَشَأَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَ أَبُوْهُ أَوْصَى إِلَى عِيْسَى السَّرَّاجِ، فَحَمَلَهُ إِلَى الكُوْفَةِ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ لَمَّا عزَمَ عَلَى تَوجِيْهِهِ إِلَى خُرَاسَانَ: غَيِّرِ اسْمَكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَتِمُّ لَنَا الأَمْرُ إِلاَّ بِتَغْيِيْرِ اسْمِكَ عَلَى مَا وَجَدْتُهُ فِي الكُتُبِ. فَقَالَ: قَدْ سَمَّيتُ نَفْسِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُسْلِمٍ. ثُمَّ تَكَنَّى أَبَا مُسْلِمٍ، وَمَضَى لِشَأْنِهِ، وَلَهُ ذُؤَابَةٌ، فَمَضَى عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ نَفَقَةً. قَالَ: ثُمَّ مَاتَ عِيْسَى السَّرَّاجُ، وَمَضَى أَبُو مُسْلِمٍ لِشَأْنِهِ، وَلَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَزَوَّجَهُ إِبْرَاهِيْمُ الإِمَامُ بَابْنَةِ أَبِي النَّجْمِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ، وَكَانَتْ بِخُرَاسَانَ، فَبَنَى بِهَا. ابْنُ دُرَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 خُرَاسَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَلاَ آتِي مَوْضِعاً إِلاَّ وَجَدْتُ أَبَا مُسْلِمٍ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَأَلِفْتُهُ، فَدَعَانِي إِلَى مَنْزِلِهِ، وَدَعَا بِمَا حَضَرَ، ثُمَّ لاَعَبْتُهُ بِالشَّطْرَنْجِ وَهُوَ يَلهُوَ بِهَذَيْنِ البَيْتَيْنِ: ذَرُوْنِي، ذَرُوْنِي مَا قَرَرْتُ فَإِنَّنِي ... مَتَى مَا أُهِجْ حَرْباً تَضِيقُ بِكُم أَرْضِي وَأَبْعَثُ فِي سُوْدِ الحَدِيْدِ إِلَيْكُمُ ... كَتَائِبَ سُوْدٍ طَالَمَا انْتَظَرَتْ نَهْضِي قَالَ رُؤْبَةُ بنُ العَجَاجِ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ عَالِماً بِالشِّعْرِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الجُلُوْدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَوَيْه، قَالَ: رُوِيَ لَنَا: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ صَاحِبَ الدَّولَةِ، قَالَ: ارْتَدَيْتُ الصَّبْرَ، وَآثَرْتُ الكِتْمَانَ، وَحَالَفْتُ الأَحزَانَ، وَالأَشجَانَ، وَسَامَحْتُ المَقَادِيرَ وَالأَحكَامَ، حَتَّى أَدْرَكتُ بُغْيَتِي. ثُمَّ أَنْشَدَ: قَدْ نِلْتُ بِالحزْمِ وَالكِتمَانِ مَا عَجَزَتْ ... عَنْهُ مُلُوْكُ بَنِي مَرْوَانَ إِذْ حَشَدُوا مَا زِلْتُ أَضْرِبُهُم بِالسَّيْفِ فَانْتَبَهُوا ... مِنْ رَقْدَةٍ لَمْ يَنَمْهَا قَبْلَهُم أَحَدُ طَفِقْتُ أَسْعَى عَلَيْهِم فِي دِيَارِهِمُ ... وَالقَوْمُ فِي مُلْكِهِمْ بِالشَّامِ قَدْ رَقَدُوا وَمَنْ رَعَى غَنَماً فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ... وَنَامَ عَنْهَا تَوَلَّى رَعْيَهَا الأَسَدُ (1) وَرُوِيتُ هَذِهِ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَقِيْلٍ التّبعِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَثَّامٍ يَقُوْلُ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الصَّائِغُ: لَمَّا رَأَيْتُ العَرَبَ وَصَنِيْعَهَا، خِفْتُ أَلاَّ يَكُوْنَ للهِ فِيْهِم حَاجَةٌ، فَلَمَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِم أَبَا مُسْلِمٍ، رَجَوْتُ أَنْ تَكُوْنَ للهِ فِيْهِم حَاجَةٌ. قُلْتُ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ بَلاَءً عَظِيْماً عَلَى عَرَبِ خُرَاسَانَ، فَإِنَّهُ أَبَادَهُم بِحَدِّ السَّيفِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِ مَرْوَ) : حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ رَشِيْدٍ العَنْبَرِيُّ، سَمِعْتُ يَزِيْدَ النَّحْوِيَّ يَقُوْلُ: أَتَانِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ، فَقَالَ   (1) الأبيات في تاريخ بغداد 10 / 208، والكامل 5 / 480. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 لِي: مَا تَرَى مَا يَعْمَلُ هَذَا الطَّاغِيَةُ، إِنَّ النَّاسَ مَعَهُ فِي سَعَةٍ، غَيْرَنَا أَهْلَ العِلْمِ؟ قُلْتُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِي إِحْدَى الخَصْلَتَيْنِ لَفَعَلتُ، إِنْ أَمَرْتُ وَنَهَيْتُ يُقِيْلُ أَوْ يَقْتُلُ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَبسُطَ عَلَيْنَا العَذَابَ، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ، لاَ صَبْرَ لِي عَلَى السِّيَاطِ. فَقَالَ الصَّائِغُ: لَكِنِّي لاَ أَنْتَهِي عَنْهُ. فَذَهَبَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُم: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَانَ يَجْتَمِعُ - قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ - بِإِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ، وَيَعِدُهُ بِإِقَامَةِ الحَقِّ، فَلَمَّا ظَهَرَ وَبَسَطَ يَدَه، دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَعَظَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ السَّفَّاحِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَه أَخُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا مَوْضِعٌ لاَ يُؤَدَّى فِيْهِ إِلاَّ حَقُّكَ. وَكَانَتْ بِخُرَاسَانَ فِتَنٌ عَظِيْمَةٌ، وَحُرُوْبٌ مُتَوَاتِرَةٌ، فَسَارَ الكَرْمَانِيُّ فِي جَيْشٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فَالتَقَاهُ سَلْمُ بنُ أَحْوَزَ المَازِنِيُّ؛ مُتَوَلِّي مَرْوِ الرُّوْذِ، فَانْهَزَمَ أَوَّلاً الكَرْمَانِيُّ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِم بِاللَّيلِ، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ إِنَّهُم تَهَادَنُوا. ثُمَّ سَارَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ، فَحَاصَرَ الكَرْمَانِيَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ يَطُولُ شَرحُهَا (1) ، أَوْجَبَتْ ظُهُوْرَ أَبِي مُسْلِمٍ؛ لِخُلُوِّ الوَقْتِ لَهُ، فَقَتَلَ الكَرْمَانِيَّ، وَلَحِقَ جُمُوْعَه شَيْبَانُ بنُ مَسْلَمَةَ السَّدُوْسِيُّ الخَارِجِيُّ؛ المُتَغَلِّبُ عَلَى سَرْخَسَ وَطُوْسَ، فَحَارَبَهُم نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ نَحْواً مِنْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ. ثُمَّ اصْطَلَحَ نَصْرٌ وَجُدَيْعُ بنُ الكَرْمَانِيِّ عَلَى أَنْ يُحَارِبُوا أَبَا مُسْلِمٍ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ حَرْبِه وَظَهَرُوا، نَظَرُوا فِي أَمرِهِم. فَدَسَّ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى ابْنِ الكَرْمَانِيِّ يَخْدَعُه، وَيَقُوْلُ: إِنِّي مَعَكَ. فَوَافَقَه ابْنُ الكَرْمَانِيِّ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ، فَحَارَبَا نَصْراً، وَعَظُمَ الخَطبُ. ثُمَّ إِنَّ نَصْرَ بنَ سَيَّارٍ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ: أَنَا أُبَايِعُكَ، وَأَنَا أَحَقُّ بِكَ مِنِ ابْنِ الكَرْمَانِيِّ. فَقَوِيَ أَمرُ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَثُرَتْ جُيُوْشُه، ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ نَصْرٌ، وَتَقَهقَرَ   (1) انظر الحوليات التاريخية: الطبري، وابن الأثير، وابن كثير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَاسْتَولَى أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَسبَابِه وَأَهْلِه. ثُمَّ جَهَّزَ أَبُو مُسْلِمٍ جَيْشاً إِلَى سَرْخَسَ، فَقَاتَلَهم شَيْبَانُ، فَقُتِلَ، وَقُتِلَتْ أَبْطَالُه، ثُمَّ التَقَى جَيْشُ أَبِي مُسْلِمٍ وَجَيْشُ نَصْرٍ - وَسَعَادَةُ أَبِي مُسْلِمٍ فِي إِقبَالٍ - فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ نَصْرٍ، وَتَأَخَّرَ هُوَ إِلَى قُوْمِسَ. ثُمَّ ظَفِرَ أَبُو مُسْلِمٍ بِسَلْمِ بنِ أَحْوَزَ الأَمِيْرِ، فَقَتَلَه، وَاسْتَولَى عَلَى مَدَائِنِ خُرَاسَانَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ. وَظَفِرَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الهَاشِمِيِّ، فَقَتَلَه. ثُمَّ جَهَّزَ أَبُو مُسْلِمٍ قَحْطَبَةَ بنَ شَبِيْبٍ، فَالْتَقَى هُوَ وَنُبَاتَةُ بنُ حَنْظَلَةَ الكِلاَبِيُّ عَلَى جُرْجَانَ، فَقَتَلَ الكِلاَبِيَّ، وَتَمَزَّقَ جَيْشُه، وَتَقَهقَرَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ إِلَى وَرَاءَ، وَكَتَبَ إِلَى مُتَوَلِّي العِرَاقِ يَزِيْدَ بنِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ؛ وَالِي الخَلِيْفَةِ مَرْوَانَ يَسْتَصْرِخُ بِهِ، وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصَ. وَكَثُرَتِ البُثُوقُ (1) عَلَى مَرْوَانَ مِنْ خَوَارِجِ المَغْرِبِ، وَمِنَ القَائِمِيْنَ بِاليَمَنِ، وَبِمَكَّةَ، وَبِالجَزِيْرَةِ، وَوَلَّتْ دَوْلَتُه. فَجَهَّزَ ابْنُ هُبَيْرَةَ جَيْشاً عَظِيْماً، فَنَزَلَ بَعْضُهم هَمْدَانَ، وَبَعْضُهم بِمَاه، فَالتَقَاهُم قَحْطَبَةُ بنُ شَبِيْبٍ بِنَوَاحِي أَصْبَهَانَ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، فَانْكَسَرَ جَيْشُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، ثُمَّ نَازَلَ قَحْطَبَةُ نَهَاوَنْدَ يُحَاصِرُهَا، وَتَقَهقَرَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ إِلَى الرَّيِّ. ذَكَرَ ابْنُ جَرِيْرٍ: أَنَّ جَيْشَ ابْنِ هُبَيْرَةَ كَانُوا مائَةَ أَلْفٍ، عَلَيْهِم عَامِرُ بنُ ضُبَارَةَ، وَكَانَ قَحْطَبَةُ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَنَصَبَ قَحْطَبَةُ رُمْحاً عَلَيْهِ مُصْحَفٌ، وَنَادَوْا: يَا أَهْلَ الشَّامِ! نَدْعُوْكُم إِلَى مَا فِي هَذَا المُصْحَفِ. فَشَتَمُوهُم، فَحَمَلَ قَحْطَبَةُ، فَلَمْ يَطُلِ القِتَالُ حَتَّى انْهَزَمَ جُنْدُ مَرْوَانَ، وَمَاتَ نَصْرُ بنُ سَيَّارٍ بِالرَّيِّ. وَقِيْلَ: بِسَاوَةَ. وَأَمَرَ أَوْلاَدَهُ أَنْ يَلْحَقُوا بِالشَّامِ، وَكَانَ يُنشِدُ لَمَّا أَبْطَأَ عَنْهُ المَدَدُ:   (1) البثق: موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه. والجمع بثوق. ومراده هنا أن الناس خرجوا عليه من كل جانب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 أَرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ نَارٍ ... خَلِيقٌ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ ضِرَامُ (1) فَإِنَّ النَّارَ بِالزَّنْدَيْنِ تُورَى ... وَإِنَّ الفِعلَ يَقْدُمُهُ الكَلاَمُ وَإِنْ لَمْ يُطفِهَا عُقَلاَءُ قَوْمٍ ... يَكُوْنُ وَقُوْدَهَا جُثَثٌ وَهَامُ أَقُوْلُ مِنَ التَّعَجُّبِ: لَيْتَ شِعْرِي ... أَيَقْظَانٌ أُمَيَّةُ، أَمْ نِيَامُ؟! وَكَتَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى مَرْوَانَ الخَلِيْفَةِ يُخْبِرُه بِقَتلِ ابْنِ ضُبَارَةَ، فَوَجَّه لِنَجدَتِه حَوْثَرَةَ بنَ سُهَيْلٍ البَاهِلِيَّ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ مِنَ القَيْسِيَّةِ، فَتَجَمَّعَتْ عَسَاكِرُ مَرْوَانَ بِنَهَاوَنْدَ، وَعَلَيْهِم مَالِكُ بنُ أَدْهَمَ، فَحَاصَرَهُم قَحْطَبَةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَضَايَقَهُم حَتَّى أَكَلُوا دَوَابَّهُم مِنَ الجُوْعِ، ثُمَّ خَرَجُوا بِالأَمَانِ فِي شَوَّالٍ، وَقَتَلَ قَحْطَبَةُ وَجُوْهَ أُمَرَاءِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ وَأَوْلاَدَه. وَأَقبَلَ يُرِيْدُ العِرَاقَ، فَبَرَزَ لَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَنَزَلَ بِقُربِ حُلْوَانَ، فَكَانَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَتَقَارَبَ الجَمْعَانِ. فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ؛ سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: تَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ مَرْوَ، فَنَزَلَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَدَانَ لَهُ الإِقْلِيْمُ جَمِيْعُه. ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَبَلَغَ ابْنَ هُبَيْرَةَ أَنَّ قَحْطَبَةَ تَوَجَّه نَحْوَ المَوْصِلِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا بَالُهُم تَنَكَّبُونَا؟ قِيْلَ: يُرِيْدُوْنَ الكُوْفَةَ. فَرَحَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ رَاجعاً نَحْوَ الكُوْفَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ قَحْطَبَةُ، ثُمَّ جَازَ قَحْطَبَةُ الفُرَاتَ فِي سَبْعِ مائَةِ فَارِسٍ، وَتَتَامَّ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاقْتَتَلُوا، فَطُعِنَ قَحْطَبَةُ بنُ شَبِيْبٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِي المَاءِ، فَهَلَكَ، وَلَمْ يَدرِ بِهِ قَوْمُه، وَلَكِنِ انْهَزَمَ أَيْضاً أَصْحَابُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَغَرِقَ بَعْضُهم، وَرَاحَتْ أَثقَالُهُم. قَالَ بَيْهَسُ بنُ حَبِيْبٍ: أَجْمَعَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ عَدَّيْنَا، فَنَادَى مُنَادٍ: مَنْ أَرَادَ (2) الشَّامَ، فَهَلُمَّ! فَذَهَبَ مَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، وَنَادَى آخَرُ: مَنْ أَرَادَ الجَزِيْرَةَ ... وَنَادَى آخَرُ: مَنْ أَرَادَ الكُوْفَةَ ... وَتَفَرَّقَ الجَيْشُ إِلَى هَذِهِ النَّوَاحِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَرَادَ وَاسِطَ، فَهَلُمَّ. فَأَصبَحْنَا بِقَنَاطِرِ المُسَيِّبِ مَعَ الأَمِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَدَخَلنَاهَا   (1) تاريخ خليفة 396 - 397، الطبري 7 / 369، والابيات في الاغاني 7 / 56. (2) الزيادة من تاريخ خليفة، وتاريخ الإسلام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ. وَأَصبَحَ المُسَوِّدَةُ قَدْ فَقَدُوا أَمِيْرَهُم قَحْطَبَةَ، ثُمَّ أَخْرُجُوْه مِنَ المَاءِ، وَدَفَنُوْهُ، وَأَمَّرُوا مَكَانَه وَلَدَهُ الحَسَنَ بنَ قَحْطَبَةَ، فَسَارَ بِهِم إِلَى الكُوْفَةِ، فَدَخَلُوهَا يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ أَيْضاً، فَهَرَبَ مُتَوَلِّيْهَا زِيَادُ بنُ صَالِحٍ إِلَى وَاسِطَ. وَتَرَتَّبَ فِي إِمْرَةِ الكُوْفَةِ لِلْمُسَوِّدَةِ أَبُو سَلَمَةَ الخَلاَّلُ. ثُمَّ سَارَ ابْنُ قَحْطَبَةَ، وَحَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ، فَنَازَلُوا وَاسِطَ، وَعَمِلُوا عَلَى أَنْفُسِهم خَنْدَقاً، فَعَبَّأَ ابْنُ هُبَيْرَةَ جُيُوْشَه، وَالتَقَاهُم، فَانْكَسَرَ جَمعُه، وَنَجَوْا إِلَى وَاسِطَ. وَقُتِلَ فِي المَصَافِّ: يَزِيْدُ أَخُو الحَسَنِ بنِ قَحْطَبَةَ، وَحَكِيْمُ بنُ المُسَيِّبِ الجَدَلِيُّ. وَفِي المُحَرَّمِ: قَتَلَ أَبُو مُسْلِمٍ جَمَاعَةً، مِنْهُمُ ابْنُ الكَرْمَانِيِّ، وَجَلَسَ عَلَى تَخْتِ المُلْكِ، وَبَايَعُوْهُ، وَخَطَبَ، وَدَعَا لِلسَّفَّاحِ. وَفِي ثَالِثِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ: بُوْيِعَ السَّفَّاحُ بِالخِلاَفَةِ، بِالكُوْفَةِ، فِي دَارِ مَوْلاَهُ الوَلِيْدِ بنِ سَعْدٍ. وَسَارَ الخَلِيْفَةُ مَرْوَانُ فِي مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، حَتَّى نَزَلَ الزَّابَيْنِ (1) دُوْنَ المَوْصِلِ، يَقْصِدُ العِرَاقَ. فَجَهَّزَ السَّفَّاحُ لَهُ عَمَّه عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ، فَكَانَتِ الوَقعَةُ عَلَى كُشَافٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، فَانْكَسَرَ مَرْوَانُ، وَتَقَهقَرَ، وَعَدَّى الفُرَاتَ، وَقَطَعَ وَرَاءهُ الجِسْرَ، وَقَصَدَ الشَّامَ لِيَتَقَوَّى، وَيَلتَقِيَ ثَانِياً. فَجَدَّ فِي طَلَبِه عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ حَتَّى طَرَدَه عَنْ دِمَشْقَ، وَنَازَلَهَا، وَأَخَذَهَا بَعْدَ أَيَّامٍ، وَبَذَلَ السَّيفَ، وَقَتَلَ بِهَا فِي ثَلاَثِ سَاعَاتٍ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلفاً، غَالِبُهم مِنْ جُنْدِ بَنِي أُمَيَّةَ. وَانقَضَتْ أَيَّامُهُم، وَهَرَبَ مَرْوَانُ إِلَى مِصْرَ فِي عَسْكَرٍ قَلِيْلٍ، فَجَدُّوا فِي طَلَبِه، إِلَى أَنْ بَيَّتُوهُ بِقَرْيَةِ بُوْصِيْرَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَطِيْفَ بِرَأْسِهِ فِي البُلْدَانِ، وَهَرَبَ ابْنَاهُ إِلَى بِلاَدِ النُّوْبَةِ.   (1) الزابان: الزاب الأعلى، والزاب الأسفل، وهما نهران بين بغداد والموصل، ونزول مروان بن محمد كان على الزاب الصغير كما في الروض المعطار ص: (281) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ بُدُوُّ أَمْرِ بَنِي العَبَّاسِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْمَا قِيْلَ - أَعْلَمَ العَبَّاسَ أَنَّ الخِلاَفَةَ تَؤُولُ إِلَى وَلَدِه، فَلَمْ يَزَلْ وَلَدُه يَتَوَقَّعُوْنَ ذَلِكَ. قُلْتُ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا الخَبَرُ، وَلَكِنَّ آلَ العَبَّاسِ كَانَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُم، وَيُحِبُّوْنَ آلَ عَلِيٍّ، وَيَوَدُّوْنَ أَنَّ الأَمْرَ يَؤُولُ إِلَيْهِم؛ حُبّاً لآلِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُغْضاً فِي آلِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَبَقُوا يَعْمَلُوْنَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً حَتَّى تَهَيَّأَتْ لَهُمُ الأَسبَابُ، وَأَقبَلَتْ دَوْلَتُهُم، وَظَهَرَتْ مِنْ خُرَاسَانَ. وَعَنْ رِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ: أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ بنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَلَقِيَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ؛ وَالِدَ السَّفَّاحِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ! إِنَّ عِنْدِي عِلْماً أُرِيْدُ أَنْ أُلْقِيَه إِلَيْكَ، فَلاَ تُطْلِعَنَّ عَلَيْهِ أَحَداً، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي يَرتَجِيْهِ النَّاسُ هُوَ فِيْكُم. قَالَ: قَدْ عَلِمتُه، فَلاَ يَسْمَعَنَّهُ مِنْكَ أَحَدٌ. قُلْتُ: فَرِحنَا بِمَصِيْرِ الأَمْرِ إِلَيْهِم، وَلَكِنْ -وَاللهِ- سَاءنَا مَا جَرَى؛ لِمَا جَرَى مِنْ سُيُولِ الدِّمَاءِ، وَالسَّبْيِ، وَالنَّهْبِ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ - فَالدَّولَةُ الظَّالِمَةُ مَعَ الأَمنِ وَحَقنِ الدِّمَاءِ، وَلاَ دَوْلَةً عَادلَةً تُنتَهَكُ دُوْنَهَا المَحَارِمُ، وَأَنَّى لَهَا العَدْلُ؟ بَلْ أَتَتْ دَوْلَةً أَعْجَمِيَّةً خُرَاسَانِيَّةً جَبَّارَةً، مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ. رَوَى: أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ، عَنْ جَمَاعَةٍ: أَنَّ الإِمَامَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ لَنَا: ثَلاَثَةُ أَوقَاتٍ: مَوْتُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَأْسُ المائَةِ، وَفَتْقٌ بِإِفْرِيْقِيَا، فَعِندَ ذَلِكَ يَدْعُو لَنَا دُعَاةٌ، ثُمَّ يُقْبِلُ أَنْصَارُنَا مِنَ المَشْرِقِ حَتَّى تَرِدَ خُيُوْلُهُمُ المَغْرِبَ. فَلَمَّا قُتِلَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ بِأَفْرِيْقِيَةَ، وَنَقَضَتِ البَرْبَرُ، بَعَثَ مُحَمَّدٌ الإِمَامُ رَجُلاً إِلَى خُرَاسَانَ، وَأَمَرَه أَنْ يَدْعُوَ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَلاَ يُسَمِّي أَحَداً. ثُمَّ إِنَّهُ وَجَّه أَبَا مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ إِلَى النُّقَبَاءِ، فَقَبِلُوا كُتُبَه، ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ مَرْوَانَ بنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 مُحَمَّدٍ كِتَابٌ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، جَوَابَ كِتَابٍ، يَأمُرُ أَبَا مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالعَرَبِيَّةِ بِخُرَاسَانَ. فَقَبَضَ مَرْوَانُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ، وَقَدْ كَانَ مَرْوَانُ وَصَفَ لَهُ صِفَةَ السَّفَّاحِ الَّتِي كَانَ يَجِدُهَا فِي الكُتُبِ، فَلَمَّا جِيْءَ بِإِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ. وَرَدَّ أَعْوَانَه فِي طَلَبِ المَنْعُوتِ لَهُ، وَإِذَا بِالسَّفَّاحِ وَإِخْوَتِهِ وَأَعْمَامِه قَدْ هَرَبُوا إِلَى العِرَاقِ، وَاخْتَفَوْا بِهَا عِنْدَ شِيْعَتِهم. فَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ نَعَى إِلَيْهِم نَفْسَه، وَأَمَرَهُم بِالهَرَبِ، فَهَرَبُوا مِنَ الحُمَيْمَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا الكُوْفَةَ، أَنْزَلَهم أَبُو سَلَمَةَ الخَلاَّلُ، وَكَتَمَ أَمْرَهُمْ. فَبَلَغَ الخَبَرُ أَبَا الجَهْمِ، فَاجْتَمَعَ بِكِبَارِ الشِّيْعَةِ، فَدَخَلُوا عَلَى آلِ العَبَّاسِ، فَقَالُوا: أَيُّكُم عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِيَّةِ؟ قَالُوا: هَذَا. فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ، ثُمَّ خَرَجَ أَبُو الجَهْمِ، وَمُوْسَىُ بنُ كَعْبٍ، وَالأَعْيَانُ، فَهَيَّؤُوا أَمْرَهُم، وَخَرَجَ السَّفَّاحُ عَلَى بِرْذَوْنٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الجُمُعَةَ. وذَلِكَ مُسْتَوْفَىً فِي تَرْجَمَةِ السَّفَّاحِ، وَفِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ (1)) ، وَفِي تَرْجَمَةِ عَمِّ السَّفَّاحِ عَبْدِ اللهِ. وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ: سَارَ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، لِيَأْخُذَ رَأْيَه فِي قَتْلِ أَبِي سَلَمَةَ حَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ الخَلاَّلِ وَزِيْرِهِم. وذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ السَّفَّاحُ وَأَقَارِبُه، حَدّثَتْهُ نَفْسُه بِأَنْ يُبَايِعَ عَلَوِيّاً، وَيَدَعَ هَؤُلاَءِ، وَشَرَعَ يُعَمِّي أَمْرَهُم عَلَى قُوَّادِ شِيْعَتِهم، فَبَادَرَ كِبَارُهم، وَبَايَعُوا لِسَفَّاحٍ، وَأَخْرَجُوْه، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَمَا وَسِعَهُ - أَعْنِي: أَبَا سَلَمَةَ - إِلاَّ المُبَايَعَةُ، فَاتَّهَمُوْهُ. فَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: انْتَدَبَنِي أَخِي السَّفَّاحُ لِلذَّهَابِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَسِرتُ عَلَى وَجَلٍ، فَقَدِمتُ الرَّيَّ، ثُمَّ شَرُفْتُ عَنْهَا فَرْسَخَيْنِ، فَلَمَّا صَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ مَرْوَ فَرْسَخَيْنِ، تَلَقَّانِي أَبُو مُسْلِمٍ فِي الجُنُوْدِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي، تَرَجَّلَ مَاشِياً، فَقَبَّلَ   (1) تاريخ الإسلام للمؤلف 5 / 202. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 يَدِي. ثُمَّ نَزَلتُ، فَمَكَثتُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُه. فَقَالَ: فَعَلهَا أَبُو سَلَمَةَ؟ أَنَا أَكْفِيْكُمُوْهُ. فَدَعَا مَرَّارَ بنَ أَنَسٍ الضَّبِّيَّ، فَقَالَ: انْطلِقْ إِلَى الكُوْفَةِ، فَاقْتُلْ أَبَا سَلَمَةَ حَيْثُ لَقِيْتَه. قَالَ: فَقَتَلَهُ بَعْدَ العِشَاءِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: وَزِيْرُ آلِ مُحَمَّدٍ. وَلَمَّا رَأَى أَبُو جَعْفَرٍ عَظَمَةَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَسَفْكَه لِلدِّمَاءِ، رَجَعَ مِنْ عِنْدِه، وَقَالَ لِلسَّفَّاحِ: لَسْتَ بِخَلِيْفَةٍ إِنْ أَبْقَيْتَ أَبَا مُسْلِمٍ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: مَا يَصْنَعُ إِلاَّ مَا يُرِيْدُ. قَالَ: فَاسْكُتْ، وَاكْتُمْهَا. وَأَمَّا ابْنُ هُبَيْرَةَ، فَدَامَ ابْنُ قَحْطَبَةَ يُحَاصِرُه بِوَاسِطَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً، فَلَمَّا تَيَقَّنُوا هَلاَكَ مَرْوَانَ، سَلَّمُوْهَا بِالأَمَانِ، ثُمَّ قَتَلُوا ابْنَ هُبَيْرَةَ، وَغَدَرُوا بِهِ، وَبِعِدَّةٍ مِنْ أُمَرَائِهِ. وَفِي عَامِ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ: خَرَجَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ شَرِيْكٌ المَهْرِيُّ بِبُخَارَى، وَنقمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ كَثْرَةَ قَتْلِه، وَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْنَا آلَ مُحَمَّدٍ. فَاتَّبَعَه ثَلاَثُوْنَ أَلفاً، فَسَارَ عَسْكَرُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَالْتَقَوْا، فَقُتلَ شَرِيْكٌ. وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ: خَرَجَ زِيَادُ بنُ صَالِحٍ الخُزَاعِيُّ مِنْ كِبَارِ قُوَّادِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَيْهِ، وَعَسْكَرَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَكَانَ قَدْ جَاءهُ عَهدٌ بِوِلاَيَةِ خُرَاسَانَ مِنَ السَّفَّاحِ، وَأَنْ يَغْتَالَ أَبَا مُسْلِمٍ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. فَظَفرَ أَبُو مُسْلِمٍ بِرَسُوْلِ السَّفَّاحِ، فَقَتَلَه، ثُمَّ تَفَلَّلَ عَنْ زِيَادٍ جُمُوْعُه، وَلَحِقُوا بِأَبِي مُسْلِمٍ، فَلَجَأَ زِيَادٌ إِلَى دِهْقَانَ، فَقَتَلَهُ غِيْلَةً، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ. وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: بَعَثَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُه فِي القُدُوْمِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَاسْتنَابَ عَلَى خُرَاسَانَ خَالِدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، فَقَدِمَ فِي هَيْئَةٍ عَظِيْمَةٍ، فَاسْتَأْذَنَ فِي الحَجِّ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ أَخِي حَجَّ، لَوَلَّيْتُكَ المَوْسِمَ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُوْل لِلسَّفَاحِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَطِعْنِي، وَاقْتُلْ أَبَا مُسْلِمٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 فَوَاللهِ إِنَّ فِي رَأْسِهِ لَغَدْرَةً. فَقَالَ: يَا أَخِي! قَدْ عَرَفْتَ بَلاَءهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ يُرَاجِعُه. ثُمَّ حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ، فَلَمَّا قَفَلاَ، تَلَقَّاهُمَا مَوْتُ السَّفَّاحِ بِالجُدَرِيِّ، فَولِيَ الخِلاَفَةَ أَبُو جَعْفَرٍ. وَخَرَجَ عَلَيْهِ عَمُّه عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ بِالشَّامِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَأَقَامَ شُهُوْداً بِأَنَّهُ وَلِيُّ عَهدِ السَّفَّاحِ، وَأَنَّهُ سَارَ لِحربِ مَرْوَانَ وَهَزَمَه، وَاسْتَأصَلَه. فَخلاَ المَنْصُوْرُ بِأَبِي مُسْلِمٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَنَا وَأَنْتَ، فَسِرْ إِلَى عَبْدِ اللهِ عَمِّي، فَسَارَ بِجُيُوْشِه مِنَ الأَنْبَارِ، وَسَارَ لِحَرْبِهِ عَبْدُ اللهِ، وَقَدْ خَشِيَ أَنْ يُخَامِرَ عَلَيْهِ الخُرَاسَانِيَّةَ، فَقَتَلَ مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً صَبْراً، ثُمَّ نَزَلَ نَصِيْبِيْنَ. وَأقبلَ أَبُو مُسْلِمٍ، فَكَاتَبَ عَبْدَ اللهِ: إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِكَ، وَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَلاَّنِي الشَّامَ وَأَنَا أُرِيْدُهَا. وَذَلِكَ مِنْ مَكرِ أَبِي مُسْلِمٍ لِيُفْسِدَ نِيَّاتِ الشَّامِيِّيْنَ. فَقَالَ جُنْدُ الشَّامِيِّيْنَ لِعَبْدِ اللهِ: كَيْفَ نُقِيْمُ مَعَكَ وَهَذَا يَأْتِي بِلاَدَنَا، فَيَقتُلُ، وَيَسْبِي؟! وَلَكِنْ نَمْنَعُهُ عَنْ بِلاَدِنَا. فَقَالَ لَهُم: إِنَّهُ مَا يُرِيْدُ الشَّامَ، وَلَئِنْ أَقَمْتُم، لَيَقصِدَنَّكم. قَالَ: فَكَانَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ القِتَالُ مُدَّةَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ أَكْثَرَ فُرسَاناً، وَأَكمَلَ عِدَّةً، فَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَبْدِ اللهِ: الأَمِيْرُ بَكَّارُ بنُ مُسْلِمٍ العُقَيْلِيُّ، وَعَلَى المَيْسَرَةِ: الأَمِيْرُ حَبِيْبُ بنُ سُوَيْدٍ الأَسَدِيُّ. وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ أَبِي مُسْلِمٍ: الحَسَنُ بنُ قَحْطَبَةَ، وَعَلَى مَيسرَتِه: حَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ. وَطَالَ الحَرْبُ، وَيَسْتظهِرُ الشَّامِيُّوْنَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَادَ جَيْشُ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يَنهَزِمَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ يُثَبِّتُهُم، وَيَرْتَجِزُ: مَنْ كَانَ يَنْوِي أَهْلَهُ فَلاَ رَجَعْ ... فَرَّ مِنَ المَوْتِ، وَفِي المَوْتِ وَقَعْ ثُمَّ إِنَّهُ أَردَفَ مَيْمَنَتَه، وَحَمَلُوا عَلَى مَيْسَرَةِ عَبْدِ اللهِ، فَمَزَّقُوْهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 لابْنِ سُرَاقَةَ الأَزْدِيِّ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَصبِرَ وَتُقَاتِلَ، فَإِنَّ الفِرَارَ قَبِيْحٌ بِمِثْلِكَ، وَقَدْ عِبْتَهُ عَلَى مَرْوَانَ. قَالَ: إِنِّي أَذهَبُ إِلَى العِرَاقِ. قَالَ: فَأَنَا مَعَكم. فَانْهَزَمُوا، وَتَرَكُوا الذَّخَائِرَ وَالخَزَائِنَ وَالمُعَسْكَرَ، فَاحْتَوَى أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى الكُلِّ، وَكَتَبَ بِالنَّصرِ إِلَى المَنْصُوْرِ. وَاخْتَفَى عَبْدُ اللهِ، وَأَرْسَلَ المَنْصُوْرُ مَوْلاَهُ لِيُحصِيَ مَا حَوَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو المُسْلِمِ، وَهَمَّ بِقَتْلِ ذَلِكَ المَوْلَى، وَقَالَ: إِنَّمَا لِلْخَلِيْفَةِ مِنْ هَذَا الخُمْسُ. وَمَضَى عَبْدُ اللهِ وَأَخُوْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ إِلَى الكُوْفَةِ، فَدَخَلاَ عَلَى عِيْسَى بنِ مُوْسَى؛ وَلِيِّ العَهْدِ، فَاسْتَأمَنَ لِعَبْدِ الصَّمَدِ، فَأَمَّنَهُ المَنْصُوْرُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ، فَقَصَدَ أَخَاهُ سُلَيْمَانَ بنَ عَلِيٍّ بِالبَصْرَةِ، وَأَقَامَ عِنْدَه مُخْتَفِياً. وَلَمَّا عَلِمَ المَنْصُوْرُ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ قَدْ تَغَيَّرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يُلاَطفُه: وَإِنِّي قَدْ وَلَّيتُكَ مِصْرَ وَالشَّامَ، فَانْزِلْ بِالشَّامِ، وَاسْتَنِبْ عَنْكَ بِمِصْرَ. فَلَمَّا جَاءهُ الكِتَابُ، أَظهَرَ الغَضَبَ، وَقَالَ: يُوَلِّيْنِي هَذَا، وَخُرَاسَانُ كُلُّهَا لِي؟! وَشَرعَ فِي المُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ شَتمَ المَنْصُوْرَ، وَأَجمَعَ عَلَى الخِلاَفِ، وَسَارَ. وَخَرَجَ المَنْصُوْرُ إِلَى المَدَائِنِ، وَكَاتَبَ أَبَا مُسْلِمٍ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ، وَهُوَ قَاصِدٌ طَرِيْقَ حُلْوَانَ: إِنَّهُ لَمْ يَبقَ لَكَ عَدُوٌّ إِلاَّ أَمْكَنَكَ اللهُ مِنْهُ، وَقَدْ كُنَّا نَروِي عَنْ مُلُوْكِ آلِ سَاسَانَ: إِنَّ أَخَوْفَ مَا يَكُوْنَ الوُزرَاءُ إِذَا سَكَنَتِ الدَّهْمَاءَ، فَنَحْنُ نَافرُوْنَ مِنْ قُربِكَ، حَرِيْصُوْنَ عَلَى الوَفَاءِ بِعَهْدِكَ مَا وَفَيْتَ، فَإِنْ أَرْضَاكَ ذَلِكَ، فَأَنَا كَأَحسَنِ عَبِيْدِكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ نَقَضتُ مَا أَبرَمْتُ مِنْ عَهدِكَ، ضَنّاً بِنَفْسِي، وَالسَّلاَمُ. فَردَّ عَلَيْهِ الجوَابَ يُطَمْئِنُه وَيُمَنِّيْهِ مَعَ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَرِيْرٍ البَجَلِيِّ، وَكَانَ دَاهِيَةَ وَقْتِهِ، فَخَدَعَهُ، وَرَدَّهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ فَنقلَ عَنْ جَمَاعَةٍ، قَالُوا: كَتَبَ أَبُو المُسْلِمِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي اتَّخَذتُ رَجُلاً إِمَاماً وَدَلِيْلاً عَلَى مَا افْترضَهُ اللهُ، وَكَانَ فِي مَحلَّةِ العِلْمِ نَازلاً، فَاسْتَجْهَلَنِي بِالقُرْآنِ، فَحرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، طَمعاً فِي قَلِيْلٍ قَدْ نَعَاهُ (1) اللهُ إِلَى خلقِه، وَكَانَ كَالَّذِي دُلِّيَ بِغرُوْرٍ، وَأَمرنِي أَنْ أُجرِّدَ السَّيْفَ، وَأَرْفَعَ الرَّحْمَةَ، فَفَعَلتُ تَوطِئَةً لِسُلْطَانِكم، ثُمَّ اسْتنقذنِي اللهُ بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ يَعفُ عَنِّي فَقِدَماً عُرفَ بِهِ، وَنُسبَ إِلَيْهِ، وَإِنْ يُعَاقِبْنِي، فَبمَا قَدَّمتْ يَدَايَ. ثُمَّ سَارَ نَحْوَ خُرَاسَانَ مُرَاغماً. فَأَمَرَ المَنْصُوْرُ مَنْ حضرَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَكْتُبُوْنَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، يُعظمُوْنَ شَأْنَهُ، وَأَنَّ يُتِمَّ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُحسِّنُوْنَ لَهُ القُدُوْمَ عَلَى المَنْصُوْرِ. ثُمَّ قَالَ المَنْصُوْرُ لِلرَّسُوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ المَرْوَرُّوْذِيِّ: كلِّمْ أَبَا مُسْلِمٍ بِأَلْيَنِ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَنِّهِ، وَعرِّفْهُ أَنِّي مُضمِرٌ لَهُ كُلَّ خَيْرٍ، فَإِنْ أَيستَ مِنْهُ، فَقُلْ لَهُ: قَالَ: وَاللهِ لَوْ خُضتَ البَحْرَ لَخضتُهُ وَرَاءكَ، وَلَوِ اقْتحمتَ النَّارَ لاَقتحمتُهَا حَتَّى أَقتُلَكَ. فَقَدِمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِحُلْوَانَ. قَالَ: فَاسْتشَارَ أَبُو مُسْلِمٍ خوَاصَّه، فَقَالُوا: احْذرْهُ. فَلَمَّا طلبَ الرَّسُوْلُ الجوَابَ، قَالَ: ارْجعْ إِلَى صَاحِبِك، فَلَسْتُ آتِيْهِ، وَقَدْ عزمتُ عَلَى خِلاَفِهِ. فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ. فَلَمَّا آيسَهُ مِنَ المَجِيْءِ، كلَّمَهُ بِمَا أَمرَهُ بِهِ المَنْصُوْرُ، فَوَجَمَ لَهَا طَوِيْلاً، ثُمَّ قَالَ: قُم. وَكَسرَهُ ذَلِكَ القَوْلُ، وَأَرعبَه. وَكَانَ المَنْصُوْرُ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَبِي دَاوُدَ خَلِيْفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى خُرَاسَانَ، فَاسْتمَالَه، وَقَالَ: إِمْرَةُ خُرَاسَانَ لَكَ. فَكَتَبَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يَلُوْمُهُ،   (1) في الطبري 7 / 484، والبداية 10 / 64: تعافاه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 وَيَقُوْلُ: إِنَّا لَمْ نَخرجْ لِمَعْصِيَةِ خُلَفَاءِ اللهِ، وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبوَّةِ، فَلاَ تُخَالفنَّ إِمَامَكَ. فوَافَاهُ كِتَابُهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَزَاده هَمّاً وَرُعباً. ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ مَنْ يَثقُ بِهِ مِنْ أُمرَائِهِ إِلَى المَنْصُوْرِ، فَلَمَّا قَدِمَ تَلقَّاهُ بَنُو هَاشِمٍ بِكُلِّ مَا يُحِبُّ، وَقَالَ لَهُ المَنْصُوْرُ: اصْرِفْهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَلَكَ إِمْرَةُ بِلاَدِهِ. فَرَجَعَ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَكروهاً، وَرَأَيْتُهم مُعَظِّمِيْنَ لِحقِّكَ، فَارجِعْ، وَاعتذِرْ. فَأَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى الرُّجوعِ، فَقَالَ رَسُوْلُه أَبُو إِسْحَاقَ: مَا لِلرِّجَالِ مَعَ القَضَاءِ مَحَالَةٌ ... ذَهَبَ القَضَاءُ بِحِيْلَةِ الأَقْوَامِ خَارَ اللهُ لَكَ، إِحْفظْ عَنِّي وَاحِدَةً، إِذَا دَخَلتَ عَلَى المَنْصُوْرِ فَاقتُلْهُ، ثُمَّ بَايعْ مَنْ شِئْتَ، فَإِنَّ النَّاسَ لاَ يُخَالِفُونَكَ. ثُمَّ إِنَّ المَنْصُوْرَ سَيَّرَ أُمَرَاءَ لِتلقِّي أَبِي مُسْلِمٍ، وَلاَ يُظْهِرُوْنَ أَنَّهُ بَعَثَهم لِيُطَمئنَهُ، وَيَذكرُوْنَ حُسنَ نِيَّةِ المَنْصُوْرِ لَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ، انخدعَ المَغْرُوْرُ، وَفرِحَ. فَلَمَّا وَصلَ إِلَى المَدَائِنِ، أَمرَ المَنْصُوْرُ أَكَابِرَ دَوْلَتِه فَتَلَقَّوْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، سلَّمَ عَلَيْهِ قَائِماً، فَقَالَ: انْصَرَفْ يَا أَبَا مُسْلِمٍ، فَاسْترحْ، وَادخُلِ الحَمَّامَ، ثُمَّ اغْدُ. فَانْصَرَفَ، وَكَانَ مِنْ نِيَّةِ المَنْصُوْرِ أَنْ يَقتُلَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمَنَعَهُ وَزِيْرُه أَبُو أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيُّ (1) . قَالَ أَبُو أَيُّوْبَ: فَدَخَلْتُ بَعْد خُرُوْجِه، فَقَالَ لِي المَنْصُوْر: أقدرُ عَلَى هَذَا، فِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ، قَائِماً عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي مَا يَحدُثُ فِي لَيْلَتِي، ثُمَّ كلَّمنِي فِي الفَتكِ بِهِ. فَلَمَّا غَدَوْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: يَا ابْنَ اللَّخنَاءِ! لاَ مَرْحَباً بِكَ، أَنْتَ مَنعتَنِي مِنْهُ أَمْسِ؟ وَالله مَا نِمتُ البَارِحَةَ، ادْعُ لِي عُثْمَانَ بن نَهِيْكٍ.   (1) بضم الميم وسكون الواو وكسر الراء: نسبة إلى موريان، قرية من قرى خوزستان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 فَدعوتُهُ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ! كَيْفَ بلاَءُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا عبدُكَ، وَلَوْ أَمَرتنِي أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى سَيْفِي حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، لَفعلتُ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إِنْ أَمرتُكَ بِقَتلِ أَبِي مُسْلِمٍ؟ قَالَ: فَوَجمَ لَهَا سَاعَةً لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقُلْتُ: مَا لَكَ سَاكِتاً؟ فَقَالَ قَوْلَةً ضَعِيْفَةً: أَقتُلُهُ. فَقَالَ: انْطلقْ، فَجِئْ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ وَجُوْهِ الحَرسِ، شُجعَانَ. فَأحضرَ أَرْبَعَةً، مِنْهُم شَبِيْبُ بنُ وَاجٍ، فَكلَّمهم، فَقَالُوا: نَقتُلُهُ. فَقَالَ: كُوْنُوا خَلْفَ الرّوَاقِ، فَإِذَا صفقتُ فَاخرجُوا، فَاقتلُوْهُ. ثُمَّ طلبَ أَبَا مُسْلِمٍ، فَأَتَاهُ. قَالَ أَبُو أَيُّوْبَ: وَخَرَجتُ لأَنظُرَ مَا يَقُوْلُ النَّاسُ، فَتلقَّانِي أَبُو مُسْلِمٍ دَاخِلاً، فَتَبَسَّمَ، وَسلَّمتُ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ، فَرَجَعتُ، فَإِذَا هُوَ مَقْتُوْلٌ. ثُمَّ دَخَلَ أَبُو الجَهْمِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَلاَ أَردُّ النَّاسَ؟ قَالَ: بَلَى. فَأَمرَ بِمَتَاعٍ يُحوَّلُ إِلَى روَاقٍ آخرَ، وَفُرشٍ. وَقَالَ أَبُو الجَهْمِ لِلنَّاسِ: انْصَرَفُوا، فَإِنَّ الأَمِيْرَ أَبَا مُسْلِمٍ يُرِيْدُ أَنْ يُقِيْلَ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَرَأَوا الفُرشَ وَالمَتَاعَ يُنْقَلُ، فَظنُّوْهُ صَادِقاً، فَانْصَرَفُوا، وَأَمرَ المَنْصُوْرُ لِلأُمرَاءِ بِجَوَائِزِهم. قَالَ أَبُو أَيُّوْبَ: فَقَالَ لِي المَنْصُوْرُ: دَخَلَ عَلِيَّ أَبُو مُسْلِمٍ، فَعَاتَبْتُهُ، ثُمَّ شَتمتُهُ، وَضَرَبَه عُثْمَانُ بنُ نَهِيْكٍ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً، وَخَرَجَ شَبِيْبُ بنُ وَاجٍ، فَضَربُوْهُ، فَسَقَطَ، فَقَالَ وَهُم يَضْربُوْنَهُ: العَفْوَ. قُلْتُ: يَا ابْنَ اللَّخنَاءِ! العَفْوَ، وَالسُّيُوْفُ تَعتوركَ؟ وَقُلْتُ: اذْبَحُوْهُ. فَذبحُوْهُ. وَقِيْلَ: أَلقَى جَسَدَهُ فِي دِجْلَةَ. وَيُقَالُ: لَمَّا دَخَلَ وَهُم خَلوَةٌ، قَالَ لَهُ المَنْصُوْرُ: أَخْبِرْنِي عَنْ سَيْفَيْنِ أَصَبتَهُمَا فِي مَتَاعِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ. فَقَالَ: هَذَا أَحَدُهمَا. قَالَ: أَرِنِيْهِ. فَانتضَاهُ، فَنَاولَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 فَهزَّه أَبُو جَعْفَرٍ، ثُمَّ وَضَعَهُ تَحْت مِفرَشِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُعَاتِبهُ. وَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِك إِلَى أَبِي العَبَّاسِ أَخِي تَنهَاهُ عَنِ الموَاتِ، أَرَدْتَ أَنْ تُعَلِّمَنَا الدِّيْنَ؟ قَالَ: ظَنَنْتُ أَخْذَه لاَ يَحِلُّ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ تَقدُّمِك عَلَيَّ فِي طَرِيْقِ الحجِّ. قَالَ: كرهتُ اجْتِمَاعَنَا عَلَى المَاءِ، فَيَضرُّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَجَارِيَةُ عَبْدِ اللهِ، أَرَدْتَ أَنْ تَتَّخِذَهَا؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِن خِفتُ عَلَيْهَا أَنْ تَضِيعَ، فَحَمَلتُهَا فِي قُبَّةٍ، وَوكلتُ بِهَا. قَالَ: فَمُرَاغمتُكَ وَخُرُوْجُك إِلَى خُرَاسَانَ؟ قَالَ: خِفتُ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ دَخلَكَ مِنِّي شَيْءٌ، فَقُلْتُ: أَذْهَبُ إِلَيْهَا، وَإِلَيْكَ أَبعثُ بعُذرِي، وَالآنَ فَقَدْ ذَهَبَ مَا فِي نَفْسِكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: تَاللهِ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ. وَضربَ بِيَدِهِ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ: أَلستَ الكَاتِبَ إِلَيَّ، تَبدَأُ بِنَفْسِكَ؟ وَالكَاتِبَ إِلَيَّ تَخطُبُ أُمَيْنَةَ بِنْتَ عَلِيٍّ عَمَّتِي؟ وَتَزْعُمُ أَنَّكَ ابْنُ سَلِيْطِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ؟ وَأَيضاً، فَمَا دعَاكَ إِلَى قَتْلِ سُلَيْمَانَ بنِ كَثِيْرٍ، مَعَ أَثرِهِ فِي دَعوتِنَا، وَهُوَ أَحَدُ نُقبَائِنَا؟ قَالَ: عَصَانِي، وَأَرَادَ الخِلاَفَ عَلَيَّ، فَقَتلتُهُ. قَالَ: وَأَنْتَ قَدْ خَالفتَ عَلَيَّ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْكَ. وضَرَبه بِعَمُودٍ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ. وَيُقَالُ: إِنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا سبَّهُ، انكبَّ عَلَى يَدِه يُقَبِّلُهَا، وَيَعْتَذِرُ. وَقِيْلَ: أَوَّلُ مَا ضَرَبَه ابْنُ نَهِيْكٍ لَمْ يَصْنَعْ أَكْثَرَ مِنْ قَطْعِ حَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَصَاحَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اسْتَبقِنِي لِعدُوِّكَ. قَالَ: لاَ أَبقَانِي اللهُ إِذاً، وَأَيُّ عَدُوٍّ أَعْدَى لِي مِنْكَ. ثُمَّ هَمَّ المَنْصُوْرُ بِقَتلِ الأَمِيْرِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ حَرَسِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَبِقَتلِ نَصْرِ بنِ مَالِكٍ الخُزَاعِيِّ، فَكلَّمَهُ فِيْهِمَا أَبُو الجَهْمِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 إِنَّمَا جُندُهُ جُندُكَ، أَمرتَهُم بِطَاعتِهِ، فَأطَاعُوْهُ. ثُمَّ إِنَّهُ أَعْطَاهُمَا مَالاً جَزِيْلاً، وَفرَّقَ عَسَاكِرَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ بِعَهْدٍ لِلأمِيْرِ أَبِي دَاوُدَ خَالِدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى خُرَاسَانَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الزّنَادقَةِ، وَالطّغَامِ مِنَ التَّنَاسُخِيَّةِ، اعتقدُوا أَنَّ البَارِي - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَلَّ فِي أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ المَقْتُوْلِ، عِنْدمَا رَأَوْا مِنْ تَجبُّرِهِ، وَاسْتِيْلاَئِهِ عَلَى المَمَالِكِ، وَسَفكِهِ لِلدِّمَاءِ، فَأَخْبَارُ هَذَا الطَّاغِيَةِ يَطُولُ شَرحُهَا. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (1) : قَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بِالمَدَائِنِ، فَسَمِعتُ يَحْيَى بنَ المُسَيِّبِ يَقُوْلُ: قَتلَه وَهُوَ فِي سُرَادِقَاتِهِ -يَعْنِي: الدِّهلِيزَ- ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عِيْسَى بنِ مُوْسَى وَلِيِّ العَهْدِ، فَأَعْلَمَهُ، وَأَعْطَاهُ الرَّأسَ وَالمَالَ، فَخَرَجَ بِهِ، فَأَلقَاهُ إِلَيْهِم، وَنَثرَ الذَّهَبَ، فَتَشَاغلُوا بِأَخذِهِ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ فِي مَكَانٍ آخرَ: فَلَمَّا حلَّ أَبُو مُسْلِمٍ بِحُلْوَانَ، تَردَّدتْ الرُّسلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ، فَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ يَرِيْنُ عَلَى القُلُوْبِ، وَيَطبعُ عَلَيْهَا المَعَاصِي، فَقعْ أَيُّهَا الطَّائِرُ، وَأَفِقْ أَيُّهَا السَّكْرَانُ، وَانتبِهْ أَيُّهَا الحَالِمُ، فَإِنَّكَ مَغْرُوْرٌ بِأَضغَاثِ أَحلامٍ كَاذِبَةٍ، وَفِي بَرزَخِ دُنْيَا قَدْ غَرَّتْ قَبْلَك سَوَالفَ القُرُوْنِ، فَـ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ، أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} ؟ [مَرْيَمُ: 68] ، وَإِنَّ اللهَ لاَ يُعجِزُه مَنْ هَرَبَ، وَلاَ يَفُوْتُه مَنْ طَلبَ، فَلاَ تَغترَّ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ شِيْعَتِي، وَأَهْلِ دَعوتِي، فَكَأَنَّهُم قَدْ صَاوَلُوكَ إِنْ أَنْتَ خَلعتَ الطَّاعَةَ، وَفَارقتَ الجَمَاعَةَ، فَبدَا لَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَحْتسِبُ، فَمَهلاً مَهلاً، احْذرِ البَغْيَ أَبَا مُسْلِمٍ، فَإِنَّ مَنْ بَغَى وَاعْتدَى تَخلَّى اللهُ عَنْهُ، وَنَصرَ عَلَيْهِ مَنْ يَصرعُهُ لِلْيَدَيْنِ وَلِلفَمِ. فَأَجَابَهُ أَبُو مُسْلِمٍ بِكِتَابٍ فِيْهِ غِلظٌ، يَقُوْلُ فِيْهِ: يَا عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ! إِنِّي كُنْتُ   (1) في تاريخه ص: 416. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فِيْكُم مُتَأوِّلاً فَأَخطَأتُ. فَأَجَابَهُ: أَيُّهَا المُجرمُ! تَنْقِمُ عَلَى أَخِي، وَإِنَّهُ لإِمَامُ هُدَىً، أَوضحَ لَكَ السَّبِيْلَ، فَلَوْ بِهِ اقْتدَيتَ مَا كُنْتَ عَنِ الحَقِّ حَائِداً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْنَحْ لَكَ أَمرَانِ، إِلاَّ كُنْتَ لأَرْشَدِهِمَا تَارِكاً، وَلأَغْوَاهُمَا مُوَافِقاً، تَقتلُ قَتْلَ الفَرَاعِنَةِ، وَتَبطشُ بَطْشَ الجَبَّارِيْنَ، ثُمَّ إِنَّ مِنْ خِيْرَتِي أَيُّهَا الفَاسِقُ! أَنِّي قَدْ وَلَّيتُ خُرَاسَانَ مُوْسَى بنَ كَعْبٍ، فَأَمرتُه بِالمقَامِ بِنَيْسَابُوْرَ، فَهُوَ مِنْ دُوْنِكَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُوَّادِي وَشِيْعَتِي، وَأَنَا مُوَجِّهٌ لِلِقَائِكَ أَقرَانَكَ، فَاجْمَعْ كَيدَكَ وَأَمرَكَ غَيْرَ مُوفَّقٍ وَلاَ مُسدَّدٍ، وَحسبُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ. فَشَاورَ البَائِسُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ، فَقَالَ لَهُ: مَا الرَّأْيُ؟ هَذَا مُوْسَى بنُ كَعْبٍ لَنَا دُوْنَ خُرَاسَانَ، وَهَذِهِ سُيُوْفُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ خَلفِنَا، وَقَدْ أَنْكَرتُ مَنْ كُنْتُ أَثقُ بِهِ مِنْ أُمرَائِي! فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! هَذَا رَجُلٌ يَضطغِنُ عَلَيْكَ أُمُوْراً مُتَقَدِّمَةً، فَلَوْ كُنْتَ إِذْ ذَاكَ هَذَا رَأْيُكَ، وَوَالَيتَ رَجُلاً مِنْ آلِ عَلِيٍّ، كَانَ أَقْرَبَ، وَلَوْ أَنَّكَ قَبِلتَ تَوْلِيَتَه إِيَّاكَ خُرَاسَانَ وَالشَّامَ وَالصَّائِفَةَ (1) مُدَّتْ بِكَ الأَيَّامُ، وَكُنْتَ فِي فُسحَةٍ مِنْ أَمرِكَ، فَوَجَّهتَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاختلستَ عَلَوِيّاً، فَنصَّبتَهُ إِمَاماً، فَاسْتملتَ أَهْلَ خُرَاسَانَ، وَأَهْلَ العِرَاقِ، وَرَمَيتَ أَبَا جَعْفَرٍ بِنَظِيْرِه، لَكُنتَ عَلَى طَرِيْقِ تَدبِيْرٍ، أَتطمعُ أَنْ تُحَاربَ أَبَا جَعْفَرٍ وَأَنْتَ بِحُلْوَانَ، وَعَسَاكِرُه بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ خَلِيْفَةٌ مُجمَعٌ عَلَيْهِ؟ لَيْسَ مَا ظَنَنْتَ، لَكِنْ بَقِيَ لَكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَى قُوَّادِكَ، وَتَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: هَذَا رَأْيٌ، إِنْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ قُوَّادُنَا. قَالَ: فَمَا دعَاكَ إِلَى خَلعِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ مِنْ قُوَّادِكَ؟ أَنَا أَسْتودِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ! أَرَى أَنْ تُوَجِّهَ بِي   (1) الصائفة: الغزوة في الصيف وبها سميت غزوة الروم لانهم كانوا يغزون صيفا اتقاء البرد والثلج. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 إِلَيْهِ حَتَّى أَسْأَلَه لَكَ الأَمَانَ، فَإِمَّا صَفْحٌ، وَإِمَّا قَتْلٌ عَلَى عِزٍّ، قَبْلَ أَنْ تَرَى المَذَلَّةَ وَالصَّغَارَ مِنْ عَسْكَرِكَ، إِمَّا قَتَلُوكَ، وَإِمَّا أَسْلَمُوكَ. قَالَ: فَسفَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَنْصُوْرِ السُّفرَاءُ، وَطَلبُوا لَهُ أَمَاناً، فَأَتَى المَدَائِنَ، فَأَمرَ أَبُو جَعْفَرٍ، فَتَلَقَّوْهُ، وَأَذنَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَى فَرَسِه، وَرَحَّبَ بِهِ، وَعَانَقَهُ، وَقَالَ: انْصَرَفْ إِلَى مَنْزِلِك، وَضَعْ ثِيَابَك، وَادْخُلِ الحَمَّامَ. وَجَعَلَ يَنْتَظِرُ بِهِ الفُرصَ، فَأَقَام أَيَّاماً يَأْتِي أَبَا جَعْفَرٍ، فَيَرَى كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الإِكرَامِ مَا لَمْ يَرهُ قَبْلُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى التَّجنِّي عَلَيْهِ، فَأَتَى أَبُو مُسْلِمٍ الأَمِيْرَ عِيْسَى بنَ مُوْسَى، فَقَالَ: ارْكبْ مَعِي إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُ عِتَابَهُ. قَالَ: تَقدَّمْ، وَأَنَا أَجِيْءُ. قَالَ: إِنِّي أَخَافُهُ. قَالَ: أَنْتَ فِي ذِمَّتِي. قَالَ: فَأَقْبَلَ، فَلَمَّا صَارَ فِي الرّوَاقِ الدَّاخِلِ، قِيْلَ لَهُ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَتَوَضَّأُ، فَلَوْ جَلَستَ. وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ عِيْسَى، وَقَدْ هَيَّأَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عُثْمَانَ بنَ نَهِيْكٍ فِي عِدَّةٍ، وَقَالَ: إِذَا عَاينْتُهُ وَعَلاَ صَوْتِي، فَدُونَكُمُوْهُ. قَالَ نَفْطَوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ المَنْصُوْرِيُّ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ أَبُو جَعْفَرٍ أَبَا مُسْلِمٍ، قَالَ: رَحمَكَ اللهُ أَبَا مُسْلِمٍ! بَايعتَنَا وَبَايعنَاكَ، وَعَاهدَتَنَا وَعَاهَدْنَاكَ، وَوَفَّيْتَ لَنَا وَوَفَّيْنَا لَكَ، وَإِنَّا بَايَعنَا عَلَى أَلاَّ يَخْرُجَ عَلَيْنَا أَحَدٌ إِلاَّ قَتَلنَاهُ، فَخَرَجتَ عَلَيْنَا، فَقَتَلنَاكَ. وَقِيْلَ: قَالَ لأُوْلَئِكَ: إِذَا سَمِعْتُم تَصفِيْقِي، فَاضْرِبُوْهُ. فَضرَبَهُ شَبِيْبُ بنُ وَاجٍ، ثُمَّ ضَرَبَهُ القُوَّادُ، فَدَخَلَ عِيْسَى، وَكَانَ قَدْ كلَّمَ المَنْصُوْرَ فِيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَتِيْلاً، اسْتَرْجَعَ. وَقِيْلَ: لَمَّا قَتَلَهُ وَدَخَلَ جَعْفَرُ بنُ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَمرِ أَبِي مُسْلِمٍ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَخَذتَ مِنْ شِعْرِهِ، فَاقتُلْهُ. فَقَالَ: وَفَّقكَ اللهُ، هَا هُوَ فِي البِسَاطِ قَتِيْلاً. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! عُدَّ هَذَا اليَوْمَ أَوَّلَ خِلاَفَتِكَ. وَأَنْشَدَ المَنْصُوْرُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإِيَابِ المُسَافِرُ (1) وَقَرَأْتُ فِي كِتَابٍ: أَنَّ المَنْصُوْرَ لَمْ يَزلْ يَخْدَعُ أَبَا مُسْلِمٍ، وَيَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ، حَتَّى وَقَعَ فِي بَرَاثنِهِ بِعُهودٍ وَأَيْمَانٍ. وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَنْظُرُ فِي المَلاَحِمِ، وَيَجدُ أَنَّهُ مُمِيْتُ دَوْلَةٍ، وَمُحْيِي دَوْلَةٍ، ثُمَّ يُقتَلُ بِبَلَدِ الرُّوْمِ. وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَوْمَئِذٍ بِرُوْمِيَّةِ المَدَائِنِ، وَهِيَ مَعْدُوْدَةٌ مِنْ مَدَائِنِ كِسْرَى، بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَغْدَادَ سَبْعَةُ فَرَاسِخَ. قِيْلَ: بَنَاهَا الإِسْكَنْدَرُ لَمَّا قَامَ بِالمَدَائِنِ، فَلَمْ يَخطُرْ بِبَالِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّ بِهَا مَصْرَعَهُ، وَذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَى الرُّوْمِ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ كَانَ يَقُوْلُ: فَعَلتَ وَفَعَلتَ. فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مَا يُقَالُ لِي هَذَا بَعْدَ بَيْعتِي وَاجْتِهَادِي. قَالَ: يَا ابْنَ الخَبِيْثَةِ! إِنَّمَا فَعَلتَ ذَلِكَ بِجِدِّنَا وَحَظِّنَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَكَ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، لَعمِلَتْ عَمَلَكَ، وَتَفْعَلُ كَذَا، وَتَخطِبُ عَمَّتِي، وَتَدَّعِي أَنَّكَ عَبَّاسِيٌّ، لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقَى صَعباً. فَأَخَذَ يُفرِّكُ يَدَهُ، وَيُقَبِّلُهَا، وَيَخضعُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ يَتنمَّرُ. وَعَنْ مَسْرُوْرٍ الخَادِمِ، قَالَ: لَمَّا ردَّ أَبُو مُسْلِمٍ، أَمرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنْ يَرْكَبَ فِي خَوَاصِّ أَصْحَابِه، فَرَكِبَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ غُلاَمٍ، جُرْدٍ مُرْدٍ، عَلَيْهِم أَقْبِيَةُ الدِّيْبَاجِ وَالسُّيُوْفِ بِمَنَاطِقِ الذَّهَبِ. فَأَمَرَ المَنْصُوْرُ عُمُوْمَتَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلُوْهُ، وَكَانَ   (1) البيت في " المؤتلف والمختلف " ص 128 لمعقر بن حمار البارقي وقبله: تهيبك الاسفار من خشية الردى * وكم قد رأينا من رد لا يسافر " ونقل في اللسان، عن ابن بري أنه لعبد ربه السلمي ويقال: لسليم بن ثمامة الحنفي، وكان هذا الشاعر سير امرأته من اليمامة إلى الكوفة. وأول الشعر: تذكرت من أم الحويرث بعد ما * مضت حجج عشر، وذو الشوق ذاكر وقوله: فألقت عصاها واستقر بها النوى. يضرب هذا مثلا لكل من وافقه، شيء فأقام عليه. " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُوْمتِهِ: صَالِحٌ، وَسُلَيْمَانُ، وَدَاوُدُ. فَلَمَّا أَنْ أَصحرَ، سَايرَهُ صَالِحٌ بِجَنبِهِ، فَنَظَرَ إِلَى كَتَائِبِ الغِلمَانِ، وَرَأَى شَيْئاً لَمْ يَعهدْ مِثْلَهُ، فَأَنْشَأَ صَالِحٌ يَقُوْلُ: سَيَأْتِيْكَ مَا أَفْنَى القُرُوْنَ الَّتِي مَضَتْ ... وَمَا حَلَّ فِي أَكْنَافِ عَادٍ وَجُرْهُمِ وَمَنْ كَانَ أَقْوَى مِنْكَ عِزّاً وَمَفْخراً ... وَأَقْيَدَ لِلْجَيْشِ اللُّهَامِ العَرَمْرَمِ فَبَكَى أَبُو مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَحِرْ جَوَاباً. قَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: قُتِلَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: وَعُمُرُهُ سَبْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ عَاماً. وَلَمَّا قُتِلَ، خَرَجَ بِخُرَاسَانَ سُنْبَاذُ لِلطَّلبِ بِثأرِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ سُنْبَاذُ مَجُوْسِيّاً، فَغلبَ عَلَى نَيْسَابُوْرَ وَالرَّيِّ، وَظَفرَ بِخَزَائِنِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَاسْتفحلَ أَمرُهُ. فَجهَّزَ المَنْصُوْرُ لِحَرْبِهِ جُمْهُوْرَ بنَ مَرَّارٍ العِجْلِيَّ، فِي عَشْرَةِ آلاَفِ فَارِسٍ، وَكَانَ المَصَافُّ بَيْنَ الرَّيِّ وَهَمَذَانَ، فَانْهَزَمَ سُنْبَاذُ، وَقُتِلَ مِنْ عَسْكَرِه نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ أَلْفاً، وَعَامَّتُهم كَانُوا مِنْ أَهْلِ الجِبَالِ، فَسُبِيَتْ ذَرَارِيهِم، ثُمَّ قُتِلَ سُنْبَاذُ بِأَرْضِ طَبَرِسْتَانَ. أَنْبَأَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا فَرْقَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ المُعَلِّمُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المَرْزُبَانِ بنِ مَنْجَوَيْه، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُقْرِئِ، حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ غُلاَمُ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ الأَنْبَارِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى النَّحْوِيَّ، سَمِعْتُ مَسْرُوْراً الخَادِمَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتردَّ المَنْصُوْرُ أَبَا مُسْلِمٍ مِنْ حُلْوَانَ، أَمرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ فِي خَوَاصِّ غِلمَانِهِ، فَانْصَرَفَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ غُلاَمٍ، جُرْدٍ، مُرْدٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 عَلَيْهِم أَقْبِيَةُ الدِّيْبَاجِ وَالسُّيُوْفِ، وَمَنَاطِقُ الذَّهَبِ. فَأَمَرَ المَنْصُوْرُ عُمُوْمتَه أَنْ يَسْتَقبِلُوْهُ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُوْمتِهِ يَوْمَئِذٍ: صَالِحٌ، وَسُلَيْمَانُ، وَدَاوُدُ. فَلَمَّا أَنْ أَصحرُوا، سَايرَهُ صَالِحٌ بِجَنبِهِ، فَنَظَرَ إِلَى كَتَائِبِ الغِلمَانِ، فَرَأَى شَيْئاً لَمْ يَعهَدْ مِثْلَهُ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: سَيَأْتِيْكَ مَا أَفْنَى القُرُوْنَ الَّتِي مَضَت ... وَمَا حلَّ فِي أَكْنَافِ عَادٍ وَجُرْهُمِ وَمَنْ كَانَ أَقْوَى مِنْكَ عِزّاً وَمَفْخراً ... وَأَقْيَدَ لِلْجَيْشِ اللُّهَامِ العَرَمْرَمِ فَبَكَى أَبُو مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَحِرْ جَوَاباً، وَلَمْ يَنطِقْ حَتَّى دَخَلَ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَأَجلَسَه بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ يُعَاتبُهُ، وَيَقُوْلُ: تَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَعَلتَ كَذَا وَكَذَا، وَكَتَبتَ إِلَيَّ بِكَذَا وَكَذَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: زَعَمْتَ أَنَّ الدَّيْنَ لاَ يُقْتَضَى ... فَاقْتَضِ بِالدَّيْنِ أَبَا مُجْرِمِ وَاشْرَبْ بِكَأْسٍ كُنْتَ تَسْقِي بِهَا ... أَمَرَّ فِي الحَلْقِ مِنَ العَلْقَمِ (1) ثُمَّ أَمرَ أَهْلَ خُرَاسَانَ، فَقَطَّعُوْهُ إِرْباً إِرْباً. وَبِهِ: إِلَى مَنْجَوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَارَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْلِمٍ صَاحِبَ الدَّولَةِ يَقْرَأُ: {فَلاَ تُسْرِفْ فِي القَتْلِ} [الإِسْرَاءُ: 33] بِالتَّاءِ (2) . قَالَ ابْنُ مَنْجَوَيْه: حكَى لِي الثِّقَةُ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا الإِمَامُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ   (1) البيتان في الطبري 7 / 491، والكامل 5 / 476، ووفيات الأعيان 3 / 154، وروايتهما عند ابن خلكان زعمت أن الدين لا يقتضى * فاستوف بالكيل أبا مجرم اشرب بكأس كنت تسقي بها * أمر في الحلق من العلقم (2) هي قراءة: ابن عامر، وحمزة، والكسائي. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: (فلا يسرف في القتل) زاد المسير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 مَنْدَةَ كَتَبَ عَنْهُ هَذَا. وَحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: هُوَ ابْنُ بِنْتِ أَبِي مُسْلِمٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الطَّبَرِيُّ إِمْلاَءً مِنْ أَصْلِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ زُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدِ بنِ نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْبٍ الخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَرَادَ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ (1) -) . وَبِهِ: أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ بِحَرَّانَ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُوْسَى بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدٍ بِهَذَا. لَمْ يَقُلْ: ابْنُ مُنِيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَهُوَ أَشْبَهُ. آخِرُ سِيْرَةِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَالله - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. 16 - يَزِيْدُ ابْنُ الطَّثْرِيَّةِ أَبُو المَكْشُوْحِ بنُ سَلَمَةَ بنِ سَمُرَةَ * الشَّاعِرُ، المُحَسِّنُ، أَبُو المَكْشُوْحِ يَزِيْدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ سَمُرَةَ. وَلَهُ شِعْرٌ   (1) في سنده أبو مسلم. قال المؤلف في " الميزان " ليس بأهل لان يحمل عنه شيء. وباقي رجاله ثقات. لكن الحديث صحيح. فقد أخرجه أحمد 1 / 171، 183 والترمذي (3902) والحاكم 4 / 74 من حديث الزهري عن محمد بن أبي سفيان، عن يوسف بن الحكم، عن محمد بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد هوان قريش أهانه الله ". وسنده صحيح. وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك. وأخرجه عبد الرزاق (19905) وعنه أحمد 1 / 176، عن معمر، عن الزهري، عن عمر بن سعد، أن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من يهن قريشا يهنه الله ". وفي الباب عن عثمان عند الحاكم 4 / 74، وأحمد 1 / 64 بسند قال الهيثمي فيه: رجاله ثقات. (*) نسبة إلى أمه من الطثر. وهم حي من اليمن، عدادهم في جرهم وأبوه الصمة، وقيل: سلمة الخير. أخباره في " طبقات فحول الشعراء " 777 - 782، وفي " الشعر والشعراء " 427 - 428، وفي " الاغاني " 7 / 104 - 117، وفي " معجم الأدباء 20 / 47 - 49 " وفي " أسماء المغتالين " 247. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 فَائِقٌ، كَثِيْرٌ فِي (الحَمَاسَةِ) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا الفَرَجِ صَاحِبَ (الأَغَانِي) جَمَعَ شِعرَهُ، وَدَوَّنَهُ. قُتِلَ: بِاليَمَامَةِ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَالطَّثْرُ: ضَرْبٌ مِنَ اللَّبَنِ. 17 - مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ * ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ، الخَلِيْفَةُ، الأُمَوِيُّ، يُعْرَفُ: بِمَرْوَانَ الحِمَارِ، وَبِمَرْوَانَ الجَعْدِيِّ؛ نِسبَةً إِلَى مُؤَدِّبِهِ: جَعْدِ بنِ دِرْهَمٍ. وَيُقَالُ: أَصبرُ فِي الحَرْبِ مِنْ حِمَارٍ. وَكَانَ مَرْوَانُ بَطَلاً، شُجَاعاً، دَاهِيَةً، رَزِيْناً، جَبَّاراً، يَصلُ السَّيْرَ بِالسُّرَى، وَلاَ يَجِفُّ لَهُ لِبْدٌ، دَوَّخَ الخَوَارِجَ بِالجَزِيْرَةِ. وَيُقَالُ: بَلِ العَرَبُ تُسمِّي كُلَّ مائَةِ عَامٍ حِمَاراً، فَلَمَّا قَاربَ مُلكُ آلِ أُمَيَّةَ مائَةَ سَنَةٍ، لَقَّبُوا مَرْوَانَ بِالحِمَارِ. وذَلِكَ مَأخُوذٌ مِنْ مَوْتِ حِمَارِ العُزَيْرِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُوَ مائَةُ عَامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُمَا الله -تَعَالَى-. مَولِدُ مَرْوَانَ: بِالجَزِيْرَةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، إِذْ أَبُوْهُ مُتَوَلِّيْهَا، وَأُمُّه أُمُّ وَلَدٍ. وَقَدِ افْتَتَحَ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ قُوْنِيَةَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ الجَزِيْرَةِ، وَأَذْرَبِيْجَانَ لِهِشَامٍ، فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَدْ غَزَا مرَّةً حَتَّى جَاوَزَ نَهْرَ الرُّوْمِ، فَأغَارَ وَسَبَى فِي الصَّقَالِبَةِ (1) . وَكَانَ أَبْيَضَ، ضَخْمَ الهَامَةِ، شَدِيْدَ الشُّهلَةِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَبْيَضَهَا، رَبْعَةً،   (*) تاريخ خليفة 403 - 409، الطبري حوادث سنة 105 و114 و126 و127 و132، الكامل في التاريخ: في السنوات المتقدمة عند الطبري، كتاب المجروحين والضعفاء 3 / 14، تاريخ الإسلام: 5 / 222، 298، البداية 10 / 22، 42، 46. (1) الصقالبة: جيل من الناس كانت مساكنهم إلى الشمال من بلاد البلغار، وانتشروا الآن في كثير من بلاد شرق أوروبا، وهم المسمون الآن " بالسلاف ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 مَهِيْباً، شَدِيْدَ الوَطْأَةِ، أَدِيْباً، بَلِيغاً، لَهُ رَسَائِلُ تُؤثرُ. وَمَعَ كَمَالِ أَدوَاتِهِ لَمْ يُرْزَقْ سَعَادَةً، بَلْ اضْطَرَبتِ الأُمُوْرُ، وَوَلَّتْ دَوْلَتُهُم. بُوْيِعَ بِالإِمَامَةِ فِي نِصْفِ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمَّا سَمِعَ بِمَقْتَلِ الوَلِيْدِ فِي العَامِ المَاضِي، دَعَا إِلَى بَيْعَةِ مَنْ رَضِيَهُ المُسْلِمُوْنَ، فَبَايَعُوْهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ يَزِيْدَ النَّاقِصِ، أَنفقَ الأَمْوَالَ، وَأَقْبَلَ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفِ فَارِسٍ، فَلَمَّا وَصلَ إِلَى حَلَبَ، بَايَعُوْهُ. ثُمَّ قَدِمَ حِمْصَ، فَدَعَاهم إِلَى بَيْعَةِ وَلِيَّيِ العَهْدِ: الحَكَمِ وَعُثْمَانَ، ابْنَيِ الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، وَكَانَا فِي حَبسِ الخَلِيْفَةِ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ جَيْشُ حِمْصَ، ثُمَّ الْتَقَى الجَمعَانِ بِمَرْجِ عَذْرَاءَ (1) ، وَانتصرَ مَرْوَانُ، فَبرزَ إِبْرَاهِيْمُ وَعَسْكَرَ بِمَيْدَانِ الحَصَا (2) ، فَتفلَّلَ جَمعُهُ، فَتوثَّبَ أَعْوَانُهُ، فَقَتلُوا وَلِيَّيِ العَهْدِ وَيُوْسُفَ بنَ عُمَرَ فِي السِّجْنِ، وَثَارَ شَبَابُ دِمَشْقَ بِعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَجَّاجِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَقَتلُوْهُ؛ لِكَوْنِهِ أَمرَ بِقَتلِ الثَّلاَثَةِ، ثُمَّ أَخْرُجُوا مِنَ الحَبْسِ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ السُّفْيَانِيَّ، وَوَضعُوْهُ عَلَى المِنْبَرِ فِي قُيُودِه لِيُبَايِعُوْهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَأْسُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَخَطَبَ، وَحَضَّ عَلَى الجَمَاعَةِ، وَأَذعنَ بِالبَيْعَةِ لِمَرْوَانَ، فَسَمِعَ إِبْرَاهِيْمُ الخَلِيفَةُ، فَهَرَبَ، وَآمَنَ مَرْوَانُ النَّاسَ. فَأوَّلُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ، وَأَمرَ بِنَبشِ يَزِيْدَ النَّاقِصِ، وَصَلبِهِ. وَأَمَّا إِبْرَاهِيْمُ: فَخَلعَ نَفْسَهُ، وَكَتَبَ بِالبَيْعَةِ إِلَى مَرْوَانَ الحِمَارِ، فَآمَنَهُ، فَسَكَنَ بِالرَّقَّةِ خَامِلاً. قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ مَرْوَانُ عَظِيْمَ المُرُوْءةِ، مُحِبّاً لِلَّهْوِ، غَيْرَ أَنَّهُ شُغِلَ بِالحَرْبِ، وَكَانَ يُحِبُّ الحَرَكَةَ وَالسَّفَرَ.   (1) مرج عذراء: يقع في شمال شرقي دمشق. يبعد عنها عشرين ميلا تقريبا. وبها قبر الصحابي حجر بن عدي الكندي، وأصحابه الذين قتلهم معاوية. وفيها الآن مصنع للسكر. (2) وهو المكان الذي يسمى اليوم " الميدان الفوقاني " جنوب دمشق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 قَالَ الوَزِيْرُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: قَالَ لِي المَنْصُوْرُ: مَا كَانَ أَشْيَاخُكَ الشَّامِيُّوْنَ يَقُوْلُوْنَ؟ قُلْتُ: أَدْرَكتُهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ الخَلِيْفَةَ إِذَا اسْتُخلِفَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوْبِهِ. فَقَالَ: إِيْ وَاللهِ، وَمَا تَأَخَّرَ (1) ، أَتَدْرِي مَا الخَلِيْفَةُ؟ بِهِ تُقَامُ الصَّلاَةُ، وَالحجُّ، وَالجِهَادُ، وَيُجَاهَدُ العَدُوُّ ... قَالَ: فَعدَّدَ مِنْ مَنَاقِبِ الخَلِيْفَةِ مَا لَمْ أَسْمَعْ أَحَداً ذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: وَاللهِ (2) لَوْ عَرَفْتُ مِنْ حَقِّ الخِلاَفَةِ فِي دَهْرِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا أَعْرِفُ اليَوْمَ، لأَتَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُم، فَبَايعتُهُ. فَقَالَ ابْنُهُ: أَفَكَانَ الوَلِيْدُ مِنْهُم؟ فَقَالَ: قبَّحَ اللهُ الوَلِيْدَ، وَمَنْ أَقعدَهُ خَلِيْفَةً! قَالَ: أَفَكَانَ مَرْوَانُ مِنْهُم؟ فَقَالَ: للهِ دَرُّهُ، مَا كَانَ أَحزمَهُ وَأَسوسَهُ، وَأَعفَّهُ عَنِ الفَيْءِ! قَالَ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوْهُ؟ قَالَ: لِلأَمرِ الَّذِي سَبقَ فِي عِلْمِ اللهِ -تَعَالَى-. قَالَ خَلِيْفَةُ (3) : سَارَ مَرْوَانُ لِحربِ المُسَوِّدَةِ (4) فِي مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، حَتَّى نَزَلَ بِقُربِ المَوْصِلِ، فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ عَمُّ المَنْصُوْرِ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَانْكَسَرَ جَمْعُ مَرْوَانَ، وَفَرَّ، فَاسْتَوْلَى عَبْدُ اللهِ عَلَى الجَزِيْرَةِ، ثُمَّ طَلبَ الشَّامَ، فَفرَّ مَرْوَانُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِأَخذِ دِمَشْقَ، سَارَ إِلَى مِصْرَ، وَطَلبَ الصَّعِيْدَ، ثُمَّ أَدْرَكُوْهُ وَبَيَّتُوهُ بِبُوْصِيْرَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، قُتِلَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَانتَهَتْ خِلاَفَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَبُوْيِعَ السَّفَّاحُ قَبْلَ مَقْتَلِ مَرْوَانَ الحِمَارِ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَمِنْ جَبَروتِ مَرْوَانَ: أَنَّ يَزِيْدَ بنَ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيَّ الأَمِيْرَ كَانَ قَدْ   (1) غفران ما سلف من الذنوب لا يكون بالاستخلاف، وإنما يكون بالتوبة والانابة، والعمل الصالح، ومتابعة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما غفران ما تأخر منها فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى النص. (2) تاريخ الإسلام 5 / 299، والزيادة منه. (3) تاريخ خليفة 403 - 404. (4) هم العباسيون، وكان شعارهم السواد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 قَاتَلَهُ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ، فَأُدخِلَ عَلَيْهِ يَوْماً، فَاسْتَدْنَاهُ، وَلفَّ عَلَى إِصْبعِهِ مِندِيلاً، وَرصَّ عَيْنَهُ حَتَّى سَالتْ، ثُمَّ فَعَلَ كَذَلِكَ بِعَيْنِهِ الأُخْرَى، وَمَا نَطقَ يَزِيْدُ، بَلْ صَبَرَ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّ مَرْوَانَ الحِمَارَ كُرْدِيَّةٌ، يُقَالَ لَهَا: لُبَابَةُ جَارِيَةُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، أَخَذَهَا مُحَمَّدٌ مِنْ عَسْكَرِ إِبْرَاهِيْمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ: مَرْوَانَ، وَمَنْصُوْراً، وَعَبْدَ اللهِ. وَلَمَّا قُتِلَ مَرْوَانُ، هَرَبَ ابْنَاهُ عَبْدُ اللهِ وَعُبَيْدُ اللهِ إِلَى الحَبَشَةِ، فَقَتَلَتِ الحَبَشَةُ عُبَيْدَ اللهِ، وَهَرَبَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ظَفِرَ بِهِ المَنْصُوْرُ، فَاعْتَقَلَهُ. 18 - السَّفَّاحُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، أَوَّلُ الخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ. كَانَ شَابّاً، مَلِيْحاً، مَهِيْباً، أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، وَقُوْراً. هَربَ السَّفَّاحُ وَأَهْلُه مِنْ جَيْشِ مَرْوَانَ الحِمَارِ، وَأَتَوُا الكُوْفَةَ لَمَّا اسْتفحَلَ لَهُمُ الأَمْرُ بِخُرَاسَانَ. ثُمَّ بُوْيِعَ فِي ثَالِثِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ جَهَّزَ عَمَّهُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ فِي الجَيْشِ، فَالْتَقَى هُوَ وَمَرْوَانُ الحِمَارُ عَلَى كُشَافٍ، فَكَانَتْ وَقْعَةً عَظِيْمَةً، ثُمَّ تَفلَّلَ جَمْعُ مَرْوَانَ، وَانطوَتْ سَعَادتُهُ. وَلكن لَمْ تَطُلْ أَيَّامُ السَّفَّاحِ، وَمَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فِي قَوْلٍ.   (*) تاريخ خليفة 409، 415، الطبري 7 / 421 وما بعدها، تاريخ بغداد 10 / 53، ابن الأثير 5 / 408، فوات الوفيات 2 / 215 - 216، البداية 10 / 52 و58، شذرات الذهب 1 / 183، 195. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ الكَلْبِيِّ: عَاشَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَقَامَ بَعْدَهُ المَنْصُوْرُ أَخُوْهُ. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُه سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: خَرَجَ آلُ العَبَّاسِ هَارِبِيْنَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَنَزَلُوا عَلَى أَبِي سَلَمَةَ الخَلاَّلِ، فَآوَاهُم فِي سربٍ (1) فِي دَارِهِ. وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ قَدِ اسْتَولَى عَلَى خُرَاسَانَ، وَعَيَّنَ لَهُم يَوْماً يَخْرُجُوْنَ فِيْهِ، فَخَرَجُوا فِي جَمْعٍ كَثِيفٍ مِنَ الخَيَّالَةِ، وَالحَمَّارَةِ، وَالرَّجَّالَةِ، فَنَزَلَ الخَلاَّلُ إِلَى السِّردَابِ، وَصَاحَ: يَا عَبْدَ اللهِ، مُدَّ يَدَكَ. فَتَبَارَى إِلَيْهِ الأَخوَانِ، فَقَالَ: أَيُّكمَا الَّذِي مَعَهُ العَلاَمَةُ؟ قَالَ المَنْصُوْرُ: فَعَلِمتُ أَنِّي أُخِّرتُ لأَنِّي لَمْ يَكُنْ مَعِي عَلاَمَةٌ. فَتَلاَ أَخِي العَلاَمَةَ، وَهِيَ: {وَنُرِيْدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِيْنَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُم أَئِمَّةً ... } الآيَة، [القَصَصُ: 5] . فَبَايَعَه أَبُو سَلَمَةَ، وَخَرَجُوا جَمِيْعاً إِلَى جَامِعِ الكُوْفَةِ، فَبُوْيِعَ، وَخَطَبَ فِي النَّاسِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: فَأَمْلَى اللهُ لِبَنِي أُمَيَّةَ حِيْناً، فَلَمَّا آسَفُوْهُ، انْتقمَ مِنْهُم بِأَيْدِيْنَا، وَرَدَّ عَلَيْنَا حقَّنَا، فَأَنَا السَّفَّاحُ المُبِيْحُ، وَالثَّائِرُ المُبِيْرُ. وَكَانَ مَوْعُوْكاً، فَجَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنهضَ عَمُّه دَاوُدُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا -وَاللهِ- مَا خَرَجْنَا لِنحفِرَ نَهْراً، وَلاَ لِنَبنِيَ قَصراً، وَلاَ لِنكثِرَ مَالاً، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا أَنفَةً مِنِ ابْتزَازِهم حقَّنَا، وَلَقَدْ كَانَتْ أُمُوْرُكُم تَتَّصلُ بِنَا، لَكُم ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُوْلِه، وَذِمَّةُ العَبَّاسِ، أَنْ نَحكُمَ فِيْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَنَسِيْرَ فِيْكُم بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الأَمْرَ فِيْنَا لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنَّا، حَتَّى نُسلِمَهُ إِلَى عِيْسَى بنِ مَرْيَمَ (2) . فَقَامَ السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ، وَقَالَ قَصِيدَةً. ثُمَّ نَزَلَ السَّفَّاحُ، وَدَخَلَ القَصرَ، وَأَجلسَ أَخَاهُ يَأْخُذُ بَيْعَةَ العَامَّةِ. وَمِنْ كَلاَمِهِ: مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ، وَمَنْ لاَنَ تَألَّفَ. وَيُقَالُ: لَهُ هَذَانِ البَيْتَانِ:   (1) السرب: حفير تحت الأرض لا منفذ له. (2) اختصر المؤلف خطبة السفاح وعمه. انظرهما بتمامهما في الطبري 7 / 421، 428، ابن الأثير 5 / 411، 415. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 يَا آلَ مَرْوَانَ! إِنَّ اللهَ مُهْلِكُكُمْ ... وَمُبْدِلٌ أَمْنَكُمْ خَوْفاً وَتَشْرِيْدَا لاَ عَمَّرَ اللهُ مِنْ أَنْسَالِكُم أَحَداً ... وَبَثَّكُمْ فِي بِلاَدِ اللهِ تَبدِيْدَا ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الأَنْبَارِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ. وَكَانَ إِذَا عَلِمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَعَادِياً (1) ، لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ ذَا عَلَى ذَا، يَقُوْلُ: العَدَاوَةُ تُزِيلُ العَدَالَةَ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ جَهَّزَ مَنْ قَتَلَ أَبَا سَلَمَةَ الخَلاَّلَ الوَزِيْرَ بَعْدَ العَتَمَةِ غِيلَةً، بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنَ السَّمَرِ عِنْدَ السَّفَّاحِ، فَقَالَتِ العَامَّةُ: قَتلَتْهُ الخَوَارِجُ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُهَاجِرٍ البَجَلِيُّ: إِنَّ المَسَاءَةَ قَدْ تَسُرُّ وَرُبَّمَا ... كَانَ السُّرُوْرُ بِمَا كَرِهْتَ جَدِيْرَا إِنَّ الوَزِيْرَ وَزِيْرَ آلِ مُحَمَّدٍ ... أَوْدَى، فَمَنْ يَشْنَاكَ كَانَ وَزِيْرَا قُتلَ بَعْدَ البَيْعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَقِيْلَ: وَجَّهَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ عَمُّ السَّفَّاحِ مَشْيَخَةَ شَامِيِّينَ إِلَى السَّفَّاحِ؛ لِيُعَجِّبَهُ مِنْهُم، فَحَلفُوا لَهُ: إِنَّهُم مَا عَلِمُوا لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَابَةً يَرِثُوْنَهُ سِوَى بَنِي أُمَيَّةَ، حَتَّى وُلِّيتُم. وَعَنِ السَّفَّاحِ، قَالَ: إِذَا عَظمتِ القُدْرَةُ، قلَّتِ الشَّهْوَةُ، قَلَّ تَبرُّعٌ إِلاَّ وَمَعَهُ حَقٌّ مُضَاعٌ، الصَّبْرُ حَسَنٌ إِلاَّ عَلَى مَا أَوْتَغَ (2) الدِّيْنَ، وَأَوْهَنَ السُّلْطَانَ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَحضرَ السَّفَّاحُ جَوْهَراً مِنْ جَوَاهِرِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقسمَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ. وَكَانَ يُضرَبُ بِجُوْدِ السَّفَّاحِ المَثَلُ. وَكَانَ إِذَا تَعَادَى اثْنَانِ مِنْ خَاصَّتِهِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، وَيَقُوْلُ: الضَّغَائِنُ تُولِّدُ العَدَاوَةَ.   (1) في الأصل " معاديا ". (2) أوتغ: أفسد وأهلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 وَكَانَ يَحضرُ الغنَاءَ مِنْ وَرَاءِ سِتَارَةٍ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَزْدَشِيْرُ، وَيُجزِلُ العَطَاءَ. وَلَمَّا جِيْءَ بِرَأْسِ مَرْوَانَ الحِمَارِ، سَجَدَ للهِ، وَقَالَ: أَخَذْنَا بِثأْرِ الحُسَيْنِ وَآلِهِ، وَقَتَلنَا مائَتَيْنِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بِهِم. وَقِيْلَ: إِنَّ السَّفَّاحَ أَعْطَى عَبْدَ اللهِ بنَ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ. 19 - عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَالِكٍ أَبُو سَعِيْدٍ الجَزَرِيُّ الحَرَّانِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، عَالِمُ الجَزِيْرَةِ، أَبُو سَعِيْدٍ الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَصلُهُ مِنْ بَلَدِ إِصْطَخْرَ. رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَطَاوُوْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ، وَمَعْمَرٌ، وَفُرَاتٌ القَزَّازُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ سِوَاهُم. رَوَينَا مِنْ طَرِيْقِ: الشَّافِعِيِّ، وَالقَعْنَبِيِّ، وَأَبِي مُصْعَبٍ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ حَدِيْثَ: (   (*) طبقات خليفة: 319، تاريخ البخاري 6 / 88، التاريخ الصغير: 2 / 6، الجرح والتعديل 6 / 58 - 59 المجروحين والضعفاء 2 / 145، تهذيب الكمال (852) ، تذكرة الحفاظ 1 / 140، تهذيب التهذيب 6 / 373 - 375، شذرات الذهب 1 / 173. خلاصة تذهيب الكمال 242. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 أتُؤْذِيْكَ هَوَامُّكَ (1) ؟) فِي الفِدْيَةِ. ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: غَلِطَ مَالِكٌ فِيْهِ، الحُفَّاظُ حَفِظُوهُ عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ - بِإِثبَاتِ مُجَاهِدٍ -: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، وَسَمَاعُ هَؤُلاَءِ مِنْهُ قَدِيْمٌ. وَأَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ مُتَّصِلاً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ: عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ هُوَ ابْنُ عَمِّ خُصَيْفٍ لَحَّا (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَبْدُ الكَرِيْمِ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. هَكَذَا رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْهُ. قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: حَدِيْثُهُ فِي تَفْسِيْرِ: اقْرَأْ، وَفِي النِّسَاءِ، وَالحَجِّ (3) . قَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ: هُوَ ثَبتٌ عِنْدَ العَارِفِيْنَ بِالنَّقلِ، وَهُوَ خِضْرِمِيٌّ، نَزَلَ حَرَّانَ. وَخِضْرِمَةُ: قَرْيَةٌ بِاليَمَامَةِ، يُنسبُوْنَ إِلَيْهَا. الحُمَيْدِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَالِكٍ، وَكَانَ حَافِظاً،   (1) أخرجه البخاري 4 / 10 و11 و12 في الحج: باب قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) وباب قوله تعالى: (أو صدقة) ، وباب الاطعام في الفدية نصف صاع. وباب النسك شاة. وفي المغازي: باب غزوة الحديبى، وفي التفسير: باب فمن كان منكم مريضا، وفي المرضى: باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع، وفي الطب: باب الحلق من الأذى، وفي الايمان والنذور، باب كفارات الايمان. ومسلم (1201) في الحج: باب جواز حلق الرأس للمحرم، والموطأ 1 / 471 في الحج: باب فدية من حلق قبل أن ينحر وأبو داود (1856) و (1857) و (1858) و (1859) و (1860) و (1861) والترمذي رقم (953) والنسائي 5 / 194، 195 وأخرجه أيضا ابن ماجه رقم (3079) . (2) يقال: هو ابن عمي لحا، إذا كان لازقا في النسب. (3) أي في صحيح البخاري انظر الحديث رقم (4595) و (4958) و (3954) . سير 6 / 6 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ، لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ: سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَرَأَيْتُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الكَرِيْمِ: ثِقَةٌ، هُوَ أَثْبَتُ مِنْ خُصَيْفٍ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى، وَسُئِلَ عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الآخرُ لَيْسَ بِشَيْءٍ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي المُخَارِقِ، أَبَا أُمَيَّةَ البَصْرِيَّ-. قَالَ الفَسَوِيُّ: قَدْ رَوَى مَالِكٌ - وَكَانَ يَنتقِي الرِّجَالَ - عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَدِيْثُ عَبْدِ الكَرِيْمِ عَنْ عَطَاءٍ رَدِيْءٌ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ الحَدِيْثُ الَّذِي رَوَاهُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقَبِّلُهَا، وَلاَ يَتَوَضَّأُ (1) .   (1) أخرجه البزار في مسنده. حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثنا أبي، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ... " قال الزيلعي في " نصب الراية " 1 / 74 وعبد الكريم روى عنه مالك في الموطأ، وأخرج له الشيخان وغيرهما. ووثقه ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن أعين مشهور، وثقة أبو زرعة، وأبو حاتم، وأخرج له مسلم، وأبوه مشهور روى له البخاري وإسماعيل، روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الاسفراييني وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في الدراية ص 20: رجاله ثقات. وقال عبد الحق الاشبيلي: لا أعلم له علة توجب تركه. ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء، حديث ردئ لأنه غير محفوظ، وانفراد الثقة بالحديث لا يضره. وأخرج الحديث أبو داود (179) والترمذي (86) وابن ماجه (502) ، وأحمد 6 / 210، والطبري (9630) وغيرهم من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال عروة: من هي إلا أنت؟ فضحكت. ورجاله ثقات، وقد تابع حبيب بن أبي ثابت هشام بن عروة عند الدارقطني 1 / 50 فالحديث صحيح. وإلى هذا الحديث ذهب قوم فقالوا: لا ينتقض الوضوء بلمس المرأة. يروى ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي. والمعني بقوله تعالى: (أولا مستم النساء) الجماع دون غيره من معاني اللمس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 قُلْتُ: هَذَا غَرِيْبٌ، فَرْدٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوْظٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ، فَأَحَادِيْثُه مُسْتقِيْمَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: لَزمتُ عَبْدَ الكَرِيْمِ سَنَةً. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي عَلِيٌّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ. وَيُقَالُ: أَصلُهُ مِنْ إِصْطَخْرَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ ثِقَةٌ، رَضِيٌّ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ثَبْتٌ، ثَبْتٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَتوقَّفُ فِيْهِ. أَمَّا: 19 - أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي المُخَارِقِ * (ت، س، ق، م) فَضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، مُؤَدِّبٌ. يَرْوِي عَنْ: أَنَسٍ، وَعَنْ: مُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. وَعَنْهُ أَيْضاً: مَالِكٌ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. وَكَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ، مَعَ تَعَبُّدٍ وَخُشُوْعٍ. يُقَالُ: اسْمُ أَبِيْهِ قَيْسٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: ضَربتُ عَلَى حَدِيْثِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: اغْترَّ مَالِكٌ بِبُكَائِهِ فِي المَسْجِدِ، وَرَوَى عَنْهُ فِي الفَضَائِلِ. قُلْتُ: اشْتركَ هُوَ وَالجَزَرِيُّ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ: ابْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالحَسَنِ، وَفِي مَوْتِهمَا: تُوُفِّيَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْهُمَا، فَرُبَّمَا اشْتَبهَا فِي بَعْضِ الأَسَانِيْدِ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 89، التاريخ الصغير 2 / 7، الجرح والتعديل 6 / 59، تهذيب الكمال: 850، تذهيب التهذيب 3 / 247، ميزان الاعتدال 2 / 646، تهذيب التهذيب 6 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 242. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 20 - كُرْزٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ وَبَرَةَ الحَارِثِيُّ الكُوْفِيُّ * الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ كُرْزُ بنُ وَبَرَةَ الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ جُرْجَانَ، وَكَبِيْرُهَا، فَإِنَّهُ دَخَلَهَا غَازِياً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، مَعَ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ، فَاتَّخَذَ كُرْزٌ بِهَا مَسْجِداً بِقُربِ قَبْرِهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، وَنُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَطَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَيْبَةَ عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ الوَصَّافِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُخْتَارٌ التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ الحَارِثِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ يَسْكُنُ جُرْجَانَ، لَهُ الصِّيْتُ البَلِيْغُ فِي النُّسُكِ وَالتَّعَبُّدِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِي، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى كُرْزٍ بَيْتَهُ، فَإِذَا عِنْدَ مُصَلاَّهُ حُفَيرَةٌ قَدْ مَلأَهَا تِبناً، وَبَسطَ عَلَيْهَا كِسَاءً مِنْ طُوْلِ القِيَامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ القُرْآنَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (1) .   (*) حلية الأولياء 5 / 79 - 83. (1) خير الهدي في هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يأذن بقراءة القرآن بأقل من ثلاث، كما في " الصحيحين " من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وأخرج أبو داود في سننه (1394) والترمذي (2950) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ". وإسناده صحيح. وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال عبد الله بن مسعود فيما أخرجه سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح: اقرؤوا القرآن في سبع، ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ أَبُو عُثْمَانَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: سَأَلَ كُرْزٌ رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ، عَلَى أَلاَ يَسْأَلَ بِهِ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَأُعْطِيَ، فَسَأَلَ أَنْ يُقَوَّى حَتَّى يَخْتِمَ القُرْآنَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ - أَوْ عَنْ نَفْسِهِ - قَالَ: كَانَ كُرْزٌ إِذَا خَرَجَ، أَمرَ بِالمَعْرُوْفِ، فَيَضرِبُوْنَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ. وَرَوَى: ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمْ يَرْفَعْ كُرْزٌ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ لَهُ عُوْدٌ عِنْدَ المِحْرَابِ، يَعتمدُ عَلَيْهِ إِذَا نَعِسَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي جَرِيْرُ بنُ زِيَادِ بنِ كُرْزٍ الحَارِثِيُّ، عَنْ شُجَاعِ بنِ صَبِيْحٍ مَوْلَى كُرْزِ بنِ وَبَرَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ المُكْتِبُ، قَالَ: صَحِبتُ كُرْزاً إِلَى مَكَّةَ، فَاحْتبسَ يَوْماً وَقْتَ الرَّحِيْلِ، فَانبثُّوا فِي طَلبِهِ، فَأَصبتُهُ فِي وَهْدَةٍ يُصَلِّي فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ، وَإِذَا سَحَابَةٌ تُظِلُّهُ، فَقَالَ لِي: اكْتُم هَذَا، وَاسْتَحْلَفَنِي. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنِي جَرِيْرٌ، عَنِ النَّضْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَتْنِي رَوْضَةُ مَوْلاَةُ كُرْزٍ: قُلْتُ: مَنْ أَيْنَ يُنْفِقُ كُرْزٌ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُوْلُ لِي: يَا رَوْضَةُ! إِذَا أَرَدْتِ شَيْئاً فَخُذِي مِنْ هَذِهِ الكُوَةِ. فَكُنْتُ آخُذُ كُلَّمَا أَرَدْتُ. وَأَنْشَدَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَوْ شِئْتَ كُنْتَ كَكُرْزٍ فِي تَعَبُّدِهِ ... أَوْ كَابْنِ طَارِقٍ حَوْلَ البَيْتِ فِي الحَرَمِ قَدْ حَالَ دُوْنَ لَذِيْذِ العَيْشِ خَوْفُهُمَا ... وَسَارَعَا فِي طِلاَبِ الفَوْزِ وَالكَرَمِ عَنْ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ: كَانَ كُرْزٌ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَيَحفِرُ الحُفَيرَةَ -يَعْنِي: تَحْتَ رِجْلَيْهِ-. وَقِيْلَ: كَانَ كُرْزٌ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلاَّ ابْتنَى فِيْهِ مَسْجِداً، فَيُصَلِّي فِيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ السَّائِحِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: كَانَ كُرْزُ بنُ وَبَرَةَ مِنْ أَعَبْدِ النَّاسِ، وَكَانَ قَدِ امْتنعَ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى لَمْ يُوْجَدْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ إِلاَّ بِقَدرِ مَا يُوْجَدُ عَلَى العُصْفُوْرِ، وَكَانَ يَطْوِي أَيَّاماً كَثِيْرَةً، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ لاَ يَرْفَعُ طَرْفَهُ يَمِيْناً وَلاَ شِمَالاً، وَكَانَ مِنَ المُحِبِّيْنَ المُخْبِتِيْنَ للهِ، قَدْ وَلِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَرُبَّمَا كُلِّمَ فَيُجِيْبُ بَعْد مُدَّةٍ مِنْ شِدَّةِ تَعلُّقِ قَلْبِهِ بِاللهِ، وَاشْتِيَاقِهِ إِلَيْهِ. ابْنُ يَمَانٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ كُرْزٍ، قَالَ: لاَ يَكُوْنَ العَبْدُ قَارِئاً، حَتَّى يَزْهَدَ فِي الدِّرْهَمِ. وَعَنْ عَمْرِو بنِ حُمَيْدٍ الدِّيْنَوَرِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ جُرْجَانَ، عَنْ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي أَتَيْتُ عَلَى قُبُوْرِ أَهْلِ جُرْجَانَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوْسٌ عَلَى قُبُوْرِهم، عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، فَقُلْتُ: يَا أَهْلَ القُبُوْرِ! مَا لَكُم؟ قَالُوا: إِنَّا كُسِينَا ثِيَاباً جُدداً؛ لِقُدُوْمِ كُرْزِ بنِ وَبَرَةَ عَلَيْنَا. قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ زُهَّادُ السَّلَفِ وَعُبَّادُهُم، أَصْحَابَ خَوْفٍ، وَخُشُوْعٍ، وَتعَبُّدٍ، وَقُنوعٍ، وَلاَ يَدْخُلُوْنَ فِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَلاَ فِي عِبَارَاتٍ أَحْدَثهَا المُتَأَخِّرُوْنَ مِنَ الفَنَاءِ، وَالمَحْوِ، وَالاَصْطِلاَمِ، وَالاَتِّحَادِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُسَوِّغُهُ كِبَارُ العُلَمَاءِ - فَنسَألُ اللهَ التَّوفِيْقَ، وَالإِخْلاَصَ، وَلُزومَ الاَتِّبَاعِ. 21 - عَطَاءٌ السَّلِيْمِيُّ البَصْرِيُّ * العَابِدُ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. أَدْرَكَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. وَسَمِعَ مِنَ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ غَالِبٍ الزَّاهِدِ. وَاشْتَغَل بِنَفْسِهِ عَنِ الرِّوَايَةِ. رَوَى عَنْهُ: مُرَجَّى بنُ وَدَاعٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَخُلَيْدُ بنُ دَعْلَجَ، وَصَالِحٌ   (*) تاريخ البخاري 3 / 475، حلية الأولياء 6 / 215 - 226، تبصير المنتبه 2 / 746. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 المُرِّيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ حِكَايَاتٍ، وَمَا أَظُنُّه رَوَى شَيْئاً مُسْنَداً. وَكَانَ قَدْ أَرعبَهُ فَرطُ الخَوْفِ مِنَ اللهِ. رَوَى: جَمَاعَةٌ، عَنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ السَّلِيْمِيِّ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَاراً أُشْعِلَتْ، ثُمَّ قِيْلَ: مَنِ اقْتَحَمهَا نَجَا، تَرَى كَانَ يَدْخُلُهَا أَحَدٌ؟! قَالَ: لَوْ قِيْلَ ذَلِكَ، لَخشِيْتُ أَنْ تَخْرُجَ نَفْسِي فَرحاً قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَيْهَا. قَالَ نُعَيْمُ بنُ مُوَرِّعٍ: أَتَيْنَا عَطَاءً السَّلِيْمِيَّ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: لَيْتَ عَطَاءً لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ. وَكرَّرَ ذَلِكَ حَتَّى اصْفرَّتِ الشَّمْسُ. وَكَانَ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارحمْ غُربتِي فِي الدُّنْيَا، وَارحمْ مَصْرَعِي عِنْدَ المَوْتِ، وَارحمْ قِيَامِي بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ، قَالَ: تَرَكتُ عَطَاءً السَّلِيْمِيَّ، فَمَكَثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً عَلَى فِرَاشِهِ لاَ يَقُوْمُ مِنَ الخَوْفِ، وَلاَ يَخْرُجُ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ عَلَى فِرَاشِهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: اشْتَدَّ خَوْفُهُ، فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ الجَنَّةَ، بَلْ يَسْأَلُ العَفْوَ. وَيُقَالُ: نَسِيَ عَطَاءٌ القُرْآنَ مِنَ الخَوْفِ. وَيقُوْلُ: الْتَمِسُوا لِي أَحَادِيْثَ الرُّخَصِ، لِيخِفَّ مَا بِي. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا بَكَى بَكَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيْهَا. قَالَ صَالِحٌ المُرِّيُّ: قُلْتُ لَهُ: يَا شَيْخُ! قَدْ خَدَعَك إِبْلِيْسُ، فَلَوْ شَربتَ مَا تَقْوَى بِهِ عَلَى صَلاَتِكَ وَوُضُوئِكَ؟ فَأَعْطَانِي ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: تَعَاهدنِي كُلَّ يَوْمٍ بِشربَةِ سَوِيْقٍ. فَشَرِبَ يَوْمَيْنِ، وَتَركَ، وَقَالَ: يَا صَالِحُ! إِذَا ذَكرتُ جَهَنَّمَ مَا يَسعُنِي طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ بَكَى حَتَّى عَمِشَ، وَرُبَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ المَوْعِظَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 وَقِيْلَ: إِنَّهُ شَيَّعَ جِنَازَةً، فَغُشِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَعَنْ خُلَيْدِ بنِ دَعْلَجَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَطَاءٍ السَّلِيْمِيِّ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَلِيٍّ قَتَلَ أَرْبَعَ مائَةٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ مُتَنَفِّساً: هَاه، ثُمَّ خَرَّ مَيِّتاً. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا جَاءَ بَرْقٌ، وَرِيْحٌ، وَرَعدٌ، قَالَ: هَذَا مِنْ أَجَلِي يُصِيْبُكُم، لَوْ مِتُّ، اسْترَاحَ النَّاسُ. وَلِعَطَاءٍ حِكَايَاتٌ فِي الخَوْفِ وَإِزْرَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. 22 - زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ أَبُو أُسَامَةَ الجَزَرِيُّ (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو أُسَامَةَ الجَزَرِيُّ، الرُّهَاوِيُّ، الغَنَوِيُّ، مَوْلَى آلِ غَنِيِّ بنِ أَعْصُرَ. كَانَ عَالِمَ الجَزِيْرَةِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ شُعْبَةَ وَمَالِكٍ، لَكِنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ. تُوُفِّيَ: كَهْلاً، فِي أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَنُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، حَتَّى إِنَّهُ يَرْوِي عَنِ أَصحَابِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَنِيْفَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَمَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحِيْمِ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 481، طبقات خليفة: 319، التاريخ الكبير للبخاري 3 / 388، التاريخ الصغير: 1 / 321، الجرح والتعديل: 3 / 556، تهذيب الكمال (449) تذكرة الحفاظ 1 / 139، تهذيب التهذيب 3 / 397، 398، خلاصة تذهيب الكمال 127. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، فَقِيْهاً، رَاويَةً لِلْعِلْمِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: كَانَ يَسْكُنُ مَدِيْنَة الرُّهَا، وَقَعَ لِي جُزءٌ مِنْ حَدِيْثِهِ. قِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَبلُغِ الأَرْبَعِيْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِي (تَارِيْخِ البُخَارِيِّ) : إِنَّهُ عَاشَ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. 23 - رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوْخٍ التَّيْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، وَعَالِمُ الوَقْتِ، أَبُو عُثْمَانَ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم، المَشْهُوْرُ بِرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، مِنْ مَوَالِي آلِ المُنْكَدِرِ. رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالحَارِثِ بنِ بِلاَلِ بنِ الحَارِثِ، وَيَزِيْدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ سَعِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعُقَيْلُ بنُ   (*) طبقات خليفة: 268، تاريخ البخاري 2 / 286، تاريخ بغداد 8 / 420، ثقات ابن حبان 3 / 65، صفوة الصفوة 2 / 83، وفيات الأعيان 2 / 288، 290، تهذيب الكمال (409) ، تذكرة الحفاظ 1 / 157، ميزان الاعتدال 2 / 44، العبر 1 / 183، تهذيب التهذيب 2 / 258، خلاصة تذهيب الكمال 116، شذرات الذهب 1 / 194. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 خَالِدٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمَالِكٌ - وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ - وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمِسْعَرٌ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَنَافِعٌ القَارِئُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: بَكَى رَبِيْعَةُ يَوْماً. فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: رِيَاءٌ حَاضِرٌ، وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ، وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِم كَصِبْيَانٍ فِي حُجُوْرِ أُمَّهَاتِهم، إِنْ أَمرُوهم ائْتَمرُوا، وَإِنْ نَهوهُم انْتَهَوْا؟! وَرَوَى: ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، عَنْ رَجَاءِ بنِ جَمِيْلٍ، قَالَ: قَالَ رَبِيْعَةُ: رَأَيْتُ الرَّأيَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ تَبِعَةِ الحَدِيْثِ. قَالَ الأُوَيْسِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَبِيْعَةُ يَقُوْلُ لابْنِ شِهَابٍ: إِنَّ حَالِي لَيْسَتْ تُشبِهُ حَالَكَ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: أَنَا أَقُوْلُ بِرَأْيٍ، مَنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَنْتَ تُحدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُحْفَظُ. قَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: وَقفَ رَبِيْعَةُ عَلَى قَوْمٍ يَتذَاكَرُوْنَ القَدَرَ، فَقَالَ مَا مَعنَاهُ: إِنْ كُنْتُم صَادِقِيْنَ، فَلَمَا فِي أَيْدِيكُم أَعْظَمُ مِمَّا فِي يَدِي رَبِّكُم، إِنْ كَانَ الخَيْرُ وَالشَّرُّ بِأَيْدِيْكُم. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ رَبِيْعَةُ، وَسُئِلَ: كَيْفَ اسْتوَى؟ فَقَالَ: الكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَعَلَى الرَّسُوْلِ البَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّصْدِيْقُ. وَصَحَّ عَنْ رَبِيْعَةَ، قَالَ: العِلْمُ وَسِيْلَةٌ إِلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: قَدِمَ رَبِيْعَةُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَمرَ لَهُ بِجَارِيَةٍ، فَأَبَى، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَنفقَ رَبِيْعَةُ عَلَى إِخْوَانِهِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 إِخْوَانَهُ فِي إِخْوَانِهِ. النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: كُنَّا إِذَا رَأَينَا طَالباً لِلْحَدِيْثِ يَغْشَى ثَلاَثَةً ضَحِكنَا مِنْهُ: رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَجَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ؛ لأَنَّهم كَانُوا لاَ يُتقنُوْنَ الحَدِيْثَ. رَوَى: مُطَرِّفٌ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ هُرْمُزَ: رَأَيْتُ رَبِيْعَةَ جُلِدَ، وَحُلِقَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: كَانَ سَبَبُهُ سَعَايَةَ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: ذَهَبتْ حَلاَوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيْعَةُ. قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُو الزِّنَادِ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، أَحَدُ مُفْتِي المَدِيْنَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَبِيْعَةُ، وَعُمَرُ مَوْلَى غَفَرَةَ ابْنَا خَالَةٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَكَانَ صَاحِبَ الفَتْوَى بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ وَجُوْهُ النَّاسِ، كَانَ يُحصَى فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُوْنَ مُعْتَمّاً، وَعَنْهُ أَخَذَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ. وَرَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفطنَ مِنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: هُوَ صَاحِبُ مُعْضِلاَتِنَا، وَعَالِمُنَا، وَأَفَضْلُنَا. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: مَكَثَ رَبِيْعَةُ دَهْراً طَوِيْلاً، عَابِداً، يُصَلِّي اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، صَاحِبَ عِبَادَةٍ، ثُمَّ نَزعَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ جَالَسَ القَوْمَ. قَالَ: فَجَالَسَ القَاسِمَ، فَنطقَ بِلُبٍّ وَعَقلٍ. قَالَ: وَكَانَ القَاسِمُ إِذَا سُئِلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 عَنْ شَيْءٍ، قَالَ: سَلُوا هَذَا لِرَبِيْعَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ أَخْبَرَهُم بِهِ القَاسِمُ، أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلاَّ قَالَ: سَلُوا رَبِيْعَةَ، أَوْ سَالِماً. الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُجَالِسُ رَبِيْعَةَ، فَإِذَا غَابَ رَبِيْعَةُ، حَدَّثَهم يَحْيَى أَحْسَنَ الحَدِيْثِ - وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ - فَإِذَا حَضَرَ رَبِيْعَةُ، كفَّ يَحْيَى إِجْلاَلاً لِرَبِيْعَةَ، وَلَيْسَ رَبِيْعَةُ أَسنَّ مِنْهُ، وَهُوَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبجِّلاً لِصَاحِبِهِ. وَرَوَى: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، عَنْ سَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَبِيْعَةَ الرَّأْيِ. قُلْتُ: وَلاَ الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ؟ قَالَ: وَلاَ الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا جِئْتُ العِرَاقَ، جَاءنِي أَهْلُ العِرَاقِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ رَبِيْعَةَ الرَّأْيِ. فَقُلْتُ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ! تَقُوْلُوْنَ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِسُنَّةٍ مِنْهُ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: صَارَ رَبِيْعَةُ إِلَى فِقهٍ وَفَضْلٍ، وَمَا كَانَ بِالمَدِيْنَةِ رَجُلٌ أَسْخَى بِمَا فِي يَدَيْهِ لِصَدِيْقٍ، أَوْ لابْنِ صَدِيْقٍ، أَوْ لِباغٍ يَبتغِيهِ مِنْهُ، كَانَ يَسْتَصْحِبُهُ القَوْمُ، فَيَأْبَى صُحْبَةَ أَحَدٍ، إِلاَّ أَحَداً لاَ يَتزوَّدُ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يَحْمِلُ ذَلِكَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَبِيْعَةُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي العَبَّاسِ، أَمرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ (1) ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يَشْتَرِي بِهَا جَارِيَةً حِيْنَ أَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا.   (1) كذا في الأصل، وفي تهذيب الكمال. وقد تقدمت القصة في الصفحة تسعين بلفظ " بجارية " وهو الصواب، وسياق القصة يدل عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ، قَالَ: قَالَ لِي حِيْنَ أَرَادَ العِرَاقَ: إِنْ سَمِعْتَ أَنِّي حَدَّثْتُهم، أَوْ أَفْتَيْتُهم، فَلاَ تَعُدَّنِي شَيْئاً. قَالَ: فَكَانَ كَمَا قَالَ، لَمَّا قَدِمهَا لَزمَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِم، وَلَمْ يُحَدِّثْهُم بِشَيْءٍ حَتَّى رَجَعَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَبِيْعَةُ جَالِسٌ، وَقَدْ أَحَدقَ بِهِ غِلمَانُ أَهْلِ الرَّأْيِ، فَسَألتُهُ: أَسَمِعْتَ مِنْ أَنَسٍ شَيْئاً؟ قَالَ: حَدِيْثَيْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ رَبِيْعَةُ فَقِيْهاً، عَالِماً، حَافِظاً لِلْفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، قَدِمَ عَلَى السَّفَّاحِ الأَنْبَارَ، وَكَانَ أَقدَمَهُ لِيُولِّيَهُ القَضَاءَ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِالأَنْبَارِ. وَيُقَالُ: بَلْ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ، فِيْمَا أَخْبَرَنِي بِهِ الوَاقِدِيُّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ بِالأَنْبَارِ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَهُ لِمَوْضِعِ الرَّأيِ. وَكَذَا أَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: ذَهَبتْ حَلاَوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيْعَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ذِكْرُ حِكَايَةٍ بَاطِلَةٍ قَدْ رُوِيَتْ: فَأَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ المَالِكِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنِي مَشْيَخَةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ: أَنَّ فَرُّوْخَ وَالِدَ رَبِيْعَةَ، خَرَجَ فِي البُعوثِ إِلَى خُرَاسَانَ، أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ غَازِياً، وَرَبِيْعَةُ حِملٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَخلَّفَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أُمِّ رَبِيْعَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْد سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ رَاكِبُ فَرسٍ، فِي يَدِهِ رُمْحٌ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، ثُمَّ دَفعَ البَابَ بِرُمْحِهِ، فَخَرَجَ رَبِيْعَةُ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! أَتَهجمُ عَلَى مَنْزِلِي؟ فَقَالَ: لاَ. وَقَالَ فَرُّوْخٌ: يَا عَدُوَّ اللهِ! أَنْتَ رَجُلٌ دَخَلتَ عَلَى حُرمَتِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 فَتَوَاثبَا، وَتَلبَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ الجِيْرَانُ. فَبَلَغَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ وَالمَشْيَخَةَ، فَأَتَوْا يُعِيْنُوْنَ رَبِيْعَةَ، فَجَعَلَ رَبِيْعَةُ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ فَارقتُكَ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَجَعَلَ فَرُّوْخٌ يَقُوْلُ كَذَلِكَ، وَيَقُوْلُ: وَأَنْتَ مَعَ امْرَأَتِي. وَكثُرَ الضَّجِيْجُ، فَلَمَّا أَبصَرُوا بِمَالِكٍ، سَكتَ النَّاسُ كُلُّهُم. فَقَالَ مَالِكٌ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! لَكَ سَعَةٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الدَّارِ. فَقَالَ الشَّيْخُ: هِيَ دَارِي، وَأَنَا فَرُّوْخٌ مَوْلَى بَنِي فُلاَنٍ. فَسَمِعَتِ امْرَأَتُه كَلاَمَهُ، فَخَرَجتْ، فَقَالَتْ: هَذَا زَوْجِي، وَهَذَا ابْنِي الَّذِي خَلَّفتَهُ وَأَنَا حَامِلٌ بِهِ. فَاعْتَنَقَا جَمِيْعاً، وَبَكَيَا. فَدَخَلَ فَرُّوْخٌ المَنْزِلَ، وَقَالَ: هَذَا ابْنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخرِجِي المَالَ الَّذِي عِنْدَكَ، وَهَذِهِ مَعِي أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ. قَالَتْ: المَالُ قَدْ دَفنتُهُ، وَأَنَا أُخْرِجُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ. فَخَرَجَ رَبِيْعَةُ إِلَى المَسْجِدِ، وَجَلَسَ فِي حَلقَتِهِ، وَأَتَاهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَالحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهْبِيُّ، وَالمُسَاحِقِيُّ، وَأَشرَافُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَأَحدَقَ النَّاسُ بِهِ. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اخْرُجْ صَلِّ فِي مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَرَجَ، فَصَلَّى، فَنَظَرَ إِلَى حَلْقَةٍ وَافرَةٍ، فَأَتَاهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَفرَّجُوا لَهُ قَلِيْلاً، وَنكَّسَ رَبِيْعَةُ رَأْسَهُ يُوْهِمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَعَلَيْهِ طَوِيْلَةٌ، فَشكَّ فِيْهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالُوا لَهُ: هَذَا رَبِيْعَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: لَقَدْ رَفعَ اللهُ ابْنِي. فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لِوَالِدتِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ وَلدَكِ فِي حَالَةٍ مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالفِقْهِ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ أُمُّهُ: فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، أَوْ هَذَا الَّذِي هُوَ فِيْهِ مِنَ الجَاهِ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلاَّ هَذَا. قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ أَنفقتُ المَالَ كُلَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا ضَيَّعْتِهِ. قُلْتُ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ، لَكَانَ يَكْفِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ فِي السَّبْعِ وَالعِشْرِيْنَ سَنَةً، بَلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 نِصْفُهَا، فَهَذِهِ مُجَازَفَةٌ بَعِيْدَةٌ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ رَبِيْعَةُ ابْنَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، كَانَ شَابّاً لاَ حَلْقَةَ لَهُ، بَلِ الدَّسْتُ لِمِثلِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَشَايِخِ رَبِيْعَةَ، وَكَانَ مَالِكٌ لَمْ يُوْلَدْ بَعْدُ، أَوْ هُوَ رَضِيعٌ. وَالطَّوِيْلَةُ: إِنَّمَا أَخْرَجَهَا لِلنَّاسِ المَنْصُوْرُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِيْعَةَ، وَالحَسَنُ بنُ زَيْدٍ وَإِنَّمَا كَبِرَ وَاشتهرَ بَعْدَ رَبِيْعَةَ بِدَهْرٍ، وَإِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَلَعَلَّهُ قَدْ جَرَى بَعْضُ ذَلِكَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ اللَّبَّانُ، وَزَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ بِبَغْدَادَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ قَفَرْجَلَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ: أَنَّهُ سَألَ رَافِعَ بنَ خَدِيْجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَقَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؟ قَالَ: أَمَّا الذَّهَبُ وَالوَرِقُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ، أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ (1) . قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: عَنْ مَالِكٍ: قَدِمَ الزُّهْرِيُّ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيْعَةَ، وَدَخَلاَ المَنْزِلَ، فَمَا خَرَجَا إِلَى العَصْرِ. وَخَرَجَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُوْلُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِيْنَةِ مِثْلَ رَبِيْعَةَ. وَخَرَجَ رَبِيْعَةُ وَهُوَ يَقُوْلُ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ يُوْنُسَ: شَهِدْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ فِي   (1) الموطأ 2 / 711 في أول كتاب " كراء الأرض "، ومسلم (1547) (115) في البيوع باب كراء الأرض بالذهب والورق، وأخرجه أبو داود (3393) في البيوع: باب في المزارعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ، مَجهودُهُ أَنْ يَفهمَ مَا يَقُوْلُ رَبِيْعَةُ. مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ ابْنِ أَخِي يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ: أَنَّ رَجُلاً سَألَ ابْنَ هُرْمُزَ عَنْ بَولِ الحِمَارِ، فَقَالَ: نَجِسٌ. قَالَ: فَإِنَّ رَبِيْعَةَ لاَ يَرَى بِهِ بَأْساً. قَالَ: لاَ عَلَيْكَ أَلاَّ تَذْكُرَ هَنَاتِ رَبِيْعَةَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي المَسْأَلَةِ نُخَالفُهُ فِيْهَا، ثُمَّ نَرجِعُ إِلَى قَوْلِه بَعْدَ سَنَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: اعْتَمَمْتُ وَمَا فِي وَجْهِي شَعرَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ بِضْعَةً وَثَلاَثِيْنَ مُعْتَمّاً. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجَشُوْنِ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحوطَ لِسُنَّةٍ مِنْ رَبِيْعَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَبِيْعَةُ أَعجلَ شَيْءٍ جَوَاباً. 24 - أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ المَدِيْنِيُّ المَخْزُوْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ المَدِيْنَةِ النَّبَويَّةِ، أَبُو حَازِمٍ المَدِيْنِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، مَوْلاَهُمُ الأَعْرَجُ، الأَفزرُ (1) ، التَّمَّارُ، القَاصُّ، الزَّاهِدُ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي لَيْثٍ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى عَنْ: سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَعُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُسْلِمِ بنِ قُرْطٍ،   (*) طبقات خليفة: 264، تاريخ البخاري 2 / 78، التاريخ الصغير: 2 / 47، الجرح والتعديل 4 / 159، حلية الأولياء 3 / 229، تهذيب الكمال (524) ، تذكرة الحفاظ 1 / 133، تهذيب التهذيب 4 / 143، تهذيب ابن عساكر 6 / 216، 228، خلاصة تذهيب الكمال 147. (1) الأفزر: هو الأحدب الذي في ظهره عجرة عظيمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَبَعْجَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شِهَابٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَالحَمَّادَانِ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَمَالِكٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَأَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، وَمُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: ثِقَةٌ، لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ. قَالَ يَحْيَى الوُحَاظِيُّ: قُلْتُ لابْنِ أَبِي حَازِمٍ: أَسَمِعَ أَبُوْكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: مَنْ حَدَّثكَ أَنَّ أَبِي سَمِعَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، فَقَدْ كَذَبَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ: إِنِّي لأَعظُ، وَمَا أَرَى مَوْضِعاً، وَمَا أُرِيْدُ إِلاَّ نَفْسِي. وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْهُ، قَالَ: اشْتدَّتْ مُؤنَةُ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا. قِيْلَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: أَمَّا الدِّيْنُ، فَلاَ تَجدُ عَلَيْهِ أَعْوَاناً، وَأَمَّا الدُّنْيَا، فَلاَ تَمدُّ يَدَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلاَّ وَجَدْتَ فَاجراً قَدْ سَبقكَ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْهُ أَيْضاً: لَيْسَ لِلْمُلُوْكِ صَدِيْقٌ، وَلاَ لِلْحَسُودِ رَاحَةٌ، وَالنَّظَرُ فِي العَوَاقبِ تَلقِيحُ العُقُوْلِ. قَالَ سُفْيَانُ: فَذَاكرتُ الزُّهْرِيَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ، فَقَالَ: كَانَ أَبُو حَازِمٍ جَارِي، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُحسِنُ مِثْلَ هَذَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 وَرَوَى: عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لاَ تَكُوْنُ عَالِماً حَتَّى يَكُوْنَ فِيْكَ ثَلاَثُ خِصَالٍ: لاَ تَبغِ عَلَى مَنْ فَوْقَكَ، وَلاَ تَحقِرْ مَنْ دُوْنكَ، وَلاَ تَأخُذْ عَلَى عِلْمِكَ دُنْيَا. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: مَا أَحببتَ أَنْ يَكُوْنَ مَعَكَ فِي الآخِرَةِ، فَاترُكْهُ اليَوْمَ. وَقَالَ: انْظُرْ كُلَّ عَملٍ كَرهتَ المَوْتَ مِنْ أَجْلِهِ، فَاترُكْهُ، ثُمَّ لاَ يَضرُّكَ مَتَى مِتَّ. وَقَالَ: يَسِيْرُ الدُّنْيَا يُشغِلُ عَنْ كَثِيْرِ الآخِرَةِ. وَقَالَ: انْظُرِ الَّذِي يُصلِحُكَ فَاعملْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَسَاداً لِلنَّاسِ، وَانظُرِ الَّذِي يُفسِدُكَ فَدَعْهُ، وَإِنْ كَانَ صَلاَحاً لِلنَّاسِ. وَعَنْهُ، قَالَ: شَيْئَانِ إِذَا عَمِلتَ بِهِمَا، أَصبتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لاَ أُطوِّلُ عَلَيْكَ. قِيْلَ: مَا هُمَا؟ قَالَ: تَحْمِلُ مَا تَكرَهُ إِذَا أَحَبَّهُ اللهُ، وَتتركُ مَا تُحبُّ إِذَا كَرِهَهُ اللهُ. وَعَنْهُ: نِعمَةُ اللهِ فِيْمَا زَوَى عَنِّي مِنَ الدُّنْيَا، أَعْظَمُ مِنْ نِعمَتِهِ فِيْمَا أَعْطَانِي مِنْهَا، لأَنِّي رَأَيْتُهُ أَعْطَاهَا قَوْماً فَهَلكُوا. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ لِجُلسَائِهِ، وَحَلَفَ لَهُم: لَقَدْ رَضِيْتُ مِنْكُم أَنْ يُبقِيَ أَحَدُكُم عَلَى دِيْنِهِ كَمَا يُبْقِي عَلَى نَعْلِهِ. أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُوْلُ: لاَ تُعَادِيَنَّ رَجُلاً، وَلاَ تُنَاصِبنَّهُ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى سَرِيْرتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ، فَإِنْ يَكُنْ لَهُ سَرِيْرَةٌ حَسَنَةٌ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَخذِلَهُ بِعَدَاوتِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ سَرِيْرَةٌ رَدِيئَةٌ، فَقَدْ كَفَاكَ مَسَاوِئَهُ، وَلَوْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، لَمْ تَقْدِرْ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ المَدَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: قُلْتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 لأَبِي حَازِمٍ: إِنِّي لأَجِدُ شَيْئاً يُحزِنُنِي. قَالَ: وَمَا هُوَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قُلْتُ: حُبِّي لِلدُّنْيَا. قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا أُعَاتبُ نَفْسِي عَلَى بَعْضِ شَيْءٍ حَبَّبَهُ اللهُ إِلَيَّ؛ لأَنَّ اللهَ قَدْ حَبَّبَ هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَيْنَا، لِتكُنْ مُعَاتبتُنَا أَنْفُسَنَا فِي غَيْرِ هَذَا، أَلاَّ يَدْعُوْنَا حُبُّهَا إِلَى أَنْ نَأخذَ شَيْئاً مِنْ شَيْءٍ يَكرهُهُ اللهُ، وَلاَ أَنْ نَمنعَ شَيْئاً مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّهُ اللهُ، فَإِذَا فَعَلنَا ذَلِكَ لَمْ يَضرَّنَا حُبُّنَا إِيَّاهَا. ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: عَنْ ثَوَابَةَ بنِ رَافِعٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَمَا إِبْلِيْسُ؟ لَقَدْ عُصِيَ فَمَا ضَرَّ، وَلَقَدْ أُطِيْعَ فَمَا نَفعَ. وَعَنْهُ: مَا الدُّنْيَا؟ مَا مَضَى مِنْهَا، فَحُلُمٌ، وَمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَأَمَانِي. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: السَّيِّئُ الخُلُقِ أَشْقَى النَّاسِ بِهِ نَفْسُهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، هِيَ مِنْهُ فِي بَلاَءٍ، ثُمَّ زَوْجَتُهُ، ثُمَّ وَلَدُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَدخُلُ بَيْتَهُ، وَإِنَّهُم لَفِي سُرُوْرٍ، فَيَسْمَعُوْنَ صَوْتَهُ، فَيَنفِرُوْنَ عَنْهُ فَرَقاً مِنْهُ، وَحَتَّى إِنَّ دَابَّتَهُ تَحِيْدُ مِمَّا يَرمِيهَا بِالحِجَارَةِ، وَإِنَّ كَلْبَهُ لَيَرَاهُ فَيَنْزُو عَلَى الجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ قِطَّهُ لَيَفِرُّ مِنْهُ. رَوَى: أَبُو نُبَاتَةَ المَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ لَمَّا حَضرَهُ المَوْتُ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي بِخَيْرٍ، رَاجِياً للهِ، حَسَنَ الظَنِّ بِهِ، إِنَّهُ -وَاللهِ- مَا يَسْتَوِي مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ يَعْمُرُ عقدَ الآخِرَةِ لِنَفْسِهِ، فَيُقَدِّمهَا أَمَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ المَوْتُ، حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيْهَا، فَيَقُومُ لَهَا وَتَقُوْمُ لَهُ، وَمَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ فِي عقدِ الدُّنْيَا يَعْمُرُهَا لِغَيْرِهِ، وَيَرْجِعُ إِلَى الآخِرَةِ لاَ حَظَّ لَهُ فِيْهَا وَلاَ نَصِيْبَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً، الحِكْمَةُ أَقْرَبُ إِلَى فِيْهِ مِنْ أَبِي حَازِمٍ. يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: تَجدُ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 بِالمَعَاصِي، فَإِذَا قِيْلَ لَهُ: أَتُحبُّ المَوْتَ؟ قَالَ: لاَ، وَكَيْفَ وَعِنْدِي مَا عِنْدِي؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَفَلاَ تَترُكُ مَا تَعْمَلُ؟ فَيَقُوْلُ: مَا أُرِيْدُ تَرْكَهُ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَمُوْتَ حَتَّى أَترُكَهَ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: وَجَدْتُ الدُّنْيَا شَيْئَيْنِ: فَشَيْئاً هُوَ لِي، وَشَيْئاً لِغَيْرِي، فَأَمَّا مَا كَانَ لِغَيْرِي، فَلَوْ طَلبتُهُ بِحِيْلَةِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ، فَيُمنعُ رِزْقُ غَيْرِي مِنِّي، كَمَا يُمْنَعُ رِزقِي مِنْ غَيْرِي. يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: كُلُّ عَملٍ تَكرَهُ مِنْ أَجْلِهِ المَوْتَ، فَاترُكْهُ، ثُمَّ لاَ يَضرُّكَ مَتَى مِتَّ. مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: لاَ يُحسِنُ عَبْدٌ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ، إِلاَ أَحْسَنَ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ العِبَادِ، وَلاَ يُعوِّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ، إِلاَّ عَوَّرَ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ العِبَادِ، لَمُصَانَعَةُ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَيسرُ مِنْ مُصَانَعَةِ الوُجُوْهِ كُلِّهَا، إِنَّكَ إِذَا صَانَعْتَهُ مَالتِ الوُجُوْهُ كُلُّهَا إِلَيْكَ، وَإِذَا اسْتفسَدْتَ مَا بَيْنَهُ، شَنِئَتْكَ الوُجُوْهُ كُلُّهَا. وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: اكْتُمْ حَسنَاتِكَ كَمَا تَكتُمُ سَيِّئَاتِكَ. سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى أَمِيْرِ المَدِيْنَةِ فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ. قَالَ لَهُ: انْظُرِ النَّاسَ بِبَابِكَ، إِنْ أَدْنَيتَ أَهْلَ الخَيْرِ ذَهَبَ أَهْلُ الشَّرِّ، وَإِنْ أَدْنَيتَ أَهْلَ الشَّرِّ، ذَهَبَ أَهْلُ الخَيْرِ. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: لأَنَا مِنْ أَنْ (1) أُمْنَعَ مِنَ الدُّعَاءِ، أَخَوْفُ مِنِّي أَنْ أُمْنَعَ الإِجَابَةَ. وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعملُ السَّيِّئَةَ، مَا عَمِلَ حَسَنَةً قَطُّ أَنْفَعَ لَهُ مِنْهَا، وَكَذَا فِي الحَسَنَةِ. وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: خَصْلَتَانِ، مَنْ يَكفلُ لِي بِهِمَا؟ تَركُكَ مَا تُحِبُّ، وَاحْتِمَالُك مَا تَكْرَهُ.   (1) زيادة على الأصل يقتضيها السياق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 وَقِيْلَ: إِنَّ بَعْضَ الأُمَرَاءِ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي حَازِمٍ، فَأَتَاهُ وَعِنْدَهُ الزُّهْرِيُّ، وَالإِفْرِيْقِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ: تَكَلَّمْ يَا أَبَا حَازِمٍ. فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إِنَّ خَيْرَ الأُمَرَاءِ مَنْ أَحَبَّ العُلَمَاءَ، وَإِنْ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أَحَبَّ الأُمَرَاءَ. وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُتَابعُ نِعمَةً عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعصِيْهِ، فَاحْذَرْهُ، وَإِذَا أَحببْتَ أَخاً فِي اللهِ، فَأَقِلَّ مُخَالَطَتَهُ فِي دُنْيَاهُ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: أَبُو حَازِمٍ أَصلُهُ فَارِسِيٌّ، وَأُمُّه رُوْمِيَّةٌ، وَهُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَكَانَ أَشقرَ، أَفْزرَ، أَحْوَلَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَقُصُّ بَعْدَ الفَجْرِ، وَبعدَ العَصْرِ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ. وَمَاتَ: فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ، وَالتِّرْمِذِيُّ: مَاتَ سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ الهَيْثَمُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَاوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَبَّادٍ الصَّفَّارُ بِالرَّمْلَةِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ نَابَهُ فِي صَلاَتِهِ شَيْءٌ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّمَا التَّصْفِيْقُ لِلنِّسَاءِ، وَالتَّسْبِيْحُ لِلرِّجَالِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه (1) ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَهُوَ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) : مِنْ طَرِيْقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا العَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (غَدْوَةٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا (2)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ العَطَّافِ، وَصَحَّحَهُ. وَهُوَ فِي (البُخَارِيِّ) ،   (1) رقم (1035) في إقامة الصلاة: باب التسبيح للرجال في الصلاة، والتصفيق للنساء من حديث هشام بن عمار، وسهل بن أبي سهل قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ". وأخرجه مطولا مالك في الموطأ 1 / 163 و164 في قصر الصلاة في السفر: باب الالتفات والتصفيق عند الحاجة: عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. وأخرجه البخاري 2 / 139، 141 في الجماعة: باب من دخل ليؤم الناس. من طريق عبد الله بن يوسف، ومسلم (421) في الصلاة: باب تقديم الجماعة من يصلي بهم، من طريق يحيى بن يحيى، وأبو داود (940) في الصلاة: باب التصفيق في الصلاة، من طريق القعنبي، ثلاثتهم عن مالك، عن أبي حازم عن سهل بن سعد. وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء ". (2) أخرجه الترمذي (1648) في فضائل الجهاد: باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله. وأخرجه البخاري في الجهاد: باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وباب فضل رباط يوم في سبيل الله، وفي بدء الخلق: باب ما جاء في صفة الجنة. وفي الرقاق: باب مثل الدنيا والآخرة. ومسلم رقم (1881) في الامارة: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 وَ (مُسْلِمٍ) : مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ. 25 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ البُنَانِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الأَعْمَى، الحَافِظُ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ العَبْدِيِّ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَالمُبَارَكُ بنُ سُحَيْمٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ، وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ. مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. 26 - عَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ اليَمَانِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ اليَمَانِيُّ. سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ -. وَمِنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَسوغُ أَنْ يُعدَّ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، لِتقدُّمِ وَفَاتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَوُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ. وثَّقُوْهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالعَرَبِيَّةِ، وَأَحْسَنِهِم خُلُقاً، مَا رَأَينَا ابْنَ فَقِيْهٍ مِثْلَهُ.   (*) طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، الجرح والتعديل 5 / 384 - 385، ثقات ابن حبان 3 / 165، تهذيب الكمال (842) ، تاريخ البخاري 6 / 14، تهذيب التهذيب 6 / 341 - 342، خلاصة تذهيب الكمال 240. (* *) تاريخ البخاري 5 / 123، التاريخ الصغير: 2 / 29، الجرح والتعديل 5 / 88، 89، تهذيب الكمال 697 - 698، تهذيب التهذيب 5 / 267 - 268، خلاصة تذهيب الكمال 202. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وَذَكَرَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ فِي تَرْجَمَةِ طَاوُوْسٍ (1) : أَنَّ المَنْصُوْرَ طَلبَ ابْنَ طَاوُوْسٍ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ. قَالَ: فَصَدَعَهُ ابْنُ طَاوُوْسٍ بِكَلاَمٍ. فَهَذَا لاَ يَتَّجِهُ، لأَنَّ ابْنَ طَاوُوْسٍ مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ دَوْلَةِ المَنْصُوْرِ، بَلْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ آخِرُ الخُلَفَاءِ الأُمَوِيَّةِ؛ مَرْوَانُ الحِمَارُ، وَقَامَ فِيْهَا السَّفَّاحُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 27 - عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ * الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القَدَرِيُّ، كَبِيْرُ المُعْتَزِلَةِ وَأَوَّلُهم، أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ. لَهُ عَنْ: أَبِي العَالِيَةِ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ. وَعَنْهُ: الحَمَّادَانِ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَقُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، ثُمَّ تَرَكَه القَطَّانُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مَا لَقِيْتُ أَزْهَدَ مِنْهُ، وَانتحلَ مَا انْتحلَ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: دَعَا إِلَى القَدَرِ، فَتَرَكُوْهُ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ عَمْراً يَقُوْلُ: إِنْ كَانَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} فِي اللَّوحِ المَحْفُوْظِ، فَمَا للهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ حُجَّةٌ. وَسَمِعْتُهُ ذَكرَ حَدِيْثَ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ، فَقَالَ: لَوْ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُه لَكذَّبتُهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ   (1) وفيات الأعيان 2 / 511. (*) ثقات ابن حبان 3 / 147، كتاب المجروحين 2 / 69، مروج الذهب 3 / 313، طبقات المعتزلة (35) ، المرتضى 1 / 164، 171، 173، 178، تاريخ بغداد 12 / 162 - 178، شرح المقامات للشريشي 1 / 332، وفيات الأعيان 3 / 460 - 462، تهذيب الكمال (1045) ، تاريخ الإسلام 6 / 107، 110، ميزان الاعتدال 3 / 273 - 280، العبر 1 / 193، البداية والنهاية 10 / 73، 80، غاية النهاية 1 / 602، تهذيب التهذيب 8 / 30، شذرات الذهب 1 / 210، خلاصة تذهيب الكمال 109. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُهُ، لَرَدَدْتُهُ. وَقَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: نِمتُ، فَرَأَيْتُ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ يَحُكُّ آيَةً، فَلُمتُهُ، فَقَالَ: أُعِيْدُهَا؟ قُلْتُ: أَعِدْهَا. فَقَالَ: لاَ أَسْتَطِيْعُ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: قِيْلَ لأَيُّوْبَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ رَوَى عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي، فَاقْتُلُوْهُ. قَالَ: كَذَبَ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الاعْتزَالِ وَاصِلٌ الغَزَّالُ، فَدَخَلَ مَعَهُ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ، فَأُعْجِبَ بِهِ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّهُ رَأَى عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ فِي النَّوْمِ قَدْ مُسِخَ قِرْداً. وَقَدْ كَانَ المَنْصُوْرُ يُعظِّمُ ابْنَ عُبَيْدٍ، وَيَقُوْلُ: كُلُّكُم يَمْشِي رُوَيْد ... كُلُّكُم يَطْلُبُ صَيْد غَيْرَ عَمْرِو بن عُبَيْد ... قُلْتُ: اغْترَّ بِزُهْدِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَأَغفلَ بِدْعَتَهُ. قَالَ الخَطِيْبُ: مَاتَ بِطَرِيْقِ مَكَّةَ، سنَةَ ثَلاَثٍ. وَقِيْلَ: سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ (1) . وَقَالَ سَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ: أَنَا لِلْحَجَّاجِ أَرْجَى مِنِّي لِعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ.   (1) علق المؤلف رحمه الله في " الميزان " على هذه الكلمة فقال: لعن الله الدهرية فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 قَدِ اسْتَوْفَيتُ تَرجَمَتَهُ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) . وَقَدْ رَثَاهُ المَنْصُوْرُ، وَلَهُ كِتَابُ (العَدْلِ) ، (وَالتَّوْحِيْدِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى القَدَرِيَّةِ) ، يُرِيْد السُّنَّةَ. وَمِنْ كتَابِ تَلاَمِذَتِهِ: عُثْمَانُ بنُ خَالِدٍ الطَّوِيْلُ شَيْخُ العَلاَّفِ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الشِّمَّزِيُّ. 28 - دَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ أَبُو سُلَيْمَانَ الأُمَوِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، أَبُو سُلَيْمَانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعِكْرِمَةَ، وَالأَعْرَجِ، وَأَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مُطْلَقاً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كُنَّا نَتَّقِي حَدِيْثَهُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، فَمُنْكَرٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَوْلاَ أَنَّ مَالِكاً رَوَى عَنْهُ، لَتُرِكَ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيْثُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرَى الخُرُوْجَ. وَتَكَلَّم التِّرْمِذِيُّ فِي حِفْظِهِ (1) . قُلْتُ: نَزَلَ عِكْرِمَةُ فِي بَيْتِ دَاوُدَ، وَتُوُفِّيَ عِنْدَه.   (*) طبقات خليفة (259 تاريخ خليفة (411) ، تاريخ البخاري 3 / 231، الجرح والتعديل 3 / 408 - 409، تهذيب الكمال: 384) ، ميزان الاعتدال 2 / 5 - 6، العبر 1 / 182، تهذيب التهذيب 3 / 181، 182، شذرات الذهب 1 / 192، خلاصة تذهيب الكمال 109. (1) وتمحيص القول فيه: أنه ثقة إلا في روايته عن عكرمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 29 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ العَرْزَمِيُّ * (خت، م 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ العَرْزَمِيُّ (1) ، الكُوْفِيُّ. نَزلَ جَبَّانَةَ عَرْزَمٍ، فَنُسِبَ إِلَيْهَا. وَعَرْزَمٌ: إِنْسَانٌ أَسْوَدُ. وَاسْمُ أَبِي سُلَيْمَانَ: مَيْسَرَةُ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَعْيَنَ، وَمُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، وَزُبَيْدٍ اليَامِيِّ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، وَأَبِي حَمْزَةَ اليَمَانِيِّ. لَمْ يَزدْ صَاحِبُ (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ) عَلَى هَؤُلاَءِ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَهُشَيْمٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَعَلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُمْ مَوْتاً: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَكَانَ يُوْصَفُ بِالحِفظِ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَعجَبُ مِنْ حِفْظِ عَبْدِ المَلِكِ. وَرَوَى: نَوْفَلُ بنُ المُطَهَّرِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حُفَّاظُ النَّاسِ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ. وَحُفَّاظُ البَصْرِيِّينَ ثَلاَثَةٌ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَكَانَ عَاصِمٌ أَحْفَظَهم.   (*) طبقات خليفة (167) ، تاريخ خليفة (423) ، تاريخ البخاري 5 / 417، التاريخ الصغير 2 / 83 - 85، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 290، تهذيب الكمال 858، تذكرة الحفاظ 1 / 155، ميزان الاعتدال 2 / 656، تذهيب التهذيب 2 / 249، العبر 1 / 204، تهذيب التهذيب 6 / 396 - 398، خلاصة تذهيب الكمال 244، شذرات الذهب 1 / 216. (1) العرزمي: بفتح العين، وسكون الراء وفتح الزاي، وفي آخرها ميم نسبة إلى عرزم بطن من فزارة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي المِيْزَانُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَزِنُ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مِيْزَانٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: يُخْطِئ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ رَفعَ أَحَادِيْثَ عَنْ عَطَاءٍ. وَسُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشُّفْعَةِ (1) ، فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ عَبْدُ المَلِكِ، وَقَدْ أَنْكَرهُ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَلَكِنَّ عَبْدَ المَلِكِ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، لاَ يُردُّ عَلَى مِثْلِهِ. قُلْتُ: تَكَلَّمَ فِيْهِ شُعْبَةُ لِهَذَا الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ   (1) وهو ما أخرجه أبو داود (3518) ، والترمذي (1369) ، وابن ماجه (2494) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا " وهذا سند قوي. قال الترمذي: حسن غريب، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث. ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث. (2) وقد رد ذلك ابن الجوزي في " التنقيح " فيما نقله الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 174 بأنه حديث صحيح، وأنه لا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، وهي: " الشفعة في كل ما لا يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقهما واحدا - وحديث جابر المشهور، لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق. فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع: كالبئر، أو السطح، أو الطريق، فالجار أحق بسقب جاره، لحديث عبد الملك. وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع، فلا شفعة، لحديث جابر المشهور. وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه فإنه ثقة، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظا. وغير شعبة إنما طعن فيه تبعا لشعبة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي صَفْوَانَ: عَنْ أُمَيَّةَ بنِ خَالِدٍ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: مَا لَكَ لاَ تُحدِّثُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ: تَرَكتُ حَدِيْثَهُ. قُلْتُ: تُحدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ، وَتَدعُ عَبْدَ المَلِكِ، وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الحَدِيْثِ؟ قَالَ: مِنْ حَسَنِهَا فَررتُ. قَالَ الخَطِيْبُ: أَسَاءَ شُعْبَةُ فِي اخْتِيَارِه لِمُحَمَّدٍ، وَتَركِهِ عَبْدَ المَلِكِ، لأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ لَمْ يَخْتَلِفْ أَئِمَّةُ الأَثرِ فِي ذَهَابِ حَدِيْثِهِ، وَسُقوطِ رِوَايَتِهِ، وَثنَاؤُهُم عَلَى عَبْدِ المَلِكِ مُسْتفِيضٌ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، فَقِيْهٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ جَرْوٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو البَقَاءِ الحَبَّالُ، أَنْبَأَنَا زَيْدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَازِمٍ، أَنْبَأَنَا يَعَلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَتَّخِذُوا بُيُوْتَكُمْ قُبُوْراً، وَصَلُّوا فِيْهَا) (1) .   (1) وأخرجه أحمد 4 / 114 و5 / 192 من حديث زيد بن خالد الجهني، وإسناده صحيح. وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 1 / 441، ومسلم (777) ، والترمذي (451) ، والنسائي 3 / 197 بلفظ " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 30 - عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم الكُوْفِيُّ * (4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو السَّائِبِ. وَقِيْلَ: أَبُو زَيْدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو يَزِيْدَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ. عَنْ أَبِيْهِ: السَّائِبِ بنِ زَيْدٍ. وَقِيْلَ: ابْنِ يَزِيْدَ. وَقِيْلَ: ابْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيُّ، مَوْلاَهُم. وَعَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَلَمْ يَثبُتْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَدْ جَاءَ بِإِدخَالِ يَزِيْدَ الرَّقَاشِيِّ بَيْنَهمَا - وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي وَائِلٍ، وَمُرَّةَ الطِّيِّبِ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي (1) البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، وَذَرِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَعِكْرِمَةَ، وَالحَسَنِ، وَأَبِي ظَبْيَانَ، وَسَالِمٍ البَرَّادِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، لَكِنَّهُ سَاءَ حِفْظُهُ قَلِيْلاً فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَالحَمَّادَانِ، وَمُوْسَى بنُ أَعَيْنَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَشُعْبَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَزَائِدَةُ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، فَيَقُوْلُ: إِنَّهُ مِنَ البَقَايَا.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 338، تاريخ خليفة (415) طبقات خليفة (164) ، تاريخ البخاري 6 / 465، التاريخ الصغير 2 / 39، 45، الجرح والتعديل 6 / 332 - 334، ثقات ابن حبان 3 / 190، تهذيب الكمال (939 - 940) ، ميزان الاعتدال 3 / 70 - 73، تهذيب التهذيب 7 / 203، خلاصة تهذيب الكمال 266، شذرات الذهب 1 / 194. (1) في الأصل " ابن " هو تحريف، واسم أبي البختري: سعيد بن فيروز. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَتَيْنَا أَيُّوْبَ، فَقَالَ: اذْهبُوا، فَقَدْ قَدِمَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ مِنَ الكُوْفَةِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، اذْهبُوا إِلَيْهِ، فَسَلُوْهُ عَنْ حَدِيْثِ أَبِيْهِ فِي التَّسْبِيْحِ (1) . عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَداً يَقُوْلُ فِي عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ شَيْئاً قَطُّ فِي حَدِيْثِهِ القَدِيْمِ، وَمَا حَدَّثَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنْهُ صَحِيْحٌ، إِلاَّ حَدِيْثَيْنَ كَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُهمَا بِأَخَرَةٍ، عَنْ زَاذَانَ. أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، لَيْثٌ أَحْسَنُهم حَالاً عِنْدِي. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيْرٍ - وَذَكَرَ الثَّلاَثَةَ - فَقَالَ: يَزِيْدُ أَحْسَنُهُم اسْتِقَامَةً فِي الحَدِيْثِ، ثُمَّ عَطَاءٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَطَاءٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. وَقَالَ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً كَانَ صَحِيْحاً، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيْثاً لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ. سَمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ. وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيْثاً: جَرِيْرٌ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ. وَكَانَ يَرْفَعُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُهَا.   (1) أخرجه أبو داود (1502) من حديث الأعمش، عن عطاء بن السائب عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه " وإسناده صحيح. فإن رواية الأعمش عن عطاء قديمة، وهو من أقرانه وقد تابعه حماد بن زيد عند ابن حبان (2343) وهو ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط. وأخرجه مطولا أحمد 2 / 160، 161 و204 و205، وأبو داود (5065) والنسائي 3 / 74 و75 بلفظ " خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبح في دبر كل صلاة عشرة، ويحمد عشرة، ويكبر عشرة، فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان. ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويسبح ثلاثا وثلاثين، فذلك مئة في اللسان وألف في الميزان. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده. قالوا: يا رسول الله كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدكم - يعني الشيطان - في منامه فينومه قبل أن يقوله، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولها ". وإسناده صحيح. فإن رواية عطاء عن شعبة عند أحمد وأبي داود، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 قَالَ: وَقَالَ وُهَيْبٌ: لَمَّا قَدِمَ عَطَاءٌ البَصْرَةَ، قَالَ: كَتَبتُ عَنْ عَبِيْدَةَ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبِيْدَةَ شَيْئاً، وَهَذَا اخْتِلاَطٌ شَدِيْدٌ. أَبُو دَاوُدَ: عَنْ أَحْمَدَ قالَ: كَانَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ، كَانَ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ - وَكَانَ نَسِيّاً (1) -. وَقَالَ يَحْيَى: لَمْ يَسْمَعْ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ مِنْ يَعَلَى بنِ مُرَّةَ. قَالَ: وَاخْتلطَ عَطَاءٌ، فَمَا سُمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً فَهُوَ صَحِيْحٌ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي الصَّحَةِ وَفِي الاخْتِلاَطِ جَمِيْعاً، وَلاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ. ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيْفٌ، مِثْلُ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ. وَجَمِيْعُ مَنْ رَوَى عَنْ عَطَاءٍ فَفِي الاخْتِلاَطِ، إِلاَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ (2) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَطَاءٌ اخْتلطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً مِثْلُ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، فَحَدِيْثُهُ مُسْتقِيْمٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ الاخْتِلاَطِ، فَأَحَادِيْثُهُ فِيْهَا بَعْضُ النَّكِرَةِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ شَيْخاً، قَدِيْماً، ثِقَةً، رَوَى عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيْماً فَهُوَ صَحِيْحٌ، مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، فَأَمَّا مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِأَخَرَةٍ فَهُوَ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ، مِنْهُم هُشَيْمٌ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ عَطَاءٌ بِأَخَرَةٍ يَتلقَّنُ إِذَا لُقِّنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ صَالِحِ الكِتَابِ، وَأَبُوْهُ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مَحَلُّهُ الصِّدْقَ قَدِيْماً قَبْلَ أَنْ يَختلِطَ، ثُمَّ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ،   (1) ربما تكون مقالة شعبة هذه فيه حين سمع منه حديثين. بأخرة. وإلا فشعبة ممن روى عن عطاء قبل الاختلاط وكان عطاء إذ ذاك حافظا. (2) وممن سمع منه أيضا قبل الاختلاط: زهير، وزائدة، وحماد بن زيد، وأيوب، كما في تهذيب التهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 فِي حَدِيْثِهِ تَخَالِيطٌ كَثِيْرَةٌ، وَمَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ فُضَيْلٍ فَفِيْهِ غَلَطٌ وَاضْطِرَابٌ، رَفعَ أَشْيَاءَ كَانَ يَروِيهَا عَنِ التَّابِعِيْنَ، فَرَفَعَهَا إِلَى الصَّحَابَةِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ فِي حَدِيْثِهِ القَدِيْمِ، إِلاَّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ، وَرِوَايَةُ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ عَنْهُ جَيِّدَةٌ. الحُمَيْدِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: كُنْتُ سَمِعْتُ مِنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ قَدِيْماً، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا قَدْمَةً، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِبَعْضِ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، فَخَلَّطَ فِيْهِ، فَاتَّقيْتُهُ وَاعْتزلتُهُ. وَقَالَ أَبُو النُّعْمَانِ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بَعْدُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتغيَّرَ. وَقَالَ أَبُو قُطْنٍ: عَنْ شُعْبَةَ: ثَلاَثَةٌ فِي القَلْبِ مِنْهُم هَاجسٌ: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَآخَرُ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ بَهْرَامَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ عَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَضِرَارَ بنَ مُرَّةَ، رَأَيْتُ أَثرَ البُكَاءِ عَلَى خُدُوْدِهِمَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ يَا جِبْرِيْلُ؟! قَالَ: هَذِهِ مَاشِطَةُ بِنْتِ فِرْعُوْنَ، كَانَتْ تُمَشِّطُهَا، فَوَقَعَ المِشْطُ مِنْ يَدِهَا، قَالَتْ: بِسْمِ اللهِ. قَالَتِ ابْنَةُ فِرْعُوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّ أَبِيْكِ. قَالَتْ: أَقُوْلُ لَهُ إِذاً! قَالَتْ: قُوْلِي لَهُ. قَالَ لَهَا: أَوَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَأَحْمَى لَهَا بَقَرَةً مِنْ نُحَاسٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي. قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا، لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الحَقِّ. فَأَلْقَى وَلَدَهَا فِي البَقَرَةِ وَاحِداً وَاحِداً، فَكَانَ آخِرَهُم صَبِيٌّ، فَقَالَ: يَا أُمَّه! اصْبِرِي، فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ (1)) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَرْبَعَةٌ تَكَلَّمُوا وَهُم صِبْيَانٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ فِرْعُوْنَ، وَصَبِيُّ جُرَيْجٍ، وَعِيْسَى بنُ مَرْيَمَ، وَالرَّابِعُ لاَ أَحْفَظُهُ. 31 - مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الكَبِيْرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، مَوْلاَهُم، الأَسَدِيُّ، المِطْرَقِيُّ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ. وَيُقَالُ: بَلْ مَوْلَى الصّحَابِيَّةِ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ الأُمَوِيَّةِ، زَوْجَةِ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ بَصِيْراً بِالمَغَازِي النَّبويَّةِ، أَلَّفَهَا فِي مُجَلَّدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، وَعَمُّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ. أَدْرَكَ: ابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً. وَحَدَّثَ عَنْ: أُمِّ خَالِدٍ. وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَكُرَيْبٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَصَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ،   (1) إسناده ضعيف لاختلاط عطاء، وراويه عنه وهو: حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط وبعده فلم يتميز حديثه. ومع هذا فقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند " 1 / 309. وقال ابن كثير: لا بأس بإسناده. وقد أورده الهيثمي في المجمع 1 / 65، ونسبه لأحمد والبزار، والطبراني في الكبير والاوسط. وقال: فيه عطاء بن السائب، وهو ثقة، ولكنه اختلط. (*) طبقات خليفة (267) ، تاريخ خليفة (411) تاريخ البخاري 7 / 292، التاريخ الصغير 2 / 70، والجرح والتعديل 8 / 154، ثقات ابن حبان 3 / 248 تهذيب الكمال (1392) ، تذكرة الحفاظ 1 / 148، العبر 4 / 192، الوافي بالوفيات 2 / 137، التهذيب 10 / 360، خلاصة تذهيب الكمال 392، شذرات الذهب 1 / 209. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَسَالِمٍ أَبِي الغَيْثِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، وَحَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: بُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَحَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَزُهَيْرٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو قُرَّةَ مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ المَكِّيُّ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، كَذَا هُنَا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخرَ وَهُوَ أَشْبَهُ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: عَنْ مَعْنٍ، قَالَ: كَانَ مَالكٌ إِذَا قِيْلَ لَهُ: مَغَازِي مَنْ نَكْتُبُ؟ قَالَ: عَلَيْكُم بِـ (مَغَازِي مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ) ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ المُنْذِرِ أَيْضاً: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ، وَمَعْنٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، قَالُوا: كَانَ مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنِ المَغَازِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِـ (مَغَازِي) الرَّجُلِ الصَّالِحِ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، فَإِنَّهَا أَصَحُّ المَغَازِي. وَقَالَ أَيْضاً: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِـ (مَغَازِي مُوْسَى) ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ ثِقَةٌ، طَلبهَا عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، لِيُقَيِّدَ مَنْ شَهِدَ مَعَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يُكثِّرْ كَمَا كَثَّرَ غَيْرُهُ. قُلْتُ: هَذَا تَعرِيْضٌ بِابْنِ إِسْحَاقَ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ كثَّرَ وَطوَّلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 بِأَنْسَابٍ مُسْتَوْفَاةٍ، اخْتصَارُهَا أَملحُ، وَبأَشعَارٍ غَيْرِ طَائِلَةٍ، حَذفُهَا أَرْجَحُ، وَبآثَارٍ لَمْ تُصحَّحْ، مَعَ أَنَّهُ فَاتَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ مِنَ الصَّحِيْحِ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، فَكِتَابُهُ مُحْتَاجٌ إِلَى تَنقِيحٍ وَتَصْحِيْحٍ، وَرِوَايَةِ مَا فَاتَهُ. وَأَمَّا (مَغَازِي مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ) : فَهِي فِي مُجَلَّدٍ لَيْسَ بِالكَبِيْرِ، سَمِعنَاهَا، وَغَالِبُهَا صَحِيْحٌ، وَمُرْسَلٌ جَيِّدٌ، لَكِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ، تَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ، وَتَتِمَّةٍ. وَقَدْ أَحْسَنَ فِي عَملِ ذَلِكَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي تَألِيْفِهِ المُسَمَّى بِكِتَابِ (دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ) . وَقَدْ لَخَّصتُ أَنَا التَّرجمَةَ النَّبوِيَّةَ، وَالمَغَازِي المَدَنِيَّةَ، فِي أَوَّلِ (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ) ، وَهُوَ كَامِلٌ فِي مَعنَاهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ بِالمَدِيْنَةِ شَيْخٌ يُقَالَ لَهُ: شُرَحْبِيْلُ أَبُو سَعْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالمَغَازِي. قَالَ: فَاتَّهمُوْهُ أَنْ يَكُوْنَ يَجْعَلُ لِمَنْ لاَ سَابقَةَ لَهُ سَابقَةً، وَكَانَ قَدِ احْتَاجَ، فَأَسقطُوا مَغَازِيهِ وَعِلْمَهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: فَذَكَرْتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ الطَّوِيْلِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالمَغَازِي مِنْهُ، فَقَالَ لِي: كَانَ شُرَحْبِيْلُ أَبُو سَعْدٍ عَالِماً بِالمَغَازِي، فَاتَّهمُوْهُ أَنْ يَكُوْنَ يُدْخِلُ فِيْهِم مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدراً، وَمَنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالهِجْرَةَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُم، وَكَانَ قَدِ احْتَاجَ، فَسَقَطَ عِنْدَ النَّاسِ. فَسَمِع بِذَلِكَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، فَقَالَ: وَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَرَؤُوا عَلَى هَذَا، فَدبَّ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَقَيَّدَ مَنْ شَهِدَ بَدراً، وَأُحُداً، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ وَالمَدِيْنَةِ، وَكَتَبَ ذَلِكَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، سَمِعْتُ المِسْوَرَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَخْزُوْمِيَّ يَقُوْل لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! فُلاَنٌ كلَّمَنِي يَعرِضُ عَلَيْكَ، وَقَدْ شَهِدَ جدُّهُ بَدراً. فَقَالَ مَالِكٌ: لاَ تَدْرِي مَا يَقُوْلُوْنَ، مَنْ كَانَ فِي (كِتَابِ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ) قَدْ شَهِدَ بَدراً، فَقَدْ شَهِدَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي (كِتَابِ مُوْسَى) ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدراً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: (كِتَابُ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ: مِنْ أَصَحِّ هَذِهِ الكُتُبِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: مُوْسَى ثِقَةٌ. وَرَوَى: المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: ثِقَةٌ، يَقُوْلُوْنَ: رِوَايَتُهُ عَنْ نَافِعٍ فِيْهَا شَيْءٌ، وَسَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يُضَعِّفُ مُوْسَى بَعْضَ الضَّعْفِ. قُلْتُ: قَدْ رَوَى عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ يَحْيَى تَوْثِيْقَهُ، فَلْيُحمَلْ هَذَا التَّضْعِيْفُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي القُوَّةِ عَنْ نَافِعٍ كَمَالِكٍ، وَلاَ عُبَيْدِ اللهِ. وَكَذَلِكَ رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ فِي نَافِعٍ مِثْلَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمَالِكٍ. قُلْتُ: احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ - وَللهِ الحَمْدُ -. قُلْنَا: ثِقَةٌ، وَأَوْثَقُ مِنْهُ، فَهَذَا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ لإِبْرَاهِيْمَ، وَمُوْسَى، وَمُحَمَّدِ بَنِي عُقْبَةَ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانُوا كُلُّهم فُقَهَاءَ مُحَدِّثِيْنَ، وَكَانَ مُوْسَى يُفْتِي. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ لَهُم هَيْئَةٌ، وَعِلمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَخَوَيْهِ، أَقدمُهُم مُحَمَّدٌ، ثُمَّ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ مُوْسَى، وَمُوْسَى أَكْثَرُهم حَدِيْثاً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، فِيْمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ المَدِيْنَةَ بِسَنَةٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: خَلِيْفَةُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَشَذَّ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي مَوَاضِعَ، مِنْ أَعْلاَهَا فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ الإِشْبِيْلِيُّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ (ح) وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَقْرَأُ الحَائِضُ وَلاَ الجُنُبُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ لَيِّنُ الإِسْنَادِ مِنْ قِبَلِ إِسْمَاعِيْلَ، إِذْ رِوَايَتُهُ عَنِ الحِجَازِيِّينَ مُضعَّفَةٌ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. تَابَعَهُ: وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ (2) . 32 - عَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو أَبُو عُثْمَانَ المَدَنِيُّ * (ع) مَوْلَى المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، المَخْزُوْمِيُّ، الفَقِيْهُ، أَبُو عُثْمَانَ المَدَنِيُّ.   (1) أخرجه الترمذي (131) في الطهارة، باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن. وابن ماجه (595) . وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين كما قال المؤلف رحمه الله، لكن له طريقان آخران عند الدارقطني ص 43. أحدهما عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. والثاني: عن محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، فيتقوى بهما. (2) أخرجه البخاري 3 / 92 في الجنائز: باب التعوذ من عذاب القبر، و11 / 149 في الدعوات: باب التعوذ من عذاب القبر، والنسائي 3 / 58 في السهو: باب نوع آخر من التعوذ في الصلاة. (*) تاريخ خليفة (248) وقد عده فيمن قتل يوم الحرة. طبقات خليفة (266) . تاريخ البخاري 6 / 359، تهذيب الكمال (1049) ، ميزان الاعتدال تهذيب التهذيب = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالأَعْرَجِ. وَعَنْهُ: مَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَأَخُوْهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا بِهِ بَأْسٌ. اسْمُ أَبِيْهِ: مَيْسَرَةُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِذَاكَ. 33 - مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعِ بنِ جَابِرِ بنِ الأَخْنَسِ الأَزْدِيُّ * (م، د، ت، س) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ، أَبُو بَكْرٍ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَغَيْرِهم.   = 8 / 84 82، خلاصة تذهيب الكمال (292) . (1) وقد وصفه المؤلف في ميزانه بقوله: " صدوق، حديثه صالح حسن، ينحط عن الدرجة العليا من الصحيح. ورد على ابن القطان قوله: الرجل مستضعف، فقال: ما هو بمستضعف ولا بضعيف، نعم ولا هو في الثقة كالزهري وذويه " وفي " التقريب " ثقة، ربما وهم. وفي مقدمة " الفتح " 431 " وثقه أحمد وأبو حاتم والعجلي، وضعفه ابن معين، والنسائي، وعثمان الدارمي، لروايته عن عكرمة حديث البهيمة. وقال العجلي: أنكروا عليه حديث البهيمة. يعني حديثه عن عكرمة، عن ابن عباس: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة ". قال الحافظ: لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا، بل أخرج له من روايته عن أنس أربعة أحاديث، ومن روايته عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس حديثا واحدا، ومن روايته عن سعيد المقبري حديثا واحدا. واحتج به الباقون. (*) طبقات خليفة 215، تاريخ البخاري 1 / 255، التاريخ الصغير 1 / 318، 319، الجرح والتعديل 8 / 113، حلية الأولياء 2 / 345 - 357 وتهذيب الكمال (1283) ، ميزان الاعتدال 4 / 258 تاريخ الإسلام للمؤلف 5 / 159 - 161، الوافي بالوفيات 5 / 272، تهذيب التهذيب 9 / 499 - 500، خلاصة تذهيب الكمال، 362، شذرات الذهب 1 / 161. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَزْهَرُ بنُ سِنَانٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ العَبْدِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَسَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، وَصَالِحٌ المُرِّيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وَنُوْحُ بنُ قَيْسٍ، وَسَلاَمٌ القَارِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، عَابِدٌ، صَالِحٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، بُلِيَ بِرُوَاةٍ ضُعَفَاءَ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: لَمْ يَكُنْ لِمُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ عِبَادَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَكَانَتِ الفُتْيَا إِلَى غَيْرِه، وَإِذَا قِيْلَ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ البَصْرَةِ؟ قِيْلَ: مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: مَا أَحَدٌ أُحبُّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ صَحِيْفَتِه مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ. وَرَوَى: مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيْهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَخشعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كُنْتُ إِذَا وَجَدْتُ مِنْ قَلْبِي قَسوَةً، غَدَوْتُ، فَنَظَرتُ إِلَى وَجْهِ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، كَانَ كَأَنَّهُ ثَكْلَى. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: قَالَ رَجُلٌ لِمُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ: أَوْصِنِي. قَالَ: أُوْصِيْكَ أَنْ تَكُوْنَ مَلكاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا. وَعَنْهُ، قَالَ: طُوْبَى لِمَنْ وَجدَ عَشَاءً، وَلَمْ يَجِدْ غَدَاءً، وَوَجَدَ غَدَاءً، وَلَمْ يَجِدْ عَشَاءً، وَاللهُ عَنْهُ رَاضٍ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: قسمَ أَمِيْرُ البَصْرَةِ عَلَى قُرَّائِهَا، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، فَأَخَذَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ وَاسِعٍ: قَبِلتَ جَوَائِزَهم؟ قَالَ: سَلْ جُلَسَائِي. قَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ! اشْتَرَى بِهَا رَقِيْقاً، فَأَعتقَهم. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، أَقَلْبُكَ السَّاعَةَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ، إِنَّمَا مَالكٌ حِمَارٌ، إِنَّمَا يَعْبُدُ اللهَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ ابْنُ وَاسِعٍ: لَوْ كَانَ لِلذُّنُوْبِ رِيْحٌ، مَا جَلَسَ إِلَيَّ أَحَدٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمَّا صَافَّ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ لِلتُّركِ، وَهَالَهُ أَمرُهم، سَألَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ؟ فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي المَيْمَنَةِ، جَامحٌ عَلَى قَوسِهِ، يُبصبصُ بِأُصْبُعِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ. قَالَ: تِلْكَ الأُصْبُعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ شَهِيْرٍ، وَشَابٍّ طرِيْرٍ. قَالَ حَزْمٌ القُطَعِيُّ: قَالَ ابْنُ وَاسِعٍ وَهُوَ فِي المَوْتِ: يَا إِخْوَتَاهُ! تَدرُوْنَ أَيْنَ يُذْهَبُ بِي؟ وَاللهِ إِلَى النَّارِ، أَوْ يَعْفُوَ اللهُ عَنِّي. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: لَمْ يَكُنْ لَهُ كَثِيْرُ عِبَادَةٍ، كَانَ يَلْبَسُ قَمِيْصاً بَصْرِياً، وَسَاجاً (1) . قَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ: لاَ نَزَالُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ لَنَا أَشْيَاخُنَا: مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ: إِنِّي لأَغبِطُ رَجُلاً مَعَهُ دِيْنُهُ، وَمَا مَعَهُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ، وَهُوَ رَاضٍ. وَعَنِ ابْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: إِذَا أَقْبَلَ العَبْدُ بِقَلْبِهِ عَلَى اللهِ، أَقْبَلَ اللهُ بِقُلُوْبِ العِبَادِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: يَكفِي مِنَ الدُّعَاءِ مَعَ الوَرَعِ يَسِيْرُ العَمَلِ. رَوَى: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ: قِيْلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحتَ؟ قَالَ: قَرِيْباً أَجَلِي، بَعِيْداً أَمَلِي، سَيِّئاً عَمَلِي. وَقِيْلَ: اشْتكَى رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِوَلَدِهِ: تَسْتطِيلُ عَلَى النَّاسِ، وَأُمُّكَ اشْترَيتُهَا بِأَرْبَعِ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَبُوْكَ فَلاَ كثَّرَ اللهُ فِي المُسْلِمِيْنَ مِثْلَهُ!. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ أَبكَاكَ قَطُّ سَابقُ عِلْمِ اللهِ فِيْكَ؟ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ مُوْسَى بنِ يَسَارٍ، قَالَ: صَحِبتُ مُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَعَهُ، يُصَلِّي فِي المَحمَلِ جَالِساً وَيُوْمِئُ. وَقِيْلَ: إِنَّ حَوْشَباً قَالَ لِمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ: رَأَيْتُ كَأَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي: الرَّحِيْلَ الرَّحِيْلَ، فَمَا ارْتَحلَ إِلاَّ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ. فَبَكَى مَالِكٌ، وَخرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ.   (1) الساج: جمعه سيجان، وهي الطيالسة المدورة الواسعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 قَالَ مُضَرُ: كَانَ الحَسَنُ يُسَمِّي مُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ: زَيْنَ القُرَّاءِ. وَعَنِ ابْنِ وَاسِعٍ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبكِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ لاَ تَعْلَمُ. أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: دَعَا مَالِكُ بنُ المُنْذِرِ الوَالِي مُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ، فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى القَضَاءِ. فَأَبَى، فَعَاوَدَهُ، وَقَالَ: لَتَجلِسَنَّ أَوْ لأَجْلِدَنَّكَ ثَلاَثَ مائَةٍ. قَالَ: إِنْ تَفْعَلْ، فَإِنَّك مُسلَّطٌ، وَإِنَّ ذَلِيْلَ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِنْ ذَلِيْلِ الآخِرَةِ. قَالَ: وَدَعَاهُ بَعْضُ الأُمَرَاءِ، فَأَرَادَهُ عَلَى بَعْضِ الأَمْرِ، فَأَبَى، فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْمَقٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَا زِلْتُ يُقَالُ لِي هَذَا مُنْذُ أَنَا صَغِيْرٌ. وَرَوَى: أَنَّ قَاصّاً كَانَ يَقرَبُ مُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى القُلُوْبَ لاَ تَخشعُ، وَالعُيُوْنَ لاَ تَدمعُ، وَالجُلُوْدَ لاَ تَقشَعِرُّ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا فُلاَنُ! مَا أَرَى القَوْمَ أَتَوْا إِلاَّ مِنْ قِبَلِكَ، إِنَّ الذِّكْرَ إِذَا خَرَجَ مِنَ القَلْبِ وَقَعَ عَلَى القَلْبِ. وَقِيْلَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ يَسرُدُ الصَّوْمَ وَيُخْفِيْهِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ عَلَى الأَمِيْرِ بِلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ، فَاعْتلَّ عَلَيْهِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنِّي أُرَاكَ تَكرَهُ طَعَامَنَا. قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ، فَوَاللهِ لَخِيَارُكم أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَبنَائِنَا. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: تَمتَّعنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ (1) .   (1) هو في " حلية الأولياء 2 / 355، وأخرجه مسلم (1226) (171) في الحج: باب جواز التمتع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ هَذَا. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ سنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ وَلَدِ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 34 - المُخْتَارُ بنُ فُلْفُلٍ * (م، د، ت، س) كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، بَكَّاءٌ، عَابِدٌ. عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَجَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. عَاشَ: إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 35 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسرَةَ الطَّائِفِيُّ ** (ع) الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَمْرِو بنِ الشَّرِيْدِ، وَطَاوُوْسٍ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ الحُمَيْدِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ؛ مَنْ لَمْ تَرَ -وَاللهِ- عَيْنَاكَ مِثْلَه. وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ يُحَدِّثُ بِالمَعَانِي، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ يُحَدِّثُ كَمَا سَمِعَ، كَانَ فَقِيْهاً.   (*) تاريخ البخاري 7 / 385، الجرح والتعديل 8 / 310، ثقات ابن حبان 3 / 256، تهذيب الكمال (1312) ، تهذيب التهذيب 10 / 68 - 69، خلاصة تذهيب الكمال 371. (* *) طبقات خليفة (282) ، تاريخ البخاري 1 / 328، التاريخ الصغير 2 / 7 - 29، ثقات ابن حبان: 3 / 4، الجرح والتعديل 2 / 133 - 134، تهذيب الكمال (67) العقد الثمين 3 / 266، تهذيب التهذيب 1 / 172، خلاصة تذهيب الكمال 22، شذرات الذهب 1 / 189. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَيْنَ كَانَ حِفْظُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُوْسٍ، مِنْ حِفْظِ ابْنِ طَاوُوْسٍ؟ قَالَ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ لَكَ: إِنِّي أُقَدِّمُ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيْمَ فِي الحِفْظِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى: ثِقَةٌ. قَالَ المَدِيْنِيُّ: تُوُفِّيَ قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 36 - بَيَانُ بنُ بِشْرٍ أَبُو بِشْرٍ الأَحْمَسِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُؤَدِّبُ، أَبُو بِشْرٍ الأَحْمَسِيُّ، الكُوْفِيُّ. عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَطَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: زَائِدَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. لَهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَهُوَ حُجَّةٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ. 37 - يَعْقُوْبُ بنُ عُتْبَةَ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ الأَخْنَسِ بنِ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ ** (د، س، ق) أَحَدُ العُلَمَاءِ بِالسِّيْرَةِ. رَوَى عَنْ: عُرْوَةَ، وَعِكْرِمَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ. وَرَأَى: السَّائِبَ بنَ يَزِيْدَ. وَعَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ المَاجَشُوْنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسَافِرٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَوَرَعٍ، يَنْظُرُ فِي أَمرِ الصَّدَقَاتِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) تاريخ البخاري 2 / 133، الجرح والتعديل 2 / 424 - 425، ثقات ابن حبان 3 / 22، تهذيب الكمال (167) ، تهذيب التهذيب 1 / 506، خلاصة تذهيب الكمال 53. (* *) طبقات خليفة (264) ، تاريخ البخاري 8 / 389، الجرح والتعديل 9 / 211 - 212، الكامل 5 / 352، تهذيب الكمال (1556) ، تهذيب التهذيب 11 / 392، خلاصة تذهيب الكمال 437. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 38 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ يَسَارٍ أَبُو يَسَارٍ الثَّقَفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُفَسِّرُ، أَبُو يَسَارٍ الثَّقَفِيُّ، المَكِّيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: يَسَارٌ، مَوْلَى الأَخْنَسِ بنِ شُرَيْقٍ الصَّحَابِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَعَطَاءٍ، وَنَحْوِهِم. وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي القَدَرِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ مُفْتِي أَهْلِ مَكَّةَ بَعْدَ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. وَكَانَ جَمِيْلاً، فَصِيْحاً، حَسَنَ الوَجْهِ، لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ القَطَّانِ: كَانَ مُعْتَزِلِياً. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ: مَكَثَ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً لاَ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يُؤذِي بِهَا جَلِيْسَه.   (*) تاريخ خليفة (339) و (398) طبقات خليفة (282) ، التاريخ الكبير 5 / 233، التاريخ الصغير 2 / 28 - 29 - 31، الجرح والتعديل: 5 / 203، ثقات ابن حبان 3 / 141، الكامل في التاريخ 5 / 445، تهذيب الكمال (749) ، تاريخ الإسلام 5 / 229 ميزان الاعتدال 2 / 515، العبر 1 / 173، العقد الثمين 5 / 300، تهذيب التهذيب 6 / 54 - 55، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 252، خلاصة تذهيب الكمال 217. وقد ضبطه محقق العبر " نجيح " بضم النون وفتح الجيم وهو تحريف. (1) إن كان عزوفه عن الزواج لعدم قدرته على النفقة، أو لأنه لا يصلح للزواج فهو معذور، وأما إن كان تزهدا، فهو مناف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم المخرج في " الصحيحين " من رواية أنس بن مالك وفيه: " أما والله إني لاخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ أَيْضاً: أَخْبَرَنِي ابْنُ المُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ: أَدْعُوكَ إِلَى رَأْيِ الحَسَنِ -يَعْنِي: القَدَرَ-. وَعَنْ بَعْضِهِم، قَالَ: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ كُلَّ التَّفْسِيْرِ مِنْ مُجَاهِدٍ. قُلْتُ: هُوَ مِنْ أَخَصِّ النَّاسِ بِمُجَاهِدٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالاعْتِزَالِ، وَالقَدَرِ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ يَرَى الاعْتِزَالَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَفْسَدُوْهُ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ جَالَسَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ مِنْ رُؤُوْسِ الدُّعَاةِ (1) . قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا التَّفْسِيْرُ، فَهُوَ فِيْهِ ثِقَةٌ يَعْلَمُه، قَدْ قَفَزَ القَنطَرَةَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ. وَلَعَلَّهُ رَجَعَ عَنِ البِدعَةِ، وَقَدْ رَأَى القَدَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ وَأَخْطَؤُوا - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. ظَهرَ لَهُ مِنَ المَرْفُوْعِ نَحْوُ مائَةِ حَدِيْثٍ.   (1) جاء في " تاريخ الثقات " لابن حبان، في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ما نصه: " ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن، إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها، أن الاحتجاج بأخباره جائز. فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره ". وفي قوله: فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره نظر. فقد احتج البخاري بعمران بن حطان، وهو من دعاة الشراة، وبعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الارجاء. فالحق في هذه المسألة قبول رواية كل من كان من أهل القبلة يصلي بصلاتنا، ويؤمن بما جاء به رسولنا مطلقا إذا كان صادقا، ضابطا لما يرويه، غير مستحل للكذب. فإن من كان كذلك لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسوله بتأول رآه باجتهاده. وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ. لكن هذا مقيد بما إذا لم ينكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 39 - مُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، القُدْوَةُ، أَبُو بَكْرٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - الكُوْفِيُّ، الحَارِثِيُّ. وَيُقَالُ: الخَارِفِيُّ، وَأَحَدُهُمَا تَصحِيْفٌ. حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَالحَكَمِ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَسَوَادَةَ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَخَالِدِ بنِ أَبِي نَوْفٍ، وَزَيْدٍ العَمِّيِّ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَطَاءِ بنِ نَافِعٍ، وَأَبِي السَّفَرِ سَعِيْدِ بنِ يُحْمِدَ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَلَمْ أَظفَرْ لَهُ بِشَيْءٍ عَنْ صَاحِبٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَعَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَمُوْسَى بنُ أَعَيْنَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَزُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: أَصْحَابُ الشَّعْبِيِّ مَنْ أَحَبُّهُمْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي فِيْهِم مِثْلُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُطَرِّفٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِأَحَدٍ أَشَدَّ إِعْجَاباً مِنْهُ بِمُطَرِّفٍ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 241، تاريخ خليفة 418، طبقات خليفة 164، التاريخ الكبير 7 / 397، الجرح والتعديل 8 / 313، التاريخ الصغير 2 / 57، 69، مشاهير علماء الأمصار 167، تهذيب الكمال 1336، تاريخ الإسلام 6 / 132، تهذب التهذيب 10 / 172 - 174، خلاصة تذهيب الكمال 378، شذرات الذهب 1 / 212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، وَكَانَ ثِقَةً. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ العَبَّاسِ البَاهِلِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: قَالَ مُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي كَذَبتُ كِذْبَةً، وَأَنِّي لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا. وَقَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: عَنْ ذَوَّادِ بنِ عُلْبَةَ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ عَرَبِيّاً وَلاَ أَعْجَمِياً أَفْضَلَ مِنْ مُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: مَاتَ مُطَرِّفٌ سنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 40 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَدَنِيُّ. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمَّيْهِ؛ عَامِرٍ وَمُصْعَبٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ أَرْفَعِ هَؤُلاَءِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ. قُلْتُ: فَتَكَ الحَجَّاجُ بِوَالِدِهِ مُحَمَّدٍ؛ لِقِيَامِه مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ (1) ، وَأُسِرَ هَذَا،   (*) الجرح والتعديل 2 / 194، طبقات خليفة (261) ، تاريخ البخاري 1 / 371، تهذيب الكمال (110) تاريخ الإسلام 5 / 227، تذهيب التهذيب 1 / 67، تهذيب التهذيب 1 / 329 - 330، خلاصة تذهيب الكمال (36) . (1) انظر خروج ابن الاشعث وخلعه للطاعة في " تاريخ الإسلام " 3 / 128 وما بعدها. والكامل في التاريخ 4 / 467 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 فَبَعَثَ بِهِ الحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فَعَفَا عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ أَنْبَتَ (1) . تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 41 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُم * (4، م قَرَنَهُ، خت) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ. مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. قُلْتُ: رَأَى أَنَساً، وَرَوَى عَنْ: مَوْلاَهُ؛ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ - إِنْ صَحَّ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَعَمْرِو بنِ سَلَمَةَ الهَمْدَانِيِّ لاَ الجَرْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلِ بنِ مُقَرِّنٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبِي فَاخِتَةَ سَعِيْدِ بنِ عِلاَقَةَ، وَمِقْسَمٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نُعْمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُتقِنِ، فَلِذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَزَائِدَةُ، وَقَيْسٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ، وَحِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ، وَشَرِيْكٌ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَرِيْرُ بنُ   (1) يريد: لم ينبت شعر عانته، وظهورها من علامات البلوغ. وفي حديث عطية القرظي المخرج في " سنن أبي داود " (4404) وغيره بسند حسن قال: " عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت، فخلي سبيلي ". (*) الطبقات 6 / 237، تاريخ خليفة (415) ، تاريخ البخاري 8 / 334، التاريخ الصغير 2 / 39، 41، الجرح والتعديل 9 / 265، كتاب المجروحين والضعفاء، 3 / 99، تهذيب الكمال (1536) ، تاريخ الإسلام 5 / 313 - 314، ميزان الاعتدال 4 / 423، العبر 1 / 178، تهذيب التهذيب 11 / 329 - 331، خلاصة تذهيب الكمال 431، شذرات الذهب 1 / 206. سير 6 / 9 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 عَبْد الحَمِيْدِ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَزِيَادٌ البَكَّائِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ. قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ رَفَّاعاً -يَعْنِي: الآثَارَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ يَرْفَعُهَا-. وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشِّيْعَةِ الكِبَارِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ. رَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَرَوَى: أَبُو يَعْلَى، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: جَائِزُ الحَدِيْثِ. كَانَ بِأَخَرَةٍ يُلَقِّنُ، وَأَخُوْهُ بُرْدٌ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَحْسَنَ حِفْظاً مِنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وذَكَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: ارْمِ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، لَيْثٌ أَحْسَنُهُم حَالاً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً تَرَكَ حَدِيْثَه. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: سَمِعْتُهُم يُضَعِّفُوْنَ حَدِيْثَه. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنْ شِيْعَةِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَمَعَ ضَعْفِه يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَدْ عَلَّقَ البُخَارِيُّ لَهُ لَفظَةً، فَقَالَ: قَالَ جَرِيْرٌ، عَنْ يَزِيْدَ: القَسِّيَّةُ: ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ. وَقَدْ رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ، فَقَرَنَه بِآخَرَ مَعَهُ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، مَعَ بَرَاعتِه فِي نَقدِ الرِّجَالِ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ - وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ - عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا أُبَالِي إِذَا كَتَبتُ عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ أَنْ لاَ أَكْتُبَه عَنْ أَحَدٍ. وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَ لَهُ مَا رَوَاهُ مَنْ طَرِيْقِ هُشَيْمٍ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 أَنْبَأَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ المُحْرِمُ، قَالَ: (الحَيَّةَ، وَالعَقْرَبَ، وَالفُوَيْسِقَةَ، وَيَرْمِي الغُرَابَ وَلاَ يَقْتُلْهُ، وَالكَلْبَ العَقُوْرَ، وَالحِدَأَةَ، وَالسَّبُعَ العَادِي (1)) . وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً، وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ. ابْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَمْرِو بنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: تَغَنَّى مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بنُ العَاصِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الفِتْنَةِ رَكْساً، وَدُعَّهُمَا فِي النَّارِ دَعّاً (2)) . وَهَذَا أَيْضاً مُنْكَرٌ. وَأُنكَرَ مِنْهُ حَدِيْثُ الرَّايَاتِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءهُ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّا لاَ نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ الشَّيْءَ تَكرَهُهُ؟! فَقَالَ: (إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي تَطْرِيْداً وَتَشْرِيْداً، حَتَّى يَجِيْءَ قَوْمٌ مِنْ هَا هُنَا - وَأَوْمَأَ نَحْوَ المَشْرِقِ - أَصْحَابُ رَايَاتٍ سُوْدٍ، يَسْأَلُوْنَ الحَقَّ وَلاَ يُعْطَوْنَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً،   (1) أخرجه أبو داود (1848) والترمذي (838) وحسنه، وقد تعقب الترمذي الحافظ في " التلخيص " 2 / 274 بقوله: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد: وهو ضعيف وإن حسنه الترمذي وفيه لفظة منكرة وهي قوله: " ويرمي الغراب ولا يقتله ". (2) يزيد بن أبي زياد ضعيف. وشيخه سليمان بن عمرو بن الاحوص مجهول الحال وقد ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: لا يصح. ويزيد بن أبي زياد كان يتلقن، ورواه أحمد في " المسند " 4 / 421 من طريق يزيد عن سليمان بن عمرو بن الاحوص، وفيه فلان وفلان بدل معاوية وعمرو بن العاص، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 121 وزاد نسبته للبزار، وأعله بيزيد بن أبي زياد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 فَيُقَاتِلُوْنَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَلاَ يَقْبَلُوْنَ، حَتَّى يَدْفَعُوْهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُم، فَلْيَأْتِهِ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ (1)) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُه فِي الرَّايَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو قُدَامَةَ السَّرْخَسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدِيْثُ يَزِيْدَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ فِي الرَّايَاتِ، لَوْ حَلَفَ عِنْدِي خَمْسِيْنَ يَمِيْناً قَسَامَةً مَا صَدَّقْتُهُ. قُلْتُ: مَعْذُورٌ -وَاللهِ- أَبُو أُسَامَةَ، وَأَنَا قَائِلٌ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ قَبْلَه وَمَنْ بَعْدَهُ أَئِمَّةٌ أَثْبَاتٌ، فَالآفَةُ مِنْهُ عَمْداً أَوخَطَأً. مُحَمَّدُ بنُ آدَمَ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً، قَالَ: (مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ سَبْعاً، فَإِنْ مَاتَ فِيْهِنَّ، مَاتَ كَافِراً، وَإِنْ هِيَ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَإِنْ مَاتَ فِيْهِنَّ، مَاتَ كَافِراً (2)) . وَهَذَا أَيْضاً شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، وَلَوْ عَلِمَ شُعْبَةُ أَنَّ يَزِيْدَ حَدَّثَ بِهَذِهِ البَوَاطِيْلِ لَمَا رَوَى عَنْهُ كَلِمَةً. رَوَى: جَرِيْرٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: قُتِلَ الحُسَيْنُ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ   (1) الضعفاء: 436، وأخرجه ابن ماجه رقم (4082) في الفتن، باب: خروج المهدي من طريق: علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، وضعفه البوصيري في " الزوائد " الورقة 256 بيزيد بن أبي زياد. وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وأبي يعلى الموصلي، وأخرجه الحاكم 4 / 464 من طريق يزيد بن محمد الثقفي، عن حبان بن سدير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن إبراهيم به، ويزيد بن محمد، وحبان بن سدير لم نظفر لهما بترجمة، وحكم المصنف عليه في " تلخيص المستدرك " بالوضع. (2) وأخرجه النسائي 8 / 316 في الاشربة، باب: ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر، من طريق ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 سَنَةً، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ مُطَيَّنٌ (1) : مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا عَاشَ نَحْواً مِنْ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. 42 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُمَيَّةَ أَبُو صَخْرٍ الأَيْلِيُّ * (د) المُحَدِّثُ، أَبُو صَخْرٍ الأَيْلِيُّ. يَرْوِي عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَعَنْهُ: حُسَيْنُ بنُ رُسْتُمَ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عُمَرَ، وَسَعْدَانُ بنُ سَالِمٍ الأَيْلِيُّوْنَ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الصَّادِقِيْنَ البَكَّائِينَ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ، يُصَلِّي اللَّيلَ كُلَّه وَيَبْكِي، وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ يَهُوْدِيَّةٌ، فَتَبكِي رَحْمَةً لَهُ. فَقَالَ مَرَّةً فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ هَذِهِ يَهُوْدِيَّةٌ بَكَتْ رَحْمَةً لِي، وَدِيْنُهَا مُخَاِلفٌ لِدِيْنِي، فَأَنْتَ أَوْلَى بِرَحْمَتِي. 43 - عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ ** (4) المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. مُكْثِرٌ عَنْ وَالِدِهِ.   (1) هو بضم الميم وفتح الطاء، وتشديد الياء المفتوحة، كمعظم. لقب للحافظ الكبير أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي، ومطين كمحدث، اسم فاعل، لقب عبد الله بن محمد، شيخ لابن منده، كما في " التبصير " 1296، وقد وهم صاحب القاموس فجعل الأول على زنة الثاني. (*) تاريخ البخاري 8 / 338، الجرح والتعديل 9 / 269، ثقات ابن حبان 3 / 295، تهذيب الكمال (1538) ، تهذيب التهذيب 11 / 334، خلاصة تذهيب الكمال (432) . (* *) تاريخ خليفة (410) طبقات خليفة (20) ، تاريخ البخاري 6 / 139، التاريخ الصغير 1 / 162، الجرح والتعديل 6 / 117، ثقات ابن حبان 3 / 174، الكامل في التاريخ 4 / 525، تهذيب الكمال (1016) ، ميزان الاعتدال 3 / 202 - 203، تهذيب التهذيب 7 / 456 - 457، خلاصة تذهيب الكمال 282. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 رَوَى عَنْهُ: مِسْعَرٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ عِنْدِي صَالِحٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ. قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً: هُوَ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ قَامَ مَعَ ابْنِ أُخْتٍ لَهُ أُمَوِيٍّ فِي مَبدَأِ دَوْلَةِ بَنِي العَبَّاسِ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ أَمرٌ، وَظَفِرَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ عَمُّ السَّفَّاحِ، فَقَتَلَ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ عَلَّقَ لَهُ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1)) قِصَّةَ جُرَيْجٍ وَالرَّاعِي، فَقَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى) . صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَوَانَةَ. 44 - مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ أَبُو بَكْرٍ الغَنَوِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَابِدُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ الغَنَوِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (1) البخاري (1206) في العمل في الصلاة، باب: إذا دعت الام ولدها في الصلاة. وأخرج البخاري القصة أيضا في (2482) ، (3436) ، (3466) . (2) رقم (1752) في اللباس، باب: ما جاء في الخضاب، وأخرجه أحمد 2 / 261، 499، من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وسنده حسن. (*) طبقات ابن سعد 6 / 237، البيان والتبيين 3 / 153 - 154، التاريخ الكبير 1 / 102، التاريخ الصغير 1 / 198، 199، الجرح والتعديل 7 / 281، مشاهير علماء الأمصار (168) ، حلية الأولياء 5 / 3 - 14، صفوة الصفوة 3 / 65، تهذيب الكمال (1206) ، تاريخ الإسلام 6 / 120، الوافي بالوفيات 3 / 145، تهذيب التهذيب 9 / 209 - 210، خلاصة تذهيب الكمال (341) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَمُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. يُقَالُ: إِنَّهُ أَنفَقَ فِي أَبْوَابِ الخَيْرِ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ لاَ يُحسِنُ أَنْ يَعصِيَ اللهَ -تَعَالَى-. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَرْضِيٌّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 45 - أَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى أَبُو مُوْسَى الأُمَوِيُّ المَكِّيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو مُوْسَى الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ. وَجَدُّه: هُوَ الأَمِيْرُ عَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأَشْدَقُ. وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الفَقِيْهِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَلَيْسَ أَيُّوْبُ بِأَخٍ لِلْفَقِيْهِ سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الَّذِي تَقَدَّمَ. حَدَّثَ أَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَنَافِعٍ، وَعَطَاءِ بنِ مِيْنَا، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ فَقِيْهاً، مُفْتِياً. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة (282) ، التاريخ الكبير 1 / 422، الجرح والتعديل 2 / 257 - 258، تهذيب الكمال (137) ميزان الاعتدال 1 / 294، العقد الثمين: 3 / 350، تهذيب التهذييب 1 / 412 - 413، خلاصة تذهيب الكمال (44) ، شذرات الذهب 1 / 191. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 46 - مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ * (4، خَ) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ اللَّيْثِيُّ، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَاوِيَتُهُ. حَدَّثَ عَنْهُ، وَعَنْ: يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِيْهِ؛ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَحَدِيْثُه فِي عِدَادِ الحَسَنِ. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ، سُئِلَ عَنْ: سُهَيْلٍ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُهم بِحُجَّةٍ. قِيْلَ لَهُ: فَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو؟ قَالَ: هُوَ فَوْقَهُم. قُلْتُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ مَقْرُوْناً بِآخَرَ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: ابْنُ عَجْلاَنَ أَوثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو. فَقَالَ: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَسُئِلَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: تُرِيْدُ العَفْوَ أَوْ نُشِدِّدَ؟ قَالَ: بَلْ شَدِّدْ. قَالَ: لَيْسَ مِمَّنْ تُرِيْدُ.   (*) تاريخ خليفة (420) ، طبقات خليفة (270) ، التاريخ الكبير 1 / 191 - 192، البيان والتبيين 3 / 142، الجرح والتعديل 8 / 30، مشاهير علماء الأمصار (133) ، الكامل في التاريخ 5 / 528، تهذيب الكمال: (1251) ، ميزان الاعتدال 3 / 673 - 674، العبر 1 / 205، الوافي بالوفيات 4 / 289، تهذيب التهذيب 9 / 375 - 377، خلاصة تذهيب الكمال 354، شذرات الذهب 1 / 217. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 قَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ يُشتَهَى حَدِيْثُه. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي (المُوَطَّأِ) ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، خَطِئَ طَرِيْقَ الجَنَّةِ (1)) . مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ سنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَدْ حَدَّثَ بِالعِرَاقِ. 47 - عُرْوَةُ بنُ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيُّ الأُرْدُنِيُّ * (د، س، ق) الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو القَاسِمِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - فَقِيْلَ: سَمِعَ مِنْهُ -. وَعَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ. وَأَرْسَلَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى   (1) إسناده حسن، وذكره السخاوي في " القول البديع " ص 146، ونسبه للبيهقي في " شعب الايمان " و" السنن الكبرى " وابن الجراح في الخامس من أماليه، والرشيد العطار وقال: إسناده حسن. وله شاهد مرسل بسند جيد عند إسماعيل القاضي رقم (41) وآخر من حديث ابن عباس عند ابن ماجه رقم (809) وفي سنده جبارة بن مغلس وهو ضعيف. وقوله: خطئ، يقال خطئ بمعنى أخطأ. وقيل: خطئ إذا تعمد، وأخطأ إذا لم يتعمد. (*) طبقات ابن سعد 7 / 165، تاريخ خليفة 415، طبقات خليفة (312) ، التاريخ الكبير 7 / 33، التاريخ الصغير 2 / 36، الجرح والتعديل 6 / 396، ثقات ابن حبان 3 / 189، مشاهير علماء الأمصار 113، حلية الأولياء 6 / 120 - 124، الكامل في التاريخ 5 / 463، تهذيب الكمال (932) ، تهذيب التذهيب 7 / 179 - 180، خلاصة تذهيب الكمال (265) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 بنُ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ سَابُوْرَ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَامَّةُ حَدِيْثِه مَرَاسِيْلُ. وَيُقَالُ: سَمِعَ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. 48 - عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ بنُ مُعَاوِيَةَ البَجَلِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ عَمَّارُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَسْلَمَ البَجَلِيُّ، ثُمَّ الدُّهْنِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَفِي بَنِي عَبْدِ القَيْسِ أَيْضاً: دُهْنُ بنُ عُذْرَةَ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ الَّذِي لَهُ رُؤْيَةٌ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِسْرَائِيْلُ، وَشَرِيْكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَوَلَدُه؛ مُعَاوِيَةُ بنُ عَمَّارٍ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: مُطَيَّنٌ. 49 - عُمَارَةُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ البَصْرِيُّ ** (خَ، 4) العَتَكِيُّ مَوْلاَهُم، ابْنُ عَمِّ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ.   (*) التاريخ الكبير 7 / 28، الجرح والتعديل 6 / 390، ثقات ابن حبان 3 / 206، تهذيب الكمال (1001) ، ميزان الاعتدال 3 / 170، تهذيب التهذيب 7 / 406 - 407، خلاصة تذهيب الكمال (279) ، شذرات الذهب 1 / 191. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 21، تاريخ خليفة (405) ، طبقات خليفة (216) ، تاريخ البخاري 6 / 502 - 503، الجرح والتعديل 6 / 363، مشاهير علماء الأمصار (155) ، تهذيب الكمال (1002) ، تهذيب التهذيب 7 / 415، خلاصة تذهيب الكمال (280) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَأَبِي مِجْلَزٍ لاَحِقٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالحَسَنِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَمَا لَحِقَ وَلَدُه حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ السَّمَاعَ مِنْهُ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 50 - عُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ * (م، 4) ابْنِ عَمْرِو بنِ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، البُخَارِيُّ، المَازِنِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. عَنْ: أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: بَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَضَعَّفَه، وَلَمْ يُصِبْ. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) تارخ خليفة (419) ، طبقات خليفة (266) ، التاريخ الكبير 6 / 503، الجرح والتعديل 6 / 368، مشاهير علماء الأمصار (135) ، تهذيب الكمال (1006) ، ميزان الاعتدال 3 / 178، تهذيب التهذيب 7 / 422 - 423، خلاصة تذهيب الكمال (280) ، شذرات الذهب 1 / 108. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 51 - عُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ بنِ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) مُكْثِرٌ عَنْ: أَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيِّ. وَرَوَى عَنْ: أَخْنَسَ بنِ خَلِيْفَةَ. رَوَى عَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَشَرِيْكٌ، وَجَرِيْرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عَمِّه عَبْدِ اللهِ بنِ شُبْرُمَةَ وَأَفَضْلَ. 52 - عَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ ** (ع) هُوَ عَطَاءُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ المُحَدِّثُ، الوَاعِظُ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ وَالقُدْسِ. أَرْسَلَ عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَنَافِعٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى إِنَّ شَيْخَه عَطَاءً حَدَّثَ عَنْهُ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، لَكِنْ لَمْ يَلْقَ ابْنَ   (*) التاريخ الكبير 6 / 501، التاريخ الصغير: 2 / 79، الجرح والتعديل 6 / 368، تهذيب الكمال (1006) ، تهذيب التهذيب 7 / 423 - 424، خلاصة تهذيب الكمال 280 - 281. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 379، تاريخ خليفة (410) ، طبقات خليفة (313) ، التاريخ الكبير 6 / 474، التاريخ الصغير 2 / 37، كتاب المجروحين: 2 / 130، الجرح والتعديل 6 / 334 - 335، تهذيب الكمال (941) ، تاريخ الإسلام 5 / 279 - 280، ميزان الاعتدال 3 / 73 - 75، العبر 1 / 182، تهذيب التهذيب 7 / 212 - 215، مقدمة فتح الباري (424) ، النجوم الزاهرة 1 / 331، طبقات الحفاظ (60) ، خلاصة تذهيب الكمال (267) ، العقد الثمين: 1 / 379، شذرات الذهب 1 / 192 - 193. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 عَبَّاسٍ -يَعْنِي: أَنَّهُ يُدَلِّسُ-. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ عَطَاءُ بنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَطَاءُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ أَبُو أَيُّوْبَ، عَطَاءُ بنُ عَبْدِ اللهِ، بَلْخِيٌّ، سَكنَ الشَّامَ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ عَطَاءُ بنُ مَيْسَرَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، مَعْرُوْفٌ بِالفَتْوَى وَالجِهَادِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَكَانَ نَسِيّاً. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ فَاتَنِي عَامَّةُ الصَّحَابَةِ. وذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي (الضُّعَفَاءِ) ، وَالعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي (عِلَلِهِ) : قَالَ مُحَمَّدٌ -يَعْنِي البُخَارِيَّ-: مَا أَعْرِفُ لِمَالِكٍ رَجُلاً يَرْوِي عَنْهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيْثُه غَيْرَ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ. قُلْتُ: مَا شَأْنُه؟ قَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مَقْلُوْبَةٌ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ مِثْلُ مَالِكٍ، وَمَعْمَرٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ تَكَلَّمَ فِيْهِ. قِيْلَ: إِنَّ الَّذِي فِي تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ نُوْحٍ مِنْ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) هُوَ عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ هُوَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ (1) . فَعَلَى هَذَا لاَ شَيْءَ   (1) بل هو عطاء الخراساني. فقد أخرج عبد الرزاق الحدييث في تفسيره عن ابن جريج، فقال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس..وقال أبو مسعود الدمشقي ثبت هذا الحديث في تفسير ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس. وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنما أخذه عن ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه. وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في " العلل " عن علي بن المديني قال: سألت يحيى القطان عن حديث ابن جريج، عن عطاء الخراساني، فقال: ضعيف، فقلت: إنه يقول: أخبرنا؟ قال: لا شيء. إنما هو كتاب دفعه إليه. قال الحافظ في " الفتح " 8 / 511: وكان ابن جريج يستجيز إطلاق " أخبرنا " في المناولة = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 لِلْخُرَاسَانِيِّ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَصلُه مِنْ بَلْخَ، وَعِدَادُه فِي البَصْرِيِّينَ، وَإِنَّمَا قِيْلَ لَهُ: الخُرَاسَانِيُّ؛ لأَنَّهُ دَخَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَأَقَامَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيْءَ الحِفْظِ، كَثِيْرَ الوَهمِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِه، بَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ فِيْهِ نَظَرٌ. عُثْمَانُ بنُ عَطَاءٍ: عَنْ أَبِيْهِ: أَوثَقُ عَمَلِي فِي نَفْسِي نَشرُ العِلْمِ، وَكَانَ يَجْلِسُ أَبِي مَعَ المسَاكِيْنِ، فَيُعَلِّمُهُم، وَيُحَدِّثُهُم. قَالَ يَزِيْدُ بنُ سَمُرَةَ: سَمِعْتُ عَطَاءً الخُرَاسَانِيَّ يَقُوْلُ: مَجَالِسُ الذِّكرِ هِيَ مَجَالِسُ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ: مَنْ أَيْنَ مَعَاشُكَ؟ قَالَ: مَنْ صِلَةِ الإِخْوَانِ، وَجَوَائِزِ السُّلْطَانِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ: كُنَّا نُغَازِي عَطَاءً الخُرَاسَانِيَّ، وَنَنزِلُ   = والمكاتبة. وقال الاسماعيلي: أخبرت عن علي بن المديني، أنه ذكر في تفسير ابن جريج كلاما معناه، أنه كان يقول: عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، فطال على الوراق أن يكتب " الخراساني " في كل حديث فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح. قال الحافظ، وأشار بهذه القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني، ونبه عليها أبو علي الجياني في " تقييد المهمل " قال ابن المديني: سمعت هشام بن يوسف يقول: قال لي ابن جريج: سألت عطاء عن التفسير من البقرة، وآل عمران ثم قال: اعفني من هذا. قال: قال هشام: فكان بعد إذا قال: قال عطاء عن ابن عباس، قال: عطاء الخراسان. قال هشام: فكتبنا ثم مللنا. يعني كتبنا الخراساني. قال ابن المديني: وإنما بينت هذا لان محمد بن ثور كان يجعلها في روايته عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، فيظن أنه عطاء بن أبي رباح. وانظر تمام الكلام في مقدمة " الفتح " 373 - 374. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 مُتَقَارِبِيْنَ، فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ، ثُمَّ يُخْرِجُ رَأْسَه مِنْ خَيمَتِه، فَيَقُوْلُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! يَا هِشَامَ بنَ الغَازِ! يَا فُلاَنُ! قِيَامُ اللَّيلِ، وَصِيَامُ النَّهَارِ أَيسَرُ مِنْ شُرْبِ الصَّدِيْدِ، وَلُبْسِ الحَدِيْدِ، وَأَكلِ الزَّقُّومِ، وَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ! قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: تُوُفِّيَ بِأَرِيْحَا، وَدُفِنَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ. وَقَالَ ابْنُهُ عُثْمَانُ: مَاتَ أَبِي سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَوْلِدُه سَنَةَ خَمْسِيْنَ. 53 - أَيُّوْبُ أَبُو العَلاَءِ القَصَّابُ الوَاسِطِيُّ * (د، ت، س) وَهُوَ أَيُّوْبُ بنُ مِسْكِيْنٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي مِسْكِيْنٍ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي أَهْلِ وَاسِطَ. حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شُبْرُمَةَ. وَمَاتَ: فِي الكُهُولَةِ، قَبْلَ انْتِشَارِ حَدِيْثِه. رَوَى عَنْهُ: هُشَيْمٌ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَأَرَخَّ يَزِيْدُ وَفَاتَه: فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. فَلَوْلاَ قِدَمُ مَوْتِهِ لأُخِّرَ إِلَى طَبَقَةِ الحَمَّادَيْنِ. 54 - حَبِيْبٌ العَجَمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ ** (بَخ) زَاهِدُ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَعَابِدُهُم، أَبُو مُحَمَّدٍ. رَوَى عَنْ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَالفَرَزْدَقِ شَيْئاً يَسِيْراً.   (*) طبقات خليفة: (326) ، التاريخ الكبير 1 / 423، التاريخ الصغير 2 / 50، الجرح والتعديل 2 / 259، تهذيب الكمال 139، تهذيب التهذيب 1 / 411، خلاصة تذهيب الكمال (43) ، تاريخ الإسلام 5 / 231. (* *) مشاهير علماء الأمصار (152) ، حلية الأولياء 6 / 149 - 155، تهذيب الكمال (230) ، تاريخ الإسلام 5 / 233 - 234، اللباب 2 / 326، تهذيب التهذيب 2 / 189، خلاصة تذهيب الكمال (71) . ولم يرمز له في الأصل بشيء، وما أثبتناه عن المراجع التي ترجمت له، وقد تحرفت في تاريخ المؤلف المطبوع إلى " خ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وَعَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، تُؤثَرُ عَنْهُ كَرَامَاتٌ وَأَحوَالٌ، وَكَانَ لَهُ دُنْيَا، فَوَقَعَتْ مَوْعِظَةُ الحَسَنِ فِي قَلْبِهِ، فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَقَنِعَ بِاليَسِيْرِ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِيْنُ. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ حَبِيْبٌ يُرَى بِالبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَيُرَى بِعَرَفَةَ مِنَ الغَدِ (1) . قُلْتُ: سُقتُ مِنْ أَخْبَارِه فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) . وَذَكَرَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (تَارِيْخِهِ) . 55 - الحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ النَّخَعِيُّ * (م، 4) الفَقِيْهُ، أَبُو عُرْوَةَ النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَشَقِيْقٍ أَبِي وَائِلٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. رَوَى عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ   (1) الكرامة حق لا يدفع، يختص الله بها من عباده من يشاء، وخوارق العادة لا تستعصي على الله تعالى. ولكن إثبات ذلك يحتاج إلى دليل يفيد اليقين، وهو هنا متعذر. على أن في سند القصة عبد الرحمن بن واقد راويها عن ضمرة كما في " الحلية " 6 / 154، وقد قال فيه ابن عدي: يحدث بالمناكير عن الثقات. (*) طقبات خليفة (165) ، التاريخ الكبير 2 / 297، الجرح والتعديل 3 / 23، مشاهير علماء الأمصار (163) ، تهذيب الكمال (267) ، تاريخ الإسلام 5 / 236، تهذيب التهذيب 2 / 292 - 293، خلاصة تذهيب الكمال (79) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 بنُ إِدْرِيْسَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. لَهُ: قَرِيْبٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 56 - خُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخِضْرَمِيُّ * (4) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَوْنٍ الخِضْرَمِيُّ - بِكَسرِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ - الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ. رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. وَسَمِعَ: مُجَاهِداً، وَسَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَبَقَتَهُم. رَوَى عَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَشَرِيْكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَعَتَّابُ بنُ بَشِيْرٍ، وَمَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُعَمَّرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَيِّئُ الحِفْظِ. قَالَ خُصَيْفٌ: قَالَ لِي مُجَاهِدٌ: يَا أَبَا عَوْنٍ! أَنَا أُحِبُّكَ فِي اللهِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حِرَاشٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَبُو فَرْوَةَ: وَلِيَ خُصَيْفٌ بَيْتَ المَالِ. وَعَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَانَ مُتَمَكِّناً مِنَ الإِرْجَاءِ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ: كَانَ مِنْ صَالِحِي النَّاسِ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 180، طبقات خليفة (319) التاريخ الكبير 3 / 228، التاريخ الصغير 2 / 46، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 287، تهذيب الكمال (373) تاريخ الإسلام 5 / 240 - 241، ميزان الاعتدال 1 / 653 - 654، تهذيب التهذيب 3 / 143 - 144، خلاصة تذهيب الكمال (108) شذرات الذهب 1 / 206. (1) إن كان المراد من وصفه بالارجاء - وهو الذي يغلب على الظن - أنه لا يقول بزيادة الايمان ونقصانه، ولا يقول بدخول العمل بحقيقة الايمان ومسماه، كما هو مذهب غير واحد من العلماء، فلا يعد قدحا في حقه، كما هو المنصوص عليه في كتب الجرح والتعديل. لكن خصيفا ضعيف لسوء خفظه وتخليطه في آخر عمره، وهذا علة الضعف فيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 قَالَ النُّفَيْلِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ عَتَّابُ بنُ بَشِيْرٍ، وَالبُخَارِيُّ: سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضاً: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، تَكَلَّمَ فِي الإِرْجَاءِ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كُنَّا نَجتَنِبُ خُصَيْفاً. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ: رَأَيْتُ عَلَى خُصَيْفٍ ثِيَاباً سُوداً، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ. قُلْتُ: حَدِيْثُه يَرتَقِي إِلَى الحَسَنِ. قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بنُ بَشِيْرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا شَكَكْتَ فِي صَلاَتِكَ فِي ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَأَكْبَرُ ظَنِّكَ عَلَى أَرْبَعٍ، سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمْتَ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّكَ عَلَى ثَلاَثٍ، فَصَلِّ رَكْعَةً، ثُمَّ تَشَهَّدْ، ثُمَّ اسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ سَلِّمْ (1)) . لَوْ صَحَّ هَذَا، لَكَانَ فِيْهِ فَرَجٌ عَنْ ذَوِي الوَسوَاسِ.   (1) إسناده ضعيف لضعف خصيف، ولا نقطاعه، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وهو في سنن أبي داود (1028) في الصلاة، باب: من يتم على أكبر ظنه عن خصيف، عن أبي عبيدة به وأعله أبو داود بأن عبد الواحد وسفيان وشريكا وإسرائيل أو قفوه على ابن مسعود، ولم يرفعوه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 57 - وَاهِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الكَعْبِيُّ المَعَافِرِيُّ * الشَّيْخُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الكَعْبِيُّ، المَعَافِرِيُّ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُتْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَحَسَّانِ بنِ كُرَيْبٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَرَجَاءُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ، وَضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. وَخَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) . عُمِّرَ دَهْراً. وَتُوُفِّيَ: بِبَرْقَةَ، فِي سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، بِبَرْقَةَ. 58 - زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ المَدَنِيُّ ** (خَ، 4) ابْنِ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ، الإِمَامُ، أَبُو عُقَيْلٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: جَدِّه؛ عَبْدِ اللهِ الصَّحَابِيِّ. وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 190، الجرح والتعديل 9 / 46 - 47، ثقات ابن حبان 3 / 279، مشاهير علماء الأمصار (121) ، تهذيب الكمال (1463) ، تاريخ الإسلام 5 / 311، تهذيب التهذيب 11 / 108، خلاصة تذهيب الكمال 419. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 515، طبقات خليفة (294) التاريخ الكبير 3 / 443، الجرح والتعديل 3 / 615، تهذيب الكمال (435) ، تاريخ الإسلام 5 / 251، تهذيب التهذيب 3 / 341 - 342. خلاصة تذهيب الكمال 122، شذرات الذهب 1 / 192. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 وَكَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الأَبْدَالِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، لِجَدِّه صُحْبَةٌ. ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَ لَهُ: أَيْنَ تَسكُنُ؟ قُلْتُ: بِالفُسْطَاطِ. قَالَ: تَسكُنُ الخَبِيْثَةَ المُنتِنَةَ، أُفٍّ! وَتَذَرُ الطَّيِّبَةَ؛ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ! فَإِنَّك تَجْمَعُ بِهَا دُنْيَا وَآخِرَةً طَيِّبَةَ المَوْطَأِ، وَدِدْتُ أَنَّ قَبْرِي يَكُوْنُ بِهَا. وَرَوَى نَحْوَهُ: ضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ زُهْرَةَ. تُوُفِّيَ زُهْرَةُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ. 59 - عَبْدُ الحَمِيْدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ * (خَ، م، د، س) مِنْ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ الجِلَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. 60 - عُثْمَانُ البَتِّيُّ أَبُو عَمْرٍو ** (4) فَقِيْهُ البَصْرَةِ، أَبُو عَمْرٍو، بَيَّاعُ البُتُوْتِ (1) . اسْمُ أَبِيْهِ: مُسْلِمٌ، وَقِيْلَ: أَسْلَمُ،   (*) الجرح والتعديل 6 / 12، ثقات ابن حبان 3 / 248، تهذيب الكمال (767) ، تاريخ الإسلام 5 / 270، تهذيب التهذيب 6 / 114، خلاصة تهذيب الكمال (222) . (* *) طبقات ابن سعد 7 / 21، التاريخ الكبير 6 / 215، الجرح والتعديل 6 / 145، تهذيب الكمال (925) ، تاريخ الإسلام 5 / 276، ميزان الاعتدال 3 / 59 - 60، تهذيب التهذيب 7 / 153 - 154، خلاصة تهذيب الكمال (262) . (1) البتوت: الاكسية الغليظة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 وَقِيْلَ: سُلَيْمَانُ. وَأَصلُه مِنَ الكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ سَلَمَةَ، وَالحَسَنِ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَهُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، فِيْمَا نَقَلَهُ عَبَّاسٌ عَنْهُ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَهُ أَحَادِيْثُ، كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَفِقْهٍ. 61 - جَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ ابْنِ الأَمِيْرِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ الكِنْدِيُّ * (ع) الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، أَبُو شُرَحْبِيْلَ الكِنْدِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ بنِ كِلاَبٍ. سَكنَ مِصْرَ، أَوْ وُلِدَ بِهَا. وَقَدْ أَدْرَكَ وَالِدُه رَبِيْعَةُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَآهُ، وَرَأَى جَعْفَرٌ عَبْدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي الخَيْرِ مَرْثَدٍ اليَزَنِيِّ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَالأَعْرَجِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ - وَهُوَ الأَصَحُّ -. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: شَبَابٌ.   (*) طبقات خليفة (295) ، التاريخ الكبير 2 / 190، التاريخ الصغير: 2 / 40، الجرح والتعديل 2 / 478، مشاهير علماء الأمصار 187، تهذيب الكمال: (195) ، تاريخ الإسلام 5 / 223، تهذيب التهذيب 2 / 90 - 92، خلاصة تذهيب الكمال 62 - 63، شذرات الذهب 1 / 192. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 62 - أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ * (ع) ابْنِ نَوْفَلِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ نَوْفَلِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ، الإِمَامُ، أَبُو الأَسْوَدِ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، يَتِيْمُ عُرْوَةَ. وَكَانَ أَبُوْهُ أَوْصَى بِهِ إِلَى عُرْوَةَ، وَكَانَ جَدُّه أَحَدَ السَّابِقِيْنَ، وَمِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ - أَعْنِي نَوْفَلاً - وَبِأَرْضِ الحَبَشَةِ تُوُفِّيَ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُوْنَ وَلَدُه عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. نَزَلَ أَبُو الأَسْوَدِ مِصْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا بِكِتَابِ (المَغَازِي) لِعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ مِنَ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ. عِدَادُه فِي صِغَار التَّابِعِيْنَ. مَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 63 - مُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ ** (ع) العَابِدُ، أَحَدُ العُلَمَاءِ العَابِدِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَزَائِدَةُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ،   (*) التاريخ الكبير 1 / 145، الجرح والتعديل 7 / 321، تهذيب الكمال (1232) ، تاريخ الإسلام 5 / 296، تهذيب التهذيب 9 / 307 - 308، خلاصة تذهيب الكمال 348 - 349 (* *) التاريخ الكبير 7 / 289، الجرح والتعديل 8 / 156، مشاهير علماء الأمصار 105، تهذيب الكمال (1390) ، تاريخ الإسلام 5 / 307، تهذيب التهذيب 10 / 352 - 353، خلاصة تذهيب الكمال 391. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُه، ذَكَرتُ اللهَ. وَقَالَ القَطَّانُ: كَانَ يُحسِنُ سُفْيَانُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ جَاراً لِمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: مَا رَفَعتُ رَأْسِي قَطُّ إِلاَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي. 64 - بُرْدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو العَلاَءِ الدِّمَشْقِيُّ * (4) الفَقِيْهُ، أَبُو العَلاَءِ الدِّمَشْقِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَالحَمَّادَانِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا شَامِيٌّ خَيْرٌ مِنْ بُرْدٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هَرَبَ بُرْدٌ مِنْ مَرْوَانَ الحِمَارِ إِلَى البَصْرَةِ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ بُرْدٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 65 - حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ البَاهِلِيُّ البَصْرِيُّ ** (خَ، م، د، س، ق) الأَحْوَلُ، الحَافِظُ.   (*) طبقات خليفة (315) ، التاريخ الكبير 2 / 134، التارخ الصغير: 2 / 37، الجرح والتعديل 2 / 422، مشاهير علماء الأمصار 156، تهذيب الكمال (141) ، تاريخ الإسلام 5 / 231، تهذيب التهذيب 1 / 428 - 429، خلاصة تذهيب الكمال (46) ، شذرات الذهب 1 / 192. (* *) التاريخ الكبير 2 / 372 - 373، الجرح والتعديل 3 / 158، تهذيب الكمال (233) ، تاريخ الإسلام 5 / 235، ميزان الاعتدال 1 / 461، تهذيب التهذيب 2 / 199 - 200، خلاصة تذهيب الكمال (72) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالفَرَزْدَقِ، وَقَتَادَةَ - وَلاَزَمَه - وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالحِفْظِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ - رَفِيْقُه - وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - تِلْمِيْذُه - وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: فِي الكُهُولَةِ، بِالبَصْرَةِ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 66 - أَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ الوَاسِطِيُّ * (ع) ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. قِيْلَ: اسْمُهُ: يَحْيَى بنُ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: نَافِعٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي العَالِيَةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي عُمَرَ زَاذَانَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَرَوْحُ بنُ القَاسِمِ، وَشَرِيْكٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَآخَرُوْنَ. وَاحْتَجُّوا بِهِ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيْثُه. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 67 - الحَسَنُ بنُ الحُرِّ النَّخَعِيُّ ** (د، س) أَوِ الجُعْفِيُّ، كُوْفِيٌّ، إِمَامٌ، عَابِدٌ، سَكَنَ دِمَشْقَ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 271، الجرح والتعديل 9 / 140، اللباب 2 / 36، تهذيب الكمال (1660) ، تاريخ الإسلام 5 / 196، تهذيب التهذيب 12 / 261 - 262، خلاصة تذهيب الكمال (462) (* *) التاريخ الكبير 2 / 290، الجرح والتعديل 3 / 8، مشاهير علماء الأمصار 164، تهذيب الكمال (254) ، تاريخ الإسلام 5 / 235، تهذيب التهذيب 2 / 261 - 262، خلاصة تذهيب الكمال (77) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، وَخَالِه؛ عَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: اقْتَرَضَ أَبِي مِنَ الحَسَنِ بنِ الحُرِّ أَلْفاً، ثُمَّ وَجَّهَ بِهَا إِلَيْهِ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: اشْتَرِ بِهَا لِزُهَيْرٍ سُكَّراً. وَقَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: كَانَ الحَسَنُ بنُ الحُرِّ إِذَا مَرَّ بِهِ مَنْ يَبِيْعُ مِلْحاً، أَوْ مَنْ رَأْسُ مَالِه نَحْوُ دِرْهَمَيْنِ، فَيُعْطِيْهِ خَمْسَةً، يَقُوْلُ: اجْعَلْهَا رَأْسَ مَالِكَ. وَخَمْسَةً أُخْرَى، فَيَقُوْلُ: خُذْ بِهَا دَقِيْقاً وَتَمراً. وَخَمْسَةً أُخْرَى، فَيَقُوْلُ: خُذْ بِهَا قُطناً لِلْمَرْأَةِ. قَالَ مُحْرِزُ بنُ حُرَيْثٍ: كَتَبَ الحَسَنُ بنُ الحُرِّ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: إِنِّي كُنْتُ أُقَسِّمُ زَكَاتِي، فَلَمَّا وُلِّيتَ، رَأَيْتُ أَنْ أَسْتَأمِرَكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: ابْعَثْ بِهَا إِلَيْنَا، وَسَمِّ لَنَا إِخْوَانَكَ، نُغنِهِم عَنْكَ. قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ المَالِ، سَخِيّاً، مُتَعَبِّداً. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ العِرَاقِ مِثْلُ الحَسَنِ بنِ الحُرِّ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَكَانَا شَرِيْكَيْنِ. وَقَالَ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَيُنسَبُ إِلَى جَدِّه، فَيُقَالُ: الحَسَنُ ابْنُ الحَكَمِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مَوْلَى لِبَنِي الصَّيْدَاءِ؛ قَوْمٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. مَاتَ: سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 68 - الجُرَيْرِيُّ أَبُو مَسْعُوْدٍ سَعِيْدُ بنُ إِيَاسٍ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مَسْعُوْدٍ سَعِيْدُ بنُ إِيَاسٍ الجُرَيْرِيُّ، البَصْرِيُّ، مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ.   (*) التاريخ الكبير 3 / 456 - 457، التاريخ الصغير 2 / 78، الجرح والتعديل 4 / 1 - 2، مشاهير علماء الأمصار 153، اللباب 1 / 276، تهذيب الكمال 479، تاريخ الإسلام 6 / 69، تذكرة الحفاظ 1 / 155، ميزان الاعتدال 2 / 127، تهذيب التهذيب 4 / 5 - 7، خلاصة تذهيب الكمال 136. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 رَوَى عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مُحَدِّثُ البَصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَبْلَ مَوْتِه. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ: لاَ نَكذِبُ اللهَ! سَمِعنَا مِنَ الجُرَيْرِيِّ، وَهُوَ مُختَلِطٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ: أَكَانَ الجُرَيْرِيُّ اخْتُلِطَ؟ قَالَ: لاَ، كَبِرَ الشَّيْخُ، فَرَقَّ. قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ الجُرَيْرِيَّ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ) . فَلَمَّا خَرَجتُ، قَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ (1) . فَرَجَعتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ. وَرَوَى: ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ كَهْمَسٍ، قَالَ: أَنْكَرْنَا الجُرَيْرِيَّ قَبْلَ الطَّاعُوْنِ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ مِنَ الجُرَيْرِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ،   (1) أخرجه البخاري 2 / 88 و89 في الاذان، باب: كم بين الاذان والاقامة، من حديث خالد بن عبد الله الطحان، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن عبد الله بن مغفل المزني " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بين كل أذانين صلاة، ثلاثا، لمن شاء " وخالد ممن سمع من الجريري بعد اختلاطه. لكن أخرجه الاسماعيلي من رواية، يزيد بن زريع، وعبد الأعلى، وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه. وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا. وقد قال العجلي: إنه من أصحهم سماعا من الجريري، وإنه سمع منه قبل اختلاطه بثماني سنين، وهو عند أبي داود (1283) عن ابن علية. ولم ينفرد به مع ذلك الجريري، بل تابعه عليه كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عند البخاري 2 / 91، ومسلم (838) ، والترمذي (135) ، والنسائي 2 / 28. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 وَهِيَ أَوَّلُ دُخُوْلِي البَصْرَةَ، وَلَمْ نُنكِرْ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ قَدْ قِيْلَ لَنَا: إِنَّهُ قَدِ اخْتُلِطَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ بَعْدَنَا. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: سَمِعَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مِنَ الجُرَيْرِيِّ، وَكَانَ لاَ يَرْوِي عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يُقَدِّمُ الجُرَيْرِيَّ عَلَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ؛ لأَنَّهُ كَانَ يُخَاصِمُ القَدَرِيَّةَ، وَكَانَ أَيُّوْبُ لاَ يُعجِبُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُم. وَقَالَ: وَمِنْ غَرَائِبِ الجُرَيْرِيِّ حَدِيْثُ مُسْلِمٍ: (إِذَا بُوْيِعَ لِخَلِيْفَتَيْنِ، فَاقْتُلِ الأَحْدَثَ مِنْهُمَا (1)) ، وَحَدِيْثُ: (لاَ تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّهَا تَحِيَّةُ المَيِّتِ (2)) . وَقَدْ رَوَيَا لَهُ فِي   (1) أخرجه مسلم (1853) في الامارة، باب: إذا بويع لخليفتين، من حديث خالد بن عبد الله، عن الجريري، عن أبي نضرة عن أبي سعيد. وفيه " الآخر " بدل " الأحدث ". (2) أخرجه أحمد 3 / 482 من حديث اسماعيل بن إبراهيم، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن أبي تميمة الهجيمي (وقد تحرف إلى الهجيني) قال إسماعيل مرة: عن أبي تميمة الهجيمي، عن رجل من قومه قال: لقيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ... وقد رواه الحاكم في مستدركه 4 / 168 من طريق الجريري، عن أبي السليل، عن أبي تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم الهجيمي، وصححه، ووافقه عليه الذهبي. وأخرجه أبو داود (4084) في اللباس، باب: ما جاء في إسبال الازار من طريق: مسدد، عن يحيى، عن أبي غفار، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي جري جابر بن سليم. وإسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (2723) من طريق الحسن بن علي الخلال عن أبي أسامة، عن أبي غفار به، وقال: حديث حسن صحيح. وقوله: " لا تقل عليك السلام فإنها تحية الميت " قال ابن القيم في مختصر السنن 6 / 49: الدعاء بالسلام دعاء بخير والاحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعو له ; كقوله تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) ، وقوله: (وسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت) وقوله تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم) . وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالبا، كقوله تعالى لابليس: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) وكقوله تعالى: (وإن عليك اللعنة) وكقوله تعالى: (عليهم دائرة السوء) ، وكقوله تعالى: (عليهم غضب، ولهم عذاب شديد) وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إشارة إلى ما جرت منهم في تحية = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَتَحَايَدَا مَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ تَغَيُّرِ حِفْظِه، فَجَرَى لَهُ فِي الشَّيْخُوخَةِ نَظِيْرُ مَا تَمَّ لِسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. تُوُفِّيَ الجُرَيْرِيُّ: سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 69 - رَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ العَبْدِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: صَاحِبُهُ؛ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، مُفَوَّهاً، يُعَدُّ مِنْ رِجَالاَتِ العَرَبِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.   = الأموات، إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم، كقوله: عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء أن يترحما وكقول الشماخ: عليك سلام من أديم وباركت * يد الله في ذاك الاديم الممزق وليس مراده أن السنة في تحية الميت، أن يقال: " عليك السلام " كيف؟ ! وقد ثبت في الصحيح عنه، عليه السلام، أنه دخل المقبرة فقال: " السلام عليكم أهل دار مؤمنين " فقدم الدعاء على اسم المدعو له، كهو في تحية الاحياء، فالسنة لا تختلف في تحية الاحياء والاموات. (*) التاريخ الكبير 3 / 342، الكامل في التاريخ 5 / 377، تهذيب الكمال (420) ، تذهيب التهذيب 1 / 227 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 286 - 287، خلاصة تذهيب الكمال (119) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 70 - الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ أَبُو عَدِيٍّ الهَمْدَانِيُّ اليَامِيُّ * (ع) العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَدِيٍّ الهَمْدَانِيُّ، اليَامِيُّ، الكُوْفِيُّ، قَاضِي الرَّيِّ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيْقٍ، وَالحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ. وَعَنْهُ: مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَمِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَبِشْرُ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ. وَكَانَ فَاضِلاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ. قَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مِنْ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيْمَ. كَانَ مَعَ قُتَيْبَةَ البَاهِلِيِّ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: اتَّقِ اللهَ، لاَ تُقْتَلْ مَعَ قُتَيْبَةَ (1) . يُقَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 71 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُصَيْفَةَ بنِ يَزِيْدَ الكِنْدِيُّ ** (ع) وَخُصَيْفَةُ: هُوَ أَخُو السَّائِبِ؛ ابْنَيْ يَزِيْدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أُخْتِ نَمِرٍ الكِنْدِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَبُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ قُسَيْطٍ.   (*) التاريخ الكبير 3 / 410، التاريخ الصغير 2 / 26 - 27، الجرح والتعديل 3 / 579 - 580، تهذيب الكمال (428 - 429) ، تذهيب التهذيب 1 / 232 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 68، تهذيب التهذيب 3 / 317، خلاصة تذهيب الكمال (121) ، شذرات الذهب 1 / 181. (1) وذلك عندما خلع قتيبة سليمان بن عبد الملك، وخرج عليه. (* *) التاريخ الكبير 8 / 345، الجرح والتعديل 9 / 274، مشاهير علماء الأمصار (135) ، تهذيب الكمال (1535) ، تذهيب التهذيب 4 / 177 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 430، تهذيب التهذيب 11 / 340، خلاصة تذهيب الكمال (432) . وخصيفة بضم الخاء كما في الأصل وضبط خطأ في المطبوع من " التقريب " بالفتح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 وَعَنْهُ: مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثَبْتاً، عَابِداً، نَاسِكاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ بَعْد الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 72 - يَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ الأَزْدِيُّ * (م، د، ت، ق) الدِّمَشْقِيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، وَمَكْحُوْلٍ، وَرُزَيْقِ بنِ حَيَّانَ، وَوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ، ذُكِرَ لِلْقَضَاءِ مَرَّةً، فَإِذَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ القَضَاءِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ. أَجَازَه الوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: لاَ أَعْلَمُ مَكْحُوْلاً خَلَّفَ مِثْلَ يَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ بِالشَّامِ، إِلاَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الجُعْفِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا يَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ، فَذَكَرَ مِنْ بُكَائِهِ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: أَفسَدَ نَفْسَه، خَرَجَ، فَأَعَانَ عَلَى قَتْلِ الوَلِيْدِ، وَأَخَذَ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ.   (*) تاريخ خليفة (411) ، طبقات خليفة (312، 315) التاريخ الكبير 8 / 369، الجرح والتعديل 9 / 296 - 297، مشاهير علماء الأمصار (180) ، تهذيب الكمال (1544) ، تذهيب التهذيب 4 / 182 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 442، تهذيب التهذيب 11 / 370، خلاصة تذهيب الكمال (435) ، شذرات الذهب 1 / 192 التاريخ الصغير 1 / 320، 323. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ حَسَنَ الهَيْئَةِ، حَسَنَ النَّحْوِ، يَقُوْلُوْنَ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ مَكْحُوْلٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَكُنْ لِعَمِّي يَزِيْدَ كِتَابٌ. قَالَ دُحَيْمٌ: مَاتَ مَكْحُوْلٌ، فَأَحْدَقُوا بِيَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ، وَكَانَ رَجُلاً سِكِّيْتاً، فَتَحَوَّلُوا إِلَى سُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، فَأَوسَعَهم عِلْماً. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ زِمِّيتاً (1) ، لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ أَنْ يُسْأَلَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ أَخُوْهُ بَعْدَه ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. 73 - شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ المَدَنِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) المُحَدِّثُ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَكُرَيْبٍ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ: سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحِ) . قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالاَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَدْ جَهِلَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَاتَّهَمَهُ بِالوَضعِ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى عَنْهُ مِثْلُ   (1) الزميت: الحليم، الساكن، القليل الكلام، الوقور، الرزين. (*) تاريخ خليفة (419) ، طبقات خليفة (266) ، التاريخ الكبير 4 / 236، التاريخ الصغير 2 / 213، الجرح والتعديل (4 / 363 - 364) ، ثقات ابن حبان 3 / 111، مشاهير علماء الأمصار (81) ، تهذيب الكمال (582) ، تذهيب التهذيب 2 / 75 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 269 - 270، تهذيب التهذيب 4 / 337 - 338 خلاصة تذهيب الكمال (166) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 مَالِكٍ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّبْتِ كَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ (1) . وَفِي حَدِيْثِ الإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيْقِه أَلْفَاظٌ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . مَاتَ: قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 74 - هَاشِمُ بنُ يَزِيْدَ بنِ خَالِدِ ابْنِ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ السُّفْيَانِيُّ *   (1) شريك صدوق، إلا أنه سيئ الحفظ، فهو يستشهد به في المتابعات، وأما حديث الاسراء الذي أخرجه البخاري من طريقه 13 / 399 - 406 فقد تفرد فيه بأشياء لم يذكرها غيره، وهي معدودة من أوهامه، وهي عشرة أشياء: الأول: أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماء. الثاني: كون المعراج قبل البعثة، الثالث: كونه مناما. الرابع: مخالفته في النهرين. الخامس: مخالفته في محل سدرة المنتهى. السادس: شق الصدر عند الاسراء. السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا. الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى الله عزوجل. التاسع: تصريحه أن امتناعه، صلى الله عليه وسلم، من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة. العاشر: قوله: فعلا به إلى الجبار، فقال وهو في مكانه. وقال عبد الحق الاشبيلي في الجمع بين الصحيحين: زاد شريك في حديث الاسراء زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الاسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى شريك، وشريك ليس بالحافظ. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره 3 / 3: إن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه، ولم يضبطه. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه، صلى الله عليه وسلم، رأى ربه عز وجل يعني قوله: " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى ". وقول عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة، في حملهم هذه الآيات على رؤية جبريل أصح، قال ابن كثير: وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال، نور أنى أراه! وفي رواية " رأيت نورا "، أخرجه مسلم (178) . وقوله (ثم دنا فتدلى) إنما هو جبريل عليه السلام، كما ثبت ذلك في " الصحيحين " عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة. ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بها. (*) انظر ترجمته في تاريخ ابن عساكر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 بَايَعَه بِالخِلاَفَةِ أَهْلُ دِمَشْقَ لَمَّا هَلَكَ السَّفَّاحُ، وَدَعَا عَمُّه إِلَى نَفْسِهِ. فَكَانَ القَائِمَ بِخِلاَفَةِ هَاشِمٍ الأَمِيْرُ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ سُرَاقَةَ الأَزْدِيُّ. فَلَمَّا أَقْبَلَ لِحَرْبِهِ صَالِحٌ عَمُّ المَنْصُوْرِ، هَرَبَ هَاشِمٌ وَابْنُ سُرَاقَةَ. وَكَانَ ابْنُ سُرَاقَةَ قَدْ شَتَمَ بَنِي العَبَّاسِ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ؛ لأَفَاعِيْلِهِم، وَسَفكِهِمُ الدِّمَاءَ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ سُرَاقَةَ اسْتَنَابَه عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ عَلَى دِمَشْقَ، فَلَمَّا سَبَّهُم، عُزِلَ، وَجَاءَ عَلَى نِيَابَةِ دِمَشْقَ مُقَاتِلُ بنُ حَكِيْمٍ، فَظَفِرَ بِابْنِ سُرَاقَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَه. وَلَمْ يَبلُغْنَا مَا جَرَى لِهَاشِمٍ. ذَكَرَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ. 75 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ البَحْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ * عَمُّ السَّفَّاحِ وَالمَنْصُوْرِ، مِنْ رِجَالِ العَالِمِ، وَدُهَاةِ قُرَيْشٍ. كَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، جَبَّاراً، عَسُوْفاً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ. بِهِ قَامتِ الدَّولَةُ العَبَّاسِيَّةُ. سَارَ فِي أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً أَوْ أَكْثَرَ، فَالْتَقَى الخَلِيْفَةَ مَرْوَانَ بِقُربِ المَوْصِلِ، فَهَزَمَه، وَمَزَّقَ جُيُوْشَه، وَلَجَّ فِي طَلَبِه، وَطَوَى البِلاَدَ، حَتَّى نَازَلَ دَارَ المُلْكِ دِمَشْقَ، فَحَاصَرَهَا أَيَّاماً، وَأَخَذَهَا بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ بِهَا إِلَى الظُّهْرِ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ مُسْلِمٍ مِنَ الجُنْدِ وَغَيْرِهِم، وَلَمْ يَرقُبْ فِيْهِم إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً، وَلاَ رَعَى رَحِماً، وَلاَ نَسَباً. ثُمَّ جَهَّزَ فِي الحَالِ أَخَاهُ دَاوُدَ بنَ عَلِيٍّ فِي طَلَبِ مَرْوَانَ، إِلَى أَنْ أَدْرَكَه بِقَرْيَةِ بُوْصِيْرَ، مِنْ بِلاَد مِصْرَ، فَبَيَّتَه، فَقَاتَلَ المِسْكِيْنُ حَتَّى قُتِلَ، وَهَرَبَ ابْنَاهُ إِلَى بِلاَدِ الحَبَشَةِ، وَانتَهَتِ الدَّولَةُ الأُمَوِيَّةُ. وَلَمَّا مَاتَ السَّفَّاحُ، زَعَمَ عَبْدُ اللهِ أَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِه، وَبَايَعَه أُمَرَاءُ الشَّامِ، وَبُوْيِعَ   (*) المحبر ص 485، وأخباره منثورة في الطبري الجزء السابع، تاريخ بغداد 10 / 8 - 9، وفي الكامل في الجزء الخامس، وفي البداية والنهاية لابن كثير. وفي البيان والتبيين 1 / 335 و2 / 210 و3 / 167، والنجوم الزاهرة 2 / 7. سير 6 / 11 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 المَنْصُوْرُ بِالعِرَاقِ، وَنَدَبَ لِحَربِ عَمِّهِ صَاحِبَ الدَّعوَةِ أَبَا مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيَّ، فَالْتَقَى الجَمْعَانِ بِنَصِيْبِيْنَ، فَاشتَدَّ القِتَالُ، وَقُتِلَتِ الأَبْطَالُ، وَعَظُمَ الخَطْبُ، ثُمَّ انْهَزَمَ عَبْدُ اللهِ فِي خَوَاصِّه، وَقَصَدَ البَصْرَةَ، فَأَخفَاهُ أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ مُدَّةً، ثُمَّ مَا زَالَ المَنْصُوْرُ يُلحُّ حَتَّى أَسلَمَه، فَسَجَنَهُ سَنَوَاتٍ. فَيُقَالُ: حَفَرَ أَسَاسَ الحَبسِ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ المَاءَ، فَوَقَعَ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ - فَالأَمْرُ للهِ -. 76 - رُؤْبَةُ بنُ العَجَّاجِ التَّمِيْمِيُّ الرَّاجِزُ * مِنْ أَعرَابِ البَصْرَةِ. وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَالنَّسَّابَةَ البَكْرِيَّ. وَرَوَى عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَ رَأْساً فِي اللُّغَةِ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ خَلَفٌ الأَحْمَرُ: سَمِعْتُ رُؤِبَةَ يَقُوْلُ: مَا فِي القُرْآنِ أَعرَبُ مِنْ قَوْلِه تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحِجْرُ: 92] . قَالَ النَّسَائِيُّ فِي رُؤْبَةَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرُؤْبَةُ - بِالهَمْزِ -: قِطعَةٌ مِنْ خَشَبٍ، يُشَعَّبُ بِهَا الإِنَاءُ، جَمعُهَا: رِئَابٌ. وَالرُّوْبَةُ - بِوَاوٍ -: خَمِيْرَةُ اللَّبَنِ. وَالرُّوْبَةُ أَيْضاً: قِطعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. 77 - سُلَيْمَانُ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْرُ عَمُّ المَنْصُوْرِ ** (س، ق) رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعِكْرِمَةَ.   (*) البيان والتبيين 1 / 37، 40، 68، 2 / 9، 13، 97، و3 / 10، 211 و4 / 80، الشعر والشعراء (495) ، المؤتلف والمختلف (175) ، معجم الأدباء 11 / 149 - 151، وفيات الأعيان 2 / 303، لسان الميزان 2 / 264، شذرات الذهب 1 / 223، الخزانة 1 / 43. (* *) البيان والتبيين، 1 / 127، 354، و2 / 342 و3 / 24، 97، التاريخ الكبير 4 / 25، المعارف 164، تهذيب الكمال 547، تذهيب التهذيب 2 / 53 / 2، تهذيب التهذيب 4 / 211، 212، خلاصة تذهيب الكمال 154. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ جَعْفَرٌ، وَعَافِيَةُ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَبِنْتُهُ؛ زَيْنَبُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ. وَكَانَ أَحَدَ الأَجْوَادِ. قِيْلَ: كَانَ يُعتِقُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ مائَةَ مَمْلُوْكٍ. وَقِيْلَ: بَلَغَتْ عَطَايَاهُ فِي بَعْضِ المَوَاسِمِ خَمْسَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَلِيَ البَصْرَةَ مُدَّةً، وَكَانَ يَخْضِبُ، وَقَدْ شَابَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَوَرَدَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَطحِ القَصرِ، فَسَمِعَ نِسوَةً يَقُلْنَ: لَيْتَ الأَمِيْرَ اطَّلَعَ عَلَيْنَا، فَأَغنَانَا؟ فَرَمَى إِلَيْهِم جَوْهَراً وَذَهَباً. مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَهُوَ وَالِدُ الأَمِيْرَيْنِ: مُحَمَّدٍ، وَجَعْفَرٍ. 78 - حُمَيْدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيْلُ البَصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عُبَيْدَةَ البَصْرِيُّ، مَوْلَى طَلْحَةَ الطَلَحَاتِ. وَيُقَالُ: مَوْلَى سَلَمَةَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِي اسْمِ أَبِيْهِ أَقْوَالٌ: أَشهَرُهَا: تَيْرَوَيْه. وَقِيْلَ: تَيْرُ. وَقِيْلَ: زَاذَوَيْه، لاَ بَلْ: ابْنُ زَاذَوَيْه. شَيْخٌ، مُقِلٌّ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَوْنٍ، هُوَ يَرْوِي أَيْضاً عَنْ أَنَسٍ. وَقِيْلَ: اسْمُ وَالِدِ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ: دَاوَرُ، أَوْ مِهْرَانُ، أَوْ طَرْخَانُ، أَوْ مَخْلَدٌ، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، عَامَ مَوْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَ: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَالحَسَنَ، وَأَبَا المُتَوَكِّلِ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُوْسَى بنَ أَنَسٍ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 17، تاريخ خليفة (5، 140، 420) ، طبقات خليفة (219) التاريخ الكبير 2 / 348، التاريخ الصغير 1 / 230، ثقات ابن حبان 3 / 10، الجرح والتعديل 3 / 221، مشاهير علماء الأمصار (93) ، الكامل في التاريخ 5 / 511، تهذيب الكمال 339، تذهيب التهذيب 1 / 178 / 1 - 2، تاريخ الإسلام 6 / 57، تذكرة الحفاظ 1 / 152 - 153، ميزان الاعتدال 1 / 610، خلاصة تذهيب الكمال (94) ، شذرات الذهب 1 / 211 - 212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 وَبَكْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ شَقِيْقٍ العُقَيْلِيَّ، وَثَابِتاً البُنَانِيَّ، وَابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَيُوْسُفَ بنَ مَاهَكَ، وَطَائِفَةً. وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَمَعْرِفَةٍ، وَصِدْقٍ. رَوَى عَنْهُ: عَاصِمُ بنُ بَهْدَلَةَ، وَشُعْبَةُ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَالحَمَّادَانِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَزَائِدَةُ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الأَعْلَى السَّامِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمَالِكٌ، وَهُشَيْمٌ، وَوُهَيْبٌ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَقُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ. وَيُقَالُ: مِنْ سَبْيِ كَابُلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ: وَالِدُ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ. وَرَوَى: الفَسَوِيُّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الزَّمِنِ، قَالَ: حُمَيْدُ بنُ تَيْرَوَيْه وَهُم يَغضَبُوْنَ مِنْهُ. قَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلَ، قُلْتُ: مَا اسْمُ جَدِّكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُ حُمَيْداً وَلَمْ يَكُنْ بِطَوِيْلٍ، وَلَكِنْ كَانَ طَوِيْلَ اليَدَيْنِ، وَكَانَ قَصِيْراً، لَمْ يَكُنْ بِذَاكَ الطَّوِيْلِ، وَلَكِنْ كَانَ لَهُ جَارٌ يُقَالَ لَهُ: حُمَيْدٌ القَصِيْرُ. فَقِيْلَ: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ؛ لِيُعرَفَ مِنَ الآخَرِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، وَهُوَ خَالُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، لاَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ: أَكْبَرُ أَصْحَابِ الحَسَنِ: قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، وَعَامَّةُ حَدِيْثِه عَنْ أَنَسٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ. يُرِيْدُ أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُهَا (1) . وَرَوَى: يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذَ حُمَيْدٌ كُتُبَ الحَسَنِ، فَنَسَخَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ. وَرَوَى: الأَصْمَعِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمْ يَدَعْ حُمَيْدٌ لِثَابِتٍ البُنَانِيِّ عِلْماً إِلاَّ وَعَاهُ، وَسَمِعَهُ مِنْهُ. التَّبُوْذَكِيُّ: عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِي حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ. قَالَ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَأَتَيْتُ حُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي؟ فَقَالَ: سَلْ؟ قُلْتُ: مَا مَعِي شَيْءٌ أَسْأَلُ عَنْهُ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. قُلْتُ: حَدِّثْنِي؟ فَحَدَّثَنِي بِتِسْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. فَقُلْتُ: مَا أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ قَارَبتَ. فَجَعَلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَنَساً، وَالأَحْيَانَ يَقُوْلُ: قَالَ أَنَسٌ. فَلَمَّا فَرَغَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا قَدْ حَدَّثْتَنِي بِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنْتَ سَمِعْتَه مِنْهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَيْهَاتَ، فَاتَكَ مَا فَاتَكَ! يَقُوْلُ: كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَهُ عِنْدَ كُلِّ حَدِيْثٍ، وَتَسْأَلَه. فَكَأَنَّ حُمَيْداً وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ بِشَيْءٍ عَنْ أَحَدٍ، فَعَنْهُ أُحَدِّثُكَ. قَالَ: فَلَمْ يَشفِ قَلْبِي. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ إِذَا ذَهَبْتَ تَقِفُهُ عَلَى بَعْضِ حَدِيْثِ أَنَسٍ، يَشُكُّ فِيْهِ. وَرَوَى: عَفَّانُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ حُمَيْداً عَنِ الشَّيْءِ مِنْ فُتْيَا الحَسَنِ، فَيَقُوْلُ: نَسِيْتُه. وَرَوَى: يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْلَى المُحَارِبِيِّ، قَالَ: طَرَحَ زَائِدَةُ   (1) ولا يعاب في ذلك لأنه دلس عن ثقة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 حَدِيْثَ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ. وَرَوَى: عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، عَنْ مَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَرَرْتُ بِحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، فَقَالَ لِي أَخِي: أَلاَ تَسْمَعُ مِنْ حُمَيْدٍ؟ فَقُلْتُ: أَسْمَعُ مِنَ الشُّرَطِيِّ؟! وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: يُقَالُ: اخْتُلِطَ عَلَى حُمَيْدٍ مَا سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ وَمِنْ ثَابِتٍ. وَيُرْوَى عَنْ: شُعْبَةَ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سَمِعَ حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ. وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَالبَاقِي سَمِعَهَا مِنْ ثَابِتٍ، أَوْ ثَبَّتَهُ فِيْهَا ثَابِتٌ. قُلْتُ: لِحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ شَيْءٌ كَثِيْرٌ، وَأَظُنُّ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْهُ مائَةُ حَدِيْثٍ. عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ، سَمِعْتُ حَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ يَقُوْلُ لِحُمَيْدٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُنِي: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ شُعْبَةَ، فَإِنَّهُ يَرْوِيْهِ عَنْكَ. ثُمَّ يَقُوْلُ لِي: إِنَّ حُمَيْداً رَجُلٌ نَسِيٌّ، فَانْظُرْ مَا يُحَدِّثُكَ بِهِ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: كُنَّا عِنْدَ حُمَيْدٍ، فَأَتَاهُ شُعْبَةُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! حَدِيْثُ كَذَا وَكَذَا، شَكَّ فِيْهِ. قَالَ: إِنَّهُ لِيَعرِضُ لِي أَحْيَاناً. فَانْصَرَفَ شُعْبَةُ، فَقَالَ حُمَيْدٌ: مَا أَشُكُّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ غُلاَمٌ صَلِفٌ، أَحبَبتُ أَنْ أُفسِدَهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ مُسْتقِيْمَةٌ، فَأَغنَى - لِكَثْرَةِ حَدِيْثِهِ - أَنْ أَذْكُرَ لَهُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِهِ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: الأَئِمَّةُ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ إِلاَّ مِقْدَارَ مَا ذُكِرَ، وَسَمِعَ البَاقِي مِنْ ثَابِتٍ عَنْهُ، فَإِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيْثَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 يُمَيِّزُهَا مَنْ كَانَ يَتَّهِمُه أَنَّهَا عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَحَادِيْثَ، فَأَكْثَرُ مَا فِي بَابِه أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ البَعْضُ مِمَّا يُدَلِّسُهُ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ، وَقَدْ دَلَّسَ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ مَشَايِخَ قَدْ رَأَوْهُم. ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ الدَّارِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذَ إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ، فَقَالَ: لاَ تَمُوْتُ أَوْ تَقُصَّ. أَمَا إِنِّي قَدْ قُلْتُ: هَذَا لَخَالُكَ -يَعْنِي: حُمَيْداً-. قَالَ: فَمَا مَاتَ حَتَّى قَصَّ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِحَمَّادٍ: فَقَصَصْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: قَالَ حُمَيْدٌ لِلْبَتِّيِّ -يَعْنِي: عُثْمَانَ-: إِذَا أَتَاكَ النَّاسُ، فَاحمِلْهُم عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، لاَ، وَلَكِن خُذْ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا، فَأَصلِحْ بَيْنَهُم. قَالَ: فَقَالَ البَتِّيُّ: لاَ أُطِيْقُ سِحْرَكَ (1) . قَالَ: وَكَانَ حُمَيْدٌ مُصْلِحَ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَرَوَى: قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عَلَى بَابِ خَالِدِ بن بُرْزِيْنَ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ إِيَاسٌ: إِنْ أَرَدْتَ الصُّلحَ، فَعَلَيْكَ بِحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، تَدْرِي مَا يَقُوْلُ لَكَ؟ يَقُوْلُ لَكَ: اترُكْ شَيْئاً، وَلِصَاحِبِكَ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَمَاتَ عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ وَهُوَ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِه.   (1) والنص موجود في ابن عساكر 5 / 168 / 1، دون تغيير ولعله: إذا أتاك الناس فلا تحملهم على أمر واحد..والخبر الذي بعده يوضحه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: كَانَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ قَائِماً يُصَلِّي، فَمَاتَ، فَذَكَرُوْهُ لابْنِ عَوْنٍ، وَجَعَلُوا يَذْكُرُوْنَ مِنْ فَضْلِه. فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: احْتَاجَ إِلَى مَا قَدمَ. قَالَ سِبْطُ حُمَيْدٍ، وَهُوَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ: مَاتَ جَدِّي فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا وَهْمٌ. وَقَالَ قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا قَالَ: الهَيْثَمُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: مَاتَ حُمَيْدٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فِي آخِرِهَا. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ: مَاتَ أَبِي سنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَرَوَى: الزِّيَادِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: مَاتَ أَبِي سنَةَ ثَلاَثٍ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ: سنَةَ ثَلاَثٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُرْدَاوِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ الفَقِيْهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ بِالثَّغْرِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ السُّوْذَرْجَانِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَيْلَةَ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَكِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ قَاضِي البَصْرَةِ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ أَنَسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تُقَامُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: الله الله) (1) . 79 - الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسِ بنِ زِيَادٍ البَكْرِيُّ الخُرَاسَانِيُّ * (4) المَرْوَزِيُّ، بَصْرِيٌّ.   (1) أخرجه الترمذي (2208) في الفتن، باب: ما جاء في أشراط الساعة، من طريق: محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عن حميد عن أنس..وأخرجه مسلم (148) في الايمان، باب: ذهاب الايمان آخر الزمان، من طريق: عبد بن حميد، عن عبد الرزاق عن معمر، عن ثابت، عن أنس..ومن طريق عثمان، عن حماد عن ثابت، عن أنس بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله " وليس في هذا الحديث مستند لمن يسوغ الذكر بالاسم المفرد، لأن المراد منه أنه لا يبقى في الأرض من يوحد الله توحيدا حقيقيا، ويعبده عبادة صادقة، كما جاء مفسرا في رواية للامام أحمد في المسند 3 / 162 من طريق عفان عن حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله " وسنده صحيح، ولم يثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن أحد من القرون المشهود لها بالفضل، أنهم ذكروا الله بالاسم المفرد، لان الذكر ثناء، والثناء لا يكون إلا بجملة مفيدة يحسن السكوت عليها، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في الحديث الذي أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله " وسنده حسن وصححه ابن حبان (2326) ، فيا خيبة من يقول: إن توحيد العوام: لا إله إلا الله، وتوحيد الخواص: الله الله. وفي " الموطأ " من حديث طلحة بن عبيد بن كريز مرفوعا " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". وأخرج الامام أحمد في " المسند " 4 / 36، عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أفضل الكلام سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". وإسناده صحيح. وأخرج مسلم (2695) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 102، الجرح والتعديل 3 / 454 - 455، ثقات ابن حبان 3 / 64، مشاهر علماء الأمصار (126) ، تهذيب الكمال 405، تذهيب التهذيب 1 / 216 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 238 - 239، خلاصة تذهيب الكمال (114) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 سَمِعَ: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَأَبَا العَالِيَةِ الرِّيَاحِيَّ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَالحَسَنَ البَصْرِيَّ. وَعَنْهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَالحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ عَالِمَ مَرْوَ فِي زَمَانِهِ. وَقَدْ رَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، عَنْهُ، وَلَقِيَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: سُجِنَ بِمَرْوَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: سَجَنَه أَبُو مُسْلِمٍ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَتَحَيَّلَ ابْنُ المُبَارَكِ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِ، فَسَمِعَ مِنْهُ. يُقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. حَدِيْثُه: فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ. 80 - بُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ القُرَشِيُّ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو يُوْسُفَ - القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، وَأَخُو يَعْقُوْبَ وَعُمَرَ. مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ؛ لأَنَّهُ رَوَى عَنِ: السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ. وَرَوَى عَنْ: سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ - الَّذِي عَقلَ المَجَّةَ (1)   (*) تاريخ خليفة (354، 382) ، طبقات خليفة (263) التاريخ الكبير 2 / 113، الجرح والتعديل 2 / 403، التاريخ الصغير 1 / 277، مشاهير علماء الأمصار (188) ، تهذيب الكمال 162، تذهيب التهذيب 1 / 90 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 491 - 493، خلاصة تذهيب الكمال (52) ، شذرات الذهب 1 / 160. (1) أخرج البخاري 1 / 157 في العلم، باب: متى يصح سماع الصغير من حديث الزهري عن محمود بن الربيع، قال: " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين ". والمج: هو إرسال الماء من الفم. وقيل: لا يسمى مجا إلا إذا كان على بعد. وفعله صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة له، أو ليبارك عليه بها، كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة. قاله الحافظ في " الفتح ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 النَّبويَّةَ - وَكُرَيْبٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَبُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَعَفِيْفِ بنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، وَالمُنْذِرِ بنِ المُغِيْرَةِ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ. رَوَى عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَبَكْرُ بنُ عَمْرٍو المَعَافِرِيُّ، وَالقُدَمَاءُ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَغَيْرُهُم، وَابْنُه؛ مَخْرَمَةُ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا ذَكَرَ مَالِكٌ بُكَيْراً إِلاَّ قَالَ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ: سَمِعْتُ مَعْنَ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَفُوْقَ أَوْ يَفْضُلَ بُكَيْرَ بنَ الأَشَجِّ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ أَعْلَمَ مِنِ: ابْنِ شِهَابٍ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، مَدَنِيٌّ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَالِكٌ شَيْئاً، خَرَجَ إِلَى مِصْرَ قَدِيْماً، فَنَزَلَ بِهَا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: بَلْ هَذَا تَارِيْخُ وَفَاةِ أَخِيْهِ يَعْقُوْبَ، وَقَدِ اشْتُبَه بُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ هَذَا عَلَى طَائِفَةٍ بِبُكَيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّائِيِّ الكُوْفِيِّ. وَيُقَالُ: بُكَيْرُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 الطَّوِيْلُ، الضَّخْمُ، وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ. رَوَى الضَّخْمُ عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَكُرَيْبٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ مُقِلٌّ. رَوَى عَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ، وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سُمَيْعٍ الحَنَفِيُّ، وَكَأَنَّهُ مَاتَ شَابّاً. أَخرَجَ: مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَه، مِنْ حَدِيْثِ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ بُكَيْرٍ هَذَا، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدِيْثَ: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُوْنَةَ (1) ... ) ، الحَدِيْثَ. ثُمَّ قَالَ سَلَمَةُ: فَلَقِيْتُ كُرَيْباً، فَحَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِهَذَا. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَسَاكِرَ قِرَاءةً عَلَيْهِمَا مُنفَرِدَيْنِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ رِكَابٍ، وَمُوْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ (ح) . أَنْبَأَنَا رَشِيْدُ بنُ كَامِلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ   (1) أخرجه مسلم 1 / 528 - 529 رقم خاص (187) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وابن ماجه (508) في الطهارة وسننها، باب وضوء النائم. وهو في البخاري 11 / 98 في الدعوات، باب: الدعاء إذ انتبه من الليل، وأخرجه مالك 1 / 121 في صلاة الليل، والبخاري 2 / 401 - 404 في أبواب الوتر، والنسائي 2 / 218 باب: الدعاء في السجود، وأبو داود (1367) ، وابن ماجه (1363) في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل، كلهم من طريق: مخرمة بن سليمان، عن كريب، أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته ميمونة..ولفظ مسلم عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة فبقيت (رقبت) كيف يصلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فقام، فبال، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة، أو القصعة، فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءا حسنا، بين الوضوءين ثم قام يصلي: فجئت فقمت إلى جنبه، فقمت عن يساره، قال: فأخذني، فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة، فصلى، فجعل يقول في صلاته، أو في سجوده: " اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وأمامي نورا وخلفي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، واجعل لي نورا، أو قال: واجعلني نورا ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 بنُ المُفَرَّجِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَلِّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيُّ، أَنْبَأَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيْدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ} [البَقَرَةُ: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَنَسَخَتْهَا (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، نَازِلُ الإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا عَزَّزَه وَرَفَّعَه وُقُوعُه مِنْ   (1) أخرجه البخاري 8 / 136 في التفسير، باب: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومسلم (1145) في الصيام، باب: بيان نسخ قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ، وأبو داود (2315) في الصوم، باب: نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه) ، والنسائي 4 / 190 باب: تأويل قول الله عزوجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) . وقد قال ابن قدامة، في المغني 3 / 79: وجملة ذلك أن الشيخ الكبير، والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا، ويطعما لكل يوم مسكينا، وهذا قول علي وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وأبي حنيفة، والثوري، والاوزاعي. وقال مالك: لا يجب عليه شيء، لأنه ترك الصوم لعجزه، فلم تجب فدية. ولنا الآية، وقول ابن عباس في تفسيرها: نزلت رخصة للشيخ الكبير، ولان الاداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء. وقال الحافظ في الفتح (شرح الحديث 4505) : وأما على قراءة ابن عباس فلا نسخ، لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه، فيفطر، فيكفر، وهذا الحكم باق. فمعنى النسخ هنا: ليس إبطال حكم ورفعه من جميع وجوهه لان الآية الثانية، لم تنف حكم الأولى، من جميع جوانبه. وإنما خصصته. وهذا أحد معاني النسخ عند الصحابة والتابعين. وانظر " الموافقات " 3 / 102 للشاطبي، " ومفتاح دار السعادة " 2 / 32 - وما بعدها للعلامة ابن القيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 المُوَافَقَاتِ العَالِيَةِ. فَقَدْ رَوَاهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيْعاً، عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ الثَّقَفِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-. تَفَرَّد بِهِ: بُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَمَاتَ قَبْلَ يَزِيْدَ بِمُدَّةٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ بُكَيْرٍ سِوَى عَمْرِو بنِ الحَارِثِ. وَقَدْ رَوَاهُ: ابْنُ وَهْبٍ، مُتَابِعاً لِبَكْرِ بنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرٍو، نَحْوَهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخُوْهُ: 81 - يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ * (م، ت، س، ق) أَبُو يُوْسُفَ الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، وَكُرَيْبٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُه؛ يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: بَعْضُهم، وَاحْتَجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ. اسْتُشْهِدَ فِي غَزْوِ البَحْرِ (1) ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. 82 - مُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ الكُوْفِيُّ ** (ع) أَحَدُ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ بِأَحَادِيْثَ، لَكِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بنِ عُقْبَةَ بنِ أَبِي   (*) التاريخ الكبير 8 / 391، الجرح والتعديل 9 / 209، مشاهير علماء الأمصار 188، تهذيب التهذيب 11 / 390، خلاصة تهذيب الكمال 436. (1) هي الغزوة التي غزاها مروان بن محمد، من أرمينيا سنة 125 هجرية، وجميع القلاع والحصون التي هاجمها كانت على شاطئ البحر. وفي هذه الغزوة قتل ابن الأشج. الكامل: أحداث هذه السنة. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 233 - 234، التاريخ الصغير للبخاري 2 / 75، التاريخ الكبير للبخاري 1 / 54، الجرح والتعديل 7 / 222، مشاهير علماء الأمصار (168) تهذيب الكمال 1181، ميزان الاعتدال 3 / 498، تاريخ الإسلام 6 / 125، الوافي بالوفيات 2 / 284، خلاصة تذهيب الكمال 330. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 العَيْزَارِ، عَنْهُ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَأَبِي صَالِحٍ بَاذَامَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَالحَسَنِ، وَبَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَأَبِي الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيِّ (1) ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَنَافِعٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَجَمَاعَةٍ. جَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ حَدِيْثَ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، سَمِعنَاهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَابْنُه؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، وَزِيَادٌ البَكَّائِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَشَرِيْكٌ، وَعَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَكَانَ مِنَ الفُضَلاَءِ الصُّلَحَاءِ. تُوُفِّيَ: بِطَرِيْقِ مَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ ثَعْلَبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، قَالَ: (لاَ بَأْسَ بِهَا، إِنَّمَا هِيَ رَيْحَانَةٌ يَشَمُّهَا (2)) - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) نسبة إلى ربعة الاسد وهو أوس بن عبد الله الربعي أحد التابعين. (2) هذا الحديث، بهذا السند، موضوع، آفته يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث. وقال ابن معين: كذاب، خبيث، عدو الله، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. وقال ابن حبان: وكان ممن يروي الموضوعات عن أقوام أثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال من الأحوال. ومن العجيب أن الهيثمي أورده في " المجمع " 3 / 167 ونسبه للطبراني في الصغير والاوسط، ولم يتكلم عليه بشيء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 83 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ البَجَلِيُّ الأَحْمَسِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الأَحْمَسِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: هُرْمُزُ. وَقِيْلَ: سَعْدٌ. وَقِيْلَ: كَثِيْرٌ. وَلَهُ مِنَ الإِخْوَةِ: أَشْعَبُ، وَخَالِدٌ، وَسَعِيْدٌ. كَانَ مُحَدِّثَ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ مَعَ الأَعْمَشِ، بَلْ هُوَ أَسنَدُ مِنَ الأَعْمَشِ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَأَبِي كَاهِلٍ قَيْسِ بنِ عَائِذٍ، وَلَهُم صُحْبَةٌ. وَعِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: قَيْسِ بنِ أَبِي حَزْمٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَالحَارِثِ بنِ شُبَيْلٍ، وَحَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، وَطَارِقِ بنِ شِهَابٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: أَبِي إِسْحَاقَ، وَالزُّبَيْرِ بنِ عَدِيٍّ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَخَلْقٍ. وَيَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ؛ خَالِدٍ، وَأَخِيْهِ؛ سَعِيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. رَوَى عَنْهُ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَمَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَشَرِيْكٌ، وَجَرِيْرٌ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَيَحْيَى بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ، وَهُوَ عَلَى ضَعفِه   (*) طبقات ابن سعد 6 / 240، تاريخ خليفة (232، 423) ، طبقات خليفة (167) ، ثقات ابن حبان 3 / 6، التاريخ الكبير 1 / 351، التاريخ الصغير: 2 / 85، مشاهير علماء الأمصار (111) ، الكامل في التاريخ 5 / 572، تهذيب الكمال (101) ، تذهيب التهذيب 1 / 62 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 153 - 154، تهذيب التهذيب 1 / 291، شذرات الذهب 1 / 216، خلاصة تذهيب الكمال 32. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ. رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِ مائَةِ حَدِيْثٍ. رَوَى: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ: حُفَّاظُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالشَّعْبِيِّ، وَأَثبَتُهُم فِيْهِ. وَرَوَى: الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ يُسَمَّى المِيْزَانَ. رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: ابْنُ أَبِي خَالِدٍ يَزْدَرِدُ العِلْمِ ازْدِرَاداً. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ يَحْسُو العِلْمَ حَسْواً. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى القَطَّانِ: مَا حَمَلْتَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ عَامِرٍ صِحَاحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ القَطَّانُ: كَانَ سُفْيَانُ بِهِ مُعجَباً. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيْثاً عَنِ الشَّعْبِيِّ: ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، ابْنُ أَبِي خَالِدٍ يَشْرَبُ العِلْمَ شُرباً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كُوْفِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ. وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، سَمِعَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ طَحَّاناً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: حُجَّةٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ إِسْمَاعِيْلُ حُجَّةً، فَمَنْ يَكُوْنُ حُجَّةً؟! قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى إِتقَانِه، وَالاحْتِجَاجِ بِهِ، وَلَمْ يُنْبَزْ بِتَشَيُّعٍ، وَلاَ بِدعَةٍ - وَللهِ الحَمْدُ -. يَقعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ جُملَةٌ، وَحَدِيْثُه مِنْ أَعْلَى مَا يَكُوْنُ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. كَتَبتُ إِلَى ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَابْنِ عَلاَّنَ، وَطَائِفَةٍ، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ، وَالشَّعِيْرُ بِالشَّعِيْرِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ، حَتَّى ذَكَرَ المِلْحَ ... ) . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ هَذَا لاَ يَقُوْلُ شَيْئاً. فَقَالَ عُبَادَةُ: أَي وَاللهِ، مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَكُوْنَ بِأَرْضِكُم هَذِهِ (1) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ وَحْدَه. لَهُ عِلَّةٌ: جَاءَ عَنْ حَكِيْمٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عُبَادَةَ.   (1) أخرجه النسائي 7 / 277، في البيوع، باب: بيع الشعير بالشعير، وأخرجه مسلم (1587) في المساقاة، باب: الصرف، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة، فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث أبو الاشعث. فجلست إليهم. فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم. غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ ! فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم معاوية) ما أبالى ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء. وأخرجه بنحوه أبو داود (3349) والترمذي (1240) والنسائي 7 / 274 - 275، وابن ماجه (2254) ، والشافعي (2 / 177 - 178) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 84 - لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ بنِ زُنَيْمٍ الأُمَوِيُّ مَولاَهُم * (4، خت، م تَبَعاً) (1) مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، وَأَحَدُ عُلَمَائِهَا الأَعْيَانِ، عَلَى لِيْنٍ فِي حَدِيْثِهِ، لِنَقصِ حِفْظِهِ. مَوْلَى آلِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيِّ، أَبُو بَكْرٍ. وَيُقَالُ: أَبُو بُكَيْرٍ الكُوْفِيُّ. وَفِي اسْمِ أَبِيْهِ أَبِي سُلَيْمٍ أَقْوَالٌ: أَيْمَنُ. وَيُقَالُ: أَنَسٌ. وَيُقَالُ: زِيَادَةُ، وَعِيْسَى. وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ، لَعَلَّ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بُرْدَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَعَطَاءٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَشَهْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَرْطَاةَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَخَلْقٍ. وَلَمْ نَجْدْ لَهُ شَيْئاً عَنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنَّهُ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَنَسٍ - رَجُلاً. حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَشُعْبَةُ، وَشَيْبَانُ، وَشَرِيْكٌ، وَزُهَيْرٌ، وَالفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَزِيَادٌ البَكَّائِيُّ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَالمُحَارِبِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَجَرِيْرٌ الضَّبِّيُّ، وَحَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَذَوَّادُ بنُ عُلْبَةَ، وَأَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَالقَاسِمُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ خليفة (420) ، طبقات خليفة (166) - التاريخ الكبير 7 / 246، التاريخ الصغير: 2 / 57، الجرح والتعديل 7 / 177، كتاب المجروحين 2 / 231، تهذيب الكمال (1145) ، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 420 - 423، تهذيب التهذيب 8 / 465 - 468، خلاصة تذهيب الكمال (323) ، شذرات الذهب 1 / 207، 212. (1) يعني أن مسلما إنما خرج له مقرونا بغيره، فليس هو على شرطه كما سيصرح المصنف في آخر الترجمة بذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ، وَلَكِنْ حَدَّثَ عَنْهُ النَّاسُ. وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ أَسوَأَ رَأْياً فِي أَحَدٍ، مِنْهُ فِي لَيْثٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَهَمَّامٍ، لاَ يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ أَنْ يُرَاجِعَه فِيْهِم. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ عُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَقَالَ: سَأَلْتُ جَرِيْراً عَنْ: لَيْثٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، فَقَالَ: كَانَ لَيْثٌ أَكْثَرَ تَخلِيطاً، وَيَزِيْدُ أَحْسَنَهُم اسْتِقَامَةً. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَذَا، فَقَالَ: أَقُوْلُ كَمَا قَالَ جَرِيْرٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْثٌ أَضْعَفُ مِنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، يَزِيْدُ فَوْقَه فِي الحَدِيْثِ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحِ بنِ يَحْيَى، قَالَ: لَيْثٌ ضَعِيْفٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْثٍ، وَلاَ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِه، عَنْهُمَا. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مُجَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لَيْثٍ وَحَجَّاجٍ. وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُضَعِّفُ لَيْثَ بنَ أَبِي سُلَيْمٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَيْثٌ، وَعَطَاءٌ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، لَيْثٌ أَحْسَنُهم حَالاً عِنْدِي. يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ: عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ: مَا جَلَستُ إِلَى لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، إِلاَّ سَمِعْتُ مِنْهُ مَا لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قَالَ شُعْبَةُ لِلَيْثٍ: أَيْنَ اجْتَمَعَ لَكَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمُجَاهِدٌ؟ فَقَالَ: إِذْ أَبُوْكَ يُضرَبُ بِالخُفِّ لَيْلَةَ عُرسِه. قَالَ قَبِيْصَةُ: فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِساً: فَمَا زَالَ شُعْبَةُ مُتَّقِياً لِلَيْثٍ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى ذَكَرَ لَيْثَ بنَ أَبِي سُلَيْمٍ، فَقَالَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ عَنْ طَاوُوْسٍ، فَإِذَا جمعَ طَاوُوْس وَغَيْره، فَالزِّيَادَةُ هُوَ ضَعِيْفٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 مُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ: عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَقُلْنَا لَهُ: لِمَ [لَمْ] (1) تَسْمَعْ مِنْ لَيْثٍ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُه كَانَ قَدِ اخْتُلِطَ، وَكَانَ يَصعَدُ المَنَارَةَ ارْتِفَاعَ النَّهَارِ، فَيُؤَذِّنُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْثٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبرَأُ سَاحَةً، يُكْتَبُ حَدِيْثُه، وَهُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُ: لَيْثٌ لاَ يُشتَغَلُ بِهِ، هُوَ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ، لاَ تَقُوْمُ بِهِ حُجَّةٌ. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: كَانَ لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَعْلَمَ أَهْلِ الكُوْفَةِ بِالمَنَاسِكِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ لَيْثٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ: عَامَّةُ شُيُوْخِه لاَ يُعْرَفُوْنَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ بَعْدَ أَنْ سَردَ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً: لَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرتُ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الثِّقَاتِ، وَمَعَ الضَّعفِ الَّذِي فِيْهِ يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: صَاحِبُ سُنَّةٍ، يُخَرَّجُ حَدِيْثُه. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الجَمعَ بَيْنَ عَطَاءٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ حَسْبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا: خَمْسٌ، وَقِيْلَ: أَرْبَعٌ، وَقِيْلَ: ثَلاَثٌ، وَقِيْلَ: اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ لَيْثٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَحْمُوَيْه، وَابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي   (1) سقطت من الأصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 (صَحِيْحِهِ (1)) ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُوْناً بِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَالبَاقُوْنَ مِنَ السِّتَّةِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الوَارِثِ: كَانَ لَيْثٌ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ صَلاَةً وَصِيَاماً، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ، لَمْ يَرُدَّه. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ الشِّيْعَةَ الأُوْلَى بِالكُوْفَةِ، وَمَا يُفَضِّلُوْنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَاسْمُه: أَنَسٌ، وُلدَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَ مُعَلِّماً بِهَا، وَكَانَ مِنَ العُبَّادِ، وَلَكِنِ اخْتُلِطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَتَّى كَانَ لاَ يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَكَانَ يَقْلِبُ الأَسَانِيْدَ، وَيَرفَعُ المَرَاسِيْلَ، وَيَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِم، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي اخْتِلاَطِه. تَرَكَه: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. رَوَى: لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الزِّنَى يُوْرِثُ الفَقْرَ (2)) . حَدَّثَنَاهُ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ، حَدَّثَنَا المَاضِي بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْهُ. وَلَيْثٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوْبُ   (1) أي تعليقا، كما هو منبه عليه في الرمز المذكور في أول الترجمة وهو " خت ". وينبغي أن يعلم أن ما أورده البخاري في صحيحه من الأحاديث المعلقة ليست في مرتبة الأحاديث المسندة، بل منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، كما هو مبين في محله. ولكنه حين يعلقه بصيغة الجزم، فالغالب عليه الصحة. (2) نسبه السخاوي في " المقاصد الحسنة ": 234 إلى الديلمي والقضاعي من حديث الماضي بن محمد، عن ليث..وهو حديث ضعيف جدا. ليث سيئ الحفظ، وراويه عنه، وهو الماضي بن محمد، قال ابن عدي فيه: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: الحديث الذي رواه باطل. وقال المؤلف في " الميزان ": له أحاديث منكرة، منها بإسناد فيه ضعف بمرة، فذكر هذا الحديث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 العَبْدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ العَمَلِ مَا يُكَفِّرُهَا، ابْتَلاَهُ اللهُ بِالحُزْنِ (1)) . رَوَاهُ عَنْهُ: زَائِدَةُ. مُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ: سَأَلْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَنْ لَيْثٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُه وَكَانَ قَدِ اخْتُلِطَ، وَكُنْتُ رُبَّمَا مَرَرْتُ بِهِ ارْتِفَاعَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى المَنَارَةِ يُؤَذِّنُ. وَمِنْ مَنَاكِيْرِهِ: رَوَى: عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِه فِي رَمَضَانَ، قَالَ: (أَعْتِقْ رَقَبَةً) . فَزَاد فِيْهِ: قَالَ: (فَأَهْدِ بَدَنَةً) . فَذَكَرَ هَذَا، وَأَسْقَطَ: (فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ (2)) . أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ يَرْكَبُ البَحْرَ إِلاَّ حَاجٌّ، أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ) (3) .   (1) أخرجه أحمد 6 / 157 وسنده ضعيف لضعف " ليث ". (2) والصحيح الذي أخرجه البخاري 4 / 141، 149 في الصوم باب: إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه، فليكفر. وباب: المجامع في رمضان. ومسلم (1111) في الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع على الصائم، ومالك 1 / 196، 197 في الصيام، باب: كفارة من أفطر رمضان، وأبو داود (2390) و (2391) و (2392) و (2393) في الصوم، باب: كفارة من أتى أهله في رمضان، والترمذي (724) في الصوم: باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان. ونص الحديث عند مسلم: " جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: ثم جلس، فأتي النبي، صلى الله عليه وسلم، بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، قال: أفقر منا؟ ! فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك ". (3) وأخرجه أبو داود (2489) في الجهاد، باب: في ركوب البحر في الغزو من حديث: عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي سنده مجهولان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِه؟ قَالَ: (لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ، وَلاَ تَصُوْمُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَمُوْتَ، أَوْ تُرَاجِعَ) . قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِماً؟ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِماً (1)) . الحَدِيْث رَوَاهُ: جَرِيْرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ نَفْسِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قُلْتُ: بَعْضُ الأَئِمَّةِ يُحَسِّنُ لِلَّيْثِ، وَلاَ يَبلُغُ حَدِيْثُه مَرتَبَةَ الحَسَنِ، بَلْ عِدَادُه فِي مَرتَبَةِ الضَّعِيْفِ المُقَارَبِ، فَيُرْوَى فِي الشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارِ، وَفِي الرَّغَائِبِ، وَالفَضَائِلِ، أَمَّا فِي الوَاجِبَاتِ، فَلاَ. 85 - أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ سَعْدُ بنُ طَارِقِ بنِ أَشْيَمَ * (م، 4) كُوْفِيٌّ، صَدُوْقٌ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَرِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَخَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ:   (1) وإسناده ضعيف لضعف " ليث " وهوفي مسند الطيالسي 1 / 312. (*) طبقات خليفة (166) التاريخ الكبير 4 / 58، الجرح والتعديل 4 / 86 - 87، ثقات ابن حبان 3 / 88، تهذيب الكمال (474) تذهيب التهذيب 2 / 8 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 122، تهذيب التهذيب 3 / 472 - 473، خلاصة تذهيب الكمال: 134. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 صَالِحُ الحَدِيْثِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثِه فِي القُنُوْتِ (1) .   (1) وليس هذا بعلة، فقد وثقه أحمد، وابن معين، والعجلي، وغيرهم وصحح حديثه هذا الترمذي (402) ، وابن حبان (511) ، وأخرج له مسلم في صحيحه حديثين (23 و2697) عن أبيه، والاخذ بما تفرد به الثقة واجب، إذا لم يقع في مرويه ما يخالف الثقات والمخالفة في حديثه هذا منفية. وفي " الصحيحين " أحاديث كثيرة انفرد بها رواتها. ونص الحديث: " عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي، يا أبة إنك قد صليت خلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب ها هنا بالكوفة نحوا من خمس ستين، أكانوا يقتنون (أي في الفجر) ؟ قال: أي بني، محدث " أخرجه أحمد 6 / 394، والترمذي (402) ، والنسائي 2 / 204، وابن ماجه (1241) ، وإسناده صحيح. وصححه ابن حبان (511) ، والطحاوي (146) ، وقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث: أنس ابن مالك، " أنه قنت في صلاة الفجر شهرا، يدعو على أحياء من العرب، ويلعنهم، ثم تركه " أخرجه مسلم (676) (304) ، وأبو داود (1445) والنسائي 2 / 203، وابن ماجه (1243) ، وأخرجه أحمد (2746) ، وأبو داود (1443) عن ابن عباس قال: قنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شهرا متتابعا، في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من سليم، على رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه. وقال الحافظ ابن حجر في " الدراية " ص 117: ويؤخذ من الاخبار، أنه، صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل. وقد جاء ذلك صريحا، فعند ابن حبان عن أبي هريرة، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم "، وعند ابن خزيمة: عن أنس مثله وإسناد كل منهما صحيح. وحديث أبي هريرة في الصحيحين، بلفظ: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد، قنت بعد الركوع، حتى أنزل الله تعالى: (ليس لك من الامر شيء) . وقال ابن القيم " في زاد المعاد " وكان من هديه، صلى الله عليه وسلم، القنوت في النوازل، وتركه خاصة عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر. وأما حديث أنس الذي أخرجه أحمد 3 / 162، والدارقطني 2 / 39، والطحاوي ص 143، والحاكم في كتاب " الأربعين " له، وعنه البيهقي 2 / 201، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " ما زال يقنت في صلاة الصبح، حتى فارق الدنيا " فحديث ضعيف لا تقوم به حجة، في إسناده أبو = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 86 - العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْقُوْبَ المَدَنِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو شِبْلٍ المَدَنِيُّ، مَوْلَى الحُرَقَةِ. وَالحُرَقَةُ: بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَوَالِدِه؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ، وَمَعَبْدِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَآخَرُوْنَ.   = جعفر الرازي، واسمه: عيسى بن ماهان. قال ابن المديني: كان يخلط. وقال يحيى: كان يخطئ وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث. وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا. وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وهو مخالف لحديث أنس الصحيح، الذي فيه " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قنت شهرا ثم ترك ". تنبيه: دعاء القنوت الذي يقوله الناس في الفجر، ليس محله هناك، وإنما هو في الوتر. فقد أخرج أحمد 1 / 199، 200، وأبو داود (1425) ، والترمذي (464) ، والنسائي 3 / 248، وابن ماجه (1178) ، والدارمي 1 / 373، والطيالسي (1179) ، والحاكم 3 / 172، عن أبي الحوراء السعدي قال: قال الحسن بن علي، رضي الله عنه، علمني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت. وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت ". واللفظ لأبي داود، وقال الترمذي: حديث حسن. ولا نعرف في القنوت شيئا أحسن من هذا عن النبي، صلى الله عليه وسلم. (*) تاريخ خليفة (417) ، طبقات خليفة (266) التاريخ الكبير 6 / 508، التاريخ الصغير 2 / 29، الجرح والتعديل: 6 / 357، ثقات ابن حبان 3 / 238، مشاهير علماء الأمصار (80) ، تهذيب الكمال (1073) ، تذهيب التهذيب 3 / 104 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 102 - 103، تهذيب التهذيب 8 / 186 - 187، خلاصة تذهيب الكمال (300) ، شذرات الذهب 1 / 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، لَمْ أَسْمَعْ أَحَداً يَذْكُرُه بِسُوءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا أُنْكِرُ مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا أَرَى بِحَدِيْثِهِ بَأْساً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: سُئِلَ يَحْيَى عَنْ سُهَيْلٍ، وَالعَلاَءِ، فَلَمْ يُقَوِّ أَمرَهُمَا. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ أَوثَقُ مِنَ العَلاَءِ، العَلاَءُ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: لاَ يَنْزِلُ حَدِيْثُه عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ، لَكِنْ يُتَجَنَّبُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ. رَوَى: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْهُ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (إِزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ (1)) . وَمِنْ أَغرَبِ مَا أَتَى بِهِ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلاَ تَصُوْمُوا (2) ... ) ، الحَدِيْثَ. تُوُفِّيَ العَلاَءُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) رجاله ثقات. وأخرج مسلم في صحيحه (2086) من طريق: ابن وهب، عن عمر ابن محمد، عن عبد الله بن واق، عن ابن عمر، قال: " مررت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته. ثم قال: زد، فزدت فما زلت أتحراها بعد. فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين ". وأخرج مالك في الموطأ 2 / 914 - 915، وأبو داود (4093) في اللباس، باب: في قدر موضع الازار، وابن ماجه (3573) في اللباس، من طريق: العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، أنه قال: سألت أبا سعيد الخدري، عن الازار، فقال: أنا أخبرك بعلم. سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ". (2) أخرجه أبو داود (2337) ، والترمذي (738) ، وإسناده صحيح، كما قال الترمذي. وإنما أنكر الامام أحمد، وغيره، هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، لأنه صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من حديث عائشة، أنه كان يصوم شهر شعبان إلا قليلا. ولا تعارض بين هذا، وبين حديث العلاء. فإن معنى حديث العلاء: أن يكون الرجل مفطرا، فإذا انتصف شعبان أخذ في الصوم لحال شهر رمضان. وحديث عائشة محمول على ما إذا كان يصوم صوما اعتاده انظر " الفتح ": 4 / 186 - 187. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 87 - مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيّ *ُ (خَ، 4) مُحَدِّثُ حِمْصَ. وَأَلْهَانُ: هُوَ أَخُو هَمْدَانَ؛ ابْنَا مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ أَوْسَلَةَ القَحْطَانِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَأَبِي عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، وَأَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ. وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: فِي نَحْوِ الأَرْبَعِيْنَ. 88 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُسَامَةَ بنِ الهَادِ اللَّيْثِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيُّ، المَدَنِيُّ، ابْنُ ابْنِ عَمِّ شَدَّادِ بنِ الهَادِ. وَكَانَ أَعْرَجَ مِنْ رِجْلَيْهِ مَعاً، يَجْمَعُ مِنْهُمَا. عِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَثَعْلَبَةَ بنِ أَبِي مَالِكٍ القُرَظِيِّ - وَلَهُ رُؤْيَةٌ - وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَعُمَارَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ، وَمُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ بنِ رَافِعٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ   (*) التاريخ الكبير 1 / 83، الجرح والتعديل 7 / 257 - 258، ثقات ابن حبان 3 / 238، مشاهير علماء الأمصار (117) تهذيب الكمال: (1198) ، تذهيب التهذيب 3 / 204 / 1، ميزان الاعتدال (3 / 551 - 552) ، تهذيب التهذيب 9 / 170، خلاصة تذهيب الكمال (336) . (* *) طبقات خليفة (264، 265) ، التاريخ الكبير 8 / 344، الجرح والتعديل 9 / 275، ثقات ابن حبان 3 / 293، مشاهير علماء الأمصار (134) ، تهذيب الكمال (1535) ، تذهيب التهذيب 4 / 177 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال (432) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 السَّبِيْعِيِّ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمُوْسَى بنُ سَرْجِسَ، وَعَمْرُو (1) بنُ مَالِكٍ الشَّرْعَبِيُّ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ: لاَ أَعْلَمُ بِهِ بَأْساً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ابْنُ الهَادِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ مُتَسَاوِيَانِ. وَهُوَ -يَعْنِي: يَزِيْدَ- فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. 89 - يَحْيَى بنُ الحَارِثِ أَبُو عَمْرٍو الغَسَّانِيّ * (4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو الغَسَّانِيُّ، الذِّمَارِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، إِمَام جَامِعِ دِمَشْقَ، وَشَيْخُ المُقْرِئِيْنَ. وَذِمَارٌ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ. وُلِدَ: فِي دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ. وَقَرَأَ عَلَى: ابْنِ عَامِرٍ. وَبَلَغَنَا أَيْضاً أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى: وَاثِلَةَ بنِ   (1) ذكره الحافظ في " التقريب " فيمن اسمه " عمر " ثم ذكره في " عمرو " وقال: صوابه " عمر " تقدم. (*) طبقات ابن سعد 7 / 168، تاريخ خليفة (423) ، طبقات خليفة (314) ، التاريخ الكبير 8 / 267، الجرح والتعديل 9 / 135، ثقات ابن حبان 3 / 289، مشاهير علماء الأمصار (199) ، الكامل في التاريخ 5 / 542، تهذيب الكمال (1491) ، تذهيب التهذيب 4 / 150 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 193 - 194، خلاصة تذهيب الكمال (422) ، شذرات الذهب 1 / 217. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 الأَسْقَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَحَدَّثَ عَنْهُ. وَعَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلاَّمٍ الأَسْوَدِ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعِدَّةٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: عِرَاكُ بنُ خَالِدٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ تَمِيْمٍ، وَمُدْرِكُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ. وَرَوَى عَنْهُ: هُمْ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَصَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، وَصَدَقَةُ السَّمِيْنُ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، وَابْنُ شَابُوْرَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، عَالِمٌ بِالقِرَاءةِ فِي دَهْرِهِ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ أَيُّوْبُ بنُ تَمِيْمٍ: كَانَ يَقِفُ خَلْفَ الأَئِمَّةِ، يَرُدُّ عَلَيْهِم، لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَؤُمَّ مِنَ الكِبَرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ سُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ الحَارِثِ عَنْ عَدَدِ آيِ القُرْآنِ، فَعَقَدَ بِيَدِهِ: سَبْعَةُ آلاَفٍ وَمائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ. 90 - خَالِدُ بنُ مِهْرَانَ أَبُو المُنَازِلِ البَصْرِيُّ الحَذَّاءُ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو المُنَازِلِ البَصْرِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِالحَذَّاءِ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأُخْتِه؛ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 23، تاريخ خليفة (420) ، التاريخ الكبير 3 / 173 - 174، التاريخ الصغير 2 / 57، الجرح والتعديل 2 / 352، 353، مشاهير علماء الأمصار (153) ، تهذيب الكمال (369) ، تهذيب التهذيب 1 / 193 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 153، تهذيب التهذيب 3 / 120، خلاصة تذهيب الكمال (103) ، شذرات الذهب 1 / 210. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ - شَيْخُه - وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَالحَمَّادَانِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَحَدِيْثُه فِي الصِّحَاحِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . وَقَالَ عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ: أَرَادَ شُعْبَةُ أَنْ يَضَعَ مِنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، فَأَتَيْتُهُ أَنَا وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكَ، أَجُنِنْتَ؟! أَنْتَ أَعْلَمُ! قَالَ: وَتَهَدَّدنَاهُ، فَأَمْسَكَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: قُلْتُ لِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: مَا لِخَالِدٍ الحَذَّاءِ فِي حَدِيْثِهِ؟ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا قِدْمَةً مِنَ الشَّامِ، فَكَأَنَّا أَنْكَرْنَا حِفْظَه. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قِيْلَ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، فَقَالَ: كَانَ خَالِدٌ يَرْوِيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. ضَعَّفَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَمرَه -يَعْنِي: الحَذَّاءَ-. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ القُرَشِيُّ أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْكَ بِحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ، وَاكتُمْ عَلَيَّ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي خَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَهِشَامٍ -يَعْنِي: ابْنَ حَسَّانٍ-. قُلْتُ: هَذَا الاجْتِهَادُ مِنْ شُعْبَةَ مَرْدُوْدٌ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ خَالِدٌ وَهِشَامٌ مُحْتَجٌّ بِهِمَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، هُمَا أَوْثَقُ بِكَثِيْرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، بَلْ ضَعْفُ هَذَيْنِ ظَاهِرٌ (2) ، وَلَمْ يُترَكَا.   (1) زيادة من " الجرح والتعديل ". (2) الحجاج بن أرطاة كثير الخطأ والتدليس. أما ابن إسحاق، فهو ثقة، لكنه مدلس. فما صرح فيه بالسماع فمقبول، وما لم يصرح به فمرفوض، كما يعلم من كتب الجرح والتعديل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 وَلَمْ يَكُنْ خَالِدٌ حَذَّاءً، بَلْ كَانَ يَجْلِسُ فِي سُوْقِ الحَذَّائِينَ أَحْيَاناً، فَعُرِفَ بِذَلِكَ. قَالَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ. وَقَالَ فَهْدُ بنُ حَيَّانَ: لَمْ يَحْذُ خَالِدٌ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُوْلُ: احْذُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَلُقِّبَ الحَذَّاءَ. وَكَانَ حَافِظاً، مَهِيْباً، لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ. قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً قَطُّ إِلاَّ حَدِيْثاً طَوِيْلاً، فَلَمَّا حَفِظتُه، مَحَوتُه. وَقَالَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ: سَمِعْتُ خَالِداً الحَذَّاءَ يَقُوْلُ: مَا حَذَوتُ نَعْلاً، وَلاَ بِعتُهَا، وَلَكِنْ تَزَوَّجتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، فَنَزَلتُ عَلَيْهَا فِي الحَذَّائِينَ هُنَاكَ، فَنُسِبْتُ إِلَيْهِم. قَالَ فِيْهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثَبْتٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبِي ذَكَرَ خَالِداً الحَذَّاءَ، فَقَالَ: مَا عَلَيْهِ لَوْ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ طَاوُوْسٌ، كَانَ يَجْلِسُ، فَإِذَا أُتِيَ بِشَيْءٍ، أَخَذَه، وَإِلاَّ سَكَتَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ قَدِ اسْتُعْمِلَ عَلَى القُبَّةِ (1) ، وَدَارِ العُشُوْرِ بِالبَصْرَةِ. قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى (2) بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَاعِدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَكَفَ، وَاعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ.   (1) في الطبقات " القتب " (2) مترجمة في الشذرات 3 / 354. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 وَزَعَمَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مِثْلَ مَاءِ العُصفُرِ، فَقَالَتْ: كَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُه (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ شَاهِيْنٍ. 91 - أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ * (ع) فَيْرُوْزَ، وَيُقَالُ: خَاقَانَ، وَقِيْلَ: عَمْرٍو. الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو إِسْحَاقَ، مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ، كَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ. وَلَحِقَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَحَدَّثَ عَنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ: يُسِيْرِ بنِ عَمْرٍو، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَالوَلِيْدِ بنِ العَيْزَارِ، وَأَبِي بُرْدَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: أَبِي الزِّنَادِ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ - وَهُمَا مِنْ طَبَقَتِهِ - وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةُ، وَعَبْثَرٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ - وَهُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِه - وَخَلْقٌ سِوَاهُم.   (1) أخرجه البخاري 1 / 349 في الحيض، باب: اعتكاف المستحاضة، وفى الاعتكاف، باب: اعتكاف المستحاضة. وأخرجه بنحوه أبو داود (2476) ، وابن ماجه (1870) كلاهما من حديث يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن عائشة، قالت: " اعتكفت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة، والحمرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي ". (*) طبقات خليفة (165) ، التاريخ الصغير 2 / 57، الجرح والتعديل 4 / 122، ثقات ابن حبان 3 / 90، مشاهير علماء الأمصار (111) ، اللباب 2 / 219، تهذيب الكمال (542) ، تذهيب التهذيب 2 / 49 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 153، تهذيب التهذيب 4 / 197 - 198، خلاصة تذهيب الكمال (153) ، شذرات الذهب 1 / 207. سير 6 / 13 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُعجِبُه حَدِيْثُ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ: هُوَ أَهْلٌ أَنْ لاَ يدَعَ لَهُ شَيْئاً. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَهَذَا القَوْلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ. وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. فَهَذَا قَوْلٌ مُتَّجِهٌ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ لِسَنَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ، وَالتِّرْمِذِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ فَأَبْعَدَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: السَّبِيْعِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا زَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، جَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَتَوَفَّاهُ مِنْهُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: هَذَا لِي، وَهَذَا لَكُمْ، حَتَّى مَيَّزَهُ. قَالَ: فَيَقُوْلُوْنَ: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَجَاؤُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا أَعْطَاهُم، وَأَخْبَرُوْهُ الخَبَرَ. فَصَعِدَ المِنْبَر وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 أَقْوَامٍ نَبْعَثُهُم عَلَى هَذِهِ الأَعْمَالِ، فَيَجِيْءُ أَحَدُهُم بِالسَّوَادِ الكَثِيْرِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: هَذَا لِي، وَهَذَا لَكُم. فَإِذَا سُئِلَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ إِنْ كَانَ صَادِقاً أُهْدِيَ ذَلِكَ لَهُ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، أَوْ بَيْتِ أَبِيْهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ أَبْعَثُ رَجُلاً عَلَى عَمَلٍ، فَيَغُلُّ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَجْعَلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، فَلْيَنْظُرْ رَجُلٌ لاَ يَجِيْءُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيْرٌ يَرْغُو، أَوْ بَقَرَةٌ تَخُوْرُ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ) . ثُمَّ قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟) . فَقُلْتُ لأَبِي حُمَيْدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: مَنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ إِلَى أُذُنِي. وَبِهِ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَوَكِيْعٌ، كُلُّهُم عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. البُخَارِيُّ: عَنْ يُوْسُفَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ (1) . 92 - سُلَيْمَانُ بنُ طَرْخَانَ أَبُو المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ. نَزَلَ فِي بَنِي تَيْمٍ، فَقِيْلَ: التَّيْمِيُّ.   (1) أخرجه البخاري 3 / 289 في الزكاة، باب: قول الله تعالى: (والعاملين عليها) ومحاسبة المصدقين مع الامام. وأخرجه مسلم 3 / 1464 رقم (29) في الامارة، باب: تحريم هدايا العمال، من طريق: أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الله بن ذكوان، عن عروة ابن الزبير، عن أبي حميد. وأخرجه البخاري 13 / 144 في الاحكام، باب: هدايا العمال. وأحمد 5 / 423، وأبو داود (2946) من طريق: سفيان الثوري، عن الزهري، أنه سمع عروة، أخبرنا أبو حميد..وأخرجه البخاري 12 / 306 في الحيل، باب: احتيال العامل ليهدى له وأخرجه الدارمي 1 / 194 و2 / 232 من طريق: شعيب، عن الزهري عن عروة، عن أبي حميد..وقوله: فيغل هو من الاغلال. وهو الخيانة في كل شيء. وقوله: تيعر: معناها تصيح، واليعار: صوت الشاة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 18، تاريخ خليفة (420) ، طبقات خليفة (219) ، التاريخ = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ - آخَرَ - وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَطَاوُوْسٍ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَالحَسَنِ، وَطَلْقِ بنِ حَبِيْبٍ، وَبَرَكَةَ أَبِي الوَلِيْدِ، وَثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ، وَرَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: الأَعْمَشِ، وَحُسَيْنِ بنِ قَيْسٍ الرَّحَبِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ. وَكَانَ مُقَدَّماً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَابْنُه؛ مُعْتَمِرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَزُهَيْرٌ الجُعْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الضُّبَعِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَهَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مَائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَرَوَى: الرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَصدَقَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَغَيَّرَ لَوْنُهُ. وَرَوَى: أَبُو بَحْرٍ البَكْرَاوِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: شَكُّ ابْنِ عَوْنٍ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: يَقِيْنٌ.   = الكبير 4 / 20، التاريخ الصغير 2 / 74، الجرح والتعديل 4 / 124 - 125، ثقات ابن حبان 3 / 89، مشاهير علماء الأمصار (93) ، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (543 - 544) ، تذهيب التهذيب 2 / 50 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 212، تذكرة الحفاظ، 1 / 150 - 152، تهذيب التهذيب 4 / 201 - 203، خلاصة تذهيب الكمال (152) ، شذرات الذهب 1 / 212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، مِنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ. قَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مِنَ العُبَّادِ المُجْتَهِدِيْنَ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ، يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّه بِوُضُوْءِ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَكَانَ هُوَ وَابْنُه يَدُورَانِ بِاللَّيْلِ فِي المَسَاجِدِ، فَيُصَلِّيَانِ فِي هَذَا المَسْجِدِ مَرَّةً، وَفِي هَذَا المَسْجِدِ مَرَّةً، حَتَّى يُصْبِحَا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَائِلاً إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَرَوَى: نَوْفَلُ بنُ مُطَهِّرٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حُفَّاظُ البَصْرِيِّينَ ثَلاَثَةٌ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعَاصِمٌ أَحْفَظُهُم. وَعَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ مِنْ حُفَّاظِ البَصْرَةِ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا جَلَستُ إِلَى أَحَدٍ أَخَوْفَ للهِ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: ذَهَبُوا بِصَحِيْفَةِ جَابِرٍ إِلَى الحَسَنِ، فَرَوَاهَا -أَوْ قَالَ: فَأَخَذَهَا- وَذَهَبُوا بِهَا إِلَى قَتَادَةَ، فَأَخَذَهَا، وَأَتَوْنِي بِهَا، فَلَمْ أَرُدَّهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي أَبِي عُثْمَانَ، أَوْ عَاصِمٌ؟ قَالَ: سُلَيْمَانُ. وَقَالَ أَبِي: لاَ يَبلُغُ التَّيْمِيُّ مَنْزِلَةَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، هُم أَكْبَرُ مِنْهُ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: لَوْلاَ أَنَّكَ مِنْ أَهْلِي، مَا حَدَّثتُكَ بِذَا عَنْ أَبِي: مَكَثَ أَبِي أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً، وَيُصَلِّي صَلاَةَ الفَجْرِ بِوُضُوْءِ عِشَاءَ الآخِرَةِ. جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ رَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: لأُكْرِمَنَّ مَثْوَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، صَلَّى لِيَ الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العِشَاءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: عَنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ التَّيْمِيَّ كَأَنَّهُ غُلاَمٌ حَدَثٌ، قَدْ أَخَذَ فِي العِبَادَةِ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ أَخَذَ عِبَادَتَه عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. وَرَوَى: مُثَنَّى بنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا كُنْتُ أُشَبِّهُ عِبَادَةَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ إِلاَّ بِعِبَادَةِ الشَّابِّ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ فِي تِلْكَ الشِّدَّةِ وَالحِدَّةِ. وَرَوَى: الوَلِيْدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: مَا أَتَيْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ فِي سَاعَةٍ يُطَاعُ اللهُ فِيْهَا إِلاَّ وَجَدْنَاهُ مُطِيْعاً، وَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ لاَ يُحسِنُ يَعْصِي اللهَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُثنِي عَلَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُقَدِّمُه عَلَى عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَكَانَ عِنْدَه عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ أَخْبَارَه -يَعْنِي: عَنِ التَّيْمِيِّ- فِي حَدِيْث أَنَسٍ. قَالَ: وَرَأْيِي أَنْ أَصلَ التَّيْمِيِّ كَانَ قَدْ ضَاعَ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: كَانَ التَّيْمِيُّ يُحَدِّثُ الشَّرِيْفَ وَالوَضِيْعَ، خَمْسَةً خَمْسَةً. قُلْتُ: كَانَ يَدَعُكُم تَكْتبُوْنَ؟ قَالَ: لاَ، إِنْ رَدَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ، حَسِبهُ عَلَيْهِ، وَكُنْتُ أَردُّ عَلَيْهِ وَيَحسِبُ عَلَيَّ. يَعْنِي بِقَوْلهِ: أَرُدُّ عَلَيْهِ: أَنِّي أُعِيْدُ الحَدِيْثَ لأَحْفَظَهُ، فَيَحسِبُه عَلَيْهِ بِحَدِيْثٍ مِنْ تِلْكَ الخَمْسَةِ. قَالَ خَالِدُ بنُ الحَارِثِ: قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: لَوْ أَخَذتَ بِرُخصَةِ كُلِّ عَالِمٍ، اجْتَمَعَ فِيْكَ الشَّرُّ كُلُّهُ. وَرَوَى: غَسَّانُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: اسْتَعَارَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ مِنْ رَجُلٍ فَروَةً، فَلَبِسهَا، ثُمَّ رَدَّهَا، قَالَ الرَّجُلُ: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ فِيْهَا رِيْحَ المِسكِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ تَنَازُعٌ، فَتَنَاولَ الرَّجُلُ سُلَيْمَانَ، فَغَمَزَ بَطْنَه، فَجَفَّتْ (1) يَدُ الرَّجُلِ. قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ لِي أَبِي عِنْدَ مَوْتِه: يَا مُعْتَمِرُ! حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ، لَعَلِّي أَلْقَى الله -تَعَالَى- وَأَنَا حَسَنُ الظَنِّ بِهِ. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ المُعْتَمِرِ، فَقَالَ لِي: مَكَانَكَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبِي: إِذَا كَتَبتَ، فَلاَ تَكْتُبِ التَّيْمِيَّ، وَلاَ تَكْتُبِ المُرِّيَّ، فَإِنَّ أَبِي كَانَ مُكَاتَباً لِبُجَيْرِ بنِ حُمْرَانَ، وَإِنَّ أُمِّي كَانَتْ مَوْلاَةً لِبَنِي سُلَيْمٍ، فَإِنْ كَانَ أَدَّى الكِتَابَةَ وَالولاَءَ لِبَنِي مُرَّةَ - وَهُوَ مُرَّةُ بنُ عَبَّادِ بنِ ضُبَيْعَةَ بنِ قَيْسٍ - فَاكتُبِ القَيْسِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الكِتَابَةَ وَالولاَءَ لِبَنِي سُلَيْمٍ - وَهُمْ مِنْ قَيْسِ عَيْلاَنَ - فَاكتُبِ القَيْسِيَّ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّهُ رُبَّمَا أَحْدَثَ الوُضُوْءَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ. وَذَكَرَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: أَنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ لَمْ تَمَرَّ سَاعَةٌ قَطُّ عَلَيْهِ إِلاَّ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ عَامَّةُ دَهْرِ التَّيْمِيِّ يُصَلِّي العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوْءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُسَبِّحُ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ، وَيَصُوْمُ الدَّهْرَ. كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا المَعْرُوْفُ: أَنَّهُ كَانَ يَصُوْمُ يَوْماً وَيَوْماً. وَبِهِ قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: خَرَجَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوْءِ عِشَاءِ الآخِرَةِ.   (1) جفت يد الرجل: يبست، والمضارع يجف بكسر الجيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 رَوَى: المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ - أَوْ غَيْرِهِ - قَالَ: أَقَامَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِمَامَ الجَامِعِ بِالبَصْرَةِ، يُصَلِّي العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوْءٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمْ يَضَعْ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ جَنْبَه بِالأَرْضِ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَذَكَرَ مَرْدَوَيْه، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: قِيْلَ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنْتَ أَنْتَ، وَمَنْ مِثْلُكَ؟! قَالَ: لاَ تَقُوْلُوا هَكَذَا، لاَ أَدْرِي مَا يَبْدُو لِي مِنْ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- سَمِعْتُ اللهَ يَقُوْلُ: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُوْنُوا يَحْتَسِبُوْنَ} [الزُّمَرُ: 47] . وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيُصبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُهُ. رَوَى: سَعِيْدٌ الكُرَيْزِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: مَرِضَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، فَبَكَى، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى قَدَرِيٍّ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَأَخَافُ الحِسَابَ عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ هِلاَلٍ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ سُلَيْمَانَ، فَوَجَدتُ عِنْدَه حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ، وَأَصْحَابَنَا البَصْرِيِّينَ، فَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ أَحَداً حَتَّى يَمتَحِنَه، فَيَقُوْلَ لَهُ: الزِّنَى بِقَدَرٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، اسْتَحلَفَه أَنَّ هَذَا دِيْنُكَ الَّذِي تَدِيْنُ اللهَ بِهِ؟ فَإِنْ حَلَفَ، حَدَّثَهُ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: كَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ لاَ يَزِيْدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ، فَجَعَلَ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، أَجَهْمِيٌّ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مَا أَفْطَنَكَ! مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَبِي: أَمَا - وَاللهِ - لَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ، لَعَلِمَتِ القَدَرِيَّةُ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيْدِ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، أَنَّهُم سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، وَإِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي وَالحَسَنَ، وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا (1)) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَاهُ: سُلَيْمَانُ مَرَّةً، عَنْ أَبِي تَمِيْمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: ثُمَّ نَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ سَمِعْتُه مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَكَتَبتُه. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ (ح) . وَبِهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ فِي جَمَاعَةٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ عَوْذِ اللهِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالاَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعَاذٌ بِالبَابِ، فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ! مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الجَنَّةَ) . قَالَ مُعَاذٌ: أَلاَ أُخْبِرُ النَّاسَ؟   (1) أخرجه أحمد 5 / 210 من طريق، سليمان التيمي، عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد، وأخرجه البخاري 7 / 70 في الفضائل، باب: ذكر زيد بن ثابت، ومناقب الحسن والحسين. و10 / 363 في الأدب باب: وضع الصبى على الفخذ، من طريق: المعتمر، عن أبيه، قال: سمعت أبا تميمة يحدث، عن أبي عثمان النهدي، يحدث عن أسامة بن زيد ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 قَالَ: (لاَ، دَعْهُمْ، فَلْيَتَنَافَسُوا فِي الأَعْمَالِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا (1)) . وَرَوَاهُ: قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ بِالبَصْرَةِ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ: أَنَّهُ مَاتَ ابْنَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. 93 - زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ أَبُو يَحْيَى الهَمْدَانِيُّ * (ع) قَاضِي الكُوْفَةِ، أَبُو يَحْيَى الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَمُصْعَبِ بنِ شَيْبَةَ، وَخَالِدِ بنِ سَلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَجَمَاعَةٍ. يُعَدُّ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ بِالإِدرَاكِ، وَإِلاَّ فَمَا عَلِمتُ لَهُ شَيْئاً عَنِ الصَّحَابَةِ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ الحَافِظُ يَحْيَى، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالقَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ.   (1) حلية الأولياء 3 / 34. وأخرجه أحمد 3 / 157، من طريق: عارم، والبخاري 1 / 201 من طريق مسدد، كلاهما عن معتمر بن سليمان، عن أبيه عن أنس. ورواية قتادة، عن انس، أخرجها البخاري 1 / 199 - 200 في العلم، باب: من خص بالعلم قوما دون قوم. ومسلم (32) في الايمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 247، تاريخ خليفة: (425) ، طبقات خليفة (167) والتاريخ الكبير 3 / 421، التاريخ الصغير 2 / 91، الجرح والتعديل 3 / 593 - 594، مشاهير علماء الأمصار (170) ، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال (433) ، تذهيب التهذيب 1 / 237 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 73، تهذيب التهذيب 3 / 329 - 330، خلاصة تذهيب الكمال (122) ، شذرات الذهب 1 / 224. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، حُلوُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صُوَيلِحٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ، يُدَلِّسُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَحَدِيْثُه قَوِيٌّ. 94 - فُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ بنِ جَرِيْرٍ الضَّبِّيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 95 - بَكْرُ بنُ عَمْرٍو المَعَافِرِيُّ المِصْرِيُّ ** (خَ، م، د، س، ت) أَحَدُ الأَعْلاَمِ. عَنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَاللَّيْثُ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، فَاضِلاً، مُتَأَلِّهاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، إِمَامَ جَامِعِ الفُسْطَاطِ.   (*) التاريخ الكبير 7 / 122، الجرح والتعديل 7 / 74، تهذيب الكمال (1106) ، تذهيب التهذيب 3 / 143 / 2، تهذيب التهذيب 8 / 297 - 298، خلاصة تذهيب الكمال (310) . (* *) التاريخ الكبير 2 / 91، التاريخ الصغير 2 / 237، الجرح والتعديل 2 / 390، تهذيب الكمال (161) ، تذهيب التهذيب 1 / 89 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 347، تهذيب التهذيب 1 / 485 - 486، خلاصة تذهيب الكمال (51) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 96 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيُّ * (ع) ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَابْنِ المُسَيِّبِ. رَوَى عَنْهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ. مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيْقِهِ. ابْنُ عَمِّهِ: 97 - عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ الزُّهْرِيُّ ** (خَ، م، د، س) رَوَى عَنِ: ابْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ. وَعَنْهُ: مَالِكٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. 98 - ابْنُ عَقِيْلٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ *** (بَخ، د، ت، ق) (1) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (*) طبقات خليفة (261) التاريخ الكبير 5 / 273، الجرح والتعديل 5 / 225، مشاهير علماء الأمصار (128) ، تهذيب الكمال (785) ، تهذيب التهذيب 2 / 208 / 2، تهذيب التهذيب 6 / 164 - 165، خلاصة تذهيب الكمال (226) . (* *) التاريخ الكبير 6 / 110، الجرح والتعديل 6 / 64، مشاهير علماء الأمصار (128) ، تهذيب الكمال (851) ، تذهيب التهذيب 2 / 147 / 1، تهذيب التهذيب 6 / 380 - 381، خلاصة تذهيب الكمال 243. (* * *) طبقات خليفة (258) ، التاريخ الكبير 5 / 183، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 3، تهذيب الكمال (737) ، تذهيب التهذيب 2 / 184 / 1، تهذيب التهذيب 6 / 13 - 14، خلاصة تذهيب الكمال (213) (1) سقطت هذه الرموز من الأصل. وأثبتناها من الخلاصة والتقريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ، الطَّالِبِيُّ، المَدَنِيُّ. وَأُمُّه: هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَخَالِه؛ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الصَّحَابِيَّةِ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، وَفُلَيْحٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٌ. احْتَجَّ بِهِ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحتَجُّ بِهِ؛ لِسُوْءِ حِفْظِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّوْنَ بِحَدِيْثِهِ. وَعَنِ البُخَارِيِّ: هُوَ مُقَارَبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يُدخِلْه مَالِكٌ فِي كُتُبِه، وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ آخَرُ: كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّادِ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: صَدُوْقٌ، فِي حَدِيْثِهِ ضَعْفٌ. قُلْتُ: لاَ يَرتَقِي خَبَرُه إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَالاحْتِجَاجِ. قَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ ابْنُ عَقِيْلٍ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 99 - غَالِبٌ القَطَّانُ أَبُو سَلَمَةَ بنُ خَطَافٍ * (ع) هُوَ الفَقِيْهُ، أَبُو سَلَمَةَ بنُ أَبِي غَيْلاَنَ خَطَافٍ - بِالفَتْحِ -. وَقِيْلَ: خُطَافٍ، مَوْلَى الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ القُرَشِيِّ. سَمِعَ: الحَسَنَ، وَابْنَ سِيْرِيْنَ، وَبَكْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ.   (*) طبقات خليفة (218) ، التاريخ الكبير 7 / 99، الجرح والتعديل 7 / 48، كتاب المجروحين 2 / 200، مشاهير علماء الأمصار (156) تهذيب الكمال (1089) ، تذهيب التهذيب 3 / 33 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 330، تهذيب التهذيب 8 / 242 - 243، خلاصة تذهيب الكمال 306. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 وَعَنْهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَحَزْمُ بنُ أَبِي حَزْمٍ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُه. 100 - هَاشِمُ بنُ هَاشِمِ بنِ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ القُرَشِيُّ * (ع) الزُّهْرِيُّ. سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَعَامِرَ بنَ سَعْدٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ. وَعَنْهُ: مَالِكٌ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 101 - يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ المَدَنِيُّ ** (ع) مِنْ بَقَايَا التَّابِعِيْنَ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ؛ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ، وَعَنْ: عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ. وَعَنْهُ: حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَحَدِيْثُه مِنْ عَوَالِي البُخَارِيِّ الثَّلاَثِيَّاتِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفه (126) ، التاريخ الكبير 8 / 233، التاريخ الصغير 2 / 77، الجرح والتعديل 9 / 103، مشاهير علماء الأمصار (138) ، تهذيب الكمال (1432) ، تذهيب التهذيب 4 / 111 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 20 - 21، خلاصة تذهيب الكمال (408) . (* *) تاريخ خليفة: 424، طبقات خليفة (271) التاريخ الكبير 8 / 348، مشاهير علماء الأمصار (78) ، تهذيب الكمال (1538) ، تهذيب التهذيب 11 / 349، خلاصة تذهيب الكمال (433) ، شذرات الذهب 1 / 219. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 102 - إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ هَرْمَةَ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ عَلِيٍّ الفِهْرِيُّ * شَاعِرُ زَمَانِهِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَامِرٍ الفِهْرِيُّ، المَدَنِيُّ. أَحَدُ البُلغَاءِ، مِنْ شُعَرَاءِ الدَّوْلَتَيْنِ، وَكَانَ مُنْقَطِعاً إِلَى العَلَوِيَّةِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مُقَدَّمٌ فِي شُعَرَاءِ المُحْدَثِيْنَ. قَدَّمَهُ بَعْضُهم عَلَى بَشَّارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: وَفَدَ ابْنُ هَرْمَةَ، فَمَدَحَ المَنْصُوْرَ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ. وَمِنْ شِعْرِهِ: كَأَنَّ عَيْنَيَّ إِذْ وَلَّتْ حُمُوْلُهُمُ ... عَنِّي جَنَاحَا حَمَامٍ صَادَفَتْ مَطَرَا أَو لُؤْلُؤٌ سَلِسٌ فِي عِقْدِ جَارِيَةٍ ... خَرْقَاءَ نَازَعَهَا الوِلْدَانُ فَانْتَثَرَا (1) 103 - ابْنُ هُبَيْرَةَ يَزِيْدُ بنُ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ الفَزَارِيُّ ** أَمِيْرُ العِرَاقَيْنِ، أَبُو خَالِدٍ يَزِيْدُ بنُ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ الفَزَارِيُّ. نَائِبُ مَرْوَانَ الحِمَارِ. كَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، سَائِساً، جَوَاداً، فَصِيْحاً، خَطِيْباً. وَكَانَ مِنَ الأَكَلَةِ، وَلَهُ فِي كَثْرَةِ (2) الأَكلِ أَخْبَارٌ.   (*) نسب قريش: 446، البيان والتبين 1 / 111، 168، 224 و3 / 205، 261، 372، الشعر والشعراء، 453، 454، طبقات العشراء ص 20 لابن المعتز، الاغاني: 4 / 101، 113، تاريخ بغداد 6 / 127، سمط اللآلي: 398، الوافي بالوفيات: 6 / 59، البداية والنهاية 10 / 169، النجوم الزاهرة 2 / 84، خزانة الأدب 1 / 244، تهذيب ابن عساكر 2 / 234. (1) البيتان في الزهرة ص 295، وتهذيب ابن عساكر 2 / 242، والثاني منهما في التشبيهات ص 80 لابن أبي عون، وفيه: ورهاء بدل خرقاء، والوره: الحمق كالخرق. (* *) تاريخ خليفة (366، 372، 382، 383، 384، 387، 391، 396، 409) الطبري: سنة (127 و128 و129 و130 و131 و132) ، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 / 123، الكامل في التاريخ: حوادث السنوات المذكورة عند الطبري، تاريخ الإسلام 5 / 315. (2) في الأصل: " كره " وهو تحريف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 هَزَمَتْه الخُرَاسَانِيَّةُ، فَدَخَلَ إِلَى وَاسِطَ، فَحَاصَرَهُ المَنْصُوْرُ مُدَّةً، ثُمَّ خَدَعَه المَنْصُوْرُ، وَآمَنَه، وَنَكَثَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ دَارَه، فَقَتلُوْهُ صَبْراً، وَابْنَه دَاوُدَ، وَمَمَالِيْكَه، وَحَاجِبَه، فَسَجَدَ للهِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَهَبَرُوْهُ. وَقَدْ كَانَ وَلِيَ حَلَبَ لِلْوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ. مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَعَاشَ: خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ جسِيْماً، كَثِيْرَ الأَكلِ، ضَخْماً، طَوِيْلاً، شُجَاعاً، خَطِيْباً، رِزقُه فِي السَّنَةِ سِتُّ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ يُفَرِّقُهَا فِي العُلَمَاءِ وَالوُجُوْهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ: أَنَّ السَّفَّاحَ أَلَحَّ عَلَى أَخِيْهِ أَبِي جَعْفَرٍ يَأمُرُه بِقَتلِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ يُرَاجِعُه؛ لِكَوْنِهِ حَلَفَ لَهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ، وَأَنَّبَه: لَيَقْتُلَنَّه. فَوَلَّى قَتْلَه الهَيْثَمَ بنَ شُعْبَةَ. وَقَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ أَيْضاً إِمْرَةَ العِرَاقَيْنِ لِيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بَعْدَ المائَةِ. قُتِلَ يَزِيْدُ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ هُوَ الَّذِي أَغرَى السَّفَّاحَ بِقَتلِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يَرْكَبُ رِكْبَةً عَظِيْمَةً إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَنَهَاهُ الحَاجِبُ إِلَى أَنْ بَقِيَ فِي ثَلاَثَةٍ. 104 - عَبْدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ * أَحَدُ البُلغَاءِ وَالفُصَحَاءِ، وَرَأْسُ الكُتَّابِ، وَأُولِي الإِنشَاءِ، مِنْ نُظَرَاءِ عَبْدِ الحَمِيْدِ الكَاتِبِ. وَكَانَ مِنْ مَجُوْسِ فَارِسٍ، فَأَسلَمَ عَلَى يَدِ الأَمِيْرِ عِيْسَى عَمِّ السَّفَّاحِ، وَكَتَبَ لَهُ، وَاخْتَصَّ بِهِ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: قَالَ لَهُ: أُرِيْدُ أَنْ أُسْلِمَ عَلَى يَدِكَ بِمَحضَرِ   (*) تاريخ اليعقوبي 3 / 104، الطبري 9 / 182، أمالي المرتضى: 1 / 94، أخبار الحكماء (148) ، البداية والنهاية 10 / 96، لسان الميزان 3 / 366، أمراء البيان 99 - 158. وفي الأصل أثبت لفظ " معا " فوق الفاء من " المقفع " إشارة إلى أن الفاء تضبط: بالفتح والكسر، وكلاهما صحيح، وسيذكر المصنف سبب تلقيبه بذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 الأَعْيَانِ. ثُمَّ قَعَدَ يَأْكُلُ، وَيُزَمْزِمُ بِالمَجُوْسِيَّةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَكرَهُ أَنْ أَبِيْتَ عَلَى غَيْرِ دِيْنٍ. وَكَانَ ابْنُ المُقَفَّعِ يُتَّهَمُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَهُوَ الَّذِي عَرَّبَ (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ) . وَرُوِيَ عَنِ المَهْدِيِّ، قَالَ: مَا وَجَدْتُ كِتَابَ زَندَقَةٍ إِلاَّ وَأَصلُه ابْنُ المُقَفَّعِ. وَغَضِبَ المَنْصُوْرُ مِنْهُ، لأَنَّهُ كَتَبَ فِي تَوَثُّقِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ مِنَ المَنْصُوْرِ يَقُوْلُ: وَمَتَى غَدَرَ بِعَمِّهِ، فَنِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، وَعَبِيْدُهُ أَحْرَارٌ، وَدَوَابُّهُ حُبسٌ، وَالنَّاسُ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعتِه. فَكَتَبَ إِلَى عَامِلِه سُفْيَانَ المُهَلَّبِيِّ يَأمُرُه بِقَتلِ ابْنِ المُقَفَّعِ. وَكَانَ ابْنُ المُقَفَّعِ مَعَ سَعَةِ فَضْلِه، وَفَرطِ ذَكَائِهِ، فِيْهِ طَيشٌ، فَكَانَ يَقُوْلُ عَنْ سُفْيَانَ المُهَلَّبِيِّ: ابْنُ المُغْتَلِمَةِ. فَأَمَرَ لَهُ بِتَنُّورٍ، فَسُجِّرَ، ثُمَّ قَطَعَ أَرْبَعَتَه، وَرَمَاهَا فِي التَّنُّورِ، وَهُوَ يَنْظُرُ. وَعَاشَ: سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَأُهْلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: ذَادَوَيْه، قَدْ وَلِيَ خَرَاجَ فَارِسٍ لِلْحَجَّاجِ، فَخَانَ، فَعَذَّبَه الحَجَّاجُ، فَتَقَفَّعَتْ يَدُه. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ يَعْمَلُ قِفَاعَ الخُوصِ، وَهِيَ كَالقُفَّةِ. قِيْلَ لابْنِ المُقَفَّعِ: مَنْ أَدَّبَكَ؟ قَالَ: نَفْسِي، إِذَا رَأَيْتُ مِنْ أَحَدٍ حَسَناً، أَتَيْتُهُ، وَإِنْ رَأَيْتُ قَبِيْحاً، أَبَيْتُه. وَقِيْلَ: اجْتَمَعَ بِالخَلِيْلِ، فَلَمَّا تَفَرَّقَا، قِيْلَ لِلْخَلِيْلِ: كَيْفَ رَأَيْتَه؟ قَالَ: عِلْمُه أَكْثَرُ مِنْ عَقلِه. وَسُئِلَ هُوَ: كَيْفَ رَأَيْتَ الخَلِيْلَ؟ قَالَ: عَقلُه أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِه. وَقِيْلَ: إِنَّ وَالِيَ البَصْرَةِ سُفْيَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ قَالَ يَوْماً: مَا نَدِمتُ عَلَى سُكُوْتٍ قَطُّ. فَقَالَ ابْنُ المُقَفَّعِ: فَالخَرَسُ زَيْنٌ لَكَ. وَقَالَ لَهُ مَرَّةً: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوجٍ وَزَوْجَةٍ؟ فَأَحْنَقَه. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: صَنَّفَ ابْنُ المُقَفَّعِ (الدُّرَّةَ اليَتِيْمَةَ) الَّتِي مَا صُنِّفَ مِثْلُهَا. وَمِنْ قَوْلِه: شَرِبْتُ مِنَ الخُطَبِ رِيَّا، وَلَمْ أَضْبِطْ لَهَا رَوِيَّا، فَغَاضَتْ، ثُمَّ فَاضَتْ، فَلاَ هِيَ هِيَ نِظَاماً، وَلاَ هِيَ غَيْرُهَا كَلاَماً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 105 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ ابْنِ السَّيِّدِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ (د، ت، س) (1) الحَسَنِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَمِيْرُ، الوَاثبُ عَلَى المَنْصُوْرِ، هُوَ وَأَخُوْهُ إِبْرَاهِيْمُ. حَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ. وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. حَجَّ المَنْصُوْرُ سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى المَدِيْنَةِ رِيَاحاً المُرِّيَّ، وَقَدْ قَلِقَ لِتَخَلُّفِ ابْنَيْ حَسَنٍ عَنِ المَجِيْءِ إِلَيْهِ. فَيُقَالُ: إِنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا كَانَ حَجَّ قَبْلَ أَيَّامِ السَّفَّاحِ، كَانَ فِيْمَا قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ - إِذِ اشْتَوَرَ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكَّةَ فِيْمَنْ يَعقِدُوْنَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ حِيْنَ اضْطَرَبَ أَمرُ بَنِي أُمَيَّةَ -: كَانَ المَنْصُوْرُ مِمَّنْ بَايَعَ لِي. وَسَأَلَ المَنْصُوْرُ زِيَاداً مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ عَنِ ابْنَيْ حَسَنٍ، قَالَ: مَا يَهُمُّك مِنْهُمَا، أَنَا آتِيْكَ بِهِمَا. وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، قَالَ: اسْتُخلِفَ المَنْصُوْرُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ إِلاَّ طَلَبُ مُحَمَّدٍ، وَالمَسْأَلَةِ عَنْهُ. فَدَعَا بَنِي هَاشِمٍ وَاحِداً وَاحِداً، يَخلُو بِهِ، وَيَسْأَلُه، فَيَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَدْ عَرَفَ أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَه يَطْلُبُ هَذَا الشَّأْنَ قَبْلَ اليَوْمِ، فَهُوَ يَخَافُكَ، وَهُوَ الآنَ لاَ يُرِيْدُ لَكَ خِلاَفاً.   (*) تاريخ خليفة (421) و (423) و (430) ، طبقات خليفة (269) ، التاريخ الصغير: 1 / 287، 2 / 82، الطبري: حوادث سنة: 145 - 146 - 147، الجرح والتعديل 7 / 295، الكامل في التاريخ: حوادث السنوات السابقة، تهذيب الكمال (1217 - 1218) ، تذهيب التهذيب 3 / 216 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 591، تاريخ الإسلام للذهبي 6 / 121، الوافي بالوفيات: 3 / 297، تهذيب التهذيب 9 / 252، خلاصة تذهيب الكمال (344) ، شذرات الذهب 1 / 213. (1) سقطت هذه الرموز من الأصل، وأثبتناها من كتب التراجم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 وَأَمَّا حَسَنُ بنُ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ فَأَخْبَرَهُ بِأَمرِه، وَقَالَ: لاَ آمَنُ أَنْ يَخْرُجَ. فَاشْتَرَى المَنْصُوْرُ رَقِيْقاً مِنَ العَرَبِ، فَكَانَ يُعْطِي الوَاحِدَ مِنْهُمُ البَعِيْرَيْنِ، وَفَرَّقَهم فِي طَلَبِه، وَهُوَ مُختَفٍ. وَقَالَ لِعُقْبَةَ السِّنْدِيِّ: اخْفِ شَخْصَكَ، وَاسْتَتِرْ، ثُمَّ ائْتِنِي وَقْتَ كَذَا. فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي عَمِّنَا قَدْ أَبَوْا إِلاَّ كَيداً لَنَا، وَلَهُم شِيْعَةٌ بِخُرَاسَانَ يُكَاتِبُونَهُم، وَيُرسِلُوْنَ إِلَيْهِم بِصَدَقَاتِهِم، فَاخرُجْ إِلَيْهِم بِكِسْوَةٍ وَأَلطَافٍ، حَتَّى تَأْتِيَهُم مُتَنَكِّراً، فَحسَّهُم لِي، فَاشْخَصْ حَتَّى تَلقَى عَبْدَ اللهِ بنَ حَسَنٍ مُتَقَشِّفاً، فَإِنْ جَبَهَكَ، وَهُوَ فَاعِلٌ، فَاصْبِرْ، وَعَاوِدْهُ حَتَّى يَأنَسَ بِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ لَكَ، فَاعجَلْ عَلَيَّ. فَذَهَبَ عُقْبَةُ، فَلَقِيَ عَبْدَ اللهِ بِالكِتَابِ، فَانْتَهَرَه، وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَؤُلاَءِ. فَلَمْ يَزَلْ يَعُودُ إِلَيْهِ، حَتَّى قَبِلَ الكِتَابَ وَالهَدِيَّةَ. فَسَأَلَه عُقْبَةُ الجَوَابَ، فَقَالَ: لاَ أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ، فَأَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِم، وَأَخْبِرْهُم أَنَّ ابْنَيَّ خَارِجَانِ لِوقْتِ كَذَا. وَقَالَ: فَأَسرَعَ بِهَا عُقْبَةُ إِلَى المَنْصُوْرِ (1) . وَقِيْلَ: كَانَ ابْنَا حَسَنٍ مَنْهُومَيْنِ بِالصَّيدِ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي أَرْبَعِيْنَ رَجُلاً مُتَخَفِّياً، فَأَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَهْلَكْتَنِي، فَانزِلْ عِنْدِي، وَفَرِّقْ أَصْحَابَك. فَأَبَى، فَقَالَ: انْزِلْ فِي بَنِي رَاسِبٍ. فَفَعَلَ. وَقِيْلَ: أَقَامَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو النَّاسَ سِرّاً. وَقِيْلَ: نَزَلَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ المُرِّيِّ أَيَّاماً، وَحَجَّ المَنْصُوْرُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، فَأَكرَمَ عَبْدَ اللهِ بنَ حَسَنٍ، ثُمَّ قَالَ لِعُقْبَةَ: تَرَاءَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! قَدْ عَلِمتَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ العُهُودِ. قَالَ: أَنَا عَلَى ذَلِكَ. فَتَرَاءى لَهُ عُقْبَةُ، وَغَمَزَهُ، فَأَبْلَسَ عَبْدُ اللهِ، وَقَالَ: أَقِلْنِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَقَالَكَ اللهُ. قَالَ: كَلاَّ. وَسَجَنَهُ.   (1) انظر الطبري 7 / 519، 520، وابن الأثير 5 / 516. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ: أَرَى ابْنَيْكَ قَدِ اسْتَوْحَشَا مِنِّي، وَإِنِّي لأُحِبُّ قُرْبَهُمَا. قَالَ: مَا لِي بِهِمَا عِلْمٌ، وَقَدْ خَرَجَا عَنْ يَدِي. وَقِيْلَ: هَمَّ الأَخَوَانِ بِاغتِيَالِ المَنْصُوْرِ بِمَكَّةَ، وَوَاطَأَهُمَا قَائِدٌ كَبِيْرٌ، فَفَهِمَ المَنْصُوْرُ، فَتَحَرَّزَ، وَهَرَبَ القَائِدُ، وَتَحَيَّلَ المَنْصُوْرُ مِنْ زِيَادٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى المَدِيْنَةِ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ القَسْرِيَّ، وَبَذَلَ لَهُ أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ إِعَانَةً، فَعَجَزَ، فَعَزَلَهُ بِرِيَاحِ بنِ عُثْمَانَ بنِ حَيَّانَ المُرِّيِّ، وَعُذِّبَ القَسْرِيُّ. فَأُخْبِرَ رِيَاحٌ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد اللهِ فِي شِعْبِ رَضْوَى مِنْ أَرْضِ يَنْبُعَ. فَنَدَبَ لَهُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ الجُهَنِيَّ، فَكَبَسَه لَيْلَةً، فَفَرَّ مُحَمَّدٌ، وَمَعَهُ وَلَدٌ، فَوَقَعَ مِنْ جَبَلٍ مِنْ يَدِ أُمِّه، فَتَقَطَّعَ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُوْهُ: مُنْخَرِقُ السِّربَالِ يَشْكُو الوَجَى ... تَنكُبُهُ أَطرَافُ مَرْوٍ حِدَادْ شَرَّدَهُ الخَوْفُ وَأَزْرَى بِهِ ... كَذَاكَ مَنْ يَكْرَهُ حَرَّ الجِلاَدْ قَدْ كَانَ فِي المَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ ... وَالمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ العِبَادْ وَتَتَبَّعَ رِيَاحٌ بَنِي حَسَنٍ، وَاعْتَقَلَهُم. فَأَخَذَ: حَسَناً وَإِبْرَاهِيْمَ ابْنَيْ حَسَنٍ - وَهُمَا عَمَّا مُحَمَّدٍ - وَحَسَنَ بنَ جَعْفَرِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَأَخَاهُ؛ عَبْدَ اللهِ، وَمُحَمَّداً، وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيْمَ المَذْكُوْرِ، وَعَبَّاسَ بنَ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَأَخَاهُ؛ عَلِيّاً العَابِدَ، وَقَيَّدَهُم. وَشَتَمَ ابْنَيْ حَسَنٍ عَلَى المِنْبَرِ، فَسَبَّحَ النَّاسُ، وَعَظَّمُوا قَوْلَه. فَقَالَ رِيَاحٌ: أَلصَقَ اللهُ بِوُجُوهِكُمُ الهَوَانَ، لأَكتُبَنَّ إِلَى خَلِيْفَتِكُم غِشَّكُم. فَقَالُوا: لاَ نَسْمَعُ مِنْكَ يَا ابْنَ المَجْلُوْدَةِ (1) . وَبَادَرُوْهُ يَرمُونَه بِالحَصبَاءِ، فَنَزَلَ، وَاقْتَحَمَ دَارَ مَرْوَانَ، وَأَغلَقَ عَلَيْهِ، فَأَحَاطَ بِهِ النَّاسُ، وَرَجَمُوْهُ، وَشَتَمُوْهُ، ثُمَّ إِنَّهُم كَفُّوا، وَحَمَلُوا آلَ حَسَنٍ فِي القُيُوْدِ   (1) في تاريخ الإسلام: " المحدودة ". وفي الطبري: " المجلود ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 إِلَى العِرَاقِ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ يَبْكِي لَهُم. وَأُخِذَ مَعَهُم أَخُوْهُم مِنْ أُمِّهِم مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَهُوَ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ. فَقِيْلَ: جُعِلُوا فِي المَحَامِلِ، وَلاَ وِطَاءَ تَحْتَهُم. وَقِيْلَ: أُخِذَ مَعَهُم أَرْبَعُ مائَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِي المَوَالِي: وَسُجِنتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَوَافَى المَنْصُوْرُ الرَّبَذَةَ (1) رَاجِعاً مِنْ حَجِّه، فَطَلَبَ عَبْدَ اللهِ أَنْ يَحضُرَ إِلَيْهِ، فَأَبَى. وَدَخَلتُ أَنَا، وَعِنْدَه عَمُّه عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، فَسَلَّمتُ. قَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، أَيْنَ الفَاسِقَانِ ابْنَا الفَاسِقِ؟! قُلْتُ: هَلْ يَنْفَعُنِي الصِّدْقُ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَلَيَّ، وَعَلَيَّ، إِنْ كُنْتُ أَعْرِفُ مَكَانَهمَا. فَلَمْ يَقْبَلْ، فَضَرَبَنِي أَرْبَعَ مائَةِ سَوْطٍ، فَغَابَ عَقْلِي، وَرُدِدتُ إِلَى أَصْحَابِي. ثُمَّ طَلَبَ أَخَاهم الدِّيْبَاجَ، فَحَلَفَ لَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَضَرَبَه مائَةَ سَوْطٍ، وَغَلَّه، فَأَتَى وَقَدْ لصقَ قَمِيْصُه عَلَى جِسْمِه مِنَ الدِّمَاءِ.   (1) قرية من قرى المدينة المنورة، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز، إذا رحلت من " فيد " تريد " مكة ". وبها قبر الصحابي الجليل أبي ذر، رضي الله عنه، وقطعا للشكوك التي يثيرها دعاة الفتن، وأصحاب الاغراض، الذين افترع الغرب عقولهم، حول مكث أبي ذر بالربذة، نورد أصح الاخبار عن ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري 3 / 217 و218، في الزكاة، باب: ما أدي زكاته ليس بكنز، وفي تفسير سورة براءة، باب: والذين يكنزون الذهب والفضة عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا بأبي ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة: 34] فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام. فكتب إلى عثمان يشكوني. فكتب إلي عثمان: أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك. فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 فَأَوَّلُ مَنْ مَاتَ فِي الحَبسِ عَبْدُ اللهِ أَبُوْهُمَا، ثُمَّ مَاتَ أَخُوْهُ حَسَنٌ، ثُمَّ الدِّيْبَاجُ، فَقَطَعَ رَأْسَه، وَبَعَثَه مَعَ طَائِفَةٍ مِنَ الشِّيْعَةِ، طَافُوا بِهِ خُرَاسَانَ، يَحلِفُوْنَ أَنَّ هَذَا رَأْسُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ فَاطِمَةَ، يُوْهِمُوْنَ أَنَّهُ ابْنُ حَسَنٍ الَّذِي كَانُوا يَجِدُوْنَ خُرُوْجَه فِي الكُتُبِ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ قَالَ لِمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَسَنٍ: أَنْتَ الدِّيْبَاجُ الأَصْفَرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لأَقتُلَنَّكَ قِتْلَةً مَا سُمِعَ بِهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِاصْطُوَانَةٍ، فَنُقِرَتْ، وَأُدخِلَ فِيْهَا، ثُمَّ سُدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ. وَكَانَ مِنَ المِلاَحِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَتَلَ الدِّيْبَاجَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَيْضاً. وَعَنْ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ فِي الحَبْسِ أَوقَاتَ الصَّلَوَاتِ إِلاَّ بِأَجزَاءٍ يَقْرَؤُهَا عَلِيُّ بنُ حَسَنٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ قَتَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ حَسَنٍ أَيْضاً بِالسُّمِّ. وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ جَعْفَرٍ دَخَلُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَالُوا: مَا تَنتَظِرُ! وَاللهِ مَا نَجِدُ فِي هَذَا البَلَدِ أَشْأَمَ عَلَيْهَا مِنْكَ. وَأَمَّا رِيَاحٌ، فَطَلَبَ جَعْفَراً الصَّادِقَ وَبَنِي عَمِّه إِلَى دَارِهِ، فَسَمِعَ التَّكَبِيْرَ فِي اللَّيْلِ، فَاختَفَى رِيَاحٌ. فَظَهَرَ مُحَمَّدٌ فِي مائَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ نَفْساً، فَأَخرَجَ أَهْلَ السِّجنِ - وَكَانَ عَلَى حِمَارٍ - فِي أَوَّلِ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَحَبَسَ رِيَاحاً، وَجَمَاعَةً، وَخَطَبَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَمرِ هَذَا الطَّاغِيَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَخفَ عَلَيْكُم، مِنْ بِنَائِهِ القُبَّةَ الخَضْرَاءَ (1) الَّتِي بَنَاهَا تَصْغِيْراً لِكَعْبَةِ اللهِ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ   (1) هي في قصر المنصور ببغداد، أقامها على إيوانه، وارتفاعها عن الأرض ثمانون ذراعا. قال الخطيب البغدادي في تاريخه 1 / 73: وكانت هذه القبة تاج بغداد، وعلم البلد، ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة. بنيت أول ملكهم، وبقيت إلى آخر أمر الواثق فكان بين بنائها. وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 بِالقِيَامِ لِلدِّيْنِ أَبْنَاءُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ قَدْ فَعلُوا وَفَعلُوا، فَأَحْصِهِم عَدَداً، وَاقْتُلْهُمْ بِدَداً، وَلاَ تُغَادِرْ مِنْهُم أَحَداً (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: كَانَ المَنْصُوْرُ يَكْتُبُ عَلَى أَلسُنِ قُوَّادِه إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِأَنَّهم مَعَهُ (2) ، فَاخرُجْ. فَقَالَ: يَثِقُ بِالمُحَالِ. وَخَرَجَ مَعَهُ مِثْلُ ابْنِ عَجْلاَنَ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَلَمَّا قُتِلَ، أَتَى وَالِي المَدِيْنَةِ بِابْنِ عَجْلاَنَ، فَسَبَّه، وَأَمَرَ بِقَطعِ يَدِه. فَقَالَ العُلَمَاءُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، إِنَّ هَذَا فَقِيْهُ المَدِيْنَةِ، وَعَابِدُهَا، وَشُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ المَهْدِيُّ، فَتَرَكَه. قَالَ: وَلَزِمَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ ضَيعَةً لَهُ، وَخَرَجَ أَخَوَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَأَبُو بَكْرٍ، فَعَفَا عَنْهُمَا المَنْصُوْرُ. وَاختَفَى جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً عَلَى المَدِيْنَةِ، وَلَزِمَ مَالِكٌ بَيْتَه. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَتَكَلَّمُ فِي عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ لِخُرُوْجِه، وَيَقُوْلُ: إِنْ مَرَّ بِكَ المَهْدِيُّ وَأَنْتَ فِي البَيْتِ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: بَعَثَ مُحَمَّدٌ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ - وَقَدْ شَاخَ - لِيُبَايِعَه، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَنْتَ -وَاللهِ- مَقْتُوْلٌ، كَيْفَ أُبَايِعُكَ؟ فَارتَدَعَ النَّاسُ عَنْهُ، فَأَتَتْه بِنْتُ أَخِيْهِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَتْ: يَا عَمِّ! إِنَّ إِخْوَتِي قَدْ أَسرَعُوا إِلَى ابْنِ خَالِهِم، فَلاَ تُثَبِّطْ عَنْهُ، فَيُقْتَلَ هُوَ وَإِخْوَتِي. فَأَبَى. فَيُقَالُ: قَتَلَتْهُ. فَأَرَادَ مُحَمَّدٌ   (1) هذا الكلام مقتبس من قول خبيب رضي الله عنه، حين خرج به المشركون من الحرم ليقتلوه في الحل. انظر الخبر بتمامه في البخاري 6 / 115 في الجهاد، باب هل يستأمر الرجل، ومن صلى ركعتين عند القتل و7 / 240 في المغازي و7 / 291 - 295 أيضا. (2) وتمام الخبر، في الطبري، وتاريخ الإسلام 6 / 12: (فكان محمد يقول: لو التقينا مال إلي القواد كلهم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 الصَّلاَةَ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: تَقتُلُ أَبِي، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَنَحَّاهُ الحَرَسُ، وَتَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ أَسْوَدَ، جَسِيْماً، فِيْهِ تَمتَمَةٌ. وَلَمَّا خَرَجَ، قَامَتْ قِيَامَةُ المَنْصُوْرِ، فَقَالَ لآلِهِ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الأَحْمَقِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، فَلَهُ رَأْيٌ جَيِّدٌ فِي الحَرْبِ. فَلَمَّا دَخَلُوا، قَالَ: لأَمرٍ مَا جِئْتُم! فَمَا جَاءَ بِكُم جَمِيْعاً، وَقَدْ هَجَرتُمُوْنِي مِنْ دَهْرٍ؟ قَالُوا: اسْتَأْذَنَّا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ: لَيْسَ ذَا بِشَيْءٍ، مَا الخَبَرُ؟ قَالُوا: خَرَجَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَمَا تَرَوْنَ ابْنَ سَلاَّمَةَ صَانِعاً؟ يَعْنِي: المَنْصُوْرَ. قَالُوا: لاَ نَدْرِي. قَالَ: إِنَّ البُخلَ قَدْ قَتَلَه، فَلْيُخرِجِ الأَمْوَالَ، وَيُكرِمِ الجُنْدَ، فَإِنْ غَلبَ، فَمَا أَوشَكَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ مَالُه. وَجَهَّزَ المَنْصُوْرُ وَلِيَّ عَهْدِه عِيْسَى بنَ مُوْسَى لِحَربِ مُحَمَّدٍ، وَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدٍ يَحُثُّه عَلَى التَّوبَةِ، وَيَعِدُه، وَيُمَنِّيْه. فَأَجَابَه: مِنَ المَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ: {طَسم، تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِيْنِ} ، وَأَنَا أَعرِضُ عَلَيْكَ مِنَ الأَمَانِ مِثْلَ مَا عَرَضتَ، فَإِنَّ الحَقَّ حَقُّنَا ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَيُّ الأَمَانَاتِ تُعطِيْنِي، أَمَانُ ابْنِ هُبَيْرَةَ؟ أَمْ أَمَانُ عَمِّكَ؟ أَمْ أَمَانُ أَبِي مُسْلِمٍ؟ فَأَرسَلَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ مُزعِجٍ، وَأَخَذَ جُنْدُ مُحَمَّدٍ مَكَّةَ، وَجَاءهُ مِنْهَا عَسْكَرٌ، وَسَارَ وَلِيُّ العَهْدِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ، وَنَفَذَ إِلَى أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَتَأَلَّفُهُم، فَتَفَلَّلَ خَلْقٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبَادَرَ آخَرُوْنَ إِلَى خِدمَةِ عِيْسَى. فَأُشِيْرَ عَلَى مُحَمَّدٍ: أَنْ يَفِرَّ إِلَى مِصْرَ، فَلَنْ يَرُدَّكَ أَحَدٌ عَنْهَا. فَصَاحَ جُبَيْرٌ: أَعُوْذُ بِاللهِ أَنْ نَخرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَنَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (رَأَيْتُنِي فِي دِرْعٍ حَصِيْنَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا المَدِيْنَةَ) (1) .   (1) قطعة من حديث مطول، أخرجه أحمد 1 / 271 من طريق: سريج عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي أرى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: رأيت في سيفي ذي الفقار فلا، فأولته، فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا، فأولت كيش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير، فكان الذي قال، صلى الله عليه وسلم، ". وسنده حسن. وأخرج الدارمي 2 / 129 بنحوه من طريق الحجاج ابن منهال، عن حماد بن سلمة، عن أبى الزبير عن جابر..ورجاله ثقات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً اسْتَشَارَ أَنْ يُخَنْدِقَ عَلَى نَفْسِهِ، فَاخْتَلَفَتِ الآرَاءُ، ثُمَّ حَفَرَ خَنْدَقَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَفَرَ فِيْهِ بِيَدِهِ. عَنْ عُثْمَانَ الزُّبَيْرِيِّ، قَالَ: اجْتَمَعَ مَعَ مُحَمَّدٍ جَمْعٌ (1) لَمْ أَرَ أَكْثَرَ مِنْهُ، إِنِّي لأَحسِبُنَا كُنَّا مائَةَ أَلْفٍ. فَخَطَبَ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَرُبَ، وَقَدْ حَلَّلتُكُم مِنْ بَيْعَتِي. قَالَ: فَتَسلَّلُوا حَتَّى بَقِيَ فِي شِرْذِمَةٍ، وَهَرَبَ النَّاسُ بِذَرَارِيهِم فِي الجِبَالِ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ عِيْسَى لأَذَاهُم، وَرَاسَلَ مُحَمَّداً يَدعُوْهُ إِلَى الطَّاعَةِ، فَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ يَقتُلَكَ مَنْ يَدْعُوكَ إِلَى اللهِ، فَتَكُوْنَ شَرَّ قَتِيْلٍ، أَوْ تَقْتُلَه، فَيَكُوْنَ أَعْظَمَ لِوِزْرِكَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ: إِنْ أَبَيْتَ، فَإِنَّا نُقَاتِلُكَ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ جَدُّكَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، عَلَى نَكثِ البَيْعَةِ. ثُمَّ أَحَاطَ عِيْسَى بِالمَدِيْنَةِ فِي أَثنَاءِ رَمَضَانَ، وَدَعَا مُحَمَّداً إِلَى الطَّاعَةِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَرُبَ مِنَ السُّورِ، فَنَادَى بِنَفْسِهِ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ الدِّمَاءِ، فَهَلُمُّوا إِلَى الأَمَانِ، وَخَلُّوا بَيْننَا وَبَيْنَ هَذَا. فَشَتَمُوْهُ، فَانْصَرَفَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الغَدِ، وَزَحَفَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، وَظَهَرَ، وَكَرَّرَ بَذْلَ الأَمَانِ لِمُحَمَّدٍ، فَأَبَى، وَتَرَجَّلَ. فَقَالَ بَعْضُهُم: إِنِّي لأحسِبُه قَتَلَ بِيَدِهِ سَبْعِيْنَ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ: كُنَّا مَعَ مُحَمَّدٍ فِي عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدرٍ، ثُمَّ تَبَارَزَ جَمَاعَةٌ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ المَنْصُوْرِ عِنْدَ أَحجَارِ الزَّيْتِ (2) ، فَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ قُبَاءٌ أَصْفَرُ، فَقَتَلَ الجُنْدِيَّ، ثُمَّ بَرَزَ آخَرُ، فَقَتَلَه، فَاعْتَوَرَهُ أَصْحَابُ عِيْسَى حَتَّى أَثبَتُوهُ بِالسِّهَامِ، وَدَامَ القِتَالُ مِنْ بَكْرَةٍ إِلَى العَصْرِ، وَطَمَّ أَصْحَابُ عِيْسَى الخَنْدَقَ، فَجَازَتْ خَيْلُهم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: تَحَنَّطَ مُحَمَّدٌ لِلْمَوْتِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكَ بِمَا تَرَى طَاقَةٌ،   (1) في الأصل " جمعا " وهو تحريف. (2) موضع في المدينة، قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 فَالْحَقْ بِالحَسَنِ بنِ مُعَاوِيَةَ نَائِبِكَ بِمَكَّةَ. قَالَ: لَوْ رُحتُ، لَقُتِلَ هَؤُلاَءِ، فَلاَ أَرجِعُ، وَأَنْتَ مِنِّي فِي سَعَةٍ. وَقِيْلَ: نَاشَدَه غَيْرُ وَاحِدٍ اللهَ وَهُوَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ تُبْتَلَوْنَ (1) بِي مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ قَتَلَ (2) رِيَاحاً وَعَبَّاسَ بنَ عُثْمَانَ، فَمَقَتَه النَّاسُ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ، وَعَرقَبَ فَرَسَه، وَعَرقَبَ بَنُو شُجَاعٍ دَوَابَّهُم، وَكَسَرُوا أَجفَانَ سُيُوْفِهم، ثُمَّ حَمَلَ هُوَ، فَهَزَمَ القَوْمَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَدَارَ بَعْضُهم مِنْ وَرَائِهِ، وَشَدَّ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَه، وَأَخَذَ رَأْسَه، وَكَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ سَيْفُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُوْ الفِقَارِ، فَجَاءهُ سَهْمٌ، فَوَجَدَ المَوْتَ، فَكُسِرَ السَّيفُ. وَلَمْ يَصِحَّ، بَلْ قِيْلَ: أَعْطَاهُ رَجُلاً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: لَنْ تَلقَى طَالبِيّاً إِلاَّ وَأَخَذَه مِنْكَ، وَأَعْطَاكَ حَقَّكَ. فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المَدِيْنَةَ، أَخَذَه مِنْهُ، وَأَعْطَاهُ الدَّينَ. وَكَانَ مَصْرَعُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ أَحجَارِ الزَّيْتِ، فِي رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَلاَثاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: صَلَبَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطِيْفَ بِالرَّأْسِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: ذَهَبتْ طَائِفَةٌ مِنَ الجَارُوْدِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلاَ يَمُوْتُ، حَتَّى يَملأَ الأَرْضَ عَدلاً. وَخَلَّفَ مِنَ الأَوْلاَدِ: حَسَناً، وَعَبْدَ اللهِ، وَفَاطِمَةَ، وَزَيْنَبَ. 106 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ العَلَوِيُّ * الَّذِي خَرَجَ بِالبَصْرَةِ، زَمَنَ خُرُوْجِ أَخِيْهِ بِالمَدِيْنَةِ.   (1) في الأصل " لتبلون " والصحيح ما أثبتناه. (2) السياق هنا يشعر أن قاتل رياح هو محمد. بينما نص المؤلف في تاريخ الإسلام 6 / 18، ونص الطبري 7 / 591، ونص الكامل 5 / 547 - 548 كلها تدل على أن الفاعل هو عيسى بن خضير وهو الصحيح. (*) تاريخ خليفة (421 - 422 - 431 - 432) ، البيان والتبيين 2 / 195 و3 / 373، = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 قَالَ مُطَهِّرُ بنُ الحَارِثِ: أَقْبَلْنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيْدُ البَصْرَةَ، وَنَحْنُ عَشْرَةٌ، فَنَزَلنَا عَلَى يَحْيَى بنِ زِيَادٍ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: اضْطَّرَنِي الطَّلَبُ بِالمَوْصِلِ، حَتَّى جَلَستُ عَلَى مَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ قَدْ قَدِمهَا يَطْلُبُنِي، فَتَحَيَّرتُ، وَلَفَظَتْنِي الأَرْضُ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ، وَوَضَعَ عَلَيَّ الأَرصَادَ، وَدَعَا يَوْماً النَّاسَ إِلَى غَدَائِهِ، فَدَخَلتُ، وَأَكَلتُ. وَجَرَتْ لِهَذَا أَلوَانٌ فِي اخْتِفَائِهِ، وَرُبَّمَا يَظفَرُ بِهِ بَعْضُ الأَعْوَانِ، فَيُطلِقُه لِمَا يَعْلَمُ مِنْ ظُلمِ عَدُوِّهُ. ثُمَّ اخْتَفَى بِالبَصْرَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلقٌ، لِشدَّةِ بُغضِهم فِي أَبِي جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ، وَغَلَبَ عَلَى الحَرَمَيْنِ، فَوَجَّهَ أَخَاهُ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى البَصْرَةِ، فَدَخَلهَا فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَغَلَبَ عَلَيْهَا، وَبَيَّضَ أَهْلُهَا، وَرَمَوُا السَّوَادَ، فَخَرَجَ مَعَهُ عِدَّةُ عُلَمَاءٍ. وَقِيْلَ: لَمَّا قَارَبَ جَمْعُه أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، شَهَرَ أَمرَهُ، وَنَزَلَ فِي دَارِ أَبِي مَرْوَانَ النَّيْسَابُوْرِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سُفْيَانَ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ مَرْعُوْبٌ، فَأَخْبَرتُه بِكِتَابِ أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيَأمُرُه بِالظُّهُوْرِ، فَوَجَمَ لَهَا، وَاغتَمَّ. فَأَخَذتُ أُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَأَقُوْلُ: مَعَكَ مضَاءُ التَّغْلِبِيِّ، وَالطُّهَوِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ، وَأَنَا، وَنَخرُجُ فِي اللَّيْلِ إِلَى السِّجنِ، فَنَفتَحُهُ، وَيُصبِحُ مَعَكَ خَلقٌ. فَطَابَتْ نَفْسُه. وَبَلَغَ المَنْصُوْرَ، فَنَدَبَ جَيْشاً إِلَى البَصْرَةِ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ، فَضَبَطَ الكُوْفَةَ، خَوْفاً مِنْ وُثُوْبِ الشِّيْعَةِ.   = التاريخ الصغير: 2 / 84، الطبري، والكامل، والبداية، في حوادث سنة 145. الوافي بالوفيات: 6 / 31. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 قَالَ أَبُو الحَسَنِ الحَذَّاءُ: أَلزمَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّاسَ بِالسَّوَادِ، فَكُنْتُ أَرَى بَعْضَهم يَصبِغُ بِالمِدَادِ، ثُمَّ أَخَذَ يَحبِسُ، أَوْ يَقتُلُ كُلَّ مَنْ يَتَّهِمُه. وَكَانَتِ البَيْعَةُ فِي السِّرِّ تُعمَلُ بِالكُوْفَةِ لإِبْرَاهِيْمَ. وَكَانَ بِالمَوْصِلِ أَلفَانِ لِمَكَانِ الخَوَارِجِ، فَطَلَبَهمُ المَنْصُوْرُ، فَقَاتَلَهُم بَعْضُ مَنْ هَوِيَ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُتِلَ مِنْهُم خَمْسُ مائَةٍ. وَصَارَ إِبْرَاهِيْمُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إِلَى مَقْبرَةِ بَنِي يَشْكُرَ، فِي بِضْعَةَ عَشَرَ فَارِساً، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فِي الجَامِعِ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ نَائِبُ البَصْرَةِ. وَكَانَ يَتَرَاكَكُ فِي أَمرِه، حَتَّى تَمَكَّنَ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ بِأَمَانٍ، فَقَيَّدَه بِقَيدٍ خَفِيْفٍ، وَعَفَا عَنِ الأَجنَادِ، فَانْتُدِبَ لِحَرْبِهِ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ فِي سِتِّ مائَةِ فَارِسٍ، فَأَبرَزَ إِبْرَاهِيْمُ لِحرْبِهِم مضَاءً فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَهَزَمَهُم مضَاءٌ، وَجُرِحَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ. وَوَجَدَ إِبْرَاهِيْمُ فِي بَيْتِ المَالِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ، فَفَرَّقهَا عَلَى عَسْكَرِهِ خَمْسِيْنَ، خَمْسِيْنَ. ثُمَّ جَهَّزَ المُغِيْرَةَ فِي خَمْسِيْنَ مُقَاتِلاً، فَقَدِمَهَا، وَقَدِ التَفَّ مَعَهُ نَحْوُ مائَتَيْنِ، فَهَزَمَ مُتَوَلِّي الأَهْوَازِ مُحَمَّدَ بنَ حُصَيْنٍ، وَاسْتَولَى المُغِيْرَةُ عَلَى البَلَدِ. وَهَمَّ إِبْرَاهِيْمُ بِالمَسِيْرِ إِلَى الكُوْفَةِ، وَبَعَثَ جَمَاعَةً، فَغَلَبُوا عَلَى إِقْلِيْمِ فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى وَاسِطَ هَارُوْنَ العِجْلِيَّ. فَجَهَّزَ المَنْصُوْرُ لِحَرْبِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ، فَجَرَتْ بَيْنَهُم وَقعَاتٌ، حَتَّى كَلَّ الفَرِيقَانِ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيْمُ سَائِرَ رَمَضَانَ يُنفِذُ عُمَّالَه عَلَى البِلاَدِ، وَحَارَبَ، فَوَلَّى المَنْصُوْرُ، وَتَحَيَّرَ، وَحَدَّثَ نَفْسَه بِالهَرَبِ. فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِالمَدِيْنَةِ، رَجَعَتْ إِلَى المَنْصُوْرِ رُوْحُه، وَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِ إِبْرَاهِيْمَ، وَبُهِتَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ العِيْدَ بِالمُصَلَّى، وَيُعْرَفُ (1) فِيْهِ الحُزْنُ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَنْصُوْرَ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، مَا عِنْدِي نَحْوُ أَلْفَيْ فَارِسٍ، فَمَعَ   (1) زيادة من تاريخ الإسلام للمصنف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 ابْنِي بِالرَّيِّ ثَلاَثُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ مُحَمَّدِ بنِ أَشْعَثَ بِالمَغْرِبِ أَرْبَعُوْنَ أَلفاً، وَمَعَ عِيْسَى بِالحِجَازِ سِتَّةُ آلاَفٍ، لَئِنْ نَجَوتُ لاَ يُفَارِقُنِي ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ فَارِسٍ. فَمَا لَبِثَ أَنْ أَتَاهُ عِيْسَى مُؤَيَّداً مَنْصُوْراً، فَوَجَّهَهُ لِحَربِ إِبْرَاهِيْمَ. وَأَقبَلَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ البَاهِلِيُّ مِنَ الرَّيِّ، فَكَاتَبَ أَهْلَ البَصْرَةِ، فَلَحِقَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، وَسَارَ خَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ إِلَى الأَهْوَازِ، وَبَقِيَ المَنْصُوْرُ كَالجَمَلِ الهَائِدِ، إِلَى أَنْ انْتَصَرَ، وَقَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ. فَمَكَثَ شَهْرَيْنِ، لاَ يَأوِي إِلَى فِرَاشٍ. قَالَ حَجَّاجُ بنُ مُسْلِمٍ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَقَدْ جَاءهُ فَتقُ البَصْرَةِ، وَفَتقُ فَارِسَ، وَوَاسِطَ، وَالمَدَائِنِ، وَهُوَ مُطرِقٌ يَتَمَثَّلُ: وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ دَرِيْئَةً ... إِنَّ الرَّئِيْسَ لِمِثْلِهَا لَفَعُولُ هَذَا وَمائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ كَامِنَةٌ حَوْلَه بِالكُوْفَةِ، يَنْتَظِرُوْنَ صَيْحَةً، فَوَجَدتُه صَقراً، أَحْوذِيّاً، مُشَمِّراً. وَعَنْ وَالِدِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: خَرَجنَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَعَسْكَرنَا بِبَاخَمْرَا (1) ، فَطُفنَا لَيْلَةً، فَسَمِعَ إِبْرَاهِيْمُ أَصوَاتَ طَنَابِيْرَ وَغِنَاءً، فَقَالَ: مَا أَطمَعُ فِي نَصْرِ عَسْكَرٍ فِيْهِ هَذَا. وَعَنْ دَاوُدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أُحصِيَ دِيْوَانُ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى مائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. وَقِيْلَ: بَلْ كَانُوا عَشْرَةَ آلاَفٍ - وَهَذَا أَصَحُّ -. وَكَانَ مَعَ عِيْسَى بنِ مُوْسَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً. وَأُشِيْرَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ أَنْ يَكبِسَ الكُوْفَةَ، وَلَوْ فَعَلَ، لَرَاحَتْ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: بَلْ   (1) موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب. وبها استشهد إبراهيم، ودفن. وإياه عنى دعبل الخزاعي بقوله: وقبر بأرض الجوزجان محله * وقبر بباخمرى لدى الغربات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 أُبَيِّتُ عِيْسَى. وَعَنْ هُرَيْمٍ، قَالَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: لاَ تَظهَرْ عَلَى المَنْصُوْرِ حَتَّى تَأْتِيَ الكُوْفَةَ، فَإِنْ مَلَكْتَهَا، لَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَةٌ، وَإِلاَّ فَدَعنِي أَسِيْرُ إِلَيْهَا، أَدْعُو لَكَ سِرّاً، ثُمَّ أَجهَرُ، فَلَوْ سَمِعَ المَنْصُوْرُ هَيْعَةً بِهَا، طَارَ إِلَى حُلْوَانَ. فَقَالَ: لاَ نَأمَنُ أَنْ تُجِيْبَكَ مِنْهُم طَائِفَةٌ، [فَيُرسِلُ إِلَيْهِم أَبُو جَعْفَرٍ خَيْلاً، فَيَطَأُ البَرِيْءَ، وَالنَّطِفَ، وَالصَّغِيْرَ، وَالكَبِيْرَ] (1) ، فَتَتَعَرَّضُ لإِثْمٍ. فَقُلْتُ: خَرَجْتَ لِقِتَالِ مِثْلِ المَنْصُوْرِ وَتَتَوَقَّى ذَلِكَ؟! لَمَّا نَزَلَ بَاخَمْرَا، كَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّكَ قَدْ أَصحَرْتَ، وَمِثْلُكَ أَنْفَسُ بِهِ عَلَى المَوْتِ، فَخَنْدِقْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ، فَقَدْ أَعْرَى أَبُو جَعْفَرٍ عَسْكَرَهُ، فَخُفَّ فِي طَائِفَةٍ حَتَّى تَأْتِيَهُ، فَتَأْخُذَ بِقَفَاهُ. فَشَاورَ قُوَّادَه، فَقَالُوا: نُخَنْدِقُ عَلَى نُفُوْسِنَا وَنَحْنُ ظَاهِرُوْنَ؟! وَقَالَ بَعْضُهُم: أَنَأْتِيْهِ وَهُوَ فِي أَيْدِيْنَا مَتَى شِئْنَا؟! وَعَنْ بَعْضِهم، قَالَ: الْتَقَى الجَمعَانِ، فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ الصَّفَّ إِذَا انْهَزَمَ، تَدَاعَى، فَاجْعَلْنَا كَرَادِيسَ. فَتَنَادَى أَصْحَابُه: لاَ، لاَ. وَقُلْتُ: إِنَّهُم مُصَبِّحُوكَ فِي أَكمَلِ سِلاَحٍ وَكُرَاعٍ، وَمَعَكَ عُرَاةٌ، فَدَعنَا نُبَيِّتْهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي أَكرَهُ القَتْلَ. فَقَالَ: تُرِيْدُ الخِلاَفَةَ، وَتَكرَهُ القَتْلَ؟ - وَبَاخَمْرَا عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الكُوْفَةِ -. فَالتَحَمَ الحَرْبُ، وَانْهَزَمَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ، فَتَدَاعَى الجَيْشُ، فَنَاشَدَهُم عِيْسَى، فَمَا أَفَادَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي مائَةِ فَارِسٍ. فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ تَنَحَّيتَ؟ قَالَ: لاَ أَزُولُ حَتَّى أُقتَلَ، أَوْ أُنْصَرَ، وَلاَ يُقَالَ: انْهَزَمَ. وَكَانَ المَنْصُوْرُ يُصغِي إِلَى النُّجُوْمِ، وَلاَ يَتَأَثَّمُ مِنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ لِعِيْسَى: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ لاَقِيْهِ، وَإِنَّ لَكَ جَولَةً، ثُمَّ يَفِيءُ إِلَيْكَ أَصْحَابُه. قَالَ عِيْسَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا مَعِي إِلاَّ ثَلاَثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ غُلاَمِي: عَلاَمَ تَقِفُ؟! قُلْتُ:   (1) زيادة من تاريخ الإسلام للمؤلف، ومن تاريخ الطبري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 وَاللهِ لاَ يَرَانِي أَهْلُ بَيْتِي مُنْهَزِماً، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ، إِذْ صَمَدَ ابْنَا سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ لإِبْرَاهِيْمَ، فَخَرَجَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَوْلاَهُمَا لافْتُضِحْنَا، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمَّا انْهَزَمُوا، عَرَضَ لَهُم نَهْرٌ، وَلَمْ يَجِدُوا مَخَاضَةً، فَرَجَعُوا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيْمَ، وَثَبَتَ هُوَ فِي خَمْسِ مائَةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَبْعِيْنَ. وَاشتَدَّ القِتَالُ، وَتَطَايَرَتِ الرُّؤُوْسُ، وَحَمِيَ الحَرْبُ، إِلَى أَنْ جَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ، لاَ يُعْرَفُ رَامِيهِ فِي حَلقِ إِبْرَاهِيْمَ، فَتَنَحَّى، وَأَنْزَلُوْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوْراً} [الأَحْزَابُ: 38] أَرَدْنَا أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ غَيْرَه. فَحَمَاهُ أَصْحَابُه، فَأَنْكَرَ حُمَيْدُ بنُ قَحْطَبَةَ اجْتِمَاعَهُم، وَحَمَلَ عَلَيْهِم، فَانْفَرَجُوا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَنَزَلَ طَائِفَةٌ، فَاحْتَزُّوا رَأْسَه -رَحِمَهُ اللهُ- وَأُتِيَ بِالرَّأْسِ إِلَى عِيْسَى، فَسَجَدَ، وَنَفَّذَه إِلَى المَنْصُوْرِ، لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: كَانَ عَلَيْهِ زَرَدِيَّةٌ (1) ، فَحَسَرَ مِنَ الحَرِّ عَنْ صَدْرِه، فَأُصِيْبَ. وَكَانَ قَدْ وَصَلَ خَلقٌ مِنَ المُنهَزِمِيْنَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَتَهَيَّأَ المَنْصُوْرُ، وَأَعَدَّ السُّبَّقَ لِلْهَرَبِ إِلَى الرَّيِّ. فَقَالَ لَهُ نُوْبَخْتُ (2) المُنَجِّمُ: الظَّفَرُ لَكَ. فَمَا قَبِلَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الفَجْرُ، أَتَاهُ الرَّأْسُ، فَتَمَثَّلَ بِقَوْلِ مَعْقِرٍ البَارِقِيِّ (3) : فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْناً بِالإِيَابِ المُسَافِرُ قَالَ خَلِيْفَةُ: صَلَّى إِبْرَاهِيْمُ العِيْدَ بِالنَّاسِ أَرْبَعاً، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَيَزِيْد بنُ هَارُوْنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ شُعْبَةُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَأمُرُ بِالخُرُوْجِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا بِالبَصْرَةِ إِلاَّ مَنْ تَغَيَّرَ أَيَّامَ إِبْرَاهِيْمَ، إِلاَّ ابْنُ عَوْنٍ.   (1) الزرد: حلق المغفر والدرع، واليها هذه النسبة. (2) في الطبري " ينبخت ". (3) كما في " المؤتلف والمختلف ": 128، ونسبه الجاحظ في " البيان والتبيين " 3 / 40 إلى مضرس العبدي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 وَحَدَّثَنِي مَيْسُوْرُ بنُ بَكْرٍ، سَمِعَ عَبْدَ الوَارِثِ يَقُوْلُ: فَأَتَيْنَا شُعْبَةَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجُوا، وَتُعِيْنُوْهُ. فَأَتَيْنَا هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ، فَلَمْ يُجِبْنَا، فَأَتَيْنَا سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْساً أَنْ يَدْخُلَ رَجُلٌ مَنْزِلَه، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ، قَاتَلَهُ. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: بَاخَمْرَا بَدْرٌ الصُّغْرَى. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، هَرَبَ أَهْلُ البَصْرَةِ بَرّاً وَبَحراً، وَاسْتَخْفَى النَّاسُ، وَقُتِلَ مَعَهُ الأَمِيْرُ بَشِيْرٌ الرَّحَّالُ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ. قُلْتُ: وَعَرَفَتِ الخَزْرُ باخْتِلاَفِ الأُمَّةِ، فَخَرَجُوا مِنْ بَابِ الأَبْوَابِ، وَقَتَلُوا خَلقاً بِأَرْمِيْنِيَةَ، وَسَبَوْا الذُّرِّيَّةَ، فَلِلَّهِ الأَمْرُ، وَتَشَتَّتَ الحُسَيْنِيُّوْنَ، وَهَرَبَ إِدْرِيْسُ مِنْهُم إِلَى أَقْصَى بِلاَد المَغْرِبِ، ثُمَّ خَرَجَ ابْنُهُ هُنَاكَ، ثُمَّ سُمَّ. وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الإِدْرِيْسِيَّةِ، فَتَمَلَّكُوا بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ سَنَوَاتٍ، وَلَقِيْتُ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الإِدْرِيْسِيَّ الأَدِيْبَ، فَرَوَى لَنَا عَنِ ابْنِ بَاقٍ. 107 - الدِّيْبَاجُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو العُثْمَانِيُّ * (ق) ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ العُثْمَانِيُّ، المَدَنِيُّ، المُلَقَّبُ: بِالدِّيْبَاجِ؛ لِحُسنِهِ. كَانَ جَوَاداً، سَخِيّاً، ذَا مُرُوْءةٍ، وَسُؤْددٍ، وَحِشْمَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: أُمِّهِ؛ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، وَنَافِعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَطَائِفَةٍ.   (*) التاريخ الصغير: 2 / 81، الطبري: حوادث سنة 129، الجرح والتعديل: 7 / 1. 3، مشاهير علماء الأمصار (131) ، الكامل في التاريخ حوادث سنة 129، تذهيب التهذيب 3 / 219 / 1 - 2، ميزان الاعتدال 3 / 593، تهذب التهذيب 9 / 268 - 269، خلاصة تذهيب الكمال (345) . وقد سقط الرمز " ق " من الأصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 وَعَنْهُ: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْنٍ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ. لَيَّنَهُ: البُخَارِيُّ. وَهُوَ عَمُّ الأَخَوَينِ ابْنَيْ حَسَنٍ لِلأُمِّ، فَأَخَذَهُ المَنْصُوْرُ لِذَلِكَ، وَضَرَبَه، وَقَيَّدَه، فَمَاتَ فِي سِجنِه بِالهَاشِمِيَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَقَاهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَ مَعْنٌ القَزَّازُ: زَعَمُوا أَنَّ المَنْصُوْرَ قَتَلَه وَقْتَ خُرُوْجِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ. 108 - عِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ البَصْرِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) القَصِيْرُ، الرَّبَّانِيُّ، العَابِدُ، أَبُو بَكْرٍ البَصْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ، وَنَافِعٍ. وَقِيْلَ: رَوَى عَنْ أَنَسٍ. وَعِدَادُه فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعُثْمَانُ بنُ زَائِدَةَ، وَعِدَّةٌ، خَاتِمَتُهُم: عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ الغُدَانِيُّ، إِلاَّ أَنَّهُ - فِيْمَا قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ - كَانَ يَرَى القَدَرَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وذَكَرَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) ، وَاسْتَنكَرَ لَهُ أَحَادِيْثَ، وَسَاقَهَا، وَعِنْدِي أَنَّهَا قَوِيَّةٌ. وَيُرْوَى عَنْهُ: أَنَّهُ عَاهَدَ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ لاَ يَنَامَ إِلاَّ عَنْ غَلَبَةٍ. وَبَعْضُهُم سَمَّى أَبَاهُ: مَيْسرَةَ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 419، التاريخ الصغر 2 / 140، الجرح والتعديل 6 / 304 - 305، مشاهير علماء الأمصار (154) ، تهذيب الكمال (1059) ، تذهيب التهذيب 3 / 115 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 243، تهذيب التهذيب 8 / 137 - 139، خلاصة تذهيب الكمال (296) . سير 6 / 15 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 109 - خَالِدُ بنُ صَفْوَانَ بنِ الأَهْتَمِ أَبُو صَفْوَانَ المِنْقَرِيُّ * العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، فَصِيْحُ زَمَانِه، أَبُو صَفْوَانَ المِنْقَرِيُّ، الأَهْتَمِيُّ، البَصْرِيُّ. وَقَدْ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلَمْ أَظفَرْ لَهُ بِوَفَاةٍ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: شَبِيْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ القَائِلُ: ثَلاَثَةٌ يُعْرَفُوْنَ عِنْدَ ثَلاَثَةٍ: الحَلِيْمُ عِنْدَ الغَضَبِ، وَالشُّجَاعُ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَالصَّدِيقُ عِنْدَ النَّائِبَةِ. وَقَالَ: أَحْسَنُ الكَلاَمِ مَا لَمْ يَكُنْ بِالبَدَوِيِّ المُغْرِبِ، وَلاَ بِالقُرَوِيِّ المُخَدَّجِ، وَلَكِنْ مَا شَرُفَتْ مَنَابِتُهُ، وَطَرُفَتْ مَعَانِيْهِ، وَلَذَّ عَلَى الأَفْوَاهِ، وَحَسُنَ فِي الأَسْمَاعِ، وَازدَادَ حُسْناً عَلَى مَمَرِّ السِّنِيْنَ، تُحَنْحِنُهُ الدَّوَاةُ، وَتَقْتَنِيْهُ السَّرَاةُ (1) . قُلْتُ: وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالبُخلِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 110 - الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بنُ مِهْرَانَ الكَاهِلِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، شَيْخُ المُقْرِئِيْنَ وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو   (*) تاريخ خليفة (248) ، البيان والتبيين: 1 / 32 - 47 - 173 - 292 - 317 - 336 - 340 - 352 - 2 / 93 - 117 - 220 - 250 - 297، 3 / 164، 274 و4 / 92. (1) ومن كلامه، وقد سئل: أي إخوانك أحب إليك؟ قال، الذي يغفر زللي، ويقبل عللي، ويسد خللي. قال المؤلف معلقا على ذلك: قلت: إنما ذاك هو الله تعالى، أجود الاجودين. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 342، تاريخ خليفة (232، 424) ، طبقات خليفة (164) ، التاريخ الصغير: 2 / 91، الجرح والتعديل 4 / 146، مشاهير علماء الأمصار (111) ، حلية الأولياء 5 / 46 - 60، تاريخ بغداد 9 / 3، الكامل في التاريخ 5 / 589، وفيات الأعيان 2 / 400 - 403، تهذيب الكمال (548 - 549) ، تذهيب التهذيب 20 / 54 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 75، ميزان الاعتدال 2 / 224، تذكرة الحفاظ 1 / 154، غاية النهاية 1 / 315، تهذيب التهذيب 4 / 222 - 226، خلاصة تذهيب الكمال (155) ، شذرات الذهب 1 / 220 - 223. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، الكَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الحَافِظُ. أَصْلُه: مَنْ نَوَاحِي الرَّيِّ. فَقِيْلَ: وُلدَ بِقَرْيَةِ أُمِّهِ مِنْ أَعْمَالِ طَبَرِسْتَانَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، وَقَدِمُوا بِهِ إِلَى الكُوْفَةِ طِفْلاً. وَقِيْلَ: حِمْلاً. قَدْ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَحَكَى عَنْهُ. وَرَوَى: عَنْهُ، وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى عَلَى مَعْنَى التَّدلِيسِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مَعَ إِمَامَتِه كَانَ مُدَلِّساً. وَرَوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَزَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي ظَبْيَانَ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَكُمَيْلِ بنِ زِيَادٍ، وَالمَعْرُوْرِ بنِ سُوَيْدٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وَتَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، وَعُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيِّ، وَهِلاَلِ بنِ يِسَافٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ سَلْمَانَ، وَأَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَجَاءٍ، وَثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي بِشْرٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَالحَكَمِ، وَذَرِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَزِيَادِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَعِيْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي السَّفْرِ الهَمْدَانِيِّ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَيَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِيْنَ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ: الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَطَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ - وَهُمْ كُلُّهُم مِنْ أَقْرَانِهِ - وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَشُعْبَةُ، وَمَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ، وَشَيْبَانُ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَزَائِدَةُ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَعَثَّامُ بنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.، آخِرُهُم وَفَاةً: يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ - أَحَدُ التَّلْفَى -. وَقَدْ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ؛ مُقْرِئِ العِرَاقِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ. قَرَأَ عَلَيْهِ: حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ. وَقَرَأَ الكَسَائِيُّ عَلَى زَائِدَةَ بِحُرُوْفِ الأَعْمَشِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَلْفٍ وَثَلاَثِ مائَةِ حَدِيْثٍ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ الأَعْمَشُ أَقْرَأَهُم لِكِتَابِ اللهِ، وَأَحْفَظَهُم لِلْحَدِيْثِ، وَأَعْلَمَهُم بِالفَرَائِضِ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هُوَ عَلاَّمَةُ الإِسْلاَمِ. قَالَ وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ: كَانَ الأَعْمَشُ قَرِيْباً مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ: مَا خَلَّفَ الأَعْمَشُ أَعَبْدَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ الأَعْمَشَ لَبِسَ فَرْواً مَقْلُوْباً، وَبتّاً تَسِيْلُ خُيُوطُه عَلَى رِجْلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتُم لَوْلاَ أَنِّي تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، مَنْ كَانَ يَأْتِيْنِي لَوْ كُنْتُ بَقَّالاً؟ كَانَ يَقْدِرُ النَّاسُ أَنْ يَشتَرُوا مِنِّي. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: كَانُوا يَقْرَؤُوْنَ عَلَى يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، فَلَمَّا مَاتَ، أَحْدَقُوا بِي. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قَالَ الأَعْمَشُ: مَا أَطَفتُم بِأَحَدٍ، إِلاَّ حَمَلْتُمُوْهُ عَلَى الكَذِبِ. الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: اسْتَعَانَ بِي مَالِكُ بنُ الحَارِثِ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْتُ فِي قَبَاءٍ مُخَرَّقٍ، فَقَالَ لِي: لَوْ لَبِسْتَ ثَوْباً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 غَيْرَه؟ فَقُلْتُ: امْشِ، فَإِنَّمَا حَاجَتُكَ بِيَدِ اللهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقُوْلُ فِي المَسْجِدِ: مَا صِرتُ مَعَ سُلَيْمَانَ إِلاَّ غُلاَماً. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: سُئِلَ الأَعْمَشُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَامْتَنَعَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى اسْتَخْرَجُوْه مِنْهُ، فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ، ضَرَبَ مَثَلاً، فَقَالَ: جَاءَ قَفَّافٌ بِدَرَاهِمَ إِلَى صَيْرَفِيٍّ يُرِيهِ إِيَّاهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ يَزِنُهَا، وَجَدَهَا تَنْقُصُ سَبْعِيْنَ، فَقَالَ: عَجِبْتُ عَجِيْبَةً مِنْ ذِئْبِ سُوْءٍ ... أَصَابَ فَرِيْسَةً مِنْ لَيْثِ غَابِ فَقَفَّ بِكَفِّهِ سَبْعِيْنَ مِنْهَا ... تَنَقَّاهَا منَ السُّوْدِ الصِّلاَبِ (1) فَإِنْ أُخْدَعْ، فَقَدْ يُخْدَعْ وَيُؤْخَذْ ... عَتِيْقُ الطَّيْرِ مِنْ جَوِّ السَّحَابِ وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ الأَعْمَشَ، وَعَلَيْهِ فَرْوٌ غَلِيْظٌ وَخُفَّانِ - أَظُنُّه قَالَ: غَلِيْظَانِ - كَأَنَّهُ إِنْسَانٌ سَائِلٌ. فَقَالَ يَوْماً: لَوْلاَ القُرْآنُ، وَهَذَا العِلْمُ عِنْدِي، لَكُنْتُ مِنْ بَقَّالِي الكُوْفَةِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُجَاهِدٍ، فَلَمَّا خَرَجتُ مِنْ عِنْدِه، تَبِعَنِي بَعْضُ أَصْحَابِه، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُوْلُ: لَوْ كَانَتْ بِي قُوَّةٌ، لاَخْتَلَفْتُ إِلَى هَذَا -يَعْنِي: الأَعْمَشَ-. وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: انْظُرُوا، لاَ تَنثُرُوا هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ عَلَى الكَنَائِسِ.   (1) القفاف: هو الذي يسرق الدراهم بين أصابعه عند نقدها. والبيت في اللسان، مادة " قفف " ورواية الشطر الثاني فيه: " من السود المروقة الصلاب ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: لاَ تَنثُرُوا اللُّؤْلُؤَ تَحْتَ أَظلاَفِ الخنَازِيْرِ. وَبِهِ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: خَرَجَ الأَعْمَشُ إِلَى بَعْضِ السَّوَادِ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ الحَدِيْثِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: لَوْ حَدَّثْتَ هَؤُلاَءِ المَسَاكِيْنَ؟ فَقَالَ: مَنْ يُعَلِّقُ الدُّرَّ عَلَى الخَنَازِيْرِ؟! حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى إِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ بِوَاسِطَ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، فَقُلْتُ: مَنْ ذَكَرَ هَذَا؟ فَضَرَبَ لِي مَثَلَ رَجُلٍ مِنَ الخَوَارِجِ، فَقُلْتُ: أَتَضرِبُ لِي هَذَا المَثَلَ، تُرِيْدُ أَنْ أَكنسَ الطَّرِيْقَ بِثَوْبِي، فَلاَ أَمُرُّ بِبَعرَةٍ، وَلاَ خُنْفُسٍ إِلاَّ حَمَلْتُهَا؟! حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ القُمِّيُّ، عَنْ أَبِي رِبْعِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: العَمَالِقَةُ حَرُوْرِيَّةُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ. حَدَّثَنِي زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: دَخَلَ عَلَيَّ إِبْرَاهِيْمُ يَعُوْدُنِي، وَكَانَ يُمَازِحُنِي، فَقَالَ: أَمَّا أَنْتَ، فَتعرفُ فِي مَنْزِلَةٍ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيْمٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: كَتَبتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَلفَ حَدِيْثٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ لِيَ الأَعْمَشُ: أَمَا تَعجَبُ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ، قَالَ: جَاءنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَمرَضْ، وَأَنَا أَشتَهِي أَنْ أَمرَضَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: احْمَدِ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ. قَالَ: أَنَا أَشتَهِي أَنْ أَمرَضَ. قَالَ: كُلْ سَمَكاً مَالِحاً، وَاشرَبْ نَبِيذاً مَرِيْساً، وَاقْعُدْ فِي الشَّمْسِ، وَاسْتَمرِضِ اللهَ. فَجَعَلَ الأَعْمَشُ يَضْحَكُ، وَيَقُوْلُ: كَأَنَّمَا قَالَ لَهُ: وَاسْتَشفِ (1) اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.   (1) في الأصل " واستشفي ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَامَ حَتَّى يُصْبِحَ -يَعْنِي: لَمْ يُصَلِّ (1) - تَوَرَّكَه الشَّيْطَانُ، فَبَالَ فِي أُذُنِه. وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ قَدْ سَلَحَ فِي حَلْقِيَ اللَّيْلَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَسعُلُ. حَدَّثَنِي صَالِحٌ، حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ عَلَى الأَعْمَشِ، فَكَلَّمُوْهُ فِيْهِ وَنَحْنُ قُعُوْدٌ، ثُمَّ خَرَجَ الأَعْمَشُ، وَتَرَكَه فِي البَيْتِ. فَلَمَّا ذَهَبَ، قَالَ الأَعْمَشُ: قُلْتُ لَهُ: شَقِيْقٌ. فَقَالَ: قُلْ: أَبُو وَائِلٍ. قَالَ: وَقَالَ: زَوِّدْنِي مِنْ حَدِيْثِكَ حَتَّى آتِيَ بِهِ المَدِيْنَةَ. قَالَ: قُلْتُ: صَارَ حَدِيْثِي طَعَاماً. وَكُنْتُ آتِي شَقِيْقَ بنَ سَلَمَةَ، وَبَنُوْ عَمِّه يَلْعَبُوْنَ بِالنَّردِ وَالشَّطرَنْجِ، فَيَقُوْلُ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، وَهُم لاَ يَدرُوْنَ فِيْمَ نَحْنُ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الكُوْفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ إِذَا حَدَّثَ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ، قَالَ: قَدْ جَاءكُم السَّيلُ. يَقُوْلُ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا مِثْلُ الأَعْمَشِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَنْ تَأْتِي اليَوْمَ؟ قُلْتُ: أَبَا وَائِلٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَانَ يُعَدُّ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَنَا؟ فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ مَا هُوَ بِأَبغَضَ إِلَيَّ أَنْ تَأْتِيَنِي. فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ أَكْثَرُ مَنْ كُنْتَ تَرَى عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ؟ قَالَ: ثَلاَثَةٌ، أَرْبَعَةٌ، اثْنَيْنِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: خَرَجَ مَالِكٌ إِلَى مُتَنَزَّهٍ لَهُ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ، فَرَفَعَ رَأْسَه، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ، لأُوْذِيَنَّكَ. قَالَ: فَأَمْسَكَ المَطَرَ. فَقِيْلَ لَهُ: أَيَّ شَيْءٍ أَرَدْتَ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ: أَنْ لاَ أَدَعَ مَنْ يُوَحِّدُهُ إِلاَّ قَتَلْتهُ. فَعَلِمتُ أَنَّ اللهَ يَحفَظُ عَبدَه المُؤْمِنَ.   (1) في الأصل " يصلي ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ لِي سُفْيَانُ التَّمَّارُ: أَتَتْنِي أُمُّ الأَعْمَشِ بِهِ، فَأَسلَمَتْه إِلَيَّ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِلأَعْمَشِ، فَقَالَ: وَيلَ أُمِّه، مَا أَكْبَرَهُ! ابْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي (مُعْجَمِهِ) : سَمِعْتُ الدَّقِيْقِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: تَزَوَّجَ جِنِّيٌّ إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: إِيشْ تَشتَهُوْنَ مِنَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: الأَرزُ. فَأَتَيْنَا بِالأَرزِ، فَجَعَلتُ أَرَى اللُّقَمَ تُرفَعُ، وَلاَ أَرَى أَحَداً. قُلْتُ: فِيْكُم هَذِهِ الأَهْوَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، ذَكَرَ الأَعْمَشُ -يَعْنِي حَدِيْثَ: (ذَاكَ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) - فَقَالَ: مَا أَرَى عَيْنِي عَمشَتْ إِلاَّ مِنْ كَثْرَةِ مَا يَبُولُ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيَّ، وَمَا أَظُنَّه فَعَلَ هَذَا قَطُّ. قُلْتُ: يُرِيْدُ أَنَّ الأَعْمَشَ كَانَ صَاحِبَ لَيْلٍ وَتَعَبُّدٍ. حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، سَمِعْتُ هُشَيماً (1) يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بِالكُوْفَةِ أَحَداً أَقرَأَ لِكِتَابِ اللهِ وَلاَ أَجْوَدَ حَدِيْثاً مِنَ الأَعْمَشِ، وَلاَ أَفهَمَ وَلاَ أَسرَعَ إِجَابَةً لِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ عَرْعَرَةَ، سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ إِذَا ذَكَرَ الأَعْمَشَ، قَالَ: كَانَ مِنَ النُّسَّاكِ، وَكَانَ مُحَافِظاً عَلَى الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَعَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ، وَهُوَ عَلاَّمَةُ الإِسْلاَمِ. وَكَانَ يَحْيَى يَلتَمِسُ الحَائِطَ حَتَّى يَقُوْمَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: جَاءَ رَقَبَةُ إِلَى الأَعْمَشِ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَكَلَحَ فِي وَجْهِه. فَقَالَ لَهُ رَقَبَةُ: أَمَا وَاللهِ مَا عَلِمتُكَ لَدَائِمُ القُطُوبِ، سَرِيْعُ المِلاَلِ، مُسْتَخِفٌّ بِحَقِّ الزُّوَّارِ، لَكَأَنَّمَا تُسعطُ الخَرْدَلَ إِذَا سُئِلْتَ الحِكْمَةَ.   (1) في الأصل " هشيم ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 وَبِهِ: قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: كَانَتْ لِلأَعْمَشِ عِنْدِي بِضَاعَةٌ، فَكُنْتُ آتِيْهِ، فَأَقُوْلُ: قَدْ رَبِحتَ كَذَا، وَرَبِحتَ كَذَا، وَمَا حَرَّكْتُهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، سَمِعْتُ القَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مِنَ الأَعْمَشِ. ثُمَّ قَالَ نُعَيْمٌ: وَسَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَحلِفُ أَنْ لاَ يُحَدِّثَنِي، وَيَقُوْلُ: لاَ أُحَدِّثُ قَوْماً وَهَذَا التُّركِيُّ فِيْهِم. وَسَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: كُنَّا نُرَقِّعُهَا عِنْدَ الأَعْمَشِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْنَا أَحْفَظَ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَسَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ إِلاَّ ستْرٌ. حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ لأَبِي مُعَاوِيَةَ: أَمَّا أَنْتَ، فَقَدْ رَبَطتَ رَأْسَ كَبشِكَ. قُلْتُ: يَعْنِي: وَعَى عَنْهُ عِلْماً جَمّاً. حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا خَلَوتُ بِأَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا بِحَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ غَضّاً، لَيْسَ عَلَيْهِ غُبَارٌ. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ: سَأَلْتُ الأَعْمَشَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لاَ أُجِيْبُكَ إِلَى الأَضْحَى. فَقُلْتُ: لاَ آتِيْكَ إِلَى الأَضْحَى. فَمَكَثتُ حَتَّى حَانَ وَقْتِي وَوَقْتُه، ثُمَّ أَتَيْتُ المَسْجِدَ، فَلَمْ أُكَلِّمْه، وَجَلَستُ نَاحِيَةً وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ، وَابْنُه يَكْتُبُ فِي الأَرْضِ: سَلُوْهُ عَنْ كَذَا، سَلُوْهُ عَنْ كَذَا. فَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ، لَمْ يُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْزُقَ، خَرَجَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! مَا هَذَا الَّذِي حَدَثَ فِي مَجْلِسِكَ؟! فَقَالَ: ابْنُ إِدْرِيْسَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَسَلَّمَ عَلَيَّ سَلاَماً لَمْ يَكُنْ لِيُسَلِّمَه عَلَيَّ قَبْلَ ذَلِكَ، وَسَاءلَنِي مُسَاءلَةً لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُنِي عَنْهَا، وَكَانَ يُعجِبُه أَنْ يَكُوْنَ لِلْعَربِيِّ مَرَارَةٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ: كُنَّا عِنْدَ الأَعْمَشِ، فَسَأَلُوْهُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ لابْنِ المُخْتَارِ: تَرَى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ؟ فَغَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: مَا أَرَى أَحَداً يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَحَدِّثْ بِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: مَا ظَنُّكُم بِرَجُلٍ أَعْوَرَ، عَلَيْهِ قَبَاءٌ وَمَلحَفَةٌ مُوَرَّدَةٌ، جَالِساً مَعَ الشُّرَطِ -يَعْنِي: إِبْرَاهِيْمَ-. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الجُعْفِيُّ، عَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، قَالَ: قِيْلَ لِلأَعْمَشِ أَيَّامَ زَيْدٍ: لَوْ خَرَجتَ؟ قَالَ: وَيلَكُم! وَاللهِ مَا أَعْرِفُ أَحَداً أَجعَلُ عِرضِي دُوْنَه، فَكَيْفَ أَجعَلُ دِيْنِي دُوْنَه؟! حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كُنْتُ آتِي مُجَاهِداً، فَيَقُوْلُ: لَوْ كُنْت أُطِيْقُ المَشْيَ، لَجِئْتُكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، أَخْبَرَنَا مُغِيْرَةُ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيْمُ، اخْتَلَفْتُ إِلَى الأَعْمَشِ فِي الفَرَائِضِ. حَدَّثَنِي ابْنُ زَنْجَوَيْه، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: إِنِّي لأَسَمَعُ الحَدِيْثَ، فَأَنظُرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، فَآخُذُه، وَأَدَعُ سَائِرَه. قَالَ وَكِيْعٌ: جَاؤُوا إِلَى الأَعْمَشِ يَوْماً، فَخَرَجَ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ فِي مَنْزِلِي مَنْ هُوَ أَبغَضُ إِلَيَّ مِنْكُم، مَا خَرَجتُ إِلَيْكُم. قِيْلَ: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ الحَائِكَ سَأَلَ الأَعْمَشَ: مَا تَقُوْلُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي الصَّلاَةِ خَلْفَ الحَائِكِ؟ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. قَالَ: وَمَا تَقُوْلُ فِي شَهَادَتِه؟ قَالَ: يُقْبَلُ مَعَ عَدْلَيْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: الأَعْمَشُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كَانَ مُحَدِّثَ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ. يُقَالَ: إِنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ. قَالَ: وَكَانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ، وَهُوَ رَأْسٌ فِيْهِ، وَكَانَ فَصِيْحاً. وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ سَبْيِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 الدَّيْلَمِ، وَكَانَ عَسِراً، سَيِّئَ الخُلُقِ، وَكَانَ لاَ يَلحَنُ حَرفاً، وَكَانَ عَالِماً بِالفَرَائِضِ، وَكَانَ فِيْهِ تَشَيُّعٌ، وَلَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهِ سِوَى ثَلاَثَةٍ: طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ - وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ وَأَفَضْلَ - وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ مَعْنٍ. قُلْتُ: مُرَادُ العِجْلِيِّ أَنَّهُم خَتَمُوا عَلَيْهِ تَلْقِيْناً، وَإِلاَّ فَقَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ، وَغَيْرُه عَرَضاً. قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: لَمْ نَرَ نَحْنُ مِثْلَ الأَعْمَشِ، وَمَا رَأَيْتُ الأَغْنِيَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ أَحقَرَ مِنْهُم عِنْدَه مَعَ فَقرِه وَحَاجَتِه. قُلْتُ: كَانَ عَزِيْزَ النَّفسِ، قَنُوعاً، وَلَهُ رِزقٌ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فِي الشَّهْرِ خَمْسَةُ دَنَانِيْرَ، قُرِّرَتْ لَهُ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِه. وَكَانَ وَالِدُ وَكِيْعٍ - وَهُوَ الجرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ - عَلَى بَيْتِ المَالِ، فَلَمَّا أَتَاهُ وَكِيْعٌ لِيَأْخُذَ، قَالَ لَهُ: ائْتِنِي مِنْ أَبِيْكِ بِعَطَائِي حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ. رَوَى: عَلِيُّ بنُ عَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قِيْلَ لِلأَعْمَشِ: أَلاَ تَمُوْتُ فَنُحَدِّثَ عَنْكَ؟ فَقَالَ: كَمْ مِنْ حُبٍّ (1) أَصْبَهَانِيٍّ، قَدِ انْكَسَرَ عَلَى رَأْسِهِ كِيزَانٌ كَثِيْرَةٌ. وَوَرَدَ: أَنَّ الأَعْمَشَ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، وَزِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. وَأَنَّهُ عَرضَ عَلَى: أَبِي عَالِيَةَ الرِّيَاحِيِّ، وَعَلَى مُجَاهِدٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَأَبِي حَصِيْنٍ. وَلَهُ قِرَاءةٌ شَاذَّةٌ، لَيْسَ طَرِيْقُهَا بِالمَشْهُوْرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ الأَعْمَشُ يَعرِضُ القُرْآنَ، فَيُمسِكُوْنَ عَلَيْهِ المَصَاحِفَ، فَلاَ يُخطِئُ فِي حَرفٍ. التَّبُوْذَكِيُّ: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، قَالَ: أَعْطَيْتُ امْرَأَةَ الأَعْمَشِ خِمَاراً، فَكُنْتُ إِذَا جِئْتُ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَخَرَجتْهُ إِلَيَّ،   (1) الحب: الجرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنْ لَمْ تَقضِهَا، فَلاَ تَغضَبْ عَلَيَّ. قَالَ: لَيْسَ قَلْبِي فِي يَدِي. قُلْتُ: أَمْلِ عَلَيَّ. قَالَ: لاَ أَفْعَلُ. عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ النَّسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَنْصُوْرٌ أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَفِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ. إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ الشُّهرَةُ، لَصَلَّيْتُ الفَجْرَ، ثُمَّ تَسَحَّرتُ (1) . قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: أَرْسَلَ الأَمِيْرُ عِيْسَى بنُ مُوْسَى إِلَى الأَعْمَشِ بِأَلفِ دِرْهَمٍ   (1) وحجته في ذلك، ما رواه النسائي 4 / 142، وأحمد 5 / 400، وابن ماجة (1695) من حديث عاصم، عن زر قال: قلت لحذيفة: " أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ". ورجاله ثقات، إلا أن عاصم بن أبي النجود قد تفرد به. وقد علق عليه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: 1 / 219 - 220 بقوله: " قيل: لا يثبت ذلك عن حذيفة وهو مع ذلك من أخبار الآحاد، فلا يجوز الاعتراض به على القرآن. قال تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر) فأوجب الصوم والامساك عن الاكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر. وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية. وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديث عدى بن حاتم: " هو بياض النهار وسواد الليل ". فكيف يجوز الاكل نهارا في الصوم مع تحريم الله تعالى إياه في القرآن والسنة؟. ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يجز جواز الاكل في ذلك الوقت، لأنه لم يعز الاكل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت، لا عن النبي، فكونه مع النبي في وقت الاكل لا دلالة فيه على علم النبي بذلك منه وإقراره عليه ولو ثبت أنه علم بذلك، وأقره عليه، احتمل أن يكون ذلك في آخر الليل قرب طلوع النهار، فسماه نهارا لقربه منه. وقد قال العرباض بن سارية: " دعاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: هلم إلى الغداء المبارك " فسمى السحور غداء لقربه منه، وكذلك لا يمتنع أن يكون حذيفة سمى الوقت الذي تسحر فيه نهارا لقربه من النهار. وقال أبو جعفر الطحاوي في " معاني الآثار " بعدما أورد حديث حذيفة: ففي هذا الحديث أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد الصوم، ويحكي مثل ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، خلاف = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 وَصَحِيْفَةٍ، لِيَكتُبَ فِيْهَا حَدِيْثاً. فَكَتَبَ فِيْهَا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَوَجَّهَ بِهَا إِلَيْهِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ! ظَنَنْتَ أَنِّي لاَ أُحْسِنُ كِتَابَ اللهِ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ: أَظَنَنتَ أَنِّي أَبِيْعُ الحَدِيْثَ؟ قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: أَتَى الأَعْمَشَ أَضْيَافٌ، فَأَخرَجَ إِلَيْهِم رَغِيْفَيْنِ، فَأَكَلُوْهُمَا. فَدَخَلَ، فَأَخرَجَ لَهُم نِصْفَ حَبلِ قَتٍّ، فَوَضَعَهُ عَلَى الخِوَانِ، وَقَالَ: أَكَلتُم قُوتَ عِيَالِي، فَهَذَا قُوتُ شَاتِي، فَكُلُوْهُ. وَخَرَجنَا فِي جِنَازَةٍ، وَرَجُل يَقُودُه، فَلَمَّا رَجَعنَا، عَدَلَ بِهِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ، قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ أَنْتَ فِي جَبَّانَةِ كَذَا، وَلاَ أَرُدُّكَ حَتَّى تَملأَ أَلوَاحِي حَدِيْثاً. قَالَ: اكْتُبْ. فَلَمَّا مَلأَ الأَلوَاحَ، رَدَّهُ. فَلَمَّا دَخَلَ الكُوْفَةَ، دَفعَ أَلوَاحَه لإِنْسَانٍ، فَلَمَّا أَنِ انْتَهَى الأَعْمَشُ إِلَى بَابِه، تَعَلَّق بِهِ، وَقَالَ: خُذُوا الأَلوَاحَ مِنَ الفَاسِقِ. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! قَدْ فَاتَ. فَلَمَّا أَيِسَ مِنْهُ، قَالَ: كُلُّ مَا حَدَّثْتُك بِهِ كَذِبٌ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ مِنْ أَنْ تَكذِبَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: قُلْتُ لِلأَعْمَشِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! مَا يَمْنَعُكَ مِنْ أَخْذِ شَعرِكَ؟ قَالَ: كَثْرَةُ فُضُولِ الحَجَّامِيْنَ. قُلْتُ: فَأَنَا أَجِيئُكَ بِحَجَّامٍ لاَ يُكَلِّمُكَ   = ذلك. فقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم، قال: " إن بلالا يؤذن بليل، فلكوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " وأنه قال: " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه إنما يؤذن لينتبه نائمكم، وليرجع قائمكم " ثم وصف الفجر بما قد وصفه به. فدل ذلك على أنه هو المانع للطعام والشراب وما سوى ذلك مما يمنع منه الصائم. فهذه الآثار التي ذكرنا مخالفة لحديث حذيفة. وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا - والله أعلم - أن يكون قبل نزول قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل) . ثم قال - بعد كلام -: فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصا، وأحاديث رسول الله قد قبلتها الأمة، وعملت بها من لدن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخا بما ذكرناه في هذا الباب ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 حَتَّى تَفرَغَ. فَأَتَيْتُ جُنَيْداً الحَجَّامَ، وَكَانَ مُحَدِّثاً، فَأَوصَيتُه، فَقَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَخَذَ نِصْفَ شَعرِه، قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! كَيْفَ حَدِيْثُ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ فِي المُسْتَحَاضَةِ؟ فَصَاحَ صَيْحَةً، وَقَامَ يَعدُو، وَبَقِيَ نِصْفُ شَعرِه بَعْدَ شَهْرٍ غَيْرَ مَجزُوزٍ. سَمِعَهَا: عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ مِنْهُ. وَقَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: خَرَجَ الأَعْمَشُ، فَإِذَا بِجُنْدِيٍّ، فَسَخَّرَه لِيَخُوضَ بِهِ نَهْراً. فَلَمَّا رَكِبَ الأَعْمَشَ، قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} . فَلَمَّا تَوسَّطَ بِهِ الأَعْمَشُ، قَالَ: {وَقُلْ: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِيْنَ} [المُؤْمِنُوْنَ: 29] ، ثُمَّ رَمَى بِهِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الأَعْمَشِ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ قِرَاءتِي؟ قَالَ: مَا قَرَأَ عَلَيَّ عِلجٌ أَقرَأُ مِنْكَ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخُزَزِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ نَبِيْلٌ، كَبِيْرُ اللِّحْيَةِ إِلَى الأَعْمَشِ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ خَفِيْفَةٍ فِي الصَّلاَةِ. فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الأَعْمَشُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ، لِحْيَتُه تَحْتملُ حِفْظَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَمَسَألتُه مَسْأَلَةُ صِبْيَانِ الكُتَّابِ. قَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: كَانَ الأَعْمَشُ إِذَا سَألُوْهُ عَنْ حَدِيْثٍ فَلَمْ يَحْفَظْهُ، جَلَسَ فِي الشَّمْسِ، فَيَعْرُكُ بِيَدَيْه عَيْنَيْهِ، فَلاَ يَزَالُ حَتَّى يَذْكُرَه. إِبْرَاهِيْمُ بنُ رُسْتُمَ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: آيَةُ التَّقَبُّلِ الوَسوسَةُ؛ لأَنَّ أَهْلَ الكِتَابَيْنِ لاَ يَدرُوْنَ مَا الوَسوسَةُ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ أَعْمَالَهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 لاَ تَصعدُ إِلَى السَّمَاءِ. عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الأَعْمَشَ يَلْبَسُ قَمِيْصاً مَقْلُوْباً، وَيَقُوْلُ: النَّاسُ مَجَانِيْنُ، يَجعلُوْنَ الخَشِنَ مُقَابلَ جُلُوْدِهم. وَقِيْلَ: إِنَّ الأَعْمَشَ كَانَ لَهُ وَلدٌ مُغفَّلٌ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاشترِ لَنَا حَبلاً لِلْغَسِيْلِ. فَقَالَ: يَا أَبَةِ! طُوْلُ كَمْ؟ قَالَ: عَشْرَةُ أَذرُعٍ. قَالَ: فِي عَرضِ كَمْ؟ قَالَ: فِي عَرضِ مُصِيْبَتِي فِيْكَ. ذِكْرُ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ العُقَيْلِيُّ، وَأَيُّوْبُ الأَسَدِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الصُّوْفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ، أَنْبَأَنَا طِرَادٌ النَّقِيْبُ، أَنْبَأَنَا عَلِيٌّ العِيْسَوِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَالَ، فَغَسَلَ ذَكَرَهُ غَسلاً شَدِيْداً، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَصَلَّى بِنَا، وَحَدَّثَنَا فِي بَيْتِهِ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، بَيَّنَ فِيْهِ الأَعْمَشُ أَنَّ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُم فِي مَنْزِلِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَبِيْبٌ القَزَّازُ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ القَاضِي، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، إِذَا رَفَعَ رَأْسَه مِنَ الرُّكُوْعِ، رَفَعَ صُلبَه حَتَّى يَسْتَوِيَ بَطْنُه (2) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ الإِسْنَادِ.   (1) أحمد بن عبد الجبار ضعيف، وأخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " 9 / 4. (2) الحلية 5 / 5. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيْلَ لَهُ: أَبشِرْ بِالجَنَّةِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفَلاَ تَدْرُوْنَ، فَلَعَلَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِمَا لاَ يَعْنِيْهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لاَ يَنْفَعُهُ (1)) . غَرِيْبٌ، يُعَدُّ فِي أَفرَادِ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ؛ شَيْخِ البُخَارِيِّ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ، سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ يَمُرُّ بِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَأَقُوْلُ: لاَ أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيْثاً، خَدَمتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الحَجَّاجِ حَتَّى وَلاَّكَ؟ ثُمَّ نَدِمتُ، فَصِرتُ أَرْوِي عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ القِرَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ أَسَدٍ (ح) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ مِخْرَاقٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ عَلَى شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ، فَضَرَبَهَا بِعَصَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ، فَقَالَ: (إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، يُسَاقِطْنَ الذُّنُوْبَ كَمَا تُسَاقِطُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) (2) .   (1) أخرجه الترمذي (2317) في الزهد، باب: فيمن تكلم فيما لا يعنيه، واستغربه، وفيه أيضا أن الأعمش لم يسمع من أنس. وقد ذكر الترمذي ذلك، في عقب الحديث الآتي قريبا. (2) حلية الأولياء 5 / 55، وأخرجه الترمذي (3533) في الدعوات، وقال: هذا حديث غريب، ولا نعرف للاعمش سماعا من أنس، إلا أنه قد رآه ونظر إليه. والرواية المتقدمة صريحة في أنه لم يسمع منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، وَرُوَاتُه ثِقَاتٌ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ (ح) . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَبْدُ رَبِّهِ الحَنَّاطُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَيْلٌ لِلْمَالِكِ مِنَ المَمْلُوْكِ، وَوَيْلٌ لِلْمَمْلُوْكِ مِنَ المَالِكِ، وَوَيْلٌ لِلشَّدِيْدِ مِنَ الضَّعِيْفِ، وَوَيْلٌ لِلضَّعِيْفِ مِنَ الشَّدِيْدِ، وَوَيْلٌ لِلْغَنِيِّ مِنَ الفَقِيْرِ، وَوَيْلٌ لِلْفَقِيْرِ مِنَ الغَنِيِّ (1)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ قَائِدُ الأَعْمَشِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا جِبْرِيْلُ! هَلْ تَرَى رَبَّكَ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَه تِسْعِيْنَ حِجَاباً مِنْ نَارٍ - أَوْ نُوْرٍ - لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَدْنَاهَا، لاَحْتَرَقْتُ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو مُسْلِمٍ: لَيْسَ بِمُعتَمَدٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ الأَعْمَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ (3)) . هَذَا رَوَاهُ: النَّاسُ، عَنْ إِسْحَاقَ   (1) حلية الاولاء: 5 / 55، وعلته الانقطاع. (2) حلية الأولياء 5 / 55، وأبو مسلم قائد الأعمش، واسمه عبد الله بن سعيد ضعيف. (3) حلية الأولياء 5 / 56، والأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى. وأخرجه ابن ماجه (12) ، وأحمد 4 / 355 من طريق إسحاق بن يوسف الازرق، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى. وأخرجه أحمد 4 / 382 والحاكم 3 / 571 من طريق: الحشرج بن نباتة، عن سعيد بن جهمان قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفى، وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، فقال لي: = سير 6 / 16 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 الأَزْرَقِ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَدْ طَلَبَ الأَعْمَشُ وَكَتَبَ العِلْمَ بِالكُوْفَةِ، قَبْلَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى بِأَعوَامٍ، وَهُوَ مَعَهُ بِبَلَدِه، فَمَا أُبْعِدُ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهُ. قَرَأْتُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ السَّبعَةَ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ ... ، فَذَكَرَهَا، وَمِنْ أَعْلَى رِوَايَتِه: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ إِذْناً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ الآجُرِّيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَيْسَ المِسْكِيْنُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ المِسْكِيْنَ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلَمْ يُفْطَنْ بِمَكَانِهِ، فَيُعْطَى) (1) .   = من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الازارقة قال: لعن الله الازارقة، لعن الله الازارقة. حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنهم كلاب النار. قال: قلت: الازارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها ". وفي الباب عن أبي أمامة، عند أحمد 5 / 253 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر عن أبي غالب، عن أبي أمامة. وأبو غالب: هو صاحب أبي أمامة مختلف فيه، وربما ينتهض هذا الحديث بهذا الشاهد فيصح. وهذا الحديث محمول على الخوارج المبتدعة الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وانظر ما قاله ابن حجر فيما نقله عنه المناوي، في " فيض القدير " 3 / 510. (1) من طريق الأعمش، أخرجه أبو داود (1631) في الزكاة، وأحمد 2 / 393، وأخرجه من طرق أخرى عن أبي هريرة: البخاري (1476) و (1479) في الزكاة، و (4539) في التفسير، ومسلم (1039) في الزكاة، والنسائي 5 / 85، ومالك 2 / 923 في صفة النبي: باب ما جاء في المسكين، والدارمي 1 / 379، وأحمد 2 / 260، 316، 395، 445، 457، 469، 506، وأخرجه من طريق ابن مسعود: أحمد 1 / 384، 446 وهو في الحلية 7 / 108. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ السُّهْرَوَرْدِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ صَرْمَا، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً عَثْرَتَه، أَقَالَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ (1)) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ، أَنْبَأَنَا جَدِّي لأُمِّي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَصْرٍ القَاضِي سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الدُّوْشَابِيُّ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لاَ أُوتَى بِمُحِلٍّ، وَلاَ مُحَلَّلٍ لَهُ، إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا (2) . كَتبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى الجَزَائِرِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَرَكَاتٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا   (1) أخرجه أبو داود (3460) في البيوع والاجارات: باب في فضل الاقالة، من طريق: يحيى بن معين، عن حفص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجه (2199) في التجارات: باب الاقالة. من طريق: زياد بن يحيى، عن مالك بن سعير، عن الأعمش به. واسناده صحيح. وصححه ابن حبان (1103) والحاكم 2 / 45، وابن دقيق العيد، وابن حزم. (2) وأخرجه البيهقي من طريق: الصفار، عن سعدان بن نصر، عن أبي معاوية، عن الأعمش به.. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 إِدْرِيْسُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا السِّنْدِيُّ بنُ عَبْدَوَيْه، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَا عَلِيُّ! إِنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ (1)) . وَهَذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ هَذَا بِخَمْسِ دَرَجَاتٍ فِي (جُزْءِ الذُّهْلِيِّ) ، وَغَيْرِه. جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقْرَأُ: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَصْوَبُ قِيْلاً) . فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! (وَأَقْوَمُ قِيْلاً) . فَقَالَ: أَقْوَمُ، وَأَصْوَبُ وَاحِدٌ (2) . وَيُقَالُ: إِنَّ الأَعْمَشَ كَانَ رُبَّمَا خَرَجَ إِلَيْهِم وَعَلَى كَتِفِه مِئزَرُ العَجِينِ. وَإِنَّهُ لَبِسَ مَرَّةً فَرْواً مَقْلُوْباً، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! لَوْ لَبِستَهَا وَصُوْفَهَا إِلَى دَاخِلٍ، كَانَ أَدْفَأَ لَكَ! قَالَ: كُنْتُ أَشَرتَ عَلَى الكَبْشِ بِهَذِهِ المَشُوْرَةِ.   (1) أخرجه مسلم (132) في الايمان، باب الدليل على أن حب الانصار وعلي رضي الله عنه من الايمان، والترمذي (3737) في المناقب: باب لا يحب عليا إلا مؤمن، والنسائي 8 / 116 و117 في الايمان: باب علامة المنافق، وابن ماجه (114) في المقدمة: باب فضل علي بن أبي طالب. (2) أخرجه البغدادي في تاريخه 9 / 4 من طريق أحمد بن علي الابار عن جعفر بن محمد ابن عمران الثعلبي، عن أبي يحيى الحماني، عن الأعمش: سمعت أنسا..ففي هذه الرواية تصريح بسماع الأعمش من أنس ورجال السند ثقات، إلا أن أبا يحيى الحماني، واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن يخطئ كما في " التقريب " وقد خالفه غيره، فلم يذكر سماع الأعمش من أنس، وقد أخرجه أبو يعلى الموصلي، من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش: أن أنس بن مالك، قرأ هذه الآية: (إن ناشئة الليل، هي أشد وطأ وأصوب قيلا) فقال له رجل: إنما نقرؤها: وأقوم قيلا " فقال له: إن أصوب، وأقوم، وأهيأ، وأشباه هذا واحد. وأخرجه الطبري 1 / 22 و29 / 130 - 131 من = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 قَالُوا: مَاتَ الأَعْمَشُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ. وَمَاتَ مَعَهُ فِيْهَا: شَيْخُ المَدِيْنَةِ: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، وَشَيْخُ مِصْرَ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ الفَقِيْهُ، وَشَيْخُ حِمْصَ: مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَشَيْخُ وَاسِطَ: العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، وَقَاضِي الكُوْفَةِ وَمُفْتِيْهَا: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى. قَرَأْتُ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ (1) بنُ خُشَيْشٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى الأَعْمَشِ نَسْمَعُ مِنْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَعَلَيْهِ فَروَةٌ مَقْلُوْبَةٌ، قَدْ أَدخَلَ رَأْسَه فِيْهَا، فَقَالَ لَنَا: تَعَلَّمتُمُ السَّمتَ؟ تَعَلَّمتُمُ الكَلاَمَ؟ أَمَا وَاللهِ مَا كَانَ الَّذِيْنَ مَضَوْا هَكَذَا. وَأَجَافَ البَابَ، أَوْ قَالَ: يَا جَارِيَةُ! أَجِيْفِي البَابَ. ثُمَّ   = طريق: أبي أسامة، وأبي يحيى الحماني، كلاهما عن الأعمش قال: قرأ أنس: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا) . فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي: وأقوم. فقال: أقوم، وأصوب، وأهدى، واحد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 7 / 156 ونسبه إلى البزار، وأبي يعلى، وقال: لم يقل الأعمش: سمعت أنسا، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. ورجال البزار ثقات. ونقل القرطبي في تفسيره 9 / 41 عن أبي بكر الأنباري قوله: حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبني على رواية الأعمش، فهو مقطوع ليس بمتصل، فيؤخذ به من قبل أن الأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه، على أننا لو سلمنا بصحته، وسماع الأعمش من أنس، فيحتمل كما في " نكت الانتصار " 1 / 225 أن يكون أنس فهم من الاخذ عليه أنه استصعب غلطه وشنع عليه، فأخبر أن هذا ليس بالسديد: وأن أصوب، وأقوم وأهيأ سواء. وإن لم تجز القراءة عنده إلا بأقوم. لان القراءة عبادة، وليس هو كغلط من بدل القرآن بما لا ينبئ عن معناه. ولو تنزلنا فقلنا، إن أنسا يجيز ذلك، فهو مذهب انفرد به، لم يوافقه عليه غيره، فيكون من الشاذ الذي ينبغي اطراحه، والعدول عنه. (1) في استدراك ابن نقطة: هو أبو أسعد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن محمد بن خشيش نقله المعلمي اليماني في تعليقه على " الإكمال " 3 / 152. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: هَلْ تَدرُوْنَ مَا قَالَتِ الأُذُنُ؟ قَالَتْ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْمَعَ بِالجَوَابِ، لَطُلتُ كَمَا يَطُولُ الكِسَاءُ. قَالَ حَفْصٌ: فَكَم مِنْ كَلِمَةٍ أَغَاظَنِي صَاحِبُهَا، مَنَعَنِي أَنْ أُجِيْبَه قَوْلُ الأَعْمَشِ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ القَاضِي، أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَنْبَأَنَا العَتِيْقِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: قِيْلَ لِلأَعْمَشِ: لَوْ أَدْرَكتُ عَلِيّاً قَاتَلتُ مَعَهُ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، لاَ أُقَاتلُ مَعَ أَحَدٍ أَجعَلُ عِرضِي دُوْنَه، فَكَيْفَ دِيْنِي دُوْنَه؟ قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: قَدْ رَأَى أَنَساً، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَرَأَى أَبَا بَكْرَةَ الثَّقَفِيَّ، وَأَخَذَ لَهُ بِركَابِه، فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ! إِنَّمَا أَكرَمتَ رَبَّكَ -عَزَّ وَجَلَّ-. قُلْتُ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَساً، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ إِلاَّ اسْتِغنَائِي بِأَصْحَابِي. وَقَالَ القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَأَى الأَعْمَشَ: هَذَا الشَّيْخُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: سَبَقَ الأَعْمَشُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ: كَانَ أَقرَأَهُم لِلْقُرْآنِ، وَأَحْفَظَهُم لِلْحَدِيْثِ، وَأَعْلَمَهُم بِالفَرَائِضِ، وَذَكَرَ خَصلَةً أُخْرَى. قَالَ هُشَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ بِالكُوْفَةِ أَحَداً كَانَ أَقْرَأَ مِنَ الأَعْمَشِ. وَقَالَ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: مَا أَدْرَكتُ أَحَداً أَعقَلَ مِنَ الأَعْمَشِ وَمُغِيْرَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُو إِسْحَاقَ وَالأَعْمَشُ رَجُلا أَهْلِ الكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: عِنْدَ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: نَحْوٌ مِنْ خَمْسِ مائَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 حَدِيْثٍ، أَخْطَأَ فِيْهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. وَكَانَ عِنْدَ وَكِيْعٍ عَنْهُ ثَمَانُ مائَةٍ. وَسُفْيَانُ أَعْلَمُهُم بِالأَعْمَشِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي الأَعْمَشَ سَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، كُنَّا نَجِيْءُ إِلَيْهِ إِذَا فَرَغْنَا مِنَ الدَّوَرَانِ، فَيَقُوْلُ: عِنْدَ مَنْ كُنْتُم؟ فَنَقُوْلُ: عِنْدَ فُلاَنٍ. فَيَقُوْلُ: طَبْلٌ مُخَرَّقٌ. وَيقُوْلُ: عِنْدَ مَنْ كُنْتُم؟ فَنَقُوْلُ: عِنْدَ فُلاَنٍ. فَيَقُوْلُ: طَيْرٌ طَيَّارٌ. وَنَقُوْلُ: عِنْدَ فُلاَنٍ. فَيَقُوْلُ: دُفٌّ. وَكَانَ يُخْرِجُ إِلَيْنَا شَيْئاً، فَنَأكُلُه، فَقُلْنَا يَوْماً: لاَ يُخْرِجُ شَيْئاً إِلاَّ أَكَلتُمُوْهُ. فَأَخرَجَ شَيْئاً، فَأَكَلنَاهُ، وَأَخْرَجَ، فَأَكَلنَاهُ، فَدَخَلَ، فَأَخرَجَ فتيتاً، فَشَرِبنَاهُ، فَدَخَلَ، وَأَخْرَجَ إِجَانَةً وَقَتّاً، وَقَالَ: فَعَلَ الله بِكُم وَفَعَلَ، أَكَلتُم قُوْتِي وَقُوْتَ المَرْأَةِ، وَشَرِبتُم فتيتَهَا، هَذَا عَلَفُ الشَّاةِ. قَالَ: فَمَكَثنَا ثَلاَثِيْنَ يَوْماً لاَ نَكْتُبُ عَنْهُ، فَزَعاً مِنْهُ، حَتَّى كَلَّمْنَا إِنْسَاناً عَطَّاراً كَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ حَتَّى كلَّمَه لَنَا. قَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: سُئِلَ الأَعْمَشُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ لابْنِ المُخْتَارِ: تَرَى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ؟ فَغمَّضَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: لاَ أَرَى أَحَداً يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَحَدَّثَ بِهِ. رَوَى: الكَوْسَجُ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: الأَعْمَشُ ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. رَوَى: شَرِيْكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيْمُ يُسنِدُ الحَدِيْثَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِي، لأَنَّهُ (1) كَانَ يُعجَبُ بِي. قَالَ أَبُو عَوَانَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ: مَاتَ الأَعْمَشُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) في الأصل " لا انه ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 وَقَالَ وَكِيْعٌ، وَالجُمْهُوْرُ: سَنَةَ ثَمَانٍ. زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. ذِكْرُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ قَالَ النَّسَائِيُّ: الطَّبَقَةُ الأُوْلَى: مِنْهُم: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى القَطَّانُ. الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ: زَائِدَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ: أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبُو عَوَانَةَ. الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَقُطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُفَضَّلُ بنُ مُهَلْهَلٍ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ. الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَوَكِيْعٌ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ، وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ. الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ: عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ. الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ: عَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ. 111 - الكَلْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ * (ت) العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ الكَلْبِيُّ، المُفَسِّرُ. وَكَانَ أَيْضاً رَأْساً فِي الأَنسَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ شِيْعِيٌّ، مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. يَرْوِي عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ هِشَامٌ، وَطَائِفَةٌ.   (*) طبقات ابن سعد 6 / 249، تاريخ خليفة (423) ، طبقات خليفة (167) ، المعارف: 533، التاريخ الكبير 1 / 101، التاريخ الصغير 2 / 51، الجرح والتعديل 7 / 270، كتاب المجروحين 2 / 253، الفهرست (95) ، وفيات الأعيان 4 / 309 - 311، تهذيب الكمال: (1199) ، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 556 - 559، = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 أَخَذَ عَنْ: أَبِي صَالِحٍ، وَجَرِيْرٍ، وَالفَرَزْدَقِ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَرْوِي عَنْهُ، وَيُدَلِّسُه، فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   العبر 1 / 207، الوافي بالوفيات: 3 / 83، تهذيب التهذيب 9 / 178 - 181، خلاصة تذهيب الكمال (337) ، طبقات المفسرين: 2 / 144، شذرات الذهب 1 / 217. (1) قال البخاري في " تاريخه الكبير: " محمد بن السائب أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي. وقال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: قال لي الكلبي، قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك فهو كذب. وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث. وقال النسائي، ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال زائدة: أما الكلبي فقد كنت اختلفت إليه. فسمعته يوما يقول: مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ، فأتيت آل محمد، عليه الصلاة والسلام، فتفلوا في في، فحفظت ما كنت نسيت. فقلت: لا والله لا أروي عنك بعد هذا شيئا، فتركته. وقال معتمر بن سليمان: سمعت ليث بن أبي سليم يقول: بالكوفة كذابان: الكلبي، وذكر آخر. وقال أحمد بن هارون: سألت أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي، فقال: كذب. قلت: يحل النظر فيه؟ قال: لا. وقال أبو حاتم بن حبان: مذهبه في الدين، ووصوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الاغراق في وصفه، فالكلبي يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع منه شيئا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف. فما رواه الكلبي لا يحل ذكره في الكتب. فكيف الاحتجاج به؟ ! والله جل وعلا ولى رسوله صلى الله عليه وسلم، تفسير كلامه، وبيان ما أنزل إليه لخلقه فقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ، ومن أمحل المحال أن يأمر الله جل وعلا، النبي المصطفى أن يبين لخلقه مراد الله عزوجل من الآي التي أنزلها الله عليه، ثم لا يفعل ذلك رسول رب العالمين وسيد المرسلين، بل أبان عن مراد الله تعالى في الآي، وفسر لامته ما بهم الحاجة إليه، وهو سنته، صلى الله عليه وسلم فمن تتبع السنن، وحفظها وأحكمها، فقد عرف تفسير كلام الله تعالى، وأغناه الله عن الكلبي وذويه. انظر " المجروحين " 2 / 253 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 112 - عَمْرُو بنُ قَيْسٍ الكُوْفِيُّ المُلاَئِيُّ البَزَّازُ * (م، 4) الحَافِظُ، مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَطَاءٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَصَحِبَهُ زَمَاناً - وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَالمُحَارِبِيُّ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ المُسْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وذَكَرَهُ الثَّوْرِيُّ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ. جَعْفَرُ بنُ كُزَالٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ، قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: عَمْرُو بنُ قَيْسٍ هُوَ الَّذِي أَدَّبَنِي، عَلَّمَنِي قِرَاءةَ القُرْآنِ وَالفَرَائِضَ، وَكُنْتُ أَطْلُبُه فِي سُوْقِه، فَإِنْ لَمْ أَجِدْه، فَفِي بَيْتِهِ، إِمَّا يُصَلِّي، أَوْ يَقْرَأُ فِي المُصْحَفِ، كَأَنَّهُ يُبَادِرُ أَمراً يَفُوْتُه، فَإِنْ لَمْ أَجِدْه، وَجَدْتُه فِي مَسْجِدٍ قَاعِداً يَبْكِي، وَأَجِدُه فِي المَقبَرَةِ يَنُوحُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَمَّا مَاتَ، غَلَّقَ أَهْلُ الكُوْفَةِ أَبْوَابَهم، وَخَرَجُوا بِجِنَازتِه، فَلَمَّا أَخْرَجُوْه إِلَى الجِبَالِ، وَبَرَزُوا بِسَرِيْرِهِ - وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ - تَقدَّمَ أَبُو حَيَّانَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً، وَسَمِعُوا صَائِحاً يَصِيْحُ: قَدْ جَاءَ المُحْسِنُ، قَدْ جَاءَ المُحْسِنُ عَمْرُو بنُ قَيْسٍ، وَإِذَا البَرِّيَّةُ مَمْلُوْءةٌ مِنْ طَيْرٍ أَبْيَضَ، لَمْ يُرَ عَلَى خِلقَتِهَا وَحُسنِهَا، فَعَجِبَ النَّاسُ. فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُوْنَ، هَذِهِ مَلاَئِكَةٌ جَاءتْ، فَشَهِدتْ عَمْراً.   (*) التاريخ الكبير 6 / 363، الجرح والتعديل 6 / 354 - 355، مشاهير علماء الأمصار 167، حلية الأولياء 5 / 100، تهذيب الكمال (1048) ، تذهيب التهذيب 3 / 108 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 110، ميزان الاعتدال 3 / 284، خلاصة تذهيب الكمال 296. (1) الخبر في " الحلية " 5 / 101، والزيادات منه، وجعفر بن كزال مجهول وكذا راويه عنه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ قَيْسٍ مُؤَاجرَ نَفْسِه مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ، فَمَاتَ بِالشَّامِ، فَرَأَوُا الصَّحْرَاءَ مَمْلُوْءةً مِنَ الرِّجَالِ، عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهِ، فُقِدُوا، فَكَتَبَ صَاحِبُ البَرِيْدِ بِذَلِكَ إِلَى الأَمِيْرِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى. فَقَالَ لابْنِ شُبْرُمَةَ: كَيْفَ لَمْ تَكُوْنُوا تَذْكُرُوْنَ لِي هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: لاَ تَذْكُرُوْنِي عِنْدَه. وَقِيْلَ: كَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ، فَيَقعُدُ بَيْنَ يَدَيِ الطَّالِبِ. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى أَهْلِ السُّوْقِ، بَكَى، وَقَالَ: مَا أَغفَلَ هَؤُلاَءِ عَمَّا أُعِدَّ لَهُم. وَعَنْهُ، قَالَ: إِذَا اشْتَغَلتَ بِنَفْسِكَ، ذَهِلْتَ عَنِ النَّاسِ. 113 - بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ الأَشْعَرِيُّ * (ع) ابْنِ أَبِي مُوْسَى عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ، المُحَدِّثُ، أَبُو بُرْدَةَ الأَشْعَرِيُّ، الكُوْفِيُّ.   = ومحمد بن بشر الواعظ متكلم فيه، قال يحيى: ليس ثقة وقال الدراقطني: ليس بالقوي في حديثه. وهذا الخبر والذي بعده، على وهاء سندهما، وأمثالهما من الاخبار المغرقة في الخيال، البعيدة عن الواقع، يروجها ويشيعها من نقص نصيبه من العلم، وعجز عن التماس المعرفة من أبوابها، ليخدع بهذه الاخبار السذج من العوام، ويحشو بها أدمغتهم، حتى لا يبقى فيها مكان لهدي الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتعاليمه الحقة، التي فتح بها أعينا عميا، وقلوبا غلفا، وآذانا صما، وبذلك يتمكن من ربطهم بنفسه، ويسخرهم لمطامعه ويستخدمهم في تحقيق شهواته. وإن أعظم ما يكرم به المؤمن من قبل ربه، هو أن يوفقه لاتباع كتابه وسنة نبيه، والتفقه بهما، وإيثارهما على ما سواهما. (*) التاريخ الصغير 2 / 90، الجرح والتعديل 2 / 426، مشاهير علماء الأمصار (166) تهذيب الكمال 144، ميزان الاعتدال 1 / 305، تذهيب التهذيب 1 / 81 / 1 تهذيب التهذيب 1 / 421 - 243، خلاصة تذهيب الكمال (47) ، مقدمة فتح الباري (392) حيث قال الحافظ: وثقه ابن معين، والعجلي، والترمذي، وأبو داود وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ليس بذلك القوي وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. يكتب حديثه. وقال ابن عدي: صدوق وأحاديثه مستقيمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ. وَعَنِ: الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَعَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَهُوَ صَدُوْقٌ، احْتَجَّا بِهِ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: لَيْسَ بِالمَتِيْنِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: لَمْ أَسْمَعْ يَحْيَى وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْهُ بِشَيْءٍ قَطُّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: يَرْوِي مَنَاكِيْرَ، طَلْحَةُ بنُ يَحْيَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ فِي حَدِيْثِهِ مَا أُنْكِرُهُ، سِوَى حَدِيْثِ: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِأُمَّةٍ خَيْراً، قَبَضَ نَبِيَّهَا (1)) . وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَحَادِيْثُه عَنْهُ مُسْتقِيْمَةٌ، وَأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ فِي الصِّحَاحِ.   = وأنكر ما رواه حديث " إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قلبها " ومع ذلك فقد أدخله قوم في صحاحهم. وقال أحمد: روى مناكير. قلت: احتج به الأئمة كلهم. وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الافراد المطلقة. (1) أخرجه مسلم (2288) في الفضائل، باب: إذا أراد الله رحمة أمة، قبض نبيها قبلها، تعليقا، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله عزوجل، إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها، ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه، وعصوا أمره ". وقد وصله أبو يعلى، والحاكم وغيرهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 114 - بَهْزُ بنُ حَكِيْمِ بنِ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَةَ القُشَيْرِيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ القُشَيْرِيُّ، البَصْرِيُّ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى. وَعَنْهُ: الحَمَّادَانِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً: هُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: يَخْتَلِفُوْنَ فِي بَهْزٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ: هِيَ نُسْخَةٌ شَاذَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخْطِئُ كَثِيْراً، وَهُوَ مِمَّنْ أَسْتَخِيْرُ الله فِيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ: رَأَيْتُهُ يَلْعَبُ بِالشَّطرَنْجِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْل الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 115 - حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ أَبُو يُوْنُسَ القُشَيْرِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يُوْنُسَ القُشَيْرِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، مِنْ نُبَلاَءِ المَشَايِخِ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَطَبَقَتِهمَا.   (*) التاريخ الكبير 2 / 142، الجرح والتعديل 2 / 430 -، كتاب المجروحين 1 / 194، تهذيب الكمال (164) ، ميزان الاعتدال 1 / 353 - 354، تهذيب التهذيب 1 / 498 - 499، خلاصة تذهيب الكمال (53) . (1) والقول الذي هو أولى بالصواب قول من يقول: إنه حسن الحديث. (* *) تاريخ البخاري: 3 / 77، الجرح والتعديل 3 / 257 - 258، مشاهير علماء الأمصار (155) ، تهذيب الكمال (213) ، تذهيب التهذيب 1 / 112 / 2، تهذيب التهذيب 2 / 130، خلاصة تذهيب الكمال (66) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ. بَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 116 - حَبِيْبٌ المُعَلِّمُ بنُ أَبِي قَرِيْبَةَ دِيْنَارٍ البَصْرِيُّ * (ع) مِنْ مَوَالِي مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ. وَهُوَ ابْنُ أَبِي قَرِيْبَةَ دِيْنَارٍ. يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ، مِنْ ثِقَاتِ البَصْرِيِّينَ. حَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ. رَوَى عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَآخَرُوْنَ. قِيْلَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يَرْوِي عَنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَأَمَّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَا أَصَحَّ حَدِيْثَه! وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. وَقِيْلَ: هُوَ حَبِيْبُ بنُ زَيْدٍ. وَقِيْلَ: حَبِيْبُ بنُ زَائِدَةَ. وَقِيْلَ: حَبِيْبُ بنُ أَبِي بَقِيَّةَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.   (*) تاريخ البخاري: 2 / 323، الجرح والتعديل: 3 / 101، تهذيب الكمال: (234) ، تذهيب التهذيب 1 / 122 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 456، تهذيب التهذيب 2 / 194، خلاصة تذهيب الكمال (71) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ مِنَ التَّابِعِيْنِ 117 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ * (ع) ابْنِ الشَّهِيْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَيْحَانَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِبْطِهِ وَمَحْبُوبِهِ الحُسَيْنِ بنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ شَيْبَةَ، وَهُوَ عَبْدُ المُطَّلِبِ بنُ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ: عَمْرُو بنُ عَبْد مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ. الإِمَامُ، الصَّادِقُ، شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، النَّبَوِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وَأُمُّه: هِيَ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيِّ. وَأُمُّهَا: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُوْلُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ يَغضَبُ مِنَ الرَّافِضَّةِ، وَيَمقُتُهُم إِذَا عَلِمَ أَنَّهُم يَتَعَرَّضُوْنَ لِجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ ظَاهِراً وَبَاطِناً، هَذَا لاَ رَيْبَ فِيْهِ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَّةَ قَوْمٌ جَهَلَةٌ، قَدْ هَوَى بِهِمُ الهَوَى فِي الهَاوِيَةِ، فَبُعداً لَهُم. وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ، أَحْسِبُهُ رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَسَهْلَ بنَ سَعْدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ - وَرِوَايَتُه عَنْهُ فِي (مُسْلِمٍ) - وَجَدِّه؛ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرِهِم، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ إِلاَّ عَنْ أَبِيْهِ. وَكَانَا مِنْ جِلَّةِ عُلَمَاءِ المَدِيْنَةِ.   (*) تاريخ خليفة (424) ، طبقات خليفة (269) ، تاريخ البخاري: 2 / 198، التاريخ الصغير 2 / 91، الطبري حوادث سنة (145) ، الجرح والتعديل 2 / 487، مشاهير علماء الأمصار (127) ، حلية الأولياء 3 / 192، وفيات الأعيان 1 / 327 - 328، الكامل في التاريخ حوادث سنة (145) ، تهذيب الكمال: (202) ، تذهيب التهذيب 1 / 109 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 45، ميزان الاعتدال 1 / 414 - 415، تذكرة الحفاظ 1 / 166، تهذيب التهذيب 2 / 103 - 105، خلاصة تذهيب الكمال (63) ، شذرات الذهب 1 / 20 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى الكَاظِمُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَسُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَوَهْبُ بنُ خَالِدٍ، وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ - أَخُو أَبِي بَكْرٍ - وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَزَيْدُ بنُ حَسَنٍ الأَنْمَاطِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سُفْيَانَ الأَسْلَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ الدَّرَاوَرْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَروِ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ حَتَّى ظَهَرَ أَمرُ بَنِي العَبَّاسِ. قَالَ مُصْعَبٌ: كَانَ مَالِكٌ يَضُمُّه إِلَى آخَرَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: أَملَى عَلَيَّ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَدِيْثَ الطَّوِيْلَ -يَعْنِي: فِي الحَجِّ (1) - ثُمَّ قَالَ: وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ (2) ، مُجَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ زَلقَاتِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى أَنَّ جَعْفَراً أَوْثَقُ مِنْ مُجَالِدٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ يَحْيَى. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ حَكِيْمٍ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: جَعْفَرٌ مَا كَانَ كَذُوباً. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ فِي   (1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب حجة النبي، عليه السلام، وهو حديث طويل جدا. وصف فيه جابر، رضي الله عنه، ما شاهده من أفعال النبي عليه السلام، وأقواله في حجة الوداع، من تحوله إلى المدينة وحتى نهاية أداء الفريضة. وقد فاته أشياء ذكرها غيره من الصحب، رضوان الله عليهم. (2) زيادة من التهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ: كَيْفَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَك؟ قَالَ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: كُنْتُ لاَ أَسْأَلُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ عَنْ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: لِمَ لاَ تَسْأَلُنِي عَنْ حَدِيْثِ جَعْفَرٍ؟ قُلْتُ: لاَ أُرِيْدُهُ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَحفَظُ، فَحَدِيْثُ أَبِيْهِ المُسْنَدُ -يَعْنِي: حَدِيْثَ جَابِرٍ فِي الحَجِّ-. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَخَرَجَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ إِلَى عَبَّادَانَ، وَهُوَ مَوْضِعُ رِبَاطٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ البَصْرِيُّوْنَ، فَقَالُوا: لاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ ثَلاَثَةٍ: أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: أَمَّا أَشْعَثُ فَهُوَ لَكُم، وَأَمَّا عَمْرٌو فَأَنْتُم أَعْلَمُ بِهِ، وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَلَوْ كُنْتُم بِالكُوْفَةِ، لأَخَذَتْكُمُ النِّعَالُ المُطْرَقَةُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَسُئِلَ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَالعَلاَءِ عَنْ أَبِيْهِ: أَيُّهَا أَصَحُّ؟ قَالَ: لاَ يُقْرَنُ جَعْفَرٌ إِلَى هَؤُلاَءِ. وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: جَعْفَرٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. قُلْتُ: جَعْفَرٌ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، مَا هُوَ فِي الثَّبْتِ كَشُعْبَةَ، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ سُهَيْلٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ. وَهُوَ فِي وَزْنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَنَحْوِه. وَغَالِبُ رِوَايَاتِه عَنْ أَبِيْهِ مَرَاسِيْلُ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ آبَائِهِ، وَنُسَخٌ لأَهْلِ البَيْتِ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: الأَئِمَّةُ، وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ النَّاسِ - كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ -. وَعَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرتُ إِلَى جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَلِمتُ أَنَّهُ مِنْ سُلاَلَةِ النَّبِيِّيْنَ، قَدْ رَأَيْتُه وَاقِفاً عِنْدَ الجَمْرَةِ يَقُوْلُ: سَلُونِي، سَلُونِي. وَعَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ: سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفقِدُوْنِي، فَإِنَّهُ لاَ يُحَدِّثُكُم أَحَدٌ بَعْدِي بِمِثْلِ حَدِيْثِي. ابْنُ عُقْدَةَ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّمَّانِيُّ أَبُو نَجِيْحٍ، سَمِعْتُ حَسَنَ بنَ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ، وَسُئِلَ: مَنْ أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْتَ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، لَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 أَقدَمَهُ المَنْصُوْرُ الحِيْرَةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ فُتِنُوا بِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَهَيِّئْ لَهُ مِنْ مَسَائِلِكَ الصِّعَابِ. فَهَيَّأْتُ لَهُ أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ جَالِسٌ عَنْ يَمِيْنِه، فَلَمَّا بَصُرتُ بِهِمَا، دَخَلَنِي لِجَعْفَرٍ مِنَ الهَيْبَةِ مَا لاَ يَدْخُلُنِي لأَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمتُ، وَأَذِنَ لِي، فَجَلَستُ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا: قَدْ أَتَانَا. ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! هَاتِ مِنْ مَسَائِلِكَ، نَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَابتَدَأْتُ أَسْأَلُه، فَكَانَ يَقُوْلُ فِي المَسْأَلَةِ: أَنْتُم تَقُوْلُوْنَ فِيْهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا، فَرُبَّمَا تَابَعَنَا، وَرُبَّمَا تَابَعَ أَهْلَ المَدِيْنَةِ، وَرُبَّمَا خَالَفَنَا جَمِيْعاً، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، مَا أَخْرِمُ مِنْهَا مَسْأَلَةً. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْنَا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمُهم بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ؟ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: عَنْ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ أَبِي لِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ لِي جَاراً يَزْعُمُ أَنَّكَ تَبرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: بَرِئَ اللهُ مِنْ جَارِكَ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَنْفَعَنِي اللهُ بِقَرَابَتِي مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَقَدِ اشْتكَيتُ شِكَايَةً، فَأَوصَيتُ إِلَى خَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثُونَا عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: كَانَ آلُ أَبِي بَكْرٍ يُدْعَونَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، نَحْوَ ذَلِكَ. مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَه جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: يَا سَالِمُ! تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً. ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا (1) . وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ: مَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةٍ عَلَيَّ شَيْئاً، إِلاَّ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَه، لَقَدْ وَلَدَنِي مَرَّتَيْنِ. كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ أَبِي قُرَيْشٍ الطَّحَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ الهَمْدَانِيُّ: أَنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أَتَاهُم وَهُم يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنَ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: إِنَّكُم - إِنْ شَاءَ اللهُ - مِنْ صَالِحِي أَهْلِ مِصرِكُم، فَأَبلِغُوهُم عَنِّي: مَنْ زَعَمَ أَنِّي إِمَامٌ مَعصُومٌ، مُفتَرَضُ الطَّاعَةِ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي أَبْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ. وَبِهِ: عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا حَنَانُ بنُ سَدِيْرٍ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَسُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلَيْنِ قَدْ أَكَلاَ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ (2) .   (1) محمد بن فضيل صدوق عارف، رمي بالتشيع. وسالم بن أبي حفصة، صدوق في الحديث. وقال المؤلف في تاريخ الإسلام 6 / 46: هذا إسناد صحيح، وسالم وابن فضيل شيعيان. وهذا الخبر يظهر موقف أهل البيت الطاهرين من الخلفاء الراشدين، وأن كل ما ينسب إليهم من أقوال تخالف ذلك، فهو محض افتراء عليهم. (2) قال المؤلف في تاريخ الإسلام: 6 / 47: قلت: يعني - إن صح عنه هذا - أنما أرواحهم في أجواف طير خضر تعلق من ثمار الجنة، وهذا الذي قاله: منتزع من قوله: صلى الله عليه وسلم، " إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجع الله إلى جسمه يوم يبعثه ". أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 240، والنسائي 4 / 108، والترمذي (644) ، وابن ماجه (4271) من طريق ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب بن مالك ... وهذا سند صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: بَرِئَ اللهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَبَارٌّ فِي قَوْلِهِ، غَيْرُ مُنَافِقٍ (1) لأَحَدٍ، فَقَبَّحَ اللهُ الرَّافِضَّةَ. وَرَوَى: مَعْبَدُ بنُ رَاشِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَلاَ مَخْلُوْقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلاَمُ اللهِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، سَمِعْتُ جَعْفَراً يَقُوْلُ: إِنَّا -وَاللهِ- لاَ نَعْلَمُ كُلَّ مَا يَسْأَلُونَنَا عَنْهُ، وَلَغَيْرُنَا أَعْلَمُ مِنَّا. مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى: عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ جَعْفَرٍ الأَحْمَسِيِّ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُوْنَ أَنَّ مَنْ طلَّقَ ثَلاَثاً بِجَهَالَةٍ، رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ، تَجْعَلُونهَا وَاحِدَةً، يَرْوُونَهَا عَنْكُم. قَالَ: مَعَاذَ اللهِ، مَا هَذَا مِنْ قَوْلِنَا، مَنْ طلَّقَ ثَلاَثاً، فَهُوَ كَمَا قَالَ (2) .   (1) في النسخة الثانية " متأل ". (2) مسلمة بن جعفر الاحمسي ضعيف، قاله المصنف في تاريخه وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين، رحمه الله، في فتاويه: أن للعلماء فيمن طلق زوجته ثلاثا في طهر واحد، بكلمة واحدة أو كلمات ثلاث، ثلاثة أقوال: الأول: أنه طلاق مباح لازم. وهو قول: الشافعي، وأحمد في الرواية القديمة عنه. اختارها الخرقي، هو منقول عن بعض السلف. الثاني: أنه طلاق بدعة، محرم لازم، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد في رواية. وهذا القول منقول عن كثير من السلف، من الصحابة والتابعين. الثالث: أنه محرم، ولا يلزم إلا طلقة واحدة، ونسبه إلى طائفة من السلف، والخلف، واختاره وقواه بأدلة كثيرة وفيرة وأفتى به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مائَةَ مرَّةٍ، قَضَى اللهُ لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ (1) . أَجَازَ لَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَ لَهُ سُفْيَانُ: لاَ أَقُومُ حَتَّى تُحَدِّثَنِي، قَالَ: أَمَا إِنِّي أُحَدِّثُكَ، وَمَا كَثْرَةُ الحَدِيْثِ لَكَ بِخَيْرٍ، يَا سُفْيَانُ! إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ، فَأَحْبَبْتَ بَقَاءهَا وَدوَامَهَا، فَأَكْثِرْ مِنَ الحَمْدِ وَالشُّكرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ} [إِبْرَاهِيْمُ: 7] . وَإِذَا اسْتَبْطَأْتَ الرِّزقَ، فَأَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ ... } [نُوْحُ: 10 - 13] الآيَةَ. يَا سُفْيَانُ! إِذَا حَزَبَكَ أَمرٌ مِنَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِه، فَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الفَرَجِ، وَكَنْزٌ مِنْ كُنوزِ الجَنَّةِ. فَعَقدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: ثَلاَثٌ، وَأَيُّ ثَلاَثٍ! قَالَ جَعْفَرٌ: عَقَلَهَا -وَاللهِ- أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَيَنفَعَنَّه اللهُ بِهَا. قُلْتُ: حِكَايَةٌ حَسَنَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنُ غَزْوَانَ وَضَعَهَا، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكنَاءُ، [وَكِسَاءُ خَزٍّ] (2) أَيدجَانِيٌّ، فَجَعَلتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ تَعَجُّباً. فَقَالَ: مَا لَكَ يَا ثَوْرِيُّ؟ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ!   (1) الاثر ضعيف لضعف سويد بن سعيد. (2) زيادة من " الحلية ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِك، وَلاَ لِبَاسِ آبَائِكَ. فَقَالَ: كَانَ ذَاكَ زَمَاناً مُقتِراً، وَكَانُوا يَعْمَلُوْنَ عَلَى قَدرِ إِقتَارِهِ وَإِفقَارِه، وَهَذَا زَمَانٌ قَدْ أَسبَلَ كُلَّ شَيْءٍ فِيْهِ عَزَالِيْهِ (1) . ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ردنِ جُبَّتِه، فَإِذَا فِيْهَا جُبَّةُ صُوْفٍ بَيْضَاءُ، يَقصُرُ الذَّيْلُ عَنِ الذَّيلِ، وَقَالَ: لَبِسنَا هَذَا للهِ، وَهَذَا لَكُم، فَمَا كَانَ للهِ، أَخْفَيْنَاهُ، وَمَا كَانَ لَكُم، أَبْدَيْنَاهُ. وَقِيْلَ: كَانَ جَعْفَرٌ يَقُوْلُ: كَيْفَ أَعْتَذِرُ وَقَدِ احْتجَجْتُ، وَكَيْفَ أَحتَجُّ وَقَدْ عَلِمتُ؟ رَوَى: يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ هَيَّاجِ بنِ بِسْطَامَ، قَالَ: كَانَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ يُطعِمُ، حَتَّى لاَ يَبْقَى لِعِيَالِه شَيْءٌ. عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَسُئِلَ: لِمَ حَرَّمَ اللهُ الرِّبَا؟ قَالَ: لِئَلاَّ يَتَمَانعَ النَّاسُ المَعْرُوْفَ. وَعَنْ هِشَامِ بنِ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: الفُقَهَاءُ أُمنَاءُ الرُّسُلِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الفُقَهَاءَ قَدْ رَكنُوا إِلَى السَّلاَطِيْنِ، فَاتَّهِمُوهُم. وَبِهِ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زَيْدِ بنِ الجُرَيْشِ، حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: الصَّلاَةُ قُربَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالحجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ، وَزَكَاةُ البَدَنِ الصِّيَامُ، وَالدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ، وَاسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكم بِالزَّكَاةِ، وَمَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ، وَالتَّقدِيرُ نِصْفُ العَيْشِ، وَقِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ، وَمَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْه، فَقَدْ عَقَّهُمَا، وَمَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِه عِنْدَ مُصِيْبَةٍ، فَقَدْ حَبِطَ أَجرُهُ، وَالصَّنِيعَةُ لاَ تَكُوْنُ صَنِيْعَةً إِلاَّ عِنْدَ ذِي حَسَبٍ أَوْ دِيْنٍ، وَالله يُنْزِلُ الصَّبْرَ عَلَى قَدرِ المُصِيْبَةِ،   (1) العزالي: جمع العزلاء، وهو فم المزادة الأسفل، وفي الحديث: " وأرسلت السماء عزاليها " أي: كثر مطرها على المثل. والمراد هنا، أن الخير قد كثر وعم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 وَيُنْزِلُ الرِّزقَ عَلَى قَدرِ المُؤنَةِ، وَمَنْ قَدَّرَ مَعِيْشَتَه، رَزَقَهُ اللهُ، وَمَنْ بَذَّرَ مَعِيْشَتَه، حَرَمَهُ اللهُ. وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَعْفَراً يُوْصِي مُوْسَى -يَعْنِي ابْنَهُ-: يَا بُنَيَّ! مَنْ قَنعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اسْتَغْنَى، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِه، مَاتَ فَقِيْراً، وَمَنْ لَمْ يَرضَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اتَّهمَ اللهَ فِي قَضَائِهِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ غَيْرِه، اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ نَفْسِه، وَمَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِه، انكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ، قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ بِئْراً لأَخِيْهِ، أَوقَعَهُ اللهُ فِيْهِ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ، حُقِّرَ، وَمَنْ خَالطَ العُلَمَاءَ، وُقِّرَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ، اتُّهِمَ. يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ أَنْ تُزرِيَ بِالرِّجَالِ، فَيُزْرَى بِكَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُوْلَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيكَ، فَتَذِلَّ لِذَلِكَ. يَا بُنَيَّ! قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ، تُسْتَشَارُ مِنْ بَيْنِ أَقْرِبَائِكَ، كُنْ لِلْقُرْآنِ تَالِياً، وَللإِسْلاَمِ فَاشِياً، وَللمَعْرُوْفِ آمِراً، وَعَنِ المُنْكرِ نَاهِياً، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلاً، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبتَدِئاً، وَلِمَنْ سَألَكَ مُعطِياً، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيْمَةَ، فَإِنَّهَا تَزرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي القُلُوْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوْبِ النَّاسِ، فَمَنْزِلَةُ المُتَعَرِّضِ لِعُيُوبِ النَّاسِ، كَمَنْزِلَةِ الهَدَفِ، إِذَا طَلَبْتَ الجُوْدَ، فَعَلَيْكَ بِمَعَادِنِهِ، فَإِنَّ لِلْجُوْدِ مَعَادِنَ، وَللمَعَادِنِ أُصُوْلاً، وَللأُصُوْلِ فُرُوعاً، وَلِلفُرُوعِ ثَمَراً، وَلاَ يَطِيْبُ ثَمَرٌ إِلاَّ بِفَرعٍ، وَلاَ فَرعٌ إِلاَّ بِأَصلٍ، وَلاَ أَصلٌ إِلاَّ بِمَعدنٍ طَيِّبٍ، زُرِ الأَخْيَارَ، وَلاَ تَزُرِ الفُجَّارَ، فَإِنَّهُم صَخْرَةٌ لاَ يَتَفَجَّرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخضَرُّ وَرَقُهَا، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا. وَعَنْ عَائِذِ بنِ حَبِيْبٍ: قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: لاَ زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقوَى، وَلاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمتِ، وَلاَ عَدوَّ أَضرُّ مِنَ الجَهْلِ، وَلاَ دَاءَ أَدْوَأُ مِنَ الكَذِبِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ الفُرَاتِ: أَنَّ جَعْفَراً الصَّادِقَ، قَالَ: لاَ يَتِمُّ المَعْرُوْفُ إِلاَّ بِثَلاَثَةٍ: بِتَعجِيْلِه، وَتَصْغِيْرِه، وَسَترِه. كَتبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 نُعِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ الخَثْعَمِيُّ - وَكَانَ مِنَ الأَخْيَارِ - سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ: إِيَّاكُم وَالخُصُومَةَ فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّهَا تَشغَلُ القَلْبَ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ. وَيُرْوَى: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ المَنْصُوْرَ وَقَعَ عَلَيْهِ ذُبَابٌ، فَذَبَّهُ عَنْهُ، فَأَلَحَّ، فَقَالَ لِجَعْفَرٍ: لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَابَ؟ قَالَ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَابِرَةَ. وَعَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيْكَ مَا يَسُوؤُكَ، فَلاَ تَغتَمَّ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَمَا يَقُوْلُ، كَانَتْ عُقوبَةً عُجِّلَتْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا يَقُوْلُ، كَانَتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا. قَالَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: يَا رَبِّ! أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَ بِخَيْرٍ. قَالَ: مَا فَعَلتُ ذَلِكَ بِنَفْسِي. أَخْبَرَنَا، وَحَدَّثَنَا عَنْ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، حَدَّثَنِي الحُمَيْدِيُّ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَالِكِيُّ القَيْسِيُّ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي جِدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ رُخَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ أَبِي الهَيْذَامِ، أَنْبَأَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ قَدْ أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! لِمَ جُعِلَ المَوْقِفُ مِنْ وَرَاءِ الحَرَمِ، وَلَمْ يُصَيَّرْ فِي المَشْعَرِ الحَرَامِ؟ فَقَالَ: الكَعْبَةُ بَيْتُ اللهِ، وَالحَرَمُ حِجَابُه، وَالمَوْقِفُ بَابُه، فَلَمَّا قَصَدَه الوَافِدُوْنَ، أَوْقَفَهَم بِالبَابِ يَتَضَرَّعُوْنَ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُم فِي الدُّخُولِ، أَدْنَاهُم مِنَ البَابِ الثَّانِي وَهُوَ المُزْدَلِفَةُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِم، وَطُولِ اجْتِهَادِهِم، رَحِمَهُم، أَمَرَهُم بِتَقْرِيْبِ قُربَانِهم، فَلَمَّا قَرَّبُوا قُربَانَهم، وَقَضَوْا تَفَثَهُم، وَتَطَهَّرُوا مِنَ الذُّنُوْبِ الَّتِي كَانَتْ حِجَاباً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُم، أَمَرَهُم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 بِزِيَارَةِ بَيْتِه عَلَى طَهَارَةٍ. قَالَ: فَلِمَ كُرِهَ (1) الصَّومُ أَيَّامَ التَّشرِيْقِ؟ قَالَ: لأَنَّهم فِي ضِيَافَةِ اللهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الضَّيفِ أَنْ يَصُوْمَ عِنْدَ مَنْ أَضَافَه. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا بَالُ النَّاسِ يَتَعَلَّقُوْنَ بَأْستَارِ الكَعْبَةِ، وَهِيَ خِرَقٌ لاَ تَنفَعُ شَيْئاً؟ قَالَ: ذَاكَ   (1) أي: حرم، لما ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من النهي عن صوم أيام التشريق. والسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت به في كلام الله ورسوله. قال تعالى: (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) [الاسراء: 38] ، وفي الحديث الصحيح " إن الله كره لكم قيل وقال، وكثره السؤال، وإضاعة المال ". وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام. وما كانوا يجترئون على ذلك. وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا. فينبغي هذا، ولا نرى هذا وزاد عتيق بن يعقوب - على هذا - " ولا يقولون: حلال ولا حرام. أما سمعت قول الله تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل: الله أذن لكم، أم على الله تفترون؟ !) . الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله. وقال الخرقي - فيما نقله عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل -: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة، ومذهبه لا يجوز. وقد نص محمد بن الحسن، أن كل مكروه فهو حرام. وقال أبو حنيفة، وصاحباه: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان، الذهب والحرير. وقد نص الأصحاب أنه حرام وقد قال مالك - في كثير من أجوبته -: أكره هذا، وهو حرام أما المتأخرون، فقد اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل، من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك. وأقبح منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله، على المعنى الاصطلاحي الحادث. وتأمل ما يلي: قال تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) و (وما علمناه الشعر، وما ينبغي له) و (وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم) . وقوله تعالى - على لسان رسوله: " كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم، وما ينبغي له " وقوله، صلى الله عليه وسلم،: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له " وقوله - في لباس الحرير: " لا ينبغي هذا للمتقين ". وانظر: إعلام الموقعين 1 / 39. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 مِثْلُ رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ جُرمٌ، فَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَطُوفُ حَوْلَه، رَجَاءَ أَنْ يَهَبَ لَهُ ذَلِكَ، ذَاكَ الجُرمَ. وَمِنْ بَلِيْغِ قَوْلِ جَعْفَرٍ، وَذُكِرَ لَهُ بُخلُ المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَرَمَه مِنْ دُنْيَاهُ، مَا بَذَلَ لأَجَلِه دِيْنَهُ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ، عَنِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يُلحِدُ فِي سُلْطَانِي، قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَتَطَهَّرَ، وَلَبِسَ ثِيَاباً - أَحْسِبُهُ قَالَ: جُدُداً - فَأَقبَلْتُ بِهِ، فَاسْتَأْذَنتُ لَهُ، فَقَالَ: أَدخِلْهُ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً، قَامَ مِنْ مَجْلِسِه، فَتَلَقَّاهُ، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّقِيِّ السَّاحَةِ، البَرِيْءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَةِ، أَخِي وَابْنِ عَمِّي. فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِه، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَسَأَلَه عَنْ حَالِه، ثُمَّ قَالَ: سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ. فَقَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُم، فَتَأْمُرَ لَهُم بِهِ. قَالَ: أَفْعَلُ. ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ! ائْتِنِي بِالتُّحْفَةِ. فَأَتَتْهُ بِمُدْهنٍ زُجَاجٍ فِيْهِ غَالِيَةٌ، فَغَلَّفَه بِيَدِهِ، وَانْصَرَفَ. فَاتَّبَعْتُه، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَيْتَ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ احرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ، وَلاَ تُهلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعمَةٍ أَنْعَمتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكرِي، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَك صَبْرِي؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعمَتِه شُكرِي، فَلَمْ يَحرِمْنِي، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبْرِي، فَلَمْ يَخْذُلْنِي، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى المَعَاصِي، فَلَمْ يَفضَحْنِي، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحصَى أَبَداً، وَيَا ذَا المَعْرُوْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً، أَعِنِّي عَلَى دِيْنِي بِدُنْيَا، وَعَلَى آخِرَتِي بِتَقْوَى، وَاحفَظْنِي فِيْمَا غِبتُ عَنْهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِيْمَا خَطَرتُ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّه الذُّنُوبُ، وَلاَ تَنقُصُه المَغْفِرَةُ، اغْفِرْ لِي مَا لاَ يَضُرُّكَ، وَأَعْطِنِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ، يَا وَهَّابُ! أَسْأَلُك فَرَجاً قَرِيْباً، وَصَبراً جَمِيْلاً، وَالعَافِيَةَ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا، وَشُكرَ العَافِيَةِ. فَأَعْلَى مَا يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: مَا أَنْبَأَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الحَاكِمُ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالمَجُوْسِ؟ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ قَائِماً، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سُنُّوا بِهِم سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ) (1) .   (1) وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 278، في الزكاة، باب: جزية أهل الكتاب والمجوس. وسنده منقطع، مع ثقة رجاله. قال صاحب " التنقيح ": وقد روي معنى هذا من وجه متصل، إلا أن في اسناده، من يجهل حاله. قال ابن أبي عاصم: حدثنا إبراهيم بن حجاج السامي، حدثنا أبو رجاء وكان جارا لحماد بن سلمة، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: كنت عند عمر بن الخطاب، فقال: من عنده علم من المجوس؟ فوثب عبد الرحمن بن عوف، فقال: أشهد بالله على رسول الله، لسمعته يقول: " إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب ". وللطبراني من حديث: مسلم بن العلاء الحضرمي، سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب، في أخذ الجزية فقط ". وقال الهيثمي في " المجمع " 6 / 13: وفيه من لم أعرفه. وروى أبو عبيد في الاموال ص 36 بسند صحيح، عن أبي موسى الأشعري، قال: لولا أني رأيت أصحابي يأخذون منهم الجزية ما أخذتها " يعني: المجوس. وأخرج البخاري 6 / 184 - 185، وأبو داود (3043) ، والترمذي (1587) وأبو عبيد في " الاموال " ص 32 من طريق: عمرو بن دينار، أنه سمع بجالة بن عبدة ; يقول: لم يكن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخذها من مجوس هجر ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو المُنَجِّى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَرْثَمِيَّةُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا وَقفَ عَلَى الصَّفَا، كَبَّرَ ثَلاَثاً، وَيَقُوْلُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المْلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَصْنَعُ عَلَى المَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَكَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا، مَشَى حَتَّى إِذَا انْصبَّتْ قَدمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي، سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (1) . وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ فُلَيْحٍ المُقْرِئُ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُؤْمِنُ مُؤْمِنٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَهُ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فِيْهِ نَكَارَةٌ، تَفَرَّد بِهِ: القَدَّاحُ. وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: ذَاهبُ الحَدِيْثِ. أَخْرَجَهُ: أَبُو عِيْسَى، عَنْ زِيَادِ بنِ يَحْيَى، عَنْهُ، فَوَقَعَ بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ.   (1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب: حجة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مالك مختصرا في الحج (128) : باب البدء بالصفا في السعي. (2) وأخرجه الترمذي (2145) في القدر، باب: ما جاء في الايمان بالقدر خيره وشره، ثم قال: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث: عبد الله بن ميمون. وعبد الله بن ميمون القداح منكر الحديث. ولكن معنى الحديث ثابت عنه، صلى الله عليه وسلم، من غير وجه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَشَبَابٌ العُصْفُرِيُّ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَوْلِدَه سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. أَرَّخَهُ: الجِعَابِيُّ (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه، وَأَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ (2) ، فَيَكُوْنُ عُمُرُه ثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ) ، بَلْ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) ، وَغَيْرِه. وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ: أَقدمُهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ: وَمَاتَ شَابّاً فِي حَيَاةِ أَبِيْهِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَخلَّفَ: مُحَمَّداً، وَعَلِيّاً، وَفَاطِمَةَ. فَكَانَ لِمُحَمَّدٍ مِنَ الوَلَدِ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ فَقَطْ. فَوَلَدَ جَعْفَرٌ مُحَمَّداً، وَأَحْمَدَ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ. فَوُلِدَ لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَحْمَدُ، وَحَسَنٌ. فَوُلدَ لِحَسَنٍ: جَعْفَرٌ الَّذِي مَاتَ بِمِصْرَ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَخلَّفَ ابْنَه مُحَمَّداً، فَجَاءهُ خَمْسَةُ بَنِيْنَ. وَوُلِدَ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَمُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ. فَوُلِدَ لأَحْمَدَ جَمَاعَةُ بَنِيْنَ: مِنْهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، المُتَوْفَى بِمِصْرَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. فَبنُو مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ عَددٌ كَثِيْرٌ، كَانُوا بِمِصْرَ، وَبِدِمَشْقَ، قَدِ اسْتَوْعَبَهُمْ الشَّرِيْفُ العَابِدُ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَيُعْرَفُ هَذَا: بِأَخِي مُحَسِّنٍ، كَانَ يَسْكُنُ بِبَابِ تُوْمَا (3) ، مَاتَ قَبْلَ الأَرْبَعِ مائَةٍ، وَذَكَرَ مِنْهُم قَوْماً بِالكُوْفَةِ، وَبَالَغَ فِي نَفْيِ عُبَيْدِ اللهِ المَهْدِيِّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ هَذَا النَّسَبِ الشَّرِيْفِ، وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي أَنَّهُ   (1) هو الحافظ: أبو بكر محمد بن عمر بن محمد التميمي البغدادي، قاضي الموصل ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 925. (2) هو الامام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، الرازي محدث بغداد. من تصانيفه كتاب في رجال الصحيحين. ترجمه المؤلف في تذكرته 3 / 1083. (3) باب توما: من أحياء دمشق الشرقية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 دُعِيَ، وَأَنَّ نِحْلَتَهُ خَبِيْثَةٌ، مَدَارُهَا عَلَى المِخرقَةِ وَالزَّنْدَقَةِ (1) . رَجَعْنَا إِلَى تَتِمَّةِ آلِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، فَأَجَلُّهُم وَأَشْرَفُهُم ابْنُهُ: 118 - مُوْسَى الكَاظِمُ أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، السَّيِّدُ، أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، وَالِدُ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، مَدَنِيٌّ، نَزَلَ بَغْدَادَ. وَحَدَّثَ بِأَحَادِيْثَ عَنْ أَبِيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ قُدَامَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ عَلِيٌّ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَحُسَيْنٌ، وَأَخَوَاهُ؛ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَدَقَةَ العَنْبَرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ يَزِيْدَ. وَرِوَايَتُه يَسِيْرَةٌ؛ لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-. ذَكَرهُ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ. قُلْتُ: لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَه حَدِيْثَانِ. قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ الخَطِيْبُ: أَقْدَمَهُ المَهْدِيُّ بَغْدَادَ، وَرَدَّهُ، ثُمَّ قَدِمَهَا، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ، قَدِمَ فِي صُحْبَةِ الرَّشِيْدِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَحَبَسَه بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي مَحْبَسِه.   (1) راجع في هذا رسالة " من عبر التاريخ " للكوثري ففيها تفصيل. (*) الجرح والتعديل 8 / 139، تاريخ بغداد 13 / 27، صفوة الصفوة 2 / 103، منهاج السنة 2 / 115 - 124، وفيات الأعيان 5 / 308 - 310، تهذيب الكمال (1383) ، تذهيب التهذيب 4 / 76 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 201 - 202، عبر الذهبي 1 / 287، تاريخ ابن خلدون 4 / 115، تهذيب التهذيب 10 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال (390) ، شذرات الذهب 1 / 304. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى العَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي يَحْيَى بنُ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: كَانَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ يُدْعَى: العَبْدَ الصَّالِحَ؛ مِنْ عِبَادتِه وَاجْتِهَادِه. رَوَى أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ سَجْدَةً فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَسُمِعَ وَهُوَ يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِه: عَظُمَ الذَّنْبُ عِنْدِي، فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ، يَا أَهْلَ التَّقْوَى، وَيَا أَهْلَ المَغْفِرَةِ. فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ. وَكَانَ سَخِيّاً، كَرِيْماً، يَبلُغُه عَنِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يُؤذِيْه، فَيَبعَثُ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيْهَا أَلفُ دِيْنَارٍ، وَكَانَ يَصُرُّ الصُّرَرَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ يَقسِمُهَا بِالمَدِيْنَةِ، فَمَنْ جَاءتْه صُرَّةٌ، اسْتَغنَى. حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، مَعَ أَنَّ يَحْيَى بنَ الحَسَنِ مُتَّهَمٌ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى هَذَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَكْرِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ أَطْلُبُ بِهَا دَيْناً، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ مُوْسَى بنَ جَعْفَرٍ، فَشَكَوتُ إِلَيْهِ. فَأَتَيْتُهُ بِنَقَمَى (1) فِي ضَيْعَتِه، فَخَرَجَ إِلَيَّ، وَأَكَلتُ مَعَهُ، فَذَكَرتُ لَهُ قِصَّتِي، فَأَعْطَانِي ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَذَكَرَ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ آلِ عُمَرَ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ يُؤذِيْهِ، وَيَشتُمُ عَلِيّاً، وَكَانَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِه: دَعْنَا نَقْتُلْهُ. فَنَهَاهُم، وَزَجَرَهُم. وَذُكِرَ لَهُ: أَنَّ العُمَرِيَّ يَزْدَرِعُ بِأَرْضٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ فِي مَزرَعَتِه، فَوَجَدَه، فَدَخَلَ بِحِمَارِه، فَصَاحَ العُمَرِيُّ: لاَ تُوَطِّئْ زَرعَنَا. فَوَطِئَ بِالحِمَارِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَ عِنْدَه، وَضَاحَكَه، وَقَالَ: كَمْ غَرِمتَ فِي زَرعِكَ هَذَا؟ قَالَ: مائَةُ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَكَم تَرجُو؟ قَالَ: لاَ أَعْلَمُ الغَيبَ، وَأَرْجُو أَنْ يَجِيْئَنِي مائَتَا دِيْنَارٍ. فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ،   (1) جانب أحد، وهو موضع من أعراض المدينة. كان لآل أبي طالب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 وَقَالَ: هَذَا زَرعُكَ عَلَى حَالِه. فَقَامَ العُمَرِيُّ، فَقَبَّلَ رَأْسَه، وَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِه. وَجَعَلَ يَدْعُو لَهُ كُلَّ وَقْتٍ. فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ لِخَاصَّتِه الَّذِيْنَ أَرَادُوا قَتْلَ العُمَرِيِّ: أَيُّمَا هُوَ خَيْرٌ، مَا أَرَدْتُم، أَوْ مَا أَرَدْتُ أَنْ أُصلِحَ أَمرَهُ بِهَذَا المِقْدَارِ؟ قُلْتُ: إِنْ صَحَّتْ، فَهَذَا غَايَةُ الحِلْمِ وَالسَّمَاحَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُغِيْثٍ القُرَشِيُّ - وَبَلغَ تِسْعِيْنَ سَنَةً - قَالَ: زَرَعتُ بِطِّيخاً، وَقِثَّاءً، وَقَرعاً بِالجُوَّانِيَّةِ، فَلَمَّا قَرُبَ الخَيْرُ، بَيَّتَنِي الجَرَادُ، فَأَتَى عَلَى الزَّرعِ كُلِّهِ، وَكُنْتُ غَرِمتُ عَلَيْهِ وَفِي ثَمَنِ جَمَلَيْنِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ، طَلعَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْش حَالُكَ؟ فَقُلْتُ: أَصْبَحتُ كَالصَّرِيْمِ. قَالَ: وَكَم غَرِمتَ فِيْهِ؟ قُلْتُ: مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً مَعَ ثَمَنِ الجَمَلَيْنِ. وَقُلْتُ: يَا مُبَارَكُ! ادْخُلْ وَادْعُ لِي فِيْهَا. فَدَخَلَ، وَدَعَا. وَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (تَمَسَّكُوا بِبَقَايَا المَصَائِبِ (1)) . ثُمَّ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ الجَمَلَيْنِ، وَسَقَيْتُه، فَجَعَلَ اللهُ فِيْهَا البَرَكَةَ زَكَتْ، فَبِعتُ مِنْهَا بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيَّ غَيْرَ مرَّةٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا حَبَسَ المَهْدِيُّ مُوْسَى بنَ جَعْفَرٍ، رَأَى فِي النَّوْمِ عَلِيّاً يَقُوْلُ: يَا مُحَمَّدُ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم} ؟ [مُحَمَّدٌ: 22] . قَالَ الرَّبِيْعُ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ لَيْلاً، فَرَاعَنِي، فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً، وَقَالَ: عَلَيَّ بِمُوْسَى بنِ جَعْفَرٍ. فَجِئْتُه بِهِ، فَعَانَقَه، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ! إِنِّي رَأَيْتُ أَمِيْرَ   (1) ضعيف لارساله وجهالة رواته. وقد ذكره صاحب: كنز العمال " 3 / 304 ونسبه للديلمي في " مسند الفردوس " وابن صصرى في أماليه، عن موسى بن جعفر مرسلا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 المُؤْمِنِيْنَ يَقْرَأُ عَلَيَّ كَذَا، فَتُؤْمِنِّي أَنْ تَخْرُجَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِي؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ فَعَلتُ ذَلِكَ، وَلاَ هُوَ مِنْ شَأْنِي. قَالَ: صَدَقتَ، يَا رَبِيْعُ! أَعْطِهِ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ. فَأَحكَمْتُ أَمرَهُ لَيْلاً، فَمَا أَصْبَحَ إِلاَّ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفَ العَوَائِقِ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الأَزدِيُّ، قَالَ: حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَأَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ، يَا ابْنَ عَمِّ؛ افْتِخَاراً عَلَى مَنْ حَوْلَه. فَدَنَا مُوْسَى، وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَةِ. فَتَغَيَّرَ وَجْهُ هَارُوْنَ، وَقَالَ: هَذَا الفَخْرُ يَا أَبَا الحَسَنِ حَقّاً. قَالَ يَحْيَى بنُ الحَسَنِ العَلَوِيُّ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بنُ أَبَانٍ، قَالَ: حُبِسَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ السِّنْدِيِّ بنِ شَاهَكَ، فَسَأَلتْهُ أُخْتُه أَنْ تَوَلَّى حَبسَهُ، وَكَانَتْ تَدَيَّنُ (1) ، فَفَعَلَ. فَكَانَتْ عَلَى خِدمَتِه، فَحُكِيَ لَنَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا صَلَّى العَتَمَةَ، حَمِدَ اللهَ، وَمَجَّدَهُ، وَدَعَاهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى يَزُولَ اللَّيْلُ، فَإِذَا زَالَ اللَّيْلُ، قَامَ يُصَلِّي، حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبحَ، ثُمَّ يَذْكُرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَقعُدَ إِلَى ارْتفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ يَتَهَيَّأَ، وَيَسْتَاكَ، وَيَأْكُلَ، ثُمَّ يَرقُدَ إِلَى قَبْلِ الزَّوَالِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ، وَيُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ يَذْكُرَ فِي القِبلَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ المَغْرِبَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَيْنَ المَغْرِبِ إِلَى العَتَمَةِ. فَكَانَتْ تَقُوْلُ: خَابَ قَوْمٌ تَعَرَّضُوا لِهَذَا الرَّجُلِ. وَكَانَ عَبداً صَالِحاً، وَقِيْلَ: بَعَثَ مُوْسَى الكَاظِمُ إِلَى الرَّشِيْدِ برِسَالَةٍ مِنَ الحَبْسِ، يَقُوْلُ: إِنَّهُ لَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي يَوْمٌ مِنَ البَلاَءِ، إِلاَّ انْقَضَى عَنْكَ مَعَهُ يَوْمٌ مِنَ الرَّخَاءِ، حَتَّى نُفضِيَ جَمِيْعاً إِلَى يَوْمٍ لَيْسَ لَهُ انْقِضَاءٌ، يَخسَرُ فِيْهِ المُبْطِلُوْنَ.   (1) أي تأخذ دينا. سير 6 / 18 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 وَعَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ السِّنْدِيِّ، قَالَ: كَانَ مُوْسَى عِنْدَنَا مَحْبُوْساً، فَلَمَّا مَاتَ، بَعَثنَا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ العُدُولِ مِنَ الكَرْخِ، فَأَدخَلْنَاهُم عَلَيْهِ، فَأَشْهَدنَاهُم عَلَى مَوْتِه، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الشُّوْنِيْزِيَّةِ. قُلْتُ: لَهُ مَشْهَدٌ عَظِيْمٌ مَشْهُوْرٌ بِبَغْدَادَ، دُفِنَ مَعَهُ فِيْهِ حَفِيْدُه الجَوَادُ، وَلِوَلَدِهِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى مَشْهَدٌ عَظِيْمٌ بِطُوْسَ. وَكَانَتْ وَفَاةُ مُوْسَى الكَاظِمِ فِي رَجَبٍ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. عَاشَ: خَمْساً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَدٍ، الجَمِيْعُ مِنْ إِمَاءٍ: عَلِيٌّ، وَالعَبَّاسُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَجَعْفَرٌ، وَهَارُوْنُ، وَحَسَنٌ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ، وَزَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ، وَفَضْلٌ، وَسُلَيْمَانُ، سِوَى البَنَاتِ، سَمَّى الجَمِيْعَ الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) . 119 - أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرٍ الأَزْدِيُّ * (4، خت) ثُمَّ الحُدَّانِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَعْمَى. وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَشْعَثُ البَصْرِيُّ، وَأَشْعَثُ الأَعْمَى، وَأَشْعَثُ الأَزْدِيُّ، وَأَشْعَثُ الحُمْلِيُّ (1) . رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) . وَعَنِ: الحَسَنِ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ. وَعَنْهُ: سِبْطُهُ؛ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ الكَبِيْرُ؛ جَدُّ الحَافِظِ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الحَافِظِ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: مَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (*) التاريخ الكبير: 1 / 433، التاريخ الصغير: 2 / 23 - 24، الجرح والتعديل 2 / 273، تهذيب الكمال (118) ، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 265 - 266، تهذيب التهذيب 1 / 355 - 356، خلاصة تذهيب الكمال: (38) . (1) في الأصل " الجملي " بفتح الجيم والميم، وما أثبتناه هو الصواب فقد ضبطه المؤلف كذلك في " المشتبه " 1 / 175، وأقره عليه الحافظ ابن حجر في " التبصير " و" التقريب ". وكذلك ضبطه صاحب الخلاصة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ، كَأَشْعَثَ الحُمْرَانِيِّ. وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَفِي حَدِيْثِهِ وَهْمٌ، أَوْرَدَه العُقَيْلِيُّ فِي (الضُّعَفَاءِ) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ. مَعْمَرٌ: عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَبُوْلَنَّ أَحَدُكُم فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيْهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ (1)) . قُلْتُ: مُرَادُه بِالوَسْوَاسِ: أَنْ يُصِيْبَه مَسٌّ مِنَ الجَانِّ. وَمِنْهُ سُمِّيَ المُسرِفُ فِي المَاءِ: مُوَسْوَساً، شُبِّهِ بِالمَجْنُوْنِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَبَّرَ أَحَدُهُم لِلْفَرِيْضَةِ - عَافَاهُمُ اللهُ تَعَالَى -. 120 - أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ الكِنْدِيُّ * (م، ت، س، ق) الكُوْفِيُّ، النَّجَّارُ، التَّوَابِيْتِيُّ، الأَفْرَقُ. وَهُوَ الَّذِي يُقَالَ لَهُ:   (1) الحسن مدلس، وقد عنعن، وأخرجه أحمد 5 / 56، وأبو داود (27) في الطهارة، باب: في البول في المستحم، والترمذي (21) في الطهارة: باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل، والنسائي 1 / 34 في الطهارة، باب: كراهية البول في المستحم، وابن ماجه (304) في الطهارة، باب: كراهية البول في المغتسل، وروى أبو داود حديثا آخر عقبه (28) عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يشهد لحديث ابن مغفل في النهي عن البول في المستحم. قال أبو سليمان الخطابي: إنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان صلبا أو مبلطا، أو لم يكن له مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل إليه الماء فيتوهم المغتسل أنه يصيبه شيء من رشاشه فيورثه الوسواس. (*) طبقات ابن سعد 6 / 249، تاريخ خليفة (420) طبقات خليفة (166) ، تاريخ البخاري: 1 / 430، التاريخ الصغير، 2 / 48، الطبري: 1 / 486، 2 / 386، 3 / 421، 588، 4 / 284، الجرح والتعديل 2 / 271. كتاب المجروحين 1 / 171، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (117) ، تذهيب التهذيب 1 / 69 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 263 - 265، تهذيب التهذيب 1 / 352 - 354، خلاصة تذهيب الكمال (38) ، شذرات الذهب 1 / 193. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 صَاحِبُ التَّوَابِيْتِ، وَهُوَ أَشْعَثُ القَاصُّ. وَهُوَ مَوْلَى ثَقِيْفٍ، وَهُوَ الأَثْرَمُ، وَهُوَ قَاضِي الأَهْوَازِ. حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَعَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، وَهُشَيْمٌ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعِدَّةٌ. رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ. وَكَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ، عَلَى لِيْنٍ فِيْهِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ مُجَالِدٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هُوَ عِنْدِي دُوْنَ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ: هُوَ أَضْعَفُ الأَشَاعِثَةِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَأَمَّا ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، إِنَّمَا يَغْلَطُ فِي الأَسَانِيْدِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفٌ. وَرَوَى ابْنُ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ يَحْيَى: أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَمثَلُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ سَالِمٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ يَحْيَى وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ بِشَيْءٍ قَطُّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَاحِشُ الخَطَأِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ، يُعْتَبَرُ بِهِ. أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ، وَنَرمِي عَنِ الصِّبْيَانِ (1) .   (1) أشعث بن سوار ضعيف. وأبو الزبير عنعنه وهو مدلس. ولذا قال الترمذي، عقب إخراجه (927) : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية. وأخرجه ابن ماجه أيضا (3038) من طريق أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ " حججنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 قَالَ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلاَّلُ: كَانَ أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ عَلَى قَضَاءِ الأَهْوَازِ، فَصَلَّى بِهِم، فَقَرَأَ (النَّجْمَ) ، فَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ هُوَ، ثُمَّ صَلَّى يَوْماً، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، فَسَجَدَ وَمَا سَجَدُوا. شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: السُّنَّةُ بِالنِّسَاءِ: الطَّلاَقُ، وَالعِدَّةُ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. أَرَّخَهُ: الفَلاَّسُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيْنٌ (2)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوْفاً، وَهُوَ أَصَحُّ.   (1) أشعث ضعيف، وأخرجه الطبراني في معجمه بهذا السند، عن عبد الله، بلفظ: " الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفا على عثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأخرج البيهقي الآثار كلها في " سننه 7 / 330، 7 / 330، وانظر: نصب الراية 3 / 225. (2) أشعث ضعيف؟ ومحمد هو: ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ، وقد أخرجه ابن ماجه (1757) في الصوم، باب: من مات وعليه صيام رمضان، قد فرض فيه، فسماه. وهو وهم كما قال المزي في الاطراف. فإن الترمذي رواه (718) ولم ينسبه. ثم قال الترمذي: وهو عندي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال الترمذي، بعد تخريج هذا الحديث: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. والصحيح أنه موقوف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 121 - أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أَبُو هَانِىء الحُمْرَانِيُّ * (4) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الثِّقَةُ، أَبُو هَانِئ الحُمْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى حُمْرَانَ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ. رَوَى عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ أَحَدَ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، مَا أَدْرَكتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ بَعْدَ ابْنِ عَوْنٍ، أَثْبَتَ مِنْ أَشْعَثَ الحُمْرَانِيِّ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنْ آخرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، هُوَ أَوْثَقُ مِنْ أَشْعَثَ الحُدَّانِيِّ. قُلْتُ: مَا عَلِمتُ أَحَداً لَيَّنَهُ. وَذَكَرُ ابْنُ عَدِيٍّ لَهُ فِي (كَامِلِهِ) : لاَ يُوْجَبُ تَلْيِينُه بِوَجْهٍ. نَعَمْ، مَا أَخْرَجَا لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، كَمَا لَمْ يُخْرِجَا لِجَمَاعَةٍ مِنَ الأَثْبَاتِ. قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، ثُمَّ العَجَبَ لأَهْلِ البَصْرَةِ، يُقَدِّمُوْنَ أَشْعَثَهُم عَلَى أَشْعَثِنَا؛ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ! قَالَ: وَهُوَ أَشْعَثُ التَّوَابِيْتِيُّ، وَهُوَ أَشْعَثُ   (*) تاريخ خليفة (423) ، طبقات خليفة (220) ، تاريخ البخاري 1 / 431، التاريخ الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 2 / 275 - 276، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب الكمال (118) ، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 266 - 268، تهذيب التهذيب 1 / 357 - 359، خلاصة تذهيب الكال (39) ، شذرات الذهب 1 / 217. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 القَاصُّ. رَوَى عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَصَّ بِالكُوْفَةِ دَهْراً، يُحمَدُ عَفَافُه، وَفِقهُهُ، وَأَشْعَثُهُم يَقِيسُ عَلَى قَوْلِ الحَسَنِ، وَيُحَدِّثُ بِهِ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: قَالَ لِي أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ: لاَ تَأْتِ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ، فَإِنَّ النَّاسَ يَنْهَوْنَ عَنْهُ. وَجَاءَ عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ أَتَى الأَشْعَثَ يُذَاكِرُه. يَحْيَى القَطَّانُ: عَنْ أَبِي حُرَّةَ، قَالَ: كَانَ أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ إِذَا أَتَى الحَسَنَ، يَقُوْل لَهُ: يَا أَبَا هَانِئ! انْشُرْ بَزَّكَ، انْشُرْ مَسَائِلَكَ. قَالَ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِ الحَسَنِ أَثْبَتَ مِنْ أَشْعَثَ، وَمَا أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ثَبْتاً. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ الأَشْعَثَ يَقُوْلُ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثتُكم عَنِ الحَسَنِ، فَقَدْ سَمِعْتُه مِنْهُ، إِلاَّ حَدِيْثَ الَّذِي رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ (1) ، وَحَدِيْثَ عَلِيٍّ فِي الخَلاَصِ، وَحَدِيْثاً يُرسِلُهُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَتَى تُحَرَّمُ عَلَيْنَا المَيْتَةُ؟ قَالَ: (إِذَا رَوِيَتْ مِنَ اللَّبَنِ، وَحَانَتْ مِيْرَةُ أَهْلِكَ (2)) . قَالَ الفَلاَّسُ: قَالَ لِي يَحْيَى: مَنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قُلْتُ: مَنْ عِنْدَ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ. فَقَالَ: فِي حَدِيْثِ مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ: يَدَعُوْنَ شُعْبَةَ   (1) أخرجه أحمد في " المسند " 5 / 39 من طريق: يحيى، عن أشعث، عن زياد الاعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه ركع دون الصف، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم،: " زادك الله حرصا ولا تعد " وأخرجه البخاري 2 / 222 من طريق: همام، وأخرجه أبو داود (683) و (684) من طريق حماد، وأخرجه النسائي 2 / 118 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، كلهم عن زياد الاعلم، عن الحسن عن أبي بكرة. (2) ذكره في تهذيب الكمال، والزيادة منه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 وَالأَشْعَثَ، وَيَكْتُبُوْنَ حَدِيْثَ ابْنِ عَوْنٍ؟! أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: خَرَجَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ إِلَى عَبَّادَانَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ البَصْرِيُّوْنَ، فَقَالُوا: حَدِّثْ، وَلاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ ثَلاَثَةٍ: أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: أَمَّا أَشْعَثُ، فَهُوَ لَكُم ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ (1) . النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (النَّمْلُ يُسَبِّحُ (2)) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مُسْتقِيْمَةٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ بِكَثِيْرٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ ثَلاَثَةٌ: الحُمْرَانِيُّ - وَهُوَ ثِقَةٌ - وَأَشْعَثُ الحُدَّانِيُّ - يُعْتَبَرُ بِهِ - وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ - هُوَ أَضْعَفُهُم -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَكَانَ عَالِماً بِمَسَائِلِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ، هُوَ بَابَةُ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ.   (1) وقد تقدمت الحكاية في ترجمة جعفر الصادق. (2) رجاله ثقات. وأورده السيوطي في الدر المنثور 4 / 183 ونسبه لابن مردويه، من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن النمل يسبحن ". وفي صحيح البخاري 6 / 108 من طريق: يحيى بن بكير حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي:، صلى الله عليه وسلم، يقول: " قرصت نملة نبيا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 122 - الزُّبَيْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عَامِرٍ * (خَ، م، د، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القَاضِي، أَبُو الهُذَيْلِ الزُّبَيْدِيُّ، الحِمْصِيُّ، قَاضِيهَا. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ. وَحَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَامِرِ بنِ جَشِيْبٍ، وَلُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَيَحْيَى بنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَالفَضْلِ بنِ فَضَالَةَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيِّ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَيَمَانُ بنُ عَدِيٍّ، وَبَقِيَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، وَعُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ، وَمُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَلِبَّاءِ العُلَمَاءِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ -يَعْنِي: فِي الزُّهْرِيِّ- مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ: وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، ثُمَّ مَعْمَرٌ، ثُمَّ عَقِيْلٌ، ثُمَّ يُوْنُسُ، ثُمَّ شُعَيْبٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالزُّبَيْدِيُّ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيَّ عَلَى جَمِيْعِ مَنْ سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ.   (*) طبقات خليفة 315، التاريخ الكبير 1 / 254، التاريخ الصغير 2 / 52، تاريخ الفسوي 1 / 131، 2 / 349، الجرح والتعديل 8 / 111، مشاهير علماء الأمصار 182، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1228، تذكرة الحفاظ 1 / 162 - 163، الوافي بالوفيات 5 / 174، تهذيب التهذب 9 / 502، خلاصة تذهيب الكمال 363، شذرات الذهب 1 / 244. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَانِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنْ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ أَقرَأُ عَلَيْهِ، وَأَسْمَعُ مِنْهُ، فَقَالَ: تَسْأَلُنِي وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ بَيْنَ أَظهُرِكُم، وَقَدِ احْتوَى عَلَى مَا بَيْنَ جَنْبِيَّ مِنَ العِلْمِ؟! وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. زَادَ عَلِيٌّ: ثَبْتٌ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يُشبِهُ حَدِيْثُه حَدِيْثَ عُقَيْلٍ، وَالزُّبَيْدِيُّ فَوْقَه. حَدَّثَنِي أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ وَعِنْدَكُمُ الزُّبَيْدِيُّ؟! وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: كَانَ الزُّبَيْدِيُّ عَلَى بَيْتِ المَالِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مُعجَباً بِهِ، يُقَدِّمُه عَلَى جَمِيْعِ أَهْلِ حِمْصَ. وَرَوَى: بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أَقَمْتُ مَعَ الزُّهْرِيِّ عَشرَ سِنِيْنَ بِالرُّصَافَةِ -يَعْنِي: رُصَافَةَ هِشَامٍ بِالشَّامِ-. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ الزُّبَيْدِيُّ أَعْلَمَ أَهْلِ الشَّامِ بِالفَتْوَى وَالحَدِيْثِ، وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قُلْتُ: كَانَ مِنْ نُظَرَاءِ الأَوْزَاعِيِّ فِي العِلْمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: الزُّبَيْدِيُّ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا جَاءكَ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَاسْتَمْسِكْ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَثْبَتُ مِنَ الزُّبَيْدِيِّ. ثُمَّ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ فِي حَدِيْثِهِ خَطَأٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ المُتقِنِيْنَ، أَقَامَ مَعَ الزُّهْرِيِّ عَشرَ سِنِيْنَ، حَتَّى احْتَوَى عَلَى أَكْثَرِ عِلْمِه، وَهُوَ مِنَ الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ أَصْحَابِهِ. قُلْتُ: أَيْنَ مَنْ يُقِيْمُ مَعَ الزُّهْرِيِّ بِالحِجَازِ أَيَّاماً، إِلَى مَنْ أَقَامَ مَعَهُ فِي وَطَنِه عَشرَ سِنِيْنَ؟! مَا فَوْقَ الزُّبَيْدِيِّ فِي الجَلاَلَةِ وَالإِتقَانِ لِعِلْمِ الزُّهْرِيِّ أَحَدٌ أَصلاً، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَدِيْماً، فَلَمْ يَنتَشِرْ عَنْهُ كَثِيْرُ عِلْمٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. كَذَا قَالَ: وَهُوَ شَابٌّ، وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ كَبِرَ وَشَاخَ، وَحَدِيْثُه نَحْوُ المائَتَيْنِ فَصَاعِداً. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً، وَقَرَأتُه عَلَى سُلَيْمَانَ الفَقِيْهِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عِيْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّارُ بِالرَّيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْدَانَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَزْوِيْنِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتَّةِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَرْغَنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الصَّاعِدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَبَّازِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا ثَلاَثَتُهُم: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الكُشْمِيْهَنِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، أَنْبَأَنَا الزُّهْرِيُّ - هُوَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ - عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) (1) .   (1) أخرجه البخاري 10 / 171 في الطب، باب: رقية العين، ومسلم 2197 في السلام، باب: استحباب الرقية من العين، والنملة، والحمة، والنظرة. وانظر تفصيل القول فيه في " الفتح " 10 / 172، وقوله بالسفعة بفتح السين ويجوز ضمها، قال إبراهيم الحربي: هو سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس. وعن الاصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، يريد: أن بوجهها موضعا على غير لونه الأصلي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ. وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ. وَلَهُ عِلَّةٌ لاَ تَأثِيْرَ لَهَا - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَرَوَاهُ: عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلاً. وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ دَلَّسَ اسْمَه البُخَارِيُّ، وَنَسَبَه إِلَى جَدِّ أَبِيْهِ، وَهُوَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، الَّذِي صَنَّفَ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ. وَهَذَا الحَدِيْثُ مِنْ ثُمَانِيَّاتِ البُخَارِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ ثُلاَثِيَّاتٌ مَعْرُوْفَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا عَزِيْزاً مُسَلْسَلاً بِالمُحَمَّدِيْنَ إِلَى عُرْوَةَ، وَلاَ نَظِيْرَ لَهُ، وَعِدَّتُهُم خَمْسَةَ عَشَرَ مُحَمَّداً، وَأَنَا السَّادِسَ عَشَرَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُوْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُوْنُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُوْنِي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُوْلُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَقُوْلَ، فَذَلِكَ المَقَامُ المَحْمُوْدُ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. 123 - مُجَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عُمَيْرِ بنِ بِسْطَامَ الهَمْدَانِيُّ * (4، م تَبَعاً) وَيُقَالُ: ابْنُ ذِي مُرَّانَ بنِ شُرَحْبِيْلَ، العَلاَّمَةُ،   (1) رجاله ثقات، فقد صرح بقية بالتحديث، وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 456 من طريق: يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن كعب..وهذا سند صحيح، إن كان عبد الرحمن قد سمعه من جده. وفي صحيح البخاري تصريح منه بالسماع من جده. (*) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ خليفة (420) ، طبقات خليفة (166) ، تاريخ = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو. وَيُقَالُ: أَبُو عُمَيْرٍ. وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ الكُوْفِيُّ، الهَمْدَانِيُّ؛ وَالِدُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ. حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الوَدَّاكِ جَبْرِ بنِ نَوْفٍ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَوَبَرَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. هَؤُلاَءِ السَّبعَةُ هُمُ المَذْكُوْرُوْنَ لَهُ فِي (التَّهْذِيْبِ) . وُلِدَ: فِي أَيَّامِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لاَ شَيْءَ لَهُ عَنْهُم. وَيُدرَجُ فِي عِدَادِ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. وَفِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَجَرِيْرُ (1) بنُ حَازِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَأَبُو عَقِيْلٍ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَاضِرٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ التَّابِعِيْنَ عَنِ الأَتْبَاعِ. قَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُه. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يَرْوِيَ لَهُ شَيْئاً. وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَاهُ شَيْئاً، يَقُوْلُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ   = البخاري: 8 / 8، التاريخ الصغير 2 / 77، 79، الجرح والتعديل 8 / 361 - 362، كتاب المجروحين والضعفاء 3 / 10، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (1303) ، تذهيب التهذيب 4 / 21 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 438 - 439، تهذيب التهذيب: 10 / 39 - 41، خلاصة تهذيب الكمال 369، شذرات الذهب 1 / 216. (1) في الأصل (حزم) وهو تحريف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مُجَالِدٌ حَدِيْثُه عِنْدَ الأَحْدَاثِ؛ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ حَدِيْثُ شُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٍ، وَهَؤُلاَءِ القُدَمَاءِ -يَعْنِي: أَنَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ-. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ لِعُبَيْدِ اللهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ أَكْتُبُ السِّيْرَةَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُجَالِدٍ-. قَالَ: تَكْتُبُ كَذِباً كَثِيْراً، لَوْ شِئْتَ أَنْ يَجْعَلَهَا لَكَ مُجَالِدٌ كُلَّهَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَعَلَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مُجَالِدٌ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، يَرْفَعُ حَدِيْثاً لاَ يَرْفَعُه النَّاسُ، وَقَدِ احْتَمَلَه النَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ. كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ يَرْفَعَ لِي مُجَالِدٌ (1) حَدِيْثَه كُلَّه، رَفَعَهُ. رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي هَارُوْنَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ، وَعِيْسَى الحَنَّاطِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَعَنْ غَيْرِ جَابِرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ غَيْرُ مَحْفُوْظٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: شِيْعِيٌّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقِيْلَ لِخَالِدٍ الطَّحَّانِ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ مُجَالِدٍ؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ.   (1) في الأصل " مجاهد " وهو تحريف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 قُلْتُ: مِنْ أَنْكَرِ مَا لَهُ فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ (1)) حَدِيْثُه: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ شِئْتُ، لأَجْرَى اللهُ مَعِيَ جِبَالَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ (2)) . قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى العَمَّارِيُّ بِالأَثَارِبِ (3) ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَمِّيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلاَثَةٌ يَضْحَكُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: الرَّجُلُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَالقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِلصَّلاَةِ، وَالقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِقِتَالِ العَدُوِّ (4)) . أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ مُجَالِدٍ.   (1) في الأصل " جزآن " وهو تحريف، وابن عرفة: هو الحسن بن عرفة بن يزيد أبو علي البغدادي المؤدب، وقد جاوز المئة بعشر سنين، وقيل: بسبع، وكان له عشرة من الولد سماهم بأسماء العشرة المبشرين بالجنة، وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان يتردد إلى الامام أحمد بن حنبل، ولد في سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة سبع وخمسين ومئتين. مترجم في " التهذيب " وفروعه. (2) ضعيف لضعف مجالد وأورده المنذري في " الترغيب والترهيب " 4 / 201 / 202، ونسبه للبيهقي. (3) قلعة بين حلب وانطاكية. بينها وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ. (4) إسناده ضعيف لضعف مجالد، وهو في المسند 3 / 80 وسنن ابن ماجه (205) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية. قال البوصيري. في مصباح الزجاجة: هذا إسناد فيه مقال، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونا بغيره. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 124 - يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدِ بنِ دِيْنَارٍ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَفُضَلاَئِهِم. رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَزِيَادِ بنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَالحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، وَحُصَيْنِ بنِ أَبِي الحُرِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي العَالِيَةِ البَرَّاءِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَسَالِمُ بنُ نُوْحٍ، وَوُهَيْبٌ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّاسُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَكْبَرُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، لاَ يَبلُغُ التَّيْمِيُّ مَنْزِلَةَ يُوْنُسَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 260، تاريخ خليفة 261، 418، طبقات خليفة (218) ، التاريخ الصغير 2 / 49، الجرح والتعديل 9 / 242، مشاهير علماء الأمصار (150) ، حلية الأولياء 3 / 15 - 27، الكامل في التاريخ 5 / 487، تهذيب الكمال 1567، تهذيب التهذيب 4 / 194 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 319، تذكرة الحفاظ 1 / 145 - 146، تهذيب التهذيب 11 / 442 - 445، خلاصة تذهيب الكمال (441) ، شذرات الذهب 1 / 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، قَالَ: جَالَستُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ آخُذَ عَلَيْهِ كَلِمَةً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً قَطُّ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ يُوْنُسُ يُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ - ثَلاَثاً (1) -. رَوَى: الأَصْمَعِيُّ، عَنْ مُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ شَامِيٌّ إِلَى سُوْقِ الخَزَّازِيْنَ، فَقَالَ: عِنْدَكَ مُطْرفٌ بِأَرْبَعِ مائَةٍ؟ فَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عِنْدَنَا بِمائَتَيْنِ. فَنَادَى المُنَادِي: الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقَ يُوْنُسُ إِلَى بَنِي قُشَيْرٍ لِيُصَلِّيَ بِهِم، فَجَاءَ وَقَدْ بَاعَ ابْنُ أُخْتِه المُطْرفَ مِنَ الشَّامِيِّ بِأَرْبَعِ مائَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الدَّرَاهِمُ؟ قَالَ: ثَمَنُ ذَاكَ المُطْرفِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا المُطْرفُ الَّذِي عَرَضتُه عَلَيْكَ بِمائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ شِئْتَ، فَخُذهُ، وَخُذْ مائَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ، فَدَعْه. قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ مَنْ أَنْتَ، وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ. قَالَ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَكُوْنُ فِي نَحرِ العَدُوِّ، فَإِذَا اشْتَدَّ الأَمرُ عَلَيْنَا، قُلْنَا: اللَّهُمَّ رَبَّ يُوْنُسَ، فَرِّجْ عَنَّا، أَوْ شَبِيْهَ هَذَا ... فَقَالَ يُوْنُسُ: سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ. إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ. وَقَالَ أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: جَاءتِ امْرَأَةٌ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ بِجُبَّةِ خَزٍّ، فَقَالَتْ لَهُ: اشْتَرِهَا. قَالَ: بِكَم؟ قَالَتْ: بِخَمْسِ مائَةٍ. قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ: بِسِتِّ مائَةٍ. قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى بَلَغَتْ أَلْفاً. وَكَانَ يَشْتَرِي الإِبْرِيْسمَ مِنَ البَصْرَةِ، فَيَبْعَثُ بِهِ إِلَى وَكِيْلِه بِالسُّوْسِ، وَكَانَ وَكِيْلُه يَبْعَثُ إِلَيْهِ بِالخَزِّ، فَإِنْ كَتَبَ وَكِيْلُه إِلَيْهِ: إِنَّ المَتَاعَ عِنْدَهُم زَائِدٌ، لَمْ يَشتَرِ مِنْهُم أَبَداً حَتَّى يُخْبِرَهُم أَنَّ وَكِيْلَه كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ المَتَاعَ عِنْدَهُم زَائِدٌ.   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". 5 / 319. سير 6 / 19 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 قَالَ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: جَاءتِ امْرَأَةٌ بِمُطْرفٍ خَزٍّ إِلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ تَعرِضُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: بِكَم؟ قَالَتْ: بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً. فَأَلقَاهُ إِلَى جَارِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَاهُ؟ قَالَ: بِعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: أَرَى (1) ذَاكَ ثَمَنَه، أَوْ نَحْواً مِنْ ثَمَنِه. فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَاسْتَأْمِرِي أَهْلَكِ فِي بَيْعِه بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَتْ: قَدْ أَمرُوْنِي أَنْ أَبِيْعَه بِسِتِّيْنَ. قَالَ: ارْجِعِي، فَاسْتَأْمِرِيْهِم. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَسْمَاءُ بنُ عُبَيْدٍ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزَّ مِنْ شَيْئَيْنِ: دِرْهَمٍ طَيِّبٍ، وَرَجُلٍ يَعْمَلُ عَلَى سُنَّةٍ. وَقَالَ: بِئْسَ المَالُ مَالُ المُضَارَبَةِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الدَّيْنِ، مَا خَطَّ عَلَى سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ، وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لِمائَةِ دِرْهَمٍ أَصَبْتُهَا إِنَّهُ طَابَ لِي مِنْهَا عَشْرَةٌ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ قُلْتُ: خَمْسَةٌ، لَبَرَرْتُ. قَالَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ. وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: مَا سَارِقٌ يَسرِقُ النَّاسَ بَأْسوَأَ عِنْدِي مَنْزِلَةً مِنْ رَجُلٍ أَتَى مُسْلِماً، فَاشْتَرَى مِنْهُ مَتَاعاً إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً، فَحَلَّ الأَجَلُ، فَانْطَلقَ فِي الأَرْضِ، يَضرِبُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، يَطْلُبُ فِيْهِ (2) مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَاللهِ لاَ يُصِيْبُ مِنْهُ دِرْهَماً إِلاَّ كَانَ حَرَاماً. الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا سَكَنٌ صَاحِبُ الغَنَمِ، قَالَ: جَاءنِي يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ بِشَاةٍ، فَقَالَ: بِعْهَا، وَابْرَأْ مِنْ أَنَّهَا تَقْلِبُ العَلَفَ، وَتَنْزِعُ الوَتَدَ (3) ، فَبَيِّنْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ البَيْعُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: نَشَرَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ ثَوْباً عَلَى رَجُلٍ، فَسَبَّحَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: ارْفَعْ، أَحْسِبُهُ قَالَ: مَا وَجَدْتَ مَوْضِعَ التَّسْبِيْحِ إِلاَّ هَا هُنَا؟ وَعَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ يُوْنُسَ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ   (1) الزيادة من " تهذيب الكمال ". (2) الزيادة من " الحلية " 3 / 17. (3) لفظ " الحلية " 3 / 18: ولا تبرأ بعد ما تبيع، ولكن ابرأ، وبين قبل أن يقع البيع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 أَكْتُبَ إِلَيْهِ أَسْأَلُه. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَتَانِي كِتَابُكَ، تَسْأَلُنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَأُخْبِرُكَ أَنِّي عَرَضتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لَهَا، وَتَكْرَهَ لَهُم مَا تَكْرَهُ لَهَا، فَإِذَا هِيَ مِنْ ذَاكَ بَعِيْدَةٌ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى تَرْكَ ذِكْرِهِم إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، فَوَجَدتُ الصَّومَ فِي اليَوْمِ الحَارِّ أَيسَرَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ، هَذَا أَمْرِي يَا أَخِي، وَالسَّلاَمُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قِيْلَ: إِنَّ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ قَالَ: إِنِّي لأَعُدُّ مائَةَ خَصلَةٍ مِنْ خِصَالِ البِرِّ، مَا فِيَّ مِنْهَا خَصلَةٌ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ قَالَ سَعِيْدٌ: عَنْ جَسْرٍ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ أَيَّامَ الأَضْحَى، فَقَالَ: خُذْ لَنَا كَذَا وَكَذَا مِنْ شَاةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُرَاهُ يُتَقَبَّلُ مِنِّي شَيْءٌ، قَدْ خَشِيْتُ أَنْ أَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قُلْتُ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَخْشَ أَنْ يَكُوْنَ فِي النَّارِ، فَهُوَ مَغْرُوْرٌ، قَدْ أَمِنَ مَكْرَ اللهِ بِهِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: عَنْ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ - أَوْ غَيْرِهِ - قَالَ: مَا كَانَ يُوْنُسُ بِأَكْثَرِهِم صَلاَةً وَلاَ صَوماً، وَلَكِنْ - لاَ وَاللهِ - مَا حَضَرَ حَقٌّ للهِ إِلاَّ وَهُوَ مُتَهَيِّئٌ لَهُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ يُوْنُسُ: هَان عَلَيَّ أَنْ (1) آخذَ نَاقِصاً، وَغَلَبَنِي أَنْ أُعْطِيَ رَاجِحاً. وَقِيْلَ: إِنَّ يُوْنُسَ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ عِنْدَ المَوْتِ، وَبَكَى، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: قَدَمَايَ، لَمْ تَغْبَرَّ فِي سَبِيْلِ اللهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: لاَ تَجِدُ مِنَ البِرِّ شَيْئاً وَاحِداً يَتبَعُهُ البِرُّ كُلُّه غَيْرَ اللِّسَانِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يُكثِرُ الصِّيَامَ، وَيُفْطِرُ   (1) زيادة من " تهذيب الكمال ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 عَلَى الحَرَامِ، وَيَقُوْمُ اللَّيلَ، وَيَشْهَدُ بِالزُّورِ بِالنَّهَارِ ... - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا - وَلَكِنْ لاَ تَجِدُه لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِحَقٍّ، فَيُخَالِفُ ذَلِكَ عَمَلُه أَبَداً. وَعَنْ جَارٍ لِيُوْنُسَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَاراً مِنْ يُوْنُسَ، كَانَ يَرْفَعُ طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ، وَيَسْتَغْفِرُ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: تُوشكُ عَيْنُكَ أَنْ تَرَى مَا لَمْ تَرَ، وَأَذُنُكَ أَنْ تَسْمَعَ مَا لَمْ تَسْمَعْ، ثُمَّ لاَ تَخْرُجَ مِنْ طَبَقَةٍ إِلاَّ دَخَلتَ فِيْمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، حَتَّى يَكُوْنَ آخِرَ ذَلِكَ الجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى يُوْنُسَ وَجَعاً فِي بَطْنِه، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذِهِ دَارٌ لاَ تُوَافِقُكَ، فَالْتَمِسْ دَاراً تُوَافِقُكَ. وَقَالَ غَسَّانُ بنُ المُفَضَّلِ الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، فَشَكَا إِلَيْهِ ضِيقاً مِنْ حَالِهِ، وَمَعَاشِه، وَاغتِمَاماً بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ بِبَصَرِكَ مائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَبِسَمْعِكَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَبِلِسَانِكَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَبِعَقْلِكَ؟ قَالَ: لاَ ... ، فِي خِلاَلٍ، وَذَكَّرَه نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ يُوْنُسُ: أَرَى لَكَ مِئِيْنَ أُلُوفاً، وَأَنْتَ تَشكُو الحَاجَةَ؟! حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: عَمدنَا إِلَى مَا يُصلِحُ النَّاسَ، فَكَتَبْنَاهُ، وَعَمدنَا إِلَى مَا يُصلِحُنَا، فَتَرَكْنَاهُ. وَعَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: يُرجَى لِلرَّهِقِ بِالبِرِّ الجَنَّةُ، وَيُخَافُ عَلَى المُتَأَلِّهِ بِالعُقُوقِ النَّارُ. قَالَ حَزْمُ بنُ أَبِي حَزْمٍ: مَرَّ بِنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ عَلَى حِمَارٍ، وَنَحْنُ قُعُوْدٌ عَلَى بَابِ ابْنِ لاَحِقٍ، فَوَقَفَ، فَقَالَ: أَصْبَحَ مَنْ إِذَا عُرِّفَ السُّنَّةَ عَرَفَهَا، غَرِيْباً، وَأَغرَبُ مِنْهُ الَّذِي يُعَرِّفُهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا جَسْرٌ أَبُو جَعْفَرٍ، قُلْتُ لِيُوْنُسَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي القَدَرِ، فَقَالَ: لَوْ هَمَّتْهُم ذُنُوْبُهُم، مَا اخْتَصَمُوا فِي القَدَرِ. قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: غَلاَ الخَزُّ فِي مَوْضِعٍ كَانَ إِذَا غَلاَ هُنَاكَ غَلاَ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ خَزَّازاً، فَعَلِمَ بِذَلِكَ، فَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مَتَاعاً بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ لِصَاحِبِهِ: هَلْ كُنْتَ عَلِمتَ أَنَّ المَتَاعَ غَلاَ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لاَ، وَلَوْ عَلِمتُ لَمْ أَبِعْ. قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ مَالِي، وَخُذْ مَالَكَ. فَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّلاَثِيْنَ الأَلْفَ. قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: مَا هَمَّ رَجُلاً كَسْبُهُ إِلاَّ هَمَّهُ أَيْنَ يَضَعُه؟ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَطْلُبُ بِالعِلْمِ وَجْهَ اللهِ، إِلاَّ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: ثَلاَثَةٌ احْفَظُوهُنَّ عَنِّي: لاَ يَدْخُلْ أَحَدُكُم عَلَى سُلْطَانٍ يَقْرَأُ عَلَيْهِ القُرْآنَ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُم مَعَ امْرَأَةٍ يَقْرَأُ عَلَيْهَا القُرْآنَ، وَلاَ يُمَكِّنْ أَحَدُكُم سَمْعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ. ضَمْرَةُ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ وَابْنَ عَوْنٍ اجْتَمَعَا، فَتَذَاكَرَا الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، فَكِلاَهُمَا قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي مَالِي دِرْهَماً حَلاَلاً. قُلْتُ: وَالظَنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لاَ يَعْرِفَانِ فِي مَالِهِمَا أَيْضاً دِرْهَماً حَرَاماً. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ (1) يَقُوْلُ: خَصْلَتَانِ إِذَا صَلَحَتَا مِنَ العَبْدِ، صَلُحَ مَا سِوَاهُمَا: صَلاَتُه، وَلِسَانُه.   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام " للمؤلف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 وَرَوَى: سَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: رَحِمَ اللهُ (1) الحَسَنَ، إِنِّي لأَحْسِبُ الحَسَنَ تَكَلَّمَ حُسبَةً، رَحِمَ اللهُ مُحَمَّداً، إِنِّي لأَحسِبُه سَكَتَ حُسبَةً. سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ الصَّدُوْقُ المُسْلِمُ، عَنْ خُوَيلٍ -يَعْنِي: خَتَنَ شُعْبَةَ- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ يُوْنُسَ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تَنْهَانَا عَنْ مُجَالَسَةِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُكَ؟! قَالَ: ابْنِي؟! قَالَ: نَعَمْ. فَتَغَيَّظَ الشَّيخُ، فَلَمْ أَبرَحْ حَتَّى جَاءَ ابْنُه، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! قَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي عَمْرٍو، ثُمَّ تَدخُلُ عَلَيْهِ؟! قَالَ: كَانَ مَعِي فُلاَنٌ ... ، وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ. قَالَ: أَنْهَاكَ عَنِ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَشُربِ الخَمْرِ، وَلأَنْ تَلْقَى اللهَ بِهنَّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَلقَاهُ بِرَأْيِ عَمْرٍو، وَأَصْحَابِ عَمْرٍو. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ يُوْنُسُ: إِنِّي لأَعُدُّهَا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ أَنِّي لَمْ أَنْشَأْ بِالكُوْفَةِ. وَقِيْلَ: الْتَقَى يُوْنُسُ وَأَيُّوْبُ، فَلَمَّا تَفَرَّقَا، قَالَ أَيُّوْبُ: قَبَّحَ اللهَ العَيْشَ بَعْدَك. وَقَالَ فُضَيْلُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَرَادَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ أَنْ يُلجِمَ حِمَاراً، فَلَمْ يُحسِنْ، فَقَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ: تَرَى اللهَ كَتَبَ الجِهَادَ عَلَى رَجُلٍ لاَ يُلجِمُ حِمَاراً؟! أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صُدْرَانَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الخَرَّازُ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، وَهُوَ يَرثِي بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ: مِنَ المَوْتِ لاَ ذُوْ الصَّبْرِ يُنْجِيْهِ صَبْرُهُ ... وَلاَ لِجَزُوعٍ كَارهِ المَوْتِ مَجْزَعُ   (1) الزيادة من " تهذيب الكمال ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 أَرَى كُلَّ ذِي نَفْسٍ وَإِنْ طَالَ عُمْرُهَا ... وَعَاشَتْ، لَهَا سُمٌّ مِنَ المَوْتِ مُنْقَعُ فَكُلُّ امْرِئٍ لاَقٍ مِنَ المَوْتِ سَكْرَةً ... لَهُ سَاعَةٌ فِيْهَا يَذِلُّ وَيَضْرَعُ وَإِنَّك مَنْ يُعْجِبْكَ لاَ تَكُ مِثْلَهُ ... إِذَا أَنْتَ لَمْ تَصْنَعْ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ (1) قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: وُلِدَ يُوْنُسُ قَبْلَ طَاعُوْنِ الجَارِفِ. وَقِيْلَ: كَانَ يُوْنُسُ أَسَنَّ مِنْ أَبِي عَوْنٍ بِسَنَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ يُوْنُسُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ فَهْدُ بنُ حَيَّانَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدَ اللهِ ابْنَيْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَابْنَيْ سُلَيْمَانَ يَحْمِلُوْنَ سَرِيْرَ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ عَلَى أَعْنَاقِهِم، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ: هَذَا -وَاللهِ- الشَّرَفُ! قُلْتُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ بَعْدَ أَنْ بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا، قَدْ عَمِلَ مَصَافّاً مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ عَبْدِ اللهِ، وَفَرَّ هُوَ إِلَى عِنْدِ أَخِيْهِ أَمِيْرِ البَصْرَةِ سُلَيْمَانَ، فَأَجَارَهُ مِنَ المَنْصُوْرِ. فَأَمَّا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: فَشَيْخٌ لاَ يُعْرَفُ، مِنْ مَوَالِي ثَقِيْفٍ. لَهُ عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ مِنْ نَمِرَةٍ (2) . لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى أَبِي يَعْقُوْبَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الثَّقَفِيِّ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه.   (1) " حلية الأولياء " 3 / 17 (2) أخرجه أبو داود (2591) ، والترمذي (1680) ، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ص (153) وأحمد 4 / 297 من حديث أبي يعقوب الثقفي، حدثني يونس، عن عبيد مولى محمد بن القاسم، قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله عن راية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربعة، من نمرة " وأبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم. قال ابن عدي: روى عن الثقات ما لا يتابع عليه، وأحاديثه غير محفوظة. وقال العقيلي: في حديثه نظر. ويونس بن عبيد لم يوثقه غير ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل. ومع ذلك فقد حسنه الترمذي. وقال المؤلف، في ترجمة يونس هذا في " ميزانه ": هذا حديث حسن، ونمرة: بردة من صوف أو غيره مخططة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 فَيَظُنُّه مَنْ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ الإِمَامُ البَصْرِيُّ، صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ. وَرَوَى: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ البَرَاءِ: لَهُ فِي أَوَّلِ (غَرِيْبِ أَبِي عُبَيْدٍ) . فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ لاَ يُدْرِكُ البَرَاءَ. فَيَقُوْلُ: مَا المَانَعُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ رَوَى عَنِ البَرَاءِ مُرْسَلاً؟ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَ التَّرجَمَةِ مِنْ مَوَالِي عَبْدِ القَيْسِ، وَالرَّاوِي حَدِيْثَ الرَّايَةِ مِنْ مَوَالِي ثَقِيْفٍ. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ حَدِيْثَ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ الإِمَامِ، وَقَرَأْتُ مِنْ ذَلِكَ الجُزْءَ الأَوَّلَ وَالثَّانِي عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوْبَةَ بِحَرَّانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، عَنِ الأَشْعَثِ بن ثُرْمُلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهِداً بِغَيْرِ حِلِّهِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ أَنْ يَجِدَ رِيْحَهَا (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ. 125 - زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، د، س، ق) أَبُو عُمَرَ - وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو - القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ.   (1) أخرجه النسائي 8 / 25 في القسامة، باب تعظيم قتل المعاهد وهو في " المسند 5 / 38 و52 وأخرجه من غير هذا الطريق عن أبي بكرة: أحمد 5 / 36، 46، 50، وأبو داود (2760) والدارمي 2 / 235 - 236 وإسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 2 / 142. وأخرجه البخاري (3166) في الجزية و (6914) في الديات، وابن ماجه (2686) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه الترمذي (1403) ، وابن ماجه (2687) من حديث أبي هريرة. (*) تاريخ البخاري 3 / 407، الجرح والتعديل 3 / 574، مشاهير علماء الأمصار = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 حَدَّثَ عَنْ: جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَكَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَحِزَامِ بنِ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَبُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، وَصَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّمِيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدَرِيٌّ، وَلَمْ يَصِحَّ. رَوَى: الوَلِيْدُ، عَنْهُ، قَالَ: أَنَا رَأَيْتُ الرَّأسَ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ رَأْسُ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- طَرِيٌّ، كَأَنَّمَا قُتِلَ السَّاعَةَ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ يُقَالَ لَهُ: الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكتُ أَقْوَاماً، لَوْ رَأَوْا خِيَارَكُم، لَقَالُوا: مَا لَهُم مِنْ خَلاَقٍ، وَلَوْ رَأَوْا شِرَارَكُم، لَقَالُوا: أَمَا يُؤْمِنُ هَؤُلاَءِ بِيَوْمِ الحِسَابِ؟! 126 - يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي النِّجَادِ مُشْكَانَ الأَيْلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يَزِيْدَ الأَيْلِيُّ، مَوْلَى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيِّ، وَهُوَ أَخُو أَبِي عَلِيٍّ، وَعمُّ عَنْبَسَةَ بنِ خَالِدٍ.   = (179) ، تهذيب الكمال (406) ، ميزان الاعتدال 2 / 106، تهذيب التهذيب 3 / 426 - 427، خلاصة تهذيب الكمال (129) ، شذرات الذهب 1 / 207. (*) طبقات خليفة (296) ، تاريخ البخاري 8 / 406، التاريخ الصغير 2 / 133، الجرح والتعديل 9 / 247 - 248، مشاهير علماء الأمصار (183) ، الكامل في التاريخ 5 / 608، تهذيب الكمال (1571) ، تذهيب التهذيب 4 / 196 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 162، ميزان الاعتدال 4 / 484، تهذيب التهذيب 11 / 450 - 452، خلاصة تذهيب الكمال (441) ، شذرات الذهب 1 / 233. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ شِهَابٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالقَاسِمِ، وَعِكْرِمَةَ. وَعَنْ: أَخِيْهِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَشَبِيْبُ بنُ سَعِيْدٍ الحَبَطِيُّ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مَبْرُوْرٍ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ، وَأَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَنْبَسَةُ بنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَصَحِبَ الزُّهْرِيَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - وَقِيْلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِه. وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: كِتَابُه صَحِيْحٌ. وَكَذَا قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ. وَرَوَى: عَبْدَانُ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِنِّي إِذَا نَظَرتُ فِي حَدِيْثِ مَعْمَرٍ وَيُوْنُسَ يُعجِبُنِي، كَأَنَّمَا خَرَجَا مِنْ مِشكَاةٍ وَاحِدَةٍ. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ أَنَّ يُوْنُسَ أَحْفَظُ لِلْمُسْنَدِ. وَفِي لَفظٍ: إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ الكُتُبَ عَلَى الوَجْهِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ وَكِيْعٌ: رَأَيْتُ يُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَكَانَ سَيِّئَ الحِفْظِ. قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعَ وَكِيْعٌ مِنْهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ هُنَاكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 شَيْءٍ. قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: فَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ رَوَى إِبْرَاهِيْمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ؟ إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِلَّةِ رِوَايَتِه أَقَلُّ خَطَأً مِنْ يُوْنُسَ. قَالَ: وَرَأَيْتُه يَحْمِلُ عَلَى يُوْنُسَ. قَالَ الأَثْرَمُ: أَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى يُوْنُسَ، فَقَالَ: كَانَ يَجِيْءُ عَنْ سَعِيْدٍ بِأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِ سَعِيْدٍ. وَضَعَّفَ أَمرَ يُوْنُسَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الحَدِيْثَ. وَكَانَ يَكْتُبُ (أُرَى) أَوَّلَ الكِتَابِ، فَيَنْقَطِعُ الكَلاَمُ، فَيَكُوْنُ أَوَّلُه عَنْ سَعِيْدٍ، وَبَعْضُه عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَيَشتَبِهُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَيُوْنُسُ يَرْوِي أَحَادِيْثَ مِنْ رَأْيِ الزُّهْرِيِّ، يَجْعَلُهَا عَنْ سَعِيْدٍ، يُوْنُسُ كَثِيْرُ الخَطَأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعُقَيْلٌ أَقَلُّ خَطَأً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: فِي حَدِيْثِ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ مُنْكَرَاتٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِنْهَا: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: (فِيْمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ (1)) . وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَى يُوْنُسُ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: يُوْنُسُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ عُقَيْلٍ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. وَرَوَى:   (1) أخرجه البخاري 3 / 274 - 276، في الزكاة، باب: العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري، بلفظ: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا، العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر " وأخرجه أبو داود (1596) في الزكاة، باب: صدقة الزرع، والترمذي (640) في الزكاة، باب: فيما يسقى بالانهار وغيره، والنسائي 5 / 41 في الزكاة، باب: ما يوجب العشر، وما يوجب نصف العشر، وابن ماجه (1817) في الزكاة، باب: صدقة الزروع والثمار. وفي الباب عن بسر ابن سعيد عند مالك في " الموطأ " وعن جابر عند مسلم (981) وأحمد 3 / 331، 353، وعن علي عند أحمد 1 / 145، وعن معاذ بن جبل، عند الدارمي 1 / 393. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ، وَعُقَيْلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: يُوْنُسُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ عُقَيْلٌ؟ فَقَالَ: يُوْنُسُ ثِقَةٌ، وَعُقَيْلٌ ثِقَةٌ، نَبِيْلُ الحَدِيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ: عَالِمَانِ بِالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، ثُمَّ مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ مِنْ كِتَابِه. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ: نَحْنُ لاَ نُقَدِّمُ عَلَى يُوْنُسَ فِي الزُّهْرِيِّ أَحَداً، كَانَ الزُّهْرِيُّ يَنْزِلُ إِذَا قَدِمَ أَيْلَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَارَ إِلَى المَدِيْنَةِ، زَامَلَه يُوْنُسُ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: يُوْنُسُ عَارِفٌ بِرَأْيِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، عَالِمٌ بِالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حُلوُ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُه، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، رُبَّمَا جَاءَ بِالشَّيءِ المُنْكَرِ. قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ أَصلاً وَتَبَعاً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رُبَّمَا جَاءَ بِالشَّيءِ المُنْكَرِ. قُلْتُ: لَيْسَ ذَاكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الحُفَّاظِ مُنْكَراً (1) ، بَلْ غَرِيْبٌ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: سَأَلْتُ القَاسِمَ وَسَالِماً زَعَمُوا أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِصَعِيْدِ مِصْرَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَالمُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ.   (1) في الأصل " منكر ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوْبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِيْنَ مَرَّةً) (1) . 127 - عُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ الأَيْلِيُّ * (ع) ابْن عَقِيلٍ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ شِهَابٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - وَعَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ (2) ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِيْهِ؛ خَالِدِ بنِ عَقِيْلٍ (3) ، وَعَمِّهِ؛ زِيَادِ بنِ عَقِيْلٍ (4) ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ رَفِيْقُهُ،   (1) وأخرجه البخاري (6307) في الدعوات، باب: استغفار النبي في اليوم والليلة، والترمذي (3255) في التفسير، باب: ومن سورة محمد، صلى الله عليه وسلم من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. (*) طبقات خليفة (295) ، التاريخ الصغير 2 / 98، 99، مشاهير علماء الأمصار (183) ، الكامل في التاريخ 5 / 528، تهذب الكمال (950) ، تذهيب التهذيب 3 / 48 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 89، تهذيب التهذيب 7 / 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال (306) ، شذرات الذهب 1 / 216. (2) في الأصل: " عمر وشعيب " والصحيح ما أثبتناه. (3 و4) زيادات من تهذيب الكمال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَجَّاجُ بنُ فُرَافِصَةَ، وَجَابِرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَضْرَمِيُّ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلْمَانَ الحَجْرِيُّ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُقَيْلٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يُوْنُسَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ لإِسْحَاقَ، وَإِسْحَاقُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ كِتَابَ الجِهَادِ: عُقَيْلٌ أَثْبَتُ عِنْدَكم أَوْ يُوْنُسُ؟ قَالَ إِسْحَاقُ: عُقَيْلٌ حَافِظٌ، وَيُوْنُسُ صَاحِبُ كِتَابٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُقَيْلٌ بِأَيْلَةَ، وَكَانَ ثِقَةً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ عُقَيْلٍ وَمَعْمَرٍ، فَقَالَ: عُقَيْلٌ أَثْبَتُ، كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَكُوْنَ بِأَيْلَةَ، وَلِلزُّهْرِيِّ هُنَاكَ ضَيعَةٌ، فَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ هُنَاكَ. عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ، وَعُقَيْلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: قَالَ المَاجَشُوْنُ: كَانَ عُقَيْلٌ شُرَطِيّاً عِنْدَنَا بِالمَدِيْنَةِ، وَمَاتَ بِمِصْرَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ. وَرَوَى: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، عَنْ خَالِهِ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: مَاتَ سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بِالفُسْطَاطِ فَجَأَةً، بِالمَغَافِيرِ (1) ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (2) . أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً وَأَنَا حَاضِرٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ المُسْلِمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُطبقِيِّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ   (1) ما يسيل من شجر العرفط، والعسل الابيض، وهو شراب حلو تنقبض منه الشفاه، وربما عنى المصنف: أنه مات مسموما به. (2) كتب على الأصل، إلى جانب اسم " عقيل " ما نصه: سعيد بن هلال كتب بعد عقيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 بنُ عُزَيْزٍ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيْرٍ (1) . وَبِالإِسْنَادِ: تُوُفِّيَ الحُسَيْنُ (2) لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَاجِّ الإِشْبِيْلِيُّ الشَّاهِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السِّنْدِيِّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ بِأَيْلَةَ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ أَهْلِ الجَنَّةِ البُلْهُ) (3) . 128 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ اللَّيْثِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَلاَءِ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ.   (1) سلامة بن روح ضعيف، لكن الحديث صحيح من طريق آخر، فقد أخرجه البخاري 3 / 291، ومسلم (984) ، وأبو داود (1611) ، والنسائي 5 / 47، والترمذي (676) ، كلهم من طريق: نافع عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والانثى، والكبير والصغير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ". (2) يريد الحسين بن محمد ابن المطبقي، أحد رجال السند وقد أرخ المؤلف وفاته في " العبر " 2 / 212 فيمن مات سنة 328، وانظر ترجمته، في " تاريخ بغداد " 8 / 97. (3) إسناده ضعيف لضعف سلامة بن روح. قال أبو زرعة: ضعيف منكر الحديث. وقال أبو حاتم: سلامة بن روح ليس بالقوي، محله عندي محل الغفلة. وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 121، والبزار، والديلمي في " مسنديهما " والبيهقي في " الشعب " والخلعي في " فوائده " كلهم من حديث سلامة بن روح، عن عقيل بن خالد به. ولو سلمنا بصحته فإن معناه كما نقل أبو جعفر الطحاوي، عن أحمد بن أبي عمر: أنهم البله عن محارم الله سبحانه وتعالى لا من سواهم ممن به نقص العقل بالبله. (*) تاريخ البخاري 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 71، مشاهير علماء الأمصار 190، = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 رَوَى عَنْ: نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَقَتَادَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَنَافِعٍ، وَابْنِ شِهَابٍ. وَأَرْسَلَ عَنْ: جَابِرٍ، وَغَيْرِه. حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. مَوْلِدُه: سَنَة سَبْعِيْنَ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَشَأَ بِالمَدِيْنَةِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، أَحَدُ شُيُوْخِهِ. 129 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العَدَوِيُّ * (ع) ابنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، أَبُو عُثْمَانَ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، ثُمَّ العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ، أَوْ نَحْوِهَا. وَلَحِقَ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ الصَّحَابِيَّةَ، وَسَمِعَ مِنْهَا، فَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالقَاسِمِ بنِ   = تهذيب الكمال: 510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 162، خلاصة تذهيب الكمال 143، شذرات الذهب 1 / 192. (*) طبقات خليفة (268) ، تاريخ البخاري 5 / 395، التاريخ الصغير 1 / 322، الجرح والتعديل 5 / 326، ثقات ابن حبان 3 / 146، مشاهير علماء الأمصار 132، الكامل في التاريخ 5 / 374، تهذيب الكمال (887 - 888) ، تذهيب التهذيب 3 / 19 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 160 - 161، تهذيب التهذيب 7 / 38، طبقات الحفاظ (70) ، خلاصة تذهيب الكمال 252، شذرات الذهب 1 / 219. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَخَالِهِ؛ حَبِيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَوَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَسُمَيٍّ، وَسُهَيْلٍ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَزَائِدَةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ: مَالِكٍ، وَأَيُّوْبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، أَيُّهُم أَثْبَتُ فِي نَافِعٍ؟ قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ أَثبتُهم، وَأَحْفَظُهم، وَأَكْثَرُهم رِوَايَةً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عُبَيْدُ اللهِ مِنَ الثِّقَاتِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ عُبَيْدُ اللهِ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا، وَلَمْ يُفضِّلْ. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الطّيَالِسِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: الذَّهَبُ المُشَبَّكُ بِالدُّرِّ (1) . قُلْتُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؟ فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ:   (1) جاء في هامش الأصل ما نصه: يعني هذا الإسناد المشبك. (2) الهسنجاني: نسبة إلى قرية من قرى الري، يقال لها: حسنكان، فعرب، فقيل: هسنجان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 عُبَيْدُ اللهِ فِي نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. قُلْتُ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُقَدِّمُ قُرَيْشاً عَلَى النَّاسِ وَعَلَى مَوَالِيْهِم. فَقَالَ قَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، وَمَعَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، فَأَخَذَ الكِتَابَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَرَأَ. فَقَالَ: انْتسِبْ. قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارٍ. قَالَ: ضَعِ الكِتَابَ مِنْ يَدِكَ. قَالَ: فَأَخَذَه مَالِكٌ، فَقَالَ: انْتسِبْ. قَالَ: أَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ الأَصْبَحِيُّ. فَقَالَ: ضَعِ الكِتَابَ. فَأَخَذَه عُبَيْدُ اللهِ، فَقَالَ: انْتسِبْ. قَالَ: أَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. قَالَ: اقْرَأْ. فَجَمِيْعُ مَا سَمِعَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَوْمَئِذٍ بقِرَاءةِ عُبَيْدِ اللهِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا نَشَأتُ، فَأَردتُ أَنْ أَطْلُبَ العِلْمَ، فَجَعَلتُ آتِي أَشْيَاخَ آلِ عُمَر رَجُلاً رَجُلاً، فَأَقُوْلُ: مَا سَمِعْتَ مِنْ سَالِمٍ؟ فَكُلَّمَا أَتَيْتُ رَجُلاً مِنْهُم، قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ شِهَابٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَلْزَمُه. قَالَ: وَابْنُ شِهَابٍ بِالشَّامِ حِيْنَئِذٍ، فَلَزِمتُ نَافِعاً، فَجَعَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ خَيْراً كَثِيْراً. وَرُوِيَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الكُوْفَةَ؛ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: شِنْتُمُ العِلْمَ، وَأَذْهَبتُم نُوْرَه، لَوْ أَدْرَكَنَا عُمَرُ وَإِيَّاكُم أَوْجَعَنَا ضَرباً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَأَشرَافِ قُرَيْشٍ فَضْلاً، وَعِلماً، وَعِبَادَةً، وَشَرفاً، وَحِفظاً، وَاتِّفَاقاً. قُلْتُ: كَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ يَهَابُه، وَيُجِلُّه، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الرِّوَايَةِ مَعَ وُجُوْدِ عُبَيْدِ اللهِ، فَمَا حَدَّثَ حَتَّى تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللهِ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، أَوْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ مَرَّاتٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءةً وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ العَلاَء بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ نُوْحٍ الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفَرَسٍ، فَقَالَ: (احْمِلْ عَلَى هَذَا فِي سَبِيْلِ اللهِ) . ثُمَّ رَآهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَامُ فِي السُّوْقِ، فَأَخبرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْتَرِيه يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ فَقَالَ: (لاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَرْجِعْ فِي هِبَتِكَ (1)) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الآنمِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الجَمَّالُ (ح) . وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مَسْعُوْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ آطَامِ المَدِيْنَةِ أَنْ تُهدَمَ (2) . قِيْلَ: إِنَّ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ يَبلُغُ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَأَظُنُّه أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. 130 - يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ السَّكُوْنِيُّ * (ق) ابنِ أَبِي المُهَاجِرِ، مِنْ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ.   (1) وأخرجه مسلم 3 / 1240 من طرق: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه البخاري 3 / 279 و5 / 279، ومسلم (1620) عن زيد ابن أسلم، عن أبيه، عن عمر. وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه مسلم (1621) عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وأخرجه البخاري 3 / 279 من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر عن عمر. وأخرجه عبد الرزاق (16572) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر. (2) خبر باطل، آفته: أحمد بن جعفر السمسار. قال المؤلف في " الميزان " ذكر ابن طاهر أنه مشهور بالوضع، ثم قال: وأظنه الذي بعده. قال ابن الفرات الحافظ: ليس بثقة. (*) تاريخ البخاري 8 / 348، الجرج والتعديل 9 / 279، تهذيب الكمال 1538، = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُسْلِمِ بنِ مِشْكَمٍ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعُثْمَانُ بنُ حِصْنٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ شَابُوْرٍ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ وَصفَ اللهُ نَفْسَه، فَلْيَقرَأِ شَيْئاً مِنْ أَوَّلِ الحَدِيْدِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي جَوَابِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ: صَدُوْقٌ، مَا بِهِ بَأْسٌ. 131 - أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ الرَّبَعِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو سَعْدٍ. وَقِيْلَ: أَبُو أُمَيَّةَ الرَّبَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيْمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَهُوَ مِنْ أَسْنَانِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، لَمْ يُعدَّ فِي التَّابِعِيْنَ، لَكِنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ. أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ: طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَتَلقَّى الحِفظَ مِنَ الأَعْمَشِ. حَدَّثَ عَنْهُ عَددٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: إِدْرِيْسُ بنُ يَزِيْدَ الأَوْدِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ الأَوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَتَلاَ عَلَيْهِ. وَهُوَ صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ، عَالِمٌ كَبِيْرٌ، وَبِدعتُه خَفِيْفَةٌ، لاَ يَتعرَّضُ لِلْكبَارِ، وَحَدِيْثُه يَكُوْنُ نَحْوُ المائَةِ، لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بنِ   = تذهيب التهذيب 4 / 178 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 433. (*) طبقات خليفة (166) ، تاريخ البخاري 1 / 453، الجرح والتعديل 2 / 396 - 397، مشاهير علماء الأمصار (164) ، الكامل في التاريخ 5 / 508، تهذيب الكمال (48) ، تذهيب التهذيب 1 / 30 / 2، الوافي بالوفيات 5 / 300، تهذيب التهذيب 1 / 93، خلاصة تذهيب الكمال 14 - 15. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 سَعِيْدٍ، وَالسَّيِّدُ الحُسَيْنُ بنُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ، وَوَالِدُ جُوَيْرِيَةَ أَسْمَاءُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ صَاحِبُ (المَغَازِي) ، وَالقَاسِمُ بنُ الوَلِيْدِ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ، وَعُثْمَانُ البَتِّيُّ الفَقِيْهُ، وَعَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلُ - باخْتِلاَفٍ فِيْهِمَا - وَأمِيْرُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ: مُوْسَى بنُ كَعْبٍ التَّمِيْمِيُّ. 132 - أَيْمَنُ بنُ نَابِلٍ أَبُو عِمْرَانَ الحَبَشِيُّ * (خَ، ت، س، ق) المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عِمْرَانَ الحَبَشِيُّ، المَكِّيُّ، الضَّرِيْرُ، الطَّوِيْلُ، مِنْ مَوَالِي آلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْ: قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ مَا (1) - وَعَنْ: طَاوُوْسٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ حَسنَ الرَّأيِ فِيْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفردَ.   (*) طبقات خليفة، (283) ، تاريخ البخاري: 2 / 27، الجرح والتعديل 2 / 319، كتاب المجروحين 1 / 183، تهذيب الكمال 135، تذهيب التهذيب 1 / 76 /، ميزان الاعتدال 1 / 283 - 284، العقد الثمين: 3 / 344، تهذيب التهذيب 1 / 393، خلاصة تذهيب الكمال 42. (1) روى عنه أيمن بن نابل حديثه الذي قال فيه: " رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يرمي الجمار على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك " وهو حديث حسن أخرجه أحمد 3 / 413، والترمذي (903) ، والنسائي 5 / 270، وابن ماجه (3035) ، وصححه الحاكم 1 / 466 ووافقه الذهبي في مختصره. قال الطيبي: أي ما كانوا يضربون الناس ولا يطردونهم، ولا يقولون: تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك والجبابرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 قُلْتُ: وَكَانَ مِنَ العبَادِ الأَخْيَارِ. قُلْتُ: لاَ يُعْرَفُ قُدَامَةُ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ أَيْمَنَ، إِلاَّ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوْبَ بنِ مُحَمَّدٍ (1) ، حَدَّثَنَا عُرَيْفُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ كِلاَبٍ، سَمِعْتُ عَمِّي قُدَامَةَ الكِلاَبِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخطُبُ بِعَرَفَةَ (2) . 133 - ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ * (4) ابنُ أَبِي لَيْلَى، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَقَاضِيهَا، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ. وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهَذَا صَبِيٌّ، لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَبِيْهِ شَيْئاً، بَلْ أَخَذَ عَنْ أَخِيْهِ عِيْسَى، عَنْ أَبِيْهِ. وَأَخَذَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ   (1) أي أن قدامة يعرف من جهة أيمن، ومن جهة حميد بن كلاب. (2) إسناده ضعيف. يعقوب بن محمد هو ابن عيسى الزهري المدني، كثير الوهم، يروي عن الضعفاء. قال أبو زرعة: ليس بشيء، يقارب الواقدي. وعريف بن إبراهيم مجهول، وكذا حميد بن كلاب. وقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة في ترجمة قدامة بن عبد الله ت 7078 عن اليعقوبي وقال: وفيه تعقب على قول مسلم، والحاكم، والاسدي، وغيرهم، أن أيمن تفرد بالرواية عن قتادة. (*) طبقات ابن سعد 6 / 358، طبقات خليفة (167) ، تاريخ البخاري 1 / 162، التاريخ الصغير 2 / 91، المعارف (494) ، الجرح والتعديل 7 / 322 - 323، كتاب المجروحين. 2 / 243، الفهرست 202، طبقات الشيرازي 84، الكامل في التاريخ 5 / 249 و589، وفيات الأعيان 4 / 179 - 181، تهذيب الكمال (1230 - 1231) ، تذهيب التهذيب 3 / 224 / 1 - 2، تاريخ الإسلام 6 / 123، ميزان الاعتدال 3 / 613 - 616، الوافي بالوفيات 3 / 221، غاية النهاية 2 / 165، تهذيب التهذيب 9 / 301 - 303، خلاصة تذهيب الكمال 348، طبقات المفسرين 1 / 269. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 عُتَيْبَةَ، وَحُمَيْضَةَ بنِ الشَّمَرْدَلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَجْلَحَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ الأَمِيْرِ، وَابْنِ أَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى، وَغَيْرِهم. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ. كَانَ فِيْمَا يَحْفَظُ كِتَابَ اللهِ، تَلاَ عَلَى: أَخِيْهِ عِيْسَى. وَعَرضَ عَلَى: الشَّعْبِيِّ، عَنْ تِلاَوَتِهِ عَلَى عَلْقَمَةَ، وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: المِنْهَالِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. رَوَى عَنْهُ أَيْضاً: أَحْوَصُ بنُ جَوَّابٍ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ الرَّازِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَعِيْسَى بنُ المُخْتَارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ نَظِيْراً لِلإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ سَيِّئَ الحِفظِ، مُضْطَرِبَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ فِقهُهُ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حَدِيْثِهِ. وَقَالَ أَيْضاً: هُوَ فِي عَطَاءٍ أَكْثَرُ خَطَأً. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ بِذَاكَ. أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسوأَ حِفْظاً مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَفَادنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَحَادِيْثَ؛ فَإِذَا هِيَ مَقْلُوْبَةٌ. وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: كَانَ زَائِدَةُ لاَ يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، كَانَ قَدْ تَرَكَ حَدِيْثَه. وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: ذَكرَ زَائِدَةُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَقَالَ: كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَرَوَى: ابْنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، صَدُوقاً، جَائِزَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، عَالِماً بِهِ. قَرَأَ عَلَيْهِ: حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّا تَعَلَّمْنَا جُوْدَةَ القِرَاءةِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَكَانَ مِنْ أَحسَبِ النَّاسِ، وَمِنْ أَنقَطِ النَّاسِ لِلْمُصْحَفِ، وَأَخَطِّهِ بِقَلَمٍ، وَكَانَ جَمِيْلاً، نَبِيْلاً. وَأَوَّلُ مَنِ اسْتقْضَاهُ عَلَى الكُوْفَةِ: الأَمِيْرُ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، عَامِلُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَانَ يَرْزُقُه فِي كُلِّ شَهْرٍ مائَةَ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ بِأَقوَى مَا يَكُوْنُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَكَانَ سَيِّئَ الحِفظِ، شُغلَ بِالقَضَاءِ، فَسَاءَ حِفْظُه، لاَ يُتَّهَمُ، إِنَّمَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الخطَأِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، هُوَ وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ مَا أَقْرَبَهُمَا! وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَدِيْءُ الحِفْظِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مَقْلُوْبَةٌ. ابْنُ خِرَاشٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ الصَّلْتِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لاَ يُجِيْزُ قَوْلَ مَنْ لاَ يَشْرَبُ النَّبِيْذَ (1) . قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ،   (1) معظم الكوفيين، ومنهم ابن أبي ليلى، يقولون بحلية نبيذ الحنطة، والتين، والشعير، والذرة، والعسل نقيعها ومطبوخها، وإنما يحرم عندهم المسكر منه، ويحد فيه إذا شرب الكثير فأسكره. وهو قول مجانب للصواب، مباين لما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث الصحيحة في هذا الباب. فقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " أخرجه أبو داود (3681) ، والترمذي (1866) ، وابن ماجه (3391) وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385) ، وأخرج البخاري 8 / 50، ومسلم 3 / 1586، رقم الحديث (70) من حديث عائشة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " كل شراب أسكر فهو حرام " وفي " الموطأ " 2 / 845، والبخاري 10 / 35، ومسلم (2001) عنها رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام " والبتع: نبيذ العسل. = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 وَعَكسُهُ أَوْلَى. وَقَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: مَا وَلِيَ القَضَاءَ أَحَدٌ أَفْقَهُ فِي دِيْنِ اللهِ، وَلاَ أَقرَأُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلاَ أَقْوَلُ حَقّاً بِاللهِ، وَلاَ أَعفُّ عَنِ الأَمْوَالِ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قُلْتُ: فَابْنُ شُبْرُمَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ مِكثَارٌ. قَالَ بِشْرٌ: وَوَلِيَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القَضَاءَ مِنْ غَيْرِ مَشُوْرَةِ أَبِي يُوْسُفَ، فَاشْتدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي وَلِحَسَنٍ اللُّؤْلُؤِيِّ: تَتَبَّعَا قَضَايَاهُ. فَتتبَّعْنَا قَضَايَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيْهَا، قَالَ: هَذَا مِنْ قَضَاءِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. ثُمَّ قَالَ: تَتبَّعُوا الشُّروطَ وَالسِّجلاَّتِ. فَفَعَلْنَا، فَلَمَّا نَظَرَ فِيْهَا، قَالَ: حَفْصٌ وَنُظرَاؤُهُ يُعَانُوْنَ بِقِيَامِ اللَّيلِ.   = وروى البخاري 10 / 39 عن ابن عمر قال: خطب عمر رضى الله عنه، على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل. والخمر ما خامر العقل " ففي هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان قول من زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب أو الرطب النئ الشديد منه، وعلى فساد قول من زعم ألا خمر إلا من العنب، أو الزبيب أو الرطب، أو التمر. بل كل مسكر خمر، وأن الخمر ما يخامر العقل. وتخصيص الاشياء الخمسة الواردة في أثر عمر بالذكر ليس لان الخمر لا تكون إلا منها، بل كل ما كان في معناها: من ذرة وسلت وغيرهما فحكمه حكمها. وتخصيصها بالذكر لكونها معهودة في ذلك الزمان. وفي قوله " ما أسكر كثيره فقليله حرام " دليل على أن التحريم في جنس المسكر، ولا يتوقف على السكر، بل الشربة الأولى منه، في التحريم ولزوم الحد مثل الشربة الأخيرة التي يحصل منها السكر، لان جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء. وفي " الموطأ " 2 / 842 بسند صحيح عن السائب بن يزيد، أن عمر قال: إنى وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عم شرب، فإن كان يكسر جلدته، فجلده الحد تاما. وقال علي رضي الله عنه: لا أوتى بأحد شرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد. وأما النبيذ المباح، الذي ورد في الحديث الصحيح، فهو أن ينقع في الماء تمرات من الليل، ثم يشرب في الصباح، وسمي نبيذا لأنه ينبذ في الاناء: أي يطرح فيه. فالنبيذ المباح هو النقيع ما لم يشتد، فإذا اشتد وغلا حرم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ، فَجَعَلَ يَسْأَلُنِي، فَكَأَنَّ أَصْحَابَه أَنْكَرُوا، وَقَالُوا: تَسْأَلُهُ؟! قَالَ: وَمَا تُنكِرُوْنَ؟ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: وَكَانَ عَطَاءٌ عَالِماً بِالحجِّ. رَوَى: الخُرَيْبِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ سَافِرِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ مَنْصُوْراً: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ الكُوْفَةِ؟ قَالَ: قَاضِيهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَدِيْءَ الحِفْظِ، فَاحشَ الخَطَأِ، فَكَثُرَ فِي حَدِيْثِهِ المَنَاكِيْرُ، فَاسْتحقَّ التَّرْكَ. تَرَكَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى. قُلْتُ: لَمْ نَرَهُمَا تَرَكَاهُ، بَلْ لَيَّنَا حَدِيْثَه. وَقَدْ قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مِنْ جَلاَلَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَشْرَةِ شُيُوْخٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى المُحَارِبِيُّ: طَرحَ زَائِدَةُ حَدِيْثَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَفْقَهَ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَقَالَ عَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُوْلُ: مَا أَقْرعَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا لَمْ يُقْرِعْ فِيْهِ، فَهُوَ قِمَارٌ. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: فُقهَاؤُنَا: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّارُ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَرْبِيُّ، أَنْبَأَنَا مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ عُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيْحَةَ الغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَشرُ آيَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسفٌ بِجَزِيْرَةِ العَرَبِ، وَالدَّابَّةُ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَالُ، وَابْنُ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوْجُ وَمَأْجُوْجُ، وَرِيْحٌ تَسْفِيْهِم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 تَطرحُهُم فِي البَحْرِ، وَطُلُوْعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا) . هَذَا غَرِيْبٌ. وَأَصلُ الحَدِيْثِ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيْحَةَ. أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، قُلتَ: نَذِيْرُ قَوْمٍ أُهْلِكُوا، أَوْ صَبَّحَهُمُ العَذَابُ بُكْرَةً، فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَطْيَبُ النَّاسِ نَفْساً، وَأَطْلَقُهُم وَجْهاً، وَأَكْثَرُهُم ضَحِكاً -أَوْ قَالَ: تَبَسُّماً-. هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. ابْنُ حِبَّانَ (2) ، قَالَ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ، قَالَ: كَانَ أَذَانُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَفْعاً شَفْعاً، وَإِقَامَتُه شَفعاً شَفعاً. رَوَاهُ: حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ، لاَ أَصلَ لِرَفْعِهِ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي ظَبْيَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (إِذَا ضَحِكَ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ، فَعَلَيْهِ الوُضُوْءُ وَالصَّلاَةُ، وَإِذَا تَبَسَّمَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (3)) . قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَرَسْتَانِيُّ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا ابْنُ   (1) رقم (2901) (40) في الفتن، باب: ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال. وأخرجه أبو داود (4311) في الملاحم، باب: أمارات الساعة، والترمذي (2184) في الفتن، باب: ما جاء في الخسف. (2) في " المجروحين " 2 / 245 والزيادة منه. (3) كتاب المجروجين 2 / 245، وقد تصحف فيه: ابن أبي ظبية إلى " أبي طيبة ". وانظر نصب الراية 1 / 49. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى الرَّقِّيُّ بِعَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي تَطَوُّعاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنَ النَّارِ) (1) . 134 - كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ الحَنَفِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ، مِنْ كِبَارِ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي السَّلِيْلِ (2) ضُرَيْبِ بنِ نُقَيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكرَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَزِيَادَةٌ. أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَ   (1) يوسف بن بحر ضعيف. ضعفه الدارقطني، وقال الحاكم في " الكنى ": ليس حديثه بالمتين. وقال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، روى عن الثقات مناكير. (*) طبقات خليفة (221) ، تاريخ البخاري: 7 / 239، التاريخ الصغير 2 / 318، الجرح والتعديل 7 / 170 - 171، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان الاعتدال 3 / 415 - 419، تهذيب التهذيب 8 / 540، خلاصة تذهيب الكمال 322، شذرات الذهب 1 / 225. (2) في الأصل " السبيل " والتصحيح من الخلاصة والتقريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 كَهْمَسٌ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ، فَإِذَا مَلَّ، قَالَ: قُوْمِي يَا مَأْوَى كُلِّ سُوءٍ، فَوَاللهِ مَا رَضيْتُكِ للهِ سَاعَةً. وَقِيْلَ: إِنَّ كَهْمَساً سَقطَ مِنْهُ دِيْنَارٌ، فَفتَّشَ، فَلَقِيَهُ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ غَيرُهُ. وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- بَرّاً بِأُمِّهِ، فَلَمَّا مَاتتْ حَجَّ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِي الجَصِّ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ. قَالَ يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ البَصْرِيُّ: اشْتَرَى كَهْمَسٌ دَقِيْقاً بِدِرْهَمٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ كَالَه، فَإِذَا هُوَ كَمَا وَضَعَهُ. تُوُفِّيَ: كَهْمَسٌ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ حَملَةِ الحُجَّةِ. قَالَ أَبُو عَطَاءٍ الرَّمْلِيُّ: كَانَ كَهْمَسٌ يَقُوْلُ فِي اللَّيْلِ: أَتُرَاكَ مُعذِّبِي، وَأَنْتَ قُرَّةُ عَيْنِي، يَا حَبِيْبَ قَلْبَاهُ!. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ عَقربٍ، فَدَخَلتْ فِي جُحْرٍ، فَأَدخلَ أَصَابِعَهُ خَلْفَهَا، فَضَرَبتْهُ. فَقِيْلَ لَهُ، قَالَ: خِفتُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَجِيْءَ إِلَى أُمِّي تَلدَغُهَا. 135 - مُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ القُرَشِيُّ المَدَنِيُّ * (خت، م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الصَّادِقُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ، وَكَانَ عَجْلاَنُ مَوْلَى لِفَاطِمَةَ بِنْتِ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَبِي حَازِمٍ سَلْمَانَ الأَشْجَعِيِّ - وَهُوَ أَقدمُ شَيْخٍ لَهُ - وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَنَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ   (*) طبقات خليفة: (270) ، تاريخ البخاري 1 / 196، التاريخ الصغير 1 / 219، الجرح والتعديل 8 / 49، مشاهير علماء الأمصار (140) ، الكامل في التاريخ 5 / 552، 589، تهذيب الكمال (1241 - 1242) ، تذهيب التهذيب 3 / 131 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 644 - 647، الوافي بالوفيات: 4 / 92، تهذيب التهذيب 9 / 341 - 342، خلاصة تذهيب الكمال (351) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، وَصَيْفِيٍّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَالقَعْقَاعِ بنِ حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ إِنْ صَحَّ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - وَمَاتَ قَبْلَه بِدَهْرٍ - وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ كَذَلِكَ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ المَكِّيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَصَفْوَانُ بنُ عِيْسَى، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ فَقِيْهاً، مُفْتِياً، عَابِداً، صَدُوقاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، لَهُ حَلْقَةٌ كَبِيْرَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ خَرَجَ عَلَى المَنْصُوْرِ مَعَ ابْنِ حَسَنٍ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ حَسَنٍ همَّ وَالِي المَدِيْنَةِ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أَنْ يَجلِدَه. فَقَالُوا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، لَوْ رَأَيْتَ الحَسَنَ البَصْرِيَّ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا، أَكُنْتَ تَضرِبُه؟ قَالَ: لاَ. قِيْلَ: فَابْنُ عَجْلاَنَ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، كَالحَسَنِ فِي أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ همَّ بِقَطعِ يَدِه، حَتَّى كَلَّمُوْهُ، وَازدحمَ عَلَى بَابِه النَّاسُ. قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ. رَوَى: عَبَّاسُ بنُ نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عِيْسَى، قَالَ: مَكَثَ ابْنُ عَجْلاَنَ فِي بَطْنِ أَمِّهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ، فَشُقَّ بَطْنُهَا، فَأُخرِجَ مِنْهُ، وَقَدْ نَبتَتْ أَسْنَانُه. رَوَاهَا: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الغَافِقِيُّ، عَنْ عَبَّاسٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: إِنِّي حُدِّثْتُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لاَ تَحْمِلُ المَرْأَةُ فَوْقَ سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ مِغزلٍ. فَقَالَ: مَنْ يَقُوْل هَذَا؟ هَذِهِ امْرَأَةُ ابْنِ عَجْلاَنَ جَارتُنَا، امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَلدَتْ ثَلاَثَ أَوْلاَدٍ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ (1) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، قَالَ: أَنَا وُلدْتُ فِي أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فِي حَيَاةِ أَبِي. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ يَقُوْلُ: حُمِلَ بِأَبِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَدْ يَكُوْنَ الحَمْلُ سَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، أَعْرِفُ مَنْ حُمِلَ بِهِ كَذَلِكَ -يَعْنِي: نَفْسَه-. وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِأَهْلِ العِلْمِ مِنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، كُنْتُ أُشَبِّهُه بِاليَاقُوْتَةِ بَيْنَ العُلَمَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ لابْنِ عَجْلاَنَ قَدْرٌ وَفَضْلٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَرَادَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ قَطْعَ يَدِه، فَسَمِعَ ضَجَّةً، وَكَانَ عِنْدَه الأَكَابِرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ ضَجَّةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، يَدْعُوْنَ لابْنِ عَجْلاَنَ، فَلَوْ عَفَوتَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا غُرَّ، وَأَخْطَأَ فِي الرِّوَايَةِ، ظنَّ أَنَّهُ المَهْدِيُّ. فَأَطلَقَه، وَعَفَا عَنْهُ. أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ عَجْلاَنَ مُضْطَرِبَ الحَدِيْثِ فِي حَدِيْثِ نَافِعٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ   (1) نسبة إلى جده " زنبر " وفي المطبوع من تاريخ الإسلام " الزبيري " وهو تحريف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي القَتْلِ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ خَالَفَه يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ. فَقَالَ: أَأُحَدِّثُ بِهِ؟! كَأَنَّهُ تَعجَّبَ. قُلْتُ: وَثَّقَ ابْنَ عَجْلاَنَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ. وَهُوَ حَسنُ الحَدِيْثِ، وَأَقْوَى مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَكِنْ مَا هُوَ فِي قُوَّةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَنَحْوِه. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، كُلُّهَا فِي الشَّوَاهِدِ، وَتَكَلَّمَ المُتَأَخِّرُوْنَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي سُوءِ حِفْظِه. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ابْنُ عَجْلاَنَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، مَا يَشكُّ فِي هَذَا أَحَدٌ. وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، مَعَ تَعَنُّتِه فِي نَقدِ الرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يُحَدِّثُوْنَ -يَعْنِي: بِحَدِيْثِ خَلقِ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِه-. فَقَالَ: مَنْ هُم؟ قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ. قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً. قُلْتُ: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُحَمَّدٌ. وَالحَدِيْثُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: عَنِ   (1) البخاري (6227) في الاستئذان، باب: بدء السلام من طريق، عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا. فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال: فذهب، فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوا: ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة، على صورة آدم، وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ". وأخرجه مسلم (2612) (115) في البر والصلة و (2841) في الجنة، باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، مطولا، واللفظ له. وأخرجه أحمد 2 / 244، 251، 315، 323، 434، 519. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 ابْنِ أَبِي الوَزِيْرِ، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ ذَكَرَ ابْنَ عَجْلاَنَ، فَذَكَرَ خَيْراً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ نَصْرٍ، سَمِعْتُ خَلَفَ بنَ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى القَطَّانُ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ وَبِهَا ابْنُ عَجْلاَنَ، وَبِهَا مِمَّنْ يُطلَبُ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمَلِيْحُ بنُ وَكِيْعٍ (1) ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ. فَقُلْتُ: نَأتِي ابْنَ عَجْلاَنَ. فَقَالَ يُوْسُفُ السَّمْتِيُّ: نَقْلِبُ عَلَيْهِ حَدِيْثَه، حَتَّى نَنظُرَ فَهمَهُ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمَا كَانَ عَنْ أَبِيْهِ، جَعَلُوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفْسِه، وَمَا كَانَ لِلْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَعَلُوْهُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَدَخَلُوا، فَسَأَلُوْهُ، فَمرَّ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ آخرِ الكِتَابِ، تَنَبَّهَ، فَقَالَ: أَعدْ. فَعرضَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا سَأَلتُمُوْنِي عَنْ أَبِيْهِ، فَقَدْ حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، وَمَا سَأَلتُمُوْنِي عَنْ سَعِيْدٍ، فَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي بِهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُوْسُفَ بنِ خَالِدٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ شَيْنِي وَعَيْبِي، فَسَلَبَكَ اللهُ الإِسْلاَمَ. وَأَقْبَلَ عَلَى حَفْصٍ، فَقَالَ: ابْتَلاَكَ اللهُ فِي دِيْنِكَ وَدُنْيَاكَ. وَأَقْبَلَ عَلَى الآخرِ، فَقَالَ: لاَ نَفعَكَ اللهُ بِعِلْمِكَ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: فَمَاتَ مَلِيْحُ بنُ وَكِيْعٍ وَمَا انْتُفِعَ بِعِلْمِه، وَابْتُلِيَ حَفْصٌ بِالفَالِجِ وَبِالقَضَاءِ، وَلَمْ يَمُتْ يُوْسُفُ حَتَّى اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ (2) . فَهَذِهِ الحِكَايَة فِيْهَا نَظَرٌ، وَمَا أَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ هَذَا، وَمَلِيْحٌ لاَ يُدرَى مَنْ هُوَ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ وَلدٌ يَطْلُبُ أَيَّامَ ابْنِ عَجْلاَنَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ظَهرَ لَهُم قَلْبُ الأَسَانِيْدِ عَلَى الشُّيُوْخِ، إِنَّمَا فُعِلَ هَذَا بَعْدَ المائَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيْثٌ لابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ   (1) سقطت من الأصل، ولا بد منها. وتمام الخبر يوضح ذلك. (2) أخرج هذه القصة الرامهرمزي، في " المحدث الفاصل " ص 398 وقد تحرف فيه " عبد الله " إلى عبيد الله. وقد أخطأ محقق الكتاب حين قال في ترجمة ابن عجلان: أخرج له مسلم والاربعة. لان مسلما لم يخرج له إلا مقرونا بغيره، فلا بد من ذكر هذا القيد وابن عجلان حديثه من قبيل الحسن. سير 6 / 21 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ شَافَهَهُ. قَالُوا: وَمَاتَ ابْنُ عَجْلاَنَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ أَوْرَدَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، فِي مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، قَوْلَ يَحْيَى القَطَّانِ فِي مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُتقِنْ أَحَادِيْثَ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيْهِ، وَأَحَادِيْثَ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -يَعْنِي: أَنَّهُ رُبَّمَا اخْتلطَ عَلَيْهِ هَذَا بِهَذَا-. وَقَدْ ذَكرتُ ابْنَ عَجْلاَنَ فِي (المِيْزَانِ) ، فَحَدِيْثُه إِنْ لَمْ يَبلُغْ رُتبَةَ الصَّحِيْحِ، فَلاَ يَنحطُّ عَنْ رُتبَةِ الحَسَنِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ الحَافِظُ، وَخَلْقٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُم، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَالآخرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يُتَّقَى بِالجَنَاحِ الَّذِي فِيْهِ الدَّاءُ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ بِشْرٍ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً.   (1) أخرجه أبو داود (3844) في الاطعمة، باب، الذباب يقع في الاناء، وأحمد 2 / 229، 246، 340 من طريق ابن عجلان واخرجه البخاري (3320) في بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، و (5782) في الطب، باب: ألبان الاتن، وابن ماجه (3505) في الطب، باب: يقع الذباب في الاناء، والدارمي 2 / 98 - 99 من طريق عتبة بن مسلم، عن عبيد بن حنين، عن أبي هريرة، وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: أحمد 3 / 24، والنسائي 7 / 178 - 179، وابن ماجه (3504) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 136 - زِيَادُ بنُ سَعْدٍ الخُرَاسَانِيُّ * (ع) إِمَامٌ، مُجَوِّدٌ، حُجَّةٌ، خُرَاسَانِيٌّ، جَاورَ بِمَكَّةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: شُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَضَمْرَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَطَبَقَتِهم. وَمَاتَ: كَهْلاً. أَخَذَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالقُدَمَاءُ. لَمْ يَنتشِرْ حَدِيْثُه. وَقَعَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَمَاتَ: مَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَوْ قَبْلَهُ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. 137 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ العُقَيْلِيُّ ** (خَ، م، د، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ فِلَسْطِيْنَ، أَبُو إِسْحَاقَ العُقَيْلِيُّ، الشَّامِيُّ، المَقْدِسِيُّ. مِنْ بَقَايَا التَّابِعِيْنَ. وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ. وَرَوَى عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ، وَإِلاَّ فَرِوَايَتُه عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا العَبَّاسِ. وَقِيْلَ: أَبَا سَعِيْدٍ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ، إِبْرَاهِيْمَ بنَ شِمْرِ بنِ يَقْظَانَ بنِ مُرْتَحِلٍ الرَّمْلِيَّ. لَهُ: فَضْلٌ، وَجَلاَلَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ - وَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ - وَابْنُ شَوْذَبٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ - وَمَاتَ أَيْضاً قَبْلَه - وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ المَقْدِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَكَانَ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، يَبْعَثُهُ بِعَطَاءِ أَهْلِ القُدْسِ، فَيُفرِّقُه فِيْهِم.   (*) تاريخ البخاري 3 / 357، الجرح والتعديل 3 / 533، مشاهير علماء الأمصار (146) ، تهذيب الكمال 444، تذهيب التهذيب 1 / 243 / 1، تهذيب التهذيب 3 / 369، خلاصة تذهيب الكمال 125. (* *) طبقات خليفة (315) ، تاريخ البخاري 1 / 310 التاريخ الصغير 2 / 113، الكامل في التاريخ 5 / 608، تهذيب الكمال 60، تذهيب التهذيب 1 / 39 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 142، 143، خلاصة تذهيب الكمال 19، شذرات الذهب 1 / 232. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 قَالَ الحَاكِمُ: قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ؟ قَالَ: الطُّرُقُ إِلَيْهِ لَيْسَتْ تَصفُو، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ. عَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ هِشَامٌ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرفنَاكَ، وَاخْتَبرنَاكَ، وَرَضِينَا بِسِيْرتِكَ، وَبِحَالِكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَخْلِطَكَ بِنَفْسِي وَخَاصَّتِي، وَأُشرِكَكَ فِي عَمَلِي، وَقَدْ وَلَّيْتُكَ خَرَاجَ مِصْرَ. قُلْتُ: أَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ رَأْيُك يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَاللهُ يُثِيبُك وَيَجزِيْكَ، وَكَفَى بِهِ جَازِياً وَمُثِيباً، وَأَمَّا أَنَا، فَمَا لِي بِالخَرَاجِ بَصَرٌ، وَمَا لِي عَلَيْهِ قُوَّةٌ. فَغَضِبَ حَتَّى اخْتلجَ وَجْهُه - وَكَانَ فِي عَيْنَيْهِ حَوَلٌ - فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظراً مُنْكَراً، ثُمَّ قَالَ: لَتَلِيَنَّ طَائِعاً أَوْ كَارِهاً. فَأَمْسكتُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ - قَالَ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا، وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأَحزَابُ: 72] ، فوَاللهِ مَا غَضبَ عَلَيْهنَّ إِذْ أَبَيْنَ، وَلاَ أَكرَهَهُنَّ. فَضَحِكَ حَتَّى بَدتْ نَوَاجِذُه، وَأَعْفَانِي. دُهَيْمُ بنُ الفَضْلِ (1) : سَمِعْتُ ضَمْرَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ لَذَّةَ العَيْشِ إِلاَّ فِي أَكلِ المَوْزِ بِالعَسَلِ فِي ظلِّ الصَّخرَةِ (2) ، وَحَدِيْثِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفصحَ مِنْهُ. وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْعَلاَءِ بنِ زِيَادٍ: إِنِّي أَجِدُ وَسوَسَةً فِي قَلْبِي. فَقَالَ: مَا أُحبُّ لَوْ أَنَّكَ مُتَّ عَامَ أَوَّلَ، أَنْتَ العَامَ خَيْرٌ مِنْكَ عَامَ أَوَّلَ. مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: مَنْ حَملَ شَاذَّ العِلْمِ، حَملَ شَرّاً كَثِيْراً.   (1) كذا في الأصل، وفي التهذيب: دهيم بن المفضل. (2) أي في ظل صخرة بيت المقدس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ المَقْدِسِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَبْلَةَ وَهُوَ يَقُوْلُ لِمَنْ جَاءَ مِنَ الغَزْوِ: قَدْ جِئْتُم مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ، فَمَا فَعَلتُم فِي الجِهَادِ الأَكْبَرِ؛ جِهَادِ القَلْبِ (1) ؟ قَالَ ضَمْرَةُ: تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهم: أَنَّ ابْنَ أَبِي عَبْلَةَ رَوَى نَحْوَ المائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَدْ جَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ كِتَابَ (حَدِيْثِ شُيُوْخِ الشَّامِيِّيْنَ) ، فَجَاءَ مُسْنَدُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ فِي سَبْعِ وَرَقَاتٍ، وَشَطرُهَا مَنَاكِيْرُ مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ. 138 - ابْنُ جُرَيْجٍ الأُمَوِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ جُرَيْجٍ * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو خَالِدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ،   (1) الحديث في الاحياء. قال العراقي، رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر. ورواه الخطيب في " تاريخه " 13 / 493 ونصه " قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزاة، فقال عليه الصلاة والسلام: قدمتم خير مقدم، وقد قدمتم من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه ". وقد قال الحافظ ابن حجر في " تسديد القوس " هو مشهور على الالسنة، وهو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة. قلت، وهو مخالف لقوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) [التوبة: 18] . (*) طبقات خليفة (283) ، تاريخ البخاري: 5 / 422، التاريخ الصغير 2 / 98 - 99، الجرح والتعديل 5 / 356 - 357، مشاهير علماء الأمصار 145، تاريخ بغداد 10 / 400، طبقات الشيرازي: الورقة 18، الكامل في التاريخ 5 / 594، وفيات الأعيان 3 / 163 - 164، تهذيب الكمال 857 - 858، تذهيب التهذيب 2 / 249 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 169 - 171، ميزان الاعتدال 2 / 659، العبر للذهبي 1 / 213، تاريخ الذهبي 6 / 96 - 97، غاية النهاية 1 / 496، العقد الثمين: 5 / 508، تهذيب التهذيب 6 / 402 - 406، خلاصة تذهيب الكمال 244، طبقات المفسرين 1 / 352. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِمَكَّةَ. مَوْلَى أُمَيَّةَ بنِ خَالِدٍ. وَقِيْلَ: كَانَ جَدُّه جُرَيْجٌ عَبداً (1) لأُمِّ حَبِيْبٍ بِنْتِ جُبَيْرٍ؛ زَوْجَةِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدٍ الأُمَوِيِّ، فَنُسبَ وَلاَؤُهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ عَبْدٌ رُومِيٌّ، وَكَانَ لابْنِ جُرَيْجٍ أَخٌ اسْمُه مُحَمَّدٌ، لاَ يَكَادُ يُعْرَفُ، وَابْنٌ اسْمُه مُحَمَّدٌ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - وَعَنِ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَطَاوُوْسٍ حَدِيْثاً وَاحِداً قَوْلَهُ (2) . وَذُكِرَ أَنَّهُ أَخَذَ أَحَادِيْثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، فَمَا اتَّفَقَ. وَأَخَذَ عَنْ: مُجَاهِدٍ حَرفَيْنِ مِنَ القِرَاءاتِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعِكْرِمَةَ العَبَّاسِيِّ مُرْسَلاً، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ الدَّارِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ هَانِئ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَقْرَانِه، بَلْ وَأَصْحَابِه، فَحَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ سَعْدٍ شَرِيْكِه، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَطَاءٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى - وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ - وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ -. حَدَّثَ عَنْهُ: ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَالحَمَّادَانِ،   (1) سقط من الأصل، واستدرك من " التهذيب " (2) أي أن حديثه عنه هو مسألة قالها طاووس، وقد رواه عبد الرزاق في " المصنف " (8430) ، وستأتي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الأَبْرَشُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ المَكِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَغُنْدَرٌ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: مَنْ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الكُتُبَ؟ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ هَمَّامٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَطَاءً، وَأَنَا أُرِيْدُ هَذَا الشَّأْنَ، وَعِنْدَه عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَيْرٍ: قَرَأْتَ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاذهَبْ، فَاقْرَأْهُ، ثُمَّ اطلُبِ العِلْمَ. فَذَهَبتُ، فَغبرتُ زَمَاناً حَتَّى قَرَأْتُ القُرْآنَ، ثُمَّ جِئْتُ عَطَاءً وَعِنْدَه عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: قَرَأْتَ الفَرِيْضَةَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَتعلَّمِ الفَرِيْضَةَ، ثُمَّ اطلُبِ العِلْمَ. قَالَ: فَطَلبتُ الفَرِيْضَةَ، ثُمَّ جِئْتُ. فَقَالَ: الآنَ فَاطلُبِ العِلْمَ. فَلَزِمتُ عَطَاءً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قُلْتُ: مَنْ يُلْزِمُ عَطَاءً هَذَا كُلَّه، يَغلِبُ عَلَى الظَنِّ أَنَّهُ قَدْ رَأَى أَبَا الطُّفَيْلِ الكِنَانِيَّ بِمَكَّةَ، لَكِن لَمْ نَسْمَعْ بِذَلِكَ، وَلاَ رَأَينَا لَهُ حَرفاً عَنْ صَحَابِيٍّ. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: اخْتلفتُ إِلَى عَطَاءٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يَبِيْتُ فِي المَسْجِدِ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُوْلُ: مَا دَوَّنَ العِلْمَ تَدوِينِي أَحَدٌ. وَقَالَ: جَالَستُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغتُ مِنْ عَطَاءٍ تِسْعَ سِنِيْنَ. وَرَوَى: حَمْزَةُ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: هَذَا الفَتَى إِنْ عَاشَ -يَعْنِي: ابْنَ جُرَيْجٍ-. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَغَيْرِه، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الشَّامِ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ العِرَاقِ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: نَظَرتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدورُ عَلَى سِتَّةٍ ... ، فَذَكَرَهم، ثُمَّ قَالَ: صَارَ عِلْمُهم إِلَى أَصْحَابِ الأَصْنَافِ، مِمَّنْ صَنَّفَ العِلْمَ مِنْهُم مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، يُكْنَى: أَبَا الوَلِيْدِ، لَقِيَ ابْنَ شِهَابٍ، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ. يُرِيْدُ مِنَ السِّتَّةِ المَذْكُوْرِيْنَ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ: لِمَنْ طَلبتُمُ العِلْمَ؟ كُلُّهُم يَقُوْلُ: لِنَفْسِي. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: طَلبْتُهُ لِلنَّاسِ. قُلْتُ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ، وَاليَوْمَ تَسْألُ الفَقِيْهَ الغَبِيَّ: لِمَنْ طَلبتَ العِلْمَ؟ فَيُبَادِرُ، وَيَقُوْلُ: طَلبتُهُ للهِ، وَيَكْذِبُ، إِنَّمَا طَلبَهُ لِلدُّنْيَا، وَيَا قِلَّةَ مَا عَرَفَ مِنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ: مَن أَثْبَتُ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ؟ قَالَ: أَيُّوْبُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ أَثْبَتُ مِنْ مَالِكٍ فِي نَافِعٍ. وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَطَاءٍ. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ: كُتَبَ الأَمَانَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحَدِّثْكَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ كِتَابِه، لَمْ تَنتفِعْ بِهِ. وَرَوَى: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ فُلاَنٌ، وَقَالَ فُلاَنٌ، وَأُخْبِرْتُ، جَاءَ بِمَنَاكِيْرَ، وَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي، وَسَمِعْتُ، فَحَسبُكَ بِهِ. وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ، فَاحْذَرْهُ، وَإِذَا قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 سَمِعْتُ، أَوْ سَأَلْتُ، جَاءَ بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي النَّفسِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ -يَعْنِي: الخَلِيْفَةَ- مَكَّةَ، فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ حَدِيْثَ ابْنِ جُرَيْجٍ. فَعَرضُوا، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهَا! لَوْلاَ هَذَا الحَشوُ -يَعْنِي قَوْلَه: بَلَغَنِي، وَحُدِّثْتُ-. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ابْنُ جُرَيْجٍ: ثِقَةٌ فِي كُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الكِتَابِ. وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ المِخْرَاقِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَاطِبَ لَيْلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيْرُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَاحِبَ غُثَاءٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ الحَلَبِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: حَكمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَالِكٍ، هُوَ سَمَّانِي قَدَرِياً، وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ فَإِنِّي حَدَّثْتُهُ عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ مَاتَ مُرَابِطاً، مَاتَ شَهِيْداً) ، فَنَسَبنِي إِلَى جَدِّي مِنْ قِبَلِ أُمِّي، وَرَوَى عَنِّي: (مَنْ مَاتَ مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً (1)) ، وَمَا هَكَذَا حَدَّثْتُهُ.   (1) أخرجه ابن ماجه (1615) في الجنائز، باب: ما جاء فيمن مات مريضا. قال السندي: قال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله ب " إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الاسلمي " فإنه متروك. قال: وقال أحمد بن حنبل: إنما هو " من مات مرابطا ". قال الدارقطني بإسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حدثت ابن جريج هذا الحديث " من مات مرابطا " فروى عني " من مات مريضا " وما هكذا حدثته. وفي " مصباح الزجاجة " 105 / 1 عن الدارقطني، بإسناده إلى ابن أبي سكينة الحلبي، يعني محمد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حكم الله بيني وبين مالك هو سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من مات مرابطا مات شهيدا " فنسبني إلى جدي من قبل أمي وروى عني: من مات مريضا مات شهيدا وما هكذا حدثته. ثم قال في الزوائد: هذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن محمد كذبه مالك، ويحيى القطان، وابن معين، وقال الامام أحمد: قدري، معتزلي، جهمي، كل بلاء فيه. وقال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك، والناس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سِتِّ عَجَائِزَ مِنْ عَجَائِزِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَكَانَ صَاحِبَ عِلْمٍ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَدُوقاً، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي، فَهُوَ سَمَاعٌ، وَإِذَا قَالَ: أَنْبَأَنَا، أَوْ أَخْبَرَنِي، فَهُوَ قِرَاءةٌ، وَإِذَا قَالَ: قَالَ، فَهُوَ شِبْهُ الرِّيحِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ: أَعْيَانِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْ أَحْفَظَ حَدِيْثَه، فَنَظَرتُ إِلَى شَيْءٍ يَجْمَعُ فِيْهِ المَعْنَى، فَحَفِظتُه، وَتَركتُ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ النَّضْرِ الشِّيْرَازِيُّ: عَنْ مَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ خَلقاً مِنْ خَلقِ اللهِ، أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَنْبَأَنِي المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ ثَابِتٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: أَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ الصَّلاَةَ مِنْ عَطَاءٍ، وَأَخَذَهَا عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَخَذَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1) .   (1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " وعنه الامام أحمد رقم (73) وأخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر رقم (137) من طريق: أبي بكر بن عسكر، محمد بن سهل. وهذا الاثر قصد به عبد الرزاق الثناء على صلاة ابن جريج، وأنه كان يحسن أداءها على ما أخذه عمن قبله بطريق المشاهدة المتوارثة عن النبي، صلى الله عليه وسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 قُلْتُ: وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَرْوِي الرِّوَايَةَ بِالإِجَازَةِ (1) ، وَبِالمُنَاوَلَةِ (2) ، وَيَتوسَّعُ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الدَّاخلُ فِي رِوَايَاتِه عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ لأَنَّهُ حَملَ عَنْهُ مُنَاوَلَةً، وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ يَدْخُلُهَا التَّصحِيْفُ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، لَمْ يَكُنْ حَدَثَ فِي الخطِّ بَعْدُ شَكلٌ وَلاَ نَقْطٌ. قَالَ أَبُو غَسَّانَ زُنَيْجٌ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَرَى المُتْعَةَ، تَزَوَّجَ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً. وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَهدَ إِلَى أَوْلاَدِه فِي أَسْمَائِهنَّ، لِئَلاَّ يَغلطَ أَحَدٌ مِنْهُم وَيَتَزوَّجَ وَاحِدَةً مِمَّا نَكحَ أَبُوْهُ بِالمُتْعَةِ. قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هَمَّامٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كُنْتُ أَتتبَّعُ الأَشعَارَ العَرَبِيَّةَ وَالأَنسَابَ، فَقِيْلَ لِي: لَوْ لَزمتَ عَطَاءً، فَلَزِمتُه. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدِي بِدُوْنِ مَالِكٍ فِي نَافِعٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِعَطَاءٍ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ كُلْثُوْمٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ البَصْرَةَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِحَدِيْثٍ،   (1) هي أن يجيز الشيخ مشافهة، أو إذنا باللفظ مع المغيب من يراه أهلا للرواية عنه، أو يكتب له ذلك بخطه، سواء كان المجاز حاضرا أو غائبا. والاجازة على وجوه ستة أعلاها الاجازة لكتب معينة وأحاديث مختصرة مفسرة..ولا خلاف في جواز الرواية بالاجازة من سلف هذه الأمة وخلفها، كما قال أبو الوليد الباجي..انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 89 وما بعدها. (2) هي أن يدفع الشيخ كتابه الذي رواه أو نسخة منه وقد صححها أو أحاديث من حديثه فيقول للطالب: هذه روايتي فاروها عني ويدفعها إليه. أو يقول: خذها فانسخها، وقد أجزت لك أن تحدث بها عني..والمناولة أيضا على أنواع، وهي عند مالك وجماعة من العلماء بمنزلة السماع..انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 79، وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَا تُنكِرُوْنَ عَلَيَّ فِيْهِ؟! قَدْ لَزمتُ عَطَاءً عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَرُبَّمَا حَدَّثَنِي عَنْهُ الرَّجُلُ بِالشَّيءِ، لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ العَيْشِيُّ: سَمَّى ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ يُسمُّونَ المِشْغَبَ غُنْدَراً. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَلْقَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَلْقَ عَمْرَو بنَ شُعَيْبٍ فِي زَكَاةِ مَالِ اليَتِيْمِ، وَلاَ أَبَا الزِّنَادِ. قُلْتُ: الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، حَافِظٌ، لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ بِلَفظِةِ: عَنْ. وَقَالَ: وَقَدْ كَانَ صَاحِبَ تَعَبُّدٍ وَتَهَجُّدٍ، وَمَا زَالَ يَطْلُبُ العِلْمَ حَتَى كَبِرَ وَشَاخَ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جَاوَزَ المائَةَ، بَلْ مَا جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ، وَقَدْ كَانَ شَابّاً فِي أَيَّامِ مُلاَزِمَتِه لِعَطَاءٍ. وَقَدْ كَانَ شَيْخَ الحَرَمِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَخَلَفَهُمَا: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، ثُمَّ تَفَرَّدَ بِالإِمَامَةِ: ابْنُ جُرَيْجٍ، فَدوَّنَ العِلْمَ، وَحَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ، وَعَلَيْهِ تَفقَّهَ مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَتَفَقَّهَ بِالزَّنْجِيِّ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ بَصِيْراً بِعِلْمِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَالِماً بِدَقَائِقِه، وَبِعِلمِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَرِوَايَاتُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَافرَةٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَ (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الأَكْبَرِ) ، وَفِي (الأَجْزَاءِ) . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَلِمتُ أَنَّهُ يَخشَى اللهَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ أَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ، إِنَّمَا أَعْطَانِي جُزْءاً كَتَبتُهُ، وَأَجَازَهُ لِي. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَلاَءُ ابْنِ جُرَيْجٍ لآلِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدٍ الأُمَوِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ مُجَاهِدٍ حَدِيْثَ: (فَطَلِّقُوْهُنَّ فِي قُبُلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 عِدَّتِهِنَّ (1)) . وَسَمِعَ مِنْ طَاوُوْسٍ قَوْلَه فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ ذَرَّاتٍ، قَالَ: قَبَضَاتٍ مِنْ طَعَامٍ (2) . قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنَ العُبَّادِ، كَانَ يَصُوْمُ الدَّهرَ، سِوَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ امْرَأَةٌ عَابِدَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اسْتمتَعَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِتِسْعِيْنَ امْرَأَةً، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَحتقِنُ فِي اللَّيْلِ بِأُوْقِيَّةِ شيرجٍ؛ طَلباً لِلْجِمَاعِ. وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، وَيَتَغلَّى بِالغَالِيَةِ، وَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ القُرَّاءِ، خَرَجْنَا مَعَهُ وَأَتَاهُ سَائِلٌ، فَنَاوَلَه دِيْنَاراً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ: مَولِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ سَنَة ثَمَانِيْنَ، عَامَ الجَحَّافِ (3) . أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيُّ، قَالَ: وَمِنْهُم: أَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ جُرَيْجٍ، وَجُرَيْجٌ: عَبدٌ لآلِ أُمِّ حَبِيْبٍ بِنْتِ جُبَيْرٍ. وَمَاتَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) أخرجه مسلم (1471) (14) في الطلاق، من طريق ; أبي الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة، يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع ذلك: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، " ليراجعها ". فردها، وقال: " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ". قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) . والتلاوة: (فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق: 1] . وما جاء في الحديث هو قراءة ابن عباس، و" ابن عمر ". وهي شاذة عن المصحف. (2) أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (8430) عن ابن جريج قال: سمعت طاووسا، وسأله رجل، فقال: إني احتككت وأنا محرم فقتلت ذرات. فقال: " تصدق بقبضات ". والذرات: هي النمل الاحمر الصغير. (3) الجحاف: سيل كان بمكة. انظر شذرات الذهب 1 / 226. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا دوَّنَ هَذَا العِلْمَ تَدوِينِي أَحَدٌ، جَالَستُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغتُ مِنْ عَطَاءٍ سَبْعَ سِنِيْنَ. وَقَالَ: لَمْ يَغلِبْنِي عَلَى يَسَارِ عَطَاءٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً أَحَدٌ. فَقِيْلَ لَهُ: فَمَا مَنَعكَ عَنْ يَمِيْنِه؟ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَغْلِبُنِي عَلَيْهِ. قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ جُرَيْجٍ إِلَى العِرَاقِ قَبْلَ مَوْتِه، وَحَدَّثَ بِالبَصْرَةِ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَهَذَا وَهْمٌ، فَقَدْ قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ أَيْضاً: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَسِنُّه وَسِنُّ أَبِي حَنِيْفَةَ وَاحِدٌ، وَمَوْلِدُهُمَا وَمَوتُهمَا وَاحِدٌ. قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَكُم عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا وَاهِبُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ فَكَّ عَنْ مَكْرُوْبٍ، فَكَّ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيْهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ) (1) .   (1) رجاله ثقات وهو في " المسند " 4 / 104، وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر عند أحمد: 2 / 91، 252، 274، 296، 389، 404، 500، 514، 522، والبخاري (2442) في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، وأخرجه مختصرا في الاكراه (6951) باب: يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه. وأخرجه مسلم في البر (2580) مختصرا، باب: تحريم الظلم، و (2590) (72) مختصرا، وفي = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَمَسْلَمَةُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَكِنْ لاَ شَيْء لَهُ فِي الكُتُبِ، إِلاَّ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) ، مِنْ رِوَايَتِه عَنْ رُوَيْفِعِ بنِ ثَابِتٍ. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ كَثُرَ فِيْهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُوْمَ: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ ثُمَّ أَتُوْبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. وَفِي (تَارِيْخِ القَاضِي تَاجِ الدِّيْنِ عَبْدِ البَاقِي) : أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَدِمَ وَافِداً عَلَى مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، لِدَيْنٍ لَحِقَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَه إِلَى عَاشِرِ ذِي القَعْدَةِ، فَمرَّ بِقَوْمٍ تُغنِّي   = الذكر (2699) باب: الاجتماع على تلاوة القرآن. وأخرجه أبو داود (4893) باب المؤاخاة، و (4946) ، باب: في المعونة للمسلم، كما أخرجه مختصرا في الصلاة (1455) ، وأخرجه الترمذي (1425) في الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم، وفي البر (1931) باب ما جاء في الستر على المسلم، وفي القراءات (2646) باب: فضل مدارسة القرآن. وأخرجه ابن ماجه (225) في المقدمة باب: فضل العلماء، وفي الحدود (2544) مختصرا، باب: الستر على المؤمن. ونسبه الحافظ المنذري إلى النسائي. (1) إسناده قوي، وأخرجه الترمذي (3429) في الدعوات، باب: ما يقول الرجل إذا قام من مجلسه. وحسنه وأبو داود (4858) في الأدب، باب: في كفارة المجلس، وصححه ابن حبان (2366) ، والحاكم 1 / 536، ووافقه الذهبي. وهو كما قالوا. وفي الباب عن أبي برزة الاسلمي عند أبي داود (4859) ، والدارمي 2 / 283، والحاكم 1 / 536 - 537. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عند أبي داود (4857) وصححه ابن حبان (2367) ، وعن جبير بن مطعم عند النسائي، والطبراني، والحاكم. وعن رافع بن خديج، عند النسائي، والحاكم، وعن عائشة عند الحاكم أيضا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 لَهُم جَارِيَةٌ بِشِعْرِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ (1) : هَيْهَاتَ مِنْ أَمَةِ الوَهَّابِ مَنْزِلُنَا ... إِذَا حَلَلْنَا بِسَيْفِ البَحْرِ مِنْ عَدَنِ وَاحْتَلَّ أَهْلُكَ أَجْيَاداً فَلَيْسَ لَنَا ... إِلاَّ التَّذَكُّرُ أَوْ حَظٌّ مِنَ الحَزَنِ تَاللهِ (2) قُوْلِي لَهُ فِي غَيْرِ مَعْتَبَةٍ: ... مَاذَا أَرَدْتَ بِطُوْلِ المُكْثِ فِي اليَمَنِ؟ إِنْ كُنْتَ حَاوَلْتَ دُنْيَا أَوْ ظَفِرْتَ بِهَا ... فَمَا أَصَبْتَ (3) بِتَرْكِ الحَجِّ مِنْ ثَمَنِ قَالَ: فَبَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ، وَانتحَبَ، وَأَصْبَحَ إِلَى مَعْنٍ، وَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ بِي خَيْراً، فَرُدَّنِي إِلَى مَكَّةَ، وَلَسْتُ أُرِيْدُ مِنْكَ شَيْئاً. قَالَ: فَاسْتَأجَرَ لَهُ أَدِلاَّءَ، وَأَعْطَاهُ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفاً وَخَمْسَمائَةٍ، فَوَافَى النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَقَمْتُ عَلَى عَطَاءٍ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ حِجَّةً، يَخْرُجُ أَبَوَايَ إِلَى الطَّائِفِ، وَأُقِيْمُ أَنَا تَخَوُّفاً أَنْ يَفجَعَنِي عَطَاءٌ بِنَفْسِهِ. قَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: لابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ -يَعْنِي: المَرْفُوْعَ- وَأَمَّا الآثَارُ، وَالمَقَاطِيْعُ، وَالتَّفْسِيْرُ، فَشَيْءٌ كَثِيْرٌ. 139 - حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ الجُمَحِيُّ * (ع) ابنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ، المَكِّيُّ، الحَافِظُ.   (1) الابيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة 283 - 284 تحقيق الأستاذ محيي الدين عبد الحميد. (2) في الديوان " بالله ". (3) في الديوان " أخذت ". (*) طبقات خليفة (286) ، تاريخ البخاري 3 / 44، التاريخ الصغير 2 / 111، 113، الجرح والتعديل 3 / 241 - 242، مشاهير علماء الأمصار 145، الكامل في التاريخ 5 / 607، تهذيب الكمال 347 - 348، تذهيب التهذيب 1 / 182 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 620 - 621، تذكرة الحفاظ 1 / 176، العقد الثمين: 4 / 250، تهذيب التهذيب 3 / 60 - 61، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات الذهب 1 / 230 - 231. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 حَدَّثَ عَنْ: طَاوُوْسٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَعِيْدِ بنِ مِيْنَا، وَعَطَاءٍ، وَنَافِعٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ بِمَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ تَنَاكَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي ذِكْرِهِ لَهُ فِي (الكَامِلِ) ، فَمَا أَبدَى شَيْئاً يَتعلَّقُ بِهِ عَلَيْهِ مُتَعنِّتٌ أَصلاً. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ وَقِيْلَ لَهُ: كَيْفَ رِوَايَةُ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ؟ فَقَالَ: وَادٍ (1) ، وَرِوَايَةُ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ، وَادٍ آخَرُ، وَأَحَادِيْثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ كَأَنَّهَا أَحَادِيْثُ نَافِعٍ. قِيْلَ لِعَلِيٍّ: فَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ سَالِماً كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. قَالَ: أَجَلْ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَنْظَلَةُ ثِقَةٌ. ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابُوْرٍ - وَمَا كَتَبتُه إِلاَّ عَنْهُ - حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اغْسِلُوا قَتْلاَكُمْ) . غَرِيْبٌ جِدّاً، وَرُوَاتُه ثِقَاتٌ. وَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي غَيْرِ مَصَافٍّ. وَلَعَلَّ الغَلَطَ فِيْهِ مِنْ شَيْخِ ابْنِ   (1) في الأصل " وادي ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 عَدِيٍّ، أَوْ شَيْخِ شَيْخِه، وَالثِّقَةُ قَدْ يَهِمُ (1) . مَاتَ حَنْظَلَةُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 140 - سَيْفُ بنُ سُلَيْمَانَ المَكِّيُّ * (خَ، م، د، س، ق) أَحَدُ الثِّقَاتِ، كَانَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مَخْزُوْمٍ. سَمِعَ: مُجَاهِداً، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ، وَعَطَاءً، وَقَيْسَ بنَ سَعْدٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، لَكِنْ رَمَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِالقَدَرِ. وَقَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَتعنَّتَ (2) ابْنُ عَدِيٍّ بِذِكرِهِ فِي (الكَامِلِ) ، وَسَاقَ حَدِيْثَه عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ   (1) وهذا النقد من المؤلف، رحمه الله، بين سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته في متون الأحاديث ونقدها، ولو كان سندها صحيحا. وله من ذلك الشئ الكثير، لكنه منثور في التراجم. وطالما غفل كثير من المحدثين عن هذا، مع أن الصحابة رضوان الله عليهم جميعا. ولا سيما عائشة، كانوا يعنون بنقد المتون. وتوهينها إذا كانت مخالفة للقرآن الكريم. أو الحسن السليم، أو مباينة للعقل الذي استوعب أصول الإسلام وكلياته. وكتاب " مستدركات عائشة " على الصحابة، الذي ألفه الامام الزركشي يعد أنموذجا تطبيقيا على نقد المتون، ولو كان رجال إسنادها عدولا وثقات. (*) طبقات خليفة (283) ، تاريخ البخاري 4 / 171، التاريخ الصغير 2 / 113، الجرح والتعديل 4 / 274، مشاهير علماء الأمصار 147، تهذيب الكمال 569، تذهيب التهذيب 2 / 67 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 55، العقد الثمين: 4 / 632، تهذيب التهذيب 4 / 294، خلاصة تذهيب الكمال 147. (2) لقد تعقب المؤلف رحمه الله ابن عدي في " الميزان " في أكثر من موضع وقد ذكر بعضها الامام اللكنوي في " الرفع والتكميل " (ص 142 - 149) فارجع إليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً، حَدِيْثَ: (قَضَى بِيَمِيْنٍ وَشَاهِدٍ (1)) . فَسَألَ عَبَّاسٌ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوْظٍ، وَسَيْفٌ قَدَرِيٌّ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ عِنْدَنَا ثَبتاً، مِمَّنْ يَصدُقُ وَيَحْفَظُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. 141 - عُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ المَكِّيُّ مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ * (ع) حَدَّثَ عَنْ: طَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى القَطَّانُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ شَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 142 - العَلاَءُ بنُ المُسَيِّبِ بنِ رَافِعٍ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ ** (ع) حَدَّثَ عَنْ: خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَمَاعَةٍ.   (1) أخرجه مسلم (1712) في الاقضية، باب: القضاء باليمين والشاهد، وأحمد 1 / 248، 315، 323، وأبو داود (3608) ، وابن ماجه (2370) كلهم من حديث قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وفي الباب: عن أبي هريرة عند أبي داود (3610) ، والترمذي (1343) ، وابن ماجه (2368) وعن جابر عند الترمذي (1344) ، وابن ماجه (2369) . وعن سعد بن عبادة عند الترمذي (1343) ، والدارقطني ص 516 وعن سرق عند ابن ماجه (2371) ، وانظر نصب الراية 4 / 96 وما بعدها. (*) طبقات ابن سعد 7 / 21، تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (283) ، تاريخ البخاري 6 / 213، الجرح والتعديل 6 / 140، تهذيب الكمال 922، تذهيب التهذيب 3 / 34 / 2، تاريخ الإسلام للذهبي 5 / 276، ميزان الاعتدال 3 / 59 - 60، العقد الثمين 6 / 18، تهذيب التهذيب 7 / 153 - 154، خلاصة تذهيب الكمال 262، شذرات الذهب 1 / 230. (* *) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ البخاري 6 / 512، الجرح والتعديل 6 / 360 - = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 رَوَى عَنْهُ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. 143 - زَكَرِيَّا بنُ إِسْحَاقَ المَكِّيُّ * (ع) مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ، صَدُوقاً، إِلاَّ أَنَّهُ رُمِيَ بِالقَدَرِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَدَرِيٌّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 144 - مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ بنِ دَوَالَ دُوْرَ أَبُو بِسْطَامَ النَّبْطِيُّ ** (م، 4) الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو بِسْطَامَ النَّبْطِيُّ، البَلْخِيُّ،   = 361، تهذيب الكمال 1075، تذهيب التهذيب 3 / 125 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 105، تهذيب التهذيب 8 / 192، خلاصة تذهيب الكمال 300. (*) تاريخ البخاري: 3 / 423، الجرح والتعديل 3 / 593، تهذيب الكمال 432 - 433، تذهيب التهذيب 1 / 237 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 71، العقد الثمين: 4 / 442، تهذيب التهذيب 3 / 328 - 329، خلاصة تذهيب الكمال 122. (* *) طبقات خليفة (322) ، تاريخ البخاري ; 8 / 13، التاريخ الصغير 2 / 11، الجرح والتعديل 8 / 353، مشاهير علماء الأمصار 195، الكامل في التاريخ 5 / 308 - 342 - 343، تهذيب الكمال 1365، تذهيب التهذيب 4 / 64 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان الاعتدال 4 / 171 - 172، تهذيب التهذيب 10 / 277 - 279، خلاصة تذهيب الكمال 386 طبقات المفسرين 2 / 329. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 الخَرَّازُ، طَوَّفَ وَجَالَ. وَحَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُسْلِمِ بنِ هَيْصَمٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَبُكَيْرُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعُمَرُ بنُ الرَّمَّاحِ، وَعِيْسَى غُنْجَارٌ (1) ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ الخُشَنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المُحَارِبِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، مِنْ رِوَايَة عَلْقَمَةَ، عَنْهُ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، ذَا نُسُكٍ وَفَضْلٍ، صَاحِبَ سُنَّةٍ. هَربَ مِنْ خُرَاسَانَ أَيَّامَ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّولَةِ، إِلَى بِلاَدِ كَابُلَ، فَدَعَاهُم إِلَى اللهِ، فَأَسلَمَ عَلَى يَدِه خَلْقٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَوَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: لَهُ إِخوَةٌ: مُصْعَبٌ، وَحَسَنٌ، وَيَزِيْدُ، وَخُطَّتُهم بِمَرْوَ، وَتُعرَفُ بِسِكَّةِ حَيَّانَ، مِنْ مَوَالِي بَنِي شَيْبَانَ، كَانَ ذَا مَنْزِلَةٍ عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ الأَمِيْرِ، هَرَبَ مُقَاتِلٌ إِلَى كَابُلَ، فَأَسلَمَ بِهِ خَلقٌ. وَقَالَ فِيْهِ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ: هُوَ الخَرَّازُ، بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَاشَ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرُ الضَّعِيْفُ بَعْدَه أَعْوَاماً.   (1) هو عيسى بن موسى البخاري ولقبه، غنجار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 145 - أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ * (4، م، تَبَعاً) الإِمَامُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَاخْتَلَف قَوْلُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَكرَهُ لأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! حَلقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحرَ (1) . إِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَرَكَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ   (*) تاريخ خليفة 426، طبقات خليفة (273) ، تاريخ البخاري: 2 / 20، الطبري 4 / 197 - 210 - 211 - 256 - 366 - 405، التاريخ الصغير: 1 / 181، 19، 23، 120، الجرح والتعديل 2 / 284، كتاب المجروحين 1 / 179، تهذيب الكمال 78، تذهيب التهذيب 1 / 50 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 174 - 175، الوافي بالوفيات 8 / 382، تهذيب التهذيب 1 / 208 - 210، خلاصة تذهيب الكمال 26، شذرات الذهب 1 / 234. (1) أخرج ابن ماجه (3052) في المناسك، من طريق: هارون بن سعيد المصري، عن عبد الله بن وهب، أخبرني أسامة بن زيد حدثني عطاء بن أبي رباح، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمنى يوم النحر للناس، فجاءه رجل، فقال: يار سول الله، إني حلقت قبل أن أذبح، قال: لا حرج ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله: إني نحرت قبل أن أرمي. قال: لا حرج. فما سئل يومئذ عن شيء. قدم قبل شيء، إلا قال: " لا حرج " وسنده حسن. وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وأخرج مالك 1 / 421، والبخاري 3 / 454 - 455، ومسلم (1306) في الحج، باب: من حلق قبل النحر، وأبو داود (2014) في المناسك، باب: فيمن قدم شيئا قبل شيء في = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 حَدِيْثَه بِأَخَرَةٍ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: لَهُ عَنْ نَافِعٍ مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ أَيْضاً: إِذَا تَدبَّرتَ (1) حَدِيْثَه، تَعْرِفُ فِيْهِ النَّكرَةَ. وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَنَّهُ ثِقَةٌ. وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: تُرِكَ حَدِيْثُه بِأَخَرَةٍ، وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ هَذَا القَوْلُ الأَخِيْرُ هُوَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ فِيْهِ. وَقَدْ رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، فَابْنُ مَعِيْنٍ حَسنُ الرَّأيِ فِي أُسَامَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ يَرتَقِي حَدِيْثُه إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَخْرَج لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ. أَمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، فَضَعْفُه أَزْيَدُ. وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ، سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه.   = حجه من طريق: ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال: وقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للناس بمنى، والناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " انحر ولا حرج " ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: " ارم ولا حرج " قال: فما سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ". وقد نقل الخطابي في " معالم السنن 2 / 432 عن أحمد وإسحاق في من فعل ذلك ساهيا، أنه لا شيء عليه. لأنه يرى أن حكم العامد خلاف ذلك. ويدل على صحة ما ذهب إليه أحمد قوله في هذا الحديث " إني لم أشعر فحلقت ". وقال ابن قدامة في " المغني " 3 / 474: قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه، فأما التعمد فلا لان النبي، صلى الله عليه وسلم، سأله رجل قال: " لم أشعر ". وقال ابن دقيق العيد، في شرح عمدة الاحكام، 3 / 79: ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج، لقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل " لم أشعر " فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج. (1) المخاطب هنا " عبد الله بن أحمد بن حنبل " راجع الميزان وتهذيب التهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 146 - ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو يَزِيْدَ الكَلاَعِيُّ * (خَ، 4) المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، عَالِمُ حِمْصَ، أَبُو يَزِيْدَ الكَلاَعِيُّ، الحِمْصِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَنَافِعٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فِي خَلقٍ كَثِيْرٍ، كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ لَوْلاَ بِدعَتُه. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ - رَفِيْقُه - وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعِدَّةٌ. يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (البُخَارِيِّ) ، وَهُوَ حَافِظٌ مُتقِنٌ، حَتَّى إِنَّ يَحْيَى القَطَّانَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً أَوْثَقَ مِنْ ثَوْرٍ، كُنْتُ أَكْتُب عَنْهُ بِمَكَّةَ فِي أَلوَاحٍ. وَعَنْ وَكِيْعٍ: كَانَ ثَوْرٌ أَعَبْدَ مَنْ رَأَيْتُ. وَقَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثَوْرٌ مِنْ أَثبتِهِم. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَثَّقُوْهُ، وَلاَ أَرَى بِحَدِيْثِهِ بَأْساً، وَلَهُ مِنَ (المُسْنَدِ) نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، لَمْ أَرَ لَهُ أَنْكَرَ مِمَّا ذَكرتُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، حَافِظٌ. قَالَ أَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ ثَوْراً لَقِيَ الأَوْزَاعِيَّ، فَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، فَأَبَى الأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا ثَوْرُ! لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا، لَكَانَتِ   (*) تاريخ خليفة 427، طبقات خليفة (315) ، تاريخ البخاري 2 / 181، التاريخ الصغير 2 / 99 - 100، الجرح والتعديل 2 / 468 - 469، الكامل في التاريخ 5 / 611، تهذيب الكمال 179، وقد تحرف اسم أبيه فيه إلى " زياد "، تذهيب التهذيب 1 / 98 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 175، ميزان الاعتدال 1 / 374 - 375، تهذيب التهذيب 2 / 33 - 35 خلاصة تذهيب الكمال 58. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 المُقَارَبَةُ، وَلَكِنَّهُ الدِّيْنُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ثَوْرٌ يَرَى القَدَرَ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: قَالَ سُفْيَانُ: اتَّقُوا ثَوْراً، لاَ يَنْطَحَنَّكُم بِقَرنِه. قُلْتُ: كَانَ ثَوْرٌ عَابِداً، وَرِعاً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ. فَقَدْ رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ مُنَبِّهِ بنِ عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِثَوْرٍ: يَا قَدَرِيُّ! قَالَ: لَئِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ، إِنِّي لَرَجُلُ سُوءٍ، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْتَ، إِنَّكَ لَفِي حِلٍّ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: نَفَى أَسَدُ بنُ وَدَاعَةَ ثَوْراً، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ: أَخْرَجُوْهُ، وَأَحْرقُوا دَارَه؛ لِكَلاَمِه فِي القَدَرِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ ثَوْرٌ سنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ. 147 - حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ ابْنُ ذَكْوَانَ العَوْذِيُّ * (ع) هُوَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ ذَكْوَانَ العَوْذِيُّ، البَصْرِيُّ، المُؤَدِّبُ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَبُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَغُنْدَرٌ، وَعَبْدُ   (*) تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (220) ، تاريخ البخاري: 2 / 387، الجرح والتعديل 3 / 52، مشاهير علماء الأمصار 154، تهذيب الكمال 288، تذهيب التهذيب 1 / 148 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 174، تهذيب التهذيب 2 / 338 - 339، خلاصة تذهيب الكمال 83، مقدمة فتح الباري ص 395: وفيها توثيقه عن ابن معين والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة وابن سعد والعجلي والبزار والدارقطني. وقال يحيى القطان: فيه اضطراب. وعلق الحافظ على قول يحيى هذا فقال: لعل الاضطراب في الرواة عنه، فقد احتج به الأئمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالنَّاسُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، بِلاَ مُسْتَندٍ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ - وَذُكِرَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ - فَقَالَ: فِيْهِ اضْطِرَابٌ. قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا (الصَّحِيْحَيْنِ) . وَمَاتَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَذَكَرَ لَهُ العقِيْلِيُّ حَدِيْثاً وَاحِداً، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ، وَغَيْرُه مِنَ الحُفّاظِ أَرْسَلَه، فَكَانَ مَاذَا؟ فَلَيْسَ مِنْ شَرطِ الثِّقَةِ أَنْ لاَ يَغلَطَ أَبَداً، فَقَدْ غَلطَ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ، وَنَاهِيْكَ بِهِمَا ثِقَةً، وَنُبلاً، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ مِمَّنْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمَنْ تَقدَّمَ مُطلَقاً، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 148 - عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ الجَزَرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ، الفَقِيْهُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَكْحُوْلٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيَّ حَرفٌ مِنَ السُّنَّةِ بِاليَمَنِ، لأَتَيتُهَا. قُلْتُ: هَذِهِ الدَّعوَى تَدلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ.   (*) تاريخ خليفة 423، طبقات خليفة (320) ، تاريخ البخاري: 6 / 367، التاريخ الصغير 2 / 86، 87، الجرح والتعديل 6 / 258، تهذيب الكمال 1052، تذهيب التهذيب 3 / 110 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 60، العقد الثمين: 6 / 417، تهذيب التهذيب 8 / 108، 109، خلاصة تذهيب الكمال 294. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ قَدْرَ عَمِّي عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ عِنْدَ المَنْصُوْرِ، قُلْتُ لَهُ: لَوْ أَنَّكَ سَأَلتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يُقْطِعَكَ قَطِيْعَةً. فَسَكَتَ، فَأَلححتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّكَ لَتسَألُنِي أَنْ أَسْأَلَه شَيْئاً قَدِ ابْتَدَأنِي هُوَ بِهِ غَيْرَ مرَّةٍ، فَلَمْ أَفْعَلْ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ ثِقَةٌ. وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَصِفُ عَمْرَو بنَ مَيْمُوْنٍ بِمَعْرِفَةِ القُرْآنِ وَالنَّحوِ، وَلَمْ أَرَهُ يَغتَابُ أَحَداً. وَقَالَ هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ: مَاتَ عَمْرٌو بِالرَّقَّةِ، وَكَانَ يُؤدِّبُ بِحصْنِ مَسْلَمَةَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 149 - عَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ * (م، د، س، ق) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو شُبْرُمَةَ، قَاضِي الكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيْقٍ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَطَائِفَةٍ.   (*) تاريخ خليفة 361، 421، طبقات خليفة (167) ، تاريخ البخاري 5 / 117، التاريخ الصغير 2 / 77 - 78، الجرح والتعديل 5 / 82، مشاهير علماء الأمصار 168، الكامل في التاريخ 5 / 228، تهذيب الكمال 692، تذهيب التهذيب 2 / 150 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 88 - 89، ميزان الاعتدال 2 / 438، تهذيب التهذيب 5 / 250 - 251، خلاصة تذهيب الكمال 200 - 201، شذرات الذهب 1 / 215 - 216. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَوُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَشُعَيْبُ بنُ صَفْوَانَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الفُروعِ، وَأَمَّا الحَدِيْثُ فَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ مِنْهُ، لَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ أَوْ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً. وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ بنِ طُفَيْلِ بنِ حَسَّانٍ الضَّبِّيُّ. وَهُوَ عَمُّ عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَلَكِنْ عُمَارَةُ أَسَنُّ مِنْهُ. وَآخرُ أَصْحَابِه مَوْتاً: أَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَفِيْفاً، صَارِماً، عَاقِلاً، خَيِّراً، يُشبِهُ النُّسَّاكَ، وَكَانَ شَاعِراً، كَرِيْماً، جَوَاداً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. رَوَى: ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا اجْتَمَعتُ أَنَا وَالحَارِثُ العُكْلِيُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ، لَمْ نُبَالِ مَنْ خَالَفَنَا. وَقَالَ فُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ: كُنَّا نَجلِسُ أَنَا، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ العُكْلِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ، وَالقَعْقَاعُ بنُ يَزِيْدَ بِاللَّيْلِ، نَتذَاكَرُ الفِقْهَ، فَرُبَّمَا لَمْ نَقُمْ حَتَّى نَسْمَعَ النِّدَاءَ بِالفَجْرِ. وَقَالَ عَبْدُ الوَارِثِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرعَ جَوَاباً مِنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ إِذَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: جُعِلتُ فِدَاكَ، يَغْضَبُ وَيَقُوْلُ: قُلْ: غَفَرَ اللهُ لَكَ. وَرَوَى: ابْنُ السِّمَاكِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَن بَالغَ فِي الخُصومَةِ أَثِمَ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيْهَا خصمَ، وَلاَ يُطِيْقُ الحَقَّ مَنْ بَالَى عَلَى مَنْ دَارَ الأَمْرَ. وَرَوَى: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: عَجبتُ لِلنَّاسِ يَحْتَمُوْنَ مِنَ الطَّعَامِ مَخَافَةَ الدَّاءِ، وَلاَ يَحتَمُوْنَ مِنَ الذُّنوبِ مَخَافَةَ النَّارِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ عِيْسَى بنُ مُوْسَى لاَ يَقْطَع أَمراً دُوْنَ ابْنِ شُبْرُمَةَ. قَالَ: فَبَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ إِلَى عِيْسَى بِعمِّهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ لِيَحبسَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ .... وَإِنَّهُ ..... فَاسْتشَارَ ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ (1) يُرِدِ المَنْصُوْرُ غَيْرَك؟! وَكَانَ عِيْسَى وَلِيَّ العَهْدِ، فَقَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: احْبِسْهُ، وَاكْتُبْ إِلَيْهِ أَنَّكَ قَتَلْتَهُ. فَفَعَلَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ إِلَى عِيْسَى، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنِ اقْتُلْهُ، فَقَدْ قَتَلْتُه. فَرَجَعُوا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: كَذَبَ، لأُقَيِدَنَّهُ بِهِ. فَارتَفعُوا إِلَى القَاضِي، فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِيْسَى، أَخْرَجَهُ إِلَيْهِم. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلِ الأَعْرَابِيَّ - يُرِيْدُ: ابْنَ شُبْرُمَةَ - فَإِنَّ عِيْسَى لاَ يَعْرِفُ هَذَا. قَالَ: فَمَا زَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ مُختَفِياً حَتَّى مَاتَ بِخُرَاسَانَ، سَيَّرهُ إِلَيْهَا عِيْسَى بنُ مُوْسَى. رَوَى: ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمُغِيْرَةُ، وَالحَارِثُ العُكْلِيُّ يَسهَرُوْنَ فِي الفِقْهِ، فَرُبَّمَا لَمْ يَقُوْمُوا إِلَى الفَجْرِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَالمَدَائِنِيُّ. 150 - عَمْرُو بن ُ الحَارِثِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ * (ع) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ الأَصْلِ، المِصْرِيُّ، عَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَمُفْتِيْهَا، مَوْلَى قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ. وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنِ، فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ أَبِي   (1) سقطت من الأصل (*) طبقات خليفة (296) ، تاريخ البخاري 6 / 320، التاريخ الصغير 2 / 96، الجرح والتعديل 6 / 225، مشاهير علماء الأمصار 187، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1029 - 1030، تذهيب التهذيب 3 / 95 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 133، ميزان الاعتدال 1 / 252، تاريخ الإسلام 6 / 105، 107، تهذيب التهذيب 8 / 14 - 16، خلاصة تذهيب الكمال 287، شذرات الذهب 1 / 223 حسن المحاضرة 1 / 300 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 مُلَيْكَةَ، وَأَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَبِي عُشَّانَةَ المَعَافِرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَبَكْرِ بنِ سَوَادَةَ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَثُمَامَةَ بنِ شُفَيٍّ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَأَبِيْهِ الحَارِثِ، وَالجُلاَحِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَحَبَّانَ بنِ وَاسِعٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَدرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَزَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، وَعَامِرِ بنِ يَحْيَى المَعَافِرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَن بنِ القَاسِمِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَبَرَعَ فِي العِلْمِ، وَاشتُهِرَ اسْمُه. حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ شَيْخُهُ، وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ شَيْخُهُ أَيْضاً. وَقِيْلَ: إِنَّ مُجَاهِدَ بنَ جَبْرٍ رَوَى عَنْهُ، وَهَذَا وَهمٌ لاَ يَسوغُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ وَأَسَنُّ - وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَمُوْسَى بنُ أَعَيْنَ، وَنَافِعُ بنُ (1) يَزِيْدَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرٍ، وَلَمْ يَشِخْ، إِنَّمَا مَاتَ فِي الكُهولَةِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: لَيْسَ فِيْهِم -يَعْنِي: أَهْلَ مِصْرَ- أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ يُقَارِبُه. وَقَالَ الأَثْرَمُ: عَنْ أَحْمَدَ: مَا فِي هَؤُلاَءِ المِصْرِيِّينَ أَثْبَتَ مِنَ اللَّيْثِ، لاَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَلاَ أَحَدٌ، وَقَدْ كَانَ عَمْرٌو عِنْدِي، ثُمَّ رَأَيْتُ لَهُ أَشْيَاءَ مَنَاكِيْرَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ أَحْمَدَ (2) : عَمْرُو بنُ الحَارِثِ حَملَ حملاً شَدِيْداً، يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ أَحَادِيْثَ يَضطرِبُ فِيْهَا، وَيُخْطِئُ. وَقَالَ ابْنُ   (1) سقطت من الأصل. (2) زيادة من تاريخ المؤلف والتهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 مَعِيْنٍ مَنْ طَرِيْقِ الكَوْسَجِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالعِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُه جِدّاً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الَّذِي يَقُوْلُ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ: الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْرٍ، يُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ عَمْرَو بنَ الحَارِثِ. وَرَوَى: عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ شَيْخٍ وَسَبْعِيْنَ شَيْخاً، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَحْفَظُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَبِيْعَةُ: لاَ يَزَالُ بِذَلِكَ المِصرُ عِلْمٌ مَا دَامَ بِهَا ذَلِكَ القَصِيْرُ -يَعْنِي: عَمْرَو بنَ الحَارِثِ-. حَرْمَلَةُ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: اهْتَدَيْنَا فِي العِلْمِ بِأَرْبَعَةٍ: اثْنَانِ بِمِصْرَ، وَاثْنَانِ بِالمَدِيْنَةِ، عَمْرُو بنُ الحَارِثِ وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ بِمِصْرَ، وَمَالِكٌ وَابْنُ المَاجَشُوْنِ بِالمَدِيْنَةِ، لَوْلاَ هَؤُلاَءِ لَكُنَّا ضَالِّينَ. قُلْتُ: بَلْ لَوْلاَ اللهُ لَكُنَّا ضَالِّينَ، اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: لَوْ بَقِيَ لَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، مَا احْتَجنَا إِلَى مَالِكٍ. هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اكْتُبْ لِي مِنْ أَحَادِيْثِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ. فَكَتَبتُ لَهُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَحدَّثتُه بِهَا. وَرَوَى: شُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَبَيْنَ أَبِيْهِ الحَارِثِ بنِ يَعْقُوْبَ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فِي الفَضْلِ، فَالحَارِثُ أَفْضَلُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيْهِ يَعْقُوْبَ فِي الفَضْلِ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ عَمْرٌو أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيْرٌ فِي الحِفظِ فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: كَانَ أَخطبَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَبلَغَهم، وَأَرَوَاهُم لِلشِّعرِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: أَخْرَجَهُ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 المَدِيْنَةِ إِلَى مِصْرَ مُؤُدِّباً لِبَنِيْهِ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ فَقِيْهاً، أَدِيْباً، أَدَّبَ لِوَلَدِ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يُعلِّمُ وَلدَ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ سَيِّئَ الحَالِ، فَلَمَّا عَلَّمَهم، صَلحَ حَالُه، صَارَ يَلْبَسُ الوَشْيَ وَالخَزَّ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى عَمْرَو بنَ الحَارِثِ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ بِدِيْنَارٍ، قَمِيْصُه، وَرِدَاؤُهُ، وَإِزَارُه، ثُمَّ لَمْ تَمضِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْتُه يَجرُّ الوَشْيَ وَالخَزَّ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجعُوْنَ -. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: قَالَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: الشَّرفُ شَرَفَانِ، شَرفُ العِلْمِ، وَشَرفُ السُّلْطَانِ، وَشَرفُ العِلْمِ أَشْرَفُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ بنِ رِشدِيْنَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ - وَذَكَرَ اللَّيْثَ - فَقَالَ: إِمَامٌ، قَدْ أَوجبَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْنَا حَقَّه. فَقُلْتُ لَهُ: اللَّيْثُ إِمَامٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَكُنْ بِالبَلَدِ بَعْدَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ مِثْلُ اللَّيْثِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَجْرَمِ الحَافِظُ: عَمْرُو بن الحَارِثِ غَزِيْرٌ، عَزِيْزُ الحَدِيْثِ جِدّاً مَعَ عِلْمِه وَثَبتِه، وَقَلَّمَا يَخْرُجُ حَدِيْثُه مِنْ مِصْرَ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ قَارِئاً، فَقِيْهاً، مُفْتِياً، ثِقَةً. وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: كَانَ قَارِئاً، مُفْتِياً، أَفتَى فِي زَمَنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ أَدِيْباً، فَصِيْحاً. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: وُلدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَالأَمِيْرُ: وُلدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. زَادَ ابْنُ يُوْنُسَ: فِي شَوَّالٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ. وَرَوَى: الغَلاَبِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 تِسْع وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: الصّحِيْحُ وَفَاتُه فِي شَوَّالٍ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، مَاتَ مَعَهُ الأَعْمَشُ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ خَالِهِ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ المِصْرِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِه، فَيَرَى النَّاسَ صُفُوْفاً، يَسْأَلُوْنَهُ عَنِ القُرْآنِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالشِّعرِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالحِسَابِ. وَكَانَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْرُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَدِّباً لِوَلَدِهِ الفَضْلِ، فَنَالَ حِشْمَةً بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَمْرٍو. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قِرَاءةً، قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ صَيَّاحٍ المَخْزُوْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهرَ، وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ، وَالعِشَاءَ، وَرَقدَ رَقدَةً بِالمُحصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ، فَطَافَ بِهِ (1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مِنَ العَوَالِي. وَعِنْدِي بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى عَمْرٍو عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، وَلاَ يَقَعُ حَدِيْثُهُ أَعْلَى مِنْ هَذَا، وَلاَ يَقعُ فِي كِتَابٍ مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ إِلاَّ بوَاسطَةِ اثْنَيْنِ، حَتَّى فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَه رَجُلاَنِ.   (1) وأخرجه البخاري 3 / 470 في الحج، باب: من صلى العصر يوم النحر بأبطح، والدارمي 2 / 55، والمحصب: موضع فيما بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو ما انبطح من الوادي واتسع، وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحباب النزول بالمحصب مع الاتفاق أنه ليس من المناسك. سير 6 / 23 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 151 - أَبُوْه ُ: الحَارِثُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ * (م، ت، س) مِنْ فُضَلاَءِ التَّابِعِيْنَ، وَعُبَّادِهم. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ. وَقِيْلَ: يَرْوِي عَنْ: سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ رَفِيْقُه، وَاللَّيْثُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ. وَكَانَ أَبُوْهُ يَعْقُوْبُ مِنَ العَابِدِيْنَ أَيْضاً، وَكَانَ الحَارِثُ رُبَّمَا أَحْيَى اللَّيْلَ صَلاَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. 152 - العَوَّامُ بنُ حَوْشَبِ بنِ يَزِيْدَ الرَّبَعِيُّ الوَاسِطِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عِيْسَى الرَّبَعِيُّ، الوَاسِطِيُّ. كَانَ لَهُ عِدَّةُ إِخوَةٍ، أَسْلَمَ جَدُّهم يَزِيْدُ عَلَى يَدِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَهُ عَلَى شُرطَتِه. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَلَمَةُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، وَشُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، وَآخَرُوْنَ.   (*) الجرح والتعديل 3 / 93 - 94، تهذيب الكمال 225، تذهيب التهذيب 1 / 116 / 1 - 2، تهذيب التهذيب 2 / 164، خلاصة تذهيب الكمال 69. (* *) طبقات خليفة (326) ، تاريخ البخاري 7 / 67، التاريخ الصغير 2 / 47، الجرح والتعديل 7 / 22، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1065، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب 1 / 244. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 ذَكرَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ صَاحِبَ أَمرٍ (1) بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَمَّا: 153 - العَوَّامُ بنُ حَمْزَةَ المَازِنِيُّ * فَشَيْخٌ بَصْرِيٌّ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَغُنْدَرٌ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَهُ مَنَاكِيْرُ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُه بِشَيْءٍ. قُلْتُ: فَهَذَا مِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ القَطَّانُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَمرُهُ. 154 - هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرْدُوْسِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، القُرْدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ. وَيُقَالُ: هُوَ مِنَ العَتِيْكِ، وَنَزَلَ فِي القَرَادِيسِ. وَقِيْلَ: هُوَ مِنْ مَوَالِيْهم، وَهُوَ أَشْبَهُ. فَلَمْ يُسمَّ لَهُ جَدٌّ مَعَ شُهرَةِ هِشَامٍ وَنُبلِه، وَمَا عَلِمتُ لَهُ شَيْئاً عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ أَدْرَكَه، وَهُوَ قَدِ اشْتدَّ. حَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأُخْتِهِ؛ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي مِجْلَزٍ،   (1) زيادة يتطلبها المعنى وهي من التهذيب. (*) تاريخ البخاري: 7 / 67، الجرح والتعديل 7 / 22 - 23، تهذيب الكمال 1056، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 303، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة تذهيب الكمال 295. (* *) تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (219) ، تاريخ البخاري: 8 / 197، التاريخ الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 9 / 54 - 55، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب الكمال 1436، تذهيب التهذيب 4 / 113 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 144، تذكرة الحفاظ 1 / 163، ميزان الاعتدال 4 / 295 - 298، تهذيب التهذيب 11 / 34 - 37، خلاصة تذهيب الكمال 409، شذرات الذهب 1 / 219. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى القُرَشِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ -. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَزَائِدَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَهُشَيْمٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَجَرِيْرٌ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَغُنْدَرٌ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَرَوْحٌ، وَالأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ مَوْلَى القَرَادِيسِ، مِنَ الأَزْدِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْدُوْسٌ مِنْ جَمَالِه. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: هِشَامٌ مَوْلَى العَتَكِ، نَزَلَ دَربَ القَرَادِيسِ، فَنُسبَ إِلَيْهِم. رَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: كَنَّانِي مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَلَمْ يُوْلَدْ لِي. وَرَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي صَدَقَةَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ، قَالَ: هِشَامٌ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ. قَالَ حَمَّادٌ: وَكَانَ أَيُّوْبُ يَقُوْلُ: سَلْ لِي هِشَاماً عَنْ حَدِيْثِ كَذَا. قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: مَا رَأَيْتُ - أَوْ مَا كَانَ أَحَدٌ - أَحْفَظَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ هِشَامٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: أَنْبَأَنَا أَيُّوْبُ، وَهِشَامٌ، وَحَسبُكَ بِهِشَامٍ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَقَدْ أَتَى هِشَامٌ أَمراً عَظِيْماً بِرَاوَيتِه عَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 الحَسَنِ. قِيْلَ لِنُعَيْمٍ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً. قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، بَلْ كَانَ كَبِيْراً. وَقَدْ جَاءَ أَيْضاً عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ هِشَامٌ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحَسَنِ. فَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ: سَمِعَ هِشَاماً يَقُوْلُ: جَاوَرْتُ الحَسَنَ عَشْرَ سِنِيْنَ. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: كُنَّا لاَ نَعدُّ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ فِي الحَسَنِ شَيْئاً. مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: عَنْ هِشَامٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، سَردَهُ سَرداً كَمَا سَمِعَهُ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ يُرسِلُ فِيْهِ، أَرْسَلَ فِيْهِ فِي حَدِيْثِ ابْنِ سِيْرِيْنَ خَاصَّةً. عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُغِيْرَةِ المَرْوَزِيِّ: قُلْتُ لِهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ: أَخْرِجْ إِلَيَّ بَعْضَ كُتُبِكَ. قَالَ: لَيْسَ لِي كُتبٌ. يَعْنِي: كَانَ يَحْفَظُ، وَقَلَّمَا كَتَبَ. وَرَوَى: مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: مَا كَتَبتُ لِلْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ حَدِيْثاً قَطُّ، إِلاَّ حَدِيْثَ الأَعمَاقِ، لأَنَّهُ طَالَ عَلَيَّ، فَكَتَبتُه، فَلَمَّا حَفِظتُه مَحَوتُه (1) . عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: رَوَى هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ   (1) واخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 383 والخطيب في " تقييد العلم " 60 عن هشام بن حسان: ما كتبت حديثا قط إلا حديث الأعماق، فلما حفظته محوته. وربما يريد بحديث الاعماق الحديث الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (2897) في أشراط الساعه: باب فتح القسطنطينية من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم الاعماق أو بدابق ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ العَرَبُ بَيْتاً، أَوْ شَيْئاً (1)) . قُلْتُ لِيَحْيَى: هَذَا مِمَّا سَمِعْتُه مِنْ أَبِي مِجْلَزٍ؟ قَالَ: نَعَمْ (2) ، لَقِيْتُه بِخُرَاسَانَ. قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: هِشَامٌ فِي ابْنِ سِيْرِيْنَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ؟ قَالَ: هِشَامٌ. ثُمَّ قَالَ: هُوَ عِنْدِي فِي الحَسَنِ دُوْنَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو. حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ لاَ يَختَارُ عَلَى هِشَامٍ فِي حَدِيْثِ ابْنِ سِيْرِيْنَ أَحَداً. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَمَّا حَدِيْثُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَصِحَاحٌ، وَحَدِيْثُه عَنِ الحَسَنِ عَامَّتُهَا تَدورُ عَلَى حَوْشَبٍ، وَهِشَامٌ أَثْبَتُ مِنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ فِي ابْنِ سِيْرِيْنَ، هِشَامٌ ثَبْتٌ. وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَكبَارُ أَصْحَابِنَا، يُثبِتُوْنَ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ. وَكَانَ يَحْيَى يُضَعِّفُ حَدِيْثَه عَنْ عَطَاءٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّهُ أَخَذَ حَدِيْثَ الحَسَنِ عَنْ حَوْشَبٍ. عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ: سَأَلْتُ عَبَّادَ بنَ مَنْصُوْرٍ: أَتعرفُ أَشْعَثَ مَوْلَى آلِ حُمْرَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَانَ يُقَاعِدُ الحَسَنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيْراً. قُلْتُ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُه عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ. قَالَ عَرْعَرَةُ:   (1) لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة مرفوعا " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " أخرجه البخاري 13 / 66 في التوحيد: باب تغير الزمان حتى تعبد الاوثان، ومسلم (2906) وأخرج مسلم (2907) من حديث عائشة مرفوعا " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ".. (2) زيادة من التهذيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 فَأَخْبَرتُ بِذَلِكَ جَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، فَقَالَ: قَاعَدْتُ الحَسَنَ سَبْعَ سِنِيْنَ، مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَه قَطُّ. قُلْتُ: فَأَشْعَثُ؟ قَالَ: مَا أَتَيْتُ الحَسَنَ إِلاَّ رَأَيْتُه عِنْدَه. شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَوْ حَابَيْتُ أَحَداً لَحَابَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، كَانَ خَتَنِي (1) ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ. مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: زَعَمَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي حَدِيْثَ هِشَامٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ. قَالَ: وَقَالَ وُهَيْبٌ: سَأَلَنِي سُفْيَانُ أَنْ أُفِيْدَه عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَحلُّ. فَأَفَدْتُه عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، فَسَأَلَ هِشَاماً عَنْهُمَا. سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: ذُكِرَ لأَيُّوْبَ وَيَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ عَمَّا يَنْقِضُ الوُضُوْءَ، قَالَ: الحَدَثُ، وَأَذَى المُسْلِمِ. فَأَنكَرُوا قَوْلَهُ: وَأَذَى المُسْلِمِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ هِشَامٌ يَرْفَعُ حَدِيْثَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُوْل فِيْهَا: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَيُّوْبَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُهَا، فَلاَ تَرفَعْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَنْحُو بِهَا بِالرَّفعِ. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِهِشَامٍ، فَتَرَكَ الرَّفعَ. سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ لاَ يَرْفَعُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ: صَلَّى إِحْدَى صَلاَتَي العَشِيِّ، وَجَاءَ أَهْلُ اليَمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ. قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَا فِي (الصَّحِيْحِ) مِنَ المَرْفُوْعَاتِ لِمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،   (1) في الأصل، والتهذيب " خشبيا " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه كما هو في " تهذيب الكمال " وفي " الميزان ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 عِدَّةَ أَحَادِيْثَ، وَانفرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَحَادِيْثَ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ العَيْشِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: رُبَّمَا سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَطَاءً. وَأَجِيْءُ بَعْدُ، فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسٌ، عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِه. قُلْتُ لَهُ: اثْبُتْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَصَاحَ بِي. قُلْتُ: عَطَاءٌ هُوَ ابْنُ السَّائِبِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ. وَقَوْلُهُ: وَقَيْسٌ، وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ - فِيْمَا أَرَى - عَنْ قَيْسٍ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ المَكِّيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: هِشَامٌ صَالِحٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَشْعَثَ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يُسْأَلُ عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ: عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ، وَمَا تَكَادُ تُنكِرُ عَلَيْهِ شَيْئاً، إِلاَّ وَجَدْتَ غَيْرَه قَدْ رَوَاهُ، إِمَّا أَيُّوْبُ، وَإِمَّا عَوْفٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: هِشَامٌ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ. يُقَالُ: إِنَّ عِنْدَه أَلفَ حَدِيْثٍ حَسَنٍ، لَيْسَتْ عِنْدَ غَيْرِه. وَرَأَيْتُ بَعْضَهم قَالَ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ المُسْنَدَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَدُوقاً، وَكَانَ يَتثبَّتُ فِي رَفعِ الأَحَادِيْثِ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ. وَقَالَ أَيْضاً: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: قَدْ عَلِمتُ بِالاسْتِقرَاءِ التَّامِّ أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ إِذَا قَالَ فِي رَجُلٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، أَنَّهُ عِنْدَه لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ: كَانَ هِشَامٌ مِنَ البَكَّائِيْنَ. سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ - وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالجَنَّةَ وَالنَّارَ - بَكَى حَتَّى تَسِيْلَ دُمُوْعُه عَلَى خَدَّيْه. الرَّمَادِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: كَانَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ يَقُوْل لإِنْسَانٍ: إِذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 دَخَلَ عُبَيْدُ اللهِ فَآذِنِّي. قَالَ: فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ هِشَامٌ، فَلَمَّا قَامَ هِشَامٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: هَذَا يُرَى اليَوْمَ، أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ هَارُوْنَ الغسَّانِيِّ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: لَيْتَ مَا حُفِظَ عَنِّي مِنَ العِلْمِ فِي أَخْبَثِ تَنُّورٍ بِالبَصْرَةِ، وَلَيتَ حَظِّي مِنْهُ لاَ لِيَ وَلاَ عَلَيَّ. قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُه ذَاتُ العِلْمِ، فَهَذَا لاَ يَقُوْلُه مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُه التَّعْلِيْمُ، وَالقَصْدُ بِالعِلْمِ، أَلاَ تَرَاهُ كَيْفَ يَقُوْلُ: لَيْتَ حَظِّي مِنْهُ لاَ لِيَ وَلاَ عَلَيَّ؟! مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلاَّفُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَوَاءٍ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: لَوَدِدْتُ أَنِّي قَارُوْرَةً، حَتَّى كُنْتُ أُقطِرُ فِي حَلْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُم. عَفَّانُ: عَنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ: لَمْ أَرَ هِشَاماً عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ، وَلاَ جَاءَ مَعَنَا عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ. قَالَ: وَقَالَ أَشْعَثُ: مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَ الحَسَنِ، وَلاَ وَلاَ .... فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هَانِئ، إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ هَذَا فِي هِشَامٍ، وَهِشَامٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ، فَلاَ تُعِنْ عَمْراً عَلَيْهِ. قَالَ: فَكفَّ عَنْهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْك بِحَجَّاجٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ، وَاكتُمْ عَلَيَّ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي خَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَهِشَامٍ. قُلْتُ: لَمْ يُتَابَعْ شُعْبَةَ عَلَى رَأْيِه هَذَا أَحَدٌ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعَ عَمْرُو بنُ الحَجَّاجِ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يُحَدِّثُ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: اكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا وَلاَ أَنْجَحنَا. فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ: فَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 أَفلحنَ وَلاَ أَنْجحنَ (1) . وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى الحَسَنِ سَبْعَ سِنِيْنَ، لَمْ أَخرِمْ مِنْهُ يَوْماً وَاحِداً، أَصُومُ، وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ، مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَه قَطُّ. قُلْتُ: هِشَامٌ قَدْ قَفَزَ القَنطرَةَ، وَاسْتقرَّ تَوْثِيْقُه، وَاحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ، وَلَهُ أَوهَامٌ مَغمُورَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، وَلاَ شكَّ أَنَّ يُوْنُسَ وَابْنَ عَوْنٍ أَحْفَظُ مِنْهُ وَأَتقنُ، كَمَا أَنَّهُ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو وَأَتقنُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: مَاتَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهَذَا أَصَحُّ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَالخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، وَأَنْبَأَنَا المِقْدَادُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَنِيْنَا، وَزَيْدُ بنُ الحَسَنِ اللُّغَوِيُّ، قَالُوا أَرْبَعَتُهُم: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ حُضُوْراً،   (1) أخرجه أحمد 4 / 427، 430، والترمذي (2049) وابن ماجه (3490) ، من طرق: عن الحسن، عن عمران بن الحصين. ولفظ أحمد، والترمذي: " فما أفلحنا ولا أنجحنا " ولفظ ابن ماجه " فما أفلحت ولا أنجحت " ورجاله ثقات وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه أبو داود (3865) من حديث موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: " نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن، ولا أنجحن " وإسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إِلاَّ غِبّاً (1) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ يَحْيَى القَطَّانِ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامٍ، نَحْوَه. وَلَهُ علَّةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، مُرْسَلاً. وَرَوَاهُ: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ قَوْلَهُمَا، وَهَذَا أَقْوَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ أَكَلَ وَشَرِبَ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ) (2) . 155 - عِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ السَّدُوْسِيُّ * (م، د، ت، س) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عُبَيْدَةَ السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَعِكْرِمَةَ،   (1) وأخرجه الترمذي في " الشمائل " رقم (34) ، وأحمد 4 / 86، وأبو داود (4159) ، والترمذي في الجامع (1756) ، والنسائي 8 / 132، ورجاله ثقات. وصححه ابن حبان (1480) ، وله شاهد عند النسائي 8 / 131، بسند صحيح، كما قال الحافظ في " الفتح " 10 / 309، عن حميد بن عبد الرحمن قال، لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحبه أبو هريرة، أربع سنين، قال: " نهانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يمتشط أحدنا كل يوم " وأخرجه أحمد 4 / 111، وأبو داود (28) ، والغب: أن يمتشط يوما، ويدع يوما. (2) ورواه البخاري 4 / 135 في الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، وفي الايمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا في الايمان، ومسلم (1155) في الصيام، باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر. والترمذي (721) في الصوم، باب: في الصائم يأكل ويشرب ناسيا، وأبو داود (2398) في الصوم، باب: من أكل ناسيا. (*) تاريخ خليفة (425) ، طبقات خليفة (221) ، تاريخ البخاري 6 / 425، الجرح = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 وَصَلَّى وَرَاءَ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَوَكِيْعٌ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ مِنْ أَوْثَقِ شَيْخٍ بِالبَصْرَةِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 156 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنِ بن أَرْطَبَانَ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ البَصْرَةِ، أَبُو عَوْنٍ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَزِيَادِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ، وَخَلْقٍ. وَمَا وَجَدْتُ لَهُ سَمَاعاً مِنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَلاَ مِنْ صَحَابِيٍّ، مَعَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَبَقَتِه، وَكَانَ مَعَ أَنَسٍ بِالبَصْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَساً وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَأَزْهَرُ السَّمَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَقُرَيْشُ بنُ   = والتعديل 6 / 296 - 297 تهذيب الكمال (1057) ، التاريخ الصغير 2 / 98، تذهيب التهذيب 3 / 113 / 1 تهذيب التهذيب 8 / 125، خلاصة تذهيب الكمال (295) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 261 - 268، تاريخ خليفة 128 - 167 - 264 - 425، طبقات خليفة 219، تاريخ البخاري: 5 / 163، الجرح والتعديل 5 / 130، حلية الأولياء 3 / 37 - 44، التاريخ الصغير 2 / 111، الكامل في التاريخ 2 / 488، تهذيب الكمال 719، 720، تذهيب التهذيب 2 / 171 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 211 - 214، تذكرة الحفاظ 1 / 156، تهذيب التهذيب 5 / 346 - 349، خلاصة تذهيب الكمال 209، شذرات الذهب 1 / 230. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَبَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ. قَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ مِثْلَ هَذَا القَوْلِ، وَقَدْ رَأَى الحَسَنَ البَصْرِيَّ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ: شَكُّ ابْنِ عَوْنٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَقِيْنِ غَيْرِه. مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: رَأَيْتُ غَيْلاَنَ القَدَرِيَّ مَصلُوباً عَلَى بَابِ دِمَشْقَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرِعاً، عُثْمَانِيّاً. قَالَ: وَأَنْبَأَنَا بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ تُقَادُ بِهِ دَابَّتُه. مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ المِنْقَرِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى القَطَّانِ، فَتَذَاكَرُوا الأَعْمَشَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَقَالُوا: الأَعْمَشُ رَأَى غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعَ ابْنُ عَوْنٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الأَرْضِ، سَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنَ الحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ، وَبِالشَّامِ مِنْ مَكْحُوْلٍ وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ. مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُلاَزِمُ ابْنَ عَوْنٍ، فَقِيْلَ لَهُ: بَلَغَ حَدِيْثُ ابْنِ عَوْنٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ؟ قَالَ: أَضْعَفُ. قِيْلَ: سِتَّةٌ؟ فَسَكَتَ الرَّجُلُ. قَالَ النَّضْرُ: وَسَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: شكُّ ابْنِ عَوْنٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَقِيْنِ غَيْرِه. وَرَوَاهَا: المُقْرِئُ، عَنْ شُعْبَةَ. وَسُئِلَ ابْنُ عُلَيَّةَ: مَنْ حُفَّاظُ البَصْرَةِ؟ فَذَكَرَ: ابْنَ عَوْنٍ، وَجَمَاعَةً. مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: سَمِعْتُ وُهَيْباً يَقُوْلُ: دَارَ أَمرُ البَصْرَةِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 أَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَبطنَ بِالحَسَنِ مِنَّا، وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ مَنْزِلَه فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ، فَنِمتُ عَلَى سَرِيْرِه، فَلَقَدِ انْتبَهْتُ وَإِنَّهُ لَيُرَوِّحُنِي. رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ رُسْتُمَ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: صَحِبتُ ابْنَ عَوْنٍ أَرْبَعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَمَا أَعْلَمُ أَنَّ المَلاَئِكَةَ كَتَبتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً. وَعَنْ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ أَملَكَهم لِلِسَانِه. مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لأعرِفُ رَجُلاً مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، يَتَمَنَّى أَنْ يَسلَمَ لَهُ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ ابْنِ عَوْنٍ، فَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّياً مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ. وَقَالَ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: مَا رَأَيْتُ أَعَبْدَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَه. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اليَوْمَ يَسْتبِيْنُ فَضْلُ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. قَالَ: فَأشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ابْنِ عَوْنٍ وَهُوَ جَالِسٌ. عَنْ عُثْمَانَ البَتِّيِّ، قَالَ: لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ. وَرُوِيَ عَنِ: القَعْنَبِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ لاَ يَغضَبُ، فَإِذَا أَغضبَهُ رَجُلٌ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ. وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ أُمَّهُ نَادَتْهُ، فَأَجَابَهَا، فَعَلاَ صَوْتُهُ صَوْتَهَا، فَأَعتقَ رَقَبَتَيْنِ. قَالَ بَكَّارٌ السِّيْرِيْنِيُّ: صَحِبتُ ابْنَ عَوْنٍ دَهْراً، فَمَا سَمِعْتُه حَالِفاً عَلَى يَمِيْنٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجرَةٍ. قَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: كُنَّا نَعجبُ مِنْ وَرعِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَأَنْسَانَاهُ ابْنُ عَوْنٍ. قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا كَانَ بِالعِرَاقِ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَرَى قَوْماً يَتَكَلَّمُوْنَ فِي القَدَرِ، أَفَأَسْمَعُ مِنْهُم؟ فَقَالَ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِيْنَ يَخُوْضُوْنَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُم ... } إِلَى قَوْلِه: {الظَّالِمِيْنَ} [الأَنْعَامُ: 68] . قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْظَمَ رَجَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ، لَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَه الحَجَّاجُ وَأَنَا شَاهِدٌ. فَقِيْلَ: يَزْعُمُوْنَ أَنَّكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ؟ فَقَالَ: مَا لِي أَسْتَغْفِرُ لِلْحَجَّاجِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَه؟ وَمَا كُنْتُ أُبالِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهُ السَّاعَةَ. ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَ هِشَامٌ مرَّةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ حَدَّثكَ بِهِ؟ قَالَ: مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ -وَاللهِ- مِثْلَه قَطُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ. رَوَى: بَهِيْمٌ (1) العِجْلِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا مَاتَ ابْنُ عَوْنٍ، وَالثَّوْرِيُّ، اسْتَوَى النَّاسُ. عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَوْ خُيِّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يَنْظُرُ لَهَا، مَا اخْترتُ إِلاَّ سُفْيَانَ وَابْنَ عَوْنٍ. أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ. مُعَاذٌ: عَنْ شُعْبَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِلاَّ وَهُوَ يُدَلِّسُ، إِلاَّ ابْنَ عَوْنٍ، وَعَمْرَو بنَ مُرَّةَ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِمَّنْ ذُكِرَ لِي، إِلاَّ كَانَ إِذْ رَأَيْتُه دُوْنَ مَا ذُكِرَ   (1) ترجمته في الجرح والتعديل 2 / 436. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 لِي، إِلاَّ ابْنَ عَوْنٍ، وَحَيْوَةَ بنَ شُرِيْحٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الكُوْفَةَ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ. عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: فُقَهَاؤُنَا: أَيُّوْبُ، وَيُوْنُسُ، وَابْنُ عَوْنٍ. قُلْتُ: هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ أَنْجُمُ البَصْرَةِ فِي الحِفظِ، وَفِي الفِقْهِ، وَفِي العِبَادَةِ، وَالفَضْلِ، وَرَابِعُهم: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ -. قَالَ يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الذِّمِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ لابْنِ عَوْنٍ: سَيِّدُ القُرَّاءِ فِي زَمَانِهِ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ثِقَةٌ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ لاَحِقٍ، قَالَ: كُنَّا بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَخَرَجَ رُومِيٌّ يَدْعُو إِلَى المُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَه، ثُمَّ دَخَلَ فِي النَّاسِ، فَجَعَلتُ أَلوذُ بِهِ لأَعرِفَهُ، وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ. فَوَضَعَ المِغْفَرَ يَمْسَحُ وَجْهَه، فَإِذَا ابْنُ عَوْنٍ! عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، قَالَ: جَالَستُ ابْنَ عَوْنٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَلَمْ أَظُنَّ أَنَّ المَلَكَيْنِ كَتَبَا عَلَيْهِ سُوءاً. وَرَوَى نَحْوَهَا: عِصَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ خَارِجَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ قَدْ أَوْصَى إِلَى أَبِي، وَصَحِبتُهُ دَهْراً، فَمَا سَمِعْتُه حَالِفاً عَلَى يَمِيْنٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجِرَةٍ. كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ، لَيِّنَ الكُسْوَةِ، وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَرَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَلَمْ يَرَهُ إِلاَّ قَبْلَ مَوْتِه بِيَسِيْرٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ سُرُوْراً شَدِيْداً. قَالَ: فَنَزَلَ مِنْ دَرَجَتِه إِلَى المَسْجِدِ، فَسَقَطَ، فَأُصِيْبَتْ رِجْلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَالِجُهَا حَتَّى مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، فَذَكَرُوا بِلاَلَ بنَ أَبِي بُرْدَةَ، فَجَعَلُوا يَلْعَنُونَه، وَيَقَعُوْنَ فِيْهِ -يَعْنِي: لِجَوْرِه وَظُلمِه-. قَالَ: وَابْنُ عَوْنٍ سَاكِتٌ. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا نَذكُرُه لِمَا ارْتكبَ مِنْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُمَا كَلِمتَانِ تَخْرُجَانِ مِنْ صَحِيْفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَعنَ اللهُ فُلاَناً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ عَوْنٍ: أَلاَ تَتَكَلَّمُ فَتُؤْجَرَ؟ فَقَالَ: أَمَا يَرْضَى المُتكلِّمُ بِالكَفَافِ؟ رَوَى: مِسْعَرٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: ذِكْرُ النَّاسِ دَاءٌ، وَذِكْرُ اللهِ دَوَاءٌ. قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ، فَالعجَبُ مِنَّا، وَمِنْ جَهلِنَا، كَيْفَ نَدَعُ الدَّوَاءَ، وَنقتحِمُ الدَّاءَ؟! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ} [البَقَرَةُ: 153] ، {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العَنْكَبُوْتُ: 46] ، وَقَالَ: {الَّذِيْنَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوْبُهُم بِذِكْرِ اللهِ، أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوْبُ} [الرَّعْدُ: 29] وَلَكِنْ لاَ يَتَهَيَّأُ ذَلِكَ إِلاَّ بِتوفِيْقِ اللهِ، وَمَنْ أَدْمَنَ الدُّعَاءَ، وَلاَزَمَ قَرْعَ البَابِ، فُتِحَ لَهُ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَوْنٍ قَدْ أُوتِيَ حِلماً وَعِلماً، وَنَفْسُه زَكِيَّةٌ تُعِيْنُ عَلَى التَّقوَى، فَطُوْبَى لَهُ. قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ إِذَا حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ، يَخشعُ عِنْدَه حَتَّى نَرْحَمَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَزِيْدَ أَوْ يَنْقِصَ. وَكَانَ لاَ يَدعُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ وَلاَ غَيْرَهم يَتبَعُهُ، وَمَا رَأَيْتُه يُمَارِي أَحَداً، وَلاَ يُمَازِحُه، مَا رَأَيْتُ أَملكَ لِلِسَانِه مِنْهُ، وَلاَ رَأَيْتُه دَخَلَ حَمَّاماً قَطُّ، وَكَانَ لَهُ وَكِيْلٌ نَصْرَانِيٌّ يَجْبِي غَلَّتَهُ، وَكَانَ لاَ يَزِيْدُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى حُضُوْرِه المَكْتُوْبَةَ، ثُمَّ يَخلُو فِي بَيْتِهِ. وَقَدْ سَعَتْ بِهِ المُعْتَزِلَةُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 بنِ حَسَنٍ، الَّذِي خَرَجَ بِالبَصْرَةِ، فَقَالُوا: هَا هُنَا رَجُلٌ يُرَبِّثُ (1) عَنْكَ النَّاسَ. فَأَرسلَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيْمُ: أَنْ مَا لِي وَلَكَ؟ فَخَرَجَ عَنِ البَصْرَةِ حَتَّى نَزَلَ القُرَيْظِيَّةَ، وَأَغلقَ بَابَه. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سَلْمِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَهُوَ أَمِيْرٌ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم، لَمْ يَزِدْ. فَضَحِكَ سَلْمٌ، وَقَالَ: نَحتمِلُهَا لابْنِ عَوْنٍ -يَعْنِي: أَنَّهُ مَا سَلَّمَ بِالإِمْرَةِ-. وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ عَوْنٍ بِخَيْرٍ، مُوسَعاً عَلَيْهِ فِي الرِّزقِ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُساً مِنْ صُوْفٍ، رَقِيْقاً، حَسَناً. فَقِيْلَ لَهُ: مَا هَذَا البُرْنُسُ يَا أَبَا عَوْنٍ؟ قَالَ: هَذَا كَانَ لابْنِ عُمَرَ، كَسَاهُ لأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَاشترَيتُه مِنْ تَرِكَتِهِ. قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ: وَكَانَ لَهُ سُبْعٌ يَقرَؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَقرَأْهُ أَتَمَّهُ بِالنَّهَارِ، وَكَانَ يَغْزُو عَلَى نَاقتِه إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا صَارَ إِلَى الشَّامِ، رَكِبَ الخَيْلَ، وَقَدْ بَارَزَ رُومِيّاً، فَقَتَلَ الرُّوْمِيَّ. وَكَانَ إِذَا جَاءهُ إِخْوَانُه كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسهِمُ الطَّيرُ، لَهُم خُشُوْعٌ وَخُضُوعٌ، وَمَا رَأَيْتُه مَازحَ أَحَداً، وَلاَ يُنشِدُ شِعراً. كَانَ مَشغُولاً بِنَفْسِهِ، وَمَا سَمِعْتُه ذَاكِراً بِلاَلَ بنَ أَبِي بُرْدَةَ بِشَيْءٍ قَطُّ. وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً قَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَوْنٍ! بِلاَلٌ فَعَلَ كَذَا. فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ يَكُوْنَ مَظْلُوْماً، فَلاَ يَزَالُ يَقُوْلُ حَتَّى يَكُوْنَ ظَالِماً، مَا أَظُنُّ أَحَداً مِنْكُم أَشدَّ عَلَى بِلاَلٍ مِنِّي. قَالَ: وَكَانَ بِلاَلٌ ضَرَبَه بِالسِّيَاطِ، لِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَربِيَّةً. وَكَانَ - فِيْمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا - لابْنِ عَوْنٍ نَاقَةٌ يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيَحُجُّ، وَكَانَ بِهَا مُعجَباً. قَالَ: فَأَمرَ غُلاَماً لَهُ يَسْتَقِي عَلَيْهَا، فَجَاءَ بِهَا وَقَدْ ضَرَبَهَا   (1) أي: يصرف عنك الناس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 عَلَى وَجْهِهَا، فَسَالتْ عَيْنُهَا عَلَى خَدِّهَا. فَقُلْنَا: إِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ شَيْءٌ، فَاليَوْمَ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّاقَةِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، أَفَلاَ غَيْرَ الوَجْهِ، بَاركَ اللهُ فِيْكَ، اخْرُجْ عَنِّي، اشْهَدُوا أَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَنْبَأَنَا بَكَّارٌ، قَالَ: كَانَتْ ثِيَابُ ابْنِ عَوْنٍ تَمَسُّ ظَهرَ قَدَمَيْهِ، وَكَانَ زَوْجَ عَمَّتِي أُمَّ مُحَمَّدٍ ابْنَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ. قَالَ أَبُو قُطْنٍ: رَأَيْتُ بَعْضَ أَسْنَانِ ابْنِ عَوْنٍ مَشدُودَةً بِالذَّهَبِ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فَضَاءٍ (1) ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقَالَ: (زُوْرُوا ابْنَ عَوْنٍ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، أَوْ أَنَّ اللهَ يُحِبُّه وَرَسُوْلَه) . قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَقطَ ابْنُ عَوْنٍ، وَأُصِيْبَتْ رِجْلُهُ، فَتَعلَّلَ، وَمَاتَ، فَحَضَرتُ وَفَاتَهُ، فَكَانَ حِيْنَ قُبِضَ مُوجَّهاً يَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- حَتَّى غَرْغَرَ. فَقَالَتْ عَمَّتِي: اقْرَأْ عِنْدَه سُوْرَةَ يس، فَقَرَأتُهَا. وَمَاتَ فِي السَّحَرِ، وَمَا قَدرنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى وَضَعنَاهُ فِي مِحْرَابِ المُصَلَّى، غَلَبنَا النَّاسُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَاتَ وَعَلَيْهِ مِنَ الدَّينِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَوْصَى بِخُمُسِ مَالِه بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِه، إِلَى أَبِي فِي قَرَابتِه المُحْتَاجِينَ، وَلَمْ أَرَهُ يَشكُو فِي عِلَّتِهِ، وَكَفَّنُوْهُ فِي بُرْدٍ، شِرَاؤُهُ مائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ دِرْهَماً، إِنَّمَا خَلَّفَ دَارَيْنِ. وَمَاتَ: فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا أَرَّخَ مَوْتَه: يَحْيَى القَطَّانُ فِيْهَا، وَالأَصْمَعِيُّ، وَسَعِيْدٌ الضُّبَعِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ. وَقَالَ المُقْرِي، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) في التقريب " قضاء " بالقاف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، وَتَرْجَمَتُه فِي كُرَّاسَيْنِ مِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) . يَقع لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، وَكَتَبَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ حُضُوْراً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَاللهِ لاَ أَسْمَعُ أَحَداً بَعْدَه يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَاتٌ - وَرُبَّمَا قَالَ: مُشْتَبِهَةٌ - وَسَأَضْرِبُ لَكُم فِي ذَلِكَ مَثَلاً: إِنَّ اللهَ حَمَى حِمَىً، وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْعَ حَوْلَ الحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الحِمَى - وَرُبَّمَا قَالَ: مَنْ يُخَالِطُ الرِّيْبَةَ، يُوْشِكُ أَنْ يَجْسُرَ (1) -) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. فَكَأَنَّ شَيْخَنَا ابْنَ الصَّيْرَفِيِّ سَمِعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ. وَسَمِعْتُه مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَحْمَدَ بنِ العِمَادِ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَالرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ   (1) إسناده صحيح. أخرجه أبو داود (3329) في البيوع، باب: اجتناب الشبهات، وأخرجه النسائي 7 / 242 - 243، في البيوع، باب: اجتناب الشبهات في الكسب، من طريق: ابن عون، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الملاَئِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بن بَشِيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، مَنْ تَرَكَهُنَّ اسْتَبْرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ يَرْكَبْهُنَّ يُوْشِكُ أَنْ يَرْكَبَ الحَرَامَ، كَالرَّاعِي إِلَى جَنْبِ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ، وَلِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ (1)) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ النَّبَطِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ عُلْوَانَ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ البَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، وَمَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُبَاشِرُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمَّ قَالَتْ: وَأَيُّكُم أَمْلَكُ لأَرَبِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) أخرجه البخاري مطولا في الايمان (52) ، ومختصرا في البيوع (2051) ، وأخرجه مسلم (1599) في المساقاة، من طرق كثيرة. وأخرجه أبو داود (3330) ، والترمذي (1205) في البيوع، باب: ما جاء في ترك الشبهات، وابن ماجه (2984) في الفتن، باب: الوقوف عند الشبهات. والدارمي 2 / 245 وأخرجه أحمد مطولا ومختصرا 4 / 267، 269، 271، 275. (2) أخرجه مسلم (1106) (68) في الصوم، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة. وأخرجه من غير هذا الطريق البخاري 4 / 131 في الصوم، باب: القبلة للصائم، وباب المباشرة للصائم، ومالك 1 / 292 في الصيام، باب: ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم. وأبو داود (2382) في الصوم: باب القبلة للصائم، وباب الصائم يبلع ريقه، والترمذي (728) و (729) في الصوم، باب: ما جاء في القبلة للصائم، وباب ما جاء في مباشرة الصائم. وقولها: كان أملككم لاربه: أي لحاجته تعني أنه كان غالبا لهواه. وأكثر المحدثين = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّةِ (ح) . وَقَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الإِصْبَهْبَذُ (1) ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ وَقَدْ عَمِيَ، فَقُلْتُ لِمَوْلاَةٍ لَهُ: قُوْلِي لأَبِي وَائِلٍ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا وَائِلٍ! حَدِّثْهُم مَا سَمِعْتَ مِنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُم لَمَجْمُوْعُوْنَ فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، يَسْمَعُكمُ الدَّاعِي، وَيَنفذكم البَصرُ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيْدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ القَحْذَمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَرْطَبَانَ، قَالَ: كُنْتُ شَمَّاساً فِي بَيْعَةِ مَيْسَانَ، فَوَقَعتُ فِي السَّهمِ لِعَبْدِ اللهِ بنِ دُرَّةَ المُزَنِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَهْلُ البَصْرَةِ يَفخُرُوْنَ بِأَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَبطنَ بِالحَسَنِ مِنَّا، وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ مَنْزِلَه فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ، فَنِمتُ عَلَى   = يرويه بفتح الهمزة والراء، يعنون: الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وهو الحاجة أيضا. يقال فيها: الأرب، والإرب، والإربة، والمأربة. (1) فارسية معربة، ومعناها: الأمير أو القائد. انظر " المعرب " للجواليقي 266. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 سَرِيْرِه، فَلَقَدِ انْتبهتُ، وَإِنَّهُ لَيُرَوِّحُنِي. وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قِلْتُ عِنْدَ الحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، فَكِلاَهمَا لَمْ يَزَالاَ قَائِمَيْنِ عَلَى أَرْجُلِهمَا، حَتَّى فُرِشَ لِي. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ البَتِّيَّ يَقُوْلُ فِي شهَادَةِ الرَّجُلِ لأَبِيْهِ: لاَ يَجُوْزُ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَبِهِ آخذُ، قَدْ شَهِدتُ عِنْدَ سَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ لأَبِي بِشهَادَةٍ، فَقَبِلَهَا. وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا كَانَ بِالعِرَاقِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. قُلْتُ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ عدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي وَقْتِه، زُهْداً، وَصَلاَحاً. فَأَمَّا سَمِيُّهُ: 157 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الهِلاَلِيُّ * (م، س) ابْنِ الأَمِيْرِ، نَائِبِ مِصْرَ، أَبِي عَوْنٍ عَبْدِ المَلِكِ بنِ يَزِيْدَ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهِلاَلِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الأَدَمِيُّ، الخَرَّازُ، أَخُو مُحْرِزِ بنِ عَوْنٍ، فَوُلدَ فِي خِلاَفَةِ المَنْصُوْرِ. وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ، وَشَرِيْكٍ، وَيُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ المَاجَشُوْنِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلْقٍ.   (*) الجرح والتعديل 5 / 131، الكامل في التاريخ 5 / 607، تهذيب الكمال 720، تذهيب التهذيب 2 / 171 / 2، تهذيب التهذيب 5 / 349، خلاصة تهذيب الكمال 209. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (الصَّحِيْحِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالمُعَمَّرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُطَيَّنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذُكِرَ لأَحْمَدَ، فَقَالَ: مَا بِهِ بَأْسٌ، أَعْرِفُه قَدِيْماً، وَجَعَلَ يَقُوْلُ فِيْهِ خَيْراً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. فَزَاد صَالِحٌ: مَأْمُوْنٌ. يُقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الأَبْدَالِ. وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ، وَقَالَ مرَّةً: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ. مَاتَ: لِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، فَقَالَ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-يَعْنِي: بِبَغْدَادَ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ بِحَدِيْثٍ لِهَذَا الشَّيخِ، قَدْ كَتَبتُه فِي تَرْجَمَةِ مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ. 158 - دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ دِيْنَارِ بنِ عُذَافِرٍ الخُرَاسَانِيُّ * (خت، م، 4) وَاسْمُ أَبِي هِنْدٍ: دِيْنَارُ بنُ عُذَافِرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مِنْ مَوَالِي بَنِي قُشَيْرٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَيُقَالُ: كُنْيَتُه أَبُو بَكْرٍ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ،   (*) تاريخ خليفة 418، طبقات خليفة (218) ، تاريخ البخاري 3 / 231، التاريخ الصغير 2 / 49، الجرح والتعدل 3 / 411، 412، مشاهير علماء الأمصار 151، الكامل في التاريخ 5 / 340، تهذيب الكمال 395، تذهيب التهذيب 1 / 210 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 243، تذكرة الحفاظ 1 / 146 - 148، تهذيب التذهيب 3 / 204 - 205، خلاصة تذهيب الكمال 111، شذرات الذهب 1 / 208. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 وَأَبِي مُنِيْبٍ الجُرَشِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعِدَّةٍ. وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَلْقٌ. وَعِنْدَ يَزِيْدَ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُوْنَ حَدِيْثاً. عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ: أَتَيْتُ الشَّامَ، فَلَقِيَنِي غَيْلاَنُ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ: سَلْنِي عَنْ خَمْسِيْنَ مَسْأَلَةً، وَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ: سَلْ يَا دَاوُدُ. قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَفْضَلِ مَا أُعْطِيَ ابْنُ آدَمَ. قَالَ: العَقْلُ. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ العَقْلِ مَا هُوَ؟ شَيْءٌ مُبَاحٌ لِلنَّاسِ، مَنْ شَاءَ أَخَذَه، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَه، أَوْ هُوَ مَقْسُوْمٌ؟ قَالَ: فَمَضَى وَلَمْ يُجِبْنِي. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْ دَاوُدَ. وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: عَجباً لأَهْلِ البَصْرَةِ، يَسْأَلُوْنَ عُثْمَانَ البَتِّيَّ، وَعِنْدَهُم دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ. وَقَالَ وُهَيْبٌ: دَارَ الأَمْرُ بِالبَصْرَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، إِنْ كَانَ لَيَقرَعُ العِلْمَ قَرعاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فَقَالَ: مِثْلُ دَاوُدَ يُسْأَلُ عَنْهُ؟ دَاوُدُ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ صَالِحاً، ثِقَةً، خَيَّاطاً. قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: كَانَ دَاوُدُ مُفْتِيَ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا دَاوُدُ، فَقَالَ: يَا فِتْيَانُ، أُخْبِرُكُم لَعَلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 بَعْضَكم أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ. كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَخْتَلِفُ إِلَى السُّوْقِ، فَإِذَا انْقَلْبتُ إِلَى البَيْتِ، جَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا بَلَغتُ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ، جَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ اللهَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى آتِيَ المَنْزِلَ. قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ يَقُوْلُ: صَامَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، لاَ يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُه. كَانَ خَزَّازاً، يَحْمِلُ مَعَهُ غَدَاءهُ، فَيَتصدَّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ يَقُوْلُ: أَصَابَنِي الطَّاعُوْنُ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ، فَكَأَنَّ آتِيَيْنِ أَتَيَانِي، فَغمزَ أَحَدُهمَا علوَةَ لِسَانِي، وَغَمزَ الآخرُ أَخمصَ قَدَمِي، فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تَجِدُ؟ قَالَ: أَجِدُ تَسْبِيْحاً، وَتَكْبِيْراً، وَشَيْئاً مِنْ خَطوٍ إِلَى المَسْجِدِ، وَشَيْئاً مِنْ قِرَاءةِ القُرْآنِ. قَالَ: وَلَمْ أَكُنْ أَخَذتُ القُرْآنَ حِيْنَئِذٍ. قَالَ: فَكُنْتُ أَذْهَبُ فِي الحَاجَةِ، فَأَقُوْلُ: لَوْ ذَكرتُ اللهَ حَتَّى آتِيَ حَاجَتِي. قَالَ: فَعُوفِيْتُ، فَأَقبلتُ عَلَى القُرْآنِ، فَتَعلَّمتُه. وَعَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ لَوْ لَمْ تَكُوْنَا لَمْ يَنْتَفِعِ النَّاسُ بِدُنْيَاهم: المَوْتُ، وَالأَرْضُ تنشفُ النَّدَى. قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: دَخَلْتُ عَلَى دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فَرَأَيْتُ ثِيَابَ بَيْتِه مُعَصْفَرَةً. وَكَانَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ يَقُوْلُ: وُلدتُ بِمَرْوَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ مَصَدْرَ النَّاسِ مِنَ الحجِّ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَفْتَرَقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَتَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، فَتَقْتُلُهَا أُوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. رَوَاهُ أَيْضاً: دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. 159 - ابْنُ هُرْمُزَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الأَصَمُّ * فَقِيْهُ المَدِيْنَةِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ الأَصَمُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وَقِيْلَ: بَلِ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هُرْمُزَ. عِدَادُهُ فِي التَّابِعِيْنَ. وَقَلَّمَا رَوَى، كَانَ يَتعبَّدُ، وَيَتزهَّدُ، وَجَالَسَهُ مَالِكٌ كَثِيْراً، وَأَخَذَ عَنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْتدِيَ بِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ الفُتْيَا، شَدِيْدَ التَّحفُّظِ، كَثِيْراً مَا يُفْتِي الرَّجُلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ مَنْ يَردُّه، ثُمَّ يُخْبِرُه بِغَيْرِ مَا أَفْتَاهُ. وَكَانَ بَصِيْراً بِالكَلاَمِ، يَردُّ عَلَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ، كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِذَلِكَ، بَيَّنَ مَسْأَلَةً لابْنِ عَجْلاَنَ، فَلَمَّا فَهِمَهَا، قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ عَجْلاَنَ، فَقَبَّلَ رَأْسَه. قَالَ بَكْرُ بنُ مُضَرَ: قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ: مَا تَعَلَّمتُ العِلْمَ إِلاَّ لِنَفْسِي. وَعَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: إِنِّي لأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَحوطَ رَأْيَ نَفْسِه، كَمَا يَحوطُ السُّنَّةَ. وَقِيْلَ: قُتِلَ أَبُوْهُ (2) يَوْمَ الحَرَّةِ.   (1) حلية الأولياء 3 / 99، وأخرجه مسلم (1063) (150) (151) (152) ، وأبو داود (4667) ، وأحمد 3 / 32، 48، من طرق عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، وأولى الطائفتين بالحق هي علي رضي الله عنه، وأصحابه، والمارقة: هم الخوارج. (*) تاريخ البخاري: 5 / 224، التاريخ الصغير 2 / 75 - 90، الجرح والتعديل 5 / 199، مشاهير علماء الأمصار 76. (2) مترجم في: تهذيب الكمال 750 - 751، تذهيب التهذيب 4 / 182 / 2 ميزان الاعتدال 4 / 440، تهذيب التهذيب 11 / 369، خلاصة تذهيب الكمال 215، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِالمَدِيْنَةِ - لَهُ شَرفٌ - إِلاَّ إِذَا حَزبَه أَمرٌ رَجَعَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ المَدِيْنَةَ غَنَمُ الصَّدَقَةِ، تَرَكَ أَكْلَ اللَّحْمِ، لِكَوْنِهم لاَ يَأْخُذُونهَا كَمَا يَنْبَغِي. وَقَالَ لِمَالِكٍ: إِيَّاكَ وَهَذَا الرَّأيَ، فَإِنِّي أَنَا وَرَبِيْعَةُ، فَخَيَّرْتُهُ. قَالَ مَالِكٌ: جَلَسْتُ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَاسْتَحلَفنِي أَنْ لاَ أَذْكُرَ اسْمَه فِي الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي الفَرْوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلاَؤُهُ لِبَنِي لَيْثٍ. 160 - صَفْوَانُ بنُ عَمْرِو بنِ هَرْمٍ السَّكْسَكِيُّ * (م، 4، تخ) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو عَمْرٍو السَّكْسَكِيُّ، الحِمْصِيُّ، مُحَدِّثُ حِمْصَ، مَعَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ المَازِنِيِّ - وَأُمُّهُ أُمُّ هِجْرِسِ بِنْتُ عَوْسَجَةَ المُقْرَائِيِّ - وَجُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَائِدٍ الثُّمَالِيِّ، وَأَيْفَعَ بنِ عَبْدٍ الكَلاَعِيِّ، وَحُجْرِ بنِ مَالِكٍ الكِنْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَوْفٍ الجُرَشِيِّ، وَعَقِيْلِ بنِ مُدْرِكٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ الخَبَائِرِيِّ، وَأَبِي اليَمَانِ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ لُحَيٍّ الهَوْزَنِيِّ، وَحَوْشَبِ بنِ سَيْفٍ السَّكْسَكِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ الرَّحْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ غَيْرِ مَشْهُوْرِيْنَ.   (*) طبقات خليفة (316) ، تاريخ البخاري: 4 / 308، التاريخ الصغير 2 / 121، الجرح والتعديل 4 / 422، مشاهير علماء الأمصار 178 - 179، تهذيب الكمال 610، تذهيب التهذيب 2 / 94 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 203، تهذيب التهذيب 4 / 428 - 429، خلاصة تذهيب الكمال 174، شذرات الذهب 1 / 238. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الحَضْرَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَ يَحْيَى القَطَّانِ أَرْفَعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً. وَقَالَ الفَلاَّسُ: ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: قُلْتُ لدُحَيْمٍ: مَنِ الثَّبْتُ بِحِمْصَ؟ قَالَ: صَفْوَانُ، وَحَرِيْزٌ، وَبَحِيْرٌ، وَثَوْرٌ، وَأَرْطَاةُ. رَوَى: أَبُو اليَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مِنْ خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَخَرجنَا فِي زَحفٍ كَانَ بِحِمْصَ، وَعَلَيْنَا أَيْفَعُ بنُ عَبْدٍ سنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ: مَاتَ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ. فَحَدَّثَنِي أَبُو اليَمَانِ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، صَاحِبُ (تَارِيْخِ حِمْصَ) : مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، أَدْرَكَ أَبَا أُمَامَةَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ سَلَمَةَ الخَبَائِرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ أَبِي لأُمِّي: لَوْ صَنَعتِ طَعَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصنَعَتْ ثَرِيْدَةً. فَانْطَلَقَ أَبِي، فَدَعَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَه عَلَى ذِروَتِهَا، وَقَالَ: (خُذُوا بِسْمِ اللهِ) . فَأَخذُوا مِنْ نَوَاحِيْهَا، فَلَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 طَعِمُوا، قَالَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُم، وَاغْفِرْ لَهُم، وَبَارِكْ لَهُم فِي رِزْقِهِم (1)) . قَالَ دُحَيْمٌ: صَفْوَانُ أَكْبَرُ مِنْ حَرِيْزٍ، وَقدَّمَه، وَأَثْنَى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَهُوَ فِي آخِرِ صَلاَتِه، وَقَدْ فَرَغَ مِنَ التَّشهُّدِ يَتعوَّذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَكْثَرَ التَّعوُّذَ مِنْهُ. فَقَالَ جُبَيْرٌ: وَمَا لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، دَعنَا عَنْكَ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقْلَبُ عَنْ دِيْنِه فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، فَيُخلَعُ مِنْهُ. إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. وَمِنَ النِّفَاقِ الأَصْغَرِ: الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، لاَ يُلقِي لَهَا بَالاً، وَلاَ يَظَنُّ أَنَّهَا   (1) يحيى البابلتي هو ابن عبد الله بن الضحاك، ضعيف، لكن أخرجه الدارمي 2 / 94 - 95 من طريق موسى بن خالد، عن عيسى بن يونس وأحمد 4 / 188 من طريق أبي المغيرة، وأقحم اسم صفوان بن أمية بين أبي المغيرة وصفوان بن عمرو خطأ، كلاهما عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر، وإسناده صحيح. وأخرج مسلم في " صحيحه " (2042) من حديث عبد الله بن بسر قال: نزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي أبي، قال: فقربنا إليه طعاما ووطبة (حيس يصنع من التمر، والاقط المدقوق، والسمن) فأكل منها، ثم أتي بتمر، فكان يأكله ويلقي النوى بين اصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي، وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 تَبلُغُ مَا بَلَغتْ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً (1) . وَأَمَّا النِّفَاقُ الأَكْبَرُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتعوَّذَ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّركِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ، فَرُبَّمَا أَصْبَحَ مُؤْمِناً، وَأَمْسَى كَافِراً، نَعُوْذُ بِوَجْهِ اللهِ الكَرِيْمِ مِنْ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْماً، وَعِنْدَه نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ: (أَلاَ إِنَّكُم وُلاَةُ هَذَا الأَمْرِ مِنْ بَعْدِي، فَلاَ أَعْرِفُنِي مَا شَقَقْتُم عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، اللَّهُمَّ مِنْ شَقَّ عَلَى أُمَّتِي، فَشُقَّ عَلَيْهِ) (2) . مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. 161 - عَوْفُ بنُ أَبِي جَمِيْلَةَ أَبُو سَهْلٍ الأَعْرَابِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو سَهْلٍ الأَعْرَابِيُّ، البَصْرِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْرَابِياً،   (1) أخرج البخاري (6477) في الرقاق، باب: حفظ اللسان، من حديث أبي هريرة، مرفوعا " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ". وأخرجه الترمذي (2314) ، وابن ماجه (3970) من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار ". وأحمد 2 / 236 و355 وسنده قوي، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم. وأخرجه أحمد 2 / 355 و533 من طريق آخر بلفظ: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت، يهوي بها في النار سبعين خريفا " ورجاله ثقات. (2) وجاء في حديث عائشة الذي أخرجه مسلم (1828) " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به ". (*) تاريخ خليفة 226، طبقات خليفة (219) ، تاريخ البخاري 7 / 58، التاريخ الصغير = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 بَلْ شُهِرَ بِهِ. وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. قَالَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. رَوَى عَنْ: أَبِي العَالِيَةِ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَزُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَخِلاَسٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَمَا عِنْدَهُ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ لَهُ صُحبةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَغُنْدَرٌ، وَرَوْحٌ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَهَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُمْ: عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ عَلَى بِدعَتِه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: كَانَ فَارِسِيّاً. وَقَالَ هَوْذَةُ: هُوَ مِنْ بَنِي سَعْدٍ. قُلْتُ: كَانَ يُدعَى عَوفاً الصَّدُوْقَ. وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: قَالَ لِي عَوْفٌ: سَمِعْتُ مِنَ الحَسَنِ قَبْلَ وَقْعَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ (1) . قَالَ القَطَّانُ: سَمِعْتُ عَوْفاً - وَحَدَّثَ بِحَدِيْثِ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ - فَقَالَ: كَذَبَ عَبْدُ اللهِ، سَمِعَهُمَا بُنْدَارٌ وَغَيْرُه مِنْهُ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَضِيَ عَوْفٌ بِبِدْعَةٍ حَتَّى كَانَ فِيْهِ بِدْعَتَانِ: قَدَرِيٌّ، شِيْعِيٌّ. وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: رَأَيْتُ دَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ يَضرِبُ عَوْفاً، وَيَقُوْلُ: وَيْلَكَ يَا قَدَرِيُّ. وَقَالَ بُنْدَارٌ: كَانَ قَدَرِيّاً، رَافِضِيّاً. قُلْتُ: لَكِنَّهُ ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ. النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَعَ فِي (القَطِيْعِيَّاتِ (2)) مِنْ عَوَالِيْهِ.   = 2 / 85، الجرح والتعديل 7 / 15، مشاهير علماء الأمصار 151، تهذيب الكمال 1066، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 137، ميزان الاعتدال 3 / 305، تهذيب التهذيب: 1 / 166 - 168، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب: 1 / 166 - 168. (1) وهي موقعة " دير الجماجم " انظر الطبري، والكامل، والبداية والنهاية - حوادث سنة (82) للهجرة. (2) وهي خمسة أجزاء من الحديث لأحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله القطيعي، محدث من أهل بغداد، كان يسكن " قطيعة الدقيق " فنسب إليها، وهو مترجم في تاريخ بغداد 4 / 73 - 74، ولسان الميزان 1 / 145 - 146. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 162 - عُمَرُ بنُ ذَرِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَارَةَ الهَمْدَانِيُّ * (خَ، د، ت، س) الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو ذَرٍّ الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ المُرْهِبِيُّ، الكُوْفِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا زَيْدُ بنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ (ح) . وَقَرَأْتُ بِالثَّغْرِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الصِّقِلِّيِّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المُعْطِي، وَابْنُ رَوَاجٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ يَحْيَى، قَالاَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ رَوَاحَةَ، وَأَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَأَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ النَّحْوِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ رَوَاجٍ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاذَرَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ البَطِّيِّ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ البَاذَرَائِيُّ، وَأَنْبَأَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا مُرْتَضَى بنُ حَاتِمٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سِلَفَةَ الحَافِظُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ القَارِّيُّ، قَالَ هُوَ وَابْنُ أَبِي عُثْمَانَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ البَيِّعِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، عَنْ يَزِيْدَ الفَقِيْرِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا غَشِيَهُ الصُّبحُ وَهُوَ مُسَافِرٌ يُنَادِي: سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ   (*) طبقات خليفة (168) ، تاريخ البخاري 6 / 154، التاريخ الصغير 2 / 122، الجرح والتعديل 6 / 107، حلية الأولياء 5 / 108 - 122، الكامل في التاريخ 5 / 442 - 594، تهذيب الكمال 1009، تذهيب التهذيب 3 / 83 / 1 - 2، ميزان الاعتدال 3 / 193، تهذيب التهذيب 7 / 444 - 445، خلاصة تذهيب الكمال 282، شذرات الذهب 1 / 240. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 عَلَيْنَا، وَحُسْنِ بَلاَئِه عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ صَاحِبْنَا فَأَفْضِلْ عَلَيْنَا، عَائِذاً بِاللهِ مِنْ جَهَنَّمَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. هَذَا مَوْقُوْفٌ (1) ، تَفَرَّدَ بِهِ: عُمَرُ بنُ ذَرٍّ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُعَاذَةَ العَدَويَّةِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أُمَيَّةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَحَجَّاجٌ الأَعْوَرُ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٌ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَنِيْفَةَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ -. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكْثِراً مِنَ الرِّوَايَةِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: قَالَ جَدِّي: هُوَ ثِقَةٌ، لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ حَدِيْثُه لِرَأْيٍ أَخْطَأَ فِيْهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَأْساً فِي الإِرْجَاءِ، ذَهَبَ بَصَرُه. وَقَالَ العِجْلِيُّ: عُمَرُ بنُ ذَرٍّ القَاصُّ كَانَ ثِقَةً، بَلِيغاً، يَرَى الإِرْجَاءَ، وَكَانَ لَيِّنَ القَوْلِ فِيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مُرْجِئٌ، لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، وَهُوَ مِثْلُ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَانَ رَجُلاً، صَالِحاً، مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: ثِقَةٌ، مُرْجِئٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: كُوْفِيٌّ، صَدُوْقٌ، مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَكَانَ مُرجِئاً.   (1) وأخرجه مسلم مرفوعا (2718) ، وأبو داود (5086) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: " سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذ بالله من النار ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 وَقَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى القَطَّانِ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَنَا أَترُكُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ كُلَّ رَأْسٍ فِي بِدعَةٍ. فَضَحِكَ يَحْيَى، وَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَع بِقَتَادَةَ؟ كَيْفَ تَصْنَعُ بِعُمَرَ بنِ ذَرٍّ؟ كَيْفَ تَصْنَعُ بِابْنِ أَبِي رَوَّادٍ؟ وَعَدَّ يَحْيَى قَوْماً أَمْسكتُ عَنْ ذِكرِهِم. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: إِنْ تَرَكَ هَذَا الضَّرْبَ، تَرَكَ حَدِيْثاً كَثِيْراً. قَالَ رِبْعِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لَنَا، يُقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ بَعْضَ الخُلَفَاءِ سَألَ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ عَنِ القَدَرِ، فَقَالَ: هَا هُنَا مَا يُشغِلُ عَنِ القَدَرِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: لَيْلَةٌ صَبِيْحَتُهَا يَوْم القِيَامَةِ. فَبَكَى، وَبَكَى مَعَهُ. ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيِّ، سَمِعْتُ عَمِّي يَقُوْلُ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا لَبَّى، لَمْ يُلَبِّ أَحَدٌ مِنْ حُسْنِ صَوْتِه، فَلَمَّا أَتَى الحَرَمَ، قَالَ: مَا زِلْنَا نَهبطُ حُفرَةً، وَنَصعَدُ أَكَمَةً، وَنَعْلُو شَرَفاً، وَيَبدُو لَنَا عَلَمٌ حَتَّى أَتَيْنَاكَ بِهَا، نَقِبَةً أَخْفَافُهَا، دَبِرَةً ظُهُوْرُهَا، ذَبِلَةً أَسْنَامُهَا، فَلَيْسَ أَعْظَمَ المُؤنَةِ عَلَيْنَا إِتْعَابُ أَبْدَانِنَا، وَلاَ إِنفَاقُ أَمْوَالِنَا، وَلَكِنْ أَعْظَمُ المُؤنَةِ أَنْ نَرجِعَ بِالخُسرَانِ، يَا خَيْرَ مَنْ نَزَلَ النَّازِلُوْنَ بِفِنَائِهِ. فَحَدَّثَنِي عَمِّي كَثِيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ أَطَعنَاكَ فِي أَحَبِّ الأَشْيَاءِ إِلَيْكَ أَنْ تُطَاعَ فِيْهِ: الإِيْمَانُ بِكَ، وَالإِقرَارُ بِكَ، وَلَمْ نَعصِكَ فِي أَبغَضِ الأَشْيَاءِ أَنْ تُعصَى فِيْهِ: الكُفْرُ، وَالجَحْدُ بِكَ، اللَّهُمَّ فَاغفِرْ لَنَا بَيْنَهمَا، وَأَنْتَ قُلْتَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوْتُ} [النَّمْلُ: 39] وَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِنَا: لَتَبْعَثَنَّ مَنْ يَمُوْتُ، أَفَتُرَاكَ تَجْمَعُ بَيْنَ أَهْلِ القَسَمَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: قَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: يَا أَهْل مَعَاصِي اللهِ، لاَ تَغتَرُّوا بِطُوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 حِلمِ اللهِ عَنْكُم، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: {فَلَمَّا آسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزُّخْرُفُ: 56] . وَعَنْ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ، قَالَ: كُلُّ حُزنٍ يَبلَى، إِلاَّ حُزنَ التَّائِبِ عَنْ ذُنُوْبِه. إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ إِذَا قَرَأَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ} ، قَالَ: يَا لَكَ مِنْ يَوْمٍ! مَا أَمْلأَ ذِكْرَكَ لِقُلُوْبِ الصَّادِقِيْنَ! حَامِدُ بنُ يَحْيَى: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ ذَرُّ بنُ عُمَرَ، قَعَدَ عُمَرُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِه، وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا بُنَيَّ، شَغَلَنِي الحُزْنُ لَكَ عَنِ الحُزنِ عَلَيْكَ، فَلَيْتَ شِعرِي، مَا قُلتَ؟ وَمَا قِيْلَ لَكَ؟ اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرتَه بِطَاعَتِكَ وَبِبِرِّي، فَقَدْ وَهَبتُ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيْهِ مِنْ حَقَّي، فَهَبْ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيْهِ مِنْ حقِّكَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: انْطلَقْنَا وَتَرَكنَاكَ، وَلَوْ أَقَمنَا مَا نَفَعْنَاكَ، فَنَستَودِعُكَ أَرحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ: تُوُفِّيَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مُرْجِئاً، فَمَاتَ، فَلَمْ يَشهَدْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَلاَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ. وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ - كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَفِيْهَا: أَرَّخَهُ مُطَيَّنٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا إِسْحَاقُ بنُ يَسَارٍ النَّصِيْبِيُّ، فَرَوَى عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَفَاتَه سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ. وَأَمَّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ، فَرَوَوْا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَفَاتَه سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا أَصَحُّ. وَكَذَلِكَ قَالَ: الفَلاَّسُ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ. احْتَجَّ بِهِ: البُخَارِيُّ دُوْنَ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفَ يَقعُ فِي عُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَيَشتُمُهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا هَذَا! لاَ تُفْرِطْ فِي شَتْمِنَا، وَأَبقِ لِلصُّلحِ مَوْضِعاً، فَإِنَّا لاَ نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِيْنَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيْعَ اللهَ فِيْهِ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ قَاضِي الكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَبِيْحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ: أَيُّهَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ لِلْخَائِفِيْنَ: طُوْلُ الكَمَدِ، أَوْ إِسْبَالُ الدَّمعَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَلِمتَ أَنَّهُ إِذَا رَقَّ فَذَرَى، شُفِيَ وَسَلاَ، وَإِذَا كَمِدَ، غُصَّ فَشَجَى، فَالكَمدُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لَهُم. وَعَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ إِذَا وَعَظَ قَالَ: أَعِيْرُوْنِي دُمُوْعَكم. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيْلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُوْرَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُوْرُنَا؟ فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ (1) } [مَرْيَمُ: 65] . ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَنَّهُ جَمَعَ فِي عُمَرَ بنِ ذَرٍّ. قَرَأْتُ عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَكُمُ الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا   (1) " حلية الأولياء " 5 / 116، وأخرجه البخاري (2318) في بدء الخلق، و (4731) في التفسير، و (7455) في التوحيد، والترمذي (3157) ، وأحمد 1 / 231، و233 و234 من طرق: عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، أَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ ذَكَرَهُ: (وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوْراً أَيْنَمَا كُنْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ، تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيْدِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ، وَكَانَتْ لِي مَسْجِداً وَطَهُوْراً، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلَكَ بِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي) . خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ: وَاهٍ (1) . 163 - أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ * (ت، س) الإِمَامُ، فَقِيْهُ المِلَّةِ، عَالِمُ العِرَاقِ، أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ بنِ زُوْطَى التَّيْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى بَنِي تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ. يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الفُرسِ.   (1) وقال في " التقريب ": متروك، لكن متن الحديث بنحوه ثابت عند مسلم (523) من حديث أبي هريرة، وعند البخاري ومسلم من حديث جابر، وعند مسلم (522) من حديث حذيفة. (*) طبقات خليفة (167 - 327) ، تاريخ البخاري: 8 / 81، التاريخ الصغير: 2 / 43، الجرح والتعديل 8 / 449 - 450، كتاب المجروحين 3 / 61، تاريخ بغداد 13 / 323، 424، الكامل في التاريخ 5 / 585، 549، وفيات الأعيان 5 / 415 - 423، تهذيب الكمال 1414، 1417، تذهيب التهذيب 4 / 98 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 168، ميزان الاعتدال 4 / 265، العبر 1 / 314، مرآة الجنان 1 / 309، البداية والنهاية 10 / 107، تهذيب التهذيب 10 / 449 - 452، النجوم الزاهرة 2 / 12، الجواهر المضيئة 1 / 26 - 32، خلاصة تذهيب الكمال 401، شذرات الذهب 1 / 227 - 229. وجاء في المطبوع من " ميزان الاعتدال " 4 / 265، بتحقيق علي محمد البجاوي مانصه: النعمان بن ثابت، بن زوطى، أبو حنيفة الكوفي إمام أهل الرأي، ضعفه من جهة حفظه النسائي، وابن عدي وآخرون، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى الفريقين معدليه ومنصفيه. وقد أوسع العلامة اللكنوي القول جدا في التدليل على دس هذه الترجمة في " الميزان " في كتابه " غيث الغمام على حواشي الكلام " ص 146، وذكر وجوها كثيرة في تعزيز نفيها من الميزان. ومما قاله رحمه الله،: إن هذه العبارة ليست لها أثر في بعض النسخ المعتبرة، على ما رأيتها بعيني، ويؤيده قول العراقي في " شرح ألفيته " 3 / 260 لكنه أي: ابن عدي ذكر في كتاب " الكامل " كل من تكلم فيه وإن كان ثقة. وتبعه = الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي حَيَاةِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ، وَلَمْ يَثبُتْ لَهُ حَرفٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم. وَرَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ، وَأَفْضَلُهُم - عَلَى مَا قَالَ -. وَعَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ: طَاوُوْسٍ - وَلَمْ يَصِحَّ -. وَعَنْ: جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَعِكْرِمَةَ - وَفِي لُقِيِّهِ لَهُ نَظَرٌ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَتَادَةَ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ تَفَقَّهَ - وَزِيَادِ   = على ذلك الذهبي في " الميزان " إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين. وقول السخاوي في " شرح الالفية " ص 477: مع أنه: أي الذهبي، تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة، لكنه التزم ألا يذكر أحدا من الصحابة، ولا الأئمة المتبوعين. وقول السيوطي في " تدريب الراوي " ص 519 إلا أنه - أي الذهبي - لم يذكر أحدا من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين. فهذه العبارات، من هؤلاء الثقات، الذين قد مرت أنظارهم على نسخ الميزان الصحيحة مرات تنادي بأعلى الصوت على أنه ليس في حرف النون من الميزان أثر لترجمة أبي حنيفة النعمان فلعلها من زيادات بعض الناسخين والناقلين في بعض نسخ الميزان بل قد صرح الذهبي في مقدمة الميزان 1 / 3 فقال: وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحدا لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس مثل أبي حنيفة، والشافعي، والبخاري، فإن ذكرت أحدا منهم، فأذكره على الإنصاف، وما يضره ذلك عند الله، ولا عند الناس. وجاءت في المطبوعة من الميزان ترجمة أبي حنيفة في سطرين ليس فيها دفاع عن أبي حنيفة إطلاقا. وإنما تحط على جرحه وتضعيفه وكلام الذهبي في المقدمة ينفي وجودها على تلك الصفة، لأنها تحمل القدح لا الإنصاف. وقد روجع المجلد الثالث من ميزان الاعتدال المحفوظ في ظاهرية دمشق، وهو بخط الحافظ: شرف الدين عبد الله بن محمد الداني الدمشقي، المتوفى سنة 749 تلميذ مؤلفه الذهبي، وقد قرئ عليه ثلاث مرات، مع المقابلة بأصل الذهبي، فلم توجد فيه ترجمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 بنِ عِلاَقَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُسْلِمٍ البَطِيْنِ، وَيَزِيْدَ بنِ صُهَيْبٍ الفَقِيْرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَبِي حَصِيْنٍ الأَسَدِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَنَاصِحٍ المُحَلِّمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ: شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ - وَعَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ - وَهُوَ كَذَلِكَ -. وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ.   = للإمام أبي حنيفة في حرف النون ولا في الكنى، وكذلك رجع بعضهم إلى نسخة من الميزان موجودة في الخزانة العامة في مدينة الرباط، ولم يجد فيها أيضا ترجمة للامام أبي حنيفة رحمه الله، وقد وصفت هذه النسخة بالجودة، والندرة، لأنه قرأها على المؤلف غير واحد من الأعلام. وأما ما يؤثر عن النسائي، وابن عدي من تضعيفهم لأبي حنيفة من جهة حفظه، فهو مردود لا يعتد به، في جنب توثيق أئمة الجرح والتعديل من أمثال: علي بن المديني، ويحيى بن معين، وشعبة وإسرائيل بن يونس، ويحيى بن آدم، وابن داود الخريبي، والحسن بن صالح، وغيرهم. فهؤلاء كلهم معاصرون لأبي حنيفة أو قريبو العهد به. وهم أعلم الناس به. وأعلم من النسائي، وابن عدي. وأمثالهما من المتأخرين عن أبي حنيفة بكثير، كالدارقطني الذي ولد بعد مئتي سنة من وفاة أبي حنيفة، فقول هؤلاء الأئمة الاقرب والاعلم، أحرى بالقبول، وقول المتأخر زمانا أجدر بالرمي في حضيض الخمول. وقد نقل الشيخ ابن حجر المكي في " الخيرات الحسان " ص 34 قول شعبة بن الحجاج في أبي حنيفة: " كان والله حسن الفهم، جيد الحفظ " وهذا نص صريح في قوة حفظه، صادر عمن هو مشهود له بالامامة وبالتدين، والتشدد في نقد الرجال. وبهذا القول الرشيد يسقط كل ما ادعاه المتعصبون، والحاقدون، من متقدم ومتأخر، من ضعف حفظ هذا الامام العظيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، ذَكَرَ مِنْهُم شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) هَؤُلاَءِ عَلَى المُعْجَمِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - عَالِمُ خُرَاسَانَ - وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ بنِ الصَّبَّاحِ المِنْقَرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَأَسَدُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى الصَّيْرَفِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ هَانِئ. وَالجَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ. وَالحَارِثُ بنُ نَبْهَانَ، وَحَيَّانُ بنُ عَلِيٍّ العَنَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ فُرَاتٍ القَزَّازُ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ العَوْفِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاضِي، وَحَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، وَأَبُو مُطِيْعٍ الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُهُ؛ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ -. وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ. وَزُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ التَّمِيْمِيُّ الفَقِيْهُ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ. وَسَابِقٌ الرَّقِّيُّ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ القَاضِي، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الجَهْمِ القَابُوْسِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَلاَّمٍ العَطَّارُ، وَسَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو النَّخَعِيُّ، وَسَهْلُ بنُ مُزَاحِمٍ. وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَالصَّبَّاحُ بنُ مُحَارِبٍ، وَالصَّلْتُ بنُ الحَجَّاجِ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَامِرُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ المُقْرِئُ، وَأَبُو يَحْيَى عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ خَالِدٍ - تِرْمِذِيٌّ - وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَتَّابُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ ظَبْيَانَ القَاضِي، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ القَاضِي، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، وَأَبُو قُطْنٍ عَمْرُو بنُ الهَيْثَمِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ. وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى، وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ العُرَنِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيُّ - كُوْفِيٌّ - وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَتَشَ، وَمُحَمَّدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 بنُ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الكُوْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ البَلْخِيُّ الصَّيْقَلُ، وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ العَتَكِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ النَّضْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَنُوْحُ بنُ دَرَّاجٍ القَاضِي، وَنُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ، وَهُشَيْمٌ، وَهَوْذَةُ، وَهَيَّاجُ بنُ بِسْطَامَ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المِصْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ نَصْرِ بنِ حَاجِبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، وَأَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَبُو حَنِيْفَةَ: تَيْمِيٌّ، مِنْ رَهطِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، كَانَ خَزَّازاً يَبِيْعُ الخَزَّ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ: أَمَّا زُوْطَى: فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ كَابُلَ، وَوُلِدَ ثَابِتٌ عَلَى الإِسْلاَمِ. وَكَانَ زُوْطَى مَمْلُوْكاً لِبَنِي تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ، فَأُعتِقَ، فَوَلاَؤُهُ لَهُم، ثُمَّ لِبَنِي قَفْلٍ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ خَزَّازاً، وَدُكَّانُه مَعْرُوْفٌ فِي دَارِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ. وَقَالَ النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ وَالِدُ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنْ نَسَا. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنِ الحَارِثِ بنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ: أَبُو حَنِيْفَةَ أَصلُهُ مِنْ تِرْمِذَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِي: أَبُو حَنِيْفَةَ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 وَرَوَى: أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ثَابِتٌ وَالِدُ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنْ أَهْلِ الأَنْبَارِ. مُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ المَرْوَزِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتِ بنِ المَرْزُبَانِ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ الأَحرَارِ، وَاللهِ مَا وَقَعَ عَلَيْنَا رِقٌّ قَطُّ. وُلدَ جَدِّي فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِيْهِ وَفِي ذُرِّيَتِه، وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ اسْتَجَابَ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيْنَا. قَالَ: وَالنُّعْمَانُ بنُ المَرْزُبَانِ وَالِدُ ثَابِتٍ هُوَ الَّذِي أَهْدَى لِعَلِيٍّ الفَالُوْذَجَ فِي يَوْمِ النَّيْرُوْزِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَوْرِزُوْنَا كُلَّ يَوْمٍ. وَقِيْلَ: كَانَ ذَلِكَ فِي المَهرجَانِ، فَقَالَ: مَهْرِجُوْنَا كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بن مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ، وَلَقَدْ ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاءِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا الخَلاَّلُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَمْرٍو الحَرِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَاسٍ النَّخَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الصَّيْدَنَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعِ بنِ الثَّلْجِيِّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: لَمَّا أَرَدْتُ طَلَبَ العِلْمِ، جَعَلتُ أَتَخَيَّرُ العُلُوْمَ، وَأَسْأَلُ عَنْ عَوَاقِبِهَا. فَقِيْلَ: تَعَلَّمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 القُرْآنَ. فَقُلْتُ: إِذَا حَفِظتُه فَمَا يَكُوْنَ آخِرُهُ؟ قَالُوا: تَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، فَيَقرَأُ عَلَيْكَ الصِّبْيَانُ وَالأَحدَاثُ، ثُمَّ لاَ يَلْبَثُ أَنْ يَخْرُجَ فِيْهِم مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْكَ، أَوْ مُسَاوِيكَ، فَتَذهَبُ رِئَاسَتُكَ. قُلْتُ: مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِلرِّئَاسَةِ قَدْ يُفِكِّرُ فِي هَذَا، وَإِلاَّ فَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُ المُصْطَفَى - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (أَفْضَلُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (1)) . يَا سُبْحَانَ اللهِ! وَهَلْ مَحَلٌّ أَفْضَلُ مِنَ المَسْجِدِ؟ وَهَلْ نَشْرٌ لِعِلمٍ يُقَارِبُ تَعْلِيْمَ القُرْآنِ؟ كَلاَّ وَاللهِ، وَهَلْ طَلَبَةٌ خَيْرٌ مِنَ الصِّبْيَانِ الَّذِيْنَ لَمْ يَعْمَلُوا الذُّنُوبَ؟! وَأَحسِبُ هَذِهِ الحِكَايَةَ مَوْضُوْعَةً، فَفِي إِسْنَادِهَا مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ. تَتِمَّةُ الحِكَايَةِ: قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ سَمِعْتُ الحَدِيْثَ وَكَتَبتُه حَتَّى لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَحْفَظُ مِنِّي؟ قَالُوا: إِذَا كَبِرتَ وَضَعُفْتَ، حَدَّثتَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْكَ هَؤُلاَءِ الأَحْدَاثُ وَالصِّبْيَانُ، ثُمَّ لَمْ تَأمَنْ أَنْ تَغلَطَ، فَيَرمُوكَ بِالكَذِبِ، فَيَصِيْرُ عَاراً عَلَيْكَ فِي عَقِبِكَ. فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي هَذَا. قُلْتُ: الآنَ كَمَا جَزَمتُ بِأَنَّهَا حِكَايَةٌ مُختَلَقَةٌ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيْفَةَ طَلَبَ الحَدِيْثَ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ فِي سَنَةِ مائَةٍ وَبَعدَهَا، وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ الصِّبْيَانُ، هَذَا اصْطِلاَحٌ وُجِدَ بَعْدَ ثَلاَثِ مائَةِ سَنَةٍ، بَلْ كَانَ يَطْلُبُه كِبَارُ العُلَمَاءِ، بَلْ لَمْ يَكُنْ لِلْفُقَهَاءِ عِلْمٌ بَعْدَ القُرْآنِ سِوَاهُ، وَلاَ كَانَتْ قَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُ الفِقْهِ أَصلاً. ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: أَتَعَلَّمُ النَّحْوَ. فَقُلْتُ: إِذَا حَفِظتُ النَّحْوَ وَالعَرَبِيَّةَ، مَا يَكُوْنَ   (1) أخرجه البخاري (5027) و (5028) في فضائل القرآن باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأبو داود (1452) في الوتر، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي (2099) في ثواب القرآن، باب: ما جاء في تعلم القرآن. وابن ماجه (211) في المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأحمد 1 / 57، 58، 69، والدارمي 2 / 437 في فضائل القرآن، باب: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 آخِرُ أَمْرِي؟ قَالُوا: تَقعُدُ مُعَلِّماً، فَأَكْثَرُ رِزْقِكَ دِيْنَارَانِ إِلَى ثَلاَثَةٍ. قُلْتُ: وَهَذَا لاَ عَاقِبَةَ لَهُ. قُلْتُ: فَإِنْ نَظَرتُ فِي الشِّعرِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشعَرُ مِنِّي؟ قَالُوا: تَمدَحُ هَذَا فَيَهَبُ لَكَ، أَوْ يَخلَعُ عَلَيْكَ، وَإِنْ حَرَمَكَ هَجَوتَه. قُلْتُ: لاَ حَاجَةَ فِيْهِ. قُلْتُ: فَإِنْ نَظَرتُ فِي الكَلاَمِ، مَا يَكُوْنُ آخِرُ أَمرِهِ؟ قَالُوا: لاَ يَسْلَمُ مَنْ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ مِنْ مُشَنَّعَاتِ الكَلاَمِ، فَيُرمَى بِالزَّنْدَقَةِ، فَيُقتَلُ، أَوْ يَسلَمُ مَذْمُوْماً. قُلْتُ: قَاتَلَ اللهُ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الخُرَافَةَ، وَهَلْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ وُجِدَ عِلْمُ الكَلاَمِ؟!! قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ تَعَلَّمتُ الفِقْهَ؟ قَالُوا: تُسْأَلُ، وَتُفتِي النَّاسَ، وَتُطلَبُ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كُنْتَ شَابّاً. قُلْتُ: لَيْسَ فِي العُلُوْمِ شَيْءٌ أَنفَعُ مِنْ هَذَا، فَلَزِمتُ الفِقْهَ، وَتَعَلَّمْتُهُ. وَبِهِ: إِلَى ابْنِ كَاسٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ بنِ الهُذَيْلِ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنظُرُ فِي الكَلاَمِ حَتَّى بَلَغتُ فِيْهِ مَبْلَغاً يُشَارُ إِلَيَّ فِيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكُنَّا نَجلِسُ بِالقُرْبِ مِنْ حَلْقَةِ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَجَاءتْنِي امْرَأَةٌ يَوْماً، فَقَالَتْ لِي: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ، أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ، كَمْ يُطَلَّقُهَا؟ فَلَمْ أَدرِ مَا أَقُوْلُ، فَأَمَرتُهَا أَنْ تَسْأَلَ حَمَّاداً، ثُمَّ تَرْجِعَ تُخْبِرَنِي. فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: يُطَلِّقُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنَ الحَيْضِ وَالجِمَاعِ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَترُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ، فَإِذَا اغْتَسَلتْ، فَقَدْ حَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ. فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْنِي. فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي الكَلاَمِ، وَأَخَذتُ نَعْلِي، فَجَلَستُ إِلَى حَمَّادٍ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ مَسَائِلَه، فَأَحْفَظُ قَوْلَه، ثُمَّ يُعِيْدُهَا مِنَ الغَدِ، فَأَحْفَظُهَا، وَيُخْطِئُ أَصْحَابُه. فَقَالَ: لاَ يَجْلِسْ فِي صَدْرِ الحَلْقَةِ بِحِذَائِي غَيْرُ أَبِي حَنِيْفَةَ. فَصَحِبتُه عَشْرَ سِنِيْنَ، ثُمَّ نَازَعَتنِي نَفْسِي الطَّلَبَ لِلرِّئَاسَةِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعتَزِلَه وَأَجلِسَ فِي حَلْقَةٍ لِنَفْسِي، فَخَرَجتُ يَوْماً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 بِالعَشِيِّ وَعَزمِي أَنْ أَفْعَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُه، لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَعتَزِلَه. فَجَاءهُ تِلْكَ اللَّيلَةَ نَعْيُ قَرَابَةٍ لَهُ قَدْ مَاتَ بِالبَصْرَةِ، وَتَرَكَ مَالاً، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجلِسَ مَكَانَه. فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ خَرَجَ حَتَّى وَرَدَتْ عَلَيَّ مَسَائِلُ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْهُ، فَكُنْتُ أُجِيْبُ وَأَكتُبُ جَوَابِي، فَغَابَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَدِمَ. فَعَرَضتُ عَلَيْهِ المَسَائِلَ، وَكَانَتْ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ مَسْأَلَةً، فَوَافَقَنِي فِي أَرْبَعِيْنَ، وَخَالَفَنِي فِي عِشْرِيْنَ، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُفَارِقَه حَتَّى يَمُوْتَ. وَهَذِهِ أَيْضاً اللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، وَمَا عَلِمْنَا أَنَّ الكَلاَمَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ كَانَ لَهُ وَجُوْدٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَجَبتُ فِيْهِ، فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيْهَا جَوَابٌ، فَجَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُفَارِقَ حَمَّاداً حَتَّى يَمُوْتَ، فَصَحِبتُه ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. شُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رُؤْيَا أَفزَعَتْنِي، رَأَيْتُ كَأَنِّي أَنبُشُ قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُ البَصْرَةَ، فَأَمَرتُ رَجُلاً يَسْأَلُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ. فَسَأَلَه، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَنبُشُ أَخْبَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. المُحَدِّثُ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِأَبِي حَنِيْفَةَ وَسُفْيَانَ، كُنْتُ كَسَائِرِ النَّاسِ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنِي حُجْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، قَالَ: قِيْلَ لِلْقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ: تَرضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنْ غِلمَانِ أَبِي حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: مَا جَلَسَ النَّاسُ إِلَى أَحَدٍ أَنْفَعَ مِنْ مُجَالَسَةِ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَقَالَ لَهُ القَاسِمُ: تَعَالَ مَعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ، لَزِمَه، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا. مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضَّرِيْسِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلاً لَوْ كُلَّمَكَ فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَباً، لَقَامَ بِحُجَّتِه. وَعَنْ أَسَدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- صَلَّى العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوْءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَرَوَى: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمشِي مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، إِذْ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ لآخَرَ: هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ يَنَامُ اللَّيلَ. فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: وَاللهِ لاَ يُتَحَدَّثُ عَنِّي بِمَا لَمْ أَفْعَلْ، فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَتَضَرُّعاً، وَدُعَاءً. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قَرَأَ القُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ شَيْخاً يُفْتِي النَّاسَ بِمَسْجِدِ الكُوْفَةِ، عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ سَوْدَاءُ طَوِيْلَةٌ. وَعَنِ النَّضْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ جَمِيْلَ الوَجْهِ، سَرِيَّ الثَّوْبِ، عَطِرَ الرِّيحِ، أَتَيْتُهُ فِي حَاجَةٍ، وَعَلَيَّ كِسَاءٌ قرمسِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِسرَاجِ بَغلِه، وَقَالَ: أَعْطِنِي كِسَاءكَ، وَخُذْ كِسَائِي. فَفَعَلتُ، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: يَا نَضْرُ! خَجلْتَنِي بِكِسَائِكَ، هُوَ غَلِيْظٌ. قَالَ: وَكُنْتُ أَخَذْتُهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْرَ، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُه وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قَوَّمْتُهُ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً. وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ رَبْعَةً، مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُوْرَةً، وَأَبلَغِهِم نُطْقاً، وَأَعذَبِهِم نَغمَةً، وَأَبْيَنِهِم عَمَّا فِي نَفْسِهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِي جَمِيْلاً، تَعلُوْهُ سُمْرَةٌ، حَسَنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 الهَيْئَةِ، كَثِيْرَ التَّعَطُّرِ، هَيُوْباً، لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ جَوَاباً، وَلاَ يَخُوضُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوقَرَ فِي مَجْلِسِهِ، وَلاَ أَحْسَنَ سَمتاً وَحِلماً مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: عَنِ المُثَنَّى بنِ رَجَاءٍ، قَالَ: جَعَلَ أَبُو حَنِيْفَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ حَلَفَ بِاللهِ صَادِقاً أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِيْنَارٍ، وَكَانَ إِذَا أَنفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً، تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا. وَرَوَى: جُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، عَنْ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ وَرِعاً، تَقِيّاً، مُفْضِلاً عَلَى إِخْوَانِه. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنِّي وَضَعتُ كِتَاباً عَلَى خَطِّكَ إِلَى فُلاَنٍ، فَوَهَبَ لِي أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: إِنْ كُنْتُم تَنْتَفِعُوْنَ بِهَذَا، فَافْعَلُوْهُ. وَعَنْ شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ طَوِيْلَ الصَّمْتِ، كَثِيْرَ العَقْلِ. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يُسَمَّى الوَتِدَ؛ لِكَثْرَةِ صَلاَتِه. وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَكْعَةٍ. يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا حَنِيْفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُه صَلَّى الغَدَاةَ إِلاَّ بِوُضُوْءِ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ السَّحَرِ. وَعَنْ زَيْدِ بنِ كُمَيْتٍ، سَمِعَ رَجُلاً يَقُوْلُ لأَبِي حَنِيْفَةَ: اتَّقِ اللهَ. فَانْتَفَضَ، وَاصفَرَّ، وَأَطرَقَ، وَقَالَ: جَزَاكَ اللهَ خَيْراً، مَا أَحوَجَ النَّاسَ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى مَنْ يَقُوْلُ لَهُم مِثْلَ هَذَا. وَيُرْوَى: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ خَتَمَ القُرْآنَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرَّةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 قَالَ مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ قَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ. ابْنُ سَمَاعَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مَعْنٍ: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَه تَعَالَى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القَمَرُ: 46] ، وَيَبْكِي، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى الفَجْرِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيْفَةَ ضُرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ، فَلَمْ يُجِبْ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَعَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: إِذَا ارْتَشَى القَاضِي، فَهُوَ مَعْزُوْلٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ. وَرَوَى: نُوْحٌ الجَامِعُ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ، اخْتَرْنَا، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُم رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ. قَالَ وَكِيْعٌ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: البَوْلُ فِي المَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ القِيَاسِ. وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه مِنْ وَقْتِ مَا سَمِعَهُ. وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، قَالَ: حُبُّ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنَ السُّنَّةِ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: طَلَبَ المَنْصُوْرُ أَبَا حَنِيْفَةَ، فَأَرَادَه عَلَى القَضَاءِ، وَحَلَفَ لَيَلِيَنَّ، فَأَبَى، وَحَلَفَ: إِنِّي لاَ أَفْعَلُ. فَقَالَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ: تَرَى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَحلِفُ وَأَنْتَ تَحلِفُ؟ قَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِيْنِه أَقْدَرُ مِنِّي. فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، فَمَاتَ فِيْهِ بِبَغْدَادَ. وَقِيْلَ: دَفَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى صَاحِبِ شُرطَتِه حُمَيْدٍ الطُّوْسِيِّ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَدفَعُ إِلَيَّ الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ لِي: اقْتُلْه، أَوِ اقْطَعْه، أَوِ اضْرِبْه، وَلاَ أَعْلَمُ بِقِصَّتِه، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟ فَقَالَ: هَلْ يَأمُرُكُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرٍ قَدْ وَجَبَ، أَوْ بِأَمرٍ لَمْ يَجِبْ؟ قَالَ: بَلْ بِمَا قَدْ وَجَبَ. قَالَ: فَبَادِرْ إِلَى الوَاجِبِ. وَعَنْ مُغِيْثِ بنِ بُدَيْلٍ، قَالَ: دَعَا المَنْصُوْرُ أَبَا حَنِيْفَةَ إِلَى القَضَاءِ، فَامْتَنَعَ، فَقَالَ: أَتَرغَبُ عَمَّا نَحْنُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: لاَ أَصْلُحُ. قَالَ: كَذَبتَ. قَالَ: فَقَدْ حَكَمَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيَّ أَنِّي لاَ أَصْلُحُ، فَإِنْ كُنْتُ كَاذِباً، فَلاَ أَصلُحُ، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقاً، فَقَدْ أَخْبَرتُكُم أَنِّي لاَ أَصلُحُ. فَحَبَسَهُ. وَرَوَى نَحْوَهَا: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ الرَّبِيْعِ الحَاجِبِ، وَفِيْهَا: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: وَاللهِ مَا أَنَا بِمَأْمُوْنِ الرِّضَى، فَكَيْفَ أَكُوْنُ مَأْمُوْنَ الغَضَبِ، فَلاَ أَصلُحُ لِذَلِكَ. قَالَ المَنْصُوْرُ: كَذَبتَ، بَلْ تَصلُحُ. فَقَالَ: كَيْفَ يَحِلُّ أَنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَكْذِبُ؟ وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ وَلِيَ لَهُ، فَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اشْتَكَى سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَتُوُفِّيَ. وَقَالَ الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيُّ: لَمْ يَقْبَلِ العَهْدَ بِالقَضَاءِ، فَضُرِبَ، وَحُبِسَ، وَمَاتَ فِي السِّجْنِ. وَرَوَى: حَيَّانُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَالِكٌ أَفْقَهُ، أَوْ أَبُو حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: أَبُو حَنِيْفَةَ. وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيْفَةَ إِلاَّ حَاسِدٌ (1) ، أَوْ جَاهِلٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لاَ نَكذِبُ اللهَ، مَا سَمِعنَا أَحْسَنَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَقَدْ أَخَذنَا بِأَكْثَرِ أَقْوَالِه.   (1) في الأصل " حاسدا ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: لَوْ وُزِنَ عِلْمُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ، لَرَجَحَ عَلَيْهِم. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: كَلاَمُ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ، أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، لاَ يَعِيبُه إِلاَّ جَاهِلٌ. وَرُوِيَ عَنِ الأَعْمَشُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا يُحسِنُ هَذَا النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الخَزَّازُ، وَأَظُنُّه بُورِكَ لَهُ فِي عِلْمِهِ. وَقَالَ جَرِيْرٌ: قَالَ لِي مُغِيْرَةُ: جَالِسْ أَبَا حَنِيْفَةَ، تَفْقَهْ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ لَوْ كَانَ حَيّاً، لَجَالَسَه. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَبُو حَنِيْفَةَ أَفْقَهُ النَّاسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ. قُلْتُ: الإِمَامَةُ فِي الفِقْهِ وَدَقَائِقِه مُسَلَّمَةٌ إِلَى هَذَا الإِمَامِ، وَهَذَا أَمرٌ لاَ شَكَّ فِيْهِ. وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيْلِ وَسِيْرَتُه تَحْتَمِلُ أَنْ تُفرَدَ فِي مُجَلَّدَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَحِمَهُ -. تُوُفِّيَ: شَهِيْداً، مَسْقِيّاً، فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَعَلَيْهِ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَشْهَدٌ فَاخِرٌ بِبَغْدَادَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَابْنُهُ الفَقِيْهُ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ، كَانَ ذَا عِلْمٍ، وَدِيْنٍ، وَصَلاَحٍ، وَوَرَعٍ تَامٍّ. لَمَّا تُوُفِّيَ وَالِدُه، كَانَ عِنْدَه وَدَائِعُ كَثِيْرَةٌ، وَأَهْلُهَا غَائِبُوْنَ، فَنَقَلَهَا حَمَّادٌ إِلَى الحَاكِمِ لِيَتَسَلَّمَهَا، فَقَالَ: بَلْ دَعْهَا عِنْدَك، فَإِنَّكَ أَهْلٌ. فَقَالَ: زِنْهَا، وَاقْبِضْهَا حَتَّى تَبرَأَ مِنْهَا ذِمَّةُ الوَالِدِ، ثُمَّ افعَلْ مَا تَرَى. فَفَعَلَ القَاضِي ذَلِكَ، وَبَقِيَ فِي وَزْنِهَا وَحِسَابِهَا أَيَّاماً، وَاسْتَتَرَ حَمَّادٌ، فَمَا ظَهَرَ حَتَّى أَوْدَعَهَا القَاضِي عِنْدَ أَمِيْنٍ. تُوُفِّيَ حَمَّادٌ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، كَهْلاً. لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: أَبِيْهِ، وَغَيْرِه. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ الإِمَامُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ، قَاضِي البَصْرَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 164 - رَوْحُ بنُ القَاسِمِ أَبُو غِيَاثٍ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو غِيَاثٍ التَّمِيْمِيُّ، ثُمَّ العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: تِلْمِيْذُه؛ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ - مَعَ كَوْنِه أَكْبَرَ مِنْهُ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَآخَرُوْنَ. وَمَاتَ كَهْلاً. لَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّاسُ. مَاتَ - فِيْمَا يُخَالُ إِلَيَّ -: قَبْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، نَحْواً مِنْ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 165 - حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحِ بنِ صَفْوَانَ التُّجِيْبِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو زُرْعَةَ التُّجِيْبِيُّ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: رَبِيْعَةَ القَصِيْرِ، وَعُقْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي يُوْنُسَ سُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعِدَّةٍ.   (*) تاريخ خليفة 325، تاريخ البخاري 3 / 309، الجرح والتعديل 3 / 495، مشاهير علماء الأمصار 156، تهذيب الكمال 423، تذكرة الحفاظ 1 / 188، تهذيب التهذيب 3 / 298، 299، خلاصة تذهيب الكمال: 118. (* *) طبقات خليفة 296، تاريخ البخاري 3 / 120، التاريخ الصغير 2 / 96، الجرح والتعديل 3 / 306 - 307، مشاهير علماء الأمصار 187 - 189، الكامل في التاريخ 6 / 35، وفيات الأعيان 3 / 37، تهذيب الكمال 351، تذهيب التهذيب 1 / 183 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 185، تذهيب التهذيب 3 / 69 - 70، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات الذهب 1 / 243. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَهَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ اسْتِخفَاءً بِعَمَلِهِ مِنْ حَيْوَةَ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالإِجَابَةِ -يَعْنِي: فِي الدُّعَاءِ-. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: وُصِفَ لِي حَيْوَةُ، فَكَانَتْ رُؤْيتُه أَكْثَرَ مِنْ صِفَتِه. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ حَيْوَةُ يَأْخُذُ عَطَاءهُ فِي السَّنَةِ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً، فَلَمْ يَطْلعْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ يَجِيْءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَجِدَهَا تَحْتَ فِرَاشِه. وَبَلغَ ذَلِكَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَأَخَذَ عَطَاءهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلَّهِ، وَجَاءَ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِه، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً. فَشَكَا إِلَى حَيْوَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبِّي بِيَقِيْنٍ، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَه تَجرِبَةً. وَكُنَّا نَجلِسُ إِلَى حَيْوَةَ فِي الفِقْهِ، فَيَقُوْلُ: أَبدَلَنِي اللهُ بِكُم عَمُوداً أَقُومُ وَرَاءهُ أُصَلِّي، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ. أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ الأُرْدُنِيُّ: عَنْ خَالِدٍ الفَزْرِ، قَالَ: كَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ مِنَ البَكَّائِينَ، وَكَانَ ضَيِّقَ الحَالِ جِدّاً -يَعْنِي: فَقِيْراً مِسْكِيْناً-. فَجَلَستُ وَهُوَ مُتَخَلٍّ يَدْعُو، فَقُلْتُ: لَوْ دَعَوتَ اللهَ أَنْ يُوْسِعَ عَلَيْكَ؟! فَالْتَفَتَ يَمِيْناً وَشِمَالاً، فَلَمْ يَرَ أَحَداً، فَأَخَذَ حَصَاةً، فَرَمَى بِهَا إِلَيَّ، فَإِذَا هِيَ تِبرَةٌ فِي كَفِّي، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَقَالَ: مَا خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ لِلآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصلِحُ عِبَادَه. فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ؟ قَالَ: اسْتَنْفِقْهَا. فَهِبْتُهُ -وَاللهِ- أَنْ أَرُدَّهَا. وَقَالَ حَيْوَةُ مَرَّةً لبَعْضِ نُوَّابِ مِصْرَ: يَا هَذَا! لاَ تُخْلِيَنَّ بِلاَدَنَا مِنَ السِّلاَحِ، فَنَحْنُ بَيْنَ قِبْطِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَنْقَضُّ، وَبَيْنَ حَبَشِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَغْشَانَا، وَبَيْنَ رُوْمِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَحُلُّ بِسَاحَتِنَا، وَبَرْبَرِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَثُوْرُ. تُوُفِّيَ هَذَا السَّيِّدُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ. وَسَائِرُ المِصْرِيِّينَ الصُّلَحَاءِ لَمْ يُوْرِدْهُم صَاحِبُ (الحِلْيَةِ) ، وَلاَ عَرَفَهُم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 وَمَاتَ مَعَهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الحِمْصِيُّ، وَأَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ. 166 - أَبُو سِنَانٍ البُرْجُمِيُّ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ * (د، ت، ق) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سِنَانٍ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ البُرْجُمِيُّ، الشَّيْبَانِيُّ، شَيْخٌ كُوْفِيٌّ، سَكَنَ الرَّيَّ، وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ. حَدَّثَ عَنْ: الضَّحَّاكِ، وَطَاوُوْسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، مِنْ رُفَعَاءِ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ عَابِداً، فَاضِلاً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحٌ، لَمْ يَكُنْ يُقِيْمُ الحَدِيْثَ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ حَدِيْثِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَنْ أَبُو سِنَانٍ؟ -يَعْنِي: سَعِيْدَ بنَ سِنَانٍ- لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، لَحَبَستُه، وَأَدَّبْتُه. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كُوْفِيٌّ، سَكَنَ الرَّيَّ، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ، وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ. وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ: سَكَنَ قَزْوِيْنَ أَيْضاً. أَمَّا سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو مَهْدِيٍّ: فَحِمْصِيٌّ مَعْرُوْفٌ.   (*) تاريخ البخاري 3 / 477، الجرح والتعديل 4 / 27 - 28، تهذيب الكمال 496، تذهيب التهذيب 2 / 21 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 143، تهذيب التهذيب 4 / 45 - 46، خلاصة تهذيب الكمال 139. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 167 - أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ بنِ عَمَّارِ بنِ العُرْيَانِ التَّمِيْمِيُّ * ثُمَّ المَازِنِيُّ، البَصْرِيُّ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالعَرَبِيَّةِ. وَأُمُّهُ: مِنْ بَنِي حَنِيْفَةَ. اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَشهَرُهَا: زَبَّانُ. وَقِيْلَ: العُرْيَانُ. اسْتَوفَيْنَا مِنْ أَخْبَارِه فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . مَوْلِدُه: فِي نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ. حَدَّثَ بِاليَسِيْرِ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ شِهَابٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ كَثِيْرٍ، وَطَائِفَةٍ. وَوَردَ: أَنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ بِالبَصْرَةِ. بَرَّزَ فِي الحُرُوْفِ، وَفِي النَّحوِ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَةِ مُدَّةً، وَاشتُهِرَ بِالفَصَاحَةِ، وَالصِّدْقِ، وَسَعَةِ العِلْمِ. تَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى اليَزِيْدِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَشُجَاعٌ البَلْخِيُّ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَيُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ النَّحْوِيُّ، وَسَهْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ، وَسَلاَمٌ الطَّوِيْلُ، وَعِدَّةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَشَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ اللُّغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَانْتَصَبَ لِلإِقْرَاءِ فِي   (*) تاريخ البخاري 9 / 55، طبقات الزبيدي 28 - 126، مراتب النحويين 13، نزهة الالباء 15، وفيات الأعيان 3 / 466، تهذيب الكمال: 1629 تذهيب التهذيب 4 / 225، تاريخ الإسلام 6 / 322، عبر الذهبي 1 / 223، فوات الوفيات 1 / 231، تهذيب التهذيب 12 / 178 أخبار النحويين البصريين 22، بغية الوعاة 367. طبقات القراء لابن الجزري 1 / 288. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 أَيَّامِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالقِرَاءاتِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالشِّعرِ، وَأَيَّامِ العَرَبِ، وَكَانَتْ دَفَاتِرُه مِلْءَ بَيْتٍ إِلَى السَّقفِ، ثُمَّ تَنَسَّكَ، فَأَحرَقَهَا. وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ، مَدَحَه الفَرَزْدَقُ وَغَيْرُه. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي عَمْرٍو. رَوَى: أَبُو العَيْنَاءِ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: لَوْ تَهَيَّأَ أَنْ أُفْرِغَ مَا فِي صَدْرِي مِنَ العِلْمِ فِي صَدْرِكَ، لَفَعلْتُ، وَلَقَدْ حَفِظتُ فِي عِلْمِ القُرْآنِ أَشْيَاءَ، لَوْ كَتَبتُ، مَا قَدَرَ الأَعْمَشُ عَلَى حَمْلِهَا، وَلَوْلاَ أَنْ لَيْسَ لِي أَنْ أَقرَأَ إِلاَّ بِمَا قُرِئَ، لَقَرَأْتُ حَرْفَ كَذَا ... ، وَذَكَرَ حُرُوْفاً (1) . قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: انْظُرْ مَا يَقْرَأُ بِهِ أَبُو عَمْرٍو مِمَّا يَختَارُه، فَاكتُبْهُ، فَإِنَّهُ سَيَصِيْرُ لِلنَّاسِ أُسْتَاذاً. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ اليَزِيْدِيُّ، وَآخَرُ: تَكَلَّمَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ فِي الوَعِيْدِ سَنَةً، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّكَ لأَلْكَنُ الفَهمِ، إِذْ صَيَّرتَ الوَعِيْدَ الَّذِي فِي أَعْظَمِ شَيْءٍ، مِثْلَهُ فِي أَصْغَرِ   (1) وهذا من الأدلة الواضحة، على أن القراءة سنة متبعة لا يسع المسلم الخروج عليها، إذا ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يؤيد هذا الحديث الصحيح " أنزل القرآن على سبعة أحرف " أي أن القراءات المختلفة هي مما أنزل الله، وليس للبشر إلا التلقي والقراءة بها كما أنزلت. وليكن معلوما أن القراءات السبع المشهورة، أو العشر، ليست هي المقصودة بالحديث المذكور. " انظر الابانة عن معاني القراءات " لمكي بن أبي طالب القيسي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 شَيْءٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّغَيْرِ وَالكَبِيْرِ لَيْسَا سَوَاءً، وَإِنَّمَا نَهَى اللهُ عَنْهُمَا لِتَتمَّ حُجَّتُه عَلَى خَلقِه، وَلِئَلاَّ يَعدِلَ عَنْ أَمرِه، وَوَرَاءَ وَعِيْدِه عَفْوُه وَكَرَمُه. ثُمَّ أَنْشَدَ: وَلاَ يَرْهَبُ ابْنُ العَمِّ - مَا عِشْتُ - صَوْلَتِي ... وَلاَ أَخْتَتِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ وَإِنِّي - وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ وَوَعَدْتُهُ * - ... لَمُخْلِفُ إِيْعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي (1) فَقَالَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ: صَدَقتَ، إِنَّ العَرَبَ تَتَمَدَّحُ بِالوَفَاءِ بِالوَعدِ وَالوَعِيْدِ، وَقَدْ يُمتدَحُ بِهِمَا المَرْءُ، تَسَمَّعْ إِلَى قَوْلِهِم؟! لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ وَالوَعِيْدَ وَلاَ ... يَبِيْتُ مِنْ ثَأْرِهِ عَلَى فَوْتِ فَقَدْ وَافقَ هَذَا قَوْلَه تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ قَالُوا: نَعَمْ} . قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَدْ وَافَقَ الأَوَّلُ أَخْبَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالحَدِيْثُ يُفَسِّرُ القُرْآنَ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو: كُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الكَرِيْمِ إِذَا أَهَنْتَه، وَمِنَ اللَّئِيمِ إِذَا أَكْرَمْتَه، وَمِنَ العَاقِلِ إِذَا أَحْرَجْتَه، وَمِنَ الأَحْمَقِ إِذَا مَازَحْتَه، وَمِنَ الفَاجِرِ إِذَا عَاشَرْتَه، وَلَيْسَ مِنَ الأَدَبِ أَنْ تُجِيْبَ مَنْ لاَ يَسْأَلُكَ، أَوْ تَسْأَلَ مَنْ لاَ يُجِيْبُكَ، أَوْ تُحِدِّثَ مَنْ لاَ يُنْصِتُ لَكَ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: زَبَّانُ. وَرُوِيَ عَنِ: الأَصْمَعِيِّ أَيْضاً، قَالَ: لاَ اسْمَ لأَبِي عَمْرٍو. وَأَمَّا يَحْيَى اليَزِيْدِيُّ فَعَنْهُ: أَنَّ اسْمَ أَبِي عَمْرٍو: العُرْيَانُ. وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ: أَنَّ اسْمَه يَحْيَى. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: كُنْتُ رَأْساً، وَالحَسَنُ حَيٌّ. أَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: أَنَا زِدتُ هَذَا البَيْتَ فِي قَصِيدَةِ الأَعْشَى، وَأَستَغفِرُ اللهَ مِنْهُ:   (1) البيتان لعامر بن الطفيل ديوانه: 58. ولا أختتي: أي لا أستتر خوفا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ ... مِنَ الحَوَادِثِ إِلاَّ الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا (1) وَعَنِ الطَّيِّبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ أَبِي العَتَاهِيَةِ وَقَدْ كَتَبَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ قَرِيْباً مِنْ أَلْفِ جِلْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ خَاصَّةً. قَالَ: وَيَكُوْنُ ذَلِكَ عَشْرَةُ آلاَفِ وَرَقَةٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ يَتَكَلَّمُ، ظَنَنْتُه لاَ يَعْرِفُ شَيْئاً، كَانَ يَتَكَلَّمُ كَلاَماً سَهلاً. قَالَ اليَزِيْدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ: سَمِعَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ قِرَاءتِي، فَقَالَ: الزَمْ قِرَاءتَكَ هَذِهِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ لأَبِي عَمْرٍو كُلَّ يَوْمٍ يُشْتَرَى كُوزٌ وَرَيْحَانٌ بِفِلْسَيْنِ، فَإِذَا أَمْسَى، تَصَدَّقَ بِالكُوزِ، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: جَفِّفِي الرَّيْحَانَ، وَدُقِّيْهِ فِي الأَشنَانِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ. وَزَادَ بَعْضُهُم: وَعَلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. وَرَوَيْنَا: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو وَأَبَاهُ هَرَبَا مِنَ الحَجَّاجِ، وَمِنْ عَسْفِهِ، وَحَدِيْثُه قَلِيْلٌ. ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ وَفَاتَه كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: عَاشَ أَبُو عَمْرٍو سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ وَحْدَهُ: مَاتَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو سُفْيَانَ ابْنَا العَلاَءِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 168 - أَبُو شُجَاعٍ القِتْبَانِيُّ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ * (م، د، ت، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، أَبُو شُجَاعٍ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ الحِمْيَرِيُّ، الإِسْكَنْدَرِيُّ.   (1) هو ثاني أبيات قصيدته التي قالها في مدح: هوذة بن علي الحنفي ومطلعها: بانت سعاد، وأمسى حبلها انقطعا * واحتلت الغمر، فالجدين، فالفرعا (*) تاريخ البخاري: 3 / 521، الجرح والتعديل 4 / 73، مشاهير علماء الأمصار 189، تهذيب الكمال 512، تذهيب التهذيب 2 / 31 / 1، تهذيب التهذيب 4 / 101 - 102، خلاصة تذهيب الكمال 144، حسن المحاضرة 1 / 274. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 حَدَّثَ عَنْ: الأَعْرَجِ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ، وَدَرَّاجٍ الوَاعِظِ، وَخَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، وَغَيْرِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو زُرَارَةَ لَيْثُ بنُ عَاصِمٍ القِتْبَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ المُفْتِيْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَقَالَ لَيْثُ بنُ عَاصِمٍ: رَأَيْتُهُ إِذَا أَصْبَحَ، عَصَبَ سَاقَه بِمُشَاقَةٍ (1) ، وَبِزْرِ كَتَّانٍ مِنْ طُوْلِ التَّهَجُّدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ المُجْتَهِدِيْنَ. تُوُفِّيَ: بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا: تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ بنُ العَلاَءِ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَالحَكَمُ بنُ أَبَانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ القِتْبَانِيُّ. 169 - الإِفْرِيْقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ * (د، ت، ق) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو أَيُّوْبَ الشَّعْبَانِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَعَالِمُهَا، وَمُحَدِّثُهَا، عَلَى سُوءٍ فِي حِفْظِه. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَبَكْرِ بنِ سَوَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَافِعٍ التَّنُوْخِيِّ صَاحِبٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي عُثْمَانَ المِصْرِيِّ صَاحِبٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَزِيَادِ بنِ نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ. وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) المشاقة من الكتان والقطن: ما خلص منه. (*) طبقات خليفة (296) ، تاريخ البخاري 5 / 283، التاريخ الصغير 2 / 123، الجرح والتعديل 5 / 224 - 225 الكامل في التاريخ 5 / 315، تهذيب الكمال 788، تذهيب التهذيب 2 / 209 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 151 تهذيب التهذيب 6 / 173 - 176 خلاصة تذهيب الكمال 227. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 وَفَدَ عَلَى المَنْصُوْرِ بِالكُوْفَةِ، فَوَعَظَهُ، وَصَدَعَه بِالحَقِّ. وَقِيْلَ: كَانَ أَوَّلَ مَوْلُوْدٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: وَلِيَ السَّفَّاحُ، فَظَهرَ جَورٌ بِإِفْرِيْقِيَةَ، فَوَفَدَ ابْنُ أَنْعُمَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُشتَكِياً، ثُمَّ قَالَ: جِئْتُ لأُعْلِمَكَ بِالجَوْرِ بِبَلَدِنَا، فَإِذَا هُوَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِكَ! فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ. وَقِيْلَ: قَالَ لَهُ: كَيْفَ لِي بِأَعوَانٍ؟ قَالَ: أَفَلَيْسَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ يَقُوْلُ: الوَالِي بِمَنْزِلَةِ السُّوْقِ، يُجلَبُ إِلَيْهِ مَا يَنْفُقُ فِيْهِ؟ فَأَطرَقَ طَوِيْلاً، فَأَومَأَ إِلَيَّ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ بِالخُرُوْجِ. وَرَوَى: جَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الإِفْرِيْقِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ مَعَ المَنْصُوْرِ. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: وَلِيَ قَضَاءَ إِفْرِيْقِيَةَ لِمَرْوَانَ الحِمَارِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ ضَعِيْفٌ، وَلاَ يَسْقُطُ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُه جِدّاً. قِيْلَ: أَسَرَتْهُ الرُّوْمُ، فَقُدِّمَ لِيُقتَلَ بَعْدَ قَتْلِ طَائِفَةٍ. قَالَ: فَحَرَّكْتُ شَفَتِي، وَقُلْتُ: اللهُ اللهُ رَبِّي، لاَ أُشرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَلاَ أَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِه وَلِيّاً. فَأَبصَرَ الطَّاغِيَةُ فِعْلِي، فَقَالَ: قَدِّمُوا شَمَّاسَ العَرَبَ، لَعَلَّكَ قُلْتَ: اللهُ اللهُ رَبِّي، لاَ أُشرِكُ بِهِ شَيْئاً؟! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَه؟ قُلْتُ: نَبِيُّنَا أَمَرَنَا بِهِ. فَقَالَ لِي: وَعِيْسَى أَمَرَنَا بِهِ فِي الإِنْجِيْلِ. فَأَطلَقَنِي وَمَنْ مَعِيَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِالقَيْرَوَانِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ مِنَ التَّابِعِيْنَ 170 - ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ مِهْرَانَ العَدَوِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، عَالِمُ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ السُّنَنَ النَّبَوِيَّةَ، أَبُو النَّضْرِ بنُ مِهْرَانَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي نَضْرَةَ العَبْدِيِّ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، إِلاَّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُه لَمَّا شَاخَ، وَأَكبَرُ شَيْخٍ لَهُ: هُوَ أَبُو رَجَاءٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ - رَاوِي كُتُبِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَسْمَعِ الاخْتِلاَفَ، فَلاَ تَعُدَّهُ عَالِماً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ لِسَعِيْدٍ كِتَابٌ، إِنَّمَا كَانَ يَحْفَظُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَقَالَ يَحْيَى   (*) طبقات خليفة (220) التاريخ الصغير 2 / 40، 78، 122، الجرح والتعديل 4 / 65، الكامل في التاريخ 5 / 594، تهذيب الكمال 502، تذهيب التهذيب 2 / 25 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 177، تهذيب التهذيب 4 / 63 - 66، خلاصة تذهيب الكمال 141. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 بنُ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ: سَعِيْدٌ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَشُعْبَةُ. قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَحَدٌ أَحْفَظُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: إِذَا رَوَيتَ عَنِّي، فَقُلْ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ الأَعْرَجُ، عَنْ قَتَادَةَ الأَعْمَى، عَنِ الحَسَنِ الأَحْدَبِ. قُلْتُ: لَمْ نَسْمَعْ بِأَنَّ الحَسَنَ البَصْرِيَّ كَانَ أَحَدَبَ، إِلاَّ فِي هَذِهِ الحِكَايَةِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ قَتَادَةُ وَسَعِيْدٌ يَقُوْلاَنِ بِالقَدَرِ، وَيَكتُمَانِ. قُلْتُ: لَعَلَّهُمَا تَابَا وَرَجَعَا عَنْهُ، كَمَا تَابَ شَيْخُهُمَا. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي عُمَرَ إِجَازَةً، أَنَّ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، عَنْ حُصَيْنِ بنِ المُنْذِرِ، قَالَ: صَلَّى الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ أَرْبَعاً وَهُوَ سَكرَانُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ: أَزِيْدُكُم؟ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اضْرِبْهُ الحَدَّ. فَأَمَرَ بِضَرْبِه، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: قُمْ، فَاضْرِبْه. قَالَ: فَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ ضَعُفْتَ، وَوَهَنتَ، وَعَجِزْتَ، قُمْ يَا عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ. فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، فَجَعَلَ يَضرِبُه، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَرْبَعِيْنَ، قَالَ: كُفَّ -أَوِ اكْفُفْ- ثُمَّ قَالَ: ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ، وَضَربَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِيْنَ، وَضَربَ عُمَرُ صَدْراً مِنْ خِلاَفَتِه أَرْبَعِيْنَ، وَثَمَانِيْنَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالقَزْوِيْنِيُّ.   (1) أخرجه مسلم (1707) في الحدود، باب: حد الخمر، وأبو داود (4480) في الحدود، باب: الحد في الخمر، والدارمي 2 / 175 في الحدود، باب: في حد الخمر، وابن ماجه (2571) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 رَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَختَلِطَ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ قَتَادَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الهَزِيْمَةِ، فَسَمَاعُهُ جَيِّدٌ. عَنَى: هَزِيْمَةَ نَوبَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (1) ، وَهِيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: لَقِيْتُ ابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ بِدَهْرٍ، وَرَأَيْتُه سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، فَأَنْكَرْتُه. وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يُوَثِّقُه. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَتَبتُ عَنْهُ بَعْدَ مَا اخْتُلِطَ حَدِيْثَيْنَ، فَقُمْتُ، وَتَرَكْتُه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَلِمَةَ الأَفْطَسُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ بَعْدَ مَا تَغَيَّرَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي وُجُوهِنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا. مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ يَمزَحُ، وَكَانَ يُحَدِّثُ، فَإِذَا أَعْجَبَه حِفْظُه، قَالَ: دَقَّكَ بِالمِنْحَازِ حَبَّ القِلْقِلِ ... (2) وَقَالَ بَعْضُهُم: أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَتَمَارَى عِنْدَه رَجُلاَنِ، فَبَقِيَ يُغْرِي بَيْنَهمَا قَلِيْلاً. قُلْتُ: وَكَانَ مِنَ المُدَلِّسِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَسْمَعْ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ مِنَ الحَكَمِ، وَلاَ مِنَ الأَعْمَشِ، وَلاَ مِنْ حَمَّادٍ، وَلاَ مِنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَلاَ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَلاَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَلاَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَلاَ مِنْ أَبِي بِشْرٍ، وَلاَ مِنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، وَلاَ مِنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَلاَ مِنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَلاَ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ هَؤُلاَءِ عَلَى التَّدْلِيْسِ، وَلَمْ   (1) حدثت هذه المعركة في " باخمرا " وفيها قتل إبراهيم رحمه الله. الكامل في التاريخ 5 / 560 - 571، وانظر الطبري، والبداية والنهاية في حوادث سنة (145) هجرية. (2) مثل يضرب في الالحاح على الشحيح، ويوضع في الا دلال والحمل عليه. والمنحاز: الهاون، وحب القلقل: لا يدق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 يَسْمَعْ مِنْهُم (1) . وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: لَمْ يَسْمَعْ سَعِيْدٌ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَلاَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَلاَ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَقَالَ عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ مِنْ سَعِيْدٍ فِي الاخْتِلاَطِ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعاً مِنْ سَعِيْدٍ: عَبْدَةُ. قَالَ الجَرَّاحُ بنُ مَخْلَدٍ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، مِنْ أَيِّ حَيٍّ هُوَ؟ قُلْتُ: هَذَا مِنْ قَبِيْلِ المُزَاحِ. عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَحْكُوْنَ عَنْ مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كَتَبتُ عَنْ سَعِيْدٍ التَّصَانِيْفَ، فَخَاصَمَنِي أَبِي، فَسَجَرْتُ التَّنُّورَ وَطَرَحْتُهَا فِيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعَ غُنْدَرٌ مِنْ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: فِي الاخْتِلاَطِ-. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ أُرِيْدُ أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ، فَسَمِعتُ مِنْهُ كَلاَماً عَجِيْباً، سَمِعْتُه يَقُوْلُ: الأَزْدُ أَزْدُ عَرِيْضَه ... ذَبَحُوا شَاةً مَرِيْضَه أَطْعَمُوْنِي فَأَبَيْتُ ... ضَرَبُونِي فَبَكَيْتُ فَعَلِمتُ أَنَّهُ مُختَلَطٌ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سَمِعَ خَالِدَ بنَ الحَارِثِ مِنْ سَعِيْدٍ إِمْلاَءً، وَكَانَ سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ عَالِماً بِشُعْبَةَ وَسَعِيْدٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: لَيْسَتْ رِوَايَةُ: وَكِيْعٍ، وَالمُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، عَنْ سَعِيْدٍ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ وَكِيْعٌ فِي الاخْتِلاَطِ. فَقَالَ لِي وَكِيْعٌ: رَأَيْتَنِي حَدَّثتُ عَنْهُ إِلاَّ بِحَدِيْثٍ مُسْتَوٍ؟ وَرَوَى: وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، قَالَ: لاَ يَفقَهُ رَجُلٌ لاَ يَدْخُلُ حُجْرَةَ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، قَالَ: مَنْ سَبَّ عُثْمَانَ، افْتَقَرَ.   (1) في ميزان المؤلف: وقد حدث عنهم كلهم - يعني يقول: " عن "، ويدلس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ مَعَ قَتَادَةَ، فَأَنْشَدَنَا بَيْتاً. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) : سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَهُ أَصْنَافٌ كَثِيْرَةٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي الاخْتِلاَطِ، فَلاَ يُعتَمَدُ عَلَيْهِ. وَأَرْوَاهُم عَنْهُ: عَبْدُ الأَعْلَى الشَّامِيُّ، ثُمَّ شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ. قَالَ: وَأَثبَتُهُم فِيْهِ: يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ. وَرَوَى جَمِيْعَ مُصَنَّفَاتِه: عَبْدُ الوَهَّابِ الخَفَّافُ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ فِي سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ. وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ: مُقْرِئُ الكُوْفَةِ: حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَقَاضِي البَصْرَةِ: سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيُّ، وَنَزِيْلُ بَيْتِ المَقْدِسِ: عَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ البَلْخِيُّ، وَمُحَدِّثُ حِمْصَ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الغَسَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ ذَرٍّ بِالكُوْفَةِ، وَمُحَدِّثُ المَغْرِبِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ الإِفْرِيْقِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: زَعَمُوا أَنَّ سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ قَالَ: لَمْ أَكْتُبْ إِلاَّ تَفْسِيْرَ قَتَادَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا مَعْشَرٍ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَكْتُبَه. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: كَانَ سَعِيْدٌ أَحْفَظَ أَصْحَابِ قَتَادَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ الأَغْلاَقِيِّ، أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ جَرْوٍ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَوِيِّ بنُ الحُبَابِ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا مُرْتَضَى بنُ حَاتِمٍ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ عُمَرَ الهَوَّارِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَخْلُوْقٍ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنَيْرٍ، قَالُوا خَمْسَتُهُم: أَنْبَأَنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سِلَفَةَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحُسَيْنِ الهَاشِمِيُّ، وَالمُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، قَالُوا خَمْسَتُهُم: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأُبَيٍّ: (إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ القُرْآنَ، أَوْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ) . قَالَ: اللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: وَذُكِرتُ عِنْدَ رَبِّ العَالَمِيْنَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ المُنَادِي، لَكِنْ سَمَّاهُ أَحْمَدُ (2) . بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوفِيْقِه تَمَّ الجُزْءُ السَّادِسُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) . وَيَلِيْهِ الجُزْءُ السَّابِعُ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ مَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ.   (1) أخرجه البخاري (4961) في التفسير، في سورة: لم يكن و (4959) و (4960) و (3810) في الفضائل، باب: مناقب أبي بن كعب، ومسلم (799) في فضائل الصحابة، باب: فضائل أبي، وجماعة من الانصار، والترمذي (3894) في المناقب، باب: فضل أبي. (2) بين الحافظ في " الفتح " أن الذي سماه أحمد وهو الفربري لا البخاري، وقال: لم يصب من وهم البخاري فيه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 الْجُزْءُ الْسَّابِعُ 1 - مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ أَبُو عُرْوَةَ الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُرْوَةَ بنُ أَبِي عَمْرٍو الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ اليَمَنِ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَشَهِدَ جَنَازَةَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ. حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَهَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ، وَعَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ المَكِّيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَعَبْدِ اللهِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَسِمَاكِ بنِ الفَضْلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ،   (*) طبقات ابن سعد: 5 / 546، طبقات خليفة: 288، تاريخ خليفة: 426، تاريخ البخاري الكبير: 7 / 378 - 379، وتاريخه الصغير: 2 / 115، وفيهما وفاته سنة (153 هـ) ، المعارف: 506، المعرفة والتاريخ: 1 / 139، 140، و2 / 141، 166، 200، 201، 819، 820، 3 / 157، الجرح والتعديل: 8 / 255 - 257، مشاهير علماء الأمصار: 192 وفيه وفاته (152 هـ) ، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، الكامل لابن الأثير: 5 / 549، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 107، تهذيب الكمال: خ: 1354 - 1355، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 57 - 58، تاريخ الإسلام: 6 / 294 - 297، تذكرة الحفاظ: 1 / 190 - 191، ميزان الاعتدال: 4 / 154، العبر 1 / 220 - 221، تهذيب التهذيب: 10 / 243 - 246، طبقات الحفاظ: 82، خلاصة: تذهيب الكمال: 384، شذرات الذهب: 1 / 235. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، مَعَ الصِّدْقِ، وَالتَّحَرِّي، وَالوَرَعِ، وَالجَلاَلَةِ، وَحُسْنِ التَّصْنِيْفِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَغُنْدَرٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ قَاضِي صَنْعَاءَ، وَأَبُو سُفْيَانَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَبَاحُ بنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، بَقِيَ إِلَى آخِرِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ - وَأَنَا غُلاَمٌ - إِلَى جَنَازَةِ الحَسَنِ، وَطَلَبْتُ العِلْمَ سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ. قَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ قَتَادَةَ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا شَيْءٌ سَمِعْتُ فِي تِلْكَ السِّنِيْنَ إِلاَّ وَكَأَنَّهُ مَكْتُوْبٌ فِي صَدْرِي. يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ لِمَعْمَرٍ: كَيْفَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوَكاً لِقَوْمٍ مِنْ طَاحِيَةَ (1) ، فَأَرْسَلُونِي بِبَزٍّ أَبِيْعُهُ، فَقَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَنَزَلْتُ   (1) طاحية: أبو بطن من الازد. انظر " الاشتقاق ": 484، و" جمهرة الأنساب ": 371، و" لسان العرب ": طحا. وطاحية أيضا: من مياه بني العجلان، كثيرة النخل بأرض القعاقع (معجم البلدان) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 دَاراً، فَرَأَيتُ شَيْخاً وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَعرِضُوْنَ عَلَيْهِ العِلْمَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ مَعَهُم. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ. أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: جِئْتُ الزُّهْرِيَّ بِالرُّصَافَةِ، فَجَعَلَ يُلْقِي عَلَيَّ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: عَرَضَ مَعْمَرٌ عَلَى هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ. النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى) : أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَا أَضُمُّ أَحَداً إِلَى مَعْمَرٍ، إِلاَّ وَجَدْتُ مَعْمَراً أَطْلَبَ لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ. حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: نَظَرْتُ فِي الأُصُوْلِ مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا هِيَ عِنْدَ سِتَّةٍ مِمَّنْ مَضَى: مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ: الزُّهْرِيُّ. وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ. وَمِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ. وَمِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ. ثُمَّ نَظَرْتُ، فَإِذَا حَدِيْثُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ يَصِيْرُ إِلَى أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً: سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَعْمَرٌ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ. سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ - قَبْلَ الطَّاعُوْنِ - يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: رَوَيْنَا عَنْ مَعْمَرِكُم، فَشَرَّفْنَاهُ. وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَهَذَا الحَدِيْثُ مِمَّا حَفِظْتَ عَنْ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَحِمَ اللهُ أَبَا عُرْوَةَ. عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 مَعَ أَيُّوْبَ، وَمَعَنَا مَعْمَرٌ فِي مَسْجِدٍ، فَأَتَى رَجُلٌ، فَسَأَلَ أَيُّوْبَ عَنْ رَجُلٍ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، فَحَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الحَدَّ. قَالَ: فَطُلِبَ إِلَيْهِ فِيْهِ، وَطَلَبَتْ إِلَيْهِ أُمُّه فِيْهِ. فَجَعَلَ أَيُّوْبُ يُوْمِئُ إِلَى مَعْمَرٍ، وَيَقُوْلُ: هَذَا يُفْتِيْكَ عَنِ اليَمِيْنِ. قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِهِ. قَالَ أَيُّوْبُ: وَأَنَا سَمِعْتُ عَطَاءً يُرَخِّصُ فِي تَرْكِه. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ أَنْتَظِرُ قُدُوْمَ أَيُّوْبَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا مُزَامِلاً لِمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، قَدِمَ مَعْمَرٌ يَزُورُ أُمَّهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قِيْلَ لِلثَّوْرِيِّ: مَا مَنَعَكَ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: قِلَّةُ الدَّرَاهِمِ، وَقَدْ كَفَانَا مَعْمَرٌ (1) . قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ أَكُوْنُ مَعَ مَعْمَرٍ، وَمَعَنَا الثَّوْرِيُّ، فَنَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عُرْوَةَ، فَنُحَدِّثُ عَنْهُ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّ مَعْمَراً شَرِبَ مِنَ العِلْمِ بِأَنْقُعٍ (2) . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الأَنْقُعُ: جَمْعُ: نَقْعٍ، وَهُوَ هَا هُنَا: مَا يُسْتَنْقَعُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مَعْمَرٌ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، بَصْرِيٌّ، سَكَنَ صَنْعَاءَ، وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَرَحَلَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: أَقَامَ مَعْمَرٌ عِنْدَنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا رَأَيْنَا لَهُ كِتَاباً -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُهُم مِنْ حِفْظِهِ-. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَيُّوْبَ شَيَّعَ مَعْمَراً، وَصَنَعَ لَهُ سُفْرَةً.   (1) سيكرر الخبر في الصفحة: 246، ترجمة سفيان الثوري، فانظره. (2) يقال لمن جرب الأمور ومارسها حتى عرفها وخبرها، وقال ابن الأثير: أي: أنه ركب في طلب الحديث كل حزن، وكتب من كل وجه، وفي حاشية الأصل ما نصه: وقيل بأنقع أي بكأس أنقع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَكتُبُ الحَدِيْثَ مِنْ مَعْمَرٍ، وَقَدْ سَمِعتُهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الرَّاجِزِ: قَدْ عَرَفْنَا خَيْرَكَم مِنْ شَرِّكُم ... وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: نِعْمَ الرَّجُلُ كَانَ مَعْمَرٌ، لَوْلاَ رِوَايَتُهُ التَّفْسِيْرَ عَنْ قَتَادَةَ. قُلْتُ: يَظْهَرُ عَلَى مَالِكٍ الإِمَامِ إِعرَاضٌ عَنِ التَّفْسِيْرِ؛ لانْقِطَاعِ أَسَانِيْدِ ذَلِكَ، فَقَلَّمَا رَوَى مِنْهُ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا جُزْءٌ لَطِيْفٌ مِنَ التَّفْسِيْرِ، مَنقُولٌ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: اثْنَانِ إِذَا كُتِبَ حَدِيْثُهُمَا هَكَذَا، رَأَيتُ فِيْهِ ... ، وَإِذَا انْتَقَيْتُهُمَا كَانَتْ حِسَاناً: مَعْمَرٌ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: جُمِعَ لِمَعْمَرٍ مِنَ الإِسْنَادِ مَا لَمْ يُجْمَعْ لأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَيُّوْبُ وَقَتَادَةُ بِالبَصْرَةِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالأَعْمَشُ بِالكُوْفَةِ، وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ بِالحِجَازِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ. الرَّمَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: حَدَّثتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ بِأَحَادِيْثَ، فَقَالَ: اكْتُبْ حَدِيْثَ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: أَمَا تَكرَهُ أَنْ تَكتُبَ العِلْمَ يَا أَبَا نَصْرٍ؟ فَقَالَ: اكْتُبْه لِي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَتَبتَ، فَقَدْ ضَيَّعْتَ -أَوْ قَالَ: عَجَزْتَ-. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَجَاءَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِهَذَا الرَّجُلِ -يَعْنِي: مَعْمَراً- فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي زَمَانِهِ أَعْلَمُ مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: لَمَّا دَخَلَ مَعْمَرٌ صَنْعَاءَ، كَرِهُوا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِم، فَقَالَ لَهُم رَجُلٌ: قَيِّدُوْهُ. قَالَ: فَزَوَّجُوْهُ. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَسْتَ تَضُمُّ مَعْمَراً إِلَى أَحَدٍ، إِلاَّ وَجَدْتَه فَوْقَهُ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مَعْمَرٌ؟ قَالَ: مَعْمَرٌ. قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَمْ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ؟ قَالَ: مَعْمَرٌ إِلَيَّ أَحَبُّ، وَصَالِحٌ ثِقَةٌ. قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ يُوْنُسُ؟ قَالَ: مَعْمَرٌ. قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ مَالِكٌ؟ قَالَ: مَالِكٌ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُوْلُوْنَ: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا يَقُوْلُ ذَلِكَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، وَأَيَّ شَيْءٍ كَانَ سُفْيَانُ؟ إِنَّمَا كَانَ غُلَيْماً (1) -يَعْنِي: أَمَامَ الزُّهْرِيِّ-. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يُقَدِّمُ مَالِكاً عَلَى أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ مَعْمَراً، ثُمَّ يُوْنُسَ. وَكَانَ القَطَّانُ يُقَدِّمُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَلَى مَعْمَرٍ. عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى القَطَّانَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: مَالِكٌ، ثُمَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ مَعْمَرٌ. وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المَدِيْنِيِّ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ: مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَشْهَرُ، وَهَذَا أَقْوَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِذَا حَدَّثَكَ مَعْمَرٌ عَنِ العِرَاقِيِّيْنَ، فَخَافَهُ (2) ، إِلاَّ عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ وَالزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ حَدِيْثَهُ عَنْهُمَا مُسْتقِيْمٌ،   (1) في الأصل: " غليم ". (2) كذا الأصل، وفي " تهذيب التهذيب ": 10 / 245: " فخالفه " وهو الوجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 فَأَمَّا أَهْلُ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ، فَلَهُ (1) . وَمَا عَمِلَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ شَيْئاً، وَحَدِيْثُه عَنْ ثَابِتٍ، وَعَاصِمٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مُضْطَرِبٌ، كَثِيْرُ الأَوهَامِ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَقَطَتْ مِنِّي صَحِيْفَةُ الأَعْمَشِ، فَإِنَّمَا أَتَذَكَّرُ حَدِيْثَهُ، وَأُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِي. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَنَّهُ كَانَ زَوْجُ أُخْتِ امْرَأَةِ مَعْمَرٍ مَعَ مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا أُخْتُهَا بِدَانجُوجَ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَعْمَرٌ بَعْد مَا أَكَلَ، فَقَامَ، فَتَقَيَّأَ. أَحْمَدُ بنُ شَبَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَكَلَ مَعْمَرٌ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَاكِهَةً، ثُمَّ سَأَلَ، فَقِيْلَ: هَدِيَّةٌ مِنْ فُلاَنَةٍ النَّوَّاحَةِ. فَقَامَ، فَتَقَيَّأَ. وَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعْنٌ - وَالِي اليَمَنِ - بِذَهَبٍ، فَرَدَّهُ، وَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنْ عَلِمَ بِهَذَا غَيْرُنَا، لَمْ يَجْتَمِعْ رَأْسِي وَرَأْسُكِ أَبَداً (2) . قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ يَهَابَ (3) : قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَتَبتُ عَنْ مَعْمَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا نَعْلمُ أَحَداً عَفَّ عَنْ هَذَا المَالِ، إِلاَّ الثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَراً. وَبَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا أَبُو عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، فَقَلَّ مَنْ فَطِنَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.   (1) في المرجع السابق: " فلا ". (2) في الميزان: 4 / 154: " إن علم بهذا أحد فارقتك ". (3) بباء مفتوحة ويقال: ابن إهاب. من رجال " التهذيب ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 وَمَعَ كَوْنِ مَعْمَرٍ ثِقَةً، ثَبْتاً، فَلَهُ أَوهَامٌ، لاَ سِيَّمَا لَمَّا قَدِمَ البَصْرَةَ لِزِيَارَةِ أُمِّهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كُتُبُه، فَحَدَّثَ مِنْ حِفْظِه، فَوَقَعَ لِلْبَصْرِيِّيْنَ عَنْهُ أَغَالِيْطُ. وَحَدِيْثُ هِشَامٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَصَحُّ؛ لأَنَّهُم أَخَذُوا عَنْهُ مِنْ كُتُبِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَوْهَرٍ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدٌ الصَّالْحَانِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مَسْعُوْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فِي بَيْتِهِم بِغَيْرِ إِذْنِهِم، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ (1)) . وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ مَا فِي بَطْنِهِ، لاسْتَقَاءهُ (2)) . وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (العَيْنُ حَقٌّ، وَنَهَى عَنِ الوَشْمِ) (3) .   (1) هو في " المصنف ": (19433) ، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2158) في الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره، من طريق زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل به، وأخرجه بمعناه البخاري: 12 / 216، ومسلم (2158) (44) من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه أحمد: 2 / 385، والنسائي: 8 / 61، وصححه ابن حبان، كلهم من رواية بشير بن نهيك، عن أبي هريرة بلفظ: " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقؤوا عينه، فلا دية ولا قصاص ". (2) هو في " المصنف ": (19588) ، وأخرجه مسلم: (2026) من طريق عبد الجبار بن العلاء، عن مروان الفزاري، عن عمر بن حمزة، عن أبي غطفان المري، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقئ ". (3) هو في " المصنف ": (19779) ، وأخرجه البخاري: 10 / 173 في الطب: باب العين حق، من طريق إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق، وأخرجه مسلم: (2187) من طريق محمد بن رافع، وأبو داود: (3879) من طريق أحمد بن حنبل، كلاهما عن عبد الرزاق، ولم يذكرا الجملة الثانية. = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى المُسْبِلِ) . يَعْنِي: إِزَارَهُ (1) . وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُوْلَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ (2)) . أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا سَالِمُ بنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتِيْلَ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِبَيْعَةِ ابْنِهِ يَزِيْدَ إِلَى المَدِيْنَةِ، كَتَبَ إِلَيْهِم: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكُم أَمِيْرٌ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيَّ، فَلْيَفْعَلْ. قَالَ: فَخَرَجَ   = والوشم: بفتح الواو، وسكون الشين: أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم، ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه، فيخضر. (1) هو في " المصنف ": (19981) ، وأخرجه البخاري: 10 / 219، في اللباس: باب من جر ثوبه من الخيلاء، من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا "، وأخرجه مسلم: (2087) في اللباس والزينة: باب تحريم جر الثوب خيلاء، من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - ورأى رجلا يجر إزاره، فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير، جاء الأمير - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا ". (2) هو في " المصنف ": (20149) ، وأخرجه البخاري: 6 / 380، في أحاديث الأنبياء، و: 10 / 434، في الأدب: باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت، من طريق أحمد بن يونس، عن زهير، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود. وقوله: " فاصنع ما شئت ": هو أمر بمعنى الخبر، أو هو للتهديد، أي: اصنع ما شئت، فإن الله يجزيك، أو معناه: انظر إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله، وإن كان مما يستحيا منه، فدعه. أو المعنى: إنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب ألا تستحي منه من أمر الدين، فافعله ولا تبال بالخلق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 عَمْرٌو وَعُمَارَةُ ابْنَا حَزْمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! إِنَّهُ قَدْ كَانَ لِمَنْ قَبْلَكَ بَنُوْنُ، فَلَمْ يَصْنَعُوا كَمَا صَنَعتَ، وَإِنَّمَا ابْنُكَ فَتَىً مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ ... فَنَالَ مِنْهُ، فَبَكَى مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ عَرِقَ فَأَرْوَحَ (1) ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ قُلْتَ بِرَأْيِكَ بِالِغاً مَا بَلَغَ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنِي وَأَبنَاؤُهُم، فَابْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبْنَائِهِم، ارْفَعْ حَاجَتَكَ. قَالَ: مَا لِيَ حَاجَةٌ. فَلَقِيَهُ أَخُوْهُ عُمَارَةُ، فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقَالَ عُمَارَةُ: إِنَّا للهِ، أَلِهَذَا جِئْنَا نَضرِبُ أَكْبَادَهَا مِنَ المَدِيْنَةِ (2) ؟! قَالَ: فَأْتِهِ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَ رَسُوْلُ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُمَارَةَ: ارْفَعْ حَاجَتَكَ وَحَاجَةَ أَخِيْكَ. قَالَ: فَفَعَلَ، فَقَضَاهَا (3) . لَمْ يَقَعْ لَنَا حَدِيْثُ مَعْمَرٍ أَعْلَى مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَحَدِيْثُه وَافِرٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَ (مَعَاجِمِ الطَّبَرَانِيِّ) . وَوَقَعَ لِي مِنْ (جَامِعِهِ (4)) : الجُزْءُ الأَوَّلُ، وَالثَّانِي، وَالثَّالِثُ. قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ المُبَارَكِ الصَّنْعَانِيَّ يَقُوْلُ: مَاتَ مَعْمَرٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ - كَذَا قَالَ -. بَلْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ فِيْمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ رَاهَوَيْه: مَاتَ مَعْمَرٌ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ. وَكَذَا وَرَّخَهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ: أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَشَبَابٌ، وَالفَلاَّسُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ، وَابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلاَنِ: مَاتَ سَنَةَ   (1) أي: تغيرت رائحة عرقه، من قولهم: أروح اللحم: إذا تغيرت رائحته، وكذلك الماء. (2) أكبادها: أي أكباد الابل، يقال: فلان تضرب إليه أكباد الابل، أي: يرحل إليه في طلب العلم وغيره. (3) رجاله ثقات. (4) وقد طبع مدرجا في آخر " مصنف " عبد الرزاق، وهو يبدأ من الجزء العاشر، ص (379) وينتهي بنهاية الكتاب، ولم يشر محقق " المصنف " إلى ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَكَذَا أَرَّخَ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَكُمُ البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ (1) ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ بَعْضِهِم، قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَى سَبْعَةٍ، فَهُوَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ (2) . وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلاَّمٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ: أَنْ عَلِّمِ النَّاسَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَجَمَعَهُم، فَقَالَ: إِنِّيْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَإِذَا عُلِّمْتُمُوْهُ، فَلاَ تَغْلُوا فِيْهِ، وَلاَ تَجْفُوا عَنْهُ، وَلاَ تَأْكُلُوا بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ ... ) ، الحَدِيْثَ (3) .   (1) هي شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الابري، الكاتبة، الدينورية الأصل، البغدادية المولد والوفاة، كانت من العلماء، وكتبت الخط الجيد، وسمع عليها خلق كثير، وكانت وفاتها سنة (574 هـ) ، وقد نيفت على تسعين سنة، انظر: وفيات الأعيان: 2 / 477 - 478، عبر المؤلف: 4 / 220، شذرات الذهب: 4 / 248. وسيترجمها المؤلف فيما بعد. (2) أبان هو ابن أبي عياش البصري، وهو متروك. (3) هو في " المصنف ": (19444) ، وأخرجه أحمد: 3 / 444، من طريقه، وسنده قوي كما قال الحافظ في " الفتح "، وتمامه: " ثم قال: إن التجار هم الفجار، قالوا: يا رسول الله! أليس قد أحل الله البيع وحرم الربا؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون ويأثمون. ثم قال: إن الفساق هم أهل النار، قالوا: يا رسول الله! ومن الفساق؟ قال: النساء. قالوا: يا رسول الله! ألسن أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا؟ قال: بلى، ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم يصبرن، ثم ليسلم الراكب على الراجل، والراجل على الجالس، والاقل على الأكثر، فمن أجاب السلام كان له، ومن لم يجب فلا شيء له ". = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لِيُسَلِّمِ الصَّغِيْرُ عَلَى الكَبِيْرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيْلُ عَلَى الكَثِيْرِ (1)) . وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ نَقْشَ خَاتَمِ أَبِي مُوْسَى: أَسَدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَكَانَ نَقشَ خَاتَمِ أَبِي عُبَيْدَةَ: الخُمْسُ للهِ، وَكَانَ نَقشَ خَاتَمِ أَنَسٍ: كُرْكِيٌ لَهُ رَأْسَانِ (2) . وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ أَخرَجَ خَاتَماً، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِهِ، فِيْهِ تِمْثَالُ أَسَدٍ، فَرَأَيْتُ بَعْضَ القَوْمِ غَسَلَهُ بِالمَاءِ، ثُمَّ شَرِبَهُ (3) . إِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ (4) ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: (أَنَّ رَجُلاً مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَوَطِئَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ،   وقوله: " فلا تغلوا فيه "، أي: لا تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه، بأن تتأولوه بباطل. وقوله: " ولا تجفوا عنه "، أي: لا تبعدوا عن تلاوته. (1) هو في " المصنف ": (19445) ، وأخرجه مسلم: (2160) ، في أول السلام، وأبو داود: (5198) ، والترمذي: (2705) ، والبخاري: 11 / 13، في الاستئذان: باب تسليم القليل على الكثير. (2) هو في " المصنف ": (19470) . والكركي: طائر كبير، أغبر اللون، طويل العنق والرجلين، أبتر الذنب، قليل اللحم، يأوي إلى الماء أحيانا. (3) هو في " المصنف ": (19469) . (4) البطي: بفتح الباء، نسبة إلى قرية بط، على طريق دقوقا. انظر " التبصير ": 162. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 أَتَطَأُ عَلَى رَقَبَتِي وَأَنَا سَاجِدٌ؟ لاَ وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ هَذَا أَبَداً. فَقَالَ اللهُ: أَيَتَأَلَّى عَلَيَّ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ (1)) . وَبِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ رَفَع الحَدِيْثَ، قَالَ: يَقُوْل الله -تَعَالَى-: (إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ الَّذِيْنَ يَتَحَابُّونَ فِيَّ، وَالَّذِيْنَ يَعْمُرُوْنَ مَسَاجِدِي، وَالَّذِيْنَ يَسْتَغْفِرُوْنَ بِالأَسْحَارِ، أُوْلِئَكَ الَّذِيْنَ إِذَا أَرَدْتُ بِخَلْقِي عَذَابِي ذَكَرْتُهُم، فَصَرَفْتُ عَذَابِي عَنْ خَلْقِي (2)) . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حُمَيْدٍ المَعْمَرِيُّ: قَالَ مَعْمَرٌ: لقَدْ طَلَبنَا هَذَا الشَّأْنَ، وَمَا لَنَا فِيْهِ نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقنَا اللهُ النِّيَّةَ مِنْ بَعْدُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ يَطلُبُ العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ العِلْمُ حَتَّى يَكُوْنَ للهِ. قُلْتُ: نَعَمْ، يَطلُبُهُ أَوَّلاً، وَالحَامِلُ لَهُ حُبُّ العِلْمِ، وَحُبُّ إِزَالَةِ الجَهْلِ عَنْهُ، وَحُبُّ الوَظَائِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُن عَلِمَ وُجُوبَ الإِخْلاَصِ فِيْهِ، وَلاَ صِدْقَ النِّيَّةِ، فَإِذَا عَلِمَ، حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَخَافَ مِنْ وَبَالِ قَصدِهِ، فَتَجِيئُه النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا، وَقَدْ يَتُوبُ مِنْ نِيَّتِهِ الفَاسِدَةِ، وَيَندَمُ. وَعَلاَمَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ يُقْصِرُ مِنَ الدَّعَاوَى وَحُبِّ المُنَاظَرَةِ، وَمَنْ قَصْدِ التَّكَثُّرِ بِعِلْمِهِ، وَيُزْرِي عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ تَكَثَّرَ بِعِلْمِهِ، أَوْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْ فُلاَنٍ، فَبُعْداً لَهُ. قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: عَرَضَ مَعْمَرٌ عَلَى هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَسَمِعَ مِنْهَا سَمَاعاً نَحَواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلَ الثَّوْرِيُّ اليَمَنَ،   (1) هو في " المصنف ": (20275) ، وهو موقوف، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. (2) هو في " المصنف ": (20329) ، وفيه انقطاع وجهالة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 أَتَاهُ مَعْمَرٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَ يَوْماً بِحَدِيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ (1) ، وَهُوَ حَدِيْثٌ يُخطِئُ ابْنُ عَقِيْلٍ فِيْهِ. فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: يَا أَبَا عُرْوَةَ! تَعَسْتَ (2) . فغَضِبَ مَعْمَرٌ مِنْ ذَاكَ، فَمَا أَتَى سُفْيَانَ، فَمَا أَتَاهُ حَتَّى خَرَجَ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْهِ. وَمَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَأَبَانُ بنُ صَمْعَةَ (3) ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ (4) ، وَهِشَامُ بنُ الغَازِ (5) . 2 - صَالِحُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * الأَمِيْرُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو عَبْدِ   (1) أخرجه ابن ماجه: (3122) ، من طريق عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن أبي سلمة، عن عائشة وعن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد الله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد ". قال البوصيري في " الزوائد ": ورقة 195: هذا إسناد حسن، عبد لله بن محمد مختلف فيه. ورواه البيهقي من طريق الطبراني عن ابن أبي مريم، عن الفريابي، عن سفيان، فذكره بإسناده ومتنه، ورواه أحمد بن منيع في " مسنده " حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بتمامه. وله شاهد من حديث أبي رافع عند أحمد: 6 / 8، وآخر عن جابر عند أبي يعلى، وثالث عن أبي سعيد عند أبي يعلى أيضا، ورابع عن حذيفة بن أسيد عند الطبراني، يتقوى بها الحديث ويصح. انظر " مجمع الزوائد ": 4 / 21 - 23. (2) تعست: أي: عثرت وهلكت. والتعس: السقوط على أي وجه كان. يقال: تعست، بفتح العين: إذا خاطبت بالدعاء، وإن دعوت على غائب كسرتها. (3) ستأتي ترجمته: ص 61. (4) ستأتي ترجمته: ص 30. (5) في الأصل: " النعار "، وهو تحريف. انظر ترجمته ص 60. (*) تاريخ الإسلام: 6 / 202، دول الإسلام: 1 / 104، النجوم الزاهرة: 1 / 323، 331، تهذيب ابن عساكر: 6 / 378 - 379. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 المَلِكِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، عمُّ المَنْصُوْرِ، أَحَدُ الأَبْطَالِ المَذْكُوْرِيْنَ. هُوَ الَّذِي افْتَتَحَ مِصْرَ، وَانتُدِبَ لِحَرْبِ مَرْوَانَ الحِمَارِ (1) ، فَجَهَّزَ جَيْشاً فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكُوْهُ بِبُوْصِيْرَ - قَرْيَةٍ مِنْ أَعْمَالِ مِصْرَ - فَبَيَّتُوهُ، فَقَاتَلَ المِسْكِيْنُ حَتَّى قُتِلَ. وَوَلِيَ صَالِحٌ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ كُبَرَاءَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ المَلِكِ. وَقَدْ عَمِلَ المَصَافَّ (2) مَعَ الرُّوْمِ بِدَابِقَ، وَعَلَيْهِمُ الطَّاغِيَةُ قُسْطَنْطِيْنُ بنُ أَليُوْنَ، وَكَانُوا مائَةَ أَلْفٍ، فَهَزَمَهُم صَالِحٌ، وَقَتَلَ، وَأَسَرَ، وَسَبَى، وَأَنشَأَ مَدِيْنَةَ أَذَنَةَ (3) مِنَ الثُّغُورِ. وَوَلِيَ الشَّامَ بَعْدَهُ: ابْنُهُ الفَضْلُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً.   (1) هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، أبو عبد الملك، ويعرف بالجعدي، وبالحمار، آخر خلفاء بني أمية في الشام، له حروب وفتوحات كثيرة، استوى على عرش بني مروان سنة (127 هـ) ، وفي أيامه قويت الدعوة العباسية، وقد فر من المعركة التي جرت بين جيشه وجيش قحطبة بن شبيب الطائي بالزاب بين الموصل وإربل، والتي انهزم فيها جيشه، وقد استدرك مروان هذا ببوصير من أعمال مصر فقتل فيها سنة (132 هـ) . ويقال له: " الحمار " أو " حمار الجزيرة " لجرأته في الحروب. وأما شهرته بالجعدي. فنسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم. انظر: الكامل لابن الأثير 5 / 424 - 429 وتاريخ الإسلام: 5 / 32، أخبار سنة (127) وما بعدها، والبداية والنهاية: 10 / 22 - 25 وما بعدها، و: 11 / 42 - 48، وتاريخ الخلفاء: 254 - 255، وشذرات الذهب: 1 / 153. (2) المصاف، بالفتح وتشديد الفاء: جمع مصف، وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف. (3) أذنة، بوزن حسنة: بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور، خرج منه جماعة من أهل العلم، وسكنه آخرون. قال أحمد بن يحيى بن جابر: بنيت أذنة سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومئة، وجنود خراسان معسكرون عليها بأمر صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، ثم بنى الرشيد القصر الذي عند أذنة قريب من جسرها على سيحان في حياة أبيه المهدي سنة (165 هـ) ، فلما كانت سنة (193 هـ) بنى أبو سليم فرج الخادم أذنة وأحكم بناءها وحصنها، وندب إليها رجالا من أهل خراسان وذلك بأمر محمد الامين بن الرشيد. (انظر معجم البلدان) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 3 - أَبُو العُمَيْسِ المَسْعُوْدِيُّ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ * (ع) ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ، المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ المَسْعُوْدِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. يَرْوِي عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنِ القَاسِمِ -يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قَالَ: مَدَّ الفُرَاتُ، فَجَاءَ بِرُمَّانَةٍ مِثْلِ البَعِيْرِ، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهَا مِنَ الجَنَّةِ. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَيَقعُ حَدِيْثُه عَالِياً فِي (جُزْءِ الجَابِرِيِّ) (1) . 4 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ ** (م، 4) ابْنِ الحَكَمِ بنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ، المَدِيْنِيُّ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ،   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 366، التاريخ الكبير: 6 / 527 - 528، المعرفة والتاريخ: 2 / 163، 655، الجرح والتعديل: 6 / 372، تهذيب الكمال: خ: 904 - 905، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 27، تهذيب التهذيب: 7 / 97، خلاصة تذهيب الكمال: 257. (1) الجابري: قال ابن حجر في " تبصير المنتبه ": 1 / 285: اسمه عبد الله بن جعفر الموصلي، وجزؤه هذا رواه عنه أبو نعيم. (* *) طبقات خليفة: 272، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 6 / 51، المعرفة والتاريخ: 1 / 427، 2 / 458، الضعفاء: خ: 249، الجرح والتعديل: 6 / 10، مشاهير علماء الأمصار: 131 وفيه كنيته: أبو حفص، تهذيب الكمال: خ: 765، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 200، تاريخ الإسلام: 6 / 221، ميزان الاعتدال: 2 / 539، عبر الذهبي: 1 / 220، تهذيب التهذيب: 6 / 111 - 112، خلاصة تذهيب الكمال: 221 - 222. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 الثِّقَةُ، أَبُو سَعْدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَنَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَمِّ أَبِيْهِ؛ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالوَاقِدِيُّ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ. وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَنْقِمُ عَلَيْهِ خُرُوْجَه مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (1) ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: كَانَ سُفْيَانُ يَحْمِلُ عَلَى عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَكَلَّمْتُهُ فِيْهِ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُ؟ ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: مَا أَدْرِي مَا شَأْنُهُ وَشَأْنَه! وَنَقَلَ عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُ عَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ جَعْفَرٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ الحَمِيْدِ ثِقَةً، يُرْمَى بِالقَدَرِ. قُلْتُ: قَدْ لُطِخَ بِالقَدَرِ جَمَاعَةٌ، وَحَدِيْثُهُم فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا؛ لأَنَّهُم مَوصُوفُوْنَ بِالصِّدْقِ وَالإِتْقَانِ.   (1) هو: محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وكان خروجه على المنصور مع أخيه إبراهيم، ذلك أنهما تخلفا عن الحضور عند المنصور عندما حج في ذلك العام، فطلبهما وبالغ في ذلك، وقبض على أبيهما مع عدد من أهل البيت، وسجنهم، وماتوا في سجنه، فثار محمد هذا في المدينة، وسجن متوليها، وصار له شأن، وعمال على المدن إلى أن أرسل إليه المنصور جيشا بقيادة ابن عمه عيسى بن موسى فقضى عليه سنة (145 هـ) . انظر: تاريخ الطبري: 7 / 17، وما بعدها، أخبار سنة (144) ، والكامل لابن الأثير: 5 / 513 - 527، الوافي بالوفيات: 3 / 297 - 300، شذرات الذهب: 1 / 213، أخبار سنة (144) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 مَاتَ عَبْدُ الحَمِيْدِ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. احْتجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ سِوَى البُخَارِيِّ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. 5 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ أَبُو إِسْحَاقَ المَخْزُوْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْحَاقَ المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُسْلِمِ بنِ يَنَّاقَ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ حَافِظاً. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَوْثَقُ شَيْخٍ كَانَ بِمَكَّةَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا. 6 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ مِقْلاَصٍ الخُزَاعِيُّ مَوْلاَهُم ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو يَحْيَى المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ، الخُزَاعِيُّ مَوْلاَهُم. وَاسْمُ وَالِدِه: مِقْلاَصٌ. وُلِدَ سَعِيْدٌ: سَنَةَ مائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 284، التاريخ الكبير: 1 / 332، 333، الجرح والتعديل: 2 / 140 - 141، تهذيب الكمال: خ: 64، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 42 - 43، الوافي بالوفيات: 6 / 152، العقد الثمين: 3 / 267، تهذيب التهذيب: 1 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 23. (* *) طبقات خليفة: 296، التاريخ الكبير: 3 / 458، التاريخ الصغير: 2 / 96، الضعفاء: خ: 149، مشاهير علماء الأمصار: 191، تهذيب الكمال: خ: 481، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 13، عبر المؤلف: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 4 / 7 - 8، خلاصة تذهيب الكمال: 136، شذرات الذهب: 1 / 251. وقد أجمعت هذه الكتب على أن وفاته كانت سنة (149 هـ) ، باستثناء المؤلف هنا وفي " العبر "، إضافة إلى " الشذرات " فقد أرخا وفاته سنة: (161 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَقِيْلٍ زُهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَعُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَرَوْحُ بنُ صَلاَحٍ، وَطَائِفَةٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 7 - أَبُو أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الخُوْزِيُّ * وَزِيْرُ المَنْصُوْرِ، سُلَيْمَان بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الخُوْزِيُّ (1) ، تَمَكَّنَ مِنَ المَنْصُوْرِ تَمَكُّناً لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلاً كَاتِباً لِلأَمِيْرِ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبِ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَنُوبُ عَنْ هَذَا الأَمِيْرِ فِي بَعْضِ كُوَرِ فَارِسٍ - فِيْمَا نَقَلَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ - فَصَادَرَه، وَضَرَبَهُ، فَلَمَّا صَارَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى المَنْصُوْرِ، قَتَلَهُ. كَانَ المُوْرِيَانِيُّ قَدْ دَافَعَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ كَثِيْراً عَنِ المَنْصُوْرِ، فَاسْتَوْزَرَهُ، ثُمَّ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَخْذِ الأَمْوَالِ، وَأَضْمَرَ لَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا هَمَّ بِهِ، دَخَلَ أَبُو أَيُّوْبَ وَقَدْ دَهَنَ حَاجِبَيْهِ بِدُهْنٍ مَسْحُوْرٍ، فَصَارَ فِي أَلْسِنَةِ العَامَّةِ: دُهْنُ أَبِي أَيُّوْبَ. ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَأْصَلَه وَعَذَّبَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.   (*) تاريخ الطبري: 8 / 42، 44، الوزراء والكتاب: 97 - 140 ضمن أخبار أيام المنصور، معجم البلدان: 5 / 221 الكامل لابن الأثير: 5 / 612، وفيات الأعيان: 2 / 410 - 414، تاريخ الإسلام: 6 / 188، شذرات الذهب: 1 / 236. (1) في الوفيات: 4 / 210: أبو أيوب سليمان بن أبي سليمان مخلد، وقيل: داود، المورياني الخوزي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةُ، قَرِيْبَةُ الرَّزِيَّةِ. مَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ العَالِمِ، وَلَهُ مُشَارَكَةٌ قَويَّةٌ فِي: الأَدَبِ، وَالفَلسَفَةِ، وَالحِسَابِ، وَالكِيْمِيَاءِ، وَالسِّحرِ، وَالنُّجُوْمِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ. وَكَانَ سَمْحاً، جَوَاداً، مُتَمَوِّلاً. 8 - بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ الضَّرِيْرُ * شَاعِرُ العَصْرِ، أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ، الضَّرِيْرُ، بَلَغَ شِعرُه الفَائِقُ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ. نَزَلَ بَغْدَادَ، وَمَدَحَ الكُبَرَاءَ. وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي عُقَيْلٍ، وَيُلَقَّبُ: بِالمُرَعَّثِ؛ لِلُبْسِه فِي الصِّغَرِ رِعَاثاً، وَهِيَ الحلقُ، وَاحِدُهَا: رَعَثَةٌ (1) ، وَوُلِدَ أَعْمَى. قَالَ أَبُو تَمَّامٍ: هُوَ أَشعَرُ النَّاسِ وَالسَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ (2) فِي وَقْتِهِمَا. وَهُوَ القَائِلُ:   (*) الشعرو الشعراء: 2 / 757 - 760، طبقات ابن المعتز: 21 - 31، تاريخ الطبري: 8 / 181، الاغاني: 3 / 135 - 250، الفهرست: المقالة الرابعة الفن الثاني، تاريخ بغداد: 7 / 112 - 118، الكامل لابن الأثير: 6 / 70، 74، 86، وفيات الأعيان: 1 / 271 - 274، عبر الذهبي: 1 / 252، نكت الهميان: 125، معاهد التنصيص: 1 / 97 - 102، البداية والنهاية: 10 / 149 - 150، لسان الميزان: 2 / 15 - 16، شذرات الذهب: 1 / 264 - 265، خزانة الأدب: 1 / 541 - 542. (1) في الأصل، و" لسان العرب "، و" التهذيب "، و" التاج " بفتح الراء، ووقع خطأ ضم الراء في المطبوع من المحيط. (2) هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، شاعر إمامي متقدم، قال أبو عبيدة: أشعر المحدثين السيد الحميري وبشار. وكان يتعصب لبني هاشم تعصبا شديدا، وينال من بعض الصحابة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما جعل الناس تحجم عن رواية شعره وجمعه. كانت ولادته سنة (105 هـ) في " نعمان " قرب الفرات على أرض الشام، ووفاته ببغداد سنة (173 هـ) . وديوانه مطبوع، جمعه وحققه: شاكر هادي شكر. انظر: الاغاني: 7 / 229 - 278، فوات الوفيات: 1 / 188 - 193، البداية والنهاية: 10 / 173، لسان الميزان: 1 / 436 - 438. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 أَنَا -وَاللهِ- أَشْتَهِي سِحْرَ عَيْنَيْـ ... ـكِ وَأَخْشَى مَصَارِعَ العُشَّاقِ (1) وَلَهُ: هَلْ تَعْلَمِيْنَ وَرَاءَ الحُبِّ مَنْزِلَةً ... تُدْنِي إِلَيْكِ، فَإِنَّ الحُبَّ أَقْصَانِي (2) قُلْتُ: اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ، فَضَرَبَهُ المَهْدِيُّ سَبْعِيْنَ سَوْطاً لِيُقِرَّ، فَمَاتَ مِنْهَا. وَقِيْلَ: كَانَ يُفَضِّلُ النَّارَ، وَيَنْتَصِرُ لإِبْلِيسَ. هَلَكَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَبَلغَ التِّسْعِيْنَ. 9 - أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم * (د، س) هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَةِ، أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ. عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَخَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ الفَقِيْهِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ كَيْسَانَ المَقْبُرِيِّ، وَالقُدَمَاءِ. وَرَأَى: جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ - فِيْمَا اعْتَرَفَ بِهِ أَبُو حَاتِمٍ -. حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جُحَا صَاحِبُ تِيْكَ النَّوَادِرِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً فِي رِوَايَة عَبَّاسٍ: هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ حَدِيْثُه بِذَاكَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ   (1) الديوان: 4 / 117، طبعة عام 1950 م. القاهرة. (2) الديوان: 4 / 215. (*) طبقات خليفة: 274، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 2 / 167، التاريخ الصغير: 2 / 163، المعرفة والتاريخ: 1 / 322، الضعفاء: خ: 62، الجرح والتعديل: 2 / 456، كتاب المجروحين: 1 / 206، تهذيب الكمال: خ: 1635، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 97، ميزان الاعتدال: 1 / 266، تهذيب التهذيب: 2 / 13 - 14، خلاصة تذهيب الكمال: 57. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 يَحْيَى: ضَعِيْفٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الوَهْمِ فِيْمَا يَرْوِي، لاَ يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إِذَا لَمْ يُتَابِعْه غَيْرُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مائَةً وَخَمْسَ سِنِيْنَ. وَمَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 10 - يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ * (م، 4) السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو إِسْرَائِيْلَ، وَابْنُ مُحَدِّثِهَا، وَوَالِد الحَافِظَيْنِ: إِسْرَائِيْلَ، وَعِيْسَى، وَأَخُوْ إِسْحَاقَ، وَعمُّ يُوْسُفَ بنِ إِسْحَاقَ. كَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ الصَّادِقِيْنَ. يُعَدُّ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَنَاجِيَةَ بنِ كَعْبٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي بُرْدَةَ وَأَبِي بَكْرٍ؛ ابْنَيْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَهِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، وَوَالِدِه؛ أَبِي إِسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عِيْسَى، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَقَبِيْصَةُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَهُوَ مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالحِفظِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ،   (*) طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير: 8 / 408، الضعفاء: خ: 473، مشاهير علماء الأمصار: 168، تهذيب الكمال: خ: 1564 - 1565، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 193، تاريخ الإسلام: 6 / 318، ميزان الاعتدال: 4 / 482 - 483، عبر الذهبي: 1 / 233، تهذيب التهذيب: 11 / 433 - 434، خلاصة تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب: 1 / 247. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 لاَ يُحتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَتْ فِيْهِ غَفْلَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيْثُه مُضْطَرِبٌ. وَقَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: قَدِمْتُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَقَالَ لِي شُعْبَةُ: مَنْ لَقِيْتَ؟ قُلْتُ: لَقِيْتُ يُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ: مَا حَدَّثَكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَكَتَ سَاعَةً، وَقُلْتُ لَهُ. قَالَ (1) : حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مَاعِزٍ. قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُوْد؟! قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَذْكُرُ يُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: كَانَتْ فِيْهِ غَفلَةٌ (2) ، كَانَتْ مِنْهُ سَجِيَّةٌ، كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبِي، سَمِعْتُ عَدِيَّ بنَ حَاتِمٍ: (اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ (3)) . ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ يَقُوْلاَنِ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ. قُلْتُ: ابْنَاهُ أَتْقَنُ مِنْهُ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 11 - يُوْسُفُ بنُ إِسْحَاقَ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ * (ع) رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَرَوَى عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَجَدِّهِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَا عَمِّهِ: إِسْرَائِيْلُ، وَعِيْسَى، وَوَلدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ،   (1) الفاعل هو يونس. (2) زيادة من " التهذيب ". (3) سيأتي تخريجه ص: 228. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 374، التاريخ الكبير: 8 / 383، الجرح والتعديل: 9 / 217 - 218، تهذيب الكمال: خ: 1557، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 189، تاريخ الإسلام: 6 / 317، عبر الذهبي: 1 / 228، تهذيب التهذيب: 11 / 408 - 409، خلاصة تذهيب الكمال: 438، شذرات الذهب: 1 / 242. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَكُنْ فِي وَلدِ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْفَظُ مِنْهُ. قُلْتُ: مِنْهُم مَنْ يَنْسِبُهُ إِلَى جَدِّهِ، فَيَقُوْلُ: يُوْسُفُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ. 12 - أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ المُزَنِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، صَالِحُ بنُ رُسْتُمَ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 4 / 280، المعرفة والتاريخ: 3 / 381، الضعفاء: خ: 188، الجرح والتعديل: 4 / 403، مشاهير علماء الأمصار: 151، تهذيب الكمال: خ: 597 - 598، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 87، تاريخ الإسلام: 6 / 202، ميزان الاعتدال: 2 / 294، تهذيب التهذيب: 4 / 390 - 391، خلاصة تذهيب الكمال: 170. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 13 - مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ ابْنِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الأَسَدِيُّ * (د، ت، ق) القُدْوَةُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ وَالِي اليَمَنِ، وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ نَافِلَتُه (1) الزُّبَيْرُ فِي كِتَابِ (النَّسَبِ) : أُمُّهُ كَلْبِيَّةٌ (2) ، اشْتَرَاهَا أَبُوْهُ مِنْ سُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ بِمائَةِ نَاقَةٍ. فَحَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبٌ: أَنَّ جَدَّهُ كَانَ مِنْ أَعْبدِ أَهْلِ زَمَانِه، صَامَ هُوَ وَأَخُوْهُ نَافِعٌ مِنْ عُمُرِهِمَا خَمْسِيْنَ سَنَةً. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ مِسْكِيْنَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَداً قَطُّ أَكْثَرَ صَلاَةً مِنْ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ، كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلفَ رَكْعَةٍ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ. وَقَالَتْ عَنْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُصْعَبٍ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ. وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ عُثْمَانَ، وَخَالِدُ بنُ وَضَّاحٍ: كَانَ مُصْعَبُ بنُ ثَابِتٍ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ، يَبِسَ مِنَ العِبَادَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبلَغِ أَهْلِ زَمَانِهِ.   (*) طبقات خليفة: 267، تاريخ خليفة: 428، التاريخ الكبير: 7 / 353، جمهرة نسب قريش: 1 / 115 - 124، الضعفاء: خ: 417، الجرح والتعديل: 8 / 304، كتاب المجروحين: 3 / 28 - 29، مشاهير علماء الأمصار: 138، الكامل لابن عدي: خ: 770، تهذيب الكمال: خ: 1331، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 41، تاريخ الإسلام: 6 / 290، ميزان الاعتدال: 4 / 118 - 119، عبر الذهبي: 1 / 228، تهذيب التهذيب: 10 / 158 - 159، خلاصة تذهيب الكمال: 377، شذرات الذهب: 1 / 242. (1) النافلة: ولد الولد، قال الله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين) [الأنبياء: 72] . (2) انظر " جمهرة نسب قريش ": 1 / 115 - 116. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، اسْتَحَقَّ لِذَلِكَ مُجَانَبَةَ حَدِيْثِه. رَوَى: الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً: (خَيْرُ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا (1)) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. 14 - فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ أَبُو بَكْرٍ المَخْزُوْمِيُّ * (4، خَ، مَقْرُوْناً) الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ الكُوْفِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الحَنَّاطِ.   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك ": 4 / 269، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي المؤلف فأخطأا، لان في سنده مصعب بن ثابت، وهو لين الحديث، ولم يخرج له مسلم، لكن الحديث قوي بشاهده عند أحمد: 3 / 18 و69، وأبي داود: (4820) ، والبخاري: في " الأدب المفرد " من حديث أبي سعيد الخدري، وسنده قوي، وصححه الحاكم: 4 / 269 على شرط البخاري، وأقره الذهبي المؤلف. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 364، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 7 / 139، المعرفة والتاريخ: 2 / 175، 657، 798، الضعفاء: خ: 357، الجرح والتعديل: 7 / 90، مشاهير علماء الأمصار: 168، الكامل لابن عدي: خ: 678، تهذيب الكمال: خ: 1107، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 144، تاريخ الإسلام: 6 / 268 - 269، ميزان الاعتدال: 3 / 363 - 364، عبر الذهبي: 1 / 220، البداية والنهاية: 10 / 111، تهذيب التهذيب: 8 / 300 - 302، خلاصة تذهيب الكمال: 311، شذرات الذهب: 1 / 135. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَطَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَوَالِدِه، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: السُّفْيَانَانِ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَالفِرْيَانِيُّ، وَقَبِيْصَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ مَرَّةً: كَانَ فِطْرٌ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ثِقَةً، لَكِنَّهُ خَشَبِيٌّ مُفرِطٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ، فِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مِنْهُم مَنْ يَسْتَضعِفُه، لَهُ سِنٌّ وَلِقَاءٌ، وَكَانَ لاَ يَدَعُ أَحَداً يَكْتُبُ عِنْدَهُ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: مَا تَرَكتُ الرِّوَايَةَ عَنْ فِطْرٍ، إِلاَّ بِسُوءِ مَذْهَبِه. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ فِطْرٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، حَدِيْثُه حَدِيْثُ رَجُلٍ كَيِّسٍ، إِلاَ أَنَّهُ يَتَشَيَّعُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: تَرَكتُهُ عَمداً، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، وَكُنْتُ أَمُرُّ بِهِ بِالكُنَاسَةِ فِي أَصْحَابِ الطَّعَامِ، وَكَانَ أَعْرَجَ، فَأَمُرُّ وَأَدَعُهُ مِثْلَ الكَلْبِ. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ، وَمَنْصُوْرٌ، وَمُغِيْرَةُ يَشْرَبُوْنَ، فَإِذَا أَخَذُوا فِي رُؤُوْسِهِم، سَخِرُوا بِفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ.   (1) في " النهاية " لابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية. وفي " المشتبه " للذهبي المؤلف: الخشبي: هو الرافضي في عرف السلف، 1 / 217، فالخشبية صنف من الرافضة، قاتلوا مرة بالخشب فعرفوا بذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ فِطْرٌ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ سَمِعْتُ، وَالمَسْعُوْدِيُّ أَحْفَظُ مِنْهُ. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ عَطَاءٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أُصِيْبَ بِمُصِيْبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيْبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ المَصَائِبِ (1)) . فَقُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَقَالَ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ؟ قَالَ: وَمَا يَنْتَفِعُ بِقَوْلِ: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ؟! سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ، قَالَ الفَلاَّسُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، فَحَدَّثَنَا عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الوَالِبِيِّ نَفْسِهِ. ثُمَّ قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى فِي حَدِيْثِ فِطْرٍ: خَرَجَ عَلَيَّ وَهُم قِيَامٌ. فَقَالَ يَحْيَى: إِنَّمَا هُوَ. فَقَالَ لِي: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الوَالِبِيُّ. قُلْتُ لِيَحْيَى: إِنَّهُم يُدخِلُوْنَ بَيْنَهُمَا زَائِدَةَ وَابْنَ نَشِيْطٍ. قَالَ يَحْيَى: فَإِنَّهُ أَيْضاً قَدْ قَالَ لِي: حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ فِي حَصَى الجِمَارِ، ثُمَّ أَدخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا رَجُلاً فِيْمَا بَلَغَنِي. قُلْتُ لِيَحْيَى: فَتَعتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ ... ؟ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ مَوصُولٌ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: كَانَتْ مِنْهُ سَجِيَّةً؟ قَالَ: نَعَمْ (2) . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ (3) . وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ. وَمَا يَبعُدُ أَنْ يَكُوْنَ لَقِيَ المَشَايِخَ المَذْكُوْرِيْنَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ المُتقِنِ، مَعَ   (1) الضعفاء: خ: 357، والكامل لابن عدي: خ: 678، وهو ضعيف لارساله وانقطاعه. (2) الضعفاء: خ: 357، والزيادة منه. (3) انظر: تاريخ خليفة: 426، و: مشاهير علماء الأمصار: 168، و: شذرات الذهب: 1 / 235، أخبار سنة (153 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 مَا فِيْهِ مِنْ بِدعَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنَهُ البُخَارِيُّ بِآخَرَ، وَحَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ. قَالَ عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ فِي كِتَابِ (المَنَاقِبِ) لَهُ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَاغِيُّ (1) ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، قَالَ (2) : دَخَلْنَا عَلَى فِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ وَهُوَ مُغْمَىً عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَكَانَ كُلِّ شَعرَةٍ فِي جَسَدِي لِسَانٌ يُسَبِّحُ اللهَ، بِحُبِّي أَهْلَ البَيْتِ. 15 - ابْنُ إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارِ بنِ خِيَارٍ الأَخْبَارِيُّ * (4) وَقِيْلَ: ابْنُ كُوْثَانَ (3) ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو بَكْرٍ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - القُرَشِيُّ، المُطَّلِبِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ (السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ) . وَكَانَ جَدُّهُ يَسَارٌ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ (4) ، فِي دَوْلَةِ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ   (1) في " الميزان " 3 / 364: " الاهاعي ". (2) في الأصل بين: (قال) و (دخلنا) ما نصه: " سمعت فطر بن خليفة يقول "، وهي زيادة لا معنى لها. والخبر ذكره المؤلف في " الميزان ": 3 / 364، بلفظ: عن جعفر الاحمر، سمعت فطر ابن خليفة في مرضه يقول: ما يسرني ... لحبي أهل البيت. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 321 - 322، طبقات خليفة: 271، 327، تاريخ خليفة: 16، 426، التاريخ الكبير: 1 / 40، التاريخ الصغير: 2 / 111، المعارف: 491 - 492، المعرفة والتاريخ: 2 / 27، 28، الضعفاء: خ: 370 - 381، الجرح والتعديل: 7 / 191 - 194، مشاهير علماء الأمصار: 139 - 140 وفيه وفاته (150 هـ) ، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، تاريخ بغداد: 1 / 214 - 234، وفيات الأعيان: 4 / 276 - 277، مقدمة عيون الاثر 1 / 7 - 17، تهذيب الكمال: خ: 1166 - 1168، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 183 - 185، تاريخ الإسلام: 6 / 275 - 278، تذكرة الحفاظ: 1 / 172 - 174، ميزان الاعتدال: 3 / 468 - 475، عبر الذهبي: 1 / 216، الوافي بالوفيات: 2 / 188 - 189، تهذيب التهذيب: 9 / 38 - 46، طبقات الحفاظ: 75 - 76، خلاصة تذهيب الكمال: 326 - 327، شذرات الذهب: 1 / 230. (3) كوثان بضم الكاف، والثاء المثلثة، وقد تحرف في تاريخ بغداد 1 / 214، و" فوات الوفيات " 4 / 276 إلى " كوتان " بالتاء، وفي " التهذيب " إلى " كومان ". (4) عين التمر: بلدة قريبة من الانبار، غربي الكوفة، بقربها موضع يقال له: شفاثا، منهما يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد. وهي على طرف البرية، وهي قديمة، افتتحها المسلمون في = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَوْلَى قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وُلِدَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَسَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّه؛ مُوْسَى بنِ يَسَارٍ. وَعَنْ: أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ - فِيْمَا قِيْلَ -. وَعَنْ: بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ، وَعَبَّاسِ بن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَمَكْحُوْلٍ الهُذَلِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - إِنْ صَحَّ - وَفَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَعْبَدِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعِيْدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ السَّبَّاقِ، وَعَاصِمِ بنِ عَمْرِو بنِ قَتَادَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، وَالصَّلْتِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدَ النَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ رُكَانَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، وَنُبَيْهِ بنِ وَهْبٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سُحَيْمٍ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى: صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ الكَلْبِيِّ، وَرَوْحِ بنِ القَاسِمِ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ.   = أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة (12) للهجرة، وكان فتحها عنوة، فسبى نساءها، وقتل رجالها. (انظر معجم البلدان) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالمَدِيْنَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ وَذَوِيْهِ، وَكَانَ فِي العِلْمِ بَحْراً عَجَّاجاً، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالمُجَوِّدِ كَمَا يَنْبَغِي. حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ - شَيْخُهُ - وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ - وَهُمَا مِنَ التَّابِعِيْنَ وِفَاقاً - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالحَمَّادَانِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَزِيَادٌ البَكَّائِيُّ، وَسَلَمَةُ الأَبْرَشُ، وَسَعْدَانُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الأَعْلَى السَّامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَأَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنُ وَاضِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم يَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم، وَيَبعُدُ إِحصَاؤُهُم. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: يَسَارٌ مَوْلَى قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ، وَهُوَ أَوَّلُ سَبْيٍ دَخَلَ المَدِيْنَةَ مِنَ العِرَاقِ. وَرَوَى: سَلَمَةُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَالصِّبْيَانُ يَشتَدُّونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَلْقَى الدَّجَّالَ (1) . مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ: عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: رَأَيتُ ابْنَ إِسْحَاقَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ رَأَى سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ؟   (1) بل مات - رضي الله عنه - ولم يلقه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 فَقَالَ: إِنَّهُ لَقَدِيْمٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: قَدْ سَمِعَ أَبَانَ بنَ عُثْمَانَ، وَمِنْ عَطَاءٍ، وَمِنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنَ القَاسِمِ. قَالَ: وَسَمِعَ مِنْ: مَكْحُوْلٍ، وَمِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لاَ يَزَالُ بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ مَا بَقِيَ هَذَا - عَنَى: ابْنَ إِسْحَاقَ -. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَدَارُ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةٌ: ... ، فَذَكَرهُم، ثُمَّ قَالَ: فَصَارَ عِلْمُ السِّتَّةِ عِنْدَ اثْنَيْ عَشَرَ: أَحَدُهُم مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: رَأَيتُ الزُّهْرِيَّ أَتَاهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، فَاسْتَبطَأَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ: وَهَلْ يَصِلُ إِلَيْكَ أَحَدٌ مَعَ حَاجِبِكَ؟ قَالَ: فَدَعَا حَاجِبَهُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَحْجِبْهُ إِذَا جَاءَ. وَقَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يَزَالُ بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ جَمٌّ مَا دَامَ فِيْهِمُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ - وَسُئِلَ عَنْ مَغَازِيه - فَقَالَ: هَذَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا -يَعْنِي: ابْنَ إِسْحَاقَ-. وَرَوَى: حَرْمَلَةُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي المَغَازِي، فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: قَالَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ: لاَ يَزَالُ فِي النَّاسِ عِلْمٌ مَا عَاشَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ. ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ، فَكَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ أَوْ أَكْثَرُ، فَاسْتَودَعَهَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: احْفَظْهَا عَلَيَّ، فَإِنْ نَسِيتُهَا، كُنْتَ قَدْ حَفِظتَهَا عَلَيَّ. قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ الحَافِظُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ ابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةً، وَقَدْ سَمِعَ مِنَ الأَعْرَجِ، وَيَرْوِي عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهُ؟ ثُمَّ قَالَ الخَلِيْلِيُّ: رَوَى عَنِ: ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ أُسْتَاذَيْهِ: الزُّهْرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَعُقَيْلٌ، وَيُوْنُسُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ - وَرَأَى ابْنَ إِسْحَاقَ مُقْبِلاً -: لاَ يَزَالُ بِالحِجَازِ عِلْمٌ كَثِيْرٌ مَا دَامَ هَذَا الأَحْوَلُ. النُّفَيْلِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ فَائِدٍ، قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَأَخَذَ فِي فَنٍّ مِنَ العِلْمِ، قَضَى مَجْلِسَه فِي ذَلِكَ الفَنِّ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ فِي المَغَازِي عَلاَّمَةً. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بِحَدِيْثٍ اسْتَحسَنَهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا أَحْسَنَ هَذِهِ القَصَصَ الَّتِي يَجِيْءُ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ! فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ مُتَعَجِّباً. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ - وَسُئِلَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ -: لِمَ لَمْ يَروِ أَهْلُ المَدِيْنَةِ عَنْهُ؟ فَقَالَ: جَالَسْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ مُنْذُ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَا يَتَّهِمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَلاَ يَقُوْلُ فِيْهِ شَيْئاً. فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُجَالِسُ فَاطِمَةَ بِنْتَ المُنْذِرِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ، وَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الذَّهَبِيِّ (1) : هُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ بِلاَ رَيْبٍ.   (1) هو المؤلف نفسه، فإن أباه كان يلقب بالذهبي لأنه كان بارعا في صنعة الذهب المدقوق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ يَقُوْلُ: تَحدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، وَاللهِ إِنْ رَآهَا قَطُّ. قُلْتُ: هِشَامٌ صَادِقٌ فِي يَمِيْنِه، فَمَا رَآهَا، وَلاَ زَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ رَآهَا، بَلْ ذَكرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْه، وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ عِدَّةِ نِسْوَةٍ، وَمَا رَأَيْتُهُنَّ. وَكَذَلِكَ رَوَى عِدَّةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَا رَأَوْا لَهَا صُوْرَةً أَبَداً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: وَلِمَ يُنْكِرُ هِشَامٌ؟ لَعَلَّهُ جَاءَ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَأَذِنَتْ لَهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَعْلَمْ-. قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ، وَذَكَرَهُ، فَقَالَ: دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ. قَالَ الخَطِيْبُ: ذَكرَ بَعْضُهُم: أَنَّ مَالِكاً عَابَه جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي زَمَانِهِ بِإِطلاَقِ لِسَانِه فِي قَوْمٍ مَعْرُوْفِيْنَ بِالصَّلاَحِ، وَالدِّيَانَةِ، وَالثِّقَةِ، وَالأَمَانَةِ. قُلْتُ: كَلاَّ، مَا عَابَهُم إِلاَّ وَهُم عِنْدَهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَخْطَأَ اجْتِهَادُه - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا البَرْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الإِيَادِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ كَذَّابٌ. قَالَ أَحْمَدُ - وَهُوَ الأَثْرَمُ (1)   (1) هو الحافظ الكبير، العلامة أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ، صاحب الامام أحمد، كان قوي الذاكرة سريع الفهم، له تصانيف: منها: " العلل " و" الناسخ والمنسوخ "، تدل على إمامته وسعة حفظه. توفي سنة (261 هـ) . انظر " التذكرة ": 570 - 571. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 إِنْ شَاءَ اللهُ -: فَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: عَسَى أَرَادَ فِي الكَلاَمِ، أَمَّا فِي الحَدِيْثِ فَثِقَةٌ، وَهُوَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ. قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ المَاجَشُوْنِ، وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي مَالِكٍ، وَكَانَ أَشَدَّهُم فِيْهِ كَلاَماً مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، كَانَ يَقُوْلُ: ائْتُونِي بِبَعْضِ كُتُبِه حَتَّى أُبَيِّنَ عُيُوبَه، أَنَا بَيْطَارُ كُتُبِه. قَالَ الخَطِيْبُ: أَمَّا كَلاَمُ مَالِكٍ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ فَمَشْهُوْرٌ، وَأَمَّا حِكَايَةُ ابْنِ فُلَيْحٍ عَنْهُ فِي هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، فَلَيْسَتْ بِالمَحْفُوْظَةِ، وَرَاوِيهَا عَنِ ابْنِ المُنْذِر لاَ يُعرَفُ. قُلْتُ: فَهِيَ مَرْدُوْدَةٌ. وَقَدْ أَمْسَكَ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِ ابْنِ إِسْحَاقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، لأَشْيَاءَ مِنْهَا: تَشَيُّعُه، وَنُسِبَ إِلَى القَدَرِ، وَيُدَلِّسُ فِي حَدِيْثِهِ، فَأَمَّا الصِّدْقُ فَلَيْسَ بِمَدْفُوْعٍ عَنْهُ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَحتَجُّ بِحَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ مَا رَأَى أَحَداً يَتَّهِمُهُ. قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ تَلَقَّفَ المَغَازِيَ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِيْمَا يُحَدِّثُه عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، وَالَّذِي يُذكَرُ عَنْ مَالِكٍ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ، لاَ يَكَادُ يَتَبَيَّنُ، وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ مِنْ أَتْبَعِ مَنْ رَأَينَا لِمَالِكٍ، أَخْرَجَ إِلَيَّ كُتُبَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيْهِ فِي المَغَازِي وَغَيْرِهَا، فَانْتخَبتُ مِنْهَا كَثِيْراً. قَالَ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحَوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي الأَحكَامِ، سِوَى المَغَازِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 قُلْتُ: يَعْنِي بِتِكرَارِ طُرُقِ الأَحَادِيْثِ، فَأَمَّا المُتُوْنُ الأَحكَامِيَّةُ الَّتِي رَوَاهَا، فَمَا تَبلُغُ عُشْرَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ البُخَارِيُّ هُنَا فَصلاً حَسَناً عَنْ رِجَالِهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، فَقَدْ أَكْثَرَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ البُخَارِيُّ: وَلَوْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ تَنَاوُلُهُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمَ الإِنْسَانُ، فَيَرْمِي صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلاَ يَتَّهِمُهُ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا. قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فُلَيْحٍ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُمَا فِي (المُوَطَّأِ) ، وَهُمَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَمْ يَنجُ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ النَّاسِ فِيْهِم، نَحْوَ مَا يُذْكَرُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ مِنْ كَلاَمِه فِي الشَّعْبِيِّ، وَكَلاَمِ الشَّعْبِيِّ فِي عِكْرِمَةَ، وَفِيْمَنْ كَانَ قَبْلَهُم، وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُم فِي العِرْضِ وَالنَّفْسِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا النَّحوِ إِلاَّ بِبَيَانٍ وَحُجَّةٍ، وَلَمْ تَسقُطْ عَدَالَتُهُم إِلاَّ بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ، وَحُجَّةٍ، وَالكَلاَمُ فِي هَذَا كَثِيْرٌ. قُلْتُ: لَسْنَا نَدَّعِي فِي أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ العِصْمَةَ مِنَ الغَلَطِ النَّادِرِ، وَلاَ مِنَ الكَلاَمِ بنَفَسٍ حَادٍّ فِيْمَنْ بَيْنَهُم وَبَيْنَهُ شَحنَاءُ وَإِحْنَةٌ (1) ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ مُهدَرٌ، لاَ عِبْرَةَ بِهِ (2) ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا وَثَّقَ   (1) الاحنة: الحقد في الصدر. (2) جاء في " طبقات الشافعية " للعلامة التاج السبكي في ترجمة أحمد بن صالح المصري: 1 / 188، ما نصه: " الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل " على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، لم يلتفت إلى جرحه ". وفيه أيضا: 1 / 190: " قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح، وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك منافسة دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه. ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 الرَّجُلَ جَمَاعَةٌ يَلُوحُ عَلَى قَوْلِهُمُ الإِنصَافُ. وَهَذَانِ الرَّجُلاَنِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ نَالَ مِنْ صَاحِبِه، لَكِنْ أَثَّرَ كَلاَمُ مَالِكٍ فِي مُحَمَّدٍ بَعْضَ اللِّيْنِ، وَلَمْ يُؤثِّرْ كَلاَمُ مُحَمَّدٍ فِيْهِ وَلاَ ذَرَّةٍ، وَارتَفَعَ مَالِكٌ، وَصَارَ كَالنَّجمِ، فَلَهُ ارْتفَاعٌ بِحَسْبِهِ، وَلاَ سِيَّمَا فِي السِّيَرِ، وَأَمَّا فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، فَيَنحَطُّ حَدِيْثُه فِيْهَا عَنْ رُتْبَةِ الصِّحَّةِ إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، إِلاَّ فِيْمَا شَذَّ فِيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُنْكَراً، هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِي حَالِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُحَدِّثِيْنَ لِحِفْظِهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: نَظَرْتُ فِي كُتُبِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَمَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ فِي حَدِيْثَيْنِ، وَيُمكِنُ أَنْ يَكُوْنَا صَحِيْحَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ: الَّذِي يُذكَرُ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مِنْ قَوْلِهِ: كَيْفَ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِي؟ لَوْ صَحَّ هَذَا مِنْ هِشَامٍ، لَجَازَ أَنْ تَكتُبَ إِلَيْهِ (1) ، فَإِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ يَرَوْنَ الكِتَابَ جَائِزاً: لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ لأَمِيْرِ السَّرِيَّةِ كِتَاباً، فَقَالَ لَهُ: (لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا) . فَلَمَّا بَلَغَهُ، قَرَأَهُ، وَعَمِلَ بِهِ (2) . وَكَذَلِكَ   (1) أي: زوجته، والمكتوب إليه ابن إسحاق. (2) علقه البخاري في " صحيحه ": 1 / 142، في العلم: باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم، وأخرجه البيهقي في " سننه ": 9 / 58، 59، من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقال له: " كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش "، ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أين يسير، فقال: " اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت يومين، فافتح كتابك، وانظر فيه، فما أمرتك فيه فامض له، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك..". وأخرجه أيضا: 9 / 12، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن عروة..وسنده صحيح لكنه مرسل. وأخرجه الطبري في تفسيره: 2 / 349، 350، من حديث جندب بن عبد الله عن النبي = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 الخُلَفَاءُ وَالأَئِمَّةُ يُفْضُونَ بِكِتَابِ بَعْضِهِم إِلَى بَعْضٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُوْنَ سَمِعَ مِنْهَا وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا. قُلْتُ: ذَاكَ الظَّنُّ بِهِمَا، كَمَا أَخَذَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ عَنِ الصَّحَابِيَّاتِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُوْنَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَرَآهَا وَهُوَ صَبِيٌّ، فَحَفِظَ عَنْهَا، مَعَ احْتمَالِ أَنْ يَكُوْنَ أَخَذَ عَنْهَا حِيْنَ كَبِرَتْ وَعَجِزَتْ، وَكَذَا يَنْبَغِي، فَإِنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ هِشَامٍ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ. فَقَدْ سَمِعَتْ مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ، وَلَمَّا رَوَتْ لابْنِ إِسْحَاقَ، كَانَ لَهَا قَرِيْبٌ مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: ابْنُ إِسْحَاقَ رَجُلٌ قَدِ اجْتَمَعَ الكُبَرَاءُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى الأَخْذِ عَنْهُ، مِنْهُم: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالحَمَّادَانِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ. وَرَوَى عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَقَدِ اخْتَبَرَهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ، فَرَأَوْا صِدْقاً وَخَيْراً، مَعَ مَدْحِ ابْنِ شِهَابٍ لَهُ. وَقَدْ ذَاكَرتُ دُحَيْماً قَوْلَ مَالِكٍ، فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَدِيْثِ، إِنَّمَا هُوَ لأَنَّهُ اتُّهِمَ بِالقَدَرِ.   = صلى الله عليه وسلم - أنه بعث ررهطا، وبعث عليهم أبا عبيدة، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس، فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه، وكتب له كتابا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: " لاتكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك "، فلما قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمع وطاعة لله ولرسوله، فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي، فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجل أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله عزوجل: (يسألونك عن الشهر الحرام..) الآية [217، البقرة] ، فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل الله عزوجل: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) [البقرة: 218] . ورجاله ثقات، إلا أن فيه رجلا مبهما، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع: 6 / 192، بعد أن عزاه للطبراني: رجاله ثقات، ونقله الحافظ في " الفتح ": 1 / 142، عن الطبراني، وحسن إسناده، وقال: ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن عباس عند الطبري في " التفسير ": 2 / 350. فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: ابْنُ إِسْحَاقَ، النَّاسُ يَشْتَهُوْنَ حَدِيْثَهُ، وَكَانَ يُرْمَى بِغَيْرِ نَوعٍ مِنَ البِدَعِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَتَعَلَّمُ، فَأَغْفَى إِغْفَاءةً، فَقَالَ: إِنِّيْ رَأَيتُ فِي المَنَامِ السَّاعَةَ، كَأَنَّ إِنْسَاناً دَخَلَ المَسْجِدَ وَمَعَهُ حَبلٌ، فَوَضَعَهُ فِي عُنُقِ حِمَارٍ، فَأَخْرَجَهُ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ رَجُلٌ مَعَهُ حَبلٌ، حَتَّى وَضَعَهُ فِي عُنُقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَأَخْرَجَهُ. قَالَ: فَذُهِبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَجُلِدَ (1) . قَالَ الزُّبَيْرِيُّ: مَنْ أَجْلِ القَدَرِ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُرمَى بِالقَدَرِ، وَكَانَ أَبعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ - وَذُكِرَ ابْنُ إِسْحَاقَ - فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مِنَ المَعْرُوْفِيْنَ، فَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، صَدُوْقٌ، وَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ أَحَادِيْثَ بَاطِلَةً. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ البُخَارِيُّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَلفُ حَدِيْثٍ يَنْفَرِدُ بِهَا، لاَ يُشَارِكُه فِيْهَا أَحَدٌ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ: تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ؟ فَقَالَ: أَمَّا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَكَانَ يَقُوْلُ -يَعْنِي: عَنِ الزُّهْرِيِّ-:   (1) الخبر في " تاريخ بغداد ": 1 / 225، وفيه رواية أخرى له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 لاَ يَزَالُ بِالمَدِيْنَةِ عِلْمٌ مَا عَاشَ هَذَا الغُلاَمُ -يَعْنِي: ابْنَ إِسْحَاقَ- وَلَكِنْ حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ، قَالَ: كَانُوا يَطعَنُوْنَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَأَلْتُ عَلِيّاً: كَيْفَ حَدِيْثُ ابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَك، صَحِيْحٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، حَدِيْثُه عِنْدِي صَحِيْحٌ. قُلْتُ: فَكَلاَمُ مَالِكٍ فِيْهِ؟ قَالَ: مَالِكٌ لَمْ يُجَالِسْهُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَأَيَّ شَيْءٍ حَدَّثَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالمَدِيْنَةِ؟! قُلْتُ: فَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: الَّذِي قَالَ هِشَامٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِه وَهُوَ غُلاَمٌ، فَسَمِعَ مِنْهَا، إِنَّ حَدِيْثَه لَيُتَبَيَّنُ فِيْهِ الصِّدْقُ، يَرْوِي مَرَّةً: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، وَمَرَّةً: ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ، وَيَرْوِي عَنْ رَجُلٍ، عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ (1) : (صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ (2)) ، وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: (فِي سَلَفٍ وَبَيْعٍ (3)) ، وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ عَمْرٍو.   (1) في الأصل، و" تاريخ بغداد ": 1 / 229: " عمر "، وهو تحريف، فالحديث معروف بعمير مولى ابن عباس كما سيأتي. (2) تاريخ بغداد: 1 / 229. وسفيان بن سعيد هو الثوري. وأخرجه مسلم من طريق إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر، عن سفيان، عن سالم أبي النضر. وأخرجه أيضا من طريق زهير ابن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان. وأخرجه مالك في " الموطأ ": 1 / 375، عن سالم أبي النضر، عن عمير مولى عبد الله بن عباس، عن أم الفضل: أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن - وهو واقف على بعيره بعرفة - فشرب منه. وأخرجه من طريق مالك أحمد: 6 / 340، والبخاري: 4 / 206، في الصوم: باب صوم يوم عرفة، ومسلم: (1123) ، في الصيام: باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، وأبو داود: (2441) . (3) أخرجه أحمد: (6628) و (6671) ، وأبو داود: (3504) ، والنسائي: 7 / 288، والطيالسي: 3 / 264، وابن ماجه: (2188) ، من طرق عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحل سلف وبيع ". وسنده حسن، وقال الترمذي: حسن صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ أَجِدْ لابْنِ إِسْحَاقَ إِلاَّ حَدِيْثَينِ مُنْكَرَيْنِ: نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ (1) ... ) . وَالزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ (2) : (إِذَا مَسَّ أَحَدُكُم فَرْجَهُ (3) ... ) . هَذَانِ لَمْ يَرْوِهِمَا عَنْ أَحَدٍ، وَالبَاقُوْنَ يَقُوْلُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيْهِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ أَيْضاً: سَمِعْتُ بَعْضَ وَلَدِ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ - وَكَانَ مُلاَزِماً لِعَلِيٍّ - قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ شَيْءٌ، فَمَا أَنْكَرتُ مِنْهُ إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَه مِنْهُ، وَبَعْضَه لَيْسَ مِنْهُ.   (1) أخرجه أبو داود: (1119) ، وأحمد: 2 / 22، 32، والترمذي: (526) ، والبيهقي: 3 / 237، كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، وصححه ابن حبان: (571) ، والحاكم: 1 / 291، ووافقه الذهبي المؤلف، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح مع أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، لكن له طريق آخر عند البيهقي، وشاهد من حديث سمرة ابن جندب: 3 / 237 - 238، والبزار كما في " المجمع ": 2 / 180، وسنده ضعيف، لكنه يتقوى بما قبله فيصير الحديث حسنا. (2) قال المؤلف في " الميزان ": 3 / 473: هذا غلط، وصوابه: عن بسرة بدل زيد. (3) أخرجه أحمد في " مسنده ": 5 / 194، والطحاوي: 44، من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ". وهذا حديث، وإن تكلم فيه، ففي الباب ما يشهد له، وهو ما أخرجه مالك: 1 / 142، والشافعي في " الام ": 1 / 15، وأحمد: 6 / 406، وأبو داود: (181) ، والنسائي: 1 / 100، وابن ماجه: (479) ، عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ ". وهو حديث صحيح، صححه غير واحد من الحفاظ، لكن يحمل الامر بالوضوء فيه على الندب لوجود الصارف عن الوجوب في حديث طلق بن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مس الرجل ذكره، فقال: " هل هو إلا مضغة أو بضعة منه ". أخرجه أحمد: 4 / 22 - 23، وأبو داود: (182) ، والترمذي: (85) ، والنسائي: 1 / 38، وابن ماجه: (483) ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان: (207) ، وغير واحد من الحفاظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَشْتَهِي الحَدِيْثَ، فَيَأْخُذُ كُتُبَ النَّاسِ، فَيَضَعُهَا فِي كُتُبِه. قُلْتُ: هَذَا الفِعْلُ سَائِغٌ، فَهَذَا (الصَّحِيْحُ) لِلْبُخَارِيِّ، فِيْهِ تَعلِيقٌ كَثِيْرٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: ابْنُ إِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ. قُلْتُ: مُوْسَى ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يُدَلِّسُ، إِلاَّ أَنَّ كِتَابَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ إِذَا كَانَ سَمَاعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ، قَالَ: قَالَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: قَدِمَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَغْدَادَ، فَكَانَ لاَ يُبَالِي عَمَّنْ يَحكِي، عَنِ الكَلْبِيِّ، وَعَنْ غَيْرِه، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي يَتَّبِعُ حَدِيْثَ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَيَكتُبُهُ كَثِيْراً بِالعُلُوِّ وَالنُزُولِ، وَيُخَرِّجُهُ فِي (المُسْنَدِ) ، وَمَا رَأَيتُهُ أَبْقَى حَدِيْثَه قَطُّ. قِيْلَ لَهُ: يُحتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُحتَجُّ بِهِ فِي السُّنَنِ. وَقَالَ أَيُّوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ (1) : سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: إِذَا انْفَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِحَدِيْثٍ، تَقْبَلُهُ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِنِّيْ رَأَيتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ جَمَاعَةٍ بِالحَدِيْثِ الوَاحِدِ، وَلاَ يَفصِلُ كَلاَمَ ذَا مِنْ كَلاَمِ ذَا. قَالَ: وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمُهُ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ صَالِحٌ، وَسَطٌ. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِذَاكَ. وَسَمِعْتُ   (1) سافري: بفتح السين، وسكون الالف، وكسر الفاء. مترجم في " الجرح والتعديل ": 2 / 241، و" اللباب ": 2 / 92 - 93. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 يَحْيَى مَرَّةً أُخْرَى يَقُوْلُ: هُوَ عِنْدِي سَقِيْمٌ، لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ إِسْحَاقَ ضَعِيْفٌ. وَرَوَى: المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِنَّمَا الحُجَّةُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ ... ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فِي نَفْسِكَ مِنْ صِدْقِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لاَ، هُوَ صَدُوْقٌ. وَرَوَى: عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَائِدٍ، قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، فَأَخَذَ فِي فَنٍّ مِنَ العِلْمِ، قَضَى مَجْلِسَه فِيْهِ. أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. أَحْمَدُ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَوْ سُوِّدَ أَحَدٌ فِي الحَدِيْثِ، لَسُوِّدَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وَمِنْهُم مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ، وَكَانَ خَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ قَدِيْماً، فَأَتَى الجَزِيْرَةَ، وَالكُوْفَةَ، وَالرَّيَّ، وَبَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ 151. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ ابْنُ إِسْحَاقَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، مِنْهُم: عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ، وَيَزِيْدُ بنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 أَبِي حَبِيْبٍ، وَثُمَامَةُ بنُ شُفَيٍّ (1) ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ قرمَانَ، وَالسَّكَنُ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ، رَوَى عَنْهُم أَحَادِيْثَ لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُم غَيْرُه - فِيْمَا عَلِمتُ -. رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ الأَكَابِرُ، مِنْهُم: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي يَزِيْدَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ مَغَازِيَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ مِنَ المَدِيْنَةِ قَدِيْماً، فَلَمْ يَروِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْهُم، غَيْرُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَكَانَ مَعَ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ بِالجَزِيْرَةِ، وَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ بِالحِيْرَةِ، فَكَتَبَ لَهُ المَغَازِي، فَسَمِعَ مِنْهُ أَهْلُ الكُوْفَةِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَهْلُ الرَّيِّ، فَرُوَاتُهُ مِنْ هَؤُلاَءِ البُلْدَانِ أَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لابْنِ إِسْحَاقَ مِنَ الفَضْلِ إِلاَّ أَنَّهُ صَرَفَ المُلُوْكَ عَنِ الاشتِغَالِ بِكُتُبٍ لاَ يَحصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ، إِلَى الاشتِغَالِ بِمَغَازِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَبْعَثِهُ، وَمُبتَدَأِ الخَلْقِ، لَكَانَتْ هَذِهِ فَضِيلَةٌ سَبَقَ بِهَا، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ صَنَّفَهَا قَوْمٌ آخَرُوْنَ، فَلَمْ يَبلُغُوا مَبلَغَ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْهَا. وَقَدْ فَتَّشتُ أَحَادِيْثَهُ كَثِيْراً، فَلَمْ أَجِدْ مِنْ أَحَادِيْثِه مَا يَتَهَيَّأُ أَنْ يُقطَعَ عَلَيْهِ بِالضَّعفِ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ، أَوْ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ، كَمَا يُخطِئُ غَيْرُه، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ الثِّقَاتُ وَالأَئِمَّةُ، وَهُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ يَقُوْلُ: ابْن إِسْحَاقَ كَذَّابٌ.   (1) شفي: بضم الشين، وفتح الفاء بعدها ياء مثقلة. مترجم في " الجرح والتعديل ": 2 / 466. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، حَدَّثَنِي وُهَيْبٌ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ، وَقَالَ ... ، وَاتَّهَمَهُ. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجٌ (1) ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ يَجْرَحَانِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ. أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ أَبِي الوَضَّاحِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ! فَقَالَ يَحْيَى: تَروُونَ العِلْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ؟ تَرْوُونَ العِلْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ؟! العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ كَذَّابٌ. قُلْتُ: وَمَا يُدرِيْكَ؟ قَالَ: قَالَ لِي وُهَيْبٌ. فَقُلْتُ لِوُهَيْبٍ: مَا يُدرِيْكَ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ. فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا يُدرِيْكَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ. قُلْتُ لِهِشَامٍ: وَمَا يُدرِيْكَ؟ قَالَ: حَدَّثَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، وَدخَلَتْ عَلَيَّ وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ. قُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ يَحْيَى وَهَؤُلاَءِ بَدَا مِنْهُم هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصلٍ فَاسِدٍ وَاهٍ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الخُرَافَةَ مِنْ صَنْعَةِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الشَّاذَكُوْنِيُّ - لاَ صَبَّحَهُ اللهُ بِخَيْرٍ - فَإِنَّهُ - مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الحِفْظِ - مُتَّهَمٌ عِنْدَهُم بِالكَذِبِ، وَانظُرْ كَيْفَ قَدْ سَلْسَلَ الحِكَايَةَ. وَيُبَيِّنُ لَكَ بُطلاَنَهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ المُنْذِرِ لَمَّا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِيْنَ، لَمْ يَكُنْ زَوجُهَا هِشَامٌ خُلِقَ بَعْدُ، فَهِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِنَيِّفَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَسْنَدُ   (1) هو أحمد بن منصور بن راشد الحنظلي المروزي، لقبه: زاج. صدوق من رجال " التهذيب ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 مِنْهُ، فَإِنَّهَا رَوَتْ - كَمَا ذَكرْنَا - عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ سَمِعَ مِنْهَا، وَمَا عَرَفَ بِذَلِكَ هِشَامٌ. أَفَبِمِثْلِ هَذَا القَوْلِ الوَاهِي يُكَذَّبُ الصَّادِقُ، كَلاَّ وَاللهِ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَالمُكَابِرَةِ، وَلَكِنْ صَدَقَ القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ إِذْ يَقُوْلُ: مَنْ تَتبَّعَ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ كُذِّبَ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ ذُنُوبِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ يَكْتُبُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ يَتَوَرَّعُ - سَامَحَهُ اللهُ -. وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قُلْتُ لِهِشَامٍ: ابْنُ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ. قَالَ: أَهُوَ كَانَ يَصِلُ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ إِحْدَى خَالاَتِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَمَا عَلِمَ هِشَامٌ بِأَنَّهَا خَالَةٌ لَهُ، أَوْ عَمَّةٌ. يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: اعْرِضُوا عَلَيَّ عِلْمَ مَالِكٍ، فَإِنِّي بَيْطَارُهُ. فَقَالَ مَالِكٌ: انْظُرُوا إِلَى دَجَّالٍ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ: اعْرِضُوا عَلَيَّ عِلْمَ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: فَمَا رَأَيتُ أَحَداً جَمَعَ الدَّجَّالِيْنَ قَبْلَه. أَخْبَرَنَا ابْنُ الخَلاَّلِ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرٌ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ مَاكَ (1) ، أَنْبَأَنَا الخَلِيْلِيُّ، سَمِعْتُ جَدِّي، وَالقَاسِمَ بنَ عَلْقَمَةَ، سَمِعنَا ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ رَاهَوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ، سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: كُنْتُ بِالرَّيِّ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ وَزِيْرِ المَهْدِيِّ، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هَاتُوا اعْرِضُوا عَلَيَّ عُلُوْمَ مَالِكٍ، فَإِنِّي أَنَا بَيْطَارُهَا. فَقَالَ مَالِكٌ: دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ هَذَا. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: لَمْ أَسْمَعْ بِجَمعِ الدَّجَّالِ إِلاَّ مِنْهُ.   (1) ابن ماك هو: أبو الفتح إسماعيل بن عبد الجبار بن محمد بن ماك القزويني. (تبصير المنتبه: 4 / 1245) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 وَبِهِ: إِلَى ابْنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ بِنَحْوِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ يَقُوْلُ هَكَذَا؟! نَحْنُ نَفَيْنَاهُ مِنَ المَدِيْنَةِ. وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَحْفَظَ النَّاسِ، وَكَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَحَادِيْثَ أَوْ أَكْثَرُ، جَاءَ وَاسْتَودَعَهَا ابْنَ إِسْحَاقَ، يَقُوْلُ: احْفَظْهَا عَنِّي، فَإِنْ نَسِيْتُهَا، كُنْتَ قَدْ حَفِظْتَهَا عَلَيَّ. وَعَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ الحَافِظِ، قَالَ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ ثِقَةً، وَقَدْ سَمِعَ مِنَ الأَعْرَجِ، ثُمَّ يَرْوِي عَنْ: أَبِي الزِّنَادِ، عَنْهُ، ثُمَّ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْهُ؟! وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: إِنَّهُ لَيَبِيْنُ فِي حَدِيْثِهِ الصِّدْقُ، يَقُوْلُ مَرَّةً: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، وَمَرَّةً ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ - وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ - عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ فِي: (سَلَفٍ وَبَيْعٍ (1)) وَهُوَ مِنْ أَرْوَى النَّاس عَنْ عَمْرٍو. وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سِوَى حَدِيْثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ: نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي: (النُّعَاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ) . وَالزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (2)) . قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ حَدَّثَ بِكَذَا وَكَذَا عَنْ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: كَذَبَ الخَبِيْثُ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ سُفْيَانُ: رَأَيتُ ابْنَ إِسْحَاقَ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَرَانِي مَعَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: أَنَا أَرْصُدُ ابْنَ خُصَيْفَةَ، أَبْغِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَمَّا   (1) تقدم ص 44، انظر تخريجه في الحاشية: 3. (2) تقدم تخريجهما ص (45) حاشية: 1 - 2. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 حَدَّثَنِي عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: اتَّهَمُوْهُ بِالقَدَرِ. أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ (1) ، قَالَ: مَا رَويتُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ إِلاَّ بِاضْطِرَارٍ. الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ إِسْحَاقَ: كَيْفَ حَدِيْثُ شُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ؟ فَقَالَ: وَأَحَدٌ يُحَدِّثُ عَنْ شُرَحْبِيْلَ؟ ثُمَّ قَالَ الفَلاَّسُ: العَجَبُ مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَيَرغَبُ عَنْ شُرَحْبِيْلَ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَمَطَرٌ، وَأَبُو مَعْشَرٍ المَدِيْنِيُّ. الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ لِعُبَيْدِ اللهِ: إِلَى أَيْنَ تَذهَبُ؟ قَالَ: أَذهَبُ إِلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، أَكْتُبُ السِّيْرَةَ. قَالَ: يَكْتُبُ كَذِباً كَثِيْراً. قُلْتُ: كَانَ وَهْبٌ يَروِيهَا عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَشَارَ يَحْيَى القَطَّانُ إِلَى مَا فِي السِّيْرَةِ مِنَ الوَاهِي مِنَ الشِّعْرِ، وَمِنْ بَعْضِ الآثَارِ المُنْقَطِعَةِ المُنْكَرَةِ، فَلَوْ حُذِفَ مِنْهَا ذَلِكَ، لَحَسُنَتْ، وَثَمَّ أَحَادِيْثُ جَمَّةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالمَسَانِيْدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالسِّيْرَةِ وَالمَغَازِي يَنْبَغِي أَنْ تُضَمَّ إِلَيْهَا وَتُرَتَّبَ، وَقَدْ فَعَلَ غَالِبَ هَذَا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي (دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ) لَهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ شَيْئاً، كَانَ يُضَعِّفُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ شَيْئاً. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ إِنْسَانٌ لِلأَعْمَشِ: إِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: كَذَبَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَكَذَبَ ابْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بِكَذَا وَكَذَا.   (1) ستأتي ترجمته ص 444. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 قَالَ عَلِيٌّ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ -يَعْنِي: سَوَاءٌ- وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ دُوْنَهُمَا. وَقَالَ: تَرَكتُ ابْنَ إِسْحَاقَ مُتَعَمِّداً. إِبْرَاهِيْمُ الحِزَامِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: رَأَيتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ يَكْتُبُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ. قُلْتُ: هَذَا يُشَنَّعُ بِهِ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ حَمَلَ أَلوَاناً عَنِ الذِّمَّةِ مُتَرَخِّصاً بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ وَلاَ حَرَجَ (2)) . أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، قَالَ: قَالَ أَبِي: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ! مَنْ يَغُتُّ (3) عَلَيْكُم بَعْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ؟   (1) ستأتي ترجمته ص 68. (2) أخرجه البخاري: 6 / 361، في أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل، من حديث عبد الله بن عمرو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". وما نمي إلينا من أخبارهم، ففي تسويغ روايته عنهم تفصيل: فما جاء منها موافقا لما في شرعنا صدقناه، وجازت روايته، وما جاء مخالفا لما في شرعنا كذبناه، وحرمت روايته إلا لبيان بطلانه، وماسكت عنه شرعنا توقفنا فيه، فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب، وتجوز روايته. وغالب ما يروى من ذلك راجع إلى القصص والاخبار، لا إلى العقائد والاحكام. لكن ينبغي أن يعلم أن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل صدقه ولا كذبه لا يسوغ لنا أن نذكره في تفسير القرآن، ونجعله قولا أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها، لان في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مبين لمعنى قول الله سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه. وحاشا لله ولكتابه من ذلك. وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أذن بالتحدث عنهم، أمرنا أن لانصدقهم ولا نكذبهم، فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله، ونضعها منه موضع التفسير أو البيان؟ ! (3) يغت عليكم: أي: يفسد عليكم، من غت الكلام غتا: إذا فسد. قال قيس بن الخطيم: ولا يغت الحديث إذ نطقت * وهو، بفيها، ذو لذة طرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي الخَضِرُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ؟ قَالَ: هُوَ كَثِيْرُ التَّدْلِيْسِ جِدّاً. قُلْتُ: فَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي، فَهُوَ ثِقَةٌ؟ قَالَ: هُوَ يَقُوْلُ أَخْبَرَنِي، فَيُخَالِفُ. فَقِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ؟ فَقَالَ: لاَ، كَالمُنْكِرِ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَسْتَخِفُّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ. بُنْدَارٌ: سَمِعْتُ مُعَاذاً يَقُوْلُ: رَأَيتُ ابْنَ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ إِزَارٌ رَقِيْقٌ مُتَخَلِّقٌ، وَخِصْيَتُهُ مُدَلاَّةٌ. بُنْدَارٌ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَلْعَبُ بِالدُّيُوْكِ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَالمَدَائِنِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارِ بنِ خِيَارٍ، وَكَانَ خِيَارٌ لِقَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: ابْنُ إِسْحَاقَ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لأَمَّرْتُ ابْنَ إِسْحَاقَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رِبْحِ بنِ سُلَيْمَانَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الظُّهرِ أَوِ العَصْرِ - شَكَّ يَزِيْدُ - وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي العَاصِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَضَعَهَا، ثُمَّ رَكَعَ، فَإِذَا قَامَ، حَمَلَهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ (1) . فَهَذَا أَعْلَى مَا يَقَعُ لَنَا مِنْ   (1) وأخرجه أبو داود: (920) : باب العمل في الصلاة، من طريق يحيى بن خلف، عن = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 حَدِيْثِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْمُ نَفْطَوَيْه، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ ابْنُ إِسْحَاقَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَغَيْرُهُم: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ شَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثٍ. رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ (1) ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ: البُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَ أَرْبَابُ السُّنَنِ لَهُ. وَالوَهْبِيُّ: هُوَ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. 16 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ بنِ الأَجْدَعِ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّة الدِّيْنِ، وَمِنْ ثَبْتِ   = عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة. ورجاله ثقات وأخررجه مختصرا مالك في " الموطأ " 1 / 170، والبخاري: 1 / 487 - 488، ومسلم: (543) ، من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو ابن سليم، عن أبي قتادة السلمي. (1) أي أنه لم يخرج له حديثا ينفرد به، بل قرنه بغيره، ولذا يجانب الصواب من يقول من العلماء في سند فيه محمد بن إسحاق: رجاله رجال الصحيح. ومعنى المتابعة: أن يروي الثقة حديثا ما، بإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن انفرد هذا الثقة بالحديث، ولم يشاركه فيه أحد أصلا، فهذا حديث فرد، وإن شارك هذا الثقة راو آخر في روايته، فرواه بهذا الإسناد عن شيخ الثقة الأول، أو عن شيخ شيخه، فهذه الرواية التي شارك بها الثقة الآخر تسمى " متابعة ". والمتابعة مفيدة فيما إذا كان في السند راو ضعيف، فإنه يتقوى بالمتابع، ويصح حديثه، لكن ذلك مقيد بما إذا كان الضعف خفيفا كسوء الحفظ أو التدليس أو الارسال. (*) التاريخ الكبير: 1 / 320، الجرح والتعديل: 2 / 124، تهذيب الكمال: خ: 64، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 42 - 43، تهذيب التهذيب: 1 / 157 - 158، خلاصة تذهيب الكمال: 21. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 العِلْمِ. وَجَدُّهُ المُنْتَشِرُ: هُوَ أَخُو مَسْرُوْقٍ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَطَائِفَةٍ. أَحَادِيْثُه يَسِيْرَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَنْ رَأَيْنَاهُ بِالكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ. قُلْتُ: كَانَ ذَا تَأَلُّهٍ، وَدِيْنٍ، وَثِقَةٍ، وَتَزَهُّدٍ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ، وَهُوَ قَدِيْمُ الوَفَاةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذكَرَ فِي الطَّبَقَةِ المَاضِيَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. 17 - حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ البَصْرِيُّ مَوْلَى قُرَيْبَةَ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو شَهِيْدٌ - البَصْرِيُّ، مَوْلَى قُرَيْبَةَ. أَرْسَلَ عَنِ: الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَرَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، لَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ. ذَكَرَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (1) .   (*) طبقات خليفة: 220، تاريخ خليفة: 423، التاريخ الكبير: 2 / 320، التاريخ الصغير: 2 / 84، مشاهير علماء الأمصار: 152، تهذيب الكمال: خ: 231، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 119، تاريخ الإسلام: 6 / 50، تذكرة الحفاظ: 1 / 164، 165، عبر الذهبي: 1 / 204، تهذيب التهذيب: 2 / 185، 186، خلاصة تذهيب الكمال: 71، شذرات الذهب: 1 / 216. (1) وتمام كلام أحمد كما في " التهذيب ": " وهو أثبت من حميد الطويل " وقال أيضا: " كان ثبتا ثقة، وهو عندي يقوم مقام يونس وابن عون، وكان قليل الحديث ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 أَرَّخَهُ بَعْضُهُم، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَعَاشَ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. أَمَّا: 18 - حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ التُّجِيْبِيُّ أَبُو مَرْزُوْقٍ المِصْرِيُّ * فَحَدَّثَ عَنْ: حَنَشِ بنِ عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيِّ، وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. رَوَى عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَسَالِمُ بنُ غَيْلاَنَ. وَكَانَ يُفَقِّهُ أَهْلَ طَرَابُلُسَ الغَرْبِ. وَثَّقَهُ: العِجْلِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَةٍ. لَمْ يُفَرِّقِ البُخَارِيُّ، وَلاَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ، مَوْلَى قُرَيْبَةَ (1) . 19 - صَدَقَةُ بنُ يَزِيْدَ الخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ ** نَزِيلُ بَيْتِ المَقْدِسِ. حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُرَقِيِّ (2) ، وَأَحْوَصَ بنِ حَكِيْمٍ، وَبِنْتِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَضَمْرَةُ، وَابْنُ شَابُوْرَ، وَرَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ، وَآخَرُوْنَ.   (*) الجرح والتعديل: 3 / 103، تهذيب الكمال: خ: 1645، تذهيب التهذيب 4 / 232 / 2، تهذيب التهذيب: 12 / 228، 229، خلاصة تذهيب الكمال: 459. (1) أي: صاحب الترجمة السابقة برقم (17) . (* *) التاريخ الكبير: 4 / 295، الضعفاء: خ: 188، الجرح والتعديل: 4 / 431، الكامل لابن عدي: خ: 403، ابن عساكر: خ: 8 / 142 ب، تاريخ الإسلام: 6 / 23، ميزان الاعتدال: 2 / 313، تهذيب ابن عساكر: 6 / 415 - 416. (2) الحرقي: نسبة إلى الحرقات من جهينة، كما في " اللباب ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: صَدَقَةُ بنُ يَزِيْدَ الدِّمَشْقِيُّ صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ إِلَى الضَّعفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الصِّدْقِ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَضْعَفُ مِنَ السَّمِيْنِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ، وَمِنْ أَنْكَرِ مَا رَأَيتُ لَهُ فِي تَرْجَمَتِه فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (1)) : دَاوُدُ بنُ رَشِيْدٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَدَقَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: تَرَاءَوُا الهِلاَلَ، فَقَالُوا: مَا أَحْسَنَ! مَا أَبْيَنَهُ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَيْفَ أَنْتُم إِذَا كُنْتُمْ مِنْ دِيْنِكُمْ فِي مِثْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لاَ يُبْصِرُهُ مِنْكُمْ إِلاَّ البَصِيْرُ (2)) . تُوُفِّيَ هَذَا: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 20 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ أَبُو سَلَمَةَ المَدَنِيُّ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سَلَمَةَ بنُ مَيْسَرَةَ المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ.   (1) 8 / 142 ب، وسنده بتمامه فيه: " حدثنا أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن البناء لفظا، وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد، والمبارك بن أحمد بن علي بن القصار الوكيل بقراءتي عليهما، قالوا: أنبأنا أبو الحسن النقور، أنبأنا محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق أبو القاسم البغوي، أخبرنا داود بن رشيد، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن صدقة بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال: تراءى الناس الهلال ذات ليلة..". (2) إسناده ضعيف، فيه تدليس الوليد بن مسلم ويحيى بن أبي كثير، وضعف صدقة بن يزيد. (*) التاريخ الكبير: 1 / 226، المعرفة والتاريخ: 3 / 51، الضعفاء: خ: 402، تهذيب الكمال: خ: 1188، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 198، تاريخ الإسلام: 6 / 117، و279، ميزان الاعتدال: 3 / 527، تهذيب التهذيب: 9 / 123 - 124، خلاصة تذهيب الكمال: 333. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ جُدْعَانَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ. وَهُوَ قَدِيْمُ المَوْتِ. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مَرَّةً، ثُمَّ تَوَقَّفَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: ضَعِيْفٌ. وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ، مَعَ كَوْنِه رَوَى لَهُ فِي (سُنَنِهِ) . وَرَوَى لَهُ: الشَّيْخَانِ فِي المُتَابَعَاتِ، مَا أَظُنُّ أَنَّ وَاحِداً مِنْهُمَا جَعَلَهُ حُجَّةً. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنَ الضُّعفَاءِ الَّذِيْنَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُم. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: حَملتَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَتَبتُ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ رَمَيتُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: هُوَ نَحْوُ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ. قُلْتُ: بِالجَهْدِ أَنْ يُعَدَّ حَدِيْثُهُ حَسَناً، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، قَالَ: كَتَبتُ عَنْهُ. قُلْتُ لِمُعَاذٍ: لِمَ (1) ؟ قَالَ: لأَنِّي رَأَيتُهُ يَأْتِي أَشْعَثَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ، فَإِذَا قُمْنَا، جَلَسَ إِلَى صِبْيَانٍ، فَأَمَلُّوْهَا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَنْ هُوَ يَا أَبَا المُثَنَّى؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ. أَوْرَدَهُ العُقَيْلِيُّ فِي مُحَمَّدِ بنِ مَيْسَرَةَ.   (1) في الأصل: " ثم "، والتصحيح من " الضعفاء ": خ: 402. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 21 - هِشَامُ بنُ الغَازِ بنِ رَبِيْعَةَ الجُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ * (4) الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَبَّاسِ. وَقِيْلَ: أَبُو رَبِيْعَةَ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ. رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - إِنْ صَحَّ -. وَعَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَطَائِفَةٍ. وَتَلاَ عَلَى: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَشَبَابَةُ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: شَامِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَأَلْتُ دُحَيْماً عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ اسْتِقَامَتَه فِي الحَدِيْثِ! قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ هِشَامُ بنُ الغَازِ عَلَى بَيْتِ المَالِ (1) لأَبِي جَعْفَرٍ. يُقَالُ: مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 468، طبقات خليفة: 316، التاريخ الكبير: 8 / 199، التاريخ الصغير: 2 / 118، الجرح والتعديل: 9 / 67، مشاهير علماء الأمصار: 183، تاريخ بغداد: 14 / 42 - 43، تهذيب الكمال: خ: 1444، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 120، تاريخ الإسلام: 6 / 312 - 313، ميزان الاعتدال: 4 / 304، عبر الذهبي: 1 / 221، طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 356، تهذيب التهذيب: 11 / 55 - 56، طبقات الحفاظ: 84، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب: 1 / 236. (1) زيادة من " تهذيب التهذيب ": 11 / 55. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 22 - أَبَانُ بنُ صَمْعَةَ الأَنْصَارِيُّ البَصْرِيُّ * (س، ق، م) مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ. قِيْلَ: هُوَ وَالِدُ عُتْبَةَ؛ الغُلاَمِ المَشْهُوْرِ بِالزُّهدِ. حَدَّثَ عَنْ: وَالِدَتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الوَازِعِ جَابِرِ بنِ عَمْرٍو، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَسَهْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدْ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: تَغَيَّرَ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَقِيْتُهُ وَقَدِ اخْتَلَطَ البَتَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِنَّمَا عِيْبَ عَلَيْهِ اخْتِلاَطُه لَمَّا كَبِرَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى الضَّعفِ؛ لأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيْهِ مُسْتَقِيْمٌ. ثُمَّ سَاقَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ حَدِيْثاً وَاحِداً، مِنْ طَرِيْقِ سَهْلِ بنِ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بنُ صَمْعَةَ، عَنْ أَبِي الوَازِعِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيْقِ المُسْلِمِيْنَ (1)) . تَفَرَّد بِهِ: سَهْلٌ. وَهُوَ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. وَقَدْ رَوَى: مُسْلِمٌ لأَبَانٍ مُتَابَعَةً. مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 221، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 1 / 452، الضعفاء: خ: 14، الجرح والتعديل: 2 / 297 - 298، مشاهير علماء الأمصار: 152، الكامل لابن عدي: خ: 53، تهذيب الكمال: خ: 48، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 31، تاريخ الإسلام: 6 / 159، ميزان الاعتدال: 1 / 8 - 9، الوافي بالوفيات: 5 / 301، البداية والنهاية: 10 / 111، تهذيب التهذيب: 1 / 95، خلاصة تذهيب الكمال: 15. (1) سنده حسن، وأخرجه مسلم في " صحيحه ": (2618) ، في البر والصلة: باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، من طريق زهير بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن أبان بن صمعة، حدثني أبو الوازع، حدثني أبوبرزة، قال: قلت: يا نبي الله! علمني شيئا أنتفع به، قال: " اعزل الأذى عن طريق المسلمين ". وأخرجه ابن ماجه: (3681) ، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وعلي ابن محمد، كلاهما عن وكيع، عن أبان بن صمعة به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 23 - عُتْبَةُ الغُلاَمُ بنُ أَبَانٍ البَصْرِيُّ * الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، الخَائِفُ، عُتْبَةُ بنُ أَبَانٍ البَصْرِيُّ. كَانَ يُشَبَّهُ فِي حُزْنِه بِالحَسَنِ البَصْرِيِّ. قَالَ رِيَاحٌ القَيْسِيُّ: بَاتَ عِنْدِي، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ احْشُرْ عُتْبَةَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ. وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَاءنَا عُتْبَةُ الغُلاَمُ غَازِياً، وَقَالَ: رَأَيتُ أَنِّي آتِي المَصِّيْصَةَ (1) فِي النَّوْمِ، وَأَغَزْو، فَأُسْتَشْهَدُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ فَرَسَهُ وَسِلاَحَه، وَقَالَ: إِنِّيْ عَلِيْلٌ، فَاغْزُ عَنِّي. فَلَقَوُا الرُّوْمَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتُشْهِدَ. قَالَ سَلَمَةُ الفَرَّاءُ: كَانَ عُتْبَةُ الغُلاَمُ مِنْ نُسَّاكِ أَهْلِ البَصْرَةِ، يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيَأْوِي السَّوَاحِلَ، وَالجَبَّانَةَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ البَصْرِيُّ: كَانَ رَأْسُ مَالِ عُتْبَةَ فِلْساً، يَشْتَرِي بِهِ خُوصاً (2) ، يَعْمَلُه وَيَبِيْعُه بِثَلاَثَةِ فُلُوسٍ، فَيَتَصَدَّقُ بِفِلْسٍ، وَيَتَعَشَّى بِفِلْسٍ، وَفِلْسٌ رَأْسُ مَالِه. وَقِيْلَ: نَازَعتْهُ نَفْسُهُ لَحْماً، فَمَاطَلَهَا سَبْعَ سِنِيْنَ (3) . وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يُعجِبُنِي رَجُلٌ أَلاَّ يَحتَرِفَ (4) .   (*) مشاهير علماء الأمصار: 152، الفهرست: المقالة الخامسة الفن الخامس، حلية الأولياء: 6 / 226 - 238. (1) المصيصة: بفتح الميم، وكسر الصاد الثقيلة، بعدها ياء ساكنة ثم صاد مفتوحة مدينة على شاطئ جيحان، من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرطوس. (انظر معجم البلدان) والصفحة: 389، حاشية: 3. (2) الخوص: ورق المقل والنخل والنارجيل وما شاكلها، واحدته خوصة. (3) انظر الخبر في " الحلية ": 6 / 230. (4) " الحلية ": 6 / 231: " لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة. فقلنا له: هوذا تجالسنا = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وذَكَرَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ عُتْبَةَ الغُلاَمَ، وَصَاحِبَه يَحْيَى الوَاسِطِيَّ، فَقَالَ: كَأَنَّمَا رَبَّتْهُمُ الأَنْبِيَاءُ. وَعَنْ عُتْبَةَ، قَالَ: مَنْ عَرَفَ اللهَ، أَحَبَّهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ، أَطَاعَه. وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى تَقْصِيْرِي. قَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: رَأَيتُ عُتْبَةَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الطَّيْرَ تُجِيْبُهُ. وَقِيْلَ: لَمَّا غَزَا، قَالَ: لاَ تَفْتَحُوا بَيْتِي. فَلَمَّا قُتِلَ، فَتَحُوْهُ، فَوَجَدُوا قَبْراً مَحْفُوْراً، وَغِلَّ حَدِيْدٍ. 24 - الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُم المَدَنِيُّ * (ع) الحَافِظُ. حَدَّثَ عَنْ: بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَالأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَمَعْبَدِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ أَخْبَارِيّاً، عَلاَّمَةً، ثِقَةً، بَصِيْراً بِالمَغَازِي.   = أنت وما نراك تحترف، فقال: بلى، إني لاحترف: رأس مالي طسوج أشتري به خوصا أعمله وأبيعه بثلاث طساسيج، فطسوج رأس مالي، وقيراط خبزي ". (*) المعرفة والتاريخ: 1 / 701، الضعفاء: ح: 423، الجرح والتعديل: 9 / 14، مشاهير علماء الأمصار: 138، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 147، تهذيب الكمال: خ: 1472، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 140، تاريخ الإسلام: 6 / 314 - 315، ميزان الاعتدال: 4 / 345، عبر الذهبي: 1 / 217، تهذيب التهذيب: 11 / 148، خلاصة تذهيب الكمال: 417، شذرات الذهب: 1 / 231. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ إِبَاضِيٌّ (1) . وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ صَدُوقاً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الفِهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ التَّبَّانُ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! تَدْرِي مَنِ الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ؟ كَانَ -وَاللهِ- قَدَرِيّاً، وَهُوَ مَوْلَى لِبَنِي مَخْزُوْمٍ، وَإِنَّمَا يَأْتِي أَهْلُ العِرَاقِ بَلَدَنَا، فَلاَ يُبَالُوْنَ عَمَّنْ أَخَذُوا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 25 - ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَسَّانِيُّ * (د، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ   (1) الإباضية: فئة اجتمعت على القول بإمامة عبد الله بن إباض، وافترقت فيما بينها فرقا، يجمعها القول بأن كفار هذه الأمة - يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الأمة - برآء من الشرك والايمان، وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين، ولكنهم كفار، وأجازوا شهادتهم، وحرموا دماءهم في السر، واستحلوها في العلانية، وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم، وزعموا أنهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق. وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض، والذي استحلوه: الخيل والسلاح، فأما الذهب والفضة فإنهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة. ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق، وهي: الحفصية والحارثية، واليزيدية، وأصحاب طاعة لا يراد الله بها. (الفرق بين الفرق: 103 - 104) . وعبد الله بن إباض المقاعسي المري التميمي: من بني مرة بن عبيد بن مقاعس: رأسهم، وإليه نسبتهم، وكان معاصرا لمعاوية، وعاش إلى أواخر أيام عبد الملك بن مروان. له ترجمة مطولة في " أعلام الزركلي " فانظرها فيه. (*) طبقات خليفة: 316، كتاب المجروحين: 3 / 146 - 147، تهذيب الكمال: خ: 1582 - 1583، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 201 - 202، لسان الميزان: 3 / 357، تهذيب التهذيب: 6 / 26، خلاصة تذهيب الكمال: 214. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 الغَسَّانِيُّ، الحِمْصِيُّ، شَيْخُ أَهْلِ حِمْصَ. وُلِدَ: فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَفِي حَيَاةِ أَبِي أُمَامَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَبِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَأَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، وَضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَحَكِيْمِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو اليَمَانِ: اسْمُهُ: بَكْرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ. ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِه. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: هُوَ مُتَمَاسِكٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيْثُه صَالِحَةٌ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ رَدِيْءُ الحِفْظِ، يُحَدِّثُ بِالشَّيْءِ، وَيَهِمُ وَيَفحشُ، حَتَّى اسْتَحَقَّ التَّركَ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ لَهُ اسْماً. قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ المُجْتَهِدِيْنَ. وَقَالَ بَقِيَّةُ: قَالَ لَنَا رَجُلٌ فِي قَرْيَةِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ - وَهِيَ كَثِيْرَةُ الزَّيْتُوْنِ -: مَا فِي هَذِهِ القَرْيَةِ مِنْ شَجَرَةٍ إِلاَّ وَقَدْ قَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا لَيْلَتَهُ جَمْعَاءَ. وَقِيْلَ: كَانَ فِي خَدَّيْهِ أَثَرٌ مِنَ الدُّمُوعِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) ، وَ (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) ، وَلاَ يَبْلُغُ حَدِيْثُهُ رُتْبَةَ الحَسَنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 26 - أَشْعَبُ الطَّمَعُ بنُ جُبَيْرٍ المَدَنِيُّ ابْنُ أُمِّ حَمِيْدَةَ * يُعرَفُ: بَابْنِ أُمِّ حَمِيْدَةَ (1) ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِطَمَعِه المَثَلُ. رَوَى قَلِيْلاً عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَسَالِمٍ، وَأَبَانِ بنِ عُثْمَانَ. وَعَنْهُ: مَعْدِي بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَكَانَ صَاحِبَ مُزَاحٍ وَتَطْفِيْلٍ، وَمَعَ ذَلِكَ كُذِبَ عَلَيْهِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: عَبَثَ بِهِ صِبْيَانٌ، فَقَالَ: وَيْحَكُم، اذْهَبُوا، سَالِمٌ يُفَرِّقُ تَمْراً. فَعَدَوْا، فَعَدَا مَعَهُم، وَقَالَ: لَعَلَّهُ حَقٌّ. وَيُقَالُ: وَفَدَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ فَايِدٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ: رَأَيتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَتَّمُ فِي يَمِيْنِهِ (2) . عُثْمَانُ: ضُعِّفَ. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: للهِ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَتَانِ، وَسَكَتَ أَشْعَبُ. فَقَالَ: اذْكُرْهُمَا. قَالَ: وَاحِدَةٌ نَسِيَهَا عِكْرِمَةُ، وَالأُخْرَى أَنَا.   (*) الاغاني: 19 / 135 - 182، تاريخ بغداد: 7 / 37 - 44، الكامل لابن الأثير: 5 / 612، وفيات الأعيان: 2 / 471 - 475، نهاية الارب: 4 / 24 - 36، تاريخ الإسلام: 6 / 167 - 170، ميزان الاعتدال: 1 / 258 - 262، عبر الذهبي: 1 / 222، فوات الوفيات: 1 / 197 - 201، البداية والنهاية: 111 10 - 113، لسان الميزان: 1 / 450 - 454، شذرات الذهب: 1 / 236، تهذيب ابن عساكر: 3 / 78 - 83. (1) ضبطت في الأصل بضم الحاء وفتح الميم، وبفتح الحاء وكسر الميم، وكتب فوق الكلمة: " معا " إشارة إلى جواز الوجهين. (2) وأخرجه الترمذي في " الشمائل ": 1 / 186، وفي " الجامع ": (1744) ، والنسائي: 8 / 175، من طريق حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر. وعبد الرحمن بن أبي رافع مجهول، لكن للحديث شاهد عن أنس بن مالك عند أبي الشيخ في " أخلاق النبي ": 131 - 132، بسند حسن فيتقوى به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 قِيْلَ: إِنَّ أَشْعَبَ خَالُ الأَصْمَعِيِّ. وَعَنْ سَالِمٍ: أَنَّهُ قَالَ لأَشْعَبَ: إِنِّيْ أَرَى الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ عَلَى صُوْرتِكَ. وَكَانَ رَآهُ بُكْرَةً، وَأَطعَمَه هَرِيْسَةً، ثُمَّ بَعْدَ سَاعَتَيْنِ رَآهُ مُصْفَراً، عَاصِباً رَأْسَه، بِيَدِهِ قَصَبَةٌ، قَدْ تَحَامَلَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ. قَالَ الزُّبَيْرُ: قِيْلَ لأَشْعَبَ: نُزَوِّجُكَ؟ قَالَ: ابْغُوْنِي امْرَأَةً أَتَجَشَّى فِي وَجْهِهَا تَشْبَعْ، وَتَأْكُلُ فَخِذَ جَرَادَةٍ تَنتخِمْ. وَقِيْلَ: أَسلَمَتْهُ أُمُّهُ عِنْدَ بَزَّازٍ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: مَا تَعَلَّمتَ؟ قَالَ: نِصْفَ الشُّغْلِ، تَعَلَّمتُ النَّشرَ، وَبَقِيَ الطَّيُّ. وَقِيْلَ: شَوَى رَجُلٌ دَجَاجَةً، ثُمَّ رَدَّهَا، فَسَخنتْ، ثُمَّ رَدَّهَا. فَقَالَ أَشْعَبُ: هَذِهِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: {النَّارُ يُعْرَضُوْنَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غَافِرٌ: 40] . وَقِيْلَ: لَقِيَ دِيْنَاراً، فَاشْتَرَى بِهِ قَطِيْفَةً، ثُمَّ نَادَى: يَا مَنْ ضَاعَ مِنْهُ قَطِيْفَةٌ (1) . وَيُقَالُ: دَعَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا خَبِيْرٌ بِكَثْرَةِ جُمُوْعِكَ (2) . قَالَ: لاَ أَدْعُو أَحَداً. فَجَاءَ، إِذْ طَلَعَ صَبِيٌّ، فَقَالَ أَشْعَبُ: أَيْنَ الشُّرَطُ؟ قَالَ: يَا أَبَا العَلاَءِ! هُوَ ابْنِي، وَفِيْهِ عَشْرُ خِصَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَعَ ضَيْفٍ. قَالَ: كَفَى، التِّسْعُ لَكَ، أَدخِلْهُ (3) . وَعَنْهُ، قَالَ: أَتَتْنِي جَارِيَتِي بِدِيْنَارٍ، فَجَعَلْتُهُ تَحْتَ المُصَلَّى، ثُمَّ جَاءتْ بَعْدَ أَيَّامٍ تَطلُبُهُ، فَقُلْتُ: خُذِي مَا وَلَدَ. فَوَجَدَتْ مَعَهُ دِرْهَماً، فَأَخَذَتِ الوَلَدَ.   (1) انظر رواية " الوفيات: " 2 / 472. (2) في " الوفيات ": 2 / 474: " أكره أن يجئ ثقيل ". (3) زيادة من " الوفيات ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 ثُمَّ عَادَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَقَدْ أَخَذْتُهُ، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ: مَاتَ النَّوْبَةَ فِي النِّفَاسِ. فَوَلْوَلَتْ، فَقُلْتُ: صَدَّقْتِ بِالوِلاَدَةِ، وَلاَ تُصَدِّقِيْنَ بِالمَوْتِ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَوْقَفَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَلَى أَشْعَبَ، فَقَالَ: مَا بَلَغَ مِنْ طَمَعِكَ؟ قَالَ: مَا زُفَّتِ امْرَأَةٌ، إِلاَّ كَنَستُ بَيْتِي، رَجَاءَ أَنْ تُهْدَى إِلَيَّ (1) . وَعَنْ أَبِي عَاصِمٍ: أَنَّ أَشْعَبَ مَرَّ بِمَنْ يَعْمَلُ طَبَقاً، فَقَالَ: وَسِّعْهُ، لَعَلَّهُم يُهْدُوْنَ لَنَا فِيْهِ. وَمَرَرتُ يَوْماً، فَإِذَا هُوَ وَرَائِي، قُلْتُ: مَا بِكَ؟ قَالَ: رَأَيتُ قَلَنْسُوَتَكَ مَائِلَةً، فَقُلْتُ: لَعَلَّهَا تَقَعُ، فَآخُذُهَا. قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: قَالَ أَشْعَبُ: مَا خَرَجْتُ فِي جَنَازَةٍ، فَرَأَيتُ اثْنَيْنِ يَتَسَارَّانِ، إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّ المَيتَ أَوْصَى لِي بِشَيْءٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُجِيْدُ الغِنَاءَ. يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 27 - حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ بنِ ثَوْرِ بنِ هُبَيْرَةَ النَّخَعِيُّ * (4، م) ابْنِ شَرَاحِيْلَ بنِ كَعْبٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي الكُوْفَةِ مَعَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالقَاضِي ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَبُو أَرْطَاةَ النَّخَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.   (1) في " الميزان ": 1 / 261: " إلا قلت: يجيؤون بها إلي ". (*) طبقات ابن سعد: 6 / 359، طبقات خليفة: 167، تاريخ خليفة: 369، 414، 421، التاريخ الكبير: 2 / 378، التاريخ الصغير: 2 / 110، المعرفة والتاريخ: 2 / 803، الضعفاء: خ: 100 - 102، الجرح والتعديل: 3 / 154 - 156، كتاب المجروحين: 1 / 225 - 228، الكامل لابن عدي: خ: 140 - 143، تاريخ بغداد: 8 / 230 - 236، تهذيب الاسماءواللغات: 1 / 152 - 153، وفيات الأعيان: 2 / 54 - 56، تهذيب الكمال: خ: 235، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 122 - 123، تاريخ الإسلام: 6 / 51 - 53، تذكرة الحفاظ: 186 1 - 187، ميزان الاعتدال: 458 - 460، تهذيب التهذيب: 2 / 196 - 198، طبقات المدلسين: 17، طبقات الحفاظ: 81، خلاصة تذهيب الكمال: 72، شذرات الذهب: 1 / 229. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 وَرَوَى عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَالحَكَمِ، وَنَافِعٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَجَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَزَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ الطَّائِيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي مَطَرٍ، وَرِيَاحِ بنِ عَبِيْدَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَسِمَاكٍ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، تُكُلِّمَ فِيْهِ لِبَأْوٍ (1) فِيْهِ، وَلِتَدْلِيسِه، وَلِنَقصٍ قَلِيْلٍ فِي حِفْظِه، وَلَمْ يُتْرَكْ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَقَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَشُعْبَةُ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَالحَمَّادَانِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَزِيَادٌ البَكَّائِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَالمُحَارِبِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَغُنْدَرٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيْحٍ يَقُوْلُ: مَا جَاءنَا مِنْكُم مِثْلَهُ -يَعْنِي: حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ-. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَوْماً: مَنْ تَأْتُوْنَ؟ قُلْنَا: الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ. قَالَ: عَلَيْكُم بِهِ، فَإِنَّهُ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ أَقهَرُ عِنْدَنَا بِحَدِيْثِهِ مِنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ: عَنْ جَرِيْرٍ: رَأَيتُ الحَجَّاجَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً، أَحَدُ مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَكَانَ فِيْهِ تِيْهٌ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَهْلَكَنِي حُبُّ الشَّرَفِ. وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، وَكَانَ جَائِزَ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنَّهُ صَاحِبُ إِرسَالٍ، كَانَ يُرسِلُ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً، وَيُرسِلُ عَنْ مَكْحُوْلٍ، وَلَمْ   (1) البأو: الكبر والفخر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 يَسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَعِيبُوْنَ مِنْهُ التَّدلِيسَ. رَوَى نَحَواً مِنْ سِتِّ مائَةِ حَدِيْثٍ. قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ سُفْيَانَ أَتَاهُ يَوْماً لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ حَجَّاجٌ: يَرَى بُنَيُّ ثَوْرٌ أَنَّا نَحْفِلُ بِهِ؟! لاَ نُبَالِي، جَاءنَا أَوْ لَمْ يَجِئْنَا. وَكَانَ حَجَّاجٌ تَيَّاهاً، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ الشَّرِطَةَ. وَيُقَالُ: عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، فَكَانَ الزِّحَامُ عَلَى حَجَّاجٍ أَكْثَرَ. وَكَانَ حَجَّاجٌ رَاوِيَةً عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ مِنْهُ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ. قِيْلَ: فَلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْدَ النَّاسِ بِذَاكَ؟ قَالَ: لأَنَّ فِي حَدِيْثِهِ زِيَادَةً عَلَى حَدِيْثِ النَّاسِ، لَيْسَ يَكَادُ لَهُ حَدِيْثٌ إِلاَّ فِيْهِ زِيَادَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ، يُدَلِّسُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ -يَعْنِي: فَيُسقِطُ العَرْزَمِيَّ-. وَرَوَى: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ عِنْدِي سَوَاءٌ، تَرَكتُ الحَجَّاجَ عَمداً، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ حَدِيْثاً قَطُّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، مُدَلِّسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ صَالِحٌ لاَ يُرْتَابُ فِي صِدْقِهِ وَحِفْظِه، وَلاَ يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلاَ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَلاَ مِنْ عِكْرِمَةَ. قَالَ هُشَيْمٌ: قَالَ لِي حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: صِفْ لِيَ الزُّهْرِيَّ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ الحَجَّاجُ يُدَلِّسُ، فَكَانَ يُحَدِّثُنَا بِالحَدِيْثِ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ مِمَّا يُحَدِّثُهُ العَرْزَمِيُّ، وَالعَرْزَمِيُّ مَتْرُوْكٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا الحَجَّاجُ ابْنَ ثَلاَثِيْنَ، أَوْ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَرَأَيتُ عَلَيْهِ مِنَ الزِّحَامِ مَا لَمْ أَرَ عَلَى حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَأَيتُ عِنْدَهُ مَطَراً الوَرَّاقَ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، جُثَاةً عَلَى أَرْجُلِهِم، يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا أَرْطَاةَ! مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا؟ يَا أَبَا أَرْطَاةَ! مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا؟ قَالَ هُشَيْمُ بنُ بَشِيْرٍ: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ يَقُوْلُ: اسْتُفْتِيتُ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ حَجَّاجاً يَقُوْلُ: مَا خَاصَمتُ أَحَداً قَطُّ، وَلاَ جَلَسْتُ إِلَى قَوْمٍ يَخْتَصِمُوْنَ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: سَمِعَ مِنْ مَكْحُوْلٍ، وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِه يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: كَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، وَكَانَ مُدَلِّساً. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِنَّمَا عَابَ النَّاسُ عَلَيْهِ تَدْلِيسَه عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهُ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الكَذِبَ فَلاَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُه. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وَاهِي الحَدِيْثِ، فِي حَدِيْثِهِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: الحَجَّاجُ: أَحَدُ العُلَمَاءِ بِالحَدِيْثِ، وَالحُفَّاظِ لَهُ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ بِالرَّيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَنِ: الشَّعْبِيِّ حَدِيْثاً وَاحِداً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 قَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى المُحَارِبِيُّ: أَمَرَنَا زَائِدَةُ أَنْ نَترُكَ حَدِيْثَ الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَذْكُرُ أَنَّ حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ، لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِيْهِ جِدّاً، مَا رَأَيتُهُ أَسوَأَ رَأْياً فِي أَحَدٍ مِنْهُ فِي حَجَّاجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَيْثٍ، وَهَمَّامٍ، لاَ نَستطِيْعُ أَنْ نُرَاجِعَه فِيْهِم. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ يُحْتَجُّ بِحَجَّاجٍ. قُلْتُ: قَدْ يَتَرَخَّصُ التِّرْمِذِيُّ وَيُصحِّحُ لابْنِ أَرْطَاةَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ (1) . قَالَ مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: تَسْأَلُونَا عَنْ حَدِيْثِ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الرَّقِّيُّ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْهُ! قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: حَجَّاجٌ فِي قَتَادَةَ صَالِحٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ (2) حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: لاَ تَتُمُّ مُرُوءةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَترُكَ الصَّلاَةَ فِي الجَمَاعَةِ. قُلْتُ: لَعَنَ اللهُ هَذِهِ المُرُوءةَ، مَا هِيَ إِلاَّ الحُمْقُ وَالكِبْرُ كَيْلاَ يُزَاحِمُه السُّوْقَةُ! وَكَذَلِكَ تَجدُ رُؤَسَاءَ وَعُلَمَاءَ يُصَلُّونَ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ صَفٍّ، أَوْ تُبسَطُ لَهُ سُجَّادَةٌ كَبِيْرَةٌ حَتَّى لاَ يَلتَصِقَ بِهِ مُسْلِمٌ - فَإِنَّا للهِ! -. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَوَّلُ مَنِ ارْتُشِيَ بِالبَصْرَةِ مِنَ القُضَاةِ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ.   (1) وقد انتقد المؤلف - رحمه الله - تصحيح الترمذي في عدة مواطن من كتابه " الميزان "، وكثير من الحفاظ المتيقظين قد يعترضون الترمذي في بعض ما يحسنه أو يصححه، ويثبتون أنه يصحح حديث من ليس حديثه بحسن، ومن يمارس صناعة التخريج، ويحكم على حديث بالصحة أو الضعف حسب القواعد المرسومة في المصطلح، يتبين له صحة كلام المؤلف وغيره من الحفاظ. (2) زيادة من " الميزان ": 1 / 459. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ وَاقِدٍ: رَأَيتُ حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ عَلَيْهِ سوَادٌ، وَهُوَ مَخْضُوْبٌ بِالسَّوَادِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُنْتُ أَرَى الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ يَفلِي ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَهْدِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ أَرْبَعُوْنَ رَاحِلَةً، عَلَيْهَا أَحمَالُهَا. قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ يَقُوْلُ: مَا خَاصَمتُ أَحَداً، وَلاَ جَادَلْتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ حَجَّاجٌ يُدَلِّسُ، فَإِذَا قِيْلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثكَ؟ يَقُوْلُ: لاَ تَقُوْلُوا هَذَا، قُوْلُوا: مَنْ ذَكَرْتَ؟ وَرَوَى عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرَهُ. قَالَ شُعْبَةُ: اكْتُبُوا عَنْ حَجَّاجٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ. عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ: عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيْزٍ: سَأَلْتُ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ: أَرَأَيتَ تَعلِيقَ اليَدِ فِي العُنُقِ مِنَ السُّنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَارقٍ، فَأَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَ، ثُمَّ أَمَرَ بِيَدِهِ، فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِه (1) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ (2) : كَانَ حَجَّاجٌ صَلِفاً، خَرَجَ مَعَ المَهْدِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ، فَوَلاَّهُ القَضَاءَ. قَالَ: وَمَاتَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الرَّيِّ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. تَرَكَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ.   (1) إسناده ضعيف لضعف حجاج. وأخرجه أحمد في " المسند ": 3 / 19، وأبو داود: (4411) ، والترمذي: (1447) ، والنسائي: 8 / 92، كلهم من طريق الحجاج، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن فضالة بن عبيد. وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. (2) في " المجروحين والضعفاء ": 1 / 225. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 كَذَا قَالَ: ابْنُ حِبَّانَ. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَقَدْ قَدَّمنَا عِبَارَاتِ هَؤُلاَءِ فِي حَجَّاجٍ - نَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنَ التَّهوُّرِ فِي وَزنِ العُلَمَاءِ -. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ الوَرَّاقَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ، عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: كَانَ حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ لاَ يَحضُرُ الجَمَاعَةَ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَحضُرُ مَسْجِدَكُم حَتَّى يُزَاحِمَنِي فِيْهِ الحَمَّالُوْنَ وَالبَقَّالُوْنَ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الحَجَّاجَ بنَ أَرْطَاةَ قِيْلَ لَهُ: ارْتفِعْ إِلَى صَدْرِ المَجْلِسِ. فَقَالَ: أَنَا صَدْرٌ حَيْثُ كُنْتُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: أَهْلَكَنِي حُبُّ الشَّرَفِ. وَقَدْ طَوَّلَ ابْنُ حِبَّانَ (1) ، وَابْنُ عَدِيٍّ (2) تَرْجَمَتَه. قَالَ النَّسَائِيُّ: ذِكْرُ المُدَلِّسِيْنَ: الحَسَنُ، قَتَادَةُ، حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، حُمَيْدٌ، سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، أَبُو إِسْحَاقَ، الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، مُغِيْرَةُ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، أَبُو الزُّبَيْرِ، ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، ابْنُ جُرَيْجٍ، ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، هُشَيْمٌ، سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. وَزِدْتُ أَنَا: الأَعْمَشُ، مَكْحُوْلٌ، بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَآخَرُوْنَ (3) . وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ حَجَّاجٍ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ الحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ بِخُرَاسَانَ، مَعَ المَهْدِيِّ.   (1) كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 225 - 228. (2) الكامل: خ: 140 - 143. (3) ورد ذكر الحجاج بن أرطاة في المرتبة الرابعة من " طبقات المدلسين "، والتي تضم معه: بقية بن الوليد الحمصي، وحميد بن الربيع الكوفي الخزاز، وسويد بن سعيد الحدثاني، وعباد بن منصور الناجي، وعطية بن سعيد العوفي، وعمر بن علي المقدمي، وعيسى بن موسى البخاري، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، والوليد بن مسلم الدمشقي، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 وَفِي ذِهنِي: أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ فِي ذَلِكَ. فَصْلٌ فِي طَبَقَةِ حَجَّاجٍ؛ جَمَاعَةٍ بِاسْمِهِ، فَتَرَاهُم يَجِيْئُوْنَ فِي الإِسْنَادِ، فَيَقَعُ الاشْتِبَاهُ بِالاشْتِرَاكِ فِي الاسْمِ: 28 - حَجَّاجُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ * (خَ، م) بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الحَمَّادَانِ، وَالقَطَّانُ، وَرَوْحٌ، وَخَلْقٌ. وَأَقدَمُ مَا عِنْدَهُ: الحَسَنُ. وَمِنْهُم: 29 - حَجَّاجُ بنُ أَبِي زَيْنَبَ الوَاسِطِيُّ ** (م، د، س، ق) صَدُوْقٌ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. رَوَى عَنْهُ: هُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ. وَحَدِيْثُه حَسَنٌ، فَقَدْ لُيِّنَ. وَلَكِن رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ. مَاتَ: فِي حُدُوْدِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 270، مشاهير علماء الأمصار: 155، تاريخ الإسلام: 6 / 53، عبر الذهبي: 1 / 194، تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، تهذيب التهذيب: 2 / 203 - 204، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات الذهب: 1 / 211. (* *) الضعفاء: خ: 102، الجرح والتعديل: 3 / 161، الكامل لابن عدي: خ: 143، تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، ميزان الاعتدال: 1 / 462، تهذيب التهذيب: 2 / 201، خلاصة تذهيب الكمال: 72. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 وَمِنْهُم: 30 - حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ البَاهِلِيُّ البَصْرِيُّ الأَحْوَلُ * (خَ، م) لَهُ عَنْ: أَنَسٍ قَلِيْلاً. وَعَنْ: قَتَادَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - رَاوِيتُه - وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَطَائِفَةٌ. وَهُوَ حُجَّةٌ، وَقَدْ خَلَطَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ بِحَجَّاجٍ الأَسْوَدِ، فَوَهِمَ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ أَحَدُ حُفَّاظِ أَصْحَابِ قَتَادَةَ. قُلْتُ: مَاتَ قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَمِنْهُم: 31 - حَجَّاجٌ الأَسْوَدُ القِسْمَلِّيُّ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ ** وَيُقَالُ لَهُ: حَجَّاجُ زِقِّ العَسَلِ، وَهُوَ حَجَّاجُ بنُ أَبِي زِيَادٍ. حَدَّثَ عَنْ: شَهْرٍ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. بَصْرِيٌّ، صَدُوْقٌ. رَوَى عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَرَوْحٌ. وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. مَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) الجرح والتعديل: 3 / 158، تهذيب الكمال: خ: 235 - 236، تهذيب التهذيب: خ: 1 / 123، تاريخ الإسلام: 6 / 53، ميزان الاعتدال: 1 / 461، تهذيب التهذيب: 2 / 199 - 200، خلاصة تذهيب الكمال: 72. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 269، الجرح والتعديل: 3 / 160 - 161، ميزان الاعتدال: 1 / 460، لسان الميزان: 2 / 175 - 176. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 وَمِنْهُم: 32 - حَجَّاجُ بنُ حَسَّانٍ القَيْسِيُّ * بَصْرِيٌّ، لاَ بَأْسَ بِهِ. عَنْ: أَنَسٍ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَيَنْزِلُ إِلَى: مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةٌ. بَقِيَ إِلَى نَحْوِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. لَهُ فِي: مَرَاسِيْلِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُقَاتلٍ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (إِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَداً، فَلْيَخْتَلِجْ رَجُلاً مِنَ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ المُخْتَلِجِ!) . قُلْتُ: مَاذَا بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُعْضَلٌ (2) . وَمِنْهُم: 33 - حَجَّاجُ بنُ دِيْنَارٍ الوَاسِطِيُّ ** (د، ت، ق) لَهُ عَنِ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَالبَاقِرِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: إِسْرَائِيْلُ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَآخَرُوْنَ. حَسَنُ الحَالِ.   (*) تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، تهذيب التهذيب: 2 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 72. (1) اختلجه: إذا جبذه وانتزعه. والحديث لا يصح لارساله وضعف حجاج. (2) المرسل، كما قال الحافظ في " شرح النخبة ": 66: أن يقول التابعي - سواء كان كبيرا أو صغيرا -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا، أو فعل كذا، أو فعل بحضرته كذا. والمعضل: هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي. (* *) الجرح والتعديل: 3 / 159 - 160، تهذيب الكمال: خ: 236، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123، ميزان الاعتدال: 1 / 461، تهذيب التهذيب: 2 / 200 - 201، خلاصة تذهيب الكمال: 72. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 مَاتَ: قَبْلَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَمِنْهُم: 34 - حَجَّاجُ بنُ فَرَافِصَةَ البَاهِلِيُّ العَابِدُ * (د، س) لَهُ عَنِ: ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عُقَيْلٍ، وَنَحْوِه. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَمُعْتَمِرٌ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الضُّبَعِيُّ. رَوَى لَهُ: النَّسَائِيُّ. حَدِيْثُه وَسَطٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. فَهَؤُلاَءِ السَّبْعَةُ كَانُوا بِالعِرَاقِ فِي عَصرِ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، ذَكَرنَاهُم لِلتَّمْيِيزِ، وَثَمَّ جَمَاعَةٌ كَانُوا فِي زَمَانِهِم بَأَسْمَائِهِم، وَلَكِنَّهُم لَيْسُوا بِالمَشْهُوْرِيْنَ - وَاللهُ أَعْلَمُ (1) -. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ - حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ -يَعْنِي: ابْنَ أَرْطَاةَ- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَصِيْرٍ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: شَهِدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَة الفَجْرِ، فَقَالَ: (أَشَهِدَ الصَّلاَةَ فُلاَنٌ؟) . قَالُوا: نَعَمْ. (وَفُلاَنٌ، وَفُلاَنٌ؟) . قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: (مَا مِنْ صَلاَةٍ أَثْقَلُ عَلَى المُنَافِقِيْنَ مِنْ صَلاَةِ العِشَاءِ، وَصَلاَةِ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُوْنَ مَا فِيْهِمَا، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً) . ثُمَّ قَالَ: (صَلاَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، خَيْرٌ مِنْ   (*) الجرح والتعديل: 3 / 164 - 165، تهذيب الكمال: خ: 237، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 123 - 124، ميزان الاعتدال: 1 / 463، تهذيب التهذيب: 2 / 204، خلاصة تذهيب الكمال: 73. (1) هذا الخبر وما بعده تتمة لترجمة حجاج بن أرطاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 صَلاَةِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، فَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ (1) -) . أَخْبَرَنَا طَائِفَةٌ إِجَازَةً، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ طَبَرْزَدْ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَنْبَأَنَا الحَجَّاجُ -يَعْنِي: ابْنَ أَرْطَاةَ- عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ يَزِيْدَ: عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نُهِيْنَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ القَسِّيِّ، وَعَنِ المِيْثَرَةِ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَرْثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَه. 35 - حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ أَبُو عُثْمَانَ الرَّحَبِيُّ * (خَ، 4) الحَافِظُ، العَالِمُ، المُتْقِنُ، أَبُو عُثْمَانَ الرَّحَبِيُّ، المَشْرِقِيُّ، الحِمْصِيُّ. مُحَدِّثُ   (1) وأخرجه أحمد 5 / 140، وأبو داود: (554) والنسائي: 2 / 104، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أبي بن كعب. وعبد الله بن أبي بصير وثقه العجلي، وصحح حديثه هذا ابن خزيمة، (1476) و (1477) وابن حبان: (429) ، والحاكم: 1 / 247 - 248، ووافقه الذهبي المؤلف، ونقل في مختصره أن ابن معين وابن المديني والذهلي حكموا بصحته. وله شاهد من حديث قباث بن أشيم عند الحاكم: 3 / 625، والبزار والطبراني في " الكبير ". (2) رجاله ثقات. وأخرج مسلم في " صحيحه ": 3 / 1659، في اللباس والزينة: باب النهي عن التختم بالوسطى، من طريق عاصم بن كليب، عن أبي بردة، عن علي قال: " نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي، وعن الجلوس على المياثر ": وأخرج مالك: 1 / 180، ومسلم: (2078) ، عن علي، من طريق نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - " نهي عن لبس القسي والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع ". وراه أحمد في " المسند ": (710) و (722) و (816) و (924) و (1004) و (1162) ، وأبو داود: (4044) ، والترمذي: (264) و (1737) . قال الخطابي: القسي: ثياب يؤتى بها من مصر، فيها حرير، ويقال: إنها منسوبة إلى بلاد يقال لها: القسي، ويقال: إنها القزية، أبدلوا الزاي سينا. وأما الميثرة: فمن مراكب العجم، تعمل من حرير أو ديباج، ويتخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال. وإنما حرمت هذه الأشياء على الرجال دون النساء. (*) التاريخ الكبير: 3 / 103، 104، التاريخ الصغير: 2 / 155، الجرح والتعديل: 3 / 289، كتاب المجروحين: 1 / 268، تاريخ بغداد: 8 / 265 - 270، تهذيب الكمال: خ: = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 حِمْصَ، مِنْ بَقَايَا التَّابِعِيْنَ الصِّغَارِ. سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بِشْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحجَّاجٌ الأَعْوَرُ، وَأَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. حَدَّثَ بِالشَّامِ وَبِالعِرَاقِ، وَحَدِيْثُه نَحْوُ المائَتَيْنِ، وَيُرْمَى بِالنَّصْبِ (1) . وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يَصِحُّ عِنْدِي مَا يُقَالُ فِي رَأْيِهِ، وَلاَ أَعْلَمُ بِالشَّامِ أَحَداً أَثْبَتَ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَرِيْزٌ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ، ثِقَةٌ، لَمْ يَكُنْ يَرَى القَدَرَ. وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: كَانَ يَنَالُ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ حَرِيْزٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَأَنَا أَشْتُمُ عَلِيّاً؟! وَاللهِ مَا شَتَمْتُهُ. وَجَاءَ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: لاَ أُحِبُّهُ؛ لأَنَّهُ قَتَلَ مِنْ قَوْمِي يَوْمَ صِفِّيْنَ (2) جَمَاعَةً.   = 248 - 249، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 128 - 129، تذكرة الحفاظ: 1 / 176 - 177، ميزان الاعتدال: 1 / 475 - 476، عبر الذهبي: 1 / 241 - 242، تهذيب التهذيب: 2 / 237 - 241، طبقات الحفاظ: 78، خلاصة تذهيب الكمال: 75، شذرات الذهب: 1 / 257، تهذيب ابن عساكر: 4 / 116 - 118. (1) النصب: أي بغضة علي - رضي الله عنه - من: نصب فلان لفلان نصبا: إذ قصد له، وعاداه، وتجرد له. (2) صفين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي، بين الرقة وبالس. وكانت وقعة صفين بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية في سنة (37 هـ) في غرة صفر. وقال الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب: " الامامة "، فيما نقله المناوي في " فيض القدير ": 6 / 366: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والاوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليا مصيب في قتاله لاهل صفين، كما هو مصيب في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، قَالَ: كَانَ حَرِيْزٌ يَقُوْلُ: لَنَا إِمَامُنَا، وَلكُم إِمَامُكُم -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ وَعَلِيّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. قَالَ عِمْرَانُ بنُ أَبَانٍ: سَمِعْتُ حَرِيْزاً يَقُوْلُ: لاَ أُحِبُّه، قَتَلَ آبَائِي. وَقَالَ شَبَابَةُ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لاَ تَتَرَحَّمُ عَلَى عَلِيٍّ! قَالَ: اسْكُتْ، رَحِمَهُ اللهُ مائَةَ مَرَّةٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ حَرِيْزَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا سَبَبْتُ عَلِيّاً قَطُّ. قُلْتُ: هَذَا الشَّيْخُ كَانَ أَوْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيتُ شَامِيّاً أَفْضَلَ مِنْ حَرِيْزٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: جَمَعْنَا حَدِيْثَ حَرِيْزٍ فِي دَفْتَرٍ، نَحَواً مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِهِ، فَتَعَجَّبَ، وَقَالَ: هَذَا كُلُّه عَنِّي؟! وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّحَبِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ حَرِيْزَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: لاَ تُعَادِ أَحَداً حَتَّى تَعْلَمَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ، فَإِنْ يَكُنْ مُحْسِناً، فَإِنَّ اللهَ لاَ يُسْلِمُهُ لِعَدوَاتِكَ، وَإِنْ يَكُن مُسِيْئاً، فَأَوشَكَ بِعَمَلِهِ أَنْ يَكْفِيْكَه. تُوُفِّيَ حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. وَحَدِيْثُهُ عَالٍ مِنْ ثُلاَثِيَّاتِ البُخَارِيِّ. رَوَاهُ عَنْ: عِصَامِ بنِ خَالِدٍ، عَنْهُ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: وَمَولِدُهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. 36 - الحُسَيْنُ بنُ مُطَيْرٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ * شَاعِرٌ مُحْسِنٌ، بَدِيعُ القَوْلِ، أَدْرَكَ الدَّوْلَتَيْنِ: الأُمَوِيَّةَ،   (*) طبقات ابن المعتز: 114 - 119، الاغاني: 16 / 17 - 27، شرح حماسة أبي تمام = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 وَالعَبَّاسِيَّةَ، وَبَقِيَ حَتَّى مَدَحَ المَهْدِيَّ. وَهُوَ القَائِلُ فِيْهِ: أَضْحَتْ يَمِيْنُكَ مِنْ جُوْدٍ مُصَوَّرَةً ... لاَ بَلْ يَمِيْنُكَ مِنْهَا صُوْرَةُ (1) الجُوْدِ مِنْ حُسْنِ وَجْهِكَ تُضْحِي الأَرْضُ مُشْرِقَةً ... وَمِنْ بَنَانِكَ يَجْرِي المَاءُ فِي العُوْدِ (2) وَلَهُ يَرْثِي مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ: أَلِمَّا بِمَعْنٍ ثُمَّ قُوْلاَ لِقَبْرِهِ (3) ... سَقَتْكَ (4) الغَوَادِي مَرْبَعاً ثُمَّ مَرْبَعَا فَيَا قَبْرَ مَعْنٍ كَيْفَ وَارَيْتَ جُوْدَهُ ... وَقَدْ كَانَ مِنْهُ البَرُّ وَالبَحْرُ مُتْرَعَا وَلَكِنْ حَوَيْتَ الجُوْدَ وَالجُوْدُ مَيِّتٌ (5) ... وَلَوْ كَانَ حَيّاً ضِقْتَ حَتَّى تَصَدَّعَا وَمَا كَانَ إِلاَّ الجُوْدَ صُوْرَةُ وَجْهِهِ ... فَعَاشَ رَبِيْعاً، ثُمَّ وَلَّى فَوَدَّعَا فَلَمَّا مَضَى مَعْنٌ مَضَى الجُوْدُ وَالنَّدَى (6) ... وَأَصْبَحَ عِرْنِيْنُ المَكَارِمِ أَجْدَعَا (7)   = للمرزوقي: 934 - 938، 1228 - 1230، 1251 - 1254، 1360، 1597، معجم الأدباء: 10 / 166 - 178، فوات الوفيات: 1 / 388 - 389، خزانة الأدب: 2 / 485 - 488، تهذيب ابن عساكر: 4 / 365 - 367. (1) في " الاغاني "، و" خزانة الأدب ": " صور ". (2) البيت الأول في " الاغاني ": 16 / 23، وهو مع الثاني في: " معجم الأدباء ": 10 / 168، و" خزانة الأدب ": 2 / 486، و" تهذيب ابن عساكر ": 4 / 365. (3) في: " شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم الأدباء "، و" الفوات ": " ألما على معن وقولا لقبره "، وفي " تهذيب ابن عساكر ": " ألما بمن لاثم قول لغيره ". (4) في: " الاغاني " و" خزانة الأدب ": " سقيت ". (5) في: " الاغاني " و" شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم الأدباء "، و" الفوات "، و" خزانة الأدب ": " بلى قد وسعت الجود..". (6) في " شرح الحماسة " للمرزوقي، و" معجم الأدباء "، و" الفوات ": " ... وانقضى ". (7) الابيات في: " الاغاني: 6 / 23 - 24، " شرح الحماسة " للمرزوقي (ط. أولى) : 934 - 937، " معجم الأدباء ": 10 / 168 - 170، وفوات الوفيات: 1 / 389، وخزانة الأدب: 2 / 487، " وتهذيب ابن عساكر ": 4 / 366. وتذكر المصادر: أن ابن مطير أنشد المهدي البيتين: (أضحت يمينك..) ، فقال له: كذبت. فقال ابن مطير: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: هل تركت في شعرك موضعا لأحد بعد قولك في معن: ألما بمعن ... الابيات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 37 - المَنْصُوْرُ الخَلِيْفَةُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ * العَبَّاسِيُّ، المَنْصُوْرُ. وَأُمُّهُ: سَلاَّمَةُ البَرْبَرِيَّةُ. وُلِدَ فِي: سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، أَوْ نَحْوِهَا. ضَرَبَ فِي الآفَاقِ، وَرَأَى البِلاَدَ، وَطَلَبَ العِلْمَ. قِيْلَ: كَانَ فِي صِبَاهُ يُلَقَّبُ بِمُدْرِكِ التُّرَابِ. وَكَانَ أَسْمَرَ، طَوِيْلاً، نَحِيْفاً، مَهِيْباً، خَفِيْفَ العَارِضَينِ، مُعَرَّقَ الوَجْهِ، رَحبَ الجَبهَةِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ لِسَانَانِ نَاطقَانِ، تُخَالِطُه أُبَّهَةُ المُلْكِ بِزِيِّ النُّسَّاكِ، تَقْبَلُهُ القُلُوْبُ، وَتَتْبَعُهُ العُيُونُ، أَقْنَى الأَنْفِ، بَيِّنَ القَنَا، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. وَكَانَ فَحْلَ بَنِي العَبَّاسِ هَيْبَةً، وَشَجَاعَةً، وَرَأْياً، وَحَزْماً، وَدَهَاءً، وَجَبَروتاً، وَكَانَ جَمَّاعاً لِلْمَالِ، حَرِيْصاً، تَارِكاً لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، كَامِلَ العَقْلِ، بَعِيْدَ الغَورِ، حَسَنَ المُشَارِكَةِ فِي الفَقْهِ، وَالأَدبِ، وَالعِلْمِ. أَبَادَ جَمَاعَةً كِبَاراً حَتَّى تَوطَّدَ لَهُ المُلْكُ، وَدَانتْ لَهُ الأُمَمُ عَلَى ظُلْمٍ فِيْهِ، وَقُوَّةِ نَفْسٍ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى صِحَّةِ إِسْلاَمٍ وَتَدَيُّنٍ فِي الجُمْلَةِ، وَتَصَوُّنٍ، وَصَلاَةٍ، وَخَيْرٍ، مَعَ فَصَاحَةٍ، وَبَلاَغَةٍ، وَجَلاَلَةٍ. وَقَدْ وَلِيَ بُلَيْدَةً مِنْ فَارِسٍ لِعَامِلِهَا سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبِ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَضَرَبَهُ وَصَادَرَه، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ قَتَلَهُ. وَكَانَ يُلَقَّبُ: أَبَا الدَّوَانِيْقِ، لِتَدْنِيقِه وَمُحَاسَبَتِه الصُّنَّاعَ، لَمَّا أَنْشَأَ بَغْدَادَ.   (*) المعارف: 377 - 378، تاريخ الطبري: 7 / 469 - 473، 8 / 62 - 102، الوزراء والكتاب: 96 - 140، مروج الذهب: 2 / 228 - 246، تاريخ بغداد: 10 / 53 - 61، الكامل لابن الأثير: 5 / 461 - 462، تاريخ الإسلام: 6 / 214 - 219، عبرالذهبي: 1 / 228، دول الإسلام: الذهبي: 93 - 95، فوات الوفيات: 2 / 216 - 217، البداية والنهاية: 10 / 121 - 129، العقد الثمين: 5 / 248، تاريخ الخلفاء: 259 - 271، شذرات الذهب: 1 / 185، 213، 216، 219، 225، 234، 236، 243، 244. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 وَكَانَ يَبذُلُ الأَمْوَالَ فِي الكوَائِنِ المَخُوفَةِ، وَلاَ سِيَّمَا لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (1) بِالمَدِيْنَةِ، وَأَخُوْهُ إِبْرَاهِيْمَ بِالبَصْرَةِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعَالِبِيُّ: عَلَى شُهْرَةِ المَنْصُوْرِ بِالبُخْلِ، ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ خَلِيْفَةٌ قَبْلَ المَنْصُوْرِ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، دَارَتْ بِهَا الصِّكَاكُ، وَثَبَتَتْ فِي الدَّوَاوِيْنِ، فَإِنَّهُ أَعْطَى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُمُوْمَتِهِ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّفَ يَوْمَ مَوْتِهِ فِي بُيُوْتِ الأَمْوَالِ تِسْعَ مائَةِ أَلْفِ أَلفِ دِرْهَمٍ وَنَيِّفٍ. زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: مِنَّا السَّفَّاحُ، وَمِنَّا المَنْصُوْرُ، وَمِنَّا المَهْدِيُّ. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (2) . رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَالَ لَنَا المَنْصُوْرُ: رَأَيتُ كَأَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّمَنِي بِعِمَامَةٍ كُوْرُهَا ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُوْنَ، وَقَالَ: (خُذْهَا) . وَأَوْصَانِي بِأُمَّتِهِ. وَعَنِ المَنْصُوْرِ، قَالَ: المُلُوْكُ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَهِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَنَا. حَجَّ المَنْصُوْرُ مَرَّاتٍ، مِنْهَا فِي خِلاَفَتِهِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مَاتَ بِبِئْرِ مَيْمُوْنٍ (3) ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ. أَبُو العَيْنَاءِ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ: أَنَّ المَنْصُوْرَ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَشَرَعَ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! اذْكُرْ مَنْ أَنْتَ فِي ذِكْرِهِ. فَقَالَ: مَرْحَباً، لقَدْ   (1) انظر ص 21، حا: 1. (2) هو كما قال المؤلف، لكن في متنه نكارة. (3) بئر ميمون: بمكة، منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي، (انظر معجم البلدان) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 ذَكَرتَ جَلِيْلاً، وَخَوَّفْتَ عَظِيْماً، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ مِمَّنْ إِذَا قِيْلَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ، وَالمَوْعِظَةُ مِنَّا بَدَتْ، وَمِنْ عِندِنَا خَرَجَتْ، وَأَنْتَ يَا قَائِلَهَا، فَأَحْلِفُ بِاللهِ: مَا اللهَ أَرَدْتَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: قَامَ، فَقَالَ، فَعُوقِبَ، فَصَبَرَ، فَأَهْوِنْ بِهَا مِنْ قَائِلِهَا، وَاهْتَبِلْهَا مِنَ اللهِ، وَيْلَكَ! إِنِّيْ قَدْ غَفَرتُهَا (1) . وَعَادَ إِلَى خُطبتِهِ كَأَنَّمَا يَقْرَأُ مِنْ كِتَابٍ. قَالَ مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الوَزِيْرُ، سَمِعَ المَنْصُوْرَ يَقُوْلُ: الخَلِيْفَةُ لاَ يُصْلِحُهُ إِلاَّ التَّقْوَى، وَالسُّلْطَانُ لاَ يُصْلِحُه إِلاَّ الطَّاعَةُ، وَالرَّعِيَّةُ لاَ يُصلِحُهَا إِلاَّ العَدْلُ، وَأَولَى النَّاسِ بِالعَفْوِ أَقْدَرُهُم عَلَى العُقُوْبَةِ، وَأَنْقَصُ النَّاسِ عَقلاً مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ وَعَظَ المَنْصُوْرَ، فَأَبكَاهُ، وَكَانَ يَهَابُ عَمْراً، وَيُكرِمُهُ، وَكَانَ أَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، فَرَدَّهُ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ عَمَّهُ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لقَدْ هَجَمْتَ بِالعُقُوْبَةِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ بِالعَفْوِ. قَالَ: لأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ تَبْلَ رِمَمُهُم، وَآلَ عَلِيٍّ لَمْ تُغْمَدْ سُيُوْفُهُم، وَنَحْنُ بَيْنَ قَوْمٍ قَدْ رَأَوْنَا أَمْسِ سُوْقَةً، وَلاَ تَتَمهَّدُ هَيْبَتُنَا فِي صُدُورِهِم إِلاَّ بِنِسْيَانِ العَفْوِ. وَقِيْلَ: دَخَلَ عَلَيْهِ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: اقْضِ دَيْنِي. قَالَ: وَكَم هُوَ؟ قَالَ: مائَةُ أَلْفٍ. قَالَ: وَأَنْتَ فِي فِقْهِكَ وَفَضْلِكَ تَأخُذُ مائَةَ أَلْفٍ، لَيْسَ عِنْدَكَ قَضَاؤُهَا؟! قَالَ: شَبَّ فِتْيَانٌ لِي، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُبَوِّئَهُم، وَخَشِيْتُ أَنْ يَنتَشِرَ عَلَيَّ أَمرُهُم، وَاتَّخذتُ لَهُم مَنَازِلَ، وَأَوْلَمْتُ عَلَيْهِم ثِقَةً بِاللهِ وَبِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (2) .   (1) الخبر في " تاريخ الخلفاء ": 264، والزيادة منه، ورواية الطبري: 8 / 90: " ويلك لو هممت، فاهتبلها إذ غفرت ". و: اهتبلها، أي: اغتنمها. (2) ما إخال هذا يصح عن هشام بن عروه، فإنه لا يخفى عليه عدم جواز مثل هذا التركيب، وأن الوجه فيه أن يقول: ثقة بالله، ثم بأمير المؤمنين، فإنه قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 قَالَ: فَردَّدَ عَلَيْهِ مائَةَ أَلْفٍ اسْتِكثَاراً لَهَا. ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. قَالَ: فَأَعْطِنِي مَا تُعطِي، وَأَنْتَ طَيِّبُ النَّفْسِ، فَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ، بُوْرِكَ لِلْمُعْطِي وَالمُعْطَى (1)) . قَالَ: فَإِنِّي طَيِّبُ النَّفْسِ بِهَا. فَأَهوَى لِيُقَبِّلَ يَدَهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّا نُكرِمُكَ عَنْهَا، وَنُكرِمُهَا عَنْ غَيْرِكَ. وَعَنِ الرَّبِيْعِ الحَاجِبِ، قَالَ: دُرْنَا فِي الخَزَائِنِ بَعْدَ مَوْتِ المَنْصُوْرِ أَنَا وَالمَهْدِيُّ، فَرَأَيْنَا فِي بَيْتٍ أَرْبَعَمائَةِ حُبٍّ (2) مُسَدَّدَةَ الرُّؤُوْسِ، فِيْهَا أَكْبَادٌ مُمَلَّحَةٌ، مُعَدَّةٌ لِلْحِصَارِ. وَقِيْلَ: رَأَتْ جَارِيَةٌ (3) لِلْمَنْصُوْرِ قَمِيْصَه مَرْقُوْعاً، فَكَلَّمَتْه (4) ، فَقَالَ:   = رجلا قال له: يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، فقال له - صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله ثم شئت ". (1) أخرجه الامام أحمد: 6 / 68، من طريق الأسود، عن شريك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. " هذه الدنيا خضرة حلوة، فمن أتيناه منها شيئا بطيب نفس منا وطيب طعمة ولا اشراه بورك له فيه، ومن اتيناه منها شيئا بغير طيب نفس منا، وغير طيب طعمة، وإشراه منه لم يبارك له فيه ". وأورده الهيثمي في " المجمع ": 3 / 100، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. مع أن في سنده شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو سيئ الحفظ. (2) الحب: وعاء كالدلو. (3) في " تهذيب ابن عساكر ": 2 / 243: " قال محمد بن منصور: رأيت جارية المنصور وعليها قميص مرقوع، فقيل لها: أنت جارية الخليفة وتلبسين هذا؟ ! فقالت: أما سمعتم قول ابن هرمة؟ وأنشدت البيت ". (4) تاريخ بغداد: 10 / 57: وفيه: " فقالت: أخليفة وقميصه مرقوع؟ ! فقال: ويحك أما سمعت ما قال ابن هرمة " وأنشد البيت. ومثل هذا في " البداية والنهاية ": 10 / 125. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى وَرِدَاؤُهُ ... خَلَقٌ، وَجَيْبُ قَمِيْصِهِ مَرْقُوْعُ (1) وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا احْتُضِرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدِ ارْتَكبتُ عَظَائِمَ جُرْأَةً مِنِّي عَلَيْكَ، وَقَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الأَشْيَاءِ إِلَيْكَ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَنّاً مِنْكَ، لاَ مَنّاً عَلَيْكَ. ثُمَّ مَاتَ. وَقِيْلَ: رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَى قُربِ مَوْتِهِ، فَسَارَ لِلْحَجِّ. وَقِيْلَ: مَاتَ مَبْطُوناً، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسِتَّيْنَ سَنَةً. قَالَ الصُّوْلِيُّ: دُفِنَ بَيْنَ الحَجُوْنِ وَبِئْرِ مَيْمُوْنٍ (2) ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ لِسُفْيَانَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ: أَتُؤمِنُ بِاللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنِ الأَمْوَالِ الَّتِي اصْطَفَيْتُمُوهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَلَئِنْ صَارَتْ إِلَيْكُم ظُلْماً وَغَصْباً، فَمَا رَدَدْتُمُوهَا إِلَى أَهْلِهَا الَّذِيْنَ ظُلِمُوا، وَلَئِنْ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ،   (1) البيت لابن هرمة في " ديوانه " (ط. مجمع اللغة العربية بدمشق) ص 143، وهو من قصيدة مطلعها: أذكرت عهدك أم شجتك ربوع * أم أنت متبل الفؤاد مضوع وابن هرمة هو: إبراهيم بن علي بن سلمة، أبو إسحاق. وهو شاعر غزل، من سكان المدينة، من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية. اتصل بعدد من الخلفاء الامويين، ثم انقطع إلى الطالبين، وله شعر فيهم، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم. انظر ترجمته في: الاغاني: 4 / 367 - 397، تاريخ بغداد: 6 / 127 - 131، البداية والنهاية: 10 / 169 - 170 النجوم الزاهرة: 2 / 84، خزانة الأدب: 1 / 204، تهذيب ابن عساكر: 2 / 237. (2) الحجون: جبل بأعلى مكة، عنده مدافن أهلها، قال عمرو بن الحارث بن مضاض، يتأسف على البيت - وقيل هو للحارث الجرهمي: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس، ولم يسمر بمكة سامر يلى، نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر وبئر ميمون: بمكة أيضا. انظر " معجم البلدان " و" لسان العرب ". مادة " حجن ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 لقَدْ أَخَذتُم مَا لاَ يَحِلُّ لَكُم، إِذَا دُعِيَتْ غَداً بَنُو أُمَيَّةَ بِالعَدْلِ، جَاؤُوا بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِذَا دُعِيْتُم أَنْتُم، لَمْ تَجِيئُوا بِأَحَدٍ، فَكُنْ أَنْتَ ذَاكَ الأَحَدَ، فَقَدْ مَضَتْ مِنْ خِلاَفَتِكَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: مَا أَجِدُ أَعْوَاناً. قُلْتُ: عَوْنُكَ عَلَيَّ بِلاَ مَرزِئَةٍ، أَنْتَ تَعلَمُ أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ (1) يُرِيْدُ مِنْكَ كُلَّ عَامٍ بَيْتَ مَالٍ، وَأَنَا أَجِيئُكَ بِمَنْ يَعْمَلُ بِغَيْرِ رِزْقٍ، آتِيْكَ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَآتِيْكَ بِالثَّوْرِيِّ، وَأَنَا أُبَلِّغُكَ عَنِ العَامَّةِ. فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَكمِلَ بِنَاءَ بَغْدَادَ، وَأُوَجِّهِ خَلْفَكَ. فَقَالَ لَهُ (2) سُفْيَانُ: وَلِمَ ذَكَرتَنِي لَهُ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ النُّصحَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم، إِذَا لَمْ يَكُنْ كَبِيْرَ العَقْلِ، كَثِيْرَ الفَهْمِ، كَيْفَ يَكُوْنُ فِتْنَةً عَلَيْهِم وَعَلَى الأُمَّةِ؟ قَالَ نُوْبَخْتُ المَجُوْسِيُّ: سُجِنْتُ بِالأَهْوَازِ، فَرَأَيْتُ المَنْصُوْرَ وَقَدْ سُجِنَ -يَعْنِي: وَهُوَ شَابٌّ-. قَالَ: فَرَأَيتُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَجَلاَلتِهِ وَحُسنِهِ، مَا لَمْ أَرَهُ لأَحَدٍ، فَقُلْتُ: وَحَقِّ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، إِنَّكَ لَمِنْ وَلَدِ صَاحِبِ المَدِيْنَةِ؟ فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي مِنْ عَرَبِ المَدِيْنَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَتَقرَّبُ إِلَيْهِ وَأَخْدمُهُ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ كُنْيَتِهِ. فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ. قُلْتُ: وَحَقِّ المَجُوْسِيَّةِ، لَتَملِكَنَّ. قَالَ: وَمَا يُدرِيْكَ؟ قُلْتُ: هُوَ كَمَا أَقُوْلُ لَكَ ... ، وَسَاقَ قِصَّةً (3) . وَقَدْ كَانَ المَنْصُوْرُ يُصْغِي إِلَى أَقْوَالِ المُنَجِّمِيْنَ، وَيَنْفُقُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ هَنَاتِهِ مَعَ فَضِيْلَتِهِ. وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ وِلاَيَتِهِ: عَمُّهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ (4) ، فَرَمَاهُ بِنَظِيْرِهِ   (1) انظر ترجمته ص: 23. (2) أي: قال لعباد بن كثير. (3) تتمة الخبر: "..فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني شيئا إذا وليت. فكتب له، فلما ولي أكرمه المنصور، وأعطاه، وأسلم نوبخت على يديه، وكان قبل ذلك مجوسيا. ثم كان من أخص أصحاب المنصور " (انظر: البداية والنهاية: 10 / 122) . (4) وذلك في سنة (137 هـ) . انظر: الطبري: 7 / 474 - 479. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ، وَقَالَ: لاَ أُبَالِي أَيُّهُمَا أُصِيْبَ. فَانْهَزَم عَمُّهُ، وَتَلاَشَى أَمرُهُ، ثُمَّ فَسَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ، حَتَّى اسْتَأصَلَه وَتَمَكَّنَ (1) . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ: ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (2) ، وَكَادَ أَنْ تَزُوْلَ دَوْلَتُهُ، وَاسْتَعَدَّ لِلْهَرَبِ، ثُمَّ قُتِلاَ فِي أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَأَلْقَى عَصَاهُ، وَاسْتَقَرَّ. وَكَانَ حَاكِماً عَلَى مَمَالِكِ الإِسْلاَمِ بَأْسرِهَا، سِوَى جَزِيْرَةِ الأَنْدَلُسِ. وَكَانَ يَنْظُرُ فِي حَقِيْرِ المَالِ وَيُثَمِّرُهُ، وَيَجْتَهِدُ بِحَيْثُ إِنَّهُ خَلَّفَ فِي الأَمْوَالِ مِنَ النَّقْدَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِيْنَارٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَسِتَّ مائَةِ أَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ. وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَشَبَّهُ بِالثَّلاَثَةِ فِي سِيَاسْتِهِ وَحَزْمِهِ، وَهُم: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَهِشَامٌ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَحَسَّ شَغَباً عِنْدَ قَتْلِهِ أَبَا مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ الأَمْوَالَ، وَشَغَلَهُم بِرَأْسِهِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَخْرُجُوا مِنْ أُنْسِ الطَّاعَةِ، إِلَى وَحْشَةِ المَعْصِيَةِ، وَلاَ تُسِرُّوا غِشَّ الأَئِمَّةِ، يُظهِرِ اللهُ ذَلِكَ عَلَى فَلَتَاتِ الأَلْسِنَةِ، وَسَقَطَاتِ الأَفعَالِ، فَإِنَّ مَنْ نَازَعَنَا عُرْوَةَ قَمِيْصِ الإِمَامَةِ، أَوْطَأْنَاهُ مَا فِي هَذَا الغِمدِ، وَإِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ بَايَعَنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ نَكَثَ بَيْعتَنَا، فَقَدْ أَبَاحَ دَمَهُ لَنَا، ثُمَّ نَكَثَ، فَحكَمْنَا عَلَيْهِ لأَنْفُسِنَا حُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا رِعَايَةُ حَقِّهِ مِنْ إِقَامَةِ الحَقِّ عَلَيْهِ، فَلاَ تَمشُوا فِي ظُلْمَةِ البَاطِلِ بَعْد سَعْيِكُم فِي ضِيَاءِ الحَقِّ، وَلَوْ عُلِمَ بِحقِيْقَةِ حَالِ أَبِي مُسْلِمٍ، لَعَنَّفَنَا عَلَى إِمهَالِهِ مَنْ أَنْكَرَ مِنَّا قَتْلَهُ، وَالسَّلاَمُ.   (1) انظر الطبري: 7 / 479 - 494، حوادث سنة (137 هـ) . (2) انظر: ص 21، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 38 - حَمْزَةُ بنُ حَبِيْبِ بنِ عُمَارَةَ التَّيْمِيُّ * (م، 4) ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ القِرَاءةِ، أَبُو عُمَارَةَ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الزَّيَّاتُ، مَوْلَى عِكْرِمَةَ بنِ رِبْعِيٍّ. تَلاَ عَلَيْهِ: حُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ، وَالأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَطَائِفَةٌ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَالحَكَمِ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَمَنْصُوْرٍ، وَعِدَّةٍ. وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَيْئاً عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَعنْه أَخَذَ القُرْآنَ عَددٌ كَثِيْرٌ: كَسُلَيْمِ بنِ عِيْسَى، وَالكِسَائِيِّ، وَعَابِدِ بنِ أَبِي عَابِدٍ، وَالحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ، وَجَرِيْرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَقَبِيْصَةُ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ يَجلِبُ الزَّيْتَ مِنَ الكُوْفَةِ إِلَى حُلْوَانَ، ثُمَّ يَجلِبُ مِنْهَا الجُبْنَ وَالجَوْزَ، وَكَانَ إِمَاماً قَيِّماً لِكِتَابِ اللهِ، قَانِتاً للهِ، ثَخِينِ الوَرَعِ، رفِيْعَ الذِّكْرِ، عَالِماً بِالحَدِيْثِ وَالفَرَائِضِ، أَصْلُهُ فَارِسِيٌّ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا قَرَأَ حَمْزَةُ حَرفاً إِلاَّ بِأَثَرٍ. قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: سَأَلْتُ الكِسَائِيَّ عَنِ الهَمْزِ وَالإِدْغَامِ، أَلَكُم فِيْهِ   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 385، التاريخ الكبير: 3 / 52، المعارف: 529، المعرفة والتاريخ: 2 / 256، 3 / 180، الجرح والتعديل: 3 / 209 - 210، مشاهير علماء الأمصار: 168، الفهرست: المقالة الأولى الفن الثالث، وفيات الأعيان: 2 / 216، تهذيب الكمال: خ: 335 - 336، تاريخ الإسلام: 6 / 174 - 175، ميزان الاعتدال: 1 / 605 - 606، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 261 - 263، تهذيب التهذيب: 3 / 27 - 28، خلاصة تذهيب الكمال: 93، شذرات الذهب: 1 / 240. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 إِمَامٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَمْزَةُ كَانَ يَهمِزُ وَيَكسِرُ، وَهُوَ إِمَامٌ، لَوْ رَأَيتَه، لقَرَّتْ عَيْنُكَ مِنْ نُسْكِه. قَالَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: رُبَّمَا عَطِشَ حَمْزَةُ، فَلاَ يَسْتَسْقِي كَرَاهِيَةَ أَنْ يُصَادِفَ مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: مَا أَحْسِبُ أَنَّ اللهَ يَدفَعُ البَلاَءَ عَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلاَّ بِحَمْزَةَ. وَكَانَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَلاَ تَسْأَلُونِي عَنِ الدُّرِّ؟ قِرَاءةُ حَمْزَةَ. قُلْتُ: كَرِهَ طَائِفَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ قِرَاءةَ حَمْزَةَ، لِمَا فِيْهَا مِنَ السَّكْتِ، وَفَرطِ المَدِّ، وَاتِّبَاعِ الرَّسمِ، وَالإِضْجَاعِ (1) ، وَأَشْيَاءَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهَا، وَبَعْضٌ كَانَ حَمْزَةُ لاَ يَرَاهُ. بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! رَأَيتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ هَمَزَ حَتَّى انْقَطَعَ زِرُّهُ. فَقَالَ: لَمْ آمُرْهُم بِهَذَا كُلِّهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ لِهَذَا التَّحْقِيْقِ حَدّاً يَنْتَهِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَكُوْنُ قَبِيْحاً. وَعَنْهُ: إِنَّمَا الهَمزَةُ رِيَاضَةٌ، فَإِذَا حَسَّنَهَا، سَلَّهَا.   (1) الاضجاع: الامالة. وجاء في " المغني " لابن قدامة المقدسي: 1 / 492: " ولم يكره الامام أحمد قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة والكسائي، لما فيها من الكسر والادغام والتكلف وزيادة المد. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إمام كان يصلي بقراءة حمزة، أصلي خلفه؟ قال: لا يبلغ به هذا كله ولكنها لا تعجبني قراءة حمزة ". وقال ابن الجزري في " غاية النهاية: 1 / 263: " وأما ما ذكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعا منه ناقلا عن حمزة. وما آفة الاخبار إلا رواتها، قال ابن مجاهد: قال محمد بن اليثهم: والسبب في ذلك أن رجلا ممن قرأ على سليم حضر مجلس ابن إدريس، فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظا فيها إفراط في المد والهمز وغير ذلك، من التكلف، فكره ذلك ابن إدريس وطعن فيه. قال محمد بن الهيثم: وقد كان حمزة يكره هذا وينهى عنه ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 رَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَمْزَةُ ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ السَّاجِيُّ: صَدُوْقٌ، سَيِّئُ الحِفْظِ. وَقِيْلَ: إِنَّ الأَعْمَشَ رَأَى حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ مُقْبِلاً، فَقَالَ: {وَبَشِّرِ المُخْبِتِيْنَ} [الحَجُّ: 34] . قَدْ سُقْتُ أَخْبَارَ الإِمَامِ حَمْزَةَ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَفِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ (1)) بِأَطوَلَ مِنْ هَذَا، وَحَدِيْثُهُ لاَ يَنحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً - فِيْمَا بَلَغَنَا -. وَالصَّحِيْحُ: وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. ظَهرَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ العَامِلِيْنَ. 39 - عَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ البَلْخِيُّ ثُمَّ البَصْرِيُّ * (4) الإِمَامُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَزِيْلُ بَيْتِ المَقْدِسِ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.   (1) 6 / 174 - 175. (*) التاريخ الكبير: 5 / 117 - 118، التاريخ الصغير: 2 / 122، الجرح والتعديل: 5 / 82 - 83، حلية الأولياء: 6 / 129 - 135، تاريخ ابن عساكر: خ: 9 / 208 ب، تهذيب الكمال: خ: 693، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 152، تاريخ الإسلام: 6 / 210، ميزان الاعتدال: 2 / 440، عبر الذهبي:! / 225، تهذيب التهذيب: 5 / 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال: 201، شذرات الذهب: 1 / 240. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 قَالَ أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ: حَدَّثَنَا كَثِيْرُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ شَوْذَبٍ، ذَكَرْتُ المَلاَئِكَةَ. وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً يَقُوْلُ: لقَدْ ذَلَّ مَنْ لاَ سَفِيْهَ لَهُ. وَنَقَلَ ضَمْرَةُ: أَنَّ مَعَاشَ ابْنِ شَوْذَبٍ كَانَ مِنْ كَسْبِ غِلْمَانٍ لَهُ فِي السُّوْقِ. وَكَانَ يَقُوْلُ: مَوْلِدِي فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ شَوْذَبٍ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ نَعُدُّه مِنْ ثِقَاتِ مَشَايِخِنَا. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ثِقَةً. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ خُرَاسَانِيٌّ، سَكنَ البَصْرَةَ، ثُمَّ انْتقَلَ إِلَى الشَّامِ، فَسَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ. قَالَ ضَمْرَةُ: تُوُفِّيَ ابْنُ شَوْذَبٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً. 40 - المَسْعُوْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ * (4) الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ (1) بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ، المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو أَبِي العُمَيْسِ.   (*) التاريخ الكبير: 5 / 314، المعرفة والتاريخ: 1 / 148، 2 / 163، الجرح والتعديل: 5 / 250 - 252، تاريخ بغداد: 10 / 218 - 222، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، تهذيب الكمال: خ: 799 - 800، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 216، تاريخ الإسلام: 6 / 224، تذكرة الحفاظ: 1 / 197، ميزان الاعتدال: 2 / 574 - 575، تهذيب التهذيب: 6 / 210 - 212، طبقات المدلسين: 13، طبقات الحفاظ: 84، خلاصة تذهيب الكمال: 230، شذرات الذهب: 1 / 248. (1) في الأصل: " أبو عبد الرحمن ". وهو خطأ. انظر مصادر ترجمته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ وَائِلٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَيَزِيْدَ الفَقِيْرِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَطَلْقُ بنُ غَنَّامٍ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَخَاتِمَتُهُم: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ. وَكَانَ فَقِيْهاً كَبِيْراً، وَرَئِيْساً نَبِيْلاً، يَخدِمُ الدَّوْلَةَ، وَلَهُ صُوْرَةٌ (1) . قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَأَيتُهُ فِي قَبَاءٍ أَسْوَدَ وَشَاشِيَّةٍ، وَفِي وَسطِه خِنْجَرٌ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ كِتَابَةٌ بِأَبْيَضَ: {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللهُ، وَهُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ} [البَقَرَةُ: 137] . فَتَوَقَّفَ أُنَاسٌ فِي الأَخْذِ عَنْهُ لِذَلِكَ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: رَأَيتُهُ فِي وَسطِه خِنْجَرٌ وَقَلَنْسُوَةٌ أَطوَلُ مِنْ ذِرَاعٍ، مَكْتُوْبٌ عَلَيْهَا: مُحَمَّدٌ يَا مَنْصُوْرُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ. وَسَمَاعُ أَبِي النَّضْرِ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَهَؤُلاَءِ مِنْهُ، بَعْد مَا اخْتُلِطَ، إِلاَّ أَنَّهُم احْتَمَلُوا السَّمَاعَ مِنْهُ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ، قَدْ كَانَ يَغلَطُ فِيْمَا رَوَى عَنْ: عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَنْ سَلَمَةَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ المَسْعُوْدِيُّ: ثِقَةٌ، اخْتُلِطَ بِأَخَرَةٍ.   (1) أي: منزلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِعِلْمِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مِنَ المَسْعُوْدِيِّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِحَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: رَأَيتُهُ سَنَةَ رَآهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَلَمْ أُكَلِّمْه. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: رَأَيتُ المَسْعُوْدِيَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ يُطَالِعُ الكِتَابَ -يَعْنِي: أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ-. وَقَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: كَتَبتُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَهُوَ صَحِيْحٌ، وَرَأَيتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَالذَّرُّ (1) يَدْخُلُ فِي أُذُنِه، وَأَبُو دَاوُدَ يَكْتُبُ عَنْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَتَطمَعُ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْهُ وَأَنَا حَيٌّ؟ قُلْتُ: هُوَ فِي وَزنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَحَدِيْثُه فِي حَدِّ الحَسَنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ المَسْعُوْدِيُّ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 41 - قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ السَّدُوْسِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو خَالِدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ - السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ   (1) الذر: صغار النمل، واحدته: ذرة. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 275، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 427، التاريخ الكبير: 7 / 183، الجرح والتعديل: 7 / 130 - 131، مشاهير علماء الأمصار: 156، الكامل لابن الأثير: 5 / 613، تهذيب الكمال: خ: 1128 - 1129، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 160، تاريخ الإسلام: 6 / 270، تذكرة الحفاظ: 1 / 198، عبر الذهبي: 1 / 223، تهذيب التهذيب: 8 / 371 - 372، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 316، شذرات الذهب: 1 / 237. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 الشِّخِّيْرِ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَحُمَيْدِ بن هِلاَلٍ، وَسَيَّارٍ أَبِي الحَكَمِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلْقٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ ذَكَرَهُ، فَقَالَ: كَانَ قُرَّةُ عِنْدَنَا مِنْ أَثْبَتِ شُيُوْخِنَا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قُرَّةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُدَيْرٍ، فَقَالَ: مَا مِنْهُمَا إِلاَّ ثِقَةٌ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قُرَّةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَقَالَ: قُرَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، قُرَّةُ ثَبْتٌ عِنْدِي. قَالَ: وَسُئِلَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ: قُرَّةُ أَثْبَتُ عِنْدَكَ أَوْ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ؟ قَالَ: قُرَّةُ أَثبَتُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ ذَكَرَ قُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، فَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قِيْلَ: مَاتَ قُرَّةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، أَنْبَأَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُوْدِ، مَا بَقِيَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 ظَهْرِهَا يَهُوْدِيٌّ إِلاَّ أَسْلَمَ (1)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيْثِ قُرَّةَ. رَوَاهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ، مِثْلَه. 42 - مَعْنُ بنُ زَائِدَةَ أَبُو الوَلِيْدِ الشَّيْبَانِيُّ * أَمِيْرُ العَرَبِ، أَبُو الوَلِيْدِ الشَّيْبَانِيُّ، أَحَدُ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، وَعَيْنُ الأَجْوَادِ. كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُتَولِّي العِرَاقَيْنِ (2) يَزِيْدَ بنِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ، فَلَمَّا تَملَّكَ آلُ العَبَّاسِ، اخْتَفَى مَعْنٌ مُدَّةً، وَالطَّلَبُ عَلَيْهِ حَثِيثٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خُرُوْجِ الرِّيْوَنْدِيَّةِ (3) وَالخُرَاسَانِيَّةِ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَحَمِيَ القِتَالُ، وَحَارَ المَنْصُوْرُ فِي أَمْرِهِ، ظَهرَ مَعْنٌ، وَقَاتَلَ الرِّيْوَنْدِيَّةَ، فَكَانَ النَّصْرُ عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الحَدِيْدِ. فَقَالَ المَنْصُوْرُ: وَيْحَكَ، مَنْ تَكُوْنُ؟ فَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَقَالَ: أَنَا طَلِبَتُكَ مَعْنٌ. فَسُرَّ بِهِ، وَقَدَّمَهُ، وَعَظَّمَهُ، ثُمَّ وَلاَّهُ اليَمَنَ، وَغَيْرَهَا. قَالَ بَعْضُهُم: دَخَلَ مَعْنٌ عَلَى المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنُّكَ يَا مَعْنُ! قَالَ: فِي طَاعَتِكَ. قَالَ: إِنَّكَ لَتَتَجَلَّدُ. قَالَ: لأَعدَائِكَ. قَالَ: وَإِنَّ فِيْكَ لَبَقِيَّةً.   (1) أخرجه البخاري: 7 / 214، في المناقب، ومسلم: (2793) ، في صفات المنافقين: باب نزل أهل الجنة. (*) تاريخ خليفة: 425 وفيه مقتله سنة (151 هـ) ، المعرفة والتاريخ: 1 / 139، تاريخ الطبري: 8 / 40، 41، تاريخ بغداد: 13 / 235 - 244، وفيات الأعيان: 5 / 244 - 254، تاريخ الإسلام: 6 / 297 - 301، عبر الذهبي: 1 / 217 أخبار سنة (151 هـ) ، البداية والنهاية: 10 / 109 وفيها وفاته (152 هـ) و179 - 180 وفيها وفاته (182 هـ) وهذا تناقض واضح شذرات الذهب: 1 / 231 أخبار سنة (151 هـ) . (2) العراقان: الكوفة والبصرة. (3) في الطبري: 7 / 505: الراوندية، وهم قوم من أهل خراسان، كانوا على رأي أبي مسلم صاحب دعوة بني هاشم، يقولون بتناسخ الارواح، ويزعمون أن روح آدم في عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل. انظر: " دول الإسلام ": للمؤلف: 96. وكان خروجهم سنة (141 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 قَالَ: هِيَ لَكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَلِمَعْنٍ أَخْبَارٌ فِي السَّخَاءِ، وَفِي البَأْسِ، وَالشَّجَاعَةِ. وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ. ثُمَّ وَلِيَ سِجِسْتَانَ، وَثَبَتْ عَلَيْهِ خَوَارِجُ وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَقَتلُوْهُ، فَقَتَلَهُم ابْنُ أَخِيْهِ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ (1) الأَمِيْرُ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ (2) . وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. 43 - جَرِيْرُ بنُ حَازِمِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شُجَاعٍ الأَزْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو النَّضْرِ الأَزْدِيُّ، ثُمَّ العَتَكِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ، وَحَدِيْثُه عَنْهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) - وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي فَزَارَةَ العَبْسِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَاوُوْسٍ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَعَمِّهِ؛ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَزُبَيْدٍ اليَامِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَجَمِيْلِ بنِ مُرَّةَ، وَثَابِتٍ، وَأَيُّوْبَ، وَالزُّبَيْرِ بنِ الحُرَيْثِ، وَالزُّبَيْرِ بنِ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيِّ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَسْمَاءَ بنِ   (1) يزيد بن مزيد: من الامراء المشهورين، والشجعان المعروفين، كان واليا بأرمينية، فعزله عنها هارون الرشيد سنة (172 هـ) ، ثم ولاه إياها وضم إليها أذربيجان في سنة (183 هـ) ، وهو الذي قتل الوليد بن طريف الخارجي وشتت جمعه. (انظر الوفيات: 6 / 327 - 330) . (2) انظر الخبر في: " الوفيات ": 5 / 249. (*) طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 16، 448، التاريخ الكبير: 2 / 213، 214، التاريخ الصغير: 2 / 25، 181، المعارف: 502، الضعفاء: خ: 70، الجرح والتعديل: 2 / 504 - 505، مشاهير علماء الأمصار: 159، الكامل لابن عدي: خ: 93 - 96، تهذيب الكمال: خ: 190، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 140، تذكرة الحفاظ: 1 / 199 - 200، ميزان الاعتدال: 1 / 392 - 393، عبرالذهبي: 1 / 258، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 190، تهذيب التهذيب: 2 / 69 - 72، طبقات المدلسين: 5، طبقات الحفاظ: 85 - 86، خلاصة تذهيب الكمال: 61، شذرات الذهب: 1 / 270 أخبار سنة (169 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 عُبَيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ الثَّاتِيِّ المِصْرِيِّ القَاضِي - وَثَاتُ، بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ: قَبِيْلٌ مِنْ حِمْيَرٍ - وَحَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ المِصْرِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَلاَذٍ الأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّرَّاجِ، وَعَدِيِّ بنِ عَدِيٍّ الكِنْدِيِّ، وَغَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ، وَكُلْثُوْمِ بنِ جَبْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ، وَمَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، وَالنُّعْمَانِ بنِ رَاشِدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ، وَيَعْلَى بنِ حَكِيْمٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ -. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، وَالمَحْفُوْظُ أَنَّهُ رَأَى جِنَازَتَه بِمَكَّةَ. وَرَأَيتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَعُدُّ جَرِيْراً فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ خَاتِمَةِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَاتِمَةُ مَنْ لَحِقَ أَبَا الطُّفَيْلِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ الحَافِظُ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ - وَهُمْ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ عَوْنٍ رَوَى عَنْهُ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ، وَعَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَشَيْبَانُ، وَهُدْبَةُ، وَأَبُو النَّصْرِ التَّمَّارُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو نُوْحٍ قُرَادٌ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْكَ بِجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَاسْمَعْ مِنْهُ. وَرَوَى: مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَأْتِي أَبِي، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ، فَإِذَا حَدَّثَهُ، قَالَ: هَكَذَا -وَاللهِ- سَمِعْتُهُ مِنَ الأَعْمَشِ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَبُو الأَشْهَبِ أَوْ جَرِيْرُ بنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 حَازِمٍ؟ قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وَلَكِنْ جَرِيْرٌ كَانَ أَكْثَرَهُمَا وَهْماً. قُلْتُ: اغْتُفِرَتْ أَوهَامُهُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، وَقَدِ ارْتَحَلَ فِي الكُهُولَةِ إِلَى مِصْرَ، وَحَمَلَ الكَثِيْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: جَرِيْرٌ أَثْبتُ عِنْدِي مِنْ قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَمْثلُ مِنْ أَبِي هِلاَلٍ، وَكَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنِ ابْنِ أَبِي الأَشْهَبِ، وَأَسنَدُ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، صَالِحٌ، قَدِمَ هُوَ وَالسَّرِيُّ بنُ يَحْيَى مِصْرَ، وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنَ السَّرِيِّ، وَالسَّرِيُّ أَحْلَى مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ. فَقَالَ: هُوَ عَنْ قَتَادَةَ ضَعِيْفٌ. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ: قَرَأَ أَبِي عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَفصَحُ مِنْ مَعَدٍّ. قَالَ سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، قَالَ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ يُحَدِّثُ، فَإِذَا جَاءهُ إِنْسَانٌ لاَ يَشتَهِي أَنْ يُحَدِّثَهُ، ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى ضِرْسِهِ، وَقَالَ: أَوَّهْ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: جَرِيْرٌ مِنْ أَجِلَّةِ أَهْلِ البَصْرَةِ وَرُفَعَائِهِم، اشْتَرَى وَالِدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَعتَقَهُ، فَحَمَّادٌ مَوْلَى جَرِيْرٍ. قَالَ: وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ جَرِيْرٍ مِنَ الكِبَارِ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ نُسْخَةً طَوِيْلَةً. قَالَ: وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ: أَيُّوْبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَاللَّيْثُ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَهُوَ مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ أَشْيَاءَ لاَ يَروِيهَا غَيْرُه. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَثَمَانِ سِنِيْنَ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: حَكَى عَنْ جَرِيْرٍ ابْنُهُ وَهْبٌ، قَالَ: مَاتَ أَنَسٌ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَلِي خَمْسَ سِنِيْنَ، وَمَاتَ جَرِيْرٌ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: اخْتُلِطَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَكَانَ لَهُ أَوْلاَدٌ أَصْحَابُ حَدِيْثٍ، فَلَمَّا أَحسُّوا ذَلِكَ مِنْهُ، حَجَبُوْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَحَدٌ فِي حَالِ اخْتِلاَطِهِ شَيْئاً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: مَا رَأَيتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَكَادُ يُعَظِّمُ أَحَداً تَعْظِيْمَهُ لِجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالجَابِيَةِ (1) ، فَقَالَ: قَامَ فِيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ   (1) الجابية، بكسر الباء، وياء مخففة، وأصله في اللغة: الحوض الذي يجبى فيه الماء للابل: وهي قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذ وقف الإنسان في " الصنمين " واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من " نوى " = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم (1) ... ) ، الحَدِيْثَ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، وَعَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ البَصْرِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَلَفْظُ شَيْبَانَ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامِي فِيْكُمُ اليَوْمَ، فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم) . وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ الغَسُّوْلِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فِي مِثْل مَقَامِي هَذَا، فَقَالَ: (أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ يَجِيْءُ قَوْمٌ يَحْلِفُ أَحَدُهُم عَلَى اليَمِيْنَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْل أَنْ يُسْتَشْهَدَ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُم أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ، فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنَ أَبْعَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُم تَسُرُّهُ حَسَنتُهُ، وَتَسُوؤُهُ سَيِّئتُهُ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ) .   = أيضا، وبالقرب منها تل يسمى: تل الجابية، فيه حيات صغار نحو الشبر، عظيمة النكاية، يسمونها أم الصويت، يعنون أنها إذا نهشت إنسانا صوت صوتا صغيرا ثم يموت. وفي هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطبته المشهورة. وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع، ويقال: جابية الجولان أيضا. انظر " معجم البلدان ". (1) أخرجه أحمد: 1 / 18، 26، والطيالسي: ص 8، والترمذي: (2165) ، وابن ماجه: (2363) ، وسنده قوي. وصححه الحاكم: 1 / 113 - 115، ووافقه الذهبي المؤلف، وسيذكره المصنف قريبا بتمامه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، اتَّفَقَ الجَرِيْرَانِ عَلَى رِوَايتِهِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً (1) . وَأَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ حَازِمٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ: فَوَقَعَ لَنَا عَالِياً جِدّاً. قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكَرَ قَوْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: كَانَ جَرِيْرٌ أَحْفَظَنَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: وَلَكِنَّهُ بِأَخَرَةٍ. فَقُلْتُ: يَحْفَظُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصْبَحتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ (2) ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مَنْ وَرَاءهُ؟ قُلْتُ: جَرِيْرٌ. قَالَ: جَرِيْرٌ كَانَ يُحَدِّثُ بِالتَّوَهُّمِ. قُلْتُ: أَكَانَ يُحَدِّثُهُم بِالتَّوَهُّمِ بِمِصْرَ خَاصَّةً، أَوْ غَيْرِهَا؟ قَالَ: فِي غَيْرِهَا، وَفِيْهَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَشْيَاءُ يُسنِدُهَا عَنْ قَتَادَةَ بَاطِلٌ. قُلْتُ: قَدَّمْتُ جَرِيْراً، وَإِنْ كَانَتْ وَفَاتُهُ تَأَخَّرَتْ، وَالخَطبُ يَسِيْرٌ فِي مِثْلِ هَذَا.   (1) البدل في مصطلح الحديث: هو أن يروي المحدث حديثا موجودا في أحد الكتب المصنفة، من غير طريق المصنف، بإسناده لنفسه، فيصل في إسناده إلى شيخ شيخ المصنف، ويتأتى ذلك في الإسناد العالي. (2) أخرجه الترمذي: (735) ، في الصوم، وأحمد: 6 / 263، والطحاوي: 1 / 355، وابن حزم في " المحلى ": 6 / 270، عن عائشة، قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين (أي نفلا) ، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت: يا رسول الله! إنا كنا صائمتين، فغرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه. قال: " اقضيا يوما آخر مكانه ". وإسناده قوي كما قال ابن حزم، وصححه ابن حبان: (951) ، وأخرجه أبو داود: (2457) ، من حديث حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، وأخرجه مالك: 1 / 306، من حديث ابن شهاب الزهري مرسلا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 44 - حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ (م، 4) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، قَاضِي مَرْوَ وَشَيْخُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، مَوْلَى الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بن عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ. حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَيَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ نَكِرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقِيْلَ: كَانَ يَحْمِلُ الحَاجَةَ مِنَ السُّوْقِ، وَلَهُ جَلاَلَةٌ وَفَضْلٌ بِمَرْوَ. وَرَدَ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الأَعْمَشِ، فَقَالَ لِي: مَا قَرَأَ عَلَيَّ أَحَدٌ أَقرَأُ مِنْكَ! قُلْتُ: مَنْ مَنَاكِيْرِهِ حَدِيْثٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا خُبْزَةً بَيضَاءَ مِنْ حِنْطَةٍ سَمْرَاءَ، مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ (1)) . فَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَهُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (أُتِيْتُ بِمَقَالِيْدِ الدُّنْيَا عَلَى فَرَسٍ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 371، طبقات خليفة: 323، التاريخ الكبير: 2 / 389، الضعفاء: خ: 91، الجرح والتعديل: 3 / 66، مشاهير علماء الأمصار: 195 - 196، وفي الكتب الأربعة السابقة كنيته أبو علي، تهذيب الكمال: خ: 300، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 160، ميزان الاعتدال: 1 / 549، عبر الذهبي: 1 / 226، تهذيب التهذيب: 2 / 373 - 374، طبقات المدلسين: 5، خلاصة تذهيب الكمال: 85، طبقات المفسرين: 1 / 160، شذرات الذهب: 1 / 241. (1) أخرجه أبو داود: (3818) ، في الاطعمة: باب في الجمع بين لونين من الطعام، وابن ماجه: (3341) ، في الاطعمة: باب الخبز الملبق بالسمن، من طريق حسين بن واقد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر. قال أبو داود: هذا حديث منكر. وقال أيضا: أيوب ليس هو السختياني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 أَبْلَقَ، عَلَيْهِ قَطِيْفَةٌ مِنْ سُنْدُسٍ (1)) . مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. 45 - عَبَّادُ بنُ مَنْصُوْرٍ أَبُو سَلَمَةَ النَّاجِيُّ البَصْرِيُّ * (4) الإِمَامُ، القَاضِي، أَبُو سَلَمَةَ النَّاجِيُّ، البَصْرِيُّ. عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَالقَاسِمِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ خَمْسَ سِنِيْنَ (2) ، وَكَانَ يَأْخُذُ دَقِيْقَ الأَرُزِّ فِي إِزَارِهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيْفٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ (3) ، وَعَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ (4) ، لَيْسَ حَدِيْثُهُم بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدَرِيٌّ، دَاعِيَةٌ، كُلُّ مَا رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ سَمِعَهُ مِنْ   (1) أخرجه أحمد: 3 / 327 - 328، وابن حبان: (2138) ، وسنده ضعيف. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 270، تاريخ خليفة: 403، 405، 407، 408، 414، 426، التاريخ الكبير: 6 / 39 - 40، المعارف: 482، المعرفة والتاريخ: 3 / 61، 2 / 126، الضعفاء: خ: 272، الجرح والتعديل: 6 / 86، كتاب المجروحين: 2 ك 165 - 166، الكامل لابن عدي: خ: 473 - 474، تهذيب الكمال: خ: 653، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 122، تاريخ الإسلام: 6 / 207 - 208، ميزان الاعتدال: 2 / 376 - 378، عبر الذهبي: 1 / 218، البداية والنهاية: 10 / 109، تهذيب التهذيب: 5 / 103 - 105، طبقات المدلسين: 17 - 18، خلاصة تذهيب الكمال: 187، شذرات الذهب: 1 / 233. (2) سقط من الأصل. (3) انظر الترجمة التالية. (4) انظر ترجمته ص 181. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْهُ، فَدَلَّسَهَا عَنْ عِكْرِمَةَ (1) . مَاتَ عَبَّادٌ: عَلَى بَطْنِ أَهْلِهِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 46 - عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ الثَّقَفِيُّ البَصْرِيُّ * (د، ق) العَابِدُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ. عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَثَابِتٍ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدٌ الفِرْيَابِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ البُخَارِيُّ: تَرَكُوْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ: مَا أَدْرِي مَنْ رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ الحَدِيْثُ، فَلَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ. قُلْتُ: هُوَ رَاوِي خَبَرِ: (الغِيْبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَى (2)) . رَوَاهُ عَنِ: الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، وَجَابِرٍ مَرْفُوْعاً.   (1) كتاب المجروحين: 2 / 166، وقد أخطأ العلامة أحمد شاكر، رحمه الله، إذ وثق عباد بن منصور في تعليقه على " المسند "، رقم الحديث: (3318) ، مع أنه لم يعرف عن أحد من أئمة الجرح والتعديل توثيقه، بل الكل على تضعيفه لتدليسه، ولسوء حفظه وتغيره. (*) التاريخ الكبير: 6 / 43، التاريخ الصغير: 2 / 104، المعرفة والتاريخ: 2 / 126، تاريخ الطبري: 8 / 58، الضعفاء: خ: 274، الجرح والتعديل: 6 / 84 - 85، كتاب المجروحين 2 / 166 - 169، الكامل لابن عدي: خ: 472 - 473، تهذيب الكمال: خ: 652، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 121، تاريخ الإسلام: 6 / 206 - 207، ميزان الاعتدال: 2 / 371 - 375، العقد الثمين: 5 / 90، تهذيب التهذيب: 5 / 100 - 102، خلاصة تذهيب الكمال: 187. (2) هذا خبر لا يصح. أورده المؤلف في " الميزان "، في ترجمة عباد بن كثير، وعده في جملة منكراته. وهو أيضا في " الضعفاء " لابن حبان: 2 / 168، في ترجمة عباد هذا من طريق: أسباط بن محمد، عن أبي رجاء الخراساني، عن عباد بن كثير، عن الحسن، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد وجابر. وقال: وأبو رجاء هذا روح بن المسيب أيضا لا شيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 أَمَّا: 47 - عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ الرَّمْلِيُّ * (ق) فَآخَرُ شَامِيٌّ. يَرْوِي عَنْ: عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَحَوْشَبٍ. وَعَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَوَثَّقَهُ: هُوَ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَضْعَفُ مِنَ البَصْرِيِّ. 48 - الأَوْزَاعِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرِو بنِ يُحْمَدَ ** (ع) شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ. كَانَ يَسْكُنُ بِمَحَلَّةِ الأَوْزَاعِ، وَهِيَ العُقَيْبَةُ الصَّغِيْرَةُ، ظَاهِرَ بَابِ الفَرَادِيْسِ (1) بِدِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْرُوْتَ مُرَابِطاً بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ. وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ.   (*) الجرح والتعديل: 6 / 85، كتاب المجروحين: 2 / 169 - 170، الكامل لابن عدي: خ: 473، تهذيب الكمال: خ: 652 - 653، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 122، تاريخ الإسلام: 6 / 207، ميزان الاعتدال: 2 / 370 - 371، خلاصة تذهيب الكمال: 187. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 488، طبقات خليفة: 315 - 316، تاريخ خليفة: 428، التاريخ الكبير: 5 / 326، التاريخ الصغير: 2 / 124، المعرفة والتاريخ: 2 / 390 - 397، 408 - 410، الجرح والتعديل: 1 / 184 - 219، 5 / 266 - 267، مشاهير علماء الأمصار: 180 حلية الأولياء: 6 / 135 - 149، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 34 / آ، وفيات الأعيان: 3 / 127 - 128، تهذيب الكمال: خ: 808 - 809، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 220 - 223، تاريخ الإسلام: 6 / 225 - 238، تذكرة الحفاظ: 1 / 178 - 185، ميزان الاعتدال: 2 / 580، عبرالذهبي: 1 / 226 - 227، البداية والنهاية: 10 / 115 - 120، تهذيب التهذيب: 6 / 238 - 242، طبقات الحفاظ: 79، خلاصة تذهيب الكمال: 232، شذرات الذهب: 1 / 241 - 242. (1) وهو الذي يقال له الآن: باب العمارة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ اليَمَامِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ العَنْسِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيِّ، وَحَفْصِ بنِ عِنَانَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُحَارِبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيِّ، وَشَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَغَيْرِهِم. وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي حَيَاةِ الصَّحَابَةِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَمَالِكٌ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَالهِقْلُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الحِمْصِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: الأَوْزَاعُ: بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَهُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ ثِقَةً. قَالَ: وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ خَيِّراً، فَاضِلاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حُجَّةً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَوْزَاعِ، بَلْ نَزَلَ فِيْهِم. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الأَوْزَاعِ، هُوَ ابْنُ عَمِّ (1) يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ لَحّاً، إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ قَرْيَةَ الأَوْزَاعِ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَابِ الفَرَادِيْسِ. قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: الأَوْزَاعُ: اسْمٌ وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مَشْهُوْرٍ بِرَبَضِ دِمَشْقَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ سَكَنَهُ بَقَايَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَالأَوْزَاعُ: الفِرَقُ، تَقُوْل: وَزَّعْتُهُ، أَيْ: فَرَّقْتُهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: اسْمُ الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، فَسَمَّى نَفْسَه: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ سَبْيِ السِّنْدِ، نَزَلَ فِي الأَوْزَاعِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ الكِتَابَةَ، وَالتَّرسُّلَ، وَرَسَائِلُه تُؤْثَرُ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَطَائِفَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ مُحْتَلِماً، أَوْ شَبِيْهاً بِالمُحْتَلِمِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَشَذَّ: مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ ثَلاَثٍ   (1) في الأصل: " عمر " وهو تحريف. يقال: هو ابن عمي لحا: إذا كان لازق النسب. ونصب " لحا " على الحال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 وَتِسْعِيْنَ، فَهَذَا خَطَأٌ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَمَنْشَؤُهُ بِالكَرْكِ (1) - قَرْيَةٌ بِالبِقَاعِ - ثُمَّ نَقَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى بَيْرُوْتَ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: فَمَا رَأَيتُ أَبِي يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، تَعَجُّبَهُ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُوْلُ: سُبْحَانَكَ، تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ! كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَتِيْماً فَقِيْراً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، تَنقُلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيْهِ أَنْ بَلَّغْتَه حَيْثُ رَأَيتُه، يَا بُنَيَّ! عَجَزَتِ المُلُوْكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلاَدَهَا أَدَبَ الأَوْزَاعِيِّ فِي نَفْسِهِ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلاَّ احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا إِلَى إِثْبَاتِهَا عَنْهُ، وَلاَ رَأَيتُهُ ضَاحِكاً قَطُّ حَتَّى يُقَهْقِهَ، وَلقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ المَعَادِ، أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: أَتُرَى فِي المَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ؟! الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، عَنْ شُيُوْخِهِم، قَالُوا: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَاتَ أَبِي وَأَنَا صَغِيْرٌ، فَذَهَبتُ أَلعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَمَرَّ بِنَا فُلاَنٌ - وَذَكَرَ شَيْخاً جَلِيْلاً مِنَ العَرَبِ - فَفَرَّ الصِّبْيَانُ حِيْنَ رَأَوْهُ، وَثَبَتُّ أَنَا، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! يَرْحَمُ اللهُ أَبَاكَ. فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَكُنْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغتُ، فَأَلحَقَنِي فِي الدِّيْوَانِ، وَضَرَبَ عَلَيْنَا بَعثاً إِلَى اليَمَامَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا، وَدَخَلنَا مَسْجِدَ الجَامِعِ، وَخَرَجنَا، قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: رَأَيتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ مُعْجَباً بِكَ، يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ فِي هَذَا البَعْثِ أَهدَى مِنْ هَذَا الشَّابِّ! قَالَ: فَجَالَستُهُ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كِتَاباً، أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ.   (1) الكرك: بسكون الراء، قرية في أصل جبل لبنان. والبقاع: جمع بقعة: موضع يقال له: بقاع كلب، قريب من دمشق، وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق، فيها قرى كثيرة، ومياه غزيرة نميرة ... وبالبقاع هذه قبر إلياس النبي - عليه السلام - انظر " معجم البلدان ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ خَرَجَ فِي بَعْثِ اليَمَامَةِ، فَأَتَى مَسْجِدَهَا، فَصَلَّى، وَكَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ قَرِيْباً مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى صَلاَتِه، فَأَعْجَبَتْه، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ بَلَدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ الأَوْزَاعِيُّ الدِّيْوَانَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً يَكْتُبُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُبَادِرَ البَصْرَةَ لَعَلَّكَ تُدرِكُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَتَأْخُذَ عَنْهُمَا. فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ حَيٌّ. فَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَادَهُ، وَمَكَثَ أَيَّاماً، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. قَالَ: كَانَ بِهِ البَطَنُ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فَوْقَ الرَّبْعَةِ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، بِهِ سُمْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ أُرِيْدُ الحَسَنَ، وَمُحَمَّداً، فَوَجَدتُ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَوَجَدتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ مَرِيْضاً. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيُّ. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي الهِقْلُ، قَالَ: أَجَابَ الأَوْزَاعِيُّ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ النَّاسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُوْنَ: الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ هُوَ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأُمَيَّةَ بنِ يَزِيْدَ: أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ مَكْحُوْلٍ؟ قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُوْلٍ. قُلْتُ: بِلاَ رَيْبٍ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ مِنْ مَكْحُوْلٍ.   (1) البطن: هو داء البطن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: كَانَ قَدْ جَمَعَ العِبَادَةَ وَالعِلْمَ وَالقَوْلَ بِالحَقِّ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ: بَلَغَ الثَّوْرِيَّ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - مَقْدَمُ الأَوْزَاعِيِّ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً (1) ، فَلَمَّا لَقِيَهُ، حَلَّ رَسَنَ البَعِيْرِ مِنَ القِطَارِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بِجَمَاعَةٍ، قَالَ: الطَّرِيْقَ لِلشَّيْخِ (2) . رَوَى نَحْوَهَا: المُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ. وَرَوَى شَبِيْهاً بِهَا: إِسْحَاقُ بنُ عَبَّادٍ الخُتَّلِيُّ (3) ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ ... بِنَحْوِهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ: أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ عِلْماً مِنْ صَاحِبِه، وَلاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَالآخَرُ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ لِلإِمَامَةِ (4) -. مَسْلَمَةُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ. الشَّاذَكُوْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنَىً، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ: لِمَ لاَ تَرفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوْعِ وَرَفْعِهِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ ... (5) ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَوَى لَكَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيْدَ رَجُلٍ ضَعِيْفِ الحَدِيْثِ،   (1) ذو طوى: موضع قرب مكة. (2) الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 116، وفيه: " وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله، ومالك بن أنس يسوق به.."، بدل: فوضعه على رقبته ... (3) الختلي: بضم الخاء، والتاء المشددة المفتوحة: نسبة إلى قرية على طريق خراسان. (انظر: الأنساب للسمعاني: 5 / 45) . (4) أي: الامامة في الفقه والحديث. (5) تمامه: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود ". أخرجه أبو داود: (749) ، وإسناده ضعيف لضعف يزيد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 وَحَدِيْثُه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؟! فَاحْمَرَّ وَجْهُ سُفْيَانَ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: قُمْ بِنَا إِلَى المَقَامِ نَلْتَعِنْ أَيُّنَا عَلَى الحَقِّ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ لَمَّا رَآهُ قَدِ احْتَدَّ. عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ! فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ، وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه، وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا الأَوْزَاعِيَّ - يُرِيْدُ: الخِلاَفَةَ -. قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: لَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَعَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالأَوْزَاعِيَّ. وَلَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ أَحَدَهُمَا، لاَختَرتُ الأَوْزَاعِيَّ؛ لأَنَّهُ أَرفَقُ الرَّجُلَينِ. وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا المَعْنَى: أَبُو أُسَامَةَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّمَا النَّاسُ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَالثَّوْرِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى: مُضْطَرِبٌ. الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيْثِهِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مَالِكٍ؟ قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: فَالأَوْزَاعِيُّ؟ قَالَ: حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: فَالشَّافِعِيُّ؟ قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ. قُلْتُ: فَفُلاَنٌ؟ قَالَ: لاَ رَأْيٌ، وَلاَ حَدِيْثٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 قُلْتُ: يُرِيْدُ: أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ حَدِيْثُه ضَعِيْفٌ مِنْ كَوْنِهِ يَحتَجُّ بِالمَقَاطِيْعِ، وَبِمَرَاسِيْلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَفِي ذَلِكَ ضَعفٌ، لاَ أَنَّ الإِمَامَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيْفٌ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَثْبُتُ فِي مُصَلاَّهُ، يَذْكُرُ اللهَ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ، وَيُخْبِرُنَا عَنِ السَّلَفِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ هَدْيَهُم، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قَامَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَأَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي دِيْنِه. عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ الزُّهْرِيُّ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي. وَدَفعَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي. فَقَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: نَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ نُحَدِّثُ بِهَا -يَعْنِي: الصَّحِيْفَةَ-. قَالَ الوَلِيْدُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: كَانَ هَذَا العِلْمُ كَرِيْماً، يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ بَيْنَهُم، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الكُتُبِ، دَخَلَ فِيْهِ غَيْرُ أَهْلِهِ. وَرَوَى مِثْلَهَا: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. وَلاَ رَيبَ أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الصُّحُفِ وَبِالإِجَازَةِ يَقَعُ فِيْهِ خَلَلٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ نَقْطٌ وَلاَ شَكْلٌ، فَتَتَصَحَّفُ الكَلِمَةُ بِمَا يُحِيْلُ المَعْنَى، وَلاَ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ التَّحدِيْثُ مِنَ الحِفْظِ، يَقَعُ فِيْهِ الوَهْمُ، بِخِلاَفِ الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابٍ مُحَرَّرٍ (1) . مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ يَقُوْلُ: احْتَرَقَتْ   (1) ولهذا كان العلماء لا يعتدون بعلم الرجل إذا كان مأخوذا عن الصحف، ولم يتلق من طريق الرواية والمذاكرة والدرس والبحث. وإلى مثل هذا أشار ابن سلام في مقدمة " طبقاته " عندما كان يتحدث عن أسباب نحل الشعر التي منها الاخذ عن الصحف دون الرواية فقال: " وقد تداوله [أي الشعر] قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء. وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه، أن يقبل من صحيفة، ولا يروي عن صحفي ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ (1) ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً (2) ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنُسَخِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ. فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ: قِيْلَ لِلأَوْزَاعِيِّ: يَا أَبَا عَمْرٍو! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ لَحْنٌ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ (3) . مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ، قَالَ: كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ، فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا. فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ - وَكَانَ مِنْ أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً. قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ، لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ فِي الآفَاقِ.   (1) الرجفة: زلزلة عظيمة أصابت الشام سنة (130 هـ) ، وكان أكثرها ببيت المقدس، فهلك كثير ممن كان فيها من الانصار وغيرهم. " تاريخ الإسلام ": 5 / 39. (2) القنداق: صحيفة الحساب. كما في " لسان العرب ". (3) ذكره الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 524 عنه. وفي " الالماع ": 185، عن الاوزاعي: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا. وفي " المحدث الفاصل ": 526، عن الميموني، قال: رأيت أحمد بن حنبل يغير اللحن في كتابه. وفيه أيضا عن الحسن بن محمد الزعفراني، وقد سئل عن الرجل يسمع الحديث ملحونا أيعر به؟ قال: نعم. وعن الاصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه. ذكره القاضي عياض في " الالماع ": 184، والصنعاني في " توضيح الافكار ": 2 / 294. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مَعَ بَرَاعَتِهِ فِي العِلْمِ، وَتَقَدُّمِهِ فِي العَمَلِ كَمَا تَرَى، رَأْساً فِي التَّرَسُّلِ -رَحِمَهُ اللهُ-. الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الخُشُوْعِ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَخَفْضُ الجَنَاحِ، وَلِيْنُ القَلْبِ، وَهُوَ الحُزْنُ، الخَوْفُ. قَالَ: وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِمَامٍ تَرَكَ سَجدَةً سَاهِياً حَتَّى قَامَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ. قَالَ: يَسْجُدُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُم سَجدَةً وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ. وَسَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: وَسَأَلْتُهُ: مَنِ الأَبْلَهُ (1) ؟ قَالَ: العَمِيُّ عَنِ الشَّرِّ، البَصِيْرُ بِالخَيْرِ. سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَخطَأَتْ يَدُ الحَاصِدِ، أَوْ جَنَتْ يَدُ القَاطِفِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ عَلَيْهِ سَبِيْلٌ، إِنَّمَا هُوَ لِلمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيْلِ. رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: وَلِيَ الأَوْزَاعِيُّ القَضَاءَ لِيَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، فَجَلَسَ مَجْلِساً، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِيَ، وَوَلَّى يَزِيْدُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى الغَسَّانِيَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قُتِلَ بِالغُوْطَةِ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: إِذَا اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ عَلَى أَمرٍ فَهُوَ سُنَّةٌ. قُلْتُ: بَلِ السُّنَّةُ: مَا سَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ مِنْ بَعْدِهِ، وَالإِجْمَاعُ: هُوَ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، إِجْمَاعاً ظَنِّياً أَوْ سُكُوتِيّاً، فَمَنْ شَذَّ عَنْ هَذَا الإِجْمَاعِ مِنَ التَّابِعِيْنَ، أَوْ تَابِعِيْهِم لِقَوْلٍ بِاجْتِهَادِه، احْتُمِلَ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ خَالَفَ الثَّلاَثَةَ المَذْكُوْرِيْنَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، فَلاَ يُسَمَّى   (1) الابله - في اللغة -: هو الرجل الاحمق الذي لا تمييز له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 مُخَالِفاً لِلإِجْمَاعِ، وَلاَ لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُم إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ حَقٌّ غَالِباً، كَمَا نَقُوْلُ اليَوْمَ: لاَ يَكَادُ يُوجَدُ الحَقُّ فِيْمَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الاجْتِهَادِ الأَرْبَعَةُ عَلَى خِلاَفِه، مَعَ اعْتِرَافِنَا بِأَنَّ اتِّفَاقَهُم عَلَى مَسْأَلَةٍ، لاَ يَكُوْنُ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ، وَنَهَابُ أَنْ نَجْزِمَ فِي مَسْأَلَةٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، بِأَنَّ الحَقَّ فِي خِلاَفِهَا. وَمِنْ غَرَائِبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّ الفَخِذَ لَيْسَتْ فِي الحَمَّامِ عَوْرَةً، وَأَنَّهَا فِي المَسْجِدِ عَوْرَةٌ، وَلَهُ مَسَائِلُ كَثِيْرَةٌ حَسَنَةٌ يَنفَرِدُ بِهَا، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ فِي الكُتُبِ الكِبَارِ، وَكَانَ لَهُ مَذْهَبٌ مُسْتَقِلٌّ مَشْهُوْرٌ، عَمِلَ بِهِ فُقَهَاءُ الشَّامِ مُدَّةً، وَفُقَهَاءُ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ فَنِيَ. سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيُّ: أَرَادُوا الأَوْزَاعِيَّ عَلَى القَضَاءِ، فَامْتنَعَ، وَأَبَى، فَتَرَكُوْهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ. أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهُ وَعَظَ، فَقَالَ فِي مَوْعِظَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ! تَقَوَّوْا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَصْبَحتُم فِيْهَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ نَارِ اللهِ المُوْقَدَةِ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ، فَإِنَّكُم فِي دَارٍ، الثَّوَاءُ فِيْهَا قَلِيْلٌ، وَأَنْتُم مُرْتَحِلُوْنَ وَخَلاَئِفُ بَعْدَ القُرُوْنِ، الَّذِيْنَ اسْتَقَالُوا مِنَ الدُّنْيَا زَهْرَتَهَا، كَانُوا أَطوَلَ مِنْكُم أَعمَاراً، وَأَجَدَّ أَجسَاماً، وَأَعْظَمَ آثَاراً، فَجَدَّدُوا الجِبَالَ، وَجَابُوا الصُّخُورَ (1) ، وَنَقَّبُوا فِي البِلاَدِ، مُؤَيَّدِيْنَ بِبَطشٍ شَدِيْدٍ، وَأَجسَامٍ كَالعِمَادِ، فَمَا لَبِثَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أَنْ طَوَتْ مُدَّتَهُم، وَعَفَّتْ آثَارَهُم، وَأَخْوَتْ مَنَازِلَهُم، وَأَنْسَتْ ذِكْرَهُم: {فَمَا تُحِسُّ مِنْهُم مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ تَسْمَعُ لَهُمْ   (1) جابوا الصخور: نقبوها. قال الله تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) [الفجر: 9] . قال الفراء: جابوا: خرقوا الصخر فاتخذوه بيوتا. انظر: " لسان العرب ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 رِكْزاً (1) } ، كَانُوا بِلَهوِ الأَمَلِ آمِنِيْنَ، وَلِمِيْقَاتِ يَوْمٍ غَافِلِيْنَ، وَلِصَبَاحِ قَوْمٍ نَادِمِيْنَ، ثُمَّ إِنَّكُم قَدْ عَلِمْتُم مَا نَزَلَ بِسَاحْتِهِم بَيَاتاً مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ، فَأَصْبَحَ كَثِيْرٌ مِنْهُم فِي دِيَارِهِم جَاثِمِيْنَ، وَأَصْبَحَ البَاقُوْنَ يَنْظُرُوْنَ فِي آثَارِ نِقَمِهِ، وَزَوَالِ نِعَمِهِ، وَمَسَاكِنَ خَاوِيَةً، فِيْهَا آيَةٌ لِلَّذِيْنَ يَخَافُوْنَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخشَى، وَأَصْبَحتُم فِي أَجَلٍ مَنْقُوْصٍ، وَدُنْيَا مَقْبُوْضَةٍ، فِي زَمَانٍ قَدْ وَلَّى عَفْوُهُ، وَذَهَبَ رَخَاؤُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ حُمَةُ شَرٍّ، وَصُبَابَةُ كَدَرٍ، وَأَهَاوِيلُ غِيَرٍ، وَأَرْسَالُ فِتَنٍ، وَرُذَالَةُ خَلَفٍ. الحَكَمُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! عَمَّنْ أَحْمِلُ العِلْمَ؟ قَالَ: (عَنْ هَذَا) ، وَأَشَارَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ. قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ كَبِيْرَ الشَّأْنِ. قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بِي، وَأَوْقَفَانِي بَيْنَ يَدَي رَبِّ العِزَّةِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ؟ فَقُلْتُ: بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَهَبَطَا بِي حَتَّى رَدَّانِي إِلَى مَكَانِي. رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْهُ. العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: جلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ فِي الجَامِعِ، فَقَالَ: أَنَا مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.   (1) الركز: الصوت الخفي، وقيل هو الصوت ليس بالشديد. قال الله تعالى: (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) [مريم: 98] ، قال الفراء: الركز: الصوت، والركز: صوت الإنسان تسمعه من بعيد نحو ركز الصائد إذا ناجى كلابه. " لسان العرب ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ، أَتَيتُهُ، فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى فِي الصَّحْنِ، فَقَالَ: مَا أَخَذْتُمُ السَّرِيْرَ -يَعْنِي: النَّعْشَ- خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ. قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ رَحِمَكَ اللهُ؟ قَالَ: هُوَ الَّذِي أَقُوْلُ لَكَ، رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ طَائِراً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِ هَذِهِ القُبَّةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: فُلاَنٌ قَدَرِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُلِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَمَا جَاءتِ الظُّهرُ حَتَّى مَاتَ، وَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِه. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ، مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي. قَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَطَال قِيَامَ اللَّيْلِ، هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ وُقُوفَ يَوْمِ القِيَامَةِ. صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ. مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ يَقُوْلُ: حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَمَا رَأَيتُهُ مُضْطَجِعاً فِي المَحْمِلِ (1) فِي لِيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطُّ، كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، اسْتَنَدَ إِلَى القَتْبِ. وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ سَلاَّمٍ، قَالَ: نَزَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي، فَفَرَشْنَا لَهُ فِرَاشاً، فَأَصْبَحَ عَلَى حَالِهِ، وَنَزَعْتُ خُفَّيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُبَطَّنٌ بِثَعْلَبٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ. ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ   (1) المحمل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 الأَوْزَاعِيُّ بَاكِياً قَطُّ، وَلاَ ضَاحِكاً حَتَّى تَبدُوَ نَوَاجِذُه، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ أَحْيَاناً - كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ (1) - وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَقُرْآناً، وَبُكَاءً. وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ: أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاَّهُ، فَتَجِدُهُ رَطْباً مِنْ دُمُوْعِهِ فِي اللَّيْلِ. أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! لَوْ كُنَّا نَقْبَلُ مِنَ النَّاسِ كُلَّ مَا يَعرِضُونَ عَلَيْنَا، لأَوشَكَ أَنْ نَهُوْنَ عَلَيْهِم. العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ، وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِالقَوْلِ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَنجَلِي، وَأَنْتَ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمٍ. قَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ لِي الأَوْزَاعِيُّ: يَا بَقِيَّةُ! لاَ تَذْكُرْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، يَا بَقِيَّةُ! العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُم، فَلَيْسَ بِعِلْمٍ. قَالَ بَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلاَّ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ. كَتَبَ إِلَيَّ القَاضِي عَبْدُ الوَاسِعِ الشَّافِعِيُّ، وَعِدَّةٌ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ (2) ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي فِي كِتَابِ (الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (3)) لَهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ   (1) أخرجه البخاري في " صحيحه ": 10 / 421، في الأدب: باب التبسم والضحك، عن عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم ". (2) المندائي: بنون، وهمزة قبل ياء النسب، وهو مسند العراق أبو الفتح محمد بن أحمد. (تبصير المنتبه: 1399) . (3) ص 408. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ، نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ شَرّاً، فَتَحَ عَلَيْهِمُ الجَدَلَ، وَمَنَعهُمُ العَمَلَ. مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ مِنَ البَصْرَةِ: إِنْ كَانَتِ الدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنَّ أُلْفَةَ الإِسْلاَمِ بَيْنَ أَهْلِهَا جَامِعَةٌ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: كَتَبَ إِلَيَّ - وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ - هُوَ عَلَى المَجَازِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ أَكْمَهَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنِ الأَعْمَى، إِنَّمَا وَقَعَتْ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَتَبَ، وَلَمْ يُسَمِّ فِي الحَدِيْثِ، فَفِي ذَلِكَ انْقِطَاعٌ بَيِّنٌ. خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: جِئْتُ إِلَى بَيْرُوْتَ أُرَابِطُ فِيْهَا، فَلَقِيْتُ سَوْدَاءَ عِنْدَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا سَوْدَاءُ! أَيْنَ العِمَارَةُ؟ قَالَتْ: أَنْتَ فِي العِمَارَةِ، وَإِنْ أَرَدْتَ الخرَابَ، فَبَينَ يَدَيْكَ. أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: وَقَعَ عِنْدَنَا رِجْلٌ (1) مِنْ جَرَادٍ بِبَيْرُوْتَ، وَكَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ لَهُ فَضْلٌ، فَحَدَّثَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً رَاكِباً، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِ الجَرَادَةِ وَعِظَمِ الرَّجُلِ. قَالَ: وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَحْمَرَانِ طَوِيْلاَنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا بَاطِلَةٌ، وَبَاطِلٌ مَا فِيْهَا. وَيُوْمِئُ   (1) الرجل: بكسر الراء، وسكون الجيم: الطائفة العظيمة من الجراد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 بِيَدِهِ، حَيْثمَا أَومَأَ، انْسَابَ الجَرَادُ إِلَى ذَلِكَ المَوْضِعِ. رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ. ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، يَقُوْلُ مَكْحُوْلٌ: مَا أَحرَصَ ابْنَ أَبِي مَالِكٍ عَلَى القَضَاءِ! فَقَالَ: لقَدْ كُنْتُ مِمَّنْ سَدَّدَ لِي رَأْيِي. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أُرِيْدَ عَلَى القَضَاءِ فِي أَيَّامِ يَزِيْدَ النَّاقِصِ (1) ، فَامْتَنَعَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيُّ- جَلَسَ لَهُم مَجْلِساً وَاحِداً. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ (2) مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ. أَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الغَمْرِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الغَمْرِ، قَالَ: لَمَّا جَلَّتِ المِحنَةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِالأَوْزَاعِيِّ - لَمَّا نَزَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ حَمَاةَ - بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأُشْخِصَ (3) . قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ الحِمْصِيِّ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ ثَوْرٌ يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، إِلَى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ وَأَنَا سَاكِتٌ - مَا أَجَابَهُ بِحَرْفٍ (4) - فَلَمَّا انْفَجَرَ الفَجْرُ، صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ حَمَاةَ (5) ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَوْزَاعِيُّ! أَيُعَدُّ مَقَامُنَا هَذَا،   (1) يزد الناقص: هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، من خلفاء الدولة المروانية الاموية بالشام، ويقال له الناقص لان سلفه الوليد بن يزيد كان قد زاد في أعطيات الجند، فلما ولي يزيد نقص الزيادة. مات بالطاعون، وقيل: مسموما سنة (126 هـ) . انظر: الطبري: حوادث سنة (126 هـ) ، والكامل لابن الأثير: 5 / 115، وتاريخ الإسلام: 5 / 188، والبداية والنهاية: 10 / 11. (2) في الأصل: " أنه "، وهو تحريف. وقد مر الخبر قريبا. (3) في " تاريخ ابن عساك ": " فأشخص إليه ". (4) زيادة من " تاريخ ابن عساكر ". (5) جاء في " تاريخ ابن عساكر " هنا: " فدخل الآذن، فأذن للاوزاعي. قال: فدخلت على = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 وَمَسِيْرُنَا رِبَاطاً؟ فَقُلْتُ: جَاءتِ الآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ (1)) ... ، ثُمَّ سَاقَ القِصَّةَ (2) . يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ المَلِكِ بنُ الفَارِسِيِّ - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ -يَعْنِي: عَمَّ السَّفَّاحِ- مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفاً   = عبد الله وهو على سريره، وفي يده خيزرانة ينكت بها الأرض، وحوله المسودة بالسيوف المصلتة، والعمد الحديد، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت، فنكت في الأرض، ثم رفع رأسه إلي ثم قال: يا أوزاعي! أتعد مقامنا هذا ... ". (1) أخرجه البخاري: 1 / 7 - 15، في بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي، ومسلم: (1907) ، وأبو داود: (2201) ، والترمذي: (1647) ، والنسائي: 1 / 58 - 60، وابن ماجه: (2427) ، ومالك في " الموطأ ": 401، برواية الامام محمد بن الحسن، من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الاعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ". (2) تتمة القصة في " تاريخ " ابن عساكر: خ: 10 / 48 ب - 49 آ، " قال: فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد من نكت الأول، وجعل من حوله يعضون على أيديهم، ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي! ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: جاءت الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ... " [الحديث] ، فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد من ذلك، وأطرق مليا، ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي! ما تقول في أموال بني أمية؟ فقلت: إن كانت لهم حراما فهي عليك حرام، وإن كانت لهم حلالا فما أحلها الله لك إلا بحقها. قال: فنكت بالخيزرانة نكتا هو أشد من ذلك، وأطرق مليا، ثم رفع رأسه فقال: يا أوزاعي! هممت أن أوليك القضاء، فقلت: أصلح الله الأمير، وقد كان انقطاعي إلى سلفك ومن مضى من أهل بيتك، وكانوا بحقي عارفين، فإن رأى الأمير أن يستتم ما ابتدأه آباؤه فليفعل، قال: كأنك تريد الاذن؟ فقلت: إن ورائي لحرما بهم حاجة إلى قيامي بهم، وستري لهم، قال: فذاك لك، قال: فخرجت، فركبت دابتي وانصرفت، قال: فلم أعلم حين وصلت إلى بيروت إلا وعثمان على البريد، قال: قلت: بدا للرجل في؟ فقال: إن الأمير غفل عن جائزتك، وقد بعث لك بمئتي دينار. قال أحمد: قال ابن أبي العشرين - يعني عبد الحميد -: فلم يبرح الاوزاعي مكانه حتى فرقها في الايتام والارامل والفقراء، ثم وضع الرسائل في رد ما سمع من ثور بن يزيد في القدر ". والمؤلف قد أورد أخبار هذه القصة مفرقة في أثناء الترجمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 وَسَبْعِيْنَ مِنْهُم بِالكَافِركُوبَاتَ (1) . فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَحِدْتُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمتُ مِنْ حَيْثُ حِدْتَ، فَأَجِبْ. قَالَ: وَمَا لَقِيْتُ مُفَوَّهاً مِثْلَه، فَقُلْتُ: كَانَ لَهُم عَلَيْكَ عَهْدٌ. قَالَ: فَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم وَلاَ عَهْدَ، مَا تَقُوْلُ فِي دِمَائِهِم؟ قُلْتُ: حَرَامٌ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ (2) ... ) ، الحَدِيْثَ. فَقَالَ: وَلِمَ، وَيْلَكَ؟! وَقَالَ: أَلَيْسَتِ الخِلاَفَةُ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، قَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِصِفِّيْنَ (3) ؟ قُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مَا رَضِيَ بِالحَكَمَيْنِ. فَنَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسْتُ، فَأَطَلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: البَولَ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ: اذْهَبْ. فَقُمْتُ، فَجَعَلتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلاَّ قُلْتُ: إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا. سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى: حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ عُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ القَارِئُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ سِمَاطَانِ (4) ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي مَخْرَجِنَا وَمَا نَحْنُ فِيْهِ؟ قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ. قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي. فَتَفَكَّرْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: لأَصْدُقَنَّهُ. وَاسْتَبسَلْتُ (5) لِلْمَوْتِ، ثُمَّ رَوَيتُ لَهُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَعْمَالِ (6) ، وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ   (1) الكافر كوبات: ج الكافر كوب: وهو المقرعة. انظر: " تاريخ الإسلام ": 6 / 234. (2) تمامة: " الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ". أخرجه البخاري: 12 / 176 - 177، في الديات: باب قوله تعالى: (أن النفس بالنفس والعين بالعين) ومسلم: (1676) ، في القسامة: باب ما يباح به دم المسلم، من حديث عبد الله بن مسعود. (3) انظر: ص 80، حا: 2. (4) سماطان: صفان، سماط القوم: صفهم، وهم على سماط واحد: على نظم. (5) يقال: أبسل نفسه للموت، واستبسل: إذا وطن نفسه عليه، واستيقن. (6) تقدم تخريجه: في الصفحة السابقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 يَحِلُّ قَتْلُ المُسْلِمِ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ ... ) ، وَسَاقَ الحَدِيْثَ. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الخِلاَفَةِ، وَصِيَّةٌ لَنَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَرَكَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحَداً يَتَقَدَّمُهُ. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُم حَلاَلاً، فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِم حَرَاماً، فَهِيَ عَلَيْكَ أَحرَمُ. فَأَمَرَنِي، فَأُخْرِجْتُ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ مَلِكاً جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، صَعبَ المِرَاسِ، وَمَعَ هَذَا فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ الَّذِيْنَ يُحَسِّنُوْنَ لِلأُمَرَاءِ مَا يَقْتَحِمُوْنَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْفِ، وَيَقلِبُوْنَ لَهُمُ البَاطِلَ حَقّاً - قَاتَلَهُمُ اللهُ - أَوْ يَسكُتُوْنَ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى بَيَانِ الحَقِّ. خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا الحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَارِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ التَّنُوْخِيُّ، قَالَ: كَتَبَ المَنْصُوْرُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي عُنُقِكَ مَا جَعَلَ اللهُ لِرَعِيَّتِهِ قَبْلَكَ فِي عُنُقِهِ، فَاكتُبْ إِلَيَّ بِمَا رَأَيتَ فِيْهِ المَصْلَحَةَ مِمَّا أَحْبَبْتَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَتوَاضَعْ، يَرْفَعْكَ اللهُ يَوْمَ يَضَعُ المُتَكَبِّرِيْنَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنْ تَزِيْدَ حَقَّ اللهِ عَلَيْكَ إِلاَّ عِظَماً، وَلاَ طَاعَتَه إِلاَّ وُجُوباً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ. وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً، إِلاَّ سُلِبَ الوَرَعَ. رَوَاهَا: بَقِيَّةُ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عُرَيْبٍ، عَنْهُ. الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُوْلُ قَلِيْلاً، وَيَعمَلُ كَثِيْراً، وَإِنَّ المُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ كَثِيْراً، وَيَعْمَلُ قَلِيْلاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 قَالَ بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ - قَاضِي المَصِّيْصَةِ -: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ يُقَالُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِيْنَ لِغَيْرِ العِبَادَةِ، وَالمُسْتَحِلِّينَ الحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ. العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لاَ تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ: رَأَيتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي (1) عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَي البَابِ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِه، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُوْنَ رَدَّهُ، فَرَدُّوْهُ، فَزَالَ، ثُمَّ أَعَادُوْهُ. قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَلاَ تُمْسِكُ مَعَنَا؟) . فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُم، حَتَّى رَدُّوْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا الحَوَارِيُّ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، اسْتَعفَى مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ، فَأَجَابَهُ أَبُو جَعْفَرٍ. فَلَمَّا خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالُوا لَهُ، فَقَالَ: لَمْ يُحْرِمْ فِيْهِ مُحْرِمٌ، وَلاَ كُفِّنَ فِيْهِ مَيِّتٌ، وَلَمْ يُزَيَّنْ فِيْهِ عَرُوْسٌ. عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العِشْرِيْنَ: سَمِعْتُ أَمِيْراً كَانَ بِالسَّاحِلِ يَقُوْلُ - وَقَدْ دَفَنَّا الأَوْزَاعِيَّ، وَنَحْنُ عِنْدَ القَبْرِ -: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلاَّنِي. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: رَأَيتُ كَأَنَّ رَيْحَانَةً مِنَ المَغْرِبِ رُفِعَتْ. قَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، فَقَدْ مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ. فَكَتَبُوا ذَلِكَ، فَوُجِدَ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الحَمَّامِ.   (1) الخبر في تقدمة " الجرح والتعديل ": 209، والزيادة منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى المِصْرِيُّ: حَدَّثَنِي خَيْرَانُ بنُ العَلاَءِ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ - قَالَ: دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ الحَمَّامَ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ حَاجَةٌ، فَأَغلَقَ عَلَيْهِ البَابَ وَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَوَجَدَ الأَوْزَاعِيَّ مَيِّتاً، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ. ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا مَوْتُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَ الحَمَّامِ غَيْرَ مُتَعَمِّدَةٍ، فَمَاتَ، فَأَمَرَهَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِعَتقِ رَقَبَةٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ سِوَى سِتَّةِ دَنَانِيْرَ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ، وَكَانَ قَدِ اكْتُتِبَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي دِيْوَانِ السَّاحِلِ. العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَبَبُ مَوْتِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ اخْتَضَبَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَدْخَلَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ كَانُوناً فِيْهِ فَحمٌ، لِئَلاَّ يُصِيْبَهُ البَرْدُ، وَأَغلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَّا، فَلَمَّا هَاجَ الفَحمُ، ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَعَالَجَ البَابَ لِيَفْتَحَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ، فَوَجَدْنَاهُ مُوَسِّداً ذِرَاعَهُ إِلَى القِبْلَةِ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الأَوْزَاعِيِّ، خَرَجْتُ، فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيتُ نَصْرَانِيّاً قَدْ ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ، فَلَمْ يَزَلِ المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ يَعْرِفُوْنَ لَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجنَا فِي جَنَازَتِه أَرْبَعَةَ أُمَمٍ، فَحَمَلَهُ المُسْلِمُوْنَ، وَخَرَجَتِ اليَهُوْدُ فِي نَاحِيَةٍ، وَالنَّصَارَى فِي نَاحِيَةٍ، وَالقِبْطُ فِي نَاحِيَةٍ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. فَوَهِمَ هِشَامٌ؛ لأَنَّ صَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ رَوَى عَنِ الوَلِيْدِ: هُوَ، وَغَيْرُهُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: مَاتَ سَنَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَزَادَ بَعْضُهُم، فَقَالَ: فِي صَفَرٍ، وَفِيْهَا مَاتَ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الآدَمِيُّ، قَالَ: قَالَ يَزِيْدُ بنُ مَذْعُوْرٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فِي مَنَامِي، فَقُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى دَرَجَةٍ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ. فَقَالَ: مَا رَأَيتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ العُلَمَاءِ، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُوْنِيْنَ. تَرْجَمَةُ الأَوْزَاعِيِّ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ) فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ (1) . وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالشَّامِ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ مُدَوَّرَةٍ بِلاَ عَذَبَةٍ (2) - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ إِملاَءً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ (3) ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ (4) بِمَكَّةَ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ - أَظُنُّهَا الأَطبَارَ (5) - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعمِدَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ (6) ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ. فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي، وَأَخَذَ اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ، وَأَدخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ، حَتَّى أَقَامُوْنِي مُقَاماً يُسْمَعُ كَلاَمِي، فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ   (1) خ: 10 / 34 آوما بعدها. (2) عذبة كل شيء: طرفه والاعتذاب: أن تسبل للعامة عذبتين من خلفها. (3) ستأتي ترجمته ص: 229. (4) مرت ترجمته ص: 106. (5) الاطبار: نوع من السلاح له فأس. (معربة) . (6) تقدم أنه المقرعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 يُرِيْدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم عُهُودٌ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا. فَأَجْهَشَتْ (1) نَفْسِي، وَكَرِهَتِ القَتْلَ، فَذَكَرتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُم عَلَيْكَ حَرَامٌ. فَغَضِبَ، وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! وَلِمَ؟! قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِيْنِهِ (2)) . قَالَ: وَيْحَكَ! أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟! قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟ قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ، مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ. فَسَكَتَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَباً، فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوْهُ -. فَخَرَجتُ، فَرَكِبتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوْنِي، فَنَزَلتُ إِلَى الأَرْضِ، فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ - وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي - فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيْرِ، فَخُذْهَا. فَأَخَذتُهَا، فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ مَنْزِلِي. فَقَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أُرِدْكَ أَنْ تَحِيْدَ حِيْنَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ. الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُم.   (1) أجهشت: خافت وفزعت. (2) تقدم تخريجه ص 124، حا: 2 (3) مستنده ما أخرجه أبو داود: (90) ، في الطهارة: باب أيصلي الرجل وهو حافن، والترمذي: (357) ، في الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يخص الامام نفسه بالدعاء، وابن ماجه: (923) ، في إقامه الصلاة، من طريق حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف ". وأبو حي المؤذن هو شداد ابن حي، ولم يوثقه غير ابن حبان، ويزيد بن شريح، قال الحافظ في " التقريب ": مقبول، أي: حيث يتابع، وإلا فهو لين. وأخرجه أحمد أيضا: 5 / 250، 260، 261، عن السفر بن نسير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة. والسفر بن نسير ضعيف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ نَجِيْحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنِي عَوْنُ بنُ حَكِيْمٍ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، فَلَمَّا أَتَى المَدِيْنَةَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، بَلَغَ مَالِكاً مَقْدَمُهُ، فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّيَا الظُّهرَ، تَذَاكَرَا أَبْوَابَ العِلْمِ، فَلَمْ يَذْكُرَا بَاباً، إِلاَّ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْهِ. ثُمَّ صَلَّوُا العَصْرَ، فَتَذَاكَرَا، كُلٌّ يَذْهَبُ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْمَا يَأْخُذَانِ فِيْهِ، حَتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَرُبَ اصْفِرَارُهَا، نَاظَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ المُكَاتَبَةِ وَالمُدَبَّرِ (1) . العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَذَكَرَ الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ عَجَباً، كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيْهِ الأَثَرُ، فَيَرُدُّ -وَاللهِ- الجَوَابَ كَمَا هُوَ فِي الأَثَرِ، لاَ يُقَدِّمُ مِنْهُ وَلاَ يُؤَخِّرُ. الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ أَحْمَلَ فِيْمَا حَمَلَ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ. العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَرَضتُ فِيْمَا حُمِلَ عَنِّي أَصَحَّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ. أَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: الأَوْزَاعِيُّ أَوْ سُفْيَانُ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ سُفْيَانَ؟ قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! ذَهَبَتْ بِكَ العِرَاقِيَّةُ، الأَوْزَاعِيُّ، فِقْهُهُ، وَفَضْلُه، وَعِلْمُه. فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتُرَانِي أُؤثِرُ عَلَى الحَقِّ شَيْئاً، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَخَذْنَا العَطَاءَ حَتَّى شَهِدْنَا عَلَى عَلِيٍّ بِالنِّفَاقِ، وَتَبَرَّأْنَا مِنْهُ، وَأُخِذَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ   (1) المكاتبة: من الكتابة، وهو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجما، فإذا أداه، صار حرا. والمدبر: هو العبد الذي يعلق عتقه بموت سيده، من قولهم: أنت حر دبر حياتي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ وَأَيْمَانُ البَيْعَةِ. قَالَ: فَلَمَّا عَقَلْتُ أَمرِي، سَأَلْتُ مَكْحُوْلاً، وَيَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ مُكْرَهٌ. فَلَمْ تَقَرَّ عَيْنِي، حَتَّى فَارَقْتُ نِسَائِي، وَأَعتَقْتُ رَقِيْقِي، وَخَرَجْتُ مِنْ مَالِي، وَكَفَّرْتُ أَيْمَانِي، فَأَخْبِرْنِي: سُفْيَانُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ فُلاَنٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: نَتَجَنَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ خَمْساً، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ خَمْساً: مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ: شُرْبُ المُسْكِرِ، وَالأَكلُ عِنْدَ الفَجْرِ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ جُمُعَةَ إِلاَّ فِي سَبْعَةِ أَمصَارٍ، وَتَأَخَيْرُ العَصْرِ حَتَّى يَكُوْنَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةُ أَمثَالِه، وَالفِرَارُ يَوْمَ الزَّحفِ. وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ: اسْتِمَاعُ المَلاَهِي، وَالجَمعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَالمُتعَةُ بِالنِّسَاءِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَالدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارَيْنِ يَداً بِيَدٍ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهنِّ (1) .   (1) قال ابن القيم في " زاد المعاد ": 4 / 257، طبع مؤسسة الرسالة: ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطئ الزوجة في دبرها فقد غلط عليه، كيف وقد ورد في الباب غير ما حديث عنه - صلى الله عليه وسلم - في تحريم إتيان الرجل زوجته في دبرها، فقد أخرج أحمد: 2 / 444، 479، وأبو داود: (2162) ، من حديث أبي هريرة مرفوعا: " ملعون من أتى المرأة في دبرها "، وصحح البوصيري إسناده، وله شاهد عند ابن عدي: 211 - آ، والطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع ": 4 / 299، من حديث عقبة بن عامر، وسنده حسن فيتقوى به. وأخرجه أحمد: 2 / 277، 344، وابن ماجه: (1923) ، بلفظ: " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها "، وله شاهد بسند حسن يتقوى به من حديث ابن عباس عند الترمذي، وصححه ابن حبان: (1302) . وفي لفظ للترمذي: (135) ، وأحمد: 2 / 408، 476، وأبي داود: (3904) ، وابن ماجه: (693) ، والدارمي: 1 / 259: " من أتي حائضا أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنده قوي. وأخرج الترمذي: (1164) ، والدارمي: 1 / 260، عن علي بن طلق، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تأتوا النساء في أعجازهن فإن الله لا يستحي من الحق ". وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان. وله شاهد من حديث خزيمة بن ثابت، أخرجه الشافعي: 2 / 360، وأحمد: 2 / 213، والطحاوي: 2 / 25، وسنده صحيح، وصححه ابن = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ - صَاحِبِ الأَوْزَاعِيِّ -: قَدِمَ أَبُو مَرْحُوْمٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، فَأَهدَى لَهُ طَرَائِفَ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنِّي حَرْفاً، وَإِنْ شِئْتَ، فَضُمَّ هَدِيَّتَكَ، وَاسْمَعْ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى. مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كُنَّا نَضحَكُ وَنَمزَحُ، فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا، خَشِيْتُ أَنْ لاَ يَسَعَنَا التَّبَسُّمُ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَعْتَمُّ، فَلاَ يُرْخِي لَهَا شَيْئاً. ذَكَرَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: أَنَّ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ نَحْوُ الأَلفِ -يَعْنِي: المُسْنَدَ- أَمَّا المُرْسَلُ وَالمَوْقُوْفُ، فَأُلُوفٌ. وَهُوَ فِي الشَّامِيِّينَ نَظِيْرُ مَعْمَرٍ (1) لِلْيَمَانِيِّينَ، وَنَظِيْرُ الثَّوْرِيِّ (2) لِلْكُوْفِيِّينَ، وَنَظِيْرُ مَالِكٍ لِلْمَدَنِيِّينَ، وَنَظِيْرُ اللَّيْثِ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَنَظِيْرُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ (3) لِلْبَصْرِيِّينَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ بِهَا، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ   = حبان: (1299) ، وابن الملقن في " خلاصة البدر المنير "، ووصفه الحافظ في " الفتح ": 8 / 142، بأنه من الأحاديث الصالحة الإسناد. وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس، خرجناه في " زاد المعاد " فراجعه إن شئت. (1) انظر ترجمته في الصفحة: 5. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 229. (3) انظر ترجمته في الصفحة: 444. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ، فَاجْتَوَوُا المَدِيْنَةَ (1) ، فَأَمَرَهُم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَتَوْهَا، فَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ. فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهِم قَافَةً، فَأَتَى بِهِم، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرَجُلَهُم، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُم (2) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعَيْبٍ (3) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ السِّنْدِيُّ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُوْلِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ، إِلاَّ النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ) (4) .   (1) معناه: عافوا المقام بها، فأصابهم الجوى في بطونهم. يقال: اجتويت المكان: إذا كرهت الاقامة به لضرر يلحقك. (2) الحسم: الكي بالنار لقطع الدم. (3) لم أجده في البخاري بهذا السند، وإنما أخرجه برقم (6802) و (6803) ، في الحدود: باب المحاربين ... من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس. وهو عنده برقم: (233) و (1501) و (3018) و (4192) و (4193) و (4610) و (5685) و (5686) و (5727) و (6804) و (6805) و (6899) ، من طرق، عن أبي قلابة وقتادة، وثابت، عن أنس. وأخرجه مسلم: (1671) ، في القسامة: باب حكم المحاربين، من طريق عبد العزيز بن صهيب، وحميد، عن أنس، ومن طريق أبي قلابة وقتادة، عن أنس. (4) محمد بن كثير صدوق كثير الغلط. وباقي رجاله ثقات. وهو في " سنن " الترمذي: (3664) ، لكن الحديث صحيح بشواهده، فقد أخرجه أحمد: (602) ، والترمذي: (3665) و= الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ اللَّفْظِ، لَوْلاَ لِيْنٌ فِي مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيِّ لَصُحِّحَ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ: الحَسَنِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ. وَأَخْرَجَهُ: الحَافِظُ الضِّيَاءُ (1) فِي (المُخْتَارَةِ) ، عَنْ هَذَا الأَسَدِيِّ. 49 - عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ أَبُو عَمَّارٍ العِجْلِيُّ * (م، 4) الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو عَمَّارٍ العِجْلِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ اليَمَامِيُّ، مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، وَأَوعِيَةِ الصِّدْقِ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بنِ الوَلِيْدِ، وَضَمْضَمِ بنِ جَوْسٍ، وَطَاوُوْسِ بنِ كَيْسَانَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَنَافِعٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَنَحْوِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ صَحَابِيّاً: وَهُوَ الهِرْمَاسُ بنُ زِيَادٍ (2) ، فَعِدَادُهُ إِذاً فِي التَّابِعِيْنَ الصِّغَارِ.   = (3666) ، وإسناد أحمد حسن، وأخرجه ابن ماجه: (100) ، عن أبي جحيفة، وعن جابر عند الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع ": 9 / 153. (1) هو الامام الحافظ، محدث الشام، شيخ السنة، ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي الحنبلي المتوفى سنة (643 هـ) . وكتابه " المختارة ": انتقى فيه الأحاديث الصحيحة، ولم يتم، وهو مخطوط لم يطبع بعد، توجد أجزاء منه في المكتبة الظاهرية بدمشق. قال ابن كثير في " الباعث الحثيث ": كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على " مستدرك " الحاكم. ونقل السيوطي في " اللآلي " قول الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن حبان. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 555، طبقات خليفة: 290، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير: 7 / 50، التاريخ الصغير: 2 / 139، الضعفاء: خ: 334، الجرح والتعديل: 7 / 10، تاريخ بغداد: 12 / 257، تهذيب الكمال: خ: 951، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 49، تاريخ الإسلام: 6 / 250 - 251، ميزان الاعتدال: 3 / 90 - 93، عبر الذهبي: 1 / 232، تهذيب التهذيب: 7 / 261 - 263، طبقات المدلسين: 14، خلاصة تذهيب الكمال: 270، شذرات الذهب: 1 / 246. (2) سيأتي حديثه في الصفحة 139. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، وَعُمَرُ بنُ يُوْنُسَ اليَمَامِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرَشِيُّ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَمَامِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، وَالحَسَنُ بنُ سَوَّارٍ، وَشَاذُّ بنُ فَيَّاضٍ، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: سَأَلْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ اليَمَامَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: هُوَ ابْنُ عَمَّارِ بنِ عُقْبَةَ بنِ حَبِيْبِ بنِ شِهَابِ بنِ ذُبَابِ بنِ الحَارِثِ بنِ خِمْصَانَةَ بنِ الأَسَعْدِ بنِ جَذِيْمَةَ بنِ سَعْدِ بنِ عِجْلٍ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى: كَانَ أُمِّيّاً، وَكَانَ حَافِظاً. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُ عِكْرِمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، لَيْسَتْ بِذَاكَ، مَنَاكِيْرُ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُهَا. وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ يَحْيَى يُضَعِّفُ رِوَايَةَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، مِثْلَ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَضَرْبِهِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ثِقَةً، ثَبْتاً. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. يَرْوِي عَنْهُ: النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَلفَ حَدِيْثٍ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ مُضْطَرِبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 الحَدِيْثِ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَمُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ فِي غَيْر إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، كَانَ حَدِيْثُه عَنْ إِيَاسٍ صَالِحاً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يُضَعِّفُ رِوَايَةَ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ (1) ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَالَ: عِكْرِمَةُ أَوْثَقُهُمَا. قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: هَلْ كَانَ بِاليَمَامَةِ أَحَدٌ يُقَدَّمُ عَلَى عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، مِثْلَ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ، وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَهَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ: عِكْرِمَةُ فَوْقَ هَؤُلاَءِ - أَوْ نَحْوُ هَذَا -. ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ أَحَادِيْثَ. وَرَوَى: الغَلاَبِيُّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثَبْتٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُضْطَرِبٌ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كِتَابٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ عَنْ يَحْيَى اضْطِرَابٌ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ مُلاَزمَ بنَ عَمْرٍو. قَالَ: وَأَعْلاَهُم فِي يَحْيَى: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ (2) ، وَالأَوْزَاعِيُّ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي كَثِيْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، رُبَّمَا وَهِمَ فِي حَدِيْثِهِ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ، وَفِي حَدِيْثِهِ عَنْ يَحْيَى بَعْضُ الأَغَالِيطِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: صَدُوْقٌ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَيَحْيَى القَطَّانُ. وَوَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، إِلاَّ أَنَّ يَحْيَى القَطَّانَ ضَعَّفَهُ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَدَّمَ مُلاَزِماً عَلَيْهِ.   (1) ستأتي ترجمته ص: 319. (2) ستأتي ترجمته ص: 149. (3) تقدمت ترجمته ص: 107. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ثِقَةٌ عِنْدَهُم. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا سَمِعْتُ فِيْهِ إِلاَّ خَيْراً. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِأَحَادِيْثَ طِوَالٍ، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ. وَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي فَقِيْهاً وَأَنَا لاَ أَشعُرُ. قَالَ: وَعِكْرِمَةُ صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي حَدِيْثِهِ شَيْئاً. رَوَى عَنْهُ: النَّاسُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ البُخَارِيُّ الحَافِظُ: عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ ثِقَةٌ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَذَكَرَهُ بِالفَضْلِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ، يَنْفَرِدُ عَنْ أُنَاسٍ بِأَشْيَاءَ لاَ يُشَارِكُهُ فِيْهَا أَحَدٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: كَانَ صَدُوقاً، وَفِي حَدِيْثِهِ نَكِرَةٌ. وَقَالَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ: كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَلَمْ يَحتَجَّ بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ يَسِيْراً، وَأَكْثَرَ لَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ. قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَكْثَرَ مُسْلِمٌ الاسْتِشهَادَ بِعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ. قُلْتُ: قَدْ سَاقَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الأُصُوْلِ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِيْهِ عَنْ سِمَاكٍ الحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الأُمُورِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي الْتَمَسَهَا أَبُو سُفْيَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1) .   (1) ونصه كما في " صحيح " مسلم (2501) ، في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي سفيان، من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا نبي الله! ثلاث أعطنيهن؟ قال: = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 قَالَ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ سُفْيَانَ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ. قَالَ: فَجَاءَ يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَاتِ حَتَّى أَكْتُبَ. قَالَ: لاَ تَعجَلَنَّ. قَالَ: قُلْتُ: خُذِ الكِتَابَ، فَسَلْ عَنْهُ. قَالَ: وَلاَ تَعجَلْ، نُوْقِفُهُ عَلَى كُلِّ حَدِيْثٍ عَلَى السَّمَاعِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ خَطُّ سُفْيَانَ خَطَّ سُوءٍ. وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ أَيْضاً: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ مِنَ اليَمَامَةِ، فَرَأَيتُهُ فَوْقَ سَطحٍ يُخَاصِمُ أَهْلَ القَدَرِ. قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ يَقُوْلُ لِلنَّاسِ: أُحَرِّجُ عَلَى رَجُلٍ يَرَى القَدَرَ إِلاَّ قَامَ، فَخَرَجَ عَنِّي، فَإِنِّي لاَ أُحَدِّثُه. قَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. زَادَ يَحْيَى: فِي رَجَبٍ. وَقَعَ لِي حَدِيْثَهُ عَالِياً (1) .   = " نعم ". قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها؟ قال: " نعم ". قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك؟ قال: " نعم ". قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟ قال: " نعم ". قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: " نعم ". قال أبو الفرج ابن الجوزي في هذا الحديث: هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث، وإنما قلنا: إن هذا وهم لان أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وولدت له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة - وهي التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش في صلح الحديبية - فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا يعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا سفيان. (1) في الأصل: " حديثا عاليا ". وهو تحريف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنِ الهِرْمَاسِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَوْمَ العِيْدِ الأَضْحَى يَخْطُبُ عَلَى بَعِيْرٍ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، قَوِيُّ الإِسْنَادِ، صَارَ بِهِ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ تَابِعِيّاً (2) . 50 - ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَامِرِيُّ * (ع) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَاسْمُ أَبِي   (1) وأخرجه من طريق أبي يعلى ابن الجزري في " أسد الغابة ": 5 / 393، في ترجمة الهرماس بن زياد الباهلي، وأخرجه أبو داود في " سننه ": (1954) ، في الحج: باب من خطب يوم النحر، من طريق هارون بن عبد الله، حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا عكرمة، حدثنا الهرماس ابن زياد الباهلي، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الاضحى بمنى. وسنده جيد. وقال الحافظ في " الإصابة " في ترجمة هرماس بن زياد الباهلي: روى حديثه أبو داود وغيره بإسناد صحيح. (2) في الأصل، بعد قوله: " تابعيا " عبارة: " كما سيأتي "، ولا معنى لها هنا، فالمصنف ذكر في الصفحة (134) أن عكرمة قد لقي صحابيا وهو الهرماس بن زياد، وهنا أورد الحديث الذي يدل على سماعه من هذا الصحابي، فكان حقه أن يقول هناك: كما سيأتي، وأما هنا، فصواب العبارة أن يقال: كما تقدم. (*) طبقات خليفة: 273، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير: 1 / 152 - 153، التاريخ الصغير: 2 / 132، المعارف: 485، المعرفة والتاريخ: 1 / 146، 685، 686، 2 / 163، 400، مشاهير علماء الأمصار: 140، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ بغداد: 2 / 296، 305، وفيات الأعيان: 4 / 183، تهذيب الكمال: خ: 1231 - 1232، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 225 - 226، تاريخ الإسلام: 6 / 281 - 284، تذكرة الحفاظ: 1 / 191 - 193، عبر الذهبي: 1 / 231، الوافي بالوفيات: 3 / 223 - 224، تهذيب التهذيب: 9 / 303 - 307، طبقات الحفاظ: 82 - 83، خلاصة تذهيب الكمال: 348، شذرات الذهب: 1 / 245 - 246. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 ذِئْبٍ: هِشَامُ بنُ شُعْبَةَ. الإِمَام، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَارِثِ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. سَمِعَ: عِكْرِمَةَ، وَشُرَحْبِيْلَ بنَ سَعْدٍ، وَسَعِيْداً المَقْبُرِيَّ، وَنَافِعاً العُمَرِيَّ، وَأَسِيْدَ بن أَبِي أَسِيْدٍ البَرَّادَ، وَصَالِحاً مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَشُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالَهُ؛ الحَارِثَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيَّ، وَمُسْلِمَ بنَ جُنْدَبٍ، وَابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، وَالقَاسِمَ بنَ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ قَيْسٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ يَزِيْدَ الهُذَلِيَّ، وَالزِّبْرِقَانَ بنَ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ سَمْعَانَ، وَعُثْمَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ سُرَاقَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، ثِقَةً، فَاضِلاً، قَوَّالاً بِالحَقِّ، مَهِيْباً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَشَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يُشَبَّهُ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. فَقِيْلَ لأَحْمَدَ: خَلَّفَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مَالِكٍ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكاً -رَحِمَهُ اللهُ- أَشَدُّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ مِنْهُ. قُلْتُ: وَهُوَ أَقدَمُ لُقْيَا لِلْكِبَارِ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ مَالِكاً أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ، وَالفُتْيَا، وَالحَدِيْثِ، وَالإِتقَانِ مِنْهُ بِكَثِيْرٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ. وَكَانَ مِنْ أَورَعِ النَّاسِ وَأَوْدَعِهِم (1) . وَرُمِيَ بِالقَدَرِ، وَمَا كَانَ قَدَرِيّاً، لقَدْ كَانَ يَتَّقِي قَوْلَهُم وَيَعِيبُهُ،   (1) في " الحلية ": 1 / 191، و" تاريخ بغداد: " 2 / 301، و" تهذيب التهذيب ": 9 / 305: " وأفضلهم ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً كَرِيْماً، يَجلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيَغشَاهُ، فَلاَ يَطرُدُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ لَهُ شَيْئاً، وَإِنْ مَرِضَ، عَادَهُ، فَكَانُوا يَتَّهِمُونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِهِ. قُلْتُ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكْفَهِرَّ فِي وُجُوْهِهِم، وَلَعَلَّهُ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ. ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ تِلْمِيْذُهُ: وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَعَ، وَيَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، وَلَوْ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ القِيَامَةَ تَقُوْمُ غَداً، مَا كَانَ فِيْهِ مَزِيْدٌ مِنَ الاجْتِهَادِ. أَخْبَرَنِي أَخُوْهُ، قَالَ: كَانَ أَخِي يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً، ثُمَّ سَرَدَ الصَّوْمَ، وَكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ (1) ، يَتَعَشَّى الخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَلَهُ قَمِيْصٌ وَطَيْلَسَانُ يَشْتُو فِيْهِ وَيَصِيْفُ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ (2) صَرَامَةً، وَقَوْلاً بِالحَقِّ، وَكَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَكَانَ يَرُوحُ إِلَى الجُمُعُةِ بَاكِراً، فَيُصَلِّي إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ، وَرَأَيتُهُ يَأْتِي دَارَ أَجْدَادِهِ عِنْدَ الصَّفَا، فَيَأْخُذُ كِرَاءهَا، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَلَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (3) ، لَزِمَ بَيْتَه إِلَى أَنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ يُجْرِي عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَنَانِيْرَ، وَقَدْ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَه، وَهُوَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ عَمُّ المَنْصُوْرِ، فَكَلَّمَه فِي شَيْءٍ. فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ: إِنِّيْ لأَرَاكَ مُرَائِياً. فَأَخَذَ عُوْداً، وَقَالَ: مَنْ أُرَائِي، فَوَاللهِ لَلنَّاسُ عِنْدِي أَهَوْنُ مِنْ هَذَا. وَلَمَّا وَلِيَ المَدِيْنَةَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، بَعَثَ إِلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، فَاشْتَرَى مِنْهَا سَاجاً (4) كُرْدِيّاً بِعَشْرَةِ دَنَانِيْرَ، فَلَبِسَه عُمُرَهُ، وَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِم بَغْدَادَ،   (1) في " التذكرة " 1 / 192: " وكان خشن العيش ". (2) في المرجع السابق: " وكان من رجال العلم ". (3) انظر الصفحة: 21، حا: 1. (4) الساج: الطيلسان الضخم الغليظ، وقيل: هو الطيلسان المقور ينسج كذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَبِلَ مِنْهُم، فَأَعْطَوْهُ أَلفَ دِيْنَارٍ -يَعْنِي: الدَّوْلَةَ- فَلَمَّا رَجَعَ، مَاتَ بِالكُوْفَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-. نَقَلَ هَذَا كُلَّهُ: ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ) ، عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالوَاقِدِيُّ - وَإِنْ كَانَ لاَ نِزَاعَ فِي ضَعْفِهِ - فَهُوَ صَادِقُ اللِّسَانِ، كَبِيْرُ القَدْرِ. وَفِي (مُسْنَدِ) الشَّافِعِيِّ سَمَاعُنَا: أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيْلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ، أَخَذَ العَقْلَ، وَإِنْ أَحَبَّ، فَلَهُ القَوَدُ (1)) . قُلْتُ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا؟ فَضَرَبَ صَدْرِي، وَصَاحَ كَثِيْراً، وَنَالَ مِنِّي، وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُوْلُ: تَأْخُذُ بِهِ؟! نَعَمْ، آخُذُ بِهِ، وَذَلِكَ الفَرْضُ عَلَيَّ وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ، إِنَّ اللهَ اخْتَارَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّاسِ، فَهَدَاهُم بِهِ، وَعَلَى يَدَيْهِ، فَعَلَى الخَلْقِ أَنْ يَتَّبِعُوْهُ طَائِعِيْنَ أَوْ دَاخِرِيْنَ، لاَ مَخْرَجَ لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: بَلَغَ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ مَالِكاً لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيْثِ: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ (2)) . فَقَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْرَعُ وَأَقْوَلُ بِالحَقِّ مِنْ مَالِكٍ. قُلْتُ: لَوْ كَانَ وَرِعاً كَمَا يَنْبَغِي، لَمَا قَالَ هَذَا الكَلاَمَ القَبِيْحَ فِي حَقِّ إِمَامٍ   (1) مسند الشافعي: 2 / 249. وأخرجه أبو داود: (4504) ، والترمذي: (1406) ، من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح، وإسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البخاري: 1 / 182، ومسلم: (1355) ، والترمذي: (1405) ، وأبو داود: (4505) ، والنسائي: 8 / 38، بلفظ: " ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى، وإما أن يقاد ". (2) أخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 671، في البيوع: باب بيع الخيار، والبخاري: 4 / 276، في البيوع: باب البيعان في الخيار ما لم يتفرقا، ومسلم: (1531) ، في البيوع: باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، من طريق نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 عَظِيْمٍ، فَمَالِكٌ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ؛ لأَنَّهُ رَآهُ مَنْسُوْخاً. وَقِيْلَ: عَمِلَ بِهِ، وَحَمَلَ قَوْلَه: (حَتَّى يَتَفَرَّقَا) عَلَى التَّلَفُّظِ بِالإِيجَابِ وَالقَبُولِ، فَمَالِكٌ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، وَفِي كُلِّ حَدِيْثٍ لَهُ أَجْرٌ وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ أَصَابَ، ازْدَادَ أَجراً آخَرَ، وَإِنَّمَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ الحَرُوْرِيَّةُ (1) . وَبِكُلِّ حَالٍ: فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ لاَ يُعَوَّلُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُ، فَلاَ نَقَصَتْ جَلاَلَةُ مَالِكٍ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِيْهِ، وَلاَ ضَعَّفَ العُلَمَاءُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ بِمَقَالَتِهِ هَذِهِ، بَلْ هُمَا عَالِمَا المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِمَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَلَمْ يُسنِدْهَا الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَلَعَلَّهَا لَمْ تَصِحَّ. كَتَبَ إِلَيَّ مُؤَمَّلٌ البَالِسِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ (2) ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَ عِكْرِمَةَ. وَبِهِ: قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا الجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا المَرْزُبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: لَمَّا حَجَّ المَهْدِيُّ، دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ، إِلاَّ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. فَقَالَ لَهُ المُسَيِّبُ بنُ زُهَيْرٍ: قُمْ، هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ. فَقَالَ المَهْدِيُّ: دَعْهُ، فَلَقَدْ قَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي. وَبِهِ: قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ لِلْمَنْصُوْرِ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَلَوْ أَعَنْتَهُم مِنَ الفَيْءِ. فَقَالَ: وَيْلَكَ! لَوْلاَ مَا سَدَدْتُ مِنَ الثُّغُورِ، لَكُنْتَ تُؤْتَى فِي مَنْزِلِكَ، فَتُذْبَحَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: قَدْ سَدَّ الثُّغُورَ، وَأَعْطَى النَّاسَ مَنْ هُوَ   (1) الحرورية: هم الخوارج، ونسبتهم هذه إلى: حروراء: وهو موضع بظاهر الكوفة، وبه كان أول اجتماعهم وتحكيمهم حين خالفوا عليا - رضي الله عنه - وخرجوا عليه. (2) انظر " تبصير المنتبه " 3 / 1168. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 خَيْرٌ مِنْكَ: عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. فَنَكَسَ المَنْصُوْرُ رَأْسَه - وَالسَّيْفُ بِيَدِ المُسَيِّبِ - ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرُ أَهْلِ الحِجَازِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ. قَدْ دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، فَلَمْ يَهُلْهُ أَنْ قَالَ لَهُ الحَقَّ، وَقَالَ: الظُّلْمُ بِبَابِكَ فَاشٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَقِيْهَ المَدِيْنَةِ. وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَجَجْتُ عَامَ حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، فَدَعَا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى دَارِ النَّدْوَةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ -يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ-؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَتَحَرَّى العَدْلَ. فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِيَّ - مَرَّتَيْنِ -؟ فَقَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ، إِنَّكَ لَجَائِرٌ. قَالَ: فَأَخَذَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: كُفَّ يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ (1) . ثُمَّ أَمَرَ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيِّبِ الأَرْغِيَانِيُّ (2) : سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا فَاتَنِي أَحَدٌ فَأَسِفْتُ عَلَيْهِ، مَا أَسِفْتُ عَلَى اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. قُلْتُ: أَمَّا فَوَاتُ اللَّيْثِ، فَنَعَمْ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَمَا فَرَّطَ فِي الارْتِحَالِ إِلَيْهِ؛ لأَنَّهُ مَاتَ وَلِلشَّافِعِيِّ تِسْعَةُ أَعْوَامٍ. عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ   (1) اللخن: نتن الريح عامة، وقبح ريح الفرج، ويقال: اللخناء: التي لم تختن. (2) ترجمته في " الأنساب ": 1 / 169: الارغياني، بفتح الهمز، وسكون الراء المهملة، وكسر الغين المعجمة: نسبة إلى أرغيان، من بلاد نيسابور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 عَسِراً، أَعْسَرَ أَهْلِ الدُّنْيَا، إِنْ كَانَ مَعَكَ الكِتَابُ، قَالَ: اقْرَأْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ كِتَابٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: كَيْفَ كُنْتَ تَصْنَعُ فِيْهِ؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا، وَأَكْتُبُهَا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: فَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، سَمَاعُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، أَعَرْضٌ هُوَ؟ قَالَ: لاَ يُبَالِي كَيْفَ كَانَ. قُلْتُ: كَانَ يُلَيِّنُهُ فِي الزُّهْرِيِّ بِهَذِهِ المَقَالَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالمُجَوِّدِ فِي الزُّهْرِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَأَلْتُ مُصْعَباً عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ قَدَرِيّاً، إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِ المَهْدِيِّ قَدْ أَخَذُوا أَهْلَ القَدَرِ، وَضَرَبُوْهُم، وَنَفَوْهُم، فَجَاءَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَجَلَسُوا إِلَيْهِ، وَاعْتَصَمُوا بِهِ مِنَ الضَّربِ. فَقِيْلَ: هُوَ قَدَرِيٌّ لأَجْلِ ذَلِكَ، لقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: مَا تَكَلَّمَ فِيْهِ قَطُّ. وَجَاءَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ، وَلَمْ يَرضَهُ فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، أَوِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ؟ فَقَالَ: مَا فِيْهِمَا إِلاَّ ثِقَةٌ. قَدِمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بَغْدَادَ، فَحَمَلُوا عَنْهُ العِلْمَ، وَأَجَازَه المَهْدِيُّ بِذَهَبٍ جَيِّدٍ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى بِلاَدِهِ، فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِالكُوْفَةِ غَرِيْباً، وَذَاكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ رَجُلاً صَالِحاً، قَوَّالاً بِالحَقِّ، يُشَبَّهُ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ البُخَارِيِّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 الدَّارَقَزِّيُّ (1) ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ (2) الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَمْعَانَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَبَا قَتَادَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، وَلَنْ يَسْتَحِلَّ البَيْتَ إِلاَّ أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوْهُ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ العَرَبِ، ثُمَّ تَأْتِي الحَبَشَةُ، فَيُخَرِّبُوْنَهُ خَرَاباً لاَ يُعْمَرُ بَعْدَهَا أَبَداً، وَهُمُ الَّذِيْنَ يَسْتَخْرِجُوْنَ كَنْزَهُ (3)) . وَبِهِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ - هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ: دَخَلَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهِ ثَوْبُ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَبَا العَبَّاسِ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هَذَا الإِسْتَبْرَقُ. قَالَ: مَا عَلِمتُ بِهِ، وَلاَ أَظُنُّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهُ حِيْنَ نَهَى، إِلاَّ لِلتَّجَبُّرِ وَالتَّكَبُّرِ، وَلَسْنَا - بِحَمْدِ اللهِ - كَذَلِكَ. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الطُّيُوْرُ فِي الكَانُوْنِ (4) -يَعْنِي: تَصَاوِيْرَ-؟ قَالَ: أَلاَ تَرَى كَيْفَ أَحرَقْنَاهَا بِالنَّارِ؟ فَلَمَّا خَرَجَ المِسْوَرُ، قَالَ: انْزِعُوا هَذَا الثَّوْبَ عَنِّي، وَاقْطَعُوا رَأْسَ هَذِهِ التَّمَاثِيْلِ وَالطُّيُوْرِ.   (1) نسبة إلى دار القز: محلة كبيرة ببغداد، في طرف الصحراء، وهو المعرف باب طبرزد، ترجمه المؤلف في " العبر ": 5 / 24، فقال: مسند العصر، أبو حفص، موفق الدين عمر بن محمد ابن معمر الدارقزي، المؤدب، ولد سنة: (516 هـ) ، وسمع من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البناء، وطبقتهما، فأكثر. وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة، وروى الكثير، ثم قدم دمشق في آخر أيامه، فازدحموا عليه، وقد أملى مجالس بجامع المنصور، وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر، وكان ظريفا، كثير المزاح، توفي ببغداد سنة: (607 هـ) . (2) هو عبد الله بن محمد الصريفيني، سيترجمه المؤلف فيما بعد، ومعنى: هزار مرد: ألف رجل بالفارسية. انظر " الأنساب ": 8 / 59، و" التاج ": هزر. (3) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد: 2 / 291، من طريق يزيد، و2 / 312، من طريق زيد ابن الحباب، و2 / 328، من طريق أبي النضر وإسحاق بن سليمان، و2 / 351، من طريق حسن ابن محمد، كلهم عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة. (4) الكانون: الموقد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الكَرِيْمِ المُؤَمَّلُ الكَفَرْطَابِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَعْرُوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُوْمُ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، وَيَأْمُرُ بِصِيَامِهِ (1) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ صَنَّفَ (مُوَطَّأً) ، فَلَمْ يُخْرَجْ. ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَثِقَةٌ، إِلاَّ أَبَا جَابِرٍ البَيَاضِيَّ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ ثِقَةٌ، إِلاَّ عَبْدَ الكَرِيْمِ أَبَا أُمَيَّةَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: أَخْذُه عَنِ الزُّهْرِيِّ عَرْضٌ (2) ، وَالعَرْضُ عِنْدَ جَمِيْعِ مَنْ أَدْرَكْنَا صَحِيْحٌ. وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ وَيَحْيَى يَتَنَاظَرَانِ فِي ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، فَقَدَّمَ أَحْمَدَ المَخْرَمِيَّ. فَقَالَ يَحْيَى: المَخْرَمِيُّ شَيْخٌ؟ وَأَيْش عِنْدَهُ؟ وَأَطرَى ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَقَدَّمَهُ عَلَى المَخْرَمِيِّ تَقْدِيْماً كَثِيْراً، مُتَفَاوِتاً. فَذَكَرْتُ هَذَا لِعَلِيٍّ، فَوَافَقَ يَحْيَى. وَسَأَلْتُ عَلِيّاً عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: هِيَ مُقَارَبَةٌ، وَهِيَ عَرْضٌ.   (1) إسناده صحيح. وأخرجه البخاري: 4 / 213، في الصوم: باب صوم يوم عاشوراء، ومسلم: (1125) ، في الصيام: باب صوم يوم عاشوراء، من طريق عروة، عن عائشة. (2) القراءة على الشيخ حفظا، أو من كتاب تسمى عند المحدثين: " عرضا ". والرواية بها سائغة عند العلماء، إلا عند من لا يعتد بخلافهم. انظر: " الباعث الحثيث ": 110. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَورَعِ النَّاسِ، وَأَفَضْلِهِم (1) ، وَكَانُوا يَرْمُوْنَهُ بِالقَدَرَ، وَمَا كَانَ قَدَرِيّاً. أَخْبَرَنِي أَخُوْهُ، قَالَ: كَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً، فَقَدِمَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجْفَةِ الشَّامِ (2) ، فَأَقْبَلَ يُحَدِّثُهُ، وَيَسْتَمِعُ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ إِفَطَارَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ، تَغَدَّ. قَالَ: دَعْهُ اليَوْمَ. فَسَرَدَ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ، إِلَى أَنْ مَاتَ. وَكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ (3) صَرَامَةً، وَكَانَ يَتَشَبَّبُ فِي حَدَاثتِهِ، حَتَّى كَبِرَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَقَالَ: لَوْ طَلَبْتُ وَأَنَا صَغِيْرٌ، كُنْتُ أَدْرَكتُ المَشَايِخَ، فَفَرَّطْتُ فِيْهِم، كُنْتُ أَتَهَاوَنُ. وَكَانَ يَحفَظُ الحَدِيْثَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ. قَالَ حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ: كَانَ يُشَبَّهَ بَابْنِ المُسَيِّبِ، وَمَا كَانَ هُوَ وَمَالِكٌ فِي مَوْضِعٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ، إِلاَّ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِالحَقِّ، وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَمَالِكٌ سَاكِتٌ. قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: مَا حَالُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي الزُّهْرِيِّ؟ فَقَالَ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ. قُلْتُ: هُوَ ثِقَةٌ، مَرْضِيٌّ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: سَأَلْتُ عَلِيّاً عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً، وَكَانُوا يُوَهِّنُوْنَهُ فِي أَشْيَاءَ رَوَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ، فَوَثَّقَهُ، وَلَمْ يَرْضَهُ فِي الزُّهْرِيِّ. قَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: اشْتَكَى بِالكُوْفَةِ، وَبِهَا مَاتَ.   (1) انظر الخبر ص: 140. (2) انظر الصفحة: 115، حا: 1. (3) انظره في الصفحة: 141. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ الله، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئاً مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ (1) . صَحِيْحٌ، عَالٍ. قِيْلَ: أَلَّفَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ كِتَاباً كَبِيْراً فِي السُّنَنِ. 51 - هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَبُو بَكْرٍ بنُ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ * (ع) هُوَ الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، الصَّادِقُ، أَبُو بَكْرٍ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ، الرَّبَعِيُّ مَوْلاَهُم. صَاحِبُ الثِّيَابِ الدَّسْتُوَائِيَّةِ، كَانَ يَتَّجِرُ فِي القِمَاشِ الَّذِي يُجْلَبُ مِنْ دَسْتُوَا. وَلِذَا قِيْلَ لَهُ: صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَدَسْتُوا: بُلَيْدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الأَهْوَازِ. حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَالقَاسِمِ بنِ عَوْفٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَامِرٍ الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَيُوْنُسَ الإِسْكَافِ، وَأَبِي   (1) إسناده صحيح. وأخرجه البخاري: 3 / 434، ومسلم: (1321) ، من طريق الزهري، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 279 - 280، طبقات خليفة: 221، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 8 / 198، التاريخ الصغير: 2 / 116 - 118، المعارف: 512، المعرفة والتاريخ: 3 / 43، الجرح والتعديل: 9 / 59 - 61، مشاهير علماء الأمصار: 158، حلية الأولياء: 6 / 278 - 286، الكامل لابن الأثير: 5 / 613، تهذيب الكمال: خ: 1439 - 1440، تهذيب التهذيب: خ: 4 / 116 - 117، تاريخ الإسلام: 6 / 311 - 312، تذكرة الحفاظ: 1 / 164، ميزان الاعتدال: 4 / 300 عبر الذهبي: 1 / 221، تهذيب التهذيب: 11 / 43 - 45، طبقات الحفاظ: 84، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب: 1 / 235. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 الزُّبَيْرِ، وَأَبِي عِصَامٍ البَصْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الحَكَمِ، وَأَيُّوْبَ، وَبُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ. وَيَنْزِل إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: مَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ: مُعَاذٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَغُنْدَرٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَشَاذُ بنُ فَيَّاضٍ، وَعَفَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ يَأمُرُنَا بِهِشَامِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَيَحُثُّ عَلَى الأَخْذِ عَنْهُ. أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَقُوْلُ إِنَّهُ طَلَبَ الحَدِيْثَ يُرِيْدُ بِهِ اللهَ، إِلاَّ هِشَاماً صَاحِبَ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَيْتَنَا نَنْجُو مِنْ هَذَا الحَدِيْثِ كَفَافاً، لاَ لَنَا وَلاَ عَلَيْنَا. ثُمَّ قَالَ شُعْبَةُ: إِذَا كَانَ هِشَامٌ يَقُوْلُ هَذَا، فَكَيْفَ نَحْنُ (1) ؟! مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارِ بنِ الحَارِثِ الرَّازِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَحْفَظَ مِنِّي عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَالَ شُعْبَةُ: هِشَامٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ قَتَادَةَ مِنِّي، وَأَكْثَرُ مُجَالَسَةً لَهُ مِنِّي. مُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ حُفَّاظِ البَصْرَةِ، فَذَكَرَ هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ.   (1) جاء في ترجمة سفيان الثوري مثل هذا، انظره في الصفحة: 252. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَكَانَ ثَبْتاً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ إِذَا سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، لاَ يُبَالِي أَنْ لاَ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِه. أَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي غَسَّانَ التُّسْتَرِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَحُثُّ عَلَى أَحَدٍ، إِلاَّ عَلَى هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ (1) وَالدَّسْتُوَائِيِّ: أَيُّهُمَا أَثْبَتُ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟ فَقَالَ: الدَّسْتُوَائِيُّ، لاَ تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَداً، مَا أَرَى النَّاسَ يَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ أَثْبَتَ مِنْهُ، مِثْلَه عَسَى، أَمَّا أَثْبَتُ مِنْهُ، فَلاَ. صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَكْثَرُ مَنْ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ بِالبَصْرَةِ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَلِيّاً: مَنْ أَثْبَتُ أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟ قَالَ: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ (2) ، وَأُرَاهُ ذَكَرَ عَلِيَّ بنَ المُبَارَكِ. فَإِذَا سَمِعْتَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، فَلاَ تُرِدْ بَدَلاً. قَالَ العِجْلِيُّ: هِشَامٌ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، كَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ ثَلاَثَةٍ: قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، كَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْعُو إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ مَوْلَى بَنِي سَدُوْسٍ، كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، حُجَّةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَرَى القَدَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكُمَا مِنْ   (1) انظر ترجمته في الصفحة: 107. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 75. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ؟ قَالاَ: هِشَامٌ. قُلْتُ لَهُمَا: وَالأَوْزَاعِيُّ؟ قَالاَ: بَعْدَهُ. وَزَادَنِي أَبُو زُرْعَةَ: لأَنَّ الأَوْزَاعِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ، وَأَثبَتُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ: هِشَامٌ، وَسَعِيْدٌ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ العَيْشِيِّ (1) ، قَالَ: كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ إِذَا فَقَدَ السِّرَاجَ مِنْ بَيْتِهِ، يَتَمَلْمَلُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَأْتِيْهِ بِالسِّرَاجِ. فَقَالَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ إِذَا فَقَدتُ السِّرَاجَ، ذَكَرْتُ ظُلْمَةَ القَبْرِ. وَقَالَ شَاذُ بنُ فَيَّاضٍ: بَكَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ حَتَّى فَسَدَتْ عَيْنُهُ، فَكَانَتْ مَفْتُوْحَةً، وَهُوَ لاَ يَكَادُ يُبْصِرُ بِهَا. وَعَنْ هِشَامٍ، قَالَ: عَجِبْتُ لِلْعَالِمِ كَيْفَ يَضْحَكُ؟! وَكَانَ يَقُوْلُ: لَيْتَنَا نَنْجُو، لاَ عَلَيْنَا وَلاَ لَنَا. قَالَ عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ: سَمِعْتُ هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ إِنِّي ذَهَبتُ يَوْماً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. قُلْتُ: وَاللهِ وَلاَ أَنَا، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَطلُبُوْنَ العِلْمَ للهِ، فَنَبُلُوا، وَصَارُوا أَئِمَّةً يُقتَدَى بِهِم، وطَلَبَهُ قَوْمٌ مِنْهُم أَوَّلاً لاَ للهِ، وَحَصَّلُوْهُ، ثُمَّ اسْتَفَاقُوا، وَحَاسَبُوا أَنْفُسَهُم، فَجَرَّهُمُ العِلْمُ إِلَى الإِخْلاَصِ فِي أَثنَاءِ الطَّرِيْقِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُ: طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ، وَمَا لَنَا فِيْهِ كَبِيْرُ نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِّيَّةَ بَعْدُ. وَبَعْضُهُم يَقُوْلُ: طَلَبْنَا هَذَا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ إِلاَّ للهِ، فَهَذَا أَيْضاً حَسَنٌ، ثُمَّ نَشَرُوْهُ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ. وَقَوْمٌ طَلَبُوْهُ بِنِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لأَجْلِ الدُّنْيَا، وَلِيُثْنَى عَلَيْهِم، فَلَهُم مَا نَوَوْا. قَالَ   (1) العيشي: نسبة إلى جدته عائشة بنت طلحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (مَنْ غَزَا يَنْوِي عِقَالاً، فَلَهُ مَا نَوَى (1)) . وَترَى هَذَا الضَّربَ لَمْ يَسْتَضِيْؤُوا بِنُوْرِ العِلْمِ، وَلاَ لَهُم وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، وَلاَ لِعِلْمِهِم كَبِيْرُ نَتِيجَةٍ مِنَ العَمَلِ، وَإِنَّمَا العَالِمُ مَنْ يَخشَى اللهَ -تَعَالَى-. وَقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ، وَوُلُّوا بِهِ المَنَاصِبَ، فَظَلَمُوا، وَتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بِالعِلْمِ، وَرَكِبُوا الكَبَائِرَ وَالفَوَاحِشَ، فَتَبّاً لَهُم، فَمَا هَؤُلاَءِ بِعُلَمَاءَ! وَبَعْضُهُم لَمْ يَتَقِّ اللهَ فِي عِلْمِهِ، بَلْ رَكِبَ الحِيَلَ، وَأَفْتَى بِالرُّخَصِ، وَرَوَى الشَّاذَّ مِنَ الأَخْبَارِ. وَبَعْضُهُم اجْتَرَأَ عَلَى اللهِ، وَوَضَعَ الأَحَادِيْثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ، وَذَهَبَ عِلْمُهُ، وَصَارَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ. وَهَؤُلاَءِ الأَقسَامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ شَيْئاً كَبِيْراً، وَتَضَلَّعُوا مِنْهُ فِي الجُمْلَةِ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِم خَلْفٌ باَنَ نَقْصُهُم فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. وَتَلاَهُم قَوْمٌ انْتَمَوْا إِلَى العِلْمِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُتْقِنُوا مِنْهُ سِوَى نَزْرٍ يَسِيْرٍ، أَوْهَمُوا بِهِ أَنَّهُم عُلَمَاءُ فُضَلاَءُ، وَلَمْ يَدُرْ فِي أَذهَانِهِم قَطُّ أَنَّهُم يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْخاً يُقْتَدَى بِهِ فِي العِلْمِ، فَصَارُوا هَمَجاً رَعَاعاً، غَايَةُ المُدَرِّسِ مِنْهُم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُباً مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، وَيَنْظُرُ فِيْهَا يَوْماً مَا، فَيُصَحِّفُ مَا يُوْرِدُهُ، وَلاَ يُقَرِّرُهُ. فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ وَالعَفْوَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُم: مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِماً. وَقَدْ كَانَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنَ الأَئِمَّةِ، لَوْلاَ مَا شَابَ عِلْمَهُ بِالقَدَرِ. قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ (2) : قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَرَأَيتَ مَنْ يُرْمَى   (1) أخرجه أحمد: 5 / 315، والدارمي: 2 / 208، والنسائي: 6 / 24، من حديث عبادة ابن الصامت، مرفوعا، بلفظ: " من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلا عقالا، فله ما نوى ". وفي سنده يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقني رجاله ثقات. (2) البرقي، بفتح الباء، وسكون الراء: نسبة إلى برقة، وهو الحافظ العالم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد الزهري، مولاهم البصري، صاحب كتاب " الضعفاء "، وعرف بالبرقي: لأنه كان يتجر إلى برقة. مات سنة (249 هـ) . التذكرة: 569. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 بِالقَدَرِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُه؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ قَتَادَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ ... - وَذَكَرَ جَمَاعَةً - يَقُوْلُوْنَ بِالقَدَرِ، وَهُم ثِقَاتٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُم، مَا لَمْ يَدْعُوا إِلَى شَيْءٍ. قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيْرَةٌ، وَهِيَ: القَدَرِيُّ، وَالمُعْتَزِلِيُّ، وَالجَهْمِيُّ، وَالرَّافِضِيُّ، إِذَا عُلِمَ صِدْقُهُ فِي الحَدِيْثِ وَتَقْوَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِياً إِلَى بِدْعَتِهِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، وَالعَمَلِ بِحَدِيْثِهِ، وَتَرَدَّدُوا فِي الدَّاعِيَةِ، هَلْ يُؤْخَذُ عَنْهُ؟ فَذَهَبَ كَثِيْرٌ مِنَ الحُفَّاظِ إِلَى تَجَنُّبِ حَدِيْثِهِ، وَهُجْرَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُم: إِذَا عَلِمْنَا صِدْقَهُ، وَكَانَ دَاعِيَةً، وَوَجَدْنَا عِنْدَهُ سُنَّةً تَفَرَّدَ بِهَا، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَنَا تَرْكُ تِلْكَ السُّنَّةِ؟ فَجَمِيْعُ تَصَرُّفَاتِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، تُؤْذِنُ بِأَنَّ المُبتَدِعَ إِذَا لَمْ تُبِحْ بِدعَتُه خُرُوْجَه مِنْ دَائِرَةِ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ تُبِحْ دَمَهُ، فَإِنَّ قَبُولَ مَا رَوَاهُ سَائِغٌ. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لَمْ تَتَبَرْهَنْ لِي كَمَا يَنْبَغِي، وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي مِنْهَا: أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي بِدعَةٍ، وَلَمْ يُعَدَّ مِنْ رُؤُوْسِهَا، وَلاَ أَمْعَنَ فِيْهَا، يُقْبَلُ حَدِيْثُه، كَمَا مَثَّلَ الحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا بِأُوْلَئِكَ المَذْكُوْرِيْنَ، وَحَدِيْثُهُم فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ لِصِدْقِهِم وَحِفْظِهِم (1) .   (1) جاء في " تاريخ الثقات " لابن حبان، في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ما نصه: ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة، ولم يكن يدعو إليها، أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته، سقط الاحتجاج بأخباره. وقال أيضا في " صحيحه: 120: " وأما المنتحلون المذاهب من الرواة مثل الارجاء والترفض وما أشبههما، فإنا نحتج بأخبارهم إذا كانوا ثقات، على الشرط الذي وصفناه، ونكل مذهبهم وما تقلدوه فيما بينهم وبين خالقهم إلى الله - جل وعلا - إلا أن يكونوا دعاة إلى ما انتحلوا، فإن الداعي إلى مذهبه، والذاب عنه حتى يصير إماما فيه - وإن كان ثقة - ثم روينا عنه، جعلنا للاتباع لمذهبه طريقا، وسوغنا للمتعلم الاعتماد عليه وعلى قوله. فالاحتياط ترك رواية الأئمة الدعاة منهم، والاحتجاج بالثقات الرواة منهم، على حسب ما وصفنا. ولو عمدنا إلى ترك حديث الأعمش، وأبي إسحاق، وعبد الملك بن عمير، وأضرابهم، لما انتحلوا، وإلى قتادة، وسعيد بن أبي عروبة، وابن أبي ذئب، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 قَالَ مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ: مَكَثَ أَبِي -يَعْنِي: عَاشَ- ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسَنُّ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَشُعْبَةَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، قَالَ: مَاتَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتَادَةَ سَبْعُ سِنِيْنَ -يَعْنِي: فِي المَوْلِدِ-. وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. قُلْتُ: حَدِيْثُه فِي الدَّوَاوِيْنِ كُلِّهَا، إِلاَّ (المُوَطَّأَ) . أَخْبَرَنَا الأَئِمَّةُ: يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ   = وأشباههم، لما تقلدوا، وإلى عمر بن ذر، وإبراهيم التيمي، ومسعر بن كدام، وأقرانهم، لما اختاروا، فتركنا حديثهم لمذاهبهم، لكان ذلك ذريعة إلى ترك السنن كلها، حتى لا يحصل في أيدينا من السنن إلا الشئ اليسير ". والحق في هذه المسألة، كما قال العلامة محمد بخيت المطيعي في حاشيته على " نهاية السول ": 3 / 744: قبول رواية كل من كان من أهل القبلة، يصلي بصلاتنا، ويؤمن بكل ما جاء به رسولنا مطلقا، متى كان يقول بحرمة الكذب، فإن من كان كذلك، لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتأول رآه باجتهاده، وكل مجتهد مأجور - وإن أخطأ -. نعم، إذا كان ينكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، كان كافرا قطعا، لان ذلك ليس محلا للاجتهاد، بل هو مكابرة فيما هو متواتر من الشريعة، معلوم من الدين بالضرورة، فيكون كافرا مجاهرا، فلا يقبل مطلقا، حرم الكذب أو لم يحرمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُم حَدِيْثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَتَقِلَّ الرِّجَالُ، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى تَكُوْنَ فِي الخَمْسِيْنَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، نَحْوَهُ. 52 - حَمَّادٌ عَجْرَدُ أَبُو عَمْرٍو بنُ عُمَرَ السُّوَائِيُّ مَوْلاَهُم * الشَّاعِرُ المُفْلِقُ، أَبُو عَمْرٍو حَمَّادُ بنُ عُمَرَ بنِ يُوْنُسَ بنِ كُلَيْبٍ السُّوَائِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، أَوِ الكُوْفِيُّ. نَادَمَ الوَلِيْدَ بنَ يَزِيْدَ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ زَمَنَ المَهْدِيِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَشَّارِ بنِ بُرْدٍ مُزَاحٌ وَهِجَاءٌ فَاحِشٌ. وَكَانَ قَلِيْلَ الدِّيْنِ، مَاجِناً، اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ، وَهُوَ القَائِلُ: فَأَقْسَمْتُ لَوْ أَصْبَحْتَ فِي قَبْضَةِ الهَوَى ... لأَقْصَرْتَ عَنْ لَوْمِي وَأَطْنَبْتَ فِي عُذْرِي وَلَكِنْ بَلاَئِي مِنْكَ أَنَّكَ نَاصِحٌ ... وَأَنَّكَ لاَ تَدْرِي بِأَنَّكَ لاَ تَدْرِي (2) مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، قَتَلَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ أَمِيْرُ البَصْرَةِ عَلَى   (1) 10 / 28، في أول الاشربة، و: 9 / 288، في النكاح: باب يقل الرجال ويكثر النساء، و: 1 / 162، و: 163، في العلم: باب رفع العلم وظهور الجهل. وأخرجه مسلم: (2671) ، في العلم: باب رفع العلم وقبضه، والترمذي: (2205) ، وابن ماجه: (4045) ، وأحمد: 3 / 98، 151، 176، 202، 213، 273، 289. (*) الشعر والشعراء: 779 - 781، طبقات ابن المعتز: 67 - 72، تاريخ الطبري: 8 / 86، الاغاني: 14 / 321 - 381، تاريخ بغداد: 8 / 148 - 149، معجم الأدباء: 10 / 249 - 254، وفيات الأعيان: 2 / 210 - 214، تاريخ الإسلام: 6 / 173 - 174، لسان الميزان: 2 / 349 - 350، تهذيب ابن عساكر: 4 / 427 - 429. (2) البيتان في: " الاغاني ": 14 / 362، وفيه: أن بشار بن برد سمع أبيات حماد في غلام كان بهواه يقال لهه: أبو بشر، أولها: أخي كف عن لومي فإنك لا تدري * بما فعل الحب المبرح في صدري = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 الزَّنْدَقَةِ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي سَفَرٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَيُقَالُ: هَلَكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَعْدَ ذَلِكَ. 53 - حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ أَبُو القَاسِمِ بنُ سَابُوْرَ الشَّيْبَانِيُّ * هُوَ العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو القَاسِم ِ حَمَّادُ بنُ سَابُوْرَ بنِ مُبَارَكٍ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلاَهُم. كَانَ مَكِيْناً وَنَدِيْماً لِلْوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ، رَاوِيَةً لأَيَّامِ النَّاسِ، وَالشِّعْرِ، وَالنَّسَبِ. طَالَ عُمُرُهُ، وَأَخَذَ عَنْهُ: المَهْدِيُّ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ. وَكَانَ قَلِيْلَ النَّحْوِ، رُبَّمَا لَحَنَ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي دَوْلَةِ المَهْدِيِّ، نَحْوَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ الوَلِيْدَ بنَ يَزِيْدَ سَأَلَهُ: لِمَ سُمِّيتَ الرَّاوِيَةَ؟ قَالَ: لأَنِّي أَرْوِي لِكُلِّ شَاعِرٍ تَعْرِفُهُ، وَلِكُلِّ شَاعِرٍ تَعتَرِفُ أَنَّكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ لاَ تَعْرِفُهُ، وَأُنْشِدُكَ عَلَى كُلِّ حَرفٍ مِنْ حُرُوْفِ المُعْجَمِ مائَةَ قَصِيدَةٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ وَكَّلَ بِهِ مَنْ يَسْتَنْشِدُهُ، حَتَّى   = ومنها البيتان، فطرب بشار، ثم قال: ويلكم، أحسن والله، من هذا؟ قالوا: حماد عجرد. قال: أوه، وكلتموني والله بقية يومي بهم طويل، والله لاأطعم بقية يومي طعاما، ولا أصوم غما بما يقول النبطي ابن الزانية مثل هذا ". وفيه شطر البيت الأول: " فأقسم لو أصبحت في لوعة الهوى ". وانظر البيتين أيضا في " معجم الأدباء ": 10 / 253. (*) المعارف: 541، طبقات ابن المعتز: 69 - 72، الاغاني: 6 / 70 - 95، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، معجم الأدباء: 10 / 258 - 266، وفيات الأعيان: 2 / 206 - 210، تاريخ الإسلام: 6 / 56، 172 - 173، البداية والنهاية: 10 / 114، لسان الميزان: 2 / 352 - 353، شذرات الذهب: 1 / 239، خزانة الأدب: 4 / 129 - 132، تهذيب ابن عساكر: 4 / 430 - 434. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 سَرَدَ أَلفَينِ وَتِسْعَمائَةِ قَصِيدَةٍ، فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ أَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفٍ. 54 - مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحِ بنِ حُدَيْرِ بنِ سَعِيْدٍ الحَضْرَمِيُّ * (م، 4) ابْنِ سَعْدِ بنِ فِهْرٍ الحَضْرَمِيُّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، قَاضِي الأَنْدَلُسِ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، الشَّامِيُّ، الحِمْصِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ المُنَادِي، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا رِزْقُ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قِيْلَ لَهَا: مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَراً مِنَ البَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ (الشَّمَائِلِ) ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيِّ بَلَدِيِّه، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَمُعَاوِيَةُ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 521، التاريخ الكبير: 7 / 335، التاريخ الصغير: 2 / 175، المعرفة والتاريخ: 2 / 426، الضعفاء: خ: 413 - 414، الجرح والتعديل: 8 / 382 - 383، تهذيب الكمال: خ: 1344، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 51 - 52، تاريخ الإسلام: 6 / 291 - 293، تذكرة الحفاظ: 1 / 176، ميزان الاعتدال: 4 / 135، عبر الذهبي: 1 / 229، العقد الثمين: 7 / 237 - 238، تهذيب التهذيب: 10 / 209 - 212، طبقات الحفاظ: 77، خلاصة تذهيب الكمال: 381. (1) أبو صالح هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، كاتب الليث، وهو سيئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات. أخرجه الترمذي في " الشمائل ": (335) ، من طريق محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح به. وأخرجه أحمد في " المسند ": 6 / 256، من طريق حماد بن خالد، عن ليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة. وهذا سند حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُشَرَّفٍ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ جَشِيْبٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الطَّعَامِ: (الحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلاَ مُوَدَّعٍ، وَلاَ مُسْتَغْنَىً عَنْهُ (1)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ يُوْنُسَ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرِ بنِ كُرَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَأَبِي مَرْيَمَ الأَنْصَارِيِّ، وَنُعَيْمِ بنِ زِيَادٍ الأَنْمَارِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ سَيْفٍ، وَيَحْيَى بنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، وَعَامِرِ بنِ جَشِيْبٍ، وَضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، وَأَزْهَرَ بنِ سَعِيْدٍ الحَرَازِيِّ، وَحَاتِمِ بنِ حُرَيْثٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَزِيَادِ بنِ أَبِي سَوْدَةَ، وَالسَّفْرِ بنِ نُسَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَيْسٍ، وَصَالِحِ بنِ جُبَيْرٍ الأُرْدُنِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَعَبْدِ القَاهِرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ، وَالعَلاَءِ بنِ   (1) إسناده حسن. وأخرجه البخاري: 9 / 501، في الاطعمة: باب ما يقول إذا فرغ من طعامه من طريق أبي نعيم، عن سفيان، الثوري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، وأخرجه الترمذي: (3456) ، في الدعوات: باب ما يقول إذا فرغ من الطعام، من طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 الحَارِثِ، وَكَثِيْرِ بنِ الحَارِثِ، وَالقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَحَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ، وَالوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، وَهَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَآخَرُوْنَ. وَفَرَّ مِنَ الشَّامِ مَعَ المَرْوَانِيَةِ، فَدَخَلَ مَعَهُمُ الأَنْدَلُسَ، فَلَمَّا اسْتَولَى عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الدَّاخِلُ، وَلاَّهُ قَضَاءَ مَمَالِكِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَجَّ، وَحَدَّثَ بِالحِجَازِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: خَرَجَ مِنْ حِمْصَ قَدِيْماً، وَكَانَ ثِقَةً. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَالِحٌ. وَأَمَّا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، فَرَوَى عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِرَضِيٍّ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَرضَاهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: مَا كُنَّا نَأخُذُ عَنْهُ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَلاَ حَرفاً. وَقَالَ عَلِيٌّ أَيْضاً: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُوَثِّقُهُ. أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَا كَانَ بِأَهْلٍ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ. قُلْتُ: أَظُّنُه يُشِيْرُ إِلَى مُدَاخَلَتِه لِلدَّوْلَةِ. ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ خَالِي مُوْسَى بنَ سَلَمَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 صَالِحٍ لأَكتُبَ عَنْهُ، فَرَأَيْتُ - أُرَاهُ قَالَ - المَلاَهِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: شَيْءٌ نُهْدِيهِ إِلَى صَاحِبِ الأَنْدَلُسِ. قَالَ: فَتَرَكتُهُ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، مُحَدِّثٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، حَسَنُ الحَدِيْثِ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ: خَرَجَ عَنْ حِمْصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَجَّ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، فَفِيْهَا لَقِيَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَسُفْيَانُ بِمَكَّةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ قَاضِياً لَهُم بِالأَنْدَلُسِ، حَجَّ مِنْ دَهْرِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَمَرَّ بِالمَدِيْنَةِ، فَلَقِيَهُ مَنْ لَقِيَهُ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: خَرَجَ مِنْ حِمْصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَهُوَ شَابٌّ، فَصَارَ إِلَى المَغْرِبِ، فَوَلِيَ قَضَاءهُم. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: مَرَّ بِنَا مُعَاوِيَةُ حَاجّاً سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَكَتَبَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ مِصْرَ، وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: كُنَّا بِمَكَّةَ نَتَذَاكَرُ الحَدِيْثَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذَا إِنْسَانٌ قَدْ دَخَلَ فِيْمَا بَيْنَنَا، يَسْمَعُ حَدِيْثَنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ. فَاحْتَوَشْنَاهُ (1) . أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ   (1) احتوشناه: جعلناه وسطنا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 بنُ صَالِحٍ، فَجَالَسَ اللَّيْثَ، فَحَدَّثَه، فَقَالَ اللَّيْثُ: يَا عَبْدَ اللهِ! ائْتِ الشَّيْخَ، فَاكتُبْ مَا يُمْلِي عَلَيْكَ. فَأَتَيْتُهُ، وَكَانَ يُملِيْهَا عَلَيَّ، ثُمَّ نَصِيْرُ إِلَى اللَّيْثِ نَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَسمِعْتُهَا مِنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ مَرَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حُدِّثتُ عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجَوَيْه، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: إِنَّكَ تَطلُبُ الغَرَائِبَ، فَائْتِ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ، وَاكتُبْ كِتَابَ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، تَسْتَفِيْدُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: مِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ وَسَطٌ، لَيْسَ بِالثَّبْتِ، وَلاَ بِالضَّعِيْفِ، وَمِنْهُم مَنْ يُضَعِّفُه. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ عَبْدَةَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيْثِ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، زَبَرَهُ (1) يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَقَالَ: أَيْش هَذِهِ الأَحَادِيْثُ؟ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُبَالِي عَمَّنْ رَوَى، وَيَحْيَى ثِقَةٌ فِي حَدِيْثِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لِمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ كِتَابٌ، وَعِنْدَ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ كِتَابٌ، وَعِنْدَ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَمَعْنٍ عَنْهُ أَحَادِيْثُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، وَثِقَاتُ النَّاسِ، وَمَا أَرَى بِحَدِيْثِهِ بَأْساً، وَهُوَ عِنْدِي صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقَعُ فِي حَدِيْثِهِ أَفْرَادَاتٌ. وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ (الثِّقَاتِ) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ مِصْرَ، وَذَهَبَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ الأَنْدَلُسَ وَمَلَكَهَا، اتَّصَلَ بِهِ، فَأَرْسَلَه إِلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أَمرِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ، وَلاَّهُ قَضَاءَ الجَمَاعَةِ بِالأَنْدَلُسِ .... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ   (1) يقال: زبره يزبره عن الامر زبرا: نهاه وانتهره. والزبر: الزجر والمنع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 بَكْرُ بنُ أَحْمَدَ الشَّعْرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى مُصَنِّفِ (تَارِيْخِ حِمْصَ) ، وَلَهُ عَقِبٌ بِالأَنْدَلُسِ إِلَى الآنِ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، وَغَيْرهُ، كَذَلِكَ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِه: إِنَّهَا سَنَةُ ثَمَانٍ. وَقَالَ الرَّمَادِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَسَمِعنَا مِنْهُ، فَحَجَّ، ثُمَّ رَجَعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الحجِّ، فَسَمِعنَا مِنْهُ. 55 - مِسْعَرُ بنُ كِدَامِ بنِ ظُهَيْرِ بنِ عُبَيْدَةَ الهِلاَلِيُّ * (ع) ابْنِ الحَارِثِ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ العِرَاقِ، أَبُو سَلَمَةَ الهِلاَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، الأَحْوَلُ، الحَافِظُ، مِنْ أَسْنَانِ شُعْبَةَ. رَوَى عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَبْرٍ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَارَةَ بنِ رُوَيْبَةَ، وَوَبْرَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُسْلِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ العَمِّيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ القِبْطِيِّةِ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَمَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ، وَيَزِيْدَ الفَقِيْرِ،   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 364 - 365، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 426، التاريخ الكبير: 8 / 13، التاريخ الصغير: 2 / 121، المعارف: 481، المعرفة والتاريخ: 1 / 141، 2 / 191 - 192، 634، 658 - 660، 680، 708، 3 / 103، 175، 234، الجرح والتعديل: 8 / 368 - 369، مشاهير علماء الأمصار: 169، حلية الأولياء: 7 / 209 - 270، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 89، تهذيب الكمال: خ: 1320 - 1321، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 34 - 35، تاريخ الإسلام: 6 / 287 - 290، تذكرة الحفاظ: 1 / 188 - 190، ميزان الاعتدال: 4 / 99، عبر الذهبي: 1 / 224، تهذيب التهذيب: 10 / 113 - 115، طبقات الحفاظ: 81 - 82، خلاصة تذهيب الكمال: 374، شذرات الذهب: 1 / 238 - 239. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 وَعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ صَاحِبِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَخَلْقٍ. وَقَدْ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ، أَسَامِيْهِم مُحَمَّدٌ (1) ، مِنْهُم: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ. وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ اليَمَامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ، وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ مِسْعَرٍ أَلفُ حَدِيْثٍ، فَكَتَبْتُهَا سِوَى عَشْرَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَثْبَتَ مِنْ مِسْعَرٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الثِّقَةُ كَشُعْبَةَ وَمِسْعَرٍ. وَقَالَ وَكِيْعٌ: شَكُّ مِسْعَرٍ كَيَقِيْنِ غَيْرِهِ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ العِرَاقِ أَفْضَلُ مِنْ ذَاكَ السِّخْتِيَانِيِّ أَيُّوْبَ، وَذَاكَ الرُّؤَاسِيِّ مِسْعَرٍ. وَرُوِيَ عَنِ: الحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ إِلاَّ مِثْلُ مِسْعَرٍ، إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَقَلِيْلٌ.   (1) زيادة لا بد منها، وسيرد في الصفحة (168) ما يوضح ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالُوا لِلأَعْمَشِ: إِنَّ مِسْعَراً يَشُكُّ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ: شَكُّهُ كَيَقِيْنِ غَيْرِهِ. وَعَنْ خَالِدِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيتُ مِسْعَراً كَأَنَّ جَبْهَتَه رُكبَةُ عَنْزٍ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْكَ (1) ، حَسِبْتَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الحَائِطِ مِنْ شِدَّةِ حُؤُولَتِهِ. وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ لَكَ وَالِدٌ، وَأَنْتَ لَنَا وَلَدٌ - وَكَانَتْ جَدَّتُهُ أُمُّ الفَضْلِ هِلاَلِيَةً، يَعْنِي وَالِدَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ -. فَقَالَ لِي: تَقَرَّبتَ إِلَيَّ بِأَحَبِّ أُمَّهَاتِي إِلَيَّ، وَلَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُم مِثْلَكَ، لَمَشَيْتُ مَعَهُم فِي الطَّرِيْقِ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: دَعَانِي أَبُو جَعْفَرٍ لِيُوَلِّيَنِي، فَقُلْتُ: إِنَّ أَهْلِي يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَرضَى اشْتِرَاءكَ لَنَا فِي شَيْءٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَأَنْتَ تُوَلِّيْنِي؟! - أَصْلَحَكَ اللهُ - إِنَّ لَنَا قَرَابَةً وَحَقّاً. قَالَ: فَأَعْفَاهُ. قَالَ سَعْدُ بنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِسْعَرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ نِصْفَ القُرْآنِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ: مَنْ أَبْغَضَنِي، جَعَلَهُ اللهُ مُحَدِّثاً. وَقَالَ مِسْعَرٌ: مَنْ صَبَرَ عَلَى الخَلِّ وَالبَقْلِ، لَمْ يُسْتَعَبْدْ. وَقَالَ مَرَّةً لِرَجُلٍ رَأَى عَلَيْهِ ثِيَاباً جَيِّدَةً: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلَةِ طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ طَالِبَ حَدِيْثٍ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ مَعْنٌ: مَا رَأَيتُ مِسْعَراً فِي يَوْمٍ إِلاَّ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي كَانَ بِالأَمْسِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ لِمِسْعَرٍ أُمٌّ عَابِدَةٌ، فَكَانَ يَخْدُمُهَا، وَكَانَ مُرْجِئاً (2) ، فَمَاتَ، فَلَمْ يَشهَدْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ.   (1) في الأصل " إليه " وأثبتنا ما في " الحلية ": 7 / 214. (2) قد يطلق الارجاء على أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الذين يزعمون تخليد صاحب الكبيرة في النار، لانهم لا يقطعون بعقاب الفساق الذين يرتكبون الكبائر، ويفوضون أمرهم = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَرحَلْ مِسْعَرٌ فِي حَدِيْثٍ قَطُّ. قُلْتُ: نَعَمْ، عَامَّةُ حَدِيْثِه عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، إِلاَّ قَتَادَةَ، فَكَأَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ. قَالَ شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ: كُنَّا نُسَمِّي مِسْعَراً: المُصْحَفَ -يَعْنِي مِنْ إِتْقَانِهِ-. وَقَالُوا مَرَّةً لِمِسْعَرٍ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيتَ؟ فَقَالَ: عَمْرُو بنُ مُرَّةَ. وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيتَ؟ قَالَ: مِسْعَرٌ. وَقَالَ شُعْبَةُ: مِسْعَرٌ لِلْكُوفِيِّينَ، كَابْنِ عَوْنٍ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ، سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ لِنَفْسِهِ، فَقَدِ اكْتَفَى، وَمَنْ طَلَبَهُ لِلنَّاسِ، فَلْيُبَالِغْ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ الحَدِيْثَ كَانَ قَوَارِيْرَ عَلَى رَأْسِي، فَسَقَطَتْ، فَتَكَسَّرَتْ. وَعَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مِسْعَرٌ قَدْ جَمَعَ العِلْمَ وَالوَرَعَ. وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الخُرَيْبِيِّ، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ، إِلاَّ مِسْعَرٌ. وَمِمَّا كَانَ مِسْعَرٌ يُنشِدُهُ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ: نَهَارُكَ يَا مَغْرُوْرُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ   = إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ويطلق على من يقول بعدم دخول الاعمال في الايمان، وأن الايمان لا يزيد ولا ينقص - وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه - من جانب المحدثين القائلين بدخول الاعمال في مسمى الايمان، وأنه يزيد وينقص. ويطلق على من يقول: الايمان هو معرفة الله، ويجعل ما سوى الايمان من الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة. وهذا القسم الأخير من الارجاء هو المذموم صاحبه، المتهم في دينه. وقد قال المؤلف في " ميزانه ": 4 / 99: " مسعر بن كدام حجة إمام، ولا عبرة بقول السليماني: كان من المرجئة مسعر وحماد بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرة وعبد العزيز بن أبي رواد وأبو معاوية وعمرو بن ذر ... ، وسرد جماعة. قلت: الارجاء مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قائله ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 وَتَتْعَبُ فِيْمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيْشُ البَهَائِمُ (1) قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ مِسْعَرٍ، كَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُنَّا إِذَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْءٍ، أَتَيْنَا مِسْعَراً. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ: إِنَّ هَذَا الحَدِيْثَ يَصُدُّكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَعَنِ الصَّلاَةِ، فَهَلْ أَنْتُم مُنْتَهُوْنَ؟ قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيْهَا: هَلْ طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ، أَوْ صَلاَةُ النَّافِلَةِ وَالتِّلاَوَةُ وَالذِّكرُ؟ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخلِصاً للهِ فِي طَلَبِ العِلمِ، وَذِهنُه جَيِّدٌ، فَالعِلْمُ أَوْلَى، وَلَكِنْ مَعَ حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ وَتَعَبُّدٍ، فَإِنْ رَأَيتَه مُجِدّاً فِي طَلَبِ العِلْمِ لاَ حظَّ لَهُ فِي القُرُبَاتِ، فَهَذَا كَسلاَنُ مَهِيْنٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِصَادِقٍ فِي حُسنِ نِيَّتِه، وَأَمَّا مَنْ كَانَ طَلَبُه الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ غِيَّةً وَمَحبَّةً نَفْسَانِيَّةً، فَالعِبَادَةُ فِي حَقِّه أَفْضَلُ، بَلْ مَا بَيْنَهُمَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَهَذَا تَقسِيْمٌ فِي الجُمْلَةِ، فَقَلَّ -وَاللهِ- مَنْ رَأَيتُه مُخلِصاً فِي طَلَبِ العِلْمِ. دَعْنَا مِنْ هَذَا كُلِّه، فَلَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ اليَوْمَ عَلَى الوَضعِ المُتَعَارَفِ مِنْ حَيِّزِ طَلَبِ العِلْمِ، بَلْ اصْطِلاَحٌ وَطَلَبُ أَسَانِيْدَ عَالِيَةٍ، وَأَخْذٌ عَنْ شَيْخٍ لاَ يَعِي، وَتَسمِيْعٌ لِطِفلٍ يَلْعَبُ وَلاَ يَفْهَمُ، أَوْ لِرَضِيعٍ يَبْكِي، أَوْ لِفَقِيْهٍ يَتَحَدَّثُ مَعَ حَدَثٍ، أَوْ آخَرَ يَنسَخُ. وَفَاضِلُهُم مَشْغُوْلٌ عَنِ الحَدِيْثِ بِكِتَابَةِ الأَسْمَاءِ أَوْ بِالنُّعَاسِ، وَالقَارِئُ إِنْ كَانَ لَهُ مُشَارَكَةٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الفَضِيْلَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِرَاءةِ مَا فِي الجُزْءِ، سَوَاءٌ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ الاسْمُ، أَوِ اخْتَبَطَ المَتْنُ، أَوْ كَانَ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ. فَالعِلْمُ عَنْ هَؤُلاَءِ بِمَعْزِلٍ، وَالعَمَلُ لاَ أَكَادُ أَرَاهُ، بَلْ أَرَى أُمُوْراً سَيِّئَةً - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -.   (1) في الأصل: " تنعت "، والتصحيح من " تاريخ " المؤلف: 6 / 288، و" الحليلة ": 7 / 220 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: رَأَيت مِسْعَراً فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيَّ العَمَلِ وَجَدْتَ أَنفَعَ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللهِ. وَقَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ مِسْعَرٌ لأَنْ يُنْزَعَ ضِرْسُهُ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ حَدِيْثٍ. وَرُوِيَ عَنْ: زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ مِسْعراً قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. وَرَوَى: مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي مَخْزُوْمٍ، ذَكَرَهُ عَنْ مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، قَالَ: التَّكذِيبُ بِالقَدَرِ أَبُو جَاد (1) الزَّنْدَقَةِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكَ يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: رَوَى مِسْعَرٌ عَنْ جَمَاعَةٍ اسْمُهُم مُحَمَّدٌ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ اليَمَامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ: سُوْرَةُ المُلْكِ مَنْ قَرَأَهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطَابَ، وَهِيَ المَانِعَةُ؛ تَمنَعُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ؛ إِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، قَالَ لَهُ رَأْسُه: قِبَلَكَ عَنِّي، فَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ بِي، وَفِيَّ سُوْرَةُ المُلْكِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ بَطْنِهِ، قَالَ لَهُ بَطْنُهُ: قِبَلَكَ عَنِّي، فَقَدْ كَانَ وَعَى فِيَّ   (1) أي: أول الزندقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 سُوْرَةَ المُلْكِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، قَالَتْ لَهُ رِجْلاَهُ: قِبَلَكَ عَنِّي، فَقَدْ كَانَ يَقُوْمُ بِي بِسُوْرَةِ المُلْكِ (1) ، وَهِيَ كَذَاكَ مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ. تَابَعَهُ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يُنشِدُ: وَمُشَيِّدٍ دَاراً لِيَسْكُنَ دَارَهُ ... سَكَنَ القُبُوْرَ وَدَارُهُ لَمْ تُسْكَنِ (2)   (1) إسناده حسن وأخرجه الحاكم في 2 / 498، من طريق سفيان، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، قال: يؤتى الرجل في قبره، فتؤتى رجلاه، فتقول رجلاه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقوم يقرأ بي سورة " الملك "، ثم يؤتى من قبل صدره - أو قال: بطنه - فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي سورة " الملك " ثم يؤتى من قبل رأسه، فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي سورة " الملك " قال: فهي المانعة، تمنع من عذاب القبر، وهي في التوراة سورة " الملك "، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وأورده السيوطي في " الدر المنثور ": 6 / 247، وزاد نسبته لابن الضريس والطبراني والبيهقي في " شعب الايمان ". وأخرج أحمد: 2 / 299، و321، من حديث أبي هريرة، مرفوعا: " إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: (تبارك الذي بيده الملك ... ) وأخرجه الترمذي: (2893) ، في ثواب القرآن: باب ما جاء في فضل سورة " الملك "، وأبو داود: (1400) ، في الصلاة: باب في عدد الآي، وابن ماجه: (3786) في الأدب: باب ثواب القرآن كلهم من طريق شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة. وعباس الجشمي وثقه ابن حبان، وأخرج حديثه هذا في " صحيحه ": (1766) ، وصححه الحاكم: 1 / 565، و: 2 / 497، 498، ووافقه الذهبي المؤلف، وله شاهد من حديث أنس عند الطبراني والضياء المقدسي، من طريق سلام بن مسيكن، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: (تبارك الذي بيده الملك) . " وآخر عند الترمذي: (2892) ، في ثواب القرآن: باب ما جاء في " الملك "، وحسنه من حديث ابن عباس، قال: ضرب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر ". وفي سنده يحيى ابن عمرو بن مالك النكري، وهو ضعيف. (2) الحلية: 7 / 221، تاريخ الإسلام: 6 / 389. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يُوصِي وَلَدَهُ كِدَاماً: إِنِّيْ مَنَحْتُكَ يَا كِدَامُ نَصِيْحَتِي ... فَاسْمَعْ مَقَالَ أَبٍ عَلَيْكَ شَفِيْقِ أَمَّا المُزَاحَةُ وَالمِرَاءُ، فَدَعْهُمَا ... خُلُقَانِ لاَ أَرْضَاهُمَا لِصَدِيْقِ إِنِّيْ بَلَوْتُهُمَا فَلَمْ أَحْمَدْهُمَا ... لِمُجَاوِرٍ جَاراً وَلاَ لِرَفِيْقِ وَالجَهْلُ يُزْرِي بِالفَتَى فِي قَوْمِهِ ... وَعُرُوْقُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ عُرُوْقِ (1) وَهَذَانِ البَيْتَانِ أَظُنُّهمَا لابْنِ المُبَارَكِ: مَنْ كَانَ مُلْتَمِساً جَلِيْساً صَالِحاً ... فَلْيَأْتِ حَلْقَةَ مِسْعَرِ بنِ كِدَامِ فِيْهَا السَّكِيْنَةُ وَالوَقَارُ، وَأَهْلُهَا ... أَهْلُ العَفَافِ وَعِلْيَةُ الأَقْوَامِ (2) وَمِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَثَابِتٌ الزَّاهِدُ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ، فَقَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ (3)) . وَبِهِ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا نَائِلُ بنُ نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ عُمَرَ فِي الجَنَّةِ، لأَنَّ مَا رَأَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) الحلية: 7 / 221، تاريخ الإسلام: 6 / 389. (2) في " الحلية ": 7 / 219، وينسبهما لعبد الله بن محمد بن عبيد، و" تاريخ الإسلام ". 6 / 390، لبعضهم، و" تذكرة الحفاظ ": 1 / 189 - 190، لابن المبارك أو غيره. (3) رجاله ثقات. وسنده قوي، محمد بن سليمان هو الباغندي الحافظ محدث العراق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 فَهُوَ حَقٌّ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيتُ فِيْهَا قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ) . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَيْكَ أَغَارُ (1) ؟! أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ المُؤَيَّدِ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِمائَةٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي قَاسِمٍ البَغَوِيِّ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ (2) . اخْتُلِفَ عَلَى مِسْعَرٍ فِي إِسْنَادِه كَمَا سَتَرَى. وَبِهِ: إِلَى عِيْسَى بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبَّاسٍ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا   (1) إسناده ضعيف لضعف محمد بن يونس وهو الكديمي، وشيخه نائل بن نجيح، لكن حديث دخول الجنة ورؤية القصر صحيح ثابت من طريق آخر، أخرجه البخاري: 7 / 34، في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: باب مناقب عمر بن الخطاب، من طريق الحجاج بن منهال، عن عبد العزيز بن الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ " فقال: هذا بلال، و" رأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ " فقال: لعمر " فأردت أن أدخله فأنطر إليه، فذكرت غيرتك ". فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله! أعليك أغار؟ ! وأخرجه أيضا: 9 / 284، في النكاح، من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، و: 12 / 366، من طريق عمرو بن علي، كلاهما عن المعتمر، عن عبيد الله العمري، عن محمد بن المنكدر به. وأخرجه مسلم: (2394) ، من طرق عن سفيان، عن عمرو، وابن المنكدر، عن جابر، وهو في " المسند ": 3 / 372، و: 386، و: 390. وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البخاري: 7 / 35، و9 / 284، و12 / 366، ومسلم: (3395) . (2) الحفاظ من أصحاب مسعر رووه عن زياد بن علاقة، عن المغيرة، وخالفهم محمد بن بشر وحده فرواه - كما ترى - عن مسعر، عن قتادة، عن أنس. أخرجه البزار، وقال: الصواب: عن مسعر، عن زياد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ الحَرَّانِيُّ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْمُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ: (أَفَلاَ أَكُوْنُ عَبْداً شَكُوْراً) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوْبِيِّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي القَرَافِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلٍ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ القَوَّاسِ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوْبِيِّ، قَالُوا ثَلاَثَتَهُم: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ سُفْيَانَ أَوْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْمُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ (1) ... ، الحَدِيْثَ. تَفَرَّد بِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ وَاقِدٍ، أَبُو قَتَادَةَ الحَرَّانِيُّ هَكَذَا. وَحَدِيْثُ مُحَمَّدِ بن بِشْرٍ العَبْدِيِّ، عَنْ مِسْعَرٍ عِلَّةٌ لَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ: خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، فَقَالَ: عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ (2) ، وَهَذَا أَصَحُّ الأَقْوَالِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) وأخرجه الطبراني في " الكبير "، من رواية أبي قتادة الحراني، عن مسعر، عن علي، عن أبي جحيفة، وهذا خطأ، والصواب: عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيره بن شعبة، كما سيجئ. (2) أخرجه البخاري: 3 / 12، في التهجد: باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل، من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، و: 8 / 261، في التفسير، من طريق خلاد بن يحيى، كلاهما عن مسعر، حدثنا زياد بن علاقة، قال: سمعت المغيرة بن شعبة، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي حتى ترم، أو = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ ابْنَ المَهْدِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثِقَةً؟ فَقَالَ: كَانَ مُؤَدِّباً، وَكَانَ خِيَاراً، الثِّقَةُ شُعْبَةُ وَمِسْعَرٌ. أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: مِسْعَرٌ أَثْبَتُ، ثُمَّ سُفْيَانُ (1) ، ثُمَّ شُعْبَةُ (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: كَانَ مِسْعَرٌ شَكَّاكاً فِي حَدِيْثِهِ، وَلَيْسَ يُخطِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ، إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. كَانَ الأَعْمَشُ يَقُوْلُ: شَيْطَانُ مِسْعَرٍ يَسْتَضعِفُهُ، يُشَكِّكُه فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ الشِّعْرَ. وَقَالَ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: حُجَّةٌ، مَنْ بِالكُوْفَةِ مِثْلُه؟! وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مِسْعَرٌ أَتقَنُ مِنْ سُفْيَانَ، وَأَجْوَدُ حَدِيْثاً، وَأَعْلَى إِسْنَاداً، وَهُوَ أَتقَنُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى مِسْعَرٌ عَنْ مائَةٍ لَمْ يَروِ عَنْهُم سُفْيَانُ. مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ يَا أَبَا نُعَيْمٍ؟ فَزَوَرَنِي، وَقَالَ: أَقُوْلُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ. وَلقَدْ مَاتَ مِسْعَرٌ وَكَانَ مِنْ خِيَارِهِم، وَسُفْيَانُ وَشَرِيْكٌ شَاهِدَانِ، فَمَا حَضَرَا جِنَازَتَه. تُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   = تنتفخ قدماه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا ". وأخرجه مسلم: (2819) ، من طريق أبي عوانة وسفيان، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة ابن شعبة. وفي الباب، عن عائشة، أخرجه البخاري: 8 / 449، ومسلم: (2820) . (1) ستأتي ترجمته: الصفحة: 229. (2) ستأتي ترجمته: الصفحة: 202. (3) ستأتي ترجمته: الصفحة: 456. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 56 - مَالِكُ بنُ مِغْوَلِ بنِ عَاصِمِ بنِ غَزِيَّةَ بنِ خَرَشَةَ البَجَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالحَكَمِ، وَعَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَسِمَاكٍ، وَزُبَيْدٍ اليَامِيِّ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ - شَيْخُهُ - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمِسْعَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: رَجُلٌ صَالِحٌ، مُبَرِّزٌ فِي الفَضْلِ.   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 365، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 428، 429، التاريخ الكبير: 7 / 314، التاريخ الصغير: 2 / 131، المعرفة والتاريخ: 1 / 146، 2 / 583، 689، الجرح والتعديل: 8 / 215 - 216، مشاهير علماء الأمصار: 169، تهذيب الكمال: خ: 1299، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 19، تاريخ الإسلام: 6 / 272، تذكرة الحفاظ: 1 / 193، ذكره ولم يترجم له، عبر الذهبي: 1 / 233، تهذيب التهذيب: 10 / 22 - 23، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 367 - 368، شذرات الذهب: 1 / 247. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 وَقَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ: اتَّقِ اللهَ. فَوَضَعَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ سَادَةِ العُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. قَالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى الأُشْنَانِيُّ، وَبَيْنَ وَفَاتِهِمَا سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٍ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَحَدِيْثُهُ يَكُوْنُ نَحْواً مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ بِحَلَبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ شَاتِيْلَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ بنُ خُشَيْشٍ (1) ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدٍ - وَأَنَا أَسْمَعُ - حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، أَنْبَأَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَأَنِّيْ أَنظُرُ إِلَى وَبِيْصِ الطِّيْبِ فِي مَفْرِقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ إِسْرَائِيْلَ وَأَخِيْهِ   (1) هو محمد بن عبد الكريم بن محمد بن خشيش المتوفى سنة (502 هـ) " العبر ". (2) أخرجه البخاري: 3 / 315، في الحج، باب الطيب عند الاحرام، و: 1 / 327، في الغسل: باب من تطيب ثم اغتسل وبقي اثر الطيب، و: 10 / 305، في اللباس: باب الفرق، و: 309، باب تطييب المرأة زوجها بيدها، ومسلم: (1190) (39) ، (43) ، (44) ، في الحج: باب الطيب للمحرم عند الاحرام، والنسائي: 5 / 139 - 141، في الحج: باب موضع الطيب. والوبيص: كالبريق وزنا ومعنى. والمفرق، بفتح الميم، وكسر الراء: المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 يُوْسُفَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ الحَاكِمُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، وَهُدْبَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّوَيْه، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: مَا حَدَّثُوكَ هَؤُلاَءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخُذْهُ، وَمَا قَالُوْهُ بِرَأْيِهِم، فَأَلْقِهِ فِي الحُشِّ (1) . 57 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ الأَزْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، فَقِيْهُ الشَّامِ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، أَبُو عُتْبَةَ الأَزْدِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الدَّارَانِيُّ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، وَرَأَى الكِبَارَ، وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ - فِيْمَا أَرَى -. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَلاَّمٍ الأَسْوَدِ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي كَبْشَةَ السَّلُوْلِيِّ، وَعَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، وَخَلْقٍ.   (1) الحش، بضم الحاء: المخرج، لانهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين. والمقولة هذه كناية عن في لاعتداد بالرأي وإغفاله. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 466، تاريخ خليفة: 427، تاريخ الكبير: 5 / 365، التاريخ الصغير: 2 / 117 - 118، المعرفة والتاريخ: 1 / 140 - 141، 2 / 386، 397، 453، 454. الجرح والتعديل: 5 / 299 - 300، كتاب المجروحين: 2 / 55 - 56 وفيه كنتيه: أبو عمرو، مشاهير علماء الأمصار: 180، تاريخ ابن عساكر: خ: 10 / 123 ب، تهذيب الكمال: خ: 827، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 233، تاريخ الإسلام: 6 / 238 - 239، تذكرة الحفاظ: 1 / 183، ميزان الاعتدال: 2 / 598 - 599، عبر الذهبي: 1 / 222، تهذيب التهذيب: 6 / 297 - 298، طبقات الحفاظ: 79، خلاصة تذهيب الكمال: 236، شذرات الذهب: 1 / 234 - 235. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَابُوْرَ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَدْ لَحِقَه أَبُو مُسْهِرٍ، وَرَآهُ، لَكِنْ مَا سَمِعَ مِنْهُ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المَنْصُوْرَ اسْتَقدَمَهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ. رَوَى: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَرتَدِفُ خَلْفَ أَبِي فِي أَيَّامِ الوَلِيْدِ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، فَدَعَاهُ أَبِي إِلَى الحَمَّامِ، وَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً، وَكُنْتُ آتِي المَقَاسِمَ أَيَّامَ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَرَوَى: صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بنُ اللَّجْلاَجِ لِمَكْحُوْلٍ: سَلْ هَذَا عَمَّا كَانَ، وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ -يَعْنِي ابْنَ جَابِرٍ-. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ابْنُ جَابِرٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: لاَ تَكتُبُوا العِلْمَ إِلاَّ مِمَّنْ يُعرَفُ بِطَلَبِ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. فَأَمَّا رَفِيْقُهُ وَسَمِيُّهُ: 58 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ * صَاحِبُ مَكْحُوْلٍ، فَضَعَّفَهُ الجَمَاعَةُ، وَكِلاَهُمَا قَدْ قَدِمَ العِرَاقَ، وَحَدَّثَ بِهَا. وَقَدْ سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ مِنْ هَذَا السُّلَمِيِّ،   (*) الجرح والتعديل: 5 / 300، كتاب المجروحين: 2 / 55 - 56، تهذيب الكمال: خ: 827، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 233 - 233، تاريخ الإسلام: 6 / 238، ميزان الاعتدال: 2 / 598، تهذيب التهذيب: 6 / 295 - 297، خلاصة تذهيب الكمال: 236. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ ابْنُ جَابِرٍ، فَوَهِمَ. وَقَدْ سُقْتُ تَرْجَمَةَ السُّلَمِيِّ فِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ) ، وَفِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ) . وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ خَالِدٌ وَحَسَنٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَغَيْرُهُم. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: قَدِمَ هُوَ، وَثَوْرٌ، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ، وَابْنُ ثَوْبَانَ إِلَى العِرَاقِ، فَرُّوا مِنَ القَتْلِ، كَانُوا قَدَرِيَّةً. قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ ابْنُ تَمِيْمٍ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 59 - عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ أَبُو عُبَيْدَةَ البَصْرِيُّ * الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ العُبَّادِ، أَبُو عُبَيْدَةَ البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ السَّمَّاكِ، وَوَكِيْعٌ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الوَاهِي عِنْدَهُم. قَالَ البُخَارِيُّ: تَرَكُوْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ   (*) التاريخ الكبير: 6 / 62، التاريخ الصغير: 2 / 144، المعرفة والتاريخ: 2 / 122، 3 / 1 61، الضعفاء، خ: 251، الجرح والتعديل: 6 / 20، كتاب المجروحين: 2 / 154 - 155، حلية الأولياء: 6 / 155 - 165، تاريخ الإسلام: 6 / 243 - 245، ميزان الاعتدال: 2 / 672 - 673. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ العِبَادَةُ حَتَّى غَفِلَ عَنِ الإِتقَانِ، فَكَثُرَتِ المَنَاكِيْرُ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قَالَ لِي أَبُو سُلَيْمَانَ: أَصَابَ عَبْدَ الوَاحِدِ الفَالِجُ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُطْلِقَهُ فِي وَقْتِ الوُضُوْءِ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الوُضُوْءَ، انْطَلَقَ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى سَرِيْرِه، فُلِجَ. وَعَنْهُ، قَالَ: عَلَيْكُم بِالخُبْزِ وَالمِلْحِ، فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الكُلَى، وَيَزِيْدُ فِي اليَقِيْنِ. قَالَ مُعَاذُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ زَيْدٍ غَيْرَ مرَّةٍ يَقُوْلُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي جَمِيْعَ مَا حَوَتْهُ البَصْرَةُ بِفِلْسَيْنِ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: وَعَظَ عَبْدُ الوَاحِدِ، فَنَادَى رَجُلٌ: كُفَّ، فَقَدْ كَشَفْتَ قِنَاعَ قَلْبِي. فَمَا الْتَفَتَ، وَمَرَّ فِي المَوْعِظَةِ، فَحَشْرَجَ (1) الرَّجُلُ وَمَاتَ، فَشَهِدتُ جِنَازَتَه. وَقَالَ مِسْمَعُ بنُ عَاصِمٍ: شَهِدتُ عَبْدَ الوَاحِدِ يَعِظُ، فَمَاتَ فِي المَجْلِسِ أَرْبَعَةٌ. وَعَنْ حُصَيْنٍ الوَزَّانِ، قَالَ: لَوْ قُسِمَ بَثُّ (2) عَبْدِ الوَاحِدِ عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ، لَوَسِعَهُم، وَكَانَ يَقُوْمُ إِلَى مِحْرَابِهِ كَأَنَّهُ رَجُلٌ مُخَاطَبٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: صَلَّى عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زَيْدٍ الصُّبْحَ بِوُضُوْءِ العَتَمَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَارَقَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ لاعْتِزَالِهِ، وَقَالَ بِصِحَّةِ الاكتِسَابِ، وَقَدْ نُسِبَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ القَدَرِ، وَلَمْ يُشْهَرْ، بَلْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْكَلاَمِ فِي مَذَاهِبِ   (1) الحشرجة: الغرغرة عند الموت، وتردد النفس. (2) البث: الحزن والغم الذي تفضي به إلى صاحبك. قال ابن الأثير: البث في الأصل: شدة الحزن، والمرض الشديد، كأنه من شدته يبثه صاحبه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 النُّسَّاكِ، وَتَبِعَهُ خَلقٌ، وَقَدْ كَانَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ يَعِظَانِ أَيْضاً، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَكَانَ عَبْدُ الوَاحِدِ صَاحِبَ فُنُوْنٍ، دَاخِلاً فِي مَعَانِي المَحَبَّةِ وَالخُصُوصِ، قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رُؤْيَةِ الاكتِسَابِ، وَفِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ أُصُوْلِ أَهْلِ القَدَرِ، فَإِنَّ عِنْدَهُم لاَ نَجَاةَ إِلاَّ بِعَمَلٍ، فَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ، فَيَحُضُّونَ عَلَى الاجْتِهَادِ فِي العَمَلِ، وَلَيْسَ بِهِ النَّجَاةُ وَحدَهُ دُوْنَ رَحْمَةِ اللهِ. وَكَانَ عَبْدُ الوَاحِدِ لاَ يُطْلِقُ: إِنَّ اللهَ يُضِلُّ العِبَادَ تَنْزِيْهاً لَهُ. وَهَذِهِ بِدْعَةٌ. وَفِي الجُمْلَةِ: عَبْدُ الوَاحِدِ مِنْ كِبَارِ العُبَّادِ، وَالكَمَالُ عَزِيْزٌ. وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِه فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (1)) ، وَلَكِنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَمِسْعَراً وَهَؤُلاَءِ أَرْفَعُ وَأَجَلُّ. مَاتَ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَهَذَا بَعِيْدٌ جِدّاً، وَإِنَّمَا المُتَأَخِّرُ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ: الحَافِظُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ البَصْرِيُّ. 60 - عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ العَدَوِيُّ * (ع) ابْنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ الإِخْوَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَعَنْ أَخِيْهِ؛ وَاقِدٍ.   (1) 6 / 243 - 245. (*) التاريخ الكبير: 6 / 490، الجرح والتعديل: 6 / 350، مشاهير علماء الأمصار: 138، تهذيب الكمال: خ: 639، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 113، تاريخ الإسلام: 6 / 205، تهذيب التهذيب: 5 / 57، خلاصة تذهيب الكمال: 183. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجَّ بِهِ: أَرْبَابُ الصِّحَاحِ، فَلاَ يُعَرَّجُ عَلَى قَوْلِ القَائِلِ: كُلُّ مَنِ اسْمُهُ عَاصِمٌ، فَفِيْهِ ضَعفٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَمَّا قَرَابَتُهُ: 61 - عَاصِمُ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ * أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ الحَافِظِ، فَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَجَمَاعَةٌ. ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ذَكَرْنَاهُ تَمْيِيزاً. 62 - عَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ البَصْرِيُّ ** (د، س، ق) بَصْرِيٌّ، صَدُوْقٌ، إِمَامٌ. رَوَى عَنِ: الحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي خَيْرَةَ.   (*) طبقات خليفة: 269، تاريخ خليفة: 269، الجرح والتعديل: 6 / 346 - 347، كتاب المجروحين: 2 / 127، تهذيب الكمال: خ 637، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 112، ميزان الاعتدال: 2 / 355 - 356، تهذيب التهذيب: 5 / 52 - 53، خلاصة تذهيب الكمال: 183. (* *) التاريخ الكبير: 6 / 36، المعرفة والتاريخ: 2 / 126، الضعفاء: خ: 271 - 272، الجرح والتعديل: 6 / 79، المجروحين والضعفاء: 2 / 163 - 164، الكامل لابن عدي: خ: 474، تهذيب الكمال: خ: 650، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 120، تاريخ الإسلام: 6 / 206، ميزان الاعتدال: 2 / 365، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 352، تهذيب التهذيب: 5 / 92 - 93، خلاصة تذهيب الكمال: 186. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَفَّانُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَأَنكَرَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى البُخَارِيِّ إِدخَالَهُ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) . وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ مَقْرُوْناً بِآخَرَ. أَمَّا أَبُو دَاوُدَ: فَضَعَّفَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ. 63 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ أَبُو شُرَيْحٍ المَعَافِرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو شُرَيْحٍ المَعَافِرِيُّ، الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، العَابِدُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَمُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، وَأَبِي هَانِئ حُمَيْدِ بنِ هَانِئ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَهَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مُتَأَلِّهاً، زَاهِداً، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنِهِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ هَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُبَادَةَ المَعَافِرِيُّ، قَالَ: كُنَّا   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 516، التاريخ الكبير: 5 / 296، المعرفة والتاريخ: 1 / 154، 2 / 445 وفيه وفاته (166 - 167 هـ) ، الجرح والتعديل: 5 / 243 - 244، تهذيب الكمال: خ: 794، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 213، ميزان الاعتدال: 2 / 569، عبر الذهبي: 1 / 250، تهذيب التهذيب: 6 / 193 - 194 خلاصة تذهيب الكمال: 228، شذارت الذهب: 1 / 263. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 عِنْدَ أَبِي شُرَيْحٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَثُرَتِ المَسَائِلُ، فَقَالَ: قَدْ دَرِنَتْ قُلُوْبُكُم، فَقُوْمُوا إِلَى خَالِدِ بنِ حُمَيْدٍ المَهْرِيِّ، اسْتَقِلُّوا قُلُوْبَكُم، وَتَعَلَّمُوا هَذِهِ الرَّغَائِبَ وَالرَّقَائِقَ، فَإِنَّهَا تُجَدِّدُ العِبَادَةَ، وَتُورِثُ الزَّهَادَةَ، وَتَجُرُّ الصَّدَاقَةَ، وَأَقِلُّوا المَسَائِلَ، فَإِنَّهَا فِي غَيْرِ مَا نَزَلَ تُقَسِّي القَلْبَ، وَتُورِثُ العَدَاوَةَ. قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- فَمَا الظَّنُّ إِذَا كَانَتْ مَسَائِلُ الأُصُوْلِ، وَلوَازِمُ الكَلاَمِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ تَشْكِيكَاتِ المَنطِقِ، وَقَوَاعِدِ الحِكْمَةِ، وَدِيْنِ الأَوَائِلِ؟! فكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مِنْ حَقَائقِ (الاتِّحَادِيَّةِ (1)) ، وَزَنْدَقَةِ (السَّبْعِيْنِيَّةِ (2)) ، وَمَرَقِ (البَاطِنِيَّةِ (3)) ؟! فَوَاغُربَتَاهُ، وَيَا قِلَّةَ نَاصِرَاهُ، آمَنْتُ بِاللهِ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.   (1) وهم الذين يقولون بوحدة الموجود، وهو مذهب باطل، يعري القائل به من الإسلام، لأنه يعد الله والوجود شيئا واحدا وأن الله موجود في كل موجود، وأن ما نحسه ونشهده هو الله في صورة العالم كما قال: نحن المظاهر والمعبود ظاهرنا * ومظهر الكون عين الكون فاعتبروا ولست أعبده إلا بصورته * فهو الاله الذي في طيه البشر راجع: " موقف العلم والعالم " لمصطفى صبري، الجزء الثالث منه، فإنه قد توسع في بيان هذا المذهب والقائلين به، ونقده. (2) السبعيثية: فرقة نسبت إلى رئيسها: عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين الاشبيلي المرسي، المتوفى سنة (669 هـ) ، وهو من القائلين بوحدة الوجود. قال ابن دقيق العيد: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته. واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: " لانبي بعدي "، وكان يقول في الله عزوجل: إنه حقيقة الموجودات. وقد فصد بمكة فترك الدم يجري حتى مات نزفا. انظر ترجمته: عبرالذهبي: 5 / 291، فوات الوفيات: 2 / 253 - 255، لسان الميزان: 3 / 392، النجوم الزاهرة: 2 / 196 - 205، شذرات الذهب: 5 / 329. (3) الباطنية: دعوة ظهرت أولا في زمان المأمون، وانتشرت في زمان المعتصم. وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين، ومنهم: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، ومحمد بن الحسين الملقب بدندان، ثم حمدان قرمط وأبو سعيد الجنابي انظر " الفرق بين الفرق ": 282. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 مَاتَ أَبُو شُرَيْحٍ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، وَمِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمَا هُوَ بِأَخٍ لِحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المَذْكُوْرِ، إِلاَّ فِي التَّقْوَى وَالعِلْمِ. 64 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ الأَزْدِيُّ * (4) شَيْخُ الحَرَمِ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: مَيْمُوْنٌ. وَقِيْلَ: أَيْمَنُ بنُ بَدْرٍ، مَوْلَى الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، الأَزْدِيُّ، المَكِّيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ العُبَّادِ، وَلَهُ جَمَاعَةٌ إِخْوَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالضَّحَّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالكَثِيْرِ لِلْحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ فَقِيْهُ مَكَّةَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ مِنْ أَعَبْدِ النَّاسِ. وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: مَكَثَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوْفُ حَوْلَ الكَعْبَةِ، إِذْ طَعَنَهُ المَنْصُوْرُ بِأُصْبُعِهِ، فَالتَفَتَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا طَعْنَةُ جَبَّارٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 5 / 493، طبقات خليفة: 283، تاريخ خليفة: 429، التاريخ الكبير: 6 / 22، التاريخ الصغير: 2 / 112 - 113، كتاب المجروحين: 2 / 137 - 138، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 307، تهذيب الكمال: خ: 839، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 240 - 241، تاريخ الإسلام: 6 / 239 - 241، ميزان الاعتدال: 2 / 628 - 629، عبر الذهبي: 1 / 232، تهذيب التهذيب: 6 / 338 - 339، خلاصة تذهيب الكمال: 239 - 240، شذرات الذهب: 1 / 246. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 قَالَ شَقْيْقٌ البَلْخِيُّ: ذَهَب بَصَرُ عَبْدِ العَزِيْزِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُهُ وَلاَ وَلَدُهُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، فَلَمَّا لَزِمَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، قَالَ: تَرَكُونِي كَأَنِّيْ كَلْبٌ هَرَّارٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى طُوْلِ القِيَامِ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ. خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مِنْ رَأْسِ التَّوَاضُعِ الرِّضَا بِالدُّوْنِ مِنْ شَرَفِ المَجَالِسِ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ لأَخٍ لَهُ: أَقْرِضْنَا خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ إِلَى المَوْسِمِ. فَسُرَّ التَّاجِرُ، وَحَمَلهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّيْلُ، قَالَ: مَا صَنَعتَ يَا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ؟ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَأَنَا كَذَلِكَ مَا أَدْرِي مَا يَحدُثُ بِنَا، فَلاَ يَعْرِفُ لَهُ وَلَدِي حَقَّه، لَئِنْ أَصْبَحتُ، لآتِيَنَّهُ، وَلأُحَالِلَنَّهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطهِ أَفْضَلَ مَا نَوَى. وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُشَاوِرُنِي، فَإِنَّمَا اسْتَقرَضْنَاهُ عَلَى اللهِ، فَكُلَّمَا اغْتَمَمْنَا بِهِ، كَفَّرَ اللهُ بِهِ عَنَّا، فَإِذَا جَعَلَتْنَا فِي حِلٍّ كَأَنَّهُ يسْقطُ ذَلِكَ. فَكَرِهَ التَّاجِرُ أَنْ يُخَالِفَهُ، فَمَا أَتَى المَوْسِمُ حَتَّى مَاتَ الرَّجُلُ، فَأَتَى أَوْلاَدُه، وَقَالُوا: مَالُ أَبِيْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ لَهُم: لَمْ يَتَهَيَّأْ، وَلَكِنَّ المِيْعَادَ بَيْنَنَا المَوْسِمُ الآتِي. فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ المَوْسِمُ الآتِي، لَمْ يَتَهَيَّأِ المَالُ، فَقَالُوا: أَيْش أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنَ الخُشُوْعِ، وَتَذهَبُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ؟! فَرَفَعَ رَأْسَه، فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَاكُم، قَدْ كَانَ يَخَافُ هَذَا وَشِبْهَهُ، وَلَكِنَّ الأَجَلَ بَيْنَنَا المَوْسِمُ الآتِي، وَإِلاَّ فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِمَّا قُلْتُم. قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَ المَقَامِ، إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ غُلاَمٌ كَانَ قَدْ هَرَبَ لَهُ إِلَى الهِنْدِ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ اتَّجَرَ، وَأَنَّ مَعَهُ مِنَ التِّجَارَةِ مَا لاَ يُحصَى. قَالَ سُفْيَانُ: فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَكَ الحَمْدُ، سَأَلنَاكَ خَمْسَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 آلاَفٍ، فَبَعَثْتَ إِلَيْنَا عَشْرَةَ آلاَفٍ، يَا عَبْدَ المَجِيْدِ! احْمِلِ العَشْرَةَ آلاَفٍ إِلَيْهِم، خَمْسَةً لَهُم، وَخَمْسَةً لِلإِخَاءِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِيْهِم. وَقَالَ العَبْدُ: مَنْ يَقبِضُ مَا مَعِي؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، وَمَا مَعَكَ فَلَكَ. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ قَوْمٍ يَشْهَدُوْنَ عَلَى النَّاسِ بِالشِّرْكِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: اللَّهُمَّ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ قُلُوْبُنَا مِنْ خَشْيَتِكَ، فَاغفِرْهُ لَنَا يَوْمَ نِقْمَتِكَ مِنْ أَعْدَائِكَ. وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَسُئِلَ: مَا أَفْضَلُ العِبَادَةِ؟ قَالَ: طُوْلُ الحُزْنِ. قُلْتُ: كَانَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ كَثِيْرَ المَحَاسِنِ، لَكِنَّهُ مُرْجِئٌ (1) . قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَاتَ عَبْدُ العَزِيْزِ، فَجِيْءَ بِجَنَازَتِه، فَوُضِعَتْ عِنْدَ بَابِ الصَّفَا، وَجَاءَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ النَّاسُ: جَاءَ سُفْيَانُ، جَاءَ سُفْيَانُ. فَجَاءَ حَتَّى خَرَقَ الصُّفُوفَ، وَجَاوَزَ الجَنَازَةَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ كَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ. فَقِيْلَ لِسُفْيَانَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّيْ لأَرَى الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ هُوَ دُوْنَه عِنْدِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى بِدعَةٍ. يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ يَسْأَلُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ فِي الطَّوَافِ: مَا كَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ فِي الإِيْمَانِ؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ. قَالَ: فَمَا كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: آمَنَّا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ (2) . فَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ: كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَكَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ. فَقَالَ هِشَامٌ: بَيَّنَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِرْجَاءَ، بَيَّنَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِرْجَاءَ.   (1) انظر الكلام عن المرجئة: الصفحة 165، حا: 2. (2) في الأصل بعد قوله: " وملائكته "، كلمة: " الآية "، وهو خطأ، فليس في القرآن آية بهذا اللفظ، وإنما الموجود فيه: (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته) [البقرة: 285] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: غِبتُ عَنْ مَكَّةَ، فَجِئْتُ، فَتَلَقَّانِي الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عُيَيْنَةَ! عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ يُفْتِي المُسْلِمِيْنَ. قُلْتُ: وَفَعَلَ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ الثَّوْرِيِّ، فَمَرَّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ شَابّاً أَفْقَهَ مِنْهُ شَيْخاً. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: جَاءَ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ إِلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، فَدَقَّ عَلَيْهِ بَابَه، وَقَالَ: أَينَ الضَّالُّ؟ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ مُرْجِئاً، رَجُلاً صَالِحاً، وَلَيْسَ هُوَ فِي التَّثْبِيْتِ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نُسْخَةً مَوْضُوْعَةً، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهَا تَوَهُّماً، لاَ تَعَمُّداً. قُلْتُ: الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهَا إِلَى عَبْدِ العَزِيْزِ، فَلَعَلَّهَا قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ أَخَوَانِ: عُثْمَانُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَجَبَلَةُ. 65 - شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ دِيْنَارٍ أَبُو بِشْرٍ الأُمَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُتْقِنُ، الحَافِظُ، أَبُو بِشْرٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، الحِمْصِيُّ، الكَاتِبُ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: دِيْنَارٌ. سَمِعَ: الزُّهْرِيَّ - فَأَكْثَرَ - وَنَافِعاً، وَعِكْرِمَةَ بنَ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ،   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 468، مشاهير علماء الأمصار: 182، تهذيب الكمال: خ: 586، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 79، تذكرة الحفاظ: 1 / 221 - 222، عبر الذهبي: 2 / 242، تهذيب التهذيب: 4 / 351 - 352، طبقات الحفاظ: 94، خلاصة تذهيب الكمال: 166، شذرات الذهب: 1 / 257 - 258. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 وَزَيْدَ بنَ أَسْلَمَ، وَأَبَا الزِّنَادِ، وَأَبَا طُوَالَةَ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ بُخْتٍ، وَعِدَّةً. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ بِشْرٌ، وَبَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ شُرَيْحُ بنُ يَزِيْدَ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ بَدِيعَ الكِتَابَةِ، وَافِرَ المَهَابَةِ. سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ يَقُوْلُ: رَافَقتُ الزُّهْرِيَّ إِلَى مَكَّةَ، فَكُنْتُ أَدرُسُ أَنَا وَهُوَ القُرْآنَ جَمِيْعاً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُوْهُ دِيْنَارٌ مَوْلَى زِيَادٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: فَشُعَيْبٌ فِي الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: هُوَ مِثْلُ يُوْنُسَ وَعُقَيْلٍ، كَتَبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِملاَءً لِلسُّلْطَانِ، كَانَ كَاتِباً. قُلْتُ: يَعْنِي بِالسُّلْطَانِ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي: كَيْفَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: حَدِيْثُه يُشبِهُ حَدِيْثَ الإِملاَءِ. ثُمَّ قَالَ أَبِي: الشَّأْنُ فِيْمَنْ سَمِعَ مِنْ شُعَيْبٍ، كَانَ رَجُلاً ضَيِّقاً فِي الحَدِيْثِ. قُلْتُ: كَيْفَ سَمَاعُ أَبِي اليَمَانِ مِنْهُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ. قُلْتُ: فَسَمَاعُ ابْنِه بِشْرٍ؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي أَبِي. قُلْتُ: فَسَمَاعُ بَقِيَّةَ؟ قَالَ: شَيْءٌ يَسِيْرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، جَمَعَ جَمَاعَةً بَقِيَّةَ وَابْنَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي، ارْوُوْهَا عَنِّي. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: رَأَيتُ كُتُبَ شُعَيْبٍ، فَرَأَيتُ كُتُباً مَضْبُوْطَةً مُقَيَّدَةً ... ، وَرَفَعَ أَحْمَدُ مِنْ ذِكْرِهِ. قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مَنْ يُوْنُسَ؟ قَالَ: فَوْقَه. قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مِنْ عُقَيْلٍ؟ قَالَ: فَوْقَه. قُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ مِنَ الزُبَيْدِيِّ؟ قَالَ: مِثْلَه. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ قَلِيْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 السَّقطِ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ: نَظَرْتُ فِي كُتُبِ شُعَيْبٍ، كَانَ ابْنُهُ يُخْرِجُهَا إِلَيَّ، فَإِذَا بِهَا مِنَ الحَسَنِ وَالصِّحَّةِ مَا لاَ يَقْدِرُ - فِيْمَا أَرَى - بَعْضُ الشَّبَابِ أَنْ يَكْتُبَ مِثْلَهَا صِحَّةً وَشَكلاً، وَنَحْوَ ذَا. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: كَانَ عِنْدَ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ أَلْفٍ وَسَبْعِمائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُهُم فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَعُقَيْلٌ، وَيُوْنُسُ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَنَا مِنْ كِبَارِ النَّاسِ، وَكُنْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ مِنْ أَلْزَمِ النَّاسِ لَهُ، وَكَانَ ضِنِّيْناً بِالحَدِيْثِ، كَانَ يَعِدُنَا المَجْلِسَ، فَنُقِيْمُ نَقْتَضِيهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا فَعَلَ، فَإِنَّمَا كِتَابُه بِيَدِهِ، مَا يَأْخُذُه أَحَدٌ، وَكَانَ مِنْ صِنفٍ آخَرَ فِي العِبَادَةِ، وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ هِشَامٍ عَلَى نَفَقَاتِهِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مَعَهُم بِالرُّصَافَةِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لِبَقِيَّةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! قَدْ مَجِلَتْ (1) يَدِي مِنَ العَمَلِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: مَا كَانَ يَعْمَلُ؟ قَالَ: كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يُعَالِجُهَا بِيَدِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ كُتُبِي. فَعُرِضَ عَلَيْهِ كِتَابُ نَافِعٍ وَأَبِي الزِّنَادِ. رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: عَنْ دُحَيْمٍ، قَالَ: شُعَيْبٌ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يُشبِهُ حَدِيْثُهُ حَدِيْثَ عُقَيْلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَالزُّبَيْدِيُّ فَوْقَه. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ لَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ: قِيْلَ لِشُعَيْبٍ: يَا أَبَا بِشْرٍ! مَا لِبِشْرٍ لاَ يَحضُرُ مَعَنَا؟ قَالَ: شَغَلَهُ الطِّبُّ.   (1) مجلت يده: نفطت من العمل فمرنت وصلبت وثخن جلدها وتعجر، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالاشياء الصلبة الخشنة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ الكُوْفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا لِي أَسْمَعُكَ إِذَا ذَكَرْتَ صَفْوَانَ بنَ عَمْرٍو، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، وَإِذَا ذَكَرْتَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا ذَكَرْتَ شُعَيْبَ بنَ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْتَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ؟! فَغَضِبَ، فَلَمَّا سَكَنَ، قَالَ لِي: مَرِضَ شُعَيْبٌ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَأَتَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، أَنَا أَصْغَرُهُم، فَقَالُوا: كُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ، وَكُنْتَ تَمْنَعُنَا، فَدَعَا بِقُفَّةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَا فِي هَذِهِ إِلاَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَتَبتُهُ، وَصَحَّحْتُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَنْ يَدِي، فَإِنْ أَحبَبْتُم، فَاكتُبُوهَا. قَالُوا: فَنَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُوْلُوْنَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، وَأَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَإِنْ أَحبَبْتُم أَنْ تَكْتُبُوهَا عَنِ ابْنِي، فَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى شُعَيْبٍ حَتَّى احْتُضِرَ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ، فَلْيَعرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ، فَلْيَسْمَعْهَا مِنِ ابْنِي، فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنِّي. قُلْتُ: فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يَرْوِيْهِ أَبُو اليَمَانِ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ، وَيُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَخْبَرَنَا، وَرِوَايَاتُ أَبِي اليَمَانِ عَنْهُ ثَابِتَةٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَذَلِكَ بِصِيغَةِ: أَخْبَرَنَا، وَمَنْ رَوَى شَيْئاً مِنَ العِلْمِ بِالإِجَازَةِ عَنْ مِثْلِ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، فِي إِتقَانِ كُتُبِهِ وَضَبطِهِ، فَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَ المُحَقِّقِيْنَ، مَعَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُوْنَ الرَّاوِي بِالإِجَازَةِ ثِقَةً، ثَبْتاً أَيْضاً، فَمَتَى فُقِدَ، ضُبِطَ الكِتَابُ المُجَازُ، وَإِتْقَانُهُ، وَتحَرِيْرُهُ، أَوْ إِتقَانُ المُجِيْزِ أَوِ المُجَازُ لَهُ، انحَطَّ المَروِيُّ عَنْ رُتْبَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ، وَمَتَى فُقِدَتِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا، لَمْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ عِنْدَ الجُمْهُوْرِ. وَشُعَيْبٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ كَانَتْ كُتُبُهُ نِهَايَةً فِي الحُسْنِ، وَالإِتقَانِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 وَالإِعْرَابِ، وَعَرَفَ هُوَ مَا يُجِيْزُ وَلِمَنْ أَجَازَ، بَلْ رِوَايَةُ كُتُبِهِ بِالوِجَادَةِ (1) كَافٍ فِي الحُجَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي اليَمَانِ عَنْهُ بِذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى إِطْلاَقِ: أَخْبَرَنَا فِي الإِجَازَةِ كَمَا يَتَعَانَاهُ فُضَلاَءُ المُحَدِّثِيْنَ بِالمَغْرِبِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بِالسَّمَاعِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهُ: مَاتَ شُعَيْبٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى الوُحَاظِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: مَاتَ قَبْلَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ بِسَنَةٍ، وَعِنْدَ ابْنِ طَبَرْزَدْ نُسْخَةٌ لِبِشْرِ بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ الآخِرَ مِنْ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْكُ الوُضُوْءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.   (1) الوجادة: أن يجد طالب العلم أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه، أو لم يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين، ولا يجوز له أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان، إذا عرف الخط ووثق منه، أو يقول: قال فلان، أو نحو ذلك. وفي " مسند " أحمد شيء كثير من ذلك، نقلها عنه ابنه عبد الله، يقول فيها: وجدت بخط أبي في كتابه. وجزم غير واحد من المحققين بوجوب العمل بالوجادة عند حصول الثقة بما يجده، أي: يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط الشيخ الذي يعرفه، أو يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت النسبة إلى مؤلفه، ولابد بعد ذلك من اشتراط أن يكون المؤلف ثقة مأمونا، وأن يكون إسناد الخبر صحيحا حتى يجب العمل به. والوجادة الجيدة، المستوفية للشروط السابقة، لا تقل في الثقة عن الاجازة بأنواعها، والكتب الأصول الامات في السنة وغيرها، تواترت روايتها إلى مؤلفيها بالوجادة ومختلف الأصول الخطية العتيقة الموثوق بها. (2) إسناده قوي. وأخرجه أبو داود: (192) ، في الطهارة: باب في ترك الوضوء مما غيرت = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 أَخْبَرَنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي لُقْمَةَ، أَنْبَأَنَا الخَضِرُ بنُ عَيْدَانَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ فِي نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ) (1) . 66 - حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو الخَطَّابِ الأَنْصَارِيُّ * (م، ت) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الخَطَّابِ الأَنْصَارِيُّ، الأَنَسِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، وَهُوَ حَرْبٌ الأَكْبَرُ. حَدَّثَ عَنْ: مَوْلاَهُ؛ النَّضْرِ بنِ أَنَسٍ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ الذَّكْوَانِيُّ، وَيُوْنُسُ المُؤَدِّبُ، وَبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَلَيَّنَهُ غَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.   = النار، وابن الجارود: 21، والبيهقي: 1 / 155 - 156، كلهم من طريق علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر. (1) إسناده صحيح. وأخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 1967، في الجهاد: باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها، والبخاري: 6 / 40، ومسلم: (1871) ، كلاهما في الجهاد: باب الخيل في نواصيها الخير، من طريق نافع، عن عبد الله بن عمر. (*) التاريخ الكبير: 3 / 65، التاريخ الصغير: 1 / 259، الضعفاء: خ: 105، كتاب المجروحين: 1 / 261، الكامل لابن عدي: خ: 214 - 215، تهذيب الكمال: خ: 245، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، تهذيب التهذيب: 2 / 225 - 226، خلاصة تذهيب الكمال: 74. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: لَيِّنٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ أَكذَبَ الخَلْقِ. قُلْتُ: هَذِهِ عَجَلَةٌ وَمُجَازَفَةٌ، أَوْ لَعَلَّهُ عَنَى آخَرَ لاَ أَعْرِفُهُ. فَأَمَّا: 67 - حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ صَاحِبُ الأَغْمِيَةِ * (1) فَشَيْخٌ صَالِحٌ، عَابِدٌ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ. يَرْوِي عَنْ: عَوْفٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ. رَوَى عَنْهُ: نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. هُوَ مِنْ أَقْرَانِ وَكِيْعٍ. وَأَمَّا: 68 - حَرْبُ بنُ أَبِي العَالِيَةِ أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ ** الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُعَاذٍ البَصْرِيُّ. فَرَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ، وَبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَلُوَيْنُ، وَجَمَاعَةٌ. اخْتَلَفَ رَأْيُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ. وَلَيَّنَهُ: أَحْمَدُ قَلِيْلاً. وَخَرَّج لَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدِيْثاً وَاحِداً. وَكَانَ الفَلاَّسُ يَقُوْلُ: هُوَ حَرْبُ بنُ مِهْرَانَ.   (*) الجرح والتعديل: 3 / 251، تهذيب الكمال: خ: 245، تذهيب التهذيب: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 471، تهذيب التهذيب: 2 / 226 - 227، خلاصة تذهيب المال: 74. (1) في " التاج ": الاعمية: مضبوط عندنا بالعين المهملة، وضبطه شيخنا بالمعجمة، وهكذا ضبطه الحافظ وقال: كأنه جمع غماء ككساء، وهي السقوف. (* *) الضعفاء: خ: 105، تهذيب الكمال: خ: 244، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، تهذيب التهذيب: 2 / 225، خلاصة تذهيب الكمال: 74. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 69 - حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ اليَشْكُرِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الخَطَّابِ اليَشْكُرِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ. فَقَدِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا، وَعَنْ حَرْبِ بنِ مَيْمُوْنٍ المَذْكُوْرِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ. قُلْتُ: هَذَا مِنْ تَعَنُّتِ يَحْيَى فِي الرِّجَالِ، وَلَهُ اجْتِهَادُه، فَلَقَدْ كَانَ حُجَّةً فِي نَقْدِ الرُّوَاةِ. مَاتَ حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 70 - خَالِدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ الأُمَوِيُّ ** ابْنِ أُسَيْدِ بنِ أَبِي العِيْصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، أَبُو أُمَيَّةَ البَصْرِيُّ، مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ.   (*) طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 3 / 62، الضعفاء: خ: 105، الجرح والتعديل: 3 / 250 - 251، مشاهير علماء الأمصار: 156، تهذيب الكمال: خ: 244، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 127، ميزان الاعتدال: 1 / 470، عبر المؤلف: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 2 / 224، خلاصة تذهيب الكمال: 74، شذرات الذهب: 1 / 251. (* *) طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 268 - 293، 296، التاريخ الكبير: 3 / 163 - 164، الجرح والتعديل: 3 / 345. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 رَوَى عَنْ: عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَعَفَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَنْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ التَّنُّوْرِيُّ، قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِحَدِيْثِهِ. قُلْتُ: أَظُنُّه عَاشَ مائَةَ عَامٍ. 71 - خُلَيْدُ بنُ دَعْلَجَ أَبُو حَلْبَسٍ السَّدُوْسِيُّ * وَيُقَالُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو عُمَرَ السَّدُوْسِيُّ. مُحَدِّثٌ، بَصْرِيٌّ، ضَعِيْفٌ، نَزَلَ المَوْصِلَ، ثُمَّ سَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ. وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَقَتَادَةَ. رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَبَقِيَّةُ، وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ، وَأَبُو الجَمَاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَمُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ. ضَعَّفَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالمَتِيْنِ فِي الحَدِيْثِ، هُوَ   (*) التاريخ الكبير: 3 / 199، الضعفاء: خ: 121، الجرح والتعديل: 3 / 384، كتاب المجروحين: 1 / 285 - 286، تهذيب الكمال: خ: 381، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 200، ميزان الاعتدال: 1 / 663 - 664، تهذيب التهذيب: 3 / 158 - 159، خلاصة تذهيب الكمال: 106، تهذيب ابن عساكر: 5 / 174 - 175. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 صَالِحٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيْثِهِ مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ كَثِيْرَ الخَطَأِ. مَاتَ: بِحَرَّانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: ذَهَبَ العِلْمُ وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فِي أَوعِيَةِ سُوءٍ. عُمَرُ بنُ حَفْصٍ العَسْقَلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَزِيْدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فَاطِرٌ: 1] ، قَالَ: المَلاَحَةُ فِي العَيْنَيْنِ. وَيُرْوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ مَعْمَرٍ، عَنْ خُلَيْدِ بنِ دَعْلَجَ، عَنْ قَتَادَةَ: عَنْ أَنَسٍ، رَفَعَهُ: (مَنْ أَكَلَ القِثَّاءَ بِلَحْمٍ، وُقِيَ الجُذَامَ (1)) . هَذَا كَذِبٌ. وَأَرَّخَ النُّفَيْلِيُّ مَوْتَ خُلَيْدٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - (2) . 72 - مُجَّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ البَصْرِيُّ * أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رُشَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ حَاضِرُ بنُ مُطَهِّرٍ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مُجَّاعَةُ بنُ الزُّبَيْرِ الأَزْدِيُّ. وَذَكَرَهُ شُعْبَةُ مَرَّةً، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: الصَّوَّامُ، القَوَّامُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:   (1) ذكره المؤلف في " الميزان، في ترجمة خليد بن دعلج، وحكم بوضعه. (2) أي: سنة (166 هـ) ، كما تقدم من قول ابن حبان. (*) التاريخ الكبير: 8 / 44، الضعفاء: خ: 30، الجرح والتعديل: 8 / 420، الكامل لابن عدي: خ: 794، تاريخ الإسلام: 6 / 273، ميزان الاعتدال: 3 / 437. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 هُوَ مِمَّنْ يُحْتَمَلُ، وَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيْثِهِ، عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رُكِّبَ عَلَى مُجَّاعَةَ مَنَامُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ اخْتِلاَقٌ. 73 - ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ * (ع) الإِمَامُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ كَثِيْراً، وَعَنْ أَبِيْهِ. وَعَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَالوَاقِدِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ عَمِّهِ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ تُستَغْرَبُ. وَكَانَ لَهُ ثَرْوَةٌ وَدُنْيَا، قَتَلَهُ ابْنُهُ وَغِلْمَانُهُ، لأَجْلِ مَالِهِ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِالغِلْمَانِ، فَقُتِلُوا بِهِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 74 - المُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ أَبُو هَاشِمٍ المَوْصِلِيُّ ** (4) الإِمَامُ، العَالِمُ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، أَبُو هَاشِمٍ المَوْصِلِيُّ.   (*) طبقات خليفة: 274، التاريخ الكبير: 1 / 131، المعرفة والتاريخ: 2 / 200، الضعفاء: خ: 385 - 386، الجرح والتعديل: 7 / 304، المجروحين والضعفاء: 2 / 249، تهذيب الكمال: خ: 1225، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 221، ميزان الاعتدال: 3 / 592 - 593، الوافي بالوفيات: 3 / 306، تهذيب التهذيب: 9 / 278 - 280، خلاصة تذهيب الكمال: 346، شذرات الذهب: 1 / 242. (* *) طبقات خليفة: 321، التاريخ الكبير: 7 / 326، وفيه كنيته: أبو هشام، المعرفة والتاريخ: 2 / 452، 3 / 231، الضعفاء: خ: 411، الجرح والتعديل: 8 / 222، تهذيب = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ - فِيْمَا قِيْلَ -. وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعُبَادَةَ بنِ نُسَيٍّ. وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَوَكِيْعٌ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعُمَرُ بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَوَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: ضَعِيْفٌ، كُلُّ حَدِيْثٍ رَفَعَهُ مُنْكَرٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَزَلِقَ، وَقَالَ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَرْكِه. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 75 - وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ المَكِّيُّ * أَخُو عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ الوَرْدِ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو أُمَيَّةَ. وَيُقَالُ: أَبُو عُثْمَانَ المَكِّيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ. وَيُقَالُ: اسْمُهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ. لَهُ عَنْ: تَابِعِيٍّ لَقِيَ عَائِشَةَ. وَعَنْ: حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ.   = الكمال: خ: 1359، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 60، تاريخ الإسلام: 6 / 301 - 302، ميزان الاعتدال: 4 / 160 - 163، تهذيب التهذيب: 10 / 258 - 260، خلاصة تذهيب الكمال: 385. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 488، التاريخ الكبير: 8 / 177، المعرفة والتاريخ: 1 / 434، الجرح والتعديل: 9 / 34، مشاهير علماء الأمصار: 148، حلية الأولياء: 8 / 140 - 161، الكامل لابن الأثير: 5 / 613 في أخبار (154 هـ) ، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 149، تهذيب الكمال: خ: 1482 - 1483، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 145، تاريخ الإسلام: 6 / 315، عبر الذهبي: 1 / 222، العقد الثمين: 7 / 417، تهذيب التهذيب: 11 / 170 - 171، خلاصة تذهيب الكمال: 419، شذرات الذهب: 1 / 236. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 وَعَنْهُ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ السُّلَمِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَإِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّوْذِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا رَأَيتُ أَعَبْدَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: قِيْلَ لِوُهَيْبٍ: يَجِدُ طَعْمَ العِبَادَةِ مَنْ يَعْصِي؟ قَالَ: وَلاَ مَنْ يَهُمُّ بِالمَعْصِيَةِ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: قُوْمُوا إِلَى الطَّبِيْبِ -يَعْنِي: وُهَيْباً-. وَقِيْلَ: إِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لاَ يَضْحَكَ حَتَّى تُعْلِمَهُ المَلاَئِكَةُ بِمَنْزِلتِهِ إِذَا احْتُضِرَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 76 - عِيْسَى بنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الهَمْدَانِيُّ * (ت، س) الإِمَامُ، المُقْرِئُ، العَابِدُ، أَبُو عُمَرَ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، عُرِفَ: بِالهَمْدَانِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي أَسَدٍ. أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَالأَعْمَشِ. تَلاَ عَلَيْهِ: الكِسَائِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَمَّادٍ، وَمِتُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُم. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مُقْرِئَ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ حَمْزَةَ وَمَعَهُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا بِهَا أَقْرَأُ مِنْهُ.   (*) التاريخ الكبير: 6 / 397، الجرح والتعديل: 6 / 282، تهذيب الكمال: خ: 1083، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 6 / 264، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 613، تهذيب التهذيب: 8 / 222 - 223، خلاصة تهذيب الكمال: 303. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. 77 - عِيْسَى بنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الثَّقَفِيُّ البَصْرِيُّ * العَلاَّمَةُ، إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، البَصْرِيُّ. رَوَى عَنِ: الحَسَنِ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَعَاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. أَخَذَ عَنْهُ: الأَصْمَعِيُّ، وَشُجَاعٌ البَلْخِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ، وَهَارُوْنُ الأَعْوَرُ، وَالخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَعُبَيْدُ بنُ عُقَيْلٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ بَكَّارٍ، وَوَلاَؤُهُ لِبَنِي مَخْزُوْمٍ، نَزَلَ فِي ثَقِيْفٍ، فَاشْتُهِرَ بِهِم. وَكَانَ صَاحِبَ فَصَاحَةٍ وَتَقَعُّرٍ وَتَشَدُّقٍ فِي خِطَابِه، وَكَانَ صَدِيْقاً لأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ. وَقَدْ أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ كَثِيْرٍ المَكِّيِّ. وَصَنَّفَ فِي النَّحْوِ كِتَابَيْ: (الإِكْمَالَ) وَ (الجَامِعَ) ، وَكَانَ صَاحِبَ افْتِخَارٍ بِنَفْسِهِ. قَالَ مَرَّةً لأَبِي عَمْرٍو: أَنَا أَفصَحُ مِنْ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ. أَرَّخَ القِفْطِيُّ (1) ، وَابْنُ خَلِّكَانَ (2) مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَرَاهُ وَهْماً، فَإِنَّ سِيْبَوَيْه جَالَسَهُ، وَأَخَذَ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.   (*) المعارف: 531، الجرح والتعديل: 6 / 282، طبقات الزبيدي: 40 - 45، الفهرست: المقالة الثانية الفن الأول، معجم الأدباء 16 / 146 - 150، إنباه الرواة: 2 / 374 - 377، وفيات الأعيان: 3 / 486 - 488، تهذيب الكمال: خ: 1083، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 6 / 265 - 266، البداية والنهاية: 10 / 105 - 106، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 179 - 181، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 613، تهذيب التهذيب: 8 / 223 - 224، النجوم الزاهرة: 2 / 11، بغية الوعاة: 2 / 237 - 238، خلاصة تذهيب الكمال: 303، شذرات الذهب: 1 / 224 - 225. (1) " إنباه الرواة " 2 / 377. (2) " الوفيات ": 3 / 488. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 78 - عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ بنِ عِيَاضِ بنِ وِزْرٍ الكَلْبِيُّ * العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو الحَكَمِ الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ الفُصَحَاءِ. لَهُ كِتَابُ (التَّارِيْخِ) ، وَكِتَابُ (سِيَرُ مُعَاوِيَةَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. يَرْوِي عَنْهُ: هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ صَدُوقاً فِي نَقْلِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. 79 - مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ أَبُو الحَسَنِ ** كَبِيْرُ المُفَسِّرِيْنَ، أَبُو الحَسَنِ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ. يَرْوِي - عَلَى ضَعْفِهِ البَيِّنِ - عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَعَطَاءِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَشُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ، وَالمَقْبُرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، وَبَقِيَّةُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَشَبَابَةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَأَحْسَنَ -: مَا أَحْسَنَ تَفْسِيْرَهُ لَوْ كَانَ ثِقَةً! قِيْلَ: إِنَّ   (*) الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، معجم الأدباء: 6 / 134 - 139، عبر المؤلف: 1 / 230، لسان الميزان: 4 / 386، شذرات الذهب: 1 / 243. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 373، التاريخ الصغير: 2 / 227، الجرح والتعديل: 8 / 354 - 355، كتاب المجروحين: 3 / 14 - 16، الفهرست: المقالة الخامسة الفن الثاني، تاريخ بغداد: 13 / 160، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 111، وفيات الأعيان: 5 / 255 - 257، تهذيب الكمال: خ: 1365 - 1366، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 65 - 66، تاريخ الإسلام: 6 / 302 - 307، ميزان الاعتدال: 4 / 173 - 175، تهذيب التهذيب: 10 / 279 - 285، خلاصة تذهيب الكمال: 386، طبقات المفسرين: 2 / 330 - 331، شذرات الذهب: 1 / 227. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 المَنْصُوْرَ أَلَحَّ عَلَيْهِ ذُبَابٌ، فَطَلَبَ مُقَاتِلاً، فَسَأَلَهُ: لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَابَ؟ قَالَ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَّارِيْنَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِمُقَاتِلٍ: زَعَمُوا أَنَّك لَمْ تَسْمَعْ مِنَ الضَّحَّاكِ. قَالَ: كَانَ يُغْلِقُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ بَابٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَجَلْ، بَابُ المَدِيْنَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: سَلُونِي عَمَّا دُوْنَ العَرْشِ. فَقَالُوا: أَيْنَ أَمعَاءُ النَّملَةِ؟ فَسَكَتَ. وَسَأَلُوْهُ: لَمَّا حَجَّ آدَمُ، مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ كَذَّاباً. وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: أَتَانَا مِنَ المَشْرِقِ رَأْيَان خَبِيْثَانِ: جَهْمٌ مُعَطِّلٌ، وَمُقَاتِلٌ مُشَبِّهِ (1) . مَاتَ مُقَاتِلٌ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ البُخَارِيُّ: مُقَاتِلٌ لاَ شَيْءَ البَتَّةَ. قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ. 80 - شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ الوَرْدِ الأَزْدِيُّ العَتَكِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ،   (1) التعطيل: هو أن لا تثبت لله الصفات التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتشبيه: أن يشبه الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه. وكلا المذهبين مجانب للصواب، والمذهب الصحيح، الذي لا معدل عنه لكل من رضي بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا - وهو مذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم -: أن يصف الله سبحانه وتعالى بما وصف نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث التي صحت عنه، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تأويل ولا تعطيل. كما جاء في القرآن الكريم: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشوري: 11] . (*) طبقات ابن سعد: 7 / 280 - 281، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 301، 430، التاريخ الكبير: 4 / 244 - 245، التاريخ الصغير: 2 / 135، المعارف: 501، المعرفة والتاريخ: 2 / 283 - 287، الجرح والتعديل: 1 / 126 - 176، 4 / 369 - 371، مشاهير علماء الأمصار: = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 أَبُو بِسْطَامَ الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، عَالِمُ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَشَيْخُهَا. سَكَنَ البَصْرَةَ مِنَ الصِّغَرِ، وَرَأَى الحَسَنَ، وَأَخَذَ عَنْهُ مَسَائِلَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَجَاءٍ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَجَامِعِ بنِ شَدَّادٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَجَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيِّ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعُبَيْدِ بنِ الحَسَنِ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَطَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَسِمَاكِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ سِوَاهُم. وَرَأَى نَاجِيَةَ بنَ كَعْبٍ شَيْخَ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي الحَدِيْثِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ الأَوْزَاعِيِّ (1) ، وَمَعْمَرٍ (2) ، وَالثَّوْرِيِّ (3) فِي الكَثْرَةِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: مَا أَظُنُّه إِلاَّ يَرْوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيْرٍ. قِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي دَوْلَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: عَالَمٌ عَظِيْمٌ، وَانتَشَرَ حَدِيْثَهُ فِي الآفَاقِ.   = 177، حلية الأولياء: 7 / 144 - 209، تاريخ بغداد: 9 / 255 - 266، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 244 - 246، وفيات الأعيان: 2 / 469 - 470، تهذيب الكمال: خ: 582 - 584، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 76 - 78، تاريخ الإسلام: 6 / 190 - 201، تذكرة الحفاظ: 1 / 193 - 197، عبر المؤلف: 1 / 234 - 235، تهذيب التهذيب: 4 / 338 - 346، طبقات الحفاظ: 83 - 84، خلاصة تذهيب الكمال: 166، شذرات الذهب: 1 / 247. (1) انظر ترجمته في الصفحة: 107. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 5. (3) انظر ترجمته في الصفحة: 229. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 حَدَّثَ عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ زَاذَانَ - وَهَؤُلاَءِ هُم أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيُّ، وَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ الكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، وَبِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالحَمَّادَانِ، وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَبْدُ الوَاحِدِ الحَدَّادُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ القَصَّارُ، وَمُصْعَبُ بنُ سَلاَّمٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمِسْكِيْنُ بنُ بُكَيْرٍ، وَمَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَوَرْقَاءُ، وَوَكِيْعٌ، وَهُشَيْمٌ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَهَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَيَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ، وَأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَعَفَّانُ، وَأَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَأَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ العَقَدِيُّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشَيْبُ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَالحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو النُّعْمَانِ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَحَسَّانُ بنُ حَسَّانٍ البَصْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى الأُشْنَانِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعْدُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ اللُّغَوِيُّ، وَشُعَيْثُ بنُ مُحْرِزٍ، وَشَاذُ بنُ فَيَّاضٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَيْرَانَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ عَبْدَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ الغُدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ العَتَكِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ المَلِكِ الأَصْمَعِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهِّرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَعَلِيُّ بنُ قَادِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ الكِلاَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَعِصَامُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، وَقُرَّةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّبُوْذَكِيُّ - شَيْئاً يَسِيْراً - وَمُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ، وَمُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ الحَافِظُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ أَبُو غَسَّانَ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ رَبِّهُ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ حِكَايَةً، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. ذَكَرْتُ عَامَّتَهُم فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ (1)) . اسْتَفَدْتُ أَسْمَاءهُم مِنْ خَطِّ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ، فَإِنَّهُ سَوَّدَ كِتَابَ (الرُّوَاةِ) عَنْ شُعْبَةَ، وَخَرَّجَ لِكَثِيْرٍ مِنْهُم. وَمِنْ جَلاَلتِهِ قَدْ رَوَى: مَالِكٌ الإِمَامُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، وَهَذَا قَلَّ أَنْ عَمِلَهُ مَالِكٌ.   (1) 6 / 195 - 200. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مَعْنٌ القَزَّازُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ الَّذِي تُكْثِرُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَحَبَسَهُم بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ. وَكَانَ أَبُو بِسْطَامَ إِمَاماً، ثَبْتاً، حُجَّةً، نَاقِداً، جِهْبِذاً، صَالِحاً، زَاهِداً، قَانِعاً بِالقُوتِ، رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، مُنْقَطِعَ القَرِيْنِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَرَّحَ وَعَدَّلَ. أَخَذَ عَنْهُ هَذَا الشَّأْنَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَخضَعُ لَهُ، وَيُجِلُّهُ، وَيَقُوْلُ: شُعْبَةُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلاَ شُعْبَةُ، لَمَا عُرِفَ الحَدِيْثُ بِالعِرَاقِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: شُعْبَةُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ بِالبَصْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ. رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَعَمْرَو بنَ سَلَمَةَ الجَرْمِيَّ. وَسَمِعَ مِنْ: أَرْبَعِ مائَةِ شَيْخٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ. قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِه: مَنْصُوْرٌ، وَالأَعْمَشُ، وَأَيُّوْبُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: قَاضِيَ المَدِيْنَةِ-. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: إِذَا خَالَفَنِي شُعْبَةُ فِي حَدِيْثٍ، صِرْتُ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ مِنْ شُعْبَةَ سَبْعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ غُنْدَرٌ سَبْعَةَ آلاَفٍ. قُلْتُ: يَعْنِي: بِالآثَارِ وَالمَقَاطِيْعِ. قَالَ أَبُو قَطَنٍ: كَتَبَ لِي شُعْبَةُ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ يُحَدِّثُنِي (1) ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَبُو بِسْطَامَ؟ قُلْتُ: بِخَيْرٍ. قَالَ: نِعْمَ حَشْوُ المِصْرِ هُوَ.   (1) زيادة من: " تاريخ بغداد ": 9 / 259. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَبِي الحَسَنِ يَقُوْلُ: كُلَّمَا نَعِقَ بِهِم نَاعِقٌ، اتَّبَعُوْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: رَأَيتُ الحَسَنَ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَقَالَ: لاَ بُدَّ لِهَؤُلاَءِ النَّاسِ مِنْ وَزَعَةٍ (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ بِمِصْرَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ البُوْشَنْجِيُّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ بِهَرَاةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ مَوْلَىً لِلأَزْدِ، وَمَوْلِدُهُ وَمَنشَؤُهُ بِوَاسِطَ، وَعِلْمُهُ كُوْفِيٌّ. كَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: سَعْدٌ، وَكَانَ لَهُ أَخَوَانِ: بَشَّارٌ وَحَمَّادٌ، وَكَانَا يُعَالِجَانِ الصَّرفَ. وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: وَيْلَكُم! الْزَمُوا السُّوْقَ، فَإِنَّمَا أَنَا عِيَالٌ عَلَى أَخَوَيَّ. قَالَ: وَمَا أَكَلَ شُعْبَةُ مِنْ كَسْبِهِ دِرْهَماً قَطُّ. وَبِهِ: قَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، سَمِعْتُ أَبَا قُطْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ شُعْبَةَ رَكَعَ قَطُّ، إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَسِيَ، وَلاَ قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَينِ، إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَسِيَ (2) . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبَّوَيْه، سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ عِنْدِي دَقِيْقٌ وَقَصَبٌ (3) ، مَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي مِنَ الدُّنْيَا.   (1) وزعة: أي أعوان يكفوهم عن التعدي والشر والفساد. (2) " تاريخ الإسلام " 6 / 191، وفيه: " إلا قلت قد نسي ". (3) القصب: المعي. والخبر في " تاريخ بغداد ": 9 / 261. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي قُرَادٌ أَبُو نُوْحٍ، قَالَ: رَأَى عَلَيَّ شُعْبَةُ قَمِيْصاً، فَقَالَ: بِكَمِ اشْتَرَيتَ هَذَا؟ فَقُلْتُ: بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ. فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! أَمَا تَتَّقِي اللهَ؟! أَلاَ اشْتَرَيتَ قَمِيْصاً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَتَصَدَّقْتَ بِأَرْبَعَةٍ، كَانَ خَيْراً لَكَ؟ قُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! إِنَّا مَعَ قَوْمٍ نَتَجَمَّلُ لَهُم. قَالَ: أَيْش نَتَجَمَّلُ لَهُم؟! حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أَيُّوْبُ: الآنَ يَقْدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ وَاسِطَ، يُقَالُ لَهُ: شُعْبَةُ، هُوَ فَارِسٌ فِي الحَدِيْثِ، فَإِذَا قَدِمَ، فَخُذُوا عَنْهُ. قَالَ حَمَّادٌ: فَلَمَّا قَدِمَ، أَخَذْنَا عَنْهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَلِيْدُ بنُ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ إِدْرِيْسَ، قَالَ: مَا جَعَلتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الرِّجَالِ مِثْلَ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: وَافَقْنَا مِنْ شُعْبَةَ طِيْبَ نَفْسٍ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثنَا، وَلاَ تُحَدِّثْنَا إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ. فَقَالَ: قُوْمُوا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: كُلُّ مَنْ كَتَبتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: شُعْبَةُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ شَبَّوَيْه، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَوَّمْنَا حِمَارَ شُعْبَةَ وَسَرْجَه وَلِجَامَهُ بَضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا قُرَادٌ: أَنَّهُ سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِي الحَدِيْثِ (سَمِعْتُ) ، فَهُوَ خَلٌّ وَبَقْلٌ (1) .   (1) أي لا قيمة له، ولا يساوي شيئا. وشعبة كان أشد الناس إنكارا للتدليس. يروى عنه أنه قال: لان أزني أحب إلي من أن أدلس. قال ابن الصلاح: وهذا محمول على المبالغة والزجر. = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيُّ، عَنْ وَرْقَاءَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكتَ حَدِيْثَ أَبِي الزُّبَيْرِ؟ قَالَ: رَأَيتُهُ يَزِنُ، فَاسْتَرجَحَ فِي المِيْزَانِ، فَتَرَكْتُهُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ حَوَائِجُ لَنَا إِلَيْكُم، مَا جَلَسْتُ لَكُم. قَالَ عَفَّانُ: كَانَ حَوَائِجُهُ: يَسْأَلُ لِجِيْرَانِهِ الفُقَرَاءِ. وَسَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَنْ ذَهَبْنَا إِلَى أَبِيْهِ، فَأَكْرَمَنَا، فَجَاءنَا ابْنُهُ، أَكْرَمنَاهُ، وَمَنْ أَتَيْنَاهُ، فَأَهَانَنَا، أَتَانَا ابْنُهُ، أَهَنَّاهُ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا رَأَيتُ أَحَداً قَطُّ أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْ شُعْبَةَ. قَالَ أَبُو بَحْرٍ البَكْرَاوِيُّ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَعبَدَ للهِ مِنْ شُعْبَةَ، لَقَدْ عَبَدَ اللهَ حَتَّى جَفَّ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ وَاسْوَدَّ (1) . قَالَ حَمْزَةُ بنُ زِيَادٍ الطُوْسِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ - وَكَانَ أَلثَغَ، قَدْ يَبِسَ جِلدُهُ مِنَ العِبَادَةِ - يَقُوْلُ: لَوْ حَدَّثتُكُم عَنْ ثِقَةٍ، مَا حَدَّثتُكُم عَنْ ثَلاَثَةٍ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ شُعْبَةُ يَصُوْمُ الدَّهْرَ كُلَّهُ. ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) : لِشُعْبَةَ ثَلاَثُ مائَةِ شَيْخٍ سَمَّاهُم.   = والتدليس: هو أن يروي المحدث عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه سمع منه، كأن يقول: عن فلان، أو: قال فلان، أو نحو ذلك، فأما إذا صرح بالسماع أو التحديث، ولم يكن قد سمعه من شيخه، ولم يقرأه عليه، فلا يعد ذلك مدلسا، بل هو كاذب فاسق، يرد حيثه، ولا يقبل مطلقا. ونوع آخر من التدليس: هو أن يأتي باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لامره، وتوعيرا للوقوف على حاله. (1) تهذيب الكمال: خ: 584، وفيه: " حتى جف جلده على ظهره، ليس بينهما لحم ". (2) خ: 582 - 583. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: شُعْبَةُ أَثْبَتُ مِنَ الأَعْمَشِ فِي الحَكَمِ، وَشُعْبَةُ أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنَ الثَّوْرِيِّ، قَدْ رَوَى عَنْ: ثَلاَثِيْنَ كُوْفِيّاً لَمْ يَلْقَهُم سُفْيَانُ. قَالَ: وَكَانَ شُعْبَةُ أُمَّةً وَحْدَه فِي هَذَا الشَّأْنِ. قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهِّرٍ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَمعنَ فِي العِبَادَةِ مِنْ شُعْبَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لأَنْ أَزْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ (1) . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ يَوْماً بِحَدِيْثِ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ (2) ، وَأَحَادِيْثَ نَحْوِه. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَدَرِيَّةِ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! أَلاَ تُحدِّثُنَا نَحْنُ أَيْضاً بِشَيْءٍ (3) ؟ فَذَكَرَ حَدِيْثَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ   (1) وهذا - كما قال ابن الصلاح - محمول على المبالغة والزجر. والصحيح التفصيل في أمر المدلس بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد. وفي " الصحيحين " من حديث جماعة من هذا الضرب، كالسفيانين والاعمش وقتادة وهشيم وغيرهم. ونقل السيوطي في " التدريب " عن الحاكم: أن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي وخراسان وأصبهان، وبلاد فارس وخوزستان، وما وراء النهر، لا يعلم أحد من أئمتهم دلسوا، وأكثر المحدثين تدليسا: أهل الكوفة، ونفر يسير من أهل البصرة. وأما أهل بغداد، فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلى أبي بكر بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي، فهو أول من أحدث التدليس بها. (2) أخرجه البخاري: 6 / 220 و262، في بدء الخلق، و: 11 / 417 - 426، في القدر، ومسلم: (2643) ، في أول القدر، من طرق عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما. ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك. ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك. ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها ". (3) تاريخ الفسوي: 2 / 283، وفيه: " لا تحدثنا، نحن أيضا ننسى ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ (1) ... ) ، الحَدِيْثَ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَرَقِّ النَّاسِ، يُعطِي السَّائِلَ مَا أَمْكَنَهُ. وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ: كَانَتْ ثِيَابُ شُعْبَةَ كَالتُّرَابِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، سَخِيّاً. وَعَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا حَكَّ جِسْمَهُ انْتَثَرَ مِنْهُ التُّرَابُ، وَكَانَ سَخِيّاً، كَثِيْرَ الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، فَجَاءَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ يَبْكِي، وَقَالَ: مَاتَ حِمَارِي، وَذَهَبت مِنِّي الجُمُعَةُ، وَذهَبَتْ حَوَائِجِي. قَالَ: بِكَمْ أَخَذْتَه؟ قَالَ: بِثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ. قَالَ شُعْبَةُ: فَعِنْدِي ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَاللهِ مَا أَملِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهِ (2) . قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: مَا رَأَيتُ أَرحمَ بِمِسْكِيْنٍ مِنْ شُعْبَةَ. وَبِإِسْنَادِي المَاضِي إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، قَالَ: قَدِمَ شُعْبَةُ بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ أَيَّامَ المَنْصُوْرِ وَأَيَّامَ المَهْدِيِّ، كَتَبتُ عَنْهُ فِيْهِمَا جَمِيْعاً. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: وَهَبَ المَهْدِيُّ لِشُعْبَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَسَّمَهَا، وَأَقطَعَهُ أَلْفَ   (1) أخرجه البخاري: 3 / 196 - 199، في الجنائز: باب ما قيل في أولاد المشركين، من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أويمجسانه، كمثل البهيمة تنتج هل ترى فيها جدعاء؟ ". وأخرجه مسلم: (2658) ، في القدر، وفيه: ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ... ) [الروم: 30] . والمراد من الفطرة هنا: هو الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف. (2) سيكرر المؤلف هذا الخبر في ترجمة سليمان بن المغيرة، في الصفحة: 419. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 جَرِيْبٍ (1) بِالبَصْرَةِ، فَقَدِمَ البَصْرَةَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً يَطِيْبُ لَهُ، فَتَرَكَهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدِمَ شُعْبَةُ فِي شَأْنِ أَخِيْهِ، كَانَ حَبَسَه أَبُو جَعْفَرٍ، كَانَ اشْتَرَى طَعَاماً، فَخَسِرَ سِتَّةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ هُوَ وَشُركَاؤُهُ -يَعْنِي: فَكلَّمَ فِيْهِ شُعْبَةُ أَبَا جَعْفَرٍ-. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ نَرَ قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ شُعْبَةَ بِالشِّعْرِ، قَالَ لِي: كُنْتُ أَلزمُ الطِّرِمَّاحَ (2) ، فَمَرَرْتُ يَوْماً بِالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ وَهُوَ يُحَدِّث، فَأَعْجَبَنِي الحَدِيْثُ، وَقُلْتُ: هَذَا أَحْسَنُ مِنَ الشِّعْرِ، فَمِنْ يَوْمَئِذٍ طَلبتُ الحَدِيْثَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ الشِّعْرُ، لَجِئْتُكُم بِالشَّعْبِيِّ -يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ فِي حَيَاةِ الشَّعْبِيِّ مُقْبِلاً عَلَى طَلَبِ الشِّعْرِ-. قَالَ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ قَتَادَةُ يَسْأَلُنِي عَنِ الشِّعرِ، فَقُلْتُ لَهُ: أُنْشِدُكَ بَيْتاً، وَتُحدِّثُنِي حَدِيْثاً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَكْثَرَ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: شُعْبَةُ إِمَامُ المُتَّقِيْنَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: هَلِ العُلَمَاءُ إِلاَّ شُعْبَةٌ مِنْ شُعْبَةَ؟ قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: أَتَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أُسْتَاذُنَا شُعْبَةُ؟   (1) الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذرع والمساحة. (2) الطرماح بن حكيم بن الحكم، من طيئ، شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ في الشام، وانتقل إلى الكوفة، فكان معلما فيها، واعتقد مذهب " الشراة " من الازارقة، واتصل بخالد بن عبد الله القسري، فكان يكرمه ويستجيد شعره، وكان هجاء، معاصرا للكميت صديقا له. توفي نحو سنة (125 هـ) . انظر: البيان والتبيين، (ط. ثالثة، تحقيق عبد السلام هارون) : 1 / 46 - 47، و: الشعر والشعراء: 2 / 585 - 590، و: الاغاني: 12 / 35 - 45. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لاَ يَعْدِلُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَحَدٌ. ابْنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ هَذَا الحَدِيْثِ يَصُدُّكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَعَنِ الصَّلاَةِ، وَعَنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، فَهَلْ أَنْتُم مُنْتَهُوْنَ؟ قَالَ أَبُو قَطَنٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: مَا شَيْءٌ أَخَوْفُ عِنْدِي مِنْ أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ مِنَ الحَدِيْثِ. وَعَنْهُ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي وَقَّادُ حَمَّامٍ، وَأَنِّي لَمْ أَعْرِفِ الحَدِيْثَ. قُلْتُ: كُلُّ مَنْ حَاقَقَ نَفْسَهُ فِي صِحَّةِ نِيَّتِهِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، يَخَافُ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَيَودُّ أَنْ يَنجُوَ كَفَافاً. قَالَ عَفَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ مِنَ العُبَّادِ. قَالَ سَعْدُ بنُ شُعْبَةَ: أَوْصَى أَبِي إِذَا مَاتَ أَنْ أَغْسِلَ كُتُبَه، فَغَسَلْتُهَا. قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالغَسلِ، وَبِالحَرقِ، وَبِالدَّفْنِ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ تَقعَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ وَاهٍ، يَزِيْدُ فِيْهَا، أَوْ يُغِيِّرُهَا. رَوَى: أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ مِنْ أَنَسٍ سِوَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَالبَاقِي سَمِعَهَا، وَثَبَّتَهُ فِيْهَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ -يَعْنِي: فَكَانَ يَحذِفُ ثَابِتاً، وَيُدَلِّسُهَا، فَيَقُوْلُ: عَنْ أَنَسٍ-. مَا أَعْتَقِدُ إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُكْثِرٌ عَنْهُ، بِحَيْثُ أَنَّهُ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: شُعْبَةُ أَحْفَظُ لِلْمَشَايِخِ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ لِلأَبوَابِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: فِي صَدْرِي أَرْبَعُ مائَةِ حَدِيْثٍ لأَبِي الزُّبَيْرِ، وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ عَنْهُ.   (1) وذلك لان أبا الزبير، واسمه: محمد بن مسلم بن تدرس، موصوف بالتدليس وشعبة ينكره أشد الإنكار، كما مر في أخباره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 قَالَ القَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ أَمرَّ فِي الأَحَادِيْثِ الطِّوَالِ مِنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قِيْلَ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَأَبَا خَالِدٍ بنَ عَمَّارٍ يَزْعُمَانِ: أَنَّ شُعْبَةَ أَمْلَى عَلَيْهِمَا. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا أَمْلَيتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِبَغْدَادَ، إِلاَّ عَلَى ابْنِ زُرَيْعٍ (1) ، أَكْرَهَنِي عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَهَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ يَحْيَى: لَوْ أَرَدْتُهُ عَلَى الإِمْلاَءِ، لأَمْلَى عَلَيَّ، وَمَا أَمْلَى وَأَنَا حَاضِرٌ قَطُّ، وَلقَدْ جَاءهُ خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَهُوَ شَيْخٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرِي، فَأَخْرَجَ رُقَيْعَةً، فَنَفَرَ شُعْبَةُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ أَطرَافٌ، فَسَكَنَ. عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: قَالَ لِي بَقِيَّةُ: كَانَ شُعْبَةُ يُمْلِي عَلَيَّ، وَذَاكَ أَنَّهُ قَالَ لِي: اكْتُبْ لِي حَدِيْثَ بَحِيْرِ بنِ سَعِيْدٍ. فَكَتَبْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَكتُبَ، وَلاَ يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ؟ فَقَالَ لِي: اكْتُبْ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ عَنْهُ. القَوَارِيْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: أَملَى عَلَيْنَا شُعْبَةُ هَذِهِ المَسَائِلَ مِنْ كِتَابِه -يَعْنِي: مَسَائِلَ الحَكَمِ وَحَمَّادٍ-. وَكَانَ يَوْماً قَاعِداً يُسبِّحُ بُكرَةً، فَرَأَى قَوْماً بَكَّرُوا، فَأَخَذُوا أَمْكِنَةً لِقَومٍ يَجِيْؤُوْنَ بَعْدَهُم، وَرَأَى قَوْماً يَجِيْؤُوْنَ، فَقَامَ مِنْ مَكَانِهِ، فَجَلَسَ فِي آخِرِهِم. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، قَالَ: هَؤُلاَءِ شُيُوْخُ شُعْبَةَ مِنَ الكُوْفَةِ، لَمْ يَلْقَهُم سُفْيَانُ: عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ، طَلْحَةُ بنُ مُصَرِّفٍ، المِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، إِسْمَاعِيْلُ بنُ رَجَاءَ، عُبَيْدُ بنُ الحَسَنِ، الحَكَمُ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، يَحْيَى أَبُو عَمْرٍو البَهْرَانِيُّ، عَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، سِمَاكُ بنُ الوَلِيْدِ، سَعِيْدُ بنُ أَبِي بُرْدَةَ،   (1) في الأصل: " بزيع "، وهو خطأ، وابن زريع هذا هو: يزيد، انظر " تاريخ " المؤلف: 6 / 193. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 عَبْدُ اللهِ بنُ جَبْرٍ، مُحِلُّ بنُ خَلِيْفَةَ، أَبُو السَّفَرِ سَعِيْدٌ الهَمْدَانِيُّ، نَاجِيَةُ بنُ كَعْبٍ. قَالَ وَكِيْعٌ: قَالَ شُعْبَةُ: رَأَيتُ نَاجِيَةَ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ يَلْعَبُ بِالشَّطْرَنْجِ، فَتَرَكْتُهُ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. وَمِنْهُمُ: العَلاَءُ بنُ بَدْرٍ، وَحَيَّانُ البَارِقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي المُجَالِدِ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. رَوَاهَا: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، ثُمَّ زَادَ أُنَاساً: الوَلِيْدُ بنُ العَيْزَارِ، يَحْيَى بنُ الحُصَيْنِ، نُعَيْمُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، حَبِيْبُ بنُ الزُّبَيْرِ، سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: رَأَيتُ الحَسَنَ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَتَكَابُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِهَؤُلاَءِ النَّاسِ مِنْ وَزَعَةَ (1) . وَكَانَ يَقَعدُ عِنْدَ المَنَارَةِ العَتِيْقَةِ، فِي آخِرِ المَسْجِدِ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَتْ فِي شُعْبَةَ تَمتَمَةٌ (2) . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ (3) يَقُوْلُ: مِنْ كَذِبِ الإِنْسَانِ مَرَّتَيْنِ يَقُوْلُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلاَّ شُوَيْءٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ (4) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: قَالَ شُعْبَةُ: كُنْتُ أَتفقَّدُ فَمَ قَتَادَةَ، فَإِذَا قَالَ: سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنَا، تَحفَّظْتُهُ، وَإِلاَّ تَرَكْتُهُ (5) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ غَلَطُ شُعْبَةَ فِي الأَسْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ شُعْبَةُ يَجِيْءُ إِلَى الرَّجُلِ -يَعْنِي: الَّذِي لَيْسَ أَهْلاً   (1) تقدم في الصفحة: 207، انظره مع الحاشية: 1. (2) التمتمة: رد الكلام إلى التاء والميم، وقيل: هو أن يعجل بكلامه فلا يكاد يفهمك. (انظر: تاج العروس) . (3) سقط من الأصل، والزيادة من " تاريخ الإسلام ": 6 / 194. (4) في " الحلية ": 2 / 203، و" تاريخ الإسلام ": 6 / 194: " إلا سوى ليس بشيء ". (5) أي أنه كان يحفظ حديث قتادة الذي يصرح فيه بالتحديث، لأنه كان يدلس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 لِلْحَدِيْثِ (1) - فَيَقُوْلُ: لاَ تُحدِّثْ، وَإِلاَّ اسْتَعْدَيتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ. أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ: لأَنْ أَقَعَ مِنَ السَّمَاء ِإِلَى الأَرْضِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: حدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ القَزَّازُ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ شُعْبَةَ سَبْعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ غُنْدَرٌ مِثْلَهَا، أَغرَبتُ عَلَيْهِ أَلفَ حَدِيْثٍ، وَأغْرَبَ هُوَ عَلَيَّ أَلْفاً. قَالَ شُعْبَةُ: وَقِّفوهُم تَصدقُوا أَوْ تَكذبُوا. سَمِعَهُ مِنْهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ. قَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا قَامَ سَائِلٌ فِي مَجْلِسِهِ، لاَ يُحَدِّثُ حَتَّى يُعْطَى أَوْ يُضْمَنَ لَهُ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ خُرَاسَانِيٍّ، فَقِيْلَ لَهُ: تُقْبِلُ عَلَى هَذَا وَتَدَعُنَا؟! قَالَ: وَمَا يُؤْمِنُنِي أَنَّ مَعَهُ خِنْجَراً يَشُقُّ بَطْنِي بِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنِي حَرِيْشٌ ابْنُ أُخْتِ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيتُ شُعْبَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيَّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَشَدَّ عَلَيْكَ؟ قَالَ: التَّجَوُّزُ فِي الرِّجَالِ (2) . قَالَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ بُكَيْرٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: اكْتُم عَلَيَّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ: سَمِعَ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ حَرْفٌ.   (1) زيادة من: " تهذيب الأسماء ": 1 / 245، وفيه: " ... وإلا اشتكيت عليك إلى السلطان ". (2) التجوز: الترخص. والمعروف عن شعبة أنه كان يتشدد في تنقيد الرواة ولا يترخص في ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ يَمْشِي إِلَى مَسْجِدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ يَسْأَلُنِي عَنِ الحَدِيْثِ، فَحَدَّثتُهُ يَوْماً بِحَدِيْثِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ: (أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتِ الحَجَّ) . فَقَالَ أَيُّوْبُ: هَاتُوا إِسْنَاداً مِثْلَ هَذَا. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: أَتَى إِلَيَّ ابْنُ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، يُعَزِّيَانِي بِأُمِّي، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ ... فَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَدْ رَأَيْتَ أَبَا نَضْرَةَ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: فَمَا رَأَيتَ؟! عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ شُعْبَةُ إِلَى حُمَيْدٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ لأَنَسٍ، فَحَدَّثَهُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: سَمِعْتَه مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: فِيْمَا أَحْسِبُ. فَقَالَ شُعْبَةُ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ: لاَ أُرِيْدُهُ، ثُمَّ وَلَّى. فَلَمَّا ذَهَب، قَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ كَذَا وَكَذَا مرَّةً، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُفسِدَهُ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ: أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، وَفِيْهِ: وَلَكِنْ شَدَّدَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَدِّدَ عَلَيْهِ. رَوَى: سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِمُشَاشٍ: سَمِعَ الضَّحَّاكُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مَا رَآهُ قَطُّ. وَرَوَى: هُشَيْمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: خُذُوا عَنْ أَهْلِ الشَّرَفِ، فَإِنَّهُم لاَ يَكْذِبُوْنَ. قَالَ وَكِيْعٌ: قَالَ شُعْبَةُ: فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ مِثْلُهُ لاَ يُجْزِئُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُجزِئُ. عُثْمَانُ بنُ جَبَلَةَ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَلذُّ مِنْ أَنْ تَلْقَى شَيْخاً فِي فَيءِ رِيْحٍ، قَدْ لَقِيَ النَّاسَ، وَأَنْتَ تَسْتَثِيْرُهُ، وَتَستخرِجُ مِنْهُ العِلْمَ، قَدْ خَلَوتَ بِهِ؟! قَالَ عَفَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يَخْضِبُ بِالحُمْرَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 لَمْ يَقَعْ لِي بِالاتِّصَالِ مِنْ حَدِيْثِ شُعْبَةَ بِعُلُوٍّ سِوَى أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا ثَلاَثَةٌ فِي (المائَةِ الشُّرَيْحِيَّةِ (1)) . قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَكُمَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، وَشَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُوْلُ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً مِنْهُم يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (2) . هَذَا حَدِيْثٌ ثَابِتٌ، مَا عَلَيْهِ غُبَارٌ، وَقَتَادَةُ فَحَافِظٌ يُؤَدِّي الحَدِيْثَ بِحُرُوْفِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ الأَبَّارِ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو المَنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ   (1) نسبة إلى عبد الله بن أبي شريح. (انظر: العبر للذهبي: 3 / 53) . (2) أخرجه البخاري: 2 / 188، في صفة الصلاة: باب ما يقول بعد التكبير، ولفظه: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر، وعمر - رضي الله عنهم - كانوا يفتتحون الصلاة ب: (الحمدلله رب العالمين) "، وأخرجه الترمذي: " (246) ، وعنده: " القراءة " بدل " الصلاة، وزاد: " عثمان "، وأخرجه مسلم: (399) ، في الصلاة: باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، بلفظ: " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم "، ورواه أحمد: 3 / 264، والطحاوي: 1 / 119، والدارقطني: 119، وقالوا فيه: " فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم "، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وزاد: " ويجهرون بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ للنسائي: 2 / 135، وابن حبان: " فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم "، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده ": " فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ للطبراني في " معجمه "، وأبي نعيم في " الحلية "، وابن خزيمة في " صحيحه ": 498، والطحاوي في " شرح معاني الآثار ": 1 / 119: " وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم ". قال الزيلعي في " نصب الراية ": 1 / 327: ورجال هذه الروايات كلهم ثقات، مخرج لهم في " الصحيح " جمع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 الفُضَيْلُ بنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَنِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ: سَمِعْتُ جَابِراً يَقُوْلُ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) . فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: (أَنَا أَنَا) ، كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ، عَنْ شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ مُقَاتلاً - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يَرْفَعَ اللهُ لِشُعْبَةَ دَرَجَاتٍ فِي الجَنَّةِ؛ بِذَبِّهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ الخَيْرِ أَبُو بِسْطَامَ الضَّخْمُ، عَنِ الضِّخَامِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّخْمُ عَنِ الضِّخَامِ ... شُعْبَةُ الخَيْرِ أَبُو بِسْطَامِ (2) الكُدَيْمِيُّ: عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، قَالَ: كَلَّمَ أَبِي شُعْبَةَ فِي أَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَسَلْمٍ العَلَوِيِّ فِي الكَفِّ عَنْهُمَا، فَأَجَابَهُ فِي سَلْمٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: قَالَ لِي حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: إِذَا خَالَفنِي شُعْبَةُ فِي حَدِيْثٍ، صِرتُ إِلَى قَوْلِه. قُلْتُ: كَيْفَ يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ؟ قَالَ: إِنَّ شُعْبَةَ كَانَ لاَ يَرضَى أَنْ يَسْمَعَ الحَدِيْثَ عِشْرِيْنَ مَرَّةً، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ أَسْمَعَهُ مَرَّةً. وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ القُدُّوْسِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَبْحَابِيِّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَمَّا   (1) 11 / 29 - 30، في الاستئذان: باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا، وأخرجه مسلم: (2155) ، في الآداب: باب كراهة قول المستأذن: أنا، من طرق، عن شعبة. (2) الجرح والتعديل: 1 / 128. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 مَاتَ شُعْبَةُ، أُرِيتُهُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ آخذٌ بِيَدِ مِسْعَرٍ، وَعَلَيْهِمَا قَمِيْصَا نُوْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِصِدْقِي فِي رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، وَنَشْرِي لَهُ، وَأَدَائِي الأَمَانَةَ فِيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: حَبَانِي إِلَهِي فِي الجِنَانِ بِقُبَّةٍ ... لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرُ شَرَابِي رَحِيْقٌ فِي الجِنَانِ وَحِلْيَتِي ... مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيْزِ وَالتَّاجُ أَزْهَرُ وَنَقْلِي (1) لِثَامُ الحُورِ وَاللهُ خَصَّنِي ... بِقَصْرٍ عَقِيْقٍ، تُرْبَةُ القَصْرِ عَنْبَرُ وَقَالَ لِيَ الرَّحْمَنُ: يَا شُعْبَةُ الَّذِي ... تَبَحَّرَ فِي جَمْعِ العُلُوْمِ فَأَكْثَرُ تَنَعَّمْ بِقُرْبِي إِنَّنِي عَنْكَ رَاضِي ... وَعَنْ عَبْدِيَ القَوَّامِ بِاللَّيْلِ مِسْعَرُ كَفَى مِسْعَراً عِزّاً بِأَنْ سَيَزُوْرُنِي ... فَأَكْشِفُ حُجْبِي ثُمَّ أُدْنِيْهِ يَنْظُرُ (2) ... فِي أَبْيَات. الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لأَنْ أَقعَ مِنَ السَّمَاءِ فَأَنقطِعَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. القَوَارِيْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، يُحَدِّثُ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ عَقْلُهُ مَعَهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ عَقلُهُ بِفِنَائِهِ، وَمِنْهُم مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي عَقلُهُ مَعَهُ، فَالَّذِي يُبْصِرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَأَمَّا الَّذِي عَقلُهُ بِفِنَائِهِ، فَالَّذِي ... ، وَذَكَرَ كَلِمَةً. قَالَ مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سُئِلَ شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فَقَالَ: سَمْنٌ وَعَسَلٌ. قِيْلَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ؟ فَقَالَ: خَلٌّ وَزَيْتٌ. قِيْلَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ؟ قَالَ: دَعْنِي لاَ أَقِيءُ بِهِ. ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ أَفْلَسَ، بِعْتُ طَسْتَ أُمِّي بِسَبْعَةِ دَنَانِيْرَ.   (1) النقل: ما يتنقل به مثل الفستق والبزر وما إليهما على الشراب. (2) في القصيدة إقواء ظاهر، وضرورة في قوله: " راضي ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ إِذَا جَاءَ بِالحَدِيْثِ الحَسَنِ، صَاحَ: أَوَّهُ! أَفرَقَ مِنْ جَوْدَتِهِ. سُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا شُعْبَةُ جَالِسٌ وَحْدَهُ، فَجلَسْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعَ رِجْلَهُ، فَرَكَلَنِي، وَقَالَ: أَنْتَ طَلَبْتَ مَنْصُوْراً، ثُمَّ لَمْ تَجِدْهُ فِي الإِسْطُوَانَاتِ، فَحِيْنَئِذٍ جِئْتَ إِلَيَّ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ بِهِ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً. الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ: مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ مِثْلَ زُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ. قَالَ أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: إِنَّ أَبَا شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ صِفِّيْنَ شَهِدَهَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعُوْنَ رَجُلاً. قَالَ: كَذَبَ أَبُو شَيْبَةَ، لقَدْ ذَاكَرتُ الحَكَمَ، فَمَا وَجَدْنَا أَحَداً شَهِدَ صِفِّيْنَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، غَيْرَ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ. قُلْتُ: قَدْ شَهِدَهَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ، وَالإِمَامُ عَلِيٌّ أَيْضاً. الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لأَنْ أُقَدَّمَ، فَتُضْرَبَ عُنُقِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ مِنْ فَوْقِ هَذَا القَصْرِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ: قَالَ الحَكَمُ، لِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْه مِنْهُ. قُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- الوَرَعُ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: قُلْتُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 لِشُعْبَةَ: مَنِ الَّذِيْنَ تَتركُ الرِّوَايَةَ عَنْهُم؟ قَالَ: إِذَا أَكْثَرَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ مِنَ الرِّوَايَةِ مَا لاَ يُعرَفُ، أَوْ أَكْثَرَ الغَلَطَ، أَوْ تَمَادَى فِي غَلَطٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِم عَلَى خِلاَفِهِ، أَوْ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ بِكَذِبٍ، وَسَائِرُ النَّاسِ فَارْوِ عَنْهُم. عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، وَاكْتُمْ. الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيتُ شُعْبَةَ قَدْ لَبَّبَ أَبَانَ بنَ أَبِي عَيَّاشٍ، يَقُوْلُ: أَسْتَعْدِي عَلَيْكَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَإِنَّكَ تَكْذِبُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَبَصُرَ بِي، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ! قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَا زِلتُ أَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى خَلَّصْتُهُ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ دُكَيْنٍ الكَلْبِيُّ (1) : سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَصدَقَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: كَتَبْتُ عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، فَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. قُلْتُ: هُوَ يَزِيْدُ بنُ سُفْيَانَ، هَالِكٌ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُمْشَادَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ هُشَيْمٌ البَصْرَةَ، فَقَالَ شُعْبَةُ: إِنْ حَدَّثَكم عَنْ عِيْسَى بنِ مَرْيَمَ، فَصَدِّقُوهُ، وَاكتُبُوا عَنْهُ. فَمَالَ النَّاسُ إِلَى هُشَيْمٍ، وَتَرَكُوا شُعْبَةَ، فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! مَا لَكَ، أَيْنَ النَّاسُ؟ قَالَ: أَنَا صَنَعتُ بِنَفْسِي، أَلَقَيْتُ بِنَفْسِي فِي غُبَارِ الجَصِّ.   (1) كذا الأصل، وفي " تذهيب التهذيب " للمؤلف " 2 / 51: وقال الربيع بن يحيى عن شعبة: ما رأيت أحدا ... وكذلك هو في " تهذيب الكمال " وتقدمه " الجرح والتعديل ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: رُبَّمَا سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: يَا قَوْمُ! إِنَّكُم كُلَّمَا تَقدَّمْتُم فِي الحَدِيْثِ، تَأَخَّرْتُم فِي القُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْكَ بِوَرْقَاءَ (1) ، فَإِنَّكَ لاَ تَلقَى مِثْلَهُ حَتَّى تَرجِعَ - عَنَى: فِي الخَيْرِ -. رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي كَرِيْمَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَقُوْلُ: لاَ تَكتُبُوا الحَدِيْثَ إِلاَّ عَنْ غَنِيٍّ، وَكَانَ هُوَ فَقِيْراً، كَانَ يَعُوْلُهُ بَنُو أَخِيْهِ. وَرَوَى: لَبِيْدُ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: تَعَالَوْا نَغتَابُ فِي اللهِ. يُرِيْدُ: الكَلاَمَ فِي الشُّيُوخِ. يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: كَتَبَ لِي سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالِدٍ إِلَى شُعْبَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ حَدِيْثَ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَكَانَ يُحَدِّثُنِي، وَلاَ يَدعُ أَحَداً يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ ثُمَّ أَقُوْلُ: البَولَ البَولَ. فَقَالَ: هَذَا -وَاللهِ- بَاطِلٌ، إِنَّمَا تُرِيْدُ أَنْ تَتَذَكَّرَ الأَبْوَابَ. أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ - أَوْ قِيْلَ لَهُ -: قَالَ شُعْبَةُ: أَتَيْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ وَفَخِذُهُ مَكْشُوْفَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: غَطِّ فَخِذَكَ. قَالَ: مَا بَأْسٌ بِذَلِكَ. فَلِذَلِكَ لَمْ أَرْوِ عَنْهُ. فَقَالَ النَّضْرُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ شَدِيْدَةٌ، فَتَذَمَّمْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا أُعْطِيْهِ. قُلْتُ: أَخذَ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَعَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. عُبَيْدُ اللهِ بنُ جَرِيْرِ بنِ جَبَلَةَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: أَوْصَى أَبِي إِذَا مَاتَ أَنْ أَغسِلَ كُتُبَهُ، فَغَسَلْتُهَا. وَكَانَ أَبِي إِذَا اجْتمَعَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ مِنَ   (1) ورقاء بن عمر، انظر ترجمته: صفحة: 419. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 النَّاسِ، أَرْسَلَنِي بِهَا إِلَى البَارجَاه، فَأَدفَعُهَا فِي الطِّينِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، قُلْتُ لِشُعْبَةَ: مَا لَكَ لاَ تُحدِّثُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: تَرَكتُ حَدِيْثَهُ. قُلْتُ: تُحدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ العَرْزَمِيِّ، وَتَدَعُهُ؟! قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّهُ حَسَنُ الحَدِيْثِ. قَالَ: مِنْ حُسْنِهِ فَرَرْتُ (1) . قَالَ القَطَّانُ: قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ جَاءَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِحَدِيْثٍ مِثْلِهِ، لَتُركَ حَدِيْثُهُ -يَعْنِي: حَدِيْثَهُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: (الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِباً، إِذَا كَانَ طَرِيْقُهُمَا وَاحِداً (2)) . رُوِيَ عَنْ: شُعْبَةَ، قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنِي سَعْداً، فَمَا سَعِدَ وَلاَ أَفلَحَ. قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: قَالَ لِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَنْتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَنْبَأَنَا السَّرَّاجُ، سَمِعْتُ الدَّارِمِيَّ، سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ يَقُوْلُ: شُعْبَةُ سَيِّدُ المُحَدِّثِيْنَ.   (1) قال الخطيب البغدادي، فيما نقله صاحب " التهذيب " عنه: قد أساء شعبة في اختياره، حيث حدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، لان محمد بن عبيد الله لم تختلف الأئمة من أهل الاثر في ذهاب حديثه، وسقوط روايته. وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض، وحسن ذكرهم له مشهور. (2) في الأصل، بعد قوله: عن جابر: " شفاء من كل داء السام "، وهو خطأ محض، وما أثبتناه هو الصواب، كما هو مذكور في ترجمة عبد الملك بن سليمان في " التهذيب " وغيره من المصادر. والحديث أخرجه أبو داود: (3518) ، والترمذي: (1369) ، وابن ماجه: (2494) ، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر. وسنده قوي، وحسنه الترمذي. وانظر ما نقله الزيلعي في " نصب الراية ": 474، عن ابن الجوزي في " التنقيح " في تقوية هذا الحديث، ووجه الجمع بينه وبين رواية جابر المشهورة، وهي: " الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، فلا شفعة "، فإنه غاية في النفاسة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 وَرَوَى: ثِقَةٌ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: أَنَا عَبدٌ لِمَنْ عِنْدَهُ حَدِيْثَانِ. ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا مَكْحُوْلٌ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ لَيْسَ فِيْهِ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي فَلاَةٍ مَعَهُ بَعِيْرٌ بِلاَ خِطَامٍ. سَعْدَوَيْه: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ أَبُو الرَّبِيْعِ السَّمَّانُ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: لَزِمْتَ السُّوْقَ، فَأفلَحتَ، وَلَزِمتُ أَنَا الحَدِيْثَ، فَأَفلَسْتُ. قَالَ أَبُو نُوْحٍ قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِذَا رَأَيتَ المِحْبَرَةَ فِي بَيْتِ إِنْسَانٍ، فَارْحَمْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي كُمِّكَ شَيْءٌ، فَأَطْعِمْهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كُنْتُ يَوْماً بِبَابِ شُعْبَةَ، وَكَانَ المَسْجِدُ مَلأً، فَخَرَجَ شُعْبَةُ، فَاتَّكَأَ عَلَيَّ، وَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ! تُرَى هَؤُلاَءِ كُلُّهُم يَخْرُجُوْنَ مُحَدِّثِيْنَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: صَدَقْتَ، وَلاَ خَمْسَةٌ، يَكْتُبُ أَحَدُهُم فِي صِغَرِهِ، ثُمَّ إِذَا كَبِرَ تَرَكَهُ، أَوْ يَشتغِلُ بِالفَسَادِ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَا خَرَجَ مِنْهُم خَمْسَةٌ. عَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، سَمِعَ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: اخْتلَفتُ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ خَمْسَ مائَةِ مَرَّةٍ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ إِلاَّ مائَةَ حَدِيْثٍ. الجَهْضَمِيُّ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، فَجَعَلَ يَسْمَعُ- إِذَا حَدَّثَ - صَوْتَ الأَلوَاحِ، فَقَالَ: السَّمَاءُ تُمطِرُ؟ قَالُوا: لاَ. ثُمَّ عَادَ لِلْحَدِيْثِ، فَسَمِعَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: المَطَرُ؟ قَالُوا: لاَ. ثُمَّ عَادَ، فَسَمِعَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَاللهِ لاَ أُحَدِّثُ اليَوْمَ إِلاَّ أَعْمَى. فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، فَقَامَ أَعْوَرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بِسْطَامَ! تُخْبِرُنِي أَنَا؟ قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ آتِي قَتَادَةَ، فَأَسْأَلُهُ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 حَدِيْثَيْنِ، فَيُحَدِّثُنِي، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَزِيْدُكَ؟ فَأَقُوْلُ: لاَ، حَتَّى أَحْفَظَهُمَا، وَأُتْقِنَهُمَا. أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُكْرَمٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَهُشَيْمٌ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الكُوْفَةَ، رَآنِي هُشَيْمٌ مَعَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: شَاعِرُ السَّبِيْعِ. فَلَمَّا خَرَجْنَا، جَعَلتُ أَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. قَالَ: وَأَيْنَ رَأَيتَه؟ قُلْتُ: هُوَ الَّذِي قُلْتُ لَكَ: شَاعِرُ السَّبِيْعِ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، مَرَرتُ بِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ مَعَ الزُّهْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَبَا مُعَاوِيَةَ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: شُرْطِيٌّ لِبَنِي أُمَيَّةَ. فَلَمَّا قَفَلْنَا، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ رَأَيتَه؟ قَالَ: الَّذِي رَأَيتَه مَعِي. قُلْتُ: أَرنِي الكِتَابَ. فَأَخْرَجَه، فَخَرَّقْتُهُ. المُبَرِّدُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ، حَدَّثَنِي الأَصْمَعِيُّ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً فَتَّشَ الحَدِيْثَ كَتَفْتِيشِي، وَقَفتُ عَلَى أَنَّ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ كَذِبٌ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ، إِذْ جَاءهُ مَوْتُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: مَاتَ الحَدِيْثُ. قُلْتُ: سَمَّى شَيْخُنَا المِزِّيُّ فِي (التَّهْذِيْبِ) لِشُعْبَةَ ثَلاَثَ مائَةِ شَيْخٍ، وَامْرَأَةً، وَهِيَ شُمَيْسَةُ العَتَكِيَّةُ (1) ، وَمِنْ أَصْغَرِ شُيُوْخِه: بَقِيَّةُ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، صَاحِبَاهُ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ شُعْبَةُ أُمَّةً وَحدَهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ. وَقَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّرٍ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَمعَنَ فِي العِبَادَةِ مِنْ شُعْبَةَ.   (1) هي شمسية بنت عزيز بن عامر العتكية، البصرية، روت عن عائشة. انظر: " تهذيب التهذيب ": 12 / 428. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 اتَّفَقُوا عَلَى وَفَاةِ شُعْبَةَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ. فَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَّلِهَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَالَ خَلِيْفَةُ فِي (الطَّبَقَاتِ) لَهُ: شُعْبَةُ مَوْلَى الأَشَاقِرِ، مِنَ الأَزْدِ، يُكْنَى: أَبَا بِسْطَامَ، مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، مَاتَ هُوَ وَجَدِّي فِي شَهْرٍ. آخِرُ التَّرْجَمَةِ سَرَدَهَا عَلَيَّ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي الحَافِظُ، فِي سَنَةِ 733. وَمِنْ غَرَائِبِ شُعْبَةَ: مَا أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الجُوْدِيِّ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ المُهَاجِرِ، يُحَدِّثُ عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ رَجُلٍ ضَافَ قَوْماً، فَأَصْبَحَ مَحْرُوْماً، إِلاَّ كَانَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُهُ، حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ (1)) . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ. وَسَعِيْدٌ: شَامِيٌّ لاَ يُعْرَفُ. وَأَمَّا أَبُو الجُوْدِيِّ: فَاسْمُه: الحَارِثُ بنُ عُمَيْرٍ، شَامِيٌّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَهْمِ بنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيْنِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ الوَرَّاقُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الجَهَازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ شَعْبَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ،   (1) " مسند " الطيالسي: 2 / 36، و" سنن " أبي داود: (3751) ، وسعيد بن أبي المهاجر مجهول. وفي الباب، عند أحمد: 2 / 380، والطحاوي في " مشكل الآثار ": 4 / 40، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أيما ضيف نزل بقوم، فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه ". وإسناده صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ نَكْتُبُ مَا يُمْلِي، فَسَأَلَ سَائِلٌ، فَقَالَ شُعْبَةُ: تَصَدَّقُوا، فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ. فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ (1)) . قَالَ: فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ. فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ حَدَّثَنِي، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ (2)) . فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ. فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، فَإِنَّ مُحِلاًّ الضَّبِّيَّ حَدَّثَنِي، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَاسْتَتِرُوا مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ (3)) . فَلَمْ يَتَصدَّقْ أَحَدٌ. فَقَالَ: قُوْمُوا عَنِّي، فَوَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكُم ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَخْرَجَ عَجِيناً، فَأَعْطَاهُ السَّائِلَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا، فَإِنَّهُ طَعَامُنَا اليَوْمَ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأُذَاكِرُ بِالحَدِيْثِ يَفُوتُنِي فَأَمرَضُ. وَقَالَ مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ: ذَكرُوا لِشُعْبَةَ حَدِيْثاً لَمْ يَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: وَاحُزْنَاهُ. 81 - خَالِدُ بنُ بَرْمَكَ أَبُو العَبَّاسِ الفَارِسِيُّ * الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَبَّاسِ الفَارِسِيُّ، جَدُّ الوَزِيْرِ جَعْفَرِ بنِ الوَزِيْرِ يَحْيَى البَرْمَكِيِّ العِرَاقِيِّ.   (1) أخرجه البخاري: 3 / 225، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، وأخرجه مسلم: (1016) ، من طريق زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، كلاهما عن عبد الله بن معقل، عن عدي ابن حاتم. (2) أخرجه البخاري: 10 / 375، و: 11 / 373، ومسلم: (1016) (68) ، والنسائي: 5 / 75، من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة عن عدي. (3) أخرجه النسائي: 5 / 74 - 75، في الزكاة: باب القليل من الصدقة. (*) الوزراء والكتاب: 87 - 151، وفيات الأعيان: 1 / 328 - 346 ضمن ترجمة جعفر بن = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ يُتَّهَمُ بِدِيْنِ المَجُوْسِ، وَكَانَ يَخْتلِفُ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الإِمَامِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيْمَ ابْنِ الإِمَامِ. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَزَرَ خَالِدٌ لِلسَّفَاحِ بَعْدَ حَفْصٍ الخَلاَّلِ. حَكَى عَنْهُ: ابْنُهُ يَحْيَى، ثُمَّ إِنَّهُ وَزَرَ لِلْمَنْصُوْرِ سَنَةً وَأَشْهُراً، ثُمَّ وَلاَّهُ إِمْرَةَ بِلاَدِ فَارِسٍ، وَاسْتَوْزَرَ بَعْدَهُ: أَبَا أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ (1) . قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ مِنْ أَفرَادِ الرِّجَالِ رِئَاسَةً، وَدَهَاءً، وَحَزماً، وَخَلَفَهُ فِي ذَلِكَ أَوْلاَدُه. مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. 82 - سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ * (ع) ابْنِ حَبِيْبِ بنِ رَافِعِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهِبَةَ بنِ أُبَيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنْقِذِ بنِ نَصْرِ بنِ الحَارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَامِرِ بنِ مِلْكَانَ بنِ ثَوْرِ   = يحيى، عبر الذهبي: 1 / 228 - 246، النجوم الزاهرة: 2 / 50، شذرات الذهب: 1 / 261، خزانة الأدب: 1 / 542، تهذيب ابن عساكر: 5 / 31 - 32. (1) ترجمته في الصفحة: 23. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 371 - 374، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 319، 437، التاريخ الكبير: 4 / 92 - 93، التاريخ الصغير: 2 / 154، المعارف: 497 - 498، المعرفة والتاريخ: 1 / 713 - 728، تاريخ الطبري: 8 / 58، الجرح والتعديل: 1 / 55 - 126، 4 / 222 - 225، مشاهير علماء الأمصار: 169 - 170، حلية الأولياء: 6 / 356 حتى 7 / 144، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ بغداد: 9 / 151 - 174، الكامل لابن الأثير: 6 / 56، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 222 - 223، وفيات الأعيان: 2 / 386 - 391، تهذيب الكمال: خ: 515 - 516، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 33 - 35، تذكرة الحفاظ: 1 / 203 - 207، عبر الذهبي: 1 / 235 - 236، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 308، تهذيب التهذيب: 4 / 111 - 115، طبقات المدلسين: 9، طبقات الحفاظ: 88 - 89، خلاصة تذهيب الكمال: 145، طبقات المفسرين: 1 / 186 - 190، شذرات الذهب: 1 / 250 - 251. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 بنِ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ. وَكَذَا نَسَبَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ التَّيْمِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ أَسقَطَ مِنْهُ مُنْقِذاً، وَالحَارِثَ، وَزَادَ بَعْدَ مَسْرُوْقٍ حَمْزَةَ، وَالبَاقِي سَوَاءٌ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ نَسَبَهُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَنَّهُ مِنْ ثَوْرِ طَابِخَةَ. وَبَعْضُهُم قَالَ: هُوَ مِنْ ثَورِ هَمْدَانَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، إِمَامُ الحُفَّاظِ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُجْتَهِدُ، مُصنِّفُ كِتَابِ (الجَامِعِ) . وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ اتِّفَاقاً، وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ بِاعتنَاءِ وَالِدِه المُحَدِّثِ الصَّادِقِ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ ثِقَاتِ الكُوْفِيِّيْنَ، وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ فِي دَوَاوِيْنِهِم. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ سُفْيَانُ الإِمَامُ، وَعُمَرُ، وَمُبَارَكٌ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، وَزَائِدَةُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَمَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. مُعْجَمُ شُيُوْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَزْيَدٍ الخُوْزِيُّ، وَأَجْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَإِسْرَائِيْلُ أَبُو مُوْسَى، وَأَسْلَمُ المِنْقَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَخْزُوْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ السُّدِّيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ كَثِيْرٍ، وَالأَسْوَدُ بنُ قَيْسٍ، وَأَشْعَثُ بنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَالأَغَرُّ بنُ الصَّبَّاحِ، وَأَفْلَتُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَإِيَادُ بنُ لَقِيْطٍ، وَأَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى. وَالبَخْتَرِيُّ بنُ المُخْتَارِ، وَبُرْدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 بنُ سِنَانٍ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَبَشِيْرٌ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ، وَبَشِيْرٌ صَاحِبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبُكَيْرُ بنُ عَطَاءٍ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، وَبِنَانُ بنُ بِشْرٍ. وَتَوْبَةُ العَنْبَرِيُّ. وَثَابِتُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو المِقْدَامِ ثَابِتُ بنُ هُرْمُزَ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَثُوَيْرُ بنُ أَبِي فَاخِتَةَ. وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ، وَجَامِعُ بنُ أَبِي رَاشِدٍ، وَجَامِعُ بنُ شَدَّادٍ، وَجَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَجَعْفَرُ بنُ مَيْمُوْنٍ. وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ - وَحَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي عَمْرَةَ، وَحَجَّاجُ بنُ فُرَافِصَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ عَمْرٍو الفُقَيْمِيُّ، وَحُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَكِيْمُ بنُ جُبَيْرٍ، وَحَكِيْمُ بنُ الدَّيْلَمِ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحُمْرَانُ بنُ أَعْيَنَ، وَحُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَخَالِدُ بنُ سَلَمَةَ الفَأْفَاءُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَخُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَبُو الجَحَّافِ دَاوُدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ. وَرَاشِدُ بنُ كَيْسَانَ، وَرَبَاحُ بنُ أَبِي مَعْرُوْفٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَالرُّكَيْنُ بنُ الرَّبِيْعِ. وَزُبَيْدٌ اليَامِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، وَزِيَادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَزِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ - وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَزَيْدٌ العَمِّيُّ. وَسَالِمٌ الأَفْطَسُ، وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ كَعْبٍ، وَسَعِيْدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَأَبُو سِنَانٍ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ الصَّغَيْرُ، وَأَبُوْهُ سَعِيْدٌ، وَسَلْمٌ العَلَوِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ، وَسَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم - وَسَلَمَةُ بنُ نُبَيْطٍ، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسِمَاكٌ، وَسُمَيٌّ، وَسُهَيْلٌ. وَشَبِيْبُ بنُ غَرْقَدَةَ، وَشَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ، وَشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ - وَذَلِكَ فِي (النَّسَائِيِّ) -. وَصَالِحُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ. وَالضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ. وطَارِقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَرِيْفٌ أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَطُعْمَةُ بنُ غَيْلاَنَ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى. وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ. وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرٍ البَصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ السَّائِبِ الكُوْفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَطَاءٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي لَبِيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ. وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَرْوَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَابِسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلْقَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ. وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ رُفَيْعٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي بَشِيْرٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ. وَعَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعُبَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَعُبَيْدُ بنُ مِهْرَانَ المُكَتِّبُ، وَعُبَيْدٌ الصِّيْدُ. وَعُثْمَانُ بنُ الحَرْبِ، وَعُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَبُو حَصِيْنٍ عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَأَبُو اليَقْظَانِ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَعُثْمَانُ البَتِّيُّ. وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَعَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، وَعَلِيُّ بنُ بَذِيْمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ. وَعَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ القَعْقَاعِ، وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بنُ يَعْلَى، وَعُمَرُ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَمْرُو بنُ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مُرَّةَ - وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوْخِهِ - وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَعَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ، وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُسْلِمٍ الجُعْفِيُّ، وَعِمْرَانُ البَارِقِيُّ، وَعِمْرَانُ القَصِيْرُ، وَعُمَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 الخَثْعَمِيُّ. وَعَوْنُ بنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ خَالِدٍ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالعَلاَءُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَعَيَّاشٌ العَامِرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عَزَّةَ، وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ. وَغَالِبٌ أَبُو الهُذَيْلِ، وَغَيْلاَنُ بنُ جَامِعٍ. وَفُرَاتٌ القَزَّازُ، وَفِرَاسُ بنُ يَحْيَى، وَفُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَفُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَفِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ. وَقَابُوْسُ بنُ أَبِي ظِبْيَانَ، وَأَبُو هَاشِمٍ القَاسِمُ بنُ كَثِيْرٍ، وَقَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مِنْ قُدَمَائِهِم - وَقَيْسُ بنُ وَهْبٍ. وَكُلَيْبُ بنُ وَائِلٍ. وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ. وَمُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَارِقٍ المَكِّيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِم -. وَمُخَارِقٌ الأَحْمَسِيُّ، وَالمُخْتَارُ بنُ فُلْفُلٍ، وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ، وَمُزَاحِمُ بنُ زُفَرَ. وَمُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، وَمُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ. وَمُعَاوِيَةُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَمَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ، وَمَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَمُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ، وَالمِقْدَامُ بنُ شُرَيْحٍ. وَمَنْصُوْرُ بنُ حَيَّانَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ صَفِيَّةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ. وَمُوْسَى بنُ أَبِي عَائِشَةَ، وَمُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَمَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، وَمَيْسَرَةُ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ مَيْمُوْنٌ الأَعْوَرُ. وَنُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوْقٍ، وَنَهْشَلُ بنُ مُجَمِّعٍ، وَنُوْحُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ. وَهَارُوْنُ بنُ عَنْتَرَةَ، وَهِشَامُ بنُ إِسْحَاقَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَهِشَامُ بنُ عَائِذٍ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ أَبِي يَعْلَى. وَوَاصِلٌ الأَحْدَبُ، وَوَبْرُ بنُ أَبِي دُلَيْلَةَ، وَوَرْقَاءُ بنُ إِيَاسٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ قَيْسٍ السَّكُوْنِيُّ. وَيَحْيَى بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 الحَضْرَمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَيَزِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَيَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ. وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الجَهْمِ. وَأَبُو جَعْفَرٍ الفَرَّاءُ، وَأَبُو حَنَانٍ الكَلْبِيُّ، وَأَبُو الجُوَيْرِيَةِ الجَرْمِيُّ، وَأَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالاَنِيُّ، وَأَبُو رَوْقٍ الهَمْدَانِيُّ. وَأَبُو السَّوْدَاءِ النَّهْدِيُّ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الكَبِيْرُ مُوْسَى، وَأَبُو عَقِيْلٍ مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَأَبُو فَرْوَةَ الهَمْدَانِيُّ. وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، وَأَبُو هَارُوْنَ العَبْدِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ، وَأَبُو يَحْيَى القَتَّاتُ، وَأَبُو يَعْفُوْرَ العَبْدِيُّ. وَيُقَالُ: إِنَّ عَدَدَ شُيُوْخِهِ سِتُّ مائَةِ شَيْخٍ، وَكِبَارُهُمُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمثَالِهِم. وَقَدْ قَرَأَ الخَتْمَةَ عَرْضاً (1) عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّات (2) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَأَمَّا الرُّوَاةُ عَنْهُ فَخَلْقٌ، فَذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ أَنَّهُم أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَهَذَا مَدْفُوْعٌ مَمْنُوْعٌ، فَإِنْ بَلَغُوا أَلْفاً، فَبِالجَهْدِ، وَمَا عَلِمتُ أَحَداً مِنَ الحُفَّاظِ رَوَى عَنْهُ عَدَدٌ أَكْثَرَ مِنْ مَالِكٍ، وَبَلَغُوا بِالمَجَاهِيلِ وَبِالكَذَّابِيْنَ أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ مِنْ مَشْيَخَتِه وَغَيْرِهِم خَلْقٌ، مِنْهُم: الأَعْمَشُ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، وَخُصَيْفٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمِسْعَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَمَعْمَرٌ - وَكُلُّهُم مَاتُوا قَبْلَه -. وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَأَحْوَصُ بنُ جَوَّابٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ. وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ،   (1) انظر " العرض " صفحة: 147، حا: 2. (2) انظر ترجمته: صفحة: 90. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 وَبِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَبَكْرُ بنُ الشَّرُوْدِ، وَبُكَيْرُ بنُ شِهَابٍ. وَثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ، وَثَعْلَبَةُ بنُ سُهَيْلٍ. وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ. وَالحَارِثُ بنُ مَنْصُوْرٍ الوَاسِطِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ، وَالحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ، وَحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَحَمَّادُ بنُ دُلَيْلٍ، وَحَمَّادُ بنُ عِيْسَى الجُهَنِيُّ، وَحُمَيْدُ بنُ حَمَّادٍ. وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَخَالِدُ بنُ عَمْرٍو القُرَشِيُّ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى. وَدُبَيْسٌ المُلاَئِيُّ. وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ. وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ. وَسُفْيَانُ بنُ عُقْبَةَ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ البَيْرُوْتِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمٌ. وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ. وضَمْرَةُ، وَعَبَّادٌ السَّمَّاكُ، وَعَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ. وَعَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ المَكِّيُّ لاَ الغُدَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ الذِّمَارِيِّ. وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعُبَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ - أَخٌ لِيَحْيَى -. وَعَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الإِسْفَذْنِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِه الأَثْبَاتُ - وَعَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ قَادِمٍ. وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ. وَأَبُو الهُذَيْلِ غَسَّانُ بنُ عُمَرَ العِجْلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ. وَالفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ. وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ، وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ، وَقَبِيْصَةُ. وَمَالِكٌ، وَمُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ أَخُوْهُ. وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ القَنَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ. وَمُصْعَبُ   (1) الاسفذني: بكسر الالف، وسكون السين، وفتح الفاء: نسبة إلى إسفذن، قرية من قرى الري. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 بنُ مَاهَانَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَبَّبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَمَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ. وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَمُعَلَّى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ. وَمِهْرَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. وَنَائِلُ بنُ نَجِيْحٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ. وَهَارُوْنُ بنُ المُغِيْرَةِ. وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ. وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي يَعْفُوْرَ. وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، وَأَبُو سُفْيَانَ المَعْمَرِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنَا أَبُو المُثَنَّى، قَالَ: سَمِعْتُهُم بِمَرْوَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ، قَدْ جَاءَ الثَّوْرِيُّ. فَخَرَجتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ غُلاَمٌ قَدْ بَقَلَ وَجْهُهُ (1) . قُلْتُ: كَانَ يُنَوَّه بِذِكْرِهِ فِي صِغَرِهِ، مِنْ أَجْلِ فَرْطِ ذَكَائِهِ، وَحِفْظِه، وَحَدَّثَ وَهُوَ شَابٌّ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي شَيْئاً قَطُّ، فَخَانَنِي. قُلْتُ: أَجَلُّ إِسْنَادٍ لِلْعِرَاقِيِّينَ: سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُم: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.   (1) بقل وجهه، وأبقل: خرج شعره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَتَبتُ عَنْ أَلفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ، مَا كَتَبتُ عَنْ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: مَا لَقِيْتُ كُوْفِيّاً أُفَضِّلُهُ عَلَى سُفْيَانَ. وَقَالَ البَرَاءُ بنُ رُتَيْمٍ (1) : سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. فَقِيْلَ لَهُ: فَقَدْ رَأَيتَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءً، وَمُجَاهِداً، وَتَقُوْلُ هَذَا؟ قَالَ: هُوَ مَا أَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ ابْنُ المَهْدِيِّ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أَفْضَلَ مِنْ أَرْبَعَةٍ - أَوْ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ -: مَا رَأَيتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ (2) ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَرَوَى: وَكِيْعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي. وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: قَالَ رَجُلٌ لِشُعْبَةَ: خَالَفَكَ سُفْيَانُ. فَقَالَ: دَمَغْتَنِي. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ وُهَيْبٌ يُقدِّمُ سُفْيَانَ فِي الحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ يَعْدِلُهُ أَحَدٌ عِنْدِي، وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ، أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: رَأَيتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، لاَ يُقدِّمُ عَلَى سُفْيَانَ أَحَداً فِي زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ، وَالحَدِيْثِ، وَالزُّهدِ، وَكُلِّ شَيْءٍ. ابْنُ شَوْذَبٍ: سَمِعْتُ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الكُوْفَةِ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: رَأَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ مُقْبِلاً، فَقَالَ: {وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً} [مَرْيَمُ: 12] .   (1) كذا في الأصل، وفي " تاريخ بغداد ": 9 / 155: " ابن رستم البصري ". (2) تقدمت ترجمته في الصفحة: 202. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 وَرُوِيَ مِنْ وَجُوْهٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيتُ كُوْفِيّاً أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، سَمِعَ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي التَّابِعِيْنَ، لَكَانَ فِيْهِم لَهُ شَأْنٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: لَوْ حَضَرَ عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ، لاَحْتَاجَا إِلَى سُفْيَانَ. وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، قَالَ: سُفْيَانُ عَالِمُ الأُمَّةِ، وَعَابِدُهَا. أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: مَا رَأَيتُ أَشْبَهَ بِالتَّابِعِيْنَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ: عَنْ شُعْبَةَ: سَادَ سُفْيَانُ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ. يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا نُعِتَ لِي أَحَدٌ فَرَأَيتُهُ، إِلاَّ وَجَدْتُهُ دُوْنَ نَعْتِهِ، إِلاَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَنْ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تَمُوْتَ. عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ شَقِيْقٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ عَلَى الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، قَالَ: مَا أَدرَكْنَا مِثْلَ سُفْيَانَ، وَلاَ أَنفعَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا رَأَيتُ قَطُّ أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، كَانَ يَأْتِي، فَيُذَاكرُنِي بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ، فَمَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْهُ بِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ مِنَ الأَعْمَشِ. وَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْ شُعْبَةَ، وَأَعْلَمَ بِالرِّجَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ سُفْيَانُ -وَاللهِ- أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ ذَكَرَ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكاً، وَابْنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِالعِلْمِ سُفْيَانُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ، ثُمَّ شُعْبَةَ. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ الثَّوْرِيُّ عِنْدَنَا إِمَامَ النَّاسِ. وَعَنْهُ، قَالَ: سُفْيَانُ فِي زَمَانِهِ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي زَمَانِهِمَا. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، مِنَ الثَّوْرِيِّ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: إِنِّيْ لأَرَى الرَّجُلَ يَصحَبُ سُفْيَانَ، فَيَعْظُمُ فِي عَيْنِي. وَقَالَ وَرْقَاءُ، وَجَمَاعَةٌ: لَمْ يَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ. وَعَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، قَالَ: إِنِّيْ لأَحسِبُ أَنَّهُ يُجَاءُ غَداً بِسُفْيَانَ حُجَّةً مِنَ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، يَقُوْلُ لَهُم: لَمْ تُدْرِكُوا نَبِيَّكُم، قَدْ رَأَيتُم سُفْيَانَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: لَيْسَ يَخْتَلِفُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ فِي شَيْءٍ، إِلاَّ يَظفرُ بِهِ سُفْيَانُ، خَالَفَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، القَوْلُ فِيْهَا قَوْلُ سُفْيَانَ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا خَالَفَ أَحَدٌ سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ، إِلاَ كَانَ القَوْلُ قَوْلَ سُفْيَانَ. رَوَى: يَحْيَى بنُ نَصْرِ بنِ حَاجِبٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، قَالَ: لَمْ يَرَ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ نَفْسِه. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ ثَلاَثَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَعْلَمُ سُفْيَانَ صَحَّفَ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ فِي اسْمِ امْرَأَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ، كَانَ يَقُوْلُ: حُفَيْنَةُ -يَعْنِي: الصَّوَاب بِجِيْمٍ-. وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الإِمَامُ؟ الإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ فِي قَلْبِي. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: جَالَسْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ، وَصَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ، وَزَيْدَ بنَ أَسْلَمَ، فَمَا رَأَيتُ فِيْهِم مِثْلَ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو قَطَنٍ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: إِنَّ سُفْيَانَ سَادَ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ. وَقَالَ قَبِيْصَةُ: مَا جَلَسْتُ مَعَ سُفْيَانَ مَجْلِساً، إِلاَّ ذَكَرتُ المَوْتَ، مَا رَأَيتُ أَحَداً كَانَ أَكْثَرَ ذِكْراً لِلْمَوْتِ مِنْهُ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ أَسْبَاطٍ: قَالَ لِي سُفْيَانُ بَعْدَ العِشَاءِ: نَاوِلْنِي المِطْهَرَةَ (1) أَتَوَضَّأْ. فَنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذَهَا بِيَمِيْنِهِ، وَوَضَعَ يَسَارَهُ   (1) المطهرة: الاناء الذي يتوضأ به، ويتطهر به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 عَلَى خَدِّهِ، فَبَقِيَ مُفَكِّراً، وَنِمْتُ، ثُمَّ قُمْتُ وَقْتَ الفَجْرِ، فَإِذَا المِطْهَرَةُ فِي يَدِهِ كَمَا هِيَ، فَقُلْتُ: هَذَا الفَجْرُ قَدْ طَلعَ. فَقَالَ: لَمْ أَزَلْ مُنْذُ نَاوَلْتَنِي المِطْهَرَةَ أَتَفَكَّرُ فِي الآخِرَةِ، حَتَّى السَّاعَةَ (1) . وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ يَشْتَرِي شَيْئاً، فَقَالَ: دَعنِي، فَإِنَّ قَلْبِي عِنْدَ دِرْهَمِي. وَرَوَى: مُوْسَى بنُ العَلاَءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيِّ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: لأَنْ أُخَلِّفَ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحتَاجَ إِلَى النَّاسِ. وَقَالَ رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ المَالُ فِيْمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِنِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ. قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ عَلَيْكَ، فَإِنْ سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ، وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ. وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ؟! قَالَ: اسْكُتْ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوْكُ. قَالَ: قَدْ كَانَ سُفْيَانُ رَأْساً فِي الزُّهدِ، وَالتَّأَلُّهِ، وَالخَوْفِ، رَأْساً فِي الحِفْظِ، رَأْساً فِي مَعْرِفَةِ الآثَارِ، رَأْساً فِي الفِقْهِ، لاَ يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ، وَاغْتُفِرَ لَهُ غَيْرُ مَسْأَلَةٍ اجْتَهَدَ فِيْهَا، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ، كَانَ يُثَلِّثُ بِعَلِيٍّ (2) ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ بَلَدِهِ أَيْضاً فِي النَّبِيذِ (3) . وَيُقَالُ: رَجَعَ عَنْ كُلِّ   (1) الخبر في " الحلية ": 7 / 53، والزيادات منه. (2) أي: كان يقدم عليا على عثمان - رضي الله عنهما - في التفضيل. (3) انظر الصفحة: 259، و: 275. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 ذَلِكَ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى المُلُوْكِ، وَلاَ يَرَى الخُرُوْجَ أَصْلاً. وَكَانَ يُدَلِّسُ فِي رِوَايَتِهِ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ عَنِ الضُّعَفَاءِ. وَكَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ مُدَلِّساً، لَكِنْ مَا عُرِفَ لَهُ تَدْلِيْسٌ عَنْ ضَعِيْفٍ. أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ: لِي إِحْدَى وَسِتُّوْنَ سَنَةً. وَكِيْعٌ: وُلِدَ سُفْيَانُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً. سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: مَاتَ سُفْيَانُ وَلَهُ مائَةُ دِيْنَارٍ بِضَاعَةً، فَأَوْصَى إِلَى عَمَّارِ بنِ سَيْفٍ فِي كُتُبِهِ، فَأَحْرَقَهَا، وَلَمْ يُعْقِبْ سُفْيَانُ، كَانَ لَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَهُ، فَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ لأُخْتِهِ وَوَلَدِهَا، وَلَمْ يُورِثْ أَخَاهُ المُبَارَكَ شَيْئاً. وَتُوُفِّيَ المُبَارَكُ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ شَرِيْكاً، وَالثَّوْرِيَّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَغَيْرَهُم مِنْ فُقَهَاءِ الكُوْفَةِ وُلِدُوا بِخُرَاسَانَ، كَانَ يُبْعَثُ بِآبَائِهِم فِي البُعُوثِ، وَيَتَسَرَّى بَعْضُهُم، وَيَتَزوَّجُ بَعْضُهُم، فَلَمَّا قَفَلُوا، نَقَلُوْهُم إِلَى الكُوْفَةِ، وَمَسْرُوْقٌ جَدُّ الثَّوْرِيِّ، شَهِدَ الجَمَلَ (1) مَعَ عَلِيٍّ. أَبُو العَيْنَاءِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ خُبَيْقٍ: قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ الآخِرَةِ يَبُولُ الدَّمَ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا بَلَغَنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ قَطُّ، إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً. حَاتِمُ بنُ الوَلِيْدِ الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: قِيْلَ   (1) وقعة الجمل: وهي التي جرت بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعائشة أم المؤمنين ومن قام معها، وكانت سنة (36 هـ) ، وانتهت بانتصار علي وجيشه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِلَى مَتَى تَطلُبُ الحَدِيْثَ؟ قَالَ: وَأَيُّ خَيْرٍ أَنَا فِيْهِ خَيْرٌ مِنَ الحَدِيْثِ، فَأَصِيْرُ إِلَيْهِ؟ إِنَّ الحَدِيْثَ خَيْرُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا. يَحْيَى القَطَّانُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ أَقْبَحَ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَطلُبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: دَعَا الثَّوْرِيُّ بِطَعَامٍ وَلَحْمٍ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَى الزَّنْجِيِّ، وَكُدَّهُ (1) . أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَرَى الشَّيْءَ يَجبُ عَلَيَّ أَنْ أَتكلَّمَ فِيْهِ، فَلاَ أَفْعَلُ، فَأَبُولُ دَماً. ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا مَعَ الثَّوْرِيِّ جُلُوْساً بِمَكَّةَ، فَوَثَبَ، وَقَالَ: النَّهَارُ يَعْمَلُ عَمَلَه. وَعَنْ سُفْيَانَ: مَا وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ رَجُلٍ، إِلاَّ ذَلَّ لَهُ. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ مَا لاَ أُحصِيْهِ، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا، وَارْزُقنَا العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: قَالَ سُفْيَانُ: مَا شَيْءٌ أَبغَضُ إِلَيَّ مِنْ صُحْبَةِ قَارِئٍ، وَلاَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صُحْبَةِ فَتَىً. أَبُو هِشَامٍ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَيْسَ الزُّهدُ بِأَكْلِ الغَلِيْظِ، وَلُبْسِ الخَشِنِ، وَلَكِنَّهُ قِصَرُ الأَمَلِ، وَارْتِقَابُ المَوْتِ. يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: المَالُ دَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَالعَالِمُ طَبِيْبُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَإِذَا جَرَّ العَالِمُ الدَّاءَ إِلَى نَفْسِهِ، فَمَتَى يُبرِئُ النَّاسَ (2) ؟   (1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 9 / 158. وانظر ص 277 من هذا الكتاب. (2) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 6 / 361. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ بِنِيَّةٍ. الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: احْذَرْ سَخَطَ اللهِ فِي ثَلاَثٍ: احْذَرْ أَنْ تُقَصِّرَ فِيْمَا أَمَرَكَ، وَاحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْضَى بِمَا قَسَمَ لَكَ، وَأَنْ تَطْلُبَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَلاَ تَجِدْهُ، أَنْ تَسَخْطَ عَلَى رَبِّكَ. قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: الزُّهْدُ زُهْدَانِ: زُهْدُ فَرِيْضَةٍ، وَزُهْدُ نَافِلَةٍ. فَالفَرْضُ: أَنْ تَدَعَ الفَخْرَ وَالكِبْرَ، وَالعُلُوَّ، وَالرِّيَاءَ، وَالسُّمْعَةَ، وَالتَّزَيُّنَ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا زُهدُ النَّافِلَةِ: فَأَنْ تَدَعَ مَا أَعْطَاكَ اللهُ مِنَ الحَلاَلِ، فَإِذَا تَرَكتَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، صَارَ فَرِيْضَةً عَلَيْكَ أَلاَّ تَترُكَهُ إِلاَّ للهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ عَمَّ المَنْصُوْرِ دَخَلَ عَلَى سُفْيَانَ يَعُودُهُ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الحَائِطِ، وَلَمْ يَرُدَّ السَّلاَمَ. فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يَا سَيْفُ! أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ نَائِماً. قَالَ: أَحسِبُ ذَاكَ - أَصْلَحَكَ اللهُ -. فَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ تَكْذِبْ، لَسْتُ بِنَائِمٍ. فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! لَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثَلاَثُ حَوَائِجَ: لاَ تَعُودَ إِلَيَّ ثَانِيَةً، وَلاَ تَشْهدَ جِنَازَتِي، وَلاَ تَترَحَّمَ عَلَيَّ. فَخَجِلَ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَقَامَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: وَاللهِ لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَخْرُجَ، إِلاَّ وَرَأْسُهُ مَعِي. قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: قَالَ سُفْيَانُ: زَيِّنُوا العِلْمَ وَالحَدِيْثَ بِأَنْفُسِكُم، وَلاَ تَتَزَيَّنُوا بِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: طُلِبَ سُفْيَانُ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَنَفَذَ المَهْدِيُّ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ - وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ - فِي طَلَبِهِ، فَأُعْلِمَ سُفْيَانُ بِذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ إِتْيَانَ القَوْمِ، فَاظْهَرْ حَتَّى أَبعَثَ بِكَ إِلَيْهِم، وَإِلاَّ فَتَوَارَ. قَالَ: فَتَوَارَى سُفْيَانُ، وَطَلَبَهُ مُحَمَّدٌ، وَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى بِمَكَّةَ: مَنْ جَاءَ بِسُفْيَانَ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. فَلَمْ يَزَلْ مُتَوَارِياً بِمَكَّةَ، لاَ يَظْهَرُ إِلاَّ لأَهْلِ العِلْمِ، وَمَنْ لاَ يَخَافُهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 وَعَنْ أَبِي شِهَابٍ الحَنَّاطِ، قَالَ: بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ بِجِرَابٍ مَعِي إِلَى سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فِيْهِ كَعكٌ وَخشكنَانُ (1) ، فَقَدِمْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: رُبَّمَا قَعَدَ عِنْدَ الكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي الحَنَّاطِيْنَ. فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِياً، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُسَائِلْنِي تِلْكَ المُسَاءلَةَ، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أُخْتَكَ بَعثَتْ مَعِي بِجِرَابٍ. فَاسْتَوَى جَالِساً، وَقَالَ: عَجِّلْ بِهَا. فَكَلَّمتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا شِهَابٍ! لاَ تَلُمْنِي، فَلِي ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَذُقْ فِيْهَا ذوَاقاً، فَعَذَرْتُهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَلَمَّا خَافَ مِنَ الطَّلَبِ بِمَكَّةَ، خَرَجَ إِلَى البَصْرَةِ، وَنَزَلَ قُرْبَ مَنْزِلِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، ثُمَّ حَوَّلَه إِلَى جِوَارِهِ، وَفَتَحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه بَاباً، فَكَانَ يَأْتِيْهِ بِمُحَدِّثِي أَهْلِ البَصْرَةِ، يُسلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَسْمَعُوْنَ مِنْهُ. أَتَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمَرْحُوْمٌ العَطَّارُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ. وَأَتَاهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، فَلَزِمَهُ. وَكَانَ أَبُو عَوَانَةَ يُسلِّمُ عَلَى سُفْيَانَ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ. وَلَمَّا عَرَفَ سُفْيَانُ أَنَّهُ اشْتُهِرَ مَكَانُهُ وَمَقَامُهُ، قَالَ لِيَحْيَى: حَوِّلْنِي. فَحَوَّلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الهَيْثَمِ بنِ مَنْصُوْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ فِيْهِ، فَكلَّمَهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ فِي تَنَحِّيهِ عَنِ السُّلْطَانِ، وَقَالَ: هَذَا فَعْلُ أَهْلِ البِدَعِ، وَمَا يُخَافُ مِنْهُم. فَأَجْمَعَ سُفْيَانُ وَحَمَّادٌ عَلَى أَنْ يَقْدَمَا بَغْدَادَ، وَكَتَبَ سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَإِلَى يَعْقُوْبَ بنِ دَاوُدَ الوَزِيْرِ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ. فَقِيْلَ: إِنَّهُم يَغضَبُوْنَ مِنْ هَذَا. فَبَدَأَ بِهِم، وَأَتَاهُ جَوَابُ كِتَابِهِ بِمَا يُحبُّ مِنَ التَّقْرِيْبِ وَالكَرَامَةِ، وَالسَّمْعِ مِنْهُ وَالطَّاعَةِ، فَكَانَ عَلَى الخُرُوْجِ إِلَيْهِ، فَحُمَّ وَمَرِضَ، وَحَضَرَ المَوْتُ، فَجَزِعَ. فَقَالَ لَهُ مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا هَذَا الجَزَعُ؟ فَإِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى الرَّبِّ الَّذِي كُنْتَ تَعبُدُه. فَسَكَنَ، وَقَالَ: انْظُرُوا مَنْ هُنَا مِنْ أَصْحَابِنَا   (1) انظر: 277، حا: 5 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 الكُوْفِيِّيْنَ. فَأَرسَلُوا إِلَى عُبَادَانَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَأَوْصَى، ثُمَّ مَاتَ (1) . وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُه عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ فَجْأَةً، فَشَهِدَه الخَلْقُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ. أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ بنُ حَوْشَبٍ الوَالِي عَلَى سُفْيَانَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَعْرضَ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا سُفْيَانُ! نَحْنُ -وَاللهِ- أَنفعُ لِلنَّاسِ مِنْكَ، نَحْنُ أَصْحَابُ الدِّيَاتِ، وَأَصْحَابُ الحمَالاَتِ، وَأَصْحَابُ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَالإِصْلاَحِ بَيْنَهُم، وَأَنْتَ رَجُلُ نَفْسِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ، فَجَعَلَ يُحَادِثُه، ثُمَّ قَامَ. فَقَالَ سُفْيَانُ: لقَدْ ثَقُلَ عَلَيَّ حِيْنَ دَخَلَ، وَلقَدْ غَمَّنِي قِيَامُهُ مِنْ عِنْدِي حِيْنَ قَامَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الثَّوْرِيِّ. قِيْلَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرحَلَ إِلَى الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: لَمْ تَكُنْ دَرَاهِمَ (2) . قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَ مَالِكٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. رَوَاهَا: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْهُ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: قَالَ لِي سُفْيَانُ: لَوْ كَانَتْ كُتُبِي عِنْدِي، لأَفَدتُكَ عِلْماً، كُتُبِي عِنْدَ عَجُوْزٍ بِالنِّيْلِ. الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كُنَّا نَأتِي أَبَا إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ، وَفِي عُنُقِ إِسْرَائِيْلَ -يَعْنِي: حَفِيْدَه- طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: إِذَا اجْتَمَعَ هَذَانِ عَلَى   (1) انظر رواية " تاريخ بغداد ": 9 / 159 - 160. (2) الخبر تقدم في الصفحة: 8، في ترجمة معمر بن راشد، فانظره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 شَيْءٍ، فَذَاكَ قَوِيٌّ -يَعْنِي: سُفْيَانَ وَأَبَا حَنِيْفَةَ-. عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حُفَّاظُ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ. قُلْتُ: فَالأَعْمَشُ؟ فَأَبَى أَنْ يَجْعَلَهُ مَعَهُم. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ زَائِدَةَ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ سُفْيَانُ، فَقَالَ: ذَاكَ أَفْقَهُ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَكِيْعٌ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي. ابْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ مِهْرَانَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَصْنَافَهُ، فَضَاعَ مِنِّي كِتَابُ الدِّيَاتِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَنِي خَالِياً، فَاذْكُرْ لِي حَتَّى أُمِلَّهُ عَلَيْكَ. فَحَجَّ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، طَافَ بِالبَيْتِ، وَسَعَى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَذَكَّرْتُهُ، فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ الكِتَابَ بَاباً فِي إِثرِ بَابٍ، حَتَّى أَمْلاَهُ جَمِيْعَهُ مِنْ حِفْظِه. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَفَّانَ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ غَلطاً: سُفْيَانُ أَوْ شُعْبَةُ؟ قَالَ: شُعْبَةُ بِكَثِيْرٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: سَلُونِي عَنْ عِلْمِ القُرْآنِ وَالمَنَاسِكِ، فَإِنِّي عَالِمٌ بِهِمَا. أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَتَبتُهُ عَنِ الأَعْمَشِ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اللَّيْثِ: سَمِعْتُ الأَشْجَعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَنَا بِالكُوْفَةِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 سُفْيَانُ نَنْتَظِر الجَنَازَةَ، فَقَالَ: يَا يَحْيَى! خُذْ حَتَّى أُحَدِّثُكَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بِعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، لَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا بِشَيْءٍ. فَحَدَّثَنِي بِعَشْرَةٍ، وَكُنْتُ بِمَكَّةَ وَبِهَا الأَوْزَاعِيُّ، فَلَقِيَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ: يَا يَحْيَى! خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: اجْلِسْ، لاَ تَبرَحْ حَتَّى أُحَدِّثُكَ عَنْهُ بِعَشْرَةٍ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا بِشَيْءٍ. قُلْتُ: وَأَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ؟ فَلَمْ يَدَعنِي حَتَّى حَدَّثَنِي عَنْهُ بِعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، لَمْ أَسْمَعْ مِنْهَا بِوَاحِدٍ. قَالَ الأَشْجَعِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَوْ هَمَّ رَجُلٌ أَنْ يَكْذِبَ فِي الحَدِيْثِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ فِي جَوْفِ بَيْتٍ، لأَظهَرَ اللهُ عَلَيْهِ. عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَعْرَفَ بِالحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ. القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: بَاتَ عِنْدِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيْثَيْنِ، أَحَدُهُمَا: عَنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَرفَعتُ المُصَلَّى، فَإِذَا هُوَ قَدْ كَتَبَهُمَا عَنِّي. أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي قَيْسٍ الأَزْدِيِّ، فَاحْتَبَسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّهُ كَذَّابٌ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَتَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي الزَّنْدَقَةِ. أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُشْكَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كُنْتُ أَقعُدُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَيُحَدِّثُ، فَأَقُوْلُ: مَا بَقِيَ مِنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُهُ، ثُمَّ أَقعُدُ عِنْدَهُ مَجْلِساً آخَرَ، فَيُحَدِّثُ، فَأَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ مِنْ عِلْمِهِ شَيْئاً. الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 حَدِيْثٍ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! قَدْ خَالَفَكَ أَرْبَعَةٌ. قُلْتُ: مَنْ؟ قَالَ: زَائِدَةُ، وَشَرِيْكٌ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَإِسْرَائِيْلُ. فَقَالَ يَحْيَى: لَوْ كَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِثْلَ هَؤُلاَءِ، كَانَ سُفْيَانُ أَثبتَ مِنْهُم. عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ قِيْلَ: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً يَقُوْمُ فِيْهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، لاَختَرتُ لَهُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ. أَبُو هَمَّامٍ: حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: رَأَيتُ عَاصِمَ بنَ أَبِي النَّجُوْدِ يَجِيْءُ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، يَسْتَفْتِيْهِ، وَيَقُوْلُ: يَا سُفْيَانُ! أَتَيْتَنَا صَغِيْراً، وَأَتَيْنَاكَ كَبِيْراً. عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يُشبِهُ هَؤُلاَءِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالأَشْجَعِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قَالَ: وَبَعدَ هَؤُلاَءِ فِي سُفْيَانَ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَالفِرْيَابِيُّ. قُلْتُ: فَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ؟ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ يَقُوْلُ: كَانَ فِي النَّاسِ رُؤَسَاءُ، كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَأْساً فِي الحَدِيْثِ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ رَأْساً فِي القِيَاسِ، وَالكِسَائِيُّ رَأْساً فِي القُرَّاءِ، فَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ رَأْسٌ فِي فَنٍّ مِنَ الفُنُوْنِ. قُلْتُ: كَانَ بَعْدَ طَبَقَةِ هَؤُلاَءِ رُؤُوْسٌ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ رَأْساً فِي الحَدِيْثِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرٌ رَأْساً فِي اللُّغَةِ، وَالشَّافِعِيُّ رَأْساً فِي الفِقْهِ، وَيَحْيَى الزُّبَيْرِيُّ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَمَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ رَأْساً فِي الزُّهدِ. ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُم: ابْنُ المَدِيْنِيِّ رَأْساً فِي الحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ رَأْساً فِي الفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ رَأْساً فِي اللُّغَةِ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ رَأْساً فِي الزُّهدِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 وَيُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَئِمَّةً عَلَى هَذَا النَّمَطِ إِلَى زَمَانِنَا، فَرَأْسُ المُحَدِّثِيْنَ اليَوْمَ: أَبُو الحَجَّاجِ القُضَاعِيُّ المِزِّيُّ (1) ، وَرَأْسُ الفُقَهَاءِ: القَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ البَارِزِيُّ، وَرَأْسُ المُقْرِئِيْنَ: جَمَاعَةٌ، وَرَأْسُ العَرَبِيَّةِ: أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَرَأْسُ العُبَّادِ: الشَّيْخُ عَلِيٌّ الوَاسِطِيُّ، فَفِي النَّاسِ بَقَايَا خَيْرٍ، وَللهِ الحَمْدُ. عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: نَزَلَ عِنْدَنَا سُفْيَانُ، وَقَدْ كُنَّا نَنَامُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا نَزَلَ عِنْدَنَا، مَا كُنَّا نَنَامُ إِلاَّ أَقَلَّهُ، وَلَمَّا مَرِضَ بِالبَطَنِ، كُنْتُ أَخدِمُه، وَأَدَعُ الجَمَاعَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: خِدمَةُ مُسْلِمٍ سَاعَةً، أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ. فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لأَنْ أَخْدُمَ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ عَلَى عِلَّةٍ يَوْماً وَاحِداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ سِتِّيْنَ عَاماً، لَمْ يَفُتْنِي فِيْهَا التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى. قَالَ: فَضجَّ سُفْيَانُ لَمَّا طَالتْ عِلَّتُهُ، فَقَالَ: يَا مَوْتُ، يَا مَوْتُ. ثُمَّ قَالَ: لاَ أَتَمَنَّاهُ، وَلاَ أَدْعُو بِهِ. فَلَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى وَجَزِعَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا هَذَا البُكَاءُ؟ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لِشِدَّةِ مَا نَزَلَ بِي مِنَ المَوْتِ، المَوْتُ -وَاللهِ- شَدِيْدٌ. فَمَسِسْتُهُ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ: رُوْحُ المُؤْمِنِيْنَ تَخْرُجُ رَشَحاً، فَأَنَا أَرْجُو. ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَرْحَمُ مِنَ الوَالِدَةِ الشَّفِيْقَةِ الرَّفِيْقَةِ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيْمٌ، وَكَيْفَ لِي أَنْ أُحِبَّ لِقَاءهُ، وَأَنَا أَكرَهُ المَوْتَ. فَبَكَيتُ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَخْتَنِقَ، أُخْفِي بُكَائِي عَنْهُ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَوَّه ... ، أَوَّهُ مِنَ المَوْتِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّه، وَلاَ يَئِنُّ إِلاَّ عِنْدَ ذَهَابِ عَقْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بِرَسُوْلِ رَبِّي. ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُسْكِتَ حَتَّى أَحْدَثَ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قَضَى، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! اذْهبْ   (1) وهو صاحب " تهذيب الكمال "، شيخ المؤلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَادْعُهُ لِي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَنِي. وَقَالَ: لَقِّنِّي قَوْلَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَجَعَلتُ أُلَقِّنُهُ. قَالَ: وَجَاءَ حَمَّادٌ مُسْرِعاً حَافِياً، مَا عَلَيْهِ إِلاَّ إِزَارٌ، فَدَخَلَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ أَخِي، مَرْحَباً. ثُمَّ قَالَ: يَا حَمَّادُ! خُذْ حِذْرَكَ، وَاحْذَرْ هَذَا المَصْرَعَ ... ، وَذَكَرَ فَصْلاً طَوِيْلاً، ضَعُفَ بَصَرِي أَنَا عَنْ قِرَاءتِهِ. رَوَاهُ: الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصلِ كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ السَّمْتِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ ... ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: أَنَّ السُّلْطَانَ دَخَلَ عَلَى سُفْيَانَ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: دَعُوْنِي أُكَفِّنُه. فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ. فَكَفَّنَهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَفَنٍ بِسِتِّيْنَ دِيْنَاراً. وَقِيْلَ: قُوِّمَ بِثَمَانِيْنَ دِيْنَاراً. مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: بَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ الخَشَّابِيْنَ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَالَ: إِنْ رَأَيتُم سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَاصْلِبُوْهُ. فَجَاءَ النَّجَّارُوْنَ، وَنَصَبُوا الخَشَبَ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حَجْرِ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَرِجْلاَهُ فِي حَجْرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! اتَّقِ اللهَ، لاَ تُشَمِّتْ بِنَا الأَعْدَاءَ. فَتَقَدَّمَ إِلَى الأَسْتَارِ، ثُمَّ أَخَذَهُ، وَقَالَ: بَرِئْتُ مِنْهُ إِنْ دَخَلَهَا أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ: فَمَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأُخبِرَ بِذَلِكَ سُفْيَانُ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. هَذِهِ كَرَامَةٌ ثَابِتَةٌ، سَمِعَهَا: الحَاكِمُ، مِنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المُزَكِّيِّ، سَمِعْتُ السَّرَّاجَ، عَنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئ، سَمِعْتُ الفَضْلَ الشَّعْرَانِيَّ، سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ، سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، يَقُوْلُ: رَأَيتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي المَنَامِ، مَكْتُوْبٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِغَيْرِ سَوَادٍ: {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللهُ (1) } [البَقَرَةُ: 137] . عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: مَا تُرِيْدُ إِلَى شَيْءٍ إِذَا بَلَغتَ مِنْهُ الغَايَةَ، تَمنَّيْتَ أَنْ تَنْفَلِتَ مِنْهُ كَفَافاً (2) . أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا قِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ رُؤِيَ فِي المَنَامِ، يَقُوْلُ: أَنَا أَعْرَفُ بِنَفْسِي مِنْ أَصْحَابِ المَنَامَاتِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَانَ سُفْيَانُ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقُوْلُ: العِبَادَاتُ لَيْسَتْ مِنَ الإِيْمَانِ، وَعَلَى مَنْ يُقَدِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ. رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ. مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ مَالِكاً، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَراً، يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ   (1) للخبر رواية أخري في " الحلية ": 6 / 371. (2) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 6 / 365، وانظر ما جاء في ترجمة هشام الدستوائي، صفحة: 150. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَقُوْلُ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنْ عَلِيٌّ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُمَا، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ خَطَّأَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيّاً، وَالمُهَاجِرِيْنَ، وَالأَنْصَارَ، وَلاَ أَدْرِي تَرتفِعُ مَعَ هَذَا أَعْمَالُهُم إِلَى السَّمَاءِ. أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ رَجُلاً أَتْبَعَ لِلسُّنَّةِ، وَلاَ أَودُّ أَنِّي (1) فِي مِسلاَخِهِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَعَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، قَالَ: خَرَجَ سُفْيَانُ إِلَى أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، فَتَرَكَ التَّشَيُّعَ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي المَهْدِيِّ، فَمَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟ قَالَ: إِنْ مَرَّ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَكُنْ فِيْهِ فِي شَيْءٍ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: تَرَكَتْنِي الرَّوَافِضُ وَأَنَا أَبغُضُ أَنْ أَذْكُرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ (2) . الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ زِيَادٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الفِرْيَابِيَّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَنْ يَشتُمُ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيْمِ. قَالَ: نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ. قَالَ: فَزَاحَمَهُ النَّاسُ، حَتَّى حَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقُلْتُ لِلَّذِي قَرِيْباً مِنْهُ: مَا قَالَ؟ قُلْنَا: هُوَ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَا نَصْنعُ بِهِ؟ قَالَ: لاَ تَمَسُّوهُ بِأَيْدِيْكُم، ارْفَعُوْهُ بِالخَشَبِ حَتَّى تُوَارُوْهُ فِي قَبْرِه.   (1) في الأصل: " نحن "، وما أثبتناه من " الحلية ": 7 / 6. " وفي مسلاخه " أي: في هديه وسمته. (2) الخبر في " الحلية ": 7 / 27، وفيه: " منعتنا الشيعة أن نذكر فضائل علي ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبَانٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ قَدَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً، فَقَدْ أَزرَى عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ. عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: امسَحْ عَلَيْهِمَا مَا تَعَلَّقَتَا بِالقَدَمِ، وَإِنْ تَخَرَّقَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ خِفَافُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ مُخَرَّقَةٌ مُشَقَّقَةٌ. مَشَايِخُ حَدَّثَ عَنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، وَحَدَّثُوا هُمْ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَلَمَةُ الأَبْرَشُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، خُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، شَرِيْكٌ القَاضِي، الأَوْزَاعِيُّ، أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، ابْنُ جُرَيْجٍ، فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَبُو حَنِيْفَةَ، وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ. سَمَّى هَؤُلاَءِ: الحَاكِمُ. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: أُحبُّ أَنْ يَكُوْنَ صَاحِبُ العِلْمِ فِي كِفَايَةٍ، فَإِنَّ الآفَاتِ إِلَيْهِ أَسرَعُ، وَالأَلسِنَةَ إِلَيْهِ أَسرَعُ (1) . قَالَ زَائِدَةُ: كَانَ سُفْيَانُ أَفْقَهَ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَى سُفْيَانُ مِثْلَ نَفْسِه.   (1) للخبر رواية أخري في " الحلية ": 6 / 369. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: رَأَيتَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟ فَقَالَ: وَهَلْ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ؟ وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ مُحَدِّثاً أَفْضَلَ مِنَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، أَحَبُّ إِلَيَّ (1) مِمَّا كَتَبتُ عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ رَأَى بِعَيْنِه مِثْلَ سُفْيَانَ، فَلاَ تُصَدِّقْهُ. وَقَالَ شَرِيْكٌ: نَرَى أَنَّ سُفْيَانَ حُجَّةٌ للهِ عَلَى عِبَادِه. قَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِيَ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ مِنْ عِدَّةِ المَوْتِ، لَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتشَاغَلُ بِهِ الرَّجُلُ. قُلْتُ: يَقُوْلُ هَذَا، مَعَ قَوْلِه لِلْخُرَيْبِيِّ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنفعُ لِلنَّاسِ مِنَ الحَدِيْثِ؟! وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَخَافُ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ، إِلاَّ الحَدِيْثَ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي قَرَأْتُ القُرْآنَ، وَوَقَفتُ عِنْدَهُ، لَمْ أَتَجَاوَزْهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَنْ يَزْدَدْ عِلْماً، يَزْدَدْ وَجَعاً، وَلَوْ لَمْ أَعْلَمْ، كَانَ أَيْسَرَ لِحُزْنِي. وَعَنْهُ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عِلْمِي نُسِخَ مِنْ صَدْرِي، أَلَسْتُ أُرِيْدُ أَنْ أُسْأَلَ غَداً عَنْ كُلِّ حَدِيْثٍ رَوَيتُهُ: أَيْش أَرَدْتَ بِهِ؟ قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ   (1) في الأصل: " إليك ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 شَهْوَةُ الحَدِيْثِ، مَا أَخَافُ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ حُبِّهِ لِلْحَدِيْثِ. قُلْتُ: حُبُّ ذَاتِ الحَدِيْثِ، وَالعَمَلُ بِهِ للهِ مَطْلُوْبٌ مِنْ زَادِ المَعَادِ، وَحُبُّ رِوَايَتِهِ وَعَوَالِيْه وَالتَّكَثُّرِ بِمَعْرِفَتِهِ مَذْمُوْمٌ مَخُوفٌ، فَهُوَ الَّذِي خَافَ مِنْهُ سُفْيَانُ وَالقَطَّانُ، وَأَهْلُ المرَاقبَةِ، فَإِنَّ كَثِيْراً مِنْ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَى المُحَدِّثِ. وَرَوَى: مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: الحَدِيْثَ. وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا عَملٌ أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيْثِ، إِذَا صحَّتِ النِّيَّةُ فِيْهِ. وَقَالَ ضَمْرَةُ: كَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا حَدَّثَ بِعَسْقَلاَنَ، يَبْتِدِئُهُم يَقُوْلُ: انْفَجَرتِ العُيُونُ! يَعجَبُ مِنْ نَفْسِهِ. مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ صَاحِبٌ لَنَا لِسُفْيَانَ: حَدِّثْنَا كَمَا سَمِعْتَ. فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ سَبِيْلَ إِلَيْهِ، مَا هُوَ إِلاَّ المَعَانِي. وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنْ قُلْتَ: إِنِّي أُحَدِّثُكُم كَمَا سَمِعْتُ، فَلاَ تُصَدِّقُوْنِي. أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: كُنَّا نَكونُ عِنْدَ سُفْيَانَ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أُوقِفَ لِلْحِسَابِ، فَلاَ نَجتَرِئُ أَنْ نُكَلِّمَهُ، فَنُعَرِّضُ بِذِكْرِ الحَدِيْثِ، فَيَذهبُ ذَلِكَ الخُشُوْعُ، فَإِنَّمَا هُوَ حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا (1) . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيتُ سُفْيَانَ بِصَنْعَاءَ يُمْلِي عَلَى صَبِيٍّ، وَيَسْتَمْلِي لَهُ.   (1) هو في " الحلية ": 6 / 371، وهو فيه أيضا: 7 / 73، بلفظ " ... فإنما هو: حدثني حدثني ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 وَعَنْ سُفْيَانَ: لَوْ لَمْ يَأْتِنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُم. سَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا الفَصْلِ (1) . الفِرْيَابِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنفَقَ فِي حَجَّتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَأَنْتَ فِيْمَا أَنْتَ فِيْهِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ. قُلْتُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيْهِ، فَفِي دُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ. فَقَالَ وَزِيْرُهُ: جَاءتْنَا كُتُبُكَ، فَأَنفَذْتُهَا. فَقُلْتُ: مَا كَتَبتُ إِلَيْكَ شَيْئاً قَطُّ (2) . الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا أَنفَقتُ دِرْهَماً فِي بِنَاءٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنْ سُفْيَانَ: لَوْ أَنَّ البَهَائِمَ تَعقِلُ مِنَ المَوْتِ مَا تَعْقِلُوْنَ، مَا أَكَلتُمْ مِنْهَا سَمِيْناً. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يَمَانٍ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ، أَقْبَلتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ (3) مَعَ سُفْيَانَ، وَالمُنَادِي يُنَادِي: مَنْ جَاءَ بِسُفْيَانَ، فَلَهُ عَشْرَةُ آلاَفٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لأَجلِ الطَّلَبِ هَربَ إِلَى اليَمَنِ، فَسُرِقَ شَيْءٌ، فَاتَّهَمُوا سُفْيَانَ. قَالَ: فَأَتَوْا بِي مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ (4) ، وَكَانَ قَدْ كُتِبَ إِلَيْهِ فِي طَلَبِي، فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا قَدْ سَرَقَ مِنَّا. فَقَالَ: لِمَ سَرَقْتَ مَتَاعَهُم؟ قُلْتُ: مَا سَرَقْتُ شَيْئاً. فَقَالَ لَهُم: تَنَحَّوْا لأُسَائِلَهُ. ثُمَّ أَقْبَل عَلَيَّ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لَمَّا انْتَسَبْتَ.   (1) انظر الصفحة: 274. (2) رويت هذه الحادثة قريبا في الصفحة: 263، عن الفريابي، أنها جرت بين سفيان وأبي جعفر. فانظرها. (3) الخيف: ما انحدر من غلظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سمي مسجد الخيف من منى، لأنه في خيف الجبل. (4) انظر ترجمته في الصفحة: 97. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 قُلْتُ: أَنَا سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ. قَالَ: الثَّوْرِيُّ؟ قُلْتُ: الثَّوْرِيُّ. قَالَ: أَنْتَ بُغْيَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قُلْتُ: أَجَلْ. فَأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَأَقِمْ، وَمتَى شِئْتَ، فَارْحَلْ، فَوَاللهِ لَوْ كُنْتَ تَحْتَ قَدَمِي مَا رَفَعتُهَا. قَرَأْتُهَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُعَاذٍ البَصْرِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ ... ، فَذَكَرَهَا. وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا عَالَجْتُ شَيْئاً أَشدَّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي، مَرَّةً عَلَيَّ، وَمَرَّةً لِي. الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ: {سَنَسْتَدْرِجُهُم} [الأَعْرَافُ: 182] ، وَ [القَلَمُ: 44] ، قَالَ: نُسْبِغُ عَلَيْهِم النِّعَمَ، وَنَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ. أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: البُكَاءُ عَشْرَةٌ أَجزَاءٍ: جُزْءٌ للهِ، وَتِسْعَةٌ لِغَيْرِ اللهِ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي للهِ فِي العَامِ مَرَّةً، فَهُوَ كَثِيْرٌ. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ، لَمْ يُفْلِحْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: بَاتَ سُفْيَانُ عِنْدِي، فَجَعَلَ يَبْكِي. فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: لَذُنُوبِي عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ ذَا. وَرَفَعَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ الإِيْمَانَ قَبْلَ أَنْ أَمُوْتَ. وَعَنْ سُفْيَانَ: السَّلاَمَةُ فِي أَنْ لاَ تُحبَّ أَنْ تُعْرَفَ. وَرَوَى: رُسْتَه، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: قَدِمَ سُفْيَانُ البَصْرَةَ، وَالسُّلْطَانُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 يَطْلُبُهُ، فَصَارَ إِلَى بُسْتَانٍ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ ثِمَارِهِ (1) ، فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ العَشَّارِيْنَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا شَيْخُ؟ قَالَ: مَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ. قَالَ: أَرُطَبُ البَصْرَةِ أَحْلَى، أَمْ رُطَبُ الكُوْفَةِ؟ قَالَ: لَمْ أَذُقْ رُطَبَ البَصْرَةِ. قَالَ: مَا أَكْذَبَكَ! البَرُّ وَالفَاجِرُ وَالكِلاَبُ يَأْكُلُوْنَ الرُّطَبَ السَّاعَةَ. وَرَجَعَ إِلَى العَامِلِ، فَأَخْبَرَهُ لِيُعجِبَهُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أَدْرِكْهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَإِنَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَخُذْهُ لِنَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَرَجَعَ فِي طَلَبِهِ، فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ: كُنْتُ أَحجُّ مَعَ سُفْيَانَ، فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفتُرُ مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ذَاهِباً وَرَاجِعاً. وَعَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ فِي حَقٍّ لَهُ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ جَمَّالِيْنَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: كُنْتُ مَعَ سُفْيَانَ وَالأَوْزَاعِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ - وَهُوَ أَمِيْرُ مَكَّةَ - وَسُفْيَانُ يَتوَضَّأ، وَأَنَا أَصُبُّ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ بَطَّأَهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرُوا إِلَيَّ، أَنَا مُبْتَلَىً (2) . فَجَاءَ عَبْد الصَّمَدِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ اتَّقِ اللهَ، اتَّقِ اللهَ، وَإِذَا كَبَّرْتَ فَأَسْمِعْ. قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَرَى المُنْكَرَ، فَلاَ أَتكلَّمُ، فَأَبُولُ أَكدمَ دَماً. قُلْتُ: مَعَ جَلاَلَةِ سُفْيَانَ، كَانَ يُبِيْحُ النَّبِيذَ الَّذِي كَثِيْرُهُ مُسكِرٌ (3) .   (1) وممن عمل بنطارة البساتين الزاهد إبراهيم بن أدهم. انظر الصفحة: 392. والقصة المشابهة لهذه في الصفحة: 396. (2) أي موسوس في الوضوء. (3) انظر الصفحة: 241، 275. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلَمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ، سَمِعْتُ يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لآتِي الدَّعْوَةَ، مَا أَشْتَهِي النَّبِيذَ، فَأَشْرَبُهُ لَكِي يَرَانِي النَّاسُ. المُحَارِبِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ لِلْغُلاَمِ إِذَا رَآهُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ: احْتلَمْتَ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ، قَالَ: تَأَخَّرْ. يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَقطَعَ لِظِهْرِ إِبْلِيسَ مِنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. عَنْ سُفْيَانَ: وَسُئِلَ مَا الزُّهدُ؟ قَالَ: سُقُوطُ المَنْزِلَةِ. وَعَنْهُ، قَالَ: إِنِّيْ لأَلْقَى الرَّجُلَ أُبْغِضُهُ، فَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَصْبَحتَ؟ فَيَلِيْنُ لَهُ قَلْبِي، فَكَيْفَ بِمَنْ آكُلُ طَعَامَهُم؟ وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ: لَوْ أَنَّ اليَقِيْنَ ثَبتَ فِي القَلْبِ، لَطَارَ فَرَحاً أَوْ حُزْناً أَوْ شَوْقاً إِلَى الجَنَّةِ، أَوْ خَوْفاً مِنَ النَّارِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ سُفْيَانُ، لَمَاتَ الوَرَعُ. ابْنُ المُبَارَكِ: قَالَ لِي سُفْيَانُ: إِيَّاكَ وَالشُّهْرَةَ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَداً إِلاَّ وَقَدْ نَهَى عَنِ الشُّهرَةِ. وَعَنِ الفِرْيَابِيِّ، قَالَ: أَتَى سُفْيَانُ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَأَقَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَرَابَطَ بِعَسْقَلاَنَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَصَحِبتُهُ إِلَى مَكَّةَ. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ لِلإِنْسَانِ خَيْراً مِنْ أَنْ يَدْخُلَ جُحْراً. قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ، وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوْفَةِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 وَعَنْهُ: مَنْ أَصْغَى بِسَمْعِهِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ، خَرَجَ مِنْ عِصمَةِ اللهِ، وَوُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ. وَعَنْهُ: مَنْ سَمِعَ بِبِدْعَةٍ، فَلاَ يَحْكِهَا لِجُلَسَائِهِ، لاَ يُلقِهَا فِي قُلُوْبِهِم. قُلْتُ: أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: إِذَا رَأَيتَ عِرَاقِيّاً، فَتعوَّذْ مِنْ شَرِّهِ، وَإِذَا رَأَيتَ سُفْيَانَ، فَسَلِ اللهَ الجَنَّةَ. وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ أَوْصَى أَنْ تُدْفَنَ كُتُبُهُ، وَكَانَ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ كَتَبَهَا عَنْ قَوْمٍ. عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، عَنْ مُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهِلٍ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ سُفْيَانَ، فَوَافَيْنَا بِمَكَّةَ الأَوْزَاعِيَّ، فَاجْتَمَعْنَا فِي دَارٍ، وَكَانَ عَلَى المَوْسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ. قُلْنَا: مَنْ ذَا؟ قَالَ: الأَمِيْرُ. فَقَامَ الثَّوْرِيُّ، فَدَخَلَ المَخْرَجَ، وَقَامَ الأَوْزَاعِيُّ، فَتَلَّقَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: أَنَا الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ: حَيَّاكَ اللهُ بِالسَّلاَمِ، أَمَا إِنَّ كُتُبَكَ كَانَتْ تَأْتِيْنَا، فَنَقضِيَ حَوَائِجَك، مَا فَعَلَ سُفْيَانُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: دَخَلَ المَخْرَجَ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَا قَصَدَ إِلاَّ قَصْدَكَ. فَخَرَجَ سُفْيَانُ مُقَطِّباً، فَقَالَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم، كَيْفَ أَنْتُم؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ: أَتَيْتُ أَكْتُبُ عَنْكَ هَذِهِ المَنَاسِكَ. قَالَ: أَوَّلاً أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَنفعُ لَكَ مِنْهَا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَدَعُ مَا أَنْتَ فِيْهِ. قَالَ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ كَفَاكَ اللهُ أَبَا جَعْفَرٍ. فَقَالَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسَ يَرضُوْنَ مِنْكَ إِلاَّ بِالإِعْظَامِ لَهُم. فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! إِنَّا لَسْنَا نَقْدِرُ أَنْ نَضْرِبَهُم، وَإِنَّمَا نُؤَدِّبُهُم بِمِثْلِ هَذَا الَّذِي تَرَى. قَالَ مُفَضَّلٌ: فَالتَفَتَ إِلَيَّ الأَوْزَاعِيُّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 فَقَالَ لِي: قُمْ بِنَا مِنْ هَا هُنَا، فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَبْعَثَ هَذَا مَنْ يَضَعُ فِي رِقَابِنَا حِبَالاً، وَإِنَّ هَذَا مَا يُبَالِي (1) . يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ الزُّهدَ فِي شَيْءٍ أَقلَّ مِنْهُ فِي الرِّئَاسَةِ، تَرَى الرَّجُلَ يَزْهَدُ فِي المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ وَالمَالِ وَالثِّيَابِ، فَإِنْ نُوزِعَ الرِّئَاسَةَ حَامَى عَلَيْهَا، وَعَادَى (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ المَهْدِيُّ، بَعَثَ إِلَى سُفْيَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، خَلَعَ خَاتَمَهُ، فَرمَى بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا خَاتَمِي، فَاعمَلْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَأَخَذَ الخَاتَمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: تَأْذَنُ فِي الكَلاَمِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَكَلَّمُ عَلَى أَنِّي آمِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَبعثْ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ، وَلاَ تُعْطِنِي حَتَّى أَسْأَلَكَ. قَالَ: فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ كَاتِبُهُ: أَلَيْسَ قَدْ آمَنْتَهُ؟ قَالَ: بَلَى. فَلَمَّا خَرَجَ، حَفَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: مَا مَنَعَكَ وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْمَلَ فِي الأُمَّةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَاسْتَصْغَرَ عُقُوْلَهُم، وَخَرَجَ هَارباً إِلَى البَصْرَةِ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَيْسَ أَخَافُ إِهَانَتَهُم، إِنَّمَا أَخَافُ كَرَامَتَهُم، فَلاَ أَرَى سَيِّئَتَهُم سَيِّئَةً (3) ، لَمْ أَرَ لِلسُّلْطَانِ مِثْلاً، إِلاَّ مِثْلاً ضُرِبَ عَلَى لِسَانِ الثَّعْلَبِ. قَالَ: عَرَفْتُ لِلْكَلْبِ نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ دُستَاناً (4) ، لَيْسَ مِنْهَا دُستَانٌ خَيْراً مِنْ أَنْ لاَ أَرَى الكَلْبَ، وَلاَ يَرَانِي. مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: أُدْخِلْتُ عَلَى أَبِي   (1) الخبر في " الحلية ": 7 / 39، والزيادات منه. (2) الخبر في " الحلية ": 7 / 39، والزيادة منه. (3) انظر رواية أخرى للخبر في " الحلية ": 7 / 42، و: 44. (4) الدستان: كلمة فارسية، معناها: المكر والحيلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 جَعْفَرٍ بِمِنَىً، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّمَا أُنْزِلْتَ فِي هَذِهِ المَنْزِلَةِ، وَصِرتَ فِي هَذَا المَوْضِعِ، بِسُيُوْفِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَأَبْنَاؤُهُم يَمُوْتُوْنَ جُوعاً، حَجَّ عُمَرُ، فَمَا أَنفَقَ إِلاَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَكَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ الشَّجرِ. فَقَالَ: أَتُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَكَ؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ دُوْنَ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَفَوْقَ مَا أَنَا فِيْهِ. قَالَ: اخْرُجْ (1) . قَالَ عِصَامُ بنُ يَزِيْدَ: لَمَّا أَرَادَ سُفْيَانُ أَنْ يُوَجِّهَنِي إِلَى المَهْدِيِّ، قُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ غُلاَمٌ جَبَلِيٌّ، لَعَلِّي أَسقُطُ بِشَيْءٍ، فَأَفضَحُكَ. قَالَ: يَا نَاعِسُ! تَرَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ (2) يَجِيْئُوْنِي، لَوْ قُلْتُ لأَحَدِهِم، لَظَنَّ أَنِّي قَدْ أَسدَيتُ إِلَيْهِ مَعْرُوْفاً، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيْتُ بِكَ، قُلْ مَا تَعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعتُ، قُلْتُ: لأَيِّ شَيْءٍ تَهرُبُ مِنْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لَوْ جَاءَ، لَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى السُّوْقِ، فَأَمَرْنَا وَنَهَيْنَا؟ فَقَالَ: يَا نَاعِسُ! حَتَّى يَعْمَلَ بِمَا يَعْلَمُ، فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَسعْنَا إِلاَّ أَنْ نَذهَبَ، فَنُعَلِّمَهُ مَا لاَ يَعْلَمُ. قَالَ عِصَامٌ: فَكَتَبَ مَعِي سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَإِلَى وَزِيْرِه أَبِي عُبَيْدِ اللهِ. قَالَ: وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَجَرَى كَلاَمِي، فَقَالَ: لَوْ جَاءنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، لَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا فِي يَدِهِ، وَارْتَدَيْنَا بُرْداً، وَاتَّزَرْنَا بِآخَرَ، وَخَرَجنَا إِلَى السُّوْقِ، وَأَمَرْنَا بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهَيْنَا عَنِ المُنْكرِ، فَإِذَا تَوَارَى عَنَّا مِثْلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، لقَدْ جَاءنِي قُرَّاؤُكُمُ الَّذِيْنَ هُم قُرَّاؤُكُم، فَأَمَرُوْنِي، وَنَهَوْنِي، وَوَعَظُوْنِي، وَبَكَوْا -وَاللهِ- لِي، وَتَباكَيتُ لَهُم، ثُمَّ لَمْ يَفجَأْنِي مِنْ أَحَدِهِم إِلاَّ أَنْ أَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ رُقْعَةً: أَنِ افعَلْ بِي كَذَا، وَافعَلْ بِي كَذَا، فَفَعَلتُ وَمَقَتُّهُم. قَالَ: وَإِنَّمَا كَتَبَ إِلَيْهِ، لأَنَّهُ طَالَ مَهْرَبُهُ، أَنْ يُعْطِيَهُ الأَمَانَ، فَأَتَيْتُهُ (3) ، فَقَدِمْتُ   (1) روى الفريابي هذه الحادثة، على أن سفيان قد قالها للمهدي. انظر الصفحة: 257. وانظر خبر الصفحة: 274. (2) في الأصل: " الذي " وما أثبتناه عن " الحلية ". (3) في " الحلية ": " فأمنه ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 عَلَيْهِ البَصْرَةَ بِالأَمَانِ (1) ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَملَى عَلَيَّ سُفْيَانُ كِتَابَهُ إِلَى المَهْدِيِّ، فَقَالَ: اكْتُبْ مِنْ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ، إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ. فَقُلْتُ: إِذَا كَتَبتَ هَذَا، لَمْ يَقرَأْهُ. قَالَ: اكْتُبْ كَمَا تُرِيْدُ. فَكَتَبتُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٍ. فَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا الصَّدْرَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُهُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ الفَرَّاءِ، قَالَ: كَتبَ سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ مَعَ عِصَامِ جَبْرٍ (2) : طَرَدْتَنِي، وَشَرَّدْتَنِي، وَخَوَّفْتَنِي، وَاللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأَرْجُو أَنْ يَخِيْرَ اللهُ لِي قَبْلَ مَرْجُوْعِ الكِتَابِ. فَرَجَعَ الكِتَابُ وَقَدْ مَاتَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: أُدْخِلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ بِمِنَىً، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! طَلَبْنَاكَ، فَأَعجَزْتَنَا، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ، فَارْفعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. فَقُلْتُ: قَدْ مَلأتَ الأَرْضَ ظُلْماً وَجَوْراً، فَاتَّقِ اللهَ، وَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبرَةً (3) . فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ أَسْتطِعْ دَفْعَهُ؟ قَالَ: تُخَلِّيهِ   (1) في " الحلية " 7 / 43، 44: زيادة وهي " ثم قال: اخرج إلى أهلك فقد طالت غيبتك فألم بهم، ثم الحق بي بالكوفة فإني منتظرك حتى تجئ ". (2) في " الحلية ": 7 / 45، بدلا من قوله " عصام جبر ": " ... مع جبر " دون كلمة عصام. (3) في الأصل " غيرا " وما أثبتناه من " الحلية ": 7 / 45. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 وَغَيْرَكَ. فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. قُلْتُ: أَبْنَاءُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ بِالبَابِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَأَوْصِلْ إِلَيْهِم حُقُوقَهُم. فَطَأطَأَ رَأْسَه، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. قُلْتُ: وَمَا أَرْفَعُ؟ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، فَقَالَ لِخَازنِهِ: كَمْ أَنفَقْتَ؟ قَالَ: بَضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً (1) ، وَإِنِّيْ أَرَى هَا هُنَا أُمُوْراً لاَ تُطِيْقُهَا الجِبَالُ (2) . وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي: لَقِيَنِي الثَّوْرِيُّ بِمَكَّةَ (3) ، فَأَخذَ بِيَدِي، وَسَلَّم عَلَيَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَإِذَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَاعِدٌ عَلَى بَابِهِ يَنْتَظِرُهُ، وَكَانَ وَالِيَ مَكَّةَ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي المُسْلِمِيْنَ أَحَداً أَغَشَّ لَهُم مِنْكَ. فَقَالَ سُفْيَانُ: كُنْتُ فِيْمَا هُوَ أَوجبُ عَلَيَّ مِنْ إِتْيَانِكَ، إِنَّهُ كَانَ يَتَهَيَّأُ لِلصَّلاَةِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَّهُ قَدْ جَاءهُ قَوْمٌ، فَأَخبَرُوْهُ أَنَّهُم قَدْ رَأَوُا الهِلاَلَ، هِلاَلَ ذِي الحِجَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَصعَدُ الجِبَالَ، ثُمَّ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِذَلِكَ، وَيَدُهُ فِي يَدِي، وَتَرَكَ عَبْدَ الصَّمَدِ قَاعِداً عَلَى البَابِ، فَأَخَرَجَ إِلَيَّ سُفرَةً فِيْهَا فَضْلَةٌ مِنْ طَعَامٍ: خُبْزٍ مُكَسَّرٍ وَجُبنٍ، فَأَكَلنَا. قَالَ: فَأَخَذَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى المَهْدِيِّ وَهُوَ بِمِنَىً، فَلَمَّا رَآهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: مَا هَذِهِ الفَسَاطِيْطُ، مَا هَذِهِ السُّرَادِقَاتُ (4) ؟   (1) في " الحلية ": 7 / 45: " ... دينارا "، بدلا من: " درهما ". (2) انظر الصفحتين: 257، 263. (3) في " الحلية ": 7 / 48: " ... بين الصفا والمروة ". (4) تتمة الخبر في " الحلية ": 7 / 49: " حج عمر بن الخطاب فسأل: كمن أنفقنا في حجتنا هذه؟ فقيل: كذا وكذا دينارا، ذكر شيئا يسيرا، زاد سعد: لقد أسرفنا ". وقد مر في الترجمة غير رواية لهذا الخبر. والفساطيط: بيوت تتخذ من شعر، أو ضرب من الابنية تتخذ في السفر، دون السرادق. والسرادق: كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 قَالَ عَطَاءٌ الخَفَّافُ: مَا لَقِيْتُ سُفْيَانَ إِلاَّ بَاكِياً، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَتَخوَّفُ أَنْ أَكُوْنَ فِي أُمِّ الكِتَابِ شَقِيّاً. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: جَرَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ سُفْيَانَ إِلَى الفَضَاءِ، فَتَحَامَقَ عَلَيْهِ، لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَتحَامَقُ، أَرْسَلَه، وَهَرَبَ هُوَ ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ. رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الوَلِيْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَخِي رُسْتَه، عَنْهُ. ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَيْسَ بِفَقِيْهٍ مَنْ لَمْ يَعُدَّ البَلاَءَ نِعْمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيْبَةً. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي الحَرَمِ بَعْدَ المَغْرِبِ صَلَّى، ثُمَّ سَجَدَ سَجدَةً، فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى نُودِيَ بِالعشَاءِ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ أَعُودُهُ، فَقَالَ لِي: بَاتَ سُفْيَانُ فِي هَذَا البَيْتِ، وَكَانَ هُنَا بُلْبُلٌ لابْنِي، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا مَحْبُوساً، لَوْ خُلِّيَ عَنْهُ. قُلْتُ: هُوَ لابْنِي، وَهُوَ يَهَبُهُ لَكَ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أُعْطِيْهِ دِيْنَاراً. قَالَ: فَأَخَذَهُ، فَخَلَّى عَنْهُ، فَكَانَ يَذْهَبُ وَيَرْعَى، فَيَجِيْءُ بِالعَشِيِّ، فَيَكُوْنُ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَلَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ، تَبِعَ جِنَازَتَه، فَكَانَ يَضطَرِبُ عَلَى قَبْرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ إِلَى قَبْرِهِ، فَكَانَ رُبَّمَا بَاتَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلَى البَيْتِ، ثُمَّ وَجَدُوْهُ مَيْتاً عِنْدَ قَبْرِهِ، فَدُفِنَ عِنْدَهُ. أَبُو مَنْصُوْرٍ - هُوَ بُسْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلِيْمِيُّ -: كَانَ سُفْيَانُ مُختَفِياً عِنْدَهُ بِالبَصْرَةِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. قَالَهُ: الطَّبَرَانِيُّ. وَفِي غَيْرِ حِكَايَةٍ: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقْبَلُ هَدِيَّةَ بَعْضِ النَّاسِ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا (1) .   (1) يفعل ذلك تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرج البخاري: 5 / 154، في الهبة: باب المكافأة في الهبة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبل الهدية ويثيب عليها ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَقدِرُ أَنْ أَنظُرَ إِلَى سُفْيَانَ، اسْتِحْيَاءً وَهَيْبَةً مِنْهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ: قَالَ لَنَا الثَّوْرِيُّ - وَسُئِلَ - قَالَ: لَهَا عِنْدِي أَوَّلُ نَوْمَةٍ تَنَامُ مَا شَاءتْ، لاَ أَمنَعُهَا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَتْ، فَلاَ أُقِيْلُهَا وَاللهِ (1) . الحُسَيْنُ بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ، لَوْلاَ الحَدِيْثُ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، فَإِذَا سَمِعَ مُذَاكَرَةَ الحَدِيْثِ، تَرَكَ الصَّلاَةَ وَجَاءَ. وَقَالَ خَلَفُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِذَا أَخَذتَ فِي الحَدِيْثِ، نَشطتَ وَأَنْكَرتُكَ، وَإِذَا كُنْتَ فِي غَيْرِ الحَدِيْثِ كَأَنَّكَ مَيِّتٌ! فَقَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّ الكَلاَمَ فِتْنَةٌ؟ قَالَ مِهْرَانُ الرَّازِيُّ: رَأَيتُ الثَّوْرِيُّ إِذَا خَلَعَ ثِيَابَهُ طَوَاهَا، وَقَالَ: إِذَا طُوِيَتْ، رَجَعَتْ إِلَيْهَا نَفْسُهَا. وَقِيْلَ: الْتَقَى سُفْيَانُ وَالفُضَيْلُ (2) ، فَتَذَاكرَا، فَبَكَيَا، فَقَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ مَجْلِسُنَا هَذَا أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ بَركَةً. فَقَالَ لَهُ فُضَيْلٌ: لَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ شُؤْماً، أَلَيْسَ نَظَرتَ إِلَى أَحْسَنِ مَا عِنْدَكَ، فَتَزَيَّنْتَ بِهِ لِي، وَتزَيَّنتُ لَكَ، فَعَبَدْتَنِي وَعَبَدْتُك؟ فَبَكَى سُفْيَانُ حَتَّى علاَ نَحِيبُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ اللهُ (3) . أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيَّ يَقُوْلُ: دَفَنَ سُفْيَانُ كُتُبَهُ، فَكُنْتُ أُعِيْنُهُ عَلَيْهَا (4) . فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَفِي الرِّكَازِ (5) الخُمْسِ.   (1) ذكر الخبر في " الحلية " 7 / 60 مفصلا. (2) هو ابن عياض. (3) الخبر في " الحلية " 7 / 64، والزيادة منه. (4) في " الحلية " زيادة: " فدفن منها كذا وكذا قمطرة إلى صدري ". (5) الركاز: هو المال المدفون في الجاهلية، وهذه الجملة مقتبسة من حديث أخرجه مالك = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 فَقَالَ: خُذْ مَا شِئْتَ، فَعزلْتُ مِنْهَا شَيْئاً كَانَ يُحَدِّثُنِي مِنْهُ (1) . عَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كَانَ مَعَكُم مَنْ يَرْفَعُ حَدِيْثَكم إِلَى السُّلْطَانِ، أَكُنْتُم تَتَكَلَّمُوْنَ بِشَيْءٍ؟ قُلْنَا: لاَ. قَالَ: فَإِنَّ مَعَكُم مَنْ يَرْفَعُ الحَدِيْثَ. وَعَنْ سُفْيَانَ: الزُّهدُ فِي الدُّنْيَا، هُوَ الزُّهدُ فِي النَّاسِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ زُهْدُك فِي نَفْسِكَ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ حَاجّاً أَنَا وَشَيْبَانُ الرَّاعِي مُشَاةً، فَلَمَّا صِرنَا بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، إِذَا نَحْنُ بِأَسَدٍ قَدْ عَارَضَنَا، فَصَاحَ بِهِ شَيْبَانُ، فَبَصْبَصَ (3) ، وَضربَ بِذَنْبِه مِثْلَ الكَلْبِ، فَأَخَذَ شَيْبَانُ بِأُذُنِهِ، فَعَرَكَهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الشُّهرَةُ لِي؟ قَالَ: وَأَيَّ شُهْرَةٍ تَرَى يَا ثَوْرِيُّ؟ لَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الشُّهرَةِ، مَا حَملتُ زَادِي إِلَى مَكَّةَ إِلاَّ عَلَى ظَهْرِهِ (4) . الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ: أَكَانَ لِسُفْيَانَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيتُ ابْناً لَهُ، بَعثَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: لَيْتَ أَنِّي دُعِيتُ لِجنَازَتِكَ. قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَمَا لَبِثَ حَتَّى دَفَنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ سُفْيَانَ: مَنْ سُرَّ بِالدُّنْيَا، نُزِعَ خَوْفُ الآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ.   = في " الموطأ ": 2 / 868 - 869، والبخاري: 3 / 289، ومسلم: (1710) ، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، في الركاز الخمس ". (1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 9 / 161. (2) انظره في " الحلية ": 7 / 69. (3) البصبصة: تحريك ذنبه طمعا أو خوفا. (4) الخبر في " الحلية ": 7 / 68 - 69. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وَعَنْهُ: {وَمُلْكاً كَبِيْراً} [الإِنْسَانُ: 20] ، قَالَ: اسْتِئْذَانُ المَلاَئِكَةِ عَلَيْهِم. الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ يَقُوْلاَنِ: لَمَّا أُلقِيَ دَانِيَالُ فِي الجُبِّ مَعَ السِّبَاعِ، قَالَ: إِلَهِي بِالعَارِ وَالخِزْيِ الَّذِي أَصَبْنَا، سَلَّطْتَ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَعْرِفُكَ. وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: جلَسْتُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ (1) ، فَكَأَنَّهُ عَابَ عَلَى سُفْيَانَ تَرْكَ الغَزْوِ، وَقَالَ: هَذَا الأَوْزَاعِيُّ يَغْزُو، وَهُوَ أَسنُّ مِنْهُ. فَقُلْتُ لِبَهِيْمٍ: مَا كَانَ يَعْنِي سُفْيَانُ فِي تَرْكِ الغَزْوِ؟ قَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُم يُضَيِّعُوْنَ الفَرَائِضَ. قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: كُنَّا نَتعَزَّى عَنِ الدُّنْيَا بِمَجْلِسِ سُفْيَانَ. خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: وَجَدْتُ قَلْبِي يَصْلُحُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةَ، مَعَ قَوْمٍ غُربَاءَ، أَصْحَابِ صُوْفٍ وَعِبَاءٍ. وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُفْيَانَ لِسُفْيَانَ: اذْهبْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبتَ عِدَّةَ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةً، فَاتَّبِعْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَتَعَنَّ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَبْقَ مَنْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ العَامَّةُ بِالرِّضَى وَالصِّحَّةِ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِالكُوْفَةِ -يَعْنِي: سُفْيَانَ-. قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ سُفْيَانُ بَحْراً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً بِالعِرَاقِ يُشْبِهُ ثَوْرِيَّكُم هَذَا. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ مَنْ أَوَدُّ أَنِّي فِي مِسْلاَخِه (2) إِلاَّ سُفْيَانَ.   (1) انظر ترجمته: صفحة: 387. (2) تقدم الخبر مضطربا في الصفحة: 253. وفي حديث عائشة: " ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة " تمنت أن تكون مثلها في هديها وسمتها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 قَالَ الفِرْيَابِيُّ: زَارَنِي ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: أَخرِجْ إِلَيَّ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ. فَأَخَرَجْتُهُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَخضَلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، مَا أَرَى أَنِّي أَرَى مِثْلَه أَبَداً. وَقَالَ زَائِدَةُ: سُفْيَانُ أَفْقَهُ أَهْلِ الدُّنْيَا. قَالَ زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: كَانَ المُعَافَى يَعِظُ الثَّوْرِيَّ، يَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا هَذَا المُزَاحُ؟ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ العُلَمَاءِ، وَسُفْيَانُ يَقْبَلُ مِنْهُ. رَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: يَثَّغِرُ (1) الغُلاَمُ لِسَبْعٍ، وَيَحْتَلِمُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ يَنْتَهِي طُوْلُهُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ يَتَكَامَلُ عَقْلُهُ بَعْدَ سَبْعٍ، ثُمَّ هِيَ التَّجَارِبُ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَرِضَ سُفْيَانُ، فَذَهَبتُ بِمَائِهِ إِلَى الطَّبِيْبِ، فَقَالَ: هَذَا بَولُ رَاهِبٍ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ كَبِدَهُ، مَا لَهُ دَوَاءٌ. قَالَ ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: إِنَّمَا كَانَتِ العِرَاقُ تَجِيْشُ عَلَيْنَا بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ، ثُمَّ صَارَتْ تَجِيْشُ عَلَيْنَا بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ: مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ حِفْظٌ. قُلْتُ: هَذَا يَقُوْلُهُ سُفْيَانُ لِقَوَّةِ حَافِظَتِهِ، بِكَثْرَةِ حَدِيْثِه وَرِحلَتِهِ إِلَى الآفَاقِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَهُ إِتقَانٌ وَفِقهٌ لاَ يُدْرَكُ شَأْوُهُ فِيْهِ، وَلَهُ حِفْظٌ تَامٌّ - فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ فَقِيْهٌ، حَافِظٌ، زَاهِدٌ، إِمَامٌ، هُوَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ فِي الإِسْنَادِ وَالمَتنِ.   (1) يثغر: أي تسقط أسنانه الرواضع، ثم ينبت مكانها الأسنان الدائمة، يقال: اثغر سنه: إذا سقط ونبت جميعا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ عَنْ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، فَقَالَ: سُفْيَانُ لَيْسَ يَتَقَدَّمُهُ عِنْدِي أَحَدٌ، وَهُوَ أَحْفَظُ وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً، وَلَكِنْ كَانَ مَالِكٌ يَنتَقِي الرِّجَالَ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ، وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً، يَبلُغُ حَدِيْثُه ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَشُعْبَةُ نَحْوُ عَشْرَةِ آلاَفٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنِي المُغِيْرَةُ بنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم مَحْشُوْرُوْنَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيْدُهُ، وَعْداً عَلَيْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِيْنَ} [الأَنْبِيَاءُ: 104] ، أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَوْمَ القِيَامَةِ، أَلاَ وَإِنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُوْلُ: أَصْحَابِي أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُم لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّيْنَ عَلَى أَعْقَابِهِم مُنْذُ فَارَقْتَهُم، فَأَقُوْلُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيْسَى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِم شَهِيْداً مَا دُمْتُ فِيْهِم} ، إِلَى قَوْله: {العَزِيْزُ الحَكِيْمُ (1) } ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ.   (1) الآيتان: 121 - 122، المائدة، ونصهما: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) . (2) 6 / 275، في الأنبياء: باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) [النساء: 125] ، وباب قول الله: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها..) [مريم: 16] ، وفي تفسير سورة " المائدة " باب: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) . وفي تفسير سورة الأنبياء: باب: (كما بدأنا أول خلق نعيده) [104] . وفي الرقاق: باب الحشر، وهنا أفاض الحافظ ابن حجر في شرحه، فراجعه. وغرل: ج. أغرل: وهو الاقلف وزنا ومعنى، وهو من بقيت غرلته، وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَة اللهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الصَّابُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقْرِئَكَ سُوْرَةً) . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَسُمِّيْتُ لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قُلْتُ لأُبَيٍّ: فَرِحْتَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي، وَهُوَ يَقُوْلُ: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا (1) } [يُوْنُسُ: 58] (2) . قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ لِسُفْيَانَ دَرسٌ مِنَ الحَدِيْثِ -يَعْنِي: يُدرِّسُ حَدِيْثَهُ-. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: طَلَبتُ العِلْمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَنِي اللهُ النِّيَّةَ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَمُرُّ بِالحَائِكِ فَأَسُدُّ أُذُنِي مَخَافَةَ أَنْ أَحْفَظَ مَا يَقُوْلُ. قَالَ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا رَأَيْنَا أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَفْلُوْجُ،   (1) بالتاء، وهي قراءة يعقوب في رواية رويس. وذكرها ابن الجوزي في " زاد المسير ": 4 / 41، ونسبها إلى أبي وأبي مجلز وقتادة وأبي العالية، وقرأ الباقون: (فليفرحوا) بالياء. (2) إسناده حسن وأخرجه أحمد في " المسند ": 5 / 123، من طريق مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان، حدثنا أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبي! أمرت أن أقرأ عليك سورة كذاو كذا ". قال: قلت: يا رسول الله! وقد ذكرت هناك؟ قال: " نعم ". فقلت له: يا أبا المنذر! ففرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني والله تبارك وتعالى يقول: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون) . قال مؤمل: قلت لسفيان: هذه القراءة في الحديث؟ قال: نعم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَمَانٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا أُحَدِّثُ مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ بِوَاحِدٍ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ عِشْرِيْنَ أَلْفاً. وَأَخْبَرَنِي الأَشْجَعِيُّ: أَنَّهُ كَتَبَ عَنْهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. هَارُوْنُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخْلاَصُ: 1] مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: كَانَ سُفْيَانُ يُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى عُثْمَانَ. وَعَنْ عَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، إِلاَّ فِي قُلُوْبِ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ: اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ السُّنَّةِ خَيْراً، فَإِنَّهُم غُرَبَاءُ. وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: لَمْ يُصَلِّ سُفْيَانُ عَلَى ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ (1) لِلإِرْجَاءِ. وَقَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: قَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى يَكُوْنَ إِخفَاءُ* {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} فِي الصَّلاَةِ، أَفْضَلَ عِنْدَكَ مِنَ الجَهْرِ. وَقَالَ وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ فِي الحَدِيْثِ: مَا يَعدُّ لَهُ شَيْءٌ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ. وَعَنْهُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِهِ وَلدَهُ عَلَى العِلْمِ، فَإِنَّهُ مَسْؤُوْلٌ عَنْهُ. عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حَسَّانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: الإِسْنَادُ سِلاَحُ المُؤْمِنِ،   (1) هو عبد العزيز بن أبي رواد، انظر ترجمته: صفحة: 184. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلاَحٌ، فَبِأَيِّ شَيْءٌ يُقَاتِلُ؟ قَبِيْصَةُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: المَلاَئِكَةُ حُرَّاسُ السَّمَاءِ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ حُرَّاسُ الأَرْضِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ: لَيْسَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ -يَعْنِي: أَصْحَابَ الحَدِيْثِ-. قَالَ: طَلَبُهُم لَهُ نِيَّةٌ، لَوْ لَمْ يَأْتنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُم فِي بُيُوتِهِم (1) . وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنفعَ لِلنَّاسِ مِنَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ مَعْدَانُ - الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ: هُوَ مِنَ الأَبْدَالِ (2) -: سَأَلْتُ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] ، قَالَ: عِلْمُهُ (3) . وَسُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءتْ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْهُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَفلَتُّ مِنَ الحَدِيْثِ كَفَافاً. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قَالَ سُفْيَانُ: وَدِدْتُ أَنَّ يَدِي قُطِعَتْ وَلَمْ أَطْلُبْ حَدِيْثاً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: قَالَ سُفْيَانُ: مَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي غَيْرَ الحَدِيْثِ. قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الضُّعَفَاءِ. قُلْتُ: وَلأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسَ عَنْهُم، وَكَانَ يَخَافُ مِنَ الشَّهوَةِ، وَعَدَمِ النِّيَّةِ فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ.   (1) تقدم مثله: صفحة: 257. (2) هم قوم من عباد الله الصالحين لا يحصرهم عد، يهتدون بكتاب الله، وسنة رسوله الصحيحة، ويتصفون بحسن الخلق، وصدق الورع، وحسن النية، وسلامة الصدر، يستجيب الله دعاءهم، ولا يخيب رجاءهم. ورد في حقهم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أوردها السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 8، 10 وتكلم عليها، فراجعه. (3) قال ابن جرير الطبري في " جامع البيان: " 27 / 216، في تفسير الآية: يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سماواته السبع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ سُفْيَانُ يَخْضِبُ قَلِيْلاً إِذَا دَخَلَ الحَمَّامَ. وَقَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ سُفْيَانُ مَزَّاحاً، كُنْتُ أَتَأَخَّرُ خَلْفَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِيِّرَنِي بِمُزَاحِهِ. وَرَوَى: الفَسَوِيُّ، عَنْ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَضْحَكُ حَتَّى يَسْتَلْقِيَ، وَيَمُدَّ رِجْلَيْهِ. قَالَ زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: تَقَدَّمُوا يَا مَعْشَرَ الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ: ادْنُ مِنِّي، لَوْ كُنْتَ غَنِيّاً مَا أَدْنَيْتُكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: مَا رَأَيتُ الأَمِيْرَ وَالغَنِيَّ أَذَلَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَزْعُمُوْنَ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ، أَشْهَدُ لقَدْ وُصِفَ لَهُ دَوَاءٌ، فَقُلْتُ: نَأتِيْكَ بِنَبِيذٍ؟ فَقَالَ: لاَ، ائْتِنِي بِعَسَلٍ وَمَاءٍ (1) . قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ، وَقَدْ كَثُرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدْ ضَيَّعَ هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى مِثْلِي. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنْ أُسْتَذَلَّ، لَسَكَنْتُ بَيْنَ قَوْمٍ لاَ يَعْرِفُونِي. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ مُسْتَكِيْناً فِي لِبَاسِه، عَلَيْهِ ثِيَابٌ رَثَّةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: آجَرَ سُفْيَانُ نَفْسَه مِنْ جَمَّالٍ إِلَى مَكَّةَ، فَأَمَرُوْهُ يَعْمَلُ لَهُم خُبزَةً، فَلَمْ تَجِئْ جَيِّدَةً، فَضَرَبَهُ الجَمَّالُ. فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، دَخَلَ الجَمَّالُ، فَإِذَا سُفْيَانُ قَدِ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَسَأَلَ، فَقَالُوا: هَذَا سُفْيَانُ   (1) انظر الصفحة: 241، 259. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 الثَّوْرِيُّ. فَلَمَّا انْفَضَّ عَنْهُ النَّاسُ، تَقَدَّمَ الجمَّالُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَمْ نَعْرِفْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: مَنْ يُفسِدُ طَعَامَ النَّاسِ، يُصِيْبُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُرسَلَةٌ، وَكَيْفَ اخْتَفَى طُوْلَ الطَّرِيْقِ أَمرُ سُفْيَانَ، فَلَعَلَّهَا فِي أَيَّامِ شَبَابِهِ. وَرَوَى: يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ: اصحَبْ مَنْ شِئْتَ، ثُمَّ أَغْضِبْهُ، ثُمَّ دُسَّ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْكَ. وَقَالَ قَبِيْصَةُ: عَنْ سُفْيَانَ: كَثْرَةُ الإِخْوَانِ مِنْ سَخَافَةِ الدِّيْنِ. وَعَنْ سُفْيَانَ: أَقِلَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، تَقِلُّ غِيْبَتُكَ. قَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا نَظَرتَ إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ رَاهِبٌ، فَإِذَا أَخذَ فِي الحَدِيْثِ، أَنْكَرْتَه. قُلْتُ: قَدْ كَانَ لَحِقَ سُفْيَانَ خَوْفٌ مُزعِجٌ إِلَى الغَايَةِ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا نَكُونُ عِنْدَهُ، فَكَأَنَّمَا وُقِّفَ لِلْحِسَابِ. وَسَمِعَهُ عَثَّامُ بنُ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: لَقَدْ خِفتُ اللهَ خَوْفاً، عَجَباً لِي! كَيْفَ لاَ أَمُوْتُ؟ وَلَكِنْ لِي أَجَلٌ وَدِدْتُ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِّي، مِنَ الخَوْفِ أَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلِي. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ دُلَيْلٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُذهِبَ عَنِّي مِنْ خَوْفِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُنْتُ أَرمُقُ سُفْيَانَ فِي اللَّيْلَةِ بَعْدَ اللَّيْلَةِ، يَنهَضُ مَرْعُوباً يُنَادِي: النَّارَ النَّارَ، شَغَلَنِي ذِكْرُ النَّارِ عَنِ النَّوْمِ وَالشَّهَوَاتِ (1) . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ أَيَّاماً.   (1) انظر الخبر في " الحلية ". 7 / 60، و" تاريخ بغداد ": 9 / 157. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ سُفْيَانُ يَبُولُ الدَّمَ مِنْ طُوْلِ حُزنِهِ وَفِكْرَتِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ عَلَيْنَا، طَبَختُ لَهُ قدرَ سِكْبَاجٍ (1) ، فَأَكَلَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِزَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّزَّاقِ! اعْلِفِ الحِمَارَ وَكُدَّهُ (2) . ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى الصَّبَاحِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ سَاجِداً، فَطفتُ سَبْعَةَ أَسَابِيْعَ (3) قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ. وَعَنْ مُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: أَقَامَ سُفْيَانُ بِمَكَّةَ سَنَةً، فَمَا فَتَرَ مِنَ العِبَادَةِ سِوَى مِنْ بَعْدِ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ، كَانَ يَجْلِسُ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَذَلِكَ عِبَادَةٌ. وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: كُنْتُ لاَ أَسْتطِيْعُ سَمَاعَ قِرَاءةِ سُفْيَانَ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ. وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ طَبَاهِجَ (4) بِبَيْضٍ، فَكَلَّمتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَمْ آمُرْكُم أَنْ لاَ تَأْكُلُوا طَيِّباً، اكْتَسِبُوا طَيِّباً وَكُلُوا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: أَكَلْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ خُشْكَنَانِجَ (5) ، فَقَالَ: هَذَا أُهْدِيَ لَنَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَكَلَ سُفْيَانُ مَرَّةً تَمْراً بِزُبْدٍ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَارَ إِلَى اليَمَنِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ مُضَارَبَةً (6) ، فَأَنفقَ الرِّبحَ.   (1) السكباج: لحم يطبخ بخل. (التاج) . (2) تقدمت رواية أخرى للخبر في الصفحة: 243. (3) الأسبوع هنا: الطواف الكامل حول الكعبة مرة واحدة، فالمراد أنه طاف: سبعا. (4) الطباهج: اللحم المشرح (معرب) . (5) الخشكنان: فسره داود الانطاكي في " التذكرة " بأنه: دقيق الحنطة إذا عجن بشيرج، وبسط وملئ بالسكر واللوز والفستق وماء الورد، وجمع وخبز. (6) المضاربة: أن تعطي إنسانا من مالك ما يتجر فيه، على أن يكون الربح بينكما، أو يكون = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 وَعَنْ يَحْيَى بنِ المُتَوَكِّلِ، قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أَثْنَى عَلَى الرَّجُلِ جِيْرَانُهُ أَجْمَعُوْنَ، فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، لأَنَّهُ رُبَّمَا رَآهُم يَعصُوْنَ، فَلاَ يُنْكِرُ، وَيَلقَاهُم بِبِشْرٍ. وَقَالَ فُضَيْلٌ: عَنْ سُفْيَانَ: إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ مُحَبَّباً إِلَى جِيْرَانِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُدَاهِنٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَصفَقَ وَجْهاً فِي ذَاتِ الله مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ المُلُوْكَ قَدْ تَرَكُوا لَكُمُ الآخِرَةَ، فَاتْرُكُوا لَهُمُ الدُّنْيَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ لِوُهَيْبٍ: وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ، إِنِّيْ لأُحِبُّ المَوْتَ. وَعَنِ ابْنِ المَهْدِيِّ، قَالَ: مَرِضَ سُفْيَانُ بِالبَطَنِ، فَتَوَضَّأَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ سِتِّيْنَ مَرَّةً، حَتَّى إِذَا عَايَنَ الأَمْرَ، نَزَلَ عَنْ فِرَاشِهِ، فَوَضَعَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ، وَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا أَشدَّ المَوْتِ. وَلَمَّا مَاتَ غَمَّضْتُهُ، وَجَاءَ النَّاسُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَعَلِمُوا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَانَ سُفْيَانُ يَتَمَنَّى المَوْتَ لِيَسلَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا مَرِضَ كَرِهَهُ، وَقَالَ لِي: اقْرَأْ عَلَيَّ (يس*) ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: يُخَفَّفُ عَنِ المَرِيْضِ. فَقَرَأْتُ، فَمَا فَرَغتُ حَتَّى طُفِئَ. وَقِيْلَ: أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ عَلَى أَهْلِ البَصْرَةِ بَغْتَةً، فَشهِدَهُ الخَلْقُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ الكُوْفِيُّ، بِوَصِيَّةٍ مِنْ سُفْيَانَ، لِصَلاَحِهِ.   = له سهم معلوم من الربح، وكأنه مأخوذ من " الضرب " في الأرض لطلب الرزق. قال الله تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) . [المزمل: 20] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَقَامَ سُفْيَانُ فِي اخْتِفَائِهِ نَحْوَ سَنَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى. كَذَلِكَ أَرَّخَهُ: الوَاقِدِيُّ. وَوَهِمَ خَلِيْفَةُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيُّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: القُرْآنُ. فَقُلْتُ: الحَدِيْثَ؟ فَوَلَّى وَجْهَه. وَقَالَ بَكْرُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: رَأَيتُ سُفْيَانَ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا وَجَدْتَ أَنفَعَ؟ قَالَ: الحَدِيْثُ. وَقَالَ سُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ: رَأَيتُ سُفْيَانَ فِي المَنَامِ، يَطِيرُ مِنْ نَخْلَةٍ إِلَى نَخْلَةٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزُّمَرُ: 74] . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: لَقِيْتُ يَزِيْدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ صَبِيْحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا سُفْيَانُ، فَقَالَ لِي: قِيْلَ لِي اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي: مَاتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. فَقُلْتُ لِلَّذِي يَقُوْلُ فِي المَنَامِ: مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ (1) . وَقَالَ مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ: رَأَيتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ آخِذاً بِيَدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ يَجزِيه خَيْراً. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ، قَالَ: رَأَيتُ سُفْيَانَ بنَ سَعِيْدٍ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَعَ السَّفَرَةِ، الكِرَامِ البَرَرَةِ (2) . تَمَّتِ التَّرْجَمَةُ، وَالحَمْدُ للهِ.   (1) في " الحلية ": 6 / 382: " قد مات الليلة " بدلا من " نعم " وتمام الخبر فيه: " قال: فكان قد مات تلك الليلة ولم نعلم ". (2) انظر الخبر في " الحلية ": 6 / 384. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 83 - عِمْرَانُ القَطَّانُ أَبُو العَوَّامِ بنُ دَاوَرَ العَمِّيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَوَّامِ، عِمْرَانُ بنُ دَاوَرَ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ، القَطَّانُ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ الغُدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: كَانَ عِمْرَانُ القَطَّانُ حَرُوْرِيّاً (1) يَرَى السَّيْفَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَالِحَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ، أَفتَى فِي أَيَّامِ خُرُوْجِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (2) بِفَتْوَى شَدِيْدَةٍ، فِيْهَا سَفْكُ الدِّمَاءِ. وَرَوَى عَنْهُ: عَفَّانُ، وَوَثَّقَهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَرَى الخُرُوْجَ، وَلَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً. وَقَدْ ذَكَرَهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يَوْماً، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه شركَةٌ. مَاتَ: فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. قُلْتُ: خَرَّجُوا لَهُ فِي (السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ) .   (*) طبقات خليفة: 221، التاريخ الكبير: 6 / 425، المعرفة والتاريخ: 2 / 258، الضعفاء: خ: 313، الجرح والتعديل: 6 / 297 - 298، الكامل لابن عدي: خ: 512 - 513، تهذيب الكمال: خ: 1058، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 115، تاريخ الإسلام: 6 / 259، ميزان الاعتدال: 3 / 236 - 237، تهذيب التهذيب: 8 / 130 - 132، خلاصة تذهيب الكمال: 295. (1) انظر الصفحة: 143، حا: 1. (2) انظر الصفحة: 21، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 84 - مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ القُرَشِيُّ * (د، ت، ق، خت) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الإِمَامُ، أَبُو فَضَالَةَ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ. وَلَهُ مِنَ الإِخْوَةِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ الرَّحْمَن، وَمُفَضَّلٌ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، قَالَ: رَأَيتُ أَنَساً تَقَدَّمَ، فَصَلَّى بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ. وَصَحِبَ الحَسَنَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ، فَأَكْثَرَ، وَعَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَثَابِتٍ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ رَبِّهُ بنِ سَعِيْدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَوَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَفَّانُ، وَعَمْرُو بنُ مَنْصُوْرٍ، وَشَبَابَةُ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَيْرَانَ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ بَهْزُ بنُ أَسَدٍ: أَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ: أَنَّهُ جَالَسَ الحَسَنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 277، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 438، التاريخ الكبير: 7 / 426، المعرفة والتاريخ: 2 / 135، الضعفاء: خ: 422، الجرح والتعديل: 8 / 338 - 339، مشاهير علماء الأمصار: 158، تاريخ بغداد: 13 / 431 - 432، تهذيب الكمال: خ: 1300 - 1301، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 20، تذكرة الحفاظ: 1 / 200 - 201، ميزان الاعتدال: 3 / 431 - 432، عبر الذهبي: 1 / 244، في أخبار (165 هـ) ، تهذيب التهذيب: 10 / 28 - 31، طبقات المدلسين: 14 - 15، طبقات الحفاظ: 86، خلاصة تذهيب الكمال: 368، شذرات الذهب: 1 / 259 - 260. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 وَقَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ (1) . فَقَالَ: مُبَارَكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَرَوَى: عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ يُجَالِسُنَا عِنْدَ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، فَمَا كَانَ مِنْ مُسْنَدٍ فَإِلَى مُبَارَكٍ، وَمَا كَانَ مِنْ فُتْيَا فَإِلَى زِيَادٍ. وَقَالَ وُهَيْبٌ: رَأَيتُ مُبَاركاً يُجَالِسُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، فَيُحَدِّثُ فِي حَلقتِه، وَيُوْنُسُ يَسْمَعُ. وَقَالَ عَفَّانُ: كَانَ مُبَارَكٌ ثِقَةً، وَكَانَ مِنَ النُّسَّاكِ، وَكَانَ ... ، وَكَانَ ... وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثَانِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ عَفَّانُ يُطْرِي مُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ. قَالَ الفَلاَّسُ أَيْضاً: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَى مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كَانَ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ يَرْفَعُ حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَيَقُوْلُ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ: عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ مُغَفَّلٍ، وَأَصْحَابُ الحَسَن لاَ يَقُوْلُوْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ مُبَارَكٍ وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا. وَعَنْ: مُبَارَكٍ، وَأَشْعَثَ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا، كَانَ المُبَارَكُ يُدَلِّسُ (2) . وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا رَوَى مُبَارَكٌ عَنِ الحَسَنِ، يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَقَالَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، هُوَ مِثْلُ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ فِي الضَّعفِ.   (1) ترجمته في الصفحة: 287. (2) انظر " التدليس " في الصفحة: 208، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَقُلْتُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوِ المُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ؟ فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ يَحْيَى عَنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ: ضَعِيْفٌ. وَسَمِعتُه مَرَّةً أُخْرَى يَقُوْلُ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: مُفَضَّلٌ الغَلاَبِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: صَالِحٌ. وَرَوَى: حَنْبَلٌ، وَآخَرُ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا كَتَبنَا عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حَدِيْثَ الحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ: (إِذَا سَمَّاهَا فَهِي طَالِقٌ) . قَالَ يَحْيَى: وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ شَيْئاً يَقُوْلُ فِيْهِ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ وَسَطٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: يُدَلِّسُ كَثِيْراً، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: اخْتَلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ مُقَدَّمٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: جَاءَ شُعْبَةُ إِلَى مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثِ نَصْرِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ (1) .   (1) وأخرجه مسلم: (970) ، في الجنائز: باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، من طرق عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 عَمْرُو بنُ العَبَّاسِ البَاهِلِيُّ: عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: حَلَلْنَا حَبْوَةَ الثَّوْرِيِّ لَمَّا أَردْنَا غَسلَه، فَإِذَا فِي حَبْوَتِهِ رِقَاعٌ: يَسْأَلُ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ حَدِيْثَ كَذَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُبَارَكٌ شَدِيْدَ التَّدْلِيسِ، وَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثَبْتٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الضُّعَفَاءِ) ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ فِيْهِ ضَعْفٌ، وَكَانَ عَفَّانُ يَرْفَعُهُ وَيُوثِّقُهُ. وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ) . وَيَقعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ كَمَا مَرَّ فِي أَخْبَارِ الحَسَنِ، وَيَقعُ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)) ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةً ... ، الحَدِيْث (2) .   (1) الجعديات: هي أجزاء حديثية لشيخ بغداد أبي الحسن علي بن الجعذ الجوهري المتوفى سنة (230 هـ) ، وهي اثنا عشر جزءا. انظر: " تذكرة الحفاظ ": 1 / 399، و" كشف الظنون ": 1 / 586. (2) وأخرجه أحمد: 4 / 440، من طريق هاشم، عن المبارك، عن الحسن، قال: حدثنا عمران بن الحصين، قال: أتي برجل أعتق ستة مملوكين عند موته، وليس له مال غيرهم، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة. وأخرجه النسائي: 4 / 64، في الجنائز: باب الصلاة على من يحيف في وصيته، من طريق علي بن حجر، عن هشيم، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن عمران بن الحصين وأخرجه مسلم: (1668) ، والترمذي: (1364) ، من طرق، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين وأخرجه أبو داود: (3961) ، من طريق مسدد، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن الحصين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 وَأَنْبَأَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِيْنِ (1)) . قِيْلَ: حَدِيْثُهُ نَحْوُ المائَتَيْنِ. 85 - زِيَادُ بنُ سَعْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخُرَاسَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخُرَاسَانِيُّ، المُجَاورُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ شَرِيْكاً لابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ نَزَلَ قَرْيَةَ عَكٍّ مِنْ بِلاَدِ اليَمَنِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَعَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ الجَنَدِيِّ، وَغَيْرِهِم. رَوَى عَنْهُ رِفَاقُهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.   (1) وأخرجه أحمد: 4 / 86، من طريق أبي النضر، عن المبارك، عن الحسن، وأخرجه أيضا: 5 / 56، 57، وابن ماجه: (769) ، من طريق آخر عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل. وفي الباب عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الصلاة في مبارك الابل، فقال: " لا تصلوا في مبارك الابل فإنها من الشياطين "، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: " صلوا فيها فإنها بركة ". أخرجه أبو داود: (184) ، في الطهارة: باب الوضوء من لحوم الابل. وإسناده صحيح، وصححه الامام أحمد، وابن راهويه، وابن خزيمة. قال الخطابي: وإنما نهى عن الصلاة في مبارك الابل لان فيها نفارا وشرادا لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى بحضرتها، أو تفسد عليه صلاته. (*) التاريخ الكبير: 3 / 358، المعرفة والتاريخ: 1 / 647 - 648، الجرح والتعديل: 3 / 533 - 534، مشاهير علماء الأمصار: 146، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 198، تهذيب الكمال: خ: 444، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 244، تذكر الحفاظ: 1 / 198، العقد الثمين: 4 / 453، تهذيب التهذيب: 3 / 369 - 370، طبقات الحفاظ: 85، خلاصة تذهيب الكمال: 125. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عَالِماً بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً، وَمَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ مَوْتِ ابْنِ جُرَيْجٍ. 86 - أَبُو الأَشْهَبِ جَعْفَرُ بنُ حَيَّانَ العُطَارِدِيُّ * (ع) هُوَ الإِمَامُ، الحُجَّةُ، جَعْفَرُ بنُ حَيَّانَ العُطَارِدِيُّ، البَصْرِيُّ، الخَرَّازُ، الضَّرِيْرُ، مِنْ بَقَايَا المَشْيَخَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الجَوْزَاءِ الرَّبَعِيِّ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَأَبِي نَضْرَةَ العَبْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ طَرَفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ خَلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ مِنْ بَابَةِ (1) جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ فِي الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ. قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، فَقَدْ أَدْرَكَ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - عَلَى هَذَا - مِنْ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 274، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 267، المعارف: 478، الجرح والتعديل: 2 / 76 - 477، مشاهير علماء الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 197، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 107، ميزان الاعتدال: 1 / 405 - 406، عبر الذهبي: 1 / 246، وفيه " ابن حبان " بالباء الموحدة، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 192، تهذيب التهذيب: 2 / 88، خلاصة تذهيب الكمال: 62، شذرات الذهب 1 / 261. (1) يقال: هو من بابته، إذا كان من درجته في التوثيق والصدق، أو العكس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 أَيَّامِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ مَعَهُ بِالبَصْرَةِ، فَالعَجبُ كَيْفَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى طَاوُوْساً مُحْرِماً؟! وَنَقَلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي: أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: إِنَّهُ لَمْ يَلحَقْ أَبَا الجَوْزَاءِ - كَذَا قَالَ -. مَاتَ: فِي سَلْخِ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. أَنْبَأَنَا الفَخْرُ عَلِيٌّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَبَرْزَذْ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَادِي ثَمُوْدَ، فَقَالَ: (أَسْرِعُوا السَّيْرَ، فَإِنَّ هَذَا وَادٍ مَلْعُوْنٌ (1)) . هَذَا مُرْسَلٌ، جَيِّدٌ. 87 - الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ البَصْرِيُّ * (ت، ق) العَابِدُ، الإِمَامُ، مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ، مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ البَصْرَةِ.   (1) رجاله ثقات، لكنه مرسل كما قال المؤلف - وأخرج البخاري: 8 / 95، في المغازي: باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجر - وهي منازل ثمود - من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما. قال: لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر، قال: " لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي ". (*) طبقات ابن سعد: 7 / 277، تاريخ خليفة: 430، التاريخ الكبير: 3 / 278 - 279، التاريخ الصغير: 2 / 135، تاريخ الطبري: 8 / 128، الضعفاء: خ: 132 - 133، الجرح والتعديل: 3 / 464 - 465، كتاب المجروحين: 1 / 296، الكامل لابن عدي: خ: 267 - 268، حلية الأولياء: 6 / 304 - 310، تهذيب الكمال: خ: 408، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 219، عبر الذهبي: 1 / 234، تهذيب التهذيب: 3 / 247 - 248، خلاصة تذهيب الكمال: 115، شذرات الذهب: 1 / 247. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَهُ: شُعْبَةُ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ. قُلْتُ: كَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، إِلاَّ أَنَّ النَّسَائِيَّ ضَعَّفَهُ. وَقَالَ حَجَّاجٌ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ مُبَارَكٍ وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، فَقَالَ: مُبَارَكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ عَلِيٌّ: جَهدتُ بِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَنْ يُحَدِّثَنِي بِحَدِيْثٍ عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، فَأَبَى عَلَيَّ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: كَانَ يُدَلِّسُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كُنْيتُهُ: أَبُو جَعْفَرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ. وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ البَصْرَةِ وَزُهَّادِهِم، كَانَ يُشَبَّهُ بَيْتُهُ بِاللَّيْلِ بِالنَّحْلِ، إِلاَّ أَنَّ الحَدِيْثَ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِنَاعَتِهِ، فَكَانَ يَهِمُ كَثِيْراً. تُوُفِّيَ: بِالسِّنْدِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ شُعْبَةُ: لقَدْ بَلَغَ الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ فِي مِصْرِنَا هَذَا مَا لاَ يَبلُغُه الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي: فِي الارتفَاعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ (1) : أَوَّلُ مَنْ صنَّفَ وَبَوَّبَ - فِيْمَا أَعْلَمُ -:   (1) هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد المتوفى سنة (360 هـ) ، ونصفه هذا في كتابه: " المحدث الفاصل " ص 611، وابن أبي عروبة هو: أبو النضر سعيد بن أبي عروبة اليشكري، مولاهم البصري، الامام الحافظ، ثقة حافظ، لكنه كثير التدليس، واختلط، وهو من أثبت الناس في قتادة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، توفي سنة: (156 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ بِالبَصْرَةِ، ثُمَّ ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ غَازِياً بِأَرْضِ الهِنْدِ، وَلَهُ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)) . قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ الفِرَارُ مِنَ الزَّحفِ مِنَ الكبَائِرِ، إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عَبَّاسٌ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ الرَّبِيْعِ وَالمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهمَا، لاَ بَأْسَ بِهِمَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: قَالَ الوَثِيْقُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَسْوَدَ (2) مِنَ الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، إِنَّمَا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ، سَأَلْتُ الحَسَن. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: كَتَبتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، فِي الصَّرْفِ، هُوَ أَحْسَنُهَا كُلُّهَا، وَحَدِيْثَ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي الحَجِّ بِطُوْلِهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ. قُلْتُ لَهُ: مَا حدَّثَ عَنْهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ غَسَّانُ بنُ المُفَضَّلِ الغَلاَبِيُّ: سَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ: أَنَّ الرَّبِيْعَ بنَ صَبِيْحٍ كَانَ بِالأَهْوَازِ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُمَا امْرَأَةٌ، فَبَكَى الشَّيْخُ. قَالَ لَهُ صَاحِبُه: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَطمَعْ فِي شَيْخَيْنِ، إِلاَّ وَقَدْ رَأَتْ شُيُوْخاً قَبْلَنَا يُتَابِعُونَهَا، فَلِذَا أَبْكِي. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَتْ وَقْعَةُ بَارنلَ (3) سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَفِيْهَا: مَاتَ الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.   (1) انظر الصفحة: 284، حا: 1. (2) من السيادة. (3) كذا الأصل: " بارنل " وفي الطبري " 8 / 128، و" الكامل " 6 / 46: باربد، وهي مدينة كبيرة في بلاد الهند، وكان المهدي قد سير جيشا في البحر بقيادة عبد الملك بن شهاب المسمعي، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 88 - الرَّبِيْعُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ * (م، د، س) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ، الجُمَحِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَغَيْرِهِمَا. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، وَعِدَّةٌ. وَحَفِيْدُهُ شَيْخُ مُسْلِمٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بَكْرِ بنِ الرَّبِيْعِ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمَا لَيَّنَهُ أَحَدٌ. وَاحْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 89 - القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ أَبُو المُغِيْرَةِ الحُدَّانِيُّ ** (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المُغِيْرَةِ الأَزْدِيُّ، الحُدَّانِيُّ، البَصْرِيُّ، كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي حُدَّانَ، فَعُرِفَ بِهِم. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَثُمَامَةَ بنِ حَزْنٍ القُشَيْرِيِّ،   = إلى بلاد الهند، وقد حاصر الجيش المدينة، وفتحها عنوة. وكان من بين متطوعي الجيش: الربيع ابن صبيح، وقد أصاب الجيش مرض في أفواه الجنود، في أثناء العودة، فمات منهم نحو من ألف رجل، منهم الربيع. انظر: الطبري، والكامل: حوادث سنة 160 هـ، والعبر: 1 / 233، 234، والشذرات: 1 / 247. (*) التاريخ الكبير: 3 / 275، الجرح والتعديل: 3 / 469، مشاهير علماء الأمصار: 157، تهذيب الكمال: خ: 409، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 220، عبر الذهبي: 1 / 249، تهذيب التهذيب: 3 / 251، خلاصة تذهيب الكمال: 115، شذرات الذهب: 1 / 263. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 283، التاريخ الكبير: 7 / 169، التاريخ الصغير: 2 / 168، الضعفاء: خ: 362، الجرح والتعديل: 7 / 116 - 117، مشاهير علماء الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 1115، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 150، ميزان الاعتدال: 3 / 377، عبر الذهبي. 1 / 251، تهذيب التهذيب: 8 / 329 - 330، خلاصة تذهيب الكمال: 313، شذرات الذهب: 1 / 264. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَالنَّضْرِ بنِ شَيْبَانَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَسَعِيْدِ بنِ المُهَلَّبِ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَيَّانُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ مِنْ مَشَايِخِنَا الثِّقَاتِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ذَكَرْتُهُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ. قُلْتُ: لَمْ يُصِبْ العُقَيْلِيُّ فِي ذِكْرِهِ لِلْقَاسِمِ فِي (الضُّعَفَاءِ (1)) ، وَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: (بَيْنَمَا رَاعٍ يَرْعَى غنماً، أَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً، فَخَلَّصَهَا الرَّاعِي. فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلاَ تَتَّقِي اللهَ؟) . قُلْتُ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (2) ، وَرَفَعَهُ. تُوُفِّيَ الحُدَّانِيُّ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي مُنْتَقَى (المُخَلِّصِيَّات) (3) .   (1) الضعفاء: خ: 362. (2) رقم: (3695) ، من طريق محمود بن غيلان، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه البخاري: 6 / 375، ومسلم: (2388) من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بينما راع في غنمه، عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه. فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ "، فقال الناس: سبحان الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فإني أو من بذلك أنا وأبو بكر وعمر ". (3) المخلصيات: هي أجزاء حديثية، لأبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي، المتوفى (393 هـ) . والمخلص: يقال لمن يخلص الذهب من الغش. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 90 - يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي تَمِيْمٍ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فِي آخِرِهَا - أَظُنُّ -. وَحَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ، وَأَيُّوْبَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَعَفَّانُ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: هُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ. وَقَالَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ وَكِيْعٍ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مِنْ أَوسطِ أَصْحَابِ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَانَ عَفَّانُ يَرْفَعُ أَمرَهُ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِي بَاهِلَةَ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 278، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 8 / 318، المعرفة والتاريخ: 2 / 53، 60، الجرح والتعديل: 9 / 252 - 253، مشاهير علماء الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 1528، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 172 - 173، تذكرة الحفاظ: 1 / 200، ميزان الاعتدال: 4 / 418 - 419، عبر الذهبي: 1 / 239، تهذيب التهذيب: 11 / 311 - 313، طبقات الحفاظ: 86، خلاصة تذهيب الكمال: 430، شذرات الذهب: 1 / 256. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْكَرتُ أَحَادِيْثَ رَوَاهَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُه، وَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوقاً. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ ثَبتٌ فِي الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَرَوَى: عَلِيٌّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ قَتَادَةَ: لَيْسَ بِذَاكَ. قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ حَفِيْدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ سَعِيْدٍ: مَاتَ جَدِّي سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُوْنَ الغَنَوِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: الشُّهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِفِنَاءِ العَرْشِ، فِي قِبَابٍ وَرِيَاضٍ بَيْنَ يَدَي اللهِ -تَعَالَى-. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَذْهَبُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا جَمَالُ الإِسْلاَمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَنْبَأَنِي الحَسَنُ، قَالَ: تَرِثُ الجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ (1) .   (1) وأخرج الترمذي: (2101) ، في الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة مع ابنها، من طريق الحسن بن عرفة، حدثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال في الجدة مع ابنها: إنها أول جدة أطعمها رسول - الله صلى الله عليه وسلم - سدسا مع ابنها، وابنها حي، وإسناده ضعيف لضعف محمد بن سالم. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقد ورث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع ابنها، ولم يورثها = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)) عِدَّةُ أَحَادِيْثَ عَالِيَةٍ لِيَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَطَائِفَةٍ. الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ 91 - سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، إِمَامٌ مَشْهُوْرٌ، ثِقَةٌ. حَدَّثَ عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَحَبَّانُ، وَعَفَّانُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، يُكْنَى: أَبَا دَاوُدَ، وَحَدِيْثُه عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيْهِ شَيْءٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: سَكنَ البَصْرَةَ، وَمَا رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ قَدِ اضْطَرَبَ فِي أَشْيَاءَ، وَهُوَ فِي غَيْر الزُّهْرِيِّ أَثْبَتُ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ الوَاسِطِيُّ، كَذَا نَسَبَهُ، وَقَالَ: مُضْطَرِبُ   = بعضهم. قال في " المغني ": 6 / 211: إن الجدة من قبل الاب، إذا كان ابنها حيا ورثا، فإن عمر، وابن مسعود، وأبا موسى، وعمران بن الحصين، وأبا الطفيل - رضي الله عنهم - ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح، والحسن، وابن سيرين، وجابر بن زيد، والعنبري، وإسحاق، وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وقال زيد بن ثابت: لا ترث. وروي ذلك عن عثمان وعلي - رضي الله عنهما - وبه قال مالك والثوري والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وابن جابر وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وهو رواية عن أحمد، رواه عنه جماعة من أصحابه. (وانظر: مصنف عبد الرزاق: 10 / 276 - 279) . (1) انظر تعريف " الجعديات ". صفحة: 284، حا: 1. (*) التاريخ الكبير: 4 / 33 - 34، الضعفاء: خ: 163، الجرح والتعديل: 4 / 138، المجروحين والضعفاء: 1 / 334، الكامل لابن عدي: خ: 321، تهذيب الكمال: خ: 548، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 54، ميزان الاعتدال: 2 / 220 - 221، تهذيب التهذيب: 4 / 215 - 216، خلاصة تذهيب الكمال: 154. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 الحَدِيْثِ. وَرَوَى عَنْ: حُصَيْنٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ أَحَادِيْثَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا، مِنْهَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ نُبَيْطٍ - امْرَأَةِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ. وَهَذَا جَاءَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ (1) ، بِأَسَانِيْدَ صَالِحَةٍ. قُلْتُ: وَالإِسْنَادُ المَذْكُوْرُ أَيْضاً مَعَ غَرَابَتِهِ صَالِحٌ، وَسُلَيْمَانُ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 92 - مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفِ بنِ دَاوُدَ أَبُو غَسَّانَ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو غَسَّانَ المَدَنِيُّ.   (1) حديث ضباعة في " سنن " البيهقي: 5 / 222. وأخرجه ابن ماجه: (2937) ، من طريق ابن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل ووكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه. وأخرجه الطيالسي في " مسنده "، والدارقطني في " سننه "، من حديث عكرمة، عن ابن عباس، عن ضباعة، به. وحديث ابن عباس، أخرجه أبو داود: (1776) ، ومسلم: (1208) ، والترمذي: (941) ، والنسائي: 5 / 168، وابن ماجه: (2938) . وحديث عائشة، أخرجه البخاري: 9 / 144، ومسلم: (1207) ولفظه: قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: " أردت الحج؟ " قالت: والله ما أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني ". ومعنى الحديث: أحرمي بالحج، واجعلي شرطا في حجك عند الاحرام، وهو: اشتراط التحلل متى احتجت إليه. وقوله: " محلي حيث حبستني "، أي: موضع إحلالي من الأرض حيث حبستني، أي: هو المكان الذي عجزت عن الاتيان بالمناسك وانحبست عنها بسبب قوة المرض. وحديث جابر، أخرجه البيهقي في " السنن ": 5 / 222. (*) التاريخ الكبير: 1 / 236، الجرح والتعديل: 8 / 100، تاريخ بغداد: 3 / 295 - 297، تهذيب الكمال: خ: 1272 - 1273، تذكرة الحفاظ: 1 / 242، الوافي بالوفيات: 5 / 34، تهذيب التهذيب: 9 / 461 - 462، طبقات الحفاظ: 102، خلاصة تذهيب الكمال: 359. شذرات الذهب: 1 / 258. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 وُلِدَ: قَبْلَ المائَةِ. وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ وَهْبٍ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَآخَرُوْنَ. وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى المَهْدِيِّ، فَحدَّثَ بِبَغْدَادَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قِيْلَ: إِنَّهُ مِنْ مَوَالِي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَد نَزَلَ عَسْقَلاَنَ. قُلْتُ: مَا ظَفِرتُ لَهُ بِوَفَاةٍ، وَكَأَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِهِ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (طَهُوْرُ كُلِّ أَدِيْمٍ دِبَاغُهُ) (1) . 93 - هَمَّامُ بنُ يَحْيَى بنِ دِيْنَارٍ العَوْذِيُّ المُحَلِّمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ   (1) رجاله ثقات، وإسناده صحيح، وصححه غير واحد. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 282، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 8 / 237، التاريخ الصغير: 2 / 154 - 155، المعرفة والتاريخ: 1 / 150، 2 / 167، 281، الضعفاء: خ: 453، الجرح والتعديل: 9 / 107 - 109، تهذيب الكمال: خ: 1448، 1449، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 122، تذكرة الحفاظ: 1 / 201، عبر الذهبي: 1 / 242 - 243، تهذيب التهذيب: 11 / 67 - 70، طبقات الحفاظ: 76 - 87، خلاصة تذهيب الكمال: 411، شذرات الذهب: 258 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 العَوْذِيُّ، المُحَلِّمِيُّ، البَصْرِيُّ. وَبَنُوْ عَوْذٍ: بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِيْهِم، وَكَانَ أَبُوْهُ قَصَّاباً بِالبَصْرَةِ. وُلِدَ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَابْنِ جُحَادَةَ، وَشَقِيْقٍ أَبِي لَيْثٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: زِيَادِ بنِ سَعْدٍ، وَإِلَى: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَذَلِكَ فِي (أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (النَّسَائِيِّ) . حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وَالمُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ الغُدَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَفَّانُ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَسَهْلُ بنُ بَكَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ، دَخَلَ الجَنَّةَ) (1) .   (1) إسناده صحيح. وأبو بكر هو: أبن أبي موسى الأشعري، عبد الله بن قيس. وأخرجه البخاري: 2 / 43، في المواقيت: باب فضل صلاة الفجر، ومسلم: (635) ، في المساجد: باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، كلاهما من طريق هدبة، أو هداب بن خالد الأزدي، عن همام بن يحيى، عن أبي جمرة، به. والبردان هما: صلاة الفجر والعصر. قال = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 رَوَى: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، عَنْ عَفَّانَ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَعترِضُ عَلَى هَمَّامٍ فِي كَثِيْرٍ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، نَظَرْنَا فِي كُتُبِهِ، فَوَجَدْنَاهُ يُوَافقُ هَمَّاماً فِي كَثِيْرٍ مِمَّا كَانَ يَحْيَى يُنكِرُهُ، فَكَفَّ يَحْيَى بَعْدُ عَنْهُ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ هَمَّامٌ قَويّاً فِي الحَدِيْثِ. وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: هَمَّامٌ ثَبتٌ فِي كُلِّ المَشَايِخِ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: هَمَّامٌ أَيْش تَقُوْلُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرضَاهُ. أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: هَمَّامٌ عِنْدِي فِي الصِّدْقِ، مِثْلُ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هَمَّامٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبَانَ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَرْوِي عَنْ أَبَانٍ العَطَّارِ، وَلاَ يَرْوِي عَنْ هَمَّامٍ، وَكَانَ هَمَّامٌ أَفْضَلَ عِنْدَنَا. وَرَوَى: الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، وَهُوَ فِي قَتَادَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: هَمَّامٌ فِي قَتَادَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ، هَمَّامٌ، ثُمَّ أَبُو عَوَانَةَ، ثُمَّ أَبَانُ، ثُمَّ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ فِي أَصْحَابِ قَتَادَةَ (1) : كَانَ هِشَامٌ أَرْوَاهُم عَنْهُ،   = الخطابي: سميتا بردين لانهما تصليان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر. (1) في " تهذيب التهذيب ": 11 / 69: " لما ذكر أصحاب قتادة ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 وَكَانَ سَعِيْدٌ أَعْلَمَهُم بِهِ، وَكَانَ شُعْبَةُ أَعْلَمَهُم بِمَا سَمِعَ قَتَادَةُ، وَمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلَمْ يَكُنْ هَمَّامٌ عِنْدِي بِدُونِ القَوْمِ فِي قَتَادَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ رَأْيٌ فِيْهِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا الفَلاَّسُ، قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِحَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَقَالَ: لَمْ يَصْنَعِ ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ شَيْئاً. فَقَالَ عَفَّانُ - وَكَانَ حَاضِراً -: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فَسَكَتَ يَحْيَى، فَعَجِبْنَا مَنْ يَحْيَى، حَيْثُ يُحَدِّثُه ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيْدٍ، فَيُنْكِرُهُ، وَحَيْثُ حَدَّثَهُ عَفَّانُ عَنْ هَمَّامٍ، فَسَكَتَ. قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَحْيَى تَغَيَّرَ رَأْيُه بِأَخَرَةٍ فِي هَمَّامٍ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى اتِّفَاقَهُمَا عَلَى حَدِيْثٍ، اطْمَأَنَّ. أَبُو الوَلِيْدِ، وَحَبَّانُ: أَنَّ هَمَّاماً قَالَ: إِنِّيْ لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَنظُرَ فِي الكِتَابِ، وَأَحْفَظَ الحَدِيْثَ لَكِي أُحَدِّثَ النَّاسَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: ظَلَمَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ هَمَّاماً، لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَلَمْ يُجَالِسْهُ، فَقَالَ فِيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَنْ فَاتَه شُعْبَةُ، سَمِعَ مِنْ هَمَّامٍ، وَكَانَ يَحْيَى لاَ يَعْبَأُ بِهَمَّامٍ؟! وَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: ذَكَرَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عَاصِمَ بنَ سَعِيْدٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ، فَقَالَ يَحْيَى - كَأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى هَمَّامٍ -: قَدْ أَدخَلَ بَيْنَ قَتَادَةَ، وَبَيْنَ سَعِيْدٍ. قَالَ: فَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَضْحَكُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرْعَرَةَ لِيَحْيَى: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ وَيْحَكَ! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: الأَثبَاتُ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ: سَعِيْدٌ، وَهِشَامٌ، وَشُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ - أَظُنُّه عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ - عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ فِي حَدَاثتِهِ شَهَادَةً - وَكَانَ هَمَّامٌ عَلَى العَدَالَةِ -يَعْنِي: فَلَمْ يَعدِلْ يَحْيَى، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ يَحْيَى لِهَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: هَمَّامٌ ثَبْتٌ فِي قَتَادَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ يَقُوْلُ: هَمَّامٌ حِفْظُه رَدِيْءٌ، وَكِتَابُهُ صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهَمَّامٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ هَمَّامٍ، وَأَبَانٍ، قَالَ: هَمَّامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مَا حدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِه، تَقَارَبَا فِي الحِفْظِ وَالغَلَطِ (1) . وَقَالَ أَيْضاً: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَمَّامٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، فِي حِفْظِه شَيْءٌ، وَهُوَ فِي قَتَادَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبَانٍ. قَالَ عَفَّانُ: عَنْ هَمَّامٍ: إِذَا رَأَيتُم فِي حَدِيْثِي لَحْناً، فَقَوِّمُوْهُ، فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ لاَ يَلحَنُ. قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ: وَهَمَّامٌ أَشْهَرُ وَأَصدقُ مِنْ أَنْ يُذكَرَ لَهُ حَدِيْثٌ، وَأَحَادِيْثُه مُسْتقِيْمَةٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُ هَمَّامٍ عَالِياً فِي (صِفَةِ النِّفَاقِ) لِلْفِرْيَابِيِّ (2) ، وَقَدْ أَوْرَدْتُهُ   (1) الخبر والذي بعده في الجرح والتعديل 9 / 109. (2) هو العلامة الحافظ أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن، قاضي الدينور، وصاحب = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 فِي أَمَاكِنَ، وَهَمَّامٌ مِمَّنْ جَاوَزَ القَنطرَةَ، وَاحْتجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ. رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَحْبُوْبٍ: وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ شُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ: قَدِمتُ البَصْرَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ- شَكَّ - فَقِيْلَ لِي: مَاتَ هَمَّامٌ مُنْذُ جُمُعَةٍ أَوْ جُمُعَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُطَهِّرِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيْسَى الأُسْوَارِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِماً، أَوْ نَحْوِ ذَاكَ. رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ هُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ. 94 - أَبُو مِخْنَفٍ لُوْطُ بنُ يَحْيَى الكُوْفِيُّ * صَاحِبُ تَصَانِيْفٍ وَتَوَارِيْخٍ. رَوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَمُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَصَقْعَبِ (3) بنِ زُهَيْرٍ، وَطَائِفَةٍ مِنَ المَجْهُوْلِيْنَ.   = التصانيف، رحل من الترك إلى مصر، وحدث عن خلائق كثيرين، وروى عنه غير واحد، وكان ثقة مأمونا. توفي سنة (301 هـ) انظر: التذكرة: 692 - 694. وكتابه " صفة النفاق " مطبوع بمصر بمطبعة المنار، سنة (1349 هـ) . (1) الاسواري، بضم الهمزة، وسكون السين: نسبة إلى الاساورة من تميم. (2) (2205) ، في الاشربة: باب كراهية الشرب قائما. (*) التاريخ الكبير: 7 / 252، المعارف: 537، الضعفاء: خ: 369، الجرح والتعديل: 7 / 182، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، معجم الأدباء: 17 / 41 - 43، ميزان الاعتدال: 3 / 419 - 420، فوات الوفيات: 3 / 225 - 226، لسان الميزان: 4 / 492 - 493 (3) الجرح والتعديل: 7 / 182. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَارِيٌّ ضَعِيْفٌ (1) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابَةِ (2) سَيْفِ بنِ عُمَرَ (3) التَّمِيْمِيِّ، صَاحِبِ (الرِّدَّةِ) ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفِ (4) ، وَعَوَانَةَ بنِ الحَكَمِ (5) . 95 - سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الوَاسِطِيُّ * (4) الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَإِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.   (1) وقال المؤلف في " الميزان " 3 / 419، " أخباري تالف لا يوثق به ". (2) قال ابن السكيت: البابة عند العرب: الوجه، ومراد المؤلف أن أبا مخنف مساو لهؤلاء الثلاثة في الضعف والمنزلة. (3) في الأصل: " محمد "، وهو خطأ، صوابه من " ميزان " المؤلف، وقد نقل تضعيفه فيه عن يحيى بن معين، وأبي داود، وأبي حاتم، وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. (4) ترجمته في " الميزان ": 2 / 470، وقال: أخباري صدوق. (5) تقدمت ترجمته: صفحة: 201، وجاء في " لسان الميزان ": 4 / 386: أنه كان عثمانيا وكان يضع الاخبار لبني أمية. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 312، طبقات خليفة: 326، التاريخ الكبير: 4 / 89 وفيه " سفيان بن حصين "، الجرح والتعديل: 4 / 227 - 228، كتاب المجروحين: 1 / 358، تاريخ بغداد: 9 / 149 - 151، تهذيب الكمال: خ: 513، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 32، تاريخ الإسلام: 6 / 185 - 186، تهذيب التهذيب: 4 / 107 - 109، خلاصة تذهيب الكمال: 145. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 وَقَدْ وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ، فِي سِوَى مَا يَرْوِيْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْطَّرِبُ فِيْهِ، وَيَأْتِي بِمَا يُنْكَرُ. رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يُؤَدِّبُ المَهْدِيَّ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ لَيْسَ بِذَاكَ، إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ بِالمَوْسِمِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، هُوَ نَحْوُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الإِنصَافُ فِي أَمْرِهِ تَنَكُّبُ مَا رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَالاحْتِجَاجُ بِمَا رَوَى عَنْ غَيْرِه، وَذَاكَ أَنَّ صَحِيْفَةَ الزُّهْرِيِّ اخْتلَطَتْ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَأْتِي بِهَا عَلَى التَّوهُّمِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَوَقَعَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِ مائَةِ حَدِيْثٍ. 96 - صَالِحُ بنُ أَبِي الأَخْضَرِ اليَمَامِيُّ * (4) مُحَدِّثٌ مَشْهُوْرٌ، مِنْ أَهْلِ اليَمَامَةِ، سَكَنَ البَصْرَةَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ.   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 272، التاريخ الكبير: 4 / 273، التاريخ الصغير: 2 / 101،: الضعفاء: خ: 176، الجرح والتعديل: 4 / 394 - 395، كتاب المجروحين: 1 / 368 - 369، تهذيب الكمال: خ: 594 - 595، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 85، تاريخ الإسلام: 6 / 201، ميزان الاعتدال: 2 / 288، تهذيب التهذيب: 4 / 380 - 382، طبقات المدلسين: 19، خلاصة تذهيب الكمال: 169 - 170. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَجَمَاعَةٌ. ضَعَّفَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيِّنٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، كَانَ عِنْدَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كِتَابَانِ، أَحَدُهُمَا عَرْضٌ، وَالآخَرُ مُنَاوَلَةٌ (1) ، فَاخْتَلَطَا جَمِيْعاً، فَلاَ يُعْرُفُ هَذَا مِنْ هَذَا. قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْلَ شُعْبَةَ (2) . 97 - سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ. وَقِيْلَ: دِمَشْقِيٌّ، رَحلَ بِهِ أَبُوْهُ إِلَى البَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ. وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو الجَمَاهِرِ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ، وَخَلْقٌ.   (1) القراءة على الشيخ حفظا، أو من كتاب تسمى عرضا عند الجمهور، والرواية بها سائغة عند العلماء. والمناولة: أن يعطي الشيخ للطالب أصل سماعه، أو فرعا مقابلا به، ويقول له: هذا سماعي عن فلان فاروه عني، أو أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه ملكا له، أو يعيره إياه لينسخه ويقابل به. أو يأتيه الطالب بكتاب من سماعه فيتأمله، ثم يقول: ارو عني هذا. (انظر: الباعث الحثيث: 110، 123) . (2) كانت وفاة شعبة سنة (160 هـ) . انظر ترجمته: الصفحة: 202. (*) طبقات خليفة: 316، التاريخ الكبير: 3: 360، الضعفاء: خ: 148 - 150، الجرح والتعديل: 4 / 6 - 47، كتاب المجروحين: 1 / 319، تاريخ ابن عساكر: خ: 7 / 77 ب، تهذيب الكمال: خ: 481 - 482، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 13 - 14، ميزان الاعتدال: 2 / 128 - 130، عبر الذهبي: 1 / 253، تهذيب التهذيب: 4 / 8 - 10، خلاصة تذهيب الكمال: 136، طبقات المفسرين: 1 / 180 - 181، شذرات الذهب: 1 / 265 - 266، تهذيب ابن عساكر: 6 / 123 - 124. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنْهُ، وَهُوَ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ: كَيْفَ هَذِهِ الكَثْرَةُ لَهُ عَنْ قَتَادَةَ؟ قَالَ: كَانَ أَبُوْهُ شَرِيْكاً لأَبِي عَرُوْبَةَ، فَأَقدمَ ابْنَه سَعِيْداً البَصْرَةَ، فَبَقِيَ يَطلُبُ مَعَ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ قَدَرِيّاً. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ بَقِيَّةُ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، فَقَالَ: ذَاكَ صَدُوْقُ اللِّسَانِ. وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَكَانَ حَافِظاً. وَقَالَ دُحَيْمٌ: يُوَثِّقُونَهُ، كَانَ حَافِظاً. وَأَمَّا ابْنُ مَهْدِيٍّ، فَرَوَى عَنْهُ، ثُمَّ تَرَكَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُحتَجُّ بِهِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِي حِفْظِه. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو الجَمَاهِرِ: مَا كَانَ قَدَرِيّاً، مَعَاذَ اللهِ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَبُو الجَمَاهِرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: سَنَةَ تِسْعٍ. 98 - ثَابِتُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيُّ الأَحْوَلُ * (ع) الحَافِظُ، المُتْقِنُ، الإِمَامُ، أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيُّ، الأَحْوَلُ.   (*) التاريخ الكبير: 2 / 172، الجرح والتعديل: 2 / 460، تهذيب الكمال: خ: 176 - 177، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 97، ميزان الاعتدال: 1 / 368 - 369، عبر الذهبي: 1 / 257، تهذيب التهذيب: 2 / 18، خلاصة تذهيب الكمال: 57، شذرات الذهب: 1 / 270. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِلاَلِ بنِ خَبَّابٍ، وَحُمَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَفَّانُ، وَعَارِمٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. مَاتَ: فِي الكُهُولَة، فَلَمْ يَشتهِرْ، وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ وُهَيْبٍ وَأَقْرَانِهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ. أَمَّا: 99 - ثَابِتُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو السَّرِيِّ الأَوْدِيُّ * فَكُوْفِيٌّ، قَدِيْمٌ، ضَعَّفُوهُ. يَرْوِي عَنْ: عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَنْهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ: وَسَطٌ، إِنَّمَا أَتَيْتُهُ مَرَّةً، فَأَمْلَى عَلَيَّ. قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ شَرِيْكٌ، فَقَالَ: عَنْ ثَابِتٍ أَبِي السَّرِيِّ الزَّعْفَرَانِيِّ. 100 - المُقَنَّعُ عَطَاءٌ السَّاحِرُ العَجَمِيُّ ** هُوَ عَطَاءٌ المُقَنَّعُ، السَّاحِرُ، العَجَمِيُّ، الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوْبِيَّة مِنْ طَرِيْقِ   (*) الكامل لابن عدي: خ: 112، تهذيب الكمال: خ: 177، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 97، ميزان الاعتدال: 1 / 368، تهذيب التهذيب: 1 / 18 - 19، خلاصة تذهيب الكمال: 57. (* *) المعرفة والتاريخ: 1 / 149، الكامل لابن الأثير: 6 / 51 - 52، وفيات الأعيان: = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 المنَاسِخِ، وَرَبطَ النَّاسَ بِالخَوَارِقِ وَالأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَالإِخبَارِ عَنْ بَعْضِ المُغَيَّبَاتِ، حَتَّى ضَلَّ بِهِ خَلاَئِقُ مِنَ الصُّمِّ وَالبُكْمِ. وَادَّعَى أَنَّ اللهَ تَحوَّلَ إِلَى صُوْرَةِ آدَمَ، وَلِذَلِكَ أَمرَ المَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَأَنَّهُ تَحوَّلَ إِلَى صُوْرَةِ نُوْحٍ، ثُمَّ إِبْرَاهِيْمَ، وَإِلَى حُكَمَاءِ الأَوَائِلِ، ثُمَّ إِلَى صُوْرَةِ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ، ثُمَّ إِلَيْهِ، فَعَبَدُوْه، وَحَارَبُوا دُوْنَهُ، مَعَ مَا شَاهَدُوا مِنْ قُبْحِ صُوْرتِهِ، وَسَمَاجَةِ وَجْهِهِ المُشَوَّهِ. كَانَ أَعْوَرَ، قَصِيْراً، أَلْكَنَ (1) ، اتَّخَذَ وَجْهاً مِنَ الذَّهَبِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: المُقَنَّعُ. وَمِمَّا أَضَلَّهُم بِهِ مِنَ المَخَارِيقِ: قَمَرٌ ثَانٍ يَرَوْنَهُ فِي السَّمَاءِ، حَتَّى كَانَ يَرَاهُ المُسَافِرُوْنَ مِنْ مَسِيْرَةِ شَهْرَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ أَبُو العَلاَءِ بنُ سُلَيْمَانَ: أَفِقْ أَيُّهَا البَدْرُ المُقَنَّعُ رَأْسُهُ ... ضَلاَلٌ وَغَيٌّ مِثْلُ بَدْرِ المُقَنَّعِ (2) وَلابْنِ سَنَاءِ المُلْكِ: إِلَيْكَ فَمَا بَدْرُ المُقَنَّعِ طَالِعاً ... بِأَسْحَرَ مِنْ أَلْحَاظِ بَدْرِي المُعَمَّمِ (3) وَلَمَّا اسْتفحَلَ البَلاَءُ بِهَذَا الخَبِيْثِ، تَجَهَّزَ الجَيْشُ إِلَى حَرْبِه، وَحَاصَرُوْهُ فِي قَلْعَتِهِ بِطَرَفِ خُرَاسَانَ. وَقِيْلَ: بِمَا وَرَاءَ النَّهرِ، انْتُدِبَ لِحَرْبِهِ مُتَولِّي   = 3 / 263 - 265، عبرا لذهبي: 1 / 235، 240 - 241، البداية والنهاية: 10 / 145 - 146، شذرات الذهب: 1 / 248 - 249. (1) رجل ألكن: بين اللكن، وهو الذي لا يقيم العربية من عجمة في لسانه. (2) البيت في " شروح سقط الزند " (ط القاهرة: 1948) : 4 / 1544 وفيه: " أفق إنما ... "، وهو من القصيدة السادسة والستين التي خاطب فيها أبا أحمد عبد السلام بن الحسين البصري، ومطلعها: تحية كسرى في السناء وتبع * لربعك لا أرضى تحية أربع (3) الديوان: 2 / 282 (تحقيق محمد إبراهيم نصر: القاهرة: 1969) ، وهو من قصيدة مدح بها الملك المعظم شمس الدولة توران شاه، مطلعها: تقنعت لكن بالحبيب المعمم * وفارقت لكن كل عيش مذمم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 خُرَاسَانَ مُعَاذُ بنُ مُسْلِمٍ، وَجِبْرِيْلُ الأَمِيْرُ، وَلَيْثٌ مَوْلَى المَهْدِيِّ، وَالقَلْعَةُ هِيَ مِنْ أَعْمَالِ كَشٍّ (1) ، وَطَالَ الحِصَارُ نَحْوَ عَامَيْنِ، فَلَمَّا أَحسَّ المَلعُوْنُ بِالهَلاَكِ، مَصَّ سُمّاً، وَسَقَى حَظَايَاهُ السُّمَّ، فَمَاتُوا، وَأُخِذَتِ القَلْعَةُ، وَقُطِعَ رَأْسُهُ، وَبَعَثَوا بِهِ عَلَى قَنَاةٍ إِلَى المَهْدِيِّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، فَوَافَاهُ بِحَلَبَ، وَهُوَ يُجهِّزُ العَسَاكِرَ لِغَزْوِ الرُّوْمِ مَعَ وَلَدِه هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، فَكَانَتْ غَزْوَةً عُظْمَى (2) . 101 - ابْنُ عُلاَثَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العُقَيْلِيُّ * [د، س، ق (3) ] قَاضِي الخِلاَفَةِ، أَبُو اليَسِيْرِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُلاَثَةَ العُقَيْلِيُّ، الجَزَرِيُّ. عَنْ: عَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ، وَخُصَيْفٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَحَرَمِيُّ بنُ حَفْصٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ الحُصَيْنِ. وَلِيَ القَضَاءَ لِلْمَهْدِيِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - حَرَّانِيُّ، وَلِيَ مَعَهُ القَضَاءَ عَافِيَةُ (4) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.   (1) كش، بفتح الكاف، وتشديد الشين: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان، على جبل. (2) انظر: " العبر " للذهبي: 1 / 240 - 241، " تاريخ دول الإسلام " 109، " النجوم الزاهرة ": 2 / 38، " شذرات الذهب ": 1 / 248 - 249. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 323، طبقات خليفة: 320، التاريخ الكبير: 1 / 132 - 133، التاريخ الصغير: 2 / 187، الجرح والتعديل: 7 / 302، المجروحين والضعفاء: 2 / 279، تاريخ بغداد: 5 / 388 - 391، الكامل لابن الأثير: 6 / 80، تهذيب الكمال: خ: 1222 - 1223، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 220، ميزان الاعتدال: 3 / 594 - 595، الوافي بالوفيات: 3 / 306 - 307، تهذيب التهذيب: 9 / 269 - 271، خلاصة تذهيب الكمال: 346. (3) ما بين حاصرتين مستدرك من " التهذيب ". (4) انظر ترجمته في الصفحة: 398، وما بعدها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحتَجُّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِي حِفْظِه نَظَرٌ. وَقَالَ الأَزْدِيُّ: حَدِيْثُه يَدلُّ عَلَى كَذِبِهِ. مَاتَ ابْنُ عُلاَثَةَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ لَهُ: قَاضِي الجِنِّ. قِيْلَ: حَكَمَ بَيْنَهُم وَبَيْنَ الإِنْسِ فِي مَاءِ بِئْرٍ، فَحَكَمَ لِلْجِنِّ أَنْ يَسْتَقُوا بِاللَّيْلِ، فَكَانَ مَنِ اسْتَقَى بَعْدَ المَغْرِبِ، جَاءهُ الرَّجْمُ. 102 - المَاجَشُوْنُ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ * (ع) ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ مَيْمُوْنٍ - وَقِيْلَ: دِيْنَارٍ - الإِمَامُ، المُفْتِي الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو الأَصْبَغِ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، وَالِدُ المُفْتِي عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، صَاحِبِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَمِّ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ المَاجَشُوْنِ. سَكَنَ مُدَّةً بِبَغْدَادَ. وَحَدَّثَ عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَوَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، وَهِلاَلِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، وَعَمِّهِ؛ يَعْقُوْبَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ الهَاشِمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَعُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ بَلَدِهِ. وَلَمْ يَكُنْ بِالمُكْثِرِ مِنَ الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ فَقِيْهُ النَّفْسِ، فَصِيْحٌ، كَبِيْرُ الشَّأْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ،   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 323، طبقات خليفة: 275، التاريخ الكبير: 6 / 13، التاريخ الصغير: 2 / 165، الجرح والتعديل: 5 / 386، مشاهير علماء الأمصار: 140 - 141، تاريخ بغداد: 10 / 436 - 439، تهذيب الكمال: خ: 840 - 841، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 241 - 242، تذكرة الحفاظ: 1 / 222 - 223، عبر الذهبي: 1 / 244، تهذيب التهذيب: 6 / 343 - 344، طبقات الحفاظ: 94، خلاصة تذهيب الكمال: 240، شذرات الذهب: 1 / 259. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَشَبَابَةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، وَعَمْرُو بنُ الهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ، وَهَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَحُجَيْنُ بنُ المُثَنَّى، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَبِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، وَسَعْدَوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الجُهَنِيُّ الكَاتِبُ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَغَسَّانُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: أَنَّ أَصلَهُ مِنْ أَصْبَهَانَ، نَزَلَ المَدِيْنَة، فَكَانَ يَلقَى النَّاسَ، فَيَقُوْلُ: جونِي، جونِي. قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَيْفَ لُقِّبَ بِالمَاجَشُوْنِ؟ قَالَ: تَعَلَّقَ مِنَ الفَارِسِيَّة بِكَلِمَةٍ، وَكَانَ (1) إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ يَقُوْلُ: شونِي، شونِي، فَلُقِّبَ: المَاجَشُوْنَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: المَاجَشُوْنُ فَارِسِيٌّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ المَاجَشُوْنَ، لأَنَّ وَجْنَتَيْهِ كَانَتَا حَمْرَاوَيْنِ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الخَمْرُ، فَعَرَّبَهُ أَهْلُ المَدِيْنَةِ. وَقِيْلَ: أَصلُ الكَلِمَةِ: المَاهُ كُوْنَ (2) ، فَهُوَ وَوَلَدُه يُعرَفُوْنَ بِذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا اللَّقَبُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَيَّانَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ جَدِّي بِخَطِّهِ، قِيْلَ لأَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجَشُوْنِ، هُوَ مِثْلُ اللَّيْثِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ؟ قَالَ: لاَ، هُوَ دُوْنَهُمَا، إِنَّمَا كَانَ رَجُلاً يَقُوْلُ بِالقَدَرِ وَالكَلاَمِ، ثُمَّ تَرَكَه، وَأَقْبَلَ إِلَى السُّنَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ الحَدِيْثُ، فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ، كَتَبُوا عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ يَقُوْلُ: جَعَلَنِي أَهْلُ بَغْدَادَ مُحَدِّثاً، وَكَانَ صَدُوقاً، ثِقَةً -يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ، كَمَا كَانَ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ- (3) .   (1) زيادة من " تهذيب التهذيب ": 6 / 344. (2) في " التاج ": الماه كون، معناه: يشبه القمر. (3) الخبر في " تاريخ بغداد ": 6 / 438، " التهذيب: 2 / 241 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ، قَالَ: كَانَ يَصلُحُ لِلوِزَارَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَلاَ المَاجَشُوْنُ مِنَ الزُّهْرِيِّ. قَالَ ابْنُ سِنَانٍ: مَعْنَاهُ عِنْدِي: أَنَّهُ عَرْضٌ (1) . أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَجَجْتُ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَائِحٌ يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسُ، إِلاَّ مَالِكٌ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ: حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ، فَشَيَّعَهُ المَهْدِيُّ، فَلَمَّا أَرَادَ الوَدَاعَ، قَالَ: يَا بُنَيَّ (2) ! اسْتَهْدِنِي. قَالَ: أَسْتَهدِيكَ رَجُلاً عَاقِلاً. فَأَهْدَى لَهُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ عَبْدُ العَزِيْزِ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَأَهْلُ العِرَاقِ أَرْوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، قَدِمَ بَغْدَادَ، وَأَقَامَ بِهَا، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ المَهْدِيُّ. وَكَذَا أَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَكَانَ فَقِيْهاً، وَرِعاً، مُتَابِعاً لِمَذَاهِبِ أَهْلِ الحَرَمَينِ، مُفَرِّعاً عَلَى أُصُوْلِهِم، ذَابّاً عَنْهُم. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ يَحْيَى بنِ أَسَعْدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَادِرِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ بُخَيْتٍ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا جَحَدَتْ بِهِ الجَهْمِيَّةُ (3) ؟ فَقَالَ:   (1) سبق التعريف بالعرض، صفحة: 304، حا: 1. (2) زيادة من " تاريخ بغداد ": 6 / 437. (3) الجهمية: نسبة إلى جهم بن صفوان، يكنى أبا محرز، وقد نشأ في سمرقند بخراسان، ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ، وكان مولى لبني راسب من الازد، وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه وإنكار صفات الله. وتأويلها المفضي إلى تعطيلها. وأول من حفظ = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 أَمَّا بَعْدُ ... ، فَقَدْ فَهِمتُ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ، فِيْمَا تَتَابَعتِ الجَهْمِيَّةُ فِي صِفَةِ الرَّبِ العَظِيْمِ، الَّذِي فَاتَتْ عَظَمَتُهُ الوَصفَ وَالتَّقدِيرَ، وَكَلَّتِ الأَلسُنُ عَنْ تَفْسِيْرِ صِفَتِهِ، وَانْحَسَرتِ العُقُوْلُ دُوْنَ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، فَلَمَّا تَجدِ العُقُوْلُ مَسَاغاً، فَرَجَعتُ خَاسِئَةً حَسِيْرَةً، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيْمَا خَلَقَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَرَّةً ثُمَّ كَانَ، أَمَّا مَنْ لاَ يَحُولُ وَلَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ، إِلاَّ هُوَ. وَالدَّلِيْلُ عَلَى عَجزِ العُقُوْلِ عَنْ تَحقِيْقِ صِفَتِهِ: عَجزُهَا عَنْ تَحقِيْقِ صِفَةِ أَصْغَرِ خَلْقِهِ، لاَ يَكَادُ يَرَاهُ صِغَراً، يَحُوْلُ وَيزُولُ، وَلاَ يُرَى لَهُ بَصَرٌ وَلاَ سَمْعٌ، فَاعْرِفْ غِنَاكَ عَنْ تَكلِيْفِ صِفَةِ مَا لَمْ يَصِفِ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ، بِعَجْزِكَ عَنْ مَعْرِفَةِ قَدرِ مَا وَصَفَ مِنْهَا، فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ مَا وَصفَ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ تَعَمُّقاً وَتَكلِيْفاً، فَقدِ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِيْنُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ، وَلَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُ الشَّيْطَانُ، حَتَّى جَحَدَ قَوْلَه تَعَالَى: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القِيَامَةُ: 22، 23] ، فَقَالَ: لاَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ ... ، وَذَكَرَ فَصلاً طَوِيْلاً فِي إِقرَارِ الصِّفَاتِ وَإِمْرَارِهَا، وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهَا. وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَظَرَ مَرَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ سَلْبِ الصِّفَاتِ لِبَعْضِهِم، فَقَالَ: هَذَا الكَلاَمُ هَدْمٌ بِلاَ بِنَاءٍ، وَصِفَةٌ بِلاَ مَعْنَىً. وَذَكَرَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ المَاجَشُوْنِ الفَقِيْهُ: أَنَّ المَهْدِيَّ أَجَازَ أَبَاهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: لَهُ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ، رَوَاهَا عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ.   = عنه مقالة التعطيل في الإسلام وهو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت إليه، وقد قتل سنة (128 هـ) ، مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية. (انظر: الطبري: 7 / 220، 221، 236، 237، وتاريخ الجهمية والمعتزلة: 10، وما بعدها، للقاسمي) . والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا. والامام أحمد يرى - فيما يحكيه ابن جرير عنه - أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 103 - ابْنُ ثَوْبَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَابِتٍ العَنْسِيُّ * (د، ت، ق) الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ العَنْسِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَزِيَادِ بنِ أَبِي سَوْدَةَ المَقْدِسِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: دُحَيْمٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: قَدَرِيٌّ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَيَّنَهُ مَرَّةً. وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيْثُه مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ فِيْهِ سَلاَمَةٌ، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ.   (*) طبقات خليفة: 323، التاريخ الكبير: 5 / 265، المعرفة والتاريخ: 1 / 153، الضعفاء: خ: 230، الجرح والتعديل: 5 / 219، مشاهير علماء الأمصار: 181، تاريخ بغداد: 10 / 222 - 225 وفيه وفاته سنة (167 هـ) ، تاريخ ابن عساكر: خ: 9 / 443 آ، تهذيب الكمال: خ: 779 - 780، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 206 - 207، ميزان الاعتدال: 2 / 551 - 552، عبر الذهبي: 1 / 245، تهذيب التهذيب: 6 / 150 - 152، خلاصة تذهيب الكمال: 225، شذرات الذهب: 1 / 260. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 أَحْمَدُ بنُ كَثِيْرٍ البَغْدَادِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيِّ، قَالَ: أَغْلَظَ ابْنُ ثَوْبَانَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المَهْدِيِّ، فَاسْتَشَاطَ، وَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ المَنْصُوْرُ حَيّاً مَا أَقَالَكَ. قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَوَاللهِ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَنْهُ، حَتَّى تُخَبَّرَ بِمَا لَقِيَ، مَا جَلَسْتَ مَجْلِسَكَ هَذَا. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: لَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي تَنَاثَرتِ النُّجُوْمُ، خَرَجْنَا لَيْلاً إِلَى الصَّحْرَاءِ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ. قَالَ: فَسَلَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَيْفَه، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ جَدَّ فَجِدُّوا. قَالَ: فَجَعَلُوا يَسُبُّونَهُ وَيُؤذُونَهُ. فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ القَلَمُ -يَعْنِي: جُنَّ-. قُلْتُ: كَانَ فِيْهِ خَارِجِيَّةٌ. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَتَبَ الأَوْزَاعِيُّ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ ... قَدْ كُنْتَ عَالِماً بِخَاصَّةِ مَنْزِلَتِي مِنْ أَبِيْكَ، فَرَأَيتُ أَنَّ صِلَتِي إِيَّاهُ، وَتَعَاهُدِي إِيَّاكَ بِالنُّصحِ فِي أَوَّلِ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ فِي الجُمُعَةِ وَالصَّلوَاتِ، فَمَرَرتُ بِكَ، فَوَعَظتُكَ، فَأَجَبْتَنِي بِمَا لَيْسَ لَكَ فِيْهِ حُجَّةٌ وَلاَ عُذرٌ ... ، فِي مَوْعِظَةٍ طَوِيْلَةٍ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى جُمُعَةً خَلْفَ وُلاَةِ الجَورِ، كَمَذْهَبِ الخَوَارِجِ. فَنصِيْحَةُ الأَوْزَاعِيِّ، وَذَاكَ النَّفَسُ الَّذِي جَبَهَ بِهِ المَهْدِيَّ، دَالٌّ عَلَى قُوَّتِهِ وَحِدَّتِهِ - اللهُ يَرْحَمُهُ -. عَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. كَانَ مِنْ أَسْنَانِ ابْنِ زَبْرٍ. وَقَدْ تَتَبَّعَ الطَّبَرَانِيُّ أَحَادِيْثَهُ، فَجَاءتْ فِي كُرَّاسٍ تَامٍّ، وَلَمْ يَكُنْ بِالمُكثرِ، وَلاَ هُوَ بِالحُجَّةِ، بَلْ صَالِحُ الحَدِيْثِ. 104 - صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ السَّمِيْنُ * (ت، س، ق) الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ الدِّمَشْقِيُّ، السَّمِيْنُ.   (*) التاريخ الكبير: 4 / 296، التاريخ الصغير: 2 / 202، الضعفاء: خ: 188 - 189، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 وُلِدَ: فِي إِمْرَةِ الوَلِيْدِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ عَنِ: القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ، وَالعَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، وَأَبِي وَهْبٍ عُبَيْدِ اللهِ الكَلاَعِيِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَعِدَّةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ. كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - رَفِيْقُهُ - وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ القَارِئُ، وَجَمَاعَةٌ. وَوَهِمَ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَعدَّ فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ: مُوْسَى بنَ عَامِرٍ المُرِّيَّ، فَقَدْ سَقَطَ بَيْنَهمَا الوَلِيْدُ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَكَنَّاهُ مُسْلِمٌ: أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: نَظَرْتُ فِي مُصنَّفَاتِ صَدَقَةَ السَّمِيْنِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ رَاشِدٍ المُقْرِئِ (1) ، وَسَأَلْتُ دُحَيْماً عَنْهُ، فَقَالَ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَشُوبُهُ القَدَرُ، وَقَدْ حَدَّثَنَا بِكُتُبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَكَتَبَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ (2) . وَقَالَ عَمْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَأَتَيْتُ الأَعْمَشَ، فَإِذَا رَجُلٌ غَلِيْظٌ مُمْتَنِعٌ، فَجَعَلتُ أَتَعَجْرَفُ عَلَيْهِ   = الجرح والتعديل: 4 / 429 - 430، كتاب المجروحين: 1 / 374، الكامل لابن عدي: خ: 402 - 403، تاريخ ابن عساكر: خ: 8 / 137 ب، تهذيب الكمال: خ: 604 - 605، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 91، ميزان الاعتدال: 2 / 310 - 311، عبر الذهبي 1 / 247، تهذيب التهذيب: 4 / 415 - 416، خلاصة تذهيب الكمال: 173، شذرات الذهب: 1 / 261، تهذيب ابن عساكر: 6 / 413 - 414. (1) مستدرك من " الميزان ": 2 / 310. (2) الخبر في " ميزان " المؤلف: 2 / 311، وفيه زيادة " وكان صاحب حديث، كتبه إليه الاوزاعي في رسالة القدر يعظه فيها.." الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 تَعجْرُفَ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ: مِنْ أَينَ تَكُوْنُ؟ قُلْتُ: مَنْ دِمَشْقَ. قَالَ: وَمَا أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لأسَمِعَ مِنْكَ وَمِنْ مِثْلِكَ الخَبَرَ. فَقَالَ: وَبِالكُوْفَةِ جِئْتَ تَسْمَعُ؟ أَمَا إِنَّكَ لاَ تَلقَى فِيْهَا إِلاَّ كَذَّاباً حَتَّى تَخرُجَ مِنْهَا (1) . قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: جَاءنِي الأَوْزَاعِيُّ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِكَذَا؟ قُلْتُ: الثِّقَةُ عِنْدَكَ وَعِنْدِي، صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: صَدَقَةُ السَّمِيْنُ شَامِيٌّ، يَرْوِي عَنْهُ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، أَحَادِيْثُه مَنَاكِيْرُ، لَيْسَ يَسْوَى حَدِيْثُه شَيْئاً، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيْثِهِ مُرْسَلٌ عَنْ مَكْحُوْلٍ، فَهُوَ أَسهَلُ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ جِدّاً. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: هُوَ مِمَّنْ يَجُوْزُ حَدِيْثُه، وَلاَ يُحتَجُّ بِهِ. وَقَدْ طَحَنَهُ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي المَوْضُوْعَاتِ عَنِ الأَثْبَاتِ، لاَ يُشْتَغَلُ بِرِوَايَتِهِ إِلاَّ عِنْدَ التَّعَجُّبِ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَدَقَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُوْسَى بنِ يَسَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فِي العَسَلِ العُشْرُ، فِي كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ) (2) .   (1) انظر الخبر في " الميزان " 2 / 311. (2) وأخرجه الترمذي: (629) ، في الزكاة، والبيهقي: 4 / 126، كلاهما من طريق محمد بن يحيى النيسابوري، عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن صدقة بن عبد الله، عن موسى بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر. وسنده ضعيف من أجل صدقة. لكن في الباب أحاديث تقويه. (انظر: زاد المعاد: 2 / 12، 14، و: الاموال: 597) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَرْوِي عَنِ: ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ نُسْخَةً مَوْضُوْعَةً، يَشْهَدُ لَهَا بِالوَضعِ مَنْ كَانَ مُبْتَدِئاً، فَكَيْفَ المُتَبحِّرُ؟! قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: مَاتَ صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ طَوَّلْتُهُ فِي (المِيْزَانِ (1)) ، وَكَانَ عِنْدَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتْقِنُ. 105 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِيَادِ بنِ لَقِيْطٍ السَّدُوْسِيُّ * (م، ت، س) المُحَدِّثُ، أَبُو السَّلِيْلِ السَّدُوْسِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ: كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، وَجَعْفَر بنُ حُمَيْدٍ، وَكَانَ عَرِيْفَ قَوْمِه. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَاحْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ قَوِيُّ الحَدِيْثِ. قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: بَعْضُ رِوَايَتِهِ صَحِيْفَةٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 106 - جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ بنِ عُبَيْدٍ الضُّبَعِيُّ ** (خَ، م، د، س) المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُخَارِقٍ. وَقِيْلَ: أَبُو مِخْرَاقٍ - وَهُوَ أَشْبَهُ -   (1) 2 / 310 - 311. (*) التاريخ الكبير: 5 / 373، التاريخ الصغير: 2 / 175، المعرفة والتاريخ: 3 / 103، تهذيب الكمال: خ: 876، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 262، ميزان الاعتدال: 3 / 3 - 4، عبر الذهبي: 1 / 256، تهذيب التهذيب: 7 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 249، شذرات الذهب: 1 / 269 - 270. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 281، طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 449، التاريخ = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 الضُّبَعِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ: رَفِيْقِهِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَحَدِيْثُه مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ. 107 - مَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ * (م، د، س) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى بَنِي عَبْسٍ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَزَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَعْيَنَ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   = الكبير: 2 / 241، 242، التاريخ الصغير: 2 / 191، الجرح والتعديل: 2 / 531، مشاهير علماء الأمصار: 159، تهذيب الكمال: خ: 212، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 112، تذكرة الحفاظ: 1 / 231 - 232، عبر الذهبي: 1 / 264، تهذيب التهذيب: 2 / 124 - 125، خلاصة تذهيب الكمال: 65، شذرات الذهب: 1 / 283. (*) التاريخ الكبير: 7 / 393 - 394، الضعفاء: خ: 421، الجرح والتعديل: 8 / 286، مشاهير علماء الأمصار: 186، تهذيب الكمال: خ: 1352، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 56، ميزان الاعتدال: 4 / 146 - 147، عبر الذهبي: 1 / 247، تهذيب التهذيب: 10 / 234، خلاصة تذهيب الكمال: 383، شذرات الذهب: 1 / 261. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 اخْتَلَفَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ. وَقَدِ احْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفٌ. ذَكَرَ أَبُو عَوَانَةَ - أَوْ غَيْرُه -: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَمَا عَرَفْتُ لَهُ شَيْئاً مُنكَراً فَأَذْكُرَهُ، وَحَدِيْثُه لاَ يَنْزِلُ عَنْ رُتبَةِ الحَسَنِ - وَاللهُ المُوَفِّقُ -. 108 - أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ اليَمَامِيُّ أَبُو يَحْيَى قَاضِي اليَمَامَةِ * (ق) أَبُو يَحْيَى، قَاضِي اليَمَامَةِ، لَيِّنٌ مِنْ قِبَلِ حِفْظِه. يَرْوِي عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَسْوَدُ شَاذَانُ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَآخَرُوْنَ. نَزَلَ البَصْرَةَ. قَالَ الفَلاَّسُ: سَيِّئُ الحِفْظِ.   (*) طبقات ابن سعد: 5 / 556، طبقات خليفة: 290، تاريخ خليفة: 430، التاريخ الكبير: 1 / 420، التاريخ الصغير: 2 / 265، المعرفة والتاريخ: 2 / 171، 3 / 60، الضعفاء: خ: 38، الجرح والتعديل: 2 / 253، كتاب المجروحين: 1 / 169 - 170، الكامل لابن عدي: خ: 38 - 39، تاريخ بغداد: 7 / 3 - 6، تهذيب الكمال: خ: 138 - 139، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 79، ميزان الاعتدال: 1 / 290 - 291، تهذيب التهذيب: 1 / 408 - 410، خلاصة تذهيب الكمال: 43. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 وَقَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ عِنْدَهُم لَيِّنٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: سَيِّئُ الحِفظِ، وَمَرَّةً قَالَ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ. يُخْطِئُ كَثِيْراً، وَيَهِمُ شَدِيْداً، حَتَّى فَحشَ الخَطَأُ مِنْهُ. مَاتَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَضَعْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ عِنْدَهُ، فَإِذَا انْتَبَهَ، فَلْيَقْبِضْ بِيَمِيْنِهِ، ثُمَّ لِيَحْصِبْ عَنْ شِمَالِهِ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا بَاطِلٌ. وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَأَلَ حبشِيٌّ، فَقَالَ: فُضِّلْتُم عَلَيْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ بِالصُّوَرِ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ آمَنتُ بِكَ، أَكَائِنٌ مَعَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُرَى بَيَاضُ الأَسْوَدِ فِي الجَنَّةِ مَسِيْرَةَ أَلْفِ عَامٍ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَاسْتبَكَى الحَبَشِيُّ حَتَّى مَاتَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدَلِّيْهِ فِي حُفْرَتِهِ بِيَدِهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا بَاطِلٌ. وَفِي (الجَعْدِيَّاتِ) بِإِسْنَادِي إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ، سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ لَيْسَ بِالقَوِيِّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَنْبَأَنَا أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ - وَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى أُذُنِهِ -: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (1)) . حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنْبَأَنَا أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا طَيْسَلَةُ (2) بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الكَبَائِرِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (هُنَّ تِسْعٌ) . قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَةِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ، وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيْمِ، وَعُقُوْقُ الوَالِدَيْنِ المُسْلِمَيْنِ، وَالإِلْحَادُ بِالحَرَمِ) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَيُّوْبَ بنَ جَابِرٍ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ: أَكْثَرَ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَكِتَابُهُ عَنْهُ صَحِيْحٌ.   (1) اسناده ضعيف لضعف ايوب بن عتبة. ومتن الحديث صحيح ثابت عن ابي هريرة، أخرجه عنه مالك في (الموطأ) : 1 / 16، في وقت الصلاة، عن ابن الزناد، عن الاعرج، عن ابي هريرة، ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا اشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فان شدة الحر من فيح جهنم) . وأخرجه البخاري: 2 / 12 - 13، في مواقيت الصلاة، ومسلم: (615) ، في المساجد: باب استحباب الابراد في الظهر في شدة الحر. ومعنى الابراد: انكسار حر الظهيرة، وهو ان تتفيأ الافياء، وينكسر وهج الحر، فهو برد بالاضافة إلى حر الظهيرة. وقوله: (من فيح جهنم) ، معناه: سطوح حرها وانتشاره. واصله في كلامهم: السعة والانتشار، يقال: مكان افيح، اي واسع، وارض فيحاء، أي: واسعة. قال الخطابي في (المعالم) : 1 / 239: ومعنى الكلام يحتمل وجهين: احدهما: ان شدة الحر في الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة، والوجه الاخر: ان هذا الكلام خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي: كأنه نار جهنم في الحر، فاحذروها، والوجه الاخر: أن هذا الكلام خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي: كأنه نار جهنم في الحر، فاحذروها، واجتنبوا ضررها. (2) في الأصل: (كيسلة) ، وهو خطأ، مترجم في (التهذيب) روى عنه غير واحد، ووثقه ابن حبان. وحديثه هذا أخرجه الطبري: 5 / 39، من طريق سليمان بن ثابت الخراز الواسطي، أخبرنا سلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن طيلسة. وإسناده ضعيف لضعف أيوب بن عتبة، لكنه يتقوى بحديث عمير عند أبي داود: (2875) ، وسنده حسن في الشواهد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 109 - مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) المَدَنِيُّ، الحَافِظُ، أَخُو: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَكَثِيْرِ بنِ جَعْفَرٍ، وَيَحْيَى بنِ جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ جَعْفَرٍ، فَأَشهرُهُم: مُحَمَّدٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعِيْسَى بنُ مِيْنَاءَ قَالُوْنُ (1) ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: مَعَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّيْنَ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ، وَإِنَّمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ قُرَنَائِهِ إِلَى هُنَا لِقِدَمِ وَفَاتِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَلَمْ يَقَع لَنَا حَدِيْثُه عَالِياً، إِلاَّ مِنْ نَمَطِ مَا فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) .   (*) التاريخ الكبير: 1 / 56 - 57، الجرح والتعديل: 7 / 220 - 221، تهذيب الكمال: خ: 1181 - 1182، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 194، عبر الذهبي: 1 / 259، تهذيب التهذيب: 9 / 94 - 95، خلاصة تذهيب الكمال: 330، شذرات الذهب: 1 / 279. (1) قالون: هو عيسى بن ميناء الزرقي، مولى بني زهرة، قارئ المدينة ونحويها، يقال: انه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرا، وهو الذي لقبه: (قالون) ، بمعنى: جيد، في الرومية، لجودة قراءته. قرأ عليه جماعة، وكان أصم يقرئ القرآن، وينطر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ. وفاته سنة (220 هـ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 110 - الأَخْفَشُ الكَبِيْرُ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ * شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، أَبُو الخَطَّابِ البَصْرِيُّ. يُقَالُ: اسْمُهُ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ. تَخَرَّجَ بِهِ سِيْبَوَيْه، وَحَمَلَ عَنْهُ النَّحْوَ، لَوْلاَ سِيْبَوَيْه لَمَا اشْتُهِرَ. وَأَخَذَ عَنْهُ أَيْضاً: عِيْسَى بنُ عُمَرَ النَّحْوِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى، وَغَيْرُهمَا. وَلَهُ أَشْيَاءُ غَرِيْبَةٌ، يَنفَرِدُ بِنَقلِهَا عَنِ العَرَبِ. وَلَمْ أَقعْ لَهُ بِوَفَاةٍ. فَأَمَّا الأَخْفَشُ الأَوْسَطُ (1) تِلْمِيْذُ سِيْبَوَيْه، وَالأَخْفَشُ الأَصْغَرُ (2) ، فَسَيَأْتِيَانِ. 111 - ابْنُ الغَسِيْلِ الأَنْصَارِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ ** (خَ، م، د، ق) ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْظَلَةَ   (*) طبقات النحويين للزبيدي: 40، إنباه الرواة: 2 / 157 - 158، البلغة في تاريخ ائمة اللغة: 119 - 121، النجوم الزاهرة: 2 / 86، بغية الوعاة: 2 / 74. (1) هو سعيد بن مسعدة المتوفى سنة: (211 هـ) وقيل سند (215 هـ) ، انظر ترجمته في: المعارف: 545 - 546، طبقات الزبيدي: 72 - 73، وقد عده: الاخفش الاصغر، الفهرست: المقالة الثانية: الفن الأول، معجم الأدباء: 11 / 224 - 230، إنباه الرواة: 2 / 36 - 43، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 86 - 87، بغية الوعاة: 1 / 590 - 591، طبقات المفسرين: 1 / 185 - 186. (2) هو علي بن سليمان بن الفضل المتوفى سنة: (315 هـ) ، انظر: طبقات الزبيدي: 115 - 116، الفهرست: المقالة الثانية الفن الثالث، معجم الأدباء: 13 / 246 - 257، إنباه الرواة: 2 / 276 - 278، وفيات الأعيان: 3 / 301 - 303، البلغة في تاريخ ائمة اللغة: 158، بغية الوعاة: 2 / 167 - 168. (* *) التاريخ الكبير: 5 / 289، التاريخ الصغير: 2 / 189، الضعفاء: 231، الجرح والتعديل: 5 / 239، كتاب المجروحين: 2 / 57، الكامل لابن عدي: خ: 459، تاريخ بغداد: 10 / 225 - 226، تهذيب الكمال: خ: 793، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 213، ميزان الاعتدال: 2 / 568، عبر الذهبي: 1 / 260 - 261، تهذيب التهذيب: 6 / 189 - 190، خلاصة تذهيب الكمال: 223، شذرات الذهب: 1 / 280. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 بنِ الرَّاهِبِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سُلَيْمَانَ. وَقِيْلَ لِجَدِّهِم: حَنْظَلَةُ الغَسِيْلُ، لأَنَّهُ لَمَّا اسْتُشْهِدَ يَوْم أُحُدٍ كَانَ جُنُباً، فَغَسَّلَتْهُ المَلاَئِكَةُ (1) . رَأَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ الصَّحَابَةِ: سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ. وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَسِيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدٍ، وَالمُنْذِرِ بنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَأَخِيْهِ الزُّبَيْرِ، وَعَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ المَسْعُوْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الوَزِيْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ، وَجُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: صُوَيْلِحٌ. تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ   (1) انظر: البيهقي: 4 / 15. وأخرج الحاكم في (المستدرك) : 3 / 204، من طريق ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر، بعد أن التقى هو وأبو سفيان بن الحارث حين علاه شداد ابن الأسود بالسيف فقتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن صاحبكم تغسله الملائكة) ، فسألوا صاحبته، قالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لذلك غسلته الملائكة) . وسنده جيد، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي المؤلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنُ الغَسِيْلِ، عَنْ أَسِيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - وَكَانَ بَدْرِيّاً - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ ... (1) 112 - عُثْمَانُ البُرِّيُّ أَبُو سَلَمَةَ بنُ مِقْسَمٍ الكِنْدِيُّ * (ت) العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، فَقِيْهُ البَصْرَةِ، أَبُو سَلَمَةَ عُثْمَانُ بنُ مِقْسَمٍ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، البُرِّيُّ. يَرْوِي عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفَرْقَدَ السَّبَخِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مِمَّنْ صَنَّفَ العِلْم، وَدَوَّنَهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَسَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ سَلاَّمٍ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَآخَرُوْنَ.   (1) تمامه: يارسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: (نعم: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما) . وأخرجه أحمد: 3 / 497 - 498، وأبو داود: (5142) ، في الأدب: باب في بر الوالدين، وابن ماجه: (3664) ، في الأدب: باب صل من كان أبوك يصل، وابن حبان: (2030) . وأسيد بن علي وأبوه لم يوثقهما غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه الحاكم: 4 / 155، ووافقه الذهبي المؤلف. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 285، تاريخ خليفة: 449 وفيه: (عثمان بن مقسم المري) ، التاريخ الكبير: 6 / 252 - 253، التاريخ الصغير: 2 / 160، المعرفة: والتاريخ: 2 / 123، 148، 3 / 34، 62، الضعفاء: خ: 292 - 293، الجرح والتعديل: 6 / 167 - 169، كتاب المجروحين: 2 / 101، الكامل لابن عدي: خ: 550 - 551، ميزان الاعتدال: 3 / 59. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 تَرَكَه: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالقَطَّانُ، وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، يُزَنُّ (1) بِبِدْعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكٌ. وَقَالَ شُعْبَةُ: أَفَادَنِي عُثْمَانُ البُرِّيُّ عَنْ قَتَادَةَ حَدِيْثاً، فَسَأَلْتُ قَتَادَةَ، فَمَا عَرَفَهُ، فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَقُوْلُ: بَلْ أَنْتَ حَدَّثْتَنِي، فَيَقُوْلُ: لاَ. فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا يُخبِرُنِي عَنِّي أَنَّ لِي عَلَيْهِ ثَلاَثَ مائَةِ دِرْهَمٍ (2) . قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ البُرِّيَّ يَقُوْلُ: كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ البُرِّيَّ يُنْكِرُ المِيْزَانَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَيْسَ بِمِيْزَانٍ، إِنَّمَا هُوَ العَدْلُ. وَقَالَ عَفَّانُ: كَانَ قَدَرِيّاً، وَيَغلَطُ، وَفِي كِتَابِهِ الصَّوَابُ، فَلاَ يَرجِعُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَرْوِي عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. وَحَدَّثَنِي ثِقَةٌ: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ: {تَبَّتْ} فِي أُمِّ الكِتَابِ؟ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ، وَإِنَّمَا فِي الكِتَابِ: ت، ب، ت. قُلْتُ: رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيْثاً مِنْ طَرِيْقِ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ فَرْقَدَ السَّبَخِيِّ، فَهُوَ البُرِّيُّ. 113 - خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبِ بنِ خَارِجَةَ الضُّبَعِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ   (1) يزن: يتهم. ومنه قول حسان بن ثابت في عائشة أم المؤمنين: حصان رزان ما تزن بريبة (*) وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (2) الخبر في (الميزان) : 3 / 56. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 371، طبقات خليفة: 323، التاريخ الكبير: 3 / 205، التارخ الصغير: 2 / 195، الضعفاء: خ: 124، الجرح والتعديل: 3 / 375 - 376، كتاب المجروحين = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 طَهْمَانَ، أَبُو الحَجَّاجِ الضُّبَعِيُّ، السَّرَخْسِيُّ. ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى غُنْجَارٌ، وَوَكِيْعٌ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَيَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ الفَرَّاءُ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَجَمَاعَةٌ. رَوَى: مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، قَالَ: هُوَ مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ عِنْدَنَا، وَلَمْ نُنْكِرْ مِنْ حَدِيْثِهِ إِلاَّ مَا كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ غِيَاثٍ، فَإِنَّا كُنَّا نَعرِفُ تِلْكَ الأَحَادِيْثَ. وَقَالَ الحَاكِمُ: هُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ -يَعْنِي: مَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ-. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَغلطُ وَلاَ يَتَعَمَّدُ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: نَهَانِي أَبِي أَنْ أَكْتُبَ أَحَادِيْثَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيْثَهُ وَاتَّقَوْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: يُرْمَى بِالإِرْجَاءِ.   = 1 / 288، الكامل لابن عدي: خ: 243، تهذيب الكمال: خ: 353 - 354، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 185 - 186، ميزان الاعتدال: 1 / 625 - 626، عبر الذهبي: 1 / 252 - 253، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 268، تهذيب التهذيب: ك 3 / 76 - 78، طبقات المدلسين: 19، خلاصة تذهيب الكمال: 99، شذرات الذهب: 1 / 266. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، قَالَ: كَانَ خَارِجَةُ يُطْعِمُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، وَيُزرِي عَلَى مَنْ لاَ يَأْكُلُ. قَالَ وَلَدُهُ مُصْعَبٌ: تُوُفِّيَ أَبِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ الكِنْدِيَّةُ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ (1) ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ سَنَةَ (293) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا خَارِجَةُ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَعْلَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْن عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَغَزْو المَغْرِبَ، فَنجِدُ لَهُم أَسْقِيَةً مِنْ جُلُودِ المَيتَةِ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، إِلاَّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كُلُّ إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) (2) . 114 - المَخْرَمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيُّ، المَخْرَمِيُّ، المَدَنِيُّ.   (1) زينب الشعرية، أم بكر بنت المسور، من شيخات عبد الوهاب شاه الشاذياخي. (2) صحيح. وأخرجه مسلم: (366) ، في الحيض: باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، وأبو داود: (4123) ، والترمذي: (1728) ، وابن ماجه: (3609) ، كلاهما في اللباس: باب جلود الميتة اذا دبغت، والنسائي، في الفرع: باب جلود الميتة، وأحمد: 1 / 219، 270، 343،، من طريق زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس. (*) طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة: 448، التاريخ الكبير: 5 / 62، التاريخ الصغير: 2 / 192، الجرح والتعديل: 5 / 22، كتاب المجروحين: 1 / 27، تهذيب الكمال: خ: 671 - 672، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 135 - 136، ميزان الاعتدال: 2 / 403، عبر الذهبي: 1 / 258، تهذيب التهذيب: 5 / 171 - 173، خلاصة تذهيب الكمال: 193. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمَّةِ أَبِيْهِ؛ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ المِسْوَرِ (1) ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ: فَقِيْهاً، مُفْتِياً، بَصِيْراً بِالمَغَازِي. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ. وَجَاءَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَّحَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ فِي (مُسْنَدِ العَبَّاسِ) : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى تَنَاظَرَا فِي المَخْرَمِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ (2) ، فَجَعَلَ أَحْمَدُ يُقدِّمُ المَخْرَمِيَّ، وَقَدَّمَ ابْنُ مَعِيْنٍ عَلَيْهِ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَقَالَ: المَخْرَمِيُّ شُوَيْخٌ، وَأَيُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ؟ وَقِيْلَ: كَانَ قَصِيْراً جِدّاً. لَهُ فَضْلٌ، وَشَرَفٌ، وَمُرُوْءةٌ، وَلَهُ هَفْوَةٌ، نَهَضَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (3) ، وَظَنَّهُ المَهْدِيُّ، ثُمَّ إِنَّهُ نَدِمَ فِيْمَا بَعْدُ، وَقَالَ: لاَ غَرَّنِي أَحَدٌ بَعْدَهُ. وَقَدْ أَسرَفَ ابْنُ حِبَّانَ وَبَالغَ، فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ: سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ الوَهْمِ فِي الأَخْبَارِ، حَتَّى رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ مَا لاَ يُشْبِهُ حَدِيْثَ الأَثْبَاتِ، فَإِذَا سَمِعَهَا مَنِ الحَدِيْثُ صِنَاعتُهُ، شَهِدَ أَنَّهَا مَقْلُوْبَةٌ، فَاسْتحَقَّ التَّركَ. قُلْتُ: كَيْفَ يُترَكُ، وَقَدِ احْتجَّ مِثْلُ الجَمَاعَةِ بِهِ، سِوَى البُخَارِيِّ، وَوَثَّقَهُ   (1) انظر ترجمتها في (تهذيب التهذيب) : 12 / 460. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 139. (3) انظر: صفحة 21، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 مِثْلُ أَحْمَدَ. مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَمَّا سَمِيُّهُ وَعَصْرِيُّهُ: المُحَدِّثُ: 115 - عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ نَجِيْحٍ * وَالِدُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: فَوَاهٍ. 116 - ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ العَامِرِيُّ ** (ق) الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، قَاضِي العِرَاقِ، أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَبْرَةَ بنِ أَبِي رُهْمٍ - وَكَانَ جَدُّ أَبِيْهِ أَبُو سَبْرَةَ بَدْرِيّاً مِنَ السَّابِقِيْنَ المُهَاجِرِيْنَ - ابْنِ عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ، ثُمَّ العَامِرِيُّ. تُوُفِّيَ: زَمَنَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَكَانَتْ أُمُّهُ بَرَّةُ عَمَّةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخُوْهُ لأُمِّهِ أَبَا سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَمَا عَلِمتُهُ رَوَى شَيْئاً. حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالأَعْرَجِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَطَائِفَةٍ. وَهُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِه.   (*) تهذيب الكمال: خ: 671 - 672، تذهيب التهذيب خ: 2 / 136، ميزان الاعتدال: 2 / 401 - 403، تهذيب التهذيب: 5 / 174 - 176، خلاصة تذهيب الكمال: 193، شذرات الذهب: 1 / 288. (* *) طبقات خليفة: 273، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 9 / 9، المعارف: 489، كتاب المجروحين: 3 / 147، الكلام لابن عدي خ: 853، تهذيب الكمال: خ: 1582، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 201، ميزان الاعتدال: 4 / 503 - 504، العقد الثمين: 8 / 13، تهذيب التهذيب: 12 / 27 - 28، خلاصة تذهيب الكمال: 444. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُفْتِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ. وَرَوَى: مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ: يَا مَالِكُ! مَنْ بَقِيَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ المَشْيَخَةِ؟ قُلْتُ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْنُ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ جُرَيْجٍ: اكْتُبْ لِي أَحَادِيْثَ مِنْ حَدِيْثِكَ جِيَاداً. فكَتَبتُ لَهُ أَلفَ حَدِيْثٍ، ثُمَّ دَفعتُهَا إِلَيْهِ، مَا قَرَأهَا عَلَيَّ، وَلاَ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ لِيَ الحَجَّاجُ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ: عِنْدِي سَبْعُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى (1) . وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُه بِشَيْءٍ، قَدِمَ هَا هُنَا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: عِنْدِي سَبْعُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، إِنْ أَخَذْتُم عَنِّي كَمَا أَخَذَ عَنِّي ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِلاَّ فَلاَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكٌ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ وَصَالِحٌ ابْنَا أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِمَا، قَالَ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ. قُلْتُ: يُقَالُ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ.   (1) أي أنه متروك الحديث. وإبراهيم هذا، هو ابن محمد بن أبي يحيى الاسلمي، أبو إسحاق المدني، شيخ الامام الشافعي. قال الحافظ في (التقريب) : متروك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَلاَّهُ المَنْصُوْرُ القَضَاءَ، وَكَانَ خَرَجَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، وَكَانَ عَلَى صَدَقَاتِ أَسدٍ وَطَيِّئٍ، فَقَدِمَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ، أُسِرَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَسُجِنَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ المَنْصُوْرُ جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ رَحِماً، وَقَدْ أَسَاءَ وَأَحْسَنَ، فَأَطلِقْهُ وَأَحْسِنْ جِوَارَهُ. وَكَانَ الإِحسَانُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ الرَّبِيْعِ الحَارِثِيَّ قَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْدَ مَا شَخَصَ عَنْهَا عِيْسَى بنُ مُوْسَى وَمَعَهُ العَسْكَرُ، فَعَاثُوا بِالمَدِيْنَةِ، وَأَفسَدُوا. فَوَثَبَ عَلَى الحَارِثِيِّ سُودَانُ المَدِيْنَةِ وَالرَّعَاعُ، فَقَتَلُوا جُنْدَهُ، وَطَردُوهُم، وَنَهبُوا مَتَاعَ الحَارِثِيِّ. فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ بِبِئْرِ المُطَّلبِ يُرِيْدُ العِرَاقَ، فَكَسَرَ السُّودَانُ السِّجنَ، وَأَخْرَجُوا ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ حَتَّى أَجلَسُوهُ عَلَى المِنْبَرِ، وَأَرَادُوا كَسْرَ قَيْدِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى ذَا فَوتٍ، دَعُوْنِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ. فَتَكَلَّمَ فِي أَسفَلِ المِنْبَرِ، وَحَذَّرَهُمُ الفِتْنَةَ، وَذَكَّرَهُم مَا كَانُوا فِيْهِ، وَوَصفَ عَفْوَ المَنْصُوْرِ عَنْهُم، وَأَمَرَهُم بِالطَّاعَةِ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى كَلاَمِهِ، وَتَجمَّعَ القُرَشِيُّوْنَ، فَخَرَجُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَضمِنُوا لَهُ مَا ذَهَبَ لَهُ وَلِجُنْدِهِ. وَكَانَ قَدْ تَأَمَّرَ عَلَى السُّودَانِ وَثِيقٌ الزَّنْجِيُّ، فَأُمسِكَ، وَقُيِّدَ، وَأَتَى ابْنُ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ إِلَى الحَبسِ، حَتَّى قَدِمَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، فَأَطلَقَهُ وَأَكْرَمَهُ، ثُمَّ صَارَ إِلَى المَنْصُوْرِ، فَوَلاَّهُ القَضَاءَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ غَيْرُ مَحْفُوْظٍ، وَهُوَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَضَعُ الحَدِيْثَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلِيَ القَضَاءَ لِمُوْسَى الهَادِي، إِذْ هُوَ وَلِيُّ عَهْدٍ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ مَكَّةَ لزِيَادِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ، اسْتُقْضِيَ بَعْدَهُ القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا وَرَّخَ مَوْتَه: جَمَاعَةٌ. وَفِي (طَبَقَاتِ) أَبِي إِسْحَاقَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ وَهْمٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 117 - أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، ت، س، ق) مِنْ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ. فِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ، وَلاَ يُعرَفُ إِلاَّ بِكُنْيَتِهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ النَّخَعِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَعَوْنُ بنُ سَلاَّمٍ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَجُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. وَهُوَ الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي القَطَّافِ. وَأَصحُّ مَا قِيْلَ فِي اسْمِهِ: عَبْدُ اللهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً، فَاضِلاً، غَلَبَ عَلَيْهِ التَّقَشُّفُ، حَتَّى صَارَ يَهِمُ وَلاَ يَعْلَمُ، وَيُخطِئُ وَلاَ يَفهَمُ، فَبَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ صَدُوْقٌ، احْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ صَالِحاً، يَثِبُ لِلصَّلاَةِ فِي مَرَضِهِ، وَلاَ يَقدِرُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُوْلُ: أُبَادِرُ طَيَّ الصَّحِيْفَةِ. قَالُوا: تُوُفِّيَ النَّهْشَلِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 118 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ ** (م، س) الإِمَامُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو حَفْصٍ القِتْبَانِيُّ، المِصْرِيُّ.   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 378، التاريخ الكبير: 9 / 9، وفيات الأعيان: 2 / 273 - 276، تهذيب الكمال: خ: 1588، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 205، ميزان الاعتدال: 4 / 496، عبر الذهبي: 1 / 247، تهذيب التهذيب: 12 / 44 - 45، خلاصة تذهيب الكمال: 445، شذرات الذهب: 1 / 261. (* *) التاريخ الكبير: 5 / 151، المعارف: 539، المعرفة والتاريخ: 1 / 161، الجرح والتعديل: 5 / 126، مشاهير علماء الأمصار: 189، تهذيب الكمال: خ: 721، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 172، ميزان الاعتدال: 2 / 469 - 470، عبر المؤلف: 1 / 229 - 230، تهذيب التهذيب: 5 / 351 - 352، خلاصة تذهيب الكمال: 209. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَأَبِي عُشَّانَةَ المَعَافِرِيِّ (1) ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَوَالِدِهِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَآخَرُوْنَ. احْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِالمَتِيْنِ. وَقَالَ أَيْضاً: هُوَ قَرِيْبٌ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: حَدِيْثُه فِي عِدَادِ الحَسَنِ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ قَرِيْبٌ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، تَصلِيحٌ لِحَالِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، إِذْ يُقَارِبُ فِي الوَزنِ بِشَيْخٍ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ أَوثَقُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَأَنَّ ابْنَ لَهِيْعَة أَعْلَمُ بِكَثِيْرٍ مِنْهُ. 119 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ الفَزَارِيُّ المَدَائِنِيُّ * (ت، ق) المُحَدِّثُ، صَاحِبُ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ. رَوَى عَنْ: شَهْرٍ نُسْخَةً حَسَنَةً، وَعَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَبُو صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَسَعْدَوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُه عَنْ شَهْرٍ مُقَاربٌ، وَهِيَ سَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، كَانَ   (1) في الأصل: " المغافري ": بالغين المعجمة، وهو تصحيف. (*) التاريخ الكبير: 6 / 54، الجرح والتعديل: 6 / 8 - 9، مشاهير علماء الأمصار: 175، تهذيب الكمال: خ: 764 - 765، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 200، ميزان الاعتدال: 2 / 538 - 539، تهذيب التهذيب: 6 / 109 - 110، خلاصة تذهيب الكمال: 221. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 يَحفظُهَا كَأَنَّهَا سُوْرَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَحَادِيْثُه عَنْ شَهْرٍ صِحَاحٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ يَحْيَى وَلاَ ابْنَ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثَانِ عَنْهُ شَيْئاً قَطُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حَفْصٍ المَدَائِنِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: نِعْمَ الشَّيْخُ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، لَكِنْ لاَ تَكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْ شَهْرٍ. قُلْتُ: كَانَ سَمَاعُهُ مِنْ شَهْرٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 120 - الرَّبِيْعُ بنُ يُوْنُسَ أَبُو الفَضْلِ الأُمَوِيُّ * الوَزِيْرُ، الحَاجِبُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ الأُمَوِيُّ، مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. حَجَبَ لِلْمَنْصُوْرِ، ثُمَّ وَزَرَ لَهُ بَعْدَ أَبِي أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيِّ (1) ، وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، وَأَلِبَّائِهِم، وَفُضَلاَئِهِم. قَالَ لَهُ المَنْصُوْرُ: مَا أَطْيَبَ الدُّنْيَا لَوْلاَ المَوْتُ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا طَابتْ إِلاَّ بِالمَوْتِ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: لَوْلاَ المَوْتُ لَمْ تَقْعُدْ هَذَا المَقْعَدَ. يُقَالُ: إِنَّ الهَادِي سَمَّهُ. وَقِيْلَ: مَرِضَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَمَاتَ.   (*) الوزراء والكتاب: 125 - 140 ضمن أخبار أيام المنصور، تاريخ بغداد: 8 / 414، وفيات الأعيان: 2 / 294 - 299، شذرات الذهب: 1 / 274، تهذيب ابن عساكر: 5 / 311 - 313. (1) ضبطه ياقوت في " معجم البلدان " بالضم ثم السكون وكسر الراء، وقال: " قرية من نواحي خوزستان، وإليها ينسب أبو أيوب المورياني وزير المنصور، واسمه: سليمان بن أبي سليمان ابن أبي مجالد، وقتله المنصور ". انظر ترجمته في الصفحة: 23. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 قَالَ الطَّبَرِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ. وَعَمِلَ حِجَابَةَ الرَّشِيْدِ ابْنُهُ الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ. 121 - نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ أَبُو رُوَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ * الإِمَامُ، حَبْرُ القُرْآنِ، أَبُو رُوَيْمٍ. وَيُقَالُ: أَبُو الحَسَنِ. وَيُقَالُ: أَبُو نُعَيْمٍ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى جَعْونَةَ بنِ شَعُوْبٍ اللَّيْثِيِّ، حَلِيْفِ حَمْزَةَ عَمِّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقِيْلَ: حَلِيْفُ العَبَّاسِ، أَخِي حَمْزَةَ، أَصْلُهُ أَصْبَهَانِيٌّ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَجَوَّدَ كِتَابَ اللهِ عَلَى عِدَّةٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، بِحَيْثُ إِنَّ مُوْسَى بنَ طَارِقٍ حَكَى عَنْهُ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى سَبْعِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ. قُلْتُ: قَدِ اشْتُهِرَتْ تِلاَوَتُهُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيْدَ بنِ القَعْقَاعِ - أَحَدِ العَشَرَةِ (1) - وَشَيْبَةَ بنِ نِصَاحٍ، وَمُسْلِمِ بنِ جُنْدَبٍ الهُذَلِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ رُوْمَانَ. وَحَمَلَ هَؤُلاَءِ عَنْ أَصْحَابِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، كَمَا أَوضَحنَاهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . وَصَحَّ: أَنَّ الخَمْسَةَ تَلَوْا عَلَى مُقْرِئِ المَدِيْنَةِ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيِّ، صَاحِبِ أُبَيٍّ. وَقِيْلَ: إِنَّهُم قَرَؤُوا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً، وَعَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيْهِ احْتمَالٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ مُسْلِمَ بنَ جُنْدَبٍ قَرَأَ عَلَى حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَابْنِ عُمَرَ.   (*) التاريخ الكبير: 8 / 87، مشاهير علماء الأمصار: 141، الكامل لابن عدي: خ: 810، تهذيب الكمال: خ: 1403، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 90، ميزان الاعتدال: 4 / 242، عبر الذهبي: 1 / 257، طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 330 - 334، تهذيب التهذيب: 10 / 407 408، خلاصة تذهيب الكمال: 399، شذرات الذهب: 1 / 270. (1) أي: أحد القراء العشرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 قَالَ الهُذَلِيُّ فِي (كَامِلِهِ (1)) : كَانَ نَافِعٌ مُعَمَّراً، أَخَذَ القُرْآنَ عَلَى النَّاسِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ - كَذَا قَالَ الهُذَلِيُّ - وَبِالجهدِ أَنْ يَكُوْنَ نَافِعٌ فِي ذَلِكَ الحِيْنِ يَتلقَّنُ وَيَتردَّدُ إِلَى مَنْ يُحَفِّظُه، وَإِنَّمَا تَصدَّرَ لِلإِقْرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيْلٍ، وَلَعلَّهُ أَقرَأَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، مَعَ وُجُوْدِ أَكْبَرِ مَشَايِخِه. قَالَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: نَافِعٌ إِمَامُ النَّاسِ فِي القِرَاءةِ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قِرَاءةُ نَافِعٍ سُنَّةٌ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ المُسَيِّبِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ عِدَّةً مِنَ التَّابِعِيْنَ، فَنَظَرْتُ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ اثْنَانِ مِنْهُم، فَأَخَذتُهُ، وَمَا شَذَّ فِيْهِ وَاحِدٌ تَرَكتُهُ، حَتَّى أَلَّفْتُ هَذِهِ القِرَاءةَ. وَرُوِيَ: أَنَّ نَافِعاً كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تُوجَدُ مِنْ فِيْهِ رِيْحُ مِسْكٍ، فَسُئِلَ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ تَفَلَ فِي فِيَّ. وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ: حَجَجْتُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَإِمَامُ النَّاسِ فِي القِرَاءةِ بِالمَدِيْنَةِ نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ. قُلْتُ: لاَ رِيْبَ أَنَّ الرَّجُلَ رَأْسٌ فِي حَيَاةِ مَشَايِخِه، وَقَدْ حَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالأَعْرَجِ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمَا هُوَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ. تَلاَ عَلَيْهِ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ المُسَيِّبِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ وَرْشٌ، وَعِيْسَى قَالُوْنُ (2) . وَرَوَى عَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   (1) كتاب " الكامل في القراءات الخمسين " لأبي القاسم يوسف بن علي بن عبادة الهذلي المغربي، المتوفى سنة (465 هـ) . (انظر: كشف الظنون: 2 / 1381) . (2) تقدم الحديث عن " قالون " في الصفحة: 322، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 وَلَيَّنَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - أَعْنِي فِي الحَدِيْثِ - أَمَّا فِي الحُرُوْفِ فَحُجَّةٌ بِالاتِّفَاقِ. وَقِيْلَ: كَانَ أَسْوَدَ اللَّونِ، وَكَانَ طَيِّبَ الخُلُقِ، يُبَاسِطُ أَصْحَابَهُ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (الكَامِلِ) : لَهُ نُسْخَةٌ عَنِ الأَعْرَجِ، نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَلَهُ نُسْخَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَلَهُ مِنَ التَّفَارِيقِ قَدْرُ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً، وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً مُنْكَراً. قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعدَّ حَدِيْثُه حَسَناً، وَبَاقِي أَخْبَارِهُ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَى هَذَا الإِمَامِ: مَالِكٌ الإِمَامُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، قَبْلَ مَالِكٍ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. 122 - مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ اليَامِيُّ * (خَ، م، د، ت، ق) الكُوْفِيُّ، المُحَدِّثُ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَحَسَّانُ بنُ حَسَّانٍ البَصْرِيُّ، وَعَوْنُ بنُ سَلاَّمٍ، وَجُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 376، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 1 / 122، الجرح والتعديل: 7 / 291 - 292، تهذيب الكمال: خ: 1213، تهذيب التهذيب: خ: 3 / 215، ميزان الاعتدال: 3 / 587 - 588، عبر الذهبي: 1 / 251، الوافي بالوفيات: 3 / 176، تهذيب التهذيب: 9 / 238 - 239، خلاصة تهذيب الكمال: 342 - 343، شذرات الذهب: 1 / 264. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ، لاَ يَكَادُ يَقُوْلُ حَدَّثَنَا -يَعْنِي: إِنَّمَا يُعَنْعِنُ-. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُقَالُ: يُتَّقَى حَدِيْثُ ثَلاَثَةٍ: فُلَيْحٍ (1) ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَأَيُّوْبَ بنِ عُتْبَةَ (2) . رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مَنْ أَبِي كَامِلٍ مُظَفَّرِ بنِ مُدْرِكٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا كَامِلٍ يَذْكُرُ مُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ، فَقَالَ: كَانَ يَقُوْلُ: مَا أَذْكُرُ أَبِي إِلاَّ شِبْهَ الحُلُمِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَيَجِيْءُ (3) حَدِيْثُه مِنْ أَدَانِي مَرَاتِبِ الصَّحِيْحِ، وَمِنْ أَجْوَدِ الحَسَنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ (الصَّحِيْحَيْنِ) فِيْهِمَا الصَّحِيْحُ وَمَا هُوَ أَصحُّ مِنْهُ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: فِيْهِمَا الصَّحِيْحُ الَّذِي لاَ نِزَاعَ فِيْهِ، وَالصَّحِيْحُ الَّذِي هُوَ حَسَنٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ الحَسَنَ قِسمٌ دَاخِلٌ فِي الصَّحِيْحِ، وَأَنَّ الحَدِيْثَ النَّبَوِيَّ قِسمَانِ: لَيْسَ إِلاَّ صَحِيْحٌ: وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ، وَضَعِيْفٌ: وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 123 - عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ العَدَوِيُّ (4، م، تَبعاً) ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، المُحَدِّثُ،   (1) انظر ترجمته في الصفحة: 351. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 319. (3) في الأصل: " يجئ و..". (*) طبقات خليفة: 269، 271، تاريخ خليفة: 448، التاريخ الكبير: 5 / 145، المعرفة والتاريخ: 3 / 379، الضعفاء: خ: 214، الجرح والتعديل: 5 / 109 - 110، كتاب المجروحين: 2 / 6 - 7، الكامل لابن عدي: خ: 419 - 420، تاريخ بغداد: 10 / 19 - 21، تهذيب الكمال: خ: 713 - 714، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 168، ميزان الاعتدال: 2 / 465 - 466، عبر الذهبي: 1 / 260، تهذيب التهذيب: 5 / 326 - 328، خلاصة تذهيب الكمال: 207، شذرات الذهب: 1 / 279 - 280. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، أَخُو عَالِمِ المَدِيْنَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَخَوَيه: عَاصِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَوَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَخِيْهِ؛ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ: عَالِماً، عَامِلاً، خَيِّراً، حَسَنَ الحَدِيْثِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صُوَيْلِحٌ. وَكَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ضَعِيْفٌ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، وَكَانَ يُسْأَلُ فِي حَيَاةِ أَخِيْهِ عَنِ الحَدِيْثِ، فَيَقُوْلُ: أَمَا وَأَبُو عُثْمَانَ حَيٌّ فَلاَ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَزِيْدُ فِي الأَسَانِيْدِ وَيُخَالِفُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ (1) : لَهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ أَتَى عَرَّافاً ... ) (2) .   (1) في المجروحين: 2 / 7. (2) ولفظه ابتمامه كما في " المجروحين والضعفاء ": 2 / 7: " من أتى عرافا يسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". وهو ضعيف بهذا السند لضعف عبد الله بن عمر. ولكن أخرجه مسلم في " صحيحه ": = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 وَبِهِ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ (1) . وَبِهِ: (أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُجَمِّعُوْنَ) . وَبِهِ: مَرْفُوْعاً: (لاَ يُحَرِّمُ الحَلاَلَ الحَرَامُ (2)) ... ، وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ (3) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ عَلَى الصَّحِيْحِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدِيْثُه يَتردَّدُ فِيْهِ النَّاقِدُ، أَمَا إِنْ تَابعَهُ (4) شَيْخٌ فِي رِوَايتِهِ، فَذَلِكَ حَسَنٌ قَوِيٌّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.   = (2230) ، من طريق محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أتى عرافا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". والعراف: هو المنجم الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله به، أو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة، ونحوهما وأخرج أبو داود (3904) من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أتى كاهنا فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " وأخرجه أحمد 2 / 408، 476، والترمذي (135) ، وابن ماجه (639) ، والدارمي 1 / 259، وسنده قوي. (1) لكن في الباب ما يشهد له فيتقوى به. فقد أخرج الترمذي: (31) ، وابن ماجه: (430) ، وابن الجارود: ص 43، والحاكم: 1 / 149، من طريق عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان، " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته ". وأخرج أبو داود: (145) ، من حديث أنس: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذاا أمرتي ربي ". فالحديث صحيح بهذين الشاهدين. وله شواهد أخرى من حديث عائشة وأبي أمامة وعمار. (انظر: تلخيص الحبير: 1 / 85 - 87) . (2) وأخرجه ابن ماجه: (2015) ، في النكاح، من طريق يحيى بن معلى بن منصور، عن إسحاق بن محمد الفروي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، بلفظ: " لا يحرم الحرام الحلال ". وإسحاق بن محمد صدوق، لكنه كف، فساء حفظه. وعبد الله بن عمر ضعيف، وقد قالوا في معناه: إن الزنى لا يثبت حرمة المصاهرة ". وبه يقول الشافعي، وهو قول مؤوف، لان الخبر فيه غير صحيح. (3) لقد علم بالتتبع أنه لا يقصد بهذا التعبير التوثيق، وإنما يرد بن أن المترجم يكتب حديثه للمتابعة والاعتضاد. (4) أي: إذا تابعه على رواية الحديث من هو في درجته أو أعلى منه فيتقوى الحديث بهما، ويصير حسنا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 124 - فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم * (4، م، تَبعاً) المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنَزِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الأَغَرُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ الجُهَنِيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَشَقِيْقِ بنِ عُقْبَةَ، وَعِدَّةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى: أَنَّهُ ضَعَّفَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ الحَاكِمُ: عِيْبَ عَلَى مُسْلِمٍ إِخرَاجُهُ فِي (صَحِيْحِهِ) . قُلْتُ: مَا ذَكرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ البُخَارِيُّ، وَلاَ العُقَيْلِيُّ، وَلاَ الدُّوْلاَبِيُّ، وَحَدِيْثُه فِي عِدَادِ الحَسَنِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَهُوَ شِيْعِيٌّ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ جِدّاً. قُلْتُ: إِنَّمَا يَرْوِي لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابعَاتِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَأْتِي عَنْ عَطِيَّةَ بِبَلاَيَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضاً: هُوَ مِمَّنْ أَسْتخِيْرُ اللهَ فِيْهِ. قُلْتُ: كَانَ يَتَأَلَّهُ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: جَاءَ فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوْقٍ - وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الهُدَى   (*) التاريخ الكبير: 7 / 122، الجرح والتعديل: 7 / 75، تهذيب الكمال: خ: 1106، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 144، ميزان الاعتدال: 3 / 363، تهذيب التهذيب: 8 / 298 - 300، خلاصة تذهيب الكمال: 310. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 زُهْداً وَفَضْلاً - إِلَى الحَسَنِ بنِ حَيٍّ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَأَخَرَجَ لَهُ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: لَيْسَ مَعِي غَيْرُهَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! لَيْسَ عِنْدَك غَيْرُهَا، وَأَنَا آخُذُهَا!؟ فَأَبَى ابْنُ حَيٍّ إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَأَخَذَ ثَلاَثَةً، وَتَرَكَ ثَلاَثَةً. قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْلَ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 125 - مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيُّ الدِّمَشْقِيُّ * (4) المُحَدِّثُ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: مَكْحُوْلٍ - وَإِلَيْهِ يُنسَبُ، فَأَحْسِبُهُ ابْنَ مَوْلاَهُ - وَعَنْ: عَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي رُقَيَّةَ، وَأَبِي وَهْبٍ عُبَيْدِ اللهِ الكَلاَعِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ - وَمَاتَا قَبْلَهُ - وَبَقِيَّةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَارِمٌ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَبِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَجَمَاعَةٌ، خَاتِمَتُهُم: عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ. وَثَّقَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.   (*) التاريخ الكبير: 1 / 81، المعرفة والتاريخ: 2 / 125، 395، الضعفاء: خ: 378 - 379، الجرح والتعديل: 7 / 253، كتاب المجروحين: 2 / 253، تاريخ بغداد: 5 / 271 - 274، تاريخ ابن عساكر: خ: 15 / 159 ب، تهذيب الكمال: خ: 1195، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 203، ميزان الاعتدال: 3 / 543 - 544، الوافي بالوفيات: 3 / 68، وفيه وفاته سنة (170 هـ) ، تهذيب التهذيب: 9 / 158 - 160، خلاصة تذهيب الكمال: 336. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِحَدِيْثِهِ بَأْسٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ، فَحَدِيْثُه مُسْتقِيْمٌ. وَكَنَّاهُ البُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: أَبَا يَحْيَى. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَورَعَ مِنْهُ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ أَبُو النَّضْرِ: كُنْتُ أُوْصِي شُعْبَةَ بِالرُّصَافَةِ، فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ. فَقَالَ لِي شُعْبَةُ: أَمَا كَتَبْتَ عَنْهُ؟ أَمَا إِنَّهُ صَدُوْقٌ، وَلَكِنَّهُ شِيْعِيٌّ قَدَرِيٌّ (1) . وَقَالَ الفَلاَّسُ: قَدَرِيٌّ. مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ لِي: لاَ تَكتُبْ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، فَإِنَّهُ مُعْتَزِلِيٌّ رَافِضِيٌّ (2) . وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: لَمْ يَكُنْ ثِقَةً، كَانَ يُصَحِّفُ. قَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: يَشتمِلُ عَلَى غَيْرِ بِدْعَةٍ، وَكَانَ مُتَحَرِّياً لِلصِّدْقِ (3) . وَعَنْ أَبِي مُسْهِرٍ: كَانَ يَرَى السَّيْفَ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 126 - هِشَامُ بنُ سَعْدٍ أَبُو عَبَّادٍ القُرَشِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبَّادٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ،   (1) في " تهذيب التهذيب ": 9 / 159: " ولكنه شيعي، أو قدري، شك أحمد " (2) انظر الخبر في " الميزان ": 3 / 544. (3) في تهذيب الكمال: وكان فيما سمعت متحريا للصدق في حديثه. (*) المعارف: 504، المعرفة والتاريخ: 2 / 173، 3 / 378، الضعفاء: خ: 428، الجرح والتعديل: 9 / 61 - 62، المجروحين والضعفاء: 3 / 89 - 90، تهذيب الكمال: خ: 1439، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 الخَشَّابُ، يَتِيْمُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَنُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ مُكْثرٌ عَنْهُ، بَصِيْرٌ بِحَدِيْثِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: فِيْهِ ضَعْفٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ وَابْن إِسْحَاقَ عِنْدِي سَوَاءٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَرْوِي عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ ثِقَةٌ، أَثْبَتُ النَّاسِ فِي زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَعَ ضَعفِه يُكتَبُ حَدِيْثُه. وَتَقَعَّرَ ابْنُ حِبَّانَ كَعَوَائِدِه، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، كَذَا فِي النُّسْخَةِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ مِمَّنْ يَنْقلُ الإِسْنَادَ (1) ، وَهُوَ لاَ يَفْهمُ، وَيُسْنِدُ المَوْقُوْفَاتِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ، فَلَمَّا كَثُرَ مُخَالَفَتُهُ لِلأَثبَاتِ فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ   = تذهيب التهذيب: خ: 4 / 115 - 116، تاريخ الإسلام: 6 / 311، ميزان الاعتدال: 4 / 298 - 299، عبرالذهبي: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 11 / 39 - 41، خلاصة تذهيب الكمال: 409، شذرات الذهب: 1 / 251. (1) في " المجروحين والضعفاء ": 3 / 89: " يقلب الأسانيد " بدلا من " ينقل الإسناد ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 الثِّقَاتِ، بَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنِ اعْتُبِرَ بِمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلاَ ضَيْرَ. عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ: عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا عَرَفَ الغُلاَمُ يَمِيْنَهُ مِنْ شِمَالِهِ، فَمُرُوْهُ بِالصَّلاَةِ (1)) . قُلْتُ: احْتجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ: البُخَارِيُّ. وَمَاتَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 127 - أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِيْسَى بنُ مَاهَانَ * (4) عَالِمُ الرَّيِّ. يُقَالُ: إِنَّهُ وُلِدَ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى الرَّيِّ، وَيُقِيْمُ بِهِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ التِّسْعِيْنَ، فِي حَيَاة بَقَايَا الصَّحَابَةِ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، وَجَمَاعَةٍ.   (1) إسناده ضعيف لضعف هشام بن سعد. وعبد الله بن نافع هو ابن أبي الصائغ المخزومي، ثقة، من رجال مسلم. وأخرجه أبو داود: (497) ، في الصلاة: باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، من طريق سليمان بن داود المهري، عن هشام بن سعد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن رجل من الصحابة. وأخرجه الطبراني في " الصغير ". (*) طبقات خليفة: 324، التاريخ الكبير: 6 / 403 - 404، التاريخ الصغير: 2 / 104، الضعفاء: خ: 337، الجرح والتعديل: 6 / 280 - 281، كتاب المجروحين: 2 / 120، تاريخ بغداد: 11 / 143 - 147، الكامل لابن الأثير: 5 / 455، 456، تهذيب الكمال: خ: 1592، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 206، ميزان الاعتدال: 3 / 319 - 320، عبر الذهبي: 1 / 237، تهذيب التهذيب: 12 / 56 - 57، خلاصة تذهيب الكمال: 446، شذرات الذهب: 1 / 252. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَخَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَعِدَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَهِمُ كَثِيْراً. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِيْسَى بنُ أَبِي عِيْسَى، ثِقَةٌ، كَانَ يَخلِطُ. وَقَالَ مَرَّةً: يُكتَبُ حَدِيْثُه، إِلاَّ أَنَّهُ يُخطِئُ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: عَنْ أَحْمَدَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ: هُوَ نَحْوُ مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: فِيْهِ ضَعْفٌ. وَقَالَ السَّاجِيُّ: صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِمُتْقِنٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتَكِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمْ أَكْتُبْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، لأَنَّهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. ثُمَّ قَالَ الدَّشْتَكِيُّ: زَامَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ المَهْدِيَّ، وَلَبِسَ السَّوَادَ. قُلْتُ: زَاملَ المَهْدِيَّ إِلَى مَكَّةَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 وَمِمَّا تَفَرَّد بِهِ: حَدِيْثُ القُنُوْتِ (1) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَصلُهُ مِنْ مَرْوَ، انْتقَلَ إِلَى الرَّيِّ، كَانَ مِمَّنْ يَتَفَرَّدُ بِالمَنَاكِيْرِ عَنِ المشَاهِيْرِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَنْبَأَنِي عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً) (2) .   (1) أخرجه أحمد: 3 / 162، والدارقطني: 2 / 239 والطحاوي: ص 143، والحاكم: في كتاب " الأربعين " له، وعنه البيهقي، في " السنن ": 2 / 101، كلهم من حديث أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا ". وسنده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي، وقد تفرد به. وهو مخالف لما ثبت في الصحيح من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في النوازل خاصة. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي. لكن الحديث صحيح لثبوته من طرق عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. انظر: البخاري: 10 / 453، في الأدب: باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن، ومسلم: (2257) ، في أول كتاب الشعر، والبخاري: في " الأدب المفرد ": (860) ، وأبو داود: (5009) ، والترمذي: (2851) ، وابن ماجه: (3957) ، والطحاوي: 2 / 370، وأحمد: 2 / 288، 355، 391، 478، 480. وفي الباب عن ابن عمر، أخرجه البخاري: في " صحيحه "، 10 / 453، وفي " الأدب المفرد ": (870) وأحمد: 2 / 39، 223، والدارمي: 2 / 297. وعن سعد بن أبي وقاص عند مسلم: (2258) ، وأحمد: 1 / 175، 181، وابن ماجه: (3760) ، والترمذي: (2852) . وعن أبي سعيد الخدري عند مسلم: (2259) ، وأحمد: 3 / 8، 41. قال الامام النووي: هذا الحديث محمول على التجرد للشعر، بحيث يغلب عليه فيشغله عن القرآن والذكر. وقال القرطبي: من غلب عليه الشعر لزمه - بحكم العادة الأدبية - الأوصاف المذمومة، وعليه يحمل الحديث. وقول بعضهم: عنى به الشعر الذي هجي به هو أو غيره، رد بأن هجوه كفر - قل أو كثر - وهجو غيره حرام، وإن قل، فلا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى. وقد سبقه إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: (إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ، ثُمَّ أَحَدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ (1)) . أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ خَطْباً يَوْم القِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ خَوْضاً فِي البَاطِلِ) (2) . 128 - فَتْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وِشَاحٍ الأَزْدِيُّ المَوْصِلِيُّ * زَاهِدُ زَمَانِه ِ، فَتْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وِشَاحٍ الأَزْدِيُّ، المَوْصِلِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ. لَهُ: عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَعَنْهُ: المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَهُ أَحْوَالٌ وَمَقَامَاتٌ، وَقَدَمٌ رَاسخٌ فِي التَّقْوَى. عَنِ المُعَافَى، قَالَ: لَمْ أَرَ أَعقلَ مِنْهُ. قِيْلَ: كَانَ يُوقِدُ فِي أَتُّونٍ بَعْد مَا كَانَ يَصِيدُ السَّمَكَ، فَشَغَلَتْهُ سَمَكَةٌ عَنِ الجَمَاعَةِ، فَتَرَكَهُ. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ المُعَافَى بِأَلفٍ، فَردَّهَا، وَأَخَذَ مِنْهَا دِرْهَماً وَاحِداً، مَعَ فَقْرِ أَهْلِهِ. وَقِيْلَ: كَانَ لاَ يَنَامُ إِلاَّ قَاعِداً، وَكَانَ بَكَّاءً، خَوَّافاً، مُتَهَجِّداً. قِيْلَ: أَتَاهُ مُتولِّي المَوْصِلِ، فَخَرَجَ ابْنُهُ، وَقَالَ: هُوَ نَائِمٌ. فَصَاحَ: مَا أَنَا نَائِماً، مَا لِي وَلَكَ؟ قَالَ: هَذِهِ عَشْرَةُ آلاَفٍ، خُذْهَا، فَأَبَى. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. وَهَذَا هُوَ: فَتْحٌ المَوْصِلِيُّ الكَبِيْرُ.   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي. وقول سعيد هذا مخالف للاحاديث الصحيحة. (2) إسناده ضعيف، لارساله، ولضعف أبي جعفر. (*) الفهرست: المقالة الخامسة الفن الخامس، تاريخ بغداد: 12 / 383. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 129 - أَمَّا الصَّغِيْر ُ أَبُو نَصْرٍ فَتْحُ بنُ سَعِيْدٍ المَوْصِلِيُّ * فَمِنْ أَقْرَانِ بِشْرٍ الحَافِي. 130 - ابْنُ زَبْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ الرَّبَعِيُّ ** (خَ، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، رَئِيْسُ دِمَشْقَ، أَبُو زَبْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ الرَّبَعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَبُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ المُقْرِئِ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَأَبِي سَلاَّمٍ مَمْطُوْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: وَلدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرَ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَشَبَابَةُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ ثِقَةً، مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ البَلَدِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مُقَاربُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -.   (*) هو فتح بن سعيد الموصلي أبو نصر، كبير الشأن في باب الورع والمعاملات، توفي سنة (220 هـ) . انظر: حلية الأولياء: 8 / 292 - 294، الرسالة القشيرية: 221، تاريخ بغداد: 12 / 381 - 383، النجوم الزاهرة: 2 / 235، طبقات الأولياء: 276 - 279، لابن الملقن. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 468، التاريخ الكبير: 5 / 162، المعرفة والتاريخ: 1 / 153، 2 / 386، 396، 397، 452، 458، الجرح والتعديل: 5 / 128 - 129، مشاهير علماء الأمصار: 185، تاريخ بغداد: 10 / 16 - 18، تاريخ ابن عساكر: خ: لينيغراد: 189، تهذيب الكمال: خ: 720 - 721، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 172، ميزان الاعتدال: 2 / 463 - 464، عبر الذهبي: 1 / 244، تهذيب التهذيب: 5 / 350 - 351، خلاصة تذهيب الكمال: 209، شذرات الذهب: 1 / 260. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَكَنَّاهُ مُسْلِمٌ، وَجَمَاعَةٌ: أَبَا زَبْرٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: كُنْيَتُهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ ابْنُهُ: وُلِدَ أَبِي: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، وَمَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. كَتبَ إِلَيَّ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَطَائِفَةٌ: سَمِعُوا أَبَا حَفْصٍ المُؤَدِّبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زَبْرٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُمْرَةٍ فِي حِجَّتِهِ (1) . وَمِنْ طَبَقَتِهِ: 131 - عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ البَصْرِيُّ * بَصْرِيٌّ، صَدُوْقٌ، نَزَلَ الرَّيَّ. يَرْوِي عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَأَشْعَثَ الحُمْرَانِيِّ. وَعَنْهُ: زَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ. 132 - فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ بنِ حُنَيْنٍ الخُزَاعِيُّ ** (ع) وَاسْمُ جَدِّهِ: رَافِعٌ، أَوْ نَافِعُ بنُ حُنَيْنٍ الخُزَاعِيُّ.   (1) رجاله ثقات. (*) الجرح والتعديل: 5 / 128. (* *) طبقات ابن سعد: 5 / 415، طبقات خليفة: 275، 276، التاريخ الكبير: 7 / 133، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 وَيُقَالُ: الأَسْلَمِيُّ، المَدَنِيُّ، الحَافِظُ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الأَثَرِ، مِنْ مَوَالِي آلِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ. وَاسْمُ فُلَيْحٍ: عَبْدِ المَلِكِ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ اللَّقَبُ، حَتَّى جُهِلَ الاسْمُ. وُلِدَ: فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ أَسنُّ مِنْ مَالِكٍ بِقَلِيْلٍ. حَدَّثَ عَنْ: ضَمْرَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، وَنَافِعٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَهِلاَلِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، وَعَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَصَالِحِ بنِ عَجْلاَنَ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَيُّوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَعْصَعَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو تُمَيْلَةَ المَرْوَزِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَشُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ الوَاسِطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ -. وَحَدِيْثُه فِي الأُصُوْلِ السِّتَّةِ اسْتِقْلاَلاً، وَمُتَابَعَةً، وَغَيْرُهُ أَقْوَى مِنْهُ.   = التاريخ الصغير: 2 / 176، المعرفة والتاريخ: 2 / 466، الضعفاء: خ: 357 - 358، الجرح والتعديل: 7 / 84 - 85، مشاهير علماء الأمصار: 141، تهذيب الكمال خ: 1107، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 145، تذكرة الحفاظ: 1 / 223 - 224، ميزان الاعتدال: 3 / 365 - 366، عبر الذهبي: 1 / 254، تهذيب التهذيب: 8 / 303 - 305، طبقات الحفاظ: 94 - 95، خلاصة تذهيب الكمال: 311، شذرات الذهب: 1 / 266. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ، مَا أَقرَبَهُ مِنْ أَبِي أُوَيْسٍ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، هُوَ دُوْنَ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ أَثبَتُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقشَعِرُّ مِنْ أَحَادِيْثِ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ ابْنُهُ. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ابْنُ مَعِيْنٍ يَحْمِلُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ فُلَيْحٍ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ثَلاَثَةٌ يُتَّقَى حَدِيْثُهُم: مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ (1) . قُلْتُ لِيَحْيَى: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مَنْ مُظَفَّرِ بنِ مُدْرِكٍ، كُنْتُ آخُذُ عَنْهُ هَذَا الشَّأْنَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ يُحْتَجُّ بِفُلَيْحٍ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: يَهِمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَابْنُ عَقِيْلٍ، وَفُلَيْحٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِم. قَالَ: صَدَقَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: فُلَيْحٌ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.   (1) انظر الخبر في الصفحة: 339. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ، وَقَدِ اعْتمَدَه البُخَارِيُّ فِي (صِحَاحِهِ (1)) ، وَلَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ. رَوَى عَنْ: نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نُسْخَةً. وَيَرْوِي عَنْ: هِلاَلِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيْثَ. وَيَرْوِي عَنْ سَائِرِ الشُّيُوخِ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَحَادِيْثَ مُسْتقِيْمَةً، وَغَرَائِبَ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ. قُلْتُ: لَمْ يَرحَلْ فِي الحَدِيْثِ. وَمِنْ أَفرَادِهِ: عَنِ ابْنِ طُوَالَةِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ تَعلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، لاَ يَسْتَعْمِلُهُ إِلاَّ لِيُصِيْبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ) . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ (2) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَخْتَلِفُوْنَ فِي فُلَيْحٍ، وَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ السَّاجِيُّ: أَصعبُ مَا رُمِيَ بِهِ، مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ، لأَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ مِنَ الصَّحَابَةِ (3) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ المُطَهِّرِ التَّمِيْمِيُّ، بِسَفْحِ قَاسِيُوْنَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو   (1) قال الحافظ في مقدمة " فتح الباري ": 435: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما. وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المناقب، وبعضها في الرقاق. (2) : (3664) : في العلم: باب في طلب العلم لغير الله تعالى، وأخرجه أحمد: 2 / 335، وابن ماجه: (252) ، في المقدمة: باب الانتفاع بالعلم والعمل به، من طرق، عن فليح بن سليمان، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة. وصححه الحاكم: 1 / 85، ووافقه الذهبي المؤلف. وعرف الجنة: ريحها الطيبة. (3) انظر: " الميزان " 3 / 365. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: (أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوْفَنَّ بِالبَيْتِ عُرْيَانُ) . صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي الرَّبِيْعِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. 133 - إِسْرَائِيْلُ بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو يُوْسُفَ الهَمْدَانِيُّ، السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ. أَكْثَرَ عَنْ: جَدِّهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَآدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَآدَمَ بنِ سُلَيْمَانَ أَبِي يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَثُوَيْرِ بنِ أَبِي فَاخِتَةَ، وَسَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعَامِرِ بنِ شَقِيْقِ بنِ جَمْرَةَ الأَسَدِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَاصِمٍ، وَمُخَارِقٍ الأَحْمَسِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.   (1) رقم: (4363) ، في المغازي: باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع. وأخرجه من طريق آخر رقم: (369) ، ورقم: (1622) و (4656) و (4657) ، وهو في " صحيح " مسلم: (1347) ، في الحج: باب لا يحج البيت مشرك. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 374، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 2 / 56، التاريخ الصغير: 2 / 136، الجرح والتعديل: 2 / 330 - 331، الكمال لابن عدي: خ: 61 - 63، تاريخ بغداد: 7 / 20 - 25، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، تهذيب الكمال: خ: 94، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 59 - 60، تذكرة الحفاظ: 1 / 214 - 215، ميزان الاعتدال: 1 / 208 - 210، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 159، تهذيب التهذيب: 1 / 261 - 263، طبقات الحفاظ: 90 - 91، خلاصة تذهيب الكمال: 31. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الحَدِيْثِ، وَمِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ، كَأَبِيْهِ، وَجَدِّه، وَأَخِيْهِ عِيْسَى. حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ، وَحَجَّاجٌ الأَعْوَرُ، وَأَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَشَبَابَةُ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرُّوْذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، عَنْ دُبَيْسِ بنِ حُمَيْدٍ: أَنَّ مَولِدَ إِسْرَائِيْلَ سَنَةَ مائَةٍ. رَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: قَالَ لِي إِسْرَائِيْلُ: كُنْتُ أَحْفَظُ حَدِيْثَ أَبِي إِسْحَاقَ، كَمَا أَحْفَظُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: إِسْرَائِيْلُ فَوْقَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. وَرَوَى: حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ ثِقَةً، وَجَعَلَ يَعْجَبُ مِنْ حِفْظِه. وَأَمَّا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، فَرَوَى عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: إِسْرَائِيْلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: فِيْهِ لِيْنٌ، سَمِعَ مِنْهُ بِأَخَرَةٍ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيُّمَا أَثبَتُ: شَرِيْكٌ أَوْ إِسْرَائِيْلُ؟ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ كَانَ يُؤَدِّي مَا سَمِعَ، كَانَ أَثبتَ مِنْ شَرِيْكٍ. قُلْتُ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ: يُوْنُسُ أَوْ إِسْرَائِيْلُ ابْنُهُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ؟ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ، لأَنَّهُ صَاحِبُ كِتَابٍ. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْك: يُوْنُسُ أَوْ إِسْرَائِيْلُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ؟ قَالَ: يُوْنُسُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (1) : إِسْرَائِيْلُ إِذَا انْفردَ بِحَدِيْثٍ يُحتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ ثَبتُ الحَدِيْثِ، كَانَ يَحْيَى يَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي حَالِ أَبِي يَحْيَى القَتَّاتِ. قَالَ: رَوَى عَنْهُ مَنَاكِيْرُ (2) . ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: مَا حَدَّثَ عَنْهُ يَحْيَى بن سَعِيْدٍ بِشَيْءٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَإِسْرَائِيْلُ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، لاَ يُغَادرُ، وَيُحفَظُ مِنْ كِتَابِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: شَرِيْكُ أَضبطُ مِنْ إِسْرَائِيْلَ فِي أَبِي إِسْحَاقَ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَلاَ عَنْ شَرِيْكٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: كُنَّا نَكْتُبُ عِنْدَ إِسْرَائِيْلَ مِنْ حِفْظِه. قَالَ يَحْيَى: كَانَ إِسْرَائِيْلُ لاَ يَحفَظُ، ثُمَّ حَفِظَ بَعْدُ -يَعْنِي: أَنَّهُ دَرسَ كِتَابَه-. وَقَالَ يَحْيَى: إِسْرَائِيْلُ أَثْبَتُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ شَيْبَانَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ مَرَّةً: فِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحُدَّانِيُّ: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: كَانَ أَصْحَابُنَا سُفْيَانُ وَشَرِيْكٌ ... وَعَدَّ قَوْماً، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي حَدِيْثِ أَبِي إِسْحَاقَ، يَجِيْئُوْنَ إِلَى أَبِي، فَيَقُوْلُ: اذْهبُوا إِلَى ابْنِي إِسْرَائِيْلَ، فَهُوَ أَرْوَى عَنْهُ مِنِّي،   (1) مستدرك من " تهذيب التهذيب ": 1 / 262. (2) الخبر في: " الميزان ": 1 / 209، و" التذكرة ": 1 / 214، " وتهذيب التهذيب ": 1 / 262. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 وَأَتْقَنُ لَهَا مِنِّي، وَهُوَ كَانَ قَائِدَ جَدِّهِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الثَّلْجِ، عَنْ شَبَابَةَ: قُلْتُ لِيُوْنُسَ: أَمِلَّ عَلَيَّ حَدِيْثَ أَبِيْكَ. قَالَ: اكْتُبْ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، فَإِنَّ أَبِي أَمَلَّهُ عَلَيْهِ. الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَرْجَرَائِيُّ: عَنْ خَلَفِ بنِ تَمِيْمٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - ذَكَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: مَا تَرَكَ لَنَا إِسْرَائِيْلُ كُوَّةً وَلاَ سَفَطاً، إِلاَّ دَحَسَهَا (1) كُتُباً. مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ سُئِلَ: أَيُّمَا أَثبَتُ: إِسْرَائِيْلُ أَوْ أَبُو عَوَانَةَ؟ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: قَدْ أَثْنَى عَلَى إِسْرَائِيْلَ الجُمْهُوْرُ، وَاحْتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَكَانَ حَافِظاً، وَصَاحِبَ كِتَابٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: إِسْرَائِيْلُ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: مَشَى عَلِيٌّ خَلْفَ أُسْتَاذِه يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَقَفَى أَثَرَهُمَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَقَالَ: ضَعِيْفٌ. وَعَمدَ إِلَى أَحَادِيْثِه الَّتِي فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، فَرَدَّهَا، وَلَمْ يَحتَجَّ بِهَا، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ ثِقَةٌ. نَعَم، لَيْسَ هُوَ فِي التَّثَبُّتِ كَسُفْيَانَ وَشُعْبَةَ، وَلَعلَّهُ يُقَارِبُهُمَا فِي حَدِيْثِ جَدِّه، فَإِنَّهُ لاَزَمَهُ صَبَاحاً وَمَسَاءً عَشْرَةَ أَعْوَامٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَرْوِي عَنْهُ وَيُقَوِّيهِ، وَلَمْ يَصْنَعْ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ شَيْئاً فِي تَرْكِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مُجَالِدٍ (2) .   (1) السقط: وعاء كاقفة أو الجوالق. دحسها: ملاها. (2) هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني: قال الحافظ في " التقريب ": ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَزُهَيْرٌ، وَإِسْرَائِيْلُ: حَدِيْثُهُم فِي أَبِي إِسْحَاقَ قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ، إِنَّمَا أَصْحَابُ أَبِي إِسْحَاقَ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بنُ المُثَنَّى، قَالَ: قَدِمَ إِسْرَائِيْلُ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأُقْعِدَ فَوْقَ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مَعَهُ دَفْتَرٌ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ مِنْهُ، وَلاَ يَنْظُرُ فِيْهِ النَّاسُ، فَلَمَّا أَقَامَ إِسْرَائِيْلُ، قَعَدَ ذَاكَ الرَّجُلُ، فَأَمْلاَهُ عَلَى النَّاسِ (1) . وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: إِسْرَائِيْلُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ. قُلْتُ: هَذَا أَنَا إِلَيْهِ أَمْيَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ إِسْرَائِيْلَ كَانَ عُكَّازَ جَدِّه، وَكَانَ مَعَ عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ ذَا صَلاَحٍ وَخُشُوْعٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَأَخُوْهُ عِيْسَى أَتقَنُ مِنْهُ، وَأَعْلَمُ، وَأَعبَدُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَقَدْ طَوَّلَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ التَّرْجَمَةَ (2) ، وَسَرَدَ لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ غَرَائِبَ. وَبَلَغَنَا عَنْ شَقِيْقٍ البَلْخِيِّ، قَالَ: أَخَذْتُ الخُشُوْعَ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، كُنَّا حَوْلَهُ لاَ يَعْرِفُ مَنْ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَلاَ مَنْ عَنْ شِمَالِهِ، مِنْ تَفَكُّرِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَلِمتُ أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: إِسْرَائِيْلُ فَوْقَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. فَقِيْلَ لِيَحْيَى: إِنَّ إِسْرَائِيْلَ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ ثَلاَثَ مائَةٍ، وَعَنْ أَبِي يَحْيَى القَتَّاتِ ثَلاَثَ مائَةٍ؟ فَقَالَ: لَمْ يُؤتَ مِنْهُ، أُتِيَ مِنْهُمَا جَمِيْعاً (3) .   (1) انظر الخبر في " تاريخ بغداد ": 7 / 21. والميزان: 1 / 209. (2) الكامل: خ: 61 - 63. (3) الخبر في " التذكرة ": 1 / 214، و" تهذيب التهذيب ": 1 / 263. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى لِيْنِ ابْنِ مُهَاجِرٍ، وَالقَتَّاتِ. وَمِنْ غَرَائِبِ إِسْرَائِيْلَ: رَوَى أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَسْرُوْقٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ وَأَبِي. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَهْ، إِنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُوْنَ اللهِ، فَقَدْ أَشْرَكَ (1)) . رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. وَمْن عَوَالِيْهِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ دَنُوْقَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّيْ أَنَا الرَّزَّاقُ ذُوْ القُوَّةِ المَتِيْنُ (2)) . وَهَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، وَقَعْنَبُ بنُ المُحَرَّرِ: مَاتَ إِسْرَائِيْلُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَشَبَابٌ (3) العُصْفُرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.   (1) هو في " المسند ": 1 / 47. وأخرجه أبو داود: (3251) ، في الايمان والنذور: باب كراهية الحلف بالآباء وأخرجه - من حديث ابن عمر - الترمذي: (1535) ، في الندر والايمان: باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، وحسنه. وأحمد: (4904) ، و (5375) . وصححه ابن حبان: (1177) ، والحاكم: 1 / 18، و: 4 / 297، وأقره الذهبي المؤلف. (2) وأخرجه أحمد: 1 / 394، 397، 418، من طرق عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، وهذا سند قوي، وأخرجه أبو داود: (3993) ، والترمذي: (2941) ، وقال: حسن صحيح. وهذه القراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف، وقراءة الجمهور: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذاريات: 58] . (3) في الأصل: " شيبان "، وهو تصحيف، صوابه ما أثبتناه. انظر: " طبقات خليفة ": 168. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى. 134 - الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ الهَمْدَانِيُّ * (م، 4) وَاسْمُ حَيٍّ: حَيَّانُ بنُ شُفَيِّ بنِ هُنَيِّ بنِ رَافِعٍ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ، الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ، أَخُو الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ صَالِحٍ. وَأَمَّا البُخَارِيُّ فَنَسَبَهُ، فَقَالَ: الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ صَالِحِ بنِ مُسْلِمِ بنِ حَيَّانَ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ صَالِحِ بنِ حَيِّ بنِ مُسْلِمِ بنِ حَيَّانَ. قُلْتُ: هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ، لَوْلاَ تَلَبُّسُهُ بِبِدعَةٍ. قَالَ وَكِيْعٌ: وُلِدَ سَنَةَ مائَةٍ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَبُكَيْرِ بنِ عَامِرٍ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 375، طبقات خليفة: 168، التاريخ الكبير: 2 / 295، وفيه وفاته سنة (167 هـ) ، المعارف: 509، المعرفة والتاريخ: 2 / 805 - 806، الضعفاء: خ: 83 - 85، مشاهير علماء الأمصار: 170، وفيه وفاته (167 هـ) ، الكامل لابن عدي: خ: 176 - 179، حلية الأولياء: 7 / 327 - 335، الفهرست: المقالة الخامسة الفن الثاني: وفيه وفاته سنة (168 هـ) ، تهذيب الكمال: خ: 267 - 268، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 138 - 139، تذكرة الحفاظ: 1 / 216 - 217، ميزان الاعتدال: 1 / 496 - 499، عبر الذهبي: 1 / 249، أخبار سنة 167 هـ، تهذيب التهذيب: 2 / 285 - 289، طبقات الحفاظ: 92، خلاصة تذهيب الكمال: 78، شذرات الذهب: 1 / 262 - 263. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 المُعْتَمِرِ، وَجَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَعِدَّةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: شُعْبَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهُوَ صَحِيْحُ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ، وَقَبِيْصَةُ بنُ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَأَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ الفَقِيْه كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ المَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ (1) : أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَلِيٍّ: (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ (2)) . قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِي الحَسَنِ بنِ   (1) ترجمتها في: " طبقات " ابن سعد: 8 / 205، حلية الأولياء: 2 / 74، أسد الغابة: 7 / 14 - 15، لسان الميزان: 7 / 522 - 523، الإصابة: 12 / 116 - 117. وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت جماعة من الصحابيات لاب أو أم، أو لاب وأم. أسلمت قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الارقم بمكة، وبايعت، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، وروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (60) حديثا. (2) وهو في " المسند ": 6 / 369، 438، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن نمير، كلاهما عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس. وسنده صحيح. وأخرجه البخاري: 8 / 86، في المغازي: باب غزوة تبوك، وفي فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باب مناقب علي بن أبي طالب، ومسلم: (2404) ، من حديث سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى تبوك، واستخلف عليا، فقال: أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون بن موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 حَيٍّ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيِّ، قَالَ المِزِّيُّ شَيْخُنَا - أَظُنُّه أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ -: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ الثَّوْرِيُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنَ البَابِ القِبْلِيِّ، فَإِذَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ يُصَلِّي، فَقَالَ: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ خُشُوْعِ النِّفَاقِ، وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، فَتَحوَّلَ إِلَى سَارِيَةٍ أُخْرَى. وَقَالَ العَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، عَنْ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ: أَرَدْتُ الحجَّ، فَقَالَ لِيَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: إِنْ لَقِيْتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ، وَقُلْ: أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ. فَلَقِيْتُ سُفْيَانَ فِي الطَّوَافِ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ. قَالَ: فَمَا بَالُ الجُمُعَةِ. قُلْتُ: كَانَ يَترُكُ الجُمُعَةَ، وَلاَ يَرَاهَا خَلْفَ أَئِمَّةِ الجَوْرِ بِزَعْمِهِ. عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: عَنْ خَلاَّدِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: جَاءنِي سُفْيَانُ، فَقَالَ: الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ مَعَ مَا سَمِعَ مِنَ العِلْمِ وَفَقُهَ يَتْرُكُ الجُمُعَةَ، ثُمَّ قَامَ، فَذَهَبَ. أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ: مَا أَنَا وَابْنُ حَيٍّ؟ لاَ يَرَى جُمُعَةً وَلاَ جِهَاداً. مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: ذُكِرَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ الحَسَنُ بنُ حَيٍّ يَرَى السَّيْفَ. وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: شَهِدتُ حَسَنَ بنَ صَالِحٍ وَأَخَاهُ، وَشَرِيْكٌ مَعَهُم، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ إِلَى الصَّبَاحِ فِي السَّيْفِ. بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: وَذُكِرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ الصُّوفِيُّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 فَقَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ يَرَوْنَ السَّيْفَ - أَحْسِبُهُ عَنَى ابْنَ حَيٍّ وَأَصْحَابَهُ -. ثُمَّ قَالَ بِشْرٌ: هَاتِ مَنْ لَمْ يَرَ السَّيْفَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكِ كُلِّهِم إِلاَّ قَلِيْلٌ، وَلاَ يَرَوْنَ الصَّلاَة أَيْضاً. ثُمَّ قَالَ: كَانَ زَائِدَةُ يَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، يُحذِّرُ النَّاسَ مِنِ ابْنِ حَيٍّ، وَأَصْحَابِه. قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ السَّيْفَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: حَكَيتُ لِيُوْسُفَ بنِ أَسْبَاطٍ عَنْ وَكِيْعٍ شَيْئاً مِنْ أَمرِ الفِتَن، فَقَالَ: ذَاكَ يُشْبِهُ أُسْتَاذَهُ. يَعْنِي: الحَسَنَ بنَ حَيٍّ. فَقُلْتُ لِيُوْسُفَ: أَمَا تَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ هَذِهِ غِيبَةً؟ فَقَالَ: لِمَ يَا أَحْمَقُ، أَنَا خَيْرٌ لِهَؤُلاَءِ مِنْ آبَائِهِم وَأُمَّهَاتِهِم، أَنَا أَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا أَحْدَثُوا، فَتَتْبَعُهُم أَوْزَارُهُم، وَمَنْ أَطْرَاهُم كَانَ أَضَرَّ عَلَيْهِم. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ حَسَنِ بنِ صَالِحٍ، أَمْسَكْنَا أَيْدِيَنَا، فَلَمْ نَكْتُبْ، فَقَالَ: مَا لَكُم لاَ تَكتُبُوْنَ حَدِيْثَ حَسَنٍ؟ فَقَالَ لَهُ أَخِي بِيَدِهِ هَكَذَا، يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يَرَى السَّيْفَ. فَسَكَتَ وَكِيْعٌ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى: سَمِعْتُ جَدِّي يَقُوْلُ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى عَلِيِّ بنِ صَالِحٍ، فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِم} [مَرْيَمُ: 84] ، سَقَطَ الحَسَنُ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ، فَرَفَعَهُ، وَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَرَشَّ عَلَيْهِ المَاءَ، وَأَسنَدَهُ إِلَيْهِ. أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ - وَذُكِرَ لَهُ صَعْقُ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ - فَقَالَ: تَبسُّمُ سُفْيَانَ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَعْقِ الحَسَنِ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: أَتَيْتُ حَسَنَ بنَ صَالِحٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَقُوْلُوْنَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ... فَقُلْتُ: مَا لِي، كَفَرتُ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِن يَنْقِمُوْنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 عَلَيْكَ صُحْبَةَ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَزَائِدَةَ. قُلْتُ: وَأَنْتَ تَقُوْلُ هَذَا، لاَ جَلَسْتُ إِلَيْكَ أَبَداً. مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَصْبَهَانِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ زَائِدَةَ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَنَا يَوْماً: أَيُّكُم يَحفَظُ عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِكُوْزِ الحُبِّ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: فَلَوْ قُلْتُ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ أَوْ سُفْيَانُ، كُنْت قَدِ اسْترحْتُ، وَلَكِن قُلْتُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ. قَالَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ أَيْضاً: لاَ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيْثٍ أَبَداً. أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ زَائِدَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ حَيٍّ قَدِ اسْتُصلِبَ مُنْذُ زَمَانٍ، وَمَا نَجدُ أَحَداً يَصلِبُه. وَقَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: كَانَ زَائِدَةُ يَسْتَتِيْبُ مَنْ أَتَى حَسَنَ بنَ صَالِحٍ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ: لَوْ لَمْ يُولَدِ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، كَانَ خَيْراً لَهُ يَتْرُكُ الجُمُعَةَ، وَيَرَى السَّيْفَ، جَالَسْتُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا رَأَيتُهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَلاَ ذَكَرَ الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَلاَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حدَّثَا عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ بِشَيْءٍ قَطُّ، وَلاَ عَنْ عَلِيِّ بنِ صَالِحٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ حَدِيْثِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي بِهِ، وَقَدْ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ، ثُمَّ تَرَكَه (2) . قَالَ: وَذَكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالسِّكَّةِ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الخُرَيْبِيِّ: إِنَّكَ لَكَثِيْرُ الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ حَيٍّ؟ قَالَ: أَفْضَى بِهِ ذِمَامُ أَصْحَابِ   (1) الخبر في " الميزان ": 1 / 499. (2) الخبر في " الميزان ": 1 / 497. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 الحَدِيْثِ، لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ. وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الخُرَيْبِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، فَجَعَلَ أَبُو أَحْمَدَ يُفَخِّمُ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ. فَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مُتِّعْتُ بِكَ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِحَسَنٍ مِنْكَ، إِنَّ حَسَناً كَانَ مُعْجَباً، وَالمُعْجَبُ الأَحْمَقُ. أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَالِمٍ، سَمِعْتُ رَشِيداً الخَبَّازَ - وَكَانَ عَبداً صَالِحاً - وَقَدْ رَآهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَوْلاَي إِلَى مَكَّةَ، فَجَاوَرْنَا، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَالَ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! قَدِمَ اليَوْمَ حَسَنٌ وَعلِيٌّ ابْنَا صَالِحٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُمَا؟ قَالَ: فِي الطَّوَافِ. قَالَ: إِذَا مَرَّا فَأَرِنِيْهِمَا. فَمَرَّ أَحَدُهُمَا، فَقُلْتُ: هَذَا عَلِيٌّ، وَمَرَّ الآخَرُ، فَقُلْتُ: هَذَا حَسَنٌ. فَقَالَ: أَمَّا الأَوَّلُ فَصَاحِبُ آخِرَةٍ، وَأَمَّا الآخَرُ فَصَاحِبُ سَيْفٍ، لاَ يَمْلأُ جَوْفَهُ شَيْءٌ. قَالَ: فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَنَا، فَأَخْبَرَ عَلِيّاً، ثُمَّ مَضَى مَوْلاَيَ إِلَى عَلِيٍّ يُسلِّمُ عَلَيْهِ، وَجَاءَ سُفْيَانُ يُسلِّمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ ذَكَرتَ أَخِي أَمْسَ بِمَا ذَكَرتَه، مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ تَبلُغَ هَذِهِ الكَلِمَةُ ابْنَ أَبِي جَعْفَرٍ، فَيَبْعَثَ إِلَيْهِ، فَيَقْتُلَهُ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَجَادَتَا عَيْنَاهُ. الحُمَيْدِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ حَيٍّ، وَكَانَ خَيْراً مِنِ ابْنَيْهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ خَيْرَهُمَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ: كَيْفَ حَدِيْثُه؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَأَخُوْهُ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ قَدِمَ مَوْتُهُ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ صَحِيْحُ الرِّوَايَةِ، يَتَفَقَّهُ، صَائِنٌ لِنَفْسِهِ فِي الحَدِيْثِ وَالوَرَعِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ شَرِيْكٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 وَرَوَى: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنِيْدِ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، مُسْتقِيْمُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: يُكْتَبُ رَأْيُ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، هَؤُلاَءِ ثِقَاتٌ (1) . وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: ابْنَا صَالِحٍ ثِقَتَانِ، مَأْمُوْنَانِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: اجْتَمَعَ فِي حَسَنٍ إِتقَانٌ، وَفِقهٌ، وَعِبَادَةٌ، وَزُهْدٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مُتْقِنٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. السَّاجِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ. قِيْلَ: مَنِ الحَسَنُ؟ قَالَ: الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، الَّذِي لَوْ رَأَيتَه ذَكرتَ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ، أَوْ شَبَّهْتَه بِسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ. قُلْتُ: بَيْنَهمَا قَدرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ العِلْمُ، وَالعِبَادَةُ، وَالخُرُوْجُ عَلَى الظَّلمَةِ تَدَيُّناً. أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: لاَ يُبَالِي مَنْ رَأَى الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ، أَلاَّ يَرَى الرَّبِيْعَ بنَ خُثَيْمٍ. أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَوْدِيُّ: عَنْ أَبِي يَزِيْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُصْعَبٍ المَعْنِيِّ، قَالَ: صَحِبتُ السَّادَةَ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ (2) ، وَصَحِبتُ ابْنَيْ حَيٍّ؛ عَلِيّاً وَالحَسَنَ، وَصَحِبتُ وُهَيْبَ بنَ الوَرْدِ (3) .   (1) الخبر في: " تهذيب التهذيب ". 2 / 287. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 229. (3) انظر ترجمته في الصفحة: 198. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بنِ صَالِحٍ: صِفْ لَنَا غَسلَ المَيْتِ، فَمَا قَدِرَ عَلَيْهِ مِنَ البُكَاءِ. وَعَنْ عَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: إِنِّيْ أَرَى اللهَ يَسْتَحِيي أَنْ يُعَذِّبَ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَمَا كَانَ دُوْنَ الثَّوْرِيِّ فِي الوَرَعِ وَالقُوَّةِ. الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ يَقُوْلُ: الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ خَيْرٌ مِنْ شَرِيْكٍ، مِنْ هُنَا إِلَى خُرَاسَانَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً إِلاَّ وَقَدْ غَلطَ فِي شَيْءٍ، غَيْرَ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَأَلَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ رَجُلاً عَنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. فَقَالَ: الآنَ حِيْنَ دَرَيتَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُطَرِّفٍ: كَانَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعِظَ أَحَداً، كَتبَ فِي أَلوَاحِه، ثُمَّ نَاوَلَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الرَّازِيُّ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: فَتَّشتُ الوَرَعَ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ أَقَلَّ مِنَ اللِّسَانِ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ الطَّرِيْفِيُّ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: كَتَبتُ عَنْ ثَمَانِ مائَةِ مُحَدِّثٍ، فَمَا رَأَيتُ أَفْضَلَ مِنَ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لِلْحَسَنِ بنِ صَالِحٍ قَوْمٌ يُحَدِّثُوْنَ عَنْهُ بِنُسخٍ، فَعِندَ سَلَمَةَ   (1) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 329. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 بنِ عَبْدِ المَلِكِ العُوْصِيِّ عَنْهُ نُسْخَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ عَنْهُ نُسْخَةٌ، وَعِنْدَ يَحْيَى بنِ فُضَيْلٍ عَنْهُ نُسْخَةٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مُجَاوِزَ المِقْدَارِ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. قُلْتُ: مَا لَهُ رِوَايَةٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، بَلْ ذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَاتِ (1) ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. وَقَدْ قَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ وَأَخُوْهُ وَأُمُّهُمَا قَدْ جَزَّؤُوا اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجزَاءٍ، فُكُلُّ وَاحِدٍ يَقُوْمُ ثُلُثاً، فَمَاتَتْ أُمُّهُمَا، فَاقْتَسَمَا اللَّيْلَ، ثُمَّ مَاتَ عَلِيٌّ، فَقَامَ الحَسَنُ اللَّيْلَ كُلَّهُ (2) . وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَداً الخَوْفُ أَظهرُ عَلَى وَجْهِهِ وَالخُشُوْعُ مِنَ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، قَامَ لَيْلَةً ب* ـ: {عَمَّ يَتَسَاءلُوْنَ} [النَّبَأُ: 1] ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْتِمْهَا إِلَى الفَجْرِ (3) . وَقَالَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: رُبَّمَا أَصْبَحتُ وَمَا مَعِيَ دِرْهَمٌ، وَكَأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ حِيْزَتْ لِي (4) . وَعَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيْفتَحُ لِلْعبدِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ بَاباً مِنَ الخَيْرِ، يُرِيْدُ بِهَا بَاباً مِنَ الشَّرِّ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَاعَ مَرَّةً جَارِيَةً، فَقَالَ: إِنَّهَا تَنَخَّمَتْ (5) عِنْدَنَا مَرَّةً دَماً. قَالَ وَكِيْعٌ: حَسَنُ بنُ صَالِحٍ عِنْدِي إِمَامٌ. فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ لاَ يَتَرحَّمُ عَلَى عُثْمَانَ. فَقَالَ: أَفَتَتَرحَّمُ أَنْتَ عَلَى الحَجَّاجِ؟   (1) البخاري: 5 / 203، في الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، ونصه: " وقال الحسن بن صالح: أدركت جارة لنا جدة بنت إحدى وعشرين ". (2) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 7 / 328. (3) الزيادة من " الحلية "، وانظر " التذكرة ": 1 / 217. (4) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 329. (5) تنخم: دفع بشيء من صدره أو أنفه، واسم ذلك الشئ: النخامة، وهي النخاعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 قُلْتُ: لاَ بَارَكَ اللهُ فِي هَذَا المِثَالِ. وَمُرَادُهُ: أَنْ تَرْكَ التَّرَحُّمِ سُكُوْتٌ، وَالسَّاكتُ لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَلَكِنْ مَنْ سَكَتَ عَنْ تَرحُّمِ مِثْلِ الشَّهِيْدِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ، فَإِنَّ فِيْهِ شَيْئاً مِنْ تَشَيُّعٍ، فَمَنْ نَطَقَ فِيْهِ بِغَضٍّ وَتَنَقُّصٍ وَهُوَ شِيْعِيٌّ جَلْدٌ يُؤَدَّبُ، وَإِنْ تَرَقَّى إِلَى الشَّيْخَيْنِ بِذَمٍّ، فَهُوَ رَافِضِيٌّ خَبِيْثٌ، وَكَذَا مَنْ تَعرَّضَ لِلإِمَامِ عَلِيٍّ بِذَمٍّ، فَهُوَ نَاصِبِيٌّ (1) يُعَزَّرُ، فَإِنْ كَفَّرَهُ، فَهُوَ خَارِجِيٌّ مَارِقٌ، بَلْ سَبِيْلُنَا أَنْ نَستغفِرَ لِلْكُلِّ، وَنُحِبُّهُم، وَنَكَفَّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ جَبَلَةَ، قَالَ: دَخَلَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ يَوْماً السُّوْقَ وَأَنَا مَعَهُ، فَرَأَى هَذَا يَخِيطُ، وَهَذَا يَصبِغُ، فَبَكَى، وَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهِم يَتَعلَّلُوْنُ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ المَوْتُ. وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى المَقْبُرَةِ يَصرُخُ، وَيُغْشَى عَلَيْهِ (2) . قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنَيْ صَالِحٍ، وَرَجُلٌ يَقرَأُ: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأَنْبِيَاءُ: 103] ، فَالْتَفَتَ عَلِيٌّ إِلَى أَخِيْهِ الحَسَنِ، وَقَدِ اخْضَرَّ وَاصْفَرَّ، فَقَالَ: يَا حَسَنُ! إِنَّهَا أَفْزَاعٌ فَوْقَ أَفزَاعٍ، وَرَأَيتُ الحَسَنَ أَرَادَ أَنْ يَصِيْحَ، ثُمَّ جَمَعَ ثَوْبَهُ، فَعَضَّ عَلَيْهِ حَتَّى سَكَنَ عَنْهُ، وَقَدْ ذَبُلَ فَمُهُ، وَاخْضَارَّ وَاصْفَارَّ (3) . أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ بنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، قَالَ: قَالَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ: قَالَ لِي أَخِي - وَكُنْتُ أُصلِّي -: يَا أَخِي! اسقِنِي. قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاَتِي، أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَالَ: قَدْ شَرِبتُ السَّاعَةَ. قُلْتُ: مَنْ سَقَاكَ وَلَيْسَ   (1) ناصبي: أي مبغض لعلي - رضي الله عنه -، وقد تقدم الحديث عن النصب: ص 80: حا: 1. (2) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 329. (3) الخبر في المرجع السابق: 7 / 330، والزيادة منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 فِي الغُرفَةِ غَيْرِي وَغَيْرُك؟! قَالَ: أَتَانِي السَّاعَةَ جِبْرِيْلُ بِمَاءٍ، فَسَقَانِي، وَقَالَ: أَنْتَ وَأَخُوكَ وَأُمُّكَ مَعَ الَّذِيْنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم، وَخَرَجَتْ نَفْسُهُ. قُلْتُ: كَانَ يَرَى الحَسَنُ الخُرُوْجَ عَلَى أُمَرَاءِ زَمَانِهِ لِظُلْمِهِم وَجَوْرِهِم، وَلَكِنْ مَا قَاتَلَ أَبَداً، وَكَانَ لاَ يَرَى الجُمُعَةَ خَلْفَ الفَاسِقِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ: تَرَكَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ الجُمُعَةَ، فَجَاءَ فُلاَنٌ، فَجَعَلَ يُنَاظِرُهُ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ، فَذَهَبَ الحَسَنُ إِلَى تَرْكِ الجُمُعَةِ مَعَهُم، وَإِلَى الخُرُوْجِ عَلَيْهِم، وَهَذَا مَشْهُوْرٌ عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَدَفَعَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيُقْتَلَ بِدِيْنِهِ وَعِبَادتِهِ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ عَلِيٌّ تَوْأَماً. 135 - عَلِيُّ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ أَبُو الحَسَنِ الهَمْدَانِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ. حَدَّثَ عَنْ: سَلَمَة بنِ كُهَيْلٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعِدَّةٍ.   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 374 - 375، طبقات خليفة: 168، تاريخ خليفة: 427، التاريخ الكبير: 6 / 280، التاريخ الصغير: 2 / 119، المعرفة والتاريخ: 1 / 140، 440، 3 / 132، الضعفاء: خ: 296، الجرح والتعديل: 6 / 190، مشاهير علماء الأمصار: 169 وفيه وفاته (151 هـ) حلية الأولياء: 7 / 327 - 335، الكامل لابن الأثير: 5 / 613 وفيه: صالح بن حبي، تهذيب الكمال: خ: 973، تذهيب التهذيب: خ: 3 / 63، تاريخ الإسلام: 6 / 252، ميزان الاعتدال: 3 / 132، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 546، تهذيب التهذيب: 7 / 332 - 333، خلاصة تذهيب الكمال: 274. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 وَكَانَ طَلَبُه لِلْعِلْمِ هُوَ وَأَخُوْهُ مَعاً، وَمَاتَ كَهْلاً قَبْل أَخِيْهِ بِمُدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ الحَسَنُ، وَوَكِيْعٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَلَمْ يَشتَهِرْ حَدِيْثُه لِقِدَمِ مَوْتِهِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سِيْرَةِ أَخِيْهِ (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: لَمَّا احْتُضِرَ أَخِي، رَفَعَ بَصَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: { ... مَعَ الَّذِيْنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَحَسُنَ أُولِئِكَ رَفِيْقاً} [النِّسَاءُ: 69] . ثُمَّ خَرَجَتْ نَفْسُهُ، فَنَظَرْنَا، فَإِذَا ثُقْبٌ فِي جَنْبِهِ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ، وَمَا عَلِمَ بِهِ أَحَدٌ. قُلْتُ: وَكَانَا مُقْرِئَيْنِ مُجَوِّدَيْنِ لِلأَدَاءِ. تَلاَ عَلِيُّ عَلَى عَاصِمٍ، ثُمَّ عَلَى حَمْزَةَ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَغَيْرُهُ. وَلِعَلِيٍّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (2)) ، فِي حُسْنِ الخُلُقِ. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي رَأْيِ أَخِيْهِ مِنْ تَرْكِ جُمُعَةٍ وَلاَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بنِ مُثنَى الزَّمِنِ: مَا رَأَيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بنِ صَالِحٍ بِشَيْءٍ، فَهَذَا لاَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ، بَلْ لَمْ يُدرِكْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلِيّاً - فِيْمَا أَظُنُّ -.   (1) انظر الترجمة السابقة. (2) رقم: (1601) (121) ، في المساقاة: باب من استلف شيئا فقضى خيرا منه. من طريق أبي كريب عن وكيع، عن علي بن صالح، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: استقرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنا، فأعطى سنا فوقه، وقال: " خياركم محاسنكم قضاء ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 فَأَمَّا أَبُوْهُمَا: 136 - صَالِحُ بنُ صَالِحٍ الهَمْدَانِيُّ * (ع) فَصَدُوْقٌ، مُوَثَّقٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَحَدِيْثُه فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. مَاتَ: قَبْلَ الأَعْمَشِ. وَقَدْ قَالَ فِيْهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. فَأَمَّا سَمِيُّهُ: 137 - صَالِحُ بنُ حَيَّانَ القُرَشِيُّ الكُوْفِيُّ ** أَيضاً، فَقَدْ يَشتَبِهُ بِصَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَلَيْسَ هُوَ بِهِ، بَلْ هَذَا يَرْوِي عَنِ: ابْنِ بُرَيْدَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَنَافِعٍ، وَسُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَطَائِفَةٌ. وَهُوَ وَاهٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ غَيْرُ مَحْفُوْظٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو العَبَّاسِ (1) اعْتمَدَ فِي كِتَابِ (الصَّارِمِ المَسْلُوْلِ) لَهُ عَلَى حَدِيْثٍ لِصَالِحِ بنِ   (*) الجرح والتعديل: 4 / 406، تهذيب الكمال: خ: 958، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 87، ميزان الاعتدال: 3 / 295، تهذيب التهذيب: 4 / 393، خلاصة تذهيب الكمال: 171. (* *) الجرح والتعديل: 5 / 398، المجروحين والضعفاء: 1 / 369 - 370، الكامل لابن عدي: خ: 399 - 400، تهذيب الكمال: 596، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 86، ميزان الاعتدال: 3 / 292 - 293، تهذيب التهذيب: 4 / 386 - 387، خلاصة تذهيب الكمال: 170. (1) هو شيخ الإسلام، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 حَيَّانَ هَذَا، وَقَوَّاهُ، وَتَمَّ عَلَيْهِ الوَهْمُ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ: حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ - وَهُوَ حَافِظٌ - عَنِ الحَافِظِ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ حَيٌّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، عَلَى مِيْلَينِ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ خَطبَ مِنْهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمْ يُزَوِّجُوْهُ، فَأَتَاهُم وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَسَانِي هَذِهِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَحكُمَ فِي أَمْوَالِكُم وَدِمَائِكم. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَنَزَلَ عَلَى المَرْأَةِ الَّتِي كَانَ خَطَبَهَا، فَأَرسَلَ القَوْمُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ، فَقَالَ: (كَذَبَ عَدُوَّ اللهِ) . ثُمَّ أَرْسَلَ رَجُلاً، فَقَالَ: (إِنْ وَجَدْتَه حَيّاً وَمَا أُرَاكَ تَجِدُهُ حَيّاً (1) ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتاً، فَأَحْرِقْهُ) . فَجَاءَ، فَوَجَدَهُ قَدْ لَدَغَتْهُ أَفْعَى، فَمَاتَ، فَحَرَّقَهُ. فَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) . وَسَاقَهُ شَيْخُنَا مِنْ طَرِيْقِ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ، عَنْ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ. وَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ سِوَى صَالِحِ بنِ حَيَّانَ القُرَشِيِّ، هَذَا الضَّعِيْفُ (2) . 138 - أَبُو دُلاَمَةَ زَنْدُ بنُ الجَوْنِ * الشَّاعِرُ، النَّدِيْمُ، صَاحِبُ النَّوَادرِ، زَنْدُ بنُ الجَوْنِ، وَكَانَ أَسْوَدَ، مِنَ   = الدمشقي المتوفى سنة (728 هـ) والحديث أورده في الصفحة: 165 - 166، في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول ". (1) زيادة من " الكامل " لابن عدي. (2) وأورد الحديث أيضا المؤلف في " الميزان ": 2 / 293، في ترجمة صالح بن حيان، وقال: ورواه كله صاحب " الصارم المسلول من طريق البغوي، عن يحيى الحماني، عن علي بن مسهر، وصححه، ولم يصح بوجه. وفيه أيضا: " تفرد به حجاج بن الشاعر، عن زكريا بن عدي، عن صالح بن حيان ". (*) الشعر والشعراء: 2 / 776 - 778، طبقات ابن المعتز: 54 - 62، الاغاني: 10 / 247 = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 المَوَالِي. حَضَرَ جَنَازَةَ حَمَّادَةَ زَوْجَةِ المَنْصُوْرِ، فَقَالَ لَهُ المَنْصُوْرُ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذِه الحُفْرَةِ؟ قَالَ: حَمَّادَةَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَأَضْحَكَهُ. تُوُفِّيَ أَبُو دُلاَمَةَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: عَاشَ إِلَى أَوَائِلِ دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى المَهْدِيِّ - إِذْ قَدِمَ مِنَ الرَّيِّ - يَهنِّئُهُ، فَقَالَ: إِنِّيْ حَلَفْتُ لَئِنْ رَأَيتُكَ سَالِماً ... بِقُرَى العِرَاقِ وَأَنْتَ ذُو وَفْرِ لَتُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... وَلَتَمْلأَنَّ دَرَاهِماً حِجْرِي (1) فَقَالَ: أَمَّا الأُوْلَى، فَنَعَمْ. قَالَ: إِنَّهُمَا كَلِمَتَانِ، فَلاَ يُفرَقُ بَيْنَهمَا. فَضَحِكَ، وَمَلأَ حِجْرَهُ دَرَاهِمَ. 139 - زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ أَبُو الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبُو الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ، الكُوْفِيُّ.   = 273، تاريخ بغداد: 8 / 488 - 493، معجم الأدباء: 11 / 165 - 168، وفيات الأعيان: 2 / 320 - 327، نهاية الارب: 4 / 36 - 47، البداية والنهاية: 10 / 134 - 135، شذرات الذهب: 1 / 249 - 250. (1) البيتان في: الاغاني: 10 / 253، وفيه " نذرت " بدلا من " حلفت "، الوفيات: 2 / 325، البداية والنهاية: 10 / 134، شذرات الذهب: 1 / 249. (2) انظر روايات الخبر في المراجع السابقة. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 378، طبقات خليفة: 169، التاريخ الكبير: 3 / 432، المعرفة والتاريخ: 3 / 188، الجرح والتعديل: 3 / 613، مشاهير علماء الأمصار: 171، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، الكامل لابن الأثير: 6 / 56، تهذيب الكمال: خ: 424 - 425، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 231، تذكرة الحفاظ: 1 / 215 - 216، عبر الذهبي: 1 / 236، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 288، تهذيب التهذيب: 3 / 306 - 307، طبقات الحفاظ: 91 - 92، خلاصة تذهيب الكمال: 120، طبقات المفسرين: 1 / 174 - 175، شذرات الذهب: 1 / 251. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدَةَ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَطَلْقُ بنُ غَنَّامٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عُثْمَانُ بنُ زَائِدَة الرَّازِيُّ: قَدِمتُ الكُوْفَةَ قَدْمَةً، فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: مَنْ تَرَى أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، وَكَانَ مِنْ أَصدَقِ النَّاسِ وَأَبَرِّهِم. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ قَدَرِيّاً، وَلاَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يَعْرِفُه. وَرَوَى: صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: المُتَثَبِّتُونَ فِي الحَدِيْثِ أَرْبَعَةٌ: سُفْيَانُ (1) ، وَشُعْبَةُ (2) ، وَزُهَيْرٌ، وَزَائِدَةُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ الحَدِيْثَ عَنْ زَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ، فَلاَ تُبَالِ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ عَنْ غَيْرِهِمَا، إِلاَّ   (1) انظر ترجمته في الصفحة: 229. (2) انظر ترجمته في الصفحة: 202. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 حَدِيْثَ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَحْفَظُ مِنْ شَرِيْكٍ وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. قَالَ: وَكَانَ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، لاَ يُحَدِّثُ أَحَداً حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، حَدَّثَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يُحَدِّثْه، وَكَانَ قَدْ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ صَنَّفَ حَدِيْثَهُ، وَأَلَّفَ فِي القِرَاءاتِ، وَفِي التَّفْسِيْرِ وَالزُّهدِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: رَأَيتُ زُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ جَاءَ إِلَى زَائِدَةَ، فَكلَّمَه فِي رَجُلٍ يُحَدِّثُه، فَقَالَ: أَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ؟ قَالَ: مَا أَعْرِفُهُ بِبِدْعَةٍ. فَقَالَ: مَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ؟ فَقَالَ زُهَيْرٌ: مَتَى كَانَ النَّاسُ هَكَذَا؟ فَقَالَ زَائِدَةُ: مَتَى كَانَ النَّاسُ يَشتمُوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (1) -؟ قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ فِي أَرْضِ الرُّوْمِ، عَامَ غَزَا الحَسَنُ بنُ قَحْطَبَةَ (2) ، سَنَةَ   (1) الخبر في " تهذيب التهذيب ": 3 / 307. (2) الحسن بن قحطبة الطائي: أحد القادة الشجعان المقدمين في بدء العصر العباسي، استخلفه المنصور سنة (136 هـ) على أرمينية، ثم استقدمه سنة (137 هـ) لمساعدة أبي مسلم الخراساني على قتال عبد الله بن علي. وسيره سنة (140) مع عبد الوهاب بن إبراهيم الامام في سبعين ألفا إلى ملطية، فكان للحسن فيها أثر عظيم، وغزا الصائفة سنة (162 هـ) في ثمانين ألفا، فأوغل في بلاد الروم، وسمته لروم " التنين ". توفي في بغداد سنة (181 هـ) . (عن أعلام الزركلي) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 سِتِّيْنَ، أَوْ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَخْبَرَكُم أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الصَّابُوْنِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضَّرِيْسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! رَجُلٌ لَقِيَ امْرَأَةً، فَصنَعَ بِهَا مَا يَصْنَعُ الرَّجُلُ بامْرَأَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى* -: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارَ ... } ، الآيَةَ (1) . فَقَالَ لَهُ: (تَوَضَّأْ، وَصَلِّ) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا لَهُ خَاصَّةً، أَوْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: (لِلنَّاس - أَوْ لِلْمُسْلِمِيْنَ - عَامَّةً (2)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ زَائِدَة. وَعِلَّتُهُ: أَنَّ شُعْبَةَ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، فَأَرْسَلَه، لَمْ يَذْكُرْ مُعَاذاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا أَدْرَكَ مُعَاذاً. 140 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ بنِ شُعْبَةَ الهَرَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، عَالِمُ خُرَاسَانَ، أَبُو سَعِيْدٍ الهَرَوِيُّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ، ثُمَّ   (1) تتمتها: (..وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) [هود: 114] . (2) أخرجه الترمذي: (3113) ، في تفسير سورة " هود "، وقال: " هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر، وقتل عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير ابن ست سنين، وقد روى عن عمر. وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل ". والرواية المرسلة أخرجها ابن جرير: 12 / 136، من طريقين، عن شعبة. لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه البخاري: (4687) ، ومسلم: (2763) ، وغيرهما من حديث ابن مسعود، والترمذي: (3114) . وانظر ابن كثير: 2 / 462 - 464. (*) طبقات خليفة: 323، التاريخ الكبير: 1 / 294، الضعفاء: خ: 19، مشاهير علماء = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 حَرَمِ اللهِ -تَعَالَى-. وُلِدَ: فِي آخِرِ زَمَانِ الصَّحَابَةِ الصِّغَارِ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَحَمَلَ عَنْ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَاصِمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ - شَيْخُهُ - وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَمَعْنٌ القَزَّازُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ الضَّرِيْسِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُم. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: حَسَنُ الحَدِيْثِ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: لَمْ يَزلِ الأَئِمَّةُ يَشتَهُوْنَ حَدِيْثَهُ، وَيَرغَبُوْنَ فِيْهِ، وَيُوَثِّقُونَهُ.   = الأمصار: 199، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، تاريخ بغداد: 6 / 105 - 111، الكامل لابن الأثير: 6 / 62، تهذيب الكمال: خ: 57 - 58، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 37: تذكرة الحفاظ: 1 / 213، ميزان الاعتدال: 1 / 38، عبر الذهبي: 1 / 241، الوافي بالوفيات: 6 / 23 - 24، العقد الثمين: 3 / 215 - 216، تهذيب التهذيب: 1 / 129 - 131، طبقات الحفاظ: 90، خلاصة تذهيب الكمال: 18، طبقات المفسرين: 1 / 10 - 11، شذرات الذهب: 1 / 257. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ سَرْخَسَ، خَرَجَ يُرِيْدُ الحجَّ، فَقَدِمَ نَيسَابُوْرَ، فَوَجَدَهُم عَلَى قَوْلِ جَهْمٍ (1) ، فَقَالَ: الإِقَامَةُ عَلَى هَؤُلاَءِ، أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ. فَأَقَامَ، فَنَقَلَهُم مِنْ قَوْلِ جَهْمٍ إِلَى الإِرْجَاءِ (2) . وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ، يَمِيْلُ شَيْئاً إِلَى الإِرْجَاءِ فِي الإِيْمَانِ، حَبَّبَ اللهُ حَدِيْثَهُ إِلَى النَّاسِ، جَيِّدُ الرِّوَايَةِ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: كَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، مَا كَانَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ صَالِحٍ الهَرَوِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا خُرَاسَانِيٌّ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي رَجَاءٍ عَبْدِ اللهِ بنِ وَاقِدٍ. قُلْتُ لَهُ: فَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ؟ قَالَ: كَانَ ذَاكَ مُرْجِئاً. ثُمَّ قَالَ أَبُو الصَّلْتِ: لَمْ يَكُنْ إِرْجَاؤُهُم هَذَا المَذْهَبَ الخَبِيْثَ: أَنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ بِلاَ عَملٍ، وَأَنَّ تَرْكَ العَمْلِ لاَ يَضُرُّ بِالإِيْمَانِ، بَلْ كَانَ إِرْجَاؤُهُم أَنَّهُم يَرجُونَ لأَهْلِ الكبَائِرِ الغُفرَانَ، رَدّاً عَلَى الخَوَارِجِ وَغَيْرِهِم الَّذِيْنَ يُكَفِّرُوْنَ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ. وَسَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ فِي آخِرِ أَمرِهِ: نَحْنُ نَرْجُوْ لِجَمِيْعِ أَهْلِ الكبَائِرِ الَّذِيْنَ يَدِيْنُوْنَ دِيْنَنَا، وَيُصَلُّوْنَ صَلاَتَنَا، وَإِنْ عَمِلُوا أَيَّ عَملٍ. قَالَ: وَكَانَ شَدِيْداً عَلَى الجَهْمِيَّةِ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ أَنبَلِ النَّاسِ بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالحِجَازِ، وَأَوْثَقِهِم، وَأَوْسَعِهِم عِلْماً.   (1) سبق الحديث عن الجهمية في الصفحة: 311، حا: 3. (2) انظر الخبر في " تاريخ بغداد ": 6 / 107، والزيادة منه. وانظر الحديث عن الارجاء في الصفحه: 165، حا: 2. (3) الخبر في: " تاريخ بغداد ": 6 / 109. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 قَالَ حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، لقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ (1) . وَقَالَ حَمَّادُ بنُ قِيْرَاطٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ يَقُوْلُ: الجَهْمِيَّةُ وَالقَدَرِيَّةُ كُفَّارٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخَانِ بِخُرَاسَانَ مُرْجِئَانِ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَذُكِرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَكَانَ مُتَّكِئاً مِنْ عِلَّةٍ، فَجَلَسَ، وَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ الصَّالِحُوْنَ فَيُتَّكَأُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مُرْجِئاً، شَدِيْداً عَلَى الجَهْمِيَّةِ. قَالَ غَسَّانُ أَخُو مَالِكِ بنِ سُلَيْمَانَ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ   (1) قال ابن القيم في " زاد المعاد ": 3 / 36 - 37، طبع مؤسسة الرسالة: " واختلف الصحابة: هل رأى ربه تلك الليلة، أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك، وقالا: إن قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) [النجم: 13] ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله: هل رأيت ربك؟ فقال: " نور أنى أراه " أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: " رأيت نورا ". وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: " إنه رآه " مناقضا لهذا، ولا قوله: " رآه بفؤاده "، وقد صح عنه أنه قال: " رأيت ربي تبارك وتعالى "، ولكن لم يكن هذا في الاسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليله في منامه. وعلى هذا بني الامام أحمد - رحمه الله تعالى -: وقال: نعم رآه حقا فإن رؤيا الأنبياء حق، ولا بد، ولكن لم يقل أحمد - رحمه الله تعالى - إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك، فقد وهم عليه، ولكن قال مرة: رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك ". (2) إن كان أراد بذلك أنهم خارجون عن الملة، فهو يعد مبالغة منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 إِلَى القَرْيَةِ، فَكَانَ لاَ يَرضَى مِنَّا (1) حَتَّى يُطْعِمَنَا، وَكَانَ شَيْخاً وَاسِعَ القَلْبِ، وَكَانَتْ قَرْيَتُهُ بَاشَانُ (2) مِنَ القَصَبَةِ عَلَى فَرْسَخٍ. أَنْبَأَنِي عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ عَامَ سِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ بُوْرَجَه يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ جِرَايَةٌ مِنْ بَيْتِ المَالِ فَاخِرَةٌ، يَأْخُذُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَكَانَ يَسخُو بِهِ. فَسُئِلَ مَرَّةً (3) فِي مَجْلِسِ الخَلِيْفَةِ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. قَالُوا لَهُ: تَأخُذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَكَذَا، وَلاَ تُحْسِنُ مَسْأَلَةً؟ فَقَالَ: إِنَّمَا آخُذُ عَلَى مَا أُحْسِنُ، وَلَوْ أَخَذْتُ عَلَى مَا لاَ أُحسِنُ، لَفَنِيَ بَيْتُ المَالِ عَلَيَّ، وَلاَ يَفْنَى مَا لاَ أُحسِنُ. فَأَعْجَبَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ جوَابُهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ فَاخِرَةٍ، وَزَادَ فِي جِرَايَتِهِ (4) . قُلْتُ: شَذَّ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، فَقَالَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ ضَعِيْفٌ، مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ، إِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيْهِ لِلإِرْجَاءِ. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: فَاضِلٌ، يُرْمَى بِالإِرْجَاءِ (5) . وَكَذَلِكَ أَشَارَ السُّلَيْمَانِيُّ   (1) زيادة من " تاريخ بغداد ": 6 / 106. (2) باشان: من قرى هراة. (3) في " تاريخ بغداد ": 6 / 110: " فسئل مسألة يوما ". (4) انظر: تاريخ بغداد: 6 / 110، و: تذكرة الحفاظ: 1 / 213. (5) في " التهذيب "، في ترجمة إبراهيم بن طهمان: " قال أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم - هذا المذهب الخبيث - أن الايمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالايمان، بل كان إرجاؤهم أنهم يرجون لاهل الكبائر الغفران ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب ". وانظر الصفحة: 165، حا: 2. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 إِلَى تَلْيِينِه، وَقَالَ: أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيْثَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: فِي رَفْعِ اليَدَيْنِ (1) ، وَحَدِيْثَهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي سِدْرَةِ المُنْتَهَى (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ صَحِيْحُ الحَدِيْثِ، مُقَاربٌ. قُلْتُ: لَهُ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلاَ يَنحَطُّ حَدِيْثُه عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ فِي كِتَابِهِم، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبْدِ البَاقِي، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ ملُوْكٍ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بِجُرْجَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً) (3) .   (1) أخرجه ابن ماجه: (868) ، في إقامة الصلاة: باب رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، من طريق محمد بن يحيى، عن أبي حذيفة، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، أن جابر بن عبد الله كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فعل مثل ذلك، ويقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل مثل ذلك. ورفع إبراهيم بن طهمان يديه إلى أذنبه. قال البوصيري في " الزوائد " خ، ورقة (57) : رجاله ثقات. (2) نصه في " الميزان ": 1 / 38: " وحديثه عن شعبة، عن قتادة عن أنس: رفعت لي سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار ". قلت: لا نكارة في ذلك. انظر البخاري: 7 / 166، في مناقب الانصار، حديث الاسراء، والنسائي: 1 / 217، أول كتاب الصلاة. (3) وأخرجه أبو داود الطيالسي: 1 / 259، من طريق أبي سلمة المغيرة بن مسلم الخراساني، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أنس بن مالك، ورجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق لم يسمع من أنس، فهو منقطع. لكن الحديث صحيح عن أنس. أخرجه أحمد: 3 / 261، من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس والنسائي 3 / 50، من طريق يوسف بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات ". وصححه ابن حبان: (2390) ، والحاكم: 1 / 550، ووافقه الذهبي المؤلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بنِ سُلَيْمَانَ الهَرَوِيِّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ المُنَادِي، أَنْبَأَنَا العَلاَّمَةُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ - فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ - أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَقَرَأْتُ عَلَى سِتِّ الأَهْلِ بِنْتِ عُلْوَانَ (1) ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (2) ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ بُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ الفَجْرِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَتَى كُتِبْتَ نَبِيّاً؟ قَالَ: (وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوْحِ وَالجَسَدِ (3)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ السَّنَدِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْه فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَأَخْبَرَنَاهُ سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّفُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الحَمَّامِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُبَارَكٍ الأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ بِهَذَا، لَكِنَّهُ قَالَ: مَتَى كُنْتَ؟ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ، أَنْبَأَنَا   (1) ست الأهل بنت علوان بن سعد بن علوان البعلبكية: محدثة ذات صلاح ودين، ولدت ببعلبك سنة (613 هـ) تقريبا، وتوفيت بدمشق سنة (703 هـ) . (2) انظر الصفحة: 15، حا: 1. (3) هو في " أسد الغابة ": 5 / 285. وأخرجه أحمد: 5 / 59، وأبو نعيم في " الحلية ": 9 / 53، من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن منصور بن سعد، عن بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة الفجر. وهذا سند صحيح. وله شاهد من حديث أبي الجدعاء عند ابن سعد، وآخر عن ابن عباس عند الطبراني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 أَبُو سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ، أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ مَاتَ. قَالَ: (اذْهَبْ، فَوَارِهِ، وَلاَ تُحْدِثْ شَيْئاً حَتَّى تَأْتِيَنِي) . فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (اغْتَسِلْ) . وَعَلَّمَنِي دَعَوَاتٍ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ. 141 - أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَرْوَزِيُّ، عَالِمُ مَرْوٍ. حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَجَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو تُمَيْلَةَ، وَالفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ، وَعَتَّابُ بنُ زِيَادٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَعَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَسَلاَّمُ بنُ وَاقِدٍ، وَالفَضْلُ بنُ خَالِدٍ البَلْخِيُّ النَّحْوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. خَاتمتهُم نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ الحَافِظُ.   (1) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد: 1 / 97، وأبو داود: (3214) ، والنسائي: 4 / 79 - 80، من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي - رضي الله عنه -. وهذا إسناد صحيح أيضا. وأخرجه أحمد: 1 / 103، وغيره من طريق السدي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي. وسنده صحيح أيضا. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 373، التاريخ الكبير: 1 / 234، التاريخ الصغير: 2 / 174، الجرح والتعديل: 8 / 81، مشاهير علماء الأمصار: 197، تاريخ بغداد: 3 / 266 - 269، تهذيب الكمال: خ: 1279، تهذيب التهذيب: خ: 4 / 4 - 5، تذكرة الحفاظ: 1 / 230، ميزان الاعتدال: 4 / 53 - 54، عبر الذهبي: 1 / 251، تهذيب التهذيب: 9 / 486 - 487، طبقات الحفاظ: 97، خلاصة تذهيب الكمال: 361، شذرات الذهب: 1 / 264. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 قَالَ أَحْمَدُ: مَا بِحَدِيْثِهِ عِنْدِي بَأْسٌ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ (1) . وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: كَانَ أَبُو حَمْزَةَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ عِنْدَهُ مَنْ قَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ، يَنْظُرُ إِلَى مَا يَحتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الكِفَايَة، فَيَأمُرُ بِالقِيَامِ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَبِيْعُ السُّكَّرَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ: السُّكَّرِيّ؛ لِحَلاَوَةِ كَلاَمِهِ. وَرَوَى: ابْنُ الغَلاَبِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: رَوَى أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ - وَذَكَرَهُ بِصَلاَحٍ -: كَانَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ مِنْ جِيْرَانِهِ، تَصَدَّقَ بِمِثْلِ نَفَقَةِ المَرِيْضِ، لِمَا صُرِفَ عَنْهُ مِنَ العِلَّةِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْه: عَنْ حَفْصِ بنِ حُمَيْدٍ، سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: أَبُو حَمْزَةَ صَاحِبُ حَدِيْث، أَوْ كَمَا قَالَ. وَحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ: لَيْسَ بِحَافِظٍ، وَلاَ يُتْرَكُ حَدِيْثُه (2) . سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: السُّكَّرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ (3) ، صَحِيْحَا الكِتَابِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ رُسْتُمَ: قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: اخْتلفتُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا عَلِمَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَينَ ذَهَبتُ، وَلاَ مِنْ أَينَ جِئْتُ. قُلْتُ: لأَنَّ إِبْرَاهِيْمَ الصَّائِغَ كَانَ فِي السِّجْنِ، سِجْنِ المُسَوِّدَةِ (4) ، وَلاَ يَذْهَبُ أَحَدٌ إِلَيْهِ، إِلاَّ مُخْتَفِياً.   (1) ترجمته في الصفحة: 104. (2) زيادة من " التهذيب ". (3) ترجمته في الصفحة: 378. (4) وهم العباسيون. سموا بذلك لان شعارهم لبس السواد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاتِّبَاعِ؟ فَقَالَ: الاتِّبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ شَقِيْقٍ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِيْنَ يُقتَدَى بِهِم، فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ أَبُو حَمْزَةَ مُسْتجَابَ الدَّعْوَةِ. أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَكِيْمٍ: عَنْ مُعَاذِ بنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ السُّكَّرِيَّ يَقُوْلُ: مَا شَبِعتُ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ لِي ضَيفٌ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: أَرَادَ جَارٌ لأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ أَنْ يَبِيْعَ دَارَهُ، فَقِيْلَ لَهُ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِأَلْفَيْنِ ثَمَنُ الدَّارِ، وَبِأَلْفَيْنِ جِوَارُ أَبِي حَمْزَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَمْزَةَ، فَوَجَّه إِلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، وَقَالَ: لاَ تَبِعْ دَارَك. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: مَاتَ أَبُو حَمْزَةَ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ آخَرُ: سَنَة ثَمَانٍ، وَالأَوّلُ أَصحُّ. 142 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ العِجْلِيُّ * القُدْوَةُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، سَيِّدُ الزُّهَّادِ، أَبُو إِسْحَاقَ العِجْلِيُّ - وَقِيْلَ: التَّمِيْمِيُّ - الخُرَاسَانِيُّ، البَلْخِيُّ، نَزِيْلُ الشَّامِ. مَوْلِدُهُ:   (*) التاريخ الكبير: 1 / 273، المعرفة والتاريخ: 2 / 455، الجرح والتعديل: 2 / 87. مشاهير علماء الأمصار: 183، حلية الأولياء: 7 / 367 حتى 8 / 58، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 186 آ، الكامل لابن الأثير: 6 / 56، تهذيب الكمال: خ: 49 - 51، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 32 - 33، عبر الذهبي: 1 / 238، فوات الوفيات: 1 / 13 - 14، الوافي بالوفيات: 5 / 318 - 319، البداية والنهاية: 10 / 135 - 145، طبقات الأولياء: 5 - 15، تهذيب التهذيب: 1 / 102 - 103، خلاصة تذهيب الكمال: 15، شذرات الذهب: 1 / 255 - 256، تهذيب ابن عساكر: 2 / 170 - 199. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 فِي حُدُوْدِ المائَةِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَقِيْقٌ البَلْخِيُّ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ الخُرَاسَانِيُّ - خَادِمُهُ - وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ، وَعُتْبَةُ بنُ السَّكَنِ. وَحَكَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي قُتَيْبَةُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ تَمِيْمِيٌّ، يَرْوِي عَنْ مَنْصُوْرٍ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: العِجْلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ مِنْ بَنِي عِجْلٍ. وَذَكَرَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: أَنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ، صَاحِبِ الدَّعْوَةِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الزُّهَّادِ. وَعَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: حَجَّ وَالِدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ وَزَوْجَتُهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيْمَ بِمَكَّةَ. وَعَنْ يُوْنُسَ البَلْخِيِّ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِنَ الأَشْرَافِ، وَكَانَ أَبُوْهُ كَثِيْرَ المَالِ وَالخَدَمِ، وَالمَرَاكِبِ وَالجنَائِبِ وَالبُزَاةِ (1) ، فَبَيْنَا إِبْرَاهِيْمُ فِي الصَّيْدِ عَلَى فَرَسِه يُرْكِضُه، إِذَا هُوَ بِصَوْتٍ مِنْ فَوْقِه: يَا إِبْرَاهِيْمُ! مَا هَذَا العَبَثُ*؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المُؤْمِنُوْنَ: 115] ، اتَّقِ اللهَ، عَلَيْكَ بِالزَّادِ لِيَوْمِ الفَاقَةِ. فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِه، وَرَفَضَ الدُّنْيَا. وَفِي (رِسَالَةِ) القُشَيْرِيِّ، قَالَ: هُوَ مِنْ كُوْرَةِ بَلْخٍ، مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ، أَثَارَ ثَعْلَباً أَوْ أَرْنَباً، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: أَلِهَذَا   (1) البزاة: ج، البازي: وهو ضرب من الصقور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 خُلِقتَ؟ أَمْ بِهَذَا أُمِرتَ؟ فَنَزَلَ، وَصَادفَ رَاعِياً لأَبِيْهِ، فَأَخَذَ عَبَاءتَه، وَأَعْطَاهُ فَرَسَه، وَمَا مَعَهُ، وَدَخَلَ البَادِيَةَ، وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ (1) ، وَالفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَدَخَلَ الشَّامَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ الحَصَادِ وَحِفْظِ البَسَاتِيْنِ، وَرَأَى فِي البَادِيَةِ رَجُلاً، عَلَّمَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ فَدَعَا بِهِ، فَرَأَى الخَضِرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَّمَكَ أَخِي دَاوُدُ. رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ الوَاعِظُ (2) . حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الخَرَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بِذَلِكَ، لَمَّا سَأَلْتُه عَنْ بَدْءِ أَمرِهِ. وَرُوِيتُ عَنِ: ابْنِ بَشَّارٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَزَادَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ بَعْضَ المَشَايِخِ عَنِ الحَلاَلِ، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّامِ. فَصِرتُ إِلَى المَصِّيْصَةِ (3) ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، ثُمَّ قِيْلَ لِي: عَلَيْك بِطَرَسُوْسَ (4) ، فَإِنَّ بِهَا المُبَاحَاتِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى بَابِ البَحْرِ، اكْتَرَانِي رَجُلٌ أَنْطُرُ بُسْتَانَه، فَمَكَثتُ مُدَّةً. قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الخَوَّاصُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ التَّوبَةَ، فَلْيَخرُجْ مِنَ المَظَالِمِ، وَلْيَدَعْ مُخَالطَةَ النَّاسِ، وَإِلاَّ لَمْ يَنَلْ مَا يُرِيْدُ. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: رَآنِي ابْنُ عَجْلاَنَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ سَاجِداً، وَقَالَ: سَجَدتُ للهِ شُكْراً حِيْنَ رَأَيتُكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِمَّنْ   (1) ترجمته في الصفحة: 229. (2) انظر رواية الخبر في " الحلية ": 7 / 368، و" تهذيب ابن عساكر ": 2 / 171 - 172. (3) المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس ... وكانت من مشهور ثغور الإسلام، قد ربط بها الصالحون قديما، وبها بساتين كثيرة، بسقيها جيحان، وكانت ذات سور وخمسة أبواب. " معجم البلدان ". (4) طرسوس: مدينة بثغور الشام، بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 سَمِعَ؟ قَالَ: قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّاسِ، وَلَهُ فَضْلٌ فِي نَفْسِهِ، صَاحِبُ سَرَائِرَ، وَمَا رَأَيتُهُ يُظْهِرُ تَسبِيْحاً، وَلاَ شَيْئاً مِنَ الخَيْرِ، وَلاَ أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ قَطُّ، إِلاَّ كَانَ آخِرَ مَنْ يَرْفَعُ يَدَه (1) . أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ، لَكَانَ رَجُلاً فَاضِلاً (2) . قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: مَا أَعْرِفُ عَالِماً إِلاَّ وَقَدْ أَكَلَ بِدِيْنِهِ، إِلاَّ وُهَيْبَ بنَ الوَرْدِ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، وَيُوْسُفَ بنَ أَسْبَاطٍ، وَسَلْمَ الخَوَّاصَ. قَالَ شَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: تَرَكتَ خُرَاسَانَ؟ قَالَ: مَا تَهنَّأتُ بِالعَيْشِ إِلاَّ فِي الشَّامِ، أَفِرُّ بِدِيْنِي مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، فَمَنْ رَآنِي يَقُوْلُ: مُوَسْوَسٌ، وَمَنْ رَآنِي يَقُوْلُ: جَمَّالٌ، يَا شَقِيْقُ! مَا نَبُلَ عِنْدَنَا مَنْ نَبُلَ بِالجِهَادِ وَلاَ بِالحجِّ، بَلْ كَانَ بِعَقْلِ مَا يَدْخُلُ بَطْنَه (4) . قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ: مُنْذُ كَمْ قَدِمتَ الشَّامَ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا جِئْتُ لِربَاطٍ وَلاَ لِجِهَادٍ، جِئْتُ لأَشبَعَ مِنْ خُبْزِ الحَلاَلِ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: الزُّهْدُ فَرضٌ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَرَامِ، وَزُهْدُ سَلاَمَةٍ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الشُّبُهَاتِ، وَزُهْدُ فَضْلٍ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَلاَلِ (5) .   (1) انظر: البداية والنهاية ": 10 / 137. (2) تتمة الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 136: "..له سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحا، ولا شيئا، ولا أكل مع أحد طعاما إلا كان آخر من يرفع يديه ". والملاحظ أن الذهبي أورد هذا القسم بخبر منفرد قبل قليل. (3) ترجمته في الصفحة: 198. (4) الخبر في: " الحلية ": 7 / 369، و: البداية والنهاية: 10 / 137، و: تهذيب ابن عساكر: 2 / 176. (5) انظر: البداية والنهاية: 10 / 137 - 138، تهذيب ابن عساكر: 2 / 177. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: دَعَانِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ إِلَى طَعَامِه، فَأَتَيْتُهُ، فَجَلَسَ، فَوَضَعَ رِجْلَه اليُسْرَى تَحْتَ أَلْيَتِه، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ جِلْسَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ العَبْدِ، خُذُوا بِسْمِ اللهِ. فَلَمَّا أَكَلْنَا، قُلْتُ لِرَفِيْقِه: أَخْبِرْنِي عَنْ أَشدِّ شَيْءٍ مَرَّ بِكَ مُنْذُ صَحِبْتَه. قَالَ: كُنَّا صِيَاماً، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا مَا نُفطِرُ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحْنَا، فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَنْ نَأْتِيَ الرَّسْتَنَ (1) ، فَنكْرِي أَنْفُسَنَا مَعَ الحَصَّادِيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاكْتَرَانِي رَجُلٌ بِدِرْهَمٍ. فَقُلْتُ: وَصَاحِبِي؟ قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، أَرَاهُ ضَعِيْفاً. فَمَا زِلتُ بِهِ حَتَّى اكْتَرَاهُ بِثُلُثَيْنِ، فَاشْتَرَيتُ مِنْ كِرَائِي حَاجَتِي، وَتَصَدَّقتُ بِالبَاقِي، فَقرَّبتُ إِلَيْهِ الزَّادَ، فَبَكَى، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَاسْتَوفَيْنَا أُجُورَنَا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَوَفَّيْنَا صَاحِبَنَا أَم لاَ؟ فَغضِبتُ، فَقَالَ: أَتَضْمَنُ لِي أَنَّا وَفَّيْنَاهُ، فَأَخَذتُ الطَّعَامَ، فَتصَدَّقتُ بِهِ (2) . وَبِالإِسْنَادِ عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ فِي البَحْرِ، فَهَاجَتْ رِيْحٌ، وَاضْطَرَبتْ السَّفِيْنَةُ، وَبَكَوْا، فَقُلْنَا: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَرَى؟ فَقَالَ: يَا حَيُّ حِيْنَ لاَ حَيَّ، وَيَا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا مُحْسِنُ، يَا مُجْمِلُ! قَدْ أَرَيْتَنَا قُدْرَتَكَ، فَأَرِنَا عَفْوَكَ، فَهَدَأَتِ السَّفِيْنَةُ مِنْ سَاعَتِه (3) . ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَدْهَمَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ أُؤْجَرَ فِي تَرْكِي أَطَايِبَ الطَّعَامِ، لأَنِّيْ لاَ أَشْتَهِيهِ. وَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى طَعَامٍ طَيِّبٍ، قَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ،   (1) الرستن: " بليدة قديمة كانت على نهر " الميماس "، وهذا النهر هو اليوم المعروف بالعاصي، الذي يمر قدام حماة. والرستن بين حماة وحمص في نصف الطريق، بها آثار باقية إلى الآن -[زمن ياقوت]- تدل على جلالتها ". " معجم البلدان ". (2) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 379 - 380. (3) انظر رواية " الحلية ": 8 / 5 - 6، 8 / 7 - 8، والبداية والنهاية ": 10 / 140. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 وَقَنَعَ بِالخُبْزِ وَالزَّيْتُوْنِ. مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: لَوْ تَزَوَّجتَ؟ قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي، لَفَعَلْتُ (1) . عَنْ خَلَفِ بنِ تَمِيْمٍ، قَالَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيْمُ الجَبَلَ، وَاشْتَرَى فَأْساً، فَقَطَعَ حَطَباً، وَبَاعَهُ، وَاشْتَرَى نَاطِفاً (2) ، وَقَدَّمَه إِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَكَلُوا، فَقَالَ يُبَاسِطُهُم: كَأَنَّكُم تَأْكُلُوْنَ فِي رَهْنٍ. عِصَامُ بنُ رَوَّادِ بنِ الجَرَّاحِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كُنْتُ لَيْلَةً مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِبَاكُورَةٍ، فَنَظَرَ حَوْلَهُ هَلْ يَرَى مَا يُكَافِئُه، فَنَظَرَ إِلَى سَرْجِي، فَقَالَ: خُذْ ذَاكَ السَّرْجَ. فَأَخَذَهُ، فَسُرِرتُ حِيْنَ نَزَلَ مَالِي بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ (3) . قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ بَنِي عِجْلٍ، كَرِيْمَ الحَسَبِ، وَإِذَا حَصدَ، ارْتَجَزَ، وَقَالَ: اتَّخِذِ اللهَ صَاحِباً ... وَدَعِ النَّاسَ جَانِباً (4) وَكَانَ يَلْبَس فَرْواً بِلاَ قَمِيْصٍ، وَفِي الصَّيْفِ شَقَّتَيْنِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ: إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَيَصُومُ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلاَ يَنَامُ اللَّيْلَ، وَكَانَ يَتفكَّرُ، وَيَقْبِضُ أَصْحَابُهُ أُجرَتَه، فَلاَ يَمَسُّهَا بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: كُلُوا بِهَا شَهَوَاتِكُم. وَكَانَ يَنْطُرُ (5) ،   (1) في " البداية والنهاية ": 10 / 138: " لطلقتها ". (2) الناطف: ضرب من الحلوى، يصنع من اللوز والجوز والفستق، ويسمى أيضا: القبيط. قال أبو نواس: يقول والناطف في كفه * من يشتري الحلو من الحلو (3) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 384. (4) في " الحلية ": 7 / 373، و" البداية والنهاية ": 10 / 144، و" تهذيب ابن عساكر ": 2 / 182 - 183. (5) كذلك عمل بالنطارة سفيان الثوري، وهو من مشاهير علماء الحديث. انظر: ص 259. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 وَكَانَ يَطحَنُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ. قَالَ أَبُو يُوْسُفَ الغَسُّوْلِيُّ: دَعَا الأَوْزَاعِيُّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، فَقصَّرَ فِي الأَكلِ، فَقَالَ: لِمَ قَصَّرتَ؟ قَالَ: رَأَيتُكَ قَصَّرتَ فِي الطَّعَامِ (1) . بِشْرٌ الحَافِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا قَعَدَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، تَحرَّزَ مِنَ الكَلاَمِ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ. قُلْتُ: عَلاَمَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحبُّ شُهرَةً، وَلاَ يَشعُرُ بِهَا، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لاَ يَحرَدُ وَلاَ يُبرِّئُ نَفْسَه، بَلْ يَعترِفُ، وَيَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إِلَيَّ عُيُوبِي، وَلاَ يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ؛ لاَ يَشعرُ بِعُيُوبِهَا، بَلْ لاَ يَشعرُ أَنَّهُ لاَ يَشعرُ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ. عِصَامُ بنُ رَوَّادٍ: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ حَازِمٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا بِمَكَّةَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ (2) ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً، مُسْتكمِلَ الإِيْمَانِ، يَهزُّ الجَبَلَ لَتَحَرَكَ. فَتَحَرَّكَ أَبُو قُبَيْسٍ، فَقَالَ: اسْكُنْ، لَيْسَ إِيَّاكَ أَرَدْتُ (3) . قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَم يَجْتَنِي الرُّطَبَ مِنْ شَجَرِ البَلُّوْطِ.   (1) تتمة الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 138 - 139: " ثم عمل إبراهيم طعاما كثيرا، ودعا الاوزاعي، فقال الاوزاعي: أما تخاف أن يكون سرفا؟ فقال: لا، إنما السرف ما كان في معصية الله، فأما ما أنفقه الرجل على إخوانه فهو ومن الدين ". وانظر أيضا: " تهذيب ابن عساكر ": 2 / 183. (2) أبو قبيس: جبل مشرف على مسجد مكة. (3) انظر: " الحلية ": 8 / 4. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 وَعَنْ مَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ أَدْهَم: مَا تَبلُغُ مِنْ كَرَامَةِ المُؤْمِنِ؟ قَالَ: أَنْ يَقُوْلَ لِلْجَبَلِ: تَحرَّكْ، فَيَتحَرَّكُ. قَالَ: فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ، فَقَالَ: مَا إِيَّاكَ عَنَيْتُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، قَالَ: كُلُّ مَلِكٍ لاَ يَكُوْنُ عَادِلاً، فَهُوَ وَاللِّصُّ سَوَاءٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ لاَ يَكُوْنُ تَقِيّاً، فَهُوَ وَالذِّئْبُ سَوَاءٌ، وَكُلُّ مَنْ ذَلَّ لِغَيْرِ اللهِ، فَهُوَ وَالكَلْبُ سَوَاءٌ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُلُوْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بنَ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ المُتَوَكِّلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ العَلاَّفِ، حَدَّثَنَا الحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: وَأَيُّ دِيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ! مَنْ طَلَبَ العِلْمَ للهِ، كَانَ الخُمُوْلُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ التَّطَاوُلِ، وَاللهِ مَا الحَيَاةُ بِثِقَةٍ، فَيُرْجَى نَوْمُهَا، وَلاَ المَنِيَّةُ بِعُذرٍ، فَيُؤمَنُ عُذْرُهَا، فَفِيْمَ التَّفْرِيطُ وَالتَّقْصِيْرُ وَالاتِّكَالُ وَالإِبطَاءُ؟ قَدْ رَضِينَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِالمَعَانِي، وَمِنْ طَلَبِ التَّوبَةِ بِالتَّوَانِي، وَمِنَ العَيْشِ البَاقِي بِالعَيْشِ الفَانِي. وَبِهِ: قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: أَمْسَينَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ لَيْلَةً، لَيْسَ لَنَا مَا نَفطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ بَشَّارٍ! مَاذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ مِنَ النَّعِيْمِ وَالرَّاحَةِ، لاَ يَسْأَلُهُم يَوْمَ القِيَامَةَ عَنْ زَكَاةٍ، وَلاَ حَجٍّ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلاَ صِلَةِ رَحِمٍ! لاَ تَغتمَّ، فَرِزقُ اللهِ سَيَأْتِيْكَ، نَحْنُ -وَاللهِ- المُلُوْكُ الأَغْنِيَاءُ، تعجلُنَا الرَّاحَة، لاَ نُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنَّا إِذَا أَطَعنَا اللهَ (2) . ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاَتِه، وَقُمْتُ إِلَى صَلاَتِي، فَإِذَا بِرَجُلٍ قَدْ جَاءَ بِثَمَانِيَةِ أَرْغِفَةٍ، وَتَمْرٍ كَثِيْرٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ: كُلْ يَا مَغْمُوْمُ.   (1) انظر: " البداية والنهاية " 10 / 142. (2) انظر صفحة: 390. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 فَدَخَلَ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ أَرغِفَةٍ مَعَ تَمْرٍ، وَأَعْطَانِي ثَلاَثَةً، وَأَكَلَ رَغِيْفَيْنِ. وَكُنْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا عَلَى قَبْرٍ مُسنَّمٍ، فَترحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا قَبْرُ حُمَيْدِ بنِ جَابِرٍ، أَمِيْرِ هَذِهِ المُدُنِ كُلِّهَا، كَانَ غَارِقاً فِي بِحَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهَا. بَلَغَنِي: أَنَّهُ سُرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِشَيْءٍ، وَنَامَ، فَرَأَى رَجُلاً بِيَدِهِ كِتَابٌ، فَفَتَحَهُ، فَإِذَا هُوَ كِتَابٌ بِالذَّهَبِ: لاَ تُؤثِرَنَّ فَانِياً عَلَى بَاقٍ، وَلاَ تَغتَرَّنَّ بِمُلْكِكَ، فَإِنَّ مَا أَنْتَ فِيْهِ جَسِيْمٌ لَوْلاَ أَنَّهُ عَدِيْمٌ، وَهُوَ مُلْكٌ لَوْلاَ أَنَّ بَعْدَهُ هُلْكٌ، وَفَرَحٌ وَسُرُوْرٌ، لَوْلاَ أَنَّهُ غُرُوْرٌ، وَهُوَ يَوْمٌ لَوْ كَانَ يُوثَقُ لَهُ بَعْدُ، فَسَارِعْ إِلَى أَمْرِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِيْنَ} [آلُ عِمْرَانَ: 133] . فَانتَبَهُ فَزَعاً، وَقَالَ: هَذَا تَنْبِيْهٌ مِنَ اللهِ وَمَوْعِظَةٌ. فَخَرَجَ مِنْ مُلْكِهِ، وَقَصَدَ هَذَا الجَبَلَ، فَعَبَدَ اللهَ فِيْهِ حَتَّى مَاتَ. وَرُوِيَ: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ حَصدَ لَيْلَةً مَا يَحصُدُهُ عَشَرَةٌ، فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ دِيْنَاراً. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: كَيْفَ كَانَ بَدءُ أَمرِكَ؟ قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ. قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْماً. قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ المُلُوْكِ المَيَاسِيْرِ، وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدُ، فَرَكِبتُ، فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحرَّكتُ فَرَسِي، فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرْتَ. فَوَقَفتُ أَنظُرُ يَمنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ. ثُمَّ حَرَّكتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيْمُ! لَيْسَ لِذَا خُلِقتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرتَ. فَوَقَفتُ أَنظُرُ فَلاَ أَرَى أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ. فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قَرَبُوْسِ (1) سَرجِي   (1) القربوس: هو حنو السرج. قال الأزهري: وللسرج قربوسان: فأما القربوس المقدم، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 بِذَاكَ، فَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ، أُنْبِهْتُ، جَاءنِي نَذِيرٌ، وَاللهِ لاَ عَصَيتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي مَا عَصَمنِي اللهُ. فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَخَلَّيتُ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لأَبِي، فَأَخَذتُ جُبَّةً كِسَاءً، وَأَلقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلتُ إِلَى العِرَاقِ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا الحَلاَلُ، فَقِيْلَ لِي: عَلَيْكَ بِالشَّامِ ... ، فَذَكَرَ حِكَايَةَ (1) نِطَارَتِه الرُّمَّانَ. وَقَالَ الخَادِمُ لَهُ: أَنْتَ تَأْكُلُ فَاكِهَتنَا، وَلاَ تَعْرِفُ الحُلْوَ مِنَ الحَامِضِ؟ قُلْتُ: وَاللهِ مَا ذُقْتُهَا. فَقَالَ: أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ. فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَكَرَ صِفَتِي فِي المَسْجِدِ، فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ، فَجَاءَ الخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ (2) مِنَ النَّاسِ، فَاخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجرِ، وَالنَّاسُ دَاخِلُوْنَ، فَاخْتلَطْتُ مَعَهُم وَأَنَا هَاربٌ (3) . قَدْ سُقْتُ أَخْبَارَ إِبْرَاهِيْمَ فِي (تَارِيْخِي) أَزْيَدَ مِمَّا هُنَا، وَأَخْبَارَهُ فِي: (تَارِيْخِ دِمَشْقَ (4)) وَفِي: (الحِلْيَة (5)) ؛ وَتَآلِيْفَ لابْنِ جَوْصَا، وَأَخْبَارَهُ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَأَشْيَاءَ. وثَّقهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَقَبْرُهُ يُزَارُ. وَتَرْجَمَتُه فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) فِي ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ وَرَقَةً.   = ففيه العضدان، وهما رجلا السرج، ويقال لهما: حنواه ... والقربوس الآخر فيه رجلا المؤخرة، وهما حنواه. (اللسان) . (1) انظر الصفحة: 389، و: 390. (2) العنق: الجماعة من الناس والرؤساء. (3) كذلك جرت حادثة مشابهة لهذه مع سفيان الثوري المحدث الفقيه. انظر الصفحة: 259. (4) خ: 2 / 186 آ، وما بعدها. (5) 7 / 367 حتى 8 / 58. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 143 - مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ الحَبَشِيُّ العَرَبِيُّ الشَّامِيُّ * (ع) ابْنِ الإِمَامِ أَبِي سَلاَّمٍ مَمْطُورٍ الحَبَشِيُّ، العَرَبِيُّ، الشَّامِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ زَيْدٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ جَدَّهُ. وَرَوَى أَيْضاً عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بِشْرٍ الحَرِيْرِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، كَانَ يَكُوْن بِحِمْصَ وَبِدِمَشْقَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَعُدُّه مُحَدِّثَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَانِهِ. وَرَوَيْنَا فِي نُسْخَةِ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا سَلاَّمٍ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً مُرسَلاً. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قُلْتُ لَهُ: لِمَنْ وَلاَؤُكَ؟ فَغَضِبَ -يَعْنِي: أَنَّهُ عَرَبِيٌّ-. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ حَمَلَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ كِتَابَ جَدِّه مُنَاولَةً (1) . مَاتَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) التاريخ الكبير: 7 / 335، الجرح والتعديل: 8 / 383، مشاهير علماء الأمصار: 184، تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 332 ب، تهذيب الكمال: خ: 1343 - 1344، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 51، تذكرة الحفاظ: 1 / 242 - 243، عبر الذهبي: 1 / 262، تهذيب التهذيب: 10 / 208 - 209، طبقات الحفاظ: 102 - 103، خلاصة تذهيب الكمال: 381، شذرات الذهب: 1 / 270. (1) تقدم الحديث عن " المناولة " في الصفحة: 304، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 144 - أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الوَزِيْرُ مُعَاوِيَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَسَارٍ الأَشْعَرِيُّ مَوْلاَهُم * الطَّبَرَانِيُّ، الشَّامِيُّ، الكَاتِبُ، أَحَدُ رِجَالِ الكَمَالِ حَزْماً، وَرَأْياً، وَعِبَادَةً، وَخَيْراً. رَوَى عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَنْصُوْرٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ المَهْدِيُّ يُبَالغُ فِي إِجْلاَلِه وَاحْترَامِه، وَيَعتَمِدُ عَلَى رَأْيِه وَتَدبِيْرِه وَحُسنِ سِيَاسَتِه. قَالَ حَفِيْدُهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ: أَبْلَى جَدُّنَا سَجَّادَتَيْنِ، وَشَرَعَ فِي ثَالِثَةٍ مَوْضِعَ رُكْبَتَيْهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِه -رَحِمَهُ اللهُ- وَكَانَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ كُرُّ دَقِيْقٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَلَمَّا وَقَعَ الغَلاَءُ، تَصدَّقَ بِكُرَّيْنِ. قُلْتُ: الكُرُّ يُشبِعُ خَمْسَةَ آلاَفِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ العَدْلِ. وَيُقَالُ: سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَكَانَ مَعَ دِيْنِه فِيْهِ تِيْهٌ وَتعزُّزٌ. حَجَّ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ مُسَلِّماً، فَمَا قَامَ لَهُ، وَلاَ وَفَّاهُ حَقَّه، فَعمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ المَهْدِيِّ، وَرَمَى ابْنَهُ بِالتَّعَرُّضِ لِحُرمِ الهَادِي، فَقَتَلَ المَهْدِيُّ ابْنَهُ، وَقَبضَ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ فِي السِّجْنِ حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ بَسَطتُ مِنْ سِيْرتِه فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) ، وَهُوَ جَدُّ الحَافِظِ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الأَشْعَرِيِّ. 145 - عَافِيَةُ بنُ يَزِيْدَ بنِ قَيْسٍ الأَوْدِيُّ الكُوْفِيُّ الحَنَفِيُّ ** قَاضِي بَغْدَادَ بِالجَانِبِ   (*) تاريخ خليفة: 442، تاريخ بغداد: 13 / 196 - 197، تاريخ ابن عساكر: خ: 16 / 384 ب، تهذيب الكمال: خ: 1344 - 1345، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 52، عبر الذهبي: 1 / 258، تهذيب التهذيب: 10 / 212، خلاصة تذهيب الكمال: 381، شذارت الذهب: 1 / 279. (* *) طبقات ابن سعد: 7 / 331، تاريخ خليفة: 442، تاريخ بغداد: 12 / 307 - 310، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 الشَّرْقِيِّ. كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنْ قُضَاةِ العَدْلِ، نَزعَ فِي الفِقْهِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَمُجَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. رَوَى عَنْهُ: مُوْسَى بنُ دَاوُدَ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ. وَقَلَّمَا رَوَى، لأَنَّهُ مَاتَ كَهْلاً. قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ عَالِماً، زَاهِداً، حَكَمَ مُدَّةً عَلَى سَدَادٍ وَصَونٍ، ثُمَّ اسْتَعفَى مِنَ القَضَاءِ، فَأُعْفِي. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُكتَبُ حَدِيْثُه. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَكَذَلِكَ رَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ الرَّازِيِّ، عَنْهُ: ضَعِيْفٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقِيْلَ: سَبَبُ تَرْكِهِ القَضَاءَ، أَنَّهُ تَثبَّتَ فِي حُكْمٍ، فَأَهدَى لَهُ الخَصْمُ رُطَباً، فَرَدَّهُ، وَزَجَرَهُ، فَلَمَّا حَاكَمَ خَصْمَهُ مِنَ الغَدِ، قَالَ عَافِيَةُ: لَمْ يَسْتَوِيَا فِي قَلْبِي. ثُمَّ حَكَاهَا لِلْخَلِيْفَةِ، وَقَالَ: هَذَا حَالِي وَمَا قَبِلْتُ، فَكَيْفَ لَوْ قَبِلْتُ؟! قَالَ: فَأَعْفَاهُ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.   = تهذيب الكمال: خ: 640 - 641، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 113 - 114، ميزان الاعتدال: 2 / 358، البداية والنهاية: 10 / 176، تهذيب التهذيب: 5 / 60 - 61، خلاصة تذهيب الكمال: 304. (1) انظر: " تاريخ بغداد ": 12 / 308 - 309، و: " البدية والنهاية ": 10 / 176. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 146 - مُفَضَّلُ بنُ مُهَلْهِلٍ السَّعْدِيُّ * (م، س، ق) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مَنْصُوْرٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَمُغِيْرَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَنَحْوِهِم. وَعَنْهُ: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ وَفِقْهٍ. لَمَّا مَاتَ الثَّوْرِيُّ مَضَى أَصْحَابُهُ إِلَى المُفَضَّلِ، فَقَالُوا: تَجْلِسُ لَنَا مَكَانَ أَبِي عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيتُ صَاحِبَكُم يُحمَدُ مَجْلِسُهُ. وَذَكَرَهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَقَالَ: ذَاكَ الرَّاهِبُ قَدِمَ عَلَيْنَا مَعَ سُفْيَانَ. وَوَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ مَنْجَوَيْه: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. رَوَينَا عَنْ: مُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهِلٍ كَلِمَةً نَافِعَةً، قَالَ: اعْمَلْ بِقَلِيْلِ الحَدِيْثِ يُزَهِّدْكَ فِي كَثِيْرِهِ. 147 - المَهْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ المَنْصُوْرِ ** الخَلِيْفَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ المَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ   (*) طبقات ابن سعد: 6 / 381، التاريخ الكبير: 7 / 406، التاريخ الصغير: 2 / 171، الجرح والتعديل: 8 / 316، تهذيب الكمال: خ: 1364 - 1365، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 64، ميزان الاعتدال: 4 / 171، عبر الذهبي: 1 / 250، تهذيب التهذيب: 10 / 275 - 276، خلاصة تذهيب الكمال: 386، شذرات الذهب: 1 / 263. (* *) المعارف: 379 - 380، الطبري: 3 / 172، و6 / 183، 425، 7 / 509، 511، 524، 603، 8 / 7، 9، 25، 29، 37، 39، الوزراء والكتاب: 141 - 166، مروج الذهب: 2 / 246 - 255، تاريخ بغداد: 5 / 391 - 401، الكامل لابن الأثير: 6 / 32 - 34، 81 - 87، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ. مَوْلِدُه: بِإِيْذَجَ (1) مِنْ أَرْضِ فَارِسٍ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ. وَأُمُّهُ: أُمُّ مُوْسَى الحِمْيَرِيَّةُ. كَانَ جَوَاداً، مِمدَاحاً، مِعْطَاءً، مُحَبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، قَصَّاباً فِي الزَّنَادِقَةِ، بَاحِثاً عَنْهُم، مَلِيحَ الشَّكْلِ. قَدْ مرَّ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ) . وَلَمَّا اشْتدَّ، وَلاَّهُ أَبُوْهُ مَمْلَكَةَ طَبَرِسْتَانَ، وَقَدْ قَرَأَ العِلْمَ، وَتَأَدَّبَ، وَتَمَيَّزَ. غَرِمَ أَبُوْهُ أَمْوَالاً حَتَّى اسْتَنْزَلَ وَلِيَّ العَهْدِ ابْنَ أَخِيْهِ عِيْسَى بنَ مُوْسَى مِنَ العَهْدِ لِلْمَهْدِيِّ، وَلَمَّا مَاتَ المَنْصُوْرُ، قَامَ بِأَخذِ البَيْعَةِ لِلْمَهْدِيِّ الرَّبِيْعُ بنُ يُوْنُسَ (2) الحَاجِبُ. وَكَانَ المَهْدِيُّ أَسْمَرَ، مَلِيْحاً، مُضْطَرِبَ الخَلْقِ، عَلَى عَيْنِهِ بَيَاضٌ، جَعْدَ الشَّعرِ، وَنَقْشُ خَاتَمِه: اللهُ ثِقَةُ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ نُؤمِنُ. يَقْطُوْنَه: أَنْبَأَنَا أَبُو العَبَّاسِ المَنْصُوْرِيُّ، قَالَ: لَمَّا حَصَلتِ الخَزَائِنُ فِي يَدِ المَهْدِيِّ، أَخَذَ فِي رَدِّ المَظَالِمِ، فَأَخَرَجَ أَكْثَرَ الذَّخَائِرِ، فَفَرَّقَهَا، وَبرَّ أَهْلَه وَمَوَالِيْهِ. فَقِيْلَ: فَرَّقَ أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ أُثنِيَ عَلَيْهِ بِالشَّجَاعَةِ، فَقَالَ: لِمَ لاَ أَكُوْنُ شُجَاعاً؟ وَمَا خِفتُ أَحَداً إِلاَّ اللهَ -تَعَالَى-.   = عبر الذهبي: 1 / 230 - 231، 234، 240، 247، 254 - 255، الوافي بالوفيات: 3 / 300 - 302، البداية والنهاية: 10 / 129 - 131، تاريخ الخلفاء: 271 - 279، شذرات الذهب: 1 / 230، 245، 247، 248، 266 - 269. (1) إيذج: كورة وبلد بين خوزستان وأصبهان، وهي أجل مدن الكورة، وسلطانها يقوم بنفسه، وهي في وسط الجبال، يقع بها ثلج كثير، يحمل إلى الاهواز والنواحي. " معجم البلدان ". (2) تقدمت ترجمته في الصفحة: 335. (3) انظر رواية " تاريخ بغداد ": 5 / 392 - 393، و: " الكامل " لابن الأثير: 6 / 84. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَنَّ المَهْدِيَّ كَتَبَ إِلَى الأَمصَارِ يَزجُرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَعَنْ يُوْسُفَ الصَّائِغِ، قَالَ: رَفَعَ أَهْلُ البِدَعِ رُؤُوْسَهُم، وَأَخَذُوا فِي الجَدَلِ، فَأَمَرَ بِمَنعِ النَّاسِ مِنَ الكَلاَمِ، وَأَنْ لاَ يُخَاضَ فِيْهِ. قَالَ دَاوُدُ بنُ رَشِيْدٍ: هَاجَتْ رِيْحٌ سَوْدَاءُ، فَسَمِعْتُ سَلَماً الحَاجِبَ يَقُوْلُ: فُجِعْنَا أَنْ تَكُوْنَ القِيَامَةُ، فَطَلَبتُ المَهْدِيَّ فِي الإِيوَانِ، فَلَمْ أَجِدْه، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ، سَاجِدٌ عَلَى التُّرَابِ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تُشَمِّتْ بِنَا أَعْدَاءنَا مِنَ الأُمَمِ، وَلاَ تُفْجِعْ بِنَا نَبِيَّنَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَخَذْتَ العَامَّةَ بِذَنْبِي، فَهَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ. فَمَا أَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى انْجَلَتْ (1) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ عَلَى المَهْدِيِّ شَرِيْفٌ، فَوَصَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أَنْتَهِي إِلَى غَايَةِ شُكرِكَ، إِلاَّ وَجَدْتُ وَرَاءهَا غَايَةً مِنْ مَعْرُوْفِكَ، فَمَا عَجَزَ النَّاسُ عَنْ بُلُوْغِه فَاللهُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ. وَعَنِ الرَّبِيْعِ: أَنَّ المَنْصُوْرَ فَتحَ يَوْماً خَزَائِنَه مِمَّا قَبضَ مِنْ خَزَائِنِ مَرْوَانَ الحِمَارِ (2) ، فَأَحْصَى مِنْ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ عِدْلِ خَزٍّ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا ثَوْباً، فَقَالَ لِي: فَصِّلْ مِنْهُ جُبَّةً، وَلِمُحَمَّدٍ جُبَّةً وَقَلَنْسُوَةً. وَبَخِلَ بِإِخْرَاجِ ثَوْبٍ لِلْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا وَلِي المَهْدِيُّ، أَمَرَ بِذَلِكَ كُلِّه، فَفُرِّقَ عَلَى المَوَالِي وَالخَدَمِ. وَقِيْلَ: كَانَ كَثِيْرَ التَّولِيَةِ وَالعَزلِ بِغَيْرِ كَبِيْرِ سَبَبٍ، وَيُبَاشِرُ الأُمُورَ بِنَفْسِهِ، وَأَطلَقَ خَلقاً مِنَ السُّجُونِ، وَزَادَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَزَخْرَفَه. أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ   (1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد ": 5 / 400. (2) مروان الحمار: هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي. وقد تقدم الحديث عنه في الصفحة: 19، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 لِي المَهْدِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! لَكَ دَارٌ؟ قُلْتُ: لاَ. فَأَمَرَ لِي بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَصَلَ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ بِإِسْنَادٍ: أَنَّ المَهْدِيَّ أَعْطَى رَجُلاً مَرَّةً مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَجَوَائِزُهُ كَثِيْرَةٌ مِنْ هَذَا النَّمطِ. وَأَجَازَ مَرَّةً مَرْوَانَ بنَ أَبِي حَفْصَةَ بِسَبْعِيْنَ أَلْفاً. وَلَيْسَ هَذَا الإِسْرَافُ مِمَّا يُحْمَدُ عَلَيْهِ الإِمَامُ. وَكَانَ مُسْتَهْتِراً (1) بِمَوْلاَتِه الخَيْزُرَانِ، وَكَانَ غَارِقاً كَنَحْوِهِ مِنَ المُلُوْكِ فِي بَحْرِ اللَّذَّاتِ، وَاللَّهْوِ وَالصَّيْدِ، وَلَكِنَّهُ خَائِفٌ مِنَ اللهِ، مُعَادٍ لأُولِي الضَّلاَلَةِ، حَنِقٌ عَلَيْهِم. تَمَلَّكَ عَشْرَ سِنِيْنَ وَشَهراً وَنِصْفاً، وَعَاشَ ثَلاَثاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ بِمَاسَبَذَانَ (2) ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ (3) ، وَبُوْيِعَ ابْنُهُ الهَادِي. 148 - النَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم * (د، ت) الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو رَوْحٍ - وَقِيْلَ: أَبُو عُمَرَ - البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم، الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ. رَأَى: أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بنَ وَاثِلَةَ. وَرَوَى عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،   (1) مستهترا بمولاته: مولعا بها، لا يبالي بما قيل فيه. يقال: أهتر بفلانة، واستهتر بها: أي فتن بها. وليس كما يظنها بعضهم بمعنى الاستخفاف والهزء. (2) ما سبذان: قال الحميري في " الروض المعطار ": هي أحد فروج الكوفة، وهي بالقرب من هيت. (وانظر: معجم البلدان) . (3) انظر سبب وفاته في: " الكامل: لابن الأثير: 6 / 81 - 82، " شذرات الذهب ": 1 / 266 - 269، وفي ترجمة الهادي، هنا، في الصفحة: 441. (*) التاريخ الكبير: 8 / 89، الجرح والتعديل: 8 / 475، مشاهير علماء الأمصار: 186، تاريخ ابن عساكر: خ: 17 / 283 ا، تهذيب الكمال: خ: 1412، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 97، تهذيب التهذيب: 10 / 442 - 443، خلاصة تذهيب الكمال: 402. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 وَمَكْحُوْلٍ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيِّ بنِ نُفَيْلٍ، وَعِدَّةٍ. وَيَنْزِل إِلَى أَنْ يَرْوِي عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، طَالَ عُمُرُهُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيْعٌ، وَسُفْيَانُ بنُ سَعِيْدٍ الثَّوْرِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَه - وَأَبُو أُسَامَةَ، وَالمُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَبِشْرُ بنُ عُبَيْسِ بنِ مَرْحُوْمٍ العَطَّارُ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَجَبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سَوَّارٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم: أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ. قَالَ خَلِيْفَةُ: النَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ العَامِرِيُّ، وَيُقَالُ: مَوْلَى حَاتِمِ بنِ النُّعْمَانِ البَاهِلِيِّ (1) . رَوَى: عَبَّاسٌ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَعِدَّةٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، أَسندَ حَدِيْثاً وَاحِداً. وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحُ الحَدِيْثِ. أَظُنُّ أَبَا حَاتِمٍ أَرَادَ أَنَّهُ وَهِمَ فِي رِوَايَةِ حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، فَأَسنَدَه، وَصَوَابُه مَوْقُوْفٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ أَيْضاً: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   (1) طبقات خليفة: 320، وقد تحرف فيه " عربي " إلى " عدي ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: رَأَيتُ لَهُ أَحَادِيْثَ مُسْتقِيْمَةً عَمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ - فَشَذَّ -: كَانَ ضَعِيْفَ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنْبَأَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الأَسَعْدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ البَحِيْرِيُّ، وَأَنْبَأَنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ السَّمْعَانِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الصّرَامُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَيْدٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا وُضِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَحدِهِ، وُضِعَ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْدِ قَطِيْفَةٌ كَانَتْ لَهُ، بَيْضَاءُ بَعْلَبَكِّيَّةٌ (1) . حَسَنٌ، غَرِيْبٌ (2) . وَابْنُ مُعَيْدٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، بِالضَّمِّ، بِوَزنِ عُبَيْدٍ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ.   (1) الخبر في " تاريخ ابن عساكر " خ: " اخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر، أخبرنا أبو القاسم بن مسعدة، أخبرنا حمزة بن يوسف، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، أخبرنا أحمد بن هارون البرديجي، أخبرنا محمد بن يحيى بن كثير، أخبرنا عبد الله بن معيد الحراني، أخبرنا النضر بن عربي عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طرح في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة له بيضاء بعلبكية " (2) فيه أن مسلما أخرجه في " صحيحه ": (967) ، في الجنائز: باب جعل القطيفة في القبر، والنسائي: 4 / 81، في الجنائز: باب وضع الثوب في اللحد، من طريق شعبة، عن أبي جمرة عن ابن عباس، قال: جعل في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء. قال الزرقاني في " شرح المواهب ": 5 / 330: وضعها مولاه شقران، وقال: والله لا يلبسه أحد بعدك، فوضعها خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - كما قال وكيع، فقد كره جمهور العلماء وضع قطيفة أو مضربة، أو مخدة، أو نحو ذلك في القبر وتحت الميت، وشذ البغوي فجوزه، والصواب: الكراهة. وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك، ولم يوافقه أحد من الصحابة، ولا علموا بذلك، وإنما فعل ذلك كراهة أن يلبسها أحد بعده، قاله النووي. وقد قال ابن عبد البر: إنها أخرجت لما فرغوا من وضع اللبنات التسع، ورجحه الحافظ ابن حجر، وشيخه الحافظ العراقي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 149 - صَالِحُ بنُ رَاشِدٍ * أَبُو عَبْدِ اللهِ نَصْر بن مَسْتُورٍ. سَمِعَ: الحَسَنَ، وَمَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ، وَعَاصِمَ بنَ رَزِيْنٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُوْسَى التَّبُوْذَكِيُّ، وَغَيْرُهُم. ذَكَرَهُ: البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) ، وَسَكَتَ عَنْ حَالِهِ. 150 - شَيْبَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيُّ النَّحْوِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُم، النَّحْوِيُّ، البَصْرِيُّ المُؤَدِّبُ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، ثُمَّ بَغْدَادَ. رَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ - وَذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ - وَعَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَقَتَادَةَ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَمَنْصُوْرٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَهِلاَلٍ الوَزَّانِ، وَثَابِتٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: أَبُو حَنِيْفَةَ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ،   (*) التاريخ الكبير: 4 / 279، الضعفاء: خ: 187، الجرح والتعديل: 4 / 401، تاريخ الإسلام: 6 / 202، ميزان الاعتدال: 2 / 294. (1) التاريخ الكبير: 4 / 279. (* *) طبقات ابن سعد: 6 / 377، طبقات خليفة: 168، 327، التاريخ الكبير: 4 / 254، الجرح والتعديل: 4 / 355 - 356، مشاهير علماء الأمصار: 170، تاريخ بغداد: 9 / 271 - 274، إنباه الرواة: 2 / 72 - 73، تهذيب الكمال: خ: 592 - 593، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 84، تذكرة الحفاظ: 1 / 218، ميزان الاعتدال: 2 / 285، عبر الذهبي: 1 / 243، تهذيب التهذيب: 4 / 373 - 374، طبقات الحفاظ: 92 - 93، خلاصة تذهيب الكمال: 168، شذرات الذهب: 1 / 259. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَسَعْدُ بنُ حَفْصٍ الضَّخْمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا أَقْرَبَ حَدِيْثَهُ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ (1) أَكْبَرَ عِنْدَكَ مِنْ شَيْبَانَ؟ قَالَ: هِشَامٌ أَرْفَعُ، هِشَامٌ حَافِظٌ، وَشَيْبَانُ صَاحِبُ كِتَابٍ. قِيْلَ: فَحَرْبُ بنُ شَدَّادٍ (2) ؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَشَيْبَانُ أَرْفَعُ هَؤُلاَءِ عِنْدِي، شَيْبَانُ صَاحِبُ كِتَابٍ صَحِيْحٍ، قَدْ رَوَى شَيْبَانُ عَنِ النَّاسِ (3) ، فَحَدِيْثُه صَالِحٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: شَيْبَانُ ثَبتٌ فِي كُلِّ المَشَايِخِ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: شَيْبَانُ أَثْبَتُ فِي حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: شَيْبَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَعْمَرٍ فِي قَتَادَةَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: شَيْبَانُ مَا حَالُهُ فِي الأَعْمَشِ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: شَيْبَانُ صَاحِبُ حُرُوْفٍ وَقِرَاءاتٍ، مَشْهُوْرٌ بِذَلِكَ، كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُهُ (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، يُكتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ.   (1) ترجمته في الصفحة: 149. (2) ترجمته في الصفحة: 194. (3) زيادة من " تاريخ بغداد ": 9 / 372. (4) تتمه الخبر في " تاريخ بغداد ": 9 / 273: " وزعم أنه بصري انتقل إلى الكوفة ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَسْكَرِيُّ: شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ نُسِبَ إِلَى بَطْنٍ يُقَالُ لَهُم: بَنُو نَحْوٍ، وَهُم بَنُو نَحْوِ بنِ شُمسٍ - بِضَمِّ الشِّيْنِ -؛ بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ. وَذَكَرَ: ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: أَنَّ المَنْسُوبَ إِلَى القَبِيْلَةِ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ النَّحْوِيُّ، لاَ شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لأَنَّهُ تَمِيْمِيٌّ، لاَ أَزْدِيٌّ (1) . وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ حَدِيْثٌ، سُقتُهُ فِي أَخْبَارِ شُعْبَةَ (2) . وَأَجَازَ لَنَا جَمَاعَةٌ سَمِعُوا ابْنَ طَبَرْزَدْ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البِرْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى جُلِيَ عَنِ الشَّمْسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا سَجَدَ سُجُوداً قَطُّ، وَلاَ رَكَعَ رُكُوعاً قَطُّ أَطْوَلَ مِنْهُ (3) . قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ فِيْهِ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ شَيْبَانُ فِي خِلاَفَةِ المَهْدِيِّ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا قَالَ: يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَمُطَيَّنٌ.   (1) انظر: " تاريخ بغداد ": 9 / 271 - 272. (2) انظر: صفحة: 218. (3) رجاله ثقات وإسناده صحيح. أبو نعيم هو الفضل بن دكين. ويحيى هو ابن أبي كثير. وأخرجه البخاري: 2 / 446، في الكسوف: باب طول السجود في الكسوف، من طريق أبي نعيم، عن شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو. وأخرجه مسلم: (910) ، في الكسوف: باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، من طريقين، عن يحيى ابن أبي كثير، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 151 - عِيْسَى بنُ عَلِيِّ ابْنِ تَرْجُمَانِ القُرْآنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * الأَمِيْرُ، عَمُّ المَنْصُوْرِ، وَإِلَيْهِ يُنْسبُ نَهْر عِيْسَى (1) ، وَقَصْرُ عِيْسَى (2) . يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ. وَعَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ إِسْحَاقُ وَدَاوُدُ، وَهَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيُّ. وَكَانَ يَرجِعُ إِلَى عِلْمٍ وَدِيْنٍ وَتَقْوَىً، خَدَمَ أَبَاهُ، وَلَمْ يَلِ شَيْئاً تَوَرُّعاً، وَكَانَ فِيْهِ بَعْضُ الاَنقطَاعِ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ جَمِيْلٌ، وَيَعتَزِلُ السُّلْطَانَ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: هُوَ صَاحِبُ حَدِيْثِ: (يُمْنُ الخَيْلِ فِي شُقْرِهَا (3)) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيْبٌ.   (*) تهذيب المكال: خ: 1082، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 129، تاريخ الإسلام: 6 / 264، عبر الذهبي: 1 / 242، تهذيب التهذيب: 8 / 221 - 222، خلاصة تهذيب الكمال: 303، شذرات الذهب: 1 / 257، 258. (1) نهر عيسى: كورة، وقرى كثيرة، وعمل واسع في غربي بغداد، يعرف بهذا الاسم، ومأخذه من الفرات عند قنطرة دمما ... وهو نهر على متنزهات وبساتين كثيرة. وقد قالت فيه الشعراء فأكثروا. قال علي بن معمر الواسطي (ت: 609 هـ) : يا نهر عيسى إلى عيسى نسبت وما * نسبت إلا بتحقيق وإيضاح فإنه بك إحياء القلوب كما * عيسى المسيح به إحياء أرواح " معجم البلدان ". (2) قصر عيسى: هو أول قصر بناه الهاشميون في أياه المنصور ببغداد، وكان على شاطئ نهر الرفيل، عند مصبه في دجلة، وهو اليوم -[زمن ياقوت]- في وسط العمارة من الجانب الغربي، وليس للقصر أثر الآن -[زمن ياقوت أيضا]- إنما هناك محلة كبيرة ذات سوق تسمى: قصر عيسى. (انظر المصدر السابق) . (3) أخرجه أحمد: (2454) ، والترمذي:. (1695) ، في الجهاد: باب ما جاء ما يستحب من الخليل، وأبو داود: (2545) ، في الجهاد: باب ما يستحب من ألوان الخليل. وسنده حسن كمال قال الترمذي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 قَالَ الخُطَبِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ. 152 - صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ أَبُو نَافِعٍ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، د، س، ت) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو نَافِعٍ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُم. وَقِيْلَ: مَوْلَى بَنِي هِلاَلٍ البَصْرِيِّ، شَيْخٌ، مُعَمَّرٌ، صَدُوْقٌ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ (1) ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: صَالِحٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: إِنَّمَا يُتَكَلَّمُ فِيْهِ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهُ سَقَطَ كِتَابُهُ. قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ البُخَارِيِّ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ المُعَلِّمُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنِي صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 275 - 276، طبقات خليفة: 223، التاريخ الكبير: 4 / 312، الجرح والتعديل: 4 / 427، تهذيب الكمال: خ: 603 - 604، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 90، تهذيب التهذيب: 4 / 410 - 411، خلاصة تذهيب الكمال: 172. (1) عائشة بنت سعد بن أبي وقاص: من ثقات راويات الحديث. من بني زهرة، كانت إقامتها بالمدينة، رأت ستا من أمهات المؤمنين. وأخذ عنها عدد من العلماء وفاتها سنة (117 هـ) . (عن أعلام الزركلي) . انظر ترجمتها في: تاريخ الإسلام: 4 / 262، لسان الميزان: 7 / 527، خلاصة تذهيب الكمال: 493، شذارت الذهب: 1 / 154. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اطَّلَعْتُ -يَعْنِي: فِي الجَنَّةِ- فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِيْنَ، وَاطَّلَعْتُ إِلَى - أَوْ: فِي - النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ (1)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَاهُ شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ مِثْلُ حَدِيْثِ صَخْرٍ. وَرَوَاهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، وَقَالَ عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْهُ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) . 153 - مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ مَوْلاَهُم * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ العَادلُ، نَائِبُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ لأَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ سَنَوَاتٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ كَثِيْراً، وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَه بِمُدَّةٍ - وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ القَدَّاحُ، وَسُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ البَصْرِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو   (1) إسناده صحيح. وأخرجه مسلم: (2737) ، في أول الرقاق، من طريق زهير بن حرب، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس. وأخرجه البخاري من طريق أبي رجاء، عن عمران بن الحصين: 6 / 229، في بدء الخلق، و: 9 / 262، في النكاح، و: 11 / 238، في الرقاق، و: 360، فيه أيضا. (2) انظر: " الفتح ": 11 / 238 - 239. (*) طبقات خليفة: 296، تاريخ خليفة: 437، التاريخ الكبير: 7 / 289، التاريخ الصغير: 2 / 159، المعرفة والتاريخ: 1 / 151، الجرح والتعديل: 8 / 153 - 154، مشاهير علماء الأمصار: 190، تهذيب الكمال: خ: 1390، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 82، ميزان الاعتدال: 4 / 215، عبر الذهبي: 1 / 242، تهذيب التهذيب: 10 / 363 - 364، النجوم الزاهرة: 2 / 25 - 37، خلاصة تذهيب الكمال: 392، شذرات الذهب: 1 / 258. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَرَوْحُ بنُ صَلاَحِ بنِ سيَابَةَ المَوْصِلِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَطَلْقُ بنُ السَّمْحِ، وَبَكْرُ بنُ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: القَاسِمُ بنُ هَانِئ بنِ نَافِعٍ العَدَوِيُّ الضَّرِيْرُ. وَمَا ظَفِرَ الخَطِيْبُ (1) فِي (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ) ، بِغَيْرِ سَعْدِ بنِ يَزِيْدَ الفَرَّاءِ، شَيخٍ لِلْحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ، تُوُفِّيَ مَعَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالعِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، يُتقِنُ حَدِيْثَه، لاَ يَزِيْدُ وَلاَ يَنْقصُ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، كَانَ مِنْ ثِقَاتِ المِصْرِيِّينَ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: وُلِدَ بِإِفْرِيْقِيَةَ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَمَاتَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا قَالَ فِي مَوْتِه: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَطَائِفَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: كَانَتْ مُدَّةُ إِمْرَتِه عَلَى إِقْلِيْمِ مِصْرَ سِتَّةَ أَعْوَامٍ وَشَهْرَيْنِ. وَأَمَّا أَبُوْهُ: 154 - عُلَيُّ بنُ رَبَاحِ بنِ قَصِيْرِ بن قَشِيْبِ بنِ يثيع * (م، 4) الثِّقَةُ، العَالِمُ، وَاسْمُهُ: عَلِيٌّ، وَإِنَّمَا   (1) هو: أحمد بن علي الخطيب، صاحب " تاريخ بغداد " وكتابه " السابق واللاحق " لم يطبع بعد، توجد منه نسخة في دار الكتب المصرية في 148 ورقة تحت رقم (381 مصطلح الحديث) ذكر الخطيب محتواه في مقدمته، فقال: هذا كتاب ضمنته ذكر من اشتراك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا، وسميته كتاب " السابق واللاحق " إشارة إلى لحاق المتأخر بالمتقدم في روايته وإن كان غير معدود في أهل عصره. (*) تهذيب الكمال: خ: 969، تذهيب التهذيب: 3 / 61، عبر المؤلف: 1 / 141، تهذيب = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 صُغِّرَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ إِذَا سَمِعُوا بِمَوْلُوْدٍ اسْمُهُ عَلِيٌّ، قَتَلُوْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَبَاحاً، فَقَالَ: هُوَ عُلَيٌّ. قُلْتُ: عُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ وُلِدَ فِي صَدْرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، فَلَعَلَّهُ غيِّرَ وَهُوَ شَابٌّ، لَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ. قَدْ رَوَى عَنْ: عَمْرِو بنِ العَاصِ - فَكَانَ آخرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ فِيْمَا عَلِمتُ - وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَطَالَ عُمُرُهُ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ: وَلدُهُ؛ مُوْسَى بنُ عُلَيٍّ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَحُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَمَعْرُوْفُ بنُ سُوَيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ مُؤَدِّبِي، فَسَمِعْتُهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: قُتِلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانُ، وَكُنْتُ بِالشَّامِ. وَأَمَّا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: فَذَكَرَ أَنَّ مَوْلِدَه عَامَ اليَرْمُوْكِ. قَالَ: وَذَهَبتْ عَيْنُهُ يَوْمَ ذَاتِ الصَّوَارِي (1) فِي البَحْرِ، مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ (2) . قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ الَّذِي زَفَّ أُمَّ البنِيْنَ بِنْتَهُ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا الوَلِيْدِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ العَزِيْزِ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ وَأَبعَدَهُ، فَأَغْزَاهُ إِفْرِيْقِيَةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ.   = التهذيب: 7 / 318 - 319، خلاصة تذهيب الكمال: 273، شذرات الذهب: 1 / 149، أخبار سنة (114) هـ وهذه الترجمة مكررة، فقد ترجمه المؤلف في الجزء الخامس من كتابه هذا ص 101. (1) ذات الصواري: معركة بحرية كبيرة جرت بين أسطول المسلمين بقيادة ابن أبي سرح وبين أسطول الروم، انتصر فيها المسلمون. (2) وكذلك قال في " تاريخ الإسلام " 2 / 117، أما الطبري، فذكرها في تاريخه 4 / 288: في حوادث سنة إحدى وثلاثين استنادا إلى قول الواقدي، ونقل عن أبي معشر أنها كانت سنة أربع وثلاثين، وقال ابن الأثير في " الكامل " 3 / 117 في حوادث سنة إحدى وثلاثين: قيل: وفي هذه السنة كانت غزوة الصواري، وقيل: كانت سنة أربع وثلاثين وقيل: في سنة إحدى وثلاثين ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. 155 - سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنِ بنِ رَبِيْعَةَ الأَزْدِيُّ * (خَ، م) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو رَوْحٍ الأَزْدِيُّ، النَّمَرِيُّ، البَصْرِيُّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِنَّمَا سَلاَّمٌ لَقَبُهُ، وَاسْمُهُ: سُلَيْمَانُ. رَوَى عَنْ: الحَسَنِ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَعَقِيْلِ بنِ طَلْحَةَ، وَقَتَادَةَ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَبِشْرِ بنِ حَرْبٍ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَعِدَّةٍ. وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ، وَلَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْن) حَدِيْثٌ عَنْ ثَابِتٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَشَيْبَانُ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَجَمْعٌ كَبِيْرٌ. قَالَ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كَانَ مِنْ أَعَبْدِ أَهْلِ زَمَانِه. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ سَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ (1) ، فَقَالَ: جَمِيْعاً ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنَّ سَلاَّمَ بنَ مِسْكِيْنٍ أَكْثَرُ حَدِيْثاً، وَابْنُ أَبِي مُطِيْعٍ صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. قِيْلَ: مَاتَ سَلاَّمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ: مَاتَ فِي   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 283، طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 4 / 134، التاريخ الصغير: 2 / 168 - 169، الجرح والتعديل: 4 / 258، مشاهير علماء الأمصار: 157، تهذيب الكمال: خ: 566 - 567، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 66 - 67، ميزان الاعتدال: 2 / 181، عبر الذهبي: 1 / 250، تهذيب التهذيب: 4 / 286 - 287، خلاصة تذهيب الكمال: 160، شذرات الذهب: 1 / 263. (1) ترجمته في الصفحة: 428. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ، سِوَى التِّرْمِذِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَذْهَبُ إِلَى القَدَرِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المَسْلَمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي فَضَالَةَ، قَالَ: كَانَ بَعْضُ المُهَاجِرِيْنَ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أَخَافُ المُسْلِمَ، وَلاَ أَخَافُ الكَافِرَ؛ أَمَّا المُسْلِمُ، فَيَحْجُزُهُ إِسْلاَمُهُ، وَأَمَّا الكَافِرُ، فَقَدْ أَذَلَّهُ اللهُ، وَلَكِنْ كَيْفَ لِي بِالمُنَافِقِ؟ 156 - سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ أَبُو سَعِيْدٍ القَيْسِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو سَعِيْدٍ القَيْسِيُّ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ، مِنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ - أَوِ ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ - أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالمَدِيْنَةِ، فَتَرَاءيْنَا الهِلاَلَ، وَكُنْتُ رَجُلاً حَدِيْدَ البَصْرِ، فَرَأَيتُهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 280، طبقات خليفة: 222، تاريخ خليفة: 445، التاريخ الكبير: 4 / 38، التاريخ الصغير: 2 / 162، الجرح والتعديل: 4 / 144 - 145، مشاهير علماء الأمصار: 157، تهذيب الكمال: خ: 549، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 54 - 55، تذكرة الحفاظ: 1 / 220 - 221، عبر الذهبي: 1 / 245، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 315، تهذيب التهذيب: 4 / 220 - 221، طبقات الحفاظ: 93، خلاصة تذهيب الكمال: 154، شذرات الذهب: 1 / 260. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي، فَجعَلتُ أَقُوْلُ لِعُمَرَ: أَمَّا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لاَ يَرَاهُ. قَالَ: يَقُوْلُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي (1) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.   (1) إسناده صحيح. وشيبان هو ابن فروخ الحبطي. وأخرجه أحمد: 1 / 26، ومسلم: (2873) ، في الجنة، من ثلاث طرق، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس وتمامه: ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارع أهل بدر بالامس، يقول: " هذا مصرع فلان غدا - إن شاء الله - ". قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ماأخطؤوا، والحدود التي حد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فجعلوا في بئر، بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إليهم فقال: " يا فلان بن فلان!، ويا فلان بن فلان! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا، فإني وجدت ما وعدني الله حقا ". قا عمر: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا على شيئا ". وسماع هؤلاء خاص بهم، وهو معجزة من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وزيادة حسرة على الكافرين. فإن الموتى لا يسمعون، بنص القرآن الكريم في الآية: (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) [النمل: 80] قال ابن جرير في تفسيرها: هذا فعل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم. وقوله: (ولا تسمع الصم الدعاء) : يقول: كما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع إذا ولوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه. ثم روى بإسناد صحيح عن قتادة، قال: هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر (ولا تسمع الصم الدعاء) . يقول: لو أن أصم ولى مدبرا، ثم ناديته، لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما سمع. وممن نفى سماع الموتى كلام الاحياء: عائشة - رضي الله عنها - مستدلة بقوله تعالى: (إنك لا تسمع الموتى) و: (وما أنت بمسمع من في القبور) [فاطر: 22] ، فقد أخرج البخاري: 7 / 236، في المغازي: با قتل أبي جهل، ومسلم: (932) ، في الجنائز: باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ذكر عند عائشة - رضي الله عنها - أن ابن عمر يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله ". فقالت: وهل، (غلط) إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وأهله ليبكون عليه الآن "، وذلك مثل قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على القليب يوم بدر، وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: " إنهم ليسمعون ما أقول "، وقدوهل، إنما قال: " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق "، ثم قرأت: (إنك لا تسمع الموتى) (وما أنت بسمع من في القبور) . وقال الحفاظ ابن رجب: وقد وافق عائشة على ذلك طائفة من العلماء، ورجحه القاضي أبو = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ مُسْلِمٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سَعِيْدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانِ بنِ مَالِكٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالحَلاَّقُ يَحْلِقُهُ، وَقَدِ اجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ، فَمَا تَسْقُطُ مِنْ شَعْرَةٍ إِلاَّ بِيَدِ رَجُلٍ (1) . وَيَقَعُ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (2)) مِنْ عَوَالِيْهِ. حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَثَابِتِ بنِ أَسْلَمَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَأَبِي مُوْسَى الهِلاَلِيِّ، وَوَالِدِهِ المُغِيْرَةَ. لَمْ يَزِدْ شَيْخُنَا المِزِّيُّ عَلَى هَؤُلاَءِ. رَوَى عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ التَّنُّوْرِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَحَبَّانُ بنُ   = يعلى من أكابر أصحابنا، واحتجوا بما احتجت به عائشة، وأجابوا عن حديث قليب بدر بما أجابت به عائشة، ويشبه أن يكون ذلك معجزة مختصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، وهو سماع الموتى لكلامه. وفي " صحيح " البخاري: 7 / 235،: قال قتادة: أحياهم الله تعالى، يعني أهل القليب، حتى أسمعهم قوله - صلى الله عليه وسلم - توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما. وقال ابن عطية: يشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسماعهم، لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين. وانظر " فتح القدير ": 1 / 447، للكمال بن الهمام، فقد نقل أن الميت لا يسمع عند مشايخ الحنفية. (1) إسناده صحيح. وأخرجه مسلم: (2325) ، في الفضائل: باب قرب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس وتبركهم، من طريق محمد بن رافع عن أبي النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: لقد رأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. (2) تقدم الحديث عن " الجعديات " في الصفحة: 284، حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 هِلاَلٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّرٍ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَعْنِيُّ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَخَلْقٌ. رَوَى: مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ: قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ مِنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ. وَقَالَ وُهَيْبٌ: كَانَ يَقُوْلُ لَنَا أَيُّوْبُ: خُذُوا عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ. وَكُنَّا نَأْتِيْهِ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَبُوْهُ قَاعِدٌ فِي نَاحِيَةٍ. وَقَالَ قُرَادٌ أَبُو نُوْحٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ سَيِّدُ أَهْلِ البَصْرَةِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَكَانَ خِيَاراً مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ يَعْلَى بنُ مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ: سَأَلْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ حُفَّاظِ أَهْلِ البَصْرَةِ ... ، فَذَكَرَ سُلَيْمَانَ بنَ المُغِيْرَةِ. قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ المُغِيْرَةِ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا البَصْرَةَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْكَ أَحَادِيْثُ، وَأَنَا عَلَى مَا تَرَى مِنَ الحَالِ، فَأْتِنِي إِنْ خَفَّ عَلَيْكَ. فَأَتَيْتُهُ، فَسَمِعَ مِنِّي. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ بِالبَصْرَةِ أَفْضَلَ مِنْ: سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هُوَ ثَبتٌ، ثَبتٌ. وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ثَابِتٍ أَثْبَتُ مِنْ حَمَّادِ بنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 سَلَمَةَ (1) ، ثُمَّ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، ثُمَّ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ ثِقَةً، ثَبْتاً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ، فَجَاءَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ يَبْكِي، قَالَ: مَاتَ حِمَارِي، وَذَهَبَتْ مِنِّي الجُمُعَةُ، وَذَهَبَتْ حَوَائِجِي. فَقَالَ شُعْبَةُ: بِكَمْ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: بِثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ. قَالَ شُعْبَةُ: فَعِنْدِي ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهِ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوْبٍ: مَاتَ سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 157 - وَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ بنِ كُلَيْبٍ اليَشْكُرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، العَابِدُ، أَبُو بِشْرٍ اليَشْكُرِيُّ - وَيُقَالُ: الشَّيْبَانِيُّ - الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ المَدَائِنِ. يُقَالُ: أَصلُهُ مَرْوَزِيٌّ. وَقِيْلَ: خُوَارَزْمِيٌّ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَامِرٍ، وَسُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي   (1) ترجمته في الصفحة: 444. (2) ترجمته في الصفحة: 456. (3) تقدم الخبر في ترجمة شعبة بن الحجاج، الصفحة: 211. (*) التاريخ الكبير: 8 / 188، الضعفاء: خ: 425، الجرح والتعديل: 9 / 50 - 51، مشاهير علماء الأمصار: 175، الكامل لابن عدي: خ: ورقة 352 / 1، تاريخ بغداد: 13 / 515 - 518، تهذيب الكمال: خ: 1459 - 1460، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 130، تذكرة الحفاظ: 1 / 230، ميزان الاعتدال: 4 / 332، عبر الذهبي: 1 / 237، طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 358 - 359، تهذيب التهذيب: 11 / 113 - 115، طبقات الحفاظ: 97 - 98، خلاصة تذهيب الكمال: 419 - 420، شذرات الذهب: 1 / 251. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: شُعْبَةَ. وَعَنْهُ: شُعْبَةُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَزِيْدُ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَقَبِيْصَةُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَشَبَابَةُ، وَالمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، وَعَلِيُّ بنُ قَادِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: عَلَيْك بِوَرْقَاءَ، فَإِنَّكَ لاَ تَلْقَى بَعْدَهُ مِثْلَهُ حَتَّى تَرجِعَ! فَقِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ: مَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ؟ قَالَ: أَفْضَلُ وَأَورَعُ وَخَيْرٌ مِنْهُ (1) . وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: وَرْقَاءُ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. قِيْلَ: وَكَانَ مُرْجِئاً (2) ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: وَرْقَاءُ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، يُصَحِّفُ فِي غَيْرِ حَرفٍ. وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ضَعَّفَهُ فِي التَّفْسِيْرِ. وَرَوَى: حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، تَوْثِيْقَه فِي تَفْسِيْرِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَقَالَ: هُوَ أَوْثَقُ مِنْ شِبْلٍ. وَقَالَ: إِلاَّ أَنَّ وَرْقَاءَ - يَقُوْلُوْنَ - لَمْ يَسْمَعِ التَّفْسِيْرَ كُلَّه مِنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، يَقُوْلُوْنَ: بَعْضُهُ عَرْضٌ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: قَالَ مُعَاذٌ: قَالَ وَرْقَاءُ: كِتَابُ التَّفْسِيْرِ، قَرَأْتُ نِصْفَه عَلَى ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَقَرَأَ عَلَيَّ نِصْفَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ (3) : هَذَا تَفْسِيْرُ مُجَاهِدٍ (4) .   (1) للخبر رواية أخرى في " تاريخ بغداد: " 13 / 517. (2) تقدم الحديث عن الارجاء في الصفحة: 165، حا: 2، وانظر: 382، حا: 5. (3) زيادة من " تاريخ بغداد ": 13 / 316. (4) وقال ابن حبان: ابن أبي نجيح نظير ابن جريج في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير، رويا عن مجاهد من غير سماع. وقال ابن الأنباري: ولا تصح رواية ابن أبي نجيح = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: تَفْسِيْرُ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ تَفْسِيْرِ قَتَادَةَ. قَالَ: وَتَفْسِيْرُ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلٌ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلاَّ حَرفاً. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: وَرْقَاءُ ثِقَةٌ. وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى: صَالِحٌ. وَرَوَى: المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: شَيْبَانُ وَوَرْقَاءُ ثِقَتَانِ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَنْصُوْرٌ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْهُ لاَ يُسَاوِي شَيْئاً. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: لَمَّا قَرَأَ وَكِيْعٌ التَّفْسِيْرَ، قَالَ: خُذُوهُ، فَلَيْسَ فِيْهِ عَنِ الكَلْبِيِّ، وَلاَ عَنْ وَرْقَاءَ شَيْءٌ. وَقَالَ شَبَابَةُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: اكْتُبْ أَحَادِيْثَ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي (مَسَائِلِهِ) : وَرْقَاءُ صَاحِبُ سُنَّةٍ، إِلاَّ أَنَّ فِيْهِ إِرْجَاءً، وَشِبْلٌ قَدَرِيٌّ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ: وَرْقَاءُ أَحَبُّ إِلَيْك، أَوْ شُعَيْبُ بنُ   = التفسير عن مجاهد. وقد تعقب شيخ الإسلام في تفسير سورة الاخلاص، ص: 94، قول هولاء، فقال: والشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وكذلك البخاري في كتابه يعتمد على هذا التفسير، وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد، جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير، بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، إلا أن يكون نظيره في الصحة. (1) قال الشهرستاني: المعتزلة يسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية، وذلك لاسنادهم أفعال لقدرهم، وإنكارهم القدر فيها موافقة لرأي معبد الجهني وغيلان الدمشقي، وقال ابن الأثير: سموا قدرية لانهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى. ونفوا أن تكون الاشياء بقدر الله وقضائه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 أَبِي حَمْزَةَ؟ قَالَ: وَرْقَاءُ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: أَنْبَأَنَا أَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى وَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ، وَيَذْكُرُ اللهَ، وَقَالَ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ! اكْفِنِي رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى هَؤُلاَءِ، لاَ يَشْغَلُوْنِي عَنْ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ (2) -. لَمْ يُؤَرِّخْهُ شَيْخُنَا (3) . 158 - دَاوُدُ الطَّائِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ نُصَيْرٍ * (س) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ. وُلِدَ: بَعْدَ المائَةِ بِسَنَوَاتٍ. وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 51، ولفظه " سألت أبا زرعة، فقلت: ورقاء أحب إليك أو المغيرة ابن عبد الرحمن، أو شعيب بن أبي حمزة، أو عبد الرحمن ". (2) الخبر في: " تاريخ بغداد ": 13 / 518، و" التذكرة ": 1 / 230، و" تهذيب التهذيب ": 11 / 115. (3) أي: الحافظ أبو الحجاج المزي في " تهذيب الكمال ". وقد ذكر المؤلف في " تذكرة الحفاظ، 1 / 231، أن وفاته كانت سنة نيف وستين ومئة. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 367، التاريخ الكبير: 3 / 240، التاريخ الصغير: 2 / 136 - 137، المعارف: 515، مشاهير علماء الأمصار: 168 - 169، حلية الأولياء: 7 / 335 - 367، تاريخ بغداد: 8 / 347 - 355، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، وفيات الأعيان: 2 / 259 - 263، تهذيب الكمال: خ: 394 - 395، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 208 - 210، عبر الذهبي: 1 / 238، طبقات الاوليا: 200 - 203، تهذيب التهذيب: 3 / 203، خلاصة تهذيب الكمال 111، شذرات الذهب: 1 / 256. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الفَقْهِ وَالرَّأْيِ، بَرَعَ فِي العِلْمِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَلَزِمَ الصَّمْتَ، وَآثَرَ الخُمُوْلَ، وَفَرَّ بِدِيْنِهِ. سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: دَعْنِي أُبَادِرْ خُرُوْجَ نَفْسِي. وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَبصَرَ دَاوُدُ أَمرَهُ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: هَلِ الأَمْرُ إِلاَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَاوُدُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ غَرَّقَ كُتُبَهُ. وَسَأَلَه زَائِدَةُ عَنْ تَفْسِيْرِ آيَةٍ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ، انْقَطَعَ الجوَابُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ عَلِمَ وَفَقُهَ (1) ، وَنَفَذَ فِي الكَلاَمِ، فَحَذَفَ إِنْسَاناً، فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! طَالَ لِسَانُكَ وَيَدُكَ. فَاخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً، لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يُجِيْبُ (2) . قُلْتُ: حَرَّبَ (3) نَفْسَهُ وَدرَّبَهَا، حَتَّى قَوِيَ عَلَى العُزلَةِ.   (1) الخبر في " تهذيب التهذيب ": 3 / 203، وزاد: " ثم أقبل على العبادة ". (2) نص الخبر في " الحلية ": 7 / 336: " قال سفيان بن عيينة: كان داود ممن فقه، ثم علم، ثم عمل، وكان يجالس أبا حنيفة، فحذف يوما إنسانا، فقال له أبو حنيفة: يا أبا سليمان! طالت يدك، وطال لسانك، قال: ثم كان يختلف ولا يتكلم. قال: فلما علم أنه يصبر، عمد إلى كتبه ففرقها في الفرات، وأقبل على العبادة، وتخلى، وكان زائدة بن قدامة صديقا له، قال: فأتاه يوما، فقال: يا أبا سليمان! (آلم غلبت الروم) ، [الروم: 2] . قال: وكان يجيب في هذه الآية، فقال له: يا أبا الصلت! انقطع الجواب، ودخل بيته ". وانظر " تاريخ بغداد " 8 / 348. (3) حرب نفسه: عاداها وأغضبها. يقال: حريته، أي: أغضبته، وحملته على الغضب، وعرفته بما يغضب منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: جِئْتُ أَنَا وَابْن عُيَيْنَةَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ جِئْتُمَانِي مَرَّةً، فَلاَ تَعُودَا. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الفَرِيْضَةِ أَسرَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ. قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي. قَالَ: اتَّقِ الله، وَبِرَّ وَالِدَيكَ، وَيْحَكَ! صُمِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِطْرَكَ المَوْتَ، وَاجْتَنِبِ النَّاسَ غَيْرَ تَارِكٍ لِجَمَاعَتِهِم (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: كَفَى بِاليَقِيْنِ زُهداً، وَكَفَى بِالعِلْمِ عِبَادَةً، وَكَفَى بِالعِبَادَةِ شُغُلاً. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَأَيتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَفصَحِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِم بِالعَرَبِيَّةِ، يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيْلَةً سَوْدَاءَ. وَعَنْ حَفْصٍ الجُعْفِيِّ، قَالَ: وَرِثَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ مِنْ أُمِّهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بِهَا ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا نَفِدَتْ، جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ، فَيَبِيْعُهَا (2) . قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: عَاشَ دَاوُدُ عِشْرِيْنَ سَنَةً بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَعِيْدٍ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ جِدَارٌ قَصِيْرٌ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ حَنِيْنَه عَامَّةَ اللَّيْلِ، لاَ يَهْدَأُ، وَرُبَّمَا تَرَنَّمَ فِي السَّحَرِ بِالقُرْآنِ، فَأَرَى أَنَّ جَمِيْعَ النَّعِيْمِ قَدْ جُمِعَ فِي تَرَنُّمِهِ، وَكَانَ لاَ يُسرجُ عَلَيْهِ (3) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ: قَالَ لِي دَاوُدُ الطَّائِيُّ: كُنْتَ تَأْتِيْنَا إِذْ كُنَّا، ثُمَّ مَا أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي.   (1) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 342 - 344، و345. (2) انظر " الحلية ": 7 / 347، 352. ففيه أخبار قريبة مما ذكره المؤلف. (3) الخبر في " الحلية ": 7 / 357. وفيه زيادة عما هنا، فانظره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَضَرتُ دَاوُدَ، فَمَا رَأَيتُ أَشدَّ نَزْعاً مِنْهُ (1) . وَقَالَ حَسَنُ بنُ بِشْرٍ: حَضَرتُ جَنَازَةَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ، فَحُمِلَ عَلَى سَرِيْرِيْنَ أَوْ ثَلاَثَةٍ، تَكَسَّرُ مِنَ الزِّحَامِ (2) . قِيْلَ: إِنَّ دَاوُدَ صَحِبَ حَبِيْباً العَجَمِيَّ، وَلَيْسَ يَصِحُّ، وَلاَ عَلِمنَا دَاوُدَ سَارَ إِلَى البَصْرَةِ، وَلاَ قَدِمَ حَبِيْبٌ الكُوْفَةَ. وَمَنَاقِبُ دَاوُدَ كَثِيْرَةٌ، كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جِنَازَتِه، حَتَّى قِيْلَ: بَاتَ النَّاسُ ثَلاَثَ لَيَالٍ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوْتَهُم شُهُوْدُهُ. مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ (3) . وَقَدْ سُقْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ وَأَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) ، وَلَمْ يُخَلِّفْ بِالكُوْفَةِ أَحَداً مِثْلَهُ. 159 - سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، المُفْتِي، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو أَيُّوْبَ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَتِيْقٍ، مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ. وَيُقَالُ: مَوْلَى القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ.   (1) تتمة الخبر في " الحلية ": 7 / 341: " أتيناه من العشي ونحن نسمع نزعه قبل أن ندخل، ثم غدونا عليه وهو في النزع، فلم نبرح حتى مات ". (2) تتمة الخبر في " الحلية ": 7 / 341: " تكسر من زحام الناس عليه، فيغير السرير، وصلي عليه كذا وكذا مرة، ولقد رأيته يوضع على القبر، فيجئ قوم، فيحملونه، فيذهبون به، ثم يعيدونه إلى موضع قبره ". (3) انظر سبب وفاته في " الحلية ": 7 / 340. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 420، طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة: 448، التاريخ الكبير: 4 / 4، التاريخ الصغير: 2 / 213، الجرح والتعديل: 4 / 103، مشاهير علماء الأمصار: 140، تهذيب الكمال: خ: 535، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 46، تذكرة الحفاظ: 1 / 234، عبر الذهبي: 1 / 261، تهذيب التهذيب: 4 / 175 - 176، طبقات الحفاظ: 99، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب: 1 / 280. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَثَوْرِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَخِيْهِ؛ سَعْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، وَخُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَأَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَتِيْقٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. رَوَى عَنْهُ: ابنُهُ أَيُّوْبُ شَيْئاً يَسِيْراً. وَرَوَى عَنْ: رَجُلٍ، عَنْهُ، نُسْخَةً. رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أُوَيْسٍ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ عَثْمَةَ، وَلُوَيْنُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ الفَرْوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَخَلْقٌ غَيْرُهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، ثِقَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ بَرْبَرِيّاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الهَيْئَةِ، عَاقِلاً، وَكَانَ يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ، وَوَلِيَ خَرَاجَهَا (1) ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: ابْنُ أَبِي عَتِيْقٍ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَروِ عَنْهُ - فِيْمَا عَلِمْتُ - غَيْرُ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ. قَالَ لِي أَيُّوْبُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا عَلِمتُ أَحَداً رَوَى عَنْهُ بِالمَدِيْنَةِ غَيْرَ أَبِي.   (1) طبقات ابن سعد 5 / 420: " وكان يفتي بالبلد، وولي خراج المدينة..". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 قَالَ الذُّهْلِيُّ: لَوْلاَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَامَ بِحَدِيْثِهِ، لَذَهَبَ حَدِيْثُه، وَلاَ أَعْلَمُهُ كَتَبَ عَنْ سُلَيْمَانَ حَدِيْثَ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ هَذَا، سِوَى عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ الأَعْشَى، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ مِنَ الحَدِيْثِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى نَظَرْتُ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَبَحَّرَ حَدِيْثَ المَدَنِيِّينَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ رَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ قَطِيْعاً مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ يُوْنُسَ الأَيْلِيِّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُلَيْمَانُ مُتَقَارِبٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ تَأَخَّرَ، لَلَقِيَهُ قُتَيْبَةُ، وَطَائِفَةٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ غَالِيَةَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَنْزِلُ اللهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنِصْفِ اللَّيْلِ، أَوِ الثُّلُثِ الآخِرِ، فَيَقُوْلُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُوْنِي فَأَسْتَجِيْبَ لَهُ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ، أَوْ يَنْصَرِفَ القَارِئُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ) (1) .   (1) صحيح. وأخرجه مالك في " الموطأ ": (498) ، والبخاري: 3 / 25، في التهجد: باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ومسلم: (758) ، في صلاة المسافرين: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والاجابة فيه، من طريق ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الرحمن الاغر، عن أبي هريرة. ولشيخ الإسلام كتاب شرح فيه هذا الحديث أجاد في شرحه كل الاجادة. فليراجع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 160 - سَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ الخُزَاعِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، م، ت، س) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، القُدْوَةُ، أَبُو سَعِيْدٍ الخُزَاعِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ. عَنْ: قَتَادَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَأَيُّوْبَ، وَعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي عَمْرٍو الجَوْنِيِّ، وَأَسْمَاءَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: مَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، وَهُدْبَةُ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: كَانَ يُقَالُ: هُوَ أَعقَلُ أَهْلِ البَصْرَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ: هُوَ القَائِلُ: لأَنْ أَلْقَى اللهَ بِصَحِيْفَةِ الحَجَّاجِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِصَحِيْفَةِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مَرَّةً: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِمُسْتقِيْمِ الحَدِيْثِ عَنْ قَتَادَةَ خَاصَّةً، وَلَهُ أَحَادِيْثُ حِسَانٌ غَرَائِبُ، وَأَفرَادَاتٌ، وَهُوَ يُعَدُّ مِنْ خُطبَاءِ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَمِنْ عُقَلاَئِهِم.   (*) طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 449، التاريخ الكبير: 4 / 134، التاريخ الصغير: 2: 159، الجرح والتعديل: 4 / 258 - 259، كتاب المجروحين: 1 / 341، الكامل لابن عدي: خ: 329 - 330، حلية الأولياء: 6 / 188 - 192، تهذيب الكمال: خ: 567، تذهيب التهذيب: خ: 2 / 67، ميزان الاعتدال: 2 / 181 - 182، عبر الذهبي: 1 / 263، تهذيب التهذيب: 4 / 287 - 288، خلاصة تذهيب الكمال: 160، شذرات الذهب: 1 / 282 - 283. (1) عمرو بن عبيد بن باب، التيمي بالولاء، أبو عثمان البصري، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها، وأحد الزهاد المشهورين: تقدمت ترجمته في " السير ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 وَكَانَ كَثِيْرَ الحجِّ، وَمَاتَ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ نَسَبَهُ إِلَى الضَّعفِ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوْبٍ: مَاتَ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصحُّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثِيْرُ الوَهْمِ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفرَدَ. قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَلاَ يَنحَطُّ حَدِيْثُه عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ. قَالَ زُهَيْرٌ البَابِيُّ: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: الجَهْمِيَّةُ (2) كُفَّارٌ، لاَ يُصَلَّى خَلْفَهُم. قُلْتُ: وَكَذَا يَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَينِ عَنْهُ، وَهُمُ الَّذِيْنَ جَحَدُوا الصِّفَاتِ المُقدَّسَةَ، وَقَالُوا بِخَلقِ القُرْآنِ. 161 - الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَاهِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ * الإِمَامُ، صَاحِبُ العَرَبِيَّةِ، وَمُنْشِئُ عِلْمِ العَرُوضِ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.   (1) الكامل لابن عدي: خ: 330، وتمامه: " وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، لا يرويها عن قتادة غيره، ومع هذا كله فهو عندي لا بأس به، وبرواياته. (2) انظر الحديث عن " الجهمية " في الصفحة: 311، حا: 3. (*) التاريخ الكبير: 3 / 199 - 200، المعارف: 541، طبقات ابن المعتز: 96 - 99، الجرح والتعديل: 3 / 380، طبقات النحويين للزبيدي: 47 - 51، الفهرست: المقالة الثانية الفن الأول، معجم الأدباء: 11 / 72 - 77، الكامل لابن الأثير: 6 / 50، إنباه الرواة: 1 / 341 - 347، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 177 - 178، وفيات الأعيان: 2 / 244 - 248، تهذيب الكمال: خ: 382 - 383، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 201 - 202، عبر الذهبي: 1 / 68 البداية والنهاية: 10 / 161 - 162، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 79، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 275، تهذيب التهذيب: 3 / 163 - 164، بغية الوعاة: 1 / 557 - 560، خلاصة تذهيب الكمال: 106، شذرات الذهب: 1 / 275 - 277. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَغَالِبٍ القَطَّانِ. أَخَذَ عَنْهُ: سِيْبَوَيْه النَّحْوَ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَهَارُوْنُ بنُ مُوْسَى النَّحْوِيُّ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ رَأْساً فِي لِسَانِ العَرَبِ، دَيِّناً، وَرِعاً، قَانِعاً، مُتَوَاضِعاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. يُقَالُ: إِنَّهُ دَعَا اللهَ أَنْ يَرْزُقَه عِلْماً لاَ يُسبَقُ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَهُ بِالعَرُوضِ، وَلَهُ كِتَابُ (العَيْنِ) فِي اللُّغَةِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. وَقِيْلَ: كَانَ مُتَقَشِّفاً، مُتَعَبِّداً. قَالَ النَّضْرُ: أَقَامَ الخَلِيْلُ فِي خُصٍّ (1) لَهُ بِالبَصْرَةِ، لاَ يَقْدِرُ عَلَى فَلْسَيْنِ، وَتَلاَمِذتُهُ يَكسِبُوْنَ بِعِلْمِهِ الأَمْوَالَ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يُنشِدُ: وَإِذَا افْتَقَرْتَ إِلَى الذَّخَائِرِ لَمْ تَجِدْ ... ذُخْراً يَكُوْنُ كَصَالِحِ الأَعْمَالِ (2) وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُفْرطَ الذَّكَاءِ. وُلِدَ: سَنَةَ مائَةٍ. وَمَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ هُوَ وَيُوْنُسَ إِمَامَيْ أَهْلِ البَصْرَةِ فِي العَرَبِيَّةِ، وَمَاتَ وَلَمْ يُتَمِّمْ كِتَابَ (   (1) الخص: بيت من شجر أو قصب، وقيل: الخص: البيت الذي يسقف عليه بخشبة على هيئة الازج، والجمع أخصاص. سمي بذلك لأنه يرى ما فيه من خصاصة، أي: فرجة. قال الفزاري: الخص فيه تقر أعيننا * خير من الآجر والكمد وحانوت الخمار يسمى خصا أيضا. (2) البيت للاخطل التغلبي غياث بن غوث بن الصلت، أبو مالك، المتوفى سنة (90 هـ) ، من قصيدة يمدح بها عكرمة بن ربعي الفياض، مطلعها: لمن الديار بحائل فوعال * درست وغيرها سنون حوالي الديوان: 1 / 136، وما بعدها. (تحقيق: د. فخر الدين قباوة - دار الأصمعي بحلب) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 العَيْنِ) ، وَلاَ هَذَّبَهُ، وَلَكِنَّ العُلَمَاءَ يَغرِفُوْنَ مِنْ بَحْرِهِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمٍ الأَزْدِيُّ (1) ، قِيْلَ: كَانَ يَعْرِفُ عِلْمَ الإِيقَاعِ وَالنَّغَمِ، فَفَتَحَ لَهُ ذَلِكَ عِلْمَ العَرُوضِ. وَقِيْلَ: مَرَّ بِالصَّفَّارِيْنَ (2) ، فَأَخَذَهُ مِنْ وَقْعِ مِطْرَقَةٍ عَلَى طَسْتٍ (3) . وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي الزُّهَّادِ، كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأُغْلِقُ عَلَيَّ بَابِي، فَمَا يُجَاوِزُهُ هَمِّي. وَقَالَ: أَكمَلُ مَا يَكُوْنُ الإِنْسَانُ عَقْلاً وَذِهْناً عِنْدَ الأَرْبَعِيْنَ. وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَعرِفُ الرَّجُلُ خَطَأَ مُعَلِّمِهِ حَتَّى يُجَالِسَ غَيْرَه. قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ الخَلِيْلُ إِذَا أَفَادَ إِنْسَاناً (4) شَيْئاً، لَمْ يُرِهِ بِأَنَّهُ أَفَادَه، وَإِنِ اسْتفَادَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، أَرَاهُ بِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ. قُلْتُ: صَارَ طَوَائِفُ فِي زَمَانِنَا بِالعَكْسِ. 162 - أَبَانُ بنُ يَزِيْدَ العَطَّارُ أَبُو يَزِيْدَ * (خَ، م، د، س) الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو يَزِيْدَ البَصْرِيُّ، مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.   (1) الوفيات: 2 / 244. انظره. (2) الصفارون: ج، صفار: وهو الصفر، والصفر: النحاس الجيد، أو ضرب منه. (3) الطست: إناء كبير مستدير، من نحاس أو نحوه، يغسل فيه. (4) في الأصل: " إنسان " بالرفع، وهو خطأ. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 284، التاريخ الكبير: 1 / 454، الجرح والتعديل: 2 / 299، مشاهير علماء الأمصار: 158، الكامل لابن عدي: خ: 53، تهذيب الكمال: خ: 49: تذهيب التهذيب: خ: 1 / 32، تذكرة الحفاظ: 1 / 201 - 202، ميزان الاعتدال: 1 / 16، الوافي بالوفيات: 5 / 301، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 4، تهذيب التهذيب: 1 / 101 - 102، طبقات الحفاظ: 87، خلاصة تذهيب الكمال: 14 - 15. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 رَوَى عَنِ: الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَبُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَسَهْلُ بنُ بَكَّارٍ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثَبْتاً فِي كُلِّ مَشَايِخِه. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: كَانَ ثِقَةً. زَادَ العِجْلِيُّ: يَرَى القَدَرَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ أَبَانٍ وَهَمَّامٍ، فَقَالَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يَرْوِي عَنْ أَبَانٍ، وَكَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ هَمَّامٍ، وَأَنَا فَهَمَّامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، فَرَوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ لَيَّنَ أَبَاناً، وَقَالَ: لاَ أُحَدِّثُ (1) عَنْهُ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَقَدْ كَانَ لاَ يَرْوِي عَنْهُ، ثُمَّ رَوَى عَنْهُ، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ. فَقَدْ رَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَاتَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ أَبَانِ بنِ يَزِيْدَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَذَكَرَهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ مُتَمَاسِكٌ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، قَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا (الصَّحِيْحِ) ، وَلَمْ أَقَعْ   (1) في " تهذيب التهذيب ": 1 / 102: " أنا لا أروي عنه ". ثم قال ابن حجر: " ولم يذكر من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يذكر من طعن الراوي، ولا يذكر من وثقه، والديمي ليس بمعتمد ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 بِتَارِيْخِ مَوْتِهِ، وَهُوَ قَرِيْبٌ مِنْ مَوْتِ رَفِيْقِهِ هَمَّامِ بنِ يَحْيَى (1) . 163 - نَافِعُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَمِيْلٍ الجُمَحِيُّ * (ع) ابْن عَامِرِ بنِ حِذْيَمِ بنِ سَلاَمَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ سَعْدِ بنِ جُمَحَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الجُمَحِيُّ، المَكِّيُّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَأُمَيَّةَ بنِ صَفْوَانَ الجُمَحِيِّ، وَبِشْرِ بنِ عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي مَحْذُوْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْخٍ السَّهْمِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَعِيْدٍ فِي (الأَدِبِ) لِلبُخَارِيِّ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، وَسُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ، وَخَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَيَسَرَةُ بنُ صَفْوَانَ، وَمُحْرِزُ بنُ سَلَمَةَ العَدَنِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. تكَاثَرُوا عَلَيْهِ؛ لإِتْقَانِهِ، وَعُلُوِّ سَنَدِهِ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ مِنْ أَثبتِ النَّاسِ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: عَبْدُ   (1) كانت وفاة همام سنة (164 هـ) ، على أغلب الأقوال. انظر ترجمته في الصفحة: 296، وما بعدها. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 494، طبقات خليفة: 283، التاريخ الكبير: 8 / 86، التاريخ الصغير: 2 / 178، الجرح والتعديل: 8 / 456، مشاهير علماء الأمصار: 148، تهذيب الكمال: خ: 1403، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 90 - 91، تذكرة الحفاظ: 1 / 231، ميزان الاعتدال: 4 / 241، عبر الذهبي: 1 / 257، العقد الثمين: 7 / 326 - 327، تهذيب التهذيب: 10 / 409، طبقات الحفاظ: 98، خلاصة تذهيب الكمال: 399، شذرات الذهب: 1 / 270. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 الله بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: نَافِعُ بنُ عُمَرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ الوَرْدِ، وَأَصحُّ حَدِيْثاً، وَهُوَ فِي الثِّقَاتِ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: يُحتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّادٍ، قَالَ: مَاتَ بِمَكَّةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً، قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، فِيْهِ شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، مَاتَ بِفَخَّ (1) ، سَنَةَ تِسْعٍ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيْقِي وَرِيْقِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بِسِوَاكٍ، فَضَعُفَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً. 164 - عِيْسَى بنُ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * وَلِيُّ العَهْدِ، أَبُو مُوْسَى الهَاشِمِيُّ.   (1) فخ: واد بمكة، وقيل: الفخ: وادي الزاهر، ويروى قول بلال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وعندي إذخر وجليل؟ " معجم البلدان " (2) 6 / 147، في الخمس: باب ما جاء في بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (3100) وانظر البخاري: (4438) ، (4449) ، (4450) ، (4451) . والسحر: الرئة، أي أنه مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه. (*) تاريخ خليفة: 411، 412، 414، 416، 420، 421، 422، 423، 429، = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 عَاشَ: خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَكَانَ فَارِسَ بَنِي العَبَّاسِ، وَسَيْفَهُمُ المَسْلُوْلَ، جَعَلَهُ السَّفَّاحُ وَلِيَّ عَهْدِ المُؤْمِنِيْنَ بَعْدَ المَنْصُوْرِ، وَهُوَ الَّذِي انْتُدِبَ لِحَرْبِ ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَظَفِرَ بِهِمَا، وَقُتِلاَ، وَتَوطَّدَتِ الدَّوْلَةُ العَبَّاسِيَّة بِهِ. وَقَدْ تَحَيَّلَ عَلَيْهِ المَنْصُوْرُ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، حَتَّى أَخَّرَهُ، وَقَدَّمَ فِي العَهْدِ عَلَيْهِ المَهْدِيَّ، فَيُقَالُ: بَذَلَ لَهُ بَعْدَ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ عَشْرَةَ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ. وَلَهُ: أَوْلاَدٌ، وَأَمْوَالٌ، وَحِشْمَةٌ، وَشَأْنٌ. 165 - أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، صَاحِبُ (المَغَازِي) ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، كَانَ مُكَاتِباً لامْرَأَةٍ مَخْزُوْمِيَّةٍ، فَأَدَّى، فَعُتِقَ، فَاشْتَرتْ بِنْتُ المَنْصُوْر وَلاَءهُ، وَهَذَا لاَ يَجُوْزُ. وَقِيْلَ: بَلْ اشْتَرَتْه وَأَعْتَقَتْه. وَيُقَالُ: أَصْلُهُ حِمْيَرِيٌّ. رَأَى: أَبَا أُمَامَةَ بنَ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، المُتَوَفَّى سَنَةَ مائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُوْسَى بنِ يَسَارٍ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ القَاصِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعِدَّةٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى   = 430، 432، 434، تاريخ الطبري: 7 / 458، 8 / 7، 9، 39، 62، 121، 164، الوزراء والكتاب: 126 - 127 ضمن أخبار أيام المنصور، الكامل لابن الأثير: 5 / 141، 409، 416، 417، 445، 454، 461، 463، عبر الذهبي: 1 / 253، شذرات الذهب: 1 / 266. (*) طبقات ابن سعد: 5 / 418، التاريخ الكبير: 8 / 114، التاريخ الصغير: 2 / 172، 205، المعارف: 504، المعرفة والتاريخ: 2 / 166، 3 / 206، الضعفاء: خ: 421، الجرح والتعديل: 8 / 493 - 495، كتاب المجروحين والضعفاء: 3 / 160 - 161، الكامل لابن عدي: خ: 811، الفهرست: المقالة الثالثة الفن الأول، تاريخ بغداد: 13 / 457 - 462، تهذيب الكمال: خ: 1406 - 1407، تذهيب التهذيب: خ: 4 / 92 - 93، تذكرة الحفاظ: 1 / 234 - 235، ميزان الاعتدال: 4 / 246، عبر الذهبي: 1 / 258 - 259، تهذيب التهذيب: 10 / 419 - 422، طبقات الحفاظ: 100، خلاصة تذهيب الكمال: 471، شذرات الذهب: 1 / 278. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَفِيْهِ بُعْدٌ، لَعَلَّهُ سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) . حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَعْشَرٍ (بِالمَغَازِي) لَهُ، فَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُشَيْمٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - مَعَ تَقدُّمِهِ - وَوَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَهَوْذَةُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَجُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ هُشَيْمٌ: مَا رَأَيتُ مَدَنِيّاً أَكْيَسَ مِنْ أَبِي مَعْشَرٍ (1) . وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مَعْشَرٍ كَيِّساً، حَافِظاً. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: ثَبَتَ حَدِيْثُ أَبِي مَعْشَرٍ، وَذَهَبَ حَدِيْثُ أَبِي جَزْءٍ نَصْرٍ. وَقَالَ يَزِيْدُ: سَمِعْتُ أَبَا جَزْءٍ بنَ طَرِيْفٍ يَقُوْلُ: أَبُو مَعْشَرٍ أَكذَبُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا عِلْمُكَ بِالأَرْضِ، فَكَيْفَ عِلْمُكَ بِالسَّمَاءِ؟ فَوَضَعَ اللهُ أَبَا جَزْءٍ، وَرَفَعَ أَبَا مَعْشَرٍ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، وَيُضَعِّفُهُ، وَيَضْحَكُ إِذَا ذَكَرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ فَضَالَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: أَبُو مَعْشَرٍ، تَعْرِفُ   (1) في " تهذيب التهذيب ": 1 / 420: " يشبهه ولا أكيس منه ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 وَتُنْكِرُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيْثُه عِنْدِي مُضْطَرِبٌ، لاَ يُقِيْمُ الإِسْنَادَ (1) ، وَلَكِنْ أَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، أَعْتَبِرُ بِهِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: يُكتَبُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي مَعْشَرٍ أَحَادِيْثُه عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ فِي التَّفْسِيْرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، لَكِنَّهُ لاَ يُقِيْمُ الإِسْنَادَ. فَسَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَرْضَاهُ، وَيَقُوْلُ: كَانَ بَصِيْراً بِالمَغَازِي. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أَهَابُ أَحَادِيْثَهُ، حَتَّى رَأَيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، أَحَادِيْثَ، فَتَوَسَّعتُ بَعْدُ فِي كِتَابَةِ حَدِيْثِهِ (2) ، وَحَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ صَالِحٌ، لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ ضَعِيْفٌ، يُكْتَبُ مِنْ حَدِيْثِهِ الرِّقَاقُ، كَانَ رَجُلاً أُمِّيّاً، يُتَّقَى أَنْ يُرْوَى مِنْ حَدِيْثِهِ المُسْنَد. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: أَبُو مَعْشَرٍ رِيْحٌ، أَبُو مَعْشَرٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.   (1) زيادة من " الجرح والتعديل " 8 / 494. (2) المرجع السابق، وفيه: " فتوسعت بعد فيه، قيل له: فهو ثقة؟ قال: صالح، لين الحديث، محله الصدق ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِه. قَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ فِي الحَدِيْثِ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ: شَيْخٌ، ضَعِيْفٌ، ضَعِيْفٌ (1) ، وَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، وَيُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ بِأَحَادِيْثَ صَالِحَةٍ، وَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ وَالمَقْبُرِيِّ بِأَحَادِيْثَ مُنْكَرَةٍ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: ضَعِيْفٌ، فَمَا رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ، وَمَشَايِخِهِ، فَهُوَ صَالِحٌ، وَمَا رَوَى عَنِ: المَقْبُرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، رَدِيئَةٌ لاَ تُكْتَبُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، قَالَ: كَانَ أَبُو مَعْشَرٍ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَغَيُّراً شَدِيْداً، حَتَّى كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ وَلاَ يَشعُرُ بِهَا. يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُم مُتَّكِئاً، يَأْتِيْهِ الحَدِيْثُ مِنْ حَدِيْثِي، فَيَقُوْلُ: اتْلُ عَلَيَّ قُرْآناً، مَا أَتَاكُم مِنْ خَيْرٍ عَنِّي قُلتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَأَنَا أَقُوْلُهُ، وَمَا أَتَاكُم مِنْ شَرٍّ، فَإِنِّي لاَ أَقُوْلُ الشَّرَّ) . هَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ. وَلَهُ شَاهِدٌ، رَوَاهُ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ (2) .   (1) انظر: " تهذيب التهذيب ": 10 / 421. (2) ذكره البخاري في " التاريخ الكبير ": 3 / 474. وهو مرسل قوي. وللحديث شاهد من حديث أبي حميد، أو أبي أسيد، أخرجه أحمد: 5 / 425، من طريق أبي عامر العقدي، عن سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي حميد أو أبي أسيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم الحديث عني، تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم الحديث عني، تنكره قلوبكم وتنفر أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، " فأنا أبعدكم منه ". وسنده حسن، وأخرجه محمد بن سعد في " الطبقات ": 1 / 387 - 399. وصححه أبو حاتم ابن حبان: (92) . = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ أَبُو مَعْشَرٍ أَسْوَدَ. وَرَوَى: دَاوُدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ اليَمَنِ، سُبِيَ فِي وَقْعَةِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ بِالِيَمَامَةِ وَالبَحْرِيْنَ، وَكَانَ أَبْيَضَ. وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كَانَ اسْمُ أَبِي مَعْشَرٍ قَبْلَ أَنْ يُسْرَقَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الوَلِيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَبِيْعَ بِالمَدِيْنَةِ، فَاشْتَرَاهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَسَمَّوْهُ نَجِيْحاً، فَاشْتُرِيَ لأُمِّ مُوْسَى بنِ المَهْدِيِّ، فَأَعْتَقَتْهُ، فَصَارَ مِيْرَاثُه لِبَنِي هَاشِمٍ، وَعَقْلُهُ عَلَى حِمْيَرٍ. قَالَ (1) : وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكٍ، وَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ (2) يَنتَسِبُ حَتَّى (3) يَبلُغَ آدَمَ، وَقَالَ لِي: وَلاَؤُنَا فِي بَنِي هَاشِمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَسبِي فِي بَنِي حَنْظَلَةَ. الفَضْلُ بنُ هَارُوْنَ البَغْدَادِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَعْشَرٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي سِنْدِيّاً، أَخْرَمَ، خِيَّاطاً. قَالَ: وَكَيْفَ حَفِظَ المَغَازِي؟ قَالَ: كَانَ التَّابِعُوْنَ يَجْلِسُوْنَ إِلَى أُستَاذِه، فَكَانُوا يَتذَاكَرُوْنَ المَغَازِي، فَحَفِظَ. وَرَوَى: دَاوُدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَشخَصَ المَهْدِيُّ أَبَا مَعْشَرٍ مَعَهُ مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى العِرَاقِ، وَأَمَرَ لَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، وَذَلِكَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ،   = قال العلامة أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه على " صحيح " ابن حبان: 63: وهذا الحديث خطاب للصحابة، ثم لمن سار على قدمهم، واهتدى بهديهم، واقتدى بإمامه وإمامهم - صلى الله عليه وسلم - فعرف سنته وهديه، وعرف شريعته، وامتلا بها قلبه إيمانا وإخلاصا ورضى عن طيب نفس، وإعراضا عن الهوى والزيغ، فهو الذي يعرف الصحيح من السنة، ويطمئن قلبه إليه، وينكر المردود غير الصحيح، فلا يسيغه في عقله ولا في قلبه. (1) زيادة من " تاريخ بغداد ": 13 / 428. (2) زيادة من المرجع السابق. (3) في الأصل: " حين "، والصواب ما أثبتناه. كما في " تاريخ بغداد ": 13 / 428. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 وَقَالَ: تَكُوْنُ بِحَضْرَتِنَا، فَتُفَقِّهُ مَنْ حَولنَا (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ مُكَاتِباً لامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي مَخْزُوْمٍ، فَأَدَّى، وَعُتِقَ، فَاشْتَرَتْ أُمُّ مُوْسَى بِنْت مَنْصُوْرٍ وَلاَءهُ. مَاتَ: بِبَغْدَادَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ دَاوُدُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيْهِ: تُوُفِّيَ أَبُو مَعْشَرٍ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، وَكَانَ أَزْرَقَ، سَمِيْناً، أَبْيَضَ. وَأَرَّخَهُ فِيْهَا: مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، فِي رَمَضَانِهَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ المَدَنِيُّ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَمُوْسَى بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الهَرْجُ) . قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (القَتْلُ) ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (2) .   (1) وتمام الخبر في " تاريخ بغداد ": 13 / 428: فشخص أبو معشر معه إلى مدينة السلام سنة إحدى وستين. (2) إسناده ضعيف لضعف أبي معشر. لكن الحديث صحيح. فقد أخرجه مسلم: 4 / 2215، رقم الحديث الخاص: (18) ، من طريق قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج ". قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: " القتل، القتل ". وأخرجه البخاري: 13 / 11، في الفتن، من طريق عياش بن الوليد، عن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج ". قالوا: يا رسول الله! أيما هو؟ قال: " القتل، القتل ". وأخرجه مسلم: 4 / 2057، من طريق حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، وعنده: " ويقبض العلم " بدل " وينقص ". وقوله: " ويلقى الشح " أي: يوضع في القلوب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 166 - رَوْحُ بنُ حَاتِمِ بنِ قَبِيْصَةَ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ المُهَلَّبِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو حَاتِمٍ، أَحَدُ الأَجْوَادِ وَالأَبْطَالِ، وَلِيَ وَلاَيَاتِ جلَيْلَةً لِلسَّفَاحِ، وَالمَنْصُوْرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَلِيَ السِّنْدَ، ثُمَّ البَصْرَةَ، وَكَانَ أَخُوْهُ يَزِيْدُ بنُ حَاتِمٍ أَمِيْرُ المَغْرِبِ، فَمَاتَ، فَبَعثَ الرَّشِيْدُ رَوْحاً عَلَى المَغْرِبِ، فَقَدِمَهَا سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، فَوَلِيَهَا ثَلاَثَ سِنِيْنَ. وَمَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، فَدُفِنَ مَعَ أَخِيْهِ بِالقَيْرَوَانِ. 167 - الهَادِي الخَلِيْفَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ مُوْسَى بنُ المَهْدِيِّ ** مُحَمَّدِ بنِ المَنْصُوْرِ عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ. وَلِيَ عَهْدَ أَبِيْهِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُوْهُ، تَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ، وَكَانَ بِجُرْجَانَ، فَأَخَذَ لَهُ البَيْعَةَ أَخُوْهُ الرَّشِيْدُ. وَكَانَ أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، جَسِيْماً، فِي شَفَتِهِ تَقَلُّصٌ، فَوَكَّلَ بِهِ فِي الصِّبَا خَادِماً، كَانَ كُلَّمَا رَآهُ يُقَلِّصُ شَفَتَهُ، قَالَ: مُوْسَى، أَطْبِقْ. فَيُفِيْقُ، وَيَضُمُّ شَفَتَهُ. وَعَمِلَ فِيْهِ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ (1) قَصِيْدَةً، مِنْهَا:   (*) تاريخ خليفة: 464، المعرفة والتاريخ: 1 / 125، 155، تاريخ الطبري: 8 / 235، 239، وفيات الأعيان: 2 / 305 - 307، عبر الذهبي: 1 / 266، شذرات الذهب: 1 / 284، تهذيب ابن عساكر: 5 / 339. (* *) المعارف: 380 - 381، الوزراء والكتاب: 167 - 175، مروج الذهب 2 / 255 - 263، تاريخ بغداد: 13 / 21 - 25، الكامل لابن الأثير: 6 / 87 - 89، 96 - 106، عبرالذهبي: 1 / 257 - 258، البداية والنهاية: 10 / 131 - 133، 157، 159 - 162، تاريخ الخلفاء: 279 - 283، شذرات الذهب: 1 / 266 - 271. (1) هو: مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد، شاعر عالي الطبقة، نشأ في العصر الأموي باليمامة، وأدرك زمنا من العهد العباسي، فقدم بغداد ومدح عددا من أعيانها، توفي في بغداد سنة (182 هـ) . انظر ترجمته في: الشعر والشعراء: 2 / 739 - 741، طبقات ابن المعتز: 42 - 54، الاغاني: 10 / 71 - 95، تاريخ بغداد: 13 / 142 - 145، الوفيات: 5 / 189 - 193. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 تَشَابَهَ يَوْمَا بَأْسِهِ وَنَوَالِهِ ... فَمَا أَحَدٌ يَدْرِي لأَيِّهِمَا الفَضْلُ (1) فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلْفٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لإِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ: إِنْ أَطْرَبْتَنِي، فَاحْتَكِمْ. فَأَطْرَبَهُ، فَأَعْطَاهُ سَبْعَمائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَكَانَ يَشْرَبُ المُسْكِرَ، وَفِيْهِ ظُلمٌ، وَشَهَامَةٌ، وَلَعِبٌ، وَرُبَّمَا رَكِبَ حِمَاراً فَارهاً، وَكَانَ شُجَاعاً، فَصِيْحاً، لَسِناً، أَدِيْباً، مَهِيْباً، عَظِيْمَ السَّطوَةِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ دَفَعَ نَدِيْماً لَهُ مِنْ جُرْفٍ، عَلَى أُصُوْلِ قَصَبٍ قَدْ قُطِعَ، فَتعلَّقَ بِهِ النَّدِيْمُ، فَوَقَعَ مَعَهُ، فَدَخَلَتْ قَصَبَةٌ فِي دُبُرِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِهِ، فَهَلَكَا جَمِيْعاً. قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَعُمُرُهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ سَنَةً وَشَهْراً، وَقَامَ بَعْدَهُ الرَّشِيْدُ. وَكَانَ المَهْدِيُّ قَدْ عَزَمَ عَلَى تَقْدِيْمِ الرَّشِيْدِ فِي وِلاَيَةِ العَهْدِ، وَأَنْ يُؤَخَّرَ الهَادِي (2) ، فَلَمَّا نَفَذَ إِلَى الهَادِي، فَامْتَنَعَ، فَطَلَبَهُ، فَلَمْ يَأْتِ، فَهَمَّ المَهْدِيُّ بِالمُضِيِّ إِلَى جُرْجَانَ   (1) جاء في " الأغاني ": 10 / 80، ما نصه: " دخل مروان بن أبي حفصة على موسى الهادي، فأنشده قوله: تشابه يوما بأسه ... البيت فقال له الهادي: أيما أحب إليك: أثلاثون ألفا معجلة، أم مئة تدون في الدواوين؟ فقال له: يا أمير المؤمنين! أنت تحسن ما هو خير من هذا، ولكنك نسيته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قال: نعم. قال: تعجل لي الثلاثين ألفا، وتدون المئة الالف في الدواوين. فضحك، وقال: بل يعجلان جميعا، فحمل إليه المال أجمع ". وهو في " تاريخ بغداد ": 13 / 23، و: " البداية والنهاية ": 10 / 159. بنحوه. وفي " وفيات الأعيان ": 5 / 190: أن البيت من قصيدة قالها مروان بن أبي حفصة في مدح معن بن زائدة. (2) انظر: " البداية والنهاية ": 10 / 157. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 إِلَيْهِ، فَسَاقَ (1) خَلْفَ صَيْدٍ، فَفَرَّ إِلَى خِرْبَةٍ، وَتَبِعَهُ المَهْدِيُّ، فَدَقَّ ظَهرَهُ بِبَابِ الخِرْبَةِ، فَانْقَطَعَ. وَقِيْلَ: بَلْ سُمَّ، سَقَتْهُ سُرِّيَّةٌ سُمّاً عَمِلَتْهُ لِضَرَّتِهَا، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ المَسْمُوْمِ، فَفَزِعَتْ وَلَمْ تُخْبِرْهُ، وَكَانَ لَبِئاً، فَصَاح: جَوْفِي. وَتَلَفَ بَعْدَ يَوْمٍ (2) ، وَبَعَثَوا بِالخَاتَمِ (3) وَالقَضِيبِ إِلَى الهَادِي، فَرَكِبَ لِوَقْتِهِ، وَقَصَدَ بَغْدَادَ. وَكَانَ كَوَالِدِهِ فِي اسْتِئْصَالِ الزَّنَادِقَةِ، وَتَتَبُّعِهِم، فَقَتَلَ عِدَّةً، مِنْهُم: يَعْقُوْبُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَبَّاسِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ، وَظَهَرتْ بِنْتُهُ حُبْلَى مِنْهُ، أَكْرَهَهَا (4) . وَخَرَجَ عَلَى الهَادِي حُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ الحَسَنِيُّ (5) بِالمَدِيْنَةِ، المَقْتُوْلُ فِي وَقْعَةِ فَخٍّ، بِظَاهِرِ مَكَّةَ، وَكَانَ قَلِيْلَ الخَيْرِ، وَعَسْكَرُهُ أَوْبَاشٌ، وَهَلَكَ الهَادِي - فِيْمَا قِيْلَ - مَنْ قَرْحَةٍ. وَيُقَالُ: سَمَّتْهُ أُمُّهُ الخَيْزُرَانُ، لَمَّا أَجْمَعَ عَلَى قَتْلِ أَخِيْهِ الرَّشِيْدِ، وَكَانَتْ مُتَصَرِّفَةً فِي الأُمُورِ إِلَى الغَايَةِ، وَكَانَتْ مِنْ   (1) أي: المهدي. (2) انظر: " الكامل " لابن الأثير: 6 / 81 - 82، " شذرات الذهب ": 1 / 266 - 267، 269. (3) كان نقش خاتمه: " العزة لله ". انظر: " تاريخ بغداد ": 5 / 400. (4) وكان سبب قتله، أنه أتي به إلى المهدي، فأقر بالزندقة، فقال: لو كان ما تقول حقا لكنت حقيقا أن تتعصب لمحمد، ولولا محمد من كنت! ؟ أما لو أني جعلت على نفسي أن لاأقتل هاشميا لقتلتك. ثم قال للهادي: أقسمت عليك إن وليت هذا الامر لتقتلنه. ثم حبسه، فما مات المهدي، قتله الهادي. " الكامل: 6 / 89 ". (5) كان خروجه سنة (169 هـ) بالمدينة، وقد بايعه جماعة من العلويين بالخلافة، وخرج إلى مكة، فلما كان " بفخ " لقيته جيوش بني العباس، وعليهم العباس بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس وغيره، فالتقوا يوم التروية، فبذلوا الامان له، فقال: الامان أريد، فيقال: إن مباركا التركي رشقه بسهم فمات، وحمل رأسه إلى الهادي، وقتلوا جماعة من عسكره وأهل بيته، فبقي قتلاهم ثلاثة أيام حتى أكلتهم السباع. (معجم البلدن: فخ) ، وانظر: " الكامل " لابن الأثير: 6 / 90 - 94. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 مُوَلَّدَاتِ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ لَهَا: لَئِنْ وَقَفَ بِبَابِكِ أَمِيْرٌ لأَقْتُلَنَّكِ، أَمَا لَكَ مِغْزَلٌ يَشْغَلُكِ، أَوْ مُصْحَفٌ يُذَكِّرُكِ، أَوْ سُبْحَةٌ، فَقَامَت لاَ تَعْقِلُ غَضَباً (1) . وَيُقَالُ: خَلَّفَ سَبْعَةَ بَنِيْنَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالرَّيِّ. 168 - حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيُّ * (خَ، م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَلَمَةَ البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، البَزَّازُ، الخِرَقِيُّ، البَطَائِنِيُّ، مَوْلَى آلِ رَبِيْعَةَ بنِ مَالِكٍ، وَابْنِ أُخْتِ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ. سَمِعَ: ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَأَنَسَ بنَ سِيْرِيْنَ، وَمُحَمَّدَ بنَ زِيَادٍ القُرَشِيَّ، وَأَبَا جَمْرَةَ نَصْرَ بنَ عِمْرَانَ الضُّبَعِيَّ، وَثَابِتاً البُنَانِيَّ، وَعَمَّارَ بنَ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ الدَّارِيَّ المُقْرِئَ، وَأَبَا عِمْرَانَ الجَوْنِيَّ، وَأَبَا غَالِبٍ حَزَوَّرَ صَاحِبَ أَبِي أُمَامَةَ، وَقَتَادَةَ بنَ دِعَامَةَ، وَسِمَاكَ بنَ حَرْبٍ، وَحَمِيْداً - خَالَهُ - وَحَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الفَقِيْهَ، وَسَعْدَ بنَ جُمْهَانَ، وَأَبَا العُشَرَاءِ الدَّارِمِيَّ، وَيَعْلَى بنَ عَطَاءٍ، وَسُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِيَاسَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَبِشْرَ بنَ حَرْبٍ النَّدَبِيَّ (2) ، وَعَلِيَّ بنَ زَيْدٍ،   (1) انظر الخبر مفصلا في: " الكامل " لابن الأثير: 6 / 99 - 100. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 282، طبقات خليفة: 223، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 3 / 22 - 23، التاريخ الصغير: 2 / 168، المعارف: 503، المعرفة والتاريخ: 2 / 193 - 204، الجرح والتعديل: 3 / 140 - 142، مشاهير علماء الأمصار: 157، طبقات النحويين للزبيدي: 51، حلية الأولياء: 6 / 249 - 257، الفهرست: المقالة السادسة الفن السادس، معجم الأدباء: 10 / 254 - 258، إنباه الرواة: 1 / 329 - 330، تهذيب الكمال: خ: 329 - 331، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 173 - 174، تذكرة الحفاظ: 1 / 202 - 203، ميزان الاعتدال: 1 / 590 - 595، عبر الذهبي: 1 / 248 - 249، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 73، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 258، تهذيب التهذيب: 3 / 11 - 16، طبقات الحفاظ: 87 - 88، بغية الوعاة: 1 / 548 - 549، خلاصة تذهيب الكمال: 92، شذرات الذهب: 1 / 262. (2) الندبي: بفتح النون والدال، نسبة إلى الندب بن الهون: بطن من الازد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 وَخَالِدَ بنَ ذَكْوَانَ، وَشُعَيْبَ بنَ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمَ بنَ العَجَّاجِ الجَحْدَرِيَّ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ، وَمَطَرَ بنَ طَهْمَانَ الوَرَّاقَ، وَيَزِيْدَ الرَّقَاشِيَّ، وَأَبَا التَّيَّاحِ الضُّبَعِيَّ يَزِيْدَ، وَعَطَاءَ بنَ عَجْلاَنَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَأُمَماً سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَحَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعَفَّانُ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ الحَافِظُ، وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ، وَيَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيُّ، وَالأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَآخِرُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ القَوَارِيْرِيُّ المَتْرُوْكُ المُتَّهَمُ، الَّذِي لَقِيَهُ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ رَوَى الحُرُوْفَ عَنْ: عَاصِمٍ، وَابْنِ كَثِيْرٍ. أَخَذَ عَنْهُ الحُرُوْفَ: حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ. قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يُفِيْدُنِي عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ. وَقَالَ وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ سَيِّدُنَا وَأَعْلَمُنَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ بِحَدِيْثِ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ ضُرَيْسٍ الرَّازِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: يَعْنِي: بِالمَقَاطِيْعِ وَالآثَارِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 قَالَ أَحْمَدُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَهُوَ أَثْبَتُهُم فِي حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ فِي رِجَالٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَعَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَمَّادٍ، فَاتَّهَمُوْهُ فِي الدِّيْنِ (1) . قُلْتُ: كَانَ بَحْراً مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، وَلَهُ أَوهَامٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، وَهُوَ صَدُوْقٌ، حُجَّةٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَلَيْسَ هُوَ فِي الإِتقَانِ كَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَتَحَايدَ (2) البُخَارِيُّ إِخرَاجَ حَدِيْثِهِ، إِلاَّ حَدِيْثاً خَرَّجَه فِي الرِّقَاقِ، فَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيٍّ. وَلَمْ يَنحَطَّ حَدِيْثُه عَنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ. وَمُسْلِمٌ رَوَى لَهُ فِي الأُصُوْلِ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، لِكَوْنِهِ خَبِيْراً بِهِمَا. قَالَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ (3) : كَتَبتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً. جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ: كَتَبتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً. وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: قَدْ قِيْلَ فِي سُوْء حِفْظِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَجَمْعِهِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فِي الإِسْنَادِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُخرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الأُصُوْلِ، إِلاَّ مِنْ   (1) زيادة من " تهذيب التهذيب ": 3 / 15. (2) وقد رد عليه ابن حبان ردا قويا محكما في مقدمة " صحيحه: " ص 114 - 117، فراجعه. وسينقل المؤلف بعض كلامه في ذلك قريبا. (3) في " معجم الأدباء ": 10 /، 256 و" الميزان ": 1 / 591: " عمرو بن سلمة "، وهو تحريف. وعمروبن عاصم من رجال " التهذيب "، وقد ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": 392، ونقل خبره هذا، وفيه: " بضعة عشر ألف حديث ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 حَدِيْثِهِ عَنْ ثَابِتٍ، وَلَهُ فِي كِتَابِهِ أَحَادِيْثُ فِي الشَّوَاهِدِ عَنْ غَيْرِ ثَابِتٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا الحَمَّادَانِ، وَفَضْلُ ابْنِ سَلَمَةَ عَلَى ابْنِ زَيْدٍ، كَفَضْلِ الدِّيْنَارِ عَلَى الدِّرْهَمِ -يَعْنِي: الَّذِي اسْمُ جَدِّهِ دِيْنَارٌ، أَفْضَلُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ الَّذِي اسْمُ جَدِّهِ دِرْهَمٌ- وَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى جَلاَلتِهِ وَدِيْنِهِ، وَأَمَّا الإِتقَانُ، فَمُسَلَّمٌ إِلَى ابْنِ زَيْدٍ، هُوَ نَظِيْرُ مَالِكٍ فِي التَّثَبُّتِ. قَالَ شِهَابُ بنُ مَعْمَرٍ البَلْخِيُّ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ (1) . قُلْتُ: وَكَانَ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي الحَدِيْثِ إِمَاماً كَبِيْراً فِي العَرَبِيَّة، فَقِيْهاً، فَصِيْحاً، رَأْساً فِي السُّنَّةِ، صَاحِبَ تَصَانِيْفَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَوْ قِيْلَ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّكَ تَمُوْتُ غَداً، مَا قَدِرَ أَنَّ يَزِيْدَ فِي العَمَلِ شَيْئاً. قُلْتُ: كَانَتْ أَوْقَاتُهُ مَعْمُوْرَةً بِالتَّعَبُّدِ وَالأَوْرَادِ. وَقَالَ عَفَّانُ: قَدْ رَأَيتُ مَنْ هُوَ أَعبَدُ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، لَكِنْ مَا رَأَيتُ أَشدَّ مُوَاظِبَةً عَلَى الخَيْرِ، وَقِرَاءةِ القُرْآنِ، وَالعَمَلِ للهِ -تَعَالَى- مِنْهُ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: حَدِيْثُه فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ وَاحِدٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: إِذَا رَأَيتَ إِنْسَاناً يَقَعُ فِي عِكْرِمَةَ وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ثَابِتٍ أَثْبَتُ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. قَالَ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّبُوْذَكِيُّ: لَوْ قُلْتُ لَكُم: إِنِّيْ مَا رَأَيتُ حَمَّادَ بنَ   (1) تقدم التعريف بهم ص 274 ت: 2 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 سَلَمَةَ ضَاحِكاً، لَصَدَقْتُ، كَانَ مَشْغُوْلاً، إِمَّا أَنْ يُحَدِّثَ، أَوْ يَقْرَأَ، أَوْ يُسبِّحَ، أَوْ يُصَلِّيَ، قَدْ قَسَّمَ النَّهَارَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَهِّرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عِنْدَنَا مِنَ الثِّقَاتِ، مَا نَزدَادُ فِيْهِ كُلَّ يَوْمٍ إِلاَّ بَصِيْرَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ لاَ يُحَدِّثُ حَتَّى يَقْرَأَ مائَةَ آيَةٍ، نَظَراً فِي المُصْحَفِ. قَالَ يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ فِي الصَّلاَةِ فِي المَسْجِدِ (1) . قَالَ سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كُنْتُ آتِي حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ فِي سُوْقِهِ، فَإِذَا رَبِحَ فِي ثَوْبٍ حَبَّةً أَو حَبَّتَيْنِ، شَدَّ جَوْنَتَهَ (2) ، وَلَمْ يَبِعْ شَيْئاً (3) ، فَكُنْتُ أَظُنُّ ذَلِكَ يَقُوْتُهُ (4) . قَالَ التَّبُوْذَكِيُّ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: إِنْ دَعَاكَ الأَمِيْرُ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخْلاَصُ: 1] ، فَلاَ تَأْتِهِ (5) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ لِغَيْرِ اللهِ -تَعَالَى- مُكِرَ بِهِ.   (1) انظر " الحلية ": 6 / 250. (2) الجونة: سليلة مستديرة مغشاة بالجلد، يحفظ العطار فيها الطيب. (3) للخبر رواية أخرى في " الحلية ": 6 / 250، فانظره ثمت. (4) تتمة الخبر في الحلية ": 6 / 250 - 251: " فإذا وجد قوته لم يزد عليه شيئا ". (5) انظر: " الحلية ": 6 / 251. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 وَقَالَ حَمَّادٌ: مَا كَانَ مِنْ نِيَّتِي أَنْ أُحَدِّثَ حَتَّى قَالَ لِي أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي النَّوْمِ: حَدِّثْ. حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَأتِي أَحَداً نَتَعَلَّمُ شَيْئاً بِنِيَّةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، إِلاَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ. قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّاجِرُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: عَادَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ سُفْيَانُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ! أَتُرَى الله يَغْفِرُ لِمِثْلِي؟ فَقَالَ حَمَّادٌ: وَاللهِ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللهِ إِيَّاي، وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، لاَخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ اللهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ أَرحَمُ بِي مِنْ أَبَوَيَّ. المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ شَأْنِي أَنْ أَرْوِيَ أَبَداً حَتَّى رَأَيتُ أَيُّوْبَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: حَدِّثْ، فَإِنَّ النَّاسَ يُقْبِلُوْنَ (1) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ الجَرَّاحِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَسْمَعُ مَعَنَا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَرَكِبَ إِلَى الصِّيْنِ، فَلَمَّا رَجَعَ، أَهدَى إِلَى حَمَّادٍ هَدِيَّةً. فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ (2) : إِنْ قَبِلْتُهَا لَمْ أُحَدِّثْكَ بِحَدِيْثٍ، وَإِنْ لَمْ أَقْبَلْهَا حَدَّثْتُكَ. قَالَ: لاَ تَقْبَلْهَا، وَحَدِّثْنِي. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ الخَزَّازُ، كُنْيَةُ أَبِي حَمَّادٍ: أَبُو صَخْرَةَ، مَوْلَى حُمَيْدِ بنِ كرَّاتَه. وَيُقَالُ: مَوْلَى قُرَيْشٍ (3) . وَقِيْلَ: هُوَ حِمْيَرِيٌّ مِنَ العُبَّادِ المُجَابِي الدَّعْوَةِ فِي الأَوقَاتِ، لَمْ يُنْصِفْ مَنْ (4) جَانَبَ حَدِيْثَهُ، وَاحْتَجَّ بِأَبِي   (1) تقدم قبل قليل. وهو في " الحلية ": 6 / 251. (2) زيادة من المرجع السابق. (3) انظر النص بزياداته في " مشاهير علماء الأمصار ": 157. (4) يعرض بمحمد بن إسماعيل البخاري، صاحب " الصحيح " كما تقدم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَبَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، فَإِنْ كَانَ تَرْكُه إِيَّاهُ لِمَا كَانَ يُخطِئُ، فَغَيْرُهُ مِنْ أَقْرَانِهِ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَدُوْنَهمَا كَانُوا يُخْطِئُوْنَ، فَإِنَّ زَعمَ أَنَّ خَطَأَهُ قَدْ كَثُرَ مِنْ تَغَيُّرِ حِفْظِه، فَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ حَمَّادٍ بِالبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَثْلِبْهُ إِلاَّ مُعْتَزِلِيٌّ أَوْ جَهْمِيٌّ، لِمَا كَانَ يُظْهِرُ مِنَ السُّنَنِ الصَّحِيْحَةِ، وَأَنَّى يَبلُغُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ مَبْلَغَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فِي إِتْقَانِهِ، أَمْ فِي جَمْعِهِ، أَمْ فِي عِلْمِهِ، أَمْ فِي ضَبْطِهِ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: مَا كُنَّا نَرَى مَنْ يَتَعلَّمُ بِنِيَّةٍ غَيْرَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَا نَرَى اليَوْمَ مَنْ يُعَلِّمُ بِنِيَّةٍ غَيْرَهُ. قَالَ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَسْأَلُ حَمَّادَ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَحَادِيْثَ مُسْنَدَةٍ، وَالنَّاس يَسْأَلُوْنَهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَكُنْتُ إِذَا جِئْتُهُ، قَالَ: لاَ جَاءَ اللهُ بِكَ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَثْقُلُ حَتَّى يَخِفَّ. وَقَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ - وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ حَيٌّ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقُلْتُ: إِذَا أَفطَرْتُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَمَاتَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ فِي (الفَارُوْقِ (1)) لَهُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَغمِزُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيْداً عَلَى المُبْتَدِعَةِ. قَالَ يُوْنُسُ: مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ تَعَلَّمْتُ العَرَبِيَّةَ.   (1) هو عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، صاحب كتاب " منازل السائرين " المتوفى سنة (481 هـ) و" الفاروق " كتاب ألفه في الصفات. ترجم له المؤلف في " سيره "، وفي " تذكرة الحفاظ ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 وَلِيَحْيَى اليزِيْدِيِّ (1) مَرْثِيَّةٌ يَقُوْلُ فِيْهَا: يَا طَالِبَ النَّحْوِ أَلاَ فَابْكِهِ ... بَعْدَ أَبِي عَمْرٍو وَحَمَّادِ (2) وَنَقَلَ بَعْضُهُم: أَنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ تَزَوَّجَ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وَلَمْ يُولَدْ لَهُ وَلَدٌ (3) . قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: شَهِدتُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَدَعَوْهُ -يَعْنِي: الدَّوْلَةَ- فَقَالَ: أَحْمِلُ لِحْيَةً حَمْرَاءَ إِلَى هَؤُلاَءِ؟ وَاللهِ لاَ فَعَلتُ. وَرُوِيَ: أَنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَكُنْ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ كِتَابٌ، سِوَى كِتَابِ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ. وَرَوَى: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُ حَدَّثَهُم بِحَدِيْثِ نُزُوْلِ الرَّبِّ -عَزَّ وَجَلَّ (4) - فَقَالَ: مَنْ رَأَيتُمُوْهُ يُنْكِرُ هَذَا، فَاتَّهِمُوْهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ يَحْيَى: قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يُفِيْدُنِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ -يَعْنِي: القُرَشِيَّ، صَاحِبَ أَبِي هُرَيْرَةَ- فَقُلْتُ لِيَحْيَى: كَانَ حَمَّادٌ يُفِيْدُهُ؟ قَالَ: فِيْمَا أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ لَيْسَ بِذَاكَ، إِنْ كَانَ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ قَيْسِ بنِ   (1) هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي اليزيدي، أبو محمد: عالم بالعربية والقراءة، أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو البصري أحد القراء السبع، وهو الذي خلفه بالقيام بها، وممن تلقاها عنه الدوري والسوسي. كان من أهل البصرة، وسكن بغداد واتصل بالرشيد فعهد إليه بتأديب المأمون، وعاش إلى أيام خلافته، وتوفي بمرو سنة (202 هـ) . انظر ترجمته: تاريخ بغداد: 14 / 146 - 148، معجم الأدباء: 20 / 30 - 32، الوفيات: 6 / 183 - 191، النجوم الزاهرة: 2 / 173، طبقات القراء: 2 / 375. (2) البيت في " إنباه الرواة ": 1 / 330، " معجم الأدباء ": 10 / 258، " ميزان الاعتدال ": 1 / 592. (3) انظر: " الميزان ": 1 / 591، " تهذيب التهذيب ": 3 / 13. (4) تقدم تخريجه في الصفحة: 427 حا: 1. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 سَعْدٍ حَقّاً، فَلَمْ يَكُنْ قَيْسٌ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ حَدِيْثُ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَهَذَا الضَّرْبُ -يَعْنِي: أَنَّهُ ثَبتٌ فِيْهَا-. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ الرَّازِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذَ إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ، فَقَالَ: لاَ تَمُوْتُ حَتَّى تَقُصَّ، أَمَّا إِنِّيْ قَدْ قُلْتُ: هَذَا لِخَالِكَ -يَعْنِي: حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ- فَمَا مَاتَ حَمَّادٌ حَتَّى قَصَّ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ: قُلْتُ لِحَمَّادٍ: أَنْتَ قَصَصْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: القَاصُّ هُوَ الوَاعِظُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: قُلْتُ لِيَحْيَى: حَمَلتَ عَن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ إِمْلاَءً؟ قَالَ: نَعَمْ، إِملاَءً كُلَّهَا، إِلاَّ شَيْئاً كُنْتُ أَسْأَلُه عَنْهُ فِي السُّوْقِ، فَأَتَحَفَّظُ. قُلْتُ لِيَحْيَى: كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي، وَحَدَّثَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَجِيْءُ بِهَا عَفْواً، حَدَّثَنِي وَحَدَّثَنَا. قَالَ البَيْهَقِيُّ فِي (الخِلاَفِيَّاتِ) : مِمَّا جَاءَ فِي كِتَابِ (الإِمَامِ) لِشَيْخِنَا، بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيْثِ: (أَلاَ إِنَّ العَبْدَ نَامَ) ، لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ: فَأَمَّا حَمَّادٌ، فَإِنَّهُ أَحَدُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا رَأَيتَ مَنْ يَغمِزُهُ، فَاتَّهِمْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيْداً عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَ فِي السِّنِّ، سَاءَ حِفْظُه، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحتَجَّ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَمَّا مُسْلِمٌ، فَاجْتَهَدَ فِيْهِ، وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيْثِهِ عَنْ ثَابِتٍ، مِمَّا سَمِعَ مِنْهُ قَبْل تَغَيُّرِهِ، وَمَا عَنْ غَيْرِ ثَابِتٍ، فَأَخْرَجَ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً فِي الشَّوَاهِدِ، دُوْنَ الاحْتِجَاجِ، فَالاحتِيَاطُ أَنْ لاَ يُحْتَجَّ بِهِ فِيْمَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ، وَهَذَا الحَدِيْثُ مِنْ جُمْلَتِهَا. قَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُطَهِّرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عِنْدَنَا مِنَ الثِّقَاتِ، مَا نَزدَادُ فِيْهِ كُلَّ يَوْمٍ إِلاَّ بَصِيْرَةً. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ مَوْلِدُهُ فِي حَيَاةِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ. قُلْتُ: كَذَا أَرَّخ وَفَاتَه فِي هَذَا العَامِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَبَعْضُهُم قَالَ: مَاتَ بَعْدَ عِيْدِ النَّحْرِ. وَقَالَ شَبَابٌ العُصْفُرِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، مَوْلَى بَنِي رَبِيْعَةَ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ، يُكْنَى: أَبَا سَلَمَةَ، مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ. وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَيْشِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ، وَهَذَا وَهْمٌ. وَمَاتَ مَعَ حَمَّادٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُم: أَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيُّ (1) مُحَدِّثُ مَرْوَ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ الهَمْدَانِيُّ (2) الفَقِيْهُ الكُوْفِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ مُسْلِمٍ (3) البَصْرِيُّ، وَسَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ (4) البَصْرِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ (5) البَصْرِيُّ، وَالسَّرِيُّ   (1) تقدمت ترجمته في الصفحة: 385، وما بعدها. (2) ترجمته في الصفحة: 361 وما بعدها، وفيها حدد المؤلف وفاته في سنة (169 هـ) . (3) ترجمته في الصفحة: 290. (4) ترجمته في الصفحة: 414. (5) ترجمته في الصفحة: 290. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 بنُ يَحْيَى البَصْرِيُّ - بِخُلْفٍ - وَسُوَيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنَّاطُ البَصْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ البَصْرِيُّ - سُلَمِيٌّ - وَأَبُو عَقِيْلٍ يَحْيَى بنُ المُتَوَكِّلِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو هِلاَلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ الرَّاسبِيُّ البَصْرِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ أَشْعَثُ السَّمَّانُ البَصْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ القِسْمَلِّيُّ البَصْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم بِالبَصْرَةِ، فَكَانَتْ سَنَةَ فَنَاءِ العُلَمَاءِ بِالبَصْرَةِ. وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخُ دِمَشْقَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّنُوْخِيُّ (1) الفَقِيْهُ، وَشَيْخُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ (2) ، وَمُحَدِّثُ الكُوْفَةِ مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ (3) ، وَأَمِيْرُ الكُوْفَةِ عِيْسَى بنُ مُوْسَى العَبَّاسِيُّ (4) ، وَبَشَّارُ بنُ بُرْدٍ (5) شَاعِرُ وَقْتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ أَعْلَى رِوَايَاتِهِ: بِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، أَفرَدْتُهَا قَدِيْماً فِي سَنَةِ بِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبي غَالِبٍ العَابِدُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَخاً لِي فِي قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ   (1) أبو محمد، فقيه دمشق في عصره، كان حافظا حجة. توفي سنة (167 هـ) كما أشار المؤلف. انظر: " تذكرة الحفاظ ": 1 / 23، " تهذيب ابن عساكر ": 6 / 152. (2) ترجمته في الصفحة: 182. (3) ترجمته في الصفحة: 338. (4) ترجمته في الصفحة: 434. وفيها حدد المؤلف وفاته في سنة (168 هـ) . (5) ترجمته في الصفحة: 24. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللهِ. قَالَ: إِنِّيْ رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكَ أَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيْهِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَهُوَ مِنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَمُرُّ كَمَا جَاءتْ. وَشَاهِدُهُ فِي القُرْآنِ وَفِي الحَدِيْثِ كَثِيْرٌ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى* -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبعُوْنِي، يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آلُ عِمْرَانَ: 31] ، وَقَالَ: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً} [النِّسَاءُ: 125] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الحَجَّارُ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُسْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 6] ، قَالَ: (يَقُوْمُوْنَ حَتَّى يَبْلُغَ الرَّشْحُ أَطْرَافَ آذَانِهِمْ) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنِ التَّمَّارِ (2) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي العُشَرَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَمَا تَكُوْنُ الذَّكَاةُ إِلاَّ مِنَ اللَّبَّةِ وَالحَلْقِ؟ فَقَالَ: (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا، لأَجْزَأَ عَنْكَ) (3) .   (1) (2567) ، في البر والصلة: باب في فضل الحب في الله. والمدرجة: الطريق، سميت بذلك لان الناس يدرجون عليها، أي يمضون ويمشون. وقوله: " تربها "، أي: تقوم بإصلاحها وحفظها، وتنهض إليه بسبب ذلك. (2) : (2862) ، في الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب في صفة يوم القيامة. (3) إسناده ضعيف، لجهالة أبي العشراء. قال الميموني: سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة، قال: هو عندي غلط، ولا يعجبني، ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة، ما = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي شَيْخٍ المَلْطِيَّ يَقُوْلُ: جَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ إِلَى عَفَّانَ لِيَسْمَعَ مِنْهُ كُتُبَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَقَالَ: أَمَا سَمِعْتَهَا مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ (1) ، وَأَنْحَدِرُ إِلَى البَصْرَةِ، فَأَسْمَعُ مِنَ التَّبُوْذَكِيِّ. قَالَ: شَأْنُكَ. فَانْحَدَرَ إِلَى البَصْرَةِ، وَجَاءَ إِلَى التَّبُوْذَكِيِّ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَمِعْتَهَا مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُهَا عَلَى الوَجْهِ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَنْتَ الثَّامِنَ عَشَرَ. قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ كَانَ يُخطِئُ، فَأَرَدتُ أَنْ أَمِيْزَ خَطَأَهُ مِنْ خَطَأِ غَيْرِهِ، فَإِذَا رَأَيتُ أَصْحَابَهُ اجْتَمَعُوا عَلَى شَيْءٍ، عَلِمتُ أَنَّ الخَطَأَ مِنْهُ. قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَقَالَ مُحَدِّثٌ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الحَدَّادَ يَكْتُبُ أَصْنَافَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ ... ، فَذَكَرَ حِكَايَةً. 169 - حَمَّادُ بنُ زَيْدِ بنِ دِرْهَمٍ الأَزْدِيُّ * (ع) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، مُحَدِّثُ الوَقْتِ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ   = أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا. وقال البخاري: في حديثه، واسمه، وسماعه من أبيه نظر. والحديث أخرجه أبو داود: (2825) ، في الاضاحي: باب ما جاء في ذبيحة المتردية، والترمذي: (1481) ، وابن ماجه: (3184) ، في الذبائح: باب ذكاة الناد من البهائم. والذكاة: الذبح. واللبة: وسط الصدر والمنحر. (1) في المطبوع من " الضعفاء " 1 / 32: " وهم " وهو تحريف مع أن في الأصلين اللذين اعتمدهما المحقق " درهم " على الصواب. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 286 - 287، طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 321، 451، التاريخ الكبير: 3 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 218، المعارف: 502 - 503، الجرح والتعديل: 1 / 176 - 183، 3 / 137 - 139، مشاهير علماء الأمصار: 157، حلية الأولياء: 6 / 257 - 267، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 167 - 168، تهذيب الكمال: خ: 328 - 329، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 173، تذكرة الحفاظ: 1 / 228 - 229، عبر الذهبي: 1 / 274، البداية والنهاية: 10 / 174، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 25، تهذيب التهذيب: 3 / 9 - 11، طبقات الحفاظ: 96 - 97، خلاصة تذهيب الكمال: 92، شذرات الذهب: 1 / 292. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 الأَزْدِيُّ، مَوْلَى آلِ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ البَصْرِيِّ، الأَزْرَقُ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. أَصلُهُ مِنْ سِجِسْتَانَ، سُبِيَ جَدُّهُ دِرْهَمٌ مِنْهَا. سَمِعَ مِنْ: أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَبُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَبِشْرِ بنِ حَرْبٍ، وَسَلْمِ بنِ قَيْسٍ العَلَوِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَحْوَلِ، وَعَبَّاسِ بنِ فَرُّوْخٍ الجُرَيْرِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ المَكِّيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ زِيَادٍ الأَزْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَهَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ بنِ المُهَلَّبِ، وَأَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ، وَيَزِيْدَ الرِّشْكِ (1) ، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَجَمِيْلِ بنِ مُرَّةَ، وَحَاجِبِ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ، وَالزُّبَيْرِ بنِ الخِرِّيْتِ، وَالزُّبَيْرِ بنِ عَرَبِيٍّ، وَالصَّقْعَبِ بنِ زُهَيْرٍ، وَكَثِيْرِ مِنْ شِنْظِيْرٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَبُرْدِ بنِ سِنَانٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَنَسٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَسُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ - وَهُمْ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، وَمُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ عِنْدَهُ - وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ العَسْكَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ الفَقِيْهُ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، وَسُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ المَصِّيْصِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ صَاحِبُ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ   (1) الرشك، بكسر الراء، هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي البصري. والرشك بالفارسية: الكبير اللحية، لقب بذلك لكبر لحيته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ المَرْوَزِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، وَأَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ - خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ - وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَدِ اسْتَوْعَبَ كَثِيْراً، مِنْهُم: شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (1) بِالكُوْفَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ (2) ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَثْبَتَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَحْفَظَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ أَرَ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ، وَلاَ بِالحَدِيْثِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي السُّنَّةِ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. وَرُوِيَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: رَجُلُ البَصْرَةِ بَعْدَ شُعْبَةَ ذَاكَ الأَزْرَقُ -يَعْنِي: حَمَّاداً-. قَالَ وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ إِلاَّ بِمِسْعَرٍ (3) . قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: لَمْ يَكُنْ لِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ كِتَابٌ، إِلاَّ كِتَابُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ ثِقَةٌ، وَحَدِيْثُهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ، كَانَ يَحْفَظُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ الحَافِظُ: لَمْ يُخطِئْ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ فِي   (1) ترجمته في الصفحة: 229. (2) ترجمته في الصفحة: 107. (3) ترجمته في الصفحة: 163. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 حَدِيْثِ قَطُّ، وَفِيْهِ يَقُوْلُ ابْنُ المُبَارَكِ (1) : أَيُّهَا الطَّالِبُ عِلْماً ... إِيْتِ حَمَّادَ بنَ زَيْدِ تَقْتَبِسْ حِلْماً وَعِلْماً ... ثُمَّ قَيَّدْهُ بِقَيْدِ (2) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيتُ أَعْلَمَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَا رَأَيتُ بِالبَصْرَةِ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْهُ -يَعْنِي: حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ-. وَقَالَ آخَرُ: هُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَثبَتُهُم. وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ يَقُوْلُ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ يَوْم مَاتَ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ فِي الإِسْلاَمِ نَظِيْراً فِي هَيئَتِه وَدَلِّهِ - أَظُنُّهُ قَالَ: وَسَمْتِهِ - قُلْتُ: تَأَخَّرَ مَوْتُه عَنْ مَالِكٍ قَلِيْلاً، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ ذَلِكَ، وَلَمَّا سَمِعَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ بِمَوْتِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: مَاتَ اليَوْم سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ ضَرِيْراً، يَحفَظُ حَدِيْثَه كُلَّه. قُلْتُ: إِنَّمَا أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.   (1) هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التيمي المروزي، أبو عبد الرحمن، الحافظ، شيخ الإسلام، المجاهد التاجر، صاحب التصانيف والرحلات. كان من سكان خراسان، ومات " بهيت " على الفرات، منصرفا من غزو الروم سنة (181 هـ) . انظر ترجمته في: " الحلية ": 8 / 162، " تاريخ بغداد ": 10 / 152، " تذكرة الحفاظ ": 1 / 253، " شذرات الذهب ": 1 / 295. (2) " الحلية ": 6 / 258، وفيه الشطر الأول من البيت الثاني: " فاطلب العلم بحلم "، وزاد بيتا ثالثا: لا كثور وكجهم * وكعمرو بن عبيد و" البداية والنهاية ": 10 / 79، في ترجمة عمرو بن عبيد، وفيه الشطر الأول من البيت الثاني: " فخذ العلم بحلم ". وزاد بيتا ثالثا: وذر البدعة من * آثار عمرو بن عبيد وانظر: الجرح والتعديل: 1 / 179 - 180. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدْ رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم وَفَاةً: الهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ: مَا رَأَيتُ بِالعِرَاقِ مِثْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. وَقَالَ خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ: المُدَلِّسُ مُتَشَبِّعٌ بِمَا لَمْ يُعْطَ. قُلْتُ: هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحِبُّوْنَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آلُ عِمْرَانَ: 188] . قُلْتُ: وَالمُدَلِّسُ فِيْهِ شَيْءٌ مِنَ الغِشِّ، وَفِيْهِ عَدَمُ نُصحٍ لِلأُمَّةِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا دَلَّسَ الخَبَرَ الوَاهِي، يُوْهِمُ أَنَّهُ صَحِيْحٌ، فَهَذَا لاَ يَحِلُّ بِوَجْهٍ، بِخِلاَفِ بَاقِي أَقسَامِ التَّدْلِيسِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ: التَّدْلِيسُ (1) ذُلٌّ. جَمَاعَةٌ: سَمِعُوا سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحُجُرَاتُ: 2] قَالَ: أَرَى رَفْعَ الصَّوْتِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَرَفعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، إِذَا قُرِئَ حَدِيْثُهُ، وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُنْصِتَ لَهُ، كَمَا تُنصِتُ لِلْقُرْآنِ يَعْمُرُ (2) . وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ صَاحِبُ البَصْرِيُّ - وَهُوَ صَادِقٌ -: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، لاَ سُفْيَانُ وَلاَ مَالِكٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّبَّاعُ: مَا رَأَيتُ أَعقَلَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: هَلْ ذَكَرَ اللهُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: بَلَى، اللهُ -تَعَالَى- يَقُوْلُ: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ... } ، الآيَةَ (3) .   (1) تقدم الحديث عن التدليس في الصفحة: 208، حا 1. (2) كذا الأصل ولم تتبين لنا. (3) : 122، التوبة، وتتمتها: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) وقد أخرجه الخطيب البغدادي في " الرحلة في طلب الحديث ": ص 87، وتمامه: = الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ العَطَّارُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ الله، إِنَّ لِذِكْرِ الإِسْنَادِ فِي القَلْبِ خُيَلاَءَ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: جَاءنِي أَبَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تُكلِّمَ شُعْبَةَ أَنْ يَكُفَّ عَنِّي. فَكَلَّمتُه، فَكَفَّ عَنْهُ أَيَّاماً، وَأَتَانِي فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ الكَفُّ عَنْ أَبَانٍ، فَإِنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: إِنَّمَا يَدُورُوْنَ عَلَى أَنْ يَقُوْلُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ -يَعْنِي: الجَهْمِيَّةَ (1) -. وَعَنْ أَبِي النُّعْمَان عَارِمٍ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، أَنْزَلَه جِبْرِيْلُ مِنْ عِنْدَ رَبِّ العَالِمِيْنَ. قُلْتُ: لاَ أَعْلَمُ بَيْنَ العُلَمَاءِ نِزَاعاً، فِي أَنَّ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَمِنْ أَتقَنِ الحُفَّاظِ وَأَعْدَلِهِم، وَأَعْدَمِهِم غَلَطاً، عَلَى سَعَةِ مَا رَوَى -رَحِمَهُ اللهُ-. مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا رَأَيتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، قُلْتُ: أَدَّبَهُ كِسْرَى، وَفَقَّهَهُ عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ الخَلِيْلِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْنِ أَخِي هِلاَلٍ الرَّأْيِ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: كَانَ عِلْمُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ (2) ، وَعَقْلُهُ دَانِقَيْنِ، وَعِلْمُ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ دَانِقَيْنِ، وَعَقْلُهُ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ. قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وِفَاقاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو   = " فهذا في كل من رحل في طلب العلم والفقه، ورجع به إلى من وراءه فعلمه إياه ". (1) تقدم الحديث عن الجهمية في الصفحة: 311، حا: 3. (2) الدانق: سدس الدرهم. والدرهم: جزء من اثني عشر جزءا من الاوقية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ فِي يَوْمَ الجُمُعَةِ، تَاسِعَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ عَارِمٌ: مَاتَ لِعَشْرٍ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ قَبْلَهُ مَالِكٌ بِشَهْرَيْنِ وَأَيَّامٍ. قُلْتُ: هَذَا وَهْمٌ، بَلْ مَاتَ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ - فَرَحِمَهُمَا اللهُ - فَلَقَدْ كَانَا رُكْنَي الدِّيْنِ، مَا خَلِفَهُمَا مِثْلُهُمَا. وَمَاتَ فِيْهَا: بِوَاسِطَ الحَافِظُ الحُجَّةُ العَابِدُ القُدْوَةُ، خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وَمُحَدِّثُ الكُوْفَةِ أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، وَمُفْتِي دِمَشْقَ الهِقْلُ بنُ زِيَادٍ - صَاحِبُ الأَوْزَاعِيِّ - وَمُحَدِّثُ حِمْصَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ الأَشْعَرِيُّ. وَفِيْهَا: كَانَ مَصْرَعُ مَلِكِ الخَوَارِجِ، الَّذِي يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ: الوَلِيْدُ بنُ طَرِيْفٍ الشَّارِي (1) . وَمِنْ عَوَالِي حَمَّادٍ - وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا -: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ   (1) الوليد بن طريف بن الصلت التغلبي الشيباني: خرج بالجزيرة الفراتية سنة (177 هـ) في خلافة هارون الرشيد، وحشد جموعا كثيرة، وأخذ مناطق عديدة، فسير إليه الرشيد جيشا كثيفا مقدمه يزيد بن مزيد الشيباني، فأقام قريبا منه يناجزه ويطاوله مدة، ثم ظهر عليه يزيد فقتله بعد حرب شديده، وهو الذي تقول أخته فارعة في رثائة: أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف والشاري: نسبة إلى الشراة: وهو الخوارج، سموا بذلك لانهم غضبوا ولجوا، وأماهم، فقالوا: نحن الشراة، لقوله عزوجل: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) [البقرة: 207] ، أي يبيعها ويبذلها في الجهاد، وثمنها الجنة، وقوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) [التوبة: 111] ، ولذلك قال قطري بن الفجاءة، وهو شاعر خارجي: رأت فتية باعوا الاله نفوسهم * بجنات عدن عنده ونعيم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بنَ عَبْدِ اللهِ - وَلاَ أَعْلَمُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَهُ - قَالَ: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوْبُكُم، فَإِذَا اخْتَلَفْتُم فِيْهِ، فَقُوْمُوا عَنْهُ (1)) . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ العَلَوِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلاَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بَيْنَ العَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنِ الزَّهْرَانِيِّ. وَبِهِ: إِلَى الزَّهْرَانِيِّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلاَلٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي البَيْتِ (3) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُصَلِّ فِيْهِ، إِنَّمَا كَبَّرَ فِي نَوَاحِيْهِ (4) .   (1) وأخرجه البخاري: 9 / 87، في فضائل القرآن: باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، وأخرجه أيضا: 13 / 289، في الاعتصام، من طريق إسحاق بن راهويه، عن عبد الصمد، عن همام، عن أبي عمران الجوني. ومعنى الحديث: اقرؤوا القرآن ما اجتمعت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم في فهم معانيه، فتفرقوا لئلا يتمادى بكم الخلاف إلى الشر. قال عياض: يحتمل أن يكون النهي خاصا بزمنه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسؤوهم كما في قوله تعالى: (لا يتأسلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) [المائدة: 101] . ويحتمل أن يكون المعنى: اقرؤوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف، أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية للافتراق، فاتركوا القراءة، وتمسكوا بالمحكم الموجب للالفة، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي للفرقة. وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم ". (2) رقم: (1329) (389) ، في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها. (3) إسناده صحيح. (4) أخرجه البخاري: 3 / 375 - 376، في الحج: باب من كبر في نواحي الكعبة، وأبو داود: (2027) ، وانظر: " زاد المعاد " (طبع مؤسسة الرسالة) : 2 / 297. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ. وَإِنَّمَا العِبْرَةُ بِقَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الصَّلاَةَ، فَإِنَّ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ. رَوَى: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ سَلَمَةَ، مَا كُنَّا نُشَبِّهُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ إِلاَّ بِمِسْعَرٍ (1) . إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ أَثبَتُ مِنْ: عَبْدِ الوَارِثِ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: يَرَوْنَ أَنَّ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ دُوْنَ شُعْبَةَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَارِمٌ: سَأَلْتُ أُمَّ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَمَّتَهُ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: وُلِدَ زَمَنَ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى: وُلِدَ زَمَنَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ يُكْنَى: أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، وَكَانَ عُثْمَانِياً، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، حجَّةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. فَصْلٌ: اشْتَرَكَ الحَمَّادَانِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ المَشَايِخِ، وَرَوَى عَنْهُمَا جَمِيْعاً جَمَاعَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، فَرُبَّمَا رَوَى الرَّجُل مِنْهُم عَنْ حَمَّادٍ، لَمْ يَنْسِبْهُ، فَلاَ يُعْرَفُ أَيُّ الحَمَّادَيْنِ هُوَ إِلاَّ بِقرِيْنَةٍ، فَإِنْ عَرِيَ السَّنَدُ مِنَ القَرَائِنِ - وَذَلِكَ قَلِيْلٌ - لَمْ نَقطَعْ بِأَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَلاَ أَنَّهُ ابْنُ سَلَمَةَ، بَلْ نَتَرَدَّدُ، أَوْ نُقدِّرُه ابْنَ سَلَمَةَ، وَنَقُوْلُ: هَذَا الحَدِيْثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، إِذْ مُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّ بِهِمَا جَمِيْعاً. فَمِنْ شُيُوْخِهِمَا مَعاً: أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَأَيُّوْبُ، وَالأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ، وَبُرْدُ بنُ سِنَانٍ، وَبِشْرُ بنُ حَرْبٍ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، وَثَابِتٌ، وَالجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَالجُرَيْرِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُوْدِ، وَابْنُ عَوْنٍ،   (1) مقدمة الجرح والتعديل 1 / 177، 178. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَنَسٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَعَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَاسِعٍ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، وَأَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَتِيْقٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ. وَحَدَّثَ عَنِ الحَمَّادَيْنِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَعَفَّانُ، وَحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَشَيْبَانُ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ - لَكِنْ مَا لَهُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ - وَمُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُدْبَةُ، وَيَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَغَيْرُهُم. وَالحُفَّاظُ المُخْتَصُّوْنَ بِالإِكثَارِ، وَبِالرِّوَايَةِ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: بَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَحِبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ، وَعُمَرُ بنُ عَاصِمٍ. وَالمُخْتَصُّوْنَ بِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، الَّذِيْنَ مَا لَحِقُوا ابْنَ سَلَمَةَ، فَهُم أَكْثَرُ وَأَوضَحُ: كَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ، وَبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ العَقَدِيِّ، وَخَالِدِ بنِ خِدَاشٍ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَوْنٍ، وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ، وَلُوَيْنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَمُسَدَّدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَقْرَانِهِم. فَإِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ مِنْ هَؤُلاَءِ الطَّبَقَةِ قَدْ رَوَى عَنْ حَمَّادٍ وَأَبْهَمَهُ، عَلِمتَ أَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَأَنَّ هَذَا لَمْ يُدرِكْ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَكَذَا إِذَا رَوَى رَجُلٌ مِمَّنْ لَقِيَهُمَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَسَكَتَ، نَظَرَتَ فِي شَيْخِ حَمَّادٍ مَنْ هُوَ؟ فَإِنْ رَأَيتَهُ مِنْ شُيُوْخِهِمَا عَلَى الاشْتِرَاكِ، تَردَّدْتَ، وَإِنْ رَأَيتَه مِنْ شُيُوْخِ أَحَدِهِمَا عَلَى الاخْتِصَاصِ وَالتَّفرُّدِ، عَرَفْتَه بِشُيُوْخِه المُخْتَصِّيْنَ بِهِ، ثُمَّ عَادَةُ عَفَّانَ لاَ يَرْوِي عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ إِلاَّ وَيَنسِبُهُ، وَرُبَّمَا رَوَى عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فَلاَ يَنسِبُهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ. فَأَمَّا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، فَعَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَارِمٌ يَفْعَلُ، فَإِذَا، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، فَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَمَتَى قَالَ مُوْسَى التَّبُوْذَكِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، فَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، فَهُوَ رِوَايَتُهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَيَقَعُ مِثْلُ هَذَا الاشْتِرَاكِ سَوَاءً فِي السُّفْيَانَيْنِ، فَأَصْحَابُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِبَارٌ قُدَمَاءُ، وَأَصْحَابُ ابْنِ عُيَيْنَةَ صِغَارٌ، لَمْ يُدْرِكُوا الثَّوْرِيَّ، وَذَلِكَ أَبْيَنُ، فَمَتَى رَأَيتَ القَدِيْمَ قَدْ رَوَى، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَأَبْهَمَ، فَهُوَ الثَّوْرِيُّ، وَهُمْ كَوَكِيْعٍ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ. فَإِنَّ رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُم عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بَيَّنَهُ، فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَلْحَقِ الثَّوْرِيَّ، وَأَدْرَكَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَلاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْسِبَهُ، لِعَدَمِ الإِلْبَاسِ، فَعَلَيْكَ بِمَعْرِفَةِ طَبَقَاتِ النَّاسِ. بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ السَّابِعُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) . وَيَلِيْهِ الجُزْءُ الثَّامِنُ، وَأَوَّلُهُ تَرْجَمَةُ: يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ الغَافِقِيِّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 الْجُزْءُ الْثَّامِنُ 1 - يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ أَبُو العَبَّاسِ الغَافِقِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ الشَّهِيْرُ، المِصْرِيُّ، يُنْسَبُ فِي عِدَادِ مَوَالِي مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَأَبِي قَبِيْلٍ حُيَيِّ بنِ هَانِئٍ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن دِيْنَارٍ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَبَكْرِ بنِ عَمْرٍو، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَزَبَّانِ (1) بنِ فَائِدٍ، وَزَيْدِ بنِ جَبِيْرَةَ، وَسَهْلِ بنِ مُعَاذٍ الجُهَنِيِّ، وَعُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَأَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيِّ (2) ، وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَرْملَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ،   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 516، طبقات خليفة: 296، التاريخ الكبير للبخاري: 8 / 260، مشاهير علماء الأمصار: ت (1528) : 190، الضعفاء للعقيلي: 3 / 243، الجرح والتعديل: 9 / 127، الكامل لابن عدي: 2 / 421، تهذيب الكمال: 1493، تذكرة الحفاظ: 1 / 228 277، ميزان الاعتدال: 4 / 362، العبر للذهبي: 1 / 243، تهذيب التهذيب: 11 / 186، خلاصة تذهيب الكمال: 362، الضعفاء والمتروكين: 108، الكاشف 3 / 250، تذهيب التهذيب 4 / 149 / 1، المغني 2 / 731، حسن المحاضرة 1 / 300، طبقات الحفاظ: 96. (1) في الأصل: زياد، وهو خطأ. (2) القتباني: بكسر القاف، نسبة إلى قتبان: موضع في نواحي عدن باليمن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الطَّوِيْلِ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمُوْسَى بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَابْنُ جُرَيْجٍ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَإِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَعَمْرُو بنُ الرَّبِيْعِ بنِ طَارِقٍ، وَيَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيُّ، وَغَيْرُهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ دُوْنَ حَيْوَةَ وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، هُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ ثِقَةٌ؟ قَالَ: هُوَ صَالِحٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: لَهُ غَرَائِبُ وَمَنَاكِيْرُ يَتَجَنَّبُهَا أَرْبَابُ الصِّحَاحِ، وَيُنَقُّوْنَ حَدِيْثَهُ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَحَدَ الطَّلاَّبِيْنَ لِلْعِلْمِ، حَدَّثَ عَنْ: أَهْلِ مَكَّةَ، وَالمَدِيْنَةِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ: الغُرَبَاءُ بِأَحَادِيْثَ لَيْسَتْ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ عَنْهُ، فَحَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 حَبِيْبٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ لَقِيْطٍ، عَنِ ابْنِ حوَالَةَ: (مَنْ نَجَا مِنْ ثَلاَثٍ (1) ... ) ، فَلَيْسَ هَذَا بِمِصْرَ مِنْ حَدِيْثِ يَحْيَى. وَرُوِيَ أَيْضاً عَنْ: يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: (طُوْبَى لِلشَّامِ (2) ... ) مَرْفُوْعاً، وَمَا هُوَ بِمِصْرَ مِنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ. وَأَحَادِيْثُ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ لَيْسَ عِنْد المِصْرِيِّيْنَ مِنْهَا حَدِيْثٌ، وَهِيَ تُشْبِهُ عِنْدِي أَنْ تَكُوْنَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَرَوَى: زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، عَنْ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي الحُصَيْنِ حَدِيْثَ أَبِي رَيْحَانَةَ: (نَهَى عَنِ الوَشْرِ وَالوَشْمِ (3) ... ) ، وَلَيْسَ هَذَا بِمِصْرَ، إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ،   (1) أخرجه أحمد في " المسند " 4 / 105 من طريق يحيى بن إسحاق، عن يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن عبد الله بن حوالة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات: موتي والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه " وسنده قوي. (2) أخرجه أحمد في " المسند " 5 / 184، والترمذي (3949) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة، عن زيد بن ثابت قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حين قال: " طوبى للشام، طوبى للشام " قلت: ما بال الشام؟ قال: " الملائكة باسطو أجنحتها على الشام " وسنده جيد. (3) أخرجه أحمد 4 / 134 من طريق زيد بن الحباب، حدثني يحيى بن أيوب، عن عياش ابن عباس الحميري، عن أبي حصين الحجري، عن عامر الحجري، عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره عشر خصال. الوشر، والنتف، والوشم، ومكامعة الرجل الرجل، والمرأة المرأة ليس بينهما ثوب، والنهبة، وركوب النمور، واتخاذ الديباج ها هنا وها هنا أسفل في الثياب والمناكب، والخاتم إلا لذي سلطان. وأخرجه أبو داود (4039) ، والنسائي 8 / 143 من طريق المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، وعامر الحجري، ويقال: أبو عامر الحجري مجهول. والوشر: معالجة الأسنان بما يحددها، والمكامعة: المضاجعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وَالمُفَضَّلِ، وَحَيْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثْتُ مَالِكاً بِحَدِيْثٍ حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ: كَذِبٌ. وَحَدَّثْتُهُ بِآخَرَ؛ فَقَالَ: كَذَبَ. وَقَالَ الخَضِرُ بنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- سُئِلَ عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، فَقَالَ: كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الوَهْمَ فِي حِفْظِهِ، فَذَكَرتُ لَهُ مِنْ حَدِيْثِهِ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الوَتْرِ ... ، فَقَالَ: هَاء، مَنْ يَحْتَمِلُ هَذَا؟ قَالَ العُقَيْلِيُّ: وَهَذَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَلاَّفُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى مِنَ الوَتْرِ: بِـ {سَبِّحِ} ، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، وَ {قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} ، وَ {قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) } . قَالَ العُقَيْلِيُّ: أَمَّا المُعَوِّذَتَيْنِ، فَلاَ تَصِحُّ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ (2) : هُوَ مِنْ فُقَهَاءِ مِصْرَ وَعُلَمَائِهِم، وَيُقَالُ:   (1) الضعفاء 3 / 459، وإسناده قوي، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 / 305 من طريق سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة..وصححه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو داود (1424) ، والترمذي (463) من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن سلمة الحراني، عن خصيف، عن عبد العزيز ابن جريج قال: سألت عائشة..وعبد العزيز بن جريج لين، ولم يسمع من عائشة، وأخطأ خصيف، فصرح بسماعه، لكن الحديث قوي بالطريق المتقدمة. (2) الكامل: 2 / 421. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 كَانَ قَاضِياً بِهَا، وَهُوَ عِنْدِي صَدُوْقٌ. وَمِنْ غَرَائِبِهِ مَا رَوَاهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَعَلَّمُوا العِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ العُلَمَاءَ، وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلاَ لِتَخَيَّرُوا بِهِ المَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَالنَّارَ النَّارَ) (1) . قَالَ: فَهَذَا مَعْرُوْفٌ بِيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. احْتَجَّ بِهِ الأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِم، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ مَقْرُوْناً بِغَيْرِهِ حَدِيْثَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يَعِيْشُ بنُ عَلِيٍّ (ح (2)) . وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي الفَتْحِ الكُنَارِيُّ بِحَلَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَيْدٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كَانَ   (1) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه (254) في المقدمة: باب الانتفاع بالعلم والعمل به، ورجاله ثقات، كما قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 20، وصححه ابن حبان (90) ، والحاكم 1 / 86، وأقره الذهبي، وله شاهد عند ابن ماجة (259) من حديث بشير بن ميمون، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن حذيفة، وسنده ضعيف، وآخر من حديث كعب بن مالك عند الحاكم 1 / 86، فيتقوى بهما. (2) هذا الرمز إشارة إلى تحويل السند. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ، انْصَرَفَ، فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: (كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِكَ) (1) . 2 - يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ بنِ أَبِي زُرْعَةَ البَجَلِيُّ * (د، ت) ابْنِ عَمْرِو بنِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ؛ أَبِي زُرْعَةَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ الغُدَانِيُّ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. ذَكَرْنَاهُ لِلتَّمْيِيْزِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ أَخُو جَرِيْرِ بنِ أَيُّوْبَ؛ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ. 3 - مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو يَحْيَى الكُرْدِيُّ الأَزْدِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو يَحْيَى الكُرْدِيُّ، الأَزْدِيُّ، ثُمَّ المِعْوَلِيُّ   (1) إسناده قوي، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (882) في الجمعة: باب الصلاة بعد الجمعة، من طريق قتيبة، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر. (*) التاريخ الكبير للبخاري: 8 / 260، الضعفاء للعقيلي: 458، الجرح والتعديل: 9 / 127، تهذيب الكمال: 1493، ميزان الاعتدال: 4 / 362، تهذيب التهذيب: 11 / 186، خلاصة تذهيب الكمال: 362، الكاشف 3 / 250، تذهيب التهذيب 4 / 149 / 1، المغني 2 / 730. (* *) الطبقات الكبرى 7 / 280، طبقات خليفة: 223، التاريخ الكبير 7 / 425، الجرح والتعديل 8 / 335، تهذيب الكمال 1382، تذكرة الحفاظ 1 / 243، 244، العبر 1 / 262، تذهيب التهذيب 4 / 75 / 1، تهذيب التهذيب 10 / 326، طبقات الحفاظ: 103، خلاصة تذهيب الكمال 333، شذرات الذهب 1 / 281، الكاشف 3 / 179، طبقات القراء 2 / 316. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَثْبَاتِ المُعَمَّرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي رَجَاءَ العُطَارِدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَغَيْلاَنَ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي الوَازِعِ جَابِرِ بنِ عَمْرٍو الرَّاسِبِيِّ، وَوَاصِلٍ الأَحْدَبِ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَعِدَّةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى شُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، عَرَضَ عَلَيْهِ الخِتْمَةَ يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، فَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ فِي القِرَاءاتِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَارِمٌ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَمُسَدَّدٌ، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُدْبَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ رُفَقَائِهِ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ. وَثَّقَهُ: شُعْبَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كُرْدِيّاً، مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 4 - عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ بنِ عُقْبَةَ الحَضْرَمِيُّ * (د، ت، ق) ابْنِ فُرْعَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ ثَوْبَانَ القَاضِي، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 516، تاريخ خليفة 1 / 137 و2 / 714، التاريخ الكبير 5 / 182، التاريخ الصغير: 200، المعارف: 221، الضعفاء للعقيلي: 218، 219، الجرح والتعديل 8 / 335، كتاب المجروحين 2 / 10، الولاة والقضاة 368، الكامل لابن عدي 211، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 283، وفيات الأعيان 3 / 38، 39، تهذيب الكمال 728، 730، تذكرة الحفاظ 1 / 237، ميزان الاعتدال 2 / 475، تذهيب التهذيب 2 / 176 / 1، العبر 1 / 264، 265، شرح علل الترمذي 1 / 136، 139، تهذيب التهذيب 5 / 373، رفع الإصر 287، خلاصة تذهيب الكمال 211، شذرات الذهب 1 / 283، 284، الضعفاء الصغير: 66، الكاشف 2 / 122، الضعفاء والمتروكين: 65، حسن المحاضرة: 1 / 301، المغني 1 / 352. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 مُحَدِّثُ دِيَارِ مِصْرَ مَعَ اللَّيْثِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، الأُعْدُوْلِيُّ (1) - وَيُقَالُ: الغَافِقِيُّ - المِصْرِيُّ. وَيُقَالُ: يُكْنَى: أَبَا النَّضْرِ، وَلَمْ يَصِحَّ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ. وَطَلَبَ العِلْمَ فِي صِبَاهُ، وَلَقِيَ الكِبَارَ بِمِصْرَ وَالحَرَمَيْنِ. وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَمِنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَأَبِي وَهْبٍ الجَيْشَانِيِّ، وَمِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إِنْ صَحَّ ذَلِكَ - وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَقَيْسِ بنِ الحَجَّاجِ، وَأَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيْمِ عُرْوَةَ (2) ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَيَزِيْدَ بنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ، وَأَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي عُشَّانَةَ المَعَافِرِيِّ، وَأَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ خَازِمٍ المَعَافِرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ، وَشُرَحْبِيْلَ بنِ شَرِيْكٍ المَعَافِرِيِّ، وَعَامِرِ بنِ يَحْيَى المَعَافِرِيِّ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَدَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، وَعُقَيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَعَمْرِو بنِ جَابِرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ - وَمَاتُوا قَبْلَهُ - وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمَالِكٌ - وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَشْهَبُ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ، وَأَسَدُ بنُ   (1) بضم الهمزة وسكون العين وضم الدال: نسبة إلى أعدول: بطن من الحضارمة. (2) لقب بذلك: لان أباه كان أوصى به إلى عروة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، وَالنَّضْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَيَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَحَسَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ صُدَرَةُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: ابْنُ رُمْحٍ. وَكَانَ مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، عَلَى لِيْنٍ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ رَوْحُ بنُ صَلاَحٍ: لَقِيَ ابْنُ لَهِيْعَةَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ تَابِعِيّاً. قُلْتُ: لَقِيَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَنْ كَانَ مِثْلَ ابْنِ لَهِيْعَةَ بِمِصْرَ فِي كَثْرَةِ حَدِيْثِهِ، وَضَبطِهِ، وَإِتْقَانِهِ؟! حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى: أَنَّهُ لَقِيَهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، وَأَنَّ كُتُبَهُ احْتَرَقَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ، إِلاَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ صَحِيْحَ الكِتَابِ، طَلاَّباً لِلْعِلْمِ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عِنْدَ ابْنِ لَهِيْعَةَ الأُصُولُ، وَعِنْدَنَا الفُرُوْعُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ: احْتَرَقَتْ دَارُ ابْنِ لَهِيْعَةَ وَكُتُبُهُ، وَسَلِمَتْ أُصُوْلُهُ، كَتَبتُ كِتَابَ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ مِنْ أَصْلِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 وَلَمَّا مَاتَ ابْنُ لَهِيْعَةَ، قَالَ اللَّيْثُ: مَا خَلَّفَ مِثْلَهُ. لاَ رَيْبَ أَنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ كَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، هُوَ وَاللَّيْثُ مَعاً، كَمَا كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ العَصْرِ عَالِمَ المَدِيْنَةِ، وَالأَوْزَاعِيُّ عَالِمَ الشَّامِ، وَمَعْمَرٌ عَالِمَ اليَمَنِ، وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَالِمَا العِرَاقِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ عَالِمَ خُرَاسَانَ، وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ تَهَاوَنَ بِالإِتْقَانِ، وَرَوَى مَنَاكِيْرَ، فَانْحَطَّ عَنْ رُتْبَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُم. وَبَعْضُ الحفَّاظِ يَرْوِي حَدِيْثَهُ، وَيَذكُرُهُ فِي الشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارَاتِ، وَالزُّهْدِ، وَالمَلاَحمِ (1) ، لاَ فِي الأُصُولِ (2) . وَبَعْضُهُم يُبَالِغُ فِي وَهْنِهِ، وَلاَ يَنْبَغِي إِهدَارُهُ، وَتُتَجَنَّبُ تِلْكَ المَنَاكِيْرُ، فَإِنَّهُ عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ. وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الإِقْلِيْمِ فِي دَوْلَةِ المَنْصُوْرِ دُوْنَ السَّنَةِ، وَصُرِفَ. أَعرَضَ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ عَنْ رِوَايَاتِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَالمُقْرِئُ وَالقُدَمَاءُ فَهُوَ أَجْوَدُ.   (1) الشواهد: أحاديث رويت بمعناها من طريق آخر، عن صحابي آخر، يقال: روى الحديث الفلاني، وله شاهد من رواية فلان. والاعتبارات: أن يعمد الباحث إلى حديث، فيعنى به، ويبحث عن طرقه، فينظر: هل رواه راو آخر بلفظه أو معناه، والملاحم: الأحاديث التي رويت في المغازي. (2) قال الحافظ ابن كثير في " الباعث الحثيث " 63، 64: ويغتفر في باب " الشواهد والمتابعات " من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول كما يقع في " الصحيحين " وغيرهما مثل ذلك، ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: يصلح للاعتبار، أو لا يصلح أن يعتبر به. (3) وقال عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة، فهو صحيح: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي حَدِيْثِهِ. وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ لاَ يَرَاهُ شَيْئاً. قَالَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، قِيْلَ لَهُ: تَحْمِلُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ؟ فَقَالَ: لاَ أَحْمِلُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ كِتَاباً فِيْهِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ. فَقَرَأْتُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بنُ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ (1) . وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا أَعتَدُّ بِشَيْءٍ سَمِعْتُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، إِلاَّ سَمَاعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَنَحْوِهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ كَتَبَ عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَكَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ بِهَا عَنْ عَمْرٍو نَفْسِهِ. وَكَانَ اللَّيْثُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ. رَوَى: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: كَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ، وَصَارَتْ كُتُبُهُ عِنْدَهُ، وَكَانَ لاَ يَتَّقِي اللهَ، يَذْهَبُ فَيَكتُبُ مِنْ كُتُبِ حَيْوَةَ الشُّيُوْخَ الَّذِيْنَ شَارَكَهُ فِيْهِمُ ابْنُ لَهِيْعَةَ، ثُمَّ يَحْمِلُ إِلَيْهِ، فَيَقرَأُ عَلَيْهِم. وَحَضَرْتُ ابْنَ لَهِيْعَةَ، وَقَدْ جَاءهُ قَوْمٌ حَجُّوا يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ كَتَبتُم حَدِيْثاً طَرِيْفاً؟ فَجَعَلُوا يُذَاكِرُوْنَهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُم: حَدَّثَنَا القَاسِمُ العُمَرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ الحَرِيْقَ، فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيْرَ يُطْفِئُهُ) . فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ   (1) أي أن ابن ليهعة أسقط من الإسناد إسحاق بن أبي فروة وهو متروك - في كتابه إلى عبد الرحمن مع أن ابن المبارك رواه عن ابن ليهعة، عن إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب. وهذا يبين لك صحة مقالة عبد الغني الأزدي في التعليق السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 طَرِيْفٌ. قَالَ: فَكَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا بِهِ صَاحِبُنَا فُلاَنٌ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ، نَسِيَ الشَّيْخُ، فَكَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَرْوِيْهِ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ (1) . مَيْمُوْنُ بنُ إِصْبَغٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ بِحَدِيْثِ الحَرِيْقِ. ثُمَّ قَالَ سَعِيْدٌ: هَذَا سَمِعَهُ ابْنُ لَهِيْعَةَ مِنْ زِيَادِ بنِ يُوْنُسَ الحَضْرَمِيِّ، عَنِ القَاسِمِ، فَكَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ يَسْتَحْسِنُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدُ قَالَ: إِنَّهُ يَرْوِيْهِ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قِيْلَ لابْنِ لَهِيْعَةَ: إِنَّ ابْنَ وَهْبٍ يَزْعُمُ أَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ مِنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ. فَضَاقَ ابْنُ لَهِيْعَةَ، وَقَالَ: وَمَا يُدْرِي ابْنَ وَهْبٍ؟ سَمِعْتُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ مِنْ عَمْرٍو قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِيَ أَبَوَاهُ. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا حَدِيْثُ ابْنِ لَهِيْعَةَ بِحُجَّةٍ، وَإِنِّيْ لأَكْتُبُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، وَهُوَ يَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: لَمْ تَحْترِقْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَلاَ كِتَابٌ، إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَعفُوَ عَلَيْهِ أَمِيْرٌ (2) ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَمِيْرٌ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ. وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا لاَ نَكْتُبُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ إِلاَّ مِنْ كُتُبِ ابْنِ   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 185، والقاسم العمري: هو القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري، قال الامام أحمد: ليس بشيء كان يكذب ويضع الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال مرة: كذاب، وقال أبو حاتم، والنسائي: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: سكتوا عنه. والحديث في " الضعفاء " للعقيلي 911، وفي " عمل اليوم والليلة " رقم (295) و (296) و (297) لابن السني، وفي " الكامل " لابن عدي من طرق ضعيفة جدا عن عمرو بن شعيب. (2) في الأصل: " يعفو " بدون " أن " واستدركت من " تذهيب التهذيب " للمؤلف، والنص في " تهذيب الكمال ": " إنما أرادوا أن يقفوا عليه، فأرسل ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 أَخِيْهِ، أَوْ كُتُبِ ابْنِ وَهْبٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ حَدِيْثِ الأَعْرَجِ. جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ: أَنَّهُ سَمِعَ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيْثُكَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ صِحَاحٌ. فَقُلْتُ: لأَنَّا كُنَّا نَكْتُبُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ وَهْبٍ، ثُمَّ نَسْمَعُهُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ الحَرَّانِيُّ: قَالَ لِي ابْنُ لَهِيْعَةَ: مَا تَرَكتُ لِيَزِيْدَ (1) بنِ أَبِي حَبِيْبٍ حَرْفاً. قَالَ عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ قَاضِي مِصْرَ، قَالَ: أَنَا حَملتُ رِسَالَةَ اللَّيْثِ إِلَى مَالِكٍ، وَأَخَذْتُ جَوَابَهَا، فَكَانَ مَالِكٌ يَسْأَلُنِي عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَأُخْبِرُهُ بِحَالِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ يَذْكُرُ الحجَّ؟ فَسَبَقَ إِلَى قَلْبِي أَنَّهُ يُرِيْدُ السَّمَاعَ مِنْهُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: حَجَجْتُ حِجَجاً لأَلْقَى ابْنَ لَهِيْعَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَأَنِّي غَرِمْتُ مُوَدَّى - كَأَنَّهُ يَعْنِي: دِيَةً -. أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي -وَاللهِ- الصَّادِقُ البَارُّ عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: فَمَا سَمِعْتهُ يَحلِفُ بِهَذَا قَطُّ (2) . وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ابْنُ لَهِيْعَةَ أَجْوَدُ قِرَاءةً لِكُتُبِهِ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ.   (1) في الأصل " زيد " وهو خطأ. (2) " الكامل " لابن عدي: 3 / 211 / 1. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ أَحْمَدَ: مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ، إِلاَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ. البُخَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ: احْتَرَقَ مَنْزِلُ ابْنِ لَهِيْعَةَ وَكُتُبُهُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَحتَرِقْ إِلاَّ بَعْضُ أُصُوْلِهِ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ صَحِيْحُ الكِتَابِ، كَانَ أَخْرَجَ كُتُبَهُ، فَأَملَى عَلَى النَّاسِ، حَتَّى كَتَبُوا حَدِيْثَهُ إِملاَءً، فَمَنْ ضَبَطَ، كَانَ حَدِيْثُه حَسَناً صَحِيْحاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَحضُرُ مَنْ يَضْبِطُ وَيُحسِنُ، وَيَحضُرُ قَوْمٌ يَكتُبُوْنَ وَلاَ يَضبِطُوْنَ، وَلاَيُصَحِّحُوْنُ، وَآخَرُوْنَ نَظَّارَةٌ، وَآخَرُوْنَ سَمِعُوا مَعَ آخرِيْنَ، ثُمَّ لَمْ يُخْرِجِ ابْنُ لَهِيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ كِتَاباً، وَلَمْ يُرَ لَهُ كِتَابٌ، وَكَانَ مَنْ أَرَادَ السَّمَاعَ مِنْهُ، ذَهَبَ، فَاسْتَنْسَخَ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُ، وَجَاءهُ، فَقَرَأهُ عَلَيْهِ، فَمَنْ وَقَعَ عَلَى نُسْخَةٍ صَحِيْحَةٍ، فَحَدِيْثُه صَحِيْحٌ، وَمَنْ كَتَبَ مِنْ نُسْخَةٍ لَمْ تُضبَطْ، جَاءَ فِيْهِ خَلَلٌ كَثِيْرٌ. ثُمَّ ذَهَبَ قَوْمٌ، فُكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ، وَرَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وعَنْ رَجُلٍ عَن آخر عَنهُ، وَعَنْ ثَلاَثَةٍ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ: فَتَرَكُوا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَطَاءٍ، وَجَعَلُوْهُ عَنْ عَطَاءٍ (1) . قَالَ يَعْقُوْبُ: كَتَبتُ عَنِ ابْنِ رُمْحٍ كِتَاباً، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَكَانَ فِيْهِ نَحْوٌ مِمَّا وَصَفَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، فَقَالَ: هَذَا وَقَعَ عَلَى رَجُلٍ ضَبَطَ إِملاَءَ ابْنِ لَهِيْعَةَ. فَقُلْتُ لَهُ فِي حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ؟ فَقَالَ: لَمْ تَعْرِفْ مَذْهَبِي فِي الرِّجَالِ، إِنِّيْ أَذهَبُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُتْرَكُ حَدِيْثُ مُحَدِّثٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَهْلُ مِصْرِهِ عَلَى تَرْكِ حَدِيْثِهِ (2) .   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 434. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 435. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: كَتَبتُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ فِي الرِّقِّ، وَكُنْتُ أَكْتُبُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي القَرَاطِيْسِ، وَأَسْتَخِيْرُ اللهَ فِيْهِ، فَكَتَبتُ حَدِيْثَ النَّضْرِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ فِي الرِّقِّ. قَالَ: فَذَكَرتُ لَهُ سَمَاعَ القَدِيْمِ، وَسَمَاعَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ طَلاَّباً لِلْعِلْمِ، صَحِيْحَ الكِتَابِ. قَالَ: وَظَنَنتُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ كَتَبَ مِنْ كِتَابٍ صَحِيْحٍ، فَحَدِيْثُه صَحِيْحٌ، يُشبِهُ حَدِيْثَ أَهْلِ العِلْمِ (1) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ لَهِيْعَةَ أَمْثَلُ مِنْ رِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَقَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ. قَالَ أَهْلُ مِصْرَ: مَا احْترَقَ لَهُ كِتَابٌ قَطُّ، وَمَا زَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَكْتُبُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ النَّضْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ رَاوِيَةً عَنْهُ، وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِي ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَلَمَّا كَتَبُوْهَا عَنْهُ، وَسَأَلُوْهُ عَنْهَا، سَكَتَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. قُلْتُ لِيَحْيَى: فَسَمَاعُ القُدَمَاءِ وَالآخَرِيْنَ مِنْهُ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَوَاءٌ وَاحِدٌ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ فِي (التَّارِيْخِ) : قَدِمَ ابْنُ لَهِيْعَةَ الشَّامَ غَازِياً مَعَ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَاجْتَازَ بِسَاحلِ دِمَشْقَ، أَوْ بِهَا. حَكَاهُ: القُطْرُبُلِّيُّ (2) ، عَنِ الوَاقِدِيِّ.   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 184، وبين قوله: صحيح الكتاب، وقوله: قال وظننت..كلام يقع في ثمانية أسطر، أسقطه المؤلف لأنه بمعنى النص الذي أورده قبل. (2) ضبطها السمعاني في " الأنساب " وابن الأثير في " اللباب " بضم القاف، وسكون الطاء، وضم الراء، والباء الموحدة، وفي آخرها اللام، قال السمعاني: هذه النسبة إلى = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَتَفَرَّدَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ بِأَنَّ كُنْيَتَه: أَبُو النَّضْرِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ (1) : ابْنُ لَهِيْعَةَ حَضْرَمِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهِم، كَانَ ضَعِيْفاً، وَعِنْدَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ أَحْسَنُ حَالاً. وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ، فَيَذكُرُوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَختَلِطْ، لَكِنَّهُ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَيَسكُتُ عَلَيْهِ. فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَجِيْئُوْنَ بِكِتَابٍ يَقْرَؤُونَهُ وَيَقُوْمُوْنَ، وَلَو سَأَلُوْنِي لأَخْبَرْتُهُم أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِي ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَاتَ بِمِصْرَ، فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ: ابْنُ لَهِيْعَةَ تَرَكَهُ: وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَأَيْتُهُ فِي دِيْوَانِ حَضْرَمَوْتَ بِمِصْرَ، فِيْمَنْ دُعِيَ بِهِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فِي أَرْبَعِيْنَ مِنَ العَطَاءِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدِيْثُ: (لَوْ أَنَّ القُرْآنَ فِي إِهَابٍ، مَا مَسَّتْهُ النَّارُ) مَا رَفَعَهُ لَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ قَطُّ (2) .   = قطربل: وهي قرية من قرى بغداد. أما ياقوت، فقد ضبطها في " معجمه " بضم القاف، وسكون الطاء، وفتح الراء، وتشديد الباء المضمومة. (1) 7 / 516 (2) " الضعفاء " للعقيلي 220 / 1، والحديث أخرجه أحمد 4 / 51، والدارمي من طريق أبي سعيد، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا مشرح، قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن القرآن جعل في إهاب، ثم ألقي في النار ما احترق " وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7 / 158، ونسبه لأحمد، وأبي يعلى، والطبراني، وأعله بابن لهيعة، وأخرجه الدارمي 2 / 430 من طريق عبد الله بن يزيد، عن ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر. وعبد الله بن يزيد سمع من ابن لهيعة قبل أن يختلط، فحديثه عنه قوي، وفي الباب عن عصمة بن مالك عند الطبراني، وفي سنده الفضل بن المختار، وهو ضعيف، قال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها، وعن سهل بن سعد عند الطبراني، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَنْ كَتَبَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، فَهُوَ أَصَحُّ، كَابْنِ المُبَارَكِ، وَالمُقْرِئِ (1) ، وَهُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى: مَا احْتَرقَتْ أُصُوْلُهُ، إِنَّمَا احْتَرَقَ بَعْضُ مَا كَانَ يَقرَأُ مِنْهُ - يُرِيْدُ: مَا نَسَخَ مِنْهَا -. ابْنُ عَدِيٍّ (2) : حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ لَهِيْعَةَ يَعرِضُ نَاسٌ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِ العِرَاقِيِّينَ: مَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ، وَغَيْرِهِم، فَأَجَازَهُ لَهُم. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ حَدِيْثِكَ. قَالَ: هِيَ أَحَادِيْثُ مَرَّتْ عَلَى مَسَامِعِي، وَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَى: الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَنْ كَتَبَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَدِيْماً، فَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ. قُلْتُ: لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ تَسَاهَلَ، وَكَانَ أَمرُهُ مَضْبُوْطاً، فَأَفسَدَ نَفْسَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قِيْلَ: فَسَمَاعُ القُدَمَاءِ؟ قَالَ: أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانَا يَتَتَبَّعَانِ أُصُوْلَهُ، يَكْتُبَانِ مِنْهَا. عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ابْنُ لَهِيْعَةَ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.   = وهو متروك، وبعضهم اتهمه. والاهاب: الجلدة. قال التوربشتي: ومعنى الحديث: لو قدر أن يكون القرآن في إهاب ما مسته النار ببركة مجاورته للقرآن، فكيف بمؤمن تولى حفظه، والمواظبة عليه، والمراد نار الله الموقدة، المميزة بين الحق والباطل. (1) هو عبد الله بن يزيد. (2) " الكامل " 211 / 1. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ (1) : أَحَادِيْثُه أَحَادِيْثٌ حِسَانٌ، مَعَ مَا قَدْ ضَعَّفُوهُ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ مَوْتَ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَسَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. مُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنِ القَاسِمِ، وَسَالِمٍ، فِي الأَمَةِ تُصَلِّي يُدْرِكُهَا العِتْقُ؟، قَالاَ: تَقَنَّعُ، وَتَمْضِي فِي صَلاَتِهَا (2) . وَفِي (المُوَطَّأِ) : بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ العُرْبَانِ (3) . قَالُوا: هَذَا مَا رَوَاهُ عَنْ عَمْرٍو سِوَى ابْنِ لَهِيْعَةَ (4) . عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ صَائِماً، فَنَسِيَ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَاللهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ) (5) .   (1) في " الكامل " 211 / 2. (2) " الكامل " 212 / 2. (3) " الموطأ " 2 / 128 في البيوع: باب ما جاء في بيع العربان، وأخرجه أبو داود (3502) في البيوع: باب في العربان، وابن ماجة (2192) في التجارات. باب بيع العربان، وابن عدي في " الكامل " 212 / 2. والعربان: هو أن يشتري السلعة، ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنه إن أمضى البيع، حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري: يقال: أعرب في كذا، وعرب، وعربن وهو عربان، وعربون، قيل: سمي بذلك: لان فيه إعرابا لعقد البيع، أي: إصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه، وهو بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر. " النهاية ". (4) في " تنوير الحوالك " 2 / 118: قال ابن عبد البر: تكلم الناس في الثقة عنده (أي عند مالك) في هذا الموضع (فإن سنده فيه مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب) وأشبه ما قيل فيه أنه أخذه عن الزهري، عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، لان ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب، وسمعه منه ابن وهب وغيره. (5) ذكره ابن عدي في " الكامل " 212 / 2، وقد صح الحديث من طريق آخر، فأخرجه = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ البُسْتِيُّ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُوْنَ: سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، مِثْلَ العَبَادِلَةِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيِّ، فَسَمَاعُهُم صَحِيْحٌ، وَمَنْ سَمِعَ بَعْدَ احْترَاقِ كُتُبِهِ، فَسَمَاعُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَكَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ مِنَ الكَتَّابِيْنَ لِلْحَدِيْثِ، وَالجَمَّاعِيْنَ لِلْعِلْمِ، وَالرَّحَّالِيْنَ فِيْهِ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي شَكَّرٌ (1) : حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُسَلَّمٍ، عَنْ بِشْرِ بنِ المُنْذِرِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ لَهِيْعَةَ يُكْنَى: أَبَا خَرِيْطَةَ؛ كَانَتْ لَهُ خَرِيطَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي عُنُقِهِ، فَكَانَ يَدُورُ بِمِصْرَ، فَكُلَّمَا قَدِمَ قَوْمٌ كَانَ يَدُورُ عَلَيْهِم، فَكَانَ إِذَا رَأَى شَيْخاً، سَأَلَه مَنْ لَقِيْتَ، وَعَمَّنْ كَتَبتَ، فَإِنْ وَجَدَ عِنْدَهُ شَيْئاً، كَتَبَ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ يُكْنَى: أَبَا خَرِيْطَةَ (2) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدْ سَبَرْتُ أَخْبَارَ ابْنِ لَهِيْعَةَ مِنْ رِوَايَةِ المُتَقَدِّمِيْنَ وَالمُتَأَخِّرِيْنَ عَنْهُ، فَرَأَيْتُ التَّخْلِيطَ فِي رِوَايَةِ المُتَأَخِّرِيْنَ عَنْهُ مَوْجُوْداً، وَمَا لاَ أَصْلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ المُتَقَدِّمِيْنَ كَثِيْراً، فَرَجَعتُ إِلَى الاعْتِبَارِ، فَرَأَيْتُهُ كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ أَقْوَامٍ ضَعْفَى، عَلَى أَقْوَامٍ رَآهُم هُوَ ثِقَاتٍ، فَأَلزَقَ تِلْكَ المَوْضُوعَاتِ بِهِ (3) .   = البخاري 4 / 134، 135 بشرح " الفتح " في الصوم: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، ومسلم (1155) في الصوم: باب أكل الناسي وشربه لا يفطر من طريق هشام الدستوائي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه "، وأخرج الدارقطني: ص 237، والحاكم 1 / 430، والبيهقي 4 / 229 من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة " وسنده حسن، وصححه ابن حبان (906) . (1) هو الحافظ الثقة الرحال أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي، المتوفى سنة 303 هـ، مترجم في " تذكرة الحفاظ " ص 748، 749. (2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 11، 12. (3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 12، والتدليس: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: قَالَ لِي بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: لَوْ رَأَيتَ ابْنَ لَهِيْعَةَ، لَمْ تَحْمِلْ عَنْهُ حَرفاً (1) . وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: جَاءَ قَوْمٌ وَمَعَهُم جُزءٌ، فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. فَنَظَرْتُ فِيْهِ، فَإِذَا لَيْسَ فِيْهِ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ بِهِم، يَجِيْئُوْنَ بِكِتَابٍ، فَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا مِنْ حَدِيْثِكَ، فَأُحَدِّثُهُم بِهِ (2) . ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ: (ادْعُوا لِي أَخِي) . فَدُعِيَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: (ادْعُوا لِي أَخِي) . فَدُعِيَ لَهُ عُثْمَانُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ دُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ، فَسَتَرَهُ بِثَوْبِهِ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهُ، قِيْلَ لَهُ: مَا قَالَ؟ قَالَ: عَلَّمَنِي أَلفَ بَابٍ، كُلُّ بَابٍ يَفتَحُ أَلفَ بَابٍ (3) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، كَأَنَّهُ مَوْضُوْعٌ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَخبَرَ بِسَبَبِ عِلَّةِ ابْنِ لَهِيْعَةَ مِنِّي، أَقْبَلتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بنُ عَتِيْقٍ بَعْد انْصِرَافِنَا مِنَ الصَّلاَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَوَافَيْنَا ابْنَ لَهِيْعَةَ أَمَامَنَا رَاكِباً (4) عَلَى حِمَارٍ، يُرِيْدُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأُفْلِجَ، وَسَقَطَ عَنْ حِمَارِه،   (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 13. (2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 13. (3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 14، وسيعلق المؤلف عليه في الصفحة 26، فانظره. (4) في الأصل، و" الضعفاء " للعقيلي ص 219: " راكب ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 فَبَدَرَنِي ابْنُ عَتِيْقٍ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ، وَصِرْنَا بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ. قَالَ عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ: سَمِعْتُ زُهَيْراً يَقُوْلُ لِمِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ الحَذَّاءِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا كَتَبَ إِلَيْكَ ابْنُ لَهِيْعَةَ؟ قَالَ: كَتَبَ إِلَى غَيْرِي: أَنَّ عُقَيْلاً أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِصَوْمِ آخِرِ اثْنَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ (1) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ - وَرَآنِي لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثَ ابْنِ لَهِيْعَةَ -: إِنِّيْ لَسْتُ كَغَيْرِي فِي ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَاكْتُبْهَا (2) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ لَهِيْعَةَ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ شَيْئاً، لَكِنْ كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى هَذَا الحَدِيْثَ -يَعْنِي: حَدِيْثَ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ- قَالَ: صَحِبتُ سَعْداً كَذَا وَكَذَا سَنَةً، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَكُنْتُ فِي عَقِبِهِ عَلَى أَثَرِهِ: (لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ فِي الصَّدَقَةِ (3)) . فَظَنَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ أَنَّهُ مِنْ حَدِيْثِ سَعْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا كَلاَماً مُبْتَدَأً مِنْ مَسَائِلَ كَتَبَ بِهَا إِلَيْهِ. عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ: أَنَّهُ صَحِبَ سَعْداً مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَجَعَ.   (1) " الضعفاء " للعقيلي ص 219. (2) " الضعفاء " للعقليي ص 219. (3) " الكامل " 212 / 1، والحديث أخرجه أبو داود (1580) ، وابن ماجة (1801) ، والبيهقي 4 / 101، وأبو القاسم البغوي من طريق شريك بن عبد الله، عن عثمان بن أبي زرعة، عن أبي ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة، وأخرجه النسائي 5 / 29، 30، وأبو عبيد في " الاموال " ص 391، والدارقطني ص 204، والبيهقي 4 / 101 من حديث هلال بن خباب، عن ميسرة أبي صالح، عن سويد بن غفلة..فهو حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 وَنَقلُوا: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ لَهِيْعَةَ وَلاَّهُ أَبُو جَعْفَرٍ القَضَاءَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً. فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي أَحْمَدَ بنِ عَدِيٍّ فِي الحَدِيْثِ المَاضِي: عَلَّمَنِي أَلفَ بَابٍ، يَفتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلفَ بَابٍ، فَلَعَلَّ البَلاَءَ فِيْهِ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَإِنَّهُ مُفْرِطٌ فِي التَّشَيُّعِ، فَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، بَلْ وَلاَ عَلِمتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْرِطٍ فِي التَّشَيُّعِ، وَلاَ الرَّجُلُ مُتَّهَمٌ بِالوَضعِ، بَلْ لَعَلَّهُ أَدخَلَ عَلَى كَامِلٍ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، لَعَلَّ بَعْضَ الرَّافِضَّةِ أَدخَلَه فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَتفَطَّنْ هُوَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: لَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ مِنَ الغَدِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ يَوْماً ابْنَ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، حَدِيْثَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فِي الحَجِّ سَجْدَتَانِ (1)) . أَخْبَرَنَاهُ: هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، عَنْ مُعَافَى بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوْسَى بنِ أَعْيَنَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ.   (1) أخرجه الترمذي (578) في الصلاة: باب ما جاء في السجدة في الحج، وأحمد 4 / 151 و155، وأبو داود (1402) في الصلاة: باب ما جاء في عدد الآي، والدارقطني 1 / 157، والحاكم 1 / 222 و2 / 390 من حديث ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، وسنده جيد قوي، وقول الترمذي: هذا ليس إسناده بالقوي، ليس بقوي، لان الراوي عن ابن لهيعة عند أبي داود والحاكم: عبد الله بن وهب، وعند أحمد: عبد الله بن يزيد، وهما ممن سمعا من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، فحديثهما عنه صحيح كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وفي الباب عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان، أخرجه أبو داود (1401) ، والترمذي (1400) في ثواب القرآن، والنسائي وابن ماجة في الأدب (3786) ، وقال الترمذي: حسن والسجدة الأولى هي الآية 18، وآخرها: (إن الله يفعل ما يشاء) والسجدة الثانية هي الآية 77، وآخرها: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ مَرْوَانَ الفِهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ عَطَسَ أَوْ تَجَشَّأَ، فَقَالَ الحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنَ الحَالِ، دُفِعَ عَنْهُ بِهَا سَبْعُوْنَ دَاءً، أَهْوَنُهَا الجُذَامُ) . وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ ابْنُ لَهِيْعَةَ، وَلاَ أَتَى بِهِ سِوَى الفِهْرِيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ وَاهٍ جِدّاً (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي: قُرَّاؤُهَا (2)) . هَذَا   (1) نقل المؤلف في " ميزانه " عن ابن معين قوله: ليس بثقة وقول ابن عدي: روى بواطيل، والخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 28 عن ابن عمرو مرفوعا، وذكره الخلعي في فوائده عن علي، ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " بإسناده إلى علي، والخطيب عن أبي أيوب، وابن عساكر عن ابن عباس والطبراني في " الأوسط " عن علي بألفاظ متقاربة، وكلها ضعيفة، انظر " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " ص 222 - 223. (2) أخرجه أحمد 4 / 151 و154 و155، والفريابي في " صفة النفاق " ص 54، وابن عدي في " الكامل " 211 / 1، والخطيب في " تاريخ بغداد " 1 / 357 من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، رواه عنه العبادلة الثلاثة، وتابع ابن لهيعة الوليد بن المغيرة كما قال المؤلف، وهو عند الفريابي ص 53، وهو ثقة، فالسند جيد، وحديث عبد الله ابن عمر وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (451) ، وأحمد 2 / 175، والفريابي في " صفة النفاق " ص 53، 54، والبخاري في " التاريخ الكبير " 1 / 257، ومحمد بن هدية لم يوثق، وباقي رجاله ثقات، وهو يصلح شاهدا لحديث عقبة، فيصح به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 حَدِيْثُ مَحْفُوْظٌ. قَدْ تَابَعَ فِيْهِ الوَلِيْدُ بنُ المُغِيْرَةِ: ابْنَ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ. وَقَدْ رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شُرَيْحٍ المَعَافِرِيِّ، عَنْ شُرَاحِيْلَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ هَدِيَّةَ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ. وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الفِرْيَابِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ سُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيْلٍ، المُتَمَسِّكُ مِنْهُم يَوْمَئِذٍ عَلَى دِيْنِهِ، كَالقَابِضِ عَلَى خَبَطِ الشَّوكِ، أَوْ جَمْرِ الغَضَا (1)) . وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَحَايِيْنُ، وَمَا فِي جِلْدِهِ مَوْضِعُ إِبْرَةٍ مِنَ النِّفَاقِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَيْهِ أَحَايِيْنُ، وَمَا فِيْهِ مَوْضِعُ إِبْرَةٍ مِنْ إِيْمَانٍ) (2) .   (1) رجاله ثقات عدا ابن لهيعة، وأخرجه أحمد 2 / 390، 391، من حديث ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، وخبط الشوك: ما انتفض منه إذا خبط، والغضا: نوع من أنواع الشجر، وهو من أجود الوقود عند العرب. وفي الباب عن زينب رضي الله عنها، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثر الخبث " أخرجه البخاري 13 / 9، ومسلم (2880) ، وأحمد 6 / 428، 429، وأخرج مسلم في " صحيحه " (118) في الايمان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا ". (2) ابن لهيعة ضعيف، وأسلم مولى عمران مجهول، كما في " الجرح والتعديل " 2 / 307. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 رَوَاهُ بِنَحْوِهِ: ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيْدَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيَّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ (1) الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ صَوَّرَ صُوْرتِي، أَوْ شَبَّهَ بِهَا، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ ذَرَّةً) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً (2) ، وَفِيْهِ رَجُلٌ مَجْهُوْلٌ أَيْضاً. وَبِهِ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُم فِي بُيُوْتِكُم، وَلاَ تَجْعَلُوْهَا عَلَيْكُم قُبُوْراً، كَمَا اتَّخَذَتِ اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى فِي بُيُوْتِهِم قُبُوْراً، وَإِنَّ البَيْتَ لَيُتْلَى فِيْهِ القُرْآنُ، فَيَتَرَاءى لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تَتَرَاءى النُّجُوْمُ لأَهْلِ الأَرْضِ) . هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيفُ الإِسْنَادِ، حَسَنُ المَتْنِ، فِيْهِ النَّهْيُ عَنِ الدَّفْنِ فِي البُيُوْتِ (3) ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ طَرِيْقٍ آخَرَ. وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ يُبْنَى عَلَى   (1) في الأصل: " سعد " وهو تصحيف. (2) لكن في الباب عند أحمد 2 / 391 من حديث ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: " ومن أظلم ممن أراد أن يخلق مثل خلقي، فليخلق حبة أو ذرة "، وأخرجه البخاري 10 / 324 في اللباس: باب نقض الصور، و13 / 446 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) ، ومسلم (2111) في اللباس: باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وأحمد 2 / 323 من طريق محمد بن الفضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عزوجل: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرا ". (3) وأخرج البخاري 1 / 441 في الصلاة: باب كراهية الصلاة في المقابر، و3 / 51 في = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 القُبُوْرِ، وَلَو انْدَفَنَ النَّاسُ فِي بُيُوْتِهِم، لَصَارَتِ المَقْبَرَةُ وَالبُيُوْتُ شَيْئاً وَاحِداً، وَالصَّلاَةُ فِي المَقْبَرَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيَ كَرَاهِيَةٍ، أَوْ نَهْيَ تَحْرِيْمٍ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (أَفْضَلُ صَلاَةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ، إِلاَّ المَكْتُوبَةَ (1)) ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ أَلاَ تُتَّخَذَ المَسَاكِنُ قُبُوراً. وَأَمَّا دَفْنُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلاَمُهُ - فَمُخْتَصٌّ بِهِ، كَمَا خُصَّ بِبَسطِ قَطِيْفَةٍ تَحْتَه فِي لَحْدِهِ، وَكمَا خُصَّ بِأَنْ صَلُّوا عَلَيْهِ فُرَادَى بِلاَ إِمَامٍ، فَكَانَ هُوَ إِمَامَهُم حَيّاً وَمَيَّتاً، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكَمَا خُصَّ بِتَأْخَيْرِ دَفْنِهِ يَوْمَيْنِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيْرُ أُمَّتِهِ، لأَنَّهُ هُوَ أُمِنَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ، بِخِلاَفِنَا، ثُمَّ إِنَّهُم أَخَّرُوْهُ حَتَّى صَلُّوا كُلُّهُم عَلَيْهِ، دَاخِلَ بَيْتِهِ، فَطَالَ لِذَلِكَ الأَمْرُ، وَلأَنَّهُم تَرَدَّدُوا شَطْرَ اليَوْمِ الأَوَّلِ فِي مَوْتِهِ، حَتَّى قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مِنَ السُّنْحِ، فَهَذَا كَانَ سَبَبَ التَّأْخَيْرِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: ابْنُ لَهِيْعَةَ لاَ نُوْرَ عَلَى حَدِيْثِهِ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَلاَ أَنْ يُعتَدَّ بِهِ.   = التطوع: باب التطوع في البيت، ومسلم (777) في صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة النافلة في بيته، من حديث عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا "، وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 442 بعد إيراده حديث " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه " وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده: وإذا حمل دفنه صلى الله عليه وسلم في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لان استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر، فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب، وهو قوله: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر " فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا، والله أعلم. (1) أخرجه البخاري 2 / 179 في صفة الصلاة: باب صلاة الليل، و13 / 227 في الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال، والترمذي (450) أبواب الصلاة: باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت، وأحمد 5 / 182 من حديث زيد بن ثابت، وفي الباب عن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن سعد، وزيد بن خالد الجهني. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 البُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحِ بنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لَوْ تَمَّتِ البَقَرَةُ ثَلاَثَ مائَةِ آيَةٍ، لَتَكَلَّمَتْ (1)) . وَعَنْ أَبِي الوَلِيْدِ بنِ أَبِي الجَارُوْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: يُكتَبُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ مَا كَانَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ. قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَمَرَّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ وَمُحْتَشِمِيهِم، أَطلَقَ المَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ الوَاعِظُ أَرَاضِيَ لَهُ. الرَّمَادِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ حُدَيْجِ بنِ أَبِي عَمْرٍو، سَمِعْتُ المُسْتَوْرِدَ بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، وَإِنَّ لأُمَّتِي مائَةَ سَنَةٍ، فَإِذَا مَرَّ عَلَيْهَا مائَةُ سَنَةٍ أَتَاهَا مَا وَعَدَهَا اللهُ (2)) . ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ عَمْرٍو المَعَافِرِيُّ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَظَلَّ سَبْعُوْنَ نَفْساً مِنْ قَوْمِ مُوْسَى تَحْتَ قَحْفِ رَجُلٍ مِنَ العَمَالِقَةِ. هَذَا مِنَ الإِسْرَائِيْلِيَاتِ، وَالقُدرَةُ صَالِحَةٌ، وَلَوِ اسْتَظَلَّ بِذَلِكَ القَحْفِ أَرْبَعَةٌ لَكَانَ عَظِيْماً.   (1) أخرجه البخاري في " الضعفاء " فيما ذكره المؤلف عنه في " الميزان " 2 / 483. (2) لا يصح لضعف ابن لهيعة، وجهالة خديج بن أبي عمرو. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 5 - سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي يَحْيَى التَّنُوْخِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، مُفْتِي دِمَشْقَ، أَبُو مُحَمَّدٍ التَّنُوْخِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ العَزِيْزِ. وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ، فِي حَيَاةِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: ابْنِ عَامِرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: مَكْحُوْلٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَدَخَلَ عَلَى عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَأَلَه عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ مِنَ الحَدِيْثِ. وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ: عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَلَمَةَ الجُمَحِيِّ، وَيَحْيَى الذِّمَارِيِّ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي سَوْدَةَ المَقْدِسِيِّ، وَمَعْبَدِ بنِ هِلاَلٍ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَبِي المُخَارِقِ، وَمُعَاذِ بنِ سَهْلٍ الجُهَنِيِّ. وَقَدْ جَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ مَرْوِيَّاتِ سَعِيْدٍ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ.   (*) طبقات خليفة: 316، تاريخ خليفة: 439، التاريخ الكبير: 3 / 497، التاريخ الصغير: 2 / 167، الجرح والتعديل: 4 / 42، مشاهير علماء الأمصار (1466) ، حلية الأولياء: 6 / 124 - 129، تاريخ ابن عساكر: مجلد 7 / 148 / 2، الكامل لابن الأثير: 6 / 76، تذكر الحفاظ: 1 / 219، العبر للذهبي 1 / 250، خلاصة تذهيب الكمال: 119، تهذيب ابن عساكر: 6 / 152، طبقات القراء 1 / 307، طبقات الحفاظ: 93، شذرات الذهب 1 / 263، طبقات الشيرازي: 76، ميزان الاعتدال 2 / 149، تهذيب الكمال لوحة: 500، تذهيب التهذيب 2 / 24 / 1، تهذيب التهذيب 4 / 59. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 حَدَّثَ عَنْهُ (1) : الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالحَسَنُ بنُ يَحْيَى الخُشَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَأَبُو اليَمَانِ الحِمْصِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ شَابُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ عَبْدُ القُدُّوْسِ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ (2) ، وَأَبُو النَّضْرِ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَرَادِيْسِيُّ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ الغَسَّانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ كَثِيْرٍ المُقْرِئُ الطَّوِيْلُ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ. وَانتَهَتْ إِلَيْهِ مَشْيَخَةُ العِلْمِ بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ بِالشَّامِ، فَعَاشَ بَعْدَهُ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ: دُهِشنَا عَنِ الهَرْوَلَةِ، فَسَأَلْنَا عَطَاءً، فَقَالَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْكُم. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَا سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ سِوَاهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ زَبْرٍ: كُنَّا نَجلِسُ إِلَى مَكْحُوْلٍ وَمَعَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَكَانَ يَسْقِي المَاءَ فِي مَجْلِسِ مَكْحُوْلٍ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، قَالَ: كُنْتُ أَجلِسُ بِالغَدَوَاتِ إِلَى ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، وَأُجَالِسُ بَعْدَ الظُّهْرِ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَبَعدَ العَصْرِ مَكْحُوْلاً. الدَّارِمِيُّ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: مَا كَتَبتُ حَدِيْثاً قَطُّ. يَعْنِي: كَانَ يَتحفَّظُ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: سَمِعْتهُ   (1) في الأصل: " ابنه " وهو خطأ. (2) بكسر التاء والنون المشددة، نسبة إلى مدينة تنيس في دلتا مصر. (3) نسبة إلى الفراديس: موضع قريب من دمشق، ولها باب يقال له: باب الفراديس، وهو المعروف الآن بباب العمارة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ حَدِيْثاً. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ مِنْ صَحَفِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ أَبُو مُسْهِرٍ يُقدِّمُ سَعِيْداً عَلَى الأَوْزَاعِيِّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: أَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ حُجَّةٌ؟ فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، إِنَّمَا الحُجَّةُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي (المُسْنَدِ) : لَيْسَ بِالشَّامِ رَجُلٌ أَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ لأَهْلِ الشَّامِ، كَمَالِكٍ لأَهْلِ المَدِيْنَةِ فِي التَّقَدُّمِ وَالفِقْهِ وَالأَمَانَةِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ وَقْعَ دُمُوْعِ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ عَلَى الحَصِيْرِ فِي الصَّلاَةِ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا هَذَا البُكَاءُ الَّذِي يَعرِضُ لَكَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَمَا سُؤَالُكَ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ. فَقَالَ: مَا قُمْتُ إِلَى صَلاَةٍ إِلاَّ مُثِّلَتْ لِي جَهَنَّمُ. أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ (2) : قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الصُّوْرِيُّ: كَانَ سَعِيْدٌ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ بَكَى. قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَسَعِيْدُ بنُ   (1) الصحفي: من يأخذ العلم من الصحيفة لا عن أستاذ ومثل هذا لا يعتد بعلمه، لما يقع له من الخطأ. (2) بفتح الطائين، يقال لمن يبيع الثياب البيض بدمشق ومصر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 عَبْدِ العَزِيْزِ حَاضِرٌ، قَالَ: سَلُوا أَبَا مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ يُحْيِي اللَّيْلَ، فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ جَدَّدَ وُضَوءهُ، وَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ. يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ ضَحِكَ قَطُّ، وَلاَ تَبَسَّمَ، وَلاَ شَكَا شَيْئاً قَطُّ. أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى عِلْمِ بَلَدِه، وَعَلَى عِلْمِ عَالِمِه، لَقَدْ رَأَيتُنِي أَقتَصِرُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَمَا أَفتَقِرُ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ. وَقَالَ يَحْيَى الوُحَاظِيُّ: سَأَلْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ عَنْ حَدِيْثٍ، فَامْتَنَعَ عَلَيَّ، وَكَانَ عَسِراً. وَكَذَا قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ عَنْهُ. قُلْتُ: شَاخَ، وَضَاقَ خُلُقُهُ، وَاشْتَغَلَ بِاللهِ عَنِ الرِّوَايَةِ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ قَدِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَكَانَ يُعرَضُ عَلَيْهِ قَبْلَ المَوْتِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ أُجِيْزُهَا (1) . أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَعْرِضُونَ عَلَى سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ حَدِيْثَ المِعْرَاجِ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَلَيْسَ حَدَّثْتَنَا عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا يُقِرُّوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِم. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: سَمِعْتهُ يَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي، لِمَا لاَ أَدْرِي، نِصْفُ   (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 2 / 204. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 العِلْمِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كُنْتُ قَدَرِيّاً (1) قَطُّ. وَسَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ لِسَعِيْدٍ: أَطَالَ اللهُ بَقَاءكَ، فَقَالَ: بَلْ عَجَّلَ اللهُ بِي إِلَى رَحْمَتِهِ (2) . مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ البَتَلْهِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ إِلاَّ لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: صَمْوتٍ وَاعٍ، وَنَاطقٍ عَارِفٍ (3) . وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ، فَلْيَرْجُ الثَّوَابَ، وَمَنْ أَسَاءَ، فَلاَ يَسْتَنْكِرِ الجَزَاءَ، وَمَنْ أَخَذَ عِزّاً بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْرَثَهُ الله ذُلاً بِحَقٍّ، وَمَنْ جَمَعَ مَالاً بِظُلْمٍ، أَوْرَثَهُ اللهُ فَقْراً بِغَيْرِ ظُلْمٍ.   (1) المعتزلة يسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية لانهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الاشياء بقدر الله وقضائه، والقدرية حدثت في آخر عصر الصحابة، وأصل بدعتهم كما قال شيخ الإسلام كانت من عجز عقولهم عن الايمان بقدر الله، والايمان بأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وظنوا أن ذلك ممتنع، وكانوا قد آمنوا بدين الله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وظنوا أنه إذا كان كذلك، لم يكن قد علم قبل الامر من يطيع ومن يعصي، لانهم ظنوا أن من علم ما سيكون، لم يحسن منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه ولا يطيعه وظنوا أيضا أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يعلم أنه يفسد، فلما بلغ الصحابة قولهم بإنكار القدر السابق أنكروه إنكارا عظيما، وتبرؤوا منهم، حتى قال عبد الله بن عمر كما في " صحيح مسلم " في أول كتاب الايمان رقم (8) : " أخبر أولئك أني برئ منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لاحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر " وكان أكثر الخوض فيه بالبصرة والشام، وبعضه في المدينة، فصار مقتصدوهم وجمهورهم يقرون بالقدر السابق، وبالكتاب المتقدم، وصار نزاع الناس في الارادة وخلق أفعال العباد، فصاروا في ذلك طائفتين: النفاة، يقولون: لا إرادة إلا بمعنى المشيئة، وهو لم يرد إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئا من أفعال العباد، وقابلهم الخائضون في القدر من المجبرة مثل جهم بن صفوان وأمثاله، فقال: ليست الارادة إلا بمعنى المشيئة، والامر والنهي لا يستلزم إرادة، وقالوا: العبد لا فعل له البتة ولا قدرة، بل الله هو الفاعل القادر فقط. (2) " الحلية " 6 / 125. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 153. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ: سُئِلَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ عَنِ الكَفَافِ مِنَ الرِّزْقِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: شِبَعُ يَوْمٍ، وَجُوْعُ يَوْمٍ (1) . أَنْبَأَنَا عِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ البَرِّ ابْنِ الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَأَيْتُ عَمُوْدَ الكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُوْرٌ سَاطِعٌ فِي الشَّامِ (2)) . رَوَاهُ: الوَلِيْدُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيِّ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً، وَاهْدِهِ، وَاهْدِ بِهِ (3)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ يُوْنُسَ - هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي   (1) " الحلية " 6 / 126. (2) هو في " الحلية " 5 / 252، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 509، وإسناده صحيح، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10 / 58، وقال: رواه الطبراني في الكبير والاوسط بإسنادين، وفي أحدهما ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد 5 / 198، 199 بلفظ: " بينا أنا نائم إذا رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الايمان حين تقع الفتن بالشام ". (3) وأخرج الترمذي (3842) في المناقب من طريق أبي مسهر، وأحمد 4 / 216 من طريق الوليد بن مسلم، كلاهما عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأزدي، وقال الترمذي: حسن غريب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 عَمِيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ مُعَاوِيَة، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ) . فَهَذِهِ عِلَّةُ الحَدِيْثِ قَبْلَهُ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ (2)) . قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَشَبَابٌ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَمَا نُقِلَ مِنْ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَهُوَ خَطَأٌ وَوَهْمٌ. قَالَهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ. 6 - زُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ بنِ قَيْسِ بنِ سَلْمٍ العَنْبَرِيُّ أَبُو الهُذَيْلِ الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الرَّبَّانِيُّ، العَلاَّمَةُ، أَبُو الهُذَيْلِ بنُ الهُذَيْلِ بنِ قَيْسِ بنِ سَلْمٍ.   (1) يريد الاضطراب، فإن الوليد بن مسلم رواه عن سعيد بن عبد العزيز مخالفا أبا مسهر في شيخه، فشيخ سعيد في رواية الوليد يونس بن ميسرة، وشيخه في رواية أبي مسهر ربيعة بن يزيد. (2) وأخرجه الطبراني فيما ذكره الحافظ في " الإصابة " من طريق سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني..ورواه أحمد 4 / 127 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: " هلموا إلى الغذاء المبارك " ثم سمعته يقول: " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب " والحارث بن زياد لين الحديث، وباقي رجاله ثقات. (*) طبقات ابن سعد: 6 / 387 - 388، المعارف لابن قتيبة: 496، الجرح والتعديل: 3 / 608، مشاهير علماء الأمصار: 170، الفهرست لابن النديم: 1 / 204، الانتفاء: 173، طبقات الشيرازي: 40، وفيات الأعيان: 2 / 317 - 319، العبر للذهبي: 1 / 229، لسان الميزان: 2 / 476 - 478، الجواهر المضيئة: 1 / 243 و2 / 534، شذرات الذهب: 1 / 243، تاريخ أصبهان: 1 / 317، الفوائد البهية: 75، التاريخ لابن معين: 2 / 172. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ أَبُوْهُ بِأَصْبَهَانَ فِي دَوْلَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، فَكَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ: زُفَرُ، وَهَرْثَمَةُ، وَكَوْثَرٌ (1) . قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَحَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَبَقَتِهم. حَدَّثَ عَنْهُ: حَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَرْمَانِيُّ، وَأَكْثَمُ بنُ مُحَمَّدٍ - وَالِدُ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ - وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ (2) ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمَالِكُ بنُ فُدَيْكٍ، وَعَامَّتُهُم مِنْ رُفَقَائِهِ وَأَقْرَانِهِ، لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، وَقَعَ إِلَى البَصْرَةِ فِي مِيْرَاثٍ لَهُ مِنْ أُخْتِه، فَتَشبَّثَ بِهِ أَهْلُ البَصْرَةِ، فَلَمْ يَتْركُوهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِم. وَذَكَرَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . قُلْتُ: هُوَ مِنْ بُحُوْرِ الفِقْهِ، وَأَذْكِيَاءِ الوَقْتِ. تَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ أَكْبَرُ تَلاَمِذَتِه، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ وَيُتْقِنُهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ مُدْرِكٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ الفَقِيْهِ، قَالَ: كَانَ زُفَرُ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَأَمَّا دَاوُدُ فَتَرَك الفِقْهَ وَأَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ، وَأَمَّا زُفَر فَجَمَعَهُمَا. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً يُنَاظِرُ زُفَرَ إِلاَّ رَحِمْتُهُ.   (1) تاريخ أصبهان: 1 / 317. (2) بضم الميم، نسبة إلى الملاءة التي تستتر بها النساء، وأظن أن هذه النسبة إلى بيعها، واسم أبي نعيم: الفضل بن دكين. (3) تاريخ ابن معين: 2 / 172. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى زُفَرَ، فَيَقُوْلُ: تَعَالَ حَتَّى أُغَرْبِلَ لَكَ مَا سَمِعْتَ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: قَالَ زُفَر: مَنْ قَعَدَ قَبْلَ وَقْتِهِ، ذَلَّ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنْتُ أَعرِضُ الأَحَادِيْثَ عَلَى زُفَرَ، فَيَقُوْلُ: هَذَا نَاسِخٌ، هَذَا مَنْسُوْخٌ، هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ، هَذَا يُرفَضُ. قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَامُ مُنْصِفاً فِي البَحثِ مُتَّبِعاً. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، قَالَ: لَقِيْتُ زُفَرَ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقُلْتُ لَهُ: صِرْتُمْ حَدِيْثاً فِي النَّاسِ وَضُحْكَةً (1) . قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: تَقُوْلُوْنَ: (ادْرَؤُوا الحُدُوْدَ بِالشُّبُهَاتِ (2)) ، ثُمَّ   (1) الضحكة: بضم الضاد وسكون الحاء: الشئ الذي يضحك منه. (2) روي من حديث عائشة، ومن حديث علي، ومن حديث أبي هريرة، أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي (1424) في الحدود: باب ما جاء في درء الحدود بلفظ " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الامام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة " وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة، عن يزيد بن زياد الدمشقي، عن الزهري، ويزيد بن زياد ضعيف في الحديث، ورواه وكيع عن يزيد بن زياد ولم يرفعه وهو أصح، ثم أخرجه عن وكيع، عن يزيد به موقوفا، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 384، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الامام الذهبي، فقال: يزيد بن زياد، قال النسائي فيه: متروك. وأما حديث علي، فأخرجه الدارقطني ص 324، وفي سنده مختار التمار وهو ضعيف. وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه ابن ماجة (2545) ، وأبو يعلى من حديث وكيع، حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادرؤوا الحدود ما استطعتم " وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعفه أحمد، وابن معين، والبخاري، وغيرهم. وأخرجه ابن عدي في " جزء له " عن ابن عباس مرفوعا بلفظ " ادرؤوا الحدود بالشبهات، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله " وفيه ابن لهيعة، وروى صدره أبو مسلم الكجي، وابن السمعاني في " الذيل " عن عمر بن عبد العزيز مرسلا ومسدد في " مسنده " عن ابن مسعود موقوفا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 جِئْتُم إِلَى أَعْظَمِ الحُدُوْدِ، فَقُلْتُم: تُقَامُ بِالشُّبُهَاتِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (1)) . فَقُلْتُم: يُقْتَلُ بِهِ -يَعْنِي: بِالذِّمِّيِّ-. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ السَّاعَةَ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ. قُلْتُ: هَكَذَا يَكُوْن العَالِمُ وَقَّافاً مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : مَاتَ زُفَرُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الحَدِيْثِ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: قَدْ حَكمَ لَهُ إِمَامُ الصَّنعَةِ (3) بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. 7 - قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ * (د، ت، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُكْثِرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الأَحْوَلُ، أَحَدُ أَوْعِيَةِ العِلْمِ عَلَى ضَعفٍ فِيْهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِه. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ.   (1) أخرجه أحمد 1 / 79، والبخاري 12 / 217، في الديات: باب العاقلة، وباب لا يقتل المسلم بالكافر، والدارمي 2 / 190، والترمذي (1413) في الديات، والنسائي 8 / 23، في القسامة، من طريق الشعبي عن أبي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه: " هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ وقال مرة ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الاسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر ". (2) 6 / 387، 388. (3) هو الامام يحيى بن معين. (*) طبقات خليفة: 169، تاريخ خليفة: 439 التاريخ الكبير: 7 / 156، التاريخ الصغير: 2 / 170 - 172، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 / 216 - 219، والكامل لابن عدي: 2 / 270، تهذيب الكمال: 1135، الكاشف للذهبي: 2 / 404، العبر للذهبي: 1 / 253، ميزان الاعتدال: 3 / 393 - 396، الضعفاء والمتروكين: 89، تذهيب التهذيب: 3 / 162 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 226، المغني: 2 / 526 - 527، خلاصة تذهيب الكمال 317، الضعفاء الصغير: 95، شذرات الذهب / 266، طبقات الحفاظ للسيوطي: 96، تهذيب التهذيب: 8 / 391 - 395. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 وَرَوَى عَنْ: عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَزُبَيْدٍ اليَامِيِّ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقَاهُ: شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ بنِ الرَّيَّانِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ شُعْبَةُ يُثنِي عَلَيْهِ. وَوَثَّقَهُ: عَفَّانُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ (3) : عَامَّةُ رِوَايَاتِهِ مُسْتقِيْمَةٌ، وَالقَوْلُ فِيْهِ مَا قَالَهُ شُعْبَةُ، وَأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: هُوَ عِنْدَ جَمِيْعِ أَصْحَابِنَا صَدُوْقٌ، وَكِتَابُهُ صَالِحٌ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ رَدِيْءُ الحِفْظِ جِدّاً، كَثِيْرُ الخَطَأِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ يَحْيَى وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْ قَيْسٍ شَيْئاً قَطُّ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسٌ لاَ يُفرِّقُ بَيْنَ (كُرِهَ) وَبَيْنَ (لاَ بَأْسَ) .   (1) بفتح السين وضم اللام، نسبة إلى بني سلول، نزلوا الكوفة، ولهم بها خطة نسبت إليهم. (2) بكسر الحاء وتشديد الميم، نسبة إلى حمان: قبيلة من تميم نزلوا الكوفة. (3) " الكامل " 2 / 270. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ الفَلاَّسُ: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ قَيْسٍ أَوَّلاً، ثُمَّ تَرَكَه. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (1) . وَقَالَ مَرَّةً: يُضَعَّفُ. وَلَيَّنَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. قُلْتُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُترَكَ، فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ قَيْسٌ عِنْدَنَا بِدُوْنِ سُفْيَانَ، لَكِنَّهُ وُلِّيَ، فَأَقَامَ عَلَى رَجُلٍ الحَدَّ، فَمَاتَ، فَطُفِئَ أَمرُهُ. وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ المَنْصُوْرُ قَيْساً عَلَى المَدَائِنِ، فَكَانَ يُعَلِّقُ النِّسَاءَ بِثُدِيِّهِنَّ، وَيُرسِلُ عَلَيْهِنَّ الزَّنَابِيْرَ. قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: حَضَرَ شَرِيْكٌ جَنَازَةَ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ: كَتَبْتُ عَنْ قَيْسٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ. قَالَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: أَدْرِكْ قَيْساً لاَ يَفُوَتُكَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: أَلاَ تَعجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الأَحْوَلِ! يَقَعُ فِي قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ - يُرِيْدُ: يَحْيَى القَطَّانَ -. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا أَتَيْنَا شَيْخاً بِالكُوْفَةِ إِلاَّ وَجَدْنَا قَيْساً قَدْ   (1) " تاريخ ابن معين " 2 / 490، وفيه أيضا: سئل يحيى عن قيس بن الربيع، فقال: لا يساوي شيئا، ونقل عن عفان قوله: أتيناه، فكان يحدث، فربما أدخل حديث مغيرة في حديث منصور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 سَبَقَنَا إِلَيْهِ، كُنَّا نَسَمِّيهِ: قَيْساً الجَوَّالَ (1) . وَعَنْ شَرِيْكٍ، قَالَ: مَا نَشَأَ بِالكُوْفَةِ أَطْلَبُ لِلْحَدِيْثِ مِنْ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ. قُرَادٌ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: جَلَسْتُ أَنَا وَقَيْسٌ فِي مَسْجِدٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنَّ المَسْجِدَ يَقعُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَدْ سَبَرتُ أَحَادِيْثَ قَيْسٍ، وَتَتَبَّعْتُهَا، فَرَأَيْتُهُ صَدُوقاً، مَأْمُوْناً حِيْنَ كَانَ شَابّاً، فَلَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ، وَامْتُحِنَ بَابْنِ سُوءٍ، فَكَانَ يُدخِلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ، فَوَقَعَ فِي أَخْبَارِه مَنَاكِيْرُ (2) . قَالَ عَفَّانُ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَأَتَيْنَا قَيْساً، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يُلَقِّنُهُ، وَيَقُوْلُ لَهُ: حُصَيْنٌ، فَيَقُوْلُ: حُصَيْنٌ، وَيَقُوْلُ رَجُلٌ آخَرُ: وَمُغِيْرَةُ (3) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ. 8 - السَّيِّدُ الحِمْيَرِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ * مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، لَكِنَّهُ رَافِضِيُّ جَلْدٌ. وَاسْمُهُ: أَبُو هَاشِمٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ رَبِيْعَةَ الحِمْيَرِيُّ. لَهُ: مَدَائِحُ بَدِيعَةٌ فِي أَهْلِ البَيْتِ، كَانَ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 96، 97، وسمي بذلك لكثرة سماعه وعلمه فيما قاله ابن سعد 6 / 377. (2) " المجروحين والضعفاء " لابن حبان 2 / 218. (3) وتمامه كما في " المجروحين والضعفاء " 2 / 219: فيقول: ومغيرة، فيقول آخر: والشيباني، فيقول: والشيباني. (*) أنساب الاشراف: 4 / 78، طبقات ابن المعتز: 32، الاغاني: 7 / 229، 278، الذريعة: 1 / 333 - 335، ابن الوردي: 1 / 250، وفيات الأعيان: 6 / 343، 348، الوافي بالوفيات: رقم (5003) ، فوات الوفيات: 1 / 188، روضات الجنات: 1 / 28، البداية والنهاية 1 / 173، لسان الميزان: 1 / 436 - 438 منهج المقال: 60. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 يَكُوْنُ بِالبَصْرَةِ، ثُمَّ بِبَغْدَادَ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: الصَّحِيْحُ أَنَّ جَدَّهُ لَيْسَ بِيَزِيْدَ بنِ مُفَرِّغٍ (1) الشَّاعِرِ. وَقِيْلَ: كَانَ طُوَالاً، شَدِيْدَ الأُدْمَةِ. قِيْلَ: إِنَّ بَشَّاراً قَالَ لَهُ: لَوْلاَ أَنَّ اللهَ شَغَلَكَ بِمَدحِ أَهْلِ البَيْتِ، لاَفْتَقَرْنَا. وَقِيْلَ: كَانَ أَبَوَاهُ نَاصِبِيَّينِ (2) ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ: لَعَنَ اللهُ وَالِدَيَّ جَمِيْعاً ... ثُمَّ أَصْلاَهُمَا عَذَابَ الجَحِيْمِ حَكَّمَا عَدُوَّهُ كَمَا صَلَّيَا الفَجْـ ... ـرَ بِلَعْنِ الوَصِيِّ بَابِ العُلُوْمِ لَعَنَا خَيْرَ مَنْ مَشَى فَوْقَ ظَهْرِ الـ ... أَرْضِ أَوْ طَافَ مُحْرِماً بِالحَطِيْمِ (3) وَكَانَ يَرَى رَأيَ الكَيْسَانِيَّةِ (4) فِي رَجْعَةِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ إِلَى الدُّنْيَا. وَهُوَ القَائِلُ: بَانَ الشَّبَابُ وَرَقَّ عَظْمِي وَانْحَنَى ... صَدْرُ القَنَاةِ وَشَابَ مِنِّي المَفْرِقُ   (1) في الأصل: متفرغ، وهو تحريف، ويزيد هذا، هو ابن زياد بن ربيعة، لقب بمفرغ لأنه راهن أنه يشرب عسا من لبن فشربه حتى فرغه، وهو شاعر غزل محسن، توفي سنة 69، وهو صاحب البيت السائر: العبد يقرع بالعصا * والحر تكفيه الإشارة مترجم في " الشعر والشعراء " 276، وابن خلكان 6 / 342، وخزانة الأدب 2 / 213، 214، والاغاني 18 / 180، وطبقات ابن سلام: 554. (2) النواصب: فرقة تبغض أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه، وفي الاغاني 7 / 225: كانا إباضيين، والاباضية: أصحاب عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد، وهم قوم من الحرورية الخوارج، زعموا أن مخالفهم كافر مشرك لا تجوز مناكحته، وكفروا أكثر الصحابة. (3) سمي بذلك لانحطام الناس فيه، أي: ازدحامهم، وهو ما بين الركن والباب، وقيل: هو الحجر المخرج منها، سمي به: لان البيت رفع، وترك هو محطوما. (4) الكيسانية: من الرافضة، هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويذكرون أن لقبه " كيسان ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 يَا شِعْبَ رَضْوَى مَا لِمَنْ بِكَ لاَ يُرَى ... وَبِنَا إِلَيْهِ مِنَ الصَّبَابَةِ أَوْلَقُ (1) حَتَّى مَتَى؟ وَإِلَى مَتَى؟ وَكَمِ المَدَى*؟ ... يَا ابْنَ الوَصِيِّ وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ فَقِيْلَ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ بِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، فَبَيَّنَ لَهُ ضَلاَلَتَهُ، فَتَابَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي (المِلَلِ وَالنِّحَلِ) : إِنَّ السَّيِّدَ كَانَ يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَنَظْمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَلِذَلِكَ حَفِظَ دِيْوَانَهُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ. 9 - صَالِحٌ المُرِّيُّ أَبُو بِشْرٍ بنُ بَشِيْرٍ القَاصُّ * الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، وَاعِظُ أَهْلِ البَصْرَةِ، أَبُو بِشْرٍ بنُ بَشِيْرٍ القَاصُّ (2) .   (1) الشعب: ما انفرج بين جبلين، ورضوى: جبل منيف ذو شعاب وأودية، وهو من ينبع على مسيرة يوم، ومن المدينة على سبع مراحل، وهو المكان الذي زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية به مقيم حي يرزق، وأنه بين أسد ونمر يحفظانه، عنده عينان نضاختان، تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة، فيملا الأرض عدلا كما ملئت جورا، والاولق: شبه الجنون من الخفة، والبيتان في " تاريخ ابن عساكر " 5 / 365، " وتاريخ الإسلام " 3 / 295، ومروج الذهب 2 / 201، والثاني منها في " طبقات الشعراء " ص 33 لابن المعتز. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 281، تاريخ خليفة: 448، طبقات خليفة: 223، التاريخ الكبير: 4 / 273، التاريخ الصغير: 201، الضعفاء للعقيلي: 2 / 186، الكامل لابن عدي: 2 / 199، 200، حلية الأولياء: 6 / 165 - 177، تاريخ بغداد: 9 / 305، الكامل لابن الأثير: 6 / 134، ميزان الاعتدال: 2 / 289 العبر للذهبي: 1 / 262، تهذيب التهذيب: 4 / 382، خلاصة تذهيب الكمال 170، صفة الصفوة: 3 / 350، الضعفاء الصغير: 59، الضعفاء والمتروكين: 57، المغني: 1 / 302، شذرات الذهب: 1 / 281، تذهيب التهذيب: 2 / 85 / 2، الكاشف 2 / 18، اللباب: 3 / 201، تهذيب الكمال: لوحة 595، وفيات الأعيان: 2 / 494، تاريخ ابن معين: 2 / 262. (2) القاص: هو الواعظ الذي يجلس إلى الناس فيذكرهم بسرد قصص النبيين والصالحين، وشرحها بأسلوب مشوق محبب، واستنباط العبر منها، وفي ذلك عبرة لمعتبر، وعظة لمزدجر، واقتداء بصواب لمتبع، وهو عمل سائغ يثاب عليه فاعله، إذا كان المتصدي له = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَفَّانُ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، وَطَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ عَفَّانُ: كَانَ شَدِيْدَ الخَوْفِ مِنَ اللهِ، كَأَنَّهُ ثَكْلَى إِذَا قَصَّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَاصٌّ، حَسَنُ الصَّوْتِ، عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مُنْكَرَةٌ، أُتِيَ مِنْ قِلِّةِ مَعْرِفَتِه بِالأَسَانِيْدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لاَ يَتَعَمَّدُ (2) . وَقِيْلَ: لَمَّا سَمِعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: مَا هَذَا قَاصٌّ، هَذَا نَذِيرٌ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ الغَالِبُ عَلَى صَالِحٍ كَثْرَةَ الذِّكْرِ، وَالقِرَاءةِ بِالتَّحزِيْنِ (3) . وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مِنْ قَرَأَ بِالبَصْرَةِ بِالتَّحزِيْنِ. وَيُقَالُ: مَاتَ جَمَاعَةٌ سَمِعُوا قِرَاءتَه. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: شَهِدْتُ صَالِحاً المُرِّيَّ عَزَّى رَجُلاً، فَقَالَ: لَئِنْ   = عالما بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتحرى الصدق في مروياته، ويحترز عن إيراد القصص الخرافية، والأحاديث المكذوبة، والحكايات التي تناقض ما جاء في كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم. (1) في " التاريخ الكبير " 4 / 273. (2) الكامل 199 / 2. (3) في " تهذيب التهذيب ": كان من أحزن أهل البصرة صوتا، وفي " الحلية ": صاحب قراءة وشجن ومخافة وحزن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 كَانَتْ مُصِيْبَتُكَ بِابْنِكَ لَمْ تُحْدِثْ لَكَ مَوْعِظَةً فِي نَفْسِكَ، فَهِي هَيِّنَةٌ فِي جَنْبِ مُصِيْبَتِكَ بِنَفْسِكَ، فَإِيَّاهَا فَابْكِ. 10 - مَالِكٌ الإِمَام ُ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ المَدَنِيُّ * (ع) هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ، إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ غَيْمَانَ بنِ خُثَيْلِ (1) بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَهُوَ ذُو أَصْبَحَ بنُ عَوْفِ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدٍ بنِ شَدَّادِ بنِ   (*) جماع العلم للشافعي: (242) ، تاريخ خليفة بن خياط: 1 / 432، 2 / 719، طبقات خليفة: 275، المعارف لابن قتيبة: 498 - 499، المنتخب من كتاب ذيل المذيل للطبري: 106، 107، مشاهير علماء الأمصار: ت (1110) ، الحلية: 6 / 316، الفهرست لابن النديم مع تراجم أصحابه: 280 - 284، أنساب العرب لابن حزم: 1 / 435 436، الفهرست للطوسي: ت (740) ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء: 9 - 63، طبقات الشيرازي: 67، ترتيب المدارك: 1 / 102 - 254، المبهمات في الحديث للنووي: 34 / 2، جزء فيه الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس: تخريج الدارقطني 255 / 1 269 / 2، تذكرة الحفاظ لابن عبد الهادي: 49 / 2، صفة الصفوة: 2 / 177 - 180، الكامل لابن الأثير، 6 / 147، تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 2 / 75 - 79، وفيات الأعيان 4 / 135 - 139، تهذيب الكمال: 1297، تذكرة الحفاظ: 1 / 207 - 213، العبر للذهبي: 1 / 272، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 373 - 377، البداية والنهاية: 10 / 174 - 175، الديباج المذهب: 1 / 55 - 139، تهذيب التهذيب: 10 / 5، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2 / 96 - 97، شرح البخاري للقسطلاني: 1 / 6، مفتاح السعادة طاش كبري زاده: 2 / 12، 84 - 88، التاريخ الكبير: 7 / 310، التاريخ الصغير 2 / 220، الطبقات الكبرى للشعراني: 45، شذرات الذهب: 2 / 12 - 15، تذهيب التهذيب: 4 / 14 / 2 - 1 / 2، الكاشف: 3 / 112، تاريخ ابن معين: 2 / 543 - 546، الأنساب: 1 / 287، اللباب: 1 / 69، الرسالة المستطرفة: 13، مروج الذهب: 3 / 350، طبقات الحفاظ: 89، تاريخ الخميس: 2 / 333، طبقات القراء: 2 / 35. (1) بخاء معجمة مضمومة، وثاء مثلثة، وكذا قيده ابن ماكولا وضبطه، وحكاه عن محمد ابن سعد، عن أبي بكر بن أبي أويس، وقال أبو الحسن الدارقطني وغيره: جثيل بالجيم وحكاه عن الزبير، وفي " القاموس ": خثيل كزبير جد للامام مالك أو هو بالجيم. وسيرد ضبطه عند المؤلف 71. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 زُرْعَةَ، وَهُوَ حِمْيَرُ الأَصْغَرُ الحِمْيَرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ، حَلِيْفُ بَنِي تَيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَهُم حُلفَاءُ عُثْمَانَ أَخِي طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ أَحَدِ العَشْرَةِ (1) . وَأُمُّهُ هِيَ: عَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيْكٍ الأَزْدِيَّةُ. وَأَعمَامُه هُم: أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ، وَأُوَيْسٌ، وَالرَّبِيْعُ، وَالنَّضْرُ، أَوْلاَدُ أَبِي عَامِرٍ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ: وَالِدِه أَنَسٍ، وَعَمَّيْهِ؛ أُوَيْسٍ وَأَبِي سُهَيْلٍ، وَقَالَ: مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ. وَرَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ عَنْ عَمِّهِ الرَّبِيْعِ، وَكَانَ أَبُوْهُم مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِيْنَ. أَخَذَ عَنْ: عُثْمَانَ، وَطَائِفَةٍ. مَوْلِدُ مَالِكٍ عَلَى الأَصَحِّ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَامَ مَوْتِ أَنَسٍ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَشَأَ فِي صَوْنٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَتَجمُّلٍ. وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدْثٌ بُعَيْدَ مَوْتِ القَاسِمِ، وَسَالِمٍ. فَأَخَذَ عَنْ: نَافِعٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَخَلْقٍ سَنَذْكُرُهُم عَلَى المُعْجَمِ، وَإِلَى جَانِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا رَوَى عَنْهُ فِي (المُوَطَّأِ) ، كَمْ عَدَدُهُ. وَهُمْ: إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ (18) ، أَيُّوْبُ بنُ أَبِي تَمِيْمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَالِمُ البَصْرَةِ (4) ، أَيُّوْبُ بنُ حَبِيْبٍ الجُهَنِيُّ مَوْلَى سَعْدِ بنِ مَالِكٍ (1) ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ (1) ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ (1) ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ (1) ، ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدِّيْلِيُّ (3) ، جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ (7) ، حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ (6) ، حُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ الأَعْرَجُ (2) ، خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) ، دَاوُدُ بنُ الحُصَيْنِ (4) ، دَاوُدُ أَبُو لَيْلَى بنُ عَبْدِ اللهِ فِي القِسَامَةِ (1) ، رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ (5) ، زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ (26) (26) ، زَيْدُ بنُ رَبَاحٍ (1) ، زِيَادُ بنُ سَعْدٍ (1) ،   (1) أي المبشرين بالجنة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ (1) ، سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ (13) ، سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ (4) ، سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ (13) ، سَلَمَةُ بنُ دِيْنَارٍ أَبُو حَازِمٍ (8) ، سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ (11) ، سَلَمَةُ بنُ صَفْوَانَ الزُّرَقِيُّ (1) ، سَعْدُ بنُ إِسْحَاقَ (1) ، سَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ (1) ، شَرِيْكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ (1) ، صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ (2) ، صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ (2) ، صَيْفِيٌّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ (1) ، ضَمْرَةُ بنُ سَعِيْدٍ (2) ، طَلْحَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (1) ، عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ (2) ، عَبْدُ اللهِ بنُ الفَضْلِ (1) ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ (2) ، عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ (18) ، عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ (5) ، عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ (31) ، أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بنُ ذَكْوَانَ (64) ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ (8) ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي صَعْصَعَةَ (3) ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو طُوَالَةَ (2) ، عُبَيْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ الأَغَرُّ (1) ، عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَرْملَةَ (1) ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عَمْرَةَ (1) ، عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ سُهَيْلٍ (1) ، عَبْدُ رَبِّهِ بنُ سَعِيْدٍ (2) ، عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ (1) ، عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ (1) ، عَمْرُو بنُ الحَارِثِ (1) ، عَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو (1) ، عَمْرُو بنُ يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ (3) ، عَلْقَمَةُ بنُ أَبِي عَلْقَمَةَ (2) ، العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) ، فُضَيْلُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ (1) ، قَطَنُ بنُ وَهْبٍ (1) ، الزُّهْرِيُّ (18) ، ابْنُ المُنْكَدِرِ (4) ، أَبُو الزُّبَيْرِ (8) ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ (4) ، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ (2) ، مُحَمَّدُ بنُ عُمَارَةَ (1) ، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَامَةَ (1) ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَعْصَعَةَ (1) ، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ (1) ، مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ (1) ، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ (4) ، مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ (1) ، أَبُو الرِّجَالِ مُحَمَّدٌ (1) ، مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ (2) ، مُوْسَى بنُ مَيْسَرَةَ (2) ، مُوْسَى بنُ أَبِي تَمِيْمٍ (1) ، مَخْرَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ (1) ، مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ (2) ، المِسْوَرُ بنُ رِفَاعَةَ (1) ، نَافِعٌ (85) ، أَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ (1) ، نُعَيْمٌ المُجْمِرُ (3) ، وَهْبُ بنُ كَيْسَانَ (1) ، هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ الوَقَّاصِيُّ (1) ، هِلاَلُ بنُ أَبِي مَيْمُوْنَةَ (1) ، هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ (42) ، يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ (40) ، يَزِيْدُ بنُ خُصَيْفَةَ (3) ، يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ المَدَنِيُّ (1) ، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ (3) ، يَزِيْدُ بنُ رُوْمَانَ (1) ، يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ (1) ، يُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حِمَاسٍ (2) ، أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ (1) ، أَبُو بَكْرٍ بنُ نَافِعٍ (2) ، الثِّقَةُ عِنْدَهُ (2) ، الثِّقَةُ (3) . فَعَنْهُم كُلُّهُم سِتُّ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، وَسِتَّةُ أَحَادِيْثَ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي أَحَدٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ مَقَاطِيْعَ (1) : عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي المُخَارِقِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بنُ حُسَيْنٍ، وَكَثِيْرُ بنُ زَيْدٍ، وَكَثِيْرُ بنُ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعُثْمَانُ بنُ حَفْصِ بنِ خَلْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، وَيَعْقُوْبُ بنُ يَزِيْدَ بنِ طَلْحَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَحْلاَءَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رُقَيْشٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُجَبَّرِ، وَالصَّلْتُ بنُ زُيَيْدٍ (2) ، وَأَبُو عُبَيْدٍ حَاجِبُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَفِيْفُ بنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ بنِ قُنْفُذٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ القَارِئُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَصَدَقَةُ بنُ يَسَارٍ المَكِّيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، وَعُمَارَةُ بنُ صَيَّادٍ، وَسَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ أُذَيْنَةَ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَرْملَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُثْمَانَ، وَجَمِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُؤَذِّنُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ   (1) هي الأحاديث الموقوفة والمرسلة وغير المسندة. (2) زييد بياء معجمة باثنتين من تحتها مكررة كما ضبطه ابن ماكولا، وقد تصحف في " الجرح والتعديل " و" تعجيل المنفعة " إلى " زبيد " بالباء الموحدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 اللهِ بنِ عَبْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُبَيْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ حَفْصٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَثَابِتٌ الأَحْنَفُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي دُلاَفٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْزٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ. وَفِي (المُوَطَّأِ) : عِدَّةُ مَرَاسِيْلَ أَيْضاً عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. عَمِلَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَطرَافَ (1) جَمِيْعِ ذَلِكَ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ، فَشَفَى وَبَيَّنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَفْرَدْتُ أَسْمَاءَ الرُّوَاةِ عَنْهُ فِي جُزْءٍ كَبِيْرٍ يُقَارِبُ عَدَدُهُم أَلْفاً وَأَرْبَعَ مائَةٍ، فَلْنَذْكُرْ أَعْيَانَهُم: حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: عَمُّهُ؛ أَبُو سُهَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ الهَادِ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُم. وَمِنْ أَقْرَانِهِ: مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَلْقٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمَعْنُ بنُ عِيْسَى القَزَّازُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو قُرَّةَ مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ   (1) الاطراف: أن يذكر طرف الحديث (أول متنه) الدال على بقية، ويجمع أسانيده إما مستوعبا، وإما مقيدا بكتب مخصوصة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 الأَفْوَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَبَكْرُ بنُ الشَّرُوْدِ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَزِيَادُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَبَطُوْنُ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ المَرْوَزِيُّ عَبْدَانُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنَا أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ الشَّهِيْدُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ المَاكِيَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُلَيْمَانَ الزَّيَّاتُ البَلْخِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ، وَبِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ كَاتِبُ مَالِكٍ، وَالحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ الخَاشْتِيُّ (1) ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ المُهَلَّبِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ، وَزُهَيْرُ   (1) نسبة إلى خاشت قرية من قرى بلخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 بنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ المِصْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ عَبْدِ اللهِ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعِ بنِ ثَابِتٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الجُمَحِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَدَنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ الحَلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَعْنِيُّ، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَحْمَدِيُّ (1) المَرْوَزِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَمُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ سَلَمَةَ العَدَنِيُّ، وَمُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَيَحْيَى بنُ قَزَعَةَ المَدَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ المَدَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ الفَرَّاءُ. وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: رَاوِي (المُوَطَّأِ) ؛ أَبُو حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيُّ، عَاشَ بَعْدَ مَالِكٍ ثَمَانِيْنَ عَاماً (2) . وَقَدْ حَجَّ قَدِيْماً، وَلَحِقَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ دَخَلَ المَسْجِدَ، وَأَخَذَ بِرُمَّانَةِ المِنْبَرِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ (3) .   (1) نسبة إلى يحمد: بطن من الازد. (2) للحافظ السيوطي كتاب " إسعاف المبطا برجال الموطا " ترجم فيه الرواة المذكورين في " الموطأ " وهو مطبوع ألحق بكتابه " تنوير الحوالك ". (3) ذكره المؤلف في " تذكرته " 1 / 208. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 قَالَ مَعْنٌ، وَالوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ أُمُّ مَالِكٍ بِمَالِكٍ ثَلاَثَ سنِيْنَ (1) . وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ. وَطَلبَ مَالِكٌ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَأَهَّل لِلْفُتْيَا، وَجَلَسَ لِلإِفَادَةِ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ حَيٌّ شَابٌّ طَرِيٌّ، وَقَصَدَهُ طَلبَةُ العِلْمِ مِنَ الآفَاقِ فِي آخِرِ دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فِي خِلاَفَةِ الرَّشِيْدِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَيَضْرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِلِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ) (2) . وَبِهِ: إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ   (1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 111، والوفيات 4 / 137، والعبر 1 / 272، والانتقاء ص 12. (2) أخرجه أحمد 2 / 299، والترمذي (2682) ، وابن حبان (2308) ، والحاكم 1 / 91، والبيهقي: 1 / 386 كلهم من حديث سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ورجاله ثقات، إلا أن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان، وقد عنعنا، وأعله الامام أحمد بالوقف، كما ذكره ابن قدامة في " المنتخب " ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِل ... ) ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيفُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبُ المَتْنِ. رَوَاهُ: عِدَّةٌ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَفِي لَفْظٍ: (يُوْشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ آبَاطَ الإِبِلِ يَلْتَمِسُوْنَ العِلْمَ) . وَفِي لَفْظٍ: (مِنْ عَالِمٍ بِالمَدِيْنَةِ) . وَفِي لَفْظٍ: (أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ) . وَقَدْ رَوَاهُ: المُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مَوْقُوَفاً، وَيُرْوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مَرْفُوْعاً. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَضْرِبُوْنَ أَكْبَادَ الإِبِلِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ) . قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، الصَّوَابُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. مَعْنُ بنُ عِيْسَى: عَنْ أَبِي المُنْذِرِ زُهَيْرٍ التَّمِيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ (1)) . وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقُوْلُ: هُوَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، حَتَّى قُلْتُ: كَانَ فِي زَمَانِهِ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُمَا. ثُمَّ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ أَقُوْلُ: إِنَّهُ مَالِكٌ، لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظِيْرٌ بِالمَدِيْنَةِ.   (1) هو مرسل. سعيد بن أبي هند لم يسمع مع أبي موسى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ عَنْ سُفْيَانَ. رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَذُؤَيْبُ بنُ عِمَامَةَ (1) ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، كُلُّهُم سَمِعَ سُفْيَانَ يُفسِّرهُ بِمَالِكٍ، أَوْ يَقُوْلُ: وَأَظُنُّهُ، أَوْ أَحْسِبُهُ، أَوْ أُرَاهُ، أَوْ كَانُوا يَرَوْنَهُ (2) . وَذَكَرَ أَبُو المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ: مَا دَامَ المُسْلِمُوْنَ يَطلبُوْنَ العِلْمَ لاَ يَجِدُوْنَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمٍ بِالمَدِيْنَةِ. فَيَكُوْنُ عَلَى هَذَا: سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ مِنْ شُيُوْخِ مَالِكٍ، ثُمَّ مَالِكٍ، ثُمَّ مَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِعِلْمِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَصْحَابِهِ. قُلْتُ: كَانَ عَالِمَ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةُ، ثُمَّ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، ثُمَّ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ مَالِكٌ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَالِكٌ عَالِمُ أَهْلِ الحِجَازِ، وَهُوَ حُجَّةُ زَمَانِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - وَصَدَقَ وَبَرَّ -: إِذَا ذُكر العُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ فِي حَدِيْثِ: (لَيَضرِبَنَّ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبِل ... ) . كَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا فِي حَيَاةِ مَالِكٍ، يَقُوْلُ: أُرَاهُ مَالِكاً. فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ، فَقَالَ: أُرَاهُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَيْسَ العُمَرِيُّ مِمَّنْ يَلْحَقُ فِي العِلْمِ وَالفِقْهِ بِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ شَرِيْفاً سَيِّداً، عَابِداً.   (1) ترجمه المؤلف في " الميزان " فقال: ضعفه الدارقطني وغيره. (2) ترتيب المدارك 1 / 83. (3) وذكره أبو نعيم في " الحلية " 6 / 318، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1 / 206، والمؤلف في " تذكرته " 1 / 108، وعبره 1 / 272. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ: نَرَى هَذَا الحَدِيْثَ أَنَّهُ هُوَ مَالِكٌ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَسْأَلُنِي عَنْ أَخْبَارِ مَالِكٍ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ لِهَذَا العُمَرِيِّ عِلْمٌ وَفقهٌ جَيِّدٌ وَفَضْلٌ، وَكَانَ قَوَّالاً بِالحَقِّ، أَمَّاراً بِالعُرْفِ، مُنْعَزِلاً عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ يَحُضُّ مَالِكاً إِذَا خَلاَ بِهِ عَلَى الزُّهْدِ، وَالاَنقطَاعِ وَالعُزلَةِ - فَرَحِمَهُمَا اللهُ -. فَصْلٌ وَلَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ عَالِمٌ مِنْ بَعْدِ التَّابِعينَ يُشْبِهُ مَالِكاً فِي العِلْمِ، وَالفِقْهِ، وَالجَلاَلَةِ، وَالحفظِ، فَقَدْ كَانَ بِهَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِثْلُ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (1) ، وَالقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ، وَطَبَقَتِهِم، ثُمَّ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَرَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَبَقَتِهِم، فَلَمَّا تَفَانَوْا، اشْتُهِرَ ذِكْرُ مَالِكٍ بِهَا، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأَقرَانِهِم، فَكَانَ مَالِكٌ هُوَ المُقَدَّمَ فِيْهِم عَلَى الإِطلاَقِ، وَالَّذِي تُضرَبُ إِلَيْهِ آبَاطُ الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ -رَحِمَهُ اللهُ-تَعَالَى-. وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْه (2) (مُوَطَّأُ أَبِي مُصْعَبٍ (3)) . وَفِي الطَّرِيْقِ   (1) الفقهاء السبعة نظم أسماءهم بعضهم بهذين البيتين. إذا قيل من في الفقه سبعة أبحر * روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم * سعيد أبو بكر سليمان خارجة (2) العوالي: جمع علو، وطلب العلو في الإسناد سنة عمن سلف من هذه الأمة، ولهذا حرص العلماء على الرحلة إليها واستحبوها، وهو أنواع: منها كان قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما كان قريبا من إمام من أئمة الحديث كالاعمش وابن جريج ومالك وشعبة..، ومنها ما كان قريبا إلى كتاب من الكتب المعتمدة، المشهورة كالموطأ والكتب الستة والمسند، وأشرف أنواعه ما كان قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف. (3) هو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 إِجَازَةٌ، وَوَقَعَ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ بِالاتِّصَالِ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً مِنَ (المائَةِ الشُّرَيْحِيَّةِ) ، وَ (جُزءُ بِيْبَى (1)) ، وَ (جُزْءُ البَانْيَاسِيِّ (2)) ، وَالأجزَاءُ المحَامِلِيَّاتُ (3) ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى البَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ -: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّيْ أُصبِحُ جُنُباً، وَأَنَا أُرِيْدُ   = الزهري العوفي، قاضي المدينة، وأحد شيوخ أهلها، لازم مالكا، وتفقه عليه، وروى عنه موطأه، وقد قالوا: إن موطأه آخر الموطآت، توفي سنة (242) ، والموطأ بروايته لم يطبع، والبغوي في " شرح السنة " يكثر الرواية عنه، والمطبوع من الموطآت برواية يحيى بن يحيى المصمودي، ورواية محمد بن الحسن تلميذ الامام أبي حنيفة. (1) هي بيبى بنت عبد الرحمن بن علي أم الفضل وأم عربي الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح توفيت سنة (477) أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة " العبر " 3 / 287. (2) هو أبو عبد الله مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البانياسي البغدادي، المتوفى سنة (485) هـ، وخبره هذا فيه مجلسان: أحدهما عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، والثاني: عن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس. " العبر " 3 / 208، 209. (3) هي أمال مؤلفة من تسعة أجزاء للقاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي المحاملي، سمع أبا هشام الرفاعي، ويعقوب الدورقي، والحسن بن الصالح البزار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وخلقا كثيرا، روى عنه دعلج بن أحمد، والطبراني، والدارقطني وغيرهم. قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل، توفي سنة ثلاثين وثلاث مئة. تذكرة الحفاظ ": 824. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 الصِّيَامَ، أَفَأَغتَسِلُ وَأَصُوْمُ ذَلِكَ اليَوْمَ؟ فَقَالَ: (وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُباً وَأَنَا أُرِيْدُ الصِّيَامَ، فَأَغْتَسِلُ وَأَصُوْمُ ذَلِكَ اليَوْمَ) . فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَغَضبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (وَاللهِ إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَخْشَاكُم للهِ، وَأَعْلَمَكُم بِمَا أَتَّقِي (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنِ القَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ: النَّسَائِيُّ فِي (مُسْنَدِ مَالِكٍ) لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ الفَقِيْهِ، عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ هَذَا المَتْنَ بِنَحْوِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيْبٌ عَزِيْزٌ (2) ، قَدْ تَوَالَى فِيْهِ خَمْسَةُ تَابِعِيُّوْنَ، بَعْضُهُم عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْ حَيْثُ العددُ كَأَنَّنِي صَافَحْتُ (3) فِيْهِ النَّسَائِيَّ. وَرَوَاهُ أَيْضاً: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيْهِ نَافِعاً، بَلْ قَالَ: عَنْ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا. وَحَدِيْثُ عَائِشَةَ هُوَ فِي صَحِيْحِ   (1) هو في " الموطأ " 1 / 289 في الصيام: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، وأبو داود (2389) في الصوم: باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان، وأخرجه أحمد 6 / 67. (2) الحديث الغريب: ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفا، والغرابة قد تكون في المتن، بأن يتفرد بروايته راو واحد أو في بعضه، كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها غيره، وقد تكون في الإسناد، كما إذا كان أصل الحديث محفوظا من وجه آخر أو وجوه، ولكنه بهذا الإسناد غريب، وما اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ يسمى " عزيزا ". الباعث الحثيث: ص 166، 167. (3) يعني: كأنه ساواه في عدد رجال السند. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيْقِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَبُو طُوَالَةَ. وَلَمْ يُخَرِّجْ البُخَارِيُّ لأَبِي يُوْنُسَ شَيْئاً فِيْمَا عَلِمتُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ - وَذَكَرَ سَادَةً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، كَابْنِ المُسَيِّبِ، وَمَنْ بَعْدَهُ - قَالَ: فَمَا ضُرِبَتْ أَكبَادُ الإِبلِ مِنَ النَّوَاحِي إِلَى أَحَدٍ مِنْهُم دُوْنَ غَيْرِهِ، حَتَّى انْقَرَضُوا، وَخلاَ عصرُهُم، ثُمَّ حَدَّث مِثْلُ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيْعَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَكُلُّهُم يُفْتِي بِالمَدِيْنَةِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُم بِأَنْ ضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادَ الإِبِلِ، حَتَّى خَلاَ هَذَا العَصْرُ، فَلَمْ يَقعْ بِهِمُ التَّأْوِيْلُ فِي عَالِمِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. ثُمَّ حدَّثَ بَعْدَهُم مَالِكٌ، فَكَانَ مُفتِيْهَا، فَضُرِبَتْ إِلَيْهِ أَكبَادُ الإِبِلِ مِنَ الآفَاقِ، وَاعْتَرَفُوا لَهُ، وَرَوَتِ الأَئِمَّةُ عَنْهُ مِمَّنْ كَانَ أَقدمَ مِنْهُ سِنّاً، كَاللَّيْثِ عَالِمِ أَهْلِ مِصْرَ، وَالمَغْرِبِ، وَكَالأَوْزَاعِيِّ عَالِمِ أَهْلِ الشَّامِ وَمُفتِيْهِم، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ المُقَدَّمِ بِالكُوْفَةِ، وَشُعْبَةَ عَالِمِ أَهْلِ البَصْرَةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَمَلَ عَنْهُ قَبْلَهُم يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ حِيْنَ وَلاَّهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَضَاءَ القُضَاةِ، فَسَأَلَ مَالِكاً أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مائَةَ حَدِيْثٍ حِيْنَ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَمِنْ قَبْلُ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَمَلَ عَنْهُ. أَبُو مُصْعَبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى مِثَالٍ لَهُ -يَعْنِي: فَرْشِهِ- وَإِذَا عَلَى بِسَاطِه دَابَّتَانِ، مَا تَرُوثَانِ وَلاَ تَبُولاَنِ، وَجَاءَ صبِيٌّ يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَذَا ابْنِي، وَإِنَّمَا يَفزَعُ مِنْ هَيْبَتِكَ. ثُمَّ سَاءلَنِي عَنِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا حَلاَلٌ وَمِنْهَا حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَنْتَ -وَاللهِ- أَعقَلُ النَّاسِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ. قُلْتُ: لاَ وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ تَكتُمُ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ بَقِيْتُ، لأَكْتُبَنَّ قَوْلَكَ كَمَا تُكتَبُ المَصَاحِفُ، وَلأَبْعَثَنَّ بِهِ إِلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 الآفَاقِ، فَلأَحْمِلَنَّهم عَلَيْهِ (1) . الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ خَلَفِ بنِ عُمَرَ: سَمِعَ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَجَبتُ فِي الفَتْوَى حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي: هَلْ تَرَانِي مَوْضِعاً لِذَلِكَ؟ سَأَلْتُ رَبِيْعَةَ، وَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ. فَقُلْتُ: فَلَو نَهَوْكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَنْتَهِي، لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَبذُلَ نَفْسَه حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ (2) . قَالَ خَلَفٌ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَرَى (3) ؟ فَإِذَا رُؤْيَا بَعَثَهَا بَعْضُ إِخْوَانِه، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فِي مَسْجِدٍ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: إِنِّيْ قَدْ خَبَأْتُ تَحْتَ مِنْبَرِي طِيْباً أَوْ عِلْماً، وَأَمَرتُ مَالِكاً أَنْ يُفرِّقَهُ عَلَى النَّاسِ، فَانْصَرَفَ النَّاس وَهُم يَقُوْلُوْنَ: إِذاً يُنَفِّذُ مَالِكٌ مَا أَمرَهُ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ بَكَى، فَقُمْتُ عَنْهُ (4) . أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً، مَا حَدَّثْتُ بِهَا قَطُّ، وَلاَ أُحَدِّثُ بِهَا. نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ (5) : حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عُرْوَةَ، قَالَ: قَدِمَ المَهْدِيُّ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ -أَوْ قَالَ: بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ- ثُمَّ أَتَاهُ الرَّبِيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُحبُّ أَنْ تُعَادِلَهُ (6) إِلَى مَدِيْنَةِ   (1) أورده المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 209. (2) ذكره في الحلية 6 / 317. (3) نص الحلية: فقال لي: انظر ما ترى تحت مصلاي أو حصيري، فنظرت، فإذا أنا بكتاب، فقال: اقرأه. (4) " الحلية " 6 / 317. (5) نسبة إلى الجهاضمة، محلة بالبصرة. (6) أي تكون له عديلا في " المحمل " وتصاحبه في سفره إلى بغداد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 السَّلاَمِ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المَدِيْنَةُ خَيْرٌ لَهُم لَو كَانُوا يَعْلَمُوْنَ) وَالمَالُ عِنْدِي عَلَى حَالِهِ (1) . مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ المِخْرَاقِيُّ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: أَخَذَ رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ بِيَدِي، فَقَالَ: وَرَبِّ هَذَا المَقَامِ، مَا رَأَيْتُ عِرَاقِيّاً تَامَّ العَقْلِ، وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ ضَعِيْفَ العَقْلِ. يَاسِيْنُ بنُ عَبْدِ الأَحَدِ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ المُحَبِّرِ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: قَدِمَ المَهْدِيُّ المَدِيْنَةَ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لِهَارُوْنَ وَمُوْسَى: اسْمَعَا مِنْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمَا، فَأَعْلَمَا المَهْدِيَّ، فَكلَّمَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! العِلْمُ يُؤْتَى أَهْلُهُ. فَقَالَ: صَدَقَ مَالِكٌ، صِيْرَا إِلَيْهِ. فَلَمَّا صَارَا إِلَيْهِ، قَالَ لَهُ مُؤَدِّبُهُمَا: اقْرَأْ عَلَيْنَا. فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ يَقْرَؤُونَ عَلَى العَالِمِ، كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانُ عَلَى المُعَلِّمِ، فَإِذَا أَخْطَؤُوا، أَفْتَاهُم. فَرَجَعُوا إِلَى المَهْدِيِّ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكٍ، فَكلَّمَه، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُوْلُ: جَمَعْنَا هَذَا العِلْمَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رِجَالٍ، وَهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَعُرْوَةُ، وَالقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَخَارِجَةُ بنُ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، وَنَافِعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هُرْمُزَ، وَمِنْ بَعْدِهِم: أَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيْعَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، كُلُّ هَؤُلاَءِ يُقْرَأُ عَلَيْهِم،   (1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210، و" الانتفاء " ص 42، و" ترتيب المدارك " 1 / 210، ومقدمة الجرح والتعديل 1 / 32، وحديث: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 887، 888، والبخاري 4 / 78، 80، ومسلم (1388) من حديث سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وَلاَ يَقْرَؤُونَ. فَقَالَ: فِي هَؤُلاَءِ قُدْوَةٌ، صِيْرُوا إِلَيْهِ، فَاقْرَؤُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا. قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ هَارُوْنُ يُرِيْدُ الحجَّ، وَمَعَهُ يَعْقُوْبُ أَبُو يُوْسُفَ، فَأَتَى مَالِكٌ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَرَّبَهُ، وَأَكرَمَه، فَلَمَّا جَلَسَ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو يُوْسُفَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ فَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ عَادَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ هَارُوْنُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا قَاضِينَا يَعْقُوْبُ يَسْأَلُكَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، فَقَالَ: يَا هَذَا! إِذَا رَأَيتَنِي جَلَسْتُ لأَهْلِ البَاطِلِ فَتَعَالَ، أُجِبْكَ مَعَهُم (1) . السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: كُنَّا إِذَا دَخَلنَا عَلَى مَالِكٍ، خَرَجَ إِلَيْنَا مُزَيَّناً، مُكَحَّلاً، مُطَيَّباً، قَدْ لَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَتَصَدَّرَ الحَلْقَةَ، وَدَعَا بِالمَرَاوِحِ، فَأَعْطَى لِكُلٍّ مِنَّا مَرْوَحَةً. مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَأْتِي المَسْجِدَ، فَيَشهَدُ الصَّلَوَاتِ، وَالجُمُعَةَ، وَالجَنَائِزَ، وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، فَيَجتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُه، ثُمَّ تَرَكَ الجُلُوْسَ، فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنصَرِفُ، وَتَرَكَ شُهُوْدَ الجَنَائِزِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَالجُمُعَةَ، وَاحْتَمَلَ النَّاسُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَكَانُوا أَرغَبَ مَا كَانُوا فِيْهِ، وَرُبَّمَا كُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَيَقُوْلُ: لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذرِهِ (2) .   (1) أورد الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 210 من طريق الحاكم، عن علي بن عيسى الحيري، عن محمد بن إبراهيم العبدي، عن قتيبة، عن معن بن عيسى، قال شعيب: إن صح هذا القول عن إمام دار الهجرة ولا إخاله يصح فإن ذلك يعد هفوة منه رحمه الله في حق كبير القضاة الذي انعقدت الخناصر من الموافق والمخالف على إمامته في الفقه، وبراعته في الحفظ، وثقة مروياته، وسعة اطلاعه، واستقامه سيرته، وللمؤلف جزء في ترجمة هذا الامام مطبوع، سرد فيه جملة صالحة من مناقبه، وثناء الأئمة عليه، فراجعه. (2) الخبر في " طبقات ابن سعد " وابن خلكان في " الوفيات " 4 / 136، وعلق عليه كما = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ لَهُ، وَنَمَارِقَ (1) مَطْرُوْحَةٍ فِي مَنْزِلِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِمَنْ يَأْتِيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ وَالنَّاسِ. وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلمٍ (2) . قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً مَهِيْباً، نَبِيْلاً، لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ، وَلاَ رَفْعُ صَوْتٍ، وَكَانَ (3) الغُربَاءُ يَسْأَلُوْنَهُ عَنِ الحَدِيْثِ، فَلاَ يُجِيْبُ إِلاَّ فِي الحَدِيْثِ بَعْدَ الحَدِيْثِ. وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبٌ (4) ، يَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ أَحَدٌ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ يَسْتَفِهِمُ هَيْبَةً لِمَالِكٍ، وَإِجْلاَلاً لَهُ، وَكَانَ حَبِيْبٌ إِذَا قَرَأَ فَأَخطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً (5) . ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَكْثَرَ أَحَدٌ قَطُّ، فَأَفلَحَ. حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ لِي مَالِكٌ: العِلْمُ يَنْقُصُ وَلاَ يَزِيْدُ، وَلَمْ يَزَلِ العِلْمُ يَنْقُصُ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالكُتُبِ.   = وجد بخطه بقوله: وإنما كان تخلفه عن المسجد، لأنه سلس بوله، فقال عند ذلك: لا يجوز أن أجلس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا على غير طهارة، فيكون ذلك استخفافا. (1) جمع نمرقة: الوسادة. (2) في " ترتيب المدارك ": وعلم. (3) في الأصل: " كانوا " وسيأتي الخبر قريبا بلفظ " كان " كما أثبتنا. (4) هو أبو محمد حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك بن أنس، قال عنه الامام أحمد: ليس بثقة، وقال ابن معين: كان حبيب يقرأ على مالك، وكان يخطرف (يسرع) بالناس يصفح ورقتين ثلاثا. قال يحيى: وكان يحيى بن بكير سمع من مالك بعرض حبيب، وهو شر العرض، واتهمه أبو داود بالكذب، وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، وقال النسائي: أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره. قال القاضي عياض في " الالماع " ص 77: ولهذه العلة لم يخرج البخاري من حديث يحيى بن بكير عن مالك إلا القليل، وأكثر عنه، عن الليث، وقالوا: لان سماعه كان بقراءة حبيب، وقد أنكر هو ذلك. (5) " ترتيب المدارك " 1 / 153، 154، و" الانتفاء " ص 41. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 أَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ المَقْدِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيُّ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ عَلَى مَلِكٍ مِنْ هَؤُلاَءِ المُلُوْكِ، حَتَّى أَصِلَ إِلَيْهِ، إِلاَّ نَزَعَ اللهُ هَيْبَتَه مِنْ صَدْرِي. حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: أَعْلَمُ أَنَّهُ فَسَادٌ عَظِيْمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ. هَارُوْنُ بنُ مُوْسَى الفَرْوِيُّ: سَمِعْتُ مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَقُوْلُ: سَأَلَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ مَالِكاً - وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ بَنُوْهُ - أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِم. قَالَ: مَا قَرَأتُ عَلَى أَحَدٍ مُنْذُ زَمَانٍ، وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عَلَيَّ. فَقَالَ: أَخرِجِ النَّاسَ حَتَّى أَقَرَأَ أَنَا عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِذَا مُنِعَ العَامُّ لِبَعْضِ الخَاصِّ، لَمْ يَنْتَفِعِ الخَاصُّ. وَأَمَرَ مَعْنَ بنَ عِيْسَى، فَقَرَأَ عَلَيْهِ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لِي: قِرَّ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى السَّرِيْرِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. وَكَانَ لاَ يُفْتِي حَتَّى يَقُوْلَهَا. ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا تَعلَّمْتُ العِلْمَ إِلاَّ لِنَفْسِي، وَمَا تَعلَّمتُ لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَيَّ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّاسُ. إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَشْهَدْ مَالِكٌ الجَمَاعَةَ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ أَرَى مُنْكَراً، فَأَحْتَاجُ أَنْ أُغَيِّرَهُ. إِبْرَاهِيْمُ الحِزَامِيُّ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيَّ؟ قُلْتُ: أَمَّا الصَّدِيْقُ فَيُثْنِي، وَأَمَّا العَدُوُّ فَيَقعُ. فَقَالَ: مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 زَالَ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَلَكِن نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ تَتَابُعِ الأَلسِنَةِ كُلِّهَا (1) . أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ (2) : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: سَأَلَ سَنْدَلٌ (3) مَالِكاً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مِنَ النَّاسِ، أَحْيَاناً تُخطِئُ، وَأَحْيَاناً لاَ تُصِيْبُ. قَالَ: صَدَقتَ، هَكَذَا النَّاسُ. فَقِيْلَ لِمَالِكٍ: لَمْ تَدرِ مَا قَالَ لَكَ؟ فَفَطِنَ لَهَا، وَقَالَ: عَهِدتُ العُلَمَاءَ، وَلاَ يَتَكَلَّمُوْنَ بِمِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا أُجِيْبُه عَلَى جَوَابِ النَّاسِ. حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ الدِّيْنِ بِشَيْءٍ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الهَاشِمِيُّوْنَ، فَيُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ - عَصَمَنِي اللهُ مِنْ ذَلِكَ -. الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ القَاسِمِ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: لِمَ لَمْ تَأْخُذْ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ؟ قَالَ: أَتَيْتُهُ، فَوَجَدتُهُ يَأْخذُوْنَ عَنْهُ قِيَاماً، فَأَجْلَلْتُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ آخُذَهُ قَائِماً. إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، وَغَيْرُهُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: سَفِيْهٍ يُعلِنُ السَّفَهَ، وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَصَاحِبِ بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَى هَوَاهُ، وَمَنْ يَكْذِبُ فِي حَدِيْثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَتَّهِمُهُ فِي   (1) أورده في " الحلية " 6 / 321. (2) نسبة إلى الرباط: اسم لموضع رباط الخيل وملازمة أصحابها الثغر لحفظه من عدو الإسلام، فيقال لفاعل ذلك: مرابط وإنما قيل له: الرباطي، لان كان على الرباط وعمارته، وتولي الاوقاف التي له. (3) سندل: لقب عمر بن قيس المكي، تركه أحمد والنسائي والدارقطني وقال يحيى بن معين ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد أيضا: أحاديث بواطيل، والخبر أورده المؤلف في " ميزانه " بنحوه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 الحَدِيْثِ، وَصَالِحٍ عَابِدٍ فَاضِلٍ، إِذَا كَانَ لاَ يَحْفَظُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ. أَصْبَغُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ - وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ أَهْلِ البِدَعِ القَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِم - فَقَالَ: لاَ أَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَهُم. قِيْلَ: فَالجُمُعَةَ؟ قَالَ: إِنَّ الجُمُعَةَ فَرِيْضَةٌ، وَقَدْ يُذْكَرُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ. فَقِيْلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِنِ اسْتَيْقَنْتُ، أَوْ بَلَّغَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَلَيْسَ لاَ أُصَلِّي الجُمُعَةَ خَلْفَهُ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنْتَ. كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: إِنْ لَمْ يَسْتَيقِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنَ الصَّلاَةِ خَلْفَهُ. أَبُو يُوْسُفَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا أَهْلَ المَشْرِقِ، فَأَنْزِلُوْهُم بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الكِتَابِ إِذَا حَدَّثُوكُم، فَلاَ تُصَدِّقُوهُم، وَلاَ تُكَذِّبُوهُم. ثُمَّ الْتَفَتَ، فَرَآنِي، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَكرَهُ أَنْ تَكُوْنَ غِيبَةً، هَكَذَا أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنَ الإِمَامِ قَالَهُ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِنَاءٌ بِأَحْوَالِ بَعْضِ القَوْمِ، وَلاَ خَبَرَ تَرَاجِمَهِم، وَهَذَا هُوَ الوَرَعُ، أَلاَ تَرَاهُ لَمَّا خَبَرَ حَالَ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ العِرَاقِيِّ كَيْفَ احْتَجَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُم (1) . وَأَهْلُ العِرَاقِ كَغَيْرِهِم، فِيْهِمُ الثِّقَةُ الحُجَّةُ، وَالصَّدُوقُ، وَالفَقِيْهُ، وَالمُقْرِئُ، وَالعَابِدُ، وَفِيْهِمُ الضَّعِيْفُ، وَالمَتْرُوكُ، وَالمُتَّهَمُ، وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) شَيْءٌ كَثِيْرٌ جِدّاً مِنْ رِوَايَةِ العِرَاقِيِّينَ - رَحِمَهُمُ اللهُ -. وَفِيْهِم مِنَ التَّابِعِيْنَ كَمِثْلِ: عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبِيْدَةَ، وَالحَسَنِ،   (1) يقول مالك فيما رواه عنه حمزة، كما في " إسعاف " المبطأ ": إنما كانت العراق تجش علينا بالدراهم والثياب، ثم صارت تجيش علينا بالعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ، ثُمَّ الحَكَمِ، وَقَتَادَةَ، وَمَنْصُوْرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ عَوْنٍ، ثُمَّ مِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَخَلاَئِقَ أَضْعَافِهِم - رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ -. وَهَذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنِ النَّجَّادِ، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنِ الصَّيْدَلاَنِيِّ. صِفَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ عَنْ عِيْسَى بنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ بَيَاضاً، وَلاَ حُمْرَةً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِ مَالِكٍ، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضِ ثَوْبٍ مِنْ مَالِكٍ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ (1) : أَنَّهُ كَانَ طُوَالاً، جَسِيْماً، عَظِيْمَ الهَامَةِ، أَشقَرَ، أَبْيَضَ الرَّأسِ وَاللِّحْيَةِ، عَظِيْمَ اللِّحْيَةِ، أَصلَعَ، وَكَانَ لاَ يُحْفِي شَارِبَه (2) ، وَيَرَاهُ مُثْلَةً. وَقِيْلَ: كَانَ أَزْرَقَ العِيْنَ، رَوَى بَعْضُ ذَلِكَ: ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ الحِزَامِيُّ: كَانَ مَالِكٌ نَقِيَّ الثَّوْبِ، رَقِيْقَهُ، يُكثِرُ اخْتِلاَفَ اللَّبُوسِ. وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ مَالِكٌ يَلْبَسُ البَيَاضَ، وَرَأَيْتُهُ وَالأَوْزَاعِيَّ يَلْبَسَانِ السِّيجَانَ (3) . قَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ، جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، وَيُسْدِلُ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.   (1) وانظر الديباج المذهب: ص 18. (2) أي لا يبالغ في قصة، وانظر " زاد المعاد " 1 / 178 - 182. (3) السيجان: الطيالسة السود أو الخضر، واحدها ساج. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 وَقَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: رَأَيْتُ عَلَى مَالِكٍ طَيْلَسَاناً وَثِيَاباً مَرْويَّةً جِيَاداً. وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ لِلضَّرُوْرَةِ، جَلَسَ فِي بَيْتِهِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ: كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ العَدَنِيَّةَ، وَيَتَطَيَّبُ. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثاً أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْ مَالِكٍ. وَقِيْلَ: كَانَ شَدِيْدَ البَيَاضِ إِلَى صُفْرَةٍ، أَعْيَنَ (1) ، أَشَمَّ (2) ، كَانَ يُوَفِّرُ سَبَلَتَهُ (3) ، وَيَحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ شَارِبَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: رَأَيْتُ مَالِكاً خَضَبَ بِحِنَّاءٍ مَرَّةً. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَجْلاَهُم عَيْناً، وَأَنْقَاهُم بَيَاضاً، وَأَتَمِّهُم طُوْلاً، فِي جَوْدَةِ بَدَنٍ. وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: كَانَ رَبْعَةً، لَمْ يَخْضِبْ، وَلاَ دَخَلَ الحَمَّامَ. وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ طَيْلَسَاناً يُسَاوِي خَمْسَ مائَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ جَنَاحَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالمُلُوْكِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا اعْتَمَّ، جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ حَنَكِه، وَأَرْسَلَ طَرَفهَا خَلْفَهُ، وَكَانَ يَتَطَيَّبُ بِالمِسْكِ وَغَيْرِه. وَقَدْ سَاقَ القَاضِي عِيَاضٌ (4) مِنْ وُجُوْهٍ: حُسْنَ بَزَّةِ الإِمَامِ وَوُفُورَ تَجَمُّلِهِ.   (1) يقال: إنه أعين: إذا كان ضخم العين واسعها. (2) الشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء في أعلاه، وإشراف الارنبة قليلا، فإن كان فيها احديداب، فهو القنا. (3) السبلة: ما على الشفة العليا من الشعر، يجمع الشاربين وما بينهما. (4) في " ترتيب المدارك " 1 / 113، 116. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 فِي نَسَبِ مَالِكٍ اخْتِلاَفٌ (1) : مَعَ اتِّفَاقِهِم عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ أَصْبَحِيٌّ، فَقِيْلَ فِي جَدِّهِ الأَعْلَى: عَوْفُ بنُ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ نَبْتِ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ سَبَأِ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ، وَإِلَى قَحْطَانَ جِمَاعُ اليَمَنِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الأَصْبَحِيِّينَ مِنْ حِمْيَرٍ، وَحِمْيَرٌ فَمِنْ قَحْطَانَ. نَعَمْ، وَغَيْمَانُ فِي نَسَبِهِ المَشْهُوْرِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِآخِرِ الحُرُوْفِ عَلَى المَشْهُوْرِ. وَقِيْلَ: عُثْمَانُ عَلَى الجَادَّةِ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ. وَخُثَيْلٌ: بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ بِمُثَلَّثَةٍ. قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: جُثَيْلٌ: بِجِيْمٍ، ثُمَّ بِمُثَلَّثَةٍ. وَقِيْلَ: حَنْبَلٌ. وَقِيْلَ: حِسْلٌ، وَكِلاَهُمَا تَصْحِيْفٌ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي نَسَبِ ذِي أَصْبَحَ، اخْتِلاَفاً كَثِيْراً. مَوْلِدُهُ تَقدَّمَ أَنَّهُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَغَيْرُه. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَعُمَارَةُ بنُ وَثِيْمَةَ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ شَاذٌّ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: ذُو أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مَالِكاً وَآلَهُ مَوَالِي بَنِي تَيْمٍ، فَأَخْطَأَ، وَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى سَبَبٍ فِي تَكْذِيبِ الإِمَامِ مَالِكٍ لَهُ، وَطَعْنِهِ عَلَيْهِ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ إِمَاماً فِي نَقْدِ الرِّجَالِ، حَافِظاً، مُجَوِّداً، مُتْقِناً. قَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ   (1) انظر " جمهرة أنساب العرب " 1 / 435، 436، و" الوفيات " 4 / 138، و" ترتيب المدارك " 1 / 102، 107. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً، لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي. فَهَذَا القَوْلُ يُعْطِيْكَ بِأَنَّهُ لاَ يَرْوِي إِلاَّ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ كُلِّ الثِّقَاتِ، ثُمَّ لاَ يَلْزَمُ مِمَّا قَالَ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ - وَهُوَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ - أَنْ يَكُوْنَ ثِقَةً عِنْد بَاقِي الحُفَّاظِ، فَقَدْ يَخفَى عَلَيْهِ مِنْ حَالِ شَيْخِه مَا يَظْهَرُ لِغَيْرِه، إِلاَّ أَنَّهُ بِكُلِّ حَالٍ كَثِيْرُ التَّحَرِّي فِي نَقْدِ الرِّجَالِ -رَحِمَهُ اللهُ-. ابْنُ البَرْقِيِّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ كِنَانَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْنَا الشَّيْخُ، فَيُحُدِّثُ جُلَّ نَهَارِه، مَا نَأخُذُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَمَا بِنَا أَنْ نَتَّهِمَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ. إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا عَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ بِبِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ، فَأَعَدتُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ، فَأَتَيْنَاهُ وَمَعَنَا رَبِيْعَةُ، فَحَدَّثَنَا بِنَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: انْظُرُوا كِتَاباً حَتَّى أُحَدِّثَكُم مِنْهُ، أَرَأَيتُم مَا حَدَّثتُكُم بِهِ أَمْسُ، أَيْش فِي أَيْدِيكُم مِنْهُ؟ فَقَالَ رَبِيْعَةُ: هَا هُنَا مَنْ يَردُّ عَلَيْكَ مَا حَدَّثتَ بِهِ أَمْسُ (1) . قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي عَامِرٍ. قَالَ: هَاتِ. فَسَرَدَ لَهُ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْهَا. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَحفَظُ هَذَا غَيْرِي.   (1) في الأصل: أنس وهو تصحيف، والتصويب من " تهذيب الكمال " و" تذهيب التهذيب " للمؤلف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 قَالَ البُخَارِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ: لِمَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: أَرَادَ مَا اشْتُهِرَ لَهُ فِي (المُوَطَّأِ) وَغَيْرِه، وَإِلاَّ فَعِنْدَهُ شَيْءٌ كَثِيْرٌ، مَا كَانَ يَفْعَلُ أَنْ يَرْوِيَهُ (1) . وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: رَحِمَ اللهُ مَالِكاً، مَا كَانَ أَشَدَّ انْتِقَادَهُ لِلرِّجَالِ (2) . ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا نَحْنُ عِنْدَ مَالِكٍ، إِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ آثَارَ مَالِكٍ، وَنَنظُرُ الشَّيْخَ، إِنْ كَانَ كَتَبَ عَنْهُ مَالِكٌ، كَتَبنَا عَنْهُ. وَرَوَى: طَاهِرُ بنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يُبَلِّغُ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ صَحِيْحاً، وَلاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، مَا أَرَى المَدِيْنَةَ إِلاَّ سَتَخْرَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ -يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ-. الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ - وَذَكَرَ حَدِيْثاً - فَقَالُوا: يُخَالِفُكَ فِيْهِ مَالِكٌ. فَقَالَ: أَتَقْرِنُنِي بِمَالِكٍ؟ مَا أَنَا وَهُوَ إِلاَّ كَمَا قَالَ جَرِيْرٌ (3) :   (1) جاء في مناقب الشافعي ص 199 لابن أبي حاتم: قال الشافعي: قيل لمالك بن أنس: إن عند ابن عيينة عن الزهري أشياء ليست عندك؟ فقال مالك: وأنا كل ما سمعت من الحديث أحدث به؟ انا إذن أريد أن أظلمهم. ورواه أبو نعيم في " الحلية " 6 / 322 بنحوه. (2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 23، وفي " الحلية " 6 / 322 عن علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: كان مالك ينتقي الرجال ولا يحدث عن كل أحد، قال علي: ومالك أمان فيمن حدث عنه من الرجال. (3) ديوانه: 231 من قصيدة يهجو التيم، ومطلعها: حي الهدملة من ذات المواعيس * فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس وهو من شواهد سيبويه 1 / 265، و" المقتضب " 4 / 46، 320، و" الجمل " للزجاجي ص 192، واللسان: (لبن، لز، قعس) ، والمغني 1 / 75. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 وَابْنُ اللَّبُوْنِ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيْسِ (1) ثُمَّ قَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ القَرِيْنَانِ، وَلَوْلاَ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَازِ. وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَغَيْرُه: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ بَعْدَ مَوْتِ نَافِعٍ بِسَنَةٍ، وَلِمَالِكِ بنِ أَنَسٍ حَلْقَةٌ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ لِمَالِكٍ حَلْقَةٌ فِي حَيَاةِ نَافِعٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: سَأَلْتُ المُغِيْرَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ المَاجَشُوْنِ، فَرَفَعَ مَالِكاً، وَقَالَ: مَا اعْتَدَلاَ فِي العِلْمِ قَطُّ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي وُهَيْبٌ - وَكَانَ مِنْ أَبصَرِ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ - أَنَّهُ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، قَالَ: فَلَمْ أَرَ أَحَداً إِلاَّ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ إِلاَّ مَالِكاً، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ (2) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ فِي صِحَّةِ الحَدِيْثِ أَحَداً. وَقَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: قُلْتُ لأَبِي الأَسْوَدِ: مَنْ لِلرَّأيِ بَعْدَ رَبِيْعَةَ بِالمَدِيْنَةِ؟ قَالَ: الغُلاَمُ الأَصْبَحِيُّ (3) .   (1) ابن اللبون: ما أوفى على ثلاث سنين، لز: ربط. القرن: الحبل الذي يشد به البعيران ونحوهما فيقرنان معا، والبزل: جمع بازل: البعير الذي دخل في السنة التاسعة، والقناعيس: جمع قنعاس: الجمل العظيم الجسم، الشديد القوة، قال البغدادي: ضربه مثلا لمن يعارضه ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض معه قصر عن عدوته. (2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 13 و14. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 129. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: لَوْلاَ أَنِّي أَدْرَكتُ مَالِكاً وَاللَّيْثَ، لَضَلَلْتُ. هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ ذَكَرَ اخْتِلاَفَ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي لَقِيْتُ مَالِكاً، لَضَلَلْتُ (1) . وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا فِي القَوْمِ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ مَالِكٍ، كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ. قَالَ: وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ (2) : أَقَمْتُ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَكَسْراً، وَسَمِعْتُ مِنْ لَفْظِه أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ حَدِيْثٍ، فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ مَالِكٍ امْتَلأَ مَنْزِلُهُ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِه مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ، لَمْ يَجِئْهُ إِلاَّ اليَسِيْرُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَالِكٌ مُعَلِّمِي، وَعَنْهُ أَخَذْتُ العِلْمَ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ إِذَا شَكَّ فِي حَدِيْثٍ طَرَحَهُ كُلَّهُ. أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَعْدٍ،   (1) الخبر في " ترتيب المدارك " 1 / 141، بلفظ: " لولا أن الله استنقذنا بمالك والليث لضللنا ". (2) هو الامام المجتهد، صاحب التصانيف السائرة في الفقه والحديث، صاحب أبي حنيفة وتلميذه، وراوي " الموطأ " عن الامام مالك، وقد سمعه منه كله، وضمنه زيادات كثيرة، ليست في غيره من الموطآت التي رواها غيره من الأئمة عن مالك، ولمحمد فيه اجتهادات كثيرة، خالف فيها مالكا وأبا حنيفة وأصحابه، يعبر عنها بقوله: وبه نأخذ، وعليه الفتوى، وبه يفتى، وعليه الاعتماد، وعليه عمل الأمة، وهذا الصحيح، وهو الاشهر، ونحو ذلك، وهو يعد بحق مصدرا من المصادر الأصلية الوثيقة لفقه أهل المدينة والعراق، انظر " مقدمة اللكنوي " لشرح " الموطأ " وسترد ترجمة محمد بن الحسن في الجزء التاسع من هذا الكتاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: صَاحِبُنَا أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِكُم - يُرِيْدُ: أَبَا حَنِيْفَةَ وَمَالِكاً - وَمَا كَانَ لِصَاحِبِكُم أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَمَا كَانَ لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسكُتَ. فَغَضِبْتُ، وَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللهَ مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، مَالِكٌ أَوْ صَاحِبُكُم؟ فَقَالَ: مَالِكٌ، لَكِنْ صَاحِبُنَا أَقْيَسُ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوْخِه، وَبِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ أَوْلَى بِالكَلاَمِ (1) . قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: ذَاكَرْتُ يَوْماً مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، وَدَارَ بَيْنَنَا كَلاَمٌ وَاخْتِلاَفٌ، حَتَّى جَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَى أَوْدَاجِه تَدِرُّ، وَأَزْرَارِهِ تَتَقَطَّعُ، فَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، تَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْتُ: وَكَانَ عَالِماً باخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ. وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ (2) . يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً - وَقَالَ لَهُ ابْنُ القَاسِمِ: لَيْسَ بَعْدَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالبُيُوْعِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا أَنَا، فَكَيْفَ يَعْلَمُوْنَهَا بِي؟   (1) " الانتقاء " ص 24، 25 و" حلية الأولياء " 6 / 329 و" مناقب الشافعي " ص 201. (2) مقدمة " الجرح والتعديل " 1 / 31. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: جُنَّةُ العَالِمِ: (لاَ أَدْرِي) ، فَإِذَا أَغفَلَهَا أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ (1) . قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَتْ حَلْقَةُ مَالِكٍ فِي زَمَنِ رَبِيْعَةَ مِثْلَ حَلْقَةِ رَبِيْعَةَ وَأَكْبَرَ، وَقَدْ أَفْتَى مَعَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ. الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعتُ التَّحوِيلَ عَنْ مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ، جَلَسْتُ أَنَا وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا قَامَ رَبِيْعَةُ، عَدَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، تَلعَبُ بِنَفْسِك زَفَنْتَ (2) ، وَصَفَّقَ لَكَ سُلَيْمَانُ، بَلَغتَ إِلَى أَنْ تَتَّخِذَ مَجْلِساً لِنَفْسِكَ؟! ارْجِعْ إِلَى مَجْلِسِكَ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، فَأَجَابَ فِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْهَا بِـ: لاَ أَدْرِي. وَعَنْ خَالِدِ بنِ خِدَاشٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ بِأَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، فَمَا أَجَابَنِي مِنْهَا إِلاَّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِّثَ جُلَسَاءهُ قَوْلَ: (لاَ أَدْرِي) ، حَتَّى يَكُوْنَ ذَلِكَ أَصْلاً يَفْزَعُوْنَ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: صَحَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ: (لاَ أَدْرِي) نِصْفُ العِلْمِ (3) .   (1) " الانتقاء " ص 37. (2) زفنت: يقال زفن، يزفن بكسر العين: رقص. (3) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 144، 152. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ مَالِكاً وَاللَّيْثَ يَخْتَلِفَانِ، فَبِأَيِّهُمَا آخُذُ؟ قَالَ: (مَالِكٌ، مَالِكٌ (1)) . أَشْهَبُ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَيْتُهُ يَخطُبُ، إِذْ أَقْبَلَ مَالِكٌ، فَلَمَّا أَبصرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِلَيَّ، إِلِيَّ) . فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَسَلَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ مِنْ خِنْصَرِهِ، فَوَضَعَهُ فِي خِنْصَرِ مَالِكٍ. مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادٍ (2) الزُّهْرِيُّ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَالَ لِي المَهْدِيُّ: ضَعْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كِتَاباً أَحْمِلُ الأُمَّةَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَمَّا هَذَا الصُّقْعُ - وَأَشَرتُ إِلَى المَغْرِبِ - فَقَدْ كُفِيْتَهُ، وَأَمَّا الشَّامُ، فَفِيْهُم مَنْ قَدْ عَلِمتَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ- وَأَمَّا العِرَاقُ، فَهُم أَهْلُ العِرَاقِ (3) . ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَمَّا حَجَّ المَنْصُوْرُ، دَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَحَادَثْتُه، وَسَأَلَنِي، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: عَزمتُ أَنْ آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ -يَعْنِي: (المُوَطَّأَ) - فَتُنسَخَ نُسَخاً، ثُمَّ أَبعَثَ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ المُسْلِمِيْنَ بِنُسخَةٍ، وَآمُرَهُم أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيْهَا، وَيَدَعُوا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ العِلْمِ المُحْدَثِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَصْلَ العِلْمِ رِوَايَةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ وَعِلْمُهُم. قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ سِيقَتْ إِلَيْهِم أَقَاوِيْلُ، وَسَمِعُوا أَحَادِيْثَ، وَرَوَوْا رِوَايَاتٍ، وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا سِيقَ إِلَيْهِم، وَعَمِلُوا بِهِ، وَدَانُوا بِهِ، مِنِ اخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهم، وَإِنَّ رَدَّهُم عَمَّا اعْتَقَدُوْهُ شَدِيْدٌ، فَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَمَا اخْتَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ   (1) الانتقاء: 38. (2) في الأصل " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال " و" لسان الميزان ". (3) ذكره ابن عبد البر في " الانتقاء " ص 40، والقاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 193. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 لأَنْفُسِهِم. فَقَالَ: لَعَمْرِي، لَوْ طَاوَعْتَنِي لأمَرتُ بِذَلِكَ (1) . قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِسْكِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالاَ: سَمِعْنَا مَالِكاً يَذْكُرُ دُخُوْلَهُ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَقَوْلَهُ فِي انْتِسَاخِ كُتُبِهِ، وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوْبِ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا اعْتَقَدُوْهُ وَعَمِلُوا بِهِ، وَرَدُّ العَامَّةِ عَنْ مِثْلِ هَذَا عَسِيْرٌ. قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ وَنَمَارِقَ مَطْرُوْحَةٍ يَمنَةً وَيَسرَةً فِي سَائِرِ البَيْتِ لِمَنْ يَأْتِي، وَكَانَ مَجْلِسُه مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلْمٍ، وَكَانَ مَهِيْباً، نَبِيْلاً، لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ المِرَاءِ وَاللَّغَطِ، وَكَانَ الغُربَاءُ يَسْأَلونُهُ عَنِ الحَدِيْثِ بَعْدَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِم، فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ: حَبِيْبٌ، قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ، وَيَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ، فَإِذَا أَخْطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيْلاً (2) . أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ لِي مَالِكٌ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ذَهَبَ النَّاسُ، لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ، وَعُوْفِيْتُ، فَلَمْ أُقَبِّلْ لَهُ يَداً (3) . المِحْنَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: كَانَ مَالِكٌ قَدْ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فَحَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ مَرْوَانَ   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 192، 193. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 153، و" الانتقاء " ص 41، و" الديباج المذهب " 1 / 108. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 208. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 الطَّاطَرِيِّ: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَهَى مَالِكاً عَنِ الحَدِيْثِ: (لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ (1)) ، ثُمَّ دَسَّ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَحَدَّثَهُ بِهِ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، فَضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ (2) . وَحَدَّثَنَا العَبَّاسُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادٍ (3) : أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَالِكٍ إِذَا أُقِيْمَ مِنْ مَجْلِسِهِ، حَمَلَ يَدَهُ بِالأُخْرَى. ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، قَالَ: لَمَّا دُعِيَ مَالِكٌ، وَشُوْوِرَ، وَسُمِعَ مِنْهُ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ، حُسِدَ، وَبَغَوْهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المَدِيْنَةَ، سَعَوْا بِهِ إِلَيْهِ، وَكَثَّرُوا عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالُوا: لاَ يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُم هَذِهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتِ بنِ الأَحْنَفِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوْزُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَغَضِبَ جَعْفَرٌ، فَدَعَا بِمَالِكٍ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رُفِعَ إِلَيْهِ عَنْهُ، فَأَمَرَ بِتَجرِيْدِه، وَضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ، وَجُبِذَتْ يَدُهُ حَتَّى انْخَلَعَتْ مِنْ   (1) لم يرد في المرفوع، وإنما هو موقوف على ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 5 / 48 من طريق هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق " ورجاله ثقات، وعلقه البخاري 9 / 343 في الطلاق، ولفظه: وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز. وقال الحافظ: وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، جميعا عن هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق. والمضطهد: المغلوب المقهور، وثمة آثار في عدم وقوع طلاق المكره عن عمر، وابن عمر، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وعطاء، والضحاك، ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه 5 / 48، 49. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 228، و" وفيات الأعيان " 4 / 137، و" الانتقاء " 43. وجاء في " تاريخ الطبري " 7 / 560: وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان الحكمي أخو الانصار، قال: أخبرني غير واحد أن مالك بن أنس استفتي في الخروج مع محمد، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته. (3) في الأصل: " جماز " والتصويب من " ميزان الاعتدال " و" لسان الميزان ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 كَتِفِهِ، وَارتُكِبَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، فَوَاللهِ مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدُ فِي رِفْعَةٍ وَعُلُوٍّ. قُلْتُ: هَذَا ثَمَرَةُ المِحْنَةِ المَحْمُوْدَةِ، أَنَّهَا تَرفَعُ العَبْدَ عِنْدَ المُؤْمِنِيْنَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهِيَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْنَا، وَيَعْفُو اللهُ عَنْ كَثِيْرٍ: (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً، يُصِبْ مِنْهُ (1)) . وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ قَضَاءِ المُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ (2)) . وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِيْنَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِيْنَ} [مُحَمَّدٌ: 31] . وَأَنْزَلَ -تَعَالَى- فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ قَوْلَهُ: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيْبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا، قُلْتُمْ: أَنَّى هَذَا؟ قُلْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم} [آلُ عِمْرَانَ: 165] . وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيْرٍ} [الشُّوْرَى: 30] . فَالمُؤْمِنُ إِذَا امْتُحِنَ صَبَرَ وَاتَّعَظَ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِذَمِّ مِنِ انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاللهُ حَكَمٌ مُقْسِطٌ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللهَ عَلَى سَلاَمَةِ دِيْنِه، وَيَعْلَمُ أَنَّ عُقُوْبَةَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ وَخَيْرٌ لَهُ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَلَّفَ فِي مَنَاقِبِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ (3) المَالِكِيُّ، لَهُ فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ فِهْرٍ المِصْرِيُّ (4) ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ القَاضِي، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ الحَافِظُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو عُلاَثَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَسَّانَ،   (1) أخرجه البخاري 10 / 94 في أول كتاب المرضى من حديث أبي هريرة، وأكثر العلماء ضبطوا الصاد بالكسر، والفاعل هو الله، قال أبو عبيد الهروي: معناه: يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها. (2) قطعة من حديث أخرجه أحمد في " مسنده " 5 / 24 من حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له " وسنده جيد. (3) هو محمد بن أحمد بن عمر التستري المتوفى سنة خمس وأربعين وثلاث مئة، مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 193، 194. (4) هو علي بن الحسين بن محمد بن العباس فقيه مالكي مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 104. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 وَابْنُ حَبِيْبٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الجَارُوْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ رِشْدِيْنَ، وَأَبُو عَمْرٍو المُغَامِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّرَابُ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ مُنْتَابٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ شَعْبَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ اليَقْطِيْنِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ الجَبَّانِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ رَوْزَبَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الزَّنْكَانِيُّ (2) ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَورِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو الفَضْلِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ اللَّبَّادِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي زَيْدٍ، وَالحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَأَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَزْمٍ الصَّدَفِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ نَصْرٍ، وَابْنُ الإِمَامِ التُّطَيْلِيُّ، وَابْنُ حَارِثٍ القَرَوِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ، وَأَبُو مَرْوَانَ بنُ أَصْبَغَ (3) . وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ كِتَاباً كَبِيْراً فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهم عَنْهُ. قُلْتُ: وَلِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ تَرْجَمَةٌ طُوْلَى فِي (الحِلْيَة) لِمَالِكٍ. وَمِمَّنْ أَلَّفَ فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ: الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُفَرِّجٍ، وَالإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي دُلَيْمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ البَكْرِيُّ.   (1) بضم الميم، وفتح الغين، وبعد الالف ميم ثانية، هذه النسبة إلى مغامة: وهي مدينة بالاندلس، واسمه يوسف بن يحيى بن يوسف الأزدي من أهل قرطبة، توفي سنة 288 هـ. مترجم في " جذوة المقتبس " ص 373، و" نفح الطيب " 2 / 520. (2) كذا في الأصل، وفي " الديباج المذهب ": 2 / 183، البرنكاني، ويقال البركاني، وهو محمد بن أحمد بن سهل القاضي البصري المتوفى سنة تسع عشر وثلاث مئة. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 44، 45، وذكر القاضي عياض أن معوله في تأليفه " ترتيب المدارك " كان على كتابي التستري، والضراب، وتلقط من غيرهما ما فيه زيادة فائدة أو نادرة لم تقع فيهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 قَالَ عِيَاضٌ: وَاسْتَقْصَيْنَا كِتَابَنَا هَذَا فِي أَخْبَارِ مَالِكٍ مِنْ تَصَانِيْفِ المُحَدِّثِيْنَ: كَكُتُبِ البُخَارِيِّ، وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَوَكِيْعٍ القَاضِي، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالصُّوْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ كَامِلٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ يُوْنُسَ الصَّدَفِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الكِنْدِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الصَّدَفِيِّ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حَارِثٍ القَرَوِيِّ، وَأَبِي العَرَبِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بنِ الرَّفِيْقِ الكَاتِبِ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ البَصْرِيِّ فِي القُرَوِيِّينَ، وَتَارِيْخِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَالِكِيِّ فِي القُرَوِيِّينَ. وَتَوَارِيْخِ الأَنْدَلُسِ: كَكِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ البَرِّ، وَكِتَابِ (الاحْتِفَالِ) لأَبِي عُمَرَ بنِ عَفِيْفٍ، وَ (الانْتِخَابِ) لأَبِي القَاسِمِ بنِ مُفَرِّجٍ، وَتَارِيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الفَرَضِيِّ، وَتَوَارِيْخِ أَبِي مَرْوَانَ، وَابْنِ حَيَّان، وَالرَّازِيِّ، وَكِتَابِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُظَاهِرٍ (1) . وَمَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ (تَارِيْخ الخَطِيْبِ) فِي البَغْدَادِيِّينَ، وَكِتَابِ أَبِي نَصْرٍ الأَمِيْرِ (2) ، وَطَبَقَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيِّ، وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ فِي الأَئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ وَرُوَاتِهِم (3) . قَالَ القَاضِي: وَحَقَّقْنَا مَنْ رَوَى (المُوَطَّأَ) عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ نَصَّ عَلَيْهِم أَصْحَابُ الأَثَرِ وَالنُّقَّادُ: ابْنُ وَهْبٍ، ابْنُ القَاسِمِ، مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، الغَازُ بنُ قَيْسٍ، زِيَادٌ شَبَطُوْنُ، الشَّافِعِيُّ، القَعْنَبِيُّ، مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَبْدُ اللهِ بنُ   (1) قال ابن بشكوال في " الصلة " 1 / 70: عني بسماع العلم ولقاء الشيوخ، والاخذ عنهم، وكان له بصر بالمسائل، وميل إلى الاثر، وتقييد الخبر، وله كتاب في تاريخ فقهاء طليطلة وقضاتها، وقد نقلنا منه في كتابنا هذا ما نسبناه إليه، وكان ثقة فيما رواه ونقله. (2) هو الحافظ الكبير النسابة الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر العجلي المعروف بابن ماكولا، المتوفى سنة 487 هـ. قال المؤلف في " العبر " 3 / 317: ولم يكن في بغداد بعد الخطيب أحفظ منه، واسم كتابه: " الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب " وهو كتاب عظيم في بابه، طبع في سبع مجلدات بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعملي اليماني رحمه الله. (3) واسمه " الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء " وهو مطبوع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 يُوْسُفَ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، مُوْسَى بنُ طَارِقٍ، أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الصُّوْرِيُّ، أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، حَبِيْبٌ كَاتِبُ اللَّيْثِ، قَرَعُوْسُ بنُ العَبَّاسِ (1) ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَرَّانِيُّ، يَحْيَى بنُ صَالِحٍ الوُحَاظِيُّ، يَحْيَى بنُ مُضَرَ، سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، عَلِيُّ بنُ زِيَادٍ التُّوْنُسِيُّ، قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ الثَّقَفِيُّ، عَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ الزُّبَيْرِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ شَرُّوْسٍ الصَّنْعَانِيُّ (2) ، إِسْحَاقُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ، عِيْسَى بنُ شَجَرَةَ المَغْرِبِيُّ، بَرْبَرٌ المُغَنِّي وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ، أَبُو حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيُّ. خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: قِيْلَ: إِنَّ زَكَرِيَّا بنَ دُوَيْدٍ الكِنْدِيَّ لَقِيَ مَالِكاً، وَلَكِنَّهُ كَذَّابٌ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ بَنَى الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ (3)) ، خَلَفُ بنُ جَرِيْرٍ القَرَوِيُّ، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى السَّبَائِيُّ، مُحْرِزُ بنُ هَارُوْنَ، سَعِيْدُ بنُ عَبْدُوْسٍ، عَبَّاسُ بنُ نَاصِحٍ، عُبَيْدُ بنُ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ، أَيُّوْبُ بنُ صَالِحٍ الرَّمْلِيُّ، حَفْصُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَخُوْهُ حَسَّانٌ، يَحْيَى وَفَاطِمَةُ وَلَدَا مَالِكٍ، سُلَيْمَانُ بنُ بُرْدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ   (1) مترجم في " الديباج المذهب " 2 / 154. (2) مترجم في " ترتيب المدارك " 1 / 397، وهو محمد بن عبد الرحيم بن شروس، وقد تصحف فيه " الصنعاني " إلى " الصغاني ". (3) في تباعد ما بين وفاة الروايين عن شيخ واحد، لم يطبع بعد، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية تقع في 148 ورقة تحت رقم (138، حديث) ، ضمنه كما قال في مقدمته ذكر من اشتراك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 خَالِدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ هِنْدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ قَاضِي البَصْرَةِ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ رَوَى (المُوَطَّأَ) عَنْ مَالِكٍ إِجَازَةً (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً لَهُم أَتَمُّ اعْتنَاءٍ بِرِوَايَةِ (المُوَطَّأِ) ، وَمَعْرِفَتِه، وَتَحصِيْلِه. وَقَدْ جَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي أَحَادِيْثَ (المُوَطَّأِ) عَنْ رِجَالِهِ، عَنْ مَالِكٍ، وَسَائِرِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ. وَأَلَّفَ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ الحَافِظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ، وَأَبُو القَاسِمِ الجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ عَمِلَ (المُلَخَّصَ) ، وَحَفِظَهُ خَلْقٌ مِنَ الطَّلَبَةِ. وَأَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ (مُسْنَدَ المُوَطَّآتِ) ، وَأَلَّف أَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ حَدِيْثَ مَالِكٍ. وَلأَبِي الحَسَنِ بنِ حَبِيْبٍ السِّجِلْمَاسِيِّ (2) (مُسْنَدُ المُوَطَّأِ) ، وَلِفُلاَنٍ المُطَرِّزِ، وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ الجِيْزِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ بُنْدَارَ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ مُفَرِّجٍ. وَأَلَّفَ النَّسَائِيُّ (مُسْنَدَ مَالِكٍ) ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَامِعٍ السُّكَّرِيُّ، وَابْنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ السَّرَّاجُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو العَرَبِ التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، لَهُ (التَّقَصِّي) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَيْشُوْنَ الطُّلَيْطُلِيُّ. وَأَلَّفَ (مُسْنَدَ مَالِكٍ) : أَبُو القَاسِمِ الجَوْهَرِيُّ - وَذَلِكَ غَيْرُ مَا فِي (   (1) الاجازة: أن يأذن الشيخ لغيره أن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه. (2) نسبة إلى سجلماسة، مدينة في جنوب المغرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 المُوَطَّأِ) - وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الهَرَوِيُّ. وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ (اخْتِلاَفَاتِ المُوَطَّأِ) . وَأَلَّفَ دَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ (1) (غَرَائِبَ حَدِيْثِ مَالِكٍ) ، وَابْنُ الجَارُوْدِ، وَقَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ. وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضاً الأَحَادِيْثَ الَّتِي خُوْلِفَ فِيْهَا مَالِكٌ. وَلأَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ مُؤَلَّفٌ فِي ذَلِكَ. وَعَمِلَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ مَا وَصَلَهُ مَالِكٌ خَارِجَ مُوَطَّئِهِ. وَأَلَّفَ أَبُو عُمَرَ بنُ نَصْرٍ الطُّلَيْطُلِيُّ (مُسْنَدَ المُوَطَّأِ) ، وَكَذَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ فَرْضَخٍ الإِخْمِيْمِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأُسَامَةُ بنُ عَلِيٍّ المِصْرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَمَّالُ الحَافِظُ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ السَّلِيْمِ أَفرَدَ مَا لَيْسَ فِي (المُوَطَّأِ) . وَعَمِلَ أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي طَالِبٍ العَابِرُ كِتَابَ (مُوَطَّأِ المُوَطَّأِ) . وَعَمِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ الخَطِيْبُ (أَطْرَافَ المُوَطَّأِ) . وَعَمِلَ لَهُ شَرْحاً: يَحْيَى بنُ مُزينٍ الفَقِيْهُ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي رِجَالِه. وَلابْنِ وَهْبٍ فِيْهِ شَرحٌ، وَلِعِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ، وَلِعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَلِحَرْمَلَةَ، وَلابْنِ حَبِيْبٍ، وَلِمُحَمَّدِ بنِ سُحْنُوْنَ. وَلِمُسْلِمٍ مُؤَلَّفٌ فِي شُيُوْخِ مَالِكٍ. وَللبَرْقِيِّ (رِجَالُ المُوَطَّأِ) ، وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ (2) ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَذَّاءِ،   (1) نسبة إلى سجستان على غير قياس. (2) هو أبو عمر، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى الطلمنكي نسبة إلى طلمنكة ثغر بالاندلس الشرقي، مترجم في " ترتيب المدارك " 4 / 749، 750. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُفَرِّجٍ، وَلأَحْمَدَ بنِ عِمْرَانَ الأَخْفَشِ فِي غَرِيْبِهِ. وَلِلْبَرْقِيِّ، وَلِلْغَسَّانِيِّ المِصْرِيِّ، وَلأَبِي جَعْفَرٍ الدَّاوُوْدِيِّ، وَلأَبِي مَرْوَانَ القَنَازِعِيِّ، وَلأَبِي عَبْدِ المَلِكِ البُوْنِيِّ (1) . وَجَمَعَ ابْنُ جَوْصَا بَيْنَ (المُوَطَّأِ) رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ القَاسِمِ، وَلِغَيْرِهِ جَمعٌ بَيْنَ رِوَايَةِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ. وَلابْنِ عَبْدِ البَرِّ شَرْحَانِ، وَهُمَا (التَّمْهِيْدُ) ، و (الاسْتِذْكَارُ) ، وَلَهُ كِتَابُ (مَا رَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ المُوَطَّأِ) . وَعَمِلَ عَلَى (المُوَطَّأِ) أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ كِتَابَ (الإِيْمَانِ) ، وَكِتَابَ (المُنْتَقَى) ، وَعَمِلَ كِتَابَ (الاسْتِيفَاءِ) طَوِيْلٌ جِدّاً، وَلَمْ يُتِمَّهُ. وَشَرَحَه: أَبُو الوَلِيْدِ بنُ الصَّفَّارِ فِي كِتَابٍ اسْمُهُ (المُوْعِبُ) ، لَمْ يُتِمَّهُ. وَكِتَابُ (المُحَلَّى فِي شَرِحِ المُوَطَّا) لِلْقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ خَلِيْفَةَ. وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْمٍ شَرحٌ. وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ سَائِقٍ شَرحٌ. وَلابْنِ أَبِي صُفْرَةَ شَرحٌ. وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَاجِّ القَاضِي شَرحٌ. وَلِشَيْخِنَا أَبِي الوَلِيْدِ بنِ العَوَّادِ (الجَمْعُ بَيْنَ التَّمْهِيْدِ وَالاسْتِذْكَارِ) مَا تَمَّ. وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّيِّدِ البَطَلْيَوْسِيِّ شَرحٌ كَبِيْرٌ. وَلابْنِ عَيْشُوْنَ: (تَوْجِيْهُ المُوَطَّأِ) .   (1) هو مروان بن علي القطان، أندلسي الأصل، سكن بونة من بلاد إفريقية، وكان من الفقهاء المتفننين، مترجم في " ترتيب المدارك " 4 / 709، 710. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 وَلِعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ المَعَافِرِيِّ الدَّبَّاغِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبْوَابِ (المُوَطَّأِ) . وَلأَبِي القَاسِمِ بنِ الجدِّ: (اخْتِصَارُ التَّمْهِيْدِ) . وَلِحَازِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَازِمٍ كِتَابُ (السَّافِرِ عَنْ آثَارِ المُوَطَّأِ) . و (تَفْسِيْرُ المُوَطَّأِ) لأَبِي الحَسَنِ الإِشْبِيْلِيِّ. وَتَفْسِيْرٌ لابْنِ شَرَاحِيْلَ. وَلِلطَّلَمَنْكِيِّ تَفْسِيْرٌ، لَمْ يَتِمَّ. وَ (شَرْحُ مُسْنَدِ المُوَطَّأِ) لِيُوْنُسَ بنِ مُغِيْثٍ. وَلِلْمُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ فِي ذَلِكَ. وَلأَخِيْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي ذَلِكَ. وَلِلقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِيِّ كِتَابُ (القَبَسِ فِي شَرْحِ المُوَطَّأِ) . وَلأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ يَرْبُوْعٍ الحَافِظِ كِتَابٌ عَلَى مَعْرِفَةِ رِجَالِ (المُوَطَّأِ) . وَلِعَاصِمٍ النَّحْوِيِّ شُرَيْحٌ لَمْ يَكْمُلْ. وَلأَبِي بَكْرٍ بنِ مَوْهِبٍ القِيْرِيِّ (شَرْحُ الملخَّصِ) فِي مُجَلَّدَاتٍ (1) . فَصْلٌ ولِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- رِسَالَةٌ فِي القَدَرِ، كَتَبَهَا إِلَى ابْنِ وَهْبٍ، وَإِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ (2) . وَلَهُ مُؤَلَّفٌ: فِي النُّجُوْمِ وَمَنَازِلِ القَمَرِ، رَوَاهُ سُحْنُوْنُ، عَنِ ابْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، عَنْهُ، مَشْهُوْرٌ.   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 198، 201. (2) قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 204 بعد أن أورد سنده فيه: وهذا سند صحيح مشهور الرجال، وكلهم ثقات. (3) قال عياض 1 / 204، 205: وهو كتاب جيد مفيد جدا قد اعتمد الناس عليه في هذا = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 وَرِسَالَةٌ فِي الأَقْضِيَةِ، مُجَلَّدٌ، رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطْرُوْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ (1) . وَرِسَالَةٌ إِلَى أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ (2) . وَرِسَالَةُ آدَابٍ إِلَى الرَّشِيْدِ، إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، قَدْ أَنْكَرَهَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَفِيْهَا أَحَادِيْثُ لاَ تُعرَفُ. قُلْتُ: هَذِهِ الرِّسَالَةُ مَوْضُوْعَةٌ. وَقَالَ القَاضِي الأَبْهَرِيُّ: فِيْهَا أَحَادِيْثُ لَوْ سَمِعَ مَالِكٌ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَا، لأَدَّبَهُ (3) . وَلَهُ جُزْءٌ فِي التَّفْسِيْرِ، يَرْوِيْهِ خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ، يَرْوِيْهِ القَاضِي عِيَاضٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُقْرِئِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَصِّيْصِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، بِإِسْنَادِهِ (4) . وَكِتَابُ (السِّرِّ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ القَاسِمِ، عَنْهُ، رَوَاهُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ العُثْمَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ وَزِيْرٍ الجَرَوِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، عَنْهُ (5) . قُلْتُ: هُوَ جُزْءٌ وَاحِدٌ، سَمِعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ المِصْرِيُّ، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَكرِيِّ، حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو زَيْدٍ بنُ أَبِي الغِمْرِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ.   = الباب، وجعلوه أصلا، وعليه اعتمد أبو محمد عبد الله بن مسرور الفقيه القروي في تأليفه في هذا الباب. (1) قال عياض: وهو مؤدب مالك بن أنس. (2) وهو من كبار أهل المدينة، يعد قرينا لمالك، يروي عن أبي حازم، وزيد بن أسلم، وروى عنه الثقات ووثقوه. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 206. (4) " ترتيب المدارك " 1 / 207. (5) " ترتيب المدارك " 1 / 207. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 قَالَ: وَرِسَالَةٌ إِلَى اللَّيْثِ فِي إِجمَاعِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، مَعْرُوْفَةٌ (1) . فَأَمَّا مَا نَقَلَ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ مِنَ المَسَائِلِ، وَالفَتَاوَى، وَالفَوَائِدِ، فَشَيْءٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْ كُنُوْزِ ذَلِكَ: (المُدَوَّنَةُ) ، وَ (الوَاضِحَةُ) ، وَأَشْيَاءُ. قَالَ مَالِكِيٌّ: قَدْ نَدَرَ الاجْتِهَادُ اليَوْمَ، وَتَعَذَّرَ، فَمَالِكٌ أَفْضَلُ مَنْ يُقَلَّدُ، فَرَجَّحَ تَقْلِيْدَهُ. وَقَالَ شَيْخٌ: إِنَّ الإِمَامَ لِمَنِ التَزَمَ بِتَقلِيْدِهِ، كَالنَّبِيِّ مَعَ أُمَّتِهِ، لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُه: مُجَرَّدُ دَعْوَى وَاجْتِهَادٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، بَلْ لَهُ مُخَالَفَةُ إِمَامِهِ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ، حُجَّتُهُ فِي تِلْكَ المَسْأَلَةِ أَقوَى، لاَ بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الدَّلِيْلِ فِيْمَا تَبَرهَنَ لَهُ، لاَ كَمَنْ تَمَذْهَبَ لإِمَامٍ، فَإِذَا لاَحَ لَهُ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، عَمِلَ بِهِ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ، كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ، وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عِصْمَةِ الخُلَفَاءِ، فَقَدْ جَمَعَ الشَّرَّ. وَكَذَا مَنْ أَخَذَ فِي البُيُوْعِ الرَّبَوِيَّةِ بِمَنْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهَا، وَفِي الطَّلاَقِ وَنِكَاحِ التَّحْلِيْلِ بِمَنْ تَوسَّعَ فِيْهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلانحِلاَلِ، فَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالتَّوفِيْقَ. وَلَكِنْ شَأْنُ الطَّالِبِ أَنْ يَدْرُسَ أَوَّلاً مُصَنَّفاً فِي الفِقْهِ، فَإِذَا حَفِظَهُ، بَحَثَهُ، وَطَالَعَ الشُّرُوحَ، فَإِنْ كَانَ ذَكِيّاً، فَقِيْهَ النَّفْسِ، وَرَأَى حُجَجَ الأَئِمَّةِ، فَلْيُرَاقِبِ اللهَ، وَلْيَحْتَطْ لِدِيْنِهِ، فَإِنَّ خَيْرَ الدِّيْنِ الوَرَعُ، وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ،   (1) أوردها القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 64، 65 وانظر رد الليث عليها في " إعلام الموقعين " 3 / 72، 77. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ. فَالمُقَلَّدُوْنَ صحَابَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرْطِ ثُبُوْتِ الإِسْنَادِ إِلَيْهِم، ثُمَّ أَئِمَّةُ التَّابِعِيْنَ كَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوْقٍ، وَعَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ. ثُمَّ كَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَرَبِيْعَةَ، وَطَبَقَتِهِم. ثُمَّ كَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَشُعْبَةَ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ المَاجِشُوْنِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. ثُمَّ كَابْنِ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَوَكِيْعٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَطَبَقَتِهِم. ثُمَّ كَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالبُوَيْطِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ. ثُمَّ كَالمُزَنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَثْرَمِ، وَالبُخَارِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ القَاضِي. ثُمَّ كَمُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي عَبَّاسٍ بنِ سُرَيْجٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ المُنْذِرِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَذَا النَّمَطِ تَنَاقَصَ الاجْتِهَادُ، وَوُضِعَتِ المُخْتَصَرَاتُ، وَأَخلَدَ الفُقَهَاءُ إِلَى التَّقْلِيْدِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي الأَعْلَمِ، بَلْ بِحَسبِ الاتِّفَاقِ، وَالتَّشَهِّي، وَالتَّعْظِيْمِ، وَالعَادَةِ، وَالبَلَدِ. فَلَو أَرَادَ الطَّالِبُ اليَوْمَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ فِي المَغْرِبِ لأَبِي حَنِيْفَةَ، لَعَسُرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَذْهَبَ لابْنِ حَنْبَلٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، لَصَعُبَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجِيْءُ مِنْهُ حَنْبَلِيٌّ، وَلاَ مِنَ المَغْرِبِيِّ حَنَفِيٌّ، وَلاَ مِنَ الهِنْدِيِّ مَالِكِيٌّ. وَبِكُلِّ حَالٍ: فَإِلَى فِقْهِ مَالِكٍ المُنْتَهَى، فَعَامَّةُ آرَائِهِ مُسَدَّدَةٌ، وَلَو لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ حَسمُ مَادَةِ الحِيَلِ، وَمُرَاعَاةُ المَقَاصِدِ، لَكَفَاهُ، وَمَذْهَبُهُ قَدْ مَلأَ المَغْرِبَ وَالأَنْدَلُسَ، وَكَثِيْراً مِنْ بِلاَدِ مِصْرَ، وَبَعْضَ الشَّامِ، وَالِيَمَنَ، وَالسُّوْدَانَ، وَبِالبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ، وَالكُوْفَةِ، وَبَعْضِ خُرَاسَانَ. وَكَذَلِكَ اشْتُهِرَ مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ مُدَّةً، وَتَلاَشَى أَصْحَابُهُ، وَتَفَانَوْا. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَمَّيْنَا، وَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ إِلاَّ هَذِهِ المَذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ. وَقَلَّ مَنْ يَنهَضُ بِمَعْرِفَتِهَا كَمَا يَنْبَغِي، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُوْنَ مُجْتَهِداً. وَانْقَطَعَ أَتْبَاعُ أَبِي ثَوْرٍ بَعْدَ الثَّلاَثِ مائَةٍ، وَأَصْحَابُ دَاوُدَ إِلاَّ القَلِيْلُ، وَبَقِيَ مَذْهَبُ ابْنِ جَرِيْرٍ إِلَى مَا بَعْدَ الأَرْبَعِ مائَةٍ. وَللزَّيْدِيَّةِ مَذْهَبٌ فِي الفُرُوْعِ بِالحِجَازِ وَبِاليَمَنِ، لَكِنَّهُ مَعْدُوْدٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ البِدَعِ، كَالإِمَامِيَّةِ، وَلاَ بَأْسَ بِمَذْهَبِ دَاوُدَ، وَفِيْهِ أَقْوَالٌ حَسَنَةٌ، وَمُتَابَعَةٌ لِلنُّصُوصِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يَعتَدُّونَ بِخِلاَفِهِ، وَلَهُ شُذُوْذٌ فِي مَسَائِلَ شَانَتْ مَذْهَبَهُ. وَأَمَّا القَاضِي، فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقلِيْدِهِم إِجْمَاعاً، فَإِنَّهُ سَمَّى المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ، وَالسُّفْيَانِيَّةَ، وَالأَوْزَاعِيَّةَ، وَالدَّاوُوْدِيَّةَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: فَهَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ وَقَعَ إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَقْلِيْدِهِم، مَعَ الاخْتِلاَفِ فِي أَعْيَانِهِم، وَاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ عَلَى اتِّبَاعِهِم، وَالاقْتِدَاءِ بِمَذَاهِبِهِم، وَدَرْسِ كُتُبِهِم، وَالتَّفَقُّهِ عَلَى مَآخِذِهِم، وَالتَّفْرِيْعِ عَلَى أُصُوْلِهِم، دُوْنَ غَيْرِهِم مِمَّنْ تَقَدَّمَهُم أَوْ عَاصَرَهُم؛ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 وَصَارَ النَّاسُ اليَوْمَ فِي الدُّنْيَا إِلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ، فَالخَامِسُ: هُوَ مَذْهَبُ الدَّاوُوْدِيَّةِ. فَحَقٌّ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أَنْ يَعْرِفَ أَوْلاَهُم بِالتَّقْلِيْدِ، لِيَحصَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَهَا نَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّ مَالِكاً -رَحِمَهُ اللهُ- هُوَ ذَلِكَ؛ لِجَمعِهِ أَدَوَاتِ الإِمَامَةِ، وَكَونِهِ أَعْلَمَ القَوْمِ. ثُمَّ وَجَّهَ القَاضِي دَعوَاهُ، وَحَسَّنَهَا، وَنَمَّقَهَا، وَلَكِنْ مَا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَنَفِيٍّ، وَشَافِعِيٍّ، وَحَنْبَلِيٍّ، وَدَاوُوْدِيٍّ عَنِ ادِّعَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ لِمَتْبُوعِه، بَلْ ذَلِكَ لِسَانُ حَالِه، وَإِنْ لَمْ يَفُهْ بِهِ. ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَعِنْدنَا - وَللهِ الحَمْدُ - لِكُلِّ إِمَامٍ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ مَنَاقِبُ، تَقْضِي لَهُ بِالإِمَامَةِ (1) . قُلْتُ: وَلَكِنَّ هَذَا الإِمَامَ الَّذِي هُوَ النَّجمُ الهَادِي قَدْ أَنْصَفَ، وَقَالَ قَوْلاً فَصْلاً، حَيْثُ يَقُوْلُ: كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِه، وَيُتْرَكُ، إِلاَّ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مِنْ أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ فِقهاً، وَسَعَةَ عِلْمٍ، وَحُسْنَ قَصدٍ، فَلاَ يَسَعُهُ الالْتِزَامُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ أَقْوَالِه، لأَنَّهُ قَدْ تَبَرَهَنَ لَهُ مَذْهَبُ الغَيْرِ   (1) راجع الفصل الذي كتبه القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 89، 102 في ترجيح مذهب الامام على غيره من الأئمة، فإنك ستعلم أن الامام الذهبي كان محقا في تعقبه ونقده في مواطن من كلامه، فقد كتب هذا الفصل يدافع التعصب المقيت الحامل على الغلو والاطراء في المدح، وإضفاء صفة الكمال والعصمة لغير من هي له، ونسبة أقوال إلى غيره من الأئمة لا تصح عنهم، يلزم عنها الطعن فيهم والنبيل منهم، فالامام مالك رحمه الله مع كونه صاحب فضل وعلم، واجتهاد وورع، هو كغيره من الأئمة المجتهدين، يصيب ويخطئ، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، وقد انتقده غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما في أكثر من مسألة وبينوا أن الصواب في غير ما ذهب إليه، وذلك مدون في مظانه من كتب الخلاف، وجاء في " حلية الأولياء " 6 / 323 عن سعيد بن سليمان قال: قلما سمعت مالكا يفتي بشيء إلا تلا هذه الآية: (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) ولست أشك في أن الامام مالكا لو رأى الذي كتبه القاضي عياض لتبرأ منه، وأنحى بالائمة عليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 فِي مَسَائِلَ، وَلاَحَ لَهُ الدَّلِيْلُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، فَلاَ يُقَلِّدُ فِيْهَا إِمَامَهُ، بَلْ يَعْمَلُ بِمَا تَبَرْهَنَ، وَيُقِلِّدُ الإِمَامَ الآخَرَ بِالبُرْهَانِ، لاَ بِالتَّشَهِّي وَالغَرَضِ. لِكَنَّهُ لاَ يُفْتِي العَامَّةَ إِلاَّ بِمَذْهَبِ إِمَامِه، أَوْ لِيَصمُتْ فِيْمَا خَفِيَ عَلَيْهِ دَلِيْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: العِلْمُ يَدُوْرُ عَلَى ثَلاَثَةٍ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. قُلْتُ: بَلْ وَعَلَى سَبْعَةٍ مَعَهُم، وَهُمُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ. وَرُوِيَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ مَالِكاً، يَقُوْلُ: عَالِمُ العُلَمَاءِ، وَمُفْتِي الحَرَمَيْنِ. وَعَنْ بَقِيَّةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْكَ يَا مَالِكُ. وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَالِكاً، فَقَدَّمَه عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادٍ، وَالحَكَمِ، فِي العِلْمِ. وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِي الفِقْهِ. وَقَالَ القَطَّانُ: هُوَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِه. وَقَالَ أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ: إِذَا أَرَدْتَ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَعَلَيْكَ بِمَالِكٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 وَقَدْ صَنَّفَ مَكِّيٌّ القَيْسِيُّ (1) كِتَاباً فِيْمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّفْسِيْرِ، وَمَعَانِي القُرْآنِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي (2) فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَأَنَّهُ تَلاَ عَلَى نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقَالَ بُهْلُوْلُ بنُ رَاشِدٍ (3) : مَا رَأَيْتُ أَنزَعَ بِآيَةٍ مِنْ مَالِكٍ مَعَ مَعْرِفَتِه بِالصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، وَنَبَّأَنِي ابْنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ كُلَيْبٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَنْ ضَرَبَ مَالِكاً؟ قَالَ: بَعْضُ الوُلاَةِ فِي طَلاَقِ المُكْرَهِ، كَانَ لاَ يُجِيْزُه، فَضَرَبَهُ لِذَلِكَ (4) . وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ،   (1) هو مكي بن أبي طالب بن حيوس القيسي القيرواني، ثم الأندلسي القرطبي، الامام العلامة المحقق أستاذ القراء والمجودين، كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم، كثير التآليف في علوم القرآن، توفي سنة 437 هـ. " طبقات القراء " 2 / 309، 310. (2) هو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني الأموي، الامام العلامة الحافظ شيخ المقرئين، صاحب التآليف الكثيرة في علوم القرآن، المتوفى سنة 444 هـ. طبقات القراء 1 / 503، 505. (3) هو أبو عمرو البهلول بن راشد الحجري، ثم الرعيني مولاهم من علماء القيروان، ألف كتابا في الفقه، والغالب عليه اتباع مالك، وربما مال إلى قول الثوري، وأخباره في الزهد كثيرة، توفي سنة 183 هـ، ترجمته في " معالم الايمان " 1 / 264، 279 و" الجرح والتعديل " 2 / 429، و" لسان الميزان " 2 / 66. (4) " حلية الأولياء " 6 / 316. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: مَا أَفْتَيتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُوْنَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ (1) . ثُمَّ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ إِجْلاَلاً لِلْحَدِيْثِ (2) . وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَاءَ الأَثَرُ، كَانَ مَالِكٌ كَالنَّجْمِ، وَهُوَ وَسُفْيَانُ القَرِيْنَانِ (3) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ بَعْد مَوْتِ نَافِعٍ بِسَنَةٍ، فَإِذَا الحَلْقَةُ لِمَالِكٍ (4) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدٍ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: حَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ: أَنَّ مَالِكاً لَمَّا ضُرِبَ، حُلِقَ، وَحُمِلَ (5) عَلَى بَعِيْرٍ، فَقِيْلَ لَهُ: نَادِ عَلَى نَفْسِكَ. فَقَالَ: أَلاَ مَنْ عَرَفَنِي، فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي، فَأَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، أَقُوْلُ: طَلاَقُ المُكْرَهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: أَدْرِكُوهُ، أَنْزِلُوْهُ (6) .   (1) " الحلية " 6 / 316. (2) " الحلية " 6 / 318. (3) " الحلية " 6 / 318. (4) " الحلية " 6 / 319. (5) في الأصل: " وتحمل ". (6) " الحلية " 6 / 316. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: مَا تَقُوْلُ فِي طَلَبِ العِلْمِ؟ قَالَ: حَسَنٌ، جَمِيْلٌ، لَكِنِ انْظُرِ الَّذِي يَلْزَمُكَ مِنْ حِيْنَ تُصبِحُ إِلَى أَنْ تُمْسِيَ، فَالزَمْهُ (1) . وَبِهِ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الدَّاعِي يَقُوْلُ: يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: يُعْجِبُنِي دُعَاءُ الأَنْبِيَاءِ: رَبَّنَا، رَبَّنَا (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي سُلْطَاناً عَلَى مَنْ يُفَسِّرُ القُرْآنَ، لَضَرَبْتُ رَأْسَهُ (3) . قُلْتُ: يَعْنِي: تَفْسِيْرَهُ بِرَأْيِه. وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ طَرِيْقٍ أُخْرَى. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ، لَيْسَ لَهُ كَثِيْرُ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ سَرِيْرَةٌ (4) . قُلْتُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ وَنَشْرِهِ أَفضَلُ مِنْ نَوَافلِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا المِقْدَادُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ   (1) " الحلية " 6 / 319. (2) " الحلية " 6 / 320. (3) " الحلية " 6 / 322. (4) " الحلية " 6 / 330. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 بنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: شَاوَرَنِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي أَنْ يُعَلِّقَ (المُوَطَّأَ) فِي الكَعْبَةِ، وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَا فِيْهِ، وَفِي أَنْ يَنْقُضَ مِنْبَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَجْعَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ، وَفِي أَنْ يُقَدِّمَ نَافِعاً إِمَاماً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ: أَمَّا تَعلِيقُ (المُوَطَّأِ) ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ، وَتَفَرَّقُوا، وَكُلٌّ عِنْد نَفْسِه مُصِيْبٌ، وَأَمَّا نَقْضُ المِنْبَرِ، فَلاَ أَرَى أَنْ يُحْرَمَ النَّاسُ أَثَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا تَقدِمَتُكَ نَافِعاً، فَإِنَّهُ إِمَامٌ فِي القِرَاءةِ، لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَبْدُرَ مِنْهُ بَادِرَةٌ فِي المِحْرَابِ، فَتُحْفَظَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ (1) . هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، لَكِنْ لَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: هَارُوْنُ؛ لأَنَّ نَافِعاً قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ مَاتَ. مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي السُّنَّةِ: وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الحُلْوَانِيُّ، سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بنَ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: سَنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُلاَةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَناً، الأَخْذُ بِهَا اتِّبَاعٌ لِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتِكمَالٌ بِطَاعَةِ اللهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِيْنِ اللهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ تَغِييرُهَا وَلاَ تَبْدِيلُهَا، وَلاَ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا، مَنِ اهْتَدَى بِهَا، فَهُوَ مُهتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنصَرَ بِهَا، فَهُوَ مَنْصُوْرٌ، وَمَنْ تَرَكَهَا، اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلاَهُ جَهَنَّمَ، وَسَاءتْ مَصِيْراً (2) .   (1) " الحلية " 6 / 332، وأورده القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 214، 215، لكن ذكر بدل " هارون " " المهدي ". (2) " الحلية " 6 / 324. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 وَبِهِ: إِلَى الحُلْوَانِيِّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: قَالَ مَالِكٌ: أَكُلَّمَا جَاءنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ، تَرَكنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيْلُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجَدَلِهِ (1) ؟! وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ إِذَا جَاءهُ بَعْضُ أَهْلِ الأَهوَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنِّيْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ دِيْنِي، وَأَمَّا أَنْتَ، فَشَاكٌّ، اذْهَبْ إِلَى شَاكٍّ مِثْلِكَ، فَخَاصِمْهُ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ خَلَفٍ الطَّرَسُوْسِيُّ - وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: زِنْدِيقٌ، اقْتُلُوْهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّمَا أَحكِي كَلاَماً سَمِعْتُهُ. قَالَ: إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ، وَعَظَّمَ هَذَا القَوْلَ (3) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَعْيُنِهِم (4) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ القَدَرِ: نَعَمْ (5) ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السَّجْدَةُ: 12] .   (1) " الحلية " 6 / 324. (2) " الحلية " 6 / 324. (3) " الحلية " 6 / 325. (4) " الحلية " 6 / 326. (5) لفظه في " الحلية " 6 / 326: سمعت مالكا يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: رَأيِي فِيْهِم أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ قُتِلُوا. يَعْنِي: القَدَرِيَّةَ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ الغَلاَّبِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَمَا وَجَدَ مَالِكٌ مِنْ شَيْءٍ مَا وَجَدَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَنَظَرَ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ يَنْكُتُ بِعُوْدٍ فِي يَدِهِ، حَتَّى عَلاَهُ الرُّحَضَاءُ (2) ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه، وَرَمَى بِالعُوْدِ، وَقَالَ: الكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَالاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُوْلٍ، وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ. وَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ (3) . قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ مَرَّةً فِي رِوَايَةِ هَذَا: وَقَالَ لِلسَّائِلِ: إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ ضَالاًّ. وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ الرَّشِيْدِيْنِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ،   (1) " الحلية " 6 / 326. (2) الرحضاء: العرق إثر الحمى، أو عرق يغسل الجلد كثرة. (3) " حلية الأولياء " 6 / 325، 326، وهذا هو المذهب الحق في صفات الله سبحاناه، نؤمن بها، ونمرها على ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، فإن الله أعلم بنفسه من كل أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق، فمتى ورد النص من الكتاب أو السنة الصحيحة بإثبات صفة أو نفيها، فلا يجوز لأحد العدول عنه إلى قياس أو رأي، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه، ويتبع مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف، وهذا هو مذهب السلف المشهود لهم بالفضل والخيرية، كما ثبت عن سيدنا محمد خير البرية، وإليه رجع كثير من المتكلمين المتأخرين كإمام الحرمين الجويني والغزالي، وفخر الدين الرازي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتِوَاؤُهُ؟ فَأَطرَقَ مَالِكٌ، وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ، وَ (كَيْفَ) عَنْهُ مَرْفُوْعٌ، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، صَاحِبُ بِدْعَةٍ، أَخْرِجُوْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قَشْمَرْدُ النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِيْهِ: فَقَالَ: الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُوْلٍ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ (1)) لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: اللهُ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لاَ يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَكَلاَمُ اللهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنَ اللهِ شَيْءٌ مَخْلُوْقٌ (2) .   (1) ويرى المؤلف رحمه الله أن هذا الكتاب موضوع على الامام أحمد لا تصح نسبته إليه كما سيجئ ذلك في ترجمته في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب، ومما يؤكد قوله أن في السند إليه مجهولا وهو الخضر بن المثنى والرواية عن مجهول مقدوح فيها، مطعون في سندها، على أن فيه آراء تخالف ما كان عليه السلف الصالح من معتقد، ويختلف عما جاء عن الامام في غيره مما صح عنه، ولا نجد لهذا الكتاب ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد ممن عاصروه وجالسوه أو أتوا بعده مباشرة، وهم على مشربه، وكتبوا في الموضوع ذاته كالامام البخاري ت 256، وعبد الله مسلم بن قتيبة ت 276، وأبي سعيد الدارمي ت 280 وأبو الحسن الأشعري قد ذكر عقيدة الامام أحمد في كتابه " مقالات الإسلاميين " ولكنه لم يشر إلى هذا الكتاب مطلقا، ولم يستنفد منه شيئا. (2) ذكره في " ترتيب المدارك " 1 / 174. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي سِيْرَةِ مَالِكٍ (1) : قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَأَشْهَبُ - وَأَحَدُهُمَا يَزِيْدُ عَلَى الآخَرِ -: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القِيَامَةُ: 22 - 23] يَنْظُرُوْنَ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِأَعْيُنِهُم هَاتَيْنِ. قُلْتُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: نَاظرَةٌ: بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٌ إِلَى الثَّوَابِ. قَالَ: بَلْ تَنظُرُ إِلَى اللهِ، أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ مُوْسَى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأَعْرَافُ: 143] أَتُرَاهُ سَأَلَ مُحَالاً؟ قَالَ اللهُ: {لَنْ تَرَانِي} فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهَا دَارُ فَنَاءٍ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى دَارِ البَقَاءِ، نَظَرُوا بِمَا يَبْقَى إِلَى مَا يَبْقَى. قَالَ -تَعَالَى-: {كَلاَّ، إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُوْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15] . قَالَ القَاضِي (2) : وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَالِكٍ: الإِيْمَان قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ يَزِيْدُ. وَتَوقَّفَ عَنِ النُّقصَانِ (3) . قَالَ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، يُجلَدُ وَيُحبَسُ. قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بنِ بَكْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: يُقتَلُ، وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ تَوبَةٌ (4) . يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: حَدَّثَنَا أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: القَدَرِيَّةُ، لاَ   (1) 1 / 172، 173، وانظر " الحلية " 6 / 326، و" الانتقاء " ص 32. (2) في " ترتيب المدارك " 1 / 173، 174. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 174. (4) " ترتيب المدارك " 1 / 174. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 تُنَاكِحُوهُم، وَلاَ تُصَلُّوا خَلْفَهُم (1) . أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُسْتَتَابُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الكُفَّارِ وَالمُسْلِمِيْنَ. أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ بنُ أَبِي الغَمْرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَمَّنْ حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ: الَّذِيْنَ قَالُوا: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ (2)) ، وَالحَدِيْثِ الَّذِي جَاءَ: (إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ (3)) ، (وَأَنَّهُ   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 176. (2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 11 / 2 في أول الاستئذان، ومسلم (2841) في الجنة: باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وأحمد 2 / 315، وابن خزيمة في " التوحيد " 39، 40 من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن "، وأخرجه مسلم (2612) (115) ، وأحمد 2 / 463 و519، وابن خزيمة ص 37 من طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته "، وأخرجه أحمد 2 / 244، والآجري في " الشريعة ": 341، والبيهقي في " الأسماء والصفات " 290، من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 323 من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 251، و434، وابن خزيمة: 36 من طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة. (3) أخرجه البخاري 8 / 508 في التفسير من طريق سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا " وهو قطعة من حديث أبي سعيد المطول في رؤية الله في الآخرة والشفاعة، أخرجه البخاري في التوحيد 13 / 358، 360. وأخرجه مسلم (183) في الايمان: باب معرفة طريق الرؤية، من طريق سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، عن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 يُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ (1)) . فَأَنْكَر مَالِكٌ ذَلِكَ إِنْكَاراً شَدِيْداً، وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدٌ (2) . فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَتَحَدَّثُوْنَ بِهِ. فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً. وَذَكَرَ أَبَا الزِّنَادِ، فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ عَامِلاً لِهَؤُلاَءِ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهَا: مِقْدَامٌ الرُّعَيْنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الغَمْرِ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ. قُلْتُ: أَنْكَرَ الإِمَامُ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَمْ يَثبُتْ عِنْدَهُ، وَلاَ اتَّصَلَ بِهِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ، كَمَا أَنَّ صَاحِبَي (الصَّحِيْحَيْنِ) مَعْذُورَانِ فِي إِخرَاجِ ذَلِكَ - أَعْنِي: الحَدِيْثَ الأَوَّلِ وَالثَّانِي - لِثُبُوتِ سَنَدِهِمَا، وَأَمَّا الحَدِيْثُ الثَّالِثُ، فَلاَ أَعْرِفُه   = زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، ولفظه عنده: " فيكشف عن ساقه " وهذه الرواية أصح لموافقتها لفظ القرآن كما قال الاسماعيلي، ونقله عنه الحافظ في " الفتح " 8 / 508، وأقره. (1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج الآجري في " الشريعة " ص 346، من طريق هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن أبي إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد بلغت الشفاعة يوم القيامة حتى إن الله عزوجل ليقول للملائكة: أخرجوا برحمتي من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، قال: ثم يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك. وأخرج أحمد 3 / 94، ومسلم (183) ، والآجري في الشريعة ص 346 من حديث أبي سعيد الخدري المطول وفيه: " فيقول الله عزوجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط.." وقد ورد ذكر اليد في غاير ما حديث صحيح، أوردها البيهقي في " الأسماء والصفات " 314، 323. (2) جاء في " صحيح البخاري " 1 / 199 ما نصه: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله! ثم ذكر حديث معاذ. قال الحافظ: وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1 / 11 من طريق ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود، وممن كره التحديث ببعض دون بعض مالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَولُنَا فِي ذَلِكَ وَبَابِهِ: الإِقرَارُ، وَالإِمْرَارُ، وَتَفْويضُ مَعْنَاهُ إِلَى قَائِلِه الصَّادِقِ المَعْصُومِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَمْرُهُ، فَأَمَّا هُوَ، فَدَائِمٌ لاَ يَزُولُ. قَالَ صَالِحٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: حَسَنٌ وَاللهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ. قُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ صَالِحاً، وَحَبِيْبٌ مَشْهُوْرٌ، وَالمَحْفُوْظُ عَنْ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- رِوَايَةُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَأَلهُ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: أَمِرَّهَا كَمَا جَاءتْ، بِلاَ تَفْسِيْرٍ. فَيَكُوْنُ لِلإِمَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ إِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ حَبِيْبٍ. أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ البَرْقِيِّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَسَّانٍ: أَنَّ أَبَا خُلَيْدٍ قَالَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أَهْلَ دِمَشْقَ يَقْرَؤُونَ: إِبْرَاهَامُ (1) . فَقَالَ: أَهْلُ دِمَشْقَ بِأَكْلِ البَطِّيخِ أَعْلَمُ مِنْهُم بِالقِرَاءةِ (2) . قَالَ لَهُ أَبُو خُلَيْدٍ: إِنَّهُم يَدَّعُوْنَ قِرَاءةَ عُثْمَانَ. قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا مُصْحَفُ عُثْمَانَ عِنْدِي. وَدَعَا بِهِ، فَفُتِحَ، فَإِذَا فِيْهِ: إِبْرَاهَامُ، كَمَا قَالَ أَهْلُ دِمَشْقَ. قُلْتُ: رَسْمُ المُصْحَفِ مُحْتَمِلٌ لِلْقِرَاءتَيْنِ، وَقِرَاءةُ الجُمْهُوْرِ أَفصَحُ وَأَوْلَى.   (1) هي قراءة ابن عامر الشامي أحد السبعة، وانظر " حجة القراءات " ص: 113، 114. (2) يغلب على ظني أن هذا القصة مفتعلة على مالك، إذ كيف تعزب عنه هذه القراءة وينكرها على أهل دمشق وهي ثابتة في مصحف عثمان الذي هو عنده كما جاء في آخر الخبر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: مَا أَدْرَكتُ أَحَداً مِمَّنْ أَقتَدِي بِهِ إِلاَّ وَهُوَ يَرَى الكَفَّ عَنْهُمَا. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: يُرِيْدُ التَّفْضِيْلَ بَيْنَهُمَا. فَقُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهِمَا إِشْكَالٌ، إِنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا. قَالَ الحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ: سَمِعْتُ النَّسَائِيَّ يَقُوْلُ: أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ مَعْنٌ: انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْماً، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الجُوَيْرِيَةِ، مُتَّهَمٌ بِالإِرْجَاءِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي. قَالَ: احْذَرْ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْكَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيْدُ إِلاَّ الحَقَّ، فَإِنْ كَانَ صَوَاباً، فَقُلْ بِهِ، أَوْ فَتَكَلَّمْ. قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: اتَّبِعْنِي. قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتُكَ؟ قَالَ: اتَّبَعْتُكَ. قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَنَا، فَغَلَبَنَا؟ قَالَ: اتَّبَعْنَاهُ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَا هَذَا، إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِيْنٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ (1) . وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الجِدَالُ فِي الدِّيْنِ يُنشِئُ المِرَاءَ، وَيُذْهِبُ بِنُورِ العِلْمِ مِنَ القَلْبِ وَيُقَسِّي، وَيُورِثُ الضِّغنَ (2) . قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ المَكِّيُّ: كَانَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبعَدَ النَّاسِ مِنْ مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَأَشَدَّ نَقضاً لِلْعِرَاقِيِّينَ. ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكاً، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَسَكَتَ مَالِكٌ حَتَّى عَلاَهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ قَالَ: الاسْتِوَاءُ مِنْهُ مَعْلُوْمٌ، وَالكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَالسُّؤَالُ عَنْ هَذَا   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 170 وفيه بعد قوله: " اسمع مني " زيادة، وهي " شيئا أعلمك به وأحاجك، وأخبرك برأيي ". (2) " ترتيب المدارك " 1 / 170. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 بِدْعَةٌ، وَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَإِنِّيْ لأَظُنُّكَ ضَالاًّ، أَخْرِجُوْهُ. فَنَادَاهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا أَهْلَ البَصْرَةِ وَالكُوْفَةِ وَالعِرَاقِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً وُفِّقَ لِمَا وُفِّقْتَ لَهُ (1) . فَصْلٌ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (مُسْنَدِ مَالِكٍ) بِإِسْنَادٍ صَحَّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً مَا حَدَّثتُ بِهَا قَطُّ. وَقَالَ: نَشَرَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِلْماً كَثِيْراً أَكْثَرَ مِمَّا نَشَرَ عَنْهُ بَنُوْهُ. الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ، مَعَ غُلاَمٍ لِي، فَيَنْزِلُ مِنْ دَرَجِه، فَيَقِفُ مَعِي، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، فَلاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ. سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: جَالَسَ نُعَيْمٌ المُجْمِرُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ مَعْنٌ: كَانَ مَالِكٌ يَتَّقِي فِي حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليَاءَ وَالتَّاءَ وَنَحْوَهُمَا (2) . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: العِلْمُ حَيْثُ شَاءَ اللهُ جَعَلَهُ، لَيْسَ هُوَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ. ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: حَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ   (1) ترتيب المدارك 1 / 170، 171. (2) " حلية الأولياء " 6 / 318، و" ترتيب المدارك " 1 / 163، والكفاية ص 179، و" الالماع " ص 179، وتدريب الراوي 2 / 101. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 وَقَارٌ، وَسَكِيْنَةٌ، وَخَشْيَةٌ، وَالعِلْمُ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَه، وَهُوَ قَسْمٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى (1) - فَلاَ تُمَكِّنِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ أَنْ يُوَفَّقَ لِلْخَيْرِ، وَإِنَّ مِنْ شِقْوَةِ المَرْءِ أَنْ لاَ يَزَالَ يُخطِئُ، وَذُلٌّ وَإِهَانَةٌ لِلْعِلمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِالعِلْمِ عِنْدَ مَنْ لاَ يُطِيْعُهُ (2) . القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْتلِفُ إِلَى الرَّجُلِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً يَتَعَلَّمُ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ: جَالَسْتُ مَالِكاً خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْلأَ أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لاَ أَدْرِي، لَفَعلْتُ. حَرْملَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: لَيْسَ هَذَا الجَدَلُ مِنَ الدِّيْنِ بِشَيْءٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِيْمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ المُعْضِلَةِ: الكَلاَمُ فِيْهَا - يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ - يُورِثُ البَغْضَاءَ. سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَمَالِكاً، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، كُلَّهُم يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ مَخْلَدُ بنُ خِدَاشٍ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنِ الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: أَحَقٌّ هُوَ؟ فَقُلْتُ: لاَ. قَالَ: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يُوْنُسُ: 32] . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَجَجتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَصَائِحٌ يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ المَاجِشُوْنِ.   (1) ترتيب المدارك 1 / 185 وبعده: ولكن انظر ما يلزمك حين تصبح إلى حين تمسي، فالزمه. (2) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 186 و188 و189. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا زَهِدَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا وَاتَّقَى، إِلاَّ نَطَقَ بِالحِكْمَةِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَهَبَ يَمدَحُ نَفْسَه، ذَهَبَ بَهَاؤُهُ. أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: التَّوقِيْتُ فِي المَسْحِ بِدْعَةٌ (1) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوْسُفَ عِنْد أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَتَكَلَّمُوا فِي الوُقُوفِ، وَمَا يُحَبِّسُهُ النَّاسُ. فَقَالَ يَعْقُوْبُ: هَذَا بَاطِلٌ. قَالَ شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِطلاَقِ الحُبُسِ (2) . فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَطْلَقَ مَا كَانُوا يُحَبِّسُونَهُ لآلِهَتِهِم مِنَ البَحِيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ (3) ، فَأَمَّا الوُقُوفُ، فَهَذَا وَقْفُ عُمَرَ   (1) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، إلى توقيت المسح على الخفين: للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، على ما ورد في حديث علي رضي الله عنه المخرج في " صحيح مسلم " (276) في الطهارة، باب التوقيت على المسح على الخفين، وأحمد 1 / 96 و100 و113 و117 و118 و120 و149، والنسائي 1 / 84، وابن ماجه (552) ، والشافعي 1 / 32، والدارقطني 1 / 71، والبيهقي 1 / 28، وسنده حسن، وصحيح ابن حبان (184) ، وقول مالك في عدم التوقيت يروى عن عمر وعثمان وعائشة كما في " شرح السنة " 1 / 462 للبغوي بتحقيقنا، واستدل لمذهبهم بما أخرجه أبو داوود (157) ، والترمذي (95) ، وقال: حسن صحيح عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم " قال: ولو استزدناه لزادنا ورواية ابن ماجه (553) لو مضى السائل على مسألته خمسة لجعلها خمسا. ورد هذا الاستدلال: بأن ذلك من ظن الراوي، والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي. (2) قال الازهري: الحبس جمع الحبيس: يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفا محرما لا يورث ولا يباع من أرض ونخل وكرم ومستغل. (3) السائبة: الناقة إذا ولدت عشرة أبطن سيبت، فلم تركب ولم يشرب لبنها إلا ولدها، أو = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا (1)) ، وَهَذَا وَقْفُ الزُّبَيْرِ. فَأَعْجَبَ الخَلِيْفَةَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبَقِيَ يَعْقُوْبُ (2) . ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ جِدَارِ قِبْلَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ المِنْبَرِ قَدْرُ مَمَرِّ الرَّجُلِ مُتَحَرِّجاً، وَقَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَ جِدَارَ القِبْلَةِ حَتَّى جَعَلَهَا عِنْد المَقْصُوْرَةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَإِنَّ عُثْمَانَ قَرَّبَهَا إِلَى حَيْثُ هِيَ اليَوْمَ. دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ تَفْضِيضِ المَصَاحِفِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفاً، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّهُم جَمَعُوا القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُم فَضَّضُوا المَصَاحِفَ عَلَى هَذَا، أَوْ نَحْوِه (3) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لِمَالِكٍ نَحْوُ أَلفِ حَدِيْثٍ -يَعْنِي: مَرْفُوْعَةً-. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: قَالَ لِي مَالِكٌ: قَرَأْتُ عَلَى نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ. وَرَوَى: القَعْنَبِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا تَرَكَ مَالِكٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْض مِثْلَهُ.   = الضيف حتى تموت، والبحيرة: ابنة السائبة الأخيرة فإنهم يشقون أو يخرقون أذنها، ويكون حكمها حكم أمها. (1) أخرجه النسائي 6 / 232 باب حبس المشاع، وابن ماجة (2397) في الصدقات: باب من وقف ... من حديث ابن عمر قال: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المئة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احبس أصلها وسبل ثمرتها ". وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري 5 / 263 باب الشروط في الوقف، ومسلم (1632) في الوصية: باب الوقف، بلفظ: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ". (2) الخبر في " مناقب الشافعي " 198، 199 لابن أبي حاتم. (3) انظر في حكم تحلية القرآن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود ص 150 وما بعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مَالِكٌ ثِقَةً، ثَبْتاً، حُجَّةً، عَالِماً، وَرِعاً. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلاَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، لَضَلَلْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا فِي الأَرْضِ كِتَابٌ فِي العِلْمِ أَكْثَرُ صَوَاباً مِنْ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ) . قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَلَّفَ (الصَّحِيْحَانِ) . قَالَ خَالِدُ بنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ: بَعَثَ المَنْصُوْرُ إِلَى مَالِكٍ حِيْنَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا بِالعِرَاقِ، فَضَعْ كِتَاباً نَجْمَعُهُم عَلَيْهِ. فَوَضَعَ (المُوَطَّأَ) . قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَاصِمٍ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَحفَظَ حَدِيْثَ رَجُلٍ بِعَيْنِه؟ قَالَ: يَحفَظُ حَدِيْثَ مَالِكٍ. قُلْتُ: فَرَأْيٌ؟ قَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قِيْلَ لأُخْتِ مَالِكٍ: مَا كَانَ شُغْلُ مَالِكٍ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: المُصْحَفُ، التِّلاَوَةُ. قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: كَانُوا يَزْدَحِمُوْنَ عَلَى بَابِ مَالِكٍ حَتَّى يَقْتَتِلُوا مِنَ الزِّحَامِ، وَكُنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَهُ، لاَ يَلْتَفِتُ ذَا إِلَى ذَا، قَائِلُوْنَ بِرُؤُوْسِهِم هَكَذَا، وَكَانَتِ السَّلاَطِيْنُ تَهَابُهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ، وَنَعَمْ، وَلاَ يُقَالُ لَهُ: مَنْ أَيْنَ قُلْتُ ذَا؟ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُتَعَالِ بنُ صَالِحٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: إِنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَهُم يَظْلِمُوْنَ، وَيَجُورُوْنَ! فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَأَيْنَ المُكَلِّمُ بِالحَقِّ (1) .   (1) الجرح والتعديل 1 / 30. وفيه " التكلم بالحق " وفي " ترتيب المدارك " 1 / 207: = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 وَقَالَ مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ! كَثُرَ شَيبُكَ! قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ السِّنُوْنُ، كَثُرَ شَيبُهُ. قَالَ: مَا لِي أَرَاك تَعتَمِدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ؟ قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ عِنْدَنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَسَأَلُوْهُ، فَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ. ذَكَرَ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَصْحَابَ نَافِعٍ، فَقَالَ: مَالِكٌ وَإِتْقَانُه، وَأَيُّوْبُ وَفَضْلُهُ، وَعُبَيْدُ اللهِ وَحِفْظُهُ. ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: أَيُّهُمَا أَعْلَمُ، صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُم؟ -يَعْنِي: أَبَا حَنِيْفَةَ وَمَالِكاً-. قُلْتُ: عَلَى الإِنْصَافِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، مَنْ أَعْلَمُ بِالقُرْآنِ؟ قَالَ: صَاحِبُكُم. قُلْتُ: مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ؟ قَالَ: صَاحِبُكُم. قُلْتُ: فَمَنْ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيْلِ الصَّحَابَةِ وَالمُتَقَدِّمِيْنَ؟ قَالَ: صَاحِبُكُم. قُلْتُ: فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ القِيَاسُ، وَالقِيَاسُ لاَ يَكُوْنُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الأَشْيَاءِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الأُصُوْلَ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَقِيسُ؟ (1) قُلْتُ: وَعَلَى الإِنْصَافِ؟ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عِلْمِ الكِتَابِ، وَالأَوَّلُ أَعْلَمُ بِالقِيَاسِ، وَالثَّانِي أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، وَعِنْدَهُ عِلْمٌ جَمٌّ   = " وأين المتكلم بالحق " وفيه: وقال مالك: حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئا من العلم والفقه أن يدخل إلى ذي سلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، ويعظه حتى يتبين دخول العالم على غيره، لان العالم إنما يدخل على السلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، فإذا كان، فهو الفضل الذي ليس بعده فضل. (1) الخبر في " الجرح والتعديل " 1 / 4 و12، 13، و" مناقب الشافعي " 159، 160، و" حلية الأولياء " 6 / 329، و9 / 74، و" فيات الأعيان " 4 / 136، و" الانتقاء " 24، و" الديباج المذهب " ص: 22، و" مناقب أحمد " ص 498 لابن الجوزي، وانظر نقد هذا الخبر في " تأنيب الخطيب " ص 181، 183. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 مِنْ أَقْوَالِ كَثِيْرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَمَا أَنَّ الأَوَّلَ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضِيَ اللهُ عَنِ الإِمَامَيْنِ، فَقَدْ صِرْنَا فِي وَقْتٍ لاَ يَقْدِرُ الشَّخْصُ عَلَى النُّطقِ بِالإِنْصَافِ - نَسْأَل اللهُ السَّلاَمَةَ -. قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَغَيْرُهُ: كَانَ خَاتِمُ مَالِكٍ، الَّذِي مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَصُّهُ أَسْوَدُ حَجَرِيٌّ، وَنَقْشُهُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ. وَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ، وَرُبَّمَا لَبِسَهُ فِي يَمِيْنِه. وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَهْيَبَ، وَلاَ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَشَدَّ تَقوَىً. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا نَقَلْنَا مِنْ أَدَبِ مَالِكٍ، أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِنْ عِلْمِهِ. وَعَنْ مَالِكٍ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ سَفِيْهاً قَطُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: أَفْتَى مَالِكٌ مَعَ نَافِعٍ وَرَبِيْعَةَ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ: رُوِيَ أَنَّ المَنْصُوْرَ حَجَّ، وَأَقَادَ مَالِكاً مِنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَه. فَأَبَى مَالِكٌ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ فِي مَالِكٍ: يَدَعُ الجَوَابَ فَلاَ يُرَاجَعُ هَيْبَةً ... وَالسَّائِلُوْنَ نَوَاكِسُ الأَذْقَانِ عِزُّ الوَقَارِ وَنُوْرُ سُلْطَانِ التُّقَى ... فَهُوَ المَهِيْبُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ (1) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ بنِ الرَّمَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا فِي   (1) " حلية الأولياء " 6 / 318، 319، و" ترتيب المدارك " 1 / 167. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 الصَّلاَةِ مِنْ فَرِيْضَةٍ؟ وَمَا فِيْهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ -أَوْ قَالَ: نَافلَةٍ؟ - فَقَالَ مَالِكٌ: كَلاَمُ الزَّنَادِقَةِ، أَخْرِجُوْهُ. وَقَالَ مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَقَمْتُ عَلَى بَابِكَ سَبْعِيْنَ يَوْماً حَتَّى كَتَبتُ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً. فَقَالَ: سِتُّوْنَ حَدِيْثاً! وَجَعَلَ يَسْتَكْثِرُهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: رُبَّمَا كَتَبْنَا بِالكُوْفَةِ أَوْ بِالعِرَاقِ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً. فَقَالَ: وَكَيْفَ بِالعِرَاقِ دَارُ الضَّربِ، يُضْرَبُ بِاللَّيْلِ، وَيُنْفَقُ بِالنَّهَارِ؟ قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ: مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي (التَّمْهِيْدِ) : هَذَا كَتَبتُهُ مِنْ حِفْظِي، وَغَابَ عَنِّي أَصْلِي: إِنَّ عَبْدَ اللهِ العُمَرِيَّ العَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الانْفِرَادِ وَالعَمَلِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ: إِنَّ اللهَ قَسَمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَمَ الأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الجِهَادِ. فَنَشْرُ العِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ البِرِّ، وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لِي فِيْهِ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيْهِ بِدُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ كِلاَنَا عَلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حَسَنِ بن مُهَاجِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ بَعْدَ تَخَلُّفِهِ (1) عَنِ المَسْجِدِ يُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ فِي جَمَاعَةٍ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي صَلاَةَ الجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَحْدَه.   (1) تقدم أن سبب تخلفه عن المسجد كان لمرض ألم به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 رِوَايَةُ بَعْضِ مَشَايِخِهِ عَنْهُ (1) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ (3) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَنْبَارِيِّ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِه زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ (4) : أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْلاَجٍ لَهُ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ مِثْلَ حَدِيْثِ النَّاسِ. وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ جَمَاعَةٍ: أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ أَخْبَرَهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ النَّسَّاجُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِه   (1) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 254 وما بعدها، و" الديباج المذهب " 1 / 136، 139. (2) بفتح الالف والباء، وسكون الراء، وضم القاف، هذه النسبة إلى أبرقوه، وهي بليدة بنواحي أصبهان على عشرين فرسخا منها. (3) نسبة إلى البطة، وهو لقب لبعض أجداده، وهو أبو الفتح محمد بن عبدا لباقي بن أحمد بن سليمان بن البطي البغدادي، ولعل واحدا من أجداده كان يبيع البط فنسب إلى ذلك. (اللباب) . (4) أثبت في الأصل على كلمة " زينب وعن " علامة التضبيب، إشارة إلى أن ثمت خطأ في السند، وهو كذلك، فإن الذي يفهم من هذا السياق أن الخارج هو أبو سعيد الخدري في طلب الاعلاج، بينما الرواية الصحيحة تقول - كما ستأتي قريبا إن الذي خرج في طلب الاعبد هو زوج الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري، وأنه قتل، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله.. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 زَيْنَبَ، عَنِ الفُرَيْعَةِ أُخْتِ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ زَوْجهَا تَكَارَى (1) عُلُوجاً لَهُ، فَقَتَلُوْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّيْ لَسْتُ فِي مَسْكَنٍ لَهُ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيَّ مِنْهُ رِزْقٌ، فَأَنْتقِلُ إِلَى أَهْلِ أَبْيَاتِي، فَأُقِيْمُ عَلَيْهِم؟ قَالَ: (اعْتَدِّي حَيْثُ يَبْلُغُكِ الخَبَرُ) . وَأَخْبَرَنَاهُ بِتَمَامِه عَالِياً أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ: أَنَّ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ - وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ - أَخْبَرَتْهَا: أَنَّهَا جَاءتْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُه أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ القَدُوْمِ (2) ، لَحِقَهُم، فَقَتَلُوْهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَرجِعَ إِلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَترُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَملِكُهُ، وَلاَ نَفَقَةٍ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَعَمْ) . فَخَرَجتُ، فَقَالَ: (كَيْفَ قُلْتِ؟) . فَردَدْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقَالَ: (امْكُثِي فِي بَيْتِكِ، حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ) . فَاعْتَدَدْتُ فِيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (3) ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ،   (1) تكارى، واستكرى، واكترى: بمعنى، والعلوج: جمع علج، وهو الرجل من العجم، والمراد: العبيد. (2) بالتخفيف والتشديد، موضع على ستة أميال من المدينة. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 591 في الطلاق: باب مقام المتوفى عنها في بيتها حتى تحل، وأبو داود (2300) ، والترمذي (1204) ، وابن ماجة (2031) ، والدارمي 2 / 168، وأحمد 6 / 370 و420، والنسائي 6 / 199، والطيالسي (1664) وإسناده قوي، وصححه ابن حبان (1332) ، والحاكم 2 / 208، وأقره الذهبي، ونقل تصحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي. ومعنى قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله: أي القدر المكتوب من العدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 فَأَخْبَرتُهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ. وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَاتٍ: أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بِنَحْوِهِ. وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ. ثُمَّ قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا بِهِ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَنْجَبُ الحَمَّامِيُّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ القُبَّيْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ السَّبَّاكِ، وَغَيْرُهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ البَانْيَاسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُوْمِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ (1) .   (1) أخرجه مالك 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة، والبخاري 7 / 369 في المغازي: باب غزوة خيبر و9 / 143، 144، في النكاح: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا، ومسلم (1407) في النكاح: باب نكاح المتعة. ويرى ابن القيم في " زاد المعاد " 3 / 344 أن المتعة لم تحرم يوم خيبر، إنما كان تحريمها عام الفتح بحديث سبرة الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (1406) (12) مرفوعا: " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن اله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ". وقال في حديث علي هذا: إن لفظة " يوم خيبر " ظرف لتحريم الحمر لا للمتعة، كما جاء ذلك في مسند الامام أحمد بإسناد صحيح أن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 وَأَخْبَرَنَا بِهِ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ البَانْيَاسِيُّ ... ، فَذَكَرَهُ. وَبِهِ: إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنِ العَنْبَرِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ - أَوْ عَمْرِو - بنِ مُسْلِمٍ بِنَحْوِهِ. هَذَا غَرِيْب، وَلَيْسَ ذَا فِي (المُوَطَّأِ) . الحَاكِمُ: فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ، فِي كِتَابِ (مُزَكِّي الأَخْبَارِ) ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَرَابِيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ مِنْ أَصلِهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ،   = رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، وحرم متعة النساء. وفي لفظ: حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به، ثم جاء بعضهم، فاقتصر على أحد المحرمين، وهو تحريم الحمر، وقيده بالظرف، فمن ها هنا نشأ الوهم، وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا أستأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما، بخلاف غزاة الفتح، فإن قصة المتعة فيها فعلا وتحريما مشهورة. (1) أخرجه مسلم (1977) (41) ، والنسائي 7 / 211، وابن ماجة (3150) ، والترمذي (1523) من طريق شعبة عن مالك بن أنس، عن عمرو بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة..وأخرجه مسلم (1977) ، والنسائي 7 / 212، وابن ماجة (3149) والدارمي 2 / 76 من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ (1)) . غَرِيْبٌ جِدّاً. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَكَ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ (2) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ الرُّعَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيْهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قَلَّمَا تُرَدُّ فِيْهِمَا دَعْوَةٌ: حُضُوْرُ الصَّلاَةِ، وَعِنْدَ الزَّحْفِ لِلْقِتَالِ) (3) .   (1) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 980 في الاستئذان: باب ما يؤمر به في العمل للسفر، من طريق سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله "، وأخرجه البخاري 3 / 495، 496 في العمرة: باب السفر قطعة من العذاب، وأخرجه مسلم (1927) في الامارة: باب السفر قطعة من العذاب، كلاهما من طريق مالك، عن سمي، عن أبي صالح به. (2) هو في الحلية 6 / 335، وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 37 في الضحايا: باب الشركة في الضحايا وعن كم تذبح البقرة والبدنة، من طريق أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. (3) هو في " الحلية " 6 / 343 وصححه ابن حبان (297) و (298) من طريق مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وأخرجه أبو داود (2540) من طريق موسى بن يعقوب = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 رَوَاهُ أَيْضاً: أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَأَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ، نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بِحَرَّانَ (1) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بنِ رِبْعِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَقْعُدَ) . اتَّفَقَا عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ (3) .   = الزمعي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا " وأخرج أبو داود (524) من حديث عبد الله ابن عمرو أن رجلا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط ". وسنده حسن، وصححه ابن حبان (295) . (1) مدينة بالجزيرة من ديار ربيعة لها شهرة واسعة في التاريخ وكان منها جماعة من العلماء. (2) هو في " الموطأ " 1 / 423 في الحج: باب جامع، وأخرجه البخاري: 8 / 13 في المغازي: باب غزوة الفتح في رمضان، ومسلم (1357) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام. والمغفر: زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. (3) هو في " الموطأ ": 1 / 162 في قصر الصلاة في السفر: باب انتظار الصلاة والمشي إليها، والبخاري: 1 / 447 في المساجد: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، ومسلم (714) في صلاة المسافرين: باب استحباب تحية المسجد بركعتين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا البَرْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ، قُرِئَ عَلَى أَبِي عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيِّ، حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ - لاَ أَعْلَمُه إِلاَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ عَبْداً كَانَتْ عِنْدَهُ لأَخِيْهِ مَظْلَمَةٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، فَأَتَاهُ، فَاسْتَحَلَّ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ حَسَنَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَتُوْضَعُ فِي سَيِّئَاتِهِ (1)) . الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ العَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الهَادِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، وَيُنْثَلَ مَا فِيْهِ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) (2) .   (1) هو في " الحلية " 6 / 343، وأخرجه الترمذي (2421) في صفة القيامة: باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد المقبري، به، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد المقبري، وقد رواه مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرجه البخاري: 5 / 73 في المظالم: باب الظلم ظلمات يوم القيامة، من طريق آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ". (2) وهو في " الموطأ ": 2 / 971 في الاستئذان: باب ما جاء في أمر الغنم من طريق نافع، عن ابن عمر، وأخرجه البخاري: 5 / 64، 65 في اللقطة: باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه، ومسلم (1726) في اللقطة: باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها كلاهما من = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 وَرَوَاهُ: إِسْحَاقُ بنُ بَكْرِ بنِ مُضَرَ، عَنْ أَبِيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِي عَالِياً، كَأَنِّيْ سَمِعْتُهُ مِنَ الحَاكِمِ. أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُبَارَكٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ المُبَارَكِ، وَنَفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَعِدَّةٌ بِمِصْرَ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَوَامٍ، وَيُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ الأَمِيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الذَّهَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ العَبَّاسِيُّ، وَعُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَسُوَيْجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ الآمِدِيَّةُ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ المَرَاتِبِيَّةُ (1) ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيْمَ البَطَائِحِيَّةُ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الحَمِيْدِ (2) ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ اليَمَانِيُّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَاجِبُ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُجَاهِدِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُلَقِّنُ، وَأَحْمَدُ بنُ رِسْلاَنَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُذْهَبُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الدَّائِمِ بنُ أَحْمَدَ الوَزَّانُ، وَعُبَيْدُ الحُمَيْدِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيُّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَلِيٍّ (3) ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،   = طريق مالك..والمشربة: بفتح الراء وضمها: الغرفة التي يخزن فيها الطعام. ينثل: النثل: النثر مرة واحدة بسرعة. (1) توفيت سنة (698) هـ كما في " العبر " 5 / 397. (2) توفيت سنة (699) انظر " العبر " 5 / 407، و" شذرات الذهب " 5 / 454. (3) قال ابن العماد في " الشذرات " 6 / 31: وفي سنة اثنتي عشرة وسبع مئة توفيت = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 قَالُوا سِتَّتُهُم: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مُوْسَى إِمْلاَءً سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ، فَقَالَ: (لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ بَابُ خِزَانَتِهِ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُم ضُرُوْعُ مَوَاشِيْهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، عَنْ لَيْثٍ. مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الزَّبِيْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تُبَاعُ الثَّمَرَةُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (2)) . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ تَيْمِيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ الخَطِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ   = المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها ست وثمانون سنة تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن اللتي، والمهذاني وغيرهم. وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة. توفيت بالقدس في جمادى الأولى. قاله الذهبي. (1) رقم (1726) . (2) هو في " الموطأ " 2 / 618 في البيوع: باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من طريق نافع، عن ابن عمر، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 4 / 330 في البيوع: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وباب بيع المزابنة، ومسلم (1534) في البيوع: باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ وَهِيَ السِّمْحَاقُ، بِنِصْفِ مَا فِي المُوْضِحَةِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا سُفْيَانُ، فَسَأَلْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا بِهِ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ لَقِيْتُ مَالِكاً، فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَنْكَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي المِلْطَاةِ بِنِصْفِ المُوضِحَةِ؟ فَقَالَ: صَدَقَ، حَدَّثْتُهُ بِهِ. قُلْتُ: حَدِّثْنِي. قَالَ: مَا أُحَدِّثُ بِهِ اليَوْمَ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ السَّاوِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَالِكٍ، نَحْوَهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَزِيْزٌ، نَزَلَ الشَّافِعِيُّ فِي إِسْنَادِهِ كَثِيْراً تَحْصِيْلاً لِلْعِلْمِ. الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:   (1) أخرجه عبد الرزاق (17345) ، وقال: قلت لمالك: إن الثوري أخبرنا عنك عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب أن عمر وعثمان..فقال لي: قد حدثته به، فقلت: فحدثني به، فأبى، وقال: العمل عندنا على غير ذلك، وليس الرجل عندنا هنالك، يعنى (يزيد بن قسيط) ، وأخرجه البيهقي 8 / 83 من طريق عبد الرزاق..ورد الطحاوي عليه قوله يعني ابن قسيط، وأثبت أن المراد غيره، راجع " الجوهر النقي " 8 / 82. والملطاة، والملطاء، والملطا من الشجاج: السمحاق أو القشر الرقيق بين لحم الرأس وعظمه وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق. والموضحة: هي الشجة التي تبدي وضح العظم. (2) نسبة إلى ساوة مدينة بين الري وهمذان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1)) . أَخْبَرَنَا بِهِ: أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، نَحْوَهُ. وَسَاوَيتُ الحَاكِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيْكٌ القَاضِي، وَشُعْبَةُ. الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ دُرُسْتَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ القَنَّادُ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (القَطْعُ فِي رُبْعِ دِيْنَارٍ، فَصَاعِداً) . غَرِيْبٌ جِدّاً، وَلاَ نَعْلمُ مَالِكاً اجْتَمَعَ بِيَحْيَى، وَلَو جَرَى ذَلِكَ، لَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ، وَلكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَشْيَخَةِ مَالِكٍ. تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو الطَّاهِرِ، وَفِيْهِ مَقَالٌ (2) .   (1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان البكر والايم في أنفسهما من طريق عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، ومن طريق مالك أخرجه مسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت. والايم: من لا زوج له رجلا أو امرأة، سواء كان تزوج من قبل أو لم يتزوج، والمراد هنا: المرأة الثيب بدليل قوله: والبكر. وصماتها: سكوتها. (2) قال المؤلف في " ميزانه " 3 / 460: روى مناكير، أراه كان اختلط، لا تجوز الرواية عنه، وقال ابن عدي: يغلط ويثبت عليه ولا يرجع. قلت: لكن الحديث صحيح عن عائشة من غيره هذه الطريق، فقد أخرجه الشافعي (270) ، ومسلم (1684) من حديث ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " القطع في ربع دينار فصاعدا "، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ هَانِئ بنِ حَرَامٍ، قَالَ: كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، فَقَتَلَهُ. فَكَتَبَ فِي السِّرِّ: يُعْطِي الدِّيَةَ، وَكَتَبَ فِي العَلاَنِيَةِ: يُقَادُ مِنْهُ (1) . قَالَ يَعْقُوْبُ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُرهِبَ بِذَلِكَ. وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ العَطَّارِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُبَيْرَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ السِّمْطِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ سَلاَمَةَ، بِهِ. وَوَقَعَ لَنَا عَالِياً. أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ (3) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ،   = وأخرجه البخاري 12 / 89 من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، ومن طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، كلاهما عن عمرة، به. (1) أخرجه عبد الرزاق (17921) ، عن الثوري، عن المغيرة بن النعمان، عن هانئ ابن حرام. (2) والبخاري: 10 / 464 في الأدب: باب ما يدعى الناس بآبائهم، ومسلم (1735) في الجهاد والسير: باب تحريم الغدر، وأبو داود (2756) ، وكلهم من حديث ابن عمر، وفي الباب عن أنس، أخرجه مسلم (1737) ، وعن أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم أيضا (1738) ، وعن عبد الله بن مسعود (1736) ، والبخاري 6 / 202. (3) هو علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الامام المحدث تاج الدين أبو الحسن الهاشمي الواسطي الغرافي، ثم الإسكندراني المعدل، سمع عن غير واحد من الشيوخ، وحدث، وأكثر عنه الرحالة من المشارقة والمغاربة، كان عالما فاضلا محدثا، كثير التلاوة معمور الاوقات بالخير، إذا حصل له من الكسب ما يقوم بأوده، اقتصر عليه، وانصرف إلى العبادة. توفي سنة 704 هـ. مترجم في " مشيخة الذهبي " الورقة 93. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْقَسِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيْبُلِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، بِهَذَا. وَبِإِسْنَادِي إِلَى ابْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ بَحْرٍ القَطَّانُ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ البَتِّيَّ (3) قَائِماً عَلَى رَأْسِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الحَنِيْنِ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَوَجَدْتُ لِمَالِكٍ حَلْقَةً، وَوَجَدْتُ نَافِعاً قَدْ مَاتَ. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: رُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ مِنْ بَيْتِ ابْنِ هُرْمُزَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً (4) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهُ عَلَيَّ. قَالَ: لاَ. قُلْتُ: أَمَّا كَانَ يُعَادُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: كُنْتَ تَكْتُبُ؟ قَالَ: لاَ. وَكَفَّ الحَدِيْدَةَ -يَعْنِي: اللِّجَامَ-. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المُؤَيَّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ   (1) نسبة إلى عبد القيس. (2) نسبة إلى ديبل، مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة من السند. (3) هو عثمان بن مسلم البتي أبو عمرو من رجال " التهذيب ". (4) انظر " ترتيب المدارك " 1 / 120، 121. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَافِحُ امْرَأَةً قَطُّ (2) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، فِي جَمْعِهِ أَحَادِيْثَ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ - وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ بِصَيْدَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهِزَّانِيُّ (3) بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ (ح (4)) . وَأَخْبَرَنَا بِعُلُوٍّ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ،   (1) نسبة إلى أرمية من بلاد أذربيجان. (2) إسناده صحيح، وفي " الموطأ ": 2 / 189 من حديث أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن: يا رسول الله، نيايعك على ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فيما استطعتن وأطقتن "، قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة "، وأخرجه النسائي: 7 / 149 في البيعة: باب بيعة النساء، والترمذي (1597) في السير: باب ما جاء في بيعة النساء، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) نسبة إلى هزان وهو بطن من العتيك، والعتيك من ربيعة وهو هزان بن صباح بن عتيك. (4) رمز لتحويل السند إلى طريق آخر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1)) . لَفْظُ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ بِبَغْدَادَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِبَعْلَبَكَّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المَنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى (ح) . وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ بِهَرَاةَ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ: بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الكَعْبَةَ هُوَ، وَأُسَامَةُ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِم، وَمَكَثَ فِيْهَا. فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِيْنَ خَرَجَ: مَاذَا صَنَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: جَعَلَ عَمُوْداً عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعمِدَةٍ وَرَاءهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى (2) .   (1) هو في " الموطأ " 2 / 524 في النكاح: باب استئذان البكر، والايم أحق بنفسها، ومسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه البخاري 9 / 164، 165 في النكاح: باب لا ينكح الاب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ومسلم (1419) . (2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ ": 1 / 398 في الحج: باب الصلاة في البيت من طريق نافع عن ابن عمر، ومن طريق مالك أخرجه البخاري: 1 / 477 في الصلاة: باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، ومسلم (1329) في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 وَبِهِ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ (1) . وَفَاةُ مَالِكٍ قَالَ القَعْنَبِيُّ: سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ: عُمُرُ مَالِكٍ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: مَرِضَ مَالِكٌ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْد المَوْتِ. قَالُوا: تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: {للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الرُّوْمُ: 4] . وَتُوُفِّيَ: صَبِيْحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ: الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ؛ وَلَدُ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيَّةِ، وَيُعْرَفُ بِأُمِّهِ. رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُ مُصْعَباً، فَقَالَ: بَلْ مَاتَ فِي صَفَرٍ، فَأَخْبَرَنِي مَعْنُ بنُ عِيْسَى بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ: مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُحْنُوْنَ: مَاتَ فِي حَادِي عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَاتَ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ (2) : الصَّحِيْحُ وَفَاتُهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْم الأَحَدِ، لِتَمَامِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ يَوْماً مِنْ مَرَضِهِ.   (1) هو في " الموطأ ": 2 / 782 في العتق: باب مصير الولاء لمن أعتق، وأخرجه البخاري 5 / 121 في العتق: باب بيع الولاء وهبته من طريق شعبة، و12 / 37 في الفرائض من طريق سفيان، كلاهما عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، ومسلم (1506) في العتق: باب النهي عن بيع الولاء وهبته، من طرق عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 237. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 وَغَسَلَهُ: ابْنُ أَبِي زَنْبَرٍ، وَابْنُ كِنَانَةَ، وَابْنُهُ يَحْيَى وَكَاتِبُهُ حَبِيْبٌ يَصُبَّانِ عَلَيْهِمَا المَاءَ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ جَمَاعَةٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابٍ بِيْضٍ، وَأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الجَنَائِزِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ الأَمِيْرُ المَذْكُوْرُ. قَالَ: وَكَانَ نَائِباً لأَبِيْهِ مُحَمَّدٍ عَلَى المَدِيْنَةِ، ثُمَّ مَشَى أَمَام جِنَازَتِه، وَحَمَلَ نَعشَهُ، وَبَلَغَ كَفَنُهُ خَمْسَةَ دَنَانِيْرَ. قُلْتُ: تَوَاتَرَتْ وَفَاتُه فِي سَنَةِ تِسْعٍ، فَلاَ اعْتِبَارَ لِقَوْلِ مَنْ غَلِطَ وَجَعَلَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَلاَ اعْتِبَارَ بِقَوْلِ حَبِيْبٍ كَاتِبِهِ، وَمُطَرِّفٍ فِيْمَا حُكِيَ عَنْهُ، فَقَالاَ: سَنَة ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَنَقَلَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّ أَسَدَ بنَ مُوْسَى قَالَ: رَأَيْتُ مَالِكاً بَعْد مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ طَوِيْلَةٌ وَثِيَابٌ خُضْرٌ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ يَطِيْرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟ قَالَ: بَلَى. فَقُلْتُ: فَإِلاَمَ صِرتَ؟ فَقَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، وَكَلَّمنِي كِفَاحاً (1) ، وَقَالَ: سَلْنِي أُعْطِكَ، وَتَمَنَّ عَلَيَّ أُرْضِكَ (2) . قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَحَبِيْبٌ: إِنَّ عُمُرَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. قَالَ: وَقِيْلَ: أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: تِسْعُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ: سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَقَالَ القَعْنَبِيُّ: تِسْع وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، قَالَ: عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَشَذَّ: أَيُّوْبُ بنُ صَالِحٍ، فَقَالَ:   (1) أي: مواجهة وبدون واسطة. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 239. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الضَّرَّابُ: هَذَا خَطَأٌ، الصَّوَابُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ (1) . وَاختُلِفَ فِي حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ: فَقَالَ مَعْنٌ، وَالصَّائِغُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ: حَمَلَتْ بِهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ. وَقَالَ نَحْوَهُ: وَالِدُ الزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ. وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: حَمَلتْ بِهِ سَنَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ اتِّفَاقاً، وَقَبْرُهُ مَشْهُوْرٌ يُزَارُ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَائِلاً يُنشِدُ: لَقَدْ أَصْبَحَ الإِسْلاَمُ زُعْزِعَ رُكْنُهُ ... غَدَاةَ ثَوَى الهَادِي لَدَى مَلْحَدِ القَبْرِ إِمَامُ الهُدَى مَا زَالَ لِلْعِلْمِ صَائِناً ... عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ فِي آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ: فَانْتَبَهتُ، فَإِذَا الصَّارِخَةُ عَلَى مَالِكٍ. ثُمَّ أَوْرَدَ القَاضِي عِيَاضٌ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ حَسَنَةٍ لِلإِمَامِ (3) ، وَسَائِرُ كِتَابِه بِلاَ أَسَانِيْدَ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ مَا يُنْكَرُ. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: مَاتَ مَالِكٌ عَنْ مائَةِ عِمَامَةٍ، فَضْلاً عَنْ سِوَاهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: بِيْعَ مَا فِي مَنْزِلِ خَالِي مَالِكٍ مِنْ بُسُطٍ، وَمِنَصَّاتٍ، وَمَخَادَّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِمَا يُنِيْفُ عَلَى خَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ خَلَفٍ: خَلَّف مَالِكٌ خَمْسَ مائَةِ زَوْجٍ مِنَ   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 111. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 111، 112. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 238، 245. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 النِّعَالِ، وَلَقَدِ اشْتَهَى يَوْماً كِسَاءً قُوْصِيّاً، فَمَا مَاتَ (1) إِلاَّ وَعِنْدَهُ مِنْهَا سَبْعَةٌ بُعِثَتْ إِلَيْهِ. وَأَهدَى لَهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ هَدِيَّةً، فَوُجِدَتْ بِخَطِّ جَعْفَرٍ: قَالَ مَشَايِخُنَا الثِّقَاتُ: إِنَّهُ بَاعَ مِنْهَا مِنْ فَضْلَتِهَا بِثَمَانِيْنَ أَلْفاً. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: تَرَكَ مِنَ النَّاضِّ (2) أَلفَيْ دِيْنَارٍ وَسِتَّ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَسَبْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَمِنَ الدَّرَاهِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ مِنَ الكُبَرَاءِ السُّعدَاءِ، وَالسَّادَةِ العُلَمَاءِ، ذَا حِشْمَةٍ، وَتَجَمُّلٍ، وَعَبِيْدٍ، وَدَارٍ فَاخِرَةٍ وَنِعمَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَرِفعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيَأْكُلُ طَيِّباً، وَيَعْمَلُ صَالِحاً، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ فِيْهِ: صَمُوْتٌ إِذَا مَا الصَّمتُ زَيَّنَ أَهْلَهُ ... وَفَتَّاقُ أَبْكَارِ الكَلاَمِ المُخَتَّمِ وَعَى مَا وَعَى القُرْآنُ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ ... وَسِيْطَتْ لَهُ الآدَابُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ (3) قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيْهِ: يَا سَائِلاً عَنْ حَمِيْدِ الهَدْيِ وَالسَّنَنِ ... اطْلُبْ، هُدِيْتَ عُلُوْمَ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ وَعَقْدَ قَلْبِكَ فَاشدُدْهُ عَلَى ثَلجٍ ... لاَ تَطْوِيَنَّهُ عَلَى شَكٍّ وَلاَ دَخَنِ (4)   (1) في هامش الأصل: فمات بات. (2) الناض: النقد من الدنانير والدراهم. (3) وسيطت: مزجت. (4) ثلج: اطمئنان، والدخن: الفساد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 وَاسْلُكْ سَبِيْلَ الأُلَى حَازُوا نُهَىً وَتُقَىً ... كَانُوا فَبَانُوا حِسَانَ السِّرِّ وَالعَلَنِ هُمُ الأَئِمَّةُ وَالأَقْطَابُ مَا انْخَدَعُوا ... وَلاَ شَرَوْا دِيْنَهُم بِالبَخْسِ وَالغَبَنِ أَصْحَابُ خَيْرِ الوَرَى أَحْبَارُ مِلَّتِهِ ... خَيْرُ القُرُوْنِ نُجُومُ الدَّهْرِ وَالزَّمَنِ مَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُم مُهتَدٍ وَهُمُ ... نَجَاةُ مَنْ بَعْدَهُم مِنْ غَمْرَةِ الفِتَنِ وَتَابِعُوْهُم عَلَى الهَدْيِ القَويمِ هُمُ ... أَهْلُ التُّقَى وَالهُدَى وَالعِلْمِ وَالفِطَنِ فَاخْتَرْ لِدِيْنِكَ ذَا عِلْمٍ تُقَلِّدُهُ ... مُشَهَّرَ الذِّكْرِ فِي شَامٍ وَفِي يَمَنِ حَوَى أُصُولَهُمُ ثُمَّ اقْتَفَى أَثراً ... نَهْجاً إِلَى كُلِّ مَعْنَى رَائِقٍ حَسَنِ (1) وَمَالِكُ المُرْتَضَى لاَ شَكَّ أَفْضَلُهُم ... إِمَامُ دَارِ الهُدَى وَالوَحِيِ وَالسُّنَنِ فَعَنْهُ حُزْ عِلْمَهُ إِنْ كُنْتَ مُتَّبِعاً ... وَدَعْ زَخَارِفَ كَالأَحْلاَمِ وَالوَسَنِ فَهُوَ المُقَلَّدُ فِي الآثَارِ يُسْنِدُهَا ... خِلاَفَ مَنْ هُوَ فِيْهَا غَيْرُ مُؤْتَمَنِ   (1) نهجا: سالكا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 وَهُوَ المُقَدَّمُ فِي فِقْهٍ وَفِي نَظَرٍ ... وَالمُقتَدَى فِي الهُدَى فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ وَعَالِمُ الأَرْضِ طُرّاً بِالَّذِي حَكَمَتْ ... شَهَادَةُ المُصْطَفَى ذِي الفَضْلِ وَالمِنَنِ وَمَنْ إِلَيْهِ بِأَقْطَارِ البِلاَدِ غَدَتْ ... تُنْضَى المَطَايَا وَتُضْحَى بُزَّلُ البُدُنِ (1) مَنْ أُشْرِبَ الخَلْقُ طُرّاً حُبَّهُ فَجَرَى ... طَيَّ القُلُوْبِ كَجَرْيِ المَاءِ فِي الغُصُنِ وَقَالَ كُلُّ لِسَانٍ فِي فَضَائِلِه ... قَوْلاً وَإِنْ قَصَّرُوا فِي الوَصْفِ عَنْ لَسَنِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَصْفَى عَوَاطِفِهِ ... وَمِنْ رِضَاهُ كَصَوبِ العَارِضِ الهَتِنِ (2) وَجَادَ مَلحَدَهُ وَطْفَاءُ هَاطِلَةٌ ... تَسْقِي بِرُحْمَاهُ مَثْوَى ذَلِكَ الجَنَنِ (3) 11 - عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو سَعِيْدٍ الكَلاَعِيُّ * المُحَدِّثُ، أَبُو سَعِيْدٍ الكَلاَعِيُّ، الوُحَاظِيُّ، الشَّامِيُّ.   (1) تنضى: تهزل. تضحى: تسعى. البزل: جمع بازل: الناقة في التاسع من سنها. البدن: الابل والبقر تهدى إلى مكة. (2) العارض: السحاب يعترض في الافق، الهتن: الممطر. (3) ملحده: لحده وقبره. وطفاء: السحابة المسترخية لكثرة الماء. الجنن: القبر والميت. والابيات في " ترتيب المدارك " 1 / 253، 254 وفيها تحريف كثير تصحح من هنا. (*) التاريخ الكبير 6 / 119، التاريخ الصغير: 2 / 203، الضعفاء للعقيلي: 2 / 256، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 / 131، الكامل لابن عدي: 4 / 253، الميزان 2 / 643. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 رَوَى عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَابْنِ شِهَابٍ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَالثَّوْرِيُّ - وَمَاتُوا قَبْلَه بِمُدَّةٍ - وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو الجَهْمِ، وَصَالِحُ بنُ مَالِكٍ الخُوَارِزْمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ. يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (1)) . اتَّفقُوا عَلَى ضَعْفِهِ. كَذَّبَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَطْرُوحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ذَاهِبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: لأَنْ أَقطَعَ الطَّرِيْقَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْوِيَ عَنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى مَا بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً. 12 - اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَهْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ الدِّيَارِ   (1) هي اثنا عشر جزءا تصنيف الحافظ محدث بغداد أبي الحسن علي بن الجعد الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري، روى عن أحمد ويحيى والبخاري وأبي داود وخلق. مات سنة ثلاثين ومئتين عن ست وتسعين سنة. انظر " العبر " 1 / 406. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 517، التاريخ لابن معين: 501، طبقات خليفة: 296. تاريخ خليفة: 449، التاريخ الكبير: 7 / 246، التاريخ الصغير: 2 / 209، المعارف لابن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 المِصْرِيَّةِ، أَبُو الحَارِثِ الفَهْمِيُّ، مَوْلَى خَالِدِ بنِ ثَابِتِ بنِ ظَاعِنٍ. وَأَهْلُ بَيْتِهِ يَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ مِنَ الفُرسِ، مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ القَوْلَيْنِ. مَوْلِدُهُ: بِقَرْقَشَنْدَةَ - قَرْيَةٌ مِنْ أَسْفَلِ أَعْمَالِ مِصْرَ - فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. ذَكَرَهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ يَحْيَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ اللَّيْثُ: وَحَجَجْتُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَنَافِعاً العُمَرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيَّ، وَابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ، وَمِشْرَحَ بنَ هَاعَانَ، وَأَبَا قَبِيْلٍ المَعَافِرِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَبِيْبٍ، وَجَعْفَرَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَبُكَيْرَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ، وَالحَارِثَ بنَ يَعْقُوْبَ، وَدَرَّاجاً أَبَا السَّمْحِ الوَاعِظَ، وَعُقَيْلَ بنَ خَالِدٍ، وَيُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَحُكَيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، وَعَامِرَ بنَ يَحْيَى المَعَافِرِيَّ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنَ أَبِي أَنَسٍ، وَعَيَّاشَ بنَ عَبَّاسٍ، وَكَثِيْرَ بنَ فَرْقَدَ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَأَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى، وَبَكْرَ بنَ سَوَادَةَ، وَأَبَا كَثِيْرٍ الجُلاَّحَ، وَالحَارِثَ بنَ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيَّ، وَخَالِدَ بنَ يَزِيْدَ، وَصَفْوَانَ بنَ سُلَيْمٍ، وَخَيْرَ بنَ نُعَيْمٍ، وَأَبَا الزِّنَادِ،   = قتيبة: 505، 506، الجرح والتعديل: 7 / 179 - 180، مشاهير علماء الأمصار: (1536) : 191، مروج الذهب: 3 / 349، الحلية: 7 / 318، الفهرست: 1 / 199، تاريخ بغداد: 13 / 3، صفوة الصفوة: 4 / 281، وفيات الأعيان: 4 / 127 - 132، تهذيب الكمال للمزي: 1152، تذكرة الحفاظ: 1 / 224 - 226، ميزان الاعتدال 3 / 423، العبر للذهبي: 1 / 266، صبح الاعشى: 2 / 399، تهذيب التهذيب: 8 / 459، النجوم الزاهرة: 2 / 82، الجواهر المضيئة: 1 / 266، شذرات الذهب: 1 / 285. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 وَقَتَادَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. حَتَّى إِنَّهُ يَرْوِي عَنْ تَلاَمِذَتِهِ، وَحَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ نَافِعٍ، ثُمَّ رَوَى حَدِيْثاً بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي شَيْخِهِ ابْنِ شِهَابٍ، رَوَى غَيْرَ حَدِيْثٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَه فِيْهِ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ. رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ عَجْلاَنَ - شَيْخُهُ - وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَطَّافُ بنُ خَالِدٍ، وَشَبَابَةُ، وَأَشْهَبُ، وَسَعِيْدُ بنُ شُرَحْبِيْلَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَحُجَيْنُ بنُ المُثَنَّى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَشُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ - وَلَدُهُ - وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعِيْسَى بنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ. وَلَحِقَهُ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَسَأَلَه عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَرَآهُ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ بِبَغْدَادَ وَهُوَ صَبِيٌّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، وَالطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيْعُ أَقْوَامٌ دِيْنَهُم بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) . هَذَا الحَدِيْثُ حَسَنٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الصَّالِحَيُّ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ القَرَافِيُّ الزَّاهِدُ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ الجَوَالِيقِيِّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ (ح) . وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ التُّجِيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ قَائِماً، مُسنِداً ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ يَقُوْلُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللهِ مَا فِيْكُم أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْؤُدَةَ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقتُلَ ابْنَتَه: مَهْ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيْكَ مُؤْنَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ، قَالَ لأَبِيْهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مُؤْنَتَهَا. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. وَإِنَّمَا يَرْوِيْهِ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ، بِالإِجَازَةِ، لأَنَّ   (1) (2198) وسنده حسن، كما قال المؤلف، وله شاهد من حديث أبي هريرة عن مسلم (118) في الايمان: باب الحث على المبادرة بالاعمال، بلفظ " بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي: (صَحِيْحِهِ (1)) تَعْلِيقاً، فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ، فَهُوَ فِي (الصَّحِيْحِ) ، وِجَادَةً (2) عَلَى إِجَازَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيْرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مائَةَ سَنَةٍ (3)) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَالحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرَ، وَحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ الزَّبِيْدِيِّ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي   (1) 7 / 110 في مناقب الانصار: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، وقال الحافظ: وهذا الحديث رويناه موصولا في حديث زغبة، من رواية أبي بكر بن أبي داود، عن عيسى بن حماد، وهو المعروف بزغبة، عن الليث. (2) الوجادة، بكسر الواو: أن يقف المرء على أحاديث أو كتاب بخط راويها، فله أن يرويها عن راويها، ويقول على سبيل الحكاية: قرأت بخط فلان أو كتابه: حدثنا فلان، ويسوق الإسناد والمتن، وله أن يقول: قال فلان، إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقاء، ولا يجوز له أن يقول: حدثنا أو أخبرنا مما يدل على اتصال السند، وروي عن الامام الشافعي جواز العمل به، وهذا هو الراجح. ويقول ابن كثير في " الباعث الحثيث " 142: والوجادة: ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجد في الكتاب..قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحاب الشافعي العمل به عند حصول الثقة به. (3) وأخرجه البخاري 8 / 481 في تفسير سورة الواقعة من طريق سفيان، عن أبي الزناد عن الاعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (2826) في صفة الجنة من طريق قتيبة، عن الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 11 / 366 في الرقاق، ومسلم (2828) من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه البخاري 11 / 366 في الرقاق، ومسلم (2827) من حديث سهل بن سعد، وأخرجه البخاري 6 / 233 من حديث أنس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 طَالِبٍ، وَخَلْقٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، قَالُوا سِتَّتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا العَلاَءُ بنُ مُوْسَى البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ النَّصْرَانِيَّةَ أَوِ اليَهُوْدِيَّةَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ المُشْرِكَاتِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ شَيْئاً أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُوْلَ المَرْأَةُ رَبُّهَا عِيْسَى، وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِ اللهِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ. أَخْبَرَنَا القَاضِي تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عُلْوَانَ بِبَعْلَبَكَّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عِزُّ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ الفَقِيْهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّخَّالِ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ   (1) 9 / 367 في النكاح: باب قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) . وهذا رأي انفرد به ابن عمر، ولا يحفظ عن أحد من الاوائل أنه حرم نساء أهل الكتاب. ويروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن، والجمهور على الاباحة وقالوا: إن عموم قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) مخصوص بقوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) انظر " جامع البيان " 4 / 362، 367، و" فتح الباري " 9 / 367. (2) قال المؤلف في " العبر " 4 / 220: هي شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي، الكاتبة المسندة، فخر النساء، كانت دينة عابدة صالحة، سمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق. روت عن طراد والنعالي وابن البطر وطائفة. وكانت ذات بر وخير. توفيت في رابع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، وَيَحْيَى بنُ ثَابِتٍ البَقَّالُ، قَالَ أَبُو الفَتْحِ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، وَقَالَ البَقَّالُ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ الحَافِظُ، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: فَذَكَرَ الحَدِيْثَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَنْزَعَ ... ) . أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الحَمَّامِيِّ، حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَعَ ابْنُ قُحَافَةَ ذَنُوْباً أَوْ ذَنُوْبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَلْيَغْفِرِ اللهُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَأَخَذَ ابْنُ الخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَهُ، حَتَّى ضَرَبَ   (1) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد شيخ الإسلام، وأحد الاعلام، صاحب التصانيف الكثيرة الحسنة من أعظمها " المغني " في الفقه المقارن ضمنه أقوال الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وحكى أدلة كل واحد منهم بأمانة ووضوح ودونما تعصب. قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثله في جودته وتحقيق ما فيه، ولم تطب نفسي بالفتيا حتى صارت نسخة من المغني عندي. توفي سنة (620) هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 النَّاسُ بِعَطَنٍ (1)) . رَوَاهُ مَنْ حَدِيْثِ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ) ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، نَحْوَهُ، وَالبُخَارِيُّ: عَنْ يَسَرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَفْسِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي القَرَافِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، وَالطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا ابْنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إِدْرِيْسَ عَائِذَ اللهِ الخَوْلاَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ يَزِيْدَ بنَ عَمِيْرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ لاَ يَجْلِسُ مَجْلِساً إِلاَّ قَالَ حِيْنَ يَجْلِسُ: الله حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ المُرتَابُوْنَ. كَانَ اللَّيْثُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقِيْهَ مِصْرَ، وَمُحَدِّثَهَا، وَمُحْتَشِمَهَا، وَرَئِيْسَهَا، وَمَنْ يَفتَخِرُ بِوُجُوْدِهِ الإِقْلِيْمُ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّي مِصْرَ، وَقَاضِيَهَا، وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِه، وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى رَأْيِهِ، وَمَشُوْرَتِهِ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ المَنْصُوْرُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى الإِقْلِيْمِ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ غَرَائِبِ حَدِيْثِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، حَدِيْثُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2)) . صَحَّحَهُ: أَبُو عِيْسَى، وَغَرَّبَهُ.   (1) أخرجه البخاري: 13 / 378 في التوحيد: باب في المشيئة والارادة، ومسلم (2392) في الفضائل..والقليب: البئر. والذنوب: الدلو المملوء. والغرب: الدلو العظيمة. والعبقري: هو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شيء. ضرب الناس بعطن: أي أرووا إبلهم، ثم آووها إلى مستراحها. (2) أخرجه الترمذي (2661) في العلم: باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ شَيْخُ أَهْلِ دِمَشْقَ: قَدِمَ عَلَيْنَا اللَّيْثُ، فَكَانَ يُجَالِسُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُنَا، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ أَرَ أَنَا أَخْذَ ذَلِكَ عَرْضاً، حَتَّى قَدِمتُ عَلَى مَالِكٍ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّويَه: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، سَمِعْتُ لَيْثَ بنَ سَعْدٍ يَقُوْلُ: بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ، وَمَا نَازَعتُ صَاحِبَ هَوَىً قَطُّ. قُلْتُ: كَانَتِ الأَهوَاءُ وَالبِدَعُ خَامِلَةً فِي زَمَنِ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالسُّنَنُ ظَاهِرَةٌ عَزِيْزَةٌ، فَأَمَّا فِي زَمَنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، فَظَهَرَتِ البِدعَةُ، وَامْتُحِنَ أَئِمَّةُ الأَثَرِ، وَرَفَعَ أَهْلُ الأَهوَاءِ رُؤُوْسَهُم بِدُخُوْلِ الدَّولَةِ مَعَهُم، فَاحْتَاجَ العُلَمَاءُ إِلَى مُجَادَلَتِهِم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمُ العُلَمَاءُ أَيْضاً بِالمَعْقُوْلِ، فَطَالَ الجِدَالَ، وَاشتَدَّ النِزَاعُ، وَتَوَلَّدَتِ الشُّبَهُ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.   = صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث الزهري، عن أنس، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس. قلت: أخرجه البخاري 1 / 179، 180 في العلم، ومسلم (3) في المقدمة، وأحمد 3 / 98 من طرق، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار " وأخرجه أحمد 3 / 223، وابن ماجه (32) من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن أنس، وأخرجه أحمد 3 / 113 من طريق أبي معاوية، عن عاصم الاحول، عن أنس بن مالك و116 و117 من طريق يحيى وإسماعيل، عن التيمي، عن أنس، و166 و167 من طريق المعتمر، عن أبيه، عن أنس، و203 من طريق شعبة عن حماد، عن أنس، و209 من طريق شعبة، عن حماد، وعبد العزيز بن رفيع، وعتاب مولى ابن هرمز، ورافع، عن أنس، و278 من طريق شعبة، عن قتادة، وحماد بن أبي سليمان، وسليمان التيمي، عن أنس، و280 من طريق هاشم، عن عيسى بن طهمان، عن أنس والحديث متواتر رواه سبعون صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر تخريجها في " الاسرار المرفوعة " 4، 38 للعلامة ملا علي القاري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 وَقَالَ عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: أَصْلُنَا مِنْ أَصْبَهَانَ، فَاسْتَوصُوا بِهِم خَيْراً. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: كَتَبتُ مِنْ عِلْمِ ابْنِ شِهَابٍ عِلْماً كَثِيْراً، وَطَلَبتُ رُكُوبَ البَرِيْدِ إِلَيْهِ إِلَى الرُّصَافَةِ، فَخِفتُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ ذَلِكَ للهِ، فَتَرَكتُهُ، وَدَخَلْتُ عَلَى نَافِعٍ، فَسَأَلَنِي، فَقُلْتُ: أَنَا مِصرِيٌّ. فَقَالَ: مِمَّنْ؟ قُلْتُ: مَنْ قَيْسٍ. قَالَ: ابْنُ كَمْ؟ قُلْتُ: ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ: أَمَّا لِحْيَتُكَ فَلِحْيَةُ ابْنِ أَرْبَعِيْنَ (1) . قَالَ أَبُو صَالِحٍ: خَرَجْتُ مَعَ اللَّيْثِ إِلَى العِرَاقِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، خَرَجْنَا فِي شَعْبَانَ، وَشَهِدْنَا الأَضْحَى بِبَغْدَادَ. قَالَ: وَقَالَ لِي اللَّيْثُ وَنَحْنُ بِبَغْدَادَ: سَلْ عَنْ مَنْزِلِ هُشَيْمٍ الوَاسِطِيِّ، فَقُلْ لَهُ: أَخُوْكَ لَيْثٌ المِصْرِيُّ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنْ كُتُبِكَ. فَلَقِيْتُ هُشَيْماً، فَدَفَعَ إِلَيَّ شَيْئاً، فَكَتَبنَا مِنْهُ، وَسَمِعتُهَا مَعَ اللَّيْثِ (2) . قَالَ الحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُلَيْحٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ الخَادِمَ، وَكَانَ قَدْ عَمِيَ مِنَ الكِبَرِ فِي مَجْلِسِ يُسْرٍ، قَالَ: كُنْتُ غُلاَماً لِزُبَيْدَةَ، وَأُتِيَ بِاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ تَسْتَفْتِيْهِ، فَكُنْتُ وَاقِفاً عَلَى رَأْسِ سَتِّي زُبَيْدَةَ، خَلْفَ السِّتَارَةِ، فَسَأَلَهُ الرَّشِيْدُ، فَقَالَ لَهُ: حَلَفْتُ (3) إِنَّ لِيَ جَنَّتَيْنِ. فَاسْتَحْلَفَهُ اللَّيْثُ ثَلاَثاً: إِنَّكَ تَخَافُ الله؟ فَحَلَفَ لَهُ، فَقَالَ: قَالَ اللهُ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَنُ: 16] . قَالَ: فَأَقطَعَهُ قَطَائِعَ كَثِيْرَةً بِمِصْرَ (4) .   (1) " تاريخ بغداد ": 13 / 5 و" الوفيات ": 4 / 129. (2) " تاريخ بغداد ": 13 / 4. (3) في الأصل " حملت " وهو خطأ. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 4، 5 و" حلية الأولياء " 7 / 223، و" الوفيات " 4 / 129. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 قُلْتُ: إِنْ صحَّ هَذَا، فَهَذَا كَانَ قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ بُكَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ دَاوُدَ وَزِيْرِ المَهْدِيِّ، قَالَ: قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لَمَّا قَدِمَ اللَّيْثُ العِرَاقَ: الْزَمْ هَذَا الشَّيْخَ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَا حَمَلَ مِنْهُ (1) . الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ: تَلِي لِي مِصْرَ؟ قُلْتُ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنِّيْ أَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّيْ رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي. فَقَالَ: مَا بِكَ ضَعفٌ مَعِي، وَلَكِنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُكَ فِي العَمَل لِي (2) . وَحَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ: رَأَيْتُ اللَّيْثَ عِنْدَ رَبِيْعَةَ يُنَاظِرُهُم فِي المَسَائِلِ، وَقَدْ فَرْفَرَ أَهْلَ الحَلْقَةِ (3) . أَبُو إِسْحَاقَ بنُ يُوْنُسَ الهَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ جَمِيْلٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ أَيَّامَ هِشَامٍ الخَلِيْفَةِ، وَكَانَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ حَدَثَ السِّنِّ، وَكَانَ بِمِصْرَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَالحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ، وَإِنَّهُم يَعْرِفُوْنَ لِلَّيْثِ فَضْلَه وَوَرَعَهُ وَحُسْنَ إِسْلاَمِه عَنْ حَدَاثَةِ سِنِّه. ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: لَمْ أَرَ مِثلَ اللَّيْثِ. وَرَوَى: عَبْدُ المَلِكِ بنُ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنَ اللَّيْثِ.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 5. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، 442، و" تاريخ بغداد " 13 / 5. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 5، وفرفر أهل الحلقة: كسرهم، وغلبهم بحجته، وإذا جعلت " أهل " فاعل لفرفر، فيكون المعنى: إن أهل الحلقة استبد بهم الطيش والخفة لقوة عارضة الليث، وبراعة استدلاله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: كَانَ اللَّيْثُ فَقِيْهَ البَدَنِ، عَرَبِيَّ اللِّسَانِ، يُحْسِنُ القُرْآنَ وَالنَّحْوَ، وَيَحفَظُ الحَدِيْثَ وَالشِّعْرَ، حَسَنَ المُذَاكَرَةِ. فَمَا زَالَ يَذْكُرُ خِصَالاً جَمِيْلَةً، وَيَعْقِدُ بِيَدِهِ، حَتَّى عَقَدَ عَشْرَةً: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ (1) . وَنَقَلَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ، سَمِعَ ابْنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: أُخْبِرْتُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ مَالِكاً وَاللَّيْثَ اجْتَمَعَا، لَكَانَ مَالِكٌ عِنْد اللَّيْثِ أَخْرَسَ، وَلَبَاعَ اللَّيْثُ مَالِكاً فِيْمَنْ يَزِيْدُ. قُلْتُ: لاَ يَصِحُّ إِسْنَادُهَا؛ لِجَهَالَةِ مَنْ حَدَّثَ عَنْ سَعِيْدٍ بِهَا، أَوْ أَنَّ سَعِيْداً مَا عَرَفَ مَالِكاً حَقَّ المَعْرِفَةِ. أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ كِتَابَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضِ بنِ أَبِي طَيْبَةَ المُفْرِضُ (3) ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا كَانَ فِي كُتُبِ مَالِكٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَهُوَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ (4) . وَبِهِ: إِلَى أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا الصُّوْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 6، و" الوفيات " 4 / 130. (2) 13 / 6. (3) بضم الميم وسكون الفاء، وكسر الراء، وفي آخرها ضاد معجمة، يقال هذا لمن يعرف الفرائض، قال ابن الأثير: أهل مصر يقولون له: المفرض، وأهل العراق يقولون له: الفرائضي والفرضي، والمشهور بهذه النسبة أبو طيبة عبد الملك بن نصير المفرض، كان عالم مصر بالفرائض. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 7. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 التُّجِيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَالِحِ بنِ مُلَيْحٍ الطَّرَائِفِيُّ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلاَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، لَضَلَّ النَّاسُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: لَوْلاَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، هَلَكْتُ، كُنْتُ أَظُنُّ كُلَّ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْعَلُ بِهِ (2) . جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَنِيُّ (3) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ مِصْرَ يَنْتَقِصُوْنَ عُثْمَانَ، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِمُ اللَّيْثُ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِه، فَكَفُّوا. وَكَانَ أَهْلُ حِمْصَ (4) يَنْتَقِصُوْنَ عَلِيّاً حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، فَحَدَّثهُم بِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، فَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ. مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضٍ المُفْرِضُ: سَمِعْتُ حَرْملَةَ يَقُوْلُ: كَانَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ يَصِلُ مَالِكاً بِمائَةِ دِيْنَارٍ فِي السَّنَةِ، فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَيْهِ: عَلَيَّ دَيْنٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَسَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: كَتَبَ مَالِكٌ إِلَى اللَّيْثِ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أُدخِلَ بِنْتِي عَلَى زَوْجِهَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَبْعَثَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ عُصْفُرٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَلاَثِيْنَ حِمْلاً عُصْفُراً، فَبَاعَ مِنْهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ (5) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ يَسْتَغِلُّ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ قَطُّ. وَأَعْطَى اللَّيْثُ ابْنَ لَهِيْعَةَ أَلْفَ دِيْنَارٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 7. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 7. (3) نسبة إلى رأس العين مدينة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين. (4) سقطت من الأصل، واستدركت من " تاريخ بغداد " 13 / 7. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 7، 8، و" وفيات الأعيان " 4 / 130 و" حلية الأولياء " 7 / 319. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 وَأَعْطَى مَالِكاً أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَعْطَى مَنْصُوْرَ بنَ عَمَّارٍ الوَاعِظَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَجَارِيَةً تَسْوَى ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ (1) . قَالَ: وَجَاءتِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّيْثِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا الحَارِثِ، إِنَّ ابْناً لِي عَلِيْلٌ، وَاشْتَهَى عَسَلاً. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، أَعْطِهَا مِرْطاً مِنْ عَسَلٍ. وَالمِرْطُ: عِشْرُوْنَ وَمائَةُ رَطْلٍ. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ مُنْذُ بَلَغتُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: سَأَلَتِ امْرَأةٌ اللَّيْثَ مَنّاً مِنْ عَسَلٍ، فَأَمَرَ لَهَا بِزِقٍّ، وَقَالَ: سَأَلَتْ عَلَى قَدَرِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى قَدَرِ السَّعَةِ عَلَيْنَا (2) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيَّ، قَالَ: جَاءتِ امْرَأَةٌ بِسُكُرَّجَةٍ (3) إِلَى اللَّيْثِ تَطلُبُ عَسَلاً، فَأَمَرَ مَنْ يَحمِلُ مَعَهَا زِقّاً، فَجَعَلت تَأْبَى، وَجَعَلَ اللَّيْثُ يَأْبَى إِلاَّ أَنْ يُحْمَلَ مَعَهَا مِنْ عَسَلٍ، وَقَالَ: نُعطِيْكِ عَلَى قَدَرِنَا. وَعَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالَ: اشْتَرَى قَوْمٌ مِنَ اللَّيْثِ ثَمَرَةً، فَاسْتَغْلَوْهَا، فَاسْتَقَالُوْهُ، فَأَقَالَهُم، ثُمَّ دَعَا بِخَرِيطَةٍ فِيْهَا أَكْيَاسٌ، فَأَمَرَ لَهُم بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الحَارِثُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ غَفْراً، إِنَّهُم قَدْ كَانُوا أَمَّلُوا فِيْهَا أَمَلاً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعَوِّضَهُم مِنْ أَمَلِهِم بِهَذَا.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 8، وتسوى: لغة في تساوي نادرة، قال الازهري في " التهذيب " 13 / 126: وقولهم: لا يسوى. ليس من كلام العرب، وهو من كلام المولدين. (2) " تاريخ بغداد ": 13 / 8، و" الوفيات ": 4 / 131. (3) إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الادم وهي فارسية، وأكثر ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ حَاجّاً مَعَ أَبِي، فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ بِطَبَقِ رُطَبٍ. قَالَ: فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَرَدَّهُ إِلَيْهِ. إِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: صَحِبتُ اللَّيْثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، لاَ يَتَغَدَّى وَلاَ يَتَعَشَّى إِلاَّ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ بِلَحمٍ إِلاَّ أَنْ يَمْرَضَ. مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيَاضٍ المُفْرِضُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو الغَافِقِيُّ، سَمِعْتُ أَشْهَبَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: كَانَ اللَّيْثُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ مَجَالِسَ يَجْلِسُ فِيْهَا: أَمَّا أَوَّلُهَا، فَيَجلِسُ لِنَائِبَةِ السُّلْطَانِ فِي نَوَائِبِه وَحَوَائِجِه، وَكَانَ اللَّيْثُ يَغشَاهُ السُّلْطَانُ، فَإِذَا أَنْكَرَ مِنَ القَاضِي أَمراً، أَوْ مِنَ السُّلْطَانِ، كَتَبَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَيَأْتِيْهِ العَزلُ، وَيَجْلِسُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: نَجِّحُوا أَصْحَابَ الحَوَانِيْتِ، فَإِنَّ قُلُوْبَهُم مُعَلَّقَةٌ بِأَسْوَاقِهِم. وَيَجلِسُ لِلْمَسَائِلِ، يَغشَاهُ النَّاسُ، فَيَسْأَلُوْنَهُ، وَيَجلِسُ لِحَوَائِجِ النَّاسِ، لاَ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدّهُ، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ أَوْ صَغُرَتْ. وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ فِي الشِّتَاءِ الهَرَائِسَ بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ البَقَرِ، وَفِي الصَّيْفِ سَوِيْقَ اللَّوْزِ فِي السُّكَّرِ (1) . وَبِهِ: إِلَى الخَطِيْبِ أَبِي بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: قَفَلْنَا مَعَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلاَثُ سَفَائِنَ: سَفِيْنَةٌ فِيْهَا مَطْبَخُه، وَسَفِيْنَةٌ فِيْهَا عَائِلَتُهُ، وَسَفِيْنَةٌ فِيْهَا أَضْيَافُهُ. وَكَانَ إِذَا حَضَرتِ الصَّلاَةُ يَخْرُجُ إِلَى الشَّطِّ، فَيُصَلِّي. وَكَانَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ إِمَامَهُ، فَخَرَجْنَا لِصَلاَةِ المَغْرِبِ، فَقَالَ: أَيْنَ   (1) " تاريخ بغداد ": 13 / 9 و" الوفيات " 4 / 131. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 شُعَيْبٌ؟ فَقَالُوا: حُمَّ. فَقَامَ اللَّيْثُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقدَّمَ، فَقَرَأَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، فَقَرَأَ: {فَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا (1) } . وَكَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ غَلَطٌ مِنَ الكَاتِبِ عِنْدَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَيَجْهَرُ: بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَيُسلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ (2) . الفَسَوِيُّ: قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ كَثِيْراً يَقُوْلُ: أَنَا أَكْبَرُ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي مَتَّعَنَا بِعَقْلِنَا (3) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا وَدَّعتُ أَبَا جَعْفَرٍ بِبِيْتِ المَقْدِسِ، قَالَ: أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَقْلِكَ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي رَعِيَّتِي مِثْلَكَ. قَالَ شُعَيْبٌ: كَانَ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ تُخْبِرُوا بِهَذَا مَا دُمتُ حَيّاً (4) . قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ أَكْبَرَ مِنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَإِذَا نَظَرتَ تَقُوْلُ: ذَا ابْنٌ، وَذَا أَبٌ -يَعْنِي: ابْنَ لَهِيْعَةَ الأَبَ (5) -. قَالَ: وَلَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ مِنَ الغَدِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ (6) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ الأَشَجُّ: سُئِلَ قُتَيْبَةُ: مَنْ أَخْرَجَ لَكُم هَذِهِ   (1) قال الطبري في " تفسيره " 30 / 216: قرأته عامة قراء الحجاز والشام (فلا يخاف عقباها) بالفاء وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأته عامة العراق في المصرين (بالواو) (ولا يخاف عقباها) ، وكذلك هو في مصاحفهم، والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان غير مختلفي المعنى فبأيتهما قرأ القارئ، فمصيب. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 9، و" الوفيات " 4 / 131. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 10. (4) " المعرفة والتاريخ " 2 / 441، و" تاريخ بغداد " 13 / 10. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 10. (6) " حلية الأولياء " 7 / 322. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 الأَحَادِيْثَ مِنْ عِنْدِ اللَّيْثِ؟ فَقَالَ: شَيْخٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بنُ الحُبَابِ (1) . وَقَدِمَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ عَلَى اللَّيْثِ، فَوَصَلَهُ بِأَلْف دِيْنَارٍ. وَاحْتَرَقَتْ دَارُ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَوَصَلَهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَوَصَلَ مَالِكاً بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَكَسَانِي قَمِيْصَ سُنْدُسٍ، فَهُوَ عِنْدِي. رَوَاهَا: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الصَّيْدَنَانِيِّ، سَمِعْتُ الأَشَجَّ (2) . أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْباً يَقُوْلُ: يَسْتَغِلُّ أَبِي فِي السَّنَةِ مَا بَيْنَ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ إِلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَبِهِ: إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّمْلِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ يَقُوْلُ: كَانَ دَخْلُ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ زَكَاةَ دِرْهَمٍ قَطُّ (3) . قُلْتُ: مَا مَضَى فِي دَخْلِهِ أَصَحُّ. أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَجْدَةَ التَّنُوخِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ الآدَم، قَالَ: مَرَرتُ بِاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، فَتَنَحْنَحَ لِي، فَرَجَعتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: يَا سَعِيْدُ، خُذْ هَذَا القُنْدَاقَ (4) ، فَاكْتُبْ لِي فِيْهِ مَنْ يَلْزَمُ المَسْجِدَ، مِمَّنْ لاَ بِضَاعَةَ لَهُ وَلاَ غَلَّةَ. فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً يَا أَبَا   (1) ذكره في " تاريخ بغداد " 13 / 10، وزيد بن الحباب من رجال مسلم، قال في " التقريب ": أصله من خراسان، وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 10، 11. (3) " تاريخ بغداد ": 13 / 11، و" حلية الأولياء " 7 / 322. (4) القنداق: صحيفة الحساب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 الحَارِثِ. وَأَخَذْتُ مِنْهُ القُنْدَاقَ، ثُمَّ صِرتُ إِلَى المَنْزِلِ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ، أَوْقَدتُ السِّرَاجَ، وَكَتَبتُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ثُمَّ قُلْتُ: فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ. ثُمَّ بَدَرَتْنِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: هَا اللهِ يَا سَعِيْدُ، تَأْتِي إِلَى قَوْمٍ عَامَلُوا اللهَ سِرّاً، فَتَكْشِفُهُم لآدَمِيٍّ؟! مَاتَ اللَّيْثُ، وَمَاتَ شُعَيْبٌ، أَلَيْسَ مَرجِعُهُم إِلَى اللهِ الَّذِي (1) عَامَلُوْهُ؟ فَقُمْتُ وَلَمْ أَكْتُبْ شَيْئاً، فَلَمَّا أَصْبَحتُ، أَتَيْتُ اللَّيْثَ، فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ، فَنَاوَلْتُهُ القُنْدَاقَ، فَنَشَرَهُ، فَمَا رَأَى فِيْهِ غَيْرَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، فَقَالَ: مَا الخَبَرُ؟ فَأَخْبَرتُهُ بِصِدقٍ عَمَّا كَانَ، فَصَاحَ صَيْحَةً، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الحِلَقِ، فَسَأَلُوْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ خَيْرٌ. ثُمَّ أَقْبَل عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا سَعِيْدُ، تَبَيَّنْتَهَا وَحُرِمْتَهَا، صَدَقتَ، مَاتَ اللَّيْثُ أَلَيْسَ مَرجِعُهُم إِلَى اللهِ (2) ؟ قَالَ مِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ: رَأَيْتُ سَعِيْداً الآدَمَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الأَبْدَالِ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ اللَّيْثُ يَقْرَأُ بِالعِرَاقِ مِنْ فَوْقِ علِّيَّةٍ (3) عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَالكِتَابُ بِيَدِي، فَإِذَا فَرَغَ، رَمَيتُ بِهِ إِلَيْهِم، فَنَسَخُوهُ. رَوَى: عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قِيْلَ لِلَّيْثِ: أَمتَعَ اللهُ بِكَ، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْك الحَدِيْثَ لَيْسَ فِي كُتُبِكَ. فَقَالَ: أَوَ كُلُّ مَا فِي صَدْرِي فِي كُتُبِي؟ لَوْ كَتَبتُ مَا فِي صَدْرِي، مَا وَسِعَه هَذَا المَرْكَبُ. رَوَاهَا: الحَافِظُ ابْنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ أَبِيْهِ.   (1) في الأصل: الذين. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 11، 12، و" تهذيب الكمال " 1153. (3) بضم العين وكسرها. الغرفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَالَ اللَّيْثُ: كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ الحُجَّاجِ وَهِيَ كَثِيْرَةُ السِّرقِيْنِ (1) ، فَكُنْتُ أَلبَسُ خُفَّينِ، فَإِذَا بَلَغتُ بَابَ المَسْجِدِ، نَزعتُ أَحَدَهُمَا، وَدَخَلْتُ. فَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: لاَ تَفْعَلْ هَذَا، فَإِنَّكَ إِمَامٌ مَنْظُوْرٌ إِلَيْكَ - يُرِيْدُ لُبسَ خُفٍّ عَلَى خُفٍّ -. الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا فِي هَؤُلاَءِ المِصْرِيِّينَ أَثبَتُ مِنَ اللَّيْثِ، لاَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَلاَ أَحَدٌ، وَقَدْ كَانَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ عِنْدِي، ثُمَّ رَأَيْتُ لَهُ أَشْيَاءَ مَنَاكِيْرَ، مَا أَصَحَّ حَدِيْثَ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ. وَجَعَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ إِنْسَاناً ضَعَّفَهُ. فَقَالَ: لاَ يَدْرِي (2) . وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قَالَ أَحْمَدُ: لَيْثٌ كَثِيْرُ العِلْمِ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: لَيْسَ فِي المِصْرِيِّينَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ يُقَارِبُهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيْثاً عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ: لَيْثُ بنُ سَعْدٍ، يَفْصِلُ مَا رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. هُوَ ثَبْتٌ فِي حَدِيْثِهِ جِدّاً. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَنِ المَقْبُرِيِّ، أَوِ   (1) السرقين: بكسر السين، معرب السركين أو السرجين: الزبل. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 12. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 12. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 ابْنُ عَجْلاَنَ؟ قَالَ: ابْنُ عَجْلاَنَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ مِنْ سَمَاعِ أَبِيْهِ، اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُم فِي المَقْبُرِيِّ (1) . وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَيَحْيَى ثِقَةٌ. قُلْتُ: فَكَيْفَ حَدِيْثُهُ عَنْ نَافِعٍ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: اللَّيْثُ عِنْدِي أَرْفَعُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قُلْتُ: فَاللَّيْثُ، أَوْ مَالِكٌ؟ قَالَ: مَالِكٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ - وَذَكَرَ اللَّيْثَ - فَقَالَ: إِمَامٌ قَدْ أَوجَبَ اللهُ عَلَيْنَا حَقَّهُ، لَمْ يَكُنْ بِالبَلَدِ - بَعْدَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ - مِثْلُهُ. وَقَالَ سَهْلُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ الفَلاَّسَ يَقُوْلُ: لَيْثُ بنُ سَعْدٍ صَدُوْقٌ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَقَلَّ اللَّيْثُ بِالفَتْوَى، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، سَرِيّاً مِنَ الرِّجَالِ، سَخِيّاً، لَهُ ضِيَافَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: فِي حَدِيْثِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَعْضُ الاضْطِرَابِ. عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: ارْتَحَلْتُ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى الأَعْرَجِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: اللَّيْثُ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ.   (1) انظر هذه الاخبار في " تاريخ بغداد " 13 / 13. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ: هَذِهِ رِسَالَةُ مَالِكٍ إِلَى اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا بِهَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ يَقُوْلُ فِيْهَا: وَأَنْتَ فِي إِمَامَتِك وَفَضْلِكَ وَمَنْزِلَتِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِكَ، وَحَاجَةِ مَنْ قِبَلَكَ إِلَيْكَ، وَاعْتِمَادِهِم عَلَى مَا جَاءهُم مِنْكَ. أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. وَقَالَ حَرْملَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: اللَّيْث أَتْبَعُ لِلأَثَرِ مِنْ مَالِكٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اللَّيْثُ ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: اللَّيْث ثِقَةٌ، وَلَكِنَّ فِي أَخْذِهِ سُهُولَةً. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ لِي المَنْصُوْرُ: تَلِي لِي مِصْرَ؟ فَاسْتَعْفَيْتُ. قَالَ: أَما إِذْ أَبَيْتَ، فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُقلِّدُهُ مِصْرَ. قُلْتُ: عُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ (4) ، رَجُلٌ لَهُ صَلاَحٌ، وَلَهُ عَشِيْرَةٌ. قَالَ: فَبَلَغَ عُثْمَانَ ذَلِكَ، فَعَاهَدَ اللهَ أَلاَّ يُكَلِّمَ اللَّيْثَ.   (1) أورده ابن حجر في ترجمة الليث 2 / 243 من " مجموع الرسائل المنيرية ". (2) " الجرح والتعديل " 7 / 180. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 180. (4) هو من رجال " التهذيب " قال الحافظ في " التقريب " صدوق له أوهام من الطبقة الثامنة، مات سنة 163، ونقل عن ابن وهب أنه أول من أدخل مسائل مالك إلى مصر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 قَالَ: وَوَلِيَ لَهُمُ اللَّيْثُ ثَلاَثَ وَلاَيَاتٍ لِصَالِحِ بنِ عَلِيٍّ (1) . قَالَ صَالِحٌ لِعَمْرِو بنِ الحَارِثِ: لاَ أَدَعُ اللَّيْثَ حَتَّى يَتَوَلَّى لِي. فَقَالَ عَمْرٌو: لاَ يَفْعَلُ. فَقَالَ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. فَجَاءهُ عَمْرٌو، فَحَذَّرَهُ، فَوَلِيَ دِيْوَانَ العَطَاءِ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ أَيَّامَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَوَلِيَ الدِّيْوَانَ أَيَّامَ المَهْدِيِّ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحِيْرِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ - وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ إِلَى جَنْبِهِ -: خَرَجَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ يَوْماً، فَقَوَّمُوا ثِيَابَه، وَدَابَّتَه، وَخَاتِمَه، وَمَا عَلَيْهِ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَكِنْ خَرَجَ عَلَيْنَا شُعْبَةُ يَوْماً، فَقَوَّمُوا حِمَارَه وَسَرْجَه وَلِجَامَه، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، إِلَى عِشْرِيْنَ دِرْهَماً. عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، قَالَ: كُنَّا عَلَى بَابِ مَالِكٍ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحَدِيْثِ، فَقُلْتُ: مَا يُشْبُهُ هَذَا صَاحِبَنَا؟ قَالَ: فَسَمِعَهَا مَالِكٌ، فَأَدْخَلَنَا، وَقَالَ: مَنْ صَاحِبُكُمْ؟ قُلْتُ: اللَّيْثُ. قَالَ: تُشَبِّهُونَا بِرَجُلٍ كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي قَلِيْلِ عُصْفُرٍ، نَصْبِغُ بِهِ ثِيَابَ صِبْيَانِنَا، فَأَنفَذَ مِنْهُ مَا بِعْنَا فَضْلَتَهُ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ (2) . قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ: سَمِعْتُ أَسَدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ يَطلُبُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَيَقْتُلُهُم. قَالَ: فَدَخَلْتُ مِصْرَ فِي هَيْئَةٍ   (1) هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي الأمير عم السفاح والمنصور، وأول من ولي مصر من قبل الخلفاء العباسيين سنة 133، وضمت إليه ولاية فلسطين ثم ضمت إليه إفريقية، وفي خلافة المنصور نقله إلى ولاية الجزيرة، وأنشأ مدينة " أدنة " بلد من الثغور قرب المصيصة، وكسر الروم في وقائع مرج دابق، وكان شجاعا حازما ولد بالشراة سنة 96 وتوفي بقنسرين سنة 151، " دول الإسلام ": 1 / 104، و" النجوم الزاهرة ": 1 / 323 و" تهذيب ابن عساكر 6 / 378، 379، و" الولاة والقضاة ": 97. (2) " حلية الأولياء " 7 / 319. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 رَثَّةٍ، فَأَتَيْتُ اللَّيْثَ، فَلَمَّا فَرَغتُ مِنَ المَجْلِسِ، تَبِعَنِي خَادِمٌ لَهُ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَكَانَ فِي حُزَّتِي (1) هِمْيَانٌ فِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، فَأَخْرَجْتُهَا، فَقُلْتُ: أَنَا فِي غِنَىً، اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى الشَّيْخِ. فَاسْتَأْذَنَ، فَدَخَلْتُ، وَأَخْبَرْتُهُ بِنَسَبِي، وَاعْتَذَرتُ مِنَ الرَّدِّ، فَقَالَ: هِيَ صِلَةٌ. قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي. قَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى مَنْ تَرَى مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ (2) . قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ يَرْكَبُ فِي جَمِيْعِ الصَّلَوَاتِ إِلَى الجَامِعِ، وَيَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ مِسْكِيْنٍ. سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اللَّيْثِ خَلْوَةً، فَأَخْرَجُ مِنْ تَحْتِهِ كِيْساً فِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا السَّرِيِّ، لاَ تُعْلِمْ بِهَا ابْنِي، فَتَهُونَ عَلَيْهِ (3) . أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: مَا صَلاَحُ بَلَدِكُم؟ قُلْتُ: بِإِجرَاءِ النِّيْلِ، وَبِصَلاَحِ أَمِيْرِهَا، وَمِنْ رَأْسِ العَيْنِ يَأْتِي الكَدَرُ، فَإِنْ صَفَتِ العَيْنُ، صَفَتِ السَّوَاقِي. قَالَ: صَدَقتَ (4) . وَعَنِ ابْنِ وَزِيْرٍ، قَالَ: قَدْ وَلِيَ اللَّيْثُ الجَزِيْرَةَ، وَكَانَ أُمَرَاءُ مِصْرَ لاَ يَقْطَعُوْنَ أَمْراً إِلاَّ بِمَشُوْرَتِه. فَقَالَ أَبُو المُسْعَدِ، وَوَصَّلهَا إِلَى المَنْصُوْرِ: لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ... نَصَائِحُ حُكْتُهَا فِي السِّرِّ وَحْدِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ تَلاَفَ مِصْراً ... فَإِنَّ أَمِيْرَهَا لَيْثُ بنُ سَعْدِ (5)   (1) الحزة، بضم الحاء: الحجزة، وهي موضع شد الازار والسراويل. (2) " حلية الأولياء " 7 / 322. (3) " حلية الأولياء " 7 / 321. (4) " حلية الأولياء " 7 / 322. (5) " النجوم الزاهرة " 2 / 82. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 قَالَ بَكْر بنُ مُضَرَ: قَدِمَ عَلَيْنَا كِتَابُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ إِلَى حَوْثَرَةَ (1) وَالِي مِصْرَ: إِنِّيْ قَدْ بَعثْتُ إِلَيْكُم أَعْرَابِيّاً بَدَوِيّاً فَصِيْحاً مِنْ حَالِهِ، وَمِن حَالِه، فَاجْمَعُوا لَهُ رَجُلاً يُسدِّدُه فِي القَضَاءِ، وَيُصَوِّبُهُ فِي المَنْطِقِ. فَأَجْمَعَ رَأْيُ النَّاسِ عَلَى اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَفِي النَّاسِ مُعَلِّمَاهُ: يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: أَعضَلَتِ الرَّشِيْدَ مَسْأَلَةٌ، فَجَمَعَ لَهَا فُقَهَاءَ الأَرْضِ، حَتَّى أَشْخَصَ اللَّيْثَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا. قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْنِ، فَانْقَلْبتُ بِهِمَا، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ عَاوَدْتُهُ، فَسَأَلتُهُ: أَسَمِعْتَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُهُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ بِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: عَلِّمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ. فَعَلَّمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي (2) . قُلْتُ: قَدْ رَوَى اللَّيْثُ إِسْنَاداً عَالِياً فِي زَمَانِهِ، فَعِنْدَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا النَّمَط أَعْلَى مَا يُوجَدُ فِي زَمَانِهِ. ثُمَّ تَرَاهُ يَنزِلُ فِي أَحَادِيْثَ، وَلاَ يُبَالِي لِسَعَةِ عِلْمِهِ، فَقَدْ رَوَى أَحَادِيْثَ عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ -   (1) هو حوثرة بن سهيل أخو عجلان بن سهيل الباهلي، كان بدويا قحا، فصيح اللسان، صاحب رأي وتدبير وقوة وخبرة بالحروب، ولي مصر سنة 128 لمروان بن محمد واستمر إلى سنة إحدى وثلاثين ومئة، ثم عزله مروان، وبعثه إلى العراق لقتال الخراسانية دعاة بني العباس، فقتل هناك سنة 132 هـ. " النجوم الزاهرة " 1 / 305. (2) قلت: ولذا قال العلماء: يرد من حديث أبي الزبير ما يقول فيه " عن " أو " قال " ونحو ذلك سواء أكان حديثه في الصحيح أو غيره، لأنه موصوف بالتدليس، فإذا قال: " سمعت " و" أخبرنا " احتج به، ويحتج به إذا قال " عن " فيما رواه عنه الليث بن سعد خاصة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ بِكَثِيْرٍ - عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} [النِّسَاءُ: 3] ... ، الحَدِيْثَ (1) . وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ إِذَا سَجَدَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الأُوْلَى، قَعَدَ عَلَى أَطرَافِ أَصَابِعِه، وَيَقُوْلُ: إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ. لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ اللَّيْثُ. تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ: أَبُو صَالِحٍ. جَمَاعَةٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ الكَوْثَرِ، فَقَالَ: (نَهْرٌ أَعْطَانِيْهِ رَبِّي، أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَفِيْهِ طَيْرٌ كَأَعْنَاقِ الجُزُرِ) . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ تِلْكَ الطَّيْرَ نَاعِمَةٌ! قَالَ: (آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَرُ) (2) .   (1) وتمامه: قالت: " يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا، فيكملوا لهن الصداق، ثم أمروا أن تنكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق ". وأخرجه الطبري (8459) من طريق المثنى، عن أبي صالح عبد الله كاتب الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة. وعلقه البخاري في " صحيحه " 5 / 95، فقال: وقال الليث: حدثني يونس..وأخرجه موصولا البخاري 8 / 179 في التفسير، ومسلم (3018) من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وأخرجه البخاري 9 / 162، ومسلم (3018) (7) من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 220، 221 من طريق أبي سلمة الخزاعي، عن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 سَمِعَهُ: ابْنُ بُكَيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، مِنْهُ، وَعَبْدُ اللهِ هُوَ أَخُو الزُّهْرِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ اللَّيْثِ، فَذَكَرَ العَدَسَ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ: بَارَك فِيْهِ سَبْعُوْنَ نَبِيّاً. فَقَضَى اللَّيْثُ صَلاَتَه، وَقَالَ: وَلاَ نَبِيٌّ وَاحِدٌ، إِنَّهُ بَاردٌ مُؤذٍ (1) . قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ: لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْثَ، وَإِنَّ رَبِيْعَةَ وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ لَيَتَزَحْزَحُونَ لَهُ زَحْزَحَةً. قَالَ سَعِيْدٌ الآدَمُ: قَالَ العَلاَءُ بنُ كَثِيْرٍ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا، وَإِمَامُنَا، وَعَالِمُنَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ اللَّيْثُ قَدِ اسْتَقَلَّ بِالفَتْوَى فِي زَمَانِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: مَاتَ اللَّيْثُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ يَحْيَى: يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ:   = الليث به، وأخرجه أحمد 3 / 236، وابن جرير 30 / 324 من حديث الزهري، عن أخيه عبد الله، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر،..فذكره، وأخرجه الترمذي (2542) من طريق عبد بن حميد، عن عبد الله بن مسلمة، عن محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه، عن أنس.. (1) وحكى الخطيب في ترجمة سلم بن سالم من تاريخه 9 / 143 أن ابن المبارك سئل عن الحديث الذي حدث في أكل العدس، وأنه قدس على لسان سبعين نبيا؟، فقال: ولا على لسان نبي واحد، إنه لمؤذ منفخ، من يحدثكم به؟ قالوا: سلم بن سالم، قال: عمن؟ قالوا: عنك، قال: وعني أيضا؟ ! قلت: وسلم بن سالم هذا ترجمه المؤلف في " الميزان " ونقل تضعيفه عن ابن معين وأحمد، وأبي زرعة، وابن أبي حاتم والنسائي وابن المبارك وغيرهم. وقد أورد الحديث ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " (51) ضمن الأحاديث الموضوعة التي تعرف بتكذيب الحس لها، وقال: ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على المن والسلوى أو أشباههم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 مُوْسَى بنُ عِيْسَى. وَقَالَ سَعِيْدٌ: مَاتَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ. قَالَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيُّ: شَهِدتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُم عَلَيْهِمُ الحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيبْكُوْنَ، فَقُلْتُ: يَا أَبتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجَنَازَةِ. فَقَالَ: يَابُنَيَّ، لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَداً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ الفَقِيْهُ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَاصِلٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً، وَالثَّوْرِيَّ، وَاللَّيْثَ، وَالأَوْزَاعِيَّ عَنِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِي الصِّفَاتِ، فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءتْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا أَدْركنَا أَحَداً يُفَسِّرُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَنَحْنُ لاَ نُفَسِّرُهَا. قُلْتُ: قَدْ صَنَّفَ أَبُو عُبَيْدٍ (1) كِتَابَ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ، وَمَا تَعرَّضَ لأَخْبَارِ الصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ بِتَأْوِيلٍ أَبَداً، وَلاَ فَسَّرَ مِنْهَا شَيْئاً. وَقَدْ أَخَبَرَ بِأَنَّهُ مَا لَحِقَ أَحَداً يُفَسِّرُهَا، فَلَو كَانَ -وَاللهِ- تَفْسِيْرُهَا سَائِغاً، أَوْ حَتماً، لأَوْشَكَ أَنْ يَكُوْنَ اهْتِمَامُهُم بِذَلِكَ فَوْقَ اهْتِمَامِهِم بِأَحَادِيْثِ الفُرُوْعِ وَالآدَابِ، فَلَمَّا لَمْ يَتعَرَّضُوا لَهَا بِتَأْوِيلٍ، وَأَقَرُّوهَا عَلَى مَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الحَقُّ الَّذِي لاَ حَيْدَةَ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى: اللَّيْثُ، عَمَّنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ، بَلْ أَصْغَرُ: رَوَى عَنْ: سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، وَشُعَيْبِ   (1) هو القاسم بن سلام، و" غريب الحديث " طبع بالهند بمطبعة دائرة المعارف العثمانية سنة 1385 هـ ويقع في أربعة أجزاء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 بنِ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجِشُوْنِ، وَأَبِي مَعْشَرٍ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ. وَرَوَى عَنْ: رَجُلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ - وَإِبْرَاهِيْمُ أَصْغَرُ مِنْهُ -. وَقَدْ رَوَى عَنْ: كَاتِبِه أَبِي صَالِحٍ حَدِيْثاً وَاحِداً. فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ تَرْجَمَةِ اللَّيْثِ مُوْجَزاً -رَحِمَهُ اللهُ- وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 الطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ 13 - مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الفِطْرِيُّ * (م، 4) المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدَنِيُّ، مَوْلَى الفِطْرِيِّينَ - بِكَسْرِ الفَاءِ - وَهُم مَوَالِي بَنِي مَخْزُوْمٍ. يَرْوِي عَنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَعَوْنِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ سَلَمَةَ اللَّيْثِيِّ، وَسَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ. وَثَّقَهُ: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يَتَشَيَّعُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 14 - مَيْسَرَةُ التَّرَاسُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ ** قِيْلَ: هُوَ مَيْسَرَةُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، الأَكُولُ. ذَكَرتُهُ   (*) التاريخ الكبير: 1 / 237، الجرح والتعديل: 8 / 82، تهذيب الكمال: 1279، تذهيب التهذيب: 4 / 3 / 2، تهذيب التهذيب: 9 / 480، خلاصة تذهيب الكمال: 308. (* *) التاريخ الكبير 7 / 337، الجرح والتعديل 8 / 254، التاريخ الصغير: 2 / 171، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 مُطَوَّلاً فِي (المِيْزَانِ (1)) . ضَعَّفُوهُ. يَرْوِي عَنْ: لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ غَيْلاَنَ، وَدَاوُدُ بنُ المُحَبَّرِ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدِ اتُّهِم (2) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: كَمْ أَكْثَرُ مَا أَكَلَ مَيْسَرَةُ؟ قُلْتُ: مائَةُ رَغِيْفٍ، وَنِصْفُ مَكُّوْكِ مِلْحٍ. فَأَمَرَ الرَّشِيْدُ، فَطُرِحَ لِلْفِيْلِ مائَةُ رَغِيْفٍ، فَفَضَّلَ مِنْهَا رَغِيْفاً. وَقِيْلَ: إِنَّ بَعْضَ المُجَّانِ قَالُوا لَهُ: هَلْ لَكَ فِي كَبْشٍ مَشْوِيٍّ؟ قَالَ: مَا أَكْرَهُ ذَلِكَ. وَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ، فَأَخَذُوا الحِمَارَ، وَأَتَوْهُ - وَقَدْ جَاعَ - بِالشِّوَاءِ. فَأَقْبَل يَأْكُلُ، وَيَقُوْلُ: أَهَذَا لَحْمُ فِيْلٍ؟! بَلْ لَحْمُ شَيْطَانٍ. حَتَّى فَرَغَهَ، ثُمَّ طَلَبَ حِمَارَهُ، فَتَضَاحَكُوا، وَقَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- فِي جَوْفِكَ. وَجَمَعُوا لَهُ ثَمَنَهُ. وَقِيْلَ: نَذَرِتِ امْرَأَةٌ أَنْ تُشبِعَهُ، فَرَفَقَ بِهَا، وَأَكَلَ مَا يَكْفِي سَبْعِيْنَ رَجُلاً.   = ميزان الاعتدال: 4 / 230 - 323، الضعفاء للعقيلي: لوحة 432، المجروحين لابن حبان، 3 / 11، الكامل لابن عدي: 4 / 340 / 1، لسان الميزان: 6 / 138، 140، المغني في الضعفاء 2 / 689. (1) 4 / 230. (2) في " الميزان " قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الاثبات، ويضع الحديث، وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل. وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين والثغور. وقال أبو زرعة: وضع في فضل قزوين أربعين حديثا، وكان يقول: إني أحتسب في ذلك، وقال البخاري: ميسرة بن عبد ربه يرمى بالكذب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 15 - المُغِيْرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ * (ع) ابْنِ خَالِدِ بنِ حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، الحِزَامِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، النَّسَّابَةُ، وَيُعْرَفُ: بِقُصَيٍّ. لاَزَمَ أَبَا الزِّنَادِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ. وَعَنْ: سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَالمُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ، وَعَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ شَرِيْفاً، وَافِرَ الحُرمَةِ، عَلاَّمَةً بِالنَّسَبِ، صَادِقاً، عَالِماً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ، لَكِنْ لَهُ مَا يُنكَرُ. فَأَخَرَجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ حَدِيْثَهُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِاليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ (1) . وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحَافِظُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ فِي   (*) التاريخ لابن معين: 2 / 580، التاريخ الكبير 7 / 321، الجرح والتعديل 8 / 225 226، تهذيب الكمال: 1364، 1365، ميزان الاعتدال: 4 / 163، تذهيب التهذيب: 4 / 62 / 2، الكاشف 3 / 169، تهذيب التهذيب: 10 / 266، خلاصة تذهيب الكمال: 330. (1) وأخرجه الشافعي 2 / 235، والترمذي (343) وأبو داود (3610) ، وابن ماجه (2368) وسنده حسن، وله شاهد من حديث ابن عباس عند مسلم (1712) وشواهد أخر أوردها الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 100. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 البَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا الحَدِيْثِ. وَبَالإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اتَّقُوا المَجْذُوْمَ كَمَا يُتَّقَى الأَسَدُ) . وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ (1) . تُوُفِّيَ قُصَيٌّ هَذَا: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ. 16 - ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ المَدَنِيُّ * الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الفَقِيْهِ أَبِي الزِّنَادِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ المَدَنِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ المائَةِ. وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَسُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، وَعَمْرَو بنَ أَبِي   (1) بل هو حسن غير منكر، فقد أخرجه ابن وهب (106) من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه مرسلا، وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 1 / 155 من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة، وأخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه ": 2 / 307 من طريق عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي، حدثنا عبد الرحمن بن سلام، حدثنا عبد العزيز بن محمد، به..وأخرجه ابن عدي في " الكامل " 326 وجه ثان عن يحيى بن عبد الله بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 10 / 132، 133 من طريق عفان، عن سليم بن حبان، عن سعيد بن مينا، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ " وفر من المجذوم كما تفر من الاسد "، وأخرج ابن خزيمة في كتاب " التوكل " له شاهدا من حديث عائشة بلفظ: " وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الاسد ". وأخرج مسلم (2231) من حديث عمرو بن الشريد الثقفي، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا قد بايعناك، فارجع ". (*) التاريخ لابن معين: 2 / 305 طبقات ابن سعد: 7 / 32، طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة بن خياط: 248، التاريخ الكبير: 5 / 315، المعارف لابن قتيبة: 220، الضعفاء للعقيلي: لوحة 234 - 235، الجرح والتعديل: 5 / 49، كتاب المجروحين: 2 / 56، الكامل لابن عدي: 3 / 230 / 1، الفهرست لابن النديم: 1 / 225، تاريخ بغداد: 10 / 228، تذكرة الحفاظ: 1 / 247 - 248، ميزان الاعتدال: 2 / 111، العبر للذهبي: 1 / 265، تذهيب التهذيب: 2 / 210 / 1، غاية النهاية 1 / 372، تهذيب التهذيب: 6 / 170، طبقات الحفاظ: 106، خلاصة تذهيب الكمال: 194، شذرات الذهب 1 / 284. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 عَمْرٍو، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ: أَبِي جَعْفَرٍ القَارِئِ (1) . قَالَهُ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، وَعَددٌ كَبِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثبَتُ النَّاسِ فِي هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ فَقِيْهاً، مُفْتِياً. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَحَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: حَدِيْثُهُ بِالمَدِيْنَةِ مُقَارِبٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِالعِرَاقِ، فَهُوَ مُضْطَرِبٌ (2) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ (3) : قَدْ رَوَى عَنِ أَبِيْهِ أَشْيَاءَ لَمْ يَروِهَا غَيْرُهُ.   (1) هو يزيد بن القعقاع المدني مولى عبد الله بن عياش بن ربيعة المخزومي أحد القراء العشرة من التابعين، كان إمام المدينة في القراءة، وعرف القارئ، وكان من المفتين المجتهدين، توفي بالمدينة. " تاريخ الإسلام " 5 / 188 للمؤلف. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 25، و" تاريخ بغداد " 10 / 229، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 248. (3) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 2 / 642: قال سهل بن شاذويه: سمعت الأمير خالد بن أحمد يسأل أبا علي: لم لقبت جزرة؟ فقال: قدم علينا عمر بن زرارة، فحدثهم بحديث. لعبد الله بن بسر، أنه كان له خرزة للمريض، وأنا غائب، فسألته عن الحديث، وصحفته " جزرة " فصاح المجان، فبقي علي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 وَقَدْ تَكلَّمَ فِيْهِ مَالِكٌ لِرِوَايَتِه كِتَابَ الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، عَنْ أَبِيْهِ، وَقَالَ: أَيْنَ كُنَّا نَحْنُ مِنْ هَذَا (1) ؟ قَالَ الخَطِيْبُ: تَحوَّلَ مِنَ المَدِيْنَةِ، فَسَكَنَ بَغْدَادَ (2) . رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا حَدَّثَ بِهِ بِالمَدِيْنَةِ صَحِيْحٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِبَغْدَادَ أَفسَدَهُ البَغْدَادِيُّوْنَ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: فِيْهِ ضَعْفٌ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا - يُلَيِّنُه -. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ: إِنِّيْ لأَعْجَبُ مِمَّنْ يَعُدُّ فُلَيْحاً وَابْنَ أَبِي الزِّنَادِ فِي المُحَدِّثِيْنَ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِمَّنْ يَنْفَرِدُ بِالمَقْلُوْبَاتِ (3) عَنِ الأَثْبَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوْءِ حِفْظِه، وَكَثْرَةِ خَطَئِه، فَلاَ يَجُوْزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 230، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 248. والفقهاء السبعة - كما تقدم - هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بالمدينة. ونظمهم بعضهم فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر ... روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله، عروة، قاسم ... سعيد أبو بكر، سليمان، خارجة (2) " تاريخ بغداد " 10 / 228. (3) المقلوبات: هي الأحاديث التي أبدل فيها راويها شيئا من حديث بآخر في السند أو المتن سهوا أو عمدا، والمقلوب بالسند: إبدال راو براو آخر نظير له للاغراب في الرواية أو خطأ يقع فيه الراوي، أو يغير سند الحديث كله بسند آخر. والمقلوب من المتن: أن توضع لفظه مكان لفظة في متن الحديث، وهذا العمل محرم إلا إذا قصد به الاختبار ولم يستمر. وانظر الأمثلة على ذلك في " الباعث الحثيث " 87، 89 بتحقيق المحدث أحمد شاكر رحمه الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 إِلاَّ فِيْمَا وَافَقَ الثِّقَاتُ، فَهُوَ صَادِقٌ (1) . قَالَ الدَّانِي: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. وَرَوَى الحُرُوْفَ عَنْ: نَافِعٍ (2) . رَوَى عَنْهُ الحُرُوْفَ: حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ. وَسَمِعَ مِنْهُ: عَلِيٌّ الكسَائِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَيْسَ بِالحَافِظِ عِنْدَهُم. قُلْتُ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. وَبَعْضُهُم يَرَاهُ حُجَّةً. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَخَذَ العَبَّاسُ بِيَدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي العَقَبَةِ، حِيْنَ وَافَى السَّبْعُوْنَ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَخَذَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِم، وَاشتَرَطَ لَهُ، وَذَلِكَ -وَاللهِ- فِي غُرَّةِ الإِسْلاَمِ وَأَوَّلِهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ أَحَدٌ عَلاَنِيَةً (3) .   (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 56. (2) هو نافع بن عبد الله بن أبي نعيم المدني، أحد القراء السبعة المشهورين المتوفى سنة 169 هـ. (3) رجال ثقات، ولكنه مرسل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 17 - مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ القِتْبَانِيُّ المِصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، قَاضِي مِصْرَ، أَبُو مُعَاوِيَةَ القِتْبَانِيُّ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعَقِيْلِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الطَّوِيْلِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: حَسَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ المِصْرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى كَاتِبُ العُمَرِيِّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَشَذَّ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَذَكَرَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَالوَرَعِ، وَالفَضْلِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، لأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَمرٍ. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَكَمِ، عَنْ شَيْخٍ: أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ المُفَضَّلَ بَعْدَ العَزلِ، فَقَالَ: قَضَيْتَ عَلَيَّ بِالبَاطِلِ، وَفَعَلتَ، وَفَعَلتَ. فَقَالَ: لَكِنَّ الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ يُطِيْبُ الثَّنَاءَ عَلَيْنَا.   (*) التاريخ لابن معين: 2 / 583 التاريخ الصغير: 223، الجرح والتعديل: 8 / 317، الولاة والقضاة: 377 - 385، الحلية: 8 / 321، تهذيب الكمال: 1367، العبر للذهبي: 1 / 282، تذكرة الحفاظ: 251، ميزان الاعتدال: 4 / 170، تذهيب التهذيب: 4 / 64 / 1، البداية والنهاية: 10 / 179، تهذيب التهذيب: 10 / 273. (1) الزيادة من " تهذيب الكمال " 1364، و" تذهيب التهذيب " 4 / 64 / 2. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 قَالَ عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ: كَانَ المُفَضَّلُ قَاضِياً عَلَيْنَا، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ مَعَ ضَعفِ بَدَنِهِ يُطِيلُ القِيَامَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مِصْرِيّاً رَجُلَ صِدْقٍ، إِذَا جَاءهُ مَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ جَبَرَهَا، وَكَانَ يَعْمَلُ الأَرْحِيَةَ (1) . قَالَ لَهِيْعَةُ بنُ عِيْسَى: كَانَ المُفَضَّلُ دَعَا اللهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُ الأَمَلَ، فَأَذهَبَهُ عَنْهُ، فَكَادَ أَنْ يُخْتَلَسَ عَقْلُهُ، وَلَمْ يَهنَأْهُ عَيْشٌ. فَدَعَا اللهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الأَمَلَ، فَرَدَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى حَالِهِ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. 18 - جُحَا أَبُو الغُصْنِ دُجَيْنُ بنُ ثَابِتٍ اليَرْبُوْعِيُّ * صَاحِبُ النَّوَادِرِ، دُجَيْنُ بنُ ثَابِتٍ اليَرْبُوْعِيُّ، البَصْرِيُّ. وَقِيْلَ: هَذَا آخَرُ. رَأَى دُجَيْنٌ أَنَساً. وَرَوَى عَنْ: أَسْلَمَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ شَيْئاً يَسِيْراً. وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ   (1) تاريخ ابن معين: 2 / 582، 583. (*) التاريخ الكبير: 3 / 257، التاريخ الصغير: 2 / 126، الجرح والتعديل: 3 / 444، 445، المجروحين: 1 / 294، الصحاح للجوهري: مادة: غصن، الفهرست لابن النديم: 435، أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي من ص 25، ونثر الدر للوزير الابي: 571 الفصل الخامس (مخطوط) والمشتبه في رجال الحديث للذهبي: 1 / 283، ميزان الاعتدال: 2 / 32، حياة الحيوان للدميري: 1 / 273 مادة: دجن، ثمرات الأوراق في المحاضرات لابن حجة الحمري: 1 / 162، تبصير المنتبه لابن حجر: 2 / 558، لسان الميزان: 2 / 328، تاج العروس: 9 / 196، 10 / 67، 68. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 المَلِكِ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا يَرْوِيْهِ لَيْسَ بِمَحْفُوْظٍ. وَرُوِيَ عَنِ: ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: دُجَيْنُ بنُ ثَابِتٍ هُوَ جُحَا (1) . وَخَطَّأَ ابْنُ عَدِيٍّ مَنْ حكَى هَذَا عَنْ يَحْيَى، وَقَالَ: لأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ هَذَا، وَالدُّجَيْنُ إِذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، فَهَؤُلاَءِ أَعْلَمُ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَرْوُوا عَنْ جُحَا. وَأَمَّا أَحْمَدُ الشِّيْرَازِيُّ، فَذَكَرَ فِي (الأَلْقَابِ) : أَنَّهُ جُحَا، ثُمَّ رَوَى عَنْ مَكِّيِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: رَأَيْتُ جُحَا الَّذِي يُقَالُ فِيْهِ: مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ فَتَىً ظَرِيْفاً، وَكَانَ لَهُ جِيْرَانُ مُخَنَّثُوْنَ يُمَازِحُونَهُ، وَيَزِيْدُوْنَ عَلَيْهِ. قَالَ عَبَّادُ بنُ صُهَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الغُصْنِ جُحَا - وَمَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنْهُ - قَالَ كَاتِبُهُ: لَعَلَّهُ كَانَ يَمزَحُ أَيَّامَ الشَّبِيْبَةِ، فَلَمَّا شَاخَ، أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَأَخَذَ عَنْهُ المُحَدِّثُونَ. وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ جُحَا المُتَمَاجِنَ أَصْغَرُ مِنْ دُجَيْنٍ؛ لأَنَّ عُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ لَحِقَ جُحَا - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَكَذَلِكَ وَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا الغُصْنِ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ المَدَنِيَّ هُوَ جُحَا.   (1) في " تاريخ يحيى " 2 / 155 الدجين ليس حديثه بشيء، وقد سمع منه ابن المبارك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 19 - رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ أَبُو المُهَاصِرِ * العَابِدُ، أَبُو المُهَاصِرِ، بَصْرِيٌّ، زَاهِدٌ، مُتَأَلِّهٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ. سَمِعَ: مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ، وَحَسَّانَ بنَ أَبِي سِنَانٍ، وَطَائِفَةً. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ الخَشْيَةِ وَالمُرَاقَبَةِ. رَوَى عَنْهُ: سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ رِيَاحٌ القَيْسِيُّ: لِي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ ذَنْباً، قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لِكُلِّ ذَنْبٍ مائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ. قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ: نَظَرتْ رَابِعَةُ إِلَى رِيَاحٍ يَضُمُّ صَبِيّاً مِنْ أَهْلِهِ وَيُقَبِّلُهُ. فَقَالَتْ: أَتُحِبُّه؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: مَا كُنْتُ أَحسِبُ أَنَّ فِي قَلْبِكَ مَوْضِعاً فَارِغاً لِمَحَبَّةِ غَيْرِهِ، تَبَارَكَ اسْمُهُ. فغُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَقَالَ: رَحْمَةٌ مِنْهُ -تَعَالَى- أَلْقَاهَا فِي قُلُوْبِ العِبَادِ لِلأَطْفَالِ (1) . سَيَّارٌ: حَدَّثَنَا رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ مَنْزِلَةَ الصِّدِّيْقِيْنَ حَتَّى يَتْرُكَ زَوْجَتَهُ كَأَنَّهَا أَرْمَلَةٌ، وَيَأْوِي إِلَى مَزَابِلِ الكِلاَبِ (2) .   (*) حلية الأولياء: 6 / 192 - 197، ميزان الاعتدال: 2 / 61، 62، الطبقات الكبرى للشعراني: 40، الكواكب الدرية للمناوي: 105 وأخباره أيضا مع رابعة العدوية، فيمكن الرجوع إليها في مراجعها التي ستأتي في صدر ترجمتها. (1) " حلية الأولياء " 6 / 194. (2) منزلة الصديقين لا تنال بهذا النسك الاعجمي المخالف لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من مثل قوله " خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي " وقوله " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم " وقوله: " واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم " وقوله " ومن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " وقوله " كل شيء ليس فيه ذكر الله، فهو لغو = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 قِيْلَ: إِنَّ رِيَاحاً رَوَى عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَذَلِكَ فِي (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ) (1) . 20 - مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيُّ * الكُوْفِيُّ، عَابِدُ أَهْل زَمَانِهِ بِالكُوْفَةِ. رَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَجَرِيْرُ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حِكَايَاتٍ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: كَانَ مِنْ أَعبَدِ أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ النَّضْرِ، فَقُلْتُ: كَأَنَّك تَكْرَهُ مُجَالَسَةَ النَّاسِ؟ قَالَ: أَجْل! كَيْفَ أَسْتَوحِشُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي (2) . وَرَوَى: عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ النَّضْرِ، قَالَ: أَوَّلُ العِلْمِ   = وسهو ولعب إلا أربع خصال: ملاعبة الرجل امرأته..". وقوله: " إن لزوجك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، ولزورك عليك حقا " وقوله: " أما إني أقوم وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني " قوله: " لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق ". وقد عودنا المصنف رحمه الله أن لا يدع مثل هذا الخبر يمر دون أن يعلق عليه، أو يتناوله بالنقد، وما أدري كيف أغفل ذلك هنا. (1) 6 / 196، 197. (*) الكواكب الدرية للمناوي: (169) ص: 163. (2) خبر لا يصح، ذكره السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 95، 96 وقال: رواه الديلمي بلا سند عن عائشة مرفوعا، وجاء في البخاري 13 / 325، 326، ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قال الله عزوجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني.." وقوله " وأنا معه " أي: بعلمه سبحانه كما في قوله: (إنني معكما أسمع وأرى) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 الاسْتِمَاعُ، وَالإِنْصَاتُ، ثُمَّ حِفْظُهُ، ثُمَّ العَمْلُ بِهِ، ثُمَّ بَثُّهُ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، اضْطَرَبَتْ مَفَاصِلُهُ. وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: آلَى مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَنَامَ إِلاَّ مَا غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ. 21 - مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ المَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ * (م، 4) عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَسَدُ السُّنَّةِ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَقُتَيْبَةُ، وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُتُبُهُ صِحَاحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَلَهُ غَرَائِبُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا أَضْعَفَ حَدِيْثَهُ. وَقَالَ مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ يَكْتُبُ عَنِ الطَّائِفِيِّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ. 22 - الزَّنْجِيُّ أَبُو خَالِدٍ مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ ** (د، ق) الإِمَامُ، فَقِيْهُ مَكَّةَ، أَبُو خَالِدٍ مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيُّ، الزَّنْجِيُّ،   (*) التاريخ لابن معين: 2 / 537، طبقات خليفة: 275، التاريخ الكبير: 1 / 223، المعرفة والتاريخ: 1 / 435، الجرح والتعديل: 8 / 77، مشاهير علماء الأمصار: (1176) ، الكامل لابن عدي: 4 / 218 / 1، تهذيب الكمال: 1267، ميزان الاعتدال: 4 / 40، العبر للذهبي: 1 / 270، تهذيب التهذيب: 9 / 444 - 445، خلاصة تذهيب الكمال: 359. (* *) الطبقات الكبرى: 5 / 499، طبقات خليفة: 284، التاريخ الصغير: 2 / 263، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 المَكِّيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ. وُلِدَ: سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا بِيَسِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعُتْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ الدَّارِيِّ (1) - نَقَلَ عَنْهُ الحُرُوْفَ -. رَوَى عَنْهُ هَذِهِ القِرَاءةَ: الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَلاَزَمَه، وَتَفَقَّهَ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِي الفُتْيَا. وَحَدَّثَ عَنْهُ: هُوَ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: بَعْضُ النُّقَّادِ يُرَقِّي حَدِيْثَ مُسْلِمٍ إِلَى دَرَجَةِ الحَسَنِ.   = المعارف: 511، 596، الضعفاء للعقيلي: 404، الجرح والتعديل: 8 / 183، تهذيب الكمال: 1324 - 1325، تذكرة الحفاظ: 1 / 255، ميزان الاعتدال: 4 / 102، 103، العبر: 1 / 277 تذهيب التهذيب: 4 / 37 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 128 - 130، العقد الثمين: 7 / 187، خلاصة تذهيب الكمال: 375. (1) الداري: أحد القراء السبعة، كان قاضي الجماعة بمكة وإمام أهل مكة في القراءة، المتوفى سنة 120 هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 قَالَ سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: سُمِّيَ الزَّنْجِيَّ لِسَوَادِهِ. كَذَا قَالَ، وَخَالَفَه ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ، فَقَالُوا: كَانَ أَشقَرَ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ: بِالزَّنْجِيِّ، بِالضِّدِّ. قَالَ أَحْمَدُ الأَزْرَقِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً، عَابِداً، يَصُوْمُ الدَّهْرَ. قُلْتُ: تَفَقَّهَ بَابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ فَقِيْهَ مَكَّةَ، وَكَانَ أَشقَرَ مِثْلَ البَصَلَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِمَامٌ فِي العِلْمِ وَالفِقْهِ، كَانَ أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ، وَلُقِّبَ بِالزَّنْجِيِّ لِحُبِّهِ لِلتَّمْرِ. قَالَتْ لَهُ جَارِيَتُهُ: مَا أَنْتَ إِلاَّ زَنْجِيٌّ. مِنْ (الجَعْدِيَّاتِ (1)) : حَدَّثَنَا الزَّنْجِيُّ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيْهِ المُسْلِمِ، فَإِنْ سَقَاهُ شَرَاباً، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلاَ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْهُ، فَلْيَكْسِرْهُ بِالمَاءِ) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 23 - سُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ * مِنَ العَابِدِيْنَ الكِبَارِ بِالشَّامِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ الأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ، فَذَكَرَ   (1) هي اثنا عشر جزاء حديثيا لأبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي المتوفي سنة ثلاثين ومئتين. (*) حلية الأولياء: 8 / 276 - 277، طبقات الصوفية للسلمي: 98، الكواكب الدرية للمناوي: 118. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 الأَوْزَاعِيُّ الزُّهَّادَ، فَقَالَ: مَا نَزِيْدُ أَنْ نُرِيْدَ مِثْلَ هَؤُلاَءِ (1) . فَقَالَ سَعِيْدٌ: مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ مِنْ سُلَيْمَانَ الخَوَّاصِ، وَمَا شَعَرَ أَنَّهُ فِي المَجْلِسِ، فَقنَّعَ سُلَيْمَانُ رَأْسَهُ، وَقَامَ. فَأَقْبَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى سَعِيْدٍ، وَقَالَ: وَيْحَكَ! لاَ تَعقِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِكَ! تُؤْذِي جَلِيْسَنَا تُزَكِّيهِ فِي وَجْهِهِ. وَقِيْلَ لِسُلَيْمَانَ: قَدْ شَكَوْكَ أَنَّك تَمُرُّ، وَلاَ تُسَلِّمُ. قَالَ: وَاللهِ، مَا ذَاكَ لِفَضْلٍ أَرَاهُ عِنْدِي، وَلَكِنِّي شِبْهُ الحُشِّ إِذَا ثَوَّرْتَه ثَارَ، وَإِذَا جلَسْتُ مَعَ النَّاسِ، جَاءَ مِنِّي مَا أُرِيْدُ وَمَا لاَ أُرِيْدُ. وَيُقَالُ: إِنَّ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ زَارَ الخوَّاصَ لَيْلَةً فِي بَيْتِهِ بِبَيْرُوْتَ، فَرَآهُ فِي الظُّلْمَةِ، فَقَالَ: ظُلْمَةُ القَبْرِ أَشَدُّ. فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَكرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي مِثْلَ دَرَاهِمِكَ، فَمَنْ لِي بِمِثْلِهَا إِذَا احْتَجْتُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: دعُوْهُ، فَلَو كَانَ فِي السَّلَفِ، لَكَانَ عَلاَّمَةً. 24 - سَلْمُ بنُ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصُ * هُوَ أَصْغَرُ مِنْ سُلَيْمَانَ الخَوَّاصِ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ ثَعْلَبَةَ، وَعَمْرُو بنُ أَسْلَمَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ: رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامتْ، وَكَأَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي: أَلاَ لِيَقُمِ السَّابِقُوْنَ. فَقَامَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ نَادَى: أَلاَ لِيَقُمِ   (1) في " الحلية " 8 / 276: ما نريد أن نرى في دهرنا مثل هؤلاء. (*) الضعفاء للعقيلي: 73، الجرح والتعديل: 4 / 267، 268، كتاب المجروحين: 1 / 345، حلية الأولياء: 8 / 277 - 281، طبقات الصوفية للسلمي: 44، ميزان الاعتدال: 2 / 186، الطبقات الكبرى للشعراني: 53. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 السَّابِقُوْنَ. فَقَامَ سَلْمٌ الخَوَّاصُ، ثُمَّ قَامَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدهُم. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَعْلَبَةَ: سَمِعْتُ سَلْماً الخَوَّاصَ، قَالَ: قُلْتُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ، اقْرَئِي القُرْآنَ كَأَنَّكِ سَمِعْتِيْهِ مِنَ اللهِ حِيْنَ تَكَلَّمَ بِهِ، فَجَاءتِ الحَلاَوَةُ. بَقِيَ سَلْمٌ إِلَى مَا بَعْدَ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَدْرَكْتُهُ، وَكَانَ مُرْجِئاً لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (1) . قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى. نَزَلَ الرَّمْلَةَ. 25 - صَالِحُ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ * (ت، ق) ابْنِ إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، الطَّلْحِيُّ، الكُوْفِيُّ. لَيْسَ بِحُجَّةٍ. رَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَعَمِّهِ؛ مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ. وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَمِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.   (1) في المطبوع من " الجرح والتعديل " 4 / 267: أدركت سلم بن ميمون الخواص، ولم أكتب عنه، روى عن أبي خالد الاحمر حديثا منكر شبه الموضوع. (*) التاريخ لابن معين: 266، التاريخ الكبير: 4 / 291، التاريخ الصغير: 2 / 200، الجرح والتعديل: 4 / 415، كتاب المجروحين: 1 / 369، تهذيب الكمال: 601، ميزان الاعتدال: 2 / 627، تذهيب التهذيب 2 / 89 / 2، تهذيب الكمال: 4 / 404، خلاصة تذهيب الكمال: 172. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لاَ يَتعَمَّدُ الكَذِبَ. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ عَلَى حُسْنِهِ. 26 - زُهَيْر بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجِ بنِ الرُّحَيْلِ الجُعْفِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، أَبُو خَيْثَمَةَ الجُعْفِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، وَهُوَ أَخُو حُدَيْجٍ، وَالرُّحَيْلِ. كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، صَاحِبَ حِفْظٍ وَإِتقَانٍ. وَسَنَةُ مَوْلِدِهِ: فِي خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيِّ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَالحَسَنِ بنِ الحُرِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبَانِ بنِ تَغْلِبَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَكِنَانَةَ مَوْلَى صَفِيَّةَ، حَدَّثَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ حَمَلَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ جَرِيْحاً مِنْ دَارِ عُثْمَانَ، وَقُدْتُ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ، فَضَربَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا، حَتَّى مَالَتْ، فَقَالَتْ: رُدُّوْنِي، لاَ يَفْضَحُنِي هَذَا   (*) الطبقات الكبرى: 6 / 376، 377، طبقات خليفة: 168، التاريخ الكبير: 3 / 427، الجرح والتعديل 3 / 589 588، تهذيب الكمال: 439، تذكرة الحفاظ: 1 / 233، ميزان الاعتدال: 2 / 286، العبر: 1 / 263، تذهيب التهذيب: 1 / 241 / 1، تهذيب التهذيب: 3 / 351 - 353، طبقات الحفاظ: 98، 99، خلاصة تذهيب الكمال: 123. شذرات الذهب 1 / 282. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 الكَلْبُ. قَالَ: فَوَضَعتْ خَشباً بَيْنَ مَنْزِلِهَا وَبَيْنَ مَنْزِلِ عُثْمَانَ، تَنقُلُ عَلَيْهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. أَنْبَأَنَا بِهَذَا: الفَخْرُ بنُ البُخَارِيِّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ هَزَارْمَرْدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ كِنَانَة ... ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعُرْوَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُشَيْرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَآخَرِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: زُهَيْرٌ أَحْفَظُ مِنْ إِسْرَائِيْلَ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَسَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ قُدَيْدٍ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بِالبَصْرَةِ، فَقَالَ: يَا شُعَيْبُ! أَنَا لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثاً إِلاَّ بِنِيَّةٍ. فَأَقَمْنَا بِالبَصْرَةِ، فَمَا كَتَبنَا إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: سَمِعْتُ حَمِيْداً الرُّؤَاسِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ زُهَيْرٌ إِذَا سَمِعَ الحَدِيْثَ مِنَ المُحَدِّثِ مَرَّتَيْنِ، كَتَبَ عَلَيْهِ: فَرَغتُ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: إِذَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ مِنْ زُهَيْرٍ، لاَ أُبالِي أَنْ لاَ أَسْمَعهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ يَوْماً بِحَدِيْثٍ عَنْ زُهَيْرٍ، وَشُعْبَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: تُقَدِّمُ زُهَيْراً عَلَى شُعْبَةَ؟! قَالَ: كَانَ زُهَيْرٌ أَحْفَظَ مِنْ عِشْرِيْنَ مِثْلِ شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ: جَاءَ زُهَيْرٌ إِلَى شُعْبَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ فِيْهِ طُوْلٌ، أَنْ يُمِلَّهُ عَلَيْهِ، فَأَبَى شُعْبَةُ، وَقَالَ: أَنَا أُرَدِّدُهُ عَلَيْكَ حَتَّى تَحْفَظَهُ. فَقَالَ زُهَيْرٌ: أَنَا أَرْجُو أَنْ أَحْفَظَهُ، وَلَكِنْ إِلَى أَنْ أَبلُغَ البَيْتَ يَعرضُ لِيَ الشَّكُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَا، فَأَرِحْنِي، وَاسْتَرِحْ مِنِّي. قَالَ: يَقُوْلُ شُعْبَةُ: لاَ وَاللهِ، لاَ تُمِلُّنِي بِلِسَانٍ أَلثَغَ. وَحَكَاهُ: شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، فَكَأَنَّهُ سَاوَى بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ؟ قَالَ: هُوَ أَثبَتُ مِنْ زُهَيْرٍ. قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ: عَرَضَ زَائِدَةُ كُتُبَهُ عَلَى سُفْيَانَ. قَالَ: مَا بَأْسَ بِذَلِكَ، كَانَ يُلقِي السَّقَطَ، وَلاَ يَزِيْدُ فِي كُتُبِهِ. فَقِيْلَ لِيَحْيَى: أَيُّهُمَا أَثبَتُ، زُهَيْرٌ أَوْ وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: مَا فِيْهِمَا إِلاَّ ثَبْتٌ (1) . قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَزَائِدَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ، وَخَلْقٌ، مِنْ آخِرِهِم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ - شَيْخُ أَبِي عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيِّ -. قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ) : آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ زُهَيْرٍ: عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَرَّانِيُّ، شَيْخٌ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ مَعَادِنِ العِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: زُهَيْرٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ إِسْرَائِيْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ. قِيْلَ لأَبِي حَاتِمٍ: فَزَائِدَةُ، وَزُهَيْرٌ؟ قَالَ: زُهَيْرٌ أَتْقَنُ، وَهُوَ صَاحِبُ   (1) تاريخ يحيى بن معين: 2 / 177. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 سُنَّةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعَ زُهَيْرٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بَعْدَ الاخْتِلاَطِ، وَهُوَ ثِقَةٌ. قِيْلَ: تَحَوَّلَ زُهَيْرٌ إِلَى الجَزِيْرَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَضَرَبَهُ الفَالِجُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَوْ أَزْيَدَ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ - وَللهِ الحَمْدُ -. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ: عَلَيْكَ بِزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، فَمَا بِالكُوْفَةِ مِثْلُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ: تُوُفِّيَ زُهَيْرٌ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ النُّفَيْلِيُّ: فِي رَجَبٍ. وَبَعْضُهُم، قَالَ: تُوَفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ - وَهُوَ وَهْمٌ - وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ: قَرَأتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَكُم الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ إِملاَءً سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ إِملاَءً، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَحُصَيْنٍ، كُلُّهُم عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيْراً) . ثُمَّ تَكلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُم فِي حَدِيْثِهِ: فَسَأَلْتُ أَبِي. وَقَالَ بَعْضُهُم: فَسَأَلْتُ القَوْمَ، فَقَالُوا: (كُلُّهُم مِنْ قُرَيْشٍ) (1) .   (1) وأخرجه البخاري: 13 / 181 في " الاحكام ": باب الاستخلاف من طريق شعبة، ومسلم (1821) (6) في أول كتاب الامارة، من طريق سفيان، كلاهما عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، وأخرجه الترمذي (2223) ، وأحمد: 5 / 90 و95 و108. ومسلم = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: (لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ - مِنْ حِفْظِهِ - أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَكُنْتُمْ يَوْم حُنَيْنٍ وَلَّيْتُم؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، مَا وَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّا لَقِيْنَا قَوْماً رُمَاةً، لاَ يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُم سَهْمٌ: جَمْعَ هَوَازِنَ، فَرَشَقُونَا رَشْقاً، مَا يَكَادُوْنَ يُخْطِئُوْنَ، فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ (2) .   = (1821) (7) من طريق سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، وأخرجه أبو داوود (4280) من طريق ابن نفيل، عن زهير، عن زياد بن خيثمة، عن الشعبي، عن جابر، و (4281) من طريق الأسود بن سعيد الهمذاني، عن جابر. (1) (698) في صلاة المسافرين: باب الصلاة في الرحال في المطر. (2) وأخرجه البخاري: 6 / 76 في الجهاد: باب من صف أصحابه عند الهزيمة، من طريق عمرو بن خالد الحراني، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء وسأله رجل..وتمامه: وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب ثم صف أصحابه. وأخرجه أيضا 8 / 24 في المغازي، باب غزوة حنين، من طريق محمد بن بشار، عن غندر، عن أبي إسحاق سمع البراء..، وأخرجه مسلم (1776) من طرق عن أبي إسحاق، عن البراء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وَبِهِ: إِلَى زُهَيْرٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ، قَالَ: كَانَ طُوْلُ سَرِيْرِ عُوْجٍ ثَمَانَ مائَةِ ذِرَاعٍ فِي عَرْضِ نِصْفِ ذَلِكَ، وَكَانَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- طُوْلُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَعَصَاهُ عَشْرَةٌ، وَوَثْبَتُهُ حِيْنَ وَثَبَ ثَمَانُ أَذْرُعٍ، فَأَصَابَ كَعْبَهُ، فَخَرَّ عَلَى نِيلِ مِصْرَ، فَجَسَّرَهُ النَّاسُ عَاماً يَمُرُّوْنَ عَلَى صُلْبِهِ وَأَضْلاَعِهِ (1) . وَبِهِ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيْقِ (2) . وَبِهِ: أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: فِي جَمِيْع ظَنِّي، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا مُيِّزَ أَهْلُ الجَنَّةِ فَدَخَلُوا الجَنَّةَ، وَدَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ (3) ، قَامَتِ الرُّسُلُ، فَشَفَعُوا، فَيَقُوْلُ -عَزَّ وَجَلَّ-: انْطَلِقُوا، فَمَنْ عَرَفْتُمْ، فَأَخْرِجُوْهُ. فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ عَلَى نَهْرٍ - أَوْ فِي نَهْرٍ - يُقَالُ لَهُ: الحَيَاةُ، فَتَسْقُطُ مُحَاشُهُم عَلَى حَافَتَي النَّهْرِ، وَيَخْرُجُونَ بِيْضاً مِثْلَ الثَّعَارِيْرِ، فَيَشفَعُوْنَ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا - أَوِ انْطَلِقُوا - فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ قِيْرَاطاً مِنْ إِيْمَانٍ، فَأَخْرِجُوْهُ. فَيُخْرِجُونَ بَشَراً كَثِيْراً، ثُمَّ يَشْفَعُوْنَ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ، فَأَخْرِجُوْهُ. فَيُخْرِجُونَ بَشَراً كَثِيْراً. ثُمَّ يَقُوْلُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: الآنَ أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي. فَيُخْرِجُ أَضْعَافَ مَا أَخْرَجُوا، وَأَضْعَافَهُ، فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ: عُتَقَاءُ اللهِ. ثُمَّ يَدْخُلُوْنَ   (1) نوف البكالي: ربيب كعب الاحبار، وقد تلقى عنه الاسرائيليات، وقصة عوج بن عنق التي تذكر بطولها في بعض كتب التفسير والتاريخ قد أبطلها غير واحد من المحققين كابن القيم وابن كثير وغيرهما، كما في " الفتاوى الحديثية " ص: 188 لابن حجر الفقيه، فراجعه. (2) في سنده تدليس أبي الزبير، والذي صح عن عائشة رضي الله عنها منع صيام أيام التشريق إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي. انظر " الموطأ " 1 / 426، و" فتح الباري " 4 / 210. (3) في " المسند " " إذا ميز أهل الجنة وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 الجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ فِيْهَا: الجَهَنَّمِيِّيْنَ (1)) . وَبِهِ: إِلَى زُهَيْرٍ، عَنْ زَوْجَتِهِ - وَزَعَمَ أَنَّهَا صَدُوْقَةٌ - أَنَّهَا سَمِعَتْ مُلَيْكَةَ بِنْتَ عَمْرٍو - وَذَكَرَ أَنَّهَا رَدَّتِ الغَنَمَ عَلَى أَهْلِهَا فِي إِمْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -: أَنَّهَا وَصَفَتْ لَهَا مِنْ وَجَعٍ بِهَا، سَمْنَ بَقَرٍ، وَقَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَلْبَانُهَا شِفَاءٌ، وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ، وَلَحْمُهَا دَاءٌ) (2) . 27 - زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو المُنْذِرِ التَّمِيْمِيُّ * (ع) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المُنْذِرِ المَرْوَزِيّ، الخَرَقِيُّ - بِفَتْحَتَيْنِ - مِنْ قَرْيَةَ خَرَقَ، الخُرَاسَانِيُّ، نَزِيلُ الشَّامِ، ثُمَّ نَزِيْلُ مَكَّةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ هَرَوِيٌّ. حَدَّثَ عَنْ: مُوْسَى بنِ وَرْدَان المِصْرِيِّ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَابْنِ أَبِي   (1) أخرجه أحمد: 3 / 325، 326 من طريق أبي النضر، عن ابن زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر. وقوله: امتحشوا: أي احترقوا. الثعارير: أي القثاء الصغار، شبهوا بها لان القثاء ينمي سريعا. (2) زوجة زهير مجهولة، وكذا مليكة، والخبر أورده ابن عبد البر في " الاستيعاب " ت (3497) ، ونقله عنه الحافظ في " الإصابة " ت (1010) قسم النساء، وقال: أخرجه أبو داود في " المراسيل " ووصله ابن مندة، ووقع لنا بعلو، وفي الباب عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ " عليكم بألبان البقر، فإنها دواء، وأسمانها فإنها شفاء. وإياكم ولحومها، فإن لحومها داء " أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وتعقبهما بعضهم، فقال: وفي صحته نظر، فإن في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر، وهو لا يتقرب بالداء. وأخرج الحاكم في " المستدرك " 4 / 197 بسند حسن، من حديث ابن مسعود مرفوعا " إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل شجر ". (*) التاريخ الكبير: 3 / 427، 428، التاريخ الصغير: 2 / 149، الضعفاء للعقيلي، 145، 146، الجرح والتعديل: 3 / 589، مشاهير علماء الأمصار: ت (1473) ، معجم البلدان: 2 / 360، تهذيب الكمال: 438، 439، ميزان الاعتدال: 2 / 84، تذهيب التهذيب 1 / 40 / 2، العبر: 1 / 239، تهذيب التهذيب: 3 / 348، خلاصة تذهيب الكمال: 123، تهذيب ابن عساكر: 5 / 394 - 395. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَابْنِ عَقِيْلٍ، وَسُهَيْلٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: رَوَى عَنْهُ الشَّامِيُّوْنَ مَنَاكِيْرَ. قُلْتُ: وَكَذَا رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ مَنَاكِيْرَ، وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ وَلاَ بِالمُتْقِنُ، مَعَ أَنَّ أَربَابَ الكُتُبِ السِّتَّةِ خَرَّجُوا لَهُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ فِي (الضُّعَفَاءِ) ، فَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هُوَ مُقَاربُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ: كَأَنَّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ زُهَيْرٌ آخَرُ، قُلِبَ اسْمُهُ (1) . وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: خُرَاسَانِيٌّ، ضَعِيْفٌ. ثُمَّ قَالَ العُقَيْلِيُّ: وَمِنْ حَدِيْثِهِ: مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ النَّصِيْبِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ زَيْدٍ الخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْر بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (صُوْمُوا تَصِحُّوا، وَسَافِرُوا تَصِحُّوا، وَاغْزُوا تَغْنَمُوا (2)) . ثُمَّ قَالَ: لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ وَجْهٍ فِيْهِ لِيْنٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.   (1) الضعفاء: 145، وفيه " فقلب اسمه ". (2) الضعفاء: 145، وقال الحافظ في " تخريج الاحياء ": رواه الطبراني في " الأوسط "، وأبو نعيم في " الطب النبوي " من حديث أبي هريرة بسنده ضعيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: ثِقَةٌ، لَهُ أَغَالِيطُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ (1) . وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَفِي حِفْظِهِ سُوءٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ مِنْ كُتُبِهِ فَهُوَ صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ ابْنَ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي مُوْسَى بنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المَرْءُ عَلَى دِيْنِ خَلِيْلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ (3)) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ. وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ (4) : سَأَلْتُ مُحَمَّداً عَنْ حَدِيْثِ زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ هَذَا،   (1) تاريخ ابن معين: 2 / 176. (2) قال الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 2 / 615: وفصل الخطاب في حال رواياته أن أهل العراق يروون عنه أحاديث مستقيمة، وما خرج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه، وأهل الشام يروون عنه روايات منكرة. (3) أخرجه أبو داود (4833) ، والترمذي (2379) ، وأحمد 2 / 303، 304، والحاكم 4 / 171، كلهم من حديث زهير بن محمد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، وله طريق آخر عند الحاكم يتقوى به، فهو حسن. (4) في " الميزان ": قال الترمذي في العلل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 فَقَالَ: أَنَا أَتَّقِي هَذَا الشَّيْخَ، كَأَنَّ حَدِيْثَهُ مَوْضُوْعٌ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِزُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ هَذَا الشَّيْخَ، وَيَقُوْلُ: هَذَا شَيْخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنُوا قَلَبُوا اسْمَهُ (1) . فَهَذَا قَالَهُ عَقِيْبَ حَدِيْثِ: صَلَّى ابْنُ عُمَرَ مَحْلُوْلَ الأَزْرَارِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ نَبِيَّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ. 28 - القَاسِمُ بنُ مَعْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهُذَلِيُّ * (د، س) ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، الإِمَامُ الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، قَاضِي الكُوْفَةِ، وَمُفْتِيْهَا فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو الإِمَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ. وُلِدَ: بَعْدَ سَنَةِ مائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ،   (1) ونقل الترمذي أيضا في " سننه " كلام أحمد، بعد حديث جابر (3291) في تفسير سورة الرحمن، وزاد بعد قوله: " قلبوا اسمه ": لما يروون عنه من المناكير، وحديث: " صلى ابن عمر وهو محلول الازرار ": أخرجه ابن خزيمة رقم (779) ، والبيهقي في " السنن " 2 / 240 من طريق صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد التميمي، حدثنا زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي محلول ازراره، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. وقال: تفرد به زهير بن محمد، ثم نقل كلام الترمذي الآنف الذكر، ثم قال: وأشار البخاري إلى بعض هذا في التاريخ، وروي ذلك عن ابن عمر من أوجه دون السند. (*) طبقات خليفة: 168، مشاهير علماء الأمصار: 169، الجرح والتعديل: 7 / 120، تهذيب الكمال: 1118، تذهيب التهذيب: 3 / 152 / 2، خلاصة تذهيب الكمال: 314، شذرات الذهب: 1 / 286، العبر: 1 / 286، الجواهر المضية 1 / 42. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 وَمِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ: ثِقَةً، نَحْوِيّاً، أَخْبَارِيّاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، لَمْ يَأْخُذْ عَلَى القَضَاءِ مَعْلُوْماً. نَقَلَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَانَ أَرْوَى النَّاسِ لِلْحَدِيْثِ، وَالشِّعْرِ، وَأَعْلَمَهُم بِالعَرَبِيَّةِ، وَالفِقْهِ. قُلْتُ: وَكَانَ عَفِيْفاً، صَارِماً، مِنْ أَكْبَرِ تَلاَمِذَةِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ. أَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّةَ: مُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ الأَعْرَابِيِّ (1) ، وَوَلاَّهُ المَهْدِيُّ قَضَاءَ الكُوْفَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: شَعْبِيُّ زَمَانِه. رَوَى لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ شَيْئاً قَلِيْلاً. وَتُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 29 - يُوْنُسُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنُ حَبِيْبٍ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُم * إِمَامُ النَّحْوِ. هُوَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ.   (1) ابن الاعرابي الراوي النسابة، أحد أئمة اللغة المشار إليهم في معرفتها، قال ثعلب: شاهدت ابن الاعرابي وكان يحضر مجلسه زهاء مئة إنسان، كل يسأله، أو يقرأ عليه، ويجيب من غير كتاب، ولزمته بضع عشرة سنة، ما رأيت بيده كتابا قط، وما أشك في أنه أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ولم ير أحد في علم الشعر واللغة أغزر منه، توفي سنة (231) هـ. " معجم الأدباء " 18 / 189. (*) المعارف: 541، البيان والتبيين: 1 / 77، تاريخ الطبري: 7 / 23، مرات النحويين: 21، طبقات الزبيدي: 48، الفهرست: 42، نزهة الالباء: 31، معجم الأدباء: 20 / 64، تاريخ ابن الأثير: 6 / 165، وفيات الأعيان: 7 / 244 - 249، تهذيب التهذيب: 5 / 346، مرآة الجنان: 1 / 388، نور القبس، 48 - 55، المزهر: 2 / 231، بغية الوعاة، 426. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَعَنْهُ: الكَسَائِيُّ، وَسِيْبَوَيْه، وَالفَرَّاءُ، وَآخَرُوْنَ. وَعَاشَ: ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. أَرَّخَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ لَقِيَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَسَأَلَهُ عَنْ لَفْظَةٍ، وَكَانَ لِيُوْنُسَ حَلْقَةٌ يَنْتَابُهَا الطَّلَبَةُ وَالأُدَبَاءُ، وَفُصَحَاءُ الأَعْرَابِ. وذَكَرَهُ: ثَعْلَبٌ، فَقَالَ: جَاوَزَ المائَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ، وَلاَ تَسَرَّى. وَلَهُ تَوَالِيْفُ فِي القُرْآنِ وَاللُّغَاتِ. 30 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ القَسْمَلِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو زَيْدٍ القَسْمَلِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَمَطَرٍ الوَرَّاق، وَأَيُّوْبَ، وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: العَقَدِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَائِشَةَ، وَحَفْصُ بنُ   (*) طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 445، التاريخ الكبير: 1 / 205، التاريخ الصغير: 2 / 169، المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 120، الضعفاء للعقيلي: 245، الجرح والتعديل: 5 / 394، مشاهير علماء الأمصار (1248) ، تهذيب الكمال: 845، تذهيب التهذيب: 2 / 244 / 1، العبر: 1 / 251، ميزان الاعتدال: 2 / 635، تهذيب التهذيب: 6 / 356، خلاصة تذهيب الكمال: 241. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 عُمَر الحَوْضِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ: كَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ العَيْشِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 31 - أَخُوْه ُ: المُغِيْرَةُ بنُ مُسْلِمٍ القَسْمَلِيُّ السَّرَّاجُ * (ت، س، ق) كَانَ الأَكْبَرَ. يَرْوِي عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَفَرْقَدَ السَّبْخِيِّ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَشَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ السِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 32 - سَلْمٌ الخَاسِرُ بنُ عَمْرِو بنِ حَمَّادٍ ** هُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، مِنْ تَلاَمذَةِ بَشَّارِ بنِ بُرْدٍ. هُوَ: سَلْمُ بنُ عَمْرِو بنِ حَمَّادٍ.   (*) التاريخ الكبير: 4 / 424، الجرح والتعديل: 8 / 229، تهذيب الكمال: 1362، تذهيب التهذيب: 4 / 63 / 1، تهذيب التهذيب: 10 / 268، خلاصة تذهيب الكمال: 385. (* *) طبقات ابن المعتز: 99، تاريخ بغداد: 9 / 136، الاغاني: 19 / 214، معجم الأدباء: 11 / 236، وفيات الأعيان: 2 / 352 350. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 مَدَحَ المَهْدِيَّ، وَالرَّشِيْدَ، وَعَكَفَ عَلَى المَخَازِي، ثُمَّ نَسَكَ، ثُمَّ مَرَقَ، وَبَاعَ مُصْحَفَهُ، وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ دِيْوَاناً، فَلُقِّبَ: بِالخَاسِرِ. وَقَدْ أَجَازَهُ الرَّشِيْد مَرَّةً بِمائَةِ أَلْفٍ. لاَ أَعْلَمُ فِي أَيِّ سَنَةٍ مَاتَ، لَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الرَّشِيْدِ. 33 - أَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ * (د، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ. وَيُقَالُ: الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو. حَجَّ، فَرَأَى عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَا أَظُنُّه سَمِعَ مِنْهُ. وَسَمِعَ: مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ، وَابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَزِيَادَ بنَ بَيَانَ، وَطَائِفَةً. وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ المَصِّيْصِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ. وَتُوُفِّيَ: بِالرَّقَّة، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) التاريخ لابن معين: 2 / 116، طبقات خليفة: 321، التاريخ الكبير 2 / 299، التاريخ الصغير: 2 / 227، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 172، الجرح والتعديل: 3 / 24 25، تهذيب الكمال: 279، تذهيب التهذيب: 1 / 143 / 1، العبر: 1 / 279، خلاصة تذهيب الكمال: 80، شذرات الذهب: 1 / 295. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 34 - قَزَعَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ حُجَيْرٍ البَاهِلِيُّ * (ت، ق) شَيْخٌ، عَالِمٌ، بَصْرِيٌّ، صَالِحُ الحَالِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَحُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ الأَعْرَجِ. وَعَنْهُ: مُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَلُوَيْنُ، وَجَمَاعَةٌ. مَشَّاهُ: ابْنُ عَدِيٍّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ. وَلابْنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ قَوْلاَنِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 35 - بَكْرُ بنُ مُضَرَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ ** (ع سِوَى ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الحجَّةُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ   (*) التاريخ لابن معين: 2 / 488، تاريخ خليفة: 391، 396، الكامل لابن عدي: 4 / 272 / 1، الجرح والتعديل: 7 / 139، الضعفاء للعقيلي: 365، كتاب المجروحين: 2 / 216، التاريخ الكبير 7 / 192، تهذيب الكمال: 1129، تذهيب التهذيب: 3 / 160 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 389، تهذيب التهذيب: 8 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 316. (* *) التاريخ الكبير: 2 / 295، التاريخ الصغير: 2 / 208، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 164، 165، الجرح والتعديل: 1 / 392، مشاهير علماء الأمصار: ت (1534) ، تهذيب = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 المِصْرِيُّ، مَوْلَى الأَمِيْرِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وُلِدَ: سَنَةَ مائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: وَلدُهُ؛ إِسْحَاقُ بنُ بَكْرٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ القَاسِمِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ العَابِدِيْنَ. قَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ لاَ يُقدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الفُسْطَاطِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ وَأَنَا حَدَثٌ، فَحَدَّثَنِي ابْنُهُ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَا كُنْت أَرَى أَبِي يَجْلِسُ فِي البَيْتِ عَلَى طِنْفِسَةٍ، مَا كَانَ يَجْلِسُ إِلاَّ عَلَى حَصِيْرٍ. وَكَانَ طَوِيْلَ الحُزْنِ، وَأَحْيَاناً تَطِيْبُ نَفْسُهُ، فَيْفْرَحُ، فَرُبَّمَا جَاءَ الرَّجُل يَسْأَلُهُ المَسْأَلَة، فَيُعلِّمُه، وَيَرْجِعُ إِلَى حَالِهِ، وَيَتَغَيَّرُ، وَيَقُوْلُ: مَا لِي وَلِهَذَا. فَنَقُوْل لَهُ: أَفَنَصْرِفُهُ؟ فَيَقُوْلُ: أَوَ يَحِلُّ لِي؟ وَرُبَّمَا جَاءهُ الأَحَدَاثُ يَطلُبُوْنَ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَيَقُوْلُ لَهُم: تَعَلَّمُوا الوَرَعَ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ يَوْم عَرَفَةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ   = الكمال: 161، تذهيب التهذيب: 1 / 90 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 221، العبر: 1 / 265، تهذيب التهذيب: 1 / 487. خلاصة تذهيب الكمال: 52، شذرات الذهب 1 / 284. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيْدَ مَوْلَى سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ} [البَقَرَةُ: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَنَسَخَتْهَا (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُم بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ. 36 - جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ * (م، 4) الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، مُحَدِّثُ الشِّيْعَةِ، أَبُو سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، البَصْرِيُّ. كَانَ يَنزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَنُسِبَ إِلَيْهِم. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَيَزِيْدِ الرِّشْكَ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُسَدَّدُ بنُ   (1) أخرجه البخاري 8 / 136 في تفسير سورة البقرة، ومسلم (1145) في الصيام: باب بيان قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه..) وأبو داود (2315) ، والترمذي (798) ، والنسائي 4 / 190 كلهم من حديث قتيبة، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، عن يزيد مولى سلمة بن الاكوع، عن سلمة بن الاكوع. (*) التاريخ لابن معين: 2 / 86، الطبقات الكبرى: 7 / 288، 353، طبقات خليفة: 224، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 169 و2 / 49، الجرح والتعديل: 2 / 481، مشاهير علماء الأمصار: ت (1263) ، تهذيب الكمال: 197، تذهيب التهذيب: 1 / 108، تذكرة الحفاظ: 1 / 241، ميزان الاعتدال: 1 / 408، العبر: 1 / 271، و331، تهذيب التهذيب: 2 / 95، خلاصة تذهيب الكمال: 63. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 مُسَرْهَدٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَغَيْرُهُم. وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ الشِّيْعَةِ وَعُلَمَائِهِم، وَقَدْ حَجَّ، وَتَوَجَّهَ إِلَى اليَمَنِ، فَصَحِبَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَبِهِ تَشَيُّعٌ. وَيُرْوَى: أَنَّ جَعْفَراً كَانَ يَتَرَفَّضُ، فَقِيْلَ لَهُ: أَتَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ بُغْضاً يَا لَكَ. فَهَذَا غَيْرُ صَحِيْحٍ عَنْهُ. وَقَالَ الحَافِظُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: بُغْضاً يَا لَكَ: جَارَيْنِ لَهُ يُؤذِيَانِه اسْمُهُمَا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَكْثَرَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَكَتَبَ عَنْهُ مَرَاسِيْلَ، فِيْهَا مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، فِيْهِ ضَعْفٌ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلاَ يَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، وَكَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، فَقَالَ: مَنْ أَتَى جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَ الوَارِثِ، فَلاَ يَقْرَبَنِّي. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الوَارِثِ يُنسَبُ إِلَى الاعْتِزَالِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: سَمِعْتُ عَمِّي عُمَرَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ لِجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: رَأَيتَ أَيُّوْبَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 وَرَأَيتَ ابْنَ عَوْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَأَيتَ يُوْنُسَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ لَمْ تُجَالِسْهُم، وَجَالَسْتَ عَوْفاً، وَاللهِ مَا رَضِي عَوْفٌ بِبِدعَةٍ حَتَّى كَانَتْ فِيْهِ بِدعَتَانِ: كَانَ قَدَرِياً، شِيْعِيّاً. قَالَ البُخَارِيُّ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الحَرَشِيُّ يُخَالِفُ فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: رَوَى مَنَاكِيْرَ، وَهُوَ مُتَمَاسِكٌ، لاَ يَكْذِبُ. وَقَالَ صَاحِبُ (الحِلْيَة) : صَحِبَ: ثَابِتاً، وَأَبَا عِمْرَانَ الجَوْنِيَّ، وَفَرْقَدَ السَّبَخِيَّ، وَشُمَيْطَ بنَ عَجْلاَنَ. وَرَوَى: سَيَّارٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، قَالَ: اخْتَلَفتُ إِلَى ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، عَشْرَ سِنِيْنَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ الآدَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيْدِ الرِّشْكِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم عَلِيّاً، فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَتعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَة، فَقَالُوا: إِذَا لَقِيْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَاهُ. وَكَانَ المُسْلِمُوْنَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ، بَدَؤُوا بِرَسُوْلِ اللهِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ، سَلَّمُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَامَ أَحَدُ الأَرْبَعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيّاً صَنَعَ كَذَا وَكَذَا. فَأَقبَلَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْرَفُ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَا تُرِيْدُوْنَ مِنْ عَلِيٍّ؟) - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - (إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي (1)) . تَابَعَهُ: قُتَيْبَةُ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَفَّانُ، وَهُوَ مِنْ أَفرَادِ جَعْفَرٍ.   (1) إسناده قوي، وأخرجه الترمذي (3712) في المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحسنه، وهو في " المسند " 4 / 437، 438. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ. تُوُفِّيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. احْتَجَّ بِهِ: مُسْلِمٌ. 37 - شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ * العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، عَلَى لِيْنٍ مَا فِي حَدِيْثِهِ. تَوقَّفَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِمَفَارِيْدِه. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سِنَانِ بنِ أَنَسٍ. وَيُقَالُ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ بنِ مَالِكِ بنِ النَّخَعِ، وَجَدُّه قَاتِلُ الحُسَيْنِ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ -. أَدْرَكَ شَرِيْكٌ: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَسَمِعَ: سَلَمَةَ بنَ كُهَيْلٍ، وَمَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، وَأَبَا إِسْحَاقَ. لَيْسَ بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُم. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَوْسٍ القَاضِي أَدْرَكَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ. قُلْتُ: وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بنِ شَدَّادٍ، وَجَامِعِ بنِ   (*) طبقات خليفة: 169، المعارف: 508 - 509، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 150، 168، أخبار القضاة 1 / 149 - 175، الجرح والتعديل: 4 / 365، الكامل لابن عدي: 2 / 192 / 1، تاريخ بغداد: 9 / 279، طبقات الشيرازي: الورقة 23، وفيات الأعيان: 2 / 464، تهذيب الكمال: 581، ميزان الاعتدال: 2 / 270، العبر: 1 / 193 و253 و270، تذكرة الحفاظ: 1 / 232، البداية والنهاية: 10 / 171، تهذيب التهذيب: 4 / 333، خلاصة تذهيب الكمال: 169، شذرات الذهب: 1 / 287. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 أَبِي رَاشِدٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي زُرْعَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَالِمٍ الأَفْطَسِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَنُسَيْرِ بنِ ذُعْلُوْقٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسَلَمَةَ بنِ المُحَبِّقِ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، وَالمِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ، وَزَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَحَكِيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدَةَ، وَمِخْوَلِ بنِ رَاشِدٍ، وَابْنِ عَقِيْلٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَعَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ. وَيُقَالُ: إِنَّ إِسْحَاقَ الأَزْرَقَ أَخَذَ عَنْهُ تِسْعةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ. وَمِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَلُوَيْنُ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِنِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَقَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الأَحْوَصِ. قُلْتُ: مَعَ أَنَّ أَبَا الأَحْوَصِ مِنْ رِجَالِ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَمَا أَخْرَجَا لِشَرِيْكٍ سِوَى مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ قَلِيْلاً. وَخَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ تَعْلِيْقاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: شَرِيْكٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ بَلَدِهِ مِنَ الثَّوْرِيِّ. فَذُكِرَ هَذَا لابْنِ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: لَيْسَ يُقَاسُ بِسُفْيَانَ أَحَدٌ، لَكِنْ شَرِيْكٌ أَرْوَى مِنْهُ فِي بَعْضِ المَشَايِخِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: سَيِّئُ الحِفْظِ، مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ، مَائِلٌ (1) . قُلْتُ: فِيْهِ تَشَيُّعٌ خَفِيْفٌ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ، وَبَيْنَه وَبَيْنَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَقَائِعُ (2) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ بِبُخَارَى، أَوْ نقلَ إِلَى الكُوْفَةِ. وَقَدْ سَمَّى البُخَارِيُّ جَدَّهُ: سِنَاناً، وَسَمَّاهُ شَيْخُه أَبُو نُعَيْمٍ: الحَارِثَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: أَخطَأَ شَرِيْكٌ فِي أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ: عَشْرَةُ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ، وَعَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ: عَشْرَةُ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: قُدِّمَ عُثْمَانُ يَوْم قُدِّمَ، وَهُوَ أَفْضَلُ القَوْمِ. قُلْتُ: مَا بَعْدَ هَذَا إِنصَافٌ مِنْ رَجُلٍ كُوْفِيٍّ.   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 284، و" تهذيب الكمال " 582، وميزان المؤلف 2 / 270. (2) في الأصل: " واقع " وانظر " تاريخ بغداد " 13 / 374 و397. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ -يَعْنِي: وَزِيْرَ المَهْدِيِّ- وَفِيْهِ الحَسَنُ بنُ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، وَوَالِدُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوْسَى، وَالأَشْرَافُ، فَتَذَاكَرُوا النَّبِيذَ، فَرَخَّصَ مَنْ حَضَرَ مِنَ العِرَاقِيِّينَ فِيْهِ، وَشَدَّدَ البَاقُوْنَ، فَقَالَ شَرِيْكٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَنَأَكُلُ لُحُوْمَ هَذِهِ الإِبِلِ، لَيْسَ يَقْطَعُهَا فِي بُطُوْنِنَا إِلاَّ هَذَا النَّبِيذُ الشَّدِيْدُ (1) . فَقَالَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ، إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ} [ص: 7] . فَقَالَ شَرِيْكٌ: أَجَلْ! شَغَلَكَ الجُلُوْسُ عَلَى الطَّنَافِسِ فِي صُدُورِ المَجَالِسِ عَنِ اسْتِمَاعِ هَذَا وَمِثْلِه. فَلَمْ يُجِبْهُ الحَسَنُ بِشَيْءٍ. وَأُسْكِتَ القَوْمُ، فَتَحَدَّثُوا بَعْدُ فِي النَّبِيذِ، وَشَرِيْكٌ سَاكِتٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بِمَا عِنْدَك. فَقَالَ: كَلاَّ! الحَدِيْثُ أَعزُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُعرَّضَ لِلتَّكذِيبِ. فَقَالَ بَعْضُهُم: شَرِبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُم: لاَ، بَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ تَرَكَهَ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: أَنَا رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ فِي بَيْت خَيْرِ أَهْلِ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ؛ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ. قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَورعَ فِي عَلمِهِ مِنْ شَرِيْكٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ عَبَّاداً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مَعْمَرٌ وَشَرِيْكٌ وَاسِطَ، فَكَانَ شَرِيْكٌ أَرْجَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ. قَالَ عَبَّاسٌ: ذَكَرتُ لابْنِ مَعِيْنٍ إِسْرَائِيْلَ، وَشَرِيْكاً، فَقَالَ: مَا فِيْهِمَا إِلاَّ ثَبْتٌ. وَقَالَ: شَرِيْكٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الأَحْوَصِ، ثُمَّ سَمِعْتُ   (1) إسناده ضعيف لضعف شريك، والذي صح عن عمر رضي الله عنه إباحة الطلاء وهو الدبس شبه بطلاء الابل، وهو القطران الذي يدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الابل، وهو في تلك الحالة غالبا لا يسكر. وانظر " فتح الباري " 10 / 55، 56. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِسْرَائِيْلُ أَثْبَتُ مِنْ شَرِيْكٍ. وَقَالَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ هَذَيْنِ. قَالَ مِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ: قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيْكٍ: كَيْفَ تَجدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: أَجِدُنِي شَاكِياً (1) غَيْرَ شَاكِي الله. أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شَرِيْكٍ يَوْماً، فَظَهَرَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ جَفَاءٌ، فَانْتَهَرَ بَعْضَهُم، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! لَوْ رَفَقتَ. فَوَضَعَ شَرِيْكٌ يَدَهُ عَلَى رُكبَةِ الشَّيْخِ، وَقَالَ: النُّبْلُ عَوْنٌ عَلَى الدِّينِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قِيْلَ لِشَرِيْكٍ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: إِذاً يَفتَضِحُ، يَقُوْلُ: أَخطَأَ المُسْلِمُوْنَ. وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا كَتَبتُ عَنْ شَرِيْكٍ بَعْدَ مَا وَلِيَ القَضَاءَ، فَهُوَ عِنْدِي عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ بَعْدَ القَضَاءِ غَيْرَ حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَضَى شَرِيْكٌ عَلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: القَضَاءُ فِيْهِ كَذَا وَكَذَا -يَعْنِي: الَّذِي حَكَمتَ بِهِ-. فَقَالَ لَهُ شَرِيْكٌ: اذْهَبْ، فَأَفْتِ بِهَذَا حَاكَهَ الزَّعَافِرِ. وَكَانَ شَرِيْكٌ قَدْ حَبَسَه فِي القَضِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ يَنْزِلُ فِي الزَّعَافِرِ. مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: تَرْكُ الجَوَابِ فِي مَوْضِعِه إِذَابَةُ القَلْبِ.   (1) في الأصل: " شاك ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: قُلْتُ لِشَرِيْكٍ: أَرَأَيْتَ مَنْ قَالَ: لاَ أُفضِّلُ أَحَداً؟ قَالَ: هَذَا أَحْمَقُ، أَلَيْسَ قَدْ فُضِّلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؟ وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ الرُّهَاوِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: عَلِيٌّ خَيْرُ البَشَرِ، فَمَنْ أَبَى فَقَدْ كَفَرَ. قُلْتُ: مَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ. وَمَعْنَاهُ حَقٌّ، يَعْنِي: خَيْرَ بَشَرِ زَمَانِه، وَأَمَّا خَيْرُهُم مُطْلَقاً، فَهَذَا لاَ يَقُوْلهُ مُسْلِمٌ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى العُذْرِيُّ: أَعْلَمُ أَهْلِ الكُوْفَةِ: سُفْيَانُ، وَأَحضَرُهُم جَوَاباً: شَرِيْكٌ ... ، وَذَكَرَ بَاقِي الحِكَايَةِ. قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ فِي إِسْرَائِيْلَ وَشَرِيْكٍ، فَقَالَ: إِسْرَائِيْلُ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَيُؤَدِّي مَا سَمِعَ، وَلَيْسَ عَلَى شَرِيْكٍ قِيَاسٌ، كَانَ يُحَدِّثُ الحَدِيْثَ بِالتَّوَهُّمِ. ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: قَالَ شَرِيْكٌ لِبَعْضِ إِخْوَانِه: أُكْرِهْتُ عَلَى القَضَاءِ. قَالَ: فَأُكْرِهْتَ عَلَى أَخْذِ الرِّزْقِ؟ ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: حكَى لِي عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ شَرِيْكٌ عَلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ، فَخَرَجَ يَتَلَقَّى الخَيْزُرَانَ، فَبَلَغَ شَاهِي (1) ، وَأَبْطَأَتِ الخَيْزُرَانُ، فَأَقَامَ يَنْتَظِرُهَا ثَلاَثاً، وَيبِسَ خُبْزُهُ، فَجَعَلَ يَبُلُّهُ بِالمَاءِ وَيَأْكلُهُ، فَقَالَ العَلاَءُ بنُ المِنْهَالِ الغَنَوِيُّ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَدْ قُلْتَ حَقّاً ... بِأَنْ قَدْ أَكْرَهُوكَ عَلَى القَضَاءِ فَمَا لَكَ مُوْضِعاً فِي كُلِّ يَوْمٍ ... تَلَقَّى مَنْ يَحُجُّ مِنَ النِّسَاءِ؟   (1) موضع قرب القادسية. قاله ياقوت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 مُقِيْماً فِي قُرَى شَاهِي ثَلاَثاً ... بِلاَ زَادٍ سِوَى كِسَرٍ وَمَاءِ (1) قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ شَرِيْكٍ مِنْ خُرَاسَانَ، فَرَآهَا أَعْرَابِيٌّ وَهِيَ عَلَى حِمَارٍ، وَشَرِيْكٌ صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ لَتَحْمِلِينَ جَنْدَلَةً مِنَ الجَنَادِلِ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ عِيْسَى لِشَرِيْكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! عَزَلُوكَ عَنِ القَضَاءِ، مَا رَأَينَا قَاضِياً عُزِلَ! قَالَ: هُمُ المُلُوْكُ، يُعزَلُوْنَ وَيُخلَعُوْنَ. يُعرِّضُ أَنَّ أَبَاهُ خُلِعَ -يَعْنِي: مِنْ وِلاَيَةِ العَهْدِ-. قَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَ أَبُو مُطَرِّفٍ: قَالَ لِي شَرِيْكٌ: حُمِلتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لِي: قَدْ وَلَّيتُكَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ. فَقُلْتُ: لاَ أُحسِنُ. فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي مَا صَنَعتَ بِعِيْسَى، وَاللهِ مَا أَنَا كَعِيْسَى، يَا ربِيْعُ، يَكُوْنُ عِنْدَكَ حَتَّى يَقْبَلَ. فَخَرَجتُ مَعَ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُعفِيْكَ، فَقَبِلْتُ. قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ شَرِيْكاً، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنَالُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: وَاللهِ مَا أَنْتَقِصُ الزُّبَيْرَ، فَكَيْفَ أَنَالُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ؟ ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: قِيْلَ لأَبِي شَيْبَةَ القَاضِي: قَدْ وَلِي شَرِيْكٌ قَضَاءَ الكُوْفَةِ. فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْه مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادٍ. ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: أُحدِّثُ عَنْ شَرِيْكٍ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحدِّثَ عَنْ مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ. وَضَعَّفَ شَرِيْكاً، وَقَالَ:   (1) الأبيات في " تاريخ بغداد " 9 / 285، ومعجم البلدان: شاهي 3 / 316. وكان في الأصل " موضع " بدل " موضعا " و" مقيم " بدل " مقيما " وهو خطأ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 أَتَيْتُهُ بِالكُوْفَةِ، فَأَملَى عَلَيَّ، فَإِذَا هُوَ لاَ يَدْرِي. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: لَمَّا وُجِّهِ شَرِيْكٌ إِلَى قَضَاء الأَهْوَازِ، جَلَسَ عَلَى القَضَاءِ، فَجَعَلَ لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى قَامَ، ثُمَّ هَرَبَ، وَاخْتَفَى. وَيُقَالُ: إِنَّهُ اخْتَفَى عِنْد الوَالِي. فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، حِيْنَ بَلَغَهُ أَنَّ شَرِيْكاً هَرَبَ، فَقَالَ: الخَبِيْثُ اسْتَصغَرَ قَضَاءَ الأَهْوَازِ. مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنِي حَمْدَانُ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ شَرِيْكٍ، فَأَتَاهُ بَعْضُ وَلَدِ المَهْدِيِّ، فَاسْتَنَدَ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَعَادَ، فَعَادَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَخِفُّ بِأَوْلاَدِ الخَلِيْفَةِ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ العِلْمَ أَزْيَنُ عِنْد أَهْلِهِ مِنْ أَنْ تُضِيِّعُوْهُ. قَالَ: فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ شَرِيْكٌ: هَكَذَا يُطْلَبُ العِلْمُ. قَالَ عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: قَالَ شَرِيْكٌ: أَثَرٌ فِيْهِ بَعْضُ الضَّعفِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأيِهِم. قَالَ عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ: كَانَ شَرِيْكٌ يَخْضِبُ بِالحُمْرَةِ. قِيْلَ: إِنَّ شَرِيْكاً أُدْخِلَ عَلَى المَهْدِيِّ، فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَلِيَ القَضَاءَ، أَوْ تُؤَدِّبَ وَلَدِي وَتُحدِّثُهُم، أَوْ تَأْكْلَ عِنْدِي أَكلَةً. فَفكَّرَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: الأَكْلَةُ أَخَفُّ عَلَيَّ. فَأَمَرَ المَهْدِيُّ الطَّبَّاخَ أَنْ يُصلِحَ أَلْوَاناً مِنَ المُخِّ المَعْقُوْدِ بِالسُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَكَلَ. فَقَالَ الطَّبَّاخُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَ يُفلِحُ بَعْدَهَا. قَالَ: فَحَدَّثَهُم بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَّمَهُم، وَوَلِيَ القَضَاءَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 وَلَقَدْ كُتِبَ لَهُ بِرِزْقِهِ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ، فَضَايَقَهُ فِي النَّقْدِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَبِعْ بِهِ بَزّاً. فَقَالَ شَرِيْكٌ: وَاللهِ بِعتُ أَكْبَرَ مِنَ البَزِّ، بِعْتُ بِهِ دِيْنِي. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا تَوْبَةَ الحَلَبِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا بِالرَّمْلَةِ، فَقَالُوا: مَنْ رَجُلُ الأُمَّةِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: ابْنُ لَهِيْعَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَالِكٌ. فَقَدِمَ عَلَيْنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: رَجُلُ الأُمَّةِ شَرِيْكٌ. وَكَانَ شَرِيْكٌ يَوْمَئِذٍ حَيّاً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيْكٌ مِنْ نَحْو خَمْسِيْنَ سَنَةً، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً مِنَ المُعْتَزِلَةِ، يُنْكِرُوْنَ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ: (إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُم) (1) ، (وَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) . فَحَدَّثَ شَرِيْكٌ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ فِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا نَحْنُ، فَأَخَذنَا دِيْنَنَا عَنْ أَبْنَاءِ التَّابِعِيْنَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، فَهُم عَمَّنْ أَخَذُوا؟ قَالَ شَرِيْكٌ: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ بِالكُوْفَةِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ شَابٍّ يَطلُبُوْنَ العِلْمَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيُّ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: تُرَى أَصْحَابُ الحَدِيْثِ هَؤُلاَءِ يَطلُبُوْنَهُ للهِ؟! إِنَّمَا يَتَظَرَّفُوْنَ بِهِ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى لاَ يُحَدِّثُ عَنْ شَرِيْكٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْهُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَرِيْكٍ،   (1) حديث الرؤية صحيح، وكذا حديث النزول، وقد مر تخريجهما أكثر من مرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 فَقَالَ: كَانَ عَاقِلاً، صَدُوقاً، مُحَدِّثاً، وَكَانَ شَدِيْداً عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ وَالبِدَعِ، قَدِيْمَ السَّمَاعِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَبْلَ زُهَيْرٍ، وَقَبلَ إِسْرَائِيْلَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِسْرَائِيْلُ أَثْبَتُ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: يُحْتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ رَأيِي فِي هَذَا. قُلْتُ: فَإِسْرَائِيْلُ يُحْتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي. قَالَ: وَوُلِدَ شَرِيْكٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ؛ مِنْ طَرِيْقِ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمَ، عَنْهُ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَخَارَ المُسْلِمُوْنَ أَبَا بَكْرٍ، فَلَو عَلِمُوا أَنَّ فِيْهِم أَحَداً أَفْضَلُ مِنْهُ كَانُوا قَدْ غَشُّونَا، ثُمَّ اسْتَخلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَقَامَ بِمَا قَامَ بِهِ مِنَ الحَقِّ وَالعَدْلِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، جَعَلَ الأَمْرَ شُوْرَى بَيْنَ سِتَّةٍ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانَ، فَلَو عَلِمُوا أَنَّ فِيْهِم أَفْضَلَ مِنْهُ كَانُوا قَدْ غَشُّونَا. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ: أَنَّهُ عَرَضَ هَذَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ حَفْصٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنطَقَ بِهَذَا لِسَانَهُ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَشِيْعِيٌّ، وَإِنَّ شَرِيْكاً لَشِيْعِيٌّ. قُلْتُ: هَذَا التَّشَيُّعُ الَّذِي لاَ مَحْذُوْرَ فِيْهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - إِلاَّ مِنْ قَبِيْلِ الكَلاَمِ فِيْمَنْ حَارَبَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ قَبِيْحٌ يُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ، وَلاَ نَذكُرُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ إِلاَّ بِخَيْرٍ، وَنتَرَضَّى عَنْهُم، وَنَقُوْلُ: هُم طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ بَغَتْ عَلَى الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَذَلِكَ بِنصِّ قَوْلِ المُصْطَفَى - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - لِعَمَّارٍ: (تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ (1)) . فَنَسَأَلُ اللهَ أَنْ يَرْضَى عَنِ الجَمِيْعِ،   (1) أخرجه مسلم (2916) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 وَأَلاَّ يَجعَلَنَا مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ لِلْمُؤْمِنِيْنَ. وَلاَ نَرتَابُ أَنَّ عَلِيّاً أَفْضَلُ مِمَّنْ حَارَبَه، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالحَقِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمَ يَقُوْلُ: شَهِدَ ابْنُ إِدْرِيْسَ شَهَادَةً عِنْد شَرِيْكٍ - أَوْ تَقدَّمَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ - فَأَمَرَ بِهِ شَرِيْكٌ، فَأُقِيْمَ، وَدُفِعَ فِي قَفَاهُ - أَوْ وُجِئَ فِي قَفَاهُ -. وَقَالَ شَرِيْكٌ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ حُمقٍ مَا عَلِمتُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَدْ كَتَبْتُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ شَرِيْكٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الحَدِيْثِ -يَعْنِي: فِي المُذَاكَرَةِ-. قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ شَرِيْكٌ لاَ يُبَالِي كَيْفَ حَدَّثَ، حَسَنُ بنُ صَالِحٍ أَثْبَتُ مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَهُوَ الحَارِثُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَارِثِ بنِ الأَذْهَلِ بنِ وَهْبِيْلِ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّخَعِ (1) ، يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ. مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   = فيتمنى أن يكون الرجل مكان الميت من البلاء، وهو حديث متواتر، رواه جماعة من الصحابة منهم: أبو سعيد الخدري وهو في " الصحيح "، وقتادة بن النعمان عند النسائي، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص. قال الحافظ في " فتح الباري " 1 / 452: وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة وحسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه. ونقل المناوي في " فيض القدير " 6 / 366 عن كتاب الامامة للامام عبد القاهر الجرجاني قوله: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والاوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين، أن عليا مصيب في قتاله لاهل صفين، كما هو مصيب في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له. (1) طبقات خليفة ت (1295) ، وابن سعد 6 / 378، ووفيات الأعيان 2 / 464، والزيادة منها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي أَوَّلِ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ. عَاشَ: اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَدَثَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُبَّاءً، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: (هَذَا الدُّبَّاءُ نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ لُوَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَذُلِّلَتْ قُطُوْفُهَا تَذْلِيْلاً} [الإِنْسَانُ: 14] ، قَالَ: أَهْلُ الجَنَّةِ يَأْكلُوْنَ مِنْهَا قِيَاماً، وَقُعُوْداً، وَمُضْطَجِعِيْنَ، وَعَلَى أَي حَالٍ شَاؤُوا (2) .   (1) وقد تابع شريكا عليه وكيع عند ابن ماجه (3304) فأخرجه من طريقه عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وعنده هذا الدباء، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: " هذا القرع، هو الدباء نكثر به طعامنا ". قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 204: وهذا إسناد صحيح، وجابر هو ابن طارق، ويقال: ابن أبي طارق، ويقال: ابن عوف الاحمسي، ورواه الترمذي في " الشمائل " ص 84، والنسائي في الوليمة، جميعا عن قتيبة، عن حفص بن غياث، عن إسماعيل بن أبي خالد به. (2) رجاله ثقات غير شريك، لكن رواه الحاكم في " المستدرك " 2 / 511 من طريق آخر وصححه، وأقره الذهبي، وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 300، وزاد نسبته إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وعباد بن حميد، وعبد الله بن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بنِ جُنَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، لاَ يُؤَدِّي عَنِّي إِلاَّ أَنَا أَوْ هُوَ) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. رَوَاهُ: ابْنُ مَاجَه فِي (سُنَنِهِ (1)) ، عَنْ سُوَيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مُدَرِّسُ الشَّامِيَّةِ (2) ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ (3) سَمَاعاً، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنٍ الشَّعْرِيَّةِ،   = أحمد في " زوائد الزهد " وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في " البعث ". (1) (119) في المقدمة، والترمذي (3719) ، وأحمد 4 / 165 من حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، وأخرجه أحمد 4 / 164 من طريق يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبيش بن جنادة وكان شهد يوم حجة الوداع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي مني وأنا منه، لا يودي عني إلا أنا أو علي " وهذا إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين. (2) هي المدرسة الشامية الجوانية، وتقع قبلي المارستان النوري، ولم يبق الآن من رسمها سوى بابها، وكانت دارا ليست الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب، فجعلتها بعدها مدرسة للفقهاء الشافعية، وأوقفت عليها أوقافا كثيرة. وتاج الدين هذا ترجمه المؤلف في " مشيخته " الورقة: 139، فقال: هو محمد بن عبد السلام بن المطهر بن العلامة قاضي القضاة أبي سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون، الامام المدرس الجليل المعمر المسند تاج الدين أبو عبد الله بنأبي الفضل التميمي الحلبي ثم الدمشقي الشافعي مدرس الشامية الصغرى، سمع أباه وابن روزنة مكرم بن محمد، وكان خيرا متواضعا لطيفا، فيه عامية، إلا أنه يورد درسه بحروفه إيرادا حسنا، سمعت منه عدة أجزاء، مولده في حلب بالمحرم سنة عشر وست مئة، ومات في ربيع الأول سنة خمس وتسعين وست مئة. (3) ترجمها المؤلف في " مشيخته " الورقة: 50، فقال: زينب بنت عمر بن كندي بن سعد بن علي أم محمد الدمشقية الكندية، نزيلة بعلبك، شيخة صالحة جليلة كثيرة المعروف، حجت وبنت رباطا، ووقفت على البر، روت الكثير بإجازة المؤيد الطوسي، وأبي روح، وزينب بنت الشعري. توفيت في أواخر شهر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وست مئة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَارِئُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأتُ عَلَى شَرِيْكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ رَجُلٍ، يُكْنَى: أَبَا مُوْسَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ حِيْنَ وَجَدَ المُخْدَجَ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ (1) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَرِيْكٌ ثِقَةٌ، يُخطِئُ عَلَى الأَعْمَشِ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: قَلَّ مَا يُحتَاجُ إِلَى شَرِيْكٍ فِي الأَحَادِيْثِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا، وَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، اضْطَرَبَ حِفظُهُ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: دَعَا المَنْصُوْرُ شَرِيْكاً، فَقَالَ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أُوَلِّيَكَ القَضَاءَ. فَقَالَ: أَعْفِنِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: لَسْتُ أُعفِيكَ. قَالَ: فَأَنْصَرِفُ يَوْمِي هَذَا، وَأَعُوْدُ، فَيَرَى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ رَأيَهُ. قَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تَتَغَيَّبَ؟ وَلَئِنْ فَعَلتَ، لأُقَدمنَّ عَلَى خَمْسِيْنَ مِنْ قَوْمِكَ بِمَا تَكرَهُ. فَوَلاَّهُ القَضَاءَ، فَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ المَهْدِيِّ، فَأَقرَّهُ المَهْدِيُّ، ثُمَّ عَزَلَهُ. قَالَ: وَكَانَ شَرِيْكٌ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، أُنْكِرَ عَلَيْهِ الغَلَطُ وَالخطَأُ.   (1) وأخرجه أحمد في " المسند " 848 و1254) من طريق إسرائيل، عن إبراهيم ابن عبد الأعلى، عن طارق بن زياد. وهو في " المصنف " (5962) ، و" سنن البيهقي " 2 / 371 من طريق الثوري، عن محمد بن قيس، عن أبي موسى مالك بن الحارث قال: كنت مع علي..والمخدج: ناقص الخلق. وانظر خبر المخدج في " صحيح مسلم " (1066) (156) في الزكاة: باب التحريض على قتل الخوارج، وفيه: فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج: فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه، حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخرجوهم، فوجدوه مما يلي الأرض فكبر، ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله، فقال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثا، وهو يحلف له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَنْ يُفْلِتُ مِنَ الخَطَأِ؟ رُبَّمَا رَأَيْتُ شَرِيْكاً يُخطِئُ، وَيُصَحِّفُ حَتَّى أَسْتَحْيِي. يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ: أَمَا تَرَى كَثْرَةَ قَوْلِ النَّاسِ فِي شَرِيْكٍ؟ -يَعْنِي: فِي حَمْدِه- مَعَ كَثْرَةِ خَطَئِهِ وَخَطَلِهِ. قَالَ: اسْكُتْ وَيْحَكَ! أَهْلُ الكُوْفَةِ كُلُّهُم مَعَهُ، يَتَعَصَّبُ لِلْعَرَبِ، فَهُم مَعَهُ، وَيَتَشَيَّعُ لِهَؤُلاَءِ المَوَالِي الحَمْقَى، فَهُم مَعَهُ. قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِنَا أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شَرِيْكٍ، رُبَّمَا رَأيْتُهُ يَأْخُذُ شَاتَهُ، يَذْهَبُ بِهَا إِلَى النَّاسِ، وَرُبَّمَا حَزَرتُ ثَوْبَيْهِ قَبْلَ القَضَاءِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَرُبَّمَا دَخَلتُ بَيْتَه، فَإِذَا لَيْسَ فِيْهِ إِلاَّ شَاةٌ يَحْلُبُهَا، وَمَطْهَرَةٌ، وَبَارِيَّةٌ (1) ، وَجَرَّةٌ، فَرُبَّمَا بَلَّ الخُبْزَ فِي المَطْهَرَةِ، فَيُلقِي إِلَيَّ كُتُبَهُ، فَيَقُوْلُ: اكْتُبْ حَدِيْثَ جَدِّكَ، وَمَنْ أَرَدْتَ. قَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: وَحَدَّثَنِي الهَيْثَمُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَ شَرِيْك يَوْماً بِحَدِيْثِ: (وُضِعْتُ فِي كَفَّةٍ) . فَقَالَ رَجُلٌ لِشَرِيْكٍ: فَأَيْنَ كَانَ عَلِيٌّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؟ قَالَ: مَعَ النَّاسِ فِي الكِفَّةِ الأُخْرَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الكُوْفِيِّيْنَ يَقُوْلُ: قَالَ شَرِيْكٌ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ، فَأَتَيْتُهُ وَمَعِيَ قِرْطَاسٌ فِيْهِ مائَةُ حَدِيْثٍ، فَسَأَلتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِهَا، وَسُفْيَانُ يَسْمَعُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِي سُفْيَانُ: أَرِنِي قِرْطَاسَكَ. فَأَعْطَيْتُهُ، فَخَرَّقَهُ. قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَاسْتَلقَيْتُ عَلَى قَفَاي، فَحَفِظتُ مِنْهَا سَبْعَةً وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَحَفِظَهَا سُفْيَانُ كُلُّهَا.   (1) البارية: الحصير، فارسي معرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ المُجَدِّرِ، قَالَ: كُنْتُ شَاهِداً حِيْنَ أُدْخِلَ شَرِيْكٌ، وَمَعَهُ أَبُو أُمَيَّةَ، وَكَانَ أَبُو أُمَيَّةَ رَفَعَ إِلَى المَهْدِيِّ: أَنَّ شَرِيْكاً حَدَّثَهُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُم، فَإِذَا زَاغُوا عَنِ الحَقِّ، فَضَعُوا سُيُوْفَكُم عَلَى عَوَاتِقِكُم، ثُمَّ أَبِيَدُوا خَضْرَاءهُم (1)) . قَالَ المَهْدِيُّ: أَنْتَ حَدَّثتَ بِهَذَا؟ قَالَ: لاَ. فَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: عَلَيَّ المَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَكُلُّ مَالِي صَدَقَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَّثَنِي. فَقَالَ شَرِيْكٌ: وَعَلَيَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُ حَدَّثْتُهُ. فَكَأَنَّ المَهْدِيَّ رَضِيَ. فَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! عِنْدَك أَدْهَى العَرَبِ، إِنَّمَا يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي عَلَيَّ مِنَ الثِّيَابِ، قُلْ لَهُ يَحلِفُ كَمَا حَلَفتُ. فَقَالَ: احلِفْ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: قَدْ حَدَّثْتُهُ. فَقَالَ المَهْدِيُّ: وَيْلِي عَلَى شَارِبِ الخَمْرِ -يَعْنِي: الأَعْمَشَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ المُنَصَّفَ (2) - لَوْ عَلِمتُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ، لأَحرَقْتُهُ.   (1) شريك سيئ الحفظ، وسالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان، وأخرجه أحمد 5 / 277 من طريق وكيع، عن الأعمش، عن سالم، عن ثوبان مختصرا، وأخرجه الطبراني في " الصغير " ص: 74 من طريق شعبة، عن الأعمش، عن سالم. وفي الباب عن النعمان بن بشير، ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 5 / 228 وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. ومعنى الحديث: أطيعوهم ما داموا مستقيمين على الدين وثبتوا على الإسلام. خضراؤهم: سوادهم، ودهماؤهم. (2) المنصف من الشراب: العصير الذي يطبخ حتى يذهب نصفه. وعلق البخاري في صحيحه 10 / 56 في الأشربة: وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف. وقال الحافظ ابن حجر: أما أثر البراء فأخرجه ابن أبي شيبة من رواية عدي بن ثابت عنه، أنه كان يشرب الطلاء على النصف، أي: إذا طبخ فصار على النصف، وأما أثر أبي جحيفة فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق حصين بن عبد الرحمن قال: رأيت أبا جحيفة..فذكر مثله. ووافق البراء وأبا جحيفة: جرير وأنس، ومن التابعين ابن الحنفية وشريح، وأطبق الجميع على أنه إن كان يسكر حرم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 قَالَ شَرِيْكٌ: لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّاً، كَانَ رَجُلاً صَالِحاً. قَالَ: بَلْ زِنْدِيقٌ. قَالَ: لِلزِّنْدِيقِ عَلاَمَاتٌ: بِتَركِهِ الجُمُعَاتِ، وَجُلُوْسِهِ مَعَ القِيَانِ، وَشُربِهِ الخَمْرَ. فَقَالَ: وَاللهِ لأَقتُلَنَّكَ. قَالَ: ابْتَلاَكَ اللهُ بِمُهجَتِي. قَالَ: أَخْرِجُوْهُ. فَأُخرِجَ، وَجَعَلَ الحَرَسُ يُشَقِّقُوْنَ ثِيَابَه، وَخَرَقُوا قَلَنْسُوَتَهُ. قَالَ نَصْرٌ: فَقُلْتُ لَهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ المَهْدِيُّ: دَعْهُم. أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: كَانَ شَرِيْكٌ لاَ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ حَتَّى يَتَغَدَّى وَيَشْرَبَ أَرْبَعَةَ أَرطَالِ نَبِيذٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُخرِجُ رُقعَةً، فَيَنْظُرُ فِيْهَا، ثُمَّ يَدْعُو بِالخُصُوْمِ. فَقِيْلَ لابْنِهِ عَنِ الرُّقعَةِ، فَأَخْرَجَهَا إِلَيْنَا، فَإِذَا فِيْهَا: يَا شَرِيْكُ! اذْكُرِ الصِّرَاطَ وَحِدَّتَه، يَا شَرِيْك! اذْكُرِ المَوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -تَعَالَى-. رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ تَخْلِيطاً فِي أُصُوْلِ شَرِيْكٍ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: شَرِيْكٌ ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَغلَطُ، وَلاَ يُتقِنُ، وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ عَلَى سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ شَرِيْكٌ بِقَوِيٍّ فِيْمَا يَنْفَرِدُ بِهِ. 38 - غَسَّانُ بنُ بُرْزِيْنَ أَبُو المِقْدَامِ الطُّهَوِيُّ * (ق) البَصْرِيُّ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.   (*) تهذيب الكمال: 1090، تذهيب التهذيب: 3 / 133 / 2، ميزان الاعتدال: 3 / 333، تهذيب التهذيب: 8 / 246، خلاصة تذهيب الكمال: 307. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 يَرْوِي عَنْ: ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَسَيَّارِ بنِ سَلاَمَةَ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَعَفَّانُ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَآخَرُوْنَ. 39 - أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ * (ع) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، الوَضَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى يَزِيْدَ بنِ عَطَاءٍ اليَشْكُرِيِّ، الوَاسِطِيُّ، البَزَّازُ. كَانَ الوَضَّاحُ مِنْ سَبْيِ جُرْجَانَ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ. رَأَى: الحَسَنَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ. وَرَوَى عَنْ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَقَتَادَةَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ العَابِدِ، وَأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيِّ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ أَرْكَانِ الحَدِيْثِ.   (*) التاريخ لابن معين: 429، التاريخ الكبير: 8 / 181، التاريخ الصغير: 2 / 210 - 212، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 168، الجرح والتعديل: 9 / 40، تاريخ بغداد: 13 / 465، تاريخ ابن الأثير: 6 / 134، تهذيب الكمال: 146، تذكرة الحفاظ: 1 / 236، تذهيب التهذيب 4 / 130 / 1، ميزان الاعتدال: 4 / 334، العبر: 1 / 69، 271، تهذيب التهذيب: 11 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 42. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 رَوَى عَنْهُ: هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتُوَائِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمُ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَأَكْثَرَ عَنْهُ: خَتَنُهُ؛ يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَلُوَيْنُ، وَالهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ خَاتِمَتُهُم. قَالَ عَفَّانُ: أَبُو عَوَانَةَ أَصَحُّ حَدِيْثاً عِنْدَنَا مِنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ صَحِيْحُ الكِتَابِ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، رُبَّمَا يَهِمُ. وَقَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ صَحِيْحَ الكِتَابِ، ثَبْتاً، كَثِيْرَ العَجْمِ، وَالنَّقطِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مَا أَشْبَهَ حَدِيْثَهُ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِنْ حَدَّثَكُم أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَصَدِّقُوهُ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ مَوْلاَهُ يَزِيْدُ قَدْ خَيَّرَهُ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ، وَكِتَابَةِ الحَدِيْثِ، فَاخْتَارَ كِتَابَةَ الحَدِيْثِ. وَفَوَّضَ إِلَيْهِ مَوْلاَهُ التِّجَارَةَ، فَجَاءهُ سَائِلٌ، فَقَالَ: أَعْطِنِي دِرْهَمَيْنِ، فَإِنِّي أَنْفَعُكَ. فَأَعْطَاهُ، فَدَارَ السَّائِلُ عَلَى رُؤَسَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 البَصْرَةِ، وَقَالَ: بَكِّرُوا عَلَى يَزِيْدَ بنِ عَطَاءٍ، فَإِنَّهُ قَدْ أَعتَقَ أَبَا عَوَانَةَ. قَالَ: فَاجْتَمَعُوا إِلَى يَزِيْدَ، وَهَنُّؤُوهُ، فَأَنِفَ مِنْ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ، فَأَعْتَقَهُ حَقِيْقَةً. وَرَوَى: أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى هَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَهُوَ مَرِيْضٌ أَعُوْدُهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَوَانَةَ! ادْعُ اللهَ أَنْ لاَ يُمِيْتَنِي حَتَّى يَبلُغَ وَلَدِي الصِّغَارُ. فَقُلْتُ: إِنَّ الأَجَلَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ (1) . فَقَالَ لِي: أَنْتَ بَعْدُ فِي ضَلاَلِكَ. قُلْتُ: بِئْسَ المَقَالُ هَذَا، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ سَابِقٍ، وَلَكِنْ وَإِنْ كَانَ الأَجَلُ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ بِطُوْلِ البَقَاءِ قَدْ صَحَّ. دَعَا الرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَادمِهِ أَنَسٍ بِطُوْلِ العُمُرِ (2) ، وَاللهُ يَمحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. فَقَدْ يَكُوْنُ طُوْلُ العُمُرِ فِي   (1) هذا خطأ بلا ريب، فإن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن سببه، ولكن قدر سببه، فمتى أتى الإنسان بالسبب، وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالاكل والشرب، وقدر الولد بالوطئ، وقدر حصول الزرع بالبذر، وخروج نفس الحيوان بذبحه..والدعاء من أقوى الاسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: إن الاجل قد فرغ منه فلا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الاكل والشرب وجميع الحركات والاعمال، وليس شيء من الاسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب. (2) أخرج البخاري 11 / 155 في الدعوات: باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة، من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسا رضي الله عنه قال: قالت أم سليم: أنس خادمك ادع الله له، قال: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته "، وأخرجه مسلم (660) باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، و (2480) باب من فضائل أنس، والترمذي (3827) و (3828) في المناقب. وجاء عند مسلم في آخر الحديث: قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي ليتعادون على نحو المئة اليوم. وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " (653) من طريق عارم، حدثنا سعيد بن زيد، عن سنان، قال: حدثنا أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم: خويدمك ألا تدعو له؟ قال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له " فدعا له بثلاث، فدفنت مئة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة. ورجاله ثقات غير سنان بن ربيعة، فقد قال ابن عدي: له أحاديث قليلة وأرجو أنه لا بأس = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 عِلْمِ اللهِ مَشْرُوطاً بِدُعَاءٍ مُجَابٍ، كَمَا أَنَّ طَيَرَانَ العُمُرِ قَدْ يَكُوْنُ بِأَسبَابٍ جَعَلَهَا مِنْ جَوْرٍ وَعَسْفٍ، وَ (لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ (1)) ، وَالكِتَابُ الأَوَّلُ فَلاَ يَتَغَيَّرُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ يَقرَأُ، وَلاَ يَكْتُبُ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ أُمِّيّاً، يَسْتَعِيْنُ بِمَنْ يَكْتُبُ لَهُ. قَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: الزَمْ أَبَا عَوَانَةَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَنْ لأَهْلِ البَصْرَةِ مِثْلُ زَائِدَةَ؟ -يَعْنِي: فِي الكُوْفَةِ-. فَقَالَ: أَبُو عَوَانَةَ. قَالَ: وَزُهَيْرٌ كَوُهَيْبٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: أَبُو عَوَانَةَ، وَهِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ كَسَعِيْدِ بنِ   = به، وروى له البخاري مقرونا بغيره في الصحيح، فالاسناد محتمل للتحسين، لا سيما وأن المؤلف روى في ترجمة أنس من السير 3 / 267 حديثا من طريق آخر بمعنى هذا الحديث، ونصه: حسين بن واقد، عن ثابت، عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته " فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين، وولد لصلبي مئة وستة. (1) أخرجه أحمد 5 / 277، 280 و282، وابن ماجه (4022) ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 169، وابن حبان (1090) ، والحاكم 1 / 493، من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " وفي سنده جهالة أو انقطاع، لكن يشهد لقوله " لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر " حديث سلمان عند الترمذي (2140) ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 169، وفي سنده أبو مودود فضة وفيه لين، فالحديث حسن بهذا الشاهد. قال الطحاوي رحمه الله: يحتمل أن يكون الله تعالى إذا أراد أن يخلق نسمة جعل أجلها إن برت كذا وكذا، وإن لم تبر كذا وكذا لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد منها كذ، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، ويكون ذلك في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهَمَّامٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: أَبُو عَوَانَةَ مِنْ كِتَابِه أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ مِنْ حِفْظِهِ. وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ فِي قَتَادَةَ ضَعِيْفاً، ذَهَبَ كِتَابُهُ، وَكَانَ يَتَحَفَّظُ مِنْ سَعِيْدٍ، وَقَدْ أَغرَبَ فِيْهَا أَحَادِيْثَ. قَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: الحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ هُوَ أَثبَتُهُم فِي مُغِيْرَةَ، وَهُوَ فِي قَتَادَةَ لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى العَبْسِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ لأَبِي عَوَانَةَ: كِتَابُكَ صَالِحٌ، وَحِفْظُكَ لاَ يَسْوَى شَيْئاً، مَعَ مَنْ طَلَبتَ الحَدِيْثَ؟ قَالَ: مَعَ مُنْذِرٍ الصَّيْرَفِيِّ. قَالَ: مُنْذِرٌ صَنَعَ بِكَ هَذَا. قُلْتُ: اسْتَقَرَّ الحَالُ عَلَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ ثِقَةٌ. وَمَا قُلْنَا: إِنَّهُ كَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، بَلْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِم مِنْ إِسْرَائِيْلَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلَهُ أَوهَامٌ تَجَانَبَ إِخرَاجَهَا الشَّيْخَانِ. مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ المُؤْمِنَ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيْحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ (1) ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. وَقَدْ سُقتُهُ فِي أَخْبَارِ قَتَادَةَ.   (1) إسناده صحيح، وتمامه: " ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَالِيَةَ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَزَالُوْنَ تُسْأَلُوْنَ حَتَّى يُقَالَ لَكُم: هَذَا اللهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنِّيْ لَجَالِسٌ يَوْماً، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: هَذَا اللهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَجَعَلتُ أُصْبُعِي فِي أُذُنَيَّ، ثُمَّ صَرَختُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ: اللهُ الوَاحِدُ الأَحَدُ، الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُوْلَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ.   = ريح فيها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ". وهو في البخاري 9 / 58، 59 في فضائل القرآن: باب فضل القرآن على سائر الكلام، ومسلم (797) في صلاة المسافرين: باب فضيلة حافظ القرآن، وأخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة. (1) إسناده حسن، وأخرجه أبو داود (4722) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: " لا يزال الناس يتساءلون..فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان ". وسنده قوي. وأخرج البخاري 13 / 230 في الاعتصام من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله: " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله ". وأخرجه البخاري أيضا 6 / 240 في بدء الخلق، ومسلم (134) في الايمان: باب بيان الوسوسة، وأبو داود (4721) عن طريق عروة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله "، ولمسلم (135) و (215) من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله " قال فبينا أنا في المسجد، إذ جاءني ناس من الاعراب، فقالوا: يا أبا هريرة، هذا الله، فمن خلق الله، قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي. قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه، وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر لذلك، فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 40 - وُهَيْبُ بنُ خَالِدِ بنِ عَجْلاَنَ الكَرَابِيْسِيُّ * (ع) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ البَصْرِيُّ، الكَرَابِيْسِيُّ، البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُم. هُوَ صَغِيْرٌ عَنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ، وَإِنَّمَا أَدرَجنَاهُ مَعَهُم، لأَنَّهُ قَدِيْمُ الوَفَاةِ. مَاتَ: قَبْلَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. حَدَّثَ عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَبِي حَازِمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَخُثَيْمِ بن عِرَاكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَخلقٍ مِنْ طَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَمُعَلَّى بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَعَارِمٌ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٌ.   = والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال، والجواب، والحال معه محصور، فإذا راعى الطريق وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته، انتهاء بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها، إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة نعوذ بالله من ذلك، على أن قوله: من خلق الله؟ كلام متهافت ينقض آخره أوله، لان الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا. (*) الطبقات الكبرى: 7 / 43، التاريخ الكبير: 8 / 127، التاريخ الصغير: 2 / 162، 163، الجرح والتعديل: 9 / 34، مشاهير علماء الأمصار: 160، تهذيب الكمال: 1482، تذهيب التهذيب: 4 / 144 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 235، العبر: 1 / 246، تهذيب التهذيب: 11 / 169. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ مِنْ أَبصَرِ أَصْحَابِهِ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ شُعْبَةَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: سُجِنَ وُهَيْبٌ، فَذَهَبَ بَصَرُهُ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً؛ حُجَّةً، يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ. رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَجَاءَ الهَرَوِيِّ: أَنَّ وُهَيْباً تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قُلْتُ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّ وُهَيْبَ بنَ خَالِدٍ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بنَ زَيْدٍ كَانَ لاَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ، فَقَالَ: وَكَانَ وُهَيْبٌ يَقْدِرُ أَنْ يُجَالِسَ عَلِيّاً؟ إِنَّمَا كَانَ يُجَالِسُ عَلِيّاً وُجُوْهُ النَّاسِ. قُلْتُ: مَا هَذَا جَوَاباً، وَصَدَقَ وُهَيْبٌ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَختَارُ وُهَيْباً عَلَى إِسْمَاعِيْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الحُفَّاظُ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَوُهَيْبٌ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ. وَكَانُوا يُؤَدُّونَ اللَّفْظَ. لَمْ يَقَعْ لِي حَدِيْثُ وُهَيْبٍ عَالِياً إِلاَّ بِإِجَازَةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّاعِدِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ؛ وَاسِعِ بنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَقِيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ (1) . وَأَخْبَرَنَا ابْنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا الكَنْجَرُوْذِيُّ بِهَذَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: (أَنْبِئُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ المُسْلِمَ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِيْنَ بِإِذْنَ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 193، 194، والبخاري 1 / 216، ومسلم (266) ، والشافعي في " الرسالة " رقم الفقرة: (812) من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر. وإلى هذا الحديث ذهب جماعة من أهل العلم فقالوا: يباح في الا بينة استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء، وهو قول عبد الله بن عمر، وبه قال الشعبي ومالك والشافعي وإسحاق ابن راهويه، وحملوا حديث أبي أيوب المتفق عليه: " نهى صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة لغائط أو بول " على الصحراء، وعمم النهي بين الصحراء والبنيان أبو أيوب الأنصاري، وهو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 رَبِّهَا) . قَالَ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَسَكَتَ القَوْمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هِيَ النَّخْلَةُ) . فَقُلْتُ لأَبِي، فَقَالَ: لَوْ كَانَ قُلْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: كُنْتَ فِي القَوْمِ وَأَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَقُوْلاَ شَيْئاً، فَكَرِهتُ أَنْ أَقُوْلَ (1) . 41 - أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ عَبْدُ رَبِّهِ بنُ نَافِعٍ * (خَ، م، د، س) المُحَدِّثُ. اسْمُهُ: عَبْدُ رَبِّهِ بنُ نَافِعٍ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ المَدَائِنِيُّ. رَوَى عَنْ: العَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَالأَعْمَشِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ شَيْبَانِيٍّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَسَعْدَوَيْه (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ. قَالَ غَيْرُهُ: كَانَ صَادِقاً، ذَا وَرَعٍ وَفَضْلٍ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 133، 134 في العلم: باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا، و151 باب الفهم في العلم، و202 باب الحياء في العلم، ومسلم (2811) في صفات المنافقين: باب مثل المؤمن مثل النخلة من طرق عن ابن عمر. وجاء في الأصل تحت قوله فكرهت أن أقول ما نصه: " عبد الرحمن بن أبي الزناد مرتب هنا " وترجمة عبد الرحمن تقدمت في الصفحة 168. (*) الطبقات الكبرى: 6 / 391، المعرفة والتاريخ للفسوي، 2 / 170، تهذيب الكمال: 772، العبر: 1 / 260، تذهيب التهذيب 2 / 202، تاريخ بغداد: 11 / 128، تهذيب التهذيب: 6 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 223. (2) هو سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي الضبي، الثقة الحافظ، وسعدويه لقبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 مَاتَ: بِالمَوْصِلِ. وَقِيْلَ: بِبَلَدَ (1) ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى. وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ الأَصْغَرُ. - أَمَّا: أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الأَكْبَرُ فَهُوَ: مُوْسَى بنُ نَافِعٍ. يَرْوِي عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً، وَغَيْرُه. وَقَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ القَطَّانُ: أَفَسَدُوْهُ عَلَيْنَا. 42 - عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ أَبُو زُبَيْدٍ الزُّبَيْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو زُبَيْد الزُّبَيْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُغِيْرَةَ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَالأَعْمَشِ. وَعَنْهُ: خَلَفٌ البَزَّارُ، وَقُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، وَجَمْعٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: أَبُو حَصِيْنٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ.   (1) بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل، وفي " تهذيب الكمال ": " أو ببلد، وهي بقرب الموصل ". (*) طبقات الكبرى: 6 / 382، التاريخ الكبير: 4 / 361 و7 / 94، التاريخ الصغير: 2 / 216، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3 / 122، 145، تاريخ بغداد: 12 / 310، طبقات الصوفية للسلمي: 171، تهذيب الكمال: 662، تذكرة الحفاظ: 1 / 259، العبر: 1 / 271، تذهيب التهذيب 2 / 128 / 2، تهذيب التهذيب: 5 / 136، خلاصة تذهيب الكمال: 304. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنٌ (1)) . رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ؛ وَابْنُ مَاجَه، عَنِ الذُّهْلِيِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الصَّحِيْحُ مَوْقُوْفٌ، وَمُحَمَّدٌ: هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَيُقَالُ: ابْنُ سِيْرِيْنَ، وَأَشْعَثُ: هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ. 43 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُرَقِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو،   (1) أخرجه الترمذي (718) في الصوم: باب ما جاء من الكفارة، وابن ماجه (1757) في الصوم: باب من مات وعليه صيام رمضان قد فرط فيه، وإسناده ضعيف لضعف أشعث، ومحمد ابن أبي يعلى، وقد أخطأ ابن ماجه في تسميته محمد بن سيرين. (*) الجرح والتعديل: 2 / 162 - 163، تاريخ بغداد: 6 / 218، البداية والنهاية: 10 / 275، تهذيب الكمال: 99، تذهيب التهذيب: 1 / 62 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 250، العبر: 1 / 275، 377، 415، طبقات للجزري: 1 / 163، تهذيب التهذيب: 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 33. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 وَرَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: شَيْبَةَ بنِ نِصَاحٍ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَى نَافِعٍ الإِمَامِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُسْلِمٍ بنِ جَمَّازٍ، وَبَرَعَ فِي الأَدَاءِ، وَتَصَدَّرَ لِلْحَدِيْثِ وَالإِقْرَاءِ، وَمِنْهُم مَنْ يُكنِيْهِ: أَبَا إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ مُقْرِئَ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَخَذَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يَزِيْدَ بنِ القَعْقَاعِ سَمَاعاً، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَنَشَرَ بِهَا عِلْمَهُ. فَأَخَذَ عَنْهُ القِرَاءةَ: الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ الكسَائِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَعِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الشَّيْزَرِيُّ (1) ، وَأَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، قَلِيْلُ الخَطَأِ، وَهُوَ وَأَخَوَاهُ: مُحَمَّدٌ، وَكَثِيْرٌ يَدِيْنُوْنَ (2) . وَرَوَاهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى. وَقِيْلَ: هُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ شَيْبَةَ.   (1) نسبة إلى شيزر: مدينة شامية على العاصي، شمالي غرب حماة تبعد عنها سبعة عشر ميلا تقريبا، وبها قلعة حصينة كانت لآل منقذ الكنانيين، يتوارثونها من أيام صالح بن مرداس سنة 417 هـ. وبقيت في أيديهم حتى خربت بالزلزال في سنة 552 هـ، وقتل كل من فيها من بني منقذ تحت أنقاضهم، ولم ينج منهم سوى الأمير أسامة بن منقذ، فإنه لم يكن فيها إذ ذاك. ولما وقف عليها، وشاهد أطلالها الدارسة وآثارها العافية ألف كتابه الطريف " المنازل والديار " المنشور بتحقيقنا. (2) في " تاريخ ابن معين " ص 31: إسماعيل بن جعفر المدني وأخوه محمد ثقتان جميعا، وانظر " تاريخ بغداد " 6 / 220. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 وَقَدْ كَانَ يُؤدِّبُ بِبَغْدَادَ عَلِيّاً وَلَدَ الخَلِيْفَةِ المَهْدِيِّ، فَعَظُمتْ حُرمَتُهُ لِذَلِكَ. وَقَعَ لَنَا نُسْخَةٌ عَالِيَةٌ مِنْ حَدِيْثِهِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَبَّاسِيُّ، وَقَرَأتُ عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ المُعْتَزِّ سَمَاعاً، عَنِ العَبَّاسِيِّ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيْبُلِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ. فَوَقَعَ بَدَلاً (3) عَالِياً. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَفَاتَ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَابْنَ عَرَفَةَ السَّمَاعُ مِنْهُ.   (1) نسبة إلى " ديبل " مدينة على ساحل البحر الهندي قريبة من السند. (2) (1526) في البيوع: باب بطلان بيع المبيع قبل القبض. (3) البدل من اصطلاحات الإسناد، وهو أن يأتي الراوي إلى حديث رواه أحد مصنفي الكتب الستة ونحوها، فيرويه بإسناده إلى شيخ شيخ صاحب الكتاب، كالبخاري مثلا من طريق أخرى تكون أقصر مما لو رواه من طريق البخاري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 44 - حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ * (خَ، م، س، ق) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ، العُقَيْلِيُّ، نَزِيْلُ عَسْقَلاَنَ. يَرْوِي عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَابْنُ وَهْبٍ، وَآدَمُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. وَقِيْلَ: كَانَ نَاسِكاً، رَبَّانِيّاً. قَالَ الفَسَوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 45 - الوَلِيْدُ بنُ طَرِيْفٍ الشَّيْبَانِيُّ * وَقِيْلَ: هُوَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، أَحَدُ أُمَرَاءِ العَرَبِ.   (*) المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 172 و2 / 299 و376، الجرح والتعديل: 2 / 187، تهذيب الكمال: 312، تذهيب التهذيب: 1 / 166 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 568، العبر 1 / 279، تهذيب التهذيب: 2 / 419، خلاصة تذهيب الكمال: 88. (* *) تاريخ الطبري: 8 / 256، 261، سمط اللآلي: 913، تاريخ ابن الأثير: 6 / 141، معاهد التنصيص: 3 / 161، وفيات الأعيان: 6 / 31، العبر: 1 / 272، مرآة الجنان: 1 / 370، الذهب المسبوك للمقريزي: 48، 49، النجوم الزاهرة: 2 / 95، شذرات الذهب: 1 / 288. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 خَرَجَ بِالجَزِيْرَةِ فِي ثَلاَثِيْنَ نَفْساً بِسقي الفُرَاتِ، فَقَتَلُوا تَاجِراً نَصْرَانِيّاً، وَأَخَذُوا مَالَهُ، ثُمَّ عَاثَ بِدَارَا (1) ، وَنَهَبَ، وَكَثُرَ جَيْشُهُ، فَقَصَدَ مَيَّافَارِقِيْنَ، فَفَدَوُا البَلَدَ مِنْهُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَصَالَحَهُ أَهْل خِلاَطٍ (2) عَلَى مَالٍ، وَهَزَمَ عَسْكَرَ الرَّشِيْدِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَاسْتبَاح نَصِيْبِيْنَ، فَقَتَلَ بِهَا خَمْسَةَ آلاَفٍ، إِلَى أَنْ حَارَبَه يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَظَفِرَ بِهِ، فَقَتَلَهُ. وَرَثَتْهُ أُخْتُهُ بِأَبْيَاتٍ مَشْهُوْرَةٍ (3) ، وَاسْمُهَا الفَارِعَةُ (4) . وَمِنْ أَبْيَاتِهَا: فَيَا شَجَرَ الخَابُوْرِ مَا لَكَ مُوْرِقاً؟ ... كَأَنَّكَ لَمْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِ طَرِيْفِ! فَتَىً لاَ يُحِبُّ الزَّادَ إِلاَّ مِنَ التُّقَى ... وَلاَ المَالَ إِلاَّ مِنْ قَناً وَسُيُوْفِ (5) وَلاَ الذُّخْرَ إِلاَّ كُلَّ جَرْدَاءَ صِلْدِمٍ ... مُعَاوِدَةٍ لِلْكَرِّ بَيْنَ صُفُوفِ (6) حَلِيْفُ النَّدَى مَا عَاشَ يَرْضَى بِهِ النَّدَى ... فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَرْضَ النَّدَى بِحَلِيْفِ (7)   (1) بلد بالجزيرة ذات بساتين ومياه جارية. (2) بلد في قصبة أرمينية الوسطى. (3) وهي في حماسة البحتري: 276، 277 مطلعها: بتل نباثا رسم قبر كأنه * على جبل فوق الجبال منيف (4) قال ابن خلكان: وقيل: فاطمة، وسماها ابن حزم في " الجمهرة ": ليلى، وكذلك ورد اسمها في حماسة البحتري. (5) في حماسة البحتري: فتى لم يحب الزاد. (6) رواية البيت في حماسة البحتري. ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة * وأجرد عالي المنسجين عزوف والصلدم: الشديد الحافر، ومعاودة: مواظبة لا تمل. (7) في الحماسة: حليف الندى إن عاش. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 فَقَدْنَاكَ فِقْدَانَ الشَّبَابِ وَلَيْتَنَا ... فَدَيْنَاكَ مِنْ فِتْيَانِنَا بِأُلُوفِ (1) أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْحِمَامِ وَلِلْبِلَى ... وَلِلأَرْضِ هَمَّتْ بَعْدَهُ بِرُجُوفِ (2) أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلنَّوَائِبِ وَالرَّدَى ... وَدَهْرٍ مُلِحٍّ بِالكِرَامِ عَنِيْفِ فَإِنْ يَكُ أَرْدَاهُ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ ... فَرُبَّ زُحُوفٍ لَفَّهَا بِزُحُوفِ عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ وَقْفاً، فَإِنَّنِي ... أَرَى المَوْتَ وَقَّاعاً بِكُلِّ شَرِيْفِ (3) قُتِلَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 46 - يَزِيْدُ بنُ حَاتِمِ بنِ قَبِيْصَةَ بنِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ * البَصْرِيُّ، الأَمِيْرُ. وَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، فَدَامَ سَبْعَ سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلِي   (1) رواية البيت في الحماسة: فقدناه فقدان الربيع فليتنا * فديناه من دهمائنا بألوف (2) هذا البيت لم يذكر في حماسة البحتري، وهو في " وفيات الأعيان ". (3) لم يرد في " الحماسة " وهو في " الوفيات ". (*) تاريخ خليفة: 434، 441، تاريخ ابن الأثير: 5 / 482، 512، و6 / 5، 8، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 142، تاريخ الطبري: 7 / 455، 495، وفيات الأعيان: 6 / 321، البيان المغرب: 1 / 78، مرآة الجنان: 1 / 361، 396، النجوم الزاهرة: 2 / 1، عيون الاخبار: 1 / 9، 129، خزانة الأدب: 3 / 51، مطالع البدور: 1 / 15، الاستقصاء: 1 / 58، ابن خلدون: 4 / 193، رغبة الآمل: 5 / 203، 204. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 المَغْرِبَ مُدَّةً لِلْمَهْدِيِّ، وَالهَادِي، وَالرَّشِيْدِ، وَمَهَّدَ إِفْرِيْقِيَةَ، وَذَلَّلَ البَرْبَرَ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، شَدِيْدَ البَأْسِ، كَمَا قِيْلَ فِيْهِ: وَإِذَا الفَوَارِسُ عُدِّدَتْ أَبْطَالُهَا ... عَدُّوكَ فِي أَبْطَالِهِمْ بِالخِنْصَرِ (1) وَعَنْ صَفْوَانَ بنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ بَدِيْهاً فِي يَزِيْدَ: لَمْ أَدْرِ مَا الجُودُ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ بِهِ ... حَتَّى لَقِيْتُ يَزِيْداً عِصْمَةَ النَّاسِ لَقِيْتُ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدِمٍ ... مُفَضَّلاً بِرِدَاءِ الجُودِ وَالبَاسِ لَوْ نِيْلَ بِالمَجْدِ مُلْكٌ كُنْتَ صَاحِبَهُ ... وَكُنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْ آلِ عَبَّاسِ (2) وَفِيْهِ يَقُوْلُ رَبِيْعَةُ بنُ ثَابِتٍ (3) : لَشَتَّانَ مَا بَيْنَ اليَزِيْدَيْنِ فِي النَّدَى ... يَزِيْدَ سُلَيْمٍ، وَالأَغَرِّ ابْنِ حَاتِمِ   (1) هو من أبيات أربعة لابن المولى، وهي: وإذا تباع كريمة أو تشترى * فسواك بائعها وأنت المشتري وإذا تخيل من سحابك لامع * سبقت مخيلته يد المستمطر وإذا صنعت صنيعة أتممتها * بيدين ليس نداهما بمكدر " الوفيات " 6 / 325، 326. (2) في الوفيات: لو نيل بالجود مجد. (3) من قصيدة مطلعها: حلفت يمينا غير ذي مثنوية * يمين امرئ آل بها غير آثم مدح بها يزيد بن حاتم هذا، وهجا يزيد بن أسيد السلمي انظر " الاغاني " 16 / 254، والوفيات 6 / 323. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 فَهَمُّ الفَتَى الأَزْدِيِّ إِتلاَفُ مَالِهِ ... وَهَمُّ الفَتَى القَيْسِيِّ جَمْعُ الدَّرَاهِمِ وَلاَ يَحْسَبِ التَّمْتَامُ أَنِّي هَجَوْتُهُ ... وَلَكِنَّنِي فَضَّلْتُ أَهْلَ المَكَارِمِ مَاتَ يَزِيْدُ بنُ حَاتِمٍ: بِالمَغْرِبِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَاسْتَخلَفَ وَلَدَهُ دَاوُدَ عَلَى المَغْرِبِ. 47 - أَخُوْه ُ: الأَمِيْرُ رَوْحُ بنُ حَاتِمٍ * وَلِيَ المَغْرِبَ أَيْضاً، ثُمَّ قَدِمَ، فَوَلِيَ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الأَبْطَالِ كَأَخِيْهِ، وَوَلِيَ السِّنْدَ أَيْضاً. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ أَخْبَارٌ وَمَآثِرُ فِي الكَرَمِ. 48 - أَيُّوْبُ بنُ جَابِرٍ السُّحَيْمِيُّ اليَمَامِيُّ ** (د، ت) الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سُلَيْمَانَ. أَخَذَ عَنِ الكُوْفِيِّيْنَ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَجَمَاعَةٍ.   (*) تاريخ الطبري: 7 / 453 و8 / 117، 121، 164، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 125، 155، وفيات الأعيان: 2 / 305، البيان المغرب: 1 / 284، العبر: 1 / 266، الاستقصا: 1 / 59، الحلة السيراء 2 / 358، الكامل لابن الأثير 5 / 510 و6 / 113، 114، شذرات الذهب: 1 / 275، 284، تهذيب ابن عساكر: 5 / 339. (* *) التاريخ الكبير: 1 / 410، المعرفة والتاريخ: 3 / 260، الجرح والتعديل: 2 / 242، تهذيب الكمال: 137، تذهيب التهذيب: 1 / 78 / 1، تهذيب التهذيب: 1 / 399، خلاصة تهذيب الكمال: 43. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَلُوَيْنُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثهُ يُشْبِهُ حَدِيْثَ أَهْلِ الصِّدْقِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ أَيُّوْبُ بنُ جَابِرِ بنِ سَيَّارِ بنِ طَلْقٍ الحَنَفِيُّ، يَرْوِي عَنْ: بِلاَلِ بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُصْمٍ، يُخطِئُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ؛ لِكَثْرَةِ وَهْمِهِ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 49 - أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ أَبُو يَحْيَى * (ق) الفَقِيْهُ، قَاضِي اليَمَامَةِ، أَبُو يَحْيَى. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْقٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وَإِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: الأَسْوَدُ شَاذَانُ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَسَعْدَوَيْه، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَمَحْمُودُ بنُ مُحَمَّدٍ الظَّفَرِيُّ - شَيْخُ ابْنِ صَاعِدٍ - وَآخَرُوْنَ.   (*) التاريخ الكبير: 1 / 420، التاريخ الصغير: 2 / 265، المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 171، الجرح والتعديل: 2 / 253، المجروحين لابن حبان: 1 / 169 - 170، تهذيب الكمال: 138، تذهيب التهذيب: 1 / 79 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 290، تهذيب التهذيب: 1 / 408، خلاصة التذهيب: 43. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ بَعْضُهُم: هُوَ مُكْثِرٌ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَكِتَابُهُ عَنْهُ صَحِيْحٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فِيْهِ لِيْنٌ، حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، فَغَلِطَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخطِئُ كَثِيْراً، فَمِنْ ذَلِكَ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ حَبَشِيٌّ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فُضِّلْتُم عَلَيْنَا بِالأَلوَانِ، وَالصُّوَرِ، وَالنُّبُوَّةِ، أَفَرَأَيتَ إِنْ آمَنتُ وَعَمِلْتُ بِمَا عَمِلتَ، إِنِّيْ لَكَائِنٌ مَعَكَ فِي الجَنَّةِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّهُ لَيُرَى بَيَاضُ الأَسْوَدِ مِنْ مَسِيْرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . رَوَاهُ عَنْهُ: عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ صَحِيْحَ الكِتَابِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَمَّا كُتُبُهُ فَصَحِيْحَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: وَلَهُ عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تَمْنَعِ المرَأْةُ نَفْسَهَا، وَلَوْ عَلَى قَتَبٍ) (3) .   (1) التاريخ ص 50، وفيه أيضا: ليس بشيء. (2) كتاب " المجروحين " 1 / 169، 170. وأورد الحديث ابن الجوزي في " الموضوعات "، ونقل رأي ابن حبان فيه، وكذا الشوكاني في " الفوائد المجوعة ": 417. (3) وقد رواه من غير طريقه أحمد في " المسند " 4 / 23 بلفظ: " إذا اراد أحدكم من امرأته = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 قِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 50 - مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ سَيَّارٍ السُّحَيْمِيُّ اليَمَامِيُّ * (د، ق) أَخُو أَيُّوْبَ. حَدَّثَ عَنْ: حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْقٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْنٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمُسَدَّدٌ، وَلُوَيْنُ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَآخَرُوْنَ. ضَعَّفَهُ: يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَاءَ حِفْظُهُ، وَذَهَبتْ كُتُبُهُ (1) . قُلْتُ: مَا هُوَ بِحُجَّةٍ، وَلَهُ مَنَاكِيْرُ عِدَّةٌ كَابْنِ لَهِيْعَةَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   = حاجة فليأتها ولو كانت على التنور " وفي سنده محمد بن جابر الحنفي، وهو سيئ الحفظ، لكن في الباب عن معاذ ما يقويه عند أحمد 4 / 381، وابن ماجه (1853) وصححه ابن حبان (1390) ، فالحديث صحيح. (*) التاريخ الكبير: 1 / 53، التاريخ الصغير: 2 / 188، تاريخ الطبري: 7 / 617 و8 / 44، المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 121، و3 / 260، الجرح والتعديل: 7 / 219 - 220، كتاب المجروحين: 2 / 270، تهذيب الكمال: 1180، ميزان الاعتدال: 3 / 496، تذهيب التهذيب: 3 / 193 / 2، تهذيب التهذيب: 9 / 90. (1) الجرح والتعديل 7 / 219، وفيه: سئل أبي عن محمد بن جابر، وابن لهيعة، فقال: محلهما الصدق، ومحمد بن جابر أحب إلي من ابن لهيعة. فهذا النص يدل على أنه يرجحه على ابن لهيعة ولا يعده مثله كما قال المصنف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 51 - جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ * الأَمِيْرُ، سَيِّدُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو القَاسِمِ العَبَّاسِيُّ، ابْنُ عَمِّ المَنْصُوْرِ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ قَاسِمٌ وَيَعْقُوْبُ، وَعُمَرُ بنُ عَامِرٍ، وَالأَصْمَعِيُّ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ المُلُوْكِ جُوداً وَبَذْلاً، وَشَجَاعَةً وَعِلماً، وَجَلاَلَةً، وَسُؤْدُداً، وَلِيَ المَدِيْنَةَ، ثُمَّ مَكَّةَ مَعَهَا، ثُمَّ عُزِلَ، فَوَلِيَ البَصْرَةَ لِلرَّشِيْدِ. قَالَ عَبْدُ السَّمِيْعِ بنُ عَلِيٍّ: لاَ نَعْرِفُ فِي بَنِي هَاشِمٍ أَغبَطَ مِنْهُ، حَصَلَ لَهُ الشَّرَفُ وَالإِمْرَةُ وَالمَالُ الجَمُّ، وَالأَوْلاَدُ الزُّهْرُ، وَالعَبِيْدُ. مَاتَ: عَنْ ثَمَانِيْنَ وَلداً لِصُلبِه، مِنْهُم ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ ذَكَراً. وَوَلِيَ ابْنُهُ أَيُّوْبُ اليَمَنَ فِي حَيَاتِه. وَلَهُ: مَآثِرُ كَثِيْرَةٌ، وَوَقْفٌ عَلَى المُنْقَطِعِيْنَ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَكرَمَ أَخْلاَقاً، وَلاَ أَشْرَفَ أَفْعَالاً مِنْهُ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَبِيْبُ بنُ شَوْذَبٍ: يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ هَاشِمٍ ... هَلْ لَكَ فِي سَيِّدِهَا جَعْفَرِ؟ هَلْ لَكَ فِي أَشْبَهِهِمْ غُرَّةً ... إِذَا بَدَا بِالقَمَرِ الأَزْهَرِ؟ وَلِي المَدِيْنَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، بَعْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ الرَّبِيْعِ الحَارِثِيِّ.   (*) المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 131، 132، 135، الكامل لابن الأثير: 5 / 549، 564، 569، و6 / 56 / 61، 119، عيون الاخبار: 1 / 222 و2 / 253 و3 / 24، 199. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَكِبَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ فِي زِيٍّ عَجِيْبٍ مِنَ التَّجَمُّلِ، وَكَانَ بِالبَصْرَةِ فَقِيْهٌ صَالِحٌ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ، فَخَرَجَ إِلَى طَرِيْقِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَعْفَرُ! اُنْظُرْ أَيَّ رَجُلٍ تَكُوْنُ إِذَا خَرَجتَ مِنْ قَبْرِكَ، وَحُمِلْتَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهَذَا الجَمعُ وَالزِّيُّ لاَ يُسَاوِي غَداً حَبَّةً، وَلاَ يُغْنُوْنَ عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً، إِنَّكَ تَمُوتُ وَحدَكَ، وَتَدْخُلُ قَبْرَكَ وَحْدَكَ، وَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَحدَكَ، وَتُحَاسَبُ وَحدَكَ، فَانظُرْ لِنَفسِكَ، فَقَدْ نَصَحتُكَ. ذَكَرَ ابْنُ الفُوْطِيِّ (1) جَعْفَراً، فَلَقَّبَهُ: بِسَيِّدِ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: كَانَ لَهُ بِالبَصْرَةِ كُلَّ يَوْمٍ غَلَّةُ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: غَسَّلتُ جَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَزَرَرْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصَه حِيْنَ أَلبَستُهُ الكَفَنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمُّهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بِتِسْعَةِ أَثْوَابٍ لِيُكَفِّنَه فِيْهَا، فَمَا كُفِّنَ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ عَمَلاً بِالسُّنَّةِ. وَقَدِ امْتَدَحَه جَمَاعَةٌ، وَأَخَذُوا جَوَائِزَه. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ. 52 - أَخُوْه ُ: مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيُّ * وَلِيَ البَصْرَةَ أَيْضاً، وَكَانَ فَارِسَ بَنِي هَاشِمٍ، قَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ   (1) هو عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني البغدادي، المعروف بابن الفوطي الحافظ الاخباري المؤرخ المتكلم، صاحب التصانيف الكثيرة، ومنها " مجمع الآداب " قال الذهبي: لم يكن بالثبت فيما يترجمه، وكانت في دينه رقة، مات سنة 724 هـ، وقال أيضا: ما كان بدون أبي الفرج الأصبهاني، وقال في " ذيل العبر ": له هنات وبوائق. " لسان الميزان " 4 / 10. (*) تاريخ بغداد: 5 / 291، المحبر: 61 و305، الوافي بالوفيات: 3 / 121، الكامل لابن الأثير: 6 / 17، النجوم الزاهرة: 2 / 47 و70 و73، والبيان والتبيين تحقيق هارون: 1 / 295 ثم 2 / 129. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 الخَارِجَ عَلَى المَنْصُوْرِ (1) . وَوَلِيَ أَيْضاً مَمْلَكَةَ فَارِسٍ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً. قِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ احْتَاطَ عَلَى تَرِكَتِهِ، فَكَانَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ عَظِيْمَ قَوْمِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ عِنْدَ المَوْتِ: يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، وَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ حَمَّالاً. وَكَانَ رَقِيْقَ القَلْبِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 53 - رَابِعَةُ العَدَوِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ العَتَكِيَّةُ * البَصْرِيَّةُ، الزَّاهِدَةُ، العَابِدَةُ، الخَاشعَةُ، أُمُّ عَمْرٍو رَابِعَةُ بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ، وَلاَؤُهَا لِلْعَتَكِيِّينَ. وَلَهَا سِيْرَةٌ فِي (جُزْءٍ) لابْنِ الجَوْزِيِّ. قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: سَمِعَتْ رَابِعَةُ صَالِحاً المُرِّيَّ يَذْكُرُ الدُّنْيَا فِي قَصَصِهِ، فَنَادَتْهُ: يَا صَالِحُ، مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً، أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرْجُلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ صَالِحٍ العَتَكِيُّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ نَاسٌ عَلَى رَابِعَةَ وَمَعَهُم سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَتَذَاكَرُوا عِنْدَهَا   (1) انظر " الكامل في التاريخ " لابن الأثير: 5 / 565، و" تاريخ الطبري " 7 / 622، و" تاريخ الإسلام " للمؤلف 6 / 22، 27، و" دول الإسلام " للمؤلف 1 / 97. (*) الاحياء للغزالي: 2 / 267، وفيات الأعيان: 3 / 215، عبر الذهبي: 1 / 278، الرسالة القشيرية: 86، 173، قوت القلوب للمكي: 1 / 103، 156، التعرف: للكلاباذي: 73، 121، نفحات الانس: 716، الطبقات الكبرى للشعراني: 56، الكواكب الدرية للمناوي: (96) ص: 108، شذرات الذهب: 1 / 193، تذكرة الأولياء للعطار: 1 / 59، الدر المنثور: 202، 203، النجوم الزاهرة: 1 / 330، الشريشي، شرح المقامات: 2 / 231. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 سَاعَةً، وَذَكَرُوا شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا قَامُوا، قَالَتْ لِخَادِمَتِهَا: إِذَا جَاءَ هَذَا الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ، فَلاَ تَأْذَنِي لَهُم، فَإِنِّي رَأَيتُهُم يُحِبُّونَ الدُّنْيَا. وَعَنْ أَبِي يَسَارٍ مِسْمَعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَابِعَةَ، فَقَالَتْ: جِئْتَنِي وَأَنَا أَطبُخُ أَرْزاً، فَآثَرتُ حَدِيْثَكَ عَلَى طَبِيْخِ الأَرْزِ، فَرَجَعتْ إِلَى القِدْرِ وَقَدْ طُبِخَتْ. ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ العَطَّارُ، حَدَّثَتْنِي عَبْدَةُ بِنْتُ أَبِي شَوَّالٍ - وَكَانَتْ تَخْدُمُ رَابِعَةَ العَدَوِيَّةَ - قَالَتْ: كَانَتْ رَابِعَةُ تُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، هَجَعَتْ هَجْعَةً حَتَّى يُسْفِرَ الفَجْرُ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهَا تَقُوْلُ: يَا نَفْسُ كَمْ تَنَامِيْنَ، وَإِلَى كَمْ تَقُوْمِيْنَ، يُوْشِكُ أَنْ تَنَامِي نَوْمَةً لاَ تَقُوْمِيْنَ مِنْهَا إِلاَّ لِيَوْمِ النُّشُورِ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: دَخَلْتُ مَعَ الثَّوْرِيِّ عَلَى رَابِعَةَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: وَاحُزْنَاهُ! فَقَالَتْ: لاَ تَكْذِبْ، قُلْ: وَاقِلَّةَ حُزْنَاهُ! وَعَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَسَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ عَلَى رَابِعَةَ، فَأَخَذَ سَلاَّمٌ فِي ذِكْرِ الدُّنْيَا، فَقَالَتْ: إِنَّمَا يُذكَرُ شَيْءٌ هُوَ شَيْءٌ، أَمَّا شَيْءٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلاَ. شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ: حَدَّثَنَا رِيَاحٌ القَيْسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى شُمَيْطٍ أَنَا وَرَابِعَةُ، فَقَالَتْ مَرَّةً: تَعَالَ يَا غُلاَمُ. وَأَخَذَتْ بِيَدِي، وَدَعَتِ اللهَ، فَإِذَا جَرَّةٌ خَضْرَاءُ مَمْلُوْءةٌ عَسَلاً أَبْيَضَ، فَقَالَتْ: كُلْ، فَهَذَا -وَاللهِ- لَمْ تَحْوِهِ بُطُوْنُ النَّحْلِ. فَفَزِعتُ مِنْ ذَلِكَ، وَقُمنَا، وَتَرَكْنَاهُ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: أَمَّا رَابِعَةُ، فَقَدْ حَمَلَ النَّاسُ عَنْهَا حِكْمَةً كَثِيْرَةً، وَحَكَى عَنْهَا: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَغَيْرُهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ مَا قِيْلَ عَنْهَا، وَقَدْ تَمَثَّلَتْهُ بِهَذَا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 وَلَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي الفُؤَادِ مُحَدِّثِي ... وَأَبَحْتُ جِسْمِيَ مَنْ أَرَادَ جُلُوْسِي فَنَسَبَهَا بَعْضُهُم إِلَى الحُلُوْلِ بِنِصْفِ البَيْتِ، وَإِلَى الإِبَاحَةِ بِتَمَامِهِ. قُلْتُ: فَهَذَا غُلُوٌّ وَجَهْلٌ، وَلَعَلَّ مَنْ نَسَبَهَا إِلَى ذَلِكَ مُبَاحِيٌّ حُلُوْلِيٌّ، لِيَحْتَجَّ بِهَا عَلَى كُفْرِهِ، كَاحْتِجَاجِهِم بِخَبَرِ: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ (1)) . قِيْلَ: عَاشَتْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَتْ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ (2) . 54 - أَمَّا : رَابِعَةُ الشَّامِيَّةُ * العَابِدَةُ، فَأُخْرَى مَشْهُوْرَةٌ، أَصْغَرُ مِنَ العَدَوِيَّةِ، وَقَدْ تَدْخُلُ حِكَايَاتُ هَذِهِ فِي حِكَايَاتِ هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ القَائِلَةُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ   (1) قطعة من حديث أخرجه البخاري 11 / 292 - 297 في الرقاق: باب التواضع، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لاعطينه، ولئن استعاذني لاعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ". قال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى: توفيق الله لعبده في الاعمال التي يباشرها بهذه الاعضاء وتيسير المحبة له فيها، بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه من الله مواقعة ما يكره الله من الاصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله. وقال الطوفي: اتفق العلماء ومن يعتد بقوله أن هذا مجاز، وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها، ولهذا وقع في رواية: " فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي ". (2) في ابن خلطان نقلا عن ابن الجوزي أن وفاتها سنة 135، وقال غيره: 185، وأوردها في " النجوم الزاهرة " فيمن توفي في سنة 135، و180. (*) صفوة الصفوة لابن الجوزي: 4 / 300، طبقات الأولياء: 35، شذرات الذهب: 2 / 110. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 عَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قِلِّةِ صِدْقِي فِي قَوْلِي: أَسْتَغْفِرُ اللهَ. مُلُوْكُ الأَنْدَلُسِ 55 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ الأُمَوِيُّ * ابْنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ وَسُلْطَانُهَا، أَبُو المُطَرِّفِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِالدَّاخِلِ؛ لأَنَّهُ حِيْنَ انْقَرَضَتْ خِلاَفَةُ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الدُّنْيَا، وَقُتِلَ مَرْوَانُ الحِمَارُ، وَقَامَتْ دَوْلَةُ بَنِي العَبَّاسِ، هَرَبَ هَذَا، فَنَجَا، وَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتَمَلَّكَهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ فَرَّ مِنْ مِصْرَ، فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، إِلَى أَرْضِ بَرْقَةَ، فَبَقِيَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ، ثُمَّ دَخَلَ المَغْرِبَ، فَنَفَّذَ مَوْلاَهُ بَدْراً يَتَجَسَّسُ لَهُ، فَقَالَ لِلْمُضَرِيَّةِ: لَوْ وَجَدْتُمْ رَجُلاً مِنْ بَيْتِ الخِلاَفَةِ، أَكُنْتُم تُبَايِعُوْنَهُ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ لَنَا بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ. فَأَتَوْهُ، فَبَايَعُوْهُ، فَتَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ المُلْكُ فِي عَقِبِهِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَةٍ. وَلَمْ يَتَلَقَّبْ بِالخِلاَفَةِ، لاَ هُوَ وَلاَ أَكْثَرُ ذُرِّيَتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ: الأَمِيْرُ فُلاَنُ. وَأَوَّلُ مَنْ تَلَقَّبَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْهُم: النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عِنْدَمَا بَلَغَهُ ضَعْفُ خُلَفَاءِ العَصْرِ، فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ.   (*) الطبري: 7 / 500، العقد الفريد: 4 / 448، جذوة المقتبس: 8، 9، تاريخ ابن عساكر 10 / 103 ب. ، الكامل لابن الأثير 5 / 493، الحلة السيراء: 1 / 35، البيان المغرب: 2 / 49، فوات الوفيات: 2 / 302، 303، ابن خلدون: 4 / 120، نفح الطيب للمقري 1 / 327، نهاية الارب 22 / 1، الاستقصا لاخبار دول المغرب الاقصى 1 / 118. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الأَنْدَلُسَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَمَوْلِدُهُ: بِأَرْضِ تَدْمُرَ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ جَدِّهِ. وَأَمَّا أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَالَ الحَافِظُ، فَقَالَ: فَرَّ مِنَ المَشْرِقِ عِنْد انْقِرَاضِ مُلْكِهِم، هُوَ وَأَخَوَانِ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَغُلاَمٌ لَهُم، فَلَمْ يَزَالُوا يُخفُوْنَ أَنْفُسَهُم، وَالجَعَائِلُ قَدْ جُعِلتْ عَلَيْهِم، وَالمَرَاصِدُ، فَسَلَكُوا حَتَّى وَصَلُوا وَادِي بِجَايَةَ (1) ، فَبَعَثَوا الغُلاَمَ يَشْتَرِي لَهُم خُبْزاً، فَأُنكِرَتِ الدَّرَاهِمُ، وَقُبِضَ عَلَى الغُلاَمِ، وَضُرِبَ، فَأَقَرَّ، فَأَركَبُوا خَيْلاً، فَرَأَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الفُرْسَانَ، فَتَهَيَّأَ لِلسِّبَاحَةِ، وَقَالَ لأَخَوَيْهِ: اسْبَحَا مَعِي. فَنجَا هُوَ، وَقَصَّرَا، فَأَشَارُوا إِلَيْهِمَا بِالأَمَانِ، فَلَمَّا حَصَلاَ فِي أَيْدِيهِم، ذَبَحُوْهُمَا، وَأَخُوْهُمَا يَنْظُرُ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ آوَاهُ شَيْخٌ كَرِيْمُ العَهْدِ، وَقَالَ: لأَسْتُرَنَّكَ جَهدِي. فَوَقَعَ عَلَيْهِ التَّفَتِيشُ بِبِجَايَةَ، إِلَى أَنْ جَاءَ الطَّالِبُ إِلَى دَارِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَهُ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ، فَأَجْلَسَهَا تَتَسَرَّحُ، وَأَخْفَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَحْتَ ثِيَابِهَا، وَصَيَّحَ الشَّيْخ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! الحُرَمُ. فَقَالُوا: غَطِّ أَهْلَكَ. وَخَرَجُوا، وَسَتَرَهُ اللهُ مُدَّةً، ثُمَّ دَخَلَ الأَنْدَلُسَ فِي قَارِبِ سَمَّاكٍ، فَحَصَلَ بِمَدِيْنَةِ المُنَكَّبِ (2) . وَكَانَ قُوَّادُ الأَنْدَلُسِ وَجُنْدُهَا مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، فَبَعَثَ إِلَى قَائِدٍ، فَأَعْلَمَهُ بِشَأْنِهِ، فَقَبَّلَ يَدَيْهِ، وَفَرِحَ بِهِ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: جَاءَ الَّذِي كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ إِذَا انْقَرَضَ مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ بِالمَشْرِقِ، نَبَغَ مِنْهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالمَغْرِبِ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى المَوَالِي، وَعَرَّفَهُم، فَفَرِحُوا، وَأَصْفَقُوا (3) عَلَى بَيْعَتِهِ، وَاسْتَوْثَقُوا مِنْ   (1) مدينة على ساحل البحر المتوسط بين إفريقية والمغرب. (2) بضم الميم وفتح النون وتشديد الكاف وفتحها: بلد على ساحل جزيرة الأندلس من أعمال إلبيرة، وبينها وبين غرناطة أربعون ميلا. (3) رأي: اجتمعوا على بيعته. قال زهير: رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا * علينا وقالوا إننا نحن إكثر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 أُمَرَاءِ العَرَبِ، وَشُيُوْخِ البَرْبَرِ. فَلَمَّا اسْتَحكَمَ الأَمْرُ، أَظْهَرُوا بَيْعَتَه بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَصَدَ قُرْطُبَةَ، وَمُتَوَلِّي الأَنْدَلُسِ يَوْمَئِذٍ: يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ، فَاسْتَعَدَّ جَهدَهُ، فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ يُوْسُفُ، وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الدَّاخِلُ قَصْرَ قُرْطُبَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، يَوْمَ الأَضْحَى مِنَ العَامِ. ثُمَّ حَارَبَه يُوْسُفُ ثَانِياً، وَدَخَلَ قُرْطُبَةَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَكَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ يُوْسُفُ، وَالْتَجَأَ إِلَى غَرْنَاطَةَ، فَامْتَنَعَ بِإِلْبِيْرَةَ. فَنَازَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَرَأَى يُوْسُفُ اجْتِمَاعَ الأَمْرِ لِلدَّاخِلِ، فَنَزَلَ بِالأَمَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ قَاضِي الأَنْدَلُسِ يَحْيَى بنِ يَزِيْدَ التُّجِيْبِيِّ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى القَضَاءِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَزَادَهُ الدَّاخِلُ إِجْلاَلاً وَإِكْرَاماً، فَبَقِيَ عَلَى قَضَائِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ. فَلَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ هَذَا، الحَجَّ، وَجَّهَهُ الدَّاخِلُ إِلَى أُخْتَيْهِ بِالشَّامِ، وَعَمَّتِهِ رَمْلَةَ بِنْتِ هِشَامٍ، لِيَعمَلَ الحِيْلَةَ فِي إِدْخَالِهِنَّ إِلَى عِنْدِهِ، وَأَنْشَدَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيُّهَا الرَّكْبُ المُيَمِّمُ أَرْضِي ... أَقْرِ مِنْ بَعْضِي السَّلاَمَ لِبَعْضِي إِنَّ جِسْمِي - كَمَا عَلِمْتَ - بِأَرْضٍ ... وَفُؤَادِي وَمَالِكِيْهِ بِأَرْضِ قُدِّرَ البَيْنُ بَيْنَنَا فَافْتَرَقْنَا ... فَطَوَى البَيْنُ عَنْ جُفُوْنِي غَمْضِي وَقَضَى اللهُ بِالفِرَاقِ عَلَيْنَا ... فَعَسَى بِاجْتِمَاعِنَا سَوْفَ يَقْضِي (1) فَلَمَّا وَصلَ إِلَيْهنَّ، قُلْنَ: السَّفَرُ، لاَ نَأْمَنُ غوَائِلَهُ عَلَى القُربِ، فَكَيْفَ وَقَدْ حَالَتْ بَيْننَا بِحَارٌ وَمَفَاوِزُ، وَنَحْنُ حُرَمٌ، وَقَدْ آمَنَنَا هَؤُلاَءِ القَوْمُ عَلَى مَعْرِفَتِهِم   (1) الأبيات في " نفح الطيب " 3 / 38، 54، و" جذوة المقتبس " 9، و" الحلة السيراء " 1 / 36، وذكر صاحب المغرب 1 / 103 أن معاوية بن صالح القاضي أنشدها، وقد نسبت لعبد الرحمن المرواني الداخل، وفي ألفاظها بعض اختلاف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 بِمَكَانِنَا مِنْهُ، فَحَسْبُنَا أَنْ نَتَمَلَّى المَسَرَّةَ بِعِزَّةٍ وَعَافِيَةٍ. فَانْصَرَف بِكِتَابِهِمَا، وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِأَعلاَقٍ نَفِيْسَةٍ مِنْ ذَخَائِرِ الخِلاَفَةِ، فَسُرَّ بِهَا الأَمِيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَضَى لِرَأْيِهِمَا بِالرَّجَاحَةِ، ثُمَّ بَعْدُ وَصَلَ آخَرُ مِنَ الشَّامِ بِكِتَابٍ مِنْهُنَّ، وَبِهَدَايَا وَتُحَفٍ مِنْهَا: رُمَّانٌ مِنْ رُصَافَةِ جَدِّهِم هِشَامٍ، فَسُرَّ بِهِ الدَّاخِلُ، وَكَانَ بِحَضْرتِهِ سَفَرُ بنُ عُبَيْدٍ الكَلاَعِيُّ مِنْ أَهْلِ الأُرْدُنِّ، فَأَخَذَ مِنَ الرُّمَّانِ، وَزَرَعَ مِنْ عَجَمِهِ بِقَرْيَتِهِ حَتَّى صَارَ شَجَراً، وَزَادَ حُسْناً، وَجَاءَ بِثَمَرِهِ إِلَى الأَمِيْرِ، وَكَثُرَ هُنَاكَ، وَيُعْرَفُ بِالسَّفَرِيِّ، وَغَرَسَ مِنْهُ بِمُنْيَةِ الرُّصَافَةِ (1) . وَرَأَى الدَّاخِلُ نَخْلَةً مُفرَدَةً بِالرُّصَافَةِ، فَهَاجَتْ شَجَنَهُ، وَتذَكَّرَ وَطَنَهُ، فَقَالَ (2) : تَبَدَّتْ لَنَا وَسْطَ الرُّصَافَةِ نَخْلَةٌ ... تَنَاءتْ بِأَرْضِ الغَرْبِ عَنْ بَلَدِ النَّخْلِ فَقُلْتُ: شَبِيْهِي فِي التَّغَرُّبِ وَالنَّوَى ... وَطُوْلِ انْثِنَائِي عَنْ بَنِيَّ وَعَنْ أَهْلِي (3) نَشَأْتِ بِأَرْضٍ أَنْتِ فِيْهَا غَرِيْبَةٌ ... فَمِثْلُكَ فِي الإِقْصَاءِ وَالمُنْتَأَى مِثْلِي سَقَتْكِ عَوَادِي المُزْنِ مِنْ صَوْبِهَا الَّذِي ... يَسُحُّ وَتَسْتَمِرِي السِّمَاكَيْنِ بِالوَبْلِ   (1) " نفح الطيب " 1 / 467، 468. (2) الابيات في " نفح الطيب " 3 / 54، وابن عذاري 2 / 62، و" الحلة السيراء ": 1 / 37. (3) في " الحلة السيراء ": " وطول التنائي "، وفي " نفح الطيب ": " طول اكتئابي ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 قَالَ ابْنُ حَيَّانَ: وَحِيْنَ افْتَتَحَ المُسْلِمُوْنَ قُرْطُبَةَ، شَاطَرُوا أَهْلَهَا كَنِيْسَتَهُمُ العُظْمَى، كَمَا فَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ بِأَعَاجِمِ دِمَشْقَ، فَابْتَنَوْا فِيْهِ مَسْجِداً، وَبَقِيَ الشَّطْرُ بِأَيْدِي الرُّوْمِ إِلَى أَنْ كَثُرَتْ عِمَارَةُ قُرْطُبَةَ، وَتَدَاوَلَتْهَا بُعُوْثُ العَرَبِ، فَضَاقَ المَسْجِدُ، وَعُلِّقَ مِنْهُ سَقَائِفُ، وَصَارَ النَّاسُ يَنَالُوْنَ مَشَقَّةً لِقِصَرِ السَّقَائِفِ إِلَى أَنْ أَذْخَرَ اللهُ فِيْهِ الأَجْرَ لِصَحِيْفَةِ الدَّاخِلِ، وَابْتَاعَ الشَّطْرَ الثَّانِي مِنَ النَّصَارَى بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَبَضُوهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ النَّاسِ، وَرَضُوا بَعْدَ تَمَنُّعٍ، وَعَمِلَ هَذَا الجَامِعَ الَّذِي هُوَ فَخْرُ الأَرْضِ وَشَرَفُهَا مِنْ مَالِ الأَخْمَاسِ، وَكَمُلَ عَلَى مُرَادِهِ، وَكَانَ تَأْسِيسُهُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَتَمَّتْ أَسْوَارُهُ فِي عَامٍ. وَبَلَغَ الإِنفَاقُ فِيْهِ إِلَى ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَقَالَ دِحْيَةُ البَلَوِيُّ: وَأَبْرَزَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَوَجْهِهِ ... ثَمَانِيْنَ أَلْفاً مِنْ لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ وَأَنْفَقَهَا فِي مَسْجِدٍ أُسُّهُ التُّقَى ... وَمِنْحَتُهُ دِيْنُ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ (1) تَرَى الذَّهَبَ النَّارِيَّ بَيْنَ سَمُوكِهِ ... يَلُوحُ كَلَمْعِ البَارِقِ المُتَوَقِّدِ (2) وَقَالَ أَيْضاً: بَنَيْتَ لأَهْلِ الدِّيْنِ بِالغَرْبِ مَسْجِداً ... لِيُرْكَعَ لِلرَّحْمَنِ فِيْهِ وَيُسْجَدَا جَمَعْتَ لَهُ الأَكْفَاءَ مِنْ كُلِّ صَانِعٍ ... فَقَامَ بِمَنِّ اللهِ بَيْتاً مُمَجَّدَا فَمَا لَبَّثُوْهُ غَيْرَ حَوْلٍ وَمَا خَلاَ ... إِلَى أَنْ أَقَامُوْهُ مَنِيْعاً مُشَيَّدَا   (1) في " نفح الطيب " 1 / 561: " توزعها " بدل " وأنفقها "، و" منهجه " بدل " ومنحته "، وللبيت رواية أخرى في " النفح " 3 / 55: وأنفقها في مسجد زانه التقى * وقر به دين النبي محمد (2) في " النفح " الرواية الأولى: يلوح كبرق العارض المتوقد، وفي الرواية الثانية " الوهاج " بدل " الناري "، و" كلمح " بدل " كلمع ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 وَزُخْرِفَ بِالأَصْبَاغِ مِنْهُ سُقُوْفُهُ ... كَمَا تَمَّمَ الوَشَّاءُ بُرْداً مُقَصَّدَا وَبِالذَّهَبِ الرُّوْمِيِّ مُوِّهَ وَجْهُهُ ... فَبُوْرِكَ مِنْ بَانٍ لِذِي العَرْشِ مَسْجِدَا وَكَمُلَتْ أَبْهَاءُ الجَامِعِ سَبْعَةَ أَبْهَاءٍ، ثُمَّ زَادَ مِنْ بَعْدِهِ حَفِيْدُهُ الحَكَمُ الرَّبَضِيُّ بَهْوَيْنِ، ثُمَّ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بَهْوَيْنِ، فَصَارَتْ أَحَدَ عَشَرَ بَهْواً، ثُمَّ زَادَ المَنْصُوْرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ ثَمَانِيَةَ أَبْهَاءٍ، وَعَمِلَ جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ وَسُوْرَهَا بَعْدَ المائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: كَانَ عَدَدُ القَومَةِ لِجَامِعِ قُرْطُبَةَ فِي مُدَّةِ المَنْصُوْرِ وَقَبْلَهَا ثَلاَثَ مائَةِ رَجُلٍ. وَقَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فِي قِبْلَتِهِ انْحِرَافٌ. وَقَدْ رَكِبَ الحَكَمُ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ مَعَ الوُزَرَاءِ وَالقَاضِي مُنْذِرٍ البَلُّوْطِيِّ، وَقَدْ هَمَّ بِتَحْرِيْفِ القِبْلَةِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ صَلَّى بِهَذِهِ القِبْلَةِ خِيَارُ الأَئِمَّةِ وَالتَّابِعُوْنَ، وَإِنَّمَا فُضِّلَ مَنْ فُضِّلَ بِالاتِّبَاعِ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَوْلَى مَنِ اتَّبَعَ، فَتَرَكَ القِبْلَةَ بِحَالِهَا. قَالَ ابْنُ حَيَّانَ: بَلَغَ الإِنفَاقُ فِي المِنْبَرِ الحَكَمِيِّ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ وَسَبْعِ مائَةِ دِيْنَارٍ وَنَيِّفٍ، وَقَامَ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ وَصْلَةٍ مِنَ الأَبْنُوْسِ، وَالصَّنْدَلِ، وَالعُنَّابِ، وَالبَقَّمِ (1) فِي مُدَّةِ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَأَوَّلُ مَنْ خَطَبَ عَلَيْهِ مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ البَلُّوْطِيُّ، وَبَلَغَتْ أَعمِدَةُ جَامِعِ قُرْطُبَةَ إِلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مائَةِ سَارِيَةٍ وَتِسْعِ سَوَارِيَ، وَعَمِلَ النَّاصِرُ صَوْمَعَةً ارْتِفَاعُهَا مِنَ الأَرْضِ إِلَى مَوْقِفِ المُؤَذِّنِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً، وَعَرضُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً، وَبَأَعْلَى ذِرْوَتِهَا سَفُّوْدٌ طَوِيْلٌ فِيْهِ ثَلاَثُ رُمَّانَاتٍ: إِحْدَاهُمَا فِضَّةٌ، وَالأُخْرَى ذَهَبُ إِبرِيْزَ، وَفَوْقَهَا سَوْسَنَةٌ ذَهَبٌ مُسَدَّسَةٌ، فَهَذِهِ المَنَارَةُ إِحْدَى عَجَائِبِ   (1) بفتح الباء والقاف المشددة: خشب شجر عظام كورق اللوز وساقه أحمر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 الدُّنْيَا، وَذَرْعُ المِحْرَابِ إِلَى دَاخِلَ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَارْتِفَاعُ قَبْوِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً وَنِصْفٌ، وَذَرْعُ المَقْصُوْرَةِ مِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ ذِرَاعاً، وَعَرضُهَا مِنْ جِدَارِ الخَشَبِ إِلَى القِبْلَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ ذِرَاعاً، وَطُولُ الجَامِعِ ثَلاَثُ مائَةٍ وَثَلاَثُوْنَ ذِرَاعاً، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ مائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً (1) . وَأَمَّا الإِسْلاَمُ، فَكَانَ عَزِيْزاً مَنِيْعاً بِالأَنْدَلُسِ فِي دَوْلَةِ الدَّاخِلِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الأَمَانِ الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ لِلنَّصَارَى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: كِتَابُ أَمَانٍ وَرَحْمَةٍ، وَحَقْنِ دِمَاءٍ وَعِصْمَةٍ، عَقَدَهُ الأَمِيْرُ الأَكْرَمُ المَلِكُ المُعَظَّمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، ذُو الشَّرَفِ الصَّمِيْمِ، وَالخَيْرِ العَمِيْمِ، لِلْبَطَارِقَةِ وَالرُّهْبَانِ، وَمَنْ تَبِعَهُم مِنْ سَائِرِ البُلْدَانِ، أَهْلِ قَشْتَالَةَ وَأَعْمَالِهَا، مَا دَامُوا عَلَى الطَّاعَةِ فِي أَدَاءِ مَا تَحَمَّلُوْهُ، فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ عَهْدَهُ لاَ يُنسَخُ مَا أَقَامُوا عَلَى تَأْدِيَةِ عَشْرَةِ آلاَفِ أُوْقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشْرَةِ آلاَفِ رَطْلٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَعَشْرَةِ آلاَفِ رَأْسٍ مِنْ خِيَارِ الخَيْلِ، وَمِثْلِهَا مِنَ البِغَالِ، مَعَ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْعٍ وَأَلْفُ بَيْضَةٍ، وَمِنَ الرِّمَاحِ الدَّرْدَارِ مِثْلُهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَمَتَى ثَبتَ عَلَيْهِمُ النَّكْثُ بَأَسِيْرٍ يَأْسِرُوْنَهُ، أَوْ مُسْلِمٍ يَغْدِرُوْنَه، انْتَكَثَ مَا عُوْهِدُوا عَلَيْهِ، وَكُتِبَ لَهُم هَذَا الأَمَانُ بِأَيْدِيهِم إِلَى خَمْسِ سِنِيْنَ، أَوَّلُهَا صَفَرٌ عَامَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمَّا عَدَّى إِلَى الجَزِيْرَةِ، فَنَزَلَهَا، اتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَاتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى   (1) انظر في وصف جامع قرطبة " نفح الطيب " 1 / 545، 563. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 قُرْطُبَةَ، فَاتَّبَعَهُ مَنْ فِيْهَا، فَلَمَّا رَأَى يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ العَسَاكِرَ قَدْ أَظَلَّتْه، هَرَبَ إِلَى دَارِ الشِّركِ، فَتَحَصَّنَ هُنَاكَ، وَغَزَاهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ نُفْرَةٌ فِي عَسْكَرِه، فَانْهَزَمَ، وَرُدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِلاَ حَرْبٍ، وَجَعَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِرَأسِ يُوْسُفَ جُعلاً، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ يُوْسُفَ بِرَأسِهِ. وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَنْدَلُسَ، فَقَامَت مَعَهُ اليَمَانِيَّةُ، وَحَارَبَ يُوْسُفَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفِهْرِيَّ مُتَوَلِّي الأَنْدَلُسَ، فَهَزَمَه، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى سِيْرَةٍ جَمِيْلَةٍ مِنَ العَدْلِ (1) . وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيْوَرْدِيُّ فِي (أَخْبَارِ بَنِي أُمَيَّةَ) : كَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَلَكَ الأَرْضَ ابْنَا بَرْبَرِيَّتَيْنِ -يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَالمَنْصُوْرَ-. وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَقُوْلُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُعَاوِيَةَ: ذَاكَ صَقْرُ قُرَيْشٍ، دَخَلَ المَغْرِبَ وَقَدْ قُتِلَ قَوْمُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَضرِبُ العَدْنَانِيَّةَ بِالقَحْطَانِيَّةِ حَتَّى مَلَكَ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ اللُّغَوِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ: كَانَتْ بِقُرْطُبَةَ جَنَّةٌ اتَّخَذَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، كَانَ فِيْهَا نَخْلَةٌ أَدْرَكْتُهَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ: يَا نَخْلَ! أَنْتِ غَرِيْبَةٌ مِثْلِي ... فِي الغَرْبِ نَائِيَةٌ عَنِ الأَهْلِ فَابْكِي، وَهَلْ تَبْكِي مُلَمَّسَةٌ ... عَجْمَاءُ، لَمْ تُطْبَعْ عَلَى خَبْلِ (2) ؟ لَوْ أَنَّهَا تَبْكِي، إِذَنْ لَبَكَتْ ... مَاءَ الفُرَاتِ وَمَنْبِتَ النَّخْلِ   (1) جذوة المقتبس: 8، 9. (2) في " الحلة السيراء " 1 / 37: مكسبة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 لَكِنَّهَا ذَهَلَتْ وَأَذْهَلَنِي ... بُغْضِي بَنِي العَبَّاسِ عَنْ أَهْلِي (1) وَقَدْ وَلِيَ عَلَى الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَافِقِيُّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَبَنَى تِلْكَ القَنَاطِرَ بِقُرْطُبَةَ بِقِبْلِيِّ القَصْرِ وَالجَامِعِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْساً، طُوْلُهَا ثَمَانُ مائَةِ بَاعٍ، وَعَرضُهَا سِوَى سَتَائِرِهَا عِشْرُوْنَ بَاعاً، وَارتِفَاعُهَا سِتُّوْنَ ذِرَاعاً، وَهِيَ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا. وَلَمَّا انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَقْدِيْمِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ نَافِعٍ الفِهْرِيِّ، فَعَمُرتِ البِلاَدُ فِي أَيَّامِهِ، وَاتَّسَعَتْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ ظُهُوْرَ مُلكِ بَنِي أُمَيَّةَ بِالأَنْدَلُسِ، ذلَّتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبَائِلُ العَرَبِ، وَسُلِّمَ لَهُ الأَمْرُ، وَقُتِلَ يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ بِوَادِي الزَّيْتُوْنِ، وَخُطِبَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِجَمِيْعِ الأَمْصَارِ بِهَا، وَشَيَّدَ قُرْطُبَةَ، وَغَزَا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ. مِنْ ذَلِكَ: غَزْوَةُ قَشْتَالَةَ، جَازَ إِلَيْهَا مِنْ نَهْرِ طُلَيْطِلَةَ، وَفَرَّتِ الرُّوْمُ أَمَامَهُ، وَتَعلَّقَتْ بِالحِبَالِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَصَلَ مَدِيْنَة بَرْنِيْقَةَ، مِنْ مَمْلَكَةِ قَشْتَالَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الخِيَامِ، وَشَرَعَ فِي البِنَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ يَبنُوْنَ، فَسَلَّمُوا إِلَيْهِ بِالأَمَانِ عِنْد إِيَاسِهِم مِنَ النَّجْدَةِ، وَخَرَجُوا بِثِيَابِهِم فَقَطْ، وَمَا يُزَوِّدُهُم، ثُمَّ كَتَبَ لأَهْلِ قَشْتَالَةَ ذَلِكَ الأَمَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِخَطِّ الوَزِيْرِ بِشْرِ بنِ سَعِيْدٍ الغَافِقِيِّ. وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بنِ حَمْزَةَ، مِنْ وَلَدِ عُمَرَ   (1) الأبيات في " الحلة السيراء " 1 / 37، وأرودها المقري في " نفح الطيب " 3 / 60، وهي تختلف عما هنا، ونسبها لعبد الملك بن مروان، وهاكها: يا نخل أنت فريدة مثلي * في الأرض نائية عن الأهل تبكي وهل تبكي مكممة * عجماء لم تجبل على جبلي لو انها عقلت إذا لبكت * ماء الفرات ومنبت النخل لكنها حرمت وأخرجني * بغضي بني العباس عن أهلي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 بنِ الخَطَّابِ، وَذَلِكَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ تَمَنُّعِهِ بِطُلَيْطِلَةَ، عَظُمَ سُلْطَانُه، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَعَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَيِسَتْ بَنُو العَبَّاسِ مِنْ مَمْلَكَةِ الأَنْدَلُسِ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ. 56 - هِشَامُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُعَاوِيَةَ المَرْوَانِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو الوَلِيْدِ المَرْوَانِيُّ. بُوْيِعَ بِالمُلْكِ بِالأَنْدَلُسِ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَعُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلاَثُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّهُ وُلِدَ بِالأَنْدَلُسِ. وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، يَشهَدُ الجَنَائِزَ، وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَعدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَيُكْثِرُ الصَّدَقَاتِ، وَيَتَعَاهَدُ المَسَاكِيْنَ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا حَوْرَاءُ. وَلَمَّا احْتُضِرَ، عَهِدَ بِالأَمْرِ إِلَى وَلَدِهِ الحَكَمِ. وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. 57 - وَلْنَذْكُرْ بَاقِي المَرْوَانِيَّةِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِد ٍ: الحَكَمُ بنُ هِشَامِ ابْنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأُمَوِيُّ ** ابْنِ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، أَبُو العَاصِ، أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ، وَابْنُ أَمِيْرِهَا، وَحَفِيْدُ أَمِيْرِهَا. وَيُلَقَّبُ: بِالمُرْتَضَى، وَيُعْرَفُ: بِالرَّبَضِيِّ؛ لِمَا فَعَلَ بِأَهْلِ   (*) العقد الفريد: 4 / 490، ابن القوطية: 42، جذوة المقتبس: 10، الكامل لابن الأثير: 5 / 583، الحلة السيراء: 1 / 42، البيان المغرب: 2 / 61، ابن خلدون: 4 / 124، المعجب: 19 (طبعة الاستقامة) ، أخبار مجموعة: 120، نفح الطيب: 1 / 334. (* *) العقد الفريد: 4 / 490، جذوة المقتبس: 10، الكامل لابن الأثير: 6 / 133، 149، 158، 162، 186، المغرب في حلي المغرب: 1 / 38، المعجب للمراكشي: 44، الحلة السيراء: 1 / 43، البيان المغرب: 2 / 70، فوات الوفيات: 1 / 393، أخبار مجموعة: 124، تاريخ ابن خلدون: 4 / 125. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 الرَّبَضِ (1) . بُوْيِعَ بِالمُلْكِ عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ مِنْ جَبَابِرَةِ المُلُوْكِ، وَفُسَّاقِهِم، وَمُتَمَرِّدِيْهِم، وَكَانَ فَارِساً، شُجَاعاً، فَاتِكاً، ذَا دَهَاءٍ، وَحَزمٍ، وَعُتُوٍّ، وَظُلْمٍ، تَملَّكَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ عَلَى سِيْرَةٍ حَمِيْدَةٍ، تَلاَ فِيْهَا أَبَاهُ، ثُمَّ تَغَيَّرَ، وَتَجَاهَرَ بِالمَعَاصِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مِنَ المُجَاهِرِيْنَ بِالمَعَاصِي، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، كَانَ يَأْخذُ أَوْلاَدَ النَّاسِ المِلاَحَ، فَيَخْصِيْهِم، وَيُمْسِكُهُم لِنَفْسِهِ. وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ. قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: هَمَّتِ الرُّوْمُ بِمَا لَمْ يَنَالُوا مِنْ طَلَبِ الثُّغُورِ، فَنَكَثُوا العَهْدَ، فَتَجَهَّزَ الحَكَمُ إِلَيْهِم حَتَّى جَازَ جَبَلَ السَّارَةِ - شِمَالِيَّ طُلَيْطِلَةَ - فَفَرَّتِ الرُّوْمُ أَمَامَهُ حَتَّى تَجَمَّعُوا بِسَمُّوْرَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَانِ، نَزَلَ النَّصْرُ، وَانْهَزَمَ الكُفْرُ، وَتَحَصَّنُوا بِمَدِيْنَةِ سَمُّوْرَةَ، وَهِيَ كَبِيْرَةٌ جِدّاً، فَحَصَرَهَا المُسْلِمُوْنَ بِالمَجَانِيْقِ، حَتَّى افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً، وَمَلَكُوا أَكْثَرَ شَوَارِعِهَا، وَاشْتَغَلَ الجُنْدُ بِالغَنَائِمِ، وَانْضَمَّتِ الرُّوْمُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ البَلَدِ، وَخَرَجُوا علَىحَمِيَّةٍ، فَقَتَلُوا خَلقاً فِي خُرُوْجِهِم، فَكَانَتْ غَزْوَتُه مِنْ أَعْظَمِ المَغَازِي، لَوْلاَ مَا طَرَأَ فِيْهَا مِنْ تَضْيِيعِ الحَزْمِ، وَرَامَتِ الرُّوْمُ السَّلْمَ، فَأَبَى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بِلاَدِهِم خَوْفاً مِنَ الثُّلُوْجِ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الآتِي، اسْتَعَدَّ أَعْظَمَ اسْتِعْدَادٍ،   (1) وذلك أن الحكم هذا قد انهمك في لذاته، فاجتمع أهل العلم والورع بقرطبة، فثاروا به، وخلعوه، وبايعوا بعض قرابته، وكانوا بالربض الغربي من قرطبة، فقاتلهم الحكم فغلبهم، فاقترقوا، وهدم دورهم ومساجدهم، ولحقوا بفاس من أرض العدوة. انظر سنة 189 وسنة 202 في " البيان المغرب في أخبار المغرب " 2 / 106، وابن القوطية: 72، و" الحلة السيراء " 1 / 44، وابن خلدون 4 / 126. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 وَقَصَدَ سَمُّوْرَةَ، فَقَتَلَ، وَسَبَى كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ، ثُمَّ نَازَلَهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ دَخَلُوْهَا بَعْد جَهْدٍ، وَبَذَلُوا فِيْهَا السَّيْفَ إِلَى المَسَاءِ، ثُمَّ انْحَازَ المُسْلِمُوْنَ، فَبَاتُوا عَلَى أَسْوَارِهَا، ثُمَّ صَبَّحُوهَا مِنَ الغَدِ، لاَ يُبقُونَ عَلَى مُحْتَلِمٍ. قَالَ الرَّازِيُّ (1) فِي (مَغَازِي الأَنْدَلُسِ) : الَّذِي أُحصِيَ مِمَّنْ قُتِلَ فِي سَمُّوْرَةَ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الخَبَرُ مَلِكَ رُوْمِيَّةَ، كَتَبَ إِلَى الحَكَمِ يَرْغَبُ فِي الأَمَانِ، فَوَضَعَ الحَكَمُ عَلَى الرُّوْمِ مَا كَانَ جَدُّهُ وَضَعَ عَلَيْهِم، وَزَادَ عَلَيْهِم أَنْ يَجْلِبُوا مِنْ تُرَابِ مَدِيْنَةِ رُوْمِيَّةَ نَفْسِهَا مَا يُصنَعُ بِهِ أَكوَامٌ بِشَرْقِيِّ قُرْطُبَةَ صَغَاراً لَهُم، وَإِعلاَءً لِمَنَارِ الإِسْلاَمِ، فَهُمَا كَوْمَانِ مِنَ التُّرَابِ الأَحْمَرِ فِي بَسِيْطِ مدرَتِهَا السَّوْدَاءُ. قُلْتُ: وَكَثُرَتِ العُلَمَاءُ بِالأَنْدَلُسِ فِي دَوْلَتِهِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ بِقُرْطُبَةَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مُتَقَلِّسٍ مُتَزَيِّيْنَ بِزِيِّ العُلَمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ فَنَاءهُم، عَزَّ عَلَيْهِمُ انْتِهَاكُ الحَكَمِ لِلْحُرُمَاتِ، وَائْتَمَرُوا لِيَخْلَعُوْهُ، ثُمَّ جَيَّشُوا لِقِتَالِهِ، وَجَرَتْ بِالأَنْدَلُسِ فِتْنَةٌ عَظِيْمَةٌ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. فَذَكَرَ ابْنُ مُزْيَنٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : طَالُوْتَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ المَعَافِرِيَّ، وَأَنَّهُ أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ الشُهَدَاءِ الَّذِيْنَ هَمُّوا بِخَلْعِ الحَكَمِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ، وَنَكَثُوْهُ فِي نُفُوْسِ العَوَامِّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ المَكْثُ وَلاَ الصَّبْرُ عَلَى هَذِهِ السِّيْرَةِ الذَّمِيْمَةِ، وَعَوَّلُوا عَلَى تَقْدِيْمِ أَحَدِ أَهْلِ الشُّوْرَى بِقُرْطُبَةَ، وَهُوَ أَبُو الشَّمَاسِ أَحْمَدُ بنُ   (1) ذكره في " المغرب " 1 / 44 نقلا عن ابن حزم في كتابه " نقط العروس ": هو أحمد ابن محمد بن موسى بن بشير بن جناد بن لقيط الرازي الأندلسي، ذكره الحميدي في " جوذة المقتبس ": 104، فقال: هو أندلسي، أصله من الري، له في أخبار الملوك الأندلس وخدمتهم وركبانهم وغزواتهم كتاب كبير، وألف في صفة قرطبة خططها، ومنازل العظماء بها كتابا عظيما، وله كتاب في أنساب مشاهير أهل الأندلس في خمسة مجلدات ضخمة، توفي سنة 344 هـ. مترجم في " معجم الأدباء " 4 / 235، 236. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 المُنْذِرِ ابْنِ الدَّاخِلِ الأُمَوِيِّ ابْنُ عَمِّ الحَكَمِ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ صَلاَحِهِ، وَعَقْلِهِ، وَدِيْنِهِ، فَقَصَدُوْهُ، وَعَرَّفُوهُ بِالأَمْرِ، فَأَبْدَى المَيْلَ إِلَيْهِم، وَالبُشْرَى بِهِم، وَقَالَ لَهُم: أَنْتُمْ أَضْيَافِيَ اللَّيْلَةَ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَسْتَرُ. وَنَامُوا، وَقَامَ هُوَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ بِجَهْلٍ، فَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِم، فَاغْتَاظَ لِذَلِكَ، وَقَالَ: جِئْتَ لِسَفْكِ دَمِي أَوْ دِمَائِهِم، وَهُمْ أَعْلاَمٌ، فَمِنْ أَيْنَ نَتَوَصَّلُ إِلَى مَا ذَكَرْتَ؟ فَقَالَ: أَرْسِلْ مَعِيَ مَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ. فَوَجَّهَ مَنْ أَحَبَّ، فَأَدْخَلَهُم أَحْمَدُ فِي بَيْتِهِ تَحْتَ سِتْرٍ، وَدَخَلَ اللَّيْلُ، وَجَاءَ القَوْمُ، فَقَالَ: خَبِّرُوْنِي مَنْ مَعَكُم؟ فَقَالُوا: فُلاَنٌ الفَقِيْهُ، وَفُلاَنٌ الوَزِيْرُ. وَعَدُّوا كِبَاراً، وَالكَاتِبُ يَكْتُبُ حَتَّى امْتَلأَ الرَّقُّ، فَمَدَّ أَحَدُهُم يَدَهُ وَرَاءَ السِّتْرِ، فَرَأَى القَوْمَ، فَقَامَ وَقَامُوا، وَقَالُوا: فَعَلْتَهَا يَا عَدُوَّ اللهِ. فَمَنْ فَرَّ لِحِيْنِهِ، نَجَا، وَمَنْ لاَ، قُبِضَ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّنْ فَرَّ: عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ الفَقِيْهُ (1) ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى الفَقِيْهُ (2) صَاحِبُ مَالِكٍ، وَقَرَعُوْسُ بنُ العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ (3) .   (1) هو عيسى بن دينار الغافقي الطليطلي، رحل فسمع من عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وصحبه، وعول عليه، وانصرف إلى الأندلس، كان إماما في الفقه على مذهب مالك ابن انس، وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة، وكانت الفتيا تدور عليه، لا يتقدمه في وقته أحد في قرطبة، وبه وبيحيى انتشر علم مالك بالاندلس، وكان يعجبه ترك الرأي والاخذ بالحديث. توفي سنة اثنتي عشرة ومئتين. وسيترجمه المؤلف في الجزء العاشر. (2) يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس المصمودي الليثي مولاهم، رحل إلى المشرق، فسمع من مالك بن أنس، و ... ؟ ؟ عيينة، والليث بن سعد، وابن القاسم، وابن وهب، وتفقه بالمدنيين، والمصريين، من أكابر أصحاب مالك بعد انتفاعه بمالك وملازمته، وهو أحد رواة " الموطأ " عن مالك، وروايته هي المطبوعة المتداولة في هذه الاعصار، وصفه ابن عبد البر فقال: كان إمام بلده، المقتدى به، المنظور إليه، المعول عليه، وكان ثقة عاقلا حسن الهدي والسمت، توفي سنة 230 هـ وسترد ترجمته في الجزء العاشر. (3) هو قرعوس بن العباس بن قرعوس بن عبيد بن منصور بن محمد بن يوسف الثقفي، أحد فقهاء الأندلس، سمع من مالك بن أنس، وابن جريج، والليث، وغيرهم. كان فاضلا ورعا عالما بمذهب مالك وأصحابه، لا علم له بالحديث، روى عن مالك " الموطأ " وشيئا من المسائل، توفي = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 وَقُبِضَ عَلَى نَاسٍ كَأَبِي كَعْبٍ، وَأَخِيْهِ، وَمَالِكِ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، وَمُوْسَى بنِ سَالِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مُضَرَ الفَقِيْهِ، وَأَمْثَالِهِم مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدِّيْنِ، فِي سَبْعَةٍ وَسَبْعِيْنَ رَجُلاً، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم، وَصُلِبُوا. وَأَضَافَ إِلَيْهِم عَمَّيْهِ؛ كُلَيباً وَأُمَيَّةَ، فَصُلِبَا، وَأَحْرَقَ القُلُوْبَ عَلَيْهِم، وَسَارَ بِأَمْرِهِمُ الرِّفَاقُ، وَعَلِمَ الحَكَمُ أَنَّهُ مَحْقُوْدٌ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم، فَأَخَذَ فِي جَمْعِ الجُنُوْدِ وَالحَشَمِ، وَتَهَيَّأَ، وَأَخَذَتِ العَامَّةُ فِي الهَيْجِ، وَاسْتَأْسَدَ النَّاسُ، وَتَنَمَّرُوا، وَتَأَهَّبُوا. فَاتَّفَقَ أَنَّ مَمْلُوْكاً (1) خَرَجَ مِنَ القَصْرِ بِسَيْفٍ دَفَعَهُ إِلَى الصَّيْقَلِ، فَمَاطَلَهُ، فَسَبَّهُ، فَجَاوَبَهُ الصَّيْقَلُ، فَتَضَارَبَا، وَنَال مِنْهُ المَمْلُوْكُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُتلِفَه، فَلَمَّا تَرَكَهَ، أَخَذَ الصَّيْقَلُ السَّيْفَ، فَقَتَلَ بِهِ المَمْلُوْكَ، فَتَأَلَّبَ إِلَى المَقْتُوْلِ جَمَاعَةٌ، وَإِلَى القَاتِلِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، وَاسْتَفحَلَ الشَّرُّ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمَائَتَيْنِ، وَتَدَاعَى أَهْلُ قُرْطُبَةَ مِنْ أَرْبَاضِهِم، وَتَأَلَّبُوا بِالسِّلاَحِ، وَقَصَدُوا القَصْرَ، فَرَكِبَ الجَيْشُ وَالإِمَامُ الحَكَمُ، فَهَزَمُوا العَامَّةَ، وَجَاءهُم عَسْكَرٌ مِنْ خَلْفِهِم، فَوَضَعُوا فِيْهِمُ السَّيْفَ، وَكَانَتْ وَقْعَةً هَائِلَةً شَنِيعَةً، مَضَى فِيْهَا عَدَدٌ كَثِيْرٌ زُهَاءَ عَنِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً مِنْ أَهْلِ الرَّبَضِ، وَعَايَنُوا البَلاَءَ مِنْ قُدَّامِهِم وَمِنْ خَلْفِهِم، فَتَدَاعَوْا بِالطَّاعَةِ، وَأَذْعَنُوا، وَلاَذُوا بِالعَفْوِ، فَعَفَا عَنْهُم عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ قُرْطُبَةَ، فَفَعَلُوا، وَهُدِمَتْ دِيَارُهُم وَمَسَاجِدُهُم، وَنَزَلَ مِنْهُم أُلُوْفٌ بِطُلَيْطِلَةَ، وَخَلْقٌ فِي الثُّغُوْرِ، وَجَازَ آخَرُوْنَ البَحْرَ، وَنَزَلُوا بِلاَدَ البَرْبَرِ، وَثَبَتَ جَمْعٌ بِفَاسَ، وَابْتَنَوْا عَلَى سَاحِلِهَا مَدِيْنَةً غَلَبَ عَلَى اسْمِهَا مَدِيْنَةُ الأَنْدَلُسِ، وَسَارَ جَمعٌ مِنْهُم زُهَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً،   = بالأندلس سنة عشرين ومئتين. " جذوة المقتبس ": 333، و" الديباج المذهب " 2 / 154 و" ترتيب المدارك " 2 / 492. (1) انظر " المغرب " 1 / 42. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 وَفِيْهِم عُمَرُ بنُ شُعَيْبٍ الغَلِيْظُ، فَاحْتَلُّوا بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاتَّفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُم اشْتَرَى لَحْماً مِنْ جَزَّارٍ، فَتَضَاجَرَ مَعَهُ، وَرَمَاهُ الجَزَّارُ بِكِرْشٍ فِي وَجْهِهِ، فَرَجَعَ بِتِلْكَ الحَالَةِ إِلَى قَوْمِهِ، فَجَاؤُوا، فَقَتَلُوا اللَّحَّامَ، فَقَامَ عَلَيْهِم أَهْلُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاقْتَتَلُوا، وَأَخْرَجَ الأَنْدَلُسِيُّوْنَ أَهْلَهَا هَاربِيْنَ، وَتَمَلَّكُوا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ. فَاتَّصَلَ الخَبَرُ بِالمَأْمُوْنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم، وَابْتَاعَ المَدِيْنَةَ مِنْهُم، عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، وَيَنْزِلُوا جَزِيْرَةَ إِقْرِيْطشَ (1) ، فَخَرَجُوا، وَنَزَلُوْهَا، وَافْتَتَحُوهَا، فَلَمْ يَزَالُوا فِيْهَا إِلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا أَرْمَانُوسُ بنُ قُسْطَنْطِيْنَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَأَمَّا الحَكَمُ، فَإِنَّهُ اطْمَأَنَّ، وَكَتَبَ إِلَى القَائِدِ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمَ كِتَاباً فِيْهِ: وَأَنَّهُ تَدَاعَى فَسَقَةٌ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ إِلَى الثَّوْرَةِ، وَشَهَرُوا السِّلاَحَ، فَأَنْهَضْنَا لَهُمُ الرِّجَالَ، فَقَتَلْنَا فِيْهِم قَتلاً ذَرِيْعاً، وَأَعَانَ اللهُ عَلَيْهِم، فَأَمسَكْنَا عَنْ أَمْوَالِهِم وَحُرَمِهِم. ثُمَّ كَتَبَ الحَكَمُ كِتَابَ أَمَانٍ عَامٍّ، وَكَانَ طَالُوْتُ (2) اخْتَفَى سَنَةً عِنْدَ يَهُوْدِيٍّ، ثُمَّ خَرَجَ، وَقَصَدَ الوَزِيْرَ أَبَا البَسَّامِ لِيَختَفِيَ عِنْدَهُ، فَأَسلَمَهُ إِلَى الحَكَمِ، فَقَالَ: مَا رَأْيُ الأَمِيْرِ فِي كَبْشٍ سَمِيْنٍ، وَقَفَ عَلَى مِذْوَدِهِ عَاماً؟ فَقَالَ الحَكَمُ: لَحْمٌ ثَقِيْلٌ، مَا الخَبَرُ؟ قَالَ: طَالُوْتُ عِنْدِي. فَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِهِ،   (1) هي في البحر المتوسط، وتعرف اليوم ب " كريت "، والذي أنزلهم فيها هو عبد الله بن طاهر قائد المأمون المشهور، ولاه مصر سنة 211، وقد خرج في جيوشه إلى الإسكندرية، فحاصر أهلها ومن معهم من الأندلسيين سنة 212 هـ، وصالحه الاندلسيون على أن يخرجوا إلى إقريطش (كريت) فيملكوها، وكان أميرهم أبو حفص عمر بن عيسى. انظر " الولاة والقضاة " للكندي: 183، و" خطط المقريزي " 1 / 172، و" معجم البلدان " 1 / 236. (2) هو طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي، دخل مصر، وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة، " نفح الطيب " 2 / 639. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 فَأُحضِرَ، فَقَالَ: يَا طَالُوْتُ! أَخْبِرْنِي لَوْ أَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ مَلَكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَكُنْتَ فِيْهَا فِي الإِكرَامِ وَالبِرِّ عَلَى مَا كُنْتُ أَفْعَلُ مَعَكَ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ أَلَمْ أَمْشِ فِي جَنَازَةِ امْرَأَتِكَ، وَرَجَعتُ مَعَكَ إِلَى دَارِكَ؟ أَفَمَا رَضِيْتَ إِلاَّ بِسَفكِ دمِي؟ فَقَالَ الفَقِيْهُ فِي نَفْسِهِ: لاَ أَجِدُ أَنْفعَ مِنَ الصِّدْقِ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أُبغِضُكَ للهِ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ مَا صَنَعْتَ مَعِيَ لِغَيْرِ اللهِ، وَإِنِّيْ لَمُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ - أَصْلَحَكَ اللهُ -. فَوَجَمَ الخَلِيْفَةُ، وَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أَبْغَضْتَنِي لَهُ قَدْ صَرَفَنِي عَنْكَ، فَانْصَرِفْ فِي حِفْظِ اللهِ، وَلَسْتُ بِتَارِكٍ بِرَّكَ، وَلَيْتَ الَّذِي كَانَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ أَيْنَ ظَفِرَ بِكَ أَبُو البَسَّامِ - لاَ كَانَ -؟ فَقَالَ: أَنَا أَظْفَرْتُهُ بِنَفْسِي، وَقَصَدْتُهُ. قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتَ فِي عَامِكَ؟ قَالَ: فِي دَارِ يَهُوْدِيٍّ، حَفِظَنِي للهِ. فَأَطْرَقَ الخَلِيْفَةُ مَلِيّاً، وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى أَبِي البَسَّامِ، وَقَالَ: حَفِظَه يَهُوْدِيٌّ، وَسَتَرَ عَلَيْهِ لِمَكَانِه مِنَ العِلْمِ وَالدِّيْنِ، وَغَدَرْتَ بِهِ إِذْ قَصَدَكَ، وَخَفَرْتَ ذِمَّتهُ، لاَ أَرَانَا اللهُ فِي القِيَامَةِ وَجْهَهُ إِنْ رَأَيْنَا لَكَ وَجْهاً. وَطَرَدَهُ، وَكَتَبَ لِلْيَهُودِيِّ كِتَاباً بِالجِزْيَةِ فِيْمَا مَلَكَ، وَزَادَ فِي إِحْسَانِهِ، فَلَمَّا رَأَى اليَهُوْدِيُّ ذَلِكَ، أَسْلَمَ مَكَانَهُ (1) . قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: وَكَانَ أَهْلُ طُلَيْطِلَةَ لَهُم نُفُوْسٌ أَبِيَّةٌ، وَكَانُوا لاَ يَصْبِرُوْنَ عَلَى ظُلْمِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ وُلاَتَهُم كَانَ فِيْهِم ظُلْمٌ وَتَعَدٍّ، فَكَانُوا يَثِبُوْنَ عَلَى الوَالِي وَيُخْرِجُونَه، فَوَلَّى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ عَمْرُوْساً (2) ؛ رَجُلاً مِنْهُم. وَكَانَ عَمْرُوْسُ دَاهِيَةً، فَدَاخَلَ الحَكَمَ، وَعَمِلَ عَلَى رُؤُوْسِ أَهْلِ طُلَيْطِلَةَ حَتَّى قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْهُم.   (1) انظر " المغرب " 1 / 43، و" نفح الطيب " 2 / 639. (2) هو عمروس بن يوسف والي الحكم على الثغر، وأحد المتفانين في الاخلاص له، وإن كانت بدرت منه بادرة عصيان، ويشتهر بذبحه للزعماء المنشقين في فناء قصره كما ذكر المؤلف فيما بدع. انظر ابن خلدون 4 / 126. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فَأَشَارَ أَوَّلاً عَلَى الأَعْيَانِ بِبِنَاءِ قَلْعَةٍ تَحمِيهِم، فَفَعَلُوا، فَبَعَثَ إِلَى الخَلِيْفَةِ كِتَاباً بِمُعَامِلَةٍ مِنْهُ، فِيْهِ شَتْمُهُ وَسَبُّهُ، فَقَامَ لَهُ، وَقَعَدَ، وَسَبَّ وَأَفْحَشَ، وَبَعَثَ لِلْخَلِيْفَةِ وَلَدَهُ لِلْغَزْوِ، فَاحْتَالَ عَمْرُوْسُ عَلَى الأَكَابِرِ حَتَّى خَرَجُوا، وَتَلَقَّوْهُ، وَرَغَّبُوهُ فِي الدُّخُولِ إِلَى قَلْعَتِهِم، وَمَدَّ سِمَاطاً، وَاسْتَدْعَاهُم، فَكَانَ الدَّاخِلُ يُدْخَلُ عَلَى بَابٍ، وَيُخْرَجُ مِنْ بَابٍ آخَرَ، فَتُضْرَبُ عُنُقُهُ حَتَّى كَمُلَ مِنْهُم كَذَلِكَ نَحْوُ الخَمْسَةِ آلاَفٍ، حَتَّى غَلاَ بُخَارُ الدِّمَاءِ، وَظَهَرَتِ الرَّائِحَةُ، ثُمَّ بَعَثَ الحَكَمُ أَمَاناً لِيَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ. مَاتَ الحَكَمُ: سَنَةَ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ، فِي آخِرِهَا، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً. وَوَلِيَ الأَنْدَلُسَ بَعْدَهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو المُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَلْنَذْكُرْهُ. 58 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بنِ هِشَامِ بنِ الدَّاخِلِ * أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو المُطَرِّفِ المَرْوَانِيُّ. بُوْيِعَ بَعْدَ وَالِدهِ، فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ، فَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَكَانَ وَادِعاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، قَلِيْلَ الغَزْوِ، غَلَبَتِ المُشْرِكُوْنُ فِي دَوْلَتِه عَلَى إِشْبِيْلِيَةَ، وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ. كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ يُحَرِّضُهُ عَلَى بِنَاءِ سُورِ إِشْبِيْلِيَةَ، يَقُوْلُ لَهُ: حَقْنُ دِمَاءِ المُسْلِمِيْنَ - أَيَّدَكَ الله، وَأَعْلَى يَدَكَ بِابْتِنَاءِ السُّورِ - أَحَقُّ وَأَوْلَى. فَأَخَذَ بِرَأْيِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ جَامِعِ قُرْطُبَةَ، وَابْتَنَى أَيْضاً جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ عَلَى يَدِ قَاضِيْهَا عَمْرِو بنِ عَدَبَّسَ، وَكَانَتْ إِشْبِيْلِيَةُ مِنْ نَاحِيَةِ الوَادِي بِلاَ سُوْرٍ.   (*) العقد الفريد: 4 / 493، جذوة المقتبس: 10، الكامل لابن الأثير: 6 / 9، 12، 35، 50، المغرب في حلي المغرب: 1 / 45، 51، الحلة السيراء: 61، البيان المغرب: 2 / 82، أخبار مجموعة: 135، ابن خلدون: 4 / 127، نفح الطيب: 1 / 344. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ ثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، طَرَقَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّوْنَ (1) إِشْبِيْلِيَةَ فِي ثَمَانِيْنَ مَرْكَباً فِي الوَادِي، فَصَادَفُوا أَهْلَهَا عَلَى غِرَارَةٍ بِمُطَاولَةِ أَمَدِ الأَمَانِ لَهُم مَعَ قِلَّةِ خِبْرَتِهِم بِحَرْبِهِم، فَطَلَعُوا مِنَ المَرَاكِبِ، وَقَدْ لاَحَ لَهُم خَوَرٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَاتَلُوْهُم، وَقَوَوْا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيْهِم، وَمَلَكُوا إِشْبِيْلِيَةَ بَعْدَ القَتْلِ الذَّرِيْعِ فِي أَهْلِهَا حَتَّى فِي النِّسَاءِ وَالبَهَائِمِ، وَأَقَامُوا بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَوَرَدَ الخَبَرُ عَلَى الخَلِيْفَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ، فَاسْتَنْفَرَ جَيْشَهُ، وَبَعَثَ بِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَحَلُّوا بِالشَّرْقِ، وَوَقَعَ القِتَالُ، وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَانْتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالمَلاَعِيْنِ حَتَّى فَنِيَ جَمْعُ الكَفَرَةِ - لَعَنَهُمُ اللهُ - وَحَرَقَ المُسْلِمُوْنَ ثَلاَثِيْنَ مَرْكَباً مِنْ مَرَاكِبِهِم، فَكَانَ بَيْنَ دُخُوْلِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ وَهُرُوْبِهِم عَنْهَا ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ يَوْماً. وَهَذَا كَانَ السَّبَبُ فِي بِنَاءِ سُورِ وَادِيْهَا (2) . وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ: جَاءَ سَيْلٌ مَهُولٌ حَتَّى احْتَمَلَ رَبَضَ قَنْطَرَةِ قُرْطُبَةَ، وَاحْتَمَلَ سِتَّ عَشْرَةَ قَرْيَةً إِلَى البَحْرِ بِمَا فِيْهَا مِنَ النَّاسِ وَالمَوَاشِي، وَهَلَكَ مَا لاَ يُعَدُّ وَلاَ يُحْصَى، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ: بِطُلَيْطِلَةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَمَاتَ: فِي ثَالِثِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.   (1) هم النورمان، كانوا يغيرون على الأندلس من المنافذ النهرية، وسماهم المسلمون " المجوس " لانهم كانوا يشعلون النيران كثيرا، فظن المسلمون أنهم يعبدونها. انظر ابن عذاري 2 / 130. (2) انظر " المغرب " 1 / 49. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 59 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ المَرْوَانِيُّ * صَاحِبُ الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ. كَانَ مُحِبّاً لِلْعِلْمِ، مُؤْثِراً لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مُكْرِماً لَهُم، حَسَنَ السِّيْرَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَر بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ الحَافِظَ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ. قَالَ بَقِيٌّ: مَا كَلَّمتُ أَحَداً مِنَ المُلُوْكِ أَكْمَلَ عَقْلاً، وَلاَ أَبلَغَ لَفْظاً مِنَ الأَمِيْرِ مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً فِي مَجْلِسِ خِلاَفَتِهِ، فَافْتَتَحَ الكَلاَمَ بِحَمْدِ اللهِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الخُلَفَاءَ، فَحَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ بِحِلْيَتِهِ وَصِفَتِهِ، وَذَكَرَ مَآثِرَهُ بِأَفْصَحِ لِسَانٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَفْسِهِ، فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ، ثُمَّ سَكَتَ. قُلْتُ: رَأَى مُصَنَّفَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، إِذْ نَازَعَ أَهْلُ الرَّأْيِ (1) بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ (2) ، فَأَمَرَ بِنَسْخِهِ، وَقَالَ: لاَ تَسْتَغْنِي خِزَانَتُنَا عَنْ هَذَا.   (*) العقد الفريذ: 4 / 493، جذوة المقتبس: 11، الكامل لابن الأثير: 6 / 201، المغرب: 1 / 52، الحلة السيراء: 64، البيان المغرب: 2 / 96، الوافي بالوفيات: 3 / 224، ابن خلدون: 4 / 130، أخبار مجموعة: 141، نفح الطيب: 1 / 350. (1) لقد خصص ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " جزءا أورد فيه الأحاديث التي ادعى أن أهل الرأي خالفوها، وقد رد عليه العلامة المحدث الشيخ زاهد الكوثري في كتابه " النكت الطريفة " فراجعه. قال ابن حزم: فلما دخل بقي بن مخلد الأندلسي بمصنف ابن أبي شيبة، وقرئ عليه، أنكر عليه جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف واستبشعوه، وقام جماعة من العامة عليه، ومنعوه من قراءته، فاستحضره الأمير محمد وإياهم، وتصفح الكتاب جزءا جزءا، حتى أتى على آخره، ثم قال لخازن كتبه: هذا الكتاب لا تستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا، وقال لبقي: انشر علمك وارو ما عندك، ونهاهم أن يتعرضوا له. " نفح الطيب " 2 / 519، و" جذوة المقتبس " 10، و" المغرب " 1 / 52. (2) هو الامام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي، صاحب المسند الكبير الذي روى فيه عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيف، ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وكان إماما ثقة ضابطا متقنا مجتهدا لا يقلد أحدا بل يفتي بالاثر. " تذكرة الحفاظ " 2 / 629، 630. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 وَكَانَ ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَإِقدَامٍ. بُوْيِعَ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِه فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ بِعَهْدٍ مِنْ وَالِدِهِ. وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ. وَامْتَدَّتْ دَوْلَتُهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَتَوَغَّلُ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، وَيَبْقَى فِي الغَزْوِ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ. قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ الجَوْزِيِّ: هُوَ صَاحِبُ وَقْعَةِ سَلِيْطٍ (1) . وَهِي مَلْحَمَةٌ مَشْهُوْرَةٌ لَمْ يُعْهَدْ قَبْلَهَا بِالأَنْدَلُسِ مِثْلُهَا. يُقَالُ: قُتِلَ فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ كَافِرٍ. وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَللشُّعَرَاءِ فِيْهِ مَدَائِحُ كَثِيْرَةٌ. قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُسَمَّى: بِالأَمِيْنِ. قُلْتُ: مَاتَ فِي آخِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. 60 - المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ أَبُو الحَكَمِ المَرْوَانِيُّ * صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ، تَمَلَّكَ بَعْدَ وَالِدِهِ، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَنَتَيْنِ، فَمَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ عُمَرَ بنَ حَفْصُوْنَ (2) ، رَأْسَ الخَوَارِجِ   (1) انظر " الكامل " لابن الأثير 7 / 73، 74، و" نفح الطيب " 1 / 350. (*) العقد الفريد: 4 / 496، ابن القوطية: 119، جذوة المقتبس: 11، الكامل لابن الأثير: 7 / 51، الحلة السيراء: 65، البيان المغرب: 2 / 116. بلغة الظرفاء: 32، ابن خلدون: 4 / 132، نفح الطيب: 1 / 352، أخبار مجموعة 149، ومخطوطة الرباط: 124. (2) قال الحميدي في " جذوة المقتبس ": 301: هو عمر بن حفص المعروف بابن حفصون، كان من الخوارج القائمين بالاندلس بأعمال رية قبل سنة خمس وسبعين ومئتين، وكان جلدا شجاعا أتعب السلاطين، وطال أمره، لأنه كان يتحصن عند الضرورة بقلعة هنالك، تعرف بقعلة ببشتر موصوفة بالامتناع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 بِالأَنْدَلُسِ. وَكَانَ هَذَا بَدَوِيّاً، يَجلِبُ السَّمَكَ بِالأَنْدَلُسِ، فَآلَ بِهِ الأَمْرُ إِلَى أَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمَاعَةِ حُصُوْنٍ. مَاتَ المُنْذِرُ: فِي نِصْفِ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَلَهُ سِتٌّ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. 61 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَانِيُّ * الأَمِيْرُ أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَانِيُّ، أَخُو المُنْذِرِ. تَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ بَعْدَ أَخِيْهِ، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيْهِ بِعَامٍ، وَكَانَ لَيِّناً، وَادِعاً، يُحِبُّ العَافِيَةَ، فَقَامَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ قُطرٍ مِنَ الأَنْدَلُس مُتَغَلِّبٌ، وَتَنَاقَضَ أَمْرُ المَرْوَانِيَّةِ فِي دَوْلَتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْد رَبِّهِ: كَانَ الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَفَاضِلِ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، بِنَى السَّابَاطَ، وَوَاظَبَ الخُرُوْجَ عَلَيْهِ إِلَى الجَامِعِ، وَالتَزَمَ الصَّلاَةَ إِلَى جَانبِ المِنْبَرِ طُوْلَ مُدَّتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ الأَمِيْرُ مِنَ الصَّالِحِيْنَ، المُتَّقِيْنَ، العَالِمِيْنَ، رَوَى العِلْمَ كَثِيْراً، وَطَالَعَ الرَّأْيَ، وَأَبصَرَ الحَدِيْثَ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ، وَأَكْثَرَ الصَّوْمَ. وَكَانَ يَلْتَزِمُ الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ، فَيَمُرُّ بِالصَّفِّ، فَيَقُومُ النَّاسُ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَعِيْدُ بنُ حُمَيْرٍ: أَيُّهَا الإِمَامُ، أَنْتَ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَإِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ، فَلاَ تَرْضَ مِنْ رَعِيَّتِكَ بِغَيْرِ الصَّوَابِ، فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيْعاً. فَأَمَرَ العَامَّةَ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَحِيْنَئِذٍ ابْتَنَى السَّابَاطَ طَرِيْقاً مَشْهُوْراً مِنْ قَصْرِهِ إِلَى المَقْصُوْرَةِ.   (*) العقد الفريد: 4 / 497، المقتبس: 12، الكامل لابن الأثير: 8 / 24، الحلة السيراء: 65، ابن خلدون: 4 / 132، نفح الطيب: 1 / 352. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: اسْتُضعِفَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَامَ ابْنُ حَفْصُوْنَ، وَكَانَ نَصْرَانِيَّ الأَصْلِ، فَأَسْلَمَ، وَتَنَصَّحَ (1) ، وَأَلَّبَ، وَحَشَدَ، وَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ شُعلَةً تُضْرَمُ، وَلَمْ يَبْقَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْبَرٌ يُخطَبُ فِيْهِ إِلاَّ مِنْبَرُ قُرْطُبَةَ، وَالغَارَاتُ تُشَنُّ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّاصِرُ، فَتَرَاجَعَ الأَمْرُ. مَاتَ عَبْدُ اللهِ: فِي أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. 62 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ * ابْنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بنِ هِشَامِ ابْنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُلْطَانُ الأَنْدَلُسِ، المَدْعُوُّ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو المُطَرِّفِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ. كَانَ أَبُوْهُ مُحَمَّدٌ وَلِيَّ عَهْدِ وَالِدِه عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَهُ أَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ المُطَرِّفُ، فَقَتَلَهُ أَبُوْهُمَا بِهِ. فَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَتَأَخَّرَ قَتْلُ المُطَرِّفِ إِلَى رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمَائَتَيْنِ. وَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ، كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا عِشْرُوْنَ يَوْماً. وَوَلِيَ الخِلاَفَةَ بَعْدَ جَدِّهِ.   (1) تنصح: أي تشبه بالنصحاء، والتنصح: كثرة النصح، ومنه قول أكثم بن صيفي: إياكم والتنصح فإنه يورث التهمة. (*) العقد الفريد: 4 / 498، جذوة المقتبس: 13، الكامل لابن الأثير: 8 / 177، المغرب في حلي المغرب: 1 / 180، 186، الحلة السيراء: 99، طبقات السبكي: 2 / 330، ابن خلدون: 4 / 137، نفح الطيب: 1 / 353 - 371، أزهار الرياض: 2 / 257 - 284، المنتخب لابن شقدة (مخطوط) ، وأخبار مجموعة: 153، غزوات العرب: 167 - 182، تراجم إسلامية: 142. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ مِنَ المُسْتَطْرَفِ؛ لأَنَّهُ كَانَ شَابّاً، وَبَالحَضْرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْمَامِهِ، وَأَعْمَامِ أَبِيْهِ، فَلَمْ يَعْتَرِضْ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَمَرَّ لَهُ الأَمْرُ، وَكَانَ شَهْماً صَارِماً. وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ لَمْ يَتَسَمَّ أَحَدٌ مِنْهُم بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُخَاطَبُوْنَ بِالإِمَارَةِ فَقَطْ، وَفَعَلَ مِثْلَهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ وِلاَيَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَه ضَعْفُ الخِلاَفَةِ بِالعِرَاقِ، وَظُهُوْرُ الشِّيْعَةِ العُبَيْدِيَّةِ بِالقَيْرَوَانِ، رَأَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلِيَ الأَنْدَلُسَ يَسْتَنْزِلُ المُتَغَلِّبِيْنَ حَتَّى صَارَتِ المَمْلَكَةُ كُلُّهَا فِي طَاعتِهِ، وَأَكْثَرُ بِلاَدِ العُدْوَةِ، وَأَخَافَ مُلُوْكَ الطَّوَائِفِ حَوْلَهُ (1) . وَابْتَدَأَ بِبِنَاءِ مَدِيْنَةِ الزَّهْرَاءِ فِي أَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَكَانَ يُقَسِّمُ دَخْلَ مَمْلَكَتِهِ أَثْلاَثاً: فَثُلُثٌ يَرصُدُهُ لِلْجُندِ، وَثُلُثٌ يَدَّخِرُهُ فِي بَيْتِ المَالِ، وَثُلُثٌ يُنفِقُهُ فِي الزَّهْرَاءِ. وَكَانَ دَخْلُ الأَنْدَلُسِ يَوْمَئِذٍ خَمْسَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَأَرْبَعُ مائَةِ أَلْفٍ وَثَمَانِيْنَ أَلْفاً، وَمِنَ السُّوْقِ وَالمُسْتَخْلَصِ سَبْعُ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ أَلْفاً. ذَكَرَ: ابْنُ أَبِي الفَيَّاضِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي تَارِيْخِ النَّاصِرِ أَيَّامُ السُّرُوْرِ الَّتِي صَفَتْ لَهُ، فَعُدَّتْ، فَكَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقَدْ مَلَكَ خَمْسِيْنَ سَنَةً وَنِصْفاً. قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: نَظَرَ أَهْلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ، مَنْ يَقُوْمُ بِأَمْرِ الإِسْلاَمِ،   (1) " المغرب " 1 / 181، 182. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 فَمَا وَجَدُوا فِي شَبَابِ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ يَصلُحُ لِلأَمْرِ إِلاَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ، فَبَايَعُوْهُ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ المَالَ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَطَلَبَ العُدَدَ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَلَمْ يَزَلِ السَّعْدُ يَخدِمُهُ إِلَى أَنْ سَارَ بِنَفْسِهِ لابْنِ حَفْصُوْنَ، فَوَجَدَه مُجْتَازاً لِوَادِي التُّفَّاحِ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ - كَذَا نَقَلَ: اليَسَعُ، وَمَا أَحْسِبُ أَنَّ ابْنَ حَفْصُوْنَ بَقِيَ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ -. قَالَ: فَهَزَمَه، وَأُفلِتَ ابْنُ حَفْصُونَ فِي نَفَرٍ يَسِيْرٍ، فَتَحَصَّنَ بِحِصْنِ مُبَشّرٍ. وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَغْزُو حَتَّى أَقَامَ العِوَجَ، وَمَهَّدَ البِلاَدَ، وَوَضَعَ العَدْلَ، وَكَثُرَ الأَمْنُ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشاً إِلَى المَغْرِبِ، فَغزَا برْغوَاطَة بِنَاحِيَةِ سَلاَ (1) ، وَلَمْ تَزَلْ كَلِمَتُهُ نَافَذَةً، وَسِجِلْمَاسَةَ (2) ، وَجَمِيْعَ بِلاَدِ القِبْلَةِ، وَقُتِلَ ابْنُ حَفْصُوْنَ. وَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ أَقْوَى مَا كَانَتْ وَأَحْسَنَهَا حَالاً، وَصَفَا وَجْهُهُ لِلرُّوْمِ، وَشَنَّ الغَارَاتِ عَلَى العَدُوِّ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ بِلاَدَ الرُّوْمِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَدَوَّخَهُم، وَوَضَعَ عَلَيْهِم الخِرَاجَ، وَدَانَتْ لَهُ مُلُوْكُهَا، فَكَانَ فِيْمَا شَرَطَ عَلَيْهِم اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ يَصْنَعُوْنَ فِي بِنَاءِ الزَّهْرَاءِ الَّتِي أَقَامَهَا لِسُكْنَاهُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ قُرْطُبَةَ. وَسَاق إِلَيْهَا أَنْهَاراً، وَنَقَبَ لَهَا الجَبَلَ، وَأَنْشَأَهَا مُدَوَّرَةً، وَعِدَّةُ أَبْرَاجِهَا ثَلاَثُ مائَةِ بُرْجٍ، وَشُرُفَاتُهَا مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ، وَقَسَّمَهَا أَثْلاَثاً: فَالثُلُثُ المُسْنَدُ إِلَى الجَبَلِ: قُصُوْرُهُ، وَالثُلُثُ الثَّانِي: دُوْرُ المَمَالِيْكِ وَالخَدَمِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً بِمَنَاطقِ الذَّهَبِ، يَرْكَبُوْنَ لِرُكُوْبِه، وَالثُّلُثُ الثَّالِثُ: بَسَاتِيْنُ تَحْتَ القُصُوْرِ. وَعَمِلَ مَجْلِساً مُشْرِفاً عَلَى البَسَاتِيْنِ، صَفَّحَ عُمُدَهُ بِالذَّهَبِ، وَرَصَّعَهُ بِاليَاقُوْتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَاللُؤْلُؤِ، وَفَرَشَهُ بِمَنْقُوْشِ الرُّخَامِ، وَصَنَعَ قُدَّامَهُ بَحْرَةً مُسْتَدِيرَةً   (1) مدينة المغرب على ساحل المحيط الاطلسي، قرب المعمورة وبقربها برغواطة. (2) مدينة داخلية في جنوب المغرب بينها وبين فاس عشرة أيام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 مَلأَهَا زِئْبَقاً، فَكَانَ النُّوْرُ يَنْعَكِسُ مِنْهُ إِلَى المَجْلِسِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَاضِيْهِ مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ البَلُّوْطِيُّ (1) ، فَوَقَفَ، وَقَرَأَ: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُوْنَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوْتِهِم سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ... } الآيَتَيْنِ: [الزُّخْرُفُ: 33 - 34] ، فَقَالَ: وَعَظتُ أَبَا الحَكَمِ. ثُمَّ قَامَ عَنِ المَجْلِسِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ الذَّهَبِ وَالجَوَاهِرِ. وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : اتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ النَّاصِرِ، وَحَكَمَ عَلَى أَقْطَارِ الأَنْدَلُسِ، وَمَلَكَ طَنْجَةَ وَسَبْتَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بِلاَدِ العُدْوَةِ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ كُلُّهَا حُرُوْباً. وَعَاشَ المُسْلِمُوْنَ فِي آثَارِهِ الحَمِيْدَةِ آمِنِيْنَ بُرْهَةً. وَيُقَالُ: إِنَّ بِنَاءَ الزَّهْرَاءِ أُكمِلَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، بِأَلْفِ بَنَّاءٍ فِي اليَوْمِ، مَعَ البَنَّاءِ اثْنَا عَشَرَ فَاعِلاً. حكَى أَبُو الحَسَنِ الصَّفَّارُ: أَنَّ يُوْسُفَ بنَ تَاشفِيْنَ مَلَكَ المَغْرِبَ لَمَّا دَخَلَ الزَّهْرَاءَ، وَقَدْ خَرِبَتْ بِالنِّيْرَانِ وَالهَدْمِ، مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً قَبلَ دُخُوْلِهِ إِلَيْهَا، وَقَدْ نُقِلَ أَكْثَرُ مَا فِيْهَا إِلَى قُرْطُبَةَ وَإِشْبِيْلِيَةَ، وَنَظَرَ آثَاراً تَشْهَدُ عَلَى مَحَاسِنِهَا، فَقَالَ: الَّذِي بَنَى هَذِهِ كَانَ سَفِيْهاً. فَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بنُ سِرَاجٍ: كَيْفَ يَكُوْنُ سَفِيْهاً وَإِحْدَى كَرَائِمِه أَخْرَجَتْ مَالاً فِي فِدَاءِ أُسَارَى فِي أَيَّامِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ بِبِلاَدِ الأَنْدَلُسِ أَسِيْرٌ يُفْدَى.   (1) هو المنذر بن سعيد البلوطي، قاضي الجماعة بقرطبة، كان عالما فقيها، وأديبا بليغا، وخطيبا مصقعا، متكلما بالحق، متبينا بالصدق، له كتب مؤلفة في السنة والقرآن والورع والرد على أهل الاهواء والبدع، وله اليوم المشهور الذي ملا فيه الاسماع، وبهر القلوب بخطبته البليغة التي ارتجلها بين يدي الناصر في ذلك الجمع الحاشد المهيب، الذي أعده لاستقبال رسول ملك الروم، فأعجب به الناصر أيما إعجاب، فقال لابنه: والله لقد أحسن ما شاء، ولئن أخرني الله بعد لارفعن من ذكره، فضع يدك عليه، واستخلصه، وذكرني بشأنه، فما للصنيعة مذهب عنه، ثم ولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء، " نفح الطيب " 1 / 366، 374. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 تُوُفِّيَ النَّاصِرُ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَسَتُعَادُ تَرْجَمَتُهُ مُخْتَصَرَةً بِزِيَادَاتٍ مُهِمَّةٍ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ سَبْعِيْنَ حِصْناً -رَحِمَهُ اللهُ-. 63 - الحَكَمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ * أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِالأَنْدَلُسِ، أَبُو العَاصِ، المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ بنُ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ. بُوْيِع: بَعْدَ أَبِيْهِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَامِعاً لِلْعِلْمِ، مُكْرِماً لِلأَفَاضِلِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، ذَا نَهْمَةٍ مُفْرِطَةٍ فِي العِلْمِ وَالفَضَائِلِ، عَاكِفاً عَلَى المُطَالَعَةِ. جَمَعَ مِنَ الكُتُبِ مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ مِنَ المُلُوْكِ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَتَطَلَّبَهَا، وَبَذَلَ فِي أَثْمَانِهَا الأَمْوَالَ، وَاشْتُرِيَتْ لَهُ مِنَ البِلاَدِ البَعِيْدَةِ بِأَغْلَى الأَثْمَانِ، مَعَ صَفَاءِ السَّرِيْرَةِ وَالعَقلِ وَالكَرَمِ، وَتَقَرِيْبِ العُلَمَاءِ. أَكْثَرَ عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ الخَطَّابِ، وَأَجَازَ لَهُ: قَاسِمُ بنُ ثَابِتٍ (1) كِتَابَ (الدَّلاَئِلِ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) . وَكَتَبَ عَنْ خَلْقٍ كَثِيْرٍ، مِنْهُم: قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الخُشَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دُحَيْمٍ. وَلَقَدْ ضَاقَتْ خَزَائِنُهُ بِالكُتُبِ إِلَى أَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ، وَآثَرَهَا عَلَى لَذَّاتِ   (*) جمهرة الأنساب: 92، جذوة المقتبس: 13، الكامل لابن الأثير: 8 / 224، ابن خلدون: 4 / 144، نفح الطيب 1 / 382 - 396، أزهار الرياض: 2 / 286 - 294. (1) هو قاسم بن ثابت السرقسطي الأندلسي الامام الجليل الفقيه المحدث الورع الناسك، وكتابه " الدلائل " في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث كتاب نفيس في بابه، ولكنه لم يكمله، فأتمه بعده أبوه ثابت، فقد بقي حيا بعد وفاة ابنه أحد عشر عاما، وكان كابنه فقيها محدثا لغويا. قال الحميدي: ذكره أبو محمد علي بن أحمد، وأثنى عليه، وقال: ما شآه أبو عبيد إلا بتقدم العصر. " الديباج المذهب " 2 / 147، 148. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 المُلُوْكِ، فَغَزُرَ عِلمُهُ، وَدَقَّ نَظَرُهُ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ بَيْضَاءُ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَالأَنْسَابِ، وَالأَخْبَارِ، وَقَلَّمَا تَجِدُ لَهُ كِتَاباً إِلاَّ وَلَهُ فِيْهِ قِرَاءةٌ أَوْ نَظَرٌ، مِنْ أَيِّ فَنٍّ كَانَ، وَيَكتُبُ فِيْهِ نَسَبَ المُؤلِّفِ، وَمَوْلِدَه وَوَفَاتَه، وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِغَرَائِبَ لاَ تَكَادُ تُوجَدُ. وَمِن مَحَاسِنِه: أَنَّهُ شَدَّدَ فِي مَمْلَكَتِهِ فِي إِبْطَالِ الخُمُوْرِ تَشْدِيْداً عَظِيْماً. وَكَانَ أَخُوْهُ الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ المَعْرُوْفُ بِالوَلَدِ، عَلَى أَنْمُوْذَجِهِ فِي مَحَبَّةِ العِلْمِ، فَقُتِلَ فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ. وَكَانَ المُسْتَنْصِرُ مُوَثَّقاً فِيْمَا يَنْقُلُهُ. ذَكَرَهُ: ابْنُ الأَبَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَقَالَ: عَجَباً لابْنِ الفَرَضِيِّ، وَابْنِ بَشْكُوَالٍ، كَيْفَ لَمْ يَذْكُرَاهُ؟! مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِ مائَةٍ. قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ الحَكَمُ عَالِماً، رَاوِيَةً لِلْحَدِيْثِ، فَطِناً، وَرِعاً. وَفَدَ عَلَيْهِ: أَبُو عَلِيٍّ القَالِي، وَأَبُو عَلِيٍّ الزُّبَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَمَّا تُوُفِّيَ القَاضِي مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ، اسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ الفَقِيْهَ ابْنَ بَشِيْرٍ، فَشَرَطَ عَلَيْهِ نُفُوذَ الحَقِّ وَالعَدْلِ؛ فَرَفَعَ إِلَيْهِ تَاجِرٌ: أَنَّهُ ضَاعتْ لَهُ جَارِيَةٌ صَغِيْرَةٌ، وَأَنَّهَا فِي القَصْرِ، فَانْتَهَى الأَمْرُ إِلَى الحَكَمِ. فَقَالَ الحَكَمُ: نُرْضِي هَذَا التَّاجِرَ بِكُلِّ مَا عَسَى أَنْ يَرْضَى بِهِ. فَقَالَ ابْنُ بَشِيْرٍ: لاَ يَكمُلُ عَدْلُكَ حَتَّى تُنْصِفَ مِنْ نَفْسِك، وَهَذَا قَدِ ادَّعَى أَمراً، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِحْضَارِهَا، وَشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى عَيْنِهَا. فَأَحضَرَهَا الحَكَمُ، وَأَنْصَفَ التَّاجِرَ. وَفِي دَوْلَةِ الحَكَمِ هَمَّتِ الرُّوْمُ بِأَخْذِ مَوَاضِعَ مِنَ الثُّغُورِ، فَقَوَّاهَا بِالمَالِ وَالجُيُوْشِ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ، وَزَادَ فِي القَطِيْعَةِ عَلَى الرُّوْمِ، وَأَذلَّهُم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 وَكَانَ مَوْتُهُ: بِالفَالِجِ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَخَلَّفَ وَلَداً، وَهُوَ هِشَامٌ، فَأُقِيْمَ فِي الخِلاَفَةِ بِتَدبِيْرِ الوَزِيْرِ ابْنِ أَبِي عَامِرٍ القَحْطَانِيِّ. 64 - هِشَامُ بنُ الحَكَمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُؤَيَّدُ بِاللهِ * الخَلِيْفَةُ، المُؤَيَّدُ بِاللهِ بنُ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ بنِ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، أَبُو الوَلِيْدِ. وَلِيَ الأَمْرَ بَعْدَ وَالِدِهِ، وَطَالَتْ أَيَّامُهُ. مَوْلِدُه: بِمَدِيْنَة الزَّهْرَاءِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَبُوْيِعَ وَلَهُ اثْنَا عَشَرَ عَاماً بِإِشَارَةِ الدَّوْلَةِ، وَقَامَ بِتَدبِيْرِ الخِلاَفَةِ المَنْصُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، وَاسْتَبَدَّ بِالأُمُوْرِ، فَقَبَضَ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى عَمِّهِ المُغِيْرَةِ بنِ النَّاصِرِ. وَكَانَ هِشَامٌ العَاشِرَ مِنْ مُلُوْكِ بَنِي أُمَيَّةَ بِالأَنْدَلُسِ، وَكَانَ ضَعِيْفَ الرَّأْيِ، أَخرَقَ، مَحْجُوراً عَلَيْهِ، فَكَانَ صُوْرَةً، وَكَانَ المَنْصُوْرُ هُوَ الكُلَّ، فَسَاسَ المَمْلَكَةَ أَتَمَّ سِيَاسَةٍ، وَغَزَا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ ضِخَامٍ. وَسَيَأْتِي فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِ مائَةِ خَبَرُ المُؤَيَّدِ، وَهَذَا المَنْصُوْرِ. بَقِيَّةُ الطَّبَقَةِ الثَّامِنَةِ 65 - يَعْلَى بنُ الأَشْدَقِ العُقَيْلِيُّ ** البَدَوِيُّ، المُعَمَّرُ.   (*) جذوة المقتبس: 17، الكامل لابن الأثير: 8 / 224، النبراس: 22، البيان المغرب: 2 / 253 و3 / 3، 112، 197، ابن خلدون 4 / 147، نفح الطيب: 1 / 187. (* *) التاريخ الكبير: 8 / 419، التاريخ الصغير: 2 / 179، المعرفة والتاريخ: 1 / 257، الجرح والتعديل: 9 / 330، كتاب المجروحين والضعفاء: 3 / 141، الكامل لابن عدي: 4 / 469 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 456 - 457. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ، وَرُقَادِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَكُلَيْبِ بنِ جُرَيٍّ الأَعْرَابِ - وَزَعَمَ أَنَّ لَهُم صُحْبَةً - وَعَنِ النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ. وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِي دِمَشْقَ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَهَاشِمُ بنُ قَاسِمٍ الحَرَّانِيَّانِ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، وَآخَرُوْنَ. كُنْيَتُهُ: أَبُو الهَيْثَمِ، وَكَانَ تَالِفاً يَدُورُ النَّوَاحِي، وَيَشحَذُ. قَالَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ: سَأَلْتُ الوَزَّانَ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ، كَتبَ عَنْهُ أَهْلُ حَرَّانَ، رَأَيْتُ لَهُ ابْناً كَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَبِنتاً كَأَنَّهَا أُمُّهُ، فَظَنَنتُ أَنَّهَا أُمَّهُ. فَقَالَ: هَذِهِ بِنْتِي وُلِدَتْ بَعْدَ المائَةِ. وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لِي مائَةٌ وَسِتٌّ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً وَنِصْفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَدِمَ يَعْلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ أَعْرَابِيّاً، فَحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ. فَقُلْنَا: لَعَلَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ جَعَلَهَا عَشْرَةً، ثُمَّ عِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَعَلَهَا أَرْبَعِيْنَ. وَكَانَ سَائِلاً يَسْأَلُ النَّاسَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُصَدَّقُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِيَعْلَى: مَا سَمِعَ عَمُّكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: (جَامِعَ الثَّوْرِيِّ) ، وَ (مُوَطَّأَ مَالِكٍ) ، وَشَيْئاً مِنَ الفَوَائِدِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَضَعُوا لَهُ أَحَادِيْثَ، فَحَدَّثَ بِهَا، وَلَمْ يَدْرِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى مَا بَعْدَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 66 - العَطَّافُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ * (ت، س) ابْنِ العَاصِ بنِ وَابِصَةَ بنِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ، الإِمَامُ، أَبُو صَفْوَانَ المَخْزُوْمِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ المَشَايِخِ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي حَازِمٍ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو اليَمَانِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يَحْمَدْهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي (الكُنَى) : لَيْسَ بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُم، غَمَزَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِذَاكَ. قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَادَ مِنْ خَدْشٍ (1) . وَهَذَا مُنْكَرٌ، لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: مَخْلَدُ بنُ مَالِكٍ. وَلِلْعَطَّافِ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَهُوَ نَحْوُ فُلَيْحٍ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي القُوَّةِ.   (*) التاريخ لابن معين: 406، المعرفة والتاريخ: 1 / 241، 242، و2 / 300، الجرح والتعديل: 7 / 32، كتاب المجروحين: 2 / 193، تهذيب الكمال: 941، ميزان الاعتدال: 3 / 69، تهذيب التهذيب: 7 / 221، خلاصة تذهيب الكمال: 306. (1) ذكره ابن عدي في " الكامل " 4 / 260 / 2، من طريق سعيد بن عثمان الحراني، والحسين بن أبي معشر، قالا: حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا العطاف بن خالد، عن نافع، عن ابن عمر..، وقال: وهذا لم أسمعه بهذا الإسناد إلا منهما جميعا، وهو منكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 وَسَمِعَهُ: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَسَنُّ مِنْ مَالِكٍ، وُلِدتُ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ. قُلْتُ: مَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ وَفَاةِ مَالِكٍ. 67 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ * أَمِيْرُ الشَّامِ لِلْمَهْدِيِّ، ثُمَّ أَمِيْرُ مِصْرَ لِلرَّشِيْدِ، وَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ المَلِكِ. قِيْلَ: مَرِضَ إِبْرَاهِيْمُ، فَقَالَ الرَّشِيْدُ لِجِبْرِيْلَ الطَّبِيْبِ: مَا أَبْطَأَكَ؟ قَالَ: تَشَاغَلْتُ بِإِبْرَاهِيْمَ، لأَنَّهُ يَمُوْتُ. فَبَكَى وَجَزِعَ، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: هَذَا أَعْلَمُ بِطِبِّ الرُّوْمِ، وَابْنُ بَهْلَةَ (1) أَعْلَمُ بِطِبِّ الهِنْدِ، فَبَعَثَ بِابْنِ بَهْلَةَ، فَرَجَعَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَمُوْتُ فِي عِلَّتِهِ. فَأَكَلَ الرَّشِيْدُ، وَسَكَنَ. فَلَمَّا أَمْسَوْا جَاءهُ المَوْتُ، فَبَكَى الرَّشِيْدُ، فَأَتَاهُ ابْنُ بَهْلَةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ. فَدَخَلَ الرَّشِيْدُ مَعَهُ. قَالَ: فَنَخَسَهُ بِمِسَلَّةٍ تَحْتَ ظُفُرِهِ، فَحَرَّكَ يَدَه شَيْئاً، ثُمَّ أَمَرَ بِنَزْعِ الكَفَنِ عَنْهُ، وَدَعَا بِمِنْفَاخٍ وَكُنْدُسٍ (2) ، فَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ، فَعَطَسَ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَرَأَى الرَّشِيْدَ، فَأَخَذَ يَدَه، فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ: كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي أَلَذِّ نَوْمَةٍ، فَعَضَّ شَيْءٌ أُصبُعِي، فَآلَمَنِي، وَعُوْفِيَ. ثُمَّ زَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ عَبَّاسَةَ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ، وَبِهَا مَاتَ. فَكَانَ يُقَالُ: رَجُلٌ مَاتَ بِبَغْدَادَ، وَمَاتَ وَدُفِنَ بِمِصْرَ.   (*) الطبري: 8 / 148، المعرفة والتاريخ: 1 / 156، 682، الولاة والقضاة: 123، 135، البداية والنهاية 10 / 169، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 1 / 222. (1) قال ابن أبي أصيبعة في " عيون الانباء " ص 475: هو صالح بن بهلة الهندي، متميز من علماء الهند، وكان خبيرا بالمعالجات التي لهم، وكان بالعراق في أيام الرشيد هارون، وقد أورد له هذا الخبر بأطول مما هنا. (2) قال صاحب " القاموس ": هو عروق نبات، داخله أصفر وخارجه أسود، مقيئ، مسهل، جلاء للبهق، وإذا سحق ونفخ في الانف عطس وأنار البصر الكليل وأزال العشا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي شَعْبَانَ. وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ أُمَرَاءَ، سَادَةٍ، قَادَةٍ، قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ إِخْوَةٌ مِثْلُهُم فِي الجَلاَلَةِ وَالسُّؤْدُدِ، وَهُم: إِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَالفَضْلُ. 68 - الفَيْضُ بنُ أَبِي صَالِحٍ شِيْرَوَيْه * الوزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو جَعْفَرٍ الفَارِسِيُّ. أَسْلَمَ، وَكَانَ نَصْرَانِيّاً، فَوَزَرَ لِلْمَهْدِيِّ فِي أَوَاخِرِ دَوْلَتِهِ. وَكَانَ سَخِيّاً، جَوَاداً، يُضْرَبُ بِكَرَمِهِ المَثَلُ، وَفِيْهِ تِيْهٌ مُفْرِطٌ، أَنْسَى النَّاسَ تِيْهَ الوَزِيْرِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ (1) . قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ يَزَلْ وَزِيْراً حَتَّى مَاتَ المَهْدِيُّ، ثُمَّ وَلِيَ الفَيْضُ دِيْوَانَ الجَيْشِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 69 - عُمَارَةُ بنُ حَمْزَةَ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُم ** الكَاتِبُ الأَدِيْب، أَحَدُ بُلغَاء زَمَانِهِ، وَرَئِيْسُ وَقْتِه، مِنْ أَوْلاَدِ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ. قَالَ: وَكَانَ كَاتِبَ المَنْصُوْرِ، وَكَانَ أَعْوَرَ.   (*) تاريخ الطبري: 6 / 184، الوزراء والكتاب للجهشياري: 164، 166، 254، وفيات الأعيان: 7 / 26. (1) هو يعقوب بن داود بن عمر، وستأتي ترجمته. (* *) تاريخ خليفة: 436، تاريخ الطبري 6 / 183 و8 / 51، الفهرست لابن النديم: 1 / 118، معجم الأدباء: 15 / 242، 257، إرشاد الاريب: 6 / 3 - 11، النجوم الزاهرة: 2 / 164، رغبة الامل: 8 / 144. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 وَكَانَ المَنْصُوْرُ وَالمَهْدِيُّ يُقدِّمَانِهِ لبَلاَغتِهِ، وَيَحتمِلاَنِ أَخلاَقَهُ، وَلَهُ رَسَائِلُ مَجْمُوْعَةٌ. كَانَ فَصِيْحاً مُفَوَّهاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، صَلِفاً، تَيَّاهاً، يُضْرَبُ بكِبْرِهِ المَثَلُ. وَلِي أَعْمَالاً جلِيْلَةً. صُوْدِرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ البَرْمَكِيُّ مرَّةً، فَبعثَ وَلَدَهُ إِلَى عُمَارَةَ لِيقرضَهُ مائَتَي أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا عَادَ أَمْرُهُ، وَنفَذَ إِلَيْهِ بِالمَالِ، عبَّسَ وَقَالَ: أَكُنْتَ صَيْرفِيّاً لَهُ؟ ثُمَّ قَالَ لِوَلَدِهِ الفَضْلِ بنِ يَحْيَى: خُذْهَا لَكَ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ قَالَ: وَصل عُمَارَةُ أَبِي بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ جَمَاعَةً أَتَوْهُ لِيشفعُوا فِي برِّ قَوْمٍ، فَأَمرَ لَهُم بِمائَةِ أَلْفِ دِرْهَم، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَالِ وَالنَّعَم. 70 - عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّمِيْمِيُّ * (ق) الإِمَامُ المُحَدِّثُ، أَبُو عُبَيْدَةَ التَّيْمِيُّ، الرَّقَاشِيُّ، البَصْرِيُّ، الخَزَّازُ. رَوَى عَنْ: بَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، وَثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ - إِنْ كَانَ لَحِقَهُ - وَعَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَعِدَّةٍ.   (*) التاريخ الكبير 7 / 79، التاريخ الصغير: 2 / 181، 205، كتاب المجروحين والضعفا: 2 / 186، الضعفاء: 3 / 244، تهذيب الكمال: 901، تذهيب التهذيب: 3 / 26 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 26، تهذيب التهذيب: 7 / 88، وقد تحرف في التقريب، وتهذيب التهذيب إلى عبيدة. الجرح والتعديل 7 / 34. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 وَعَنْهُ: الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمُسْلِمٌ، وَيَحْيَى بنُ غَيْلاَنَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَدَاهِرُ بنُ نُوْحٍ، وَخلقٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لَهُ أَحَادِيْثُ مِنْكرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ أَيْضاً: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تُركَ. قُلْتُ: لَهُ فِي ابْنِ مَاجَه حَدِيْثٌ وَاحِدٌ (1) . وَتُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 71 - خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو الهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، الطَّحَّانُ. وَيُقَالُ: وَلاَؤُه لِلنُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ. حَدَّثَ عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي   (1) (2234) في التجارات: باب الاسواق ودخولها، من حديث سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الايمان، ومن غدا إلى السوق غدا براية إبليس ". وإسناده ضعيف لضعف عبيس بن ميمون، ولجهالة اثنين من رواته. (*) طبقات الخليفة: 326، تاريخ خليفة: 456، المعرفة والتاريخ: 1 / 171، 341، 2 / 536، 549، الجرح والتعديل: 3 / 340، تاريخ بغداد: 8 / 295، تهذيب الكمال: 361، تذهيب التهذيب: 1 / 189 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 259، العبر 1 / 273، 407، 443، تهذيب التهذيب: 3 / 100، خلاصة تذهيب الكمال: 101. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 بِشرٍ جَعْفَرِ بنِ أَبِي وَحشِيَّةِ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ المَازِنِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَمَا أَظنُّه سَمِعَ منَ الأَعْمَشِ. وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَانٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: كَانَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ ثِقَةً، صَالِحاً فِي دِيْنِهِ، بَلَغَنِي أَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنَ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ هُشَيْمٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ أَيْضاً: قَالَ أَبِي: كَانَ خَالِدٌ مِنْ أَفَاضِلِ المُسْلِمِيْنَ، اشْتَرَى نَفْسَه مِنَ اللهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَتصدَّقَ بوزنِ نَفْسِهِ فِضَّةً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: صَحِيْحُ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: مَا أَدْرَكتُ أَفْضَلَ مِنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ. قِيْلَ: قَدْ رَأَيْتَ سُفْيَانَ؟ قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ خَالِدٌ رَجُلَ عَامَّةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ. وَأَمَّا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَكَانَ يُقدِّمُ جَرِيْراً عَلَى خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ إِلاَّ سَمِعْتُ قَطْرَ دُمُوْعِهِ عَلَى البَارِيَّةِ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبشِّرٍ الوَاسِطِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَانٍ: مَاتَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ، وَفِيْهَا أَرَّخَهُ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ (2) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فِي الجَنَّةِ بَحرُ المَاءِ، وَبحرُ اللَّبَنِ، وَبحرُ الخَمْرِ، وَبحرُ العَسَلِ، ثُمَّ تَتفَجَّرُ الأَنْهَارُ بَعْدُ) . تَابعَهُ بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنِ أَبِيْهِ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، عَنْ بَهْزٍ (3) ، وَصحَّحَهُ، وَانْفَرَدَ بِإِخرَاجِهِ عَنْ بَاقِي الأَئِمَّةِ.   (1) هو بفتح الباء، وتشديد الياء: الحصير المنسوج، فارسي معرب. (2) 1 / 171. (3) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فليس في السند عند الترمذي بهز بن حكيم، وإنما رواه هو (2571) ، وأحمد 5 / 5، والدارمي 2 / 337 من طريق يزيد بن هارون، عن الجريري سعيد بن إياس، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه ورجاله ثقات. وصححه ابن حبان (2623) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه. ولفظ الترمذي: " ثم تشقق الانهار بعد "، ولفظ ابن حبان: " ثم تنشق منها بعد الانهار "، ولفظ الدارمي: " ثم تشقق منه الانهار ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 72 - مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ الحَرَّانِيُّ * (خَ، م، د، س، ق (1)) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ الحَرَّانِيُّ. رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثٍ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَعْمَرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَمَاعَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقَرَابَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 73 - أَمَّا : المُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ ** (د، ت، ق) أَبُو مَالِكٍ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، أَخُو مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَأَقدمُ قَلِيْلاً مِنْ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ. رَوَى عَنْ: بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَجَمَاعَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 32، الجرح والتعديل: 8 / 136، مشاهير علماء الأمصار: 186، تهذيب الكمال: 1385، تذهيب التهذيب: 4 / 77 / 1، العبر: 1 / 271، تهذيب التهذيب: 10 / 335، خلاصة تذهيب الكمال: 389. (1) الرموز سقطت من الأصل، واستدركت من " التهذيب ". (* *) التاريخ لابن معين: 582، الجرح والتعديل: 8 / 317، الولاة والقضاة: 377، 385، حلية الأولياء: 8 / 321، الجمع: 511، ميزان الاعتدال: 4 / 169، تذكرة الحفاظ: 1 / 132، البداية والنهاية: 10 / 179. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 وَعَنْهُ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: لَهُ فِي الكِتَابِ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ (1) . 74 - أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَآدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَأَبِي بِشْرٍ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدَةَ، وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَمَنْصُوْرٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَعَبْدِ   (1) وهو ما أخرجه أبو داود (3925) في الطب، والترمذي (1818) في الاطعمة، وابن ماجه (3542) في الطب، من حديث مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال: " كل ثقة بالله وتوكلا عليه ". وهذا سند ضعيف لضعف المفضل، ثم إن الحديث مخالف لما أخرجه مسلم في " الصحيح " (2231) في السلام: باب اجتناب المجذوم، من حديث الشريد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا قد بايعناك فارجع "، وأخرج البخاري تعليقا 10 / 132، ووصله أبو نعيم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وفر من المجذوم كما تفر من الاسد ". (*) الطبقات الكبرى: 6 / 379، تاريخ خليفة: 451، طبقات خليفة: 169، التاريخ الكبير: 4 / 135، التاريخ الصغير: 2 / 218، المعارف لابن قتيبة: 509، المعرفة والتاريخ: 1 / 171، الجرح والتعديل: 4 / 259، تهذيب الكمال: 565، تذهيب التهذيب: 2 / 66 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 605، ميزان الاعتدال: 2 / 176، العبر: 1 / 274، تهذيب التهذيب: 4 / 283، خلاصة تذهيب الكمال: 160، شذرات الذهب: 1 / 292. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُورَانِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ المُحَارِبِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حوَّاسٍ الحَنَفِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ شَرِيْكٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَبُو الأَحْوَصِ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ؟ قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، وَكَانَ إِذَا مُلِئَتْ دَارُهُ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، قَالَ لابْنِهِ أَحْوَصَ: يَا بُنَيَّ! قُمْ فَمَنْ رَأْيْتَهُ فِي دَارِي يَشتمُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَخْرِجْهُ، مَا يَجِيْءُ بكُم إِلِيَنَا. وَكَانَ حَدِيْثُهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ. وَهُوَ خَالُ المُقْرِئِ سُلَيمٍ (1) ، صَاحِبِ حَمْزَةَ، وَقَرَأَ أَبُو الأَحْوَصِ أَيْضاً القُرْآنَ عَلَى حَمْزَةَ.   (1) هو سليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي مولاهم الكوفي المقرئ ضابط محرر حاذق، ولد سنة ثلاثين ومئة، وعرض القرآن على حمزة بن حبيب الزيات من القراء السبعة، وهو أخص أصحابه، وأضبطهم، وأقومهم بحرف حمزة، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة. " غاية النهاية " 1 / 318، 319. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، هُوَ دُوْنَ زَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ فِي الإِتقَانِ، شَرِيْكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: لاَ تُبالِ بِأَيِّهِمَا بِدَأْتَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو الأَحْوَصِ وَمَالِكٌ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ ثُمَّ يُصَلِّي، وَلاَ يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا لُوَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدخلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتجَارَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ (2)) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه   (1) (499) في الصلاة: باب سترة المصلي. (2) أخرجه الترمذي (2572) آخر باب صفة الجنة، وابن ماجه (4340) في الزهد: باب = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الأَحْوَصِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ حسنٌ. 75 - شِهَابُ بنُ خِرَاشِ بنِ حَوْشَبٍ الشَّيْبَانِيُّ * (د) ابْن يَزِيْدَ بنِ الحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ بنِ رُوَيْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ مُرَّةَ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ. الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَالِمُ، أَبُو الصَّلْتِ الشَّيْبَانِيُّ، ثُمَّ الحَوْشَبِيُّ، الوَاسِطِيُّ، أَخُو عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ أَخِي العَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ. أَصلُهُ كُوْفِيٌّ، تَحوَّلَ إِلَى الرَّمْلَةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَأَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَمِّهِ العوَّامِ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ رُزَيْقٍ الطَّائِفِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ غَزْوَانَ. وَيَنْزِلُ إِلَى: الثَّوْرِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القدَّاحُ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ الحِمْصِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَقُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ   = صفة الجنة، والنسائي 8 / 279 في الاستعاذة: باب الاستعاذة من حر النار، وسنده حسن، وصححه الحاكم 1 / 534، 535، ووافقه الذهبي في " المختصر " وقد تصحف اسم " بريد " عند الحاكم إلى يزيد، وعند ابن ماجه إلى " زيد ". (*) التاريخ لابن معين: 258، التاريخ الكبير: 4 / 236، تاريخ الطبري: 4 / 190، المعرفة والتاريخ: 3 / 325، الجرح والتعديل: 4 / 362، كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 326، تهذيب الكمال: 590، تذهيب التهذيب، 2 / 82 / 2، ميزان الاعتدال: 2 / 82، تهذيب التهذيب: 4 / 366، خلاصة تذهيب الكمال: 167. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 حُجْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّمْلَةَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ كَثِيْرَةً، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا يُنكَرُ عَلَيْهِ، وَلاَ أَعْرِفُ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ فِيْهِ كَلاَماً فَأَذْكُرَهُ. قُلْتُ: وَذَلِكَ لانزِوَائِهِ بفِلَسْطِيْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَجْمَعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أُقدِّمُهُ عَلَى بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَحْسَنَ وَصْفاً لِلسُّنَّةِ مِنْ شِهَابِ بنِ خِرَاشٍ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَلِسُفْيَانَ عِلْمُهُ وَزُهْدُهُ. بُهْلُولُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ قَالَ: أَردكْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ صَدَرَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُم وَيَقُوْلُوْنَ: اذكرُوا مَجْلِسَ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَأْتَلِفُ عَلَيْهِ القُلُوْبُ، وَلاَ تَذْكُرُوا الَّذِي شَجَرَ بَيْنهُم، فَتُحرِّشُوا عَلَيْهِم النَّاسَ. مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُرَيمِيُّ: عَنْ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ شِهَابَ بنَ خِرَاشٍ يَقُوْلُ: إِنَّ القَدَرِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا اللهَ بعَدْلِهِ، فَأَخْرَجُوْهُ مِنْ فَضْلِهِ. قَالَ هِشَامٌ: لقِيْتُ شِهَاباً وَأَنَا شَابٌّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 لِي: إِنْ لَمْ تَكُنْ قَدَرِيّاً وَلاَ مُرْجِئاً، حدَّثْتُكَ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْكَ. فَقُلْتُ: مَا فِيَّ مِنْ هَذَيْنِ شَيْءٌ. وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَادَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! الحَدِيْثُ الَّذِي جَاءَ: (إِنَّ مِنَ البِرِّ بَعْدَ البِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ، وَتَصومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ) . فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَمَّنْ هَذَا؟ قُلْتُ: هَذَا مِنْ حَدِيْثِ شِهَابِ بنِ خِرَاشٍ. قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟ قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟ قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مفَاوزَ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ المَطِيِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ (1) . خَرَّج أَبُو دَاوُدَ لِشِهَابٍ فِي سُنَنِهِ حَدِيْثَيْنِ. وَمَاتَ: قَبْلَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَدْ لَحِقَهُ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زعبلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ لعنَ المُرجِئَةَ وَالقدرِيَّةَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِيْنَ نَبِيّاً) (2) .   (1) مقدمة " صحيح مسلم " 1 / 16، وقوله: ولكن ليس في الصدقة اختلاف، معناه: أن هذا الحديث لا يحتج به، لكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت، وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين. (2) خبر لا يصح، أخرجه الحافظ الامام شيخ خراسان الحسن بن سفيان في كتابه " الأربعين " وعلته سويد بن سعيد، وقد عد المؤلف حديثه هذا في " ميزانه " 2 / 250 من = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 أَخْبَرَنَا الحَافِظُ، أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العَامِرِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ شُعَيْبٍ الكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ الآدَمُ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخَوْفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي، تَصْدِيقٌ بِالنُّجُوْمِ، وَتَكذِيبٌ بِالقَدَرِ، وَلاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِاللهِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ) ، وَأَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ بِلحِيتِهِ، وَقَالَ: (آمَنتُ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ) ، وَأَخَذَ أَنَسٌ بلِحْيَتِهِ، وَقَالَ: آمَنتُ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشرِّه، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَأَخَذَ يَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ بلِحْيَتِهِ، وَقَالَ: آمَنتُ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَتَسَلْسَلَ إِلَى هَذَا الكَلاَمِ، وَهُوَ كَلاَمٌ صَحِيْحٌ، لَكِنَّ الحَدِيْثَ وَاهٍ، لِمَكَانِ الرَّقَاشِيِّ (1) . 76 - هُشَيْمُ بنُ بَشِيْرِ بنِ أَبِي خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّلَمِيُّ * (ع) وَاسْمُ أَبِي خَازِمٍ قَاسِمُ بنُ دِيْنَارٍ، الإِمَامُ، شَيْخُ   = منكراته، وهو راوي حديث: " من عشق فعف وكتم ومات فهو شهيد " وهو خبر باطل لا يصح أيضا، وقد توسع في بيان بطلانه أيما توسع العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " 3 / 344، 346 بتحقيقنا، و" روضة المحبين " 180 - 182، و" الداء والدواء " 353 - 354. (1) لكن في الباب ما يقويه، فقد أخرج الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا: " إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان ". (*) التاريخ الكبير: 8 / 242 (2867) ، التاريخ الصغير: 2 / 230، 231، 232، المعرفة والتاريخ: 1 / 174، 234، 2 / 22، 33 و3 / 36، 43، تاريخ الطبري: 1 / 87، 186 و3 / 216، الجرح والتعديل: 9 / 115، مشاهير علماء الأمصار: 177، مقاتل الطالبيين: 359 - 377، الفهرست لابن النديم: 1 / 288، تاريخ بغداد: 14 / 85، الكامل لابن الأثير: 6 / 165، تهذيب الكمال: 1449، تذهيب التهذيب: 4 / 120 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 148 - 149، ميزان الاعتدال: 2 / 257، العبر: 1 / 286، مرآة = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 الإِسْلاَمِ، مُحَدِّثُ بَغْدَادَ، وَحَافِظُهَا، أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّلَمِيُّ مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. وَأَخَذَ عَنِ: الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُكثِرْ عَنْهُمَا، وَهُمَا أَكْبَرُ شُيُوْخِهِ. وَرَوَى عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بِشْرٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُغِيْرَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَالأَعْمَشِ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ جَعْفَرٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَهُم مِنْ أَشْيَاخِهِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالجَرْجَرَائِيُّ (1) ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ،   = الجنان: 1 / 393، تهذيب التهذيب: 11 / 59 - 63، طبقات المدلسين: 18، طبقات المفسرين: 2 / 352 - 353، والتبيان لابن ناصر الدين (مخطوط) . (1) بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، نسبة إلى بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط، واسمه محمد بن الصباح بن سفيان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 وَأَبُو خُثَيْمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَشرَ بِهَا العِلْمَ، وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ. قَالَ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ: كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: كَانَ رَأْساً فِي الحِفْظِ، إِلاَّ أَنَّهُ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ كَثِيْرٍ، قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَسَمَعْ هُشَيْمٌ مَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلاَ مِنَ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَلاَ مِنْ أَبِي خَالِدٍ، وَلاَ مِنْ سَيَّارٍ، وَلاَ مِنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَلاَ مِنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، ثُمَّ سمَّى جَمَاعَةً كَثِيْرَةً، يَعْنِي فَرِوَايتُهُ عَنْهُم مُدَلَّسَةٌ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ وَالِدُ هُشَيْمٍ صَاحِبَ صِحْنَاءَ (2) وَكَامَخٍ، فَكَانَ يَمْنَعُ هُشِيْماً مِنَ الطَّلبِ، فَكَتَبَ العِلْمَ حَتَّى نَاظرَ أَبَا شَيبَةَ القَاضِي، وَجَالَسَهُ فِي الفِقْهِ. قَالَ: فَمَرِضَ هُشَيْمٌ، فَجَاءَ أَبُو شَيْبَةَ يَعُوْدُهُ، فَمَضَى رَجُلٌ إِلَى بشِيْرٍ، فَقَالَ: الْحَقِ ابْنَكَ، فَقَدْ جَاءَ القَاضِي يَعُوْدُهُ. فَجَاءَ، فَوَجَدَ القَاضِي فِي دَارِهِ، فَقَالَ: مَتَى أَمَّلتُ أَنَا هَذَا، قَدْ كُنْتُ يَا بُنَيَّ أَمنعُكَ، أَمَّا اليَوْمَ، فَلاَ بَقِيْتُ أَمنعُكَ. قَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: قُلْنَا لِشُعْبَةَ: نَكْتُبُ عَنْ هُشَيْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَو   (1) بضم الميم وفتح الجيم والشين المشددة، أورده المؤلف في " ميزانه " وقال: له أحاديث مناكير من قبل الإسناد. (2) الصحناء: بكسر الصاد: إدام يتخذ من السمك يمد ويقصر، والكامخ، ما يؤتدم به، أو المخللات المشهية، والكلمتان معربتان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 حَدَّثَكُم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَصدِّقُوهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لزمتُ هُشَيْماً أَرْبَعَ سِنِيْنَ، أَوْ خَمْساً، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ، إِلاَّ مَرَّتَيْنِ، هَيْبَةً لَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّسبِيْحِ بَيْنَ الحَدِيْثِ، يَقُوْلُ بَيْنَ ذَلِكَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَمدُّ بِهَا صَوْتَهُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: كَانَ هُشَيْمٌ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ هُشَيْمٍ، إِلاَّ سُفْيَانَ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: هُشَيْمٌ ثِقَةٌ، يُعدُّ مِنَ الحُفَّاظِ، وَكَانَ يُدَلِّسُ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَكَثَ هُشَيْمٌ يُصَلِّي الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَنبلَ مِنْ هُشَيْمٍ. وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ، فَقَالَ: لاَ يُسْأَلُ عَنْهُ فِي صِدْقِهِ، وَأَمَانتِهِ، وَصلاَحِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: مَنْ غَيَّرَ الدَّهْرُ حَفِظَهُ، فَلَمْ يُغَيِّرْ حِفْظَ هُشَيْمٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ بسَّامٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: أَتَيْنَا مَعْرُوْفاً الكَرْخِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 وَهُوَ يَقُوْلُ لهُشَيْمٍ: (جَزَاكَ اللهُ عَنْ أُمَّتِي خَيْراً) . فَقُلْتُ لمَعْرُوْفٍ: أَنْتَ رَأَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُشَيْمٌ خَيْرٌ مِمَّا نَظنُّ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ، عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الكُوْفَةَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وَعَلَى الكُوْفَةِ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِسَبْعِ مائَةِ أَلفٍ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ المَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا لبعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ، فَقَبِلَهَا الزُّبَيْرُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ الَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِ عِنْدنَا إِلاَّ الوَلِيْدُ بنُ عُقْبَةَ، وَكُنَّا نَشْكُرُهَا لَهُم، وَهُشَيْمٌ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَأَلْتُ هُشَيْماً عَنِ التَّفسِيْرِ، كَيْفَ صَارَ فِيْهِ الاَختلاَفُ؟ قَالَ: قَالُوا بِرَأْيِهِم، فَاخْتلفُوا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ: سَمِعَ هُشَيْمٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: أَقَامَ عِنْدنَا إِلَى عُمْرَةِ المُحَرَّمِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الجِعْرَانَةِ (1) ، فَاعْتمرَ مِنْهَا، ثُمَّ نَفَرَ، وَمَاتَ مِنْ سَنَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ حَدِيْثاً، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ هُشَيْمٌ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَروِ عَنْهُ سِوَى أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ سَمَاعاً، مِنْهَا: حَدِيْثُ (السَّقِيْفَةِ (2)) ، وَحَدِيْثُ (المضَامِيْنَ وَالملاَقِيحَ (3)) ، وَحَدِيْثُ (مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ   (1) بتسكين العين والتخفيف: موضع قريب من مكة، وهي في الحل، وميقات للاحرام. (2) أورده البخاري 12 / 128 من طريق إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق (9758) في " المصنف " عن معمر، عن الزهري به، وهو في " المسند " 1 / 55، 56، من حديث مالك بن أنس، عن الزهري، ولم أجده عن هشيم، عن الزهري. وانظر " البداية " 5 / 245، 247. (3) في " زوائد مسند البزار " (1267) من طريق محمد بن المثنى، حدثنا سعيد بن = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 الهَدْيِ (1)) ، وَحَدِيْثُ (اعْتكَفَ فَأَتَتْهُ صَفِيَّةُ (2)) . قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ شُعْبَةَ أَنَّهُ اخْتطفَ صَحِيْفَةَ الزُّهْرِيِّ مَنْ يَدِ هُشَيْمٍ، فَقَطَعَهَا لِكونِهِ أَخفَى شَأْنَ الزُّهْرِيَّ عَلَى شُعْبَةَ لَمَّا رَآهُ جَالِساً مَعَهُ، وَسَأَلَهُ مَنْ ذَا الشَّيْخُ؟ فَقَالَ شُرَطِيٌّ لبَنِي أُمَيَّةَ، فَمَا عَرَفَهُ شُعْبَةُ، وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ، وَهَذِهِ هَفْوَةٌ كَانَتْ مِنَ الاثْنَيْنَ فِي حَالِ الشَّبِيْبَةِ، ثُمَّ إِنَّ هُشَيْماً كَانَ يَحفظُ مِنْ تِلْكَ الصَّحِيْفَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، فَكَانَ يَرويهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ.   = سفيان، عن صالح بن أبي الاخضر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الملاقيح والمضامين " وصالح بن أبي الاخضر ضعيف. وروى مالك في " الموطأ " 2 / 654 عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قوله: وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، والمضامين: بيع ما في بطون إناث الابل، والملاقيح: بيع ما في ظهور الجمال. (1) قال الطبري في " تفسيره " 2 / 216: حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا هشيم، قال الزهري: أخبرنا، وسئل عن قول الله جل ثناؤه: (فما استيسر من الهدي) قال: كان ابن عباس يقول: من الغنم. (2) أخرجه البخاري 4 / 240 و10 / 493 و13 / 142، ومسلم (2175) من حديث الزهري، عن علي بن حسين، عن صفية بنت حيي قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت لانقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر بنت حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا، أو قال: شيئا ". ومعنى ليقلبني: أي ليردني إلى منزلي. وقد ذكر الحافظ 13 / 142 أنه رواه سعيد بن منصور في سننه عن ... ؟ عن الزهري. قال الحافظ في مقدمة " فتح الباري " ص 449: هشيم بن بشير الواسطي أحد الأئمة متفق على توثيقه، إلا أنه كان مشهورا بالتدليس، وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم، فأما التدليس فقد ذكر جماعة من الحفاظ أن البخاري كان لا يخرج عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، واعتبرت هذا في حديثه فوجدته كذلك، إما أن يكون قد صرح به في نفس الإسناد، أو صرح به من وجه آخر، وأما روايته عن الزهري فليس في الصحيحين منها شيء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حِفظُ هُشَيْمٍ عِنْدِي أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ أَبِي عَوَانَةَ، وَكِتَابُ أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ. رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: الَّذِيْنَ رَأَيْتهُم لاَ يَختضبُوْنَ: هُشَيْمٌ، مُعْتَمِرٌ، يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، ابْنُ إِدْرِيْسَ، ابْنُ مَهْدِيٍّ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَبُو مُعَاوِيَةَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ. إِلَى السَّوَادِ: جَرِيْرُ بنُ نُمَيْرٍ، غُنْدَرُ بنُ فُضَيْلٍ البرسَانِيُّ، عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَبَّادُ بنُ عَبَّادِ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ. خضَاباً خَفِيْفاً: مَرْحُوْمٌ العَطَّارُ، حَجَّاجٌ، سَعْدٌ، وَيَعْقُوْبُ ابْنَا إِبْرَاهِيْمُ، أَبُو دَاوُدَ، أَبُو النَّضْرِ، أَبُو نُعَيْمٍ. خضَاباً خَفِيْفاً: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، أَخُوْهُ يَعْلَى، أَخُوْهُمَا عُمَر. خضَاباً خَفِيْفاً: أَبُو قَطَنٍ، أَبُو المُغِيْرَةِ، عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، أَبُو اليَمَانِ، عِصَامُ بنُ خَالِدٍ، بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ، يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، غنَّامُ بنُ عَلِيٍّ، مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، حَمِيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ، رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ يَخضبُوْنَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المخلِّصِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ) (1) .   (1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وهو في " سنن الترمذي " (3615) = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، بِأَطولَ مِنْ هَذَا مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَهُوَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنْ لَهُ مَا يُنكَرُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي هَذَا الحَدِيْثِ حُسْنٌ، وَفِيْهِ تَصرِيْحُ الإِخبَارِ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا تَرَى، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. أَمَّا: - هُشَيْمُ بنُ أَبِي سَاسَانَ هِشَامٍ، أَبُو عَلِيٍّ الكُوْفِيُّ * فَكُوْفِيٌّ، مُقِلٌّ. يُكْنَى: أَبَا عَلِيٍّ. يَرْوِي عَنْ: أُمَيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الفَرَّاءُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. 77 - عَبَّادُ بنُ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَزْدِيُّ ** (ع) ابْنِ الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ، المُهَلَّبِيُّ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَجَمَاعَةٍ.   = في المناقب، و" سنن ابن ماجة " (4308) في الزهد، لكن متن الحديث صحيح بشاهده الذي أخرجه مسلم (2278) في أول الفضائل، وأحمد 2 / 540 من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع ". وفي الباب عن ابن عباس عن الدارمي 1 / 26. (*) التاريخ الكبير: 8 / 243، الجرح والتعديل: 9 / 116. (* *) التاريخ الكبير: 6 / 40، التاريخ الصغير: 2 / 219، تاريخ الطبري: 3 / 203، مشاهير علماء الأمصار: 161، تهذيب الكمال: 651، تذكرة الحفاظ: 1 / 261، ميزان الاعتدال: 3 / 367، العبر 1 / 203، 293، تهذيب التهذيب: 5 / 95، خلاصة تذهيب الكمال: 186. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ سَرِيّاً نَبِيْلاً حُجَّةً مِنْ عُقَلاَءِ الأَشْرَافِ، وَعُلَمَائِهِم. تعنَّتَ أَبُو حَاتِمٍ كَعَادتِهِ، وَقَالَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَكُنْ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيْثِ. قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ أَربَابُ الصِّحَاحِ (1) بِهِ. وَقَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ: هُوَ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ عَبَّادِ بنِ العَوَّامِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَيْضاً: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ. مَاتَ: بِبَغْدَادَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَعَلَّهُ كَمَّلَ السَّبْعِيْنَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: مَاتَ قَبْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ   (1) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " ص 410: ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما في الصلاة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، وحديث وفد عبد القيس بمتابعة شعبة وغيره، والثاني في الاعتصام، عن عاصم الاحول بمتابعة إسماعيل بن زكريا، واحتج به الباقون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَأتْ فِرَاشَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبَاءةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ، فَبعثَتْ إِلَيَّ بفِرَاشٍ حَشْوُهُ صُوْفٌ. فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) . فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: (رُدِّيهِ) . فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُوْنَ فِي بَيْتِي حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثاً. فَقَالَ: (رُدِّيهِ، فَوَاللهِ لَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ) (1) . 78 - يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ العَيْشِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ مَعَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَمُعْتَمِرٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ. فَهَؤُلاَءِ العَشْرَةُ كَانُوا فِي زَمَانِهم أَئِمَّةَ الحَدِيْثِ بِالبَصْرَةِ. يُكْنَى يَزِيْدُ أَبَا مُعَاوِيَةَ العَيْشِيُّ، البَصْرِيُّ. رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَبِيْبٍ المُعَلِّمِ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَوْفٍ، وَعُمَارَةَ بنِ أَبِي   (1) إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وهو في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه " ص: 156، لأبي الشيخ الأصبهاني. (*) الطبقات الكبرى: 7 / 289، طبقات خليفة: 224، التاريخ الكبير: 8 / 335، التاريخ الصغير: 2 / 228، المعرفة والتاريخ: 1 / 173، الجرح والتعديل: 9 / 263، مشاهير علماء الأمصار: 162، الكامل لابن الأثير: 6 / 160، تهذيب الكمال: 1531، تذهيب التهذيب: 4 / 175 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 256، العبر: 1 / 284، تهذيب التهذيب: 11 / 325، خلاصة تذهيب الكمال: 371. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 حَفْصَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَرَوْحِ بنِ القَاسِمِ، وَطَائِفَةٍ. وَلاَ رِحْلَةَ لَهُ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامٍ، وَالقورَايرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ أَخُو حَجَّاجٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ رَيْحَانَةَ البَصْرَةِ، مَا أَتقَنَهُ وَمَا أَحْفَظَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ: صَحِبتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، يَزدَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَيْراً. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ مُتْقِناً، حَافِظاً، مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صحَّةِ حَدِيْثِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لَمْ يَكُنْ هَا هُنَا أَحَدٌ أَثبتَ مِنْهُ. قُلْتُ: وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، كَانَ يَقُوْلُ: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ الوَارِثِ، فَلاَ يَقْرَبَنِّي. قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ. قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِكَثْرَةِ الصَّلاَةِ. قُلْتُ: كَانَ أَبُوْهُ وَالِياً عَلَى الأُبُلَّةِ (1) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَةٍ. وَمَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) الابلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 قَالَ صَالِحُ بنُ حَاتِمٍ بنِ وَرْدَانَ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ يَقُوْلُ: لِكُلِّ دِيْنٍ فُرْسَانٌ، وَفُرْسَانُ هَذَا الدِّيْنِ أَصْحَابُ الأَسَانِيْدِ. وَفِي (التَّهْذِيْبِ) مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ السَّلِيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَبَهْزُ بنُ أَسَدٍ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحَسَنُ بنُ عُمَرَ بنِ شَقِيْقٍ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَرَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَصَالِحُ بنُ حَاتِمٍ، وَالصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَارَكِيُّ (1) ، وَالعَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَالفَلاَّسُ، وَقُتَيْبَةُ، وَبُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنُ مُسَاوِرٍ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: إِلَيْهِ المنتهَى فِي التَّثْبِيْتِ بِالبَصْرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْء رَوَاهُ: عَنْ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَلاَ تُبالِ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنْ أَحَدٍ، سَمَاعُهُ مِنْ سَعِيْدٍ قَدِيْمٌ، وَكَانَ يَأْخذُ الحَدِيْثَ بنِيَّةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً حُجَّةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ (2) .   (1) نسبة إلى جزيرة في البحر قريبة من عمان اسمها " خارك ". (2) طبقات ابن سعد 7 / 289، والزيادة منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، فِي ثَامنِ شَوَّالٍ. وَكَانَ مِنْ أَورعِ أَهْلِ زَمَانِهِ. مَاتَ: أَبُوْهُ، وَكَانَ وَالِياً عَلَى الأُبُلَّةِ، فَخلَّفَ خَمْسَ مائَةِ أَلْفٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْهَا حبَّةً -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوْزٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قِيْلَ لَهُ: حدَّثكُم عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جدَارِهِ، مَا لِي أَرَاكُم عَنْهَا معرضِين، وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُم) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ مِنَ الأَفرَادِ العَوَالِي. 79 - يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ القُمِّيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفَسِّرُ، أَبُو الحَسَنِ يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ   (1) وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 745 في الاقضية: باب القضاء في المرفق، والبخاري 5 / 79 في المظالم: باب لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره، ومسلم (1609) في المساقاة: باب غرز الخشب في جدار الجار، من طريق الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة ... وانظر " الفتح " 5 / 79. وقوله: " مالي أراكم.." هو من كلام أبي هريرة. وفي رواية أبي داود (3634) " فنكسوا رؤوسهم " ولاحمد 2 / 240 " فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طاطؤوا رؤوسهم " والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا بنى الرجل بناء فاحتاج فيه إلى أن يضع رأس الخشب على جدار الجار فليس للجار منعه، وإليه ذهب الشافعي في القديم، وهو نص في البويطي، وهو قول الامام أحمد، وقال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها. (*) الجرح والتعديل: 9 / 209، تهذيب الكمال: 1551، تذهيب التهذيب: = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 بنِ مَالِكِ بنِ هَانِئ الأَشْعَرِيُّ، العَجَمِيُّ، القُمِّيُّ. رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ عَقِيْلٍ، وَجَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. 80 - عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدِ بنِ ذَكْوَانَ العَنْبَرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبُو عُبَيْدَةَ العَنْبَرِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، التَّنُّوْرِيُّ، المُقْرِئُ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ الرِّشْكِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ القهرمَانِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ   = 4 / 186 / 1، العبر: 1 / 265، تهذيب التهذيب: 11 / 390، لسان الميزان: 7 / 445، خلاصة تذهيب الكمال: 436. (*) التاريخ الكبير: 6 / 118، التاريخ الصغير: 2 / 221، المعرفة والتاريخ: 1 / 171، مشاهير علماء الأمصار: 160، تهذيب الكمال: 872، ميزان الاعتدال: 2 / 677، تذكرة الحفاظ: 1 / 257، العبر 1 / 276، تهذيب التهذيب: 6 / 441، خلاصة تذهيب الكمال: 247. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعِدَّةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَرضاً عَلَى أَبِي عَمْرٍو، وَأَقرَأَهُ، وَقَرَأَ أَيْضاً عَلَى حُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ المَكِّيِّ. وَجلسَ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِمَكَّةَ، وَمَا أَظنُّهُ رَوَى عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: قعدْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَفهَمْ كَلاَمَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا القَوْلُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: صدَقَ، أَدْركنَا عَمْراً وَقَدْ سقطَتْ أَسْنَانُهُ، وَبَقِيَ لَهُ نَابٌ وَاحِدٌ، فَلَوْلاَ أَنَّا أَطلنَا مُجَالَسَتَهُ، مَا فَهمنَا عَنْهُ. هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةُ الإِسْنَادِ. وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ. تَلاَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَصَبِيُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى القَزَّازُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو المُقْعَدُ - وَهُوَ رَاوِيَةُ كُتُبِهِ - وَمُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، مِنْ فُصَحَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ مُبْتَدِعٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لُعِنَ عَبْدُ الدِّيْنَارِ، لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ) . هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) عَنِ الصَّوَّافِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. قَالَ أَبُو عُمَرَ الجَرْمِيُّ: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً أَفصَحَ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ إِلاَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ. وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: قِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ؟ فَقَالَ: أَأُحدِّثُكَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ يَوْماً مِنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ أَكْبَرُ مِنْ عُمْرِ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ؟! قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ فَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ذَهَبنَا، فَلَمْ نُصَلِّ خَلْفَهُ. قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ رَوَيْتَ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، وَتركْتَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ؟ قَالَ: إِنَّ عَمْراً كَانَ دَاعِياً (2) . وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ عَبْدَ الوَارِثِ قَالَ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنِ الخُرُوْجِ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (3) ، فَأَمرنِي بِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى، وَقَالَ:   (1) رقم (2375) في الزهد، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أتم من هذا وأطول. قلت: حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 6 / 61 في الجهاد: باب الحراسة من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة " وقوله: " وإذا شيك فلا انتقش " أي: إذا أصابته شوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول: نقشت الشوك: إذا استخرجته. (2) أي: كان يدعو إلى بدعة الاعتزال، وقد رد غير واحد من الأئمة رواية المبتدع الصدوق المتقن الداعي إلى بدعته، ورجع النووي هذا القول، وقال: هو الاظهر الاعدل، وقول الكثير أو الأكثر، وقيد الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني هذا القبول بقبول روايته إذا لم يرو ما يقوي بدعته. (3) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب أحد الامراء الاشراف = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 كَانَ شُعْبَةُ لاَ يَرَاهُ فِي يَوْمِ صِفِّيْنَ، وَلاَ يَرَى الخُرُوْجَ مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَيَرَى الخُرُوْجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ؟ أَنَا سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا أَدْرِي أَخطؤُوا أَمْ أَصَابُوا. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: لَمْ يَكْتُبْ أَبِي عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ حرفاً حَتَّى مَاتَ. هَكَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَهِيَ وَهْمٌ. قَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا قَبْلَ مَوْتِهِ إِلاَّ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ. وَوَرَدَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ الأَخْذِ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ لِمَكَانِ القَدرِ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ الوَارِثِ، فَلاَ يَقْرَبَنِّي. قُلْتُ: وَمَعَ هَذَا، فَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَعَاشَ بَعْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ أَشْهُراً قَلِيْلَةً، مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَأَلْتُ أَنَا وَيَحْيَى القَطَّانُ شُعْبَةَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي التَّيَّاحِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكُم مِنْ ذَاكَ البَابِ؟ يَعْنِي: عَبْدَ الوَارِثِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ أَبِي التَّيَّاحِ مِنْهُ. فَقُمْنَا فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَجَعَلَ يَمرُّ كَأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي قَلْبِهِ.   = الشجعان، خرج بالبصرة على المنصور، وكانت بينه وبين جيوش المنصور وقائع هائلة، انتهت بمقتله سنة 145 هـ. " دول الإسلام " 12 / 98، 100 للمؤلف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 وَعَنْ شُعْبَةَ - وَنَظَرَ إِلَى عَبْدِ الوَارِثِ مُوَلِّياً - فَقَالَ: تَعْرِفُ الإِتْقَانَ فِي قَفَاهُ. وَرَوَى: حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الوَارِثِ أَصَحَّهُم حَدِيْثاً عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَنْ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ؟ قَالَ: عَبْدُ الوَارِثِ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ قَالَ: هُوَ مِثْلُ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ فِي أَيُّوْبَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: إِنَّهُ لمَكْذُوْبٌ عَلَى أَبِي، وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَطُّ، يَعْنِي: القَدرَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 81 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ * (ع) (1) ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. الإِمَامُ،   (*) التاريخ الكبير: 1 / 188، التاريخ الصغير: 2 / 221، المعرفة والتاريخ: 1 / 174، الجرح والتعديل: 2 / 101، تاريخ بغداد: 6 / 81 - 86، تهذيب الكمال: 55، تذهيب التهذيب: 1 / 36 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 252، ميزان الاعتدال: 1 / 33، العبر: 1 / 288، تهذيب التهذيب: 1 / 121، خلاصة تذهيب الكمال: 17. (1) سقط الرمز من الأصل، وهو في " التهذيب " وفروعه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَنْ: قَرَابَتِهِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَالوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِكْرِمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ يَعْقُوْبُ وَسَعْدٌ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَلُوَينٌ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَيَسَرَةُ بنُ صَفْوَانَ، وَيَحْيَى بنُ قَزَعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ ابْنَةِ السُّدِّيِّ (1) ، وَيَعْقُوْبُ بنُ حُمَيْدِ بنِ كَاسِبٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ سَيَّارٍ الحَرَّانِيُّ. وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقاً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. وَثَّقَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: كَانَ وَكِيْعٌ كَفَّ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْهُ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ قَالَ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي   (1) في " التقريب " هو إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي أبو محمد أو أبو إسحاق الكوفي نسيب السدي، أو ابن بنته، أو ابن أخته: صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة 245. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 الزُّهْرِيِّ. ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ لَمْ يَصحِّحْ عَنِ الزُّهْرِيِّ شَيْئاً. وَقَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي الزُّهْرِيِّ، أَوْ لَيْثُ بنُ سَعْدٍ؟ فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَتَانِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ، ثِقَةٌ. يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشرَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي الأَحكَامِ سِوَى المَغَازِي. وَإِبْرَاهِيْمُ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ حَدِيْثاً فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمَاعُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِذَاكَ، لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ وَلَدِهِ. قُلْتُ: هُوَ أَصْغَرُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَةٍ، وَسَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ حدَثٌ بَاعتنَاءِ وَالِدِهِ بِهِ. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ حَفِيْدُهُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، سَأَلتُ شُعْبَةَ عَنْ حَدِيْثٍ لسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ لِي: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ أَبِيْهِ؟ قُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: نَازلٌ عَلَى عُمَارَةَ بنِ حَمْزَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَحَدَّثَنِي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلِيَ إِبْرَاهِيْمُ بَيْتَ المَالِ بِبَغْدَادَ. قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ يَتَرَخَّصُ فِي الغِنَاءِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَكَأَنَّهُ لِيْمَ فِي ذَلِكَ، فَانْزَعَجَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثَ حَتَّى يُغَنِّي قَبْلَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 فِيْمَا قِيْلَ (1) . وَكَانَ هُوَ وَهُشَيْمٌ شَيْخَي الحَدِيْثِ فِي عصرِهِمَا بِبَغْدَادَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَغَيْرُهُم: إِنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. زَادَ ابْنُ عُفَيْرٍ: أَنَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ العِرَاقَ. وَشَذَّ أَبُو مَرْوَانَ العُثْمَانِيُّ، بَلْ غَلِطَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ) : حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ -يَعْنِي: شَيْخَهُ- وَالحُسَيْنُ بنُ سَيَّارٍ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. مَاتَ ابْنُ سَيَّارٍ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمَائَتَيْنِ. وَقَدْ حَدَّثَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ.   (1) للامام الذهبي المؤلف رسالة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم (7159) في 54 ورقة تحت عنوان: رسالة الرخصة في الغناء والطرب بشرطه، مما اختصره وانتفاه الذهبي من كتاب " الامتاع في أحكام السماع " للشيخ أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي، يذكر فيها أقوال المجيزين وأدلتهم، وأقول المانعين وأدلتهم، ويبين أن الغناء المجرد عن الآلات الموسيقية قد أباحه غير واحد من العلماء بشرط أن لا يكون باعثا على تهييج الشهوة، وألا يكون الشعر في معين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 فَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَمَّامِيِّ، حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ نَزَعَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَلْيَغْفِرِ اللهُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَأَخَذَ ابْنُ الخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَنْزعُ نَزْعَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطَنٍ) . هَذَا حَدِيْثٌ مَحْفُوْظُ المتنِ. اتَّفَقَ عَلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ (1) مِنْ طَرِيْقِ يُوْنُسَ، وَعَقِيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرِوَايَتُنَا هَذِهِ غَرِيْبَةٌ معلَّلَةٌ، فَإِنَّ البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ: عَنْ يَسَرَةَ بنِ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، كرِوَايَتنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ،   (1) أخرجه البخاري 13 / 378 في التوحيد: باب المشيئة والارادة، و7 / 21 في الفضائل، و12 / 363، 365، ومسلم (2392) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر. والقليب: البئر غير المطوية، والغرب: الدلو العظيمة، والعبقري: وصف لكل شيء بلغ النهاية في معناه، والعطن: مناخ الابل إذا صدرت عن الماء رواء، وقوله: حتى ضرب الناس بعطن، أي: أرووا إبلهم، ثم آووها إلى عطنها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ لأَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُم بِضَالَّتِهِ يَجِدُهَا بِأَرْضِ مَهْلَكَةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ) . وَهَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَمتنُهُ فِي الصَّحِيْحِ (1) مِنْ وَجْهٍ آخرَ. وَقَدْ رَوَى: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يُجِيْدُ صِنَاعَةَ الغِنَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) ، وَسَاقَ لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ اسْتنْكَرَهَا لَهُ. فَمِنْ أَنْكَرِ ذَلِكَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ (2)) . فَقَالَ: لَيْسَ ذَا فِي كُتُبِ إِبْرَاهِيْمَ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَصلٌ. قُلْتُ: رَوَاهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ.   (1) أخرجه مسلم (2675) في أول التوبة من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري 11 / 91، 92 في الدعوات: باب التوبة، ومسلم (2747) من حديث أنس بن مالك، وأخرجه البخاري 11 / 89، 90، ومسلم (2744) من حديث النعمان بن بشير، و (2746) من حديث البراء بن عازب. وقوله: مهلكة: يفتح الميم واللام: أي يهلك من حصل بها، ويروى بضم الميم وكسر اللام من الرباعي: أي تهلك هي من يحصل بها. وقال القرطبي وهو غير المفسر في " المفهم " 4 / 260: هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله تعالى لتوبة عبده التائب، وأنه يقبل عليه بمغفرته ورحمته، ويعامله معاملة من يفرح به، ووجه هذا المثل: أن العاصي حصل بسبب معصيته في قبضة الشيطان وأسره، وقد أشرف على الهلاك، فإذا لطف الله تعالى به وأرشده للتوبة، خرج من شؤم تلك المعصية، وتخلص من أسر الشيطان، ومن المهلكة التي أشرف عليها، فأقبل الله تعالى عليه برحمته ومغفرته. (2) أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " 2 / 163 من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأئمة من قريش، إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإن استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 129. عن أنس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذُكِرَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ عُقَيْلٌ (1) وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، فَجَعَلَ كَأَنَّهُ يُضَعِّفَهُمَا، ثُمَّ قَالَ أَبِي: أَيش يَنْفَعُ هَذَا، هَؤُلاَءِ ثِقَاتٌ لَمْ يَخْبُرْهُمَا يَحْيَى. 82 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي الوَلِيْدِ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الرَّقِّيُّ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو وَهْبٍ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَزَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ. كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَخُوْهُ؛ يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَجَنْدَلُ بنُ وَاثِقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، وَالعَلاَءُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَمْرُو بنُ قُسَيْطٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَحَكِيْمُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ الزَّعْزَاعِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّوْنَ، وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، وَعُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابْنُ أَخِي الإِمَامِ الحَلَبِيُّونَ، وَعَلِيُّ بنُ   (1) هو عقيل بن خالد بن عقيل الايلي، أبو خالد الأموي، مولاهم ثقة ثبت، أخرج حديثه الستة. (*) التاريخ لابن معين: 384، طبقات خليفة: 321، تهذيب الكمال: 891، تذهيب التهذيب: 3 / 20 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 241، العبر: 1 / 276، تهذيب التهذيب: 7 / 42، خلاصة تذهيب الكمال: 252. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الكِلاَبِيُّ، وَعِيْسَى بنُ سَالِمٍ الشَّاشِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّحَّاسُ، وَيَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزِّمِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: بَلَغَنِي أَنَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَقِيْلٍ كَثِيْراً، لَمْ تُحدِّثْ عَنْهُ، ثُمَّ أَلقَيْتَهُ. قَالَ: لأنْ أُلْقِيْهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُلقِيَنِي اللهُ -تَعَالَى-. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ ذَلِكَ الكِتَابِ مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَثقْ بِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ ثِقَةً صَدُوقاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَخطَأَ، وَكَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَوَى عَنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَنَازِعُهُ فِي الفَتْوَى فِي دَهْرِهِ. وَمَاتَ: بِالرَّقَّةِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَةٍ. حَدِيْثُهُ فِي (البُخَارِيِّ) فِي تَفْسِيْرِ حم (1) .   (1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 427 في تفسير حم السجدة، من طريق يوسف بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) (ولا يكتمون الله حديثا) (ربنا ما كنا مشركين) فقد كتموا في هذه الآية. وقال: (أم السماء بناها) إلى قوله.. (دحاها) فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) إلى.. (طائعين) فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء. وقال تعالى: وكان الله غفورا رحيما، عزيزا حكيما، سميعا بصيرا، فكأنه كان ثم مضى. فقال: فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى، ثم = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتَي فِيْهِ أَهْلِي؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِلاَّ أَنْ تَرَى فِيْهِ شَيْئاً فَتغسله) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مِنَ العَوَالِي لأمثَالِنَا. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه (1) وَحْدَه، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ. 83 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشِ بنِ سُلَيْمٍ العَنْسِيُّ * (د، ت، س، ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عُتْبَةَ   = ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون. ثم في النفخة الآخرة، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأما قوله: ما كنا مشركين، ولا يكتمون الله، فإن الله يغفر لاهل الاخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا، وعنده يود الذين كفروا..الآية. وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والاكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: دحاها. وقوله: خلق الأرض في يومين، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السموات في يومين. وكان الله غفورا، سمى نفسه كذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليه القرآن فإن كلا من عند الله. (1) رقم (542) في الطهارة: باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه، وأخرج أبو داود (366) ، والنسائي 1 / 55، وابن ماجه (540) من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حديج، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم إذا لم يكن في أذى. * التاريخ لابن معين: 36، تاريخ خليفة: 32، التاريخ الكبير: 1 / 369، التاريخ = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 الحِمْصِيُّ، العَنْسِيُّ مَوْلاَهُم. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: شُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ البَهْرَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ- إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) - وَضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، وَتَمِيْمِ بنِ عَطِيَّةَ العَنْسِيِّ، وَأَسِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمِيِّ، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَالزُّبَيْدِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَثَابِتِ بنِ عَجْلاَنَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سُلَيْمٍ الكِنَانِيِّ، وَخلقٍ مِنَ الشَّامِيّينَ. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فَيَرْوِي عَنْ: ضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَخلقٍ مِنَ الحِجَازِيِّينَ وَالعِرَاقِيِّينَ. وَهُوَ فِيْهِم كَثِيْرُ الغَلَطِ بِخلاَفِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَحفظُ حَدِيْثَهُم، وَيَكَادُ أَنْ يُتْقِنَهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، صَادِقَ اللَّهجَةِ، متِيْنَ الدِّيَانَةِ، صَاحِبَ سُنَّةٍ   = الصغير: 2 / 226، المعرفة والتاريخ: 1 / 172، الجرح والتعديل: 2 / 191، الضعفاء للعقيلي: 1 / 30، كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 124، الكامل لابن عدي: 1 / 16 / 2، تهذيب الكمال: 108، تذهيب التهذيب: 1 / 66 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 233، ميزان الاعتدال: 1 / 240، العبر: 1 / 227، 278، 279، تهذيب التهذيب: 1 / 321، خلاصة تذهيب الكمال: 35، شذرات الذهب: 1 / 294، تهذيب ابن عساكر: 3 / 39. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 وَاتِّبَاعٍ، وَجَلاَلَةٍ وَوقَارٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ المِنْقَرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ. مَاتُوا قَبْلَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو الجمَاهِيْرِ الكَفْرَسُوسِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ مَوْلَى عَنْسٍ. وَقَالَ أَبُو خُثَيْمَةَ: كَانَ أَحْوَلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمِيُّ: كَانَ أَزْرَقَ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: قَدِمَ بَغْدَادَ عَلَى المَنْصُوْرِ فَوَلاَّهُ خزَانَةَ الكِسْوَةِ، وَرَوَى: بِبَغْدَادَ كَثِيْراً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ: قَالَ لِي أَخِي عَمْرٌو: لَيْسَ تُحْسِنُ تَسْأَلُ، لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ هَذَا الأَزْرَقِ؟! مَا سَأَلنِي أَحَدٌ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً مِنْهُ. قُلْتُ: كَيْفَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ وَهُوَ فَقِيْهٌ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ-؟ وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي مُسْهِرٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَخِي: لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ هَذَا الأَحْمَرِ الحِمْصِيِّ؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ المَكِّيُّ يُدنِيْنِي، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ: نَرَاكَ تُقدِّمُ هَذَا الغُلاَمَ الشَّامِيَّ، وَتُؤْثِرُهُ عَلَيْنَا! فَقَالَ: إِنِّيْ أَؤمِّلُهُ، فَسَأَلُوْهُ يَوْماً عَنْ حَدِيْثٍ يُحَدِّثُ بِهِ شَهْرٌ، إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ كَمُلَ، فَذَكَرَ ثَلاَثَةً، وَنسِيَ الرَّابِعَةَ، فَسَأَلنِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ حدَّثتكُم؟ قُلْتُ: حدَّثتنَا عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ كَمُلَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُهُ حَلاَلاً، وَسُمِّيَ اللهُ عَلَيْهِ حِيْنَ يُوْضَعُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الأَيْدِي، وَحُمِدَ اللهُ حِيْنَ يُرْفَعُ، فَأَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنَ؟ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ قَالَ: رَأَيْتُ شُعْبَةَ عِنْدَ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: عَنْ أَبِي اليَمَانِ قَالَ: كَانَ مَنْزِلُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى جَانبِ مَنْزِلِي، فَكَانَ يُحِيِي اللَّيْلَ، وَكَانَ رُبَّمَا قَرَأَ، ثُمَّ يَقْطَعُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَرَأَ مِنَ المَوْضعِ الَّذِي قَطَعَ مِنْهُ، فَلقِيْتُهُ يَوْماً فَقُلْتُ: يَا عمّ! قَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ فِي القِرَاءةِ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! وَمَا سُؤَالُكَ؟ قُلْتُ: أُرِيْدُ أَنْ أَعْلَمَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنِّيْ أُصلِّي، فَأَقرَأُ، فَأَذْكُرُ الحَدِيْثَ فِي البَابِ مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِي أَخْرَجتُهَا، فَأَقطعُ الصَّلاَةَ، فَأَكْتُبُهُ فِيْهِ، ثُمَّ أَرجعُ إِلَى صَلاَتِي، فَأَبتدِئ مِنَ المَوْضعِ الَّذِي قطعْتُ مِنْهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ عَنْ يَحْيَى الوُحَاظِيِّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَكْبَرَ نَفْساً مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، كُنَّا إِذَا أَتَيْنَاهُ إِلَى مزرعَتِهِ لاَ يَرْضَى لَنَا إِلاَّ بِالخَرُوفِ وَالخبِيصِ. سَمِعْتهُ يَقُوْلُ: وَرثتُ مِنْ أَبِي أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَنفقتُهَا فِي طَلَبِ العِلْمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَنِيُّ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ مِصْرَ يَنتقصُوْنَ عُثْمَانَ، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِمُ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِ عُثْمَانَ، فَكفُّوا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ أَهْلُ حِمصَ يَنتقصُوْنَ عَلِيّاً، حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، فَكفُّوا عَنْ ذَلِكَ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي لِدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو، وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ يُحَدِّثُكُم هَذِهِ الأَحَادِيْثَ حَفِظاً؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا رَأَيْتُ مَعَهُ كِتَاباً قَطُّ. فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ حَافِظاً، كَمْ كَانَ يَحفظُ؟ قَالَ: شَيْئاً كَثِيْراً. قَالَ لَهُ: كَانَ يَحْفَظُ عَشْرَةَ آلاَفٍ؟ قَالَ: عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ آلاَفٍ. قَالَ أَبِي: هَذَا كَانَ مِثْلَ وَكِيْعٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: قَالَ: رَجُلاَنِ هُمَا صَاحِبَا حَدِيْثِ بَلَدِهِمَا، إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ. وَرَوَى: الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى لِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: عِلْمُ الشَّامِ عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ وَالوَلِيْدِ، فَسَمِعْتُ أَبَا اليَمَانِ يَقُوْلُ: كَانَ أَصْحَابُنَا لَهُم رغبَةٌ فِي العِلْمِ، وَطلبٌ شَدِيْدٌ بِالشَّامِ، وَالمَدِيْنَةِ، وَمَكَّةَ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: نَجْهَدُ فِي الطَّلَبِ، وَنُتْعِبُ أَبَدَاننَا، وَنَغِيبُ، فَإِذَا جِئْنَا وَجَدْنَا كُلَّ مَا كتبنَا عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ. ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: وَتَكلَّمَ قَوْمٌ فِي إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ، عَدْلٌ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ، وَلاَيدفعُهُ دَافعٌ، وَأَكْثَرُ مَا تَكلّمُوا قَالُوا:   (1) نسبة إلى رأس العين من أرض الجزيرة، بينها وبين حران يومان، ومنها ينبع نهر الخابور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 يُغْرِبُ عَنْ ثِقَاتِ المَدَنِيّينَ وَالمكِّيّينَ (1) . وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، مَا أَدْرِي مَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً وَلاَ عِرَاقِيّاً أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدِمَ إِسْمَاعِيْلُ العِرَاقَ قَدْمَتَيْنِ، قَدِمَ هُوَ وَحَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ الكُوْفَةَ فِي مسَاحَةِ أَرْضِ حِمْصَ، سَمِعَ مِنْهُ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ فِي القَدْمَةِ الأُوْلَى. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ، كَانَ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ، وَقَدْ سَمِعَ إِسْمَاعِيْلُ مِنْ شُرَحْبِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، مضَيْتُ إِلَيْهِ، فَرَأْيْتُهُ عِنْدَ دَارِ الجَوْهَرِيِّ، قَاعِداً عَلَى غُرفَةٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يَنْظُرَانِ فِي كِتَابٍ، فَيُحَدِّثُهُم خَمْسَ مائَةٍ فِي اليَوْمِ، أَقلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُم أَسْفَلُ، وَهُوَ فَوْقُ، فَيَأْخذُوْنَ كِتَابَهُ، فَيَنسخُونَ مِنْ غَدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَرَجَعتُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ أَيْضاً: شَهِدتُهُ يُمْلِي إِمْلاَءً، فَكَتَبتُ عَنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ، مِثْلِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَشُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: فَكَتَبتَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ مِنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 423، 424، و" تاريخ بغداد " 6 / 224، و" ميزان الاعتدال " 1 / 241. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي أَهْلِ الشَّامِ، وَالعِرَاقِيُّوْنَ يَكرهُوْنَ حَدِيْثَهُ. قِيْلَ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَثْبَتُ، هُوَ أَوْ بَقِيَّةُ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: هُوَ ثِقَةٌ فِيْمَا رَوَى عَنِ: الشَّامِيّينَ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الحِجَازِ، فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ، فَخلَطَ فِي حَفِظِهِ عَنْهُم. وَقَالَ مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ يَحْيَى: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الشَّامِيّينَ، وَذَكَرَ الخَبَرَ، فَحَدِيْثُهُ مُسْتقِيْمٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنِ الحِجَازِيّينَ وَالعِرَاقِيّينَ، خلَّطَ مَا شِئْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَحَسَّنَ رِوَايَتَهُ عَنِ الشَّامِيّينَ، وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَالاً فِيْهِم مِمَّا رَوَى عَنِ: المَدَنِيّينَ وَغَيْرِهِم. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَ عَنْ مَشَايِخِهِم، فَأَمَّا مَا حدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم، فَعِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ عَنِ الثِّقَاتِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ (1) : قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصلحُ مِنْ بَقِيَّةَ، لِبَقِيَّةَ مَنَاكِيْرُ.   (1) هو الحافظ العلم، أبو الحسن أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي، سمع يعلى بن عبيد، وأبا النضر، وعبد الله بن موسى، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهم فأكثر، وأكثر الترحال، حدث عنه البخاري، وأبو عيسى الترمذي، وابن خزيمة وغيرهم، وسألوه عن العلل والرجال والفقه، وكان من أصحاب أحمد بن حنبل. توفي سنة بضع وأربعين ومئتين رحمه الله. " تذكرة الحفاظ " 2 / 536. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: نَظَرْتُ فِي كِتَابِ إِسْمَاعِيْلَ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَحَادِيْثَ صحَاحٍ، وَأَحَادِيْثَ مُضْطَرِبَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: يُوَثَّقُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَمَّا مَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، فَفِيْهِ ضَعْفٌ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ دُحَيْمٍ قَالَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيّينَ غَايَةٌ، وَخلَّطَ عَنِ المَدَنِيّينَ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَصَحِيْحٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي المَدَنِيّينَ، كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ضَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى حَدِيْثِهِ، وَعَلَى حَدِيْثِ المُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَضَعَّفَهُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِم، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْهُ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى حَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلَكِنَّهُ خلَّطَ فِي حَدِيْثِهِ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى حَدِيْثِهِ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابنَا فِيْمَا رَوَى عَنِ الشَّامِيّينَ خَاصَّةً، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ المَدِيْنَةِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ عَالِماً بِنَاحِيتِهِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَصَحِيْحٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم فَفِيْهِ نَظَرَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 وَقَالَ مرَّةً: مَا رَوَى عَنِ الشَّامِيّينَ فَهُوَ أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، فَأَخَذَ مِنِّي أَطرَافاً لإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، فَرَأْيْتُهُ يُخلِّطُ فِي أَخَذِهِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ وَبَقِيَّةَ، فَقَالَ: كُلٌّ كَانَ يَأْخذُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، فَإِذَا أَخَذتَ حَدِيْثَهُم عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا أُشَبِّهُ حَدِيْثَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ إِلاَّ بثِيَابِ سَابُوْر، يَرْقُمُ عَلَى الثَّوْبِ المائَة، وَأَقلُّ شرَائِهِ دُوْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ: كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ الكَذَّابِيْنَ، وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الثِّقَاتِ عَنِ الشَّامِيّينَ أَحْمَدُ مِنْهُ فِي حَدِيْثِ غَيْرِهِم. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هُوَ لَيِّنٌ، يُكتَبُ حَدِيْثُهُ، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً كَفَّ عَنْهُ، إِلاَّ أَبَا (1) إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ. قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: اكْتبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ تَكتبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْر المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ تَكتبْ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ وَلاَ غَيْرِهِم. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ: أَكْتُبُ عَنْ   (1) في الأصل " أبو ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ؟ قَالَ: لاَ، ذَاكَ رَجُلٌ لاَ يَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ الفَزَارِيُّ قَدْ رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَذَاكَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! ذُكِرْتَ عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ لَوْلاَ أَنَّهُ شَكِّيٌّ. قُلْتُ: هَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ كَانَ لاَ يَرَى الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ (1) ، فَلَعَلَّهُ مِنَ المُرْجِئَةِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى: إِسْمَاعِيْلُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ، كَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ الوَصَّافِيِّ، فَلاَ يَخلُو مِنْ غَلَطٍ فَيغلط، إِمَّا يَكُوْنُ حَدِيْثاً بِرَأْسِهِ، أَوْ مُرْسَلاً يُوْصِلُهُ، أَوْ مَوْقُوَفاً يَرْفَعُهُ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ الشَّامِيّينَ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ فَهُوَ مُسْتقِيْمٌ، وَفِي الجُمْلَةِ هُوَ مِمَّنْ يُكتَبُ حَدِيْثُهُ، وَيُحْتَجُّ بِهِ مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِيّينَ خَاصَّةً. قُلْتُ: حَدِيْثُ إِسْمَاعِيْلَ عَنِ الحِجَازِيّينَ وَالعِرَاقِيّينَ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ الشَّامِيّينَ صَالِحٌ مِنْ قبِيْلِ الحَسَنِ، وَيُحْتَجُّ بِهِ إِنْ لَمْ يَعَارضْهُ أَقوَى مِنْهُ.   (1) أي: لا يرى للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، والقائل بحرمة ذلك هو من يجعل الايمان شيئا واحدا، فيقول: أنا أعلم أني مؤمن، كما أني أعلم أني تكلمت بالشهادتين فيقول: أنا مؤمن، كقولي: أنا مسلم، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه، وسمي من الذين يستثون في إيمانهم: الشكاكة. والصواب: أنه إذا أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منع من الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله بقوله: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) [الانفال: 2، 3] . وفي قوله: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) [الحجرات: 14] فالاستثناء جائز حينئذ، وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقا للامر بمشيئة الله لا شك في إيمانه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثِيْرُ الخطَأِ فِي حَدِيْثِهِ، فَخَرَجَ عَنْ حدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: عرضْتُ عَلَى أَبِي حَدِيْثاً حَدَّثَنَاهُ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ الطَّسْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تقرَأُ الحَائِضُ وَلاَ الجنبُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ) . فَقَالَ أَبِي: هَذَا بَاطِلٌ، يَعْنِي أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وَهِم. قُلْتُ: أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ يُوْسُفَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُم العبثَ فِي الصَّلاَةِ،   (1) رقم (131) ، وابن ماجه (595) ، ولكن له طريقان آخران عند الدارقطني: 43، أحدهما عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. والثاني عن محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة. وفي الباب: عن علي رضي الله عنه، أخرجه أحمد 1 / 83 و84 و107 و124 و134، وأبو داود (229) ، والنسائي 1 / 144، والترمذي (146) ، وابن ماجه (594) ، والحاكم 4 / 107 بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن وكان لا يحجبه أو يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة "، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن السكن وعبد الحق الاشبيلي وابن حبان، وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 340: والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. وهذا قول أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم أنه لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة القرآن، وهو قول الحسن، وبه قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ومالك وأصحاب الرأي، إلا أن مالكا جوز للحائض قراءة القرآن لان زمان حيضها قد يطول فتنسى القرآن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 وَالرَّفثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ عِنْدَ المقَابرِ) . رَوَاهُ: ابْنُ المُبَارَكِ عَنْهُ (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي بَحِيْرٌ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ابْنَ آدَمَ! ارْكعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكفِكَ آخرَهُ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، متَّصلُ الإِسْنَادِ، شَامِيٌّ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً: (مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، فَأَحَدثَ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَذْهَبْ، فَلْيتوضَّأْ، ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ (3)) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الصَّوَابُ مُرْسَلٌ. يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (الزَّعِيْمُ غَارمٌ (4)) . هَذَا إِسْنَادٌ قوِيٌّ.   (1) إسناده ضعيف لارساله، وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " ونسبه إلى سعيد بن منصور. (2) وأخرجه الترمذي (475) في الصلاة: باب ما جاء في صلاة الضحى، وإسناده صحيح، وله شاهد عند أحمد 5 / 286، 287، وأبي داود (1289) في الصلاة، من حديث ابن همار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عزوجل: " يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره " وإسناده صحيح. (3) وأخرجه ابن ماجه (1221) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في البناء على الصلاة، ورواه الدارقطني في " سننه ": 56، وقال: الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه ابن عدي في " الكامل " في ترجمة إسماعيل بن عياش، ثم قال: هكذا رواه ابن عياش مرة، ومرة قال: عن ابن جريج، عن أبيه، عن عائشة، وكلاهما غير محفوظ. (4) وأخرجه أحمد 5 / 267، وأبو داود (3565) ، والترمذي (2121) كلهم من طريق = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ ... ) ، الحَدِيْثَ (1) . ثُمَّ قَالَ يَزِيْدُ: وَقَدِمَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ بَعْدُ، فَحَدَّثَنَاهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَحْفَظُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَعَافُوا الحُدُوْدَ بَيْنَكُم، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ، فَقَدْ وَجَبَ) (2) .   = إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة، ولفظه بتمامه: " العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم " وقول المصنف: هذا إسناد قوي: ليس بقوي، لان شرحبيل بن مسلم الخولاني مختلف فيه، وثقه أحمد، وضعفه ابن معين، ولذا قال الحافظ في " التقريب ": صدوق فيه لين. لكن متن الحديث صحيح بشاهده عند أحمد 5 / 293 من حديث ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إن العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم " وإسناده صحيح. والزعيم: الكفيل، وكل من تكفل دينا عن غيره فعليه غرمه. (1) وتمامه: فحفظت من دعائه وهو يقول: " اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار ". أخرجه مسلم (963) ، وأحمد 6 / 23، والبيهقي 4 / 40 من طريق معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك، وأخرجه أبو داود الطيالسي، 1 / 164 من طريق الفرج بن فضالة، عن أبي بكر بن مريم، عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن مالك، وقال: ويروى هذا الحديث عن حبيب بن عبيد، وأخرجه ابن ماجه (1500) من طريق الطيالسي، عن عصمة بن راشد، عن حبيب بن عبيد، عن عوف ابن مالك. (2) وأخرجه أبو داود (4376) في الحدود: باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُم كِتَاباً، فَلْيُتْرِبْهُ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ (1)) . إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَرْفَعُهُ، قَالَ: (يَكُوْنُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الوَلِيْدُ، هُوَ أَشَدُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْمِهِ (2)) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: وَهَذَا بَاطِلٌ. هَكَذَا قَالَ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، بَلْ إِسْنَادُهُ نَظِيفٌ. إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ (3) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَأَرَاهُ مُرْسَلاً. ابْنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ   = والنسائي 8 / 70 في السرقة: باب ما يكون حرزا وما لا يكون، من طريق ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهذا سند حسن. وصححه الحاكم 4 / 383، وأقره المؤلف في مختصره. وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أحمد 1 / 419 و438، والحاكم 4 / 382 و383، ولا بأس به في الشواهد. (1) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل في روايته عن غير الشاميين، وأخرجه الترمذي (2713) من طريق محمود بن غيلان، عن شبابة، عن حمزة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال..وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه، وحمزة هو عندي ابن عمرو النصيبي، وهو ضعيف في الحديث. (2) وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 18 من طريق أبي المغيرة، حدثنا ابن عياش، قال: حدثني الاوزاعي وغيره، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، وسنده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر، وقد حكم الحافظ العراقي عليه بالوضع، فرده عليه تلميذه الحافظ ابن حجر في " القول المسدد ": 5، 6، و11، 16. (3) وأخرجه أبو داود (3796) في الاطعمة: باب في أكل الضب، وقال المنذري في مختصره: وإسماعيل بن عياش، وضمضم، فيهما مقال. وقال الخطابي: ليس إسناده بذاك، وقال البيهقي: لم يثبت إسناده، إنما تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوْعاً: (لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِنَ المِيْرَاثِ شَيْءٌ (1)) . لاَ يَصحُّ هَذَا، فَقَدْ رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ، مِنْ قَوْلِهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، مَوْقُوْفٌ. أَبُو اليَمَانِ: عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، مَرْفُوْعاً: (خَيْرُ نِسَائِكُمُ: العَفِيْفَةُ، الغَلِمَةُ) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ (2) . وَقَدْ صحَّحَ التِّرْمِذِيُّ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ غَيْرَ مَا حَدِيْثٍ مِنْ رِوَايَتِه عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، مِنْهَا حَدِيْثُ: (لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ (3)) ، وَحَدِيْثُ: (بِحسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكْلاَتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ) (4) .   (1) وأخرجه أبو داود (4564) من طريق محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في حديث طويل في الديات، وفي آخره: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئا " وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي (2110) ، وابن ماجه (2735) وسنده ضعيف، وعن عمر بن شيبة بن أبي كبير أخرجه الطبراني في قصة عمر بن شيبة كما في " مجمع الزوائد " 4 / 230، وعن ابن عباس عند الدارقطني: 465. وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرج عبد الرزاق (17778) من طريق البيهقي 6 / 220 عن معمر، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: من قتل قيتلا فإنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لقاتل ميراث. والرجل المذكور هو عمرو بن برق، قاله عبد الرزاق راوي الحديث، وهو ضعيف عندهم، فالحديث بهذه الشواهد قوي يصلح للاستشهاد. (2) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " ونسبه للديلمي في " مسند الفردوس ". (3) حديث صحيح، أخرجه أبو داود (2870) ، وابن ماجه (2713) والترمذي (2121) من حديث أبي أمامة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ". وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة عند الترمذي (2122) ، والنسائي 6 / 247، وابن ماجه (2712) ، وآخر عن أنس عند ابن ماجه (1714) ، وثالث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الدارقطني 2 / 446، ورابع عند الدارقطني أيضا 2 / 466، وخامس عن علي عند ابن أبي شيبة. (4) أخرجه الترمذي (2380) ، وأحمد 4 / 132 من حديث المقدام بن معديكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 اخْتَلَفُوا فِي مَوْلِدِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَوَفَاتِهِ: فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْد رَبِّهِ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ (1) . وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ: أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَوُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ. وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وَرَوَى عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَوْلِدُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ قَبْلِي، سَنَةَ سِتٍّ، وَمَوْلِدِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَنْتَ بَكَّرْتَ -يَعْنِي: بِالطَّلَبِ-. وَرَوَى: أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: وُلِدَ إِسْمَاعِيْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ، وَمَوْلِدِي سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. وَأَمَّا وَفَاةُ إِسْمَاعِيْلَ: فَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مُصَفَّى، وَعِدَّةٌ. فَزَادَ ابْنُ مُصَفَّى: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وَقَالَ الحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيُّ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِسِتٍّ مَضَتْ مِنْ جُمَادَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَمَا خَرَّجَا لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) شَيْئاً.   = أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح. (1) كذا الأصل، وقد كتب فوق الكلمة: لعله ست، وفي " تذهيب التهذيب " للمؤلف 1 / 67: قال يزيد بن عبد ربه: ولد إسماعيل بن عياش سنة اثنتين ومئة، وقال مرة: سنة ست ومئة، وفي " تهذيب الكمال ": 110: سنة خمس ومئة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 وَمِنْ غَرَائِبِهِ: مَا يَرْوِيْهِ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ، عَنِ ابْنِ غُنَيْمٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ نَصِيْحٍ العَنْسِيِّ، عَنْ رَكْبٍ المِصْرِيِّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (طُوْبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ (1) ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. وَلَيْسَ فِي (الأَرْبَعِيْنَ الوَدْعَانِيَّةِ (2)) مَتنٌ أَمثَلُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ سَاقَهُ ابْنُ وَدْعَانَ بِسَنَدٍ مَوْضُوْعٍ. 84 - ابْنُ السَّمَّاكِ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ صَبِيْحٍ العِجْلِيُّ * الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ الوُعَّاظِ، أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ صَبِيْحٍ   (1) أخرجه البخاري في " تاريخه " 3 / 338 - 339، وركب المصري هذا: نقل الحافظ في الإصابة ت (1777) عن عباس الدوري أن له صحبة، وقال غيره: لا تعرف له صحبة، وحديثه هذا أخرجه البغوي والبارودي وابن شاهين والطبراني وغيرهم. ولفظه بتمامه: " طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه في غير مسكنة، وأنفق من مال جمعه في غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة. طوبى لمن ذل نفسه، وطاب كسبه، وحسنت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ". ونقل المناوي في " فيض القدير " عن " المهذب " للمؤلف قوله: ركب يجهل، ولم تصح له صحبة، ونصيح ضعيف، وقال ابن مندة والبغوي: ركب مجهول لا تعرف له صحبة، وأقرهم الحافظ العراقي، وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: نصيح العنسي عن ركب لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وممن ضعفه الحافظ ابن حجر في " الإصابة " وتلميذه السخاوي. (2) هي أربعون خطبة منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعها ابن ودعان محمد بن علي القاضي، وهي موضوعة، سئل المزي عنها فأجاب: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة معروفة، يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة، وقيل: زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي. قال السلفي: تبين لي حين تصفحت الأربعين له تخليط عظيم يدل على كذبه وتركيبه الأسانيد. انظر " ميزان الاعتدال " 3 / 657، و" لسان الميزان " و" الفوائد المجموعة ": 423. (*) المعرفة والتاريخ: 2 / 671، الجرح والتعديل: 7 / 290، حلية الأولياء: 8 / 203 - 207، وفيات الأعيان: 4 / 301 - 302، العبر: 1 / 287، ميزان الاعتدال: 3 / 584، الطبقات الكبرى للشعراني: 52، الكواكب الدرية للمناوي: ص: 168، شذرات الذهب: 1 / 303 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، ابْنُ السَّمَّاكِ. رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَطَائِفَةٍ، وَلَمْ يُكثِرْ. رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ. قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ القَائِلُ: كَمْ مِنْ شَيْءٍ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ لَمْ يَضُرَّ، لَكِنَّ العِلْمَ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ، ضَرَّ. قِيْلَ: وَعَظَ مَرَّةً، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ لَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ مُقَاماً، وَإِنَّهُ لَكَ مِنْ مُقَامِك مُنصَرَفاً، فَانْظُرْ إِلَى أَيْنَ تَكُوْنُ. فَبَكَى الرَّشِيْدُ كَثِيْراً. قِيْلَ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى رَئِيْسٍ فِي شَفَاعَةٍ لِفَقِيْرٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَتَيْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَالطَّالبُ وَالمُعْطِي عَزِيْزَانِ إِنْ قُضِيَتِ الحَاجَةُ، ذَلِيْلاَنِ إِنْ لَمْ تُقْضَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ عِزَّ البَذْلِ عَنْ ذُلِّ المَنَعِ، وَعِزَّ النُّجْحِ عَلَى ذُلِّ الرَّدِّ. وَعَنْهُ، قَالَ: هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا، وَقَدْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 وُضِعَ الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ؟ هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ، وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ. وَعَنْهُ: هَبِ الدُّنْيَا فِي يَدَيْكَ، وَمِثْلُهَا ضُمَّ إِلَيْكَ، وَهَبِ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ يَجِيْءُ إِلَيْكَ، فَإِذَا جَاءكَ المَوْتُ، فَمَاذَا فِي يَدَيْكَ؟! أَلاَ مَنِ امْتَطَى الصَّبْرَ قَوِيَ عَلَى العِبَادَةِ، وَمَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ اسْتَغْنَى عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَمْ يُوْلِ مَرَمَّتِهَا (1) غَيْرَه، وَمَنْ أَحَبَّ الخَيْرَ وُفِّقَ لَهُ، وَمَنْ كَرِهَ الشَّرَّ جُنِّبَهُ، أَلاَ مُتَأَهِّبٌ فِيْمَا يُوصَفُ أَمَامَهُ، أَلاَ مُسْتَعِدٌّ لِيَوْمِ فَقْرِه، أَلاَ مُبَادِرٌ فَنَاءَ أَجَلِهِ، مَا يَنْتَظِرُ مَنِ ابْيَضَّتْ شَعْرَتُهُ بَعْدَ سَوَادِهَا، وَتَكَرَّشَ وَجْهُه بَعْد انبِسَاطِه، وَتَقَوَّسَ ظَهْرُهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ، وَكَلَّ بَصَرُه، وَضَعُفَ رُكنُهُ، وَقَلَّ نَوْمُهُ، وَبَلِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ فِي حَيَاتِهِ، فَرَحِمَ اللهَ امْرَأً عَقَلَ الأَمْرَ، وَأَحْسَنَ النَّظَرَ، وَاغتَنَمَ أَيَّامَهُ. وَعَنْهُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي لَكَ مِنَ البَاقِي قَلِيْلٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلِيْلِكَ إِلاَّ قَلِيْلٌ، وَقَدْ أَصْبَحتَ فِي دَارِ العَزَاءِ، وَغَداً تَصِيْرُ إِلَى دَارِ الجَزَاءِ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ، لَعَلَّكَ تَنجُو. تُوُفِّيَ ابْنُ السَّمَّاكِ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ أَسَنَّ. 85 - مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مِهْرَانَ الأُمَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَقِيْلَ:   (1) تحرفت في " الحلية " 8 / 206 إلى " مسرتها ". (*) المعارف: 306، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3 / 180، الكامل لابن عدي: = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 أَبُو عَبْدِ اللهِ - الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، العَطَّارُ، مِنْ مَوَالِي آلِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ وَالِدُ عُبَيْسٍ، وَجَدُّ بِشْرِ بنِ عُبَيْسٍ. حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَأَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ زَيْدٍ العَمِّيِّ، وَأَبِيْهِ؛ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبِي سُمَيْرٍ حَكِيْمِ بنِ خِذَامٍ، وَسَهْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَمِّهِ؛ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ مِهْرَانَ، وَعِسْلِ بنِ سُفْيَانَ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: دَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. رَوَى عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ - أَحَدُ مَشَايِخِه - وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَسَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَبُنْدَارٌ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ بِالبَصْرَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَمِنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ بِشْرُ بنُ عُبَيْسٍ: مَاتَ جَدِّي سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ لَهُ يَوْمَ مَوْتِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ سَبْعُ سِنِيْنَ.   = 4 / 344 / 1، تهذيب الكمال: 1335، تذهيب التهذيب: 4 / 45 / 1، ميزان الاعتدال: 4 / 128، العبر: 1 / 291، تهذيب التهذيب: 10 / 177، خلاصة تذهيب الكمال: 379. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ! أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَنْزاً مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (1)) . رَوَاهُ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَآخَرُوْنَ، عَنِ النَّهْدِيِّ، نَحْوَهُ. 86 - المُطَّلِبُ بنُ زِيَادِ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ * (بَخ، س، ق) وَقِيْلَ: القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم. وَقِيْلَ: مَوْلَى جَابِرِ   (1) أخرجه البخاري 7 / 363، باب غزوة خيبر، وفي الجهاد: باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، وفي الدعوات: باب الدعاء إذا علا عقبة، وباب لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي القدر: باب لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي التوحيد: باب قوله تعالى: (وكان الله سميعا بصيرا) ، ومسلم (2704) في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب استحباب خفض الصوت بالذكر. ولفظه بتمامه: عن أبي موسى الأشعري قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم " وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: " يا عبد الله بن قيس " قلت: لبيك يا رسول الله، قال: " ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " وقوله: اربعوا على أنفسكم: أي ارفقوا بها. قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين. نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 6 / 135، وأقره. (*) تاريخ خليفة بن خياط: 127، التاريخ الكبير: 8 / 60، التاريخ الصغير: 2 / 244، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 بنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، وَكَانَ جَابِرٌ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، فَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ لَهُ: القُرَشِيُّ. مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وُلِدَ قَبْلَ المائَةِ. وَرَوَى عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَزَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَلاَ بِالحَافِظِ، لَكِنَّهُ صَدُوْقٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ أَخُوْهُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَشُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ الرَّازِيُّ، كُرَاعٌ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ نُدْرِكْ بِالكُوْفَةِ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ عِنْدِي صَالِحٌ.   = المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 230، تهذيب الكمال: 1313، خلاصة تذهيب الكمال: 379. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 وَقَالَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ. قُلْتُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي (الأَدَبِ) لَهُ، وَابْنُ مَاجَه، وَالنَّسَائِيُّ فِي الخَصَائِصِ مِنْ (سُنَنِهِ) . قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَسَدِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَيُّوْبُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَاسِطِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المُفَسِّرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعَالِي، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَسَعِيْدُ بنُ يَاسِيْنَ، وَعُمَرُ بنُ بَرَكَةَ، وَأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَنْجَبُ الحَمَّامِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَّارِ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي. وَزَادَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الصَّلْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرٍ فِي بَيْتِهِ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ إِلاَّ حَدَّثْتَنِي مَا رَأَيْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: كُنَّا بِالجُحْفَةِ بِغَدِيْرِ خُمٍّ (1) ، وَثَمَّ نَاسٌ كَثِيْرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ   (1) قال الزمخشري: خم: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 وَغِفَارَ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ ثَلاَثاً، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ جِدّاً، وَمَتنُهُ فَمُتَوَاتِرٌ. 87 - عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ المُلاَئِيُّ البَصْرِيُّ * (خَ، 4) ثُمَّ الكُوْفِيُّ، شَرِيْكُ أَبِي نُعَيْمٍ. كَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَحِفظٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً. حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.   = بالجحفة، وقيل: على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب " المشارق " أن خما اسم غيضة هناك، وبها غدير نسب إليها، قال: وخم: موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه (121) من حديث سعد بن أبي وقاص، وأخرجه أحمد 4 / 368، والترمذي (713) من حديث زيد بن أرقم، وأخرجه أحمد 1 / 84 و118 و119 و152 من حديث علي، و331 من حديث ابن عباس، و4 / 281 من حديث البراء، و4 / 368 و370 و372 من حديث زيد بن أرقم، و5 / 347 من حديث بريدة، و419 من حديث أبي أيوب الأنصاري. (*) تاريخ خليفة بن خياط: 193، 199، التاريخ الصغير، 2 / 234، المعرفة والتاريخ للفسوي: 3 / 219، الجرح والتعديل: 6 / 47، الضعفاء للعقيلي: 2 / 255، مشاهير علماء الأمصار: (1366) ص: 172، الكامل لابن عدي: 4 / 252 / 2، تهذيب الكمال: 832، تذكرة الحفاظ: 1 / 271، تذهيب التهذيب: 2 / 236 / 2، ميزان الاعتدال: 2 / 614، العبر: 1 / 297، تهذيب التهذيب: 6 / 316، خلاصة تذهيب الكمال: 238، شذرات الذهب: 1 / 316، البيان: (مخطوط) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ، وَكَانَ عَسِراً فِي الحَدِيْثِ. سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً مَجْلِساً لِلْعَامَّةِ، فَقِيْلَ لِعَلِيٍّ: أَكْثَرْتَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَضَرتُ لَهُ مَجْلِسَ العَامَّةِ، وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَنكِرُ بَعْضَ حَدِيْثِه، حَتَّى نَظَرْتُ فِي حَدِيْثِ مَنْ يُكثِرُ عَنْهُ، فَإِذَا حَدِيْثُه مُقَاربٌ عَنْ مُغِيْرَةَ وَالنَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَسِراً، فَكَانُوا يُجَمِّعُوْنَ غَرَائِبَه فِي مَكَانٍ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَجْمُوْعَةً، فَاسْتَنْكَرْتُهَا. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَالكُوْفِيُّوْنَ يُوَثِّقُونَهُ. وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَإِنِّي غَرِيْبٌ مِنَ البَصْرَةِ. فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَقُوْلُ: جِئْتُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ يُحَدِّثْنِي. قِيْلَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَنَسٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا طَلَبَ إِلاَّ وَقَدْ تَكَهَّلَ. 88 - عُمَرُ بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الكُوْفِيُّ الطَّنَافِسِيُّ * (ع) الحَافِظُ، أَخُو الحَافِظِيْنَ: يَعْلَى، وَمُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِبْرَاهِيْمُ فَهُوَ أَسَنُّهُم.   (*) تهذيب الكمال: 1020، تذهيب التهذيب: 3 / 90 / 2، ميزان الاعتدال: 3 / 213، العبر للذهبي: 1 / 291، الجرح والتعديل: 6 / 123، خلاصة تذهيب الكمال: 285، شذرات الذهب: 1 / 308. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 حَدَّثَ عُمَرُ عَنْ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَسِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَجَمَاعَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَخَوَاهُ؛ يَعْلَى وَإِبْرَاهِيْمُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 89 - أَمَّا: عُمَرُ بنُ عُبَيْدٍ البَصْرِيُّ الخَزَّازُ * بَيَّاعُ الخُمُرِ، أَبُو حَفْصٍ، فَجَاوَرَ بِمَكَّةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ. وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. ضعَّفَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ. ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيزِ. 90 - يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ الوَادعِيُّ (ع) الحَافِظُ، العَلَمُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ،   (*) الجرح والتعديل: 6 / 123، الضعفاء للعقيلي: 2 / 285، الكامل لابن عدي: 3 / 261 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 212. (* *) تاريخ خليفة بن خياط: 118، 158، التاريخ الكبير: 8 / 273، التاريخ الصغير: 2 / 231، الجرح والتعديل: 9 / 144، مشاهير علماء الأمصار: (1381) ص: 174، الفهرست لابن النديم: 1 / 226، تاريخ بغداد: 14 / 114، تهذيب الكمال: 1465، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 الوَادعِيُّ، وَاسْمُ جَدِّهِ مَيْمُوْنُ بنُ فَيْرُوْزٍ، مَوْلَى امْرَأةٍ وَادعِيَّةٍ. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ الهَمْدَانِيِّ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ تَقَرِيْباً، أَوْ فِيْهَا. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُجَالِدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَصَالِحِ بن صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ حُمَيْدِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَمِسْعَرٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَأَةَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِل إِلَى: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكٍ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ زُرَارَةَ عَمْرٌو لاَ عُمَرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: كَانَ جَيِّدَ الأَخْذِ. وَعَنِ الحَسَنِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: نَزَلتُ بِأَفْقَهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ-. وَرَوَى: عَمْرٌو النَّاقِدُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُشْبِهُ   = تذهيب التهذيب: 4 / 153 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 146، ميزان الاعتدال: 4 / 374، مرآة الجنان: 1 / 382، العبر: 1 / 283، 415، تهذيب التهذيب: 11 / 208 - 210، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 423، مفتاح السعادة: 2 / 119، الجواهر المضية: 2 / 211، شذرات الذهب: 1 / 298، هدية العارفين للبغدادي: 2 / 513. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ. وَرَوَى: الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: مَا خَالَفَنِي أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ بَعْد الثَّوْرِيِّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَقَالَ أَيْضاً: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الإِتْقَانِ أَكْبَرَ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، جُمِعَ لَهُ الفِقْهُ وَالحَدِيْثُ، وَيُعَدُّ مِنْ حُفَّاظِ الكُوْفِيِّيْنَ، مُفْتِياً، ثَبْتاً، صَاحِبَ سُنَّة، وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ المَدَائِنِ. وَوَكِيْعٌ، إِنَّمَا صَنَّفَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صنَّفَ الكُتُبَ بِالكُوْفَةِ. وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ عَمْرٍو العَنْقَزِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ: يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الحَدِيْثِ مِثْلُ العَرُوْسِ العَطِرَةِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ كَيِّساً، لاَ أَعْلَمُه أَخْطَأَ إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ الغَلاَبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ بُرْمَةَ، قَالَ: قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 عَبْدُ اللهِ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ عَبِيْدُكُم مُؤَذِّنِيْكُم. وَإِنَّمَا هُوَ: عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ قَبِيْصَةَ. قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: وَلِيَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَضَاءَ المَدَائِنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: تُوُفِّيَ بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ قَاضٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَاشَ: ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الكُتُبَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ فُقَهَاءِ المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي جُمَادَى الأُوْلَى. وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ مَسْرُوْقُ بنُ المَرْزُبَانِ، وَابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: رَأَيْتُ زَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ يَجِيْءُ إِلَى مُجَالِدٍ، فَيَقُوْلُ لِيَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَهُ-: يَا بُنَيَّ! احْفَظْ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ، وَالمُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ فِي المَاءِ، فَغَرِقَ، فَلاَ تَأْكُلْ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ، فَوَقَعَ بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ.   (1) (2850) في الصيد: باب في الصيد، وإسناده صحيح، وهو في " مسند أحمد " 4 / 378. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَرْمَا، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي الوَدَّاكِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّيْنَ كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُم، وَأَنْعَمَا) . فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيْلُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ مُجَالِدٍ عَلَى الطِّنْفِسَةِ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى عَطِيَّةَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ ذَلِكَ (1) . حَدِيْثُ عَطِيَّةَ هُوَ المَشْهُوْرُ، رَوَاهُ أَئِمَّةٌ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيْثُ أَبِي الوَدَّاكِ: فَفَرْدٌ، غَرِيْبٌ. حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ عَطِيَّةَ. 91 - خَلَفُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ صَاعِدٍ الأَشْجَعِيُّ * (4، م تبعاً) الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، أَبُو أَحْمَدَ الأَشْجَعِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، نَزِيلُ وَاسِطَ، ثُمَّ تَحوَّلَ إِلَى بَغْدَادَ. وَبَعْضُهُم يَعُدُّه مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ؛ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ   (1) وأخرجه أبو داود (3987) ، والترمذي (3659) ، وابن ماجه (96) ، وعطية ضعيف لا يحتج به، لكن تابعه أبو الوداك جبر بن نوف في سند المؤلف، وعند أحمد 3 / 26، ولا بأس بإسناده فيتقوى به. وقوله: وأنعما: أي زادا على ذلك، يقول: قد أحسنت إلي وأنعمت: أي زدت على الاحسان. وقيل: أنعما: أي صارا إلى النعيم ودخلا فيه، كما يقال: أجنب الرجل، إذا دخل في الجنوب، وأشمل، إذا دخل في الشمال. (*) الطبقات لابن خياط العصفري: 170، 326، التاريخ الكبير: 3 / 194، التاريخ الصغير: 2 / 225، المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 74، 75، و3 / 245، الجرح والتعديل: 3 / 369، مشاهير علماء الأمصار (1387) ص: 175، الكامل لابن عدي: 2 / 123 / 1، تهذيب الكمال: 379، تذهيب التهذيب: 1 / 199 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 659، العبر: 1 / 280، تهذيب التهذيب: 3 / 150، خلاصة تذهيب الكمال: 105، شذرات الذهب: 1 / 295. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 رَأَى عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، وَحَفْصِ ابْنِ أَخِي أَنَسٍ، وَأَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَشُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ: هُشَيْمٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَاخْتُلِطَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأْيْتُهُ وَوَضَعَهُ رَجُلٌ، فَصَاحَ (1) ، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلَمْ أَفْهَمْ كَلاَمَهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ خَلْفٌ: فَرَضَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: هَذَا يَنفِي رُؤْيَتَه عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ. مَاتَ: سَنَةَ 181. 92 - عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ العَائِذِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوقُ، أَبُو الحَسَنِ العَائِذِيُّ، القُرَشِيُّ   (1) يعني من الكبر، كما في التذهيب 1 / 199 / 2. * التاريخ الكبير: 6 / 300، التاريخ الصغير: 2 / 246، الجرح والتعديل: 6 / 207، 208، كتاب المجروحين: 2 / 110، الضعفاء للعقيلي: 2 / 301، مشاهير علماء الأمصار = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، الخَزَّازُ، مَوْلَى امْرَأَةٍ قُرَشِيَّةٍ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَيَحْيَى بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَأَبِي الجَحَّافِ دَاوُدَ بنِ أَبِي عَوْفٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَكَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، وَأَبِي الجَارُوْدِ زِيَادِ بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالعَلاَءِ بنِ صَالِحٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَعَمْرُو بنُ حَمَّادٍ القَنَّادُ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ أَخُوْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ القَطِيْعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةُ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِجٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ رِوَايَةٌ أُخْرَى: صَدُوْقٌ، يَتَشَيَّعُ. وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: كَانَ هُوَ وَأَبُوْهُ غَالِيَيْنِ فِي مَذْهَبِهِمَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَعَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ تَشَيُّعٍ، وَلَيْسَ ثَمَّ كَذِبٌ.   = (1359) ص: 171، الكامل 3 / 293 / 1، تهذيب الكمال: 996، تذهيب التهذيب: 3 / 76 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 160، العبر: 1 / 281، خلاصة تذهيب الكمال: 278، شذرات الذهب: 1 / 297. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : كَانَ غَالِياً فِي التَّشَيُّعِ، وَرَوَى المَنَاكِيْرَ عَنِ المَشَاهِيْرِ. هَكَذَا يَقُوْلُ: ابْنُ حِبَّانَ. أَنْبَأَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الدَّرْجِيِّ - فِيْمَا قُرِئَ عَلَيْهِ - أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَغَيْرُه إِذْناً، قَالُوا: أَخبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ رَيْذَةَ، أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ البُيُوْتِ، فَقَالَ: (إِذَا رَأَيْتُم مِنْهُنَّ شَيْئاً فِي مَسَاكِنِكُم، فَقُوْلُوا: نَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُم نُوْحٌ، وَنَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُم سُلَيْمَانُ، فَإِنَّ عُدْنَ، فَاقْتُلُوْهُنَّ) . غَرِيْبٌ، وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ هَنَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ مَجْلِساً، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ المَجْلِسَ الآخَرَ وَقَدْ مَاتَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.   (1) (1485) في الاحكام: باب ما جاء في قتل الحيات، مع أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ، وأخرجه أبو داود (5260) في الأدب: باب قتل الحيات، وفيه " أنشدكن " بدل " أنشدناكم " و" عليكن " بدل " عليكم ". وفي البخاري 6 / 253، ومسلم (2233) (129) من حديث ابن عمر أنه كان يقتل الحيات، فحدثه أبو لبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل حيات البيوت فأمسك عنها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 قَالَ مُطَيَّنٌ: فِي رَجَبٍ. وَيُقَالُ: فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَعْقُوْبُ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ. قُلْتُ: إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بِبَغْدَادَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً لَهُ قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المَرْوَزِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَرْمَا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُم، فَدَعُوْهُ) . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ (2) ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا.   (1) وأخرجه أحمد 6 / 31، 32، والترمذي في الشمائل (341) ، ومسلم (2328) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. (2) (4899) في الأدب: باب في النهي عن سب الموتى، وتمامه عنده: " ولا نقعوا فيه " وإسناده صحيح، وفي البخاري 3 / 206 من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الاموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 93 - يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدَ بنِ طَهْمَانَ الفَارِسِيُّ * الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ دَاوُدَ بنِ طَهْمَانَ الفَارِسِيُّ، الكَاتِبُ. كَانَ وَالِدُهُ كَاتِباً لِلأَمِيْرِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ، مُتَوَلِّي خُرَاسَانَ، فَلَمَّا خَرَجَ هُنَاكَ يَحْيَى بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بَعْد مَصْرَعِ أَبِيْهِ زَيْدٍ، كَانَ دَاوُدُ يُنَاصِحُ يَحْيَى سِرّاً، ثُمَّ قُتِلَ يَحْيَى، وَظَهَرَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ، وَطَلَبَ بِدَمِ يَحْيَى، وَتَتَبَّعَ قَتَلَتَهُ، فَجَاءهُ دَاوُدُ مُطْمَئِنّاً إِلَيْهِ، فَطَالَبَهُ بِمَالٍ، ثُمَّ أَمَّنَهُ، وَتَخَرَّجَ أَوْلاَدُه فِي الآدَابِ، وَهَلَكَ أَبُوْهُم، ثُمَّ أَظهَرُوا مَقَالَةَ الزَّيْدِيَّةِ، وَانضَمُّوا إِلَى آلِ حَسَنٍ، وَنَزَحُوا ظُهُوْرَهُم. وَجَالَ يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدَ فِي البِلاَدِ، ثُمَّ صَارَ أَخُوْهُ عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ كَاتِباً لإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّائِرِ بِالبَصْرَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ، اخْتَفَوْا مُدَّةً، ثُمَّ ظَفِرَ المَنْصُوْرُ بِهَذَيْنِ، فَسَجَنَهُمَا، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ المَهْدِيُّ، فَمَنَّ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ مَعَهُمَا فِي المُطْبِقِ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، فَلَزِمَاهُ، وَبَقِيَ المَهْدِيُّ يَتَطلَّبُ عِيْسَى بنَ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَالحَسَنَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَأُخبِرَ بِأَنَّ يَعْقُوْبَ يَدْرِي، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ يَعْقُوْبُ فِي عَبَاءةٍ وَعِمَامَةِ قُطْنٍ، فَفَاتَحَهُ، فَوَجَدَه مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، فَسَأَلَهُ عَنْ عِيْسَى، فَقِيْلَ: وَعَدَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه. فَعَظَّمَهُ المَهْدِيُّ، وَمَلأَ عَيْنَهُ، وَاخْتَصَّ بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي ارْتقَاءٍ وَتَقَدُّمٍ حَتَّى وَزَرَ لَهُ، فَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَزِمَّةَ الأَمُورِ، وَتَمَكَّنَ، فَولَّى الزَّيْدِيَّةَ المَنَاصِبَ، حَتَّى قَالَ بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ: بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ الخَلِيْفَةَ يَعْقُوْبُ بنُ دَاوُدِ   (*) تاريخ الطبري: 8 / 158 - 160، معجم المرزباني: 495، تاريخ بغداد: 14 / 262، الوزراء والكتاب للجهشياري: 158 - 163، الكامل لابن الأثير: 6 / 69 - 72، وفيات الأعيان: 7 / 19 - 26، العبر: 1 / 247، نكت الهميان: 309، مرآة الجنان: 1 / 417، البداية والنهاية: 10 / 147، تاريخ ابن خلدون: 3 / 211. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 ضَاعَتْ خِلاَفَتُنَا يَا قَوْمُ! فَاطَّلِبُوا ... خَلِيْفَةَ اللهِ بَيْنَ الدِّنِّ وَالعُوْدِ (1) ثُمَّ إِنَّ الخَوَاصَّ حَسَدُوا يَعْقُوْبَ، وَسَعَوْا فِيْهِ عِنْدَ المَهْدِيِّ. وَمِمَّا عَظُمَ بِهِ يَعْقُوْبُ عِنْدَ المَهْدِيِّ، أَنَّهُ أُحضِرَ لَهُ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَجَمَعَ بَيْنهُمَا بِمَكَّةَ، وَبَايَعَهُ، فَتَأَلَّمَ بَنُو حَسَنٍ مِنْ صَنِيْعِ يَعْقُوْبَ، وَعَرَفَ هُوَ أَنَّهُم إِنْ مَلَكُوا أَهْلَكُوهُ، وَكَثُرَتِ السُّعَاةُ، فَمَالَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ الفَضْلِ، وَسَعَوْا إِلَى المَهْدِيِّ، وَقَالُوا: المَمَالِكُ فِي قَبضَةِ يَعْقُوْبَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَو كَتَبَ إِلَيْهِم، لَثَارُوا فِي وَقْتٍ عَلَى مِيْعَادٍ، فَيَمْلِكُوا الأَرْضَ، وَيُستَخْلَفُ إِسْحَاقُ. فَمَلأَ هَذَا الكَلاَمُ مَسَامِعَ المَهْدِيِّ، وَقَفَّ شَعْرُهُ. فَعَنْ بَعْضِ خَدَمِ المَهْدِيِّ: أَنَّهُ كَانَ قَائِماً عَلَى رَأْسِ المَهْدِيِّ، إِذْ دَخَلَ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَدْ عَرَفْتَ اضْطِرَابَ أَمرِ مِصْرَ، وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَلتَمِسَ لَهَا رَجُلاً، وَقَدْ وَجَدْتُهُ. قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عَمِّكَ؛ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ. فَتَغَيَّرَ المَهْدِيُّ، وَفَطِنَ يَعْقُوْبُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ المَهْدِيُّ: قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ: وَيْلَكَ! اكْتُمْ هَذَا. وَقِيْلَ: كَانَ يَعْقُوْبُ قَدْ عَرَفَ أَخْلاَقَ المَهْدِيِّ، وَنَهْمَتَه فِي النِّسَاءِ، فَكَانَ يُبَاسِطُه. فَرَوَى: عَلِيُّ بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ المَهْدِيُّ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوْشٍ، وَبُستَانٍ فِيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلهَا، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قُلْتُ: مَتَّعَ اللهُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَمْ أَرَ كَاليَوْمِ. فَقَالَ: هُوَ لَكَ بِمَا حَوَى وَالجَارِيَةَ، وَلِي حَاجَةٌ. قُلْتُ: الأَمْرُ لَكَ. فَحَلَّفَنِي بِاللهِ، فَحَلَفتُ، وَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي وَاحْلِفْ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا فُلاَنٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ، أَرِحْنِي مِنْهُ، وَأَسرِعْ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَخَذْتُهُ، وَذَهَبتُ بِالجَارِيَةِ وَالمَفَارِشِ، وَأَمَرَ لِي بِمائَةِ   (1) البيتان في الديوان 3 / 94، و" الاغاني " 3 / 243، و" وفيات الأعيان " 7 / 22. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 أَلفٍ، فَمَضَيْتُ بِالجَمِيْعِ، فَلِشِدَّةِ سرُوْرِي بِالجَارِيَةِ تَرَكْتُهَا مَعِي، وَكَلَّمتُ العَلَوِيَّ، فَقَالَ: وَيْحَك! تَلْقَى اللهَ غَداً بِدَمِي، وَأَنَا ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْتُ: هَلْ فِيْكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ عِنْدِي دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ. فَأَعْطَيْتُهُ مَالاً، وَهَيَّأْتُ مَعَهُ مَنْ يُوْصِلُهُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا الجَارِيَةُ قَدْ حَفِظَتْ عَلَيَّ قَوْلِي، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى المَهْدِيِّ، فَسَخَّرَ الطُّرُقَ بِرِجَالٍ، فَجَاؤُوهُ بِالعَلَوِيِّ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَإِذَا العَلَوِيُّ، فَبُهِتُّ. فَقَالَ: حَلَّ دَمُكَ. ثُمَّ حَبَسَنِي دَهْراً فِي المُطْبِقِ، وَأُصِيْبَ بَصَرِي، وَطَالَ شَعْرِي. قَالَ: فَإِنِّي لَكَذَلِكَ، إِذْ دُعِيَ بِهِ، فَمَضَوْا بِي، فَقِيْلَ لِي: سَلِّمْ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَدْ عَمِيْتُ، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ قُلْتُ: المَهْدِيُّ. قَالَ: رَحِمَ اللهُ المَهْدِيَّ. قُلْتُ: فَالهَادِي. قَالَ: رَحِمَ اللهُ الهَادِيَ. قُلْتُ: فَالرَّشِيْدُ. قَالَ: نَعَمْ، سَلْ حَاجَتَكَ. قُلْتُ: المُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ. قَالَ: نَفْعَلُ، فَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قُلْتُ: مَا بَقِيَ فِيَّ مُسْتَمْتَعٌ. قَالَ: فَرَاشِداً. فَخَرَجتُ إِلَى مَكَّةَ (1) . قَالَ ابْنُهُ: فَلَمْ يُطَوِّلْ. قُلْتُ: مَاتَ بِهَا، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَنْ يَعْقُوْبَ الوَزِيْرِ، قَالَ: كَانَ المَهْدِيُّ لاَ يُحِبُّ النَّبِيْذَ، لَكِنَّهُ يَتَفَرَّجُ عَلَى غِلْمَانِهِ فِيْهِ، فَأَلُوْمُهُ، وَأَقُوْلُ: عَلَى مَاذَا اسْتَوْزَرْتَنِي؟ أَبَعدَ الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ يُشرَبُ النَّبِيذُ عِنْدَكَ، وَتَسْمَعُ السَّمَاعَ؟! فَيَقُوْلُ: قَدْ سَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ. فَأَقُوْلُ: لَيْسَ ذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَعْقُوْبَ: أَلَحَّ أَبِي عَلَى المَهْدِيِّ فِي السَّمَاعِ، وَضَجِرَ مِنَ الوَزَارَةِ، وَنَوَى التَّرْكَ. وَكَانَ يَقُوْلُ: لَخَمْرٌ أَشرَبُهُ وَأَتُوبُ مِنْهُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الوَزَارَةِ، وَإِنِّيْ   (1) الخبر في " وفيات الأعيان " 7 / 23، 24. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 لأَركَبُ إِلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَتَمَنَّى يَداً خَاطِئَةً تُصِيْبُنِي، فَأَعْفِنِي، وَوَلِّ مَنْ شِئْتَ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُسلِّمَ عَلَيْكَ أَنَا وَوَلدِي، فَمَا أَتَفَرَّغُ، وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ النَّاسِ، وَإِعْطَاءَ الجُنْدِ، وَلَيْسَ دُنْيَاكَ عِوَضاً مِنْ دِيْنِي. فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قَلْبَهُ. وَقَالَ شَاعِرٌ: فَدَعْ عَنْكَ يَعْقُوْبَ بنَ دَاوُدَ جَانِباً ... وَأَقبِلْ عَلَى صَهْبَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ وَلَمَّا عَزَلَهُ المَهْدِيُّ، عَزَلَ أَصْحَابَه، وَسَجَنَ عِدَّةً مِنْ آلِه وَغِلْمَانِه وَأَعْوَانِهِ. 94 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيُّ * (ت، ق) المَدَنِيُّ، أَخُو أُسَامَةَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَفِيْهِم لِيْنٌ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَاحِبَ قُرْآنٍ وَتَفْسِيْرٍ، جَمَعَ تَفْسِيْراً فِي مُجَلَّدٍ، وَكِتَاباً فِي النَّاسِخِ وَالمَنْسُوْخِ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ. رَوَى عَنْهُ: أَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ، وَقُتَيْبَةُ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) التاريخ الكبير: 5 / 284، التاريخ الصغير: 2 / 227، المعرفة والتاريخ: 2 / 809، الضعفاء للعقيلي: 2 / 231، الجرح والتعديل: 5 / 233، كتاب المجروحين والضعفاء: 2 / 57، الفهرست لابن النديم: 1 / 225، تهذيب الكمال: 789، تذهيب التهذيب: 2 / 211، ميزان الاعتدال: 2 / 565، العبر: 1 / 282، خلاصة تذهيب الكمال: 227، شذرات الذهب: 1 / 297. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 95 - سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ البَزَّازُ * (4) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، البَزَّازُ. حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ فِي آخَرِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَالحَسَنُ بنُ قَزَعَةَ، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ تَطلَّبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ، وَحَفِظَه، وَأَقَامَ عَلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ فِيْهِ، إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَسُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ. هَؤُلاَءِ لَمْ يَدَعُوْهُ، وَلَمْ يَشتَغِلُوا عَنْهُ إِلَى أَنْ حَدَّثُوا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ: ثِقَةٌ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ. 96 - سُفْيَانُ بنُ مُوْسَى البَصْرِيُّ ** (م)   (*) طبقات خليفة: 225، تاريخ خليفة: 456، التاريخ الكبير: 4 / 90، التاريخ الصغير: 2 / 227، الجرح والتعديل: 4 / 228، تهذيب الكمال: 513، تذهيب التهذيب: 2 / 32 / 2، العبر: 1 / 293، خلاصة تذهيب الكمال: 145، شذرات الذهب: 1 / 309. (* *) الجرح والتعديل: 4 / 229، تهذيب الكمال: 519، تذهيب التهذيب: 2 / 37 / 1، ميزان الاعتدال: 2 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 146. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 يَرْوِي عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَسَيَّارٍ أَبِي الحَكَمِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: الصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ مُشْكُدَانَةُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَعِدَّةٌ. أَوْرَدَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيْثاً. وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْهُ، فَقَالَ: مَجْهُوْلٌ -يَعْنِي: مَجْهُوْلُ الحَالِ عِنْدَهُ- (1) . 97 - سِيْبَوَيْه أَبُو بِشْرٍ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ قَنْبَرٍ الفَارِسِيُّ * إِمَامُ النَّحْوِ، حُجَّةُ العَرَبِ، أَبُو بِشْرٍ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ قَنْبَرٍ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ. وَقَدْ طَلَبَ الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ مُدَّةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ، فَبَرَعَ وَسَادَ أَهْلَ العَصْرِ، وَأَلَّفَ فِيْهَا كِتَابَهُ الكَبِيْرَ لاَ يُدْرَكُ شَأْوُهُ فِيْهِ. اسْتَمْلَى عَلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنْ: عِيْسَى بنِ عُمَرَ، وَيُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، وَالخَلِيْلِ، وَأَبِي الخَطَّابِ الأَخْفَشِ الكَبِيْرِ. وَقَدْ جَمَعَ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ بِبَغْدَادَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَسَائِيِّ لِلْمُنَاظَرَةِ، بِحُضُوْرِ سَعِيْدٍ الأَخْفَشِ، وَالفَرَّاءِ، وَجَرَتْ مَسْأَلَةُ الزُّنْبُورِ، وَهِيَ كَذِبٌ: أَظُنُّ   (1) جهالة العين ترتفع برواية اثنين فأكثر عنه، وأما جهالة الحال فلا ترتفع إلا بتوثيق أحد الأئمة الذين عرفوا بهذا الشأن له. انظر " الباعث الحثيث " ص 96، 97. (*) طبقات النحويين: 66 - 74، الفهرست لابن النديم: 1 / 51، 52، تاريخ بغداد: 12 / 195، نزهة الالباء للانباري: 60 - 66، معجم الأدباء: 16 / 114 - 127، إنباه الرواة للقفطي: 2 / 346 - 360، وفيات الأعيان: 1 / 487، 488، العبر: 1 / 278، 350، 448، مرآة الجنان لليافعي: 1 / 445، البداية والنهاية: 1 / 176 - 177، بغية الوعاة: 2 / 229، النجوم الزاهرة: 2 / 88، مفتاح السعادة لطاش كبري زادة: 1 / 128 - 130، نفح الطيب: 2 / 387، شذرات الذهب: 1 / 252، أخبار النحويين البصريين للزبيدي: 15، 16، الشريشي: 2 / 17. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 الزُّنْبُورَ أَشَدَّ لَسْعاً مِنَ النَّحْلَةِ، فَإِذَا هُوَ إِيَّاهَا. فَقَالَ سِيْبَوَيْه: لَيْسَ المَثَلُ كَذَا، بَلْ: فَإِذَا هُوَ هِيَ. وَتَشَاجَرَا طَوِيْلاً، وَتَعَصَّبُوا لِلْكَسَائِيِّ دُوْنَه، ثُمَّ وَصَلَه يَحْيَى بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَسَارَ إِلَى بِلاَدِ فَارِسٍ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِشِيْرَازَ - فِيْمَا قِيْلَ -. وَكَانَ قَدْ قَصَدَ الأَمِيْرَ طَلْحَةَ بنَ طَاهِرٍ الخُزَاعِيَّ. وَقِيْلَ: كَانَ فِيْهِ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ حُبْسَةٌ فِي عِبَارَتِه، وَانطِلاَقٌ فِي قَلَمِه. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُمِّيَ سِيْبَوَيْه؛ لأَنَّ وَجْنَتَيْهِ كَانَتَا كَالتُّفَاحَتَيْنِ، بَدِيعَ الحُسْنِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَانَ سِيْبَوَيْه يَأْتِي مَجْلِسِي، وَلَهُ ذُؤَابَتَانِ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، فَإِنَّمَا يَعْنِيْنِي. وَقَالَ العَيْشِيُّ (1) : كُنَّا نَجلِسُ مَعَ سِيْبَوَيْه فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ شَابّاً جَمِيْلاً، نَظِيْفاً، قَدْ تَعلَّقَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِسَبَبٍ، وَضَرَبَ بِسَهْمٍ فِي كُلِّ أَدَبٍ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ (2) . وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) نسبة إلى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، لأنه من ولدها، وهو عبيد الله بن محمد العيشي البصري الاخباري أحد الفصحاء الاجواد، روى عن حماد بن سلمة وطبقته. قال يعقوب بن شيبة: أنفق ابن عائشة على إخوانه أربع مئة ألف دينار، وعن إبراهيم الحربي قال: ما رأيت مثل ابن عائشة، وقال ابن خراش: صدوق. " العبر " 1 / 402، 403. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 12 / 197، و" إنباه الرواة " 2 / 352. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 98 - الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ الغَسَّانِيُّ مَوْلاَهُم الدِّمَشْقِيُّ * (4) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ دِمَشْق، أَبُو أَحْمَدَ، وَأَبُو الحَارِثِ الغَسَّانِيُّ مَوْلاَهُم، الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، وَتَمِيْمِ بنِ عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى الذِّمَارِيِّ، وَأَبِي وَهْبٍ الكَلاَعِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَالمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَزَيْدِ بنِ وَاقِدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ - رَفِيْقُهُ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ أَعْلَمَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ بِقَوْلِ مَكْحُوْلٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ تَوْثِيْقُهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ: يُكْنَى: أَبَا الحَارِثِ. وَكَنَّاهُ النَّسَائِيُّ: أَبَا أَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ ضَعِيْفاً، قَدَرِيّاً. قُلْتُ: مَا ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ لَهُ وَفَاةً. وَقَدْ عَاشَ إِلَى قَرِيْبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 395، الجرح والتعديل: 9 / 82، تهذيب الكمال: 1354، تذهيب التهذيب: 4 / 126 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 285، ميزان الاعتدال: 4 / 321، تهذيب التهذيب 11 / 92 - 93 لسان الميزان: 7 / 422، خلاصة تذهيب الكمال: 412. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَالطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخَوْفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ إِيْمَانِي وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الكِنْدِيَّةِ، وَهَلْ فِي الأَرْضِ مائَةٌ يَتَخَوَّفُوْنَ مَا تَتَخَوَّفُ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . 99 - يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ بنِ وَاقِدٍ الحَضْرَمِيُّ مَوْلاَهُم * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ مَوْلاَهُم، البَتَلْهِيُّ (2) ، الدِّمَشْقِيُّ، قَاضِي دِمَشْقَ.   (1) رجاله ثقات عدا الوضين بن عطاء، فإنه سيئ الحفظ، ونوف البكالي هو ابن امرأة كعب الاحبار، قال الحافظ ابن حجر في " التقريب ": شامي مستور، وإنما كذب ابن عباس ما رواه عن أهل الكتاب، له ذكر في " الصحيحين " في حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، في قصة موسى والخضر، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان رواية للقصص. (*) التاريخ الكبير: 8 / 268، التاريخ الصغير: 2 / 224، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 174، الضعفاء للعقيلي: 3 / 460، الجرح والتعديل: 9 / 136، الجمع: 558، تاريخ ابن عساكر: 18 / 29 / ب، تهذيب الكمال: 1493، تذهيب التهذيب: 4 / 152 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 264، العبر: 1 / 222، 288، ميزان الاعتدال: 4 / 369، مرآة الجنان: 1 / 396، تهذيب التهذيب: 11 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 422، شذرات الذهب: 1 / 305. (2) بفتح الباء والتاء وسكون اللام: نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق بالغوطة، ذكرها الشاعر أحمد بن منير الاطرابلسي: سقاها وروى من النيربين * إلى الغوطتين وحمورية إلى بيت لهيا إلى برزة * ولاح مكفكفة الاوعية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 وُلِدَ:؛ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ - فِيْمَا نَقَلَهُ أَبُو مُسْهِرٍ -. وَقَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، وَأَبِي وَهْبٍ الكَلاَعِيِّ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيِّ. وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَوَلدُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَالِحَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: ثِقَةٌ، عَالِمٌ عَالِمٌ. وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: اسْتَعْمَلَ المَنْصُوْرُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ لَمَّا قَدِمَ دِمَشْقَ عَلَى القَضَاءِ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، وَقَالَ: يَا شَابُّ، أَرَى أَهْلَ بَلَدِكَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْكَ، فَإِيَّاكَ وَالهَدِيَّةَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَعْلَمُهُم بِقَوْلِ مَكْحُوْلٍ هُوَ وَالهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ. قَالَ دُحَيْمٌ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: دَامَ عَلَى القَضَاءِ ثَلاَثِيْنَ عَاماً، وَكَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ يَمِيْلُ إِلَى القَدَرِ فَلَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 100 - يَحْيَى بنُ يَمَانٍ أَبُو زَكَرِيَّا العِجْلِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، العَابِدُ، المُقْرِئُ، أَبُو زَكَرِيَّا العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ. رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالمِنْهَالِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَتَلاَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ (1) . وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلدُهُ؛ دَاوُدُ الحَافِظُ، وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ، فُلِجَ، فَتَغَيَّرَ حِفظُهُ. وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، كَانَ يَحفَظُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ نَسِيَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ سَرِيْعَ الحِفْظِ، سَرِيْعَ النِّسْيَانِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قُلْتُ: قَدْ رَضِيَهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوقاً. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   (*) طبقات خليفة: 172، طبقات القراء: 2 / 381، تاريخ خليفة: 458، المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 681، 721، 722، الضعفاء للعقيلي: 3 / 446، الجرح والتعديل: 9 / 199، تهذيب الكمال: 1526، تذهيب التهذيب: 4 / 171 / 2، العبر: 1 / 304، ميزان الاعتدال: 4 / 416، تهذيب التهذيب: 11 / 306، خلاصة تذهيب الكمال: 429. (1) الكوفي التيمي بالولا، أحد القراء السبعة، المتوفى سنة (156) هـ، كان إمام الناس بعد عاصم والاعمش، وقد اتفق الأئمة على تلقي قراءته بالقبول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: حَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: يُعَدُّ مَعَ الأَشْجَعِيِّ فِي الكَثْرَةِ عَنْ سُفْيَانَ، أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَثْرَةَ الغَلَطِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: ذَاكَ رَاهِبٌ. وَمَاتَ وَلدُهُ دَاوُد بنُ يَحْيَى: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمَائَتَيْنِ، قَبْلَ مَحَلِّ الرِّوَايَةِ. رَوَى عَنْ أَبِيْهِ شَيْئاً يَسِيْراً. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ خَمْسِيْنَ مَرَّةً، يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوْبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنِ ابْنِ وَكِيْعٍ. 101 - عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُصنِّفُ، أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، نَزِيْلُ الكُوْفَةِ.   (1) سقطت من الأصل، وهو في سننه (866) في الحج: باب ما جاء في فضل الطواف، وإسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وشريك، وقال الترمذي: حديث غريب، سألت محمدا عنه، فقال: إنما يروي هذا عن ابن عباس قوله. (*) تهذيب الكمال: 830، تذهيب التهذيب: 2 / 235 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 291، العبر: 1 / 296، الوافي بالوفيات: 16 / 82، تهذيب التهذيب: 6 / 306، طبقات الحفاظ 121 وفيه المروزي، خلاصة تذهيب الكمال: 237. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 يَرْوِي عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ رَفِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ فِي طَلَبِ العِلْمِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَنَّفَ الكُتُبَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. 102 - فَأَمَّا المَيِّتُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ ف ـ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ زَيْدِ بنِ الحَوَارِيِّ العَمِّيُّ * البَصْرِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوكِيْنَ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ الرَّازِيِّ. يَرْوِي عَنْ: مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَنْ وَالِدِهِ. 103 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ ** نَائِبُ مِصْرَ، ثُمَّ حَلَبَ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ.   (*) التاريخ الكبير: 6 / 137، التاريخ الصغير: 2 / 254، تهذيب الكمال: 829، تذهيب التهذيب: 2 / 234 / 2، ميزان الاعتدال: 2 / 605، تهذيب التهذيب: 6 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 237، تذهيب ابن عساكر 3 / 24 - 25. (* *) تاريخ ابن عساكر: 2 / 421 / ب، النجوم الزاهرة: 2 / 105. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الأَمِيْرُ طَاهِرٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ. وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِحَلَبَ. وَكَانَ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: مَا رَأَيْتُ أَخطَبَ مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ. كَانَ جَامِعاً لِكُلِّ سُؤْدُدٍ، وَيَعْرِفُ الفَلْسَفَةَ، وَضَرْبَ العُوْدِ، وَالنُّجُوْمَ. وَقُلْتُ: عِلْمُهُ هَذَا، الجَهْلُ خَيْرٌ مِنْهُ. وَكَانَ مَلِيْحَ النَّظْمِ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يَحتَرِمُه، وَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ حَتَّى ضَرَبَ لَهُ بِالعُوْدِ، فَوَصَلَهُ بِجَوْهَرٍ ثَمَنُهُ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ، فَوَلِيَهَا سِتَّ سِنِيْنَ. وَعَاشَ: إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ بِحَلَبَ، وَبِهَا وُلِدَ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ أُمَرَاءَ، وَكلُّهُم بَنُو عَمِّ المَنْصُوْرِ. 104 - بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ * (م، د، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، السَّلِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ. رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ الحَبْحَابِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.   (*) التاريخ الكبير: 2 / 284، التاريخ الصغير: 2 / 221، الجرح والتعديل: 2 / 365، تهذيب الكمال: 154، تذهيب التهذيب: 1 / 85 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 325، العبر: 1 / 275، خلاصة تذهيب الكمال: 49، شذرات الذهب 1 / 293 حلية الأولياء 6 / 239. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ أَقرَانِهِ: الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فِي الوَرَعِ وَالرِّقَّةِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَخَوْفَ للهِ مِنْهُ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ رَكْعَةٍ. وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ. وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَفَرَ قَبْرَهُ، وَخَتَمَ فِيْهِ القُرْآنَ، وَكَانَ وِرْدُهُ ثُلُثَ القُرْآنِ. وَكَانَ ضَيْغَمُ صَدِيْقاً لَهُ، فَتُوُفِّيَا فِي يَوْمٍ. قَالَ غَسَّانُ الغَلاَبِيُّ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ وَجْهَ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ ذَكَرتُ الآخِرَةَ، رَجُلٌ مُنْبَسِطٌ، لَيْسَ بِمُتَمَاوِتٍ، فَقِيْهٌ، ذَكِيٌّ. وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ: رُبَّمَا قَبَضَ بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ عَلَى لِحْيَتِه، وَقَالَ: أَطْلُبُ الرِّيَاسَةَ بَعْدَ سَبْعِيْنَ سَنَةً؟ وَعَنْ بِشْرٍ - قِيْلَ لَهُ: أَتُحِبُّ أَنَّ لَكَ مائَةَ أَلْفٍ؟ - قَالَ: لأَنْ تَنْدُرَ عَيْنَايَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ غَسَّانُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي بِشْرٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَمِّي فَاتَتْهُ التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى، وَأَوْصَانِي فِي كُتُبِه أَنْ أَغسِلَهَا، أَوْ أَدفِنَهَا. قَالَ غَسَّانُ: وَكُنْت أَرَاهُ إِذَا زَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِهِ، قَامَ مَعَهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِرِكَابِه، وَفَعَلَ بِي ذَلِكَ كَثِيْراً. رَوَاهَا: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ للهِ مِنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ رَكْعَةٍ. الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 الخَالِقِ أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ: أَقِلَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا يَكُوْنُ، فَإِنْ كَانَ -يَعْنِي: فَضِيْحَةً- غَداً، كَانَ مَنْ يَعْرِفُكَ قَلِيْلاً. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: كَانَ بِشْرٌ يُصَلِّي فَيُطوِّلُ، وَرَجُلٌ وَرَاءهُ يَنْظُرُ، فَفَطِنَ لَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: لاَ يُعجِبُكَ مَا رَأَيْتَ مِنِّي، فَإِنَّ إِبْلِيْسَ قَدْ عَبْدَ اللهَ دَهْراً مَعَ المَلاَئِكَةِ. وَعَنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَا جَلَسْتُ إِلَى أَحَدٍ فَتَفَرَّقْنَا، إِلاَّ عَلِمتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أَقْعُدْ مَعَهُ، كَانَ خَيْراً لِي. سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: وَجَدْتُ الأَمْرَ أَهوَنَ مِمَّا كُنْتُ أَحْمِلُ عَلَى نَفْسِي. قُلْتُ: تُوُفِّيَ هَذَا الإِمَامُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَكَانَ فِي عَصرِهِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَنَّاطُ، كُوْفِيٌّ، قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ (1) . أَخَذَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ. وَالحَنَّاطُ: بِمُهْمَلَةٍ، ثُمَّ نُوْنٍ. وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ البَصْرِيُّ (2) ، الحَافِظُ، وَبِشْرُ بنُ السَّرِيِّ الوَاعِظُ الأَفْوَهُ (3) ، بَصْرِيٌّ أَيْضاً.   (1) تهذيب الكمال: 154، وتهذيب التهذيب 1 / 460. (2) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (9) (3) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (109) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ (1) ، بَصْرِيٌّ، حَافِظٌ بَعْدَ المائَتَيْنِ. وَبِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ (2) ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ (3) ، بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ. ثُمَّ بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ (4) ، مُحَدِّثُ حِمْصَ. وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ (5) ، الحَافِي، الزَّاهِدُ. وَبِشْرُ بنُ الحَكَمِ (6) العَبْدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ (7) ، السِّخْتِيَانِيُّ، شَيْخٌ لِلبُخَارِيِّ. وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ (8) ، الضَّرِيْرُ. وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ (9) ، وَعِدَّةٌ. وَمِنْ رُؤُوْسِ المُبْتَدِعَةِ: بِشْرُ بنُ غِيَاثٍ المَرِيْسِيُّ (10) . وَبِشْرُ بنُ المُعْتَمِرِ (11) .   (1) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (146) . (2) سترد ترجمته في الجزء التاسع برقم (194) . (3) تهذيب الكمال: 148، وتهذيب التهذيب 1 / 442. (4) تهذيب الكمال: 152، وتهذيب التهذيب 1 / 451. (5) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (153. (6) تهذيب الكمال: 150، وتهذيب التهذيب 1 / 447. (7) تهذيب الكمال: 153، وتهذيب التهذيب 1 / 457. (8) تهذيب الكمال: 153، وتهذيب التهذيب 1 / 458. (9) تهذيب الكمال: 155، وتهذيب التهذيب 1 / 462. (10) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (45) . (11) سترد ترجمته في الجزء العاشر برقم (46) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 105 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بنِ دِيْنَارٍ المَدَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ الفَقِيْهُ، أَبُو تَمَّامٍ المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: قِيْلَ لمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ ضَعِيْفٌ فِي حَدِيْثِ أَبِيْهِ. فَقَالَ: أَوَ قَدْ قَالُوْهَا؟ أَمَّا هُوَ، فَسَمِعَ مَعَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ، أَوْصَى إِلَيْهِ بِكتبِهِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَقَدْ بَالَ عَلَيْهَا الفَأْرُ، فَذَهَبَ بَعْضُهَا، فَكَانَ يَقْرَأُ مَا اسْتبَانَ لَهُ، وَيَدَعُ مَا لاَ يَعْرِفُ مِنْهَا، أَمَّا حَدِيْثُ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَحفظُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ بَعْدَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ.   (*) طبقات خليفة: 275، تاريخ خليفة: 51، التاريخ الكبير: 6 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 336، المعارف: 479، المعرفة والتاريخ: 1 / 429، 685، الضعفاء للعقيلي: 243، الجرح والتعديل: 5 / 382، مشاهير علماء الأمصار (1119) ص: 141، تهذيب الكمال: 837، تذهيب التهذيب: 2 / 239 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 247، ميزان الاعتدال: 2 / 626، العبر: 1 / 289، تهذيب التهذيب: 6 / 233، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب: 1 / 306. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ فِي حَدِيْثِ أَبِيْهِ، كَذَا جَاءَ هَذَا. بَلْ هُوَ حُجَّةٌ فِي أَبِيْهِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ فِي وَقْتِهِ أَفْقَهُ مِنْهُ، يَرَوْنَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ. وَأَمَّا هَذِهِ الكُتُبُ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ كُتُبَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ صَارَت إِلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ مرَّةً: لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ بِطَلبِ الحَدِيْثِ إِلاَّ كتبَ أَبِيْهِ، فَيَقُوْلُوْنَ: سَمِعَهَا. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الصِّحَاحِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ (1) .   (1) رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 80، وقال: رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح خلا إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، وثقه أبو حاتم ولم يتكلم فيه أحد. وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم (1513) ، وأبي داود (3376) ، والترمذي (1230) ، وابن ماجه (2194) ، والنسائي 7 / 262. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 106 - صَرِيْعُ الغَوَانِي مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ * هُوَ مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم، البَغْدَادِيُّ، حَامِلُ لِوَاءِ الشِّعْرِ. وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ كُوْفِيٌّ، نَزَلَ بَغْدَادَ. كَانَ شَاعِراً، مدَّاحاً، مُحْسِناً، مُفَوَّهاً، وَهُوَ القَائِلُ فِي جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ: كَأَنَّهُ قمرٌ أَوْ ضَيْغَمٌ هَصِرٌ ... أَوْ حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَوْ عَارِضٌ هَطِلُ لاَ يَضْحَكُ الدَّهْرَ إِلاَّ حِيْنَ تَسْأَلُهُ ... وَلاَ يُعَبِّسُ إِلاَّ حِيْنَ لاَ يُسَلُ (1) وَهُوَ القَائِلُ فِي يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدَ: يَكْسُو السُّيوفَ نُفُوْسَ النَّاكِثِينَ بِهِ ... وَيَجْعَلُ الهَامَ تِيْجَانَ القَنَا الذُّبَلِ إِذَا انْتَضَى سَيْفَهُ كَانَتْ مَسَالِكُهُ ... مَسَالِكَ المَوْتِ فِي الأَبْدَانِ وَالقُلَلِ (2) مَاتَ: فِي أَوَاخِرِ دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، وَدِيْوَانُهُ مَشْهُوْرٌ.   (*) التاريخ لابن معين: 367، طبقات خليفة: 276، التاريخ الكبير 6 / 25، التاريخ الصغير 2 / 236، الشعر والشعراء: 528، الضعفاء للعقيلي 245، الجرح والتعديل 5 / 395، تاريخ بغداد 13 / 96. (1) ديوانه: ص (250) من قصيدة مطلعها: استمطر العين أن أحبابه احتملوا * لو كان رد البكاء الحي إذ رحلوا ورواية الشطر الثاني من البيت الثاني فيه: " وليس يعبس ". (2) البيتان في " ديوانه " ص: (11، 14) من قصيدته السائرة، ومطلعها: أجررت حبل خليع في الصبا غزل * وشمرت همم العذال في العذل = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 107 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ * (م، 4، خَ مَقْرُوْناً) الإِمَامُ، العَالِمُ المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الجُهَنِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ الدَّرَاوَرْدِيُّ. قِيْلَ: أَصلُهُ مِنْ دَرَاوَرْد: قَرْيَةٌ بِخُرَاسَانَ. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ رِشْدِيْنَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ قَالَ: الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، نَزَلَ المَدِيْنَةَ. وَكَانَ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ: أَنْدَرُوْنَ (1) ؟ فَلَقَّبُوْهُ الدَّرَاوَرْدِيَّ. قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَثَوْرِ بنِ زَيْدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه،   = وبعد البيت الأول: يغدو فتغدو المنايا في أسنته * شوارعا تتحدى الناس بالاجل إذا طغت فئة عن غب طاعتها * عبى لها الموت بين البيض والاسل قد عود الطير عادات وثقن بها * فهن يتبعنه في كل مرتحل تراه في الامن في درع مضاعفة * لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل صافي القيان طموح العين همته * فك العناة وأسر الفاتك الخطل لا يعبق الطيب خديه ومفرقه * ولا يمسح عينيه من الكحل (*) التاريخ لابن معين: 367، طبقات خليفة: 276، التاريخ الكبير: 6 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 236، الضعفاء للعقيلي: 245، الجرح والتعديل: 5 / 395، مشاهير علماء الأمصار: (1120) ، ص 142، تهذيب الكمال: 844، تذهيب التهذيب: 2 / 243 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 269، ميزان الاعتدال: 2 / 633، تهذيب التهذيب: 6 / 353، خلاصة تذهيب الكمال: 241، شذرات الذهب: 1 / 316. (1) أندرون: كلمة فارسية معناها: داخل، باطن، بيت داخلي تابع للمنزل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ، وَأَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَيِّئُ الحِفْظِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: حَدَّثَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ. قَالَ الأَثْرَمُ: قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ يَرْوِي عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُرْخِي عِمَامَتَهُ مِنْ خَلْفِهِ (1) . فَتبسَّمَ، وَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا مَوقُوفٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ الدَّرَاوَرْدِيُّ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حَفِظِهِ يَهِمُ، لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَنَعَمْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.   (1) أخرجه الترمذي في الشمائل (110) ، والسنن (1736) من طريق هارون بن إسحاق الهمداني، عن يحيى بن محمد المدني، عن عبد العزيز الدراوردي، عن نافع، عن ابن عم: قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه " وسنده حسن كمال قال الترمذي، وله طريق أخرى عند الخطيب البغدادي 11 / 293، وثالثة عند الهيثمي في " المجمع " 5 / 120، نسبها للطبراني في الأوسط، وقال: رجاله رجال الصحيح، خلا أبي عبد السلام راويه عن ابن عمر، وهو ثقة. وفي الباب عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه الحجاج ابن رشدين وهو ضعيف، وعن عمرو بن حريث عند مسلم (2821) قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها، وفي رواية: طرفها بين كتفيه، وعن عائشة أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم على برذون وعليه عمامة طرفها بين كتفيه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام "، أخرجه أحمد 6 / 148 و152، والحاكم 4 / 193، 194، وسنده حسن في الشواهد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي دوَوَاينِ الإِسْلاَمِ السِّتَّةِ، لَكِنَّ البُخَارِيَّ رَوَى لَهُ: مَقْرُوْناً بِشَيْخٍ آخرَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَحَدِيْثُهُ وَحَدِيْثُ ابْن أَبِي حَازِمٍ لاَ يَنحطُّ عَنْ مرتبَةِ الحَسَنِ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ المُغِيْرَةِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى أَبِي، لِيعرضُوا عَلَيْهِ كِتَاباً، فَقَرَأَهُ لَهُم الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَكَانَ رَدِيْءَ اللِّسَانِ، يَلْحَنُ لحناً قبِيْحاً، فَقَالَ أَبِي: وَيْحَكَ يَا درَاوردِيّ، أَنْتَ كُنْتَ إِلَى إِصلاَحِ لِسَانِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ الوبرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: مَنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُوُ لَهُ) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) نَازِلاً عَنْ ثِقَةٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنِ العَلاَءِ بِنَحْوِهِ.   (1) رقم (2880) في الوصايا: باب ما جاء في الصدقة عن الميت، من طريق الربيع بن سليمان، عن ابن وهب..وأخرجه أحمد 2 / 372، ومسلم (1631) ، والترمذي (1376) ، والنسائي 6 / 251، من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 تُوُفِّيَ: الدَّرَاوَرْدِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِي وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ. 108 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ * (ع) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ بَعْدَ المائَةِ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارٌ، وَابْنُ المُثَنَّى، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحسَّانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ القَوَارِيْرِيُّ: كَانَ حَافِظاً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ: كَانَ ثِقَةً. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ العَزِيْزِ العمِّيُّ: مَا مَاتَ لَكُم شَيْخٌ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً مِثْلَهُ. قُلْتُ: يَقعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي كِتَابِ البَعْثِ (1) . وَكَانَ مَوْتُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 225، الجرح والتعديل: 5 / 388، تهذيب الكمال: 842، تذهيب التهذيب: 2 / 242 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 270، العبر: 1 / 297، ميزان الاعتدال: 1 / 270، الكاشف: 2 / 200، تهذيب التهذيب: 6 / 346، خلاصة تذهيب الكمال: 240، شذرات الذهب: 1 / 316. (1) تأليف أبي بكر عبد الله بن أبي داود، المحدث المشهور، صاحب كتاب " السنن " وقد طبع، متوفى سنة 267 هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَكملُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ العمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَمَا بِيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلاَّ رِدَاءُ الكبرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عدْنٍ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) عَنْهُمَا، وَرَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ. 109 - الهِقْلُ بنُ زِيَادٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، كَاتِبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَتِلْمِيْذُهُ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَأَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ،   (1) (180) في الايمان: باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، من حديث نصر بن علي الجهضمي، وأبي غسان المسمعي، وإسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز ابن عبد الصمد، عن أبي عبد الصمد، به، وأخرجه الترمذي (2528) في صفة الجنة، وابن ماجة (186) ، وأحمد في " المسند " 4 / 411 و416، والدارمي 2 / 333. (*) المعرفة والتاريخ للفسوي: 2 / 467، تهذيب الكمال: 1447، تذهيب التهذيب: 4 / 121 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 262، العبر: 1 / 227، تهذيب التهذيب: 11 / 64، خلاصة تذهيب الكمال: 414، شذرات الذهب: 1 / 292. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 وَأَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ بِالشَّامِ أَوْثَقُ مِنَ الهِقْلِ. وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: كَانَ الهِقْلُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَبمَجْلِسِهِ وَفُتْيَاهُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: الهِقْلُ أَبُو عَبْدِ اللهِ السَّكْسَكِيُّ، اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ، وَلَقَبُهُ: الهِقْلُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقُ مِنَ الهِقْلِ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: هُوَ أَعْلَى أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ الهِقْلُ مِصْرَ، وَكَتَبَ عَنْهُ أَهْلُهَا، وَتُوُفِّيَ بِبَيْرُوْتٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا مَوْلِدُهُ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قُبَيْلَ الشَّيْخُوخَةِ. 110 - يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْن * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو سَلَمَةَ، التَّيْمِيُّ، المُنْكَدِرِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.   (*) التاريخ الكبير: 2 / 381، التاريخ الصغير: 2 / 235، المعارف: 462، الجرح والتعديل: 9 / 234، مشاهير علماء الأمصار (1104) ، تهذيب الكمال: 1563، تذهيب التهذيب: 4 / 192 / 2، العبر: 1 / 292، تهذيب التهذيب: 11 / 430، خلاصة تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب: 1 / 309. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَصَالِحِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَوْفِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المقَابرِيُّ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَفرضَ لِي فِي المُقَاتلَةِ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ مَرَّ بِي بِاسْمِي، وَكَانَ بِنَا عَارِفاً، فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِمَوْلِدِ هَذَا الغُلاَمِ، فَنَحَّانِي مِنَ المُقَاتلَةِ، وَردَّنِي عَيِّلاً. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كُنَّا نَأتِي يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ يُحَدِّثُنَا، وَجَوَارِيْهِ فِي بَيْتٍ آخرَ يَضرِبْنَ بِالمعزفَةِ. قُلْتُ: أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَترخَّصُونَ فِي الغِنَاءِ، هُم مَعْرُوْفُوْنَ بِالتَّسَمُّحِ فِيْهِ. وَرَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهُوَ (1)) . تُوُفِّيَ: يُوْسُفُ بنُ المَاجَشُوْنِ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ المَاجَشُوْن، قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ، وَلأخِي،   (1) أخرجه البخاري 9 / 194، 195 في النكاح، باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة، من حديث عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الانصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما كان معكم لهو فإن الانصار يعجبهم اللهو ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 وَلابْنِ عمٍّ لِي - وَنَحْنُ فِتْيَانٌ أَحَدَاثٌ نَسْأَلُهُ -: لاَ تَحْقِرُوا أَنْفسَكُم لِحدَاثَةِ أَسْنَانِكُم، فَإِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ دَعَا الشَّبَابَ، فَاسْتشَارَهُم، يَبتغِي حِدَّةَ عُقُوْلِهِم. قُلْتُ: أَخُوْهُ هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَعْقُوْبَ (1) ، صَدُوْقٌ. يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِيْهِ، وَالزُّهْرِيِّ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا ابْنُ عَمِّهِمَا، فَهُوَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ مَعَ مَالِكٍ، عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَدْ ذُكِرَ (2) . 111 - العُمَرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، القُرَشِيُّ، العدوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ.   (1) مترجم في الجرح والتعديل 5 / 399. (2) انظر الجزء السابع من هذا الكتاب ص: 309. (*) التاريخ الكبير: 5 / 140، التاريخ الصغير: 2 / 235، المعارف: 186، الجرح والتعديل: 5 / 103، مشاهير علماء الأمصار: (1009) ، ص 129، نسب قريش: 359، حلية الأولياء: 8 / 283، تهذيب الكمال: 706، تذهيب التهذيب: 2 / 162 / 1، العبر: 1 / 289، ميزان الاعتدال: 2 / 457، تهذيب التهذيب: 5 / 302، خلاصة تذهيب الكمال: 205، الكواكب الدرية للمناوي: 133، شذرات الذهب: 1 / 306. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ أَبِي طُوَالَةَ. وَعَنْهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَائِذِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ، قوَّالٌ بِالحَقِّ، أَمَّارٌ بِالعُرْفِ، لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ لُوْمَةَ لاَئِمٍ، كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَالِكٍ الإِمَامِ اجْتِمَاعَهُ بِالدَّولَةِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ، فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ (1)) . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي العُمَرِيِّ هَذَا: هُوَ عَالِمُ المَدِيْنَةِ الَّذِي فِيْهِ الحَدِيْثُ. عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَضَى الرَّشِيْدُ عَلَى حِمَارٍ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ إِلَى العُمَرِيِّ، فَوَعَظَهُ، فَبَكَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: كَتَبَ العُمَرِيُّ إِلَى مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا بكُتُبٍ أَغلظَ لَهُم فِيْهَا، وَقَالَ: أَنْتُم عُلَمَاءٌ تَمِيْلُوْنَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتلبسُوْنَ اللَّيِّنَ، وَتَدَعُوْنَ التَّقَشُّفَ. فَجَاوبَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِكِتَابٍ أَغلظَ لَهُ، وَجَاوبَهُ مَالِكٌ جَوَابَ فَقِيْهٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ العُمَرِيَّ، وَعَظَ الرَّشِيْدَ مَرَّةً، فَكَانَ يَتلقَّى قَوْلَهُ بِنَعَم يَا عمّ! فَلَمَّا ذَهَبَ، أَتْبَعَهُ الأَمِيْنَ وَالمَأْمُوْنَ بكِيسَيْنِ فِيْهِمَا أَلْفَا دِيْنَارٍ، فَردَّهُمَا، وَقَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَفرِّقُهَا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ دنِيَاراً وَاحِداً، وَشخَصَ عَلَيْهِ بَغْدَادَ، فَكرِهَ   (1) تقدم تخريجه ولا يصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 مجِيئَهُ، وَجَمَعَ العُمَرِيّينَ، وَقَالَ: مَالِي وَلابْنِ عمِّكُم، احْتملتُهُ بِالحِجَازِ، فَأَتَى إِلَى دَارِ مُلْكِي، يُرِيْدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ أَوْلِيَائِي، ردُّوْهُ عَنِّي. قَالُوا: لاَ يَقْبَلُ مِنَّا. فَكَتَبَ إِلَى الأَمِيْرِ مُوْسَى بنِ عِيْسَى: أَنْ تَرَفَّقْ بِهِ حَتَّى تَردَّهُ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ العُمَرِيُّ أَصْفَرَ، جسِيْماً، لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُ مِنَ السُّلْطَانِ وَلاَ غَيْرِهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لاَ يُكَلِّمُهُ، وَوَلِيَ أَخُوْهُ عُمَرُ المَدِيْنَةَ وَكرمَانَ، فَهَجَرَهُ، مَا أَدْرَكتُ بِالمَدِيْنَةِ رَجُلاً أَهْيَبَ مِنْهُ، وَكَانَ يَقْبَلُ صِلَةَ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَدِمَ الكُوْفَةَ لِيُخَوِّفَ الرَّشِيْدَ بِاللهِ، فَرجفَ لمجِيئِهِ الدَّولَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ نَزَلَ بِهِم مِنَ العدوِّ مائَةَ أَلْفٍ، مَا زَادَ مِنْ هَيْبَتِهِ، فَرُدَّ مِنَ الكُوْفَةِ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ المَقْبُرَةَ كَثِيْراً، مَعَهُ كِتَابٌ يُطَالعُهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَوعَظَ مِنْ قَبْرٍ، وَلاَ آنَسَ مِنْ كِتَابٍ، وَلاَ أَسلمَ مِنْ وَحْدَةٍ. عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ العُمَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ: بِنعمَةِ رَبِّي أُحَدِّثُ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَحْتَ قَدَمِي، مَا يَمْنَعنِي مِنْ أَخذِهَا إِلاَّ أَنْ أُزِيلَ قَدَمِي، مَا أَزلتُهَا، مَعِي سَبْعَةُ دَرَاهِمَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فَتَلْتُهُ بِيَدِي. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى العُمَرِيِّ الصَّالِحِ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنكَ، وَفِيْكَ عَيْبٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: حُبُّ الحَدِيْثِ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ زَادِ المَوْتِ، أَوْ قَالَ: مِنْ أَبزَارِ المَوْتِ. قَالَ أَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ يَقُوْلُ: إِنَّ مِنْ غَفْلَتِكَ عَنْ نَفْسِكَ، إِعرَاضَكَ عَنِ اللهِ بِأَنْ تَرَى مَا يُسْخِطُهُ فَتجَاوزَهُ، وَلاَ تَأْمُرْ وَلاَ تَنهَى، خَوْفاً مِنَ المَخْلُوْقِ، مَنْ تَرَكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ خَوْفَ المَخْلُوْقِيْنَ، نُزِعَتْ مِنْهُ الهَيْبَةُ، فَلَو أَمرَ وَلدَهُ لاَسْتَخَفَّ بِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ المَكِّيُّ: قَدِمَ العُمَرِيُّ، فَاجْتَمَعنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى القُصُوْرِ المُحْدِقَةِ بِالكَعْبَةِ، صَاحَ: يَا أَصْحَابَ القُصُوْرِ المُشَيَّدَةِ، اذكرُوا ظُلْمَةَ القُبُوْرِ المُوْحِشَةِ، يَا أَهْلَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلذُّذِ، اذكرُوا الدُّودَ وَالصَّدِيْدَ، وَبلاَءَ الأَجسَامِ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَقَامَ. أُنْبِئتُ عَنِ الكَاغَدِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُوْسَى بنُ عِيْسَى: يُنهَى إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّكَ تَشْتِمُهُ، وَتَدعُو عَلَيْهِ، فَبِمَ اسْتجزْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: أمَّا شَتْمُهُ، فَوَاللهِ هُوَ أَكرمُ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي لقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الدُّعَاءُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ عِبْئاً ثقِيْلاً عَلَى أَكتَافِنَا، فَلاَ تُطِيْقُهُ أَبَدَاننَا، وَقَذَىً فِي جُفُوْنِنَا، لاَ تَطْرَفُ عَلَيْهِ جُفُوْننَا، وَشجَى فِي أَفْوَاهِنَا، لاَ تُسِيغُهُ حلوقُنَا، فَاكفِنَا مُؤنتَهُ، وَفرِّقْ بَيْننَا وَبَيْنَهُ، وَلَكِن قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ تَسَمَّى بِالرَّشِيْدِ لِيَرشُدَ، فَأَرْشِدْهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَاجِعْ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَهُ فِي الإِسْلاَمِ بِالعَبَّاسِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ كفّاً (1) ، وَلَهُ بنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَابَةٌ وَرحمٌ، فَقرِّبْهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَبَاعِدْهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ، وَأَسعِدْنَا بِهِ، وَأَصلِحْهُ لِنَفْسِهِ وَلَنَا. فَقَالَ مُوْسَى: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَذَاكَ لَعَمْرِي الظَّنُّ بِكَ. قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ الزَّاهِدَ العُمَرِيَّ بِمَسْجِدِ مِنَى يَقُوْلُ: للهِ دَرُّ ذَوِي العُقُوْلِ ... وَالحِرْصِ فِي طَلَبِ الفُضُولِ سُلاَّبُ أَكْسِيَةِ الأَرَاملِ ... وَالِيتَامَى وَالكُهُولِ (2)   (1) في " الحلية " 8 / 286: " حقا ". (2) في " الحلية " 8 / 284: " بثلاث أكسبه الارامل " وهو تحريف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 وَالجَامِعِيْنَ المُكثرِيْنَ ... مِنَ الجِنَايَةِ وَالغُلُولِ وضعُوا عُقُوْلَهُمُ مِنَ ... الدُّنْيَا بِمَدْرَجَةِ السُّيولِ وَلَهَوا بِأَطرَافِ الفُرُوْعِ ... وَأَغْفلُوا عِلْمَ الأُصُوْلِ وَتَتَبَّعُوا جمْعَ الحُطَامِ ... وَفَارقُوا أَثَرَ الرَّسُوْلِ وَلَقَدْ رَأَوا غِيْلاَنَ رَيْبِ ... الدَّهْرِ غُولاً بَعْدَ غُولِ وَفِي (تَارِيْخِ ابْنِ جَرِيْرٍ) بِإِسْنَادٍ: أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا آمرُ فِي هَذَا العُمَرِيِّ، أَكرَهُ أَنْ أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَهُ سلَفٌ (1) ، وَإِنِّيْ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِفَ رَأْيَهُ فِيْنَا. فَقَالَ عُمَرُ بنُ بَزِيعٍ، وَالفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ: نَحْنُ لَهُ. فَخَرَجَا مِنَ العَرْجِ إِلَى مَوْضِعٍ لَهُ بِالبَادِيَةِ فِي مَسْجِدِهِ، فَأَنَاخَا وَأَتِيَاهُ عَلَى زِيِّ المُلُوْكِ فِي حِشْمَةٍ، فَجَلَسَا إِلَيْهِ، فَقَالاَ: نَحْنُ رُسُلُ مَنْ وَرَاءنَا مِنَ المَشْرِقِ، يَقُوْلُوْنَ لَكَ: اتَّقِ اللهَ، إِنْ شِئْتَ فَانهضْ. فَقَالَ: وَيْحَكمَا، فِيْمَنْ، وَلِمَنْ؟ قَالاَ: أَنْتَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أُحبُّ أَنِّي لقِيْتُ اللهَ بِمِحْجَمَةِ دَمِ مُسْلِمٍ، وَإِنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْهُ، قَالاَ: إِنَّ مَعَنَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً تَسْتعِيْنُ بِهَا. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا. قَالاَ: أَعْطِهَا مَنْ رَأَيْتَ. قَالَ: أَعْطِيَاهَا أَنْتُمَا. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْهُ، ذَهَبَا، وَلَحِقَا بِالرَّشِيْدِ، فَحدَّثَاهُ. فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَا صَنَعَ بَعْدَ هَذَا. فَبَيْنَا العُمَرِيُّ فِي المسعَى، إِذَا بِالرَّشِيْدِ يَسْعَى عَلَى دَابَّةٍ، فَعرضَ لَهُ العُمَرِيُّ، فَأَخَذَ بلجَامِهِ، فَأَهْوَوا إِلَيْهِ، فَكفَّهُمُ الرَّشِيْدُ، وَكلَّمَهُ، فَرَأَيْتُ دُمُوْعَ الرَّشِيْدِ تَسِيْلُ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابنَا، قَالَ: كَتَبَ مَالِكٌ   (1) في " تاريخ الطبري " 8 / 354: وله خلف أكرههم. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 354، 355، ونص المؤلف مروي بالمعنى، وفيه اختصار قليل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 إِلَى العُمَرِيِّ: إِنَّكَ بَدَوْتَ، فَلَو كُنْتَ عِنْدَ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَتَبَ: إِنِّيْ أَكرَهُ مُجَاوَرَةَ مِثْلِكَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَركَ متغَيِّرَ الوَجْهِ فِيْهِ سَاعَةً قَطُّ. قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ فِي الوَعْظِ، وَإِلاَّ فَمَالِكٌ مِنْ أَقْوَلِ العُلَمَاءِ بِالحَقِّ، وَمِنْ أَشدِّهِم تَغَيُّراً فِي رُؤْيَةِ المُنْكرِ. وَأَمَّا العُمَرِيُّ: فَمَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً، وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ السِّرِّينِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الجُدِّيُّ (2) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إِلَى فَسَقَةِ القُرْآنِ مِنْهُم إِلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ؟ فَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ لاَ يَعْلَم (3)) . غَرِيْبٌ مُنكرٌ، وَلاَ أَعْرِفُ مُوْسَى هَذَا. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ العُمَرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ستٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. 112 - عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَالِمُ زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ فِي وَقْتِهِ،   (1) نسبة إلى " سرين ": بليدة قريبة من مكة. (2) نسبة إلى جدة. (3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 286، وقال المصنف في ترجمة موسى بن محمد في " الميزان ": وحدث عنه الطبراني بخبر منكر في عذاب فسقة القراء. وقال ابن حبان: حديث باطل. (*) طبقات خليفة: 323، تاريخ خليفة: 146، التاريخ الكبير: 5 / 212، التاريخ = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ مَوْلاَهُم، التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ، وَالإِنفَاقِ عَلَى الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى الحَجِّ. سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُردَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ،   = الصغير: 2 / 225، المعارف: 511، الجرح والتعديل: 5 / 179، الولاة والقضاة: 368، حلية الأولياء: 8 / 162، الانتفاء: 132، تاريخ بغداد: 10 / 152، طبقات الشيرازي: الورقة: 26، ترتيب المدارك: / 300، صفوة لصفوة: 4 / 134 - 147، وفيات الأعيان: 3 / 32، تهذيب الكمال: 730، تذهيب التهذيب: 2 / 177 / 2 تذكرة الحفاظ: 1 / 174، العبر: 1 / 280، الديباج المذهب: 130، غاية النهاية: 1 / 446، تهذيب التهذيب: 5 / 382، النجوم الزاهرة: 2 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 211، الطبقات الكبرى للشعراني: 50، شذرات الذهب: 1 / 295. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ، وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم. وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ. وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي (المَاءُ مِنَ المَاءِ) رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَرُوَاتُهُ   (1) رقم (110) في الطهارة: باب ما جاء أن الماء من الماء، وأخرجه أحمد 5 / 115، 116، وابن ماجة (609) ، وابن حبان (228) ، من طريق الزهري، عن سهل بن سعد، ورواه أبو داود (214) من طريق الزهري، حدثني بعض من أرضى، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره..قال ابن حجر في " التلخيص " ص (49) : وجزم موسى بن هارون = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ. ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ. قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ. وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي (تَارِيْخِ مَرْوَ) : كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أُمُّهُ   = والدارقطني بأن الزهري لم يسمع من سهل، لكن للحديث طريق آخر صحيح أخرجه أبو داود (215) ، والدارمي 1 / 194 من حديث محمد بن مهران الرازي قال: حدثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب: إن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد. وذكره البيهقي في " السنن " 1 / 165 / 166، من طريق أبي داود، ووصفه بأن إسناده موصول صحيح، ورواه الدارقطني في " سننه " ص (46) وقال: صحيح، وصححه ابن حبان (229) ، وابن خزيمة (225) . (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 10 / 153. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 إِلَيْكَ الأَمَانَةَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ العَجَمَ لاَ يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ، عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَوحِشُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ؟! قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ. قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا فَعَلَ؟ قَالَ: هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ. قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ، أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ. فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ بِحَرْفٍ إِلاَّ عَنْ حَمَّادٍ (1) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَطَسَ؟ قَالَ: الحَمْدُ للهِ. فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ (2) . قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى. عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ مِنْهُ.   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 155، وإسماعيل الخطبي هو إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي أبو محمد، نسبة إلى الخطب وإنشائها. (2) أخرج البخاري في " صحيحه " 10 / 502 في الأدب: باب إذا عطس كيف يشمت من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم " وفي " المصنف " (19678) بسند صحيح من حديث أنس بن مالك قال: عطس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الرجل: يا رسول الله، شمت فلانا ولم تشتمتني، فقال: " إن هذا حمد الله وإنك لم تحمد ". وأخرجه البخاري 10 / 504، ومسلم (2991) من طريق آخر عن أنس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، قَالَ: مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً إِلاَّ وَابْنُ المُبَارَكِ أَفْضَلُ مِنْهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ. عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المَصِّيْصِيُّ، قَالَ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّةَ، فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ، وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ. قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ- المُلْكُ، لاَ مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ النَّاسَ إِلاَّ بِشُرَطٍ وَأَعْوَانٍ (1) . قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الجَهْضَمِيُّ، قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ. وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزمَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ. الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: تَعَرَّفْتُ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 156، و" وفيات الأعيان " 3 / 33. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ. قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ، فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ، فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لَكُم أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا غُلاَمُ! هَاتِ الطَّسْتَ. فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ المِندِيلِ مَا مَعَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ، فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ بِلاَدُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّمَا أَعْطَيْتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً. فَيَقُوْلُ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي نَفَقَتِهِ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ: نَصْحَبُكَ. فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم. فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، وَيُقْفِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ مَرْوَ إِلَى بَغْدَادَ، فَلاَ يَزَالُ يُنفِقُ عَلَيْهِم، وَيُطعِمُهُم أَطْيَبَ الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا؟ فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 157، 158. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ؟ فَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا. فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ مَكَّةَ، فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ. قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ سَفْرَةٍ سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلاَكَ وَأَصْحَابَكَ مَا اتَّجَرْتُ. وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (1) . عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ إِلَى وَكِيلٍ لَهُ. فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ؟ قَالَ: سَبْعُ مائَةِ دِرْهَمٍ. وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلاَّتِ قَدْ فَنِيَتْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلاَّتُ قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ، فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلاَفِ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ، وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النَّفِيْرِ مُسْتَعجِلاً، فَلَمَّا   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 158. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 158، 159. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 رَجَعَ، سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. فَاسْتَدَلَّ عَلَى الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَحَلَّفَهُ أَلاَّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى أَيْنَ كُنْتَ؟ لَمْ أَرَكَ! قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ. قَالَ: وَكَيْفَ خَلصتَ؟ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي، وَلَمْ أَدرِ. قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ (1) . أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ: أَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ، وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا؟ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي، وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّي. قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا إِنْ تَمَّ ذَا (2) . الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ (3) . عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ سِتَّةُ نَفَرٍ، مِنْهُم ابْنُ المُبَارَكِ. أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الطَّبَّاعِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ:   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 159. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 160. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 160. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلاَ أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَقشَفَ مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشَدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ (1) . أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ: قُلْتُ لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟ فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ. قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُم لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ (2) . نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ (3) . أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَعْيَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ (5) .   (1) الاخبار الأربعة في " تاريخ بغداد " 10 / 160، 161. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 161. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 161. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 161. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 161. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَكُوْنَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (1) . مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ. قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟ قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ. قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ. فَقَالَ فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا (3) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ: كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ، حَدِّثْنَا - وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا يَسْمَعُ - فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا خَلَّفَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 162. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 162. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 162. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 262. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 162. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ قَالَ: شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ ذَهَبَ! يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ. قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَبَقِيَ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ (1) ؟! مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ (2) . المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ (3) . قُلْتُ: هَذَا الإِطلاَقُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ. قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ. قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ - وَرَّاقُ سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ -: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلاَّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزْوِهِم مَعَهُ (4) . مَحْمُودُ بنُ وَالاَن، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ الحَسَنِ يَمدَحُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَقُوْلُ:   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 263. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 163. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 163، وكلمة " أجمعين " لم ترد فيه. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 163. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا (1) هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ (3) . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ (4) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظاً. فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ- كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً (5) . قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَفقَهَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 163. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 164. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 164. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 164. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 164. (6) " تاريخ بغداد " 10 / 164. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ - فَقَالَ: خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ - فَبَدَأَ بِهِ - وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (1) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ؟ قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى. قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى؟ قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ؟ قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ، وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ. قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ؟ قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ (2) . مَحْمُودُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟ وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً، فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ (3) . وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ. الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيْثَ؟ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ، فَأَنظُرُ فِيْهِ، فَمَا اشْتَهَيْتُهُ، عَلِقَ بِقَلْبِي (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 164. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 165. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 165. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 165. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ - صَدِيْقُ ابْنِ المُبَارَكِ - قَالَ: كُنَّا غِلْمَاناً فِي الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ، وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا. فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا (1) . نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ، لأُحَرِقَنَّهَا. قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فِي صَدْرِي (2) . وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ: العَجَبُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه بِهِ (3) . قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِيٌّ، ثِقَةٌ. قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَهَذَا أَشرَبُهُ لِعَطَشِ القِيَامَةِ، ثُمَّ شَرِبَهُ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 165، 166، (2) " تاريخ بغداد " 10 / 166. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 166. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 166، وحديث " ماء زمزم لما شرب له " أخرجه أحمد، 3 / 357، وابن ماجه (3062) من طريق عبد الله بن المؤمل، أنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ماء زمزم لما شرب له " وهذا سند ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمل، لكن له شاهد عن ابن عباس، أخرجه الدارقطني في " سننه " من حديث محمد بن حبيب الجارودي، عن سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن مجاهد عنه، رفعه به، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2473) في حديث أبي ذر الطويل قوله صلى الله عليه وسلم: " إنها مباركة، وإنها طعام طعم "، ولفظ أبي داود الطيالسي 2 / 158 " إنها لمباركة وهي طعام طعم وشفاء سقم ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ المُؤَمَّلِ عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ يُعْرَفُ، وَهُوَ مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ. أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا (1) قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَ (الرِّقَاقِ) ، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ البُكَاءِ، لاَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ دَفَعَهُ (2) . أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَالَ: وَأَنْتَ   (1) تاريخ بغداد 10 / 166. (2) تاريخ بغداد 10 / 167. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا (1) !! قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ: مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ بَصَرِي. فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ. وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ (2) . قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ (3) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَازُ (ح) .   (1) تاريخ بغداد 10 / 167. (2) تاريخ بغداد 10 / 167، والزيادة منه. (3) تاريخ بغداد 10 / 168. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، قَالَ سبْعَتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مِشْرَحُ بنُ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا (1)) . وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ، ... فَذَكَرَهُ. وَبِهِ: إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ: انْظُرُوا فُلاَناً لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ. هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو.   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 151 و154، 155، والفريابي في " صفة النفاق " ص 54، والخطيب في تاريخه 1 / 357 من طرق عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " ص 451، وأحمد 2 / 175، والفريابي في " صفة النفاق " ص 53، 54 من طريق عبد الرحمن بن شريح المعافري، عن شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وسنده حسن في الشواهد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ. وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّاسِ. قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ مَوْلَى ابْنِ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَمَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ، وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ، وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ، وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلاَمِ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي نَفْسَهُ-. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، فَرَويتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ. ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ لَهُ. قَالَ حَبِيْبٌ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ؟ قَالَ: غَرِيْزَةُ عَقْلٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ: حُسْنُ أَدَبٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ يَسْتَشِيْرُهُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ: صَمْتٌ طَوِيْلٌ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ: مَوْتٌ عَاجِلٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 وَرَوَى: عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ. قَالَ نُعَيْمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَكْرُمَةٍ؟! قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَهُ. قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلاَّ ابْنَ المُبَارَكِ. قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لاَ تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ. قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا؟ قَالَ: أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم؟ أَنْتُم تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيْثَ. مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلاَثٍ: إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى، وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ العِلْمِ أَنْ يُفِيْدَ بَعْضُهُم بَعْضاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي سَنَدِهِ. قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ، وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ الخَيْرُ إِلَيْهِ؟ وَعَنْهُ، قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ: {إِنِّيْ أَعِظُكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} [هُوْدُ: 460] . إِسْنَادُهَا لاَ يَصِحُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ خِلاَفُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ: الإِصرَارُ عَلَيْهَا. وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ؟ فَقَالَ: العُلَمَاءُ. قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ؟ قَالَ: الزُّهَّادُ. قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ؟ قَالَ: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ-. قِيْلَ: فَمَنِ السَّفِلَةُ؟ قَالَ: الَّذِيْنَ يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم. وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ. وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ يَرْوِيْهِ؟ قُلْتُ: شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ. قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟ قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟ قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ (1) . أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (ح) . وَأَخْبَرَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحَفَّارُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ   (1) ذكره مسلم في مقدمة " صحيحه " 1 / 16، والمفاوز جمع مفازة: الأرض القفر البعيدة عن العمارة، وعن الماء التي يخاف الهلاك فيها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ - وَمَرَرْتُ مَعَهُ بِبُقْعَةٍ - فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (رُبَّ يَمِيْنٍ لاَ تَصْعَدُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي هَذِهِ البُقْعَةِ (1)) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَأَيْتُ فِيْهَا النَّخَّاسِيْنَ. وَبِهِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكرٍ خَمْرٌ (2)) . أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: إِنَّا لَنَحكِي كَلاَمَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ كَلاَمَ الجَهْمِيَّةِ (3) . وَبِهِ: إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى يَقُوْلُ:   (1) إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله العمري، وشيخه عبيد بن أبي عبيد لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهو في " المسند " 2 / 303 من طريق عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم، عن عبيد، عن أبي هريرة. (2) إسناده حسن، وأخرجه مسلم (2003) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة " وأخرجه أحمد 2 / 98، والترمذي (1861) ، وأبو داود (3679) ، والنسائي 9 / 558. (3) أتباع جهم بن صفوان الراسبي المكنى بأبي محرز، نشأ في سمرقند بخراسان، ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ، وكان مولى لبني راسب من الازد، وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه، وإنكار صفات الله، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها. وقد قتل سنة 128 هـ مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا. قَالَ: لاَ نَقُوْلُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ مَعَنَا هَا هُنَا. قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] يَعْنِي: بِالعِلْمِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ - وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ -: كُنَّا - وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ - نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ تَحرِيْفٍ، وَلاَ تَشْبِيْهٍ وَلاَ تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ. وَقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُوْنَ أَنَّ ذَاتَ البَارِي مَوْجُوْدَةٌ حَقِيْقَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ -تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ (1)) لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ   (1) ينفي غير واحد من أهل العلم ومنهم المؤلف نسبة هذا الكتاب إلى الامام أحمد، فقد رواه عن عبد الله بن الامام أحمد الخضر بن المثنى، وهو مجهول، والرواية عن مجهول = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا؟ قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلاَ نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَا هُنَا فِي الأَرْضِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّةِ. قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ (1) . أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظِيْمِ.   = مقدوح فيها، ومطعون في سندها، ومما يقوي قولهم: أنا لا نجد له ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد ممن عاصروه وجالسوه، أو أتوا بعده مباشرة، وكتبوا في الموضوع نفسه، كالامام البخاري، وابن قتيبة، وأبي سعيد الدارمي. (1) لقد صدق هذ الامام رحمه الله، فإن في ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء وأي غناء على الأحاديث الضعيفة، ذات الضرر السيئ بالعقيدة والعبادة والسلوك، وقد نبه غير واحد من الأئمة على تجنب رواية الحديث، والاستشهاد به ما لم تعلم صحته من طريق حافظ مشهور متثبت من حفاظ الحديث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأَخْرُجَ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ - أَوْ ذَاكَرْتُهُ - فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ. وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا: مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطَّبِيْبِ حَتَّى نَسْأَلَه - يَعنُوْنَ: ابْنَ المُبَارَكِ -. قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ. فَقَالَ الشَّرِيْفُ لِغُلاَمِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلاَ تَرَى أَنْ تُحَدِّثَنِي؟ فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلاَ أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ. رَوَى المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ المُبَارَكِ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ - فَقَالَ: قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ. عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ قَطُّ: (حَدَّثَنَا) ، كَانَ يَرَى (أَخْبَرَنَا) أَوْسَعَ (1) ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا قَرَأَ. وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ. الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي حَدِيْثِ ثَوْبَانَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ (2)) : يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوْا (3)) . وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ، وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ. قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلُ أَرْضِ زَمَانِهِ. نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَةٌ، وَلاَ أَقُوْلُ لأَحَدٍ مِنْهُم هُوَ مَفْتُونٌ.   (1) قال أبو عبد الله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " 260: الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه أكثر مشايخي، وأئمة عصري: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد: " حدثني فلان "، وما يأخذه عن المحدث لفظا مع غيره: " حدثنا فلان "، وما قرأ على المحدث بنفسه: " أخبرني فلان "، وما قرئ على المحدث وهو حاضر: " أخبرنا فلان ". وقال يحيى بن سعيد: " أخبرنا " و" أنبأنا " واحد. (2) تقدم تخريج هذا الحديث في ص 215 تعليق رقم (1) فارجع إليه. (3) أخرجه مسلم (1854) في الامارة، والترمذي (2266) ، وأبو داود (4760) ، وأحمد 6 / 295، 302، 305، 321، من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ السِّفْلَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ. وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لاَ يَأْمنُوْنَ مِنْ أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ فِيْهِ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ، وَضَلاَلَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَبُ المَرْءُ دِيْنَهُ وَلاَ يَشعُرُ. قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ. وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ (1) ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ. فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ. الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً. قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي. يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا. قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: (أَفْضَلُ   (1) بلد بالثغر من نواحي المصيصة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ (1)) ، وَلاَ حَدِيْثَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ (2) . قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكِبْرُ؟ قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ. قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَرْحَةٍ خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقطٌ كَمْ يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ. وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ؟ قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ. قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.   (1) أخرجه البخاري 3 / 13، 14، في التجهد: باب من نام عند السحر، ومسلم (1159) (189) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ". (2) انظر صحيح البخاري 6 / 327 في الأنبياء: باب قول الله تعالى (وآتينا داود زبورا) ومسلم (1159) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ - فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً (1) ، ثُمَّ أَنْشَدَ: دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ ... وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ. قَدْ أَسلَفْنَا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوْسَ، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ. فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتِلْتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوجٍ، وَطَلَبَ البِرَازَ، فَكَأَنَّهُم كَاعُوا (2) عَنْهُ،   (1) التدليس: أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمع منه بصيغة لا تقتضي السماع، أو يصف الشيخ الذي روى عنه بأوصاف لا تعرف، وهو مذموم على الاطلاق، حتى بالغ إمام الجرح والتعديل شعبة بن الحجاج، فقال: لان أزني أحب إلي من أن أدلس، وقال: التدليس أخو الكذب، والصحيح الذي رجحه أئمة الحديث وجهابذته أن ما رواه الموصوف بالتدليس بلفظ محتمل لم يصرح فيه بالسماع لا يقبل، وما صرح فيه بالسماع يقبل، وهذا إذا كان المدلس ثقة في روايته. (2) كاعوا عنه: جبنوا، والكاعي: المنهزم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ ... ، فَذَكَرَ كَلِمَةً. قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ. وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ. وَقَدْ تَفَقَّهَ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً، شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ. قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَةٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ (1) ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا. قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَوَجَدَ فِي   (1) الفالوذق، كالفالوذج نوع من الحلواء تسوى من لب الحنطة، فارسي معرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ خَالِ أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ وَقَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم؟ قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمَةُ الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لاَ نَقدِرُ عَلَى هَذَا. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ (1)) . فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ؟ قَالَ: فِي الغَزْوِ.   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 171، من طريق نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك..وأخرجه ابن حبان (1912) من طريق عمرو بن عثمان، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك..وهذا سند قوي، وأخرجه الحاكم 1 / 62 من طريق أحمد بن سيار، حدثنا وارث بن عبيد الله، حدثنا ابن المبارك ... وصححه، ووافقه الذهبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ. قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً. فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ. فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ. قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ: عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً ... إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ} (1) . هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً، مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي القَضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ   (1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 176، وقد تحرف فيه " الضيق " إلى " الضيف ". وانظر تفسير ابن كثير 3 / 171. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ فِصِرتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْد مَا ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ إِنْ قُلْتَ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ: يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ ... فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ (1) وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ: لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي ... أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ (2) هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا ... لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لاَ يُكْذَبُ   (1) الرهج والرهج: الغبار، والسنابك جمع سنبك طرف حافر الخيل وجانباه من قدام. (2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2 / 256 و342 و441. والنسائي 6 / 12، 13، 14، والحاكم 2 / 72، والبيهقي 9 / 161، من حديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد أبدا " وفي سنده ابن اللجلاج لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله طريق آخر عند أحمد 2 / 340، والنسائي 6 / 12، 13، والحاكم 2 / 72 من حديث الليث، عن محمد ابن عجلان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. وهذا سند حسن، وصححه ابن حبان (1597) و (1599) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ. قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ: فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم ... أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لاَ بُدَّ مَوْرِدُهَا ... وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائِرُ وَالجَبَّارُ مُطَّلِعُ إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ لَهُ ... أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ ... إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ: إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه ... لِيْنٌ، وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً ... وَلَنْ أَسُبَّ - مَعَاذَ اللهِ - عُثْمَانَا وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ ... حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ، وَلاَ ... أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَا وَلاَ أَقُوْلُ: عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ، إِذاً ... قَدْ قُلْتُ -وَاللهِ- ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ، إِنَّ لَهُ ... قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا وَلاَ أَقُوْلُ: تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ ... رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ ... فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ (1) ، قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ: أَمَا هُوَ القَائِلُ: اللهُ يَدفَعُ بِالسُّلْطَان مُعْضِلَةً ... ... فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا؟ قَالَ الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فُضَيلِ   (1) مدينة على الفرات فوق الانبار من أعمال العراق، لكنها في بر الشام، والانبار في بر بغداد، والفرات يفصل بينهما، ودجلة تفصل بين الانبار وبغداد، وبها قبر هذا الامام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 بنِ عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ. فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَال* ـ ... آرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيْرِ لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا ... إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ ... نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ وَارْضَ - يَا وَيْحَكَ! - مِنْ ... دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ ... وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ؟ كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ ... ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ؟ وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ؟ لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو ... هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ لَمْ تُمَيِّزْهُم، وَلَم ... تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى ... تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا ... مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ؟ أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ ... يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ؟ أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ؟ اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ ... بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه. وَلابْنِ المُبَارَكِ: جَرَّبتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا ... مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ ... أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم ... حَرَّمَهَا ذُو الجَلاَلِ فِي الكُتُبِ قُلْتُ لَهَا طَائِعاً وَأُكْرِهُهَا ... : الحِلْمُ وَالعِلْمُ زَيْنُ ذِي الحَسَبِ إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ كَلاَمُكِ يَا ... نَفْسُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ: أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ ... أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ؟ وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أَنِّي ... آمُلُ العَيْشَ وَالمَمَاتُ قَرِيْبُ كَمْ أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي ... وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ وَبِهِ: يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ؟ ... عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ ... عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى ... وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ: كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ... وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي؟ الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ ... الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً ... جَهدَ المَقَالَةِ: لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ ... إِلاَّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ (1) ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ (2) ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا ... مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ، إِحْدَاهُمَا ... تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا ... تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا! فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا ... وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم ... تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى ... فَبَادُوا جَمِيْعاً، فَهُم هَامِدُوْنَا وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ - وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ -: اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ ... إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ ... فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ ... خَوْضٍ، وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلاَمِ فَصِيْحَا وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ: وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ ... أَنْ لاَ يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا ... وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:   (1) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وسكون النون، وفتح الدال، وزاي، وقال: هو في الأصل: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة، وهي لغة كأنها لاهل خراسان وما وراء النهر خاصة. أما السمعاني فقد ضبطه بضم القاف والهاء وسكون النون وضم الدال المهملة، وقال: هو من بلاد شتى، وهو المدينة الداخلة المسورة. (2) المن: معيار قديم كان يكال به أو يوزن، ومقداره 810 غرامات تقريبا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى ... مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِ وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى ... فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ ... سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَي* ـ ... ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ ... غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ ... فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي. يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ. قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ (1) ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، وَلَمْ أَرَهُ.   (1) قال ياقوت: بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهو مشرف على الفرات قرب حديثة النورة وبها قلعة حصينة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ. قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ. رَوَاهَا: رَجُلاَنِ، عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟ قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَصِّيْصِيُّ: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ؟ قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَعَنْ نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ. قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ. وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ: مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ... فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي ... غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِي وَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسِقُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ ... كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحِقُ مِنْ (تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ) : مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا؟ فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ. عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ. وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقَطٌ، كَمْ يَكُوْنُ حِفْظُ الرَّجُلِ؟ 113 - ضَيْغَمُ بنُ مَالِكٍ أَبُو بَكْرٍ الرَّاسِبِيُّ البَصْرِيُّ * الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الرَّاسِبِيُّ، البَصْرِيُّ. أَخَذَ عَنِ: التَّابِعِيْنَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَالِكٍ، وَسَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ مَوْلَى ضَيْغَمٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ مِثْل ضَيْغَمٍ فِي الصَّلاَحِ وَالفَضْلِ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ وِرْدُهُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ، وَصَلَّى حَتَّى انْحَنَى، وَكَانَ مِنَ الخَائِفِيْنَ البَكَّائِيْنَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: دَفَنَ ضَيْغَمٌ كُتُبَهُ، وَكَانَ يَنَامُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَيَتَعَبَّدُ ثُلُثَيْهِ. تُوُفِّيَ ضَيْغَمٌ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، هُوَ وَصَاحِبُهُ بُسْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ العَابِدُ فِي يَوْمٍ. وَعَنْهُ، قَالَ: قَوُوا عَلَى الاجْتِهَادِ بِمَا يَدْخُلُ قُلُوْبَهُم مِنْ حَلاَوَةِ العِبَادَةِ. 114 - الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضِ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ بِشْرٍ التَّمِيْمِيُّ ** (خَ، م، د، س، ت) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَلِيٍّ   (*) الجرح والتعديل: 4 / 470 (**) التاريخ الكبير: 7 / 123، التاريخ الصغير: 2 / 241، المعارف: 511، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 التَّمِيْمِيُّ، اليَرْبُوْعِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، المُجَاوِرُ بِحَرَمِ اللهِ. وُلِدَ: بِسَمَرْقَنْدَ، وَنَشَأَ بِأَبِيْوَرْدَ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ. فَكَتَبَ بِالكُوْفَةِ عَنْ: مَنْصُوْرٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَيْثٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُجَالِدٍ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ وَالحِجَازِيِّينَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ بنِ هِلاَلٍ - شَيْخٌ وَاسطِيٌّ - وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ (1) ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَالسَّرِيُّ بنُ مُغَلِّسٍ السَّقَطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ المَكِّيُّ، وَلُوَيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ   = المعرفة والتاريخ للفسوي: 1 / 179، الجرح والتعديل: 7 / 73، طبقات الصوفية للسلمي: 6 / 14، حلية الأولياء: 8 / 84، تاريخ ابن عساكر: 14 / 129 / أس، صفوة الصفوة: 2 / 134، التوابون: للمقدسي: 27، وفيات الأعيان: 4 / 47 - 50، تهذيب الكمال: 1104، تذهيب التهذيب: 3 / 141 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 245، العبر: 1 / 298، ميزان الاعتدال: 3 / 361، روض الرياحين لليافعي: 41، تهذيب التهذيب: 8 / 294، النجوم الزاهرة: 2 / 121، 143، البصائر والذخائر: 4 / 188، خلاصة تذهيب الكمال: 310، الجواهر المضية: 1 / 409، شذرات الذهب: 1 / 361. (1) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن داود الأموي الملقب بأسد السنة، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يغرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 المَصِّيْصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ البَلْخِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَجلُّ شُيُوْخِه، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ مائَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ عَاماً. قَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ: عَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ شَاطِراً يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ بَيْنَ أَبِيْوَرْدَ وَسَرْخَسَ، وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً، فَبَيْنَا هُوَ يَرْتَقِي الجُدْرَانَ إِلَيْهَا، إِذْ سَمِعَ تَالِياً يَتْلُو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوْبُهُم ... } [الحَدِيْدُ: 16] . فَلَمَّا سَمِعَهَا، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَدْ آنَ. فَرَجَعَ، فَآوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ، فَإِذَا فِيْهَا سَابِلَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُم: نَرحَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُم: حَتَّى نُصْبِحَ (1) ، فَإِنَّ فُضَيْلاً عَلَى الطَّرِيْقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا. قَالَ: فَفَكَّرْتُ، وَقُلْتُ: أَنَا أَسْعَى بِاللَّيْلِ فِي المَعَاصِي، وَقَوْمٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَا هُنَا يَخَافُونِي، وَمَا أَرَى اللهَ سَاقَنِي إِلَيْهِم إِلاَّ لأَرْتَدِعَ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ تَوْبَتِي مُجَاوَرَةَ البَيْتِ الحَرَامِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: فُضَيْلٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فُضَيْلٌ: رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَافِظٍ.   (1) سقطت من الأصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، مُتَعَبِّدٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، سَكَنَ مَكَّةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ (1) بنِ عَمَّارٍ: لَيْتَ فُضَيْلاً كَانَ يُحَدِّثُكَ بِمَا يَعْرِفُ، قِيْلَ لابْنِ عَمَّار: تَرَى حَدِيْثَهُ حُجَّةً؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: وُلِدَ بِخُرَاسَانَ، بِكُوْرَةِ أَبِيْوَرْدَ، وَقَدِمَ الكُوْفَةَ وَهُوَ كَبِيْرٌ، فَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ تَعَبَّدَ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَهَا، إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ، وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً، فَاضِلاً، عَابِداً، وَرِعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعَبْدَ النَّاسِ عَبْدَ العَزِيْز بنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَأَفْقَهَ النَّاسِ أَبَا حَنِيْفَةَ، مَا رَأَيْتُ فِي الفِقْهِ مِثْلَهُ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ. قَالَ نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَورَعَ النَّاسِ، وَأَحْفَظَ النَّاسِ: وَكِيْعاً، وَالفُضَيْلَ، وَابْنَ المُبَارَكِ.   (1) في الأصل: محمد بن عمار بن عمار، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه عن " التهذيب ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَعَوْنُ بنُ مَعْمَرٍ، وَحَمْزَةُ بنُ نَجِيْحٍ. قُلْتُ: عَوْنٌ وَحَمْزَةُ لاَ يَكَادَانِ يُعرَفَانِ، وَكَانَا عَابِدَينِ. قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: سَمِعْتُ الرَّشِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي العُلَمَاءِ أَهْيَبَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَورَعَ مِنَ الفُضَيْلِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ فِي أَهْلِ زَمَانِهِم، وَإِنَّ فُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه. فَقَامَ فَتَىً مِنْ مَجْلِسِ الهَيْثَمِ، فَلَمَّا تَوَارَى، قَالَ الهَيْثَمُ: إِنْ عَاشَ هَذَا الفَتَى، يَكُوْنُ حُجَّةً لأَهْلِ زَمَانِه. قِيْلَ: مَنْ كَانَ الفَتَى؟ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه الصَّائِغُ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: إِنَّ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللهَ، فَأَجْرَى الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ، فَالفُضَيْلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ عِلْمُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ لأَبِي مَرْيَمَ القَاضِي: مَا بَقِيَ فِي الحِجَازِ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ إِلاَّ فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ، وَعَلِيٌّ مُقَدَّمٌ فِي الخَوْفِ، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ فِي بِلاَدِ الشَّامِ إِلاَّ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ بِخُرَاسَانَ إِلاَّ شَيْخٌ حَائِكٌ، يُقَالُ لَهُ: مَعْدَانُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَقَارِيْضِيُّ المُذَكِّرُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: عَشْرَةٌ مِمَّنْ كَانُوا يَأْكلُوْنَ الحَلاَلَ، لاَ يُدخِلُوْنَ بُطُوْنَهُم إِلاَّ حَلاَلاً، وَلَوِ اسْتَفُّوا التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. قُلْتُ: مَنْ هُم يَا أَبَا نَصْرٍ؟ قَالَ: سُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 أَدْهَمَ، وَالفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ نَجِيْحٌ الخَادِمُ، وَحُذَيْفَةُ المَرْعَشِيُّ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ، وَوُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ اللهُ فِي صَدْرِهِ أَعْظَمَ مِنَ الفُضَيْلِ، كَانَ إِذَا ذَكَرَ اللهَ، أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ، أَوْ سَمِعَ القُرْآنَ، ظَهَرَ بِهِ مِنَ الخَوْفِ وَالحُزْنِ، وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَبَكَى، حَتَّى يَرْحَمَهُ مَنْ يَحضُرُهُ، وَكَانَ دَائِمَ الحُزْنِ، شَدِيْدَ الفِكرَةِ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُرِيْدُ اللهَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَمَنْعِهِ وَبَذْلِهِ، وَبُغْضِهِ وَحُبِّهِ، وَخِصَالِهِ كُلِّهَا غَيْرَهُ، كُنَّا إِذَا خَرَجْنَا مَعَهُ فِي جَنَازَةٍ لاَ يَزَالُ يَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَبْكِي، كَأَنَّهُ مُوَدِّعٌ أَصْحَابَه، ذَاهِبٌ إِلَىالآخِرَةِ، حَتَّى يَبْلُغَ المَقَابِرَ، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ بَيْنَ المَوْتَى مِنَ الحُزْنِ وَالبُكَاءِ، حَتَّى يَقُوْمَ وَكَأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الآخِرَةِ، يُخْبِرُ عَنْهَا. وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَمْ يَتَزَيَّنِ النَّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الصِّدْقِ، وَطَلَبِ الحَلاَلِ. فَقَالَ ابْنُهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَةِ! إِنَّ الحَلاَلَ عَزِيْزٌ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَإِنَّ قَلِيْلَهُ عِنْدَ اللهِ كَثِيْرٌ. قَالَ سَرِيُّ بنُ المُغَلِّسِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ خَافَ اللهَ، لَمْ يَضُرَّهُ أَحَدٌ، وَمَنْ خَافَ غَيْرَ اللهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ أَحَدٌ. وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ وَسَأَلَه عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! مَا الخَلاَصُ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي، مَنْ أَطَاعَ اللهَ هَلْ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَنْ يَعصِي اللهَ هَلْ تَنفَعُهُ طَاعَةُ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: هُوَ الخَلاَصُ، إِنْ أَرَدْتَ الخَلاَصَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: رَهْبَةُ العَبْدِ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِاللهِ، وَزَهَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ، مَنْ عَمِلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 بِمَا عَلِمَ، اسْتَغنَى عَمَّا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَفَّقَهُ اللهُ لِمَا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقَهُ شَانَ دِيْنَهُ، وَحَسَبَهُ، وَمُرُوءتَهُ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَكذَبُ النَّاسِ العَائِدُ فِي ذَنْبِهِ، وَأَجهَلُ النَّاسِ المُدِلُّ بِحَسَنَاتِه، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْوَفُهُم مِنْهُ، لَنْ يَكْمُلَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤثِرَ دِيْنَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبدٌ حَتَّى يُؤثِرَ شَهْوَتَه عَلَى دِيْنِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: تَرْكُ العَمْلِ مِنْ أَجلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالعَمْلُ مِنْ أَجلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالإِخْلاَصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ عَنْهُمَا. قَالَ سَلْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُرَاسَانِيُّ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا أَمْس مَثَلٌ، وَاليَوْمَ عَمَلٌ، وَغداً أَمَلٌ. وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: وَاللهِ مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْباً وَلاَ خِنْزِيْراً بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِماً؟! وَعَنْ فُضَيْلٍ: لاَ يَكُوْنُ العَبْدُ مِنَ المُتَّقِيْنَ حَتَّى يَأْمَنَهُ عَدُوُّهُ. وَعَنْهُ: بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ، يَعظُمُ عِنْدَ اللهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ، يَصغُرُ عِنْدَ اللهِ. قَالَ مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ: أَتَيْتُ الفُضَيْلَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِي: يَا مُحْرِزُ، وَأَنْتَ أَيْضاً مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ؟ وَاللهِ لَوْ نَزَلَ حَرْفٌ بِاليَمَنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَذْهَبَ حَتَّى نَسْمَعَهُ، وَاللهِ لأَنْ تَكُوْنَ رَاعِيَ الحُمُرِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الطَّوَافِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ عَلَى مَا يَكرَهُ اللهُ. المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ أَرْجَى لِلنَّاسِ مِنَ الفُضَيْلِ، كَانَتْ قِرَاءتُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 حَزِيْنَةً، شَهِيَّةً، بَطِيئَةً، مُتَرسِّلَةً، كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ إِنْسَاناً، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيْهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ، يُرَدِّدُ فِيْهَا، وَسَأَلَ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ ذَلِكَ قَاعِداً، يُلْقَى لَهُ الحَصِيْرُ فِي مَسْجِدِهِ، فَيُصَلِّي فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ سَاعَةً، ثُمَّ تَغْلِبُهُ عَيْنُهُ، فَيُلْقِي نَفْسَهُ عَلَى الحَصِيْرِ، فَيَنَامُ قَلِيْلاً، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، نَامُ، ثُمَّ يَقُوْمُ، هَكَذَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ دَأْبُهُ إِذَا نَعِسَ أَنْ يَنَامَ، وَيُقَالُ: أَشَدُّ العِبَادَةِ مَا كَانَ هَكَذَا. وَكَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، صَدُوْقَ اللِّسَانِ، شَدِيْدَ الهَيْبَةِ لِلْحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ، وَكَانَ يَثقُلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثُ جِدّاً، وَرُبَّمَا قَالَ لِي: لَوْ أَنَّكَ طَلَبتَ مِنِّي الدَّنَانِيرَ، كَانَ أَيسَرَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ تَطلُبَ مِنِّي الحَدِيْثَ. فَقُلْتُ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بِأَحَادِيْثَ فَوَائِدَ لَيْسَتْ عِنْدِي، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَهَبَ لِي عَدَدَهَا دَنَانِيْرَ. قَالَ: إِنَّكَ مَفْتُوْنٌ، أَمَا وَاللهِ لَوْ عَمِلتَ بِمَا سَمِعْتَ، لَكَانَ لَكَ فِي ذَلِكَ شُغُلٌ عَمَّا لَمْ تَسْمَعْ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْكَ طَعَامٌ تَأْكُلُه، فَتَأْخُذُ اللُّقمَةَ، فَتَرمِي بِهَا خَلْفَ ظَهرِكَ، مَتَى تَشبَعُ؟ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الغَلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الجَرْمِيُّ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، قَالَ: حَجَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: هَارُوْنَ- فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! قَدْ حَكَّ فِي نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلْهُ. فَقُلْتُ: هَا هُنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. فَقَالَ: امضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ بَابَه، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَخَرَجَ مُسْرِعاً، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لَوْ أَرْسَلتَ إِلَيَّ، أَتَيْتُكَ. فَقَالَ: خُذْ لِمَا جِئْتُكَ لَهُ. فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَينٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِي: اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئاً. قُلْتُ: هَا هُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: امضِ بِنَا إِلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ البَابَ، فَخَرَجَ، وَحَادَثَه سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ دَينٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا عَبَّاسٍ! اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا خَرَجْنَا (1) ، قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُك شَيْئاً، انْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلْهُ. قُلْتُ: هَا هُنَا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ. قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً يُرَدِّدُهَا، فَقَالَ: اقْرَعِ البَابَ. فَقَرَعتُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: مَا لِي وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ؟ فَنَزَلَ، فَفَتَحَ البَابَ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الغُرفَةِ، فَأَطْفَأَ السِّرَاجَ، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ، فَدَخَلْنَا، فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِيْنَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُوْنَ قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللهِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلاَمٍ نَقِيٍّ مِنْ قَلْبٍ تَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئنَاكَ لَهُ - رَحِمَكَ اللهُ -. فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ لَمَّا وَلِيَ الخِلاَفَةَ، دَعَا سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ، وَرَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ، فَقَالَ لَهُم: إِنِّيْ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا البَلاَءِ، فَأَشِيْرُوا عَلَيَّ. فَعَدَّ الخِلاَفَةَ بَلاَءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابَك نِعمَةً. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ فَصُمِ الدُّنْيَا، وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا المَوْتَ. وَقَالَ لَهُ ابْنُ كَعْبٍ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَلْيَكُنْ كَبِيْرُ المُسْلِمِيْنَ عِنْدَك أَباً، وَأَوْسَطُهُم أَخاً، وَأَصْغَرُهُم وَلداً، فَوَقِّرْ أَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ. وَقَالَ لَهُ رَجَاءٌ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُم مَا تَكرَهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّيْ أَقُوْلُ لَكَ هَذَا، وَإِنِّيْ أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الخَوْفِ يَوْماً (2) تَزِلُّ فِيْهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ - رَحِمَكَ اللهُ - مَنْ   (1) سقطت من الأصل، واستدركت من " الحلية " 8 / 106. (2) في الأصل: " يوم " وما أثبتناه من " الحلية ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 يُشِيْرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيْعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُك، وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا. ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي - رَحِمَكَ اللهُ -. قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ شُكِيَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي! أُذَكِّرُكَ طُوْلَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، مَعَ خُلُوْدِ الأَبَدِ، وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَيَكُوْنُ آخِرَ العَهدِ، وَانقِطَاعَ الرَّجَاءِ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، طَوَى البِلاَدَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: خَلَعتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ، لاَ أَعُوْدُ إِلَى وِلاَيَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللهَ. فَبَكَى هَارُوْنُ بُكَاءً شَدِيْداً. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ العَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَمِّرْنِي. فَقَالَ لَهُ: (إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ أَمِيْراً، فَافْعَلْ (1)) . فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ: زِدْنِي. قَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللهُ عَنْ هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الوَجْهَ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ لَهُم غَاشّاً، لَمْ يَرُحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ (2)) . فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ لَهُ:   (1) ذكر الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الاحياء: 2 / 350 حديث العباس بلفظ: " يا عباس، يا عم النبي، نقس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها " وقال: أخرجه ابن أبي الدنيا معضلا بغير إسناد، ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا، ومن رواية ابن المنكدر مرسلا، وقال: هذا هو المحفوظ مرسلا، والمحفوظ أيضا حديث أبي ذر قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: " إن ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ". أخرجه مسلم في صحيحه (1825) ، وحديث عبد الرحمن بن سمرة: " لا تسأل الامارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها "، أخرجه البخاري: 13 / 110، ومسلم (1625) وحديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة " أخرجه البخاري: 13 / 111، والنسائي في البيعة: باب ما يكره من الحرص على الامارة، والقضاء: باب النهي عن مسألة الامارة، وأحمد: 2 / 476. (2) أخرجه البخاري: 13 / 112، 113، في الاحكام: باب: من استرعي رعية فلم ينصح، ومسلم (142) في الايمان: باب: استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، من حديث = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 عَلَيْكَ دَينٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، دَينٌ لِرَبِّي، لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ، فَالوَيْلُ لِي إِنْ سَاءلَنِي، وَالوَيلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي، وَالوَيلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَم حُجَّتِي. قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنْ دَينِ العِبَادِ. قَالَ: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا، أَمَرَنِي أَنْ أَصْدُقَ وَعْدَهُ، وَأُطِيْعَ أَمْرَهُ، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 56] ، الآيَاتِ. فَقَالَ: هَذِهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، خُذْهَا، فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ، وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيْقِ النَّجَاةِ، وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثلِ هَذَا، سَلَّمَكَ اللهُ، وَوَفَّقَكَ. ثُمَّ صَمَتَ، فَلَمْ يُكَلِّمْنَا. فَخَرَجْنَا، فَقَالَ هَارُوْنُ: أَبَا عَبَّاسٍ! إِذَا دَلَلْتَنِي، فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا، هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، فَلَو قَبِلْتَ هَذَا المَالَ. قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم، كَمَثَلِ قَوْمٍ لَهُم بَعِيْرٌ يَأْكلُوْنَ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَمَّا كَبِرَ نَحَرُوهُ، فَأَكَلُوا لَحْمَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ هَارُوْنُ هَذَا الكَلاَمَ، قَالَ: نَدْخُلُ، فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ المَالَ. فَلَمَّا عَلِمَ الفُضَيْلُ، خَرَجَ، فَجَلَسَ فِي السَّطحِ عَلَى بَابِ الغُرفَةِ، فَجَاءَ هَارُوْنُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، فَلاَ يُجِيْبُهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا! قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، فَانْصَرِفْ، فَانْصَرَفْنَا. حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَالغَلاَبِيُّ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَقَدْ رَوَاهَا: غَيْرُهُ. أَخْبَرَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ رَاجِحٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ بِالمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ النَّحْوِيُّ - هُوَ   = مغفل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من أحد يسترعيه الله عزوجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وفي رواية: " فلم يحطها بنصح لم يرح الرائحة الجنة ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 الجَرْمِيُّ - عَنِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، بِهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَقِيْقٍ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: لَوْ خُيِّرتُ بَيْنَ أَنْ أَعِيْشَ كَلْباً وَأَمُوْتَ كَلباً، وَلاَ أَرَى يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَخْتَرْتُ ذَلِكَ. وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ أَكُوْنَ تُرَاباً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسلاَخِ أَفْضَلِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَمَا يَسُرُّنِي أَنْ أَعْرِفَ الأَمْرَ حَقَّ مَعْرِفَتِه، إِذاً لَطَاشَ عَقْلِي. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَوْ قُلْتُ: إِنَّكَ تَخَافُ المَوْتَ، مَا قَبْلِتُ مِنْكَ، لَوْ خِفتَ المَوْتَ، مَا نَفَعَكَ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَلاَ شَيْءٌ، مَا يَسُرُّنِي أَنْ أَعْرِفَ الأَمْرَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، إِذاً لَطَاشَ عَقْلِي، وَلَمْ أَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ. عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لاَ تَجْعَلِ الرِّجَالَ أَوْصِيَاءكَ، كَيْفَ تَلُوْمُهُم أَنْ يُضِيعُوا وَصِيَّتَكَ، وَأَنْتَ قَدْ ضَيَّعْتَهَا فِي حَيَاتِكَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، أَكْثَرَ غَمَّهُ، وَإِذَا أَبغَضَ عَبداً، وَسَّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ لَمْ يُذْكَرْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ ذُكِرَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَعِزَّتِهِ، لَوْ أَدْخَلَنِي النَّارَ مَا أَيِسْتُ. وَسَمِعتُهُ - وَقَدْ أَفَضْنَا مِنْ عَرَفَاتَ - يَقُوْلُ: وَاسَوْأَتَاهُ - وَاللهِ مِنْكَ - وَإِنْ عَفَوْتَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الخَوْفُ أَفْضَلُ مِنَ الرَّجَاءِ مَا دَامَ الرَّجُلُ صَحِيْحاً، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَالرَّجَاءُ أَفْضَلُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 قُلْتُ: وَذَلِكَ لِقَوْلِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمُوْتَنَّ أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ (1)) . رَوَى: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَ الفُضَيْلَ أَنَّ حَرِيْزاً يُرِيْدُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَقفَلَ البَابَ مِنْ خَارِجٍ، فَجَاءَ، فَرَأَى البَابَ مُقْفَلاً، فَرَجَعَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: حَرِيْزٌ. قَالَ: مَا يَصْنَعُ بِي، يُظْهِرُ لِي مَحَاسِنَ كَلاَمِهِ، وَأُظهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلاَمِي، فَلاَ يَتَزَيَّنُ لِي، وَلاَ أَتَزَيَّنُ لَهُ، خَيْرٌ لَهُ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: مَا رَأَيْتُ أَنصَحَ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَلاَ أَخَوْفَ مِنْهُ، وَلَقَدْ رَأْيْتُهُ فِي المَنَامِ قَائِماً عَلَى صُنْدُوْقٍ يُعطِي المَصَاحِفَ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فِيْهِم سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَهَارُوْنُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَمَا رَأْيْتُهُ يُوَدِّعُ أَحَداً، فَيَقدِرُ أَنْ يُتِمَّ وَدَاعَه. قَالَ فَيْضُ بنُ وَثِيْقٍ (2) : سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ مُحَدِّثاً، وَلاَ قَارِئاً، وَلاَ مُتَكَلِّماً، إِنْ كُنْتَ بَلِيْغاً، قَالُوا: مَا أَبْلَغَهُ، وَأَحْسَنَ حَدِيْثَه، وَأَحْسَنَ صَوْتَه! فَيُعجِبُكَ ذَلِكَ، فَتَنْتَفِخَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيْغاً، وَلاَ حَسَنَ الصَّوتِ، قَالُوا: لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ بِحَسَنٍ، أَحزَنَكَ ذَلِكَ، وَشقَّ عَلَيْك، فَتكُوْنَ مُرَائِياً. وَإِذَا جَلَسْتَ، فَتَكَلَّمْتَ، فَلَمْ تُبَالِ مَنْ ذَمَّكَ، وَمَنْ مَدَحَكَ، فَتَكَلَّمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ: قَالَ الفُضَيْلُ: لاَ يَسْلَمُ لَكَ قَلْبُكَ حَتَّى لاَ تُبَالِي مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا.   (1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2877) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عزوجل ". (2) كذا الأصل: " فيض بن وثيق " وهو مترجم في " الجرح والتعديل " ولكنه لم يذكر في شيوخه الفضيل، وربما يكون محرفا عن فيض بن إسحاق وهو خادم الفضيل، وقد روى عنه أكثر من خبر تقدمت في هذه الترجمة وسيأتي بعضها. وانظر " الجرح والتعديل " 7 / 88. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 قِيْلَ لَهُ: مَا الزُّهْدُ؟ قَالَ: القُنُوعُ. قِيْلَ: مَا الوَرَعُ؟ قَالَ: اجْتنَابُ المَحَارِمِ. قِيْلَ: مَا العِبَادَةُ؟ قَالَ: أَدَاءُ الفَرَائِضِ. قِيْلَ: مَا التَّوَاضُعُ؟ قَالَ: أَنْ تَخضَعَ لِلْحقِّ. وَقَالَ: أَشدُّ الوَرَعِ فِي اللِّسَانِ. قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ، فَقَدْ تَرَى الرَّجُلَ وَرِعاً فِي مَأْكَلِهِ، وَمَلْبَسِه، وَمُعَامَلَتِه، وَإِذَا تَحدَّثَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ، فَلاَ يَكمُلُ الصِّدْقُ، وَإِمَّا أَنْ يَصْدُقَ، فَيُنَمِّقَ حَدِيْثَه لِيُمدَحَ عَلَى الفَصَاحَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُظهِرَ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ لِيُعَظَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَسكُتَ فِي مَوْضِعِ الكَلاَمِ لِيُثْنَى عَلَيْهِ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ كُلِّه الانْقِطَاعُ عَنِ النَّاس، إِلاَّ مِنَ الجَمَاعَةِ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، مَا جَعَلْتُهَا إِلاَّ فِي إِمَامٍ، فَصَلاَحُ الإِمَامِ صَلاَحُ البِلاَدِ وَالعِبَادِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنَّمَا هُمَا عَالِمَانِ، فَعَالِمُ الدُّنْيَا: عِلْمُهُ مَنْشُوْرٌ، وَعَالِمُ الآخِرَةِ: عِلْمُهُ مَسْتُورٌ، احْذَرُوا عَالِمَ الدُّنْيَا، لاَ يَضُرُّكُم بِسُكْرِهِ، العُلَمَاءُ كَثِيْرٌ، وَالحُكمَاءُ قَلِيْلٌ. وَعَنْهُ: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ حَقِيْقَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى يَعُدَّ البَلاَءَ نِعمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيْبَةً، وَحَتَّى لاَ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَوْ حَلَفْتُ أَنِّي مُرَاءٍ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحلِفَ أَنِّي لَسَتُ بِمُرَاءٍ، وَلَو رَأَيْتُ رَجُلاً اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ، لَقُلْتُ: هَذَا مَجْنُوْنٌ، مَنِ الَّذِي اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ، لاَ يُحِبُّ أَنْ يُجَوِّدَ كَلاَمَهُ لَهُم؟ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَيْسَتِ الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا آدَمُ أُهْبِطَ إِلَيْهَا عُقُوْبَةً، أَلاَ تَرَى كَيْفَ يَزْوِيْهَا عَنْهُ، وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ بِالجُوْعِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 بِالعُرِيِّ، بِالحَاجَةِ، كَمَا تَصْنَعُ الوَالِدَةُ الشَّفِيْقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسقِيْهِ مَرَّةً حُضَضاً (1) ، وَمَرَّةً صَبِراً، وَإِنَّمَا تُرِيدُ بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَعَنِ الفُضَيْلِ: حَرَامٌ عَلَى قُلُوْبِكُم أَنْ تُصِيْبَ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا. وَعَنْهُ: إِذَا لَمْ تَقدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَصِيَامِ النَّهَارِ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُوْمٌ، كَبَّلَتْكَ خَطِيئَتُكَ. وَعَنْ فُضَيْلٍ - وَرَأَى قَوْماً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ يَمرَحُوْنَ وَيَضْحَكُوْنَ - فَنَادَاهُم: مَهْلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبِيَاءِ - مَهْلاً ثَلاَثاً - إِنَّكُم أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُم. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُوْنَ ذَنْباً مَا لاَ يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الحَذَّاءُ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَخَذْتُ بِيَدِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الوَادِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ شَرٌّ مِنِّي وَمِنْكَ، فَبِئْسَ مَا تَظُنُّ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَ بِدْعَةٍ، أَحبَطَ اللهُ عَمَلَهُ، وَأَخْرَجَ نُوْرَ الإِسْلاَمِ مِنْ قَلْبِهِ، لاَ يَرْتَفِعُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ إِلَى اللهِ عَمَلٌ، نَظَرُ المُؤْمِنِ إِلَى المُؤْمِنِ يَجلُو القَلْبَ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ يُورِثُ العَمَى، مَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الحِكْمَةَ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزَّمِّيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ هَارُوْنُ أَمِيْرُ   (1) الحضض: عصارة شجر معروف مر المذاق يتداوى به، ويشبه الصبر. (2) في الأصل " ذنبا واحدا " والتصويب من " حلية الأولياء " 8 / 100. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 المُؤْمِنِيْنَ، قُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ! لَقَدْ كُلِّفْتَ أَمْراً عَظِيْماً، أَمَا إِنِّيْ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْكَ، فَإِنْ قَدِرْتَ أَنْ لاَ تُسَوِّدَ هَذَا الوَجْهَ بِلَفْحَةٍ مِنَ النَّارِ، فَافْعَلْ. قَالَ: عِظْنِي. قُلْتُ: بِمَاذَا أَعِظُكَ؟ هَذَا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، انْظُرْ مَاذَا عَمِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ بِمَنْ عَصَاهُ، إِنِّيْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى النَّارِ غَوْصاً شَدِيْداً، وَيَطلُبُوْنَهَا طَلَباً حَثِيثاً، أَمَا وَاللهِ، لَوْ طَلَبُوا الجَنَّةَ بِمِثْلِهَا، أَوْ أَيسَرَ، لَنَالُوْهَا. وَقَالَ: عُدْ إِلَيَّ. فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ، لَمْ آتِكَ، وَإِنِ انْتَفعتَ بِمَا سَمِعْتَ، عُدْتُ إِلَيْكَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ فِي مَرَضِهِ: ارْحَمْنِي بِحُبِّي إِيَّاكَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ إِلَيَّ مِنْكَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ وَهُوَ يَشتَكِي: مَسَّنِيَ الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الوَحْدَةِ، وَاسْتَأَنَس بِالنَّاسِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ، لاَ حَجَّ وَلاَ جِهَادَ أَشدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ غَمّاً مِمَّنْ سَجَنَ لِسَانَهُ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ كَثِيْراً يَقُوْلُ: أِحْفَظْ لِسَانَكَ، وَأَقْبِلْ عَلَى شَأنِكَ، وَاعْرفْ زَمَانَكَ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ طَارَ فِي النَّاسِ أَنِّي مُتُّ حَتَّى لاَ أُذْكَرَ، إِنِّيْ لأَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَيَأْخُذُنِي البَوْلُ فَرَقاً مِنْهُم. وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: لِمَ تُكْرِهُوْنِي عَلَى أَمرٍ تَعْلَمُوْنَ أَنِّي كَارِهٌ لَهُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ-؟ لَوْ كُنْتُ عَبْداً لَكُم فَكَرِهْتُكُم، كَانَ نَوْلِي أَنْ تَبِيْعُوْنِي، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا دَفَعتُ رِدَائِي هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 إِلَيْكُم، ذَهَبْتُم عَنِّي، لَفَعَلتُ. الدَّوْرَقِيُّ: وَسَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ: مَا أَرَاهُ أَخْرَجَكِ مِنَ الحِلِّ، فَدَسَّكَ فِي الحَرَمِ إِلاَّ لِيُضْعِفَ عَلَيْكِ الذَّنْبَ، أَمَا تَسْتَحِي تَذْكُرُ الدِّيْنَارَ وَالدِّرْهَمَ وَأَنْتَ حَوْلَ البَيْت، إِنَّمَا كَانَ يَأْتِيْهِ التَّائِبُ وَالمُسْتَجِيْرُ. وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: المُؤْمِنُ يَغْبِطُ، وَلاَ يَحْسُدُ، الغِبْطَةُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالحَسَدُ مِنَ النِّفَاقِ. قُلْتُ: هَذَا يُفَسِّرُ لَكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالتَّسْلِيمُ -: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطرَافَ النَّهَارِ (1)) . فَالحَسَدُ هُنَا، مَعْنَاهُ: الغِبطَةُ، أَنْ تَحْسُدَ أَخَاكَ عَلَى مَا آتَاهُ الله، لاَ أَنَّكَ تَحْسُدُهُ بِمَعْنَى: أَنَّك تَوَدُّ زوَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَهَذَا بَغْيٌ وَخُبْثٌ. وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: مِنْ أَخلاَقِ الأَنْبِيَاءِ: الحِلْمُ، وَالأَنَاةُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، عَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ شَاطِراً (2) يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، فَذَكَرَ الحِكَايَةَ، وَقَدْ مَضَتْ.   (1) أخرجه البخاري: 9 / 65، ومسلم (815) من حديث ابن عمر، وأخرجه البخاري: 1 / 152، 153، ومسلم (816) من حديث ابن مسعود. (2) قال في " اللسان ": وشطر عن أهله شطورا وشطورة وشطارة: إذا نزح عنهم وتركهم مراغما أو مخالفا، وأعياهم خبثا، والشاطر مأخوذ منه، وأراه مولدا. وقال الجوهري: شطر وشطر بالضم شطارة فيهما. قال أبو إسحاق: قول الناس فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له: شاطر، لأنه تباعد عن الاستواء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا المُحَدِّثُ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ جِيْرَانِ الفُضَيْلِ مِنْ أَبِيْوَرْدَ، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ يَقْطَعُ الطَّرِيْق وَحْدَهُ، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ القَافِلَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُم: اعْدِلُوا بِنَا إِلَى هَذِهِ القَرْيَةِ، فَإِنَّ الفُضَيْلَ يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ. فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَأُرْعِدَ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ! جُوْزُوا، وَاللهِ لأَجْتَهِدنَّ أَنْ لاَ أَعْصِيَ اللهَ. وَرُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ فِي الإِسْنَادِ ابْنُ جَهْضَمٍ، وَهُوَ هَالِكٌ، وَبِكُلِّ حَالٍ، فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ قَطعِ الطَّرِيْقِ، وَقَدْ تَابَ مِنَ الشِّركِ خَلقٌ، صَارُوا أَفْضَلَ الأُمَّةِ، فَنَوَاصِي العِبَادِ بِيَدِ اللهِ -تَعَالَى- وَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: مَا رَأتْ عَيْنَايَ مِثْلَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزنِ وَلِلْخَوْفِ حَتَّى يَسْكُنَاهُ، فَيَقْطَعَاكَ عَنِ المَعَاصِي، وَيُبَاعِدَاكَ مِنَ النَّارِ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ الفُضَيْلِ أَعبَدَ مِنْ وَكِيْعٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الفُضَيْلِ مَرَّتَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا نَظَرْتُ إِلَى الفُضَيْلِ جَدَّدَ لِيَ الحُزْنَ، وَمَقَتُّ نَفْسِي، ثُمَّ بَكَى. قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: دَخَلْتُ مَعَ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ عَلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَإِذَا مَعَهُ شَيْخٌ، فَدَخَلَ زَافِرٌ، وَأَقعَدَنِي عَلَى البَابِ. قَالَ زَافِرٌ: فَجَعَلَ الفُضَيْلُ يَنْظُرُ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاَءِ المُحَدِّثُونَ يُعْجِبُهُم قُرْبُ الإِسْنَادِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِسْنَادٍ لاَ شَكَّ فِيْهِ: رَسُوْلُ اللهِ، عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ: {نَاراً وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ} [التَّحْرِيْمُ: 6] فَأَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مِنَ النَّاسِ. ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ، وَجَعَلَ زَافِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ الفُضَيْلُ، وَقُمْنَا، وَالشَّيْخُ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ. قَالَ سَهْلُ بنُ رَاهْوَيْه: قُلْتُ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَلاَ تَرَى إِلَى الفُضَيْلِ، لاَ تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَةٌ؟ قَالَ: إِذَا قَرِحَ القَلْبُ، نَدِيَتِ العَيْنَانِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: نَظرَ الفُضَيْلُ إِلَى رَجُلٍ يَشْكُو إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا! تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لاَ يَرْحَمُكَ؟! قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعَ الفُضَيْلُ وَالثَّوْرِيُّ، فَتَذَاكَرَا فَرَقَّ سُفْيَانُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً. فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ: لَكِنِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَخَافُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْهُ، أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَدِيْثِي، فَتَزَيَّنْتَ لِي، وَتَزَيَّنْتُ لَكَ؟ فَبَكَى سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ اللهُ. وَقَالَ الفَيْضُ: قَالَ لِي الفُضَيْلُ: لَوْ قِيْلَ لَكَ: يَا مُرَائِي، غَضِبْتَ، وَشَقَّ عَلَيْكَ، وَعَسَى مَا قِيْلَ لَكَ حَقٌّ، تَزَيَّنْتَ لِلدُّنْيَا، وَتَصَنَّعتَ، وَقَصَّرْتَ ثِيَابَكَ، وَحَسَّنْتَ سَمْتَكَ، وَكَفَفْتَ أَذَاكَ، حَتَّى يُقَالَ: أَبُو فُلاَنٍ عَابِدٌ، مَا أَحْسَنَ سَمْتَهُ، فَيُكْرِمُوْنَكَ، وَيَنْظُرُونَكَ، وَيَقْصِدُونَكَ، وَيَهْدُوْنَ إِلَيْكَ، مِثْل الدِّرْهَمِ السُّتُّوقِ (1) ، لاَ يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ، فَإِذَا قُشِرَ، قُشِرَ عَنْ نُحَاسٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ العُلَمَاءَ - فِيْمَا مَضَى -   (1) هو الردئ الزيف الذي لا خير فيه، وضبطوه بفتح السين وبضمها مع تشديد التاء المضمومة فيهما، قال في " اللسان ": وكل ماكان على هذا المثال، فهو مفتوح الأول إلا أربعة أحرف جاءت نوادر وهي: سبوح، وقدوس، وذو روح، وستوق، فإنها تفتح وتضم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا. وَعَنْهُ، قَالَ: كَفَى بِاللهِ مُحَبّاً، وَبَالقُرْآنِ مُؤنِساً، وَبَالمَوْتِ وَاعِظاً، وَبِخَشْيَةِ اللهِ عِلْماً، وَبَالاغْتِرَارِ جَهْلاً. وَعَنْهُ: خَصْلتَانِ تُقَسِّيَانِ القَلْبَ: كَثْرَةُ الكَلاَمِ، وَكَثْرَةُ الأَكلِ. وَعَنْهُ: كَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَضَعُفَ عِلْمُهُ، وَفَنِيَ عُمُرُهُ، وَلَمْ يَتَزَوَّدْ لِمَعَادِهِ؟ وَعَنْهُ: يَا مِسْكِيْنُ! أَنْتَ مُسِيءٌ، وَتَرَى أَنَّكَ مُحْسِنٌ، وَأَنْتَ جَاهِلٌ، وَتَرَى أَنَّكَ عَالِمٌ، وَتَبْخَلُ، وَترَى أَنَّكَ كَرِيْمٌ، وَأَحْمَقُ، وَتَرَى أَنَّك عَاقِلٌ، أَجَلُكَ قَصِيْرٌ، وَأَمَلُكَ طَوِيْلٌ. قُلْتُ: إِي وَاللهِ، صَدَقَ، وَأَنْتَ ظَالِمٌ وَترَى أَنَّك مَظْلُوْمٌ، وَآكِلٌ لِلْحَرَامِ وَترَى أَنَّك مُتَوَرِّعٌ، وَفَاسِقٌ وَتَعتَقِدُ أَنَّكَ عَدْلٌ، وَطَالِبُ العِلْم لِلدُّنْيَا، وَتَرَى أَنَّك تَطْلُبُهُ للهِ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدِ إِلَى مَكَّةَ، قَعَدَ فِي الحِجْرِ (1) هُوَ وَوَلَدُهُ وَقَوْمٌ مِنَ   (1) هو من الكعبة، إلا قريشا عجزت عن بنائه حين جددت بناء الكعبة، فقد أخرج الترمذي (876) والنسائي 5 / 219، وأبو داود (2028) من طريق علقمة، عن أمه، عن عائشة قالت: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحجر، فقال: صل في الحجر إن أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت ". وأخرج مسلم في " صحيحة " (1333) (401) من طريق سعيد بن ميناء، عن عبد الله بن الزبير قال: حدثنتني خالتي عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالارض، وجعلت لها = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 الهَاشِمِيِّينَ، وَأَحضَرُوا المَشَايِخَ، فَبَعَثَوا إِلَيَّ، فَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَذهَبَ، فَاسْتَشَرْتُ جَارِي، فَقَالَ: اذْهبْ، لَعَلَّهُ يُرِيْدُ أَنْ تَعِظَه. فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الحِجْرِ، قُلْتُ لأَدْنَاهُم: أَيُّكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: اقعُدْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا دَعَونَاكَ لِتُحَدِّثنَا بِشَيْءٍ، وَتَعِظَنَا. فَأَقْبَلتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، حِسَابُ الخَلْقِ كُلِّهُم عَلَيْكَ. فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَشهَقُ، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، حَتَّى جَاءَ الخَادِمُ، فَحَمَلُوْنِي وَأَخْرَجُونِي، وَقَالَ: اذْهَبْ بِسَلاَمٍ. وَقَالَ مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ: كُنْتُ عِنْدَ الفُضَيْلِ، فَأَتَى هَارُوْنُ وَمَعَهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، وَوَلَدُهُ جَعْفَرٌ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا عَلِيٍّ، هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ. قَالَ: أَيُّكُم هُوَ؟ قَالُوا: هَذَا. فَقَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، لَقَدْ طُوِّقْتَ أَمْراً عَظِيْماً، وَكَرَّرَهَا. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البَقَرَةُ: 166] ، قَالَ: الأَوْصَالُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا (1) ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: قَالَ الفُضَيْلُ: تَبَاعَدْ مِنَ القُرَّاءِ، فَإِنَّهُم إِنْ أَحَبُّوكَ، مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيْكَ، وَإِنْ غَضِبُوا، شَهِدُوا عَلَيْكَ، وَقُبِلَ مِنْهُم.   = بابين، بابا شرقيا، وبابا غريبا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة ". وأخرج عبد الرزاق في المصنف (9149) عن ابن عباس قال: الحجر من البيت، قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) قال: وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه. وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 1 / 460، ووافقه الذهبي. (1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبري 2 / 71 من طريق الفضيل بن عياض وجرير بن عبد الحميد الضبي، كلاهما عن عبيد المكتب، عن مجاهد. وأورده في تفسير مجاهد 1 / 93، 94 من طريق ورقاء، عن أبي نجيح عن مجاهد. (وتقطعت بهم الاسباب) : يعني المودة. وكذلك رواه الطبري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 قَالَ قُطْبَةُ بنُ العَلاَءِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: آفَةُ القُرَّاءِ العُجْبُ. وَلِلْفُضَيْلِ -رَحِمَهُ اللهُ- مَوَاعِظُ، وَقَدَمٌ فِي التَّقْوَى رَاسِخٌ، وَلَهُ تَرْجَمَة فِي كِتَابِ (الحِلْيَة) ، وَفِي (تَارِيْخِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ) . وَكَانَ يَعِيْشُ مِنْ صِلَةِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَنَحْوِهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، وَيَمتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ المُلُوْكِ. قَالَ بَعْضُهُم: كُنَّا جُلُوْساً عِنْد الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَمْ سِنُّكَ؟ فَقَالَ: بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ أَوْ جُزتُهَا ... فَمَاذَا أُؤَمِّلُ أَوْ أَنْتَظِرْ؟ عَلَتْنِي السِّنُوْنُ فَأَبْلَيْنَنِي ... فَدَقَّ العِظَامُ وَكَلَّ البَصَرْ قُلْتُ: هُوَ مِنْ أَقرَانِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي المَوْلِدِ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ بِسَنَوَاتٍ. 115 - وَكَانَ ابْنُه ُ: عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضِ التَّمِيْمِيُّ * مِنْ كِبَارِ الأَوْلِيَاءِ، وَمَاتَ قَبْلَ وَالِدِهِ. رَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُوْهُ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ حِكَايَاتٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ. فَرَأْيْتُهُ وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، رَوَاهُ: لَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي الفَضَائِلِ الكَاغِدِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الحَمَّالِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ   (*) الحلية 8 / 297، تهذيب الكمال: 990، تذهيب التهذيب: 3 / 73 / 2، تهذيب التهذيب: 7 / 373، خلاصة تذهيب الكمال: 277، الكواكب الدرية للمناوي: (143) ص: 140. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْمُرُكُم نَبِيُّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نُسَبِّحَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنَحمدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنُكَبِّرَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ، فَذَلِكَ مائَةٌ. قَالَ: فَسبِّحُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَاحمِدُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَكبِّرُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَهَلِّلُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، فَتلكَ مائَةٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (افعلُوا كَمَا قَالَ الأَنْصَارِيُّ) . غَرِيْبٌ مِنَ الأَفرَادِ، أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (1) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ، فَوَافَقْنَاهُ فِي شَيْخِ شَيْخِهِ. وَعَلِيٌّ: صَدُوْقٌ، قَدْ قَالَ فِيْهِ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قُلْتُ: خَرَجَ هُوَ وَأَبُوْهُ مِنَ الضَّعْفِ الغَالِبِ عَلَى الزُّهَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ، وَعُدَّا فِي الثِّقَاتِ إِجمَاعاً. وَكَانَ عَلِيٌّ قَانِتاً للهِ، خَاشِعاً، وَجِلاً، رَبَّانِيّاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. قَالَ الخَطِيْبُ: مَاتَ قَبْلَ أَبِيْهِ بِمُدَّةٍ مِنْ آيَةٍ سَمِعَهَا تُقْرَأُ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَتُوُفِّيَ فِي الحَالِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ المَغْرِبَ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ إِلَى جَانبِي، فَقَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، فَلَمَّا قَالَ: {لَتَرَوُنَّ الجَحِيْمَ} سَقَطَ   (1) 3 / 76 في السهو. باب: نوع آخر من عدد التسبيح، وإسناده حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 عَلِيٌّ عَلَى وَجْهِهِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَبَقِيَ فُضَيْلٌ عِنْدَ الآيَةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَيْحَكَ أَمَّا عِنْدَكَ مِنَ الخَوْفِ مَا عِنْدَ الفُضَيْلِ وَعَلِيٍّ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرْ عَلِيّاً، فَمَا أَفَاقَ إِلَى ثلثٍ مِنَ اللَّيْلِ بَقِيَ. رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَفَّانَ، وَزَادَ: وَبَقِيَ فُضَيْلٌ لاَ يُجَاوِزُ الآيَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ خَائِفٍ، وَقَالَ: فَمَا أَفَاقَ إِلَى نِصْفٍ مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ قَالَ: بَكَى عَلِيٌّ ابْنِي، فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَلاَّ تَجمَعَنَا القِيَامَةُ (1) . وَقَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! مَا أَحْسَنَ حَالَ مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللهِ. فَسَمِعَ ذَلِكَ عَلِيٌّ ابْنِي، فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ. مُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ: حَدَّثَنَا الدَّوْرَقِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ الفُضَيْلِ، فَقَرَأَ: {الحَاقَّةُ} فِي الصُّبْحِ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} غَلَبَهُ البُكَاءُ، فَسَقَطَ ابْنُهُ عَلِيٌّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَشْرَفْتُ لَيْلَةً عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ فِي صحنِ الدَّارِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: النَّارُ، وَمتَى الخَلاَصُ مِنَ النَّارِ؟ وَقَالَ لِي: يَا أَبَةِ! سَلِ الَّذِي وَهَبَنِي لَكَ فِي الدُّنْيَا، أَنْ يَهبَنِي لَكَ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَزَلْ مُنْكَسِرَ القَلْبِ حَزِيْناً. ثُمَّ بَكَى الفُضَيْلُ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَسَاعِدُنِي عَلَى الحُزنِ وَالبُكَاءِ، يَا ثمَرَةَ   (1) " حلية الأولياء " 8 / 297، وطبقات الأولياء ": 270. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 قَلْبِي، شَكَرَ اللهُ لَكَ مَا قَدْ عَلِمَهُ فِيْكَ (1) . قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَخَوْفَ مِنَ الفُضَيْلِ وَابْنِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانُوا يَعُوْدُوْن عَلِيَّ بنَ الفُضَيْلِ وَهُوَ يَمْشِي، فَقَالَ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَبقَى إِلَى الظُّهرِ، لَشَقَّ عَلَيَّ. وَعَنِ الفُضَيْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ اجْتَهَدْتُ أَنْ أَؤدِّبَ عَلِيّاً، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى تَأَدِيْبِهِ، فَأَدِّبْهُ أَنْتَ لِي (2) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَقْرَأَ: {القَارعَةُ} ، وَلاَ تُقرَأُ عَلَيْهِ (3) . الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ عِنْدَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَحدَّثَ بِحَدِيْثٍ فِيْهِ ذِكْرُ النَّارِ، فَشَهقَ عَلِيٌّ شهقَةً، وَوَقَعَ، فَالْتَفَتَ سُفْيَانُ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّكَ هَا هُنَا، مَا حدَّثتُ بِهِ، فَمَا أَفَاقَ إِلاَّ بَعْدَ مَا شَاءَ اللهُ. وَبِهِ: قَالَ الفُضَيْلُ لابْنِهِ: لَوْ أَعَنْتَنَا عَلَى دَهْرِنَا، فَأَخَذَ قُفَّةً وَمَضَى إِلَى السُّوْقِ لِيحملَ، فَأَتَانِي رَجُلٌ، فَأَعْلَمَنِي، فَمضَيْتُ فَرَدَدْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! لَسْتُ أُرِيْدُ هَذَا، أَوْ لَمْ أُرِدْ هَذَا كُلَّهُ (4) .   (1) " حلية الأولياء " 8 / 299. (2) " حلية الأولياء " 8 / 299 وقد تحرفت فيه " فأدبه " إلى " فأذنته ". (3) " حلية الأولياء " 8 / 299. (4) " حلية الأولياء " 8 / 298. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 وَبَالإِسْنَادِ عَنْ فُضَيْلٍ: أَنَّهُم اشْتَرَوا شعِيْراً بِدِيْنَارٍ، وَكَانَ الغلاَءُ، فَقَالَتْ أَمُّ عَلِيٍّ لِلْفُضَيْلِ: قَوَّرْتُهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ قُرْصَينِ، فَكَانَ عَلِيٌّ يَأْخذُ وَاحِداً، وَيَتَصَدَّقُ بِالآخَرِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يُصِيْبَهُ الخَوَاءُ (1) . وَبِهِ: أَنَّ عَلِيّاً كَانَ يَحْمِلُ عَلَى أَبَاعِرَ لأَبِيْهِ، فَنقصَ الطَّعَامُ الَّذِي حملَهُ، فَحُبِسَ عَنْهُ الكِرَاءُ، فَأَتَى الفُضَيْلُ إِلَيْهِم، فَقَالَ: أَتفعلُوْنَ هَذَا بِعَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَتْ لَنَا شَاةٌ بِالكُوْفَةِ أَكَلَتْ شَيْئاً يَسِيْراً مِنْ علفِ أَمِيْرٍ، فَمَا شرِبَ لَهَا لَبَناً بَعْدُ. قَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ يَا أَبَا عَلِيٍّ أَنَّهُ ابْنُكَ (2) . حَمَّادُ بنُ الحَسَنِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ بِشْرٍ المَكِّيُّ، عَنِ الفُضَيْلِ قَالَ: أَهدَى لَنَا ابْنُ المُبَارَكِ شَاةً، فَكَانَ ابْنِي لاَ يَشْرَبُ مِنْهَا، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ رَعَتْ بِالعِرَاقِ. أَنْبَأَنِي المِقْدَادُ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الدَّبِيقِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخرَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: الآيَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ فِي الأَنْعَامِ: {وَلَو تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَقَالُوا: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأَنْعَامُ: 27] ، مَعَ هَذَا المَوْضِعِ مَاتَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ (3) -. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُورٍ المَكِّيُّ،   (1) " حلية الأولياء " 8 / 298، 299. (2) " حلية الأولياء " 8 / 298. (3) الخبر بنحوه، وبأخصر مما هنا في " طبقات الصوفية ": 271. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 حَدَّثنَا فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي نَخلٍ لِي. فَقَالَ: (مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ، أَمُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؟) . فَقُلْتُ: مُسْلِمٌ. قَالَ: (إِنَّهُ لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْساً، أَوْ يَزرعُ زَرْعاً، فَيَأْكلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ سَبُعٌ، وَلاَ طَائِرٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) . قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمِيْرَةَ المُعَدِّلِ، أَخْبَرَكُم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ عَشْرَةٍ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا خَطِيْبُ المَوْصِلِ، وَتَجنِّي وَشُهدَةُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلْفِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحفَّارُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُم جُلُوداً غَيْرَهَا} [النِّسَاءُ: 56] ، قَالَ: تَأَكُلُهُمُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا أَكَلَتْهُم قِيْلَ لَهُم: عُوْدُوا، فَيَعُوْدُوْن كَمَا كَانُوا (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى} [طه: 7] ، قَالَ: يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ، وَيَعْلَمُ مَا تَعْمَلُ غَداً (3) . قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: مَاتَ الفُضَيْلُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) (1552) (8) في المسافاة: باب: فصل الغرس والزرع. (2) وأخرجه الطبري: 5 / 142 من طريق المثنى، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، قال: بلغني عن الحسن. وأخرجه أيضا من طريق هشام بن حسان، عن الحسن. (3) وأخرجه الطبري: 16 / 140 من طريق أبي كدينة يحيى بن المهلب، عن عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وعطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط، وباقي رجاله ثقات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ بِمَكَّةَ. زَادَ بَعْضهُم: فِي أَوَّلِ المُحَرَّمِ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْهَا. قُلْتُ: وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ حُجَّةٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِمَا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، سَمِعْتُ قُطبَةَ بنَ العَلاَءِ يَقُوْلُ: تَرَكْتُ حَدِيْثَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، لأَنَّهُ رَوَى: أَحَادِيْثَ أَزرَى عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ. قُلْتُ: فَلاَ نَسْمَعُ قَوْلَ قُطْبَةَ، لِيتَهُ اشْتغَلَ بِحَالِهِ، فَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ضَعِيْفٌ. وَأَيْضاً، فَالرَّجُلُ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ الصَّائِغُ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ الفُضَيْلِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - الصَّحَابَةُ، فَقَالَ: اتَّبعُوا فَقَدْ كُفِيْتُم: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -. قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ كُبَرَاءِ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِمُ الرَّوَافِضُ وَالخَوَارِجُ، وَمِثْلُ الفُضَيْلِ يُتكلَّمُ فِيْهِ، فَمَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ، لَكِنْ إِذَا ثبتَتْ إِمَامَةُ الرَّجُلِ وَفَضْلُهُ، لَمْ يَضُرَّهُ مَا قِيْلَ فِيْهِ، وَإِنَّمَا الكَلاَمُ فِي العُلَمَاءِ مُفتَقِرٌ إِلَى وَزنٍ بِالعَدْلِ وَالوَرَعِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ، فَمَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ كهَؤُلاَءِ الحُفَّاظِ البُحُوْرِ، كشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَحَمَّادٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَنظرَائِهِم، لَكِنَّهُ ثَبْتٌ قَيِّمٌ بِمَا نَقَلَ، مَا أُخِذَ عَلَيْهِ فِي حَدِيْثٍ فِيْمَا عَلِمتُ. وَهَلْ يُرَادُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الفُضَيْلُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 116 - فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ الخَوْلاَنِيُّ * رَوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الحَثِّ عَلَى العِلْمِ، لاَ يُعْرَفُ مَنْ ذَا. رَوَاهُ: الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَارِثِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، عَنْهُ. 117 - فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ الصَّدَفِيُّ ** شَيْخٌ مِصْرِيٌّ. رَوَى حَدِيْثاً عَنْ: أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَعَنْهُ: حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ الغَافِقِيُّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. ذَكَرْتُهُمَا تَمْيِيزاً. 118 - النُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَبِيْبٍ التَّيْمِيُّ *** الإِمَامُ، مُفْتِي أَصْبَهَانَ، أَبُو المُنْذِرِ التَّيْمِيُّ - تَيْمُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ - الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ. لَهُ مُصَنَّفَاتٌ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَعِدَّةٍ.   (*) تهذيب الكمال: 1106، تذهيب التهذيب: 3 / 144 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 361، تهذيب التهذيب: 8 / 297، خلاصة تذهيب الكمال: 310. (* *) تهذيب الكمال: 1106، تذهيب التهذيب: 3 / 144 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 362، تهذيب التهذيب: 8 / 297، خلاصة تذهيب الكمال: 310. (* * *) الجرح والتعديل: 8 / 449، تهذيب الكمال: 1417، تذهيب التهذيب: 4 / 101 / 2، العبر: 1 / 287، الوافي: 27 / 66 (مخطوط) ، مرآة الجنان، 1 / 395، تهذيب التهذيب: 10 / 454، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب: 1 / 305. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ، وَعَامِرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَصَالِحُ بنُ مِهْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ أَحَدَ العُبَّادِ الزُّهَّادِ، زَهِدَ فِي ضِيَاعٍ لِمُلاَبَسَتِهِ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ الثَّوْرِيِّ، وَجَالَسَ أَبَا حَنِيْفَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 119 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ * (ق) هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ المَشَاهِيْرِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ عَنْ: صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَصَنَّفَ (المُوَطَّأَ) ، وَهُوَ كَبِيْرٌ أَضعَافَ (مُوَطَّأِ الإِمَامِ مَالِكٍ) . حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ قَلِيْلَةٌ، مِنْهُم: الشَّافِعِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ. وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ - مَعَ حُسْنِ رَأْيهِ فِيْهِ - إِذَا رَوَى   (*) التاريخ الكبير: 1 / 323، التاريخ الصغير: 2 / 257، المعرفة والتاريخ: 3 / 23، 55، الجرح والتعديل: 2 / 125، كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 105، الفهرست لابن النديم: 3، الفهرست للطوسي: 3، تهذيب الكمال: 64، تذهيب التهذيب: 1 / 42 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 264، ميزان الاعتدال: 1 / 57، العبر 1 / 288، تهذيب التهذيب: 1 / 158، خلاصة تذهيب الكمال: 21. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 عَنْهُ، رُبَّمَا دَلَّسَهُ، وَيَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، فَتَجِدُ الشَّافِعِيَّ لاَ يُوَثِّقُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ بِالكَذِبِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيّاً، وَنَهَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الكِتَابَةِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى يَشْتِمُ بَعْضَ السَّلَفِ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ عُمَرَ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، فَقُلْتُ: مِنْ أَجْلِ القَدَرِ تَنْهَانِي؟ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ فِي حَدِيْثِهِ بِذَاكَ. وَقَالَ القَاضِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى - وَنَحْنُ نَطلُبُ الحَدِيْثَ - خُرَافَةً. وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيْثَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى؟ قَالَ: كَانَ مُجَاهِراً بِالقَدَرِ، وَكَانَ صَاحِبَ تَدْلِيْسٍ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى: أَثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ فِي دِيْنِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَنِ المُعَيْطِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالكَذِبِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي يَحْيَى-. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: قَدَرِيٌّ جَهْمِيٌّ، كُلُّ بَلاَءٍ فِيْهِ، تَرَكُوا حَدِيْثَهُ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ رَافِضِيٌّ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَدَرِيٌّ، جَهْمِيٌّ، تَرَكَهُ ابْنُ المُبَارَكِ وَالنَّاسُ. وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ يَكْذِبُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ: كَانَ يَرَى، أَوْ قَالَ: يُرْمَى بِالقَدَرِ، وَالتَّشَيُّعِ، وَالكَذِبِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَفَّانَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَلاَ فَاحْذَرُوا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ المُرْجِئَ، لاَ تُجَالِسوهُ، وَاحْذَرُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، لاَ تُجَالِسُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يُكَذِّبُ زِيَادَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، وَخَالِدَ بنَ مَحْدُوْجٍ (1) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اسْمُ جَدِّهِ أَبِي يَحْيَى: سَمْعَانُ. كَانَ مَالِكٌ وَابْنُ المُبَارَكِ يَنهَيَانِ عَنْهُ، وَتَرَكَهُ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ (2) . حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ مَاتَ مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً، وَوُقِيَ فَتَّانَ القَبْرِ، وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيْحَ بِرِزْقِهِ مِنَ الجَنَّةِ) (3) .   (1) ويقال: ابن مقدوح، مترجم في " ميزان الاعتدال " 1 / 642. (2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 1 / 105. (3) ذكره ابن حبان في " المجروحين " 1 / 106، وأخرجه ابن ماجه (1615) في الجنائز: باب ما جاء فيمن مات مريضا. وإسناده ضعيف جدا، من أجل إبراهيم بن أبي يحيى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَطَاءٍ، هُوَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي يَحْيَى. قُلْتُ: لَعَلَّهُ (مُرَابِطاً) بَدَلَ (مَرِيْضاً) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ إِذَا مَرَّ بِأَحَادِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، يَقُوْلُ: يُضْرَبُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجَالِسُ ابْنَ أَبِي يَحْيَى فِي حَدَاثَتِهِ، وَيَحْفَظُ عَنْهُ حِفْظَ الصَّبِيِّ، فَلَمَّا دَخَلَ مِصْرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، أَخَذَ يُصَنِّفُ، وَاحْتَاجَ إِلَى الأَخْبَارِ، وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُ كُتُبُهُ، فَأَكْثَرَ مَا أَودَعَ الكُتُبَ مِنْ حِفْظِهِ، وَرُبَّمَا كَنَّى عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَلاَ يُسَمِّيهِ. قَالَ: وَرَوَى عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِيْنِ خَلِيْلِهِ، فَلْينْظُرْ أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِطُ (1)) . رَوَاهُ عَنْهُ: بِسْطَامُ بنُ جَعْفَرٍ. وَرَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَأْذَنْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبْنِيَ كَنِيْفاً بِمِنَىً، فَلَمْ يَأْذنْ لِي (2) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ لإِبْرَاهِيْمَ حَدِيْثاً مُنْكَراً، إِلاَّ عَنْ شُيُوْخٍ يَحْتَمِلُوْنَ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالكِبَارُ، وَ (مُوَطَّؤُهُ) أَضْعَافُ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ) ، وَأَحَادِيْثُهُ كَثِيْرَةٌ.   (1) ذكره في " المجروحين " 1 / 107، ولكن متن الحديث صحيح، فقد الحديث صحيح، فقد أخرجه أبو داود (4833) ، والترمذي (2379) ، وأحمد: 2 / 303، والحاكم: 4 / 171 من طريق أبي داود وأبي عامر، ومؤمل الخراساني عن زهير بن محمد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، وهذا سند قوي، زهير بن محمد رواية غير أهل الشام عنه قوية، وهذا منها، وله طريق عند الحاكم يتقوى بها، وقد صححها الحاكم، ووافقه المؤلف الذهبي في " مختصره ". (2) ذكره ابن حبان في " المجروحين " 1 / 107. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: لاَ يُشْتَغَلُ بِحَدِيْثِهِ. قُلْتُ: لاَ يُرْتَابُ فِي ضَعْفِهِ. بَقِيَ: هَلْ يُتْرَكُ أَمْ لاَ؟ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى أَحْمَقَ -أَوْ قَالَ: أَبْلَهَ- كَانَ لاَ يُمكِنُهُ الجِمَاعُ، فَأَخْبَرَنِي مَنْ رَآهُ، مَعَهُ فَأْسٌ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ بَالَ فِي ثُقْبِ فَأْسٍ، أَمْكَنَهُ الجِمَاعُ، فَدَخَلَ خُرْبَةً، فَبَالَ فِي الفَأْسِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. يَقعُ لِي حَدِيْثُهُ فِي (مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ) . 120 - سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ مَيْمُوْنٍ الهِلاَلِيُّ * (ع) مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ مُزَاحِمٍ، أَخِي الضَّحَّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، حَافِظُ العَصْرِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهِلاَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ.   (*) طبقات ابن سعد: 5 / 497، التاريخ الكبير: 4 / 94، التاريخ الصغير: 2 / 283، المعارف: 507 506، المعرفة والتاريخ: 1 / 185، 186، 187، تاريخ الطبري: 1 / 10 - 12، ذيل المذيل: 108، الجرح والتعديل: 1 / 32، 54 و4 / 225، رجال ابن حبان: 146، حلية الأولياء: 7 / 270، الفهرست لابن النديم: 1 / 226، تاريخ بغداد: 9 / 174، صفوة الصفوة: 2 / 130، وفيات الأعيان: 2 / 391 - 393، تهذيب الكمال: 517، تذهيب التهذيب: 2 / 36 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 262، ميزان الاعتدال: 2 / 170، العبر: 1 / 208، 209، 228، العقد الثمين: 4 / 591، تهذيب التهذيب: 4 / 117، خلاصة تذهيب الكمال: 145، طبقات المفسرين: 1 / 190، الكواكب الدرية للمناوي: (107) ص 117، الطبقات الكبرى للشعراني: 40، شذرات الذهب: 354، إيضاح المكنون للبغدادي: 203، الرسالة المستطرفة: 31، خلاصة تذهيب الكمال: 187، أعيان الشيعة للعاملي: 35 / 151 - 154. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 مَوْلِدُهُ: بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَةٍ. وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَهُوَ حَدَثٌ، بَلْ غُلاَمٌ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُم عِلْماً جَمّاً، وَأَتقَنَ، وَجَوَّدَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَازدَحَمَ الخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَدِ، وَأَلْحَقَ الأَحْفَادَ بِالأَجدَادِ. سَمِعَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَسَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَبَعدَ ذَلِكَ، فَسَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ -. وَمِنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدَةَ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَاسِمٍ الرِّجَالِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ الحَجَبِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي يَعْفُوْرَ العَبْدِيِّ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَأُمَيَّةَ بنِ صَفْوَانَ الجُمَحِيِّ، وَجَامِعِ بنِ أَبِي رَاشِدٍ، وَحَكِيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَصَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ - وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ يَسِيْلُ - وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 بنِ سَعْدٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وَبُرْدِ بنِ سِنَانٍ، وَبَكْرِ بنِ وَائِلٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَسُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي صَالِحٍ، وَصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ الجَرْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ بنِ بَرَكَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَزِيَادِ بنِ سَعْدٍ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ خَلْقٍ مِنَ الكِبَارِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ - وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَوْسَجُ، وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَاحِ البَزَّارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مَطَرٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حِبَّانَ المَدَائِنِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم، خَاتِمُهُم فِي الدُّنْيَا: شَيْخٌ مَكِّيٌّ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو نَصْرٍ الْيَسَعُ بنُ زَيْدٍ الزَّيْنَبِيُّ، عَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ. وَلَقَدْ كَانَ خَلْقٌ مِنْ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ يَتَكَلَّفُوْنَ الحَجَّ، وَمَا المُحَرِّكُ لَهُم سِوَى لُقِيِّ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ؛ لإِمَامتِهِ وَعُلُوِّ إِسْنَادِهِ. وَجَاوَرَ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ. وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ المُكْثِرِيْنَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الرَّمَادِيُّ. قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: لَوْلاَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَازِ. وَعَنْهُ، قَالَ: وَجَدْتُ أَحَادِيْثَ الأَحكَامِ كُلَّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَوَجَدتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. فَهَذَا يُوَضِّحُ لَكَ سَعَةَ دَائِرَةِ سُفْيَانَ فِي العِلْمِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ ضَمَّ أَحَادِيْثَ العِرَاقِيِّينَ إِلَى أَحَادِيْثِ الحِجَازِيِّينَ. وَارْتَحَلَ، وَلَقِيَ خَلْقاً كَثِيْراً مَا لَقِيَهُم مَالِكٌ، وَهُمَا نَظِيْرَانِ فِي الإِتْقَانِ، وَلَكِنَّ مَالِكاً أَجَلُّ وَأَعْلَى، فَعِنْدَهُ نَافِعٌ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ ابْنُ عُيينَةَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحِجَازِ. وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 يَقُوْلُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ. قَالَ حَرْملَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً فِيْهِ مِنْ آلَةِ العِلْمِ مَا فِي سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ الفُتْيَا مِنْهُ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ تَفْسِيْراً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِتَفْسِيْرِ القُرْآنِ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ بِالسُّنَنِ مِنْ سُفْيَانَ. قَالَ وَكِيْعٌ: كَتَبْنَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيَّامَ الأَعْمَشِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَحَدٌ أَتقَنُ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ بِي أَبِي، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ حَيٌّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ حَدِيْثُهُ نَحْواً مِنْ سَبْعَةِ آلاَفٍ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كُتُبٌ. قَالَ بَهْزُ بنُ أَسَدٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. فَقِيْلَ لَهُ: وَلاَ شُعْبَةُ؟ قَالَ: وَلاَ شُعْبَةُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالقُرْآنِ وَتَفْسِيْرِ الحَدِيْثِ، مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 الطُّوْسِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: أُصُوْلُ الأَحكَامِ نَيِّفٌ وَخَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ، إِلاَّ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَكُلُّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، إِلاَّ سِتَّةَ أَحَادِيْثَ. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. القَاضِي أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ: مِمَّا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى السُّلاَمِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ عَلِيٍّ اللُّوْرِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ النَّضْرِ الهِلاَلِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَنَظَرَ إِلَى صَبِيٍّ، فَكَأَنَّ أَهْلَ المَسْجِدِ تَهَاوَنُوا بِهِ لِصِغَرِهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاءُ: 94] . ثُمَّ قَالَ: يَا نَضْرُ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ، طُوْلِي خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَوَجْهِي كَالدِّيْنَارِ، وَأَنَا كشُعْلَةِ نَارٍ، ثِيَابِي صِغَارٌ، وَأَكمَامِي قِصَارٌ، وَذَيْلِي بِمِقْدَارٍ، وَنَعلِي كآذَانِ الفَارِ، أَخْتَلِفُ إِلَى عُلَمَاءِ الأَمصَارِ، كَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، أَجلِسُ بَيْنهُم كَالمِسْمَارِ، مِحْبَرتِي كَالجَوْزَةِ، وَمَقْلَمَتِي كَالمَوْزَةِ، وَقَلَمِي كَاللَّوزَةِ، فَإِذَا أَتَيْتُ، قَالُوا: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ الصَّغِيْرِ، ثُمَّ ضَحِكَ. فِي صحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَلَى مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ -يَعْنِي أَمِيْرَ اليَمَنِ- وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ تَلَطَّخَ بَعْدُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ السُّلْطَانِ، فَجَعَلَ يَعِظُهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ لِي جَارِيَةٌ فِي غُنْجِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ إِذَا حَدَّثَ. قَالَ رَبَاحُ بنُ خَالِدٍ الكُوْفِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 أَبَا مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِشَيْءٍ لَيْسَ تَحفَظُهُ اليَوْمَ، وَكَذَلِكَ وَكِيْعٌ. فَقَالَ: صَدِّقْهُم، فَإِنِّي كُنْتُ قَبْلَ اليَوْمِ أَحْفَظَ مِنِّي اليَوْمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ ذَلِكَ لِرَبَاحٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ أَسْنَانِي سَقَطَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: تَموتُ أَسْنَانُكَ، وَتَبْقَى أَنْتَ. قَالَ: فَمَاتَ أَسْنَانِي وَبَقِيْتُ أَنَا، فَجَعَلَ اللهُ كُلَّ عَدُوٍّ لِي مُحَدِّثاً. قُلْتُ: قَالَ: هَذَا مِنْ شِدَّةِ مَا كَانَ يَلقَى مِنِ ازْدِحَامِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ عَلَيْهِ حَتَّى يُبْرِمُوْهُ. قَالَ غِيَاثُ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَنِي إِلَى الأُسْطُوَانَةِ: مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ حَدَثٌ. قَالَ: إِنَّ عِنْدَكَ الزُّهْرِيَّ، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ (1) . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُزَاعِيٍّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي صَيْرَفِيّاً بِالكُوْفَةِ، فَرَكِبَهُ دَيْنٌ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَصِرْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيْثَ، فَأَمْسَكْتُ لَهُ حِمَارَهُ حَتَّى صَلَّى وَخَرَجَ، فَعَرَضْتُ الأَحَادِيْثَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ. وَرَوَى: أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِنْ عَمْرٍو مَا لَبِثَ نُوْحٌ فِي قَوْمِهِ -يَعْنِي: تِسْعَ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً-.   (1) تاريخ بغداد 9 / 176. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظتَهُ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَهُ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: ذَاكَ أَحَدُ الأَحَدَيْنِ (1) ، مَا أَغْرَبَهُ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: مَا بَقِيَ مِنْ مُعَلِّمِيَّ أَحَدٌ غَيْرُ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ إِمَامٌ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ عُيَيْنَةَ. وَحَكَى حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى: أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ لَهُ - وَأَرَاهُ خُبْزَ شَعِيْرٍ -: هَذَا طَعَامِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً. الحُمَيْدِيُّ: سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لاَ تَدْخُلُ هَذِهِ المَحَابِرُ بَيْتَ رَجُلٍ، إِلاَّ أَشْقَى أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً لِرَجُلٍ: مَا حِرْفَتُكَ؟ قَالَ: طَلَبُ الحَدِيْثِ. قَالَ: بَشِّرْ أَهْلَكَ بِالإِفْلاَسِ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَن زِيْدَ فِي عَقْلِهِ، نَقَصَ مِنْ رِزْقِهِ. وَنَقَلَ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الشَّهْوَةِ، فَارْجُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الكِبْرِ، فَاخْشَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ آدَمَ عَصَى مُشْتَهِياً، فَغُفِرَ لَهُ، وَإِبْلِيْسَ عَصَى مُتَكَبِّراً، فَلُعِنَ.   (1) مقدمة الجرح والتعديل 1 / 33 وفيه بعد قوله " الا حدين " يقول: ليس له نظير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 وَمِنْ كَلاَم ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: الزُّهْدُ: الصَّبْرُ، وَارْتِقَابُ المَوْتِ. وَقَالَ: العِلْمُ إِذَا لَمْ يَنْفَعْكَ، ضَرَّكَ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ زَائِدَةَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مِمَّنْ نَسْمَعُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةَ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ لِمُتَفَرِّقٍ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ غُلاَماً، مَعَهُ أَلوَاحٌ طَوِيْلَةٌ عِنْدَ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَفِي أُذُنِهِ قُرْطٌ، أَوْ قَالَ: شَنْفٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ عَبْدَ الكَرِيْمِ الجَزَرِيَّ سَنَتَيْنِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لأَهْلِ بَلَدِهِ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الغُلاَمِ يَسْأَلُنِي وَأَنْتُم لاَ تَسْأَلُوْنِي. قَالَ ذُؤَيْبُ بنُ عِمَامَةَ السَّهْمِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ -يَعْنِي: كَثْرَةً- سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ يَسِيْلُ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: فَلاَ نَعْلَمُهُ رَوَى عَنْهُ شَيْئاً، كَانَ مُنْتَقِداً لِلرُّوَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ، وَمَا سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنْهُ.   (1) الشنف: بفتح الشين من الحلي: يعلق في أسفلها، وقيل: هما واحد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مَطَرٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى بَابِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا. فَقُلْنَا: ادْخُلُوا حَتَّى نَهْجُمَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَكَسَرْنَا بَابَهُ، وَدَخَلْنَا وَهُوَ جَالِسٌ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! دَخَلْتُم دَارِي بِغَيْرِ إِذْنِي، وَقَدْ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي، لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ (1)) . قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: نَدِمْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. فَقَالَ: نَدِمْتُم؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزَرِيُّ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ (2)) ، اخْرُجُوا، فَقَدْ أَخَذْتُم رَأْسَ مَالِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. سُلَيْمَانُ هَذَا: هُوَ أَخُو قَتَادَةَ بنِ مَطَرٍ، صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَزِيَادٌ المَذْكُوْرُ فِي الحَدِيْثِ: هُوَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، مَا يُزَهِّدُنِي فِيْكَ إِلاَّ طَلَبُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: فَأَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَيَّ شَيْءٍ كُنْتَ تَعْمَلُ إِلاَّ طَلَبَ الحَدِيْثِ؟ فَقَالَ: كُنْتُ إِذْ ذَاكَ صَبِيّاً لاَ أَعقِلُ. قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الإِمَامِ يَقُوْلُ هَذِهِ المَقَالَةَ فِي زَمَنِ   (1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19431) والبخاري: 12 / 215 في الديات: باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه. وفي اللباس: باب الامتشاط، وفي الاستئذان: باب الاستئذان من أجل البصر، ومسلم (2156 في الاداب: باب تحريم النظر في بيت غيره، والحميدي (924) عن سفيان وغيره، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي أن رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة، وفي يد النبي مدرى، فقال: " لو أعلم أن هذا ينظرني حتى آتيه لطعنت بالمدرى في عينه، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر ". (2) أخرجه أحمد 1 / 376 و423 و433، وابن ماجه (4252) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 التَّابِعِيْنَ، أَوْ بَعْدَهُم بِيَسِيْرٍ، وَطَلَبُ الحَدِيْثِ مَضْبُوْطٌ بِالاتِّفَاقِ، وَالأَخْذُ عَنِ الأَثْبَاتِ الأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- طَلَبَةَ الحَدِيْثِ فِي وَقْتِنَا، وَمَا هُم عَلَيْهِ مِنَ الهَنَاتِ وَالتَّخْبِيْطِ، وَالأَخْذِ عَنْ جَهَلَةِ بَنِي آدَمَ، وَتَسْمِيْعِ ابْنِ شَهْرٍ (1) . أَمَّا الخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ ... وَأَرَى نِسَاءَ الحَيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَالَسْتُ عَبْدُ الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَقَرَأْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَخْتَبِرُ الحَدِيْثَ إِلاَّ وَيُخْطِئُ، إِلاَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -: إِذَا قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، بَانَتْ بِالأُوْلَى، وَبَطَلَتِ الثِّنْتَانِ. قَالَ سُفْيَانُ: رَأَيْتُ حَمَّاداً قَدْ جَاءَ إِلَى طَبِيْبٍ عَلَى فَرَسٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: إِمَامٌ، ثِقَةٌ، كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ مِنْ شُعْبَةَ. قَالَ: وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هُوَ وَمَالِكٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي حُسْنِ المَنْطِقِ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.   (1) للمؤلف رسالة بعنوان: " زغل العلم ". وصف فيها محدثي زمانه، فلتراجع فإنها نفيسة في بابها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: الوَرَعُ طَلَبُ العِلْمِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ الوَرَعُ. رَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ ثَمَانِيْنَ مَوْقِفاً. وَيُرْوَى: أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهدِ مِنْكَ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، لَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيتُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-. وَقَدْ كَانَ لِسُفْيَانَ عِدَّةُ إِخْوَةٍ، مِنْهُم: عِمْرَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَآدَمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَهَؤُلاَءِ قَدْ رَوَوُا الحَدِيْثَ. وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ مَشْهُوْراً بِالتَّدْلِيسِ، عَمَدَ إِلَى أَحَادِيْثَ رُفِعَتْ إِلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، فَيَحذِفُ اسْمَ مَنْ حَدَّثَهُ وَيُدَلِّسُهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُدَلِّسُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ عِنْدَهُ (1) . فَأَمَّا مَا بَلَغَنَا عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، أَنَّهُ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ اخْتُلِطَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ، وَلاَ يَصِحُّ، وَلاَ هُوَ بِمُسْتقِيْمٍ، فَإِنَّ يَحْيَى القَطَّانَ مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، مَعَ قُدُوْمِ الوَفْدِ مِنَ الحَجِّ، فَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَهُ باخْتِلاَطِ سُفْيَانَ، وَمتَى لَحِقَ أَنْ يَقُوْلَ هَذَا   (1) قال ابن حبان في " صحيحه ": 122: وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري، والاعمش، وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقين، وأهل الورع والدين، لانا متى قبلنا خبر مدلس لم يبين السماع فيه وإن كان ثقة، لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنها لا يدرى لعله هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف يهي الخبر بذكره إذا عرف. اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة، فإذا كان كذلك، قبلت روايته، وإن لم يبين السماع، وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 القَوْلَ، وَقَدْ بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ؟ وَسُفْيَانُ: حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وَحَدِيْثُهُ فِي جَمِيْعِ دَوَاِينِ الإِسْلاَمِ، وَوَقَعَ لِي كَثِيْرٌ مِنْ عَوَالِيْهِ، بَلْ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِبْطِ الحَافِظِ السِّلَفِيِّ مِنْ عَوَالِيْهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ، مِنْهَا (جُزءُ ابْنِ عُيَيْنَةَ) ، رِوَايَةَ المَرْوَزِيِّ عَنْهُ، وَفِي (جُزْءِ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ) ، رِوَايَةَ العَبَّادَانِ، وَجُزْآنِ لِعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، رِوَايَةَ نَافِلَتِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُمَرَ الطَّائِيِّ، وَفِي (الثَّقَفِيَّاتِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَمَعَ عَوَالِي ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَبَعْدَهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الحَبَّالُ. وَكَانَ سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. قَالَ الحَافِظُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الجَوَّازُ، قَالَ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: كَلاَمُ اللهِ، مِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: حَدَّثَنَا لُوَيْنُ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ؟ قَالَ: حَقٌّ عَلَى مَا سَمِعْنَاهَا مِمَّنْ نَثِقُ بِهِ وَنَرْضَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَجَعَلتُ أُلِحُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: دَعْنِي أَتَنَفَّسُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ) (1) ؟   (1) أخرجه البخاري: 8 / 423. في التفسير: باب قوله: [والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه] و13 / 331 في التوحيد: باب قول الله [لما خلقت بيدي] وباب قوله تعالى [إن الله يمسك السموات والارض أن تزولا] وباب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم (2786) في أول صفة القيامة والجنة والنار، والترمذي (3238) في = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 وَحَدِيْثُ: (إِنَّ قُلُوْبَ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابعِ الرَّحْمَنِ (1)) . وَحَدِيْثُ: (إِنَّ اللهَ يَعْجَبُ - أَوْ يَضْحَكُ - مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الأَسْوَاقِ (2)) . فَقَالَ سُفْيَانُ: هِيَ كَمَا جَاءتْ، نُقِرُّ بِهَا، وَنُحَدِّثُ بِهَا بِلاَ كَيْفٍ (3) . أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بنُ جنَّادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَسَأَلُوْهُ أَنْ يُحَدِّثَ، فَقَالَ: مَا أَرَاكُم لِلْحَدِيْثِ مَوْضِعاً، وَلاَ أُرَانِي أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي أَهْلاً، وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم إِلاَّ مَا قَالَ الأُوَلُ: افْتَضَحُوا، فَاصْطَلَحُوا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَنْ عَمِلَ بِمَا   = التفسير، من طريق عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء حبر من الاحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والارضين على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الخبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون] [الزمر: 67] . (1) أخرجه مسلم (2654) في القدر: باب: تصريف الله القلوب كيف يشاء، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها حيث يشاء ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ". وفي الباب: عن أنس عند الترمذي (2140) ، وعن النواس بن سمعان عند ابن ماجه (199) ، وعن عائشة عند أحمد: 6 / 250، 251، وعن أم سلمة عند أحمد: 6 / 302. (2) أخرجه من حديث علي: الترمذي (3446) وأبو داود (2602) وسنده حسن، وصححه ابن حبان (2380) و (2381) ، والحاكم 2 / 98، ولفظه: " إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب غيرك ". والبخاري: 8 / 484، 485 من حديث أبي هريرة وفيه: " لقد عجب الله عزوجل أو ضجك من فلان وفلانة ". (3) وهو مذهب السلف في الصفات يؤمنون بما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله، ويجرونها على ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهو آخر قول أبي المعالي الجويني شيخ الحرمين أستاذ الامام الغزالي، فقد صرح في النظامية ": 23، 24، بالمنع من تأويل الصفات الخبرية، وذكر أن هذا إجماع السلف، وأن لتأويل لو كان مسوغا أو محتوما، لكان اهتمامهم بها أعظم من اهتمامهم بغيرها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 يَعْلَمُ، كُفِيَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَنْ رَأَى أَنَّهُ خُيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدِ اسْتَكْبَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ إِبْلِيْسَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ، فَصَبَرَ، فَذَلِكَ الزُّهْدُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أُحْسِنُ. فَنَقُوْل: مَنْ نَسْأَلُ؟ فَيَقُوْلُ: سَلِ العُلَمَاءَ، وَسَلِ اللهَ التَّوفِيْقَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، قِيْلَ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ بِشْراً المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ لاَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ الدُّوَيْبَّةَ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُم عَنْ رَبِّهِم يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُوْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15] ، فَإِذَا احْتَجَبَ عَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالأَعْدَاءِ، فَأَيُّ فَضْلٍ لِلأَوْلِيَاءِ عَلَى الأَعْدَاءِ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَخَذُوا فِيْهَا بِشْراً المَرِيْسِيَّ بِمِنَىً، فَقَامَ سُفْيَانُ فِي المَجْلِسِ مُغْضَباً، فَقَالَ: لَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي القَدَرِ وَالاعْتِزَالِ، وَأُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ القَوْمِ، رَأَيْنَا عُلَمَاءنَا، هَذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - حَتَّى ذَكَرَ أَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى وَالأَعْمَشَ وَمِسْعَراً - مَا يَعْرِفُوْنَهُ إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ، وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاَ كَلاَمَ اللهِ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَمَا أَشْبَهَ هَذَا بِكَلاَمِ النَّصَارَى، فَلاَ تُجَالِسُوهُم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْدِ، قَالَ: الزُّهْدُ فِيْمَا حَرَّمَ اللهُ، فَأَمَّا مَا أَحَلَّ اللهُ، فَقَدْ أَبَاحَكَهُ اللهُ، فَإِنَّ النَّبِيِّيْنَ قَدْ نَكَحُوا، وَرَكِبُوا، وَلَبِسُوا، وَأَكَلُوا، لَكِنَّ اللهَ نَهَاهُم عَنْ شَيْءٍ، فَانْتَهَوْا عَنْهُ، وَكَانُوا بِهِ زُهَّاداً. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ لاَ يُرِيْدُ النِّسَاءَ، لأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِيْمَا نَعْلَمُ، أَشَدَّ تَشَبُّهاً بِعِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ} [النِّسَاءُ: 69] ، قَالَ: الصَّالِحُوْنَ: هُم أَصْحَابُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زَيْدِ بنِ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: أَنَا أَحقُّ بِالبُكَاءِ مِنَ الحُطَيْئَةِ، هُوَ يَبْكِي عَلَى الشِّعْرِ، وَأَنَا أَبْكِي عَلَى الحَدِيْثِ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَقِيْبَ هَذَا: أُرَاهُ قَالَ هَذَا حِيْنَ حُصِرَ فِي البَيْتِ عَنِ الحَدِيْثِ، لأَنَّهُ اخْتُلِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ. قُلْتُ: هَذَا لاَ نُسَلِّمُهُ، فَأَيْنَ إِسْنَادُكَ بِهِ؟ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الحَدَّادُ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدٌ الجَمَّالُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ   (1) " الحلية ": 7 / 308. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 عُيَيْنَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ يَقُوْلُ: عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ ابْتِغَاءَ العِلْمِ. قَالَ: فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالبِ العِلْمِ، رِضَىً بِمَا يَطْلُبُ. قُلْتُ: حَكَّ فِي نَفْسِي - أَوْ صَدْرِي - مَسْحٌ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ، فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَراً، أَوْ مُسَافِرِيْنَ، أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ، إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَوْمٍ (1) . قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ الهَوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرٍ، إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَجَابَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ كَلاَمِهِ: هَاؤُم. قَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً أَحَبَّ قَوْماً، وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِم؟ قَالَ: (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) . ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا: أَنَّ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ بَاباً يَفْتَحُ اللهُ لِلتَّوْبَةِ مَسِيْرَةَ عَرْضِهِ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، فَلاَ يَزَالُ مَفْتُوحاً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} ، الآيَةَ (2) [الأَنْعَامُ: 158] . وَبِهِ: قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَنَا مَحْرَمٌ لِبَعْضِ النِّسَاءِ، وَمَنْ حَجَّ بَعْدِي لَمْ يَرَهُ، مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) قال الخطابي: كلمة (لكن) هنا موضوعة للاستدراك: وذلك لأنه تقدمه نفي واستثناء، وهو قوله: " كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ". ثم قال: " لكن من بول وغائط ونوم "، فاستدرك ب (لكن) ليعلم أن الرخصة جاءت في هذا النوع من الاحداث دون الجنابة، فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب كان عليه نزع الخف وغسل الرجل مع سائر البدن، وهذا كما تقول: ما جاءني زيد لكن عمرو، وما رأيت زيدا لكن خالدا. (2) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي بطوله (3535) و (3536) ، وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (79) و (179) و (2507) وفي الأصل: مسيرة عرضه أربعين، وهو خطأ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. أَخْرَجَهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ السُّكَّرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَتِيْقٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِيْنَ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (2) ، عَنْ يَحْيَى.   (1) أخرجه البخاري: 3 / 347 في الحج: باب من أين يخرج من مكة، وفي المغازي: باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة، ومسلم (1258) في الحج: باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، والترمذي (853) ، وأبو داود (1868) و (1869) . (2) رقم (3374) في الاجازة: باب وضع الجائحة، وباب بيع السنين، وسنده قوي، وأخرجه مسلم (1554) (17) من طريق ابن عيينة عن حميد الاعرج، عن سليمان بن عتيقة، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، ولمسلم (1554) (14) من حديث أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة (هي الآفة التي تصيب الثمار وتهلكها) فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ". وبيع السنين: هو أن يبيع الرجل ما تثمره الشجرة بأعيانه سنين ثلاثا أو أربعا أو أكثر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي العَرَايَا (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَكَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُم فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لاَ يُحِبُّ اللهَ الجَهْرَ بِالسُّوْءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ... } [النِّسَاءُ: 148] ، قَالَ: ذَلِكَ فِي الضِّيَافَةِ، إِذَا أَتَيْتَ   (1) أخرجه البخاري: 4 / 320، و321، ومسلم (1539) وأبو داود (3362) والنسائي: 7 / 267، 268، والترمذي (1302) والموطأ: 2 / 620. والعرايا: جمع عرية، قال في " النهاية " هي أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجئ إلى صاحب النخل فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات، ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق. والعرية: فعلية بمعنى مفعولة، من عراه يعروه: إذا قصده، ويحتمل أن تكون، فعيلة بمعنى من عري يعرى إذا خلع ثوبه، كأنها عريت من جملة التحريم فعريت، أي خرجت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 رَجُلاً، فَلَمْ يُضِفْكَ، فَقَدْ رُخِّصَ لَكَ أَنْ تَقُوْلَ (1) . قَالَ ابْنُ دَاوُدَ فِي كِتَابِ (الشَّرِيْعَةِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَزَّةَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: لَوْ صَلَّيْتَ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بقِرَاءةِ حَمْزَةَ، لأَعَدْتُ. وَثَبَتَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُوَيْطِبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ حَمْزَةَ بِدْعَةٌ. قُلْتُ: مُرَادُهُم بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيْلِ الأَدَاءِ، كَالسَّكْتِ، وَالاجتِمَاعِ فِي نَحْوِ: شَاءَ، وَجَاءَ، وَتَغْيِيرِ الهَمزِ، لاَ مَا فِي قِرَاءتِهِ مِنَ الحُرُوْفِ، هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي، فَإِنَّ الرَّجُلَ حُجَّةٌ، ثِقَةٌ فِيْمَا يُنْقَلُ (2) . قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: غَضَبُ اللهِ الدَّاءُ الَّذِي لاَ دوَاءَ لَهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ، أَحْوَجَ اللهُ إِلَيْهِ النَّاسَ.   (1) تفسير مجاهد 1 / 179، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله [إلا من ظلم] وإن صبر، فهو خير له. وقال الحسن البصري: هو الرجل يظلم الرجل، فلا يدع عليه، ولكن ليقل، اللهم أعني عليه. اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد. وقال السدي: إن الله لا يحب الجهر بالسوء من أحد من الخلق، ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناح. انظر: الطبري 9 / 343، 350. (2) جاء في " المغني " لابن قدامة: 1 / 492: ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طريق إسماعيل بن جعفر، قال: فإن لم يكن، فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش، وأثنى على قراءة عمرو بن العلاء، ولم يكره قراءة أحد من العشرة إلا قراءة حمزة والكسائي لما فيها من الكسر والادغام والتكلف، وزيادة المد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ، نِصْفَ شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُ: كَمُلَ لِي فِي هَذَا اليَوْمِ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وُلِدْتُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. فِي (فَاصِلِ) الرَّامَهُرْمُزِيِّ (1) ، قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الجَرْدَانِيُّ: قَالَ الخُطَيْمُ فِي ابْنِ عُيَيْنَةَ: سِيْرِي نَجَاءً وَقَاكِ اللهُ مِنْ عَطَبٍ ... حَتَّى تُلاَقِي بَعْدَ البَيْتِ سُفْيَانَا شَيْخُ الأَنَامِ وَمَنْ حَلَّتْ مَنَاقِبُهُ ... لاَقَى الرِّجَالَ وَحَازَ العِلْمَ أَزْمَانَا حَوَى بَيَاناً وَفَهْماً عَالِياً عَجَباً ... إِذَا يَنُصُّ حَدِيْثاً نَصَّ بُرْهَانَا تَرَى الكُهُولَ جَمِيْعاً عِنْدَ مَشْهَدِهِ ... مُسْتَنْصِتِيْنَ وَشِيخَاناً وَشُبَّانَا يَضُمُّ عَمْراً إِلَى الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ... وَبَعْدَ عَمْرٍو إِلَى الزُّهْرِيِّ صَفْوَانَا وَعَبْدَةً وَعُبَيْدَ اللهِ ضَمَّهُمَا ... وَابْنَ السَّبِيْعِيِّ أَيْضاً وَابْنَ جُدْعَانَا فَعَنْهُمُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ يُوْسِعُنَا ... عِلْماً وَحُكْماً وَتَأْوِيلاً وَتِبْيَانَا وَقَالَ الرِّيَاشِيُّ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ يَرْثِي ابْنَ عُيَيْنَةَ: لِيَبْكِ سُفْيَانَ بَاغِي سُنَّةٍ دَرَسَتْ ... وَمُسْتبِيْنُ أَثَارَاتٍ وَآثَارِ وَمُبْتَغِي قُرْبَ إِسْنَادٍ وَمَوْعِظَةٍ ... وَوَاقِفِيُّوْنَ مِنْ طَارٍ وَمِنْ سَارِي أَمْسَتْ مَنَازِلُهُ وَحْشاً مُعَطَّلَةً ... مِنْ قَاطِنِيْنَ وَحُجَّاجٍ وَعُمَّارِ مِنَ الحَدِيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ... وَلِلأَحَادِيْثِ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارِ مَا قَامَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ قَالَ: حَدَّثَنَا ... الزُّهْرِيُّ، فِي أَهْلِ بَدْوٍ أَوْ بِإِحْضَارِ   (1) ص 224، 226، وقد تصحف فيه " الخطيم " إلى الحطيم ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 وَقَدْ أَرَاهُ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثِ مِنَىً ... قَدْ خَفَّ مَجْلِسَهُ مِنْ كُلِّ أَقْطَارِ بَنُو المَحَابِرِ وَالأَقلاَمِ مُرْهَفَةً ... وَسمَاسِمَاتٍ فَرَاهَا كُلُّ نَجَّارِ (1) 121 - أَخُوْه ُ: إِبْرَاهِيْم بنُ عُيَيْنَةَ، أَبُو إِسْحَاقَ * مُحَدِّثٌ، إِمَامُ خَيْرٍ. وُلِدَ: نَحْو سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: أَبَا حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ يَحْيَى، وَصَالِحَ بنَ حَسَّانٍ، وَمِسْعَراً، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ، وَلاَ المُجَوِّدِ. رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ، وَالعَدَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مُسْلِماً، صَدُوقاً، لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 122 - الخُلْقَانِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا ** (ع) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو زِيَادٍ الكُوْفِيُّ، الخُلْقَانِيُّ.   (1) " المحدث الفاصل ": 226، 227. (*) التاريخ الصغير 2 / 286، الجرح والتعديل: 2 / 118، تهذيب الكمال: 62، تذهيب التهذيب: 1 / 40 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 51، تهذيب التهذيب: 1 / 149، خلاصة تذهيب الكمال 20. (* *) تاريخ ابن معين: 34، المعرفة والتاريخ: 2 / 170، الجرح والتعديل: 2 / 170، الضعفاء للعقيلي: 34، تهذيب الكمال: 103، تذهيب التهذيب: 1 / 63 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 228، العبر: 263، تهذيب التهذيب: 1 / 297، خلاصة تذهيب الكمال: 34. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 مَوْلِدُهُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ - وَقَدْ كَبِرَ - مِنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَجَمَاعَةٌ. اخْتَلَفَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَمَرَّةً يَقُوْلُ: ثِقَةٌ، وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَمَرَّةً يَقُوْلُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مُقَاربُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: أَمَّا الأَحَادِيْثُ المَشْهُوْرَةُ الَّتِي يَروِيهَا، فَهُوَ فِيْهَا مُقَاربُ الحَدِيْثِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ لَهُ، هُوَ شَيْخٌ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالطَّلَبِ. قَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا بنِ مُرَّةَ، أَبُو زِيَادٍ الخُلْقَانِيُّ، مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، يُلَقَّبُ: شقُوصَا، نَزَلَ بَغْدَادَ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي خَالِي إِبْرَاهِيْمُ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ الخُلْقَانِيَّ شقُوصَا يَقُوْلُ: الَّذِي نَادَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ عَبْدَهُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، عَلِيٌّ. إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ، فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيْلَ هَذَا آخِرُ زِنْدِيقٍ، غَيْرُ الخُلْقَانِيِّ. تُوُفِّيَ الخُلْقَانِيُّ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَعَاشَ: خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 123 - مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مُرَّةَ، وَنُسِبَ إِلَى تَيْمٍ؛ لِنُزُولِهِ فِيْهِم هُوَ وَأَبُوْهُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَيُّوْبَ، وَحُمَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيِّ القَهْرَمَانِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَفُضَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ العَجَمِيِّ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ. كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَزِيَادٌ الحَسَّانِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبِ بنِ عَرَبِيٍّ، وَيَعْقُوْبُ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 290، طبقات خليفة: 224، تاريخ خليفة: 6، 338، 458، المعرفة والتاريخ: 1 / 178، الجرح والتعديل: 8 / 402، تهذيب الكمال: 1350، تذهيب التهذيب: 4 / 54 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 245، تهذيب التهذيب: 10 / 227، خلاصة تذهيب الكمال: 397، الرسالة المستطرفة: 82، شرح ألفية العراقي: 3 / 84 (*) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَخَلْقٌ عَظِيْمٌ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ قُرَّةَ بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: مَا مُعْتَمِرٌ عِنْدَنَا بِدُوْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ، وَمَاتَ: بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوْبٍ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عِيْسَى الكُرَيْزِيُّ (1) : مَاتَ مُعْتَمِرٌ يَوْم قُتِلَ زَبَّانُ الطَّلِيْقِيُّ بِالبَصْرَةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ اليَوْمَ أَعْبَدُ النَّاسِ، وَقُتِلَ أَشْطَرُ النَّاسِ. وَفِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ) لِلْخَطِيْبِ: أَنَّ مُعْتَمِراً رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ سِتٌّ وَتِسعُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَأَعْلَى مَا يُرْوَى اليَوْمَ حَدِيْثُ مُعْتَمِرٍ، فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) . فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ،   (1) في تهذيب الكمال: محمد بن عيسى، وتذهيب التهذيب: سعيد بن موسى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، سَمِعْتُ عَاصِماً الأَحْوَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ، أَنَّهُ سَمِعَ: أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَابْنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُونَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى) ، إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُم، فَأَدخَلَنِي اللهُ النَّارَ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، عَالٍ. وَشُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ: مَدَنِيٌّ، لَيْسَ بِقَوِيٍّ (1) . 124 - مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ الأُمَوِيُّ * رَأْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو السَّمْطِ - وَقِيْلَ: أَبُو الهِنْدَامِ - مَرْوَانُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي حَفْصَةَ يَزِيْدَ، مَوْلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيِّ. أَعْتَقَهُ مَرْوَانُ يَوْمَ الدَّارِ (2) ، لِكَوْنِهِ بَيَّنَ يَوْمَئِذٍ (3) . وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ أَبُو حَفْصَةَ طَبِيْباً يَهُوْدِياً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ عُثْمَانَ، أَوْ يَدِ مَرْوَانَ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا حَفْصَةَ مِنْ سَبْيِ اصْطَخْرَ. وَكَانَ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ مِنْ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَمَدَحَ المَهْدِيَّ، وَالرَّشِيْدَ.   (1) وقد نقل المؤلف في " الميزان " تضعيفه عن ابن معين، ومالك، والنسائي، وأبي زرعة، والدارقطني، وابن عدي، لكن معنى الحديث ثابت من حديث عبادة بن الصامت عند مسلم (1587) وأبي داود (3349) ، والترمذي (1240) . (*) الشعر والشعراء: 395، تاريخ الطبري: 8 / 153، 181، 225، المعرفة والتاريخ: 1 / 173، الاغاني: 10 / 71، 95، معجم المرزباني: 396، أمالي المرتضى: 2 / 155، و3 / 4، 16، 26، تاريخ بغداد: 13 / 145، رغبة الامل: 6 / 82، و7 / 37، 45، الكامل لابن الأثير: 6 / 217، 7 / 56، وفيات الأعيان 5 / 189، الفلاكة والمفلوكون: 80، مطالع البدور: 1 / 73. (2) أي: دار عثمان بن عفان الخليفة الراشد، وكان لزم داره يوم هاجت الفتنة، فاستشهد فيها رضي الله عنه، فسمي ذلك اليوم يوم الدار. (3) في " طبقات الشعراء " 42 لابن المعتز: لأنه أبلى يومئذ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ: أَجْوَدُ مَا لَهُ (اللاَّمِيَّةُ) الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَى شُعَرَاءِ زَمَانِهِ فِي مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فَأَجَازَهُ عَلَيْهَا بِمَالٍ عَظِيْمٍ. قَالَ: وَأَخَذَ مِنْ خَلِيْفَةٍ عَلَى بَيْتٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: فَمِنَ اللاَّمِيَّةِ (1) : بَنُو مَطَرٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ كَأَنَّهُمْ ... أُسُودٌ لَهَا فِي بَطْنِ خَفَّانَ أَشْبُلُ هُمُ يَمْنَعُوْنَ الجَارَ حَتَّى كَأَنَّمَا ... لِجَارِهِم بَيْنَ السِّمَاكَيْنِ مَنْزِلُ تَجَنَّبَ (لاَ) فِي القَوْلِ (2) حَتَّى كَأَنَّهُ ... حَرَامٌ عَلَيْهِ قَوْلُ (لاَ) حِيْنَ يُسْأَلُ تَشَابَهُ يَوْمَاهُ عَلَيْنَا فَأَشْكلاَ ... فَلاَ نَحْنُ نَدْرِي أَيُّ يَوْمَيْهِ أَفْضَلُ؟ أَيَوْمُ نَدَاهُ العُمرُ؟ أَمْ يَوْمُ بَأْسِهِ ... وَمَا مِنْهُمَا إِلاَّ أَغَرُّ مُحَجَّلُ بَهَالِيْلُ فِي الإِسْلاَمِ سَادُوا وَلَمْ يَكُنْ ... كَأَوَّلِهِم (3) فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوَّلُ هُمُ القَوْمُ إِنْ قَالُوا أَصَابُوا، وَإِنْ دُعُوا ... أَجَابُوا، وَإِنْ أَعْطَوْا أَطَابُوا وَأَجْزَلُوا فَمَا يَسْتَطِيْعُ الفَاعِلُوْنَ فِعَالَهُم ... وَإِنْ أَحْسَنُوا فِي النَّائِبَاتِ وَأَجْمَلُوا وَيُرْوَى: أَنَّ وَلداً لِمَرْوَانَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ دَخَلَ عَلَى الأَمِيْرِ شَرَاحِيْلَ بنِ مَعْنٍ، فَأَنشَدَهُ: أَيَا شَرَاحِيْلَ بنَ مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ ... يَا أَكرَمَ النَّاسِ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي مَالاً فَعَاشَ بِهِ ... فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي مَا حَلَّ قَطُّ أَبِي أَرْضاً أَبُوْكَ بِهَا ... إِلاَّ وَأَعْطَاهُ قِنْطَاراً مِنَ الذَّهَبِ (4)   (1) هي في " أمالي المرتضى " 1 / 587، وحماسة ابن الشجري 109، 110، وطبقات الشعراء 43، 44، وزهر الآداب ص 843، والشعر والشعراء 482، والاغاني 10 / 90، ووفيات الأعيان 5 / 190. (2) في الأصل: الفؤاد، وهو خطأ. (3) في الأصل: فأولهم، وهو خطأ. (4) الابيات في " الوفيات " 5 / 191. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 فَأَعْطَاهُ شَرَاحِيْلُ قِنْطَاراً مِنَ الذَّهَبِ. مَاتَ مَرْوَانُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 125 - حَفِيْدُهُ: مَرْوَانُ بنُ أَبِي الجَنُوْبِ بنِ مَرْوَانَ * هُو َ مَرْوَانُ بنُ أَبِي الجَنُوْبِ بنِ مَرْوَانَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ فِي زَمَانِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: مَرْوَانُ الأَصْغَرُ (1) . 126 - مُبَارَكُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ ** (د، ت) الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَزِيلُ بَغْدَادَ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَغَيْرِهِمَا. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى،   (*) طبقات الشعراء: 392، 393، معجم الشعراء: 321، الاغاني 23 / 206، 215، وفيات الأعيان: 5 / 193. (1) في " طبقات الشعراء " 392 لابن المعتز: كان علي بن الجهم يساجل مروان بن أبي حفصة الاصغر هو أبو السمط ويناضله ويهاجيه، فخاض الناس في أمرهما، فقال فريق: علي أشعر، وقال أكثر الناس: مروان أشعر، حتى قال مروان بيتيه هذين: لعمرك ما جهم بن بدر بشاعر * هذا على ابنه يدعي الشعرا ولكن أبي قد كان جارا لامه * فلما روى الاشعار أوهمني أمرا فأجابه علي بن الجهم بهذين البيتين: بلاء ليس يشبهه بلاء * عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم يصنه * ويقدح منك في عرض مصون فحكم الناس جميعا لمروان أنه أشعر، وأن الذي قال علي ليس بجواب إنما هو استخداء. (* *) التاريخ الكبير: 4 / 426، المعرفة والتاريخ: 2 / 42، الكامل لابن الأثير: 6 / 153، تهذيب الكمال: 1300، تذهيب التهذيب: 4 / 20 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 431، العبر: 1 / 277، تهذيب التهذيب: 10 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 368، شذرات الذهب: 1 / 249. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ. يَقعُ حَدِيْثَهُ عَالِياً فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) ، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَهُوَ أَخُو سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. 127 - مُعَاذُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ * شَيْخُ النَّحْوِ، أَبُو مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ، النَّحْوِيُّ، الهَرَّاءُ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ. رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَغَيْرِهِ. وَمَا هُوَ بِمُعْتَمَدٍ فِي الحَدِيْثِ. وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ حُرُوْفٌ فِي القِرَاءاتِ. أَخَذَ عَنْهُ: الكَسَائِيُّ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَنَّفَ فِي العَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ. وَكَانَ شِيْعِيّاً، مُعَمَّراً. مَاتَ أَوْلاَدُهُ وَأَحْفَادُهُ وَهُوَ بَاقٍ. وَكَانَ يُصَغِّرُ نَفْسَهُ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: رَأْيْتُهُ يَشُدُّ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ.   (*) الحيوان: 7 / 51، طبقات النحويين واللغويين: 135، 136، الكامل لابن الأثير: 6 / 189، وفيات الأعيان: 5 / 218، العبر: 1 / 298، إنباه الرواة: 3 / 288، نور القيس: 276. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 وَفِيْهِ يَقُوْلُ سَهْلُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الخَزْرَجِيُّ (1) : إِنَّ مُعَاذَ بنَ مُسْلِمٍ رَجُلٌ ... لَيْسَ لِمِيْقَاتِ عُمْرِهِ أَمَدُ قَدْ شَابَ رَأْسُ الزَّمَانِ وَاكْتَهَلَ الدْ ... دَهْرُ وَأَثْوَابُ عُمْرِهِ جُدُدُ قُلْ لِمُعَاذٍ إِذَا مَرَرْتَ بِهِ: ... قَدْ ضَجَّ مِنْ طُوْلِ عُمْرِكَ الأَبَدُ يَا بِكْرَ حَوَّاءَ كَمْ تَعِيْشُ؟! وَكمْ ... تَسْحَبُ ذَيْلَ البَقَاءِ يَا لُبَدُ (2) ؟! قَدْ أَصْبَحَتْ دَارُ آدَمٍ خَرِبَتْ ... وَأَنْتَ فِيْهَا كَأَنَّكَ الوَتِدُ تَسْأَلُ غِرْبَانُهَا إِذَا نَعَبَتْ: ... كَيْفَ يَكُوْنُ الصُّدَاعُ وَالرَّمَدُ؟ مُصَححاً كَالظَّلِيمِ، تَرْفُلُ فِي ... بُرْدَيْكَ مِثْلَ السَّعِيْرِ تَتَّقِدُ صَاحَبْتَ نُوحاً، وَرُضْتَ بَغْلَةَ (3) ذِي الـ ... ـقَرْنَيْنِ شَيْخاً لِولدكَ الوَلَدُ   (1) قال ابن خلكان في " الوفيات " 5 / 221: إنه نشأ بسجستان، وادعى رضاع الجن، وأنه صار إليهم، ووضع كتابا ذكر فيه أمر الجن وحكمتهم وأنسابهم وأشعارهم، وزعم أنه بايعهم للامين بن هارون الرشيد ولي العهد، فقربه الرشيد وابنه الامين، وزبيدة ام الامين، وبلغ معهم، وأفاد منهم، وله أشعار حسان وضعها على الجن والشياطين والسعالي، وقال له الرشيد: إن كنت رأيت ما ذكرت لقد رأيت عجبا، وإن كنت ما رأيته لقد وضعت أدبا. وأخباره كلها غريبة عجيبة. ويرى ابن مكتوم أن هذه الابيات لم تقل في معاذ بن مسلم هذا، فإنها مقولة في غيره وهو معاذ بن مسلم، صاحب معاذ بن عبد الله الأسدي، وهي لمحمد بن مناذر، قالها في معاذ الحاجب، وقد ذكر ذلك وأوضحه على الصواب في كتابه الكبير المسمى: " بالجمع المتناه في أخبار اللغويين والنحاة "، والابيات في " الحيوان " 3 / 423 و6 / 327 و7 / 51 منسوبة إلى محمد ابن مناذر، وبغير نسبة في " عيون الاخبار " 4 / 59، 60. (2) لبد: كزفر: آخر نسور لقمان يزعم الاخباريون أن لقمان كان أطول الناس عمرا وأنه أعطي عمر سبعة أنسر، فجعل يأخذ فرخ النسر الذكر، فيجعله في الجبل الذي هو في أصله، فيعيش منه ما عاش، فإذا مات أخذ آخر، فرباه حتى كان آخرها ليدا، وكان أطوالها عمرا، فقيل: " طال الابد على لبد " وقد ذكرت العرب لبدا في أشعارها كثيرا. فمن ذلك قول النابعة: أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا * أختى عليها الذي أخنى على لبد (3) في الأصل: ورضيت بعلمه، والتصويب من ابن خلكان: 5 / 218. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 فَارْحَلْ وَدَعْنَا، فَإِنَّ غَايَتَكَ الـ ... ـمَوْتُ وَإِنْ شَدَّ رُكْنَكَ الجَلَدُ وَلُبَدُ: هُوَ آخِرُ نُسُورِ لُقْمَانَ الَّذِي عُمِّرَ. وَكَانَ مُعَاذٌ صَدِيْقاً لِلْكُمَيْتِ الشَّاعِرِ. يُقَالَ: عَاشَ تِسْعِيْنَ عَاماً. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ شِعْرٌ قَلِيْلٌ. وَالهَرَّاءُ: هُوَ الَّذِي يَبِيْعُ الثِّيَابَ الهَرَوِيَّةَ، وَلَوْلاَ هَذِهِ الكَلِمَةُ السَّائِرَةُ، لَمَا عَرَفنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَلَّ مَا رَوَى. 128 - عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ * (ع) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ، الكُوْفِيُّ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَخُو قَاضِي جَبُّلَ (1) ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْهِرٍ، ذَاكَ المُغَفَّلُ الَّذِي بَلَغَهُ أَنَّ المَأْمُوْنَ قَادِمٌ عَلَى نَاحِيَةِ جَبُّلَ، فَكَلَّمَ أَهْلَ جَبُّلَ لِيُثْنُوا عَلَيْهِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَوَجَدَ مِنْهُم فُتُوراً، وَأَخْلَفُوهُ المَوْعِدَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَه، وَوَقَفَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ، فَلَمَّا حَاذَاهُ المَأْمُوْنُ، سَلَّمَ بِالخِلاَفَةِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ فِي عَافِيَةٍ وَعَدْلٍ بِقَاضِينَا ابْنِ مُسْهِرٍ. فَغَلَبَ الضَّحِكُ   (*) التاريخ الكبير: 3 / 297، الكامل لابن الأثير: 1 / 74، 121، وفيات الأعيان: 6 / 387، تهذيب الكمال: 993، تذهيب التهذيب: 3 / 74 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 290، نكت الهميان: 19، تهذيب التهذيب: 7 / 383، خلاصة تذهيب الكمال: 277، شذرات الذهب: 1 / 325. (1) بفتح الجيم وتشديد الباء وضمها، بليدة بين النعمانية وواسط في الجانب الشرقي، وينسب إليها جماعة من أهل العلم منهم، أبو الخطاب محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجبلي الذي قال فيه أبو العلاء قصيدته: غير مجد في ملتي واعتقادي * نوح باك ولا ترنم شادي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 عَلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، فَعَجِبَ مِنْهُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: مَا بِكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الَّذِي يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَاضِي جَبُّلَ هُوَ القَاضِي. فَضَحِكَ المَأْمُوْنُ كَثِيْراً، ثُمَّ قَالَ لِيَحْيَى: اعْزِلْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَحْمَقُ. فَأَمَّا عَلِيٌّ هَذَا، فَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَمُطَرِّفَ بنَ طَرِيْفٍ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَاصِماً الأَحْوَلَ، وَالمُخْتَارَ بنَ فُلْفُلٍ، وَالأَعْمَشَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيَّ، وَأَبَا حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَأَجْلَحَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَأَشْعَثَ بنَ سَوَّارٍ، وَبُرَيْدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَسَعْدَ بنَ طَرِيْفٍ الإِسْكَافَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَمُوْسَى الجُهَنِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبَا مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الوَرَّاقُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ الخَلِيْلِ، وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ زُرَارَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حَكِيْمٍ الأَوْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَمُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَمِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ، وَهَنَّادٌ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ؟ فَقَالَ: عَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ. قُلْتُ: فَعَلِيٌّ وَيَحْيَى بنُ أَبِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 زَائِدَةَ؟ فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَتَانِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ: كَانَ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ يَجِيئُنِي، فَيَسْأَلُنِي: كَيْفَ حَدِيْثُ كَذَا؟ وَكَانَ قَدْ دَفَنَ كُتُبَهُ. قَالَ يَحْيَى: عَلِيٌّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ قُرَشِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهِم، كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ، ثِقَةٌ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ: هُوَ مِنْ خُزَيْمَةَ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، وَهُم عَائِذَةُ قُرَيْشٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: وَلِيَ قَضَاءَ إِرْمِيْنِيَةَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا، اشْتَكَى عَيْنَهُ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مُتَطَبِّبٌ، فَقَالَ القَاضِي الَّذِي كَانَ بِإِرْمِيْنِيَةَ: أَكْحِلْهُ بِشَيْءٍ يُذْهِبُ عَيْنَهُ حَتَّى أُعْطِيَكَ كَذَا وَكَذَا. فَكَحَّلَهُ بِشَيْءٍ، فَذَهَبتْ عَيْنُهُ، فَرَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ أَعْمَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى ابْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ قَاضِي المَوْصِلِ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ وَعَدَنٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدِدِ النُّجُوْمِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّيْ لأَذُوْدُ عَنْهُ الرِّجَالَ، كَمَا يَذُوْدُ الرَّجُلُ الغَرِيْبَةَ مِنَ الإِبِلِ عَنْ حَوْضِهِ) . قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَهَلْ تَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، تَرِدُوْنَ عَلَيَّ غُرّاً مُحَجَّلِيْنَ مِنْ آثَارِ الوُضُوْءِ، لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُم) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ عُثْمَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. 129 - غُنْجَارُ عِيْسَى بنُ مُوْسَى البُخَارِيُّ * (خت، ق) مُحَدِّثُ بُخَارَى، الشَّيْخُ، أَبُو أَحْمَدَ عِيْسَى بنُ مُوْسَى البُخَارِيُّ، الأَزْرَقُ، غُنْجَارُ. لَهُ: رِحلَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِيْسَى بنِ عُبَيْدٍ الكِنْدِيِّ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَحِيْرُ بنُ النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ حَمْزَةَ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُمَيَّةَ السَّاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ عَصرِه، طَلَبَ الحَدِيْثَ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَرَحَلَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَدُوْقٌ، تَتَبَّعْتُ رِوَايَاتِهِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَوَجَدْتُهَا مُسْتقِيْمَةً، يَرْوِي عَنْ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ شَيْخٍ مِنَ المَجْهُوْلِيْنَ. قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ مُعَلَّقٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَهُوَ: رَوَى: عِيْسَى،   (1) رقم (248) في الطهارة: باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، وابن ماجه (4302) في الزهد باب: ذكر الحوض. (*) التاريخ الكبير: 5 / 366، التاريخ الصغير: 2 / 329، الضعفاء للعقيلي: 3 / 336، تهذيب الكمال: 1085، تذهيب التهذيب: 3 / 131 / 2، ميزان الاعتدال: 3 / 325، لسان الميزان: 4 / 406، الوافي بالوفيات: 1 / 48، تهذيب التهذيب: 8 / 232، خلاصة تذهيب الكمال: 303. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ فِي بَدْءِ الخَلْقِ (1) ، وَقَدْ سَقطَ رَجُلٌ بَيْنَ عِيْسَى وَرَقَبَةَ، وَهُوَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَمَا أَدْرَكَ غُنْجَارُ رَقَبَةَ. تُوُفِّيَ غُنْجَارُ: فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: غُنْجَارُ لاَ شَيْءٌ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ رُسْتُمَ، قَالَ: قُلْتُ بِبَلْخَ لِمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ البُخَارِيِّ: حَدَّثَكُم عِيْسَى بنُ مُوْسَى غُنْجَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ الكَرْمَ، فَإِنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ ابْنِ آدَمَ (2)) . فَأَقَرَّ بِهِ، وَقَالَ: نَعَمْ. غَرِيْبٌ، مَا رَوَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَيُّوْبَ، غَيْرُ أَبِي حَمْزَةَ، وَلاَ عَنْهُ سِوَى غُنْجَارُ. وَقَعَ لَنَا عَالِياً. رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيِّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا غُنْجَارُ.   (1) 6 / 207 في أول بدء الخلق، ونصه: وروى عيسى (غنجار) عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظ، ونسيه من نسيه. (2) رجاله ثقات وهو في " معجم الطبراني الصغير " 1 / 77، وقد تحرف فيه عيسى بن موسى إلى: أبو عيسى، وأخرجه البخاري: 10 / 465، 467، ومسلم (2247) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم المسلم ". وفي رواية: " فإن الكرم قلب المؤمن "، وأخرجه مسلم (2248) من حديث واثل بن حجر مرفوعا بلفظ: " لا تقولوا الكرم، ولكن قولوا العنب والحبلة ". قال ابن الجوزي: إنما نهي عن هذا لان العرب كانوا يسمونها كرما لما يدعون من إحداثها في قلوبي شاربيها من الكرم، فنهي عن تسميتها بما تمدح به لتأكيد ذمها وتحريمها، وعلم أن قلب المؤمن لما فيه من نور الايمان أولى بذلك الاسم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 130 - عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُرَابِطُ بِثَغْرِ الحَدَثِ (1) ، أَخُو الحَافِظِ إِسْرَائِيْلَ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ غَدِيْرٍ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلِّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العُمَرِيُّ بِالمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَضَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الجَنِيْنِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بَغْلٍ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً.   (*) التاريخ الكبير: 6 / 406، التاريخ الصغير: 2 / 143، تاريخ الطبري: 7 / 634، مشاهير علماء الأمصار: 186، تاريخ بغداد: 11 / 152، تهذيب الكمال: 1068، تذهيب التهذيب: 3 / 13 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 279، ميزان الاعتدال: 3 / 328، العبر: 1 / 203، 300، 449، تهذيب التهذيبب: 8 / 237، خلاصة تذهيب الكمال: 304. (1) قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش. من الثغور الشامية، ويقال لها الحمراء، لان تربتها حمراء، وقلعتها على جبل يقال له: الاحيدب، وفي كتاب أحمد بن يحيى بن جابر: كان حصن الحدث مما فتح في أيام عمر رضي الله عنه، فتحه حبيب بن مسلمة الفهري من قبل عياض ابن غنم، وكان معاوية يتعاهده بعد ذلك، وسميت بعد ذلك بالمهدية، نسبة إلى المهدي الذي بناها بعد خرابها وذلك في سنة 162، قال الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشقاء وكثرت الامطار ولم يكن بناؤها وثيقا فهدم سور المدينة، ثم أعاد الرشيد عمارتها وأسكنها الجند، وفي أيام سيف الدولة كان له به وقعات وخربته الروم في أيامه، وخرج سيف الدولة في سنة 343 لعمارته، فعمره وأتاه الدمستق في جموعه فردهم سيف الدولة مهزومين وفي ذلك يقول المتنبي: هل الحدث الحمراء تعرف لونها * وتعلم أي الساقيين الغنائم بناها فأعلى والقنا يقرع القنا * وموج المنايا حملها متلاطم (2) والصحيح ما أخرجه مالك في " الموطأ ": 2 / 855، والبخاري: 12 / 218، = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ) (1) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ، وَلَمْ يُدْرِكِ السَّمَاعَ مِنْ جَدِّهِ، كَانَ صَبِيّاً فِي زَمَانِهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحِ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَوْفٍ، وَمُجَالِدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَعْمَرٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ وَاسِعَ العِلْمِ، كَثِيْرَ الرِّحلَةِ، وَافِرَ الجَلاَلَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ   = 219، ومسلم (1681) من طريق ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليد. وروى البخاري: 12 / 20، ومسلم (1681) (35) من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أنه قضى رسوله الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة. (1) رجاله ثقات، وهو في سنن النسائي: 8 / 137 كتاب الزينة: باب الاذن في الخضاب، وأخرجه أحمد: 2 / 261 و499، والترمذي (1752 من طريق آخر، وسنده حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 عَيَّاشٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَسُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ، وَمُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَوَكِيْعٌ، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُوْهُ؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ قَبْلَ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ عَامٍ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خِرَاشٍ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ أَبِيْهِ. قِيْلَ لَهُ: فَإِسْرَائِيْلُ؟ قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا! وَقَالَ المَرْوَذِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ: ثَبْتٌ، وَكُنَّا نُخَبَّرُ أَنَّهُ سَنَةً فِي الغَزْوِ، وَسَنَةً فِي الحَجِّ، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الحُصُوْنِ، فَأُمِرَ لَهُ بِمَالٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ. الأَثْرَمُ: عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ يُسْنِدُ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيُثِيْبُ عَلَيْهَا (1) . وَالنَّاسُ   (1) أخرجه البخاري: 5 / 154 في الهداية: باب المكافأة في الهبة، وأبو داود (3536) في البيوع: باب في قبول الهدايا، والترمذي (1954) في البر: باب في قبول الهدية والمكافأة عليها، من طرق، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 يُرْسِلُوْنَهُ. وَكَذَا قَالَ: ابْنُ مَعِيْنٍ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، قُلْتُ: فَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ. وَقَالَ حَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سُئِلَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ إِسْرَائِيْلَ، عِيْسَى حُجَّةٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يَسْكُنُ الثَّغْرَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ زَارَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالفَقِيْهِ ابْنِ الفَقِيْهِ ابْنِ الفَقِيْهِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ حَافِظاً. وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الثِّقَةُ الرِّضَى. وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْه: قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَذهَبَ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. قَالَ: تَأَتِي رَجُلاً قَدْ قَهَرَ العِلْمَ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ يُعْجِبُهُ خَطِّي، فَكَانَ يَأْخُذُ القِرْطَاسَ، فَيَقْرَؤُهُ عَلَيَّ. قَالَ: كَتَبتُ مِنْ نُسْخَةِ قَوْمٍ شَيْئاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ. قَالَ: كَأَنَّهُم لَمَّا رَأَوْا إِكْرَامَهُ لِي، أَدْخَلُوا عَلَيْهِ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَيَضرِبُ عَلَى تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، فَغَمَّنِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لاَ يَغُمُّكَ، لَوْ كَانَ وَاواً، مَا قَدِرُوا أَنْ يُدْخِلُوْهُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: لَوْ كَانَ وَاواً لَعَرَفْتُهُ. وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: أَنَّهُ فَضَّلَ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ السَّبِيْعِيِّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ أَبِيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحُدَّانِيُّ: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَسْنَانِي -أَوْ قَالَ: مَنْ أَتْرَابِي- أَبصَرُ بِالنَّحْوِ مِنِّي، فَدَخَلَنِي مِنْهُ نَخْوَةٌ، فَتَرَكْتُهُ. قَالَ: وَرَأَيْتُ فَرَجاً خَادِمَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ إِلَى عِيْسَى وَهُوَ قَاعِدٌ بِدَرْبِ الحَدَثِ عَلَى بَابِهِ، فَكَلَّمَه، فَمَا رَفَعَ بِهِ رَأْساً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَانْصَرَفَ ذَلِيْلاً. أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي الرُّطَيْلِ، عَنْ أَبِي بِلاَلٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا فِي القُرَّاءِ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، أَرْسَلَنَا إِلَيْهِ، فَأَتَانَا بِالرَّقَّةِ، فَاعْتَلَّ قَبَلَ أَنْ يَرْجِعَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: هِيه. قُلْتُ: خَمْسُوْنَ أَلْفاً. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا. فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ وَاللهِ، لأُهَنِّيَنَّكَهَا، هِيَ -وَاللهِ- مائَةُ أَلْفٍ. قَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ يَتَحَدَّثُ أَهْلُ العِلْمِ أَنِّي أَكَلْتُ لِلسُّنَّةِ ثَمَناً، أَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَيَّ، فَأَمَّا عَلَى الحَدِيْثِ، فَلاَ، وَلاَ شُربَةَ مَاءٍ، وَلاَ إِهْلِيْلَجَةً (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَلاَ تَكُوْنُوْنَ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، كَانَ إِذَا أَقْبَلَ إِلَى الأَعْمَشِ، وَمَعَهُ الشَّبَابُ وَالشُّيُوْخُ، يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَدْيِهِ وَسَمْتِهِ. وَرَوَى: مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَ   (1) الاهليلج، بكسر الالف وفتح اللام، وقد تكسر، والواحدة بهاء: شجر ينبت في الهند وكابل والصين ثمره على هيئة حب الصنوبر الكبار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 الأَعْمَشِ الَّذِيْنَ لاَ يُفَارِقُونَهُ: عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً حَدَّثَنَا بِهَا الأَعْمَشُ، فِيْهَا ضَرْبُ الرِّقَابِ، لَمْ يَشْرَكْنِي فِيْهَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَرُبَّمَا قَالَ لَهُ الأَعْمَشُ: مَنْ مَعَكَ؟ فَيَقُوْلُ: عِيْسَى. فَيَقُوْلُ: ادْخُلاَ، وَأَجِيْفَا البَابَ. وَكَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ الفِتَنِ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي فِي الأَوْزَاعِيِّ، مَا خَلاَ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَخْذَهُ أَخْذاً مُحْكَماً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ: غَزَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ غَزْوَةً، وَحجَّ كَذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: رَأَيْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَلَيْهِ قِبَاءٌ مَحْشُوٌّ، وَخُفَّانِ أَحْمَرَانِ -يَعْنِي: كَانَ بِزِيِّ الأَجْنَادِ-. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ الكِنْدِيُّ: جَاءَ المَأْمُوْنُ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَسَمِعَ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، فَرَدَّهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو، وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالدَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ. زَادَ ابْنُ مُصَفَّى: فِي نِصْفِ شَعْبَانَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 131 - أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشِ بنِ سَالِمٍ الأَسَدِيُّ * (خَ، 4) الكُوْفِيُّ، الحَنَّاطُ - بِالنُّوْنَ - المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَبَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، مَوْلَى وَاصِلٍ الأَحْدَبِ. وَفِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ: أَشهَرُهَا شُعْبَةُ، فَإِنَّ أَبَا هَاشِمٍ الرِّفَاعِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ الأَوَّلِ، سَأَلاَهُ عَنِ اسْمِهِ. فَقَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلَه يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَغَيْرُهُ عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: اسْمِي كُنْيَتِي. وَأَمَّا النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ مُطَرِّفٌ. وَقِيْلَ: رُؤْبَةُ. وَقِيْلَ: عَتِيْقٌ. وَقِيْلَ: سَالِمٌ. وَقِيْلَ: أَحْمَدُ، وَعَنْتَرَةُ، وَقَاسِمٌ، وَحُسَيْنٌ، وَعَطَاءٌ، وَحَمَّادٌ، وَعَبْدُ اللهِ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ القُرْآنَ وَجَوَّدَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ عَلَى: عَاصِم بنِ أَبِي النَّجُوْدِ. وَعَرَضَه أَيْضاً - فِيْمَا بَلَغَنَا - عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَصَالِحٍ مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، حَدَّثَهُ عَنْ:   (*) التاريخ لابن معين: 666، طبقات خليفة: 170، تاريخ خليفة: 466، التاريخ الكبير: 9 / 14، التاريخ الصغير: 2 / 272، المعرفة والتاريخ: 1 / 150، 182، 183، و2 / 172، حلية الأولياء: 7 / 303، تهذيب الكمال: 1585، تذهيب التهذيب: 4 / 202 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 265، ميزان الاعتدال: 4 / 494، العبر 1 / 304، 311، 312، معرفة القراء: 1 / 110، 115، طبقات القراء: 325، 327، تهذيب التهذيب: 12 / 34، مقدمة فتح الباري: 456، خلاصة تذهيب الكمال: 445، شذرات الذهب: 1 / 334. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بنِ عَاصِمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَالأَعْمَشِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَيَحْيَى بنِ هَانِئٍ المُرَادِيِّ، وَدَهْثَمَ بنِ قُرَّانَ، وَسُفْيَانَ التَّمَّارِ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِه - وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالكَسَائِيُّ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ. وَتَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَبُو الحَسَنِ الكَسَائِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَه - وَيَحْيَى العُلَيْمِيُّ، وَأَبُو يُوْسُفَ الأَعْشَى، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ صَالِحٍ البُرْجُمِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَمَّادٍ. وَأَخَذَ عَنْهُ الحُرُوْفَ تَحْرِيْراً وَإِتْقَاناً: يَحْيَى بنُ آدَمَ. ذَكَرَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ، صَاحِبُ قُرْآنٍ وَخَيْرٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ صَالِحٍ الأَنْمَاطِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، أَلْقَاهُ إِلَى جِبْرِيْلَ، وَأَلْقَاهُ جِبْرِيْلُ إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرَعَ إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ صَدُوْقٌ، وَلَهُ أَوهَامٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَعْبَأُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ، كَلَحَ وَجْهُهُ. وَرَوَى: مُهَنَّا بنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ كَثِيْرُ الغَلَطِ جِدّاً، وَكُتُبُهُ لَيْسَ فِيْهَا خَطَأٌ. قَالَ عَلِيُّ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ بَيْنَ يَدِيَّ، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ. ثُمَّ قَالَ: إِسْرَائِيْلُ فَوْقَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَبُو بَكْرٍ ضَعِيْفٌ فِي الأَعْمَشِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: أَبُو بَكْرٍ، وَأَخُوْهُ حَسَنٌ: لَيْسَا بِذَاكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا، لاَ أُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأْتُ. وَقَالَ أَبِي: أَبُو بَكْرٍ وَشَرِيْكٌ فِي الحِفظِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَصَحُّ كِتَاباً. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: سَخَاءُ الحَدِيْثِ كَسَخَاءِ المَالِ. قُلْتُ: فَأَمَّا حَالُهُ فِي القِرَاءةِ، فَقَيِّمٌ بِحَرفِ عَاصِمٍ، وَقَدْ خَالَفَه حَفْصٌ فِي أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَرْفٍ، وَحَفْصٌ أَيْضاً حُجَّةٌ فِي القِرَاءةً، لَيِّنٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَدْ وَقَعَ لِي حَدِيْثُ أَبِي بَكْرٍ عَالِياً، فَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 وَالخَضِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمُّوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُه، فَأَحرَمْنَا بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ: (اجْعَلُوا حَجَّكُم عُمْرَةً) . فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَقَدْ أَحْرَمْنَا بِالحَجِّ؟ قَالَ: (انْظُرُوا الَّذِي آمُرُكُم بِهِ، فَافْعَلُوا) . فَرَدُّوا عَلَيْهِ القَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبَهُ اللهُ. قَالَ: (وَمَا لِيَ لاَ أَغْضَبُ، وَأَنَا آمُرُ بِالأَمْرِ، فَلاَ أُتَّبَعُ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مِنَ العَوَالِي، يَرْوِيْهِ: عِدَّةٌ فِي وَقْتِنَا، عَنِ النَّجِيْبِ، وَابْنِ عَبْد الدَّائِمِ، بِسَمَاعِهِمَا مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه (1) ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَحْضَرَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مِنَ الكُوْفَةِ، فَجَاءَ وَمَعَهُ وَكِيْعٌ، فَدَخَلَ وَوَكِيْعٌ يَقُودُهُ، فَأَدنَاهُ الرَّشِيْدُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَدْرَكتَ أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَيَّامَنَا، فَأَيُّنَا خَيْرٌ؟ قَالَ: أَنْتُم أَقْوَمُ بِالصَّلاَةِ، وَأُوْلَئِكَ كَانُوا أَنْفَعَ لِلنَّاسِ. قَالَ: فَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِسِتَّةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَصَرَفَهُ، وَأَجَازَ وَكِيْعاً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ. رَوَاهَا: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ.   (1) رقم (2982) في المناسك: باب فسخ الحج من طريق محمد بن الصباح، حدثنا أبو بكر بن عياش: عن أبي إسحاق، عن البراء، وأخرجه أحمد في المسند: 4 / 286، وأورده الهيثمي في " المجمع ": 3 / 233، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، والامر بفسخ الحج إلى العمرة، رواه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أورد أحاديثهم ابن القيم في " زاد المعاد ": 2 / 169 - 187 بتحقيقنا، فراجعه، فإنه نفيس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ - وَكَانَ ثِقَةً - قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، فَقُلْتُ: قَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي القُرْآنِ. قَالَ: وَيْلَكَ! مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، عَدُوُّ اللهِ، لاَ نُجَالِسُهُ، وَلاَ نُكَلِّمُهُ. رَوَى: يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيِّ، قَالَ: لَمْ يُفْرَشْ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ فِرَاشٌ خَمْسِيْنَ سَنَةً. ابْنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: زَامَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ، لَقَدْ أَهْدَى لَهُ رَجُلٌ رُطَباً، فَبَلَغَهُ أَنَّهُ مِنْ بُستَانٍ أُخِذَ مِنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، فَأَتَى آلَ خَالِدٍ، فَاسْتَحَلَّهُم، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ بِمَكَّةَ، جَاءهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ سُفْيَانَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ حَدِيْثٍ مَا دَامَ هَذَا الشَّيْخُ قَاعِداً. رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، عَنِ المُعَيْطِيِّ، وَقَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ: يَا سُفْيَانُ! كَيْفَ أَنْتَ، وَكَيْفَ عَائِلَةُ أَبِيْكَ؟ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ: حَدِّثْنِي. وَكُنْتُ أُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، فَيَستَمِعُ إِلَيَّ، وَكُنْتُ أُحَدِّثُ الأَعْمَشَ، فَيَستَعِيْدُنِي. قَالَ أَبُو هِشَامٍ (1) الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِسَنَتَيْنِ.   (1) في الأصل: " أبو هشام " وما أثبتناه هو الصواب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرُ مِنِّي بِعَشْرِ سِنِيْنَ. وَقَالَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً يَطْلُبُ الحَدِيْثَ بِمَكَانَ كَذَا وَكَذَا، لأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ حَتَّى أُحَدِّثُه. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ عِنْد شَرِيْكٍ، فَكَأَنَّهُ رَأَى مِنْ شَرِيْكٍ اسْتِخْفَافاً، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ جَبَّاراً. قَالَ: فَقَالَ شَرِيْكٌ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الحَنَّاطَ هَكَذَا أَحْمَقُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ غَائِباً، فَجَاءهُ أَخُوْهُ الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْش حَالُ شُعْبَةَ، قَدِمَ بَعْدُ؟ يَعْنِي: أَخَاهُ. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ عَنِ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَ، فَلَسْتَ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْتَى، وَإِنْ كُنْتَ تَكرَهُ أَنْ تُؤْتَى، فَبِالحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ - وَذَكَرُوا لَهُ حَدِيْثاً أَنْكَرُوهُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ - فَقَالَ: كَانَ الأَعْمَشُ يَضرِبُ هَؤُلاَءِ وَيَشْتِمُهُم وَيَطْرُدُهُم، وَكَانَ يَأْخُذُ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَجْلِسُ مَعَهُ فِي زَاوِيَةٍ لِحَالِ القُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ لِلْحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بِالمَدِيْنَةِ: مَا أَبقَتِ الفِتْنَةُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ رَأَيْتَنِي فِيْهَا؟ قَالَ: رَأَيْتُهُم يُقَبِّلُوْنَ يَدَكَ وَلاَ تَمنَعُهُم. أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ خَلِيْفَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَصِّ القُرْآنِ، لأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُوْلُ: {لِلْفُقَرَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 المُهَاجِرِيْنَ الَّذِيْنَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِم وَأَمْوَالِهِم يَبْتَغُوْنَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً، وَيَنْصُرُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، أُولِئِكَ هُمُ الصَّادِقُوْنَ} [الحَشْرُ: 8] . قَالَ: فَمَنْ سَمَّاهُ اللهُ صَادِقاً، فَلَيْسَ يَكْذِبُ، هُم قَالُوا: يَا خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الحَافِظُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوْفاً بِالصَّلاَحِ البَارِعِ، وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ، وَعِلْمُ الأَخْبَارِ، وَفِي حَدِيْثِهِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ: لَمْ يَكُنْ فِي شُيُوْخِنَا أَحَدٌ أَكْثَرُ غَلَطاً مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ خَيِّراً فَاضِلاً، لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: جِئْتُ لَيْلَةً إِلَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَيْتُ مِنْهُ دَلْواً لَبَناً وَعَسَلاً. قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: الخَلْقُ أَرْبَعَةٌ: مَعْذُورٌ، وَمَخْبُورٌ، وَمَجْبُورٌ، وَمَثْبُورٌ. فَالمَعْذُورُ: الهَائِمُ. وَالمَخْبُورُ: ابْنُ آدَمَ. وَالمَجْبُورُ: المَلِكُ. وَالمَثْبُورُ: الجِنُّ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: أَدْنَى السُّكُوتِ السَّلاَمَةُ، وَكَفَى بِهِ عَافِيَةً، وَأَدْنَى ضَرَرِ المَنْطِقِ الشُّهرَةُ، وَكَفَى بِهَا بَلِيَّةً. رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ: ثِقَتَانِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ: قَدْ جَاءكُمُ السَّيْلُ، وَأَنَا اليَوْمَ مِثْلُ الأَعْمَشِ. فَقُلْتُ: مَنْ فَوَائِدِ أَبِي عَمْرٍو أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُرَابٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الكُوْفِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ فِي سِكَّةِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ كَلْبٌ، إِذَا رَأَى صَاحِبَ مِحْبَرَةٍ، حَمَلَ عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ شَيْئاً، فَقَتَلُوْهُ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مَيْتاً، قَالَ: إِنَّا للهِ، ذَهَبَ الَّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: تَعَلَّمْتُ مِنْ عَاصِمٍ القُرْآنَ، كَمَا يَتَعَلَّمُ الصَّبِيُّ مِنَ المُعَلِّمِ، فَلَقِيَ مِنِّي شِدَّةً، فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَ قِرَاءتِهِ، وَهَذَا الَّذِي أُحَدِّثُكَ بِهِ مِنَ القِرَاءاتِ إِنَّمَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْ عَاصِمٍ تَعَلُّماً. وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَاصِماً وَأَنَا حَدَثٌ. وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ رَجُلاً: أَنَّهُ سَأَل أَبَا بَكْرٍ: أَقَرَأْتَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ عَاصِمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ. هَذَا إِسْنَادٌ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: تَعَلَّمْتُ القُرْآنَ مِنْ عَاصِمٍ خَمْساً خَمْساً، وَلَمْ أَتَعَلَّمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ قَرَأْتُ عَلَى غَيْرِهِ. يَحْيَى: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى عَاصِمٍ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فِي الحَرِّ وَالشِّتَاءِ وَالمَطَرِ، حَتَّى رُبَّمَا اسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَهْلِ مَسْجِدِ بَنِي كَاهِلٍ. وَقَالَ لِي عَاصِمٌ: احْمَدِ اللهَ -تَعَالَى- فَإِنَّكَ جِئْتَ وَمَا تُحْسِنُ شَيْئاً. فَقُلْتُ: إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنَ المَكْتَبِ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَيْكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 502 قَالَ: فَلَقَدْ فَارَقتُ عَاصِماً وَمَا أُسقِطَ مِنَ القُرْآنِ حَرفاً. قَالَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقرَأَ مِنْ عَاصِمٍ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنَ المُغِيْرَةِ (1) ، فَلَزِمْتُهُ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: الدُّخُولُ فِي العِلْمِ سَهْلٌ، لَكِنَّ الخُرُوْجَ مِنْهُ إِلَى اللهِ شَدِيْدٌ. وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ: سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: يَا مَلَكَيَّ ادْعُوَا اللهَ لِي، فَإِنَّكُمَا أَطْوَعُ للهِ مِنِّي. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مَكَثَ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً. وَهَذِهِ عِبَادَةٌ يُخْضَعُ لَهَا، وَلَكِنْ مُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (2) ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (3)) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، قَالَ: لَمَّا   (1) هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش المخزومي، أبو هاشم، فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس، عرض عليه الرشيد القضاء بها فامتنع، قال ابن عبد البر: كان مدار الفتوى في آخر زمان مالك وبعده على المغيرة بن عبد الرحمن، وعلى محمد بن إبراهيم بن دينار، ولد سنة 124 وتوفي سنة 186. مترجم في " التهذيب " 10 / 264. (2) أخرجه البخاري: 4 / 195. (3) أخرجه أبو داود (1394) في الصلاة: باب تحزيب القرآن، والترمذي (1950) في القراءات: باب في كم يختم القرآن، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز. وأخرج سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 9 / 83 عنه: اقرؤ وا القرآن في سبع ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الوَفَاةُ، بَكَتْ أُخْتُهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيْكِ؟ انْظُرِي إِلَى تِلكَ الزَّاوِيَةِ، فَقَدْ خَتَمَ أَخُوْكِ فِيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَتْمَةٍ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: رَأَيْتُ الدُّنْيَا فِي النَّوْمِ عَجُوْزاً مُشَوَّهَةً. وَرَوَى: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ القُرَشِيِّ - وَهُوَ وَالِدُهُ، إِنْ شَاءَ اللهُ - قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: وَدِدْتُ أَنَّهُ صُفِحَ لِي عَمَّا كَانَ مِنِّي فِي الشَّبَابِ، وَأَنَّ يَدَيَّ قُطِعَتَا. سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: إِمَامُنَا (1) يَهْمِزُ (مُؤْصَدَةً (2)) ، فَأَشْتَهِي أَنْ أَسُدَّ أُذُنَيَّ إِذَا هَمَزَهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: لِي جَارٌ رَافِضِيٌّ قَدْ مَرِضَ. قَالَ: عُدْهُ مِثْلَ مَا تَعُوْدُ اليَهُوْدِيَّ، وَالنَّصْرَانِيَّ، لاَ تَنْوِي فِيْهِ الأَجْرَ. قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَخَذْتُ رِزْقَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَكَثْتُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، مَا شَرِبتُ مَاءً، مَا أَشْرَبُ إِلاَّ النَّبِيْذَ. قُلْتُ: النَّبِيْذُ الَّذِي هُوَ نَقِيْعُ التَّمْرِ، وَنَقِيْعُ الزَّبِيْبِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ،   (1) هو عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة، إمام أبي بكر بن عياش في القراءة. (2) قرأ أبو عمرو وحمزة وحفص، عن عاصم " مؤصدة " بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز، فمن همزه " مفعلة " من: آصدت الباب، أي أطبقته، مثل " آمنت "، فاء الفعل همزة آصد يؤصد إيصادا، ومن ترك الهمز، جعله من: أوصد يوصد إيصادا، فاء الفعل واو، قال الكسائي: أوصدت وآصدته: إذا رددته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 وَالفُقَاعُ، حَلاَلٌ شُرْبُهُ، وَأَمَّا نَبِيْذَ الكُوْفِيِّيْنَ الَّذِي يُسْكِرُ كَثِيْرُهُ، فَحَرَامٌ الإِكْثَارُ مِنْهُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وَسَائِرِ العُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ يُحْرَمُ يَسِيْرُهُ عَنْدَ الجُمْهُوْرِ، وَيَتَرَخَّصُ فِيْهِ الكُوْفِيُّوْنَ، وَفِي تَحْرِيْمِهِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ (1) . وَكَانَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قَطَعَ الإِقْرَاءَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ كَانَ يَرْوِي الحُرُوْفَ، فَقَيَّدَهَا عَنْهُ يَحْيَى بنُ آدَمَ عَالِمُ الكُوْفَةِ، وَاشْتُهِرَتْ قِرَاءةُ عَاصِمٍ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَتَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وَتَلَقَّاهَا أَهْلُ العِرَاقِ. وَأَمَّا الحَدِيْثُ: فَيَأْتِي أَبُو بَكْرٍ فِيْهِ بِغَرَائِبَ وَمَنَاكِيْرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: ذَكَرتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لاَ تُقْطَعُ الخَمْسُ إِلاَّ فِي خَمْسٍ. وَحَدِيْثَ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ خَطَأً وَلاَ عَمْداً، حَدَّثَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَيُّهُمَا أَنْكَرُ عِنْدَكَ؟ - وَكَانَ حَدِيْثُ مُطَرِّفٍ عِنْدِي أَنْكَرُ - فَقَالَ: حَدِيْثُ مَنْصُوْرٍ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ   (1) منها حديث عائشة في الموطأ: 2 / 845، والبخاري: 10 / 35، ومسلم (2001) أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال: " كل شراب أسكر حرام " وفي البخاري: 8 / 50، ومسلم (1586) رقم الحديث الخاص (70) عن أبي موسى قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقلت: يارسول الله، إن شرابا يصنع بأرضنا، يقال له: المزر، من الشعير، وشراب يقال له: البتع، من العسل، فقال: " كل مسكر حرام " وأخرج أبو داود (3681) والترمذي (1866) وابن ماجه (3391) من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وسنده قوي، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385) . (2) الخبر في " ميزان الاعتدال " 4 / 500. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ، فَرَأَى مَا بِهِم مِنَ الخَصَاصَةِ، فَخَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا يُعْتَجَنُ وَيُخْتَبَزُ. قَالَ: فَإِذَا الجَفْنَةُ مَلأَى عَجِيْناً، وَإِذَا الرَّحَى تَطْحَنُ، وَإِذَا التَّنُّورُ مَلأَى جنُوبَ شِوَاءٍ. فَجَاءَ زَوجُهَا، فَقَالَ: عِنْدَكُم شَيْءٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رِزْقُ اللهِ. فَجَاءَ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ - أَوْ: لَطَحَنَتْ - إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (1)) . فَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُنْكِرُ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ. قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ امْرَأَةٌ، فَقَالُوا: إِنَّهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ. فَقَالَ: أَمَّا إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: نَرَاهُ وَهِمَ أَبُو بَكْرٍ، وَإِنَّمَا هَذَا يَرْوِيْهِ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. الحَسَنُ بنُ عُلَيْلٍ العَنَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: كَيْفَ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! سَكَتَ اللهُ، وَسَكَتَ رَسُوْلُهُ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِدْتَنِي إِلاَّ عَمَىً. قُلْتُ: مَرِضَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلاَلٌ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَالوَحْيُ يَنْزِلُ، فَسَكَتَ رَسُوْلُ اللهِ لِسُكُوتِ اللهِ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ لِسُكُوتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ. زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: طَلَبَ الرَّشِيْدُ أَبِي،   (1) أورده المصنف في " الميزان ": 4 / 500. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506 فَمَضَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنِي بِحَدِيْثٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ قَوْمٌ بَعْدِي يُنْبَزُوْنَ بِالرَّافِضَّةِ، فَاقْتُلُوْهُم، فَإِنَّهُم مُشْرِكُوْنَ) ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ الحَدِيْثُ حَقّاً، لأَقْتُلَنَّهُم. فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، خِفْتُ، وَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُم لَيُحِبُّونَكُم أَشَدَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُمْ إِلَيْكُم أَمْيَلُ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَأَمَرَ لِي بِأَرْبَعِ (1) بِدَرٍ، فَأَخَذْتُهَا. قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَجْهُوْلٌ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: قَدِمَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَأُخْلِيَ لَهُ مَجْلِسُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُخْرِجَنَّ غَداً مِنْ رِجَالِي رَجُلَينِ، لاَ يَبْقَى عِنْدَ جَرِيْرٍ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَخْرَجَ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ، وَأَبَا حُصَيْنٍ. الأَحْمَسِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ يَبْزُقُ فِي وُجُوْهِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. وَقَدِ اعْتَنَى أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ بِأَمرِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنْهُ. قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، وَغَيْرُهُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا ابْنُ قَوَامٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا ابْنُ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو   (1) أورده المصنف في " الميزان " 4 / 501، وزاد: ولم تصح هذه الحكاية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، سَمِعَهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، شَفِعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ. فَيَدْخُلُوْنَ، ثُمَّ أَقُوْلُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ (1)) . فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى أَصَابعِ رَسُوْلِ اللهِ. هَذَا مِنْ أَغْرِبِ مَا فِي الصَّحِيْحِ. وَيُوْسُفُ: هُوَ القَطَّانُ، نَسَبَهُ إِلَى جَدِّه. وَأَحْمَدُ: هُوَ اليَرْبُوْعِيُّ. 132 - عَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدِ بنِ صُهَيْبٍ الكُوْفِيُّ * (خَ، 4) العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوْفِيُّ، الحَذَّاءُ. يُقَالُ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي تَيْمٍ. وَقِيْلَ: لِبَنِي لَيْثٍ. وَقِيْلَ: لِضَبَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ حَذَّاءً. حَدَّثَ عَنِ: الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَالأَعْمَشِ، وَمَنْصُوْرٍ، وَيُوْسُفَ بنِ صُهَيْبٍ، وَمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبْيَانَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.   (1) أخرجه البخاري: 13 / 395 في التوحيد: باب كلام الرب تعالى مع الأنبياء وغيرهم. (*) التاريخ لابن معين: 386، طبقات خليفة: 328، التاريخ الكبير: 3 / 25، التاريخ الصغير: 2 / 252، المعرفة والتاريخ: 2 / 171، مشاهير علماء الأمصار: 171. تهذيب الكمال: 900، تذهيب التهذيب: 3 / 25 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 311، ميزان الاعتدال: 3 / 25، العبر: 1 / 306، تهذيب التهذيب: 7 / 81، خلاصة تذهيب الكمال: 256. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508 وَعَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَوَهْبُ بنُ بَيَانٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ، وَأَصلَحُ حَدِيْثاً. وَرَوَى: الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ حَدِيْثَهُ! هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: أَحْسَنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّنَاءَ عَلَى عَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ جِدّاً، وَرَفَعَ أَمْرَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا لِلنَّاسِ وَلَهُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ صِحَّةَ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: كَانَ قَلِيْلَ السَّقَطِ، وَأَمَّا التَّصْحِيْفُ، فَلَيْسَ تَجِدُهُ عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ عَنْهُ فِي مَسْجِدِ عَفَّانَ، ثُمَّ كَتَبتُ عَنْهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، وَسَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فِي مَدِيْنَةِ الوَضَاحِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا بِهِ المِسْكِيْنُ مِنْ بَأْسٍ، لَيْسَ لَهُ بَخْتٌ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ يَنْزِلُ فِي دَرْبِ المُفَضَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى قَصْرِ وَضَاحٍ، فَعَابُوْهُ أَنَّهُ يَقعُدُ عِنْدَ أَصْحَابِ الكُتُبِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُه صِحَاحٌ، وَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ عَبِيْدَةَ الحَذَّاءِ، وَلاَ أَصَحَّ رِجَالاً. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ. ذَكَرَهُ: سَعْدَوَيْه يَوْماً، فَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، وَكَانَ مُؤَدِّباً لِلأَمِيْنِ، وَكَانَ حَذَّاءً. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: هُوَ قَلِيْلُ السَّقَطِ، وَأَمَّا التَّصحِيْفُ، فَلَيْسَ تَجِدُه عِنْدَهُ، وَرَفَعَ أَمرَهُ جِدّاً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَتَبتُ عَنْهُ صَحِيْفَةً عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَكَانَ شَرِيْكٌ يَسْتَعِيْنُ بِهِ فِي المَسَائِلِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَاحِبُ نَحْوٍ، وَعَرَبِيَّةٍ، وَقِرَاءةٍ، قَدِمَ مِنَ الكُوْفَةِ أَيَّامَ هَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَصَيَّرَهُ مَعَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ بنَ حُمَيْدٍ: مَتَى وُلِدْتَ؟ قَالَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 133 - عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلاَبِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلاَبِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ، مَعَ صَلاَحٍ وَشِدَّةِ فَقرٍ، عَلَيْهِ فَرْوَةٌ خَلِقَةٌ، لاَ تُسَاوِي كَبِيْرَ شَيْءٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَاحِبُ قُرْآنٍ، كَانَ يُقْرِئُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ قَرَابَتُهُ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ الكِلاَبِيُّ. 134 - عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُنْذِرِ الكِلاَبِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو سَهْلٍ الكِلاَبِيُّ، الوَاسِطِيُّ.   (*) التاريخ لابن معين: 379، طبقات خليفة: 171، التاريخ الكبير: 3 / 315، 6 / 115، التاريخ الصغير: 2 / 243، تاريخ الطبري: 1 / 117، المعرفة والتاريخ: 2 / 167، تهذيب الكمال: 874، تذهيب التهذيب: 2 / 261 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 312، العبر: 1 / 299، تهذيب التهذيب: 6 / 459، خلاصة تذهيب الكمال: 249. (* *) التاريخ لابن معين: 295، طبقات خليفة: 328، تاريخ خليفة 457، التاريخ الكبير: 6 / 41، التاريخ الصغير: 2 / 238، مشاهير علماء الأمصار: 177، تاريخ بغداد: 11 / 104 - 105، تهذيب الكمال: 652، تذهيب التهذيب: 2 / 121 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 261، العبر: 1 / 203، تهذيب التهذيب: 5 / 99، خلاصة تذهيب الكمال: 187 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ المَكِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ. قَالَ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، فَحَبَسَهُ الرَّشِيْدُ زَمَاناً، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ، فَأَقَامَ بِبَغْدَادَ. قُلْتُ: أَظُنُّه خَرَجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَلِذَلِكَ سَجَنَهُ. قَالَ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ: سَأَلَنِي وَكِيْعٌ عَنْ عَبَّادِ بنِ العَوَّام، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَكُم أَحَدٌ يُشْبِهُهُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوْتِرُ بِثَلاَثٍ: يَقْرَأُ فِي الأُوْلَى: بِـ (سَبِّحِ) ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ) ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (1) .   (1) أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " وأخرجه النسائي: 3 / 245 من طريق شبابة، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبزى عند النسائي 3 / 245، وسنده صحيح، وأخرجه هو: 3 / 235، وأحمد 5 / 123، وابن ماجه (1171) عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبي بن كعب، وعن ابن عباس = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 135 - عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَطَاءِ بنِ مُقَدَّمٍ الثَّقَفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُدَلِّسُ، أَبُو حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم، المُقَدَّمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَالِدُ مُحَمَّدٍ وَعَاصِمٍ، وَعمُّ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيِّ. يَرْوِي عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَحَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يُدَلِّسُ تَدْلِيساً شَدِيْداً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَحَدَّثَنَا، ثُمَّ يَسكُتُ سَاعَةً، ثُمَّ يَقُوْلُ: هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ.   = عند الترمذي (462) والدارمي 1 / 372، والنسائي: 3 / 236، وسنده قوي، وعن عائشة، أخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 / 305، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه المؤلف في مختصره. (*) التاريخ الكبير: 6 / 180، التاريخ الصغير: 2 / 250، 251، الضعفاء للعقيلي: 2 / 285، مشاهير علماء الأمصار: 160، تهذيب الكمال: 1021، تذكرة الحفاظ: 1 / 262، ميزان الاعتدال: 3 / 241، تهذيب التهذيب: 7 / 485، مقدمة فتح الباري: 430، خلاصة تذهيب الكمال: 285. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 قُلْتُ: قَدِ احْتَمَلَ أَهْلُ الصِّحَاحِ تَدْلِيْسَهُ، وَرَضُوا بِهِ (1) . تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ دَاوُدَ المُنْكَدِرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ (2) الخَطْمِيَّ، قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ - وَهُوَ شُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ - قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً يَقُوْلُ: صَلَّى بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِجَبَّارِ بنِ صَخْرٍ، فَأَقَامَنَا خَلْفَهُ (3) . غَرِيْبٌ. 136 - الأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ * (خَ، م، ت، س، ق) وَقِيْلَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبْجَرَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ عَنْتَرَةَ، وَمُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ.   (1) قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص: 430: ولم أر له في الصحيح إلا ما توبع عليه. (2) في الأصل " سعيد " والتصحيح من التهذيب وفروعه. (3) شرحبيل بن سعد صدوق لكنه اختلط بأخرة، وباقي رجاله ثقات. (*) المعرفة والتاريخ: 1 / 716، 717، تاريخ بغداد: 10 / 311، تهذيب الكمال: 886، تذهيب التهذيب: 3 / 19 / 1، تذكرة الحفاظ: 1 / 311، العبر 1 / 282، تهذيب التهذيب: 7 / 34، خلاصة تذهيب الكمال: 252. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ، قُرَادٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانِ بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبوَ هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ، وَابْنَاهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَبَّادٌ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ النَّضْرِ: سَمِعْتُ الأَشْجَعِيَّ: سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ عِنْدَ الأَشْجَعِيِّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ: ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رَوَى الأَشْجَعِيُّ كُتُبَ الثَّوْرِيِّ عَلَى وَجْهِهَا، وَرَوَى عَنْهُ (الجَامِعَ) . وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ، أَرَادُوا الأَشْجَعِيَّ عَلَى أَنْ يَقعُدَ -يَعْنِي: مَكَانَ سُفْيَانَ- فَأَبَى، حَتَّى كَلَّمُوا زَائِدَةَ، فَقَعَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ الأَشْجَعِيُّ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ الأَشْجَعِيُّ يَكْتُبُ فِي المَجْلِسِ، فَمِنْ ذَاكَ، صَحَّ حَدِيْثُه. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يُشبِهُ هَؤُلاَءِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ. فَقِيْلَ لَهُ: وَالأَشْجَعِيُّ؟ قَالَ: الأَشْجَعِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، وَلَكِنْ هَاتُوا مَنْ يَرْوِي عَنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 قُلْتُ: صَدَقَ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيْزَةٌ؛ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ، وَقِلَّةِ مَا خَرَجَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: وَبَعدَ هَؤُلاَءِ فِي سُفْيَانَ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُفْيَانَ مِنَ الأَشْجَعِيِّ، كَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَمِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، عَنْ مِهرَانَ بنِ أَبِي عُمَرَ، وَالأَشْجَعِيِّ، فِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: الأَشْجَعِيُّ، كَأَنَّهُ قَدَّمَهُ، وَمِهْرَانُ كَانَتْ فِيْهِ عُجْمَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ، يَرْوِي عَنْهُ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي المُحَدِّثِيْنَ عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ سِوَاهُ، وَوَالِدُ الأَشْجَعِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ مَاتَ الأَشْجَعِيُّ. وَقَالَ الأَشْجَعِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوْسَى، فَرَوَى عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي العَالِمِ جِيْرَانُهُ، وَشَرَّ النَّاسِ لِمَيِّتٍ أَهْلُهُ، يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقْضُوْنَ دَيْنَهُ. 137 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ * ابْنِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، وَالِدُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ. رَوَى عَنْ: مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، وَآخَرُوْنَ. كَانَ جَمِيْلاً، سَرِيّاً، مُحْتَشِماً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَافِرَ الجَلاَلَةِ، مَحْمُوْدَ الوِلاَيَةِ، كَانَ يُحِبُّه المَهْدِيُّ، وَيَحتَرِمُهُ. جَمَعَ لَهُ الرَّشِيْدُ مَعَ اليَمَنِ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ. بَعَثَ إِلَيْهِ الوَزِيْرُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ خَلِيْفَةٍ. وَقَدْ لَيَّنَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مِنْ بَابَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ. قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) تاريخ خليفة: 461، تاريخ بغداد: 10 / 173، البداية والنهاية: 10 / 185، سمط اللآلي: 570، مجالس ثعلب: 1 / 81. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 138 - حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ ثُمَّ المَدَنِيُّ * (ع) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المَدَانِ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَخُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَالجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، وَعِمْرَانَ القَصِيْرِ. وَعَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَثَّقَهُ: جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، فِي تَاسِعِهِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 139 - بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ صَائِدِ بنِ كَعْبِ بنِ حَرِيْزٍ الحِمْيَرِيُّ ** (خت، م، 4) الحَافِظُ، العَالِمُ، مُحَدِّثُ حِمْصَ،   (*) التاريخ لا بن معين: 91، طبقات خليفة: 276، الجرح والتعديل: 3 / 258، تهذيب الكمال: 213، تذهيب التهذيب: 1 / 112 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 428، العبر: 1 / 292، تهذيب التهذيب: 2 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 66، شذرات الذهب: 1 / 309. (* *) طبقات خليفة: 317، التاريخ الكبير: 2 / 150، الضعفاء للعقيلي: 1 / 59، الجرح والتعديل: 2 / 434 - 436، كتاب المجروحين والضعفاء: 1 / 200 - 202، الكامل لابن عدي: 1 / 44 43 / 2، تاريخ بغداد: 7 / 123، تاريخ دمشق لابن عساكر: 196 / 2 - 203 / 2 (مخطوط) ، الكامل لابن الأثير: 6 / 277، تهذيب الكمال: 158 159، تذهيب التهذيب: 1 / 87 / 2، تذكرة الحفاظ: 1 / 266، ميزان الاعتدال: 1 / 154، تهذيب التهذيب: 1 / 473 - 478، خلاصة تذهيب الكمال: 54. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 أَبُو يُحْمِدَ الحِمْيَرِيُّ، الكَلاَعِيُّ، ثُمَّ المَيْتَمِيُّ، الحِمْصِيُّ، أَحَدُ المَشَاهِيْرِ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجُسِيُّ. وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَبِشْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَسَارٍ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ، وَحُصَيْنِ بنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ، وَالسَّرِيِّ بنِ يَنْعُمَ الجُبْلاَنِيِّ، وَضُبَارَةَ بنِ مَالِكٍ، وَعُثْمَانَ بنِ زُفَرَ، وَعُتْبَةَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِرْقٍ اليَحْصُبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَالوَضِيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ. وَيَنْزِل إِلَى: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَقْرَانِه. وَقَدْ رَوَى عَنْ: تِلْمِيْذِه؛ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنَّهُ كَدَّرَ ذَلِكَ بِالإِكثَارِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَالعَوَّامِ، وَالحَمْلِ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ. وَرَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ - وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ - وَهُم مِنْ أَقرَانِهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ يَحْيَى، وَأَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَعِيْسَى بنُ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَمُهَنَّا بنُ يَحْيَى، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ. رَوَى: رَبَاحُ بنُ زَيْدٍ الكُوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، فَبَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَرَوَى: سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: بَقِيَّةُ كَانَ صَدُوقاً، لَكِنَّهُ يَكْتُبُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدبَرَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ الرَّازِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ، وَاسْمَعُوا مِنْهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِه. قُلْتُ: لِهَذَا أَكْثَرَ الأَئِمَّةُ عَلَى التَّشَدِيْدِ فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، وَالتَّرخِيصِ قَلِيْلاً، لاَ كُلَّ التَّرَخُّصِ فِي الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ، فَيَقْبَلُوْنَ فِي ذَلِكَ مَا ضَعُفَ إِسْنَادُهُ، لاَ مَا اتُّهِم رُوَاتُهُ، فَإِنَّ الأَحَادِيْثَ المَوْضُوْعَةَ، وَالأَحَادِيْثَ الشَّدِيْدَةَ الوَهنِ، لاَ يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، بَلْ يَرْوُونَهَا لِلتَّحذِيرِ مِنْهَا، وَالهَتْكِ لِحَالِهَا، فَمَنْ دَلَّسَهَا، أَوْ غَطَّى تِبْيَانَهَا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى السُّنَّةِ، خَائِنٌ للهِ وَرَسُوْلِه، فَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَقَدْ يُعْذَرُ بِالجَهْلِ، وَلَكِنْ سَلُوا أَهْلَ الذِّكرِ إِنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُوْنَ (1) .   (1) قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر الدين الحسني فيما نقله عنه الشيخ محمود ياسين في مجلة الهداية الإسلامية: 8 / 264: لا يجوز إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، ومن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث: " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ". فليحذر الخطباء والمدرسون الوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا منه كالترمذي والنسائي، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث = الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 قَالَ أَبُو مُعِيْنٍ الرَّازِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلاً لِبَقِيَّةَ حَيْثُ قَدِمَ بَغْدَادَ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ بَقِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: بَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ قَوْمٍ لَيْسُوا بِمَعْرُوْفِيْنَ، فَلاَ تَقبَلُوْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ عَنْ بَقِيَّةَ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ مِثْلِ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَغَيْرِه، وَأَمَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ أُوْلَئِكَ المَجْهُوْلِيْنَ، فَلاَ، وَإِذَا كَنَّى الرَّجُلَ أَوْ لَمْ يُسَمِّ اسْمَهُ، فَلَيْسَ يُسَاوِي شَيْئاً. وَسُئِلَ أَيُّمَا أَثْبَتُ: هُوَ أَوْ إِسْمَاعِيْلُ؟ قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ. يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ، سَمِعَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: بَقِيَّةُ يُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ أَلْفَا حَدِيْثٍ عَنْ شُعْبَةَ صِحَاحٌ، كَانَ يُذَاكِرُ شُعْبَةَ بِالفِقْهِ. وَلَقَدْ قَالَ لِي أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ بَقِيَّةُ يَضِنُّ بِحَدِيْثِهِ عَنِ الثِّقَاتِ، طَلَبْتُ مِنْهُ كِتَابَ صَفْوَانَ، قَالَ: كِتَابُ صَفْوَانَ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الضُّعَفَاءِ بِمائَةِ حَدِيْثٍ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ عَنِ الثِّقَةِ بِحَدِيْثٍ.   = الشريف، ككثير من كتب الاخلاق والوعظ المنتشرة بالايدي، فلا يكفي عز والحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر. والذين سوغوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال، ذكروا له شروطا ثلاثة: الأول أن يكون مندرجا تحت أصل عام، والثاني: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين ومن فحش غلطه، والثالث: ألا يعتقد عند العمل به ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. وقد اشترط الشيخ محدث الديار الشامية رحمه الله في جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال شرطين: الأول: عدم إسناد لفظه للنبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يخالف ما فيه من حكم حديثا صحيحا أو حكما معروفا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: بَقِيَّةُ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْث إِذَا حَدَّثَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَيُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَتْرُوْكِي الحَدِيْثِ، وَضُعَفَاءَ، وَيَحِيْدُ عَنْ أَسْمَائِهِم إِلَى كُنَاهُم، وَعَنْ كُنَاهُم إِلَى أَسْمَائِهِم (1) ، وَيُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ. حَدَّثَ عَنْ: سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ الحَدَثَانِيِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ بَقِيَّةُ ثِقَةً فِي الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، ضَعِيْفاً فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ. قُلْتُ: وَهُوَ أَيْضاً ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ إِذَا قَالَ: عَنْ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، فَإِذَا رَوَى عَنْ مَجْهُوْلٍ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: بَقِيَّةُ عَجَبٌ، إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَيُحَدِّث عَنْ قَوْمٍ لاَ يُعرَفُوْنَ، وَلاَ يَضبِطُوْنَ. وَقَالَ: مَا لَهُ عَيبٌ، إِلاَّ كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَأَمَّا الصِّدْقُ، فَلاَ يُؤْتَى مِنَ الصِّدْقِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَإِذَا قَالَ: عَنْ فُلاَنٍ، فَلاَ يُؤْخَذُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لاَ يُدْرَى عَمَّنْ أَخَذَه. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: يُخَالِفُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ الثِّقَاتِ، وَإِذَا   (1) بل قد وصفوه بأخبث أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية، وهو أن يسند من سنده غير شيخه لكونه ضعيفا أو صغيرا، ويأتي بلفظ محتمل أنه عن الثقة الثاني تحسينا للحديث، قال في التدريب: وهو شر أقسامه (انظر التدريب: 2 / 336) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 522 رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّهُ ثَبتٌ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، خَلَّطَ، وَإِذَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَالعُهدَةُ مِنْهُم، لاَ مِنْهُ، وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، يَرْوِي عَنِ الصِّغَارِ وَالكِبَارِ، وَيَرْوِي عَنْهُ الكِبَارُ مِنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ صِفَةُ بَقِيَّةَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَمِعَ بَقِيَّةُ مِنْ شُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا أَحَادِيْثَ مُسْتقِيْمَةً، ثُمَّ سَمِعَ مِنْ أَقْوَامٍ كَذَّابِيْنَ عَنْ شُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، فَرَوَى عَنِ الثِّقَاتِ بِالتَّدْلِيسِ مَا أَخَذَ عَنِ الضُّعَفَاءِ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: أَحَادِيْثُ بَقِيَّةَ لَيْسَتْ نَقِيَّةً، فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: رَحِمَ اللهُ بَقِيَّةَ، مَا كَانَ يُبالِي إِذَا وَجَدَ خُرَافَةً عَمَّنْ يَأْخُذُه، فَإِنْ حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ ضَمْرَةَ، وَبَقِيَّةَ، فَقَالَ: ضَمْرَةُ أَحَبُّ إِلَيْنَا، ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَقِيَّةُ أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ النَّاسِ كَذَا. قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سُئِلَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ هَذِهِ المُلَحِ، فَقَالَ: أَبُو العَجَبِ أَخْبَرَنَا، بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ أَخْبَرَنَا. قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِبَقِيَّةَ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: تَوَهَّمتُ أَنَّ بَقِيَّةَ لاَ يُحَدِّثُ المَنَاكِيْرَ إِلاَّ عَنِ المَجَاهِيلِ، فَإِذَا هُوَ يُحَدِّثُ المَنَاكِيْرَ عَنِ المَشَاهِيْرِ، فَعَلِمتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: دَخَلْتُ حِمْصَ، وَأَكْبَرُ هَمِّي شَأْنُ بَقِيَّةَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 فَتَتَبَّعتُ حَدِيْثَه، وَكَتَبتُ النُّسَخَ عَلَى الوَجْهِ، وَتَتَبَّعتُ مَا لَمْ أَجِدْ بِعُلُوٍّ مِنْ رِوَايَةِ القُدَمَاءِ عَنْهُ، فَرَأْيْتُهُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُدَلِّساً، يُدَلِّسُ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، مَا أَخَذَه عَنْ مِثْلِ مُجَاشِعِ بنِ عَمْرٍو، وَالسَّرِيِّ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ مُوْسَى المَيْتَمِيِّ، وَأَشبَاهِهِم، فَرَوَى عَنْ أُوْلَئِكَ الثِّقَاتِ الَّذِيْنَ رَآهُم بِالتَّدْلِيسِ مَا سَمِعَ مِنْ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ عَنْهُم، فَكَانَ يَقُوْلُ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، وَقَالَ مَالِكٌ، فَحَمَلُوا عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَنْ بَقِيَّةَ بنِ مَالِكٍ، وَسَقَطَ الوَاهِي بَيْنَهُمَا، فَالتَزَقَ المَوْضُوْعُ بِبَقِيَّةَ، وَتَخَلَّصَ الوَاضِعُ مِنَ الوَسطِ (1) . وَكَانَ ابْنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُه. وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَدْمَنَ عَلَى حَاجِبِهِ بِالمُشطِ، عُوْفِيَ مِنَ الوَبَاءِ (2)) . وَبِهِ: إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ، فَلاَ يَنْظُرْ إِلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوْرِثُ العَمَى) (3) . وَبِهِ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (تَرِّبُوا الكِتَابَ وَسُحُّوْهُ مِنْ أَسْفَلِهِ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ) (4) .   (1) كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 200، 201 والزيادتان منه، وفيه بعد قوله من الوسط: وإنما امتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه، ويسوونه، فالتزق ذلك كله به. (2) ذكره الشوكاني في " الفوائد المجموعة " ص 198 وقد نقل الحكم عليه بالوضع عن ابن حبان والدارقطني، وأخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " وقال: منكر بمرة. (3) وممن حكم عليه بالوضع غير ابن حبان: ابن أبي حاتم في " العلل " وابن الجوزي في " الموضوعات " و" الفوائد المجموعة " ص 127. (4) ذكره ابن عدي في الكامل: 1 / 17 / 1 و1 / 49 / 1 وزاد قوله: والتراب مبارك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 524 وَبِهِ: (مَنْ أُصِيْبَ بِمُصِيْبَةٍ، فَاحْتَسَبَ وَلَمْ يَشْكُ إِلَى النَّاسِ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ) . وَحَدِيْثُ: (لاَ تَأْكُلُوا بِالخَمْسِ، فَإِنَّهَا أَكْلَةُ الأَعْرَابِ، وَلاَ بِالمُشِيْرَةِ وَالإِبْهَامِ، وَلَكِنْ بِثَلاَثٍ، فَإِنَّهَا سُنَّةٌ) . وَهَذِهِ بَوَاطِيْلُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي حَدِيْثِ: يُورِثُ العَمَى، وَحَدِيْثِ: المُصِيْبَةِ، وَحَدِيْثِ: الأَكْلِ بِالخَمْسِ: هَذِهِ مَوْضُوْعَاتٌ لاَ أَصلَ لَهَا (1) . أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَمِ الحُبُوْنِ (2) . عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِيُّ، وَعَبْدَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ يُجَاوِزُ عَنْ أُمَّتِي السَّهْوَ فِي الصَّلاَةِ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ عَقِيْبَهُ: عَبْدُ الكَرِيْمِ: هُوَ الجَزَرِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ: هُوَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَاهُ عَبْدَانُ وَابْنُ سِنَانٍ. قُلْتُ: هَذَا الحَدِيْثُ لاَ يُحتَمَلُ، وَقَدْ رَوَاهُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ المُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ - رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ - عَنْ قَتَادَةَ،   (1) كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 202. (2) وذكره المؤلف في " الميزان ": 1 / 333 ضمن أحاديث النسخة التي كتبها ابن حبان، وقال عنها: كلها موضوعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! الرَّجُلُ يَنْسَى الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ؟ فَهَذَا أَشْبَهُ، مَعَ أَنَّ عُبَيْداً لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَهُوَ آفَتُهُ (1) . مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ سَلَمَةَ الخبَائِرِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (انْتِظَارُ الفَرَجِ عِبَادَةٌ) . وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، بَلْ وَلاَ بَقِيَّةُ، بَلِ المُتَّهَمُ بِهِ سُلَيْمَانُ (2) . وَكَذَلِكَ الآفَةُ فِي حَدِيْثِ الخَضِرِ: بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي سُوْقِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ ... ، بِطُوْلِهِ. رَوَاهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ - ذَاكَ العُرْضِيُّ المُتَّهَمُ - وَسُلَيْمَانُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ - الَّذِي قَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ - كِلاَهُمَا عَنْ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، مَرْفُوْعاً (3) . وَلِبَقِيَّةَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ) . فَهَذَا مُنْكَرٌ، وَإِنَّمَا يَرْوِي الثِّقَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَعْضَ هَذَا بِدُوْنِ ذِكْرِ   (1) انظر " الميزان " 1 / 333، 334. (2) قال أبو حاتم ك متروك لا يشتغل به، وقال ابن الجنيد: كان يكذب، وقال النسائي: ليس بشيء، وقال ابن عدي: له غير حديث منكر. قال المؤلف في " الميزان ": وسمع منه الباغندي حديثا، فأنكره عليه وهو: " العبادة انتظار الفرج من الله ". (3) في ميزان المؤلف بعد أن ذكر الحديث: هذا الحديث قال ابن جوصا: سألت محمد ابن عوف منه، فقال: هذا موضوع، فسألت أبا زرعة عنه، فقال: حديث منكر، قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن بقية غير سليمان بن عبيد الله الرقي، وقد ادعاه عبد الوهاب بن ضحاك العرضي، وهو متهم، وأما سليمان، فقال فيه ابن معين: ليس بشيء، فسلم منه بقية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526 الجُمُعَةِ، وَدُوْنَ قَوْلِه: (وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ) . وَلِبَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ الخِرِّيْتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوْعاً: نَهَى عَنْ طَعَامِ المُتَبَارِيَيْنِ) . وَهَذَا الصَّوَابُ مُرْسَلٌ (1) . عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ يَزِيْدَ الجُرْجُسِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، رَفَعَهُ: أَنَّهُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً (2) . فَحَاصِلُ الأَمْرِ: أَنَّ لِبَقِيَّةَ عَنِ الثِّقَاتِ أَيْضاً مَا يُنْكَرُ، وَمَا لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ.   (1) قلت: أخرجه أبو داود (3754) في الاطعمة: باب في طعام المتباريين، من طريق هارون بن زيد النحوي، عن أبيه، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهذا سند قوي، لكن صحح غير واحد إرساله، فقد قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس، ومع ذلك فقد صححه الحاكم في " المستدرك " 4 / 129، من طريق هارون بن موسى النحوي، عن الزبير بن الحارث، عن عكرمة، عن ابن عباس، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباريين أن يؤكل. وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي في تلخيصه، مع أنه صوب إرساله هنا وفي " الميزان ". وللحديث شاهد في جزء ابن السماك ورقة 64 / 1 من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ " المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما "، ورجاله ثقات، فيقوى الحديث به. قال الخطابي: المتباريان: المتعارضان بفعلهما، يقال: تبارى الرجلان: إذا فعل كل واحد منهما مثل فعل صاحبه ليرى أيهما يغلب صاحبه، وإنما كره ذلك لما فيه من الرياء والمباهاة. (2) أحاديث الاقتصار على تسلمية واحدة جاءت من حديث سعد بن أبي وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، ومن حديث سلمة بن الاكوع خرجتها في تعليقنا على " زاد المعاد " 1 / 259، 261، وهي صحيحة بمجموعها. قال الشوكاني في " نيل الاوطار " 2 / 333: وذهب إلى مشروعية التسلمية الواحدة ابن عمر، وأنس، وسلمة بن الاكوع، وعائشة من الصحابة، والحسن، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز من التابعين، ومالك والاوزاعي والامامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 527 مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (يُحْشَرُ الحَكَّارُوْنَ، وَقَتَلَةُ الأَنْفُسِ إِلَى جَهَنَّمَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ (1)) . تَفَرَّدَ بِهِ: مُهَنَّا، وَهُوَ صَدُوْقٌ. وَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ. بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ شَرِيْكٌ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تُسَاكِنُوا الأَنْبَاطَ فِي بِلاَدِهِم، وَلاَ تُنَاكِحُوا الخُوْزَ، فَإِنَّ لَهُم أُصُوْلاً تَدْعُوْهُم إِلَى غَيْرِ الوَفَاءِ) . وَهَذَا مُنْكَرٌ جِدّاً، قَدْ أَسقَطَ بَقِيَّةُ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ شَرِيْكٍ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ، عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَداً أَجرَأَ عَلَى أَنْ يَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَقِيَّةَ. قَالَ عَبْدُ الحَقِّ فِي (الأَحْكَامِ) لَهُ فِي مَوَاضِعَ: بَقِيَّةُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى أَيْضاً لَهُ أَحَادِيْثَ سَاكِتاً عَنْ تَلْيِينِهَا. قَالَ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَيَسْتبِيْحُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ، مُفسِدٌ لِعَدَالَتِه. قُلْتُ: نَعَمْ، تَيَقَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُه، وَكَذَلِكَ رَفِيْقُهُ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُم مَا يُظَنُّ بِهِم أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا مَنْ حَدَّثَهُم بِالوَضعِ لِذَلِكَ   (1) أورده الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 144. ونسبه لابن عدي، وضعفه ببقية، وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " 2 / 584، وقال: ذكره رزين، وهو مما انفرد به مهنا بن يحيى، عن بقية بن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي هريرة. وفيه نكارة ظاهرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 528 فَاللهُ أَعْلَمُ (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ (2) ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِذَا اجْتَمَعَ عِشْرُوْنَ رَجُلاً أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ أَقَلُّ، فَلَمْ يَكُنْ فِيْهِم مَنْ يُهَابُ فِي اللهِ، فَقَدْ حَضَرَ الأَمْرُ. كَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ: عَنْ ثَوْبَانَ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لاَ يَسْأَلَ امْرَءاً شَيْئاً، أَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ (3)) . غَرِيْبٌ جِدّاً. مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَآخَرُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ   (1) لفظ المؤلف في " الميزان " 1 / 339: قلت: نعم والله صح هذا عنه أنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلو ذلك باجتهاد، وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس أنه تعمد الكذب. هذا أمثل ما يعتذر به عنهم. (2) هو أحمد بن الفرج بن سليمان الكندي، أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي المؤذن بجامع حمص، من رجال " التهذيب ". (3) رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (1643) في الزكاة، من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، أتكفل له بالجنة " فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. وإسناده صحيح، كما قال النووي في " رياض الصالحين " ص 256 بتحقيقنا. وأخرجه أحمد 5 / 276 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة به، وأخرجه النسائي 5 / 96 من طريق يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان، رفعه بلفظ: " من يضمن لي واحدة وله الجنة " قال يحيى: ها هنا كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 529 جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (مَجُوْسُ هَذِهِ الأُمَّةِ: القَدَرِيَّةُ (1)) . عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ العَرَبِ، وَبِلاَلٌ سَابِقُ الحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ (2)) . وَهَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، فَرْدٌ، وَالأَظهَرُ أَنَّ بِلاَلاً لَيْسَ بِحَبَشِيٍّ، وَأَمَّا صُهَيْبٌ، فَعَرَبِيٌّ مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ. صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: بَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. وَرَوَى: مُسْلِمٌ (3) ، عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ، لَوْلاَ أَنَّهُ يُكْنِي الأَسْمَاءَ، وَيُسَمِّي الكُنَى، كَانَ دَهْراً يُحَدِّثنَا عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الوُحَاظِيِّ، فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ القُدُّوْسِ. أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ مَنَاكِيْرَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: بَقِيَّةُ أَوْ مُحَمَّدُ   (1) بقية وابن جريج وأبو الزبير ثلاثتهم مدلسون، فالخبر لا يصح، وقد روي من حديث ابن عمر وأبي هريرة وأنس وحذيفة وسهل بن سعد وعائشة وكلها ضعيفة لا تصح، وقد قال الميمني في تعليقه على " الفوائد المجموعة ": 504 بعد أن أورد الخبر، وتكلم عليه: وهذا الخبر يتعلق بعقيدة كثر فيها النزاع واللجاج، فلا يقبل ما فيه مغمز، وقد قال النسائي وهو من كبار أئمة السنة: هذا الحديث باطل كذب. (2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " 1 / 49 / 1 وقال: ليس بمعروف هذا الحديث إلا لبقية عن محمد بن زياد الالهاني، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 285 من حديث أنس بن مالك. (3) في مقدمة صحيحه 1 / 26. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 530 بنُ حَرْبٍ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ. قُلْتُ: وَكَانَ بَقِيَّةُ شَيْخاً حِمْصِيّاً مَزَّاحاً. قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ يَقُوْلُ: مَا أَرْحَمَنِي لِيَوْمِ الثُّلاَثَاءِ، مَا يَصُوْمُهُ أَحَدٌ. ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ بَرَكَةَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ بَقِيَّةَ فِي غُرْفَةٍ، فَسَمِعَ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: لاَ، لاَ. فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّوْزَنَةِ، وَجَعَلَ يَصِيْحُ مَعَهُم: لاَ، لاَ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا يُحْمِدَ، سُبْحَانَ اللهِ! أَنْتَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِكَ! قَالَ: اسْكُتْ، هَذِهِ سُنَّةُ بَلَدِنَا. بَرَكَةُ: وَاهٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ الحَافِظُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ البَرْدَعِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا بَقِيَّةُ! إِنِّيْ أُحِبُّكَ. فَقُلْتُ: وَلأَهْلِ بَلَدِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: إِنَّهُم جُنْدُ سُوءٍ، لَهُم كَذَا كَذَا غَدْرَةً. ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي. فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا سَابِقُ العَرَبِ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. فَقَالَ: زِدنِي. فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وَثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي (1)) . قَالَ: فَامْتَلأَ مِنْ ذَلِكَ فَرَحاً، وَقَالَ: يَا غُلاَمُ! الدَّوَاةَ. وَكَانَ القَيِّمُ بِأَمرِهِ الفَضْلُ   (1) وأخرجه أحمد 5 / 268، من طريق أبي اليمان، وأخرجه الترمذي (2437) من طريق الحسن بن عرفة، وابن ماجه (4286) ، من طريق هشام بن عمار، ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الالهاني، عن أبي أمامة الباهلي. وهذا سند قوي، فإن إسماعيل بن عياش روايته عن أهل بلده مستقيمة، وهذا منها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 531 بنُ الرَّبِيْعِ، وَمَرْتَبَتُهُ بُعَيْدَهُ، فَنَادَانِي: يَا بَقِيَّةُ! نَاوِلْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ الدَّوَاةَ بِجَنبِكَ. قُلْتُ: نَاوِلْهُ أَنْتَ يَا هَامَانُ. فَقَالَ: أَسْمَعتَ مَا قَالَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: اسْكُتْ، فَمَا كُنْتَ عِنْدَهُ هَامَانَ حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا عِنْدَهُ فِرْعَوْنَ. مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: بَحِّرْ لَنَا، بَحِّرْ لَنَا - أَي: حَدِّثْنَا عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ -. وَقَالَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: أَهْدِ لِي حَدِيْثَ بَحِيْرٍ. فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ -يَعْنِي: صَحِيْفَة بَحِيْرٍ- فَمَاتَ شُعْبَةُ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ. عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ، قَالَ لِي بَقِيَّةُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: يَا أَبَا يُحْمِدَ! نَحْنُ أَبصَرُ بِالحَدِيْثِ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْكُم. قُلْتُ: أَتَقُوْلُ ذَا يَا أَبَا بِسْطَامَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ ضُرِبَ عَلَى أَنفِهِ، فَذَهَبَ شَمُّهُ؟ فَتَفَكَّرَ فِيْهَا، وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَقَالَ: أَيْش تَقُوْلُ يَا أَبَا يُحْمِدَ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا ابْنُ ذِيْ حَمَايَةَ، قَالَ: كَانَ مَشْيَخَتُنَا يَقُوْلُوْنَ: يُجعَلُ فِي أَنْفِهِ الخَرْدَلُ، فَإِنْ حَرَّكَهُ، عَلِمنَا أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ، فَقَدْ صَدَقَ. ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ: عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا أَحسَنَ حَدِيْثَكَ! وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ. فَقُلْتُ: حَدِيْثُكُم أَنْتُم لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ: تَجِيئُنِي بِغَالِبٍ القَطَّانِ، وَحُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَأَجِيئُكَ بِمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الغَسَّانِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ، يَا أَبَا بِسْطَامَ! أَيش تَقُوْلُ لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً، فَذَهَبَ شَمُّهُ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي فِيْهَا شَيْءٌ ... ، الحَدِيْثَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 532 أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَسَنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، وَعَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِمْصِيُّونَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلْيُجِبْ (1)) . وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ، عُرْساً كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ (2)) . وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيَأْتِهِ، عُرْساً، أَوْ نَحْوَهُ) . وَهَذَا صَحِيْحٌ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْرَجَ الأَوَّلَ عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَنْ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، عَنْ بَقِيَّةَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةَ فِي الصَّحِيْحِ سِوَاهُ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُنْيَةُ بَقِيَّةَ: أَبُو يُحْمِدَ، وَأَهْلُ الحَدِيْثِ تَقُوْلُه لِفَتْحِ اليَاءِ. قَالَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ يَقُوْلُ: لَمَّا قَرَأْتُ عَلَى شُعْبَةَ أَحَادِيْثَ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا يُحْمِدَ! لَوْ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْكَ، لَطِرتُ. أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُسْهِرٌ،   (1) إسناده صحيح، فقد صرح بقية بالتحديث. (2) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19667) ، ومن طريقه مسلم (1429) (100) ، وأبو داود (3738) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 533 حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي أَبُو أُمَامَةَ، وَقَالَ: أَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا أُمَامَةَ، إِنَّ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ يَلِيْنُ لَهُ قَلْبِي (1)) . قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: مَنْ قَالَ: إِنَّ بَقِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا، فَقَدْ كَذَبَ، مَا قَالَ قَطُّ إِلاَّ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ بَقِيَّةُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ: حَافِظُ العِرَاقِ وَكِيْعٌ، وَحَافِظُ مِصْرَ ابْنُ وَهْبٍ، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ قَاضِي اليَمَنِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ بِالمَدَائِنِ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ وَرْشٌ مُقْرِئُ مِصْرَ. وَعَاشَ بَقِيَّةُ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. 140 - العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ * الأَمِيْرُ، نَائِبُ الشَّامِ، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسِيُّ. وَلِي الشَّامَ لأَخِيْهِ المَنْصُوْرِ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ لِلرَّشِيْدِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ مَرَّاتٍ، وَغَزَا الرُّوْمَ مَرَّةً فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً. قَالَ شَبَابٌ: دَخَلَ الرُّوْمَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ، فَغَنِمَ، وَنُصِرَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.   (1) فيه تدليس بقية. (*) تاريخ خليفة: 428، 429، 433، 445، تاريخ بغداد: 1 / 95، 12 / 124، العبر: 1 / 192، النجوم الزاهرة: 2 / 120، تهذيب ابن عساكر: 7 / 253. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 534 وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ العَبَّاس هَذَا، كَانَ مِنْ رِجَالاَتِ بَنِي هَاشِمٍ جُوْداً، وَرَأْياً، وَشَجَاعَةً، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يَهَابُه وَيُجِلُّه. قَالَ شَبَابٌ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَكَانَ أَنبَلَ بَنِي العَبَّاسِ فِي وَقْتِه. 141 - القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيُّ * هُوَ الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ (1) ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَبِيْبِ بنِ حُبَيْشِ بنِ سَعْدِ بنِ بُجَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَنْصَارِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَسَعْدُ بنُ بُجَيْرٍ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ سَعْدُ ابْنُ حَبْتَةَ؛ وَهِيَ أُمُّهُ، وَهُوَ بَجَلِيٌّ،   (*) التاريخ لابن معين: 680، التاريخ الكبير: 8 / 397، التاريخ الصغير: 2 / 228، 230، المعارف: 499، المعرفة والتاريخ: 1 / 133، و3 / 4، الفهرست لابن النديم: 203، الاستيعاب: 584، الانتقاء: 172، تاريخ بغداد، 14 / 242 - 262، تاريخ جرجان للسهمي: 444، 445، طبقات الشيرازي: 134، وفيات الأعيان: 6 / 378 - 390، تذكرة الحفاظ: 1 / 292، ميزان الاعتدال: 4 / 397، العبر: 1 / 284 - 285، مرآة الجنان: 1 / 382 - 388، ألفية العراقي: 2 / 163، النجوم الزاهرة: 2 / 107، مفتاح السعادة: 2 / 100 - 107، الجواهر المضية: 2 / 220، شذرات الذهب: 1 / 298 - 301، أخبار القضاة: 3 / 254، طبقات الحنفية: 12 / 1، الفوائد البهية: 225، هدية العارفين: 2 / 536، تاج التراجم: 60، مناقب الامام أبي حنيفة: 2 / 143، تراجم الاعاجم: 155 / 1. (1) أي مجتهدا مطلقا صاحب ملكة كاملة في الفقه والنباهة وفرط البصر، والتمكن من الاستنباط المستقل به من أدلته كأبي حنيفة مالك والشافعي أحمد والثوري والاوزاعي لا كما زعم أحمد بن سليمان الرومي المعروف بابن كمال باشا المتوفى سنة 940 هـ، وتابعه عليه غير واحد من علماء الحنفية منهم ابن عابدين صاحب " رد المحتار " من كونه مجتهدا في المذهب، خالف إمامة في بعض الاحكام، ولكن قلده في قواعد الأصول. فقد رد عليه هذه الدعوى، وأبان عن بطلانها العالم الفاضل الشهاب المرجاني المتوفي سنة (1306 هـ) في كتابه " ناظورة الحق " ونقله عنه العلامة الكوثري في " حسن التقاضي " ص 102، 116، فانظره فإنه غاية في النفاسة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 535 مِنْ حُلَفَاءِ الأَنْصَارِ، شَهِدَ الخَنْدَقَ، وَغَيْرَهَا. مَوْلِدُ أَبِي يُوْسُفَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَالأَعْمَشِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَلَزِمَه، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَهُوَ أَنبَلُ تَلاَمِذَتِه، وَأَعْلَمُهُم، تَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ: كَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَمُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَهِلاَلٍ الرَّأْيِ، وَابْنِ سَمَاعَةَ، وَعِدَّةٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَسَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ أَبُوْهُ فَقِيْراً، لَهُ حَانُوتٌ ضَعِيْفٌ، فَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَتَعَاهَدُ أَبَا يُوْسُفَ بِالدَّرَاهِمِ، مائَةً بَعْدَ مائَةٍ. فَرَوَى: عَلِيُّ بنُ حَرْملَةَ التَّيْمِيُّ، عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ وَأَنَا مُقِلٌّ، فَجَاءَ أَبِي، فَقَالَ: يَا بُنِيَّ! لاَ تَمُدَّنَّ رِجْلَكَ مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ. فَآثَرتُ طَاعَةَ أَبِي، فَأَعْطَانِي أَبُو حَنِيْفَةَ مائَةَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْزَمِ الحَلْقَةَ، فَإِذَا نَفَذَتْ هَذِهِ، فَأَعْلِمْنِي. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَعْطَانِي مائَةً. وَيُقَالُ: إِنَّهُ رُبِّيَ يَتِيْماً، فَأَسلَمَتْه أُمُّهُ قَصَّاراً. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو يُوْسُفَ، فَعَادَهُ أَبُو حَنِيْفَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: إِنْ يَمُتْ هَذَا الفَتَى، فَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ عَلَيْهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ الحَدِيْثَ، اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 536 وَكَانَ أَمْيَلَ إِلَى المُحَدِّثِيْنَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمُحَمَّدٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُّسِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَثبَتَ فِي الحَدِيْثِ، وَلاَ أَحْفَظَ، وَلاَ أَصَحَّ رِوَايَةً مِنْ أَبِي يُوْسُفَ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَبُو يُوْسُفَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَعَنْ يَحْيَى البَرْمَكِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ، وَأَقَلُّ مَا فِيْهِ الفِقْهُ، وَقَدْ مَلأَ بِفِقْهِهِ الخَافِقَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَبُو يُوْسُفَ مُنصِفاً فِي الحَدِيْثِ. وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: صَحِبتُ أَبَا حَنِيْفَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَعَنْ هِلاَلٍ الرَّأْيِ، قَالَ: كَانَ أَبُو يُوْسُفَ يَحفَظُ التَّفْسِيْرَ، وَيَحفَظُ المَغَازِي، وَأَيَّامَ العَرَبِ، كَانَ أَحَدَ عُلُوْمِهِ الفِقْهُ. وَعَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: كَانَ وِرْدُ أَبِي يُوْسُفَ فِي اليَوْمِ مائَتَيْ رَكْعَةٍ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أُخِذَ عَلَى أَبِي يُوْسُفَ إِلاَّ حَدِيْثُهُ فِي الحجْرِ، وَكَانَ صَدُوقاً. قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ عِنْد وَفَاتِهِ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا أَفْتَيْتُ بِهِ، فَقَدْ رَجَعتُ عَنْهُ، إِلاَّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَفِي لَفْظٍ: إِلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ المُسْلِمُوْنَ. قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ: مَن طَلَبَ المَالَ بِالكِيْمِيَاءِ، أَفلَسَ، وَمَنْ طَلَبَ الدِّيْنَ بِالكَلاَمِ، تَزَندَقَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ، كُذِّبَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 537 قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي (طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّةِ) : وَأَبُو يُوْسُفَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكتَبُ حَدِيْثُهُ. بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ البَصْرَةَ مَعَ الرَّشِيْدِ، اجْتَمَعَ الفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ عَلَى بَابِهِ، فَأَشرَفَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: أَنَا مِنَ الفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعاً، وَلاَ أُقدِّمُ فِرقَةً عَلَى فِرقَةٍ. قَالَ: وَكَانَ قَاضِيَ الآفَاقِ، وَوَزِيْرَ الرَّشِيْدِ، وَزَمِيْلَهُ فِي حَجِّهِ. مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لاَ نُصَلِّي خَلْفَ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَلاَ يُفْلِحُ مَنِ اسْتَحلَى شَيْئاً مِنَ الكَلاَمِ. قُلْتُ: بَلَغَ أَبُو يُوْسُفَ مِنْ رِئَاسَةِ العِلْمِ مَا لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يُبَالِغُ فِي إِجْلاَلِه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الجُوْزَجَانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ وَفِي يَدِهِ دُرَّتَانِ يُقَلِّبُهُمَا، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ أَحْسَنَ مِنْهُمَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: الوِعَاءُ الَّذِي هُمَا فِيْهِ. فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ، وَقَالَ: شَأْنُكَ بِهِمَا. قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: تُوُفِّيَ أَبُو يُوْسُفَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، خَامِسَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي غُرَّةِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَعَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَدْ أَفرَدتُ لَهُ تَرْجَمَةً فِي كُرَّاسٍ (1) .   (1) طبعت مع ترجمة أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، بتحقيق العلامة الكوثري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 538 وَمَا أَنبَلَ قَوْلَه الَّذِي رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: العِلْمُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ جَهلٌ، وَالجَهْلُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ عِلْمٌ. قُلْتُ: مِثَالُهُ شُبَهٌ وَإِشْكَالاَتٌ مِنْ نَتَائِجِ أَفَكَارِ أَهْلِ الكَلاَمِ، تُورَدُ فِي الجِدَالِ عَلَى آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا، فَيُكَفِّرُ هَذَا هَذَا، وَيَنْشَأُ الاعْتِزَالُ، وَالتَّجَهُّمُ، وَالتَّجسِيْمُ، وَكُلُّ بَلاَءٍ - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ -. 142 - أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَاهِدُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسْمَاءَ بنِ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرِ بنِ عَمْرِو بنِ جُوَيَّةَ بنِ لَوْذَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ فَزَارَةَ بنِ ذُبْيَانَ بنِ بَغِيْضِ بنِ رَيْثِ بنِ غَطَفَانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ الفَزَارِيُّ، الشَّامِيُّ. وَلِجَدِّهِم خَارِجَةُ: صُحْبَةٌ، وَهُوَ أَخُو عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَكُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ،   (*) التاريخ لابن معين: 13، طبقات خليفة: 317، التاريخ الكبير: 1 / 321، التاريخ الصغير: 2 / 238، المعرفة والتاريخ: 1 / 177، الكامل لابن الأثير: 6 / 174، تهذيب الكمال: 62، تذهيب التهذيب: 1 / 40 / 2، تذكرة الحفاظ: 273، العبر: 1 / 290، تهذيب التهذيب: 1 / 151، طبقات الحفاظ: 117، خلاصة تذهيب الكمال: 20. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 539 وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَابْنِ شَوْذَبٍ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ المَصِّيْصِيُّ - شَيْخٌ لأَبِي دَاوُدَ - وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ النَّصِيْبِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكَرَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ، الإِمَامُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ. قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الحُمَيْدِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ فِي السِّيَرِ مِثْلَ كِتَابِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ، بِلاَ مُدَافَعَةٍ. قَالَ: وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْكَ بِكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِذَا سَمِعْتَ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِّي، فَلاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنِّي. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، صَالِحاً، هُوَ الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 540 أَدَّبَ أَهْلَ الثَّغْرِ، وَعَلَّمَهُم السُّنَّةَ، وَكَانَ يَأمُرُ وَيَنْهَى، وَإِذَا دَخَلَ الثَّغْرَ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ، أَخْرَجَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ. أَمَرَ سُلْطَاناً وَنَهَاهُ، فَضَرَبَهُ مائَتَيْ سَوْطٍ، فَغَضِبَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَتَكَلَّمَ فِي أَمرِهِ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ إِمَاماً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ البَنَّاءُ: حَدَّثَ الأَوْزَاعِيُّ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ المَصْدُوقُ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: لَقِيْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، فَعَزَّانِي بِأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ: رُبَّمَا اشْتَقْتُ إِلَى المَصِّيْصَةِ، مَا بِي فَضْلُ الرِّبَاطِ، إِلاَّ أَنْ أَرَى أَبَا إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ-. قُلْتُ: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَفَاةً: عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ المَصِّيْصِيُّ الصَّغَيْرُ، وَبَقِيَ إِلَى نَحْوِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رَوَى حَدِيْثاً عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْنَهُمَا زَائِدَةُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فَوَهِمَ، وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: مَنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ هُوَ، أَوْ جَاوَزَهَا بِقَلِيْلٍ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، فَقُلْ لَهُم: مَنْ كَانَ يَرَى القَدَرَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 541 فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ فُلاَنٍ، فَلاَ يَحضُرْ مَجْلِسَنَا. فَخَرَجْتُ، فَأَخْبَرْتُهُم. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، عَظِيْمُ الغَنَاءِ فِي الإِسْلاَمِ. وَيُرْوَى: أَنَّ هَارُوْنَ الرَّشِيْدَ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا؟ قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ يَتَخَلَّلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرفاً حَرفاً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ. وَقَالَ عَطَاءٌ الخَفَّافُ: كُنْتُ عِنْدَ الأَوْزَاعِيِّ، فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: ابْدَأْ بِهِ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنِّي. قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ الزَّاهِدُ: رَأَيْتُ ابْنَ عَوْنٍ فَمَنْ بَعْدَهُ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَفْقَهَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِذَا رَأَيْتَ شَامِيّاً يُحِبُّ الأَوْزَاعِيَّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ، فَاطْمَئِنَّ إِلَيْهِ. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى هَارُوْنَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّكَ فِي مَوْضِعٍ وَفِي شَرَفٍ. قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! ذَاكَ لاَ يُغْنِي عَنِّي فِي الآخِرَةِ شَيْئاً. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 542 النَّوْمِ، وَإِلَى جَنْبِهِ فُرْجَةٌ، فَذَهَبْتُ لأَجْلِسَ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ العَابِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوْراً، فَقَدْ سَرَّنِي، وَمَنْ سَرَّنِي، فَقَدِ اتَّخَذَ عِنْدَ اللهِ عَهْداً، وَمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ اللهِ عَهْداً، فَلَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَداً) . هَذَا حَدِيْثٌ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، مَعَ لَطَافَةِ إِسْنَادِهِ. وَزَيْدٌ هَذَا: لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكراً فِي دَوَاوِيْنِ الضُّعَفَاءِ، وَالآفَةُ مِنْهُ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ؟ فَقَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ رَجُلَ عَامَّةٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ: أَلاَ تَسُبُّ مَنْ ضَرَبَكَ؟ قَالَ: إِذاً أُحِبُّهُ. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ عَطَاءٌ: مَا دَخَلَ عَلَى الأُمَّةِ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ، مَا دَخَلَ عَلَيْهِم مِنْ مَوْتِ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالفَزَارِيُّ إِمَامَينِ فِي السُّنَّةِ. وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الرَّجُلِ يُسْأَلُ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ حَقّاً؟ قَالَ: إِنَّ المَسْأَلَةَ عَنْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَالشَّهَادَةَ عَلَيْهِ تَعَمُّقٌ لَمْ نُكَلَّفْهُ فِي دِيْنِنَا، وَلَمْ يَشْرَعْه نَبِيُّنَا، القَوْلُ فِيْهِ جَدَلٌ، وَالمُنَازَعَةُ فِيْهِ حَدَثٌ ... ، وَذَكَرَ فَصْلاً نَافِعاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 543 جَاءَ فِي الأَصْلِ مَا نَصُّهُ: تَمَّ الجُزْءُ السَّادِسُ مِنْ كِتَابِ: (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبلاَءِ) ، لِلشَّيخِ، الإِمَامِ، النَّاقِدِ، البَارِعِ، جَامِعِ أَشْتَاتِ الفُنُوْنِ، مُؤَرِّخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ، الدِّمَشْقِيِّ. وَهُوَ أَوَّلُ نُسْخَةٍ نُسِخَتْ مِنْ خَطِّ المُصَنِّفِ، وَقُوْبِلَتْ عَلَيْهِ حَسبَ الإِمْكَانِ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوفِيْقُ وَالعِصْمَةُ. وَيَتْلُوْهُ فِي الجُزْءِ الَّذِي يَلِيْهِ - وَهُوَ السَّابِعُ - تَرْجَمَةُ البَكَّائِيِّ. وَكَانَ الفَرَاغُ مِنْ نَسْخِهِ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 544 الْجُزْءُ الْتَاسِعُ 1 - البَكَّائِيُّ زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الطُّفَيْلِ * (خَ (1) ، م، ت، ق) . الشَّيْخُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الطُّفَيْلِ العَامِرِيُّ، البَكَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، رَاوِي (السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ) عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. حَدَّثَ عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزَكَرِيَّا زَحْمَوَيْه، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   (*) طبقات ابن سعد 396 6، طبقات خليفة: ت 1319، التاريخ الكبير: 3 / 360، الضعفاء والمتروكين ص 45، الضعفاء للعقيلي لوحة: 141، كتاب المجروحين: 1 / 306، الأنساب 1 / 270، اللباب 1 / 168، وفيات الأعيان 1 / 86، تهذيب الكمال: 445، تذهيب التهذيب 1 / 245 / 1، العبر 1 / 287، ميزان الاعتدال 2 / 91، الكاشف 1 / 332، تهذيب التهذيب 3 / 375. (1) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 401: ليس له عند البخاري سوى حديثه عن حميد، عن أنس، أن عمه غاب عن قتال بدر..الحديث. أورده في الجهاد عن عمرو ابن زرارة، عنه، مقرونا بحديث عبد الأعلى، عن حميد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: مَا أَحَدٌ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ؛ لأَنَّهُ أَمْلَى عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (1) ، قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ المَغَازِي. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: هُوَ نَفْسُهُ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي المَغَازِي، بَاعَ دَارَهُ، وَخَرَجَ يَدُورُ مَعَ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَثِيْرُ المَنَاكِيْرِ (2) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا زَحْمَوَيْه، حَدَّثَنَا   (1) قال اللكنوي في " الرفع والتكميل " ص 99: كثيرا ما تجد في " ميزان الاعتدال " وغيره في حق الرواة - نقلا عن يحيى بن معين -: " أنه ليس بشيء " فلا تغتر به، ولا تظنن أن ذلك الراوي مجروح بجرح قوي، فقد قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " في ترجمة (عبد العزيز بن المختار البصري) ص 419: ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله: " ليس بشيء " يعني أن أحاديثه قليلة جدا. وقال السخاوي في " فتح المغيث ": قال ابن القطان: إن ابن معين إذا قال في الراوي: ليس بشيء، إنما يريد أنه لم يرو حديثا كثيرا. (2) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 401: وأفرط ابن حبان فقال: " لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 زِيَادٌ، عَنْ إِدْرِيْسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَذَّنَ بِلاَلٌ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثْنَى مَثْنَى، وَأَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا بَاطِلٌ، قَدْ رَوَاهُ: الثَّوْرِيُّ، وَالنَّاسُ، عَنْ عَوْنٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ (1) . تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 2 - عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُمْ البَصْرِيُّ * (ع) . الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بِشْرٍ - وَقِيْلَ: أَبُو عُبَيْدَةَ - العَبْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَالمُخْتَارِ بنِ   (1) " كتاب المجروحين " 1 / 307، وأخرجه أيضا الدارقطني في " سننه " 1 / 242. وقد جاءت تثنية الاقامة في حديث عبد الله بن زيد، وحديث أبي محذورة، فالاول: أخرجه ابن أبي شيبة في " مسنده ": 136، والطحاوي: 79، 80، والبيهقي 1 / 240، من طريق وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري..وإسناده صحيح، كما قال ابن دقيق العيد، وابن حزم، وصححه ابن خزيمة 1 / 197، والثاني: أخرجه أبو داود برقم (502) ، وابن ماجة (709) والترمذي (192) ، والنسائي 1 / 103، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة (377) ، وابن حبان (288) ، وابن دقيق العيد. فإفراد الاقامة وتثنيتها ثابت صحيح، وهو من الاختلاف المباح الجائز، كما هو مذهب أحمد، وإسحاق، وداود، وابن جرير، وابن خزيمة. (*) التاريخ لابن معين: 377، طبقات ابن سعد 7 / 289، طبقات خليفة: ت 1897، التاريخ الكبير 6 / 59، التاريخ الصغير 2 / 218، المعارف: 513، الجرح والتعديل 6 / 20، مشاهير علماء الأمصار: ت 1266، تهذيب الكمال: 867، تذهيب التهذيب 2 / 256 / 2، العبر 1 / 269، ميزان الاعتدال 2 / 672، تذكرة الحفاظ 1 / 258، الكاشف 2 / 218، دول الإسلام 1 / 115، تهذيب التهذيب 6 / 434، مقدمة الفتح ص 421، النجوم الزاهرة 2 / 87، طبقات الحفاظ: 110، خلاصة تذهيب الكمال: 247، شذرات الذهب 1 / 310. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 فُلْفُلٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَفَّانُ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَيَّنَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَقَالَ: قَلَّمَا رَأَيْتُهُ يَطلُبُ العِلْمَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَمَدَ عَبْدُ الوَاحِدِ إِلَى أَحَادِيْثَ كَانَ الأَعْمَشُ يُرْسِلُهَا، فَوَصَلَهَا كُلَّهَا (1) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ القَطَّانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ عَبْدَ الوَاحِدِ يَطلُبُ حَدِيْثاً قَطُّ بِالبَصْرَةِ، وَلاَ الكُوْفَةِ، فَكُنَّا نَجلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأُذَاكِرُهُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، لاَ يَعْرِفُ مِنْهُ حَرفاً (2) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ (3) ، وَلَكِنَّ عَبْدَ الوَارِثِ أَحْفَظُ مِنْهُ وَأَتقَنُ. قَالَ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) في الأصل " كثير "، وما أثبتناه من " تذهيب التهذيب " للمؤلف. (2) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 421: قلت: وهذا غير قادح، لأنه كان صاحب كتاب، وقد احتج به الجماعة. (3) في ميزان المؤلف: احتجا به في " الصحيحين "، وتجنبا تلك المناكير التي نقمت عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ سَرْجِسَ، قَالَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلتُ مَعَهُ خُبْزاً وَلَحْماً -أَوْ قَالَ: ثَرِيْداً- فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (وَلَكَ) . قُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، وَتَلاَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ (1) } [مُحَمَّدٌ: 19] . 3 - جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ يَزِيْدَ الضَّبِّيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ، الكُوْفِيُّ. نَزَلَ الرَّيَّ، وَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ. وَيُقَالُ: مَوْلِدُهُ بِأَعْمَالِ أَصْبَهَانَ، وَنَشَأَ بِالكُوْفَةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ: عَنْ جَرِيْرٍ: وُلِدْتُ سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ، سَنَةَ عَشْرٍ (2) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2346) في الفضائل: باب إثبات خاتم النبوة من طرق، عن عاصم الاحول، عن عبد الله بن سرجس. وهو في " المسند " 5 / 82 من طريق شعبة، عن عاصم. (*) التاريخ لابن معين: 81، طبقات ابن سعد 7 / 381، طبقات خليفة: ت 1300 و3167، التاريخ الكبير 2 / 214، الضعفاء للعقيلي لوحة: 71، الجرح والتعديل 2 / 505، تاريخ بغداد 7 / 253، تهذيب الكمال: 192، تذهيب التهذيب 1 / 105 / 2، العبر 1 / 299، ميزان الاعتدال 1 / 394، تذكرة الحفاظ 1 / 271، الكاشف 1 / 182، دول الإسلام 1 / 119، طبقات القراء لابن الجزري: 1 / 190، تهذيب التهذيب 2 / 75، مقدمة الفتح ص 392، النجوم الزاهرة 2 / 127، طبقات الحفاظ: 116، خلاصة تذهيب الكمال ص 61. (2) أي: ومئة، فقد ذكر المؤلف في آخر هذه الترجمة أنه مات سنة ثمان وثمانين = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَثَعْلَبَةَ بنِ سُهَيْلٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَرَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَذْرَمِيُّ (1) ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ بنِ أَعْيَنَ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ البُخَارِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ نَسَبَهُ عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الوَرَّاقُ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى،   = ومئة، وهو ابن ثمان وسبعين، والحسن: هو ابن أبي الحسن البصري الثقة الفاضل المشهور، قد مات سنة عشر ومئة. (1) نسبة إلى أذرمة: وهي قرية عند نصيبين من الجزيرة، كما في " اللباب ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 فَقَالَ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَرِيْرِ بنِ قُرْطِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَبِي قَيْسٍ بنِ وَحْفِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرِ بنِ سَعْدِ بنِ ضَبَّةَ بنِ أُدٍّ. قَالَ: وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ العِلْمِ، يُرحَلُ إِلَيْهِ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: هُوَ حُجَّةٌ، كَانَتْ كُتُبُهُ صِحَاحاً، وَمَا كَانَ زِيُّه زِيَّ مُحَدِّثٍ، فَإِذَا حَدَّثَ ... أَيْ: كَانَ يُشْبِهُ العُلَمَاءَ. وَقَالَ زُنَيْجُ (2) : سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: رَأَيتُ ابْنَ أَبِي نَجِيْحٍ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً، وَرَأَيتُ جَابِراً الجُعْفِيَّ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً، وَرَأَيتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ضَيَّعتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لاَ، أَمَّا جَابِرٌ، فَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجعَةِ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، فَكَانَ يَرَى القَدَرَ، وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بَنِيْهِ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً، وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجُوا بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُم - كَانَ يَرَى المُتعَةَ (3) -. قُلْتُ: أَمَّا امْتنَاعُهُ مِنَ الجُعْفِيِّ، فَمَعذُورٌ؛ لأَنَّهُ كَانَ مُبْتَدِعاً، وَلَمْ   (1) " الطبقات " 7 / 381، وفيه " ترحل إليه ". (2) زنيج: بزاي ونون وجيم مصغرا، لقب الحافظ أبي غسان محمد بن عمرو بن بكر الرازي، وهو من رجال مسلم. (3) نكاح المتعة: شروطه كشروط النكاح المعهود إلا أنه إلى أجل محدد، وكان مباحا في أول الإسلام، ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح كما في صحيح مسلم (1406) (21) من حديث الربيع بن سبرة، عن أبيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فقال رسول الله: " يا أيها الناس: إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ". واتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة، وهو كالاجماع بين المسلمين، ونقل الحافظ في " الفتح " 9 / 150 عن أبي عوانة في " صحيحه "، عن ابن جريج أنه رجع عنها بعد أن روى بالبصرة في إباحتها ثمانية عشر حديثا. وانظر " زاد المعاد " 3 / 343 طبع مؤسسة الرسالة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 يَكُنْ بِالثِّقَةِ، وَأَمَّا الآخَرَانِ، فَفَرَّطَ فِيْهِمَا، وَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ (1) ، وَإِنْ غَلِطَا فِي اجْتِهَادِهِمَا. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبُو عَوَانَةَ يَتَشَابَهَانِ فِي رَأْيِ العَيْنِ، مَا كَانَا يَصْلُحَانِ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَا رَاعِيَيْ غَنَمٍ، وَقَدْ كَتَبتُ عَنْ جَرِيْرٍ بِمَكَّةَ. يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ، قَالَ: قَدِمْتُ الرَّيَّ بِعَقِبِ مَوْتِ شُعْبَةَ، وَمَعِيَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَمَلْتُ مَعِي أَصلَ كِتَابِي عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ: فَكَانَ جَرِيْرٌ يُجَالِسُنَا عِنْدَ تَاجِرٍ، فَسَمِعَنَا نَذْكُرُ الحَدِيْثَ، قَالَ: فَيُعْجَبُ بِالحَدِيْثِ إِعجَابَ رَجُلٍ سَمِعَ العِلْمَ وَلَيْسَ لَهُ حَفِظٌ، فَسَمِعَنِي أَذْكُرُ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلِمَةَ، حَدِيْثَ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ (2) ، أَوْ حَدِيْثَ: (إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ   (1) إلا أن ابن جريج واسمه عبد الملك على جلالة قدره وثقته، موصوف بالتدليس، فلا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع. (2) أخرجه أحمد 4 / 239 و240 من طريق شعبة، حدثني عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة المرادي، عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية: (ولقد آتينا موسى تسع آيات) فقال: لا تقل له نبي، فإنه لو سمعك، لصارت له أربعة أعين، فسألاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة، أو قال: لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا يهود: عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت " فقبلا يديه ورجليه، فقال: " ما يمنعكما أن تتبعاني؟ " قالا: لان داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود. وأخرجه ابن جرير 15 / 172، 173، والترمذي (3144) في التفسير، والنسائي 7 / 111، 112، في تحريم الدم: باب السحر، من طرق عن شعبة به. وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 3 / 67، بعد أن أورده: هو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 دِيْنِكُمَا (1)) . فَقَالَ: اكْتُبْهُ لِي. فَكَتَبْتُهُ لَهُ، وَحَدَّثتُهُ بِهِ. قَالَ: وَتَحَدَّثتُ بِحَدِيْثِ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ: حَدِيْثَ القِلاَدَةِ (2) . قَالَ: فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ:   = الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون: وفسر الآية فقال: يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته، وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون، وهي: العصا، واليد، والسنون، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات: قاله ابن عباس. (1) أخرجه أحمد في " المسند " 1 / 107، وأبو داود (229) في الطهارة: باب في الجنب يقرأ القرآن، من طريقين عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان، رجل منا، ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي رضي الله عنه وجها وقال: إنكما علجان فعالجا عن دينكما [ثم قام] فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء، فاحذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه - أو قال يحجزه - عن القرآن شيء ليس الجنابة ". وصححه الحاكم 4 / 107 ووافقه الذهبي، وأخرجه مختصرا أحمد 1 / 83، 84، 124، 134، والنسائي 1 / 144، والترمذي (146) ، وابن ماجة (594) وصححه ابن حبان (192) ، وابن السكن، وعبد الحق الاشبيلي، وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 348: والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، وانظر " شرح السنة " 2 / 42. (2) أخرجه أبو داود (3352) في البيوع: باب في حلية السيف تباع بدرهم، وأحمد 6 / 21، والترمذي (1255) في البيوع: باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز، ومسلم (1591) (90) في المساقاة: باب بيع القلادة، والنسائي 7 / 279 في البيوع: باب بيع القلادة فيها الذهب والخرز بالذهب، من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فضالة ابن عبيد، قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وحرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تباع حتى تفصل ". وأخرجه أحمد 6 / 19، ومسلم (1591) عن أبي هانئ بن هانئ الخولاني، عن علي بن رباح اللخمي، عن فضالة بن عبيد قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم نباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال لهم: " الذهب بالذهب وزنا بوزن ". وأخرجه أبو داود (3351) ، والنسائي 7 / 279 من طريق سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن فضالة بن عبيد. = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 اكْتُبْه لِي. فَكَتبْتُهُ لَهُ، وَحَدَّثتُهُ بِهِ عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ. فَقَالَ لِي: قَدْ كَتَبتُ عَنْ مَنْصُوْرٍ، وَمُغِيْرَةَ ... ، وَجَعَلَ يَذْكُرُ الشُّيُوْخَ. فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنَا. فَقَالَ: لَسْتُ أَحْفَظُ، كُتُبِي غَائِبَةٌ عَنِّي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أُوْتَى بِهَا، قَدْ كَتَبتُ فِي ذَلِكَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ ذَكَرَ يَوْماً شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ: أَحْسِبُ أَنَّ كُتُبَكَ قَدْ جَاءتْ. قَالَ: أَجَلْ. فَقُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: جَلِيسُنَا جَاءتْهُ كُتُبُهُ مِنَ الكُوْفَةِ، اذْهَبْ بِنَا نَنْظُرْ فِيْهَا. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَنَظَرْنَا فِي كُتُبِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ: مَا قَالَ لَنَا جَرِيْرٌ قَطُّ بِبَغْدَادَ: حَدَّثَنَا، وَلاَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقُلْتُ: تُرَاهُ لاَ يَغلَطُ مَرَّةً، فَكَانَ رُبَّمَا نَعَسَ، فَنَامَ، ثُمَّ يَنْتَبِهُ، فَيَقرَأُ مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ. وَنَزَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى ابْنِ المُسَيَّبِ، فَلَمَّا عَبَرَ إِلَى الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، جَاءَ المَدُّ، فَقُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: تَعْبُرُ؟ فَقَالَ: أُمِّي لاَ تَدَعُنِي. فَعَبَرْتُ أَنَا، فَلَزِمْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ السِّنْدِيُّ يَدَعُ أَحَداً يَعبُرُ -يَعْنِي: لِكَثْرَةِ المَدِّ- فَلَبِثتُ عِنْدَهُ عِشْرِيْنَ يَوْماً، فَكَتَبتُ عَنْهُ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَكَتَبتُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ حَدِيْثاً بِالسَّفِيْنَتَيْنِ عَلَى دَابَّتِهِ. يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ صَاحِبَ لَيْلٍ، وَكَانَ لَهُ رَسَنٌ، يَقُوْلُوْنَ: إِذَا أَعْيَى، تَعَلَّقَ بِهِ - يُرِيْدُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي -.   = وأخرجه مسلم (1591) في المساقاة، وأحمد 6 / 22، وأبو داود (3353) في البيوع، من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، عن الجلاح أبي كثير، حدثني حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الاوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: ذُكِرَ لأَبِي خَيْثَمَةَ إِرسَالُ جَرِيْرٍ لِلْحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا، قِيْلَ لَهُ: تُرَاهُ كَانَ يُدَلِّسُ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: لَمْ يَكُنْ يُدَلِّسُ؛ لأَنَّا كُنَّا إِذَا أَتَيْنَاهُ وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ، أَوْ مَنْصُوْرٍ، أَوْ مُغِيْرَةَ، ابْتَدَأَ، فَأَخَذَ الكِتَابَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، ثُمَّ يُحَدِّثُ عَنْهُ مِنْهُم فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُوْلُ بَعْدُ: مَنْصُوْرٌ مَنْصُوْرٌ، أَوِ الأَعْمَشُ الأَعْمَشُ، لاَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: حَدَّثَنَا (1) حَتَّى يَفْرُغَ المَجْلِسُ. قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى جَرِيْرٍ، فَأُعجِبَ بِحِفْظِي، وَكَانَ لِي مُكْرِماً. قَالَ: فَقَدِمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالبَغْدَادِيُّوْنَ الَّذِيْنَ مَعَهُ، وَأَنَا ثَمَّ، فَرَأَوْا مَوْضِعِي مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُم: إِنَّ هَذَا إِنَّمَا بَعَثَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، لِيُفْسِدَ حَدِيْثَكَ عَلَيْكَ، وَيَتْبَعَ عَلَيْكَ الأَحَادِيْثَ، وَكَانَ قَدْ حَدَّثَنَا عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عِنْد ابْنِ أَخِيْهِ يَوْماً، إِذْ رَأَيتُ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ لابْنِ أَخِيْهِ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: فَقُلْتُ لابْنِ أَخِيْهِ، عَمُّكَ هَذَا مَرَّةً يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ - وَكَانَ هَذَا الحَدِيْثُ مَوْضُوْعاً -. قَالَ: فَوَقَفْتُ جَرِيْراً عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِيْثُ طَلاَقِ الأَخرَسِ مِمَّنْ سَمِعْتَه؟ قَالَ: حَدَّثَنِيْهُ رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. قُلْتُ: فَقَدْ رَوَيْتَه مَرَّةً: عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً: عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً: عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، وَلَسْتُ أُرَاكَ تَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، فَمَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ   (1) الخبر في " تهذيب الكمال ": 193، وما بين حاصرتين منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 جَاءنَا. قَالَ: فَوَثَبُوا بِي، وَقَالُوا: أَلَمْ نَقُلْ لَكَ إِنَّمَا جَاءَ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ حَدِيْثَكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ بِي البَغْدَادِيُّوْنَ، وَتَعَصَّبَ لِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُم شَرٌّ شَدِيْدٌ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ: فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدِيْثُ طَلاَقِ الأَخرَسِ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: عَنْ جَرِيْرٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ قَوْله. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ عُثْمَانُ يَقُوْلُ لأَصْحَابِنَا: إِنَّمَا كَتَبْنَا عَنْ جَرِيْرٍ مِنْ كُتُبِهِ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! كَتَبْتُم عَنْ جَرِيْرٍ مِنْ كُتُبِهِ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ؟! وَجَعَلَ يَرُوْغُ. قُلْتُ لَهُ: مَنْ أُصُوْلِهِ، أَوْ مِنْ نُسَخٍ؟ فَجَعَلَ يَحِيْدُ، وَيَقُوْلُ: مِنْ كُتُبٍ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، كَتَبْتُم عَلَى الأَمَانَةِ مِنَ النُّسَخِ؟ فَقَالَ: كَانَ أَمْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ، وَإِنَّمَا حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ جَرِيْراً قَالَ لَهُم حِيْنَ قَدِمُوا عَلَيْهِ - وَكَانَتْ كُتُبُهُ تَلِفَتْ -: هَذِهِ نُسْخَةٌ أُحَدِّثُ بِهَا عَلَى الأَمَانَةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي، لَعَلَّ لَفْظاً يُخَالِفُ لَفظاً (1) ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الأَمَانَةِ. عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَجَباً لِهَذَا الرَّازِيِّ (2) ! عَرَضتُ عَلَيْهِ أَنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ مائَةَ دِرْهَمٍ فِي الشَّهرِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: يَأْخُذُ المُسْلِمُوْنَ كُلُّهُم مِثْلَ هَذَا؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: عُرِضَتْ عَلَيَّ بِالكُوْفَةِ أَلْفَا دِرْهَمٍ يُعطُونِي مَعَ القُرَّاءِ، فَأَبَيْتُ، ثُمَّ جِئْتُ اليَوْمَ أَطْلُبُ مَا عِنْدَهُم، أَوْ مَا فِي أَيْدِيْهِم! قُلْتُ: يُزْرِي بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.   (1) سقط من الأصل، واستدرك من " تهذيب الكمال ": 193. (2) تحرف في " ميزان المؤلف " المطبوع 1 / 394 إلى " الراوي ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 الحُمَيْدِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ: رَأَيْتُ جَرِيْراً يَقُودُ مُغِيْرَةَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ: مَنْ هَذَا الشَّابُّ؟ قَالَ لِي عُمَرُ: هَذَا شَابٌّ لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ: شَرِيْكٌ أَوْ جَرِيْرٌ؟ فَقَالَ: جَرِيْرٌ أَقَلُّ سَقْطاً، شَرِيْكٌ كَانَ يُخْطِئُ. عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: جَرِيْرٌ أَحَبُّ إِلَيْك فِي مَنْصُوْرٍ، أَوْ شَرِيْكٌ؟ قَالَ: جَرِيْرٌ أَعْلَمُ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: جَرِيْرٌ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّيَّ، وَكَانَ رَبَاحٌ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَقُوْلُ: أُرِيْدُ أَنْ أَكْتُبَ حَدِيْثَ الكُوْفَةِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِجَرِيْرٍ، فَإِنْ أَخطَأَكَ، فَعَلَيْكَ بِمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الأَحْوَصِ وَجَرِيْرٍ فِي حَدِيْثِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: كَانَ جَرِيْرٌ أَكْيَسَ الرَّجُلَيْنِ، جَرِيْرٌ أَحَبُّ إِلَيَّ. قُلْتُ: يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، جَرِيْرٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ: مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ. قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ. وَأَمَّا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وُلِدَ جَرِيْرٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ. قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وُلِدَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، لَكِنْ سُفْيَانُ بَكَّرَ قَبْلَ جَرِيْرٍ بِالطَّلَبِ، فَلَقِيَ زِيَادَ بنَ عِلاَقَةَ، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ، وَالكِبَارَ بِالكُوْفَةِ وَالحَرَمَيْنِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ: مَاتَ جَرِيْرٌ عَشِيَّةَ الأَرْبعَاءِ، لِيَوْمٍ خَلاَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً إِلَى التِّسْعِ وَالسَّبْعِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ. قُلْتُ: وَفِيْهَا أَرَّخَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ - وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ البَزَّازُ بِكَفْربَيَّا (1) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنِ المُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً) . تَابَعَهُ: زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) مِنْ طَرِيْقِهِمَا، فَوَقَعَ لَنَا عَالِياً. 4 - سُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ * (ت، ق) قَاضِي بَعْلَبَكَّ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ المُقْرِئُ.   (1) مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان. قاله ياقوت. (2) برقم (196) (330) (332) في الايمان: باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أول الناس يشفع في الجنة ". (*) التاريخ لابن معين: 243، طبقات ابن سعد 7 / 470، طبقات خليفة: ت 3047، التاريخ الصغير 2 / 260، التاريخ الكبير 4 / 148، الضعفاء الصغيرة: 55، الضعفاء والمتروكين: 51، الضعفاء للعقيلي لوحة 17، تهذيب الكمال: 563، تذهيب التهذيب 2 / 64 / 2، العبر 1 / 314، ميزان الاعتدال 2 / 249، الكاشف 1 / 411، تهذيب التهذيب 4 / 276، الخلاصة ص 159، شذرات الذهب 1 / 340، غاية النهاية 1 / 321. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 تَلاَ عَلَى يَحْيَى الذِّمَارِيّ، وَغَيْرِهِ. أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ، وَهِشَامٌ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْن، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: دُحَيْمٌ، وَابْنُ عَائِذٍ، وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ وَاسِطِيٌّ، سَكَنَ دِمَشْقَ، لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ (1) . 5 - أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّانَ الأَزْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان الأَزْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. كَانَ مَوْلِدُهُ بِجُرْجَان فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (1) يريد أن ضعفه خفيف يصلح حديثه للمتابعات والشواهد، فإذا جاء الحديث الذي رواه من طريق آخر يماثله في الضعف، أو كان لحديثه شاهد من رواية صحابي آخر، فإنه يتقوى ويصح. (*) التاريخ لابن معين: 229، طبقات ابن سعد 6 / 391، طبقات خليفة: ت 1330، تاريخ خليفة: 458، التاريخ الكبير 4 / 8، الضعفاء للعقيلي لوحة 156، الجرح والتعديل 4 / 106 - 107، مشاهير علماء الأمصار: ت 1361، تهذيب الكمال: 537، تذهيب التهذيب 1 / 46 / 2، العبر 1 / 303، ميزان الاعتدال 2 / 200، تذكرة الحفاظ 1 / 272، الكاشف 1 / 392، تهذيب التهذيب 4 / 181، طبقات الحفاظ: 116، خلاصة تذهيب الكمال ص 151، شذرات الذهب 1 / 325. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، وَهَنَّادٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ المُرَادِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنَ التُّجَّارِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا ابْنُ عَدِيٍّ (1) . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ. قُلْتُ: كَانَ مَوْصُوْفاً بِالخَيْرِ وَالدِّيْنِ، وَلَهُ هَفْوَةٌ، وَهِيَ خُرُوْجُهُ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (2) ، وَحَدِيْثُهُ محتجٌّ بِهِ فِي سَائِرِ الأُصُوْلِ.   (1) قال المؤلف في " ميزانه " 2 / 200: قال ابن عدي في " كامله " بعد أن ساق له أحاديث خولف فيها: هو كما قال يحيى صدوق ليس بحجة، وإنما أتي من سوء حفظه، قلت - القائل الذهبي -: الرجل من رجال الكتب الستة، وهو مكثر يهم كغيره. وقال أبو بكر البزار فيما نقله عنه الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 405: اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظا، وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديث لم يتابع عليها. قال ابن حجر: له عند البخاري نحو ثلاثة أحاديث من روايته عن حميد، وهشام بن عروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، كلها مما توبع عليه، وعلق له عن الأعمش حديثا واحدا في الصيام، وروى له الباقون. (2) في البصرة سنة خمس وأربعين ومئة في أول ليلة من رمضان على والي أبي = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى السِّمْسَار: قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ يَقُوْلُ: يَأْتِي زَمَانٌ، تُعَطَّلُ فِيْهِ المَصَاحِفُ، يَطْلبُوْنَ الحَدِيْثَ وَالرَّأْيَ، فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصَفِّقُ الوَجْهَ، وَيَشْغَلُ القَلْبَ، وَيُكْثِرُ الكَلاَمَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي أَبِي خَالِدٍ فِي (المَحَامِلِيَّاتِ (1)) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، مُنَافِراً لِلْكَلاَمِ وَالرَّأْي وَالجِدَالِ.   = جعفر. انظر " دول الإسلام " 1 / 97، 100، و" تاريخ الإسلام " 6 / 22، 27 للمؤلف. (1) المحامليات: ستة عشر جزءا حديثيا تأليف الامام العلامة الحافظ أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي البغدادي المحاملي - نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر - المتوفى سنة 330 هـ. وأخطأ صاحب " كشف الظنون " فأرخ وفاته سنة 373. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 الطَّبَقَةُ التَّاسِعَةُ 6 - حَفْصُ بنُ غِيَاثِ بنِ طَلْقِ بنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ * (ع) ابْنِ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَامِرِ بنِ جُشَمَ بنِ وَهْبِيْلَ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّخَعِ. الإِمَامُ، الحَافِظُ العَلاَّمَةُ القَاضِي، أَبُو عُمَرَ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ، قَاضِي الكُوْفَةِ، وَمُحَدِّثُهَا، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَغْدَادَ أَيْضاً. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عٌبَيْدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَالأَعْمَشِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَبُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالعَلاَءِ بنِ خَالِدٍ، وَجدِّهِ طَلْقٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.   (*) التاريخ لابن معين: 121، طبقات ابن سعد 6 / 389، طبقات خليفة ت 1307، تاريخ خليفة: 466، التاريخ الكبير 2 / 370، التاريخ الصغير 2 / 278، المعارف: 510، أخبار القضاة 3 / 184، الجرح والتعديل 3 / 185، مشاهير علماء الأمصار ت: 1370، تاريخ بغداد 8 / 188، تهذيب الكمال: 310، تذهيب التهذيب 1 / 165 / 1، العبر 1 / 314، ميزان الاعتدال 1 / 567، تذكرة الحفاظ، 1 / 297، الكاشف 1 / 243، شرح العلل 2 / 593، 594، تهذيب التهذيب 2 / 415، طبقات الحفاظ: 124، خلاصة تذهيب الكمال ص 88، شذرات الذهب 1 / 340. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ رَفِيْقُهُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ عَمِّهِ طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ، وَابْنُهُ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَسَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَعَمْروٌ النَّاقِدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم، آخرُهُم: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: وَلَّى الرَّشِيْدُ قَضَاءَ الشَّرْقِيَّةِ بِبَغْدَادَ حَفْصاً، ثُمَّ نَقَلَهُ إِلَى قَضَاءِ الكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الجَمَّالُ: آخِرُ القُضَاةِ بِالكُوْفَةِ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، -يَعْنِي: الأَكَابِرَ-. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. قَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: سُئِلَ يَحْيَى: أَيُّهُمَا أَحْفَظُ: ابْنُ إِدْرِيْسَ (1) أَوْ حَفْصٌ؟ فَقَالَ: ابْنُ إِدْرِيْسَ كَانَ حَافِظاً، وَكَانَ حَفْصٌ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، لَهُ مَعْرِفَةٌ. قِيْلَ: فَابْنُ فُضَيْلٍ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ أَحْفَظَ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ فَقِيْهٌ. كَانَ وَكِيْعٌ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى قَاضِيْنَا، فَاسْأَلُوْهُ وَكَانَ شَيْخاً عَفِيْفاً مُسْلِماً.   (1) هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الاودي، ثقة فقيه عابد، أخرج حديثه الستة، وسترد ترجمته في هذا الجزء ص 42 - 48. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَفْصٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِذَا حدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، وَيُتَّقَى بَعْضُ حَفِظِهِ. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ قَالَ: حَفْصٌ أَوْثَقُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: حَفْصٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ. أَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: حَدّثتُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثٍ، فَعجبَ، فَقَالَ: مَنْ جَاءَ بِهِ؟ قُلْتُ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ. قَالَ: إِذَا جَاءَ بِهِ أَبُو عُمَرَ، فَأَيَّ شَيْءٍ نَقُوْلُ نَحْنُ؟ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَاءَ حَفِظُهُ بَعْدَ مَا اسْتُقضِيَ، فَمَنْ كتبَ عَنْهُ مِنْ كِتَابِهِ، فَهُوَ صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَتْقَنُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ. مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةٌ، عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى يَقُوْلُ: حَفْصٌ ثَبْتٌ. قُلْتُ: إِنَّهُ يَهِمُ؟ فَقَالَ: كِتَابُهُ صَحِيْحٌ (2) . قَالَ يَحْيَى: لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ: حِزَامٍ، وَحَفْصٍ،   (1) رواه عن يحيى علي بن المديني، وتمامه كما في " تاريخ بغداد " 8 / 197: قال ابن المديني: فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأخرة، فأخرج إلي عمر بن حفص كتاب أبيه عن الأعمش، فجعلت أترحم على يحيى. قال الحافظ: اعتمد البخاري على حفص هذا في حديث الأعمش، لأنه كان يميز بين ما صرح به الأعمش بالسماع، وبين ما دلسه، نبه على ذلك أبو الفضل بن طاهر، وهو كما قال. (2) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 396: أجمعوا على توثيقه والاحتجاج به، إلا أنه في الآخرة ساء حفظه، فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كَانَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابَ حَدِيْثٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا أَخْرَجَ حَفْصٌ كُتُبَهُ، كَانَ كَمَا قَالَ يَحْيَى، إِذَا فِيْهَا أَخْبَارٌ وَأَلْفَاظٌ (1) . عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَفْصٌ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَأَثْبَتُ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَمِيْعُ مَا حَدَّثَ بِهِ حَفْصٌ بِبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَمْ يُخْرِجْ كِتَاباً، كَتَبُوا عَنْهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ أَوْ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مِنْ حِفْظِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يُقدِّمُ بَعْدَ الكِبَارِ مِنْ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ غَيْرَ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَكَانَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ يُقَدِّمُ حَفْصاً، وَبَعْضُ الحُفَّاظِ قَدَّمَ أَبَا مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ: حَفْصٌ كَثِيْرُ الغَلَطِ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ حَفْصٌ لاَ يَردُّ عَلَى أَحَدٍ حَرْفاً، يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ قَلْبُكَ فِيْهِ، لَفَهِمْتَهُ. وَكَانَ عَسِراً فِي الحَدِيْثِ جِدّاً، لَقَدِ اسْتفهمَهُ إِنْسَانٌ حَرْفاً فِي الحَدِيْثِ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ سَمِعتَهَا مِنِّي، وَأَنَا أَعرِفُكَ (2) . وَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكُمْ! حَدِيْثُكُم عَنِ الأَعْمَشِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ فُلاَنٍ عَنْ فُلاَن، لَيْسَ فِيْهِ: حَدَّثَنَا وَلاَ سَمِعْتُ؟ قَالَ: فَقَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ يَقُوْلُ: (لَيَأْتِيَنَّ أَقْوَامٌ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، يُقِيْمُوْنَهُ إِقَامَةَ القِدْحِ، لاَ يَدَعُوْنَ مِنْهُ أَلِفاً وَلاَ وَاواً، وَلاَ يُجَاوِزُ إِيْمَانُهُم حَنَاجِرَهُم) .   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 197. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 199. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 قَالَ: وَذَكَرَ حَدِيْثاً آخَرَ مِثْلَهُ، قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ حَدِيْثِ الأَعْمَشِ عِنْدَ حَفْصٍ عَلَى الخَبَرِ وَالسَّمَاعِ (1) . قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: وَكَانَ بِشْرٌ الحَافِي إِذَا جَاءَ إِلَى حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَإِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ، اعْتزلَ نَاحِيَةً وَلاَ يَسْمَعُ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ لَهُ؟ فَقَالَ: حَفْصٌ هُوَ قَاضٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (2) مُرْجِئٌ يَدعُو إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُم عَملٌ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَهُوَ قَاضٍ بِالشَّرْقِيَّةِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ القَضَاءِ: لَعَلَّك تُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً، لأَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنِهِ، فَيَقتَلِعَهَا، فَيرمِي بِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً (3) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا وَلِيتُ القَضَاءَ حَتَّى حلَّتْ لِي المِيتَةُ (4) . وَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ دِرْهَماً، وَخلَّفَ عَلَيْهِ تِسْعَ مائَةِ دِرْهَمٍ دَيْناً. قَالَ سَجَّادَةُ (5) : كَانَ يُقَالُ: خُتِمَ القَضَاءُ بِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ.   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 199. (2) هو محمد بن خازم أبو معاوية الضرير ثقة من رجال الستة، وإعراض بشر الحافي عن السماع منه بسبب كونه مرجئا غلو غير مقبول، فإن الارجاء الذي يطلقه المحدثون على من لا يقول بزيادة الايمان ونقصانه، ولا بدخول العمل في حقيقته، ليس بطعن في الحقيقة على ما لا يخفى على المهرة النقاد، وهو مذهب لعدة من جلة العلماء كما قال المؤلف في " ميزانه " 4 / 99 في ترجمة مسعر بن كدام. وانظر تفصيل المسألة في " الرفع والتكميل " ص 149، 164. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 190. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 193. (5) هو لقب الحسن بن حماد بن كسيب الحضرمي، أبو علي البغدادي، من رجال التهذيب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 قَالَ سَعِيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَارِثِيُّ، عَنْ طَلْقِ بنِ غَنَّامٍ قَالَ: خَرَجَ حَفْصٌ يُرِيْدُ الصَّلاَةَ، وَأَنَا خلفَهُ فِي الزُّقَاقِ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، فَقَالَتْ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، زَوِّجْنِي، فَإِنَّ إِخْوَتِي يَضُرُّوْنَ بِي، فَالتفتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: يَا طَلْقُ! اذْهبْ، فَزَوِّجْهَا إِنْ كَانَ الَّذِي يَخطُبُهَا كفؤاً، فَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ حَتَّى يَسكرَ، فَلاَ تُزَوِّجْهُ، وَإِنْ كَانَ رَافِضِيّاً، فَلاَ تَزَوْجْهُ. فَقُلْتُ: لِمَ قُلْتَ هَذَا؟ قَالَ: إِنْ كَانَ رَافِضِيّاً فَإِنَّ الثَّلاَثَ عِنْدَهُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَشْربُ النَّبِيذَ حَتَّى يَسْكَرَ، فَهُوَ يُطَلِّقُ وَلاَ يَدْرِي (1) . وَعَنْ وَكِيْعٍ قَالَ: أَهْلُ الكُوْفَةِ اليَوْمَ بِخَيْرٍ، أَمِيْرُهُم دَاوُدُ بنُ عِيْسَى، وَقَاضِيْهِم حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحْتَسِبُهُم حَفْصٌ الدَّوْرَقِيُّ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ يَقُوْلُ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ القُضَاةِ يَأْتِيْنِي كِتَابُهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كِتَابِ حَفْصٍ، وَكَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَيَّ، كتبَ: أَمَّا بَعْدُ، أَصْلَحَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِمَا أَصلحَ بِهِ عبَادَهُ الصَّالِحِيْنَ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَصلَحَهُم. فَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُنِي مِنْ كِتَابِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ حَيَّوَيْه: قَدَّمَ إِلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ البَجَلِيُّ رُطَباً، فَسَأَلَنَا أَنْ نَأْكُلَ، فَأَبِيْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامَنَا لَمْ نُحَدِّثْهُ. قَالَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَرَرْتُ بِطَاقِ اللَّحَّامِيْنَ، فَإِذَا بِعُلَيَّانَ جَالِسٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ سرُوْرَ الدُّنْيَا وَحُزنَ الآخِرَةِ،   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 193، 194، وانظر " أخبار القضاة " / 3 / 188. (2) " أخبار القضاة " لوكيع 3 / 184. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 فَلْيَتَمَنَّ مَا هَذَا فِيْهِ، فَوَاللهِ لَقَدْ تَمنِيتُ أَنِّي كُنْتُ متُّ قَبْلَ أَنْ أَلِيَ القَضَاءَ. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: لَوْ رَأَيْتُ أَنِّي أُسَرُّ بِمَا أَنَا فِيْهِ، لَهَلَكْتُ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ رَوْحٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا المُعَافَى بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ عِلاَّنَ إِمْلاَءً سَنَةَ 266، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ اللَّيْثِ، قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ جِمَالاً بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَرْزُبَانَ المَجُوْسِيِّ، وَكِيلِ أُمِّ جَعْفَرٍ، فَمطَلَهُ بِثمَنِهَا، وَحَبَسَهُ، فَطَالَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَأَتَى بَعْضُ أَصْحَابِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَشَاوَرَهُ. فَقَالَ: اذْهبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: أَعْطنِي أَلفَ دِرْهَمٍ، وَأُحِيْلُ عَلَيْكَ بِالمَالِ البَاقِي، وَأَخْرُجُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَإِذَا فَعلَ هَذَا فَالْقَنِي حَتَّى أُشِيْرَ عَلَيْكَ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَأَعْطَاهُ مَرْزُبَانُ أَلفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: عُدْ إِلَيْهِ، فَقُلْ: إِذَا ركبتَ غَداً، فَطَرِيْقُكَ عَلَى القَاضِي، تَحضُرُ، وَأُوكِلُ رَجُلاً يَقبِضُ المَالَ، وَأَخرُجُ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَى القَاضِي فَادَّعِ عَلَيْهِ بِمَالِكَ، فَإِذَا أَقرَّ، حبسَهُ حَفْصٌ، وَأَخَذْتَ مَالَكَ. فَرَجَعَ إِلَى مَرْزُبَانَ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: انْتظِرْنِي بِبَابِ القَاضِي. فَلَمَّا ركبَ مِنَ الغَدِ، وَثَبَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَنزِلَ إِلَى القَاضِي حَتَّى أُوكِلَ بِقبضِ المَالِ، وَأَخْرَجَ. فَنَزَلَ مَرْزُبَانُ، فَتَقَدَّمَا إِلَى حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، لِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلفَ دِرْهَمٍ. فَقَالَ حَفْصٌ: مَا تَقُوْلُ يَا مَجُوْسِيُّ؟ قَالَ: صدقَ، أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي. قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا رَجُلُ، فَقَدْ أَقَرَّ لَكَ؟ قَالَ: يُعطِيْنِي مَالِي. فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: هَذَا المَالُ عَلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 السَّيِّدَةِ. قَالَ: أَنْتَ أَحْمَق تُقِرُّ ثُمَّ تَقُوْلُ: هُوَ عَلَى السَّيِّدَةِ! مَا تَقُوْلُ يَا رَجُل؟ قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، إِنْ أَعْطَانِي مَالِي، وَإِلاَّ حَبَسْتَهُ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا مَجُوْسِيُّ؟ قَالَ: المَالُ عَلَى السَّيِّدَةِ. قَالَ القَاضِي: خُذُوا بِيَدِهِ إِلَى الحَبْسِ. فَلَمَّا حُبِسَ، بَلغَ الخَبَرُ أُمَّ جَعْفَرٍ، فَغَضِبتْ، وَبعثَتْ إِلَى السِّنْدِيِّ: وَجِّهْ إِلَى مَرْزُبَانَ - وَكَانَتِ القُضَاةُ تَحبِسُ الغُرَمَاءَ فِي الحَبْسِ - فَعجَّلَ السِّنْدِيُّ، فَأَخْرَجَهُ، وَبلغ حَفْصاً الخَبَرُ، فَقَالَ: أَحبِسُ أَنَا؛ وَيُخرِجُ السِّنْدِيُّ!! لاَ جلَسْتُ أَوْ يُرَدُّ مَرْزُبَانُ الحَبْسَ. فَجَاءَ السِّنْدِيُّ إِلَى أُمِّ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: الله الله فِيَّ، إِنَّهُ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَخَافُ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَقُوْلُ لِي: بِأَمْرِ مَنْ أَخْرَجتَ؟ رُدِّيه إِلَى الحَبْسِ، وَأَنَا أُكلِّمُ حَفْصاً فِي أَمرِهِ. فَأَجَابَتْهُ، فَرَجَعَ مَرْزُبَانُ إِلَى الحَبْسِ، فَقَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ لِهَارُوْنَ: قَاضِيكَ هَذَا أَحْمَقُ، حَبَسَ وَكِيلِي، وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَمُرْهُ لاَ يَنْظُر فِي الحُكْمِ، وَتُوَلِّي أَمرَهُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، فَأَمَر لَهَا بِالكِتَابِ، وَبلغَ حَفْصاً الخبَرُ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَحضِرْنِي شُهُوْداً حَتَّى أُسجِّلَ لَكَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، فَجَلَسَ حَفْصٌ، فَسجَّلَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، وَوَرَدَ كِتَابُ هَارُوْنَ مَعَ خَادمٍ لَهُ، فَقَالَ: هَذَا كِتَاب أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: مَكَانَكَ، نَحْنُ فِي شَيْءٍ حَتَّى نَفرُغَ مِنْهُ. فَقَالَ: كِتَابُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: انظُرْ مَا يُقَالُ لَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ حَفْصٌ مِنَ السِّجِلِّ، أَخَذَ الكِتَابَ مِنَ الخَادِمِ، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّ كِتَابَهُ وَرَدَ، وَقَدْ أَنْفَذتُ الحُكْمَ. فَقَالَ الخَادِمُ: قَدْ -وَاللهِ- عرفْتُ مَا صنعْتَ؛ أَبَيْتَ أَنْ تَأْخُذَ كِتَابَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَتَّى تَفْرُغَ مِمَّا تُرِيْدُ، وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ بِمَا فَعَلتَ. قَالَ لَهُ: قُلْ لَهُ مَا أَحْبَبْتَ. فَجَاءَ الخَادِمُ فَأَخْبَرَ هَارُوْنَ، فَضَحِكَ، وَقَالَ لِلْحَاجِبِ: مُرْ لِحفصٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَم، فَرَكِبَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، فَاسْتقبلَ حَفْصاً مُنْصَرِفاً مِنْ مَجْلِس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 القَضَاءِ. فَقَالَ: أَيُّهَا القَاضِي، قَدْ سَرَرْتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ اليَوْمَ، وَأَمرَ لَكَ بِمَالٍ، فَمَا كَانَ السَّبَبُ فِي هَذَا؟ قَالَ: تَمَّمَ اللهُ سرُوْرَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَحسَنَ حِفْظَهُ وَكلاَءتَه، مَا زدتُ عَلَى مَا أَفْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ سجَّلتُ عَلَى مَرْزُبَانَ المَجُوْسِيِّ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمِنْ هَذَا سُرَّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ حَفْصٌ: الحَمْدُ للهِ كَثِيْراً. فَقَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ لِهَارُوْنَ: لاَ أَنَا وَلاَ أَنْتَ إِلاَّ أَنْ تَعْزِلَ حَفْصاً، فَأَبَى عَلَيْهَا، ثُمَّ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فَعَزَلَهُ عَنِ الشَّرْقِيَّةِ، وَوَلاَّهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَمَكَثَ عَلَيْهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً (1) . قَالَ: وَكَانَ أَبُو يُوْسُفَ لَمَّا وُلِّي حَفْصٌ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا نَكْتُبْ نوَادِرَ حَفْصٍ، فَلَمَّا وَردتْ أَحْكَامُهُ وَقَضَايَاهُ عَلَى أَبَي يُوْسُفَ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَيْنَ النَّوَادِرُ الَّتِي زعمتَ تَكْتُبُهَا؟ قَالَ: وَيْحَكُم، إِنَّ حَفْصاً أَرَادَ اللهَ، فَوَفَّقَهُ (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأَيْتُ مُقَدَّمَ فَمِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ مُضَبَّبَةٌ أَسْنَانُهُ بِالذَّهبِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَمِّرُوا وُجُوْهَ مَوْتَاكُم، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ (3)) . فَأَنْكَرهُ أَبِي، وَقَالَ: أَخْطَأَ، قَدْ حَدَّثَنَاهُ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلاً.   (1) الخبر بطوله في " تاريخ بغداد " 8 / 190، 193. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 193. (3) رجاله ثقات إلا أن فيه تدليس ابن جريج، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 24، 25 وقال: رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات، ولم ينبه على تدليس ابن جريج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 وَسُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثٍ لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: (كُنَّا نَأْكُلُ وَنَحْنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَمْشِي (1)) . فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ حَفْصٌ، كَأَنَّهُ وَهِمَ فِيْهِ، سَمِعَ حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُدَيْرٍ، فَغَلِطَ بِهَذَا. وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ حَفْصٌ يُخَلِّطُ فِي حَدِيْثِهِ. قُلْتُ: احْتجَّ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ بَعْضُ قُضَاتِنَا عَلَى أَنَّ حَفْصاً لاَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي تَفَرُّدِهِ عَنْ رِفَاقِهِ بِخَبَرٍ: (فَيُنَادَى بِصَوْتٍ (2) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَبْعَثَ بَعْثاً إِلَى النَّارِ) فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ ثَابِتَةٌ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (3)) ، وَحَفْصٌ فَحُجَّةٌ،   (1) أخرجه الترمذي رقم (1880) في الاشربة: باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما، وابن ماجة (3301) في الاطعمة: باب الاكل قائما، كلاهما من طريق أبي السائب سلم بن جنادة الكوفي: حدثنا حفص بن غياث، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، وروى عمران بن حدير هذا الحديث عن أبي البزري يزيد بن عطارد، عن ابن عمر. وأخرجه الدارمي 2 / 120، وأحمد 2 / 108 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفصة بن غياث به، وانظر " تاريخ بغداد " 8 / 195، 196. (2) جاء في حاشية الأصل ما نصه: هذه اللفظة شاذة، وإن أخرجها البخاري، لتفرد حفص بها من بين سائر أقرانه، ولا يحتمل منه مثلها، وليست كل زيادة مقبولة، بل لابد فيها من اعتبار الحفظ والإتقان، وعدم المخالفة للاكثر والاحفظ، ومما ينبغي القطع به تنزيه الله تعالى عن الصوت، وصفات الاجسام. اه. قلت: ودعوى تفرد حفص بها مردودة كما ستراه في التعليق الآتي. (3) 8 / 335 في تفسير سورة الحج: باب قوله تعالى (وترى الناس سكارى) ، و13 / 385 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له..) من طريق عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عزوجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار.." قال الحافظ في " الفتح ": ولم ينفرد حفص بن غياث بلفظ الصوت، فقد وافقه عبد الرحمن = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ فَمَقْبُوْلَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الدَّقَّاقُ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَقرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً عَثْرَتَهُ، أَقَالَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ القِيَامَةِ) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) عَنْ يَحْيَى، فَوَقَعَ مُوَافقَةً عَالِيَةً، وَرَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ (المُسْنَدِ) عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. أَنْبَأَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الجُوَيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَقرَأْتُ عَلَى مَحْمُوْدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ اللُّغَوِيِّ، أَخْبَرَنَا النَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ الصَّيْقَلِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي   = بن محمد المحاربي، عن الأعمش، أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة، عن أبيه، عن المحاربي. (1) رقم (3460) في البيوع: باب في فضل الاقالة، وإسناده صحيح، وهو في " المسند " 2 / 252، وابن ماجة (2199) في التجارات: باب الاقالة، وصححه ابن حبان (1103) و (1104) ، والحاكم 2 / 45. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ مَوْلَىً لأَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذَنْبَانِ يُعَجَّلاَنِ، وَلاَ يُغْفَرَانِ: البَغْيُ وَقَطِيْعَةُ الرَّحِمِ (1)) . أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ بنُ خُشَيْشٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ، عَنْ مَعْرُوْفٍ، قَالَ: خَرَجْنَا بِأَكْلُبٍ لَنَا، فَاسْتقبلَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتُمُوْهَا، فَقُوْلُوا: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اهْدِ صُدُورَهَا (2) . قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ هَارُوْنُ: وَفُلِجَ حَفْصٌ حِيْنَ مَاتَ ابْنُ إِدْرِيْسَ، فَمَكَثَ فِي البَيْتِ إِلَى أَنْ مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ فِي العشرِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ يَوْمَئِذٍ. وَفِيْهَا أَرَّخَ مَوْتَهُ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالعُطَارِدِيُّ.   (1) وأخرجه أحمد 5 / 36 و38، وأبو داود (4902) في الأدب: باب في النهي عن البغي، والترمذي (2513) في صفة القيامة، وابن ماجة (4211) في الزهد: باب البغي، والبخاري في " الأدب المفرد " (67) كلهم من طريق عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم " وصححه الترمذي، وابن حبان (2039) ، والحاكم 2 / 356 و4 / 162، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا. (2) الحجاج - وهو ابن أرطاة - مدلس وقد عنعن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 وَأَمَّا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَالصَّحِيْحُ الأَوَّلُ. 7 - مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * (خَ، د، ت، ق) العَالِمُ المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ خُصَيْفٍ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ، وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَرِيِّ، وَسَالِمٍ الأَفْطَسِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي المَقْلُوْبَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. أَمَّا:   (*) التاريخ لابن معين: 556، طبقات ابن سعد 7 / 485، طبقات خليفة ت 3091، التاريخ الصغير 2 / 234، التاريخ الكبير 7 / 372، كتاب المجروحين 3 / 13، تاريخ بغداد 13 / 147 - 149، تهذيب الكمال: 1315، تذهيب التهذيب 4 / 31 / 1، العبر 1 / 289، ميزان الاعتدال 4 / 91، تذكرة الحفاظ 1 / 296، الكاشف 3 / 132، تهذيب التهذيب 10 / 94، طبقات الحفاظ: 123، خلاصة تذهيب الكمال ص 373. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 8 - مَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ الجَزَرِيُّ * (ق) فَأَصْلُهُ شَامِيٌّ. حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، وَآخَرُوْنَ. أجَمَعُوا عَلَى ضعفِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: كِلاَهُمَا مَذْكُوْرٌ فِي (مِيْزَانِ الاَعْتِدَالِ (1)) ، وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ. ذُكِرَ هَذَا الثَّانِي لِلتَّمْيِيْزِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ لاَ يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ الثِّقَاتُ. قُلْتُ: وَتَفَرَّدَ بِهَذَا عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ   (*) التاريخ الكبير 7 / 773، التاريخ الصغير 2 / 161، الضعفاء الصغير: 109، الضعفاء للعقيلي لوحة 416، كتاب المجروحين 3 / 13، تهذيب الكمال: 1315، تذهيب التهذيب 4 / 31 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 90، المغني في الضعفاء 2 / 651، الكاشف 3 / 132، تهذيب التهذيب 10 / 93. (1) 4 / 90 و91. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 يُسَمِّيَ؟ فَقَالَ: (اسْمُ اللهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ (1)) . وَلَهُ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً: (أَوَّلُ مَا يُجَازَى بِهِ المُؤْمِنُ أَنْ يُغْفَرَ لِجَمِيْعِ مَنْ شَيَّعَ جِنَازَتَهُ) (2) . 9 - بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ بنِ لاَحِقٍ الرَّقَاشِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ المُجَوِّدُ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الرَّقَاشِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَخَالِدِ بنِ ذَكْوَانَ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي رَيْحَانَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَطَرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ المُهَاجِرِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَابْنِ جُدْعَانَ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَخَلْقٍ.   (1) أخرجه الدارقطني 4 / 295، وقال: مروان بن سالم ضعيف، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 30، ونسبه للطبراني في " الأوسط " وأعله بمروان هذا، ووصفه بقوله: متروك. (2) أورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 29، وقال: رواه البزار، وفيه مروان بن سالم الشامي وهو في " زوائد البزار " برقم (820) . (*) التاريخ لابن معين: 59، طبقات ابن سعد 7 / 290، طبقات خليفة: 458، التاريخ الكبير 2 / 84، التاريخ الصغير 2 / 244، المعارف: 513، الجرح والتعديل 2 / 366، تهذيب الكمال: 154، تذهيب التهذيب 1 / 85 / 2، العبر 1 / 296، تذكرة الحفاظ 1 / 309، الكاشف 1 / 157، تهذيب التهذيب 1 / 458، طبقات الحفاظ: 128، خلاصة تذهيب الكمال: 128. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 وَعَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحَسَّانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. رَوَى: أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِلَى بِشْرٍ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَنْ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرَةِ؟ قَالَ: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، مَعَ جَمَاعَةٍ سَمَّاهُم. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَيْسَ مِنَ العُلَمَاءِ أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثِهِ إِلاَّ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ بِشْرٌ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ، وَيَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً، وَذُكِرَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ مِنَ الجَهْمِيَّةِ (1) ، فَقَالَ: لاَ تَذْكُرُوا ذَاكَ الكَافِرَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ عُثْمَانِيّاً تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ (2) .   (1) فرقة من فرق المسلمين انتحلت مذهب جهم بن صفوان الراسبي المقتول سنة 128 هـ الذي كان يؤول آيات الصفات كلها، ويجنح إلى التنزيه البحت، وبه نفى أن يكون لله تعالى صفات غير ذاته، وأن يكون مرئيا في الآخرة، وأن يتكلم حقيقة، وأثبت أن القرآن مخلوق، وله من الآراء سوى ذلك تجدها في كتب " الملل والنحل ". ونبز بشر هذا الجهمي الذي ذكر عنده بالكفر هو من الغلو المرفوض عند أهل العلم، اللهم إلا أن يريد بالكفر الكفر العملي الذي لا يخرج صاحبه عن الملة. (2) " الطبقات " 7 / 290. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ أَوَّلَ دَخْلَةٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَاعْتُقِلَ لِسَانُ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخرُجَ، وَمَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلِ، أَخبرَكُم الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا خَطِيْبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ بنُ الطُّوْسِيِّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ (1) ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ (2) ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ السَّعْدِيُّ، أَخبرُكُم عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَفَّارُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ) (3) .   (1) هي شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري، ثم البغدادي، الكاتبة المسندة فخر النساء، كانت دينة عابدة صالحة، سمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق، روت عن طراد والنعالي وابن البطر وطائفة. وكانت ذات بر وخير، توفيت في رابع عشر المحرم سنة 574 هـ عن نيف وتسعين سنة " العبر " 4 / 220. (2) تحرف في المطبوع من " العبر " 4 / 223 إلى " الوهابية " وتجني هذه محدثة معمرة روت العوالي، وهي من طبقة شهدة الكاتبة، حدثت عن أبي الخطاب نصر بن أحمد، وطراد بن محمد الزينبي، والحسن بن أحمد النعالي، وسمع منها، وأخبر عنها أحمد بن أبي الفتح بن الخضر التنوخي، وسيدة بنت عبد الرحيم السهروردي، وكناها المؤلف في " العبر " بأم عتب، وقال: هي آخر من روى في الدنيا بالسماع عن طراد والنعالي. توفيت في شوال سنة 575 هـ. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 81، ومسلم (2085) (43) من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة بهذا الإسناد. والمخيلة: الكبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 وَبِهِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ (1)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ يَنَّاقٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي دَارِ خَالِدٍ، فَرَأَى رَجُلاً يَجرُّ إِزَارَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مَنْ بَنِي لَيْثٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُوْلُ: (مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ، لاَ يُرِيْدُ بِذَلِكَ إِلاَّ المَخِيْلَةَ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ (2)) . بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: عَنْ بَشِيْرِ بنِ مَيْمُوْنٍ الشَّقَرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بنِ أَخْدَرِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ: (مَا اسْمُكَ؟) . قَالَ: أَصْرَمُ. فَقَالَ: (أَنْتَ زُرْعَةُ) . هَذَا صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ مَعْدُوْدٌ فِي أَفْرَادِ بِشْرِ. خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ (3) . 10 - أَبُو سُفْيَانَ المَعْمَرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ * (م، س، ق) الحَافِظُ الحُجَّةُ، أَبُو سُفْيَانَ، مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ البَصْرِيُّ،   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 10 / 223 في اللباس: باب من جر ثوبه من الخيلاء، ومسلم (2085) (43) ، والنسائي 8 / 206 في الزينة: باب التغليظ في جر الازار، وأحمد 2 / 42 من طرق، عن شعبة بهذا الإسناد. (2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2085) (45) في اللباس والزينة: باب تحريم جر الثوب خيلاء، وأحمد 2 / 45 من طريق شعبة بهذا الإسناد، وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 914 في اللباس: باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه، ومن طريقه البخاري 10 / 216 في اللباس، ومسلم (2085) ، والترمذي (1730) عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم،، عن ابن عمر، وأخرجه البخاري 7 / 21، و10 / 217، وأبو داود (4085) . (3) برقم (4954) في الأدب: باب تغيير الاسم القبيح، وإسناده صحيح، وقد كره أصرم لما فيه من معنى الصرم، وهو القطع، فجعله زرعة من الزرع، وهو النبات، وهو ضد القطع. (*) التاريخ لابن معين: 512، التاريخ الكبير 1 / 69، المعارف: 391، الجرح = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 المَعْمَرِيُّ. اشْتُهِرَ بِذَلِكَ لارْتِحَالِهِ إِلَى مَعْمَرٍ بِالِيَمَنِ. وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ العُبَّادِ وَالمُتْقِنِيْنَ المُتَّقِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: سُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَحُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا لَمْ يَرْوِ لَهُ البُخَارِيُّ، وَرَوَى: لأَبِي سُفْيَانَ الحِمْيَرِيِّ الوَاسِطِيِّ، وَفِيْهِ شَيْءٌ. قَالَ الخَطِيْبُ: مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ اليَشْكُرِيُّ المَعْمَرِيُّ مَذْكُوْرٌ بِالصَّلاَحِ وَالعِبَادَةِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ المَعْمَرِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 11 - حَسَّانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو هِشَامٍ الكُوْفِيُّ * (خَ، م، د) الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ، قَاضِي كَرْمَانَ؛ أَبُو هِشَامٍ الكُوْفِيُّ ثُمَّ الكَرْمَانِيُّ.   = والتعديل 7 / 231، تاريخ بغداد 2 / 257، تهذيب الكمال: 1190، تذهيب التهذيب 3 / 199 / 2، العبر 1 / 283، ميزان الاعتدال 3 / 529، الكاشف 2 / 36، تهذيب التهذيب 9 / 131، خلاصة تذهيب الكمال ص 333، شذرات الذهب 1 / 298. (*) العلل لأحمد بن حنبل: 391، التاريخ الكبير 3 / 35، الضعفاء والمتروكين: = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: الأَزْرَقُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَاسْتَنْكَرَ لَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَحَادِيْثَ (1) . مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيْثٍ لِحَسَّانِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، رَوَاهُ: عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجَدَ قَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتكَ) . فَقَالَ أَبِي: مَا هَذَا مِنْ حَدِيْثِ عَاصِمٍ، هَذَا مِنْ حَدِيْثِ لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ (2) . فَذَكَرْتُ لأَبِي عَنْ   = 35، الضعفاء للعقيلي: لوحة 92، الجرح والتعديل 2 / 238، تهذيب الكمال: 250، تذهيب التهذيب 1 / 129 / 1، العبر 1 / 293، ميزان الاعتدال 1 / 477، الكاشف 1 / 251، تهذيب التهذيب 2 / 245، مقدمة فتح الباري: 394. (1) وقال ابن عدي: حدث بأفراد كثيرة، وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشئ ولا يتعمد. وقال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص 394: له في الصحيح أحاديث يسيرة توبع عليها. (2) " الضعفاء " للعقيلي ص: 92، وقد رواه من حديث ليث بن أبي سليم، عن عبد الله بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة..الترمذي (314) ، وأحمد 6 / 282، وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي " (84) ، وإسناده ليس = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 حَسَّانٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الكُوْفِيِّ، سَمِعْتُ العَلاَءَ، سَمِعَ مَكْحُوْلاً، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَوَاثِلَةَ: (كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ، لَمْ يَلْتَفِتْ، وَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ) . فَأَنْكَرَهُ أَبِي، وَقَالَ: اضربْ عَلَيْهِ (1) . 12 - عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، القُدوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، الأَوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي   = بمتصل كما قال الترمذي، فإن فاطمة بنت الحسين لم تدرك جدتها فاطمة، لأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهرا. وأخرجه أبو داود (465) ، وابن ماجة (772) من حديث أبي حميد، أو أبي أسيد - بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك " وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم (713) عنهما بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك ". وأخرجه ابن ماجة (773) ، وابن السني ص 85، من حديث أبي هريرة بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليسلم على النبي وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم ". وإسناده صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 52 / 1، وصححه ابن خزيمة (452) ، وابن حبان (321) ، وفي الباب عن أنس عند ابن السني 87. (1) " الضعفاء " ص: 92. (*) تاريخ ابن معين 2 / 295، طبقات ابن سعد 6 / 389، طبقات خليفة: ت 1303، تاريخ خليفة: 460، التاريخ الكبير 5 / 47، التاريخ الصغير 2 / 269، المعارف: 510، الجرح والتعديل 5 / 8 - 9، مشاهير علماء الأمصار: ت 1376، تاريخ بغداد 9 / 415، تهذيب الكمال: 665، تذهيب التهذيب 2 / 130 / 1، العبر 1 / 308، تذكرة الحفاظ 1 / 283، الكاشف 2 / 71، دول الإسلام 1 / 121، طبقات القراء 1 / 410، تهذيب التهذيب 5 / 144 طبقات الحفاظ: 118، خلاصة تذهيب الكمال: ص 190، 191، شذرات الذهب 1 / 330. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ، وَالحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ. وَتَلاَ عَلَى نَافِع، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكٌ - وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِهِ - وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ أَقْدَمَهُ الرَّشِيْدُ بَغْدَادَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَامْتَنَعَ. قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: مَا شَرِبَ أَحَدٌ مَاءَ الفُرَاتِ فَسَلِمَ، إِلاَّ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ نَسِيجَ وَحْدِهِ (2) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ عَابِداً، فَاضِلاً، كَانَ يَسْلُكُ فِي كَثِيْرٍ مِنْ فُتْيَاهُ وَمَذَاهِبِهِ مسَالكَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، يُخَالِفُ الكُوْفِيِّيْنَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ صدَاقَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ جَمِيْعَ مَا يَرْوِيْهِ مَالِكٌ فِي   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 418. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 418. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 المُوَطَّأِ، فَيَقُوْلُ بَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حُجَّةٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ (2) . وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعبدَ للهِ مِنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ. أَبُو دَاوُدَ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الكِسَائِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ: مَنْ أَقرَأُ النَّاسِ؟ فَقُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قُلْتُ: ثُمَّ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ آخرُ (3) . وَعَنْ حُسَيْنٍ العَنْقَزِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِابْنِ إِدْرِيْسَ المَوْتُ، بَكَتْ بِنْتُهُ. فَقَالَ: لاَ تَبْكِي يَا بُنَيَّة، فَقَدْ خَتَمْتُ القُرْآنَ فِي هَذَا البَيْتِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ ختمَةٍ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ إِذَا لَحَنَ أَحَدٌ فِي كَلاَمِهِ، لَمْ يُحَدِّثْهُ (5) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: عِنْدِي قَوْصَرَّةُ (6)   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 420. (2) النص في " الجرح والتعديل " 5 / 9: حديث ابن إدريس حجة يحتج بها، وهو إمام من أئمة المسلمين. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 418. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 421. (5) " تاريخ بغداد " 9 / 419. (6) بتشديد الراء، ويقال بتخفيفها: وعاء من قصب يحمل فيه التمر، وفي " تاريخ ابن معين ": قوصرة ملكايا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 ملكَايَةٌ، وَرَاويَةٌ مِنْ حَوْضِ الرَّبَابِيْنَ، وَدَبَّةُ زَيْتٍ، مَا أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي (1) . وَكَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ يُحَرِّمُ النَّبِيذَ، وَقَالَ: قُلْتُ لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ: اتركِ الجُلُوْسَ فِي المَسْجَدِ. فَقَالَ: أَنْتَ قَدْ تَرَكتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَتركْ؟ قُلْتُ: لأَنْ يَأْتِيَنِي البَلاَءُ وَأَنَا فَارٌّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَنِي وَأَنَا مُتَعَرِّضٌ لَهُ. قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: كُلُّ شرَابٍ مُسْكِرٍ كَثِيْرُهُ ... فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ يَسِيْرُهُ إِنِّيْ لَكُم مِنْ شَرِّهِ نَذِيرُهُ ... قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: كَتَبتُ حَدِيْثَ أَبِي الحورَاءِ، فَكَتَبتُ تَحْتَهُ: حورٌ عِيْنٌ (2) . قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ لَهُم فِي ذَلِكَ الوَقْتِ شَكْلٌ بَعْدُ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُورَانِيُّ (3) ، قَالَ: قُرِئَ كِتَابُ الخَلِيْفَةِ إِلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ وَأَنَا   (1) " تاريخ ابن معين ": 296. (2) وإنما فعل ذلك حتى لا يلتبس بالجيم المعجمة، فيقرأ: أبو الجوزاء. وحديث أبي الحوراء هو حديث الدعاء في القنوت أخرجه أحمد 1 / 199، 200، وأبو داود (1425) ، والترمذي (464) ، والنسائي 3 / 248، وابن ماجة (1178) ، والدارمي 1 / 173، والطيالسي (1199) ، من حديث بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، قال: قال الحسن بن علي: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 3 / 172. (3) نسبة إلى عمل البواري التي تبسط ويجلس عليها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 حَاضِرٌ: مِنْ عَبْدِ اللهِ هَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ. قَالَ: فَشَهقَ ابْنُ إِدْرِيْسَ شَهْقَةً، وَسقطَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقُمْنَا إِلَى العَصْرِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، وَانتبَهَ قُبِيْلَ المَغْرِبِ، وَقَدْ صَبَبْنَا عَلَيْهِ المَاءَ، فَلاَ شَيْءَ. قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، صَارَ يَعْرِفُنِي حَتَّى يَكْتُبَ إِلَيَّ، أَيُّ ذَنْبٍ بَلَغَ بِي هَذَا؟! قُلْتُ: قَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَالنَّاسُ. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: كَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ مِنْ عِبَادِ الله الصَّالِحِيْنَ، مِنَ الزُّهَادِ، وَكَانَ ابْنُهُ أَعبدَ مِنْهُ، وَلَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَحَداً أَفْضَل مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ جَوَّاسٍ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ فِي مَوْلِدِهِ، وَهُوَ المَحْفُوْظُ. وَرَوَى: العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ الخَلاَّلُ، عَنْ عَرَفَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَاتَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: وَفِيْهَا مَوْلِدِي، فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ.   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 419. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 420. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ 92، قَالَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَالأَشَجُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَزَادَ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ. وَقَدْ غلطَ بَعْضُ القُرَّاءِ، وَزَعَمَ أَنَّ ابْنَ إِدْرِيْسَ تَلاَ عَلَى ابْنِ كَثِيْرٍ، مَا لَحِقَهُ، وَلاَ قَاربَ. وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ وَكِيْعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ امْتنعَ مِنَ القَضَاءِ، وَقَالَ لِلرَّشِيْدِ: لاَ أَصلُحُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: وَدِدْتُ أَنِّيْ لَمْ أَكنْ رَأَيتُكَ. فَقَالَ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ رَأَيتُك، فَخَرَجَ، ثُمَّ وَلَّى حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَبَعَثَ الرَّشِيْدُ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ إِلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ لِلرَّسولِ - وَصَاحَ بِهِ -: مُرَّ مِنْ هُنَا. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرَّشِيْدُ: لَمْ تَلِ لَنَا، وَلَمْ تَقْبَلْ صِلَتَنَا، فَإِذَا جَاءكَ ابْنِي المَأْمُوْنُ، فَحَدِّثْه. فَقَالَ: إِنْ جَاءَ مَعَ الجَمَاعَةِ حَدَّثْنَاهُ، وَحَلَفَ أَلاَ يُكَلِّمَ حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ حَتَّى يَمُوْتَ (1) . أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، قَالَ لِي الأَعْمَشُ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ شَهْراً. فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَتَيْتُكَ سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ. فَقَالَ: ابْنُ إِدْرِيْسَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ لِلْعربِيِّ مَرَارَةٌ (2) . قَالَ حُسَيْنُ بنُ عَمْرٍو العَنْقَزِيُّ لَمَّا نَزَلَ بعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ المَوْتُ: بَكتْ بِنتُهُ. فَقَالَ: لاَ تَبْكِي، قَدْ خَتَمْتُ فِي هَذَا البَيْت أَرْبَعَةَ آلاَفِ ختمَةٍ (3) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَجَعَلَ يَذُمَّ قِرَاءةَ   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 416، 417. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 417، 418. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 421. وقد تقدم في الصفحة: 44. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 حَمْزَةَ، وَقَالَ: إِنَّمَا نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَهِيَ التَّفخِيمُ، فَقَالَ لَهُ: بِشْرُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا نَوْفَلُ. فَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: نَوْفَلٌ ثِقَةٌ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ لحَمْزَةَ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ تَتَأَلَّهُ، وَهَذِهِ القِرَاءةُ لَيْسَتْ قِرَاءةَ عَبْدِ اللهِ، وَلاَ قِرَاءةَ غَيْرِهِ. فَقَالَ حَمْزَةُ: أَمَّا إِنِّيْ أَتَحَرَّجُ أَنْ أَقرَأَ بِهَا فِي المِحْرَابِ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قِرَاءةُ القَوْمِ. قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا إِذاً؟ قَالَ: إِنْ رَجَعتُ مِنْ سَفَرِي، لأَتْرُكَنَّهَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: مَا أَسْتجِيْزُ أَنْ أَقُوْلَ لِمَنْ يَقرَأُ لِحَمْزَةَ: إِنَّهُ صَاحِبَ سُنَّةٍ. قُلْتُ: اشْتُهِرَ تَحذِيرُ ابْنِ إِدْرِيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَاللهُ يَغفرُ لَهُ، وَقَدْ تَلَقَّى المُسْلِمُوْنَ حُرُوْفَهُ بِالقَبُوْلِ، وَأَجْمَعُوا اليَوْمَ عَلَيْهَا. وَأَعْلَى مَا يَقَعُ حَدِيْثُ ابْنِ إِدْرِيْسَ فِي جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بِي أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ وَجَرِيْرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِم يَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- فِيْهَا خَيْراً مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ جَرِيْرٍ وَحْدَهُ.   (1) (757) في صلاة المسافرين: باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 13 - مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَّانِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَّانِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: خُصَيْفٍ الجَزَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَخَالِهِ؛ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيْمِ خَالِدِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الجَرْجَرَائِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ هِشَامٍ أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَبُو يُوْسُفَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَعِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ: مَاتَ فِي أَوَّلِ سنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) . 14 - الأَبْرَشُ سَلَمَةُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ ** (د، ت) الأَبْرَشُ، الإِمَامُ، قَاضِي الرَّيِّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ.   (*) تاريخ ابن معين: 519، طبقات ابن سعد 7 / 485، طبقات خليفة: ت 3096، التاريخ الكبير 1 / 107، التاريخ الصغير 2 / 267، الجرح والتعديل 7 / 276، تهذيب الكمال: لوحة 1203، تذهيب التهذيب 3 / 207 / 2، العبر 1 / 307، تذكرة الحفاظ 1 / 316، الكاشف 3 / 48، تهذيب التهذيب 9 / 193، طبقات الحفاظ: 130، خلاصة تذهيب الكمال: 338، شذرات الذهب 1 / 329. (* *) التاريخ لابن معين: 226، طبقات ابن سعد 7 / 381، التاريخ الكبير 4 / 84، التاريخ الصغير 2 / 268، الضعفاء الصغير ص 55، الضعفاء والمتروكين ص 48، الضعفاء = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي قَيْسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ المُسْندِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَهْلُ الرَّيِّ لاَ يَرغَبُوْنَ فِيْهِ؛ لِظُلمٍ فِيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَتَشَيَّعُ (1) ، وَكَانَ مُعَلِّمَ كُتَّابٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ. يُقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَخشَعِ النَّاسِ فِي صَلاَتِهِ. قُلْتُ: كَانَ قَوِيّاً فِي المَغَازِي. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَتَرَكَه.   = للعقيلي لوحة: 167، الجرح والتعديل 4 / 168، كتاب المجروحين 1 / 337، تهذيب الكمال: 529، تذهيب التهذيب: 2 / 43 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 192، العبر 1 / 307، الكاشف 1 / 386، تهذيب التهذيب 4 / 153، خلاصة تذهيب الكمال: 149، شذرات الذهب 1 / 328. (1) قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1 / 94: التشيع في عرف المتقدمين: هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا، فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 15 - مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ الحَارِثِ الفَزَارِيُّ * (ع) ابْنِ عُثْمَانَ بنِ أَسْمَاءَ بنِ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَزَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ سُوَيْدٍ الأَحْمَرِيُّ: سَمِعْتُ أَنَساً يَذْكُرُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهدِيَ لَهُ ثَلاَثُ طَوَائِرَ، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَيْراً، فَلَمَّا كَانَ الغَدَاةُ، أَتَاهُ بِهِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَمْ أَنْهَكَ أَنْ تَخْبَأَ شَيْئاً لِغَدٍ؟ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ (1)) . حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَهِلاَلٌ وَاهٍ، وَيُقَالُ: هُوَ أَبُو ظِلاَلٍ. مَرْوَانُ: هُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْصَقَ بِهِ؛ لأَنَّهُ فِي طَبَقَتِهِ.   (*) تاريخ ابن معين: 556، التاريخ الكبير 7 / 372، التاريخ الصغير 2 / 274، مشاهير علماء الأمصار: ت 1367، تهذيب الكمال: 1316، تذهيب التهذيب 4 / 31 / 2، العبر 1 / 311، ميزان الاعتدال 4 / 93، تذكرة الحفاظ 1 / 295، الكاشف 3 / 133، تهذيب التهذيب 10 / 96، طبقات الحفاظ: 123، خلاصة تذهيب الكمال: 373، شذرات الذهب 1 / 333. (1) وأخرجه أحمد 3 / 198 من طريق مروان بن معاوية بهذا الإسناد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَالحَسَنِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيْمِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَرِشْدِيْنَ بنِ كُرَيْبٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَصَمِّ، وَعَطَاءِ بنِ عَجْلاَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَهِلاَلِ بنِ عَامِرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. كَانَ جَوَّالاً فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَدُحَيْمٌ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ مَلاَسٍ، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَحَدِيْثُهُ يُرْوَى اليَوْمَ بِعُلُوٍّ فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) . رَوَى: أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: ثَبْتٌ، حَافِظٌ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَحْفَظَه! كَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ثِقَةٌ فِيْمَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَضَعَّفَهُ فِيْمَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ. قُلْتُ: إِنَّمَا الضَّعفُ مِنْ قِبَلِهِم، كَانَ يَرْوِي عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَع جَلاَلَتِه يَفْعَلُ كَذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ مَرْوَانُ يَلتَقِطُ الشُّيُوْخَ مِنَ السِّكَكِ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مَا حَدَّثَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَمَا حَدَّثَ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ فَفِيْهِ مَا فِيْهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لاَ يُدْفَعُ عَنْ صِدْقٍ، وَتَكثُرُ رِوَايَتُهُ عَنِ الشُّيُوْخِ المَجْهُوْلِيْنَ. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثِ مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي الوَلِيْدِ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ عَلِيُّ بنُ غُرَابٍ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْيَلَ لِلتَّدْلِيسِ مِنْهُ (1) . قَالَ دُحَيْمٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فَجْأَةً، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ.   (1) في " التقريب ": وكان يدلس أسماء الشيوخ، والخبر في " التاريخ ": 557 لابن معين، دون قوله: " والله ما رأيت أحيل للتدليس منه ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 16 - مُعَاذُ بنُ مُعَاذِ بنِ نَصْرِ بنِ حَسَّانٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع) ابْنِ الحُرِّ بنِ مَالِكِ بنِ الخَشْخَاشِ التَّمِيْمِيُّ، القَاضِي، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو المُثَنَّى العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الحَرِيْرِ (1) ، وَكَهْمَسٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَالنَّهَّاسِ بنِ قَهْمٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُدَيْرٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ السَّمِيْنُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَكَمِ الوَرَّاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَابْنَاهُ؛ المُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ   (*) تاريخ ابن معين: 572، طبقات ابن سعد 7 / 293، طبقات خليفة ت 1917، تاريخ خليفة: 466، التاريخ الكبير 7 / 365، التاريخ الصغير 2 / 278، المعارف: 512، الجرح والتعديل 8 / 248، مشاهير علماء الأمصار: ت 1270، تاريخ بغداد 13 / 131، تهذيب الكمال: 1339، تذهيب التهذيب 4 / 48 / 1، العبر 1 / 320، تذكرة الحفاظ 1 / 324، الكاشف 3 / 154، دول الإسلام 1 / 124، تهذيب التهذيب 10 / 194، طبقات الحفاظ: 136، خلاصة تذهيب الكمال 380، شذرات الذهب 1 / 345. (1) هو عبد ربه بن عبيد الأزدي مولاهم، وهو ثقة. أخرج له الترمذي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 بِالبَصْرَةِ، وَقَالَ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ فِي الحَدِيْثِ. رَوَاهَا: المَرُّوْذِيُّ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَلاَ رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، كَأَنَّهُ صَخْرَةٌ. وَقَالَ الكَوْسَجُ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَزْهَرُ السَّمَّانُ فِي ابْنِ عَوْنٍ، أَوْ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ؟ قَالَ: ثِقَتَانِ. قُلْتُ: فَمُعَاذٌ أَثْبَتُ فِي شُعْبَةَ، أَوْ غُنْدَرٌ؟ قَالَ: ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مُعَاذٌ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ مَعَ رَجُلَينِ مِنَ العَرَبِ: خَالِدِ بنِ الحَارِثِ الهُجَيْمِيِّ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ العَنْبَرِيِّ، وَأَنَا مَوْلَىً لِقُرَيْشٍ، لِتَيْمٍ، فَوَاللهِ مَا سَبَقَانِي إِلَى مُحَدِّثٍ قَطُّ، فَكَتَبَا شَيْئاً حَتَّى أَحضُرَ، وَإِذَا تَابَعَانِي، لاَ أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي مِنَ النَّاسِ. وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: مَا بِالكُوْفَةِ، وَلاَ البَصْرَةِ، وَلاَ الحِجَازِ أَثْبَتُ مِنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَمَا أُبَالِي إِذَا تَابعنِي مَنْ خَالَفَنِي، وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَحْلِفُ: لاَ يُحَدِّثُ، فَيَستَثنِي مُعَاذاً وَخَالِداً. وَوَرَدَ: أَنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ قَالَ فِي سُجُوْدِهِ مَرَّةً: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنِّيْ لأَسْتَغْفِرُ لِسَبْعِيْنَ مِنْ إِخْوَانِي فِي سُجُوْدِي، أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَاءِ آبَائِهِم. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ: مَا عَلِمتُ أَحَداً قَدِمَ بَغْدَادَ إِلاَّ وَقَدْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 تُعِلِّقَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الحَدِيْثِ، إِلاَّ مُعَاذاً العَنْبَرِيَّ، مَا قَدِرُوا أَنْ يَتَعَلَّقُوا عَلَيْهِ بِحَدِيْثٍ، مَعَ شُغْلِهِ بِالقَضَاءِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ بَنُو العَبَّاسِ، بَدَؤُوا بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُم يَقُوْلُوْنَ: بُدِّلَتِ السُّنَّةُ، بُدِّلَتِ السُّنَّةُ يَوْمَ العِيْدِ (1) . قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، فِي أَوَّلِهَا، وَوُلِدَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فِي آخِرِهَا، كَانَ أَكْبَرَ مِنِّي بِشَهْرَيْنِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ: مَاتَ أَبِي سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ لِهَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ، وَتُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، فِي ربِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ   (1) وذلك أن بني أمية قدموا الخطبة على الصلاة في العيدين، فلما أعادها العباسيون إلى ما كانت عليه زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين ظن الناس أن السنة قد بدلت، لما كانوا يعتقدون أن ما هم عليه من الخطبة قبل الصلاة هو السنة، وقد روى هذا الامام مسلم في " صحيحه " (889) في صلاة العيدين: عن أبي سعيد الخدري قال:..فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا يا أبا سعيد! قد ترك ما تعلم. قلت: كلا، والذي نفسي بيده! لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرار ثم انصرف. ونقل ابن حزم في " المحلى " 5 / 85 أن بني أمية أحدثوا تقديم الخطبة قبل الصلاة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ يَجْرِي، حَافَتَاهُ خِيَامُ اللُؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيْهِ المَاءُ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيْلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) . 17 - مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيُّ، الحِمْصِيُّ، الأَبْرَشُ، كَاتِبُ الزُّبَيْدِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، وَعُمَرَ بنِ رُؤْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ عَطِيَّةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه من غير وجه عن أنس البخاري 8 / 562، في تفسير سورة (إنا أعطيناك الكوثر) ، وفي الرقاق: باب الحوض 11 / 412، ومسلم (400) في الصلاة: باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة، والترمذي (3375) في التفسير: باب ومن سورة (إنا أعطيناك الكوثر) ، وأبو داود (4747) و (4748) في السنة: باب في الحوض، والنسائي 2 / 133، و134: باب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 470، طبقات خليفة: ت 3051، التاريخ الكبير 1 / 69، التاريخ الصغير 2 / 275، الجرح والتعديل 7 / 237، تهذيب الكمال: لوحة 1185، تذهيب التهذيب 3 / 196 / 2، العبر 1 / 351، تذكرة الحفاظ 1 / 310، الكاشف 3 / 31، تهذيب التهذيب 9 / 109، النجوم الزاهرة 2 / 146، طبقات الحفاظ: 128، خلاصة تذهيب الكمال 332، شذرات الذهب 1 / 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 رَاهَوَيْه، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ. وَوَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ، وَكَانَ مُجَوِّداً لِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: حَدِيْثُهُ فِي العِلْمِ، وَالطِّبِّ، وَصَلاَةِ الخَوْفِ (2) -يَعْنِي: مِنْ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) -. قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَجِيهُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْدُوْنَ،   (1) واسمه: هشام بن عبد الملك بن عمران الحمصي صدوق ربما وهم، من رجال " التهذيب ". (2) حديثه في العلم أخرجه البخاري 1 / 157 في العلم: باب متى يصح سماع الصغير من طريق محمد بن يوسف، حدثنا أبو مسهر، حدثني محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين. وحديثه في الطب سيورده المصنف، وحديثه في صلاة الخوف أخرجه البخاري 2 / 361 في صلاة الخوف: باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف من طريق حيوة بن شريح، حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم، فقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام الثانية فقام الذين سجدوا معه وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً، فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) . رَوَاهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيِّ. وَيقعُ لِي حَدِيْثُ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ عَالِياً فِي صِفَةِ المُنَافِقِ. 18 - البَرْمَكِيُّ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرٌ الوَزِيْرُ المَلِكُ ابْنُ الوزِيْرِ الكَبِيْرِ أَبِي عَلِيٍّ يَحْيَى ابْنِ الوَزِيْرِ خَالِدِ بنِ بَرْمَكٍ الفَارِسِيُّ. كَانَ خَالِدٌ مِنْ رِجَالِ العَالَمِ، تَوَصَّلَ إِلَى أَعْلَى المَرَاتِبِ فِي دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ كَانَ ابْنُهُ يَحْيَى كَامِلَ السُّؤْدُدِ، جَلِيْلَ المِقْدَارِ، بِحَيْثُ إِنَّ المَهْدِيَّ ضَمَّ إِلَيْهِ وَلَدَهُ الرَّشِيْدَ، فَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ، وَأَدَّبَهُ، فَلَمَّا أَفْضَتِ الخِلاَفَةُ   (1) 10 / 171 و172 في الطب: باب رقية العين، وأخرجه مسلم (2197) في السلام: باب استحباب الرقية من العين. من طريق أبي الربيع سليمان بن داود، عن محمد ابن حرب بهذا الإسناد. والسفعة: قال إبراهيم الحربي: هو سواد في الوجه، وعن الاصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، قال ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه. والنظرة: العين أي: أصابتها عين. (*) تاريخ خليفة: 458، المعارف: 382، تاريخ الطبري 8 / 252، 255، 262، 266، 291، 300، وحوادث سنة 187، العقد الفريد 5 / 53، الوزراء والكتاب للجهشياري 204، تاريخ بغداد 7 / 152، الكامل لابن الأثير 6 / 140، 151، 152، 161، 168، 175، 184، وفيات الأعيان 1 / 328، 346، العبر 1 / 298، دول الإسلام: 118، البداية والنهاية 10 / 189 و194، النجوم الزاهرة 2 / 123، شذرات الذهب 1 / 311، شرح قصيدة ابن عبدون ص 222. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 إِلَى الرَّشِيْدِ، رَدَّ إِلَى يَحْيَى مَقَالِيْدَ الأُمُوْرِ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُ: يَا أَبِي، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الوُزَرَاءِ، وَنَشَأَ لَهُ أَوْلاَدٌ صَارُوا مُلوَكاً، وَلاَ سِيَّمَا جَعْفَرٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا جَعْفَرٌ؟ لَهُ نَبَأٌ عَجِيْبٌ، وَشَأْنٌ غَرِيْبٌ، بَقِيَ فِي الارتِقَاءِ فِي رُتْبَةٍ، شَرَكَ الخَلِيْفَةَ فِي أَمْوَالِهِ، وَلَذَّاتِهِ، وَتَصَرُّفِهِ فِي المَمَالِكِ، ثُمَّ انْقَلْبَ الدَّسْتُ فِي يَوْمٍ، فَقُتِلَ، وَسُجِنَ أَبُوْهُ وَإِخوَتُهُ إِلَى المَمَاتِ، فَمَا أَجهَلَ مَنْ يَغتَرُّ بِالدُّنْيَا! وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا دُوَلٌ، وَالمَالُ عَارِيَّةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَ [فِيْنَا] لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ (1) . قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: كَانَتْ صِلَةُ يَحْيَى إِذَا رَكِبَ لِمَنْ سَأَلَهُ مائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَتَيْتُهُ وَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ ضِيْقاً، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِكَ؟ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِّي قَدْ جَاءنِي خَلِيْفَةُ صَاحِبِ مِصْرَ، يَسْأَلُ أَنْ أَسْتَهْدِي صَاحِبَهُ شَيْئاً، فَأَبَيْتُ، فَأَلَحَّ، وَبَلَغَنِي أَنَّ لَكَ جَارِيَةً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَهُوَذَا أَسْتَهدِيهِ إِيَّاهَا، فَلاَ تَنْقُصْهَا مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ شَيْئاً. قَالَ: فَمَا شَعَرتُ إِلاَّ وَالرَّجُلُ قَدْ أَتَى، فَسَاوَمَنِي بِالجَارِيَةِ، فَبَذَلَ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَلِنْتُ، فَبِعتُهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ يَحْيَى، عَنَّفَنِي، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا خَلِيْفَةُ صَاحِبِ فَارِسَ، قَدْ جَاءنِي فِي نَحْوِ هَذَا، فَخُذْ جَارِيَتَكَ مِنِّي، فَإِذَا سَاوَمَكَ، لاَ تَنقُصْهَا مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَأَتَانِي، فَبِعتُهَا بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى يَحْيَى، قَالَ: أَلَمْ نُؤَدِّبْكَ؟ خُذْ جَارِيَتَكَ. قُلْتُ: قَدْ أَفَدتُ بِهَا خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ تَعُوْدُ إِلَيَّ، هِيَ حُرَّةٌ، وَإِنِّيْ قَدْ تَزَوَّجْتُهَا. قِيْلَ: إِنَّ وَلداً لِيَحْيَى، قَالَ لَهُ وَهُمْ فِي القُيُوْدِ: يَا أَبَةِ، بَعْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ   (1) " الكامل " لابن الأثير 6 / 179، وما بين حاصرتين منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 وَالأَمْوَالِ صِرْنَا إِلَى هَذَا؟! قَالَ: يَا بُنَيَّ! دَعْوَةُ مَظْلُوْمٍ غَفِلْنَا عَنْهَا، لَمْ يَغْفُلِ اللهُ عَنْهَا. مَاتَ يَحْيَى: مَسجوناً، بِالرَّقَّةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. فَأَمَّا جَعْفَرٌ، فَكَانَ مِنْ مِلاَحِ زَمَانِهِ، كَانَ وَسِيْماً، أَبْيَضَ، جَمِيْلاً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، أَدِيْباً، عَذْبَ العِبَارَةِ، حَاتِمِيَّ السَّخَاءِ، وَكَانَ لَعَّاباً، غَارِقاً فِي لَذَّاتِ دُنْيَاهُ، وَلِيَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ، فَقَدِمَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَكَانَ يَسْتَخلِفُ عَلَيْهَا، وَيُلاَزِمُ هَارُوْنَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ، فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لاَ تَفْنَى، وَإِذَا أَدبَرَتْ، فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لاَ تَبقَى. قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ (1) : هَاجَتِ العَصَبِيَّةُ بِالشَّامِ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ، فَاغْتَمَّ الرَّشِيْدُ، فَعَقَدَ لِجَعْفَرٍ، وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَوْ أَخْرَجَ. فَسَارَ، فَقَتَلَ فِيْهِم، وَهَذَّبَهُم، وَلَمْ يَدَعْ لَهُم رُمْحاً، وَلاَ قَوْساً، فَهَجَمَ الأَمْرُ (2) ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ عِيْسَى بنَ المُعَلَّى، وَردَّ (3) . قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ جَعْفَرٌ عِنْدَ الرَّشِيْدِ بِحَالَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ، وَجُوْدُهُ أَشهَرُ مِنْ أَنْ يُذكَرَ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي اللَّسَنِ وَالبَلاَغَةِ. يُقَالَ: إِنَّهُ وَقَّعَ لَيْلَةً بِحَضرَةِ الرَّشِيْدِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ تَوقِيْعٍ، وَنَظَرَ فِي جَمِيْعِهَا، فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئاً (4) مِنْهَا عَنْ مُوْجِبِ الفِقْهِ، كَانَ أَبُوْهُ قَدْ ضَمَّهُ إِلَى القَاضِي أَبِي   (1) في " تاريخه " 8 / 262. (2) يقال: هجم الشئ: سكن وأطرق، قال ابن مقبل: حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة * يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا وفي " تاريخ الطبري " 8 / 262: فعادوا إلى الامن والطمأنينة، وأطفأ تلك النائرة (3) في " تاريخ الطبري " 8 / 263: واستخلف على الشام عيسى بن العكي، وانصرف. (4) في تاريخ بغداد: فلم يخرج شيء منها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 يُوْسُفَ حَتَّى فَقُهَ (1) . وَعَنْ ثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبْلَغَ مِنْ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، وَالمَأْمُوْنِ. قِيْلَ: اعْتَذَرَ إِلَى جَعْفَرٍ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أَغنَاكَ اللهُ بِالعُذْرِ مِنَّا عَنِ الاَعتِذَارِ إِلَيْنَا، وَأَغنَانَا بِالمَوَدَّةِ لَكَ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِكَ (2) . قَالَ جَحْظَةُ: حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنِي الرَّشِيْدِيُّ، حَدَّثَنِي مُهَذَّبٌ حَاجِبُ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي: أَخَا المَنْصُوْرِ-: أَنَّ العَبَّاسَ نَالَتْهُ إِضَاقَةٌ، فَأَخْرَجَ سَفَطاً فِيْهِ جَوْهَرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى جَعْفَرٍ، وَقَالَ: أُرِيْدُ عَلَيْهِ خَمْسَ مائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: نَعَمْ، وَأَخَذَ السَّفَطَ. فَلَمَّا رَجَعَ العَبَّاسُ إِلَى دَارِهِ، وَجَدَ السَّفَطَ قَدْ سَبَقَهُ، وَمَعَهُ أَلفُ أَلفٍ، وَدَخَلَ جَعْفَرٌ عَلَى الرَّشِيْدِ، فَخَاطَبَهُ فِي العَبَّاسِ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: حَجَّ الرَّشِيْدُ وَجَعْفَرٌ وَأَنَا مَعَهُم، فَقَالَ لِي جَعْفَرٌ: انْظُرْ لِي جَارِيَةً لاَ مِثْلَ لَهَا فِي الغِنَاءِ وَالظَّرَفِ. قَالَ: فَأُرْشِدْتُ إِلَى جَارِيَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا، وَغَنَّتْ، فَأَجَادَتْ، فَقَالَ مَوْلاَهَا: لاَ أَبِيْعُهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قُلْتُ: قَدْ أَخَذْتُهَا. فَأُعْجِبَ بِهَا جَعْفَرٌ، فَقَالَتِ الجَارِيَةُ: يَا مَوْلاَيَ، فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ عَرَفْتِ مَا كُنَّا فِيْهِ مِنَ النِّعْمَةِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَصِيْرِي إِلَى هَذَا المَلِكِ، فَتَسْعَدِي. قَالَتْ: لَوْ مَلَكْتُ مِنْكَ مَا مَلَكْتَ مِنِّي، مَا بِعتُكَ بِالدُّنْيَا، فَاذْكُرِ العَهْدَ - وَقَدْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكلَ لَهَا ثمناً - فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: اشَهَدُوا أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنِّي قَدْ   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 152، و" وفيات الأعيان " 1 / 328، 329. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 153، وابن خلكان 7 / 153. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 تَزَوَّجْتُهَا، وَأَمْهَرْتُهَا دَارِي. فَقَالَ جَعْفَرٌ: انْهضْ بِنَا. فَدَعَوْتُ الحَمَّالِيْنَ لنقلِ الذَّهبِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: وَاللهِ لاَ صَحِبْنَا مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَقَالَ لمَوْلاَهَا: أَنْفِقْهُ عَلَيْكُمَا (1) . قِيْلَ: كَانَ فِي خَزَائِنِ جَعْفَرٍ دَنَانِيْرَ، زِنَةُ الوَاحِدِ مائَةُ مِثْقَالٍ، كَانَ يَرمِي بِهَا إِلَى أَصطحَةِ النَّاسِ سِكَّتَهُ. وَأَصْفَرَ مِنْ ضَرْبِ دَارِ المُلُوْكِ ... يَلُوحُ عَلَى وَجْهِهِ جَعْفَرُ يَزِيْدُ عَلَى مائَةٍ وَاحِداً ... مَتَى يُعْطَه مُعْسِرٌ يُوْسِرُ (2) وَقِيْلَ: بَلِ الشِّعْر لأَبِي العتَاهِيَةِ، وَكَانَ عَلَى الدِّيْنَارِ صُوْرَةُ جَعْفَرٍ. قَالَ صَاحِبُ الأَغَانِي: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: شَهِدتُ أَبِي يُحَدِّثُ جَدِّي وَأَنَا صَغِيْر، قَالَ: أَخذَ بِيَدِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَقْبَلَ يَخترقُ الحُجَرَ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حُجْرَةٍ، فَفَتَحَهَا، وَدَخَلْنَا، فَأَغْلَقَهَا، وَقَعَدْنَا عَلَى بَابٍ وَنَقَرَهُ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عُوْدٍ، فَغَنَّتِ امْرَأَةٌ، فَأَجَادَت، فَطربتُ وَاللهِ، ثُمَّ غَنَّتْ، فَرَقَصْنَا مَعاً، وَخرجنَا، فَقَالَ لِي: أَتعرِفُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: عُلَيَّةُ أُخْتِي، وَاللهِ لَئِنْ لفَظْتَ بِهِ لأَقتلَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ جَدِّي: فَقَدْ لفظْتَ بِهِ، وَاللهِ لَيَقتُلَنَّكَ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ امْرَأَةً كِلاَبِيَّةً أَنشدَتْ جَعْفَراً: إِنِّيْ مَرَرْتُ عَلَى العقِيْقِ وَأَهْلُهُ ... يَشكُوْنَ مِنْ مَطَرِ الرَّبِيْعِ نُزُورَا   (1) القصة مطولة في " تاريخ بغداد " 7 / 155. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 156، وقوله " سكته " أي: أنه هو الذي سك تلك الدنانير، والسكة: حديدة منقوشة تضرب عليها النقود. (3) " الاغاني " 10 / 188، 189 في أخبار علية بنت المهدي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 مَا ضَرَّهُم إِذْ مَرَّ فِيْهِم جَعْفَرٌ ... أَنْ لاَ يَكُوْنَ رَبِيْعَهُم مَمْطُورَا (1) قَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ مَصْرَعِ جَعْفَرٍ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقِيْلَ: إِنَّ جِبْرِيْلَ بنَ بختيَشوعَ الطَّبِيْبَ (2) قَالَ: إِنِّيْ لَقَاعِدٌ عِنْدَ الرَّشِيْدِ، فَدَخَلَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، وَكَانَ يَدْخُلُ بِلاَ إِذنٍ، فَسَلَّمَ، فَردَّ الرَّشِيْدُ ردّاً ضَعِيْفاً، فَوَجَمَ يَحْيَى. فَقَالَ هَارُوْنُ: يَا جِبْرِيْلَ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ بِلاَ إِذنٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَمَا بَالُنَا؟ فَوَثَبَ يَحْيَى، وَقَالَ: قَدَّمَنِي اللهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قِبَلَكَ، وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ شَيْءٌ خَصَصْتَنِي بِهِ، وَالآنَ فَتُبْتُ، فَاسْتَحْيَى الرَّشِيْدُ، وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكرَهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ ثُمَامَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْكَرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ مِنْ أَمرِهِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ رَفَعَ رِسَالَةً إِلَى الرَّشِيْدِ، يَعِظُهُ، وَفِيْهَا: إِنَّ يَحْيَى لاَ يُغنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً، فَأَوْقَفَ الرَّشِيْدُ يَحْيَى عَلَى الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: أَتعرفُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَسَجَنَهُ، فَلَمَّا نُكِبَتِ البَرَامِكَةُ، أَحضرَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ. قَالَ: أَتَقُوْلُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَضَعتَ فِي رِجلَيَّ القَيدَ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي بِلاَ ذَنْبٍ، سِوَى قَوْلِ حَاسدٍ يَكِيدُ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَيُحبُّ الإِلْحَادَ وَأَهْلَهُ. فَأَطلَقَهُ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ أُبْغِضُكَ. فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ، وَقَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ:   (1) " وفيات الأعيان " 1 / 330. (2) كان طبيب هارون الرشيد وجليسه وخليله، يقال: إن منزلته ما زالت تقوى عند الرشيد حتى قال لأصحابه: من كانت له حاجة إلي، فليخاطب بها جبريل، فإني أفعل كل ما يسألني فيه، ويطلبه مني. فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم، ولما توفي الرشيد خدم الامين، فلما ولي المأمون سجنه، ثم أطلقه وأعاده إلى مكانته عند أبيه الرشيد، فلم يزل إلى أن توفي سنة 213 هـ، ودفن في دير مار جرجس بالمدائن. " طبقات الاطباء ": 187، 201. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 287. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 نَعَمْ. قَالَ: انْتقمَ اللهُ مِمَّنْ ظلمَكَ. فَقَالَ النَّاسُ فِي البَرَامِكَةِ وَكَثَّرُوا (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِلْغِلْمَانِ: لاَ تَقُوْمُوا لَهُ، فَارْبَدَّ لَوْنُ يَحْيَى (2) . وَقِيْلَ: بَلْ سَبَبُ قتلِ جَعْفَرٍ، أَنَّ الرَّشِيْدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ العلوِيَّ، فَرَقَّ لَهُ، وَأَطلقَهُ سِرّاً، فَجَاءَ رَجُلٌ يَنْعتُهُ إِلَى الرَّشِيْدِ، وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلوَانَ، فَأَعْطَى الرَّجُلَ مَالاً (3) . وَقِيْلَ: بَلْ أَنشَأَ جَعْفَرٌ دَاراً، أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَأَسرفَ. وَقِيْلَ: اعْتمرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، فَتَعَلَّقَ بِالأَسْتَارِ، وَقَالَ: رَبِّ ذُنُوبِي عَظِيْمَةٌ، فَإِنْ كُنْتَ مُعَاقِبِي، فَاجْعلْ عقُوبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِسَمْعِي، وَبَصْرِي، وَمَالِي، وَوَلدِي، حَتَّى أَبلغَ رضَاكَ، فَقدحَ الأَمِيْرُ ابْنُ مَاهَانَ عِنْدَ الرَّشِيْدِ فِي مُوْسَى بنِ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، وَأَعْلَمَهُ طَاعَةَ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَهُ، وَأَنَّهُ يُكَاتِبُهُم، فَاسْتوحشَ الرَّشِيْدُ مِنْهُ، وَركِبَهُ دَيْنٌ، فَاخْتفَى مِنَ الغُرَمَاءِ، فَتَوَهَّمَ الرَّشِيْدُ أَنَّهُ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ ظهرَ، فَسَجَنَهُ، فَهَذَا أَوَّلُ نَكْبَتِهِم، فَأَتَتْ أُمُّهُ تُلاَطفُ الرَّشِيْدَ، فَقَالَ: يَضمنُهُ أَبُوْهُ، فَضمِنَهُ (4) . وَغَضِبَ الرَّشِيْدُ أَيْضاً عَلَى الفَضْلِ بنِ يَحْيَى، لِتَرْكِهِ الشُّربَ مَعَهُ، وَكَانَ الفَضْلُ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّ شُرْبَ المَاءِ يَنْقُصُ مُروءتِي، لِتركتُهُ، وَكَانَ   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 288. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 288. (3) " الكامل " لابن الأثير 6 / 175 بأطول مما هنا. (4) " تاريخ الطبري " 8 / 292، 293، و" الكامل " 6 / 176، 177. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 مَشْغُوَفاً بِالسَّمَاعِ، وَكَانَ جَعْفَرٌ يُنَادِمُ الرَّشِيْدَ، وَيَأْمرُهُ أَبُوْهُ بِالإِقلاَلِ مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَسْمَعُ. وَقَالَ يَحْيَى: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا أَكرهُ مدَاخِلَ جَعْفَرٍ مَعَكَ، فَلَو اقْتصرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُوْنَ العُشْرَةِ. قَالَ: يَا أَبتِ لَيْسَ ذَا بِكَ، بَلْ تُرِيْدُ أَنْ تُقَدِّمَ الفَضْلَ عَلَيْهِ (1) . ابْنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، أَظُنُّه عَنْ عَمِّهِ زَاهِرِ بنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاَكِ البَرَامِكَةِ، أَنَّ الرَّشِيْدَ كَانَ لاَ يَصبرُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأُخْتِه عَبَّاسَةَ، وَكَانَ يُحْضِرُهُمَا مَجْلِسَ الشَّرَابِ، فَيَقومُ هُوَ، فَقَالَ: أُزَوِّجُكَهَا عَلَى أَنْ لاَ تَمَسَّهَا. قَالَ: فَكَانَا يَثملاَنِ، وَيَذْهَبُ الرَّشِيْدُ، وَيثبُ جَعْفَرٌ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلاَماً، فَوَجَّهَتْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاخْتفَى الأَمْرُ، ثُمَّ ضَرَبَتْ جَارِيَةً لَهَا، فَوَشَتْ بِهَا، فَلَمَّا حَجَّ الرَّشِيْدُ، هَمَّ بِقتلِ الطِّفلِ، ثُمَّ تَأْثَّم مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَصلَ إِلَى الحِيْرَةِ، بَعَثَ إِلَى مَسْرُوْرٍ الخَادِمِ، وَمَعَهُ أَبُو عِصْمَةَ، وَأَجْنَادٌ، فَأَحَاطُوا بِجَعْفَرٍ لِيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُوْرٌ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ لَهْوٍ، فَأَخْرَجَهُ بِعُنْفٍ، وَقَيَّدَهُ بقِيدِ حِمَارٍ، وَأَتَى بِهِ، فَأَمرَ الرَّشِيْدُ بِقَتْلِهِ (2) . وَعَنْ مَسْرُوْرٍ قَالَ: وَقَعَ عَلَى رِجْلِي يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ فَأُوصِي. قُلْتُ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَا، فَأَوصِ بِمَا شِئْتَ. فَأَوْصَى، وَأَعتقَ مَمَالِيْكَهُ، ثُمَّ ذَبَحْتُهُ بَعْدَ أَنْ رَاجعتُ فِيْهِ الرَّشِيْدَ، وَجِئْتُهُ بِرَأَسِهِ. وَوجَّهَ الرَّشِيْدُ جُنْداً إِلَى أَبِيْهِ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَبأَوْلاَدِهِ وَمَوَالِيْه، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُم وَأَملاَكُهُم، وَبُعِثَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ، وَنُودِي: أَلاَ لاَ أَمَانَ لِمَنْ آوَى   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 293. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 294، ولا يصح، فإن أحمد بن زهير، وعمه زاهر لا يعرفان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 بَرْمَكِيّاً، وَصَلَبَ الرَّشِيْدُ أَنَسَ بنَ أَبِي شَيْخٍ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مُخْتَصّاً بِالبَرَامِكَةِ (1) . عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ قَالَ: خَلاَ جَعْفَرٌ يَوْماً بِنُدَمَائِهِ وَأَنَا فِيْهِم، وَتضَمَّخَ بِالطِّيبِ، فَجَاءهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحٍ، فَدَخَلَ، فَاربَدَّ وَجْهُ جَعْفَرٍ، فَدَعَا عَبْدُ المَلِكِ غُلاَمَهُ، فَنَزَعَ سوَادَهُ، وَقَلنسُوتَهُ، وَأَتَى مَجْلِسَنَا، فَأَلبسُوهُ حَرِيْراً، وَأَطعمَ وَشَربَ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا شَرِبتُهُ قَبْلَ اليَوْمِ، فَأَخفِ علِيَّ، وَنَادَمَ أَحْسَنَ مُنَادِمَةٍ، وَسُرِّيَ عَنْ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: اذكُرْ حَوَائِجَكَ، فَإِنِّي لاَ أَسْتَطِيْعُ مُقَابَلَةَ مَا كَانَ مِنْكَ. قَالَ: فِي قَلْبِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيَّ مَوْجِدَةٌ، فَتُخْرِجُهَا. قَالَ: قَدْ رَضِيَ عَنْكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَعَلَيَّ أَرْبَعَةُ آلاَفِ أَلفٍ. قَالَ: قُضِيَ دَينُكَ. قَالَ: وَابْنِي إِبْرَاهِيْمُ، أُحِبُّ أَنْ أُزَوِّجَهُ. قَالَ: قَدْ زَوَّجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِالعَالِيَةِ بِنْتِهِ. قَالَ: وَأُوثرُ أَنْ يُولَّى بَلَداً. قَالَ: قَدْ وَلاَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِصْرَ، فَخَرَجَ وَنَحْنُ مُتَعَجِّبُوْنَ مِنْ إِقدَامِ جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الأُمُوْرِ العَظِيْمَةِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئِذَانٍ، وَرَكِبَ إِلَى الرَّشِيْدِ، فَأَمْضَى لَهُ الجَمِيْعَ (2) . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: بَلَغَ مِنْ أَمْرِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيْدَ اتَّخَذَ لَهُ ثَوْباً لَهُ زِيقَانَ يَلبَسُهُ هُوَ وَهُوَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ صَبْرٌ، وَكَانَتْ عَبَّاسَةُ أُخْتُ الرَّشِيْدِ أَعزَّ امْرَأَةٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَتَى غَابَت أَوْ غَابَ جَعْفَرٌ تَنغَّصَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: سَأُزَوِّجُكَهَا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، فَاحْذَرْ أَنْ تَخْلُوَ بِهَا، فَزَوَّجَهُ. فَقِيْلَ: إِنَّهَا أَحَبَّتْهُ، وَرَاوَدَتْهُ، فَأَبَى، وَأَعْيَتْهَا الحِيْلَةُ، فَبَعَثَتْ إِلَى وَالِدَةِ جَعْفَرٍ: أَنِ ابْعثِينِي إِلَى ابْنِكِ كَأَنَّنِي جَارِيَةٌ لَكِ، تُتْحِفِيْنَهُ بِهَا، فَأَبَتْ. فَقَالَتْ: لَئِنْ   (1) " تاريخ الطبري " 7 / 295، 296. (2) " وفيات الأعيان " 1 / 330، 331. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 لَمْ تَفْعلِي، لأَقُوْلَنَّ عَنْكِ: إِنَّكِ دَعَوتِيْنِي إِلَى هَذَا، وَلَئِنْ وَلَدتُ مِنِ ابْنِكِ، لِيكُوْننَّ لَكُمُ الشَّرَفُ، فَأَجَابَتْهَا. قَالَ: فَاقتَضَّهَا، فَقَالَتْ: كَيْفَ رَأَيْتَ خدِيعَةَ بَنَاتِ الخُلَفَاءِ، فَأَنَا مَوْلاَتُكَ، فَطَارَ السُّكرُ مِنْ رَأْسِهِ، وَقَامَ، وَقَالَ لأُمِّهِ: بِعتِيْنِي -وَاللهِ- رَخِيْصاً، وَحَبِلَتْ مِنْهُ. فَلَمَّا وَلدَتْ، وَكَّلَتْ بِالوَلَدِ خَادِماً وَمُرْضِعاً، وَبَعَثتْهُم إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ وَشَتْ بِهَا زُبَيْدَةُ، فَحَجَّ، وَتَحَقَّقَ الأَمْرَ، فَأَضْمَرَ السُّوْءَ لِلبَرَامِكَةِ، وَأَشَارَ أَبُو نُوَاسٍ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلاَ قُل لأَمِيْنِ اللَّـ ... ـهِ وَابْنِ القَادَةِ السَّاسَه إِذَا مَا نَاكِثٌ سَرَّ ... كَ أَنْ تُعْدِمَهُ رَأْسَه فَلاَ تَقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ ... وَزَوِّجْهُ بِعَبَّاسَه (1) وَسُئِلَ سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ عَنْ ذَنْبِ البَرَامِكَةِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُم بَعْضُ مَا يُوجِبُ مَا فَعلَ الرَّشِيْدُ، لَكِن طَالَتْ أَيَّامُهُم، وَكُلُّ طَوِيْلٍ يُمَلُّ. وَقِيْلَ: رُفعَتْ قِصَّةٌ إِلَى الرَّشِيْدِ فِيْهَا: قُلْ لأَمِيْنِ الله فِي أَرْضِهِ ... وَمَنْ إِلَيْهِ الحَلُّ وَالعَقْدُ هَذَا ابْنُ يَحْيَى قَدْ غَدَا مَالِكاً ... مِثْلَكَ مَا بَيْنَكُمَا حَدُّ أَمْرُكَ مَرْدُوْدٌ إِلَى أَمْرِهِ ... وَأَمْرُهُ مَا إِنْ لَهُ رَدُّ وَقَدْ بَنَى الدَّارَ الَّتِي مَا بَنَى ال* ـ ... ـفُرْسُ لَهَا مِثْلاً وَلاَ الهِنْدُ الدُّرُّ وَاليَاقُوْتُ حَصْبَاؤُهَا ... وَتُرْبُهَا العَنْبَرُ وَالنَّدُّ وَنَحْنُ نَخْشَى أَنَّهُ وَارِثٌ ... مُلْكَكَ إِنْ غَيَّبَكَ اللَّحْدُ فَقَرَأَهَا، وَأَثَّرَتْ فِيْهِ (2) .   (1) الخبر بطوله في " وفيات الأعيان " 1 / 332، 334. (2) ابن خلكان 1 / 335، 336. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 وَقِيْلَ: إِنَّ أُخْتَه قَالَتْ لَهُ: مَا رَأَيْتُ لَكَ سُرُوْراً مُنْذُ قتلتَ جَعْفَراً، فَلِمَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّ قمِيْصِي يَعلَمُ السَّبَبَ لَمَزَّقْتُهُ (1) . عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَاشِمِيِّ خَطِيْبِ الكُوْفَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّي يَوْمَ الأَضْحَى، وَعِنْدَهَا عَجُوْزٌ فِي أَثْوَابٍ رَثَّةٍ، فَقَالَتْ: تَعرِفُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: هَذِهِ وَالِدَةُ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَرحَّبْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: حدِّثِينَا بِبَعْضِ أَمرِكُم. قَالَتْ: لَقَدْ هجمَ عَلَيَّ مِثْلُ هَذَا العِيْدِ، وَعَلَى رَأْسِي أَرْبَعُ مائَةِ جَارِيَةٍ، وَأَنَا أَزعمُ أَنَّ ابْنِي عَاقٌّ لِي، وَقَدْ أَتَيْتُكُم يُقنِعُنِي جلدُ شَاتَيْنِ، أَجْعَلُ أَحَدَهُمَا فِرَاشاً لِي (2) . قَالَ: فَأَعْطِيْتُهَا خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَكَادَتْ تَموَتُ فَرَحاً. لَمْ يَزَلْ يَحْيَى، وَآلُهُ مَحْبُوْسِينَ، وَحَالُهُم حَسَنَةٌ، إِلَى أَنْ سخطَ الرَّشِيْدُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحٍ، فَعَمَّهُم بِسُخْطِهِ، وَجَدَّدَ لَهُم التُّهمَةَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِم (3) . وَدَامتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ مُعَلَّقَةً مُدَّةً، وَعُلِّقتْ أَطْرَافُهُ بِأَمَاكِنَ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ. وَقِيْلَ: لَمْ يُحبسْ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى. وَفِي (تَارِيْخِ ابْنِ خَلِّكَانَ) : أَنَّ الرَّشِيْدَ دَعَا يَاسِراً غُلاَمَهُ، فَقَالَ: قَدِ انْتَخَبْتُكَ لأَمرٍ لَمْ أَرَ لَهُ الأَمِيْنَ وَلاَ المَأْمُوْنَ، فَحَقِّقْ ظَنِّي. قَالَ: لَوْ أَمَرْتَنِي بِقتلِ نَفْسِي لَفَعَلْتُ. قَالَ: ائِتِنِي بِرَأَسِ جَعْفَرٍ، فَوَجَمَ لَهَا. قَالَ: وَيْلَكَ، مَا لَكَ؟ قَالَ: الأَمْرُ عَظِيْمٌ، لِيتَنِي متُّ قَبْلَ هَذَا. قَالَ:   (1) ابن خلكان 1 / 336. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 156، 157. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 297، و" الكامل " 6 / 179. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 امضِ وَيْلَكَ. فَمَضَى، فَأَتَى جَعْفَراً، فَقَالَ: يَا يَاسِرُ! سَرَرْتَنِي بِإِقبالِكَ، لَكِنْ سُؤْتَنِي بِدُخُوْلِكَ بِلاَ إِذنٍ. قَالَ: الأَمْرُ وَرَاءَ ذَلِكَ يَا جَعْفَرٌ، قَدْ أُمِرْتُ بِكَذَا. قَالَ المِسْكِيْنُ - وَأَقْبَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَهُ - وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ وَأُوصِي. قَالَ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَوصِ. فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ حَقٌّ، فَارْجِعْ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَقُلْ: قَتَلْتُهُ، فَإِنْ نَدِمَ كَانَتْ حَيَاتِي عَلَى يَدِكَ. قَالَ: لاَ أَقْدِرُ. قَالَ: فَآتِي مَعَكَ إِلَى مُخَيَّمِهِ، وَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ، وَقَوْلَكَ لَهُ. قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، وَذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ يَاسِرٌ، قَالَ: مَا وَرَاءكَ؟ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، وَقَالَ: لَئِنْ رَاجَعْتَنِي، لأُقَدِّمَنَّكَ قَبْلَهُ، فَخَرَجَ وَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ. فَقَالَ: يَا يَاسِرُ! جِئنِي بِفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ. فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِمَا، قَالَ: اضرِبَا عُنُقَهُ، فَإِنِّي لاَ أَقدرُ أَرَى قَاتَلَ جَعْفَرٍ (1) . وَقَالَ أَبُو العَتَاهِيَةِ: قُوْلاَ لِمَنْ يَرْتَجِي الحَيَاةَ: أَمَا ... فِي جَعْفَرٍ عِبْرَةٌ وَيَحْيَاهُ؟ كَانَا وَزِيْرَيْ خَلِيْفَةِ اللهِ هَا ... رُوْنَ، هُمَا مَا هُمَا وَزِيْرَاهُ فَذَالِكُم جَعْفَرٌ بِرُمَّتِهِ ... فِي حَالِقٍ رَأْسُهُ وَنِصْفَاهُ وَالشَّيْخُ يَحْيَى الوَزِيْرُ أَصْبَحَ قَدْ ... نَحَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقصَاهُ شُتِّتَ بَعْدَ الجَمِيْعِ شَمْلُهُمُ ... فَأَصْبَحُوا فِي البِلاَدِ قَدْ تَاهُوا كَذَاكَ مَنْ يُسْخِطُ الإِلَهَ بِمَا ... يُرْضِي بِهِ العَبْدَ يَجْزِهِ اللهُ سُبْحَانَ مَنْ دَانَتِ المُلُوْكُ لَهُ ... نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوْ طُوْبَى لِمَنْ تَابَ قَبْلَ عَثْرَتِهِ ... فَتَابَ قَبْلَ المَمَاتِ طُوْبَاهُ (2)   (1) ابن خلكان 1 / 338. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 301، 302. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 قَالَ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ: وُلِدْتُ يَوْم قُتِلَ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، وَهُوَ أَوَّلُ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، عَاشَ سَبْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ أَخُوْهُ الفَضْلُ (1) فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ أَخاً لِلرَّشِيْدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأُمُّهُ بَرْبَرِيَّةٌ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ، وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، وَكَانَ أَكرَمَ وَأَجْوَدَ مِنْ جَعْفَرٍ، لَكِنَّهُ كَانَ ذَا تِيْهٍ وَكِبْرٍ عَظِيْمٍ، وَصَلَ مَرَّةً عَمْرَو بنَ جَمِيْلٍ التَّمِيْمِيَّ بِأَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَعَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ. 19 - يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدِ بنِ زَائِدَةَ أَبُو خَالِدٍ الشَّيْبَانِيُّ * أَمِيْرُ العَرَبِ، أَبُو خَالِدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَحَدُ الأَبْطَالِ وَالأَجْوَادِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي الأَمِيْر مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ. وَلِيَ اليَمِنَ، ثُمَّ وَلِيَ أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرْمِيْنِيَةَ لِلرَّشِيْدِ، وَقَتَلَ رَأْسَ الخَوَارِجِ الوَلِيْدَ بنَ طَرِيْفٍ (2) . وَكَانَ يَزِيْدُ مَعَ فَرطِ شَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوْبٌ مَعَ الوَلِيْدِ، حَتَّى إِنَّهُ بَارَزَهُ بِنَفْسِهِ، فَتَصَاوَلاَ نَحْوَ سَاعَتَيْنِ، وَتَعَجَّبَ مِنْهُمَا الجَمْعَانِ، ثُمَّ ضَرَبَ رِجْلَ الوَلِيْدَ، فَسَقَطَ، وَكِلاَهُمَا مِنْ بَنِي شَيْبَانَ. وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ لَهُ: يَا يَزِيْدُ! مَا أَكْثَرَ أُمَرَاءَ المُؤْمِنِيْنَ فِي قَوْمِكَ! قَالَ: نَعَمْ، إِلاَ أَنَّ مَنَابِرَهُمُ الجُذُوْعُ (3) .   (1) مترجم في " تاريخ بغداد " 12 / 334، و" وفيات الأعيان " 4 / 27، " الطبري " 8 / 257، 260، " العبر " 1 / 309، النجوم الزاهرة 2 / 140، شذرات الذهب 1 / 330. (*) المعارف: 413، جمهرة الأنساب 307 تاريخ بغداد 14 / 334، وفيات الأعيان 6 / 327، مرآة الجنان 1 / 400، خزانة الأدب 3 / 54، هبة الايام للبديعي: 211، 215. (2) انظر أخباره في " وفيات الأعيان " 6 / 31. (3) يعني: الجذوع التي يصلبون عليها إذا قتلوا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْطَاهُ لَمَّا بَعَثَهُ لِحَربِ الوَلِيْدِ ذُوْ الفَقَارِ، وَقَالَ: سَتُنْصَرُ بِهِ. فَقَالَ مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ: أَذَكَرْتَ سَيْفَ رَسُوْلِ اللهِ سُنَّتَه ... وَبَأْسَ أَوَّلِ مَنْ صَلَّى وَمَنْ صَامَا (1) يَعْنِي: عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُ الرَّشِيْدَ مُتَقَلِّداً سَيْفاً، فَقَالَ: أَلاَ أُرِيْكَ ذُو الفَقَارِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: اسْتَلَّ سَيْفِي. فَاسْتَلَلْتُهُ، فَرَأَيْتُ فِيْهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ فَقَارَةً. وَلِمَنْصُوْرِ بنِ الوَلِيْدِ (2) : لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَنِي شَيْبَانَ مِنْ حَسَبٍ ... سِوَى يَزِيْدَ، لَفَاتُوا النَّاسَ بِالحَسَبِ قِيْلَ: نَظَرَ يَزِيْدُ إِلَى لِحْيَةٍ عَظِيْمَةٍ مَخضُوبَةٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهَا: أَنْتَ مِنْ لِحْيَتِكِ فِي مُؤنَةٍ. قَالَ: أَجَلْ، وَلِذَلِكَ أَقُوْلُ: لَهَا دِرْهَمٌ لِلطِّيْبِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... وَآخَرُ لِلْحِنَّاءِ يَبْتَدِرَانِ وَلَوْلاَ نَوَالٌ مَنْ يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدٍ ... لَصَوَّتَ فِي حَافَاتِهَا الجَلَمَانِ (3)   (1) يعني بأس علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ كان هو الضارب به، والبيت في " ديوانه " ص 66 من قصيدة مطلعها: طيف الخيال حمدنا منك إلماما * داويت سقما، وقد هيجت أسقاما (2) كذا الأصل وهو خطأ صوابه: منصور بن الزبرقان بن سلمة النمري الشاعر المشهور المتوفى نحو 190 هـ. والبيت من قصيدة طويلة له أورد منها أبو الفرج في " الاغاني " ثمانية أبيات 13 / 115 في ترجمته، وانظر " تاريخ بغداد "، 13 / 67، وابن خلكان 6 / 336، و" طبقات ابن المعتز ": 242. (3) الجلمان - بفتح الجيم واللام - تثنية جلم، وهو المقص - والخبر أورده المبرد في " الكامل " 2 / 470 ت الدكتور زكي المبارك. وفيه: " في كل جمعة " بدل كل ليلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 وَبَلَغَنَا أَنَّ يَزِيْدَ بنَ مَزْيَدٍ أُهْدِيَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَاقْتَضَّهَا، فَمَاتَ عَلَى صَدْرِهَا بِبَرْذَعَةَ (1) ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَخَلَّفَ ابْنَيْهِ الأَمِيْرَيْنِ: خَالِداً، وَمُحَمَّداً. وَلِمُسْلِمٍ فِيْهِ مَدَائِحُ بَدِيْعَةٌ. 20 - أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بنُ خَازِمٍ السَّعْدِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) مَوْلَى بَنِي سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّعْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. قَالَ أَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَعَمِيَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فَأَقَامُوا عَلَيْهِ مَأْتَماً. قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَيُقَالُ: عَمِيَ ابْنَ ثَمَانِ سِنِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَسُهَيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَبُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ،   (1) مدينة من أقصى بلاد أذربيجان. (*) التاريخ لابن معين: 512، 513، طبقات ابن سعد 6 / 392، طبقات خليفة: ت 1304، التاريخ الكبير 1 / 74،، المعارف: 510، الجرح والتعديل 7 / 246، مشاهير علماء الأمصار: ت 1368، تهذيب الكمال: لوحة 1191، تذهيب التهذيب 3 / 200 / 1، العبر 1 / 318، ميزان الاعتدال 4 / 575، تذكرة الحفاظ 1 / 294، الكاشف 3 / 27، دول الإسلام 1 / 123، نكت الهميان: 247، شرح العلل لابن رجب 2 / 669، تهذيب التهذيب 9 / 137، النجوم الزاهرة 2 / 148، طبقات الحفاظ: 122، خلاصة تذهيب الكمال: 334. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 وَالكَلْبِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ طَرِيْفٍ الإِسْكَافِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، وَبَشَّارِ بنِ كِدَامٍ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَالحَسَنِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيْمِيِّ، وَخَالِدِ بنِ إِلْيَاسَ، وَسَعْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ بنِ مِهْرَانَ، وَأَبِي بُرْدَةَ عَمْرِو بنِ يَزِيْدَ، وَقَنَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْن جُرَيْجٍ - شَيْخُهُ - وَالأَعْمَشُ - شَيْخُه - وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَنَّادٌ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ. سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَجَرِيْرٍ فِي الأَعْمَشِ، فَقَدَّمَ أَبَا مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِيْهِ: كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ، يَقُوْلُ: قَدْ صَارَ حَدِيْثُ الأَعْمَشِ فِي فَمِي عَلْقَماً، أَوْ أَمَرَّ، لِكَثْرَةِ مَا تَرَدَّدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ أَبِي: أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي غَيْر حَدِيْثِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 الأَعْمَشِ مُضْطَرِبٌ، لاَ يَحفَظُهَا حِفْظاً جَيِّداً، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ -وَاللهِ- حَافِظاً لِلْقُرْآنِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرٍ فِي الأَعْمَشِ. قَالَ: وَرَوَى: أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ، وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ بَعْدَ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ لَنَا وَكِيْعٌ: مَنْ تَلْزَمُوْنَ؟ قُلْنَا: نَلزَمُ أَبَا مُعَاوِيَةَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ يَعُدُّ عَلَيْنَا فِي حَيَاةِ الأَعْمَشِ أَلْفاً وَسَبْعَ مائَةٍ. فَقُلْتُ لأَبِي مُعَاوِيَةَ: إِنَّ وَكِيْعاً، قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: صَدَقَ، وَلَكِنِّي مَرِضْتُ مَرْضَةً، فَأُنسِيتُ أَرْبَعَ مائَةٍ. عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَفِظتُ مِنَ الأَعْمَشِ أَلْفاً وَسِتَّ مائَةٍ، فَمَرِضتُ مَرضَةً، فَذَهَبَ عَنِّي مِنْهَا أَرْبَعُ مائَةٍ. قَالَ يَحْيَى: كَانَ عِنْدَهُ أَلْفٌ وَمائَتَانِ، وَعِنْدَ وَكِيْعٍ عَنِ الأَعْمَشِ ثَمَانِ مائَةٍ. قُلْتُ لِيَحْيَى: كَانَ أَبُو مُعَاوِيَةَ أَحْسَنُهُم حَدِيْثاً عَنِ الأَعْمَشِ؟ قَالَ: كَانَتْ تِلْكَ الأَحَادِيْثُ الكِبَارُ العَالِيَةُ عِنْدَهُ (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَتَبْنَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَكَانَ عِنْدَ جَرِيْرٍ أَلفٌ وَمائَتَانِ عَنِ الأَعْمَشِ، وَكَانَ عِنْدَ الأَعْمَش مَا لَمْ يَكُنْ عِنْد أَبِي مُعَاوِيَةَ، أَرْبَعُ مائَةٍ وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ حَدِيْثاً. مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ لأَبِي مُعَاوِيَةَ: أَمَّا أَنْتَ، فَقَدْ رَبَطْتَ رَأْسَ كِيسِكَ. وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ شَبَابَةَ يَقُوْلُ: جَاءَ أَبُو مُعَاوِيَةَ إِلَى   (1) " تاريخ ابن معين ": 512. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 مَجْلِسِ شُعْبَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ! سَمِعْتَ حَدِيْثَ كَذَا مِنَ الأَعْمَشِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ شُعْبَةُ: هَذَا صَاحِبُ الأَعْمَش، فَاعْرِفُوهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا نُعِيْمٍ يَقُوْلُ: لَزِمَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَعْمَشَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ: مَا أَدْرَكْنَا أَحَداً كَانَ أَعْلَمَ بِأَحَادِيْثِ الأَعْمَشِ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: البُصَرَاءُ، كَانُوا عِيَالاً عَلَيَّ عِنْدِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ أَقُوْلُ فِيْهِ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ مَا حَفِظتُهُ مِنْ فِيِّ المُحَدِّثِ، وَمَا قُلْتُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ، فَهُوَ مَا لَمْ أَحْفَظْه مِنْ فِيْهِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ، فَحَفِظتُهُ وَعَرَفتُهُ. قَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، يَرَى الإِرْجَاءَ (1) ، وَكَانَ لَيِّنَ القَوْلِ فِيْهِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا دَلَّسَ، كَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ، فَيُقَالُ: إِنَّ وَكِيْعاً لَمْ يَحضُرْ جِنَازَتَه لِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَئِيْسَ المُرْجِئَةَ بِالكُوْفَةِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، وَهُوَ فِي الأَعْمَش ثِقَةٌ، وَفِي غَيْرِهِ فِيْهِ اضْطِرَابٌ.   (1) قد تقدم غير مرة أن هذا لا يعد قدحا في حق القائل به عند الجهابذة النقاد من المحدثين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُرْجِئاً، خَبِيثاً. وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: كُنَّا نَرْقَعُ الحَدِيْثَ عِنْد الأَعْمَشِ، ثُمَّ نَخرُجُ، فَلاَ يَكُوْنُ أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنَّا لِحَدِيْثِهِ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَكَانَ هَارُوْنَ الرَّشِيْد يُجِلُّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَيَحْتَرِمُهُ. قِيْلَ: إِنَّهُ أَكَلَ عِنْدَهُ، فَغَسَلَ يَدَيْه، فَكَانَ الرَّشِيْدُ هُوَ الَّذِي صَبَّ عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ: تَدْرِي يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْكَ، ثُمَّ وَصَلَهُ بِذَهَبٍ كَثِيْرٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: مَاتَ أَبُو مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَزَادَ بَعْضُهُم: فِي صَفَرٍ - أَوْ أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ -. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ مَحَاسِنَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَصْرٍ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَة (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ   (1) وأخرجه الطحاوي 1 / 205، وابن أبي داود في " المصاحف " من غير وجه عن عاصم بهذا الإسناد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو: " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في عشرين ليلة " قال: قلت: إني أجد قوة، قال: " فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " أخرجه البخاري 9 / 84، ومسلم (1159) ، ولابي داود (1394) ، والترمذي (2950) بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 بنِ أَبِي السَّهْلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ السَّبَّاكِ، وَعَلِيُّ بنُ سَالِمٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتِيْلَ، وَنَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، زَادَ ابْنُ شَاتِيْلَ، فَقَالَ: وَأَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُوْدِ، فَأَسرَعَ فِيْهِمُ القَتْلُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُم بِنِصْفِ العَقْلِ، وَقَالَ: (أَنَا بَرِيْءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيْمُ بَيْنَ ظَهْرَي المُشْرِكِيْنَ) . قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَلِمَ؟ قَالَ: (لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا) (1) . 21 - أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ * مِنْ كِبَارِ أَوْلِيَاءِ اللهِ. صَحِبَ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ،   (1) وأخرجه أبو داود (2645) في الجهاد: باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، والترمذي (1604) في السير: باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين، كلاهما من طريق هناد بن السري، عن أبي معاوية بهذا الإسناد، وهذا سند رجاله ثقات إلا أن أكثر أصحاب إسماعيل وهو ابن أبي خالد لم يذكروا فيه جريرا. ورجح البخاري وغيره المرسل، لكن الحديث ثابت من غير وجه، فقد أخرج النسائي 7 / 148، وأحمد 4 / 365، والبيهقي 9 / 13، من طريق أبي وائل عن أبي نخيلة أو نحيلة البجلي، قال: قال جرير: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يارسول الله ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط علي فأنت أعلم، قال: " أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين ". وإسناده صحيح، وفي الباب عن سمرة بن جندب مرفوعا: " من جامع المشرك وسكن معه، فإنه مثله " أخرجه أبو داود (2787) في آخر كتاب الجهاد. وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه: " لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين ". أخرجه النسائي 5 / 83، وابن ماجة (2536) ، وسنده حسن، وصححه الحاكم 4 / 600، ووافقه الذهبي. * حلية الأولياء 8 / 271. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 وَغَيْرَهُمَا، وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ ذَهَبَ بَصَرُه، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ التِّلاَوَةَ فِي المُصْحَفِ، أَبصَرَ بِإِذْنِ اللهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: جَاءَ إِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدِ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ قَالُوا: ادْعُ اللهَ لَنَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِهِم، وَلاَ تَحْرِمْهُم بِي. قَالَ أَحْمَدُ بنُ فُضَيْلٍ العَكِّيُّ: غَزَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ، فَحَضَرَ المُسْلِمُوْنَ حِصْناً فِيْهِ عِلْجٌ، لاَ يَرْمِي بِحَجَرٍ وَلاَ نُشَّابٍ إِلاَّ أَصَابَ، فَشَكَوْا إِلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَقَرَأَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأَنْفَالُ: 17] ، اسْتُرُوْنِي مِنْهُ. فَلَمَّا وَقفَ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُوْنَ بِإِذنِ اللهِ؟ قَالُوا: المذَاكِيْرَ. فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، قَدْ سَمِعْتَ مَا سَأَلُوْنِي، فَأَعْطِنِي ذَلِكَ: بِسْمِ اللهِ، ثُمَّ رَمَى المذَاكِيْرَ، فَوَقَعَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، حَجَّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ مِنْ طَرَسُوْس لِيُعَزِّيَ الفُضَيْلَ. وَمِنْ كَلاَمِهِ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، طَالَ غَداً غَمُّهُ، وَمَنْ خَافَ مَا بَيْنَ يَدَيْه، ضَاقَ بِهِ ذَرْعُهُ، وَلَهُ مَوَاعِظُ وَحِكَمٌ. 22 - إِبْرَاهِيْمُ المَوْصِلِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ مَاهَانَ بنِ بَهْمَنَ * رَئِيْسُ المُطْرِبِيْنَ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَاهَانَ بنِ بَهْمَنَ   (*) الاغاني 5 / 154 - 258، تاريخ بغداد 6 / 175، وفيات الأعيان 1 / 42، 43، العبر 1 / 420، مرآة الجنان 1 / 420، البداية 10 / 200، النجوم الزاهرة 2 / 126، شذرات الذهب 1 / 318. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 الفَارِسِيُّ الأَصْلِ، الأَرَّجَانِيُّ (1) ، مَوْلَى بَنِي حَنْظَلَةَ. صَحِبَ بِالكُوْفَةِ فِتْيَاناً فِي طَلَبِ الغِنَاءِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُ، فَهَرَبَ إِلَى المَوْصِلِ، وَكَانَ مَاهَانُ قَدِمَ مِنْ أَرَّجَانَ، وَهَذَا حَمَلٌ، فَوُلِدَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. فَبَرَعَ فِي الآدَابِ، وَالشِّعْرِ، وَالمُوْسِيْقَى، وَسَافَرَ فِي تَطلُّبِ ذَلِكَ، إِلَى أَنْ بَرَعَ وَاشْتُهِرَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَاتَّصَلَ بِالخُلَفَاءِ وَالبَرَامِكَةِ، وَحَصَّلَ الأَمْوَالَ، وَكَانَ نَدِيَّ الصَّوْتِ جِدّاً، مَاهِراً بِالعُوْدِ، لَعَّاباً، مُتْرَفاً - سَامَحَهُ اللهُ - وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي (الأَغَانِي (2)) . وَهُوَ وَالِدُ العَلاَّمَةِ الأَدِيْبِ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ. وَيُقَالُ: عَاشَ إِلَى مَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ. 23 - المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ بنِ نُفَيْلِ بنِ جَابِرِ بنِ جَبَلَةَ الأَزْدِيُّ * (خَ، د، س) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَزْدِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الحَافِظُ.   (1) نسبة إلى أرجان بتشديد الراء: مدينة بين فارس والاهواز. (2) 5 / 154 - 258. (*) طبقات ابن سعد 7 / 487، طبقات خليفة: ت 3102، التاريخ الكبير 8 / 60، الجرح والتعديل 8 / 399، مشاهير علماء الأمصار: ت 1489، تاريخ بغداد 13 / 226، تهذيب الكمال: لوحة 1340، تذهيب التهذيب 4 / 48 / 2، العبر 1 / 291، ميزان الاعتدال 4 / 134، تذكرة الحفاظ 1 / 287، الكاشف 3 / 155، دول الإسلام 1 / 118، تهذيب التهذيب 10 / 199، النجوم الزاهرة 2 / 117، طبقات الحفاظ: 120، خلاصة تذهيب الكمال: 380، شذرات الذهب 1 / 308، منية الأدباء: 119. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَجَعْفَرَ بنَ بُرْقَانَ، وَحَنْظَلَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَثَوْرَ بنَ يَزِيْدَ، وَسَيْفَ بنَ سُلَيْمَانَ المَكِّيَّ، وَأَفْلَحَ بنَ حُمَيْدٍ، وَمُوْسَى بنَ عُبَيْدَةَ، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُمَرَ بنَ ذَرٍّ، وَمُحِلَّ بنَ مُحْرِزٍ الضَّبِّيَّ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ جَعْفَرٍ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَخَلْقاً مِنْ طَبَقَتِهِم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُوْنُ مِثْلَه. حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ - وَهُم مِنْ جِيْلِهِ - وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، وَالحَسَنُ بنُ بِشْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي خِدَاشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، وَمَسْعُوْدُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، وَهِشَامُ بنُ بَهْرَامَ المَدَائِنِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ المُعَافَى، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ فُلَيْحٍ المَكِّيُّ، وَمُوْسَى بنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ، وَعِدَّةٌ. وَقَدْ سَاقَ الحَافِظُ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ فِي (تَارِيْخِ المَوْصِلِ) لَهُ تَرْجَمَةَ المُعَافَى فِي عِشْرِيْنَ وَرَقَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ دَاوُدَ الحُدَّانِيَّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ، وَنَحْنُ بِبَيْرُوْتَ: أَنَا، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَمَعَهُ كِتَابُ (السُّنَنِ) لأَبِي خَلَتْقَمُرّ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا الخَطَأَ فِي أُمَّةٍ، لأَوْسَعَهُم خَطَأً. ثُمَّ قَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ: صَنَّفَ المُعَافَى فِي الزُّهدِ، وَالسُّنَنِ، وَالفِتَنِ، وَالأَدَبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُوْلُ: المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: إِنِّيْ لأَذْكُرُ المُعَافَى اليَوْمَ، فَأَنْتَفِعُ بِذِكْرِهِ، وَأَذْكُرُ رُؤْيَتُهُ، فَأَنْتَفِعُ. وَقَالَ وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا المُعَافَى وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ. وَعَنْ بِشْرٍ الحَافِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الرَّجُلُ الصَّالِحُ -يَعْنِي: المُعَافَى-. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: امْتَحِنُوا أَهْلَ المَوْصِلِ بِالمُعَافَى. وَيُرْوَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لاَ أُقَدِّمُ عَلَى المُعَافَى المَوْصِلِيِّ أَحَداً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ المُعَافَى ثِقَةً، خَيِّراً، فَاضِلاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ. بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ للهِ فِي العَبْدِ حَاجَةٌ، نَبَذَهُ إِلَى السُّلْطَانِ. قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: كَانَ المُعَافَى يَحفَظُ الحَدِيْثَ وَالمَسَائِلَ، سَأَلتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ: اقعُدْ هُنَا وَلاَ تَبْرَحْ. قَالَ: يَجْلِسُ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ صَلاَةٍ، ثُمَّ يَقُوْمُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَارَةَ: رَأَيْتُ المُعَافَى بنَ عِمْرَانَ - وَلَمْ أَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ - يُسْأَلُ عَنْ تَجصِيصِ القُبُوْرِ، فَكَرِهَهُ (1) .   (1) في " صحيح مسلم " (970) من حديث جابر بن عبد الله، قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 عَلِيُّ بنُ مَضَاءٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ بَهْرَامَ، سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً آدَبَ مِنَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُعَافَى كَانَ أَحَدَ الأَسخِيَاءِ المَوْصُوْفِيْنَ، أَفنَى مَالَهُ الجُودُ، كَانَ إِذَا جَاءهُ مَغَلُّهُ، أَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَصْحَابِهِ مَا يَكفِيْهِم سَنَةً، وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَثَلاَثِيْنَ رَجُلاً. قُلْتُ: كَانَ مِنْ وُجُوْهِ الأَزْدِ. قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى فِي الفَرَحِ وَالحُزْنِ وَاحِداً، قَتَلَتِ الخَوَارِجُ لَهُ وَلَدَيْنِ، فَمَا تَبَيَّنَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَجَمَعَ أَصْحَابَهُ، وَأَطعَمَهُم، ثُمَّ قَالَ لَهُم: آجَرَكُمُ اللهُ فِي فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ. رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ بِشْرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: كُنْتُ عِنْدَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَقَالَ: أَسَمِعْتَ مِنَ المُعَافَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَحسِبُ أَحَداً رَأَى المُعَافَى، وَسَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ، يُرِيْدُ بِعِلْمِهِ اللهَ -تَعَالَى-. قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: سَمِعْتُ المُعَافَى يَقُوْلُ: أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ السُّكْنَى -يَعْنِي بِبَغْدَادَ-. وَقِيْلَ لِبِشْرٍ: نَرَاكَ تَعشَقُ المُعَافَى؟ قَالَ: وَمَا لِيَ لاَ أَعشَقُهُ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُسَمِّيهِ اليَاقُوتَةَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ: رَأَيْتُ المُعَافَى أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ قَمِيْصٌ غَلِيْظٌ، وَكُمُّهُ يَبِيْنُ مِنْهُ أَطرَافُ أَصَابِعِه. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: المُعَافَى ثِقَةٌ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى صَاحِبَ دُنْيَا وَاسِعَةٍ، وَضِيَاعٍ كَثِيْرَةٍ، قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ: أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ. قُلْتُ: قَوْلُ مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ فُضُولَ الكَلاَمِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الكَلاَمِ المُبَاحِ، هَلْ يَكْتُبُهُ المَلَكَانِ، أَمْ لاَ يَكْتُبَانِ إِلاَّ المُسْتَحَبَّ الَّذِي فِيْهِ أَجْرٌ، وَالمَذْمُوْمَ الَّذِي فِيْهِ تَبِعَةٌ؟ وَالصَّحِيْحُ كِتَابَةُ الجَمِيْعِ، لِعُمُوْمِ النَّصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ} [ق: 18] ، ثُمَّ لَيْسَ إِلَى المَلَكَيْنِ اطِّلاَعٌ عَلَى النِّيَّاتِ وَالإِخْلاَصِ، بَلْ يَكْتُبَانِ النُّطْقَ، وَأَمَّا السَّرَائِرُ البَاعِثَةُ لِلنُّطْقِ، فَاللهُ يَتَوَلاَّهَا. وَقَدْ أَوْصَى المُعَافَى -رَحِمَهُ اللهُ- أَوْلاَدَهُ بِوَصِيَّةٍ نَافِعَةٍ، تَكُوْنُ نَحْواً مِنْ كُرَّاسٍ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ، وَلَهُ (مُسْنَدٌ) صَغِيْرٌ، سَمِعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ الحَافِظُ تَاجُ الدِّيْنِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ العَلَوِيُّ الغَرَّافِيُّ، بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ القَطِيْعِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَنَا فِي الخَامِسَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ السَّرِيِّ المُجَلِّدُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ القَصَّارُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَبَّاسِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 سَمِيْنَةَ- حَدَّثَنَا المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، عَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْكُبُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوْءَهُ عَنْ جَمِيْعِ أَزْوَاجِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه (1) مِنْ حَدِيْثِ وَكِيْعٍ، عَنْ صَالِحٍ. تُوُفِّيَ المُعَافَى - فِيْمَا قَالَهُ سَلَمَةُ بنُ أَبِي نَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ -: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَرَبَاحُ بنُ الجَرَّاحِ - شَيْخٌ لِحَاتِمِ بنِ اللَّيْثِ -: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ الخَوَّاصُ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَمِمَّا رَوَاهُ: المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ بُدَيْلٍ، قَالَ: مَنْ عَرَفَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَحَبَّهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ   (1) رقم (589) في الطهارة: باب ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلا واحدا. بلفظ " وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا، فاغتسل من جميع نسائه في ليلة ". وصالح ابن أبي الاخضر ضعيف، ضعفه ابن معين، والنسائي، والبخاري، وغيرهم كما في " ميزان " المؤلف، فالسند ضعيف، وليس بحسن، لكن الحديث ثبت من وجه آخر، عن أنس، فقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (309) في الحيض: باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له،..من طريق شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد. وأخرجه النسائي 1 / 143 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد، عن أنس، وأخرجه عبد الرزاق (1061) ، ومن طريقه ابن خزيمة (230) ، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه ابن ماجة (588) من طريقين عن سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، وأخرج ابن خزيمة (231) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس ابن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار بغسل واحد، وهي إحدى عشرة، قال: فقلت لانس: وهل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا، وأخرجه البخاري 1 / 324 في الغسل: باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد، لكن ليس فيه " بغسل واحد ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 الدُّنْيَا، زَهِدَ فِيْهَا، وَالمُؤْمِنُ لاَ يَلهُو حَتَّى يَغْفُلَ، فَإِذَا تَذَكَّرَ، حَزِنَ. 24 - المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ الحِمْصِيُّ أَبُو عِمْرَانَ الحِمْيَرِيُّ * أَمَّا: المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ الحِمْصِيُّ، فَهُوَ المُحَدِّثُ، أَبُو عِمْرَانَ الحِمْيَرِيُّ، الظِّهْرِيُّ. يَرْوِي عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ لَهِيْعَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ زُرَيْقٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: كَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو التَّقِيِّ هِشَامٌ اليَزَنِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، وَمِزْدَادُ بنُ جَمِيْلٍ، وَأَبُو حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ. ذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَهُوَ صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. مَاتَ: بَعْدَ المائَتَيْنِ. 25 - أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ المَدَنِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، المَدَنِيُّ.   (*) الجرح والتعديل 8 / 400، تهذيب الكمال: لوحة 1341، تذهيب التهذيب 4 / 49 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 134، المغني في الضعفاء 2 / 665، تهذيب التهذيب 10 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 380. (* *) التاريخ لابن معين: 43، طبقات خليفة: 276، التاريخ الكبير 2 / 32، التاريخ الصغير 2 / 288، تاريخ الفسوي 1 / 190، الجرح والتعديل 2 / 289، مشاهير علماء الأمصار: ت 1122، تهذيب الكمال: لوحة 124، تذهيب التهذيب 1 / 73 / 1، العبر 1 / 332، دول الإسلام: 126، تذكرة الحفاظ 1 / 323، الكاشف 1 / 140، تهذيب التهذيب 1 / 375، طبقات الحفاظ: 135 خلاصة تذهيب الكمال: 40، شذرات الذهب 1 / 358. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعُمِّرَ دَهْراً، وَتَفَرَّدَ فِي زَمَانِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ خُلُقاً مِنْ أَبِي ضَمْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَلاَ أَسْمَحَ بِعِلْمِهِ مِنْهُ، قَالَ لَنَا: وَاللهِ لَوْ تَهَيَّأَ لِي أَنْ أُحَدِّثَكُم بِكُلِّ مَا عِنْدِي فِي مَجْلِسٍ، لَفَعَلْتُ. قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَتَيْنِ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ الرِّضَى، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيْرُوْيِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ عِنْدِي بَعْد العَصْرِ قَطُّ (2) .   (1) نسبة إلى جده شيرويه. (2) إسناده صحيح، وقد رواه من غير وجه عن عائشة البخاري 2 / 52 في مواقيت الصلاة: باب ما يصلى بعد العصر، ومسلم (833) و (835) في صلاة المسافرين: باب = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 26 - حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنَانِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنَانِيُّ، الرَّازِيُّ. سَمِعَ: حُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيَّانِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُوْسَى بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، بِمَكَّةَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ لِلْحَجِّ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ فِي السُّنِّيَّةِ، تُوُفِّيَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ. 27 - ابْنُ الإِمَامِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ ** نَائِبُ دِمَشْقَ، الأَمِيْرُ مُحَمَّدُ ابْنُ الإِمَامِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ.   = معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر، وأبو داود (1279) في الصلاة: باب الصلاة بعد العصر، والنسائي 1 / 280 و281 في المواقيت: باب الرخصة في الصلاة بعد العصر. (*) التاريخ لابن معين: 123، طبقات ابن سعد 7 / 381، طبقات خليفة 3168، تهذيب الكمال لوحة 310، تذهيب التهذيب 1 / 166 / 1، العبر 1 / 303، الكاشف 1 / 244، تهذيب التهذيب 2 / 422، خلاصة تذهيب الكمال: 98، شذرات الذهب 1 / 325. (* *) المعارف: 376، تاريخ بغداد 1 / 384، الكامل لابن الأثير 6 / 171، العبر 1 / 292، شذرات الذهب 1 / 309، العقد الثمين 1 / 401 - 404. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 وَلِيَ دِمَشْقَ لابْنِ عَمِّهِ المَهْدِيِّ، ثُمَّ لِلرَّشِيْدِ، وَوَلِيَ مَكَّةَ وَالمَوْسِمَ، وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، يُذْكَرُ لِلْخِلاَفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَعَنِ المَنْصُوْرِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ رَاوِي حَدِيْثِ: (أَكْرِمُوا الشُّهُوْدَ (1)) . وَمَا عَلِمتُ أَحَداً تَجَاسَرَ عَلَى تَضْعِيْفِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ لِمَكَانِ الدَّوْلَةِ. عَاشَ: ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 28 - يَحْيَى بنُ خَالِدِ بنِ بَرْمَكَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ * الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ، مِنْ رِجَالِ الدَّهْرِ حَزْماً، وَرَأْياً، وَسِيَاسَةً، وَعَقْلاً، وَحِذْقاً بِالتَّصَرُّفِ، ضَمَّهُ المَهْدِيُّ إِلَى ابْنِهِ الرَّشِيْدِ لِيُرَبِّيَهُ، وَيُثَقِّفَهُ، وَيُعَرِّفَهُ الأُمُوْرَ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، رَفَعَ قَدْرَهُ، وَنَوَّهَ بِاسْمِهِ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُ: يَا أَبِي، وَرَدَّ إِلَيْهِ مَقَالِيْدَ الوِزَارَةِ،   (1) أخرجه الخطيب البغدادي 10 / 300، وفيه عبد الصمد بن علي، قال المؤلف في " الميزان ": هذا منكر، وما عبد الصمد بحجة، ولعل الحافظ إنما سكتوا عند مداراة للدولة. ونقل الفتني في " تذكرة الموضوعات " ص 186، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ص 200، عن الصغاني أنه موضوع، ونسبه السيوطي في " الجامع الصغير " إلى البانياسي في جزئه، وابن عساكر في تاريخه. (*) تاريخ خليفة: 465، المعارف: 381، 382، تاريخ بغداد 14 / 128، معجم الأدباء 20 / 5، وفيات الأعيان 6 / 219، العبر 1 / 306، مرآة الجنان 1 / 424، البداية والنهاية 10 / 204، شذرات الذهب 1 / 288 و327، البيان المغرب 1 / 80، الوزراء والكتاب للجهشياري انظر الفهرس، مروج الذهب 2 / 228، الكامل لابن الأثير 6 / 15، 16، 177 و179 و183 و198، وفي هامش الاعلام، عن أصل خطي قديم: كان جدهم برمك من مجوس بلخ، يخدم النوبهار - وهو معبد كان للمجوس بمدينة بلخ توقد فيه النيران، واشتهر برمك المذكور وبنوه بسدانته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 وَصَيَّرَ أَوْلاَدَهُ مُلُوَكاً، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمِهِم إِلَى الغَايَةِ مُدَّةً، إِلَى أَنْ قَتَلَ وَلَدَهُ جَعْفَرَ بنَ يَحْيَى، فَسَجَنَهُ، وَذَهَبَتْ دَوْلَةُ البَرَامِكَةِ - كَمَا ذَكَرنَا فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرٍ -. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: الدُّنْيَا دُوَلٌ، وَالمَالُ عَارِيَّةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَفِيْنَا لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ (1) . قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: كَانَتْ صِلاَتُ يَحْيَى لِمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ إِذَا رَكِبَ، مائَتَيْ دِرْهَمٍ. فَقَالَ لِي أَبِي: شَكَوْتُ إِلَى يَحْيَى ضِيْقاً، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، لَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى أَمرٍ، فَكُنْ فِيْهِ رَجُلاً، جَاءنِي وَكِيلُ صَاحِبِ مِصْرَ، يَطلُبُ أَنْ أَسْتَهدِيَ مِنْهُ شَيْئاً، فَأَبَيْتُ، فَأَلَحَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ أُعْطِيْتَ فِي جَارِيَةٍ لَكَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَهُوَ ذَا أَسْتَهدِيه إِيَّاهَا، وَأُخْبِرُهُ أَنَّهَا قَدْ أَعْجَبَتْنِي، فَلاَ تَنْقُصْهَا عَنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا شَعَرتُ إِلاَّ وَالرَّجُلُ يَسُومُنِي الجَارِيَةَ، فَبَذَلَ فِيْهَا عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَضَعُفَ قَلْبِي عَنْ رَدِّهَا. فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الوَزِيْرِ، قَالَ: إِنَّكَ لَكَذَا، كُنْتَ صَبْرتَ، وَهَذَا خَلِيْفَةُ صَاحِبِ فَارِسَ قَدْ جَاءنِي فِي مِثْلِ هَذَا، فَخُذْ جَارِيَتَكَ، فَإِذَا سَاوَمَكَ، لاَ تَنْقُصْهَا مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَجَاءنِي، فَلِنْتُ، وَبِعتُهَا بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً. فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الوزِيْرِ، قَالَ: أَلَمْ تُؤَدِّبْكَ الأُوْلَى عَنِ الثَّانِيَةِ، خُذْ جَارِيَتَكَ إِلَيْكَ. فَقُلْتُ: قَدْ أَفَدتُ بِهَا خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، أُشْهِدُكَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُهَا (2) . قِيْلَ: إِنَّ أَوْلاَدَ يَحْيَى قَالُوا لَهُ وَهُم فِي القُيُودِ مَسْجُوْنِيْنَ: يَا أَبَةِ! صِرْنَا بَعْدَ العِزِّ إِلَى هَذَا! قَالَ: يَا بَنِيَّ! دَعْوَةُ مَظْلُوْمٍ غَفِلْنَا عَنْهَا، لَمْ يَغفُلِ اللهُ عَنْهَا.   (1) تقدم في الصفحة 60 من هذا الجزء. (2) تقدم في الصفحة 60 من هذا الجزء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 مَاتَ يَحْيَى بن خَالِدٍ: فِي سِجْنِ الرَّقَّةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ أَبُوْهُ أَحَدَ الأَعْيَانِ المَذْكُوْرِيْنَ. 29 - الفَضْلُ بنُ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ * وَكَانَ ابْنُهُ الفَضْلُ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ، وَلِيَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ، وَعَمِلَ الوِزَارَةَ، وَكَانَ فِيْهَا - قِيْلَ - أَسْخَى مِنْ جَعْفَرٍ، وَلَكِنَّهُ يُضْرَبُ بِكِبْرِهِ وَتِيْهِهِ المَثَلُ، وَصَلَ مَرَّةً لِعَمْرٍو التَّمِيْمِيِّ بِسِتِّيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَكَانَ أَخاً لِلرَّشِيْدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ. مَاتَ: كَهْلاً، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، مَسْجُوْناً، وَكَانَ قَدْ أَخْرَبَ بَيْتَ النَّارِ الَّذِي بِبَلْخَ، وَكَانَ جَدُّهُمْ بَرْمَكُ مُوْبِدَانَ (1) بِهِ. وَعَمِلَ الوِزَارَةَ مُدَّةً لِهَارُوْنَ، ثُمَّ حَوَّلَهَا مِنْهُ إِلَى جَعْفَرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى المَشْرِقِ كُلِّهِ هَذَا، وَاسْتَعْمَلَ جَعْفَراً عَلَى المَغْرِبِ كُلِّهِ. وَكَانَ الفَضْلُ غَارِقاً فِي اللَّذَاتِ المُرْدِيَةِ، حَتَّى تَعَطَّلَتِ الأُمُوْرُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ النَّحِسُ أَبُوْهُ، بِأَنْ يَتَسَتَّرَ، وَيَقْنَعَ بِاللَّيْلِ، فَسَمِعَ مِنْهُ، وَكَانَ عَلَى هَنَاتِهِ شُجَاعاً، مَهِيْباً، كَثِيْرَ الغَزْوِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: تَعَلَّمْتُ الكَرَمَ وَالتِّيهَ مِنْ عُمَارَةَ بنِ حَمْزَةَ (2) . أَتَيْتُهُ فِي جَائِحَةٍ لأَبِي، فَطُوْلِبَ بِأَمْوَالٍ، فَكَلَّمتُهُ، فَمَا بَشَّ بِي، وَطَلَبتُ مِنْهُ أَنْ يُقْرِضَنَا ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: حَتَّى نَنْظُرَ. وَرُحْتُ،   (*) التاريخ لابن معين: 475، المعارف: 382، الطبري 8 / 341، الكامل لابن الأثير 6 / 210، العبر 1 / 309، دول الإسلام 1 / 121، شذرات الذهب 1 / 330. (1) الموبد: صاحب معبد النار، والموبدان رئيسهم. (2) هو عمارة بن حمزة بن ميمون من ولد عكرمة مولى ابن عباس، كان تياها معجبا، جوادا كريما، معدودا في سراة الناس، وكان المنصور والمهدي يرفعان قدره، ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته، وكفايته ووجوب حقه، وولي لهما أعمالا كبارا. توفي سنة 199 هـ. انظر " معجم الأدباء " 15 / 242، 257 ففيه الكثير من أخباره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 فَوَجَدتُ المَالَ قَدْ بُعِثَ بِهِ إِلَى أَبِي، ثُمَّ عَادَ أَبِي إِلَى رُتْبَتِهِ، وَحَصَّلَ، ثُمَّ بَعَثَ مَعِي بِالوَفَاءِ، فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَكُنْتَ صَيْرَفِيّاً لأَبِيْكَ؟ اخْرُجْ عَنِّي، وَخُذِ المَالَ لَكَ. فَرُدِدتُ بِالمَالِ إِلَى أَبِي، فَأَعْطَانِي مِنْهُ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: أَتَاهُ رَجُلٌ يَمُتُّ (1) بِأَمرٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا! مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: رَثَاثَةُ مَلْبَسِي تُخْبِرُكَ. قَالَ: فَبِمَ تَمُتُّ؟ قَالَ: إِنِّيْ فِي سِنِّكَ، وَمِنْ جِيْرَانِكَ، وَاسْمِي كَاسْمِكَ. قَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِالوِلاَدَةِ؟ قَالَ: حَكَتْ لِي أُمِّي أَنَّهَا وَلَدَتْنِي صَبِيْحَةَ مَوْلِدِكَ، وَقِيْلَ لَهَا: وُلِدَ اللَّيْلَةَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ ابْنٌ سَمَّوْهُ الفَضْلَ. قَالَ: فَسَمَّتْنِي أُمِّي الفُضَيْلَ إِكْبَاراً لاسْمِكَ. فَتَبَسَّمَ الفَضْلُ، وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَمَرْكُوباً، ثُمَّ اسْتَعَمَلَه دِيْوَاناً. ضُرِبَ الفَضْلُ مائَتَي سَوْطٍ فِي المُصَادَرَةِ، حَتَّى كَادَ يَتْلَفُ، ثُمَّ دَاوَاهُ الجَرَائِحِيُّ مُدَّةً. 30 - الأَحْمَرُ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ * شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ. وَقِيْلَ: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، تِلْمِيْذُ الكِسَائِيِّ، نَاظَرَ سِيْبَوَيْه مَرَّةً. قَالَ ثَعْلَبٌ: كَانَ الأَحْمَرُ يَحفَظُ - سِوَى مَا يَحْفَظُ - أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ بَيْتٍ شَاهِداً   (1) المت: كالمد، إلا أن المت يوصل بقرابة ودالة يمت بها، قال ابن سيده: مت إليه بالشيء يمت متا: توسل، وقال ابن الاعرابي: متت الرجل: إذا تقرب بمودة أو قرابة. (*) العلل لأحمد 189، تاريخ ابن معين: 422، طبقات النحويين للزبيدي: 95، تاريخ بغداد 12 / 104، 105، معجم الأدباء 13 / 5، 11، إنباه الرواة 2 / 313، 317، المزهر 2 / 410، بغية الوعاة 2 / 158، 159، نزهة الالباء: 97، الأنساب 1 / 45. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 فِي النَّحوِ (1) . وَقَالَ الأَحْمَرُ: وَصَلَنِي فِي يَوْمٍ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَكَانَ مُتَمَوِّلاً، مُتَجَمِّلاً، فَاخِرَ البِزَّةِ، كَأَنَّ دَارَهُ دَارُ مُلْكٍ بِالخَدَمِ وَالحَشَمِ. أَخَذَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ النَّدِيْمُ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَيُقَالُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ الجَهْمِ أَدْرَكَه. وَقِيْلَ: كَانَ شَابّاً، مِنْ رَجَّالَةِ بَابِ الخِلاَفَةِ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً، فَرَأَى الكِسَائِيَّ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، فَلَزِمَهُ إِلَى أَنْ بَرَعَ، فَنَدَبَهُ لِتَعْلِيْمِ أَوْلاَدِ الرَّشِيْدِ، نِيَابَةً عَنْ نَفْسِهِ. تُوُفِّيَ الأَحْمَرُ: بِطَرِيْقِ مَكَّةَ، فَتَوَجَّعَ الفَرَّاءُ لِمَوتِهِ. فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 31 - مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارِ بنِ كَثِيْرٍ أَبُو السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ * الوَاعِظُ، البَلِيْغُ، الصَّالِحُ، الرَّبَانِيُّ، أَبُو السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ - وَقِيْلَ: البَصْرِيُّ - كَانَ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي المَوْعِظَةِ وَالتَّذكِيْرِ. رَوَى عَنِ: اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ، وَهِقْلِ بنِ زِيَادٍ،   (1) نص الخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 104، و" إنباه الرواة " 2 / 314: كان علي بن المبارك مؤدب الامين يحفظ أربعين ألف بيت شاهد في النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد، وأبيات الغريب. (*) التاريخ الكبير 7 / 350، الضعفاء للعقيلي: 416، الجرح والتعديل 8 / 176، الكامل لابن عدي: 785، طبقات الصوفية: 130، 136، حلية الأولياء 9 / 325، تاريخ بغداد 13 / 71، 79، الرسالة القشيرية 1 / 135، ميزان الاعتدال 4 / 187، طبقات الأولياء: 286، 287، النجوم الزاهرة 2 / 244. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 وَالمُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبَشِيْرِ بنِ طَلْحَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتَضَلِّعِ مِنَ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ سُلَيْمٌ وَدَاوُدُ، وَزُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ الرَّقِّيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الحَارِثِ، وَغَيْرُهُم. وَعَظَ بِالعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَتَزَاحمَ عَلَيْهِ الخَلْقُ، وَكَانَ يَنطَوِي عَلَى زُهْدٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَخَشْيَةٍ، وَلِوَعْظِهِ وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَاحِبُ مَوَاعِظَ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيْثُهُ مُنْكَرٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَرْوِي عَنْ ضُعَفَاء أَحَادِيْثَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَنَّ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ حَضَرَ وَعْظَهُ، فَأَعْجَبَهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: أَقْطَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّاناً، وَإِنَّ ابْنَ لَهِيْعَةَ أَقطَعَهُ خَمْسَةَ فَدَادِيْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَسَأَلَهُ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ عَنِ القُرْآنِ، فَزَبَرَهُ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِعُكَّازِهِ. فَقِيْلَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ عَابِدٌ. فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ شَيْطَاناً (1) . وَعَنْ عَبْدَكَ العَابِدِ، قَالَ: قِيْلَ لِمَنْصُوْرٍ: تَتَكَلَّمُ بِهَذَا الكَلاَمِ، وَنَرَى مِنْكَ أَشْيَاءَ؟! قَالَ: احْسِبُونِي دُرَّةً عَلَى كُنَاسَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُطَرِّفٍ يَقُوْلُ:   (1) أورده المؤلف في " ميزانه " 4 / 187، والزيادة منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 رُؤِيَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، وَقَالَ لِي: يَا مَنْصُوْرُ! غَفَرْتُ لَكَ عَلَى تَخْلِيْطٍ فِيْكَ كَثِيْرٍ، إِلاَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَحُوشُ (1) النَّاسَ إِلَى ذِكْرِي. أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ - أَوْ حُذَيْفَةَ -: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَكُوْنُ لأَصْحَابِي بَعْدِي زَلَّةٌ، يَغْفِرُهَا اللهُ لَهُمْ بِسَابِقَتِهِم، ثُمَّ يَعْمَلُ بِهَا قَوْمٌ بَعْدَهُم، يَكُبُّهُمُ اللهُ فِي النَّارِ) . مَنْصُوْرُ بنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ: عَنْ عُقْبَةَ، مَرْفُوْعاً: (مُشَاشُ الطَّيْرِ يُوْرِثُ السِّلَّ) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ عَقَدَ عَبَاءً بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقَالَ: (إِنَّمَا لَبِسْتُ هَذَا، لأَقْمَعَ بِهِ الكِبْرَ (2)) . وَسَاقَ ابْنُ عَدِيٍّ مَنَاكِيْرَ لِمَنْصُوْرٍ، تَقْضِي بِأَنَّهُ وَاهٍ جِدّاً. أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ: لَمَّا قَدِمْتُ مِصْرَ، كَانُوا فِي قَحْطٍ، فَلَمَّا صَلَّوُا الجُمُعَةَ، ضَجُّوا بِالبُكَاءِ وَالدُّعَاءِ، فَحَضَرَتْنِي نِيَّةٌ، فَصِرْتُ إِلَى الصَّحْنِ، وَقُلْتُ: يَا قَوْمُ! تَقَرَّبُوا إِلَى   (1) أي تسوقهم وتجمعهم، يقال: حاش الابل يحوشها حوشا: جمعها وساقها. والخبر في " الحلية " 9 / 325، 326، ولا يعول في مثل هذا على المنام، بل على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا بالتثبت، ونقل أخباره نقلا صحيحا، وحذرنا من الكذب عليه. (2) هذه الأحاديث الثلاثة لا تصح لضعف منصور بن عمار، وشيخه ابن لهيعة، وقد أوردها المؤلف في " الميزان " 4 / 188 في ترجمة منصور. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 اللهِ بِالصَّدَقَةِ، فَمَا تُقُرِّبَ بِمِثْلِهَا. ثُمَّ رَمَيْتُ بِكِسَائِي، فَقَالَ: هَذَا جُهْدِي، فَتَصَدَّقُوا، حَتَّى جَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، حَتَّى فَاضَ الكِسَاءُ، ثُمَّ هَطَلَتِ السَّمَاءُ، وَخَرَجُوا فِي الطِّيْنِ، فَدَفَعْتُ إِلَى اللَّيْثِ وَابْنِ لَهِيْعَةَ، فَنَظَرَا إِلَى كَثْرَةِ المَالِ، فَوَكَّلُوا بِهِ الثِّقَاتَ، وَرُحْتُ أَنَا إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوْفُ عَلَى حِصْنِهَا، إِذَا رَجُلٌ يَرْمُقُنِي، قُلْتُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ المُتَكَلِّمُ يَوْمَ الجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: صِرْتَ فِتْنَةً، قَالُوا: إِنَّكَ الخَضِرُ، دَعَا فَأُجِيْبَ. قُلْتُ: بَلْ أَنَا العَبْدُ الخَاطِئُ. فَقَدِمْتُ مِصْرَ، فَأَقْطَعَنِي اللَّيْثُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّاناً (1) . أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مِصْرَ، وَبِهَا قَحْطٌ، فَتَكَلَّمْتُ، فَبَذَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيْرَةً، فَأَتَى بِيَ اللَّيْثُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الكَلاَمِ بِغَيْرِ أَمْرٍ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أَعْرِضُ عَلَيْكَ، فَإِنْ كَانَ مَكْرُوْهاً، نَهَيْتَنِي. قَالَ: تَكَلَّمْ، فَتَكَلَّمْتُ. قَالَ: قُمْ، لاَ يَحِلُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا وَحْدِي. قَالَ: وَأَخْرَجَ لِيَ جَارِيَةً، تُعَدُّ قِيْمَتُهَا ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: لاَ تُعْلِمْ بِهَا ابْنِي، فَتَهُوْنَ عَلَيْهِ (2) . أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَعْطَانِي اللَّيْثُ أَلفَ دِيْنَارٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ: المُتَكَلِّمُوْنَ ثَلاَثَةٌ: الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَعَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (3) .   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 13 / 72، 73، وقوله: " فجعلت المرأة تلقي خرصها " الخرص: بضم الخاء وكسرها: الحلقة من الذهب والفضة. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 73، 74. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 74. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا سَمِعَ وَعْظَ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتَ هَذَا؟ قَالَ: تَفِلَ فِي فِيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَقَالَ لِي: يَا مَنْصُوْرُ! قُلْ (1) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ: حَجَجْتُ، فَبِتُّ بِالكُوْفَةِ، فَخَرَجْتُ فِي الظَّلمَاءِ، فَإِذَا بِصَارِخٍ يَقُوْلُ: إِلَهِي وَعِزَّتِكَ، مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ، وَعَصَيْتُ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَلَكِنْ خَطِيْئَةٌ أَعَانَنِي عَلَيْهَا شَقَائِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ، فَالآنَ مَنْ يُنْقِذُنِي، فَتَلَوَتُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيْكُم نَاراً ... } [التَّحْرِيْمُ: 6] . قَالَ: فَسَمِعْتُ دَكْدَكَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، مَرَرْتُ هُنَاكَ، فَإِذَا بِجَنَازَةٍ وَعَجُوْزٌ تَقُوْلُ: مَرَّ البَارِحَةَ رَجُلٌ تَلاَ آيَةً، فَتَفَطَّرَتْ مَرَارَتُهُ، فَوَقَعَ مَيْتاً (2) . قَالَ سُلَيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ: كَتَبَ بِشْرٌ المَرِيْسِيُّ (3) إِلَى أَبِي: أَخْبِرْنِي عَنِ القُرْآنِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكَ، نَحْنُ نَرَى أَنَّ الكَلاَمَ فِي القُرْآنِ بِدعَةٌ، تَشَارَكَ فِيْهَا السَّائِلُ وَالمُجِيْبُ، تَعَاطَى السَّائِلُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَتَكَلَّفَ المُجِيْبُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْرِفُ خَالِقاً إِلاَّ اللهَ، وَمَا دُوْنَهُ مَخْلُوْقٌ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَانْتَهِ بِنَفْسِكَ وَبَالمُخْتَلِفِيْنَ فِيْهِ مَعَكَ إِلَى أَسْمَائِهِ الَّتِي سَمَّاهُ اللهُ بِهَا، وَلاَ تُسَمِّ القُرْآنَ بَاسْمٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَتَكُوْنَ مِنَ الضَّالِّينَ (4) . قَالَ الكَوْكَبِيُّ: حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُؤَادَ، حَدَّثَنِي سَلْمَوَيْه بنُ عَاصِمٍ، قَالَ: كَتَبَ بِشْرٌ إِلَى مَنْصُوْرِ بنِ عَمَّارٍ يَسْأَلُه عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 74. (2) ذكره بأطول مما هنا في " الحلية " 1 / 328، 329. (3) هو بشر بن غياث المريسي، القائل بخلق القرآن، ولم يدرك الجهم بن صفوان. وإنما أخذ مقالته، واحتج بها، ودعا إليها. وسترد ترجمته في الجزء العاشر. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 75، 76، و" حلية الأولياء " 1 / 326. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: اسْتِوَاؤُهُ غَيْرُ مَحْدُوْدٍ، وَالجَوَابُ فِيْهِ تَكَلُّفٌ، وَمَسْأَلَتُكَ عَنْهُ بِدعَةٌ، وَالإِيْمَانُ بِجُمْلَةِ ذَلِكَ وَاجِبٌ (1) . لَمْ أَجِدْ وَفَاةً لِمَنْصُوْرٍ، وَكَأَنَّهَا فِي حُدُوْدِ المائَتَيْنِ. 32 - العَبَّاسُ بنُ الأَحْنَفِ بنِ أَسْوَدَ بنِ طَلْحَةَ الحَنَفِيُّ * اليَمَامِيُّ. مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ غَزَلٌ فَائِقٌ. وَهُوَ خَالُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ الصُّوْلِيِّ الشَّاعِرِ. تُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ سِتِّيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ أَبُوْهُ الأَحْنَفُ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ. 33 - غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الهُذَلِيُّ مَوْلاَهُمْ ** (ع) الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهُذَلِيُّ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 76. (*) الشعر والشعراء 2 / 728، طبقات الشعراء لابن المعتز: 254، 257 الموشح: 290، الاغاني 8 / 352، تاريخ بغداد 12 / 127، وسمط اللآلي: 313، 497، معجم الأدباء 12 / 40، وفيات الأعيان 3 / 20، 27، العبر 1 / 312، البداية والنهاية 10 / 209، معاهد التنصيص 1 / 54، شذرات الذهب 1 / 334. (* *) التاريخ لابن معين: 508، طبقات ابن سعد 7 / 296، تاريخ خليفة: 466، طبقات خليفة ت: 1920، التاريخ الكبير 1 / 57، التاريخ الصغير 2 / 395، المعارف: 513، الجرح والتعديل 7 / 221، تاريخ بغداد 2 / 152، تهذيب الكمال: لوحة 1182، تذهيب التهذيب 3 / 194 / 2، العبر 1 / 311، تذكرة الحفاظ 1 / 300، ميزان الاعتدال 3 / 502، الكاشف 3 / 29، دول الإسلام 1 / 124، تهذيب التهذيب 9 / 96، طبقات الحفاظ: 184، خلاصة تذهيب الكمال: 330، شذرات الذهب 1 / 333. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الكَرَابِيْسِيُّ، التَّاجُ، أَحَدُ المُتْقِنِيْنَ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ: حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنٍ جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مَيْمُوْنٍ الأَنْمَاطِيِّ، وَمَعْمَرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَجَوَّدَ، وَحَرَّرَ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ صَاحِبُ البَصْرِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ المُقَوِّمُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَصَحَّ النَّاسِ كِتَاباً، وَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُخَطِّئَ غُنْدَراً، فَلَمْ يَقْدِرْ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَالَ غُنْدَرٌ: لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: مَا أَظُنُّه رَحَلَ فِي الحَدِيْثِ مِنَ البَصْرَةِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ هُوَ الَّذِيْنَ سَمَّاهُ غُنْدَراً (1) ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ تَعَنَّتَ ابْنَ جُرَيْجٍ فِي الأَخْذِ، وَشَغَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الحِجَازِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ إِلاَّ غُنْدَرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَخْرَجَ غُنْدَرٌ إِلَيْنَا ذَاتَ يَوْمٍ جِرَاباً فِيْهِ كُتُبٌ، فَقَالَ: اجْهَدُوا أَنْ تُخْرِجُوا فِيْهَا خَطَأً. قَالَ: فَمَا وَجَدْنَا فِيْهِ شَيْئاً، وَكَانَ يَصُوْمُ   (1) يقال: غلام غندر كجندب وقنفذ: سمين غليظ ناعم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كُنَّا نَسْتَفِيْدُ مِنْ كُتُبِ غُنْدَرٍ فِي حَيَاةِ شُعْبَةَ. وَقِيْلَ: كَانَ غُنْدَرٌ يَتَّجِرُ فِي الطَّيَالِسَةِ (1) ، وَفِي الكَرَابِيْسِ (2) ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَمُجَوِّدِيهِم. وَقِيْلَ: كَانَ مُغَفَّلاً. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَثَّامٍ يَقُوْلُ: أَتَيْتُ غُنْدَراً ... - فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدِيْثِ شُعْبَةَ - فَقَالَ لِي: هَاتِ كِتَابَكَ. فَأَبَيْتُ إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَ كِتَابَهُ، فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنِّي اشْتَرَيتُ سَمَكاً، فَأَكلُوْهُ، وَلَطَخُوا بِهِ يَدِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظتُ، طَلَبْتُهُ، فَقَالُوا لِي: أَكَلتَ فَشُمَّ يَدَكَ، أَفَمَا كَانَ يَدُلُّنِي بَطْنِي. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَثَّامٍ: وَكَانَ مُغَفَّلاً. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي شُعْبَةَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: غُنْدَرٌ فِي شُعْبَةَ، أَثْبَتُ مِنِّي. وَرَوَى: سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِيْثِ شُعْبَةَ، فَكِتَابُ غُنْدَرٍ حَكَمٌ بَيْنَهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ غُنْدَرٌ صَدُوْقاً، مُؤَدِّياً، وَفِي حَدِيْثِ شُعْبَةَ ثِقَةً، وَأَمَّا فِي غَيْرِ شُعْبَةَ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ.   (1) جمع الطيلسان أو الطالسان، وهو ضرب من الاوشحة، يلبس على الكتف، أو يحيط بالبدن، خال عن التفصيل والخياطة، وهو فارسي، معرب: تالسان أو تالشان. (2) جمع الكرباس: وهو ثوب غليظ من القطن، معرب: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ غُنْدَرٌ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ المَنَارَةِ، يُفَرِّقُ زَكَاتَه، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: أُرَغِّبُ النَّاسَ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ. فَاشْتَرَى سَمَكاً، وَقَالَ لأَهْلِهِ: أَصْلِحُوهُ. وَنَام، فَأَكَلَ عِيَالُهُ السَّمَكَ، وَلَطَخُوا يَدَهُ، فَلَمَّا انْتَبَهَ، قَالَ: هَاتُوا السَّمَكَ. قَالُوا: قَدْ أَكَلتَ. فَقَالَ: لاَ. قَالُوا: فَشُمَّ يَدَك. فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتُم، وَلَكِنْ مَا شَبِعْتُ. ابْنُ المَرْزُبَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِبِ البَصْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِغُنْدَرٍ: إِنَّهُم يُعَظِّمُوْنَ مَا فِيْكَ مِنَ السَّلاَمَةِ. قَالَ: يَكْذِبُوْنَ عَلَيَّ. قُلْتُ: فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ يَصِحُّ مِنْهَا. قَالَ: صُمْتُ يَوْماً، فَأَكَلتُ فِيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ نَاسِياً، ثُمَّ أَتْمَمْتُ صَوْمِي. وَنَقَلَ ابْنُ مَرْوَانَ فِي (المُجَالَسَةِ) ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: دَخَلْنَا عَلَى غُنْدَرٍ، فَقَالَ: لاَ أُحَدِّثُكُم بِشَيْءٍ حَتَّى تَجِيْؤُوا مَعِيَ إِلَى السُّوْقِ، وَتَمشُونَ، فَيَرَاكُمُ النَّاسُ، فَيُكْرِمُوْنِي. قَالَ: فَمَشَيْنَا خَلْفَهُ إِلَى السُّوْقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَيَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، جَاؤُونِي مِنْ بَغْدَادَ، يَكتُبُوْنَ عَنِّي. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَالتَفَتَ غُنْدَرٌ يَوْماً إِلَيَّ، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنِّي مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً أَصُوْمُ يَوْماً، وَأُفْطِرُ يَوْماً. قُلْتُ: اتَّفَقَ أَربَابُ الصِّحَاحِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِغُنْدَرٍ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ غَدِيْرٍ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (1)) . وَرَوَاهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الفَضْلِ هَذَا. أَخْرَجَه: السِّتَّةُ، سِوَى البُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيْثِ الثَّلاَثَةِ، عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ) .   (1) أخرجه مالك 2 / 62 في النكاح: باب استئذان البكر والايم في نفسها، ومن طريقه مسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، والترمذي (1108) في النكاح: باب ما جاء في استئمار البكر والثيب، وأبو داود (2098) في النكاح: باب الثيب، والنسائي 6 / 84 في النكاح: باب استئذان البكر في نفسها، وابن ماجة (1870) في النكاح: باب استئمار البكر والثيب. وأخرجه مسلم (1421) (67) ، وأبو داود (2099) ، والنسائي 6 / 85 من طريق زياد بن سعد، عن عبد الله بن الفضل، وأخرجه النسائي 6 / 84، من طريق صالح بن كيسان، عن عبد الله بن الفضل. (2) إسناده صحيح، ورواه مسلم (26) في الايمان: باب الدليل على أن من مات = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 34 - شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ * (ع، سِوَى ت) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو شُعَيْبٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، الدِّمَشْقِيُّ، الحَنَفِيُّ. أَخَذَ الفِقْهَ عَنْ: أَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الرَّأْيِ، مُتْقِناً، مُجَوِّداً لِلْحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ، وَدُحَيْمٌ، وَابْنُ عَائِذٍ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الجَوْبَرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَلَمْ يَلْحَقْهُ وَلَدُه شُعَيْبُ بنُ شُعَيْبٍ. تُوُفِّيَ: بِدِمَشْقَ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي كِبَارِ الفُقَهَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ-. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ، سِوَى التِّرْمِذِيِّ. 35 - السِّيْنَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَضْلُ بنُ مُوْسَى ** (ع) هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَضْلُ بنُ مُوْسَى   = على التوحيد دخل الجنة قطعا، من طريق إسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، كلاهما عن خالد الحذاء، وأخرجه أحمد 1 / 69، من طريق ابن علية، عن خالد. (*) التاريخ لابن معين: 257، طبقات ابن سعد 7 / 472، طبقات خليفة: ت 3039، الجرح والتعديل 4 / 341، مشاهير علماء الأمصار: ت 1486، تهذيب الكمال: لوحة 585، تذهيب التهذيب 2 / 78 / 1، الكاشف 2 / 11، تهذيب التهذيب 4 / 347، خلاصة تذهيب الكمال: 166، تهذيب ابن عساكر 6 / 323. (* *) التاريخ لابن معين: 475، طبقات ابن سعد 7 / 372، طبقات خليفة: ت = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 المَرْوَزِيُّ. وَسِيْنَانُ: قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ مَرْوَ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَهُوَ أَسَنُّ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَعَاشَ بَعْدَهُ مُدَّةً. رَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَخُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ وَكِيْعٌ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ أَعْرِفُه. أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ عَلَيْنَا عَامِلٌ بِمَرْوَ، وَكَانَ نَسَّاءً، فَقَالَ: اشْتَرُوا لِي غُلاَماً، وَسَمُّوْهُ بِحَضْرَتِي حَتَّى لاَ أَنسَى اسْمَه، ثُمَّ قَالَ: مَا سَمَّيْتُمُوْهُ؟ قَالُوا: وَاقِدٌ. قَالَ: فَهَلاَّ اسْماً لاَ أَنسَاهُ أَبَداً؟ -أَوْ قَالَ: فَهَذَا اسْمٌ مَا أَنسَاهُ أَبَداً-. وَقَالَ: قُمْ يَا فَرْقَدُ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ: سَمِعْتُ السِّيْنَانِيَّ يَقُوْلُ: طَلَبُ الحَدِيْثِ   = 3138، التاريخ الكبير 7 / 117، التاريخ الصغير 2 / 268، المعارف: 422، الجرح والتعديل 7 / 68، 69، مشاهير علماء الأمصار: ت 1586، تهذيب الكمال: لوحة 1102، تذهيب التهذيب 3 / 140 / 2، العبر 1 / 307، ميزان الاعتدال 3 / 360، تذكرة الحفاظ 1 / 296، الكاشف 2 / 384، دول الإسلام 1 / 121، تهذيب التهذيب 8 / 286، طبقات الحفاظ: 124، خلاصة تذهيب الكمال: 309، شذرات الذهب 1 / 329. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 حِرْفَةُ المَفَالِيْسِ، مَا رَأَيْتُ أَذَلَّ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: كَتَبْتُ العِلْمَ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقَ فِي نَفْسِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلِيْنِ: الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَيَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ: مَاتَ الفَضْلُ السِّيْنَانِيُّ لَيْلَةَ دَخَلَ هِرْثِمَةُ بنُ أَعْيَنَ وَالِياً عَلَى خُرَاسَانَ، فِي حَادِي عَشَرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى السِّيْنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الجُعَيْدُ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَكِيْدُ أَهْلَ المَدِيْنَةِ أَحَدٌ بِسُوْءٍ، إِلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَربَابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، سِوَى البُخَارِيِّ (1) ، فَرَوَاهُ عَنِ الثِّقَة، عَنِ السِّيْنَانِيِّ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.   (1) وهو في " صحيحه " 4 / 81 في فضائل المدينة: باب إثم من كاد أهل المدينة من طريق حسين بن حريث، عن الفضل بن موسى السيناني، وأخرجه مسلم (1387) في الحج: باب من أراد أهل المدينة بسوء، من طريق قتيبة بن سعيد، عن حاتم بن إسماعيل، عن عمر بن نبيه، عن دينار القراظ، قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أهل المدينة بسوء، أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ". وأخرجه أيضا (1313) (460) من طريق عامر بن سعد، عن أبيه بلفظ: " ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء ". وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم (1386) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 36 - يَزِيْدُ بنُ سَمُرَةَ الرَّهَاوِيُّ المَذْحِجِيُّ أَبُو هِرَّانَ * الزَّاهِدُ، شَامِيٌّ. عَنْ: عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَيَحْيَى السَّيْبَانِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ عَائِذٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ مِنْ أَهْلِ فَضْلٍ وَزُهْدٍ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: لَمْ يَذْكُرُوْهُ بِجَرْحٍ. وَالرَّهَا: بَطْنٌ مِنْ مَذْحِجٍ. 37 - قُلْتُ: فَأَمَّا يَزِيْدُ بنُ شَجَرَةَ أَبُو شَجَرَةَ (1) الرَّهَاوِيُّ ** فَقَدِيْمٌ. يُقَالَ: لَهُ صُحْبَةٌ. كَانَ أَمِيْرَ الجَيْشِ فِي غَزوِ الرُّوْمِ. أَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ. قَالَ شَبَابٌ: اسْتُشْهِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي البَحْرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 337، الجرح والتعديل 9 / 268. (* *) التاربخ لابن معين: 672، طبقات ابن سعد 7 / 446، طبقات خليفة: ت 500، تاريخ خليفة: 223، التاريخ الصغير 1 / 120، المعارف: 448، الجرح والتعديل 9 / 270، أسد الغابة 5 / 495، الإصابة: ت 9272. (1) ترجم له الحافظ في " الإصابة " برقم (9272) وقال: مختلف في صحبته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 قَالَ مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ شَجَرَةَ مِمَّا يُذَكِّرُنَا نَبْكِي، وَكَانَ يُصَدِّقُ بُكَاءَهُ بِفِعْلِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. 38 - ابْنُ عُلَيَّةَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِقْسَمٍ الأَسَدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو بِشْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الكُوْفِيُّ الأَصْلِ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ عُلَيَّةَ؛ وَهِيَ أُمُّهُ. وُلِدَ: سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَهْمِ بنِ مِقْسَمٍ البَصْرِيُّ مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأُمُّهُ عُلَيَّةُ مَوْلاَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ التَّيْمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ أَيُّوْبَ بنَ أَبِي تَمِيْمَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ. قُلْتُ: وَإِسْحَاقَ بنَ سُوَيْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ زَيْدٍ، وَحُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي نَجِيْحٍ، وَسُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، وَلَيْثَ بنَ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ صُهَيْبٍ، وَأَبَا التَّيَّاحِ الضُّبَعِيَّ، وَسَعِيْداً الجُرَيْرِيَّ، وَحَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَحَجَّاجَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ   (*) العلل لأحمد بن حنبل: 122، 123، طبقات ابن سعد 7 / 325، طبقات خليفة: ت 1902 و3211، تاريخ خليفة: 466، التاريح الكبير 1 / 342، التاريخ الصغير 2 / 275، المعارف: 384، 507، الجرح والتعديل 2 / 153، مشاهير علماء الأمصار: ت 1277، تاريخ بغداد 6 / 229 - 240، طبقات ابن أبي يعلى 1 / 99، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 120، تهذيب الكمال: لوحة 97، تذهيب التهذيب 1 / 60 / 2، العبر 1 / 310، ميزان الاعتدال 1 / 216، تذكرة الحفاظ 1 / 322، الكاشف 2 / 118، دول الإسلام 1 / 122، تهذيب التهذيب 1 / 275، النجوم الزاهرة 2 / 144، طبقات الحفاظ: 133، خلاصة تذهيب الكمال: 32، شذرات الذهب 1 / 333. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 الصَّوَّافَ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيَّ، وَخَالِداً الحَذَّاءَ، وَرَوْحَ بنَ القَاسِمِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَعَاصِمَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَوْفَ بنَ أَبِي جَمِيْلَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيَّ، وَبُرْدَ بنَ سِنَانٍ الدِّمَشْقِيَّ نَزِيْلَ البَصْرَةِ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ الحَكَمِ البُنَانِيَّ، وَمَنْصُوْرَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشَلَّ، وَالوَلِيْدَ بنَ أَبِي هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنَ عَتِيْقٍ، وَيَحْيَى بنَ مَيْمُوْنٍ العَطَّارَ، وَيَحْيَى بنَ يَزِيْدَ الهُنَائِيَّ، وَأَبَا رَيْحَانَةَ السَّعْدِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُوْسَى بنُ سَهْلِ بنِ كَثِيْرٍ الوَشَّاءُ، البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، مُفْتِياً، مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ، فَقَدِ اغْتَابَنِي. قُلْتُ: هَذَا سُوءُ خُلُقٍ -رَحِمَهُ اللهُ- شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ، فَمَا الحِيْلَةُ؟! قَدْ دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِم مُضَافاً إِلَى الأُمِّ، كَالزُّبَيْرِ ابْنِ صَفِيَّةَ، وَعَمَّارِ ابْنِ سُمَيَّةَ. قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ. قُلْتُ: هُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 قَالَ: فَقُلْتُ: ذَا شَيْخٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ البَصْرَةَ، إِذَا أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ. قَالَ غُنْدَرٌ: نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْم نَشَأْتُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلاَّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً، تَقِيّاً، وَرِعاً. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ سَيِّدُ المُحَدِّثِيْنَ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: صَحِبْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ فِيْهَا. قُلْتُ: مَا فِي هَذَا مَدْحٌ (1) ، وَلَكِنَّهُ مُؤْذِنٌ بِخَشْيَةٍ وَحُزْنٍ. قَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، قَالَ: كُنَّا نُشَبِّهُ ابْن عُلَيَّةَ بِيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَمَا بِهَا خَلْقٌ يُفَضَّلُ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ. وَكَانَ   (1) لأنه مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يبتسم ويضحك في وجوه أصحابه ثبت ذلك في غير ما حديث. انظر " الشمائل " للترمذي 114، 122، و" فتح الباري " 10 / 419، 421. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ. قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ شَمَائِلَ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ إِلاَّ بِشَمَائِلِ يُوْنُسَ، حَتَّى دَخَلَ فِيْمَا دَخَلَ فِيْهِ. قُلْتُ: يُرِيْدُ وِلاَيَتَه الصَّدَقَةَ، وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالدِّيْنِ، وَالوَرَعِ، وَالتَأَلُّهِ، مَنْظُوْراً إِلَيْهِ فِي الفَضْلِ وَالعِلْمِ، وَبَدَتْ مِنْهُ هَفَوَاتٌ خَفِيْفَةٌ، لَمْ تُغَيِّرْ رُتْبَتَهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبْيَاتٍ حَسَنَةٍ يُعَنِّفُهُ فِيْهَا، وَهِيَ: يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ فَصِرْتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْدَ مَا ... كُنْتَ دَوَاءً لِلْمَجَانِيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ؟ وَدَرْسُكَ العِلْمَ بِآثَارِهِ ... فِي تَرْكِ (1) أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ؟ تَقُوْلُ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا؟ كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ (2) لاَ تَبِعِ الدِّيْنَ بِالدُّنْيَا كَمَا ... يَفْعَلُ ضُلاَّلُ الرَّهَابِيْنِ وَرَوَى: الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَنَّ الحَدِيْثَ الَّذِي أُخِذَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالكَلاَمِ فِي القُرْآنِ.   (1) في الأصل: وترك. (2) رواية الشطر الأول من البيت في " تاريخ بغداد " 6 / 236. إن كنت أكرهت فماذا كذا وفي وراية أخرى له: إن قلت أكرهت فذا باطل وهي رواية المؤلف في " الميزان ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 دَخَلَ عَلَى الأَمِيْنِ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ، فَشَتَمَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، وَكَانَ حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ: (تَجِيْءُ البَقرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا (1)) . فَقِيْلَ لابْنِ عُلَيَّةَ: أَلَهُمَا لِسَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالُوا: إِنَّهُ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَإِنَّمَا غَلِطَ (2) . قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ وُهَيْبٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ إِذَا اخْتَلَفَا؟ فَقَالَ: وُهَيْبٌ، وَمَا زَالَ إِسْمَاعِيْلُ وَضِيعاً مِنَ الكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيْهِ، إِلَى أَنْ مَاتَ. قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ وَتَابَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ مَا زَالَ لأَهْلِ الحَدِيْثِ - بَعْدَ كَلاَمِهِ ذَلِكَ - مُبْغِضاً، وَكَانَ لاَ يُنْصِفُ فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يُحَدِّثُ بِالشَفَاعَاتِ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يَخْتَلِفُ إِلَى الشُّيُوْخِ، فَأَدخَلَنِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، غَضِبَ، وَقَالَ: مَنْ أَدْخَلَ هَذَا عَلَيَّ (3) ؟ قُلْتُ: مَعْذُوْرٌ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِيْهِ.   (1) أخرجه مسلم (804) في صلاة المسافرين: باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، من طريق الحسن بن علي الحلواني، عن الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة ". وهو في " المسند " 5 / 249. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 237 من طريق سليمان بن إسحاق الجلاب، قال إبراهيم الحربي. وقد علق المؤلف في " ميزانه " 1 / 219 على هذا الخبر فقال: انظر كيف كان الصدر الأول في انكفافهم عن الكلام، فإنه لو قال أيضا يتكلم بلا لسان لخطؤوه، والله تعالى يقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، ومن الناس من يقول: يجئ ثواب البقرة وآل عمران. وابن علية فقد تاب ولزم السكوت. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 238، 239. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أُدْخِلَ عَلَى الأَمِيْنِ، فَلَمَّا رَآهُ، زَحَفَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ! تَتَكَلَّمُ فِي القُرْآنِ. وَجَعَلَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، زَلَّةٌ مِنْ عَالِمٍ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ يَغْفِرِ اللهُ لَهُ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَبِهَا. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِسْمَاعِيْلُ ثَبْتٌ (1) . قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ عَبْدَ الوَهَّابِ قَالَ: لاَ يُحِبُّ قَلْبِي إِسْمَاعِيْلَ أَبَداً، لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ وَجْهَهُ أَسْوَدُ. فَقَالَ أَحْمَدُ: عَافَى اللهُ عَبْدَ الوَهَّابِ، ثُمَّ قَالَ: لَزِمتُ إِسْمَاعِيْلَ عَشْرَ سِنِيْنَ إِلَى أَنْ أُعِيْبَ. ثُمَّ جَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَتَلَهَّفُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ لاَ يُنْصِفُ فِي التَّحَدُّثِ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ إِسْمَاعِيْلُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ كُلِّهَا. وَلَهُ أَوْلاَدٌ مَشْهُوْرُوْنَ، مِنْهُم: قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ (3) ، شَيْخٌ لِلنَّسَائِيِّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَمَا لَحِقَ الأَخْذَ عَنْ أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، يَرْوِي عَنْهُ: مَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَطَائِفَةٌ، مَاتَ   (1) " تاريخ بغداد " 6 / 238. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 238، 239، وذكره المؤلف في " الميزان " وتعقبه بقوله: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة وتاب، فكان ماذا؟ إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة، وأما القرآن، فقد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت ابن عليه يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (3) انظر ترجمته في " تهذيب الكمال " لوحة: 1172، و" تذهيب التهذيب " 3 / 188 / 2، و" تهذيب التهذيب " 9 / 55، و" خلاصة تذهيب الكمال ": 327. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَلابْنِ عُلَيَّةَ ابْنٌ آخَرُ، جَهْمِيٌّ شَيْطَانٌ، اسْمُهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيُنَاظِرُ (1) . وَابْنٌ آخَرُ، اسْمُهُ: حَمَّادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، لَحِقَ أَبَاهُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ مُسْلِمٍ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قُطْبَةَ الأَسَدِيِّ؛ أَسَدِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، كَانَ جَدُّهُ مِقْسَمٌ مِنْ سَبْيِ القِيْقَانِيَّةِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ خُرَاسَانَ وَزَابُلِسَانَ (3) ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مِقْسَمٍ تَاجِراً مِنَ الكُوْفَةِ، كَانَ يَقْدَمُ البَصْرَةَ لِلتِّجَارَةِ، فَتَخَلَّفَ، وَتَزَوَّجَ عُلَيَّةَ بِنْتَ حَسَّانٍ؛ مَوْلاَةً لِبَنِي شَيْبَانَ، وَكَانَتْ نَبِيْلَةً عَاقِلَةً، لَهَا دَارٌ بِالعَوقَةِ بِالبَصْرَةِ، تُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ صَالِحٌ المُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوْهِ البَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهَا، فَتَبْرُزُ لَهُم، وَتُحَادِثُهُم، وَتُسَائِلُهُم، وَأَقَامَ ابْنُهَا إِسْمَاعِيْلُ بِالبَصْرَةِ (4) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (5) : مَاتَ أَبُو بِشْرٍ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الفُقَهَاءِ.   (1) مترجم في " تاريخ بغداد " 6 / 20، 23. (2) مترجم في " تهذيب الكمال ": 326، و" تذهيب التهذيب " 1 / 172 / 1، و" تهذيب التهذيب " 3 / 4، و" خلاصة تذهيب الكمال ": 91. (3) وفي معجم ياقوت " زابلستان " بزيادة التاء: كورة واسعة قائمة برأسها جنوبي بلخ وطخارستان، وهي زابل، والعجم يزيدون السين وما بعدها في أسماء البلدان شبيها بالنسبة. (4) " طبقات ابن سعد " 7 / 325، 326، والزيادة منه. (5) في " تاريخه ": 466. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ هُشَيْمٍ. وَرَوَى: عَفَّانُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَأَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ خُوْلِفْتَ فِيْهِ. فَقَالَ: مَنْ؟ قَالُوا: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ. فَقِيْلَ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يُخَالِفُكَ. فَقَامَ، وَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: القَوْلُ مَا قَالَ إِسْمَاعِيْلُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ: إِلَيْهِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ- المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ. وَعَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: فَاتَنِي مَالِكٌ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَفَاتَنِي حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ لاَ يَفْرَقُ مِنْ مُخَالفَةِ وُهَيْبٍ وَالثَّقَفِيِّ، وَيَفْرَقُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ إِذَا خَالَفَه. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْمَ نَشَأْتُ، وَمَا أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، صَدُوْقاً، مُسْلِماً، وَرِعاً، تَقِيّاً. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الحُفَّاظُ أَرْبَعَةٌ: إِسْمَاعِيْلُ، وَوُهَيْبٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ. وَرَوَى: يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ حُفَّاظُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 البَصْرَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الكُوْفَة لَهُم: نَحُّوا عَنَّا إِسْمَاعِيْلَ، وَهَاتُوا مَنْ شِئْتُمْ. وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ. وَكَانَ يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلاَّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثَبْتاً، حُجَّةً، وَلِيَ صَدَقَاتِ البَصْرَةِ، وَوَلِيَ بِبَغْدَادَ المَظَالِمَ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ، فَنَزَلَ هُوَ وَوَلَدُهُ بَغْدَادَ، وَاشْتَرَى بِهَا دَاراً، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه إِبْرَاهِيْمُ (1) ؛ أَحَدُ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ، وَمِمَّنْ نَاظَرَ الشَّافِعِيَّ (2) ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ. قَالَ الخَطِيْبُ: وَزَعَمَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ أَنَّ عُلَيَّةَ إِنَّمَا هِيَ جَدَّتُهُ لأُمِّهِ. قَالَ العَيْشِيُّ (3) : قَالَ لِي عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ: أَتَتْنِي عُلَيَّةُ بِابْنِهَا، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي، يَكُوْنُ مَعَكَ، وَيَأْخُذُ بِأَخْلاَقِكَ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ غُلاَمٍ بِالبَصْرَةِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أَقُوْلُ إِنَّ أَحَداً أَثْبَتُ فِي الحَدِيْثِ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ.   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 325، 326. (2) انظر " تاريخ بغداد " 6 / 20، وما بعدها. (3) العيشي، بالعين المهملة والياء والشين وهو عبيد الله بن محمد بن حفص العيشي القرشي نسب إلى جدته عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد من رجال " التهذيب " وانظر " المشتبه " 2 / 436. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَرْوَاهُم عَنِ الجُرَيْرِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: لاَ يُعْرَفُ لابْنِ عُلَيَّةَ غَلَطٌ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ جَابِرٍ فِي المُدَبَّرِ، جَعَلَ اسْمَ الغُلاَمِ اسْمَ المَوْلَى، وَاسْمَ المَوْلَى اسْمَ الغُلاَمِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَقَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ، وَمَا رَأَيْتُهُ ضَحِكَ قَطُّ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ: حَدَّثَنَا الحَمَّادَانِ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ كَانَ يَتَّجِرُ، وَيَقُوْلُ: لَوْلاَ خَمْسَةٌ مَا تَجِرْتُ: السُّفْيَانَانِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ السَّمَّاكِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، فَيَصِلُهُم. فَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ وَلِيَ ابْنُ عُلَيَّةَ القَضَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، وَلَمْ يَصِلْهُ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُلَيَّةَ، فَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رُقعَةً يَقُوْلُ: قَدْ كُنْتُ مُنْتَظِراً لِبِرِّكَ، وَجِئْتُكَ فَلَمْ تُكَلِّمْنِي، فَمَا رَأَيْتَ   (1) أخرجه مسلم (997) في الزكاة: باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله، ثم القرابة من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا من الانصار (يقال له أبو مذكور) أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي ثمان مئة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء، فلاهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا " يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك. وأخرجه أبو داود (3957) ، والنسائي 7 / 304 من طريق إسماعيل ابن علية. عن أيوب به. وانظر البخاري 4 / 296 و349 و5 / 49 و119، 120، و11 / 520، وسنن أبي داود (3955) و (3956) ، والترمذي (1219) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 مِنِّي؟ فَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: يَأْبَى هَذَا الرَّجُلُ إِلاَّ أَنْ نُقَشِّرَ لَهُ العَصَا. ثُمَّ كتب إِلَيْهِ: يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ ... الأَبْيَاتُ المَذْكُوْرَةُ (1) . فَلَمَّا قَرَأَهَا، قَامَ مِنْ مَجْلِسِ القَضَاءِ، فَوَطِئَ بِسَاطَ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، وَقَالَ: الله الله، ارْحَمْ شَيْبَتِي، فَإِنِّي لاَ أَصْبِرُ عَلَى الخَطَأِ. فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا المَجْنُوْنَ أَغرَى عَلَيْكَ. ثُمَّ أَعفَاهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِالصُّرَّةِ (2) . هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ العَيْشِيَّ يَروِيهَا عَنِ الحَمَّادَيْنِ، وَقَدْ مَاتَا قَبْلَ هَذِهِ القِصَّةِ بِمُدَّةٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَدْرَجَه العَيْشِيُّ. قَالَ سَهْلُ بنُ شَاذَوَيْهِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: رَأَيْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الحِمَارِ، يَحْتَاجُ مَنْ يَرُدُّه إِلَى مَنْزِلِهِ. فَقَالَ وَكِيْعٌ: إِذَا رَأَيْتَ البَصْرِيَّ يَشْرَبُ، فَاتَّهِمْه. قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: إِنَّ الكُوْفِيَّ يَشْرَبُهُ تَدَيُّناً، وَالبَصرِيُّ يَترُكُهُ تَدَيُّناً (3) . وَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، مَا عَلِمْنَا أَحَداً غَمَزَ إِسْمَاعِيْلَ بِشُرْبِ المُسْكِرِ قَطُّ، وَقَدِ انحَرَفَ بَعْضُ الحُفَّاظِ عَنْهُ بِلاَ حُجَّةٍ، حَتَّى إِنَّ مَنْصُوْرَ بنَ سَلَمَةَ الخُزَاعِيَّ تَحَدَّثَ مَرَّةً، فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ... ، ثُمَّ قَالَ: لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ، بَلْ أَرَدْتُ زُهَيْراً. وَقَالَ: لَيْسَ مَنْ قَارَفَ الذَّنْبَ كَمَنْ لَمْ يُقَارِفْهُ، أَنَا -وَاللهِ- اسْتَتَبْتُهُ.   (1) تقدمت في الصفحة 110. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 235، 236، و" طبقات الحنابلة " 1 / 100، 101. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 237. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى تِلْكَ الهَفْوَةِ الصَّغَيْرَةِ، وَهَذَا مِنَ الجَرحِ المَرْدُوْدِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِإِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَدْلِ المَأْمُوْنِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ ابْنِ طَبَرْزَدَ وَبَيْنَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ فِي حَدِيْثَيْنِ مَشْهُوْرَيْنِ مِنَ (الغَيْلاَنِيَّاتِ) ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي العُلُوِّ، رَوَاهُمَا عَنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ (1) . أَخْبَرْنَاهُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، بِسَمَاعِهِم مِنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَدَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الغَرَّافِيِّ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا المُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ اليَشْكُرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1869) (94) من طريق زهير بن حرب، عن إسماعيل ابن علية بهذا الإسناد، وأخرجه مالك 2 / 446 في الجهاد: باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، ومن طريقه البخاري 6 / 93 في الجهاد: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، ومسلم (1869) في الامارة: باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، وأبو داود (2610) في الجهاد: باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو، عن نافع عن ابن عمر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَكَثتُ عِشْرِيْنَ سَنَةً يُحَدِّثُنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَه ثَلاَثاً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَجَعَلْتُ لاَ أَتَّهِمُهُم، وَلاَ أَعْرِفُ الحَدِيْثَ، حَتَّى لَقِيْتُ أَبَا غَلاَّبٍ يُوْنُسَ بنَ جُبَيْرٍ البَاهِلِيَّ - وَكَانَ ذَا ثَبْتٍ (1) - فَحَدَّثَنِي: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَحُسِبَتْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمَهْ، أَوَ إِنْ عَجَزَ (2) . قَالَ أَحْمَدُ، وَالفَلاَّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ ابْنُ عُلَيَّةَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ: ثَبْتٌ جِدّاً، تُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ،   (1) أي: متثبتا. (2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1471) (7) في الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق، من طريق علي بن حجر السعدي، عن إسماعيل بن إبراهيم بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 9 / 426 في النكاح: باب مراجعة الحائض من طريق حجاج، حدثنا يزيد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن سيرين، حدثني يونس ابن جبير: سألت ابن عمر، فقال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " مره فليراجعها، ثم يطلق من قبل عدتها " قلت: أفتعتد بتلك التطليقة؟ قال: " أرأيت إن عجز واستحمق ". والحديث أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 576، ومن طريقه البخاري 9 / 301 و306 في الطلاق: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق، ومسلم (1471) ، وأبو داود (2179) ، والنسائي 6 / 138، وأخرجه الترمذي (1175) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن يونس بن جبير. وقوله (فمه) : قال الحافظ في " الفتح ": أصله فما، وهو استفهام فيه اكفتاء، أي فمن تكون إن لم تحتسب، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية، وهي كلمة تقال للزجر، أي: كف عن هذا الكلام، فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك. قال ابن عبد البر: قول ابن عمر: فمه، معناه: فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها، إنكارا لقول السائل: أيعتد بها؟ فكأنه قال: وهل من ذلك بد؟ وقوله: أرأيت إن عجز واستحمق، أي: إن عجز عن فرض فلم يقمه، أو استحمق فلم يأت به، أيكون ذلك عذرا له؟ !. وانظر في فقه هذا الحديث لزاما " زاد المعاد " 5 / 218 - 240، نشر مؤسسة الرسالة و" فتح الباري " 9 / 307 - 310. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ الحَافِظُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا رَاشِدٌ الخَفَّافُ، فَقَالَ: دَفَنَّا إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، لِخَمْسٍ - أَوْ سِتٍّ - بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ. وَقَالَ: سِرْنَا تِسْعَةَ أَيَّامٍ - يُرِيْدُ: سَارَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ المُدَّةِ اليَسِيْرَةِ، وَهَذَا سَيْرٌ سَرِيْعٌ -. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَقَدْ غَلِطَ. 39 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ العُتَقِيُّ مَوْلاَهُمْ * (خَ، س) عَالِمُ الدِّيَّار المِصْرِيَّة، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ العُتَقِيُّ (1) مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ الإِمَامِ. رَوَى عَنْ: مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شُرَيْحٍ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ المُقْرِئِ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَطَائِفَةٍ قَلِيْلَةٍ. وَعَنْهُ: أَصْبَغُ، وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَسُحْنُوْنُ، وَعِيْسَى بنُ مَثْرُوْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات خليفة: ت 2388، تاريخ خليفة: 398، المعارف: 175، الانتقاء لابن عبد البر: 50، طبقات الشيرازي: 65، ترتيب المدارك 2 / 433، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 303، وفيات الأعيان 3 / 129، تهذيب الكمال: لوحة 814، تذهيب التهذيب 2 / 225 / 1، العبر 1 / 307، تذكرة الحفاظ 1 / 356، الكاشف 2 / 181، دول الإسلام 1 / 121، الديباج المذهب 1 / 465 - 468، تهذيب التهذيب 6 / 252، طبقات الحفاظ: 50، خلاصة تذهيب الكمال: 233، شذرات الذهب 1 / 329. (1) قال ابن خلكان 3 / 129: هو بضم العين وفتح التاء المثناة من فوقها، وبعدها قاف، هذه النسبة إلى العتقاء، وليسوا من قبيلة واحدة بل هم من قبائل شتى، منهم من حجر حمير، ومن سعد العشيرة، ومن كنانة مضر، وعامتهم بمصر. وعبد الرحمن هذا: هو مولى زبيد بن الحارث العتقي، وكان زبيد من حجر حمير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 وَكَانَ ذَا مَالٍ وَدُنْيَا، فَأَنْفَقَهَا فِي العِلْمِ. وَقِيْلَ: كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِي الوَرَعِ وَالتَّأَلُّهِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ امْنَعِ الدُّنْيَا مِنِّي، وَامْنَعْنِي مِنْهَا. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ ابْنُ القَاسِم، فَقَالَ: عَافَاهُ اللهُ، مَثَلُهُ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَمْلُوءٍ مِسْكاً. وَقِيْلَ: إِنَّ مَالِكاً سُئِلَ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: ابْنُ وَهْبٍ رَجُلٌ عَالِمٌ، وَابْنُ القَاسِمِ فَقِيْهٌ. وَعَنْ أَسَدِ بنِ الفُرَاتِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَتَيْنِ. قَالَ: فَنَزَلَ بِي حِيْنَ جِئْتُ إِلَيْهِ عَنْ خَتْمَةٍ، رَغْبَةً فِي إِحْيَاءِ العِلْمِ. وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الحِجَازِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، أَنْفَقْتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَعَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: لَيْسَ فِي قُرْبِ الوُلاَةِ، وَلاَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُم خَيْرٌ. أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ القَاسِمِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى مَالِكٍ، فَسَنَةً أَسْأَلُ أَنَا مَالِكاً، وَسَنَةً يَسْأَلُهُ ابْنُ القَاسِمِ. وَرَوَى الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ وَهُوَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 حَدَثٌ فِي العِبَادَةِ، أَشَهْرَ مِنْهُ فِي العِلْمِ. ثُمَّ قَالَ الحَارِثُ: كَانَ فِي ابْنِ القَاسِم العِبَادَةُ، وَالسَّخَاءُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالعِلْمُ، وَالوَرَعُ، وَالزُّهْدُ. مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ ثِقَةٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ القَاسِمِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ وَجَدتَ المَسَائِلَ؟ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ. قُلْتُ: فَمَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْتَ؟ قَالَ: الرِّبَاطُ بِالثَّغْرِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ أَحْسَنَ حَالاً مِنْهُ. وَقَالَ سُحْنُوْنُ: رَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: وَجَدتُ عِنْدَهُ مَا أَحْبَبْتُ. قُلْتُ: فَأَيَّ عَمَلٍ وَجَدتَ؟ قَالَ: تِلاَوَةُ القُرْآنِ. قُلْتُ: فَالمَسَائِلُ؟ فَأَشَارَ يُلَشِّيْهَا (1) . وَسَأَلتُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: فِي عِلِّيِّيْنَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي فُلاَنٍ عَيْباً إِلاَّ دُخُوْلَهُ إِلَى الحُكَّامِ، أَلاَ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ؟! قَالَ سَعِيْدُ بنُ الحَدَّادِ: سَمِعْتُ سُحْنُوْنَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ ابْنَ القَاسِمِ عَنِ المَسَائِلِ، يَقُوْلُ لِي: يَا سُحْنُوْنُ! أَنْتَ فَارِغٌ، إِنِّيْ لأُحِسُّ فِي رَأْسِي دَوِيّاً كَدَوِيِّ الرَّحَا -يَعْنِي: مَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ-. قَالَ: وَكَانَ قَلَّمَا يَعْرِضُ لَنَا إِلاَّ وَهُوَ يَقُوْلُ: اتَّقُوا اللهَ، فَإِنَّ قَلِيْلَ هَذَا الأَمْرِ مَعَ تَقْوَى اللهِ كَثِيْرٌ، وَكَثِيْرُهُ مَعَ غَيْرِ تَقْوَى اللهِ قَلِيْلٌ. وَعَنْ سُحْنُوْنَ، قَالَ: لَمَّا حَجَجْنَا، كُنْتُ أُزَامِلُ ابْنَ وَهْبٍ، وَكَانَ أَشْهَبُ يُزَامِلُهُ يَتِيْمُهُ، وَكَانَ ابْنُ القَاسِمِ يُزَامِلُهُ ابْنُهُ مُوْسَى، فَكُنْتُ إِذَا   (1) أي أننا وجدناها لا شيء. وفي " المدارك " 2 / 446: فقال: لا، وأشار بيده، أي: وجدناها هباء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 نَزَلْتُ، ذَهَبْتُ إِلَى ابْنِ القَاسِمِ أُسَائِلُهُ مِنَ الكُتُبِ، وَأَقرَأُ عَلَيْهِ إِلَى قُرْبِ الرَّحِيْلِ، فَقَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: لَوْ كَلَّمْتَ صَاحِبَكَ يُفْطِرُ عِنْدنَا. فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَثْقُلُ عَلَيَّ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَبِمَ يَعْلَمُ القَوْمُ مَكَانِي مِنْكَ؟ فَقَالَ: إِذَا عَزَمتَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَنَا أَفْعَلُ. فَأَتَيْتُ، فَأَعْلَمْتُهُمَا، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ التَّعرِيْسِ، قَامَ مَعِي، فَأَصَبتُ أَشْهَبَ وَقَدْ فَرَشَ أَنْطَاعَهُ، وَأَتَى مِنَ الأَطعِمَةِ بِأَمرٍ عَظِيْمٍ، وَصَنَعَ ابْنُ وَهْبٍ دُوْنَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، سَلَّمَ، وَقَعَدَ، ثُمَّ أَدَارَ عَيْنَهُ فِي الطَّعَامِ، فَإِذَا سُكُرُّجَةٌ (1) فِيْهَا دُقَّةٌ (2) ، فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ، فَحَرَّكَ الأَبزَارَ حَتَّى صَارَتْ نَاحِيَةً، وَلَعَقَ مِنَ المِلْحِ ثَلاَثَ لَعَقَاتٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَصْلَ مِلْحِ مِصْرَ طَيِّبٌ، ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكُم، وَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَقُومَ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَشْهَبُ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ. قَالَ لَهُ ابْنُ وَهْبٍ: دَعْهُ دَعْهُ، وَكُنَّا نَمْشِي بِالنَّهَارِ، وَنُلْقِي المَسَائِلَ، فَإِذَا كَانَ فِي اللَّيْلِ، قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى حِزْبِهِ مِنَ الصَّلاَةِ. فَيَقُوْلُ ابْنُ وَهْبٍ لأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ إِلَى هَذَا المَغْرِبِيِّ يُلْقِي المَسَائِلَ بِالنَّهَارِ، وَهُوَ لاَ يَدْرُسُ بِاللَّيْلِ؟ فَيَقُوْلُ لَهُ ابْنُ القَاسِمِ: هُوَ نُوْرٌ يَجْعَلُهُ اللهُ فِي القُلُوْبِ. قَالَ: وَنَزَلْنَا بِمَسْجدٍ، بِبَعْضِ مَدَائِنِ الحِجَازِ، فَنِمْنَا، فَانْتَبَهَ ابْنُ القَاسِمِ مَذْعُوْراً، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! رَأَيْتُ السَّاعَةَ كَأَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ بَابِ هَذَا المَسْجَدِ، وَمَعَهُ طَبَقٌ مُغَطَّى، وَفِيْهِ رَأْسُ خِنْزِيْرٍ، أَسْأَلُ اللهَ خَيْرَهَا. فَمَا لَبِثْنَا حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مَعَهُ طَبَقٌ مُغَطَّى بِمِنْدِيلٍ، وَفِيْهِ رُطَبٌ مِنْ تَمْرِ تِلْكَ القَرْيَةِ، فَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ القَاسِمِ، وَقَالَ: كُلْ.   (1) هي ما يوضع فيه الكوامخ، ونحوها من الجوارش على المائدة حول الاطعمة للتشهي والهضم. (2) وهي التوابل، وما خلط بها من الابزار، أو الملح وما خلط به من الابزار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 قَالَ: مَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ سَبِيْلٍ. قَالَ: فَأَعْطِهِ أَصْحَابَكَ. قَالَ: أَنَا لاَ آكُلُهُ، أُعْطِيْه غَيْرِي! فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لِي ابْنُ القَاسِمِ: هَذَا تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا. وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ تِلْكَ القَرْيَةَ، أَكْثَرُهَا وَقْفٌ غُصِبَتْ. قَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: كَانَ ابْنُ القَاسِمِ فِي الوَرَعِ وَالزُّهدِ شَيْئاً عَجِيْباً. أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قَوَّامٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ تَلِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ القَاسِمِ، عَنْ بَكْرِ بنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مِثْلَ مَا لَبِثَ يُوْسُفُ، ثُمَّ جَاءنِي الدَّاعِي، لأَجَبْتُهُ (1)) ... الحَدِيْثَ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شِبْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَجْدَابِيُّ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي عُقْبَةَ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ حَمُّوْدٍ الصَّدَفِيُّ، حَدَّثَنَا   (1) هو في " صحيح البخاري " 8 / 277 في تفسير سورة يوسف: باب قوله (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك) ولفظه عنده بتمامه: " يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لاجبت الداعي، ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له (أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) . وهو عنده أيضا برقم (3372) و (3387) و (4537) و (4694) من طريق ابن شهاب الزهري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 سُحْنُوْنُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قَالَ اللهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي، أَحْبَبْتُ لِقَاءهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي، كَرِهْتُ لِقَاءهُ) (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ السُّمَيْسَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جَوْصَا، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مَثْرُوْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوْتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهِ المُؤَذِّنُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ. رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (2) وَحْدَهُ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: وُلِدَ ابْنُ القَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- عَاشَ تِسْعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. 40 - مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَعْدَانَ الأَصْبَهَانِيُّ * الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، عَرُوْسُ الزُّهَّادِ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 240، والبخاري 13 / 392 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله..) من طريق مالك بهذ الإسناد. (2) رقم (736) في صلاة المسافرين: باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ... * الجرح والتعديل 8 / 121، حلية الأولياء 8 / 225 - 237، تاريخ أصبهان 2 / 171، 173، صفة الصفوة 4 / 63، البداية 10 / 389، النجوم الزاهرة 2 / 117. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 لَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُنْكَرٌ (1) . وَرَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَأَبَانٍ، وَالحَمَّادَيْنِ آثَاراً. وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالقَطَّانُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالشَّاذَكُوْنِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ، وَصَالِحُ بنُ مِهرَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَأْتِيْهِ، وَيُحِبُّهُ، وَهُوَ مِنْ أَجْدَادِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ لأَبِيْهِ. قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ خَيْراً مِنْهُ، فَذُكِرَ لَهُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ، وَهَذَا شَيْءٌ. وَكَانَ لاَ يَضَعُ جَنْبَهُ، وَقَدْ رَابَطَ وَزَارَ قَبْرَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ فِي العَامِ مِنْ أَصْبَهَانَ سَبْعُوْنَ دِيْنَاراً، فَيَحُجُّ، وَيَرْجِعُ إِلَى الثَّغْرِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 41 - خَالِدُ بنُ الحَارِثِ بنِ عُبَيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ الهُجَيْمِيُّ * (ع) ابْنِ عُبَيْدِ بنِ سُفْيَانَ. وَيُقَالُ: خَالِدُ بنُ   (1) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 2 / 172، وفي " الحلية " 8 / 237 من طريق محمد بن يوسف هذا، عن عمر بن صبح، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحول الله تعالى يوم القيامة ثلاث قرى من زبرجدة خضراء تزف إلى أزواجهن. عسقلان، والاسكندرية، وقزوين " وعمر بن صبح، متروك كذبه ابن راهويه، وشيخه أبان - وهو ابن أبي عياش -: متروك أيضا، فالخبر باطل. (*) التاريخ لابن معين: 142، طبقات ابن سعد 7 / 291، طبقات خليفة: ت 1908، تاريخ خليفة: 457، التاريخ الكبير 3 / 145، التاريخ الصغير 2 / 201، 238، الجرح والتعديل 3 / 325، مشاهير علماء الأمصار: ت 1272، تهذيب الكمال: لوحة 354، تذهيب = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 الحَارِثِ بنِ سُلَيْمِ بنِ عُبَيْدِ بنِ سُفْيَانَ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، أَبُو عُثْمَانَ الهُجَيْمِيُّ، البَصْرِيُّ. وَبَنُو الهُجَيْمِ مِنْ بَنِي العَنْبَرِ، مِنْ تَمِيْمٍ. رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَأَيُّوْبَ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَوْفٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَبِشْرِ بنِ صُحَارٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ أَوعِيَةِ العِلْمِ، كَثِيْرَ التَّحَرِّي، مَلِيحَ الإِتْقَانِ، مَتِيْنَ الدِّيَانَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَالحَسَنُ بنُ قَزَعَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ - وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ -. رَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، أَنَّ يَحْيَى القَطَّانَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً خَيْراً مِنْ سُفْيَانَ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ. وَرَوَى: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ -يَعْنِي: خَالِداً-. وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بنُ الحَارِثِ يَجِيْءُ بِالحَدِيْثِ كَمَا يَسْمَعُ، وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَجِيْءُ بِالحَدِيْثِ كَمَا يَسْمَعُ،   = التهذيب 1 / 186 / 1، العبر 1 / 293، تذكرة الحفاظ 1 / 309، الكاشف 1 / 266، ودول الإسلام 1 / 118، تهذيب التهذيب 3 / 92، طبقات الحفاظ: 127، خلاصة تذهيب الكمال: 99، شذرات الذهب 1 / 309. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 وَكَانَ وَكِيْعٌ يَجْهَدُ أَنْ يَجِيْءَ بِالحَدِيْثِ كَمَا يَسْمَعُ، وَكَانَ رُبَّمَا قَالَ فِي الحَرفِ أَوِ الشَّيْءِ: يَعْنِي كَذَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ الصَّدُوْقُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَرَأَيْتُ مُعْتَمِراً، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ فِي جِنَازَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ سَلاَمَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحُوَيْرِث أَنَّهُ قَالَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي صَلاَتِهِ إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوْعَ أُذُنَيْهِ (1) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ سَعِيْدٍ، وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. 42 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَغْلَبِ التَّمِيْمِيُّ * أَمِيْرُ المَغْرِبِ، دَخَلَ إِلَى القَيْرَوَانِ، فَبَايَعُوْهُ، وَانضَمَّ   (1) أخرجه مسلم (391) في الصلاة باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الاحرام والركوع، والنسائي 2 / 182 في الافتتاح: باب رفع اليدين للركوع حذاء فروع الاذنين. (*) تاريخ الطبري 8 / 272، الاستقصاء: 1 / 60، الكامل لابن الأثير: 6 / 155، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 إِلَيْهِ خَلْقٌ، فَأَقْبَلَ يُلاَطِفُ نَائِبَ القَيْرَوَانِ هَرْثَمَةَ بنَ أَعْيَنَ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى نَاحِيَةِ الزَّابِ، فَضَبَطَهَا. وَآخِرُ أَمرِهِ اسْتَعَمَلَه عَلَى المَغْرِبِ الرَّشِيْدُ، وَعَظُمَ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ المَغْرِبِ (1) . وَكَانَ فَصِيْحاً، خَطِيْباً، شَاعِراً، ذَا دِيْنٍ، وَفِقهٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَسُؤْدُدٍ. أَخَذَ عَنِ: اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِ. بَنَى مَدِيْنَةً سَمَّاهَا: العَبَّاسِيَّةَ، وَمَهَّدَ المَغْرِبَ، وَعَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ. 43 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيِّ ابْنِ حَبْرِ الأُمَّةِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ * ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، عَمُّ السَّفَاحِ وَالمَنْصُوْرِ. وُلِدَ: بِالبَلْقَاءِ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: المَهْدِيُّ، وَغَيْرُهُ.   = 157، البيان المغرب 1 / 92، الوافي بالوفيات: 5 / 327، ابن خلدون 4 / 196. (1) قال ابن عذاري: لم يل إفريقية أحسن سيرة، ولا أحسن سياسة، ولا أرأف برعية، ولا أوفى بعهد، ولا أرعى لحرمة منه. (*) تاريخ خليفة: 457، المعارف: 374، الضعفاء للعقيلي: لوحة 259، الجرح والتعديل 6 / 50، تاريخ بغداد 11 / 37، وفيات الأعيان 3 / 195، العبر 1 / 290، ميزان الاعتدال 2 / 620، دول الإسلام 1 / 118، نكت الهميان 193، شذرات الذهب 1 / 307. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 قِيْلَ: مَاتَ بِأَسْنَانِ اللَّبَنِ، وَكَانَتْ مُلْتَصِقَةً. وَكَانَ عَظِيْمَ الخِلْقَةِ، ضَخْماً، وَقَدْ خَرَجَ عِنْد مَوْتِ السَّفَاحِ مَعَ أَخِيْهِ عَبْد اللهِ عَلَى المَنْصُوْرِ، وَحَارَبَهُمَا أَبُو مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ، وَتَقَلَّبَتْ بِهِ الأَيَّامُ، وَعَاشَ إِلَى الآنَ (1) ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يُجِلُّهُ وَيَحتَرِمُه. وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ، وَإِمْرَةَ البَصْرَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَيَرْوِي عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ - ابْنُهُ - وَعَبْدُ الوَاحِدِ وَيَعْقُوْبُ ابْنَا جَعْفَرٍ؛ ابْنِ أَخِيْهِ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ. وَلَهُ حَدِيْثٌ سَمِعْنَاهُ فِي (جُزْءِ البَانْيَاسِيِّ) فِي إِكرَامِ الشُّهُودِ (2) ، وَهُوَ مُنْكَرٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُوْسَى الهَاشِمِيِّ؛ أَمِيْرِ الحَجِّ، عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ. وَكَانَ فِي تَعَدُّدِ النَّسَبِ نَظِيْرَ يَزِيْدَ الخَلِيْفَةِ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ أَحَدِ العَشْرَةِ، وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ كَأَبِيْهِ وَجَدِّهِ. وَأُمُّهُ هِيَ كَثِيْرَةُ، الَّتِي شَبَّبَ بِهَا ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ (3) ، حَيْثُ يَقُوْلُ: عَادَ لَهُ مِنْ كَثِيْرَةَ الطَّرَبُ ... فَعَيْنُهُ بِالدُّمُوعِ تَنْسَكِبُ   (1) أي: امتدت حياته إلى زمن الرشيد (2) تقدم تخريجه في الصفحة 89 في ترجمة محمد بن إبراهيم. (3) هو عبيد الله بن قيس، قال ابن سلام في " الطبقات " 2 / 647: إنما نسب إلى الرقيات، لان جدات له توالين، يسمين رقية، وقال أبو الفرج في " الاغاني " 5 / 73: لأنه شبب بثلاث نسوة سمين جميعا رقية، منهن رقية بنت عبد الواحد بن أبي سعيد بن قيس بن وهب بن أهبان بن ضباب بن حجير..وابنة عم لها يقال لها: رقية، وامرأة من بني أمية يقال لها: رقية، وكان هواه في رقية بنت عبد الواحد. (4) البيت مطلع قصيدة من كريم الشعر وفاخره في " ديوانه ": 1 - 6، وانظر تخريجها هناك، ونقل أبو الفرج في " أغانيه " عن الاصمعي قوله: كثيرة هذه امرأة نزل بها بالكوفة، فآوته، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 مَاتَ عَبْدُ الصَّمَدِ: بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَعُمُرُهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً. 44 - الكِسَائِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ * الإِمَامُ، شَيْخُ القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بَهْمَنَ بنِ فَيْرُوْزٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، المُلَقَّبُ: بِالكِسَائِيِّ؛ لِكِسَاءٍ أَحرَمَ فِيْهِ. تَلاَ عَلَى: ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَرْضاً، وَعَلَى حَمْزَةَ (1) . وَحَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَالأَعْمَشِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ أَرْقَمَ، وَجَمَاعَةٍ. وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: عِيْسَى بنِ عُمَرَ المُقْرِئِ.   = قال ابن قيس: فأقمت عندها سنة تروح وتغدو علي بما أحتاج إليه، ولا تسألني عن حالي، ولا نسبي، فبينا أنا بعد سنة مشرف من جناح إلى الطريق إذا أنا بمنادي عبد الملك ينادي ببراءة الذمة ممن أصبت عنده، فأعلمت المرأة أني راحل، فقالت: لا يروعنك ما سمعته، فإن هذا نداء شائع مند نزلت بنا، فإن أردت المقام، ففي الرحب والسعة، وإن أردت الانصراف، أعلمتني، فقلت لها: لابد لي من الانصراف، فلما كان الليل، قدمت إلي راحلة عليها جميع ما أحتاج إليه في سفري، فقلت لها: من أنت - جعلت فداك - لاكافئك؟ قالت: ما فعلت هذا لتكافئني، فانصرفت، ولا والله ما عرفتها إلا أني سمعتها تدعى باسمها " كثيرة " فذكرتها في شعري. (*) التاريخ الكبير 6 / 268، التاريخ الصغير 2 / 247، المعارف: 545، الجرح والتعديل 6 / 182، مراتب النحويين: 74، 75، طبقات النحويين: 138، 142، الفهرست لابن النديم: 29، تاريخ بغداد 11 / 403، المقتبس: 283، 291، الأنساب 10 / 419، نزهة الالباء 67، 75، معجم الأدباء 13 / 167، 203، إنباه الرواة 2 / 256، 274، وفيات الأعيان 3 / 295، تاريخ أبي الفداء 2 / 17، دول الإسلام 1 / 120، العبر 1 / 302، مرآة الجنان 1 / 421، 422، البداية والنهاية 11 / 201، 202، تهذيب التهذيب 7 / 313، 314، غاية النهاية 1 / 535، النجوم الزاهرة 2 / 130، بغية الوعاة 2 / 162، 165، طبقات المفسرين: 1 / 399، شذرات الذهب 1 / 321، معرفة القراء 1 / 100 - 107. (1) هو حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، المتوفى سنة (156 هـ) أحد القراء السبعة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 وَاخْتَارَ قِرَاءةً اشْتُهِرَتْ، وَصَارَتْ إِحْدَى السَّبْعِ. وَجَالَسَ فِي النَّحوِ الخَلِيْلَ، وَسَافَرَ فِي بَادِيَةِ الحِجَازِ مُدَّةً لِلْعَرَبِيَّةِ، فَقِيْلَ: قَدِمَ وَقَدْ كَتَبَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ قِنِّيْنَةَ حِبْرٍ. وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ (1) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي النَّحوِ، فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى الكِسَائِيِّ. قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: اجْتَمَعَ فِيْهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالنَّحوِ، وَوَاحِدَهُم فِي الغَرِيْبِ، وَأَوحَدَ فِي عِلْمِ القُرْآنِ، كَانُوا يُكْثِرُوْنَ عَلَيْهِ، حَتَّى لاَ يَضبِطَ عَلَيْهِم، فَكَانَ يَجمَعُهُم، وَيَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَتْلُو، وَهُم يَضبِطُوْنَ عَنْهُ، حَتَّى الوُقُوفِ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يَقرَأُ القُرْآنَ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ. وَعَنْ خَلَفٍ، قَالَ: كُنْتُ أَحضُرُ بَيْنَ يَدَيِ الكِسَائِيِّ وَهُوَ يَتْلُو، وَيُنَقِّطُونَ عَلَى قِرَاءتِهِ مَصَاحِفَهُم. تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو الحَارِثِ اللَّيْثُ، وَنُصَيْرُ (2) بنُ يُوْسُفَ الرَّازِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بن مِهْرَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَعِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الشَّيْزَرِيُّ، وَعِدَّةٌ.   (1) هو يونس بن حبيب الضبي النحوي، إمام نحاة البصرة في عصره، المتوفى (182هـ) . أخذ عنه سيبويه، والكسائي، والفراء، وغيرهم من الأئمة. (2) تحرف في المطبوع من " العبر " 1 / 434 إلى نصر، وهو مترجم في " غاية النهاية " 2 / 340، 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 وَمِنَ النَّقَلَةِ عَنْهُ: يَحْيَى الفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلَفٌ البَزَّارُ. وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْفٍ، مِنْهَا: (مَعَانِي القُرْآنِ) ، وَكِتَابٌ فِي القِرَاآتِ، وَكِتَابُ (النَّوَادِرِ الكَبِيْرِ) ، وَمُخْتَصَرٌ فِي النَّحْوِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقِيْلَ: كَانَ أَيَّامَ تِلاَوَتِهِ عَلَى حَمْزَةَ يَلْتَفُّ فِي كِسَاءٍ، فَقَالُوا: الكِسَائِيَّ. ابْنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ الكِسَائِيُّ: صَلَّيْتُ بِالرَّشِيْدِ، فَأَخْطَأْتُ فِي آيَةٍ، مَا أَخْطَأَ فِيْهَا صَبِيٌّ، قُلْتُ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعِيْنَ، فَوَاللهِ مَا اجْتَرَأَ الرَّشِيْدُ أَنْ يَقُوْلُ: أَخْطَأْتَ، لَكِنْ قَالَ: أَيُّ لُغَةٍ هَذِهِ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَدْ يَعْثُرُ الجَوَادُ. قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ (1) . وَعَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الفَرَّاءِ، سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يَقُوْلُ: رُبَّمَا سَبَقَنِي لِسَانِي بِاللَّحْنِ. وَعَنْ خَلَفِ بنِ هِشَامٍ: أَنَّ الكِسَائِيَّ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ: {أَنَا أَكْثَرَ مِنْكَ مَالاً} بِالنَّصْبِ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ العِلَّةِ، فَثُرْتُ فِي وُجُوْهِهِم، فَمَحَوْهُ، فَقَالَ لِي: يَا خَلَفُ! مَنْ يَسْلَمُ مِنَ اللَّحْنِ؟ وَعَنِ الفَرَّاء، قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّمَ الكِسَائِيُّ النَّحوَ عَلَى كِبَرٍ (2) ، وَلَزِمَ   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 407، 408، و" غاية النهاية " 1 / 538، و" إنباه الرواة " 2 / 263، ونصه بتمامه: صليت بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط، أردت أن أقول (لعلهم يرجعون) فقلت " لعلهم يرجعين " قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي: أخطأت، ولكنه لما سلمت، قال لي: يا كسائي أي لغة هذه؟ قلت يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أما هذا، فنعم. (2) وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيى، فجلس إلى قوم فيهم فضل، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 مُعَاذاً الهَرَّاءَ مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الخَلِيْلِ. قُلْتُ: كَانَ الكِسَائِيُّ ذَا مَنْزِلَةٍ رَفِيْعَةٍ عِنْدِ الرَّشِيْدِ، وَأَدَّبَ وَلَدَهُ الأَمِيْنَ، وَنَالَ جَاهاً وَأَمْوَالاً، وَقَدْ تَرجَمتُهُ فِي أَمَاكِنَ. سَارَ مَعَ الرَّشِيْدِ، فَمَاتَ بِالرَّيِّ، بِقَرْيَة أَرَنْبُوْيَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَفِي تَارِيْخِ مَوْتِه أَقْوَالٌ، فَهَذَا أَصَحُّهَا. 45 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ فَرْقَدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيْفَةَ. وُلِدَ: بِوَاسِطَ، وَنَشَأَ بِالكُوْفَةِ. وَأَخَذَ عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ بَعْضَ الفِقْهِ، وَتَمَّمَ الفِقْهَ عَلَى القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ.   = وكان يجالسهم كثيرا، فقال: قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن، فقال: كيف لحنت؟ فقالوا: إن كنت أردت من التعب: فقل: " أعييت "، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الامر، فقل: " عييت " مخففة، فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفذ ما عنده " نزهة الالباء ": 68، و" إنباه الرواة " 2 / 257، 258. (*) التاريخ لابن معين: 511، تاريخ خليفة: 458، المعارف 500، 545، الضعفاء للعقيلي لوحة 376، الجرح والتعديل 7 / 227، المجروحين 2 / 275 - 276، الفهرست: 257، تاريخ بغداد: 2 / 172 - 182، طبقات الشيرازي: 135، الأنساب 7 / 433، اللباب 2 / 219، وفيات الأعيان 4 / 184، العبر 1 / 302، المغني في الضعفاء 2 / 219، دول الإسلام 1 / 120، ميزان الاعتدال 3 / 513، لسان الميزان 5 / 121، شذرات الذهب 1 / 321، الفوائد البهية: 163. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 أَخَذَ عَنْهُ: الشَّافِعِيُّ - فَأَكْثَرَ جِدّاً - وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ فَقِيْهُ بُخَارَى، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو الحَرَّانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ سُقْتُ أَخْبَارَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَصلُهُ جَزَرِيٌّ، سَكَنَ أَبُوْهُ الشَّامَ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مُحَمَّدٌ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ، وَسَكَنَ بَغْدَادَ. قُلْتُ: وَلِيَ القَضَاءَ لِلرَّشِيْدِ بَعْدَ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الفِقْهِ، يُضْرَبُ بِذَكَائِهِ المَثَلُ. كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْهُ وَقْرَ بُخْتِيٍّ (2) ، وَمَا نَاظَرتُ سَمِيْناً أَذكَى مِنْهُ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُوْلَ: نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، لقُلْتُ؛ لِفِصَاحَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: أَقَمْتُ عِنْد مَالِكٍ ثَلاَثَ سِنِيْنَ وَكَسْراً، وَسَمِعْتُ مِنْ لَفْظِه سَبْعَ مائَةِ حَدِيْثٍ (3) .   (1) وقد طبع مع ترجمة أبي حنيفة وأبي يوسف بتحقيق المرحوم العلامة الشيخ زاهد الكوثري. (2) البختي:: واحد البخت، وهي الابل، وفي " لسان الميزان " 5 / 121: حملت عن محمد وقر بعير كتبا. (3) وروى عنه " الموطأ "، وروايته تعد من أجود الروايات إن لم تكن أجودهما مطلقا، لأنه سمعه من لفظه بترو في مدة ثلاث سنوات، ولأنه يذكر بعد أحاديث الابواب ما إذا كانت تلك الأحاديث مما أخذ به فقهاء العراق، أو خالفوه مع سرد الأحاديث، وفيه تتجلى شخصية محمد بن الحسن المستقلة في الاجتهادات الكثيرة التي خالف فيها مالكا وأبا حنيفة وأصحابه وهو مطبوع بالهند أكثر من مرة بشرح العلامة اللكنوي المسمى بالتعليق الممجد، وطبع بدون شرح بمصر سنة 1382 هـ بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ (الجَامِعَ الصَّغَيْرَ) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: قُلْتُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ المَسَائِلُ الدِّقَاقُ؟ قَالَ: مَنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ. قِيْلَ: إِنَّ مُحَمَّداً لَمَّا احْتُضِرَ، قِيْلَ لَهُ: أَتَبكِي مَعَ العِلْمِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْقَفَنِيَ اللهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا أَقْدَمَكَ الرَّيَّ، الجِهَادُ فِي سَبِيْلِي، أَمِ ابْتِغَاءُ مَرضَاتِي؟ مَاذَا أَقُوْلُ؟ قُلْتُ: تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالرَّيِّ. 46 - المُحَارِبِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ * (ع) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: فِي دَوْلَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَجِبْرِيْلَ بنِ أَحْمَرَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَمُطَّرِحِ بنِ يَزِيْدَ، وَعَمَّارِ بنِ سَيْفٍ، وَعُمَرَ بنِ ثَابِتٍ الرَّازِيِّ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَخَلْقٍ.   (*) التاريخ لابن معين: 357، طبقات ابن سعد 6 / 392، طبقات خليفة ت 1316، التاريخ الكبير 5 / 347، الضعفاء للعقيلي لوحة 227، مشاهير علماء الأمصار ت 1372، تهذيب الكمال لوحة 816، تذهيب التهذيب 2 / 227 / 2، العبر 1 / 319، ميزان الاعتدال 2 / 585، تذكرة الحفاظ 1 / 312، الكاشف 2 / 184، تهذيب التهذيب 6 / 265، النجوم الزاهرة 2 / 148، طبقات الحفاظ: 129، خلاصة تذهيب الكمال: 234، شذرات الذهب 1 / 343. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ. قَالَ وَكِيْعٌ: مَا كَانَ أَحْفَظَهُ لِلطِّوَالِ! وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ المُحَارِبِيِّ أَحْفَظُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كُنَّا نَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَإِذَا مَرَّ حَدِيْثٌ مِنْ أَحَادِيْثِ الزُّهدِ، قَالَ: ابْنَ المُحَارِبِيِّ! خُذْ إِلَيْكَ هَذَا مِنْ بَابَتِكَ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: يَرْوِي عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً، فَيُفْسِدُ حَدِيْثَهُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ المُحَارِبِيَّ كَانَ يُدَلِّسُ، وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مَعْمَرٍ شَيْئاً، وَأَنْكَرَ أَبِي رِوَايَتَهُ عَنْ مَعْمَرٍ، فَقِيْلَ لأَبِي: إِنَّ المُحَارِبِيَّ يَرْوِي عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جَرِيْرٍ البَجَلِيِّ حَدِيْثَ: (تُبْنَى مَدِيْنَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَدُجَيْلٍ) . فَقَالَ أَبِي: كَانَ المُحَارِبِيُّ جَلِيساً لِسَيفِ بنِ مُحَمَّدٍ؛ ابْنِ أُخْتِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّاباً، وَأَظُنُّ المُحَارِبِيَّ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ (1) . قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللهِ مَنْ حَدَّثَهُ بِهَذَا عَنِ المُحَارِبِيِّ، فَهُوَ - إِنْ   (1) " الضعفاء ": 237 للعقيلي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 صَحَّ أَنَّ المُحَارِبِيَّ حَدَّثَ بِهِ - قَوِيُّ الإِسْنَادِ (1) عَلَى نَكَارَتِهِ. مَاتَ المُحَارِبِيُّ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الحُسَيْنِ بنِ سَهْلِ بنِ الصَّيَّاحِ بِبَلَدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الإِمَامُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَمَا أُبَالِي وَسَطَ القُبُوْرِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَمْ وَسَطَ السُّوْقِ (2)) . إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.   (1) كلا ليس بقوي الإسناد، فقد رواه الخطيب في " تاريخ بغداد " 1 / 28 و29 و30 و31، و32 و33 و35 و9 / 311 و10 / 203 و14 / 55 عن جرير، وعن أنس، وفي سند الأول عمار بن سيف. وهو متروك، وقال المؤلف في " ميزانه " 3 / 165: له حديث منكر جدا، وأورد هذا الحديث، وفي سند الثاني صالح بن بيان، وهو متروك أيضا، وقد أورد المؤلف في " الميزان " في ترجمته هذا الحديث، وقال: حديث باطل. وذكره الشوكاني في " الفوائد المجموعة ": 434، 435، وقال: رواه الخطيب، وابن عدي، والطبراني عن أنس مرفوعا، وفي إسناده متروك ومجهول، والحديث منكر، وقال في " الميزان ": باطل، وفي " تنزيه الشريعة " 2 / 52 لابن عراق: أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " من حديث جرير بن عبد الله من ستة عشر طريقا، وأعلها كلها، فالخبر باطل. (2) ورواه ابن ماجة (1567) في الجنائز: باب ما جاء في النهي عن المشي على القبور والجلوس عليها، من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا المحاربي، بهذا الإسناد. قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 100 / 2: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، محمد بن إسماعيل وثقه أبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته، ولم ينفرد به محمد بن إسماعيل بن سمرة، فقد رواه أبو يعلى الموصلي في = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 47 - يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبَانِ بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ * (ع) ابْنِ العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ. الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، النَّبِيْلُ، أَبُو أَيُّوْبَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ. وَهُوَ وَالِدُ سَعِيْد بنِ يَحْيَى الأُمَوِيِّ؛ صَاحِبِ (المَغَازِي) . مَوْلِدُهُ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَحَمَلَ المَغَازِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَوَلَدُهُ؛ سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى، وَحُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عِنْدَهُ عَنِ الأَعْمَشِ غَرَائِبُ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   = " مسنده ": حدثنا حفص بن عبد الله أبو عمر الحلواني، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، فذكره بزيادة، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجة، ورواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث أبي مرثد الغنوي. (*) التاريخ لابن معين: 644، طبقات ابن سعد 7 / 339، التاريخ الكبير 8 / 277، التاريخ الصغير 2 / 275، المعارف: 514، الجرح والتعديل 9 / 151، مشاهير علماء الأمصار: ت 1391، تاريخ بغداد 14 / 132، 135، تهذيب الكمال 1498، تذهيب التهذيب 4 / 154 / 2، العبر 1 / 315، تذكرة الحفاظ 1 / 325، الكاشف 3 / 256، تهذيب التهذيب 11 / 213، خلاصة تذهيب الكمال 423، شذرات الذهب 1 / 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: سَكَنَ بَغْدَادَ، وَيُلَقَّبُ: بِالجَمَلِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَمَاتَ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ: أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ. وَأَخُوْهُمَا عُبَيْدٌ: يَرْوِي عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَجَمَاعَةٍ. وَأَخُوْهُم عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: لُغَوِيٌّ، شَاعِرٌ. وَأَخُوْهُم الخَامِسُ عَنْبَسَةُ: يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَطَائِفَةٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُم. وَأَخُوْهُم السَّادِسُ: اسْمُهُ (1) ... رَوَى عَنْ: زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ. ذَكَرَهُمُ: الدَّارَقُطْنِيُّ. 48 - وَكِيْعُ بن ُ الجَرَّاحِ بنِ مَلِيْحِ بنِ عَدِيٍّ الرُّؤَاسِيُّ * (ع) ابْنِ فَرَسِ بنِ جُمْجُمَةَ بنِ   (1) كذا الأصل، ولم يذكر اسمه. (*) التاريخ لابن معين: 630، طبقات ابن سعد 6 / 394، تاريخ خليفة: 467، التاريخ الكبير 8 / 179، التاريخ الصغير 2 / 281، المعارف: 507، تاريخ الفسوي 1 / 175، 176، 184، تاريخ دمشق لأبي زرعة 1 / 303 و462 و463 و2 / 725، الجرح والتعديل 1 / 219، مشاهير علماء الأمصار ت 1374، حلية الأولياء 8 / 368، فهرست ابن النديم 1 / 226، تاريخ بغداد 13 / 466 - 481، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 144، تهذيب الكمال 1462، تذهيب التهذيب 4 / 31 / 1، العبر 1 / 324، تذكرة الحفاظ 1 / 306، الكاشف 3 / 237، دول الإسلام 1 / 124، ميزان الاعتدال 4 / 335، 336، شرح العلل 1 / 200، تهذيب التهذيب 11 / 123، النجوم االزاهرة 2 / 153، طبقات الحفاظ: 127، خلاصة تذهيب الكمال 415، مفتاح السعادة 2 / 117، الجواهر المضية 2 / 280، شذرات الذهب 1 / 349. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 سُفْيَانَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدِ بنِ رُؤَاسٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو سُفْيَانَ الرُّؤَاسِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَاشْتَغَلَ فِي الصِّغَرِ. وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَسْوَدَ بنِ شَيْبَانَ، وَهِشَامِ بنِ الغَازِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَأَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَانِ بنِ صَمْعَةَ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ الخُوْزِيِّ، وَإِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ المَدَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ سُلَيْمَانَ الأَزْرَقِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي الصُّفَيْرَا (1) ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَبَدْرِ بنِ عُثْمَانَ، وَبَشِيْرِ بنِ المُهَاجِرِ، وَحُرَيْثِ بنِ أَبِي مَطَرٍ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَخَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، وَدَلْهَمِ بنِ صَالِحٍ، وَسَعْدِ بنِ أَوْسٍ، وَسَعْدَانَ الجُهَنِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ السَّائِبِ، وَسَعِيْدِ بنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، وَسَلَمَةَ بنِ نُبَيْطٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَعُثْمَانَ الشَّحَامِ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَعُيَيْنَةَ بنِ عَبْدِ   (1) " الصفيرا " بزيادة ألف كما ضبطه ابن حجر في تبصير المنتبه ": 839، وفي " تهذيب الكمال " و" تهذيب التهذيب " و" التقريب " بحذفها، وهو خطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 الرَّحْمَنِ بنِ جَوْشَنٍ، وَكَهْمَسٍ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ الطَّائِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمِسْعَرِ بنِ حَبِيْبٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سُلَيْمٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَشَرِيْكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَئِمَّةِ الحِفْظِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى السِّيْنَانِيُّ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَكَانَ وَالِدُهُ نَاظِراً عَلَى بَيْتِ المَالِ بِالكُوْفَةِ، وَلَهُ هَيْبَةٌ وَجَلاَلَةٌ. وَرَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ. قَالَ: وَرِثَ وَكِيْعٌ مِنْ أُمِّهِ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، جَلَسَ وَكِيْعٌ مَوْضِعَهُ. قَالَ القَعْنَبِيُّ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَلَمَّا خَرَجَ وَكِيْعٌ، قَالُوا: هَذَا رَاويَةُ سُفْيَانَ. قَالَ حَمَّادٌ: إِنْ شِئْتُمْ قُلْتُ: أَرْجَحُ مِنْ سُفْيَانَ. الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ يَقُوْلُ: صَحِبْتُ وَكِيْعاً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَكَانَ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 قُلْتُ: هَذِهِ عِبَادَةٌ يُخضَعُ لَهَا، وَلَكِنَّهَا مِنْ مِثْلِ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَثَرِيَّةِ مَفضُولَةٌ، فَقَدْ صَحَّ نَهْيُه - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَنْ صَومِ الدَّهْرِ (1) ، وَصَحَّ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَأَ القُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (2) ، وَالدِّيْنُ يُسْرٌ، وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى، فَرَضِيَ اللهُ عَنْ وَكِيْعٍ، وَأَيْنَ مِثْلُ وَكِيْعٍ؟! وَمَعَ هَذَا فَكَانَ مُلاَزِماً لِشُرْبِ نَبِيذِ الكُوْفَةِ الَّذِي يُسكِرُ الإِكثَارُ مِنْهُ، فَكَانَ مُتَأَوِّلاً فِي شُرْبِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ تَوَرُّعاً، لَكَانَ أَوْلَى بِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَوَقَّى الشُّبَهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِه وَعِرْضِهِ (3) ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ وَالتَّحرِيْمُ لِلنَّبِيذِ المَذْكُوْرِ (4) ، وَلَيْسَ هَذَا   (1) وردت أحاديث كثيرة في النهي عن صوم الدهر، انظر " شرح السنة " 6 / 362، و" جامع الأصول " 6 / 352. (2) أخرجه البخاري 4 / 195 من حديث مغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ القرآن في كل شهر " فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: " في ثلاث ". وفيه أيضا 9 / 84 في فضائل القرآن: باب في كم يقرأ القرآن، ومسلم (1159) (182) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو: " اقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك ". (3) هو جزء من حديث صحيح، رواه البخاري 1 / 116، 119 في الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، وفي البيوع: باب الحلال بين والحرام بين، ومسلم (1599) في المساقات: باب لعن آكل الربا ومؤكله. (4) فقد أخرج أبو داود (3681) في الاشربة: باب النهي عن المسكر، والترمذي (1866) في الاشربة: باب ما جاء كل مسكر حرام، كلاهما عن قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن بكر بن داود بن أبي الفرات، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وهذا إسناد قوي، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385) ، وأخرجه ابن ماجة (3393) من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن أنس بن عياض، عن داود بن بكر بهذا الإسناد، وفي الباب عن ابن عمر عند ابن ماجة (3392) ، وعن عبد الله بن عمرو عنده أيضا (3394) ، وأخرج مالك في " الموطأ " 2 / 845 باب تحريم الخمر، ومن طريقه البخاري 10 / 35 في الاشربة: باب الخمر من العسل وهو البتع، ومسلم (2001) في الاشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام ". وأخرج أحمد 4 / 267، وأبو داود (3676) ، والترمذي (1378) عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من العنب خمرا، وإن من التمر خمرا، وأن من العسل خمرا، وإن من البر خمرا، وإن من الشعير خمرا " وفي = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 مَوْضِعَ هَذِهِ الأُمُوْرِ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، فَلاَ قُدْوَةَ فِي خَطَأِ العَالِمِ، نَعَمْ، وَلاَ يُوَبَّخُ بِمَا فَعلَهُ بِاجْتِهَادٍ - نَسْأَلُ اللهَ المُسَامَحَةَ -. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَكِيْعٌ فِي زَمَانِهِ كَالأَوْزَاعِيِّ فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَوعَى لِلْعِلمِ وَلاَ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ يُعَظِّمُ وَكِيْعاً، وَيُفَخِّمُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَامِرٍ المَصِّيْصِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: وَكِيْعٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ؟ فَقَالَ: وَكِيْعٌ. قُلْتُ: كَيْفَ فَضَّلتَه عَلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى وَمَكَانُه مِنَ العِلْمِ وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ مَا قَدْ عَلِمْتَ؟ قَالَ: وَكِيْعٌ كَانَ صَدِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، هَجَرَهُ، وَإِنَّ يَحْيَى كَانَ صَدِيْقاً لِمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، لَمْ يَهْجُرْه يَحْيَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ: عُرِضَ القَضَاءُ عَلَى وَكِيْعٍ، فَامْتَنَعَ. مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ كَمَا جَاءَ، فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَمَنْ طَلَبَهُ لِيُقَوِّيَ بِهِ رَأْيَهُ، فَهُوَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدْ حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِدِمَشْقَ، فَأَخَذَ عَنْهُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَابْنُ ذَكْوَانَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ   = سنده إبراهيم بن المهاجر البجلي، وهو صدوق لين الحديث، لكن تابعه أبو حريز عند أبي داود (3677) فيتقوى به، فالسند حسن، وله شاهد عند أحمد (5992) من حديث ابن عمر، وإسناده حسن في الشواهد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 أَخُو زَيْدَانَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ وَكِيْعٍ، فَأَقْبَلْنَا جَمِيْعاً مِنَ المَصِّيْصَةِ - أَوْ طَرَسُوْسَ - فَأَتَيْنَا الشَّامَ، فَمَا أَتَيْنَا بَلَداً إِلاَّ اسْتَقبَلَنَا وَالِيْهَا، وَشَهِدْنَا الجُمُعَةَ بِدِمَشْقَ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ، أَطَافُوا بِوَكِيْعٍ، فَمَا انْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ -يَعْنِي إِلَى اللَّيْلِ-. قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ مَلِيْحاً ابْنَهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي جَسَدِ أَبِي آثَارَ خُضْرَةٍ مِمَّا زُحِمَ ذَلِكَ اليَوْمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: أَحْرَمَ وَكِيْعٌ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ وَكِيْعٌ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِياً، رَفِيْعاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، حُجَّةً. قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: قَالَ لِي وَكِيْعٌ: اخْتَلَفتُ إِلَى الأَعْمَشِ سِنِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ التَّيْمِيُّ: أَخْبَرَنَا وَكِيْعٌ، قَالَ: أَتَيْتُ الأَعْمَشَ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي. قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: وَكِيْعٌ. قَالَ: اسْمُ نَبِيْلٍ، مَا أَحسِبُ إِلاَّ سَيَكُوْنُ لَكَ نَبَأٌ، أَيْنَ تَنْزِلُ مِنَ الكُوْفَةِ؟ قُلْتُ: فِي بَنِي رُؤَاسٍ. قَالَ: أَيْنَ مِنْ مَنْزِلِ الجَرَّاحِ بنِ مَلِيْحٍ؟ قُلْتُ: ذَاكَ أَبِي، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ. قَالَ لِي: اذْهَبْ، فَجِئنِي بِعَطَائِي، وَتَعَالَ حَتَّى أُحَدِّثَك بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ. فَجِئْتُ إِلَى أَبِي، فَأَخْبَرتُهُ، قَالَ: خُذْ نِصْفَ العَطَاءِ، وَاذْهَبْ، فَإِذَا حَدَّثَكَ بِالخَمْسَةِ، فَخُذِ النِّصْفَ الآخَرَ، حَتَّى تَكُوْنَ عَشْرَةٌ. فَأَتَيْتُهُ بِنِصْفِ عَطَائِهِ، فَوَضَعَهُ فِي كَفِّه، وَقَالَ: هَكَذَا. ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي. فَأَملَى عَلَيَّ حَدِيْثَينِ، فَقُلْتُ: وَعَدْتَنِي بِخَمْسَةٍ. قَالَ: فَأَيْنَ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا؟ أَحسِبُ أَنَّ أَبَاكَ أَمَرَكَ (2) بِهَذَا،   (1) السنة أن يحرم الإنسان من الميقات الذي يمر به. (2) سقطت من الأصل، واستدركت من " تاريخ بغداد " 13 / 468. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 وَلَمْ يَدرِ أَنَّ الأَعْمَشَ مُدَرَّبٌ، قَدْ شَهِدَ الوَقَائِعَ، اذْهَبْ، فَجِئْنِي بِتَمَامِه. فَجِئْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِخَمْسَةٍ، فَكَانَ إِذَا كَانَ كُلُّ شَهْرٍ، جِئْتُهُ بِعَطَائِهِ، فَحَدَّثَنِي بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ. قَالَ قَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَدعُو وَكِيْعاً وَهُوَ غُلاَمٌ، فَيَقُوْلُ: يَا رُؤَاسِيُّ! تَعَالَ، أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ؟ فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَسُفْيَانُ يَتَبَسَّمُ، وَيَتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِهِ. قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ فِي زَمَانِ وَكِيْعٍ أَفْقَهُ وَلاَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَانَ جِهْبِذاً، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلاَّ فِي صَحِيْفَةٍ يَوْماً. فَقُلْتُ لَهُ: عَدُّوا عَلَيْكَ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ غَلِطْتَ فِيْهَا. قَالَ: وَحَدَّثْتُهُم بِعَبَّادَانَ بِنَحْوٍ مِنْ أَلفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ بِكَثِيْرَةٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُ، فَإِذَا رَجَعْتُ إِلَى المَنْزِلِ، كَتَبْتُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَمَانٍ يَقُوْلُ: نَظرَ سُفْيَانُ إِلَى عَيْنَيْ وَكِيْعٍ، فَقَالَ: لاَ يَمُوْتُ هَذَا الرُّؤَاسِيُّ حَتَّى يَكُوْنَ لَهُ شَأْنٌ. فَمَاتَ سُفْيَانُ، وَجَلَسَ وَكِيْعٌ مَكَانَه. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: حَدِّثْنَا. قَالَ: قَدْ كَبِرْنَا وَنَسِينَا الحَدِيْثَ، اذْهَبْ إِلَى وَكِيْعٍ فِي بَنِي رُؤَاسٍ. قَالَ الشَّاذَكُوْنِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ يَوْماً: مَا دَامَ هَذَا التِّنِيْنُ حَيّاً -يَعْنِي: وَكِيْعاً- مَا يُفلِحُ أَحَدٌ مَعَهُ. قُلْتُ: كَانَ وَكِيْعٌ أَسْمَرَ، ضَخْماً، سَمِيْناً. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حُدِّثْتُ عَنْ نُوْحِ بنِ حَبِيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 قَالَ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَراً، وَمَالِكاً، وَرَأَيْتُ وَرَأَيْتُ، فَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ قَطُّ مِثْلَ وَكِيْعٍ. قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: كُنَّا بِعَبَّادَانَ، فَقَالَ لِي حَمَّادُ بنُ مَسْعدَةَ: أُحِبُّ أَنْ تَجِيْءَ مَعِي إِلَى وَكِيْعٍ. فَأَتَيْنَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَتَحَدَّثْنَا، ثُمَّ انْصَرَفنَا، فَقَالَ لِي حَمَّادٌ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ! قَدْ رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ، فَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ وَكِيْعٌ حَافِظاً حَافِظاً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ. وَقَالَ بِشْرُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ وَكِيْعٍ فِي العِلْمِ، وَالحِفْظِ، وَالإِسْنَادِ، وَالأَبْوَابِ، مَعَ خُشُوْعٍ وَوَرَعٍ. قُلْتُ: يَقُوْلُ هَذَا أَحْمَدُ مَعَ تَحَرِّيه وَوَرَعِهِ، وَقَدْ شَاهَدَ الكِبَارَ، مِثْلَ هُشَيمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَأَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وَأَمْثَالِهِم. وَكَذَا رَوَى عَنْ أَحْمَدَ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ سُلَيْمَانَ البَلْخِيَّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَفَاكَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْرِفَةً وَإِتْقَاناً، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوزَنَ بِقَوْمٍ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَلاَ أَشَدَّ تَثَبُّتاً فِي أُمُوْرِ الرِّجَالِ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَقَلُّ الأَرْبَعَةِ خَطَأً، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَوْضِعُ الحُجَّةِ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّمَا أَثْبَتُ عِنْدَكَ، وَكِيْعٌ أَوْ يَزِيْدُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْهُمَا - بِحَمْدِ الله - إِلاَّ ثَبْتٌ، وَمَا رَأَيْتُ أَوعَى لِلْعِلْمِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَلاَ أَشْبَهَ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ مِنْهُ، وَلَمْ يَختَلِطْ بِالسُّلْطَانِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 عَنْ وَكِيْعٍ وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ أَكْبَرُ فِي القَلْبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِمَامٌ. وَقَالَ زَاهِدُ دِمَشْقَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ لَقِيْتُ أَخشَعَ مِنْ وَكِيْعٍ. عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ وَكِيْعٍ. قِيْلَ: وَلاَ ابْنُ المُبَارَكِ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ لَهُ فَضْلٌ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ يَسْتَقبِلُ القِبْلَةَ، وَيَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، وَيَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيسرُدُ الصَّوْمَ، وَيُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً (1) . قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَلاَ هُشَيْمٌ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ يَقَعُ حَدِيْثُ هُشَيْمٍ مِنْ حَدِيْثِ وَكِيْعٍ؟! قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّيْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. فَقَالَ: كَانَ يَزِيْدُ يَتَحَفَّظُ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُحَفِّظُه مِنْ كِتَابٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ: جَاءنِي ابْنُ المُبَارَكِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَنْ رَجُلُ الكُوْفَةِ اليَوْمَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: رَجُلُ المِصْرَيْنِ وَكِيْعٌ. تَمْتَامٌ (2) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ وَكِيْعٍ الَّذِيْنَ كَانُوا يَلْزَمُوْنَهُ: أَنَّ وَكِيْعاً كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ جُزْءهُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنَ، ثُمَّ يَقُوْمُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَقرَأُ المُفَصَّلَ، ثُمَّ يَجْلِسُ،   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 13 / 470، 471. (2) هو الحافظ الامام أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري التمار، نزيل بغداد، المتوفى (283 هـ) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 فَيَأْخُذُ فِي الاسْتِغْفَارِ حَتَّى يَطلُعَ الفَجْرُ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ وَكِيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي، فَلاَ يَبْقَى فِي دَارِنَا أَحَدٌ إِلاَّ صَلَّى، حَتَّى جَارِيَةٌ لَنَا سَوْدَاءُ. عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ كَثِيْراً: وَأَيُّ يَوْمٍ لَنَا مِنَ المَوْتِ؟ وَرَأَيْتُهُ أَخَذَ فِي كِتَابِ (الزُّهْدِ) يَقْرَؤُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ حَدِيْثاً مِنْهُ، تَرَكَ الكِتَابَ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يُحَدِّثْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، وَأَخَذَ فِيْهِ، بَلَغَ ذَلِكَ المَكَانَ، قَامَ أَيْضاً وَلَمْ يُحَدِّثْ، حَتَّى صَنَعَ ذَلِكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. قُلْتُ لِيَحْيَى: وَأَيُّ حَدِيْثٍ هُوَ؟ قَالَ: حَدِيْثُ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ (1)) . قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ وَكِيْعٌ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، وَيُفْطِرُ يَوْمَ الشَّكِّ وَالعِيْدِ، وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يَشتَكِي إِذَا أَفطَرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ. وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَجْلِسُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقِيْلُ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَيَقْصِدُ الطَّرِيْقَ إِلَى المَشْرَعَةِ (2) الَّتِي يَصعَدُ مِنْهَا أَصْحَابُ الرَّوَايَا (3) ،   (1) " تاريخ ابن معين ": 631، 632، وحديث " كن في الدنيا. " أخرجه البخاري 11 / 199، 200 في الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كن في الدنيا كأنك غريب " من طريق علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن الأعمش، حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. وأخرجه الترمذي (2333) في الزهد: باب ما جاء في قصر الامل، وابن ماجة (4114) في الزهد: باب مثل الدنيا، وأحمد 2 / 24، و41 من طريق الليث بن سعد، عن مجاهد، عن ابن عمر. (2) المشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، والمشرعة: مورد الشاربة التي يشرعها الناس، فيشربون منها ويستقون. وفي " تاريخ بغداد ": ويقصد طريق المشرعة. (3) جمع راوية: المزادة فيها الماء، والدابة التي يستقى عليها الماء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 فَيُرِيْحُوْنَ نَوَاضِحَهُم، فَيُعَلِّمُهُم مِنَ القُرْآنِ مَا يُؤَدُّونَ بِهِ الفَرضَ إِلَى حُدُوْدِ العَصْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَيُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَجْلِسُ يَدْرُسُ القُرْآنَ، وَيَذكُرُ الله إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ، فَيُقَدَّمُ إِلَيْهِ إِفْطَارُهُ، وَكَانَ يُفْطِرُ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ أَرطَالٍ (1) مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ تُقَدَّمُ إِلَيْهِ قُرَابَةٌ، فِيْهَا نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ أَرطَالٍ مِنْ نَبِيذٍ، فَيَشرَبُ مِنْهَا مَا طَابَ لَهُ عَلَى طَعَامِهِ، ثُمَّ يَجعَلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَيُصَلِّي وِرْدَهُ مِنَ اللَّيْلِ، كُلَّمَا صَلَّى شَيْئاً، شَرِبَ مِنْهَا، حَتَّى يُنْفِدَهَا، ثُمَّ يَنَامُ. رَوَى هَذِهِ الحِكَايَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ القَاضِي ابْنِ أُمِّ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ (2) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُولٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَكِيْعٌ، فَنَزَلَ فِي مَسْجِدِ الفُرَاتِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، فَطَلَبَ مِنِّي نَبِيْذاً، فَجِئْتُهُ بِهِ، وَأَقْبَلتُ أَقرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ وَهُوَ يَشْرَبُ، فَلَمَّا نَفِدَ مَا جِئْتُهُ بِهِ، أَطفَأَ السِّرَاجَ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: لَوْ زِدْتَنَا، زِدْنَاكَ. قَالَ جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ وَكِيْعاً، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! شَرِبْتُ البَارِحَةَ نَبِيْذاً، فَرَأَيْتُ فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُوْلُ: شَرِبتَ خَمراً. فَقَالَ وَكِيْعٌ: ذَلِكَ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: تَعَشَّينَا عِنْدَ وَكِيْعٍ -أَوْ قَالَ: تَغَدَّينَا- فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيْدُوْنَ أَجِيئُكُم مِنْهُ: نَبِيذُ الشُّيُوْخِ، أَوْ نَبِيذُ الفِتْيَانِ؟ فَقُلْتُ:   (1) بالرطل البغدادي الذي يزن 375 غراما تقريبا. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 471. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 تَتَكَلَّمُ بِهَذَا؟ قَالَ: هُوَ عِنْدِي أَحَلُّ مِنْ مَاءِ الفُرَاتِ. قُلْتُ لَهُ: مَاءُ الفُرَاتِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حِلِّهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا. قُلْتُ: الرَّجُلُ - سَامَحَهُ الله - لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَه، لَمَا قَالَ هَذَا. عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: لَوْ تَمَنَّيْتُ، كُنْتُ أَتَمَنَّى عَقْلَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَرَعَهُ، وَزُهْدَ ابْنِ فُضَيْلٍ وَرِقَّتَه، وَعِبَادَةَ وَكِيْعٍ وَحِفْظَهُ، وَخُشُوْعَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَصَبْرَ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، صَبَرَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ (1) ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا. وَرَوَى: بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: إِنَّ أَهْلَ بَلَدِكَ طَلَبُوا مِنِّي قَاضِياً، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُشْرِكَكَ فِي أَمَانَتِي وَصَالِحِ عَمَلِي، فَخُذْ عَهدَكَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَإِحْدَى عَيْنَيَّ ذَاهِبَةٌ، وَالأُخْرَى ضَعِيْفَةٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: مَا رَأَيْتُ بِيَدِ وَكِيْعٍ كِتَاباً قَطُّ، إِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ، فَسَأَلتُهُ عَنْ أَدوِيَةِ الحِفْظِ، فَقَالَ: إِنْ عَلَّمْتُكَ الدَّوَاءَ، اسْتَعْمَلتَه؟ قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ. قَالَ: تَرْكُ المَعَاصِي، مَا جَرَّبْتُ مِثْلَهُ لِلْحِفْظِ. وَقَالَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمتُ   (1) وليس هذا الامر مما يتمنى ولا يفرح به، ولا يقلد به صاحبه، لأنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الثابت فيما رواه البخاري 9 / 89، 90 في النكاح: باب الترغيب في النكاح، ومسلم (1401) في النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه من حديث أنس، أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 أَنَّ الصَّلاَةَ (1) أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيْثِ، مَا حَدَّثْتُكُم. قَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ: كَانَ وَكِيْعٌ أَحْفَظَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: وَكِيْعٌ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، صَالِحٌ، أَدِيْبٌ، مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ مُفْتِياً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ: أَيُّمَا أَحْفَظُ: وَكِيْعٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ؟ قَالَ: وَكِيْعٌ أَحْفَظُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتْقَنُ، وَقَدِ التَقَيَا بَعْدَ العِشَاءِ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ. عَبَّاسٌ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعَا يَحْيَى يَقُوْلُ: مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ عَلَى وَكِيْعٍ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ. قُلْتُ: هَذَا كَلاَمٌ رَدِيءٌ، فَغَفَرَ اللهُ لِيَحْيَى، فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَعْلَمُ الرَّجُلَيْنِ، وَأَفْضَلُ، وَأَتْقَنُ، وَبِكُلِّ حَالٍ هُمَا إِمَامَانِ نَظِيْرَانِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رُئِيَ لِوَكِيْعٍ كِتَابٌ قَطُّ، وَلاَ لِهُشَيْمٍ، وَلاَ لِحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَلاَ لِمَعْمَرٍ. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالقَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: الثَّبْتُ عِنْدنَا   (1) يعني بذلك النوافل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 بِالعِرَاقِ: وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. رَوَاهَا: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَيْضاً، ثُمَّ قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: الثَّبْتُ عِنْدنَا بِالعِرَاقِ وَكِيْعٌ. السَّاجِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ - وَبَلَغَهُ قَوْلُ يَحْيَى: مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى وَكِيْعٍ، فَعَلَيْهِ اللَّعْنَةَ -: كَانَ غَيْرُ هَذَا أَشْبَهَ بِكَلاَمِ أَهْلِ العِلْمِ، وَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، لَمْ يَقلْ مِثْلَ هَذَا، وَكِيْع خَيِّرٌ، فَاضِلٌ، حَافِظٌ. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا اخْتَلَفَ وَكِيْعٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، بِقَوْلِ مَنْ نَأْخُذُ؟ فَقَالَ: نُوَافِقُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَكْثَرَ، وَخَاصَّةً فِي سُفْيَانَ، كَانَ مَعْنِيّاً بِحَدِيْثِهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَسْلَمُ مِنْهُ السَّلَفُ، وَيَجتَنِبُ شُرْبَ المُسْكِرِ، وَكَانَ لاَ يَرَى أَنْ يُزْرَعَ فِي أَرْضِ الفُرَاتِ (1) . قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَكَانَ يُغْشَى عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ القُرْآنَ. نَقَلَهُ: صَاحِبُ (شرِيْعَةِ المَقَارِئِ) . عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: حَدِيْثُ الأَعْمَشِ إِذَا اخْتَلَفَ وَكِيْعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ؟ قَالَ: يُوَقَّفُ حَتَّى يَجِيْءَ مَنْ يُتَابِعُ أَحَدَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: كَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَى وَكِيْع فِي زَمَانِهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَكِيْعٌ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.   (1) أورده في " تهذيب الكمال ": 1464، وذكره الفسوي في " تاريخه " 2 / 170 إلى قوله " بحديث سفيان ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ لَوْحاً فِيْهِ أَسْمَاءُ شُيُوْخٍ: فُلاَنٌ رَافِضِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَوَكِيْعٌ رَافِضِيٌّ، فَقُلْتُ لِمَرْوَانَ: وَكِيْع خَيْرٌ مِنْكَ. قَالَ: مِنِّي؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَسَكَتَ، وَلَوْ قَالَ لِي شَيْئاً، لَوَثَبَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ وَكِيْعاً، فَقَالَ: يَحْيَى صَاحِبُنَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْرِفُ لِي، وَيُرَحِّبُ (1) . قُلْتُ: مَرَّ قَوْلُ أَحْمَدَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَسْلَمُ مِنْهُ السَّلَفُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَكِيْعاً فِيْهِ تَشَيُّعٌ يَسِيْرٌ، لاَ يَضُرُّ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَإِنَّهُ كُوْفِيٌّ فِي الجُمْلَةِ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) ، سَمِعْنَاهُ قَدَّمَ فِيْهِ بَابَ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَى مَنَاقِبِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِهِ، وَلاَ يَقُوْمُ أَحَدٌ وَلاَ يُبْرَى فِيْهِ قَلَمٌ، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يَكُوْنُوْنَ فِي مَجْلِسِهِ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِنْ أَنْكَرَ مِنْ أَمرِهِم شَيْئاً، انْتَعَلَ، وَدَخَلَ، وَكَانَ ابْنُ نُمَيْرٍ يَغْضَبُ وَيَصِيْحُ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَبرِي قَلَماً، تَغَيَّرَ وَجْهُهُ غَضَباً. قَالَ تَمِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: عَلَيْكُم بِمُصَنَّفَاتِ وَكِيْعٍ. مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَسْعُوْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَخْطَأَ وَكِيْعٌ فِي خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ وَكِيْعٌ يَلْحَنُ، وَلَوْ حَدَّثْتُ عَنْهُ   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 13 / 470. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 بِأَلْفَاظِهِ، لَكَانَتْ عَجَباً، كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ (عِيْشَةَ) . نَقَلَهَا: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ وَكِيْعٌ أَحْفَظَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكَثِيْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِيْهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ تَصْحِيْفاً مِنْ وَكِيْعٍ، لَكِنَّهُ أَقَلُّ خَطَأً. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ وَكِيْعٍ قَطُّ، يَحْفَظُ الحَدِيْثَ جَيِّداً، وَيُذَاكِرُ بِالفِقْهِ، فَيُحْسِنُ مَعَ وَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِي أَحَدٍ. قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ المِحْنَةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ وَكِيْعٌ إِمَامَ المُسْلِمِيْنَ فِي زَمَانِهِ. قَالَ سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ: جَالَسْتُ وَكِيْعاً سَبْعَ سِنِيْنَ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَزَقَ، وَلاَ مَسَّ حَصَاةً، وَلاَ جَلَسَ مِجْلِساً فَتَحَرَّكَ، وَمَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَمَا رَأَيْتُهُ يَحلِفُ بِاللهِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ يَدعُوْهُ إِلَى عُرْسٍ، فَقَالَ: أَثَمَّ نَبِيْذٌ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: لاَ نَحْضُرُ عُرْساً لَيْسَ فِيْهِ نَبِيْذٌ. قَالَ: فَإِنِّي آتِيْكُم بِهِ، فَقَامَ. وَرُوِيَ عَنْ وَكِيْعٍ: أَنَّ رَجُلاً أَغلَظَ لَهُ، فَدَخَلَ بَيْتاً، فَعَفَّرَ وَجْهَه، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ: زِدْ وَكِيْعاً بِذَنْبِهِ، فَلَولاَهُ، مَا سُلِّطْتَ عَلَيْهِ. نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَكِيْعاً، وَأَحْفَظَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِيْمَنْ رَأَيْتُ أَخشَعَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَمَا وُصِفَ لِي أَحَدٌ قَطُّ إِلاَّ رَأَيْتُهُ دُوْنَ الصِّفَةِ، إِلاَّ وَكِيْعاً، رَأَيْتُهُ فَوْقَ مَا وُصِفَ لِي. قَالَ سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: قَدِمَ وَكِيْعٌ مَكَّةَ، وَكَانَ سَمِيْناً، فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: مَا هَذَا السِّمَنُ وَأَنْتَ رَاهِبُ العِرَاقِ؟! قَالَ: هَذَا مِنْ فَرَحِي بِالإِسْلاَمِ، فَأَفَحَمَهُ. أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: الجَهرُ بِالبَسْمِلَةِ بِدعَةٌ (1) .   (1) وذلك لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جهر بها، ولا عن أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، فقد أخرج البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة: باب ما يقول بعد التكبير من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وأخرجه الترمذي (246) ، وعنده " القراءة " بدل " الصلاة " وزاد: " وعثمان " وأخرجه مسلم (399) في الصلاة: باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، بلفظ " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ورواه أحمد 3 / 264، والطحاوي 1 / 119، والدارقطني: 119، وقالوا فيه " فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " ورواه ابن حبان في " صحيحه " وزاد: " ويجهرون بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ للنسائي 2 / 135، وابن حبان: " فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده " " فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به، بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ للطبراني في " معجمه "، وأبي نعيم في " الحلية "، وابن خزيمة في " صحيحه " (498) ، والطحاوي 1 / 119: " وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم ". قال الزيلعي في " نصب الراية " 1 / 327: ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح جمع. وأخرج أحمد 4 / 85، والترمذي (244) ، والنسائي 2 / 235 من حديث عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال لي: أي بني، محدث! إياك والحدث، قال: ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام - يعني - منه، قال: وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت، فقل: الحمد لله رب العالمين. وحسنه الترمذي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 قَالَ الفَضْلُ بنُ عَنْبَسَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وَكِيْعٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: حِفْظِي وَحِفظُ ابْن المُبَارَكِ تَكَلُّفٌ، وَحِفْظُ وَكِيْعٍ أَصْلِيٌّ، قَامَ وَكِيْعٌ، فَاسْتَنَدَ، وَحَدَّثَ بِسَبْعِ مائَةِ حَدِيْثٍ حِفْظاً. وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ: تَذَاكَرَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ وَوَكِيْعٌ لَيْلَةً - وَأَنَا أَرَاهُمَا - مِنَ العِشَاءِ إِلَى الصُّبْحِ، فَقُلْتُ لِبِشْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ. وَقَالَ سَهْلُ بنُ عُثْمَانَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ وَكِيْعٌ مَطْبُوْعَ الحِفظِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانُوا إِذَا رَأَوْا وَكِيْعاً، سَكَتُوا -يَعْنِي: فِي الحِفْظِ وَالإِجْلاَلِ-. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيْعٍ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ أَسْرَدُهُم. أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الجَمَّالَ يَقُوْلُ: أَتَيْنَا وَكِيْعاً، فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مَغْسُوْلَةٌ، فَلَمَّا بَصُرْنَا بِهِ، فَزِعْنَا مِنَ النُّوْرِ الَّذِي رَأَينَاهُ يَتَلأْلأُ مِنْ وَجْهِهِ. فَقَالَ رَجُلٌ بِجَنْبِي: أَهَذَا مَلَكٌ؟ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ ذَلِكَ النُّوْرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: رَأَيْتُ وَكِيْعاً إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ، لَيْسَ يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ، لاَ يَزُوْلُ وَلاَ يَمِيْلُ عَلَى رِجْلٍ دُوْنَ الأُخْرَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَا نَعِيْشُ إِلاَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 فِي سُتْرَةٍ، وَلَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ، لَكُشِفَ عَنْ أَمرٍ عَظِيْمٍ، الصِّدْقَ النِّيَّةَ. قَالَ الفَلاَّسُ: مَا سَمِعْتُ وَكِيْعاً ذَاكِراً أَحَداً بِسُوءٍ قَطُّ. قُلْتُ: مَعَ إِمَامَتِهِ، كَلاَمُهُ نَزْرٌ جِدّاً فِي الرِّجَالِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ وَكِيْعٍ: مَا أَخَذْتُ حَدِيْثاً قَطُّ عَرْضاً. فَذَكَرْتُ هَذَا لابْنِ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: وَكِيْعٌ عِنْدنَا ثَبْتٌ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ بنِ بَشِيْرٍ: وَكِيْعٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَايَةُ الإِسْنَادِ، لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، مَا أَعْدِلُ بِوَكِيْعٍ أَحَداً. فَقِيْلَ لَهُ: فَأَبُو مُعَاوِيَةَ؟ فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ: أَصَحُّ إِسْنَادٍ بِالعِرَاقِ وَغَيْرِهَا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي (المُسْنَدِ) بِهَذَا السَّنَدِ عِدَّةُ مُتُوْنٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا وَكِيْعٌ يَوْماً، فَقَالَ: أَيُّ (1) الإِسْنَادَينِ أَحَبُّ إِلَيْكُم: الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَوْ: سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْنَا: الأَعْمَشُ، فَإِنَّهُ أَعْلَى. فَقَالَ: بَلِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ فَقِيْهٌ، عَنْ فَقِيْهٍ، عَنْ فَقِيْهٍ، عَنْ فَقِيْهٍ، وَالآخَرُ شَيْخٌ، عَنْ شَيْخٍ، وَحَدِيْثٌ يَتَدَاوَلُهُ الفُقَهَاءُ، خَيْرٌ مِنْ حَدِيْثٍ يَتَدَاوَلُهُ الشُّيُوْخُ (2) .   (1) لم ترد في الأصل. (2) مراد وكيع أن المحدث الذي يجمع إلى الحفظ والضبط البصر بما في الحديث، والتفقه به، والاستنباط منه يكون حديثه أضبط وأصح من المحدث الذي يقتصر على الحفظ وسرد المرويات. وهذا بين لا خفاء فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَضَرْتُ مَوْتَ سُفْيَانَ، فَكَانَ عَامَّةُ كَلاَمِهِ: مَا أَشَدَّ المَوْتَ! قَالَ نُوْحٌ: فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنَا عَنْكَ وَكِيْعٌ، فَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَعَدَ، وَقَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ أَبَا سُفْيَانَ، جَزَاهُ اللهُ خَيْراً، وَمَنْ مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ؟! وَمَا يُقَالُ لمِثْلِ أَبِي سُفْيَانَ؟! وَقِيْلَ: إِنَّ وَكِيْعاً وَصَلَ إِنْسَاناً مَرَّةً بِصُرَّةِ دَنَانِيْرَ؛ لِكَوْنِهِ كَتَبَ مِنْ مِحْبَرَةِ ذَلِكَ (1) الإِنْسَانِ، وَقَالَ: اعذِرْ، فَلاَ أَمْلِكُ غَيْرَهَا. عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ. وَعَنْ مَلِيْحِ بنِ وَكِيْعٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِأَبِي المَوْتُ، أَخْرَجَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! تَرَى يَدَيَّ مَا ضَرَبْتُ بِهِمَا شَيْئاً قَطُّ. قَالَ مَلِيْحٌ: فَحَدَّثتُ بِهَذَا دَاوُدَ بنَ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، فَقَالَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنِ الأَبْدَالُ؟ قَالَ: الَّذِيْنَ لاَ يَضْرِبُوْن بِأَيْدِيهِم شَيْئاً، وَإِنَّ وَكِيْعاً مِنْهُم. قُلْتُ: بَلِ الَّذِي يَضْرِبُ بِيَدِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ. مِحْنَةُ وَكِيْعٍ - وَهِيَ غَرِيْبَةٌ - تَوَرَّطَ فِيْهَا، وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنْ فَاتَتْهُ سَكْتَةٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ (2) ، فَلْيَتَّقِ عَبْدٌ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ) .   (1) لم ترد في الأصل. (2) أخرجه أبو داود (4992) ، ومسلم (5) في مقدمة " صحيحه " من حديث أبي هريرة، وعنده " كفى بالمرء كذبا ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ البَهِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَ حَيَاتَكَ وَمِيْتَتَكَ. ثُمَّ قَالَ البَهِيُّ: وَكَانَ تُرِكَ يَوْماً وَلَيْلَةً، حَتَّى رَبَا بَطْنُهُ، وَانْثَنَتْ خِنْصِرَاهُ. قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: فَلَمَّا حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِهَذَا بِمَكَّةَ، اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ، وَأَرَادُوا صَلْبَ وَكِيْعٍ، وَنَصَبُوا خَشَبَةً لِصَلْبِهِ، فَجَاءَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لَهُم: اللهَ اللهَ، هَذَا فَقِيْهُ أَهْلِ العِرَاقِ، وَابْنُ فَقِيْهِهِ، وَهَذَا حَدِيْثٌ مَعْرُوْفٌ. قَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أَكنْ سَمِعْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَرَدْتُ تَخلِيصَ وَكِيْعٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ الحَدِيْثَ مِنْ وَكِيْعٍ بَعْدَ مَا أَرَادُوا صَلبَهُ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ جَسَارَتِهِ. وَأُخْبِرْتُ أَنَّ وَكِيْعاً احْتجَّ، فَقَالَ: إِنَّ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمُ عُمَرُ، قَالُوا: لَمْ يَمُتْ رَسُوْلُ اللهِ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يُرِيَهِم آيَةَ المَوْتِ. رَوَاهَا: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ رَزِيْنٍ البَاشَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ. وَرَوَى الحَدِيْثَ عَنْ وَكِيْعٍ: قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ (1) . فَهَذِهِ زَلَّةُ عَالِمٍ، فَمَا لِوَكِيْعٍ، وَلِرِوَايَةِ هَذَا الخَبَرِ المُنْكَرِ، المُنْقَطِعِ الإِسْنَادِ! كَادَتْ نَفْسُهُ أَنْ تَذْهَبَ غَلَطاً، وَالقَائِمُوْنَ عَلَيْهِ مَعْذُوْرُوْنَ، بَلْ مَأْجُورُوْنَ، فَإِنَّهُم تَخَيَّلُوا مِنْ إِشَاعَةِ هَذَا الخَبَرِ المَرْدُوْدِ، غَضّاً مَا لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يُوْهِمُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا تَأَمَّلتَه، فَلاَ بَأْسَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - بِذَلِكَ، فَإِنَّ الحَيَّ قَدْ يَرْبُو جَوْفُهُ، وَتَستَرخِي مَفَاصِلُهُ، وَذَلِكَ تَفَرُّعٌ مِنَ الأَمرَاضِ (وَأَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ) (2) . وَإِنَّمَا المَحْذُوْرُ أَنْ   (1) انظر " الكامل " لابن عدي: 654. (2) قطعة من حديث صحيح، ولفظه بتمامه " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الامثل = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 تُجَوِّزَ عَلَيْهِ تَغَيُّرَ سَائِرِ مَوْتَى الآدَمِيِّينَ وَرَائِحَتِهِم، وَأَكْلَ الأَرْضِ لأَجْسَادِهِم، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمُفَارِقٌ لِسَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ، فَلاَ يَبْلَى، وَلاَ تَأْكلُ الأَرْضُ جَسَدَهُ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ رِيْحُهُ، بَلْ هُوَ الآنَ - وَمَا زَالَ - أَطْيَبُ رِيْحاً مِنَ المِسْكِ، وَهُوَ حَيٌّ فِي لَحْدِهِ (1) ، حَيَاةَ مِثْلِهِ فِي البَرزَخِ الَّتِي هِيَ أَكمَلُ مِنْ حَيَاةِ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَحَيَاتُهُم بِلاَ رَيْبٍ أَتَمُّ وَأَشرَفُ مِنْ حَيَاةِ الشُّهدَاءِ الَّذِيْنَ هُم بِنَصِّ الكِتَابِ: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُوْنَ} [آلُ عِمْرَانَ: 169] ، وَهَؤُلاَءِ حَيَاتُهُم الآنَ الَّتِي فِي عَالِمِ البَرْزَخِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ حَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلاَ حَيَاةَ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُم شِبْهٌ بِحَيَاةِ أَهْلِ الكَهْفِ. وَمِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ آدَمَ وَمُوْسَى لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ مُوْسَى، وَحَجَّهُ آدَمُ بِالعِلْمِ السَّابِقِ (2) ، كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا حَقّاً، وَهُمَا فِي عَالِمِ البَرْزَخِ، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ، وَمُوْسَى، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى، وَسَلَّمَ عَلَيْهِم، وَطَالَتْ مُحَاوَرَتُهُ مَعَ   = فالامثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة " أخرجه الترمذي (2400) في الزهد: باب ما جاء في الصبر على البلاء، وابن ماجة (4033) في الفتن: باب الصبر على البلاء، وأحمد 1 / 172، و174، و180 و185، والدارمي 2 / 320، وابن حبان (699) كلهم من طريق عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد..وهذا سند حسن من أجل عاصم، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (698) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن سعد. (1) حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم ": صحيح بطرقه، أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " الورقة 168، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 2 / 83، والبزار في " مسنده " (256) ، والبيهقي في " حياة الأنبياء " من حديث أنس بن مالك. (2) رواه البخاري 11 / 441 في القدر: باب تحاج آدم وموسى، ومسلم (2652) في القدر: باب حجاج آدم وموسى، ومالك 2 / 898 في القدر: باب النهي عن القول بالقدر، وأبو داود (4701) في السنة: باب في القدر، والترمذي (2135) ، في القدر: باب رقم 2. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 مُوْسَى (1) ، هَذَا كُلُّه حَقٌّ، وَالَّذِي مِنْهُم لَمْ يَذُقِ المَوْتَ بَعْدُ، هُوَ عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَدْ تَبَرْهَنَ لَكَ أَنَّ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا زَالَ طَيِّباً مُطَيَّباً، وَإِنَّ الأَرْضَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا أَكلُ أَجْسَادِ الأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا شَيْءٌ سَبِيْلُهُ التَّوقِيْفُ، وَمَا عَنَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - لَمَّا قَالُوا لَهُ بِلاَ عِلْمٍ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْك وَقَدْ أَرَمْتَ؟! -يَعْنِي: قَدْ بَلِيتَ-. فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ (2)) . وَهَذَا بَحْثٌ مُعتَرِضٌ فِي الاعتِذَارِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَقَدْ قَامَ فِي الدَّفعِ عَنْهُ مِثْلُ إِمَامِ الحِجَازِ؛ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَلَوْلاَ أَنَّ هَذِهِ الوَاقِعَةَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ، وَفِي مِثْلِ (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ) ، وَفِي (كَامِلِ الحَافِظِ ابْنِ عَدِيٍّ) ، لأَعرَضْتُ عَنْهَا جُمْلَةً، فَفِيْهَا عِبْرَةٌ. حَتَّى قَالَ   (1) وذلك في حديث الاسراء الذي رواه البخاري 6 / 217، 219 في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، وفي الأنبياء: باب (وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا) ، وفي فضائل أصحاب النبي: باب المعراج، ومسلم (164) في الايمان: باب الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي (3343) في التفسير: باب ومن سورة ألم نشرح، والنسائي 1 / 217 و218 في الصلاة: باب فرض الصلاة. (2) أخرجه أحمد 4 / 8، وأبو داود (1047) ، والنسائي 3 / 91، 92، وابن ماجة (1085) و (1636) من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا: يارسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا، وفد أرمت - يعني وقد بليت -؟ فقال: " إن الله عزوجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ". وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة (1733) ، وابن حبان (550) ، والحاكم 2 / 287، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظان: المنذري وابن حجر، وصححه النووي في " الاذكار "، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند ابن ماجة (1637) ، ورجاله ثقات لكنه منقطع، وآخر من حديث أبي أمامة عند البيهقي، وحسن إسناده المنذري، إلا أن مكحولا قيل: لم يسمع من أبي أمامة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 الحَافِظُ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) : وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ البَهِيِّ (2) ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ. ثُمَّ قَالَ: فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى العُثْمَانِيِّ، فَحَبَسَهُ، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ، وَنُصِبَتْ خَشَبَةٌ خَارِجَ الحَرَمِ، وَبَلَغَ وَكِيْعاً، وَهُوَ مَحْبُوسٌ. قَالَ الحَارِثُ بنُ صِدِّيْقٍ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لَمَّا بَلَغَنِي، وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ الخَبَرُ. قَالَ: وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ يَوْمَئِذٍ مُتَبَاعَدٌ، فَقَالَ لِي: مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدِ اضطُرِرنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَاحْتَجْنَا إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْكَ، قُتِلْتَ. فَأَرَسَلَ إِلَى سُفْيَانَ، وَفَزِعَ إِلَيْهِ، فَدَخَلَ سُفْيَانُ عَلَى العُثْمَانِيِّ -يَعْنِي مُتَوَلِّي مَكَّةَ- فَكَلَّمَهُ فِيْهِ، وَالعُثْمَانِيُّ يَأْبَى عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَهُ عَشِيْرَةٌ، وَوَلَدُهُ بِبَابِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَتَشْخَصُ لِمُنَاظَرَتِهِم. قَالَ: فَعَمِلَ فِيْهِ كَلاَمُ سُفْيَانَ، فَأَمَرَ بِإِطلاَقِهِ. فَرَجَعتُ إِلَى وَكِيْعٍ، فَأَخْبَرتُهُ، فَرَكِبَ حِمَاراً، وَحَمَلْنَا مَتَاعَه، وَسَافَرَ، فَدَخَلْتُ عَلَى العُثْمَانِيِّ مِنَ الغَدِ، فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ تُبْتَلَ بِهَذَا الرَّجُلِ، وَسَلَّمَكَ اللهُ. قَالَ: يَا حَارِثُ، مَا نَدِمتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَامَتِي عَلَى تَخلِيَتِهِ، خَطَرَ بِبَالِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ حَدِيْثُ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَوَّلتُ أَبِي وَالشُّهَدَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَوَجَدنَاهُم رِطَاباً يُثْنَوْنَ، لَمْ يَتغَيَّرْ مِنْهُم شَيْءٌ (3) . ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: فَسَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ:   (1) 1 / 175، 176. (2) هو عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير من رجال " التهذيب "، وقد سقطت لفظة " عن " من الأصل الذي اعتمده المحقق لتاريخ الفسوي، فظن " البهي " صلة لابن أبي خالد، وعلق عليه بما ينبغي ترميجه. (3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 563 من طريق عمرو بن الهيثم، أخبرنا هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم تتثنى أطرافهم. وهذا سند رجاله ثقات. وانظر " فتح الباري " 3 / 172، 174. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 كُنَّا بِالمَدِيْنَةِ، فَكَتَبَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى أَهْلِ المَدِيْنَةِ بِالَّذِي كَانَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَقَالُوا: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم، فَلاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الوَالِي، وَارْجُمُوْهُ حَتَّى تَقْتُلُوْهُ. قَالَ: فَعَرَضُوا عَلَيَّ ذَلِكَ، وَبَلَغَنَا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَبَعَثْنَا بَرِيْداً إِلَى وَكِيْعٍ أَنْ لاَ يَأْتِيَ المَدِيْنَةَ، وَيَمضِيَ مِنْ طَرِيْقِ الرَّبَذَةِ، وَكَانَ قَدْ جَاوَزَ مَفْرَقَ الطَّرِيْقَيْنِ، فَلَمَّا أَتَاهُ البَرِيْدُ، رَدَّ، وَمَضَى إِلَى الكُوْفَةِ. وَنَقَلَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِمَكَّةَ بِقَتلِ وَكِيْعٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَرْوَزِيُّ - فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي؛ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ ... ، فَسَاقَ الحَدِيْثَ. ثُمَّ قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَ وَكِيْعٌ بِمَكَّةَ بِهَذَا سَنَةَ حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَقَدَّمُوْهُ إِلَيْهِ، فَدَعَا الرَّشِيْدُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ المَجِيْدِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ. فَأَمَّا عَبْدُ المَجِيْدِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا إِلاَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ غِشٌّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ قَتْلَ عَلَيْهِ، رَجُلٌ سَمِعَ حَدِيْثاً، فَأَرْوَاهُ، وَالمَدِيْنَةُ شَدِيْدَةُ الحَرِّ، تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتُرِكَ لَيْلَتَيْنِ؛ لأَنَّ القَوْمَ فِي إِصْلاَحِ أَمرِ الأُمَّةِ، وَاخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، فَمِنْ ذَلِكَ تَغَيَّرَ. قَالَ قُتَيْبَةُ: فَكَانَ وَكِيْعٌ إِذَا ذَكَرَ فِعلَ عَبْدِ المَجِيْدِ، قَالَ: ذَاكَ جَاهِلٌ، سَمِعَ حَدِيْثاً لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَهُ، فَتَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ (1) . قُلْتُ: فَرَضنَا أَنَّهُ مَا فَهِمَ تَوْجِيْهَ الحَدِيْثِ عَلَى مَا تَزْعُمُ، أَفَمَا لَكَ عَقلٌ وَوَرَعٌ؟ أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ،   (1) " الكامل " لابن عدي: 654، وهو في " ميزان " المؤلف 2 / 649 في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز، وعلق عليه تعليقا نفيسا ينبغي مراجعته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 وَدَعُوا مَا يُنكِرُوْنَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُوْلهُ (1) ؟ أَمَا سَمِعْتَ فِي الحَدِيْثِ (2) : (مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْماً حَدِيْثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُوْلُهُم، إِلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِم) ؟ ثُمَّ إِنَّ وَكِيْعاً بَعْدَهَا تَجَاسَرَ وَحَجَّ، وَأَدْرَكَه الأَجَلُ بِفَيْدَ (3) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ بِحَدِيْثٍ فِي الكُرْسِيِّ (4) ، قَالَ: فَاقشَعَرَّ رَجُلٌ عِنْد وَكِيْعٍ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الأَعْمَشَ وَالثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ، وَلاَ يُنْكِرُوْنَهَا. قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ شَكَّ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ -يَعْنِي: غَيْرَ مَخْلُوْقٍ- فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: نُسَلِّمُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ كَمَا جَاءتْ، وَلاَ نَقُوْلُ: كَيْفَ كَذَا؟ وَلاَ لِمَ كَذَا؟ يَعْنِي: مِثْلَ حَدِيْثِ: (يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ) (5) .   (1) أخرجه عنه البخاري 1 / 199 في العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا. (2) أي: في الاثر. فإنه ليس من حديث النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه مسلم في " صحيحه " 1 / 11 في المقدمة. (3) فيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة. (4) أخرجه وكيع في " تفسيره " فيما قاله ابن كثير 1 / 309 من طريق سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في " المستدرك " 2 / 282، من طريق سفيان بهذا الإسناد، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (5) أخرج البخاري 8 / 423 في تفسير سورة الزمر، و13 / 335، 336، في التوحيد: باب قوله تعالى (لما خلقت بيدي) و369: باب قول الله تعالى (إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا) و397: باب كلام الرب عزوجل يوم القيامة مع الأنبياء، ومسلم (2786) في صفة القيامة، والترمذي رقم (3239) من حديث ابن مسعود قال: جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إن الله تعالى يمسك السماوات على إصبع، والارضين على إصبع، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ، فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ عَثَّامٍ: مَرِضَ وَكِيْعٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ سُفْيَانَ أَتَانِي، فَبَشَّرَنِي بِجِوَارِهِ، فَأَنَا مُبَادِرٌ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: مَاتَ وَكِيْعٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَدُفِنَ بِفَيْدَ. يَعْنِي: رَاجِعاً مِنَ الحَجِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَجَّ وَكِيْع سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ بِفَيْدَ. قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، سِوَى شَهْرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ. قَالَ قَيْسُ بنُ أُنَيْفٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيَّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ؛ إِنَّهُ نُعِيَ لِي إِمَامُ خُرَاسَانَ -يَعْنِي وَكِيْعاً-. قَالَ: فَاهتَمَمنَا لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: بُعْداً لَكُم يَا مَعْشَرَ الكِلاَبِ، إِذَا سَمِعْتُم مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، اشْتَهَيْتُم مَوْتَهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَمْدَانِيُّ الزَّاهِدُ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَكُمْ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ الدَّقَّاقُ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ   = والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: (وما قدروا الله حق قدره) [الزمر: 67] وقد توسع الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث في " الفتح " 13 / 336، 337، فارجع إليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ عَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مَنْدَوَيْه، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ مُظَفَّرٍ، قَالُوا ثَلاَثَتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُم، فَدَعُوْهُ) . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْنَا: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسُوْنَ آيَةً. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَلَى المُوَافَقَةِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي - وَأَنَا حَاضِرٌ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ   (1) رقم (4899) في الأدب: باب في النهي عن سب الموتى، من طريق زهير بن حرب، عن وكيع بهذا الإسناد، وزاد " ولا تقعوا فيه " وإسناده صحيح. (2) رقم (1097) في الصيام: باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، وأخرجه البخاري 4 / 118، 119 عن مسلم بن إبراهيم، والترمذي (703) عن أبي داود الطيالسي، والنسائي 4 / 143 عن وكيع، ثلاثتهم عن هشام وهو الدستوائي بهذا الإسناد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 البَغْدَادِيُّ بِالرَّمْلَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ) (1) . 49 - الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحِ بنِ عَدِيٍّ الرُّؤَاسِيُّ * (بَخ، م، د، ت، ق) وَقَدْ كَانَ وَالِدُ وَكِيْعٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ فِي دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ عَلَى دَارِ الضَّرْبِ بِالرَّيِّ. وَيُقَالُ: مَحْتِدُهُ مِنْ نوَاحِي الرَّيِّ، مِنْ بُلَيْدَةِ أُسْتُوَا (2) . حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَقَبِيْصَةُ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: حَنَشُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: وُلِدَ أَبِي بِالسُّغْدِ (3) ، وَوُلِدَ شَرِيْكٌ بِبُخَارَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلِيَ الجَرَّاحُ بنُ مَلِيْحٍ بَيْتَ المَالِ بِمَدِيْنَةِ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2051) في الاشربة: باب فضيلة الخل والتأدم به، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، والترمذي (1841) في الاطعمة: باب ما جاء في الخل، من طريق محمد بن سهل بن عسكر البغدادي، كلاهما عن يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال بهذا الإسناد. ورواه مسلم (2052) ، وأبو داود (3820) ، والترمذي (1840) من حديث جابر بن عبد الله. (*) التاريخ لابن معين: 78، التاريخ الكبير 2 / 227، الجرح والتعديل 2 / 523، المجروحين 1 / 219، تاريخ بغداد 7 / 252، تهذيب الكمال: 189، تذهيب التهذيب 1 / 103 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 389، الكاشف 1 / 181، تهذيب التهذيب 2 / 66، خلاصة تذهيب الكمال: 61. (2) هي كورة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة. (3) السغد: ناحية كثيرة المياه والاشجار بين بخارى وسمرقند. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 السَّلاَمِ، وَكَانَ ضَعِيْفاً فِي الحَدِيْثِ، عَسِراً فِي الحَدِيْثِ، مُمْتَنِعاً بِهِ. وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا كَتَبْتُ عَنْ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَلاَ مِنْ حَدِيْثِ قَيْسٍ شَيْئاً قَطُّ. وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: الجَرَّاحُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، وَهُوَ أَمْثَلُ مِنْ أَبِي يَحْيَى الحِمَّانِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيْثُهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، لَمْ أَجِدْ فِي حَدِيْثِهِ مُنْكَراً فَأَذْكُرَهُ. وَقَالَ البُرْقَانِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ وَالِدِ وَكِيْعٍ، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ كَبِيْرُ الوَهْمِ. قُلْتُ: يُعْتَبَرُ بِهِ؟ قَالَ: لاَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ سِتٍّ. 50 - يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ * الزَّاهِدُ، مِنْ سَادَاتِ المَشَايِخِ، لَهُ مَوَاعِظُ وَحِكَمٌ.   (1) التاريخ لابن معين: 684، التاريخ الكبير 8 / 385، التاريخ الصغير 2 / 265، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 رَوَى عَنْ: مُحِلِّ بنِ خَلِيْفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ. وَعَنْهُ: المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ، وَغَيْرُهُمَا. نَزَلَ الثُّغُوْرَ مُرَابِطاً. قَالَ المُسَيَّبُ: سَأَلتُهُ عَنِ الزُّهْدِ، فَقَالَ: أَنْ تَزْهَدَ فِي الحَلاَلِ، فَأَمَّا الحَرَامُ، فَإِنِ ارْتَكَبْتَهُ، عَذَّبَكَ. وَسُئِلَ يُوْسُفُ: مَا غَايَةُ التَّوَاضُعِ؟ قَالَ: أَنْ لاَ تَلقَى أَحَداً إِلاَّ رَأَيْتَ لَهُ الفَضْلَ عَلَيْكَ. وَعَنْهُ، قَالَ: لِلصَّادِقِ ثَلاَثُ خِصَالٍ: الحَلاَوَةُ، وَالمَلاَحَةُ، وَالمَهَابَةُ. وَعَنْهُ: خُلِقَتِ القُلُوْبُ مَسَاكِنَ لِلذِّكْرِ، فَصَارَتْ مَسَاكِنَ لِلشَّهَوَاتِ، لاَ يَمحُو الشَّهوَاتِ إِلاَّ خَوْفٌ مُزْعِجٌ، أَوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ، الزُّهْدُ فِي الرِّئَاسَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ خُبَيْقٍ: قُلْتُ لابْنِ أَسْبَاطٍ: لِمَ لاَ تَأْذَنُ لابْنِ المُبَارَكِ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: خَشِيْتُ أَنْ لاَ أَقُومَ بِحَقِّهِ، وَأَنَا أُحِبُّهُ. وَعَنْ يُوْسُفَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ قَدْ أَشِرَ وَبَطِرَ، فَلاَ تَعِظْهُ، فَلَيْسَ لِلْعِظَةِ فِيْهِ مَوْضِعٌ، لِي أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، مَا حَكَّ فِي صَدْرِي شَيْءٌ، إِلاَّ تَرَكتُه. قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: مَا أُقَدِّمُ عَلَى يُوْسُفَ بنِ أَسْبَاطٍ أَحَداً.   = الضعفاء للعقيلي لوحة 472، الجرح والتعديل 9 / 218، مشاهير علماء الأمصار ت 1490، حلية الأولياء 8 / 237، ميزان الاعتدال 4 / 462. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 وَعَنْ يُوْسُفَ، قَالَ: يُجْزِئُ قَلِيْلُ الوَرَعِ وَالتَّوَاضُعِ مِنْ كَثِيْرِ الاجْتِهَادِ فِي العَمَلِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: دَفَنَ كُتُبَهُ، فَكَانَ حَدِيْثُهُ لاَ يَجِيْءُ كَمَا يَنْبَغِي. 51 - إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ يُوْسُفَ * (ع) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ بن مِرْدَاسٍ القُرَشِيُّ، الوَاسِطِيُّ، الأَزْرَقُ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ، وَشَرِيْكٍ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِيْنَ. تَلاَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ. وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَغَيْرِهِ، وَلَهُ اخْتِيَارٌ مَعْرُوْفٌ. حَمَلَهُ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ هُوْدٍ الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَأَبُو   (*) طبقات ابن سعد 7 / 315، تاريخ خليفة: 466، طبقات خليفة ت 3194، التاريخ الكبير 1 / 406، الجرح والتعديل 2 / 238، مشاهير علماء الأمصار ت 1405، تهذيب الكمال: 92، تذهيب التهذيب 1 / 59 / 1، العبر 1 / 318، تذكرة الحفاظ 1 / 320، الكاشف 1 / 115، دول الإسلام 1 / 123، تهذيب التهذيب 1 / 257، طبقات الحفاظ: 133، خلاصة تذهيب الكمال: 31، شذرات الذهب 1 / 343. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 جَعْفَرٍ بنُ المُنَادِي، وَخَلْقٌ. وَكَانَ حُجَّةً وِفَاقاً، لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي التَّقوَى. قِيْلَ: إِنَّهُ مَكَثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِشَرِيْكٍ. قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْ: شَرِيْكٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ للهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الأَزْرَقِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَيُّمَا حِلْفٌ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَ شِدَّةً) . (1)   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2530) في فضائل الصحابة: باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2925) في الفرائض: باب في الحلف من طرق عن زكريا بن أبي زائدة بهذا الإسناد. قال ابن الأثير في " النهاية ": أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم " لا حلف في الإسلام " وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم، وصلة الارحام، كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم " وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " يريد من المعاقدة على الخير، ونصرة الحق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 52 - مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع) الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الدُّعَاءِ) ، وَكِتَابِ (الزُّهْدِ) ، وَكِتَابِ (الصِّيَامِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ الهَجَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمِسْعَرٍ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ الطَّرِيْقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، عَلَى تَشَيُّعٍ كَانَ فِيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَالكَمَالُ عَزِيْزٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.   (*) التاريخ لابن معين: 534، طبقات ابن سعد 6 / 389، تاريخ خليفة: 466، طبقات خليفة: 1310، التاريخ الكبير 1 / 207، التاريخ الصغير 2 / 276، المعارف: 510، الضعفاء للعقيلي لوحة 394، الجرح والتعديل 8 / 57، مشاهير علماء الأمصار ت 1369، فهرست ابن النديم 226، تهذيب الكمال: 1258، العبر 1 / 319، ميزان الاعتدال 4 / 9، تذكرة الحفاظ 1 / 315، المغني في الضعفاء 2 / 624، الكاشف 3 / 89، طبقات القراء لابن الجزري: 2 / 229، تهذيب التهذيب 9 / 405، النجوم الزاهرة 2 / 148، طبقات الحفاظ: 130، خلاصة تذهيب الكمال: 356، طبقات المفسرين للداوودي 2 / 223، شذرات الذهب 2 / 344. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، شِيْعِيٌّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ شِيْعِيّاً، مُتَحَرِّقاً. قُلْتُ: تَحَرُّقُهُ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَوْ نَازَعَ الأَمْرَ عَلَيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلشَّيْخَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَكَانَ مِمَّنْ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَقَدْ أَدْرَكَ مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ مَرِيْضاً، وَهَذَا أَوَانُ أَوَّلِ سَمَاعِهِ لِلْعِلْمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: بَعْضُهُم لاَ يَحْتَجُّ بِهِ (1) . وَكَانَ أَبُو الأَحْوَصِ يَقُوْلُ: أَنْشُدُ اللهَ رَجُلاً يُجَالِسُ ابْنَ فُضَيْلٍ، وَعَمْرَو بنَ ثَابِتٍ، أَنْ يُجَالِسَنَا. قَالَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً - أَوْ حُدِّثْتُ عَنْهُ - قَالَ: ضَرَبتُ ابْنِي البَارِحَةَ إِلَى الصَّبَاحِ أَنْ يَتَرَحَّمَ عَلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَبَى عَلَيَّ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ أَسْبَاطٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: يَا حَسَنُ! صَاحِبَاكَ (2) لاَ أَرَى أَصْحَابنَا يَرْضَوْنَهُمَا. قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ.   (1) نص ابن سعد في " الطبقات ": وكان ثقة صدوقا كثير الحديث، وبعضهم لا يحتج به. قال الحافظ في " مقدمة الفتح " 441: إنما توقف فيه من توقف لتشيعه. فالرجل ثقة لا يتوقف في قبول مروياته، وقد أخرج حديثه الأئمة الستة في كتبهم. (2) في الأصل: صاحبيك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الطَّبِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السُّحُوْرِ بَرَكَةً (1)) .أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا خَيَّاطِ السُّنَّةِ (2) ، عَنِ البَاهِلِيِّ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ، وَحَدِيْثُهُ أَعْلَى مِنْ هَذَا فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) . 53 - يَحْيَى القَطَّانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ فَرُّوْخٍ أَبُو سَعِيْدٍ * (ع) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، أَبُو سَعِيْدٍ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الأَحْوَلُ، القَطَّانُ، الحَافِظُ.   (1) أخرجه النسائي 4 / 142 في الصوم: باب الحث على السحور ذكر الاختلاف على عبد الملك بن أبي سليمان، ورواه البخاري 4 / 120، ومسلم (1095) ، والترمذي (708) من طرق، عن عبد العزيز بن صهيب، وقتادة، عن أنس بن مالك، وأخرجه أيضا من طريقين عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة، وأخرجه من طريق يحيى عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، ومن طريق يحيى، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء. (2) سمي بذلك لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة. (*) التاريخ لابن معين: 645، طبقات ابن سعد 7 / 293، تاريخ خليفة 468، طبقات خليفة ت 1909، التاريخ الكبير 8 / 276، التاريخ الصغير 2 / 283، المعارف: 514، الجرح والتعديل 9 / 150، مشاهير علماء الأمصار: ت 1278، حلية الأولياء 8 / 380، تاريخ بغداد 14 / 135، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 154، تهذيب الكمال لوحة 1497، تذهيب التهذيب 4 / 154 / 2، العبر 1 / 327، تذكرة الحفاظ 1 / 298، الكاشف 3 / 256، دول الإسلام 1 / 125، شرح العلل لابن رجب 1 / 192، تهذيب التهذيب 11 / 16، طبقات الحفاظ: 125، خلاصة تذهيب الكمال 423، شذرات الذهب 1 / 355. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشَ، وَحُسَيْناً المُعَلِّمَ، وَحُمَيداً الطَّوِيْلَ، وَخُثَيْمَ بنَ عِرَاكٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَابْنَ عَوْنٍ، وَابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيَّ، وَأَخْضَرَ بنَ عَجْلاَنَ، وَإِسْرَائِيْلَ بنَ مُوْسَى - نَزِيْلَ الهِنْدِ - وَأَشْعَثَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيَّ، وَأَشْعَثَ بنَ عَبْدِ اللهِ الحُدَّانِيَّ، وَبَهْزَ بنَ حَكِيْمٍ، وَجَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَحَاتِمَ بنَ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافَ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانَ بنَ الأَسْوَدِ المَكِّيَّ، وَفُضَيْلَ بنَ غَزْوَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَجْلاَنَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ، وَرَحَلَ فِيْهِ، وَسَادَ الأَقْرَانَ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ، وَتَكَلَّمَ فِي العِلَلِ وَالرِّجَالِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الحُفَّاظُ: كَمُسَدَّدٍ، وَعَلِيٍّ، وَالفَلاَّسِ، وَكَانَ فِي الفُرُوْعِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ - فِيْمَا بَلَغَنَا - إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّصَّ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ - وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُه؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ السَّمِيْنُ، وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ المُقَوِّمُ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَزَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ. وَكَانَ يَقُوْلُ: لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ فِي تَصَانِيْفِهِ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، فَحَدَّثَ بِهَا وَيَحْيَى حَيٌّ. وَثَبَتَ أَنَّ أَحْمَد بنَ حَنْبَلٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ يَحْيَى القَطَّانِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ. وَقَالَ بُنْدَارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيْمٍ - زَعَمُوا - وَكَانَ يُوَقَّرُ وَهُوَ شَابٌّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيَّ عَقدٌ وَلاَ وَلاَءٌ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ الثَّوْرِيُّ البَصْرَةَ، قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! جِئنِي بِإِنْسَانٍ أُذَاكِرُهُ. فَأَتَيْتُهُ بِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَذَاكَرَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: قُلْتُ لَكَ: جِئنِي بِإِنْسَانٍ، جِئْتَنِي بِشَيْطَانٍ -يَعْنِي: بَهَرَهُ حِفْظُهُ-. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (1) ، يَدعُو لأَلفِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ العَصْرِ، فَيُحَدِّثُ النَّاسَ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: اخْتَلَفتُ إِلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا أَظُنُّهُ عَصَى اللهَ قَطُّ، لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا فِي شَيْءٍ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إِلاَّ عَمَّنْ أَرْضَى، لَمْ أَرْوِ إِلاَّ عَنْ خَمْسَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالْقَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ أَثْبَتُ النَّاسِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبَانٍ الحَافِظُ: سَأَلْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ خَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، فَقَالَ: يَحْيَى أَكْثَرُ مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَثِقَةٌ، صَاحِبُ كِتَابٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا كَانَ بِالبَصْرَةِ مِثْلُ خَالِدٍ بَعْدَ شُعْبَةَ. فَقَالَ: وَكَانَ شُعْبَةُ يُحْسِنُ مَا يُحْسِنُ يَحْيَى. فَقُلْتُ: فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ عِنْدَكَ: يَحْيَى، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ؟ فَإِنَّ قَوْماً يُقَدِّمُوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ. قَالَ: مَا يُنْصِفُوْنَ، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ، قَالَ: إِنْ كُنْتُم تُرِيْدُوْنَ الحَدِيْثَ، فَعَلَيْكُم بِيَحْيَى القَطَّانِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَأَيْنَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مُعَلِّمُنَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ   (1) ذكرنا في أكثر من تعليق أن من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لا يفقهه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يأذن لعبد الله بن عمرو بن العاص أن يقرأه في أقل من ثلاث، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، فيحيى القطان يعتذر له في صنيعه هذا، ولا يقلد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 الحَدِيْثَ عَنْ مِثْلِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: رَوَى يَحْيَى القَطَّانُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدِيْثاً وَاحِداً. قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الأَئِمَّةِ كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَيُكَفِّرُوْنَ الجَهْمِيَّةَ (1) ، وَيُقَدِّمُوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الفَضِيلَةِ وَالخِلاَفَةِ. مُسَدَّدٌ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا حَمَلتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ شَيْئاً، إِلاَّ مَا قَالَ: حَدَّثَنِي وَحَدَّثَنَا، سِوَى حَدِيْثَينِ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيْمَ وَعِكْرِمَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ: قَالَ لِي ابْنُ مَعِيْنٍ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ فَوْقَ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ. قَالَ يَحْيَى: رُبَّمَا أَتَيْتُ التَّيْمِيَّ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ فِي بنِي مُرَّةَ، إِنَّمَا يَكُوْنُ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَمَّارٍ: كُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى يَحْيَى القَطَّانِ، ظَنَنْتَ أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ شَيْئاً بِزِيِّ التُّجَّارِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ، أَنْصَتَ لَهُ الفُقَهَاءُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَكُنْ جَدِّي يَمْزَحُ، وَلاَ يَضْحَكُ إِلاَّ تَبَسُّماً، وَلاَ دَخَلَ حَمَّاماً، وَكَانَ يَخْضِبُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَقَامَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ.   (1) هذا من الغلو غير المحمود الذي لا يوافقه عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا، وكيف يكفر الجهمية - وهم المعتزلة - وقد روى عنهم الأئمة في " الصحيحين " وغيرهما من كتب السنة أحاديث كثيرة وفيرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَقَرَأَ رَجُلٌ سُوْرَةَ الدُّخَانِ، فَصَعِقَ يَحْيَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ قَدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ، لَدَفَعَهُ يَحْيَى -يَعْنِي: الصَّعْقَ-. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ جَدِّي قَهْقَهَ قَطُّ، وَلاَ دَخَلَ حَمَّاماً قَطُّ، وَلاَ اكْتَحَلَ، وَلاَ ادَّهَنَ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ إِذَا قُرِئ عِنْدَهُ القُرْآنُ، سَقَطَ حَتَّى يُصِيْبَ وَجْهُهُ الأَرْضَ. وَقَالَ: مَا دَخَلْتُ كَنِيْفاً قَطُّ، إِلاَّ وَمَعِيَ امْرَأَةٌ -يَعْنِي: مَنْ ضَعْفِ قَلْبِهِ-. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: جَعَلَ جَارٌ لَهُ يَشتِمُهُ، وَيَقَعُ فِيْهِ، وَيَقُوْلُ: هَذَا الخُوْزِيُّ، وَنَحْنُ فِي المَسْجَدِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: صَدَقَ، وَمَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟ قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: وَكَانَ يَحْيَى يَجِيْءُ مَعَهُ بِمِسْبَاحٍ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي ثِيَابِهِ، فَيُسَبِّحُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اخْتَلَفُوا يَوْماً عِنْد شُعْبَةَ، فَقَالُوا لَهُ: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حَكَماً. قَالَ: قَدْ رَضِيْتُ بِالأَحْوَلِ -يَعْنِي: القَطَّانَ-. فَجَاءَ، فَقضَى عَلَى شُعْبَةَ. فَقَالَ شُعْبَةُ: وَمَنْ يُطِيْقُ نَقْدَكَ يَا أَحْوَلُ (1) ؟! قَالَ ابْنُ سَعِيْدٍ: كَانَ يَحْيَى ثِقَةً، مَأْمُوْناً، رَفِيْعاً، حُجَّةً.   (1) " مقدمة الجرح والتعديل ": 232، وشرح علل الترمذي 1 / 192، وعلق عليه ابن أبي حاتم، فقال: هذه غاية المنزلة إذ اختاره شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من دالته بنفسه، وصلابته في دينه أن قضى على شعبة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى القَطَّانُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ بُنْدَارَ الجُرْجَانِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المَدِيْنِيِّ: مَنْ أَنْفَعُ مَنْ رَأَيْتَ لِلإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ؟ قَالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِلَى يَحْيَى القَطَّانِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: كَانَ لِيَحْيَى القَطَّانِ نَفَقَةٌ مِنْ غَلَّتِهِ، إِنْ دَخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ حِنطَةٌ، أَكَلَ حِنطَةً، وَإِنْ دَخَلَ شَعِيْرٌ، أَكَلَ شعِيْراً، وَإِنْ دَخَلَ تَمرٌ، أَكَلَ تَمراً. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: إِنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ لَمْ يَفُتْهُ الزَّوَالُ فِي المَسْجَدِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَى رَجُلٌ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنْ بَشِّرْ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ بِأَمَانٍ مِنَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيْثَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يَعرَى مِنَ الخَطَأِ وَالتَّصْحِيْفِ؟! قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ نَقِيَّ الحَدِيْثِ، لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ. قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَخَافُ أَنْ يُضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ تَتَبُّعُ الأَلْفَاظِ؛ لأَنَّ القُرْآنَ أَعْظَمُ حُرمَةً، وَوُسِّعَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى وُجُوْهٍ إِذَا كَانَ المَعْنَى وَاحِداً.   (1) إن كان مقصود يحيى أن لا حرج على الإنسان أن يقرأ القرآن على وجوه مختلفة إذا كان = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 قَالَ شَاذُّ بنُ يَحْيَى: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَنْ قَالَ: إِنَّ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ زِنْدِيْقٌ، وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: كَانَ هِجِّيْرَى (1) يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ إِذَا سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ يَقُوْلُ: يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ المَصِيْرُ. وَقُلْتُ لَهُ فِي مَرَضِهِ: يُعَافِيْكَ اللهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. فَقَالَ: أَحَبُّهُ إِلَيَّ، أَحَبُّهُ إِلَى اللهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيْثٍ، آخُذُ بِقَوْلِ يَحْيَى (2) .   = اللفظ يؤدي المعنى المراد، فهذا لا يوافقه عليه أحد من أئمة المسلمين لا سلفا ولا خلفا، فإن القرآن لفظه ومعناه من الله، والقراءة سنة متبعة، وأمر توفيقي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاها عنه أصحابه، فليس لأحد أن يقرأ حرفا لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان المعنى صحيحا، وأما إذا كان مقصوده أنه يسع الإنسان أن يقرأ القرآن بالوجوه المختلفة الثابتة عند القراء، فهذا سائغ لا حرج فيه إن كان عنده علم بذلك. وأما إصابة المعنى في رواية الحديث بتغيير اللفظ، فقد ذكر الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " 529، 530 أن أهل العلم من نقلة الاخبار يختلفون فيه، فمنهم من يرى اتباع اللفظ، ومنهم من يتجوز في ذلك إذا أصاب المعنى، وقد دل قول الشافعي في صفة المحدث مع رعاية اتباع اللفظ على أنه يسوغ للمحدث أن يأتي بالمعنى دون اللفظ إذا كان عالما بلغات العرب، ووجوه خطابها، بصيرا بالمعاني والفقه، عالما بما يحيل المعنى وما لا يحيله، فإنه إذا كان بهذه الصفة، جاز له نقل اللفظ، فإنه يحترز بالفهم عن تغيير المعاني وإزالة أحكامها، ومن لم يكن بهذه الصفة، كان أداء اللفظ له لازما، والعدول عن هيئة ما يسمعه عليه محظورا، وإلى هذا رأيت الفقهاء من أهل العلم يذهبون، ومن الحجة لمن ذهب إلى اتباع اللفظ قوله صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرءا سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه " وفي رواية: " فوعاها، فأداها كما وعاها " وهو حديث صحيح أخرجه الشافعي 1 / 140، والدارمي 1 / 74، 75، والترمذي (2658) و (2659) و (2660) وابن ماجة (231) و (232) ، ومن الذين حظروا رواية الحديث بالمعنى ولو لم يزد في لفظه: ابن عمر، والقاسم بن محمد، وابن سيرين، ورجاء بن حيوة، ومالك بن أنس، وابن علية، ويزيد بن زريع، ووهيب، وبه قال أحمد، وانظر " توجيه النظر " للشيخ طاهر الجزائري ص: 298 - 314، فقد استوفى الأقوال والأدلة في هذه المسألة. (1) أي: كان دأبه وعادته. (2) مقدمة الجرح والتعديل: 234. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ أَحَادِيْثِ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، فَقَالَ: لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ (1) . الفَلاَّسُ: عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كُنْتُ أَنَا، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَمَا تَقَدَّمَانِي فِي شَيْءٍ قَطُّ -يَعْنِي مِنَ العِلْمِ- كُنْتُ أَذهَبُ مَعَهُمَا إِلَى ابْنِ عَوْنٍ، فَيَقْعُدَانِ وَيَكْتُبَانِ، وَأَجِيْءُ أَنَا، فَأَكْتُبُهَا فِي البَيْتِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: قَالَ أَبِي: كُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ البَيْتِ، أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، فَلاَ أَرْجِعُ إِلاَّ بَعْدَ العَتَمَةِ. قُلْتُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ مُتَعَنِّتاً فِي نَقدِ الرِّجَالِ (3) ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ وَثَّقَ شَيْخاً، فَاعْتمِدْ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا لَيَّنَ أَحَداً، فَتَأَنَّ فِي أَمرِهِ حَتَّى تَرَى قَوْلَ غَيْرِهِ فِيْهِ، فَقَدْ لَيَّنَ مِثْلَ إِسْرَائِيْلَ وَهَمَّامٍ، وَجَمَاعَةٍ. احْتَجَّ بِهِمُ الشَّيْخَانِ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي الضُّعفَاءِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، يَنْقُلُ مِنْهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَيَقعُ كَلاَمُهُ فِي سُؤَالاَتِ عَلِيٍّ، وَأَبِي حَفْصٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنِ مَعِيْنٍ لَهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَةُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ، خَرَجْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا صَارَ بِبَابِ دَارِهِ وَقَفَ، وَوَقَفْنَا مَعَهُ، فَانْتَهَى إِلَيْهِ الرُّوْبِيُّ،   (1) مقدمة الجرح والتعديل: 236، وفي " شرح العلل " 2 / 641، لابن رجب: عكرمة ابن عمار: ثقة، لكن حديثه عن يحيى بن أبي كثير خاصة مضطرب، لم يكن عنده كتاب، قاله يحيى القطان وأحمد والبخاري وغيرهم، وقد أنكر عليه حديثه عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة..وقد خرجه مسلم (534) ، والترمذي (4320) ، وأبو داود (767) ، والنسائي 3 / 212، 213. (2) مقدمة الجرح والتعديل: 248. (3) وقد وصفه المؤلف بهذا الوصف في موضعين من " الميزان "، الأول في ترجمة سفيان ابن عيينة 2 / 171، والثاني في ترجمة سيف بن سليمان المكي 2 / 255. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 فَقَالَ يَحْيَى لَمَّا رَآهُ: ادْخُلُوا. فَدَخَلْنَا، فَقَالَ لِلرُّوْبِيِّ: اقْرَأْ. فَلَمَّا أَخَذَ فِي القِرَاءةِ، نَظَرْتُ إِلَى يَحْيَى يَتَغَيَّرُ، حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيْقَاتُهُم أَجْمَعِيْنَ} [الدُّخَانُ: 40] صَعِقَ يَحْيَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَارتَفَعَ صَوْتُهُ، وَكَانَ بَابٌ قَرِيْبٌ مِنْهُ، فَانقَلْبَ، فَأَصَابَ البَابُ فَقَارَ ظَهْرِهِ، وَسَالَ الدَّمُ، فَصَرَخَ النِّسَاءُ، وَخَرَجْنَا، فَوَقَفْنَا بِالبَابِ، حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: {إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيْقَاتُهُم أَجْمَعِيْنَ} ، فَمَا زَالتْ فِيْهِ تِلْكَ القَرْحَةُ حَتَّى مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ، عَنْ زُهَيْرٍ البَابِيِّ ، قَالَ: رَأَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ فِي النَّومِ، عَلَيْهِ قمِيْصٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مَكْتُوْبٌ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، كِتَابٌ مِنَ اللهِ العَزِيْزِ العَلِيْمِ، بَرَاءةٌ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ مِنَ النَّارِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ البَاهِلِيُّ: عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَخطَأْتُ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: أَخطَأْتَ يَا يَحْيَى، فَحَدَّثَ يَوْماً عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ (1) فِي بَطنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) . فَقُلْتُ: أَخطَأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَكَيْفَ هُوَ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: صَدَقْتَ يَا يَحْيَى، اعْرِضْ عَلَيَّ   (1) أي: يحدر في جوفه، فجعل للشرب جرجرة، وهي وقوع صوت الماء في الجوف، وقيل: هي تردده فيه. (2) أخرجه مسلم (2065) في أول اللباس من طريق علي بن مسهر، عن عبيد الله بهذا الإسناد، وأخرجه مالك 2 / 924، 925، في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في معى الكافر، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 كُتُبَكَ. قُلْتُ: تُرِيْدُ أَنْ أَلْقَى مِنْكَ مَا لَقِيَ زَائِدَةُ؟ قَالَ: وَمَا لَقِيَ، أَصلَحتُ لَهُ كُتُبَهُ، وَذَكَّرْتُهُ حَدِيْثَهُ. قُلْتُ: أَقْرَبُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ فِي هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شدَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ (1)) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيْدُ بنُ حَيَّانَ، سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ: مَا أَحَادِيْثُ بَلَغَنِي تُحَدِّثُهَا وَتَروِيهَا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   = ومن طريقه البخاري 10 / 84 في الاشربة: باب آنية الفضة، ومسلم (2065) عن نافع، عن زيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، وأخرجه ابن ماجة (3413) في الاشربة: باب الشرب في آنية الفضة، من طريق الليث بن سعد، عن نافع. (1) وأخرجه الترمذي (1922) في البر والصلة: باب في رحمة المسلمين من طريق محمد ابن بشار، عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه البخاري 10 / 368، في الأدب: باب رحمة الناس والبهائم، و13 / 303 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) ، ومسلم (2319) في الفضائل: باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، من طرق عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبي ظبيان عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 وَتَذْكُرُ أَنَّ لَهُ حَوْضاً فِي الجَنَّةِ؟ قَالَ: حَدَّثَنَا ذَاكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَعَدَنَاهُ. قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) ، مَا كَذَبتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العَلَوِيِّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبراني (5022) من طريق معاذ بن المثنى، عن مسدد، عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 4 / 366، 367 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيان التيمي ... وأخرجه الطبراني (5021) من طريق الحسين بن إسحاق التستري، عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن أبي حيان، وأحاديث الحوض رواها خلائق من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وجندب بن عبد الله، وعقبة بن عامر، وحارثة بن وهب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، وأبو ذر، وثوبان، وجابر بن سمرة. انظر البخاري - الطبعة السلفية - في الرقاق: باب الحوض: الأرقام التالية: (6575) و (6583) و (6584) و (6585) و (6586) و (6587) و (6588) و (6589) و (6590) و (6591) و (6592) و (6593) . وانظر صحيح مسلم في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته الأرقام التالية: (2293) و (2299) و (2292) و (2303) و (2290) و (2291) و (2303) و (2289) و (2296) و (2298) و (2293) و (2294) و (2299) و (2300) و (2301) و (2305) ولابي داود (4749) من طريق عبد السلام بن أبي حازم قال: شهدت أبا برزة الاسلمي دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان وكان في السماط..فذكر قصة فيها: أن ابن زياد ذكر الحوض، فقال: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا؟ فقال أبوبرزة: نعم لا مرة ولا ثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا، فمن كذب به، فلا سقاه الله منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (تَدرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ؟) . قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ (1)) . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عُبَيْدَةَ العُصْفُرِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ خَالِدَ بنَ الحَارِثِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، عَلَى أَنَّ الأَمْرَ شَدِيْدٌ. قُلْتُ: فَمَا فَعلَ يَحْيَى القَطَّانُ؟ قَالَ: نَرَاهُ كَمَا يُرَى الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ. قَالُوا: تُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، قَبْلَ مَوْتِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى -. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ أَكْتُبُ الحَدِيْثَ، وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ يَجْلِسُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَيَمُرُّ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ وَاحِداً وَاحِداً، يُحَدِّثُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِحَدِيْثٍ، فَمَرَرْتُ بِهِ لأَسْأَلَهُ، فَقَالَ لِي: اصعَدْ، وَاقرَأْ حَدْراً، وَاقرَأْ مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَرَأْتُ: {إِذَا زُلْزِلَتِ ... } ، فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَأَصَابَهُ خَشَبَةُ جَزَّارٍ.   (1) إسناده صحيح وهو في " المسند " 1 / 228، و" سنن أبي داود " (3692) في الاشربة: باب في الاوعية، وأبو جمرة، بالجيم والراء: هو نصر بن عمران الضبعي من بني ضبيعة، وهم بطن من عبد القيس، وأخرجه البخاري 1 / 120، 125 في الايمان: باب أداء الخمس من الايمان من طريق علي بن أبي الجعد، عن شعبة بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (17) في الايمان من طرق عن أبي جمرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَبِي: عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: فَمَا رَأَينَا إِلاَّ جِنَازَتَهُ. قَالَ أَبِي: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ: وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، فَأَصَابَهُ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَّا ابْنُ المُبَارَكِ فَأَجْمَعُهُم، وَأَمَّا وَكِيْعٌ فَأَسرَدُهُم، وَأَمَّا يَحْيَى فَأَتقَنُهُم، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجِهْبِذٌ. ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ وَلاَ أَوعَى لِلْعِلْمِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَلاَ أَشْبَهَ بِأَهْلِ النُّسُكِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: لاَ تَنْظُرُوا إِلَى الحَدِيْثِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى الإِسْنَادِ، فَإِنْ صَحَّ الإِسْنَادُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَغْتَرُّوا بِالحَدِيْثِ إِذَا لَمْ يَصِحَّ الإِسْنَادُ. 54 - شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ المَدَائِنِيُّ * (خَ، د، س) الإِمَامُ، القُدوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو صَالِحٍ المَدَائِنِيُّ، المُجَاوِرُ بِمَكَّةَ مِنْ أَبْنَاءِ الخُرَاسَانِيَّةِ. رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَشُعْبَةَ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، وَسُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيْلَ،   (*) التاريخ لابن معين: 257، طبقات ابن سعد 7 / 320، التاريخ الكبير 4 / 222، الجرح والتعديل 4 / 342، تهذيب الكمال: 585، تذهيب التهذيب 2 / 78 / 2، العبر 1 / 323، ميزان الاعتدال 2 / 275، الكاشف 2 / 12، العقد الثمين 5 / 11، تهذيب التهذيب 4 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 585، شذرات الذهب 1 / 349. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَكَامِلٍ أَبِي العَلاَءِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي رَجَاءٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُوْفِيُّ، وَحَسَنُ بنُ الجُنَيْدِ البَغْدَادِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البزَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ السَّرِيِّ الزَّاهِدُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ الأَنْطَاكِيُّوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَنُصَيْرُ بنُ الفَرَجِ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ المَدَائِنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، فَتَحَوَّلَ إِلَى المَدَائِنِ، وَاعْتَزَلَ بِهَا، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَهَا، إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: رُبَّمَا دَرَسَ بَعْضُ الإِسْنَادِ، أَكَادُ أُحَمُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: جِئْنَا إِلَى شُعَيْبٍ أَنَا، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَكَانَ يَنْزِلُ مَدِيْنَةَ أَبِي جَعْفَرٍ، عَلَى قَرَابَةٍ لَهُ، فَقُلْتُ لأَبِي خَيْثَمَةَ: سَلْهُ. فَدَنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ، فَرَأَى كُمَّهُ طَوِيْلاً، فَقَالَ: مَنْ يَكْتُبُ الحَدِيْثَ يَكُوْنُ كُمُّهُ طَوِيْلاً؟! يَا غُلاَمُ! هَاتِ الشَّفْرَةَ. قَالَ: فَقُمنَا، وَلَمْ يُحَدِّثْنَا بِشَيْءٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ الصُّوْفِيُّ: سَمِعْتُ سَرِيّاً السَّقَطِيَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 يَقُوْلُ: أَرْبَعَةٌ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، أَعمَلُوا أَنْفُسَهُم فِي طَلَبِ الحَلاَلِ، وَلَمْ يُدْخِلُوا أَجْوَافَهُم إِلاَّ الحَلاَلَ: وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، وَيُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ: أَكَلتُ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَكْلَةً، وَشَرِبْتُ شَرْبَةً. أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الصُّوْفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْدُوْنَ الطَّيِّبَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: ذَهَبنَا إِلَى المَدَائِنِ إِلَى شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَكَانَ قَاعِداً عَلَى شَطِّ دِجْلَةَ، قَدْ بَنَى لَهُ كُوْخاً، وَخُبْزٌ لَهُ مُعَلَّقٌ فِي شَرِيطٍ، وَمَطْهَرَةٌ، يَأْخُذُ كُلَّ لَيْلَةٍ رَغِيْفاً، يَبُلُّهُ فِي المَطْهَرَةِ، وَيَأْكلُهُ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، إِنَّمَا كَانَ جِلْداً وَعَظْماً (1) . فَقَالَ: أَرَى هُنَا بَعْدُ لَحْماً، وَاللهِ لأَعْمَلَنَّ فِي ذَوَبَانِهِ، حَتَّى أَدخُلَ إِلَى القَبْرِ وَأَنَا عِظَامٌ تَقَعْقَعُ، أُرِيْدُ السِّمَنَ لِلدُّودِ وَالحَيَّاتِ؟ فَبلغَ أَحْمَدَ قَوْلُهُ، فَقَالَ: شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الوَرَعِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَدَائِنِيُّ: مَاتَ شُعَيْبٌ بِمَكَّةَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.   (1) في الأصل: جلد وعظم. (2) وليس ذلك الصنيع من هدي سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستعيذ من الجوع، ويقول: إنه بئس الضجيع، ويأكل ويشرب من الاطايب وما قاربها مما تيسر له، ويتعاطى الاودية التي يصح بها الجسم، ويأمر بذلك أصحابه، وينكر على من يصوم الدهر، ويقوم الليل كله، ويعرض عن الزواج، ويقول: " إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ الخَطِيْبِ فَخْرِ الدِّيْنِ بنِ تَيْمِيَةَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ اللُّغَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَنْبَسُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَزَّازُ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بنِ رِبْعِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجَدَ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ (1)) . وَبِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: هَذَا هُوَ عِنْدِي الصَّوَابُ. أَمَّا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ، فَفِي الطَّبَقَةِ الآتِيَةِ.   (1) أخرجه مالك 1 / 162 في قصر الصلاة: باب انتظار الصلاة والمشي إليها، ومن طريقه البخاري 2 / 447، في المساجد: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، وفي التطوع: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، ومسلم (714) في صلاة المسافرين: باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وأبو داود (467) في الصلاة: باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد، والترمذي (316) في الصلاة: باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين، والنسائي 2 / 53 في المساجد: باب الامر بالصلاة قبل الجلوس في المسجد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 55 - بَهْزُ بنُ أَسَدٍ أَبُو الأَسْوَدِ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو الأَسْوَدِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ، أَخُو مُعَلَّى بنِ أَسَدٍ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً خَيْراً مِنْ بَهْزٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 56 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ بنِ حَسَّانِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، سَيِّدُ   (*) التاريخ لابن معين: 64، طبقات ابن سعد 7 / 298، التاريخ الكبير 2 / 143، الجرح والتعديل 2 / 431، تهذيب الكمال: 163، تذهيب التهذيب 1 / 91 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 341، الكاشف 1 / 164، تهذيب التهذيب 1 / 497، طبقات الحفاظ: 142، خلاصة تذهيب الكمال: 53. (* *) التاريخ لابن معين: 359، طبقات ابن سعد 7 / 297، تاريخ خليفة: 468، طبقات خليفة ت 1933، التاريخ الكبير 5 / 254، التاريخ الصغير 2 / 283، 285، المعارف: 513، مقدمة الجرح والتعديل 1 / 251، 262، حلية الأولياء 9 / 3 - 63، تاريخ بغداد 10 / 240، تهذيب الكمال: 820، تذهيب التهذيب 2 / 229 / 1، العبر 1 / 326، 327، تذكرة الحفاظ 1 / 329، الكاشف 2 / 187، دول الإسلام 1 / 125، شرح العلل = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 الحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَنْبَرِيُّ - وَقِيْلَ: الأَزْدِيُّ - مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. سَمِعَ: أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ، وَعُمَرَ بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ الحَضْرَمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتُوَائِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ قَاضِي جَزِيْرَةَ قَيْسٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ، وَأَبَا يَعْلَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الجَلِيْلِ بنَ عَطِيَّةَ البَصْرِيَّ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعَلِيَّ بنَ مَسْعَدَةَ البَاهِلِيَّ، وَعِمْرَانَ القَطَّانَ، وَالمُثَنَّى بنَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبَا حُرَّةَ وَاصِلَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَأُمَماً سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَارِثِيُّ كُرْبُزَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ زَنْبَقَةُ، وَخَلْقٌ يَتَعَذَّرُ حَصْرُهُم.   = لابن رجب 1 / 196، 199، تهذيب التهذيب 6 / 279، النجوم الزاهرة 2 / 159، طبقات الحفاظ 139، خلاصة تذهيب الكمال 235، شذرات الذهب 1 / 355. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، قُدوَةً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْرِفُ لَهُ نَظِيْراً فِي هَذَا الشَّأْنِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفْقَهُ مِنْ يَحْيَى القَطَّانِ (1) . وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيْعٌ، فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَثْبَتُ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ عَهداً بِالكِتَابِ، وَاخْتَلَفَا فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً لِلثَّوْرِيِّ. قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا عَامَّةُ الصَّوَابِ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) . قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، ذَهَبْنَا إِلَى دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ (3) . إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ. قُلْتُ لَهُ: قَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، وَكُنْتُ عِنْدَ نَفْسِي أَنَّنِي قَدْ بَلَغتُ فِيْهَا، فَقُلْتُ: وَمَنْ يُفِيْدُنِي عَنِ الأَعْمَشِ. فَقَالَ لِي: مَنْ يُفِيْدُكَ عَنِ الأَعْمَشِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَطرَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً لَيْسَتْ عِنْدِي، يَتَّبِعُ أَحَادِيْثَ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ لَمْ أَلْقَهُم أَنَا، وَلَمْ أَكْتُبْ حَدِيْثَهُم نَازِلاً. قَالَ إِسْمَاعِيْلُ: أَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ، وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلِحَدِيْثِ النَّاسِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ (5) ، إِمَامٌ،   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 242. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 243 و244. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 247. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 245. (5) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 253 و5 / 290. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 ثَبْتٌ، أَثْبَتُ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ (1) . قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ حِفْظاً. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لاَ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ إِمَاماً، حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِمَّا لاَ يَصِحُّ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِلْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الحَدِيْثِ كَالسِّحرِ (2) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَا تَرَكتُ حَدِيْثَ رَجُلٍ إِلاَّ دعوَتُ اللهَ لَهُ، وَأُسَمِّيهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ سَبَلاَنُ (3) : قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لَقُمْتُ عَلَى الجِسْرِ، فَلاَ يَمُرُّ بِي أَحَدٌ إِلاَّ سَأَلتُهُ، فَإِذَا قَالَ: مَخْلُوْقٌ، ضَرَبتُ عُنُقَهُ، وَأَلقَيْتُهُ فِي المَاءِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: الْتَقَى وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الحَرَمِ بَعْدَ العِشَاءِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَكرَهُ أَنْ يُعْصَى اللهُ، لَتَمَنَّيْتُ   (1) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 255 والذي وصفه بذلك أبو حاتم، ونقله الخطيب في " تاريخه " 10 / 243 عن أبي حاتم. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 246. (3) لقب بذلك، لأنه كان يسبل لحيته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي المِصْرِ إِلاَّ اغْتَابَنِي! أَيُّ شَيْءٍ أَهنَأُ مِنْ حَسَنَةٍ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فِي صَحِيْفَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا. وَعَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَجلِسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ، فَرِحتُ، وَإِذَا قَلُّوا حَزِنْتُ، فَسَأَلْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ سُوءٍ، فَلاَ تَعُدْ إِلَيْهِ، فَمَا عُدْتُ إِلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَنَّ أَبَاهُ قَامَ لَيْلَةً، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ. قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ، رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الفِرَاشِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئاً شَهْرَيْنِ، فَقَرَّحَ فَخِذَاهُ جَمِيْعاً (1) . وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ لِفَتَىً مِنْ وَلَدِ الأَمِيْرِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ وَتَصِفُهُ وَتُشَبِّهُهُ. قَالَ: نَعَمْ، نَظَرْنَا، فَلَمْ نَرَ مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الإِنْسَانِ. فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الصِّفَةِ وَالقَامَةِ، فَقَالَ لَهُ: رُوَيْدَكَ يَا بُنَيَّ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ فِي المَخْلُوْقِ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهُ، فَنَحْنُ عَنِ الخَالِقِ أَعْجَزُ، أَخْبِرْنِي عَمَّا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} [النَّجْمُ: 18] . قَالَ: رَأَى جِبْرِيْلَ لَهُ سِتُّ مائَةِ جَنَاحٍ (2) ، فَبَقِيَ الغُلاَمُ يَنْظُرُ، فَقَالَ: أَنَا أُهَوِّنُ عَلَيْكَ، صِفْ لِي خَلْقاً   (1) أورده المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 330، وهو في " حلية الأولياء " 9 / 12. (2) أخرجه البخاري 8 / 469 و470 في تفسير سورة النجم: باب (فكان قاب قوسين أو أدنى) ، وباب قوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) ، وفي بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، ومسلم (174) في الايمان: باب ذكر سدرة المنتهى، من طرق عن سليمان الشيباني، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 لَهُ ثَلاَثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَرُكِّبَ الجَنَاحُ الثَّالِثُ مِنْهُ مَوْضِعاً حَتَّى أَعْلَمَ. قَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، عَجَزْنَا عَنْ صِفَةِ المَخْلُوْقِ، فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ عَجَزْتُ وَرَجَعْتُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيْثاً (1) . قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَلاَذرَ (2) ، وَكَذَا الطَّيَالِسِيُّ، فَبَرِصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَجُذِمَ الآخَرُ. قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: يَغْفِرُ لَكَ ذَنْباً، أَوْ تَحْفَظُ حَدِيْثاً؟ قَالَ: أَحْفَظُ حَدِيْثاً. أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ ... ، وَوَصَفَ حِفْظَهُ وَبَصَرَهُ بِالحَدِيْثِ (3) . قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: كَيْفَ تَعرِفُ الكَذَّابَ؟ قَالَ: كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيْبُ المَجْنُوْنَ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَوْ   (1) تقدمة الجرح والتعديل 1 / 261. (2) قال ابن سينا في كتابه " القانون " 1 / 267: البلاذر: ثمرة شبيهة بنوى التمر، ولبه مثل لب الجوز، حلو لا مضرة فيه، وقشرة متخلخل متثقب، في تخلخله عسل لزج ذو رائحة، ومن الناس من يقضمه فلا يضره وخصوصا مع الجوز، وذكر صاحب " المعتمد في الادوية المفردة " ص 31 من خواصه: أنه جيد لفساد الذهن وجميع الاعراض الحادثة في الدماغ من البرودة والرطوبة، نافع من برد العصب، والاسترخاء، والنسيان، وذهاب الحفظ. (3) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 251. (4) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 252. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 أُخِذْتُ، فَحُلِّفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفتُ بِاللهِ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. سَمِعَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مِنْهُ (1) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحْبُوْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو (2) بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَوْ حُلِّفتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ (3) . وَبِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِمَامٌ (4) . وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيُّ: قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِ هُشَيْمٍ، فَأَخَذَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابُهُ بِيَدِ فَتَىً، فَأَدخَلُوْهُ مَسْجِداً، وَكَتَبْنَا عَنْهُ، فَإِذَا الفَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ. مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُسْتَه يَقُوْلُ: كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ جَارِيَةٌ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ، فَكَانَ مِنْهُ شِبْهُ العِدَةِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ، قِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا صَاحِبُ الخُصُوْمَاتِ.   (1) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 252، و" تاريخ بغداد " 10 / 244، و" شرح العلل " لابن رجب 1 / 197. (2) في الأصل: عمر بدون واو، وهو خطأ. (3) " علل الترمذي " بشرح ابن رجب 1 / 158. (4) " علل الترمذي " 1 / 157. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُخَاصِمُ فِي الدِّيْنِ. فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! إِنَّا نَضَعُ عَلَيْهِم لِنُحَاجَّهُم بِهَا. فَقَالَ: أَتَدفَعُ البَاطِلَ بِالبَاطِلِ؟ إِنَّمَا تَدْفَعُ كَلاَماً بِكَلاَمٍ، قُمْ عَنِّي، وَاللهِ لاَ بِعْتُكَ جَارِيَتِي أَبَداً. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اترُكْ مَنْ كَانَ رَأْساً فِي بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَيْهَا (1) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْد مَوْتِهِ - فَرَأَيْتُ سَوَاداً فِي القِبْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّومُ، وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَنْ طَلَبَ العَرَبِيَّةَ، فَآخِرُهُ مُؤَدِّبٌ، وَمَنْ طَلَبَ الشِّعْرَ، فَآخِرُهُ شَاعِرٌ يَهْجُو أَوْ يَمْدَحُ بِالبَاطِلِ، وَمَنْ طَلَبَ الكَلاَمَ، فَآخِرُ أَمرِهِ الزَّنْدَقَةُ، وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ، كَانَ إِمَاماً، وَإِنْ فَرَّطَ ثُمَّ أَنَابَ يَوْماً، يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَتُقَتْ وَجَادَتْ. قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: كُنْتُ أَسْأَلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُوْنَ اللهُ كَلَّمَ مُوْسَى، وَأَنْ يَكُوْنَ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ،   (1) يعني رفض حديثه، وعدم الاحتجاج بروايته ولو كان ثقة حافظا إذا كان مبتدعا يدعو إلى بدعته، والمعتمد: أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، وأما من لم يكن كذلك، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبول روايته مطلقا، سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن داعيا إليها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَذْهَبُ مَذْهَبَ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَيَقْتَدِي بِطَرِيْقَتِهِم (1) ، وَقَالَ: نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ نَفْساً، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ (2) . قَالَ عَلِيٌّ: وَأَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ، خِيَارٌ، صَالِحٌ، مُسْلِمٌ، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ أَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، أَخاً لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مِنْ   (1) " العلل " لعلي بن المديني ص: 51. (2) الخبر في " العلل " ص 17، 40 مطولا، وقد اختصره المؤلف جدا، ومن المفيد إثباته هنا بتصرف: قال: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، فلاهل المدينة ابن شهاب الزهري ت (124) ولاهل مكة عمرو بن دينار ت (126) ، ولاهل البصرة قتادة بن دعامة الدوسي ت (117) ، ويحيى بن أبي كثير ت (132) ، ولاهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي ت (127) ، وسليمان بن مهران الأعمش ت (148) ، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الاصناف ممن صنف، فلاهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، ومن أهل مكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وسفيان بن عيينة، ومن أهل البصرة سعيد بن أبي عروبة، وأبو عوانة الوضاح بن خالد، وشعبة بن الحجاج، ومعمر بن راشد، ومن أهل الكوفة سفيان بن سعيد الثوري، ومن أهل الشام عبد الرحمن الاوزاعي، ومن أهل واسط هشيم بن بشير، ثم انتهى علم هؤلاء الثلاثة من أهل البصرة، وعلم الاثني عشر إلى ستة: إلى يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ووكيع بن الجراح، ثم صار علم هؤلاء إلى ثلاثة: إلى عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 الرَّضَاعَةِ. وَقَدْ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِي، قَالَ: لَمْ يَزَلْ أَمرُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ، فَقَالُوا فِيْهِم بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا. قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ إِذَا نَظَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ فِي مَجْلِسِهِ، تَهَلَّلَ وَجْهُهُ. وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظُ: أَتَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ لِي: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ. وَأَفَادَنِي عَنْهُ أَحَادِيْثَ، فَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، فَحَدَّثَنِي بِهَا (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا جَاءنَا سَاعَةً، جَاءَ رَسُوْلُ سُفْيَانَ فِي أَثَرِهِ يَطْلُبُهُ، فَيَدَعُنَا، وَيَذْهَبُ إِلَيْهِ (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: أَفْتَى سُفْيَانُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَرَآنِي كَأَنِّيْ أَنْكَرتُ فُتْيَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مَا تَقُوْلُ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلاَفَ قَوْلِهِ، فَسَكَتَ (3) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي كُتُبِي، لأَفَدْتُكَ عِلْماً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلاَ يُبْرَى قَلَمٌ، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَلاَ يَقُوْمُ أَحَدٌ قَائِماً، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهِمُ الطَّيرَ،   (1) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 256. (2) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 256. (3) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 256، وتمامه فيه: " ولم يقل شيئا ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 أَوْ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَداً مِنْهُم تَبَسَّمَ، أَوْ تَحَدَّثَ، لَبِسَ نَعْلَهُ، وَخَرَجَ. (1) وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ (2) ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً -يَعْنِي: الطُّرَقَ-. قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَكَتَبْتُ تَفْسِيْرَ الحَدِيْثِ إِلَى جَنْبِهِ، وَلأَتَيْتُ المَدِيْنَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي كُتُبِ قَوْمٍ سَمِعْتُ مِنْهُم (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ - وَذَكَرَ الفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ (4) - فَقَالَ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم وَحَدِيْثِهِم: ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.   (1) تقدمة الجرح والتعديل: 1 / 257. (2) حديث المغيرة أخرجه مالك 1 / 36 في الطهارة: باب ما جاء في المسح على الخفين، والبخاري 1 / 265 في الوضوء: باب المسح على الخفين، وباب الرجل يوضئ صاحبه، وباب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، وفي الصلاة: باب الصلاة في الجبة الشامية، وباب الصلاة في الخفاف، وفي الجهاد: باب الجبة في السفر والحرب، وفي المغازي: باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، وفي اللباس: باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وباب جبة الصوف في الغزو، وأخرجه مسلم (274) في الطهارة: باب المسح على الخفين، وأبو داود (149) و (150) و (151) والترمذي (97) و (98) و (99) و (100) والنسائي 1 / 82. (3) مقدمة الجرح التعديل 1 / 262. (4) كان العمل في عصر التابعين على أقوالهم، وهم أئمة العصر، وهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد نظمهم القائل، فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر * روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم * سعيد أبو بكر سليمان خارجه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ وِرْدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلَّ لَيْلَةٍ نِصْفَ القُرْآنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً (2) -. وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَوْقَهُ فِي العلمِ، فَهُوَ يَوْمُ غَنِيمَتِهِ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، دَارَسَهُ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، تَوَاضَعَ لَهُ، وَعَلَّمَهُ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً فِي العِلمِ مَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً مَنْ حَدَّثَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ مَنْ يُحَدِّثُ بِالشَّاذِّ، وَالحِفْظُ لِلإِتْقَانِ (3) . وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَعْرِفَةُ الحَدِيْثِ إِلهَامٌ. قَالَ يُوْسُفُ بنُ ضَحَّاكٍ: سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ وَحَدِيْثَ غَيْرِهِ. وَكَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ، فَسَمِعْتُ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 243، و" شرح العلل " 1 / 80، وفيه: وقد اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف، هل هو تعديل له أم لا؟ وحكى أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين، وحكوا عن الحنفية أنه تعديل، وعن الشافعية خلاف ذلك، والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة، فروايته عن إنسان تعديل له، ومن لم يعرف منه ذلك، فليس بتعديل، وصرح بذلك طائفة من المحققين وأصحاب الشافعي، قال أحمد في رواية الأثرم: إذا روى الحديث عبد الرحمن ابن مهدي عن رجل، فهو حجة، ثم قال: كان عبد الرحمن أولا يتساهل في الرواية عن غير واحد، ثم تشدد بعد، وكان يروى عن جابر (هو الجعفي) ثم تركه. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 247. (3) " حلية الأولياء " 9 / 4. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ: لَئِنْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، لَنُخَرِّجَنَّ رَجُلَ أَهْلِ البَصْرَةِ (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ بِحَضرَةِ يَحْيَى القَطَّانِ - وَذَكَرَ الجَهْمِيَّةَ - فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُنَاكِحَهُم، وَلاَ أُصَلِّيَ خَلْفَهُم (2) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: الجَهْمِيَّةُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَنفُوا الكَلاَمَ عَنِ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ القُرْآنُ كَلاَمَ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ كَلَّمَ مُوْسَى، وَقَدْ وَكَّدَهُ اللهُ -تَعَالَى- فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً (3) } [النِّسَاءُ: 164] . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَبنِي بِأَهْلِهِ، أَيَترُكُ الجَمَاعَةَ أَيَّاماً؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ صَلاَةً وَاحِدَةً. وَحَضَرْتُهُ صَبِيْحَةَ بُنِي عَلَى ابْنَتِهِ، فَخَرَجَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَابِهِمَا، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: قُوْلِي لَهُمَا: يَخْرُجَانِ إِلَى الصَّلاَةِ. فَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالجَوَارِي، فَقُلْنَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ أَبرَحُ حَتَّى يَخْرُجَا إِلَى الصَّلاَةِ. فَخَرَجَا بَعْدَ مَا صَلَّى، فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى مَسْجِدٍ خَارِجٍ مِنَ الدَّرْبِ (4) . قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ فِي الحِرْصِ عَلَى الخَيْرِ. قَالَ رُسْتَه: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، فَمَاتَ أَخُوْهُ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَى أَيْتَامِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قَدِ ابْتُلِيْتُ بِهَؤُلاَءِ الأَيْتَامِ،   (1) " حلية الأولياء " 9 / 5. (2) " حلية الأولياء " 9 / 6. (3) " حلية الأولياء " 9 / 7. (4) " حلية الأولياء " 9 / 13. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 فَاسْتَقرَضْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ احْتَجتُ إِلَيْهَا فِي مَصْلَحَةِ أَرْضِهِم (1) . ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ لابْنِ مَهْدِيٍّ فِي (الحِلْيَةِ) تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً جِدّاً، فَرَوَى فِيْهَا مِنْ حَدِيْثِهِ مائَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً (2) ، وَقَدْ لَحِقَ صِغَارَ التَّابِعِيْنَ: كَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَصَالِحِ بنِ دِرْهَمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ. وَكَانَ قَدِ ارْتَحَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ البَصْرَةِ، فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ. قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَا نَعرِفُ كِتَاباً فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ أَصَحَّ مِنْ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ) . وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم: سُفْيَانُ بِالكُوْفَةِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ. أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ ثِقَةً؟ فَقَالَ: كَانَ صَدُوْقاً، وَكَانَ خِيَاراً، وَكَانَ مَأْمُوْناً، الثِّقَةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ. ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَزِمتُ مَالِكاً حَتَّى مَلَّنِي. فَقُلْتُ يَوْماً: قَدْ غِبْتُ عَنْ أَهْلِي هَذِهِ الغَيْبَةَ الطَّوِيْلَةَ، وَلاَ أَعْلَمُ مَا حَدَثَ بِهِم بَعْدِي. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَأَنَا بِالقُربِ مِنْ أَهْلِي، وَلاَ أَدْرِي مَا حَدَثَ بِهِم مُنْذُ خَرَجْتُ.   (1) " حلية الأولياء " 9 / 14. (2) انظر " الحلية " 9 / 14، 63. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ فِي (الضُّعَفَاءِ) : إِلاَّ أَنَّ مِنْ أَكْثَرِهِم تَنْقِيْراً عَنْ شَأْنِ المُحَدِّثِيْنَ، وَأَتْرَكِهِم لِلضُّعَفَاءِ وَالمَتْرُوْكِيْنَ، حَتَّى يَجْعَلَهُ لِهَذَا الشَّأْنِ صِنَاعَةً لَهُم لَمْ يَتَعَدَّوْهَا - مَعَ لُزُومِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ الشَّدِيْدِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي السُّنَنِ - رَجُلَيْنِ (1) : يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ (2) . قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: وَقَعتُ بَيْنَ أَسَدَيْنِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ مَهْدِيٍّ بِالبَصْرَةِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَاشَ أَبُوْهُ بَعْدَهُ، وَكَانَ شَيْخاً عَامِّيّاً، رُبَّمَا كَانَ يَمْزَحُ بِجَهْلٍ، وَيُشِيْرُ إِلَى الجَمَاعَةِ إِلَى ابْنِهِ، وَيُشِيْرُ إِلَى مَتَاعِهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا خَرَجَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: فِتْنَةُ الحَدِيْثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ وَالوَلَدِ (3) . قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَفِيْدَ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ (4) . قَالَ عَبْدُ اللهِ أَخُو رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مُحَرَّمٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ إِلاَّ فِي شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ ثِقَةٍ (5) .   (1) في الأصل، والمطبوع من " المجروحين ": " رجلان ": وما اثبتناه هو الجادة. (2) انظر كتاب " المجروحين والضعفاء " 1 / 52. (3) هو في " الحلية " 9 / 6. (4) " الحلية " 9 / 5. (5) " الحلية " 9 / 5. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الجُلُوْسَ إِلَى ذِي هَوَىً، أَوْ ذِي رَأْيٍ. وَقَالَ رُسْتَه: قَامَ ابْنُ مَهْدِيٍّ مِنَ المَجْلِسِ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ! لاَ تَطَؤُنَّ عَقِبِي، وَلاَ تَمْشُنَّ خَلْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ عِمْرَانُ: خَفْقُ النِّعَالِ خَلْفَ الأَحْمَقِ قَلَّ مَا يُبقِي مِنْ دِيْنِهِ (1) . قَالَ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَمَنَّى المَوْتَ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَى دِيْنِهِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، لَكِنْ لاَ يَتَمَنَّاهُ مَنْ ضُرٍّ بِهِ، أَوْ فَاقَةٍ، تَمَنَّى المَوْتَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنْ دُوْنَهُمَا (2) . وَسَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ (3)) . فَقُلْتُ: الآمِرُ رَجُلٌ. فَقَالَ: خُذْ بِمَا لاَ يَرِيْبُكَ حَتَّى لاَ يُصِيْبَكَ مَا يَرِيْبُكَ -يَعْنِي: الحِيَلَ-. وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا هُوَ -يَعْنِي: الغَرَامَ بِطَلَبِ الحَدِيْثِ- إِلاَّ مِثْلُ لَعِبِ الحَمَامِ، وَنِطَاحِ الكِبَاشِ. قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- إِلاَّ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ، وَقَلِيْلٌ مَا هُم. أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (4) ، أَخْبَرَنَا القَاضِي جَمَالُ الدِّيْنِ   (1) الخبر في " حلية الأولياء " 9 / 12، وفيه " ولا تمشوا " بدل " ولا تمشن ". (2) " حلية الأولياء " 9 / 13، والنهي عن تمني الإنسان الموت لضر أصابه ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس عند البخاري 10 / 107، 108، في المرض، ومسلم (2680) في الذكر والدعاء، وأبي داود (3108) والترمذي (970) ، والنسائي 4 / 3، ولفظه: " لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". (3) أخرجه الترمذي (2520) في أبواب صفة القيامة: باب اعقلها وتوكل، والنسائي 8 / 327، 328، وأحمد 1 / 200، وإسناده صحيح، وصححه الترمذي، وابن حبان (512) ، والخبر بطوله في " الحلية " 9 / 13. (4) هو عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله الثقة المعمر مسند وقته، قال المؤلف = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْعٍ بِصَيْدَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (2) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ - عَلَى مَنْ يَقْرَأُ قِرَاءةَ حَمْزَةَ - لأَوْجَعْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ. قُلْتُ: جَاءَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ (3) ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَا فِيْهَا مِنْ   = في " مشيخته " ورقة 107: تفرد في زمانه، وتكاثر عليه الطلبة، وقرأت عليه " المبهج في القراءات السبعة " لابن مجاهد، و" الكفاية في القراءات الست "، وسمعت منه نحوا من ثمانين جزءا، ونعم الشيخ كان دينا وتواضعا، ولطفا وحسن أخلاق، ومحبة للحديث، وقرأ عليه الكثير الشيخ علي الموصلي، والشيخ علم الدين، وكان له بستان كبير بعربيل يقوم به، ويقيم غالبا فيه، ومات في ذي القعدة سنة ثمان وتسعين وست مئة. (1) بفتح الراء والباء نسبة إلى ربال جده. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 1 / 309 من طريق عبد الرحمن بن مهدي بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (3728) في الاشربة: باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه، والترمذي (1888) في الاشربة: باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب من طريقين عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم به، وقال الترمذي: حسن صحيح. (3) قال ابن قدامة في " المغني " 1 / 492: ولم يكره أحد قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة والكسائي، لما فيها من الكسر والادغام والتكلف وزيادة المد، وقال ابن الجزري في " غاية النهاية " 1 / 263: وأما ما ذكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعا منه ناقلا عن حمزة، وما آفة الاخبار إلا رواتها. قال ابن مجاهد: قال محمد بن الهيثم: والسبب في ذلك إن رجلا ممن قرأ على سليم حضر مجلس ابن إدريس، فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظا فيها إفراط في المد والهمز وغير ذلك من التكلف، فكره ذلك ابن إدريس، وطعن فيه. قال محمد بن الهيثم: وقد كان حمزة يكره هذا، وينهى عنه، قلت: أما كراهته الإفراط من ذلك، فقد روينا عنه من طرق = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 قَبِيْلِ الأَدَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَدِ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الإِجْمَاعُ عَلَى تَلَقِّي قِرَاءةِ حَمْزَةَ بِالقَبُولِ. 57 - مِسْكِيْنُ بنُ بُكَيْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَرَّانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَرَّانِيُّ، الحَذَّاءُ. حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتِ بنِ عَجْلاَنَ، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُهُ؛ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ النَّصِيْبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، صَالِحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: صَدُوْقٌ. وَقِيْلَ: لَهُ عَنْ شُعْبَةَ مَا يُنْكَرُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ (1) الحَاكِمُ: لَهُ مَنَاكِيْرُ كَثِيْرَةٌ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ مِسْكِيْنٌ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.   = أنه كان يقول لمن يفرط عليه في المد والهمز: لا تفعل أما علمت أن ما كان فوق البياض، فهو برص، وما كان فوق الجعودة، فهو قطط، وما كان فوق القراءة، فليس بقراءة. (*) التاريخ الكبير 8 / 3، الجرح والتعديل 8 / 329، تهذيب الكمال: 1322، تذهيب التهذيب 4 / 36 / 1، العبر 1 / 328، الكاشف 3 / 138، تهذيب التهذيب 10 / 120، خلاصة تذهيب الكمال: 396، شذرات الذهب 1 / 355. (1) سقطت من الأصل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 58 - مُعَمَّرُ بنُ سُلَيْمَانَ النَّخَعِيُّ الرَّقِّيُّ * (ت، س، ق) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، الرَّقِّيُّ. حَدَّثَ عَنْ: خُصَيْفٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَيْدِ بنِ حِبَّانَ الرَّقِّيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَقَوْمٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَذَكَرَهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَهَيْبَتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ: كَانَ مِنْ خَيْرِ مَنْ رَأَيْتُ. قُلْتُ: وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. وَمَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 59 - أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنُ وَاضِحٍ المَرْوَزِيُّ ** (ع) الحَافِظُ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ   (*) طبقات ابن سعد: 7 / 486، التاريخ الكبير 8 / 47، التاريخ الصغير 2 / 269، الجرح والتعديل 8 / 372، تهذيب الكمال لوحة 1356، تذهيب التهذيب 4 / 58 / 2، العبر 1 / 308، الكاشف 3 / 165، تهذيب التهذيب 10 / 249، خلاصة تذهيب الكمال: 384، شذرات الذهب 1 / 329. (* *) التاريخ لابن معين: 666، طبقات ابن سعد 7 / 375، طبقات خليفة 3141، التاريخ الكبير 8 / 309، الجرح والتعديل 9 / 194، تهذيب الكمال: 1523، تذهيب التهذيب 4 / 168 / 2، الكاشف 3 / 270، تهذيب التهذيب 11 / 293، خلاصة تذهيب الكمال: 429. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 المَرْوَزِيِّ، وَأَبِي طَيْبَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَسَعِيْدٌ الجَرْمِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجٌ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَتَبنَا عَنْهُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَوَهِمَ أَبُو حَاتِمٍ حَيْثُ حَكَى أَنَّ البُخَارِيَّ تَكَلَّمَ فِي أَبِي تُمَيْلَةَ (1) . وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ. وَلَمْ أَرَ ذِكْراً لأَبِي تُمَيْلَةَ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لِلْبُخَارِيِّ، لاَ فِي الكَبِيْرِ وَلاَ الصَّغِيْرِ. ثُمَّ إِنَّ البُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِأَبِي تُمَيْلَةَ، وَقَدْ كَانَ مُحَدِّثَ مَرْوَ مَعَ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى السِّيْنَانِيِّ. مَاتَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 60 - الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ أَبُو العَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ * (ع) الإِمَامُ، عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو العَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ، الحَافِظُ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى بنِ الحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، وَعَلَى: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.   (1) انظر الجرح والتعديل " 9 / 194. (*) التاريخ لابن معين: 634، طبقات ابن سعد 7 / 470، طبقات خليفة: 3046، التاريخ الكبير 8 / 153، التاريخ الصغير 2 / 276، 277، تاريخ الفسوي 2 / 420، الجرح والتعديل 9 / 16، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 147، تهذيب الكمال لوحة 1473، تذهيب التهذيب 4 / 140 / 2، العبر 1 / 319، تذكرة الحفاظ 1 / 302، ميزان الاعتدال 4 / 347، الكاشف 3 / 242، شرح العلل لابن رجب 2 / 608، طبقات القراء لابن الجزري 2 / 360، تهذيب التهذيب 11 / 151، طبقات الحفاظ: / 126، خلاصة تذهيب الكمال: 417، شذرات الذهب 1 / 344. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 وَحَدَّثَ عَنْهُمَا. وَعَنِ: ابْنِ عَجْلاَنَ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَرْوَانَ بنِ جَنَاحٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الغَسَّانِيِّ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَشَيْبَةَ بنِ الأَحْنَفِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ، وَمُعَانِ بنِ رِفَاعَةَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. وَارْتَحَلَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَتَصَدَّى لِلإِمَامَةِ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، ثِقَةً، حَافِظاً، لَكِنْ رَدِيْءَ التَّدْلِيْسِ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ حُجَّةٌ. هُوَ فِي نَفْسِهِ أَوْثَقُ مِنْ بَقِيَّةَ، وَأَعْلَمُ. حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتٌّ، وَأَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَمُوْسَى بنُ عَامِرٍ المُرِّيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم، آخِرُهُم وَفَاةً: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 حَجَّاجُ بنُ الرَّيَّانِ الدِّمَشْقِيُّ، المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الوَلِيْدُ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ، حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ، فَمَاتَ بِالطَّرِيْقِ (1) . قَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ. قَالَ الفَسَوِيُّ: سَأَلْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، فَأَقْبَلَ يَصِفُ عِلْمَهُ، وَوَرَعَهُ، وَتَوَاضُعَهُ، وَقَالَ: كَانَ أَبُوْهُ مِنْ رَقِيْقِ الإِمَارَةِ، وَتَفَرَّقُوا عَلَى أَنَّهُم أَحرَارٌ، وَكَانَ لِلْوَلِيْدِ أَخٌ جِلْفٌ مُتَكَبِّرٌ، يَرْكَبُ الخَيْلَ، وَيَرْكَبُ مَعَهُ غِلمَانُ كَثِيْرٌ، وَيَتَصَيَّدُ، وَقَدْ حَمَلَ الوَلِيْدُ دِيَةً، فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ المَالِ، أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ، إِذِ اشْتبَهَ عَلَيْهِ أَمرُ أَبِيْهِ. قَالَ: فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ فِي ذَلِكَ شَغَبٌ وَجَفَاءٌ وَقطِيْعَةٌ، وَقَالَ: فَضَحْتَنَا، مَا كَانَ حَاجَتُكَ إِلَى مَا فَعَلتَ (2) ؟! قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَسْلَمَةَ القُرَشِيُّ: أَنَا أَعتَقْتُ الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، كَانَ عَبْدِي. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ الوَلِيْدَ كَانَ مِنَ الأَخْمَاسِ، فَصَارَ لآلِ مَسْلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَلَمَّا قَدِمَ بَنُو العَبَّاسِ فِي دَوْلَتِهِم، قَبَضُوا رَقِيْقَ الأَخْمَاسِ وَغَيْرَهُ، فَصَارَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لِلأَمِيْرِ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ، فَوَهَبَهُم لابْنِهِ الفَضْلِ، ثُمَّ إِنَّ الوَلِيْدَ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْهُم، فَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: جَاءنِي الوَلِيْدُ، فَأَقَرَّ لِي بِالرِّقِّ، فَأَعتَقْتُهُ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 471. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 422، 423. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 جَبَلَةُ، كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَجَاهٌ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى لِحَدِيْثِ الشَّامِيِّيْنَ مِنَ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَجَاءنِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَقَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ أَطْلُبُ أَنْ تُخْرِجَ إِلَيَّ حَدِيْثَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أُمِّ! سُبْحَانَ اللهِ! وَأَيْنَ سَمَاعِي مِنْ سَمَاعِكَ؟ فَجَعَلْتُ آبَى، وَيُلِحُّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ إِلحَاحِكَ مَا هُوَ؟ قَالَ: أُخبِرُكَ: إِنَّ الوَلِيْدَ رَجُلُ أَهْلِ الشَّامِ، وَعِنْدَهُ عِلْمٌ كَثِيْرٌ، وَلَمْ أَسْتَمكِنْ مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَكُم بِالمَدِيْنَةِ فِي المَوَاسِمِ، وَتَقَعُ عِنْدَكُمُ الفَوَائِدُ؛ لأَنَّ الحُجَّاجَ يَجْتَمِعُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ الآفَاقِ، فَيَكُوْنُ مَعَ هَذَا بَعْضُ فَوَائِدِهِ، وَمَعَ هَذَا شَيْءٌ. قَالَ: فَأَخْرَجْتُ إِلَيْهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْ كِتَابِهِ، كَادَ أَنْ يَكتُبَهُ عَلَى الوَجْهِ. سَمِعَهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، مِنْ إِبْرَاهِيْمَ (2) . قَالَ أَبُو اليَمَانِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. وَقِيْلَ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: الوَلِيْدُ أَفْقَهُ أَمْ وَكِيْعٌ؟ فَقَالَ: الوَلِيْدُ بِأَمرِ المَغَازِي، وَوَكِيْعٌ بِحَدِيْثِ العِرَاقِيِّينَ. قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: الثِّقَاتُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، مِثْلُ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 471، 472. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 422. (3) الجرح والتعديل " 9 / 17. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 قَالَ ابْنُ جَوْصَا الحَافِظُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّهُ مَنْ كَتَبَ مُصَنَّفَاتِ الوَلِيْدِ، صَلُحَ أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ، وَمُصَنَّفَاتُهُ سَبْعُوْنَ كِتَاباً. قُلْتُ: كُتُبُهُ أَجزَاءٌ، مَا أَظُنُّ فِيْهَا مَا يَبلُغُ مُجَلَّداً. الفَسَوِيُّ: عَنِ الحُمَيْدِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ يَوْمَ الصَّدَرِ، وَالوَلِيْدُ فِي مَسْجِدِ مِنَىً، وَعَلَيْهِ زِحَامٌ كَثِيْرٌ، وَجِئْتُ فِي آخِرِ النَّاسِ، فَوَقَفتُ بِالبُعْدِ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِجَنْبِهِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وَيُحَدِّثُهُم، وَأَنَا لاَ أَفْهُمُ، فَجَمَعتُ جَمَاعَةً مِنَ المَكِّيِّينَ، وَقُلْتُ لَهُم: جَلِّبُوا، وَأَفْسِدُوا عَلَى مَنْ بِالقُرْبِ مِنْهُ. فَجَعَلُوا يَصِيْحُوْنَ، وَيَقُوْلُوْنَ: لاَ نَسْمَعُ، وَجَعَلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: اسْكُتُوا، نُسْمِعْكُم. قَالَ: فَاعْتَرَضْتُ، وَصِحْتُ، وَلَمْ أَكُنْ بَعْدُ حَلَقْتُ، فَنَظَرَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ إِلَيَّ وَلَمْ (1) يُثبِتْنِي، فَقَالَ: لَوْ كَانَ فِيْكَ خَيْرٌ، لَمْ يَكُنْ شَعرُكَ عَلَى مَا أَرَى. قَالَ: فَتَفَرَّقُوا، وَلَمْ يُحَدِّثْهُم بِشَيْءٍ (2) . قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ يَأْخُذُ مِنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ، وَكَانَ كَذَّاباً، وَالوَلِيْدُ يَقُوْلُ فِيْهَا: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: قَدْ أَفسَدْتَ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ! قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: تَروِي عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ، وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَغَيْرُكَ يُدْخِلُ بَيْنَ الأَوْزَاعِيِّ وَبَيْنَ نَافِعٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عَامِرٍ الأَسْلَمِيَّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ، قُرَّةَ وَغَيْرَهُ، فَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: أُنَبِّلُ الأَوْزَاعِيَّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ مِثْلِ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ. قُلْتُ: فَإِذَا رَوَى الأَوْزَاعِيُّ   (1) في الأصل " ومن " وما أثبتناه من " المعرفة والتاريخ ". (2) " المعرفة والتاريخ " للفسوي 2 / 421، 422. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 عَنْ هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ مَنَاكِيْرَ، فَأَسقَطْتَهُم أَنْتَ، وَصَيَّرْتَها مِنْ رِوَايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنِ الثِّقَاتِ، ضَعُفَ الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ: فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِي (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الشَّامِيِّينَ أَحَداً أَعقَلَ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ فِي الشَّامِيِّينَ مِثْلَ الوَلِيْدِ، وَقَدْ أَغرَبَ أَحَادِيْثَ صَحِيْحَةً، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيْهَا أَحَدٌ. قَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْفَظُ لِلْحَدِيْثِ الطَّوِيْلِ، وَأَحَادِيْثِ المَلاَحِمِ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ الأَبْوَابَ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رُبَّمَا دَلَّسَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ كَذَّابِيْنَ. قُلْتُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّا بِهِ، وَلَكِنَّهُمَا يَنْتَقِيَانِ حَدِيْثَهُ، وَيَتَجَنَّبَانِ مَا يُنكَرُ لَهُ (2) ، وَقَدْ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ذَهَبَ إِلَى الرَّمْلَةِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ أَهْلُهَا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الوَلِيْدُ يَرْوِي عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَحَادِيْثَ هِيَ عِنْدَ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ ضُعَفَاءَ، عَنْ شُيُوْخٍ أَدْرَكَهُم الأَوْزَاعِيُّ: كَنَافِعٍ، وَعَطَاءٍ،   (1) وهذا النوع من التدليس يسمى عند المتقدمين تجويدا، فيقولون: جوده فلان، يريدون: ذكر فيه من الاجواد وحذف الادنياء، وسماه المتأخرون: تدليس التسوية، وذلك أن المدلس الذي سمع الحديث من شيخه الثقة عن ضعيف، عن ثقة يسقط الضعيف من السند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة، عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كله الثقات. وهو شر أنواع التدليس وأفحشها، لان شيخه وهو الثقة الأول ربما لا يكون معروفا بالتدليس، فلا يحترز الواقف على السند عن عنعنة وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين، ويكون هذا المدلس الذي يحترز من تدليسه قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه، فأمن بذلك من تدليسه، وفي ذلك غرر شديد. (2) انظر مقدمة " الفتح " ص 450. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 وَالزُّهْرِيِّ، فَيُسقِطُ أَسْمَاءَ الضُّعَفَاءِ، مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: رَوَى جَمَاعَةٌ، عَنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ) (1) . فَهَذَا شَنَّعَ بَعْضُ المُحَدِّثِيْنَ أَنَّ الوَلِيْدَ تَفَرَّدَ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هُوَ عِنْدَ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى القَطَّانِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَرَوَاهُ: الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ حَدَّثَهُم. وَقَدْ رَوَاهُ: مِنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ، وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَأَرْسَلاَهُ. قُلْتُ: أَنْكَرُ مَا لَهُ حَدِيْثٌ رَوَاهُ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالاَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، تَفَلَّتَ هَذَا القُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: (يَا أَبَا الحَسَنِ، أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ، وَيُثَّبِتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟) . قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: (إِذَا بِتَّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُوْمَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُوْدَةٌ، وَالدُّعَاءُ فِيْهَا مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوْبُ لِبَنِيْهِ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يُوْسُفُ: 98] حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَفِي أَوَّلِهَا،   (1) أخرجه عبد الله بن الامام أحمد في زوائد " المسند " 1 / 248 قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا مهدي بن جعفر الرملي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وأخرجه الطبراني في " الصغير " 2 / 141 من طريق يحيى بن علي بن محمد، حدثنا عمر بن عثمان، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الأُوْلَى: بِالفَاتِحَةِ وَيس، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالفَاتِحَةِ وَالدُّخَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِآلم السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ: تَبَارَكَ، فَإِذَا فَرَغْتَ، فَاحْمَدِ اللهَ، وَأَحْسِنِ الثَّنَاءَ، وَصَلِّ عَلَيَّ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّيْنَ، وَاسْتَغْفرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ المَعَاصِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيْمَا يُرْضِيْكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيْعَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لاَ تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللهُ، يَا رَحْمَنُ، بِجَلاَلِكَ وَنُوْرِ وَجْهِكَ، أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ ... ) فِي دُعَاءٍ فِيْهِ طَوِيْلٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: (يَا أَبَا الحَسَنِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ، أَوْ خَمْساً، أَوْ سَبْعاً، تُجَابُ بِإِذْنِ اللهِ) . قَالَ: فَمَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلاَّ خَمْساً، أَوْ سَبْعاً، حَتَّى جَاءَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ المَجْلِسِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا لِي كُنْتُ فِيْمَا خَلاَ لاَ آخُذُ إِلاَّ أَرْبَعَ آيَاتٍ وَنَحْوَهُنَّ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ اليَوْمَ أَرْبَعِيْنَ آيَةً، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الأَحَادِيْثَ، فَإِذَا رَدَّدْتُهُ، تَفَلَّتَ، وَأَنَا اليَوْمَ أَسْمَعُ الأَحَادِيْثَ، فَإِذَا حَدَّثْتُ، لَمْ أُحَرِّفْ مِنْهَا حَرفاً؟ فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: (مُؤْمِنٌ - وَرَبِّ الكَعْبَةِ - أَبَا الحَسَنِ (1)) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، غَرِيْبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ الوَلِيْدِ. قُلْتُ: هَذَا عِنْدِي مَوْضُوْعٌ وَالسَّلاَمُ، وَلَعَلَّ (2) الآفَةَ دَخَلَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ ابْنِ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ فِيْهِ، فَإِنَّهُ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ حَافِظاً، فَلَو كَانَ، قَالَ فِيْهِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، لَرَاجَ، وَلَكِنْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيْثِ، فَقَوِيَتِ   (1) أخرجه الترمذي (3565) في الدعوات: باب في دعاء الحفظ، والحاكم في " مستدركه " 1 / 316، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بقوله: هذا حديث منكر شاذ وقد حيرني والله جودة إسناده. وقال في " الميزان " 2 / 213 في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن راويه عن الوليد بن مسلم: وهو مع نظافة سنده منكر جدا في نفسي منه شيء وقال المنذري في " الترغيب والترهيب ": طرق أسانيد هذا الحديث جيدة، ومتنه غريب جدا. (2) في الأصل: ولعله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 الرِّيْبَةُ، وَإِنَّمَا هَذَا الحَدِيْثُ يَرْوِيْهِ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَشَيْخُهُ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّنِ اعْتَمَرَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُم (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ البُسْطِيُّ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً فِي الرَّابِعَةِ (ح) . وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُم أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يُؤْتَى بِالمَوْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُوْرَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُذْبَحُ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالَ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ!   (1) وأخرجه أبو داود (1751) في المناسك: باب في هدي البقر من طريقين، عن الوليد بهذا الإسناد، والوليد ويحيى - وهو ابن أبي كثير - مد لسان، وقد عنعنا، لكن يشهد له حديث جابر بن عبد الله، عند مسلم (1319) (357) في الحج: باب الاشتراك في الهدي، قال: " نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه في حجته بقرة " وفي رواية: " ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 أَيْقِنُوا بِالخُلُوْدِ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ! أَيْقِنُوا بِالخُلُوْدِ) . قَالَ: (فَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً، وَأَهْلُ الجَنَّةِ سُرُوْراً (1)) . قَالَ حَرْمَلَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُهَنِيُّ: نَزَلَ عَلَيَّ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ بِذِي المَرْوَةِ قَافِلاً مِنَ الحَجِّ، فَمَاتَ عِنْدِي بِذِي المَرْوَةِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى الحِمْصِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ الوَلِيْدُ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 61 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُم البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، أَبُو عُمَرَ، وَهُوَ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه بنحوه أحمد 2 / 118 من طريق إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك، عن عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، وأخرجه البخاري 11 / 361، 362 في الرقاق: باب صفة الجنة والنار من طريق معاذ بن أسد، عن عبد الله بن المبارك بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (2850) (43) في الجنة: باب النار يدخلها الجبارون من طريقين، عن ابن وهب، عن عمر بن محمد بن زيد به. وأخرجه البخاري 11 / 360، ومسلم (2850) من طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن نافع، عن ابن عمر. وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند البخاري 8 / 325 في التفسير، ومسلم (2849) ، والترمذي (2561) ، وأحمد 3 / 9، وعن أبي هريرة عند أحمد 2 / 377، والبخاري 11 / 360، وعن أنس عند أبي يعلى، والطبراني في الأوسط، والبزار كما في " المجمع " 10 / 395. (2) قال ياقوت: هي قرية بوادي القرى، وقيل: بين خشب ووادي القرى، ووادي القرى: هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة، وخشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة. (*) التاريخ لابن معين: 503، طبقات ابن سعد 7 / 292، التاريخ الكبير 1 / 23، التاريخ الصغير 2 / 274، 275، الجرح والتعديل 7 / 186، تهذيب الكمال لوحة 1157، تذهيب التهذيب 3 / 179 / 1، العبر 1 / 315، تذكرة الحفاظ 1 / 324، ميزان الاعتدال 3 / 647، الكاشف 3 / 16، شرح العلل لابن رجب 2 / 567، تهذيب التهذيب 9 / 12، النجوم الزاهرة 2 / 146، طبقات الحفاظ: 136، خلاصة تذهيب الكمال: 324، شذرات الذهب 1 / 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 أَبِي عَدِيٍّ. فَقِيْلَ: إِنَّ وَلَدَهُ إِبْرَاهِيْمَ هُوَ أَبُو عَدِيٍّ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالفَلاَّسُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَفِيْهَا مَاتَ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القَاضِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الحِمْصِيُّ الأَبْرَشُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَعُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ، وَسَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ العَابِدُ، وَشَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَلْخِيُّ الزَّاهِدُ، وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ قَاضِي بَعْلَبَكَّ. 62 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ * الأَمِيْرُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَبَّاسِيُّ. وَلِيَ المَدِيْنَةَ، وَغَزْوَ الصَّوَائِفِ لِلرَّشِيْدِ، ثُمَّ وَلِيَ الشَّامَ وَالجَزِيْرَةَ لِلأَمِيْنِ.   (*) تاريخ خليفة: 449، المعارف: 375، تاريخ الطبري 8 / 302، جمهرة أنساب العرب: 36، الكامل في التاريخ 6 / 180، 257، وفيات الأعيان 6 / 30، فوات الوفيات 2 / 398، ابن خلدون 3 / 236، النجوم الزاهرة 2 / 90، رغبة الآمل / 2 / 125. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 قِيْلَ: بَلَغَ الرَّشِيْدَ أَنَّ هَذَا فِي عَزْمِ الوُثُوبِ عَلَى الخِلاَفَةِ، فَقَلِقَ، ثُمَّ حَبَسَهُ، ثُمَّ لاَحَ لَهُ بَرَاءتُهُ، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ (1) . وَكَانَ فَصِيْحاً، بَلِيْغاً، شَرِيْفَ الأَخْلاَقِ، مَهِيْباً، شُجَاعاً، سَائِساً. قِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ قَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَقُودٌ. قَالَ: إِنْ كَانَ الحِقدُ بَقَاءَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِنَّهُمَا لَبَاقِيَانِ فِي قَلْبِي. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً احْتَجَّ لِلْحقدِ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا. قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ أَفصَحَ النَّاسِ وَأَخطَبَهُم، لَمْ يَكُنْ فِي دَهْرِهِ مِثْلُهُ فِي فَصَاحْتِهِ، وَصِيَانَتِهِ، وَجَلاَلتِهِ، وَلَهُ شِعرٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ المَلِكِ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ مَلِكَ الرُّوْمِ بِمَكِيدَةٍ، وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ بَنِي هَاشِمٍ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ نَسِيجَ وَحدِهِ أَدَباً، وَلِسَاناً، وُشِيَ بِهِ، وَتَتَابَعَتْ فِيْهِ الأَخْبَارُ، وَكَثُرَ حَاسِدُوْهُ، وَبَلَغَ الرَّشِيْدَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى عَزْمِ الخُرُوْجِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَا حَبَسَهُ إِلاَّ لَمَّا رَآهُ لَهُ نَظِيْراً فِي السُّؤْدُدِ. مَاتَ: بِالرَّقَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ سِيْرَتِهِ فِي تَرْجَمَةِ البَرْمَكِيِّ. وَهُوَ أَخُو الأَمِيْرِ أَبِي العَبَّاسِ الفَضْلِ بنِ صَالِحٍ، نَائِبِ دِمَشْقَ ثُمَّ مِصْرَ لِلْمَهْدِيِّ، وَهُوَ الَّذِي عَمِلَ أَبْوَابَ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَقُبَّةَ المَالِ بِالجَامِعِ، فَكَانَ الأَكْبَرَ. مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.   (1) انظر خبر غضب الرشيد عليه في " تاريخ الطبري " 8 / 302، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 257. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 وَمَاتَ أَخُوْهُمَا نَائِبُ مِصْرَ، ثُمَّ نَائِبُ حَلَبَ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ، وَهُوَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحٍ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِحَلبَ. وَكَانَ أَدِيْباً، شَاعِراً، مُتَفَلْسِفاً، عَوَّاداً، ذَا كَرَمٍ، وَشَجَاعَةٍ. وَأَخُوْهُم عَبْدُ اللهِ، أَمِيْرُ الثُّغُوْرِ. 63 - عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبِ بنِ مُسْلِمٍ الفِهْرِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع) الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الفِهْرِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، الحَافِظُ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. أَرَّخَهُ ابْنُ يُوْنُسَ، وَقَالَ: قِيْلَ: وَلاَؤُهُ لِلأَنْصَارِ. طَلَبَ العِلمَ وَلَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. رَوَى عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَحُيَيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ المَعَافِرِيِّ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ، وَأَبِي صَخْرٍ حُمَيْدِ بنِ زِيَادٍ، وَمُوْسَى بنِ أَيُّوْبَ الغَافِقِيِّ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ   (*) التاريخ لابن معين: 336، طبقات ابن سعد 7 / 518، تاريخ خليفة: 197، طبقات خليفة ت 2805، التاريخ الكبير 5 / 218، الجرح والتعديل 5 / 189 - 190، الكامل لابن عدي: 437 - 438، ترتيب المدارك 2 / 421، تهذيب الكمال: 753، تذهيب التهذيب 2 / 194 / 1، العبر 1 / 322، ميزان الاعتدال: 2 / 521، الكاشف 2 / 141، دول الإسلام 1 / 124، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 463، تهذيب التهذيب 6 / 71، النجوم الزاهرة 2 / 155، طبقات الحفاظ: 126، خلاصة تذهيب الكمال: 218، شذرات الذهب 1 / 347. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 سَمْعَانَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَحَرْملَةَ بنِ عِمْرَانَ، وَسَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ المَدَنِيِّ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَيَّاشٍ القِتْبَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ الإِفْرِيْقِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. لَقِيَ بَعْضَ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِنْ كُنُوْزِ العَمَلِ. ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِ (العِلْمِ) لَهُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ أَوَّلُ أَمْرِي فِي العِبَادَةِ قَبْلَ طَلَبِ العِلْمِ، فَوَلِعَ بِيَ الشَّيْطَانُ فِي ذِكْرِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَيْفَ خَلَقَهُ اللهُ -تَعَالَى- وَنَحْوِ هَذَا، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى شَيْخٍ، فَقَالَ لِي: ابْنَ وَهْبٍ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اطْلُبِ العِلْمَ. فَكَانَ سَبَبَ طَلَبِي العِلْمَ. قُلْتُ: مَعَ أَنَّهُ طَلَبَ العِلمَ فِي الحَدَاثَةِ، نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُ خَلقٌ كَثِيْرٌ، وَانتَشَرَ عِلْمُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ. رَوَى عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ - شَيْخُه - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى التُّسْتَرِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَعَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ عَالِمُ المَغْرِبِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَعِيْسَى بنُ مَثْرُوْدٍ الغَافِقِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ، وَغَيْرُهُم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَدْ عَمِيَ، وَقَطَعَ الحَدِيْثَ، وَرَأَيْتُ هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ جَالِساً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: آخُذُ عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ، ثُمَّ أَصِيْرُ إِلَى هِشَامٍ. فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُمْتُ إِلَى مَنْزِلِ هِشَامٍ، فَقَالُوا: قَدْ نَامَ. فَقُلْتُ: أَحُجُّ، وَأَرْجِعُ. فَرَجَعتُ، فَوَجَدتُهُ قَدْ مَاتَ (1) . كَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِنَّمَا مَاتَ هِشَامٌ بِبَغْدَادَ، فَلَعَلَّهُ سَارَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: لَوْ مَاتَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، لَضُرِبَتْ إِلَى ابْنِ وَهْبٍ أَكْبَادُ الإِبِلِ، مَا دَوَّنَ العِلْمَ أَحَدٌ تَدْوِينَهُ (2) . وَرَوَى: يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وِهْبٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي نَافِعُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: نَظَرْتُ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ لابْنِ وَهْبٍ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ لَهُ حَدِيْثاً لاَ أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: ابْنُ وَهْبٍ أَفْقَهُ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ (3) . قُلْتُ: (مُوَطَّأُ ابْنِ وَهْبٍ) كَبِيْرٌ، لَمْ أَرَهُ، وَلَهُ كِتَابُ (الجَامِعِ) ، وَكِتَابُ (البَيْعَةِ) ، وَكِتَابُ (المَنَاسِكِ) ، وَكِتَابُ (المَغَازِي) ، وَكِتَابُ (الرِّدَّةِ) ، وَكِتَابُ (تَفْسِيْرِ غَرِيْبِ المُوَطَّأِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الحَافِظُ: حَدَّثَ ابْنُ وَهْبٍ بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْهُ، وَقَعَ عِنْدَنَا سَبْعُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ عَنْهُ (4) . قُلْتُ: كَيْفَ لاَ يَكُوْنُ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَقَدْ ضَمَّ إِلَى عِلْمِهِ عِلْمَ   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 427. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 425. (3) " الانتقاء " لابن عبد البر: 49. (4) " الانتقاء ": 49. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَغَيْرِهِم؟! قَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ يُعَظِّمُ ابْنَ وَهْبٍ، وَيَقُوْلُ: مَسَائِلُهُ عَنْ مَالِكٍ صَحِيْحَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ صَدُوْقٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ (2)) : هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ، لاَ أَعْلَمُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ يَفصِلُ السَّمَاعَ مِنَ العَرْضِ، مَا أَصَحَّ حَدِيْثَهُ وَأَثْبَتَه! وَقَدْ كَانَ يُسِيءُ الأَخْذَ، لَكِنْ مَا رَوَاهُ أَوْ حَدَّثَ بِهِ، وَجَدتُهُ صَحِيْحاً (3) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (4) . قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ كِتَابُ (أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ) - تَأْلِيْفُهُ - فَخَرَّ مَغْشِيّاً. قَالَ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (5) -. وَعَنْ سُحْنُوْنَ الفَقِيْهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ وَهْبٍ قَدْ قَسَمَ دَهْرَهُ أَثْلاَثاً، ثُلُثاً فِي الرِّبَاطِ، وَثُلُثاً يُعَلِّمُ النَّاسَ بِمِصْرَ، وَثُلُثاً فِي الحَجِّ، وَذُكِرَ أَنَّهُ حَجَّ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ حَجَّةً.   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 190. (2) ص 437، وقال المؤلف في " الميزان " 2 / 521، تناكد ابن عدي بإيراده في " الكامل ". (3) " الانتقاء " لابن عبد البر 48، 49. (4) تاريخ يحيى بن معين 336. (5) " الانتقاء " لابن عبد البر: 49. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَعَوْتُ يُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسِي. وَبَلَغَنَا أَنَّ مَالِكاً الإِمَامَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ: إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا مَعَ غَيْرِهِ (1) . وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ القَاسِمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: ابْنُ وَهْبٍ عَالِمٌ، وَابْنُ القَاسِمِ فَقِيْهٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمَذَانِيُّ: دَخَلَ ابْنُ وَهْبٍ الحَمَّامَ، فَسَمِعَ قَارِئاً يَقْرَأُ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّوْنَ فِي النَّارِ} [المُؤْمِنُ: 47] ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ بنُ أَبِي الغَمْرِ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ وَهْبٍ: دِيْوَانَ العِلْمِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ: نَظَرْتُ لابْنِ وَهْبٍ فِي نَحْوِ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (2) . قُلْتُ: هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: جَدُّ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، هُوَ مُسْلِمٌ، مَوْلَى رَيْحَانَةَ؛ مَوْلاَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أُنَيْسٍ الفِهْرِيِّ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَحْشَلٌ: طَلَبَ عَبَّادُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَمِيْرُ عَمِّيَ لِيُوَلِّيَهُ القَضَاءَ، فَتَغَيَّبَ عَمِّي، فَهَدَمَ عَبَّادٌ بَعْضَ دَارِنَا، فَقَالَ الصَّبَّاحِيُّ لِعَبَّادٍ: مَتَى طَمِعَ هَذَا الكَذَا وَكَذَا أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمِّي، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالعَمَى. قَالَ: فَعَمِيَ الصَّبَّاحِيُّ بَعْدَ جُمُعَةٍ.   (1) " الانتقاء ": 49. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 190. (3) " الانتقاء " 48. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 قَالَ حَجَّاجُ بنُ رِشْدِيْنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ يَتَذَمَّرُ وَيَصِيْحُ، فَأَشرَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ غُرْفَتِي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ! بَيْنَمَا أَنَا أَرْجُو أَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ العُلَمَاءِ، أُحشَرُ فِي زُمْرَةِ القُضَاةِ. قَالَ: فَتَغَيَّبَ فِي يَوْمِهِ، فَطَلبُوْهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: نَذَرتُ أَنِّي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إِنْسَاناً أَنْ أَصُوْمَ يَوْماً، فَأَجْهَدَنِي، فَكُنْتُ أَغْتَابُ وَأَصُوْمُ، فَنَوَيْتُ أَنِّي كُلَمَّا اغْتَبتُ إِنْسَاناً، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، فَمِنْ حُبِّ الدَّرَاهِمِ تَرَكتُ الغِيْبَةَ (1) . قُلْتُ: هَكَذَا -وَاللهِ- كَانَ العُلَمَاءُ، وَهَذَا هُوَ ثَمَرَةُ العِلْمِ النَّافِعِ، وَعَبْدُ اللهِ حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وَحَدِيْثُهُ كَثِيْرٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَحَسْبُكَ بِالنَّسَائِيِّ وَتَعَنُّتِهِ فِي النَّقْدِ حَيْثُ يَقُوْلُ: وَابْنُ وَهْبٍ ثِقَةٌ، مَا أَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ حَدِيْثاً مُنْكَراً. قُلْتُ: أَكْثَرَ فِي تَوَالِيْفِهِ مِنَ المَقَاطِيْعِ وَالمُعْضَلاَتِ، وَأَكْثَرَ عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ وَبَابتِهِ، وَقَدْ تَمَعْقَلَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ فِي أَخذِهِ لِلْحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَرَخَّصُ فِي الأَخذِ، وَسَوَاءٌ تَرَخَّصَ وَرَأَى ذَلِكَ سَائِغاً، أَوْ تَشَدَّدَ، فَمَنْ يَرْوِي مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَيَنْدُرُ المُنْكَرُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الإِتْقَانِ. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَمْرٍو: جَاءنَا نَعْيُ ابْنِ وَهْبٍ، وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، أُصِيْبَ بِهِ المُسْلِمُوْنَ عَامَّةً، وَأُصِبْتُ بِهِ خَاصَّةً (2) .   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 431. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 423. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ وَهْبٍ لَهُ دُنْيَا وَثَرْوَةٌ، فَكَانَ يَصِلُ سُفْيَانَ، وَيَبَرُّهُ، فَلِهَذَا يَقُوْلُ: أُصِبْتُ بِهِ خَاصَّةً. قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: كَانُوا أَرَادُوا ابْنَ وَهْبٍ عَلَى القَضَاءِ، فَتَغَيَّبَ. قَالَ: وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ وَقعَ لَنَا جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي (الخِلَعِيَّاتِ (1)) ، وَفِي (الثَّقَفِيَّاتِ (2)) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ العُتْبِيَّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي سُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ فِي النَّومِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ فَقَالَ: وَجَدتُ عِنْدَهُ مَا أُحِبُّ. قَالَ لَهُ: فَأَيَّ أَعْمَالِكَ وَجَدتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: تِلاَوَةُ القُرْآنِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَالمَسَائِلُ؟ فَكَانَ يُشِيْرُ بِأُصْبُعِهِ يُلَشِّيْهَا (3) . قَالَ: فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَيَقُوْلُ لِي: هُوَ فِي عِلِّيِّيْنَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ   (1) هي عشرون جزءا للقاضي أبي الحسين علي بن الحسن المصري الشافعي المعروف بالخلعي، لأنه كان يبيع الخلع لاولاد الملوك. الموصلي الدار المتوفى بمصر سنة 492، " العبر " 3 / 334. (2) نسبة إلى أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي الأصبهاني الحافظ المتوفى سنة 489، وهي في عشرة أجزاء. (3) أي: كأنها لا شيء، فقد تلاشت وذهبت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ الخَوْلاَنِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُم أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - وَهَذَا لَفظُ أَحْمَدَ - أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ سَيْفٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا يَوْمٌ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبِيْداً مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) . زَادَ فِيْهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ: (وَإِنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ (1)) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عَنْ سَلْمَانَ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِيْمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجَدَ الحَرَامَ، وَصَلاَةُ الجَمَاعَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ دَرَجَةً عَلَى صَلاَةِ الفَذِّ) (2) .   (1) أخرجه مسلم (1348) في الحج: باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، والنسائي 5 / 251، 252 في الحج: باب ما ذكر في يوم عرفة من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 485 من طريق عبد الملك بن عمرو، عن أفلح بن حميد بهذا الإسناد، ولفظه: " صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة الجميع تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ". وأخرج القسم الأول منه مالك 1 / 201 في الصلاة: باب ما جاء في مسجد النبي من طريقين، عن سلمان الاغر، عن أبي هريرة، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 3 / 54 في = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 رَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، سَمِعَ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! الَّذِي عَرَضَ عَلَيْكَ فُلاَنٌ أَمْسِ، أَجِزْهَا لِي. قَالَ: نَعَمْ (1) . قُلْتُ: هَذَا الفِعلُ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ، وَإِنَّ الرِّوَايَةَ سَائِغَةٌ بِهِ، وَبِهِ يَقُوْلُ: الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَرَوَى: ابْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ، وَعِنْدَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ ابْنُ وَهْبٍ بِجُزْءٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أُحَدِّثُ بِمَا فِيْهِ عَنْكَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ: يَا شَيْخُ! هَذَا وَالرِّيْحُ سَوَاءٌ، ادْفَعِ الجُزءَ إِلَيْهِ حَتَّى نَنظُرَ فِي حَدِيْثِهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ الدَّوْرَقِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ وَهْبٍ لَيْسَ بِذَاكَ فِي ابْنِ جُرَيْجٍ، كَانَ يُسْتَصْغَرُ. وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ سَمِعَ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَادِيْثَ ابْنِ جُرَيْجٍ. فَمِنْ غَرَائِبِهِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلاً   = التطوع: باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، وأخرجه مسلم (1394) من طريقين عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الاغر، عن أبي هريرة. والقسم الأخير منه أخرجه أحمد 2 / 475، ومسلم (649) (247) من طريق أفلح بن حميد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن سلمان الاغر، عن أبي هريرة، وأخرجه مالك 1 / 149، 150 من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ومن طريقه مسلم (649) . وأخرجه البخاري 2 / 112، 114 من طريق عبد الواحد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند البخاري 2 / 110، 112، وعن ابن مسعود عند أحمد 1 / 437 وابن خزيمة (1470) ، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجة (790) والحاكم، وعن ابن عمر عند مالك 1 / 148، والبخاري 2 / 109، ومسلم (650) ، وابن خزيمة (1471) . (1) تاريخ يحيى بن معين: 336. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجُلِدَ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَرَجَمَهُ. لَكِنَّ هَذَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ: أَبُو عَاصِمٍ. وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اكْتُبْ لِي أَحَادِيْثَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ. فَكَتَبْتُ لَهُ مائَتَيْنِ، وَحَدَّثْتُهُ بِهَا. عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ شَيْخاً، فَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَفَّظُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ. يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَطَلَبْتُ العِلْمَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَدَعَوْتُ يُوْنُسَ يَوْمَ عُرْسِي. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، عَنِ العُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي اليَدِيْنَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ (2) .   (1) رقم (4438) في الحدود: باب رجم ماعز بن مالك من طريق ابن وهب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، وأخرجه أيضا (4439) من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا زنى بامرأة، فلم يعلم بإحصانه، فجلد، ثم علم بإحصانه، فرجم. وابن جريج وأبو الزبير مدلسان، وقد عنعنا، فالسند ضعيف، ولم أجده في المطبوع من سنن النسائي اختصار ابن السني، فلعله في الكبرى. (2) إسناده ضعيف لضعف العمري، واسمه عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وأورده الهيثمي في " المجمع " 2 / 153، ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " وأعله بالعمري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، كُلُّهُ سِوَى حَدِيْثَينِ عِنْدَ حَرْمَلَةَ. قُلْتُ: وَمَعَ هَذِهِ الكَثْرَةِ، فَيَعْتَرِفُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنْهُ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا أَصَحَّ حَدِيْثَ ابْنِ وَهْبٍ وَأَثْبَتَه! يُفَصِّلُ السَّمَاعَ مِنَ العَرْضِ، وَالحَدِيْثَ مِنَ الحَدِيْثِ. فَقِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ كَانَ سَيِّئَ الأَخْذِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ إِذَا نَظَرتَ فِي حَدِيْثِهِ، وَمَا رَوَى عَنْ مَشَايِخِه، وَجَدتَه صَحِيْحاً - مَرَّ هَذَا مُخْتَصَراً -. وَعَنِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنٍ، قَالَ: شَهِدتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ، فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَسَأَلَ ابْنَ وَهْبٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا شَيْخُ أَهْلِ مِصْرَ، يُخْبِرُ عَنْ مَالِكٍ بِكَذَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: ابْنُ وَهْبٍ هُوَ الَّذِي عُنِيَ بِجمعِ مَا رَوَى أَهْلُ الحِجَازِ، وَأَهْلُ مِصْرَ، وَحَفِظَ عَلَيْهِم حَدِيْثَهُم، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَكَانَ مِنَ العُبَّادِ. قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: عُرِضَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ القَضَاءُ، فَجَنَّنَ نَفْسَهُ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ. ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَسُئِلَ عَنْ تَخْلِيْلِ الأَصَابِعِ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ، فَتَرَكْتُ حَتَّى خَفَّ المَجْلِسُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ سُنَّةً: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 تَوَضَّأْتَ خَلِّلْ أَصَابعَ رِجْلَيْكَ (1)) . فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْأَلُ عَنْهُ، فَيَأْمُرُ بِتَخْلِيْلِ الأَصَابِعِ، وَقَالَ لِي: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا الحَدِيْثِ قَطُّ إِلَى الآنَ. سَمِعنَاهُ فِي (إِرْشَادِ) الخَلِيْلِيِّ: حَدَّثَنِي جَدِّي، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَصَالِحُ بنُ عِيْسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. 64 - مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرِ بنِ أُنَيْسٍ القُضَاعِيُّ * (خَ، س، ق) المُحَدِّثُ، العَالِمُ، شَيْخُ حِمْصَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ الحَمِيْدِ القُضَاعِيُّ، ثُمَّ السَّلِيْحِيُّ. وَسَلِيْحٌ: بَطْنٌ مِنْ قُضَاعَةَ. رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَثَابِتِ بنِ عَجلاَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَمْرِو بنِ قَيْسٍ السَّكُوْنِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.   (1) رجاله ثقات، وفي أحمد بن أخي ابن وهب - وهو أحمد بن عبد الرحمن - كلام لا يضر، وأورده البيهقي في " سننه "، 1 / 76، 77 من طريق ابن أبي حاتم، عن أحمد بن أخي ابن وهب، عن عمه عبد الله، عن الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن المستورد بن شداد. وفي الباب ما يقويه، عن لقيط بن صبرة عند أبي داود (142) ، و (143) ، وأحمد 4 / 33، والنسائي 1 / 66، وابن ماجة (407) ، بلفظ: " أسبغ الوضوء، وخلل بين الاصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " وصححه ابن خزيمة (150) وابن حبان (159) ، والحاكم 1 / 147، 148، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا، وعن المستورد بن شداد عند أحمد 4 / 229، وأبي داود (148) ، وابن ماجة (446) ، والبيهقي 1 / 76 بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره " وهو صحيح، وعن ابن عباس عند الترمذي (39) ، وابن ماجة (447) ، بلفظ الترمذي: " إذا توضأت، فخلل بين أصابع يديك ورجليك " وحسنه هو والبخاري وغيرهما. (*) التاريخ الصغير 2 / 288، التاريخ الكبير 1 / 68، المعرفة والتاريخ 2 / 309، الجرح والتعديل 7 / 239، تهذيب الكمال لوحة 1190، تذهيب التهذيب 3 / 199 / 1، العبر 1 / 334، الكاشف 3 / 36، تهذيب التهذيب 9 / 134، مقدمة الفتح: 438. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَخَطَّابُ بنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ لَهِيْعَةَ، وَمَاتَ ابْنُ لَهِيْعَةَ قَبْلَ الحِجَازِيِّ بِبِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَدُحَيْمٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَبَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (1) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (2) . قُلْتُ: مَا هُوَ بِذَاكَ الحُجَّةِ، حَدِيْثُهُ يُعَدُّ فِي الحِسَانِ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِأَحَادِيْثَ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيْحِهِ) لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوْبَةٍ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ أَنْ يَمُوْتَ (3)) . تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ مائَتَيْنِ.   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 240. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 309. (3) محمد بن حمير وصفه الحافظ في " التقريب " بقوله: صدوق، فمثله يكون حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه النسائي في " السنن الكبير " كما في " زاد المعاد " من طريق الحسين بن بشر، عن محمد بن حمير بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (7532) من طريق عن محمد بن حمير بهذا الإسناد، وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " 2 / 453، وقال: رواه النسائي، والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري، وابن حبان في كتاب الصلاة، وصححه، وزاد الطبراني في بعض طرقه " وقل هو الله أحد " وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضا، وقال الهيثمي في " المجمع " 10 / 102: رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " بأسانيد وأحدها جيد، وفي الباب عن المغيرة بن شعبة عند أبي نعيم في " الحلية " 2 / 221، وسنده حسن، وعن الحسن بن علي عند الطبراني في " الكبير "، وحسنه المنذري، والهيثمي 2 / 148. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 65 - مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ * (س) الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، شَيْخُ الثَّغْرِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ المَصِّيْصِيُّ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَعَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَأَبُو صَالِحٍ مَحْبُوْبٌ الفَرَّاءُ، وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، عَاقِلٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَعقَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. رُوِيَ أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ لَهُ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ؟ قَالَ: هُوَ وَالِدُ إِخْوَتِي -يَعْنِي: مَا قَالَ: زَوْجُ أُمِّي-. قَالَ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ: سَمِعْتُ مَخْلَدَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: مَا نَدَبَ اللهُ العِبَادَ إِلَى شَيْءٍ، إِلاَّ اعْتَرَضَ فِيْهِ إِبْلِيْسُ بِأَمْرَيْنِ، مَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفِرَ: إِمَّا غُلُوٌّ فِيْهِ، وَإِمَّا تَقَصِيْرٌ عَنْهُ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ مَخْلَدٌ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ شَيْءٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 489، طبقات خليفة ت 3055، المعرفة والتاريخ 1 / 181، الجرح والتعديل 8 / 347، حلية الأولياء 8 / 266، تهذيب الكمال: 1311، تذهيب التهذيب 4 / 28 / 1، العبر 1 / 308، الكاشف 3 / 127، تهذيب التهذيب 10 / 72، خلاصة تذهيب الكمال: 371 شذرات الذهب 1 / 329 وفيه (مجالد) وهو تصحيف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 66 - مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) أَحَدُ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قُلْتُ: مُحتَجٌّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 67 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ ** (ع) هُوَ الإِمَامُ الأَنبَلُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ الصَّلْتِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيُّ، البَصْرِيُّ. وَالحَكَمُ: هُوَ أَخُو الأَمِيْرِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.   (*) التاريخ لابن معين: 554، التاريخ الكبير 7 / 437، المعارف: 591، الجرح والتعديل 7 / 347، تهذيب الكمال: 1312، تذهيب التهذيب 4 / 28 / 2، العبر 1 / 311، الكاشف / 3 / 128، تهذيب التهذيب 10 / 77، خلاصة تذهيب الكمال 372، شذرات الذهب 1 / 333، وفيه (مجالد) وهو تصحيف. (* *) التاريخ لابن معين: 378، طبقات ابن سعد 7 / 289، تاريخ خليفة: 466، طبقات خليفة ت 1905، التاريخ الكبير 6 / 97، التاريخ الصغير 2 / 272، المعارف: 514، الضعفاء للعقيلي لوحة 256، الجرح والتعديل 9 / 71، مشاهير علماء الأمصار ت 1269، تاريخ بغداد 11 / 18، تهذيب الكمال: لوحة 872، تذهيب التهذيب 2 / 259 / 2، العبر 1 / 314، تذكرة الحفاظ 1 / 321، ميزان الاعتدال 2 / 680، الكاشف 2 / 221، دول الإسلام 1 / 123، تهذيب التهذيب 6 / 449، طبقات الحفاظ: 133، خلاصة تذهيب الكمال: 248، شذرات الذهب 1 / 340. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ - قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ -. أَوْ سَنَةَ عَشْرٍ - قَالَهُ: الفَلاَّسُ -. حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ، وَحُمَيْدٍ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَالحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَوْفٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَالفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَخَلْقٌ. قَالَ الحَارِثُ النَّقَّالُ: عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: أَرْبَعَةٌ أَمرُهُم فِي الحَدِيْثِ وَاحِدٌ: جَرِيْرٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى السَّامِيُّ، كَانُوا يُحَدِّثُونَ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، وَيَحْفَظُونَ ذَلِكَ الحِفْظَ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، اخْتُلِطَ بِأَخَرَةٍ (2) . وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ العَمِّيُّ: اخْتُلِطَ عَبْدُ الوَهَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، أَوْ أَرْبَعٍ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا كِتَابٌ عَنْ يَحْيَى أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَكُلُّ كِتَابٍ عَنْ يَحْيَى، فَهُوَ عَلَيْهِ كَلٌّ -يَعْنِي: كِتَابَ عَبْدِ الوَهَّابِ-.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 19. (2) " التاريخ " لابن معين: 378. (3) " المعرفة والتاريخ " 1 / 650. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ بِحُلْوَانَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ عِصْمَةَ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ العَبَّاسِ الهَرَوِيَّ، سَمِعْتُ عَاصِماً المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَتْ غَلَّةُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا بَيْنَ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً إِلَى خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَكَانَ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ السَّنَةَ، لَمْ يُبْقِ مِنْهَا شَيْئاً، كَانَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْثِ (1) . وَبِهِ إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ الصَّيْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا المَرْزُبَانِيُّ، أَخْبَرَنِي الصُّوْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ، حَدَّثَنَا الجَاحِظُ، قَالَ: قَالَ النَّظَّامُ - وَذَكَرَ عَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ - فَقَالَ: هُوَ -وَاللهِ- أَحلَى مِنْ أَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَبُرْءٍ بَعْدَ سُقْمٍ، وَخِصْبٍ بَعْدَ جَدْبٍ، وَغِنَىً بَعْدَ فَقْرٍ، وَمِنْ طَاعَةِ المَحْبُوْبِ، وَفَرَجِ المَكْرُوْبِ، وَمِنَ الوِصَالِ الدَّائِمِ مَعَ الشَّبَابِ النَّاعِمِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وَفِيْهِ ضَعْفٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَغَيَّرَ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. قُلْتُ: لَكِنْ مَا ضَرَّهُ تَغَيُّرُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ زَمَنَ التَّغَيُّرِ بِشَيْءٍ.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 20. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 19. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 289. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الذَّارِعُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: تَغَيَّرَ جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، فَحُجِبَ النَّاسُ عَنْهُم. وَمِنْ أَفرَادِ عَبْدِ الوَهَّابِ: حَدِيْثُهُ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (قَضَى بِالِيمِيْنِ وَالشَّاهِدِ) . رَوَاهُ: مَالِكٌ، وَالقَطَّانُ، وَالنَّاسُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيْهِ مُرْسَلاً (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ (ح) . وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَةَ، قَالَ هُوَ وَعَاصِمٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ! أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ   (1) أخرجه مرفوعا ابن ماجة (2369) ، وأحمد 3 / 305، والترمذي (1344) في الاحكام: باب ما جاء في اليمين والشاهد، من طريق عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد، وأخرجه مرسلا مالك 2 / 711 في الاقضية: باب القضاء باليمين والشاهد، والترمذي (1345) . وفي الباب ما يقويه، فقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (1712) ، وأبو داود (3608) ، وأحمد 1 / 315 من حديث ابن عباس، وأخرجه أبو داود (3610) ، والترمذي (1343) ، وابن ماجة (2368) من حديث أبي هريرة، وحسنه الترمذي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 بِاللهِ) (1) . 68 - أَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ أَبُو بَكْرٍ الكُوْفِيُّ (خَ، ت) المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ الكُوْفِيُّ، مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ المَخْزُوْمِيِّ. وَيُقَالُ: مِنْ مَوَالِي هَمْدَانَ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُجَالدٍ، وَشَبِيْبِ بنِ بِشْرٍ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَابْنُ عَرَفَةَ، وَسَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُقَيِّنُ، وَلَيْسَ بِحَدِيْثِهِ بَأْسٌ (2) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: مَوْصُوْفٌ بِالصِّدْقِ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ صَدُوْقاً، حَسَنَ المَعْرِفَةِ بِأَيَّامِ النَّاسِ، حَسَنَ   (1) عبد الوهاب ثقة، ولا يضر تغيره قبل موته بثلاث سنين، فإن أهله قد حجبوه عن الرواية، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه من طرق، عن أبي عثمان النهدي - واسمه عبد الرحمن بن مل - عن أبي موسى الأشعري: البخاري 11 / 159 في الدعوات: باب الدعاء إذا علا عقبة، وباب قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي القدر: باب لا حول ولا قوة إلا بالله، ومسلم (2704) في الذكر والدعاء: باب استحباب خفض الصوت بالذكر، وأبو داود (1526) و (1527) و (1528) في الصلاة: باب في الاستغفار، والترمذي (3457) في الدعوات: باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل. (*) التاريخ لابن معين: 19، طبقات ابن سعد 6 / 396، التاريخ الكبير 2 / 1، الجرح والتعديل 2 / 42، تاريخ بغداد 4 / 46، تهذيب الكمال: 18، تذهيب التهذيب 1 / 18 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 85، الكاشف 1 / 53، تهذيب التهذيب 1 / 18، خلاصة تذهيب الكمال: 4. (2) " تاريخ ابن معين ": 19، ويقين: من التقيين وهو التزيين، فيحتمل أنه كان يزين الرجال، أي: يصلح شعورهم، أو أنه كان يقين القيان، أي: يؤدبهن ويروضهن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 الفَهْمِ، رَأْساً فِي الشُّعُوْبِيَّةِ (1) ، يُخَاصمُ فِيْهَا، فَاتَّضَعَ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ القوِيِّ (4) . وَلَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: ثِقَةٌ، مُكْثرٌ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 69 - عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيُّ القُرَشِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، البَصْرِيُّ.   (1) الشعوبية نزعة تميل إلى الحط من شأن العرب، وتفضيل غيرهم من الأمم عليهم، قال في " اللسان " والشعوبي: هو الذي يصغر شأن العرب، ولا يرى لهم فضلا على غيرهم: يقول ابن قتيبة - وهو من مسلمي الموالي الذين يعرفون للعرب المسلمين فضلهم -: إن الذين اعتنقوا الشعوبية هم سفلة الناس وغوغاؤهم، فيقول في كتابه الذي ألفه في الرد عليهم، وقد نشر القسم الموجود منه في كتاب " رسائل البلغاء " للاستاذ محمد كرد علي ص 270: ولم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة، ولا أشد نصبا للعرب من السفلة والحشوة، وأوباش النبط، وأبناء أكرة القرى. وانظر لمزيد من التوسع في هذا كتاب: " بلوغ الارب " للآلوسي 1 / 159، 184. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 48. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 42. (4) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " 383: وأما تضعيفه له، فمشعر بأنه غير حافظ، وقواه ابن معين، وأبو زرعة، وغيرهما، أخرج له البخاري حديثا واحدا تابعه عليه مروان بن معاوية، وأبو أسامة، وهو في كتاب الطب. (*) التاريخ لابن معين: 339، طبقات ابن سعد 7 / 290، تاريخ خليفة: 458، طبقات خليفة: ت 1906، التاريخ الكبير 6 / 73، التاريخ الصغير 2 / 246، المعرفة والتاريخ 1 / 180، الضعفاء للعقيلي لوحة 252، الجرح والتعديل 6 / 28، مشاهير علماء الأمصار: ت = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَطَبَقَتِهِم، وَمَنْ بَعْدَهُم. رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عَيَّاشُ بنُ الوَلِيْدِ الرَّقَّامُ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو هَمَّامٍ -يَعْنِي: أَنَّ لَهُ كُنْيَتَيْنِ-. وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ صَدُوْقٌ، قَوِيُّ الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ رُمِيَ بِالقَدَرِ، فَاللهُ أَعْلَمُ. تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ بُنْدَارُ: وَاللهِ مَا كَانَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى يَدْرِي أَيَّ طَرَفَيْهِ أَطوَلَ، أَوْ أَيَّ رِجْلَيْهِ أَطوَلَ. قُلْتُ: تَقَرَّرَ الحَالُ أَنَّ حَدِيْثَهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيْحِ، نَعَمْ، مَا هُوَ فِي القُوَّةِ فِي رُتْبَةِ يَحْيَى القَطَّانِ، وَغُنْدَرٍ.   = 1268، تهذيب الكمال: 760، تذهيب التهذيب 2 / 197 / 2، العبر 1 / 303، تذكرة الحفاظ 1 / 296، ميزان الاعتدال 2 / 531، الكاشف 2 / 146، تهذيب التهذيب 6 / 96، طبقات الحفاظ 123، خلاصة تذهيب الكمال: 220، شذرات الذهب 1 / 324. (1) نسبة إلى رقم الثياب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 70 - عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ أَبُو هِشَامٍ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو هِشَامٍ الهَمْدَانِيُّ، الخَارِفِيُّ (1) مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَمِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ. تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ عَوَالِيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ   (*) التاريخ لابن معين: 334، طبقات ابن سعد 6 / 394، تاريخ خليفة: 470، طبقات خليفة: ت 1329، التاريخ الكبير 5 / 216، التاريخ الصغير 2 / 286، الجرح والتعديل 5 / 186، مشاهير علماء الأمصار ت 1377، تهذيب الكمال: لوحة 749، تذهيب التهذيب 2 / 192 / 2، العبر 1 / 330، تذكرة الحفاظ 1 / 327، الكاشف 2 / 137، تهذيب التهذيب 6 / 57، النجوم الزاهرة 2 / 165، طبقات الحفاظ: 137، خلاصة تذهيب الكمال: 217، شذرات الذهب 1 / 357. (1) هذه النسبة إلى خارف بن عبد الله بن كثير بن مالك بن جشم، بطن من همدان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 الطَّاوُوْسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوْهَا بِالمَاءِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . 71 - يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرِ بنِ وَاصِلٍ الكُوْفِيُّ * (خت، 4، م) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، صَاحِبُ المَغَازِي وَالسِّيَرِ.   (1) أخرجه البخاري 6 / 238 في بدء الخلق: باب صفة النار من طريق مالك بن إسماعيل عن زهير بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن عائشة. و10 / 150 في الطب من طريق محمد بن المثنى عن يحيى، عن هشام به، وأخرجه مسلم (2210) في السلام من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة وأبي كريب، عن ابن نمير، عن عائشة، وأخرجه أحمد 6 / 50، وابن ماجة (3471) من طريق ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه الترمذي (2074) من طريق هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان، عن هشام به. وأخرجه مرسلا مالك في " الموطأ " 3 / 122 عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وكل رواة " الموطأ " أرسلوه إلا معن بن عيسى، فإنه أسنده عن عائشة. وفيح جهنم: حرها ووهجها، والخبر ورد مورد التشبيه، وقوله: " فأبردوها " المشهور في ضبطها بهمزة وصل وضم الراء، وحكي كسرها، يقال: بردت الحمى أبردها وزان قتلتها أقتلها، أي: أسكنت حرارتها. قال الشاعر: إذا وجدت أوار الحب في كبدي * أقبلت نحو سقاء الماء أبترد هبني بردت ببرد الماء ظاهره * فمن لنار على الاحشاء تتقد وحكى عياض رواية بهمزة قطع مفتوحة، وكسر الراء من أبرد الشئ: إذا عالجه فصيره باردا مثل: أسخنه: إذا صيره سخنا، وقد أشار إليها الخطابي، وقال الجوهري: إنها لغة رديئة. (*) التاريخ لابن معين: 687، طبقات ابن سعد 6 / 399، التاريخ الكبير 8 / 411، الضعفاء للعقيلي: 474، الجرح والتعديل 9 / 336، تهذيب الكمال: لوح 1565، تذهيب التهذيب 4 / 193 / 1، العبر 1 / 331، تذكرة الحفاظ 1 / 326، ميزان الاعتدال 4 / 477، الكاشف 3 / 303، تهذيب التهذيب 11 / 434، النجوم الزاهرة 2 / 165، طبقات الحفاظ: 137، خلاصة تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب 1 / 357. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 وَيُقَالُ لَهُ: أَبُو بُكَيْر. يُكْنَى: أَبَا بَكْرٍ الكُوْفِيَّ، الحَمَّالَ، وَالِدُ بَكْرٍ وَعَبْدِ اللهِ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَكَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، وَمَطَرِ بنِ مَيْمُوْنٍ المُحَارِبِيِّ، وَالنَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الخَزَّازِ، وَالسَّرِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَسْبَاطِ بنِ نَصْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحَزَوَّرِ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الحَرِيْرِ (1) ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي زَيْنَبَ، وَشُعْبَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: سَعْدُوَيْه، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى، وَعُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ صَدُوْقاً. وَرَوَى: مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ مَرَّةً عَنْهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ ثِقَةً، صَدُوْقاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى البَرْمَكِيِّ، وَكَانَ مُوْسِراً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُم يَرْمُوْنَهُ بِالزَّنْدَقَةِ لِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذِبٌ. ثُمَّ قَالَ   (1) ذكره في " التقريب " وقال: اسمه عبد ربه، وقيل: عبد الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 يَحْيَى: رَأَيْتُ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ أَتَيَاهُ، فَأَقْصَاهُمَا، وَسَأَلاَهُ كِتَاباً، فَلَمْ يُعْطِهِمَا، فَذَهبَا يَتَكَلَّمَانِ فِيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: بَكْرُ بنُ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ أَبُوْهُ عَلَى مَظَالِمِ جَعْفَرٍ، وَبَعْضُ النَّاسِ يُضَعِّفُوْنَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ: أَيَّ شَيْءٍ تُنْكِرُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي الحَدِيْثِ، فَلاَ أَعْلَمُهُ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّه الصِّدْقُ. وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حُجَّةً، يَأْخُذُ كَلاَمَ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَيُوصِلُهُ بِالأَحَادِيْثِ، سَمِعَ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالرَّيِّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ. وَقَوَّاهُ: ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ. وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ أَيْضاً: ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ مُرْجِئٌ يَتْبَعُ السُّلْطَانَ (2) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُتَثَبَّتَ فِي أَمْرِهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: قَالَ لِي يَحْيَى الحِمَّانِيُّ: لاَ أَسْتَحِلُّ الرِّوَايَةَ عَنْ يُوْنُسَ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 236. (2) " تاريخ يحيى بن معين " 687. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: ثِقَةٌ. وَقَدْ رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ فِي الشَّوَاهدِ، لاَ الأُصُوْلِ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ البَرَاءِ، عَنْ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! آخَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ (1) حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ (2) . مَاتَ يُوْنُسُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُقَيَّرِ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ قُمَيْرَةَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ البَاقِلاَّنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ الأَدَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي، تُرِيْدُ أَنْ تُسَمِّنَنِي بَعْضَ السِّمَنِ، لِتُدْخِلَنِي عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ، حَتَّى أَكَلتُ التَّمْرَ بِالقِثَّاءِ، فَسَمِنْتُ أَحْسَنَ مَا يَكُوْنُ مِنَ السِّمَنِ (3) .   (1) في الأصل: " من " والتصويب من " مجمع الزوائد " 9 / 275، و" الإصابة " 1 / 564. (2) رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 275، ونسبه لأبي يعلى، وقال: ورجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن صالح الأزدي وهو ثقة. (3) إسناده حسن، وأخرجه ابن ماجة (3324) في الاطعمة: باب القثاء والرطب يجمعان، من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، عن يونس بن بكير بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود (3903) في الطب: باب في السمنة من طريق محمد بن إسحاق عن هشام به، ونسبه المنذري للنسائي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 72 - عَلِيُّ بنُ عَاصِمِ بنِ صُهَيْبٍ التَّيْمِيُّ * (د، ت، ق) الإِمَامُ، العَالِمُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، مَوْلَى قَرِيْبَةَ؛ أُخْتِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الوَاسِطِيِّ. وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَسْنَانِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَى عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَيَحْيَى البَكَّاءِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَعُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ (1) ، وَزِيَادُ بنُ   (*) التاريخ لابن معين: 421، طبقات ابن سعد 7 / 313، تاريخ خليفة: 470، طبقات خليفة: ت 3191، التاريخ الكبير 6 / 290، التاريخ الصغير 2 / 295، الضعفاء الصغير: 82، المعارف: 516، الضعفاء والمتروكين: 77، الضعفاء للعقيلي: لوحة 298، الجرح والتعديل 6 / 198، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 113، الكامل لابن عدي 3 / 593، تهذيب الكمال: لوحة 978، تذهيب التهذيب 3 / 66 / 1، العبر 1 / 336، تذكرة الحفاظ 1 / 316، الكاشف 2 / 288، دول الإسلام، 1 / 126، ميزان الاعتدال 3 / 135، شرح علل الترمذي 2 / 786، تهذيب التهذيب 7 / 344، النجوم الزاهرة 2 / 170، طبقات الحفاظ: 131، خلاصة تذهيب الكمال: 275، شذرات الذهب 2 / 2. (1) بفتح النون والشين هذه النسبة إلى النشاء، وهو ما يستخرج من القمح، فارسي معرب. ومحمد بن حرب هذا ثقة من رجال التهذيب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ عِيْسَى المَرْوَزِيُّ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الوَشَّاءُ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ عَلَى اخْتِلاَفِ أَصْحَابِنَا فِيْهِ، مِنْهُم مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَثْرَةَ الخَطَأِ وَالغَلَطِ، وَمِنْهُم مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَمَادِيهِ فِي ذَلِكَ، وَتَرْكَهُ الرُّجُوْعَ عَمَّا خَالفَ فِيْهِ النَّاسَ، وَلَجَاجَتَهُ فِيْهِ، وَثَبَاتَهُ عَلَى الخَطَأِ، وَمِنْهُم مَنْ تَكَلَّمَ فِي سُوءِ حِفْظِهِ، وَاشتِبَاهِ الأَمْرِ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا حَدَّثَ بِهِ، مِنْ سُوءِ ضَبطِهِ، وَتَوَانِيْهِ عَنْ تَصَحِيْحِ مَا كَتَبَ الوَرَّاقُونَ لَهُ، وَمِنْهُم مَنْ قِصَّتُهُ عِنْدَهُ أَغلَظُ مِنْ هَذِهِ القَصَصِ، وَقَدْ كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالصَّلاَحِ، وَالخَيْرِ البَارِعِ، شَدِيْدَ التَّوَقِّي، وَلِلْحَدِيْثِ آفَاتٌ تُفْسِدُهُ (2) . حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا سَهْلٍ! مَا بَالُ صَاحِبِكُم؟ يَعْنِي: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ. قَالَ: لَيْسَ يُنكَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوْسِراً، وَكَانَ الوَرَّاقُونَ يَكتُبُونَ لَهُ، فَنُرَاهُ أُتِيَ مِنْ كُتُبِهِ (3) .   (1) نسبة إلى بيع الموشى، وهو نوع من الثياب المعمولة من الابريسم. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 446، 447. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 448. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ، قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ وَكِيْعٍ عَشِيَّةَ جُمُعَةٍ، وَمَعَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ، وَخَلَفٌ، فَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ خَلَفاً، فَقَالَ لَهُ: مَنْ بَقِيَ عِنْدَكُم؟ فَذَكَرَ شُيُوخاً، وَقَالَ: عِنْدَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ. فَقَالَ وَكِيْعٌ: مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالخَيْرِ. قَالَ خَلَفٌ: إِنَّهُ يَغلَطُ فِي أَحَادِيْثَ. قَالَ: دَعُوا الغَلَطَ، وَخُذُوا الصِّحَاحَ، فَإِنَّا مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالخَيْرِ (1) . قُلْتُ: كَانَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ أَكْبَرَ مِنْ وَكِيْعٍ بِنَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَسْوَدَ بنَ سَالِمٍ، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ وَكِيْعاً كَانَ يُقَدِّمُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَرفَعُ أَمرَهُ. فَقَالَ لِي أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: إِنَّمَا قَالَ وَكِيْعٌ - وَذَكَرَهُ يَوْماً -: لَوْ تُرِكَ مَا يَغلَطُ فِيْهِ، وَأَخَذُوا غَيْرَهُ، لَكَانَ (2) . قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنِي عَفَّانُ، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَبَهْزٌ وَاسِطَ، فَدَخَلْنَا عَلَى عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ قُلْنَا: مَنْ أَهْلِ البَصْرَةِ. فَقَالَ: مَنْ بَقِيَ؟ فَجَعَلْنَا نَذكُرُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَالمَشَايِخَ، فَلاَ نَذكُرُ لَهُ إِنْسَاناً إِلاَّ اسْتَصْغَرَهُ، فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ بَهْزٌ: مَا أَرَى هَذَا يُفْلِحُ. قَالَ الخَطِيْبُ: قَدْ كَانَ عَلِيٌّ مِنْ ذَوِي الأَمْوَالِ وَالاتِّسَاعِ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَزَلْ يُنْفِقُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَيُفْضِلُ عَلَى أَهْلِهِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً (3) . أَخْبَرْنَا ابْنُ عِلاَّنَ إِذْناً، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 449. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 448. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 447. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ المُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ المَرْوَانِيُّ، سَمِعْتُ زَنْجَوَيْه اللَّبَّادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ كَثِيْرٍ البَكْرِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَعْيَنَ بِالمَصِّيْصَةِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: دَفَعَ إِلَيَّ أَبِي مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذْهَبْ، فَلاَ أَرَى لَكَ وَجْهاً إِلاَّ بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ (1) . وَبِهِ إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ فَضَالَةَ بِالرَّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ بِبَلْخَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: أَعْطَانِي أَبِي مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَتَيْتُهُ بِمائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَكُنْتُ أُرْدِفُ هُشَيْماً خَلْفِي لِيَسْمَعَ مَعِيَ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ (2) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ: أَدْرَكتُ النَّاسَ وَالحَلْقَةُ لعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ بِوَاسِطَ. قِيْلَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهُ يَغْلَطُ. قَالَ: دَعُوْهُ وَغَلَطَهُ (3) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ وَكِيْعٌ - وَذُكِرَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ - فَقَالَ: خُذُوا حَدِيْثَهُ مَا صَحَّ، وَدَعُوا مَا غَلِطَ، أَوْ مَا أَخْطَأَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَانَ أَبِي يَحْتَجُّ بِهَذَا، وَيَقُوْلُ: كَانَ يَغلَطُ وَيُخْطِئُ، وَكَانَ فِيْهِ لَجَاجٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَماً بِالكَذِبِ (4) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَحْمَدُ - وَذُكِرَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ - فَقَالَ: أَمَّا أَنَا، فَأَخَذْتُ عَنْهُ، وَحُدِّثْنَا عَنْهُ.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 447. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 447، 448. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 448. (4) " العلل " 1 / 16 لأحمد، و" تاريخ بغداد " 11 / 448. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَذَكَرْتُ لَهُ خَطَأَه، فَقَالَ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ يُخْطِئُ - وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ بِيَدِهِ - خَطَأً كَثِيْراً، وَلَمْ نَرَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ بَأْساً (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: وَكَانَ يَسْتَصغِرُ النَّاسَ وَيَزْدَرِيهِم. قَالَ الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الخَضِرُ بنُ أَبَانٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ مِنْ وَاسِطَ أَنَا وَهُشَيْمٌ إِلَى الكُوْفَةِ؛ لِلُقِيِّ مَنْصُوْرٍ، فَلَمَّا خَرَجْتُ فَرَاسِخَ، لَقِيَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: أَسعَى فِي دَيْنٍ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: ارْجِعْ مَعِي، فَإِنَّ عِنْدِي أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، أُعْطِيْكَ مِنْهَا أَلْفَيْنِ. فَرَجَعتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ أَلفَينِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَدَخَلَ هُشَيْمٌ الكُوْفَةَ غَدَاةً، وَدَخَلْتُهَا العَشِيَّ، فَذَهَبَ، فَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، وَدَخَلْتُ أَنَا الحَمَّامَ، ثُمَّ أَصْبَحتُ، فَأَتَيْتُ بَابَ مَنْصُوْرٍ، فَإِذَا جِنَازَتَهُ، فَقَعَدْتُ أَبْكِي. فَقَالَ شَيْخٌ هُنَاكَ: يَا فَتَى! مَا يُبْكِيْكَ؟ قُلْتُ: قَدِمْتُ لأَسْمَعَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ، فَمَاتَ. قَالَ: فَأَدُلُّكَ عَلَى مَنْ شَهِدَ عُرْسَ أُمِّ ذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اكْتُبْ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ... فَجَعَلتُ أَكتُبُ شَهْراً، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى ابْنَ عَبَّاسٍ إِلاَّ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ يَجِيْءُ فَيُحَدِّثُنِي. قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ كَثِيْرَ الغَلَطِ، وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ، لَمْ يَرْجِعْ، وَكَانَ مَعْرُوْفاً فِي الحَدِيْثِ، وَيَرْوِي أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً، وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَهُ قَالَ لَهُ: هَبْ لِي مِنْ حَدِيْثِكَ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، فَأَبَى (2) .   (1) " شرح علل الترمذي " للحافظ ابن رجب. 1 / 113. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 453. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: آتَيتُهُ بوَاسِطَ، فَنَظَرْتُ فِي أَثْلاَثٍ كَثِيْرَةٍ، فَأَخْرَجْتُ مِنْهَا مائَتَيْ طَرَفٍ، فَذَهَبتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَ عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ فِي التَّمَتُّعِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا هَذَا عَنْ مُغِيْرَةَ رَأْيُ حَمَّادٍ. قَالَ: مَنْ حَدَّثَكُم؟ قُلْتُ: جَرِيْرٌ. قَالَ: ذَاكَ الصَّبِيُّ، لَقَدْ رَأَيْتُ ذَاكَ نَاعِساً، مَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ. قَالَ: وَمَرَّ شَيْءٌ آخَرُ، فَقُلْتُ: يُخَالِفُوْنَكَ. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَبُو عَوَانَةَ. فَصَاحَ، وَقَالَ: ذَاكَ العَبْدُ. وَمَرَّ بِشَيْءٍ، فَقُلْتُ: يُخَالفُوْنَكَ. فَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: وَمَنْ ذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ عُلَيَّةَ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ ذَاكَ يَطْلُبُ حَدِيْثاً قَطُّ، وَقَالَ لِشُعْبَةَ: ذَاكَ المِسْكِيْنُ، كُنْتُ أُكَلِّمُ لَهُ خَالِداً الحَذَّاءَ، فَيُحَدِّثُه. رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ (1) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ لَيْسَ عِنْدِي مِمَّنْ يَكْذِبُ، وَلَكِنْ يَهِمُ، هُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ، يَغلَطُ فِي أَحَادِيْثَ يَرْفَعُهَا، وَيَقْلِبُهَا، وَسَائِرُ حَدِيْثِهِ صَحِيْحٌ مُسْتقِيْمٌ (2) . قَالَ عَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ: حَضَرْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ وَهُم يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى سَمِعْتُ مِنْ فُلاَنٍ، وَقَالُوا لَهُ: فَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ؟ وَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ. قَالُوا لَهُ: كَانَ يُغْمَزُ بِشَيْءٍ، أَوْ يُتَكَلَّمُ فِيْهِ إِذْ ذَاكَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللهِ، كَانَتْ حَلْقَتُهُ بِحِيَالِ حَلْقَةِ هُشَيْمٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ لاَ يُجَالِسُهُم، وَكَتَبَ وَلَمْ يُجَالِسْ، فَوَقَعَ فِي كُتُبِهِ الخَطَأُ (3) . مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، قَالَ: لَقِيْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، فَأَفَادَنِي أَشْيَاءَ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، فَأَتَيْتُ خَالِداً، فَسَأَلتُهُ عَنْهَا، فَأَنْكَرَهَا كُلَّهَا.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 450. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 449. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 449. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 وَقَالَ الفَلاَّسُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، وَكَانَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ عِنْدَهُم، يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ عَزَّى مُصَاباً، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ (2)) . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، عَنِ ابْنِ سُوْقَةَ (3) .   (1) التاريخ الكبير " 6 / 290. (2) رواه الترمذي (1073) في الجنائز: باب ما جاء في أجر من عزى مصابا، وابن ماجة (1602) في الجنائز: باب ما جاء في ثواب من عزى مصابا. وقال الترمذي: هذا حديث غريب (أي: ضعيف) لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا، ولم يرفعه، ويقال: أكثر ما ابتلي علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه. (3) في " تاريخ الخطيب " 11 / 451: أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب، وعبد الغفار بن محمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الدينوري، حدثنا إبراهيم بن مسلم قال ابن الحباب " الخوارزمي "، وقال عبد الغفار " الوكيعي " ثم اتفقا - قال: حضرت وكيعا، وعنده أحمد بن حنبل، وخلف المخرمي، فذكروا علي بن عاصم، فقال خلف: إنه غلط في أحاديث، فقال وكيع: وما هي؟ فقال: حديث محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من عزى مصابا فله مثل أجره " فقال وكيع: حدثنا قيس بن الربيع، عن محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله. قال وكيع: وحدثنا إسرائيل بن يونس، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عزى مصابا، فله مثل أجره ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ هَاشِمٍ يَقُوْلُ: قَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سُوْقَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ عَزَّى مُصَاباً، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) ، فَلَمْ يُنكِرِ الحَدِيْثَ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ شَيْئاً. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: وَهُوَ حَدِيْثٌ كُوْفِيُّ الإِسْنَادِ، مُنكَرٌ، يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ أَصلَ لَهُ مُسْنَداً، وَلاَ مَوقُوَفاً، لاَ نَعْلَمُ أَحَداً أَسنَدَهُ، وَلاَ وَقَفَهُ غَيْرَ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ. وَقَدْ رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْه بِهِ، بَلْ قَالَ: يَرْفَعُ الحَدِيْثَ (1) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدْ رَوَى حَدِيْثَ ابْنِ سُوْقَةَ: عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ، كَرِوَايَةِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ كَذَلِكَ عَنِ: الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَالحَارِثِ بنِ عِمْرَانَ الجَعْفَرِيِّ، عَنِ ابْنِ سُوْقَةَ، ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا ثَابِتاً (2) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ، وَطَائِفَةٌ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ فِتْيَةٌ يَتَحَدَّثُونَ، فَإِذَا هُمْ بِإِبلٍ مُعَطَّلَةٍ، فَقَالَ بَعَضُهُم: كَأَنَّ أَربَابَ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا مَعَهَا. فَأَجَابَهُ بَعِيْرٌ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ أَربَابَهَا حُشِرُوا ضُحَىً (3) . أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ تَكْتُبُوا عَنْهُ -يَعْنِي: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ-.   (1) تاريخ بغداد 11 / 451، 453، الزيادة منه. (2) تاريخ بغداد 11 / 453، 454 (3) رجاله ثقات غير علي بن عاصم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ كَذَّابٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: فَسَأَلتُهُ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ- عَنْ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قُلْتُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: الخَطَأَ وَالغَلَطَ، لَيْسَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: كُنَّا عِنْدَ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ أَنَا وَأَخِي، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ! عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، مَا حَالُهُ عِنْدَكَ؟ قَالَ: حَسْبُكُم، مَا زِلْنَا نَعرِفُهُ بِالكَذِبِ. قَالَ الخَطِيْبُ: وَكَذَلِكَ رَوَى أَيُّوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ عَنِ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ، وَجَاءَ عَنْ يَزِيْدَ خِلاَفُ هَذَا (1) . قَالَ أَبُو نَصْرٍ اللَّيْثُ بنُ جَبْرَوَيه: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ، وَكَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ مُسْتَمْلِيْنَ (2) . الزَّعْفَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تُمْسِكُوا عَلَيَّ شَيْئاً، فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ فِي كِتَابِهِ (3)) . مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوْءاً يُجْزَ بِهِ ... } [النِّسَاءُ: 123]   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 456. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 454. (3) أخرجه ابن عدي في " الكامل " لوحة 593 من طريق محمد بن موسى الحلواني، عن الزعفراني، ونقله المؤلف عنه في " الميزان " 3 / 136. وإسناده ضعيف لضعف علي ابن عاصم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! نَزَلَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ. فَقَالَ: رَحِمَك الله (1) ... الحَدِيْثَ. وَمَعْنَاهُ: تُجْزَونَ بِهِ بِبَلاَيَا الدُّنْيَا.   (1) وتمامه: فقال: رحمك الله يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللاواء؟، فذلك تجزون به. وهو في " الكامل " 593، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده، فقد أخرج الترمذي (3039) من طريق روح بن عبادة، عن موسى بن عبيدة، عن مولى بن سباع، سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية: (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، ألا أقرئك آية أنزلت علي؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأقرأنيها، فلا أعلم إلا أني قد كنت وجب انقصاما في ظهري فتمطأت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنك يا أبا بكر؟ قلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي، وأينا لم يعمل سوءا، وإنا لمجزون بما عملنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة ". وموسى بن عبيدة ضعيف، ومولى بن سباع مجهول. وأخرج أحمد 1 / 11، والطبري (10523) ، و (10528) وأبو يعلى: 33، 34، والبيهقي في سننه 3 / 373 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بكر بن أبي زهير قال: أخبرت أن أبا بكر قال: يارسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) فكل سوء عملنا جزينا به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تنصب، ألست تحزن، ألست تصيبك اللاواء؟ قال: بلى، قال: فهو ما تجزون به، وهذا سند منقطع، فإن أبا بكر بن أبي زهير، وهو من صغار التابعين، ثم هو مستور لم يذكر بجرح ولا تعديل، ومع ذلك فقد صححه ابن حبان (1734) ، والحاكم 3 / 74، 75، ووافقه الذهبي، وأورده ابن كثير في تفسيره 2 / 588 عن ابن مردويه من طريق الفضيل بن عياض، عن سليمان بن مهران، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قال أبو بكر الصديق: يارسول الله، ما أشد هذه الآية: (من يعمل سوءا يجز به) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المصائب والامراض والاحزان في الدنيا جزاء "، وهو منقطع كسابقه. وفي الباب عن عائشة عند الطبري (10530) و (10532) من طريق ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت: يارسول الله، إني لاعلم أشد آية في القرآن، فقال: ما هي يا عائشة قلت: هذه الآية يارسول الله (من يعمل سوءا يجز به) فقال: " هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها "، وإسناده لا بأس به، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1736) بنحوه من حديث عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن يزيد بن أبي يزيد، عن عبيد بن عمير، عن عائشة وإسناده صحيح، وأخرج مسلم في " صحيحه " (2574) من = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ خَالِدٍ، وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلاَةُ المَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا صَلاَةَ اللَّيْلِ (1)) . سَاقَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ، ... إِلَى أَنْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ البَاجُدَّائِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ البَاجُدَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ أَكَلَ مِنَ الطِّيْنِ وَقِيَّةً، فَقَدْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الخِنْزِيْرِ وَقِيَّةً، وَلاَ يُبَالِي اللهُ عَلَى مَا مَاتَ، يَهُوْدِيّاً، أَوْ نَصْرَانِياً) . وَبِهِ: (مَنْ أَكَلَ الطِّيْنَ، وَاغْتَسَلَ بِهِ، فَقَدْ أَكَلَ لَحْمَ أَبِيْهِ آدَمَ، وَاغْتَسَلَ بِدَمِهِ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَانِ بَاطِلاَنِ (3) . قُلْتُ: أَجْزِمُ بِأَنَّ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- مَا حَدَّثَ بِهِمَا، فَقَدْ تَنَاكَدَ ابْنُ عَدِيٍّ، حَيْثُ أَوْرَدَهُمَا هُنَا، وَإِنَّمَا هُمَا مَوْضُوعَانِ مِنَ البَاجُدَّائِيِّ - قَبَّحَهُ اللهُ - (4) .   = حديث أبي هريرة قال: لما نزلت (من يعمل سوءا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها ". (1) هو في " الكامل " لوحة 593، ورواه ابن أبي شيبة 2 / 282، وأحمد 2 / 30 و 41، كلاهما من طريق يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عمر. وهذا سند صحيح. (2) كذا ضبطت في الأصل بضم الجيم، وكذلك ضبطه في " تبصير المنتبه "، وفي " اللباب " و" معجم البلدان " بفتح الجيم نسبة إلى باجداء وهي قرية من نواحي بغداد. (3) " الكامل " لوحة 593، وأوردهما المؤلف في " الميزان " 3 / 137. (4) ونصه في " الميزان " حاشا علي بن عاصم رحمه الله أن يحدث بهما، فإني أقطع بأنه ما حدث بهما، والعجب من ابن عدي مع حفظه كيف خفي عليه مثل هذا، فإن هذين من وضع عبد القدوس فيما أرى. وقال في ترجمة عبد القدوس بن عبد القاهر: لا يعرف، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَرَأَ يَس كُلَّ لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ، غُفِرَ لَهُ) . وَبِهِ: (خَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ، وَغَرَسَ أَشْجَارَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي. قَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُوْنَ (1)) . قُلْتُ: وَهَذَانِ بَاطِلاَنِ، ابْنُ عَاصِمٍ بَرِيْءٌ مِنْهُمَا، وَالعَلاَءُ مُتَّهَمٌ بِالكَذِبِ (2) . مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنساً يَقُوْلُ: أَرَادَ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُطَلِّقَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ طَلاَقَ أُمِّ سُلَيْمٍ حُوْبٌ) ، فَكَفَّ (3) . فَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ، وَالنَّشَائِيُّ صَدُوْقٌ. أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَجِ الغَافِقِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيَّاتُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ   = بل له أكاذيب وضعها على علي بن عاصم تبينت ذلك، ومن أشرها ... ثم أورد الحديث. (1) " الكامل ": لوحة 593، وأوردهما المؤلف في " الميزان " 3 / 137. (2) نصر كلامه في " الميزان ": وهذان باطلان، ولقد أساء ابن عدي في إيراده هذه البواطيل في ترجمة علي، والعلاء متهم بالكذب. وقال: في ترجمة العلاء: قال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، كان لا يبالي ما روى. وقال ابن طاهر: كان يضع الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وحديث: " من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له " أخرجه البيهقي، وأبو نعيم 2 / 159 من طريق الحسن البصري، عن أبي هريرة، وسنده منقطع، لان الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وأخرجه أبو نعيم 4 / 130 من حديث ابن مسعود بلفظ: " من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورا له ". وفي سنده أبو مريم عبد الغفار بن القاسم. قال أبو حاتم والنسائي وغيرهما: متروك. (3) الكامل: 593، وهو في " الميزان " 3 / 137. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُعَابَةٌ (1) . قُلْتُ: وَهَذَا مُنكَرٌ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ مُرْسَلاً. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلِعَلِيٍّ قَدْرُ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، لاَ يَروِيهَا غَيْرُهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى البَكَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي صَلاَةِ السَّحَرِ، وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَهُوَ يُسَبِّحُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ اليَمِيْنَ وَالشَّمَائِلِ} الآيَةَ كُلَّهَا [النَّحْلُ: 48] . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) ، عَنْ عَبْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. قَالَ بَحْشَلٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا تَمِيْمُ بنُ المُنْتَصِرِ، قَالَ: وُلِدَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَةٍ، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَشْهُرٍ، بِوَاسِطَ (3) .   (1) الكامل: 593، و" الميزان " 3 / 138. (2) رقم (3128) في التفسير: باب ومن سورة النحل. وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم. (3) طبقات ابن سعد 7 / 313. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبِي: أَنَّهُ صَامَ ثَمَانِيْنَ شَهْرَ رَمَضَانَ، لَمْ يُفْطِرْ فِيْهَا يَوْماً. قَالَ: وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَشَذَّ: هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ - وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ - قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ. 73 - وَقَدْ كَانَ وَلَدُه ُ: عَاصِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ التَّيْمِيُّ * (خَ، ت، ق) حَافِظاً، صَدُوْقاً، مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَمَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ لَقِيَ: عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَأَبِيْهِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ   (*) كتاب العلل لأحمد: 186، طبقات خليفة ت 3199، التاريخ الكبير 6 / 491، التاريخ الصغير 2 / 346، 348، المعارف: 516، الضعفاء للعقيلي: لوحة 324، الجرح والتعديل 6 / 348، الكامل لابن عدي: 610، تاريخ بغداد 12 / 247، تهذيب الكمال: لوحة 636، تذهيب التهذيب 2 / 111 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 397، ميزان الاعتدال 2 / 354، الكاشف 2 / 51، شرح العلل لابن رجب 2 / 788، تهذيب التهذيب 5 / 49، طبقات الحفاظ: 174، مقدمة فتح الباري: 410، خلاصة تذهيب الكمال: 182، شذرات الذهب: 2 / 48. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَخَلْقٌ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ مُدَّةً، وَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَاسِطَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ. وَقَدْ جَرَحَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَدُوْقٌ، كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ (1) . وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: صَحِيْحُ الحَدِيْثِ، قَلِيْلُ الغَلَطِ. وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: كَانَ مَجْلِسُهُ يُحزَرُ بِبَغْدَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ يَسْتَملِي عَلَيْهِ: هَارُوْنَ الدِّيْكَ، وَهَارُوْنَ مُكْحُلَةَ (2) . قَالَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْنَا مِنْ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، فَوَجَّهَ المُعْتَصِمُ مَنْ يَحزِرُ مَجْلِسَهُ فِي رَحْبَةِ النَّخْلِ الَّتِي فِي جَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ، وَيَنتَشِرُ النَّاسُ، حَتَّى إِنِّيْ سَمِعتُهُ يَوْماً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَيُسْتَعَادُ. فَأَعَادَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَالنَّاسُ لاَ يَسْمَعُوْنَ، وَكَانَ هَارُوْنُ المُسْتَملِي يَرْكَبُ نَخْلَةً مُعْوَجَّةً يَسْتَملِي عَلَيْهَا، فَبَلَغَ المُعْتَصِمَ كَثْرَةُ الخَلْقِ، فَأَمَرَ بِحَزْرِهِم، فَوَجَّهَ بِقطَاعِي الغَنَمِ، فَحَزِرُوا المَجْلِسَ عِشْرِيْنَ وَمائَةَ أَلْفٍ (3) . وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى، قَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِمَجْلِسِ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ غَيْظٌ لأَهْلِ الكُفْرِ. قُلْتُ: كَانَ عَاصِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- مِمَّنْ ذَبَّ عَنِ الدِّيْنِ فِي المِحْنَةِ، فَرَوَى   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 348. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 248. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 248. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 الهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سُوَيْدٍ الطَّحَّانَ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي اللَّيْثِ، وَجَمَاعَةٌ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضْرَبُ، فَجَعَلَ عَاصِمٌ يَقُوْلُ: أَلاَ رَجُلٌ يَقُوْمُ مَعِي، فَنَأْتِيَ هَذَا الرَّجُلَ، فَنُكَلِّمَهُ؟ قَالَ: فَمَا يُجِيْبُهُ أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: أَنَا أَقُومُ مَعَكَ يَا أَبَا الحُسَيْنِ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! خُفِّي. فَقَالَ ابْنُ أَبِي اللَّيْثِ: يَا أَبَا الحُسَيْنِ! أَبْلُغُ إِلَى بَنَاتِي، فَأُوْصِيْهِم. فَظَنَنَّا أَنَّهُ ذَهَبَ يَتَكَفَّنُ، وَيَتَحَنَّطُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: إِنِّيْ ذَهَبْتُ إِلَيْهِنَّ، فَبَكِيْنَ. قَالَ: وَجَاءَ كِتَابُ ابْنَتَيْ عَاصِمٍ مِنْ وَاسِطَ: يَا أَبَانَا! إِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَضَرَبَهُ عَلَى أَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَاتَّقِ اللهَ، وَلاَ تُجِبْهُ، فَوَاللهِ لأَنْ يَأْتِيَنَا نَعِيُّكَ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَأْتِيَنَا أَنَّكَ أَجَبْتَ (1) . قُلْتُ: ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لِعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً مُنكَراً سِوَاهَا، وَلَمْ أَرَ بِحَدِيْثِهِ بَأْساً (2) . قَالُوا: تُوُفِّيَ عَاصِمٌ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَسَمِعَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ يَسِيْرَةً، وَتُوُفِّيَ عَاصِمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البُرْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ   (1) الخبر بطوله في " تاريخ بغداد " 12 / 248، 249. (2) " الكامل " 610، 611. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 الإِسْمَاعِيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجنَبتُ وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ هَذَا) . وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيْهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ: حَدِيْثِ غُنْدَرٍ، وَالقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ (1) . 74 - مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ الفَرَافِصَةِ بنِ المُخْتَارِ بنِ رُدَيْحٍ العَبْدِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ، الكُوْفِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُعَدَّلِ الفَقِيْهُ: هُوَ ابْنُ عَمِّنَا، نَجْتَمِعُ نَحْنُ وَهُوَ فِي المُخْتَارِ.   (1) أخرجه البخاري 1 / 375، 376 في التيمم: باب المتيمم هل ينفخ فيهما، وباب التيمم للوجه والكفين، وباب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش تيمم، وباب التيمم ضربة، ومسلم (368) (112) في الحيض: باب التيمم، وأخرجه أبو داود (321) ، والنسائي 1 / 170 في الطهارة: باب تيمم الجنب وابن ماجة (569) : باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة. (*) تاريخ ابن معين: 505، طبقات ابن سعد 6 / 394، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت 1317، التاريخ الكبير 1 / 45، التاريخ الصغير 2 / 299، الجرح والتعديل 7 / 210، مشاهير علماء الأمصار ت / 1375، تهذيب الكمال لوحة 1177، تذهيب التهذيب 3 / 191 / 2، العبر 1 / 341، تذكرة الحفاظ 1 / 322، الكاشف 3 / 24، تهذيب التهذيب 9 / 73، طبقات الحفاظ: 135، خلاصة تذهيب الكمال: 328، شذرات الذهب 2 / 7. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 قُلْتُ: وُلِدَ فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَحَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، وَحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَهَانِئ بنِ هَانِئ الجُهَنِيِّ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ - رَفِيْقُهُ - وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الصُّوْفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ سَمَاعِ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ مِنِ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ أَحْفَظُ مَنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ. الكُدَيْمِيُّ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا فِي جِنَازَةِ مِسْعَرٍ، جَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ فِي المَشْيِ، فَقُلْتُ: يَجِيْئُوْنِي، فَيَسْأَلُوْنِي عَنْ حَدِيْثِ مِسْعَرٍ. فَذَاكَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ بِحَدِيْثِ مِسْعَرٍ، فَأَغرَبَ عَلَيَّ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنْهَا إِلاَّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (1) .   (1) " التاريخ الصغير " 2 / 299. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو العِزِّ بنُ عَسَاكِرَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِيْلَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَتْرُكْ، فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ هِشَامٍ. 75 - عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرِ بنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، عَالِمُ خُرَاسَانَ، أَبُو حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم، البَلْخِيُّ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ، وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ.   (1) أخرجه أحمد في " المسند " 1 / 43 من طريق محمد بن بشر بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 13 / 177، 178 في الاحكام: باب الاستخلاف، ومسلم (1823) (11) في الامارة: الأول من طريق سفيان، والثاني من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، كلاهما عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (1823) (12) ، والترمذي (2225) في الفتن، وأبو داود (2939) ، وأحمد 1 / 47 كلهم من طريق معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. (*) العلل لأحمد 368، تاريخ ابن معين: 435، طبقات ابن سعد 7 / 374، طبقات خليفة ت: 3144، الضعفاء والمتروكين: 85، الضعفاء للعقيلي لوحة 288، الجرح والتعديل 6 / 140، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 90، 91، تاريخ بغداد 11 / 187، تهذيب الكمال لوحة 1025، تذهيب التهذيب 3 / 93 / 1، العبر 1 / 316، تذكرة الحفاظ 1 / 340، ميزان الاعتدال 3 / 228، الكاشف 2 / 322، طبقات القراء 1 / 598، تهذيب التهذيب 7 / 50، طبقات الحفاظ: 142، خلاصة تذهيب الكمال: 286، شذرات الذهب 1 / 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 وَحَدَّثَ عَنْ: سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ، وَعِيْسَى بنِ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ - وَلاَزمَهُ سَنَوَاتٍ - وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ المَدَنِيِّ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَمَعْرُوْفِ بنِ خَرَّبُوْذَ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: هِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجُمْعَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَلْخِيُّ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ السَّرْحِ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ نَاصِحٍ المَصِّيْصِيُّ، وَالجَارُوْدُ بنُ مُعَاذٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ المَصَاحِفِيُّ البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَلْمٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الذُّهْلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. إِلاَّ أَنَّهُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ سَيِّئُ الحِفْظِ، فَلَمْ يَرْوِهِ حُجَّةً وَلاَ عُمدَةً. قَالَ البُخَارِيُّ: تَكَلَّمَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَتَرَكُوا حَدِيْثَهُ. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ زُنَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ: أَلْقَيْتُ مِنْ حَدِيْثِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً: لأَبِي جُزْءٍ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَلِعُثْمَانَ البُرِّيِّ (1) كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: يَا أَبَا غَسَّانَ! مَا كَانَ حَالُهُ؟ قَالَ: قَالَ بَهْزٌ: أَرَى   (1) هذه النسبة إلى البر، وهو الحنطة، وهي نسبة إلى بيعه كما في " اللباب ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ حَسَدَهُ، فَقَالَ: أَكْثَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. مَنْ لَزِمَ رَجُلاً اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، لاَ يُرِيْدُ أَنْ يُكْثِرَ عَنْهُ؟! قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُعِيْنُهُ عَلَى الكِتَابِ. قُلْتُ: مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ، هَذَا إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ نَحْوَ سَنَةٍ. قَالَ الخَطِيْبُ: وَذَكَرَ مُسْلِمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَلْخِيُّ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ، فَمِنْ هُنَالِكَ أَكْثَرَ السَّمَاعَ مِنْهُ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَقِيَ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَكَانَ حَسَنَ الوَجْهِ، فَسَأَلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَلَكَ أُخْتٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهِ، فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الحُسْنَ يَكُوْنُ فِي أُخْتِهِ كَمَا هُوَ فِي أَخِيْهَا. فَتَفَرَّدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْيَاءَ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُه. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَنْجَلٍ، سَمِعْتُ صَاحِباً لَنَا يُقَالُ لَهُ: بُوْرُ بنُ الفَضْلِ (2) ، سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ ذَكَرَ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَنَا أَحْسَنَ أَخْذاً مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: كَانَ كَثِيْرَ السَّمَاعِ. رَوَى عَنْهُ: عَفَّانُ، وَقُتَيْبَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ مُرْجِئَةَ بَلْخَ كَانُوا يَقَعُوْنَ فِيْهِ، وَكَانَ أَبُو رَجَاءٍ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- يُطْرِيهِ، وَيُوَثِّقُهُ (4) . وَذُكِرَ عَنْ وَكِيْعٍ أَنَّهُ قَالَ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ مَرَّ بِنَا، وَبَاتَ عِنْدَنَا، وَكَانَ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 188. (2) في هامش الأصل: " اسمه محمد البلخي " وانظر " المشتبه ": 123. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 188، وقد تصحف فيه " بور " إلى ثور ". (4) " تاريخ بغداد " 11 / 189. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 يُزَنُّ (1) بِالحِفْظِ، وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: كَانَ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ شَدِيْداً عَلَى المُرْجِئَةِ، وَيَذكُرُ مَسَاوِئَهُم وَبَلاَيَاهُم، فَكَانَتْ بَيْنَهُم عَدَاوَةٌ لِذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالقِرَاءاتِ، وَكَانَ القُرَّاءُ يَقْرَؤُونَ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْهِ فِي حُرُوْفِ القُرْآنِ (2) ، وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ قَدْ أَكْثَرْنَا عَنْهُ، وَبَلَغَنَا أَنَّكَ تَذْكُرُهُ. قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ، مَا قُلْتُ فِيْهِ إِلاَّ خَيْراً. قُلْتُ: بَلَغَنَا أَنَّكَ قُلْتَ: رَوَى عَنْ فُلاَنٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا قُلْتُ أَنَا ذَا قَطُّ، وَلَوْ رَوَى، مَا كَانَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ (3) . عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ (4) : عَنْ يَحْيَى بنِ المُغِيْرَةِ الرَّازِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَغْمِزُ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ فِي سَمَاعِه مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَرْوِي عَنْهُ نَحْوَ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ كَذَّابٌ، قَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، فَحَدَّثَ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ، فَذَهَبَ حَدِيْثُهُ (5) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ حَدَّثَنَا عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، فَقَالَ: هُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، بَخَسَهُ ابْنُ المُبَارَكِ   (1) أي: يعاب بسوء الحفظ، وقد تحرف في " تاريخ بغداد " إلى يزين ". (2) " تاريخ بغداد " 11 / 189. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 189. (4) هذه النسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها: هسنكان، فعربت فقيل: هسنجان. (5) " الجرح والتعديل " 6 / 141. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 بَخْسَةً، فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ قَدِمْتُ قَبْلَ قُدُوْمِهِ، فَكَانَ جَعْفَرٌ قَدْ تُوُفِّيَ (1) . قُلْتُ: هَذَا مُنْقَطِعٌ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَصِحُّ، فَقَدْ قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ وَحَجَّ قَبْلَ مَوْتِ جَعْفَرٍ بِسَنَوَاتٍ. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قُلْتُ لِجَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مَبْرُوْرٍ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيْلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ كَاتِبَكَ هَذَا أَمِيْنٌ (2) -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ-. فَقَالَ لِي جَرِيْرٌ: اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: كَذَبْتَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، فَقَالَ: مَا أَقدِرُ أَنْ أَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً كَثِيْراً. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَانَتْ لَهُ قِصَّةٌ مَعَ ابْنِ مَهْدِيٍّ. قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِم عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَصْرَةَ وَهُوَ شَابٌّ، فَذَاكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَكَتَبَ عَنْهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ: مِنْهَا: حَدِيْثٌ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو فِي شُرْبِ العَصِيْرِ. وَمِنْهَا: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي الحَفَّارِ يَنْسَى الفَأْسَ فِي القَبْرِ، وَحَدِيْثٌ آخَرُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ زَمَانٍ، قَدِمَ، فَأَتَى رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّكَ كَتَبْتَ عَنْ هَذَا أَشْيَاءَ. فَأَعْطَاهُ الرُّقعَةَ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً، إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي الحَدَاثَةِ. وَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثِ   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 141. (2) خبر باطل المتهم به عمر بن هارون. وانظر " الفوائد المجموعة " ص 403، 404، و" البداية " 8 / 120، 121. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 عَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، إِنَّمَا حَدَّثَنِيْهِ فُلاَنٌ، عَنْهُ، فَأَتَى الرَّجُلُ ابْنَ مَهْدِيٍّ، فَأَخْبَرَهُ، فَنَالَ مِنْهُ، وَتَكَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ أَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (1) . وَرَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ، قِيْلَ لَهُ: فَتَرْوِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ لاَ أَرْوِي عَنْهُ، وَقَدْ أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلَكِنْ كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيْمَةٌ عِنْدِي، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِأَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَرَّةً أُخْرَى، حَدَّثَنِي بِهَا عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أُوْلِئَكَ، فَتَرَكْتُ حَدِيْثَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: وَجَدتُ بِخَطِّ جَدِّي، قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ: كَذَّابٌ، خَبِيثٌ، لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ، قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ، وَبِتُّ عَلَى بَابِهِ بِبَابِ الكُوْفَةِ، وَذَهَبْنَا مَعَهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا أَمرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَرَّقْتُ حَدِيْثَهُ كُلَّهُ، مَا عِنْدِي عَنْهُ كَلِمَةٌ، إِلاَّ أَحَادِيْثُ عَلَى ظَهْرِ دَفْتَرٍ خَرَّقْتُهَا كُلَّهَا. قُلْتُ لأَبِي زَكَرِيَّا: مَا تَبَيَّنَ لَكُم مِنْ أَمرِهِ؟ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ - وَلَمْ أَسْمَعْه مِنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مَشْهُوْرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا، فَحَدَّثَنَا عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَنَظَرْنَا إِلَى مَوْلِدِهِ، وَإِلَى خُرُوْجِه إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا جَعْفَرٌ قَدْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوْجِهِ (2) . وَرَوَى: عَبَّاسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَرَوَى: ابْنُ مُحْرِزٍ، وَالغَلاَبِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَعَنْ يَحْيَى   (1) الخبر بطوله في " تاريخ بغداد " 11 / 188، 189. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 189. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 أَيْضاً: ضَعِيْفٌ. وَعَنْهُ: كَانَ يَكْذِبُ. وَسُئِلَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَضَعَّفَهُ جِدّاً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى، قِيْلَ لَهُ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ؟ فَقَالَ: النَّاسُ تَرَكُوا حَدِيْثَهُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَتَبتُ عَنْهُ حُزْمَةً، وَلاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: لَمْ يَقنَعِ النَّاسُ بِحَدِيْثِهِ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالنَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: فِيْهِ ضَعْفٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ: مَتْرُوْكٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لاَ شَيْءَ، حَدَّثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ بِالمَنَاكِيْرِ. وَقَالَ أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) : سَمِعْتُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: مُقَارَبُ الحَدِيْثِ، لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيْثاً لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، إِلاَّ هَذَا. رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا، وَمِنْ طُوْلِهَا (1) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ مُحَمَّداً حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ.   (1) رواه الترمذي (2762) في الأدب: باب ما جاء في الاخذ من اللحية. وقال: هذا حديث غريب، أي: ضعيف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ المُعْضِلاَتِ، وَيَدَّعِي شُيُوْخاً لَمْ يَرَهُم. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ (1) . قُلْتُ: هَذِهِ رِوَايَةُ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ اتَّهَمَهُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو السَّوِيْقِيُّ: شَهِدتُ عُمَرَ بنَ هَارُوْنَ بِبَغْدَادَ وَهُوَ يُحَدِّثُهُم، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ لابْنِ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، لَمْ يُشَارَكْ فِيْهِ، فَحَدَّثَهُم بِهِ، فَرَأَيتُهُم مَزَّقُوا عَلَيْهِ الكُتُبَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَفَضْلٍ، وَسَخَاءٍ، وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ يُبْغِضُونَهُ لِتَعَصُّبِهِ فِي السُّنَّةِ، وَذَبِّهِ عَنْهَا، وَلَكِنْ كَانَ شَأْنُهُ فِي الحَدِيْثِ مَا وَصَفْتُ، وَالمَنَاكِيْرُ فِي حَدِيْثِهِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِيْهِ. قَالَ: وَقَدْ حَسَّنَ القَوْلَ فِيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوْخِنَا، كَانَ يَصِلُهُم فِي كُلِّ سَنَةٍ بِصِلاَتٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ، وَيَبْعَثُهَا إِلَيْهِم مِنْ بَلْخَ إِلَى بَغْدَادَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقَدْ رَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ كَمَا يَرْتَادُ أَحَدُكُم لِصَلاَتِهِ (2) . قُلْتُ: مِمَّنْ قَوَّى أَمرَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، فَرَوَى لَهُ فِي (المُخْتَصَرِ) حَدِيْثاً فِي البَسْمَلَةِ (3) .   (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 90. (2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 91، وقوله: يرتاد لبوله، أي: يطلب لبوله مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله " النهاية ". والخبر أورده المؤلف في " الميزان " 3 / 229 في جملة منكرات عمر بن هارون. وفي الباب عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: " إذا أراد أحدكم أن يبول، ليرتد لبوله " أخرجه أبو داود (3) ، والبيهقي 1 / 92، 94، وإسناده ضعيف لجهالة أحد رواته. (3) هو في " صحيحه " (493) من طريق خالد بن خداش، عن عمر بن هارون، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 قَالَ عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ بنِ طَاهِرٍ البَلْخِيُّ: مَاتَ عُمَرُ بِبَلْخَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، أَوَّلَ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ، هَكَذَا أَخْبَرَنِي: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي كِتَابٍ أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الأَنْصَارِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَاسَوَيْه المُقْرِئُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْخِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعَدَةَ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ يُوْسُفَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْلُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ شُرَيْحٍ،   = عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة (بسم الله الرحمن الرحيم) فعدها آية، (والحمد لله رب العالمين) آيتين، (الرحمن الرحيم) ثلاث آيات. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 / 232 من طريق خالد بن خداش بهذا الإسناد، وعلق عليه الذهبي بقوله: عمر بن هارون أجمعوا على ضعفه، وقال النسائي: متروك. وهذا الحديث على ضعفه لا يصلح حجة لمن يرى الجهر بالبسملة، فإنه ليس بصريح في ذلك، ويمكن أنها سمعته سرا في بيتها لقربها منه، على أن مقصودها الاخبار بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل قراءته حرفا حرفا، ولا يسردها، ويقف على رأس كل آية، يبينه ما رواه الحاكم 2 / 232 من طريق همام حدثنا القرشي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم - فوصفت: (بسم الله الرحمن الرحيم) حرفا حرفا - قراءة بطيئة. وقال: على شرط الشيخين، وصححه الدارقطني، ورواه أحمد 6 / 302، والحاكم 2 / 323، من طريق يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: " كان يقطع قراءته آية آية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ". لفظ أحمد، ولفظ الحاكم: " كان يقطع قراءته آية آية: (الحمد لله رب العالمين) ، ثم يقف، (الرحمن الرحيم) ، ثم يقف ". قال ابن أبي مليكة: وكانت أم سلمة تقرأها: ملك يوم الدين. ورواه أبو داود (4001) ، والترمذي (2928) . (1) " تاريخ بغداد " 11 / 191. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيْثاً هُوَ لَكَ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ (1)) . يَزِيْدُ: وُثِّقَ. قَرَأْتُ عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ سَنَدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَيْثَمِ الوَاعِظُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ الكِلاَبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُوْرِهَا) (2) .   (1) إسناده ضعيف لضعف عمر بن هارون، وأخرجه أحمد 4 / 183 من طريق عمر بن هارون بهذا الإسناد، وثور: هو ابن يزيد الحمصي ثقة ثبت. وفي المطبوع من المسند " ثور ابن يزيد عن شريح " وهو خطأ: صوابه: " ثور عن يزيد بن شريح "، ورواه أبو داود (4971) في الأدب: باب في المعاريض،، والبخاري في " الأدب المفرد " (393) من طريق بقية بن الوليد، عن ضبارة بن مالك الحضرمي، عن أبيه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن سفيان بن أسيد الحضرمي. وهذا سند ضعيف. بقية بن الوليد مدلس، وقد عنعن، وضبارة مجهول، وكذا أبوه. (2) إسناده ضعيف لضعف عمر بن هارون، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 62، ونسبه للطبراني في " الكبير " وأعله بعمر بن هارون، لكن متن الحديث صحيح لشواهده الكثيرة، فقد أخرجه أحمد 3 / 416، و432 و4 / 384 و390 و391، وأبو داود (2606) ، والترمذي (1212) ، وابن ماجة (2236) من حديث صخر الغامدي، وأخرجه عبد الله بن الامام أحمد في " زوائد المسند " (1319) و (1322) و (1328) من حديث علي، وأخرجه ابن ماجة (2237) و (2238) من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وفي الباب عن ابن مسعود عند أبي يعلى والطبراني، وعن عبد الله بن سلام عندهما أيضا، وعن أنس عند البزار، وعن ابن عباس عند البزار والطبراني، وعن عائشة عندهما أيضا، وغيرهم. انظر " المجمع " 4 / 61، 62. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 76 - أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ الكُوْفِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. وَيُقَالُ: وَلاَؤُهُ لِزَيْدِ بنِ عَلِيٍّ. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ؛ مَوْلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَإِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَأَحْوَصَ بنِ حَكِيْمٍ الشَّامِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَبُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَالحَسَنِ بنِ الحَكَمِ النَّخَعِيِّ، وَسَعْدِ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَحُسَيْنِ بنِ ذَكْوَانَ المُعَلِّمِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَمُجَالدٍ، وَعَوْفٍ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَمُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ   (*) تاريخ ابن معين: 128، طبقات ابن سعد 6 / 394، طبقات خليفة ت 1315، التاريخ الكبير 3 / 28، التاريخ الصغير 2 / 294، المعارف: 218، الجرح والتعديل 3 / 132، مشاهير علماء الأمصار ت: 1379، تهذيب الكمال لوحة 326، تذهيب التهذيب 1 / 172 / 1، العبر 1 / 335، تذكرة الحفاظ 1 / 321، ميزان الاعتدال 1 / 588، الكاشف 1 / 250، دول الإسلام 1 / 126، شرح العلل 2 / 679، تهذيب التهذيب 3 / 2، طبقات الحفاظ: 134، خلاصة تذهيب الكمال: 91، شذرات الذهب 2 / 2. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 الجَوْهَرِيُّ، وَابْنَا الدَّوْرَقِيِّ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَدُحَيْمٌ، وَعُبَيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. رَوَى: حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَبُو أُسَامَةَ ثِقَةٌ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأُمُوْرِ النَّاسِ، وَأَخْبَارِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، مَا كَانَ أَرْوَاهُ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ ثَبْتاً، مَا كَانَ أَثبتَهُ! لاَ يَكَادُ يُخْطِئُ. وَقَالَ أَيْضاً: سُئِلَ أَبِي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَابْنِ أُسَامَةَ، فَقَالَ: أَبُو أُسَامَةَ أَثْبَتُ مِنْ مائَةٍ مِثْلِ أَبِي عَاصِمٍ، كَانَ أَبُو أُسَامَةَ ضَابِطاً، صَحِيْحَ الكِتَابِ، كَيِّساً، صَدُوْقاً. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَعَبْدَةَ، قَالَ: مَا مِنْهُمَا إِلاَّ ثِقَةٌ. عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ بِأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ. وَقَالَ ابْنُ الفُرَاتِ: كَانَ عِنْدَ أَبِي أُسَامَةَ سِتُّ مائَةِ حَدِيْثٍ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: كَانَ أَبُو أُسَامَةَ فِي زَمَانِ سُفْيَانَ يُعَدُّ مِنَ النُّسَّاكِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا بِالكُوْفَةِ شَابٌّ أَعقَلُ مِنْ أَبِي أُسَامَةَ. ثُمَّ قَالَ العِجْلِيُّ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً - فِيْمَا قِيْلَ (1) -. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي جَمِيْعِ الصِّحَاحِ، وَالدَّوَاوِيْنِ، وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ وَكِيْعٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلاَ تَرْجُمَانُ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) ، وَقَعَ لَنَا مُخْتَصَراً. 77 - أَبُو نُوَاسٍ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ هَانِىء الحِكَمِيُّ * رَئِيْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ هَانِئ الحِكَمِيُّ. وَقِيْلَ: ابْنُ وَهْبٍ.   (1) " التاريخ الكبير " 3 / 28. (2) أخرجه البخاري 11 / 350، 351 في الرقاق: باب من نوقش الحساب عذب، و13 / 362 في باب قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) و13 / 397: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم (1016) (67) في الزكاة: باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، والترمذي (2415) في صفة القيامة والرقائق والورع: باب في القيامة. (*) الشعر والشعراء: 501، طبقات الشعراء لابن المعتز: 193، الموشح: 263، الاغاني 20 / 61، تاريخ بغداد 7 / 436، وفيات الأعيان 2 / 95، العبر 1 / 321، دول الإسلام 1 / 124، عيون التواريخ 7 لوحة 77 - 93، البداية 10 / 227، 235، معاهد = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 وُلِدَ: بِالأَهْوَازِ، وَنَشَأَ بِالبَصْرَةِ. وَسَمِعَ مِنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَتَلاَ عَلَى: يَعْقُوْبَ. وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي زِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَمَدَحَ الخُلَفَاءَ وَالوُزَرَاءَ، وَنَظْمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، حَتَّى لَقَالَ فِيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ - شَيْخُهُ -: أَبُو نُوَاسٍ لِلْمُحْدَثِيْنَ، كَامْرِئِ القَيْسِ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ. قِيْلَ: لُقِّبَ بِهَذَا؛ لِضَفِيْرَتَيْنِ كَانَتَا تَنُوْسَانِ عَلَى عَاتِقَيْهِ - أَيْ: تَضْطَرِبُ -. وَهُوَ مِنْ مَوَالِي الجَرَّاحِ الحِكَمِيِّ؛ أَمِيْرِ الغُزَاةِ، وَهُوَ القَائِلُ: سُبْحَانَ ذِي المَلِكُوتِ أَيَّةُ لَيْلَةٍ ... مَخَضَتْ صَبِيْحَتُهَا بِيَوْمِ المَوْقِفِ لَوْ أَنَّ عَيْناً وَهَّمَتْهَا نَفْسُهَا ... مَا فِي المَعَادِ مُحَصَّلاً لَمْ تَطْرِفِ (1) وَلَهُ: أَلاَ كُلُّ حَيٍّ هَالكٌ وَابْنُ هَالكٍ ... وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِيْنَ عَرِيقِ إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيْبٌ، تَكَشَّفَتْ ... لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيْقِ (2) وَلأَبِي نُوَاس أَخْبَارٌ وَأَشعَارٌ رَائِقَةٌ فِي الغَزَلِ وَالخُمُوْرِ، وَحُظْوَةٌ فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ وَالأَمِيْنِ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -.   = التنصيص 1 / 30، شذرات الذهب 1 / 345، خزانة الأدب 1 / 168، تهذيب تاريخ ابن عساكر 4 / 257، ولابن منظور الافريقي صاحب لسان العرب جزء في أخبار أبي نواس، هو الثالث من مختار الاغاني المطبوع في دمشق، وقد صدر بمقدمة جيدة بين فيها أن أغلب ما ينسب إلى أبي نواس من المجون والخلاعة كذب ملفق، لا تصح نسبته إليه بحجج ناصعة، وأدلة واضحة. (1) لم نجدهما في ديوانه المطبوع، ولا في " أخبار أبي نواس " لابن منظور. (2) البيتان في الديوان ص 465، و" تاريخ بغداد " 7 / 443، ووفيات الأعيان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 وَلَهُ وَهُوَ حَدَثٌ: حَامِلُ الهَوَى تَعِبُ ... يَسْتَخِفُّهُ الطَّرَبُ إِنْ بَكَى يَحِقُّ لَهُ ... لَيْسَ مَا بِهِ لَعِبُ تَضْحَكِيْنَ لاَهِيَةً ... وَالمُحِبُّ يَنْتَحِبُ تَعْجَبِيْنَ مِنْ سَقَمِي ... صِحَّتِي هِيَ العَجَبُ (1) وَيُقَالُ: مَا رُؤِيَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُوَاسٍ، مَعَ قِلَّةِ كُتُبِهِ، وَشِعرُهُ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ بَرَّزَ فِي العَشْرَةِ. اعْتَنَى الصُّوْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِجَمْعِ دِيْوَانِهِ، فَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ دِيْوَانُهُ. وَقَدْ سَجَنَهُ الأَمِيْنُ لأَمرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: وَحَيَاةِ رَأْسِكَ لاَ أَعُو ... دُ لِمِثْلِهَا مِنْ خَوْفِ بَاسِكْ مَنْ ذَا يَكُوْنُ أَبَا نُوَا ... سِكَ إِنْ قَتَلْتَ أَبَا نُوَاسِكْ (2) 78 - أَبُو يَزِيْدَ القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ المَوْصِلِيُّ * (س) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَانِيُّ، أَبُو يَزِيْدَ القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ الجَرْمِيُّ، المَوْصِلِيُّ.   (1) الابيات في الديوان ص 51، و" وفيات الأعيان " 2 / 96. وفي الديوان بيت خامس وهو: كلما انقضى سبب * منك عاد لي سبب (2) " وفيات الأعيان " 2 / 99، وأخبار أبي نواس ص 210 لابن منظور، وانظر ديوانه ص: 384. (*) التاريخ الكبير 7 / 170، الجرح والتعديل 7 / 123، تاريخ بغداد 12 / 426، تهذيب الكمال لوحة 1119، تذهيب التهذيب 3 / 153 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 352، الكاشف 2 / 395، تهذيب التهذيب 8 / 341، طبقات الحفاظ: 151، خلاصة تذهيب الكمال: 314، شذرات الذهب 1 / 341. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 حَدَّثَ عَنْ: ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَشِبْلِ بنِ عَبَّادٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ نَافِعٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ؛ ابْنَا عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي خِدَاشٍ، وَعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ المَوَاصِلَةُ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ فِي (تَارِيْخِ المَوْصِلِ) : كَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، رَحَلَ، وَكَتَبَ عَمَّنْ لَحِقَ مِنَ الحِجَازِيِّينَ، وَالكُوْفِيِّيْنَ، وَالبَصْرِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ، وَالمَوْصِلِيِّينَ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، مُتَفَقِّهاً. قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ قَاسِماً الجَرْمِيَّ مِنَ الأَبْدَالِ، كَانَ لاَ يُشْبِهُهُم -يَعْنِي: رِفَاقَهُ- فِي الزِّيِّ، يَلْبَسُ دُوْنَ المُعَافَى، وَزَيْدِ بنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: دَخَلْتُ مَنْزِلَ قَاسِمِ بنِ يَزِيْدَ، فَرَأَيْتُ خُرْنُوباً فِي زَاوِيَةِ البَيْتِ، كَانَ يَتَقَوَّتُ مِنْهُ، وَسَيْفاً، وَمُصْحفاً. قَالَ: وَرُئِيَ قَاسِمٌ كَأَنَّ المَوْصِلَ عَلَى كَتِفِهِ، قَدْ أَخَذَهَا مِنْ كَتِفِ فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ، فَفَسَّرَهَا قَاسِمٌ عَلَى رَجُلٍ عَابرٍ، فَقَالَ: المَوْصِلُ يَقُوْمُ بِفَتْحٍ، فَيَمُوْتُ، وَيَقُوْمُ بِكَ. قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ قَاسِمٌ يَحْفَظُ المَسَائِلَ وَالحَدِيْثَ، قَالَ لَنَا المُعَافَى: اسْمَعُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ الأَمِيْنُ المَأْمُوْنُ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُغِيْرَةِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ بِشْرٍ الحَافِي: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَصْحَابُ سُفْيَانَ، فَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْضِيْلِ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ. فَقَالَ بِشْرٌ: رُزِقَ المُعَافَى شُهرَةً، وَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ قَاسِمٍ الجَرْمِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 قَالَ هِشَامُ بنُ بَهْرَامَ: سَمِعْتُ قَاسِماً الجَرْمِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قَالَ عَلِيٌّ الخَوَّاصُ: تُوُفِّيَ قَاسِمٌ الجَرْمِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ أَشْهَدْ جِنَازَتَهُ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، وَالمُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ العَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ بِسَامَرَّاءَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ صَدَقَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ، اتَّخَذَتْ أَهْلُهُ خِرْقَةً، فَإِذَا فَرَغَ، نَاوَلَتْهُ، فَمَسَحَ عَنْهُ الأَذَى، وَمَسَحَتْ، ثُمَّ صَلَّيَا فِي ثَوْبِهِمَا ذَاكَ) (1) . 79 - حُذَيْفَةُ بنُ قَتَادَةَ المَرْعَشِيُّ * أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ. صَحِبَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَرَوَى عَنْهُ. قَالَ رَفِيْقُهُ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ أَصَبْتُ مَنْ يُبْغِضُنِي عَلَى الحقِيْقَةِ فِي اللهِ، لأَوجَبتُ عَلَى نَفْسِي حُبَّهُ.   (1) إسناده ضعيف لضعف صدقة، وهو ابن عبد الله السمين، ضعفه أحمد، والبخاري، وابن معين، والنسائي، والدارقطني. (*) " حلية الأولياء " 8 / 267، صفة الصفوة 4 / 268، 269. (2) " حليلة الأولياء " 8 / 268. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 وَقَالَ ابْنُ خُبَيْقٍ: قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ يُعَذِّبَكَ اللهُ عَلَى أَفْضَلِ عَمَلِكَ، فَأَنْتَ هَالِكٌ (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: أَعْظَمُ المَصَائِبِ قَسَاوَةُ القَلْبِ. وَعَنْهُ: جِمَاعُ الخَيْرِ فِي حَرْفَينِ: حِلُّ الكِسْرَةِ، وَإِخْلاَصُ العَمْلِ للهِ. 80 - أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ (2) السُّفْيَانِيُّ * الأَمِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِأَبِي العَمَيْطَرِ. كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَشَيْخَهُم فِي زَمَانِهِ، بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ بِدِمَشْقَ زَمَنَ الأَمِيْنِ، وَغَلَبَ عَلَى دِمَشْقَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَدَارُهُ غَرْبِيِّ الرَّحْبَةِ كَانَتْ. حَكَى عَنِ: المَهْدِيِّ، وَابْنِ عُلاَثَةَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُسْهِرٍ. قَالَ الهَيْثَمُ بنُ مَرْوَانَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ قُرَيْشٍ أَثِقُ بِهِ، يَقُوْلُ: سَأَلَ المَهْدِيُّ ابْنَ عُلاَثَةَ: لِمَ رَدَدْتَ شَهَادَةَ ابْنِ إِسْحَاقَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى جُمُعَةً وَلاَ جَمَاعَةً. فَسَأَلْتُ أَبَا مُسْهِرٍ:   (1) " حلية الأولياء " 8 / 268. (2) " حلية الأولياء " 8 / 270. (*) نسب قريش: 131، الطبري 8 / 415، الكامل لابن الأثير 6 / 249، العبر 1 / 317، 318، دول الإسلام 1 / 123، البداية 10 / 227، شذرات الذهب 1 / 342. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَتْ أُمُّ أَبِي العَمَيْطَرِ هِيَ نَفِيْسَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقِيْلَ: كَانَ يَفتَخِرُ، وَيَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ شَيْخَيْ صِفِّيْنَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَأَلَهُم مَرَّةً: مَا كُنْيَةُ الحِرْذَونِ (2) ؟ قُلْنَا: لاَ نَدْرِي. قَالَ: أَبُو العَمَيْطَرِ. فَلَقَّبْنَاهُ بِهِ، فَكَانَ يَغْضَبُ. وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو العَمَيْطَرِ يَفتَخِرُ، يَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ العِيْرِ، وَابْنُ النَّفِيْرِ، وَأَنَا ابْنُ شَيْخَيْ صِفِّينَ، ... ثُمَّ يَنْتَسِبُ. وَقِيْلَ: كَانَ يَسْكُنُ المِزَّةَ، فَخَرَجَ بِهَا وَهُوَ ابْنُ تِسْعِيْنَ سَنَةً. ابْنُ جَوْصَا: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عَامِرٍ، سَمِعْتُ الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ غَيْرَ مَرَّةٍ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ إِلاَّ يَوْمٌ، لَخَرَجَ السُّفْيَانِيُّ. قَالَ مُوْسَى: فَخَرَجَ أَبُو العَمَيْطَرِ فِيْهَا. وَرَوَى: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ نَحْوَهُ عَنِ الوَلِيْدِ. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لِلْهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ: كَيْفَ كَانَ مَخْرَجُ السُّفْيَانِيِّ بِدِمَشْقَ أَيَّامَ ابْنِ زُبَيْدَةَ، بَعْدَ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ؟ فَوَصَفَهُ بِهَيْئَةٍ جَمِيْلَةٍ، وَعُزْلَةٍ لِلشَّرِّ، ثُمَّ ظُلْمٍ، وَأَرَادُوْهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِرَاراً، فَأَبَى، فَحَفَرَ لَهُ خَطَّابُ بنُ وَجْهِ الفُلْسِ سِرْباً، ثُمَّ دَخَلُوْهُ فِي اللَّيْلِ، وَنَادَوْهُ: اخْرُجْ، فَقَدْ آنَ لَكَ. قَالَ: هَذَا شَيْطَانٌ، ثُمَّ فِي ثَانِي لَيْلَةٍ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، وَخَرَجَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: أَفسَدُوْهُ.   (1) " الكامل " لابن الأثير 6 / 249. (2) دويبة شبيهة بالضب. وقيل: هو ذكر الضب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 وَقِيْلَ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ دِمَشْقَ عَقِيْبَ فِتْنَةٍ وَعَصَبِيَّةٍ بَيْنَ العَرَبِ، وَكَانُوا بَنُو أُمَيَّةَ يَرْوُوْنَ فِي أَبِي العَمَيْطَرِ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّ فِيْهِ العَلاَمَاتِ، وَأَنَّ (كَلْباً) أَنْصَارُهُ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَتَوَدَّدَهُم، وَخَافُوا مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ بَيْهَسٍ، فَاندَسُّوا إِلَى سُلَيْمَانَ، وَكَثُرُوا عَلَى ابْنِ بَيْهَسٍ، فَحَبَسَهُ، فَتَمَكَّنُوا، وَوَثبُوا، وَأَحَاطُوا بِسُلَيْمَانَ وَهُوَ فِي قَصْرِ الحَجَّاجِ، فَبَعَثَ إِلَى ابْنِ بَيْهَسٍ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ بِالقَصْرِ، فَخَرَجَ بِهِ، وَهَرَبَا عَلَى البَرِّيَّةِ. وَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ فِي اليَمَانِيَّةِ، تَتَبَّعُوا القَيْسِيَّةَ، وَحَرَّقُوا دُورَهُم، وَقَتَلُوا فِي بَنِي سُلَيمٍ، وَتَابَعَهُ أَهْلُ الغُوطَةِ، وَحِمْصَ، وَحَلَبَ، وَالسَّوَاحِلَ، وَهَرَبَتْ قَيْسٌ، وَكَانَ الحَرَسُ يُنَادُوْنَ عَلَى السُّورِ: يَا عَلِيُّ، يَا مُخْتَارُ، يَا مَنِ اخْتَارَهُ الجَبَّارُ عَلَى بَنِي العَبَّاسِ الأَشْرَارِ. وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ، ثُمَّ هَرَبَ، وَخَلَعَ نَفْسَهُ، وَاخْتَفَى، وَمَاتَ. 81 - أَبُو جَعْفَرٍ هَارُوْنُ ابْنُ المَهْدِيِّ الرَّشِيْدُ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ هَارُوْنُ ابْنُ المَهْدِيِّ مُحَمَّدِ ابْنِ المَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ. اسْتُخْلِفَ بِعَهْدٍ مَعْقُودٍ لَهُ بَعْدَ الهَادِي مِنْ أَبِيْهِمَا المَهْدِيِّ، فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، بَعْدَ الهَادِي.   (*) تاريخ خليفة 437، 461، المعارف: 381، 383، المعرفة والتاريخ 1 / 161، 182، الاخبار الطوال: 386، 387، تاريخ اليعقوبي 3 / 139، الطبري 8 / 230، تاريخ بغداد 14 / 5، الكامل لابن الأثير 6 / 106، المختصر في أخبار البشر 1 / 305، العبر 1 / 312، دول الإسلام 1 / 113، 121، تاريخ الخلفاء: 283، شذرات الذهب 1 / 334. وراجع ما جاء في أول كتاب الخراج لأبي يوسف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ المَأْمُوْنُ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مِنْ أَنبَلِ الخُلَفَاءِ، وَأَحشَمِ المُلُوْكِ، ذَا حَجٍّ، وَجِهَادٍ، وَغَزْوٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَرَأْيٍ. وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: خَيْزُرَانُ. وَكَانَ أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، جَمِيْلاً، وَسِيْماً، إِلَى السِّمَنِ، ذَا فَصَاحَةٍ وَعِلْمٍ وَبَصَرٍ بِأَعبَاءِ الخِلاَفَةِ، وَلَهُ نَظَرٌ جَيِّدٌ فِي الأَدَبِ وَالفِقْهِ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيبُ. أَغزَاهُ أَبُوْهُ بِلاَدَ الرُّوْمِ، وَهُوَ حَدَثٌ فِي خِلاَفَتِهِ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ: بِالرَّيِّ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي خِلاَفَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مائَةَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَتَصَدَّقُ بِأَلفٍ، وَكَانَ يُحِبُّ العُلَمَاءَ، وَيُعَظِّمُ حُرُمَاتِ الدِّيْنِ، وَيُبْغِضُ الجِدَالَ وَالكَلاَمَ، وَيَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ وَلَهْوِهِ وَذُنُوبِهِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا وُعِظَ. وَكَانَ يُحِبُّ المَدِيحَ، وَيُجِيْزُ الشُّعَرَاءَ، وَيَقُوْلُ الشِّعْرَ (1) . وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً ابْنُ السَّمَّاكِ الوَاعِظُ، فَبَالغَ فِي إِجْلاَلِهِ، فَقَالَ: تَوَاضُعُكَ فِي شَرَفِكَ، أَشْرَفُ مِنْ شَرَفِكَ ... ، ثُمَّ وَعَظَهُ، فَأَبكَاهُ (2) . وَوَعَظَهُ الفُضَيْلُ مَرَّةً، حَتَّى شَهِقَ فِي بُكَائِهِ.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 6، 7. (2) " تاريخ الخلفاء " للسيوطي 284. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 وَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ، حَزِنَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ لِلْعَزَاءِ، فَعَزَّاهُ الأَكَابِرُ. وَكَانَ يَقْتَفِي آثَارَ جَدِّهِ، إِلاَّ فِي الحِرْصِ. قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ: مَا ذَكَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيْدِ إِلاَّ قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِي. وَرَوَيْتُ لَهُ حَدِيْثَهُ: (وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَحْيَى، ثُمَّ أُقْتَلَ (1)) . فَبَكَى حَتَّى انْتَحَبَ. وَعَنْ خُرَّزَاذَ العَابِدِ، قَالَ: حَدَّثَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الرَّشِيْدَ بِحَدِيْثِ (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوْسَى (2) ... ) ، فَقَالَ رَجُلٌ شَرِيْفٌ: فَأَيْنَ لَقِيَهُ؟ فَغَضِبَ الرَّشِيْدُ، وَقَالَ: النِّطْعَ وَالسَّيْفَ، زِنْدِيقٌ يَطعَنُ فِي الحَدِيْثِ. فَمَا زَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ يُسَكِّنُهُ وَيَقُوْلُ: بَادِرَةٌ مِنْهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! حَتَّى سَكَنَ (3) . وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، قَالَ: صَبَّ عَلَى يَدَيَّ بَعْدَ الأَكْلِ شَخْصٌ لاَ أَعْرِفُهُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: تَدْرِي مَنْ يَصُبُّ عَلَيْكَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أَنَا؛ إِجْلاَلاً لِلْعِلْمِ (4) . وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ وَأَمَرَ لِي بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ:   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 7، والحديث قطعة من حديث طويل أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 6 / 12 في الجهاد: باب تمني الشهادة، و13 / 187 في التمني: باب ما جاء في تمني الشهادة، ومسلم (1876) (103) ، و (106) في الامارة: باب فضل الشهادة، وابن ماجة (2753) في الجهاد، وأحمد 2 / 231، 424. (2) أخرجه أحمد 2 / 287 و314، ورواه البخاري 11 / 441 في القدر: باب تحاج آدم وموسى، ومسلم (2652) في القدر: باب حجاج آدم وموسى، ومالك 2 / 898 في القدر: باب النهي عن القول بالقدر، وأبو داود (4701) في السنة: باب في القدر، والترمذي (2134) في القدر، وابن ماجة في المقدمة (80) كلهم من طريق أبي هريرة. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 7 - 8، و" المعرفة والتاريخ " للفسوي 2 / 181. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 8. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 وَقِّرْنَا فِي المَلأِ، وَعَلِّمْنَا فِي الخَلاَءِ. سَمِعَهَا: أَبُو حَاتِمٍ مِنَ الأَصْمَعِيِّ (1) . قَالَ الثَّعَالبِيُّ فِي (اللَّطَائِفِ) : قَالَ الصُّوْلِيُّ: خَلَّفَ الرَّشِيْدُ مائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ المَسْعُوْدِيُّ فِي (مُرُوْجِهِ) : رَامَ الرَّشِيْدُ أَنْ يُوصِلَ مَا بَيْنَ بَحرِ الرُّوْمِ، وَبَحرِ القُلْزُمِ مِمَّا يَلِي الفَرَمَا (2) ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ: كَانَ يَختَطِفُ الرُّوْمُ النَّاسَ مِنَ الحَرَمِ، وَتَدْخُلُ مَرَاكِبُهُم إِلَى الحِجَازِ. وَعَنْ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ: أَنَّ الرَّشِيْدَ أَجَازَهُ مَرَّةً بِمَائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ مَعَ الفُضَيْلِ بِمَكَّةَ، فَمَرَّ هَارُوْنُ، فَقَالَ الفُضَيْلُ: النَّاسُ يَكرَهُوْنَ هَذَا، وَمَا فِي الأَرْضِ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْهُ، لَوْ مَاتَ، لَرَأَيْتُ أُمُوْراً عِظَاماً (3) . يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ لَيْثٍ الوَاسِطِيُّ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُوْلُ: مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوْتُ أَشَدُّ عَلَيَّ مَوْتاً مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ زَادَ مِنْ عُمُرِي فِي عُمُرِهِ. قَالَ: فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا مَاتَ هَارُوْنُ، وَظَهَرَتِ الفِتَنُ، وَكَانَ مِنَ المَأْمُوْنِ مَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَى خَلْقِ القُرْآنِ، قُلْنَا: الشَّيْخُ كَانَ أَعْلَمَ بِمَا تَكَلَّمَ (4) . قَالَ الجَاحِظُ: اجْتَمَعَ لِلرَّشِيْدِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ، وُزَرَاؤُهُ:   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 9. (2) الفرما: بليدة بنواحي مصر، وبحر القلزم هو البحر الاحمر، وبحر الروم هو البحر الابيض المتوسط، وكأنه يشير إلى مشروع يربط بين هذين البحرين، والذي نفذ بحفر قناة السويس. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 12. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 البَرَامِكَةُ، وَقَاضِيهِ: القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ، وَشَاعِرُهُ: مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَنَدِيْمُهُ: العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ عَمُّ وَالِدِهِ، وَحَاجِبُهُ: الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ أَتْيَهُ النَّاسِ، وَمُغَنِّيهِ: إِبْرَاهِيْمُ المَوْصِلِيُّ، وَزَوْجَتُهُ: زُبَيْدَةُ. قِيْلَ: إِنَّ هَارُوْنَ أَعْطَى ابْنَ عُيَيْنَةَ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَعْطَى مَرَّةً أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ سِتَّةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَمَحَاسِنُهُ كَثِيْرَةٌ، وَلَهُ أَخْبَارٌ شَائِعَةٌ فِي اللَّهوِ، وَاللَّذَاتِ، وَالغِنَاءِ، اللهُ يَسْمَحُ لَهُ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أُرَاهُ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ المُخْتَلفَ فِيْهِ (1) ، لاَ الخَمْرَ المُتَّفَقَ عَلَى حُرْمَتِهَا. قَالَ: ثُمَّ جَاهَرَ جِهَاراً قبِيْحاً. قُلْتُ: حَجَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَهُ فُتُوحَاتٍ وَمَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ، وَمِنْهَا فَتحُ مَدِيْنَةِ هِرَقْلَةَ (2) ، وَمَاتَ غَازِياً بِخُرَاسَانَ، وَقَبْرُهُ بِمَدِيْنَةِ طُوْسَ، عَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَدُهُ صَالِحٌ. تُوُفِّيَ: فِي ثَالِثِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَزَرَ لَهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ مُدَّةً، وَأَحْسَنَ إِلَى العَلَوِيَّةِ، وَحَجَّ سَنَةَ (173) ، وَعَزَلَ عَنْ خُرَاسَانَ جَعْفَرَ بنَ أَشْعَثَ بِوَلَدِهِ العَبَّاسِ بنِ جَعْفَرٍ، وَحَجَّ أَيْضاً فِي العَامِ الآتِي، وَعَقَدَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ لِوَلَدِهِ الأَمِيْنِ صَغَيْراً، فَكَانَ أَقبَحُ وَهْنٍ تَمَّ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَرْضَى الأُمَرَاءَ بِأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ، وَتَحَرَّكَ   (1) أنظر " نصب الراية " 4 / 302، 304. (2) هي مدينة ببلاد الروم سميت بهرقلة بنت الروم، وكان الرشيد غزاها بنفسه، ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمى بالنار والنفط حتى غلب أهلها. انظر " تاريخ الطبري " 8 / 320، والاخبار الطوال 391. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 عَلَيْهِ بِأَرْضِ الدَّيْلَمِ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ الحُسَيْنِيُّ (1) ، وَعَظُمَ أَمرُهُ، وَبَادرَ إِلَيْهِ الرَّافِضَةُ، فَتَنَكَّدَ عَيْشُ الرَّشِيْدِ، وَاغتَمَّ، وَجَهَّزَ لَهُ الفَضْلَ ابْنَ وَزِيْرِهِ فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَخَارَتْ قِوَى يَحْيَى، وَطَلَبَ الأَمَانَ، فَأَجَابَه، وَلاَطَفَهُ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ، وَحَبَسَهُ، ثُمَّ تَعَلَّلَ، وَمَاتَ. وَيُقَالُ: نَالَهُ مِنَ الرَّشِيْدِ أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَثَارَ بِالشَّامِ أَبُو الهِنْدَامِ المُرِّيِّ. وَاصطَدَمَتْ قَيْسٌ وَيَمَنٌ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، فَولَّى مُوْسَى بنَ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ، فَجَاءَ، وَأَصلَحَ بَيْنَهُم. وَفِي سَنَةِ (175) : وَلَّى خُرَاسَانَ الغِطْرِيْفَ بنَ عَطَاءٍ (2) ، وَوَلَّى مِصْرَ جَعْفَراً البَرْمَكِيَّ، وَاشتَدَّ الحَرْبُ بَيْنَ القَيْسِيَّةِ وَاليَمَانِيَّةِ بِالشَّامِ، وَنَشَأَ بَيْنَهُم أَحقَادٌ وَإِحَنٌ إِلَى اليَوْمِ، وَافْتَتَحَ العَسْكَرُ مَدِيْنَةَ دَبَسَةَ (3) . وَفِي سَنَةِ (77) (177) : عُزِلَ جَعْفَرٌ عَنْ مِصْرَ، وَوُلِّيَ أَخُوْهُ الفَضْلُ خُرَاسَانَ مَعَ سِجِسْتَانَ وَالرَّيِّ، وَحَجَّ الرَّشِيْدُ (4) . وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: هَاجَتِ الحَوْفُ بِمِصْرَ، فَحَاربَهُم نَائِبُ مِصْرَ إِسْحَاقُ، وَأَمَدَّهُ الرَّشِيْدُ بِهَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ، ثُمَّ وَلِيَهَا هَرْثَمَةُ، ثُمَّ عُزِلَ بِعَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحٍ العَبَّاسِيِّ (5) . وَهَاجَتِ المَغَارِبَةُ، فَقَتَلُوا أَمِيْرَهُمُ الفَضْلَ بنَ رَوْحٍ المُهَلَّبِيَّ، فَسَارَ   (1) انظر خبر خروجه في " تاريخ الطبري " 8 / 242. (2) انظر " الاخبار الطوال " ص 387. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 320. (4) انظر هذا الخبر في " الطبري " 8 / 255، والبداية 10 / 171. (5) انظر للتوسع في هذه الاخبار " تاريخ الطبري " 8 / 256، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 141، و" تاريخ خليفة " 415. والحوف بمصر حوفان شرقي وغربي، يشتملان على بلدان وقرى كثيرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 إِلَيْهِم هَرْثَمَةُ، فَهَذَّبَهُم. وَثَارَ بِالجَزِيْرَةِ الوَلِيْدُ بنُ طَرِيْفٍ الخَارِجِيُّ، وَعَظُمَ، وَكَثُرَتْ جُيُوْشُهُ، وَقَتَلَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَازِمٍ الأَمِيْرَ، وَأَخَذَ إِرْمِيْنِيَةَ، وَعَدَلَ عَنِ الخَبْرِ (1) . وَغَزَا الفَضْلُ بِجَيْشٍ عَظِيْمٍ مَا وَرَاءَ النَّهرِ، وَمَهَّدَ المَمَالِكَ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، جَوَاداً، رُبَّمَا وَصَلَ الوَاحِدَ بِأَلفِ أَلفٍ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ خُرَاسَانَ مَنْصُوْرٌ الحِمْيَرِيُّ، وَعَظُمَ الخَطبُ بِابْنِ طرِيْفٍ، ثُمَّ سَارَ لِحَرْبِهِ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ، حَتَّى بَيَّتَه وَقَتَلَهُ، وَمَزَّقَ جُمُوْعَهُ. وَفِي سَنَةِ (79) (179) : اعْتَمَرَ الرَّشِيْدُ فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى إِحرَامِهِ إِلَى أَنْ حَجَّ مَاشِياً مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ (2) . وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ بَيْنَ قَيْسٍ وَيَمَنٍ بِالشَّامِ، وَسَالَتِ الدِّمَاءُ. وَاسْتَوطَنَ الرَّشِيْدُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ الرَّقَّةَ، وَعَمَرَ بِهَا دَارَ الخِلاَفَةِ. وَجَاءتِ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي رَمَتْ رَأْسَ مَنَارَةِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وَخَرَجَتِ المُحَمِّرَةُ بِجُرْجَانَ (3) . وَغَزَا الرَّشِيْدُ، وَوَغَلَ فِي أَرْضِ الرُّوْمِ، فَافْتَتَحَ الصَّفْصَافَ، وَبَلَغَ جَيْشُهُ أَنْقرَةَ (4) . وَاسْتَعفَى يَحْيَى وَزِيْرُهُ، وَجَاوَرَ سَنَةً، وَوَثَبَتِ الرُّوْمُ، فَسَمَلُوا   (1) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 256، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 141. (2) " تاريخ الخلفاء ": 288. (3) المحمرة: فرقة من الخرمية - وهم أتباع بابك المخرمي - يخالفون المبيضة. (4) " الطبري " 8 / 268، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 158. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 مَلِكَهُم قُسْطَنْطِيْنَ، وَمَلَّكُوا أُمَّهُ (1) . وَفِي (183) : خَرَجتِ الخَزْرُ، وَكَانَتْ بِنْتُ مَلِكِهِم قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا الفَضْلُ البَرْمَكِيُّ، فَمَاتَتْ بِبَرْذَعَةَ. فَقِيْلَ: قُتِلَتْ غِيلَةً (2) ، فَخَرَجَ الخَاقَانُ مِنْ بَابِ الأَبْوَابِ، وَأَوْقَعَ بِالأُمَّةِ، وَسَبَوْا أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَتَمَّ عَلَى الإِسْلاَمِ أَمْرٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَارَتْ جُيُوْشُ هَارُوْنَ، فَدَفَعُوا الخَزْرَ، وَأَغلَقُوا بَابَ أَرْمِيْنِيَةَ الَّذِي فِي الدَّرْبَنْدِ. وَفِي سَنَةِ (185) : ظَهَرَ بِعَبَّادَانَ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، وَبِنَاحِيَةِ البَصْرَةِ، وَبُوْيِعَ، ثُمَّ عَجَزَ وَهَرَبَ، وَطَالَ اخْتِفَاؤُه أَزْيَدَ مِنْ سِتِّيْنَ عَاماً. وَثَارَ بِخُرَاسَانَ أَبُو الخَصِيْبِ، وَتَمَكَّنَ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ مَاهَانَ، فَالتَقَوا بِنَسَا، فَقُتِلَ أَبُو الخَصِيْبِ، وَتَمَزَّقتْ عَسَاكِرُهُ (3) . وَحَجَّ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ الرَّشِيْدُ بِوَلَدَيْهِ: الأَمِيْنِ، وَالمَأْمُوْنِ، وَأَغْنَى أَهْلَ الحَرَمَيْنِ. وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: قَتَلَ الرَّشِيْدُ جَعْفَرَ بنَ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ، وَسَجَنَ أَبَاهُ وَأَقَاربَهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا رُتْبَةً لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهَا (4) . وَفِيْهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ مَعَ الرُّوْمِ، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِم نِقْفُوْرَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ جَفْنَةَ   (1) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 269، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 161، وسملوا ملكهم: أي فقؤوا عينيه. (2) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 269، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 161، والخزر: قال الخليل في كتاب " العين ": هم جيل خزر العيون من كفرة الترك، وقيل: من العجم. (3) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 275، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 174، ونسا: مدينة بخراسان قريبة من سرخس. (4) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 294، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 175، و" البداية " لابن كثير 10 / 189. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 الغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ يَتَهَدَّدُ الرَّشِيْدَ، فَاسْتَشَاطَ غَضَباً، وَسَارَ فِي جُيُوْشِهِ حَتَّى نَازلَهُ هِرَقْلَةَ، وَذلَّتِ الرُّوْمُ، وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُوْدَةً (1) . وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: كَانَتِ المَلْحَمَةُ العُظْمَى، وَقُتِلَ مِنَ الرُّوْمِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجُرِحَ النِّقْفُوْرُ ثَلاَثَ جِرَاحَاتٍ، وَتَمَّ الفِدَاءُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِي الرُّوْمِ أَسِيْرٌ (2) . وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: خَلَعَ الطَّاعَةَ رَافِعُ بنُ اللَّيْثِ، وَغَلَبَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ، وَهَزَمَ عَسْكَرَ الرَّشِيْدِ (3) . وَفِيْهَا: غَزَا الرُّوْمَ فِي مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَافْتَتَحَ هِرَقْلَةَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ نِقْفُوْرُ بِالجِزْيَةِ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَفِي سَنَةِ (191) : عَزَلَ وَالِي خُرَاسَانَ ابْنَ مَاهَانَ بِهَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ، وَصَادَرَ الرَّشِيْدُ ابْنَ مَاهَانَ، فَأَدَّى ثَمَانِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ عَاتِياً، مُتَمَرِّداً، عَسُوْفاً (4) . وَفِيْهَا: أَوَّلُ ظُهُوْرِ الخُرَّمِيَّةِ بِأَذْرَبِيْجَانَ (5) . وَسَارَ الرَّشِيْدُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ إِلَى جُرْجَانَ لِيُهَذِّبَ خُرَاسَانَ، فَنَزَلَ بِهِ المَوْتُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ (6) .   (1) انظر الخبر بطوله في " تاريخ الطبري " 8 / 307، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 184، و" البداية " لابن كثير 10 / 193. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 313، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 190، و" البداية " لابن كثير 10 / 199. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 319، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 195، و" البداية 10 / 203. (4) انظر سبب عزله في " تاريخ الطبري " 8 / 324، و" الكامل " 6 / 203، و" البداية " 10 / 206. (5) ذكر الطبري 8 / 339 تحرك الخرمية في سنة اثنتين وتسعين ومئة. وكذلك ابن الأثير في " كامله " 6 / 208، وابن كثير في " البداية " 10 / 207. (6) انظر ذكر الخبر عن موت الرشيد في " تاريخ الطبري " 8 / 342، و" الكامل " 6 / 211، و" البداية " 10 / 213. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَدٍ: فَمِنهُم تِسْعَةُ بَنِيْنَ، اسْمُهُم: مُحَمَّدٌ - أَجَلُّهُم - الأَمِيْنُ. وَالمُعْتَصِمُ. وَأَبُو عِيْسَى الَّذِي كَانَ مَلِيْحَ زَمَانِهِ بِبَغْدَادَ، وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ. وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ. وَأَبُو أَحْمَدَ، كَانَ ظرِيْفاً، نَدِيْماً، شَاعِراً، طَالَ عُمُرُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَأَبُو عَلِيٍّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (231) . وَأَبُو العَبَّاسِ، وَكَانَ بَلِيْداً، مُغَفَّلاً، دَمَّنُوْهُ مُدَّةً فِي قَوْلِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكُم، فَذَهَبَ لِيُعَزِّيَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا فَعَلَ فُلاَنٌ؟ قَالُوا: مَاتَ. قَالَ: جَيِّدٌ، وَإِيش فَعَلْتُم بِهِ؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ. قَالَ: جَيِّدٌ. وَأَبُو يَعْقُوْبَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (223) . وَتَاسِعُهُم: أَبُو سُلَيْمَانَ. ذَكَرَهُ: ابْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ (1) . 82 - وَرْشٌ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو القِبْطِيُّ * شَيْخُ الإِقْرَاءِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو سَعِيْدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ: عَدِيُّ بنُ غَزْوَانَ القِبْطِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ. قِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ. جَوَّدَ خَتَمَاتٍ عَلَى نَافِعٍ، وَلَقَّبَهُ نَافِعٌ: بِوَرْشٍ؛ لِشِدَّةِ بَيَاضِهِ، وَالوَرْشُ: لَبَنٌ يُصْنَعُ. وَقِيْلَ: لَقَّبَهُ بِطَائِرٍ اسْمُهُ وَرْشَانُ، ثُمَّ خُفِّفَ، فَكَانَ لاَ يَكرَهُهُ، وَيَقُوْلُ: نَافِعٌ أُسْتَاذِي، سَمَّانِي بِهِ.   (1) ذكر الطبري جميع ولده في " تاريخه " 8 / 360، وابن الأثير في " كامله " 6 / 216، وابن كثير في " البداية " 10 / 222. (*) معجم الأدباء 12 / 116، العبر 1 / 324، معرفة القراء 1 / 126، 128، دول الإسلام 1 / 124، طبقات القراء 1 / 502، النجوم الزاهرة 2 / 155، حسن المحاضرة 1 / 485، تاج العروس 4 / 364. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 وَكَانَ فِي شَبِيْبَتِهِ رَوَّاساً (1) ، وَكَانَ أَشْقَرَ، أَزْرَقَ، رَبْعَةً، سَمِيْناً، قَصِيْرَ الثِّيَابِ، مَاهِراً بِالعَرَبِيَّةِ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الإِقْرَاءِ. تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الحَافِظُ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي طَيْبَةَ، وَيُوْسُفُ الأَزْرَقُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ ثِقَةً فِي الحُرُوْفِ، حُجَّةً، وَأَمَّا الحَدِيْثُ، فَمَا رَأَينَا لَهُ شَيْئاً. وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ تَرْجَمَتَه فِي (أَخْبَارِ القُرَّاءِ) . قَالَ يُوْنُسُ: كَانَ جَيِّدَ القِرَاءةِ، حَسَنَ الصَّوتِ، إِذَا قَرَأَ، يَهْمِزُ، وَيَمُدُّ، وَيُشَدِّدُ، وَيُبَيِّنُ الإِعْرَابَ، لاَ يَمَلُّه سَامِعُهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ تَلاَ عَلَى نَافِعٍ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ. مَاتَ: بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 83 - أَبُو زُكَيْرٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ المَدَنِيُّ * (ت، س، ق، م) المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مُؤَدِّبُ أَوْلاَدِ أَمِيْرِ البَصْرَةِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ العَبَّاسِيِّ. رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ   (1) ذكره في " غاية النهاية " 1 / 502. وقال: وكان في أول أمره رأسا، وفي " إرشاد الاريب " 12 / 117 قال: كان في حداثة سنة رآسا، أي: رواسا، كما تقول العامة. (*) التاريخ الكبير 8 / 304، الضعفاء للعقيلي لوحة 447، الجرح والتعديل 9 / 184. الكامل لابن عدي لوحة 844، تهذيب الكمال لوحة 1516، تذهيب التهذيب 4 / 164 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 45، الكاشف 3 / 267، تهذيب التهذيب 11 / 274، خلاصة تذهيب الكمال 427. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَحَفْصٌ الرَّبَالِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَآخَرُوْنَ. خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً - فِيْمَا أَظُنُّ - لاَ فِي الأُصُوْلِ، فَإِنَّهُ لَيِّنُ الحَالِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحَادِيْثُه مُقَارَبَةٌ، سِوَى حَدِيْثَيْنِ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: لَيْسَ بِمَتْرُوْكٍ. وَقَالَ الكَوْسَجُ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِهِ مُسْتقِيْمَةٌ، إِلاَّ الأَحَادِيْثَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا. قُلْتُ: ذَكَرَ لَهُ مَا رَوَى الفَلاَّسُ، وَالنَّاسُ عَنْهُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوْعاً: (كُلُوا البَلَحَ بِالتَّمْرِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغْضَبُ وَيَقُوْلُ: عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتَّى أَكَلَ الجَدِيْدَ بِالخَلَقِ) (1) .   (1) رواه ابن ماجة (3330) في الاطعمة: باب أكل البلح بالتمر. قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 205 / 2: هذا إسناد فيه أبو زكير يحيى بن محمد بن قيس المدني، وهو ضعيف، ورواه النسائي في الوليمة عن محمد بن علي بن مقدم، عن يحيى بن محمد بن قيس به، وقال: هذا حديث منكر، ورواه الحاكم في " المستدرك " من طريق أبي عبد الله محمد التيمي، وسليمان بن داود العتكي، ونصر بن علي الجهضمي، كلهم عن أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس به، وأورده المؤلف في " ميزانه " 4 / 405، وقال: هذا حديث منكر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 بُكَيْرُ بنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَنساً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَسْتُ مِنْ دَدٍ، وَلاَ الدَّدُ مِنِّي (1)) . مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ سُهَيلاً، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ سَعْدٌ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقْرَباً لَدَغَتْه ... ، الحَدِيْثَ (2) .   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي زكير، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد " (785) من طريق محمد بن سلام، عن يحيى بن محمد، وكناه " أبا عمرو " عن عمرو مولى المطلب، عن أنس، والدد: اللهو واللعب. (2) وتمامه: فقال: " أنا إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك "، قال، فقلت هذه الكلمة ليلة من ليالي، فلدغتني، فلم تضرني. وقد قال المؤلف في " الميزان " بعد أن أورده: رواه الناس عن سهيل، فقالوا عن أبي هريرة. قلت: أخرجه ابن ماجة (3518) في الطب، وأحمد 2 / 290 و375 من طرق، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 219 / 2: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، ونسبه للنسائي في " عمل اليوم والليلة " عن إبراهيم بن يوسف الكوفي، عن عبيد الله الاشجعي، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم (2709) في الذكر والدعاء من طريق يعقوب بن عبد الله الاشج، عن القعقاع بن حكيم، عن ذكوان أبي صالح، عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود (3898) من طريق أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: سمعت رجلا من أسلم قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أصحابه، فقال: يارسول الله، لدغت الليلة، فلم أنم حتى أصبحت. قال: ماذا؟ قال: عقرب، قال: " أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك إن شاء الله ". وأخرج أحمد 6 / 377، والدارمي 2 / 289، ومسلم (2708) ، وابن السني ص 198، عن سعد بن أبي وقاص، سمعت خولة بنت حكيم السلمية تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " فحديث خولة مقيد بنزول المنزل، وحديث أبي هريرة مطلق. وأخرجه النسائي في الكبرى من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال إذا أمسى ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق، لم تضره حمة تلك الليلة " وصححه ابن حبان (2360) ، والحاكم 4 / 416، وأقره الذهبي. والحمة: السم، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة، وفي ابن حبان والمستدرك: حية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَالطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) . غَرِيْبٌ، فَرْدٌ، لَمْ يَرْوِهِ عَنِ العَلاَءِ سِوَى أَبِي زُكَيْرٍ، مَعَ أَنَّ مُسْلِماً أَخْرَجَهُ (1) مِنْ حَدِيْثِهِ، فَوَقَعَ لِي بَدَلاً عَالِياً، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيْلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي التَّوَابِعِ، لاَ فِي الأُصُوْلِ. وَمَوْتُ أَبِي زُكَيْرٍ قَبْلَ المائَتَيْنِ، أَوْ فِي حُدُوْدِهَا. قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ فِي حَدِيْثِ: (كُلُوا البَلَحَ بِالتَّمْرِ ... ) : هَذَا فَرْدٌ، شَاذٌّ، وَأَبُو زُكَيْرٍ شَيْخٌ صَالِحٌ، لاَ نَحكُمُ بِصِحَّتِهِ، وَلاَ نُضَعِّفُهُ. قُلْتُ: بَلْ نَحكُمُ بِضَعْفِهِ، وَنَكَارَةِ مِثْلِ هَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) رقم (59) (109) في الايمان: باب بيان خصال المنافق من طريق عقبة بن مكرم العمي، عن يحيى بن محمد بن قيس أبي زكير، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي (2631) في الايمان من طريق عمرو بن علي، عن يحيى بن محمد بن قيس بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 1 / 83 في الايمان: باب علامات المنافق من طريق سليمان أبو الربيع، و5 / 213 في الشهادات: باب من أمر بإنجاز الوعد من طريق قتيبة بن سعيد، و10 / 423 في الأدب من طريق ابن سلام، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (59) من طريق يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد، وأخرجه النسائي 8 / 117 من طريق علي بن حجر، عن إسماعيل، وأخرجه مسلم (59) (108) من طريق أبي بكر بن إسحاق، عن ابن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه أيضا (110) من طريقين: عن حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 84 - الخَلِيْلُ بنُ مُوْسَى البَاهِلِيُّ * شَيْخٌ، بَصْرِيٌّ، مِنَ العُلَمَاءِ. حَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَحُمَيْدٍ، وَيُوْنُسَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ عَوْنٍ. رَوَى عَنْهُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . قُلْتُ: سَكَنَ دِمَشْقَ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَهْلُهَا. 85 - ابْنُ مَغْرَاءَ أَبُو زُهَيْرٍ بنُ مَغْرَاءَ بنِ عِيَاضٍ الدَّوْسِيُّ ** (4) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو زُهِيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَغْرَاءَ بنِ عِيَاضِ بنِ الحَارِثِ الدَّوْسِيُّ، الرَّازِيُّ. وَلِيَ قَضَاءَ الأُرْدُنِّ. قَالَهُ: الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ. حَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبَالعِرَاقِ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.   (*) الجرح والتعديل 3 / 380، ميزان الاعتدال 1 / 668، لسان الميزان 2 / 410، تهذيب ابن عساكر 5 / 178. (1) " الجرح والتعديل " 3 / 381. (* *) التاريخ الكبير 5 / 355، الجرح والتعديل 5 / 290، الكامل لابن عدي لوحة 460، تهذيب الكمال لوحة 819، تذهيب التهذيب 2 / 228 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 592، الكاشف 2 / 186، تهذيب التهذيب 6 / 274، خلاصة تذهيب الكمال: 235. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ الفَرَّاءُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجٌ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ وَكِيْعاً عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ، فَقَالَ: طَلَبَ الحَدِيْثَ قَبْلَنَا وَبَعدَنَا (1) . وَقَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ابْنُ مَغْرَاءَ طَلاَّبَةً -يَعْنِي: لِلْعِلْمِ-. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنَ الضُّعَفَاءِ الَّذِيْنَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُم، لَهُ عَنِ الأَعْمَشِ مَا لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ. 86 - مُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحَلَبِيُّ * (م، 4، خَ مَقْرُوْناً) مَوْلَى بَنِي كَلْبٍ. حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَتَمَّامِ بنِ نَجِيْحٍ، وَحَسَّانِ بنِ نُوْحٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَدُحَيْمٌ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، ثُمَّ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ مائَتَيْنِ.   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 290. (*) طبقات ابن سعد 7 / 471، طبقات خليفة ت 3049، التاريخ الكبير 8 / 11، الجرح والتعديل 8 / 343، تهذيب الكمال لوحة 1301، تذهيب التهذيب 4 / 21 / 1، العبر 1 / 334، ميزان الاعتدال 3 / 433، الكاشف 3 / 118، تهذيب التهذيب 10 / 31، خلاصة تذهيب الكمال: 368، شذرات الذهب 1 / 359. (2) طبقات ابن سعد 7 / 471. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 قُلْتُ: تَكَلَّمَ فِيْهِ بَعْضُهُم بِلاَ حُجَّةٍ. 87 - مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، القَانِتُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّنْعَانِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ. وَعَنْهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ، وَكَانَ صَوَّاماً، قَوَّاماً، قَانِتاً للهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: الفَضْلُ، وَالعِبَادَةُ، وَالصِّدْقُ -رَحِمَهُ اللهُ- (1) . 88 - مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الخَوْلاَنِيُّ مَوْلاَهُمْ * (د، ت، س) الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو سَعِيْدٍ - وَقِيْلَ: أَبُو إِسْحَاقَ - الوَاسِطِيُّ، الخَوْلاَنِيُّ مَوْلاَهُمْ.   (*) طبقات خليفة: ت 2671، الجرح والتعديل 7 / 217، تهذيب الكمال: لوحة 1180، تذهيب التهذيب 3 / 193 / 2، الكاشف 3 / 27، تهذيب التهذيب 9 / 87، خلاصة تذهيب الكمال: 330. (1) " الجرح والتعديل " 5 / 290. (* *) العلل لأحمد: 221، تاريخ ابن معين: 542، طبقات ابن سعد 7 / 314، طبقات خليفة: ت 3192، التاريخ الكبير 1 / 260، التاريخ الصغير 2 / 251، الجرح والتعديل 8 / 126، تهذيب الكمال: لوحة 1290، تذهيب التهذيب 4 / 12 / 2، العبر 1 / 300، الكاشف 3 / 109، تهذيب التهذيب 9 / 527، خلاصة تذهيب الكمال: 365، شذرات الذهب 1 / 320. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ أَبِي العَلاَءِ القَصَّابِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَمُجَالدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَبِشْرُ بنُ مَطَرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ وَكِيْعٌ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ، فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: اخْتَلَفُوا فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ: فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ - وَلَمْ يَصِحَّ -: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. 89 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عِمْرَانَ المُزَنِيُّ * (خَ، ت، ق) الوَاسِطِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي وَاسِطَ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُرَيْشِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 315، الجرح والتعديل 7 / 226، تهذيب الكمال: لوحة 1187، تذهيب التهذيب 3 / 197 / 2، الكاشف 3 / 33، تهذيب التهذيب 9 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 332. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 90 - أَمَّا : مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ * الَّذِي سَكَنَ وَاسِطَ. وَحَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَطَائِفَةٌ. فَهُوَ وَاهٍ جِدّاً. 91 - مَعْنُ بنُ عِيْسَى بنِ يَحْيَى بنِ دِيْنَارٍ المَدَنِيُّ ** (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو يَحْيَى المَدَنِيُّ، القَزَّازُ، مَوْلَى أَشْجَعَ. وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) تاريخ ابن معين: 510، التاريخ الكبير 1 / 66، الضعفاء للعقيلي: لوحة 375، الجرح والتعديل 7 / 225، تهذيب الكمال: لوحة 1187، تذهيب التهذيب 3 / 198 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 514، الكاشف 3 / 33، تهذيب التهذيب 9 / 120، خلاصة تذهيب الكمال: 333. (* *) تاريخ ابن معين: 578، طبقات ابن سعد 5 / 437، تاريخ خليفة: 468، طبقات خليفة: ت 2498، التاريخ الكبير 7 / 390، التاريخ الصغير 2 / 284، 285، الجرح والتعديل 8 / 277، تهذيب الكمال: لوحة 1357، تذهيب التهذيب 4 / 59 / 1، العبر 1 / 327، تذكرة الحفاظ 1 / 332، الكاشف 3 / 166، الديباج المذهب: 347، تهذيب التهذيب 10 / 252، طبقات الحفاظ: 139، خلاصة تذهيب الكمال: 384، شذرات الذهب 1 / 355. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، وَأَبِي الغُصْنِ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ، وَأُبَيِّ بنِ عَبَّاسِ بنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَخَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ العُمَرِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ، وَمُوْسَى بنِ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُؤَمَّلِ، وَسَعِيْدِ بنِ السَّائِبِ الطَّائِفِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَّالِ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ - فِيْمَا قِيْلَ - وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ السِّمْسَارُ، وَالحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُولٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ العَطَّارُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَتبتُ عَنْ مَعْنٍ شَيْئاً. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ مَعْناً يَقُوْلُ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يُجِيْبُ العِرَاقِيِّينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الحَدِيْثِ، حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الحَدِيْثِ فِي (المُوَطَّأِ) سَمِعْتُهُ مِنْ مَالِكٍ، إِلاَّ مَا اسْتَثْنَيْتُ أَنِّي عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الحَدِيْثِ عَرَضْتُهُ عَلَى مَالِكٍ، إِلاَّ مَا اسْتَثْنَيتُ أَنِّي سَأَلتُهُ عَنْهُ (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَوْثَقُهُم: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَهُوَ   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 278. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَمِنِ ابْنِ وَهْبٍ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ مَعْنٌ يُعَالِجُ القَزَّ بِالمَدِيْنَةِ، وَيَشْتَرِيهِ، وَكَانَ لَهُ غِلمَانُ حَاكَةٌ، وَكَانَ يَشْتَرِي، وَيُلْقِي إِلَيْهِم. ثُمَّ قَالَ: مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، ثَبْتاً، مَأْمُوْناً (2) . وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ البَزَّارُ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِهِ، وَزَادَ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ بنِ صِرْمَا، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يُصَافِحُ امْرَأَةً قَطُّ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ فِي جَمْعِهِ حَدِيْثَ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ (3) . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي (الطَّبَقَاتِ) : كَانَ مَعْنٌ يَتَوَسَّدُ عَتَبَةَ مَالِكٍ، فَلاَ يَلْفِظُ مَالِكٌ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَتَبَهُ، وَكَانَ رَبِيْبَهُ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ (المُوَطَّأَ) لِلرَّشِيْدِ وَبَنِيْهِ عَلَى مَالِكٍ. قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا مَعْنُ بنُ عِيْسَى أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ سَمِعَهَا مِنْ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللهُ- (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 278. (2) " طبقات ابن سعد " 5 / 437. (3) إسناده صحيح. (4) طبقات الفقهاء للشيرازي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 92 - الطَّائِفِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ القُرَشِيُّ * (ع) الإِمَامُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ القُرَشِيُّ، الطَّائِفِيُّ، الأَدَمِيُّ، الحَذَّاءُ، الخَزَّازُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ، شَيْخٌ مُسِنٌّ، مُحَدِّثٌ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عَنْهُ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ (1) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلاً فَاضِلاً، كُنَّا نَعُدُّه مِنَ الأَبْدَالِ، وَكَانَ إِذَا رَكِبَ حِمَاراً، أَوْ دَابَّةً، لاَ يَقُوْلُ لَهُ: اغْدُ، إِنَّمَا يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: رَأَيْتُهُ يَخْلِطُ فِي الأَحَادِيْثِ، فَتَرَكْتُهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) .   (*) تاريخ ابن معين: 648، طبقات ابن سعد 5 / 500، طبقات خليفة: ت 2599، التاريخ الكبير 8 / 279، التاريخ الصغير 2 / 278، المعرفة والتاريخ 3 / 51، الضعفاء والمتروكين: 109، الضعفاء للعقيلي: لوحة 442، الجرح والتعديل 9 / 156، تهذيب الكمال: لوحة 1501، تذهيب التهذيب 4 / 157 / 1، العبر 1 / 320، ميزان الاعتدال 4 / 383، تذكرة الحفاظ 1 / 326، الكاشف 3 / 257، تهذيب التهذيب 11 / 426، طبقات الحفاظ: 137، خلاصة تذهيب الكمال: 424، شذارت الذهب 1 / 344. (1) " طبقات ابن سعد " 5 / 500. (2) ونقل الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 451 عن النسائي قوله: ليس به بأس، وهو = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 قَالَ أَحْمَدُ البَزِّيُّ: مَاتَ يَحْيَى بن سُلَيْمٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 93 - سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ أَبُو قُتَيْبَةَ الخُرَاسَانِيُّ * (خَ، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، أَبُو قُتَيْبَةَ الخُرَاسَانِيُّ، الفِرْيَابِيُّ، الشَّعِيْرِيُّ (1) ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَاحْتجَّ بِهِ: البُخَارِيُّ.   = منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر. وقال الساجي: أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله ابن عمر. وقال يعقوب بن سفيان: كان رجلا صالحا، وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه، فحديثه حسن، وإذا حدث حفظا، فتعرف وتنكر. قلت (القائل ابن حجر) : لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئا، بل ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، " يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم. " الحديث، وله أصل عنده من غير هذا الوجه، واحتج به الباقون. (*) تاريخ ابن معين: 233، تاريخ خليفة: 407، 423، 432، طبقات خليفة: ت 1940، التاريخ الكبير 4 / 158، التاريخ الصغير 2 / 298، المعارف: 407، الضعفاء للعقيلي: لوحة 173، الجرح والتعديل 4 / 266، تهذيب الكمال: لوحة 532، تذهيب التهذيب 2 / 38 / 2، العبر 1 / 332، ميزان الاعتدال 2 / 186، الكاشف 1 / 381، تهذيب التهذيب 4 / 133، خلاصة تذهيب الكمال: 146، شذرات الذهب 1 / 358، تهذيب ابن عساكر 6 / 329. (1) في الأصل: الشعري، والتصحيح من " التهذيب " والأنساب 7 / 352، وهي نسبة إلى بيع الشعير، وإلى باب الشعير، وهو محلة معروفة بالكرخ، وإلى الأول ينسب صاحب الترجمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 تُوُفِّيَ: سَنَةَ مائَتَيْنِ. 94 - صَفْوَانُ بنُ عِيْسَى أَبُو مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، البَصْرِيُّ، القَسَّامُ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، صَالِحاً (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَتَيْنِ (2) . 95 - مُوَرِّجُ بنُ عَمْرٍو أَبُو فَيْدٍ السَّدُوْسِيُّ ** العَلاَّمَةُ، شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، أَبُو فَيْدٍ السَّدُوْسِيُّ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 294، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 1931، التاريخ الكبير 4 / 309، التاريخ الصغير 2 / 284، الجرح والتعديل 4 / 425، تهذيب الكمال: لوحة 611، تذهيب التهذيب 2 / 95 / 1، العبر 1 / 333، الكاشف 2 / 30، تهذيب التهذيب 4 / 429، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 1 / 359. (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 294. (2) " التاريخ الكبير " 4 / 309. (* *) التاريخ الكبير 8 / 71، المعارف: 543، مراتب النحويين: 67، المؤتلف والمختلف: 54، جمهرة أنساب العرب: 299، تاريخ بغداد 13 / 258، نزهة الالباء 179، معجم الأدباء 7 / 193، إنباه الرواة 3 / 327، وفيات الأعيان 5 / 304، بغية الوعاة: 400، المزهر 2 / 232. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 رَوَى عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ. أَخَذَ عَنِ الأَعْرَابِ. وَكَانَ يُعَدُّ مَعَ سِيْبَوَيْه، وَالنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ. وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْفَ، مِنْهَا: (غَرِيْبُ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (جَمَاهِيْرِ القَبَائِلِ) ، وَكِتَابُ (المَعَانِي) ، وَأَشْيَاءُ سِوَى ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، يَوْمَ مَوْتِ أَبِي نُوَاسٍ الشَّاعِرِ. وَيُقَالُ: مَاتَ بَعْدَ المائَتَيْنِ، بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ ذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ. 96 - حَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ فُرُّوْخٍ البَلْخِيُّ * (س) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي خُرَاسَانَ، أَبُو عُمَرَ البَلْخِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحَنَفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَسَلَمَةُ بنُ   (1) الفراهيدي، اللغوي الأديب، واضع علم العروض وصاحب كتاب " العين " في اللغة المتوفى سنة 170 هـ، وقد تقدمت ترجمته. (*) التاريخ الكبير 2 / 367، التاريخ الصغير 2 / 283، الجرح والتعديل 3 / 176، تهذيب الكمال: لوحة 307، تذهيب التهذيب 1 / 163 / 2، العبر 1 / 329، ميزان الاعتدال 1 / 560، الكاشف 1 / 241، تهذيب التهذيب 2 / 404، خلاصة تذهيب الكمال: 87، شذرات الذهب 1 / 356. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الخُزَاعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمَشٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَسَنٍ الذُّهْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ أَبُوْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ فُرُّوْخِ بنِ فَضَالَةَ البَلْخِيُّ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ نَيْسَابُوْرَ، فِي أَيَّامِ قُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ الأَمِيْرِ، وَهُوَ مِنَ الكُوْفَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَحَفْصٌ هُوَ أَفْقَهُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ الخُرَاسَانِيَّةِ، وَقَدْ وَلِيَ القَضَاءَ، ثُمَّ نَدِمَ، وَأَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ، وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَزُورُه. وَقَالَ فِيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ فِيْهِ الفِقْهُ، وَالوَقَارُ، وَالوَرَعُ. ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سِكَّةُ حَفْصٍ بِالبَلَدِ مَنْسُوْبَةٌ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ إِذَا قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ، يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِهِ ... ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ الحَاكِمُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ غَرَائِبَ، وَأَفْرَادٍ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ: النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ) . وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَقَالَ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَفْصٍ: مَاتَ أَبِي فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. 97 - شَبَطُوْنُ أَبُو عَبْدِ اللهِ زِيَادُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ * الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، مُفْتِي الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ زِيَادُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 176، ووصفه الحافظ في " التقريب " بقوله: صدوق عابد. (*) تاريخ علماء الأندلس: 154، جذوة المقتبس: 218، ترتيب المدارك 2 / 349، بغية الملتمس: 280، العبر 1 / 313، الديباج المذهب 1 / 370، نفح الطيب 2 / 45، شذرات الذهب 1 / 329، شجرة النور الزكية 1 / 63. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 بنِ زِيَادِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زُهَيْرِ بنِ نَاشِرَةَ اللَّخْمِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ. سَمِعَ مِنْ: مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ القَاضِي، وَتَزَوَّجَ بِابْنَتِهِ. وَمِنْ: مُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَأَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَبِهِ تَفَقَّهَ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ أَوَّلاً. وَكَانَ إِمَاماً، عَالِماً، وَرِعاً، نَاسِكاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، أَرَادَهُ هِشَامٌ صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ عَلَى القَضَاءِ، فَأَبَى، وَتَعَنَّتَ، وَكَانَ هِشَامٌ يُكْرِمُهُ، وَيَخلُو بِهِ، وَيَسْأَلُه. قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ: كُنَّا عِنْدَ زِيَادٍ، إِذْ جَاءهُ كِتَابٌ مِنْ بَعْضِ المُلُوْكِ، فَكَتَبَ فِيْهِ، وَخَتَمَهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا زِيَادٌ: إِنَّهُ سَأَلَ عَنْ كَفَّتَي المِيْزَانِ: أَمِنْ ذَهَبٍ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ؟ فكَتَبتُ إِلَيْهِ: (مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ (1)) . مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ.   (1) اقتباس من حديث حسن رواه الترمذي (2318) في الزهد من حديث أبي هريرة، ورواه مالك في الموطأ 2 / 903 في حسن الخلق: باب ما جاء في حسن الخلق، والترمذي (2319) في الزهد عن علي بن الحسين مرسلا، ورواه الطبراني في " الأوسط " عن زيد بن ثابت، وابن عساكر عن الحارث بن هشام، والحاكم في " تاريخه " عن علي بن أبي طالب، وأبو أحمد الحاكم في " الكنى " عن أبي ذر، وهو الحديث الثاني عشر من الأربعين النووية. وقد شرحه الحافظ ابن رجب شرحا نفيسا في " جامع العلوم والحكم " ص 105، 111 فراجعه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 98 - شَقِيْقٌ أَبُو عَلِيٍّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَزْدِيُّ البَلْخِيُّ * الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو عَلِيٍّ شَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَزْدِيُّ، البَلْخِيُّ. صَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ. وَرَوَى عَنْ: كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُبُلِّيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَبَّادِ بنِ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ المُسْتَمْلِي، وَحَاتِمٌ الأَصَمُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ البَلْخِيُّ، وَغَيْرُهُم. وَهُوَ نَزْرُ الرِّوَايَةِ. رُوِيَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: كَانَتْ لِجَدِّي ثَلاَثُ مائَةِ قَرْيَةٍ، ثُمَّ مَاتَ بِلاَ كَفَنٍ. قَالَ: وَسَيْفُهُ إِلَى اليَوْمِ يَتَبَارَكُوْنَ بِهِ، وَقَدْ خَرَجَ إِلَى بِلاَدِ التُّركِ تَاجِراً، فَدَخَلَ عَلَى عَبَدَةِ الأَصْنَامِ، فَرَأَى شَيْخَهُم قَدْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَكُم خَالِقٌ وَصَانِعٌ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ يُوَافِقُ قَوْلُكَ فِعْلَكَ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: زَعَمْتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ تَعَنَّيْتَ إِلَى هَا هُنَا تَطلُبُ الرِّزْقَ، وَرَازِقُكَ ثَمَّ، فَكَانَ هَذَا سَبَبَ زُهْدِي.   (*) تاريخ ابن معين: 259، الجرح والتعديل 4 / 373، طبقات الصوفية: 61 - 66، حلية الأولياء 8 / 58، صفة الصفوة 4 / 159، وفيات الأعيان 2 / 275، العبر 1 / 315، ميزان الاعتدال 2 / 279، دول الإسلام 1 / 123، فوات الوفيات 2 / 105، مرآة الجنان 1 / 445، الجواهر المضية 1 / 258، شذرات الذهب 1 / 341، تهذيب تاريخ ابن عساكر 6 / 329 - 335. (1) حلية الأولياء 8 / 59. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 وَعَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: كُنْتُ شَاعِراً، فَرَزَقَنِي اللهُ التَّوبَةَ، وَخَرَجْتُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَبِسْتُ الصُّوفَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلاَ أَدْرِي أَنِّي مُرَاءٍ حَتَّى لَقِيْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ، فَقَالَ: لَيْسَ الشَّأْنُ فِي أَكْلِ الشَّعِيْرِ، وَلُبْسِ الصُّوفِ، الشَّأْنُ أَنْ تَعْرِفَ اللهَ بِقَلْبِكَ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَرضَى عَنِ اللهِ، وَأَنْ تَكُوْنَ بِمَا فِي يَدِ اللهِ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ (1) . وَعَنْهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَاشَ مائَتَيْ سَنَةٍ لاَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَرْبَعَةَ، لَمْ يَنْجُ: مَعرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ النَّفْسِ، وَمَعْرِفَةُ (2) أَمرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، وَمَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ النَّفْسِ (3) . وَقَدْ جَاءَ عَنْ شَقِيْقٍ مَعَ تَأَلُّهِهِ وَزُهْدِهِ، أَنَّهُ كَانَ مِنْ رُؤُوْسِ الغُزَاةِ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ، عَنْ حَاتِمٍ الأَصَمِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ شَقِيْقٍ وَنَحْنُ مُصَافُّو العَدُوِّ التُّرْكِ، فِي يَوْمٍ لاَ أَرَى إِلاَّ رُؤُوْساً تَنْدُرُ (4) ، وَسُيُوْفاً تَقْطَعُ، وَرِمَاحاً تَقْصِفُ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى نَفْسَكَ، هِيَ مِثْلُ لَيْلَةِ عُرْسِكَ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللهِ. قَالَ: لَكِنِّي أَرَى نَفْسِي كَذَلِكَ. ثُمَّ نَام بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عَلَى دَرَقَتِهِ (5) ، حَتَّى غَطَّ، فَأَخَذَنِي تُرْكِيٌّ، فَأَضْجَعَنِي لِلذَّبْحِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطْلُبُ السِّكِّينَ مِنْ خُفِّهِ، إِذْ جَاءهُ سَهْمٌ عَائِرٌ ذَبَحَهُ (6) .   (1) " حلية الأولياء " 8 / 59. (2) في الأصل: بمعرفة. (3) " حلية الأولياء " 8 / 60. (4) أي: تسقط. (5) الدرقة: هي الترس المصنوع من الجلد بلا خشب. (6) الخبر في " حلية الأولياء " 8 / 64، وسهم عائر: أي لا يدري راميه، وينشد: إذا انتسؤوا فوت الرماح أتتهم * عوائر نبل كالجراد نظيرها قال ابن بري: عوائر نبل، أي: جماعة سهام متفرقة لا يدرى من أين أتت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: مَثَلُ المُؤْمِنِ، مَثَلُ مَنْ غَرَسَ نَخْلَةً، يَخَافُ أَنْ تَحْمِلَ شَوْكاً، وَمَثَلُ المُنَافِقِ مَثَلُ مَنْ زَرَعَ شَوْكاً، يَطْمَعُ أَنْ يَحْمِلَ تَمْراً، هَيْهَاتَ (1) . وَعَنْهُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الضَّيْفِ؛ لأَنَّ رِزْقَهُ عَلَى اللهِ، وَأَجرَهُ لِي. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا شَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُ فِي الآخِرَةِ، المُدَاوِمُ عَلَى العِبَادَةِ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. وَعَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: أَخَذْتُ لِبَاسَ الدُّوْنِ عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخَذْتُ الخُشُوْعَ مِنْ إِسْرَائِيْلَ، وَأَخَذْتُ العِبَادَةَ مِنْ عَبَّادِ بنِ كَثِيْرٍ، وَالفِقْهَ مِنْ زُفَرَ. وَعَنْهُ: عَلاَمَةُ التَّوبَةِ البُكَاءُ عَلَى مَا سَلَفَ، وَالخَوْفُ مِنَ الوُقُوْعِ فِي الذَّنْبِ، وَهِجْرَانُ إِخْوَانِ السُّوْءِ، وَمُلاَزَمَةُ الأَخْيَارِ (3) . وَعَنْهُ: مَنْ شَكَا مُصِيْبَةً إِلَى غَيْرِ اللهِ، لَمْ يَجِدْ حَلاَوَةَ الطَّاعَةِ (3) . وَقَالَ الحَاكِمُ: قَدِمَ شَقِيْقٌ نَيْسَابُوْرَ فِي ثَلاَثِ مائَةٍ مِنَ الزُّهَّادِ، فَطَلَبَ المَأْمُوْنُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ، فَامْتَنَعَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا الإِرْبِلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الخلِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المَحَامِلِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شَقِيْقٌ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو   (1) " حلية الأولياء " 8 / 71. (2) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 334. (3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 334. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 هَاشِمٍ الأُبُلِّيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا ابْنَ آدَمَ! لاَ تَزُوْلُ قَدَمَاكَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى تُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عُمُرِكَ فِيْمَا أَفْنَيْتَهُ؟ وَجَسَدِكَ فِيْمَا أَبْلَيْتَهُ؟ وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ؟ وَأَيْنَ أَنْفَقْتَهُ (1) ؟) . أَبُو هَاشِمٍ هُوَ كَثِيْرٌ: وَاهٍ. وَقُتِلَ شَقِيْقٌ فِي غَزَاةِ كُوْلاَنَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (2) . 99 - زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ أَبُو مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَمْثَالِهِم.   (1) إسناده ضعيف لضعف أبي هاشم، واسمه كثير بن عبد الله السامي الناجي، مترجم في " التهذيب " و" الميزان ". وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 73 من طريق الحسين بن داود بهذا الإسناد. ومتن الحديث صحيح، فقد أخرجه الترمذي (2417) في صفة القيامة من طريق عبد الله بن عبد الرحمن، عن الأسود بن عامر، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن سعيد بن عبد الله بن جريج، عن أبي برزة الاسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، وأخرجه الخطيب البغدادي في " اقتضاء العلم العمل " رقم (1) ، والدارمي 1 / 135، وأبو نعيم في " الحلية " 10 / 232 وفي الباب عن ابن مسعود عند الترمذي (2416) ، والطبراني في " الصغير " (745) والخطيب في " تاريخه " 12 / 440، وعن معاذ بن جبل عند الخطيب في " الاقتضاء " رقم (2) ، وتاريخ بغداد 11 / 441. (2) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 335. وكولان ضبطه ياقوت بضم الكاف، وقال: بليدة طيبة في حدود بلاد الترك من ناحية بما وراء النهر. (*) تاريخ ابن معين: 183، التاريخ الكبير 3 / 395، الجرح والتعديل 3 / 575، تهذيب الكمال: لوحة 456، تذهيب التهذيب 1 / 252 / 1، الكاشف 1 / 339، تهذيب التهذيب 3 / 413، خلاصة تذهيب الكمال: 128. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، وَأَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَسَعِيْدُ بنُ أَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَابْنُهُ؛ هَارُوْنُ بنُ زَيْدٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ عِنْدَهُ (جَامِعُ سُفْيَانَ) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : يُغْرِبُ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: لَمْ أَرَ فِي الفَضْلِ مِثْلَ: زَيْدٍ، وَالمُعَافَى، وَقَاسِمٍ الجَرْمِيِّ. وَرَوَى: بِشْرٌ الحَافِي، عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: مَا سَأَلْتُ أَحَداً شَيْئاً مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عِيَالٌ، وَخَافَ عَلَى دِيْنِهِ، فَلْيَهْرُبْ. قُلْتُ: يَهرُبُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ، وَقَدْ هَرَبَ زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَنَزَلَ الرَّمْلَةَ أَشْهُراً، وَكَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ، مِنْ أَصْدِقَاءِ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ. يُقَالُ: إِنَّهُ غَزَا، فَأَسَرَهُ العَدَوُّ، وَمَاتَ فِي الأَسرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ - وَالأَوَّلُ أَصَحُّ -. 100 - سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ بنِ بُرْدِ بنِ أَسْلَمَ البَجَلِيُّ الكُوْفِيُّ * القَاضِي، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الصَّلْتِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي شِيْرَازَ، مِنْ مَوَالِي جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ. أَقَامَ بِشِيْرَازَ، وَنَشَرَ بِهَا حَدِيْثَهُ.   (*) التاريخ الكبير 3 / 483، التاريخ الصغير 1 / 25، وفيهما " سعيد " بدل " سعد "، الجرح والتعديل 4 / 86، العبر 1 / 320، شذرات الذهب 1 / 345. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَعِيْسَى بنِ عُمَرَ، وَأَبَانِ بنِ تَغْلِبَ، وَطَبَقَتِهِم. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسِبْطُهُ؛ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانُ (1) . سَأَل عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ سَعْدٌ؟ قَالُوا: وَلِيَ قَضَاءَ شِيْرَازَ. قَالَ: دُرَّةٌ وَقَعَ فِي الحُشِّ (2) . قُلْتُ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ، وَمَا عَلِمتُ لأَحَدٍ فِيْهِ جَرْحاً. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَحْمُوْدِيُّ، وَجَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ البُرْجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يَحُجَّا، جَزَى عَنْهُمَا وَعَنْهُ، وَنُشِرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللهِ بَرّاً) (3) .   (1) هو كما في " الجرح والتعديل " 2 / 211: إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عمر بن زيد النهشلي المعروف بشاذان الفارسي ابن ابنة سعد بن الصلت قاضي فارس، روى عن جده أبي أمه سعد بن الصلت، وأبي داود الطيالسي، والاسود بن عامر، كتب إلى أبي وإلي وهو صدوق. (2) هو المخرج والمتوضأ، سمي به، لانهم كانوا يذهبون في البساتين لقضاء الحاجة فيها. (3) في معجم " الطبراني الكبير " برقم (5083) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا المحاربي عن سلام بن مسكين، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 غَرِيْبٌ جِدّاً. وَعِيْسَى هَذَا: هُوَ الكُوْفِيُّ المُقْرِئُ، صَدُوْقٌ. تُوُفِّيَ سَعْدُ بنُ الصَّلْتِ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 101 - القَدَّاحُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ المَكِّيُّ * (د، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ المَكِّيُّ، القَدَّاحُ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ، وَكَانَ مُرْجِئاً.   = عمن حدثه، عن عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حج عن أبيه أو عن أمه أجزأ ذلك عنه وعنهما " قال الهيثمي في " المجمع " 2 / 283،: وفيه راو لم يسم. (*) تاريخ ابن معين: 200، طبقات خليفة: ت 2600، التاريخ الكبير 3 / 482، الضعفاء الصغير: 50، المعرفة والتاريخ 3 / 54، الضعفاء للعقيلي: لوحة 151، الجرح والتعديل 4 / 31، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 320، اللباب 3 / 17، تهذيب الكمال: لوحة 492، تذهيب التهذيب 2 / 19 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 139، الكاشف 2 / 361، العقد الثمين 4 / 564، تهذيب التهذيب 4 / 35، خلاصة تذهيب الكمال: 138. (1) تاريخ يحيى بن معين: 200. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ سَالِمٍ قَالَ لابْنِ عَجْلاَنَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَنَا لَمْ أَرْفَعِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، أَكُوْنُ نَاقِصَ الإِيْمَانِ؟ فَقَالَ: هَذَا مُرْجِئٌ، مَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: فَلَمَّا قُمْنَا، عَاتَبْتُهُ، فَرَدَّ عَلَيَّ القَوْلَ. فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَقِفَ، فَتَقُوْلَ: يَا أَهْلَ الطَّوَافِ، إِنَّ طَوَافَكُم لَيْسَ مِنَ الإِيْمَانِ، وَأَقُوْلَ أَنَا: بَلْ هُوَ مِنَ الإِيْمَانِ، فَنَنْظُرَ مَا يَصْنَعُوْنَ؟ قَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تُشَهِّرَنِي؟ قُلْتُ: فَمَا تُرِيْدُ إِلَى قَوْلٍ إِذَا أَظهَرْتَه شَهَّرَكَ (1) ؟ قُلْتُ: وَفَاتُهُ قَرِيْبَةٌ مِنْ وَفَاةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. 102 - أَمَّا : عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحُ المَكِّيُّ (ت) مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ. فَيَرْوِي عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَعِدَّةٌ. ضَعَّفُوهُ.   (1) سبق أن ذكرنا غير مرة أن هذا النوع من الارجاء لا يعد قدحا في حق القائل به. وقد قال المؤلف في ترجمة مسعر بن كدام في " الميزان ": الارجاء مذهب العدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قائله. (*) التاريخ الكبير 5 / 206، الضعفاء والمتروكين: 64، الضعفاء للعقيلي: لوحة 222، الجرح والتعديل 5 / 172، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 21، تهذيب الكمال: لوحة 747، تذهيب التهذيب 2 / 191 / 20، ميزان الاعتدال 2 / 512، الكاشف 2 / 136، العقد الثمين 5 / 292، تهذيب التهذيب 6 / 49، خلاصة تذهيب الكمال: 216. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 103 - سَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ * الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ: سَلْمٌ البَلْخِيُّ فِي زَمَانِهِ، كَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مُطَاعاً، أَمَّاراً بِالمَعْرُوْفِ، فَأَقْدَمَهُ الرَّشِيْدُ، فَحَبَسَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الرَّشِيْدُ، أُطْلِقَ. قَالَ: وَكَانَ مُرْجِئاً، ضَعِيْفاً (2) . قَالَ الخَطِيْبُ: مَذْكُوْرٌ بِالعِبَادَةِ، وَالزُّهْدِ، مُرْجِئٌ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ اللُّؤْلُؤِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ سَلْمَ بنَ سَالِمٍ مَكَثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَم يَرْفَعْ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَمْ يُرَ مُفْطِراً، وَلَمْ يُرَ لَهُ فِرَاشٌ (3) .   (*) تاريخ ابن معين 222، طبقات ابن سعد 7 / 374، طبقات خليفة: ت 3147، الضعفاء والمتروكين: 47، الضعفاء للعقيلي: لوحة 173، الجرح والتعديل 4 / 266، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 344، تاريخ بغداد 9 / 140، العبر 1 / 316، ميزان الاعتدال 2 / 185، لسان الميزان 3 / 62. (1) " تاريخ بغداد " 9 / 141. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 374. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 141. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ سَجَنَهُ، لأَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْتُ، لَضَرَبْتُ الرَّشِيْدَ بِمائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ. وَعَنْهُ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنْ أَلْقَى اللهَ بِعَمَلِ مَنْ مَضَى، وَأَنْ أَقُوْلَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ (1) . وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: دَعَانِي الرَّشِيْدُ لأُحَدِّثُه، فَقُلْتُ: سَلْمٌ هَبْهُ لِي. فَعَرَفْتُ مِنْهُ الغَضَبَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى رَأْيِكَ فِي الإِرْجَاءِ. فَكَلَّمتُهُ، فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ قُيُودِهِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأَيْتُ سَلْماً أَتَى أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ صَدِيْقَهُ، وَكَانَ عَبْداً صَالِحاً، لَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ، كَانَ لاَ يَحْفَظُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. تُوُفِّيَ سَلْمٌ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي الثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ سَعْدَانَ (3) . 104 - الغَازِيُّ بنُ قَيْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْدَلُسِيُّ * الإِمَامُ، شَيْخُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْدَلُسِيُّ، المُقْرِئُ.   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 143. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 142. (3) هو سعدان بن نصر بن منصور الثقفي البزاز، واسمه سعيد والغالب عليه سعدان، وثقه الدارقطني، وقال أبو حاتم: صدوق. مترجم في " الجرح والتعديل " 4 / 290، 291، وتاريخ بغداد 9 / 205، 206. (*) طبقات النحويين للزبيدي: 276 - 278، تاريخ علماء الأندلس: 345، جذوة المقتبس: 324، ترتيب المدارك 1 / 347، الديباج المذهب 2 / 136، غاية النهاية 2 / 4، بغية الوعاة 2 / 240، شجرة النور الزكية 1 / 63. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَتَلاَ عَلَيْهِ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ، وَأَصْبَغُ بنُ خَلِيْلٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ الغَازِ، وَآخَرُوْنَ. وَحَفِظَ (المُوَطَّأَ) . وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: قرَأَ عَلَى نَافِعٍ، وَضَبَطَ عَنْهُ اخْتِيَارَهُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَدخَلَ قِرَاءةَ نَافِعٍ وَ (مُوَطَّأَ مَالِكٍ) إِلَى الأَنْدَلُسِ. وَعَنْهُ، قَالَ: عَرَضْتُ مُصْحَفِي هَذَا بِمُصْحَفِ نَافِعٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ مَرَّةً. رَوَى القِرَاءةَ عَنِ الغَازِي: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ إِمَاماً صَالِحاً، عَابِداً، مُتَهَجِّداً، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، حَاذِقاً بِرَسْمِ المُصْحَفِ، كَانَ يَقُوْلُ: مَا كَذَبتُ مُنْذُ احْتَلَمتُ. قَالَ الدَّانِيُّ: هُوَ قُرْطُبِيٌّ. وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: كَانَ مِنْ أَهْلِ إِفْرِيْقِيَةَ. وَعَنْ أَصْبَغَ بنِ خَلِيْلٍ، سَمِعَ الغَازِيَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا كَذَبتُ كِذبَةً قَطُّ مُنْذُ اغْتَسَلتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ قَالَهُ، مَا قُلْتُهُ (1) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ الغَازِيُّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) " ترتيب المدارك " 1 / 348. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 105 - القَاسِمُ بنُ مَالِكٍ أَبُو جَعْفَرٍ المُزَنِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو جَعْفَرٍ المُزَنِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ عَائِذٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ العِجْلِيُّ. وَأَخْرَجَا حَدِيْثَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (2) . وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: لاَ وَجْهَ لِتَضْعِيْفِهِ، بَلْ مَا هُوَ فِي إِتْقَانِ غُنْدَرٍ (3) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى لَهُ الجَمَاعَةُ، سِوَى أَبِي دَاوُدَ.   (*) تاريخ ابن معين: 482، طبقات ابن سعد 6 / 390، التاريخ الكبير 7 / 171، الجرح والتعديل 7 / 121، تهذيب الكمال: لوحة 1116، تذهيب التهذيب 3 / 150 / 2. ميزان الاعتدال 3 / 378، الكاشف 2 / 393، تهذيب التهذيب 7 / 332، خلاصة تذهيب الكمال: 313. (1) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 435: ليس له في البخاري سوى حديث واحد أخرجه مفرقا في الحج والاعتصام والكفارات من روايته عن الجعيد بن عبد الرحمن، عن السائب بن يزيد، قال: كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم، قال: وكان السائب قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ما يتابعه في الحج أيضا من طريق أخرى عن السائب. (2) نص كلام أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 7 / 122، صالح الحديث ليس بالمتين. ونقل الحافظ في المقدمة ص 435 توثيقه عن يحيى بن معين، وأحمد، وأبي داود وجماعة. (3) هو محمد بن جعفر تقدمت ترجمته في الصفحة (98) من هذا الجزء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 106 - سَالِمُ بنُ نُوْحٍ البَصْرِيُّ العَطَّارُ * (م، د، ت، س) مُحَدِّثٌ، صَدُوْقٌ. رَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَشَبَابٌ، وَبُنْدَارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَفْصٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَتَبْنَا عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ بَعْدَ المائَتَيْنِ (2) . 107 - ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّمْلِيُّ ** (4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، مُحَدِّثُ فِلَسْطِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّمْلِيُّ،   (*) تاريخ ابن معين: 188، التاريخ الكبير 4 / 120، التاريخ الصغير 2 / 297، الضعفاء والمتروكين: 46، الجرح والتعديل 4 / 188، تهذيب الكمال: لوحة 466، تذهيب التهذيب 2 / 4 / 2، الكاشف 1 / 345، تهذيب التهذيب 3 / 443، خلاصة تذهيب الكمال: 142. (1) " الجرح والتعديل " 4 / 188. (2) " التاريخ الصغير " 2 / 297. (* *) العلل لأحمد بن حنبل: 380، طبقات ابن سعد 7 / 471، طبقات خليفة: ت 3048، التاريخ الكبير 4 / 337، الجرح والتعديل 4 / 467، تهذيب ابن عساكر 7 / 36، تهذيب الكمال لوحة 620، تذهيب التهذيب 2 / 100 / 1، العبر 1 / 337، ميزان الاعتدال 2 / 330، تذكرة الحفاظ 1 / 353، الكاشف 2 / 38، تهذيب التهذيب 4 / 460، طبقات الحفاظ: 150، خلاصة تذهيب الكمال: 137. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 مَوْلَى المُحَدِّثِ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَمَلَةَ، مَوْلَى آلِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ القُرَشِيِّ. وَقِيْلَ: مَوْلَى غَيْرِهِم. وضَمْرَةُ: دِمَشْقِيُّ الأَصْلِ. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وَإِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي حَمَلَةَ - مَوْلاَهُ - وَعُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَخُلَيْدِ بنِ دَعْلَجٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَوْذَبٍ، وَالسَّرِيِّ بنِ يَحْيَى البَصْرِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بَكْرٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ كَعْبٍ العَكِّيِّ، وَرَجَاءِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ - شَيْخُهُ - وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَصَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ ذَكْوَانَ، وَعَبْدَةُ بنُ مَوْهَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ هَاشِمٍ، وَإِدْرِيْسُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي الرَّبَابِ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الفَاخُوْرِيُّ، وَأَبُو الأَصْبَغِ مُحَمَّدُ بنُ سِمَاعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَهْدِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، وَمَوْهَبٌ؛ وَلَدُ يَزِيْدَ بنِ مَوْهَبٍ المَذْكُوْرِ، وَالوَلِيْدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ العَطَّارُ الرَّمْلِيُّوْنَ، وَأَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِمْصِيُّ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: ضَمْرَةُ رَجُلٌ صَالِحٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ مِنَ الثِّقَاتِ المَأْمُوْنِيْنَ، لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِ رَجُلٌ يُشْبِهُهُ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ بَقِيَّةَ، بَقِيَّةُ كَانَ لاَ يُبَالِي عَمَّنْ حَدَّثَ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.   (1) " العلل " لأحمد بن حنبل: 380. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ. قَالَ آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعقَلَ لِمَا يَخرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْ ضَمْرَةَ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، خَيِّراً، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: مَاتَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ فَقِيْهَهُم فِي زَمَانِهِ، مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ إِمْلاَءً سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الرَّمْلِيَّانِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإِحْرَامِهِ، وَطَيَّبْتُهُ لإِحْلاَلِهِ بِطِيْبٍ لاَ يُشْبِهُ طِيْبَكُم هَذَا. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي حَدِيْثِهِ: تَعْنِي: لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ. تَفَرَّد بِهِ: ضَمْرَةُ. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (3) ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ.   (1) " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 6 / 37. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 471. (3) 5 / 137 في المناسك: باب إباحة الطيب عند الاحرام، من طريق أبي عمير عيسى بن محمد بهذا الإسناد، وإسناده قوي، وتأويل أحد الرواة قول عائشة: " بطيب لا يشبه طيبكم " بأنه لا بقاء له، يرده رواية مسلم (1191) ، والترمذي (917) من طريق منصور = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 108 - النَّضْرُ بنُ شُمَيْلِ بنِ خَرَشَةَ بنِ زَيْدٍ المَازِنِيُّ * (ع) ابْنِ كُلْثُوْمِ بنِ عَنَزَةَ بنِ زُهَيْرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُجْرِ بنِ خُزَاعِيِّ بنِ مَازِنِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمٍ - وَقِيْلَ: إِنَّ يَزِيْدَ بَدَلَ زَيْدٍ - بنِ كُلْثُوْمِ بنِ عَنَزَةَ بنِ عُرْوَةَ بنِ جُلْهمَةَ بنِ جَحْدَرِ بنِ خُزَاعِيِّ بنِ مَازِنِ بنِ مَالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمِ بنِ مُرِّ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ. العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ المَازِنِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، نَزِيْلُ مَرْوَ، وَعَالِمُهَا. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   = ابن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة " بطيب فيه مسك " ولمسلم (1190) (45) ، وأبي داود (1746) من طريق الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قالت عائشة: " كأني أنظر إلى وبيص المسك "، وللبخاري 10 / 309 في اللباس، ومسلم (1190) (44) من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، عن عائشة: " بأطيب ما أجد " وللطحاوي 2 / 130 من طريق نافع، عن ابن عمر عن عائشة " بالغالية الجيدة " وهذا يدل على أن قولها " بطيب لا يشبه طيبكم " أي: أطيب منه، لا كما فهمه القائل: يعني ليس له بقاء. واستدل بهذا الحديث على استحباب التطيب عند إرادة الاحرام، وجواز استدامته بعد الاحرام، وأنه لا يضر بقاء لون الطيب ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الاحرام، وهو قول الجمهور. (*) طبقات ابن سعد: 7 / 373، طبقات خليفة: ت 3145، التاريخ الكبير 8 / 90، التاريخ الصغير 2 / 302، المعارف: 542، الجرح والتعديل 8 / 477، مراتب النحويين: 66، طبقات النحويين واللغويين 53 - 54، الفهرست لابن النديم 226، جهرة الأنساب: 211، إنباه الرواة 3 / 348، نزهة الالباء: 85، معجم الأدباء 19 / 238، وفيات الأعيان 5 / 397، تهذيب الكمال: 1410، تذهيب التهذيب 4 / 95 / 2، العبر 1 / 342، ميزان الاعتدال 4 / 258، تذكرة الحفاظ 1 / 314، الكاشف 3 / 203، دول الإسلام 1 / 127، البداية والنهاية 10 / 255، طبقات القراء لابن الجوزي 2 / 341، تهذيب التهذيب 10 / 437، طبقات الحفاظ: 131، بغية الوعاة 2 / 316، خلاصة تذهيب الكمال: 401، شذرات الذهب: 2 / 7 الرسالة المستطرفة: 41. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالهِرْمَاسِ بنِ حَبِيْبٍ، وَالنَّهَاسِ بنِ قَهْمٍ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَأَبِي نَعَامَةَ العَدَوِيِّ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَهْمَسٍ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَلْمٍ المَصَاحِفِيُّ، وَبَيَانُ بنُ عَمْرٍو البُخَارِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مَعْبَدٍ السِّنْجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ القُشَيْرِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ (1) . حَمْدُوَيْه بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَاقَانَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، فَقَالَ: دُرَّةٌ بَيْنَ مَرْوَيْنِ ضَائِعَةٌ -يَعْنِي: كُورَةَ مَرْوَ، وَكُورَةَ مَرْوَ الرُّوْذَ (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 477. (2) وتعرف بمرو الصغرى تمييزا لها عن مرو الشاهجان التي تقع على بعد (160) ميلا عنها، وهي تقع على نهر مرغاب داخلة الآن في حدود تركستان شمال بلاد الافغان، ويقع = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، فَقَالَ: ذَاكَ أَحَدُ الأَحَدَيْنِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ يُدَانِيْه. ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: كَانَ النَّضْرُ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ وَالحَدِيْثِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِمَرْوَ وَجَمِيْعِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ شُعْبَةَ، وَخَرَّجَ كُتُباً كَثِيْرَةً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ، وَلِيَ قَضَاءَ مَرْوَ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ: فِي كِتَابِ الخَلِيْلِ كَذَا وَكَذَا مَسْأَلَةُ كُفْرٍ. وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: سُئِلَ النَّضْرُ عَنِ الكِتَابِ الَّذِي يُنسَبُ إِلَى الخَلِيْلِ، وَيُقَالُ لَهُ: كِتَابُ (العَيْنِ) ، فَأَنْكَرَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: لَعَلَّهُ أَلَّفَه بَعْدَك؟ فَقَالَ: أَوَ خَرَجْتُ مِنَ البَصْرَةِ حَتَّى دَفَنْتُ الخَلِيْلَ بنَ أَحْمَدَ (2) ؟ أَحْمَدُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ: خَرَجَ بِي أَبِي مِنْ مَرْوَ   = بقربها بلد يسمى قصر الاحنف، نسبة إلى الاحنف بن قيس القائد المظفر الذي افتتح تلك الناحية وضمها إلى حظيرة الإسلام في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه سنة 32 هـ، ولمرو شهرة عظيمة في التاريخ الإسلامي بما أنجبت من علماء عظام من القرن الأول للهجرة وحتى نهاية القرن السادس الهجري. (1) تهذيب الكمال 1411، وانظر بغية الوعاة 2 / 317. (2) في قوله هذا وقفة، فإنه قد قال هو عن نفسه: أقمت بالبادية أربعين سنة، وهذا يعني أنه غاب عن الخليل غيبة طويلة كان بمقدوره أن يؤلف فيها كتبا لا كتابا، وقد ذكروا في تصانيف النضر بن شميل كتاب " المدخل إلى العين "، والمحققون من أهل العلم باللغة يرون أن الخليل بن أحمد قد تمثل منهج الكتاب في ذهنه، واستحضر مواده، وشرع فيه، ورتب أوائله، ولكنه لم يكمله، وإنما أكمله من بعده الليث بن نصر، وبقية تلامذته، ومن في طبقته. وقد روى أبو الطيب اللغوي في " مراتب النحويين " عن ثعلب أنه قال: إنما وقع الغلط في كتاب " العين "، لان الخليل رسمه ولم يحشه، ولو كان حشاه ما بقي فيه شيء، لان الخليل رجل لم ير مثله، وقد حشا الكتاب قوم علماء، إلا أنه لم يؤخذ عنهم رواية، وإنما وجد بنقل الوراقين، ولذلك اختل الكتاب. وانظر تفصيل القول في ذلك في " المعجم العربي نشأته وتطوره " 1 / 254، 271. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 الرُّوْذَ إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ، أَوْ سِتٍّ، هَرَبَ مِنْ مَرْوَ الرُّوْذَ حِيْنَ كَانَتِ الفِتْنَةُ- يَعْنِي: ظُهُوْرَ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ -. قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّضْرَ قَبْل مَوْتِه بِقَلِيْلٍ يَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ ثَمَانِيْنَ، وَكَانَ مَرَضُهُ نَحْواً مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: وَمَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه فِي وَفَاتِهِ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَبْرُهُ بِمَرْوَ. وَكَانَ مِنْ فُصَحَاءِ النَّاسِ وَعُلَمَائِهِم بِالأَدَبِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: مَاتَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَدُفِنَ فِي أَوِّلِ المُحَرَّمِ. أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ القَارِئُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: رَمِدْتُ، فَعَادَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (يَا زَيْدُ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَيْنَيْكَ كَانَتَا لِمَا بِهِمَا؟) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِذاً أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ. فَقَالَ: (إِذاً لَقِيْتَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلاَ ذَنْبَ لَكَ) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، مِنْ حَدِيْثِ يُوْنُسَ بنِ أَبِي   (1) رقم (3102) من طريق عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع بعيني، وصححه الحاكم 2 / 342، ووافقه الذهبي. وذكر له شاهدا من حديث أنس. وأخرجه بطوله، كما أورده المصنف، أحمد 4 / 375، والطبراني في " الكبير " = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 إِسْحَاقَ. وَرَوَاهُ: الحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ فِي كِتَابِ (المُخْتَارَةِ) ، عَنْ خَالِهِ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ، فَوَافَقْنَاهُ. 109 - بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ الأَفْوَهُ البَصْرِيُّ * (ع) هُوَ: الوَاعِظُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ. سَمِعَ: مِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَزَائِدَةَ بنَ قُدَامَةَ، وَمَالِكاً، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم. وَمَا عَلِمتُ وَقَعَ لِي حَدِيْثٌ مِنْ عَوَالِيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ مُتْقِناً لِلْحَدِيْثِ عَجَباً (1) ! وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، ثَبْتٌ.   = (5052) من طريقين عن يونس بن أبي إسحاق به، وإسناده صحيح، وله طريقان آخران ضعيفان عند الطبراني (5098) و (5126) . (*) العلل: 102، 232، التاريخ لابن معين: 59، طبقات ابن سعد 5 / 500، طبقات خليفة: ت 2603، التاريخ الكبير 2 / 75، الضعفاء للعقيلي: لوحة 52، الجرح والتعديل 2 / 358، الكامل لابن عدي 1 / 69، تهذيب الكمال: 151، تذهيب التهذيب 1 / 84 / 2، العبر 1 / 318، ميزان الاعتدال 1 / 317، تذكرة الحفاظ 1 / 355، الكاشف 1 / 155، العقد الثمين: 3 / 396، تهذيب التهذيب 1 / 450، طبقات الحفاظ: 150، خلاصة تذهيب الكمال: 48، شذرات الذهب 1 / 343. (1) " العلل " 1 / 102، لأحمد، وقد تحرف فيه " متقنا " إلى " متفهما ". (2) " الجرح والتعديل " 2 / 358. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَقَعُ فِي حَدِيْثِهِ مَا يُنكَرُ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: هُوَ فِي الحَدِيْثِ مُسْتَقِيْمٌ (3) . حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا عَوَّامٌ، قَالَ: قَالَ الحُمَيْدِيُّ: كَانَ جَهْمِيّاً، لاَ يَحِلُّ أَنْ يُكتَبَ حَدِيْثُهُ. قُلْتُ: بَلْ حَدِيْثُهُ حُجَّةٌ، وَصَحَّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ التَّجَهُّمِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَأَل بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ عَنْ حَدِيْثِ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا (4) ... ) أَيَتَحَوَّلُ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ فِي مَكَانِهِ، يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَكَلَّمَ بِشْرٌ بِشَيْءٍ بِمَكَّةَ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ، فَذَلَّ بِمَكَّةَ حَتَّى جَاءَ، فَجَلَسَ إِلَيْنَا مِمَّا أَصَابَه مِنَ الذُّلِّ (5) . وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَسْتَثْقِلُهُ؛ لأَنَّهُ سَأَلَ سُفْيَانَ عَنْ أَطْفَالِ المُشْرِكِيْنَ (6) ،   (1) " تاريخ يحيى بن معين " 59. (2) " الكامل " 1 / اللوحة 70. (3) " الضعفاء " اللوحة: 52. (4) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 3 / 25 في التهجد: باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، و13 / 289، في التوحيد: باب يريدون أن يبدلوا كلام الله، ومسلم (758) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل. وأبو داود (1315) و (4733) ، والترمذي (446) و (3498) ، ولفظه بتمامه: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " وزاد مسلم في رواية: " حتى ينفجر الفجر ". (5) " العلل " لأحمد 1 / 232. (6) اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال، ذكرها ابن القيم في " طريق = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 فَقَالَ: مَا أَنْتَ وَذَا يَا صَبِيُّ؟ قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ يَزْجُرُوْنَ عَنِ التَّعَمُّقِ، وَيُبَدِّعُوْنَ أَهْلَ الجِدَالِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَمَاتَ قَبْلَهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ السُّلَيْمِيُّ؛ أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ. 110 - الأَمِيْنُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ * الخَلِيْفَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ ابْنِ المَهْدِيِّ مُحَمَّدِ ابْنِ المَنْصُوْرِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ. وَأُمُّهُ: زُبَيْدَةُ بِنْتُ الأَمِيْرِ جَعْفَرِ ابْنِ المَنْصُوْرِ. عَقَدَ لَهُ أَبُوْهُ بِالخِلاَفَةِ بَعْدَهُ، وَكَانَ مَلِيْحاً، بَدِيْعَ الحُسْنِ، أَبْيَضَ، وَسِيْماً، طَوِيْلاً، ذَا قُوَّةٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَأَدَبٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَلَكِنَّهُ سَيِّئُ التَّدْبِيْرِ، مُفْرِطُ   = الهجرتين " 387، 401، والحافظ ابن حجر في " الفتح " 3 / 191، والقول الصحيح الذي ذهب إليه المحققون من العلماء، وارتضاه جمع من المفسرين والمتكلمين هو أنهم في الجنة. واحتجوا بما رواه البخاري في " صحيحه " 12 / 384 من حديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: " إني أتاني الليلة آتيان.." وذكر فيه: وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأولاد المشركين " فهذا الحديث الصحيح صريح في أنهم في الجنة، ورؤيا الأنبياء وحي. وانظر " شرح السنة " 1 / 153، 162. (*) المعارف: 384 - 386، تاريخ الطبري: 8 / 365، تاريخ بغداد 3 / 336، الكامل لابن الأثير 6 / 221، العبر 1 / 325، دول الإسلام 1 / 124، البداية 10 / 222، تاريخ الخلفاء: 297، شذرات الذهب 1 / 350. الوافي بالوفيات 5 / 135، عيون التواريخ 7 / لوحة 117. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 التَّبْذِيْرِ، أَرْعَنَ، لَعَّاباً، مَعَ صِحَّةِ إِسْلاَمٍ وَدِيْنٍ. يُقَالَ: قَتَلَ مَرَّةً أَسَداً بِيَدَيْهِ. وَيُقَالُ: كَتَبَ بِخَطِّهِ رُقعَةً إِلَى طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ (1) الَّذِي قَاتَلَهُ: يَا طَاهِرُ! مَا قَامَ لَنَا مُنْذُ قُمْنَا قَائِمٌ بِحَقِّنَا، فَكَانَ جَزَاؤُه عِنْدَنَا إِلاَّ السَّيْفَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، أَوْ دَعْ. يُلَوِّحُ لَهُ بِأَبِي مُسْلِمٍ وَأَمْثَالِهِ (2) . قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: مَا وُلِّي لِلْخِلاَفَةِ هَاشِمِيُّ ابْنُ هَاشِمِيَّةٍ سِوَى: عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدٍ الأَمِيْنِ (3) . وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُوْهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَلَهُ خَمْسُ سِنِيْنَ، وَتَسَلَّمَ الأَمْرَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ أَخُوْهُ الآخَرُ - وَهُوَ المَأْمُوْنُ - بِمَرْوَ، فَأَمَرَ الأَمِيْنُ لِلنَّاسِ بِرِزْقِ سَنَتَيْنِ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ البُرْدَةُ وَالقَضِيْبُ وَالخَاتَمُ مِنْ خُرَاسَانَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً، فِي نِصْفِ الشَّهْرِ، وَبَايَعَ المَأْمُوْنُ لأَخِيْهِ، وَأَقَامَ بِخُرَاسَانَ، وَأَهدَى لأَخِيْهِ تُحَفاً وَنَفَائِسَ، وَالحَرْبُ مُتَّصِلٌ بِسَمَرْقَنْدَ بَيْنَ رَافِعٍ وَهَرْثَمَةَ، وَأَعَانَ رَافِعاً التُّرْكُ (4) . وَفِيْهَا: قُتِلَ نِقْفُوْرُ طَاغِيَةُ الرُّوْمِ فِي حَرْبِ بُرْجَانَ (5) . وَفِي سَنَةِ 194: أَمَرَ الأَمِيْنُ بِالدُّعَاءِ لابْنِهِ مُوْسَى بِوِلاَيَةِ العَهْدِ بَعْدَ وَلِيِّ العَهْدِ المَأْمُوْنِ وَالقَاسِمِ، وَأَغْرَى الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ الأَمِيْنَ بِالمَأْمُوْنِ، وَحَثَّهُ عَلَى خَلعِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا، وَحَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ السِّنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ مَاهَانَ،   (1) هو طاهر بن الحسين بن مصعب أبو طلحة الخزاعي، والي خراسان، وجه به المأمون إلى بغداد لمحاربة أخيه الامين، ولقبه ذا اليمينين، وسترد ترجمته في الجزء العاشر من هذا الكتاب الترجمة رقم (7) . (2) " تاريخ الخلفاء " 300. (3) " تاريخ الخلفاء ": 303. (4) " الطبري " 8 / 373، وابن الأثير 6 / 225. (5) " الطبري " 8 / 373، وابن الأثير 6 / 226. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 ثُمَّ اصْطَلَحَ هَرْثَمَةُ وَرَافِعُ بنُ اللَّيْثِ بنِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ، وَقَدِمَا عَلَى المَأْمُوْنِ، وَمَعَهُ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ. ثُمَّ بَعَثَ الأَمِيْنُ يَطلُبُ مِنَ المَأْمُوْنِ تَقْدِيْمَ مُوْسَى وَلدِهِ عَلَى المَأْمُوْنِ، وَلَقَّبَهُ النَّاطِقَ بِالحَقِّ، فَأَبَى ذَلِكَ المَأْمُوْنُ، وَاسْتَمَالَ المَأْمُوْنُ الرَّسُوْلَ، فَبَايَعَهُ سِرّاً، وَبَقِيَ يُكَاتِبُهُ، وَهُوَ العَبَّاسُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى (1) . وَأَمَّا الأَمِيْنُ، فَبَلَغَهُ خِلاَفُ المَأْمُوْنِ، فَأَسقَطَهُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَطَلَبَ مَا كَتَبَهُ الرَّشِيْدُ وَعَلَّقَهُ بِالكَعْبَةِ مِنَ العَهْدِ بَيْنَ الأَخَوَينِ، فَمَزَّقَهُ. فَلاَمَهُ الأَلِبَّاءُ، فَلَمْ يَنْتَصِحْ، حَتَّى قَالَ لَهُ خَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ: لَنْ يَنْصَحَكَ مَنْ كَذَبَكَ، وَلَنْ يَغُشَّكَ مَنْ صَدَقَكَ، لاَ تُجَسِّرِ القُوَّادَ عَلَى الخَلعِ، فَيَخلَعُوكَ، وَلاَ تَحمِلْهُم عَلَى النَّكْثِ، فَالغَادِرُ مَفْلُولٌ، وَالنَّاكِثُ مَخْذُوْلٌ. فَلَمْ يَلْتَفِتْ، وَبَايَعَ لِمُوْسَى بِالعَهْدِ، وَاسْتَوْزَرَ لَهُ. فَلَمَّا عَرَفَ المَأْمُوْنُ، خَلَعَ أَخَاهُ، وَتَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَمَّا ابْنُ مَاهَانَ، فَجَهَّزَهُ الأَمِيْنُ، وَخَصَّهُ بِمائَتَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَأَعْطَاهُ قَيداً مِنْ فِضَّةٍ لِيُقَيِّدَ بِهِ المَأْمُوْنَ بِزَعمِهِ. وَعَرَضَ الأَمِيْنُ جَيْشَه بِالنَّهْرَوَانِ، وَأَقْبَلَ طَاهِرٌ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَالْتَقَوْا، فَقُتِلَ ابْنُ مَاهَانَ، وَتَمَزَّقَ جَيْشُه، هَذَا وَالأَمِيْنُ عَاكِفٌ عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، فَبَعَثَ جَيْشاً آخَرَ، وَنَدِمَ عَلَى خَلْعِ المَأْمُوْنِ، وَطَمِعَ فِيْهِ أُمَرَاؤُهُ، ثُمَّ الْتَقَى طَاهِرٌ وَعَسْكَرُ الأَمِيْنِ عَلَى هَمَذَانَ، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَعَظُمُ الخَطْبُ، وَدَخَلَ جَيْشُ الأَمِيْنِ إِلَى هَمَذَانَ، فَحَاصَرَهُم طَاهِرٌ، ثُمَّ نَزَلَ أَمِيْرُهُم إِلَى طَاهِرٍ بِالأَمَانِ فِي سَنَةِ 95 (2) .   (1) " الطبري " 8 / 374، 376، وابن الأثير 6 / 222. (2) انظر خبر الخلاف بين الامين والمأمون مطولا في " الطبري " 8 / 374 - 414، وابن الأثير 6 / 222. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 وَفِيْهَا: ظَهَرَ بِدِمَشْقَ السُّفْيَانِيُّ، وَهُوَ أَبُو العَمَيْطَرِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ (1) ، فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَطَرَدَ عَامِلَ الأَمِيْنِ، وَتَمَكَّنَ، وَانضَمَّتْ إِلَيْهِ اليَمَانِيَّةُ، وَأَهْلُ حِمْصَ وَقِنَّسْرِيْنَ (2) وَالسَّاحِلِ، إِلاَّ أَنَّ قَيْساً لَمْ تُتَابِعْهُ، وَهَرَبُوا. ثُمَّ هَزَمَ طَاهِرٌ جَيْشاً ثَالِثاً لِلأَمِيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ حُلْوَانَ (3) . وَأَنْفَقَ الأَمِيْنُ بُيُوْتَ الأَمْوَالِ عَلَى الجُنْدِ وَلاَ يَنْفَعُوْنَ، وَجَاءتْ أَمْدَادُ المَأْمُوْنِ مَعَ هَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ، وَالفَضْلِ بنِ سَهْلٍ، وَضَعُفَ أَمرُ الأَمِيْنِ، وَجَبُنَ جُندُهُ مِنَ الخُرَاسَانِيِّيْنَ، فَجَهَّزَ عَبْدَ المَلِكِ بنَ صَالِحٍ العَبَّاسِيَّ إِلَى الشَّامِ لِيَجمَعَ لَهُ جُنْداً، وَبَذَلَ خَزَائِنَ الذَّهَبِ لَهُم، فَوَقَعَ مَا بَيْنَ العَرَبِ وَبَيْنَ الزَّوَاقِيْلِ (4) ، فَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ خَلقٌ مِنْهُم، وَأَحَاطَتْ المَأْمُوْنِيَّةُ بِبَغْدَادَ، يُحَاصِرُوْنَ الأَمِيْنَ، وَاشتَدَّ البَلاَءُ، وَعَظُمَ القِتَالُ، وَقَاتَلَتِ العَامَّةُ وَالرَّعَاعُ عَنِ الأَمِيْنِ قِتَالَ المَوْتِ، وَاسْتَمَرَّ الوَيلُ وَالحِصَارُ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ لاَ تُوصَفُ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ (5) . وَدَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَفَرَّ القَاسِمُ المُلَقَّبُ بِالمُؤْتَمَنِ وَعَمُّهُ مَنْصُوْرٌ، فَلَحِقَا بِالمَأْمُوْنِ، وَرُمِي بِالمَجَانِيقِ، وَأُخِذَتِ النُّقُوبُ (6) ، وَنَفِدَتْ   (1) تقدمت ترجمته في الصفحة 282 من هذا الجزء. (2) هي مدينة قريبة من حمص، فتحت على يد أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في سنة 17 للهجرة. (3) هي مدينة عامرة بالعراق قريبة من بغداد، فتحها المسلمون بعد فراغهم من فتح جلولاء على يد جرير بن عبد الله البجلي سنة 19 هـ. (4) قال ابن دريد في " الاشتقاق ": الزقل منه اشتقاق الزواقيل، وهم قوم بناحية الجزيرة وما والاها. (5) " الطبري " 8 / 254 - 247. (6) النقوب جمع نقب: وهو الطريق الضيق في الجبل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 خَزَائِنُ الأَمِيْنِ، حَتَّى بَاعَ الأَمْتِعَةَ، وَأَنْفَقَ فِي المُقَاتِلَةِ، وَمَا زَالَ أَمرُهُ فِي سِفَالٍ، وَدَثَرَتْ مَحَاسِنُ بَغْدَادَ، وَاسْتَأْمَنَ عِدَّةٌ إِلَى طَاهِرٍ، وَدَامَ الحِصَارُ وَالوَبَالُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْراً (1) . وَاسْتَفْحَلَ أَمرُ السُّفْيَانِيِّ بِالشَّامِ، ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ الأُمَوِيُّ، فَقَيَّدَه، وَاسْتَبَدَّ بِالأَمْرِ، فَمَا بَلَعَ رِيقَهُ حَتَّى حَاصَرَهُمُ ابْنُ بَيْهَسٍ الكِلاَبِيُّ مُدَّةً، ثُمَّ نَصَبَ السَّلاَلِمَ عَلَى السُّوْرِ، وَأَخَذَ دِمَشْقَ، فَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ وَمَسْلَمَةُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ إِلَى المِزَّةِ. وَخَلَعَ الأَمِيْنَ: خُزَيْمَةُ بنُ خَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ، وَخَامَرَا إِلَى طَاهِرٍ (2) . ثُمَّ دَخَلَ طَاهِرٌ بَغْدَادَ عَنْوَةً، وَنَادَى: مَنْ لَزِمَ بَيْتَه، فَهُوَ آمِنٌ. وَحَاصَرُوا الأَمِيْنَ فِي قُصُوْرِه أَيَّاماً، ثُمَّ رَأَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى حَمِيَّةٍ لَيْلاً، وَفَعَلَ، فَظَفِرُوا بِهِ وَهُوَ فِي حَرَّاقَةٍ (3) ، فَشَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ طَاهِرٍ فِي الزَّوَارِيقِ (4) ، وَتَعَلَّقُوا بِحَرَّاقَتِهِ، فَنُقِبَتْ، وَغَرِقَتْ، فَرَمَى الأَمِيْنُ بِنَفْسِهِ فِي المَاءِ، فَظَفِرَ بِهِ رَجُلٌ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى طَاهِرٍ، فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى المَأْمُوْنِ - فَإِنَّا للهِ - وَلَمْ يُسَرَّ المَأْمُوْنُ بِمَصْرَعِ أَخِيْهِ (5) . وَفِي تَارِيْخِنَا عَجَائِبُ وَأَشعَارٌ لَمْ أَنْشَطْ هُنَا لاسْتِيعَابِهَا.   (1) انظر خبر حصار الامين ببغداد مطولا في " تاريخ الطبري " 8 / 445، وابن الأثير 6 / 271، وابن كثير 10 / 238، وانظر دول الإسلام 1 / 123. (2) " الطبري " 8 / 472، وابن الأثير 6 / 278، وابن كثير 10 / 240. (3) الحراقة: ضرب من السفن بالبصرة، فيها مرامي نيران يرمى بها العدو في البحر (4) هي القوارب الصغار. (5) انظر خبر مقتل الامين مطولا في " الطبري " 8 / 478، وابن الأثير 6 / 282، وابن كثير 10 / 240. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يَرْحَمَ اللهُ الأَمِيْنَ بِإِنْكَارِهِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ، فَإِنَّهُ أُدخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ، أَنْتَ الَّذِي تَقُوْل: كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوْقٌ (1) ؟ قُلْتُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ابْنُ عُلَيَّةَ - حَاشَاهُ - بَلْ قَالَ عِبَارَةً تُلْزِمُهُ بَعْضَ ذَلِكَ. وَعَاشَ الأَمِيْنُ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَقُتِلَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَخِلاَفَتُهُ دُوْنَ الخَمْسِ سِنِيْنَ - سَامَحَهُ اللهُ، وَغَفَرَ لَهُ -. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَمُوْسَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، لأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ شَتَّى. 111 - مَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ أَبُو مَحْفُوْظٍ البَغْدَادِيُّ * عَلَمُ الزُّهَّادِ، بَرَكَةُ العَصْرِ، أَبُو مَحْفُوْظٍ البَغْدَادِيُّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ فَيْرُوْزٌ. وَقِيْلَ: فَيْرُزَانُ، مِنَ الصَّابِئَةِ. وَقِيْلَ: كَانَ أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّيْنِ، فَأَسلَمَاهُ إِلَى مُؤَدِّبٍ كَانَ يَقُوْلُ لَهُ: قُل: ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ. فَيَقُوْلُ مَعْرُوْفٌ: بَلْ هُوَ الوَاحِدُ. فَيَضرِبُهُ، فَيَهْرُبُ، فَكَانَ وَالِدَاهُ يَقُوْلاَنِ: لَيْتَهُ رَجَعَ. ثُمَّ إِنَّ أَبَوَيْهِ أَسْلَمَا. وَذَكَرَ السُّلَمِيُّ: أَنَّهُ صَحِبَ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَلَمْ يَصِحَّ.   (1) " تاريخ الخلفاء للسيوطي " 303. (*) طبقات الصوفية 83 - 90، حلية الأولياء 8 / 360، 368، تاريخ بغداد 13 / 199، 209، الرسالة القشيرية 1 / 79، طبقات الحنابلة 1 / 381، 389، صفة الصفوة 2 / 79 - 83، اللباب 3 / 91، وفيات الأعيان 5 / 231، العبر 1 / 335، دول الإسلام 1 / 126، مرآة الجنان 1 / 460، 463، طبقات الأولياء: 280، 285، شذرات الذهب 1 / 360. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 رَوَى عَنِ: الرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، وَبَكْرِ بنِ خُنَيْسٍ، وَابْنِ السَّمَّاكِ، وَغَيْرِهِم شَيْئاً قَلِيْلاً. وَعَنْهُ: خَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ. ذُكِرَ مَعْرُوْفٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَقِيْلَ: قَصِيْرُ العِلْمِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ، وَهَلْ يُرَادُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَعْرُوْفٌ (1) ؟ قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ شَدَّادٍ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ الحَبْرُ الَّذِي فِيْكُم بِبَغْدَادَ؟ قُلْنَا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَبُو مَحْفُوْظٍ مَعْرُوْفٌ. قُلْنَا: بِخَيْرٍ. قَالَ: لاَ يَزَالُ أَهْلُ تِلْكَ المَدِيْنَةِ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ فِيْهِم (2) . قَالَ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ مَعْرُوْفٍ، فَخَرَجَ، وَقَالَ: حَيَّاكُمُ اللهُ بِالسَّلاَمِ، وَنَعِمْنَا وَإِيَّاكُم بِالأَحزَانِ. ثُمَّ أَذَّنَ، فَارْتَعَدَ، وَقَفَّ شَعرُهُ، وَانْحَنَى حَتَّى كَادَ يَسْقُطُ. عَنْ مَعْرُوْفٍ، قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدٍ شَرّاً، أَغلَقَ عَنْهُ بَابَ العَمَلِ، وَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الجَدَلِ (3) . وَقَالَ جُشَمُ بنُ عِيْسَى: سَمِعْتُ عَمِّي مَعْرُوْفَ بنَ الفَيْرُزَانِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ خُنَيْسٍ يَقُوْلُ: كَيْفَ تَتَّقِي، وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي مَا تَتَّقِي؟ رَوَاهَا: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ مَعْرُوْفٍ. قَالَ: ثُمَّ يَقُوْلُ مَعْرُوْفٌ: إِذَا كُنْتَ لاَ تُحْسِنُ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 200، و" طبقات الحنابلة " 1 / 382. (2) " حلية الأولياء " 8 / 366، و" تاريخ بغداد " 13 / 201، و" طبقات الحنابلة 1 / 382. (3) " حلية الأولياء " 8 / 361. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 تَتَّقِي، أَكَلتَ الرِّبَا، وَلقِيْتَ المَرْأَةَ، فَلَمْ تَغُضَّ عَنْهَا، وَوَضَعتَ سَيْفَكَ عَلَى عَاتِقِك ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَجْلِسِي هَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّقِيْهِ، فِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوْعِ، وَذِلَّةٌ لِلتَّابِعِ (1) . قِيْلَ: أَتَى رَجُلٌ بِعَشْرَةِ دَنَانِيْرَ إِلَى مَعْرُوْفٍ، فَمَرَّ سَائِلٌ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا. وَكَانَ يَبْكِي، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا نَفْسُ كَمْ تَبْكِيْنَ؟ أَخْلِصِي تَخْلُصِي. وَسُئِلَ: كَيْفَ تَصُوْمُ؟ فَغَالَطَ السَّائِلَ، وَقَالَ: صَوْمُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَصَوُمُ دَاوُد كَذَا وَكَذَا. فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أُصْبِحُ دَهْرِي صَائِماً، فَمَنْ دَعَانِي، أَكَلتُ، وَلَمْ أَقُلْ: إِنِّيْ صَائِمٌ (2) . وَقَصَّ إِنْسَانٌ شَارِبَ مَعْرُوْفٍ، فَلَمْ يَفتُرْ مِنَ الذِّكْرِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَقُصُّ؟ فَقَالَ: أَنْتَ تَعْمَلُ، وَأَنَا أَعمَلُ (3) . وَقِيْلَ: اغْتَابَ رَجُلٌ عِنْدَ مَعْرُوْفٍ، فَقَالَ: اذْكُرِ القُطْنَ إِذَا وُضِعَ عَلَى عَيْنَيْكَ. وَعَنْهُ، قَالَ: مَا أَكْثَرَ الصَّالِحِيْنَ، وَمَا أَقَلَّ الصَّادِقِيْنَ (4) . وَعَنْهُ: مَنْ كَابَرَ اللهَ، صَرَعَهُ، وَمَنْ نَازَعَهُ، قَمَعَهُ، وَمَنْ مَاكَرَهُ، خَدَعَهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، مَنَعَهُ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لَهُ، رَفَعَهُ، كَلاَمُ العَبْدِ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْه خِذْلاَنٌ مِنَ اللهِ (5) .   (1) " الحلية " 8 / 365. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 202، و" طبقات الحنابلة " 1 / 386. (3) " حلية الأولياء " 8 / 362. (4) " طبقات الصوفية ": 87. (5) " حلية الأولياء " 8 / 361، و" طبقات الحنابلة " 1 / 383. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 وَقِيْلَ: أَتَاهُ مَلْهُوْفٌ سُرِقَ مِنْهُ أَلفُ دِيْنَارٍ لِيَدعُوَ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَدْعُو، أَمَا زَوَيْتَهُ عَنْ أَنْبِيَائِكَ وَأَوْلِيَائِكَ، فَرُدَّهُ عَلَيْهِ. قِيْلَ: أَنْشَدَ مَرَّةً فِي السَّحَرِ: مَا تَضُرُّ الذُّنُوْبُ لَوْ أَعْتَقْتَنِي ... رَحْمَةً لِي فَقَدْ عَلاَنِي المَشِيْبُ (1) وَعَنْهُ: مَنْ لَعَنَ إِمَامَهُ، حُرِمَ عَدْلَهُ (2) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيِّ، قَالَ: قَعَدْتُ مَرَّةً إِلَى مَعْرُوْفٍ، فَلَعَلَّهُ قَالَ: وَاغَوْثَاهُ يَا اللهُ - عَشْرَةَ آلاَفِ مَرَّةٍ، وَتَلاَ: {إِذْ تَسْتَغِيْثُونَ رَبَّكُم، فَاسْتَجَابَ لَكُمْ (3) } [الأَنْفَالُ: 9] . وَعَنِ ابْنِ شِيْرَوَيْه: قُلْتُ لِمَعْرُوْفٍ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَمْشِي عَلَى المَاءِ. قَالَ: مَا وَقعَ هَذَا، وَلَكِن إِذَا هَمَمْتُ بِالعُبُوْرِ، جُمِعَ لِي طَرَفَا النَّهْرِ، فَأَتَخَطَّاهُ (4) . أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَعْرُوْفٍ، ثُمَّ جِئْتُ وَفِي وَجْهِهِ أَثَرٌ، فَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: سَلْ عَمَّا يَعْنِيْكَ - عَافَاكَ اللهُ -. فَأَقسَمَ عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ البَارِحَةَ، وَمَضَيْتُ، فَطُفتُ بِالبَيْتِ، وَجِئْتُ لأَشرَبَ مِنْ زَمْزَمٍ، فَزَلِقْتُ، فَأَصَابَ وَجْهِي هَذَا (5) . ابْنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ ابْنُ أَخِي مَعْرُوْفٍ: أَنَّ مَعْرُوْفاً اسْتَسْقَى   (1) البيت مع بيت آخر قبله في " طبقات الأولياء ": 283. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 386. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 385. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 206. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 202، و" طبقات الحنابلة " 1 / 383. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 لَهُم فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَمَا اسْتَتَمُّوا رَفْعَ ثِيَابِهِم حَتَّى مُطِرُوا (1) . وَقَدِ اسْتُجِيْبَ دُعَاءُ مَعْرُوْفٍ فِي غَيْرِ قَضِيَّةٍ، وَأَفْرَدَ الإِمَامُ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ مَنَاقِبَ مَعْرُوْفٍ فِي أَرْبَعِ كَرَارِيْسَ. قَالَ عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ: مَرَّ مَعْرُوْفٌ - وَهُوَ صَائِمٌ - بِسَقَّاءٍ يَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ شَرِبَ، فَشَرِبَ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ (2) . وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ شَيْئاً غَيْرَ صَحِيْحٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْرُوْفاً الكَرْخِيَّ كَانَ يَحْجُبُ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى الرِّضَى. قَالَ: فَكَسَرُوا ضِلْعَ مَعْرُوْفٍ، فَمَاتَ (3) ، فَلَعَلَّ الرِّضَى كَانَ لَهُ حَاجِبٌ اسْمُهُ مَعْرُوْفٌ، فَوَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ زَاهِدِ العِرَاقِ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، قَالَ: قَبْرُ مَعْرُوْفٍ التِّرْيَاقُ المُجَرَّبُ (4) . يُرِيْدُ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 207. (2) " حلية الأولياء " 8 / 365. (3) " طبقات الصوفية " للسلمي: 85. (4) هذا الكلام لا يسلم لقائله، إذ كيف يكون قبر أحد من الاموات الصالحين ترياقا ودواءا للاحياء، وليس ثمة نص من كتاب الله يدل على خصوصية الدعاء عند قبر ما من القبور، ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سنه لامته، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين الذين يقتدى بقولهم، بل ثبت النهي عن قصد قبور الأنبياء والصالحين لاجل الصلاة والدعاء عندها، فعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين الثقة الثبت، الفقيه أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو، فدعاه، فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: " لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم " أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 375، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم (20) ، ويقويه ما أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (6726) من طريق سهيل، عن الحسن بن علي قال: رأى قوما عند القبر، فنهاهم، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا ". وأخرجه أبو داود (2042) ، وأحمد 2 / 367 من طريق عبد الله بن نافع، عن ابن = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 إِجَابَةَ دُعَاءِ المُضْطَرِ عِنْدَهُ؛ لأَنَّ البِقَاعَ المُبَارَكَةِ يُسْتَجَابُ عِنْدَهَا الدُّعَاءُ، كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ فِي السَّحَرِ مَرْجُوٌّ، وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ، وَفِي المَسَاجِدِ، بَلْ دُعَاءُ المُضْطَرِ مُجَابٌ فِي أَيِّ مَكَانٍ اتَّفَقَ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ مُضْطَرٌ إِلَى العَفْوِ، فَاعْفُ عَنِّي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُنَادِي، وَثَعْلَبٌ: مَاتَ مَعْرُوْفٌ سَنَةَ مائَتَيْنِ. قَالَ الخَطِيْبُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيْحِ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا   = أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم "، وهذا سند حسن. وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " 2 / 376 من طريق أبي معاوية عن الأعمش، عن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها، فقرأ بنا في الفجر: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لايلاف قريش) ، فلما قضى حجه ورجع والناس يبتدرون، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له منكم فيه الصلاة، فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة، فلا يصل. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وجاء في " مناسك الحج للامام النووي 69 / 2، وهو من محفوظات الظاهرية ما نصه: كره مالك رحمه الله لاهل المدينة كلما دخل أحدهم وخرج الوقوف بالقبر، قال: وإنما ذلك للغرباء، قال: ولا بأس لمن قدم من سفر، أو خرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له ولابي بكر وعمر رضي الله عنهما. قال الباجي: فرق مالك بين أهل المدينة والغرباء، لان الغرباء قصدوا ذلك، وأهل المدينة مقيمون بها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " فتأمل قول مالك: " يصلي عليه ويدعو له ولابي بكر وعمر " فإن هذه هي الزيارة الشرعية للقبور أن نسلم على أصحابها وندعو لهم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في صحيح مسلم (974) عن عائشة، و (975) عن بريدة. (1) " تاريخ بغداد " 13 / 308. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ، قَالَ: قَالَ بَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِياً تَتَعَوَّذُ جَهَنَّمُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِنَّ فِي الوَادِي لَجُبّاً يَتَعَوَّذُ الوَادِي وَجَهَنَّمُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِنَّ فِيْهِ لَحَيَّةً يَتَعَوَّذُ الجُبُّ وَالوَادِي وَجَهَنَّمُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ، يُبدَأُ بِفَسَقَةِ حَمَلَةِ القُرْآنِ، فَيَقُوْلُوْنَ: أَيْ رَبِّ، بُدِئَ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ؟! قِيْلَ لَهُم: لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لاَ يَعْلَمُ (1) . أَنْبَأَنَا مُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا مَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ، حَدَّثَنِي الرَّبِيْعُ بنُ صَبِيْحٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، مَا سَأَلْتُ اللهَ إِلاَّ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ (2) .   (1) بكر بن خنيس قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ضعيف، وقال النسائي وغيره: ضعيف، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي عن البصريين والكوفيين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها. وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه، ويحدث بأحاديث مناكير عن قوم، لا بأس به، وهو في نفسه رجل صالح إلا أن الصالحين يشبه عليهم الحديث، وربما حدثوا بالتوهم، وحديثه في جملة الضعفاء، وليس ممن يحتج بحديثه. ثم إن ما ذكره من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يطلعه الله على ذلك، ويخبره به بواسطة الوحي، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء فيما أعلم. وقد روى الترمذي (2383) في الزهد، وابن ماجه (256) في المقدمة من طريق عمار بن سيف الضبي، عن أبي معاذ البصري - وكلاهما ضعيف - عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعوذوا بالله من جب الحزن " قالوا: يارسول الله، وما جب الحزن؟ قل: " واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مئة مرة ". قلنا: يارسول الله، ومن يدخله؟ قال: " القراء المراؤون بأعمالهم ". (2) هو في " تاريخ الخطيب " 3 / 199، والربيع بن صبيح سيئ الحفظ، والحسن لم يسمع من عائشة. وأخرج الامام أحمد في " المسند " 6 / 182 من طريق بريد بن = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 112 - أَبُو قُرَّةَ مُوْسَى بنُ طَارِقٍ الزَّبِيْدِيُّ * (س) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو قُرَّةَ مُوْسَى بنُ طَارِقٍ الزَّبِيْدِيُّ، قَاضِي زَبِيْدٍ. ارْتَحَلَ، وَكَتَبَ عَنْ: مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حُمَةَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الزَّبِيْدِيُّ. وَأَلَّفَ (سُنَناً) . رَوَى لَهُ: النَّسَائِيُّ وَحْدَهُ، وَمَا عَلِمتُهُ إِلاَّ ثِقَةً. قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ، قُلْتُ: أَبُو قُرَّةَ لاَ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا أَبَداً، يَقُوْلُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ، أَيشٍ العِلَّةُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: هُوَ سَمَاعٌ لَهُ كُلُّهُ، وَقَدْ كَانَ أَصَابَ كُتُبَهُ آفَةٌ، فَتَوَرَّعَ فِيْهِ، فَكَانَ يَقُوْلُ: ذَكَرَ فُلاَنٌ. 113 - الخُرَيْبِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيْعٍ ** (خَ، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو   = هارون، عن سعيد بن إياس الجريري، عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت: يارسول الله، إن وافقت ليلة القدر، فما أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " وأخرجه أيضا 6 / 171، و183، و208، الترمذي (3513) في الدعوات، وابن ماجة (3850) في لدعاء، كلهم من طريق كهمس بن الحسن بن عبد الله بن بريدة عن عائشة، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وهو كما قال، وصححه الحاكم 1 / 530، من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، عن عائشة، ووافقه الذهبي. (*) الجرح والتعديل 8 / 108، تهذيب الكمال لوحة 1386، تذهيب التهذيب 4 / 80 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 207، الكاشف 3 / 184، تهذيب التهذيب 10 / 349، خلاصة تذهيب الكمال: 391. (* *) تاريخ يحيى بن معين: 303، طبقات ابن سعد 7 / 295، طبقات خليفة: ت 1928، تاريخ خليفة: 474، التاريخ الكبير 5 / 82، المعارف: 520، الجرح = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ الشَّعْبِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، المَشْهُوْرُ بِالخُرَيْبِيِّ؛ لِنُزُولِهِ مَحَلَّةَ الخُرَيْبَةِ بِالبَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: سَلَمَةَ بنِ نُبَيْطٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الصُّفَيْرَاءِ، وَبُكَيْرِ بنِ عَامِرٍ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَخَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأُمِّ دَاوُدَ الوَابِشِيَّةِ، وَمُسْتقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ أَحَدَ مَنْ عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَرَحَلَ فِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: الحُسَيْنُ بنُ صَالِحٍ - شَيْخُه - وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَالفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَوَلَدُهُ؛ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَخَلْقٌ. وَقَدْ قَطَعَ الحَدِيْثَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَعْوَامٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، عَابِداً، نَاسِكاً (1) .   = والتعديل 5 / 47، مشاهير علماء الأمصار ت 1286، تهذيب الكمال: 677، تذهيب التهذيب 2 / 141 / 2، العبر 1 / 364، تذكرة الحفاظ 1 / 337، الكاشف 2 / 83، دول الإسلام: 1 / 130، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 418، تهذيب التهذيب 5 / 199، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تذهيب الكمال: 196، شذرات الذهب 2 / 29. (1) " طبقات ابن سعد ": 7 / 295. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 وَرَوَى: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قُلْتُ: فَأَبُو عَاصِمٍ؟ قَالَ: ثِقَةٌ (1) . وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَمْ آتِ قَطُّ عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ، وَلَمْ أَجلِسْ إِلَيْهِ، كُنْتُ أَرَاهُ فِي الجَامِعِ (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَمِيْلُ إِلَى الرَّأْي، وَكَانَ صَدُوْقاً (3) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ زَاهِدٌ. وَرَوَى: الكُدَيْمِيُّ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ سَبَبُ دُخُوْلِي البَصْرَةَ لأَنْ أَلْقَى ابْنَ عَوْنٍ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى قَنَاطِرَ سَردَاراً، تَلَقَّانِي نَعِيُّهُ، فَدَخَلَنِي مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ (4) . رَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيِّ، قَالَ: قَدِمتُ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لِي: مَنْ خَلَّفتَ بِالبَصْرَةِ يُحَدِّثُ؟ قُلْتُ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ - كَذَا قَالَ، وَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ يَزِيْدُ كَانَ بِوَاسِطَ -. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَنْ؟ قُلْتُ: وَابْنَ دَاوُدَ. قَالَ: ذَاكَ أَحَدُ الأَحَدَيْنِ (5) . وَرَوَى: يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: لَقِيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ،   (1) " الجرح والتعديل ": 5 / 47. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 303. (3) الجرح والتعديل ": 5 / 47. (4) " تهذيب الكمال " 678. (5) " تهذيب الكمال ": 678. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 وَتَعَرَّفْتُ إِلَيْهِ، فَأَكْرَمَنِي، إِلَى أَنْ قَالَ لِي يَوْماً: مَنْ مَشَايخُ البَصْرَةِ اليَوْمَ؟ قُلْتُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَيٌّ، يُرزَقُ. قَالَ: ذَاكَ شَيْخُنَا القَدِيْمُ (1) . قَالَ زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ: سَمِعْتُ الخُرَيْبِيَّ يَقُوْلُ: نَولُ الرَّجُلِ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ عَلَى طَلَبِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ: لَيْسَ الدِّيْنُ بِالكَلاَمِ، إِنَّمَا الدِّيْنُ بِالآثَارِ (2) . وَقَالَ فِي الحَدِيْثِ: مَنْ أَرَادَ بِهِ دُنْيَا، فَدُنْيَا، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ آخِرَةً، فَآخِرَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ: مَا كَذَبتُ قَطُّ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ لِي أَبِي: قرَأْتَ عَلَى المُعَلِّمِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا كُنْتُ قرَأْتُ عَلَيْهِ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: سَأَلْتُ الخُرَيْبِيَّ عَنِ التَّوَكُّلِ. فَقَالَ: أَرَى التَّوَكُّلَ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ. وَرَوَى: الفَلاَّسُ، عَنِ الخُرَيْبِيِّ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، لاَ تَعْلَمُ بِهِ زَوْجَتُهُ وَلاَ غَيْرُهَا (4) . قَالَ زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ: مَنْ أَمْكَنَ النَّاسَ مِنْ كُلِّ مَا يُرِيْدُوْنَ، أَضَرُّوا بِدِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ (5) . قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: إِنَّ النَّاسَ قَالُوا: بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ بِمَالٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. وَقَالَ: هُوَ مِنْ مَال الصَّدَقَةِ،   (1) " تهذيب الكمال ": 678. (2) " تذكرة الحفاظ " 1 / 338. (3) " تذكرة الحفاظ " 1 / 338. (4) " تهذيب الكمال ": 678. (5) " تهذيب الكمال ": 678. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 وَلَوْ كتبَ بِهِ لِي مِنَ الخَرَاجِ، لأَخَذْتُهُ. فَقَالَ: لَعَلَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ؛ لأَنَّهُ كَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَقُوْلُ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ لِهَؤُلاَءِ الأَصْنَافِ، لِلْفُقَرَاءِ، وَالمَسَاكِيْنِ، وَالغَارِمِيْنَ. فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يَأْخُذُ مِنَ الخَرَاجِ؟ قَالَ: هَذَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ، يَقُوْلُ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الصَّدَقَةِ (1) . أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: خَلَّفَ الخُرَيْبِيُّ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ بِيَدِ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ مائَةَ دِيْنَارٍ، فَقَبِلَهَا (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ لِيُحَدِّثَنَا، فَقَالَ: قُوْمُوا اسْقُوا البُسْتَانَ. فَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ هَذَا. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْلِمٍ الكَجِّيَّ يَقُوْلُ: كَتَبتُ الحَدِيْثَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ حَيٌّ، وَلَمْ أَقصِدْهُ؛ لأَنِّي كُنْتُ يَوْماً فِي بَيْتِ عَمَّتِي، وَلَهَا بَنُوْنَ أَكْبَرُ مِنِّي، فَلَمْ أَرَهُم، فَسَأَلْتُ عَنْهُم. فَقَالُوا: قَدْ مَضَوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ، فَأَبْطَؤُوا، ثُمَّ جَاؤُوا يَذُمُّونَهُ. وَقَالُوا: طَلَبْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ نَجِدْهُ، وَقَالُوا: هُوَ فِي بُسَيْتِنَةٍ لَهُ بِالقُرْبِ. فَقَصَدْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ فِيْهَا، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَقَالَ: مُتِّعتُ بِكُم أَنَا، فِي شُغُلٍ عَنْ هَذَا، هَذَا البُسَيْتِنَةُ لِي، فِيْهَا مَعَاشُ، وَتَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُسْقَى، وَلَيْسَ لِي مَنْ يَسْقِيْهَا. فَقُلْنَا: نَحْنُ نُدِيرُ الدُّوْلاَبَ، وَنَسْقِيْهَا. فَقَالَ: إِنْ حَضَرَتْكُم نِيَّةٌ، فَافْعَلُوا. فَتَشَلَّحْنَا، وَأَدَرْنَا الدُّوْلاَبَ حَتَّى سَقَيْنَا البُسْتَانَ، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا الآنَ. فَقَالَ: مُتِّعْتُ بِكُم، لَيْسَ لِي نِيَّةٌ فِي أَنْ أُحَدِّثَكُم، وَأَنْتُم كَانَتْ لَكُم نِيَّةٌ تُؤجَرُوْنَ عَلَيْهَا (3) .   (1) " تاريخ يحيى بن معين " 303، 304. (2) " تهذيب الكمال ": 678. (3) " تهذيب الكمال ": 678. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 قَالَ الخُطَبِيُّ: هَذَا، أَوْ مَعْنَاهُ. أَنْبَأَنِي المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِزْقٍ، وَأَبُو الفَرَجِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ دَاوُدَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: الحَدِيْثُ. قَالَ: اذْهَبْ، فَتَحَفَّظِ القُرْآنَ. قُلْتُ: قَدْ حَفِظْتُ القُرْآنَ. قَالَ: اقْرَأَ: {وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ نُوْحٍ ... } [يُوْنُسُ: 71] . فَقَرَأْتُ العشْرَ حَتَّى أَنْفَذْتُهُ، فَقَالَ لِي: اذْهَبِ الآنَ، فَتَعَلَّمِ الفَرَائِضَ. قُلْتُ: قَدْ تَعَلَّمتُ الصُّلْبَ وَالجدَّ وَالكُبَرَ (1) . قَالَ: فَأَيُّمَا أَقْرَبُ إِلَيْكَ: ابْنُ أَخِيْكَ، أَوْ عَمُّكَ؟ قُلْتُ: ابْنُ أَخِي. قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ أَخِي مِنْ أَبِي، وَعَمِّي مِنْ جَدِّي. قَالَ: اذْهَبِ الآنَ، فَتَعَلَّمِ العَرَبِيَّةَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُهَا قَبْلَ هَذَيْنِ. قَالَ: فَلِمَ قَالَ عُمَرُ -يَعْنِي حِيْنَ طُعِنَ-: يَا لَلَّهِ، يَا لِلْمُسْلِمِيْنَ، لِمَ فَتَحَ تِلْكَ، وَكَسَرَ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فَتَحَ تِلْكَ اللاَّمَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَكَسَرَ هَذِهِ عَلَى الاسْتِغَاثَةِ وَالاسْتِنْصَارِ. فَقَالَ: لَوْ حدَّثْتُ أَحَداً، لَحَدَّثْتُكَ (2) . لَفْظُ أَبِي الفَرِجِ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلاَ: كَانَ الخُرَيْبِيُّ عَسِراً فِي الرِّوَايَةِ (3) . قُلْتُ: لَقِيَهُ البُخَارِيُّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ فِي (الصَّحِيْحِ) ، فَرَوَى عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْهُ، وَعَنِ الفَلاَّسِ، عَنْهُ، وَعَنْ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْهُ، وَتَرَكَ التَّحْدِيْثَ تَدَيُّناً إِذْ رَأَى طَلَبَهُم لَهُ بِنِيَّةٍ مَدْخُوْلَةٍ. قَالَ الخُرَيْبِيُّ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) أي: مسائل الفرائض الكبرى. (2) " تهذيب الكمال ": 678. (3) " الإكمال " 3 / 286، وفيه " التحديث " بدل " الرواية " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . زَادَ الكُدَيْمِيُّ: فِي نِصْفِ شَوَّالٍ. أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ دَاوُدَ الوَابِشِيَّةُ، قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ، وَيَصْطَبِغُ بِخَلِّ خَمْرٍ (2) . 114 - خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخُرَاسَانِيُّ * (د، س) أَبُو الهَيْثَمِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ، المَرْوَرُّوْذِيُّ. نَزَلَ السَّاحِلَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَشَيْبَانَ، وَكَامِلٍ أَبِي العَلاَءِ. وَعَنْهُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِمْصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهِ (3) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 295. (2) يصطبغ بخل، أي: يتخذه إداما، والوابشية،: نسبة إلى وابش بن زيد، وأم داود هذه لم أجد من ترجمها. (*) التاريخ الكبير 3 / 161، الضعفاء للعقيلي لوحة: 116، الجرح والتعديل 3 / 341، تهذيب الكمال لوحة: 364، تذهيب التهذيب: 1 / 190 / 2، ميزان الاعتدال 6 / 633، الكاشف 1 / 271، تهذيب التهذيب 3 / 103. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 342. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ (1) . 115 - شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ قَيْسٍ السَّكُوْنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَابِدُ، الصَّادِقُ، أَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ (2) ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبْيَانَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَخُصَيْفٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ إِمَاماً رَبَّانِيّاً، مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَقَعَ لَنَا جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ مِنْ عَوَالِيْهِ.   (1) الضعفاء " للعقيلي لوحة 116. وفي الأصل عقب هذه الترجمة ترجمة عبد الله بن نمير، وقد تقدمت ترجمته في الصفحة 194، فحذفناها من هنا لتطابقها مع الترجمة المتقدمة بالنص والحرف. (*) التاريخ لابن معين: 249، طبقات ابن سعد 7 / 333، التاريخ الكبير 4 / 261، التاريخ الصغير 2 / 306، الجرح والتعديل 3 / 378، مشاهير علماء الأمصار: ت 1395، (تهذيب) الكمال: 574، تذهيب التهذيب 2 / 71 / 1، العبر 1 / 346، تذكرة الحفاظ 1 / 328، ميزان الاعتدال 2 / 264، الكاشف 2 / 5، تهذيب التهذيب 4 / 312، طبقات الحفاظ: 138، خلاصة تذهيب الكمال: 163، شذرات الذهب 2 / 12. (2) هذه النسبة إلى السكون، وهو بطن من كندة، نسبة إلى السكون بن أشرس بن ثور. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، وَرِعاً (1) . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعبَدَ مِنْهُ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ مَعِيْنٍ، فَلَقِيَ أَبَا بَدْرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ! اتَّقِ اللهَ، وَانظُرْ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، لاَ يَكُوْنُ ابْنُكَ يُعْطِيْكَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، وَتَنَحَّيْتُ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَفَعَلَ اللهُ، وَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً (2) . قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ وَثَّقَهُ، وَأَنْصَفَهُ. نَقَلَ عَنْ يَحْيَى تَوْثِيْقَه أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَقَدْ كَانَ ابْنُهُ أَبُو هَمَّامٍ مِنَ الثِّقَاتِ العُلَمَاءِ أَيْضاً. وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: أَبُو بَدْرٍ لَيِّنُ الحَدِيْثِ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قُلْتُ: قَدْ قَفَزَ القَنْطَرَةَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ (3) . ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إِلاَّ أَنَّ عِنْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو أَحَادِيْثَ صِحَاحاً (4) . قُلْتُ: لَكِنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرٍو مَعَ صِدْقِهِ وَعِلْمِهِ فِيْهِ لِيْنٌ مَا، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ   (1) طبقات ابن سعد: 7 / 333. (2) تهذيب الكمال: 574. (3) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 408: ليس له عند البخاري سوى حديث واحد في المحصر، وقد توبع شيخه فيه، وهو عمر بن محمد بن زيد العمري، عن نافع، عن ابن عمر. (4) " الجرح والتعديل " 4 / 378، وفيه قال: سئل أبو زرعة عن شجاع بن الوليد، فقال: لا بأس به. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 الشَّيْخَانِ (1) ، وَبَعْضُ الأَئِمَّةِ احْتَجَّ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو بَدْرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: كَانَ مُعَمَّراً مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 116 - أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ * (ع) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي نَصْرٍ القُرَشِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَعَمْرِو بنِ قَيْسٍ المُلاَئِيِّ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُهُ؛ عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (3) .   (1) روى له البخاري مقرونا بغيره، ومسلم خرج حديثه في المتابعات، فهو حسن الحديث. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 333. (3) " التاريخ الكبير " للبخاري 4 / 261. (*) التاريخ لابن معين: 23، طبقات ابن سعد 6 / 393، تاريخ خليفة: 470، طبقات خليفة ت 1327، التاريخ الكبير 2 / 53، المعرفة والتاريخ: 2 / 652، الضعفاء للعقيلي: لوحة 43 - 44، الجرح والتعديل 1 / 332، مشاهير علماء الأمصار: ت 1378، تهذيب الكمال: 39، تذهيب التهذيب 1 / 51 / 2، العبر 1 / 332، ميزان الاعتدال 1 / 175، الكاشف 1 / 104، تهذيب التهذيب 1 / 211، خلاصة تذهيب الكمال: 26، شذرات الذهب 1 / 358. (4) " تاريخ يحيى بن معين " 23. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: قَالَ لَنَا وَكِيْعٌ: إِنَّ لأَسْبَاطِ بنِ مُحَمَّدٍ ثَلاَثَةَ (1) آلاَفِ حَدِيْثٍ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ أَرَى أَصْحَابَنَا يَرضَوْنَهُمَا. تُوُفِّيَ: سَنَةَ مائَتَيْنِ، فِي المُحَرَّمِ. قرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ قَايْمَازَ المُقْرِئِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَوَّامٍ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِشُرْبِ خَبَثِ الحَدِيْدِ بِاللَّبَنِ. وَأَخْبَرَنَا بِهِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ خَلِيْلٍ. 117 - حَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ أَبُو سَعِيْدٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ التَّمِيْمِيُّ - وَيُقَالُ: البَاهِلِيُّ - مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ،   (1) سقطت من الأصل واستدركت من " التهذيب ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 294، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت 1930، التاريخ الصغير 2 / 296، الجرح والتعديل 3 / 148، مشاهير علماء الأمصار ت 1284، تهذيب الكمال: 333 تذهيب التهذيب: 1 / 275 / 2، العبر: 1 / 336، الكاشف 1 / 252، تهذيب التهذيب 3 / 19، خلاصة تذهيب الكمال: 92. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) . مَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، فِي رَجَبٍ. أَخْبَرَنَا مُوَفَّقُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الحَنْبَلِيُّ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الآمِدِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ (ح) . وَأَخْبَرُوْنَا عَنِ ابْنِ المُقَيَّرِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَبْهَانَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ الحبَّانِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْتَمِسُوْهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (2)) . يَعْنِي: لَيْلَةَ القَدْرِ. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، فِيْهِ أَمْرُ الأُمَّةِ بِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ القَدْرِ (3) .   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 148. (2) أخرجه البخاري 4 / 225، 226 في التراويح: باب تحري ليلة القدر، ومسلم (1169) في الصيام: باب فضل ليلة القدر، والترمذي (792) في الصوم: باب ما جاء في ليلة القدر، وأحمد في " المسند " 6 / 50 من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. (3) وفيه أيضا أن ليلة القدر منحصرة في رمضان، وأنها في العشر الأخير منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 118 - يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ زَاذِي السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ (ع (1)) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو خَالِدٍ السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، الوَاسِطِيُّ، الحَافِظُ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ القَاضِي، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ جَعْفَرِ بنِ الحَارِثِ، وَسَالِمِ بنِ عُبَيْدٍ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَمُبَارَكٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَسُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَشَرِيْكِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، ثِقَةً، حُجَّةً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ   (*) تاريخ ابن معين: 677، طبقات ابن سعد 7 / 314، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة ت 3193، التاريخ الكبير 8 / 368، التاريخ الصغير 2 / 307، المعارف: 515، تاريخ الفسوي 1 / 195، 196، الجرح والتعديل 9 / 295، مشاهير علماء الأمصار ت 1406، تاريخ بغداد 14 / 337، تهذيب الكمال: 1543، تذهيب التهذيب 4 / 181 / 1، العبر 1 / 350، تذكرة الحفاظ 1 / 317، الكاشف 3 / 287، دول الإسلام 1 / 128، تهذيب التهذيب 11 / 366، طبقات الحفاظ: 132، خلاصة تذهيب االكمال: 435، شذرات الذهب 2 / 16. (1) ويقال: زاذان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُكرمٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ الوَاسِطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ رِبْحٍ البَزَّازُ، وَإِدْرِيْسُ بنُ جَعْفَرٍ العَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ، وَهُوَ خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ. يُقَالُ: إِنَّ أَصْلَهُ مِنْ بُخَارَى. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: هُوَ أَحْفَظُ مِنْ وَكِيْعٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَزِيْدُ حَافِظاً، مُتْقِناً. وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لِيَزِيْدَ كِتَاباً قَطُّ، وَلاَ حَدَّثَنَا إِلاَّ حِفْظاً (2) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ بِالإِسْنَادِ - وَلاَ فَخْرَ - وَأَحفَظُ لِلشَّامِيِّيْنَ عِشْرِيْنَ أَلْفَ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 339. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 340. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 حَدِيْثٍ لاَ أُسْأَلُ عَنْهَا (1) . قُلْتُ: لأَنَّهُ أَكْثَرَ إِلَى الغَايَةِ عَنْ مُحَدِّثِي الشَّامِ: ابْنِ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ، وَكَانَ ذَاكَ نَازِلاً عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا حَسُنَ سَمَاعُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِمَا فِي أَيَّامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَنَحْوِهِ. قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قِيْلَ لَهُ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ لَهُ فِقْهٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا كَانَ أَذكَاهُ، وَأَفْهَمَهُ، وَأَفْطَنَهُ (2) ! قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: مَا رَأَينَا عَالِماً قَطُّ أَحْسَنَ صَلاَةً مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لَمْ يَكُنْ يَفتُرُ مِنْ صَلاَةٍ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (3) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يَزِيْدُ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ، لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ (4) . وَرَوَى: عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: مَا بِالمِصْرَيْنِ (5) مِثْلُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ يَهَابَ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: مَا دَلَّسْتُ حَدِيْثاً قَطُّ إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، فَمَا بُوْرِكَ لِي فِيْهِ (6) . عَنْ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ عِنْدَ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَأَمَّا يَزِيْدُ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى العَتَمَةَ، لاَ يَزَالُ قَائِماً حَتَّى يُصَلِّيَ الغَدَاةَ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 339، 340. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 340، و" المعرفة والتاريخ " 2 / 158، 159، (3) " تاريخ بغداد " 14 / 340. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 295. (5) أي: الكوفة والبصرة. (6) " تهذيب الكمال " 1544. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 بِذَلِكَ الوُضُوْءِ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ نَزِيْلُ مَكَّةَ: قَالَ رَجُلٌ لِيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ: كم جُزْؤُكَ؟ قَالَ: وَأَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئاً؟ إِذاً لاَ أَنَامَ اللهُ عَيْنِي (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ مِنْ يَزِيْدَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ فِي مَجْلِسِهِ سَبْعِيْنَ أَلْفاً (3) . قُلْتُ: احْتَفَلَ مُحَدِّثُو بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا لِقُدُوْمِ يَزِيْدَ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ؛ لِجَلاَلَتِهِ، وَعُلُوِّ إِسْنَادِهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مُتَعَبِّدٌ، حَسَنُ الصَّلاَةِ جِدّاً، يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بِهَا مِنَ الجَوْدَةِ غَيْرُ قَلِيْلٍ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ عَمِيَ (4) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتقَنَ حِفْظاً مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ (5) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ يَزِيْدُ وَهُشَيْمٌ مَعْرُوْفَيْنِ بِطُوْلِ صَلاَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ يَزِيْدُ يُعَدُّ مِنَ الآمِرِيْنَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّاهِيْنَ عَنِ المُنْكَرِ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 341. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 341. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 346. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 341. (5) تهذيب الكمال " 1544. (6) " تاريخ بغداد " 14 / 346. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 أَنْبَأَنَا المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ الحَافِظُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، قَالَ: قَالَ لَنَا المَأْمُوْنُ: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لأَظْهَرتُ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ. فَقِيْلَ: وَمَنْ يَزِيْدُ حَتَّى يُتَّقَى؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِّيْ لأَرْتَضِيهِ لاَ أَنَّ لَهُ سَلْطَنَةً، وَلَكِنْ أَخَافُ إِنْ أَظْهَرتُهُ، فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَيَخْتَلِفُ النَّاسُ، وَتَكُوْنُ فِتْنَةً (1) . العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: عَنْ شَاذِّ بنِ يَحْيَى، سَمِعَ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ زِنْدِيْقٌ. وَقَدْ كَانَ يَزِيْدُ رَأْساً فِي السُّنَّةِ، مُعَادِياً لِلْجَهْمِيَّةِ، مُنْكِراً تَأْوِيْلَهُم فِي مَسْأَلَةِ الاسْتِوَاءِ. وَرَوَى: حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، قَالَ: أَصلُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ مِنْ بُخَارَى (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ: كَانَ يَزِيْدُ يَخْضِبُ خِضَاباً قَانِياً (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ مِثْلُ هُشَيْمٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمَاعُ يَزِيْدَ مِنِ ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ ضَعِيْفٌ، أَخْطَأَ فِي أَحَادِيْثَ.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 342. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 338. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 338. وقانيا: شديدا، يقال: أحمر قان: شديد الحمرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 قُلْتُ: إِنَّمَا الضَّعْفُ فِيْهَا مِنْ قِبَلِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ؛ لأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ لاَ يُمَيِّزُ، وَلاَ يُبَالِي عَمَّنْ رَوَى. وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ يُعَابُ عَلَى يَزِيْدَ حَيْثُ ذَهَبَ بَصَرُهُ، رُبَّمَا سُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَيَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تُحَفِّظُهُ إِيَّاهُ مِنْ كِتَابِهِ (1) . قُلْتُ: مَا بِهَذَا الفِعْلِ بَأْسٌ مَعَ أَمَانَةِ مَنْ يُلَقِّنُهُ، وَيَزِيْدُ حُجَّةٌ بِلاَ مَثْنَوِيَّةٍ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: كَانَ بِالعِرَاقِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الحُفَّاظِ: شَيْخَانِ: يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَهُشَيْمٌ، وَكَهْلاَنِ: وَكِيْعٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَزِيْدُ أَحْفَظُهُمَا (3) . الأَبَّارُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ حَدِيْثَ الصُّورِ مَرَّةً، فَحَفِظتُهُ، وَأَحْفَظُ عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَنْ شَاءَ، فَلْيُدْخِلْ فِيْهَا حَرفاً (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 338، 339. (2) أي: بلا استثناء. قال: حلفت يمينا غير ذي مثنوية، أي لا استثناء فيها. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 339. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 340، وحديث الصور الذي حفظه مطول جدا أخرج بعضه ابن جرير في تفسيره 17 / 110، 111 من طريق إسماعيل بن رافع المدني، قاص أهل المدينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الانصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الانصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما فرغ الله من خلق السماوات والارض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل ... وهذا سند مسلسل بالضعفاء والمجاهيل، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 وَفِي حِكَايَةِ المَأْمُوْنِ المَذْكُوْرَةِ زِيَادَةٌ، قَالَ: فَخَرَجَ رَجُلٌ -يَعْنِي مِنْ نَاحِيَة المَأْمُوْنِ إِلَى وَاسِطَ-. قَالَ: فَجَاءَ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: أُرِيْدُ أَنْ أُظهِرَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. قَالَ: كَذَبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ (1) . وَفِي كِتَابِ (ذَمِّ الكَلاَمِ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْتَصِرِ البَاهِلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الغَسِيْلِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَكَمِ، قَالَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يُسْأَلُ عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، يَقُوْلُ: مَا مَاتَ، وَمَا امْتُحِنَ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ يَزِيْدُ.   = إسماعيل بن رافع ضعيف، وكذا شيخه، والرجلان من الانصار مجهولان، وأورده ابن كثير في " تفسيره " بتمامه 2 / 146، 149 من طريق الطبراني حدثنا أحمد بن الحسن المصري الايلي (وقد كذبه ابن حبان والدارقطني، واتهمه ابن عدي بسرقة الحديث) حدثنا أبو عاصم النبيل، حدثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ... فذكره، ثم قال: هذا حديث مشهور، وهو غريب جدا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة، وفي بعض ألفاظه نكارة تفرد به إسماعيل بن رافع قاص المدينة، وقد اختلف فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وعمرو ابن علي الفلاس، ومنهم من قال فيه: هو متروك، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة قد أفردتها في جزء على حدة، وأما سياقه، فغريب جدا، ويقال: إنه جمعه من أحاديث كثيرة، وجعلها سياقا واحدا، فأنكر عليه بسبب ذلك. وقد أورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 339، 342، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وعلي بن سعيد في كتاب " الطاعة والعصيان "، وأبي يعلى، وأبي الحسن القطان في " المطولات " وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي موسى المديني كلاهما في " المطولات "، وأبي الشيخ في " العصمة "، والبيهقي في " البعث والنشور ". (1) " تاريخ بغداد " 14 / 342. (2) نسبة إلى حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة، فقد قتل يوم أحد جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لارى الملائكة تغسله " فسمي حنظلة الغسيل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 قَالَ أَبُو نَافِعٍ سِبْطُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَعِنْدَهُ رَجُلاَنِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَر لِي، وَشَفعَنِي، وَعَاتَبَنِي، وَقَالَ: أَتُحَدِّثُ عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ: إِنَّهُ يُبْغِضُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَقَالَ الرَّجُلُ الآخَرُ: رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ أَتَاكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ؟ قَالَ: إِيْ وَاللهِ، وَسَأَلاَنِي: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِيْنُكُ؟ فَقُلْتُ: أَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا، وَأَنَا كُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذَا فِي دَارِ الدُّنْيَا؟! فَقَالاَ لِي: صَدَقْتَ (1) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَذَانِيُّ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ بنِ شُجَاعٍ الوَسْطَانِيُّ، وَزَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ بِبَغْدَادَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا قَفَرْجَلٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ أَخُو كَرْخُوَيْه، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّيْ تَارِكٌ فِيْكُم الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُوْدٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ) (2) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 346، 347. (2) إسناده ضعيف لضعف عطية العوفي، وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 14، و17، و26، و59، والطبراني في " المعجم الصغير " 1 / 135 من طرق عن عطية العوفي به لكن له شاهد يتقوى به عند أحمد 5 / 181، 182، من حديث زيد بن ثابت، وسنده حسن في الشواهد، وآخر من حديث زيد بن أرقم عند الترمذي (3788) وحسنه، وثالث من حديث جابر بن عبد الله عند الترمذي (3786) أيضا وحسنه. وفي الباب عن غير هؤلاء انظر " المجمع " 9 / 163، وما بعدها، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2408) في = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا حَسُنَ إِسْلاَمُ العَبْدِ، تَمَّمَ اللهُ لَهُ عَمَلَهُ بِسَبْعِ مائَةِ ضِعْفٍ (1)) . قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ   = فضائل الصحابة من حديث زيد بن أرقم مرفوعا بلفظ " ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: " وأهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي " وعترة الرجل: أهل بيته ورهطه الادنون، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الادنين وأزواجه. قال الطيبي في قوله: " إني تارك فيكم الثقلين ": إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله، وأنه يوصي الأمة. بحسن المخالفة معهما، وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الاب المشفق الناس في حق أولاده، ويعضده ما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم: " أذكركم الله في أهل بيتي " كما يقول الاب المشفق: الله الله في حق أولادي. (1) جعفر - وهو ابن الزبير الباهلي الدمشقي - متروك الحديث، والقاسم: هو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة، وقد صح الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة، فأخرجه أحمد 2 / 317، والبخاري 1 / 93 في الايمان: باب حسن إسلام المرء، ومسلم (129) في الايمان: باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب، من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَمَّارٍ شَيْءٌ، فَانْطَلَقَ يَشْكُو إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ لاَ يَزِيْدُهُ إِلاَّ غلظاً، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاكِتٌ. فَبَكَى عَمَّارٌ، وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلاَ تَرَاهُ؟ فَرَفَعَ رَسُوْلُ اللهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَبْغَضَ عَمَّاراً، أَبْغَضَهُ اللهُ، وَمَنْ عَادَى عَمَّاراً، عَادَاهُ اللهُ) . قَالَ: فَخَرَجتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رِضَى عَمَّارٍ، فَلَقِيْتُهُ، فَرَضِيَ (1) . وَبِهِ: إِلَى يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَمَّارٍ كَلاَمٌ، فَشَكَاهُ خَالِدٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ يُعَادِ عَمَّاراً، يُعَادِهِ اللهُ، وَمَنْ يُبْغِضْ عَمَّاراً، يُبْغِضْهُ اللهُ، وَمَنْ يَسُبَّ عَمَّاراً، يَسُبَّهُ اللهُ) (2) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، وَأَرَادَ بَيْعَهَا، فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى جَارِهِ) (3) .   (1) " إسناده صحيح وأخرجه أحمد 4 / 89، من طريق يزيد بن هارون، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، ونسبه للطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح، وهو في " المستدرك " 3 / 391، وقد تقدم في ترجمة عمار 3 / 415. (2) رجاله ثقات. (3) شريك وهو ابن عبد الله القاضي سيئ الحفظ، وسماك روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في سنن ابن ماجة (2493) في الشفعة: باب من باع رباعا فليؤذن شريكه = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي، وَالمَسْجَدِ الحَرَامِ، وَالمَسْجَدِ الأَقْصَى (1)) . مَعْنَاهُ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ ابْتِغَاءَ الأَجْرِ سِوَى المَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ، فَإِنَّ لَهَا فَضْلاً خَاصّاً. فَمَنْ قَالَ: لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ شَدُّ الرَّحْلِ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ، وَقَفَ مَعَ ظَاهِر النَّصِّ، وَأَنَّ الأَمْرَ بِذَلِكَ وَالنَّهْيَ خَاصٌّ بِالمَسَاجِدِ. وَمَنْ قَالَ بِقِيَاسِ الأُوْلَى، قَالَ: إِذَا كَانَ أَفْضَلَ بِقَاعِ الأَرْضِ مَسَاجِدُهَا، وَالنَّهْيُ وَرَدَ فِيْهَا، فَمَا دُوْنَهَا فِي الفَضْلِ - كَقُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ - أَوْلَى بِالنَّهْيِ. أَمَّا مَنْ سَارَ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ فَاضِلٍ مِنْ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ، فَقُربَةٌ بِالإِجْمَاعِ بِلاَ تَرَدُّدٍ، سِوَى مَا شَذَّ بِهِ الشَّعْبِيُّ، وَنَحْوُهُ، فَكَانَ بَلَغَهُمُ النَّهْيُ عَنْ زِيَارَةِ القُبُوْرِ، وَمَا عَلِمُوا بِأَنَّهُ نُسِخَ ذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   = من طريقين، عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد، وفي الباب ما يشهد له عن جابر عند مسلم (2173) (133) و (134) و (135) ، وأبي داود (3513) بلفظ: " من كان له شريك في ربعة أو نخل، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك " ولابي داود (3518) ، والترمذي (1369) ، وابن ماجة (2494) عن جابر بسند قوي: " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا ". (1) سنده حسن، وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 501، من طريق يزيد بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد أيضا 2 / 238، والبخاري 3 / 51، 52 في التطوع: باب فضل الصلاة في مسجد مكة، والمدينة، ومسلم (1397) ، في الحج: باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وأبو داود (2033) في المناسك: باب في إتيان المدينة، والنسائي 2 / 37 و38 في المساجد: باب ما تشد الرحال إليه من المساجد. وابن ماجة (1409) كلهم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: تُوُفِّيَ يَزِيْدُ بِوَاسِطَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (1)) ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيْثُ: (الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ) ، وَحَدِيْثُهُ كَثِيْرٌ جِدّاً فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، وَفِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَفِي أَجْزَاءَ كَثِيْرَةٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سِنَانٍ يَقُوْلُ: كَانَ يَزِيْدُ يَكْرَهُ قِرَاءةَ حَمْزَةَ كَرَاهَةً شَدِيْدَةً (2) . قَالَ المِزِّيُّ: يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ زَاذِي، وَيُقَالُ: زَاذَانُ بنُ ثَابِتٍ، كَانَ جَدُّهُ مَوْلَىً لأُمِّ عَاصِمٍ؛ امْرَأَةِ عُتْبَةَ بنِ فَرْقَدٍ، فَأَعْتَقَتْهُ. قِيْلَ: أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى. رَوَى عَنْ: أَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَصْبَغَ بنِ زَيْدٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي زَيْنَبَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَعَوْفٍ   (1) الغيلانيات: هي أحد عشر جزءا تخريج الدارقطني من حديث أبي بكر بن محمد ابن عبد الله بن إبراهيم البغدادي الشافعي البزار المتوفى سنة 354 هـ، وهو القدر المسموع لأبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز المتوفى سنة 404 هـ من أبي بكر المذكور، وهي من أعلى الحديث وأحسنه. (2) وكذا الامام أحمد، فقد جاء في " المغني " 1 / 492 لابن قدامة: ولم يكره قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة والكسائي لما فيها من الكسر والادغام والتكلف وزيادة المد. قال الأثرم: قلت: إمام كان يصلي بقراءة حمزة، أصلي خلفه؟ قال: لا يبلغ به هذا كله، ولكنها لا تعجبني قراءة حمزة. قال ابن الجزري في " طبقات القراء " 1 / 263: وهو محمول على قراءة من سمع منه ناقلا عن حمزة، وما آفة الاخبار إلا رواتها، وروي عن حمزة من طرق أنه كان يقول لمن يفرط عليه في المد والهمز: لا تفعل، أما علمت أن ما كان فوق البياض، فهو برص، وما كان فوق الجعودة، فهو قطط، وما كان فوق القراءة ليس بقراءة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 الأَعْرَابِيِّ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَالعَلاَءِ بنِ زَيْدَلَ (1) ، وَفَائِدٍ أَبِي الوَرْقَاءِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ... ، وَذَكَرَ خَلْقاً قَدْ مَضَوْا، وَيَنْزِلُ إِلَى الرِّوَايَة عَنْ: بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَنَحْوِهِ، وَسَمَّى مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ مائَةً وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْساً (2) . رَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ يَزِيْدُ حَافِظاً، مُتْقِناً لِلْحَدِيْثِ، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، قَاهِراً لَهَا، حَافِظاً. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَتْقَنَ حِفْظاً مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَالإِتْقَانُ أَكْبَرُ مِنْ حِفْظِ السَّرْدِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ، صَدُوْقٌ، لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، عَنْ عَفَّانَ: أَخَذَ يَزِيْدُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ حِفْظاً، وَهِيَ صِحَاحٌ، بِهَا مِنَ الاسْتِوَاءِ غَيْرُ قَلِيْلٍ، وَمَدَحَهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ عَالِماً قَطُّ أَحْسَنَ صَلاَةً مَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، يَقُوْمُ كَأَنَّهُ أُسْطُوَانَةٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ، وَحُصَيْنٌ حَيٌّ، كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ نَسِيَ (3) .   (1) في " التقريب ": العلاء بن زيد، ويقال له: زيدل، بزيادة لام، الثقفي أبو محمد البصري متروك، ورماه أبو الوليد بالكذب. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1543، 1544. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 314. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَتُوُفِّيَ فِي خِلاَفَةِ المَأْمُوْنِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ -يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ (1) -. وَرَوَى: المَرُّوْذِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مَيْمُوْنٍ حِكَايَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ كَانَ صَاحِبَ مُزَاحٍ، وَكَانَ يَتَأَدَّبُ بِحُضُوْرِ الإِمَامِ وَلاَ يُمَازِحُهُ. وَقَدِ اعْتَلَّ أَحْمَدُ مَرَّةً، فَعَادَهُ يَزِيْدُ، وَوَصَلَهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَرَدَّهَا أَحْمَدُ، وَاعْتَذَرَ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، أَخْبَرَكُمْ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدٌ الخَيَّاطُ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ التَّانِي، حَدَّثَنَا ابْنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَمْرِو بنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيَّ، سَمِعْتُ الحَارِثَ بنَ أَبِي أُسَامَةَ، يَقُوْلُ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ إِذَا جَاءهُ مَنْ فَاتَهُ المَجْلِسُ، قَالَ: يَا غُلاَمُ! نَاوِلْهُ المِنْدِيلَ. وَبِهِ: قَالَ ابْنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ ابْنَ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بنَ يِهَابَ، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الثُّقَلاَءِ. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا المَعْمَرِيُّ، سَمِعْتُ خَلَفَ بنَ سَالِمٍ يَقُوْلُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، فَمَزَحَ مَعَ مُسْتَمْلِيْهِ، فَتَنَحْنَحَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. فَقَالَ يَزِيْدُ: مَنِ المُتَنَحْنِحُ؟ فَقِيْلَ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. فَضَرَبَ يَزِيْدُ عَلَى جَبِيْنِهِ، وَقَالَ: أَلاَ أَعْلَمْتُمُوْنِي أَنَّ أَحْمَدَ هَا هُنَا حَتَّى لاَ أَمزَحَ.   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 314، 315. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 وَمِنْ طَبَقَةٍ عَلَى رَأْسِ المائَتَيْنِ، وَهِيَ العَاشِرَةُ: 119 - مُعَاذُ بنُ هِشَامِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، فَأَكْثَرَ. وَقَدْ رَوَى اليَسِيْرَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَبُكَيْرِ بنِ أَبِي السَّمِيْطِ، وَشُعْبَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو مُوْسَى الزَّمِنُ، وَأَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ السَّرَخْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرْعَرَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ، وَزَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، وَخَلْقٌ. رَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيْهِ: لَيْسَ المَعَاصِي مِنْ قَدَرِ اللهِ. قُلْتُ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: أَنَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيْهِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي تِجَارَةٍ، فَجَلَسَ يُحَدِّثُهُم، فَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ هَذَا القَدَرِيِّ شَيْئاً (1) .   (*) تاريخ ابن معين: 572، التاريخ الكبير 7 / 366، التاريخ الصغير 2 / 289، الجرح والتعديل 8 / 249، الكامل لابن عدي: لوحة 796، تهذيب الكمال: 1340، تذهيب التهذيب 4 / 48 / 1، العبر 1 / 334، ميزان الاعتدال 4 / 133، تذكرة الحافظ 1 / 325، الكاشف 3 / 155، تهذيب التهذيب 10 / 196، طبقات الحفاظ: 136، خلاصة تذهيب الكمال: 380، شذرات الذهب 1 / 359. (1) " تهذيب الكمال ": 1340. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 قَالَ: وَسَمِعَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَنْ يُكَثِّرُهُ فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، فَقَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مِنَ الحَدِيْثِ؟ مَا كَتَبتُ عَنْهُ إِلاَّ مَجْلِساً سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً (1) . وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ (2) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ هِشَامٍ يَقُوْلُ بِمَكَّةَ، قِيْلَ لَهُ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: عِنْدِي عَشْرَةُ آلاَفٍ. فَأَنْكَرْنَا عَلَيْهِ، وَسَخِرْنَا مِنْهُ، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى البَصْرَةِ، أَخْرَجَ إِلَيْنَا مِنَ الكُتُبِ نَحْواً مِمَّا قَالَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ-. فَقَالَ: هَذَا سَمِعْتُهُ، وَهَذَا لَمْ أَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يُمَيِّزُهَا (3) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ عِنْدَكَ حُجَّةٌ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُوْلَ شَيْئاً، كَانَ يَحْيَى لاَ يَرْضَاهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لاَ أَدْرِي مَنْ عَنَى: يَحْيَى القَطَّانَ، أَوْ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَظُنُّهُ يَحْيَى القَطَّانَ (4) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَهُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ قَتَادَةَ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ، وَلَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيْهِ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَرُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الشَّيْءِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ صَدُوْقٌ (5) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : مَاتَ سَنَةَ مائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ المَرَاتِبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ   (1) " تهذيب الكمال ": 1340. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 572. (3) " الكامل " لابن عدي: لوحة 796، و" تهذيب الكمال ": 134. (4) " تهذيب الكمال ": 134. (5) " الكامل في الضعفاء " لوحة 797 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَةِ اللهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِيْنَ، يُقَالُ لَهُمُ: الجَهَنَّمِيُّوْنَ) . قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُم اسْتَعْفَوُا اللهَ مِنْ ذَلِكَ الاسْمِ، فَأَعْفَاهُم. هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (1) . 120 - أَبُو البَخْتَرِيِّ وَهْبُ بنُ وَهْبِ بنِ كَثِيْرٍ الأَسَدِيُّ * قَاضِي القُضَاةِ، وَهْبُ بنُ وَهْبِ بنِ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ أَسَدٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، إِلاَّ أَنَّهُ مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. يَرْوِي عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ سَهْلٍ، وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَنَزَلَ بَغْدَادَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ عَسْكَرِ المَهْدِيِّ، ثُمَّ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ وَحَرْبَهَا مَعاً وَصَلاَتَهَا.   (1) وأخرجه أحمد 5 / 402 من طريق محمد بن جعفر وحجاج، كلاهما عن حماد بهذا الإسناد. وفيه: قال الحجاج: " الجهنميين " وإسناده صحيح. (*) تاريخ ابن معين: 637، طبقات ابن سعد 7 / 332، تاريخ خليفة: 468، طبقات خليفة: 468، التاريخ الكبير 8 / 170، التاريخ الصغير 2 / 320، الضعفاء الصغير: 116، المعارف: 516، الضعفاء والمتروكين: 104، الضعفاء للعقيلي لوحة 442، الجرح والتعديل 9 / 25، كتاب المجروحين 3 / 74، تاريخ بغداد 3 / 451، العبر 1 / 334، ميزان الاعتدال 4 / 353، لسان الميزان 6 / 231، شذرات الذهب 1 / 360. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 وَقَالَ الخَطِيْبُ: وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بَعْدَ أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مُحْتَشِماً (1) . قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: يَضَعُ الحَدِيْثَ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ (3) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ فَقِيْهاً، أَخْبَارِيّاً، جَوَاداً، سَرِيّاً، تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، وَهِيَ عَبْدَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ بنِ رُكَانَةَ المُطَّلِبِيَّةُ. وَقَدْ صَنَّفَ: فِي النَّسَبِ، وَفِي الغَزَوَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ مائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. 121 - سُلَيْمُ بنُ عِيْسَى بنِ سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُمْ شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو عِيْسَى، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ. تِلْمِيْذُ حَمْزَةَ، وَأَحْذَقُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ خَلَفُهُ فِي الإِقْرَاءِ. تَلاَ عَلَيْهِ: خَلَفٌ البَزَّارُ، وَخَلاَّدُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَتُرْكٌ الحَذَّاءُ (4) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 451. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 637. (3) " التاريخ الكبير " 8 / 170، والبخاري يطلق هذه الجملة، وجملة: " فيه نظر " فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير: إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها. (*) التاريخ الكبير 4 / 127، الضعفاء للعقيلي: 171، الجرح والتعديل 4 / 215، العبر 1 / 300 ميزان الاعتدال 2 / 231، دول الإسلام 1 / 119، غاية النهاية 1 / 318، شذرات الذهب 1 / 320. (4) هو محمد بن حرب الحذاء الكوفي المعدل، من قدماء أصحاب سليم بن عيسى، انظر ترجمته في " غاية النهاية " 1 / 187. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 وَرَوَى عَنْ: حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ. رَوَى عَنْهُ: ضِرَارُ بنُ صُرَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ. قَالَ الدُّوْرِيُّ: قَالَ لِي الكِسَائِيُّ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى حَمْزَةَ، فَجَاءَ سُلَيْمٌ، فَتَلَكَّأْتُ، فَقَالَ حَمْزَةُ: تَهَابُهُ وَلاَ تَهَابُنِي؟ قُلْتُ: أَيُّهَا الأُسْتَاذُ! أَنْتَ إِنْ أَخطَأْتُ، قَوَّمْتَنِي، وَهَذَا إِنْ أَخْطَأْتُ، عَيَّرَنِي. وَقِيْلَ: إِنَّ سُلَيْماً تَلاَ عَلَى حَمْزَةَ بنِ حَبِيْبٍ عَشْرَ خِتَمٍ. قَالَ خَلَفٌ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: مَاتَ سُلَيْمٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ. 122 - مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرٍ الدِّمَشْقِيُّ * (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، سَكَنَ بَيْرُوْتَ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ الحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ - بِمُهْمَلَةٍ - وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ الكِنَانِيِّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ حَيْوَيْلَ، وَعِدَّةٍ.   (*) طبقات خليفة ت (3040) ، التاريخ الكبير 1 / 113، الجرح والتعديل 7 / 286، تهذيب الكمال: لوحة 1209، تذهيب التهذيب 3 / 212 / 2، العبر 1 / 331، ميزان الاعتدال 3 / 580، تذكرة الحفاظ 1 / 315، الكاشف 3 / 52، طبقات القراء لابن الجزري 2 / 154، تهذيب التهذيب 9 / 222، النجوم الزاهرة 2 / 165، طبقات الحفاظ: 132، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 1 / 375. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 حَدَّثَ عَنْهُ: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِجَازِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: دُحَيْمٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْساً، كَانَ رَجُلاً عَاقِلاً (1) . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عرضاً عَنْ: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ، وَكَانَ يُفْتِي فِي مَجْلِسِ الأَوْزَاعِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (2) . وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: سَنَةَ مائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ مَوْلَىً لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَلَهُ دَارٌ عِنْدَ الشَّلاَّحَةِ، بِبَابِ تُوْمَا. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ -. وَتَلاَ عَلَيْهِ: الرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَب. قَالَ دُحَيْمٌ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَهِمَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ إِذْ ضَبَطَ جَدَّهُ شَابُوْرٍ بِسِيْنٍ مُهْمَلَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: اسْتُفْتِيَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرٍ جَالِسٌ، فَقَالَ: سَلْ أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ مُحَمَّدٍ العَطَّارَ بِأَنْطَاكِيَةَ   (1) " تهذيب الكمال " 1210. (2) " تذهيب التهذيب ": 3 / 212 / 2. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 يَقُوْلُ: قُلْتُ لِهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ: عِنْدنَا بِأَنْطَاكِيَةَ مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ عَنْكَ. فَقَالَ: رَوَى عَنِّي الوَلِيْدُ، وَمَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ: ابْنُ شَابُوْرٍ. سَمِعَهَا: أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ مِنَ النَّقَّاشِ. هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ كَانَ مُرْجِئاً، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَمِنْ بَقِيَّةَ، وَمِنْ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ (1) . قُلْتُ: كَانَ إِمَاماً طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ. 123 - الطَّيَالِسِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ بنِ الجَارُوْدِ * (م، 4) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ) ، أَبُو دَاوُدَ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ الأَسَدِيُّ، ثُمَّ الزُّبَيْرِيُّ، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ الحَافِظُ، البَصْرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٌ، سَمِعُوا عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ،   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 286. (*) تاريخ ابن معين: 229، طبقات ابن سعد 7 / 298، تاريخ خليفة: 24 و472، طبقات خليفة ت (1934) ، التاريخ الكبير 4 / 10، التاريخ الصغير 2 / 299، المعارف: 520، الجرح والتعديل 4 / 111، الكامل لابن عدي لوحة 318، 319، طبقات المحدثين بأصبهان لوحة 41، تاريخ بغداد 9 / 24، تهذيب الكمال لوحة 537، تذهيب التهذيب 2 / 47 / 1، العبر 1 / 354، ميزان الاعتدال 2 / 203، تذكرة الحفاظ 1 / 351، الكاشف 2 / 392، شرح العلل لابن رجب 2 / 596، تهذيب التهذيب 4 / 176، طبقات الحفاظ: 849، خلاصة تذهيب الكمال: 151، شذرات الذهب 2 / 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ صَلاَةً، فَأَوْجَزَ فِيْهَا، فَقَالَ: هَكَذَا كَانَتْ صَلاَةُ نَبِيِّكُم (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَصَّانِي خَلِيْلِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -: (صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتِيِ الضُّحَى، وَأَلاَّ أَنَامَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ) (2) .   (1) عمارة بن عمران لا بأس به، وباقي رجاله ثقات، وأخرج البخاري 2 / 169، في الجماعة: باب الايجاز في الصلاة وإكمالها، ومسلم (469) في الصلاة: باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، وأحمد 3 / 101 من طرق، عن عبد العزيز بن حبيب، عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها " هذا لفظ البخاري وأحمد، ولفظ مسلم: " كان يوجز في الصلاة ويتم ". وفي رواية: " كان من أخف الناس صلاة في تمام "، وفي ثالثة: " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وهو في سنن ابن ماجة (985) . (2) عبد الملك بن ميسرة لم يرو عنه غير أبي داود الطيالسي، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 459، والبخاري 3 / 47، ومسلم (721) ، والدارمي 1 / 339، و2 / 19، والنسائي 3 / 229، كلهم من طريق شعبة عن عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 4 / 197، ومسلم (721) ، عن أبي التياح، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (7721) أيضا من طريق سليمان بن معبد عن معلى بن أسد، عن عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله الداناج عن أبي رافع الصائغ، عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود (1432) من طريق ابن المثنى، عن أبي داود، عن أبان ابن يزيد، عن قتادة، عن أبي سعيد من أزد شنوءة، عن أبي هريرة، وأخرجه من طرق عن أبي هريرة أحمد 2 / 258، و260 و265 و277 و329 و402 و472 و484 و489 و497 و499 و505 و526. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 أَنْبَأَنَا بِهِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ خَلِيْلٍ. سَمِعَ: أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ - وَهُوَ تَابِعِيٌّ - وَمَعْرُوْفَ بنَ خَرَّبُوْذَ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَبِسْطَامَ بنَ مُسْلِمٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَقُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، وَصَالِحَ بنَ أَبِي الأَخْضَرِ، وَأَبَا عَامِرٍ الخَزَّازَ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي الفُرَاتِ، وَزَمْعَةَ بنَ صَالِحٍ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَفُلَيْحَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَحَرْبَ بنَ شَدَّادٍ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَزَائِدَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي حُمَيْدٍ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَيَنْزِلُ إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَقِيَ ابْنَ عَوْنٍ، وَمَا ذَاكَ بِبَعِيْدٍ. رَوَى عَنْهُ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ أَسَدٍ المَدِيْنِيُّ - شَيْخُ أَبِي الشَّيْخِ - لَهُ عَنْهُ مَجْلِسٌ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَاهُ. وَعُمِّرَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَقِيَهُ الطَّبَرَانِيُّ، فَعَاشَ بَعْدَ أَبِي دَاوُدَ تِسْعِيْنَ عَاماً، وَهَذَا نَادِرٌ جِدّاً، لَمْ يَتَهَيَّأْ مِثْلَهُ إِلاَّ لِلْبَغَوِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَابْنِ كُلَيْبٍ، وَأُنَاسٍ نَحْوِ بَضْعَةَ عَشْرَ شَيْخاً، خَاتِمَتُهُم: أَبُو العَبَّاسِ الحَجَّارُ. قَالَ الفَلاَّسُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 قُلْتُ: قَالَ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ صَحِبَ يَحْيَى القَطَّانَ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَرَافَقَ ابْنَ المَدِيْنِيِّ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: أَبُو دَاوُدَ هُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ. قُلْتُ: كَانَا رَفِيْقَيْنِ فِي الطَّلَبِ بِالبَصْرَةِ، فَاسْتَعْمَلاَ البَلاَذُرَ، فَجُذِمَ أَبُو دَاوُدَ، وَبَرِصَ الآخَرُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: رَحَلتُ -يَعْنِي مِنَ الكُوْفَةِ- إِلَى أَبِي دَاوُدَ، فَأَصَبْتُهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي بِيَوْمٍ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ شَرِبَ البَلاَذُرَ، فَجُذِمَ (1) . قَالَ عَامِرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ. وَوَرَدَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّهُ كَانَ يَسرُدُ مِنْ حِفْظِهِ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ شُعْبَةُ يُحَدِّثُ، فَإِذَا قَامَ، قَعَدَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَملَى مِنْ حِفْظِهِ مَا مَرَّ فِي المَجْلِسِ (2) . وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كُنَّا بِبَغْدَادَ، وَكَانَ شُعْبَةُ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ يَجْتَمِعُوْنَ يَتَذَاكَرُوْنَ، فَذَكَرُوا بَابَ المَجْذُوْمِ. فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مُعَيْقِيْبٌ يَحضُرُ طَعَامَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَيْقِيْبُ، كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ. فَقَالَ شُعْبَةُ: يَا أَبَا دَاوُدَ! لَمْ تَجِئْ   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 26. وقد تقدم تعريف " البلاذر " ص 197 ت (2) . (2) " تاريخ بغداد " 9 / 25. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِمَّا جِئْتَ بِهِ (1) . قَالَ وَكِيْعٌ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لِحَدِيْثٍ طَوِيْلٍ مِنْ أَبِي دَاوُدَ. قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: وَلاَ قَصِيْرٌ (2) . قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (3) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: كَتَبُوا عَنْ أَبِي دَاوُدَ - بِأَصْبَهَانَ - أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَلَيْسَ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ (4) . قُلْتُ: سَمِعَ يُوْنُسَ بنَ حَبِيْبٍ عِدَّةَ مَجَالِسَ مُفَرَّقَةً، فَهِيَ (المُسْنَدُ) الَّذِي وَقَعَ لَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: صَنَّفَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ لِيُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ (مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ) . وَقَالَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ المِهْرِقَانِيُّ (5) : كَانَ وَكِيْعٌ يَقُوْلُ: أَبُو دَاوُدَ جَبَلُ العِلْمِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: أَخْطَأَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَلفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ إِبْرَاهِيْمُ عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي سُبُعِ هَذَا، لَضَعَّفُوهُ.   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 112. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 27. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 27. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 27. (5) نسبة إلى مهرقان، وهي قرية من قرى الري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَتَّهِمُهُ، قَالَ لِي: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، ثُمَّ سَأَلْتُه بَعْدُ: أَسَمِعْتَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، نَحْوَ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً. قُلْتُ: الجَمْعُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئاً مَا ضَبَطَهُ، وَلاَ حَفِظَهُ، فَصَدَقَ أَنْ يَقُوْلَ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ، فَأَبُو دَاوُدَ أَمِيْنٌ، صَادِقٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَّكِلُ عَلَى حِفْظِهِ، وَلاَ يَرْوِي مِنْ أَصْلِهِ، فَالوَرَعُ أَنَّ المُحَدِّثَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ وَيُوْصِي بِهِ إِمَامُ المُحَدِّثِيْنَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَلَمْ يُخَرِّجِ البُخَارِيُّ لأَبِي دَاوُدَ شَيْئاً؛ لأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: أَسرُدُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ - وَلاَ فَخْرَ - وَفِي صَدْرِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً لِعُثْمَانَ البُرِّيِّ، مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَخَرَجتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَبَثَثْتُهَا فِيْهِم (1) . قَالَ حَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بنِ قُتَيْبَةَ: سُئِلَ النُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ - وَأَنَا حَاضِرٌ - عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيِّ، سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: مَا بَكَيْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، مَا بَكَيْتُ عَلَى أَبِي دَاوُدَ. قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ: لِمَا كَانَ مِنْ حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَحُسْنِ مُذَاكَرَتِهِ (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 27. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 28. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 27، و" تهذيب الكمال ": 538. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ فِي شُعْبَةَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ، وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. قُلْتُ: إِنَّهُ يُخْطِئُ. قَالَ: يُحْتَمَلُ لَهُ (1) . وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ. قُلْتُ: أَبُو دَاوُدَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ؟ فَقَالَ: أَبُو دَاوُدَ أَعْلَمُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو دَاوُدَ أَكْثَرُ رِوَايَةً عَنْ شُعْبَةَ (2) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحِفْظِ، رحلتُ إِلَيْهِ فَأَصبتُهُ، مَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي بِيَوْمٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ لَهْجَةً (3) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ثِقَةٌ، يُخْطِئُ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا هُوَ عِنْدِي وَعِنْدَ غَيْرِي إِلاَّ مُتَيَقِّظٌ ثَبْتٌ (4) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، رُبَّمَا غَلِطَ، تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (5) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (6) . قُلْتُ: اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) (7) .   (1) " تهذيب الكمال ": 538، وهل ثمت محدث أو حافظ يعرى عن الخطأ؟ ! (2) " تاريخ بغداد " 9 / 28. (3) " تهذيب الكمال ": 538. (4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 282. (5) " طبقات ابن سعد " 7 / 298. (6) " تاريخ خليفة ": 472. (7) جاء في البخاري 8 / 677 في التفسير: باب (قم فأنذر) ما نصه: حدثني محمد = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 124 - سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الزَّاهِدُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى بَنِي عُجَيْفٍ، وَأَخْوَالُه مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ. وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: شُبَيْلِ بنِ عَزْرَةَ صَاحِبِ أَنَسٍ، وَقَالَ: حَمَلَنِي عَلَى كَتِفِهِ، فَسَمِعْتُ شُبَيْلاً يَقُوْلُ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَصَالِحِ بنِ رُسْتُمَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَبُنْدَارُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُضَرَ الثَّقَفِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ الرَّازِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَعِيْدُ   = ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره، قالا: حدثنا حرب بن شداد..قال الحافظ عند قوله: " وغيره ": هو أبو داود الطيالسي. أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي عروبة، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود قالا ... وهذا هو المكان الوحيد الذي استشهد فيه البخاري بأبي داود. (*) العلل لأحمد: 281، طبقات ابن سعد 7 / 296، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت (1923) ، التاريخ الكبير 3 / 502، التاريخ الصغير 2 / 313، الجرح والتعديل 4 / 48، تهذيب الكمال: 498، تذهيب التهذيب 2 / 22 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 351، الكاشف 1 / 364، دول الإسلام 1 / 128، تهذيب التهذيب 4 / 50، طبقات الحفاظ: 149، خلاصة تذهيب الكمال: 139، شذرات الذهب 2 / 20. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 بنُ عَامِرٍ شَيْخُ المِصْرِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: إِنِّيْ لأَغْبِطُ جِيْرَانَ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ. قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ مِثْلَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ. وَكَذَا قَالَ: أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَمِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ رَجُلاً صَالِحاً، صَدُوْقاً، فِي حَدِيْثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ (3) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ القَزَّازُ، وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا مائَةٌ وَتِسْعُ سِنِيْنَ. قُلْتُ: القَزَّازُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: مَاتَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ) : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِذْناً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَمَسْعُوْدٍ الخَيَّاطِ، قَالاَ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شُبَيْلُ بنُ عَزْرَةَ،   (1) " تهذيب الكمال " 498. (2) " تهذيب الكمال " 498. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 49. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ الجَلِيْسِ الصَّالِحِ مَثَلُ العَطَّارِ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ عِطْرِهِ -أَوْ قَالَ: يُعْطِكِ مِنْ عِطْرِهِ- أَصَبْتَ مِنْ رِيْحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيْسِ السُّوْءِ مَثَلُ القَيْنِ، إِنْ لَمْ يُحْرِقْ ثَوْبَكَ، أَصَابَكَ مِنْ رِيْحِهِ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ. وَشُبَيْلٌ: صَدُوْقٌ، مِنْ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ (1)) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ. 125 - عَلِيٌّ الرِّضَى ابْنُ مُوْسَى الكَاظِمِ الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ * الإِمَامُ، السَّيِّدُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيٌّ الرِّضَى ابْنُ مُوْسَى الكَاظِمِ ابْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ابْنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ ابْنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ. وَأُمُّهُ نُوْبِيَّةٌ، اسْمُهَا: سُكَيْنَةُ. مَوْلِدُهُ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، عَامَ وَفَاةِ جَدِّهِ. سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَعْمَامِهِ؛ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعَلِيٍّ؛ أَوْلاَدِ جَعْفَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِي، وَكَانَ مِنَ العِلْمِ   (1) رقم (4831) في الأدب: باب من يؤمر أن يجالس، وصححه الحاكم 4 / 280، ووافقه الذهبي، ورواه البخاري 4 / 271 في البيوع: باب في العطاء وبيع المسك، وفي الذبائح: باب المسك، ومسلم (2628) في البر: باب استحباب مجالسة الصالحين، من طريق بريدة عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى الأشعري. (*) تاريخ الطبري 8 / 554، 568، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 106، الكامل لابن الأثير 6 / 326، 351، وفيات الأعيان 3 / 269، تهذيب الكمال: 994، تذهيب التهذيب 3 / 75 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 158، العبر 1 / 340، دول الإسلام 1 / 126، الكاشف 2 / 296، البداية والنهاية 10 / 250، تهذيب التهذيب 7 / 387، خلاصة تذهيب الكمال: 278، شذرات الذهب 2 / 602. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 وَالدِّيْنِ وَالسُّوْدَدِ بِمَكَانٍ. يُقَالُ: أَفْتَى وَهُوَ شَابٌّ فِي أَيَّامِ مَالِكٍ. اسْتَدْعَاهُ المَأْمُوْنُ إِلَيْهِ إِلَى خُرَاسَانَ، وَبَالَغَ فِي إِعْظَامِهِ، وَصَيَّرَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، فَقَامَتْ قِيَامَةُ آلِ المَنْصُوْرِ، فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ، وَتُوُفِّيَ (1) . رَوَى عَنْهُ ضُعَفَاءُ: أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلاَمِ الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَامِرٍ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ القَزْوِيْنِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ - فِيْمَا قِيْلَ -: آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَخَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ الأَمِيْرُ، وَلاَ تَكَادُ تَصِحُّ الطُرُقُ إِلَيْهِ. رَوَى المُفِيْدُ - وَلَيْسَ بِثِقَةٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً مُنْكَرَ المَتْنِ. وَعَنْ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى إِنْسَانٍ، أَعْطَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ، سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَفْخَرُ بَيْتٍ قِيْلَ قَوْلُ الأَنْصَارِ يَوْمَ بَدْرٍ: وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوْهَهُم ... جِبْرِيْلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ ثُمَّ قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَفْخَرُ مِنْهُ قَوْلُ الحَسَنِ بنِ هَانِئ فِي عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى: قِيْلَ لِي: أَنْتَ وَاحِدُ النَّاسِ فِي كُـ ... ـلِّ كَلاَمٍ مِنَ المَقَالِ بَدِيْهِ   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 554، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 326. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 لَكَ فِي جَوْهَرِ الكَلاَمِ بَدِيعٌ ... يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنِيْهِ فَعَلاَمَ تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنِ مُوْسَى ... بِالخِصَالِ الَّتِي تَجَمَّعْنَ فِيْهِ؟ قُلْتُ: لاَ أَهْتَدِي لِمَدْحِ إِمَامٍ ... كَانَ جِبْرِيْلُ خَادِماً لأَبِيْهِ (1) قُلْتُ: لاَ يَسُوغُ إِطلاَقُ هَذَا الأَخِيْرِ إِلاَّ بِتَوقِيْفٍ، بَلْ كَانَ جِبْرِيْلُ مُعَلِّمَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ الأَمِيْرُ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الرِّضَى بِنَيْسَابُوْرَ، فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ فِي كُلِّ سُوْرَةٍ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الصَّلْتِ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى، قَالَ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ الرِّضَى، عَنْ آبَائِهِ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى العَجْزُ وَالكَيْسُ. وَعَنْ أَبِي الصَّلْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى بِالمَوْقِفِ يَدعُو: اللَّهُمَّ كَمَا سَتَرْتَ عَلَيَّ مَا أَعْلَمُ، فَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ، وَكَمَا وَسِعَنِي عِلْمُكَ، فَلْيَسَعْنِي عَفْوُكَ، وَكَمَا أَكْرَمْتَنِي بِمَعْرِفَتِكَ، فَاشْفَعْهَا بِمَغْفِرَتِكَ، يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، كَهْلاً. قَالَ (2) ابْنُ حِبَّانَ: عَلِيُّ بنُ مُوْسَى يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ العَجَائِبَ، رَوَى   (1) الابيات في " وفيات الأعيان " 3 / 270. (2) من هنا وحتى نهاية الترجمة وردت في الأصل بعد ترجمة معروف الكرخي السابقة = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 عَنْهُ: أَبُو الصَّلْتِ، وَغَيْرُهُ. كَانَ يَهِمُ وَيُخْطِئُ (1) . قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : إِنَّ عِيْسَى بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي خَالِدٍ بَيْنَمَا هُوَ فِي عَرْضِ أَصْحَابِه، وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ يُعلِمُهُ فِيْهِ أَنَّ المَأْمُوْنَ جَعَلَ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى وَلِيَّ عَهْدِهِ؛ لأَنَّهُ نَظَرَ فِي بَنِي العَبَّاسِ، وَبَنِي عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَداً هُوَ أَفْضَلَ وَلاَ أَعْلَمَ وَلاَ أَورَعَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ سَمَّاهُ الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَرَهُ بِطَرحِ لُبْسِ السَّوَادِ وَلُبْسِ الخُضرَةِ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ قِبَلَهُ بِالبَيْعَةِ لَهُ، وَيَلْبَسَ الخُضرَةَ فِي أَقْبِيَتِهِم وَقَلاَنِسِهِم وَأَعْلاَمِهِم، وَيَأْخُذَ أَهْلَ بَغْدَادَ جَمِيْعاً بِذَلِكَ. فَدَعَا عِيْسَى أَهْلَ بَغْدَادَ إِلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُم رِزْقَ شَهْرٍ، فَأَبَى بَعْضُهُم، وَقَالُوا: هَذَا دَسِيسٌ مِنَ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ. وَغَضِبَ بَنُو العَبَّاسِ، وَنَهَضَ إِبْرَاهِيْمُ وَمَنْصُوْرٌ ابْنَا المَهْدِيِّ، ثُمَّ نَزَعُوا الطَّاعَةَ، وَبَايَعُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ. قَالَ الحَاكِمُ: وَرَدَ الرِّضَى نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ مائَتَيْنِ، بَعَثَ إِلَيْهِ المَأْمُوْنُ رَجَاءَ بنَ أَبِي الضَّحَّاكِ لإِشخَاصِه مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى البَصْرَةِ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى الأَهْوَازِ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى فَارِسَ، ثُمَّ عَلَى طَرِيْقِ بُسْتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَمَرَه أَنْ لاَ يَسلُكَ بِهِ طَرِيْقَ الجِبَالِ، ثُمَّ سَارَ بِهِ إِلَى مَرْوَ. قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلاَثٍ، فَسَارَ المَأْمُوْنُ إِلَى طُوْسَ، وَأَقَامَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيْهِ الرَّشِيْدِ أَيَّاماً، ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى أَكَلَ عِنَباً، فَأَكْثَرَ   = فنقلناها إلى هنا، وفي المجلد السادس من الأصل الثاني الموجود في أحمد الثالث كتب على الهامش بخط مغاير للأصل بعد الانتهاء من ترجمة معروف الكرخي: بداية ترجمة علي الرضى، وقد نقلها من هنا. (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 106. (2) 8 / 554. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 مِنْهُ، فَمَاتَ فَجْأَةً، فِي آخِرِ صَفَرٍ، فَدُفِنَ عِنْدَ الرَّشِيْدِ، وَاغْتَمَّ المَأْمُوْنُ لِمَوْتِهِ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ دِعْبِلاً الخُزَاعِيَّ أَنْشَدَ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى مِدْحَةً (2) ، فَوَصَلَهُ بِسِتِّ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَجُبَّةِ خَزٍّ، بَذَلَ لَهُ فِيْهَا أَهْلُ قُمٍّ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَامْتَنَعَ، وَسَافَرَ، فَجَهَّزُوا عَلَيْهِ مَنْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيْقَ، وَأُخِذَتِ الجُبَّةُ، فَرَجَعَ، وَكَلَّمَهُم. فَقَالُوا: لَيْسَ إِلَى رَدِّهَا سَبِيْلٌ. وَأَعْطَوْهُ الأَلْفَ دِيْنَارٍ وَخِرْقَةً مِنَ الجُبَّةِ لِلْبَرَكَةِ. قَالَ المُبَرِّدُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى: أَيُكَلِّفُ اللهُ العِبَادَ مَا لاَ يُطِيْقُوْنَ؟ قَالَ: هُوَ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ. قِيْلَ: فَيَسْتَطِيْعُوْنَ أَنْ يَفْعُلُوا مَا يُرِيْدُوْنَ؟ قَالَ: هُم أَعجَزُ مِنْ ذَلِكَ (3) . قِيْلَ: قَالَ المَأْمُوْنُ لِلرَّضَى: مَا يَقُوْلُ بَنُو أَبِيْكَ فِي جَدِّنَا العَبَّاسِ؟ قَالَ: مَا يَقُوْلُوْنَ فِي رَجُلٍ فَرَضَ اللهُ طَاعَةَ نَبِيِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَفَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى نَبِيِّهِ. وَهَذَا يُوهِمُ فِي البَدِيْهَةِ أَنَّ الضَّمِيْرَ فِي طَاعَتِهِ لِلْعَبَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ للهِ، فَأَمَرَ لَهُ المَأْمُوْنُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ (4) . وَكَانَ لِعَلِيٍّ إِخْوَةٌ مِنَ السَّرَارِي، وَهُم: إِبْرَاهِيْمُ، وَعَبَّاسٌ، وَقَاسِمٌ،   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 568. (2) هي التائية المشهورة ومطلعها: مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات وهي من أحسن الشعر، وأسنى المدائح، أورد ما صح منها ياقوت في " معجم الأدباء " 11 / 103، 110، وأورد المزي الخبر في ترجمة علي الرضى (1995) وأنشد منها ثمانية أبيات. (3) " تهذيب الكمال ": 995. (4) " وفيات الأعيان ": 3 / 271. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 وَإِسْمَاعِيْلُ، وَهَارُوْنُ، وَجَعْفَرٌ، وَحَسَنٌ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ، وَزَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ، وَالفَضْلُ، وَسُلَيْمَانُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ، سَرَدَهُمُ الزُّبَيْرُ فِي كِتَابِ (النَّسَبِ (1)) . فَقِيْلَ: إِنَّ أَخَاهُ زَيْداً خَرَجَ بِالبَصْرَةِ عَلَى المَأْمُوْنِ، وَفَتَكَ، وَعَسَفَ، فَنَفَّذَ إِلَيْهِ المَأْمُوْنُ عَلِيَّ بنَ مُوْسَى أَخَاهُ لِيَرُدَّهُ. فَسَارَ إِلَيْهِ - فِيْمَا قِيْلَ - وَقَالَ: وَيْلَكَ يَا زَيْدُ! فَعَلْتَ بِالمُسْلِمِيْنَ مَا فَعَلتَ، وَتَزْعُمُ أَنَّك ابْنُ فَاطِمَةَ؟! وَاللهِ لأَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ بِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يُعْطِيَ بِهِ. فَبَلَغَ المَأْمُوْنَ، فَبَكَى، وَقَالَ: هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ هَكَذَا (2) ! وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ الرِّضَى كَبِيْرَ الشَّأْنِ، أَهْلاً لِلْخِلاَفَةِ، وَلَكِنْ كَذَبَتْ عَلَيْهِ وَفِيْهِ الرَّافِضَّةُ، وَأَطْرَوْهُ بِمَا لاَ يَجُوْزُ، وَادَّعَوْا فِيْهِ العِصْمَةَ، وَغَلَتْ فِيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً. وَهُوَ بَرِيْءٌ مِنْ عُهْدَةِ تِلْكَ النُّسَخِ المَوْضُوْعَةِ عَلَيْهِ، فَمِنْهَا: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ آبَائِهِ، مَرْفُوْعاً: (السَّبْتُ لَنَا، وَالأَحَدُ لِشِيْعَتِنَا، وَالاثْنَيْنُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَالثُّلاَثَاءُ لِشِيْعَتِهِم، وَالأَرْبعَاءُ لِبَنِي العَبَّاسِ، وَالخَمِيْسُ لِشِيْعَتِهِم، وَالجُمُعَةُ لِلنَّاسِ جَمِيْعاً) . وَبِهِ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِي، سَقَطَ مِنْ عَرَقِي، فَنَبَتَ مِنْهُ الوَرْدُ) . وَبِهِ: (ادَّهِنُوا بِالْبَنَفْسَجِ، فَإِنَّهُ بَارِدٌ فِي الصَّيْفِ، حَارٌّ فِي الشِّتَاءِ) . وَبِهِ: (مَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً بِقِشْرِهَا، أَنَارَ اللهُ قَلْبَهُ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً) .   (1) جمهرة أنساب العرب: 61 (2) وفيات الأعيان: 3 / 271 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 وَبِهِ: (الحِنَّاءُ بَعْدَ النَّوْرَةِ أَمَانٌ مِنَ الجُذَامِ) . وَبِهِ: (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَطَسَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: رَفَعَ الله ذِكْرَكَ، وَإِذَا عَطَسَ عَلِيٌّ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْلَى اللهُ كَعْبَكَ) . فَهَذِهِ أَحَادِيْثُ وَأَبَاطِيْلُ مِنْ وَضْعِ الضُّلاَّلِ (1) . وَلِعَلِيِّ بنِ مُوْسَى مَشْهَدٌ بِطُوْسَ، يَقْصِدُوْنَهُ بِالزِّيَارَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُوْماً. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: اسْتُشْهِدَ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى بِسَنَدَابَاذَ (2) مِنْ طُوْسَ، لِتِسْعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ: مُحَمَّداً، وَالحَسَنَ، وَجَعْفَراً، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَالحُسَيْنَ، وَعَائِشَةَ. 126 - زَيْدُ بنُ الحُبَابِ بنِ الرَّيَّانِ * (م، 4) وَقِيْلَ: ابْنُ رُوْمَانَ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو الحُسَيْنِ العُكْلِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، الزَّاهِدُ. وَالحُبَابُ - فِي اللُّغَةِ -: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الأَفَاعِي. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) وقد ذكرها ابن حبان في كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 106. (2) قرية بخراسان قريبة من مدينة طوس. وقال عنها ياقوت: سناباذ. (*) طبقات ابن سعد 6 / 402، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت (1335) ، التاريخ الكبير 3 / 391، التاريخ الصغير 2 / 298، المعارف: 517، الجرح والتعديل 3 / 561، تاريخ بغداد 8 / 442، تهذيب الكمال: 453، تذهيب التهذيب 1 / 250 / 2، العبر 1 / 339، تذكرة الحفاظ 1 / 350، الكاشف / 337، شرح العلل لابن رجب 2 / 671، تهذيب التهذيب 3 / 402، طبقات الحفاظ: 148، خلاصة تذهيب الكمال: 127، شذرات الذهب 2 / 6. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 وَرَوَى عَنْ: أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَسَيْفِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ الحِزَامِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الحِمْصِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَالحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ المَرْوَزِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَجَالَ فِي طَلَبِ العِلْمِ مِنْ مَرْوَ الشَّاهِجَانِ (1) ، وَإِلَى مِصْرَ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ دَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى إِنَّ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - قَدْ رَوَى عَنْهُ. وَثَّقَهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: هُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَاحِبُ حَدِيْثٍ كَيِّسٍ، قَدْ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ وَخُرَاسَان فِي الحَدِيْثِ، مَا كَانَ أَصبَرَهُ عَلَى الفَقْرِ! كَتَبْتُ عَنْهُ بِالكُوْفَةِ، وَهَا هُنَا. قَالَ: وَقَدْ ضَرَبَ (2) فِي الحَدِيْثِ إِلَى الأَنْدَلُسِ. رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ   (1) أي: مرو العظمى، وهي أشهر مدن خراسان. (2) أي: ذهب في طلب الحديث إلى هناك. يقال: ضرب الرجل في الأرض: إذا ذهب وأبعد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: ظَنَّ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ زَيْداً سَمِعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ بِالأَنْدَلُسِ، فَقَدْ كَانَ عَلَى قَضَائِهَا، وَهَذَا وَهْمٌ، وَأَحسِبُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ وَغَيْرَهُ سَمِعُوا مِنْهُ بِمَكَّةَ (1) . وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ (2)) : حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ: عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا ثَمَانٍ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَيْنَا زَيْدَ بنَ الحُبَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبٌ يَخْرُجُ فِيْهِ إِلَيْنَا، فَجَعَلَ البَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَاجِزاً، وَحَدَّثَنَا مِنْ وَرَائِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ. 127 - العَوْفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ * قَاضِي الشَّرْقِيَّةِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ قَاضِي عَسْكَرِ المَهْدِيِّ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ ابْنِ المُحَدِّثِ عَطِيَّةَ العَوْفِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَقِيْهُ.   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 443. (2) اسمه الكامل: " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد ". ذكر المؤلف محتواه في مقدمة كتابه، فقال: هذا كتاب ضمنته ذكر من اشترك في الرواية عنه راويان تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا، وتأخر موت أحدهما عن الآخر تأخرا بعيدا، وسميته كتاب: السابق واللاحق، إشارة إلى لحاق المتأخر بالمتقدم في روايته، وإن كان غير معدود في أهل عصره، وهو مرتب على حروف المعجم. ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية في (148) ورقة تحت رقم (381) مصطلح الحديث. (*) تاريخ ابن معين: 117، تاريخ خليفة: 458، التاريخ الكبير 2 / 385، المعارف: 518، الضعفاء للعقيلي لوحة: 90، الجرح والتعديل 3 / 48، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 246، تاريخ بغداد 8 / 29، 32، ميزان الاعتدال 1 / 532. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنِ: الأَعْمَشِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ حَسَنٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَعْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ضَعِيْفاً فِي القَضَاءِ، ضَعِيْفاً فِي الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَتْ لِحْيتُهُ تَبْلُغُ رُكْبَتَهُ (2) . قُلْتُ: لَهُ حِكَايَاتٌ فِي القَضَاءِ، وَفِيْهِ دُعَابَةٌ، وَكَانَ مُسِنّاً كَبِيْراً. قَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ (3) . 128 - يَحْيَى بنُ سَلاَّمِ بنِ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَبُو زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ المَغْرِبِ بِإِفْرِيْقِيَةَ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ. وَأَخَذَ القِرَاءاتِ عَنْ أَصْحَابِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى،   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 30. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 31. (3) ذكر خليفة في " تاريخه ": 458: أنه توفي سنة تسع وثمانين ومئة. (*) الجرح والتعديل 9 / 155، الكامل لابن عدي لوحة: 846، ميزان الاعتدال 4 / 380، 381، طبقات القراء 2 / 373، لسان الميزان 6 / 259، طبقات المفسرين 2 / 371. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 وَأَحْمَدُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ مَعَ ضَعْفِهِ (2) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: رَوَى الحُرُوْفَ عَنْ أَصْحَابِ الحَسَنِ، وَغَيْرِهِ. وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ مِنْ طَرِيْقِ الآثَارِ، سَكَنَ إِفْرِيْقِيَةَ دَهْراً، وَسَمِعُوا مِنْهُ: تَفْسِيْرَهُ الَّذِي لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ مِثْلَهُ، وَكِتَابَهُ (الجَامِعَ) . قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، عَالِماً بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِاللُّغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (3) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ بِمِصْرَ، بَعْدَ أَنْ حَجَّ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ مائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 129 - الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَلِيْدِ الجُعْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، الزَّاهِدُ، بَقِيَّةُ   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 155، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما أخطأ، وقال سعيد بن عمرو البرذعي: قلت لأبي زرعة في يحيى بن سلام المغربي، فقال: لا بأس به ربما وهم، وقال أبو العرب في " طبقات القيروان ": كان مفسرا، وكان له قدر، ومصنفات كثيرة في فنون العلم، وكان من الحفاظ، ومن خيار خلق الله. (2) " الكامل " لابن عدي: لوحة: 846. ونقل المؤلف في " الميزان " 4 / 381، تضعيفه عن الدارقطني، وقال: ومن أنكر ماله ما رواه الجماعة عن بحر بن نصر، حدثنا يحيى بن سلام، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أي الشجرة أبعد من الخاذف؟ " قالوا: فرعها، قال: فكذلك الصف المقدم هو أحصنها من الشيطان " وهذا منكر جدا. (3) " طبقات القراء " للجزري 2 / 373. (*) طبقات ابن سعد 6 / 396، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة ت (1318) ، التاريخ = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَأَتْقَنَهُ. وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. وَسَمِعَ مِنَ: الأَعْمَشِ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم. وَصَحِبَ: الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَغَيْرَهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَوْسَجُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَهَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ - يُرِيْدُ بِالفَضْلِ: التَّقْوَى وَالتَأَلُّهَ - هَذَا عُرْفُ المُتَقَدِّمِيْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: قِيْلَ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ. فَوَثَبَ   = الكبير 2 / 381، المعرفة والتاريخ 1 / 195، الجرح والتعديل 3 / 55، تهذيب الكمال: لوحة 296، تذهيب التهذيب 1 / 157 / 2، العبر 1 / 339، تذكرة الحفاظ 1 / 349، الكاشف 1 / 232، دول الإسلام 1 / 127، غاية النهاية 1 / 247، تهذيب التهذيب 2 / 357، لسان الميزان 2 / 302، النجوم الزاهرة 2 / 174، طبقات الحفاظ: 146، خلاصة تذهيب الكمال: 840، شذرات الذهب 2 / 5. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 قَائِماً، وَقَالَ: قَدِمَ أَفْضَلُ رَجُلٍ يَكُوْنُ قَطُّ (1) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَجَاءَ حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، فَقَامَ سُفْيَانُ، فَقَبَّلَ يَدَهُ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ عَالِمُ خُرَاسَانَ: إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنَ الأَبْدَالِ أَحَدٌ، فَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ ... ، وَذَكَرَ اثْنَيْنِ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ الجُعْفِيُّ، وَكَانَ رَاهِبَ أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَرَوَى: أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، عَنِ الكِسَائِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ: مَنْ أَقْرَأُ النَّاسِ؟ قُلْتُ: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ (4) . قَالَ حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ: رَأَى حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَأَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي: لِيَقُمِ العُلَمَاءُ، فَيَدْخُلُوا الجَنَّةَ. قَالَ: فَقَامُوا، وَقُمْتُ مَعَهُم. فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ، لَسْتَ مِنْهُم، أَنْتَ لاَ تُحَدِّثُ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ، حَتَّى كَتَبْنَا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ (5) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَ يُقْرِئُ القُرْآنَ، رَأَسَ فِيْهِ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، لَمْ أَرَ رَجُلاً قَطُّ أَفْضَلَ مِنْهُ، قَدْ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ حَدِيْثَيْنِ، وَلَمْ نَرَهُ إِلاَّ مُقْعَداً. قَالَ: وَيُقَالُ:   (1) " تهذيب الكمال ": 269. (2) " تهذيب الكمال ": 296. (3) " طبقات الحفاظ ": 146. (4) " غاية النهاية " 1 / 247، وقد تقدم الخبر بأطول مما هنا في الصفحة 44. (5) " تهذيب الكمال ": 296. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 إِنَّهُ لَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَطَأْ أُنْثَى قَطُّ. قُلْتُ: هَذَا كَمَا يُقَالَ: فُلاَنٌ لاَ نَكَحَ وَلاَ ذَبَحَ. قَالَ: وَكَانَ جَمِيْلاً، لَبَّاساً، يَخْضِبُ، وَخِضَابُهُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَخَلَّفَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَكَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ زَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، كَانَ زَائِدَةُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ إِلَى مَنْزِلِهِ يُحَدِّثُهُ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا رَآهُ، عَانَقَهُ، وَقَالَ: هَذَا رَاهِبٌ جُعْفِيٌّ (1) . قُلْتُ: تَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ، تَلاَ عَلَيْهِ: أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَغَيْرُهُ. وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ الإِسْلاَمِ السِّتَّةِ، وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) . وَيَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (مُسْنَدِ عَبْدٍ (2)) ، وَفِي أَجْزَاءَ عِدَّةٍ. قِيْلَ: إِنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ مَعَهُ فِي العَامِ: يَحْيَى بنُ آدَمَ عَالِمُ الكُوْفَةِ، وَعَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَى العَلَوِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ فِي كِتَابِهِ العَامِّ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 297. (2) هو عبد بن حميد، الامام الحافظ المحدث أبو محمد صاحب المسند المتوفى سنة 249 هـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ القُبُوْرَ مَسَاجِدَ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، قَوِيُّ الإِسْنَادِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ: (مَتَى تُوْتِرُ؟) . قَالَ: بَعْدَ العَتَمَةِ، قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. وَقَالَ لِعُمَرَ: (مَتَى تُوْتِرُ؟) . قَالَ: مَنْ آخِرِ اللَّيْلِ. قَالَ: (حَزُمَ هَذَا، وَقَوِيَ هَذَا) (2) .   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 405 و435، والطبراني (10413) ، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 142، وابن أبي شيبة من طرق عن زائدة بهذا الإسناد، وصححه ابن خزيمة (789) ، وابن حبان (340) و (341) . وأخرج الشطر الأول منه البخاري 13 / 16، في الفتن: باب ظهور الفتن دون قوله: " والذين يتخذون القبور مساجد " من طريق محمد بن جعفر عن شعبة، عن واصل الاحدب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. (2) ابن عقيل: هو عبد الله بن محمد الهاشمي في حديثه لين، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 3 / 309 و330، وابن ماجة (1202) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في الوتر أول الليل من طرق عن زائدة بهذا الإسناد، وله شاهد عن أبي داود (1434) في الصلاة: باب في الوتر قبل النوم من حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح، واخر عند ابن ماجة 1 / 379، 380 من حديث ابن عمر، وسنده قوي. فالحديث صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 130 - أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ * شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ. كَانَ ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ يَتَغَالَى فِيْهِ، وَيُطْنِبُ فِي وَصْفِهِ. وَكَانَ دَيِّناً، وَقُوْراً، صَبُوْراً عَلَى الفَقْرِ، مُنْقَبِضاً عَنِ الدَّوْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِيْهِ مَيْلٌ عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ. مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ. وَلَهُ: تَفْسِيْرٌ، وَكِتَابُ (خَلْقِ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (الحُجَّةِ وَالرُّسُلِ) ، وَكِتَابُ (الحَرَكَاتِ) ، وَ (الرَّدُّ عَلَى المُلْحِدَةِ) ، وَ (الرَّدُّ عَلَى المَجُوْسِ) ، وَ (الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) ، وَ (افْتِرَاقُ الأُمَّةِ) ، وَأَشْيَاءُ عِدَّةٌ، وَكَانَ يَكُوْنُ بِالعِرَاقِ. 131 - رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ بنِ العَلاَءِ القَيْسِيُّ البَصْرِيُّ ** (ع) ابْنِ حَسَّانِ بنِ عَمْرٍو الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، البَصْرِيُّ؛ مِنْ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ المَدَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ   (*) الفهرست لابن النديم 214. (* *) تاريخ ابن معين: 168، طبقات ابن سعد 7 / 296، طبقات خليفة ت (1925) ، التاريخ الكبير 3 / 309، التاريخ الصغير 2 / 304، الضعفاء للعقيلي: لوحة 134، الجرح والتعديل 3 / 498، تاريخ بغداد 8 / 401، تهذيب الكمال لوحة: 421، تذهيب التهذيب 1 / 229 / 1، العبر 1 / 347، ميزان الاعتدال 2 / 58، تذكرة الحفاظ 1 / 349، الكاشف 1 / 313، دول الإسلام 1 / 127، تهذيب التهذيب 3 / 293، النجوم الزاهرة 2 / 179، طبقات الحفاظ: 146، خلاصة تذهيب الكمال: 118، شذرات الذهب 2 / 13. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 إِسْحَاقَ، وَعَبَّادِ بن إِسْحَاقَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الأَخْنَسِ، وَعَلِيِّ بنِ سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوْفٍ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَحَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، وَحَاتِمِ بنِ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَنَحْوِهِ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَبُنْدَارُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الكُدَيْمِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: نَظَرْتُ لِرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، كَتَبتُ مِنْهَا عَشْرَةَ آلاَفٍ (1) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: رَوْحٌ كَانَ أَحَدَ مَنْ يَتَحَمَّلُ الحَمَالاَتِ (2) ، وَكَانَ سَرِيّاً، مَرِيّاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ جِدّاً، صَدُوْقاً، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: مِنَ المُحَدِّثِيْنَ قَوْمٌ لَمْ يَزَالُوا فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يُشْغَلُوا عَنْهُ، نَشَؤُوا،   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 401. (2) الحمالات: جمع حمالة: وهي الدية والغرامة، وهي أن تقع حرب بين قوم وتسفك فيها الدماء، فيتحمل رجل الديات ليصلح بينهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 فَطَلبُوا، ثُمَّ صَنَّفُوا، ثُمَّ حَدَّثُوا، مِنْهُم: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ (1) . قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ رَوْحٍ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، حَدِيْثُهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، ثُمَّ يُحَدِّثُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: زَعَمُوا أَنَّ يَحْيَى القَطَّانَ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ. فَقَالَ: بَاطِلٌ، مَا تَكَلَّمَ فِيْهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ صَدُوْقٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ ... ، فَذَكَرَ هَذِهِ القِصَّةَ، فَلَمْ أَضْبِطْهَا عَنْهُ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَلِيّاً ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَتَكَلَّمُ فِي رَوْحٍ، فَإِنِّي لَعِنْدَ يَحْيَى، إِذْ جَاءهُ رَوْحٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَشْعَثَ، فَلَمَّا قَامَ، قُلْتُ لِيَحْيَى: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: هَذَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، كَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَلَكِن لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ. قَالَ: فَقَالَ: هَذَا رَوْحٌ؟ مَا زِلْتُ أَعْرِفُهُ يَطْلُبُ الحَدِيْثَ وَيَكتُبُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَكِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَطعَنُ عَلَى رَوْحٍ، وَيُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ المَسَائِلَ. فَقَالَ لِي مَعْنٌ: وَمَا يَصْنَعُ بِهَا؟ هِيَ عِنْد بَصْرِيٍّ لَكُم، كَانَ عِنْدَنَا هَا هُنَا حِيْنَ قَرَأَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ هَذَا الكِتَابَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَحْسِبُهُ قَالَ: اسْتَحَلَّهُ لِي (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هَذَا القَوَارِيْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ عِشْرِيْنَ مِنَ الكَذَّابِيْنَ، وَيَقُوْلُ: لاَ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 403، 404. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 404. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 أُحَدِّثُ عَنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ (1) . قَالَ يَعْقُوْبُ: وَسَمِعْتُ عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ لاَ يَرْضَى أَمْرَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَفَّانَ - وَذَكَرَ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ - فَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيْثاً عِنْدِي مِنْ خَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَأَحسَنُ حَدِيْثاً مَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، فَلِمَ تَرَكْنَاهُ؟ -يَعْنِي كَأَنَّهُ يَطْعُنُ عَلَيْهِ-. فَقَالَ لَهُ أَبُو خَيْثَمَةَ: لَيْسَ هَذَا بِحُجَّةٍ، كُلُّ مَنْ تَرَكتَهُ أَنْتَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ، أَمَّا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، فَقَدْ جَازَ حَدِيْثُهُ، الشَّأْنُ فِيْمَنْ بَقِيَ. قَالَ يَعْقُوْبُ: وَأَحسِبُ أَنَّ عَفَّانَ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مِمَّا يَسقُطُ بِهَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، لاَحْتَجَّ بِهَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ (2) . أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَانَ القَوَارِيْرِيُّ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ رَوْحٍ، وَأَكْثَرُ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ تِسْعُ مائَةِ حَدِيْثٍ حَدَّثَ بِهَا عَنْ مَالِكٍ سَمَاعاً (3) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ الحُلْوَانِيَّ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ كِتَابَهُ: رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ. قَالَ عَقِيْبَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (4) : يَعْنِي أَنَّهُمَا رَوَيَا مَا خُوْلِفَا فِيْهِ! فَأَظْهَرَا كُتُبَهُمَا حُجَّةً لَهُمَا عَلَى مُخَالِفِيْهِمَا، إِذْ رِوَايَتُهُمَا عَنْ حِفْظِهِمَا مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي كُتُبِهِمَا. قَالَ: وَرَوْحٌ كَانَ بَصْرِيّاً، قَدِمَ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا مُدَّةً طَوِيْلَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى البَصْرَةِ، فَمَاتَ بِهَا، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَنَّفَ الكُتُبَ فِي السُّنَنِ وَالأَحْكَامِ، وَجَمَعَ التَّفْسِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً.   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 403. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 403. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 402. (4) في " تاريخ بغداد " 8 / 402 - 403. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: طَعَنَ عَلَى رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُم فِيْهِ (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ هُنَا قَوْماً يَحمِلُوْنَ كَلاَمَك. فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ. ثُمَّ دَخَلَ، فَتَوَضَّأَ - يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الغِيْبَةَ تُنْقِضُ الوُضُوْءَ (2) -. وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيْهِ: وَهِمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيْثٍ. وَهَذَا تَعَنُّتٌ، وَقِلَّةُ إِنصَافٍ فِي حَقِّ حَافِظٍ قَدْ رَوَى أُلُوْفاً كَثِيْرَةً مِنَ الحَدِيْثِ، فَوَهِمَ فِي إِسْنَادٍ، فَرَوْحٌ لَوْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ فِي سَعَةِ عِلْمِهِ، لاَغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ أُسْوَةُ نُظَرَائِهِ، وَلَسْنَا نَقُوْلُ: إِنَّ رُتْبَةَ رَوْحٍ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَرُتْبَةِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ مَا هُوَ بِدُوْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلاَ أَبِي النَّضْرِ. وَقَدْ رَوَى: الكِنَانِيُّ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: رَوْحٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى) ، وَفِي أَثْنَاءِ كِتَابِ العَتْقِ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قَالَ خَلِيْفَةُ (3) ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ. زَادَ غَيْرُهُمَا، فَقَالَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى. وَوَهِمَ الكُدَيْمِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 422. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 402. (3) في " الطبقات " 1 / 545. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَمُرُّ النَّاسُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، وَعَلَيْهِ خَطَاطِيْفُ وَحَسَكٌ وَكَلاَلِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ، وَبِجَنْبَتَيْهِ مَلاَئِكَةٌ يَقُوْلُوْنَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ البَرْقِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الرِّيْحِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الفَرَسِ المُجْرَى، وَمِنْهُم مَنْ يَسْعَى سَعْياً، وَمِنْهُم مَنْ يَحْبُو حَبْواً، وَمِنْهُم مَنْ يَزْحَفُ زَحْفاً، فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِيْنَ هُمْ أَهْلُهَا، فَلاَ يَمُوْتُوْنَ، وَلاَ يَحْيَوْنَ، وَأَمَّا أُنَاسٌ يُؤْخَذُوْنَ بِذُنُوْبٍ وَخَطَايَا، فَيَحْتَرِقُوْنَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ ... ) الحَدِيْثَ (1) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ؛ أَحَدِ الثِّقَاتِ. ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ (اللِّبَاسِ) : حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُوْنَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ، وَفِيْهَا تَصَاوِيْرُ (2) . رَوَاهُ: البُخَارِيُّ دُوْنَ (وَفِيْهَا تَصَاوِيْرُ) (3) .   (1) صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 25، من طريق يحيى بن سعيد، و26 من طريق روح، كلاهما عن عثمان بن غياث. وأخرجه بأطول مما هنا البخاري 13 / 358، 360 في التوحيد: باب قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة، ومسلم (183) في الايمان: باب معرفة طريق الرؤية، وأحمد 3 / 16 من طرق، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. (2) إسناده صحيح على شرط البخاري. (3) 1 / 413 في الصلاة: باب الصلاة على الخمرة، ومسلم (513) (270) في المساجد: باب جواز الجماعة في النافلة، وأبو داود (656) في الصلاة: باب الصلاة على الخمرة، والنسائي 2 / 57، في الصلاة باب الصلاة على الخمرة، وأحمد 6 / 330 و336 كلهم من طريق سليمان الشيباني بهذ الإسناد. وجملة " وفيها تصاوير " ليست عند الجميع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 132 - الهُجَيْمِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ البَصْرِيُّ * شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، العَابِدُ، القَانِتُ، أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الهُجَيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، القَدَرِيُّ، المُبْتَدِعُ، فَمَا أَقْبَحَ بِالزُّهَّادِ رُكُوْبَ البِدَعِ! كَانَ تِلْمِيْذَ شَيْخِ البَصْرَةِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ. ذَكَرَهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ فِي (طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ) ، فَقَالَ: بَرَّزَ فِي العِبَادَةِ وَالاجْتِهَادِ، وَأَخَذَ المَعْلُوْمَ مِنَ القُوْتِ، وَذَكَرَ أَنَّ الطَّرِيْقَ إِلَى اللهِ لاَ يَكُوْنُ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ: الصَّوْمِ، وَالصَّلاَةِ، وَالجُوْعِ، وَكَانَ يَمِيْلُ إِلَى اكْتِسَابِ القُوْتِ بِيَدِهِ، وَلَزِمَ طَرِيْقَ شَيْخِهِ فِي اللُّطْفِ، فَكَانَ قَدَرِياً غَيْرَ مُعْتَزِلِيٍّ، وَكَتَبَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: رَآنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ جَالِساً إِلَى جَنْبِ أَحْمَدَ بنِ عَطَاءٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ، وَكَانَ أَزْهَدَ مَنْ رَأَيْتُ، فَاعْتَذَرْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: لاَ تُجَالِسْهُ، فَإِنَّ أَهْوَنَ مَا يَنْزِلُ بِك أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئاً، يَجِبُ للهِ عَلَيْكَ أَنْ تَقُوْلَ لَهُ: كَذَبتَ، وَلَعَلَّكَ لاَ تَفْعَلُ. وَكَانَ ابْنُ عَطَاءٍ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلأُسْتَاذِيَّةِ، وَوَقَفَ دَاراً فِي بَلْهُجَيْمٍ (1) لِلْمُتَعَبِّدِيْنَ وَالمُرِيْدِيْنَ يَقُصُّ عَلَيْهِم. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: وَأَحْسِبُهَا أَوَّلَ دَارٍ وُقِفَتْ بِالبَصْرَةِ لِلْعِبَادَةِ. صَحِبَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَحْمَدُ بنُ غَسَّانَ الزَّاهِدُ، وَأَبُو بَكْرٍ   (*) ميزان الاعتدال 1 / 119، المغني في الضعفاء 1 / 47، لسان الميزان 1 / 221. (1) بلهجيم: الأصل " بني الهجيم " ولذا وجب أن لا يصحب الكسرة التي في الميم التنوين، وهي محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم، وهم بطن من العرب ينسبون إلى الهجيم بن عمرو ابن تميم بن مر بن أد، فنسبت إليهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 العَطَشِيُّ (1) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ، وَجَلَسَ فِي المَشْيَخَةِ بَعْدَهُ: ابْنُ غَسَّانَ، فَوَقَفَ دَاراً لِنَفْسِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الهُجَيْمِيُّ يَرْوِي عَنْ خَالِدٍ العَبْدِ، وَعَنِ الضُّعَفَاءِ، مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: هُوَ صَاحِبُ المِضْمَارِ، وَكَانَ مُجْتَهِداً -يَعْنِي: فِي العِبَادَةِ- وَكَانَ مُغَفَّلاً، يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَتَيْتُهُ يَوْماً، فَوَجَدْتُ مَعَهُ دَرجاً يُحَدِّثُ بِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ اشْتَرَيْتُهُ، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ حِسَانٌ أُحَدِّثُ بِهَا هَؤُلاَءِ. فَقُلْتُ: أَمَّا تَخَافُ اللهَ؟ تُقَرِّبُ العِبَادَ إِلَى اللهِ بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! قُلْتُ: مَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْرِي مَا الحَدِيْثُ، وَلَكِنَّهُ عَبْدٌ صَالِحٌ، وَقَعَ فِي القَدَرِ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ تُرَّهَاتِ الصَّوَفَةِ، فَلاَ خَيْرَ إِلاَّ فِي الاتِّبَاعِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاتِّبَاعُ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ. تُوُفِّيَ الهُجَيْمِيُّ هَذَا: سَنَةَ مائَتَيْنِ. وَمَاتَ أَحْمَدُ بنُ غَسَّانَ: قَبْلَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنِ القَدَرِ، وَامْتَنَعَ مِنَ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَأُخِذَ، وَحُبِسَ، فَرَأَى فِي الحَبْسِ أَحْمَد بنَ حَنْبَلٍ، وَالبُوَيْطِيَّ، فَأَعْجَبَهُمَا سَمْتُهُ وَكَلاَمُهُ، وَخَاطَبَاهُ، فَانْتَفَعَ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَهُ يُنْكِرُوْنَ رُجُوْعَهُ عَنِ القَدَرِ.   (1) هذه نسبة إلى سوق العطش، وهو موضع بالجانب الشرقي من بغداد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 133 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَسَدٍ البَجَلِيُّ * ابْنُ أَمِيْرِ العِرَاقِ، البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَعَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، وَأَبِي رَوْقٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيِّ، وَأُمَيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، وَغَيْرِهِم. وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَلَيْسَ بِالمُتْقِنِ، يَنْفَرِدُ بِالمَنَاكِيْرِ. رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَدُحَيْمٌ، وَسُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَكْرُوَيْه البَالِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ) . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثِهِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ (2) . وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَسَاقَ لَهُ جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ، وَقَالَ: أَحَادِيْثُهُ لاَ   (*) الجرح والتعديل 3 / 357، الضعفاء للعقيلي لوحة 118، الكامل لابن عدي لوحة 231، ميزان الاعتدال 1 / 647، المغني في الضعفاء 1 / 208، لسان الميزان 3 / 391، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 117. (1) " الضعفاء ": لوحة 118. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 357. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 يُتَابَعُ عَلَيْهَا كُلُّهَا، لاَ إِسْنَاداً، وَلاَ مَتْناً. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ الَّذِيْنَ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي الرِّجَالِ فِيْهِ قَوْلاً، وَهُوَ مَعَ ضَعفِهِ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (1) . وَمِنْ مَنَاكِيْرِهِ: حَدَّثَنَا أُمَيُّ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِذَا صَلَّى المَغْرِبَ دُوْنَ المُزْدَلِفَةِ، أَعَادَ (2) . وَفِي العُلَمَاءِ جَمَاعَةٌ بِاسْمِهِ، فَمِنْهُمْ: 134 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ * الأَمِيْرُ، أَبُو هَاشِمٍ الأُمَوِيُّ. رَوَى عَنْ: دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَأَبِيْهِ. وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَالزُّهْرِيُّ. وَدَارُهُ هِيَ الَّتِي صَارَتِ اليَوْمَ قَيْسَارِيَّةَ مُدِّ الذَّهَبِ، وَكَانَتْ مِنْ قَبْلُ   (1) " الكامل " لابن عدي: لوحة 231. (2) ذكره العقيلي في كتاب " الضعفاء " لوحة: 118 وفي " الموطأ " 1 / 401، والبخاري 3 / 418، ومسلم (1287) ، عن أبي أيوب الأنصاري أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع المغرب والعشاء بمزدلفة جميعا، وفي " الموطأ " 1 / 400، 401 أيضا، والبخاري 1 / 212، ومسلم (2280) عن أسامة بن زيد قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب، نزل فبال، ثم توضأ، فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة يارسول الله، قال: " الصلاة أمامك " فركبت، فلما جاء المزدلفة، نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلاها، ولم يصل بينهما شيئا. (*) التاريخ الكبير 3 / 181، المعارف: 352، الجرح والتعديل 3 / 361، الفهرست لابن النديم: 354، وفيات الأعيان 2 / 224، تهذيب الكمال: 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، الكاشف 1 / 276، البداية والنهاية 9 / 60، تهذيب التهذيب 3 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 103، شذرات الذهب 1 / 96 و99، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 119، 123. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 تُعْرَفُ بِدَارِ الحِجَارَةِ، شَرْقِيَّ الجَامِعِ. وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، ذَا عِلْمٍ، وَفَضْلٍ، وَصَوْمٍ، وَسُؤْدُدٍ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ قُرَيْشٍ بِفُنُوْنِ العِلْمِ. قَالَ: وَكَانَ بَصِيْراً بِهَذَيْنِ العِلْمَيْنِ: الطِّبِّ وَالكِيْمِيَاءِ، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ. وَ 135 - خَالِدُ ابْنُ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ صَلَبَهُ مَرْوَان الحِمَارُ. وَ 136 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ صَالِحِ بنِ صُبَيْحٍ أَبُو هَاشِمٍ المُرِّيُّ * يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ. وَتَلاَ عَلَى: ابْنِ عَامِرٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عِرَاكٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ.   (1) " وفيات الأعيان " 2 / 224. (*) التاريخ الكبير 3 / 181، الجرح والتعديل 3 / 358، تهذيب الكمال: لوحة 370، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 125، خلاصة تذهيب الكمال: 103. (2) في " الجرح والتعديل " 3 / 359. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 مَاتَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَ 137 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ * (ق) رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَالصَّلْتِ بنِ بَهْرَامَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ. وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَهِشَامٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ. ضَعَّفَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ (1) ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ. وَ 138 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو الهَيْثَمِ العَدَوِيُّ العُمَرِيُّ المَكِّيُّ ** وَبَعْضُهُم كَنَّاهُ أَبَا الوَلِيْدِ. رَوَى عَنِ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالثَّوْرِيِّ. وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. كَذَّبَهُ: يَحْيَى، وَأَبُو حَاتِمٍ (2) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي المَوْضُوْعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ.   (*) تاريخ ابن معين: 146، التاريخ الكبير 3 / 184، الضعفاء للعقيلي لوحة 118، الجرح والتعديل 3 / 359، تهذيب الكمال: 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 645، الكاشف، 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 126، خلاصة تذهيب الكمال: 103، تهذيب ابن عساكر 5 / 119. (1) " تاريخه ": 146. (* *) التاريخ الكبير 3 / 184، الجرح والتعديل 3 / 360، الكامل لابن عدي 2 / 232، ميزان الاعتدال 1 / 646، لسان الميزان 2 / 389. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 360. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 139 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُسْلِمٍ الغَنَوِيُّ البَصْرِيُّ * رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُسْتَمِرِ العُرُوْقِيُّ. عِدَادُهُ فِي الضُّعَفَاءِ. وَ 140 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ الكَاهِلِيُّ أَبُو الهَيْثَمِ الكَحَّالُ ** كُوْفِيٌّ. أَخَذَ عَنْ: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ. وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ. وَ 141 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عُمَرَ بنِ هُبَيْرَةَ الفَزَارِيُّ *** وَلَدُ نَائِبِ العِرَاقِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ. وَ 142 - خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيْمِ المِصْرِيُّ **** ثِقَةٌ.   (*) الضعفاء للعقيلي لوحة 118، ميزان الاعتدال 1 / 647، لسان الميزان 2 / 391، العقد الثمين 4 / 298، 299. (* *) التاريخ الكبير 3 / 184، الجرح والتعديل 3 / 360، تهذيب الكمال: 370، تذهيب لتهذيب 1 / 194 / 2، الكاشف 1 / 275، تهذيب التهذيب 3 / 125، خلاصة تذهيب الكمال: 103. (* * *) تهذيب الكمال: لوحة 371، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 128، خلاصة تذهيب الكمال: 103. (* * * *) التاريخ الكبير 3 / 180، الجرح والتعديل 3 / 358، تهذيب الكمال: لوحة 372، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 2، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 129، خلاصة تذهيب الكمال: 104، شذرات الذهب 1 / 207. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 414 رَوَى عَنْهُ: اللَّيْثُ. 143 - وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ العَتَكِيُّ * عَنْ: ثَابِتٍ البُنَانِيِّ. صَدُوْقٌ. 144 - وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ السُّلَمِيُّ ** شَيْخٌ لِدُحَيْمٍ. وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم. 145 - الحَفَرِيُّ أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ *** (م، 4) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ الحَفَرِيُّ، الكُوْفِيُّ، العَابِدُ. وَالحَفَرُ: مَوْضِعٌ بِالكُوْفَةِ، وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَصَالِحِ بنِ حَسَّانٍ،   (*) التاريخ الكبير 3 / 182، تهذيب الكمال: لوحة 372، تذهيب التهذيب 1 / 195 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 648، الكاشف 1 / 276، تهذيب التهذيب 3 / 129، خلاصة تذهيب الكمال: 104. (* *) الجرح والتعديل 3 / 360، تهذيب الكمال: 373، تذهيب التهذيب 1 / 196 / 1، الكاشف 1 / 277، تهذيب التهذيب 3 / 130، خلاصة تذهيب الكمال: 104، تهذيب ابن عساكر 5 / 123. (* * *) طبقات ابن سعد 6 / 403، طبقات خليفة ت (1336) ، التاريخ الصغير 2 / 300، المعرفة والتاريخ 1 / 195، الجرح والتعديل 6 / 112، تهذيب الكمال: لوحة 1011، تذهيب التهذيب 3 / 85 / 1، العبر 1 / 340، الكاشف 2 / 311، تهذيب التهذيب 7 / 452، خلاصة تذهيب الكمال: 283. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 وَبَدْرِ بنِ عُثْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَلَمْ يَرْحَلْ، وَلَكِنَّهُ ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَبَنُو أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يُقَدِّمُ الحَفَرِيَّ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَقَبِيْصَةَ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ (2) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ الثِّقَاتِ. حُكِيَ: أَنَّهُ أَبطَأَ يَوْماً فِي الخُرُوْجِ إِلَى الجَمَاعَةِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: أَعْتَذِرُ إِلَيْكُم، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي ثَوْبٌ غَيْرُ هَذَا، صَلَّيْتُ فِيْهِ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ بَنَاتِي حَتَّى صَلَّيْنَ فِيْهِ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ، وَخَرَجْتُ إِلَيْكُم. قَالَ وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ: إِنْ كَانَ يُدْفَعُ بِأَحَدٍ فِي زَمَانِنَا، فَبِأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ (3) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَعْلَمُنِي رَأَيْتُ بِالكُوْفَةِ أَعْبَدَ مِنْهُ (4) . قَالَ الهُجَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَوْهَرِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَكَانَ لاَ يُرَى أَدِيْمُ جَسَدِهِ مِنَ الشَّعْرِ، وَعَلَيْهِ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1011. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 112. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012. (4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 خِرْقَتَانِ: إِزَارٌ، وَرِدَاءٌ فِيْهِ عِدَّةُ رِقَاعٍ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَثِرَ، خَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ، وَكَانَ مَسْجِدُهُم مُحَصَّباً. فَقِيْلَ: أَلَيْسَ كَفَّارَتُهَا دَفْنَهَا؟ فَيَقُوْلُ: لَعَلِّي أُؤْخَذُ قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، فَأَصْدَقَهَا ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ، وَكَانَ قُوْتُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ قُرْصَيْنِ، وَبِفِلْسٍ فِجْلٌ أَوْ هِنْدَبَا. قَالَ أَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ المُقْرِئُ: دَفَنَّا أَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- وَتَرَكْنَا بَابَهُ مَفْتُوْحاً، مَا كَانَ فِي البَيْتِ شَيْءٌ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: مَاتَ وَقَدْ شَاخَ، أَحسِبُهُ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ عِنْدَنَا مُتَيَسِّرٌ. 146 - بِشْرُ بنُ عُمَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّهْرَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّهْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ. سَمِعَ: عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَعَاصِمَ بنَ مُحَمَّدٍ العُمَرِيَّ، وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةً.   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1012. (2) " طبقات ابن سعد " 6 / 403. (*) طبقات ابن سعد 7 / 300، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت (1941) ، التاريخ الكبير 2 / 80، الجرح والتعديل 2 / 361، تهذيب الكمال: 153، تذكرة الحفاظ 1 / 337، الكاشف 1 / 156، تهذيب التهذيب 1 / 455، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تذهيب الكمال: 49، شذرات الذهب 2 / 18. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَبِشْرُ بنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِدِمَشْقَ - قَدِمَا عَلَيْنَا - قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عِلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ مَعْقِلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوْءٍ (3)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنِ الذُّهْلِيِّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 300. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 361. (3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 461 و517 من طريقين عن مالك بهذا الإسناد، وأخرجه مالك 1 / 85، ومن طريقه البخاري 2 / 311، 312، ومسلم (252) ، والنسائي 1 / 12، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ " لولا أن أشق على أمتي، لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ". وأخرجه أبو داود (46) ، والنسائي 1 / 226 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة يرفعه " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 147 - الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَبُو العَبَّاسِ العُذْرِيُّ * (د، س) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَبَّاسِ العُذْرِيُّ، البَيْرُوْتِيُّ، صَاحِبُ الأَوْزَاعِيِّ. أَخَذَ عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ تَصَانِيْفَهُ. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ شَوْذَبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي العَاتِكَةِ، وَمُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ الحَافِظُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ الكَفْرَسُوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) : الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ الشَّامِيُّ سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ عُمَرَ، مُرْسَلٌ، لَمْ يَزِدْ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ، ثَبْتٌ. وَقَالَ ابْنُ زَبْرٍ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ 126. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ: أَخْرَجَ إِلَيَّ سَعْدٌ البَيْرُوْتِيُّ أُصُوْلَ العَبَّاسِ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ- فَإِذَا أَكْثَرُهَا: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَكَانَ الأَوْزَاعِيُّ احْتَرَقَ عِلْمُهُ، فَمَنْ أَخَذَ عَنِ الأَوَّلِ، فَهُوَ حُجَّةٌ،   (*) التاريخ الكبير 8 / 155، الجرح والتعديل 9 / 18، تهذيب الكمال: لوحة 1473، تذهيب التهذيب 4 / 140 / 1، العبر 1 / 343، الكاشف 3 / 242، تهذيب التهذيب 11 / 150، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 8. (1) 8 / 155. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 وَسِوَاهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (1) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: لَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى جَمْعِ عِلْمِ الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى كَتَبتُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَمَاعَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ كِتَاباً حَتَّى لَقِيْتُ أَبَاك، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ عِلْماً، لَمْ يَكُنْ عِنْدَ القَوْمِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْكُم بِكُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، فَإِنَّهَا صَحِيْحَةٌ (3) . وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ بنُ السَّفَرِ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَا عُرِضَ عَلَيَّ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ (5) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ بنَ مَزْيَدٍ يَقُوْلُ: مَنْ أَكَلَ شَهْوَةً مِنْ حَلاَلٍ، قَسَا قَلْبُه. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ ثِقَةً، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ، وَكُتُبُهُ صَحِيْحَةٌ. قَالَ العَبَّاسُ (6) : مَاتَ أَبِي فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1473. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 18. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 18. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 18، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1473. (5) " تهذيب الكمال ": لوحة 1473. (6) في الأصل " أبو العباس " وهو خطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 سَنَةً، هَذَا سَمِعَهُ الأَصَمُّ مِنْهُ. وَرَوَى: الفَسَوِيُّ، عَنْ دُحَيْمٍ، قَالَ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. قُلْتُ: الأَوَّلُ أَثْبَتُ. 148 - مُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ عُثْمَانَ البُرْسَانِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ عُثْمَانَ البُرْسَانِيُّ، الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ. وَبُرْسَانُ: بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَبُنْدَارُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا البُرْسَانِيُّ، وَكَانَ -وَاللهِ- ظَرِيْفاً، صَاحِبَ أَدَبٍ، ثِقَةً (1) .   (*) تاريخ ابن معين: 506، طبقات ابن سعد 7 / 297، تاريخ خليفة: 471، طبقات خليفة: ت 1926، التاريخ الكبير 1 / 48، التاريخ الصغير 2 / 299، الجرح والتعديل 7 / 212، تهذيب الكمال: لوحة 1177، تذهيب التهذيب 3 / 192 / 1، العبر 1 / 341، ميزان الاعتدال 3 / 492، الكاشف 3 / 24، تهذيب التهذيب 9 / 77، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات الذهب 2 / 7. (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 506. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، بِالبَصْرَةِ (1) . قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا وَاهِبُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ فَكَّ عَنْ مَكْرُوْبٍ، فَكَّ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيْهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَرْدٌ. 149 - عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ أَبُو حَفْصٍ اليَمَامِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو حَفْصٍ اليَمَامِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعُمَرَ   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 296. (2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 4 / 104، من طريق محمد بن بكر البرساني بهذا الإسناد، وأورده الخطيب في " تاريخه " 13 / 156، من طريقين، عن نصر بن علي الجهضمي، عن البرساني به، وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 5 / 70، 71، ومسلم (2580) ، وعن أبي هريرة عند مسلم (2699) ، وأحمد 2 / 407. (*) طبقات ابن سعد 5 / 556، التاريخ الكبير 6 / 206، الجرح والتعديل 6 / 142، تهذيب الكمال: لوحة 1026، تذهيب لتهذيب 3 / 94 / 1، العبر 1 / 341، الكاشف 2 / 322، تهذيب التهذيب 7 / 506، خلاصة تذهيب الكمال: 286. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 بنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وَحُبَابِ بنِ فَضَالَةَ - صَاحِبِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَوَالِدِهِ؛ يُوْنُسَ بنِ القَاسِمِ الحَنَفِيِّ. وَعَنْهُ: أَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ الفَقِيْهُ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بنُ وَهْبٍ العَلاَّفُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ. تُوُفِّيَ: بُعَيْدَ المائَتَيْنِ. وَحَفِيْدُهُ: 150 - أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ اليَمَامِيُّ * أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ. يَرْوِي عَنْ: جَدِّهِ؛ عُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَعَنْهُ: قَاسِمٌ المُطرِّزُ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ. 151 - يَحْيَى بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ النَّهْشَلِيُّ ** (م، د، ت، ق) التَّمِيْمِيُّ، النَّهْشَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، الفَاخُوْرِيُّ، الجَرَّارُ، نَزِيْلُ الرَّمْلَةِ.   (1) هو عبد الرحمن بن عمر بن يزيد، ولقبه رسته توفي سنة (246) هـ. (*) الجرح والتعديل 2 / 71، ميزان الاعتدال 1 / 142، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 143. (* *) تاريخ ابن معين: 651، التاريخ الكبير 8 / 297، التاريخ الصغير 2 / 294، الضعفاء للعقيلي: لوحة 445، الجرح والتعديل 9 / 178، كتاب المجروحين والضعفاء 3 / 126، 127، الكامل في الضعفاء لابن عدي: لوحة 839، تهذيب الكمال: لوحة 1513، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 1، العبر 1 / 337، ميزان الاعتدال 4 / 401، الكاشف 3 / 265، تهذيب التهذيب 11 / 262، خلاصة تذهيب الكمال: 427، شذرات الذهب 2 / 3. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 حَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ أَبِي المُسَاوِرِ، وَمِسْعَرٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ حَسَنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: قَالَ لَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: اكْتُبُوا عَنْ يَحْيَى بنِ عِيْسَى، فَطَالَمَا رَأَيْتُهُ عِنْدَ الأَعْمَشِ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ البَصْرَةِ فِي القَصَصِ، فَأَتَوْا أَنَساً، فَسَأَلُوْهُ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُصُّ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا بُعِثَ بِالسَّيْفِ (2) . قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. 152 - الجَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو الضَّحَّاكِ العَامِرِيُّ * الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو الضَّحَّاكِ العَامِرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1513. (2) أورده المؤلف في " ميزانه " 4 / 401 وتمامه: ولكن سمعته يقول: " لان أقعد مع قوم يذكرون الله بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها ". وأخرج هذا الأخير منه مع زيادة أبو داود (3667) في آخر العلم من طريق محمد بن المثنى، عن عبد السلام ابن مطهر، عن موسى بن خلف العمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولان أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة " وهذا سند حسن. (*) تاريخ ابن معين: 76، التاريخ الكبير 2 / 237، التاريخ الصغير 2 / 319، الضعفاء = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 وَيُقَالُ: أَبُو عَلِيٍّ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامٍ، فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ. وَحَمَلَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ. وَتَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَكْثَرَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُحْكِمٍ لِفَنِّ الرِّوَايَةِ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ الهَرَوِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوَيْه، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالمُلاَزِمِيْنَ لَهُ. وَخُطَّةُ الجَارُوْدِ مَنْسُوْبَةٌ إِلَيْهِ (1) ، وَهِيَ سِكَّةُ الجَارُوْدِيِّ، فِي المُرَبَّعَةِ الصَّغَيْرَةِ، وَمَسْجِدُهُ عَلَى رَأْسِ السِّكَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ. وَنَقَلَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ المُسْتَمْلِي، قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدِمَ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ الأَمِيْرُ (2) .   = الصغير للبخاري: 26، الضعفاء والمتروكين: 28، الضعفاء للعقيلي: لوحة 72، الجرح والتعديل 2 / 525، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 220، ميزان الاعتدال 1 / 384، لسان الميزان 2 / 90. (1) الخطة: هي الأرض التي يختطها الإنسان لنفسه ليبني داره بها، ولم يكن أحد قد نزلها قبله. (2) مر التعريف به في الصفحة 335 التعليق رقم (1) من هذا الجزء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 قَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، كَانَ أَبُو أُسَامَةَ يَرْمِيْهِ بِالكَذِبِ (1) . وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ (2) . العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الجَارُوْدُ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّه، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَتَرْعَوُوْنَ عَنْ ذِكْرِ الفَاجِرِ؟ اذْكُرُوْهُ بِمَا فِيْهِ، يَحْذَرْهُ النَّاسُ) . قَالَ العُقَيْلِيُّ (3) : لَيْسَ لِذَا أَصْلٌ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. 153 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْلِمٍ الحَرَّانِيُّ * (4) الطَّرَائِفِيُّ (5) ، المُؤَدِّبُ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُه لِبَنِي تَيْمٍ. فِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ.   (1) " التاريخ الكبير " 2 / 237. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 76. (3) في " الضعفاء " لوحة: 72. (4) " الجرح والتعديل " 2 / 525. (*) طبقات خليفة: ت 2098، التاريخ الكبير 6 / 238، الضعفاء للعقيلي: لوحة 291، الجرح والتعديل 6 / 157، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 96، الكامل لابن عدي: لوحة 585، الأنساب 8 / 227، تهذيب الكمال: لوحة 916، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، العبر 1 / 340، ميزان الاعتدال 3 / 45، الكاشف 2 / 252، تهذيب التهذيب 7 / 134، خلاصة تذهيب الكمال: 261، شذرات الذهب 2 / 6. (5) سمي بذلك، لأنه كان يتتبع طرائف الأحاديث ويطلبها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 426 حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ الرَّقِّيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ السُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: شَيْخٌ، مُتَعَبِّدٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ، يُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُوْلِيْنَ بِالمَنَاكِيْرِ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كُنْيتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: هُوَ فِي الجَزَرِيِّيْنَ كَبَقِيَّةَ فِي الشَّامِيِّيْنَ، حَاطِبُ لِيْلٍ (2) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَنْكَرَ أَبِي عَلَى البُخَارِيِّ إِدخَالَهُ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ كَثِيْرٍ الحَرَّانِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا:   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 916. (2) " الكامل " لابن عدي: لوحة 585، ويقال: فلان حاطب ليل، أي: يتكلم بالغث والسمين كمن يحطب ليلا، فيحطب الجيد والردئ، وهو في المحدثين من لا يميز صحيح الحديث من ضعيفه. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 157. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 427 154 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَقَّاصِيُّ الزُّهْرِيُّ * فَأَكْبَرُ مِنَ الطَّرَائِفِيِّ. يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَجَمَاعَةٍ. مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَمِنْ طَبَقَتِهِ: 155 - عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ ** بَصْرِيٌّ، صُوَيْلِحٌ. يَرْوِي عَنْ: نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ. وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَجَمَاعَةٌ. 156 - عُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ أَبُو حَفْصٍ المُسْلِيُّ *** (ق) المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ، أَبُو حَفْصٍ المُسْلِيُّ، المَذْحِجِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (*) تاريخ ابن معين: 394، التاريخ الكبير 6 / 238، التاريخ الصغير 2 / 161، الضعفاء الصغير: 81، الضعفاء والمتروكين: 76، الضعفاء للعقيلي: لوحة 291، الجرح والتعديل 6 / 157، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 98، الكامل لابن عدي: لوحة 579، تهذيب الكمال: لوحة 915، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 43، تهذيب التهذيب 7 / 133، خلاصة تذهيب الكمال: 261. (* *) الجرح والتعديل 6 / 158، الكامل لابن عدي: لوحة 580، تهذيب الكمال: لوحة 916، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 47، الكاشف 2 / 253، تهذيب التهذيب 7 / 135، خلاصة تذهيب الكمال: 261. (* * *) تاريخ ابن معين: 430، طبقات ابن سعد 6 / 388، الضعفاء والمتروكين: 84. الضعفاء للعقيلي: لوحة 283، الجرح والتعديل 6 / 115، كتاب المجروحين 2 / 90، تهذيب الكمال: لوحة 1014، تذهيب التهذيب 4 / 86 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 204، الكاشف 2 / 313، تهذيب التهذيب 7 / 461، خلاصة تذهيب لكمال: 283، شذرات الذهب 2 / 3. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 428 رَأَى: أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيَّ. وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعَمْرِو بنِ قَيْسٍ المُلاَئِيِّ، وَكَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرِيْفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَدُوْقاً، لَكِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيْراً، عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ (4) . قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ تَنَاقُضٌ، فَالصَّدُوْقُ لاَ يَكْثُرُ خَطَؤُهُ، وَالكَثِيْرُ الخَطَأِ مَعَ القِلَّةِ هُوَ المَتْرُوْكُ، وَلَهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ فِي (سُنَنِ ابْنِ مَاجَه (5)) ، وَهُوَ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1014. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 115. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1014. (4) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 90. (5) وهو حديث: " طلاق الأمة اثنتان، وعدتها حيضتان " رواه ابن ماجة (2079) في الطلاق: باب طلاق الأمة وعدتها، من طريق عمر بن شبيب، عن عبد الله بن عيسى، عن عطية العوفي، عن ابن عمر. وإسناده ضعيف لضعف المترجم، وشيخه عطية، وقال الدارقطني بعدما أخرجه في " سننه " ص 441: تفرد به عمر بن شبيب المسلي، وهو ضعيف لا يحتج بروايته، والصحيح ما رواه نافع وسالم عن ابن عمر من قوله كما في " الموطأ " 2 / 574. كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة، وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان، وفي الباب عن عائشة مرفوعا عند أبي داود (2189) ، والترمذي (1182) ، وابن ماجة (2080) ، والحاكم 2 / 205، والبيهقي 7 / 370، وفي سنده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 429 أَمْثَلُ مِنْ عُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ العَدَوِيِّ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ، وَهُوَ صُوَيْلِحٌ. 157 - عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ السُّلَمِيُّ * (م، د) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَبَّاسِ السُّلَمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، أَخُو جَعْفَرٍ وَمُبَشِّرٍ. سَمِعَ: ابْنَ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ بنَ حُسَيْنٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ، وَجَمَاعَةً. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ، وَسَهْلُ بنُ عَمَّارٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ سَهْلُ بنُ عَمَّارٍ: لَمْ يَكُنْ بِخُرَاسَانَ أَنبَلُ مِنْهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (1) . 158 - أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ أَبُو مَسْعُوْدٍ الحِمْيَرِيُّ ** (د، ت، ق) مُحَدِّثٌ الرَّمْلَةِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الحِمْيَرِيُّ، السَّيْبَانِيُّ (2) ، الرَّمْلِيُّ.   (*) تهذيب الكمال: لوحة 1015، تذهيب التهذيب 3 / 87 / 2، العبر 1 / 341، الكاشف 2 / 315، تهذيب التهذيب 7 / 468، خلاصة تذهيب الكمال: 284. (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1016. (* *) تاريخ ابن معين: 49، التاريخ الكبير 1 / 417، الضعفاء والمتروكين: 16، الضعفاء للعقيلي: لوحة 41، 42، الجرح والتعديل 2 / 249، الكامل لابن عدي: لوحة 40، تهذيب الكمال: لوحة 137، تذهيب التهذيب 1 / 78 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 287، الكاشف 1 / 146، تهذيب التهذيب 1 / 405، خلاصة تذهيب الكمال: 43. (2) هذه النسبة إلى سيبان، وهو بطن من حمير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 430 حَدَّثَ عَنْ: أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ السَّرْحِ، وَدُحَيْمٌ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ سَيِّئَ الحِفْظِ، لَيِّناً. رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، يَسرِقُ الحَدِيْثَ (1) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، حَدَّثَهُم بِالرَّملَةِ بِأَحَادِيْثَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ جَعَلَهَا بَعْدُ عَنْ نَفْسِهِ، عَنْ شُيُوْخِ ابْنِ المُبَارَكِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ (4) . وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، لَكِنْ قَالَ: كَانَ رَدِيْءَ الحِفْظِ.   (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 49. وسرقة الحديث: أن يكون محدث ينفرد بحديث، فيجئ السارق، ويدعي أنه سمعه أيضا من شيخ ذاك المحدث، أو يكون الحديث عرف براو، فيضيفه لراو غيره، ممن شاركه في طبقته. قال: الامام الذهبي: وليس كذلك من يسرق الاجزاء والكتب، فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواة. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 49. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 250. (4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 44. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 431 وَقَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (1) . قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ: غَرِقَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ فِي البَحْرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (2) . قُلْتُ: الأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ. 159 - أَبُو سُفْيَانَ الحِمْيَرِيُّ سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى * (خَ، ت) هُوَ: سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. سَمِعَ: مَعْمَرَ بنَ رَاشِدٍ، وَالعَوَّامَ بنَ حَوْشَبٍ، وَعَوْفاً الأَعْرَابِيَّ، وَالضَّحَّاكَ بنَ حُمْرَةَ، وَجَمَاعَةً. وَعَنْهُ: يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.   (1) " التاريخ الكبير " 1 / 417. (2) " التاريخ الكبير " 1 / 417. (*) طبقات ابن سعد 7 / 314، طبقات خليفة: ت 3195، التاريخ الكبير 3 / 520، التاريخ الصغير 2 / 296، الجرح والتعديل: 4 / 74، تهذيب الكمال: لوحة 511، تذهيب التهذيب 2 / 31 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 163 و4 / 531، الكاشف 1 / 375، تهذيب التهذيب 4 / 99، خلاثة تذهيب الكمال: 144. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 432 وَعَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً. مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. 160 - سَلَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ * (خَ، م، ت) الحَافِظُ، المُؤَدِّبُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ الهَرَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ: حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. نَقَلَهُ البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ اللَّيْثِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (2) . 161 - سَلْمُوَيْه أَبُو صَالِحٍ سُلَيْمَانُ بنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ ** (خَ، س) الحَافِظُ، المُعَمَّرُ، أَبُو صَالِحٍ سُلَيْمَانُ بنُ صَالِحٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 378، التاريخ الكبير 4 / 84، التاريخ الصغير 2 / 300، الجرح والتعديل 4 / 163، تهذيب الكمال: لوحة 527، تذهيب التهذيب 2 / 142، الكاشف 1 / 384، تهذيب التهذيب 4 / 145، خلاصة تذهيب الكمال: 148، وفيه: ابن سليم. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 527. (2) " التاريخ الكبير " 4 / 84. (* *) التاريخ الكبير 4 / 20، الجرح والتعديل 4 / 123، تهذيب الكمال: لوحة 543، تذهيب التهذيب 2 / 50 / 2، الكاشف 1 / 396، تهذيب التهذيب 4 / 199، خلاصة تذهيب الكمال: 152. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 433 صَاحِبُ ابْنِ المُبَارَكِ. عَنْهُ: ابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ شَبُّوَيْه، وَعِدَّةٌ. يُقَالَ: عَاشَ مائَةَ سَنَةٍ. 162 - عَبْدُ المَجِيْدِ ابْنُ الإِمَامِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ * (م، 4) العَالِمُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، شَيْخ الحَرَمِ، أَبُو عَبْدِ المَجِيْدِ المَكِّيُّ، مَوْلَى المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ بِكُتُبِهِ. وَعَنْ: أَبِيْهِ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَمَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَحَاجِبٌ المَنْبِجِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنَ المُرْجِئَةِ، وَمَعَ هَذَا فَوَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ فِيْهِ غُلُوٌّ فِي الإِرْجَاءِ، يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ الشُّكَّاكُ. يُرِيْدُ قَوْلَ العُلَمَاءِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ (1) .   (*) تاريخ ابن معين: 370، طبقات ابن سعد 5 / 500، طبقات خليفة: ت 2601، التاريخ الكبير 6 / 112، المعرفة والتاريخ 3 / 52، الضعفاء للعقيلي: لوحة 261، الجرح والتعديل 6 / 64، الكامل لابن عدي: لوحة 654، تهذيب الكمال: لوحة 851، تذهيب التهذيب 2 / 247 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 648، الكاشف 2 / 206، شرح العلل لابن رجب 2 / 662، تهذيب التهذيب 6 / 381، خلاصة تذهيب الكمال: 243. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 851، والقول الفصل في هذه المسألة أن المستثني إن أراد الشك في أصل إيمانه، منع من الاستثناء وهذا مما لا خلاف فيه، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 434 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَبذُلُ نَفْسَهُ لِلْحَدِيْثِ (1) ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نُبْلِهِ وَهَيْئَتِهِ. وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ صَدُوْقاً، مَا كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانُوا يُعَظِّمُوْنَهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ عَبْدَ المَجِيْدِ، لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيْلاً مِنْ عِبَادتِهِ. وَقَالَ الحُسَيْنُ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُوْهُ أَعْبَدَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ رَأْساً فِي الإِرْجَاءِ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ: كَانَ مُبْتَدِعاً، دَاعِيَةً (3) . قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا مَوْتُ عَبْدِ المَجِيْدِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرَاحَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ المَجِيْدِ (4) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ الإِرْجَاءُ (5) . وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَعَ للهِ مِنْ وَكِيْعٍ، وَكَانَ عَبْدُ المَجِيْدِ أَخشَعَ مِنْهُ (6) .   = الذين وصفهم الله في الآية الثانية والثالثة والرابعة من سورة الانفال، والآية (15) من سورة الحجرات، فالاستثناء حينئذ جائز، وكذلك من استثنى وأراد عدم العلم بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقا للامر بمشيئة الله، لا شكا في إيمانه. (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 370. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 851. (3) " المعرفة والتاريخ " 3 / 52. (4) " تهذيب الكمال ": لوحة 851. (5) " الكامل " لابن عدي: لوحة 654. (6) " الكامل " لابن عدي: لوحة 654. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 435 قُلْتُ: خُشُوْعُ وَكِيْعٍ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي السُّنَّةِ، جَعَلَهُ مُقَدَّماً، بِخِلاَفِ خُشُوْعِ هَذَا المُرْجِئِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الإِرْجَاءِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فَهَلاَّ عُدَّ مَذْهَباً، وَهُوَ قَوْلُهُم: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقّاً عِنْد اللهِ السَّاعَةَ، مَعَ اعْتِرَافِهِم بِأَنَّهُم لاَ يَدْرُوْنَ بِمَا يَمُوْتُ عَلَيْهِ المُسْلِمُ مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيْمَانٍ، وَهَذِهِ قَوْلَةٌ خَفِيْفَةٌ، وَإِنَّمَا الصَّعْبُ مِنْ قَوْلِ غُلاَةِ المُرْجِئَةِ: إِنَّ الإِيْمَانَ هُوَ الاعتِقَادُ بِالأَفْئِدَةِ، وَإِنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَشَارِبَ الخَمْرِ، وَقَاتِلَ الأَنْفُسِ، وَالزَّانِيَ، وَجَمِيْعَ هَؤُلاَءِ، يَكُوْنُوْن مُؤْمِنِيْنَ كَامِلِي الإِيْمَانِ، وَلاَ يَدْخُلُوْنَ النَّارَ، وَلاَ يُعَذَّبُوْنَ أَبَداً (1) . فَرَدُّوا أَحَادِيْثَ الشَّفَاعَةِ المُتَوَاتِرَةَ، وَجَسَّرُوا كُلَّ فَاسِقٍ وَقَاطِعِ طَرِيْقٍ عَلَى المُوبِقَاتِ - نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ -. وَقَدْ غَلِطَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، وَقَالَ: مَاتَ عَبْدُ المَجِيْدِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَالصَّوَابُ: وَفَاتُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، كَمَا قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ. 163 - مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ * (ع) الكُوْفِيُّ، الأَحْدَبُ، الحَافِظُ، أَخُو يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ.   (1) لكن هذا النوع من الارجاء المبتدع المذموم الذي تسقط عدالة القائل به، ويعد ضالا مفارقا لاهل السنة والجماعة لا يعرف في المحدثين المعدودين في أصحاب الرأي، وهم بريئون منه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. وراجع التفصيل في " الرفع والتكميل " ص 149، 165. (*) تاريخ ابن معين: 529، طبقات ابن سعد 6 / 397، تاريخ خليفة: 472، التاريخ الكبير 1 / 173، المعارف: 517، الجرح والتعديل 8 / 10، مشاهير علماء الأمصار: ت 1383، تاريخ بغداد 2 / 365، تهذيب الكمال: لوحة 1237، تذهيب التهذيب 3 / 229 / 2، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 436 حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَالعَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ، وَإِدْرِيْسَ الأَوْدِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عُمَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعَلَى بَنُو عُبَيْدٍ: ثِقَاتٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عُمَرُ، وَيَعَلَى، وَمُحَمَّدٌ، وَإِدْرِيْسُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بَنُو عُبَيْدٍ: كُلُّهُم ثِقَاتٌ (1) . وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ يُخْطِئُ، وَلاَ يَرْجِعُ عَنْ خَطَئِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزلَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ بَغْدَادَ دَهْراً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ، فَمَاتَ قَبْلَ يَعْلَى، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَةٍ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: كَانَ مِمَّنْ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ، وَقَلَّ   = العبر 1 / 348، ميزان الاعتدال 3 / 639، تذكرة الحفاظ 1 / 333، الكاشف 3 / 74، تهذيب التهذيب 9 / 327، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 350، شذرات الذهب 2 / 14. (1) " تاريخ بغداد " 2 / 367. (2) " طبقات ابن سعد " 6 / 397. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 437 مَنْ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ (1) . وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَإِخْوَتُهُ: أَثْبَاتٌ، وَأَحْفَظُهُم: يَعْلَى، وَأَبصَرُهُم بِالحَدِيْثِ: مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ شَيْخُهُم (3) . قُلْتُ: عُمَرُ مِنْ أَقْرَانِ هُشَيْمٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ مَوْلَىً لإِيَادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ كَيِّساً (4) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، عُثْمَانِيُّ، حَدِيْثُهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ يَحْفَظُهَا (5) . 164 - الوَلِيْدُ بنُ القَاسِمِ بنِ الوَلِيْدِ الهَمْدَانِيُّ * (ت، ق) ثُمَّ الخَبْذَعِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَخَبْذَعٌ: بَطْنٌ مِنْ قبَائِلِ هَمْدَانَ. قَيَّدَهُ الأَمِيْرُ بِفَتْحِ الخَاءِ وَالذَّالِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُه بِالكَسْرِ فِيْهِمَا. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ،   (1) " تاريخ بغداد ": 2 / 367. (2) " تاريخ خليفة ": 472. (3) " تاريخ بغداد ": 2 / 368. (4) " تاريخ بغداد ": 2 / 369. (5) " تاريخ بغداد ": 2 / 369. (*) التاريخ الكبير 8 / 152، الجرح والتعديل 9 / 13، الكامل لابن عدي: لوحة 817، تهذيب الكمال: لوحة 1471، تذهيب التهذيب 4 / 139 / 2، العبر 1 / 342، ميزان الاعتدال 4 / 344، الكاشف 3 / 241، تهذيب التهذيب 11 / 145، 146، خلاصة تذهيب الكمال: 417، شذرات الذهب 2 / 8. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 438 وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، وَفُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، وَمُجَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الجُنَيْدِ الدَّقَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ الدَّقَّاقُ: سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، كَتَبْنَا عَنْهُ، وَكَانَ جَاراً لِيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، فَسَأَلْتُ يَعْلَى عَنْهُ، فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ، هُوَ جَارُنَا مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا رَأَينَا إِلاَّ خَيْراً (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قَدْ كَتَبْنَا عَنْهُ أَحَادِيْثَ حِسَاناً عَنْ يَزِيْدَ بنِ كَيْسَانَ، فَاكتُبُوا عَنْهُ (2) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، عَنْهُ: هُوَ ضَعِيْفٌ. قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ. 165 - جَعْفَرُ بنُ عَوْنِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْزُوْمِيُّ العَمْرِيُّ * (ع) ابْن عَمْرِو بنِ حُرَيْثِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1472. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1472. (3) " الكامل " لابن عدي: لوحة 817. (*) تاريخ ابن معين: 86، طبقات ابن سعد 6 / 396، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1311، التاريخ الكبير 2 / 197، التاريخ الصغير 2 / 310، المعارف: 517، الجرح والتعديل 2 / 485، مشاهير علماء الأمصار: ت 1380، تهذيب الكمال: لوحة 201، تذهيب التهذيب 1 / 109 / 1، العبر 1 / 351، الكاشف: 185، دول الإسلام = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 439 عَبْد اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو عَوْنٍ المَخْزُوْمِيُّ، العَمْرِيُّ؛ نِسبَةً إِلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيِّ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي العُمَيْسِ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمِسْعَرٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَبْسِيُّ القَصَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المُثَنَّى المَوْصِلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ صَالِحٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ - وَهُوَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ عَنْ جَعْفَرٍ -: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ فَقُلْتُ: الكُوْفَةَ. فَقَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ عَوْنٍ -يَعْنِي: جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ (3) -. وَقَالَ بَعَضُهُم: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ   = 1 / 128، تهذيب التهذيب 2 / 101، خلاصة تذهيب الكمال: 63، شذرات الذهب 2 / 17. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 458. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 202. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 202. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 440 رَاجِعٌ مِنَ الحَجِّ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ ابْنِ الفُرَاتِ (1)) ، وَ (جُزْءِ الجَابِرِيِّ (2)) ، وَ (مُسْنَدِ عَبْدٍ) . 166 - أَزْهَرُ بنُ سَعْدٍ أَبُو بَكْرٍ البَاهِلِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَّبِيْلُ، أَبُو بَكْرٍ البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، السَّمَّانُ. حَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَحْمَدُ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ رُفَقَائِهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَلَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ عَوْنٍ، أَوْصَى لَهُ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.   (1) هو أحمد بن الفرات الحافظ، أبو مسعود الرازي، أحد الاعلام رحل وطوف النواحي، وكان ينظر بأبي زرعة في الحفظ. صنف المسند والتفسير، وقال: كتبت ألف ألف وخمس مئة ألف حديث، توفي سنة (258) هـ. العبر 2 / 16. (2) هو عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي صاحب الجزء المشهور، وشيخ أبي نعيم الحافظ، توفي سنة (360) هـ. (*) طبقات ابن سعد 7 / 294، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1919، التاريخ الكبير 1 / 460، المعارف:: 513، الضعفاء للعقيلي: لوحة 48، الجرح والتعديل 2 / 315، مشاهير علماء الأمصار: ت 1279، تهذيب الكمال: لوحة 76، تذهيب التهذيب 1 / 50 / 1، العبر 1 / 339، ميزان الاعتدال 1 / 172، تذكرة الحفاظ 1 / 342، الكاشف 1 / 102، تهذيب التهذيب 1 / 202، طبقات الحفاظ: 143، خلاصة تذهيب الكمال: 25. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 441 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِ ابْنِ عَوْنٍ أَعْلَمُ مِنْ أَزْهَرَ. قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ صَاحِباً لِلْمَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الخِلاَفَةَ، فَلَمَّا وَلِيَ، قَدِمَ إِلَيْهِ أَزْهَرُ مُهَنِّئاً لَهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقُوْلُوا لَهُ: لاَ تَعُدْ. فَأَخَذَهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ، فَحَجَبُوْهُ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْهِ فِي المَجْلِسِ العَامِّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّك مَرِيْضٌ، فَجِئْتُ أَعُوْدُكَ. فَقَالَ: أَعْطُوهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، قَدْ قَضَيْتَ حَقَّ العِيَادَةِ، فَلاَ تَعُدْ، فَإِنِّي قَلِيْلُ الأَمرَاضِ. قَالَ: فَعَادَ مِنْ قَابِلٍ، وَدَخَلَ فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ، فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: دُعَاءٌ سَمِعْتُهُ مِنْكَ، جِئْتُ لأَحْفَظَه مِنْكَ. قَالَ: يَا هَذَا! إِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَجَابٍ، إِنِّيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَدْعُو بِهِ أَنْ لاَ تَأْتِيَنِي، وَأَنْتَ تَأْتِيْنِي (1) . مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. 167 - وَهْبُ بنُ جَرِيْرِ بنِ حَازِمِ بنِ زَيْدٍ الأَزْدِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شُجَاعٍ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، أَبُو العَبَّاسِ الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ.   (1) " الوافي بالوفيات " 8 / 372. (*) تاريخ ابن معين: 635، طبقات ابن سعد 7 / 298، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 1936، التاريخ الكبير 8 / 169، التاريخ الصغير 2 / 307، 309، المعارف: 502، الجرح والتعديل 9 / 28، تهذيب الكمال: لوحة 1477، تذهيب التهذيب 4 / 142 / 2، العبر 1 / 350، تذكرة الحفاظ 1 / 336، الكاشف 3 / 244، تهذيب التهذيب 11 / 161، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 16. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 442 وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ: وَالِدِهِ، فَأَكْثَرَ. وَعَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَغَالِبِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَبُنْدَارُ، وَعَبْدُ اللهِ المُسْنَدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بن مُنِيْرٍ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. أَمَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالكِتَابَةِ عَنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ فِي (مُسْنَدِهِ) . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ. فَقِيْلَ لَهُ: وَهْبٌ، وَرَوْحٌ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ؟ فَقَالَ: وَهْبٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمَا، وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ عَفَّانُ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ. تُوُفِّيَ: بِالمَنْجَشَانِيَّةِ، عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجِّ، فَحُمِلَ حَتَّى دُفِنَ بِالبَصْرَةِ (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 28. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1477. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 443 قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَذْكُرُ عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجَيْشَانِيِّ ... ، ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: جَرِيْرٌ رَوَى هَذَا عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، طَلَبْتُهَا بِمِصْرَ، فَمَا وَجَدتُ مِنْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عِنْدَ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَمَا فَقَدْتُ مِنْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَأُرَاهَا صَحِيْفَةً اشْتَبَهَتْ عَلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ وَهْبٌ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ (1) . رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ ثِقَةٌ (2) . قُلْتُ: فِي (تَارِيْخِ أَصْبَهَانَ) لأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَلَيْهِ خَطُّه حَدِيْثٌ لِوَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، وَأُرَاهُ وَهْماً، لَعَلَّهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَخِي عُبَيْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْحَقُ ذَلِكَ. وَقَعَ لَنَا جُمْلَةٌ مِنْ عَوَالِيْهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بنِ أَبِي بُجَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ حِيْنَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: (هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيْفٍ، وَكَانَ   (1) " طبقات ابن سعد ": 7 / 298. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1477. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 444 مِنْ ثَمُوْدَ، وَكَانَ بِهَذَا الحَرَمِ يُدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ، أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا المَكَانِ، فَدُفِنَ فِيْهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُم نَبَشْتُم عَنْهُ، أَصَبْتُمُوْهُ مَعَهُ) . فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَاسْتَخْرُجُوا مِنْهُ الغُصْنَ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ يَحْيَى. 168 - أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وُلِدَ: فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَةٍ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَرُؤبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَطَائِفَةٍ. وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَإِنَّمَا أَوْرَدتُهُ لِتَوَسُّعِهِ فِي عِلْمِ اللِّسَانِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَأَبُو   (1) رقم (3088) في الخراج والامارة والفئ: باب نبش القبور العادية يكون فيها المال، وإسناده ضعيف، لعنعنة ابن إسحاق، وجهالة بجير بن أبي بجير. (*) تاريخ خليفة: 19 - 20، المعارف: 543، فهرست ابن النديم: 53 - 54، تاريخ بغداد 13 / 252، معجم الأدباء 9 / 154، الكامل لابن الأثير 6 / 390، إنباه الرواة 3 / 276، وفيات الأعيان 5 / 235، تهذيب الكمال: لوحة 1355، ميزان الاعتدال 4 / 155، العبر 1 / 359، تذكرة الحفاظ 1 / 371، مرآة الجنان 2 / 44 - 46، تهذيب التهذيب 10 / 246، النجوم الزاهرة 2 / 184، بغية الوعاة 2 / 294، طبقات المفسرين 2 / 326، شذرات الذهب 2 / 24. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 445 عُثْمَانَ المَازِنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَعَلِيُّ بنُ المُغِيْرَةِ الأَثْرَمُ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَعِدَّةٌ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِجُملَةٍ مِنْ تَصَانِيْفِهِ. قَالَ الجَاحِظُ: لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ جَمَاعِيٌّ وَلاَ خَارِجِيٌّ أَعْلَمَ بِجَمِيْعِ العُلُوْمِ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ (1) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ ذَكَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَأَحْسَنَ ذِكْرَهُ، وَصَحَّحَ رِوَايَتَهُ، وَقَالَ: كَانَ لاَ يَحكِي عَنِ العَرَبِ إِلاَّ الشَّيْءَ الصَّحِيْحَ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ هُوَ وَالأَصْمَعِيُّ مُتَقَارِبَيْنِ (3) فِي النَّحوِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَكمَلَ القَوْمِ (4) . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ الغَرِيْبُ وَأَيَّامُ العَرَبِ أَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ لاَ يُقِيْمُ البَيْتَ إِذَا أَنشَدَهُ، وَيُخْطِئُ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ نَظَراً، وَكَانَ يُبْغِضُ العَرَبَ، وَأَلَّفَ فِي مثَالِبِهَا كُتُباً، وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الخَوَارِجِ (5) . وَقِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَقدَمَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضَ كُتُبِهِ، وَهِيَ تُقَارِبُ مائَتَيْ مُصَنَّفٍ، مِنْهَا: كِتَابُ (مَجَازِ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ، وَكِتَابُ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 252. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 257. (3) " في الأصل: متقاربان. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 257. (5) " المعارف " 543. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 446 (مَقْتَلِ عُثْمَانَ) ، وَكِتَابُ (أَخْبَارِ الحَجَّاجِ) ، وَكَانَ أَلثَغَ، بَذِيْءَ اللِّسَانِ، وَسِخَ الثَّوبِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ يُكْرِمُنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّنِي مِنْ خَوَارِجِ سِجِسْتَانَ (2) . وَقِيْلَ: كَانَ يَمِيْلُ إِلَى المُرْدِ، أَلاَ تَرَى أَبَا نُوَاسٍ حَيْثُ يَقُوْلُ: صَلَّى الإِلَهُ عَلَى لُوْطٍ وَشِيْعتِهِ ... أَبَا عُبَيْدَةَ قُلْ بِاللهِ: آمِيْنَا فَأَنْتَ عِنْدِي بِلاَ شَكٍّ بَقِيَّتُهُم ... مُنْذُ احْتَلَمتَ وَقَدْ جَاوَزَتَ سَبْعِيْنَا (3) قُلْتُ: قَارَبَ مائَةَ عَامٍ، أَوْ كَمَّلَهَا. فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا المَرْءُ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بِالمَاهِرِ بِكِتَابِ اللهِ، وَلاَ العَارِفِ بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ البَصِيْرِ بِالفِقْهِ وَاخْتِلاَفِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، بَلَى، وَكَانَ مُعَافَىً مِنْ مَعْرِفَةِ حِكْمَةِ الأَوَائِلِ، وَالمَنْطِقِ، وَأَقسَامِ الفَلْسَفَةِ، وَلَهُ نَظَرٌ فِي المَعْقُوْلِ، وَلَمْ يَقعْ لَنَا شَيْءٌ مِنْ عَوَالِي رِوَايَتِهِ. 169 - حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، الأَعْوَرُ، مَوْلَى   (1) " معجم الأدباء " 19 / 160، 161، و" إنباه الرواة " 3 / 285، 286. (2) " إنباه الرواة " 3 / 281. (3) البيتان مع قصة في " وفيات الأعيان " 5 / 242. (*) تاريخ ابن معين: 102، طبقات ابن سعد 7 / 333، طبقات خليفة: ت 3056، التاريخ الكبير 2 / 380، التاريخ الصغير 2 / 308، الجرح والتعديل 3 / 166، الفهرست لابن النديم: 37، تاريخ بغداد 8 / 236، تهذيب الكمال: لوحة 237، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، العبر 1 / 349، ميزان الاعتدال 1 / 464، تذكرة الحفاظ، 1 / 345، الكاشف 1 / 207، طبقات القراء 1 / 203، تهذيب التهذيب 2 / 205، النجوم الزاهرة 2 / 181، طبقات المفسرين 1 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات الذهب 2 / 15. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 447 سُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ، تَرْمِذِيُّ الأَصْلِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَصِّيْصَةِ، وَرَابَطَ بِهَا، وَرَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ. سَمِعَ مِنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ - فَأَكْثَرَ وَأَتْقَنَ -. وَمِنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَشُعْبَةَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ، وَأَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذكرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَضبَطَهُ، وَأَصَحَّ حَدِيْثَهُ، وَأَشَدَّ تَعَاهُدَهِ لِلْحُرُوْفِ! وَرَفَعَ أَمرَهُ جِدّاً، وَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ عَرَبِيَّةٍ، وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِنَّمَا قَرَأَ هُوَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، فَبَقِيَ يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَدْ قرَأَ الكُتُبَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ (التَّفْسِيْرِ) إِمْلاَءً (1) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: رَحَلَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ إِلَى حَجَّاجٍ الأَعْوَرِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ يَحْيَى كَتَبَ عَنْهُ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ (3) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ الخُشْكُ: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ نَائِماً أَوْثَقُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ يَقْظَانَ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 237. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 237، و" طبقات الحفاظ ": 148. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 237. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 238. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 448 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: قَدِمَ حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ بَغْدَادَ فِي حَاجَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَمَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حِيْنَ رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ (1) . قُلْتُ: مَا هُوَ تَغَيُّراً يَضُرُّ. وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ الحَافِظُ: أَخْبَرَنِي صَدِيْقٌ لِي، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ حَجَّاجٌ بَغْدَادَ فِي آخِرِ مَرَّةٍ، خَلَّطَ، فَرَآهُ يَحْيَى يُخِلِّطُ، فَقَالَ لابْنِهِ: لاَ تُدْخِلْ عَلَى الشَّيْخِ أَحَداً (2) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ فِي دَوَاوِيْنِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً أُنْكِرَ عَلَيْهِ، مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفِيْلِ (3) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 333. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 238. (3) رجاله ثقات، وأخرجه البزار (226) من طريق الحسن بن علوية البغدادي، حدثنا حجاج بن محمد بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 196، وزاد نسبته للطبراني في " الكبير " وقال: ورجاله موثقون، وفي الباب عن قيس بن مخرمة قال: " ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدان ولدنا مولدا واحدا " أخرجه أحمد 4 / 215، والترمذي (3619) والحاكم 3 / 455، 456، من طريق ابن إسحاق، حدثني = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 449 وَبِهِ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَتْنِي حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبُوْلُ فِي قَدَحٍ مِنْ عَيْدَانٍ، ثُمَّ يُوْضَعُ تَحْتَ سَرِيْرِهِ. قَالَ: فَوُضِعَ تَحْتَ سَرِيْرِهِ، فَجَاءَ، فَأَرَادَهُ، فَإِذَا القَدَحُ لَيْسَ فِيْهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لامْرَأَةٍ يُقَالَ لَهَا: بَرَكَةُ كَانَتْ تَخْدُمُ لأُمِّ حَبِيْبَةَ، جَاءتْ مَعَهَا مِنَ الحَبَشَةِ: (أَيْنَ البَوْلُ الَّذِي كَانَ فِي القَدَحِ؟) . قَالَتْ: شَرِبْتُهُ يَا رَسُوْلَ اللهِ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، عَنْ حَجَّاجٍ. 170 - عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرِ بنِ حَبِيْبٍ السَّهْمِيُّ البَاهِلِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو وَهْبٍ السَّهْمِيُّ، البَاهِلِيُّ، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. مَوْلِدُهُ: فِي خِلاَفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ. سَمِعَ: أَبَاهُ؛ بَكْرَ بنَ حَبِيْبٍ شَيْخَ العَرَبِيَّةِ، وَحُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَابْنَ عَوْنٍ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَحَاتِمَ بنَ أَبِي صَغِيْرَةَ، وَشُعْبَةَ، وَطَبَقَتَهُم.   = المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده، وحسنه الترمذي، وانظر " البداية " 2 / 261. (1) برقم (24) في الطهارة: باب البول في الاناء، وحكيمة بنت أميمة لا تعرف، ومع ذلك، فقد صححه ابن حبان (141) والحاكم 1 / 167، ووافقه الذهبي. وقوله: " من عيدان " في القاموس: العيدان بالفتح الطوال من النخل، واحدتها بهاء، ومنها كان قدح يبول فيه النبي صلى الله عليه وسلم. (*) طبقات ابن سعد 7 / 334، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 1927، التاريخ الكبير 5 / 52، التاريخ الصغير 2 / 314، لمعارف: 516، الجرح والتعديل 5 / 16، مشاهير علماء الأمصار: ت 1285، تاريخ بغداد 9 / 421، الكامل لابن الأثير 6 / 387، تهذيب الكمال: لوحة 668، تذهيب التهذيب 2 / 133 / 2، العبر 1 / 354، 355، تذكرة الحفاظ 1 / 343، الكاشف 2 / 75، دول الإسلام 1 / 128، تهذيب التهذيب 5 / 162، خلاصة تذهيب الكمال: 192. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 450 حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدُوَيْه، وَآخَرُوْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ لَقِيَهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ، وَهَذَا بَعِيْدٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ، وَأَصْحَابِ الحَدِيْثِ. قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ (1) -يَعْنِي: أَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتغَيَّرَ-. قِيْلَ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ المَازِنِيَّ، وَعِيْسَى بنَ عُمَرَ اخْتَلَفَا فِي كَلِمَةِ سَطْرٍ وَسَطَرٍ، فَحَكَّمَا بَكْرَ بنَ حَبِيْبٍ عَلَيْهِمَا. 171 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ البَصْرِيُّ الخَفَّافُ * (م، 4) الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، العَابِدُ، المُحَدِّثُ، أَبُو نَصْرٍ البَصْرِيُّ، الخَفَّافُ، مَوْلَى بَنِي عِجْلٍ، سَكَنَ بَغْدَادَ.   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 422. (*) تاريخ ابن معين: 379، طبقات ابن سعد 7 / 333، طبقات خليفة: ت 3217، التاريخ الكبير 6 / 98، التاريخ الصغير 2 / 302، الضعفاء للعقيلي: لوحة 257، الجرح والتعديل 6 / 72، تاريخ بغداد 11 / 21 - 25، تهذيب الكمال: لوحة 872، تذهيب التهذيب 2 / 260 / 1، العبر 1 / 346، ميزان الاعتدال 2 / 681، تذكرة الحفاظ 1 / 339، الكاشف 2 / 221، تهذيب التهذيب 6 / 450، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تهذيب الكمال: 248، شذرات الذهب 2 / 13. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 451 وَحَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ - وَرَوَى عَنْهُ حَرْفَهُ -. حَمَلَ عَنْهُ القِرَاءةَ: أَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، لَزِمَ ابْنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعُرِفَ بِصُحْبَتِهِ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) . وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ عبداً صَالِحاً، بَكَّاءً. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ يَقرَأُ عِنْدَ سَعِيْدٍ تَصَانِيْفَهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَفْطَسُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ طَرِّبْ طَرِّبْ. قَالَ: وَكَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ (3) . وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: أَعَبْدُ الوَهَّابِ ثِقَةٌ؟ قَالَ: تَدْرِي   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 333. (2) " التاريخ " لابن معين 379. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 22. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 452 مَا تَقُوْلُ؟ الثِّقَةُ يَحْيَى القَطَّانُ (1) ! وَرَوَى: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ عَالِماً بِسَعِيْدٍ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْتَمْلِي سَعِيْدٍ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ بُكَاءً (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ (4) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ أَصلَحُ مِنْ عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ (5) . رَوَى عَنْ ثَوْرٍ حَدِيْثَيْنِ لَيْسَا مِنْ حَدِيْثِهِ. قُلْتُ: أَحَدُهُمَا فِي العَبَّاسِ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ (6)) ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، مُضْطَرِبٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 23. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 22. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 22. (4) " الجرح والتعديل " 6 / 72. (5) " تاريخ بغداد " 11 / 24. (6) أخرجه الترمذي (3762) في المناقب: باب مناقب العباس بن عبد المطلب من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب (تحرف في المطبوع إلى حذيفة) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للعباس: " إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك حتى أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك " فغدا وغدونا معه، وألبسنا كساءا، ثم قال: " اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم احفظه في ولده ". قال المؤلف في " الميزان ": قال صالح جزرة: أنكروا على الخفاف حديث ثور في فضل العباس ما أنكروا عليه غيره، وكان ابن معين يقول: هذا موضوع، فلعل الخفاف دلسه، فإنه بلفظة " عن ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 453 قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي دَرَجَةِ الحَسَنِ. 172 - مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ * الوَاقِدِيُّ، المَدِيْنِيُّ، القَاضِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالمَغَازِي، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَحَدُ أَوْعِيَةِ العِلْمِ عَلَى ضَعفِهِ، المُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَطَلَبَ العِلْمَ عَامَ بِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَسَمِعَ مِنْ: صِغَارِ التَّابِعِيْنَ فَمَنْ بَعْدَهُم، بِالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَهِشَامِ بنِ الغَازِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَمَالِكٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، إِلَى الغَايَةِ مِنْ عَوَامِّ المَدَنِيِّينَ. وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَخَلَطَ الغَثَّ بِالسَّمِيْنِ، وَالخَرَزَ بِالدُّرِّ الثَّمِيْنِ،   (*) تاريخ ابن معين: 532، طبقات ابن سعد 7 / 334، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 3221. التاريخ الكبير: 1 / 178، التاريخ الصغير 2 / 311، المعارف: 518، الضعفاء للعقيلي: لوحة 361، الجرح والتعديل 8 / 20، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 290، فهرست ابن النديم: 111، تاريخ بغداد 3 / 3 - 21. معجم الأدباء 18 / 277، الكامل لابن الأثير 6 / 385، وفيات الأعيان 1 / 506، مقدمة عيون الاثر لابن سيد الناس 1 / 17 - 21، تهذيب الكمال: لوحة 1248، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 3 / 662، تذكرة الحفاظ، 1 / 348، الكاشف 3 / 82، دول الإسلام 1 / 128، الوافي بالوفيات 4 / 238، تهذيب التهذيب 9 / 363، النجوم الزاهرة 2 / 184، طبقات الحفاظ: 144، خلاصة تذهيب الكمال: 353، شذرات الذهب 2 / 18. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 454 فَاطَّرَحُوهُ لِذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا، فَلاَ يُسْتَغنَى عَنْهُ فِي المَغَازِي، وَأَيَّامِ الصَّحَابَةِ، وَأَخْبَارِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ - كَاتِبُهُ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو حَسَّانٍ الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الهَاشِمِيُّ، وَعِدَّةٌ. الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ نَزَلْ نُدَافِعُ أَمرَ الوَاقِدِيِّ حَتَّى رَوَى عَنْ: مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟) (1) . فَجَاءَ بِشَيْءٍ لاَ حِيْلَةَ فِيْهِ، فَهَذَا حَدِيْثُ يُوْنُسَ، مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.   (1) وأخرجه أبو داود (4112) في اللباس: باب قول الله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ، والترمذي (2778) في الأدب: باب في احتجاب النساء من الرجال، وأحمد 6 / 296، من طرق عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: حدثني نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلنا: يارسول الله، أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، مع أن نبهان مولى أم سلمة لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، والترمذي منسوب إلى التساهل في بعض ما يحسن ويضعف، فلا يعتد بقوله إذا تبين خلافه، فقد قال المؤلف في " الميزان " 4 / 416: فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف، وقال أيضا 3 / 407: فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي، وعجب من الحافظ ابن حجر كيف يقويه في " الفتح " 9 / 294، على مذهب ابن حبان، وهو الذي يقول عنه في " اللسان " 1 / 14: هو مذهب عجيب، والجمهور على خلافه وممن ضعف هذا = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 455 قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَرَوَاهُ الذُّهْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الرَّمَادِيُّ: لَمَّا حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ بِهَذَا، ضَحِكتُ. فَقَالَ: مِمَّ تَضحَكُ؟ فَأَخْبَرتُهُ بِمَا قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ يَقُوْلُ: هَذَا حَدِيْثٌ تَفَرَّدَ بِهِ يُوْنُسُ، وَهَذَا أَنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ نَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ. فَقَالَ: إِنَّ شُيُوْخَنَا المِصْرِيِّينَ لَهُم عِنَايَةٌ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: وَفِيْمَا كَتَبَ أَحْمَدُ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ: كَيْفَ تَسْتَحِلُّ تَروِي عَنْ رَجُلٍ يَرْوِي عَنْ مَعْمَرٍ حَدِيْثَ نَبْهَانَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ (1) ؟ رَوَاهُ: الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيِّ، عَنِ الرَّمَادِيِّ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، وَحَدَّثَ بِحَدِيْثِ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ: هَذَا مِمَّا ظُلِمَ فِيْهِ الوَاقِدِيُّ (2) .   = الحديث الامام أحمد، فيما نقله عنه صاحب " المبدع "، على انه قد صح في الباب ما يخالفه، فقد أخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 294، في النكاح: باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم. وكان النظر إلى الحبشة عام قدومهم سنة سبع، ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة، وذلك بعد نزول الحجاب، ومما يقوي جواز نظر المرأة إلى الاجنبي استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والاسواق والاسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس، وقد طلقها زوجها البتة وهو غائب أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال لها: " إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده " وهو حديث صحيح أخرجه مالك 2 / 580، 581، والشافعي في " الرسالة " فقرة (856) ، ومسلم (1480) . (1) " تاريخ بغداد " 3 / 18. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 19. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 456 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ مَوْلَى لِبَنِي أَسْلَمَ، ثُمَّ بَنِي سَهْمٍ، بَطْنٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَلِيَ القَضَاءَ بِبَغْدَادَ لِلْمَأْمُوْنِ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ عَالِماً بِالمَغَازِي، وَالسِّيرَةِ، وَالفُتُوْحِ، وَالأَحكَامِ، وَاخْتِلاَفِ النَّاسِ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كُتُبٍ اسْتَخْرَجَهَا وَوَضَعَهَا، وَحَدَّثَ بِهَا، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ الكَبِيْرِ) : هُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَدِمَ بَغْدَادَ فِي دَيْنٍ لَحِقَهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَالرَّقَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ القَضَاءَ، إِذْ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَلاَّهُ القَضَاءَ بِعَسْكَرِ المَهْدِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ قَاضِياً حَتَّى مَاتَ بِبَغْدَادَ لإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (1) . وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ، فَقَالَ: سَكَتُوا عَنْهُ، تَرَكَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ (2) . وَقَالَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ مِمَّنْ طَبَّقَ ذِكْرُهُ شَرقَ الأَرْضِ وَغَرْبَهَا، وَسَارَتْ بِكُتُبِهِ الرُّكبَانُ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ مِنَ المَغَازِي، وَالسِّيَرِ، وَالطَّبَقَاتِ، وَالفِقْهِ، وَكَانَ جَوَاداً، كَرِيْماً، مَشْهُوْراً بِالسَّخَاءِ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: الوَاقِدِيُّ عَالِمُ دَهْرِهِ (4) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 334، 335. (2) " التاريخ الكبير " 1 / 178. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 3. (4) " تاريخ بغداد " 3 / 5. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 457 وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: الوَاقِدِيُّ أَمِيْنُ النَّاسِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَمرِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: فَأَمَّا الجَاهِلِيَّةُ، فَلَمْ يَعْلَمْ فِيْهَا شَيْئاً (1) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَذْكُرُ الوَاقِدِيَّ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَينَا مِثْلَهُ قَطُّ. وَعَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الفَرَجِ، عَنْ يَعْقُوْبَ مَوْلَى آلِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْهُ (2) . وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ أَلوَاحِي تَضِيعُ، فَأُوْتَى بِهَا مِنْ شُهْرَتِهَا بِالمَدِيْنَةِ. يُقَالَ: هَذِهِ أَلوَاحُ ابْنِ وَاقِدٍ (3) . قَدْ كَانَتْ لِلوَاقِدِيِّ فِي وَقْتِهِ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، بِحَيْثُ إِنَّ أَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ قَالَ: نَحْنُ نُسَأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ مَا كَانَ يُفِيْدُنَا الشُّيُوْخُ وَالحَدِيْثُ إِلاَّ الوَاقِدِيَّ (4) . وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَقْدَمُ المَدِيْنَةَ، فَمَا يُفِيْدُنِي وَيَدُلُّنِي عَلَى الشُّيُوْخِ إِلاَّ الوَاقِدِيُّ (5) . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي سُيَيْدُ بنُ دَاوُدَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 5. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 9. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 9. (4) " تاريخ بغداد " 3 / 9. (5) " تاريخ بغداد " 3 / 9. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 458 هُشَيْمٍ، فَدَخَلَ الوَاقِدِيُّ، فَسَأَلَهُ هُشَيْمٌ عَنْ بَابٍ: مَا يَحْفَظُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: مَا لاَ عِنْدَكَ يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ. فَذَكَرَ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ - أَوْ سِتَّةً - فِي البَابِ، ثُمَّ قَالَ هُشَيْمٌ لِلوَاقِدِيِّ: مَا عِنْدَكَ؟ فَحَدَّثَهُ بِثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِيْنَ. ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَأَلْتُ، وَسَأَلْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ هُشَيْمٍ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ هُشَيْمٌ: لَئِنْ كَانَ كَذَّاباً، فَمَا فَيَ الدُّنْيَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ صَادِقاً، فَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُهُ. أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: مَا كَتَبْنَا عَنْ أَحَدٍ أَحْفَظَ مِنَ الوَاقِدِيِّ (1) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ: كَتَبتُ وَرَقَةً مِنْ حَدِيْثِ الوَاقِدِيِّ، وَجَعَلتُ فِيْهَا حَدِيْثاً عَنْ مَالِكٍ، لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهَا الوَاقِدِيَّ، فَحَدَّثَنِي إِلَى أَنْ بَلَغَ الحَدِيْثَ، فَتَرَكَنِي، وَقَامَ، ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ لِي: هَذَا الحَدِيْثُ سَأَلَ عَنْهُ إِنْسَانٌ بَغِيضٌ لِمَالِكٍ، فَلَمْ أَكْتُبْهُ، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ الوَاقِدِيُّ يَقُوْلُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَكُتُبُهُ أَكْثَرُ مِنْ حِفْظِهِ، وَحِفظِي أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِي (3) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمَّا انْتَقَلَ الوَاقِدِيُّ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِيِّ، يُقَالَ: إِنَّهُ حَمَّلَ كُتُبَهُ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمائَةِ وِقْرٍ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 11. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 10. (3) " معجم الأدباء " 18 / 281. (4) " معجم الأدباء " 18 / 281. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 459 وَعَنْ أَبِي حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، قَالَ: كَانَ لِلْوَاقِدِيِّ سِتُّ مائَةِ قِمَطْرٍ (1) كُتُبٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ المُسَيَّبِيَّ يَقُوْلُ: رَأَينَا الوَاقِدِيَّ يَوْماً جَالِساً إِلَى أُسْطُوَانَةٍ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ يُدَرِّسُ، فَقُلْنَا: أَيَّ شَيْءٍ تُدَرِّسُ؟ فَقَالَ: جُزْئِي مِنَ المَغَازِي. وَقُلْنَا يَوْماً لَهُ: هَذَا الَّذِي تَجْمَعُ الرِّجَالَ تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَجِئْتَ بِمَتْنٍ وَاحِدٍ، لَوْ حدَّثْتَنَا بِحَدِيْثِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ. فَقَالَ: يَطُولُ. قُلْنَا لَهُ: قَدْ رَضِيْنَا. فغَابَ عَنَّا جُمُعَةً، ثُمَّ جَاءنَا بِغَزْوَةِ أُحُدٍ فِي عِشْرِيْنَ جِلْداً، فَقُلْنَا: رُدَّنَا إِلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ (2) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الوَاقِدِيُّ مَعَ مَا ذَكَرنَاهُ مِنْ سَعَةِ عِلْمِهِ، وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ، لاَ يَحْفَظُ القُرْآنَ: فَأَنْبَأَنِي الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، قَالَ: قَالَ المَأْمُوْنُ لِلْوَاقِدِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ تُصَلِيَ الجُمُعَةَ غَداً بِالنَّاسِ، فَامْتَنَعَ. قَالَ: لاَ بُدَّ. فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَحْفَظُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ. قَالَ: فَأَنَا أُحَفِّظُكَ. فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ يُلَقِّنُهُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ، حَتَّى بَلَغَ النِّصْفَ مِنْهَا، فَإِذَا حَفِظَهُ، ابْتَدَأَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا حَفِظَهُ نَسِيَ الأَوَّلَ، فَأَتعَبَ المَأْمُوْنَ، وَنَعِسَ، فَقَالَ لعَلِيِّ بنِ صَالِحٍ: حَفِّظْهُ أَنْتَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَفَعَلتُ، فَبَقِيَ كلَمَّا حفَّظْتُهُ شَيْئاً، نَسِيَ شَيْئاً، فَاسْتَيْقَظَ المَأْمُوْنُ، فَقَالَ   (1) القمطر، والقمطرة: ما تصان فيه الكتب قال ابن السكيت: لا يقال بالتشديد، وينشد: ليس بعلم ما يعي القمطر * ما العلم إلا ما وعاه الصدر (2) " تاريخ بغداد " 3 / 7. (3) هذه النسبة إلى الرافقة، وهي بلدة كبيرة على الفرات، يقال لها الآن: الرقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 460 لِي: مَا فَعَلتَ؟ فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَحْفَظُ التَّأْوِيْلَ، وَلاَ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ، اذْهَبْ، فَصَلِّ بِهِم، وَاقرَأْ أَيَّ سُوْرَةٍ شِئْتَ (1) . فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، وَالبَرْبَرِيُّ فَحَافِظٌ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصَّاغَانِيَّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنَّهُ عِنْدِي ثِقَةً، مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ، قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ... ، وَسَمَّى غَيْرَهُمَا (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . وَسُئِلَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنِ الوَاقِدِيِّ، فَقَالَ: أَنَا أُسْأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ الوَاقِدِيُّ يُسْأَلُ عَنِّي (4) . وَسَأَلْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُهُ هَا هُنَا فَمُسْتَوٍ، وَأَمَّا حَدِيْثُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَهُم أَعْلَمُ بِهِ. وَرَوَى: جَابِرُ بنُ كُرْدِيٍّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، قَالَ: الوَاقِدِيٌّ ثِقَةٌ. الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ ثِقَةٌ. قَالَ الحَرْبِيُّ: أَمَّا فِقْهُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَمِنْ كُتُبِ الوَاقِدِيِّ: الاخْتِلاَفُ وَالإِجْمَاعُ كَانَ عِنْدَهُ. ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيْرٌ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ هَذَا، مَنْ قَالَ: إِنَّ مَسَائِلَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ تُؤخَذُ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنَ الوَاقِدِيِّ، فَلاَ يُصَدَّقُ؛ لأَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 7، 8. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 9. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 11. (4) " تاريخ بغداد " 3 / 11. (5) " تاريخ بغداد " 3 / 11 - 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 461 قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مَن سَمِعَ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: رَوَى الوَاقِدِيُّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ غَرِيْبٍ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عِنْدَ الوَاقِدِيِّ عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ لَمْ أَسْمَعْ بِهَا. ثُمَّ قَالَ: لاَ يُرْوَى عَنْهُ ... ، وَضَعَّفَهُ (1) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَغرَبَ الوَاقِدِيُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: كُتُبُ الوَاقِدِيِّ كَذِبٌ (2) . المُغِيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ الوَاقِدِيِّ. قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِ الهَيْثَمِ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ الوَاقِدِيُّ بِشَيْءٍ (3) . وَقَالَ مَرَّةً: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ. الدُّوْلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الوَاقِدِيُّ كَذَّابٌ. النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَفَّافُ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَضَعُ الحَدِيْثَ -يَعْنِي: الوَاقِدِيَّ-.   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 12. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 14. (3) " التاريخ " ليحيى بن معين: 532. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 462 أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: لَمْ يَكُنِ الوَاقِدِيُّ مَقْنَعاً، ذَكَرتُ لأَحْمَدَ مَوْتَهُ يَوْمَ مَاتَ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: جَعَلتُ كُتُبَهُ ظَهَائِرَ لِلْكُتِبِ مُنْذُ حِيْنَ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَا عِنْدِي لِلْوَاقِدِيِّ حَرْفٌ، وَمَا عَرَفْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلاَ أَقْنَعُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، مَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الحَدِيْثَ، لاَ يُنْظَرُ لِلْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابٍ، إِلاَّ تَبَيَّنَ أَمرُهُ فِيْهِ، رَوَى فِي فَتحِ اليَمَنِ وَخَبَرِ العَنْسِيِّ أَحَادِيْثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ. وَكَانَ أَحْمَدُ لاَ يَذْكُرُ عَنْهُ كَلِمَةً (2) . قَالَ النَّسَائِيُّ: المَعْرُوْفُونَ بِوَضعِ الحَدِيْثِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ: ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِالمَدِيْنَةِ، وَالوَاقِدِيُّ بِبَغْدَادَ، وَمُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ بِخُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ بِالشَّامِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيْثَ الوَاقِدِيِّ (3) . قُلْتُ: لاَ شَيْءَ لِلْوَاقِدِيِّ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ إِلاَّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه (4) ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا، فَمَا جَسَرَ ابْنُ مَاجَه   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 15. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 15. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1249. (4) رقم (1095) في إقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، ولفظه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته ". ورواه بإسناد آخر لم يذكر فيه الواقدي: من طريق حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب به. قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 71 / 2: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (1078) بهذا اللفظ من حديث عبد الله بن سلام بإسناد آخر، وفي الباب عن عائشة عند ابن ماجة (1096) وابن خزيمة (1765) وهو صحيح بما قبله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 463 أَنْ يُفصِحَ بِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِوَهْنِ الوَاقِدِيِّ عِنْدَ العُلَمَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ كَاتِبُهُ فِي (الطَّبَقَاتِ) ، هُوَ أَمثَلُ قَلِيْلاً مِنْ رِوَايَةِ الغَيْرِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا العَنْبَرِيُّ، قَالَ: قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ حَنَّاطاً بِالمَدِيْنَةِ، فِي يَدِي مائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِلنَّاسِ أُضَارِبُ بِهَا، فَتَلِفَتِ الدَّرَاهِمُ، فَشَخَصْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَأَتَيْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ البَرْمَكِيَّ فِي دِهْلِيزِهِ، وَآنَسْتُ الخَدَمَ، وَسَأَلتُهُم أَنْ يُوصِلُوْنِي إِلَيْهِ، فَقَالُوا: إِذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ إِلَيْهِ، لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَنَحْنُ نُدْخِلُكَ. قَالَ: فَأَدخَلُوْنِي، فَأَجلَسُونِي عَلَى المَائِدَةِ. فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا قِصَّتُكَ؟ فَأَخْبَرتُهُ، فَلَمَّا رُفِعَ الطَّعَامُ، دَنَوْتُ لأُقَبِّلَ رَأْسَهُ، فَاشْمَأَزَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، لَحِقَنِي خَادمٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: الوزِيْرُ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ، وَعُدْ إِلَيْنَا. قَالَ: فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ، فَوَصَلَنِي بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أُخْرَى، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ بِأَلفٍ، وَقَالَ: لَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَدَعَكَ تُقَبِّلُ رَأْسِي إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَصَلَكَ مِنْ مَعْرُوْفِنَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، يَا غُلاَمُ! أَعْطِهِ الدَّارَ الفُلاَنِيَّةَ، وَأَعْطِهِ مائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: الزَمْنِي، وَكُنْ عِنْدِي. فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الوَزِيْرَ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فِي الشُّخُوصِ إِلَى المَدِيْنَةِ لأَقْضِيَ النَّاسَ أَمْوَالَهُم، وَأَعُوْدَ. قَالَ: قَدْ فَعَلتُ، وَأَمَرَ بِتَجهِيزِي. قَالَ: فَقَضَيْتُ دَيْنِي، وَرَجَعتُ، فَلَمْ أَزَلْ فِي نَاحِيَتِهِ (1) . وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُسَبِّحٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لِي الوَاقِدِيُّ: حَجَّ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، فَوَرَدَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ: ارْتَدْ لِي رَجُلاً عَارِفاً بِالمَدِيْنَةِ وَالمَشَاهِدِ، وَكَيْفَ كَانَ   (1) القصه بطولها في " تاريخ بغداد " 3 / 4، 5. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 464 نُزُوْلُ جِبْرِيْلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْتِيْهِ، وَقُبُوْرِ الشُّهَدَاءِ؟ فَسَأَلَ يَحْيَى، فُكُلُّ أَحَدٍ دَلَّهُ عَلَيَّ، فَبَعَثَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَاعَدَنِي إِلَى عِشَاءِ الآخِرَةِ، فَإِذَا شُمُوْعٌ، فَلَمْ أَدَعْ مَشْهَداً وَلاَ مَوْضِعاً إِلاَّ أَرَيْتُهُمَا، فَجَعَلاَ يُصَلِّيَانِ وَيَجْتَهِدَانِ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بُكْرَةً بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لِي الوَزِيْرُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَلقَانَا حَيْثُ كُنَّا. قَالَ: فَاتَّسَعْنَا، وَزَوَّجْنَا بَعْضَ الوَلَدِ، ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ أَعَضَّنَا، فَقَالَتْ لِي أُمُّ عَبْدِ اللهِ: مَا قُعُوْدُكَ؟ فَقَدِمْتُ العِرَاقَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالُوا: هُوَ بِالرَّقَّةِ. فَمَضَيْتُ إِلَيْهَا، وَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَى يَحْيَى، فَصَعُبَ، فَأَتَيْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ - وَهُوَ فِيَّ عَارِفٌ - فَقَالَ: أَخْطَأْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَسَأَذْكُرُكَ لَهُ. وَقَلَّتْ نَفَقَتِي، وَتَحَرَّقَتْ ثِيَابِي، فَرَجَعْتُ مَرَّةً فِي سَفِيْنَةٍ، وَمَرَّةً أَمْشِي حَتَّى وَرَدْتُ السَّيْلَحِيْنَ (1) ، فَبَيْنَا أَنَا فِي سُوْقِهَا، إِذْ بِقَافِلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَإِنَّ صَاحِبَهُم بَكَّاراً الزُّبَيْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ لِي. فَقُلْتُ: أَدَعُهُ حَتَّى يَنْزِلَ وَيَسْتَقِرَّ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَاسْتَخْبَرَنِي أَمْرِي، فَقَالَ: أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا البَخْتَرِيِّ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ لأَحَدٍ. قُلْتُ: أَصِيْرُ إِلَى المَدِيْنَةِ. قَالَ: هَذَا رَأْيٌ خَطَأٌ، وَلَكِن صِرْ مَعِي، فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ أَمْرَكَ. قَالَ: فَصِرْتُ مَعَهُم إِلَى الرَّقَّةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَهَبْتُ إِلَى بَابِ الوَزِيْرِ، فَإِذَا الزُّبَيْرِيُّ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ! أُنْسِيْتُ أَمْرَكَ، قِفْ حَتَّى أَدْخُلَ إِلَيْهِ. فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ الحَاجِبُ، فَقَالَ لِي: ادْخُلْ. فَدَخَلْتُ فِي حَالٍ خَسِيْسَةٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ ثَلاَثَةُ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى فِي تِلْكَ الحَالِ، رَأَيْتُ الغَمَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَرَّبَ مَجْلِسِي، وَعِنْدَهُ   (1) هي ناحية قريبة من بغداد تبعد عنها ثلاثة فراسخ، وقيل: إنها سميت كذلك، لأنه كانت بها مسالح لكسرى، وهم قوم بسلاح يرتبون في الثغور، واحدهم مسلحي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 465 قَوْمٌ يُحَادِثُوْنَهُ، فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الحَدِيْثَ بَعْدَ الحَدِيْثِ. وَقَالَ: أَفْطِرْ عِنْدَنَا. فَأَفْطَرْتُ عِنْدَهُ، وَأَعْطَانِي خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: عُدْ إِلَيْنَا. فَذَهَبْتُ، فَتَجَمَّلْتُ، وَاكْتَسَيْتُ، وَلَقِيْتُ الزُّبَيْرِيَّ، فَلَمَّا رَآنِي بِتِلْكَ الحَالِ سُرَّ، وَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ. وَلَمْ يَزَلِ الوَزِيْرُ يُقَرِّبُنِي، وَيُوْصِلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ إِلَى لَيْلَةِ العِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَزَيَّنْ غَداً لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ لِلْقُضَاةِ، وَاعْتَرِضْ لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُنِي عَنْ خَبَرِكَ، فَأُخْبِرُهُ. فَفَعَلْتُ، قَالَ: وَجَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَلْحَظُنِي فِي المَوْكِبِ، ثُمَّ نَزَلْنَا، وَمَضَيْتُ مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا زَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَسْأَلُنِي عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ حَجِّنَا، وَقَدْ أَمَرَ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. ثُمَّ تَجَهَّزْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَكَيْفَ أُلاَمُ عَلَى حُبِّ يَحْيَى؟ وَسَاقَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً. قَالَ أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، قَالَ: أَضَقْتُ مَرَّةً، وَأَنَا مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، وَحَضَرَ عِيْدٌ، فَجَاءتْنِي الجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ آلَةِ العِيْدِ شَيْءٌ. فَمَضَيْتُ إِلَى تَاجِرٍ صَدِيْقٍ لِي لِيُقْرِضَنِي، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِيْساً مَخْتُوْماً فِيْهِ أَلْفُ دِيْنَارٍ وَمائَتَا دِرْهَمٍ، فَأَخَذْتُهُ، فَمَا اسْتَقْرَرْتُ فِي مَنْزِلِي حَتَّى جَاءنِي صَدِيْقٌ لِي هَاشِمِيٌّ، فَشَكَا إِلَيَّ تَأَخُّرَ غَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى القَرْضِ. فَدَخَلْتُ إِلَى زَوْجَتِي، فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَزَمْتَ؟ قُلْتُ: عَلَى أَنْ أُقَاسِمَهُ الكِيْسَ. قَالَتْ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً، أَتَيْتَ رَجُلاً سُوْقَةً، فَأَعْطَاكَ أَلْفاً وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَجَاءكَ رَجُلٌ مِنْ آلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُعْطِيْهِ نِصْفَ مَا أَعْطَاكَ السُّوْقَةُ؟! فَأَخْرَجْتُ الكِيْسَ كُلَّهُ إِلَيْهِ، فَمَضَى، فَذَهَبَ صَدِيْقِي التَّاجِرُ إِلَى الهَاشِمِيِّ - وَكَانَ صَاحِبَهُ - فَسَأَلَهُ القَرْضَ، فَأَخْرَجَ الهَاشِمِيُّ إِلَيْهِ الكِيسَ بِعَيْنِهِ، فَعَرفَهُ التَّاجِرُ، وَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَحَدَّثَنِي بِالأَمْرِ. قَالَ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 466 وَجَاءنِي رَسُوْلُ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّمَا تَأَخَّرَ رَسُوْلُنَا عَنْكَ لِشُغْلِي. فَرَكِبْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَمْرَ الكِيسِ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! هَاتِ تِلْكَ الدَّنَانِيْرَ. فَجَاءهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: خُذْ أَلْفَي دِيْنَارٍ لَكَ، وَأَلْفَي دِيْنَارٍ لِلتَّاجِرِ، وَأَلْفَيْنِ لِلْهَاشِمِيِّ، وَأَرْبَعَةَ آلاَفٍ لِزَوْجَتِكَ، فَإِنَّهَا أَكرَمُكُم (1) . رَوَاهَا: المُعَافَى، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ. وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى الوَاقِدِيِّ نَحْوٌ مِنْهَا، لَكِنْ أَمَرَ لَهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَلِكُلٍّ مِنَ الثَّلاَثَةِ بِمائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ. قَالَ الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ، عَنْهُ: صَارَ إِلَيَّ مِنَ السُّلْطَانِ سِتُّ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ فِيْهَا (2) . قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، فَبَعَثَ المَأْمُوْنُ بِأَكْفَانِهِ (3) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (4) . قَرَأْتُ عَلَى المُؤَيَّدِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ. وَأَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ   (1) القصة بطولها في " تاريخ بغداد " 3 / 19، 20، و" معجم الأدباء " 18 / 280، 281. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 20. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 20. (4) " التاريخ الكبير " 1 / 178. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 467 بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الخُشَيْشِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ القَارِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِيْنَ يُوْلَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا) . ثُمَّ يَقُوْلُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {أُعِيْذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ (1) } [آلُ عِمْرَانَ: 36] . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَهْمِ بنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ البَانْيَاسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَرْوَى السَّدُوْسِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً، فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا (2)) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِّيِّ،   (1) إسناده ضعيف لضعف الواقدي، لكن رواه البخاري في " صحيحه " 8 / 159 في تفسير سورة آل عمران من طريق عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر بهذا الإسناد، ومن طريق محمد بن رافع عن عبد الرزاق، عن معمر، ومن طريق عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، وأخرجه أحمد 2 / 233 من طريق عبد الأعلى و274 من طريق عبد الرزاق، كلاهما عن معمر. (2) إسناده ضعيف من أجل الواقدي، وشيخه فيه عاصم بن عمر، وهو ضعيف أيضا، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 51، ونسبه إلى البزار والطبراني في الأوسط والكبير. وأخرجه الحاكم 3 / 74، وصححه، فتعقبه الذهبي بقوله: عاصم واه، ونسبه الحافظ في " الإصابة " في ترجمة أبي أروى 4 / 5 إلى ابن السكن والحاكم وضعف إسناده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 468 أَخْبَرَنَا النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبِّ أَسَعْدَ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: (هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا البَيْتَ) (1) . وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَ (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) ، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ - مَعَ ضَعْفِهِ - يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ: كَيَزِيْدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالصَّاغَانِيِّ، وَالحَرْبِيِّ، وَمَعْنٍ، وَتَمَّامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي -رَحِمَهُ اللهُ-. 173 - أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍو القَيْسِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ   (1) إسناده ضعيف لضعف الواقدي، وأورده في " المطالب العالية " 1 / 363، ونسبه للحارث بن أبي أسامة، وأعله بالواقدي، وروى الفاكهي - كما في " الفتح " 3 / 366 من طريق عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول: زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد، وكان أول من كسا البيت الوصائل. وجاء في " معارف " ابن قتيبة ص 60: وكان أسعد أبو كرب الحميري آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبع مئة سنة، وهو أول من كسا البيت الانطاع والبرود. وأنشد له أربعة أبيات. (*) طبقات ابن سعد 7 / 299، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة ت 1937، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 469 عَمْرٍو القَيْسِيُّ، العَقَدِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَرَبَاحِ بنِ أَبِي مَعْرُوْفٍ، وَأَفْلَحَ بنِ سَعِيْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ، وَثِقَاتِ النَّقَلَةِ. ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ - وَهُوَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ -: هُوَ مَوْلَىً لِلْعَقَدِيِّيْنَ، مِنْ بَنِي قَيْسٍ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ حُفَّاظِ أَهْلِ البَصْرَةِ (1) . قُلْتُ: يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ) (2) .   = التاريخ الكبير 5 / 425، التاريخ الصغير 2 / 304، المعارف: 521، الجرح والتعديل 5 / 359، تهذيب الكمال: لوحة 859، تذهيب التهذيب 3 / 6 / 1، العبر 1 / 347، تذكرة الحفاظ 1 / 347، الكاشف 2 / 212، طبقات القراء 1 / 469، تهذيب التهذيب 6 / 409، طبقات الحفاظ: 144، خلاصة تذهيب الكمال: 245، شذرات الذهب 2 / 14. (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 860. (2) مر التعريف بها في الضفحة 369 تعليق رقم (1) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 470 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (1) ، وَنَصْرٌ الجَهْضَمِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي عَمْرٍو أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ فِي كِتَابِهِم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: (هَذَا يُبْعَثُ هَلَكَةً لِقَوْمِهِ (2)) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الدَّائِمِ الوَزَّانُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَرَّاقُ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الأَبَّارِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ الفُضَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَ صَاعِدٍ- حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَطْعِمُوْهُم مِمَّا تَأْكُلُوْنَ، وَأَلْبِسُوْهُمْ مِمَّا تَلْبَسُوْنَ، وَمَا فَسَدَ عَلَيْكُم، فَبِيْعُوْهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ) . يَعْنِي: المَمْلُوْكِيْنَ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَرْدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ هَذَا: ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ، وَمَا غَمَزَهُمَا، وَالمَتْنُ مَحْفُوْظٌ بِإِسْنَادٍ آخَرَ (3) .   (1) في " طبقاته الكبرى " 7 / 299. (2) محمد بن شداد ضعيف، وكذا قرة، ثم هو مرسل. (3) أخرجه البخاري 10 / 390 في الأدب: باب ما نهى عن السباب واللعن، ومسلم (1661) في الايمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وأبو داود (5157) = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 471 174 - يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ أَبُو زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ، الحِمْصِيُّ. رَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِرْقٍ اليَحْصُبِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ. وَعَنْهُ: أَبُو هَمَّامٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مُصَفَّى. وَضَعَّفَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (حِفْظِ اللِّسَانِ) .   = و (5158) من طرق عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر، لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخوتي كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوة تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ". وزاد أبو داود في رواية: " إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله " وأخرجه البخاري 1 / 80، 81 في الايمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، و5 / 126 في العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العبيد إخوانكم، ومسلم (1661) (40) من طرق، عن شعبة، عن واصل الاحدب، عن المعرور بن سويد به. وأخرجه الترمذي (1945) من طريق محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن واصل به. (*) التاريخ الكبير 8 / 277، الضعفاء: لوحة 441، الجرح والتعديل 9 / 152، الكامل لابن عدي 4 / 836، تهذيب الكمال: لوحة 1499، تذهيب التهذيب 4 / 155 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 379، تهذيب التهذيب 11 / 220. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 472 175 - يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ البَغْدَادِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ. وَاسْمُ جَدِّهِ: مُسْلِمٌ. حَدَّثَ عَنْ: دَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَحَرْبِ بنِ صَفْوَانَ الكَبِيْرِ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَشَرِيْكٍ، وَالصَّعْقِ بنِ حَزْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ - عَمِّ الشَّافِعِيِّ - وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَمُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ المِصْرِيِّ، وَأُمِّ الأَسْوَدِ الخُزَاعِيَّةِ، وَأُمِّ نَهَارٍ البَصْرِيَّةِ؛ الَّتِي تَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ خَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ المُسْنَدِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ حَرَمِيُّ بنُ يُوْنُسَ - وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيْمُ - وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3223، التاريخ الكبير 8 / 410، الجرح والتعديل 9 / 246، تاريخ بغداد 14 / 350، تهذيب الكمال: لوحة 157، تذهيب التهذيب 4 / 195 / 2، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 361، الكاشف 3 / 305، تهذيب التهذيب 11 / 447، طبقات الحفاظ: 158، خلاصة تذهيب الكمال: 441، شذرات الذهب 2 / 22. (1) " الجرح والتعديل " 9 / 246. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 473 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ (1) . وَقَدْ وَهِمَ صَاحِبُ (الكَمَالِ (2)) ، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَهَذَا مُسْتحِيْلٌ. وَقَدِ اخْتلفُوا فِي وَفَاتِهِ: فَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: فِي تَاسِعِ صَفَرٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُطَيَّنٌ: سَنَةَ ثَمَانٍ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ (3) ، لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ، أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّقِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ؛ ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيْهِمَا: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (الشُّؤْمُ فِي الفَرَسِ وَالمَرْأَةِ وَالدَّارِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ شِهَابٍ (4) . وَيَرْوِيْهِ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ   (1) تاريخ بغداد " 14 / 351. (2) هو الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفي سنة 600 هـ صاحب كتاب " الكمال في معرفة الرجال ". (3) في " الطبقات " 7 / 337: يوم السبت. (4) رواه مالك 3 / 140، ومن طريقه البخاري 9 / 118 في النكاح: باب ما يتقى من شؤم المرأة، ومسلم (2225) في السلام: باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم، عن ابن شهاب الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، ورواه البخاري 6 / 44، 45 في الجهاد: باب ما يذكر من شؤم الفرس من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري. وأخرجه أيضا 6 / 118 من طريق محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد العسقلاني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 474 بنِ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَآخَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَكَأَنَّ ابْنَ المُقَرِّبِ الكَرْخِيَّ سَمِعَهُ مِنَ النَّسَائِيِّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَقِيْهِ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ،   = صلى الله عليه وسلم: " إن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس ". وأخرجه أحمد 2 / 85، ومسلم أيضا (117) من حديث ابن عمر بلفظ: " إن يكن من الشؤم شيء حق، ففي الفرس والمرأة والدار " وفي الباب عن سهل بن سعد عند مالك 3 / 140، والبخاري 6 / 45، 48، ومسلم (2226) بلفظ: " إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن " يعني الشؤم. وهذا اللفظ الأخير يفهم منه أن الشؤم منتف عن كل شيء، لان معناه: لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما، لوجد في هذه الثلاثة، لكنه ليس بثابت في شيء، ويظهر أن الرواية الأولى: " الشؤم في الفرس.." وقع فيها اختصار وتصرف من بعض الرواة، على أنه قد جاء عن عائشة رضي الله عنها الإنكار على من روى هذا الحديث بهذه السياقة، فقد أخرج الامام أحمد 6 / 150 و240 و246 من طريق روح، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان الاعرج أن رجلين دخلا على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ". قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، قالت: والذي أنزل القرآن علي أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدابة والدار " ثم قرأت عائشة: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) وأخرجه أيضا 6 / 150 و240 من طريقين عن همام، عن قتادة..وإسناده صحيح، ونقل الزركشي في الاجابة ص: 115 عن بعض الأئمة قولهم: ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله لموافقتها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يكتوون ولا يتطيرون، ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 475 حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: (إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ. 176 - يَعْلَى بنُ عُبَيْدِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو يُوْسُفَ الطَّنَافِسِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الإِخْوَةِ (2) . حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمِسْعَرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ،   (1) رقم (2806) في المنافقين: باب يحشر الكافر على وجهه، وأخرجه البخاري 8 / 378 في التفسير، 110 / 330 في الرقاق: باب الحشر من طريق عبد الله بن محمد الجعفي، عن يونس بن محمد المؤدب بهذا الإسناد. (*) طبقات ابن سعد 6 / 397، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة ت 1312، التاريخ الكبير 8 / 419، التاريخ الصغير 2 / 314، المعارف: 517، الجرح والتعديل 9 / 304، مشاهير علماء الأمصار ت 1382، تهذيب الكمال: لوحة 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 1، العبر 1 / 357، تذكرة الحفاظ 1 / 314، الكاشف 3 / 295، دول الإسلام 1 / 129، شرح العلل لابن رجب 2 / 669، تهذيب التهذيب 11 / 402، طبقات الحفاظ: 140، خلاصة تذهيب الكمال: 438، شذرات الذهب 2 / 23. (2) تقدم ذكرهم في الصفحة 437 في ترجمة أخيه محمد بن عبيد من هذا الجزء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 476 وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ بِالكُوْفَةِ، مَعَ جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، صَالِحاً فِي نَفْسِهِ (1) . وَرَوَى: الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ أَيُّوْبَ البُخَارِيُّ: كَانَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ يَحْفَظُ عَامَّةَ حَدِيْثِه، أَوْ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيْعٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ أَوْلاَدِ أَبِيْهِ فِي الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً يُرِيْدُ بِعِلْمِهِ اللهَ إِلاَّ يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ -رَحِمَهُ اللهُ (4) -. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ: مَا رَأَيْتُ يَعْلَى ضَاحِكاً قَطُّ. وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ يَعْلَى بِالمُتْقِنِ لِمَا حَمَلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي خَامِسِ شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (5) . 177 - أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بنُ بِشْرِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ * الشَّيْخُ، العَالِمُ، القَصَّاصُ، الضَّعِيْفُ، التَّالِفُ، أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بنُ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1555. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1555. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 304. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1555. (5) " الطبقات الكبرى " 6 / 397. (*) الضعفاء للعقيلي: لوحة 35، المجروحين والضعفاء 1 / 135، الكامل لابن = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 477 بِشْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البُخَارِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (المُبْتَدَأِ) ، وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُوْرٌ فِي مُجَلَّدَتَيْنِ، يَنْقُلُ مِنْهُ ابْنُ جَرِيْرٍ فَمَنْ دُوْنَهُ، حَدَّثَ فِيْهِ بِبَلاَيَا وَمَوْضُوْعَاتٍ. عَنْ: الأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَمُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ البُخَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الجُنْدَيْسَابُوْرِيُّ (1) . قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الدَّارَبْجَرْدِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ البُخَارِيُّ - ثِقَةٌ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ، فَلْيَسْتَلِمِ الأَرْكَانَ كُلَّهَا (3)) . قُلْتُ: لاَ يُفْرَحُ بِتَوثِيقِ هَذَا الرَّجُلِ، فَالحَدِيْثُ - كَمَا تُشَاهِدُ - بَاطِلٌ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو حُذَيْفَةَ تَرَكُوا حَدِيْثَهُ.   = عدي: 1 / 34، تاريخ بغداد 6 / 326، معجم الأدباء 6 / 70، العبر 1 / 348، ميزان الاعتدال 1 / 184، لسان الميزان 1 / 354، شذرات الذهب 2 / 15. (1) هذه النسبة إلى مدينة خوزستان، يقال لها: جنديسابور (2) نسبة إلى درابجرد محلة بنيسابور. (3) أورده المؤلف في " الميزان " 1 / 185، وعلق عليه، فقال: تفرد الدرابجردي بتوثيق أبي حذيفة، فلم يلتفت إليه أحد، لان أبا حذيفة بين الامر لا يخفى حاله على العميان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 478 وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَّابٌ، كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، وَابْنُ طَاوُوْسٍ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ (1) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: يَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يُدرِكْ، وَكَانَ يُزَنُّ بِحِفْظٍ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَاتِ، قَدْ رَوَى عَنِ: الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَرَضُ يَوْمٍ يُكَفِّرُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً (4)) . قُلْتُ: خَلَطَ ابْنُ حِبَّانَ تَرْجَمَةَ هَذَا بِتَرْجَمَةِ إِسْحَاقَ بنِ بِشْرٍ الكَاهِلِيِّ الكُوْفِيِّ؛ أَحَدِ الهَلْكَى أَيْضاً (5) . مَاتَ أَبُو حُذَيْفَةَ: بِبُخَارَى، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قَالَهُ: غُنْجَارُ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 6 / 327. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 328. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 327، ويزن: يتهم. (4) كتاب " المجروحين " 1 / 136، وفي " اللسان " 1 / 355: وقال النقاشي: يصع الحديث، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: كذاب، وقال ابن الجوزي في " الموضوعات ": أجمعوا على أنه كذاب، وقال الخليلي في " الارشاد ": أتهم بوضع الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة إما إسنادا، وإما متنا لا يتابعه عليها أحد، وقال الخطيب: كان غير ثقة، وقال العقيلي: مجهول حدث بمناكير ليس لها أصل. (5) زاد في " الميزان " 1 / 185: وكذا خبط ابن الجوزي، فقال في هذا " الكاهلي مولى بني هاشم " ولم يصب في قوله الكاهلي. (6) هو محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل أبو عبد الله البخاري الحافظ صاحب تاريخ بخارى، توفي سنة 412 هـ. العبر 3 / 108. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 479 178 - أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ الشَّيْبَانِيُّ * (ع) ابْنِ الضَّحَّاكِ بن مُسْلِمِ بنِ الضَّحَّاكِ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ الأَثْبَاتِ، أَبُو عَاصِمٍ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلاَهُمْ - وَيُقَالُ: مَنْ أَنْفُسِهِم - البَصْرِيُّ. وَأُمُّهُ: مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ يَبِيْعُ الحَرِيْرَ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَحرُفاً مِنَ التَّفْسِيْرِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ عَجْلاَنَ، وَعُثْمَانَ بنِ سَعْدٍ الكَاتِبِ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَجَعْفَرِ بنِ يَحْيَى بنِ ثَوْبَانَ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ رَافِعٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَشَبِيْبِ بنِ بِشْرٍ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحِ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو، وَجُبَيْرِ بنِ فَرْقَدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَمُسْتقِيْمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 295، تاريخ خليفة: 474، طبقات خليفة ت 1921، التاريخ الكبير 4 / 336، التاريخ الصغير 2 / 324، المعارف: 520، الجرح والتعديل 4 / 463، تهذيب الكمال: لوحة 617، تذهيب التهذيب 2 / 98 / 1، العبر 1 / 262، ميزان الاعتدال 2 / 325، تذكرة الحفاظ 1 / 366، الكاشف 2 / 36، دول الإسلام 1 / 366، تهذيب التهذيب 4 / 450، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال 177، شذرات الذهب 2 / 28. وفي " ميزان الاعتدال " نقل عن أبي العباس أنه ذكره العقيلي في الضعفاء، ولم يجده المؤلف فيه، وكذلك في نسختنا غير موجود في من اسمه الضحاك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 480 وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ - وَهُوَ أَجَلُّ شُيُوْخِه وَأَكْبَرُهُم - وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ - شَيْخُهُ - وَالأَصْمَعِيُّ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالكَوْسَجُ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي قُرَيْشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ (1) الأَزْهَرُ القَطَّانُ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، لَهُ فِقْهٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ (3) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ (4) .   (1) ضبط في الأصل بضم الحاء. وقال الامام الذهبي في " المشتبه " ص 131: ومحمد بن حبان [بالفتح] ، عن أبي عاصم، وعنه أبو الطاهر الذهلي. كذا يقول الحافظ عبد الغني، وغلطه الصوري وغير واحد فضموه، ثم قال عبد الغني: وبالضم محمد بن حبان بن عمرو، بصري ضعيف، روى عنه سلم بن الفضل. قلت: (القائل الذهبي) : هو الأول، وهو بالضم، ويروي عنه الطبراني والجعابي، وهو باهلي معمر. قال الحافظ في " التبصير " 1 / 283: كذا قال الذهبي، وقد أنكر ابن ماكولا على من زعم أنهما واحد، ورجح كونهما اثنين، أحدهما قد حصل الاتفاق على أنه بالضم، وهو الذي اسم جده بكر ابن عمرو، ومازه بأنه يروي عن أمية بن بسطام، ومحمد بن المنهال، والحسن بن قزعة، وأنه سكن بغداد في المخرم. وثانيهما. الراوي عن أبي عاصم، واسم جده أزهر، وهو الباهلي الذي روى عنه أبو الطاهر الذهلي والطبراني وغير واحد، وهو بصري، فعبد الغني ضبطه عن شيخه أبي الطاهر بالفتح، وكلاهما ثقة متقن، وخالفه الباقون فضموه. (2) " تهذيب الكمال " لوحة: 617. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 463. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 617. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 481 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الزَّجَّاجُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ لأَبِي عَاصِمٍ: ذَكَرَ ابْنَ جُرَيْجٍ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكَ بِهِ، حَدَّثُونِي بِهِ، وَمَا دَلَّسْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنِّيْ لأَرحَمُ مَنْ يُدَلِّسُ (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو عَاصِمٍ ثِقَةً، فَقِيْهاً (2) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: لَمْ يُرَ فِي يَدِهِ كِتَابٌ قَطُّ (3) . وَذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، فَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زُهْداً، وَعِلْماً، وَدِيَانَةً، وَإِتْقَاناً (4) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: مُنْذُ عَقَلْتُ أَنَّ الغِيْبَةَ حَرَامٌ، مَا اغْتَبتُ أَحَداً قَطُّ (5) . وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَاصِمٍ يَحْفَظُ قَدْرَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ جَيِّدِ حَدِيْثِهِ، وَكَانَ فِيْهِ مُزَاحٌ. وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيْلَ لَهُ: النَّبِيْلُ؛ لأَنَّ فِيْلاً قَدِمَ البَصْرَةَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا لَكَ لاَ تَنْظُرُ؟ قَالَ: لاَ أَجِدُ مِنْكَ عِوَضاً. قَالَ: أَنْتَ نَبِيْلٌ. وَبَعْضُهُم نَقَلَ: أَنَّ أَبَا عَاصِمٍ كَانَ ضَخْمَ الأَنْفِ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمَّا خَلاَ بِهَا، دنَا مِنْهَا لِيُقَبِّلَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: نَحِّ رُكْبَتَكَ عَنْ وَجْهِي. قَالَ: لَيْسَ ذَا رُكْبَةً، إِنَّمَا هُوَ أَنْفٌ.   (1) تهذيب الكمال " لوحة 617. (2) " الطبقات الكبرى ": 7 / 295. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 617. (4) " تهذيب الكمال ": 617. (5) " التاريخ الكبير ": 4 / 336. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 482 نَقَلَ ذَلِكَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ - وَالِي خُرَاسَانَ - عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. وَقِيْلَ: لأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الخَزَّ وَجَيِّدَ الثِّيَابِ، وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: جَاءَ النَّبِيْلُ. وَقِيْلَ: لأَنَّ شُعْبَةَ حَلَفَ أَلاَّ يُحَدِّثَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ شَهْراً، فَقَصَدَهُ أَبُو عَاصِمٍ، فَدَخَلَ مَجْلِسَه، وَقَالَ: حَدِّثْ، وَغُلاَمِي العَطَّارُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ كَفَّارَةً عَنْ يَمِيْنِكَ. فَأَعْجَبَه ذَلِكَ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الزَّجَّاجُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: مَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَقَدْ طَلَبَ أَعْلَى الأُمُوْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ خَيْرَ النَّاسِ (2) . قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: وُلِدَتْ أُمِّي سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَوُلِدْتُ أَنَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ (3) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الجَوْهَرِيُّ المُسْتَمْلِي بِدْعَةً (4) : سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، لأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ (5) . وَأَرَّخَهُ فِيْهَا: خَلِيْفَةُ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَبِيْبٍ الذَّرَّاعُ (6) ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 617. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 617. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 617. (4) سمي بذلك لأنه كان مستملي أبي عاصم، وبدعة لقبه. توفي سنة 257 هـ. التهذيب 5 / 147. (5) طبقات ابن سعد " 7 / 295. (6) نسبة إلى ذرع الاشياء، ومعرفتها بالذراع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 483 وَقَالَ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، مَا ذَكَرَ الشَّهْرَ. وَقَالَ جَابِرُ بنُ كُرْدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ - فَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ -. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيُّ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) - وَهَذَا بَعِيْدٌ -. وَأَبعَدُ مِنْهُ مَا رَوَى: ابْنُ المُقْرِئِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ التَّمَّارِ، عَنْ حَمْدَانَ بنِ عَلِيٍّ الوَرَّاقِ، قَالَ: ذَهَبنَا إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، فَسَأَلنَاهُ أَنْ يُحَدِّثنَا، فَقَالَ: تَسْمَعُوْنَ مِنِّي وَمِثْلُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الحَيَاةِ؟! اخْرُجُوا إِلَيْهِ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ - فَوَهِمَ رَحِمَهُ اللهُ -: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فِي آخِرِهَا (3) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: رَوَى عَنْ أَبِي عَاصِمٍ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَإِحْدَى وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: مَاتَ ابْنُ حِبَّانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ قِرَاءةً، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ (ح) . وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَنَّ عُمَرَ بنَ مَسْرُوْرٍ الزَّاهِدَ أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ   (1) تحرفت في المطبوع من " تاريخ الفسوي " 3 / 346 لفظة " مئتين " إلى " مئة ". (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 618. (3) " التاريخ الكبير " 4 / 336. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 484 حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: (أُمَّكَ) . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ، فَالأَقْرَبَ) (1) . 179 - حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ السُّلَمِيُّ * (خَ، د، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، القَاضِي الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو سَهْلٍ السُّلَمِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي نَيْسَابُوْرَ. وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ فِي الرِّحْلَةِ مِنْ: مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ العَرْزَمِيِّ، وَعَبْدِ القُدُّوْسِ بنِ جُنْدَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ - وَلاَزَمَه مُدَّةً - وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ - وَهُوَ ثَبْتٌ فِي ابْنِ طَهْمَانَ -. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَقَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ مَحْمِشٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الخُزَاعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قَشْمَرْدُ، وَيَاسِيْنُ بنُ النَّضْرِ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ. وَمِنْ رِفَاقِهِ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ قَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَقبَحَ بِالشَّيْخِ المُحَدِّثِ يَجْلِسُ   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 5 / 3، والترمذي (1897) في البر والصلة: باب ما جاء في بر الوالدين، وأبو داود (5139) في الأدب: باب بر الوالدين، وصححه الحاكم 4 / 150، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي. (*) الجرح والتعديل 3 / 175، تهذيب الكمال: لوحة 307، تذهيب التهذيب 1 / 63 / 1، العبر 1 / 357، تذكرة الحفاظ 1 / 368، تهذيب التهذيب 2 / 403، طبقات الحفاظ: 158، خلاصة تذهيب الكمال: 87، شذرات الذهب 2 / 22. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 485 لِلْقَوْمِ، فَيُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ (1) ! جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: لَيْسَ عَلَى نَسَاءِ خُرَاسَانَ حَجٌّ. قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ عَجِيْبٌ، أَفَمَا هُنَّ مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّحَ بُعْدَ الشُّقَّةِ، وَكَثْرَةَ المَشَقَّةِ. قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ يَقُوْلُ: كَانَ حَفْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِياً بِالأَثَرِ، وَلاَ يَقضِي بِالرَّأْيِ البَتَّةَ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَلِيَ القَضَاءَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ وَلَدُهُ أَحْمَدُ: مَاتَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (3) . 180 - ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الدِّيْلِيُّ (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمِ بنِ أَبِي فُدَيْكٍ - وَاسْمُهُ دِيْنَارٌ - الدِّيْلِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 307. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 307. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 307. (*) تاريخ ابن معين: 505، طبقات ابن سعد 5 / 437، طبقات خليفة: ت 2501، التاريخ الكبير 1 / 37، التاريخ الصغير 2 / 289، الجرح والتعديل 7 / 188، تهذيب الكمال: لوحة 1174، تذهيب التهذيب 3 / 189 / 2، العبر 1 / 333، ميزان الاعتدال 3 / 483، تذكرة الحفاظ 1 / 345، الكاشف 3 / 21، تهذيب التهذيب 9 / 61، طبقات الحفاظ 145، خلاصة تذهيب الكمال: 328، شذرات الذهب 1 / 359. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 486 حَدَّثَ عَنْ: سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَضْلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَدُوْقاً، صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ وَطَلَبٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدْ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ حَدِيْثاً وَاحِداً (1) . قُلْتُ: هُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ. قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ مائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. كَذَا قَالَ: ابْنُ سَعْدٍ (3) . وَقَدِ احْتَجَّ بِابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الجَمَاعَةُ، وَوَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لَكِنْ مَعْنٌ (4) أَحْفَظُ مِنْهُ، وَأَتْقَنُ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي أَمَاكِنَ. 181 - أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ * (ع) الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَخُو أَبِي بَكْرٍ الحَنَفِيِّ،   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1174. (2) " التاريخ الكبير " 1 / 37. (3) في " طبقاته الكبرى " 5 / 437. (4) هو معن بن عيسى بن يحيى القزاز، وقد مرت ترجمته في الصفحة 302 من هذا الجزء. (*) طبقات ابن سعد 7 / 299، التاريخ الكبير 5 / 391، الضعفاء للعقيلي: لوحة 270، الجرح والتعديل 5 / 324، تهذيب الكمال: لوحة 885، تذهيب التهذيب = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 487 وَلَهُمَا أَخَوَانِ مَا اشْتُهِرَا: شَرِيْكٌ، وَعُمَيْرٌ. حَدَّثَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. رَوَى عَنْهُ: بُنْدَارُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ، وَوَالِدُهُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَيَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (1)) ، وَفِي (القَطِيْعِيَّاتِ (2)) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْس بِهِ. وَقَالَ الكُدَيْمِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَطَائِفَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ   = 3 / 19 / 1، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 3 / 13، الكاشف 2 / 230، تهذيب التهذيب 7 / 34، خلاصة تذهيب الكمال: 252، شذرات الذهب 2 / 22. (1) مر التعريف بها في الصفحة 369 ت 1 من هذا الجزء. (2) هي خمسة أجزاء لمسند العراق أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ابن شبيب البغدادي القطيعي، لقب بذلك لأنه سكن قطيعة الرقيق ببغداد، توفي سنة 368 هـ، وهو الراوي عن عبد الله بن الامام أحمد " المسند " و" التاريخ " و" الزهد " والمسائل كلها لابيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 488 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العَبَّاسَ، فَقَالَ: (هُوَ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي) (1) . 182 - أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ عَبْدُ الكَبِيْرِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ * (ع) هُوَ: عَبْدُ الكَبِيْرُ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: خُثَيْمِ بنِ عِرَاكٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.   (1) محمد بن يونس: هو الكديمي البصري الحافظ أحد المتروكين، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (3760) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا شبابة، حدثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس عم رسول الله، وإن عم الرجل صنو أبيه، أو من صنو أبيه " وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. وأخرجه مطولا أحمد 2 / 322، ومسلم (983) من طريق علي ابن حفص، عن ورقاء، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، وفيه: " أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه "، وهو في سنن أبي داود (1623) من طريق الحسن بن الصباح عن شبابة، عن ورقاء ... وفي الباب عن علي عند أحمد 1 / 94 بسند صحيح، وانظر " سير أعلام النبلاء " 2 / 87 والصنو: المثل. (*) طبقات ابن سعد 7 / 299، التاريخ الكبير 6 / 126، الجرح والتعديل 6 / 62، تهذيب الكمال: لوحة 849، تذهيب التهذيب 2 / 246 / 1، العبر 1 / 346، الكاشف 2 / 205، تهذيب التهذيب 6 / 370، خلاصة تذهيب الكمال: 305، شذرات الذهب 2 / 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 489 مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. 183 - عُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ العَدَوِيُّ البَصْرِيُّ * (ق) القَاضِي. حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، وَإِسْحَاقُ الفَارِسِيُّ شَاذَانُ، وَحَمَّادُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَنْبَسَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (1) . وَقَالَ عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفٌ، يَكْذِبُ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ (3) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ مَعَ ضَعْفِهِ (4) .   (*) تاريخ ابن معين: 426، تاريخ خليفة: 472، التاريخ الكبير 6 / 148 الضعفاء والمتروكين: 84، أخبار القضاة 2 / 142، الضعفاء للعقيلي: لوحة 277، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 89، مشاهير علماء الأمصار: ت 1546، الكامل لابن عدي: 486، تهذيب الكمال: لوحة 1005، تذهيب التهذيب 3 / 81 / 1، العبر 1 / 352، ميزان الاعتدال 3 / 184، تهذيب التهذيب 7 / 431، خلاصة تذهيب الكمال: 281، شذرات الذهب 2 / 17. (1) " التاريخ الكبير " 6 / 148. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1005. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1005. (4) " الكامل " لابن عدي: لوحة 486 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 490 قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ لِلْمَأْمُوْنِ، وَهُوَ جَدُّ أَبِي رِفَاعَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ حَبِيْبٍ العَدَوِيِّ. نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْد أَرَادَ قَتْلَهُ؛ لِكَوْنِهِ رَدَّ عَلَيْهِ خَطَأً، فَدَفَعَ اللهُ عَنْهُ (1) . 184 - يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ * (ع) ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو يُوْسُفَ الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحَافِظِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبِيْدَةَ بنِ أَبِي رَائِطَةَ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَشَرِيْكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُطَّلِبِ، وَسَيْفِ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَبُو خَيْثَمَةَ،   (1) انظر القصة مفصلة في " تهذيب الكمال " لوحة 1005 و1006. (*) تاريخ ابن معين: 680، طبقات ابن سعد 7 / 343، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3224، التاريخ الكبير 8 / 396، التاريخ الصغير 2 / 313، الجرح والتعديل 9 / 202، تاريخ بغداد 14 / 268، تهذيب الكمال: لوحة 1547، تذهيب التهذيب 4 / 184 / 1، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 335، الكاشف 3 / 290، تهذيب التهذيب 11 / 380، طبقات الحفاظ: 141، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 22. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 491 وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى، وَالعِجْلِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ الذُّهْلِيُّ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، عَنْهُ، وَكَثُرَتْ رِوَايَتُهُ لِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَأَغرَبَ عَنْهُ، وَمَدَارُ حَدِيْثِهِ عَلَى ابْنِه يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعَ هُوَ وَأَخُوْهُ سَعْدٌ الكُتُبَ. قَالَ: فَمَاتَ أَخُوْهُ سَعْدٌ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ كَبِيْرُ أَحَدٍ، وَبَقِيَ يَعْقُوْبُ، فَكَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ، فَوَجَدُوا عَنْهُ عِلْماً جلِيْلاً مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، يُقَدَّمُ عَلَى أَخِيْهِ فِي الفَضْلِ، وَالوَرَعِ، وَالحَدِيْثِ، وَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ بِفَمِ الصِّلْحِ (3) ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيْهِ سَعْدٍ بِأَرْبَعِ سِنِيْنَ (4) . وَقَالَ جَمَاعَةٌ كَذَلِكَ فِي مَوْتِه.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 202 (2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1547. (3) هو اسم نهر كبير بين واسط وجبل عليه عدة قرى، وعليه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون (4) " طبقات ابن سعد " 7 / 343. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 492 قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، أَخْبَرَكُم مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَغِيْبَ أَحَدُهُم إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَبْدٍ. 185 - أَخُوْهُ: سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ * (خَ، س) وَالِدُ: عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبِيْدَةَ بنَ أَبِي رَائِطَةَ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ.   (1) رقم (2862) في الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب في صفة يوم القيامة، وأخرجه البخاري 11 / 340 في الرقاق: باب قوله تعالى: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) من طريق إسماعيل بن أبان، عن عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه ابن ماجة (4278) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عيسى بن يونس، عن ابن عون، وأخرجه البخاري 8 / 534، 535، من طريق معن بن عيسى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه الترمذي (2422) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر. وهو في " المسند " من طرق عن نافع عن ابن عمر 2 / 13 و19 و70 و105 و112 و125 و126. (*) تاريخ ابن معين: 190، طبقات ابن سعد 7 / 343 طبقات خليفة: ت 2296، التاريخ الكبير 4 / 52، التاريخ الصغير 2 / 296، تاريخ بغداد 9 / 123، تهذيب الكمال: لوحة 471، تذهيب التهذيب 2 / 7 / 1، العبر 1 / 336، تهذيب التهذيب 3 / 462، الكاشف 1 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 133، شذرات الذهب 1 / 172. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 493 قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، لَكِنْ أَخُوْهُ أَحَرُّ رَأْساً، وَأَقرَأُ لِلْكُتُبِ مِنْهُ (1) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ عل قَضَاءِ وَاسِطَ (2) . قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ، بِالمُبَارَكِ (3) . 186 - أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ * (د، ت) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، حُجَّةُ العَرَبِ، أَبُو زَيْدٍ سَعِيْدُ بنُ أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ بَشِيْرِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ القَدَرِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَأَبُو عُبَيْدٍ   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 124. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 124. (3) هي بليدة بين بغداد وواسط على شاطئ دجلة. (*) تاريخ خليفة: 97، التاريخ الكبير 3 / 455، وفيه " أويس " بدل " أوس " المعارف: 545، الجرح والتعديل 4 / 4، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 324، تاريخ بغداد 9 / 77، نزهة الالباء: 173، معجم الأدباء 11 / 212، إنباه الرواة 2 / 30، وفيات الأعيان 2 / 378، تهذيب الكمال: لوحة 480، تذهيب التهذيب 2 / 12 / 2، العبر 1 / 367، ميزان الاعتدال 2 / 126، الكاشف 1 / 355، مرآة الجنان 2 / 58، البداية والنهاية 10 / 269، طبقات القراء 1 / 305، تهذيب التهذيب 4 / 3، النجوم الزاهرة 2 / 210 بغية الوعاة 1 / 582، المزهر 2 / 402، خلاصة تذهيب الكمال: 136، طبقات المفسرين 1 / 179، شذرات الذهب 2 / 34. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 494 القَاسِمُ، وَأَبُو عُمَرَ صَالِحُ بنُ إِسْحَاقَ الجَرْمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالعَبَّاسُ الرِّيَاشِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ القَزَّازُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُجمِلُ القَوْلَ فِيْهِ، وَيَرفَعُ شَأْنَهُ، وَيَقُوْلُ: هُوَ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: جَدُّهُ الأَعْلَى أَبُو زَيْدٍ، هُوَ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْمُهُ: ثَابِتُ بنُ زَيْدِ بنِ قَيْسٍ الخَزْرَجِيُّ (2) . وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي زَيْدٍ، فَجَاءَ الأَصْمَعِيُّ، فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَجَلَسَ، وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ خَلَفٌ الأَحْمَرُ، فَأَكَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: هَذَا عَالِمُنَا وَمُعَلِّمُنَا مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً (3) . المَازِنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زَيْدٍ يَقُوْلُ: وَقَفتُ عَلَى قَصَّابٍ، فَقُلْتُ: بِكَمِ البَطْنَانِ؟ فَقَالَ: بِمِصْفَعَانِ يَا مَضْرطَانِ. فَغطَّيْتُ رَأْسِي، وَفَرَرتُ (4) . وَحَكَى السِّيْرَافِيُّ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ كَانَ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا قَالَ سِيْبَوَيْه:   (1) الجرح والتعديل " 4 / 5. (2) وقد شهد أحدا والمشاهد بعدها، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة ثم قدم المدينة فمات بها في خلافة عمر. وقد تقدمت ترجمته في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 335، 336. (3) في الأصل: (عشرين عشرين) ، والخبر في " تاريخ بغداد " 9 / 77، 78. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 78. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 495 أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، فَأَنَا أَخْبَرتُهُ، وَقَدْ مَاتَ أَبُو زَيْدٍ بَعْدَ سِيْبَوَيْه بِنَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (1) . قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ يَحْفَظُ ثُلُثَ اللُّغَةِ، وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ يَحْفَظُ ثُلُثَيِ اللُّغَةِ، وَكَانَ الخَلِيْلُ يَحْفَظُ نِصْفَ اللُّغَةِ، وَكَانَ عَمْرُو بنُ كِرْكِرَةَ الأَعْرَابِيُّ يَحْفَظُ اللُّغَةَ كُلَّهَا (2) . قُلْتُ: عَمْرٌو هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُوْرٍ. قَالَ المُبَرِّدُ: الأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو زَيْدٍ، أَعْلَمُ الثَّلاَثَةِ بِالنَّحْوِ أَبُو زَيْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ حَلقَةٌ بِالبَصْرَةِ. وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ أَخٍ لِي: اكْتَرِ لَنَا. فَصَاحَ: مَعْشَرَ الملاَّحُوْنَ. قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: أَنَا أُحِبُّ النَّصْبَ (3) . قَالَ أَبُو مُوْسَى الزَّمِنُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو زَيْدٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً (5) . 187 - أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ سَعِيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ * (خَ، م) البَصْرِيُّ، بَيَّاعُ الهَرَوِيِّ -يَعْنِي: الثِّيَابَ الَّتِي   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 480. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 480. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 78، و" إنباه الرواة " 2 / 32. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 79. (5) " تاريخ بغداد " 9 / 80. (*) العلل لأحمد بن حنبل: 249، التاريخ الكبير 3 / 471، التاريخ الصغير 2 / 321، الجرح والتعديل 4 / 20، تهذيب الكمال: لوحة 490، تذهيب التهذيب 2 / 18 / 1، العبر = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 496 تُجْلَبُ مِنْ هَرَاةَ (1) -. يَرْوِي عَنْ: قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَبُنْدَارُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَعَبْدٌ، وَالكُدَيْمِيُّ. صَدُوْقٌ، قَالَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (2) . وَرَوَى: مُسْلِمٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ جَدُّهُ مُكَاتَباً لِزُرَارَةَ بنِ أَوْفَى. وَأَبُو زَيْدٍ مِنْ قُدَمَاءِ مَشْيَخَةِ البُخَارِيِّ، وَمَوْتُهُ أَقدَمُ مِنْ مَوْتِ الأَنْصَارِيِّ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، وَلَكِنَّ أَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَسنَدُ مِنْهُ، وَأَسَنُّ. 188 - يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ بنِ نَسْرِ بنِ أَسِيْدٍ العَبْدِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي كَرْمَانَ (3) ، أَبُو زَكَرِيَّا العَبْدِيُّ، القَيْسِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ. وَقِيْلَ: اسْم أَبِيْهِ نَسْرٌ. وَقِيْلَ: بِشْرٌ. وَقِيْلَ: بَشِيْرٌ.   = 1 / 360 الكاشف 1 / 360، تهذيب التهذيب 4 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 137، شذرات الذهب 2 / 26. (1) هي مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان. (2) في " الجرح والتعديل " 4 / 20. (*) التاريخ الكبير 8 / 264، الجرح والتعديل 9 / 132، تهذيب الكمال: لوحة 1490، تذهيب التهذيب 4 / 150 / 1، العبر 1 / 356، تذكرة الحفاظ 1 / 385، الكاشف 3 / 251، تهذيب التهذيب 11 / 190، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 22. (3) هي ناحية كبيرة في شرقي بلاد فارس، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي تشبه بالبصرة. انظر " معجم البلدان " 4 / 454. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 497 حَدَّثَ بِبَغْدَادَ وَبِغَيْرِهَا عَنْ: شُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَزُهَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ البَغْدَادِيُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ العِجْلِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: سَنَةَ تِسْعٍ (1) . أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ إِدْرِيْسَ القَافُلاَنِيُّ (2) بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ) . رُوَاتُه ثِقَاتٌ، وَهُوَ مِنَ الأَفرَادِ، لَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (3) .   (1) تهذيب الكمال " لوحة 1490. (2) هذه النسبة إلى حرفة عجمية، وهو من يشتري السفن ويكسرها ويبيع خشبها وقيرها وقفلها وهو حديدها. (3) وإنما أخرجه بعضهم من حديث ابن عمر وأبي بكر ضمن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأخرجه البخاري 1 / 145 في العلم: باب رب مبلغ أوعى من سامع، و3 / 458 و459 في الحج: باب الخطبة أيام منى، و6 / 211 في بدء الخلق: باب ما جاء = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 498 189 - يَحْيَى بنُ الضُّرَيْسِ بنِ يَسَارٍ البَجَلِيُّ * (م، ت) القَاضِي، الإِمَامُ، الحَافِظُ، قَاضِي الرَّيِّ، أَبُو زَكَرِيَّا البَجَلِيُّ مَوْلاَهُمْ، الرَّازِيُّ. رَأَى: مُحَمَّدَ بنَ أَبِي لَيْلَى. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي قَيْسٍ الرَّازِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى القَزَّازُ، وَأَبُو غَسَّانَ زُنَيْجٌ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ الفَيْضِ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَم، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُوْسَى بنُ نَصْرٍ، وَخَلْقٌ. حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَكَانَ جَرِيْرٌ مُعجَباً بِحِفْظِهِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   = في سبع أرضين. و8 / 82 في المغازي: باب حجة الوداع، و244 باب تفسير سورة براءة، و10 / 6 في الاضاحي: باب من قال: الاضحى يوم النحر، و12 / 75 في الحدود: باب ظهر المؤمن حمى، و170 في الديات: باب قوله تعالى: (من أحياها) ، و13 / 22 و23 في الفتن: باب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ومسلم (66) في الايمان: باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا..و (1679) في القسامة: باب تحريم الدماء، وأبو داود (1947) في الحج: باب الاشهر الحرم، و (4686) في السنة: باب الدليل على زيادة الايمان. (*) طبقات ابن سعد 7 / 380، طبقات خليفة: ت 3169، التاريخ الكبير 8 / 287، التاريخ الصغير 2 / 299، الجرح والتعديل 9 / 158، تهذيب الكمال: لوحة 1503، تذهيب التهذيب 4 / 158 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 347، الكاشف 3 / 259، تهذيب التهذيب 11 / 232، طبقات الحفاظ: 145، خلاصة تذهيب الكمال: 424. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 499 وَقَالَ الحَافِظُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى: مِنْهُ تَعَلَّمْتُ الحَدِيْثَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ ضُرَيْسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (1) . رَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى، قَالَ: مَاتَ يَحْيَى بنُ ضُرَيْسٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: وَهُوَ جَدُّ مُحَدِّثِ الرَّيِّ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ البَجَلِيِّ، مُؤَلِّفِ كِتَابِ (فَضَائِلِ القُرْآنِ) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: يَحْيَى بنُ الضُّرَيْسِ ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ عِنْدَهُ عَنْ حَمَّادٍ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (4) . وَقَالَ وَكِيْعٌ: هُوَ مِنْ حُفَّاظِ النَّاسِ، وَقَدْ خَلَّطَ فِي حَدِيْثَيْنِ (5) . قُلْتُ: لَوْ خَلَّطَ فِي عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً فِي سَعَة مَا رَوَى، لَمَا عُدَّ إِلاَّ ثِقَةً. 190 - أَشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَيْسِيُّ * (د، ت) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي مِصْرَ، أَبُو عَمْرٍو   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1503. (2) " التاريخ الصغير " 2 / 299. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1503. (4) " الجرح والتعديل ": 9 / 159. (5) " الجرح والتعديل " 9 / 159. (*) التاريخ الكبير 2 / 57، الجرح والتعديل 2 / 432، ترتيب المدارك 2 / 447، وفيات الأعيان 1 / 238، تهذيب الكمال: لوحة 120، تذهيب التهذيب 1 / 71 / 2، العبر 1 / 345، الكاشف 1 / 135، دول الإسلام 1 / 127، الديباج المذهب 1 / 307، تهذيب التهذيب 1 / 359، حسن المحاضرة 1 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 45، شذرات الذهب 2 / 12. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 500 القَيْسِيُّ، العَامِرِيُّ، المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ. يُقَالُ: اسْمُهُ مِسْكِيْنٌ، وَأَشْهَبُ: لَقَبٌ لَهُ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَبَكْرَ بنَ مُضَرَ، وَدَاوُدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارَ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَوَّازِ، وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ - فَقِيْهُ المَغْرِبِ - وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ - فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ - وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَيَكفِيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيْهِ: مَا أَخْرَجَتْ مِصْرُ أَفْقَهَ مِنْ أَشْهَبَ، لَوْلاَ طَيْشٌ فِيْهِ (1) . قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ فَقِيْهاً، حَسَنَ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ، فَضَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَلَى ابْنِ القَاسِمِ فِي الرَّأْيِ، فَذُكِرَ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ الأَنْدَلُسِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ لأَنَّهُ لاَزَمَ أَشْهَبَ، وَكَانَ أَخْذُه عَنْهُ أَكْثَرَ، وَابْنُ القَاسِمِ عِنْدَنَا أَفْقَهُ فِي البُيُوعِ وَغَيْرِهَا (2) . وَقِيْلَ: كَانَ أَشْهَبُ عَلَى خَرَاجِ مِصْرَ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ وَحَشَمٍ.   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 447. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 448. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 501 قَالَ سُحْنُوْنُ: رَحِمَ اللهُ أَشْهَبَ، مَا كَانَ يَزِيْدُ فِي سَمَاعِه حَرفاً وَاحِداً (1) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لَمْ يُدرِكِ الشَّافِعِيُّ إِذْ قَدِمَ مِصْرَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلاَّ أَشْهَبَ، وَابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ (2) . قُلْتُ: وَأَدْرَكَ ابْنَ الفُرَاتِ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ. قَالَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: أَشْهَبُ أَفْقَهُ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ مائَةَ مَرَّةٍ (3) . وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَشْهَبَ يَدعُو فِي سُجُوْدِه عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالمَوْتِ، فَمَاتَ -وَاللهِ- الشَّافِعِيُّ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَمَاتَ أَشْهَبُ بَعْدَهُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَاشْتَرَى مِنْ تَرِكَةِ الشَّافِعِيِّ عَبداً، اشْتَرَيْتُهُ أَنَا مِنْ تَرِكَةِ أَشْهَبَ (4) . قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ (5) . قُلْتُ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ أَخْذُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ أَشْهَبَ أَكْثَرَ -يَعْنِي: مِنْ أَخْذِهِ عَنِ ابْنِ القَاسِمِ- فِيْهِ نَظَرٌ، فَمَا عَلِمتُهُ أَخَذَ عَنْهُ، إِنَّمَا لَحِقَ   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 448. (2) " الديباج المذهب " 1 / 307. (3) " ترتيب المدارك " 2 / 448. (4) " ترتيب المدارك " 2 / 453، و" وفيات الأعيان " 1 / 239، وروى عياض في " المدارك " عن الربيع بن سليمان المرادي، قال: سمعنا أشهب يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي وإلا ذهب علم مالك، فبلغ ذلك الشافعي فأنشأ يقول: تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تهيأ لاخرى مثلها فكأن قد (5) " وفيات الأعيان " 1 / 239. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 502 ابْنَ وَهْبٍ، وَقَدْ لَحِقَ ابْنَ القَاسِمِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ، فَلَعَلَّهُ بِاعتِنَاءِ وَالِدِه أَخَذَ شَيْئاً يَسِيْراً عَنْهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَدُعَاءُ أَشْهَبَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ بَابِ كَلاَمِ المُتَعَاصِرِيْنَ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ، لاَ يُعْبَأُ بِهِ، بَلْ يُتَرَحَّمُ عَلَى هَذَا، وَعَلَى هَذَا، وَيُستَغْفَرُ لَهُمَا، وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ، أَوَّلُهُ مَوْتُ عُمَرَ (1) ، وَآخِرُهُ رَأَينَاهُ عَيَاناً، وَكَانَ يُقَالُ لِعُمَرَ: قِفْلُ الفِتْنَةِ. 191 - إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ أَبُو نُعَيْمٍ التُّجِيْبِيُّ * (س) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، فَقِيْهُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَقَاضِيهَا، أَبُو نُعَيْمٍ التُّجِيْبِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، تِلْمِيْذُ مَالِكٍ الإِمَامِ، لَيْسَ هُوَ بِدُوْنِ ابْنِ القَاسِمِ. حَدَّثَ عَنْ: حُمَيْدِ بنِ هَانِئ - وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ - وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَحْشَلٌ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَجَمَاعَةٌ. رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ باخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ الفُرَاتِ (2) .   (1) فقد تمنى موته أناس ممن كانوا تحت إمرته لما كان يأخذهم به رضي الله عنه من العدل وسلوك الجادة. (*) الجرح والتعديل 2 / 231، ترتيب المدارك 2 / 459، تهذيب الكمال: لوحة 89، تذهيب التهذيب 1 / 57 / 2، العبر 1 / 344 - 345، ميزان الاعتدال 1 / 195، الكاشف 1 / 112، دول الإسلام 1 / 127، الديباج المذهب 1 / 298، تهذيب التهذيب 1 / 246، حسن المحاضرة 1 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 29، شذرات الذهب 2 / 11. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 459، و" الديباج المذهب " 1 / 298. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 503 وَقَالَ بَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بِبَلَدِكُم أَحَداً يُحْسِنُ العِلْمَ إِلاَّ إِسْحَاقَ بنَ الفُرَاتِ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً أَفْضَلَ مِنْهُ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ: قرَأَ عَلَيْنَا إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ (مُوَطَّأَ مَالِكٍ) مِنْ حِفْظِهِ، فَمَا أَسقَطَ مِنْهُ حَرفاً - فِيْمَا أَعْلَمُ (3) -. وَعَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (4) . قُلْتُ: هُوَ إِسْحَاقُ بنُ الفُرَاتِ بنِ الجَعْدِ بنِ سُلَيْمٍ، مَوْلَى الأَمِيْرِ مُعَاوِيَةَ بنِ حُدَيْجٍ، وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ نِيَابَةً عَنِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ. سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ لَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ (5) . قَالَ ابْنُ الذَّهَبِيِّ: مَا هُوَ بِمَشْهُوْرٍ بِالحَدِيْثِ، بَلَى هُوَ مَشْهُوْرٌ بِالإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ، عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي ثَانِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ (6) . قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ قَبْلَهُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَشْهَبُ بِمِصْرَ، فَمِثْلُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ إِذَا خَلَتْ مِنْهُم مَدِيْنَةٌ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ بَانَ عَلَيْهَا النَّقْصُ. وَمَاتَ: حَافِظُ البَصْرَةِ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَالِمُ مَرْوَ: النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَشَيْخُ النَّسَبِ: هِشَامُ   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 459. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 89. (3) " ترتيب المدارك " 2 / 459. (4) " تهذيب الكمال ": لوحة 89. (5) " الجرح والتعديل " 2 / 231. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 89. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 504 ابْنُ الكَلْبِيِّ، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ: أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَعِدَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ. 192 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ غَزْوَانَ اليَشْكُرِيُّ * (د، ت) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ اليَشْكُرِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ مَرْوَ. سَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَجُوَيْبِرِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي المُنِيْبِ العَتَكِيِّ، وَشُعْبَةَ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ، وَأَحْمَدُ زَاجٌ، وَأَهْلُ مَرْوَ. ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَالحَاكِمُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ أَبِي خَالِدٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فِي المُحَرَّمِ. 193 - يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ أَبُو زَكَرِيَّا السَّيْلَحِيْنِيُّ ** (م، 4) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو زَكَرِيَّا السَّيْلَحِيْنِيُّ. وَالسَّالِحِيْنُ: مَنْ قُرَى العِرَاقِ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 29، التاريخ الصغير 2 / 308، تهذيب الكمال: لوحة 838، تذهيب التهذيب 2 / 240 / 2، الكاشف 2 / 198، تهذيب التهذيب 6 / 336، خلاصة تذهيب الكمال: 239. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 340، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3228، التاريخ الكبير 8 / 259، الجرح والتعديل 9 / 126، تاريخ بغدد 14 / 157، تهذيب = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 505 وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ حَيَّانَ - أَخِي مُقَاتِلٍ - وَمُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ، وَارْتَحَلَ إِلَى الآفَاقِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي غَرَزَةَ الغِفَارِيِّ بنِ مُلاَعِبٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: شَيْخٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ، سَمِعَ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً لِحَدِيْثه، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (2) . زَادَ غَيْرُهُ: فِي شَعْبَانَ. قُلْتُ: مَنْ أَغرِبِ مَا جَاءَ بِهِ، حَدِيْثُهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ أُذُنَيِ القَلْبِ. خَالَفَهُ: مُسَدَّدٌ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسْرَائِيْلَ، فَرَوَوْهُ عَنْ: عَبْدِ   = الكمال: لوحة 1484، تذهيب التهذيب 4 / 147 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 376، الكاشف 3 / 249، تهذيب التهذيب 11 / 176، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 27. (1) " تاريخ بغداد " 14 / 158. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 340. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 506 اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ مُرْسَلاً. وَرَوَاهُ هَكَذَا: أَبُو دَاوُدَ فِي المَرَاسِيْلِ. قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، عَنِ السَّيْلَحِيْنِيِّ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ المِسْكِيْنُ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنْكِرُ حَدِيْثَ مُبَارَكٍ، عَنِ الحَسَنِ فِي حَلِّ العُقَدِ فِي القَبْرِ -يَعْنِي: عَنِ السَّيْلَحِيْنِيِّ (2) -. قُلْتُ: هُوَ حُجَّةٌ، صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَلاَ تَنْزِلُ رِوَايَةُ حَدِيْثِهِ عَنْ دَرَجَةِ الحَسَنِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. 194 - بِشْرُ بنُ بَكْرٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ * (خَ، د، س، ق) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ يَقُوْلُه. حَدَّثَ عَنْ: الأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدَةَ بِنْتِ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الحِمْصِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ، وَابْنُ وَهْبٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالشَّافِعِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَالحَارِثُ بنُ أَسَدٍ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 158. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 158، وانظر " سنن البيهقي " 3 / 407. (*) التاريخ الكبير 2 / 70، التاريخ الصغير 2 / 304، الجرح والتعديل 2 / 352، تهذيب الكمال: لوحة 148، تذهيب التهذيب 1 / 83 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 314، الكاشف 1 / 154، تهذيب التهذيب 1 / 443، حسن المحاضرة 1 / 284، خلاصة تذهيب الكمال: 48. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 507 الهَمْدَانِيُّ لاَ المُحَاسِبِيُّ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ. وَكَذَا وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ (1) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَكْثَرُ مَقَامِهِ بِتِنِّيْسَ وَدِمْيَاطَ، وَبِدِمْيَاطَ تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) . قَالَ الخَطِيْبُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ بنُ شُعَيْبٍ الكَيْسَانِيُّ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . 195 - ابْنُ كُنَاسَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ * (س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، البَارِعُ، الأَدِيْبُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْفَةَ بنِ زُهَيْرِ بنِ نَضْلَةَ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ. وَكُنَاسَةُ: لَقَبٌ لِجَدِّه عَبْدِ الأَعْلَى. وَقِيْلَ: لَقَبٌ لأَبِيْهِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ لَقَباً لَهُمَا. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 148. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 148. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 148. (*) التاريخ لابن معين: 523، طبقات ابن سعد 6 / 401، التاريخ الكبير 1 / 135، المعارف: 543، الجرح والتعديل 7 / 300، الاغاني 13 / 337 - 346، تاريخ بغداد 5 / 404، تهذيب الكمال: لوحة 1220، تذهيب التهذيب 3 / 218 / 1، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 3 / 592، الكاشف 3 / 61، لوافي بالوفيات 4 / 377، تهذيب التهذيب 9 / 259، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 2 / 17. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 508 وَعَبْدِ اللهِ بنِ شُبْرُمَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ الكَلْبِيِّ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ يِهَابٍ، وَالرَّمَادِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَالعِجْلِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَاحِبَ أَخْبَارٍ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ، لَهُ عِلْمٌ بِالعَرَبِيَّةِ، وَالشِّعْرِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ الزَّاهِدِ. قَالَ السَّدُوْسِيُّ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (2) . وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: مُطَيَّنٌ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ - فَوَهِمَ هُوَ أَوِ النَّاسِخُ - فَقَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ (3) . وَلابْنِ كُنَاسَةَ كِتَابُ (الأَنْوَاءِ) ، وَكِتَابُ (مَعَانِي الشِّعْرِ) ، وَكِتَابُ (سَرِقَاتِ الكُتُبِ مِنَ القُرْآنِ (4)) . وَلَهُ فِي ابْنِهِ يَحْيَى: وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا وَلَمْ يَكُنْ ... إِلَى قَدَرِ الرَّحْمَنِ فِيْهِ سَبِيْلُ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 300. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 407. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 408. (4) " الوافي بالوفيات " 4 / 377. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 509 تَفَاءلْتُ - لَوْ يُغنِي التَّفَاؤُلُ - بِاسْمِهِ ... وَمَا خِلْتُ فَالاً قَبْلَ ذَاكَ يَفِيْلُ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيْهِ؛ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ (1)) . تَفَرَّد بِهِ: ابْنُ كُنَاسَةَ هَكَذَا. وَأَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجَوَيْه، عَنْهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، رَوَاهُ: الحُفَّاظُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلاً، وَرَوَاهُ: زَيْدُ بنُ الحَرِيْشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً، بِنَحْوِهِ. 196 - مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَّانٍ الأَسَدِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ   (1) هو في " حلية الأولياء " 2 / 180، وأخرجه أحمد 1 / 165، وابن سعد 1 / 439، والنسائي 8 / 137، من طريق محمد بن كناسة بهذا الإسناد، وهذا سند رجاله ثقات، لكن اختلف فيه على هشام بن عروة، فرواه النسائي من طريق عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، وقال عن الطريقين: كلاهما غير محفوظ، وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد 2 / 261 و499، وابن سعد 1 / 439، والترمذي (1751) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنه، وهذا سند حسن. (*) تاريخ ابن معين: 556، التاريخ الكبير 7 / 373، التاريخ الصغير 2 / 317، تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1 / 284، 285، الجرح والتعديل 8 / 375، تاريخ دمشق لابن عساكر 11 / 180 / 1 - 181 / 1، تهذيب الكمال: لوحة 1315، تذهيب التهذيب 4 / 30 / 2 العبر 1 / 359، ميزان الاعتدال 4 / 93، تذكرة الحفاظ 1 / 348، تهذيب التهذيب 10 / 95، طبقات الحفاظ: 157، خلاصة تذهيب الكمال: 319، شذرات الذهب 2 / 24. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 510 الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الطَّاطَرِيُّ. وَالطَّاطَرِيُّ: هُوَ الخَامِيُّ، وَهُوَ البَطَائِنِيُّ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: كُلُّ مَنْ بَاعَ الثِّيَابَ الكَرَابِيْسَ بِدِمَشْقَ، يُقَالُ لَهُ: الطَّاطَرِيُّ. فَعَنْ مَرْوَانَ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، عَامَ الكَوَاكِبِ (1) . حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ حِصْنِ بنِ عِلاَقٍ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُرِّيِّ، وَرِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَصَخْرِ بنِ جَنْدَلٍ البَيْرُوْتِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حَوْشَبٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ التُّرْقُفِيُّ (2) ، وَهَارُوْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ نَاصِحٍ المَصِّيْصِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَوَلَدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْوَانَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ (3) .   (1) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 284، وقال خليفة وابن الأثير في حوادث سنة (147) : وفي هذه السنة تناثرت النجوم. (2) هو عباس بن عبد الله بن أبي عيسى الترقفي نسبة إلى ترقف: مدينة من أعمال واسط. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 375. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 511 قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ مُعَاوِيَةَ الهَاشِمِيُّ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثَ طَبَقَاتٍ، أَحَدُهَا طَبَقَةُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَخشَعَ مِنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ (1) . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً خَيْراً مِنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ. قِيْلَ لَهُ: وَلاَ مُعَلِّمُهُ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ؟ قَالَ: وَلاَ مُعَلِّمُهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ عَلَى بَيْتِ المَالِ، وَلاَ يَحْيَى لأَنَّهُ كَانَ عَلَى القَضَاءِ (2) . قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ سَيِّداً، إِمَاماً. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَهَدِيَّة ُبِنْتُ عَلِيٍّ، وَابْنُ قُدَامَةَ الحَاكِمُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ بنِ العَبَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ، قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَتَمَّ مِنْ هَذَا.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1316. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1316. (3) " التاريخ الصغير " 2 / 317. (4) رقم (477) في الصلاة: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، وأخرجه أبو = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 512 197 - شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الفَزَارِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو الفَزَارِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَدَائِنِيُّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ عَامِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَوَرْقَاءَ، وَسُفْيَانَ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مُرْجِئٌ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: قِيْلَ لِشَبَابَةَ: أَلَيْسَ الإِيْمَانُ قَوْلاً وَعَمَلاً؟ قَالَ:   = داود (847) في الصلاة: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، والنسائي 2 / 198 و199 في الافتتاح: باب ما يقول في قيامه ذلك، من طرق عن سعيد بن عبد العزيز بهذا الإسناد، وقوله: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " قال القرطبي: رواه الجمهور بفتح الجيم في اللفظين، وهو بمعنى الحظ والبخت، ومعناه لا ينفع من رزق مالا وولدا وجاها دنيويا شيء من ذلك عندك، وهذا كما قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) . (*) تاريخ ابن معين: 247، طبقات ابن سعد 7 / 340، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة: ت 3176، التاريخ الكبير 4 / 270، التاريخ الصغير 2 / 308، المعارف: 527، الجرح والتعديل 4 / 392، الكامل لابن عدي 2 / 395، تاريخ بغداد 9 / 295، تهذيب الكمال: لوحة 570، تذهيب التهذيب 2 / 69 / 1، العبر 1 / 349، ميزان الاعتدال 2 / 260، تذكرة الحفاظ 1 / 361، الكاشف 2 / 3، تهذيب التهذيب 4 / 300، خلاصة تذهيب الكمال: 168، شذرات الذهب 2 / 15. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 513 إِذَا قَالَ، فَقَدْ عَمِلَ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَجَعَ شَبَابَةُ عَنِ الإِرْجَاءِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ يَوْماً: مَا فَعَلَ ذَاكَ الغُلاَمُ الجَمِيْلُ؟ يَعْنِي: شَبَابَةَ (3) . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: خَرَجَ شَبَابَةُ إِلَى مَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ دَاعِيَةً إِلَى الإِرْجَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ (5) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: يُقَالُ: اسْمُهُ مَرْوَانُ، وَلَقَبُهُ شَبَابَةُ (6) . وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: تَرَكتُهُ لِلإِرْجَاءِ (7) . وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: فَشَبَابَةُ فِي شُعْبَةَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ (8) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرَى الإِرْجَاءَ، وَلاَ يُنْكَرُ لِمَنْ سَمِعَ أُلُوْفاً أَنْ يَجِيْءَ بِخَبَرٍ غَرِيْبٍ (9) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 299. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 299. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 295. (4) " المعارف ": 527. (5) " الجرح والتعديل " 4 / 392. (6) " الكامل " لابن عدي 2 / 395. (7) " تهذيب الكمال ": لوحة 571. (8) " تهذيب الكمال " لوحة 571. (9) " تاريخ بغداد " 9 / 297. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 514 قَالَ طَائِفَةٌ: مَاتَ شَبَابَةُ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَبْرٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّتِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهَا يَقُوْلُ: أَهَلَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ (1) . قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَذَكَرَ شَبَابَةَ - فَقَالَ: رَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَدَ فِي الخَمْرِ. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، رَوَاهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ (2) . قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: وَرَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْمَر الدِّيْلِيّ فِي الدُّبَّاءِ. فَقَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا رَوَى شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ حَدِيْثَ الحَجِّ.   (1) انظر البخاري 3 / 431 و432 في الحج: باب من ساق البدن معه، ومسلم (1227) و (1228) . وقال ابن القيم في " زاد المعاد " 2 / 107: وإنما قلنا: إنه: صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا لبضعة وعشرين حديثا صريحة في ذلك، ثم سردها، وخرجناها هناك، فانظرها فيه 2 / 107، 117. (2) روى حديث الجلد في الخمر من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس البخاري 12 / 54 في الحدود: باب ما جاء في ضرب شاربي الخمر، ومسلم (1706) في الحدود: باب حد الخمر، والترمذي (1443) ، وقد قال الحافظ في " الفتح " 12 / 54 عن السند الذي فيه الحسن بين قتادة وأنس بعد أن نسبه للنسائي: إنه من المزيد في متصل الأسانيد. (3) في الأصل: حديث الحديث، والصواب ما أثبت، قال الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 1 / 442، 443: حديث شبابة، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن معمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء، والمزفت، فإن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الدباء والمزفت صحيح ثابت عنه، رواه عنه جماعة كثيرون من أصحابه، وأما رواية عبد الرحمن = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 515 وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُنْتُ كَتَبتُ عَنْ شَبَابَةَ قَدِيْماً شَيْئاً يَسِيْراً قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ يَقُوْلُ: بِهَذَا -يَعْنِي: الإِرْجَاءَ (1) -. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُنْكِرُ حَدِيْثَ شَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْنٍ، قَالَ: كَانَ يُنْتَبَذُ لِعَبْدِ اللهِ فِي جرٍّ. وَذَكَرَ العُقَيْلِيُّ: أَنَّ شَبَابَةَ قَدِمَ مِنَ المَدَائِنِ لِلَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَكَانَتِ الرُّسُلُ تَخْتَلِفُ بَيْنَهُمَا. قَالَ النَّاقِلُ: فَرَأَيْتُ شَبَابَةَ تِلْكَ الأَيَّامَ مَغْمُوْماً مَكْرُوْباً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَلِحَ أَمرُه عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (2) . 198 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدِ بنِ ذَكْوَانَ التَّمِيْمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو سَهْلٍ التَّمِيْمِيُّ، العَنْبَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، التَّنُّوْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِتَصَانِيْفِهِ. وَعَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ   = بن يعمر عنه فغريبة جدا، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد، تفرد بها شبابة، عن شعبة، عن بكير ابن عطاء عنه، وعند شعبة بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحج عرفة " في حديث ذكره، فهذا المتن هو الذي يعرف بهذا الإسناد، وأما حديث النهي عن الدباء والمزفت، فهو بهذا الإسناد غريب جدا، وقد أنكره على شبابة طوائف من الأئمة، منهم الامام أحمد، والبخاري وأبو حاتم، وابن عدي، وأما ابن المديني، فإنه سئل عنه، فقال: لا ينكر لمن سمع من شعبة - يعني حديثا كثيرا - أن تفرد بحديث غريب. (1) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 185. (2) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 185. (*) تاريخ ابن معين: 364، طبقات ابن سعد 7 / 300، التاريخ الكبير 6 / 105، التاريخ الصغير 2 / 307، الجرح والتعديل 6 / 50 تهذيب الكمال: لوحة 835، تذهيب التهذيب 2 / 238 / 2، العبر 1 / 352، تذكرة الحفاظ 1 / 344، الكاشف 2 / 196، تهذيب التهذيب 6 / 327، النجوم الزاهرة 2 / 184، طبقات الحفاظ / 143، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب 2 / 107. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 516 عَمَّارٍ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَرَبِيْعَةَ بنِ كُلْثُوْمٍ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَشُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَحَرْبِ بنِ شَدَّادٍ، وَحَرْبِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَحَرْبِ بنِ أَبِي العَالِيَةِ، وَخَلْقٍ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ، وَبُنْدَارُ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ الوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا: 199 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ حَسَّانٍ المَرْوَزِيُّ * فَهُوَ: أَبُو يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، قَاضِي هَرَاةَ. حَدَّثَ عَنْ: زَائِدَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَالكُوْفِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الذُّهْلِيّ أَيْضاً، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ. مَاتَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 105، ميزان الاعتدال 2 / 260، لسان الميزان 4 / 20. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 517 و َ200 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ النُّعْمَانِ * شَيْخٌ، بَغْدَادِيٌّ، بَزَّازٌ. رَوَى عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَتَمْتَامٌ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ 216. 201 - قُرَادٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ الخُزَاعِيُّ ** (خَ، د، س، ت) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو نُوْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ الخُزَاعِيُّ - وَيُقَالُ: الضَّبِّيُّ - مَوْلاَهُمْ، المُلَقَّبُ: بِقُرَادٍ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ، وَلَهُ مَا يُنْكَرُ. حَدَّثَ عَنْ: عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ السَّعْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ   (*) تاريخ ابن معين: 364، الجرح والتعديل 6 / 51، ميزان الاعتدال 2 / 621، شذرات الذهب 2 / 36. (* *) العلل لأحمد: 257، تاريخ ابن معين: 355، طبقات ابن سعد 7 / 335، الجرح والتعديل 5 / 274، كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 305 - 306، تاريخ بغداد 10 / 252، تهذيب الكمال: لوحة 811، تذهيب التهذيب 2 / 224 / 2 العبر 1 / 352، ميزان الاعتدال 2 / 581، تذكرة الحفاظ 1 / 339، الكاشف 2 / 180، تهذيب التهذيب 6 / 247، النجوم الزاهرة 2 / 185، طبقات الحفاظ: 142، خلاصة تذهيب الكمال: 233، شذرات الذهب 2 / 17. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 518 أَبِي مَسَرَّةَ المَكِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ. قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: مَا كَتَبتُ عَنْ شَيْخٍ أَحَرَّ رَأْساً مِنْ أَبِي نُوْحٍ، إِنَّمَا كَانَ يَهْدِرُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَاقِلاً مِنَ الرِّجَالِ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ (4) : كَانَ يُخْطِئُ، يَتَخَالَجُ فِي القَلْبِ مِنْهُ؛ لِرِوَايَتِهِ عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قِصَّةَ المَمَالِيْكِ وَضَرْبِهِم. قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ لاَ يُحتَمَلُ فِي قِصَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَحِيْرَا بِالشَّامِ (5) . مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. احْتَجَّ بِهِ: البُخَارِيُّ.   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 253. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 253. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 253. (4) في كتاب " الثقات " كما صرح بذلك المزي في " تهذيب الكمال ": لوحة 811. (5) رواه الترمذي في " جامعه " (3624) في المناقب: باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق قراد عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأورده المؤلف بطوله في السيرة النبوية من " تاريخ الإسلام " 26، 28، وانتقده من جهة متنه، وقال: هو حديث منكر جدا، وانظر " البداية " 2 / 285 لابن كثير، و" تاريخ بغداد " 10 / 252، 253. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 519 202 - حُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ * (س) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ عَامِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ - أَوْ قَبْلَهُ -. سَمِعَ: ابْنَ جُرَيْجٍ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعِيْسَى بنَ طَهْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الغَسِيْلِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَطَبَقَتَهُم بِالحِجَازِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَالشَّامِ. وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَأَنْفَقَ أَمْوَالاً عَلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، وَحُمَيْدُ بنُ زَنْجَوَيْه، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكَرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ، المَأْمُوْنُ، شَيْخُ بَلَدِنَا فِي عَصرِهِ، كَانَ مِنْ أَسخَى النَّاسِ، وَأَورَعِهِم، وَأَقرَئِهِم لِلْقُرْآنِ. قَرَأَ عَلَى: الكِسَائِيِّ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ. وَكَانَ يَغْزُو فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِيْنَ مَرَّةً، وَيَحُجُّ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِيْنَ مَرَّةً (1) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 377، طبقات خليفة: ت 3155، التاريخ الكبير 2 / 391، التاريخ الصغير 2 / 300، الجرح والتعديل 3 / 66، تاريخ بغداد 8 / 143، تهذيب الكمال: لوحة 300، تذهيب التهذيب 1 / 160 / 1، العبر 1 / 339، الكاشف 1 / 235، تهذيب التهذيب 2 / 372، خلاصة تذهيب الكمال: 85، شذرات الذهب 2 / 6. (1) أن يحج الإنسان في كل خمس سنين مرة إن تيسر له ذلك من السنة، لما رواه ابن حبان في " صحيحه " (960) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 520 قَالَ عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ: حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، الَّذِي يُلَقَّبُ: بِكُمَيْلٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ثِقَةً ... ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً (1) . وَقِيْلَ: كَانَ يُطْعِمُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ الفَالُوْذَجَ، وَيَصِلُهُم، كَانَ مُحْتَشِماً، مُتَمَوِّلاً، جَوَاداً، فَقِيْهاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً (4) . 203 - صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ الأَمِيْر ُ أَبُو العَاصِ الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ الأُمَوِيُّ ابْنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُعَاوِيَةَ ابْنِ الخَلِيْفَةِ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.   = الله: إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ". (1) " تاريخ بغداد " 8 / 144. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 145. (3) " التاريخ الصغير " 2 / 300. (4) الحديث المعلق هو أن يسقط المحدث من أول إسناده راويا فأكثر، ويعزو الحديث إلى من فوق المحذوف، وربما أسقط الإسناد كله وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وما علقه البخاري بصيغة الجزم يحكم في الغالب بصحته، لأنه لا يجزم بذلك إلا وقد صح عنه، وما علقه بصيغة التمريض كيذكر ويروي فهو ضعيف غالبا. (*) أورد المؤلف ترجمته في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 225، وليس هو من تلك الطبقة، ولكنه ذكره هناك مع ما ذكر من أمراء الأندلس، وقد نبهنا على ذلك في المقدمة، وانظر مصادر ترجمته هناك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 521 تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَامْتَدَّتْ أَيَّامُه، وَيُلَقَّبُ: بِالمُرْتَضَى، لَكِنْ لَمْ يَتَّسَمَّ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ. وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، عَاتِياً، جَبَّاراً، دَاهِيَةً، سَائِساً. عَاشَ: خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ دَوْلَتُهُ: سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ (1) : كَانَ مُجَاهِراً بِالمَعَاصِي، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، يَأْخُذُ أَوْلاَدَ النَّاسِ المِلاَحَ، فَيَخْصِيْهِم، ثُمَّ يُمْسِكُهُم لِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَشْعَارٌ. قُلْتُ: هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ بِأَهْلِ الرَّبَضِ، وَهُوَ مَحَلَّةٌ مُتَّصِلَةٌ بِقَصْرِهِ، فَهَدَمَهَا، وَهَدَمَ مَسَاجِدَهَا، وَفَعَلَ بِأَهْلِ طُلَيْطِلَةَ (2) أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَظَاهَرَ بِالفِسْقِ وَالخُمُوْرِ، فَقَامَتِ الفُقَهَاءُ وَالكُبَرَاءُ، فَخَلَعُوْهُ فِي سَنَةِ (189) ، ثُمَّ إِنَّهُم أَعَادُوْهُ لَمَّا تَنَصَّلَ وَتَابَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ، فَقَتَلَ طَائِفَةً نَحْوَ السَّبْعِيْنَ مِنَ الأَعْيَانِ، وَصَلَبَهُم، وَكَانَ مَنْظَراً فَظِيعاً، فَلَعَنَهُ النَّاسُ، وَأَضمَرُوا الشَّرَّ، وَأَسْمَعُوْهُ المُرَّ، فَتَحَصَّنَ وَاسْتَعَدَّ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ يَطُولُ شَرحُهَا (3) ، إِلَى أَنْ هَلَكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو المُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (4) . 204 - يَحْيَى بنُ آدَمَ بنِ سُلَيْمَانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو زَكَرِيَّا الأُمَوِيُّ   (1) في كتابه " نقط العروس " كما نقل عنه في " المغرب " 1 / 44. (2) مدينة كبيرة في أواسط الأندلس بالقرب من " مدريد " الآن، فتحها طارق بن زياد سنة 714 هـ. (3) ذكرها المؤلف بطولها في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 227، وانظر " الكامل " لابن الأثير 6 / 337، و" نفح الطيب " 1 / 339 - 343. (4) أورد المؤلف ترجمته في الجزء الثامن من هذا الكتاب ص 231. (*) تاريخ ابن معين: 639، طبقات ابن سعد 6 / 402، تاريخ خليفة: 471، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 522 مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْ مَوَالِي خَالِدِ بنِ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ وَالِدَه، كَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهَذَا حَمْلٌ. رَوَى عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَالحَسَنِ بنِ حَيٍّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَمَّارِ بنِ رُزَيْقٍ، وَمُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهَلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَشَرِيْكٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقُطْبَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنِ بنِ عَيَّاشٍ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَجَوَّدَ عَنْهُ حُرُوْفَ عَاصِمٍ، وَلَمْ يَلْقَ شُعْبَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَحْيَى، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُوْسَى بنُ حِزَامٍ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدَةُ الصَّفَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ العَامِرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.   = طبقات خليفة: ت 1331، التاريخ الكبير 8 / 261، التاريخ الصغير 2 / 298، الجرح والتعديل 9 / 128، الفهرست لابن النديم: 283، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 150، تهذيب الكمال: لوحة 1484، تذهيب التهذيب 4 / 146 / 2، العبر 1 / 343، تذكرة الحفاظ 1 / 359، الكاشف 3 / 248، دول الإسلام 1 / 127، طبقات القراء 2 / 363، تهذيب التهذيب 11 / 175، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 420، شذرات الذهب 2 / 8. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 523 قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، فَقَالَ: يَحْيَى وَاحِدُ النَّاسِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يَتَفَقَّهُ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، فَقِيْهُ البَدَنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِنٌّ مُتَقَدِّمٌ، سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: يَرْحَمُ اللهُ يَحْيَى بنَ آدَمَ، أَيُّ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ! وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُطرِيْهِ. وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ يَعِيْشَ، سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ قَطُّ إِلاَّ ذَكَرتُ الشَّعْبِيَّ - يُرِيْدُ: أَنَّهُ كَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ (3) -. وَلَهُ حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، رَوَاهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَالحُلْوَانِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَالمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا حُدِّثْتُم عَنِّي حَدِيْثاً تَعْرِفُوْنَهُ وَلاَ تُنْكِرُوْنَهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَإِنِّي أَقُوْلُ مَا يُعْرَفُ وَلاَ يُنْكَرُ، وَإِذَا حُدِّثْتُم عَنِّي حَدِيْثاً تُنْكِرُوْنَهُ وَلاَ تَعْرِفُوْنَهُ، فَكَذِّبُوا بِهِ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَإِنِّي لاَ أَقُوْلُ مَا يُنْكَرُ، وَأَقُوْلُ مَا يُعْرَفُ) . أَخْرَجَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي صِحَّةِ هَذَا الحَدِيْثِ مَقَالٌ، لَمْ نَرَ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَلاَ غَرْبِهَا أَحَداً يَعْرِفُ هَذَا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ يَحْيَى، وَلاَ رَأَيْتُ مُحَدِّثاً يُثْبِتُ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1484. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 128. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1484. (4) نقله السيوطي في " مفتاح الجنة " ص 16، ثم نقل عن البيهقي في " المدخل، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 524 وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى مُرْسَلاً لِسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ. قُلْتُ: وَصْلُهُ قَوِيٌّ، وَالثِّقَةُ قَدْ يَغْلَطُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: كَانَ عُمَرُ فِي زَمَانِهِ رَأْسَ النَّاسِ، وَهُوَ جَامِعٌ، وَكَانَ بَعْدَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَبَعدَهُ: الشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَكَانَ بَعْدَ الثَّوْرِيِّ: يَحْيَى بنُ آدَمَ (1) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ يَحْيَى بنُ آدَمَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ كَمَا قَالَ فِي زَمَانِهِ. ثُمَّ كَانَ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ. ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُم فِي زَمَانِهِ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَبُو مُوْسَى، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. ثُمَّ كَانَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ. ثُمَّ: عَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوْقٌ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ، وَابْنُ المُسَيِّبِ. ثُمَّ: عُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَعِدَّةٌ. ثُمَّ: الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَتَادَةُ، وَأَيُّوْبُ. ثُمَّ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. ثُمَّ: الأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَشُعْبَةُ. ثُمَّ: مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. ثُمَّ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ وَهْبٍ.   = قوله: وهو مختلف على يحيى بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكره ويرسل الحديث، ومنهم من يقول في متنه: " إذا رويتم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله " وقال البخاري في " تاريخه ": ذكر أبي هريرة فيه وهم. وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " 1 / 258، ومحاولة السيوطي تعقبه خطأ ظاهر، وتساهل غير مرضي، فإن الحديث ظاهر البطلان لكل من مارس هذه الصناعة وخبر الأسانيد. (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1484. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 525 ثُمَّ: يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَعَفَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ. ثُمَّ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. ثُمَّ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ، وَالاجْتِهَادِ. قَالَ دَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ البَرَاءُ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: نَظَرْتُ، فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ -يَعْنِي: الأَسَانِيْدَ الصِّحَاحَ-. قَالَ: فَلأَهْلِ المَدِيْنَةِ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ. وَلأَهْلِ مَكَّةَ: عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ. وَلأَهْلِ البَصْرَةِ: قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ. وَلأَهْلِ الكُوْفَةِ: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشُ. ثُمَّ صَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ إِلَى أَصْحَابِ الأَصْنَافِ، مِمَّنْ صَنَّفَ: فَمِنَ المَدِيْنَةِ: مَالِكٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. وَمِنْ مَكَّةَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَمِنَ البَصْرَةِ: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَعْمَرٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَعْمَرٌ مِنَ السِّتَّةِ. وَمِنَ الكُوْفَةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَمِنَ الشَّامِ: الأَوْزَاعِيُّ. وَمِنْ وَاسِطَ: هُشَيْمٌ. قُلْتُ: أَغفَلَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَاللَّيْثَ، وَمَا هُمَا بِدُوْنِهِم. قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُ هَؤُلاَءِ إِلَى: يَحْيَى بن سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ. قُلْتُ: نَسِيَ ابْنَ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعاً، وَابْنَ وَهْبٍ، وَهُم مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ كِتَابُ (الخَرَاجِ (1)) لِيَحْيَى بنِ آدَمَ.   (1) وقد نشره لأول مرة المستشرق الدكتور " ث وجوينبول " سنة 1314 هـ بمطبعة بريل في مدينة ليدن عن أصل خطي يرجع تاريخه إلى أواخر القرن الخامس الهجري كما هو مبين في السماع المثبت عليه، ثم أعاد تحقيقه وشرحه العلامة أحمد محمد شاكر في سنة 1347 هـ وعنيت بنشره المطبعة السلفية بمصر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 526 وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ غَرِيْباً، بِبَلَدِ فَمِ الصِّلْحِ (1) ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، فِي النِّصْفِ مِنْهُ. قَيَّدَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ (2) ، وَذَكَرَ العَامَ: البُخَارِيُّ (3) ، وَأَبُو حَاتِمٍ (4) . أَخَذَ عَنْهُ قِرَاءةَ عَاصِمٍ: شُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَآخَرُوْنَ (5) . قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ عَنْ حُرُوْفِ عَاصِمٍ الَّتِي فِي هَذِهِ الكُرَّاسَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَحَدَّثَنِي بِهَا كُلِّهَا، وَقَرَأَهَا عَلَيَّ حَرفاً حَرفاً (6) . أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ المُؤَيَّدِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَامِرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ وَمِمَّا سُقِيَ بَعْلاً العُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ العُشْرِ (7) .   (1) مر التعريف بها في الصفحة 492 من هذا الجزءت (3) . (2) في " الطبقات الكبرى " 6 / 402. (3) في " التاريخ الكبير " 8 / 262. (4) في " الجرح والتعديل " 9 / 128. (5) " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 363. (6) " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 363. (7) سنده حسن، وهو في كتاب " الخراج " ص 115، وأخرجه ابن ماجة (1818) في الزكاة: باب صدقة الزروع والثمار، من طريق الحسن بن علي بن عفان، عن يحيى بن آدم بهذا الإسناد، وأخرجه النسائي 5 / 42 في الزكاة: باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 527 هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحٌ، جَيِّدُ الإِسْنَادِ، لَكِنْ فِيْهِ إِرسَالٌ بَيْنَ مَسْرُوْقٍ، وَمُعَاذٍ. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه، عَنِ (1) الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ فَادشَاه، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بنِ سُفْيَانَ، قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الغَارِ، قَالَ: لاَ تَدْخُلْ يَا رَسُوْلَ اللهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَهُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الغَارَ، فَأَصَابَ يَدَهُ شَيْءٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ أُصْبُعِهِ، وَيَقُوْلُ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيْتِ ... وَفِي سَبِيْلِ اللهِ مَا لَقِيْتِ (2)   = العشر، من طريق هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش به، وأخرجه الدارمي 1 / 393 من طريق عاصم بن يوسف، عن أبي بكر بن عياش به، وأخرجه أحمد 5 / 233 من طريق سليمان بن داود الهاشمي، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ، فأسقط مسروقا. وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 3 / 274، 276، وأبي داود (1596) ، والنسائي 5 / 41، وابن ماجة (1817) ، وعن جابر عند مسلم (981) ، والنسائي 5 / 41، 42، وعن أبي هريرة عند الترمذي (639) ، وابن ماجة (1816) . والدوالي: جمع دالية: شيء يتخذ من خوص وخشب يستقى به بحبال تشد في رأس جذع طويل. (1) في الأصل: ابن ماجة والحسن ... والصواب ما أثبتناه. (2) عبد الله بن جعفر: هو ابن أحمد بن فارس المتوفى سنة 346 هـ، مترجم في " تاريخ أصبهان " لأبي نعيم 2 / 80، ووصفه الذهبي في " العبر " 2 / 272، بمحدث أصبهان الرجل الصالح، ومحمد بن عاصم هو الثقفي الأصبهاني العابد المتوفى سنة 262 هـ، قال إبراهيم أورمة: ما رأى مثل نفسه، ولا رأيت مثله، مترجم في " التهذيب " 9 / 240، 241، و" تاريخ أصبهان " 2 / 189، وباقي رجال السند ثقات، وجندب بن سفيان: هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي. وقد نسبه الزرقاني في " شرح المواهب " 1 / 336 إلى ابن مردويه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 528 وَبِهِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: المِيْلُ: ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مائَةِ ذِرَاعٍ، إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. وَالفَرْسَخُ: ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ. وَالبَرِيْدُ: اثْنَا عَشَرَ مِيْلاً. قَالَ هِشَامُ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ آدَمَ: يَجِيْئُنِي الرَّجُلُ مِمَّنْ أُبْغِضُهُ وَأَكرَهُ مَجِيْئَهُ، فَأَقرَأُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مَعَهُ لأَسْتَرِيْحَ مِنْهُ وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجَيءُ الرَّجُلُ أَوَدُّه، فَأُرَدِّدُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيَّ. 205 - أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (ع) ابْنِ الزُّبَيْرِ بنِ عُمَرَ بنِ دِرْهَمٍ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المُجَوِّدُ، أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعِيْسَى بنِ طَهْمَانَ - صَاحِبِ أَنَسٍ - وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَمِسْعَرٍ، وَسَعْدِ بنِ أَوْسٍ العَبْسِيِّ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَرَبَاحِ بنِ أَبِي مَعْرُوْفٍ، وَحَمْزَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُمَيْعٍ، وَسُفْيَانَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ طَاهِرٌ، وَأَحْمَدُ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي   (*) تاريخ ابن معين: 523، طبقات ابن سعد 6 / 402، طبقات خليفة: ت 1334. التاريخ الكبير 1 / 133، التاريخ الصغير 2 / 298، المعارف: 517، الجرح والتعديل 7 / 297، تهذيب الكمال: لوحة 1218، تذهيب التهذيب 3 / 217 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 595 - 596، العبر 1 / 341، تذكرة الحفاظ 1 / 357، الكاشف 3 / 60، الوافي بالوفيات 3 / 303، شرح العلل لابن رجب 2 / 539، تهذيب التهذيب 9 / 254، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 344. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 529 شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: قَالَ لِي أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: أَنَا لاَ أُبَالِي أَنْ يُسْرَقَ لِي كِتَابُ سُفْيَانَ، إِنِّيْ أَحْفَظُه كُلَّهُ. ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ: أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ صَدُوْقٌ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً، مَشْهُوْرٌ بِالطَّلَبِ، ثِقَةٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، كَانَ صَدِيْقَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَسَمَاعُهُمَا قَرِيْبٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَسَنُّ مِنْهُ، وَأَقدَمُ سَمَاعاً (1) . وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ: كَانَ كَثِيْرَ الخَطَأِ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ (2) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، يَتَشَيَّعُ (3) . وَقَالَ بُنْدَارُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، عَابِدٌ، مُجْتَهِدٌ، لَهُ أَوهَامٌ (5) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.   (1) تهذيب الكمال ": لوحة 1218. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218. (4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1218. (5) " الجرح والتعديل " 7 / 297. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 530 وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، فَكَانَ إِذَا تَسَحَّرَ بِرَغِيْفٍ، لَمْ يُصَدَّعْ، فَإِذَا تَسَحَّرَ بِنِصْفِ رَغِيْفٍ، صُدِعَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَحَّرْ، صُدِعَ يَوْمَهُ أَجْمَعَ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَبُو أَحْمَدَ حَبَّالاً، يَبِيْعُ الحِبَالَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ بِالأَهْوَازِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ. زَادَ مُطَيَّنٌ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ مَرَّتَيْنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ القَوَارِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ سَمِعَ عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوْفَيْنِ. هَذَا حَدِيْثٌ مِنَ الأَفرَادِ، يَرْوِيْهِ النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَكَ سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاتِيْلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الرَّبَعِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 1219. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 531 اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَلِيّاً، وَإِنَّ وَلِيِّيَ إِبْرَاهِيْمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-) . غَرِيْبٌ جِدّاً. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ. وَلَهُ عِلَّةٌ، فَرَوَاهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، بِإِسقَاطِ مَسْرُوْقٍ مِنْهُ. 206 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، قَاضِي البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، ثُمَّ النَّجَّارِيُّ، البَصْرِيُّ. سَمِعَهُ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزِيُّ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.   (1) رجاله ثقات، أخرجه الترمذي (2995) والبزار والطبري (7216) من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن أبيه به. قال البزار: ورواه غير أبي أحمد الزبيري عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله، ولم يذكر مسروقا، وكذا رواه الترمذي من طريق وكيع عن سفيان، ثم قال: وهذا أصح، وتعقبه ابن كثير 1 / 372، فقال: لكن رواه وكيع في " تفسيره " فقال: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..فذكره. قلت: ولم ينفرد أبو أحمد الزبيري بوصله، بل تابعه على ذلك محمد بن عبيد الطناقسي عند الحاكم 2 / 292 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأبو الاحوص سلام بن سليم عند سعيد بن منصور فيما ذكره ابن كثير 1 / 372، وكلاهما ثقة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 294، التاريخ الصغير 2 / 331، المعارف: 384 و520، أخبار القضاة 2 / 154، 155، 157، 160، الضعفاء للعقيلي: لوحة 384، الجرح والتعديل 7 / 305، مشاهير علماء الأمصار: ت 1287، تاريخ بغداد 5 / 408 - 412، تهذيب الكمال: لوحة 1224، تذهيب لتهذيب 3 / 221 / 1، العبر 1 / 367، تذكرة الحفاظ 1 / 371، الكاشف 3 / 64، دول الإسلام 1 / 131، الوافي بالوفيات 3 / 303، تهذيب التهذيب 9 / 274، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال: 346، شذرات الذهب 2 / 35. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 532 وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ شَابٌّ. فَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَسَعِيْدٍ الجُرَيْرِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُدَّانِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَأَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ المَكِّيِّ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الأَخْنَسِ، وَعُيَيْنَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَوْشَنٍ، وَشُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: زُفَرَ الفَقِيْهِ، وَسَعْدِ بنِ الصَّلْتِ القَاضِي. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَالفَلاَّسُ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَقُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الخَنَاجِرِ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ الصَّغِيْرُ، وَأَبُو عُمَيْرٍ عَبْدُ الكَبِيْرِ - وَلَدُهُ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيْه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي قُرَيْشٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ. رَوَى: الأَحْوَصُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَيْضاً: لَمْ أَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ إِلاَّ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 305. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 533 ثَلاَثَةً: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: تَغَيَّرَ تَغَيُّراً شَدِيْداً. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: هُوَ رَجُلٌ جَلِيْلٌ، عَالِمٌ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُم مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ مِثْلَ يَحْيَى القَطَّانِ وَنُظَرَائِهِ، غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ (1) . وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ يَلِيقُ بِهِ القَضَاءُ. قِيْلَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، فَالحَدِيْثُ؟ فَقَالَ: إِنَّ لِلْحَرْبِ أَقْوَاماً لَهَا خُلِقُوا ... وَلِلدَّوَاوِيْنِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ (2) وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: أَنْكَرَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، عَنْ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ (3) . وَقِيْلَ: وَهِمَ فِيْهِ الأَنْصَارِيُّ. رَوَاهُ: سُفْيَانُ بنُ   (1) " تاريخ بغداد " 5 / 410، 411. (2) أورده ابن عدي في " الكامل " لوحة 235، وهو في " تاريخ بغداد " 5 / 411. (3) هو في " سنن الترمذي " رقم (776) في الصوم: باب ما جاء من الرخصة في الحجامة للصائم، من طريق أبي موسى عن محمد بن عبد الله الأنصاري بهذا الإسناد لكن بإسقاط لفظة " محرم " وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه فيما قاله العيني في " العمدة " النسائي بإسناد الترمذي بتمامه، وقال: هذا حديث منكر لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري، ولعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وأخرجه البخاري 4 / 155 في الصوم: باب الحجامة والقئ للصائم، من طريق معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، وتابعه عبد الوارث عن أيوب موصولا عند البخاري أيضا 10 / 125 في الطب، وأبي داود (2372) ، قال الحافظ: ورواه ابن علية ومعمر، عن أيوب، عن عكرمة مرسلا، واختلف على حماد بن زيد في وصله وإرساله، وقد بين ذلك = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 534 حَبِيْبٍ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ (1) مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (2) . لَكِنْ قَدْ رَوَى الأَنْصَارِيُّ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ هَكَذَا. وَقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا كَانَ يَضَعُ الأَنْصَارِيَّ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِلاَّ النَّظَرُ فِي الرَّأْيِ، وَأَمَّا السَّمَاعُ فَقَدْ سَمِعَ ... ، ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ بِضَعْفِهِ. وَقَالَ: ذَهَبَتْ لِلأَنْصَارِيِّ كُتُبٌ، فَكَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غُلاَمِهِ أَبِي حَكِيْمٍ (3) .   = النسائي، وقال مهنا: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: ليس فيه " صائم "، إنما هو " وهو محرم " ثم ساقه من طرق عن ابن عباس لكن ليس فيها طريق أيوب هذه، والحديث صحيح لامرية فيه وأخرجه أبو داود (2373) ، وابن ماجة (2682) من طريقين عن يزيد ابن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس. وراجع ما علقناه على " زاد المعاد " 2 / 60 لمعرفة النصوص المنبئة عن نسخ الفطر بالحجامة. (1) في الأصل " بن " وهو خطأ. (2) " تاريخ بغداد 5 / 409، 410، وفيه: وقال أبو خيثمة: أنكر معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري والثابت عن يزيد بن الأصم، وهو ابن خالة ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، أخرجه أحمد 6 / 335، وأبو داود (1843) من طريقين عن حماد ابن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة، عن ميمونة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف. وأخرجه الترمذي (845) ، وابن ماجة (1964) ، وأحمد 6 / 333، والطحاوي 2 / 270 عن جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها. والثابت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، أخرجه البخاري 4 / 45 في الحج: باب تزويج المحرم، وفي النكاح: باب نكاح المحرم ومسلم (1410) ، وفي الباب عن عائشة عند الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 442، وصححه ابن حبان (1271) ، وعن أبي هريرة عند الطحاوي. (3) وثمت نقول عن أحمد أوردها ابن القيم في " زاد المعاد " 2 / 62، 63 فراجعها فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 535 وَقَالَ الفَسَوِيُّ (1) : سُئِلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَنِ الحَدِيْثِ المَذْكُوْرِ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، إِنَّمَا أَرَادَ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ. الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ الخَيَّاطُ مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ نَصْرٍ المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المِنْقَرِيُّ، قَالَ: وَجَّهَ المَأْمُوْنُ إِلَى الأَنْصَارِيِّ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَقسِمُهَا بَيْنَ الفُقَهَاءِ بِالبَصْرَةِ، فَكَانَ هِلاَلُ بنُ مُسْلِمٍ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَكُنْتُ أَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ هِلاَلٌ: هِيَ لَنَا. وَقُلْتُ: بَلْ هِيَ لِي وَلأَصْحَابِي. فَاخْتَلَفْنَا، فَقُلْتُ لِهِلاَلٍ: كَيْفَ تَتَشَهَّدُ؟ فَقَالَ: أَوَ مِثْلِي يُسْأَلُ عَنِ التَّشَهُّدِ؟ فَتَشَهَّدَ عَلَى حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهِ؟ وَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ عِنْدَكَ؟ فَبَقِيَ هِلاَلٌ، وَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: تُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ، وَتُرَدِّدُ هَذَا الكَلاَمَ، وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَبِيِّكَ؟! بَاعَدَ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الفِقْهِ. فَقَسَمَهَا الأَنْصَارِيُّ فِي أَصْحَابِهِ (2) . البَيَانُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ: فَإِنَّ المِنْقَرِيَّ وَاهٍ. وَكَانَ الأَنْصَارِيُّ قَدْ أَخَذَ الفِقْهَ عَنْ: عُثْمَانَ البَتِّيِّ، وَسَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ العَنْبَرِيِّ، وَوَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ زَمَنَ الرَّشِيْدِ، بَعْدَ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَوَلِي بِهَا القَضَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ. فَعَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ (3) : أَنَّ الرَّشِيْدَ قَلَّدَهُ القَضَاءَ بِالجَانِبِ الشَّرقِيِّ بَعْدَ العَوْفِيِّ، فَلَمَّا وَلِيَ الأَمِيْنُ، عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى المَظَالِمِ، بَعْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ.   (1) " المعرفة والتاريخ " 3 / 7 - 8. (2) " المحدث الفاصل " 210 - 211، و" تاريخ بغداد " 5 / 409. (3) " المعارف ": 530. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 536 قَالَ ابْنُ مُثَنَّى: سَمِعْتُ الأَنْصَارِيَّ: كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ قَبْلَ اليَوْمِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ لاَ أَشرَبُ المَاءَ، وَاليَوْمَ أَشْرَبُ كُلَّ يَوْمَيْنِ، وَمَا أَتَيْتُ سُلْطَاناً قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا كَارِهٌ (1) . وَقِيْلَ: تَفَقَّهَ بِزُفَرَ، وَبأَبِي يُوْسُفَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ الأَنْصَارِيُّ بِالبَصْرَةِ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ أَسنَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَلَهُ (جُزْءٌ) مَشْهُوْرٌ مِنَ العَوَالِي، تَفَرَّدَ بِهِ التَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَ (جُزْءٌ) آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْهُ، سَمِعْنَاهُ مِنْ طَرِيْقِ السِّلَفِيِّ، وَ (جُزْءٌ) رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ المُهَلَّبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُهَلَّبِ المُهَلَّبِيُّ، وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (3)) ، وَمَا فِي شُيُوْخِ البُخَارِيِّ أَحَدٌ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلاَ أَعْلَى رِوَايَةً، بَلَى، لَهُ عِنْدَ البُخَارِيِّ نُظَرَاءُ، مِنْهُم: عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -رَحِمَهُمُ الله-. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَبَا عَاصِمٍ حَدَّثَهُم، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ   (1) " تاريخ بغداد " 5 / 411. (2) في " الطبقات " 7 / 295. (3) انظر الصفحة (369) من هذا الجزء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 537 يَدْخُلُهَا المَسَاكِيْنُ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا النِّسَاءُ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ وُجُوْهٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ. 207 - يَحْيَى بنُ كَثِيْرِ بنِ دِرْهَمٍ أَبُو غَسَّانَ العَنْبَرِيُّ (ع) مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ. عَنْ: قُرَّةَ، وَشُعْبَةَ، وَعَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ، وَسُلَيْمِ بنِ أَخْضَرَ، وَعُمَرَ بنِ العَلاَءِ المَازِنِيِّ. وَعَنْهُ: بُنْدَارُ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا:   (1) أخرجه البخاري 11 / 361 في الرقاق: باب صفة الجنة والنار، وفي النكاح: باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه، ومسلم (2736) في الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وهو في " المسند " 5 / 205 و209 و210. * التاريخ الكبير 8 / 300، التاريخ الصغير 2 / 297، الجرح والتعديل 9 / 183، تهذيب الكمال: لوحة 1514، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 2، الكاشف 3 / 266، تهذيب التهذيب 11 / 266، خلاصة تذهيب الكمال: 427. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 183. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 538 208 - يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ أَبُو النَّضْرِ * (ق) صَاحِبُ البَصْرِيِّ، أَبُو النَّضْرِ، فَوَاهٍ. رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ كَثِيْرُ بنُ يَحْيَى. خَرَّجَ لَهُ: ابْنُ مَاجَه (1) . 209 - أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ الحِمْصِيُّ ** (4) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَة ُ، أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، الحِمْصِيُّ، الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، أَخُو مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ. قِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِمَا مُوْسَى. وَقِيْلَ: مُحَمَّدٌ. حَدَّثَ أَحْمَدُ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ   (*) الضعفاء للعقيلي: لوحة 446، الجرح والتعديل 9 / 182، كتاب المجروحين 3 / 130، تهذيب الكمال: لوحة 1514، تذهيب التهذيب 4 / 163 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 403، تهذيب التهذيب 11 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 427. (1) حديثا واحدا برقم (431) عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين. وإسناده ضعيف لضعف يحيى هذا، وشيخه يزيد، وممن ضعف يحيى هذا: ابن معين، وقال عمرو بن علي الفلاس: لا يتعمد الكذب، إلا أنه يغلط ويهم، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: ضعيف الحديث، زاد أبو حاتم: ذاهب الحديث جدا، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم لا يجوز الاحتجاج به فيما انفرد به. (* *) التاريخ الكبير 2 / 2، التاريخ الصغير 2 / 331، الجرح والتعديل 2 / 49، تهذيب الكمال: لوحة 21، تذهيب التهذيب 1 / 10 / 2، الكاشف 1 / 56، تهذيب التهذيب 1 / 26، خلاصة تذهيب الكمال: 5. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 539 المَاجَشُوْنِ، وَعِدَّةٍ. وَلَمْ أَرَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1)) ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَأَخُوْهُ؛ يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ خَلِيٍّ، وَصَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو الصَّغِيْرُ، وَمُوْسَى بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، وَعِمْرَانُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَوْطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ الخَرَّازُ الأَدَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: مَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ. يَقَعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي كُتُبِ الطَّبَرَانِيِّ. أَخُوْهُ: 210 - مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ * (د، ق) ارْتَحَلَ، وَحَمَلَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ   (1) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإن البخاري لم يخرج له في " صحيحه " وإنما خرج له في " الأدب المفرد "، وفي كتاب " القراءة خلف الامام " كما في " تهذيب الكمال " للمزي، و" تذهيب " المؤلف، و" تهذيب ابن حجر ". (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 21. (*) التاريخ الكبير 1 / 74، الجرح والتعديل 7 / 243، تهذيب الكمال: لوحة 1192، تذهيب التهذيب 3 / 200 / 2، الكاشف 3 / 38، تهذيب التهذيب 9 / 143، خلاصة تذهيب الكمال: 334. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 540 جُرَيْجٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَهْلُ حِمْصَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: هُوَ الأَكْبَرُ، مَاتَ قَبْلَ المائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 211 - خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ * (ت) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي المَشْرِقِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ، البَلْخِيُّ، الحَنَفِيُّ، الزَّاهِدُ، عَالِمُ أَهْلِ بَلْخَ. تَفَقَّه عَلَى: القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَصَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ مُدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَأَهْلُ بَلَدِهِ. وَقَدْ لَيَّنَهُ مِنْ جِهَةِ إِتْقَانِهِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) فِي بَابِ تَفْضِيْلِ الفِقْهِ عَلَى العِبَادَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 375، التاريخ الكبير 3 / 196، الضعفاء للعقيلي: لوحة 123، الجرح والتعديل 3 / 370، تهذيب الكمال: لوحة 377، تذهيب التهذيب 1 / 198 / 2، العبر 1 / 367، الكاشف 1 / 281، تهذيب التهذيب 3 / 147، خلاصة تذهيب الكمال: 105، شذرات الذهب 2 / 34. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 541 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وَفِقْهٌ فِي الدِّيْنِ (1)) . قَالَ أَبُو عِيْسَى: تَفَرَّدَ بِهِ خَلَفٌ، وَلاَ أَدْرِي كَيْفَ هُوَ. قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد العَزِيْزِ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُوْنَ أَنَّ السَّبَبَ لِثَبَاتِ مُلْكِ آلِ سَامَانَ، أَنَّ أَسَدَ بنَ نُوْحٍ خَرَجَ إِلَى المُعْتَصِمِ، وَكَانَ شُجَاعاً عَاقِلاً، فَتَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهِ وَعَقْلهِ، فَقَالَ لَهُ المُعْتَصِمُ: هَلْ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ أَشْجَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ فِيْهِم أَعْلَمُ وَأَعقَلُ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَلَمْ يُعْجِبِ المُعْتَصِمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ: لِمَ قُلْتَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مَنْ وَطِئَ بِسَاطَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَرَآهُ غَيْرِي. فَاسْتَحسَنَ ذَلِكَ، وَوَلاَّهُ بَلْخَ، فَكَانَ يَتَوَلَّى الخُطبَةَ بِنَفْسِهِ. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ عُلَمَاءِ بَلْخَ، فَذَكَرُوا لَهُ خَلَفَ بنَ أَيُّوْبَ، فَتَحَيَّنَ مَجِيْئَه لِلْجُمُعَةِ، وَرَكِبَ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ، تَرَجَّلَ وَقَصَدَهُ، فَقَعَدَ خَلَفٌ، وَخَمَّرَ وَجْهَه، فَقَالَ لَهُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم. فَأَجَابَه، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَرَفَعَ الأَمِيْرُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا العَبْدَ الصَّالِحَ يُبْغِضُنَا فِيْكَ، وَنَحْنُ نُحِبُّه فِيْكَ، ثُمَّ رَكِبَ. قَالَ: وَمَرِضَ خَلَفٌ، فَعَادَهُ الأَمِيْرُ أَسَدٌ،   (1) الترمذي (2685) في العلم: باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وفي خلف بن أيوب يقول الخليلي في " الارشاد ": صدوق مشهور كان يوصف بالستر والصلاح والزهد وكان فقيها على رأي الكوفيين، وذكره ابن حبان في " الثقات " ونقم عليه الارجاء - وهو ليس بجرح - وقال ابن أبي حاتم بعد أن ذكر شيوخه والاخذين عنه: وسألت أبي عنه، فقال: يروي عنه: وباقي رجال الإسناد ثقات. ولم ينفرد ابن أيوب به، بل ورد من طريقين آخرين أحدهما عن أنس أشار إليه العقيلي في " الضعفاء " لوحة 123، والثاني رواه ابن المبارك في " الزهد " ورقة 75 / 1 من طريق معمر، عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرفوعا به، فالحديث أقل أحواله أن يكون حسنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 542 وَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنْ لاَ تَعُوْدَ إِلَيَّ، وَإِنْ مُتُّ، فَلاَ تُصَلِّ عَلَيَّ، وَعَلَيْكَ السَّوَادُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، شَيَّعَهُ، وَنَزَعَ سَوَادَهُ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ صَوْتاً: بِتَوَاضُعِكَ وَإِجْلاَلِكَ خَلَفاً بُنِيَتِ الدَّوْلَةُ فِي عَقِبِكَ. هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، فَإِنْ صَحَّتْ، فَلَعَلَّ وِفَادَةَ أَسَدٍ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى يَسْتَقِيْمَ ذَلِكَ، فَإِنَّ خَلَفاً مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: عَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. 212 - الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ أَبُو عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمْ * العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيْفَةَ. نَزَلَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ (1) ، وَتَصَدَّرَ لِلْفِقْهِ.   (*) تاريخ ابن معين: 114، الضعفاء والمتروكين: 35، أخبار القضاة 3 / 188، الضعفاء للعقيلي: لوحة 82، 83، الجرح والتعديل 3 / 15، الفهرست لابن النديم: 258، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري: 131 - 133، تاريخ بغداد 7 / 314، طبقات الفقهاء للشيرازي: 115، طبقات الحنابلة 1 / 132، المناقب للموفق المكي 1 / 46 و170 و173 و185 و264 و2 / 132 وما بعدها، العبر 1 / 345، ميزان الاعتدال 1 / 491، دول الإسلام 1 / 127، طبقات القراء 1 / 213، لسان الميزان 2 / 208، جامع المسانيد 2 / 433، النجوم الزاهرة 2 / 188، مفتاح السعادة 1 / 120، الجواهر المضية 1 / 193 و2 / 542، شذرات الذهب 2 / 12، الفوائد البهية في تراجم الحنفية: 60 - 61، مناقب الكردرية الكبرى 2 / 209، الامتاع بسيرة الامامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع للكوثري. (1) قال العلامة الكوثري في " الامتاع " ص 15 بعد أن ذكر مؤلفاته: وأما ما يعزى إليه من جزء فيما سمعه من القراءات من أبي حنيفة برواية ابنه محمد بن الحسن بن زياد فكذب ملفق، لا صلة بها لأبي حنيفة ولا بالحسن بن زياد، وقد ثبت عند أهل العلم أن ملفقها هو أبو الفضل الخزاعي القارئ المكشوف الامر، وإن تكلف ابن الجزري تبرئة ساحته من ذلك، وإنما قراءة أبي حنيفة هي قراءة عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود (ح) وعن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي كرم الله وجهه، وفي الطريقين من = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 543 أَخَذَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ. وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ البَارعِيْنَ فِي الرَّأْيِ، وَلِيَ القَضَاءَ بَعْد حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَتَبتُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ، كُلُّهَا يَحتَاجُ إِلَيْهَا الفَقِيْهُ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَارِثِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ خُلُقاً مِنَ الحَسَنِ اللُؤْلُؤِيِّ! وَكَانَ يَكْسُو مَمَالِيْكَهُ كَمَا يَكسُو نَفْسَهُ (3) .   = قراءة عاصم الفاتحة والمعوذتان، وقراءته في أعلى درجات التواتر، فيؤسف على سرد تلك القراءات في بعض كتب التفسير والمناقب مع محاولة توجيهها كقراءات لأبي حنيفة مروية بطريق الحسن بن زياد عنه، مع أنها قراءات مكذوبة عليه كما ذكرت في " تأنيب الخطيب " وغيره تحقيق أهل الشأن في ذلك. قلت: ومن هذه القراءات المنسوبة كذبا إلى أبي حنيفة: قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) برفع " إبراهيم " ونصب " ربه " وقوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء) برفع لفظ الجلالة، ونصب " العلماء " انظر " البحر المحيط " 1 / 374، و375 و7 / 312. (1) انظر الخبر مفصلا في " تاريخ بغداد " 7 / 314، و" الامتاع " 15، 16. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 314، وله مسند معروف في مروياته عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو أحد المسانيد السبعة عشر لأبي حنيفة المذكور أسانيدها في " الفهرست الأوسط " للحافظ الشمس ابن طولون، وفي " عقود الحمان " للحافظ محمد بن يوسف الصالحي، وفي " ثبت " المسند الشيخ أيوب بن أحمد الدمشقي الخلوتي، وفي " حصر الشارد في أسانيد محمد بن عابد " السندي، وقد ساق المحدث علي بن عبد المحسن الدواليبي الحنبلي سنده في " مسند " الحسن بن زياد في " ثبته " المحفوظ في ظاهرية دمشق تحت رقم (285) من الحديث. (3) ونص المؤلف في " تاريخ الإسلام ": وقال ابن كاس النخعي: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال: ما رأيت أحسن خلفا من الحسن بن زياد، ولا أقرب مأخذا منه ولا أسهل جانبا مع توفر فقهه وعلمه وزهده وورعه، وكان يكسو مماليكه ككسوة نفسه وأورده الصيمري في " أخبار أبي حنيفة وأصحابه " ص 131، والخطيب في " تاريخه " = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 544 قُلْتُ: لَيَّنَهُ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَطَوَّلَ تَرْجَمَتَه الخَطِيْبُ (1) . مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 213 - أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ اللَّيْثِيُّ الخُرَاسَانِيُّ * (ع) هُوَ: الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، قَيْصَرُ (2) ، مِنْ بَنِي لَيْثِ بنِ   = 7 / 314، 315، وعن يحيى بن آدم كما في " أخبار أبي حنيفة " ص 131: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد. ومن علم من هو يحيى بن آدم، وما هي منزلته في العلم ومن رآهم من الفقهاء، علم مبلغ أهمية هذه الشهادة منه للحسن بن زياد، وقد أخرج أبو عوانة حديثه في " مستخرجه على صحيح مسلم "، والحاكم في " المستدرك " وهذا منهما في حكم التوثيق، وقال مسلمة بن قاسم: كان ثقة رحمه الله تعالى، وأورده ابن حبان، في " الثقات " فيما ذكره صاحب " كشف الاستار عن رجال معاني الآثار " ومع جلالة قدر هذا الامام في العلم، وسعة الرواية في الحديث، والامامة في الفقه، وعلو النفس، وكرم الخلال، والاعتصام بالسنة، لم يتورع بعض الحاقدين المتعصبين أن يلصقوا به طعونا شنيعة يستحيا من ذكرها ظلما وعدوانا، ويختلفوا عليه ما هو برئ منه، وكان على النقلة أن يتقوا الله، فينزهوا كتبهم عن أن يشينوها بتدوين تلك الطعون، أو - على الأقل - أن يبينوا وهاءها وافتعالها لئلا ينخدع القارئ بها ثقة بأولئك النقلة، ويغلب على الظن أن الذهبي رحمه الله أضرب عن ذكرها لما يعلم من بطلانها، وأنها مما أثمره الحقد والتعصب. (1) كذا قال هنا، وأما في " تاريخ الإسلام " المجلد الحادي عشر فقال: قد ساق في ترجمة الحسن هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها. وقد نقل العلامة الكوثري في كتابه " الامتاع " ص 36 - 50 ما هو موجود من تلك الاشياء في " تاريخ بغداد " و" كامل " ابن عدي، و" الضعفاء " للعقيلي، وردها، وكشف عن زيفها وبطلانها. (*) تاريخ ابن معين: 615، طبقات ابن سعد 7 / 335، تاريخ خليفة: 472، طبقات خليفة ت 3220، التاريخ الكبير 8 / 235، التاريخ الصغير 2 / 303، الجرح والتعديل 9 / 105، تاريخ بغداد 14 / 63، تهذيب الكمال: لوحة 1432، تذهيب لتهذيب 4 / 110 / 2، العبر 1 / 353، ميزان الاعتدال 4 / 290، تذكرة الحفاظ 1 / 359، الكاشف 3 / 217، تهذيب التهذيب 11 / 18، طبقات الحفاظ: 152، خلاصة تذهيب الكمال: 408، شذرات الذهب 2 / 19. (2) هذا لقب أبي النضر كما سيأتي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 545 كِنَانَةَ، مِنْ أَنْفُسِهِم. وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ تَمِيْمِيٌّ. ذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (1) . سَمِعَ: ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَرِيْزَ بنَ عُثْمَانَ. وَرَأَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَتَوَضَّأُ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَسَمِعَ أَيْضاً: عِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيَّ، وَسُلَيْمَانَ بنَ المُغِيْرَةِ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَوَرْقَاءَ بنَ عُمَرَ، وَأَبَا عَقِيْلٍ صَاحِبَ بُهَيَّةَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَأَبَا مَعْشَرٍ السِّنْدِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالوَلِيْدَ بنَ جَمِيْلٍ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الأَشْجَعِيَّ، وَأَبَا عَقِيْلٍ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ حَبِيْبٍ، وَبَكْرَ بنَ خُنَيْسٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ. وَسَمِعَ مِنْ شُعْبَةَ مَا أَملاَهُ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَوَلَدُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُنَادِي، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 64. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 546 قَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ الكِنَانِيُّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ يُلَقَّبُ قَيْصَرَ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ بِقَيْصَرَ: أَنَّ نَصْرَ بنَ مَالِكٍ الخُزَاعِيَّ؛ صَاحِبَ شُرْطَةِ الرَّشِيْدِ، دَخَلَ الحَمَّامَ فِي وَقْتِ صَلاَةِ العَصْرِ، وَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: لاَ تُقِمِ الصَّلاَةَ حَتَّى أَخْرُجَ. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو النَّضْرِ إِلَى المَسْجَدِ، وَقَدْ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو النَّضْرِ: مَا لَكَ لاَ تُقِيْمُ؟ قَالَ: أَنْتَظِرُ أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ: أَقِمْ. فَأَقَامَ الصَّلاَةَ، فَصَلَّوْا، فَلَمَّا جَاءَ نَصْرُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تُقِمْ حَتَّى أَخْرُجَ؟ قَالَ: لَمْ يَدَعنِي هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وَقَالَ لِي: أَقِمْ. فَقَالَ: لَيْسَ ذَا هَاشِمٌ، هَذَا قَيْصَرُ، يُمَثِّلُ مَلِكَ الرُّوْمِ، فَلَزِمَهُ هَذَا اللَّقَبُ (1) . قَالَ الحَارِثُ: وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَبُو النَّضْرِ شَيْخُنَا، مِنَ الآمِرِيْنَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّاهِيْنَ عَنِ المُنْكَرِ (2) . وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو النَّضْرِ مِنْ مُتَثَبِّتِي بَغْدَادَ (3) . وَعَنْ أَحْمَدَ: أَبُو النَّضْرِ أَثْبَتُ مِنْ شَاذَانَ (4) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: اجْتَمَعتُ لَيْلَةً مَعَ ابْنِ وَارَةَ، فَذَكَرنَا أَصْحَابَ شُعْبَةَ، فَقُلْتُ أَنَا: أَبُو النَّضْرِ أَثْبَتُ مِنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ. وَقَالَ هُوَ: وَهْبٌ أَثْبَتُ. فَغَدَوْنَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: أَبُو النَّضْرِ كَتَبَ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 64. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 64. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 105. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 65. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 547 عَنْ شُعْبَةَ إِمْلاَءً (1) . وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) . وَكَذَا قَالَ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُم (3) . قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ أَبُو النَّضْرِ مِنَ الأَبْنَاءِ، ثِقَةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، سَكَنَ بَغْدَادَ. قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ بَغْدَادَ يَفخَرُوْنَ بِهِ (4) . وَقَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: الرَّعْدُ مَلَكٌ، وَالبَرْقُ مَخَارِيْقُ بِأَيْدِي المَلاَئِكَةِ، يَسُوقُوْنَ بِهَا السَّحَابَ (5) . أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدُوَيْه الخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 65. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 615، و" تاريخ بغداد " 14 / 65. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 105. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 65. (5) المسعودي - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة - اختلط قبل موته، وباقي رجاله ثقات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 548 الرَّازِيُّ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّيْ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُقِيْمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا بِهَا دِمَاءهُم، وَأَمْوَالَهُم، إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ) . الحَسَنُ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ (1) . 214 - مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشِيْرِ بنِ فَرْقَدٍ التَّمِيْمِيُّ * (ع) وَيُقَالُ: جَدُّه فَرْقَدُ بنُ بَشِيْرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو السَّكَنِ التَّمِيْمِيُّ، الحَنْظَلِيُّ، البَلْخِيُّ.   (1) إسناده ضعيف، أبو جعفر الرازي سيئ الحفظ، والحسن مدلس وقد عنعن، وهو في " سنن ابن ماجة " (71) من طريق أحمد بن الأزهر، عن أبي النضر بهذا الإسناد، ورواه عن أبي هريرة من طريق آخر دون قوله: " ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " البخاري 3 / 211 في أول الزكاة، و12 / 244 في استتابة المرتدين: باب قتل من أبى قبول الفرائض، ومسلم (21) في الايمان: باب الامر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والترمذي (2608) ، والنسائي 5 / 14، وأبو داود (2640) ، وأخرجه بتمامه وزيادة " وأن محمدا رسول الله " البخاري 1 / 70، 71 في الايمان: باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) ، ومسلم (22) ، وفي رواية لمسلم: " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به " وأخرجه أحمد 2 / 345 من طريق عفان، عن عبد الواحد بن زياد، عن سعيد ابن كثير بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهذا سند حسن، فإن كثير بن عبيد والد سعيد وثقه ابن حبان، وروى عنه غير واحد، وباقي رجاله ثقات، وصححه ابن خزيمة (2248) ، من طريق محمد بن أبان، عن أبي نعيم، عن سعيد بن كثير به، وهو في " المستدرك " 1 / 387 من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد. (*) طبقات ابن سعد 7 / 373، طبقات خليفة: ت 3143، التاريخ الكبير 8 / 71، التاريخ االصغير 2 / 333، الجرح والتعديل 8 / 441، تاريخ بغداد 13 / 115، تهذيب الكمال: 1369، تذهيب التهذيب 4 / 68 / 2، العبر 1 / 368، تذكرة الحفاظ 1 / 365، الكاشف 3 / 173، دول الإسلام 1 / 131، تهذيب التهذيب 10 / 293، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 398، شذرات الذهب 2 / 35. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 549 سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ البَلْخِيُّ: فِي أَيِّ سَنَةٍ وُلِدْتَ؟ قَالَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَمُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ سَعْدٍ الكَاتِبِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَدَاوُدَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَفَائِدٍ أَبِي الوَرْقَاءِ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَهَاشِمِ بنِ هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَعُثْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عَطَاءٍ، وَعِدَّةٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ جِدّاً. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَبُنْدَارُ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ (1) الفَضْلِ البَلْخِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَمُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ البَصْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ القَاصُّ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بن زُهَيْرٍ الحُلْوَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ البَلْخِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ مُقْرِئُ نَيْسَابُوْرَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ البَلْخِيُّ، وَحَامِدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبُو عَوْفٍ البُزُوْرِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَاهَانَ البَلْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَدُّوَيْه التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ السَّرَخْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَشْنَامِ بنِ صَالِحٍ البَلْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَامِرِ بنِ كَامِلٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ غَالِبٍ،   (1) سقطت من الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " 1369. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 550 وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ قَاسِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ - وَالِدُ الحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ حَازِمٍ البَلْخِيُّوْنَ عَشْرَتُهُم. قَالَ الكَوْسَجُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ مَكِّيٍّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: صَالِحٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (2) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: حَجَّ كَثِيْراً، وَكَانَ لَهُ مَالٌ وَتِجَارَةٌ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ أَرْبَعاً، فَتَفَرَّدَ بِهَذَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا بَانَ لَهُ أَنَّهُ وَهِمَ، وَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3) ، وَقَالَ: هَكَذَا فِي كِتَابِي.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 117. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 441. (3) أخرجه مالك 1 / 226 في الجنائز: باب التكبير على الجنائز من طريق الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، وأخرجه من طريق مالك: البخاري 3 / 92 في الجنائز: باب الرجل ينعى إلى أهل البيت الميت بنفسه، و3 / 163: باب التكبير على الجنازة أربعا، ومسلم (951) في الجنائز: باب في التكبير على الجنازة، وأبو داود (3204) في الجنائز: باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، وأخرجه البخاري 3 / 149، والترمذي (1022) في الجنائز: باب ما جاء في التكبير على الجنازة من طريق معمر عن الزهري به، وأخرجه البخاري 3 / 160 من طريق الليث عن عقيل، عن الزهري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 551 قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الفَضْلِ: شَهِدْتُ مَكِّيّاً يَقُوْلُ: حَجَجْتُ سِتِّيْنَ حَجَّةً، وَتَزَوَّجْتُ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً، وَجَاوَرتُ بِالبَيْتِ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَتَبتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَلَوْ عَلِمتُ أَنَّ النَّاسَ يَحتَاجُوْنَ إِلَيَّ، لَمَا كَتَبتُ دُوْنَ التَّابِعِيْنَ عَنْ أَحَدٍ (1) . وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ الفَضْلِ، قَالَ: رَوَى مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ أَحَدَ عَشَرَ نَفْساً مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَوَقَعَ عِنْدِي تِسْعَةٌ (2) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُدْرِكٍ: سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: قَطَعْتُ البَادِيَةَ مِنْ بَلْخَ خَمْسِيْنَ مَرَّةً حَاجّاً، وَدَفَعْتُ فِي كِرَاءِ بُيُوْتِ مَكَّةَ أَلْفَ دِيْنَارٍ وَمائَتَيْ دِيْنَارٍ وَنَيِّفاً (3) . عُمَرُ هَذَا: وَاهٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكِّيٌّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بِنَيْسَابُوْرَ (5) . وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: قَدِمَ عَلَيْنَا مَكِّيٌّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (6) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 116. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 116. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 117. (4) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370. (5) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370. (6) " تهذيب الكمال ": لوحة 1370. (7) في " الجرح والتعديل " 8 / 441، و" التاريخ الكبير " 8 / 71. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 552 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الفَضْلِ، وَغَيْرُهُم: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: بِبَلْخَ، فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ قَارَبَ المائَةَ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ -رَحِمَهُ اللهُ (1) -. قُلْتُ: لَمْ يَلْقَ البُخَارِيُّ بِخُرَاسَانَ أَحَداً أَكْبَرَ مِنْهُ. رَوَى لَهُ: الجَمَاعَةُ. أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قَوَّامٍ، وَطَائِفَةٌ، سَمِعُوا الحُسَيْنَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ المُظَفَّرِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ) (2) . 215 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى بنِ أَبِي المُخْتَارِ بَاذَامَ العَبْسِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَابِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 373. (2) البخاري 11 / 196 في أول كتاب الرقائق. قال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا، ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا، ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا، فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله، فهو المغبون. (*) تاريخ ابن معين: 384، طبقات ابن سعد 6 / 400 طبقات خليفة: ت 1321، التاريخ الكبير 5 / 401، التاريخ الصغير 2 / 326، المعارف: 519، و532، المعرفة والتاريخ 1 / 198، الضعفاء للعقيلي: لوحة 270، الجرح والتعديل 5 / 334، مشاهير علماء الأمصار: ت 1385، تهذيب الكمال: لوحة 891، تذهيب التهذيب 3 / 22 / 1، العبر 1 / 364، ميزان الاعتدال 3 / 16، تذكرة الحفاظ 1 / 353، الكاشف 2 / 234، دول الإسلام 1 / 130، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 493، تهذيب التهذيب 7 / 50، خلاصة تذهيب الكمال: 253، شذرات الذهب 2 / 29، الرسالة المستطرفة: 62. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 553 العَبْسِيُّ - بِمُوَحَّدَةٍ - مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ. أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ (المُسْنَدَ) عَلَى تَرتِيْبِ الصَّحَابَةِ بِالكُوْفَةِ، كَمَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ (المُسْنَدَ) مِنَ البَصْرِيِّيْنَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الخَلِيْلِيُّ فِي (إِرْشَادِهِ) . وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ عَامِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: هِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، وَمَعْرُوْفَ بنَ خَرَّبُوْذَ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَسَعْدَ بنَ أَوْسٍ العَبْسِيَّ، وَسَلَمَةَ بنَ نُبَيْطٍ، وَحَنْظَلَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو الحَضْرَمِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ يَحْيَى التَّيْمِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحَ، وَعُثْمَانَ بنَ الأَسْوَدِ، وَعِيْسَى بنَ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطَ، وَكَيْسَانَ أَبَا عُمَرَ القَصَّارَ، وَمُصْعَبَ بنَ سُلَيْمٍ، وَأَبَا إِدَامٍ المُحَارِبِيَّ، وَمُوْسَى بنَ عُبَيْدَةَ، وَابْنَ جُرِيجٍ، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَمِسْعَراً، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَشَيْبَانَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَالحَسَنَ بنَ حَيٍّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، مُجَوِّداً لِلْقُرْآنِ. تَلاَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَعِيْسَى بنِ عُمَرَ الهَمْدَانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ. وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ وَالتَّحْدِيْثِ. تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ عَلِيٍّ الأَبْزَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَلِيْلاً - كَانَ يَكرَهُهُ لِبِدْعَةٍ مَا فِيْهِ - وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 554 وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَازِمٍ الغِفَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (مَشْيَخَتِهِ) . وَثَّقَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ. قَالَ: وَأَبُو نُعَيْمٍ أَتْقَنُ مِنْهُ، وَعُبَيْدُ اللهِ أَثبَتُهُم فِي إِسْرَائِيْلَ، كَانَ إِسْرَائِيْلُ يَأْتِيْهِ، فَيَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآنَ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَأْسٌ فِي القُرْآنِ، عَالِمٌ بِهِ، مَا رَأَيْتُهُ رَافِعاً رَأْسَهُ، وَمَا رُئِيَ ضَاحِكاً قَطُّ (2) . وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كَانَ شِيْعِيّاً، مُحْتَرِقاً، جَازَ حَدِيْثُهُ (3) . قُلْتُ: كَانَ صَاحِبَ عِبَادَةٍ وَلَيْلٍ، صَحِبَ حَمْزَةَ، وَتَخَلَّقَ بِآدَابِهِ، إِلاَّ فِي التَّشَيُّعِ المَشْؤُوْمِ، فَإِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ المُؤَسَّسِ عَلَى البِدعَةِ.   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 334، 335. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 892. (3) " تهذيب الكمال ": لوحة 892. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 555 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَ بِأَحَادِيْثِ سُوْءٍ، وَأَخْرَجَ تِلْكَ البَلاَيَا، فَحَدَّثَ بِهَا (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ (3) ، وَوَافَقَهُ عَلَى السُّنَّةِ خَلِيْفَةُ (4) ، وَالبُخَارِيُّ (5) ، وَجَمَاعَةٌ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي شَوَّالِهَا. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (6) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَوْنِ بنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: خَيْرُنَا بَعْدَ نَبِيِّنَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-. وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللهِ مِثْلَ هَذَا، دَالٌّ عَلَى تَقْدِيْمِهِ لِلشَّيْخَيْنِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَنَالُ مِنْ خُصُوْمِ عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَدُلُّ النَّاسَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ مَعْرُوْفاً بِالرَّفْضِ، لَمْ يَدَعْ أَحَداً اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ يَدْخُلُ دَارَهُ. فَقِيْلَ:   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 892. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 334. (3) في المطبوع من " طبقات ابن سعد " 6 / 400: وتوفي بالكوفة في آخر شوال سنة ثلاث عشرة ومئتين. (4) في " طبقاته ": 171. (5) في " تاريخه الكبير " 5 / 401. (6) " المعرفة والتاريخ " 1 / 198. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 556 دَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُعَاوِيَةُ. قَالَ: وَاللهِ لاَحَدَّثْتُكَ، وَلاَ حَدَّثْتُ قَوْماً أَنْتَ فِيْهِم. 216 - عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسِ بنِ لَقِيْطِ بنِ قَيْسٍ العَبْدِيُّ * (ع) أَبُو مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ. وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا عَدِيٍّ. وَقِيْلَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَقِيْلَ: أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى. مَوْلِدُهُ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: ابْنَ عَوْنٍ، وَهِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَكَهْمَسَ بنَ الحَسَنِ، وَيُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَقُرَّةَ بنَ خَالِدٍ، وَعَلِيَّ بنَ المُبَارَكِ الهُنَائِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَزْرَةَ بنَ ثَابِتٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ، وَأَبَا عَامِرٍ الخَزَّازَ، وَدَاوُدَ بنَ قَيْسٍ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَفُلَيْحَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَمُعَاذَ بنَ العَلاَءِ، وَعِدَّةً. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَابْنُ مُثَنَّى، وَالرَّمَادِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَالصَّنْعَانِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ المَدَائِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّازُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 296، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 1924، التاريخ الكبير 6 / 240، الجرح والتعديل 6 / 159، تاريخ بغداد 11 / 280، تهذيب الكمال: لوحة 919، تذهيب التهذيب 3 / 33 / 2، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 3 / 49، تذكرة الحفاظ 1 / 378، الكاشف 2 / 254، دول الإسلام 1 / 129، تهذيب التهذيب 7 / 142، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال: 261، 262، شذرات الذهب 2 / 22. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 557 قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَجُلٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ يَرْضَاهُ (4) . قُلْتُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ كَثِيْرُ التَّعَنُّتِ فِي الرِّجَالِ، وَإِلاَّ فَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ ثِقَةٌ، مَا فِيْهِ مَغْمَزٌ. قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: مَاتَ لِثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ (5) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ: لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ. وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ (6) ، فَوَهِمَ. وَقَالَ خَلِيْفَةُ: سَنَةَ سَبْعٍ، فَصَحَّفَ. أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُدَامَةَ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 281. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 159، و" تاريخ بغداد " 11 / 282. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 282. (4) " الجرح والتعديل " 6 / 159. (5) " تاريخ بغداد " 11 / 282. (6) " تاريخ بغداد " 11 / 282. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 558 كَلِمَةً، وَبَعْدَهَا أَشْعَرَ بُدْنَتَهُ وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالمَدِيْنَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) . 217 - الأَشْيَبُ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى البَغْدَادِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى البَغْدَادِيُّ، الأَشْيَبُ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعْبَةَ، وَشَيْبَانَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) رقم (1321) (362) في الحج: باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن أفلح بهد الإسناد بلفظ: فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان حلا له. (*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ خليفة: 473، طبقات خليفة: ت 3226، التاريخ الكبير 2 / 306، التاريخ الصغير 2 / 286، الجرح والتعديل 3 / 37، 38، تاريخ بغداد 7 / 426، تهذيب الكمال: لوحة 284، تذهيب التهذيب 1 / 146 / 1، العبر 1 / 357، ميزان الاعتدال 1 / 524، تذكرة الحفاظ 1 / 369، الكاشف 1 / 327، دول الإسلام: 128، تهذيب التهذيب 2 / 323، طبقات الحفاظ: 155، خلاصة تذهيب الكمال: 81. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 559 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ (1) . وَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ، وَقَضَاءَ طَبَرِسْتَانَ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ المَوْصِلِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لاَ يُقَلِّدُ أَحَداً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ الحَافِظُ: كَانَ بِالمَوْصِلِ بَيْعَةٌ قَدْ خَرِبَتْ، فَاجْتَمَعَ النَّصَارَى إِلَى الحَسَنِ الأَشَيْبِ، وَجَمَعُوا مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ يَحْكُمَ لَهُم بِهَا حَتَّى تُبْنَى، فَقَالَ: ادْفَعُوا المَالَ إِلَى بَعْضِ الشُّهُودِ. فَلَمَّا حَضَرُوا بِالجَامِعِ، قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنِّي قَدْ حَكَمْتُ بِأَنْ لاَ تُبْنَى. فَنَفَرَ النَّصَارَى، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ المَالَ (2) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَاتَ الأَشَيْبُ بِالرَّيِّ، فَحَضَرتُ جِنَازَتَه (3) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ وَالمَوْصِل لِهَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، إِلَى أَنْ وَلاَّهُ المَأْمُوْنُ قَضَاءَ طَبَرِسْتَانَ، فَتَوَجَّه إِلَيْهَا، فَمَاتَ بِالرَّيِّ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (4) . 218 - مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صَالِحٍ الخُزَاعِيُّ * (خَ، م، س) الحَافِظُ، النَّاقِدُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، البَغْدَادِيُّ.   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 38. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 427. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 38. (4) " الطبقات الكبرى " 7 / 337، 338. (*) تاريخ ابن معين: 587، طبقات ابن سعد، 7 / 345، التاريخ الكبير 7 / 348، التاريخ الصغير 2 / 315، الجرح والتعديل 8 / 173، تاريخ بغداد 13 / 70، تهذيب الكمال: لوحة 1374، تذهيب التهذيب 4 / 71 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 358، الكاشف = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 560 وُلِدَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَهُشَيْمٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، بَصِيْراً بِالرِّجَالِ وَالعِلَلِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ لِي أَبِي - وَقَدْ رَجَعنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي سَلَمَةَ الخُزَاعِيِّ -: كَتَبْتَ اليَوْمَ عَنْ كَبْشٍ نَطَّاحٍ (1) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ أَحَدُ الحُفَّاظِ الرُّفَعَاءِ، الَّذِيْنَ كَانُوا يُسْأَلُوْنَ عَنِ الرِّجَالِ، وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهُم، أَخَذَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا عِلْمَ ذَلِكَ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، يَتَمَنَّعُ بِالحَدِيْثِ، ثُمَّ حَدَّثَ أَيَّاماً، وَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، فَمَاتَ بِالمَصِّيْصَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ (3) . وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: أَبُو بَكْرٍ   = 3 / 176، تهذيب التهذيب 10 / 308، طبقات الحفاظ: 162، خلاصة تذهيب الكمال: 387. (1) " تاريخ بغداد " 13 / 70. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 70، 71. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 345. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 561 الأَعْيَنُ، وَمُطَيَّنٌ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ مَرَّةً: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ. وَالأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيْحُ. 219 - اليَزِيْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ المُغِيْرَةِ * شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ المُبَارَكِ بنِ المُغِيْرَةِ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، وَعُرِفَ: بِالِيَزِيْدِيِّ؛ لاتِّصَالِهِ بِالأَمِيْرِ يَزِيْدَ بنِ مَنْصُوْرٍ؛ خَالِ المَهْدِيِّ، يُؤَدِّبُ وَلَدَه. جَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي عَمْرٍو المَازِنِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَعَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ. تَلاَ عَلَيْهِ خَلْقٌ، مِنْهُم: أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ (1) ، وَأَبُو شُعَيْبٍ السُّوْسِيُّ (2) . وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ قِرَاءةَ أَبِي عَمْرٍو: بَنُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَإِسْحَاقُ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو حَمْدُوْنَ الطَّيِّبُ، وَعَامِرٌ أُوْقِيَّةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خَلاَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، وَأَبُو أَيُّوْبَ الخَيَّاطُ، وَجَعْفَرٌ غُلاَمُ سَجَّادَةَ، وَمُحَمَّدُ   (*) تاريخ بغداد 14 / 146، نزهة الالباء: 103، معجم الأدباء 20 / 30 - 32، وفيات الأعيان 6 / 183 - 191، العبر 1 / 38، دول الإسلام 1 / 126، عيون التواريخ 7 ورقة 156، طبقات القراء 2 / 375، النجوم الزاهرة 2 / 173، بغية الوعاة 2 / 340، خزانة الأدب 4 / 426، شذرات الذهب 2 / 4. (1) هو حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري الثقة، إمام القراءة في زمانه، المتوفى سنة 246 هـ، وسترد ترجمته في الجزء الحادي عشر ص 541. (2) هو صالح بن زياد بن عبد الله أبو شعيب السوسي الرقي مقرئ ضابط محرر ثقة، من أجل أصحاب اليزيدي، أخذ عنه قراءة أبي عمرو، توفي سنة 261 هـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 562 بنُ سَعْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الرُّوْمِيُّ. وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ، لَمْ يَخْرُجْ فِيْهِ عَنِ السَّبْعِ (1) . وَقَدْ أَدَّبَ المَأْمُوْنَ، وَعَظُمَ حَالُه، وَكَانَ ثِقَةً، عَالِماً، حُجَّةً فِي القِرَاءةِ، لاَ يَدْرِي مَا الحَدِيْثُ، لَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ، نَحْوِيٌّ، عَلاَّمَةٌ، بَصِيْرٌ بِلِسَانِ العَرَبِ، أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَعَنِ الخَلِيْلِ. وَأَلَّفَ كِتَابَ (النَّوَادِرِ) ، وَكِتَابَ (المَقْصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ) ، وَكِتَابَ (الشَّكْلِ) ، وَكِتَابَ (نَوَادِرِ اللُّغَةِ) ، وَكِتَابَ (النَّحْوِ) . وَكَانَ نَظِيْراً لِلْكِسَائِيِّ، يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الكِسَائِيِّ لِلإِفَادَةِ، فَكَانَ يُؤَدِّبُ المَأْمُوْنَ، وَكَانَ الكِسَائِيُّ يُؤَدِّبُ الأَمِيْنَ (2) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْدُوْنَ، قَالَ: شَهِدتُ ابْنَ أَبِي العَتَاهِيَةِ، وَكَتَبَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفِ وَرَقَةٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ خَاصَّةً (3) . قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَرْوَ، فِي صَحَابَةِ المَأْمُوْنِ. 220 - عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامِ بنِ نَافِعٍ الحِمْيَرِيُّ * (ع) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، عَالِمُ اليَمَنِ، أَبُو بَكْر الحِمْيَرِيُّ   (1) في " غاية النهاية " 2 / 376: وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة وهي عشرة. ثم ذكرها. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 147، و" عيون التواريخ " 7 / الورقة 157. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 147، و" عيون التواريخ " 7 / الورقة 157. (*) تاريخ ابن معين: 362، طبقات ابن سعد 5 / 548، طبقات خليفة: ت 2673، التاريخ الكبير 6 / 130، التاريخ الصغير 2 / 320، الضعفاء للعقيلي: لوحة 265 - 266، = الجزء: 9 ¦ الصفحة: 563 مَوْلاَهُمْ، الصَّنْعَانِيُّ، الثِّقَةُ، الشِّيْعِيُّ. ارْتَحَلَ إِلَى الحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَسَافَرَ فِي تِجَارَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بن عُمَرَ، وَأَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ إِسْحَاقَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَوَالِدِهِ؛ هَمَّامٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهَوَيْه، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَسَلَمَةُ بنُ   = الجرح والتعديل 6 / 38، الكامل لابن عدي 4 / 640، الفهرست لابن النديم: 228، وفيات الأعيان 3 / 216، 217، تهذيب الكمال: لوحة 831، تذهيب التهذيب 2 / 230 / 1، العبر 1 / 360، ميزان الاعتدال 2 / 609، تذكرة الحفاظ 1 / 364، دول الإسلام 1 / 129، عيون التواريخ 7 / 276، البداية والنهاية 10 / 265، شرح علل الترمذي لابن رجب 2 / 577 - 581 و585، تهذيب التهذيب 6 / 310، النجوم الزاهرة 2 / 202، طبقات الحفاظ / 154، خلاصة تذهيب الكمال: 238، شذرات الذهب 2 / 27. (1) هو يحيى بن موسى البلخي الختي من شيوخ البخاري، ويقال له: خت. انظر " تبصير المنتبه " 1 / 303، 304. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 564 شَبِيْبٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سُوَيْدٍ الشِّبَامِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى البَوْسِيُّ (2) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَرَّةَ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ (3) ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ. قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: لَزِمْتُ مَعْمَراً ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، وَابْنُ مَعِيْنٍ (5) . عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيْثِ مَعْمَرٍ أَثْبَتَ مِنْ هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، وَكَانَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ أَثْبَتَ مِنْهُ فِي حَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَقرَأَ لِكُتُبِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (6) . أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَبْلَ المائَتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيْحُ البَصْرِ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَهُوَ ضَعِيْفُ السَّمَاعِ (7) . وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ   (1) نسبة إلى شبام: مدينة باليمن بالقرب من صنعاء ": الأنساب " 7 / 280. (2) نسبة إلى بوس: قرية بصنعاء اليمن يقال لها: بيت بوس. (3) نسبة إلى طهرن. انظر " الأنساب " 8 / 274. (4) " تهذيب الكمال: " لوحة 832. (5) " الجرح والتعديل " 6 / 38. (6) " تاريخ يحيى بن معين ": 364. (7) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 457. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 565 مَعْمَرٍ، فَالحَدِيْثُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَعْلَمَنَا، وَأَحْفَظَنَا (1) . قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ النُّظَرَاءُ يَعتَرِفُوْنَ لأَقْرَانِهِم بِالحِفْظِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ أَعْلَمَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بِمَعْمَرٍ وَأَحْفَظَهُ عَنْهُ! وَكَانَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ فَصِيْحاً، يَبْتَدِعُ الخُطبَةَ عَلَى المِنْبَرِ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: فَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: مِثْلُهُم -يَعْنِي: قَبِيْصَةَ، وَالفِرْيَابِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَابْنَ يَمَانٍ (2) -. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثِقَةٌ، كَانَ يَتَشَيَّعُ. وَفِي (المُسْنَدِ) ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا كَانَ فِي قَرْيَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِئْرٌ، فَكُنَّا نَذهَبُ نُبَكِّرُ عَلَى مِيْلَيْنِ نَتَوَضَّأُ، وَنَحمِلُ مَعَنَا المَاءَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا يَوْمُ الفِطْرِ، فَخَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ إِلَى المُصَلَّى، وَمَعَنَا نَاسٌ كَثِيْرٌ، فَلَمَّا رَجَعْنَا، دَعَانَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى الغَدَاءِ، ثُمَّ قَالَ لأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: رَأَيْتُ اليَوْمَ مِنْكُمَا عَجَباً، لَمْ تُكَبِّرَا! فَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! كُنَّا نَنْتَظِرُ هَلْ تُكَبِّرُ، فَنُكَبِّرَ، فَلَمَّا رَأَينَاكَ لَمْ تُكَبِّرْ، أَمسَكْنَا. قَالَ: وَأَنَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا، هَلْ تُكَبِّرَانِ، فَأُكَبِّرَ.   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. (2) انظر " الجرح والتعديل " 6 / 39، و" تهذيب الكمال ": لوحة 832. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 566 مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: صَارَ مَعْمَرٌ هَلِيْلَجَةً (1) فِي فَمِي. الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ فَيَّاضَ بنَ زُهَيْرٍ النَّسَائِيَّ يَقُوْلُ: تَشَفَّعْنَا بِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَلَيْهِ، فَدَخَلْنَا، فَقَالَ: هَاتُوا، تَشَفَّعتُم إِلَيَّ بِمَنْ يَنْقَلِبُ مَعِيَ عَلَى فِرَاشِي؟ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ الشَّفِيْعُ الَّذِي يَأْتِيْكَ مُتَّزِراً ... مِثْلَ الشَّفِيْعِ الَّذِي يَأْتِيْكَ عُرْيَانَا عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَدِمتُ مَكَّةَ مَرَّةً، فَأَتَانِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ انْقَطَعُوا عَنِّي يَوْمَيْنِ - أَوْ ثَلاَثَةً - فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَا شَأْنِي؟ أَكَذَّابٌ أَنَا؟ أَيُّ شَيْءٍ أَنَا؟ قَالَ: فَجَاؤُونِي بَعْدَ ذَلِكَ (2) . المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: أَخزَى اللهُ سِلْعَةً لاَ تَنْفُقُ إِلاَّ بَعْدَ الكِبَرِ وَالضَّعْفِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُم مائَةَ سَنَةٍ، كُتِبَ عَنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَذَّابٌ، فَيُبطِلُوْنَ عِلْمَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: مُبتَدِعٌ، فَيُبطِلُوْنَ عِلْمَهُ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَنجُوَ مِنْ ذَلِكَ. مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ لِي وَكِيْعٌ: أَنْتَ رَجُلٌ عِنْدَكَ حَدِيْثٌ، وَحِفظُكَ لَيْسَ بِذَاكَ، فَإِذَا سُئِلتَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلاَ تَقُلْ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي، وَلَكِنْ قُلْ: لاَ أَحفَظُهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي (المُسْنَدِ) : قَالَ يَحْيَى بنُ   الهليلج والاهليلج: ثمر يتخذ في العقاقير، انظر خواصه في " المعتمد " 536، 539. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 363. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 567 مَعِيْنٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ: اكْتُبْ عَنِّي حَدِيْثاً وَاحِداً مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ. قُلْتُ: لاَ، وَلاَ حَرْفٍ. ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعِيْنٍ، قَالَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ اليَمَنَ: يَا فَتَى! مَا تُرِيْدُ إِلَى هَذِهِ الأَحَادِيْثِ، سَمِعْنَا وَعَرَضنَا، وَكُلٌّ سَمَاعٌ؟ وَقَالَ لِي: إِنَّ هَذِهِ الكُتُبَ كَتَبَهَا لِيَ الوَرَّاقُوْنَ، سَمِعْنَاهَا مَعَ أَبِي (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبَّاسٌ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّوَيْدِيُّ: جَاؤُوا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِأَحَادِيْثَ كَتَبُوْهَا، لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اقْرَأْهَا عَلَيْنَا. فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهَا. فَقَالُوا: اقْرَأْهَا عَلَيْنَا، وَلاَ تَقُلْ فِيْهَا: حَدَّثَنَا، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِم (2) . قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (النَّارُ جُبَارٌ (3)) : لَمْ يَكُنْ فِي الكُتُبِ، بَاطِلٌ، رَوَاهَا: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شَبُّوَيْه. قَالَ: هَؤُلاَءِ سَمِعُوا بَعْدَ مَا عَمِيَ، كَانَ يُلَقَّنُ،   (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 363. (2) " تاريخ يحيى بن معين ": 363، و" الجرح والتعديل " 6 / 39. (3) أخرجه أبو داود (4594) في الديات: باب في النار تعدى، وابن ماجة (2676) ، في الديات: باب الجبار، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ولم ينفرد عبد الرزاق به، فقد تابعه عبد الملك الصنعاني، وفي الباب عن أنس عند النسائي وابن عدي. قال الخطابي: والحديث متأول على النار يوقدها الرجل في ملكه لحاجة له فيها، فتطير بها الريح، فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردها، فيكون هدرا غير مضمون عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 568 فَلَقَّنُوْهُ، وَلَيْسَ فِي كُتُبِهِ، وَقَدْ أَسنَدُوا عَنْهُ أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ فِي كُتُبِهِ (1) . قُلْتُ: أَظُنُّهَا تَصَحَّفَتْ عَلَيْهِم، فَإِنَّ النَّارَ قَدْ تُكْتَبُ (النِّيْرَ) عَلَى الإِمَالَةِ بِيَاءٍ، عَلَى هَيْئَةِ (البِيْرِ) ، فَوَقَعَ التَّصْحِيْفُ (2) . ابْنُ أَبِي العَقِبِ، وَأَبُو المَيْمُوْنِ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي مَحْمُوْدُ بنُ سُمَيْعٍ، سَمِعَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: رَأَيْتَ أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ كَاتِبُهُ: مَا أَدْرِي مَا عَنَى أَحْمَدُ بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ، هَلْ هُوَ جُوْدَةُ الإِسْنَادِ، أَوِ المَتْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا رَأْيُكَ أَنْتَ؟ يَعْنِي: فِي التَّفْضِيْلِ. قَالَ: فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي، وَقَالَ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَيَسْكُتُ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: أُحِبُّ أَنْ أَخْلُوَ بِأَبِي عُرْوَةَ -يَعْنِي: مَعْمَراً-. فَقُلْنَا لِمَعْمَرٍ، فَقَالَ: نَعَمْ. فَخَلاَ بِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قُلْتُ: يَا أَبَا عُرْوَةَ! كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ، إِلاَّ أَنَّهُ قَلَّمَا تُكَاشِفُ كُوْفِيّاً، إِلاَّ وَجَدتَ فِيْهِ شَيْئاً - يُرِيْدُ: التَّشَيُّعَ -. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَيَسكُتُ. وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَيَسكُتُ، وَمِثْلُه كَانَ يَقُوْلُ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ (3) .   (1) أورده الحافظ ابن رجب في " شرح العلل " 2 / 579، 580. (2) في " معالم السنن " 4 / 40، 41: ومن قال: هو تصحيف " البئر " احتج في ذلك بأن أهل اليمن يسمون النار " النير " يكسرون النون منها، فسمعه بعضهم على الامالة فكتبه بالياء، ثم نقله الرواة مصحفا. (3) الخبر في " تاريخ الفسوي " 2 / 806 باختلاف يسير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 569 قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي: أَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُفْرِطُ فِي التَّشَيُّعِ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي هَذَا شَيْئاً، وَلَكِنَّ رَجُلاً يُعْجِبُهُ أَخْبَارُ النَّاسِ، أَوِ الأَخْبَارُ (1) . مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ لِجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، فَقُلْتُ: رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟ فَقَالَ: فَقَدتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، مَا أَفسَدَ جَعْفَراً غَيْرَهُ -يَعْنِي: فِي التَّشَيُّعِ (2) -. قُلْتُ أَنَا: بَلْ مَا أَفسَدَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ سِوَى جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بُكَيْرٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدَ البَصْرِيُّ، سَمِعْتُ مَخْلَداً الشَّعِيْرِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَذَكَرَ رَجُلٌ مُعَاويَةَ، فَقَالَ: لاَ تُقَذِّرْ مَجْلِسَنَا بِذِكْرِ وَلَدِ أَبِي سُفْيَانَ (3) ! عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: تَخْشَى السِّنَّ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا حَيْثُ رَأَينَاهُ، فَمَا كَانَ بَلَغَ الثَّمَانِيْنَ، نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ السُّوَيْدِيُّ أَنَّ قَوْماً مِنَ الخُرَاسَانِيَّةِ - مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ - جَاؤُوا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِأَحَادِيْثَ لِلْقَاضِي هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، تَلَقَّطُوهَا عَنْ مَعْمَرٍ، مِنْ حَدِيْثِ هِشَامٍ وَابْنِ ثَوْرٍ، وَكَانَ ابْنُ ثَوْرٍ ثِقَةً، فَجَاؤُوا بِهَا إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَنَظَرَ فِيْهَا، فَقَالَ: بَعْضُهَا سَمِعْتُهَا، وَبَعْضُهَا لاَ أَعْرِفُهَا وَلَمْ أَسْمَعْهَا. قَالَ: فَلَمْ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. (3) " الضعفاء ": لوحة 265. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 570 يُفَارِقُوهُ حَتَّى قَرَأَهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهُم: حَدَّثَنَا، وَلاَ أَخْبَرَنَا. حَدَّثَنِي السُّوَيْدِيُّ بِهَذَا. آدَمُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، فَهُوَ أَصَحُّ (1) . أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، قَالَ: وَدَّعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقُلْتُ: أَتُرِيْدُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ مِنَ الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا (2) . عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ، قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: عَرَضَ مَعْمَرٌ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ عَلَى هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً (3) -يَعْنِي: صَحِيْفَةَ هَمَّامٍ الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْهُ، وَهِيَ مائَةٌ وَنَيِّفٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، أَكْثَرُهَا فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) . العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ الثَّقَفِيَّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ صَنْعَاءَ، قَالَ لَنَا- وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ -: أَلَسْتُ قَدْ تَجَشَّمْتُ الخُرُوْجَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا أَرَدْتُ، وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، إِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَذَّابٌ، وَالوَاقِدِيُّ أَصْدَقُ مِنْهُ (4) . قُلْتُ: بَلْ -وَاللهِ- مَا بَرَّ عَبَّاسٌ فِي يَمِيْنِهِ، وَلَبِئْسَ مَا قَالَ، يَعْمَدُ إِلَى   (1) " التاريخ الكبير " 6 / 130. (2) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 265. (3) " تاريخ ابن معين ": 577. (4) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 265. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 571 شَيْخِ الإِسْلاَمِ، وَمُحَدِّثِ الوَقْتِ، وَمَنِ احْتَجَّ بِهِ كُلُّ أَربَابِ الصِّحَاحِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوهَامٌ مَغْمُورَةٌ، وَغَيْرُهُ أَبرَعُ فِي الحَدِيْثِ مِنْهُ، فَيَرْمِيهِ بِالكَذِبِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الوَاقِدِيَّ الَّذِي أَجْمَعَتِ الحُفَّاظُ عَلَى تَرْكِهِ، فَهُوَ فِي مَقَالَتِهِ هَذِهِ خَارِقٌ لِلإِجْمَاعِ بِيَقِيْنٍ. قَالَ العُقَيْلِيُّ (1) : سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ الصَّنْعَانِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ زَيْدُ بنُ المُبَارَكِ قَدْ لَزِمَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، ثُمَّ خَرَقَ كُتُبَهُ، وَلَزِمَ مُحَمَّدَ بنَ ثَوْرٍ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيْثِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ ... ، الحَدِيْثَ الطَّوِيْلَ (2) ، فَلَمَّا قَرَأَ قَوْلَ عُمَرَ لِعَلِيٍّ وَالعَبَّاسِ: فَجِئْتَ أَنْتَ تَطْلُبَ مِيْرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَجَاءَ هَذَا يَطلُبُ مِيْرَاثَ امْرَأَتِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: انْظُرُوا إِلَى الأَنْوَكِ، يَقُوْلُ: تَطلُبُ أَنْتَ مِيْرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ، وَيَطلُبُ هَذَا مِيْرَاثَ زَوْجَتِهِ مِنْ أَبِيْهَا، لاَ يَقُوْلُ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ زَيْدُ بنُ المُبَارَكِ: فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ. قُلْتُ: هَذِهِ عَظِيْمَةٌ، وَمَا فَهِمَ قَوْلَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ، فَإِنَّكَ يَا هَذَا لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ أَوْلَى بِكَ، فَإِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ فِي مَقَامِ تَبْيِيْنِ العُمُوْمَةِ وَالبُنُوَّةِ، وَإِلاَّ فَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَعْلَمُ بِحَقِّ المُصْطَفَى، وَبِتَوقِيْرِهِ، وَتَعْظِيْمِهِ مِنْ كُلِّ مُتَحَذْلِقٍ مُتَنَطِّعٍ، بَلِ الصَّوَابُ أَنْ نَقُوْلَ عَنْكَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الأَنْوَكِ الفَاعِلِ - عَفَا اللهُ عَنْهُ - كَيْفَ يَقُوْلُ عَنْ عُمَرَ هَذَا، وَلاَ يَقُوْلُ: قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ الفَارُوْقُ؟ وَبِكُلِّ حَالٍ، فَنَسْتَغْفِرُ اللهَ لَنَا وَلِعَبْدِ   (1) في كتاب: " الضعفاء ": 265 و266. (2) انظره بطوله في البخاري 12 / 4، 5 في الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث، ما تركنا صدقة "، ومسلم (1757) ، في الجهاد: باب حكم الفئ، وأبي داود (2963) ، والترمذي (1610) ، والنسائي 7 / 136، 137. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 572 الرَّزَّاقِ، فَإِنَّهُ مَأْمُوْنٌ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَادِقٌ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الصِّرَارِيَّ يَقُوْلُ: بَلَغَنَا - وَنَحْنُ بِصَنْعَاءَ، عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - أَنَّ أَصْحَابَنَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَغَيْرَهُمَا تَرَكُوا حَدِيْثَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَرِهُوهُ، فَدَخَلَنَا مِنْ ذَلِكَ غَمٌّ شَدِيْدٌ، وَقُلْنَا: قَدْ أَنْفَقْنَا، وَرَحَلْنَا، وَتَعِبْنَا، فَلَمْ أَزَلْ فِي غَمٍّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ الحَجِّ، فَخَرَجتُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيْتُ بِهَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا! مَا نَزَلَ بِنَا مِنْ شَيْءٍ بَلَغَنَا عَنْكُم فِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْنَا: بَلَغَنَا أَنَّكُم تَرَكْتُم حَدِيْثَهُ، وَرَغِبْتُم عَنْهُ. قَالَ: يَا أَبَا صَالِحٍ! لَوِ ارْتَدَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الإِسْلاَمِ، مَا تَرَكْنَا حَدِيْثَهُ (1) . أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ - وَبَلَغَهُ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ تَكَلَّمَ فِي عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى بِسَبَبِ التَّشَيُّعِ - فَقَالَ يَحْيَى: وَاللهِ العَظِيْمِ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي هَذَا المَعْنَى أَكْثَرَ مِمَّا يَقُوْلُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَلَكِنْ خَافَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ تَذْهَبَ رِحْلَتُهُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ - أَوْ كَمَا قَالَ (2) - رَوَاهَا ثِقَتَانِ عَنْهُ. أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: أَنْبَؤُوْنَا عَنْ بَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ سَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: مَا انْشَرَحَ صَدْرِي قَطُّ أَنْ أُفَضِّلَ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَرَحِمَهُمَا اللهُ،   (1) " الضعفاء " للعقيلي: 266. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 573 وَرَحِمَ عُثْمَانَ وَعَلِيّاً، مَنْ لَمْ يُحِبَّهُم، فَمَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ، أَوْثَقُ عَمَلِي حُبِّي إِيَّاهُم (1) . أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرقِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: أُفَضِّلُ الشَّيْخَيْنِ بِتَفْضِيْلِ عَلِيٍّ إِيَّاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ، كَفَى بِي إِزْرَاءً أَنْ أُخَالِفَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (2) -. عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ الفَرْهِيَانِيُّ (3) : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ المُبَارَكِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَّاباً، يَسْرِقُ الحَدِيْثَ. وَذَكَرَهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) ، فَقَالَ: نَسَبُوْهُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَرَوَى أَحَادِيْثَ فِي الفَضَائِلِ لاَ يُوَافَقُ عَلَيْهَا، فَهَذَا أَعْظَمُ مَا ذَمُّوهُ بِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، وَلِمَا رَوَاهُ فِي مَثَالِبِ غَيْرِهِم مِمَّا لَمْ أَذْكُرْهُ، وَأَمَّا الصِّدْقُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ أَحَادِيْثُ فِي أَهْلِ البَيْتِ، وَمثَالِبُ آخَرِيْنَ مَنَاكِيْرُ، وَقَدْ سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الصِّرَارِيَّ ... ، فَذَكَرَ حِكَايَتَه، وَقَوْلَ يَحْيَى: لَوِ ارْتَدَّ، مَا تَرَكنَا حَدِيْثَهُ (4) . وَقَدْ أَوْرَد أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً، وَأَفظَعُ حَدِيْثٍ لَهُ، مَا تَفَرَّد بِهِ عَنْهُ الثِّقَةُ أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُفْيَانَ   (1) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. (2) " تهذيب الكمال ": لوحة 832. (3) ويقل: الفرهاذاني نسبة إلى فرهاذان قرية من قرى نسا بخراسان. (4) " الكامل " لابن عدي 4 / 640 و642. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 574 الصَّنْعَانِيُّ النَّجَّارُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: (أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ، فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي (1)) . قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِهِ أَبُو الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ، فِي حَيَاةِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا الأَزْهَرِ بَرِيْءُ السَّاحَةِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ. وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ ... ، فَذَكَرَهُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ ... ، فَذَكَرَهُ. وَسَمِعْتُ (2) أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى التُّسْتَرِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الأَزْهَرِ بِهَذَا فِي الفَضَائِلِ، أُخْبِرَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِذَلِكَ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِذْ قَالَ: مَنْ هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا. فَتَبَسَّم يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَسْتَ بِكَذَّابٍ. وَتَعَجَّبَ مِنْ سَلاَمتِهِ، وَقَالَ: الذَّنْبُ لِغَيْرِكَ فِيْهِ. وَسَمِعْتُ (2) أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، وَالسَّبَبُ فِيْهِ: أَنَّ مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافِضِيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدخَلَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيْثَ، وَكَانَ مَعْمَرٌ مَهِيْباً، لاَ يَقْدِرُ   (1) انظر " تهذيب الكمال " ترجمة أبي الأزهر فقد بسط الكلام على الحديث هناك. (2) القائل هو الحاكم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 575 أَحَدٌ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ، فَسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ. قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَمَا كَانَ مَعْمَرٌ شَيْخاً مُغَفَّلاً يَرُوْجُ هَذَا عَلَيْهِ، كَانَ حَافِظاً، بَصِيْراً بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ يَوْماً، حَتَّى خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ البُكُورِ، فَوَصَلتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا خَرَجَ، رَآنِي، فَأَعْجَبَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، دَعَانِي، وَقرَأَ عَلَيَّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَخَصَّنِي بِهِ دُوْنَ أَصْحَابِي. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ ابْنُ شَاتِيْلَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَابْنُ فَيْرُوْزٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ فَيْرُوْزٍ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ... } الآيَةُ [السَّجْدَةُ: 5] . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ فَيْرُوْزٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} . فَقَالَ: أَسْأَلُكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللهُ، هُوَ أَعْلَمُ بِهَا، أَكْرَهُ أَنْ أَقُوْلَ فِيْهَا مَا لاَ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَضَرَبَ الدَّهْرُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَسُئِلَ عَنْهَا، فَلَمْ يَدرِ مَا يَقُوْلُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا حَضَرتُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ لِلسَّائِلِ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدِ اتَّقَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 576 أَنْ يَقُوْلَ فِيْهَا، وَهُوَ أَعْلَى مِنِّي (1) . وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: كَانَ عَدِيُّ بنُ أَرْطَاةَ يَبْعَثُ إِلَى الحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ قِعَاباً (2) مِنْ ثَرِيْدٍ، فَيَأْكُلُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَدِيٌّ أَمِيْراً عَلَى البَصْرَةِ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَقَّارِ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى، فَقَدْ برِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ (3)) . وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: (أَيْنَ فُلاَنَةُ؟) . قَالُوا: اشْتَكَتْ عَيْنَهَا. فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا، فَقَدْ أَعَجَبَتْنِي عَيْنَاهَا (4)) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُمُ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ   (1) رجاله ثقات، وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 171، 172، ونسبه إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في " المصاحف " والحاكم وصححه. (2) القعب: القدح الضخم الغليظ، وقيل: هو قدح من خشب مقعر. (3) إسناده صحيح، وأخرجه الترمذي (2056) في الطب: باب ما جاء في كراهية الرقية، من طريق محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد تحرف فيه " عقار " إلى " عفان " - وأخرجه أحمد 4 / 253 من طريقين عن شعبة، عن منصور به، وأخرجه ابن ماجة (3489) في الطب: باب الكي من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل ابن علية، عن ليث، عن مجاهد به. (4) رجاله ثقات، لكنه مرسل، ومراسيل الزهري شبه الريح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 577 القَاضِي - وَأَنَا أَسْمَعُ - فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسٌ، قَالَ: فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِيْنَ، ثُمَّ نَقَصَتْ إِلَى خَمْسٍ، ثُمَّ نُودِيَ: (يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِالخَمْسِ خَمْسِيْنَ (1)) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ المُحْسِنِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَعْقِلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فُرِضَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِيْنَ، ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْساً، ثُمَّ نُودِيَ: (يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الخَمْسِ خَمْسِيْنَ) . أَخْرَجَه: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الذُّهْلِيِّ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الهَمَذَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاضِي (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ   (1) إسناده صحيح، وهو في " المصنف " (1768) ، وانظر ما بعده. (2) رقم (213) في الصلاة: باب ما جاءكم فرض الله على عباده من الصلوات، وهو من طريق آخر من حديث الاسراء الطويل أخرجه البخاري 6 / 217، 220، في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب المعراج، ومسلم (162) في الايمان: باب الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، والنسائي 1 / 217، 223 في الصلاة: باب فرض الصلاة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 578 عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانُوا يَنْزِلُوْنَ المُحَصَّبَ (1) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا أَسْلَمُ! لاَ يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفاً، وَلاَ بُغْضُكَ تَلَفاً. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا أَحبَبتَ، فَلاَ تَكْلَفْ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ، فَلاَ تُبْغِضْ بُغْضاً تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُك وَيَهْلِكَ (2) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ بَطْحَاءَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ بنِ مُعَاذٍ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ   (1) وأخرجه مسلم (1310) في الحج: باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد. والمحصب يقع بأعلى مكة، حرسها الله، وهو براح من الأرض بينه وبين منى قدر ميل، ويسمى أيضا الحصباء والحصبة، وهو الابطح، والبطحاء، وخيف بني كنانة، ولم يعد المحصب في هذا العصر براحا من الأرض، فقد شغلته دور أهل مكة حتى كادت تصل بين مكة ومنى. (2) إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 579 وَجَلَّ: {وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، قَالَ: تَنْظُرُ فِي وَجْهِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ (1) -. تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ حِيْنَ قَدِمَ ابْنُ جُرَيْجٍ اليَمَنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَعْلَمَنَا، وَأَحفَظَنَا. قَالَ يَعْقُوْبُ: وَكُلٌّ (2) ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. 221 - هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ الصَّنْعَانِيُّ * (خَ، 4) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، قَاضِي صَنْعَاءِ اليَمَنِ، وَفَقِيْهُهَا، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِنْ أَقْرَانِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، لَكِنَّهُ أَجَلُّ وَأَتْقَنُ، مَعَ قِدَمِ مَوْتِهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُذْكَرُ مَعَ مَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ فَيَّاضٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ، لَكِنَّهُ مُجَوِّدٌ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.   (1) إسناده صحيح. (2) في الأصل: " وكلا ". (*) تاريخ ابن معين: 620، طبقات ابن سعد 7 / 548، طبقات خليفة: ت 2670، التاريخ الكبير 8 / 194، الجرح والتعديل 9 / 70، الكامل لابن عدي 4 / 821، تهذيب الكمال: لوحة 1445، تذهيب التهذيب 4 / 120 / 1، العبر 1 / 324، تذكرة الحفاظ 1 / 346، الكاشف 3 / 224، مرآة الجنان 1 / 457، تهذيب التهذيب 10 / 57، طبقات الحفاظ: 145، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب 1 / 349. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 580 ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ (1) . وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ مَرَّةً: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَتَبَ لِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَأْتِي رَجُلاً، إِنْ كَانَ غَيَّرَهُ السُّلْطَانُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ حَدِيْثَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَكَثْنَا عَلَى بَابِ هِشَامٍ خَمْسِيْنَ يَوْماً، لاَ يُحَدِّثُنَا بِحَدِيْثٍ نَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى بَابِ الأَمِيْرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: أَتَاهُ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ- فَأَجْزَرَهُ شَاةً، وَفَعَلَ بِهِ، وَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هِشَامٌ أَلأَمُ مِنْ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ اليَمَنَ، فَقَالَ: اطلُبُوا كَاتِباً سَرِيْعَ الخَطِّ. فَارْتَادُوْنِي، فَكُنْتُ أَكْتُبُ (2) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: هِشَامٌ أَصَحُّ اليَمَانِيِّيْنِ كِتَاباً (3) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: إِنْ حَدَّثَكُمُ القَاضِي، فَلاَ عَلَيْكُم أَنْ لاَ تَكتُبُوا عَنْ غَيْرِهِ (4) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ هِشَامٌ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ أُرَى.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 71. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 71، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1445، وفيه: " سريع الحفظ " بدل " سريع الخط ". (3) " الجرح والتعديل " 9 / 71، و" تهذيب الكمال ": لوحة 1445. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 70، 71. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 581 قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ القَرَافِيِّ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَرَجُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوْكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّوْنِي لِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فَردٌ، مَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلاَّ وَلَدُهُ عَلِيٌّ، وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ إِلاَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ أَبُو الخُلَفَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ: قَاضِي صَنْعَاءَ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلاَّ هِشَامٌ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ السِّجْزِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَالنَّاسُ فِيْهِ عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى، وَلَيْسَ النَّوْفَلِيُّ بِمَعْرُوْفٍ.   (1) رقم (3789) في المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وحسنه، مع أن عبد الله ابن سليمان النوفلي لم يوثق، ولم يرو عنه غير هشام بن يوسف، وصححه الحاكم 3 / 149، 150، ووافقه الذهبي مع أنه في " الميزان " قال في عبد الله بن سليمان: فيه جهالة، ثم أورد له هذا الحديث. (2) 1 / 497. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 582 222 - بَكْرُ بنُ بَكَّارٍ أَبُو عَمْرٍو القَيْسِيُّ البَصْرِيُّ * المُحَدِّثُ، العَالِمُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو القَيْسِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَهُ (جُزْءٌ) مَشْهُوْرٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمَّوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجَيْرَانِيُّ (1) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدَانَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ (2) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ ثِقَةٌ، مَا يُخْطِئُ. وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (3) . قَالَهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (4) : قَدِمَ بَكْرٌ أَصْبَهَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، وَحَدَّثَ   (*) تاريخ ابن معين: 62، التاريخ الكبير 2 / 88، الضعفاء والمتروكين: 55، الضعفاء للعقيلي: لوحة 55، الجرح والتعديل 2 / 382، أخبار أصبهان 1 / 234، ميزان الاعتدال 1 / 343، الكاشف 1 / 161، تهذيب التهذيب 1 / 479، وهو عند الجميع " القيسي " سوى " ضعفاء " العقيلي، ففيه، " القرشي " وهو تحريف. (1) نسبة إلى جيران، وهي من قرى أصبهان على فرسخين منها. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 383. (3) " تاريخ ابن معين ": 62. (4) " أخبار أصبهان " 1 / 234. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 583 بِهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيِّ، أَخْبَرَنَا إِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ إِذْناً عَامّاً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُوْرَكَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ دُعِيْتُ إِلَى كُرَاعٍ، لأَجَبْتُ) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَعَائِذٌ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ (2) . 223 - عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ * الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ، نَزِيْلُ المَصِّيْصَةِ، وَمُرِيْدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. رَوَى عَنْهُ: هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ،   (1) قال الحافظ في " التهذيب ": روى له النسائي أثرا واحدا في أثناء الصلاة في " السنن الكبرى " رواية ابن الاحمر من روايته عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن محرر بن أبي هريرة في تسمية أبيه أبي هريرة، وقال بعده: بكر بن بكار ليس بقوي، وسفيان بن حسين ضعيف. (2) لكن صح الحديث عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه البخاري 5 / 147، في الهبة: باب القليل من الهبة، وأحمد 2 / 424، و479 و481 و512 بلفظ: " لو دعيت إلى ذراع أو كراع لاجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت ". (*) التاريخ الكبير 6 / 262، الجرح والتعديل 6 / 176، حلية الأولياء 9 / 317. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 584 وَالفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَبَرَكَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيُّ الوَاهِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يُوْسُفُ بنُ مُسْلِمٍ: بَكَى عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ حَتَّى عَمِيَ، وَكَانَ قَدْ أَثَّرَتِ الدُّمُوعُ فِي خَدَّيْهِ. قُلْتُ: وَكَانَ فَارِساً، مُرَابِطاً، مُجَاهِداً، كَثِيْرَ الغَزْوِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَاقَعْنَا العَدُوَّ، فَانْهَزَمَ المُسْلِمُوْنَ، وَقَصَّرَ بِي فَرَسِي، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ. فَقَالَ الفَرَسُ: نَعَمْ، إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، حَيْثُ تَتَّكِلُ عَلَى فُلاَنَةَ فِي عَلَفِي، فَضَمِنْتُ أَنْ لاَ يَلِيَهُ غَيْرِي (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: لأَنْ أَلْقَى الشَّيْطَانَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيَّ، أَخَافُ أَنْ أَتَصَنَّعَ لَهُ، فَأَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ اللهِ (2) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ طَرِيْفٍ: كَانَتِ الجَارِيَةُ تَفْرُشُ لعَلِيِّ بنِ بَكَّارٍ، فَيَلْمَسُهُ بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّكَ لَطَيِّبٌ، وَاللهِ إِنَّكَ لَبَارِدٌ، وَاللهِ لاَ عَلَوْتُكَ اللَّيْلَةَ. وَكَانَ يُصَلِّي الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العَتَمَةِ (3) . قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: أَمَّا عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ المَصِّيْصِيُّ الصَّغِيْرُ: فَآخَرُ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " حلية الأولياء " 9 / 318. (2) " حلية الأولياء " 9 / 318، 319. (3) " حلية الأولياء " 9 / 318. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 585 224 - النِّبَاجِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ بُرِيْدٍ الصُّوفِيُّ * القُدْوَةُ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ بُرِيْدٍ الصُّوْفِيُّ. لَهُ كَلاَمٌ شَرِيْفٌ، وَمَوَاعِظُ. حَكَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بن أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ القُرَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عَاصِمٍ، وَغَيْرُهُم. رَوَى: أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَالِهِ: أَنَّ النِّبَاجِيَّ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَلَهُ آيَاتٌ وَكَرَامَاتٌ، كَانَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ عَائِنٌ نَاقَتَه بِالعَيْنِ، فَجَاءهُ النِّبَاجِيُّ، وَدَعَا عَلَيْهِ بِأَلْفَاظٍ، فَخَرَجَتْ حَدَقَتَا العَائِنِ، وَنَشَطَتِ النَّاقَةُ (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَكُوْنُ فِي الصَّلاَةِ، فَيَقَعُ فِي سَمْعِهِ غَيْرُ مَا يُخَاطِبُهُ اللهُ (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: لَوْ جُعِلَتْ لِي دَعوَةٌ مُجَابَةٌ، مَا سَأَلْتُ الفِرْدَوْسَ، وَلَكُنْتُ أَسْأَلُ الرِّضَى، فَهُوَ تَعجِيْلُ الفِرْدَوْسِ (3) . قَالَ ابْنُ بَكْرٍ: سَمِعْتُ النِّبَاجِيَّ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي أَنْ نَكُوْنَ بِدُعَاءِ إِخْوَانِنَا أَوْثَقُ مِنَّا بِأَعْمَالِنَا، نَخَافُ فِي أَعْمَالِنَا التَّقْصِيْرَ، وَنَرْجُوْ أَنْ نَكُوْنَ فِي دُعَائِهِم لَنَا مُخلِصِيْنَ (4) . لِلنِّبَاجِيِّ تَرْجَمَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي (الحِلْيَةِ) (5) .   (*) " حلية الأولياء " 9 / 310. (1) " حلية الأولياء " 9 / 316، 317. (2) " حلية الأولياء " 9 / 317. (3) " حلية الأولياء " 9 / 315. (4) " حلية الأولياء " 9 / 312. (5) تحرف اسمه في المطبوع من " الحلية " إلى " سعد بن يزيد الساجي ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 586 بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ التَّاسِعُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) . وَيَتْلُوهُ الجُزْءُ العَاشِرُ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 587 الْجُزْءُ الْعَاشِرُ 1 - الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ * (خت (1) ، 4) مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثْمَانَ بنِ شَافِعِ بنِ السَّائِبِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ يَزِيْدَ بنِ هِشَامِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، الإِمَامُ، عَالِمُ العَصْرِ، نَاصِرُ الحَدِيْثِ، فَقِيْهُ   (*) التاريخ الكبير 1 / 42، التاريخ الصغير 2 / 302، الجرح والتعديل 7 / 201، حلية الأولياء 9 / 63 - 161، الفهرست 263، مناقب الشافعي للبيهقي، الانتقاء: 65 - 121، تاريخ بغداد 2 / 56 - 73، طبقات الفقهاء للشيرازي: 48 - 50، طبقات الحنابلة 1 / 280، ترتيب المدارك 2 / 382، الأنساب 7 / 251 - 254، تاريخ ابن عساكر 14 / 395 - 418 و15 / 1 - 25، صفة الصفوة 2 / 95، مناقب الشافعي للرازي، معجم الأدباء 17 / 281 - 327، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 44 - 67، وفيات الأعيان 4 / 163 - 169، المختصر في أخبار البشر 2 / 28 - 29، تهذيب الكمال لوحة 1160، تذهيب التهذيب 3 / لوحة 180 / 2، تاريخ الإسلام 11 / 29 ب - 39 أ، تذكرة الحفاظ 1 / 361 - 363، الكاشف 3 / 17، عيون التواريخ 7 / لوحة 172 - 183، الوافي بالوفيات 2 / 171 - 181، مرآة الجنان 2 / 13 - 28، طبقات الشافعية للسبكي: انظر الجزء الأول، البداية والنهاية 10 / 251 - 254، الديباج المذهب 2 / 156 - 161، غاية النهاية 2 / 95، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1 / 21، تهذيب التهذيب 9 / 25، توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس، النجوم الزاهرة 2 / 176، 177، طبقات الحفاظ: 152، حسن المحاضرة 1 / 303 - 304، خلاصة تذهيب الكمال: 326، طبقات المفسرين 2 / 98، مفتاح السعادة 2 / 88 - 94، تاريخ الخميس 2 / 335، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 11 - 14، شذرات الذهب 2 / 9 - 11، شرح إحياء علوم الدين 1 / 191 - 201، الرسالة المستطرفة: 17. (1) لم تذكر هذه الرموز في الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " و" تذهيب التهذيب "، وفي المطبوع من " تهذيب التهذيب " و" تقريب التهذيب " زيادة رمز " م " إشارة إلى أن مسلما روى له، وهو خطأ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 المِلَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، ثُمَّ المُطَّلِبِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المَكِّيُّ، الغَزِّيُّ (1) المَوْلِدِ، نَسِيْبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ عَمِّهِ، فَالمُطَّلِبُ هُوَ أَخُو هَاشِمٍ وَالِدِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. اتَّفَقَ مَوْلِدُ الإِمَامِ بِغَزَّةَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ إِدْرِيْسُ شَابّاً، فَنَشَأَ مُحَمَّدٌ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، فَتَحَوَّلَتْ بِهِ إِلَى مَحْتِدِهِ وَهُوَ ابْنُ عَامَيْنِ، فَنَشَأَ بِمَكَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّمْيِ، حَتَّى فَاقَ فِيْهِ الأَقْرَانَ، وَصَارَ يُصِيْبُ مِنْ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ تِسْعَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ وَالشَّرْعِ، فَبَرَعَ فِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الفِقْهُ، فَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ. وَأَخَذَ العِلْمَ بِبَلَدِهِ عَنْ: مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ (2) - مُفْتِي مَكَّةَ - وَدَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَعَمِّهِ (3) ؛ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَافِعٍ - فَهُوَ ابْنُ عَمِّ العَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ - وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُلَيْكِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَعِدَّةٍ. وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئاً عَنْ نَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكَّةَ. وَارْتَحَلَ - وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ أَفْتَى وَتَأَهَّلَ لِلإِمَامَةِ - إِلَى   (1) نسبة إلى غزة، مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، وهي جنوب فلسطين بينها وبين عسقلان فرسخان، وفيها مات هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها قبره، ولذلك يقال لها: غزة هاشم. (2) قال ابن سعد: كان أبيض مشربا بحمرة، وإنما قيل له: الزنجي، لمحبته التمر، قالت له جاريته: ما أنت إلا زنجي لاكل التمر، فبقي عليه هذا اللقب. ومسلم بن خالد هذا على جلالة قدره في الفقه ضعيف في الحديث لسوء حفظه. (3) في الأصل " عمهم " وهو خطأ، والمثبت من " تهذيب " المزي، و" تذهيب " المؤلف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 المَدِيْنَةِ، فَحَمَلَ عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ (المُوَطَّأَ) ، عَرَضَهُ مِنْ حِفْظِهِ. وَقِيْلَ: مِنْ حِفْظِهِ لأَكْثَرِهِ. وَحَمَلَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى (1) - فَأَكْثَرَ - وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِبرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَأَخَذَ بِاليَمَنِ عَنْ: مُطَرِّفِ بنِ مَازِنٍ، وَهِشَامِ بنِ يُوْسُفَ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ. وَبِبَغْدَادَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ؛ فَقِيْهِ العِرَاقِ، وَلاَزَمَهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ وِقْرَ بَعِيْرٍ. وَعَنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ. وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَدَوَّنَ العِلْمَ، وَرَدَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مُتَّبِعاً الأَثَرَ، وَصَنَّفَ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِهِ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ البُوَيْطِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الكَلْبِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ أَبِي الجَارُوْدِ المَكِّيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ المَكِّيُّ - صَاحِبُ (الحَيْدَةِ (2)) - وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ   (1) هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الاسلمي المدني أحد الضعفاء المتروكين. قال ابن حبان في " الضعفاء " 1 / 105، 107: كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه، وتركه يحيى القطان، وابن مهدي، وكان الشافعي يروي عنه، كان إبراهيم يرى القدر، ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث..وأما الشافعي، فإنه كان يجالسه في حداثته، ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره، وأخذ يصنف الكتب المبسوطة، احتاج إلى الاخبار، ولم تكن معه كتبه، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه، فمن أجله ما روى عنه، وربما كنى عنه، ولا يسميه في كتبه، وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي إذا قال: حدثنا من لا أتهم يريد إبراهيم بن أبي يحيى. (2) هو عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي: قدم بغداد في أيام المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وكان من أهل العلم والفضل، وله مصنفات عدة، منها كتاب " الحيدة "، وهو مطبوع متداول، إلا أن المؤلف = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 الكَرَابِيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ المِصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الشَّافِعِيُّ المُتَكَلِّمُ، وَالحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ، وَحَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ بنِ مِقْلاَصٍ، وَعَلِيُّ بنُ معَبْدٍ الرَّقِّيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَعَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، وَأَبُو حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَمَسْعُوْدُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ. وَقَدْ أَفْرَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ (مَنْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ) فِي جُزْأَيْنِ، وَصَنَّفَ الكِبَارَ فِي مَنَاقِبِ هَذَا الإِمَامِ، قَدِيْماً وَحَدِيْثاً (1) ، وَنَالَ بَعْضُ النَّاسِ   = الذهبي يشكك في صحة نسبته إليه، فقد قال في " الميزان " 2 / 639: لم يصح إسناد كتاب " الحيدة " إليه، فكأنه وضع عليه. وكان ممن تفقه بالشافعي، واشتهر بصحبته، توفي قبل الأربعين ومئتين تقريبا. (1) قال السبكي في " طبقات الشافعية " 1 / 343 - 345: وأول من بلغني صنف في مناقب الشافعي الامام داود بن علي الاصفهاني إمام أهل الظاهر، له مصنفات في ذلك. ثم صنف زكريا بن يحيى الساجي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ثم صنف أبو الحسن محمد بن الحسين ابن إبراهيم الآبري كتابا حافلا رتبه على أربعة وسبعين بابا، ثم ألف الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ مصنفا جامعا، وصنف في عصره أيضا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني مختصرا في هذا النوع، ثم صنف أبو عبد الله ابن شاكر القطان مختصره المشهور، ثم صنف الامام الزاهد إسماعيل بن محمد السرخسي القراب مجموعا حافلا، رتبه على مئة وستة عشر بابا، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 مِنْهُ غَضّاً، فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ رِفْعَةً وَجَلاَلَةً، وَلاَحَ لِلْمُنْصِفِيْنَ أَنَّ كَلاَمَ أَقْرَانِهِ فِيْهِ بِهَوَىً، وَقَلَّ مَنْ بَرَّزَ فِي الإِمَامَةِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِلاَّ وَعُودِيَ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى - وَهَذِهِ الأَوْرَاقُ تَضِيقُ عَنْ مَنَاقِبِ هَذَا السَّيِّدِ. فَأَمَّا جَدُّهُمُ السَّائِبُ المُطَّلِبِيُّ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ مَنْ حَضَرَ بَدْراً مَعَ الجَاهِلِيَّةِ، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَوَالِدَتُه: هِيَ الشِّفَاءُ بِنْتُ أَرْقَمَ بنِ نَضْلَةَ. وَنَضْلَةُ: هُوَ أَخُو عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ جَدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَدَى نَفْسَهُ، أَسْلَمَ (1) . وَابْنُهُ شَافِعٌ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي صِغَارِ الصَّحَابَةِ (2) ، وَوَلَدُهُ عُثْمَانُ: تَابِعِيٌّ، لاَ أَعْلَمُ لَهُ كَبِيْرَ رِوَايَةٍ. وَكَانَ أَخْوَالُ الشَّافِعِيِّ مِنَ الأَزْدِ. عَنْ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ وَالِدَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ، رَأَتْ كَأَنَّ   = ثم صنف الأستاذ الجليل أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي كتابين: أحدهما كبير حافل يختص بالمناقب، والآخر مختصر محقق يختص بالرد على الجرجاني الحنفي الذي تعرض لجناب هذا الامام. ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي كتابه في المناقب، المشهور، والحسن الجامع المحقق، وكتبا أخر في هذا النوع، مثل " بيان خطأ من خطأ الشافعي " وعيره، ثم صنف الحافظ الكبير أبو بكر الخطيب مجموعا في المناقب، ومختصرا في الاحتجاج بالشافعي، ثم صنف الامام فخر الدين الرازي كتابه المشهور، والمرتب على أبواب وتقاسيم، وصنف الحافظ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن أبي زيد الأصبهاني، المعروف بابن المقرئ، كتابين: أحدهما سماه " شفاء الصدور في محاسن صدر الصدور "، والآخر مجلد كبير، وهو مختصر من شفاء الصدور، سماه: " الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الامام الشافعي ". وصنف الحافظ أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي، المعروف بفندق، كتابا كبيرا في المناقب. (1) " تاريخ بغداد " 2 / 58، و" أسد الغابة " 2 / 317، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 79، 80، و" توالي التأسيس ": 45، و" الإصابة " 2 / 11. (2) انظر " أسد الغابة " 2 / 501، و" الإصابة " 2 / 135. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 المُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا، حَتَّى انْقَضَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْهُ شَظِيَّةٌ، فَتَأَوَلَّهُ المُعَبِّرُوْنَ أَنَّهَا تَلِدُ عَالِماً، يَخُصُّ عِلْمَهُ أَهْلَ مِصْرَ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ فِي البُلْدَانِ (1) . هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ - فِيْمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ، قَالَ: وُلِدْتُ بِاليَمَنِ -يَعْنِي: القَبِيْلَةَ، فَإِنَّ أُمَّهُ أَزْدِيَّةٌ- قَالَ: فَخَافَتْ أُمِّي عَلَيَّ الضَّيْعَةَ، وَقَالَتْ: الْحَقْ بِأَهْلِكَ، فَتَكُوْنَ مِثْلَهُمْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُغْلَبَ عَلَى نَسَبِكَ. فَجَهَّزَتْنِي إِلَى مَكَّةَ، فَقَدِمْتُهَا يَوْمَئِذٍ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ، فَصِرْتُ إِلَى نَسِيْبٍ لِي، وَجَعَلْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَيَقُوْلُ لِي: لاَ تَشْتَغِلْ بِهَذَا، وَأَقبِلْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، فَجُعِلَتْ لَذَّتِي فِي العِلْمِ (2) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَمْرَو بن سَوَّادٍ: قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: وُلِدْتُ بِعَسْقَلاَنَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيَّ سَنَتَانِ، حَمَلَتْنِي أُمِّي إِلَى مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: وُلِدْتُ بِغَزَّةَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَحُمِلْتُ إِلَى مَكَّةَ ابْنَ سَنَتَيْنِ.   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 58، 59. (2) " آداب الشافعي " لابن أبي حاتم 21، 22، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 73، 74 و" معرفة السنن والآثار " 1 / 128، و" تاريخ بغداد " 2 / 59، و" مناقب الشافعي " للرازي: 8، و" توالي التأسيس " 49 - 50، وقد علق الحافظ ابن حجر على قوله: ولدت باليمن، فقال: قال الحافظ شمس الدين الذهبي شيخ شيوخنا: هذا القول غلط إلا أن يريد باليمن قبيلة. قلت (القائل ابن حجر) : سبقه إلى ذلك البيهقي في المدخل، وهو محتمل، أو وهم أحمد بن عبد الرحمن في قوله: ولدت، وإنما أراد نشأت، فالذي يجمع الأقوال أنه ولد بغزة عسقلان، ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن لأنها كانت أزدية، فنزلت عندهم، فلما بلغ عشرا خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع، فحولته إلى مكة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 قَالَ المُزَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنَ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-! وَكَانَ رُبَّمَا قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَلاَ يَفْضُلُ عَنْ قَبْضَتِهِ. قَالَ الرَّبِيعُ المُؤَذِّنُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ، حَتَّى كَانَ الطَّبِيْبُ يَقُوْلُ لِي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السِّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ فِي الحَرِّ. قَالَ: وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ العَشَرَةِ تِسْعَةً (1) . قَالَ الحُمَيْدِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ يَتِيْماً فِي حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِينِي لِلْمُعَلِّمِ، وَكَانَ المُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنِّي أَنْ أَقُوْمَ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا غَابَ، وَأُخَفِّفَ عَنْهُ (2) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ فِي الأَكتَافِ وَالعِظَامِ، وَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الدِّيْوَانِ، فَأَسْتَوْهِبُ الظُّهُوْرَ، فَأَكْتُبُ فِيْهَا. وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: كَانَتْ نَهْمَتِي فِي الرَّمْيِ، وَطَلَبِ العِلْمِ، فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتَّى كُنْتُ أُصِيبُ مِنْ عَشْرَةٍ عَشْرَةً، وَسَكَتَ عَنِ العِلْمِ. فَقُلْتُ: أَنْتَ -وَاللهِ- فِي العِلْمِ أَكْبَرُ مِنْكَ فِي الرَّمْيِ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّائِيُّ الأَقْطَعُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَفِظْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 60، و" المناقب " للبيهقي 2 / 128. (2) " آداب الشافعي ": 24، و" حلية الأولياء " 9 / 73، و" توالي التأسيس ": 50، و" المناقب " للرازي: 9، و" المناقب " للبيهقي 1 / 92. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 59، 60، و" حلية الأولياء " 9 / 77، و" آداب الشافعي ": 22، و" تهذيب الكمال ": لوحة: 1161، و" تهذيب التهذيب " 9 / 25، 26، و" توالي التأسيس ": 49 و67، و" المناقب " للبيهقي 2 / 127، 128. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 62، 63، و" توالي التأسيس ": 50، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1161. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 الأَقْطَعُ: مَجْهُوْلٌ. وَفِي (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ) لِلآبُرِيِّ (1) : سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَمَذَانِيَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: وُلِدَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ مَاتَ أَبُو حَنِيْفَةَ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى (2) -. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ مَالِكاً وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً - كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَ مَالِكاً، فَقَالَ: اطلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ. قُلْتُ: أَنَا أَقرَأُ. فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، فَكانَ رُبَّمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ قَدْ مَرَّ: أَعِدْهُ. فَأُعِيدُهُ حِفْظاً، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، ثُمَّ سَأَلْتُه عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي، ثُمَّ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ قَاضِياً (3) . وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَقَمْتُ فِي بُطُوْنِ العَرَبِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، آخُذُ أَشعَارَهَا وَلُغَاتِهَا، وَحَفِظْتُ القُرْآنَ، فَمَا عَلِمْتُ أنَّه مَرَّ بِي حَرْفٌ إِلاَّ وَقَدْ   (1) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني المتوفى 363 هـ، وآبر: قرية من عمل سجستان، وقد وصف السبكي في " طبقاته " 1 / 344 كتابه هذا بأنه حافل ومرتب على أربعة وسبعين بابا. (2) " مناقب البيهقي " 1 / 72، و" مناقب الرازي ": 8، وفي " توالي التأسيس ": ص 49: وأما زمان مولده، فلم يختلف فيه، بل اتفقوا عليه، قال الحاكم: لا أعلم خلافا أنه ولد سنة خمسين ومئة، وهو العام الذي مات فيه أبو حنيفة، ففيه إشارة إلى أنه يخلفه في فنه، وقد قيل: إنه ولد في اليوم الذي مات فيه، وزيفوه، وليس بواه، فقد أخرجه الآبري في " مناقب الشافعي " بسند جيد إلى الربيع بن سليمان، قال: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة. لكن هذا اللفظ يقبل التأويل، فإنهم يطلقون اليوم، ويريدون مطلق الزمان. (3) هو في " مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 101، وفيه: " يجب أن تكون قاضيا " وانظر " الحلية " 9 / 69، و" توالي التأسيس ": 51، و" آداب الشافعي ": 27، 28، و" مناقب " الرازي: 9، 10، و" الانتقاء ": 68، 69، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 عَلِمْتُ المَعْنَى فِيْهِ وَالمُرَادَ، مَا خَلاَ حَرْفَيْنِ، أَحَدُهُمَا: دَسَّاهَا (1) . إِسْنَادُهَا فِيْهِ مَجْهُوْلٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قرأْتُ القُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ قُسْطَنْطِيْنَ. وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلٍ، وَأَخْبَرَ شِبْلٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ، وَقَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ إِسْمَاعِيْلُ يَقُوْلُ: القُرَانُ اسْمٌ لَيْسَ بِمَهْموزٍ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ (قَرَأْتُ) وَلَوْ أُخِذَ مِنْ (قَرَأْتُ) كَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآناً، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِلْقُرَانِ، مِثْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ (2) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 63، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1161، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2، وجاء في " الحلية " 9 / 104 عن ابن بنت الشافعي: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: نظرت في دفتي المصحف، فعرفت مراد الله تعالى فيه إلا حرفين واحد منهما قوله تعالى: [وقد خاب من دساها] فإني لم أجده. وأخرجه البيهقي في " أحكام القرآن " 2 / 190 من طريق محمد بن عبد الله بن محمد قال: سمعت الشافعي يقول: نظرت بين دفتي المصحف، فعرفت مراد الله عزوجل في جميع ما فيه إلا حرفين - ذكرهما وأنسيت أحدهما - والآخر: قوله تعالى: [وقد خاب من دساها] فلم أجده في كلام العرب، فقرأت لمقاتل بن سليمان أنها لغة السودان، وأن دساها: أغواها. وعلق عليه البيهقي فقال: قوله: في كلام العرب، أراد لغتهم، أو أراد فيما بلغه من كلام العرب، والذي ذكره مقاتل: " لغة السودان " من كلام العرب. قال ابن قتيبة في " مشكل القرآن " 267: [وقد خاب من دساها] أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البر، وبركوب المعاصي، والفاجر أبدا خفي المكان، زمر المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس، ودساها من " دسست " فقلبت إحدى السينات ياء، كما يقال: لبيت، والاصل: لببت، وقصيت أظفاري، وأصله: قصصت، ومثله كثير. (2) إسناده حسن، إسماعيل بن قسطنطين: وهو إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المكي مولى بني مخزون المعروف بالقسط مقرئ مكة المتوفى سنة 170، ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 180، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووصفه ابن الجزري في " طبقاته " 1 / 166 بأنه ثقة ضابط، وباقي رجال السند رجال الصحيح، وانظر " توالي التأسيس ": 42، و" مناقب الشافعي " للبيهقي 1 / 276، 277، و" الأسماء والصفات ": 272، و" آداب الشافعي ": 141، 143، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 1، و" طبقات = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 الأَصَمُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَقَدْ حَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) ظَاهِراً، فَقُلْتُ: أُرِيْدُ سَمَاعَهُ، قَالَ: اطْلُبْ مَنْ يَقْرَأُ لَكَ. فَقُلْتُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْمَعَ قِرَاءتِي، فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْكَ، قَرَأْتُ لِنَفْسِي (1) . أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِمَّانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً، وَقَالَ: إِنِ اشْتَهَيتَ العِلْمَ، فَالْزَمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ وِقْرَ بَعِيْرٍ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ، قَالَ لَهُ: لاَ تَحْتَشِمْ. قَالَ: لَوْ كُنْتَ عِنْدِي مِمَّنْ أَحْشُمُكَ (2) ، مَا قَبِلْتُ بِرَّكَ (3) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حَمَلْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ حِمْلَ بُخْتِيٍّ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ سَمَاعِي (4) .   = القراء " 1 / 166، و" البداية " 10 / 252، و" تاريخ بغداد " 2 / 62، و" مناقب الشافعي " للرازي: 70، و" اللسان ": قرأ، وقراءة غير ابن كثير من القراء: (القرآن) بالهمز مصدر قرأت الشئ، أي: ألفته وجمعته، قراءة وقرآنا، كالغفران والكفران والفرقان. والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن، لأنه جمع القصص والامر والنهي والوعد والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض. (1) " آداب الشافعي ": 27، 28، و" حلية الأولياء " 9 / 69، و" توالي التأسيس ": 51، و" الانتقاء " 68، 69. (2) أي: أستحيي منك، والحشمة،: الانقباض عن أخيك في المطعم، وطلب الحاجة. (3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2. (4) إسناده صحيح، وهو في " آداب الشافعي ": 33، و" الحلية " 9 / 78، و" تاريخ بغداد " 2 / 176، و" الانتقاء ": 69، و" الجواهر المضية " 2 / 43، وقال الحافظ في " توالي التأسيس ": 54 انتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل (أي الشافعي) إليه، ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الغفة بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ مُحَمَّدٍ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ تَدَبَّرْتُهَا، فَوَضَعْتُ إِلَى جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيْثاً -يَعْنِي: ردَّ عَلَيْهِ (1) -. قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَخَذْتُ اللُّبَانَ (2) سَنَةً لِلْحِفْظِ، فَأَعْقَبَنِي صَبَّ الدَّمِ سَنَةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَتَّى إِنَّه، قَالَ: لَوْ جُمِعَتْ أُمَّةٌ لَوَسِعَهُمْ عَقْلُهُ (3) . قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، فَإِنَّ الكَامِلَ العَقْلِ لَوْ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ نَحْوُ الرُّبْعِ لَبَانَ عَلَيْهِ نَقْصٌ مَا، وَلَبَقِيَ لَهُ نُظَرَاءُ، فَلَو ذَهَبَ نِصْفُ ذَلِكَ العَقْلِ مِنْهُ، لَظَهَرَ عَلَيْهِ النَّقْصُ، فَكَيْفَ بِهِ لَوْ ذَهَبَ ثُلُثَا عَقْلِهِ! فَلَو أَنَّكَ أَخَذْتَ عقولَ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ مَثَلاً، وَصَيَّرْتَهَا عقلَ وَاحِدٍ، لَجَاءَ مِنْهُ كَامِلُ العَقْلِ وَزيَادَةٍ. جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ، سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ الزَّنْجيَّ يَقُوْلُ لِلشَّافِعِيِّ: أَفْتِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَدْ -وَاللهِ- آنَ لَكَ أَنْ تُفْتِي -   = الحسن جملا ليس فيها شيء إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل الرأي، وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصل الأصول، وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف. (1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 402 / 2، وفيه: " ردا عليه ". (2) هو نبات من الفصيلة البخورية يفرز صمغا، ويسمى الكندر. وانظر فوائده في " المعتمد في الادوية المفردة " 434، 435، والخبر في " آداب الشافعي ": 35، وابن عساكر 4 / 403 / 2، و" شذرات الذهب " 2 / 9. (3) " مناقب البيهقي " 2 / 185، 186، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2، و" توالي التأسيس " 58، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 127، و" البداية والنهاية " 10 / 253. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً - (1) . وَقَدْ رَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الزَّنْبَرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الإِسْتِرَابَاذِيُّ، عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، قَالَ: قَالَ الزَّنْجيُّ. وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِنَّ (2) الحُمَيْدِيَّ يَصْغُرُ عَنِ السَّمَاعِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَمَا رَأَيْنَا لَهُ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ رِوَايَةً (3) . جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لأَنْ يَلقَى اللهَ العَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ إِلاَّ الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهوَاءِ (4) . الزُّبَيْرُ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ مِنَ الأهوَاءِ لَفَرُّوا مِنْهُ، كَمَا يفِرُّوْنَ مِنَ الأسَدِ (5) . قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى، أَلاَ يَسْتَقيمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَاناً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ (6) .   (1) و" مناقب البيهقي " 2 / 243، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 124، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 1، و" آداب الشافعي ": 39، 40، و" تاريخ بغداد " 2 / 64، و" الحلية " 9 / 93، و" مناقب الرازي ": 18، و" توالي التأسيس ": 54. (2) في الأصل: " قال " وهو خطأ. (3) في " توالي التأسيس " ص 54: وأخرج الخطيب في " تاريخه " 2 / 64، من طريق أخرى عن الربيع، عن الحميدي، قال: قال مسلم بن خالد للشافعي: أفت فقد آن لك والله أن تفتي. قال الخطيب: هذا هو الصواب، لان الحميدي يصغر عن إدراك قول مسلم للشافعي في ذلك السن. قلت (القائل ابن حجر) : وكذلك أخرجه الآبري عن أبي نعيم الجرجاني عن الربيع مثله ليس فيه سمعت مسلم بن خالد، فلعلها وهم من بعض رواة الأول. (4) " آداب الشافعي ": 187، و" مناقب البيهقي " 1 / 453، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 2، و" توالي التأسيس ": 64. (5) " حلية الأولياء " 9 / 111، و" تاريخ ابن عساكر " 4 / 405 / 2. (6) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِ هَذَا الإِمَامِ، وَفقهِ نَفْسِهِ، فَمَا زَالَ النُّظَرَاءُ يَخْتَلِفُوْنَ. أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو الفَضْلِ الوَاشْجِرْدِيُّ (1) ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصَّاغَانِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ أكْثَمَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، أَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ كَانَ يَأْتِيْنَا هَا هُنَا كَثِيْراً، وَكَانَ رَجُلاً إِذَا سَاعَدَتْهُ الكُتُبُ، كَانَ حَسَنَ التَّصْنِيْفِ مِنَ الكُتُبِ، وَكَانَ يُرَتِّبُهَا بِحُسْنِ أَلفَاظِهِ، لاَقتِدَارِهِ عَلَى العَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَقَدْ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ كَثِيْراً فِي المُنَاظَرَةِ، وَكَانَ رَجُلاً قُرَشِيَّ العَقْلِ، وَالفَهْمِ، وَالذِّهْنِ، صَافِيَ العَقْلِ وَالفَهْمِ وَالدِّمَاغِ، سَرِيْعَ الإِصَابَةِ - أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا - وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ سَمَاعاً لِلْحَدِيْثِ، لاستَغْنَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ، عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الفُقَهَاءِ (2) . قَالَ مَعْمَرُ بنُ شَبِيْبٍ: سَمِعْتُ المَأْمُوْنَ يَقُوْلُ: قَدِ امتَحَنْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَوَجَدْتُهُ كَامِلاً (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي وَعَمِّي يَقُوْلاَنِ: كَانَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ مِنَ التَّفْسِيْرِ وَالفُتْيَا، التَفَتَ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَيَقُوْلُ: سَلُوا هَذَا (4) . وَقَالَ تَمِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ، فَجَاءَ الشَّافِعِيُّ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدِيْثاً رَقِيقاً،   (1) نسبة إلى واشجرد بفتح الواو وسكون الشين وكسر الجيم وسكون الراء: من قرى ما وراء نهر جيحون وبها كان الثغر والمرابطة. (2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 403 / 2. (3) تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 1، و" توالي التأسيس ": 56. (4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 2، و" مناقب البيهقي " 2 / 240. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 فَغُشِيَ عَلَى الشَّافِعِيِّ. فَقِيْلَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ، فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنْ كَانَ مَاتَ، فَقَدْ مَاتَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) . الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ ابْنَ صَاحِبٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ وَسُئِلَ عَنِ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، مَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ (2) . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ، فَأَفْلَحَ (3) . مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الكَلاَمِ وَالأَهوَاءِ، لَفَرُّوا مِنْهُ كَمَا يَفِرُّوْنَ مِنَ الأَسَدِ (4) . الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَاظَرَ حَفْصاً الفَرْدَ يَكْرَهُ الكَلاَمَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ يُفْتِي العَالِمُ فيُقَالُ: أَخْطَأَ العَالِمُ، خَيْرٌ لَهُ   (1) " حلية الأولياء " 9 / 95، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 404 / 2، و" مناقب " الرازي: 17، 18. (2) ابن عساكر 14 / 406 / 1، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 114، وعلق البيهقي على الخبر، فقال: وكل من لم يقل من أصحابنا بتكفير أهل الاهواء من أهل القبلة، فإنه يحمل قول السلف رضي الله عنهم في تكفيرهم على كفر دون كفر، وهو المروي عن ابن عباس في تفسير الآية 44 من سورة المائدة، أي: كفر عملي لا يخرج عن الملة. (3) " آداب الشافعي ": 186، و" حلية الأولياء " 9 / 111. (4) تقدم الخبر في الصفحة (16) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيُقَالُ: زِنْدِيْقٌ، وَمَا شَيْءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنَ الكَلاَمِ وَأَهْلِهِ (1) . قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الخَطَأَ فِي الأُصُوْلِ، لَيْسَ كَالخَطَأِ فِي الاجتِهَادِ فِي الفُرُوْعِ. الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ حَلَفَ باسمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَحَنَثَ، فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حَلَفَ بِالكَعْبَةِ وَبَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، لأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، وَذَاكَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.   (1) " تاريخ ابن عساكر 4 / 405 / 1، ونقل البيهقي في " المناقب " 1 / 453، 454، عن يونس بن عبد الأعلى قال: أتيت الشافعي بعد ما كلم حفصا الفرد، فقال: غبت عنا يا أبو موسى، لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء والله ما توهمته قط، ولان يبتلى المرء بجميع ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه الله بالكلام. وعلق عليه البيهقي، فقال: إنما أراد الشافعي رحمه الله بهذا الكلام حفصا وأمثاله من أهل البدع، وهذا مراده بكل ما حكي عنه في ذم الكلام وذم أهله، غير أن بعض الرواة أطلقه، وبعضهم قيده، وفي تقييد من قيده دليل على مراده، ثم نقل عن أبي الوليد بن الجارود قوله: دخل حفص الفرد على الشافعي، فكلمه، ثم خرج إلينا الشافعي، فقال لنا: لان يلقى الله العبد بذنوب مثل جبال تهامة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما عليه هذا الرجل وأصحابه، وكان يقول بخلق القرآن. ثم قال: وهذه الروايات تدل على مراده بما أطلق عنه فيما تقدم وفيما لم يذكرها هنا، وكيف يكون كلام أهل السنة والجماعة مذموما عنده، وقد تكلم فيه، وناظر من ناظره فيه، وكشف عن تمويه من ألقى إلى سمع بعض أصحابه من أهل الاهواء شيئا مما هم فيه. (2) " آداب الشافعي ": 193، و" الحلية " 9 / 113، و" الأسماء والصفات " 257، 256، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 113، و" مناقب " البيهقي 1 / 403، وفيه زيادة وهي: وكل يمين بغير الله، فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزوجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ". قال البيهقي: فجعل اليمين باسم من أسماء الله كاليمين بالله، ثم قال: " ومن حلف بشيء غير الله فلا كفارة عليه، فبين بذلك أنه لا يقال في أسماء الله وصفاته: إنها أغيار، وإنما يقال: أغيار، لما يكون مخلوقا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعلِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (1) . قَالَ الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ، أَخُصُّهُ بِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: أَنَا أَدْعُو اللهَ فِي دُبُرِ صَلاَتِي لِلشَّافِعِيِّ (3) . الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مُتَكَلِّمٍ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ الجِدُّ، وَمَا سِوَاهُ، فَهُوَ هَذَيَانٌ. ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُقَالُ: لِمَ لِلأَصْلِ، وَلاَ كَيْفَ (4) . وَعَنْ يُوْنُسَ: سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الأَصْلُ القُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَالإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيْثِ المُنْفَرِدِ (5) .   (1) " آداب الشافعي ": 189، و" مناقب " البيهقي 1 / 448، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 407 / 1، و" الانتقاء ": 82، 83. وقال ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ص 249: ونص كثير من الأئمة على أن عمر بن عبد العزيز خليفة راشد أيضا، ويدل عليه ما خرجه الامام أحمد 4 / 273 من حديث حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبي، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إليه، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية تكون ما شاء ألله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة " ثم سكت. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 243، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405 / 2، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 24. (3) ابن عساكر 14 / 409 / 1. (4) انظر " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 30. (5) " حلية الأولياء " 9 / 105، و" آداب الشافعي ": 231، 233، و" مناقب = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الأَصْلُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ سُنَّةٌ، وَالإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيْثِ المُنْفَرِدِ، وَالحَدِيْثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِذَا احتَمَلَ الحَدِيْثُ مَعَانِي، فَمَا أَشْبَهَ ظَاهِرَهُ، وَلَيْسَ المُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ، مَا عَدَا مُنْقَطِعِ ابْنِ المُسَيِّبِ (1) ، وَكُلاًّ رَأَيْتُهُ اسْتَعْمَلَ الحَدِيْثَ المُنْفَرِدَ، استَعْمَلَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ   = البيهقي " 2 / 30. والإجماع: هو اتفاق جميع المجتهدين في عصر على حكم شرعي، هو عند الشافعي في المسائل المعلومة من الدين ضرورة كما صرح به في غير موضع من كتبه، فقد قال في " الرسالة " رقم (1559) : ولست أقول ولا أحد من أهل العلم: هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالما أبدا إلا قاله لك، وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع، وكتحريم الخمر، وما أشبه هذا، وقال في " اختلاف الحديث " 7 / 147 بهامش " الام ": وكفى حجة على أن دعوى الاجماع في كل الاحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه، وجملته أن لم يدع الاجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفتها العامة أحد من أصحاب رسول الله ولا التابعين، ولا القرن الذين من بعدهم، ولا القرن الذين يلونهم، ولا عالم علمته على ظهر الأرض، ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حينا من الزمان، فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه، وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله. وقال في " جماع العلم ": 65، 66، وقد سئل: هل من إجماع؟ فأجاب: نعم، بحمد الله، كثير في جملة الفرائض التي لا يسمع جهلها، وذلك الاجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس، لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع. وانظر " الاحكام " لابن حزم 4 / 141 وما بعدها. (1) يعني بالمنقطع ما أرسله، قال السخاوي في " شرح الالفية " 1 / 140: قال النووي في " الارشاد ": اشتهر عند فقهاء أصحابنا أن مرسل سعيد حجة عند الشافعي حتى إن كثيرا منهم لا يعرفون غير ذلك، وليس الامر على ذلك. ثم بينه بما ذكر معناه في " شرح المهذب " 1 / 99 فإنه قال فيه عقب نقله عن الشافعي في المختصر مما رواه عنه الربيع أيضا: إرسال ابن المسيب عندنا حسن ما نصه: اختلف أصحابنا المتقدمون في معناه على وجهين - حكاهما الشيخ أبو إسحاق في " اللمع "، والخطيب في كتابيه " الفقيه والمتفقه " و" الكفاية " وآخرون: أحدهما: أنها حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل، قالوا: لأنها فتشت فوجدت مسندة. ثانيهما: أنها ليست بحجة عنده، بل هي كغيرها على ما ذكرناه. قالوا: وإنما رجح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمرسل جائز. قال الخطيب في كتابه " الفقيه والمتفقه ": والصواب الثاني. وأما الأول فليس بشيء. = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 فِي التَّفْلِيْسِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (1)) . وَاسْتَعْمَلَ أَهْلُ العِرَاقِ حَدِيْثَ العُمْرَى.   = وكذا قال في " الكفاية ": إن الثاني هو الصحيح، لان في مراسيل سعيد ما لم يوجد بحال من وجه يصح. قال البيهقي: وقد ذكرنا لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حيث لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها، قال: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنه أصح التابعين إرسالا فيما زعم الحفاظ. قال: وأما قول القفال المروزي في أول كتابه " شرح التلخيص ": قال الشافعي في الرهن الصغير: مرسل سعيد عندنا حجة، فهو محمول على التفصيل الذي قدمناه عن البيهقي والخطيب والمحققين. وانظر " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 30. (1) أخرجه من حديث أبي هريرة مالك في " الموطأ " 2 / 678 في البيوع: باب ما جاء في إفلاس الغريم، والبخاري 5 / 47 في الاستقراض: باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض، ومسلم (1559) في المساقاة: باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس، والترمذي (162) في البيوع: باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم، وأبو داود (3519) في البيوع: باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه، والنسائي 7 / 311 في البيوع: باب الرجل يبتاع فيفلس، وابن ماجه (2358) في الاحكام: باب من وجد متاعه بعينه، والبيهقي 6 / 46، 47 ولفظه: " من أدرك ما له بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره " قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: هو أسوة الغرماء، وهو قول أهل الكوفة، وقال اللكنوي في " التعليق الممجد " ص 34: ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة، لان المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكا خاصا له، والبائع صار أجنبيا منه كسائر أمواله، فالغرماء شركاء للبائع فيه في كلتا الصورتين، وإن لم يقبض، فالبائع أحق لاختصاصه به، وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق، وسلفهم في ذلك علي، فإن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال: هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها. وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة، وروي مثله عن إبراهيم النخعي. (2) الخبر في " آداب الشافعي ": 231، 232، و" الحلية " 9 / 105، و" مناقب " البيهقي 1 / 167، 168، وحديث العمرى رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث "، أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 756 في الاقضية: باب القضاء في العمرى، ومن طريق مسلم (1625) عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر..، وقوله: " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " مدرج من قول أبي سلمة، بين ذلك ابن أبي ذئب كما في تنوير الحوالك 2 / 225، ومسلم (1625) (24) ، وأخرجه = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ الحَدِيْثِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ. وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ (1) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: صَاحِبُنَا اللَّيْثُ يَقُوْلُ: لَوْ رَأَيْتَ صَاحِبَ هَوَىً يَمْشِي عَلَى المَاءِ، مَا قَبِلْتُهُ. قَالَ: قَصَّرَ لَوْ رَأَيْتُهُ يَمْشِي فِي الهَوَاءِ، لَمَا قَبِلْتُهُ (2) . قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ: أَنْتُم الصَّيَادِلَةُ، وَنَحْنُ الأَطِبَّاءُ (3) . زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مَرْدَكٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ صَاحِبَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ فِي تَثْبِيْتِ خَبَرِ الوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبْنَاهُ، وَذَهَبْنَا بِهِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ   = البخاري 5 / 175، 176 في الهبة، ومسلم (1625) (25) من طرق أخرى عن أبي سلمة، عن جابر قال: " قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن وهبت له ". والعمرى: أن يقول الرجل لآخر: داري لك عمرك، أو يقول: داري هذه لك عمري، فإذا قال ذلك، وسلمها إليه ملكها المعمر، ونفذ تصرفه فيها، وإذا مات تورث منه، سواء قال: هي لعقبك من بعدك أو لورثتك أو لم يقل، قال البغوي: وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال عروة بن الزبير، وسليمان ابن يسار، ومجاهد، وإليه ذهب الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال مالك: العمرى ترجع إلى الذي أعمرها إذا لم يقل: هي لك ولعقبك. انظر " شرح السنة " 8 / 293، و" فتح الباري " 5 / 176، و" الام " 3 / 176 و189، 191، و" شرح الزرقاني " على " الموطأ " 3 / 146، و" شرح معاني الآثار " 4 / 90، 94، و" سنن البيهقي " 6 / 171، 176، و" المغني " لابن قدامة 6 / 302. (1) " آداب الشافعي ": 97، و" الحلية " 9 / 119، و" توالي التأسيس ": 73، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، 54. (2) " آداب الشافعي ": 184، و" مناقب " البيهقي 1 / 453. (3) وجاء في " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 2 عن الامام أحمد قال: كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس طبيبا صيدلانيا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 عُلَيَّةَ، وَكَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي بَكْرٍ الأَصَمِّ (1) ، وَكَانَ فِي مَجْلِسهِ عِنْدَ بَابِ الصُّوْفِيِّ (2) ، فَلَمَّا قَرَأْنَا عَلَيْهِ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِإِبْطَالِهِ. فَكَتَبْنَا مَا قَالَ، وَذَهَبنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَنَقَضَهُ، وَتَكَلَّمَ بِإِبطَالِهِ، ثُمَّ كَتَبْنَاهُ، وَجئنَا بِهِ إِلَى ابْنِ عُلَيَّةَ، فَنَقَضَهُ، ثُمَّ جِئْنَا بِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عُليَّةَ ضَالٌّ، قَدْ جَلَسَ بِبَابِ الضَّوَالِّ يُضِلُّ النَّاسَ (3) . قُلْتُ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ، وَأَبوهُ إِسْمَاعِيْلُ (4) شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، إِمَامٌ. المُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ، عَظُمَتْ قِيْمَتُهُ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الفِقْهِ، نَمَا قَدْرُهُ، وَمَنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ، قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ، رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي الحِسَابِ، جَزُلَ رَأَيُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ، لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ (5) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَتُّوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ حَدِيْثٍ جَاءَ مِنَ العِرَاقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ، فَلاَ تَقْبَلْهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحاً، مَا أُرِيْدُ إِلاَّ نَصِيْحَتَكَ (6) . قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا، وَصَحَّحَ مَا ثَبَتَ إِسْنَادُهُ لَهُمْ.   (1) هو شيخ المعتزلة تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ص 402. (2) في " مناقب " البيهقي: وكان مجلسه بمصر عند باب الضوال. (3) " مناقب " البيهقي 1 / 457 (4) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب ص 107. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 282، و" مناقب " الرازي: 70، و" توالي التأسيس ": 72، و" طبقات الشافعية " للعبادي: 32. (6) " آداب الشافعي ": 200 (7) في " معرفة السنن والآثار " للبيهقي (64) بسنده إلى الشافعي قال: من عرف من = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 وَيُرْوَى عَنْهُ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْحَدِيْثِ أَصْلٌ فِي الحِجَازِ، ضُعِّفَ -أَوْ قَالَ: ذَهَبَ نُخَاعُهُ (1) -. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ العَابِدُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ، قَالَ: أَفَادَنِي يَعْقُوْبُ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الخَالِدِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الزَّعْفَرَانِيَّ، سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ سَعِيْدِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيَّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الكَلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ الشَّافِعِيُّ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ لِي: تَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فِي مَسْجِدِ الفُسْطَاطِ. قَالَ لِي: أَنْتَ فِي تَارَانَ (2) - قَالَ عُثْمَانُ: وَتَارَانُ مَوْضِعٌ فِي بَحْرِ القُلْزُمِ، لاَ تَكَادُ تَسْلَمُ   = أهل العراق ومن أهل بلدنا بالصدق والحفظ، قبلنا حديثه، ومن عرف منهم من أهل بلدنا بالغلط رددنا حديثه، وما حابينا أحدا، ولا حملنا عليه. قال البيهقي: وعلى هذا مذهب أكثر أهل العلم بالحديث، وإنما رغب بعض السلف عن رواية أهل العراق، لما ظهر من المناكير والتدليس في روايات بعضهم، ثم قام بهذا العلم جماعة منهم ومن غيرهم، فميزوا أهل الصدق من غيرهم، ومن دلس ممن لم يدلس، وصنفوا فيه الكتب حتى أصبح من عمل في معرفة ما عرفوه، وسعى في الوقوف على ما عملوه على خبرة من دينه وصحة ما يجب الاعتماد عليه من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة. وانظر الصفحة 33 من هذا الجزء تعليق رقم (3) . (1) " آداب الشافعي ": 200. (2) في " معجم ياقوت ": تاران: جزيرة في بحر القلزم، بين القلزم وأيلة، وهو أخبث مكان في هذا البحر، وذاك أن به دوران ماء في سفح جبل إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح قسمين، فتلقي المركب بين شعبتين من هذا الجبل متقابلتين، فتخرج الريح من كليهما، كل واحدة مقابلة للاخرى، فيثور البحر على كل سفينة تقع في ذلك الدوران باختلاف الريحين، فتنقلب ولا تسلم أبدا، وقال البيهقي في " مناقب الشافعي " 1 / 458: " تاران " في بحر القلزم، يقال: فيها غرق فرعون وقومه، فشبه الشافعي المزني فيما أورد عليه بعض أهل الالحاد ولم يكن عنده جواب بمن ركب البحر في الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأشرف على الهلاك، ثم علمه جواب ما أورد عليه حتى زالت عنه تلك الشبهة، وفي ذلك = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 مِنْهُ سَفِيْنَةٌ - ثُمَّ أَلقَى عَلَيَّ مَسْأَلَةً فِي الفِقْهِ، فَأَجَبْتُ، فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي، فَأَجَبْتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَدْخَلَ شَيْئاً أَفْسَدَ جَوَابِي، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَجَبْتُ بِشَيْءٍ، أَفْسَدَهُ. ثُمَّ قَالَ لِي: هَذَا الفِقْهُ الَّذِي فِيْهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقَاوِيْلُ النَّاسِ، يَدْخُلُهُ مِثْلُ هَذَا، فَكَيْفَ الكَلاَمُ فِي رَبِّ العَالِمِيْنَ، الَّذِي فِيْهِ الزَّلَلُ كَثِيْرٌ؟ فَتَرَكْتُ الكَلاَمَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الفِقْهِ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ يَقُوْلُ: لَمْ يُحْفَظْ فِي دَهْرِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، وَلاَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَلاَ عُرِفَ بِهِ، مَعَ بُغْضِهِ لأَهْلِ الكَلاَمِ وَالبِدَعِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ، قَلَّدَهُ، وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيْهِ، لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الكَلاَمَ، إِنَّمَا هِمَّتُهُ الفِقْهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدٍ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ، يَقُوْلُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى المُزَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ هَذَا، بَلْ أَنَهَى عَنْهُ، كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، لَقَدْ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الكَلاَمِ وَالتَّوْحِيْدِ، فَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ نَظُنَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الاسْتِنْجَاءَ، وَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ التَّوْحِيْدَ، وَالتَّوْحِيْدُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (2)) فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ وَالمَالُ، حَقِيْقَةُ التَّوْحِيْدِ.   دلالة على حسن معرفته بذلك، وأنه يجب الكشف عن تمويهات أهل الالحاد عند الحاجة إليه. وأراد بالكلام: ما وقع فيه أهل الالحاد من الالحاد، وأهل البدع من البدع، والله أعلم. (1) " مناقب " البيهقي 1 / 458، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 8 / 1 (2) هذا الحديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وجابر، وأنس بن مالك، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ الشَّافِعِيَّ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِشْرٌ المَرِيسِيُّ فَقَالَ لبِشْرٍ: أَخْبِرْنِي عَمَّا تَدعُو إِلَيْهِ: أَكتَابٌ نَاطِقٌ، وَفَرْضٌ مُفْتَرَضٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَوَجَدْتَ عَنِ السَّلَفِ البَحْثَ فِيْهِ، وَالسُّؤَالَ؟ فَقَالَ بِشْرٌ: لاَ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَسَعُنَا خِلاَفُهُ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْرَرْتَ بِنَفْسِكَ عَلَى الخَطَأِ، فَأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الكَلاَمِ فِي الفِقْهِ وَالأَخْبَارِ، يُوَالِيْكَ النَّاسُ، وَتَتْرُكُ هَذَا؟ قَالَ: لَنَا نَهْمَةٌ فِيْهِ. فَلَمَّا خَرَجَ بِشْرٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُفْلِحُ (1) . أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّبِيْعُ: سَمِعَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا ارتَدَى أَحَدٌ بِالكَلاَمِ، فَأَفْلَحَ (2) .   = والنعمان بن بشير، وأوس بن حذيفة، وطارق الاشجعي، فحديث ابن عمر أخرجه البخاري 1 / 70، 71، ومسلم (22) ، وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري 3 / 211، و12 / 244، ومسلم (21) ، وأبو داود (2640) ، والترمذي (2610) ، وحديث جابر أخرجه مسلم (21) (35) ، والترمذي (3338) ، وحديث أنس أخرجه البخاري 1 / 417، وأبو داود (2641) ، والترمذي (2609) ، والنسائي 7 / 75 و8 / 109، وحديث النعمان بن بشير أخرجه النسائي 7 / 79، 80، وحديث أوس بن حذيفة أخرجه النسائي 7 / 80، 81، وحديث طارق الاشجعي أخرجه مسلم (23) ، وفي الباب عن غير هؤلاء، وهو حديث متواتر. (1) " مناقب " البيهقي 1 / 204، وبشر هذا تابع المعتزلة في مسألة خلق القرآن، فزجره أبو يوسف القاضي، ولم ينزجر، قال البغدادي في " أصول الدين " (308) : فأما المريسي من أصحاب أبي حنيفة فإنما وافق المعتزلة في خلق القرآن، وأكفرهم في خلق الافعال. وقال ابن تيمية في " منهاج السنة " 1 / 256: كان من المرجئة لم يكن من المعتزلة، بل كان من كبار الجهمية. وروى ابن زنجويه عن أحمد بن حنبل قال: كنت في مجلس أبي يوسف القاضي حين أمر ببشر المريسي، فجر برجله فأخرج، ثم رأيته بعد ذلك في المجلس، فقلت له: على ما فعل بك رجعت إلى المجلس؟ قال: لست أضيع حظي من العلم بما فعل بي بالامس. وأسند ابن أبي العوام بطريق الطحاوي أن أبا يوسف كان يقول لبشر المريسي: أي رجل أنت لولا رأيك السوء. وقال الصيمري ص (156) : وله تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل الورع والزهد غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان لاشتهاره بعلم الكلام وخوضه في ذلك، وعنه أخذ حسين النجار مذهبه. وسترد ترجمة بشر المريسي في هذا الجزء ص 199. (2) تقدم في الصفحة (18) تعليق رقم (3) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ: قَالَ المُزَنِيُّ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَقَالَ: سَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ، قُلْتَ: أخْطَأْتَ، وَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، إِذَا أَخْطَأْتُ فِيْهِ قُلْتَ: كَفَرْتَ (1) . زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ سَأَلكَ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَلاَ تُجِبْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ سَأَلَكَ عَنْ دِيَةٍ، فَقُلْتَ: دِرْهَماً، أَوْ دَانَقاً، قَالَ لَكَ: أَخْطَأْتَ، وَإِنْ سَأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَزَلَلْتَ قَالَ لَكَ: كَفَرْتَ (2) . قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: المِرَاءُ فِي الدِّيْنِ يُقَسِّي القَلْبَ، وَيُورِثُ الضَّغَائِنَ (3) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا رَبِيْعُ! اقبَلْ مِنِّي ثَلاَثَةً: لاَ تَخُوضَنَّ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ خَصْمَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَداً. وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالكَلاَمِ، فَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الكَلاَمِ عَلَى التَّعْطِيلِ. وَزَادَ المُزَنِيُّ: وَلاَ تَشْتَغِلْ بِالنُّجُومِ (4) . وَعَنْ حُسَيْنٍ الكَرَابِيْسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ،   (1) جاء على هامش الأصل بخط مغاير ما نصه: حاشية: كل هذه الآثار عن الامام الشافعي في ذم الكلام إنما هي في كلام المعتزلة، لأنه لم يكن ذلك الوقت متكلم غيرهم، فأما الكلام على الوجه الصحيح، فليس مرادا له، إذ لم يكن ذلك في زمانه، وإنما ظهرت بعده، فليتنبه لذلك. (2) " مناقب " البيهقي 1 / 460. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 151، وفيه " المراء في العلم ". (4) " توالي التأسيس ": 73، ولفظه فيه: لا تخض في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خصمك النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولا تشتغل بالكلام، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على أمر عظيم، ولا تشتغل بالنجوم، فإنه يجر إلى التعطيل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 فَغَضِبَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ هَذَا حَفْصاً الفَرْدَ وَأَصْحَابَهُ أَخْزَاهُمُ اللهُ (1) . الأصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ -يَعْنِي: كُتُبَهُ- عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ (2) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ، حُكْمُ عُمَرَ فِي صَبِيْغٍ (3) . الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْنَا الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيْدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي العَشَائِرِ، يُنَادَى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلاَمِ (4) . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَذْهَبِي فِي أَهْلِ الكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوْسِهِم بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ فِي البِلاَدِ. قُلْتُ: لَعَلَّ هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الإِمَامِ. الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً عَلَى الغَلَبَةِ إِلاَّ عَلَى الحَقِّ عِنْدِي. وَالزَّعْفَرَانِيُّ عَنْهُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً إِلاَّ عَلَى النَّصِيحَةِ. زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ، سَمِعْتُ   (1) " حلية الأولياء " 9 / 111. (2) " آداب الشافعي ": 91، و" الحلية " 9 / 118، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، و" المجموع " 1 / 12، و" توالي التأسيس ": 62. (3) هو صبيغ بن عسل الحنظلي، له إدراك، قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر، فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فضربه حتى دمى رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي. انظر " الإصابة " 2 / 198. (4) " مناقب " البيهقي 1 / 462، و" توالي التأسيس ": 64. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 الزَّعْفَرَانِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً فِي الكَلاَمِ إِلاَّ مَرَّةً، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ ذَلِكَ. سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُوْلُ: الاسْمُ غَيْرُ المُسَمَّى، وَالشَّيْءُ غَيْرُ المُشَيِّ، فَاشهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ. سَعِيْدٌ: مصرِيٌّ لاَ أَعْرِفُهُ. وَيُرْوَى عَنِ الرَّبِيْعِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ فِي كِتَابِ (الوَصَايَا) : لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنَ العِلْمِ لآخَرَ، وَكَانَ فِيْهَا كُتُبُ الكَلاَمِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي الوَصِيَّةِ، لأنَّهُ لَيْسَ مِنَ العِلْمِ. وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: ضَعْ فِي الإِرْجَاءِ كِتَاباً. فَقَالَ: دَعْ هَذَا. فَكَأَنَّهُ ذَمَّ الكَلاَمَ. مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: لَمَّا كَلَّمَ الشَّافِعِيَّ حَفْصٌ الفَرْدُ، فَقَالَ حَفْصٌ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: كَفَرْتَ بِاللهِ العَظِيْمِ (1) . قَالَ المُزَنِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَنَهَى عَنِ الخَوْضِ فِي الكَلاَمِ. أَبُو حَاتَمٍ الرَّازِيِّ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: قَالَتْ لِي أُمُّ المَرِيْسِيِّ: كَلِّمْ بِشْراً أَنْ يَكُفَّ عَنِ الكَلاَمِ، فَكَلَّمْتُهُ، فَدَعَانِي إِلَى الكَلاَمِ (2) .   (1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 407 / 1، و" مناقب " البيهقي 1 / 407. (2) " آداب الشافعي ": 187، و" تاريخ بغداد " 7 / 59، و" الحلية " 9 / 110، 111. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ الأُبُلِّيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ: أُصَلِّي خَلْفَ الرَّافِضِيِّ؟ قَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ، وَلاَ القَدَرِيِّ، وَلاَ المُرْجِئِ. قُلْتُ: صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: مَنْ قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ، فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَا بِإِمَامَيْنِ، فَهُوَ رَافِضِيٌّ، وَمَنْ جَعَلَ المَشِيْئَةَ إِلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ قَدَرِيٌّ. ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ عَلَى كُلِّ مُخَالفٍ كِتَاباً لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَيْسَ الكَلاَمُ مِنْ شَأْنِي، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ (1) . قُلْتُ: هَذَا النَّفَسُ الزَّكِيُّ مُتَوَاتِرٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبَانَ القَاضِي: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ فَالشَّافِعِيُّ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، فَلَمَّا جَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَجَسَ فِي ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً لاَ يَعْلَمُ عِلْمَكَ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكَ؟ فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ. أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: تَدْرِي كَمْ نَجْماً فِي السَّمَاءِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَكَوْكَبٌ مِنْهَا: تَعْرِفُ جِنْسَهُ، طُلُوْعَهُ، أُفُولَهُ، مِمَّ خُلِقَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُهُ، تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ خَالِقِهِ؟! ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 الوُضُوْءِ، فَأَخْطَأْتُ فِيْهَا، فَفَرَّعَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَلَمْ أُصِبْ فِي شَيْء مِنْهُ. فَقَالَ: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِقِ، إِذَا هَجَسَ فِي ضَمِيرِكَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى قَوْلِهِ تعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْم ... إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... } الآيَةَ [البَقَرَةُ: 163 و164] فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوْقِ عَلَى الخَالِقِ، وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُكَ. قَالَ: فَتُبْتُ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَضَرْتُ الشَّافِعِيَّ، أَوْ حَدَّثَنِي أَبُو شُعَيْبٍ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أنَّهُ حَضَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَيُوْسُفُ بنُ عَمْرٍو، وَحَفْصٌ الفَرْدُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يُسَمِّيهِ: حَفْصاً المُنْفَرِدِ، فَسَأَلَ حَفْصٌ عَبْدَ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَهُ، فَسَأَلَ يُوْسُفَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَأشَارَ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَسَأَلَ الشَّافِعِيَّ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ، فَطَالَتْ فِيْهِ المُنَاظَرَةُ، فَقَامَ الشَّافِعِيُّ بِالحُجَّةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَبِكفْرِ حَفْصٍ. قَالَ الرَّبِيْعُ: فَلقِيتُ حَفْصاً، فَقَالَ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ قَتْلِي (2) . الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ (3) .   (1) تقدم الخبر بنحوه في الصفحة: 25، 26. (2) " آداب الشافعي ": 194، 195، و" الأسماء والصفات " للبيهقي: 252، و" المناقب " له 1 / 455، وبنحوه من طريق آخر في " الحلية " 9 / 112، و" توالي التأسيس " 56. (3) " الانتقاء ": 81، و" تهذيب الأسماء " 1 / 66، و" توالي التأسيس ": 64، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 405، و" آداب الشافعي ": 192. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: تَجَاوَزَ اللهُ عَمَّا فِي القُلُوبِ، وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الأَفْعَالَ وَالأقَاوِيْلَ (1) . وَقَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْمَلُهَا: فَإِنْ صَلَّيْتَ، وَإِلاَّ اسْتَتَبْنَاكَ، فَإِنْ تُبْتَ، وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ، كَمَا تَكْفُرُ، فَنَقُوْلُ: إِنْ آمَنْتَ، وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا كَابَرَنِي أَحَدٌ عَلَى الحَقِّ وَدَافَعَ، إِلاَّ سَقَطَ مِنْ عَيْنِي، وَلاَ قَبِلَهُ إِلاَّ هِبْتُهُ، وَاعتَقَدْتُ مَوَدَّتَهُ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ، فَأَعلِمْنِي حَتَّى أَذْهَبَ إِلَيْهِ، كُوفِيّاً كَانَ، أَوْ بَصْرِيّاً، أَوْ شَامِيّاً (3) . وَقَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا قُلْتُهُ فَكَانَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلاَفُ قَوْلِي مِمَّا صَحَّ، فَهُوَ أَوْلَى، وَلاَ تُقَلِّدُوْنِي (4) .   (1) مقتبس من حديث صحيح أخرجه البخاري 5 / 116، 11 / 478، ومسلم (127) ، وأبو داود (2209) ، والترمذي (1183) ، والنسائي 6 / 156، 157 وابن ماجه (2540) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا " وفي رواية: " ما وسوست به صدورها "، وللحافظ ابن رجب كلام جيد على هذا الحديث في " جامع العلوم والحكم " ص 334، 335، فليراجع. (2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 8 / 2، و" توالي التأسيس ": 73. (3) إسناده صحيح، وهو في " آداب الشافعي " 94، 95، و" الحلية " 9 / 170، و" الانتقاء ": 75، و" طبقات الحنابلة " 1 / 282، و" شذرات الذهب " 2 / 10، و" مناقب " الرازي: 127، و" توالي التأسيس ": 63، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 9 / 1، وهذا النص يؤكد أن الشافعي رضي الله عنه رجع عن رفضه لحديث العراقيين، كما تقدم في الصفحة (24، 25) . (4) " آداب الشافعي ": 67، 68، و" مناقب " البيهقي 1 / 473، و" حلية الأولياء " = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِهَا، وَدَعُوا مَا قُلْتُهُ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ -: تَأْخُذُ بِهَذَا الحَدِيْثِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: مَتَى رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ حَدِيْثاً صَحِيْحاً وَلَمْ آخُذْ بِهِ، فَأُشْهِدُكُم أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ (2) . وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: رَوَى الشَّافِعِيُّ يَوْماً حَدِيْثاً، فَقُلْتُ: أَتَأْخُذُ بِهِ؟ فَقَالَ: رَأَيتَنِي خَرَجْتُ مِنْ كَنِيْسَةٍ، أَوْ عَلَيَّ زِنَّارٌ، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً لاَ أقولُ بِهِ (3) ؟!   = 9 / 106، 107، و" توالي التأسيس ": 63، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 9 / 2، و" إيقاظ الهمم ": 50. قال الحافظ في " توالي التأسيس ": وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي في مصنف له في هذه المسألة ما ملخصه: إذا وجد شافعي حديثا صحيحا يخالف مذهبه إن كملت فيه آلة الاجتهاد في تلك المسألة، فليعمل بالحديث، بشرط أن لا يكون الامام اطلع عليه، وأجاب عنه، وإن لم يكمل ووجد إماما من أصحاب المذاهب عمل به، فله أن يقلده فيه، وإن لم يجد، وكانت المسألة حيث لا إجماع، قال السبكي: فالعمل بالحديث أولى، وإن فرض الاجماع فلا. قلت (القائل ابن حجر) : ويتأكد ذلك إذا وجد الامام بني المسألة على حديث ظنه صحيحا، وتبين أنه غير صحيح، ووجد خبرا صحيحا يخالفه، وكذا إذا اطلع الامام عليه، ولكن لم يثبت عنده مخالفة، ووجد له طريق ثابتة، وقد أكثر الشافعي من تعليق القول بالحكم على ثبوت الحديث عند أهله كما قال في البويطي: إن صح الحديث في الغسل من غسل الميت قلت به، وفي " الام ": إن صح حديث ضباعة في الاشتراط قلت به، إلى غير ذلك. (1) " مناقب البيهقي " 1 / 472، 473، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 1، و" توالي التأسيس ": 63. (2) " آداب الشافعي " 67 و93، و" حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 1، و" مناقب البيهقي، 1 / 474، و" العلو " 204 للذهبي. (3) " حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 474، و" توالي التأسيس ": 63، و" مفتاح الجنة ": 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 قَالَ الرَّبِيْعُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا رَوَيْتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثاً فَلَمْ أقُلْ بِهِ (1) . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ قَوْلِي، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوهُ مِنِّي (2) . وَيُرْوَى أنَّهُ، قَالَ: إِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ فَهُوَ مَذْهَبِي (3) ، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيْثُ، فَاضْرِبُوا بِقَولِي الحَائِطَ. مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَزَّأَ اللَّيْلَ: فَثُلُثُهُ الأَوَّلُ يَكْتُبُ، وَالثَّانِي يُصَلِّي، وَالثَّالِثُ يَنَامُ (4) . قُلْتُ: أَفْعَالُهُ الثَّلاَثَةُ عِبَادَةٌ بِالنِّيَّةِ. قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ: بِتُّ مَعَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةً، فَكَانَ يُصَلِّي نَحْوَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يَزِيْدُ عَلَى خَمْسِيْنَ آيَةً، فَإِذَا أكْثَرَ فَمائَةِ آيَةٍ، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بآيَةِ رَحمَةٍ إِلاَّ سَأَلَ اللهَ، وَلاَ بآيَةِ عَذَابٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ، وَكَأَنّمَا جُمِعَ لَهُ الرَّجَاءُ وَالرَّهْبَةُ جَمِيْعاً (5) .   (1) " حلية الأولياء " 9 / 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 10 / 2، و" مناقب البيهقي " 1 / 475. (2) " آداب الشافعي ": 94، و" البداية " 10 / 253، 254. (3) للامام تقي الدين السبكي رسالة تناول فيها كلمة الشافعي هذه بالشرح والبيان، وما يجب أن تحمل عليه وتقيد به سماها " معنى قول المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي " وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 3 / 98، 114. وقد نقل عنها الحافظ في " توالي التأسيس " كما تقدم في التعليق (4) ص (33، 34) . (4) " حلية الأولياء " 9 / 125، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 1. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 1، و" مناقب الرازي ": 127، و" توالي التأسيس ": 68 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ مِنْ طَرِيْقَيْنِ عَنْهُ، بَلِ أَكْثَرَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً. ورَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ، فَزَادَ: كُلُّ ذَلِكَ فِي صَلاَةٍ (1) . أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إِلاَّ مَرَّةً، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا. رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيْعِ، وَزَادَ: لأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ البَدَنَ، وَيُقَسِّي القَلْبَ، وَيُزِيلُ الفِطْنَةَ، وَيجلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ عَنِ العِبَادَةِ (2) . الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مَطَرٍ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْكَ بِالزُّهْدِ، فَإِنَّ الزُّهْدَ عَلَى الزَّاهِدِ أَحْسَنُ مِنَ الحُلِيِّ عَلَى المَرْأَةِ النَّاهِدِ (3) . قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقاً وَلاَ كَاذِباً (4) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنِي أَبُو ثَوْرٍ، قَالَ: قَلَّ مَا كَانَ يُمْسِكُ الشَّافِعِيُّ الشَّيْءَ مِنْ سَمَاحَتِهِ (5) .   (1) " آداب الشافعي " 101، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 11 / 2، و" مناقب " الرازي: 127. (2) " آداب الشافعي ": 106، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 1، و" الحلية " 9 / 127، و" تهذيب الأسماء " 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 66. (3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 1، و" حلية الأولياء " 9 / 130. (4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 12، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 67. (5) " آداب الشافعي ": 126. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 وَقَالَ عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ عَلَى الدِّيْنَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالطَّعَامِ. فَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: أَفلَسْتُ مِنْ دَهْرِي ثَلاَثَ إِفْلاسَاتٍ، فَكُنْتُ أَبِيْعُ قَلِيْلِي وَكَثِيْرِي حَتَّى حُلِيَّ بِنْتِي وَزَوْجَتِي، وَلَمْ أرْهَنْ قَطُّ (1) . قَالَ الرَّبِيْعُ: أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيْرَ، وَاعْذِرْنِي عِنْدَهُ (2) . سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ المِصْرِيُّ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَوْماً، فَخَرَجْنَا الأَكْوَامَ (3) ، فَمَرَّ بِهَدَفٍ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَرْمِي بِقَوسٍ عَرَبِيَّةٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَأَصَابَ بِأَسْهُمٍ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحْسَنْتَ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِهِ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ، وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ (4) . وَقَالَ الرَّبِيْعُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مَارّاً بِالحَذَّائِيْنَ، فَسَقَطَ سَوْطُهُ، فَوَثَبَ غُلاَمٌ، وَمَسَحَهُ بِكُمِّهِ، وَنَاوَلَهُ، فَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ دَنَانِيْرٍ (5) . قَالَ الرَّبِيْعُ: تَزَوَّجْتُ، فَسَأَلَنِي الشَّافِعِيُّ كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ قُلْتُ: ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، عَجَّلْتُ مِنْهَا سِتَّةً، فَأَعْطَانِي أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً (6) .   (1) " آداب الشافعي ": 126، و" حلية الأولياء " 9 / 77 و132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 1، و" توالي التأسيس ": 67، و" مناقب " البيهقي 2 / 222. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 220، و" الحلية " 9 / 130، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2. (3) الاكوام: جمع كوم: وهي جبال لغطفان، ثم لفزارة كما في " معجم ياقوت ". (4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2. و" توالي التأسيس ": 67، و" الانتقاء ": 94. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 221، و" مناقب " الرازي: 128. (6) " آداب الشافعي ": 125، و" حلية الأولياء " 9 / 132، و" الانتقاء ": 94، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 223. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: كَانَ بِالشَّافِعِيِّ هَذِهِ البَوَاسِيْرُ، وَكَانَتْ لَهُ لِبْدَةٌ مَحْشُوَّةٌ بِحُلْبَةٍ يَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَإِذَا رَكِبَ، أَخَذْتُ تِلْكَ اللِّبْدَةَ، وَمَشَيْتُ خَلْفَهُ، فَنَاولَهُ إِنْسَانٌ رُقْعَةً يَقُوْلُ فِيْهَا: إِنَّنِي بَقَّالٌ، رَأْسُ مَالِي دِرْهَمٍ، وَقَدْ تَزَوَّجْتُ، فَأَعِنِّي. فَقَالَ: يَا رَبِيْعُ، أَعْطِهِ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، وَاعذِرْنِي عِنْدَهُ. فَقُلْتُ: أصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّ هَذَا يَكْفِيْهِ عَشرَةُ دَرَاهِمِ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! وَمَا يَصْنَعُ بِثَلاَثِيْنَ؟ أَفِي كَذَا، أَمْ فِي كَذَا - يَعُدُّ مَا يَصْنَعُ فِي جِهَازِهِ - أَعْطِهِ (1) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ هَرْثَمَةُ، فَأَقْرَأَنِي سَلاَمَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ هَارُوْنَ، وَقَالَ: قَد أمَرَ لَكَ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. قَالَ: فَحَمَلَ إِلَيْهِ المَالَ، فَدَعَا بِحَجَّامٍ، فَأَخَذَ شَعْرَهُ، فَأَعْطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ أَخَذَ رِقَاعاً، فَصَرَّ صُرراً، وَفَرَّقَهَا فِي القُرَشِيِّيْنَ الَّذِيْنَ هُم بِالحَضْرَةِ وَمَنْ بِمَكَّةَ، حَتَّى مَا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ إِلاَّ بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ دِيْنَارٍ (2) . مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: قَدِمَ الشَّافِعِيُّ صَنْعَاءَ، فضُرِبَتْ لَهُ خَيْمَةٌ، وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَجَاءَ قَوْمٌ، فَسَأَلُوْهُ، فَمَا قُلِعَتِ الخَيْمَةُ وَمَعَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. رَوَاهَا الأَصَمُّ، وَجَمَاعَةٌ عَنِ الرَّبِيْعِ (3) .   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 13 / 2 و14 / 1. (2) " آداب الشافعي ": 128، و" حلية الأولياء " 9 / 131، 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 1، و" توالي التأسيس ": 68، و" مناقب " البيهقي 2 / 226. (3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 14، و" مناقب " البيهقي 2 / 220، و" مناقب " الرازي: 128. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُرَانَةَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ جَسِيماً، طُوَالاً، نَبِيْلاً (1) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ بِمَا يَجِدُ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا، فَإِنْ وَجَدَنِي، وَإِلاَّ قَالَ: قُولُوا لمُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَ: يَأْتِي المَنْزِلَ، فَإِنِّي لاَ أَتَغَدَّى حَتَّى يَجِيءَ (2) . دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَسْمَحِ النَّاسِ، يَشْتَرِي الجَارِيَةَ الصَّنَاعَ الَّتِي تَطْبُخُ وَتعْمَلُ الحَلْوَاءَ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا، لأَنَّهُ كَانَ عَلِيْلاً لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَ النِّسَاءَ لِبَاسورٍ بِهِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانَ يَقُوْلُ لَنَا: اشْتَهُوا مَا أَرَدْتُمْ (3) . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ (4) : حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ: أَصْحَابُ مَالِكٍ كَانُوا يَفْخَرُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ مَجْلِسَ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ مُعَمَّماً، وَاللهِ لَقَدْ عَدَدْتُ فِي مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ ثَلاَثَ مائَةِ مُعَمَّمٍ سِوَى مَنْ شَذَّ عَنِّي (5) . قَالَ الرَّبِيْعُ: اشْتَرَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ طِيْباً بِدِيْنَارٍ، فَقَالَ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ ذَاكَ الأَشْقَرِ الأَزْرَقِ. قَالَ: أَشْقَرُ، أَزْرَقُ، رُدَّهُ، رُدَّهُ، مَا جَاءَنِي خَيْرٌ قَطُّ مِنْ أَشْقَرٍ (6) .   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 2 (2) " آداب الشافعي ": 125، 126، و" حلية الأولياء " 9 / 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 14 / 2، و" توالي التأسيس ": 68، و" مناقب " البيهقي 2 / 222. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 222، و" الحلية " 9 / 133، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 1، و" توالي التأسيس ": 68. (4) هو الحسن بن الحسين بن حمكان الحمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد، له كتاب " مناقب الشافعي " توفي سنة 405 هـ " العبر " 3 / 89. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 2. (6) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 15 / 2، و" مناقب " البيهقي 2 / 133، و" آداب الشافعي ": 131، و" حلية الأولياء " 9 / 139، 140. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 أَبُو حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ يَقُوْلُ: احذَرِ الأَعْوَرَ، وَالأَعْرَجَ، وَالأَحْوَلَ، وَالأَشْقَرَ، وَالكَوْسَجَ، وَكُلُّ نَاقِصِ الخَلْقِ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ التِوَاءٍ، وَمُعَامَلَتُهُ عَسِرَةٌ (1) . العَكَرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا، وَالمُزَنِيُّ، وَالبُوَيْطِيُّ عِنْد الشَّافِعِيِّ، فَنَظَرَ إِليَنَا، فَقَالَ لِي: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: هَذَا لَوْ نَاظَرَهُ الشَّيْطَانُ، قَطَعَهُ وَجَدَلَهُ. وَقَالَ لِلبُوَيْطِيِّ: أَنْتَ تَمُوْتُ فِي الحَدِيْدِ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى البُوَيْطِيِّ أَيَّامَ المِحْنَةِ، فَرَأَيْتُهُ مُقَيَّداً مَغلَوْلاً (2) . وَجَاءهُ رَجُلٌ مَرَّةً، فَسَأَلَهُ -يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ- عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: أَنْتَ نَسَّاجٌ؟ قَالَ: عِنْدِي أُجَرَاءَ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ وَرَّاقُ الحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: خَرَجْتُ إِلَى اليَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الفِرَاسَةِ حَتَّى كَتَبْتُهَا، وَجَمَعْتُهَا (3) . وَعَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: مَرَّ أَخِي، فَرَآهُ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: هَذَا أَخُوْكَ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ. قُلْتُ: نَعَمْ (4) . أَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الهَمَذَانِيُّ العَدْلُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَصْلُ   (1) " آداب الشافعي ": 131، 132، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 15، 16، و" مناقب " البيهقي 2 / 132، و" حلية الأولياء " 9 / 144، و" مناقب " الرازي: 121. (2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 136. (3) انظر الخبر مع قصة في " مناقب " البيهقي 2 / 136. (4) " مناقب " البيهقي 2 / 131، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 1. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 العِلْمِ: التَّثْبِيتُ. وَثَمَرَتُهُ: السَّلاَمَةُ. وَأَصْلُ الوَرَعِ: القَنَاعَةُ. وَثَمَرَتُهُ: الرَّاحَةُ. وَأَصْلُ الصَّبْرِ: الحَزْمُ. وَثَمَرَتُهُ: الظَّفَرُ. وَأَصْلُ العَمَلِ: التَّوْفِيْقُ. وَثَمَرَتُهُ: النُّجْحُ. وَغَايَةُ كُلِّ أَمْرٍ: الصِّدْقُ (1) . بَلَغَنَا عَنِ الكُدَيْمِيِّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العَالِمُ يَسْأَلُ عَمَّا يعلَمُ وَعَمَّا لاَ يَعْلَمُ، فَيُثَبِّتُ مَا يَعْلَمُ، وَيَتَعَلَّمُ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَالجَاهِلُ يَغْضَبُ مِنَ التَّعَلُّمِ، وَيَأْنَفُ مِنَ التَّعْلِيْمِ (2) . أَبُو حَاتَمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَسَّانِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: العِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الدِّيْنِ وَهُوَ الفِقْهُ، وَعِلْمُ الدُّنْيَا وَهُوَ الطِّبُّ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ فَعَنَاءٌ وَعَبَثٌ (3) . وَعَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَنْ أَقْدَرُ الفُقَهَاءِ عَلَى المُنَاظَرَةِ؟ قَالَ: مَنْ عَوَّدَ لِسَانَهُ الرَّكْضَ فِي ميدَانِ الألفَاظِ، لَمْ يَتَلَعْثَمْ إِذَا رَمَقَتْهُ العُيُونُ (4) . فِي إِسْنَادِهَا أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَهُوَ وَاهٍ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ العُدْوَانُ عَلَى العِبَادِ (5) . قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16. (2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2. (3) " آداب الشافعي ": 321، 322، و" مناقب " البيهقي 2 / 114، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 16 / 2، و" الانتقاء ": 84، و" الحلية " 9 / 142، و" توالي التأسيس ": 73. (4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 النَّاسِ سَبِيْلٌ، فَانْظُرِ الَّذِي فِيْهِ صَلاَحُكَ فَالْزَمْهُ (1) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا رَفَعْتُ مِنْ أَحَدٍ فَوقَ مَنْزِلَتِهِ، إِلاَّ وَضَعَ مِنِّي بِمِقْدَارِ مَا رَفَعْتُ مِنْهُ (2) . وَعَنْهُ: ضَيَاعُ العَالِمِ أَنْ يَكُوْنَ بِلاَ إِخْوَانٍ، وَضَيَاعُ الجَاهِلِ قِلَّةُ عَقلِهِ، وَأَضْيَعُ مِنْهُمَا مَنْ وَاخَى مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ (3) . وَعَنْهُ: إِذَا خِفْتَ عَلَى عَمَلِكَ العُجْبَ، فَاذكُرْ رِضَى مَنْ تَطْلُبُ، وَفِي أَيِّ نَعِيْمٍ تَرْغَبُ، وَمِنْ أَيِّ عِقَابٍ تَرْهَبُ، فَمَنْ فَكَّرَ فِي ذَلِكَ، صَغُرَ عِنْدَهُ عَمَلُهُ (4) . آلاَتُ الرِّيَاسَةِ خَمْسٌ: صِدْقُ اللَّهْجَةِ، وَكِتْمَانُ السِّرِّ، وَالوَفَاءُ بِالعَهْدِ، وَابْتِدَاءُ النَّصِيْحَةِ، وَأَدَاءُ الأَمَانَةِ (5) . مُحَمَّدُ بنُ فَهْدٍ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ، فَهُوَ حِمَارٌ، وَمَنِ اسْتُرْضِي فَلَمْ يَرْضَ، فَهُوَ شَيْطَانٌ (6) . أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الضَّحَّاكِ   (1) " آداب الشافعي ": 278 - 279، و" حلية الأولياء " 9 / 122، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 1. (2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 57، و" توالي التأسيس ": 72. (3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2. (4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2. (5) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2. (6) " مناقب " البيهقي 2 / 202، وحلية الأولياء " 9 / 143، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 17 / 2، و" مناقب " الرازي 123، و" توالي التأسيس ": 72. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 الفَارِسِيُّ، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، قَالَ: أَيُّمَا أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ يَخْرُجْ نِسَاؤُهُمْ إِلَى رِجَالِ غَيْرِهِم، وَرِجَالُهُمْ إِلَى نِسَاءِ غَيْرِهِم، إِلاَّ وَكَانَ فِي أَوْلاَدِهِم حُمْقٌ (1) . زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ القَاضِي: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسْجِدِه بِالمَدِيْنَةِ، فَكَأَنِّيْ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ رَأْيَ مَالِكٍ؟ قَالَ: (لاَ) . قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ أَبِي حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: (لاَ) . قُلْتُ: أَكْتُبُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، كَأَنَّهُ انْتَهَرَنِي، وَقَالَ: (تَقُوْلُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ! إِنَّهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ، وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي) . رَوَاهَا: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (2) . عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ الخُوَارِزْمِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ - فِيْمَا كَتَبَ إِلَيَّ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَشِيْقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ البَلْخِيُّ، قَالَ: قُلْتُ فِي المَنَامِ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَمَالِكٍ؟ فَقَالَ: (لاَ قَوْلَ إِلاَّ قَوْلِي، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ضِدُّ قَوْلِ أَهْلِ البِدَعِ (3)) . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ الحَافِظِ، قَالَ:   (1) " آداب الشافعي ": 133، 134، و" حلية الأولياء " 9 / 125، و" الانتقاء ": 98، و" مناقب " البيهقي 2 / 201. (2) " حلية الأولياء " 9 / 100 ومتى كان المنام حجة عند أهل العلم؟ ! فمالك وأبو حنيفة وغيرهما من الأئمة العدول الثقات اجتهدوا، فأصاب كل واحد منهم في كثير مما انتهى إليه اجتهاده فيه، وأخطأ في بعضه، وكل واحد منهم يؤخذ من قوله ويرد، فكان ماذا؟ (3) " حلية الأولياء " 9 / 100، 101. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الاخْتِلاَفِ، فَقَالَ: (أَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَمِنِّي، وَإِلَيَّ) . وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: (أَحْيَى سُنَّتِي (1)) . رَوَى: جَعْفَرُ ابْنُ أَخِي أَبِي ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ شَابٌّ أَنْ يَضَعَ لَهُ كِتَاباً فِيْهِ مَعَانِي القُرْآنِ، وَيَجْمَعَ قَبُوْلَ الأَخْبَارِ، وَحُجَّةَ الإِجْمَاعِ، وَبيَانَ النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ (الرِّسَالَةِ) (2) . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا أُصَلِّي صَلاَةً إِلاَّ وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ فِيْهَا (3) . وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: حَجَّ بِشرٌ المَرِيْسِيُّ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: رَأَيْتُ بِالحِجَازِ رَجُلاً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ سَائِلاً وَلاَ مُجِيْباً -يَعْنِي: الشَّافِعِيَّ-. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَخَفُّوا عَنْ بِشْرٍ، فَجِئْتُ إِلَى بِشْرٍ، فَقُلْتُ: هَذَا الشَّافِعِيُّ الَّذِي كُنْتَ تَزْعُمُ قَدْ قَدِمَ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَا كَانَ مَثَلُ بِشْرٍ إِلاَّ مَثَلَ اليَهُوْدِ فِي شَأْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَّمٍ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 69. (2) وهي الرسالة القديمة التي كتبت عنه بالعراق، وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي مع الحارث بن سريج النقال الخوارزمي، ثم البغدادي، وبسبب ذلك سمي النقال. وهذه الرسالة القديمة لم يبق لها أثر، وليس في أيدي الناس الآن إلا الرسالة الجديدة المطبوعة طبعة جيدة بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله. وانظر الخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 64، 65، و" مناقب " البيهقي 2 / 244، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 409 / 1، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 124، و" توالي التأسيس ": 55، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1162. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 244، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 409 / 1، و" توالي التأسيس ": 55. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 65، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 412 / 2، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1162، و" توالي التأسيس ": 58. وشأن اليهود في عبد الله بن سلام أنه لما أراد أن = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: سِتَّةٌ أَدْعُو لَهُمْ سَحَراً، أَحَدُهُمُ: الشَّافِعِيُّ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الزَّنْجَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قُلْتُ لأَبِي: أَيَّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنِّي سَمِعتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ؟ قَالَ: يَا بُنِيَّ، كَانَ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلنَّاسِ، فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عِوَضٌ (2) ؟ الزَّنْجَانِيُّ: لاَ أَعرِفُه. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَمِيْلُ إِلَى أَحَدٍ مَيْلَهُ إِلَى الشَّافِعِيِّ (3) . وَقَالَ قُتَيبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ (4) . قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَامُ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ يَتَنَاولُ مَا يُقَوِّي حَافِظَتَهُ. قَالَ هَارُونُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ: أَخَذْتُ اللُّبَانَ سَنَةً لِلْحِفْظِ، فَأَعْقَبَنِي رَمْيَ الدَّمِ سَنَةً (5) .   = يسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي، بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني، فأرسل إليهم، فقال: أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا..فلما أعلن عبد الله بن سلام إسلامه أمامهم، قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا. انظر " السير " 2 / 415. (1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1162. (2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" تهذيب الكمال " لوحة 1162. (3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2، و" تهذيب الكمال " لوحة 1162. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 67، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 125، و" البداية والنهاية " 10 / 252. (5) تقدم في الصفحة (15) تعليق رقم (2) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 قَالَ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ النَّابُلُسِيُّ الشَّهِيْدُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، سَمِعْتُ تَمِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: مَاتَ الثَّوْرِيُّ وَمَاتَ الوَرَعُ، وَمَاتَ الشَّافِعِيُّ وَمَاتَتِ السُّنَنُ، وَيَمُوْتُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَتَظْهَرُ البِدَعُ (1) . أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ (2) . وَقَالَ أَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ: مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أَعِيْشُ حَتَّى أَرَى مِثْلَ الشَّافِعِيِّ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - مِنْ طُرُقٍ - عَنْهُ: إِنَّ اللهَ يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي رَأْسِ كُلِّ مائَةٍ مَنْ يُعلِّمُهُمُ السُّنَنَ، وَيَنْفِي عَنْ رَسُوْلِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَذِبَ. قَالَ: فَنَظَرنَا، فَإِذَا فِي رَأْسِ المائَةِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفِي رَأْس المائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ (4) .   (1) " مناقب " البيهقي 2 / 250، وفي قول قتيبة هذا من المبالغة ما لا يخفى، فإن السنن لم تمت بموت الشافعي، بل إنه قد جمعت من بعده ودونت، وضبطت وحفظت. (2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 2. (3) " آداب الشافعي ": 40، و" مناقب " البيهقي 2 / 246، و" حلية الأولياء " 9 / 94، و" توالي التأسيس " 55. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 62، و" معرفة السنن والآثار " 1 / 138، و" حلية الأولياء " 9 / 97، 98، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 412 / 2، و" توالي التأسيس ": 48. وقوله: " إن الله يقيض.." مقتبس من حديث أخرجه أبو داود (4291) ، والحاكم 4 / 522، والبيهقي في " المناقب " 1 / 137 من طريق ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل ابن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها " ورجاله ثقات، وإسناده قوي كما قال الحافظ في " توالي التأسيس ": 48. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سُمِّيْتُ بِبَغْدَادَ: نَاصِرَ الحَدِيْثِ (1) . الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ مَسَّ مِحْبَرَةً وَلاَ قَلَماً إِلاَّ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي عُنُقِه مِنَّةٌ (2) . وَعَنْ أَحْمَدَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ (3) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ (4) . قَالَ الحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ: مَا قَرَأْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَرْفاً مِنْ هَذِهِ الكُتُبِ إِلاَّ وَأَحْمَدُ حَاضِرٌ (5) . وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ بِالرَّأْيِ - وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ - إِلاَّ وَالشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ اتِّبَاعاً مِنْهُ، وَأَقَلُّ خَطَأً مِنْهُ، الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ (6) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (7) . وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، قَالَ: مَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدِيْثٌ فِيْهِ غَلَطٌ (8) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 68، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 414 / 1. (2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" توالي التأسيس ": 57. (3) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 1، و" توالي التأسيس ": 60. (4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2. (5) " تاريخ بغداد " 2 / 68، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 1. (6) " آداب الشافعي ": 89، 90، و" تاريخ بغداد " 2 / 65، و" حلية الأولياء " 9 / 102، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 2، و" مناقب " الرازي: 21، و" توالي التأسيس ": 57. (7) " الحلية " 9 / 97. (8) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 2 / 1. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيْثاً خَطَأً (1) . قُلْتُ: هَذَا مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، حَافِظٌ، وَنَاهِيْكَ بِقَوْلِ مِثْلِ هَذَيْنِ. وَقَدْ صَنَّفَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ كِتَاباً فِي ثُبُوتِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا تَكَلَّمَ فِيْهِ إِلاَّ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِلٌ بِحَالِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ الكَلاَمُ البَاطِلُ مِنْهُم مُوْجِباً لارْتِفَاعِ شَأْنِهِ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي عِبَادِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَ تَكُوْنُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوْسَى، فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهَا ... يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمنُوا اتَّقُوا اللهَ، وَقُوْلُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأَحْزَابُ: 69 و70] . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ صَدُوْقٌ. وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ -وَاللهِ- لِسَانُهُ أَكْبَرُ مِنْ كُتُبِهِ، لَوْ رَأَيتُمُوهُ، لَقُلْتُمْ إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ كُتُبُهُ (2) . وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: مَا كَانَ الشَّافِعِيُّ إِلاَّ سَاحِراً، مَا كُنَّا (3) نَدْرِي مَا يَقُوْلُ إِذَا قَعَدْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ أَلفَاظَهُ سُكَّرٌ (4) ، وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ عُذُوبَةَ مَنْطِقٍ، وَحُسْنَ بَلاغَةٍ، وَفَرْطَ ذَكَاءٍ، وَسَيَلاَنَ ذِهْنٍ، وَكَمَالَ فَصَاحَةٍ، وَحُضُوْرَ حُجَّةٍ.   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 2 / 1. (2) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 49 - 50 و274، و" توالي التأسيس ": 59، وما بين حاصرتين منهما، فإن في الأصل مكان هذه الجملة طمسا. (3) طمس في الأصل، واستدرك من " تاريخ ابن عساكر ". (4) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 50، و" توالي التأسيس ": 60. وبعد قوله " سكر " كلمة مطموسة لم أتبينها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 فَعَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هِشَامٍ اللُّغَوِيِّ، قَالَ: طَالَتْ مُجَالَسَتُنَا لِلشَّافِعِيِّ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ لَحْنَةً قَطُّ (1) . قُلْتُ: أَنَّى يَكُوْنُ ذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ فِي الفَصَاحَةِ يُضْرَبُ المَثَلُ، كَانَ أَفْصَحُ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْوَهَ، وَلاَ أَنْطَقَ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) . وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ (3) . وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ: أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ وَوقَائِعهَا عَنْ عَمِّي مُصْعَبٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنَ الشَّافِعِيِّ حِفْظاً (4) . قَالَ مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ (5) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: تَعَبَّدْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرَأَّسَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَرَأَّسْتَ، لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَعَبَّدْ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَكَلَّمَ، كَأَنَّ صَوتَهُ صَوْتُ صَنْجٍ وَجَرَسٍ، مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ (6) . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُ أَحَداً إِلاَّ رَحِمْتُهُ، وَلَوْ   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 5 / 1، و" توالي التأسيس ": 60. (2) " آداب الشافعي ": 137، و" توالي التأسيس ": 58. (3) " معرفة السنن والآثار " 1 / 127، و" مناقب " البيهقي 2 / 44، و" مناقب " الفخر الرازي 87. (4) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 411 / 1 و15 / 6 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 45. (5) نسبة إلى الجون، بطن من الازد. (6) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 1، و" مناقب " البيهقي 2 / 51، و" توالي التأسيس ": 60. والصنج: صفحة مدورة من النحاس الاصفر تضرب على أخرى مثلها للطرب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُكَ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ سَبُعٌ يَأْكُلُكَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ النَّاسَ الحُجَجَ (1) . قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأُعْجِبَ بِنَفْسِهِ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: إِذَا المُشْكِلاَتُ تَصَدَّيْنَنِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرْ وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ ... أُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الخَبَرْ؟ وَلَكِنَّنِي مِدْرَهُ الأَصْغَرَيْـ ... ـنِ فَتَّاحُ خَيْرٍ، وَفَرَّاجُ شَرِّ (2) وَرَوَى عَنْ هَارُونَ بنِ سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ، قَالَ: لَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاظَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا العَمُوْدَ الحَجَرَ خَشَبٌ، لَغَلَبَ؛ لاِقْتِدَارِهِ عَلَى المُنَاظَرَةِ (3) . قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدنَا سَنَتَيْنِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا أَشْهُراً، وَخَرَجَ -يَعْنِي: إِلَى مِصْرَ-. قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِمَالٍ، وَلاَزَمَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ مُدَّةً، وَلَمْ يَلْقَ أَبَا يُوْسُفَ القَاضِي، مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ الشَّافِعِيِّ (4) .   (1) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2. (2) الابيات في " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 300، و" توالي التأسيس ": 74. و" الامعة ": الذي لا رأي له، فهو يتابع كل أحد على رأيه، والهاء فيه للمبالغة. و" المدره ": خطيب القوم، والمتكلم عنهم، والذين يرجعون إلى رأيه، و" الاصغران " القلب واللسان، ومن أمثالهم: المرء بأصغريه، ومعناه: أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه. (3) " تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 2، و" حلية الأولياء " 9 / 103. (4) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 182: من زعم من الرواة أن الشافعي اجتمع بأبي = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 قَالَ المُزَنِيُّ: لَمَّا وَافَى الشَّافِعِيُّ مِصْرَ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ، فَهُوَ. تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الحِكَايَةُ (1) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ سَمَاعُ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ مِنَ المُزَنِيِّ. قَالَ: فَكَلَّمْتُهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي غَرِقَ فِيْهِ فِرْعَوْنُ. أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ الحَسَنُ بنُ رَشِيقٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا فَقِيْرُ بنُ مُوْسَى بنِ فَقِيْرٍ الأَسْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيْفَةَ قَحْزَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكِ بنِ الفَضْلِ الخَوْلاَنِيُّ الشِّهَابِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الكَعْبِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِنْ أَحَبَّ العَقْلَ، أَخَذَ، وَإِنْ أَحَبَّ، فلَهُ القَوَدُ) . رَوَاهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ رَشِيقٍ (2) .   = يوسف كما يقول عبد الله بن محمد البلوي الكذاب في الرحلة التي ساقها للشافعي، فقد أخطأ في ذلك، وإنما ورد الشافعي بغداد في أول قدمة قدمها إليها سنة أربع وثمانين ومئة، وإنما اجتمع الشافعي بمحمد بن الحسن الشيباني، فأحسن إليه، وأقبل عليه، ولم يكن بينهما شنآن كما يذكره بعض من لا خبرة له بهذا الشأن. وقال الذهبي في " الميزان " 2 / 491: عبد الله بن محمد البلوي، عن عمار بن يزيد، قال الدارقطني: يضع الحديث. وقال ابن حجر في " اللسان " 3 / 338: وهو صاحب " رحلة الشافعي " طولها ونمقها. وغالب ما أورده فيها مختلق. وفي " توالي التأسيس ": وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في " مناقب الشافعي " بدون إسناد معتمدا عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة. (1) في الصفحة (31) من هذا الجزء. (2) أبو حنيفة بن سماك ترجمه الدولابي في " الكنى والاسماء " 1 / 159، 160، فقال: روى عنه الشافعي، ثم روى هذا الحديث من طريق الربيع بن سليمان، عن الشافعي بهذا الإسناد، وباقي رجاله ثقات، وهو في " الرسالة " ص 450، ورواه البيهقي في " سننه " = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ - وَكَانَ مِنْ مَعَادِنِ الفِقْهِ، ونُقَّادِ المَعَانِي، وَجَهَابِذَةِ الأَلْفَاظِ - يَقُوْلُ: حُكْمُ المَعَانِي خِلاَفُ حُكْمِ الأَلْفَاظِ، لأَنَّ المَعَانِي مَبْسُوْطَةٌ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وأَسْمَاءُ المَعَانِي مَعْدُوْدَةٌ مَحْدُوْدَةٌ، وَجَمِيْعُ أَصْنَافِ الدَّلاَلاَتِ عَلَى المَعَانِي لَفْظاً وَغَيْرَ لَفْظٍ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: اللَّفْظُ، ثُمَّ الإِشَارَةُ، ثُمَّ العَقْدُ، ثُمَّ الخَطُّ، ثُمَّ الَّذِي يُسَمَّى النَّصْبَةُ، وَالنَّصبَةُ فِي الحَالِ الدَّلاَلَةُ الَّتِي لاَ تَقُوْمُ مَقَامَ تِلْكَ الأَصْنَافِ وَلاَ تَقصُرُ عَنْ تِلْكَ الدَّلاَلاَتِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الخَمْسَةِ صُورَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ صُورَةِ صَاحِبَتِهَا، وَحِلْيَةٌ مُخَالِفَةٌ لِحْلِيَةِ أُخْتِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِفُ لَكَ عَنْ أَعْيَانِ المَعَانِي فِي الجُمْلَةِ، وَعَنْ خَفَائِهَا عَنِ التَّفْسِيْرِ، وَعَنْ أَجْنَاسِهَا وَأَفرَادِهَا، وَعَنْ خَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَعَنْ طِبَاعِهَا فِي السَّارِّ وَالضَّارِّ، وَعَمَّا يَكُوْنُ بَهْواً بَهْرَجاً، وَسَاقِطاً مُدَحْرَجاً (1) . قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيْلٌ، فَانْظُرْ الَّذِي فِيْهِ صَلاَحُكَ، فَالْزَمْهُ (2) .   = 5 / 52، و" المعرفة " 1 / 39، 40 من طريق الشافعي، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، وأخرجه أحمد 4 / 32، من طريق ابن إسحاق، حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح. وأخرجه أبو داود (4504) ، والترمذي (1406) ، وأحمد ثلاثتهم من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه الدارقطني 3 / 95، 96 من طريق يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ... ومن طريق محمد بن عبد الله المخزومي، عن عثمان بن عمر، عن ابن أبي ذئب بإسناده نحوه، وروى أبو هريرة هذا المعنى في حديث أخرجه البخاري 1 / 183، 184، ومسلم (1355) ، وأبو داود (2017) . وقوله: " بخير النظرين " أي: أوفق الامرين له، فإما أن يعطوا الدية، وهي العقل، وإما أن يقاد، أي: يقتل قصاصا، فأي الامرين اختار ولي الدم، كان له. (1) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 416 / 2. (2) تقدم تخريج الخبر في الصفحة (42) تعليق رقم (1) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 قَالَ حَرْمَلَةُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ فِي فَمِهِ تَمْرَةٌ، فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتُهَا، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ طَرَحْتُهَا، فَامرَأَتِي طَالِقٌ. قَالَ: يَأْكلُ نِصْفاً، وَيَطْرَحُ النِّصْفَ (1) . قَالَ الرَّبِيْعُ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الفُقَهَاءُ العَاملُوْنَ أَوْلِيَاءَ اللهِ، فَمَا للهِ وَلِيٌّ (2) . وَقَالَ: طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ صَبّاً لِلْمَاءِ فِي تَمَامِ التَّطَهُّرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيْهِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأَسِهِ تَوَاضُعاً للهِ، وَشُكْراً للهِ. الأَصَمُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ عَنْ قَاتَلِ الوَزَغِ: هَلْ عَلِيْهِ غُسْلٌ؟ فَقَالَ: هَذَا فُتْيَا العَجَائِزِ. الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الأَشْعَثِ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: مَا رَأَتْ عَيْنِي قَطُّ مِثْلَ الشَّافِعِيَّ، قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ يَغْلُوْنَ بِصَاحِبِهِم، يَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُنَا الَّذِي قَطَعَ الشَّافِعِيَّ. قَالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ المَلِكِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَنِي، فَقُلْتُ: الحُجَّةُ؟ قَالَ: لأَنَّ مَالِكاً قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَيْهَاتَ،   (1) " حلية الأولياء " 9 / 143، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 7 / 1. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 155. (3) " الحلية " 9 / 119، و" آداب الشافعي ": 97، و" الانتقاء ": 84، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 53، 54، و" مفتاح الجنة ": 35، و" جامع بيان العلم " 1 / 25. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 أَسْأَلُكَ عَنِ الحُجَّةِ، وَتَقُوْلُ: قَالَ مُعَلِّمِي، وَإِنَّمَا الحُجَّةُ عَلَيْكَ وَعَلَى مُعَلِّمِكَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ: الشَّافِعِيُّ أَفْقَهُهُمْ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ القَاضِي: سَمِعْتُ إِمَامَ الأَئِمَّةِ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ سُنَّةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَلاَلِ وَالحَرَامِ لَمْ يُوْدِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ؟ قَالَ: لاَ (1) . قَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُنْتُ أُقْرِئُ النَّاسَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) قَبْلَ أَنْ أَحْتَلِمَ. قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ يَقُوْلُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ: كَمْ أُصُوْلُ الأَحْكَامِ؟ فَقَالَ: خَمْسُ مائَةٍ. قِيْلَ لَهُ: كَمْ أُصُوْلُ السُّنَنِ؟ قَالَ: خَمْسُ مائَةٍ. قِيْلَ لَهُ: كَمْ مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ؟ قَالَ: كُلُّهَا إِلاَّ خَمْسَةً وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. قِيْلَ لَهُ: كَمْ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟ قَالَ: كُلُّهَا إِلاَّ خَمْسَةً (2) . قَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ؛ لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ حَلَفَ بِالكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ (3) .   (1) " تاريخ ابن عساكر ". وهذه مبالغة لا تسلم لقائلها ولا يرضى عنها الشافعي، فإن من يطالع كتب الشافعي ويقارن بين ما جاء فيها من السنن، وبين ما هو مدون من المسانيد والسنن يتبين له خلاف ذلك. (2) " مناقب " البيهقي 1 / 519. (3) تقدم الخبر في الصفحة (19) تعليق رقم (2) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أُعَلِّمُهُ، تَعَلَّمَهُ النَّاسُ، أُوْجَرُ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْمَدُونِي (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَرَى فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي عِنْدَ العِرَاقِيِّينَ، أَهِيَ أَحَبُّ إِليَكَ، أَوِ الَّتِي بِمِصْرَ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالكُتُبِ الَّتِي عَمِلَهَا بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الكُتُبَ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يُحْكِمْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، فَأَحْكَمَ تِلْكَ. وَقُلْتُ لأَحْمَدَ: مَا تَرَى لِي مِنَ الكُتُبِ أَنْ أَنْظُرُ فِيْهِ، رَأْيُ مَالِكٍ، أَوِ الثَّوْرِيِّ، أَوِ الأَوْزَاعِيِّ؟ فَقَالَ لِي قَوْلاً أُجِلُّهُم أَنْ أَذْكُرَهُ، وَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُهُم صَوَاباً، وَأَتْبَعُهُم لِلآثَارِ (2) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ، فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي: كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَرَّطْتَ، مَا عَرَفْنَا العُمُوْمَ مِنَ الخُصُوصِ، وَنَاسِخَ الحَدِيْثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ. قَالَ: فَحَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى مِصْرَ، فَكَتَبْتُهَا (3) . تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الحِكَايَةِ عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ الصُّوْفِيُّ،   (1) " آداب الشافعي ": 92، و" حلية الأولياء " 9 / 119، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 540، و" توالي التأسيس ": 62، و" البداية " 10 / 253. (2) " آداب الشافعي ": 60، و" الحلية " 9 / 97، و" مناقب " البيهقي 1 / 263، و" الانتقاء ": 76. ففي هذا الخبر يرى أحمد أن ينظر في كتب الشافعي، ويكتب رأيه، بينما يصرح بخلاف ذلك في جواب سؤال وجهه إليه تلميذه أبو بكر المروذي، فقد جاء في " طبقات أبي يعلى " 1 / 57: قلت لأبي عبد الله: أترى يكتب الرجل كتب الشافعي؟ قال: لا، قلت: أترى أن يكتب الرسالة؟ قال: لا تسألني عن شيء محدث، قلت: كتبتها؟ قال: معاذ الله. وقال أحمد: لا تكتب كلام مالك، ولا سفيان، ولا الشافعي، ولا إسحاق ابن راهويه، ولا أبي عبيد. (3) " مناقب " البيهقي 1 / 262، و" معجم الأدباء " 17 / 312. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الفَرَجِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بِكُتُبِ الشَّافِعِيِّ (1) . قُلْتُ: وَمِنْ بَعْضِ فُنُونِ هَذَا الإِمَامِ الطِّبُّ، كَانَ يَدْرِيهِ. نَقَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَعَنْهُ، قَالَ: عَجَباً لِمَنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ ثُمَّ لاَ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ، وَعَجَباً لِمَنْ يَحْتَجِمُ ثُمَّ يَأْكلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيْشُ (2) . حَرْمَلَةُ: عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَنْ أَكَلَ الأُتْرُجَّ ثُمَّ نَامَ، لَمْ آمَنْ أَنْ تُصِيْبَهُ ذُبْحَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِصْمَةَ الجَوْزَجَانِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: ثَلاَثَةُ أَشْيَاءٍ دَوَاءُ مَنْ لاَ دَوَاءَ لَهُ، وَأَعْيَتِ الأَطِبَّاءَ مُدَاوَاتُهُ: العِنَبُ، وَلَبَنُ اللِّقَاحِ، وَقَصَبُ السُّكَّرِ، لَوْلاَ قَصَبُ السُّكَّرِ، مَا أَقَمْتُ بِبَلَدِكُمْ (3) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ غُلاَمِي أَعْشَى، لَمْ يَكُنْ يُبْصِرُ بَابَ الدَّارِ، فَأَخَذْتُ لَهُ زِيَادَةَ الكَبِدِ، فَكَحَّلْتُهُ بِهَا، فَأَبْصَرَ (4) . وَعَنْهُ: عَجَباً لِمَنْ تَعَشَّى البَيْضَ المَسْلُوْقَ فَنَامَ، كَيْفَ لاَ يَمُوْتُ (5) . وَعَنْهُ: الفُوْلُ يَزِيْدُ فِي الدِّمَاغِ، وَالدِّمَاغُ يَزِيْدُ فِي العَقْلِ (6) .   (1) هو في " مناقب " البيهقي 2 / 248 من طريق محمد بن يعقوب الفرجي قال: سمعت محمد بن علي بن المديني، قال: قال أبي: لا تترك للشافعي حرفا واحدا إلا كتبته، فإن فيه معرفة. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 119، و" حلية الأولياء " 9 / 142. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 122. (4) " مناقب " البيهقي 2 / 122. (5) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 118، و" حلية الأولياء " 9 / 143. (6) " آداب الشافعي ": 322، 323، و" الانتقاء ": 87، و" الحلية " 9 / 137 141، و" ألف باء " للبلوي 2 / 159. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 وَعَنْهُ: لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلوَبَاءِ مِنَ البَنَفْسَجِ، يُدْهَنُ بِهِ وَيُشْرَبُ (1) . قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ عِلْماً بَعْدَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ، أَنْبَلَ مِنَ الطِّبِّ، إِلاَّ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ غَلَبُوْنَا عَلَيْهِ. قَالَ حَرْمَلَةُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَهَّفُ عَلَى مَا ضَيَّعَ المُسْلِمُوْنَ مِنَ الطِّبِّ، وَيَقُوْلُ: ضَيَّعُوا ثُلُثَ العِلْمِ، وَوَكَلُوهُ إِلَى اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى (2) . وَيُقَالُ: إِنَّ الإِمَامَ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النُّجُومِ، ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَابَ مِنْهُ. فَقَالَ الحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ - وَهُوَ حَدَثٌ - يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، وَمَا يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ، إِلاَّ فَاقَ فِيْهِ، فَجَلَسَ يَوْماً وَامرَأَتُهُ تُطْلَقُ، فَحَسَبَ، فَقَالَ: تَلِدُ جَارِيَةً عَوْرَاءَ، عَلَى فَرْجِهَا خَالٌ أَسْوَدُ، تَمُوْتُ إِلَى يَوْمِ كَذَا وَكَذَا. فَوَلَدَتْ كَمَا قَالَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَنْظُرَ فِيْهِ أَبَداً، وَدَفَنَ تِلْكَ الكُتُبَ (3) . قَالَ فُوْرَانُ: قَسَمْتُ كُتُبَ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بَيْنَ وَلَدَيْهِ، فَوَجَدْتُ فِيْهَا رِسَالَتَيِ الشَّافِعِيَّ، (العِرَاقيَّةِ) وَ (المِصْرِيَّةِ) ، بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللهِ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّوْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: صَاحِبُ حَدِيْثٍ لاَ يَشْبَعُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الدُّخَمْسِيْنِيُّ (4) : سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ   (1) " آداب الشافعي ": 323، 324، و" مناقب " البيهقي 2 / 118. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 116، و" توالي التأسيس ": 66. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 126، و" مناقب " الرازي: 120، و" عيون التواريخ " 7 / 177، و" توالي التأسيس ": 65. (4) في الأصل: " الدخسميني " وعلي بن أحمد هذا لم اظفر له بترجمة، وشيخه علي = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 الأَزْدِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - وَسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - فَقَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ القَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ، عَلِمْنَا أنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ كُلَّ خَيْرٍ. فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ يَحْيَى وَأَبُو عُبَيْدٍ لاَ يَرْضَيَانِهِ - يُشِيْرُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَأنَّهُمَا نَسَبَاهُ إِلَى ذَلِكَ -. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا نَدْرِي مَا يَقُوْلاَنِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً (1) . قُلْتُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّعُ، فَهُوَ مُفْتَرٍ، لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ. قَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ، فَمَا ارْتَقَى شَرَفاً، وَلاَ هَبَطَ وَادِياً إِلاَّ وَهُوَ يَبْكِي، وَيُنْشِدُ: يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى ... وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيْجُ إِلَى مِنَىً ... فَيْضاً كَمُلْتَطِمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّي رَافِضِي (2)   = ابن أحمد بن النضر الأزدي ضعفه الدارقطني كما قال في " تاريخ الخطيب " 11 / 316، و" ميزان المؤلف ". وأورده البيهقي في " المناقب " 2 / 259 من طريق شيخه الحاكم أبي عبد الله، عن أبي أحمد علي بن عبد الله المروزي صاحب " الكنى "، عن علي بن أحمد بن النضر الأزدي. (1) وللخبر تتمة غاية في النفاسة عند البيهقي، وهي: ثم قال أحمد لمن حوله: اعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة في أهل العلم. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 71، و" مناقب " الرازي: 51، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 407، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 299، و" الانتقاء ": 90، 91، و" معجم الأدباء " 17 / 320، و" عيون التواريخ " 7 / 180. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 قُلْتُ: لَوْ كَانَ شِيْعِيّاً - وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ (1) - لَمَا قَالَ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ خَمْسَةٌ، بَدَأَ بِالصِّدِّيْقِ، وَخَتَمَ بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ (المُوَطَّأَ) مِنَ الشَّافِعِيِّ؛ لأَنِّي رَأَيْتُهُ فِيْهِ ثَبْتاً، وَقَدْ سَمِعتُهُ مِنْ جَمَاعَةٍ قَبْلَهُ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الشَّاشِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! عَلَى مَنْ دَرَسْتَ الفِقْهَ؟ فَسَمَّيتُ لَهُ أَبَا اللَّيْثِ. فَقَالَ: وَعَلَى مَنْ دَرَسَ؟ قُلْتُ: عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ. فَقَالَ: وَهلْ أَخَذَ ابْنُ سُرَيْجٍ العِلْمَ إِلاَّ مِنْ كُتُبٍ مُسْتَعَارَةٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَبُو اللَّيْثِ هَذَا مَهْجُورٌ بِالشَّاشِيِّ، فَإِنَّ البَلَدَ حَنَابِلَةً. فَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةُ: وَهَلْ كَانَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِلاَّ غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِ الشَّافِعِيِّ (2) . زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: مَنْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ: أَوَّلُهُمْ: الحُمَيْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالبُوَيْطِيُّ. وَيُرْوَى بِطَرِيْقَيْنِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ   (1) لا يعد التشيع قدحا في حق القائل إذا كان ثقة، صرح بذلك المؤلف في غير موضع وانظر " الميزان " 1 / 5. (2) هذا الأسلوب من المدح والاطراء تنبو عنه أذواق أهل العلم، ولا يرتضونه، فإنه في حين يرفع شأن ممدوحه ويعلي من قدره يبخس حق الآخرين ويحط من أقدارهم، وربما يكونون أعلى كعبا وأرفع منزلة من ممدوحه، ويغلب على ظني أن الشافعي رحمه الله لو سمع مقالة ابن خزيمة هذه لاوسعه عتبا وذما، أليس هو الذي يقول للامام أحمد - كما تقدم في الصفحة (33) - أنتم أعلم بالاخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا. وروى ابن أبي حاتم عن أبيه قال: أحمد بن حنبل أكبر من الشافعي، تعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث من أحمد بن حنبل، وكان الشافعي فقيها، ولم تكن له معرفة بالحديث، فربما قال لأحمد: هذا الحديث قوي محفوظ؟ فإذا قال أحمد: نعم، جعله أصلا، وبنى عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً، هُمْ حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ، فَلَهُمْ عَلَيْنَا الفَضْلُ (1) . أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُنَاقِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ السَّمَّانُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ بِتُسْتَرَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ (2) . رَوَاهُ: الحَافِظُ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْبَرْنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ القَلاَنِسِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ... ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ زَكِيٍّ (3) الحَافِظُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا   (1) انظر " حلية الأولياء " 9 / 109. (2) إسناده ضعيف. يحيى بن سليم، وهو القرشي الطائفي، سيئ الحفظ، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر، وهو هنا عنه. ورواه بأطول مما هنا البزار في " مسنده " (668) (زوائد) من طريق مسلم بن خالد الزنجي - وهو ضعيف - ومن طريق عدي بن الفضل - وهو متروك - كلاهما عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر ... وانظر هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف في " زاد المعاد " 1 / 450، 456 طبع مؤسسة الرسالة. (3) هو الامام الحافظ المتقن جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي صاحب " تهذيب = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ - قُلْتُ: وَأَجَازَهُ المَذْكُوْرَانِ لِي - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وَنَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ) . وَالمُزَابنَةُ: بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيعُ الكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُ الأَئِمَّةِ يُفَرِّقُهُ، وَيَجْعَلُهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَهَذِهِ البُيُوْعُ الأَرْبَعَةُ مُحَرَّمَةٌ، وَالأَخِيْرَانِ مِنْهَا فَاسِدَانِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ البَزَّازُ، وَسِتُّ الوُزَرَاءِ بِنْتِ القَاضِي عُمَرِ بنِ أَسْعَدَ سَمَاعاً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ اليَمَانِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الصُّوْفِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ   = الكمال ". وقد شرعت مؤسسة الرسالة بطبعه، وصدر الجزء الأول منه بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف. (1) هو في " مسند الشافعي " 2 / 155 و170، و" الموطأ " 2 / 128 في البيوع: باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، و170 و171: باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، و149: باب ما لا يجوز من بيع الحيوان، والبخاري 4 / 295 في البيوع: باب لا يبع على بيع أخيه و313: باب النهي عن تلقي الركبان، و315: باب بيع الزبيب بالزبيب، و321: باب بيع المزابنة، وباب بيع الزرع بالطعام كيلا، و4 / 298، 299 في البيوع: باب بيع الغرر والحبلة، و4 / 298 في البيوع: باب النجش، ومسلم (1412) في البيوع: باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، و (1542) في البيوع: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا و (1513) : باب تحريم حبل الحبلة، و (1516) : باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ الكَرْجِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنَّ عَبْدَ الغَفَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ التَّاجِرَ أَجَازَ لَهُمْ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَائِشَةَ: (طَوَافُكِ بِالبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، يَكْفِيْكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) . وَبِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ نَجِيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ، وَرُبَّمَا أَرْسَلَهُ عَطَاءٌ. هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنِ الرَّبِيْعِ.   (1) رقم (1897) في المناسك: باب طواف القارن، وإسناده قوي، وفي " صحيح مسلم " (1211) (133) من طريق إبراهيم بن نافع، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عائشة أنها حاضت بسرف، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ". واختلف العلماء في طواف القارن والمتمتع على ثلاثة مذاهب: أحدها: أن على كل منهما طوافين وسعيين. روي ذلك عن علي وابن مسعود، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة والاوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد. الثاني: أن عليهما كليهما طوافا واحدا وسعيا واحدا. نص عليه الامام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وهو ظاهر حديث جابر. الثالث: أن على المتمتع طوافين وسعيين، وعلى القارن سعي واحد، وهذا هو المعروف عن عطاء، وطاووس، والحسن، وهو مذهب مالك، والشافعي، وظاهر مذهب أحمد. وفي " الموطأ " 1 / 410، والبخاري 3 / 395، ومسلم (1212) من حديث عائشة قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين كانوا أهلوا بالحج، أو جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا. وفي الباب عند البخاري 3 / 345 تعليقا ووصله الاسماعيلي في " مستخرجه " كما في " البيهقي " 5 / 23 بسند صحيح عن ابن عباس..وفيه أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أهل المهاجرون والانصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ الحَافِظِ (1) ، وَعلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَقِيْهِ، أَخْبَرَكُمَا الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَظِيْمِ بنِ عَبْدِ القَوِيِّ المُنْذِرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ مِنْ حِفْظِي، حَدَّثَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ لَفْظاً، حَدَّثَنَا الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرَيُّ إِلْكِيَا (2) ، مِنْ لَفْظِهِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَازِنِ (ح) . وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفَقِيْهِ، وَابْنُ مُشَرِّفٍ، وَوَزِيْرَةُ (3) قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ   = قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " فطفنا بالبيت والصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: " من قلد الهدي، فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله "، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا، والمروة، فقد تم حجنا. (1) هو كما في " مشيخة المؤلف " ورقة 86 / 2: عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن ابن شرف العلامة الحافظ الحجة شرف الدين أبو محمد الدمياطي النوبي الشافعي، أحد الأئمة الاعلام، وبقية نقاد الحديث، ولد سنة ثلاث عشرة وست مئة، واشتغل بدمياط وأتقن الفقه، ثم طلب الحديث سنة ست وثلاثين، ورحل وسمع من علي بن مختار، ومنصور بن الدباغ، ويوسف بن المختلي، وابن المقر، وعلي بن زيد التساوسي، وبدمشق من عمر بن البرادعي، وابن مسلمة، وبحلب من ابن رواحة وابن خليل، وبحماه من صفية القرشية، وبماردين من عبد الخالق النشتيري، وببغداد من أبي نصر بن العليق، وابن الخير، وابن قميرة وأخيه أحمد، وبحران وسنجار والموصل والحرمين، ومعجمه يشتمل على ألف ومئتين وخمسين شيخا، وله تصانيف متقنة في الحديث والعوالي واللغة والفقه وغير ذلك، وعمل أربعين حديثا متباينة الإسناد من حديث أهل بغداد على شرط الصحيح، وله " السيرة النبوية " في مجلد. حدث عنه أئمة، ومات فجأة في ذي القعدة سنة خمس وسبع مئة بالقاهرة، ومحاسنه جمة. (2) قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 3 / 289: وفي اللغة العجمية: إليكا: هو الكبير القدر، المقدم بين الناس. (3) هي ست الوزراء بنت القاضي عمر بن أسعد التنوخية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 الجِيزِيُّ (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ (2)) . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ؛ وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى؛ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنِ القَعْنَبِيِّ جَمِيْعاً، عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ مُسَلْسَلٌ فِي طَرِيْقِنَا الأَوَّلِ بِالفُقَهَاءِ إِلَى مُنْتَهَاهُ. وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ. وَأَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ   (1) نسبة إلى الجيزة، بليدة غربي فسطاط مصر. (2) إسناده صحيح، وهو في " مسند الشافعي " 2 / 162 و" الموطأ " 2 / 671 في البيوع: باب بيع الخيار، والبخاري 4 / 276 في البيوع: باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وباب كم يجوز الخيار، وباب إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع، وباب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع، ومسلم (1531) في البيوع: باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، وأبو داود (3454) في البيوع: باب في خيار المتبايعين. وأخرجه الترمذي (1245) من طريق فضيل عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، وأخرجه ابن ماجه (2181) من طريق الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر. وقوله: " إلا بيع الخيار " قال البغوي في " شرح السنة " 8 / 41: معناه أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فيقول: اخترت، فيكون هذا إلزاما للبيع منهما، وإن كان المجلس قائما، ويسقط خيارهما. وتأوله بعضهم على خيار الشرط، وقال: هذا استثناء يرجع إلى مفهوم مدة الخيار، معناه: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا، لزم البيع إلا أن يتبايعا بشرط خيار ثلاثة أيام، فبقي خيار الشرط بعد التفرق، واستبعد هذا التأويل، ورجح المعنى الأول لوروده مصرحا به في روايته عند البخاري 4 / 274. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ بنِ بُنْدَارَ البَقَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتٍ العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّازِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المُتَبَايعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ (1)) . وَبِهِ إِلَى القَعْنَبِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا وَجْهٌ مَعْرُوْفٌ، وَلاَ أَمرٌ مَعْمُوْلٌ (2) . قُلْتُ: قَدْ عَمِلَ جُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ بِمُقْتَضَاهُ، أَوَّلُهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَاوِي الحَدِيْثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَذَانِيُّ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنِ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ   (1) إسناده صحيح. (2) يعني أن مالكا لا يأخذ بهذا الحديث لان عمل أهل المدينة على خلافه، وقد تعقب بأنه قال به ابن عمر، ثم سعيد بن المسيب، ثم الزهري، ثم ابن أبي ذئب، وهؤلاء من أكابر علماء أهل المدينة في أعصارهم، ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة في أعصارهم القول بخلاف غير ربيعة شيخ مالك. وابن عبد البر، وابن العربي - وهما من المالكية - يقولان: إنما لم يأخذ به مالك، لان وقت التفرق غير معلوم، فأشبه بيوع الغرر كالملامسة، وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط، ولا يحده بوقت معين، وما ادعاه من الغرر موجود فيه، وبأن الغرر في خيار المجلس معدوم، لان كلا منهما متمكن من إمضاء البيع أو فسخه بالقول أو الفعل فلا غرر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 الحَافِظُ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَغَيْرُهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشَّافِعِيُّ. وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَوْهَرِيِّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ يُوْسُفَ الوَاعِظَةُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُكْرَمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَوَّاسِ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَالقَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ مُؤْمِنٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأُرْمَوِيُّ، وَسِتُّ الفَخْرِ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: حَدَّثَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ كَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ، قَالُوا ثَلاَثتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى بنُ الحُبُوبِيِّ، قَالَ هُوَ وَابْنُ خَلِيْلٍ وَالأَسَدِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ بنِ أَبِي العُلاَ المَصِّيْصِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ بنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَامِعٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ، سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ) . قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيْراً؟ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ سِواكاً مِنْ أرَاكٍ) (1) .   (1) إسناده صحيح، وجامع: هو ابن أبي راشد الصيرفي، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة، وأخرجه أحمد 1 / 377 من طريق سفيان، عن جامع، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. وأخرجه بأطول مما هنا أحمد 1 / 379، والبخاري 11 / 485 في الايمان: باب قول الله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم) ، ومسلم (138) في الايمان: باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، وأبو داود (3243) ، والترمذي (2999) ، وابن ماجة (2323) من طرق، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. وفي الباب عن أبي أمامة عند مالك 2 / 727، ومسلم (137) ، والنسائي 8 / 246. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذَامِيُّ (1) ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ بِقِرَاءتِي، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الجَنَدِيِّ، عَنِ أبَانَ بنِ صَالِحٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلاَّ شِدَّةً، وَلاَ الدُّنْيَا إِلاَّ إِدْبَاراً، وَلاَ النَّاسُ إِلاَّ شُحّاً، وَلاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلاَ مَهْدِيَّ إِلاَّ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ) . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (2) عَنْ يُوْنُسَ، فَوَافَقْنَاهُ، وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَا أَحْسِبُهُ سَمِعَهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، بَلْ أَخْبَرَهُ بِهِ مُخْبِرٌ مَجْهُوْلٌ، لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الثَّابتَةِ عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَذَكَرَهُ (3) .   (1) نسبة إلى جذام قبيلة من اليمن. (2) رقم (4039) وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن خالد الجندي، والحسن مدلس وقد عنعن، ومتنه منكر كما قال المصنف، وهو في " حلية الأولياء " 9 / 161، و" تاريخ بغداد " 4 / 221، و" المستدرك " 4 / 441، ونقل الشوكاني في " الفوائد المجموعة " ص 195 عن الصنعاني: أنه موضوع. وجملة " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود أخرجه مسلم في " صحيحه " (2949) . (3) نقله تلميذه السبكي في " الطبقات " 2 / 171 في ترجمة يونس بن عبد الأعلى بأوسع مما هنا، فقال: وكان شيخنا الذهبي رحمه الله ينبه على فائدة، وهي أن حديثه المذكور عن الشافعي إنما قال فيه: حدثت عن الشافعي، ولم يقل: حدثني الشافعي، قال: هكذا هو موجود في كتاب يونس رواية أبي الطاهر أحمد بن محمد المديني عنه، ورواه جماعة عنه عن الشافعي، فكأنه دلسه بلفظة " عن " وأسقط ذكر من حدثه به عن الشافعي. هذا كلام شيخنا رحمه الله تعالى، وأنا أقول: قد صرح الرواة عن يونس بأنه قال: " حدثنا " الشافعي أسنده من طريقين، وفيه التصريح بالتحديث. ثم رد دعوى تفرد يونس به بأنه قد تابعه عليه زيد بن = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ القلاَنسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُودِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ القَرَّابُ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: إِذَا أَغْفَلَ العَالِمُ (لاَ أَدْرِي) أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ (2) . فَغَالِبُ هَذَا الإِسْنَادِ مُسَلْسَلٌ بِالحُفَّاظِ، مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ إِلَى عَجْلاَنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَبِهِ إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ - وَكَانَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَكَانٍ - قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يُفْتِي النَّاسَ، وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ حَاضِرَيْنِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيْلٌ مِنْ دَارٍ؟) . فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنِ الحَسَنِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَعَبْدَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُمَا لَمْ يَكُوْنَا يَرَيَانِهِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، لَمْ يَكُوْنَا يَرَيَانِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ هَذَا؟ قِيْلَ: إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ ابْنُ رَاهْوَيْه. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُ خُرَاسَانَ أَنَّكَ فَقِيْهُهُمْ، مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُوْنَ غَيرُكَ فِي   = السكن، وعلي بن زيد اللحجي، فروياه عن محمد بن خالد، وانتهى إلى أن الذي تفرد به هو محمد بن خالد الجندي ذاك المجهول. (1) نسبة لمن يعمل القرب، وهي أوعية الماء أو اللبن. (2) " آداب الشافعي ": 107، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 222، و" الانتقاء ": 37، 38، و" بدائع الفوائد " 3 / 276، و" جامع بيان العلم " 2 / 54، و" الآداب الشرعية " 2 / 79. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 مَوْضِعِكَ، فَكُنْتُ آمُرُ بِعَرْكِ أُذُنَيْهِ أَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتَ تَقُوْلُ: عَطَاءٌ، وَطَاوُوْسٌ، وَمَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَنِ، وَهَلْ لأَحَدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّةً (1) ؟! وَبِهِ: إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الفَقِيْهُ إِملاَءً، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ فَرَاشَةَ الفَقِيْهَ بِمَرْوَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيَّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُغِيْرَةِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السَّاوِيُّ (2) بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَكَأَنِّيْ رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ (3) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. زَادَ البُوَيْطِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَزَاهُمُ اللهُ خَيْراً، فَهُم حَفِظُوا لَنَا الأَصْلَ، فَلَهُمْ عَلَينَا فَضْلٌ.   (1) " مناقب " البيهقي 1 / 214، 215، و" آداب الشافعي " 1 / 177، 178، و" معجم الأدباء " 17 / 295، و" مناقب " الرازي: 100. وقوله صلى الله عليه وسلم: " وهل ترك لنا عقيل من دار؟ " قاله في حجته، أو يوم الفتح، حيث قيل له: أتنزل في دارك بمكة؟ وأراد الشافعي رحمه الله أن الدور لو كانت مباحة للناس لكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: أي موضع أدركنا في دار من كان نزلنا، فإن ذلك مباح لنا، بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم باعها عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ، وقال: لم يترك لنا عقيل مسكنا. والحديث أخرجه من حديث أسامة بن زيد البخاري 3 / 360، 361 في الحج: باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وفي الجهاد: باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم، وفي المغازي: باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، ومسلم (1351) في الحج: باب النزول بمكة للحاج وتوريث دورها، وأبو داود (2910) في الفرائض: باب هل يرث المسلم الكافر، والبيهقي في " سننه " 6 / 34. (2) نسبة إلى ساوة: مدينة بين الري وهمدان. (3) تقدم الخبر في الصفحة (59، 60) ت (1) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 وَبِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الجَارُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، عَنِ البُوَيْطِيِّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً. وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَوْلاَ المَحَابرُ لَخَطَبَتِ الزَّنَادقَةُ عَلَى المَنَابرِ. الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَاباً، أَوْ سُنَّةً، أَوِ أَثَراً، أَوِ إِجْمَاعاً، فَهَذِهِ البِدْعَةُ ضَلاَلَةٌ، وَمَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيْرِ لاَ خِلاَفَ فِيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ، قَدْ قَالَ عُمَرُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيْهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ (1) ، عَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنِ الأصمِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: تَزَوَّجَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه بِامْرَأَةِ رَجُلٍ - كَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ - مَاتَ، لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا إِلاَّ لِلْكُتُبِ. قَالَ: فَوَضَعَ (جَامِعَ الكَبِيْرِ) عَلَى كِتَابِ الشَّافِعِيِّ، وَوَضَعَ (جَامِعَ الصَّغِيْرِ) عَلَى (جَامِعِ سُفْيَانَ) فَقَدِمَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ عَنِ البُوَيْطِيِّ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: لاَ تُحَدِّثْ بكُتُبِ الشَّافِعِيِّ مَا دُمتُ هُنَا، فَأَجَابَهُ (2) . قَالَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي هَذَا المَحَلِّ، وَلَوْ عَلِمْتُ لَمْ أُفَارقْهُ (3) .   (1) في " المناقب " 1 / 468، 469، وانظر " حلية الأولياء " 9 / 113. (2) " آداب الشافعي ": 64، 65، و" مناقب " البيهقي 1 / 266، 267، و" حلية الأولياء " 9 / 102، و" توالي التأسيس ": 76، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 4 / 2. (3) " مناقب " البيهقي 1 / 265. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا حَالُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ (1) عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ، كَتَبْنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى عَنْهُ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ (2) . قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَلاَ أَسْكَتَ عَنِ الفُتْيَا مِنْهُ (3) . رَوَى أَبُو الشَّيْخِ الحَافِظُ، وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أتَاهُ جِلَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأقبلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوهُ يُخَالِفُ مَالِكاً، وَيَنْقُضُ عَلَيْهِ، جَفَوهُ، وَتَنَكَّرُوا لَهُ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: أَأَنْثُرُ دُرّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ ... وَأَنْظِمُ مَنْثُوراً لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ فِي شَرِّ بَلْدَةٍ ... فلَسْتُ مُضِيعاً بَينَهُمْ غُرَرَ الحِكَمْ فَإِنْ فَرَّجَ اللهُ اللَّطِيْفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلحِكَمْ بَثَثْتُ مُفِيداً وَاسْتفَدْتُ وِدَادَهُم ... وَإِلاَّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْماً أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ وَكَاتِمُ عِلْمِ الدِّيْنِ عَمَّنْ يُرِيْدُهُ ... يَبُوءُ بِإِثْمٍ زَادَ وَآثِمٍ إِذَا كَتَمْ (4)   (1) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالصادق، تقدمت ترجمة في الجزء السادس رقم (117) . (2) " مناقب " البيهقي 1 / 523، و" آداب الشافعي ": 177، و" الجرح والتعديل " 2 / 487، و" تهذيب التهذيب " 2 / 103. (3) " آداب الشافعي ": 206، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 224، وانظر " مناقب " الرازي: 17، و" تهذيب التهذيب " 4 / 120، و" شذرات الذهب " 1 / 355، و" الجرح والتعديل " 1 / 32، 33. (4) الابيات - عدا هذا الأخير في " مناقب الشافعي " 2 / 72، و" معجم الأدباء " 17 / 307، و" مناقب " الرازي: 111، و" حلية الأولياء " 9 / 153، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 294. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَهْ: حُدِّثْتُ عَنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَشْهَبَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ سَاجداً يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ أَمِتِ الشَّافِعِيَّ، لاَ يَذْهَبُ عِلْمُ مَالِكٍ، فَبَلَغَ الشَّافِعِيَّ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيْلٌ لَسْتُ فِيْهَا بِأَوْحَدِ فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي (1) خِلاَفَ الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَن قَدِ وَقَدْ عَلِمُوا لَوْ يَنْفَعُ العِلْمُ عِنْدَهُمْ ... لَئِنْ مِتُّ مَا الدَّاعِي عَلَيَّ بِمُخْلَدِ (2) قَالَ المُبَرَّدُ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيْفَةَ لَفُصَحَاءٌ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: فلَوْلاَ الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لكُنْتُ اليَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ وَأَشجَعَ فِي الوَغَى مِنْ كُلِّ لَيْثٍ ... وَآلِ مُهَلَّبٍ وَأَبِي يَزِيْدِ وَلَوْلاَ خَشْيَةُ الرَّحْمَنِ رَبِّي ... حَسِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ عَبِيْدِي (3)   (1) في الأصل " يبقى " والمثبت هو من مصادر التخريج. (2) الخبر مع الشعر في " مناقب " البيهقي 2 / 73، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 21 / 1 و" مناقب " الرازي: 115، و" توالي التأسيس ": 83، و" عيون الاخبار " 3 / 114، و" حلية الأولياء " 9 / 149، 150، و" طبقات " السبكي 1 / 303، و" نوادر " القالي 218 / 3. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 62، و" مناقب " الرازي: 119. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 وَلأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيِّ فِي الشَّافِعِيِّ: وَمِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ حُبُّ ابْنُ شَافِعٍ ... وَفَرْضٌ أَكِيدٌ حُبُّهُ لاَ تَطَوُّعُ وَإِنِّيْ حَيَاتِي شَافِعِيٌّ فَإِنْ أَمُتْ ... فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُوا (1) قَالَ الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ فِي كِتَابِ (مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ) لَهُ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ: جَمَعْتُ دِيْوَانَ شِعْرِ الشَّافِعِيِّ كِتَاباً عَلَى حِدَةٍ. ثُمَّ إِنَّهُ سَاقَ بِإِسْنَادٍ لَهُ إِلَى ثَعْلَبٍ، قَالَ: الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ (2) : سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ مرَاراً يَقُوْلُ: لَوْ   (1) " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 362. وهكذا نجد كل تابع لامام من الأئمة يقول في حق إمامه كذلك. إن الأئمة المجتهدين، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، رحمهم الله تعالى لم يقل واحد منهم لاتباعه: اتبعوني وخذوا بجميع أقوالي، وآثروني على من سواي، وإنما ثبت عن كل واحد منهم قوله: " إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضربوا بقولي عرض الحائط " وجميعهم أصحاب فضل وعلم، وقد بذلوا جهدهم في التماس الحق في المسائل التي اجتهدوا فيها، فأصاب كل واحد منهم في بعضها، وله في ذلك أجران، وأخطأ في البعض الاخر، وله فيها أجر واحد، فالمحب الصحيح هو الذي يوالي الجميع، ويقدر جهودهم، ويشيد بفضلهم، ولا يعتقد العصمة فيهم، وإذا رأى أحدهم يفضل على الآخرين بشيء قد خصه الله به، فلا يتخذه وسيلة للتعصب أو الإفراط في الحب الذي قد يدعوه إلى العدول عن الصواب، لان هذا الامام يحبه لم يقل به. وليضع كل واحد منا نصب عينيه كلمة الامام مالك رحمه الله: " ما منا إلا من رد أو رد عليه إلا صاحب هذا القبر " وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي افترض الله علينا الاخذ بجميع أقواله، وليس ذلك لأحد سواه. (2) هو الحافظ الحجة أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الاستراباذي الفقيه، المتوفى سنة 323 وهو غير ابن عدي صاحب " الكامل " في الضعفاء، المتوفى سنة 365، فذاك كنيته أبو أحمد، واسمه عبد الله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ وَحُسْنَ بَيَانِهِ، وَفصَاحتِهِ، لَعَجِبْتَ، وَلَوْ أَنَّهُ أَلَّفَ هَذِهِ الكُتُبَ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَنَا فِي المُنَاظَرَةِ، لَمْ نَقْدِرْ عَلَى قِرَاءةِ كُتُبِهِ لِفَصَاحتِهِ وَغَرَائِبِ أَلفَاظِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ فِي تَأْلِيفِهِ يُوَضِحُ لِلْعَوَامِّ (1) . حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا جَهِلَ النَّاسُ وَلاَ اخْتَلَفُوا، إِلاَّ لِتَرْكِهِم لِسَانَ العَرَبِ، وَمِيلِهِمْ إِلَى لِسَانِ أَرْسطَاطَالِيْسَ. هذِهِ حِكَايَةٌ نَافِعَةٌ، لَكِنَّهَا مُنْكَرَةٌ، مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ تَفَوَّهَ بِهَا، وَلاَ كَانَتْ أَوْضَاعُ أَرِسْطُوطَالِيْسَ عُرِّبَتْ بَعْدُ البَتَّةَ. رَوَاهَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَهْدِيِّ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا هُمَيْمُ بنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ. ابْنُ هَارُوْنَ: مَجْهُوْلٌ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِأَيَّامِ النَّاسِ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) . وَنَقَلَ الإِمَامُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ النَّسَّابِيْنَ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالأَنْسَابِ، لَقَدِ اجْتَمَعُوا مَعَهُ لَيْلَةً، فَذَاكَرَهُم بِأَنسَابِ النِّسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ، وَقَالَ: أَنسَابُ الرِّجَالِ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ (3) . الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَدَائِنِيُّ، قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، فَأَتَاهُ ابْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ المَغَازِي، فَذَاكَرَهُ أَنسَابَ الرِّجَالِ. فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: دَعْ عَنْكَ أَنسَابَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهَا لاَ   (1) " توالي التأسيس ": 77، و" مناقب " البيهقي 2 / 49، و" مناقب " الرازي. (2) " مناقب " البيهقي 1 / 488. (3) " مناقب " البيهقي 1 / 488، 489 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 تَذْهَبُ عَنَّا وَعَنْكَ، وَحَدِّثْنَا فِي أَنْسَابِ النِّسَاءِ، فَلَمَّا أَخَذُوا فِيْهَا بَقِيَ ابْنُ هِشَامٍ (1) . قَالَ يُوْنُسُ الصَّدَفِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي أَيَّامِ النَّاسِ، قُلْتُ: هَذِهِ صِنَاعَتُهُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا أَرَدْتُ بِهَا -يَعْنِي: العَرَبِيَّةَ وَالأَخْبَارَ- إِلاَّ لِلاستِعَانَةِ عَلَى الفِقْهِ (2) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَقِيَ مِنَ السُّقْمِ مَا لَقِيَ الشَّافِعِيُّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اقرَأْ مَا بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَالمائَةِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فَقرأْتُ، فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَ: لاَ تَغْفَلْ عَنِّي فَإِنِّي مَكْرُوبٌ. قَالَ يُوْنُسُ: عَنَى بِقِرَاءتِي مَا لَقِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَوْ نَحْوَهُ (3) . ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلاً، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقاً، وَلِسُوءِ عَمَلِي مُلاَقِياً، وَعَلَى اللهِ وَارِداً، مَا أَدْرِي رُوْحِي تَصِيْرُ إِلَى جَنَّةٍ فَأُهَنِّيْهَا،   (1) أي: انقطع، وهو في " مناقب " البيهقي 1 / 488 و2 / 42، و" توالي التأسيس ": 60. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 42. (3) " آداب الشافعي ": 76، 77، و" مناقب " البيهقي 2 / 293، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 65، و" توالي التأسيس ": 69 و83. وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 267، والواحدي في " أسباب النزول " 115، 116 من طريق المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف - أي خالي - أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ فقال: اقرأ العشرين ومئة من آل عمران تجدها: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين) إلى قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 أَوْ إِلَى نَارٍ فَأُعَزِّيْهَا، ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُوْدُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا فَإِنْ تَنْتَقِمْ مِنِّي فَلَسْتُ بِآيِسٍ ... وَلَوْ دَخَلَتْ نَفْسِي بِجِرمِي جَهَنَّمَا وَلولاَكَ لَمْ يُغْوَى بِإِبْلِيْسَ عَابِدٌ ... فَكَيْفَ وَقَدْ أَغوَى صَفِيَّكَ آدَمَا وَإِنِّيْ لآتِي الذّنْبَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ ... وَأَعلَمُ أَنَّ اللهَ يَعْفُو تَرَحُّمَا إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ عَنْهُ (1) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مريضٌ، فَسَأَلنِي عَنِ أَصْحَابِنَا. فَقُلْتُ: إِنَّهُم يَتَكَلَّمُوْنَ. فَقَالَ: مَا نَاظَرْتُ أَحَداً قَطُّ عَلَى الغَلَبَةِ، وَبِودِّي أَنَّ جَمِيْعَ الخَلْقِ تَعَلَّمُوا هَذَا الكِتَابَ -يَعْنِي: كُتُبَهُ- عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ هَذَا يَوْمَ الأَحَدِ، وَمَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَانْصَرَفْنَا مِنْ جِنَازَتِهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَرَأَيْنَا هِلاَلَ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً (2) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَزِيْلُ مَكَّةَ، حَدَّثَنِي الحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى خَادِمِ الرَّشِيْدِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ قَدْ فُرِشَ بِالدِّيْبَاجِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ رَجَعَ. فَقَالَ لَهُ الخَادِمُ: ادْخُلْ. قَالَ: لاَ يَحِلُّ افْتِرَاشُ الحُرُمِ. فَقَامَ الخَادِم مُتَبَسِّماً   (1) " مناقب " البيهقي 2 / 111، 293، 294، و" معجم الأدباء " 17 / 303، و" طبقات الشافعية " للسبكي 1 / 156، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 21، و" توالي التأسيس ": 83. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 297، 298، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 22 / 1. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 حَتَّى دَخَلَ بيتاً قَدْ فُرِشَ بِالأَرْمَنِيِّ (1) ، فَدَخَلَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ أَقبلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَلاَلٌ، وَذَاكَ حَرَامٌ، وَهَذَا أحسنُ مِنْ ذَاكَ، وَأكثرُ ثَمَناً. فَتَبَسَّمَ الخَادِمُ وَسَكَتَ (2) . وَعَنِ الرَّبِيْعِ لِلشَّافِعِيِّ: لَقَدِ أصبحَتْ نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى مِصْرَ ... وَمِنْ دُونِهَا أَرْضُ المَهَامِهِ وَالقَفْرِ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَلِلْمَالِ وَالغِنَى ... أُسَاقُ إِلَيْهَا أَمْ أُسَاقُ إِلَى قَبْرِي (3) قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ القِيَاسِ، فَقَالَ: عِنْد الضَّرُوْرَاتِ (4) . أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِذَا وَجَدْتُم   (1) نسبة إلى أرمينية على غير قياس، البلد التي تصنع فيه تلك الفرش، وهي أنجاد وجبال تتخللها سهول مرتفعة في آسيا الصغرى جنوبي القفقاس بين أنجاد إيران شرقا والاناضول غربا، وبين بحر قزوين ومسيل الفرات. (2) " آداب الشافعي ": 103، 104، و" حلية الأولياء " 9 / 126، 127، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 12 / 2، و" توالي التأسيس ": 66. (3) " مناقب " البيهقي، 2 / 108، و" الانتقاء ": 102، و" معجم الأدباء " 17 / 319، 320، و" مناقب " الرازي: 118، 119، و" عيون التواريخ " 7 / 179. (4) أي عند عدم وجود النص، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة، فإنهم لا يفزعون إلى القياس إلا عند عدم وجود النص، ولكن منهم من يستعمله في ما هو كائن من الحوادث، وفيما سيجد منها، ومنهم من يقتصر على الحوادث الكائنة، والشافعي رحمه الله قد استخدم القياس كثيرا في كتابه " الام " وفي غيره من تواليفه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 فِي كتَابِي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُوْلُوا بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعُوا مَا قُلْتُ (1) . سَمِعْنَا جُزْءاً فِي رِحْلَةِ الشَّافِعِيِّ، فَلَمْ أَسُقْ مِنْهُ شَيْئاً، لأنَّهُ بَاطِلٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ (2) ، وَكَذَلِكَ عُزِيَ إِلَيْهِ أقوَالٌ وَأُصُوْلٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْهُ فِي مَحَاشِّ النِّسَاءِ (3) مُنْكَرَةٌ، وَنصُوصُهُ فِي تَوَالِيفِهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.   (1) " مناقب " البيهقي 1 / 472، و" توالي التأسيس ": 63. (2) وهذا الجزء مروي من طريق عبد الله بن محمد البلوي الكذاب الوضاع، وسامح الله الامام البيهقي فإنه أورد خبر هذه الرحلة عن طريق البلوي هذا في " مناقب الشافعي " 1 / 130 وما بعدها، ولم ينبه على وضعها، مع أنه لا يخفى عليه بطلانها، فانخدع بصنيعه هذا غير واحد ممن ألف في مناقب الشافعي ممن لا شأن له في تمحيص الروايات وغربلتها من أمثال الجويني والرازي وأبي حامد الطوسي، واعتمدوها بصدد ترجيحهم لمذهب الشافعي. ولا ينقضي عجبي كيف راجت هذه الفرية على الامام النووي، وهو من نقدة الاخبار وجهابذة المحدثين، فقال في " المجموع " 1 / 81: وفي رحلته مصنف مشهور مسموع، ونقل منها في " تهذيب الأسماء " 1 / 59 قوله: وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام، ويقول: صنف الكتب فإنك أولى من يصنف في هذا الزمان. أما الحافظ ابن حجر، فقد قال في " توالي التأسيس " ص 71: وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي فقد أخرجها الآبري والبيهقي، وغيرهما، مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في " مناقب الشافعي " - ص 23 - بغير إسناد معتمدا عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على قتل الشافعي، وهذا باطل من وجهين: أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان مات ولم يجتمع به الشافعي. والثاني: أنهما كانا أتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم، لا سيما وقد اشتهر بالعلم وليس له إليهما ذنب إلا الحسد له على ما آتاه الله من العلم. هذا ما لا يظن بهما، وإن منصبهما وجلالتهما وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقي محمد ابن الحسن في تلك القدمة، وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز وأخذ عنه ولازمه. (3) المحاش: جمع محشة: وهي الدبر. ورواية ابن عبد الحكم هذه أوردها ابن أبي = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 وَكَذَا وَصيَّةُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الحُسَيْنِ بنِ هِشَامٍ البَلَدِيِّ غَيْرُ صَحِيْحَةٍ (1) . وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الهَكَّارِيُّ، فِي كِتَابِ (عَقِيْدَةِ الشَّافِعِيِّ) لَهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللهِ -تَعَالَى- وَمَا يُؤمِنُ بِهِ - فَقَالَ: للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ، لاَ يَسَعُ أَحَداً قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدَّهَا، لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القَوْلَ بِهَا، فَإِنْ خَالَفَ   = حاتم في " آداب الشافعي " ص (216) عنه قال: سمعت الشافعي يقول: ليس فيه - يعني في إتيان النساء في الدبر - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل حديث ثابت، والقياس أنه حلال. وذكرها الذهبي في " الميزان " في ترجمة ابن عبد الحكم 3 / 612، فقال: هذا منكر من القول، بل القياس التحريم، وقد صح الحديث فيه، وقال الشافعي: " إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط ". قال ابن الصباغ في " الشامل " عقيب هذه الحكاية: قال الربيع: والله لقد كذب على الشافعي، فإن الشافعي ذكر تحريم هذا في ستة كتب من كتبه. قلت: والأحاديث في النهي عن إتيان الرجل زوجته في دبرها صحيحة ثابتة، مخرجة في " زاد المعاد " 4 / 257، 261، " وشرح السنة " 9 / 104 بتحقيقنا. ومما يقوي قول الربيع في أن ما أثر عن الشافعي من رواية ابن عبد الحكم كذب، أن الشافعي رحمه الله أورد حديث خزيمة بن ثابت في " الأم " 5 / 173، 174 من طريق عمه، عن ابن السائب، عن ابن الحلاج، عن خزيمة بن ثابت ... وفيه: " فإن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن " وصححه ثم قال: فلست أرخص فيه، بل أنهى عنه. فهذا نص صريح واضح في كون الشافعي رحمه الله يحرم على الرجل أن يأتي زوجته في دبرها. وانظر " السنن الكبرى " 7 / 196، 199، و" مناقب الشافعي " 2 / 10، 13. واستدل أيضا في " الام " 5 / 94 في تحريم إتيان النساء في أدبارهن بالآية وبحديث خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: والاتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الاتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة. (1) والوصية الثابتة عنه رحمه الله، أوردها البيهقي في " مناقبه " 2 / 288، 289، وهي في " الام " 4 / 48، 51. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ، فَمَعْذُورٌ بِالجَهْلِ، لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ بِالعَقْلِ، وَلاَ بِالرَّوِيَّةِ وَالفِكْرِ، وَلاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْلِ بِهَا أَحَداً، إِلاَّ بَعْدَ انتهَاءِ الخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَنُثْبِتُ هَذِهِ الصَّفَاتِ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيْهَ، كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْر} [الشُّوْرَى: 11] . قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَسْمُرُ مَعَ أَبِي إِلَى الصَّبَاحِ (1) . وَقَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَشْعَرِ النَّاسِ، وَآدَبِ النَّاسِ، وَأَعْرَفِهِم بِالقِرَاءَاتِ (2) . وَمِنْ منَاقبِ هَذَا الإِمَامِ: قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ) . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (3) .   (1) " مناقب " البيهقي 2 / 46. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 48، و" تاريخ ابن عساكر " 15 / 6 / 1، و" معجم الأدباء " 17 / 312. (3) 6 / 173، 174، في الجهاد: باب ومن الدليل على أن الخمس للامام، وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض، و389 في المناقب: باب مناقب قريش، و7 / 371 في المغازي: باب غزوة خيبر من طريقين: عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ". قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا. وأخرجه أبو داود (2978) و (2979) و (2980) ، والنسائي 7 / 130، 131، وأحمد 4 / 81 و83 و85، وابن ماجه (2881) ، والطبري 13 / 556، والبيهقي في " السنن " 6 / 340، 341، وأبو عبيد في " الاموال " ص (331) والشافعي في " الام " 4 / 71. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مِمَّا نَقَلَهُ البَيْهَقِيُّ فِي (المَدْخَلِ) لَهُ: مَا رَأَيْتُ أعْقَلَ -أَوْ قَالَ: أَفْقَهَ- مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَا أَدْعُو اللهَ لَهُ، أَخُصُّهُ بِهِ (1)) . وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ بِأُرْسُوفٍ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: الشَّافِعِيُّ فَيْلَسُوْفٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ: فِي اللُّغَةِ، وَاختِلاَفِ النَّاسِ، وَالمَعَانِي، وَالفِقْهِ (3) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ القِصَّةَ (4) . أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَخَذَ فِي التَّفْسِيرِ، كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيْلَ (5) . قَالَ البَيْهَقِيُّ فِيْمَا أجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَسَاكِرَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ   = قال البيهقي في " المناقب " 1 / 43: والشافعي رحمه الله من صليبة بني عبد المطلب بن عبد مناف من قبل آبائه، وهو من بني هاشم بن عبد مناف من جهة جداته اللاتي كن لآبائه. قال الامام أحمد: وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم وآله بني هاشم وبني المطلب بإعطائهم سهم ذي القربى وقوله: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " فضيلة أخرى، وهي أنه حرم الله عليهم الصدقة، وعوضهم منها هذا السهم من الخمس، وقال: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " فدل بذلك على أنه آله الذين أمر بالصلاة عليهم معه هم الذين حرم الله عليهم الصدقة، وعوضهم منها هذا السهم من الخمس. (1) تقدم الخبر في الصفحة 20 تعليق رقم (2) . (2) في " الأنساب " بضم الهمزة، وفي " معجم البلدان " بفتحها: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا، كان بها خلق من المرابطين. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 41، و" تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2. (4) تقدم الخبر في الصفحة (47) ت (4) . (5) " مناقب " البيهقي 1 / 284، و" مناقب " الرازي: 70، و" توالي التأسيس ": 58. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 الفُرَاوِيِّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ العُصْمِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بنُ يَاسِيْنَ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ المَرُّوْذِيُّ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لاَ أَعْرِفُ فِيْهَا خَبَراً، قُلْتُ فِيْهَا بِقَولِ الشَّافِعِيِّ، لأنَّهُ إِمَامٌ قُرَشِيٌّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ، قَالَ: (عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً) إِلَى أَنْ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنِّي لأَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعينَ سَنَةٍ فِي صَلاَتِي (3) . رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسرَائِيلَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ النَّضْرِ بنِ حُمَيْدٍ (4) ، عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَسُبُّوا قُرَيْشاً، فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْماً (5)) . قُلْتُ: النَّضْرُ قَالَ فِيْهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (6) .   (1) بضم الفاء نسبة إلى فراوة: بليدة مما يلي خوارزم. (2) نسبة إلى عصم، وهو جد محمد بن العباس هذا. (3) " مناقب " البيهقي 1 / 54، و" توالي التأسيس ": 48، و" الحلية " 9 / 65، و" تاريخ بغداد " 2 / 60، 61، و" مناقب " الرازي: 126. (4) في المطبوع من " مسند " الطيالسي و" الحلية ": النضر بن معبد وفي " تاريخ بغداد ": النضر بن سعيد وكلاهما تحريف. (5) هو في " مسند الطيالسي " 2 / 199، و" حلية الأولياء " 9 / 65، و" تاريخ بغداد " 2 / 60، 61، و" مناقب البيهقي " 1 / 26، وعندهم السند: عن النضر بن حميد، عن الجارود، عن أبي الاحوص. مع أن البخاري يقول كما سيأتي: روى عن أبي الجارود. (6) كما في " الجرح والتعديل " 8 / 476، 477، وأورده المؤلف في " الميزان " 4 / 256، فقال: النضر بن حميد أبو الجارود، عن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وهو النضر بن حميد الكندي، قال البخاري: حدث عن أبي الجارود وثابت، ثم أورد الحديث من طريق جعفر بن سليمان. وأورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 281، وقال: الجارود مجهول، والراوي عنه مختلف فيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ يَقُوْلُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً، وَكَانَ يُحَدِّثُ وَطَسْتٌ تَحْتَهُ، فَقَالَ يَوْماً: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِيْهِ رِضَى، فَزِدْ (1) . فَبَعَثَ إِلَيْهِ إِدْرِيْسُ بنُ يَحْيَى المَعَافِرِيُّ -يَعْنِي: زَاهِدَ مِصْرَ-: لَسْتَ مِنْ رِجَالِ البَلاَءِ، فَسَلِ اللهَ العَافِيَةَ. الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ الفِرْيَابِيُّ، قَالَ: قَالَ المُزَنِيُّ، أَوِ الرَّبِيْعُ: كُنَّا يَوْماً عِنْد الشَّافِعِيِّ، إِذْ جَاءَ شَيْخٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ صُوفٌ، وَفِي يَدِهِ عُكَّازَةٌ، فَقَامَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَه، وَسَلَّمَ الشَّيْخُ وَجَلَسَ، وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْخِ هَيْبَةً لَهُ، إِذْ قَالَ الشَّيْخُ: أسْأَلُ؟ قَالَ: سَلْ. قَالَ: مَا الحُجَّةُ فِي دِيْنِ اللهِ؟ قَالَ: كِتَابُ اللهِ. قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: سُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: اتِّفَاقُ الأُمَّةِ؟ فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ سَاعَةً، فَقَالَ الشَّيْخُ: قَدْ أَجَّلْتُكَ ثَلاَثاً، فَإِنْ جِئْتَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَإِلاَّ تُبْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-. فَتَغَيَّرَ لُوْنُ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى اليَوْمِ الثَّالِثِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ، وَيَدَاهُ، وَرِجلاَهُ، وَهُوَ مِسْقَامٌ، فَجَلَسَ، فَلَمْ يَكُنْ   (1) في ثبوت هذا عن الشافعي وقفة، فإنه مما لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من البلاء، ويسأل الله العافية، ففي البخاري 11 / 125، ومسلم (2707) من حديث أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الاعداء. وفي " صحيح مسلم " (2739) من حديث ابن عمر: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك " وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر فيما رواه أبو داود (5073) أنه كان يدعو حين يصبح ويمسي بهذه الدعوات: " اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " والنص في " الحلية " 9 / 135. وفيه بعد قوله: " فسل الله العافية " أن الشافعي بعث إليه، فقال: ادع الله لي بالعافية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: حَاجَتِي. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَعْمْ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سِبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ... } الآيَةَ [النِّسَاءُ: 115] . قَالَ: فَلاَ يُصْلِيهِ عَلَى خِلاَفِ المُؤْمِنِيْنَ إِلاَّ وَهُوَ فَرْضٌ. فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَقَامَ فَذَهَبَ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَرَأْتُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ (1) . أُنْبِئْتُ بِهَذِهِ القِصَّةِ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الفُرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، فَذَكَرَهَا.   (1) وجه الاستدلال بالآية أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، ولو لم يكن ذلك محرما لما توعد الله عليه، ولما حسن الجمع بينه وبين ما حرم من مشاقة الرسول عليه السلام في التوعد، كما لا يحسن الجمع في التوعد بين الكفر وأكل الخبز المباح، ومخالفة ما أجمع عليه المسلمون اتباع لغير سبيل المؤمنين بالعمل بإجماعهم واجبا. وأجيب بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، أو فيما صاروا به مؤمنين، وهو الايمان به، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال. وقال إمام الحرمين في كتابه " البرهان " فيما نقله عنه صاحب " سلم الوصول " 3 / 869: الظاهر أن الرب سبحانه وتعالى أراد بذلك من أراد الكفر وتكذيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والحيد عن سنن الحق، وترتيب المعنى: ومن يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به، نوله ما تولى. فإن سلم ظهور ذلك، فذلك، وإلا فهو وجه في التأويل لائح، ومسلك للانكار واضح، فلا يبقى للتمسك بالآية إلا ظاهر معرض للتأويل، ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القطع، وليس على المعترض إلا أن يظهر وجها في الامكان، ولا يقوم للمحصل عن هذا جواب إن أنصف، وقال الغزالي في " المستصفى " 1 / 175: والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه، ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته، ودفع الاعداء عنه، نوله ما تولى. فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه، والانقياد له فيما يأمر وينهى. وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا، فهو محتمل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 قُالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَأَقَامَ عِنْدنَا شَهْراً، ثُمَّ خَرَجَ. وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ خَفِيْفَ العَارِضَينِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: رَأَيْتُهُ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ -يَعْنِي: أَنَّهُ اخْتَضَبَ (1) -. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيَّ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ جَنَازَةَ ابْنِ وَهْبٍ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ. أَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ) : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ خَلَفٍ البَزَّارُ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ حَسَناً الكَرَابِيْسِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ امرَأً أَكْتُبُ الشِّعْرَ، فَآتِي البَوَادِيَ، فَأَسْمَعُ مِنْهُمُ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، فَخَرَجتُ وَأَنَا أَتَمَثَّلُ بِشِعْرٍ لِلَبِيدٍ، وَأَضْرِبُ وَحْشِيَّ قَدَمَيَّ بِالسَّوطِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ مِنْ وَرَائِيَ، مِنَ الحَجَبَةِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ ابْنِ المُطَّلِبِ، رَضِيَ مِنْ دِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَكُوْنَ مُعَلِّماً، مَا الشِّعْرُ إِذَا اسْتَحْكَمْتَ فِيْهِ فَعُدْتَ مُعَلِّماً؟ تَفَقَّهْ يُعْلِكَ (2) اللهُ. فَنَفَعَنِي اللهُ بكَلاَمِهِ، فَكَتَبْتُ مَا شَاءَ اللهُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ كُنْتُ أُجَالِسُ مُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا عَرَضْتُ عَلَيْهِ إِلَى كِتَابِ السِّيَرِ قَالَ لِي: تَفَقَّهْ تَعْلُ (3) يَا ابْنَ أَخِي. فَجِئْتُ إِلَى مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَكَلَّمتُهُ أَنْ يُكَلِّمَ لِي بَعْضَ أَهْلِنَا، فيُعْطِينِي شَيْئاً، فَإِنَّهُ كَانَ بِي مِنَ الفَقْرِ وَالفَاقَةِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ. فَقَالَ لِي   (1) " آداب الشافعي ": 79، و" حلية الأولياء " 9 / 68، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 64، و" توالي التأسيس ": 69. (2) في " الحلية ": يعلمك. وهو خطأ. (3) في الأصل: " تعلو ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 مُصْعَبٌ: أَتَيْتُ فُلاَناً فَكَلَّمْتُهُ. فَقَالَ: أَتُكَلِّمَنِي فِي رَجُلٍ كَانَ مِنَّا فَخَالَفَنَا؟ قَالَ: فَأَعْطَانِي مائَةَ دِيْنَارٍ. ثُمَّ قَالَ لِي مُصْعَبٌ: إِنَّ الرَّشِيْدَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَصِيْرَ إِلَى اليَمَنِ قَاضِياً، فَتَخْرُجُ مَعَنَا، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُعَوِّضَكَ. فَخَرَجتُ مَعَهُ، وَجَالَسْنَا النَّاسَ، فَكَتَبَ مُطَرِّفُ بنُ مَازِنٍ إِلَى الرَّشِيْدِ: إِنْ أَرَدْتَ اليَمَنَ لاَ يَفْسُدُ عَلَيْكَ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ يِدِكَ، فَأَخْرِجْ عَنْهُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ، وَذَكَرَ أَقواماً مِنَ الطَّالِبِيِّيْنَ، فَبَعَثَ إِلَى حَمَّادٍ البَرْبَرِيِّ، فَأُوْثِقْتُ بِالحَدِيْدِ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى هَارُوْنَ الرَّقَّةَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ ... وَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُ بَعْدُ بِمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَمُنَاظَرَتَهُ لَهُ (1) . قَالَ الحُمَيْدِيُّ: عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: كَانَ مَنْزِلُنَا بِمَكَّةَ فِي شِعْبِ الخَيْفِ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى العَظْمِ يَلُوْحُ، فَأَكْتُبُ فِيْهِ الحَدِيْثَ، أَوِ المَسْأَلَةَ، وَكَانَتْ لَنَا جَرَّةٌ قَدِيْمَةٌ، فَإِذَا امْتَلأَ العَظْمُ طَرَحْتُه فِي الجَرَّةِ (2) . قَالَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيِّ: عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلاَتِي مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ (3) . قَالَ ابْنُ مَاجَهْ القَزْوِيْنِيُّ: جَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ، إِذْ مرَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَوَثَبَ أَحْمَدُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ فَأَبْطَأَ، وَيَحْيَى جَالِسٌ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!   (1) " حلية الأولياء " 9 / 70 (2) " آداب الشافعي ": 24، و" حلية الأولياء " 9 / 73، و" توالي التأسيس ": 50، و" مناقب " الرازي: 9، و" الانتقاء ": 70. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 244، وانظر الصفحة (20) تعليق رقم (2) و (3) والصفحة (44) تعليق رقم (3) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 كَمْ هَذَا؟ فَقَالَ: دَعْ عَنْكَ هَذَا، إِنْ أَرَدْتَ الفِقْهَ فَالْزَمْ ذَنَبَ البَغْلَةِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مَا لاَ أُحْصِيهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْبَعَ لِلأَثرِ مِنَ الشَّافِعِيِّ (2) . أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نَاظَرْتُ يَوْماً مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، فَاشتَدَّ مُنَاظَرَتِي لَهُ، فَجَعَلَتْ أَودَاجُهُ تَنْتَفِخُ، وَأَزْرَارُهُ تَنْقَطِعُ، زِرّاً زِرّاً (3) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: سُمِّيتُ بِبَغْدَادَ نَاصرَ الحَدِيْثِ (4) . وَقَالَ يُوْنُسُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا فَاتَنِي أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَاللَّيْثُ أَتْبَعُ لِلأَثرِ مِنْ مَالِكٍ (5) .   (1) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 252. (2) " تاريخ ابن عساكر " 14 / 415 / 2. (3) " آداب الشافعي ": 160، و" حلية الأولياء " 9 / 104، و" تاريخ بغداد " 2 / 177، و" الانتقاء ": 25، وفي " بلوغ الأماني " 27، 32 تعليق على هذا الخبر يحسن الرجوع إليه. وليقارن هذا الخبر بما ثبت عن الشافعي: ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهية في وجهه إلا محمد بن الحسن. (4) تقدم الخبر في الصفحة 47 ت (1) . (5) " آداب الشافعي ": 29، و" حلية الأولياء " 9 / 74، و109، و" تاريخ بغداد " 2 / 300، 301، وعلق أبو حاتم على الخبر بقوله: ما ظننت أنه أدركهما حتى يأسف عليهما. وتعقبه ابن حجر في " التوالي "، فقال: أما الليث، فأدركه، فإنه حين اجتمع بمالك، وقرأ عليه في " الموطأ " كان موجودا لكن بمصر، وأسف أن لا يكون له إذ ذاك معرفة بقدر الليث، فكان يرحل إليه، أو كان يعرفه، لكن لم يكن له قدرة على الرحلة إليه، وأسف على فوته، وأما ابن أبي ذئب، فمات والشافعي ابن تسع سنين بالمدينة، والشافعي إذ ذاك صغير، ولا يلزم من ذلك أن لا يصح منه الاسف على فوت لقيه، بمعنى أنه أسف أن لا يكون له إدراك زمانه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بنُ أَبَانٍ القَاضِي بِمِصْرَ، حَدَّثَنِي جَامِعُ بنُ القَاسِمِ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ حَكِيْمٍ المُسْتَمْلِي، قَالَ: رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ فِي المَسْجَدِ الحَرَامِ وَقَدْ جُعِلَتْ لَهُ طَنَافِسٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا تَقُوْلُ فِي أَكْلِ فَرْخِ الزُّنْبُورِ؟ فَقَالَ: حَرَامٌ. فَقَالَ: حَرَامٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ، وَالمَعْقُوْلِ: أَعُوْذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشرُ: 7] . وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلَى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ، وَعمَرَ) . هَذَا الكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ. وَحَدَّثُونَا عَنِ إِسْرَائِيْلَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ أمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ. وَفِي المَعْقُولِ: أَنَّ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَحَرَامٌ أَكْلُهُ (1) . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بِـ (كُنْ) فَإِذَا كَانَتْ (كُنْ) مَخْلُوْقَةً، فَكَأَنَّ مَخْلُوْقاً خُلِقَ بِمَخْلُوْقٍ (2) .   (1) " حلية الأولياء " 9 / 109، 110، و" مناقب " البيهقي 1 / 362، 363، و" مناقب " الرازي: 125، 126. وحديث " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " حديث صحيح أخرجه أحمد 5 / 382 و385 و402، والترمذي (3663) ، وابن ماجه (97) عن حذيفة بن اليمان، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد 5 / 399 من طريق آخر لا بأس به، وصححه ابن حبان (2193) ، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الترمذي (3807) ، والحاكم 3 / 75. (2) " حلية الأولياء " 9 / 111. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ (1) . وَقَالَ: لاَ يَبْلُغُ فِي هَذَا الشَّأْنِ رَجُلٌ حَتَّى يُضِرَّ بِهِ الفَقْرُ، وَيُؤْثِرُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَا يُوْنُسَ! الاَنقِبَاضُ عَنِ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ، وَالاَنبِسَاطُ إِلَيْهِم مَجْلَبَةٌ لقُرَنَاءِ السُّوْءِ، فَكُنْ بَيْنَ المُنْقَبِضِ وَالمُنْبَسِطِ (2) . وَقَالَ لِي: رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ، وَلَيْسَ إِلَى السَّلاَمَةِ مِنْهُم سَبِيْلٌ، فَعَلَيْكَ بِمَا يَنْفَعُكَ، فَالْزَمْهُ (3) . وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: العِلْمُ مَا نَفَعَ، لَيْسَ العِلْمُ مَا حُفِظَ (4) . وَعَنْهُ: اللَّبِيبُ العَاقِلُ، هُوَ الفَطِنُ المُتَغَافِلُ (5) . وَعَنْهُ: لَو أَعْلَمُ أَنَّ المَاءَ البَارِدَ يُنْقِصُ مُرُوْءتِي، مَا شَرِبْتُهُ (6) .   (1) " آداب الشافعي ": 187، 189، و" حلية الأولياء " 9 / 114، و" الانتقاء ": 79. (2) " حلية الأولياء " 9 / 122، و" مناقب " البيهقي 2 / 190، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 57، و" الآداب الشرعية " 3 / 477، و" مناقب " الرازي: 122، و" توالي التأسيس ": 72. (3) تقدم في الصفحة (42) ت (1) . (4) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54. (5) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" مناقب " البيهقي 2 / 198، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء " 1 / 56. (6) " مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي: 222، و" توالي التأسيس ": 75. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: بَيْنَمَا أَنَا أَدُوْرُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَدَخَلْتُ اليَمَنَ، فَقِيْلَ لِي: بِهَا إِنْسَانٌ مِنْ وَسَطِهَا إِلَى أَسْفَلِ، بَدَنُ امْرَأَةٍ، وَمِنْ وَسَطِهَا إِلَى فَوْقَ بَدَنَان مُفْتَرِقَان، بِأَرْبَعِ أَيْدٍ، وَرَأْسَينِ، وَوَجْهَينِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَلَمْ أَسْتَحِلَّ حَتَّى خَطَبْتُهَا مِنْ أَبِيْهَا، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هِيَ كَمَا ذُكِرَ لِي، فَلَعَهْدِي بِهِمَا وَهُمَا يَتَقَاتَلاَن، وَيَتَلاَطَمَانِ، وَيَصْطَلِحَانِ، وَيَأْكُلاَنِ، ثُمَّ إِنِّيْ نَزَلْتُ عَنْهَا، وَغِبْتُ عَنْ تِلْكَ البَلَدِ - أَحْسِبُهُ، قَالَ: سَنَتَيْنِ - ثُمَّ عُدْتُ، فَقِيْلَ لِي: أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءكَ فِي الجَسَدِ الوَاحِدِ، تُوُفِّيَ، فَعُمِدَ إِلَيْهِ، فَرُبِطَ مِنْ أَسْفَلِ بِحَبْلٍ، وَتُرِكَ حَتَّى ذَبُلَ، فَقُطِعَ، وَدُفِنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَعَهْدِي بِالجَسَدِ الوَاحِدِ فِي السُّوْقِ ذَاهِباً وَجَائِياً، أَوْ نَحْوَهُ (1) . هَذِهِ حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، مُنْكَرَةٌ، وَفِي إِسْنَادِهَا مَنْ يُجْهَلُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا نَقَصَ مِنْ أَثَمَانِ السُّودِ إِلاَّ لِضَعْفِ عُقُولِهِم، وَإِلاَّ هُوَ لُوْنٌ مِنَ الأَلْوَانِ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ فِي رَمَضَانَ سِتِّيْنَ خَتْمَةً (6) .   (1) " حلية الأولياء " 9 / 127، 128 من طريق محمد بن إبراهيم، قال: سمعت يونس ابن محمد بن موسى المروزي يقول: سمعت عمر بن الربيع يقول: عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبيه. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 206، و" حلية الأولياء " 9 / 129. (3) تقدم في الصفحة (36) ت (1) ، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الواجب الاتباع، فإنه لم يأذن لعبد الله بن عمرو بن العاص أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال: " لم يفقه من قرأ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَذَاكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ، وَأَخَذَ مُسْلِمٌ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عَطَاءِ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ بِاليَمَنِ بِنَاتِ تِسْعٍ يَحِضْنَ كَثِيْراً (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: يَقُوْلُوْنَ: مَاءُ العِرَاقِ وَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مَاءِ مِصْرَ لِلرِّجَالِ، لَقَدْ قَدِمْتُ مِصْرَ وَأَنَا مِثْلُ الخَصِيِّ، مَا أَتَحَرَّكُ. قَالَ: فَمَا بَرِحَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى وُلِدَ لَهُ (2) . مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ (3) ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ شَيْئاً أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ، يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيْرُ، يَشْغَلُوْنَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ (4) . عَنْ الشَّافِعِيِّ: مَا أَفْلَحَ سَمِيْنٌ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ.   القرآن في أقل من ثلاث " أخرجه أبو داود (1394) ، والترمذي (2950) من حديث عبد الله ابن عمرو، وإسناده صحيح. (1) " آداب الشافعي ": 49، و" حلية الأولياء " 9 / 137. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 119. (3) نسبة إلى جري بن عوف: بطن من جذام كما في " الأنساب " 3 / 238، وثقه أبو حاتم، وقال الدارقطني: لم ير مثله فضلا وزهدا. (4) " آداب الشافعي ": 310، و" حلية الأولياء " 9 / 146، و" مناقب " البيهقي 1 / 283، و" تلبيس إبليس ": 230، وإسناد الخبر صحيح. قال الازهري في " تهذيب اللغة " 8 / 122: وقد يسمى ما يقرأ بالتطريب من الشعر في ذكر الله تعالى تغبيرا، كأنهم إذا تناشدوها بالالحان، طربوا فرقصوا وأرهجوا، فسموا مغبرة بهذا المعنى، ثم نقل كلام الشافعي. وقال أبو إسحاق النحوي: سمي هؤلاء مغبرين لتزهيدهم الناس في الفانية الماضية، وترغيبهم في الغابرة، وهي الآخرة الباقية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 قِيْلَ: وَلَمَ؟ قَالَ: لأَنَّ العَاقِلَ لاَ يَعْدُو مِنْ إِحْدَى خُلَّتَينِ: إِمَّا يَغْتَمُّ لآخِرَتِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ، وَالشَّحْمُ مَعَ الغَمِّ لاَ يَنْعَقِدُ (1) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرٍو المُعَدَّلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَبَعْدَهَا، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّيُّ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ نَظِيْفٍ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّابُوْنِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا المُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ. فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: (لَسْتُ مِثْلَكُم، إِنِّيْ أُطْعَمُ وَأُسْقَى) (2) . قُلْتُ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ إِذَا تَبَرْهَنَ لَنَا أَنَّهُ بِهَوَىً وَعَصَبِيَّةٍ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ يُطْوَى، وَلاَ يُرْوَى، كَمَا تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَنْ كَثِيْرٍ مِمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْنَ - وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ، وَالأَجْزَاءِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ، وضَعِيْفٌ، وَبَعْضُهُ كَذِبٌ، وَهَذَا فِيْمَا بِأَيْدِيْنَا وَبَيْنَ عُلُمَائِنَا، فَيَنْبَغِي طَيُّهُ وَإِخْفَاؤُهُ، بَلْ إِعْدَامُهُ، لِتَصْفُوَ القُلُوْبُ، وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمُ، وَكُتْمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ، وَآحَادِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ يُرَخَّصُ فِي مُطَالعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ، العَرِيِّ مِنَ الهَوَى، بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَغفرَ لَهُم، كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ -تَعَالَى-   (1) " مناقب البيهقي " 2 / 120. (2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 300، والبخاري 4 / 119 في الصوم: باب بركة السحور، و177: باب الوصال، ومسلم (1102) في الصوم: باب النهي عن الوصال في الصوم، و" سنن " أبي داود (2360) ، و" المسند " 2 / 102 و128 و143. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 حَيْثُ يَقُوْلُ: {وَالَّذِيْنَ جَاؤُوَا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاَّ لِلذِيْنَ آمَنُوا} [الحشرُ: 10] . فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ وَأَعْمَالٌ مُكَفِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمُ، وَجِهَادٌ مَحَّاءٌ، وَعُبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَغْلُو فِي أَحَدٍ مِنْهُم، وَلاَ نَدَّعِي فِيْهِم العِصْمَةَ، نَقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُم أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ. ثُمَّ تَتِمَّةُ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدٌ، وَأُمَّهَاتُ المُؤْمِنِيْنَ، وَبنَاتُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُ بَدْرٍ، مَعَ كَوْنِهِم عَلَى مَرَاتِبَ. ثُمَّ الأَفْضَلُ بَعْدَهُم مِثْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بِنَصِّ آيَةِ سُوْرَةِ الفَتْحِ (1) . ثُمَّ عُمُوْمُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، كخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَهَذِهِ الحَلْبَةُ. ثُمَّ سَائِرُ مَنْ صَحِبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاهَدَ مَعَهُ، أَوْ حَجَّ مَعَهُ، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ أَجْمَعِيْنَ - وَعَنْ جَمِيْعِ صَوَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُهَاجِرَاتِ، وَالمَدَنِيَّاتِ، وَأَمِّ الفَضْلِ، وَأَمِّ هَانِئٍ الهَاشِمِيَّةِ، وَسَائِرِ الصَّحَابِيَّاتِ. فَأَمَّا مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ، وَأَهْلُ البِدَعِ فِي كُتُبِهِم مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ نُعَرِّجُ عَلَيْهِ، وَلاَ كرَامَةَ، فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ، وَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، فَدَأْبُ الرَّوَافِضِ رِوَايَةُ الأَبَاطِيْلِ، أَوْ رَدُّ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالمسَانِيْدِ، وَمتَى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سَكْرَانٌ؟! ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ، وَتحَارَبُوا، وَجَرَتْ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا، فَلاَ فَائِدَةَ فِي بَثِّهَا، وَوَقَعَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيْخِ، وَكُتُبِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أُمُورٌ عَجِيْبَةٌ، وَالعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ   (1) وهي الآية رقم (18) ، ونصها: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) . وكانت عدة الذين شهدوا هذه البيعة ألفا وخمس مئة كما في " الصحيحين "، وانظر " زاد المعاد " 3 / 287. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ، وَلُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ لِتَبْيِينِ غَلَطِ العَالِمِ، وَكَثْرَةِ وَهْمِهِ، أَوْ نَقْصِ حِفْظِهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، بَلْ لِتَوضيحِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مِنَ الحَسَنِ، وَالحَسَنِ مِنَ الضَّعيفِ. وَإِمَامُنَا فَبِحَمْدِ اللهِ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، حَافِظٌ لِمَا وَعَى، عَدِيْمُ الغَلَطِ، مَوْصُوفٌ بِالإِتْقَانِ، مَتِيْنُ الدِّيَانَةِ، فَمَنْ نَالَ مِنْهُ بِجَهْلٍ وَهوَىً، مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافسٌ لَهُ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَقَتَتْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَحَ لِكُلِّ حَافِظٍ تَحَامُلُهُ، وَجَرَّ النَّاسَ بِرِجْلِهِ، وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَاعْتَرفَ بِإِمَامَتِهِ وَإِتقَانِهِ، وَهُمْ أَهْلُ العَقْدِ وَالحَلِّ، قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، فَقَدْ أَصَابُوا، وَأَجْمَلُوا، وَهُدُوا وَوُفِّقُوا. وَأَمَّا أَئمَّتُنَا اليَوْمَ، وَحُكَّامُنَا، فَإِذَا أَعْدَمُوا مَا وُجِدَ مِنْ قَدْحٍ بِهوَىً، فَقَدْ يُقَالُ: أَحْسَنُوا، وَوُفِّقُوا، وَطَاعَتُهُم فِي ذَلِكَ مُفْتَرَضَةً، لِمَا قَدْ رَأَوهُ مِنْ حَسْمِ مَادَةِ البَاطِلِ وَالشَّرِّ. وبِكُلِّ حَالٍ فَالجُهَّالُ وَالضُّلاَّلُ، قَدْ تَكَلَّمُوا فِي خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الحَدِيْثِ الثَّابتِ، لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلداً، وَإِنَّهُ لَيَرْزُقُهُم وَيُعَافِيَهُمْ (1) . وَقَدْ كُنْتُ وَقَفْتُ عَلَى بَعْضِ كَلاَمِ المغَارِبَةِ فِي الإِمَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَانَتْ فَائِدتِي مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ حَالِ مَنْ تَعَرَّضَ إِلَى الإِمَامِ، وَللهِ الحَمْدُ.   (1) أخرجه البخاري 10 / 426 في الأدب: باب الصبر في الأذى، ومسلم (2804) في صفات المنافقين: باب لا أحد أصبر على أذى من الله عزوجل من طرق عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي موسى الأشعري..وهو في " المسند " 4 / 395، و401 و405. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الإِمَامَ لَمَّا سَكَنَ مِصْرَ، وَخَالَفَ أَقْرَانَهُ مِنَ المَالِكيَّةِ، وَوَهَّى بَعْضَ فُرُوْعِهِم بِدَلاَئِلِ السُّنَّةِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ فِي مَسَائِلَ، تَأَلَّمُوا مِنْهُ، وَنَالُوا مِنْهُ، وَجَرَتْ بَيْنَهُم وَحْشَةٌ، غَفَرَ اللهُ لِلْكُلِّ. وَقَدِ اعتَرَفَ الإِمَامُ سُحْنُوْنُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الشَّافِعِيِّ بِدْعَةٌ. فَصَدَقَ وَاللهِ، فَرَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيَّ، وَأَيْنَ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللهِ فِي صِدْقِهِ، وَشَرَفِهِ، وَنُبلِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَفَرْطِ ذَكَائِهِ، وَنَصْرِهِ لِلْحَقِّ، وَكَثْرَةِ مَنَاقبِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى -. قَالَ الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي مَسْأَلَةِ الاحْتِجَاجِ بِالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدِ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، قَالَ: سَأَلَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا بَيَانَ عِلَّةِ تَرْكِ البُخَارِيِّ الرِّوَايَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي (الجَامِعِ) ؟ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى رَأْي أَبِي حَنِيْفَةَ ضَعَّفَ أَحَادِيْثَ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَرضَ بِإِعرَاضِ البُخَارِيِّ عَنْ رِوَايتِهِ، وَلَوْلاَ مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ فِيْمَا يَعْلَمُوْنَهُ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، لَكَانَ أَوْلَى الأَشْيَاءِ الإِعْرَاضُ عَنِ اعتِرَاضِ الجُهَّالِ، وَتَرْكُهُمْ يَعْمَهُونَ. وَذَكَرَ لِي مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ خُلُوَّ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهُ مِنْ حَدِيْثِ الشَّافِعِيِّ. فَأَجَبْتُهُ بِمَا فَتَحَ اللهُ لِي: وَمثلُ الشَّافِعِيِّ مَنْ حُسِدَ، وَإِلَى سَتْرِ مَعَالِمِهِ قُصِدَ، وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتَمَّ نُورَهُ، وَيُظْهِرَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ مَسْتُورَهُ، وَكَيْفَ لاَ يُغْبَطُ مَنْ حَازَ الكَمَالَ، بِمَا جَمَعَ اللهُ لَهُ مِنَ الخِلاَلِ اللَّوَاتِي لاَ يُنْكِرُهَا إِلاَّ ظَاهِرُ الجَهْلِ، أَوْ ذَاهِبُ العَقْلِ. ثُمَّ أَخَذَ الخَطِيْبُ يُعَدِّدُ عُلُوْمَ الإِمَامِ وَمنَاقبَهِ، وَتَعْظِيْمَ الأَئِمَّةِ لَهُ، وَقَالَ: أَبَى اللهُ إِلاَّ رَفْعَهُ وَعُلُوَّهُ ... وَلَيْسَ لِمَا يُعْلِيهِ ذُو العَرْشِ وَاضِعُ إِلَى أَنْ قَالَ: وَالبُخَارِيُّ هَذَّبَ مَا فِي (جَامِعِهِ) غَيْرَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ كَثِيْرٍ مِنَ الأُصُوْلِ، إِيثَاراً لِلإِيجَازِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 مَا أَدْخَلْتُ فِي كتَابِيَ (الجَامِعَ) إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لِحَالِ الطُّولِ. فَتَرْكُ البُخَارِيِّ الاحْتِجَاجَ بِالشَّافِعِيِّ، إِنَّمَا هُوَ لاَ لِمَعْنَى يُوْجِبُ ضَعْفَهُ، لَكِن غَنِيَ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، إِذْ أَقدَمُ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ: مَالِكٌ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَدَاوُدُ العَطَّارُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالبُخَارِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الشَّافِعِيَّ، بَلْ لَقِيَ مَنْ هُوَ أَسنُّ مِنْهُ، كعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، مِمَّنْ رَوَوا عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَحَدَّثَهُ عَنْ شُيُوْخِ الشَّافِعِيِّ عِدَّةٌ، فَلَمْ يرَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ. فَإِنْ قِيْلَ: فَقَدْ رَوَى عَنِ المُسْنَدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرٍو، عَنِ الفَزَارِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ البُخَارِيَّ سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي (المُوَطَّأِ) فَهَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ؟! قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ حَدِيْثاً نَازِلاً وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ، إِلاَّ لِمَعْنَى مَا يَجِدُهُ فِي العَالِي، فَأَمَّا أَنْ يُورِدَ النَّازلَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَالٍ لاَ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِ، وَلاَ عَلَى وَجْهِ المتَابعَةِ لِبَعْضِ مَا اخْتُلِفَ فِيْهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَوْجُوْدٍ فِي الكِتَابِ. وَحَدِيْثُ الفَزَارِيِّ فِيْهِ بَيَانُ الخَبَرِ، وَهُوَ مَعْدُوْمٌ فِي غَيْرِهِ، وَجَوَّدَهُ الفَزَارِيُّ بِتَصْرِيْحِ السَّمَاعِ. ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ، قَالَ: وَالبُخَارِيُّ يَتَّبِعُ الأَلْفَاظَ بِالخَبَرِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثَ، وَيُرَاعِيهَا، وَإِنَّا اعْتَبَرْنَا رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي ضَمَّنَهَا كُتُبَهُ، فَلَمْ نَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً وَاحِداً عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ أَغْرَبَ بِهِ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِمَعْنَى فِيْهِ يُشْبِهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمثلُ ذَلِكَ القَوْلِ فِي تَرْكِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ، لإِدرَاكِهِ مَا أَدْرَكَ البُخَارِيُّ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَخْرَجَ فِي (سُنَنِهِ) لِلشَّافِعِيِّ غَيْرَ حَدِيْثٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 ثُمَّ سَرَدَ الخَطِيْبُ فَصْلاً فِي ثَنَاءِ مَشَايخِهِ وَأَقْرَانِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَرَدَ أَشْيَاءَ فِي غَمْزِ بَعْضِ الأَئِمَّةِ، فَأَسَاءَ مَا شَاءَ - أَعْنِي غَامِزُهُ -. وَبَلَغَنَا عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَلْفَاظٌ قَدْ لاَ تَثْبُتُ، وَلكِنَّهَا حِكَمٌ، فَمِنْهَا: مَا أَفْلَحَ مَنْ طَلَبَ العِلْمَ إِلاَّ بِالقِلَّةِ (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ، وَلاَ حَلَفْتُ بِاللهِ، وَلاَ تَرَكْتُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَمَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلاَّ شبعَةً طَرَحْتُهَا مِنْ سَاعَتِي (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى، فَلاَ عِزَّ لَهُ (3) . وَعَنْهُ: مَا فَزِعْتُ مِنَ الفَقْرِ قَطُّ، طَلَبُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا عُقُوبَةٌ عَاقَبَ بِهَا اللهُ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ (4) . وَقِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ تُكْثِرُ مِنْ إِمسَاكِ العَصَا، وَلَسْتَ بِضَعِيْفِ؟ قَالَ: لأَذْكُرَ أَنِّي مُسَافِرٌ (5) . وَقَالَ: مَنْ لَزِمَ الشَّهَوَاتِ، لَزِمَتْهُ عُبُوْدِيَّةُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. وَقَالَ: الخَيْرُ فِي خَمْسَةٍ: غِنَى النَّفْسِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَكَسْبُ الحَلاَلِ، وَالتَّقْوَى، وَالثِّقَةُ بِاللهِ (6) .   (1) " مناقب " الرازي: 129، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54، و" مناقب الشافعي " 2 / 141. (2) تقدم الخبر في الصفحة 36. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 168، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54. (4) " مناقب " البيهقي 2 / 169، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 54. (5) " مناقب البيهقي " 2 / 170، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (6) " مناقب " البيهقي 2 / 170، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 وَعَنْهُ: أَنْفَعُ الذَّخَائِرِ التَّقْوَى، وَأَضَرُّهَا العُدْوَانُ (1) . وَعَنْهُ: اجتِنَابُ المَعَاصِي، وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيْكَ، يُنَوِّرُ القَلْبَ، عَلَيْكَ بِالخَلْوَةِ، وَقِلَّةِ الأَكْلِ، إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةُ السُّفَهَاءِ، وَمَنْ لاَ يُنْصِفُكَ، إِذَا تَكَلَّمْتَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، مَلَكَتْكَ الكَلِمَةُ، وَلَمْ تَمْلِكْهَا (2) . وَعَنْهُ: لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ لأَعْقَلِ النَّاسِ، صُرِفَ إِلَى الزُّهَّادِ (3) . وَعَنْهُ: سِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابِّ (4) . وَعَنْهُ: العَاقلُ مَنْ عَقَلَهُ عَقْلُهُ عَنْ كُلِّ مَذْمُوْمٍ (5) . وَعَنْهُ: لِلْمُرُوْءةِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالسَّخَاءُ، وَالتَّواضُعُ، وَالنُّسُكُ (6) . وَعَنْهُ: لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ إِلاَّ بِأَرْبَعٍ: بِالدِّيَانَةِ، وَالأَمَانَةِ، وَالصِّيَانَةِ، وَالرَّزَانَةِ (7) . وَعَنْهُ: لَيْسَ بِأَخِيْكَ مَنْ احتَجْتَ إِلَى مُدَارَاتِهِ (8) .   (1) " حلية الأولياء " 9 / 123، و" مناقب " البيهقي 2 / 171. (2) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 172، و" مناقب " الرازي، 124، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (3) انظر " مناقب " البيهقي 2 / 183، 184، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (4) " آداب الشافعي ": 271، و" مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55، و" توالي التأسيس " 72. (5) " مناقب " البيهقي 2 / 187، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (6) " مناقب " البيهقي 2 / 188، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (7) " مناقب " البيهقي 2 / 189، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (8) " مناقب " البيهقي 2 / 194، و" مناقب " الرازي: 122، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 وَعَنْهُ: عَلاَمَةُ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُوْنَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقاً (1) . وَعَنْهُ: مَنْ نَمَّ لَكَ، نَمَّ عَلَيْكَ (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلاَقِ الكرَامِ، وَالتَّكبرُ مِنْ شِيَمِ اللِّئَامِ، التَّواضُعُ يُوْرِثُ المَحَبَّةَ، وَالقنَاعَةُ تُوْرِثُ الرَّاحَةَ (3) . وَقَالَ: أَرْفَعُ النَّاسِ قَدْراً، مَنْ لاَ يَرَى قَدْرَهُ، وَأَكْثَرُهُم فَضْلاً، مَنْ لاَ يَرَى فَضْلَهُ (4) . وَقَالَ: مَا ضُحِكَ مِنْ خَطَأِ رَجُلٍ، إِلاَّ ثَبَتَ صَوَابُه فِي قَلْبِهِ (5) . لاَ نُلاَمُ وَاللهِ عَلَى حُبِّ هَذَا الإِمَامِ، لأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ فِي زَمَانِهِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَإِنْ كُنَّا نُحِبُّ غَيْرَهُ أَكْثَرَ. 2 - الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ السَّرْخَسِيُّ * الوَزِيْرُ، وَأَخُو الوَزِيْرِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ. أَسْلَمَ أَبُوْهُمَا عَلَى يَدِ المَهْدِيِّ، وَأَسْلَمَ الفَضْلُ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ عَلَى يَدِ المَأْمُوْنِ.   (1) " مناقب " البيهقي 2 / 196، و" توالي التأسيس ": 72، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 55. (2) " مناقب " البيهقي 2 / 196، و" توالي التأسيس ": 72، و" مناقب " الرازي: 123، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 56. (3) " مناقب " البيهقي 2 / 200، و" مناقب " الرازي: 123. (4) " مناقب " البيهقي 2 / 201، و" مناقب " الرازي: 123. (5) " مناقب " البيهقي 2 / 214، و" مناقب " الرازي: 123. (*) تاريخ خليفة: 471، تاريخ الطبري 8 / 424 و565، مروج الذهب 4 / 5، الوزراء والكتاب: انظر فهرسته، معجم الشعراء للمرزباني: 313، تاريخ بغداد 12 / 339، الكامل لابن الأثير 6 / 346، وفيات الأعيان 4 / 41 - 44، العبر 1 / 338، البداية والنهاية 10 / 249، النجوم الزاهرة 2 / 172، شذرات الذهب 2 / 4. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 وَقِيْلَ: لَمَّا عَزَمَ جَعْفَرٌ البَرْمَكِيُّ عَلَى استِخْدَامِ الفَضْلِ لِلْمَأْمُوْنِ، وَصَفَهُ بِحَضْرَةِ الرَّشِيْدِ، وَنَطَقَ الفَضْلُ، فَرَآهُ الرَّشِيْدُ فَطِناً، بَلِيْغاً. وَكَانَ يُلَقَّبُ: ذَا الرِّئَاسَتَينِ؛ لأَنَّهُ تَقَلَّدَ الوِزَارَةَ وَالحَرْبِ. وَكَانَ شِيْعِيّاً، مُنَجِّماً، مَاكِراً، أَشَارَ بِتَجْهِيْزِ طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ، وَحَسَبَ بِالرَّملِ بِأَنَّهُ يَظْفَرُ بِالأَمِيْنِ. وَيُقَالُ: إِنَّ مِنْ إِصَابَاتِهِ الكَاذِبَةِ، أَنَّهُ حَكَمَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَعِيْشُ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ بَيْنَ مَاءٍ وَنَارٍ، فَعَاشَ كَذَلِكَ، وَقَتَلَهُ خَالُ المَأْمُوْنِ فِي حَمَّامِ سَرْخَسَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. وَقَدِ امْتَدَحَهُ فُحُولُ الشُّعرَاءِ، فَمِنْ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيْمَ الصُّوْلِيِّ: لِفَضْلِ بنِ سَهْلٍ يَدٌ ... تَقَاصَرَ فِيْهَا المَثَلْ فَنَائِلُهَا لِلْغِنَى ... وَسَطْوَتُهَا لِلأَجَلْ وَبَاطِنُهَا لِلنَّدَى ... وَظَاهِرُهَا لِلْقُبَلْ (1) وَازدَادَتْ رِفْعَتُهُ حَتَّى ثَقُلَ أَمرُهُ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَدَسَّ عَلَيْهِ خَالَهُ؛ غَالِباً الأَسْوَدَ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَتَلُوهُ (2) ، وَبَعْدَهُ بِأَيَّامٍ مَاتَ أَبُوْهُ. وَأَظْهَرَ المَأْمُوْنُ حُزْناً لِمَصْرَعِهِ، وَعَزَّى وَالِدَتَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَخْلَفَنِي عَلَيْكِ بَدَلَ ابْنِكِ. فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: كَيْفَ لاَ أَحْزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي وَلَداً مِثْلَكَ. ثُمَّ عَاشَتْ وَأَدْرَكَتْ عُرْسَ بِنْتِ ابْنِهَا بُوْرَانَ عَلَى المَأْمُوْنِ (3) . وَكَانَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ مِنْ كِبَارِ الوُزَرَاءِ المُمَدَّحِينَ.   (1) الابيات في " تاريخ بغداد " 12 / 341، و" وفيات الأعيان " 4 / 43، و" الطرائف الأدبية ": 136. (2) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 565، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 346. (3) وكان ذلك في رمضان سنة 210 هـ. انظر الطبري 8 / 606 - 609، وابن الأثير 6 / 395، والبداية 10 / 265. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 3 - ابْنُ الكَلْبِيِّ أَبُو المُنْذِرِ هِشَامُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ * العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، النَّسَّابَةُ الأَوْحَدُ، أَبُو المُنْذِرِ هِشَامُ ابْنُ الأَخْبَارِيِّ البَاهِرِ مُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ الكَلْبِيُّ، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ كَأَبِيْهِ. رَوَى عَنْ أَبِيْهِ كَثِيْراً. وَعَنْ: مُجَالِدٍ، وَأَبِي مِخْنَفٍ لُوْطٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العَبَّاسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَابْنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنَّمَا كَانَ صَاحِبَ سَمَرٍ وَنَسَبٍ، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يُحَدِّثُ عَنْهُ (1) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) .   (*) طبقات خليفة: 167، تاريخ خليفة: 423، الضعفاء للعقيلي لوحة 428، الكامل لابن عدي لوحة 821، الفهرست: 108، تاريخ بغداد 14 / 45، الأنساب 10 / 454، 455، نزهة الالباء: 59، معجم الأدباء 19 / 287، وفيات الأعيان 6 / 82، 84، ميزان الاعتدال 4 / 304، 305، العبر 1 / 746، المغني في الضعفاء 2 / 711، عيون التواريخ 7 / لوحة 215، مرآة الجنان 2 / 29، العبر لابن خلدون 2 / 262، لسان الميزان 6 / 196، 197، نور القبس: 291. (1) " العلل " لأحمد: 219، و" تاريخ بغداد " 4 / 46، و" معجم الأدباء " 19 / 287 وفيه: " سير " بدل " سمر "، و" الميزان " 4 / 304، و" لسان الميزان " 6 / 196، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 428، و" الكامل " لابن عدي لوحة 281 وفيه: وهذا كما قال أحمد: هشام بن الكلبي الغالب عليه الاخبار والاسمار والنسب ولا أعرف له شيئا من المسند. قلت: والمؤرخون كابن سعد والطبري وياقوت الحموي وغيرهم ينقلون عنه كثيرا من الاخبار التي تتعلق بالتاريخ والنسب والطرائف والاوابد، وربما محصوا شيئا مما يأثرونه عنه وردوه واتهموه بافتعاله وتوليده. (2) " معجم الأدباء " 19 / 287، و" الميزان " 4 / 304، و" لسان الميزان " 6 / 196 وفيه: وقال يحيى بن معين: غير ثقة، وليس عن مثله يروى الحديث. وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من أبيه. قلت (القائل ابن حجر) : واتهمه الاصمعي، وذكره العقيلي وابن الجارود وابن السكن وغيرهم في الضعفاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَافِضِيٌّ، لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَدِ اتُّهِمَ فِي قَوْلِهِ: حَفِظْتُ القُرْآنَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَكَذَا قَوْلِهُ: نَسِيْتُ مَا لَمْ يَنْسَ أَحَدٌ: قَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِي، وَالمِرْآةُ بِيَدِي، لأَقُصَّ مَا فَضَلَ عَنِ القَبْضَةِ، فَنَسِيْتُ، وَقَصَّيْتُ (1) مِنْ فَوقِ القَبْضَةِ (2) . وَلَهُ: كِتَابُ (الجَمْهَرَةِ) فِي النَّسَبِ (3) ، وَكِتَابُ (حِلْفِ الفُضُوْلِ) وَكِتَابُ (المُنَافَرَاتِ) ، وَكِتَابُ (الكُنَى) ، وَكِتَابُ (مُلُوْكِ الطَّوائِفِ) ، وَكِتَابُ (مُلُوْكِ كِنْدَةَ (4)) . وَتَصَانِيْفُهُ جَمَّةٌ، يُقَالُ: بَلَغَتْ مائَةً وَخَمْسِيْنَ مُصَنَّفاً (5) . وَكَانَ أَبُوْهُ (6) مُفَسِّراً، وَلَكِنَّهُ لاَ يُوثَقُ بِهِ أَيْضاً، وَفِيْهِ رَفْضٌ كَابْنِهِ.   (1) أي: وقصصت، قلبت الصاد ياء للاستثقال، ففي " اللسان ": قص الشعر والصوف والظفر يقصه قصا، وقصصه وقصاه على التحويل. ومثله: تظنيت في تظننت، وتقضى في تقضض، ودينار في دنار، ولبى في لبب. انظر " الفاخر " للمفضل بن سلمة ص 4 و5. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 45، 46، و" معجم الأدباء " 19 / 288. (3) وهو المرجع الوحيد الذي يعول عليه أهل العلم بالنسب، وتوجد منه قطعة صغيرة تتألف من 13 ورقة، ولم يعثر له حتى الآن فيما نعلم على نسخة كاملة منه، وقد اختصره ياقوت الحموي في 167 ورقة، وذكر في نهايته أنه انتهى منه في العشرين من ذي الحجة سنة عشر وست مئة، وعندنا منه نسخة مصورة عن أصل كتب عن أصل المؤلف، وذكر كاتبها أنه فرغ من كتابتها سنة خمس وستين وست مئة، وهي نسخة في غاية النفاسة والضبط. (4) وله أيضا كتاب " الاصنام " و" نسب الخيل "، وكلاهما مطبوع في مصر بتحقيق الأستاذ أحمد زكي. (5) وقد سردها ابن النديم في " الفهرست " 108 - 111، فبلغت مئة وأربعة وأربعين كتابا. (6) تقدمت ترجمته في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 248، وقد قال ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " ص 209 في النوع الثامن والاربعين في معرفة من له أسماء متعددة: محمد بن السائب الكلبي منهم من يصرح باسمه هذا، ومنهم من يقول: حماد بن السائب، ومنهم من يكنيه بأبي النضر، ومنهم من يكنيه بأبي سعيد. قال ابن الصلاح: وهو الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير موهما أنه أبو سعيد الخدري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 مَاتَ ابْنُ الكَلْبِيِّ عَلَى الصَّحِيْحِ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيْلٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ) . وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. 4 - الهَيْثَمُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أُسَيْدِ بنِ جَابِرٍ الطَّائِيُّ * الأَخْبَارِيُّ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُؤَرِّخُ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُجَالِدٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الجَهْمِ البَاهِلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو عَصِيْدَةَ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ مِنْ بَابَةِ الوَاقِدِيِّ، وَقَلَّ مَا رَوَى مِنَ المُسْنَدِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ عِنْدِي أَصْلَحُ مِنَ الوَاقِدِيِّ (1) . قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قَالَتْ جَارِيَةُ   (*) تاريخ ابن معين: 226، تاريخ خليفة: 472، البيان والتبيين 1 / 347 و361، التاريخ الكبير 8 / 218، التاريخ الصغير 2 / 265، المعارف 538، 539، الضعفاء للعقيلي لوحة 430، الجرح والتعديل 9 / 85، الكامل لابن عدي لوحة 820، الفهرست 112، 113، تاريخ بغداد 14 / 50، معجم الأدباء 19 / 304 - 310، إنباه الرواة 3 / 365، وفيات الأعيان 6 / 106 - 114، ميزان الاعتدال 4 / 324، 325، العبر 1 / 353، مرآة الجنان 2 / 32، لسان الميزان 6 / 209، النجوم الزاهرة 2 / 184، نور القبس: 293، طبقات المفسرين 2 / 354، 355. (1) " تاريخ بغداد " 14 / 52، ولفظه: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء. وهو في " الضعفاء " للعقيلي لوحة 430. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 الهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ: كَانَ مَوْلاَيَ يَقُومُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَإِذَا أَصْبَحَ، جَلَسَ يَكْذِبُ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ: كَذَّابٌ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (4) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِفَمِ الصِّلْحِ (5) ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. 5 - مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ العَلَوِيُّ * ابْنِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ،   (1) " تاريخ يحيى بن معين ": 226، و" تاريخ بغداد " 14 / 53. (2) " تاريخ ابن معين ": 226، و" تاريخ بغداد " 14 / 53، و" الجرح والتعديل " 9 / 85، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 430، و" الكامل " لابن عدي لوحة 820. (3) " التاريخ الكبير " 8 / 218، وهذه اللفظة يطلقها البخاري على من تركوا حديثه، فهي أدنى المنازل عنده وأردؤها في التضعيف. انظر " فتح المغيث " ص 161. (4) " الضعفاء والمتروكين " للنسائي ص 104، و" تاريخ بغداد " 14 / 53، و" ميزان الاعتدال " 4 / 324، و" لسان الميزان " 6 / 209. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، محله محل الواقدي. وقال يعقوب بن شيبة: كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له معرفة، وبعض الناس يحمل عليه في صدقه، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء " لسان الميزان " 6 / 210. (5) الصلح بالكسر ثم السكون والحاء المهملة: كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى فم الصلح. وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون، وبه بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل. انظر " الأنساب " للسمعاني 8 / 83، و" معجم البلدان " 3 / 421 و4 / 276، و" وفيات الأعيان " 1 / 290، و" الروض المعطار ": 358. (*) مقاتل الطالبيين: 353، تاريخ بغداد، 2 / 113 - 115، الكامل لابن الأثير 6 / 311، العبر 1 / 342، عيون التواريخ 7 / لوحة 170، 171، تاريخ ابن خلدون 3 / 244، شذرات الذهب 2 / 7. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 الحُسَيْنِيُّ، المَدَنِيُّ، أَبُو جَعْفَرٍ، سَيِّدُ بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ، يُلَقَّبُ: بِالدِّيْبَاجِ (1) ، وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الكَاظِمِ (2) ، لَمْ يَكُنْ فِي الفَضْلِ وَالجَلاَلَةِ بِدُوْنِ أَخِيْهِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ كَاسِبٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ سَيِّداً، مَهِيْباً، عَاقِلاً، فَارِساً، شُجَاعاً، يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ. لَمَّا مَاجَتِ الدَّوْلَةُ العَبَّاسِيَّةُ بِالكَائِنَةِ الكُبْرَى بِقَتْلِ الأَمِيْنِ، وَحِصَارِ بَغْدَادَ عِشْرِيْنَ شَهْراً، ثُمَّ بِخَلْعِ العَبَّاسِيِّيْنَ لِلْمَأْمُوْنِ، دَعَا مُحَمَّدٌ هَذَا إِلَى نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِمَكَّةَ، فَبَايَعُوْهُ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وَقَدْ شَاخَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ المُعْتَصِمَ حَجَّ حِيْنَئِذٍ، وَنَدَبَ عَسْكَراً لِقِتَالِ هَذَا، فَأَخَذُوْهُ، فَلَمْ يُؤْذِهِ أَبُو إِسْحَاقَ، وَصَحِبَهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَتُوُفِّيَ (3) . وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً. وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِجُرْجَانَ، فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ المَأْمُوْنُ، وَنَزَلَ بِنَفْسِهِ فِي لَحْدِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ رَحِمٌ قُطِعَتْ مِنْ سِنِيْنَ (4) . فَقِيْلَ: إِنَّ سَبَبَ مَوْتِهِ - وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ - أَنَّهُ جَامَعَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ وَافْتَصَدَ، فَمَاتَ فَجْأَةً -رَحِمَهُ اللهُ- تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ.   (1) لقب بذلك لحسنه وجماله. (2) تقدمت ترجمته في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 270. (3) انظر خبر ظهوره وبيعته في الطبري 8 / 537 - 541، وابن الأثير 6 / 311 - 313. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 115. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 6 - نَفِيْسَةُ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيَّةُ * السَّيِّدَةُ، المُكَرَّمَةُ، الصَّالِحَةُ، ابْنَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ ابْنِ السَّيِّدِ سِبْطِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- العَلَوِيَّةُ، الحَسَنِيَّةُ، صَاحِبَةُ المَشْهَدِ الكَبِيْرِ المَعْمُوْلِ بَيْنَ مِصْرَ وَالقَاهِرَةِ. وَلِي أَبُوْهَا المَدِيْنَةَ لِلْمَنْصُوْرِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَسَجَنَهُ مُدَّةً، فَلَمَّا وَلِي المَهْدِيَّ، أَطْلَقَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْوَالَهُ، وَحَجَّ مَعَهُ، فَتُوُفِّيَ بِالْحَاجِرِ (1) . وَتَحَوَّلَتْ هِيَ مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مِصْرَ مَعَ زَوْجِهَا الشَّرِيْفِ إِسْحَاقَ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ - فِيْمَا قِيْلَ - ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بِمِصْرَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَائَتَيْنِ. وَلَمْ يَبْلُغْنَا كَبِيْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهَا. وَلِجَهَلَةِ المِصْرِيِّيْنَ فِيْهَا اعْتِقَادٌ يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ، وَلاَ يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ (2) .   (*) وفيات الأعيان 5 / 423، العبر 1 / 355، عيون التواريخ 7 / لوحة 226، مرآة الجنان 2 / 43، البداية والنهاية 10 / 262، النجوم الزاهرة 2 / 185، حسن المحاضرة 1 / 511، طبقات الشعراني 1 / 58، شذرات الذهب 2 / 21، خطط مبارك 5 / 135. (1) هي قرية على خمسة أميال من المدينة، وانظر خبر توليته في " تاريخ الطبري " 8 / 32، و" الكامل " 5 / 593، و" البداية " 10 / 262. (2) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 262: وإلى الآن قد بالغ العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرا جدا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظا ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز، وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين وليست من سلالته، والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الاصنام من = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 وَكَانَ أَخُوْهَا القَاسِمُ رَجُلاً صَالِحاً، زَاهِداً، خَيِّراً، سَكَنَ نَيْسَابُوْرَ، وَلَهُ بِهَا عَقِبٌ، مِنْهُم السَّيِّدُ العَلَوِيُّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الحَافِظُ البَيْهَقِيُّ. وَقِيْلَ: كَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ العَوَابِدِ، وَالدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهَا، بَلْ وَعِنْدَ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ (1) ، وَفِي المَسَاجِدِ، وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَفِي السَّفَرِ المُبَاحِ، وَفِي الصَّلاَةِ، وَفِي السَّحَرِ، وَمِنَ الأَبَوَيْنِ، وَمِنَ الغَائِبِ لأَخِيْهِ، وَمِنَ المُضْطَّرِ، وَعِنْدَ قُبُوْرِ المُعَذَّبِيْنَ (2) ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ: ادْعُوْنِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . وَلاَ يُنْهَى الدَّاعِي عَنِ الدُّعَاءِ فِي وَقْتٍ إِلاَّ وَقْتَ الحَاجَةِ، وَفِي الجِمَاعِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ. وَيَتَأَكَّدُ الدُّعَاءُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ، وَبَعْدَ الأَذَانِ (3) .   = المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب، أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك، رحمها الله وأكرمها. (1) لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء في كون الدعاء مستجابا عند قبور الأنبياء والصالحين، والسلف الصالح لا يعرف عنهم أنهم كانوا يقصدون قبور الأنبياء والصالحين للدعاء عندهم، ويرى ابن الجزري في " الحصن الحصين " أن استجابة الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين ثبتت بالتجربة، وأقره عليه الشوكاني في " تحفة الذاكرين " ص 46 لكن قيده بشرط ألا تنشأ عن ذلك مفسدة وهي أن يعتقد في ذلك الميت ما لا يجوز اعتقاده كما يقع لكثير من المعتقدين في القبور، فإنهم قد يبلغون الغلو بأهلها إلى ما هو شرك بالله عزوجل فينادونهم مع الله، ويطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله عزوجل، وهذا معلوم من أحوال كثير من العاكفين على القبور خصوصا العامة الذين لا يفطنون لدقائق الشرك. (2) أخرج البخاري برقم (4420) و (4702) ومسلم (2980) من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر - أي: في شأنهم، وكان هذا في غزوة تبوك -: " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " وفي رواية: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي. (3) انظر أدلة ذلك في " تحفة الذاكرين " 46 - 50 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 7 - طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ بنِ رُزَيْقٍ الخُزَاعِيُّ * الأَمِيْرُ، مُقَدَّمُ الجُيُوْشِ، ذُوْ اليَمِيْنَيْنِ (1) ، أَبُو طَلْحَةَ الخُزَاعِيُّ، القَائِمُ بِنَصْرِ خِلاَفَةِ المَأْمُوْنِ، فَإِنَّهُ نَدَبَهُ لِحَرْبِ أَخِيْهِ الأَمِيْنِ، فَسَارَ فِي جَيْشٍ لَجِبٍ، وَحَاصَرَ الأَمِيْنَ، فَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَهُ صَبْراً، فَمُقِتَ لِتَسَرُّعِهِ فِي قَتْلِهِ (2) . وَكَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، دَاهِيَةً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً. رَوَى عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَعَمِّهِ؛ عَلِيِّ بنِ مُصْعَبٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ، وَابْنُهُ الآخَرُ طَلْحَةُ. وَمِنْ كَرَمِهِ المُسْرِفِ: أَنَّهُ وَقَّعَ يَوْماً بِصِلاَتٍ جَزِيْلَةٍ، بَلَغَتْ أَلْفَ أَلْفٍ وَسَبْعَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.   (*) تاريخ خليفة: 466، 467، 468، 472، تاريخ الطبري 8 / 593 - 596، الوزراء والكتاب: 290، تاريخ بغداد 9 / 353، الكامل لابن الأثير 6 / 381، وفيات الأعيان 2 / 517 - 523، عيون التواريخ 7 / لوحة 203 - 208، البداية والنهاية 10 / 255 و260 - 261، النجوم الزاهرة 2 / 149 و152 و155 و160 و178 و183 و184، شذرات الذهب 2 / 16. (1) لقب بذلك لأنه ضرب شخصا في واقعة علي بن عيسى فقده نصفين، وكانت الضربة بشماله، فقال فيه بعض الشعراء: كلتا يديك يمين حين تضربه وقيل: لقب بذلك لان المأمون كتب إليه: يمينك يمين أمير المؤمنين، وشمالك يمين. وقيل: لأنه ولي العراق وخراسان. (2) انظر تفصيل خبر قتله الامين في الطبري 8 / 478 - 495، وابن الأثير 6 / 382. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 354، و" عيون التواريخ " 7 / لوحة 206، وقد مدحه مقدس بن صيفي الخلوقي الشاعر بثلاثة أبيات هي: عجبت لحراقة ابن الحسين * لاغرقت كيف لا تغرق وبحران من فوقها واحد * وآخر من تحتها مطبق وأعجب من ذاك أعوادها * وقد مسها كيف لا تورق فقال: أعطوه ألف دينار، وقال: زد حتى نزيدك. فقال: حسبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 وَكَانَ مَعَ فَرطِ شَجَاعَتِهِ عَالِماً، خَطِيْباً، مُفَوَّهاً، بَلِيْغاً، شَاعِراً، بَلَغَ أَعْلَى الرُّتَبِ، ثُمَّ مَاتَ فِي الكُهُوْلَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ. 8 - الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ يُوْنُسَ * الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، حَاجِبُ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ أَبُوْهُ حَاجِبَ المَنْصُوْرِ. وَكَانَ مِنْ رِجَالِ العَالَمِ حِشْمَةً، وَسُؤْدُداً، وَحَزْماً، وَرَأْياً. قَامَ بِخِلاَفَةِ الأَمِيْنِ، وَسَاقَ إِلَيْهِ خَزَائِنَ الرَّشِيْدِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ البُرْدَ وَالقَضِيْبَ وَالخَاتَمَ، جَاءهُ بِذَلِكَ مِنْ طُوْسَ، وَصَارَ هُوَ الكُلَّ لاِشْتِغَالِ الأَمِيْنِ بِاللَّعِبِ، فَلَمَّا أَدْبَرَتْ دَوْلَةُ الأَمِيْنِ، اخْتَفَى الفَضْلُ مُدَّةً طَوِيْلَةً، ثُمَّ ظَهَرَ إِذْ بُوْيِعَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيِّ، فَسَاسَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَهُ، وَلذَلِكَ عَفَا عَنْهُ المَأْمُوْنُ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. يُقَالُ: إِنَّهُ تَمَكَّنَ مِنَ الرَّشِيْدِ، وَكَانَ يَكْرَهُ البَرَامِكَةَ، فَنَالَ مِنْهُم، وَمَالأَهُ عَلَى ذَلِكَ كَاتِبُهُم إِسْمَاعِيْلُ (1) بنُ صُبَيْحٍ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَدَّمَ عَشْرَ قِصَصٍ إِلَى جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، فَعَلَّلَهَا، وَلَمْ   (*) تاريخ خليفة: 447 و465 و473، تاريخ الطبري 8 / 599، زهر الآداب: 541 - 545، تاريخ بغداد 12 / 343، الكامل لابن الأثير 6 / 386، وفيات الأعيان 4 / 37 - 40، العبر 1 / 355، مرآة الجنان 2 / 42، البداية والنهاية 10 / 263، النجوم الزاهرة 2 / 185، مفتاح السعادة 2 / 303 - 306، شذرات الذهب 2 / 20، إعتاب الكتاب: 99. (1) في الأصل: " إبراهيم " والتصويب من ابن خلكان، و" الوزراء والكتاب " للجهشياري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 يُوَقِّعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا الفَضْلُ، وَقَامَ وَهُوَ يَقُوْلُ: ارْجِعْنَ خَائِبَاتٍ خَاسِرَاتٍ (1) . وَلَمَّا نُكِبُوا، وَلِي الفَضْلُ وِزَارَةَ الرَّشِيْدِ وَعَظُمَ مَحَلُّهُ، وَمَدَحَتْهُ الشُّعرَاءُ. 9 - مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ت، س، ق) الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى العُمَرِيِّيْنَ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَبُنْدَارُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ المُهَاجِرِ، وَآخَرُوْنَ.   (1) في " الوفيات " 4 / 38 و" البداية " 10 / 263: " خاسئات "، وتمام الخبر عندهما: ثم خرج وهو يقول: عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور فتقضى لبانات وتشفى حسائف * وتحدث من بعد الأمور أمور فسمعه يحيى وهو ينشد ذلك، فقال له: عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، فرجع فوقع في جميع الرقاع، ثم ما كان إلا القليل حتى نكبوا على يده، وتولى بعدهم وزارة الرشيد وفي ذلك يقول أبو نواس: ما رعى الدهر آل برمك لما * أن رمى ملكهم بأمر فظيع إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى * غير راع ذمام آل الربيع وانظر " الفرج بعد الشدة " 1 / 307، 309. (*) تاريخ ابن معين: 591، التاريخ الكبير 8 / 49، التاريخ الصغير 2 / 306، 307، الجرح والتعديل 8 / 474، تهذيب الكمال لوحة 1394، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 228، 229، الكاشف 3 / 190، 191، المغني في الضعفاء 2 / 689، العقد الثمين 7 / 312 - 313، تهذيب التهذيب 10 / 380، خلاصة تذهيب الكمال: 393. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، شَدِيْدٌ فِي السُّنَّةِ، كَثِيْرُ الخَطَأِ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ (3) . وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَظَّمَهُ، وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ أَنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ (4) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ النَّحْوِيِّ بِطَرَابُلُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَصِيْبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بنُ إِهَابٍ، حَدَّثَنَا المُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ) (5) .   (1) في " تاريخه " 591. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 374. (3) وهذا اللفظ يطلقه البخاري على من لا تحل الرواية عنه كما نقله المؤلف عنه في " الميزان " 1 / 6 في ترجمة أبان بن جبلة، و2 / 202 في ترجمة سليمان بن داود اليمامي، والسيوطي في " تدريب الراوي " ص 235، والسخاوي في " فتح المغيث " ص 162. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1394، وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق سيئ الحفظ. (5) حديث صحيح، أخرجه أحمد 3 / 453، و6 / 400، والدارمي 2 / 248، وابن ماجة (2154) ، والترمذي (1267) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله بن نضلة..وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1605) في المساقاة: باب تحريم الاحتكار في الاقوات من = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 رَوَاهُ: طَائِفَةٌ، عَنْ سَعِيْدٍ. 10 - شَاذَانُ أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ الشَّامِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، شَاذَانُ الشَّامِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَذَوَّادَ بنَ عُلْبَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ بنَ الحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجُلاَنِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   = طريق عبد الله بن مسلمة، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن معمر. وأخرجه أحمد 3 / 454 من طريق يحيى بن سعيد الأموي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن معمر. وأخرجه أبو داود (3447) ، ومسلم (1605) (130) من طرق عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله..والاحتكار: حبس الطعام وغيره طلب غلائه، والاسم منه الحكرة، والخاطئ: المذنب الآثم. يقال: خطئ يخطأ فهو خاطئ: إذا أذنب، ومنه قوله تعالى: [إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين] وأخطأ يخطئ، فهو مخطئ: إذا فعل ضد الصواب. وظاهر الحديث تحريم الاحتكار للطعام وغيره، وهو الذي ذهب إليه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، فقال: كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار، وإن كان ذهبا أو ثيابا. (*) طبقات ابن سعد 7 / 336، التاريخ الكبير 1 / 348، التاريخ الصغير 2 / 314، الجرح والتعديل 2 / 294، تاريخ بغداد 7 / 34، 35، تهذيب الكمال لوحة 114، تذهيب التهذيب 1 / 69 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 369، العبر 1 / 354، الكاشف 1 / 131، تهذيب التهذيب 1 / 340، طبقات الحفاظ: 155، خلاصة تذهيب الكمال: 37، شذرات الذهب 2 / 20. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 وَثَّقَهُ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ. تُوُفِّيَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ، بِبَغْدَادَ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالمُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: (إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، أَعْطِ مُحَمَّداً سُؤْلَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلاَّ نَالَتْهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ القِيَامَةِ (1)) . أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ (الصِّفَاتِ) لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَأَيْتُ رَبِّي -يَعْنِي: فِي المَنَامِ- ... ) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . وَهُوَ بِتَمَامِهِ فِي تَأْلِيفِ البَيْهَقِيِّ، وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ - نَسْأَلُ اللهَ   (1) إسناده جيد وفي الباب عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي " أخرجه البخاري 2 / 77، 78 في الاذان: باب الدعاء عند النداء و8 / 303 في تفسير سورة الاسراء: باب (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) ، وأبو داود (529) في الصلاة: باب ما جاء في الدعاء عند الاذان، والترمذي (211) في الصلاة: باب ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء، والنسائي 2 / 27 في الاذان: باب الدعاء عند الاذان، وابن ماجه (722) ، وأحمد 3 / 354، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 146. (2) ونصه بتمامه: " رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء " وهو في " الأسماء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ - فَلاَ هُوَ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَلاَ مُسْلِمٍ، وَرُوَاتُهُ - وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَّهَمِيْنَ - فَمَا هُمْ بِمَعْصُوْمِيْنَ مِنَ الخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَأَوَّلُ الخَبَرِ: قَالَ: (رَأَيْتُ رَبِّي) ، وَمَا قَيَّدَ الرُّؤْيَةَ بِالنَّوْمِ، وَبَعْضُ مَنْ يَقُوْلُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ. وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيْلُ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ مَعَ إِمْكَانِهَا (1) ، فَنَقِفُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ، فَإِثْبَاتُ ذَلِكَ أَوْ نَفْيُهُ صَعْبٌ، وَالوُقُوْفُ سَبِيْلُ السَّلاَمَةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَإِذَا ثَبَتَ شَيْءٌ، قُلْنَا بِهِ، وَلاَ نُعَنِّفُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا، وَلاَ مَنْ نَفَاهَا، بَلْ نَقُوْلُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، بَلَى نُعَنِّفُ وَنُبَدِّعُ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ، إِذْ رُؤْيَةُ اللهِ فِي الآخِرَةِ ثَبَتَ بِنُصُوْصٍ مُتَوَافِرَةٍ. 11 - الفِرْيَابِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ وَاقِدِ بنِ عُثْمَانَ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ مَوْلاَهُمْ، نَزِيْلُ قَيْسَارِيَّةَ السَّاحِلِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِيْنَ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.   = والصفات، للبيهقي ص 444، 445، وانظر ما قاله ابن كثير عن هذا الحديث في " تفسيره " 4 / 250، 251. (1) انظر " زاد المعاد " 3 / 36 - 38. (*) تاريخ ابن معين: 543، التاريخ الكبير 1 / 264، التاريخ الصغير 2 / 324، المعرفة والتاريخ 1 / 197، 198 الجرح والتعديل 8 / 119، الكامل لابن عدي 3 / لوحة 568، الفهرست: 285، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 452، الأنساب 9 / 290، تاريخ ابن عساكر 16 / 75 / 2، المعجم المشتمل: 283، تهذيب الكمال لوحة 1291، تذكرة الحفاظ 1 / 376، العبر 1 / 363، تذهيب التهذيب 4 / 13 / 1، الكاشف 3 / 111، ميزان الاعتدال 4 / 71، تهذيب التهذيب 9 / 335، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 365، شذرات الذهب 2 / 28، الرسالة المستطرفة: 51. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 وَسَمِعَ مِنْ: يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِطْرِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَعُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَإِسْرَائِيْلَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَعِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَجَلِيِّ، وَصَبِيْحِ بنِ مُحْرِزٍ المَقْرَائِيِّ (1) ، وَأَبَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَوَرْقَاءَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُمُ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَمُؤَمَّلُ بنُ يِهَابٍ، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ اللهِ - وَلَدُهُ (2) - وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَمْرِو بنِ التُّرْجُمَانِ البَيْسَانِيُّ، وَعَمْرُو بنُ ثَوْرٍ الجُذَامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمُ. سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ، وَصَحِبَهُ مُدَّةً بِالكُوْفَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، صَحِبَ سُفْيَانَ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَكَّةَ (3) . قَالَ أَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ: أَيُّمَا أَحَبُّ   (1) نسبة إلى " مقرى " قرية في نواحي دمشق بسفح جبل قاسيون بين نهري يزيد وثوري، وقد خرجت ولم يبق لها أثر. وقيل: هي في الأصل اسم لمخلاف من مخاليف اليمن نزل أهله في سفح جبل قاسيون، فسموا تلك الجهة باسم مخلافهم. انظر " القلائد الجوهرية " ص 19. (2) في الأصل: " وولده " وهو خطأ، فإن عبد الله هو ابن المترجم محمد بن يوسف. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 120، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 إِلَيْكَ، كِتَابُ قَبِيْصَةَ أَوْ كِتَابُ الفِرْيَابِيِّ؟ قَالَ: كِتَابُ الفِرْيَابِيِّ (1) . رَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: قَبِيْصَةُ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَالفِرْيَابِيُّ: كُلُّهُم عَنْ سُفْيَانَ قَرِيْبٌ مِنَ السَّوَاءِ (2) . وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: الفِرْيَابِيُّ فِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: مِثْلُهُم -يَعْنِي: مِثْلَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَقَبِيْصَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ (3) -. وَقَالَ العِجْلِيُّ: الفِرْيَابِيُّ ثِقَةٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ - فِيْمَا حَكَاهُ عَنْهُ الدُّوْلاَبِيُّ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ - وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ - عَنْ سُفْيَانَ، بِحَدِيْثٍ ... ذَكَرَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الفِرْيَابِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَحْيَى بنِ يَمَانٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (4) . وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ، وَقَدَّمَهُ لِفَضْلِهِ وَنُسُكِهِ عَلَى قَبِيْصَةَ. وَقَالَ ابْنُ زَنْجُوْيَةَ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنَ الفِرْيَابِيِّ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: خَرَجْنَا مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ فِي الاسْتِسْقَاءِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَمَا أَرْسَلَهُمَا حَتَّى مُطِرْنَا (5) .   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 120، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 120. (5) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 وَقَالَ البُخَارِيُّ: رَأَيْتُ قَوْماً دَخَلُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ مُرْجِئَةٌ. فَقَالَ: أَخْرِجُوْهُم. فَتَابُوا، وَرَجَعُوا (1) . قَالَ البُخَارِيُّ: وَاسْتَقْبَلَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يُرِيْدُ حِمْصَ، وَنَحْنُ خَارِجُوْنَ مِنْهَا، وَفَاتَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَأَلْتُ الفِرْيَابِيَّ: مَا تَقُوْلُ؟ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ أَوْ لُقْمَانُ؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ هَذَا إِلاَّ مِنْكَ، أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ لُقْمَانَ (3) . قَالَ العِجْلِيُّ: الفِرْيَابِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَتْ سُنَّتُهُ كُوْفِيَّةً. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ البَغْدَادِيِّيْنَ: أَخْطَأَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ فِي خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً وَمائَةٍ مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ (4) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَفْرَادَاتٍ، وَلَهُ حَدِيْثٌ كَبِيْرٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِي الثَّوْرِيِّ، كَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَنُظَرَائِهِ. وَقَالُوا: الفِرْيَابِيُّ: أَعْلَمُ بِالثَّوْرِيِّ مِنْهُم. وَرَحَلَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ قَيْسَارِيَّةَ، نُعِيَ إِلَيْهِ، فَعَدَلَ إِلَى حِمْصَ. وَالفِرْيَابِيُّ - فِيْمَا يَتَبَيَّنُ - صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ (5) . أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الدَّرَجِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (4) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292. (5) " الكامل " لابن عدي 3 / لوحة 568، و" تهذيب الكمال " لوحة: 1292، وقد علق الذهبي في " الميزان " على قول ابن عدي: له أفرادات عن الثوري، فقال: لأنه لازمه مدة، فلا ينكر له أن ينفرد عن ذاك البحر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 أَبِي الرَّجَاءِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُقْرِئِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَجَاءٍ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُعَاوِيَةَ القَيْسَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّيْ دَخَلْتُ كَرْماً فِيْهِ أَصْنَافُ العِنَبِ، فَأَكَلْتُ مِنْ عِنَبِهِ كُلِّهِ غَيْرَ الأَبْيَضِ، فَلَمْ آكُلْ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَصَصْتُهَا عَلَى سُفْيَانَ، فَقَالَ: تُصِيْبُ مِنَ العِلْمِ كُلِّهِ غَيْرَ الفَرَائِضِ، فَإِنَّهَا جَوْهَرُ العِلْمِ، كَمَا أَنَّ العِنَبَ الأَبْيَضَ جَوْهَرُ العِنَبِ. فَكَانَ الفِرْيَابِيُّ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ يُجِيْدُ النَّظَرَ فِي الفَرَائِضِ (1) . وَقَالَ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ ثِقَةً يَقُوْلُ: قَالَ الفِرْيَابِيُّ: وُلِدْتُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ (2) . وَالفِرْيَابِيُّ مِنْ أَكْبَرِ شَيْخٍ لِلْبُخَارِيِّ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . 12 - الفَرَّاءُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ * العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1292، و" الوافي بالوفيات " 5 / 243. (2) " المعرفة والتاريخ " 1 / 198. (3) " التاريخ الكبير " 1 / 264. (*) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: 86 طبقات الزبيدي: 143، أخبار النحويين البصريين للسيرافي: 51، فهرست ابن النديم: 73، 74، تاريخ بغداد 14 / 146، الأنساب 9 / 247، نزهة الالباء: 98، معجم الأدباء 20 / 9، إنباه الرواة رقم (814) ، وفيات الأعيان 6 / 176 - 182، المختصر في أخبار البشر 2 / 30، تذكرة الحفاظ 1 / 372، تذهيب التهذيب 4 / 153 / 2، العبر 1 / 354، مرآة الجنان 2 / 38 - 41، البداية والنهاية 10 / 261، غاية النهاية 2 / 371، تهذيب التهذيب 11 / 212، روضات الجنات 4 / 235 = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 بنِ مَنْظُوْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ الكِسَائِيِّ. يَرْوِي عَنْ: قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمَنْدَلِ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ الكِسَائِيِّ. رَوَى عَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ ثِقَةً. وَرَدَ عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّهُ قَالَ: لَوْلاَ الفَرَّاءُ، لَمَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً، وَلَسَقَطَتْ؛ لأَنَّهُ خَلَّصَهَا، وَلأَنَّهَا كَانَتْ تُتَنَازَعُ وَيَدِّعِيْهَا كُلُّ أَحِدٍ (1) . وَنَقَلَ أَبُو بُدَيْلٍ الوَضَّاحِيُّ: أَنَّ المَأْمُوْنَ أَمَرَ الفَرَّاءَ أَنْ يُؤَلِّفَ مَا يُجْمَعَ بِهِ أُصُوْلُ النَّحْوِ، وَأُفْرِدَ فِي حُجْرَةٍ، وَقَرَّرَ لَهُ خَدَماً وَجَوَارِيَ، وَوَرَّاقِيْنَ، فَكَانَ يُمْلِي فِي ذَلِكَ سِنِيْنَ. قَالَ: وَلَمَّا أَمْلَى كِتَابَ (مَعَانِي القُرْآنِ) ، اجْتَمَعَ لَهُ الخَلْقُ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِم ثَمَانُوْنَ قَاضِياً، وَأَمَلَّ (الحَمْدَ) فِي مائَةِ وَرْقَةٍ (2) . وَكَانَ المَأْمُوْنُ قَدْ وَكَّلَ بِالفَرَّاءِ وَلَدَيْهِ يُلَقِّنُهُمَا النَّحْوَ، فَأَرَادَ القِيَامَ، فَابْتَدَرَا إِلَى نَعْلِهِ، فَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ فَرْدَةً. فَبَلَغَ ذَلِكَ المَأْمُوْنَ، فَقَالَ: لَنْ يَكْبُرَ الرَّجُلُ عَنْ تَوَاضُعِهِ لِسُلْطَانِهِ وَأَبِيْهِ وَمُعَلِّمِهِ (3) .   = 239، بغية الوعاة 2 / 333، خلاصة تذهيب الكمال: 423، مفتاح السعادة 1 / 178 - 180. ولم يذكره المزي في " التهذيب " مع أنه قد علق له البخاري في موضعين من " صحيحه " في تفسير الحديد والعصر. (1) " تاريخ بغداد " 14 / 149، و" الأنساب " 9 / 247، و" معجم الأدباء " 20 / 11، وعند الأخير " حصلها " بدل " خلصها " وهو تحريف. (2) الخبر بأطول مما هنا في " تاريخ بغداد " 14 / 149، و" معجم الأدباء " 20 / 12، 13، و" وفيات الأعيان " 6 / 177، 178. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 150 مطولا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لأَهْلِ بَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ مِنَ النُّحَاةِ إِلاَّ الكِسَائِيُّ وَالفَرَّاءُ، لَكَفَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الفَرَّاءُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي النَّحْوِ (1) . وَعَنْ هَنَّادٍ، قَالَ: كَانَ الفَرَّاءُ يَطُوْفُ مَعَنَا عَلَى الشُّيُوْخِ، وَلاَ يَكْتُبُ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ: مَا رَأَيْتُ مَعَ الفَرَّاءِ كِتَاباً قَطُّ إِلاَّ كِتَابَ (يَافِعٍ وَيفْعَةٍ (3)) . وَعَنْ ثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسِ: رَأَيْتُ الفَرَّاءَ، فَفَاتَشْتُهُ عَنِ اللُّغَةِ، فَوَجَدْتُهُ بَحْراً، وَعَنِ النَّحْوِ فَشَاهَدْتُهُ نَسِيْجَ وَحْدِهِ، وَعَنِ الفِقْهِ فَوَجَدْتُهُ عَارِفاً بِاخْتِلاَفِ القَوْمِ، وَبِالطِّبِّ خَبِيْراً، وَبِأَيَّامِ العَرَبِ وَالشِّعْرِ وَالنُّجُوْمِ، فَأَعْلَمْتُ بِهِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَطَلَبَهُ (4) . وَلِلْفَرَّاءِ: كِتَابُ (البَهِيَّ) فِي حَجْمِ (الفَصِيْحِ) لِثَعْلَبٍ، وَفِيْهِ أَكْثَرُ مَا فِي (الفَصِيْحِ) ، غَيْرَ أَنَّ ثَعْلَباً رَتَّبَهُ عَلَى صُوْرَةٍ أُخْرَى. وَمِقْدَارُ تَوَالِيْفِ الفَرَّاءِ: ثَلاَثَةُ آلاَفِ وَرَقَةٍ. وَقَالَ سَلَمَةُ: أَمَلَّ الفَرَّاءُ كُتُبَهُ كُلَّهَا حِفْظاً (5) . وَقِيْلَ: عُرِفَ بِالفَرَّاءِ لأَنَّهُ كَانَ يَفْرِي الكَلاَمَ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 152، و" معجم الأدباء " 20 / 13. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 152. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 153. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 151، و" معجم الأدباء " 20 / 11، 12، و" وفيات الأعيان " 6 / 177. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 153، و" وفيات الأعيان " 6 / 181. (6) ذكره السمعاني في " الأنساب " نقلا عن كتاب " الألقاب ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 وَقَالَ سَلَمَةُ: إِنِّيْ لأَعْجَبُ مِنَ الفَرَّاءِ كَيْفَ يُعَظِّمُ الكِسَائِيَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالنَّحْوِ مِنْهُ. مَاتَ الفَرَّاءُ: بِطَرِيقِ الحَجِّ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. 13 - هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ * (ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو الأَشْهَبِ هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ نَفِيْعٍ الثَّقَفِيُّ، البَكْرَاوِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَصَمُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ كُتُبِهِ عَدِمَتْ، فَحَدَّثَ بِمَا بَقِيَ لَهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ - لاَ الرَّازِيُّ - وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 339، التاريخ الكبير 8 / 246، التاريخ الصغير 2 / 336، الجرح والتعديل 9 / 118، 119، تاريخ بغداد 14 / 94 - 96، تهذيب الكمال لوحة 1449، تذهيب التهذيب 4 / 123 / 1، العبر 1 / 370، الكاشف 3 / 226، ميزان الاعتدال 4 / 311، تهذيب التهذيب 11 / 74، خلاصة تذهيب الكمال: 414. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَرَّازُ المُقْرِئُ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَوَلَدُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ هَوْذَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ المُؤَدِّبُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ. رَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَصْلَحَ حَدِيْثَهُ (1) ! وَرَوَى الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مَا كَانَ أَضْبَطَ هَذَا الأَصَمَّ عَنْ عَوْفٍ! يَعْنِي: هَوْذَةَ. ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً (2) . وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ الكِلاَبِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ هَوْذَةَ صَحِيْفَةَ عَوْفٍ مُنْذُ كَمْ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِلَى مَنْ تَخْتَلِفُ بِبَغْدَادَ؟ قُلْتُ: إِلَى هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعَفَّانَ. فَسَكَتَ كَالرَّاضِي بِذَلِكَ (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى: هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ عَوْفٍ ضَعِيْفٌ (5) . وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى: لَمْ يَكُنْ بِالمَحْمُوْدِ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ كَمَا جَاءَ بِهَا، وَكَانَ أُطْرُوشاً (6) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 95. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 95. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 95. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 119. (5) الخبر في " تاريخ بغداد " 14 / 95، وما بين معقوفين منه. (6) " تاريخ بغداد " 14 / 95، والاطروش: الأصم. (7) " الجرح والتعديل " 9 / 119. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ اثنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، بَلَغَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ: الزُّهرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، طَلَبَ الحَدِيْثَ، وَكَتَبَ عَنْ يُوْنُسَ، وَهِشَامٍ، وَعَوْفٍ، وَغَيْرِهِم، فَذَهَبَتْ كُتُبُه، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ إِلاَّ كِتَابُ عَوْفٍ، وَشَيْءٌ يَسِيْرٌ لابْنِ عَوْنٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَشْعَثَ، وَالتَّيْمِيِّ. قَالَ: وَمَاتَ بِبَغْدَادَ، لَيْلَةَ الثَّلاَثَاءِ، لِعَشرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ، وَكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، أَسْمَرَ، يَخْضِبُ بالحِنَّاءِ (4) . قُلْتُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. قَالَهُ: جَمَاعَةٌ. يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (القَطِيعيَّاتِ (5)) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. كَتَبَ إِلَيْنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَسَنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 95. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 95. (3) " تهذيب الكمال " لوحة: 1450. (4) " طبقات ابن سعد " 7 / 339. (5) هي خمسة أجزاء لأبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي القطيعي - لقب بذلك لأنه سكن قطيعة الرقيق ببغداد - مسند العراق المتوفى سنة 368 هـ، وهو الراوي عن عبد الله بن الامام أحمد " المسند " و" التاريخ " و" الزهد " و" المسائل " كلها لابيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنِ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً، فَحَلَبَهَا، فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالخِيَارِ: إِنْ شَاءَ حَازَهَا، وَإِن شَاءَ رَدَّهَا وَإِنَاءً مِنْ طَعَامٍ) (1) . 14 - مُظَفَّرُ بنُ مُدْرِكٍ البَغْدَادِيُّ * (ت، ر، س) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ، أَصْلُهُ خُرَاسَانِيٌّ. وُلِدَ: قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَشَرِيْكٍ، وَطَبَقَتِهِم.   (1) إسناده صحيح، عوف هو ابن أبي جميلة، ومحمد هو ابن سيرين، وأخرجه أحمد 2 / 259 من طريق عبد الواحد عن عوف، وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 4 / 17 من طريق بكار بن قتيبة، عن روح بن عبادة، عن عوف. وأخرجه من حديث أبي هريرة مالك 2 / 683، والبخاري 4 / 309، ومسلم (1524) ، والترمذي (1251) و (1252) ، وأبو داود (3443) و (3444) و (3445) ، والنسائي 7 / 253، 254، وأحمد 2 / 242 و317، والدارمي 2 / 251، وعندهم " صاعا من تمر " بدل " وإناء من طعام ". واللقحة: الناقة القريبة العهد بالنتاج، والمصراة: اسم مفعول من التصرية، وهي حبس اللبن في الضرع أياما حتى يتوهم المبتاع أن ذلك حالها في كل يوم، فيزيد في ثمنها، والمصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة المفعول بها ذلك، وانظر " فتح الباري " 4 / 304، 305. (*) طبقات ابن سعد 7 / 337، تاريخ ابن معين: 571، التاريخ الكبير 8 / 74، التاريخ الصغير 2 / 278، الجرح والتعديل 8 / 442، تاريخ بغداد 13 / 125، تهذيب الكمال لوحة 1336، تذهيب التهذيب 4 / 45 / 2، الكاشف 3 / 158، تذكرة الحفاظ 1 / 357، 358، تهذيب التهذيب 11 / 183، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 397، شذرات الذهب 2 / 18. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَمُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ القُوْمِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانٍ المُقْرِئُ. رَوَى: مُهَنَّا بنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: لاَ أَعْلَمُ أَثْبَتَ فِي زُهَيْرٍ مِنَ الأَشْيَبِ، إِلاَّ أَبَا كَامِلٍ مُظَفَّراً، فَإِنَّهُ كَانَ أَثْبَتَ مِنَ الأَشْيَبِ (1) . وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ - وَذَكَرَ أَبَا كَامِلٍ - فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهِمْ مِثْلُهُ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ بِبَغْدَادَ: أَبُو كَامِلٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَكَانَ الهَيْثَمُ أَحْفَظَهُمْ، وَكَانَ أَبُو كَامِلٍ أَتْقَنَ لِلْحَدِيْثِ مِنْهُمْ (2) . وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو كَامِلٍ كَانَ لَهُم بَصَرٌ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ، وَلاَ يَكْتُبُوْنَ إِلاَّ عَنِ الثِّقَاتِ، وَكَانَ أَبُو كَامِلٍ مُتْقِناً، بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، يُشْبِهُ النَّاسَ، لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ أَنْ يُسْأَلَ، فَيُجِيْبُ أَوْ يَسْكُتُ، لَهُ عَقْلٌ سَدِيدٌ، وَالهَيْثَمُ كَانَ أَحْفَظَهُمْ، وَأَبُو سَلَمَةَ كَانَ مِنْ أَبْصَرِ النَّاسِ بِأَيَّامِ النَّاسِ، لاَ تَسْأَلُهُ عَنْ أَحَدٍ، إِلاَّ جَاءَكَ بِمَعْرِفَةٍ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَرَاضَوْا مَرَّةً بِأَبِي كَامِلٍ أَنْ يَسْأَلَ شَرِيْكاً، فَقُلْتُ لَهُ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: حِيْنَ خَرَجَ تَبِعُوهُ - أَوْ نَحْوَ هَذَا -. فَتَرَاضَوا بِهِ، وَكَانَ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1336. (2) انظر " العلل " لأحمد: 171، 172. (3) تهذيب الكمال " لوحة: 1336. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 يَوْمَئِذٍ يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: أَيْشٍ يَقُوْلُ أَبُو كَامِلٍ فِي حَدِيْثٍ مِنْ حَدِيْثِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ (1) . قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ أَبَا كَامِلٍ مُنْذُ نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ لَهُ وَقَارٌ وَهَيْبَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، يَقُوْلُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي إِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرٌ. وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ، وَكَانَ أَبُو مَعْشَرٍ لاَ يَضْبِطُ الإِسْنَادَ (2) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ ذَكَرَ أَبَا كَامِلٍ، فَقَالَ: كُنْتُ آخُذُ عَنْهُ هَذَا الشَّأْنِ، وَكَانَ بَغْدَادِيّاً مِنَ الأَبنَاءِ (3) ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، قَلَّ مَا رَأَيْتُ مَنْ يُشْبِهُهُ (4) . وَرَوَى: المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ (5) ، عَنْ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو كَامِلٍ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ (6) . وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: سَمِعْتُ أَبَا خَيْثَمَةَ يَقُوْلُ: مَا كَانَ أَبُو كَامِلٍ عِنْدَنَا بِدُوْنِ وَكِيْعٍ عِنْدَ الكُوْفِيِّيْنَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ البَصْرِيِّيْنَ (7) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336، و" تاريخ بغداد " 13 / 125. (2) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336. (3) يقال لاولاد فارس: الابناء، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن لما جاء يستنجده على الحبشة، فنصروه، وملكوا اليمن، وتديروها، وتزوجوا في العرب، فقيل لاولادهم: الابناء، وغلب عليهم هذا الاسم لان أمهاتهم من غير جنس آبائهم. (4) " تهذيب الكمال " لوحة: 1336، وانظر " تاريخ بغداد " 13 / 125، 126. (5) الغلابي: بالغين المعجمة المفتوحة والتخفيف كما ضبطه صاحبا " التوضيح " و" التبصير " والسيوطي وهو المفضل بن غسان بن المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي، ترجمه الخطيب في " تاريخه " 13 / 124 ووثقه. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 125. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (2) . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ (3) : قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ: رَأَيْتَ أَبَا كَامِلٍ؟ قَالَ: لاَ، مَاتَ سَنَةَ مَوْتِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ (4) . وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَعَدَّهُ فِي شُيُوْخِ البُخَارِيِّ (5) . 15 - يَحْيَى بنُ حَسَّانِ بنِ حَيَّانَ البَكْرِيُّ * (خَ، م، د، ت، س (6)) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَكْرِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ، نَزِيْلُ تِنِّيْسَ. وَأَمَّا ابْنُ حَيَّانَ، فَيُقَالُ: أَصْلُهُ مِنْ دِمَشْقَ. وَقَالَ دُحَيْمٌ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَاللَّيْثِ بنِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126. (3) نسبة إلى من يجلب الرقيق والدواب من موضع إلى موضع. انظر " الأنساب للسمعاني 3 / 399. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1337، و" تاريخ بغداد " 13 / 126. (5) لان أول رحلة البخاري كانت سنة عشر ومئتين، وقد سبق المؤلف إلى هذا التنبيه على هذا الوهم الحافظ المزي في " التهذيب " لوحة 1337، وتابعهما الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب ". (*) التاريخ الكبير 8 / 269، التاريخ الصغير 2 / 314، الجرح والتعديل 9 / 135، تهذيب الكمال لوحة 1492، تذهيب التهذيب 4 / 151 / 1، الكاشف 3 / 252، العبر 1 / 356، تهذيب التهذيب 11 / 197، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 422. (6) في الأصل: " حبان " بالباء الموحدة وهو خطأ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 سَعْدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَابْنِ أَبِي المَوَالِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَقُرَيْشِ بنِ حَيَّانَ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَعْقُوْبَ، وَهُشَيْمٍ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُسَافِرٍ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِسْكِيْنٍ اليَمَامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَآخَرُوْنَ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى. رَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ. وَالأَثْرَمُ: عَنْ أَحْمَدَ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ (1) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِماً بِالحَدِيْثِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1492. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1492. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1492. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 135. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 قُلْتُ: لَوْ كَانَ لَحِقَهُ، لَقَالَ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وَجَاءَ فِي (ذَمِّ الكَلاَمِ (1)) حَدِيْثٌ لِيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَمَا أَظُنُّهُ لَقِيَهُ. قَالَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ نَطْلُبُ الحَدِيْثَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، لَرَحِمْتَنَا، لَمْ نَكُنْ نُحْسِنُ نَطْلُبُ حَتَّى قَدِمَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: قَدْ خَلَّفَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ كَذَا كَذَا أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَمَا كَانَ لَهُ مَالٌ قَدِيْمٌ (3) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ كُتُباً، وَحَدَّثَ بِهَا (4) . قَالَ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَروِيُّ، وَابْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ. زَادَ ابْن يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، بِمِصْرَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَسْكَرٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ   (1) هو لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي الصوفي المتوفى سنة 481 هـ وهو صاحب كتاب " منازل السائرين " الذي شرحه الامام ابن القيم بكتابه العظيم " مدارج السالكين ". (2) " الجرح والتعديل " 9 / 135. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1492. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1492. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَجُوْعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ (1)) . وَبِهِ: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ (2)) . أَخْرَجَهُمَا: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَوَافَقْنَاهُمَا بِعُلُوٍّ. 16 - قَبِيْصَةُ بنُ عُقْبَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ السُّوَائِيُّ * (ع) ابْنِ عُقْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ جُنَيْدِبِ بنِ رَبَابِ بنِ   (1) أخرجه مسلم (2046) في الاشربة: باب في إدخال التمر ونحوه من الاقوات للعيال من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وأخرجه أيضا (2046) (153) من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة. وأخرجه أبو داود (3831) في الاطعمة، والترمذي (1815) في الاطعمة، وابن ماجه (3327) من طريقين عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بلفظ: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ". (2) أخرجه مسلم (2051) في الاشربة: باب فضيلة الخل والتأدم به، والترمذي (1840) في الاطعمة: باب ما جاء في الخل، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وأخرجه ابن ماجه (3316) في الاطعمة: باب الائتدام بالخل، من طريق أحمد بن أبي الحواري، عن مروان بن محمد، عن سليمان بن بلال بهذا الإسناد، وأخرج مسلم (2052) (167) ، وأبو داود (3821) ، والنسائي 7 / 14 من طرق عن المثنى بن سعيد، حدثني طلحة بن نافع، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز، فقال: " ما من أدم؟ " فقالوا: لا، إلا شيء من خل. قال: " فإن الخل نعم الادم ". قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم. وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. (*) تاريخ ابن معين: 484، طبقات خليفة ت (1332) ، التاريخ الكبير 7 / 177، التاريخ الصغير 2 / 333، الجرح والتعديل 7 / 126، تهذيب الكمال لوحة 1120، تذهيب التهذيب 3 / 154 / 2، الكاشف 2 / 396، تذكرة الحفاظ 1 / 373 - 375، العبر 1 / 368، ميزان الاعتدال 3 / 383، تهذيب التهذيب 8 / 347، مقدمة فتح الباري: ص 435، طبقات الحفاظ: 161، خلاصة تذهيب الكمال: 314. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 حَبِيْبِ بنِ سُوَاءةَ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ، أَبُو عَامِرٍ السُّوَائِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ طَهْمَانَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَوَرْقَاءَ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَصَفْوَانَ بنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، وَوَهْبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَخَلْقٍ. وَمَا أَظُنُّهُ ارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادٌ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ سَنْجَه، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُهُ؛ عُقْبَةُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: هُوَ أَصْغَرُ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، مِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْهُ: قَبِيْصَةُ: ثِقَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ، فَلَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ صَغِيْرٌ (1) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 474، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 وَقَالَ الفَسَوِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: قَبِيْصَةُ أَكْبَرُ مِنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ بِشَهْرَيْنِ، وَسَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ عِنْدَ شَرِيْكٍ، فَامْتَحَنَنِي فِي شَهَادَتِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُفْيَانَ، فَأَنْكَرَ عَلَى شَرِيْكٍ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ، وَصَلَّيْتُ بِسُفْيَانَ الفَرِيضَةَ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ لِلْفِرْيَابِيِّ: أَرَأَيْتَ قَبِيْصَةَ عِنْدَ سُفْيَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ صَغِيْراً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: لَوْ حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ عَنِ النَّخَعِيِّ، لَقَبِلْنَا مِنْهُ (2) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ قَبِيْصَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: كَانَ قَبِيْصَةُ أَفْضَلَ الرَّجُلَيْنِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ أَتقَنَهُمَا، وَلَمْ أَرَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ مَنْ يَحْفَظُ وَيَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ سِوَى قَبِيْصَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَسِوَى يَحْيَى الحِمَّانِيِّ فِي حَدِيْثِ شَرِيْكٍ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ فِي حَدِيْثِهِ (3) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ قَبِيْصَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، فَقَالَ: قَبِيْصَةُ أَسْلَمُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ، كَانَ قَبِيْصَةُ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ لاَ يَحْفَظُوْنَ، ثُمَّ حَفِظُوا بَعْدُ (4) . وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الشُّيُوْخِ أَحْفَظَ مِنْ قَبِيْصَةَ (5) .   (1) " تاريخ الفسوي " 1 / 717، وتمامه فيه: ذكر أي صلاة كانت فذهب علي. (2) " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1 / 580، و" تاريخ بغداد " 12 / 475، قال ذلك لما قيل له: إن قبيصة كان صغيرا حين سمع من سفيان. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 126، 127. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشِ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى: حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ، وَكَانَ صَغِيْراً لاَ يَضْبِطُ. قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: فَفِي غَيْرِ سُفْيَانَ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، ثِقَةً، لاَ بَأْسَ بِهِ فِي بَدَنِهِ، وَأَيُّ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ؟ -يَعْنِي: أَنَّهُ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ (2) -. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي ذَكَرَ قَبِيْصَةَ، وَأَبَا حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: قَبِيْصَةُ أَثْبَتُ مِنْهُ جِدّاً -يَعْنِي: فِي حَدِيْثِ سُفْيَانَ- أَبُو حُذَيْفَةَ شِبْهُ لاَ شَيْءَ، وَقَدْ كَتَبْتُ عَنْهُمَا جَمِيْعاً (3) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةَ: كَانَ قَبِيْصَةُ رَجُلاً صَالِحاً، تَكَلَّمُوا فِي سَمَاعِهِ مِنْ سُفْيَانَ (4) . قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، وَمَا هُوَ فِي سُفْيَانَ كَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٍ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ فِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ مِنَ العَابِدِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ هَنَّاداً يَقُوْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِذَا ذُكِرَ قَبِيْصَةُ: الرَّجُلُ الصَّالِحُ. وَتَدْمَعُ عَيْنَاهُ، وَكَانَ هَنَّادٌ كَثِيْرَ البُكَاءِ (5) . وَقَالَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ: كَانَ قَبِيْصَةُ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 474، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. (3) " العلل " لأحمد: 124. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 474، 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 475، و" تهذيب الكمال " لوحة 1121. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 عَلَى الوِلاَءِ (1) ، دَرْساً دَرْساً حِفْظاً (2) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ دَاوُدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الفَارِسِيُّ: سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قَبِيْصَةَ! مَا رَأَيْتهُ مُتَبَسِّماً قَطُّ، مِنْ عِبَادِ الله الصَّالِحِيْنَ (3) . قُلْتُ: كَذَا كَانَ -وَاللهِ- أَهْلُ الحَدِيْثِ، العِلْمَ وَالعِبَادَةَ، وَاليَوْمَ فَلاَ عِلْمَ وَلاَ عِبَادَةَ، بَلْ تَخْبِيْطٌ، وَلَحنٌ، وَتَصْحِيْفٌ كَثِيْرٌ، وَحِفْظٌ يَسِيْرٌ، وَإِذَا لَمْ يَرْتَكِبِ العَظَائِمَ، وَلاَ يُخِلَّ بِالفَرَائِضِ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ حَمْدُوَيْه: كُنَّا عَلَى بَابِ قَبِيْصَةَ، وَمَعَنَا دُلَفُ ابْنُ الأَمِيْرِ أَبِي دُلَفٍ (4) ، وَمَعَهُ الخَدَمُ يَكْتُبُ الحَدِيْثَ، فَصَارَ إِلَى بَابِ قَبِيْصَةَ، فَدَقَّ عَلَيْهِ، فَأَبطَأَ قَبِيْصَةُ، فَعَاوَدَهُ الخَدَمُ، وَقِيْلَ لَهُ: ابْنُ مَلِكِ الجَبَلِ عَلَى البَابِ وَأَنْت لاَ تَخْرُجُ إِلَيْهِ! فَخَرَجَ وَفِي طَرَفِ إِزَارِه كِسَرٌ مِنَ الخُبْزِ، فَقَالَ: رَجُلٌ قَدْ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِهَذَا، مَا يَصْنَعُ بِابْنِ مَلِكِ الجَبَلِ، وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُهُ، فَلَمْ يُحَدِّثْهُ (5) . قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: سَمِعْتُ قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ الثَّوْرِيَّ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، ثَلاَثَ سِنِيْنَ (6) . وَمِنْ تَعَنُّتِ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ بنِ القَطَّانِ المَغْرِبِيِّ (7) - الحَافِظَ عبدَ   (1) أي: متابعة، يقال: والى بين الامر موالاة وولاء: تابع، وافعل هذه الاشياء على الولاء، أي: متابعة. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1121. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1121. (4) سترد ترجمة الأمير أبي دلف في الصفحة 561 من هذا الجزء. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 476. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1121. (7) هو الحافظ العلامة قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 الحَقِّ - قَوْلُهُ: يَرْوِي فِي (الأَحْكَامِ) لِقَبِيْصَةَ، وَلاَ يَعرِضُ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَهُم كَثِيْرُ الخَطَأِ. قُلْتُ: قَدْ قَفَزَ قَبِيْصَةُ القَنْطَرَةَ، وَاحتَجُّوا بِهِ، فَأَرنِي الحَدِيْثَ المُنْكَرَ الَّذِي يُنْقَمُ بِهِ عَلَى قَبِيْصَةَ. قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ حَاتَمٍ، وَمُطَيَّنُ، وَغَيْرُهُمُ: مَاتَ قَبِيْصَةُ سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَشَذَّ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ - بَلْ وَهِمَ - فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. رَوَوْا لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَهُوَ أَخُو: 17 - سُفْيَانَ بنِ عُقْبَةَ السُّوَائِيِّ * (4) وَهَذَا الأَكْبَرُ. لَقِيَ حُسَيْناً المُعَلِّمُ، وَمِسْعَراً، وَعِدَّةً.   = الحميري الفاسي الشهير بابن القطان، المتوفى سنة 628 هـ، وصفه ابن الابار بأنه من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لاسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية. وكتابه " الوهم والإيهام " الذي وضعه على " الاحكام الكبرى " للحافظ العلامة عبد الحق الاشبيلي المتوفى سنة 581 هـ يدل على حفظه وقوة فهمه وبراعته في النقد، إلا أنه كما قال المؤلف في " تذكرته " 1407: تعنت في أحوال رجال فما أنصف، بحيث إنه أخذ يلين هشام بن عروة ونحوه. وانظر ما قاله أيضا في " الميزان " في ترجمة هشام بن عروة. قلت: وكتابه " الوهم والإيهام " لم يطبع بعد، وهو في مجلدين، الأول في 284 ورقة، والثاني في 285 ورقة، وعندنا منه نسخة مصورة، جاء في آخرها: بلغ مقابلة على نسخة أصله بتاريخ الثامن من جمادى الأولى سنة عشرين وسبع مئة. (*) التاريخ الكبير 4 / 95، الجرح والتعديل 4 / 230، تهذيب الكمال لوحة 517، تذهيب التهذيب 2 / 36 / 1، الكاشف 1 / 378، تهذيب التهذيب 11 / 116، 117، خلاصة تذهيب الكمال: 145. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ فِيْهِ ابْنُ نُمَيْرٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى بَعْدِ المائَتَيْنِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 18 - مُوْسَى بنُ دَاوُدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ * (م، د، س، ق) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الضَّبِّيُّ، الطَّرَسُوْسِيُّ، الكُوْفِيُّ الأَصْلِ، الخُلْقَانِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، ثُمَّ قَاضِي طَرَسُوسَ وَعَالِمُهَا. سَمِعَ: شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَنَافِعَ بنَ عُمَرَ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَوَّامِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: كَانَ زَاهِداً، ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. وَلِيَ قَضَاءَ المَصِّيْصَةِ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 345، التاريخ الكبير 7 / 283، الجرح والتعديل 8 / 140، تاريخ بغداد 13 / 33، تهذيب الكمال لوحة 1384، تذهيب التهذيب 4 / 78 / 2، العبر 1 / 371، تذكرة الحفاظ 1 / 387، الكاشف 3 / 183، ميزان الاعتدال 4 / 204، تهذيب التهذيب 10 / 342، طبقات الحفاظ: 163، خلاصة تذهيب الكمال: 390، شذرات الذهب 2 / 38. (1) " تاريخ بغداد " 13 / 34. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ مُصَنِّفاً مُكْثِراً، مَأْمُوْناً، وَلِيَ قَضَاءَ الثُّغُوْرِ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ (2)) : كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَلِيَ قَضَاءَ طَرَسُوسَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: لَهُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ (صَحِيْح مُسْلِمِ) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ (3) ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: بِشْرُ بنُ مُوْسَى الأَسَدِيُّ، وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ أَيْضاً أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ. 19 - أَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ * (خَ، د، ت، ق) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو حُذَيْفَةَ مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ النَّهْدِيُّ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، بَلْ قَبْلُ. حَدَّثَ عَنْ: أَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهُوَ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 34. (2) 7 / 345. (3) برقم (571) في المساجد: باب السهو في الصلاة والسجود له، من طريق محمد ابن أحمد بن أبي خلف، حدثنا موسى بن داود، حدثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لاربع كانتا ترغيما للشيطان ". (*) طبقات خليفة ت (1955) ، التاريخ الكبير 7 / 295، التاريخ الصغير 2 / 340، الجرح والتعديل 8 / 163، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 484، المعجم المشتمل: 298، تهذيب الكمال لوحة 1392، الكاشف 3 / 188، 189، تذهيب التهذيب 4 / 83 / 1، العبر 1 / 381، ميزان الاعتدال 4 / 221، تهذيب التهذيب 10 / 370، مقدمة فتح الباري: ص 446، 447، خلاصة تذهيب الكمال: 392، شذرات الذهب 2 / 48. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 تَابِعِيٌّ أَيْضاً، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَأَكْثَرَ، وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَزَائِدَةَ، وَشِبْلِ بنِ عَبَّادٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ (1) ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَالذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَحْمَدُ بنُ شَبُّوْيَه، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ كَيْسَان المَصِّيْصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الأَصْبَهَانِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ سِنْجَه، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مَعْرُوْفٌ بِالثَّوْرِيِّ، كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ نَزَلَ بِالبَصْرَةِ عَلَى رَجُلٍ، وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ مَعَهُم، فَكَانَ سُفْيَانُ يُوَجِّهُ أَبَا حُذَيْفَةَ فِي حَوَائِجِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَحِّفُ. رَوَى عَنِ الثَّوْرِيِّ بَضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَفِي بَعْضِهَا شَيْءٌ (2) .   (1) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة " الفتح " ص 446: من شيوخ البخاري صدوق في حفظه شيء. قاله أحمد. وقال ابن معين: لم يكن من أهل الكذب. وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق ولكنه كان يصحف، وروى عن الثوري بضعة عشر ألف حديث، وفي بعضها شيء، وهو أقل خطأ من مؤمل بن إسماعيل. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به. وقال الساجي: كان يصحف وهو لين. وقال الترمذي: يضعف في الحديث. قلت: روى عنه البخاري أحاديث، أحدها في العتق بمتابعة الربيع بن يحيى، كلاهما عن زائدة بمتابعة عثام بن علي، كلاهما عن هشام بن عروة، عن امرأته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر في الامر بالعتاقة في الكسوف. وثانيها في الرقاق حديث ابن مسعود: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك " وقد تابعه عليه وكيع وغيره عن سفيان. ثالثها في القدر حديث حذيفة: " لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره "..الحديث. وقد تابعه أبو معاوية ووكيع عند مسلم، وهذا جميع ما له في البخاري، وعلق عنه موضعا آخر في آخر الجهاد، وهو حديث أبي إسحاق، عن البراء في صلح الحديبية، وهو عنده من طرق أخرى عن أبي إسحاق. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 163. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 وَقَالَ بُنْدَارُ: هُوَ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ الفَلاَّسُ: لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ مَنْ يُبْصِرُ الحَدِيْثَ (1) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قِيْلَ: إِنَّ الثَّوْرِيَّ تَزَوَّجَ أُمَّهُ لَمَّا أَتَى البَصْرَةَ (2) . وَقِيْلَ: كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ مُعَلِّماً. مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَفِيْهَا أَرَّخَهُ البُخَارِيُّ. وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. 20 - يَحْيَى بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّيْبَانِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، مَوْلاَهُمُ البَصْرِيُّ، خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ السُّرْمَارِيُّ (3) ، وَبَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ، وَالحَسَنُ   (1) " ميزان الاعتدال " 4 / 221. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1392. (*) التاريخ الكبير 8 / 267، التاريخ الصغير 2 / 224، الجرح والتعديل 9 / 137، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 559، المعجم المشتمل: 318، تهذيب الكمال لوحة 1493، تذهيب التهذيب 4 / 151 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 199، خلاصة تذهيب الكمال: 422. (3) نسبة إلى سرمارى: قرية من قرى بخارى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 ابْنُ مُدْرِكٍ الطَّحَّانُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَوَلَدُهُ حَمَّادُ بنُ يَحْيَى بنِ حَمَّادٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ: لَمْ أَرَ أَعْبَدَ مِنْ يَحْيَى بنِ حَمَّادِ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَضْحَكْ (2) . قُلْتُ: الضَّحِكُ اليَسِيْرُ، وَالتَّبَسُّمُ أَفْضَلُ، وَعَدَمُ ذَلِكَ مِنْ مَشَايخِ العِلْمِ عَلَى قِسْمَينِ: أَحَدُهُمَا: يَكُوْنُ فَاضِلاً لِمَنْ تَرَكَهُ أَدَباً وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، وَحُزْناً عَلَى نَفْسِهِ المِسْكِيْنَةِ. وَالثَّانِي: مَذْمُوْمٌ لِمَنْ فَعَلَهُ حُمْقاً، وَكِبْراً، وَتَصَنُّعاً. كَمَا أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الضَّحِكَ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الضَّحِكَ فِي الشَّبَابِ أَخَفُّ مِنْهُ وَأَعْذَرُ مِنْهُ فِي الشُّيُوْخِ. وَأَمَّا التَّبَسُّمُ، وَطلاَقَةُ الوَجْهِ، فَأَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيْكَ صَدَقَةً (3)) . وَقَالَ جَرِيْرٌ: مَا رَآنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-   (1) في " الطبقات " 7 / 306. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1493. (3) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (891) ، والترمذي (1956) في البر والصلة: باب ما جاء في صنائع المعروف، من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 إِلاَّ تبسَّمَ (1)) . فَهَذَا هُوَ خُلُقُ الإِسْلاَمِ، فَأَعْلَى المَقَامَاتِ مَنْ كَانَ بَكَّاءً بِاللَّيْلِ، بَسَّاماً بِالنَّهَارِ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَلْيَسَعْهُم مِنْكُم بَسْطُ الوَجْهِ (2)) . بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ ضَحُوكاً بَسَّاماً أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَلُوْمَ نَفْسَهُ حَتَّى لاَ تَمَجُّهُ الأَنْفُسُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ عَبُوساً مُنْقَبِضاً أَنْ يَتَبَسَّمَ، وَيُحسِّنَ خُلُقَهُ، وَيَمْقُتَ نَفْسَهُ عَلَى رَدَاءةِ خُلُقِهِ، وَكُلُّ انحِرَافٍ عَنِ الاعتدَالِ فَمَذْمُوْمٌ، وَلاَ بُدَّ لِلنَّفْسِ مِنْ مُجَاهدَةٍ وَتَأْدِيْبٍ. رَوَى البُخَارِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُدْرِكِ: أَنَّ يَحْيَى بنَ حَمَّادٍ -رَحِمَهُ اللهُ- مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) .   = ابن الوليد، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (864) ، وأخرجه أحمد من طريق آخر 5 / 168 بأطول منه وبنحوه، وإسناده صحيح. (1) أخرجه البخاري (3035) في الجهاد: باب من لا يثبت على الخيل، و (6089) في الأدب: باب التبسم والضحك، ومسلم (2475) (135) في فضائل الصحابة، وابن ماجة (11) في المقدمة، وأحمد 4 / 358 و359 و362 و365. (2) أخرجه البزار برقم (1977) والحاكم 1 / 124، وأبو نعيم 10 / 25 من حديث أبي هريرة، وفي سنده عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 22، وزاد نسبته إلى أبي يعلى، وضعفه بعبد الله بن سعيد. وصححه الحاكم، ورده عليه المؤلف بقوله: عبد الله واه. (3) " التاريخ الصغير " 2 / 334. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 21 - أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ التَّيْمِيُّ الطَّلحيُّ * (ع) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، الفَضْلُ بنُ عَمْرِو بنِ حَمَّادِ بنِ زُهَيْرِ بنِ دِرْهَمٍ، التَّيْمِيُّ، الطَّلحيُّ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، المُلاَئِيُّ، الأَحْوَلُ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وَكَانَ شَرِيْكاً لِعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ المُلاَئِيِّ، كَانَا فِي حَانُوْتٍ بِالكُوْفَةِ، يَبِيْعَانِ المُلاَءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَذَلِكَ غَالِبُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، إِنَّمَا يُنْفِقُوْنَ مِنْ كَسْبِهِمْ. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ فِي كِتَابِهِمْ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوْساً مَعَ حُذَيْفَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الحَدِيْثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ (1) .   (*) تاريخ ابن معين: 474، طبقات خليفة ت (1324) ، التاريخ الكبير 7 / 118، التاريخ الصغير 2 / 340، الجرح والتعديل 7 / 61، الفهرست: 283، تاريخ بغداد 12 / 346، مناقب الامام أحمد لابن الجوزي: 109، 110 و481، 482، الكامل لابن الأثير 6 / 445، تهذيب الكمال لوحة 1097، تذهيب التهذيب 3 / 137 / 1، العبر 1 / 377، تذكرة الحفاظ 1 / 372، الكاشف 2 / 381، ميزان الاعتدال 3 / 350، تهذيب التهذيب 8 / 270، طبقات الحفاظ: 159، خلاصة تذهيب الكمال: 308، شذرات الذهب 2 / 46. (1) أخرجه البخاري 10 / 394 في الأدب: باب ما يكره من النميمة، وأحمد 5 / 397 من طريق أبي نعيم بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (105) (169) و (170) في الايمان، وأبو داود (4871) في الأدب، والترمذي (2026) في البر والصلة، وأحمد 5 / 382 و389 و392 و402 و404 من طرق عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن حذيفة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ (1) ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ عَلَيْهِ صَوتَهَا، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ فُلاَنَة! تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَحَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا، فَقَالَ: (أَلَمْ تَرَينِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ) . ثُمَّ استَأَذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى، فسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا، فَقَالَ: أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا (2) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ يُوْنُسَ. وَبِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المِقْدَامِ أَبِي كَرِيمَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَيْلَةُ الضَّيفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اقتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) (3) .   (1) في الأصل: ابن زائدة وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، وابن ربذة هذا هو مسند أصبهان أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني سليمان بن أحمد. وفاطمة بنت عبد الله هي الجوزدانية المتوفاة بأصبهان سنة 524، وقد تفردت في وقتها برواية " المعجم الكبير " و" المعجم الصغير " للطبراني بروايته عن ابن ريذة. انظر " التحبير " 2 / 428، 429 للسمعاني، و" العبر " 3 / 193 للمؤلف. (2) إسناده قوي وأخرجه أبو داود برقم (4999) ، وأحمد 4 / 271، 272 وقد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 171. (3) إسناده صحيح وهو في " مسند أحمد " 4 / 132، وأخرجه أبو داود (3750) في الاطعمة، من طريقين عن أبي عوانة، عن منصور، به، وأخرجه ابن ماجة (3677) في الأدب، من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن سفيان، عن منصور. وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 39 من طريقين عن شعبة، عن منصور. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 روَاهُمَا أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ. وَفِي (الطَّبَقَاتِ (1)) لابْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوْسُ بنُ كَامِلٍ، قَالَ: دُفِنَ أَبُو نُعَيْمٍ يَوْمَ سَلْخِ شَعْبَانَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ، قَالَ: اشْتَكَى قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بِيَوْمٍ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ، فَمَا تَكَلَّمَ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ تَكلَّمَ فَأَوْصَى ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِبُنَيِّ ابْنٍ يُقَالُ لَهُ: مَيْثَمٍ، كَانَ مَاتَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى طُعِنَ فِي عُنُقِهِ، وَظهرَ بِهِ وَرْشَكَيْن فِي يَدِهِ، فَتُوُفِّيَ لَيْلَتَئِذٍ، وَأُخْرِجَ بُكرَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ جَاءَ الوَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى الهَاشِمِيُّ فلاَمهُمْ إِذْ لَمْ يُخْبِرُوهُ، ثُمَّ تَنَحَّى بِهِ عَنِ القَبْرِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (2) . سَمِعَ: سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَجَعْفَرَ بنَ بُرْقَانَ، وَعُمَرَ بنَ ذَرٍّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ عَمْرٍو، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَيْمَنَ، وَبَشِيْرَ بنَ المُهَاجِرِ، وَفِطْرَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ سَيْفٍ المَكِّيَّ، وَمُوْسَى بنَ عَلِيٍّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَالحَسَنَ بنَ صَالِحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ حَبِيْبٍ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزَمْعَةَ بنَ صَالِحٍ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَشَرِيْكاً، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الغَسِيْلِ، وَابْنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِيَاسَ بنَ دَغْفَلٍ، وَأَبَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ نَافِعٍ المَكِّيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ سَعِيْدٍ القُرَشِيَّ،   (1) 6 / 400، 401 (2) " تاريخ بغداد " 12 / 355. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 وَبَدْرَ بنَ عُثْمَانَ، وَحَبِيْبَ بنَ جُرَيٍّ، وَالحَكَمَ بنَ مُعَاذٍ، وَخَالِدَ بنَ طَهْمَانَ، وَسَعْدَ بنَ أَوْسٍ، وَعِصَامَ بنَ قُدَامَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الصُّفَيْرَاءِ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّائِيَّ، وَعَبِيْدَةَ بنَ أَبِي رَائِطَةَ، وَأَبَا حَنِيْفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ قَيْسٍ الأَسَدِيَّ، وَسَلَمَةَ بنَ نُبَيْطٍ، وَيَعْلَى بنَ الحَارِثِ المُحَارِبِيَّ، وَخَلْقاً (1) سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَأَثبَاتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ كَثِيْراً، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ، وَرَوَى هُوَ وَالجَمَاعَةُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَالدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ الفُرَاتِ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سَمُّوْيَه، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَهْدِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، وَعُمَيْرُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ البَزَّازُ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدُوَيْه البَغْدَادِيُّ شَيْخُ الطَّبَرَانِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطَّبَّاعِ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الوَزَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَفُضَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ المَلَطِيُّ (2) ،   (1) في الأصل: وخلق. (2) نسبة إلى " ملطية " من الثغور الجزرية بالشام، وكان فتحها عنوة حبيب بن مسلمة الفهري، وجهه إليها عياض بن غنم من سميساط، ففتحها، ورتب فيها رابطة من المسلمين، ثم شحنها معاوية، فكانت في طريق الصوائف. انظر " الروض المعطار " ص 545. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 وَأَحْمَدُ بنُ خُلَيدٍ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سَمَاعَةَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوْطِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الحَمَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَتَّاتُ (2) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَاهَانَ المُزَنِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَحْمَسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ الوَشَّاءُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمُ. وَتَبَقَّى صِغَارُ أَصْحَابِهِ إِلَى بُعَيْدِ الثَّلاَثِ مائَةٍ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القَتَّاتِ فِي الوَفَاةِ مائَةُ عَامٍ وَعِشْرُوْنَ عَاماً. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الأَعْمَشِ مِنَ الثِّقَاتِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: شَارَكْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ شَيْخاً (3) . وَأَمَّا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَتَبْتُ عَنْ نَيِّفٍ وَمائَةِ شَيْخٍ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُمْ سُفْيَانَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ: يَا أَبَا نُعَيْمٍ! إِنَّمَا حَمَلْتَ عَنِ الأَعْمَشِ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ؟ فَقَالَ: وَمَنْ كُنْتُ أَنَا عِنْدَ الأَعْمَشِ؟ كُنْتُ قِرْداً بِلاَ ذَنَبٍ (4) . قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قُلْتُ لأَبِي: وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَيْنَ يَقَعُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: يَجِيْءُ حَدِيْثُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ هَؤُلاَءِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَيِّسٌ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ. قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ أَثْبَتُ   (1) نسبة لمن يعمل السوط. (2) نسبة إلى بيع القت وهو الفصفصة الرطبة. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 348. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 348، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 أَوْ وَكِيْعٌ؟ فَقَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ أَقَلُّ خَطَأً (1) . وَقَالَ حَنْبَلٌ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ أَعْلَمُ بِالشُّيُوْخِ وَأَنسَابِهِم، وَبَالرِّجَالِ، وَوَكِيْعٌ أَفْقَهُ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: أَبُو نُعَيْمٍ أَثْبَتُ مِنْ وَكِيْعٍ (3) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَخْطَأَ وَكِيْعٌ فِي خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ (4) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: إِذَا مَاتَ أَبُو نُعَيْمٍ صَارَ كِتَابُهُ إِمَاماً، إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَزِعُوا إِلَيْهِ (5) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَثْبَتَ مِنْ رَجُلَيْنِ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ (6) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثاً أَصْدَقَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ (7) . قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ كَانَ غَايَةً فِي الإِتْقَانِ (8) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 353. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 352. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 352. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 1098، و" تاريخ بغداد " 12 / 354. (8) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، لَمْ أَرَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ مَنْ يَحْفَظُ وَيَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ سِوَى قَبِيْصَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَحْفَظُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ حِفْظاً جَيِّداً -يَعْنِي: الَّذِي عِنْدَهُ عَنْهُ-. قَالَ: وَهُوَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَيَحْفَظُ حَدِيْثَ مِسْعَرٍ، وَهُوَ خَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يُلَقَّنُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِماً لَهُمَا. قَالَ: فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الكُوْفَةِ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أُرِيْدُ أَنْ أَختَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ تُرِدْ، فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ. قَالَ يَحْيَى: لاَ بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً، فَكَتَبَ فِيْهَا ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنْهَا حَدِيْثاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِ طِيْنٍ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَحْيَى عَنْ يَسَارِهِ، وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ. ثُمَّ أَخْرَجَ يَحْيَى الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، اضرِبْ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّانِيَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَاضرِبْ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّالِثَ ثُمَّ قَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّالِثَ، فَتَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَانقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا - وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِهِ - فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا - يُرِيْدُنِي - فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا فَاعِلُ، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ مِنَ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 62: وهذا دلالة على تمكنه من الحفظ، فإن التلقين كما سيذكر المؤلف ص 210 هو أن يحدث المحدث، فيغلط أثناء التحديث، أو يتوقف، فيرده الطلبة، فيأخذ بقولهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 الدُّكَّانِ، وَقَامَ، فَدَخَلَ دَارَهُ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ليَحْيَى: أَلَمْ أَمْنَعْكَ، وَأَقُلْ لَكَ إِنَّهُ ثَبْتٌ. قَالَ: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي (1) . قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: شَيْخَانِ كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِمَا، وَيَذْكُرُونَهُمَا، وَكُنَّا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِي أَمرِهِمَا مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمُ، قَامَا للهِ بِأَمرٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَبِيْرُ أَحَدٍ: عَفَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (2) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: عَنِ الكُدَيْمِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ أَبُو نُعَيْمٍ عَلَى الوَالِي لِيَمْتَحِنَهُ، وثَمَّ يُوْنُسُ، وَأَبُو غَسَّانَ، وَغَيْرُهُمَا، فَأَوَّلُ مَنِ امتُحِنَ فُلاَنٌ، فَأَجَابَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: قَدْ أجَابَ هَذَا، فَمَا تَقُوْلُ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ أتَّهِمُ جَدَّهُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ الجَمْرَةَ بِالقَوَارِيْرِ. أَدْرَكْتُ الكُوْفَةَ وَبِهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ مائَةِ شَيْخٍ، الأَعْمَشُ فَمَنْ دُوْنَهُ يَقُوْلُوْنَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَعُنُقِي أَهْوَنُ مِنْ زِرِّي هَذَا. فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ - وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ - وَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ شَيْخٍ خَيْراً (3) . أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ (4) . قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ صُليحَةَ بِنْتَ أَبِي نُعَيْمٍ تَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.   (1) " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي: 79، 80، و" تاريخ بغداد " 12 / 354، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 348، 349، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. (3) انظر " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي: 481، و" تاريخ بغداد " 12 / 349، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098، 1099. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (1) فِي كِتَابِ (مِرْآةِ الزَّمَانِ) : قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المُهْتَدِي: لَمَّا دَخَلَ المَأْمُوْنُ بَغْدَادَ، نَادَى بِتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الشُّيُوْخَ بَقَوا يَضْرِبُوْنَ وَيَحْبِسُوْنَ، فَنَهَاهُمُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ، فَمَرَّ أَبُو نُعَيْمٍ، فَرَأَى جُنْدِياً وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَي امْرَأَةٍ، فَنَهَاهُ بِعُنْفٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى الوَالِي، فَيَحْمِلُهُ الوَالِي إِلَى المَأْمُوْنِ. قَالَ: فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ بُكرَةً وَهُوَ يُسبِّحُ، فَقَالَ: تَوَضَّأْ. فَتَوَضَّأْتُ ثَلاَثاً ثَلاَثاً، عَلَى مَا رَوَاهُ عبدُ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ (2) ، فصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ؟ فَقُلْتُ: لِلأُمِّ الثُّلُثُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ. قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْهِ وَأَخَاهُ؟ قُلْتُ: المَسْأَلَةُ بحَالِهَا، وَسَقَطَ الأَخُ. قَالَ: فَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ؟ قُلْتُ: لِلأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ لِلأَبِ. قَالَ: فِي قَوْلِ النَّاسِ كُلِّهِم؟ قُلْتُ: لاَ، إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا حَجَبَ الأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ، إِلاَّ بِثَلاَثَةِ إِخْوَةٍ. فَقَالَ: يَا هَذَا مَنْ نَهَى مِثْلَكَ عَنِ الأَمرِ بِالمَعْرُوْفِ؟ إِنَّمَا نَهَيْنَا أَقْوَاماً يَجْعَلُوْنَ المَعْرُوْفَ مُنْكَراً، ثُمَّ خَرَجْتُ (3) . رَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: إِنَّمَا رَفَعَ اللهُ عَفَّانَ وَأَبَا نُعَيْمِ بِالصِّدْقِ، حَتَّى نَوَّهَ بِذِكْرِهِمَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ حَافِظاً؟ قَالَ: جِدّاً (4) .   (1) هو أبو المظفر يوسف قزا أو غلي المعروف بسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 هـ، وكتابه " مرآة الزمان في تاريخ الأعيان " لم يطبع منه سوى المجلد الثامن بحيدر آباد سنة (1951 م) . (2) أخرجه أبو داود (111) و (112) و (113) ، والنسائي 1 / 67، 70، والترمذي (49) وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 350. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 قَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءِ: كُنَّا نَهَابُ أَبَا نُعَيْمٍ أَشدَّ مِنْ هَيْبَةِ الأَمِيْرِ. قُلْتُ: وَكَانَ فِي أَبِي نُعَيْمٍ تَشَيُّعٌ خَفِيْفٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: حَدَّثَنِي ثِقَةٌ قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَا كَتَبَتْ عَلَيَّ الحفظَةُ أَنِّي سَبَبْتُ مُعَاوِيَةَ. وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ، قَالَ: حُبُّ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عبَادَةٌ، وَخَيْرُ العِبَادَةِ مَا كُتِمَ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ يَقُوْلُ: إِذَا وَافَقَنِي هَذَا الأَحْوَلُ -يَعْنِي: أَبَا نُعَيْمٍ- مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي (2) . قَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: نُزَاحمُ بِهِ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ أَبُو نُعَيْمٍ شَهِيْداً، فَإِنَّهُ طُعِنَ فِي عُنُقِهِ، وَحَصَلَ لَهُ وَرشكين. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنُ: رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، وَكَلَّمْتُهُ. قَالَ: وَمَاتَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَاتَ بِالكُوْفَةِ، لَيْلَةَ الثَّلاَثَاءِ، لانسِلاخِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ (3) . قُلْتُ: شَذَّ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ، فَقَالَ: مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانِ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 351، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ". (2) " تاريخ بغداد " 12 / 352. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 356. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . قَالَ بِشْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: رَأَيْتُ أَبَا نُعَيْمٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ -يَعْنِي: فِيْمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ-. فَقَالَ: نَظَرَ القَاضِي فِي أَمْرِي، فَوَجَدَنِي ذَا عِيَالٍ، فَعَفَا عَنِّي (2) . قُلْتُ: ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ شَيْئاً قَلِيْلاً لِفَقْرِهِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: يَلُوْمُونَنِي عَلَى الأَخْذِ وَفِي بَيْتِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَفْساً، وَمَا فِي بَيْتِي رَغِيْفٌ (3) . قُلْتُ: لاَمُوهُ عَلَى الأَخْذِ يَعْنِي: مِنَ الإِمَامِ، لاَ مِنَ الطَّلَبَةِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليَمَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ، وَأَكْلَهُ، وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِيْنَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِيْنَ يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ) . أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (4) فِي التَّوْحِيْدِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 356. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1099. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1099. (4) برقم (7492) في التوحيد: باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) ، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 وَحَدِيْثُ أَبِي نُعَيْمٍ كَثِيْرُ الوقُوْعِ فِي الكُتُبِ وَالأَجْزَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (1) مَا وَقَعَ لَهُ عَالِياً مِنْ حَدِيْثِ أَبِي نُعَيْمٍ المُلاَئِيُّ، فِي جُزْءٍ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، صَدَّرَهُ بِمَا حَدَّثَهُ ابْنُ فَارِسِ، عَنِ ابْنِ الفُرَاتِ، وَسَمُّوْيَه، كِلاَهُمَا عَنْهُ، وَعِدَّةُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً، بَعْضُهَا آثَارٌ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازٍ الدَّقِيْقِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَوامٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مجَاهِدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيْثِ (2) . غَرِيْبٌ، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بنُ الوَاسِطِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ بَهْرُوزَ (3) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ -يَعْنِي: القَرَّابُ- حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الأَزْهَرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ:   = وأخرجه أيضا 4 / 88 - 94 في الصوم: باب فضل الصوم، وباب هل يقول: إني صائم إذا شتم، وفي اللباس: باب ما يذكر في المسك، وأخرجه مسلم (1151) في الصيام: باب حفظ اللسان، وباب فضل الصيام، ومالك 1 / 310، وأبو داود (2363) ، والترمذي (764) ، والنسائي 4 / 162 - 165. (1) هو أحمد بن عبد الله الأصبهاني صاحب كتاب " الحلية ". المتوفى سنة 430 هـ. (2) وأخرجه أحمد 2 / 305، وأبو داود (3870) ، والترمذي (2045) ، وابن ماجة (3459) من طرق عن يونس بن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وهذا سند قوي، وصححه الحاكم 4 / 410، ووافقه الذهبي، وفسر الحاكم الدواء الخبيث بالخمر. (3) هو أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز البغدادي الطبيب، سمعه خاله من أبي الوقت، وتفرد بالرواية بالسماع عنه، توفي سنة 635 هـ. انظر " العبر " 5 / 145 للمؤلف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الشَّأْنُ عَمَّنْ كَتَبَ الحَدِيْثَ يَوْمَ كَتَبَ يَدْرِي مَا كَتَبَ، صَدُوْقٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ، يُحَدِّثُ يَوْمَ يُحَدِّثُ يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ. قَالَ البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا العَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي مَطَرٍ البَلْخِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَجَدُّ (1) مِنْ وَكِيْعٍ، وَكفَاكَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْرِفَةً وَإِتقَاناً، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوْزَنَ بِقَومٍ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَأَشَدَّ تَثَبُّتاً فِي أُمُورِ الرِّجَالِ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: فَأَقَلُّ الأَرْبَعَةِ خَطَأً، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَوْضِعُ الحُجَّةِ فِي الحَدِيْثِ (2) . أَحْمَدُ بنُ مُلاعِبٍ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، يَقُوْلُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤخَذَ الحَدِيْثُ إِلاَّ مِنْ حَافِظٍ لَهُ، أَمِيْنٍ لَهُ، عَارِفٍ بِالرِّجَالِ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ ذَا دُعَابَةٍ، فَرَوَى عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ المُقَانِعِيُّ (3) ، سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَمْرٍو العَنْقَزِيَّ يَقُوْلُ: دَقَّ رَجُلٌ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ البَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَ: رَجُلٌ مِن وَلدِ آدَمَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبَّلَه، وَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً، مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّسْلِ أَحَدٌ (4) . قُلْتُ: عَدَدُ شُيُوْخِهِ فِي (التَّهْذِيبِ) مِئَتَانِ وَثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ.   (1) في " تهذيب الكمال ": أحفظ من وكيع. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (3) نسبة إلى عمل المقانع جمع مقنعة وهي ما تغطي به المرأة رأسها. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1099. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَتَّاتُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَحْوَلُ مِنَ العَيْنَيْنِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ. رَوَى: جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: عِنْدِي عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ سُفْيَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ (1) . الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: أَيَجْرِي عِنْدَكَ (2) ابْنُ فُضَيْلٍ مَجْرَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى؟ قَالَ: لاَ، كَانَ ابْنُ فُضَيْلٍ أَسْتَرُ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ صَاحِبُ تَخْلِيْطٍ، رَوَى أَحَادِيْثَ سُوْءٍ. قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ، يَجْرِي مَجْرَاهُمَا؟ قَالَ: لاَ، أَبُو نُعَيْمٍ يَقْظَانُ فِي الحَدِيْثِ، وَقَامَ فِي الأَمْرِ -يَعْنِي: المِحْنَةَ-. ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَفَعْتَ أَبَا نُعَيْمٍ مِنَ الحَدِيْثِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ (3) . وَرَوَى المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحُجَّةُ، الثَّبْتُ (4) . وَرَوَى المَيْمُوْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، يَقْظَانَ فِي الحَدِيْثِ، عَارِفاً بِهِ، ثُمَّ قَامَ فِي أَمْرِ الامْتِحَانِ، مَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ، عَافَاهُ اللهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: أَبُو نُعَيْمٍ مُتْقِنٌ حَافِظٌ، إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ، فَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ أَحَجُّ مَا يَكُوْنُ (5) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (2) في الأصل: " عنك " والتصويب من " تاريخ بغداد " و" تهذيب الكمال ". (3) " تاريخ بغداد " 12 / 353، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 354. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا الأَسَدُ. فَقِيْلَ: مَنْ؟ قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَلِيّاً: مَنْ أَوْثَقُ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ؟ قَالَ: يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ (2) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، يَحْفَظُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرٍ حِفْظاً جَيِّداً، كَانَ يَحْزُرُ حَدِيْثَ الثَّوْرِيِّ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ، وَحَدِيْثَ مِسْعَرٍ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ، كَانَ يَأْتِي بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ، وَكَانَ لاَ يُلَقَّنُ، وَكَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً (3) . وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: نَظَرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي كُتُبِي، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ مِنْ كُتُبِكَ (4) . أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ الكُدَيْمِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ: ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمُ (5) ، لَكِنِّي أَقُوْلُ: ذَهَبَ النَّاسُ فَاسْتَقَلُّوا وَصِرْنَا ... خَلَفاً فِي أَرَاذِلِ النَّسْنَاسِ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 354، و" تهذيب الكمال " لوحة 1098. (2) " الجرح والتعديل " 7 / 62. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 62. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1098. (5) شطر بيت للبيد من قصيدة يرثي بها أخاه أربد بعد موته، وهو في " ديوانه " صفحة 153 وتمامه: وبقيت في خلف كجلد الاجرب وقد تمثلت به السيدة عائشة رضي الله عنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة حزنا على فقدهم. انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب الصفحة 197. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 فِي أُنَاسٍ نَعُدُّهُم مِنْ عَدِيدٍ ... فَإِذَا فُتِّشُوا فَلَيْسُوا بِنَاسِ كُلَّمَا جِئْتُ أَبْتَغِي النَّيْلَ مِنْهُم ... بَدَرُوْنِي قَبْلَ السُّؤَالِ بِيَاسِ وَبَكَوْا لِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي ... مِنْهُم قَدِ افْلَتُّ رَأْساً بِرَاسِ (1) 22 - أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ أَبُو حَفْصٍ البُخَارِيُّ الحَنَفِيُّ * الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ (2) ، أَبُو حَفْصٍ البُخَارِيُّ، الحَنَفِيُّ، فَقِيْهُ المَشْرِقِ، وَوَالِدُ العَلاَّمَةِ شَيْخِ الحَنَفِيَّةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ الفَقِيْهِ. ارْتَحَلَ، وَصَحِبَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ مُدَّةً، وَبَرَعَ فِي الرَّأْيِ. وَسَمِعَ مِنْ: وَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةِ. قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي رَجَاءٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ، وَامْرَأَةٌ إِلَى جَنْبِهِ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: لاَ تَبْكِي، فَإِذَا مُتُّ، فَابْكِي. فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْبُرُهَا لِي، حَتَّى قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ وَالِدُ البُخَارِيِّ: إِنَّ السُّنَّةَ قَائِمَةٌ بَعْدُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَدِيْبُ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بنَ نَصْرٍ الشَّاعِرَ يَقُوْلُ: تَذَاكَرْنَا الحَدِيْثَ: (إِنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مائَةِ سَنَةٍ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ   (1) الخبر مع الابيات في " تاريخ بغداد " 12 / 351، 352، و" تهذيب الكمال " لوحة 1099، و" حياة الحيوان الكبرى " 2 / 353 وانظر فيه تفسير " النسناس ". (*) الفوائد البهية: ص 18، الجواهر المضية في تراجم الحنفية. (2) ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون بخراسان، وما كان في شرقيه يقال له: بلاد الهياطلة، وفي الإسلام سموه: ما وراء النهر، وما كان في غريبه فهو خراسان وولاية خوارزم. انظر " معجم البلدان " 5 / 45. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ (1)) ، فَبَدَأْتُ بِأَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي فِقْهِهِ وَوَرَعِهِ وَعَمَلِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ. ثُمَّ ثَنَّيْتُ بِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَطُرُقِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَماً. ثُمَّ ثَلَّثْتُ بِأَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ يَقْرَأُ عَلَى مِنْبَرِ الخَلِيْفَةِ هَا هُنَا يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَرَّةً أَنَّ رَجُلاً وَحْدَهَ كَسَرَ جُنْدَ العَدُوِّ - عَنَى نَفْسَهُ - فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ عَلَمَ الزَّمَانِ. قَالُوا: نَعَمْ. مَوْلِدُ أَبِي حَفْصٍ الفَقِيْهِ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ تَعِزُّ (2) . أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ سَهْلِ بنِ حَمْدُوَيْه، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعَةٍ: بِاللهِ وَحْدَهِ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَبَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (3) .   (1) لفظ الحديث: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها " وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود (4291) في الملاحم: باب ما يذكر في قرن المئة، والحاكم 4 / 522، والخطيب 2 / 61، والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " ص 52 من حديث أبي هريرة. وانظر شرح هذا الحديث لزاما في " جامع الأصول " 11 / 320 - 324. (2) يقال: عز الشئ يعز - بكسر العين - عزا وعزة وعزازة وهو عزيز: إذا قل حتى كاد لا يوجد. (3) أخرجه أحمد 1 / 97، والترمذي (2145) ، وابن ماجة (82) من طرق عن منصور بهذا الإسناد، وصححه الحاكم 1 / 32، 33، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 مَاتَ أَبُو حَفْصٍ: بِبُخَارَى، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَلَدُهُ: 23 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيُّ * الإِمَامُ، مُفْتِي بُخَارَى وَعَالِمُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ، تَفَقَّهَ بِوَالِدِهِ، وَبِهِ تَفَقَّهَ أَهْلُ بُخَارَى، عَاشَ إِلَى نَحْوِ السَّبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَشُهْرَةٌ كَبِيْرَةٌ. 24 - مُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ اللَّخْمِيُّ ** مُحَدِّثٌ مُعَمَّرٌ، أَدْرَكَ أَيَّامَ مَكْحُوْلٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَعُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، وَخُلَيْدِ بن دَعْلَجٍ، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَعُمَرَ بنِ زَيْدٍ، وَالوَضِيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَالوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَمُوْسَى بنِ جَابَانَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ حُمَيْدٌ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَهَارُوْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ اللَّخْمِيُّ شَيْخٌ لِلطَّبَرَانِيِّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ (1) : سَمِعْتُ مُنَبِّهاً يَقُوْلُ: كُنْتُ حَمْلاً (2) عَامَ   (*) سيترجمه المؤلف بأطول مما هنا في الجزء الثاني عشر. (* *) تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1 / 280، الجرح والتعديل 8 / 419، تاريخ ابن عساكر 11 / ورقة 407 / 2. (1) في " تاريخه " 1 / 280. (2) أي: في بطن أمه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 الجَرَّاحِ الحَكَمِيِّ (1) ، وَهِيَ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَقِيْتُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيْرٍ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ صَدُوْقاً (3) . قُلْتُ: لَمْ تَقَعْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلاَ فِي (المُوَطَّأِ) وَلاَ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) وَهُوَ فِي عِدَادِ الثِّقَاتِ الَّذِيْنَ بَلَغُوا المائَةَ. 25 - يَحْيَى بنُ هَاشِمٍ الغَسَّانِيُّ السِّمْسَارُ * المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو زَكَرِيَّا الغَسَّانِيُّ، الكُوْفِيُّ، السِّمْسَارُ. رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَمِسْعَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالكِبَارِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَيُونُسُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) أي: عام مقتل الجراح وهو أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي الدمشقي أمير خراسان، وكان شجاعا غازيا، استشهد بمرج أردبيل. وقد تقدمت ترجمته في الجزء الخامس من هذا الكتاب صفحة 189. (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 280. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 419. (*) الضعفاء والمتروكين للنسائي: 1100، الضعفاء للعقيلي لوحة 448، الجرح والتعديل 9 / 195، المجروحين والضعفاء لابن حبان 3 / 125، 126، الكامل في الضعفاء لابن عدي لوحة 846، تاريخ بغداد 14 / 163 - 165، ميزان الاعتدال 4 / 412، المغني في الضعفاء للذهبي 2 / 745. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 وَتَحَايَدَهُ (1) الحُفَّاظُ، وَاتَّهَمُوهُ. كَذَّبَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (2) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَاتِ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لاَ تَحِلُّ كِتْبَةُ حَدِيْثِهِ إِلاَّ عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ لأَهْلِ الصَّنْعَةِ، وَلاَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِحَالٍ (4) . رَوَى عَنْ: هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَبَاتُ الشَّعْرِ فِي الأَنْفِ أَمَانٌ مِنَ الجُذَامِ (5)) . وَبِهِ: (لاَ تَسْتَخْدِمُوا أَرِقَّاءَكُم بِاللَّيْلِ، فلهُمُ اللَّيْلُ، وَلكُمُ النَّهَارُ) . وَبِهِ: (لاَ يَبِتْ أَحَدُكُم وَعِنْدَ رَأْسِهِ الطَّعَامِ، فَإِنِّي لاَ آمَنُ عَلَيْهِ الهَوَامَّ) . وَرَوَى عَنْ: مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (عِنْدَ   (1) أي: عدلوا عن الرواية عنه، من حاد عنه يحيد حيدا: إذا مال عنه وعدل. (2) " الضعفاء والمتروكين " ص 110. (3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة: 448. (4) كتاب " المجروحين والضعفاء " 3 / 125. (5) وأورده الهيثمي في " المجمع " 5 / 99، 100 ونسبه إلى أبي يعلى والطبراني في " الأوسط " وقال: وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف واسم أبي الربيع أشعث بن سعيد، ترجمه المؤلف في " الميزان " 1 / 263، فقال: قال أحمد: مضطرب الحديث ليس بذاك. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: لا يكتب حديثه. وقال الدارقطني: متروك، وأورد له هذا الحديث، وقال: قال البغوي: هذا باطل، وقد رواه غير أبي الربيع من الضعفاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ (1)) . مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يقعُ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي جُزْءِ ابْنِ نُجيدٍ (2) ، وَأَظنُّ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ (3)) إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُفْرَحُ بِهِ، لأَنَّهُ سَاقِطُ الرِّوَايَةِ، مُتَّهَمٌ. 26 - أَسَدُ السُّنَّةِ أَسَدُ بنُ مُوْسَى الأُمَوِيُّ * (خت، د، س) هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، ذُو التَّصَانِيْفِ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَسَدُ بنُ مُوْسَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الخَلِيْفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ، القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ المِصْرِيُّ. وَقَدْ وَلِي جَدُّه إِبْرَاهِيْمُ الخِلاَفَةَ شَهْرَيْنِ، وَخَلَعَهُ مَرْوَانُ الحِمَارُ.   (1) أورده هذه الأحاديث الباطلة ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 3 / 125، 126، والمؤلف في " الميزان " 4 / 412، والحديث الأخير منها أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 7 / 260 من طريق يحيى بن هاشم، وعن مسعر، عن قتادة، عن أنس..وقال: لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى بن هاشم. (2) هو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري المتوفى سنة 366 هـ. انظر " طبقات الصوفية " ص 454، 457، و" المنتظم " 7 / 84، و" العبر " 2 / 336. وقد ذكر الوادي آشي في " برنامجه " ص 239 أنه سمع هذا الجزء بالقاهرة على شيخ الحديث بالمنصورية نور الدين أبي الحسن علي بن جابر بن علي. (3) هي أحد عشر جزءا تخريج الدارقطني من حديث أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي الشافعي البزار المتوفى سنة 354 هـ، وهو القدر المسموع لأبي طالب محمد ابن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز المتوفى سنة 404 هـ من أبي بكر المذكور، وهي من أعلى الحديث وأحسنه. (*) التاريخ الكبير 2 / 49، الجرح والتعديل 2 / 338، جمهرة أنساب العرب: 90، تهذيب الكمال لوحة 93، تذكرة الحفاظ 1 / 402، العبر 1 / 361، ميزان الاعتدال 1 / 207، تذهيب التهذيب 1 / 59 / 1، الكاشف 1 / 115، عيون التواريخ 7 / لوحة 282، تهذيب التهذيب 1 / 261، حسن المحاضرة 1 / 346، طبقات الحفاظ: 167، خلاصة تذهيب الكمال: 31، شذرات الذهب 2 / 27، الرسالة المستطرفة: 61. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 وُلِدَ أَسَدٌ: بِالبَصْرَةِ. وَقِيْلَ: بِمِصْرَ - وَهُوَ أَشبهُ - سَنَةَ زَالَتْ دَوْلَةُ آبَائِهِ بِبَنِي العَبَّاسِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَنَشَأَ، وَطَلَبَ العِلْمَ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ (1) ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَسنُّ شَيْخٍ لَهُ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَافِيَةَ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَوَلَدُه سَعِيْدُ بنُ أَسَدٍ، وَالمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَأَبُو يَزِيْدَ يُوْسُفُ بنُ يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُصَنِّفْ لكَانَ خَيْراً لَهُ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: هُوَ مَشْهُوْرُ الحَدِيْثِ، يُقَال لَهُ: أَسَدُ السُّنَّةِ (3) ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، مَاتَ بِمِصْرَ، فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) . قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَقَعَ لَنَا مِنْ تَوَالِيفِهِ كِتَابُ (الزُّهْدِ) وَغَيْرُ ذَلِكَ.   (1) نسبة إلى نحو بن شمس من الازد، وليس من نحو العربية كما في " اللباب ". (2) " تهذيب الكمال " لوحة 94، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 402. (3) " التاريخ الكبير " 2 / 49. (4) انظر " تهذيب الكمال " لوحة 94، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 402. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: رَوَى أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً، وَكَانَ ثِقَةً، وَأَحْسَبُ الآفَةَ مِنْ غَيْرِهِ (1) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ فِي كِتَابِ (الإِيصَالِ (2)) : ضَعِيْفٌ، ذَكَرَهُ فِي الزَّكَاةِ (3) . قَالَ صَاحِبُ (الإِمَامِ (4)) : يُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المُسْنَدَ. 27 - خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ صَفْوَانَ السُّلَمِيُّ * (خَ، د، ت) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ.   (1) " ميزان الاعتدال " 1 / 207. (2) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1147 في ترجمة ابن حزم: وقد صنف كتابا كبيرا في فقه الحديث سماه: الايصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم، والحجة لكل قول. وهو كبير جدا. (3) وقال المؤلف في " الميزان ": وما علمت به بأسا إلا أن ابن حزم ذكره في كتاب الصيد، فقال: منكر الحديث. وكلام ابن حزم هذا هو في " المحلى " 7 / 472. (4) هو الفقيه المجتهد المحدث شيخ الإسلام محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد، المتوفى سنة 702 هـ، وكتابه " الامام " في أحاديث الاحكام، وهو جليل حافل، ولم يكمله، قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1482: ولو كمل تصنيفه وتبييضه لجاء في خمسة عشر مجلدا. (*) التاريخ الصغير 2 / 328، التاريخ الكبير 3 / 189، الجرح والتعديل 3 / 368، المعجم المشتمل: 116، تهذيب الكمال لوحة 386، تذهيب التهذيب 1 / 202 / 2، الكاشف 1 / 285، ميزان الاعتدال 1 / 657، العبر 1 / 263، المغني في الضعفاء 1 / 211، العقد الثمين 4 / 341، تهذيب التهذيب 3 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 107، شذرات الذهب 2 / 28. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 سَمِعَ: عِيْسَى بنَ طَهْمَانَ - صَاحِبَ أَنَسٍ - وَفِطْرَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَيْمَنَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَمُّ أَبِي زُرْعَةَ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَزِيْدَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: أَبُو حَاتِمٍ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي حَدِيْثِهِ غَلَطاً قَلِيْلاً (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَكَنَ مَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا، قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . وَقَالَ حَنْبَلُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (4) . وسَيَأْتِي خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيُّ الكُوْفِيُّ، المُتَوَفَّى فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (5) . 28 - إِدْرِيْسُ بنُ يَحْيَى أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ مِصْرَ، أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 386، و" ميزان الاعتدال " 1 / 657. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 368، و" ميزان الاعتدال " 1 / 657. (3) " التاريخ الكبير " 3 / 197. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 386. (5) انظره في الصفحة 217 من هذا الجزء (*) الجرح والتعديل 2 / 265، اللباب 1 / 472. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 المِصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِالخَوْلاَنِيِّ (1) ، أَحَدُ الأَبْدَالِ، كَانَ يُشَبَّهُ بِبِشْرٍ الحَافِي فِي فَضْلِهِ وَتَأَلُّهِهِ. رَوَى عَنْ: حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَرَجَاءِ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَحَرْمَلَةَ الكَبِيْرِ. وَعَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى. قَالَ يُوْنُسُ: مَا رَأَيْتُ فِي الصُّوْفِيَّةِ عَاقِلاً سِوَاهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ: كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَعْظَمَهُم قَدْراً. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، صَالِحٌ، مِنْ أَفَاضِلِ المُسْلِمِيْنَ (2) . قُلْتُ: وَصَحَّحَ لَهُ الحَاكِمُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. 29 - المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الأَهْوَازِيُّ * (ع) الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو   (1) نسبة إلى خولان موضع سكناه، لا إلى القبيلة التي نزلت الشام والتي ينسب إليها جماعة من العلماء كأبي إدريس. انظر " اللباب " 1 / 472. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 265. (*) تاريخ ابن معين 338، تاريخ خليفة 474، طبقات خليفة 227، التاريخ الكبير 5 / 288، التاريخ الصغير 2 / 326، الجرح والتعديل 5 / 201، تهذيب الكمال لوحة 757، العبر 1 / 364، تذكرة الحفاظ 1 / 367، تذهيب التهذيب 2 / 196 / 1، البداية والنهاية 10 / 267، العقد الثمين 5 / 298 - 300، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 463، 464، تهذيب التهذيب 6 / 83، طبقات الحفاظ: 156، خلاصة تذهيب الكمال: 219، شذرات الذهب 2 / 29. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَهْوَازِيُّ الأَصْلِ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ، مَوْلَى آلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ عَوْنٍ، وَكَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ التُّجِيْبِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ الإِفْرِيْقِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَمَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الشُّعَيْثِيِّ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَعَيَّاشِ بنِ عُقْبَةَ - عمٍّ لابْنِ لَهِيْعَةَ - وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ اليَشْكُرِيِّ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالكُلُّ - عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَهَارُوْنُ بنُ مَلُّوْلٍ، وَأَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ القَطَّانُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، وَهُوَ مِنْ كُبَرَاءِ مَشْيَخَةِ البُخَارِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: أَنَا مَا بَيْنَ التِّسْعِيْنَ إِلَى المائَةِ، وَأَقْرَأْتُ القُرْآنَ بِالبَصْرَةِ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَهَا هُنَا بِمَكَّةَ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (2) . قُلْتُ: أَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ (3) ، وَأَحْسَبُهُ تَلاَ عَلَيْهِ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 757. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 757، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 367. (3) تقدمت ترجمته في الجزء السابع ص 336 - 338. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي القِرَاءةِ، رَوَاهُ عَنْهُ وَلدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَلَقَّنَ عَلَيْهِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، أَوْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ (2) . قُلْتُ: يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (القَطِيْعِيَّاتِ (3)) ، وَكَانَ مِنْ مَشَايخِ الإِسْلاَمِ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ إِجَازَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: أنَّه رَآهُ يُصَلِّي فِي قَمِيْصٍ خَفِيْفٍ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِزَارٌ، وَلاَ رِدَاءٌ. قَالَ: وَلاَ أَظُنُّهُ صَلَّى فِيْهِ إِلاَّ لِيُرِيَنَا أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُقْرِئِ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا سُئِلَ عَنْ أَبِي، قَالَ: كَانَ ذَهَباً خَالِصاً (5) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ صَدُوْقٌ (6) .   (1) انظر " التاريخ الكبير " 5 / 228. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 757. (3) تقدم التعريف بها في الصفحة 123 تعليق رقم 5. (4) إسناده صحيح، وهو في " مسند " أبي حنيفة برقم (81) ، وقال محمد بن المنكدر: رأيت جابرا يصلي في ثوب واحد، وقال: رأيت رسول الله يصلي في ثوب. أخرجه البخاري 1 / 395 في الصلاة: باب عقد الازار على القفا في الصلاة، و403 باب الصلاة بغير رداء، ومسلم (518) و (766) وأبو داود (633) و (634) . (5) " تهذيب الكمال " لوحة 757، و" العقد الثمين " 5 / 299. (6) " الجرح والتعديل " 5 / 201. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 وَقَالَ الخَلِيْلِيُّ: حَدِيْثُهُ عَنِ الثِّقَاتِ حُجَّةٌ، وَيَنْفَرِدُ بِأَحَادِيْثَ، وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ ثِقَةٌ (1) . 30 - يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ زَيْدٍ الحَضْرَمِيُّ * (م، د، س، ق) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، مُقْرِئُ البَصْرَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ العَشَرَةِ. وُلِدَ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. تَلاَ عَلَى: أَبِي المُنْذِرِ سَلاَّمٍ الطَّوِيْلِ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَشِهَابِ بنِ شُرْنُفَةَ (2) . وَسَمِعَ أَحْرُفاً مِنَ: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ (3) . وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ (4) ، وَأَبِي عَقِيْلٍ الدَّوْرَقِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ مُوْسَى، وَسَلِيْمِ بنِ حَيَّانَ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَعِدَّةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي عِلمِ الحَدِيْثِ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 757. (*) طبقات ابن سعد 7 / 304، طبقات خليفة: 227، تاريخ خليفة 472، التاريخ الكبير 8 / 399، 400، التاريخ الصغير 2 / 304، الجرح والتعديل 9 / 203، طبقات الزبيدي: 51، معجم الأدباء 20 / 52، وفيات الأعيان 6 / 390، 391، تهذيب الكمال لوحة 1548، تذهيب التهذيب 4 / 184 / 1، العبر 1 / 348، معرفة القراء الكبار للذهبي 1 / 130، الكاشف 3 / 290، طبقات القراء لابن الجزري 2 / 386 - 389، تهذيب التهذيب 11 / 382، النجوم الزاهرة 2 / 179، بغية الوعاة 2 / 348، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 14. (2) بضم الشين، وسكون الراء، وضم النون كما في " تبصير المنتبه " 2 / 781. (3) تقدمت ترجمته في الجزء السابع من هذا الكتاب الصفحة 90. (4) هو همام بن يحيى بن دينار العوذي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 وَفَاقَ النَّاسَ فِي القِرَاءةِ، وَمَا هُوَ بِدُوْنِ الكِسَائِيِّ (1) ، بَلْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّةٍ، لَكِنْ رُزِقَ أَبُو الحَسَنِ سَعَادَةً. وازْدَحَمَ القُرَّاءُ عَلَى يَعْقُوْبَ، فتَلاَ عَلَيْهِ: رَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُتَوَكِّلِ رُوَيْسٌ (3) ، وَالوَلِيْدُ بنُ حَسَّانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ المَكْفُوْفُ، وَكَعْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَحُمَيْدُ بنُ وَزِيْرٍ، وَالمِنْهَالُ بنُ شَاذَانَ أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ عَلاَنيَةً بِحَرْفِهِ بِالبَصْرَةِ، فِي أَيَّامِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَيَحْيَى اليَزِيْدِيِّ، وَسُلَيْمٍ (4) ، وَالشَّافِعِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ، فَمَا بَلَغَنَا بَعْدَ الفَحْصِ وَالتَّنْقِيبِ أَنَّ أَحَداً مِنَ القُرَّاءِ، وَلاَ الفُقَهَاءِ، وَلاَ الصُّلَحَاءِ، وَلاَ النُّحَاةِ، وَلاَ الخُلَفَاءِ كَالرَّشِيْدِ، وَالأَمِيْنِ، وَالمَأْمُوْنِ أَنْكَرُوا قِرَاءتَهُ، وَلاَ مَنَعُوهُ مِنْهَا أَصْلاً، وَلَوْ أَنْكَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، لَنُقِلَ، وَلاَشْتُهِرَ، بَلْ مَدَحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَقرَأَ بِهَا أَصْحَابُه بِالعِرَاقِ، وَاسْتَمَرَّ إِمَامُ جَامِعِ البَصْرَةِ بِقِرَاءتِهَا فِي المِحْرَابِ سِنِيْنَ مُتَطَاوِلَةٍ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ، بَلْ تَلَقَّاهَا النَّاسُ بِالقَبُولِ، وَلَقَدْ عُومِلَ حَمْزَةُ مَعَ جَلاَلتِهِ بِالإِنْكَارِ عَلَيْهِ   (1) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب الصفحة 131. (2) هو روح بن عبد المؤمن أبو الحسن الهذلي مولاهم البصري النحوي، مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور، روى قراءة يعقوب عنه، وروى عنه البخاري في " صحيحه "، مات سنة 234 أو 235. انظر " غاية النهاية في طبقات القراء " 1 / 285. (3) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري المعروف برويس، مقرئ ضابط مشهور، أحد رواة قراءة يعقوب، قال الداني: وهو من أحذق أصحابه. توفي بالبصرة سنة 238. انظر " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 234، 235. (4) هو سليم بن عيسى بن سليم بن عامر المقرئ، المتوفى سنة 188 هـ. وقد تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ص 375. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 فِي قِرَاءتِهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الكِبَارِ، وَلَمْ يَجْرِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَبَداً، حَتَّى نَشَأَ طَائِفَةٌ مُتَأَخِّرُوْنَ لَمْ يَأْلَفُوهَا، وَلاَ عَرَفُوهَا، فَأَنْكَرُوهَا - وَمَنْ جَهِلَ شَيْئاً، عَادَاهُ - قَالُوا: لَمْ تَتَّصِلْ بِنَا مُتَوَاتِرَةً. قُلْنَا: اتَّصَلَتْ بِخَلْقٍ كَثِيْرٍ مُتَوَاتِرَةً، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الأُمَّةِ، فَعِنْدَ القُرَّاءِ أَشْيَاءُ مُتَوَاتِرَةٌ دُوْنَ غَيْرِهِم، وَعِنْدَ الفُقَهَاءِ مَسَائِلُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ لاَ يَدْرِيْهَا القُرَّاءُ، وَعِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ أَحَادِيْثُ مُتَوَاتِرَةٌ قَدْ لاَ يَكُوْنُ سَمِعَهَا الفُقَهَاءُ، أَوْ أَفَادَتْهُم ظَنّاً فَقَطْ، وَعِنْدَ النُّحَاةِ مَسَائِلُ قَطْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ اللُّغَوِيُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ جَهِلَ عِلْماً حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْجَاهِلِ: تَعَلَّمْ، وَسَلْ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كُنْتَ لاَ تَعْلَمُ، لاَ يُقَالُ لِلْعَالِمِ: اجْهَلْ مَا تَعْلَمُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم الإِنْصَافَ، فَكَثِيْرٌ مِنَ القِرَاءَاتِ تَدَّعُوْنَ تَوَاتُرَهَا، وَبِالجَهْدِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى غَيْرِ الآحَادِ فِيْهَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ: نَتْلُو بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ عَنْ وَاحِدٍ؛ لِكَوْنِهَا تُلُقِّيَتْ بِالقَبُولِ، فَأَفَادَتِ العِلْمَ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي حُرُوْفٍ كَثِيْرَةٍ، وَقِرَاءَاتٍ عَدِيْدَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى تَوَاتُرَهَا، فَقَدْ كَابَرَ الحِسَّ (1) ، أَمَّا القُرْآنُ العَظِيْمُ - سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ - فَمُتَوَاتِرٌ - وَللهِ الحَمْدُ - مَحْفُوْظٌ مِنَ الله -تَعَالَى- لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلاَ يَزِيْدَ فِيْهِ آيَةً، وَلاَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ عَمْداً، لاَنْسَلَخَ مِنَ الدِّيْنِ. قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ   (1) جاء في كتاب " المدخل " ص 196 لعبد القادر بدران بتحقيق الدكتور عبد الله بن التركي ما نصه: القراءات السبع متواترة وهو المشهور، وقال ابن الحاجب: هي متواترة فيما ليس من قبيل المد والامالة وتخفيف الهمزة ونحوها، وهذا خلاف المشهور. وذهب الطوفي إلى أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأئمة السبعة فهو محل نظر، فإن أسانيد الأئمة السبعة بهده القراءات السبعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد، لم تستكمل شروط التواتر، قال: وأبلغ من هذا أنها لم تتواتر بين الصحابة. قال: واعلم أن بعض من لا تحقيق عنده ينفر من القول بعدم تواتر القراءات ظنا منه أن ذلك يستلزم عدم تواتر القرآن، وليس ذلك بلازم، لأنه فرق بين ماهية القرآن والقراءات، والإجماع على تواتر القرآن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 لَحَافِظُوْنَ} [الحِجْرُ: 9] . وَأَوَّلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ حَرْفَ يَعْقُوْبَ مِنَ الشَّاذِّ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أئِمَّةٌ، وَصَارَ فِي الجُمْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ خِلاَفٌ حَادِثٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْ يَعْقُوْبٍ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانُ، وَالكُدَيْمِيُّ (1) ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ. وَكَانَ أَخُوْهُ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ أَسَنَّ مِنْهُ. قَالَ العَلاَّمَةُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: يَعْقُوْبُ أَعْلَمُ مَنْ رَأَينَا بِالحُرُوْفِ وَالاختِلاَفِ فِي القُرْآنِ، وَعِلَلِهِ، وَمَذَاهِبِهِ، وَمَذَاهِبِ النَّحْوِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ العِجْلِيُّ يَمْدَحُ يَعْقُوْبَ: أَبُوْهُ مِنَ القُرَّاءِ كَانَ وَجَدُّهُ ... وَيَعْقُوْبُ فِي القُرَّاءِ كَالكَوْكَبِ الدُّرِّي تَفَرُّدُهُ مَحْضُ الصَّوَابِ وَوَجْهُهُ (4) ... فَمَنْ مِثْلُهُ فِي وَقْتِهِ وَإِلَى الحَشْرِ   (1) هو محمد بن يونس الكديمي (2) " معرفة القراء " 1 / 130، و" وفيات الأعيان " 6 / 391. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 204، و" تهذيب الكمال " لوحة 1458. (4) في " معجم الأدباء ": " وجمعه "، يشير إلى كتاب " الجامع " الذي صنفه يعقوب، وذكر فيه اختلاف وجوه القراءات، ونسب كل حرف إلى من قرأ به. (5) البيتان في " معرفة القراء " 1 / 130، و" معجم الأدباء " 2 / 53، و" بغية الوعاة " 2 / 438، و" النجوم الزاهرة " 2 / 179. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 قَالَ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ غَلْبُوْنَ (1) : وَإِمَامُ أَهْلِ البَصْرَةِ بِالجَامِعِ لاَ يَقْرَأُ إِلاَّ بِقِرَاءةِ يَعْقُوْبَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَالَ الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ السَّعِيْدِيُّ: كَانَ يَعْقُوْبُ أَقْرَأَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ لاَ يَلْحَنُ فِي كَلاَمِهِ، وَكَانَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ مِنْ بَعْضِ غِلْمَانِهِ (2) . وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُوْرَةَ طَه، فَقُلْتُ: مَكَاناً سِوَى. فَقَالَ: (اقرَأْ سُوَى قِرَاءةَ يَعْقُوْبَ) (3) . قَالَ أَبُو القَاسِمِ الهُذَلِيُّ (4) فِي (كَامِلِهِ) : وَمِنْهُم يَعْقُوْبُ الحَضْرَمِيُّ، لَمْ يُرَ فِي زَمَنِهِ مِثْلُهُ، كَانَ عَالِماً بِالعَرَبِيَّةِ وَوُجُوْهِهَا، وَالقُرْآنِ وَاختِلاَفِهِ، فَاضِلاً، تَقِيّاً، نَقِيّاً، وَرِعاً، زَاهِداً، بَلَغَ مِنْ زُهْدِهِ أنَّهُ سُرِقَ رِدَاؤُهُ عَنْ كَتِفِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ، وَرُدَّ إِلَيْهِ فَلَمْ يَشْعُرْ؛ لِشُغْلِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَبَلَغَ مِنْ جَاهِهِ بِالبَصْرَةِ أنَّه كَانَ يَحْبِسُ وَيُطْلِقُ (5) . وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِوَارٍ: كَانَ يَعْقُوْبُ حَاذِقاً بِالقِرَاءةِ، قَيِّماً بِهَا،   (1) هو أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف " التذكرة " وشيخ أبي عمرو الداني. توفي سنة 399 هـ انظر " النشر " 1 / 73. (2) " معرفة القراء الكبار " 1 / 130. (3) وهي قراءة عاصم وحمزة وابن عامر، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان: أي: مكانا عدلا، وقيل: وسطا بين قريتين " حجة القراءات " ص 453. (4) واسمه يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل الهذلي المغربي نزيل نيسابور، وقد توفي بها سنة خمس وستين وأربع مئة، وكتابه " الكامل " في القراءات العشر والاربعين الزائدة عليها، فيما ذكره ابن الجزري في " النشر " 1 / 90. (5) " معرفة القراء الكبار " 1 / 131. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 مُتَحَرِّياً، نَحْوِيّاً، فَاضِلاً. قَالَ رَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَغَيْرُهُ: قَرَأَ يَعْقُوْبُ عَلَى سَلاَّمٍ الطَّوِيْلِ، وَقَرَأَ سَلاَّمٌ عَلَى أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ. وَقَالَ رُوَيْسٌ: قَرَأْتُ عَلَى يَعْقُوْبَ، وَقَرَأَ عَلَى سَلاَّمٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ. وَرُوِيَ عَنْ يَعْقُوْبَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى سَلاَّمٍ، عَنْ قِرَاءتِهِ عَلَى عَاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ. فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَلاَّماً أَخَذَ عَنِ الثَّلاَثَةِ. مَاتَ يَعْقُوْبُ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ. أَخُوْهُ: 31 - أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ * (م، د، ت، س) حَافِظٌ، ثِقَةٌ. يَرْوِي عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَوُهَيْبٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَعِدَّةٌ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 304، التاريخ الكبير 2 / 1، الجرح والتعديل 2 / 40، تاريخ بغداد 4 / 26، تهذيب الكمال لوحة 17، ميزان الاعتدال 1 / 82، تذهيب التهذيب 1 / 7 / 1، الكاشف 1 / 51، تهذيب التهذيب 1 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 3. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) ، وَالنَّسَائِيُّ (2) . مَاتَ: سنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. لَمْ يُخَرِّجْ لَهُمَا البُخَارِيُّ شَيْئاً. وَيُكْنَى أَحْمَدُ: أَبَا إِسْحَاقَ، وَكَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ. 32 - الأَصْمَعِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبٍ * (د، ت) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، حُجَّةُ الأَدَبِ، لِسَانُ العَرَبِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَصْمَعَ بنِ مُظَهِّرِ (3) بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ أَعْيَا بنِ سَعْدِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ قُتَيْبَةَ بنِ مَعْنِ بنِ مَالِكِ بنِ أَعْصُرَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ الأَصْمَعِيُّ، البَصْرِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، أَحَدُ الأعلاَمِ. يُقَالُ: اسْمُ أَبِيْهِ: عَاصِمٌ، وَلَقَبُهُ: قُرَيْبٌ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 40. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 27. (*) تاريخ ابن معين: 374، التاريخ الكبير 5 / 428، المعارف لابن قتيبة: 543، 544، الجرح والتعديل 5 / 363، مراتب النحويين: 46 - 65، طبقات النحويين للزبيدي: 167 - 174، أخبار النحويين البصريين: 58 - 67، تاريخ أصبهان 2 / 130، الفهرست: 60، 61، تاريخ بغداد 10 / 410 - 420، الأنساب للسمعاني 1 / 293، تاريخ ابن عساكر 10 / ورقة 239 / 1 - 247 / 1، نزهة الالبا: 112 - 124، إنباه الرواة 2 / 197 - 205، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 273، وفيات الأعيان 3 / 170 - 176، تاريخ أبي الفدا 2 / 30، تهذيب الكمال لوحة 861، تذهيب التهذيب 3 / 6 / 2، العبر 1 / 370، ميزان الاعتدال 2 / 662، عيون التواريخ 7 / لوحة 308، مرآة الجنان 2 / 64، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 470، تهذيب التهذيب 6 / 415، النجوم الزاهرة 2 / 190، روضات الجنات 458 - 462، بغية الوعاة 2 / 112، 113، المزهر 2 / 404، 405، خلاصة تذهيب الكمال: 245، طبقات المفسرين 1 / 354 - 356، شذرات الذهب 2 / 36 - 38، شرح الشريشي 2 / 256. (3) ضبط بالاصل بتشديد الهاء المكسورة، وهو الموافق لما في " الإكمال " و" الأنساب " و" الجمهرة "، وفي " القاموس " بتشديد الهاء المفتوحة، وفي " تبصير المنتبه " مظهر بوزن محسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَشُعْبَةَ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ بِلاَلٍ، وَشَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ، لَكِنَّهُ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ لِلْمُسْنَدَاتِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المِنْقَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأَبُو الفَضْلِ الرِّيَاشِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو عَصِيْدَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: سَمِعَ مِنِّي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ (1) . وَقَدِ أَثْنَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى الأَصْمَعِيِّ فِي السُّنَّةِ (2) . قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: لَوْ تَفَرَّغْتَ، لَجِئْتُكَ (3) . قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى الأَصْمَعِيِّ أَعُودُهُ، فَإِذَا قِمَطْرٌ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 861. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 418، و" تهذيب الكمال " لوحة 861، و" نزهة الالباء " ص 123. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 411، و" تهذيب الكمال " لوحة 861، و" تذهيب التهذيب " 3 / 6 / 2، و" تهذيب التهذيب " 6 / 416. وجاء في الأصل بعد قوله: " لجئتك " زيادة لفظ " بالشعبي " ولم ترد في المصادر السابقة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 فَقُلْتُ: هَذَا عِلْمُكَ كُلُّهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ حَقٍّ لَكَثِيْرٌ (1) . وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قِيْلَ لِلأَصْمَعِيِّ: كَيْفَ حَفِظْتَ وَنَسُوا؟ قَالَ: دَرَسْتُ، وَتَرَكُوا (2) . قَالَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أُرْجُوزَةٍ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الأَعْرَابِيِّ: شَهِدْتُ الأَصْمَعِيَّ وَقَدْ أَنْشَدَ نَحْواً مِنْ مَائَتَي بَيْتٍ، مَا فِيْهَا بَيْتٌ عَرَفْنَاهُ (4) . قَالَ الرَّبِيْعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا عَبَّرَ أَحَدٌ عَنِ العَرَبِ بِأَحْسَنَ مِنْ عِبَارَةِ الأَصْمَعِيِّ (5) . وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فِي فَنِّهِ (6) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَدُوْقٌ (7) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 862. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 862. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 411، و" وفيات الأعيان " 3 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" إنباه الرواة " 2 / 198، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" طبقات المفسرين " 1 / 354، و" نزهة الالباء " ص 113، و" عيون التواريخ " 7 / 308. (4) تهذيب الكمال " لوحة 862، و" نزهة الالباء " ص 113. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 417، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 172، و" طبقات المفسرين " 1 / 354، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" نزهة الالباء " ص 121. (6) " الجرح والتعديل " 5 / 363، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" عيون التواريخ " 7 / 308. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" نزهة الالباء " ص 123. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ (1) : سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2)) . وَقَالَ نَصْرٌ الجَهْضَمِيُّ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ الحَدِيْثَ كَمَا يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ القُرْآنَ (3) . قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الأَصْمَعِيُّ بَحْراً فِي اللُّغَةِ، لاَ نَعْرِفُ مِثْلَهُ فِيْهَا، وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ أَنْحَى مِنْهُ (4) . قِيْلَ لأَبِي نُوَاسٍ: قَدْ أُشْخِصَ الأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الرَّشِيْد. فَقَالَ: أَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ، فَإِنْ مَكَّنُوهُ مِنْ سِفْرِهِ، قَرَأَ عَلَيْهِم عِلْمَ أَخْبَارِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِيْنَ، وَأَمَّا الأَصْمَعِيُّ فَبُلْبُلٌ يُطْرِبُهُم بِنَغَمَاتِهِ (5) . قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ! كَمْ كِتَابُكَ فِي الخَيْلِ؟ قُلْتُ: جِلْدٌ.   (1) هو أبو داود سليمان بن معبد بن كوسجان السنجي نسبة إلى سنج - بكسر السين وسكون النون وفي آخرها جيم - قرية كبيرة من قرى مرو على سبعة فراسخ منها. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" التبصرة والتذكرة " 2 / 174، و" الالماع " ص 184، و" فتح المغيث " 2 / 227، و" توضيح الافكار " 2 / 293، 294، وعلق عليه الأخير فقال: إنما قال الاصمعي: " أخاف " ولم يجزم، لان من لم يعلم بالعربية وإن لحن لم يكن متعمدا للكذب. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 418، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" بغية الوعاة " 2 / 112، و" نزهة الالباء " ص 122، و" طبقات المفسرين " 1 / 355 وفي الأخير: قال أبو داود: كان الاصمعي ... (4) انظر " تاريخ بغداد " 10 / 414، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" نزهة الالباء " ص 113، و" إنباه الرواة " 2 / 201. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 414، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" إنباه الرواة " 2 / 201، و" عيون التواريخ " 7 / 308. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خَمْسُوْنَ جِلْداً. فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الكِتَابَيْنِ، وَأَحْضَرَ فَرَساً، فَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اقرَأْ كِتَابَكَ حَرْفاً حَرْفاً، وضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِعٍ. قَالَ: لَسْتُ بِبِيْطَارٍ (1) ، إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَخَذْتُهُ مِنَ العَرَبِ. فَقَالَ لِي: قُمْ، فَضَعْ يَدَكَ. فَقُمْتُ، فَحَسَرْتُ عَنْ ذِرَاعِي وَسَاقِي، ثُمَّ وَثَبْتُ، فَأَخَذْتُ بِأُذُنِ الفَرَسِ، ثُمَّ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْبِضُ (2) مِنْهُ بِشَيْءٍ شَيْءٍ، وَأَقُوْلُ هَذَا اسْمُهُ كَذَا، وَأُنْشِدُ فِيْهِ، حَتَّى بَلَغْتُ حَافِرَهُ، فَأَمَرَ لِي بِالفَرَسِ، فَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَغِيْظَ أَبَا عُبَيْدَةَ، رَكِبْتُ الفَرَسَ وَأَتَيْتُهُ (3) . وَعَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ: أَنَّ الأَصْمَعِيَّ كَانَ بَخِيْلاً، وَيَجْمَعُ أَحَادِيْثَ البُخَلاَءِ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: كُنَّا مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بقُرْبِ دَارِ الأَصْمَعِيِّ، فَسَمِعْنَا مِنْهَا ضَجَّةً، فَبَادَرَ النَّاسُ لِيَعْرِفُوا ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا يَفْعَلُوْنَ هَذَا عِنْدَ الخُبْزِ، كَذَا يَفْعَلُوْنَ إِذَا فَقَدُوا رَغِيفاً (5) . وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: نِلْتُ مَا نِلْتُ بِالمُلَحِ (6) .   (1) البيطار: معالج الدواب. (2) في " بغية الوعاة " و" وفيات الأعيان " و" طبقات المفسرين ": وجعلت أذكر عضوا عضوا وأضع يدي عليه. وفي " إنباه الرواة ": وشرعت أذكر عضوا عضوا، ويدي على ذلك العضو. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 415، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 172، و" الأنساب " 1 / 294، و" نزهة الالباء " ص 120، 121، و" بغية الوعاة " 2 / 113، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" إنباه الرواة " 2 / 202. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 862، و" طبقات المفسرين " 1 / 355. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 862. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 862، وتتمته فيه: قال: وقال مصعب الزبيري: قال أبي: الملح يا بني لا يفهمها إلا عقلاء الرجال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 قُلْتُ: كَتَبَ شَيْئاً لاَ يُحْصَى عَنِ العَرَبِ، وَكَانَ ذَا حِفْظٍ، وَذكَاءٍ، وَلُطْفِ عِبارَةٍ، فَسَادَ. وَرَوَى: ثَعْلَبٌ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ (1) ، قَالَ: قَدِمَ الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ، فَجَمَعَ أَهْلَ الأَدَبِ، وَحَضَرْتُ، وَوَقَّعَ الحَسَنُ عَلَى خَمْسِيْنَ رُقْعَةٍ، وَجَرَى ذِكْرُ الحُفَّاظِ، فَذَكَرْنَا الزُّهْرِيَّ، وَقَتَادَةَ. فَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَأَنَا أُعِيدُ مَا وَقَّعَ بِهِ الأَمِيْرُ عَلَى التَّوَالِي، فَأُحْضِرَتِ الرِّقَاعُ. فَقَالَ: صَاحِبُ الرُّقْعَةِ الأُوْلَى كَذَا وَكَذَا، وَاسْمُهُ كَذَا وَكَذَا، وَوقَّعَ لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، وَالرُّقْعَةُ الثَّانِيَةُ كَذَا، وَالثَّالِثَةُ ... حَتَّى مَرَّ عَلَى نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ رُقْعَةً. فَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَيُّهَا المَرْءُ أَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ العَينِ (2) . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَالَ: حَسْبُكَ لاَ تُقْتَلْ بِالعَيْنِ. وَقَالَ: يَا غُلاَمُ! احمِلْ مَعَهُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً. قَالَ عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ: رَأَيْتُ الأَصْمَعِيَّ وَسِيْبَوَيْه يَتَنَاظرَانِ. فَقَالَ يُوْنُسَ: الحَقُّ مَعَ سِيْبَوَيْه، وَهَذَا يَغْلِبُهُ بِلِسَانِهِ (3) . وَرُوِيَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الرَّشِيْدَ أَجَازَهُ مَرَّةً بِمائَةِ أَلْفِ (4) .   (1) هو أحمد بن عمر بن بكير النحوي، ذكره القفطي في " إنباه الرواة " 1 / 90، وقال: نحوي مذكور متصدر للاقراء، عاصر أبا عبيدة معمر بن المثنى التيمي، والاصمعي، ونصر بن علي الجهضمي، ووطئ بساط الامراء والكبراء والوزراء، وروى عنه أبو العباس أحمد بن يحيى ابن ثعلب وطبقته. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 415، 416، و" تهذيب الكمال " لوحة 862، و" وفيات الأعيان " 3 / 173، و" نزهة الالباء " ص 121، و" إنباه الرواة " 1 / 90، 91. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 417، و" طبقات المفسرين " 1 / 355، و" نزهة الالباء " ص 122. (4) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 10 / 413. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 وَتَصَانِيْفُ الأَصْمَعِيِّ وَنَوَادِرُهُ كَثِيْرَةٌ، وَأَكْثَرُ تَوَالِيفِهِ مُخْتَصَرَاتٍ، وَقَدْ فُقِدَ أَكْثَرُهَا (1) . قَالَ خَلِيْفَةُ (2) ، وَأَبُو العَيْنَاءِ (3) : مَاتَ الأَصْمَعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالبُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ (4) . وَيُقَالُ: عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ- (5) . 33 - عَمْرُو بنُ مَسْعَدَةَ بنِ سَعْدِ بنِ صُوْلٍ الصُّوْلِيُّ * العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، أَبُوَ الفَضْلِ، ابْنُ عَمِّ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ، الصُّوْلِيِّ، الشَّاعِرُ. وَكَانَ مُوَقِّعاً (6) بَيْنَ يَدِي جَعْفَرَ البَرْمَكِيِّ، وَكَانَ فَصِيْحاً، قَوِيَّ الموَادِّ فِي الإِنشَاءِ. يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (7) . وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.   (1) وقد ذكرها ابن النديم في " الفهرست " ص 61. (2) في " تاريخه " ص 475. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 419. (4) " التاريخ الكبير " 5 / 428، و" تاريخ بغداد " 10 / 419. وذكر أبو نعيم في كتاب " أخبار أصبهان " 2 / 130 أنه توفي سنة اثنتي عشرة ومئتين. (5) قاله الخطيب في " تاريخ بغداد " 10 / 420. (*) الوزراء والكتاب: 216، معجم المرزباني: 33، تاريخ بغداد 12 / 203، معجم الأدباء 16 / 127 - 132، وفيات الأعيان 3 / 475 - 478، إعتاب الكتاب: 116، أمراء البيان: 191. (6) الموقع: هو الكاتب الذي يجيب على الرسائل، وانظر بعض كتاباته في " وفيات الأعيان " 3 / 475 - 478. (7) " تاريخ بغداد " 12 / 203، و" وفيات الأعيان " 3 / 476، وذكرا أن وفاته في موضع يقال له: أذنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 عَمِلَ وِزَارَةَ المَأْمُوْنِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ (1) . 34 - أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ * الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، زَاهِدُ العَصْرِ، أَبُو سُلَيْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ. وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَطِيَّةَ. وَقِيْلَ: ابْنُ عَسْكَرٍ العَنْسِيُّ، الدَّارَانِيُّ (2) . وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ البَصْرِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بنِ سُوَيْدٍ، وَصَالِحِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ. رَوَى عَنْهُ: تِلْمِيْذُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَهَاشِمُ بنُ خَالِدٍ، وَحُمَيْدُ بنُ هِشَامٍ العَنْسِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ صَالِحٍ الدَّارَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَيُّوْبَ الحَوْرَانِيُّ. أَبُو الجَهْمِ بنُ طَلاَّبٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: اسْمُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَطِيَّةَ العَنْسِيُّ، مِنْ صَلِيْبَةِ العَرَبِ.   (1) انظر شيئا من نظمه في " معجم الأدباء " 16 / 130 و131. (*) الجرح والتعديل 5 / 214، تاريخ داريا للقاضي عبد الجبار الخولاني: ص 51، طبقات الصوفية: 75 - 82، حلية الأولياء 9 / 254 - 280، تاريخ بغداد 10 / 248 - 250، نتائج الافكار القدسية شرح الرسالة القشيرية 1 / 113، الأنساب للسمعاني 5 / 243، صفة الصفوة 4 / 223 - 234، معجم البلدان 2 / 431، اللباب 1 / 482، وفيات الأعيان 3 / 131، العبر 1 / 347، فوات الوفيات 2 / 265، عيون التواريخ 7 / لوحة 186، مرآة الجنان 2 / 29، البداية والنهاية 10 / 255، طبقات الأولياء: 386 - 397، النجوم الزاهرة 2 / 179، طبقات الشعراني 1 / 92، شذرات الذهب 2 / 13. (2) قال ابن خلكان 3 / 131: والداراني بفتح الدال المهملة وبعد الالف راء مفتوحة، وبعد الالف الثانية نون، هذه النسبة إلى داريا، وهي قرية بغوطة دمشق، والنسبة إليها على هذه الصورة من شواذ النسب، والياء في " داريا " مشددة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 وَرَوَى: أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، عَنْ أَبِي الجَهْمِ أَيْضاً، عَنِ ابْنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ وَاسْمُه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَسْكَرٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: صَلِّ خَلْفَ كُلِّ مُبْتَدِعٍ، إِلاَّ القَدَرِيَّ، لاَ تُصَلِّ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ سُلْطَاناً. وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالعِرَاقِ أَعْمَلُ، وَأَنَا بِالشَّامِ أَعْرَفُ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَيْسَ لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئاً مِنَ الخَيْرَاتِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مِنَ الأَثَرِ (2) . الخَلْدِيُّ: عَنِ الجُنَيْدِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: رُبَّمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَوْمِ أَيَّاماً، فَلاَ أَقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَينِ، الكِتَابُ وَالسُّنَّة (3) . وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَفْضَلُ الأَعْمَالِ خِلاَفُ هَوَى النَّفْسِ (4) . وَقَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَمٌ، وَعَلَمُ الخِذْلاَنِ تَرْكُ البُكَاءِ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ صَدَأٌ، وَصَدَأُ القَلْبِ الشِّبَعُ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 249، و" حلية الأولياء " 9 / 272، و" طبقات الأولياء " ص 293، وتتمة الخبر: قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به سليمان ابنه، فقال: إنما معرفة أبي لله تعالى بالشام لطاعته بالعراق، ولو ازداد بالشام طاعة لازداد بالله معرفة. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 249، و" حلية الأولياء " 9 / 269، وتتمته: فإذا سمعه من الاثر عمل به وحمد الله حيث وافق ما في قلبه. (3) " البداية والنهاية " 10 / 255، و" طبقات الصوفية " ص 77، 78، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 114. وأراد ب " النكتة ": كلمة الحكمة، وب " القوم ": الصالحين ممن اشتهر بالخير. (4) " البداية والنهاية " 10 / 256، و" طبقات الصوفية " ص 81، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 115. (5) " البداية والنهاية " 10 / 256، و" طبقات الصوفية " ص 81، و" طبقات الأولياء " ص 387، و" نتائج الافكار القدسية " 1 / 115. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ الخَوْفُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِفْتَاحُ الدُّنْيَا الشِّبَعُ، وَمِفْتَاحُ الآخِرَةِ الجُوعُ (1) . أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا الخَلْدِيُّ، حَدَّثَنِي الجُنَيْدُ، سَمِعْتُ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: قَدَّمَ إِلَيَّ أَهْلِي مَرَّةً خُبْزاً وَمِلْحاً، فَكَانَ فِي المِلْحِ سُمْسُمَةٌ، فَأَكَلْتُهَا، فَوَجَدْتُ رَانَهَا عَلَى قَلْبِي بَعْدَ سَنَةٍ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ قِيْمَةً، لَمْ يَذُقْ حَلاَوَةَ الخِدْمَةِ (2) . وَعَنْهُ: إِذَا تَكَلَّفَ المُتَعَبِّدُوْنَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالإِعرَابِ، ذَهَبَ الخُشُوْعُ مِنْ قُلُوْبِهِم. وَعَنْهُ: إِنَّ مِنْ خَلْقِ اللهِ خَلْقاً لَوْ زُيِّنَ لَهُمُ الجِنَانُ، مَا اشْتَاقُوا إِلَيْهَا، فَكَيْفَ يُحِبُّوْنَ الدُّنْيَا، وَقَدْ زَهَّدَهُم فِيْهَا (3) . قَالَ أَحْمَدُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْلاَ اللَّيْلُ لَمَا أَحْبَبْتُ البَقَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَلَرُبَّمَا رَأَيْتُ القَلْبَ يَضْحَكُ ضَحِكاً (4) .   (1) " حلية الأولياء " 9 / 259، و" تاريخ بغداد " 10 / 250، و" البداية والنهاية " 10 / 256، وفيها: وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله تعالى. (2) " البداية والنهاية " 10 / 256. (3) الخبر في " الحلية " 9 / 273، ولفظه: أحمد - هو ابن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: إن في خلق الله تعالى خلقا لو ذم لهم الجنان ما اشتاقوا إليها، فكيف يحبون الدنيا وهو قد زهدهم فيها؟ فحدثت به سليمان ابنه، فقال: لو ذمها لهم؟ قلت: كذا قال أبوك. قال: والله لو شوقهم إليها لما اشتاقوا، فكيف لو ذمها لهم. (4) انظر " الحلية " 9 / 275، و" تاريخ بغداد " 10 / 249، و" البداية والنهاية " 10 / 257. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 قَالَ أَحْمَدُ: وَرَأَيْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أفَاقَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ العَبْدَ إِذْ حَجَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، قِيْلَ لَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ، حَتَّى تَطْرَحَ مَا فِي يَدَيْكَ، فَمَا يُؤْمِنَّا أَنْ يُقَالَ لَنَا مِثْلُ هَذَا، ثُمَّ لَبَّى (1) . قَالَ الجُنَيْدُ: شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَا أَسْتَحْسِنُهُ كَثِيْراً: مَنِ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ، شُغِلَ عَنِ النَّاسِ، وَمَنِ اشتَغَلَ بِرَبِّهِ، شُغِلَ عَنْ نَفْسِه وَعَنِ النَّاسِ (2) . ابْنُ بَحْرٍ الأَسَدِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: مَنْ وَثِقَ بِاللهِ فِي رِزْقِهِ، زَادَ فِي حُسْنِ خُلُقِهِ، وَأَعْقَبَهُ الحِلْمَ، وَسَخَتْ نَفْسُهُ، وَقَلَّتْ وَسَاوِسُهُ فِي صَلاَتِهِ (3) . وَعَنْهُ: الفُتُوَّةُ أَنْ لاَ يَرَاكَ اللهُ حَيْثُ نَهَاكَ، وَلاَ يَفْقِدُكَ حَيْثُ أَمَرَكَ. وَلابْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ هَذَا المَعْنَى كَثِيْرٌ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) وَفِي (الحِلْيَةِ) . أَنْبَأَنِي المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الدَّائِمِ الهِلاَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ: تَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ فِي المَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ! مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: يَا أَحْمَدُ! دَخَلْتُ مِنْ بَابِ الصَّغِيْرِ، فَلَقِيتُ   (1) " الحلية " 9 / 263، 264. (2) " البداية والنهاية " 10 / 257. (3) " حلية الأولياء " 9 / 257. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 وَسْقَ شِيْحٍ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ عُوداً، فَلاَ أَدْرِي تَخَلَّلْتُ بِهِ أَمْ رَمَيْتُ بِهِ، فَأَنَا فِي حِسَابِهِ مِنْ سَنَةٍ (1) . قَالَ سَعِيْدُ بنُ حَمْدُوْنَ، وَالسُّلَمِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ: تُوُفِّيَ أَبُو سُلَيْمَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ (2) . وَلَنَا: 35 - أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ الكَبِيْرُ * (ق) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ بنُ أَبِي الجَوْنِ العَنْسِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، مُحَدِّثٌ، رَحَّالٌ. رَوَى عَنْ: لَيْثٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَمْرِو بنِ شَرَاحِيْلَ الدَّارَانِيِّ. وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ - مِنْ أَقْرَانِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَصَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ: دُحَيْمٌ (3) .   (1) ذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " 10 / 279 ونسبه إلى ابن عساكر، وأورد الخبر ابن الكتبي في " فوات الوفيات " 2 / 266، وفي " عيون التواريخ " 7 / لوحة 189. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 250. (*) التاريخ الكبير 5 / 289، الجرح والتعديل 5 / 240، الكامل لابن عدي 3 / لوحة 459، تهذيب الكمال لوحة 793، تذهيب التهذيب 2 / 213 / 1، الكاشف 2 / 166، المغني في الضعفاء 2 / 381، ميزان الاعتدال 2 / 567، 568، تهذيب التهذيب 6 / 188، 189، خلاصة تذهيب الكمال: 228. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 793. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (1) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيْثاً (2) . 36 - عُلَيَّةُ بِنْتُ المَهْدِيِّ * وَأُخْتُ الرَّشِيْدِ، الهَاشِمِيَّةُ، العَبَّاسِيَّةُ، أَدِيبَةٌ، شَاعِرَةٌ، عَارِفَةٌ بِالغِنَاءِ وَالمُوْسِيْقَى، رَخِيْمَةُ الصَّوْتِ، ذَاتُ عِفَّةٍ وَتَقْوَىً وَمَنَاقِبَ. وأُمُّهَا أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: مَكْنُوْنَةُ، كَانَتْ جَمِيْلَةً، بَارِعَةَ الغِنَاءِ، اشتُرِيَتْ بِمائَةِ أَلْفٍ. وكَانَتْ عُلَيَّةُ مِنْ مِلاَحِ زَمَانِهَا، وَأَظْرَفِ بَنَاتِ الخُلَفَاءِ. رَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ: أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تُغَنِّي إِلاَّ زَمَنَ حَيْضِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، أَقْبَلَتْ عَلَى التِّلاَوَةِ وَالعِلْمِ، إِلاَّ أَنْ يَدْعُوَهَا الخَلِيْفَةُ، وَلاَ تَقْدِرُ تُخَالِفَهُ (3) . وكَانَتْ تَقُوْلُ: لاَ غُفِرَ لِي فَاحِشَةٌ ارْتَكَبْتُهَا قَطُّ، وَمَا أَقُوْلُ فِي شِعْرِي إِلاَّ عَبَثاً (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 240، ونصه: دمشقي يكتب حديثه ولا يحتج به. (2) برقم (757) في المساجد: باب تطهير المساجد وتطييبها، من طريق هشام بن عمار، عن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، حدثنا محمد بن صالح المدني، حدثنا مسلم بن أبي مريم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة ". قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " ورقة 51: هذا إسناد ضعيف، مسلم هو ابن يسار لم يسمع من أبي سعيد، ومحمد فيه لين. (*) أشعار أولاد الخلفاء: 55 - 83، الاغاني 10 / 162 - 185، البصائر والذخائر للتوحيدي: 74، فوات الوفيات 3 / 123 - 126، النجوم الزاهرة 2 / 191، شذرات الذهب 3 / 111، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: 349، 350. (3) " الاغاني " 10 / 163. (4) " الاغاني " 10 / 163. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187 وَجَاءَ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ. وَكَانَ أَخُوْهَا لاَ يَصْبِرُ عَنْ غِيَابِهَا، وَأَخَذَهَا مَعَهُ إِلَى الرَّيِّ (1) . قِيْلَ: مَاتَتْ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهَا خَمْسُوْنَ سَنَةً. وَسَبَبُ مَوْتِهَا: أَنَّ المَأْمُوْنَ ضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَقَبَّلَهَا وَهِيَ عَمَّتُهُ، وَكَانَ وَجْهُهَا مُغَطَّى، فَشَرِقَتْ وَسَعَلَتْ، ثُمَّ حُمَّتْ أَيَّاماً، وَمَاتَتْ (2) . 37 - اللَّيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ * (س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَغَيْرِهِمَا. رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ يَاسِيْنُ بنُ عَبْدِ الأَحَدِ القِتْبَانِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، وَآخَرُوْنَ. ونَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ (3) . تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَهُوَ: لَيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبِ بنِ خِيَارِ بنِ خَيْرِ بنِ أَسَعْدَ بنِ نَاشِرَةَ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ. أَمَّا:   (1) انظر " فوات الوفيات " 3 / 124. (2) " الاغاني " 10 / 185، و" فوات الوفيات " 3 / 123. * الجرح والتعديل 7 / 181، تهذيب الكمال لوحة 1154، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 2، الكاشف 3 / 14، تهذيب التهذيب 8 / 468، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 323. (3) في " تقريب التهذيب " 2 / 139: وله ست وتسعون سنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 38 - اللَّيْثُ بنُ عَاصِمِ بنِ العَلاَءِ الخَوْلاَنِيُّ * الحُدَادِيُّ - بِضَمٍّ، وَخِفَّةٍ - فَشَيْخٌ آخَرُ. رَوَى عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافِرِيِّ، وَأَبِي الخَيْرِ الجَيْشَانِيِّ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَزِيْدَ المُرَادِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَبَقَةِ شُيُوْخِ القِتْبَانِيِّ. وَقَدْ خَلَطَ التَّرْجَمَتَيْنِ صَاحِبُ (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ (1)) . وَوَهِمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) فِي نَسَبِهِ الثَّانِي، وَفِي كُنْيَتِهِ، فَقَالَ فِي الثَّانِي: أَبُو زُرَارَةَ القِتْبَانِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ خَوْلاَنِيٌّ، فَيُحَرَّرُ هَذَا. 39 - المُهَلَّبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ ** السَّيِّدُ، الجَوَادُ، حَاتِمُ زَمَانِهِ، أَمِيْرُ البَصْرَةِ، مُحَمَّدُ ابْنُ مُحَدِّثِ البَصْرَةِ عَبَّادِ بنِ عَبَّادِ بنِ حَبِيْبٍ ابْنِ الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ. رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَهُشَيْمٍ. وَعَنْهُ: الكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ. قَالَ يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كَتَبَ مَنْصُوْرٌ أَخُو الرَّشِيْدِ   (*) تهذيب الكمال لوحة 1154، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 2، تهذيب التهذيب 8 / 469، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 323. (1) لوحة 1154، 1155. (2) في " الجرح والتعديل " 7 / 181. (* *) الوزراء والكتاب: 215، النجوم الزاهرة 2 / 217، رغبة الآمل 4 / 138. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ يَشْكُو ضِيْقاً، وَجَفْوَةَ سُلْطَانٍ، فَنَفَّذَ إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَقَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: قَالَ المَأْمُوْنُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: أَرَدْتُ أَنْ أُوَلِّيَكَ، فَمَنَعَنِي إِسْرَافُكَ. قَالَ: مَنْعُ الجُوْدِ، سُوْءُ ظَنٍّ بِالمَعْبُوْدِ. فَقَالَ: لَوْ شِئْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّ مَا تُنْفِقُهُ مَا أَبْعَدَ رُجُوعَهُ إِلَيْكَ! قَالَ: مَنْ لَهُ مَوْلَى غَنِيٌّ لَمْ يَفْتَقِرْ (1) . فَقَالَ المَأْمُوْنُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَنِي، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفِي مُحَمَّداً. فَجَاءتْهُ الأَمْوَالُ، فَمَا ذَخَرَ مِنْهَا دِرْهَماً، وَقَالَ: الكَرِيْمُ لاَ تُحَنِّكُهُ التَّجَارِبُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: كَمْ دَيْنُكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: سِتُّوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ قَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يَقْدَمُ أَحَدٌ البَصْرَةَ إِلاَّ أَضَفْتَهُ؟ فَقَالَ: مَنْعُ الجُوْدِ، سُوْءُ ظَنٍّ بِالمَعْبُوْدِ. فَاسْتَحْسَنَهُ، وَأَعْطَاهُ نَحْوَ سِتَّةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. ثُمَّ مَاتَ مُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؛ خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. وَقِيْلَ لِلْعُتَبِيِّ: مَاتَ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: نَحْنُ مِتْنَا بِفَقْدِهِ ... وَهُوَ حَيٌّ بِمَجْدِهِ (2) تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " النجوم الزاهرة " 2 / 217. (2) " النجوم الزاهرة " 2 / 217. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 40 - مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ العَلَوِيُّ الحُسَيْنِيُّ * ابْنِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيُّ، الحُسَيْنِيُّ، الزَّاهِدُ، المُلَقَّبُ: بِالصُّوْفِيِّ؛ لِلُبْسِهِ الصُّوْفَ. كَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، عَامِلاً، عَابِداً، مُعَظَّماً عِنْد الزَّيْدِيَّةِ. ظَهَرَ بِالطَّالْقَانِ (1) ، وَدَعَا إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْتَمَعَ لَهُ جَيْشٌ كَبِيْرٌ، وَحَارَبَ عَسْكَرَ خُرَاسَانَ فِي دَوْلَةِ المَأْمُوْنِ، وَقَوِيَ سُلْطَانُهُ، ثُمَّ انْفَلَّ جَمْعُهُ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ المُعْتَصِمَ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَحَبَسَهُ بِسَامَرَّاءَ، ثُمَّ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ يَوْمَ عِيْدٍ، وَاسْتَتَرَ، وَأَضْمَرَتْهُ البِلاَدُ (2) . قَالَ أَبُو الفَرَجِ صَاحِبُ (الأَغَانِي) : احتَالَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ مُخْتَفِياً، وَصَارَ إِلَى وَاسِطَ، وَغَابَ خَبَرُهُ. قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: بِوَاسِطَ مَشْهَدٌ يُقَالُ: إِنَّهُ مَدْفُونٌ فِيْهِ - فَاللهُ أَعْلمُ -. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سَلاَّمٍ الكُوْفِيِّ: أَنَّ المُعْتَصِمَ قَتَلَهُ صَبْراً. وَكَانَ أَبْيَضَ، مَلِيْحَ الوَجْهِ، تَامَّ الشَّكْلِ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَتَكَهَّلَ.   (*) مروج الذهب للمسعودي 7 / 116، 117، مقاتل الطالبيين: 577، 578، جمهرة أنساب العرب: 54، تاريخ ابن الأثير 6 / 442، البداية والنهاية 10 / 282. (1) هي بلدة بخراسان بين " مرو الروذ " و" بلخ ". (2) " البداية والنهاية " 10 / 282، وانظر " جمهرة أنساب العرب ": 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ الجَارُوْدِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلاَ يَمُوْتُ حَتَّى يَمْلأَ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً (1) . نَقَلَ ذَلِكَ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمِ. 41 - العَكَوَّكُ عَلِيُّ بنُ جَبَلَةَ بنِ مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ * فَحْلُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ جَبَلَةَ بنِ مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيُّ. قَالَ الجَاحِظُ: كَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ إِنشَاداً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ بَدَوِيّاً، وَلاَ حَضَرِيّاً (2) . وَكَانَ مِنَ المَوَالِي، وَقَدْ وُلِدَ أَعْمَى، وَكَانَ أَسْوَدَ، أَبْرَصَ، وَشِعْرُهُ سَائِرٌ، وَهُوَ القَائِلُ فِي أَبِي دُلَفٍ الأَمِيْرِ: ذَادَ وِرْدَ الغِيِّ عَنْ صَدَرِه ... فَارْعَوَى وَاللَّهْوُ مِنْ وَطَرِه (3) وَمِنَ المَدِيْحِ: إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دُلَفٍ ... بَيْنَ مَغْزَاهُ وَمُحْتَضَرِه (4) فَإِذَا وَلَّى أَبُو دُلَفٍ ... وَلَّتِ الدُّنْيَا عَلَى أَثَرِه كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... بَيْنَ بَادِيْهِ إِلَى حَضَرِه   (1) انظر " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 117. * التاريخ الكبير 6 / 265، الشعر والشعراء: 550 - 553، الجرح والتعديل 5 / 177، الاغاني 20 / 14 - 43، تاريخ بغداد 11 / 359، سمط اللآلي: 330، وفيات الأعيان 3 / 350 - 354، نكت الهميان: 209، عيون التواريخ 7 / لوحة 289، البداية والنهاية 10 / 267، شذرات الذهب 2 / 30. والعكوك: بفتح العين والكاف وتشديد الواو، وبعدها كاف ثانية، وهو السمين القصير مع صلابة. (2) " وفيات الأعيان " 3 / 350. (3) انظر " طبقات الشعراء ": 173، و" الاغاني " 20 / 15، و" الشعر والشعراء " ص 550، و" ديوان المعاني " 1 / 28، و" وفيات الأعيان " 3 / 351. (4) في " الطبقات ": بين معراه. وفي " الاغاني ": بين مبداه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً ... يَكْتَسِيْهَا يَوْمَ مُفْتَخَرِه وَهِيَ طَوِيْلَةٌ بَدِيْعَةٌ، وَازَنَ بِهَا قَصِيدَةَ أَبِي نُوَاسٍ: أَيُّهَا المُنْتَابُ عَنْ عُفُرِه ... لَسْتَ مِنْ لَيلِي وَلاَ سَمَرِهْ (1) قَالَ ابْنُ عُنَيْنٍ: مَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ القَصِيدَتَيْنِ إِلاَّ مَنْ يَكُوْنَ فِي دَرَجَةِ هَذَينِ الشَّاعِرَيْنِ (2) . وَقَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ فِي (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ) : لَمَّا بَلَغَ المَأْمُوْنَ خَبَرُ هَذِهِ القَصِيْدَةِ، غَضِبَ، وَقَالَ: اطْلُبُوْهُ. فَطَلَبُوْهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ كَانَ مُقِيماً بِالجَبَلِ، فَفَرَّ إِلَى الجَزِيْرَةِ، ثُمَّ إِلَى الشَّامَاتِ، فَظَفِرُوا بِهِ، فَحُمِلَ مُقَيَّداً إِلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ! أَنْتَ القَائِلُ: كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ ... ... ... ... ... جَعَلْتَنَا نَسْتَعِيرُ مِنْهُ المكَارِمِ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْتُم أَهْلُ بَيْتٍ لاَ يُقَاسُ بِكُم. قَالَ: وَاللهِ مَا أَبْقَيْتَ أَحَداً، وَإِنَّمَا أَسْتَحِلُّ دَمَكَ بِكُفْرِكَ حَيْثُ تَقُوْلُ: أَنْتَ الَّذِي تُنْزِلُ الأَيَّامَ مَنْزِلَهَا ... وَتَنْقُلُ الدَّهْرَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ   (1) القصيدة في " ديوان أبي نواس " ص 308 - 311، و" أخبار أبي نواس " لابن منظور ص 134 " وفي الأصل: " من عفره ". (2) " وفيات الأعيان " 3 / 351، وابن عنين: هو محمد بن نصر بن الحسين بن عنين الأنصاري الكوفي الأصل، الدمشقي المولد، الشاعر المشهور، قال ابن خلكان: كان خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به. توفي سنة 630 هـ بدمشق، وله ديوان مطبوع بدمشق سنة 1946 بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك. انظر ترجمته في " وفيات الأعيان " 5 / 14 - 19 وسترد ترجمته في الجزء الثاني والعشرين من " السير ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 وَمَا مَدَدْتَ مَدَى طَرْفٍ إِلَى أَحَدٍ ... إِلاَّ قَضَيْتَ بِأَرْزَاقٍ وَآجَالِ (1) ذَاكَ هُوَ اللهُ، أَخْرِجُوا لِسَانَهُ مِنْ قَفَاهُ. فَفَعَلُوا بِهِ، فَمَاتَ (2) سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ كَهْلاً. 42 - الجَوْزَجَانِيُّ مُوْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الحَنَفِيُّ * العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو سُلَيْمَانَ مُوْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الجَوْزَجَانِيُّ، الحَنَفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ. حَدَّثَ: عَنْهُمَا، وَعَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ. حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البِرْتِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ صَدُوْقاً، مَحْبُوباً إِلَى أَهْلِ الحَدِيْثِ. قَالَ ابْنُ حَاتَمٍ: كَانَ يُكَفِّرُ القَائِلِيْنَ بِخَلْقِ القُرْآنِ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ عَرَضَ عَلَيْهِ القَضَاءَ، فَامْتَنَعَ (4) ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ   (1) " الشعر والشعراء " ص 551، و" طبقات الشعراء " ص 172، والاغاني 20 / 42. (2) انظر الخبر في " طبقات الشعراء " ص 172، 173، و" الاغاني " 20 / 41، 42، و" وفيات الأعيان " 3 / 352، 353، ورجح ابن المعتز أن المأمون عفا عنه، وأنه مات حتف أنفه. (*) الجرح والتعديل 8 / 145، الأنساب 3 / 362، تاج التراجم: 55، هدية العارفين 2 / 477، الجواهر المضية 2 / 186، 187، الفوائد البهية: 216، إيضاح المكنون 2 / 33، و681. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 145. (4) " الفوائد البهية " ص 216. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 بِأَهْلٍ لِذَلِكَ، فَأَعْفَاهُ، وَنَبُلَ عِنْدَ النَّاسِ لامْتِنَاعِهِ. وَلهُ تَصَانِيْفُ. 43 - أَبُو العَتَاهِيَةِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَاسمِ بنِ سُوَيْدٍ العَنَزِيُّ * رَأْسُ الشُّعرَاءِ، الأَدِيْبُ، الصَّالِحُ الأَوْحَدُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَاسمِ بنِ سُوَيْدِ بنِ كَيْسَانَ العَنَزِيُّ (1) مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. لُقِّبَ: بِأَبِي العتَاهيَةِ؛ لاضْطِرَابٍ فِيْهِ. وَقِيْلَ: كَانَ يُحِبُّ الخَلاعَةَ، فَيَكُوْنُ مَأْخُوْذاً مِنَ العُتُوِّ. سَارَ شِعْرُهُ لِجُوْدَتِهِ، وَحُسْنِهِ، وَعَدَمِ تَقَعُّرِهِ. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ شِعْرَهُ وَأَخْبَارَهُ (2) ، تَنَسَّكَ بِأَخَرَةٍ. وَقَالَ فِي المَوَاعِظِ وَالزُّهْدِ، فَأَجَادَ. وَكَانَ أَبُو نُوَاسٍ يُعَظِّمُهُ، وَيَتَأَدَّبُ مَعَهُ لِدِيْنِهِ، وَيَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُهُ إِلاَّ تَوَهَّمْتُ أَنَّهُ سَمَاوِيٌّ، وَأَنِّي أَرْضِيٌّ (3) .   (*) الشعر والشعراء: 497 - 501، طبقات ابن المعتز: 228، تاريخ الطبري 10 / 278، مروج الذهب 7 / 82 - 88، الموشح: 254 - 263، الاغاني 4 / 1 - 112، الفهرست: 181، تاريخ بغداد 6 / 250 - 260، وفيات الأعيان 1 / 219 - 226، المختصر في أخبار البشر 2 / 31، ميزان الاعتدال 1 / 245، العبر 1 / 360، عيون التواريخ 7 / لوحة 263، مرآة الجنان 2 / 49 - 52، البداية والنهاية 10 / 265، 266، لسان الميزان 1 / 426، روضات الجنات: 102، 103، معاهد التنصيص 2 / 285، شذرات الذهب 2 / 25، دائرة المعارف الإسلامية 1 / 377، أمراء الشعر العربي في العصر العباسي: 138. (1) نسبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة. انظر " الاغاني " 4 / 3، و" وفيات الأعيان " 1 / 226. (2) ومنه نسخة في ظاهرية دمشق، وهي واحدة من نسختين خطيتين اعتمدهما الدكتور شكري فيصل في طبع شعر أبي العتاهية وأخباره. (3) انظر الخبر بتمامه في " الاغاني " 4 / 71، و" تاريخ بغداد " 6 / 251. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 مَدَحَ أَبُو العَتَاهِيَةِ المَهْدِيَّ، وَالخُلَفَاءَ بَعْدَهُ، وَالوُزَرَاءَ، وَمَا أَصْدَقَ قَوْلَهُ: إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَه ... مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَه (1) حَسْبُكَ مِمَّا تَبْتَغِيهِ القُوْتُ ... مَا أَكْثَرَ القُوْتَ لِمَنْ يَمُوْتُ (2) هِيَ المَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ ... إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَمَا أَخْطَا القَدَرْ (3) وَهُوَ القَائِلُ: حَسْنَاءُ لاَ تَبْتَغِي حَلْياً إِذَا بَرَزَتْ ... لأَنَّ خَالِقَهَا بِالحُسْنِ حَلاَّهَا قَامَتْ تَمَشَّى، فَلَيْتَ اللهُ صَيَّرنِي ... ذَاكَ التُّرَابَ الَّذِي مَسَّتْهُ رِجْلاَهَا (4) وَقَالَ: النَّاسُ فِي غَفَلاَتِهِم ... وَرَحَى المَنِيَّةِ تَطْحَنُ (5)   (1) انظر " ديوانه " ص 448، و" الاغاني " 4 / 19. (2) " ديوانه " ص 446، و" الاغاني " 4 / 36. (3) " ديوانه " ص 449، و" الاغاني " 4 / 36. (4) لم يرد هذان البيتان في " ديوانه " المطبوع بتحقيق الدكتور شكري فيصل. (5) " الاغاني " 4 / 52 و98، و" تاريخ بغداد " 6 / 252. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 وَقَالَ: إِذَا مَا بَدَتْ وَالبَدْرُ لَيْلَةَ تِمِّهِ ... رَأَيْتَ لَهَا وَجْهاً يَدُلُّ عَلَى عُذْرِي (1) وَتَهْتَزُّ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ كَأَنَّهَا ... قَضِيْبٌ مِنَ الرَّيْحَانِ فِي وَرَقٍ خُضْرِ أَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ أَمُوْتَ صَبَابَةً ... بِسَاحِرَةِ العَيْنَينِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ (2) تُوُفِّيَ أَبُو العَتَاهِيَةِ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، أَوْ نَحْوَهَا، بِبَغْدَادَ. وَاشْتُهِرَ بِمَحَبَّةِ عُتْبَةَ؛ فَتَاةِ المَهْدِيِّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ هَذَينِ البَيْتَيْنِ: نَفْسِي بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ ... اللهُ وَالقَائِمُ المَهْدِيُّ يَكفِيْهَا إِنِّيْ لأَيْأَسُ مِنْهَا ثُمَّ يُطْمِعُنِي ... فِيْهَا احتِقَارُكَ لِلدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا   (1) رواية البيت في " الديوان " و" تاريخ بغداد ": إذا ما بدت والبدر ليلة تمه * رأيت لها فضلا مبينا على البدر وقبله: وإني لمعذور على طول حبها * لان لها وجها يدل على عذري (2) " ديوانه " ص 547، و" تاريخ بغداد " 6 / 257، والابيات قالها في عتبة فتاة المهدي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 فَهَمَّ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَجَزِعَتْ، وَاسْتَعْفَتْ، وَقَالَتْ: أَتَدْفَعُنِي إِلَى سُوْقَةٍ، قَبِيْحِ المَنْظَرِ؟ فَعَوَّضَهُ بِذَهَبٍ (1) . وَلهُ فِي عُمَرَ بنِ العَلاَءِ: إِنِّيْ أَمِنْتُ مِنَ الزَّمَانِ وَصَرْفِهِ (2) ... لَمَّا عَلِقْتُ مِنَ الأَمِيْرِ حِبَالاَ لَوْ يَسْتَطيعُ النَّاسُ مِنْ إِجْلاَلِهِ ... تَخِذُوا لَهُ حُرَّ الخُدُوْدِ نِعَالاَ (3) إِنَّ المطَايَا تَشْتَكِيكَ لأَنَّهَا ... قَطَعَتْ إِلَيْكَ سَبَاسِباً وَرِمَالاَ فَإِذَا وَرَدْنَ بِنَا، وَرَدْنَ خَفَائِفاً ... وَإِذَا صَدَرْنَ بِنَا، صَدَرْنَ ثِقَالاَ (4) فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ سَبْعِيْنَ أَلْفاً. وَتَحْتَمِلُ سِيْرَةُ أَبِي العتَاهيَةِ أَنْ تُعْمَلَ فِي كَرَارِيْسَ.   (1) انظر الخبر مفصلا في " الكامل " للمبرد 2 / 302، و" وفيات الأعيان " 1 / 219 - 220، والبيتان في " ديوانه " ص 668، وقصته مع عتبة في " تاريخ بغداد " 6 / 254. (2) في الديوان: " وريبه ". (3) رواية البيت في " الديوان ": لو يستطيع الناس من إجلاله * لحذوا له حر الوجوه نعالا (4) رواية البيت في " الديوان ": فإذا أتين بنا أتين مخفة * وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا وانظر قصيدته التي يمدح بها عمر بن العلاء في " ديوانه ": 603 - 606. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 44 - أَبُو عَبَّادٍ الكَاتِبُ ثَابِتُ بنُ يَحْيَى بنِ يَسَارٍ الرَّازيُّ * وَزِيْرُ المَأْمُوْنِ، هُوَ: ثَابِتُ بنُ يَحْيَى بنِ يَسَارٍ الرَّازِيُّ. أَحَدُ الكُفَاةِ، البَارِعِيْنَ فِي الحسَابِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالمَعْرِفَةِ، وَبِذَلِكَ سَادَ وَتَقَدَّمَ. نَهَضَ بِأُمُورِ الأَمْوَالِ لِمَخْدُومِهِ أَتَمَّ مَا يَكُوْنُ، ثُمَّ إِنَّهُ عَجَزَ مِنِ اسْتيلاَءِ النِّقْرِسِ، وَاسْتَعْفَى. وَكَانَ جَوَاداً، سَمْحاً، سَرِيّاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مُنْقَبِضاً، عَبُوساً. عَاشَ: خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. طَوَّلَ ابْنُ النَّجَّارِ تَرْجَمَتَهُ، ذَكَرَهُ مِنْ تَأْلِيفِ الصُّوْلِيِّ، وَكِتَابِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوْسٍ الجِهْشَيَارِيِّ فِي (سِيَرِ الوُزَرَاءِ) . 45 - المَرِيْسِيُّ بِشْرُ بنُ غِيَاثِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ العَدَوِيُّ ** المُتَكَلِّمُ، المُنَاظِرُ، البَارِعُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِشْرُ بنُ غِيَاثِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، المَرِيْسِيُّ، مِنْ مَوَالِي آلِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. كَانَ بِشْرٌ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ. أَخَذَ عَنِ: القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ. وَرَوَى عَنْ:   (*) تاريخ الطبري 8 / 660، معجم البلدان 2 / 540، 541. (* *) الفرق بين الفرق: 192 - 195، تاريخ بغداد 7 / 56 - 67، معجم البلدان 5 / 118، الانتصار: 201، اللباب 3 / 200، وفيات الأعيان 1 / 277، 278، ميزان الاعتدال 1 / 322، 323، العبر 1 / 373، عيون التواريخ 8 / لوحة 9، الوافي بالوفيات 10 / 151، البداية والنهاية 10 / 281، لسان الميزان 2 / 29 - 31، النجوم الزاهرة 2 / 228، الجواهر المضية: 164، شذرات الذهب 2 / 44، الفوائد البهية: 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وَنَظَرَ فِي الكَلاَمِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَانْسَلَخَ مِنَ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَجَرَّدَ القَوْلَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَدَعَا إِلَيْهِ، حَتَّى كَانَ عَيْنَ الجَهْمِيَّة فِي عَصْرِهِ وَعَالِمَهُم، فَمَقَتَهُ أَهْلُ العِلْمِ، وَكَفَّرَهُ عِدَّةٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ جَهْمَ بنَ صَفْوَانَ، بَلْ تَلَقَّفَ مَقَالاَتِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ. قَالَ البُوَيْطِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نَاظَرْتُ المَرِيْسِيَّ، فَقَالَ: القُرْعَةُ قِمَارٌ. فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ فِي القُرْعَةِ (1) ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لأَبِي البَخْتَرِيِّ القَاضِي، فَقَالَ: شَاهِداً آخَرَ وَأَصْلِبُهُ (2) . وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ: كَانَ وَالِدُ بِشْرٍ يَهُوْدِيّاً، قَصَّاراً، صَبَّاغاً فِي سُوَيْقَةِ نَصْرٍ (3) . وَلِلمَرِيْسِيِّ تَصَانِيْفُ جَمَّةٌ. ذَكَرَهُ النَّدِيْمُ، وَأَطْنَبَ فِي تَعْظِيْمِهِ. وَقَالَ: كَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، مُتَكَلِّماً. ثُمَّ حَكَى أَنَّ البَلْخِيَّ قَالَ: بَلَغَ مِنْ وَرَعِهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَطَأُ أَهْلَهُ لَيْلاً مَخَافَةَ   (1) أخرجه مسلم (1668) في الايمان: باب من أعتق شركا له في عبد، وأبو داود (3958) في العتق: باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث، والترمذي (1364) في الاحكام: باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته، وأحمد 4 / 426 كلهم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين: أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا. وأخرجه النسائي 4 / 64 في الجنائز: باب الصلاة على من يحيف في وصيته، وأحمد 4 / 438 و439 و445 و446 من طرق عن الحسن البصري، عن عمران بن حصين. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 60، و" ميزان الاعتدال " 1 / 323. (3) " الفوائد البهية " ص 54. وسويقة نصر - نسبة إلى نصر بن مالك الخزاعي - محلة صغيرة بشرقي بغداد، أقطعه إياها المهدي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 الشُّبْهَةِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُ إِلاَّ مَنْ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِيْنَ، مَخَافَةَ أَنْ تَكُوْنَ رَضِيْعَتَهُ. وَكَانَ جَهْمِيّاً، لَهُ قَدَرٌ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ، وَقَالَ مَرَّةً لِرَجُلٍ اسْمُهُ كَامِلٌ: فِي اسْمِهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الاسْمَ غَيْرُ المُسَمَّى. وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي التَّوْحِيْدِ، وَكِتَابَ (الإِرْجَاءِ) ، وَكِتَابَ (الرَّدِّ عَلَى الخَوَارِجِ) ، وَكِتَابَ (الاسْتِطَاعَةِ) ، وَ (الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ فِي الإِمَامَةِ) ، وَكِتَابَ (كُفْرِ المُشَبِّهَةِ) ، وَكِتَابَ (المَعْرِفَةِ) ، وَكِتَابَ (الوَعِيْدِ) ، وَأَشْيَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي نِحْلَتِهِ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ: عِنْدنَا بِبَغْدَادَ رَجُلٌ يُقَال لَهُ: المَرِيْسِيُّ، يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ: مَا فِي فِتْيَانِكُمْ مَنْ يَفْتِكُ بِهِ (1) ؟ قُلْتُ: قَدْ أُخِذَ المَرِيْسِيُّ فِي دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، وَأُهِينَ مِنْ أَجْلِ مَقَالَتِهِ. رَوَى: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَيَّامَ صُنِعَ بِبِشْرٍ مَا صُنِعَ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَذَكَرَ المَرِيْسِيَّ - فَقَالَ: كَانَ أَبُوْهُ يَهُوْدِيّاً، أَيَّ شَيْءٍ تُرَاهُ يَكُوْنُ (2) ؟! وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ بِشْرٌ يَحْضُرُ مَجْلِسَ أَبِي يُوْسُفَ، فَيَصِيْحُ، وَيَسْتَغِيثُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوْسُفَ مَرَّةً: لاَ تَنْتَهِي أَوْ تُفْسِدَ خَشَبَةً. (3) ثُمَّ قَالَ أَبُو   (1) انظر " تاريخ بغداد " 7 / 63. (2) انظر " ميزان الاعتدال " 1 / 323. (3) ذكره في " الميزان " 1 / 323 وزاد: يعني وتصلب. وفي " تاريخ بغداد " 7 / 63: حتى تصعد خشبة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 عَبْدِ اللهِ: مَا كَانَ صَاحِبَ حُجَجٍ، بَلْ صَاحِبَ خُطَبٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ بِشْرٍ المَرِيْسِيِّ، فَقَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَهُ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: بِشْرٌ المَرِيْسِيُّ كَافِرٌ. وَقُلْتُ: وَقَعَ كَلاَمُهُ إِلَى عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ الحَافِظِ، فَصَنَّفَ مُجَلَّداً فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (1) . وَمَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ، فَهُوَ بِشْرُ الشَّرِّ، وَبِشْرٌ الحَافِي (2) بِشْرُ الخَيْرِ، كَمَا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ هُوَ أَحْمَدُ السُّنَّةِ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ أَحْمَدُ البِدْعَةِ. وَمَنْ كُفِّرَ بِبِدْعَةٍ - وَإِنْ جَلَّتْ - لَيْسَ هُوَ مِثْلَ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ، وَلاَ اليَهُوْدِيِّ، وَالمَجُوْسِيِّ، أَبَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَصَامَ، وَصَلَّى، وَحَجَّ، وَزَكَّى - وَإِنِ ارْتَكَبَ العَظَائِمَ، وضَلَّ، وَابِتَدَعَ - كَمَنْ عَانَدَ الرَّسُوْلَ، وَعَبَدَ الوَثَنَ، وَنَبَذَ الشَّرَائِعَ، وَكَفَرَ، وَلَكِنْ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ البِدَعِ وَأَهْلِهَا (3) .   (1) وسماه كتاب " الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية " وهو مطبوع. وقد قال فيه الامام الذهبي: فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الاثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث. وقال الشيخ محمد حامد الفقي: إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد، وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولى والاحسن أن لا يأتي بها، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز، فإنني لا أوافقه عليها، ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة. (2) سترد ترجمته في الصفحة 467 من هذا الجزء. (3) هذا كلام صادر عن إنصاف وتعقل وعلم، فرحم الله المؤلف رحمة واسعة، فانه يتوخى دائما جانب الإنصاف في التراجم، وقلما تجد من يقاربه في ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 46 - بِشْرُ بنُ المُعْتَمِرِ أَبُو سَهْلٍ الكُوْفِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ * العَلاَّمَةُ، أَبُو سَهْلٍ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. كَانَ مِنَ القَرَامِي (1) الكِبَارِ، أَخْبَارِيّاً، شَاعِراً، مُتَكَلِّماً، كَانُوا يُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَبَانٍ اللاَّحِقِيِّ (2) ، وَلَهُ قَصِيْدَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي مُجَلَّدٍ تَامٍّ فِيْهَا أَلْوَانٌ. وَكَانَ أَبْرَصَ (3) ، ذَكِيّاً، فَطِناً، لَمْ يُؤتَ الهُدَى، وَطَالَ عُمُرُهُ فَمَا ارْعَوَى، وَكَانَ يَقَعُ فِي أَبِي الهُذَيْلِ العَلاَّفِ (4) ، وَيَنْسِبُهُ إِلَى النِّفَاقِ. وَلَهُ: كِتَابُ (تَأْوِيْلِ المُتَشَابِهِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الجُهَّالِ) ، وَكِتَابُ (العَدْلِ) ، وَأَشْيَاءُ (5) لَمْ نَرَهَا - وَللهِ الحَمْدُ -. مَاتَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ. 47 - ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ أَبُو مَعْنٍ النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ ** العَلاَّمَةُ، أَبُو مَعْنٍ النُّمَيْرِيُّ، البَصْرِيُّ، المُتَكَلِّمُ، مِنْ رُؤُوْسِ المُعْتَزِلَةِ   (*) الاغاني 3 / 128، الفرق بين الفرق: 156، الانتصار: 194، الفهرست: 184 و205، الملل والنحل 1 / 64، الأنساب 2 / 231، اللباب 1 / 156، عيون التواريخ 7 / لوحة 247، 248، لسان الميزان 2 / 33، الوافي بالوفيات 10 / 155. (1) أي من الأصول. (2) انظر ترجمته في " الفهرست " ص 132. (3) " الفهرست " ص 205. (4) سترد ترجمته في الصفحة 540 من هذا الجزء. (5) ذكر ابن النديم كتبه في " الفهرست " ص 184 و185 و205 (* *) البيان والتبيين 1 / 105 و111، الفرق بين الفرق: 157، 159، الفهرست: 207، تاريخ بغداد 7 / 145 - 148، ميزان الاعتدال 1 / 371، 372، العبر 1 / 456، خطط المقريزي 2 / 347، لسان الميزان 2 / 83، 84، النجوم الزاهرة 2 / 206 الوزراء والكتاب: 314، طبقات المعتزلة: 62، الوافي بالوفيات 11 / 20. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 القَائِلِيْنَ بِخَلْقِ القُرْآنِ - جَلَّ مُنْزِلُهِ -. وَكَانَ نَدِيماً، ظَرِيْفاً، صَاحِبَ مُلَحٍ، اتَّصَلَ بِالرَّشِيْدِ، ثُمَّ بِالمَأْمُوْنِ. رَوَى عَنْهُ: تِلْمِيْذُهُ الجَاحِظُ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: العَالَمُ هُوَ بِطِبَاعِهِ فِعْلُ اللهِ. وَقَالَ: المُقَلِّدُوْنَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ لاَ يَدْخُلُوْنَ النَّارَ، بَلْ يَصِيَرَوْنَ تُرَاباً، وَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِماً وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَبِيْرَةٍ، خُلِّدَ فِي النَّارِ، وَإِنَّ أَطْفَالَ المُؤْمِنِيْنَ يَصِيَرَوْنَ تُرَاباً، وَلاَ يَدْخُلُوْنَ جَنَّةً (1) . قُلْتُ: قَبَّحَ اللهُ هَذِهِ النِّحْلَةِ. قَالَ المُبَرِّدُ: قَالَ ثُمَامَةُ: خَرَجْتُ إِلَى المَأْمُوْنِ، فَرَأَيْتُ مَجْنُوناً شُدَّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: ثُمَامَةُ. فَقَالَ: المُتَكَلِّمُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: جَلَسْتَ عَلَى هَذِهِ الآجُرَّةِ، وَلَمْ يَأْذنْ لَكَ أَهْلُهَا. فَقُلْتُ: رَأَيْتُهَا مَبْذُولَةً. قَالَ: لَعَلَّ لَهُمْ تَدْبِيراً غَيْرَ البَذْلِ، مَتَى يَجِدُ النَّائِمُ لَذَّةَ النَّوْمِ؟ إِنْ قُلْتَ: قَبْلَهُ، أَحَلْتَ، لأَنَّهُ يَقْظَانُ. وَإِنْ قُلْتَ: فِي النَّوْمِ، أَبْطَلْتَ، إِذِ النَّائِمُ لاَ يَعْقِلُ. وَإِنْ قُلْتَ: بَعْدَهُ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْهُ، وَلاَ يُوْجَدُ شَيْءٌ بَعْدَ فَقْدِهِ. قَالَ: فَمَا كَانَ عِنْدِي فِيْهَا جَوَابٌ (2) . وَعَنْهُ، قَالَ: عُدْتُ رَجُلاً، وَتَرَكْتُ حِمَارِي عَلَى بَابِهِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَإِذَا صَبِيٌّ رَاكبُهُ، فَقُلْتُ: لِمَ رَكِبْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِي؟ قَالَ: خِفْتُ أَنْ يَذْهَبَ. قُلْتُ: لَوْ ذَهَبَ، كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ. قَالَ: فَهَبْهُ لِي، وَعُدَّ أَنَّهُ ذَهَبَ، وَارْبَحْ   (1) انظر " ميزان الاعتدال " 1 / 372. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 146. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 شُكْرِي. فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُوْلُ (1) . قَالَ هَاشِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ: حَدَّثَنَا الجَاحِظُ سَنَةَ (253) ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، قَالَ: شَهِدْتُ رَجُلاً قَدَّمَ خَصْمَهُ إِلَى وَالٍ، فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، هَذَا نَاصِبِيٌّ، رَافِضِيٌّ، جَهْمِيٌّ، مُشَبِّهٌ، يَشْتِمُ الحَجَّاجَ بنَ الزُّبَيْرِ، الَّذِي هَدَمَ الكَعْبَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَيَلْعَنُ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي طَالِبٍ (2) . يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ: حَدَّثَنَا الجَاحِظُ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو العَتَاهِيَةِ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَطَعَنَ عَلَى المُبْتَدِعَةِ، وَلَعَنَ القَدَرِيَّةَ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: أَنْتَ شَاعِرٌ، وَلِلْكَلاَمِ قَوْمٌ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ أَسْأَلُ ثُمَامَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقُلْ لَهُ يُجِبْنِي. ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ، فَحَرَّكَهَا، وَقَالَ: يَا ثُمَامَةُ! مَنْ حَرَّكَ يَدِي؟ قَالَ: مَنْ أُمُّهُ زَانِيَةٌ. فَقَالَ: يَشْتِمُنِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ ثُمَامَةُ: نَاقَضَ وَاللهِ (3) . قَالَ أَبُو رَوْقٍ الهِزَّانِيُّ (4) : حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ يَعْقُوْبَ، قَالَ: اجْتَمَعَ ثُمَامَةُ وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ ليَحْيَى: مَا العِشْقُ؟ قَالَ: سَوَانِحُ تَسْنَحُ لِلْعَاشِقِ، يُؤثِرُهَا، وَيَهِيمُ بِهَا. قَالَ ثُمَامَةُ: أَنْتَ بِالفِقْهِ أَبْصَرُ، وَنَحْنُ أَحْذَقُ مِنْكَ. قَالَ المَأْمُوْنُ: فَقُلْ. قَالَ: إِذَا امْتَزَجَتْ جَوَاهِرُ النُّفُوْسِ بِوَصْلِ المُشَاكَلَةِ، نَتَجَتْ لَمْحَ نُوْرٍ سَاطِعٍ تَسْتَضِيءُ بِهِ بَوَاصِرُ العَقْلِ، وَتَهْتَزُّ لإِشْرَاقِهِ طَبَائِعُ الحَيَاةِ، يُتَصَوَّرُ مِنْ ذَلِكَ اللَّمْحِ نُوْرٌ خَاصٌّ بِالنَّفْسِ، مُتَّصِلٌ بِجَوْهَرِهَا، يُسَمَّى عِشْقاً. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: هَذَا -   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 146. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 146. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 147، و" العقد الفريد " 2 / 382. (4) نسبة إلى هزان: بطن من العتيك. انظر اللباب 3 / 387. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 وَأَبِيْكَ - الجَوَابُ (1) . قَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي سَفِيْنَةٍ، فَسَمِعْتُ هَاتِفاً يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَذَبَ المَرِيْسِيُّ عَلَى اللهِ. ثُمَّ عَادَ الصَّوْتُ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، عَلَى ثُمَامَةَ وَالمَرِيْسِيِّ لَعْنَةُ اللهِ. قَالَ: وَمَعَنَا رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ المَرِيْسِيِّ فِي المَرْكَبِ، فَخَرَّ مَيْتاً (2) . 48 - الأَخْفَشُ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ البَلْخِيُّ * إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو الحَسَنِ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ البَلْخِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ. أَخَذَ عَنِ: الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ. وَلَزِمَ سِيْبَوَيْه حَتَّى بَرَعَ، وَكَانَ مِنْ أَسْنَانِ سِيْبَوَيْه، بَلْ أَكْبَرَ.   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 147، 148، و" ذم الهوى " لابن الجوزي ص 291، وأورد تعريف العشق ابن القيم في " روضة المحبين " ص 140 بأقصر مما هنا ونسبه لمجهول، ولفظه: إذا امتزجت جواهر النفوس بوصف المشاكلة أنتجت لمح نور ساطع تستضئ به النفس في معرفة محاسن المعشوق، فتسلك طريق الوصول إليه. وقد جاء في " ذم الهوى " ص 290، و" روضة المحبين " ص 139، و" الكشكول " ص 158 وصف آخر للعشق عن ثمامة فقال: العشق جليس ممتع، وأنيس مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جارية، ملك الابدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعقول وآراءها، قد أعطي عنان طاعتها، وقوة تصرفها، توارى عن الابصار مدخله، وعمي في القلوب مسلكه. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 148. (*) المعارف: 545، 546، مراتب النحويين: 109، طبقات الزبيدي: 45، 46، أخبار النحويين البصريين: 50، 51، الفهرست: 58، نزهة الالباء: 133 - 135، معجم الأدباء 11 / 224 - 230، إنباه الرواة 2 / 36 - 43، وفيات الأعيان 2 / 380، تاريخ أبي الفدا 2 / 29، مسالك الابصار ج 4 مجلد 2 / 283، 284، عيون التواريخ 7 / لوحة 251، مرآة الجنان 2 / 61، الوافي بالوفيات 13 / 86 - 88، البداية والنهاية 10 / 293، روضات الجنات: 313 - 314، المزهر 2 / 405 و419، بغية الوعاة 1 / 590 - 591، مفتاح السعادة 1 / 158، 159، شذرات الذهب 2 / 36. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ الأَخْفَشُ قَدَرِيّاً، رَجُلَ سُوْءٍ، كِتَابُهُ فِي المَعَانِي صُوَيْلِحٍ، وَفِيْهِ أَشْيَاءُ فِي القَدَرِ (1) . وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ: كَانَ الأَخْفَشُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالكَلاَمِ، وَأَحْذَقَهُمْ بِالجَدَلِ (2) . قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ: المَازِنِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَسَلَمَةُ، وَطَائِفَةٌ. وَعَنْهُ، قَالَ: جَاءَنَا الكِسَائِيُّ إِلَى البَصْرَةِ، فَسَأَلَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ سِيْبَوَيْه، فَفَعَلْتُ، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً (3) . وَكَانَ الأَخْفَشُ يُعَلِّمُ وَلَدَ الكِسَائِيِّ (4) . وَكَانَ ثَعْلَبٌ يُفَضِّلُ الأَخْفَشَ، وَيَقُوْلُ: كَانَ أَوْسَعَ النَّاسِ عِلْماً. وَلهُ كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ فِي: النَّحْوِ، وَالعَرُوضِ، وَمَعَانِي القُرْآنِ (5) . وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الكِسَائِيِّ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ الفَرَّاءُ، وَالأَحْمَرُ، وَابْنُ سَعْدَانَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ مائَةِ مَسْأَلَةٍ، فَأَجَابَ، فَخَطَّأْتُه فِي جَمِيْعِهَا، فَهَمُّوا بِي، فَمَنَعَهُمْ، وَقَالَ: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو الحَسَنِ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَامَ، وَعَانَقَنِي، وَأَجْلَسَنِي إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ يَتَأَدَّبَ أَوْلاَدِي بِكَ، فَأَجَبْتُهُ (6) .   (1) " إنباه الرواة " 2 / 38. (2) " معجم الأدباء " 11 / 230، و" إنباه الرواة " 2 / 39. (3) " إنباه الرواة " 2 / 40. (4) " إنباه الرواة " 2 / 40. (5) " معجم الأدباء " 11 / 229، و" إنباه الرواة " 2 / 40. (6) " معجم الأدباء " 11 / 227 - 229، و" إنباه الرواة " 2 / 39. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 مَاتَ الأَخْفَشُ: سَنَةَ نَيِّفَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ عَشْرٍ. قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَجْلَعَ - وَهُوَ الَّذِي لاَ تَنْطَبِقُ شَفَتَاهُ عَلَى أَسْنَانِهِ (1) -. وَقَدْ رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالكَلْبِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ. وَصَنَّفَ كُتُباً فِي النَّحْوِ، لَمْ يُتِمَّهَا. قَالَ الرِّيَاشِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أُجَالِسُ سِيْبَوَيْه، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي، وَأَنَا اليَوْمَ أَعْلمُ مِنْهُ (2) .   (1) " وفيات الأعيان " 2 / 381، و" إنباه الرواة " 2 / 39. (2) " وفيات الأعيان " 2 / 381. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 الطَّبَقَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ 49 - عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ جَهْمِ بنِ عِيْسَى العَصَرِيُّ * (خَ) ابْنِ حَسَّانِ ابْنِ صَاحِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ المُنْذِرِ العَصَرِيُّ (1) ، البَصْرِيُّ، مُسْنِدُ وَقْتِهِ، وَمُؤَذِّنُ جَامِعِ البَصْرَةِ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وَجَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَشُعْبَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَسِيْدُ بنُ عَاصِمٍ، وَالحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو   (*) تاريخ خليفة: 476، طبقات خليفة ت (1954) ، التاريخ الصغير 2 / 340، التاريخ الكبير 6 / 256، الجرح والتعديل 6 / 172، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 351، المعجم المشتمل: 186، تهذيب الكمال لوحة 923، تذهيب التهذيب 3 / 35 / 1، الكاشف 2 / 257، المغني في الضعفاء 2 / 429، ميزان الاعتدال 3 / 59، تذكرة الحفاظ 1 / 375، العبر 1 / 380، تهذيب التهذيب 7 / 157، طبقات الحفاظ: 162، خلاصة تذهيب الكمال: 263، شذرات الذهب 2 / 47. (1) نسبة إلى " عصر " بطن من عبد القيس، وهو عصر بن عوف بن عمرو بن عوف بن جذيمة. " الأنساب " 8 / 465. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ الذَّرَّاعُ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الأَصْبَهَانِيُّ، وَخَلْقٌ، خَاتِمَتُهُمُ: أَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ بِأَخَرَةٍ يُلَقَّنُ (1) . قُلْتُ: يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيْثِ، فَيَتَوَقَّفُ فِيْهِ، وَيَتَغَلَّطُ، فَيَرُدُّوْنَ عَلَيْهِ، فَيَقُوْلُ. وَمِثْلُ هَذَا غَضٌّ عَنْ رُتْبَةِ الحِفْظِ؛ لِجَوَازِ أَنَّ فِيْمَا رُدَّ عَلَيْهِ زِيَادَةً أَوْ تَغْييراً يَسِيْراً - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ فِي حَادِيَ عَشَرِ رَجَبٍ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي عَشْرِ المائَةِ. أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُلُوْكٍ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ (3) ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيْفَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ كَانَ العِلْمُ مُعَلَّقاً بِالثُّرَيَّا، لَتَنَاوَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ) (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 172. (2) هو أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك الوراق، شيخ لابن طبرزد. " تبصير المنتبه " 4 / 1316. (3) نسبة إلى الغطريف جده. (4) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وهو في " المسند " 2 / 297 و420 و422 و469، و" حلية الأولياء " 6 / 64، و" تاريخ أصبهان " 1 / 4، وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 64، وقال: رواه أحمد وفيه شهر، وثقه أحمد وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: وهو في البخاري 8 / 492، 493، ومسلم (2546) من حديث أبي هريرة بلفظ: " لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 50 - عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ * (4) مَوْلَى الأَمِيْرِ فَاتِحِ خُرَاسَانَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ القُرَشِيِّ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَسَلِيْمٍ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ المَدَنِيِّ، وَخَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. وَيُقَالُ: هُوَ نَيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، تَحَوَّلُوا إِلَى مَرْوَ. وَكَانَ عَلِيٌّ عَالِماً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ كَأَبِيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلِ بنِ خُوَيْلِدٍ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُنِيْبٍ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ (2) . قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) .   (*) التاريخ الكبير 6 / 267، التاريخ الصغير 2 / 321، الجرح والتعديل 6 / 179، تهذيب الكمال لوحة 967، تذهيب التهذيب 3 / 59 / 2، العبر 1 / 360، 361، ميزان الاعتدال 3 / 123، الكاشف 2 / 282، المغني في الضعفاء 2 / 446، تهذيب التهذيب 7 / 308، خلاصة تذهيب الكمال: 273، شذرات الذهب 2 / 27. (1) في الأصل: " خويلة " وهو خطأ، ومحمد بن عقيل من رجال التهذيب. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 179. (3) " التاريخ الكبير " 6 / 267. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 قُلْتُ: خَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ فِي (الأَدَبِ) ، وَمُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ، وَأَرْبَابُ السُّنَنِ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ، كَبِيْرُ القَدْرِ. 51 - خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ التَّمِيْمِيُّ الكُوْفِيُّ * (س، ق) الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ. نَزَلَ المَصِّيْصَةَ لِلْجهَادِ، وَصَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، وَصَاعِقَةُ، وَالدُّوْرِيُّ، وَالصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ (1) . وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، أَحَدُ النُّسَّاكِ وَالمُجَاهِدِيْنَ (4) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 491، التاريخ لابن معين: 149، التاريخ الكبير 3 / 197، التاريخ الصغير 2 / 316، الجرح والتعديل 3 / 370، تهذيب الكمال لوحة 378، تذهيب التهذيب 1 / 198 / 2، الكاشف 1 / 281، تذكرة الحفاظ 1 / 379، تهذيب التهذيب 3 / 148، خلاصة تذهيب الكمال: 105. (1) نسبة إلى ترقف: بلدة من نواحي العراق. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 370. (3) " تاريخ ابن معين " ص 149. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 378. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَعِنْدَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ. 52 - عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ أَبُو حَفْصٍ التِّنِّيْسِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو حَفْصٍ التِّنِّيْسِيُّ، مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، دِمَشْقِيٌّ، سَكَنَ تِنِّيْسَ، فَنُسِبَ إِلَيْهَا. حَدَّثَ عَنْ: الأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي مُعَيْدٍ حَفْصِ بنِ غَيْلاَنَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَصَدَقَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّمِيْنِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيِّ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَإِدْرِيْسَ بنِ يَزِيْدَ الأَوْدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ سَعِيْدٌ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَابْنُ وَارَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ المَقْدِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ حَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ: لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ مِصْرَ، دَخَلْنَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مَرَرْتُمْ بعَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقُلْنَا: وَمَا عِنْدَهُ خَمْسُوْنَ حَدِيْثاً، وَالبَاقِي مُنَاوَلَةً. قَالَ: كُنْتُمْ تَنْظُرُوْنَ فِي المُنَاوَلَةِ، وَتَأَخُذُوْنَ مِنْهَا (2) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 491. (*) التاريخ الصغير 2 / 326، التاريخ الكبير 6 / 341، تاريخ أبي زرعة 1 / 264 و265 و275 و285 و315 و709 و723، الجرح والتعديل 6 / 235، الأنساب 3 / 96، تهذيب الكمال لوحة 1036، تذهيب التهذيب 3 / 99 / 1، الكاشف 2 / 330، ميزان الاعتدال 3 / 262، تهذيب التهذيب 8 / 43، مقدمة فتح الباري: 430، خلاصة تذهيب الكمال: 289. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1037. والمناولة: هي أن يعطي الشيخ للطالب أصل = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 قَالَ الوَلِيْدُ بنُ بَكْرٍ العُمَرِيُّ: عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الأَخْبَارِ، مِنْ نَمَطِ ابْنِ وَهْبٍ، يَخْتَارُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ. قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَحدَهُ (1) . مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. 53 - مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرِو بنِ المُهَلَّبِ بنِ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، المَعْنِيُّ (2) ، البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْرَائِيْلَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ - وَهُوَ مَعَ الجَمَاعَةِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ - وَأَبُو بَكْرٍ   = سماعه، أو فرعا مقابلا به، ويقول له: هذا سماعي عن فلان فاروه عني، أو أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه ملكا له، أو يعيره إياه لينسخه ويقابل به، ثم يعيده للشيخ. والمناولة المقرونة بالاجازة مع التمكين من النسخة هي أعلى أنواع الاجازة على الاطلاق، ودونها المناولة المقرونة بالاجازة من غير تمكين من النسخة، وأضعفها المناولة المجردة من الاجازة. انظر " شرح ألفية الحديث " للسخاوي 2 / 101 وما بعدها. (1) كذا قال هنا، مع أنه قال في " الميزان " 3 / 262: وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال الساجي: ضعيف. وقال العقيلي: في حديثه وهم. وانظر " الجرح والتعديل " 6 / 235، 236، و" تهذيب الكمال " لوحة 1037. (*) طبقات ابن سعد 7 / 341، التاريخ لابن معين: 573، طبقات خليفة ت (1622) ، التاريخ الكبير 7 / 334، التاريخ الصغير 2 / 328، تاريخ بغداد 13 / 197، 198، تهذيب الكمال لوحة 1346، العبر 1 / 366، تذهيب التهذيب 3 / 52 / 1، الكاشف 3 / 158، تهذيب التهذيب 10 / 215، خلاصة تذهيب الكمال: 382، شذرات الذهب 2 / 34. (2) نسبة إلى معن بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بطن بن الاوس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَمْرُو بنُ النَّاقِدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ - سِبْطُهُ - وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ رَجُلاً شُجَاعاً، لاَ يُبَالِي بِلِقَاءِ عِشْرِيْنَ (2) . وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الكَرْمَانِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: يَرْوِي عَنْ زَائِدَةَ (مُصَنَّفَهُ) ، وَيَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ كِتَابَ (السِّيْرَةِ فِي دَارِ الحَرْبِ) . نَزَلَ بَغْدَادَ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَهْلُهَا (3) . قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ: رَأَيْتُ جَدِّي -رَحِمَهُ اللهُ- مُعَاوِيَةَ بنَ عَمْرٍو، وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِ أُمِّي، وَهِيَ فِي المَوْتِ، فَجَعَلَ وَجْهَهَا بِحِذَاءِ القِبْلَةِ، وَرِجْلَيْهَا بِحِذَاءِ القِبْلَةِ، فَلَمَّا قَارَبَتْ أَنْ تَقْضِيَ، سَتَرَهَا مِنَّا، وَصَلَّى عَلَيْهَا، فَكَبَّرَ أَرْبَعاً. قَالَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُوْلَى، مِنْهَا (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 198، و" تهذيب الكمال " لوحة 1346. (2) " تاريخ ابن معين " ص 573. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 341. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 198، و" تهذيب الكمال " لوحة 1346. (5) " طبقات ابن سعد " 7 / 341. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 54 - أَبُو أَحْمَدَ المُؤَدِّبُ حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرُّوْذِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو أَحْمَدَ حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَهْرَامَ المَرُّوْذِيُّ، المُؤَدِّبُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَجَرِيرِ بنِ حَازِمٍ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ قَرْمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: اكتُبُوا عَنْ أَبِي أَحْمَدَ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ. وَجَاءَ أَحْمَدُ مَعِيَ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ أَنْ يُحَدِّثَنِي (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (3) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 338، تاريخ ابن معين: 119، التاريخ الكبير 2 / 390، الجرح والتعديل 3 / 64، تاريخ بغداد 8 / 88 - 90، تهذيب الكمال لوحة 298، تذهيب التهذيب 1 / 158 / 2، الكاشف 1 / 234، ميزان الاعتدال 1 / 1 / 547، المغني في الضعفاء 1 / 175، العبر 1 / 366، تهذيب التهذيب 2 / 366، طبقات الحفاظ: 161، خلاصة تذهيب الكمال: 84. (1) " تاريخ بغداد " 8 / 89. (2) " الطبقات " 7 / 338. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 298. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 قُلْتُ: اخْتَلَفُوا فِي وَفَاتِهِ. فَقَالَ حَنْبَلٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (2) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، أَوِ الثَّمَانِيْنَ، وَحَدِيْثُهُ فِي الأُصُوْلِ السِّتَّةِ. 55 - خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ أَبُو الهَيْثَمِ البَجَلِيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، المُكْثِرُ، المُغْرِبُ، أَبُو الهَيْثَمِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، القَطَوَانِيُّ. وَقَطَوَانُ: مَكَانٌ بِالكُوْفَةِ. جُلُّ رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَأَبِي الغُصْنِ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَلِيِّ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَكَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الفِطْرِيِّ (3) ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 90. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 298. (*) طبقات ابن سعد 6 / 406، التاريخ الكبير 3 / 147، التاريخ الصغير 2 / 331، الجرح والتعديل 3 / 354، الكامل لابن عدي 2 / لوحة 237، الأنساب 10 / 197، المعجم المشتمل: 114، اللباب 3 / 47، تهذيب الكمال لوحة 367، تذكرة الحفاظ 1 / 406، العبر 1 / 364، ميزان الاعتدال 1 / 640، تذهيب التهذيب 1 / 192 / 1، الكاشف 1 / 274، تهذيب التهذيب 3 / 116، طبقات الحفاظ: 173، خلاصة تذهيب الكمال: 102، شذرات الذهب 2 / 29. (3) نسبة إلى الفطريين، وهم من موالي بني مخزوم " الأنساب " 9 / 317. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 شَدَّادٍ المِسْمَعِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَدْ رَوَى الجَمَاعَةُ - سِوَى أَبِي دَاوُدَ - عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَدُوْقٌ، لَكِنَّهُ يَتَشَيَّعُ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ مُنْكَرَ الحَدِيْثِ، مُفْرِطاً فِي التَّشَيُّعِ، كَتَبُوا عَنْهُ ضَرُوْرَةً (4) . وَذَكَرَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ (5)) ، فَأَوْرَدَ لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةٍ (6) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (7) . وَزَادَ صَاحِبُ (النَّبَلِ) : مَاتَ فِي المُحَرَّمِ (8) . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيْثِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 367. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 367. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 367. (4) " الطبقات الكبرى " 6 / 406. (5) 2 / لوحة 237. (6) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 398: قلت: أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الاخذ والاداء لا يضره، لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه، وأما المناكير، فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه، وأوردها في " كامله " وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة: " من عادى لي وليا. " الحديث. وروى له الباقون سوى أبي داود. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 367. (8) " المعجم المشتمل " ص 114 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 وَقِيْلَ: بَلِ القَطَوَانِيُّ لَقَبٌ لَهُ. وَقِيْلَ: نِسْبَةً إِلَى مَحَلَّةٍ (1) . وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ مَوْتاً: مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ. قَالَهُ: الخَطِيْبُ. وَرَوَى البُخَارِيُّ حَدِيْثَ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) عَنِ ابْنِ كرَامَةَ، عَنْ خَالِدٍ. وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدّاً، لَمْ يَرْوِهِ سِوَى ابْنِ كَرَامَةَ، عَنْهُ (2) . 56 - سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ مَرْوَانَ الجَوْهَرِيُّ * (خَ، 4) الإِمَامُ، أَبُو الحُسَيْنِ - وَقِيْلَ: أَبُو الحَسَنِ - البَغْدَادِيُّ، الجَوْهَرِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ المَكِّيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُؤَمَّلِ المَخْزُوْمِيِّ، وَحَشْرَجِ بنِ نُبَاتَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالبَاقُوْنَ - بِوَاسِطَةٍ سِوَى مُسْلِمٍ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) " المعجم المشتمل " ص 114 (2) الحديث أخرجه البخاري 11 / 292، 295 في الرقاق: باب التواضع. وقال الحافظ: ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا، ثم ذكره عن عائشة وأبي أمامة، وعلي، وابن عباس، وأنس، وحذيفة، ومعاذ بن جبل، وعزاها إلى مخرجيها، وتكلم عليها، فارجع إليه. (*) التاريخ الكبير 4 / 205، الجرح والتعديل 4 / 304، تاريخ بغداد 9 / 217، المعجم المشتمل: 125، تهذيب الكمال لوحة 469، تذهيب التهذيب 2 / 6 / 1، الكاشف 1 / 349، ميزان الاعتدال 2 / 116، تهذيب التهذيب 3 / 457، خلاصة تذهيب الكمال: 132. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَيْضاً، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ غَلِطَ فِي أَحَادِيْثَ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَعْيَانِ المُحَدِّثِيْنَ. قَالَ حَنْبَلٌ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الأَضْحَى، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: فِيْهَا مَاتَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ (4) ، وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ (5) ، وَهِشَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَطَّارُ العَابِدُ، وَعَمْرُو بنُ مَسْعَدَةَ كَاتِبُ السِّرِّ لِلْمَأْمُوْنِ (6) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ (7) . 57 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ بنِ أَعْيَنَ بنِ لَيْثٍ المِصْرِيُّ * (س) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- (8) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 469. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 469. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 469. (4) سترد ترجمته في الصفحة 352 من هذا الجزء. (5) تقدمت ترجمته في الصفحة 136. (6) تقدمت ترجمته في الصفحة 181. (7) سترد ترجمته في الصفحة 265 من هذا الجزء. * التاريخ الكبير 5 / 142، الجرح والتعديل 5 / 105، الانتقاء 52، 53، 113، ترتيب المدارك 2 / 523 - 528، وفيات الأعيان 3 / 34، 35، تهذيب الكمال لوحة 701، الكاشف 2 / 102، العبر 1 / 366، تذهيب التهذيب 2 / 159، 160، البداية والنهاية 10 / 269، الديباج المذهب 1 / 419 - 421، تهذيب التهذيب 5 / 289، حسن المحاضرة 1 / 305، خلاصة تذهيب الكمال: 204، شذرات الذهب 2 / 34، شجرة النور الزكية 1 / 59. (8) " تهذيب الكمال " لوحة 701. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَمُفَضَّلَ بنَ فَضَالَةَ، وَمُسْلِمَ بنَ خَالِدٍ الزَّنْجِيَّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيَّ، وَبَكْرَ بنَ مُضَرَ، وَابْنَ القَاسِمِ، وَابْنَ وَهْبٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ الأَئِمَّةُ: مُحَمَّدٌ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الحَكَمِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ، وَخَيْرُ بنُ عَرَفَةَ، وَمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَأَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو أَبُو الكَرَوَّسِ (1) ، وَمَالِكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَيْفٍ التُّجِيْبِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ (2) . وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: كَانَ شَيْخَ أَهْلِ مِصْرَ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: لَمْ أَرَ بِمِصْرَ أَعْقَلَ مِنْهُ، وَمِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ (4) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ عَقَلَ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَفَرَّعَ عَلَى أُصُوْلِهِ (5) . قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ قَوْلُ ابْنِ مَعِيْنٍ: إِنَّهُ كَذَّابٌ.   (1) في " تبصير المنتبه " 3 / 1192: وبفتح الكاف والراء وتشديد الواو: أبوالكروس محمد بن عمرو بن تمام الواسطي، روى عنه محمد بن عبد السلام البيروتي مكحول، وآخرون. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 702، و" حسن المحاضرة " 1 / 305. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 702. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 702. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 702، و" حسن المحاضرة " 1 / 305، ولفظه فيهما: كان ممن عقد على مذهب مالك، وفرع على أصوله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 قَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ: سَكَنَ أَبُوْهُ وَجَدُّهُ أَعْيَنُ جَمِيْعاً بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبِهَا مَاتَا (1) . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: صَنَّفَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ كِتَاباً، اخْتَصَرَ فِيْهِ أَسْمِعَتَهُ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَشْهَبَ، ثُمَّ اخْتَصَرَ مِنْ ذَلِكَ كِتَاباً صَغِيْراً، وَعَلَى الكِتَابَيْنِ مَعَ غَيْرِهِمَا مُعَوَّلُ البَغْدَادِيِّيْنَ المَالِكيَّةِ فِي المُدَارَسَةِ، وَإِيَّاهُمَا شَرَحَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ (2) . قُلْتُ: وَذَكَرُوا أَنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَ (الأَمْوَالِ) ، وَكِتَابَ (مَنَاقِبِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ) وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ الرُّكْبَانُ، وَكَانَ وَافِرَ الجَلاَلَةِ، كَثِيْرَ المَالِ، رَفِيْعَ المَنْزِلَةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الفِيْرُوْزَابَاذِيُّ (3) : كَانَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ أَعْلَمَ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِمُخْتَلِفِ قَوْلِهِ، أَفْضَتْ إِلَيْهِ الرِّئَاسَةُ بِمِصْرَ بَعْدَ أَشْهَبَ (4) . قِيْلَ: إِنَّهُ أَعْطَى الشَّافِعِيَّ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَخَذَ لَهُ مِنْ رَئِيْسَيْنِ (5) أَلْفَي دِيْنَارٍ، وَكَانَ يُزَكِّي العُدُوْلَ وَيُجَرِّحُهُم، وَمَا كَانَ يَشْهَدُ، وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ الشَّافِعِيِّ (6) . قُلْتُ: وَكَانَ يُحَرِّضُ وَلَدَهُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ عَلَى مُلاَزَمَةِ الشَّافِعِيِّ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 702. (2) " الانتقاء " ص 53، و" ترتيب المدارك " 2 / 524. (3) هو إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي - نسبة إلى فيروزاباذ: بلدة بفارس بالقرب من شيراز - له كتاب " طبقات الفقهاء " و" اللمع " و" التنبيه ". توفي سنة 476 هـ وسترد ترجمته في الجزء الثامن عشر. (4) " ترتيب المدارك " 2 / 524. (5) عند ابن خلكان: " رجلين " بدل " رئيسين ". (6) " وفيات الأعيان " 3 / 35. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 مَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُذْهِبُ فِي جَمَاعَةٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ صَالِحٍ - هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَنَا قَائِدُ المُرْسَلِيْنَ - وَلاَ فَخْرَ - وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّيْنَ - وَلاَ فَخْرَ - وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ - وَلاَ فَخْرَ -) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ. وَصَالِحٌ هَذَا: مِصْرِيٌّ، مَا عَلِمْتُ بِهِ بَأْساً (1) . 58 - أَبُو المُغِيْرَةِ عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ الحَجَّاجِ الخَوْلاَنِيُّ * (ع) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، مُسْنِدُ حِمْصَ، أَبُو المُغِيْرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ   (1) وباقي رجاله ثقات، وهو في " سنن الدارمي " 1 / 27، لكن فيه بين صالح بن عطاء وبين جابر عطاء بن رباح. وفي الباب عن أبي هريرة: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع " أخرجه أحمد 2 / 540، وأبو داود (4763) ، ومسلم (2278) . وعن أبي سعيد الخدري بلفظ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر " أخرجه أحمد 3 / 2، والترمذي (3618) ، وابن ماجه (4308) ، وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام عند ابن حبان (2128) . (*) التاريخ الصغير 2 / 324، التاريخ الكبير 6 / 120، الجرح والتعديل 6 / 56، المعجم المشتمل: 174، تهذيب الكمال لوحة 848، تذهيب التهذيب 2 / 246 / 1، الكاشف 2 / 204، ميزان الاعتدال 2 / 643، تذكرة الحفاظ 1 / 386، العبر 1 / 363، تهذيب التهذيب 6 / 369، خلاصة تذهيب الكمال: 242، شذرات الذهب 2 / 28. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 بنُ الحَجَّاجِ الخَوْلاَنِيُّ، الحِمْصِيُّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدَةَ بِنْتِ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَأَبِي عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَطَاءٍ اليَشْكُرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ سِنَانٍ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ يَزِيْدَ بنِ تَمِيْمٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ يَزِيْدَ الحَوْطِيُّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجُوْيَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَوْطِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (4) . قَالَ ابْنُ زَنْجُوْيَةَ: مَا رَأَيْتُ أَخْوَفَ للهِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلاَ رَأَيْتُ أَخْشَعَ مِنْ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَلاَ أَحْفَظَ مِنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَلاَ أَعْقَلَ مِنْ   (1) نسبة إلى " حوط " وهي قرية بمدينة حمص أو مدينة جبلة بالساحل. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 849. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 56. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 849. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 أَبِي مُسْهِرٍ، وَلاَ أَوْرَعَ مِنَ الفِرْيَابِيِّ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ أَبُو المُغِيْرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (1) ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ، وَهُوَ وَالبَاقُوْنَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. 59 - أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَّانِيُّ ثُمَّ المَغْرِبِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القَاضِي، الأَمِيْرُ، مُقَدَّمُ المُجَاهِدِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ المَغْرِبِيُّ. مَوْلِدُهُ: بِحَرَّانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: ابْنُ مَاكُوْلاَ (2) . وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ. وَدَخَلَ القَيْرَوَانَ مَعَ أَبِيْهِ فِي الجِهَادِ، وَكَانَ أَبُوْهُ الفُرَاتُ بنُ سِنَانٍ مِنْ أَعْيَانِ الجُنْدِ. رَوَى: أَسَدٌ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ (المُوَطَّأَ) ، وَعَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ. وَغَلَبَ عَلَيْهِ عِلْمُ الرَّأْيِ، وَكَتَبَ عِلْمَ أَبِي حَنِيْفَةَ. أَخَذَ عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ أَبُو يُوْسُفَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلاً عَلَى الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ التُّوْنُسِيِّ.   (1) " التاريخ الكبير " 6 / 120، 121. (*) رياض النفوس 1 / 172 - 189، الإكمال لابن ماكولا 4 / 454، 455، ترتيب المدارك 2 / 465، وفيات الأعيان 3 / 182، معالم الايمان 2 / 3 - 26، العبر 1 / 364، الاحاطة في أخبار غرناطة 1 / 422، الديباج المذهب 1 / 305، 306، قضاة الأندلس: 54، شذرات الذهب 2 / 28، 29، شجرة النور الزكية 1 / 62. (2) في " الإكمال " 4 / 454، 455. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 قِيْلَ: إِنَّهُ رَجَعَ مِنَ العِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَبِي حَنِيْفَةَ. وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيْبَ فِيْهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَأَبَى، وَتَوَرَّعَ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى ابْنِ القَاسِمِ، فَأَجَابَهُ بِمَا حَفِظَ عَنْ مَالِكٍ، وَبِمَا يَعْلَمُ مِنْ قَوَاعِدِ مَالِكٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ المَسَائِلُ: الأَسَدِيَّةُ (1) . وَحَصَلَتْ بِإِفْرِيْقِيَةَ لَهُ رِيَاسَةٌ وَإِمْرَةٌ، وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَتَفَقَّهُوا بِهِ. وَحَمَلَ عَنْهُ سُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ ارْتَحَلَ سُحْنُوْنُ بِالأَسَدِيَّةِ إِلَى ابْنِ القَاسِمِ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: فِيْهَا أَشْيَاءُ لاَ بُدَّ أَنْ تُغَيَّرَ، وَأَجَابَ عَنْ أَمَاكِنَ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَسَدِ بنِ الفُرَاتِ: أَنْ عَارِضْ كُتُبَكَ بِكُتُبِ سُحْنُوْنَ. فَلَمْ يَفْعَلْ، وَعَزَّ عَلَيْهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ القَاسِمِ، فَتَأَلَّمَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُبَارِكْ فِي الأَسَدِيَّةِ، فَهِيَ مَرْفُوْضَةٌ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ (2) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ القَاسِمِ نَحْوُ ثَلاَثِ مائَةِ جِلْدٍ مَسَائِلَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَانَ أَسَدٌ مِنْ أَهْلِ المَغْرِبِ سَأَلَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ عَنْ مَسَائِلَ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ وَهْبٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ. فَأَتَى ابْنَ القَاسِمِ، فَتَوَسَّعَ لَهُ، وَأَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِمَا يَرَاهُ. قَالَ: وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ (3) . قَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الزَّاهِدُ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَسَدٌ، فَقُلْتُ: بِمَ تَأْمُرُنِي؟ بِقَولِ مَالِكٍ، أَوْ بِقَولِ أَهْلِ العِرَاقِ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ الآخِرَةَ، فَعَلَيْكَ بِمَالِكٍ.   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 469. (2) انظر خبر المسائل الاسدية في " ترتيب المدارك " 2 / 469 - 473. (3) " ترتيب المدارك " 2 / 469 - 471. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 وَقِيْلَ: نَفِدَتْ نَفَقَةُ أَسَدٍ وَهُوَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَكَلَّمَ فِيْهِ الدَّوْلَةَ، فَنَفَّذُوا إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ (1) . وَقَدْ كَانَ أَسَدٌ ذَا إِتْقَانٍ، وَتَحْرِيْرٍ لِكُتُبِهِ، لَقَدْ بِيْعَتْ كُتُبُ فَقِيْهٍ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهَا: هَذِهِ قُوْبِلَتْ عَلَى كُتُبِ الإِفْرِيْقِيِّ، فَاشْتَرَوْهَا وَرَقَتَيْنِ بِدِرْهَمٍ. وَعَنِ ابْنِ القَاسِمِ، أَنَّهُ قَالَ لأَسَدٍ: أَنَا أَقْرَأُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَتْمَتَيْنِ، فَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ خَتْمَةٍ -يَعْنِي: لاشْتِغَالِهِ بِهِ- (2) . قَالَ دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَسَداً يَعْرِضُ التَّفْسِيْرَ، فَقَرَأَ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} ، فَقَالَ: وَيلُ أُمِّ أَهْلِ البِدَعِ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ كَلاَماً، يَقُوْلُ: أَنَا (3) . قُلْتُ: آمَنْتُ بِالَّذِي يَقُوْلُ: {إِنِّيْ أَنَا اللهُ} ، وَبأَنَّ مُوْسَى كَلِيْمُهُ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ، وَلَكِنِّي لاَ أَدْرِي كَيْفَ تَكَلَّمَ اللهُ؟ مَضَى أَسَدٌ أَمِيْراً عَلَى الغُزَاةِ مِنْ قِبَلِ زَيَادَةِ اللهِ الأَغْلَبِيِّ مُتَوَلِّي المَغْرِبِ، فَافْتَتَحَ بَلَداً مِنْ جَزِيْرَةِ صَقِلِّيَّةَ (4) ، وَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ هُنَاكَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ مَعَ تَوَسُّعِهِ فِي العِلْمِ فَارِساً، بَطَلاً، شُجَاعاً، مِقْدَاماً، زَحَفَ إِلَيْهِ صَاحِبُ صَقِلِّيَّةَ فِي مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً. قَالَ رَجُلٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَسَداً   (1) انظر " معالم الايمان " 2 / 9 - 11. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 469. (3) " ترتيب المدارك " 2 / 474. (4) كذا ضبطت في الأصل، وقال ياقوت في " معجمه ": صقلية بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء، وأكثر أهل صقلية يفتحون الصاد واللام، وهي من جزائر بحر المغرب مقابلة إفريقية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 وَبِيَدِهِ اللِّوَاءُ يَقْرَأُ سُوْرَةَ يس، ثُمَّ حَمَلَ بِالجَيْشِ، فَهَزَمَ العَدُوَّ، وَرَأَيْتُ الدَّمَ، وَقَدْ سَالَ عَلَى قَنَاةِ اللِّوَاءِ وَعَلَى ذِرَاعِهِ (1) . وَمَرِضَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ سَرَقُوْسِيَةَ (2) . وَلَمَّا وَلاَّهُ صَاحِبُ المَغْرِبِ الغَزْوَ، قَالَ: قَدْ زِدْتُكَ الإِمْرَةَ، وَهِيَ أَشْرَفُ، فَأَنْتَ أَمِيْرٌ وَقَاضٍ (3) . 60 - أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ * (ع) ابْنِ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ مُسْهِرٍ، الإِمَامُ، شَيْخُ الشَّامِ، أَبُو مُسْهِرٍ بنُ أَبِي ذُرَامَةَ الغَسَّانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ. قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَيُّوْبَ بنِ تَمِيْمٍ، وَصَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ تِلاَوَتِهِم عَلَى يَحْيَى الذِّمَارِيِّ. وَقَرَأَ القُرْآنَ أَيْضاً عَلَى: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَلاَزمَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَمِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ بِشْرٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ،   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 477. (2) في " معجم البلدان ": سرقوسة: أكبر مدينة بجزيرة صقلية. وانظر " ترتيب المدارك " 2 / 477 وفيه: وتوفي وهو محاصر سرقوسة. (3) انظر الخبر بتمامه في " ترتيب المدارك " 2 / 477. (*) طبقات ابن سعد 7 / 473، تاريخ ابن معين: 339، التاريخ الكبير 6 / 73، التاريخ الصغير 2 / 339، الجرح والتعديل 6 / 29، تاريخ بغداد 11 / 72 - 75، ترتيب المدارك 2 / 416 - 419، مناقب الامام أحمد: 486 - 487، تهذيب الكمال لوحة 761، تذهيب التهذيب 2 / 198 / 1، 2، العبر 1 / 374، تذكرة الحفاظ 1 / 381، الكاشف 2 / 147، عيون التواريخ 7 / لوحة 314، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 355، تهذيب التهذيب 6 / 98، طبقات الحفاظ: 163، خلاصة تذهيب الكمال: 221، شذرات الذهب 2 / 44. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَيَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَمَاعَةَ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُرِّيِّ، وَعِدَّةٍ. وَأَخَذَ بِمَكَّةَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخَذَ حَرْفَ نَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. رَوَى عَنْهُ: مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَدُحَيْمٌ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ - وَلَكِنْ قَلَّ مَا رَوَى عَنْهُ - وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ (1) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمُّوْيَه، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ مُوْسَى الأَخْفَشُ المُقْرِئُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الرَّوَّاسِ الهَاشِمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ دُحَيْمٌ: وُلِدَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (2) . وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَدْ رَأَيْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَرَأَيْتُ ابْنَ جَابِرٍ، وَجَالَسْتُهُ (3) .   (1) هذه النسبة إلى بلاد مجتمعة وراء نهر جيحون يقال لها: " جغانيان "، وتعرب فيقال لها: " الصغانيان "، وهي كورة واسعة كثيرة الماء والشجر والاهل، وسوقها كبيرة، ومسجدها حسن مشهور، والنسبة إليها: الصغاني والصاغاني أيضا. " الأنساب " 8 / 68. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 72. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 72. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو مُسْهِرٍ رَاوِيَةَ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَكَانَ أُشْخِصَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى المَأْمُوْنِ بِالرَّقَّةِ، فَسَأَلَهُ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ. وَأَبَى أَنْ يَقُوْلُ: مَخْلُوْقٌ. فَدَعَا لَهُ بِالنِّطْعِ وَالسَّيْفِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: مَخْلُوْقٌ. فَتَرَكَهُ مِنَ القَتْلِ، وَقَالَ: أَمَّا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ ذَاكَ قَبْلَ السَّيْفِ، لَقَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَكِنَّكَ تَخْرُجُ الآنَ فَتَقُوْلُ: قُلْتُ ذَاكَ فَرَقاً مِنَ القَتْلِ. فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ بِبَغْدَادَ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَمَاتَ بَعْدَ قَلِيْلٍ فِي الحَبْسِ، فِي غُرَّةِ رَجَبٍ، مِنَ السَّنَةِ، فَشَهِدَهُ قَوْمٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ (1) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ: وُلِدَ لِي وَلَدٌ وَالأَوْزَاعِيُّ حَيٌّ، وَجَالَسْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ ثِنْتَي عَشْرَة سَنَةً، وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَحْفَظَ لِحَدِيْثِهِ مِنِّي، غَيْرَ أَنِّي نَسِيْتُ (2) ، وَسَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لأَكْتُبَ إِلَيْهِ بِحَدِيْثِ أُمِّ حَبِيْبَةَ فِي مَسِّ الفَرْجِ (3) . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: الَّذِي   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 473، و" مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي ص 486، 487، و" تهذيب الكمال " لوحة 762، و" تهذيب التهذيب " 6 / 100 وقد تحرف فيه " ابن سعد " إلى " أبي سعيد "، و" راوية " إلى " روايته ". (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 580، 581، و" تاريخ بغداد " 11 / 72، و" تهذيب الكمال " لوحة 761. (3) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 396 و" تاريخ بغداد " 11 / 73، ولفظ الحديث: " من مس فرجه فليتوضأ " أخرجه ابن ماجة (481) من طريق الهيثم بن حميد، حدثنا العلاء ابن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مس فرجه فليتوضأ " قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 36: هذا إسناد فيه مقال، مكحول الدمشقي مدلس، وقد رواه بالعنعنة، فوجب ترك حديثه، لا سيما وقد قال البخاري وأبو زرعة وهشام بن عمار وأبو مسهر وغيرهم: إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، فالاسناد منقطع. وانظر " نصب الراية " 1 / 56، 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 يُحَدِّثُ بِبَلَدٍ بِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْدِيثِ مِنْهُ، أَحْمَقُ، وَإِذَا رَأَيتَنِي أُحَدِّثُ بِبَلَدٍ فِيْهَا مِثْلُ أَبِي مُسْهِرٍ، فَيَنْبَغِي لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ (1) . رَوَى الفَصْلَ الثَّانِي: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى أَيْضاً (2) . مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مُنْذُ خَرَجْتُ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى أَنْ رَجَعْتُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي مُسْهِرٍ (3) . أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مُنْذُ خَرَجْتُ مِنْ بِلاَدِي أَحَداً أَشْبَهَ بِالمَشْيَخَةِ الَّذِيْنَ أَدْرَكْتُهُم مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ (4) . قَالَ: فَيَّاضُ بنُ زُهَيْرٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ ثَبَّتَ أَبُو مُسْهِرٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ فَهُوَ مُثْبَتٌ (5) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عِنْدَكُم ثَلاَثَةٌ أَصْحَابُ حَدِيْثٍ: الوَلِيْدُ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو مُسْهِرٍ (6) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ أَبَا مُسْهِرٍ، مَا كَانَ أَثْبَتَهُ! ... وَجَعَلَ يُطْرِيهِ (7) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 761، والزيادة منه. (2) بل روى الفصل الأول وهو قوله: " والذي يحدث وفي البلد أولى بالتحديث منه فهو أحمق " انظر " تاريخ بغداد " 11 / 74، و" تهذيب الكمال " لوحة 761، و" الجرح والتعديل " 6 / 29. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 762. (4) " الجرح والتعديل " 6 / 29. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 762. (6) تاريخ دمشق لأبي زرعة 1 / 384، و" تاريخ بغداد " 11 / 73، و" تهذيب الكمال " لوحة 761. (7) " تاريخ بغداد " 11 / 73، و" تهذيب الكمال " لوحة 761. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَأَيْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَحْضُرُ الجَامِعَ بِأَحْسَنِ هَيْئَةٍ فِي البَيَاضِ، وَالسَّاجِ، وَالخُفِّ، وَيَعْتَمُّ عَلَى طَوِيْلَةٍ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ عَدَنِيَّةٍ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ مِمَّنْ كَتَبْنَا عَنْهُ، هُوَ وَأَبُو الجَمَاهِرِ (2) . قَالَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ المَعْرُوْفُ بِأَبِي العَمَيْطَرِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ (3) ، وَأُمُّهُ هِيَ نَفِيْسَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (4) ، فَوَلَّى أَبَا مُسْهِرٍ قَضَاءَ دِمَشْقَ كُرْهاً، ثُمَّ إِنَّهُ تَنَحَّى عَنِ القَضَاءِ لَمَّا خُلِعَ أَبُو العَمَيْطَرِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: قَالَ لِي سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَا شَبَّهْتُكَ فِي الحِفْظِ إِلاَّ بِجَدِّكَ أَبِي ذُرَامَةَ، مَا كَانَ يَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظَهُ (5) . وَقَالَ أَبُو الجَمَاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ: مَا رَأَيْتُ بِالشَّامِ مِثْلَ أَبِي مُسْهِرٍ (6) . قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: لَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى عِلْمِ الأَوْزَاعِيِّ حَتَّى كَتَبْتُ عَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ كِتَاباً،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 762. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 29. (3) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب. (4) انظر " الكامل " لابن الأثير 6 / 249، و" النجوم الزاهرة " 2 / 147، 148. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 762. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 762. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 حَتَّى لَقِيْتُ أَبَاكَ الوَلِيْدَ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ عِلْماً لَمْ يَكُنْ عِنْدَ القَوْمِ (1) . قَالَ ابْنُ زَنْجُوْيَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: عَرَامَةُ الصَّبِيِّ فِي صِغَرِهِ زيَادَةٌ فِي عَقْلِهِ فِي كِبَرِهِ (2) . قَالَ ابْنُ دَيْزِيْلَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يُنْشِدُ: هَبْكَ عُمِّرْتَ مِثْلَ مَا عَاشَ نُوحٌ ... ثُمَّ لاَقَيْتَ كُلَّ ذَاكَ يَسَارَا هَلْ مِنَ المَوْتِ - لاَ أَبَالَكَ - بُدٌّ ... أَيُّ حَيٍّ إِلَى سِوَى المَوْتِ صَارَا مَبْدَأُ مِحْنَةِ الإِمَامِ أَبِي مُسْهِرٍ: قَالَ عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيُّ: كُنَّا عَلَى بَابِ أَبِي مُسْهِرٍ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَمَرِضَ، فَعُدْنَاهُ، وَقُلْنَا: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: فِي عَافِيَةٍ رَاضِياً عَنِ اللهِ، سَاخِطاً عَلَى ذِي القَرْنَيْنِ، كَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ سَدّاً بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ العِرَاقِ، كَمَا جَعَلَهُ بَيْنَ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَبَيْنَ يَأْجُوْجَ وَمَأْجُوْجَ. فَمَا كَانَ بَعْدَ هَذَا إِلاَّ يَسِيْراً، حَتَّى وَافَى المَأْمُوْنُ دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بِدَيْرِ مُرَّانَ (3) ، وَبنَى القُبَّةَ فَوقَ الجَبَلِ، فَكَانَ بِاللَّيْلِ يَأْمُرُ بِجَمْرٍ عَظِيْمٍ، فَيُوَقَدُ،   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 29. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 73. والعرامة: الشدة والشراسة. وانظر " اللسان ". (3) قال الشيخ محمد أحمد دهمان في مقدمة كتاب " تاريخ الصالحية " ص 7: هي محلة كانت عامرة آهلة بالسكان، ومحلها اليوم في السفح الواقع أسفل قبة السيار، وأعلى بستان الدواسة، يطل منها الإنسان على الربوة وحدائقها ذات البهجة التي كان يزرع فيها قديما الزعفران، ولا تزال تلك الجهة حتى اليوم تدعى بدير مران، وعرفت تلك الجهة بهذا الاسم لوجود دير يدعى بدير مران، ذكره أبو الفرج الأصبهاني في " الاغاني " وقال: إنه دير على تلعة مشرفة عالية تحتها مروج ومياه حسنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 وَيُجْعَلُ فِي طُسُوتٍ كِبَارٍ تُدَلَّى مِنْ عِنْدِ القُبَيْبَةِ بِسَلاَسِلَ وَحِبَالٍ، فَتُضِيءُ لَهَا الغُوْطَةُ، فَيُبْصِرُهَا بِاللَّيْلِ. وَكَانَ لأَبِي مُسْهِرٍ حَلْقَةٌ فِي الجَامِعِ بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، عِنْدَ حَائِطِ الشَّرْقِيِّ، فَبَيْنَا هُوَ لَيْلَةً، إِذْ قَدْ دَخَلَ الجَامِعَ ضَوْءٌ عَظِيْمٌ، فَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: النَّارُ الَّتِي تُدَلَّى مِنَ الجَبَلِ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، حَتَّى تُضِيءَ لَهُ الغُوْطَةُ. فَقَالَ: {أَتَبْنُوْنَ بِكُلِّ رِيْعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُوْنَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُوْنَ} الآيَةَ [الشُّعَرَاءُ: 128 وَ129] وَكَانَ فِي الحَلْقَةِ صَاحِبُ خَبَرٍ لِلْمَأْمُوْنِ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى المَأْمُوْنِ، فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ أَيْضاً أَنَّهُ كَانَ عَلَى قَضَاءِ أَبِي العَمَيْطَرِ. فلَمَّا رَحَلَ المَأْمُوْنُ، أَمَرَ بِحَمْلِ أَبِي مُسْهِرٍ إِلَيْهِ، فَامْتَحَنَهُ بِالرَّقَّةِ فِي القُرْآنِ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ المَأْمُوْنُ بَأْساً وَبَلاَءً عَلَى الإسْلاَمِ. أَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ حَامِدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَصْبَغَ - وَكَانَ مَعَ أَبِي مُسْهِرٍ هُوَ وَابْنُ أَبِي النَّجَا، خَرَجَا مَعَهُ يَخْدُمَانِهِ - فَحَدَّثَنِي أَصْبَغُ: أَنَّ أَبَا مُسْهِرٍ دَخَلَ عَلَى المَأْمُوْنِ بِالرَّقَّةِ، وَقَدْ ضَرَبَ رَقَبَةَ رَجُلٍ وَهُوَ مَطْرُوْحٌ، فَأَوْقَفَ أَبَا مُسْهِرٍ فِي الحَالِ، فَامْتَحَنَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَمَرَ بِهِ، فَوُضِعَ فِي النِّطْعِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَأَجَابَ إِلَى خَلْقِ القُرْآنِ، فَأُخْرِجَ مِنَ النِّطْعِ، فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، فَأُعِيدَ إِلَى النِّطْعِ، فَأَجَابَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، وَلَمْ يَثِقْ بِقَولِهِ، فَمَا حَذِرَ، وَأَقَامَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- أَيَّاماً، لاَ تَبْلُغُ مائَةَ يَوْمٍ، وَمَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ- (1) .   (1) انظر " تاريخ بغداد " 11 / 72، 73. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 قَالَ الحَسَنُ بنُ حَامِدٍ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ يُكْنَى أَبَا بَكْرٍ: أَنَّ أَبَا مُسْهِرٍ أُقِيْمَ بِبَغْدَادَ لِيَقُوْلَ قَوْلاً يُبَرِّئُ فِيْهِ نَفْسَهُ مِنَ المِحْنَةِ، وَيُوقَى المَكْرُوْهَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ: جَزَى اللهُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ خَيْراً، عَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَعَلِمَ عِلْماً مَا عَلِمَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَقَالَ: قُلْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ وَإِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَكَ، أَلاَ فَهُوَ مَخْلُوْقٌ. قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ فِي هَذِهِ المَقَالَةِ نَجَاةٌ. الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: لَمَّا صَارَ المَأْمُوْنُ إِلَى دِمَشْقَ، ذَكَرُوا لَهُ أَبَا مُسْهِرٍ، وَوَصَفُوهُ بِالعِلْمِ وَالفِقْهِ، فَأَحْضَرَهُ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [التَّوْبَةُ: 5] . فَقَالَ: أَمَخْلُوْقٌ هُوَ، أَوْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ قَالَ: مَا يَقُوْلُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قَالَ: يُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ عَنِ الصَّحَابَةِ، أَوِ التَّابِعِيْنَ؟ قَالَ: بِالنَّظَرِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ مَعَ الجُمْهُوْرِ الأَعْظَمِ، أَقُوْلُ بِقَوْلِهِم، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قَالَ: يَا شَيْخُ! أَخْبِرْنِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلِ اخْتَتَنَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا شَيْئاً. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْهُ أَكَانَ يُشْهِدُ إِذَا زَوَّجَ، أَوْ تَزَوَّجَ؟ قَالَ: وَلاَ أَدْرِي. قَالَ: اخْرُجْ قَبَّحَكَ اللهُ، وَقَبَّحَ مَنْ قَلَّدَكَ دِيْنَهُ، وَجَعَلَكَ قُدْوَةً (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْظَمَ قَدْراً مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، كُنْتُ أَرَاهُ إِذَا خَرَجَ إِلَى المَسْجَدِ، اصْطَفَّ النَّاسُ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، وَيُقَبِّلُوْنَ يَدَهُ (2) .   (1) انظر " ترتيب المدارك " 2 / 418، 419. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 29. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ - وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مُسْهِرٍ كَانَ مُتَكَبِّراً فِي نَفْسِهِ - فَقَالَ: كَانَ مِنْ ثِقَاتِ النَّاسِ، رَحِمَ اللهُ أَبَا مُسْهِرٍ، لَقَدْ كَانَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمَكَانٍ، حُمِلَ عَلَى المِحْنَةِ فَأَبَى، وَحُمِلَ عَلَى السَّيْفِ فَمَدَّ رَأْسَهُ، وَجُرِّدَ السَّيْفُ فَأَبَى، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ، حُمِلَ إِلَى السِّجْنِ، فَمَاتَ (1) . وَقِيْلَ: عَاشَ أَبُو مُسْهِرٍ تِسْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ الذُّهْلِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يُنْشِدُ: وَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ... مِنَ اللهِ فِي دَارِ المُقَامِ نَصِيبُ فَإِنْ تُعْجِبِ الدُّنْيَا رِجَالاً فَإِنَّهُ ... مَتَاعٌ قَلِيْلٌ وَالزَّوَالُ قَرِيْبُ قَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو مُسْهِرٍ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ (3) ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدُوَيْه، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ المُظَفَّرِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 74. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 75. (3) نسبة إلى " أرمية " وهي مدينة عظيمة بأذربيجان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وُضُوْءٌ عَلَى وُضُوْءٍ، عَشْرُ حَسَنَاتٍ) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَخْبَرُكُمْ مُكْرَمُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ عَبْدُ المُنْعِمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَابِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ وَعَبْدُ العَزِيْزِ ابْنَا بَرَكَاتٍ الخُشُوْعِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ صَابِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المَوَازِيْنِيِّ، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو الفَضْلِ، وَأَبُو طَاهِرٍ الحِنَّائِيُّ (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ الكِلاَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ طَاهِرٍ النَّحْوِيُّ، قَالُوا كُلُّهُم: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ المَازِنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ جَعْفَرٍ المُؤَذِّنُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ، سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا سَلاَّمٍ يُحَدِّثُ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مائَتَي مَرَّةٍ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) . هَذَا خَبَرٌ فِيْه إِرْسَالٌ، وَفِيْهِ انقِطَاعٌ؛ لأَنَّ أَبَا سَلاَّمٍ لَمْ يَلْقَ كَعْباً (2) . وَفِي (تَارِيْخِ أَبِي زُرْعَةَ) : قُلْتُ لأَبِي مُسْهِرٍ: سَمِعَ مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ   (1) هو محمد بن الحسين الحنائي، نسبة إلى بيع الحناء. (2) لكنه صح من وجه آخر، فقد أخرج مالك في " الموطأ " 1 / 212، 213، ومن طريقه مسلم (2691) في الذكر والدعاء: باب فضل التهليل والتسبيح، والترمذي (3466) في الدعوات، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 مِنْ جَدِّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا سَلاَّمٍ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ مَوْقُوْفاً (1) . 61 - زَيْنَبُ بِنْتُ الأَمِيْرِ سُلَيْمَانَ عَمِّ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيَّةُ * الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا الزَّيْنَبِيُّوْنَ. كَانَتْ طِفْلَةً مَعَ أَهلِهَا بِالحُمَيْمَةِ (2) ، ثُمَّ نَشَأَتْ فِي السَّعَادَةِ، وَرأَتْ عِدَّةَ خُلَفَاءٍ، أَوَّلُهُم ابْنُ عَمِّهَا السَّفَاحُ، ثُمَّ المَنْصُوْرُ، ثُمَّ المَهْدِيُّ، ثُمَّ الهَادِي، ثُمَّ الرَّشِيْدُ، ثُمَّ الأَمِيْنُ، ثُمَّ المَأْمُوْنُ، وَطَالَ عُمُرُهَا، وَوَلِيَ أَبُوْهَا وَأَخَوَاهَا مُحَمَّدٌ وَجَعْفَرٌ. رَوَتْ عَنْ: أَبِيْهَا. حَدَّثَ عَنْهَا: وَلَدُهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الإِمَامُ، وَعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ القُرَشِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُوْسَى العَبَّاسِيُّ، وَالمَأْمُوْنُ، وَكَانَ يُكْرِمُهَا، وَيُجِلُّهَا. وَبَقِيَتْ إِلَى سَنَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: عَاشَتْ إِلَى بَعْدِ المَأْمُوْنِ، وَعُمِّرَتْ، فَطِرَادٌ الزَّيْنَبِيُّ (3) وَأَقَارِبُهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدِ اللهِ وَلَدِهَا.   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 373، 374. (*) تاريخ بغداد 14 / 435. (2) تصغير " الحمة " من أعمال عمان في أطراف الشام. (3) هو طراد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي، مسند العراق، توفي سنة 491 هـ، وسترد ترجمته في الجزء التاسع عشر، ترجمة رقم (23) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 62 - حَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيْبٍ البَاهِلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو حَبِيْبٍ البَاهِلِيُّ - وَيُقَالُ: الكِنَانِيُّ - البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَسَلْمِ بنِ زَرِيْرٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّرِامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ (1) ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمُ. وَكَانَ قَدْ قَطَعَ الرِّوَايَةَ قَبْل مَوْتِهِ بِسَنَوَاتٍ، فَلِهَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ البُخَارِيُّ، وَلاَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، ثَبْتاً، امْتَنَعَ مِنَ التَّحْدِيْثِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ: وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَبَّانُ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ (4) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 299، التاريخ الصغير 2 / 331، المعارف: 521، تهذيب الكمال لوحة 226، تذهيب التهذيب 1 / 117 / 1، الكاشف 1 / 200، تذكرة الحفاظ 1 / 364، العبر 1 / 369، عيون التواريخ 7 / لوحة 314، تهذيب التهذيب 2 / 170، طبقات الحفاظ: 162، خلاصة تذهيب الكمال: 70، شذرات الذهب 2 / 36. (1) قال في " الأنساب " 4 / 257: هذه النسبة إلى الجد: وهو حنين، أو أبو الحنين. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 226. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 299. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 226. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 وَقَالَ بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ: مَا رَأَيْتُ نَحْوِيّاً يُشْبِهُ الفُقَهَاءَ إِلاَّ حَبَّانَ بنَ هِلاَلٍ، وَالمَازِنِيَّ. قُلْتُ: كَانَ حَبَّانُ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ مَعْمَرٍ. وَمَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 63 - طَلْقُ بنُ غَنَّامِ بنِ طَلْقِ بنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ * (خَ، 4) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، ابْنُ عَمِّ القَاضِي حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ (1) النَّخَعِيِّ، الكُوْفِيِّ، وَنَائِبُه عَلَى القَضَاءِ، وَكَانَ كَاتِبَ الحُكْمِ لِشَرِيْكٍ القَاضِي. سَمِعَ: زَائِدَةَ، وَشَيْبَانَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَمَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَجَمَاعَةً. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَرْبَابُ السُّنَنِ بِوَاسِطَةٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ المَصِّيْصِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (3) .   (*) طبقات ابن سعد 6 / 405، التاريخ الصغير 2 / 331، الجرح والتعديل 4 / 491، المعجم المشتمل: 146، تهذيب الكمال لوحة 632، تذهيب التهذيب 2 / 109 / 2، العبر 1 / 360، الكاشف 2 / 46، تهذيب التهذيب 5 / 33، خلاصة تذهيب الكمال: 181، شذرات الذهب 2 / 27. (1) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ص 22. (2) " الطبقات الكبرى " 6 / 405. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 633. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 64 - زُبَيْدَةُ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ جَعْفَرِ بنِ المَنْصُوْرِ * السِّتُّ، المُحَجَّبَةُ، أَمَةُ العَزِيْزِ، وَتُكْنَى: أُمَّ جَعْفَرٍ بِنْتُ جَعْفَرِ ابْنِ المَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيَّةُ، وَالِدَةُ الأَمِيْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الرَّشِيْدِ. قِيْلَ: لَمْ تَلِدْ عَبَّاسِيَّةٌ خَلِيْفَةً سِوَاهَا. وكَانَتْ عَظِيْمَةَ الجَاهِ وَالمَالِ، لَهَا آثَارٌ حَمِيْدَةٌ فِي طَرِيْقِ الحَجِّ، وَجَدُّهَا المَنْصُوْرُ هُوَ لَقَّبَهَا: زُبَيْدَةَ (1) . وَمِنْ حِشْمَتِهَا أَنَّهَا لَمَّا حَجَّتْ، نَابَهَا بِضْعَةٌ وَخَمْسُوْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ (2) . وَكَانَ فِي قَصْرِهَا مِنَ الجَوَارِي نَحْوٌ مِنْ مائَةِ جَارِيَةٍ، كُلُّهُنَّ يَحْفَظْنَ القُرْآنَ (3) . وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُبَالِغُ فِي إِجْلاَلِهَا. وَقَالَتْ لَهُ مَرَّةً: لَئِنْ فَقَدتُ ابْناً خَلِيْفَةً، لَقَدْ عُوِّضْتُ ابْناً خَلِيْفَةً لَمْ أَلِدْهُ، وَمَا خَسِرَ مَنِ اعْتَاضَ مِثْلَكَ (4) . تُوُفِّيَتْ: سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.   (*) تاريخ بغداد 14 / 433، شرح المقامات للشريشي 2 / 225، رحلة ابن جبير: 208، وفيات الأعيان 2 / 314 - 317، عيون التواريخ 7 / لوحة 311 - 313، البداية والنهاية 10 / 271، النجوم الزاهرة 2 / 213، 214، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: 215 - 219. (1) في " البداية والنهاية " 10 / 271: وإنما لقبت زبيدة لان جدها أبا جعفر المنصور كان يلاعبها ويرقصها وهي صغيرة، ويقول: إنما أنت زبيدة، لبياضها، فغلب ذلك عليها، فلا تعرف إلا به. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 433، و" وفيات الأعيان " 2 / 314. (3) " وفيات الأعيان " 2 / 314. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 433، 434، و" وفيات الأعيان " 2 / 316. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 65 - عَفَّانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ الصَّفَّارُ * (ع) مَوْلَى عَزْرَةَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ، الصَّفَّارُ (1) ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ تَحْدِيْداً، أَوْ تَقْرِيْباً. وَسَمِعَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَهَمَّامٍ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَدَيْلَمِ بنِ غَزْوَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ مَشْيَخَةِ بَلَدِهِ، وَاسْتَوطَنَ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ بِوَاسِطَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالفَلاَّسُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالذُّهْلِيُّ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَأَبَوَا زُرْعَةَ (2) ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ السَّوَّاقُ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمُ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 336، تاريخ ابن معين: 407، طبقات خليفة ت (1942) ، تاريخ خليفة: 476، التاريخ الكبير 7 / 72، التاريخ الصغير 2 / 342، المعارف لابن قتيبة: 524، الجرح والتعديل 7 / 30، الكامل لابن عدي 4 / لوحة 669، تاريخ بغداد 12 / 269 - 277، المعجم المشتمل: 186، 187، تهذيب الكمال لوحة 943، ميزان الاعتدال 3 / 81، 82، العبر 1 / 380، تذكرة الحفاظ 1 / 379 - 381، تذهيب التهذيب 3 / 44 / 1، الكاشف 3 / 270، تهذيب التهذيب 7 / 239، طبقات الحفاظ: 163، 164، خلاصة تذهيب الكمال: 268، شذرات الذهب 2 / 47. (1) نسبة إلى بيع الاواني الصفرية المصنوعة من الصفر، وهو ضرب من النحاس. (2) أي: الرازي والدمشقي. (3) نسبة إلى بيع السويق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 الحَرْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، مَتِيْنٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: عَفَّانُ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، كَانَ عَلَى مَسَائِلِ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ القَاضِي، فَجُعِلَ لَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَنْ تَعْدِيْلِ رَجُلٍ، فَلاَ يَقُوْلَ: عَدْلٌ وَلاَ غَيْرُ عَدْلٍ. فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أُبْطِلُ حَقّاً مِنَ الحُقُوْقِ. وَكَانَ يَذْهَبُ بِرِقَاعِ المَسَائِلِ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ يَسْأَلُ، فَجَاءَ يَوْماً إِلَى مُعَاذٍ بِالرِّقَاعِ، وَقَدْ تَلَطَّخَتْ بِالنَّاطِفِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّيْ أَذهَبُ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ، فَأَجُوْعُ، فَأَخَذْتُ نَاطِفاً، جَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، أَكَلْتُهُ (2) . الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَنِي عَفَّانُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ لِي: عِنْدَك شَيْءٌ نَأْكُلُهُ؟ فَمَا وَجَدْتُ فِي مَنْزِلِي خُبْزاً، وَلاَ دَقِيْقاً، وَلاَ شَيْئاً نَشْتَرِي بِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدِي سَوِيْقَ شَعِيْرٍ. فَقَالَ لِي: أَخْرِجْهُ. فَأَخْرَجْتُهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَكْلاً جَيِّداً، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأُعْجُوْبَةٍ؟ شَهِدَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ عِنْدَ القَاضِي مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُمَا، فَجَاءَنِي صَاحِبُ الدَّنَانِيْرِ، فَقَالَ: لَكَ نِصْفُهَا، وَتُعَدِّلَ شَاهِدَيَّ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ لَكَ (3) . قَالَ: وَكَانَ عَفَّانُ عَلَى مَسْأَلَةِ مُعَاذٍ. قَالَ: وَقِيْلَ لِمُعَاذٍ: مَا تَصْنَعُ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 30. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 269، 270، و" تهذيب الكمال " لوحة 943، والناطف: نوع من الحلواء. (3) كذا الأصل، وهو الموافق لما في " تهذيب الكمال " و" تذهيب التهذيب "، وفي " تاريخ بغداد ": أستجيب لك! الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 بِعَفَّانَ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ؟ فَسَكَتَ، فَوَجَّهَهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَ عَنْهُم، وَجَعَلَ المَسْأَلَةَ فِي كُمِّهِ، وَاشْتَرَى قُبَّيْطاً (1) ، وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، وَجَاءَ، فَأَخْرَجَ إِلَى مُعَاذٍ المَسْأَلَةَ، وَقَدِ اخْتَلَطَ بِهَا القُبَّيْطُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَنْ يَلُوْمُنِي عَلَى عَفَّانَ (2) ؟ قَالَ حَنْبَلٌ: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَابْنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، بَعْدَ مَا دَعَاهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ امْتَحَنَ مِنَ النَّاسِ عَفَّانَ، فَسَأَلَهُ يَحْيَى مِنَ الغَدِ بَعْدَ مَا امْتُحِنَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ حَاضِرٌ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنَا بِمَا قَالَ لَكَ إِسْحَاقُ؟ قَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، لَمْ أُسَوِّدْ وَجْهَكَ، وَلاَ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ، إِنِّيْ لَمْ أُجِبْ. فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ كَانَ؟ قَالَ: دَعَانِي، وَقَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ الَّذِي كَتَبَ بِهِ المَأْمُوْنُ مِنَ الجَزِيْرَةِ، فَإِذَا فِيْهِ: امْتَحِنْ عَفَّانَ، وَادْعُهُ إِلَى أَنْ يَقُوْلَ: القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْكَ إِلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَاقْطَعْ عَنْهُ الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِ - وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجْرِي عَلَى عَفَّانَ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ -. فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ، قَالَ لِي إِسْحَاقُ: مَا تَقُوْلُ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حَتَّى خَتَمْتُهَا. فَقُلْتُ: أَمَخْلُوْقٌ هَذَا؟ فَقَالَ: يَا شَيْخُ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقُوْلُ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُجِبْهُ إِلَى الَّذِي يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، يَقْطَعْ عَنْكَ مَا يُجرِي عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 22] . فَسَكَتَ عَنِّي، وَانْصَرَفْتُ. فَسُرَّ بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى (3) .   (1) في القاموس: القبيط: الناطف. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 270، و" تهذيب الكمال " لوحة 943، و" تذهيب التهذيب " 3 / 44 / 1. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 271، و" تهذيب الكمال " لوحة 943، و" تذهيب التهذيب " 3 / 44 / 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى جَلاَلَةِ عَفَّانَ، وَارْتِفَاعِ شَأْنِهِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ امْتُحِنَ، وَقُيِّدَ، وَسُجِنَ، وَعَفَّانُ فَمَا فَعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ عَنْهُ. قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ دَيْزِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ، كُنْتُ آخِذاً بِلِجَامِ حِمَارِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ، عُرِضَ عَلَيْهِ القَوْلُ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَ. فَقِيْلَ لَهُ: يُحْبَسُ عَطَاؤُكَ - قَالَ: وَكَانَ يُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} . فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ، عَذَلَهُ نِسَاؤُهُ وَمَنْ فِي دَارِهِ. قَالَ: وَكَانَ فِي دَارِهِ نَحْوُ أَرْبَعِيْنَ إِنْسَاناً، فَدَقَّ عَلَيْهِ دَاقٌّ البَابَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَبَّهْتُهُ بِسَمَّانٍ أَوْ زَيَّاتٍ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانُ! ثَبَّتَكَ اللهُ كَمَا ثَبَّتَّ الدِّيْنَ، وَهَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ (1) . حَاجِبُ الطُّوْسِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُنِيْبٍ، قَالَ: قَالَ عَفَّانُ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَفُلاَنٌ إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ سَنَةً، لاَ نَكْتُبُ شَيْئاً، وَسَأَلْنَاهُ الإِمْلاَءَ، فَلَمَّا أَعْيَاهُ، دَعَا بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! تُشْلُوْنَ (2) عَلَيَّ النَّاسَ. قُلْنَا: لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ إِمْلاَءً، فَأَملَى بَعْدَ ذَلِكَ (3) . قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَبُو الوَلِيْدِ وَعَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُ عَفَّانَ، عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَأَكْيَسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، وَعَفَّانُ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 271، 272، و" تهذيب الكمال " لوحة 943، و" تذهيب التهذيب " 3 / 44 / 2. (2) تشلون: أي: تغرون، من أشليت الكلب على الصيد: إذا أغريته، وقد تحرف في " تاريخ بغداد " إلى: " تسألون ". (3) " تاريخ بغداد " 12 / 272، و" تهذيب الكمال " لوحة 943. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 أَثْبَتُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ (1) . ابْنُ الغَلاَبِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ لابْنِ مَعِيْنٍ عَفَّانُ، وَثَبْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُ عَلِيْهِ خَطَأَهُ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ (2) . عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّائِغَ، قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَفَّانُ: فَقَالَ عَفَّانُ: ثَلاَثَةٌ يُضَعَّفُوْنَ فِي ثَلاَثَةٍ: عَلِيٌّ فِي حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَحْمَدُ فِي إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي شَرِيْكٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَرَابِعٌ مَعَهُمْ. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَفَّانُ فِي شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وَأَرْبَعَتُهُم أَقْوِيَاءُ، وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى المُزَاحِ (3) . قُلْتُ: وَلأَنَّهُم كَتَبُوا وَهُم صِغَارٌ عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ الأَلْفَاظَ فِي كِتَابِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ أَكْثرَ مِنْهَا عِنْدَ عَفَّانَ، يَعْنِي: أَنْبَأَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَسَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، يَعْنِي: شُعْبَةَ (4) . قَالَ حَنْبَلٌ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ عَفَّانَ، فَقَالَ: عَفَّانُ، وَحَبَّانُ، وَبَهْزٌ: هَؤُلاَءِ المُتَثَبِّتُوْنَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ عَفَّانُ: كُنْتُ أُوْقِفُ شُعْبَةَ عَلَى الأَخْبَارِ. قَالَ: وَعَفَّانُ أَضْبَطُهُم لِلأَسَامِي (5) .   (1) انظر " تاريخ بغداد " 12 / 272، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 272، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 272، و" تهذيب الكمال " لوحة 944، وانظر " تذهيب التهذيب " 3 / 44 / 2. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 273، و" تهذيب الكمال " لوحة 944، و" تذهيب التهذيب " 3 / 44 / 2. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 273، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيَّ، فَكَانَ عَفَّانُ أَضْبَطَهُم لِلْحَدِيْثِ، وَأَنْكَدَهُم، عَمِلْتُ عَلَيْهِم مَرَّةً فِي شَيْءٍ، فَمَا فَطِنَ لِي إِلاَّ عَفَّانُ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ حَبَّانَ (2) . قَالَ حَسَّانُ بنُ حَسَنٍ المُجَاشِعِيُّ (3) : قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَفَّانُ: مَا سَمِعْتُ مِنْ أَحَدٍ حَدِيْثاً إِلاَّ عَرَضْتُ عَلَيْهِ، غَيْرَ شُعْبَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنِّي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَفَّانُ -يَعْنِي: عِنْدَ عَلِيٍّ- فَقَالَ: كَيْفَ أَذْكُرُ رَجُلاً يَشُكُّ فِي حَرْفٍ فَيَضْرِبُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْطُرٍ. وَسَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَيْنَا أَبَا عَوَانَةَ، فَقَالَ: مَنْ عَلَى البَابِ؟ فَقُلْنَا: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ. فَقَالَ: هَؤُلاَءِ بَلاَءٌ مِنَ البَلاَءِ، قَدْ سَمِعُوا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَعْرِضُوا (4) . وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عَفَّانُ يَسْمَعُ بِالغَدَاةِ، وَيَعْرِضُ بِالعَشِيِّ (5) . وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: مَنْ تَابَعَ عَفَّانُ عَلَى كَذَا؟ فَقَالَ: وَعَفَّانُ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابِعٍ (6) ؟! وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يُفْلِتُ مِنَ التَّصْحِيْفِ؟ كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُشَكِّلُ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 273، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 273، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) نسبة إلى مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 273، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 الحَرْفَ إِذَا كَانَ شَدِيْداً، وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابَ الشَّكْلِ: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ (1) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ خَمْسَةٌ: مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعَفَّانُ (2) . عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ -وَاللهِ- عَفَّانُ أَثْبَتَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ (3) . مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ: مَنْ أَثْبَتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، أَوْ عَفَّانُ؟ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْفَظُ لِحَدِيْثِهِ، وَحَدِيْثِ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِجَالِ عَفَّانَ فِي الكِتَابِ، وَكَانَ عَفَّانُ أَسَنَّ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ (4) . وَعَنْ عَفَّانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيْثٍ، فَبَعَثَا يَسْأَلاَنِي (5) . وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا أَحَدٌ يُخَالِفُنِي فِي الحَدِيْثِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ عَفَّانَ (6) . مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا الفَلاَّسُ، قَالَ: رَأَيْتُ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 275، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 275، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. وعبد الرحمن هو ابن مهدي. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 275، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 يَحْيَى يَوْماً حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَتَيْتُ يَحْيَى، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ عَفَّانُ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدِي عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ عَفَّانُ (1) . قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ العُلَمَاءُ، فَانْظُرْ يَا مِسْكِيْنُ كَيْفَ أَنْتَ عَنْهُم بِمَعْزِلٍ. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَعْرِضُ عَلَى عَفَّانَ مَا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ (2) . مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ المُعَيْطِيَّ يَقُوْلُ: عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ (3) . مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فَهْمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَخْطَأَ عَفَّانُ قَطُّ إِلاَّ مَرَّةً، فِي حَدِيْثٍ أَنَا لَقَّنْتُهُ إِيَّاهُ، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ (4) . قَالَ خَلَفُ بنُ سَالِمٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحْسِنُ الحَدِيْثَ إِلاَّ عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَبَهْزَ بنَ أَسَدٍ (5) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مُتْقِنٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، قَلِيْلُ الخَطَأِ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 275. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 275، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 276، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 276، و" تهذيب الكمال " لوحة 944، وتمامه: قال ابن فهم: وما سمعت يحيى بن معين يستغفر الله قط إلا ذلك اليوم. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 276، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 276. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ (1) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَفَّانُ وَأَبُو نُعَيْمٍ، لاَ أَقْبَلُ قَوْلَهُمَا فِي الرِّجَالِ، لاَ يَدَعُوْنَ أَحَداً إِلاَّ وَقَعُوا فِيْهِ (2) . يَعْنِي: أَنَّهُ لاَ يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا فِي الجَرْحِ لِتَشْدِيْدِهِمَا، فَأَمَّا إِذَا وَثَّقَا أَحَداً، فَنَاهِيْكَ بِهِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَزِمَنَا عَفَّانُ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَانَ أَثْبَتَ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَفَّانُ: إِمَامٌ، ثِقَةٌ، مَتِيْنٌ، مُتْقِنٌ (4) . جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ: يَكُوْنُ عِنْدَ أَحَدِهِم حَدِيْثٌ، فَيُخْرِجُهُ بِالمُقَرِّعَةِ، كَتَبْتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفَيْنِ، وَكَتَبْتُ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفٍ، وَكَتَبْتُ عَنْ وُهَيْبٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفِ حَدِيْثٍ (5) . قُلْتُ: مَا فَوْقَ عَفَّانَ أَحَدٌ فِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَنَاكَدَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِيْرَادِهِ فِي كِتَابِ (الكَامِلِ) ، لكِنَّهُ أَبْدَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيَذُبَّ عَنْهُ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: أَتُرَى عَفَّانُ كَانَ يَضْبِطُ عَنْ شُعْبَةَ؟ وَاللهِ لَوْ جَهَدَ جَهْدَهُ أَنْ يَضْبِطَ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَانَ بَطِيْئاً رَدِيْءَ الفَهْمِ (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 276. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 30. (4) " الجرح والتعديل " 7 / 30. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 944. (6) " الكامل في الضعفاء " 4 / لوحة 669. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَفَّانُ أَشْهَرُ وَأَوْثَقُ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِيْهِ شَيْءٌ (1) ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ إِلاَّ أَحَادِيْثَ مَرَاسِيْلَ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَغَيْرِهِ، وَصَلَهَا، وَأَحَادِيْثَ مَوْقُوْفَةً رَفَعَهَا، وَهَذَا مِمَّا لاَ يَنْقُصُهُ، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَهِمُ، وَعَفَّانُ كَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ مِصْرَ، كَانَتْ رِحْلَتُهُ إِلَيْهِ خَاصَّةً دُوْنَ غَيْرِهِ (2) . الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: طَلَبْتُ عَفَّانَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالُوا: خَرَجَ. فَخَرَجتُ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَقِيْلَ: تَوَجَّهَ هَكَذَا. فَجَعَلْتُ أَمْضِي أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مَقْبُرَةٍ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِ بِنْتِ أَخِي ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ (3) ، فَبَزَقْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: سَوْءةٌ لَكَ. قَالَ: يَا هَذَا! الخُبْزَ الخُبْزَ! قُلْتُ: لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَكَ. قَالَ: فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: لاَ تَذْكُرَنَّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي المِحْنَةِ مُقَاماً مَحْمُوْداً عَلَيْهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الكَلاَمِ (4) . قَالَ الحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ: قُلْتُ لِعَفَّانَ: كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ؟ قَالَ: كُنْتُ قَدْ أَلْحَحْتُ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِي، فَحَلَفتُ لاَ أَكْتُبُ الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فِي تِلْكَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ، فَحَدَّثَ، ثُمَّ خَرَجَ. ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ   (1) نص العبارة في " الكامل ": عفان أشهر وأصدق وأوثق من أن يقال فيه شيء مما ينسب فيه إلى الضعف. (2) " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 669، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) ذو الرئاستين هو الفضل بن سهل، تقدمت ترجمته في الصفحة 99 من هذا الجزء. (4) " المعرفة والتاريخ " 2 / 178. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلَوْلاً (1) . وَكَانَ بَسَّامٌ لَقَّنَهُ هَمَّاماً، فَلَمَّا فَرَغَهُ، قَالَ لَهُ بَسَّامٌ: مَا حَدَّثَكُم بِهَذَا هَمَّامٌ، وَلاَ حَدَّثَهُ قَتَادَةُ هَمَّاماً. فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى لِحْيَةِ بَسَّامٍ، وَقَالَ: ادْعُوا لِي صَاحِبَ الرَّبْعِ يَا فَاجِرُ. قَالَ: فَمَا خَلَّصُوهُ مِنْهُ إِلاَّ بِالجَهْدِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ: (يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ) . قَالَ الفَلاَّسُ: فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيْلِ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... فَبَكَى يَحْيَى، وَقَالَ: اجْتَرَأْتَ عَلَيَّ، ذَهَبَ أَصْحَابِي خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ.   (1) وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 42 من طريق أبي النضر وعفان، حدثنا المبارك، عن الحسن، عن أبي بكرة. قال عفان في حديثه: حدثنا المبارك قال: سمعت الحسن يقول: أخبرني أبو بكرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يتعاطون سيفا مسلولا، فقال: " لعن الله من فعل هذا، أو ليس قد نهيت عن هذا " ثم قال: " إذا سل أحدكم سيفه، فنظر إليه، فأراد أن يناوله أخاه، فليغمده، ثم يناوله إياه " وله شاهد يتقوى به من حديث جابر عند أبي داود (2588) ، وأحمد 3 / 300 و361، والترمذي (2164) وحسنه. (2) " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 669، ولابي داود برقم (703) من طريق مسدد، حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس - رفعه شعبة - قال: " يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب " وأخرجه النسائي 2 / 64 من طريق يحيى ابن سعيد به. وعن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب! والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه. أخرجه البخاري 1 / 485 في سترة المصلي: باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء، ومسلم (512) في الصلاة: باب الاعتراض بين يدي المصلي. = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 قُلْتُ: مِثْلُ هَذَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ حَدَّثَ بِهِ قَتَادَةُ مَرَّةً، عَنْ جَابِرٍ، فَدَلَّسَهُ كَعَوَائِدِهِ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا العَتِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو خَيْثَمَةَ: كُنْتُ أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ كَيْفَ كُنْتَ فِي سَفَرِكَ؟ بَرَّ اللهُ حَجَّكَ. فَقُلْتُ: لَمْ أَحُجَّ. قَالَ: مَا شَكَكْتُ أَنَّكَ حَاجٌّ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عُثْمَانَ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ، الجَارِيَةُ تَقُوْلُ لِي: أَنْتَ مُصَدَّعٌ وَأَنَا فِي عَافِيَةٍ. فَقُلْتُ: أَيْشٍ أَكَلْتَ اليَوْمَ؟ قَالَ: أَكَلْتُ أَكْلَةَ رُزٍّ، وَلَيْسَ أَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ إِلَى غَدٍ أَوْ بِالعَشِيِّ، آكُلُ أُخْرَى تَكْفِيْنِي لِغَدٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: فَلَمَّا كَانَ بِالعَشِيِّ، جِئْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى أَبُو خَيْثَمَةَ، فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: إِنَّ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّكَ قَدِ اخْتَلَطْتَ. فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ يَحْيَى، أَرْجُو أَنْ يُمَتِّعَنِي اللهُ بِعَقْلِي حَتَّى أَمُوْتَ. قَالَ الحَرْبِيُّ: يَكُوْنُ سَاعَةً خَرِفاً، وَسَاعَةً عَقِلاً (1) . أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ أَبِي وَيَحْيَى يَقُوْلاَنِ: أَنْكَرْنَا عَفَّانَ فِي   = وفي الباب عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: " لا يقطع الصلاة شيء.." أخرجه الدارقطني 1 / 368، والبيهقي 2 / 278، وفي سنده مجالد بن سعيد وهو سيئ الحفظ، لكن له شواهد تقويه من حديث أبي أمامة وأبي هريرة وأنس عند الدارقطني 1 / 367 و368 و369. وروى سعيد بن منصور في " سننه " فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 1 / 485 بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا. وفي " الموطأ " 1 / 156 عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي. وإسناده صحيح. (1) " تاريخ بغداد " 12 / 276. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 صَفَرٍ، لأَيَّامٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ (1) . قُلْتُ: كُلُّ تَغَيُّرٍ يُوْجَدُ فِي مَرَضِ المَوْتِ، فَلَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الثِّقَةِ، فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَعْتَرِيْهِم فِي المَرَضِ الحَادِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَيَتِمُّ لَهُمْ وَقْتَ السِّيَاقِ وَقَبْلَهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا المَحْذُوْرُ أَنْ يَقَعَ الاخْتِلاَطُ بِالثِّقَةِ، فَيُحَدِّثُ فِي حَالِ اخْتِلاَطِهِ بِمَا يَضْطَرِبُ فِي إِسْنَادِهِ، أَوْ مَتْنِهِ، فَيُخَالَفُ فِيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَوَهْمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي الحِكَايَةِ بِعَيْنِهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَهَذَا هُوَ الحَقُّ، فَإِنَّ عَفَّانَ كَادَ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَقَدْ قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ عَفَّانَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَفَّانُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْلَهَا (2) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ (3) . قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، فِي جَمَاعَةٍ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 277، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (2) " التاريخ الصغير " 2 / 342، و" تاريخ بغداد " 12 / 277، و" تهذيب الكمال " لوحة 944. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 336، و" تاريخ بغداد " 12 / 277، وتهذيب الكمال " لوحة 944. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 بنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوْبَ العَتَكِيُّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟) . قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً؟) . قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (فَأَفْطِرِي) (1) . 66 - أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَالِدٍ الأَحْوَلُ * الكَاتِبُ، أَبُو العَبَّاسِ، وَزَرَ لِلْمَأْمُوْنِ بَعْد الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ. وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، شَهْماً، دَاهِيَةً، سَائِساً، زَعِراً. قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَقَدْ أُعْطَيْتَ مَا لَمْ يُعْطَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَيْلَكَ! مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {لَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيْظَ القَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آلُ عِمْرَانَ: 159] ، وَأَنْتَ فَظٌّ غَلِيْظٌ، وَلاَ يَنْفَضُّ مَنْ حَوْلَكَ (2) . وَكَانَ أَبُوْهُ كَاتِباً لِوَزِيْرِ المَهْدِيِّ، أَصْلُهُ مِنَ الأُرْدُنِّ، وَقَدْ نَابَ أَحْمَدُ فِي الوِزَارَةِ عَنِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ العَبَّاسِ يَقُوْلُ: بَعَثَنِي أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَالِدٍ إِلَى الأَمِيْرِ طَلْحَةَ بنِ طَاهِرٍ، وَقَالَ لِي: قُلْ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 6 / 430، والبخاري 4 / 203، 204 من طريق شعبة، عن قتادة بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (2422) من طريقين عن همام، عن قتادة، به. (*) عيون التواريخ 7 / لوحة 278 - 280، النجوم الزاهرة 2 / 203، وانظر الطبري 8 / 575، 579، 595، 603، والكامل لابن الأثير 6 / 357، 361، 382، 383، 386. (2) الخبر بأطول مما هنا في " عيون التواريخ " 7 / لوحة 278. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 لَهُ: لَيْسَتْ لَكَ بِالسَّوَادِ قَرْيَةٌ، وَهَذِهِ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشتَرِ بِهَا قَرْيَةً، وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ، لَتَسُرَّنِّي، وَإِنْ أَبَيْتَ، لَتُغْضِبَنِّي. فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَخْذُهَا غُنْمٌ، وَالحَالُ بَيْنَنَا تَرْتَفِعُ عَنْ مَزِيْدِ الوِدِّ أَوْ نَقْصِهِ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْهُمَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي طَاهِرٍ: كَانَ أَحْمَدُ عَابِساً، مُكْفَهِرّاً فِي وَجْهِ الخَاصِّ وَالعَامِّ، غَيْرَ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ حَسَناً. وَمِنْ كَلاَمِ أَحْمَدَ، قَالَ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفْسِهِ بِالبَذْلِ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَدُوِّهِ بِالقَتْلِ. قُلْتُ: الشَّجَاعَةُ وَالسَّخَاءُ أَخَوَانِ، فَمَنْ لَمْ يَجُدْ بِمَالِهِ، فَلَنْ (1) يَجُوْدَ بِنَفْسِهِ. مَاتَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. 67 - عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ الكِلاَبِيُّ القَيْسِيُّ البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، أَحَدُ الأَثبَاتِ. سَمِعَ: جَدَّهُ؛ عُبَيْدَ اللهِ بنَ الوَازِعِ، وَشُعْبَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَهَمَّامَ بنَ يَحْيَى، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ،   (1) في الأصل: " لن ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 305، تاريخ خليفة: 189، التاريخ الكبير 6 / 355، التاريخ الصغير 2 / 327، الجرح والتعديل 6 / 250، تاريخ بغداد 12 / 202، الأنساب 10 / 512، تهذيب الكمال لوحة 1039، تذهيب التهذيب 3 / 102 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 392 العبر 1 / 364، المغني في الضعفاء 2 / 485، ميزان الاعتدال 3 / 269، 270، تهذيب التهذيب 8 / 58، طبقات الحفاظ: 166، خلاصة تذهيب الكمال: 290، شذرات الذهب 2 / 29. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (3) . قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) . قُلْتُ: هُوَ مَعْدُوْدٌ فِي كِبَارِ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ، وَلاَ يَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ فِي الأَجزَاءِ أَعْلَى مِنْ كِتَابِ (الجَامِعِ الصَّحِيْحِ) - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 68 - القَعْنَبِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ * (خَ، م، د) عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ،   (1) الروايات عن يحيى بن معين في عمرو بن عاصم ثلاثة: ففي رواية قال: ثقة. وفي رواية قال: أراه صدوقا. وفي رواية: صالح. انظر " تاريخ بغداد " 12 / 202، و" تهذيب الكمال " لوحة 1039، و" الجرح والتعديل " 6 / 250. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1039. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1039، و" تذكرة الحفاظ " 1 / 392. (4) " التاريخ الكبير " 6 / 355، و" تهذيب الكمال " لوحة 1039. (*) طبقات ابن سعد 7 / 302، طبقات خليفة ت (1957) ، تاريخ خليفة: 28 و476، التاريخ الكبير 5 / 212، التاريخ الصغير 2 / 345، المعارف لابن قتيبة: 524، الجرح والتعديل 5 / 181، الانتقاء: 61، ترتيب المدارك 1 / 397 - 399، الأنساب 10 / 208، 209، وفيات الأعيان 3 / 40، تهذيب الكمال لوحة 742، تذهيب التهذيب 2 / 188 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 383، العبر 1 / 382، 383، الكاشف 1 / 131، مرآة الجنان 2 / 81، الديباج المذهب 1 / 411، 412، العقد الثمين 5 / 285، تهذيب التهذيب 6 / 31، طبقات الحفاظ: 165، خلاصة تذهيب الكمال: 215، شذرات الذهب 2 / 49، شجرة النور الزكية 1 / 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيُّ، القَعْنَبِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، ثُمَّ مَكَّةَ. مَوْلِدُهُ: بَعْدَ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ بِيَسِيْرٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَدَاوُدَ بنِ قَيْسٍ الفَرَّاءِ، وَسَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ المَدَنِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ الصَّلْتِ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَعِيْسَى بنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالخُرَيْبِيُّ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ مَنْصُوْرٍ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ دُرَّانُ، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضاً، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ حَدِيْثَهُ بِوَاسِطَةٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: مَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنَ القَعْنَبِيِّ (2) .   (1) تمتام هو لقب له، وسترد ترجمته في الجزء الثالث عشر برقم (188) . (2) " الجرح والتعديل " 5 / 181، و" ترتيب المدارك " 1 / 398. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْتُ لأَبِي: القَعْنَبِيُّ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي (المُوَطَّأِ) أَوْ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ؟ قَالَ: بَلِ القَعْنَبِيُّ، لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنْهُ (1) . وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ الوَاهِي، عَنِ المَيْمُوْنِيِّ، سَمِعْتُ القَعْنَبِيَّ يَقُوْلُ: اخْتَلَفْتُ إِلَى مَالِكٍ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، مَا مِنْ حَدِيْثٍ فِي (المُوَطَّأِ) إِلاَّ لَوْ شِئْتُ قُلْتُ: سَمِعْتُهُ مِرَاراً (2) . وَعَنْ عَبْدِ الصَّمدِ بنِ الفَضْلِ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: ... ، فَذَكَرَ مِنْهُمُ القَعْنَبِيَّ (3) . أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأَوَّلِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 181. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 742 وتتمته فيه: ولكني اقتصرت بقراءتي عليه لان مالكا كان يذهب إلى أن قراءة الرجل على العالم أثبت من قراءة العالم عليه. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 742. (4) إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، ومنصور هو ابن المعتمر، وربعي هو ابن حراش، وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، وأخرجه أحمد 5 / 273، وأبو داود (4797) من طريق القعنبي بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 6 / 380 و10 / 434 من طريق أحمد بن يونس، عن زهير، عن منصور به. وأخرجه أيضا 6 / 380، 381 من طريق آدم، عن شعبة. به. وأخرجه ابن ماجة (4183) من طريق عمرو بن رافع، عن جرير عن منصور، به. وأخرجه أحمد 4 / 121 من طريق روح، عن شعبة والثوري، عن منصور به، و4 / 122 من طريق عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور به. وكلمة " الأول " لم ترد عند البخاري، وهي عند أبي داود وأحمد وابن ماجة بلفظ " الأولى " قال الحافظ في " الفتح ": أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لاَ يُقَدَّمُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ (المُوَطَّأِ) عَلَى القَعْنَبِيِّ. قُلْتُ: حَدُّ الوَلِيِّ الرُّسُوخُ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ مِثْلُ القَعْنَبِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنْهُ، سَأَلنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْنَا (المُوَطَّأ) ، فَقَالَ: تَعَالَوْا بِالغَدَاةِ. فَقُلْنَا: لَنَا مَجْلِسٌ عِنْدَ حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ. قَالَ: فَإِذَا فَرَغْتُم مِنْهُ؟ قُلْنَا: نَأْتِي حِيْنَئِذٍ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: فَإِذَا فَرَغْتُم؟ قُلْنَا: نَأْتِي أَبَا حُذَيْفَةَ النَّهْدِيَّ. قَالَ: فَبَعْدَ العَصْرِ؟ قُلْنَا: نَأْتِي عَارِماً أَبَا النُّعْمَانِ. قَالَ: فَبَعْدَ المَغْرِبِ؟ فَكَانَ يَأْتِينَا بِاللَّيْلِ، فَيَخْرُجُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ كَبْلٌ مَا تَحْتَهُ شَيْءٌ فِي الصَّيْفِ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا فِي الحَرِّ الشَّدِيدِ حِيْنَئِذٍ (1) .   = وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " - كما قال الحافظ ابن رجب - قولان: أحدهما: أنه ليس بمعنى الامر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان: أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن حياء فاعمل ما شئت، فالله يجازيك عليه، كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) . والطريق الثاني: أنه أمر ومعناه الخبر، والمعنى أن من لم يستحي صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر وما يمتنع من مثله من له حياء، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " فإن لفظه لفظ الامر، ومعناه الخبر، وأن من كذب عليه يتبوأ مقعده من النار. وهذا اختيار أبي عبيد القاسم بن سلام، وابن قتيبة، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم، وروى أبو داود عن الامام أحمد ما يدل على مثل هذا القول. والقول الثاني في معنى قوله: " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ": أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر أمره، وأن المعنى: إذا كان الذي يريد فعله مما لا يستحى من فعله لا من الله ولا من الناس لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الاخلاق والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئت. وهذا قول جماعة من الأئمة منهم إسحاق المروزي الشافعي، وحكي مثله عن الامام أحمد. (1) " الجرح والتعديل " 5 / 181، والكبل: الفرو الكبير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ وَكِيْعاً، وَالقَعْنَبِيَّ (1) . قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحِيْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُلْتُ لِلْقَعْنَبِيِّ: مَا لَكَ لاَ تَرْوِي عَنْ شُعْبَةَ غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ؟ قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَسْتَثْقِلُنِي، فَلاَ يُحَدِّثُنِي. يَعْنِي حَدِيْثَ: (إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) . وَالحَدِيْثُ يَقَعُ عَالِياً فِي (جُزْءِ الغِطْرِيْفِ (2)) لابْنِ البُخَارِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ الخُرَيْبِيُّ - وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ -: حَدَّثَنِي القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ -وَاللهِ- عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ مَالِكٍ (3) . قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: كَانَ القَعْنَبِيُّ مُجَابَ الدَّعْوَةِ (4) . وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَذَكَرَ أَصْحَابَ مَالِكٍ، فَقِيْلَ لَهُ: مَعْنٌ، ثُمَّ القَعْنَبِيُّ. قَالَ: لاَ، بَلِ القَعْنَبِيُّ، ثُمَّ مَعْنٌ (5) . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي سَبْرَةَ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَعْنَبِيِّ: حَدَّثْتَ، وَلَمْ تَكُنْ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 742. (2) سماع القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري المتوفى سنة 450 هـ، وقد أخطأ صاحب " كشف الظنون " فكناه بأبي بكر، والغطريف هو أبو أحمد محمد ابن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف الجرجاني الرباطي الحافظ، توفي في رجب عن سن عالية، روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة وطبقتهم. وكان صواما قواما متقنا. انظر " العبر " 3 / 5، 6 وفيات سنة 377 هـ، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 971، 972. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 742، و" ترتيب المدارك " 1 / 399. (4) " العقد الثمين " 5 / 285. (5) " تذكرة الحفاظ " 1 / 383، ومعن هو ابن عيسى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 تُحَدِّثُ! قَالَ: إِنِّيْ أُرِيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَصِيْحَ بِأَهْلِ العِلْمِ، فَقَامُوا وَقُمْتُ مَعَهُم، فَنُوْدِيَ بِي: اجْلِسْ. فَقُلْتُ: إِلَهِي! أَلَمْ أَكُنْ أَطْلُبُ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُم نَشَرُوا، وَأَخْفَيْتَهُ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُهُم بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الأَبْدَالِ (1) . وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: كَانَ القَعْنَبِيُّ مِنَ المُجْتَهِدِيْنَ فِي العِبَادَةِ. وَقَالَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ مَرْزُوْقٍ يَقُوْلُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي (المُوَطَّأِ) : القَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ بَعْدَهُ (2) . قَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: كَانَ القَعْنَبِيُّ لاَ يَرْضَى قِرَاءةَ حَبِيْبٍ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَرَأَ لِنَفْسِهِ (المُوَطَّأَ) عَلَى مَالِكٍ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ: كَانَ القَعْنَبِيُّ عَابِداً، فَاضِلاً، قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ كُتُبَهُ (4) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشِّيْرَازِيُّ فِي كِتَابِ (الأَلْقَابِ) لَهُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُنِيْرٍ البَلْخِيَّ، سَمِعْتُ حَمْدَانَ بنَ سَهْلٍ البَلْخِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً إِذَا رُؤِيَ ذُكِرَ اللهُ -تَعَالَى- إِلاَّ القَعْنَبِيَّ -   (1) " العقد الثمين " 5 / 285. (2) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 1 / 384، وعبد الله بن يوسف سترد ترجمته في الصفحة 357 من هذا الجزء. (3) أورده المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 384، وحبيب هذا هو حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، ضعيف، ترجمه المؤلف في " ميزان الاعتدال " 1 / 452، وله ترجمة في " ترتيب المدارك " 1 / 378. (4) " طبقات ابن سعد " 7 / 302. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ، يَقُوْلُوْنَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَقِيْلَ: كَانَ يُسَمَّى الرَّاهِبُ لِعِبَادتِهِ، وَفَضْلِهِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا القَعْنَبِيَّ، خَرَجَ إِلَيْنَا كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَى جَهَنَّمَ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهَيْرِيُّ، عَنِ الحُنَيْنِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَدِمَ ابْنُ قَعْنَبٍ مِنْ سَفَرٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: قُوْمُوا بِنَا إِلَى خَيْرِ أَهْلِ الأَرْضِ (2) . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَدَّمُ فِي (المُوَطَّأِ) : مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو مُصْعَبٍ ثِقَةٌ فِي (المُوَطَّأِ) . وَقَدْ رَوَيْتُ حِكَايَةً فِي سَمَاعِ القَعْنَبِيِّ لِذَاكَ الحَدِيْثِ مِنْ شُعْبَةَ لاَ تَصِحُّ، وَأَنَّهُ هَجَمَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، فَوَجَدَهُ يَبُوْلُ فِي بَلُّوْعَةٍ، فَقَالَ: حَدِّثْنِي. فَلاَمَهُ، وَعَنَّفَهُ، وَقَالَ: تَهْجُمُ عَلَى دَارِي، ثُمَّ تَقُوْلُ: حَدِّثْنِي وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ؟! قَالَ: إِنِّيْ أَخْشَى الفَوْتَ. فَرَوَى لَهُ الحَدِيْثَ فِي قِلَّةِ الحَيَاءِ، وَحَلَفَ أَنْ لاَ يُحَدِّثَهُ بِسِوَاهُ. وَفِي الجُمْلَةِ: لَمْ يُدْرِكِ القَعْنَبِيُّ شُعْبَةَ إِلاَّ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ، فَلَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَهُ أَفْلَحُ عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَفْلَحُ أَكْبَرُ مِنْ شُعْبَةَ قَلِيْلاً. وَقَدْ سَمِعْتُ (المُوَطَّأَ) بِحَلَبَ، وَبَعْلَبَكَّ مِنْ رِوَايَةِ القَعْنَبِيِّ (3) ، عَنْ مَالِكٍ.   (1) " وفيات الأعيان " 3 / 40، و" ترتيب المدارك " 1 / 399. (2) " ترتيب المدارك " 1 / 398، و" تهذيب الكمال " لوحة 742. (3) لم يطبع " الموطأ " بروايته، ويغلب على ظني أن في مكتبة الحرم المكي نسخة منه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لِمُسْلِمٍ، سَمِعَ مِنْهُ فِي أَيَّامِ المَوْسِمِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ، وَلَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ. وَمَاتَ القَعْنَبِيُّ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ الأَنْدَلُسِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَوَجَدتُهُ بَاكِياً، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا الَّذِي يُبْكِيْكَ؟! قَالَ: يَا ابْنَ قَعْنَبٍ! عَلَى مَا فَرَطَ مِنِّي، لَيْتَنِي جُلِدْتُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي هَذَا الأَمْرِ بِسَوْطٍ، وَلَمْ يَكُنْ فَرَطَ مِنِّي مَا فَرَطَ مِنْ هَذَا الرَّأْيِ، وَهَذِهِ المَسَائِلِ، قَدْ كَانَ لِي سَعَةٌ فِيْمَا سُبِقْتُ إِلَيْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحُرْمِهِ حِيْنَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِيْنَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوْفَ بِالبَيْتِ. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ القَعْنَبِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى شَيْءٍ فِي (صَحِيْحِهِ) .   (1) برقم (1189) (32) ورواه مالك في " الموطأ " 1 / 328 في الحج: باب ما جاء في الطيب في الحج ومن طريقه البخاري 3 / 315، في الحج: باب الطيب عند الاحرام ومسلم (1189) (33) ، والنسائي 5 / 137، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه البخاري 3 / 464 و10 / 308، من طريقين عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 69 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْلَمَةَ أَبُو بِشْرٍ القَعْنَبِيُّ * (ق) وَمَاتَ أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْلَمَةَ - أَخُو القَعْنَبِيِّ قبلَهُ - فِي: سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، بِمِصْرَ. رَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، وَوُهَيْبٍ، وَالحَمَّادَيْنِ. وَعَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَلَهُمَا إِخْوَةٌ وَهُم: يَحْيَى، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ، وَليسوا بِالمَشْهُوْرِينَ. 70 - عَارِمٌ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ السَّدُوْسِيُّ البَصْرِيُّ ** (ع) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ، أَبُو النُّعْمَانِ السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 201، تهذيب الكمال لوحة 112، تذهيب التهذيب 1 / 67 / 1، الكاشف 1 / 129، ميزان الاعتدال 1 / 251، تهذيب التهذيب 1 / 335، خلاصة تذهيب الكمال: 36. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 201. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 305، طبقات خليفة ت (1947) ، تاريخ خليفة: 478، التاريخ الصغير 2 / 351، التاريخ الكبير 1 / 208، المعارف: 522، الضعفاء للعقيلي لوحة 394، 395، الجرح والتعديل 8 / 58، الأنساب 7 / 59، المعجم المشتمل: 268، تهذيب الكمال لوحة 1257، تذكرة الحفاظ 1 / 410، العبر 1 / 392، 393، ميزان الاعتدال 4 / 7 - 9، تهذيب التهذيب 9 / 402، طبقات الحفاظ: 170، خلاصة تذهيب الكمال: 356، شذرات الذهب 2 / 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 وَسَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَثَابِتَ بنَ يَزِيْدَ الأَحْوَلَ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي الفُرَاتِ، وَمَهْدِيَّ بنَ مَيْمُوْنَ، وَعُمَارَةَ بنَ زَاذَان، وَأَبَا هِلاَلٍ مُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيَّ، وَقَزَعَةَ بنَ سُوَيْدٍ، وَوُهَيْباً، وَعَبْدَ الوَارِثِ، وَأَبَا عَوَانَةَ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ زِيَادٍ، وَخَلْقاً. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الذُّهْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ عَارِمٌ، وَكَانَ بَعِيْداً مِنَ العَرَامَةِ (1) . وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ الصَّدُوْقُ المَأْمُوْنُ (2) . وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الزُّرَيْقِيُّ: حَدَّثَنَا عَارمٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ (3) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ (4) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِذَا حَدَّثَكَ عَارمٌ فَاخْتِمْ عَلَيْهِ، عَارمٌ لاَ يتَأَخَّرُ عَنْ عَفَّانَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ يُقَدِّمُ عَارماً عَلَى نَفْسِهِ إِذَا خَالَفَهُ فِي شَيْءٍ، وَيرجعُ إِلَى مَا يَقُوْلُ عَارمٌ، وَهُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، بَعْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ: عَارمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ (5) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1258، والعرامة: الشدة والقوة والشراسة. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1258. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1258. (4) " التاريخ الكبير " 1 / 208. (5) " الجرح والتعديل " 8 / 58. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 ثُمَّ قَالَ: اختلطَ عَارمٌ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَزالَ عَقْلُهُ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الاخْتِلاَطِ، فسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ. وَكَتَبْتُ عَنْهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ بَعْدَ مَا اختلطَ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ سنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَسَمَاعُهُ جَيِّدٌ. قَالَ: وَأَبُو زُرْعَةَ لَقِيَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ (1) . وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ عَارمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ (2) . وَرَوَى الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الذَّرَّاعُ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عَارماً أُنْكِرَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ رَاجَعَهُ عَقْلُهُ، وَاسْتحكمَ بِهِ الاخْتِلاَطُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . مَاتَ: عَارمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، فِي صَفَرٍ. أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَارمٍ، فَحَدَّثَ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ مَاعزاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّوْم فِي السَّفَرِ. فَقُلْتُ لَهُ: حَمْزَةُ الأَسْلَمِيُّ بَدَلَ مَاعزٍ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! مَاعزٌ لاَ يَشْقَى بِهِ جليسُه. يَعْنِي: أَنَّ عَارماً قَالَ هَذَا، وَقَدْ زَالَ عَقْلُهُ (4) . قُلْتُ: فَرَّجَ عَنَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي شَأْنِ عَارمٍ، فَقَالَ: تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ، وَمَا ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ اختلاَطِهِ حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَهُوَ ثِقَةٌ. فَانْظُرْ قَوْلَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ أَبِي الحَسَنِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِ ذَاكَ الخَسَّافِ، المتفَاصحِ أَبِي حَاتِمٍ بنِ حِبَّان فِي عَارِمٍ، فَقَالَ: اختلطَ   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 59. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 58. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1258. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1258. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَتَغَيَّرَ حَتَّى كَانَ لاَ يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَوَقَعَ فِي حَدِيْثِهِ المَنَاكِيْرُ الكَثِيْرَةُ، فيجبُ التَّنَكُّبُ عَنْ حَدِيْثِهِ فِيْمَا رَوَاهُ المُتَأَخِّروْنَ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ هَذَا مِنْ هَذَا، تُرِكَ الكُلُّ، وَلاَ يحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا (1) . قُلْتُ: فَأَيْنَ مَا زعمتَ مِنَ المَنَاكِيْرِ الكَثِيْرَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا حَدِيْثاً. بَلَى، لَهُ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تمرَةٍ) وَقَدْ كَانَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ قَبْلُ عَنِ الحَسَنِ، بَدَلَ أَنَسٍ، مُرْسَلاً، وَهُوَ أَشبَهُ (2) ، وَكَذَا رَوَاهُ عَفَّانُ وَغَيْرُهُ، عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: جِئْتُ عَارماً، فطرحَ لِي حَصِيراً عَلَى البَابِ، وَخَرَجَ، وَقَالَ: مَرْحَباً، أَيشٍ كَانَ خَبَرُكَ، مَا رأَيتُكَ مُنْذُ مُدَّةٍ، وَمَا كُنْتُ جئتُهُ قبْلَهَا. ثُمَّ قَالَ لِي: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيُّهَا الطَّالبُ عِلْماً ... إِيتِ حَمَّادَ بنَ زَيْدْ فَاستَفِدْ حِلْماً وَعِلْماً ... ثُمَّ قَيِّدْهُ بِقَيْدْ وَالقيدُ بقيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى أُصْبُعِهُ مِرَاراً، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ اختلَطَ (3) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: سَمَاعُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيِّ مِنْ عَارمٍ سنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.   (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 294 - 295، و" ميزان الاعتدال " 4 / 8. (2) الحديث في " مسند البزار " (934) من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن الفضل، عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد، وقال: لا نعلم رواه هكذا إلا محمد بن الفضل. قلت: لكن الحديث صح من وجه آخر، فقد أخرجه البخاري 3 / 225، ومسلم (1016) (67) من حديث عدي بن حاتم، وأحمد 6 / 79، والبزار (936) عن عائشة، والبزار (937) عن أبي هريرة، والطبراني في " الكبير " عن ابن عباس وعن أبي أمامة. انظر " مجمع الزوائد " 3 / 106. (3) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 395، و" ميزان الاعتدال " 4 / 8 (4) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 394. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: إِذَا ذَكَرْتَ أَبَا النُّعْمَانِ، فَاذكُرْ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ (1) . قَالَ العُقَيْلِيُّ: قَالَ لِي جَدِّي: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ شَيْخاً أَحسنَ صَلاَةً مِنْ عَارمٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: أَخذَ الصَّلاَةَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ. قَالَ: وَكَانَ عَارمٌ أَخشعَ مَنْ رَأَيْتُ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. قُلْتُ: لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ لِتَغَيُّرِهِ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ خلَّطَ فِي كَلاَمِهِ كتَخْلِيطِ السَّكرَانِ، أَنْ لاَ يُحْمَلَ عَنْهُ البَتَّةَ، وَأَنَّ مَنْ تَغَيَّرَ لكَثْرَةِ النِّسْيَانِ، أَنْ لاَ يُؤْخَذَ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَارمٌ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحكمِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: (نُهِيَ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ وَهُوَ قَائِمٌ، وَأَنَّ يَلْتَقِمَ فَمَ السِّقَاءِ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ (3) ، وَعَلِيُّ بنُ الحَكَمِ رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ، وَوُثِّقَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّرَ، عَنْ بَعْضِ شُيُوْخِهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَبَقِيَتْ عَلَيَّ بَقِيَّةٌ، وَأَرَدْتُ السَّفَرَ، فَقُلْتُ لَهُ، فَانتهرَنِي، فَرُحْتُ   (1) انظر " ميزان الاعتدال " 4 / 9. (2) " الضعفاء " لوحة 395. (3) وهو كما قال، وفي الباب عن أنس وأبي هريرة عند مسلم (2024) (113) و (2026) ، وعن أبي سعيد الخدري عند البخاري 10 / 78، ومسلم (2023) ، وأبي داود (3720) ، والترمذي (1891) ، وعن أبي هريرة عند البخاري 10 / 78، 79. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 مَغْمُوماً، فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُوماً؟) . قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيَّ، فَزَبَرَنِي. فَقَالَ: (إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكْتُبَ العِلْمَ للهِ، فَاكْتُبْ عَنِ القَعْنَبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ السَّدُوْسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ الغُدَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ) . فَأَصبحتُ، وَحكيتُ الرُّؤيَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: شَكَوْتَنِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاتِ حَتَّى أَقرأَ عَلَيْكَ. قُلْتُ: لاَ وَاللهِ. ثُمَّ لَحِقْتُ بِأُولَئِكَ، فكَتَبْتُ عَنْهُم. 71 - عَبْدَانُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ الأَزْدِيُّ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ مَرْوَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ بنِ أَبِي رَوَّادٍ مَيْمُوْنَ - أَوْ أَيْمَنَ - الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ عَبْدِ العَزِيْزِ شَاذَانَ، وَهُمَا سِبْطَا شَيْخِ مَكَّةَ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ (1) . وُلِدَ: سَنَةَ نيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: شُعْبَةَ حَدِيْثاً وَاحِداً. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، عَنْ شُعْبَةَ شَيْئاً كَثِيْراً. وَمِنْ: أَبِي حَمْزَةَ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعِيْسَى بنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَيَزِيْدِ بنِ زُرَيْعٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ، وَالحِجَازِ.   (*) التاريخ الصغير 2 / 345، 346، الجرح والتعديل 5 / 113، المعجم المشتمل: 157، تهذيب الكمال لوحة 709، تذكرة الحفاظ 1 / 401، الكاشف 2 / 108، العبر 1 / 382، تذهيب التهذيب 2 / 165 / 1، دول الإسلام 1 / 134، تهذيب التهذيب 5 / 313، 314، طبقات الحفاظ: 173، 174، خلاصة تذهيب الكمال: 206، شذرات الذهب 2 / 49. (1) تقدمت ترجمته في الجزء السابع من هذا الكتاب ص 184. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ كَثِيْراً، وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بوَاسِطَةٍ، وَأَحْمَدُ بنُ شَبُّوْيَه، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ، وَأَبُو المُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قَشْمَرْد، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ ثِقَةً، مُجَوِّداً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الآمُلِيُّ (1) : تَصَدَّقَ عَبْدَانُ فِي حيَاتِهِ بِأَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ كُتُبَ ابْنِ المُبَارَكِ بقلمٍ وَاحِدٍ (2) . قَالَ: وَقَالَ عَبْدَانُ: مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ حَاجَةً إِلاَّ قُمْتُ لَهُ بنفسِي، فَإِنْ تَمَّ، وَإِلاَّ قُمْتُ لَهُ بِمَالِي، فَإِنْ تَمَّ، وَإِلاَّ اسْتَعَنْتُ بِالإِخْوَانِ، فَإِنْ تَمَّ، وَإِلاَّ اسْتَعنتُ بِالسُّلْطَانِ (3) . وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مَا بَقِيَ إِلاَّ الرِّحْلَةُ إِلَى عَبْدَانَ بِخُرَاسَانَ (4) . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ بَلَدِهِ فِي الحَدِيْثِ، سَمِعَ مِنْ شُعْبَةَ أَحَادِيْثَ دُوْنَ العشرَةِ، وَلَمْ يُعْقِبْ، وَرِثَهُ أَخُوْهُ، وَقَدْ وَلاَّهُ ابْنُ طَاهِرٍ قَضَاءَ الجُوْزَجَانِ (5) ، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِي. قُلْتُ: وَكَذَا قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ شُعْبَةَ دُوْنَ العشرَةِ.   (1) نسبة إلى " آمل " وهي بليدة غربي جيحون على طريق بخارى. انظر " الأنساب " 1 / 106، 107، و" معجم البلدان " 1 / 58. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 709. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 709. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 709. (5) هي كورة واسعة من كور خراسان بين مرو الروذ وبلخ انظر " معجم البلدان " 2 / 182. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 قَالَ أَبُو سَعْدٍ (1) السَّمْعَانِيُّ: دَخَلْتُ بَرُوْجِرْدَ (2) ، فَقَعَدْتُ أَنْسَخُ فِي جُزءٍ بِجَامِعِهَا، وَإِلَى جَانِبِي شَيْخٌ. فَقَالَ: مَا تَكْتُبُ؟ فَتَبَرَّمْتُ بِسُؤَالِهِ، وَقُلْتُ: الحَدِيْثَ. قَالَ: حَدِيْثُ مَنْ؟ قُلْتُ: مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ مَرْوَ. قَالَ: مَنْ تَعْرِفُ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ بِمَرْوَ؟ قُلْتُ: عَبْدَانُ، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَابْنُ مُنِيْرٍ. فَقَالَ: وَمَا اسْمُ عَبْدَانَ؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ. ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الأَدَبِ مَعَهُ، فَقَالَ: وَلِمَ لُقِّبَ عَبْدَانَ؟ فَقُلْتُ: يُفِيْدُنَا الشَّيْخُ. قَالَ: وُجُوْدُ عَبْدٍ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ، فَلُقِّبَ بِهِمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ. فَقُلْتُ: عَمَّنْ يَأْثُرُهُ الشَّيْخُ؟ قَالَ: عَنْ شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ المَقْدِسِيِّ (3) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ عَبْدَانُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. 72 - المَأْمُوْنُ عَبْدُ اللهِ بنُ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ، عَبْدُ اللهِ بنُ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ   (1) في الأصل: " أبو سعيد " وهو تحريف. (2) هي بلدة بين همذان والكرج كانت منزلا لوزير آل أبي دلف. انظر " معجم البلدان " 1 / 404. (3) الخبر في " التحبير في المعجم الكبير " 2 / 248 للسمعاني، و" معجم البلدان " 1 / 404، 405 وفيه: ثم بعد ذلك كتبت عنه أحاديث من أجزاء انتخبتها عليه. وهذا الشيخ الذي لقيه هو الحافظ أبو الفضل محمد بن هبة الله بن العلاء البروجردي وسيترجم في الجزء العشرين. (*) المعارف لابن قتيبة: 387، الاخبار الطوال: 400، تاريخ اليعقوبي 3 / 172، الطبري 8 / 478، مروج الذهب للمسعودي 2 / 247 - 269، البدء والتاريخ 6 / 112، الفهرست: 129، تاريخ بغداد 10 / 183، الكامل لابن الأثير 6 / 282، النبراس لابن دحية 46 - 63، العبر (انظر فهرست الجزء الأول) ، عيون التواريخ 8 / لوحة 12، البداية والنهاية 10 / 244، الذهب المسبوك: 186، النجوم الزاهرة 2 / 225، تاريخ الخلفاء: 306 - 333، تاريخ الخميس 2 / 334، شذرات الذهب 2 / 39، فوات الوفيات 2 / 235 - 239. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ وَقَرَأَ العِلْمَ، وَالأَدَبَ، وَالأَخْبَارَ، وَالعَقْلِيَّاتِ، وَعُلُوْمَ الأَوَائِلِ، وَأَمَرَ بِتَعْرِيْبِ كُتُبِهِم، وَبَالَغَ، وَعَمِلَ الرَّصَدَ (1) فَوْقَ جَبَلِ دِمَشْقَ، وَدَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ وَبَالَغَ (2) ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ. وَسَمِعَ مِنْ: هُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ بنِ العَوَّامِ، وَيُوْسُفَ بنِ عَطِيَّةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ الفَضْلُ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، وَدِعْبِلٌ الشَّاعِرُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَارِثِ الشِّيْعِيُّ. وَكَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي العَبَّاسِ حَزْماً، وَعَزْماً، وَرَأْياً، وَعَقْلاً، وَهَيْبَةً، وَحِلْماً، وَمَحَاسِنُهُ كَثِيْرَةٌ فِي الجُمْلَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَبْيَضَ رَبعَةً، حَسَنَ الوَجْهِ، تَعلُوهُ صُفْرَةٌ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، أَعْيَنَ، ضَيِقَ الجبينِ، عَلَى خَدِّهِ شَامَةٌ (3) . أَتَتْهُ وَفَاةُ أَبِيْهِ وَهُوَ بِمَرْوَ سَائِراً لغَزْوِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَبايعَ مَنْ قِبَلَهُ لأَخِيهِ الأَمِيْنِ، ثُمَّ جَرَتْ بينهُمَا أُمُورٌ، وَخُطُوبٌ، وَبلاَءٌ، وَحُرُوبٌ تُشَيِّبُ النَّوَاصِي،   (1) الرصد في علم الفلك: اسم لموضع تعين فيه حركات الكواكب. (2) ولم يقتصر على ذلك، بل حمل الناس على هذا الرأي الخطأ بالقوة والاكراه. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 184، و" فوات الوفيات " 2 / 235، و" تاريخ الخميس " 2 / 334. و" النجوم الزاهرة " 2 / 225. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ، وَبَايعَ النَّاسُ المَأْمُوْنَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ (1) . قَالَ الخُطَبِيُّ (2) : كُنْيَتُهُ أَبُو العَبَّاسِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، اكتنَى بِأَبِي جَعْفَرٍ، وَاسمُ أُمِّهِ: مرَاجلُ، مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا بِهِ (3) . قَالَ: وَدُعِيَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ، فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَاسْتعملَ عَلَى العِرَاقِ الحَسَنَ بنَ سَهْلٍ، ثُمَّ بايعَ بِالعهدِ لِعَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَنَبَذَ السَّوَادَ، وَأَبدَلَهُ بِالخُضْرَةِ (4) ، فَهَاجَتْ بَنو العَبَّاسِ، وَخلعُوا المَأْمُوْنَ، ثُمَّ بايعُوا عَمَّهُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ (5) ، وَلَقَّبُوهُ المُبَارَكَ، وَعَسْكَرُوا، فَحَارَبَهُم الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ، فَهَزمُوهُ، فَتَحَيَّزَ إِلَى وَاسِطٍ، ثُمَّ سَارَ جَيْشُ المَأْمُوْنِ، عَلَيْهِم حُمَيْدٌ الطُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هِشَامٍ، فَالتَقَوا إِبْرَاهِيْمَ، فَهَزمُوهُ، فَاخْتَفَى زَمَاناً (6) ، وَانقطعَ خبرُهُ، إِلَى أَنْ ظُفِرَ بِهِ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِيْنَ، فَعَفَا عَنْهُ المَأْمُوْنُ (7) . وَكَانَ المَأْمُوْنُ عَالِماً، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَكَانَ يَقُوْلُ: مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي   (1) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 478، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 282، و" عيون التواريخ " 7 / 114، و" البداية والنهاية " 10 / 240. (2) نسبة إلى الخطب وإنشائها. انظر " الأنساب " 5 / 147. (3) " تايخ بغداد " 10 / 184، و" تاريخ المسعودي " 7 / 1، و" فوات الوفيات " 2 / 236، و" النجوم الزاهرة " 2 / 225. (4) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 554، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 326، و" عيون التواريخ 7 / لوحة 148، و" مروج الذهب " 7 / 60، 61. (5) " تاريخ الطبري " 8 / 555 و557، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 327، و" عيون التواريخ " 7 / لوحة 149. (6) " تاريخ الطبري " 8 / 571 - 573، و" الكامل " 6 / 354. (7) " تاريخ الطبري " 8 / 603 و604 - 606، و" الكامل " 6 / 392 - 395، و" عيون التواريخ 7 / لوحة 237 - 243. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 سُفْيَانَ بِعَمْرِهِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بِحَجَّاجِهِ، وَأَنَا بنفسِي (1) . وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ، أَنَّ المَنْصُوْرَ قَالَهَا. وَعَنِ المَأْمُوْنِ أَنَّهُ تَلاَ فِي رَمَضَانَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً (2) . الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: أُرِيْدُ أَنْ أُحَدِّثَ. قُلْتُ: وَمَنْ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: ضَعُوا لِي مِنْبَراً، ثُمَّ صَعِدَ. قَالَ: فَأَوَّلُ مَا حَدَّثَنَا عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي الجَهْمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً: (امرُؤُ القيسِ صَاحِبُ لوَاءِ الشُّعرَاءِ إِلَى النَّارِ (3)) . ثُمَّ حَدَّثَ بنحوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَنَزَلَ. فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ أَبَا يَحْيَى مَجْلِسَنَا؟ قُلْتُ: أَجلُّ مَجْلِسٍ، تَفَقَّهَ الخَاصَّةُ وَالعَامَّةُ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ لَهُ حَلاَوَةً، إِنَّمَا المَجْلِسُ لأَصْحَابِ الخُلْقَانِ وَالمحَابرِ (4) . أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: تَقَدَّمَ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 190، و" فوات الوفيات " 2 / 236، و" تاريخ الخلفاء ": 306. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 190، و" فوات الوفيات " 2 / 236. (3) إسناده ضعيف لضعف أبي الجهم. قال فيه أبو زرعة الرازي: واه. وقال ابن عدي: شيخ مجهول لا يعرف له اسم، وخبره منكر، ولا أعرف له غيره. وقال ابن حبان: يروي عن الزهري ما ليس من حديثه، ولا يجوز الاحتجاج بروايته إذا انفرد. وقال ابن عبد البر: لا يصح حديثه. انظر " المجروحين " 3 / 150، و" الميزان " 4 / 512. و" لسان الميزان " 7 / 28، 29. وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 229 من طريق هشيم بهذا الإسناد، وأورده ابن كثير في " البداية " 2 / 118 عن المسند، وقال: وقد روى هذا الحديث عن هشيم جماعة كثيرون، منهم بشر بن الحكم، والحسن بن عرفة، وعبد الله بن هارون أمير المؤمنين المأمون، ويحيى ابن عدي. وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 119 ونسبه لأحمد والبزار، وقال: وفي إسناده أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. (4) " فوات الوفيات " 2 / 236، والخلقان: جمع خلق، يقال: ثوب خلق، وملحفة خلقة، والجمع خلقان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 رَجُلٌ غَرِيْبٌ بِيَدِهِ مِحْبَرَةٌ إِلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! صَاحِبُ حَدِيْثٍ، مُنْقَطِعٌ بِهِ. فَقَالَ: مَا تَحْفَظُ فِي بَابِ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً. فَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ حتَّى ذَكَرَ البَابَ، ثُمَّ سأَلَهُ عَنْ بَابٍ آخرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً. فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: يَطْلُبُ أَحَدُهُم الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أَعْطُوْهُ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمٍ (1) . قُلْتُ: وَكَانَ جَوَاَداً، مُمَدَّحاً، مِعَطَاءً، وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي جلسَةٍ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ يَشْرَبُ نَبِيْذَ الكُوْفَةِ. وَقِيْلَ: بَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ (2) ، فَاللهُ أَعْلَمُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَعْطَى أَعْرَابِيّاً مَدَحَهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. مَسْرُوْقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ الكِنْدِيُّ، جَارٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ: حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَدَخَلَ الكُوْفَةَ، فَلَمْ يتَخَلَّفْ إِلاَّ ابْنُ إِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا الأَمِيْنَ وَالمَأْمُوْنَ، فَحَدَّثَهُمَا ابْنُ إِدْرِيْسَ بِمائَةِ حَدِيْثٍ. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: يَا عمّ! أَتَأَذنُ لِي أَنْ أُعِيْدَهَا حِفْظاً؟ قَالَ: افعلْ. فَأَعَادَهَا، فَعَجِبَ مِنْ حِفْظِهِ (3) ، وَمَضَيَا إِلَى عِيْسَى، فَحَدَّثَهُمَا. فَأَمَرَ لَهُ المَأْمُوْنُ بشعرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: وَلاَ شربَةَ مَاءٍ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.   (1) " فوات الوفيات " 2 / 237، و" تاريخ الخلفاء " 331 - 332. (2) تصدير المصنف هذا الخبر ب " قيل " يشعر بوهائه وعدم صحته، فليتقطن لهذا الذين ينقلون الاخبار دونما تمييز، فيقولون المترجم ما لم يقله، أو ينسبون إليه ما هو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف. (3) " تاريخ الخلفاء " ص 327. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَّ المَأْمُوْنَ جلسَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَاتَ أَخِي، وَخَلَّفَ سِتَّ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَأَعْطَوْنِي دِيْنَاراً وَاحِداً، وَقَالُوا: هَذَا مِيرَاثُكِ. فَحَسَبَ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: هَذَا خَلَّفَ أَرْبَعَ بنَاتٍ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: لَهُنَّ (1) أَرْبَعُ مائَةِ دِيْنَارٍ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: وَخَلَّفَ أُمّاً، فلهَا مائَةُ دِيْنَارٍ، وَزَوْجَةً لَهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ دِيْنَاراً، بِاللهِ أَلَكِ اثْنَا عَشرَ أَخاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ دِيْنَارَان، وَلكِ دِيْنَارٌ (2) . قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: خَبِّرْنِي عَنْ قَوْلِ هندٍ بِنْتِ عُتْبَةَ: نَحْنُ بنَاتُ طَارِق ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ مَنْ هُوَ طَارِقٌ؟ فَنَظَرْتُ فِي نَسَبِهَا فلَمْ أَجِدْهُ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ. قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَتْ النَّجْمَ، انتسَبَتْ إِلَيْهِ لِحُسْنِهَا (3) ، ثُمَّ دَحَا إِلَيَّ بِعَنْبَرَةٍ بِعْتُهَا بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ (4) .   (1) في الأصل: لهما. (2) " فوات الوفيات " 2 / 236، و" تاريخ الخلفاء " ص 315 (3) هذا التعليل مقبول فيما لو كان الشعر لهند بنت عتبة، والصحيح أنه ليس لها، وإنما تمثلت به يوم أحد تحرض المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لهند بنت بياضة بن رياح بن طارق الايادي قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بالجزيرة، وكان رئيس إياد يومئذ بياضة بن رياح ابن طارق الايادي، فطارق في الشعر هو جدها. و" بنات " يروى بالرفع والنصب، فمن رفعه فعلى خبر الابتداء، ومن نصبه فعلى المدح والتخصيص، ويكون الخبر قولها: " نمشي ". وبعد هذا البيت: المسك في المفارق * والدر في المخانق إن تقلبوا نعانق * ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق انظر " شرح أبيات مغني اللبيب " 6 / 188 - 190 للبغدادي، و" الفاخر " ص 23، و" الروض الانف " للسهيلي 3 / 161. (4) " تاريخ الخلفاء " ص 319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 عَنِ المَأْمُوْنِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكتبَ كِتَاباً سِرّاً، فَلْيَكْتُبْ بِلَبَنٍ حُلِبَ لِوَقْتِهِ، وَيُرْسِلُهُ، فَيَعمَدُ إِلَى قِرْطَاسٍ فَيُحْرِقُهُ، وَيَذُرُّ رَمَادَهُ عَلَى الكِتَابَةِ، فَيُقرَأُ لَهُ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: اقتَرَحَ المَأْمُوْنُ فِي الشِّطْرَنْجِ أَشْيَاءَ، وَكَانَ يُحِبُّ اللَّعِبَ بِهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يَقُوْلُ: نَلعَبُ بِهَا، بَلْ نَتَنَاقَلُ بِهَا (1) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، قَالَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَجْلِسُ لِلْمُنَاظَرَةِ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدْ شَمَّرَ ثِيَابَهُ، وَنَعلُهُ فِي يَدِهِ، فَوَقَفَ عَلَى طَرَفِ البِسَاطِ، وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم. فَرَدَّ المَأْمُوْنُ. فَقَالَ: أَتَاذَنُ لِي فِي الدُّنُوِّ. قَالَ: ادْنُ، وَتَكَلَّمْ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا المَجْلِسِ الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ، جَلَستَهُ بِاجْتِمَاعِ الأُمَّةِ، أَمْ بِالغَلَبَةِ وَالقَهْرِ؟ قَالَ: لاَ بِهَذَا وَلاَ بِهَذَا، بَلْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرَ الأُمَّةِ مَنْ عَقَدَ لِي وَلأَخِي، فَلَمَّا صَارَ الأَمْرُ إِلَيَّ، عَلِمْتُ أَنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى اجْتِمَاعِ كَلمَةِ المُسْلِمِيْنَ عَلَى الرِّضَى بِي، فَرَأَيْتُ أَنِّي مَتَى خَلَّيتُ الأَمْرَ، اضْطَرَبَ حَبْلُ الإِسْلاَمِ، وَمَرِجَ عَهْدُهُم، وَتَنَازَعُوا، وَبَطَلَ الحَجُّ وَالجِهَادُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَقُمْتُ حِيَاطَةً لِلْمُسْلِمِيْنَ، إِلَى أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى مَنْ يَرْضَوْنَهُ، فَأُسْلِمُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَذَهَبَ. فَوَجَّهَ المَأْمُوْنُ مَنْ يَكْشِفُ خَبَرَهُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: مَضَى إِلَى مَسْجِدٍ فِيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِي هَيْئَتِهِ، فَقَالُوا: لَقِيتَ الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَخْبَرَهُم بِمَا جَرَى. فَقَالُوا: مَا نَرَى بِمَا قَالَ بَأْساً، وَافْتَرَقُوا. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: كُفِيْنَا مُؤْنَةَ هَؤُلاَءِ بِأَيسَرِ الخَطْبِ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ اسْتَخْرَجَ كُتُبَ الفَلاَسِفَةِ وَاليُونَانِ مِنْ جَزِيْرَةِ   (1) " تاريخ الخلفاء " ص 324. (2) " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 39 - 43، و" تاريخ الخلفاء " 327. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 قُبْرُسَ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ مَرَّتَينِ. قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ المُنَجِّمُ: كَانَ أَمَّاراً بِالعَدْلِ، مَحْمُوْدَ السِّيْرَةِ، مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ، يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ (1) . وَرُوِيَ عَنِ الرَّشِيْدِ، قَالَ: إِنِّيْ لأَعْرِفُ فِي عَبْدِ اللهِ ابْنِي حَزْمَ المَنْصُوْرِ، وَنُسُكَ المَهْدِيِّ، وَعِزَّةَ الهَادِي، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَنْسِبَهُ إِلَى الرَّابِعِ -يَعْنِي: نَفْسَه- لَفَعَلتُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ مُحَمَّداً عَلَيْهِ، وَإِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ مُنْقَادٌ إِلَى هَوَاهُ، مُبَذِّرٌ لِمَا حَوَتْهُ يَدَاهُ، يُشَارِكُ فِي رَأْيِهِ الإِمَاءُ، وَلَوْلاَ أُمُّ جَعْفَرٍ، وَمَيلُ الهَاشِمِيِّينَ إِلَيْهِ، لَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ عَبْدَ اللهِ (2) . عَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: لَوْ عَرَفَ النَّاسُ حُبِّي لِلْعفْوِ، لَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالجَرَائِمِ (3) ، وَأَخَافُ أَنْ لاَ أُوجَرَ فِيْهِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَحْلُمُ حَتَّى يُغِيْظَنَا. قِيْلَ: مَرَّ مَلاَّحٌ، فَقَالَ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا يَنْبُلُ عِنْدِي وَقَدْ قَتَلَ أَخَاهُ الأَمِيْنَ؟! فَسَمِعَهَا المَأْمُوْنُ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا الحِيلَةُ حَتَّى أَنْبُلَ فِي عَينِ هَذَا السَّيِّدِ الجَلِيْلِ (4) ؟ قِيْلَ: أَهدَى مَلِكُ الرُّوْمِ لِلْمَأْمُوْنِ نَفَائِسَ، مِنْهَا مائَةُ رَطْلِ مِسْكٍ، وَمائَةُ حُلَّةٍ سَمُّورٍ. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: أَضْعِفُوهَا لَهُ لِيَعْلَمَ عِزَّ الإِسْلاَمِ (5) .   (1) " فوات الوفيات " 2 / 237. (2) " تاريخ الخلفاء ": 307. (3) " فوات الوفيات " 2 / 236. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 189، و" فوات الوفيات " 2 / 236، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 15 و" تاريخ الخلفاء " 320. (5) " فوات الوفيات " 2 / 237، والسمور: حيوان يشبه النمس، منه أسود لامع وأشقر، تسوى من جلوده فراء غالية الاثمان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 وَقِيْلَ: أُدْخِلَ خَارِجِيٌّ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الخِلاَفِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلِئَكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ} . قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِأَنَّهَا مُنْزَلَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَا دَلِيْلُكَ؟ قَالَ: إِجْمَاعُ الأُمَّةِ. قَالَ: فَكَمَا رَضِيتَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّنْزِيلِ، فَارْضَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّأْوِيْلِ. قَالَ: صَدَقْتَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ (1) ! الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ سَابِقٍ، قَالَ: دَخَلَ المَأْمُوْنُ دِيوَانَ الخَرَاجِ، فَرَأَى غُلاَماً جَمِيْلاً، عَلَى أُذُنِهِ قَلَمٌ، فَأَعْجَبَهُ جَمَالُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: النَّاشِئُ فِي دَوْلَتِكَ، وَخِرِّيجُ أَدَبِكَ، وَالمُتَقَلِّبُ فِي نِعْمَتِكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، حَسَنُ بنُ رَجَاءَ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! بِالإِحْسَانِ فِي البَدِيْهَةِ تَفَاضَلَتِ العُقُوْلُ. ثُمَّ أَمَرَ بِرَفْعِ رُتْبَتِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ. وَعَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: أَعْيَانِي جَوَابُ ثَلاَثَةٍ: صِرْتُ إِلَى أُمِّ ذِي الرِّيَاسَتَينِ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ أُعَزِّيهَا فِيْهِ، وَقُلْتُ: لاَ تَأْسَيْ عَلَيْهِ، فَإِنِّي عِوَضُهُ لَكِ. قَالَتْ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَيْفَ لاَ أَحزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي مِثْلَكَ. قَالَ: وَأُتِيْتُ بِمُتَنَبِّئٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوْسَى بنُ عِمْرَانَ. قُلْتُ: وَيْحَكَ! مُوْسَى كَانَتْ لَهُ آيَاتٌ، فَائْتِنِي بِهَا حَتَّى أُومِنَ بِكَ. قَالَ: إِنَّمَا أَتَيْتُ بِالمُعجِزَاتِ فِرْعَوْنَ، فَإِنْ قُلْتَ: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى كَمَا قَالَ، أَتَيْتُكَ بِالآيَاتِ. وَأَتَى أَهْلُ الكُوْفَةِ يَشْكُوْنَ عَامِلَهُم، فَقَالَ خَطِيْبُهُم: هُوَ شَرُّ عَامِلٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 186، و" تاريخ الخلفاء " 319 - 320. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 أَمَّا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، فَبِعْنَا الأَثَاثَ وَالعَقَارَ، وَفِي الثَّانِيَة بِعْنَا الضِّيَاعَ، وَفِي الثَّالِثَةِ نَزَحْنَا وَأَتَيْنَاكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ، وَعَرَفْتُ سَخَطَكُمْ عَلَى العُمَّالِ. قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَذَبْتُ، قَدْ خَصَصْتَنَا بِهِ مُدَّةً دُوْنَ بَاقِي البِلاَدِ، فَاسْتَعْمِلْهُ عَلَى بَلَدٍ آخَرَ، لِيَشْمَلَهُم مِنْ عَدْلِهِ وَإِنصَافِهِ مَا شَمِلَنَا. فَقُلْتُ: قُمْ فِي غَيْرِ حِفْظِ اللهِ، قَدْ عَزَلْتُهُ (1) . أَوَّلُ قُدُومِ المَأْمُوْنِ مِنْ خُرَاسَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ، فَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي مَحْمِلٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَكَى دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، وَعِنْدَهُ قُوَّادُ خُرَاسَانَ، وَقَدْ دَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَقَالَ لَهُم: مَا تَقُولُوْنَ فِي القُرْآنِ؟ فَقَالُوا: كَانَ شُيُوْخُنَا يَقُوْلُوْنَ: مَا كَانَ فِيْهِ مِنْ ذِكْرِ الحَمِيرِ، وَالجِمَالِ، وَالبَقَرِ، فَهُوَ مَخْلُوْقٌ، فَأَمَّا إِذْ قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: هُوَ مَخْلُوْقٌ، فَنَحْنُ نَقُوْلُ: كُلُّهُ مَخْلُوْقٌ. فَقُلْتُ لِلْمَأْمُوْنِ: أَتَفرَحُ بِمُوَافَقَةِ هَؤُلاَءِ (2) ؟ قُلْتُ: وَكَانَ شِيْعِيّاً. قَالَ نِفْطَوَيْه: بَعَثَ المَأْمُوْنُ مُنَادِياً، فَنَادَى فِي النَّاسِ بِبَرَاءةِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ تَرَحَّمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَوْ ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، وَكَانَ كَلاَمُهُ فِي القُرْآنِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَاضْطَربُوا، وَلَمْ يَنَلْ مَقْصُودَهُ، فَفَتَرَ إِلَى وَقْتٍ (3) . وَعَنِ المَأْمُوْنِ، قَالَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ مِنْهُم مِثْلُ الغِذَاءِ، لاَبُدَّ مِنْهُ،   (1) " مروج الذهب " 7 / 35 - 38. (2) " فوات الوفيات " 2 / 237، 238. (3) " فوات الوفيات " 2 / 238. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 وَمِنْهُم كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي حَالِ المَرَضِ، وَمِنْهُم كَالدَّاءِ مَكْرُوهٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (1) . وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ نُزْهَةَ أَلَذُّ مِنَ النَّظَرِ فِي عُقُوْلِ الرِّجَالِ. وَعَنْهُ: غَلَبَةُ الحُجَّةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ غَلَبَةِ القُدْرَةِ (2) . وَعَنْهُ: المَلِكُ يَغتَفِرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ القَدْحَ فِي المُلْكِ، وَإِفشَاءَ السِّرِّ، وَالتَّعَرُّضَ لِلْحُرَمِ (3) . وَعَنْهُ: أَعْيَتِ الحِيلَةُ فِي الأَمْرِ إِذَا أَقبَلَ أَنْ يُدْبِرَ، وَإِذَا أَدْبَرَ أَنْ يُقْبِلَ (4) . وَقِيْلَ لَهُ: أَيُّ المَجَالِسِ أَحسَنُ؟ قَالَ: مَا نُظِرَ فِيْهِ إِلَى النَّاسِ، فَلاَ مَنْظَرَ أَحسَنُ مِنَ النَّاسِ (5) . أَبُو دَاوُدَ المَصَاحِفِيُّ (6) : حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَقَلْتُ: إِنِّيْ قُلْتُ اليَوْمَ هَذَا: أَصْبَحَ دِيْنِي الَّذِي أَدِيْنُ بِهِ ... وَلَسْتُ مِنْهُ الغَدَاةَ مُعْتَذِرَا حُبُّ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ وَلاَ ... أَشْتُمُ صِدِّيقَهُ وَلاَ عُمَرَا وَابْنُ عَفَّانَ فِي الجِنَانِ مَعَ الـ ... أَبْرَارِ ذَاكَ القَتِيلُ مُصْطَبِرَا وَعَائِشُ الأُمُّ لَسْتُ أَشْتُمُهَا ... مَنْ يَفْتَرِيهَا فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَا (7)   (1) " شذرات الذهب " 2 / 42. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 186. (3) " مروج الذهب " 7 / 7. (4) " مروج الذهب " 7 / 8، و" تاريخ الخلفاء ": 328. (5) " تاريخ الخلفاء ": 328. (6) هو سليمان بن سليم المصاحفي البلخي، كان يكتب المصاحف فنسب إليها. انظر " اللباب " 3 / 218. (7) الابيات في " فوات الوفيات " 2 / 238. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 قِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ لِتَشَيُّعِهِ أَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِإِبَاحَةِ المُتْعَةِ - مُتْعَةِ النِّسَاءِ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، فَذَكَرَ لَهُ حَدِيْثَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِتَحْرِيْمِهَا، فَلَمَّا عَلِمَ بِصِحَّةِ الحَدِيْثِ، رَجَعَ إِلَى الحَقِّ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِتَحْرِيْمِهَا (1) . أَمَا مَسْأَلَةُ القُرْآنِ، فَمَا رَجَعَ عَنْهَا، وَصَمَّمَ عَلَى امْتِحَانِ العُلَمَاءِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِم، فَأَخَذَهُ اللهُ (2) . وَكَانَ كَثِيْرَ الغَزْوِ. وَفِي ثَانِي سَنَةٍ مِنْ خِلاَفتِهِ: خَرَجَ عَلَيْهِ بِالكُوْفَةِ مُحَمَّدُ بنُ طَبَاطَبَا العَلَوِيُّ، يَدعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَالعَمَلِ بِالسُّنَّةِ، وَكَانَ مُدِيرَ دَولَتِهِ أَبُو السَّرَايَا الشَّيْبَانِيُّ، وَيُسْرِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَبَادَرَ إِلَيْهِ الأَعرَابُ. فَالتَقَاهُ عَسْكَرُ المَأْمُوْنِ، عَلَيْهِم زُهَيْرُ بنُ المُسَيَّبِ، فَانهَزَمُوا، وَقَوِيَ أَمرُ العَلَوِيِّ، ثُمَّ أَصْبَحَ مَيتاً فَجأَةً، فَقِيْلَ: سَمَّهُ أَبُو السَّرَايَا، وَأَقَامَ فِي الحَالِ مكَانَهُ أَمرَدَ عَلَوِيّاً، ثُمَّ تَجَهَّزَ لِحَرْبِهِم جَيْشٌ، فَكُسِرُوا، وَقُتِلَ مُقَدَّمُهُم عَبْدُوْسٌ المَرْوَرُّوْذِيُّ، وَقَوِيَ الطَّالِبِيُّونَ، وَأَخَذُوا وَاسِطاً وَالبَصْرَةَ، وَعَظُمَ الخَطْبُ. ثُمَّ حُشِدَ الجَيْشُ، عَلَيْهِم هَرْثَمَةُ، وَجَرَتْ فُصُولٌ طَوِيْلَةٌ، وَالتَقَوْا غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ هَرَبَ أَبُو السَّرَايَا وَالطَّالِبِيُّونَ مِنَ الكُوْفَةِ، ثُمَّ قُتِلَ أَبُو السَّرَايَا سَنَة مائَتَيْنِ، وَهَاجَتِ العَلَوِيَّةُ بِمَكَّةَ، وَحَارَبُوا، وَعَظُمَ هَرْثَمَةُ بنُ أَعْيَنَ، وَأُعْطِيَ إِمْرَةَ الشَّامِ، فَلَمْ يَرْضَ بِهَا، وَذَهَبَ إِلَى مَرْوَ، فَقَتَلُوهُ (3) .   (1) " فوات الوفيات " 2 / 238، وحديث علي رضي الله عنه في تحريم المتعة مخرج في البخاري 7 / 369، ومسلم (1407) ، وانظر لزاما " زاد المعاد " 3 / 343 و459، 464 و5 / 111، 112، " طبع مؤسسة الرسالة ". (2) " فوات الوفيات " 2 / 238. (3) انظر تفصيل ذلك في " تاريخ الطبري " 8 / 528 - 531، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 302 - 307. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 ثُمَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ: جَعَلَ المَأْمُوْنُ وَلِيَّ عَهْدِهِ عَلِيّاً الرِّضَى، وَلَبِسَ الخُضْرَةَ، وَثَارَتِ العَبَّاسِيَّةُ، فَخَلَعُوهُ (1) ، وَفِيْهَا تَحَرَّكَ بَابَكُ الخُرَّمِيُّ بِأَذْرَبِيْجَانَ (2) ، وَقَتَلَ، وَسَبَى، وَذَكَرَ الرِّضَى لِلْمَأْمُوْنِ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنَ الحَرْبِ وَالفِتَنِ مُنْذُ قَتْلِ الأَمِيْنِ، وَبِمَا كَانَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ يُخْفِيهِ عَنْهُ مِنَ الأَخْبَارِ، وَأَنَّ أَهْلَ بيتِهِ قَدْ خَرَجُوا وَنَقَمُوا أَشْيَاءَ، وَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ، وَهُوَ مَجْنُوْنٌ. قَالَ: وَمَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: عِدَّةٌ مِنْ أُمَرَائِكَ، فَاسْأَلْهُم. فَأَبَوْا أَنْ يَنطِقُوا إِلاَّ بِأَمَانٍ مِنَ الفَضْلِ، فَضَمِنَ ذَلِكَ، فَبَيَّنُوا لَهُ، وَأَنَّ طَاهِرَ بنَ الحُسَيْنِ قَدْ أَبلَى فِي طَاعَتِكَ، وَفَتَحَ الأَمصَارَ، وَقَادَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الخِلاَفَةَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصُيِّرَ فِي الرَّقَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى العِرَاقِ حَاكماً، لَضَبَطَهَا، بِخلاَف الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ. وَقَالُوا لَهُ: فَسِرْ إِلَى العِرَاقِ، فَلَو رَآكَ القُوَّادُ، لأَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ. فَقَالَ: سِيْرُوا. فَلَمَّا عَلِمَ الفَضْلُ، ضَرَبَ بَعْضَهُم، وَحَبَسَ آخَرِيْنَ، وَمَا أَمكَنَ المَأْمُوْنَ مُبَادَرَتُهُ، فَسَارَ مِنْ مَرْوَ إِلَى سَرْخَسَ، فَشَدَّ قَوْمٌ عَلَى الفَضْلِ، فَقَتَلُوهُ فِي حَمَّامٍ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ لِمَنْ جَاءَ بِقَاتِلِيهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَكَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ مَمَالِيْكِ المَأْمُوْنِ، فَقَالُوا: أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِهِ. فَأَنْكَرَ، وضَرَبَ أَعْنَاقَهُم (3) . وَضَعُفَ أَمرُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ بَعْدَ مُحَاربَةٍ وَبَلاَءٍ. وَفِي سَنَةِ 203: مَاتَ الرِّضَى فَجْأَةً (4) .   (1) انظر الصفحة (274) ، التعليق رقم (4) ، (5) . (2) انظر " الكامل " لابن الأثير 6 / 328. (3) " الكامل " لابن الأثير 6 / 346 - 348، و" تاريخ الطبري " 8 / 564، 565. (4) انظر خبر وفاته في " تاريخ الطبري " 8 / 568، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 351. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: وَصَلَ المَأْمُوْنُ، فَتَلَقَّاهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ بَنُوَ العَبَّاسِ، وَبَنُو أَبِي طَالِبٍ، وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي لُبْسِ الخُضْرَةِ، فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ أَعَادَ السَّوَادَ (1) . وَفِيْهَا: التَقَى يَحْيَى بنُ مُعَاذٍ أَمِيْرُ الجَزِيْرَةِ بَابَكَ الخُرَّمِيَّ (2) ، وَوَلِيَ طَاهِرٌ جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ. وَفِيْهَا - أَعْنِي: سَنَةَ 205 -: نُصِرَ المُسْلِمُوْنَ عَلَى بَابَكَ، وَبَيَّتُوهُ. وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: خَرَجَ بِاليَمَنِ عَلَوِيٌّ (3) ، فَأَمَّنَهُ المَأْمُوْنُ، وَقَدِمَ. وَمَاتَ طَاهِرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ قَطَعَ دَعْوَةَ المَأْمُوْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَخَرَجَ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ؛ طَلْحَةُ، فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ خُرَاسَانَ، فَبَقِيَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَمَاتَ، فَوَلِيَهَا أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ (4) . وَكَانَتِ الحُرُوبُ شَدِيْدَةً بَيْنَ عَسْكَرِ الإِسْلاَمِ وَبَيْنَ بَابَكَ. وَظَهَرَ بِاليَمَنِ الصَّنَادِيْقِيُّ، وَقَتَلَ، وَسَبَى، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، ثُمَّ هَلَكَ بِالطَّاعُونِ. وَخَرَجَ حَسَنٌ أَخُو طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ بِكَرْمَانَ، فَظَفِرَ بِهِ المَأْمُوْنُ، وَعَفَا عَنْهُ. وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجِلُّ أَهْلَ الكَلاَمِ، وَيَتَنَاظرُوْنَ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَارَ صَدَقَةُ بنُ عَلِيٍّ لِحَرْبِ بَابَكَ، فَأَسَرَهُ بَابَكُ، وَتَمَرَّدَ، وَعَتَا.   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 574، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 357. (2) " الكامل " لابن الأثير 6 / 358. (3) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله العلوي. انظر خبر خروجه في " تاريخ الطبري " 8 / 593، و" الكامل " 6 / 381. (4) " الكامل " لابن الأثير 6 / 382 - 383. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 وَفِي سَنَةِ عشرٍ: دَخَلَ المَأْمُوْنُ بِبُوْرَانَ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ بِوَاسِطَ، وَأَقَامَ عِنْدَهَا بِجَيْشِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَكَانَتْ نَفَقَةُ الحَسَنِ عَلَى العُرْسِ وَتَوَابِعِهِ خَمْسِيْنَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَمَلَّكَهُ المَأْمُوْنُ مَدِينَةً، وَأَعْطَاهُ مِنَ المَالِ خَمْسَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ (1) . وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ: قَهَرَ ابْنُ طَاهِرٍ المُتَغَلِّبِيْنَ عَلَى مِصْرَ، وَأَسَرَ جَمَاعَةً (2) . وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ: سَارَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الطُّوْسِيُّ لِمُحَاربَةِ بَابَكَ، وَأَظهَرَ المَأْمُوْنُ تَفْضِيْلَ عَلِيٍّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، وَأَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَاسْتَعمَلَ عَلَى مِصْرَ وَالشَّامِ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ، فَقَتَلَ طَائِفَةً، وَهَذَّبَ مِصْرَ، وَوَقَعَ المَصَافُّ مَعَ بَابَكَ مَرَّاتٍ (3) . وَفِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ: سَارَ المَأْمُوْنُ لِغَزْوِ الرُّوْمِ، وَمِنْ غَزْوَتِهِ عَطَفَ إِلَى دِمَشْقَ (4) . وَفِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ: كَرَّ غَازياً فِي الرُّوْمِ، وَجَهَّزَ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ، فَفَتَحَ حُصُوناً. وَدَخَلَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِصْرَ، وَقَتَلَ المُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا عَبْدُوْساً الفِهْرِيَّ، ثُمَّ كَرَّ إِلَى أَذَنَةَ، وَسَارَ، فَنَازَلَ لُؤْلُؤَةً (5) ، وَحَاصَرَهَا مائَةَ يَوْمٍ، وَتَرَحَّلَ (6) .   (1) انظر خبر بناء المأمون ببوران في " تاريخ الطبري " 8 / 606، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 395، و" البداية والنهاية " 10 / 265. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 613، و" الكامل " 6 / 396 وفيهما في حوادث سنة عشر ومئتين. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 619، و" الكامل " 6 / 407 - 408. (4) " تاريخ الطبري " 8 / 623، و" الكامل " 6 / 417. (5) هي قلعة بالقرب من طرسوس. (6) " تاريخ الطبري " 8 / 625 - 628، و" الكامل " 6 / 419 - 421. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 وَأَقبَلَ تُوفِيلُ طَاغيَةُ الرُّوْمِ (1) ، ثُمَّ وَقَعَتِ الهُدْنَةُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ تُوفِيلُ، فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَأَغلَظَ فِي المُكَاتِبَةِ، فَغَضِبَ المَأْمُوْنُ، وَعَزَمَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَهَجَمَ الشِّتَاءُ (2) . وَفِيْهَا: وَقَعَ حَرِيْقٌ عَظِيْمٌ بِالبَصْرَةِ، أَذهَبَ أَكْثَرَهَا. وَفِي سَنَةِ (218) : اهتَمَّ المَأْمُوْنُ بِبِنَاءِ طُوَانَةَ، وَحَشَدَ لَهَا الصُّنَّاعَ، وَبنَاهَا مِيْلاً فِي مِيْلٍ، وَهِيَ وَرَاءَ طَرَسُوْسَ، وَافتَتَحَ عِدَّةَ حُصُوْنٍ (3) ، وَبَالَغَ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ، وَحَبَسَ إِمَامَ الدِّمَشْقِيِّينَ أَبَا مُسْهِرٍ، بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ فِي النِّطْعِ لِلْقَتلِ، فَتَلَفَّظَ مُكْرَهاً (4) . وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى العِرَاقِ؛ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخُزَاعِيِّ كِتَاباً يَمتَحِنُ العُلَمَاءَ، يَقُوْلُ فِيْهِ: وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الجُمْهُوْرَ الأَعْظَمَ، وَالسَّوَادَ مِنْ حَشوِ الرَّعِيَةِ وَسَفِلَةِ العَامَّةِ، مِمَّنْ لاَ نَظَرَ لَهُم وَلاَ رَوِيَّةَ، أَهْلُ جَهَالَةٍ وَعَمَىً عَنْ أَنْ يَعْرِفُوا اللهَ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ، وَيَقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِه، وَيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَسَاوَوْا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَطبَقُوا عَلَى أَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ لَمْ يَخْتَرِعْهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً} ، فُكُلُّ مَا جَعَلَهُ، فَقَدْ خَلَقَهُ، كَمَا قَالَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرَ} ، وَقَالَ: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} ، فَأَخبَرَ أَنَّهُ قَصَصٌ لأُمُورٍ أَحَدَثَهُ بعدَهَا،   (1) وهو الذي ذكره أبو تمام في قصيدته البائية التي قالها في فتح عمورية في البيت الخمسين، وهو: لما رأى الحرب رأي العين توفلس * والحرب مشتقة المعنى من الحرب (2) " تاريخ الطبري " 8 / 629 - 630. (3) " تاريخ الطبري " 8 / 631، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 440 - 441. (4) " تاريخ الطبري " 8 / 643. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 وَقَالَ: {وَأُحْكِمَتْ آيَاتُه ثُمَّ فُصِّلَتْ} وَاللهُ مُحْكِمٌ لَهُ، فَهُوَ خَالِقُهُ وَمُبْدِعُهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَاتَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السَّمْتِ الكَاذِبِ، وَالتَّخَشُّعِ لِغَيرِ اللهِ، إِلَى مُوَافَقَتِهِم، فَرَأَى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّهُم شَرُّ الأُمَّةِ، وَلَعَمْرُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ أَكذَبَ النَّاسِ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَوَحْيِهِ، وَلَمْ يَعْرِفِ اللهَ حقَّ مَعْرِفَتِهِ، فَاجمَعِ القُضَاةَ وَامتَحِنْهُم فِيْمَا يَقُوْلُوْنَ، وَأَعْلِمْهُم أَنِّي غَيْرُ مُسْتَعِينٌ فِي عَمَلٍ، وَلاَ وَاثِقٌ بِمَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِيْنِهِ، فَإِنْ وَافقُوا، فَمُرْهُم بِنَصِّ مَنْ بِحَضْرَتِهِم مِنَ الشُّهُودِ، وَمَسْأَلَتِهِم عَنْ عِلْمِهِم فِي القُرْآنِ، وَرَدِّ شَهَادَةَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ (1) . وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ أَيْضاً فِي أَشْخَاصٍ سَبْعَةٍ: مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ دَاوُدَ، وَأَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، فَامْتُحِنُوا، فَأَجَابُوا (2) - قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَبُنَّا خَوْفاً مِنَ السَّيْفِ (3) -. وَكَتَبَ بِإِحضَارِ مَنِ امتَنَعَ مِنْهُم: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي حَسَّانٍ الزِّيَادِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَسَجَّادَةَ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي مُقَاتِلٍ، وَذَيَّالِ بنِ الهَيْثَمِ، وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَسَعْدُوَيْه، فِي عِدَّةٍ، فَتَلَكَّأَ طَائِفَةٌ، وَصَمَّمَ أَحْمَدُ وَابْنُ نُوْحٍ، فَقُيِّدَا، وَبَعَثَ بِهِمَا، فَلَمَّا بَلَغَا الرَّقَّةَ، تَلَقَّاهُم مَوْتُ المَأْمُوْنِ، وَكَانَ مَرِضَ بِأَرْضِ الثَّغْرِ. فَلَمَّا احْتُضِرَ، طَلَبَ ابْنَهُ العَبَّاسَ لِيَقْدَمَ، فَوَافَاهُ بآخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ نُفِّذَتِ الكُتُبُ إِلَى البُلْدَانِ، فِيْهَا: مِنَ المَأْمُوْنِ وَأَخِيْهِ أَبِي إِسْحَاقَ الخَلِيْفَةِ   (1) " تاريخ الطبري " 8 / 632 - 633، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 1 - 2، و" تاريخ الخلفاء " 308 - 309. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 634، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 423، و" تاريخ الخلفاء " 309 - 310. (3) " تاريخ الخلفاء ": 310. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 مِنْ بَعْدِهِ. فَقِيْلَ: وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ المَأْمُوْنِ. وَقِيْلَ: بَلْ بِأَمرِهِ (1) . وَأَشهَدَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ المَوْتِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ هَارُوْنَ أَشهَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللهَ وَحدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّهُ خَالِقٌ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوْقٌ، وَلاَ يَخلُو القُرْآنُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ شَيْئاً لَهُ مِثْلٌ، وَاللهُ لاَ مِثْلَ لَهُ، وَالبَعْثُ حَقٌّ، وَإِنِّيْ مُذْنِبٌ، أَرْجُو وَأَخَافُ. وَلْيُصَلِّ عَلَيَّ أَقرَبُكُم، وَلْيُكَبِّرْ خَمْساً، فَرَحِمَ اللهُ عَبداً اتَّعَظَ وَفَكَّرَ فِيْمَا حَتَمَ اللهُ علَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ مِنَ الفَنَاءِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي تَوَحَّدَ بِالبَقَاءِ. ثُمَّ لْيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَا كُنْتُ فِيْهِ مِنْ عِزِّ الخِلاَفَةِ، هَلْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئاً إِذْ نَزَلَ أَمْرُ اللهُِ بِي؟ لاَ وَاللهِ، لَكِنْ أُضْعِفَ بِهِ عَلَيَّ الحِسَابُ، فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً. يَا أَخِي! ادْنُ مِنِّي، وَاتَّعِظْ بِمَا تَرَى، وَخُذْ بِسِيْرَةِ أَخِيْكَ فِي القُرْآنِ، وَاعْمَلْ فِي الخِلاَفَةِ إِذْ طَوَّقَكَهَا اللهُ عَمَلَ المُرِيْدِ للهِ، الخَائِفِ مِنْ عِقَابِهِ، وَلاَ تَغْتَرَّ، فَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكَ المَوْتُ. وَلاَ تُغْفِلْ أَمرَ الرَّعِيَّةِ، الرَّعِيَّةَ الرَّعِيَّةَ، فَإِنَّ المُلْكَ بِهِم، اللهَ اللهَ فِيْهِم وَفِي غَيْرِهِم. يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ، لَتَقُومَنَّ بِحَقِّهِ فِي عِبَادِهِ، وَلَتُؤْثِرَنَّ طَاعَتَهُ علَى مَعْصِيَتِهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. هَؤُلاَءِ بَنُو عَمِّكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحْسِنْ صُحْبَتَهُم، وَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيْئِهِم (2) . ثُمَّ مَاتَ فِي رَجَبٍ، فِي ثَانِي عَشَرِهِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ: بِالبَذَنْدُوْنَ (3) ، فَنَقَلَهُ ابْنُه العَبَّاسُ، وَدَفَنَهُ بِطَرَسُوْسَ، فِي دَارِ خَاقَانَ خَادِمِ أَبِيْهِ (4) .   (1) " تاريخ الخلفاء " 310 - 313. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 647 - 650، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 26، 27، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 429 - 431. (3) قرية من قرى الثغر بينها وبين طرسوس مسيرة يوم. (4) انظر " تاريخ الطبري " 8 / 650، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 431، 432. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ نَقَشَ خَاتَمَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ (1) . وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَدِ: مُحَمَّدٌ الكَبِيْرُ، وَالعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ، وَأَحْمَدُ، وَعِيْسَى، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَالفَضْلُ، وَمُوْسَى، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَيَعْقُوْبُ، وَحَسَنٌ، وَسُلَيْمَانُ، وَهَارُوْنُ، وَجَعْفَرٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعِدَّةُ بَنَاتٍ (2) . 73 - المُعْتَصِمُ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرَّشَيْدِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ ابْنُ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ المَهْدِيِّ بنِ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَأُمُّهُ: مَارِدَةُ، أُمُّ وَلَدٍ (3) . رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ المَأْمُوْنِ يَسِيْراً. رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ، وَحَمْدُوْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. بُوْيِعَ بِعَهدٍ مِنَ المَأْمُوْنِ، فِي رَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، سنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ (4) .   (1) " تاريخ الخلفاء " 315. (2) في عيون التواريخ " 8 / لوحة 28: قال الصولي: كان للمأمون تسعة عشر ذكرا، وتسع بنات. (*) المعارف لابن قتيبة: 392، الاخبار الطوال: 401، تاريخ اليعقوبي 3 / 197، تاريخ الطبري 9 / 118 - 123، مروج الذهب للمسعودي 7 / 102، البدء والتاريخ 6 / 114، تاريخ بغداد 3 / 342، الكامل لابن الأثير 6 / 439 و523 - 528، العبر 1 / 400 - 402، عيون التواريخ 8 / لوحة 118 - 121، فوات الوفيات 4 / 48، الوافي بالوفيات 5 / 139، البداية والنهاية 10 / 295 - 297، الذهب المسبوك للمقريزي: 221، النجوم الزاهرة 2 / 250، تاريخ الخلفاء: 333 - 340، تاريخ الخميس 2 / 336، شذرات الذهب 2 / 63، 64. (3) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 123، و" الكامل " 6 / 525، و" تاريخ بغداد " 3 / 342، و" فوات الوفيات " 4 / 48. (4) " تاريخ الطبري " 8 / 667، و" الكامل " 6 / 439، و" فوات الوفيات " 4 / 84. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 وَكَانَ أَبْيَضَ، أَصهَبَ اللِّحْيَةِ طَوِيْلَهَا، رَبْعَ القَامَةِ، مُشْرَبَ اللَّوْنِ، ذَا قُوَّةٍ، وَبَطْشٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَهَيْبَةٍ، لَكِنَّهُ نَزْرُ العِلْمِ (1) . قِيْلَ: كَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ فِي المَكْتَبِ، فَمَاتَ الغُلاَمُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: يَا مُحَمَّدُ! مَاتَ غُلاَمُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا سَيِّدِي، وَاسْتَرَاحَ مِنَ الكُتَّابِ. فَقَالَ: أَوَ إِنَّ الكُتَّابَ لَيَبْلُغُ مِنْكَ هَذَا؟ دَعُوهُ. فَكَانَتْ قِرَاءتُهُ ضَعِيفَةً (2) . قَالَ خَلِيْفَةُ: حَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ مائَتَيْنِ (3) . قَالَ الرِّيَاشِيُّ: كَتَبَ طَاغِيَةُ الرُّوْمِ إِلَى المُعْتَصِمِ يَتَهَدَّدُهُ، فَأَمَرَ بِجَوَابِهِ، فَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ، رَمَاهُ، وَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَسَمِعْتُ خِطَابَكَ، وَالجَوَابُ مَا تَرَى، لاَ مَا تَسْمَعُ، وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (4) . قُلْتُ: وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الأَمْصَارِ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ المُؤَذِّنِيْنَ، وَفُقَهَاءَ المَكَاتِبِ، وَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى أَزَالَهُ المُتَوَكِّلُ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَاماً. وَكَانَ فِي سَنَةِ 218: الوَبَاءُ المُفْرِطُ، وَالقَحْطُ بِمِصْرَ، وَمَاتَ أَكْثَرُهُم، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ بِهَدِّ طُوَانَةَ الَّتِي بَذَّرَ المَأْمُوْنُ فِي بِنَائِهَا مِنْ عَامَيْنِ بُيُوْتَ   (1) " فوات الوفيات " 4 / 48. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 343، و" فوات الوفيات " 4 / 49، و" البداية والنهاية " 10 / 295، و" تاريخ الخلفاء " 334. (3) " تاريخ خليفة ": 470. (4) " تاريخ بغداد " 3 / 344، و" البداية والنهاية " 10 / 296. قوله: (وسيعلم الكافر) هي قراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون: (وسيعلم الكفار) . " النشر " 2 / 298. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 الأَمْوَالِ (1) ، وَاشتَدَّ البَلاَءُ بِبَابَكَ، وَهَزَمَ الجُيُوشَ، وَدَخَلَ فِي دِيْنِهِ خَلاَئِقُ مِنَ العَجَمِ، وَعَسْكَرَ بِهَمَذَانَ، فَبَرَزَ لِقِتَالِهِ إِسْحَاقُ المُصْعَبِيُّ، فَكَانَتْ مَلْحَمَةً عُظْمَى، فَيُقَالُ: قُتِلَ مِنْهُم سِتُّوْنَ أَلْفاً، وَهَرَبَ بَاقِيْهِم إِلَى الرُّوْمِ (2) . وَظَهَرَ سَنَةَ 219: مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ العَلَوِيُّ، يَدْعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوبٌ، إِلَى أَنْ قَيَّدَهُ ابْنُ طَاهِرٍ، ثُمَّ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ، وَأَضمَرَتْهُ البِلاَدُ (3) . وَفِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ: عَقَدَ المُعْتَصِمُ لِلأَفْشِيْنِ (4) فِي جَيْشٍ لَجِبٍ لِقِتَالِ بَابَكَ، فَتَمَّتْ مَلْحَمَةٌ انْهَزَمَ فِيْهَا بَابَكُ إِلَى مُوَغَانَ، وَمِنْهَا إِلَى مَدِيْنَةٍ تُسَمَّى البَذُّ (5) . وَفِي رَمَضَانَ: كَانَتْ مِحْنَةُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي القُرْآنِ، وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى زَالَ عَقْلُهُ، وَلَمْ يُجِبْ، فَأَطْلَقُوهُ (6) ، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ بِإِنشَاءِ مَدِيْنَةِ   (1) " تايخ الطبري " 8 / 667. (2) " تاريخ الطبري " 8 / 667، 668، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 441. (3) انظر " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 116، 117، و" تاريخ الطبري " 9 / 7، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 442، 443، و" البداية والنهاية " 10 / 282. (4) اسمه حيدر بن كاوس، عقد له المعتصم في قتال بابك الخرمي، وكان من الامراء الشجعان، واتهم بالكفر وعبادة الاصنام، فسجنه المعتصم حتى مات سنة (226) هـ انظر " العبر " 1 / 395. (5) انظر خبر هذه الوقعة في " مروج الذهب " 7 / 123 - 127، و" تاريخ الطبري " 9 / 13، 14، و" الكامل " 6 / 449 - 451. وموغان - ويقال لها: موقان -: ولاية بأذربيجان فيها قرى ومروج كثيرة. معجم البلدان 5 / 225، والبذ: كورة بين أذربيجان وأران، بها كان مخرج بابك الخرمي. انظر " معجم البلدان " 1 / 361، وانظر الصفحة 294 تعليق (2) من هذا الجزء. (6) سترد ترجمة الامام أحمد ومحنته مفصلة في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب برقم (78) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 سَامَرَّا (1) ، اشتَرَى أَرْضَهَا مِنْ رُهبَانَ بِالقَاطُوْلِ (2) ، وَغَضِبَ عَلَى وَزِيرِهِ الفَضْلِ بنِ مَرْوَانَ، وَأَخَذَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَنَفَاهُ (3) ، وَاسْتَوْزَرَ مُحَمَّدَ بنَ الزَّيَّاتِ، وَاعْتَنَى بِاقْتِنَاءِ المَمَالِيْكِ التُّرْكِ، وَبَعَثَ إِلَى النَّوَاحِي فِي شِرَائِهِم، وَأَلبَسَهُمُ الحَرِيْرَ وَالذَّهَبَ (4) . وَفِي سَنَةِ 221: كَانَتْ وَقعَةٌ بَيْنَ العَسْكَرِ وَبَابَكَ (5) . وَحَجَّ فِيْهَا حَنْبَلٌ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كِسْوَةَ الكَعْبَةِ وَقَدْ كُتِبَ فِيْهَا فِي الدَّارَاتِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ (6) ، فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ الخَبِيْثَ، عَمَدَ إِلَى كَلاَمِ اللهِ فَغَيَّرَهُ - عَنَى ابْنَ أَبِي دَاوُدَ -. وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ: كَانَ المَصَافُّ بَيْنَ بَابَكَ الخُرَّمِيِّ، وَبَيْنَ الأَفْشِيْنِ، فَطَحَنَهُ الأَفْشِيْنُ، وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُ، وَهَرَبَ، ثُمَّ إِنَّهُ أُسِرَ بَعْدَ فُصُولٍ طَوِيْلَةٍ (7) ، وَكَانَ أَحَدَ الأَبطَالِ، أَخَافَ الإِسْلاَمَ وَأَهلَهُ، وَهَزَمَ الجُيُوشَ   (1) انظر خبر بناء هذه المدينة في " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 120، 121، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 451، 452. (2) القاطول: نهر معروف يأخذ من دجلة على خمسة فراسخ من سامراء، وقد ذكره البحتري في قصيدته التي يرثي بها المتوكل في " ديوانه " 2 / 1045: محل على القاطول أخلق داثره * وعادت صروف الدهر جيشا تغاوره وانظر " مروج الذهب " 7 / 127، و" الروض المعطار " 300، 301 و449، 450. (3) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 18 - 22، و" الكامل " 6 / 453، 454. (4) " مروج الذهب " للمسعودي 7 / 118. (5) " تاريخ الطبري " 9 / 23 - 27، و" الكامل " 6 / 456. (6) التلاوة: (وهو السميع البصير) ، فغير ما في التلاوة ليسلم له مذهبه، وهذا من أبين الأدلة على فساد رأي المعتزلة ومجافاته للنصوص القطعية التي لا يرقى إليها شك. (7) ذكرها ابن جرير الطبري في " تاريخه " 9 / 29 - 51. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَغَلَبَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ وَغَيْرِهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيْمَ المِلَّةَ المَجُوْسِيَّةَ، وَظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ المَازَيَارُ أَيْضاً بِالمَجُوْسِيَّةِ بِطَبَرِسْتَانَ (1) ، وَعَظُمَ البَلاَءُ. وَكَانَ المُعْتَصِمُ وَالمَأْمُوْنُ قَدْ أَنفَقُوا عَلَى حَرْبِ بَابَكَ قنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ المُعْتَصِمُ نَفَقَاتٍ إِلَى جَيْشِهِ مَعَ الأَفْشِيْنِ، فَكَانَتْ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَأُخِذَتِ البَذُّ؛ مَدِيْنَةُ بَابَكَ اللَّعِينِ (2) ، وَاخْتَفَى فِي غَيْضَةٍ، وَأُسِرَ أَهلُهُ وَأَوْلاَدُهُ، وَقُطِعَ دَابِرُ الخُرَّمِيَّةِ. ثُمَّ وَرَدَ أَمَانٌ مِنَ المُعْتَصِمِ لِبَابَكَ، فَبَعَثَ بِهِ الأَفْشِينُ إِلَيْهِ مَعَ اثْنَيْنِ، وَكَتَبَ ابْنُه إِلَيْهِ يُشِيْرُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ الأَمَانِ، فَلَمَّا دَخَلاَ إِلَى الشَّعْرَاءِ (3) الَّتِي فِيْهَا بَابَكُ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ لِلآخَرِ: امضِ إِلَى ابْنِ الفَاعِلَةِ ابْنِي، فَقُلْ: لَوْ كَانَ ابْنِي، لَلَحِقَ بِي، ثُمَّ مَزَّقَ الأَمَانَ، وَفَارَقَ الغَيْضَةَ، وَصَعِدَ الجَبَلَ فِي   (1) من بلاد خراسان بفتح أوله وثانيه، سميت بذلك لان الشجر كان حولها شيئا كثيرا، فلم يصل إليها جنود كسرى حتى قطعوه بالفأس. والطبر بالفارسية: الفأس، واستان: الشجر. انظر " الروض المعطار " ص 383. (2) انظر تفصيل ذلك في " تاريخ الطبري " 9 / 31 - 45، و" الكامل " 6 / 462 وما بعدها، وللبحتري من قصيدة يمدح بها أبا سعيد بن يوسف الثغري - وكان من قواد حميد الطوسي في حربه مع بابك الخرمي - في " ديوانه " 2 / 1256: لله درك يوم بابك فارسا * بطلا لابواب الحتوف قروعا حتى ظفرت ببذهم فتركته * للذل جانبه وكان منيعا وله فيه أيضا في " ديوانه " 1 / 9: ما زلت تقرع باب بابك بالقنا * وتزوره في غارة شعواء حتى أخذت بنصل سيفك عنوة * منه الذي أعيا على الخلفاء أخليت منه البذ وهي قراره * ونصبته علما بسامراء وانظر " ديوان أبي تمام " 2 / 18 و24 و34. (3) الشعراء: الأرض الكثيرة الشجر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 طُرُقٍ يَعْرِفُهَا، لاَ تُسْلَكُ (1) . وَكَانَ الأَفْشِينُ قَدْ رَتَّبَ الكُمَنَاءَ فِي المَضَايِقِ، فَنَجَا بَابَكُ، وَلَجَأَ إِلَى جِبَالِ أَرْمِيْنِيَةَ، فَلَقِيَهُ سَهْلٌ البَطْرِيْقُ، فَقَالَ: الطَّلَبُ وَرَاءَكَ، فَانزِلْ عِنْدِي. فَنَزَلَ، وَرَكَنَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ البَطْرِيقُ إِلَى الأَفْشِيْنِ بِذَلِكَ، فَجَاءَ فُرْسَانٌ، فَأَحَاطُوا بِهِ، وَأَخَذُوهُ. وَكَانَ المُعْتَصِمُ قَدْ جَعَلَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حَيّاً أَلفَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَلِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ أَلفَ أَلفٍ، فَأُعْطِيَ البَطْرِيقُ أَلفَ أَلفٍ، وَأُطْلِقَ لَهُ خَرَاجُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً (2) . وَقَالَ المَسْعُوْدِيُّ: هَرَبَ بَابَكُ بِأَخِيْهِ وَأَهلِهِ وَخَوَاصِّهِ فِي زِيِّ التُّجَّارِ، فَنَزَلَ بِأَرْضِ أَرْمِيْنِيَةَ بِعَمَلِ سَهْلِ بنِ سُنْبَاطٍ، فَابْتَاعُوا شَاةً مِنْ رَاعٍ، فَنَكِرَهُم، فَأَتَى سَهْلاً، فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابَكُ بِلاَ شَكٍّ. فَرَكِبَ فِي أَجْنَادِهِ، حَتَّى أَتَى بَابَكَ، فَتَرَجَّلَ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالمُلْكِ، وَقَالَ: قُمْ إِلَى قَصْرِكَ، فَأَنَا عَبْدُكَ. فَمَضَى مَعَهُ، وَمَدَّ السِّمَاطَ لَهُ، وَأَكَلَ مَعَهُ، فَقَالَ بَابَكُ: أَمِثْلُكَ يَأْكلُ مَعِي؟! فَوَقَفَ، وَاعْتَذَرَ، ثُمَّ أَحْضَرَ حَدَّاداً لِيُقَيِّدَهُ، فَقَالَ: أَغَدْراً يَا سَهْلُ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ، إِنَّمَا أَنْتَ رَاعِي بَقَرٍ. ثُمَّ قَيَّدَ أَتْبَاعَهُ، وَكَاتَبَ الأَفْشِيْنَ، فَجَهَّزَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَتَسَلَّمُوهُ، وَجَاءَ سَهْلٌ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ الأَفْشِيْنُ، وَبُعِثَتْ بِطَاقَةٌ بِذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ، فَضَجَّ النَّاسُ بِالتَّكْبِيْرِ وَالشُّكْرِ للهِ، ثُمَّ قَدِمُوا بِبَابَكَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ (3) . وَكَانَ المُعْتَصِمُ يَبْعَثُ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلْعَةٍ وَفَرَسٍ لِلأَفْشِيْنِ، وَمِنْ سُرُوْرِهِ بِذَلِكَ، رَتَّبَ البَرِيْدَ مِنْهُ إِلَى الأَفْشِيْنَ، فَكَانَ يَجِيْئُهُ الخَبَرُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ   (1) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 45 - 47، و" الكامل " 6 / 471، 472. (2) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 47 - 51 و54، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 472 - 473، و" البداية والنهاية " 10 / 283، 284. (3) " مروج الذهب " 7 / 124 - 132. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 مَسِيْرَةُ شَهْرٍ. ثُمَّ أَتى أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ مُتَنَكِّراً فِي اللَّيْلِ، فَشَاهدَ بَابَكَ، ثُمَّ أَعْلَمَ المُعْتَصِمَ، فَمَا صَبَرَ، وَأَتَاهُ مُتَنَكِّراً، فَتَأَمَّلَهُ (1) . وَكَانَ هَذَا الشَّقِيُّ ثِنْوِيّاً (2) ، عَلَى دِيْنِ مَانِي وَمَزْدَكَ، يَقُوْلُ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ، وَيَستَحِلُّ البِنْتَ وَأُمَّهَا (3) . وَقِيْلَ: كَانَ وَلَدَ زِنَىً، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَوْرَاءَ، يُقَالُ لَهَا: رُوْمِيَّةُ العِلْجَةُ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ مَزْدَكَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ زَنَى بِهَا، وَبَابَكُ مِنْهُ. وَقِيْلَ: كَانَتْ صُعْلُوكَةً مِنْ قُرَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَزَنَى بِهَا نَبَطِيٌّ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِبَابَكَ، فَرُبِّيَ بَابَكُ أَجِيْراً فِي القَريَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مِنَ الخُرَّمِيَّةِ لَهُم كَبِيْرَانِ: جَاوَنْدَانُ (4) وَعِمْرَانُ، فَتَفَرَّسَ جَاوَنْدَانُ النَّجَابَةَ (5) فِي بَابَكَ، فَاكْتَرَاهُ مِنْ أُمِّهِ، فَهَوِيَتْهُ زَوْجَةُ جَاوَنْدَانَ، وَأَطلَعَتْهُ عَلَى الأَسْرَارِ. ثُمَّ قُتِلَ زَوْجُهَا فِي مُحَاربَةٍ لابْنِ عَمِّهِ، فَزَعَمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا اسْتَخلَفَ بَابَكَ، فَصَدَّقَهَا الجَمِيْعُ. فَأَمرَهُم أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ وَجَدُوهُ فِي اللَّيْلِ، فَأَصبَحَ عِدَّةُ قَتْلَى، وَانضَافَ إِلَيْهِم كُلَّ شِرِّيرٍ وَقَاطعِ طَرِيْقٍ، وَصَارَ أَمرُ بَابَكَ إِلَى مَا صَارَ، وَكَانَتْ دَولَتُهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، بَلْ أَزْيَدَ، وَكَانَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ فَارِغِيْنَ مِنَ الدِّيْنِ، وَبَعْضُهُم زَنَادِقَةٌ، وَقَتَلُوا، وَسَبَوْا، وَأَخَذُوا الحُصُونَ (6) .   (1) " تاريخ الطبري " 9 / 52. (2) انظر " الملل والنحل " 1 / 244. (3) انظر " الوافي بالوفيات " 10 / 65، و" الفرق بين الفرق " ص 251، 252، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 328، و" الأنساب " للسمعاني 2 / 13. (4) في " الكامل " و" الوافي بالوفيات ": جاويدان. (5) في الأصل: " النجائر " وهو خطأ، وفي " الوافى بالوفيات ": " الجلادة ". (6) " الوافي بالوفيات " 10 / 62. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 نَعَمْ، وَأَمَرَ المُعْتَصِمُ، فَأُرْكِبَ بَابَكُ فِيلاً، وَأَلبَسَهُ الدِّيبَاجَ، وَقَلَنْسُوَةً كَبِيْرَةً مِنْ سَمُّورٍ، وَطَافُوا بِهِ، ثُمَّ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ، ثُمَّ ذُبِحَ، وَطِيفَ بِرَأْسِهِ بِسَامَرَّاءَ، ثُمَّ بُعِثَ بِأَخِيْهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَعُمِلَ بِهِ كَذَلِكَ (1) . وَيُقَالُ: كَانَ أَشْجَعَ مِنْ بَابَكَ، فَقَالَ: يَا بَابَكُ! قَدْ عَمِلْتَ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ أَحَدٌ، فَاصْبِرْ صَبراً لَمْ يَصْبِرْهُ أَحَدٌ. قَالَ: سَوفَ تَرَى. فَلَمَّا قَطَعُوا يَدَهُ، خَضَبَ صُوْرَتَهُ بِالدَّمِ، فَقَالَ المُعْتَصِمُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: إِنَّكَ أَمَرْتَ بِقَطعِ أَطْرَافِي، وَفِي نَفْسِكَ أَنْ لاَ تَكْوِيَهَا، فَيَنْزِفُ الدَّمُ، فَيَصْفَرُّ لَوْنِي، فَتَظُنُّونَهُ جَزَعاً مِنِّي. فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ أَفْعَالَهُ لاَ تُسَوِّغُ الصَّنِيعَةَ وَالعَفْوَ، لاَسْتَبْقَيْتُهُ، ثُمَّ أُحْرِقَ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَبَادَ مِنَ الأُمَّةِ خَلاَئِقَ. وَبِخَطِّ الإِمَامِ ابْنِ الصَّلاَحِ: أَنَّ قَتْلَى بَابَكَ بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَخَمْسَ مائَةِ أَلْفٍ (3) ، وَأُحْصِيَ قَتْلَى أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ فَبَلَغُوا أَلفَيْ أَلفٍ. وَفِيْهَا: التَقَى طَاغيَةُ الرُّوْمِ وَالأَفْشِيْنُ، فَهَزَمَهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ. وَخَرَّبَ المُعْتَصِمُ أَنْقِرَةَ، وَأَنْكَى فِي الرُّوْمِ. وَأَخَذَ عَمُّوْرِيَّةَ عَنْوَةً (4) ، وَأَوطَأَ الرُّوْمَ خَوْفاً وَذُلاًّ، وَأَخَذَ بِثَأْرِ الإِسْلاَمِ مِنَ الطَّاغِيَةِ تُوفِيلَ بنِ مِيْخَائِيْلَ، الَّذِي أَغَارَ عَلَى زِبَطْرَةَ وَمَلَطْيَةَ، فَدَخَلَ المُعْتَصِمُ الرُّوْمَ فِي مائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَأَزْيَدَ، حَتَّى لَقِيْلَ: كَانَ فِي خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ، وَصَمَّمَ عَلَى مُحَاصَرَةِ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ،   (1) " تاريخ الطبري " 9 / 52، 53، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 477، 478، و" الوافي بالوفيات " 10 / 62، 63. (2) " الوافي بالوفيات " 10 / 63 - 64. (3) " الوافي بالوفيات " 10 / 64. (4) انظر خبر فتح عمورية في " تاريخ الطبري 9 / 57 - 70، و" البداية والنهاية " 10 / 286 - 288، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 480 - 488. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 فَأَتَاهُ مَا أَزْعَجَهُ مِنْ خُرُوجِ العَبَّاسِ بنِ المَأْمُوْنِ عَلَيْهِ، فَظَفِرَ بِالعَبَّاسِ. وَكَانَ العَبَّاسُ بَدِيْعَ الحُسْنِ، وَكَانَ بَلِيْداً، غَزَا فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ الرُّوْمَ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ، وَذَهَبَتْ مِنْهُ الخِلاَفَةُ بِغَيْبَتِهِ، ثُمَّ نَخَّاهُ عُجَيْفٌ، وَشَجَّعَهُ عَلَى الخُرُوجِ، وَوَافَقَهُ عِدَّةُ أُمرَاءَ، وَعَرَفَ المُعْتَصِمُ، فَأَخَذَ العَبَّاسَ. فَقِيْلَ: غَمَّهُ بِكِسَاءٍ حَتَّى تَلِفَ بِمَنْبِجَ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ المَأْمُوْنُ، فَرَوَى يَحْيَى حَدِيْثاً فِي النَّظَرِ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: اتَّقِ اللهَ، فَهَذَا الحَدِيْثُ كَذِبٌ. وَلَمَّا عَظُمَ الأَفْشِيْنُ بِاسْتِئْصَالِهِ لِبَابَكَ، طَلَبَ نِيَابَةَ خُرَاسَانَ، وَبَلَغَهُ خُرُوْجُ المَازَيَارَ، وَمُحَارَبَتُهُ لابْنِ طَاهِرٍ، فَدَسَّ مَنِ اسْتَمَالَهُ لَهُ، وَقَوَّى عَزْمَهُ، وَخَرَّبَ المَازَيَارُ البِلاَدَ، وَقَتَلَ، وَعَسَفَ. ثُمَّ جَهَّزَ المُعْتَصِمُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ الأَفْشِيْنَ لِحَرْبِهِ، وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ جَيْشاً، عَلَيْهِم عَمُّهُ لِحَرْبِهِ أَيْضاً، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ يَطُوْلُ بَسْطُهَا، وَقُتِلَ المَازَيَارُ (2) . وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ: قَبَضَ المُعْتَصِمُ عَلَى الأَفْشِيْنِ، وَكَانَ عَدُوّاً لابْنِ طَاهِرٍ، وَابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَعَقَرَاهُ، وَأَلْقَيَا فِي ذِهْنِ المُعْتَصِمِ أَنَّهُ يُرِيْدُ قَتْلَكَ، فَتَهَدَّدَ كَاتِبَهُ، فَاعْتَرَفَ، وَقَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى المَازَيَارِ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ، وَجَيْشُ الخَلِيْفَةِ عِنْدَ ابْنِ طَاهِرٍ، وَمَا عِنْدَ الخَلِيْفَةِ سِوَايَ، فَإِنْ هَزَمْتَ ابْنَ طَاهِرٍ، كَفَيْتُكَ المُعْتَصِمَ، وَيَخْلُصُ لَنَا الدِّينُ الأَبْيَضُ -يَعْنِي:   (1) " تاريخ الطبري " 9 / 71 - 77، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 489 - 439. (2) انظر خبره في " تاريخ الطبري " 9 / 80 - 84، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 495. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 المَجُوْسِيَّةَ- وَكَانَ يُتَّهَمُ بِهَا. فَوَهَبَ المُعْتَصِمُ لِلْكَاتِبِ ذَهَباً، وَقَالَ: إِنْ نَطَقْتَ، قَتَلْتُكَ (1) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقْلَقُ، وَقَالَ لِي: رَجُلٌ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ أَلْفَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَيُرِيْدُ قَتْلِي؟! قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَخُذْهَا، فَفَرِّقْهَا (2) . وَكَانَ الأَفْشِيْنُ قَدْ بَعَثَ أَمْوَالاً لَهُ إِلَى أُشْرُوْسَنَةَ (3) ، وَهَمَّ بِالهَرَبِ إِلَيْهَا، ثُمَّ هَيَّأَ دَعْوَةً لِيَسُمَّ فِيْهَا المُعْتَصِمَ وَقُوَّادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِئْ، سَمَّ القُوَّادَ، وَيَذْهَبُ إِلَى أَرْمِيْنِيَةَ، وَمِنْهَا إِلَى أُشْرُوْسَنَةَ، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ المُعْتَصِمُ، وَعَلَى ابْنِهِ حَسَنٍ، وَأُتِيَ بِالمَازَيَارِ أَسِيْراً (4) . فَقِيْلَ: أُحْضِرَ هُوَ، وَالأَفْشِيْنُ، وَمُوْبِذُ مَلِكُ السُّغْدِ، وَمَرْزُبَانُ عِنْدَ المُعْتَصِمِ، فَأُحْضِرَ اثْنَانِ، فَعُرِّيَا، فَإِذَا أَجْنَابُهُمَا عَرِيَّةٌ مِنَ اللَّحْمِ. فَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلأَفْشِيْنِ: يَا حَيْدَرُ، تَعْرِفُهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا مُؤَذِّنٌ وَهَذَا إِمَامٌ، بَنَيَا مَسْجِداً بِأُشْرُوْسَنَةَ، ضَرَبْتُهُمَا أَلْفَ سَوْطٍ، لأَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ مُلُوْكِ السُّغْدِ عَهْداً أَنْ أَتْرُكَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دِيْنِهِم، فَوَثَبَ هَذَانِ عَلَى بَيْتِ أَصْنَامِ أُشْرُوْسَنَةَ، فَرَمَيَا الأَصْنَامَ، وَعَمِلاَهُ مَسْجِداً، فَضَرَبْتُهُمَا. قَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: فَمَا كِتَابٌ قَدْ زَيَّنْتَهُ بِالذَّهَبِ وَالجَوَاهِرِ فِيْهِ الكُفْرُ؟ قَالَ: كِتَابٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي، فِيْهِ آدَابٌ وَحِكَمٌ لِلأَكَاسِرَةِ، فَآخُذُ مِنْهُ الأَدَبَ،   (1) " عيون التواريخ " 8 / لوحة 103. (2) " عيون التواريخ " 8 / لوحة 103. (3) هي بلدة كبيرة بما وراء النهر بين سيحون وسمرقند انظر " معجم البلدان " 1 / 197. (4) انظر خبر غضب المعتصم على الافشين في " تاريخ الطبري " 9 / 104 - 110، و" الكامل " 6 / 510 - 516. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 وَأَدَعُ مَا سِوَاهُ، مِثْلَ كِتَابِ (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ) . فَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلْمُوْبِذِ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ المَخْنُوْقَةَ، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَكْلِهَا، وَيَقُوْلُ: لَحْمُهَا أَرْطَبُ. وَقَالَ لِي: إِنِّيْ دَخَلْتُ لِهَؤُلاَءِ فِي كُلِّ مَا أَكْرَهُ حَتَّى أَكَلْتُ الزَّيْتَ، وَرَكِبْتُ الجَمَلَ، وَلَبِسْتُ النَّعْلَ، غَيْرَ أَنِّي مَا حَلَقْتُ عَانَتِي قَطُّ، وَلَمْ يَخْتَتِنْ - وَكَانَ المُوْبِذُ مَجُوْسِيّاً، وَأَسْلَمَ بَعْدُ -. قَالَ الأَفْشِيْنُ: خَبِّرُوْنِي عَنْ هَذَا المُتَكَلِّمِ، أَثِقَةٌ هُوَ فِي دِيْنِهِ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ تُصَدِّقُوْنَهُ؟ فَقَامَ المَرْزُبَانُ، فَقَالَ: يَا أَفْشِيْنُ، كَيْفَ يَكْتُبُ إِلَيْكَ أَهْلُ مَمْلَكَتِكَ؟ قَالَ: كَمَا يَكْتُبُوْنَ إِلَى آبَائِي: إِلَى الإِلِهِ مِنْ عَبْدِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: فَمَا أَبْقَيْتَ لِفِرْعَوْنَ؟ قَالَ: خِفْتُ فَسَادَهُمْ بِتَغْيِيْرِ العَادَةِ. قَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُصْعَبِيُّ: كَيْفَ تَحْلِفُ فَنُصَدِّقَكَ، وَأَنْتَ تَدَّعِي مَا يَدَّعِي فِرْعَوْنُ؟ قَالَ: يَا إِسْحَاقُ، هَذِهِ سُوْرَةٌ قَرَأَهَا عُجَيْفٌ عَلَى عَلِيِّ بنِ هِشَامٍ، وَأَنْتَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ، فَانْظُرْ مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ مَازَيَارُ، فَقِيْلَ: أَتَعرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: هَلْ كَاتَبْتَهُ؟ قَالَ: لاَ. فَقَالُوا لِلْمَازَيَارِ: أَكَتَبَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَخُوْهُ عَلَى لِسَانِه: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْصُرُ هَذَا الدِّيْنَ الأَبْيَضَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ وَغَيْرُ بَابَكَ، فَأَمَّا بَابَكُ فَبِحُمْقِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَالَفْتَ، لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيْفَةِ مَنْ يَرَى لِقِتَالِكَ غَيْرِي وَمَعِيَ الفُرْسَانُ وَأَهْلُ النَّجْدَةِ وَالبَأْسِ، فَإِنْ وُجِّهْتُ إِلَيْكَ، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُحَارِبُنَا إِلاَّ العَرَبُ وَالمَغَارِبَةُ وَالأَترَاكُ، فَأَمَّا العَرَبِيُّ فَمَنْزِلتُهُ كَكَلْبٍ أَطْرَحُ لَهُ كِسْرَةً، ثُمَّ أَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالدَّبُّوسِ، وَهَؤُلاَءِ الذِّئَابُ -يَعْنِي: المَغَارِبَةَ- فَأَكْلَةُ رَأْسٍ، وَأَمَّا التُّرْكِيُّ فإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ وَتَنْفَدُ سِهَامُهُم، ثُمَّ تَجُولُ عَلَيْهِمُ الخَيْلُ جَولَةً، وَيَعُودُ الدِّيْنُ إِلَى مَا كَانَ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 فَقَالَ الأَفْشِيْنُ: هَذَا يَدَّعِي عَلَى أَخِي، وَلَوْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ بِهَذَا إِلَيْهِ لأَخْدَعَهُ، لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ، وَكُنْتُ آخُذُ بِرَقَبَتِهِ. فَزَجَرَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَقَالَ: أَخَتِيْنٌ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: خِفْتُ التَّلَفَ. قَالَ: أَنْتَ تَلْقَى الحُرُوبَ وَتَخَافُ مِنْ قِطْعَةِ قُلْفَةٍ؟ قَالَ: تِلْكَ ضَرُورَةٌ أَصْبِرُ عَلَيْهَا، وَتِلْكَ القُلْفَةُ لاَ أَخْرُجُ بِهَا مِنَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ بَانَ لَكُم أَمرُهُ (1) . وَفِيْهَا: سَقَطَتْ أَكْثَرُ الأَهْوَازِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ، وَدَامَتْ أَيَّاماً (2) . وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: وَقَعَ بَرَدٌ كَالبَيْضِ مِنَ السَّمَاءِ، قَتَلَ ثَلاَثَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ نَفْساً. وَمُنِعَ الأَفْشِيْنُ المَذْكُوْرُ مِنَ الطَّعَامِ، حَتَّى هَلَكَ، ثُمَّ صُلِبَ مَيْتاً، وَأُحْرِقَ مَعَ أَصْنَامٍ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ أَوْلاَدِ الأَكَاسِرَةِ، وَكَانَ أَكْبَرَ الدَّوْلَةِ (3) . وَأَمَّا المَازَيَارُ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ قَارِنٍ، فَظَالِمٌ، غَاشِمٌ، جَبَّارٌ، ظَهَرَ بِطَبَرِسْتَانَ، وَحَارَبَ عَسْكَرَ المُعْتَصِمِ، ثُمَّ أُسِرَ، فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ، وَصُلِبَ، وَتَرَكَ أَمْوَالاً لاَ تَنْحَصِرُ (4) . وَفِي سَنَةِ (227) : ظَهَرَ أَبُو حَرْبٍ المُبَرْقَعُ بِفِلَسْطِيْنَ! وَزَعَمَ أَنَّهُ   (1) انظر هذه المناظرة في " تاريخ الطبري " 9 / 107 - 110، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 513 - 516، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 103 - 107 (2) " عيون التواريخ " 8 / لوحة 107. (3) " تاريخ الطبري " 9 / 111، و" الكامل " 6 / 517، وانظر قصيدة أبي تمام التي مدح بها المعتصم، ومطلعها: الحق أبلج والسيوف عوار * فحذار من أسد العرين حذار وهي في " ديوانه " 2 / 198 - 209 بشرح التبريزي. (4) انظر " الوافي بالوفيات " 4 / 337، 338، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 108. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301 السُّفْيَانِيُّ، وَدَعَا إِلَى إِقَامَةِ الحَقِّ، وَكَانَ قَتَلَ جُنْدِيّاً أَذَى زَوْجَتَهُ، ثُمَّ أَلْبَسَ وَجْهَهُ بُرْقُعاً، وَأَقَامَ بِالغَوْرِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ البَرِّ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ أَمِيْرُ دِمَشْقَ رَجَاءُ الحَصَّارِيُّ فِي أَلفِ فَارِسٍ، فَوَجَدَهُ فِي زُهَاءِ مائَةِ أَلْفٍ، فَهَابَهُ، فَلَمَّا جَاءَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ، تَفَرَّقُوا، حَتَّى بَقِيَ فِي نَحْوِ أَلْفَيْنِ، فَالتَقَوْا، وَكَانَ المُبَرْقَعُ شُجَاعاً مِقْدَاماً، فَحَمَلَ عَلَى الجَيْشِ، فَأَفْرَجُوا، فَأَحَاطُوا بِهِ، فَأَسَرُوهُ، وَسُجِنَ، فَمَاتَ (1) . قَالَ ابْنُ عَائِذٍ: وَاقَعَ رَجَاءُ أَهْلَ المَرْجِ، وَجِسْرِيْنَ، وَكَفْرَ بَطْنَا، وَسَقْبَا (2) ، وَقُتِلَ خَلْقٌ. وَقِيْلَ: بَيَّتَ أَهْلَ كَفْرَ بَطْنَا، فَقَتَلَ أَزْيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَقَتَلَ الأَطفَالَ، وَقُتِلَ مِنَ الجُنْدِ ثَلاَثُ مائَةٍ. قَالَ نِفْطَوَيْه: يُقَالُ لِلْمُعْتَصِمِ: المُثَمَّنُ، فَإِنَّهُ ثَامِنُ بَنِي العَبَّاسِ، وَتَمَلَّكَ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ. وَلَهُ فُتُوْحَاتٌ ثَمَانِيَةٌ: بَابَكُ، وَعَمُّوْرِيَّةُ، وَالزُّطُّ، وَبَحْرُ البَصْرَةِ، وَقَلْعَةُ الأَجْرَافِ، وَعَرَبُ دِيَارِ رَبِيْعَةَ، وَالشَّارِي، وَفَتْحُ مِصْرَ -يَعْنِي: قَهَرَ أَهْلَهَا- قَبْلَ خِلاَفَتِهِ. وَقَتَلَ ثَمَانِيَةً: بَابَكَ، وَالأَفْشِيْنَ، وَمَازَيَارَ، وَبَاطِيْسَ، وَرَئِيْسَ الزَّنَادِقَةِ، وَعُجَيْفاً، وَقَارُوْنَ، وَأَمِيْرَ الرَّافِضَةِ (3) . وَقَالَ غَيْرُ نِفْطَوَيْه: خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَثَمَانِيْنَ أَلْفَ فَرَسٍ، وثَمَانِيَةَ آلاَفِ مَمْلُوْكٍ، وثَمَانِيَةَ   (1) " تاريخ الطبري " 9 / 116 - 118، و" الكامل " 6 / 522، 523، و" عيون التواريخ 8 / لوحة 117، 118. (2) وهي قرى من غوطة دمشق الشرقية. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 343، و" العبر " 1 / 401، و" الوافي بالوفيات " 5 / 140. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 آلاَفِ جَارِيَةٍ، وَبَنَى ثَمَانِيَةَ قُصُوْرٍ. وَقِيْلَ: بَلَغَ مَمَالِيْكُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَكَانَ ذَا سَطْوَةٍ إِذَا غَضِبَ، لاَ يُبَالِي مَنْ قَتَلَ (1) . قَالَ إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ قَيِّنَةٌ تُغَنِّي، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قُلْتُ: تَقْهَرُ الغِنَاءَ بِرِفْقٍ، وَتُجِيْلُهُ بِرِفْقٍ، وَتَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَفِي صَوْتِهَا شَجاً وَشُذُوْرٌ أَحْسَنُ مِنْ دُرٍّ عَلَى نُحُوْرٍ. فَقَالَ: وَصْفُكَ لَهَا أَحْسَنُ، خُذْهَا لَكَ. فَامْتَنَعْتُ لِعِلْمِي بِمَحَبَّتِهِ لَهَا، فَأَعْطَانِي مِقْدَارَ قِيْمَتِهَا (2) . قِيْلَ: لَمَّا تَجَهَّزَ لِغَزْوِ عَمُّوْرِيَّةَ، زَعَمَ المُنَجِّمُوْنَ أَنَّهُ طَالِعُ نَحْسٍ وَيُكْسَرُ، فَانْتَصَرَ، فَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ تِلْكَ القَصِيْدَةَ (3) : السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ ... فِي حَدِّهِ الحَدُّ بَيْنَ الجَدِّ وَاللَّعِبِ (4) وَالعِلْمُ فِي شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً ... بَيْنَ الخَمِيْسَيْنِ لاَ فِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ   (1) " فوات الوفيات " 4 / 48، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 119، والعبر 1 / 401، 402. (2) " تاريخ الطبري " 9 / 122. (3) وتعد من أجود قصائده، وتقع في واحد وسبعين بيتا، وفيها يقول: يا يوم وقعة عمورية انصرفت * عنك المنى حفلا معسولة الحلب أبقيت جد بني الإسلام في صعد * والمشركين ودار الشرك في صبب وكان فتح عمورية سنة 223 هـ وهي من أعظم بلاد الروم في آسيا الصغرى. انظر " ديوان أبي تمام " 1 / 40 - 74 بشرح التبريزي. (4) وبعده في " الديوان ": بيض الصفائح لا سود الصحائف في * متونهن جلاء الشك والريب (5) قال التبريزي: يرد على المنجمين ما حكموا به، لان الظفر كان بعد حكمهم، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 أَيْنَ الرِّوَايَةُ؟ أَمْ أَيْنَ النُّجُوْمُ وَمَا ... صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فِيْهَا وَمِنْ كَذِبِ (1) ؟ تَخَرُّصاً وَأَحَادِيْثاً مُلَفَّقَةً ... لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ وَلاَ غَرَبِ (2) عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: كَانَ المُعْتَصِمُ يُخْرِجُ إِلَيَّ سَاعِدَهُ، وَيَقُوْلُ: عَضَّهُ بِأَكْبَرِ قُوَّتِكَ. فَأَقُوْلُ: مَا تَطِيْبُ نَفْسِي. فَيَقُوْلُ: لاَ يَضُرُّنِي. فَأَرُوْمُ ذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ لاَ تَعْمَلُ فِيْهِ الأَسِنَّةُ، فَضْلاً عَنِ الأَسنَانِ. وَقَبَضَ عَلَى جُنْدِيٍّ ظَالِمٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عِظَامِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَسَقَطَ (3) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَذَكَرَ المُعْتَصِمَ، فَبَالَغَ، وَقَالَ: كُنْتُ أُزَامِلُهُ فِي سَفَرِهِ، وَوَصَفَ سَعَةَ أَخْلاَقِهِ (4) .   = ويعني ب " شهب الا رماح ": أسنتها، وب " السبعة الشهب ": الطوالع التي أرفعها زحل، وأدناها القمر. وقوله: " لامعة " نصب على الحال من " شهب الا رماح ". والخميسان: الجيشان. (1) أصل الزخرف: ما يعجبك من متاع الدنيا، وربما خص به الذهب، ويقال للقول المحسن المكذوب: زخرف، لأنه حسن ليغر. (2) التخرص: التكذب وافتراء القول. و" ملفقة " أي: ضم بعضها إلى بعض، وليست من شكل واحد. و" النبع ": شجر صلب ينبت في رؤوس الجبال، وتتخذ منه القسي، وإذا وصف الرجل بالجلادة والصبر شبه بالنبع، أي: أنه صلب لا يقدر على كسره، ومن أمثالهم: " النبع يقرع بعضه بعضا " يضرب مثلا للقوم الاشداء يبلون بمثلهم في الشدة. و" الغرب ": شجر ينبت على الانهار ليس له قوة. يقول: هذه الأحاديث ليست بقوية ولا ضعيفة، أي: غير شيء، كما يقال: ما هو بخل ولا خمر، أي: هو كالمعدوم ليس عنده خير ولا شر. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 346، و" الوافي بالوفيات " 5 / 140، و" فوات الوفيات " 4 / 49، وفيها أن هذا الجندي أخذ ابنا لامرأة، فأمره برده، فامتنع، فقبض عليه. (4) انظر ما وصفه به في " تاريخ بغداد " 3 / 345. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 قَالَ الخَطِيْبُ: كَثُرَ عَسْكَرُ المُعْتَصِمِ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم بَغْدَادُ، فَبَنَى مَدِيْنَةَ (سُرَّ مَنْ رَأَى) ، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهَا. وَتُسمَّى أَيْضاً: العَسْكَرَ (1) . وَقِيْلَ: كَانَ عَلِيْقُ دَوَابِّ المُعْتَصِمِ خَمْسِيْنَ أَلْفَ مِخْلاَةٍ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوْتُوا، أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} [الأَنْعَامُ: 44] . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: جَعَلَ المُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: ذَهَبَتِ الحِيلَةُ، فَلَيْسَ حِيْلَةً حَتَّى صَمَتَ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: أُوْخَذُ وَحْدِي مِنْ بَيْنِ هَذَا الخَلْقِ. وَلَهُ نَظْمٌ وَسَطٌ (4) ، وَكَلِمَاتٌ جَيِّدَةٌ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ جَعَلَ زَنْدَ رَجُلٍ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، فَكَسَرَهُ (5) . قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: عَاقِلٌ عَاقِلٌ مَرَّتَينِ أَحْمَقُ.   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 346، و" فوات الوفيات " 4 / 49. ويقال: إن السبب في بنائها أن المعتصم أمر أبا الوزير أحمد بن خالد الكاتب أن يأخذ مالا، ويشتري به في هذه الناحية (أي: ناحية سامراء) موضعا يبني فيه مدينة، وقال له: إني أتخوف أن يصيح هؤلاء الحربية صيحة، فيقتلوا غلماني، فإذا ابتعت لي هذا الموضع كنت فوقهم، فإن رابني رائب أتيتهم في البر والبحر، حتى آتي عليهم، فاشترى أبو الوزير الموضع، وخرج المعتصم في آخر سنة 220 حتى نزل القاطول، وبدأ بالبناء سنة 221، وما زالت تعمر حتى أصبحت من أعظم الحواضر الإسلامية أيام المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر، ثم بدأت في التناقص منذ خلافة المستعين حتى ولي الخلافة المعتضد، فتركها إلى بغداد، وبدأ الخراب يزحف نحوها. انظر " معجم البلدان " 3 / 174 - 178. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 346، و" فوات الوفيات " 4 / 49. (3) انظر " فوات الوفيات " 4 / 49. (4) انظر شيئا من نظمه في " فوات الوفيات " 4 / 49، 50. (5) " فوات الوفيات " 4 / 49، و" الوافي بالوفيات " 5 / 140. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 قَالَ إِسْحَاقُ المُصْعَبِيُّ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ المُعْتَصِمِ رَجُلاً، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يُمْلِي كِتَاباً، وَيَقْرَأُ كِتَاباً، وَيعْقِدُ بِيَدِهِ، وَإِنَّهُ لَيُنْشِدُ شِعْراً يَتَمَثَّلُ بِهِ. مَاتَ المُعْتَصِمُ: يَوْمَ الخَمِيْسِ، لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَ (بِسُرَّ مَنْ رَأَى) ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الوَاثِقُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِي، وَلاَ أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِكَ، وَأَرْجُوْكَ مِنْ قِبَلِكَ، وَلاَ أَرْجُوْكَ مِن قِبَلِي (1) . وَلْنَذْكُرْ مَعَهُ ابْنَهُ الوَاثِقَ. وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ أَيْضاً: جَعْفَرٌ المُتَوَكِّلُ، وَالعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَسُلَيْمَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَفَاطِمَةُ، وَأُمُّ القَاسِمِ، وَأُمُّ العَبَّاسِ، وَأُمُّ مُوْسَى، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ الفَضْلِ، وَأُمُّ مُحَمَّدٍ، وَأُمُّ عِيْسَى، وَأُمُّ مُوْسَى، وَأُمُّ أَبِيْهَا، وَأُمُّ عَبْدِ اللهِ. 74 - الوَاثِقُ بِاللهِ هَارُوْنُ ابْنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ هَارُوْنُ ابْنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ أَبِي إِسْحَاقَ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ ابْنِ المَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بنِ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ. وَأُمُّهُ: رُوْمِيَّةٌ اسْمُهَا (قَرَاطِيْسُ (2)) ، أَدْرَكْتْ خِلاَفَتَهُ.   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 346. (*) تاريخ اليعقوبي 3 / 204، تاريخ الطبري 9 / 123، مروج الذهب للمسعودي 7 / 145، الاغاني 9 / 276 - 300، تاريخ بغداد 14 / 15، الكامل في التاريخ 6 / 528، النبراس لابن دحية: 73 - 80، فوات الوفيات 4 / 228 - 230، تاريخ الخلفاء: 367، تاريخ الخميس 2 / 337. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 16، و" مروج الذهب " 7 / 145، و" فوات الوفيات " 4 / 228، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 118. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 وَلِيَ الأَمْرَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ، فِي سَنَةِ (227) . وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: مَا أَحسَنَ أَحَدٌ إِلَى الطَّالِبِيِّيْنَ مَا أَحسَنَ إِلَيْهِمُ الوَاثِقُ! مَا مَاتَ وَفِيْهِم فَقِيْرٌ (1) . وَقَالَ حَمْدُوْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كَانَ الوَاثِقُ مَلِيْحَ الشِّعْرِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَوْلَىً أَهدَاهُ لَهُ مِنْ مِصْرَ شَخْصٌ، فَأَغْضَبَهُ، فَحَرِدَ، حَتَّى قَالَ لِبَعْضِ الخَدَمِ: وَاللهِ إِنَّ مَوْلاَيَ لَيَرُومُ أَنْ أُكَلِّمَهُ مِنْ أَمْسِ، فَمَا أَفْعَلُ، فَعَمِلَ الوَاثِقُ: يَا ذَا الَّذِي بِعَذَابِي ظَلَّ مُفْتَخِرَا ... مَا أَنْتَ إِلاَّ مَلِيْكٌ جَارَ إِذْ قَدَرَا لَوْلاَ الهَوَى لَتَجَازَيْنَا عَلَى قَدَرٍ ... وَإِنْ أُفِقْ مِنْهُ يَوْماً مَا فَسَوْفَ تَرَى (2) قَالَ الخَطِيْبُ: اسْتَولَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَى الوَاثِقِ، وَحَمَلَهُ عَلَى التَّشَدُّدِ فِي المِحْنَةِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى خَلْقِ القُرْآنِ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبَيْلَ مَوْتِهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: حُمِلَ رَجُلٌ مُقَيَّدٌ، فَأُدْخِلَ عَلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ بِحُضُوْرِ الوَاثِقِ، فَقَالَ لأَحْمَدَ:   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 19، و" فوات الوفيات " 4 / 225، و" تاريخ الخلفاء " ص 342. (2) البيتان في " الاغاني " 9 / 297، و" فوات الوفيات " 4 / 229، و" تاريخ الخلفاء " ص 368. وفي الأصل: " جاد " بالدال بدل " جار " وهو خطأ. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 19، و" فوات الوفيات " 4 / 229. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 أَخْبِرْنِي عَنْ مَا دَعَوْتُمُ النَّاسَ إِلَيْهِ، أَعَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا دَعَا إِلَيْهِ، أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ؟ قَالَ: بَلْ عَلِمَهُ. قَالَ: فَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَأَنْتُم لاَ يَسَعُكُم؟! فَبُهِتُوا، وَضَحِكَ الوَاثِقُ، وَقَامَ قَابِضاً عَلَى فَمِهِ، وَدَخَلَ مَجْلِساً، وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَمرٌ وَسِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ، وَلاَ يَسَعُنَا! ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى الشَّيْخُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَنَّ يُرَدَّ إِلَى بَلَدِهِ (1) . وَعَنْ طَاهِرِ بنِ خَلَفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ بنِ الوَاثِقِ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، أَحْضَرَنَا. قَالَ: فَأُتِي بِشَيْخٍ مَخْضُوْبٍ مُقَيَّدٍ، فَقَالَ أَبِي: ائِذَنُوا لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِهِ. وَأُدْخِلَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ. قَالَ: بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ الله -تَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحَيَّةٍ، فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا، أَوْ رُدُّوْهَا} [النِّسَاءُ: 86] . فَقَالَ أَحْمَدُ: الرَّجُلُ مُتَكَلِّمٌ. قَالَ: كَلِّمْهُ. فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: لَمْ تُنْصِفْنِي وَلِيَ السُّؤَالُ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قَالَ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالخُلَفَاءُ، أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟ فَقَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ وَعَلِمْتَهُ أَنْتَ؟! فَخَجِلَ، وَقَالَ: أَقِلْنِي. قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قَالَ: شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ: عَلِمَهُ. قَالَ: أَعَلِمَهُ وَلَمْ يَدْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَسِعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُ، وَوَسِعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَهُ؟ فَقَامَ الوَاثِقُ، فَدَخَلَ الخَلْوَةَ،   (1) " فوات الوفيات " 4 / 229، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 168، و" تاريخ الخلفاء " ص 368. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 وَاسْتَلقَى وَهُوَ يَقُوْلُ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ، وَلاَ عُمَرُ، وَلاَ عُثْمَانُ، وَلاَ عَلِيٌّ، عَلِمْتَهُ أَنْتَ! سُبْحَانَ اللهِ، عَرَفُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا إِلَيْهِ النَّاسَ! فَهَلاَّ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم! ثُمَّ أَمرَ بِرَفْعِ قَيْدِ الشَّيْخِ، وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَلَمْ يَمْتَحِنْ بَعْدَهَا أَحَداً. فِي إِسْنَادِهَا مَجَاهِيْلُ، فَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا. وَرَوَى نَحْواً مِنْهَا: أَحْمَدُ بنُ السِّنْدِيِّ الحَدَّادُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُمْتَنِعِ، عَنْ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيِّ، عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ. قَالَ صَالِحٌ: حَضَرْتُهُ وَقَدْ جَلَسَ، وَالقِصَصُ تُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِالتَّوقِيْعِ عَلَيْهَا، فَسَرَّنِي ذَلِكَ، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَفَطِنَ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضَضْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَقَالَ لِي: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُحِبُّ أَنْ تَقُوْلَهُ. فَلَمَّا انْفَضَّ المَجْلِسُ، أُدخِلْتُ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ: تَقُوْلُ مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ، أَوْ أَقُوْلُهُ لَكَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا تَرَى؟ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّهُ قَدِ اسْتَحسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِكَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيْفَتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟ قَالَ: فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِيْنَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟! فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَطْرَقَ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعْ، فَوَاللهِ لَتَسْمَعَنَّ الحَقَّ. فَسُرِّيَ عَنِّي، وَقُلْتُ: وَمَنْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكَ وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالَمِيْنَ (1) ؟! قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أَيَّامِ الوَاثِقِ حَتَّى أَقْدَمَ شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ، فَأُدْخِلَ مُقَيَّداً، وَهُوَ شَيْخٌ جَمِيْلٌ، حَسَنُ الشَّيبَةِ، فَرَأَيْتُ الوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَا مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهِ حَتَّى قَرُبَ   (1) الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يعطوا هذا اللقب لأبي بكر الصديق، وهو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قالوا له: يا خليفة رسول الله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 مِنْهُ، وَجَلَسَ، فَقَالَ: نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ يَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ؟! قَالَ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، وَائْذَنْ لِي، وَاحْفَظْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّيْنِ، فَلاَ يَكُوْنُ الدِّيْنُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ بَعَثَهُ اللهُ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أُمِرَ بِهِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَدَعَا إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَاحِدَةٌ. قَالَ الوَاثِقُ: وَاحِدَةٌ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ -تَعَالَى- حِيْنَ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ} [المَائِدَةُ: 3] ، أَكَانَ اللهُ هُوَ الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِيْنِنَا، أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالَتِكَ؟ فَسَكَتَ أَحْمَدُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: اثْنَتَانِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ، أَمْ جَهِلَهَا؟ قَالَ: عَلِمَهَا. قَالَ: فَدَعَا إِلَيْهَا؟ فَسَكَتَ. قَالَ الشَّيْخُ: ثَلاَثَةٌ. ثُمَّ قَالَ: فَاَتَّسَعَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمْسِكَ عَنْهَا، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاتَّسَعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَدَّمْتُ القَوْلَ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ لَمْ يتَّسِعْ لَكَ مِنَ الإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ مَا زَعَمَ هَذَا أَنَّهُ اتَّسَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْكَ. قَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ، كَذَا هُوَ، اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ. فَلَمَّا قَطَعُوْهُ، ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَهُ، فَقَالَ الوَاثِقُ: لِمَ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: لأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أُوْصِيَ أَنْ يُجْعَلَ مَعِيَ فِي كَفَنِي لأُخَاصِمَ هَذَا بِهِ عِنْدَ اللهِ. ثُمَّ بَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ، وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَأَلَهُ الوَاثِقُ أَنْ يُحَالَّهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ. فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا. ثُمَّ قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظُنُّ الوَاثِقَ رَجَعَ عَنْهَا فِي يَوْمَئِذٍ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ: أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَبْيَضَ، تَعْلُوْهُ صُفْرَةٌ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، فِي عَيْنِهِ نُكْتَةٌ (2) . قُلْتُ: وَكَانَ وَافِرَ الأَدَبِ. قِيْلَ: إِنَّ جَارِيَةً غَنَّتْهُ شِعْرَ العَرْجِيِّ (3) : أَظَلُوْمُ إِنَّ مُصَابَكُم رَجُلاً ... رَدَّ السَّلاَمَ تَحِيَّةً ظُلْمُ فَمَنِ الحَاضِرِيْنَ مَنْ صَوَّبَ نَصْبَ (رَجُلاً) ، وَمِنْهُم مَنْ رَفَعَ. فَقَالَتْ: هَكَذَا لَقَّنَنِي المَازِنِيُّ. فَطَلَبَ المَازِنِيَّ، فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: مِمَّن الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ مَازِنٍ. قَالَ: أَيُّ المَوَازِنِ؛ أَمَازِنُ تَمِيْمٍ؟ أَمْ مَازِنُ قَيْسٍ؟ أُم مَازِنُ رَبِيْعَةَ؟ قُلْتُ: مَازِنُ رَبِيْعَةَ. فَكَلَّمَنِي حِيْنَئِذٍ بِلُغَةِ قَوْمِي. فَقَالَ: با اسْمُكَ؟ - لأَنَّهُم يَقْلِبُوْنَ المِيمَ باءً، وَالبَاءَ مِيماً - فَكَرِهْتُ أَنْ أُوَاجِهَهُ بِـ (مكر) . فَقُلْتُ: بَكْرٌ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَفَطِنَ لَهَا، وَأَعْجَبَتْه، قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي هَذَا البَيْتِ؟ قُلْتُ: الوَجْهُ النَّصْبُ، لأَنَّ (مُصَابَكُم) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى: (إِصَابَتِكُم) ، فَعَارَضَنِي ابْنُ اليَزِيْدِيِّ. قُلْتُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ إِنَّ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 18، و" فوات الوفيات " 4 / 229. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 21، و" فوات الوفيات " 4 / 228. (3) وكذا نسبه ابن خلكان 1 / 284، والحريري في " درة الغواص ": 43 إلى العرجي، وهو في " ديوانه ": 193، ونسبه صاحب " الاغاني " 9 / 234 إلى الحارث بن خالد المخزومي، ونقله عنه ياقوت في " معجم الأدباء " 7 / 111، وقال الصلاح الصفدي في " الوافي " 10 / 212 بعد أن نقل نسبته إلى العرجي عن المبرد: وقال آخرون - وهو الصحيح -: إنه للحارث بن خالد المخزومي من أبيات أولها: أقوى من ال ظليمة الحزم * فالعنزتان فأوحش الخطم وبعد البيت المذكور: أقصيته وأراد سلمكم * فليهنه إذ جاءك السلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 ضَرْبَكَ زَيْداً ظُلْمٌ، فَالرَّجُلُ مَفْعُوْلُ (مُصَابَكُم) ، والكَلاَمُ مُعَلَّقٌ إِلَى أَنْ تَقُوْلَ: (ظُلْمٌ) ، فَيَتُمُّ الكَلاَمُ. فَأُعْجِبَ الوَاثِقُ، وَأَعْطَانِي أَلْفَ دِيْنَارٍ (1) . قِيْلَ: إِنَّ الوَاثِقَ كَانَ ذَا نَهْمَةٍ بِالجِمَاعِ؛ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ سَبُعٍ لِذَلِكَ، فَوَلَّدَ لَهُ مَرَضاً صَعْباً كَانَ فِيْهِ حَتْفُهُ. وفِي العَامِ الثَّانِي مِنْ دَوْلَتِهِ: قَدَّمَ مَوْلاَهُ أَشْنَاسَ عَلَى القُوَّادِ، وَأَلْبَسَهُ تَاجاً، وَوِشَاحَيْنِ مُجَوْهَرَيْنِ (2) . وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ: صَادَرَ الدَّوَاوِيْنَ، وَضَرَبَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَخَذَ مِنْهُ ثَمَانِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَمِن سُلَيْمَانَ بنِ وَهْبٍ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ. وَأَخَذَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ الخَصِيْبِ وَكَاتِبِهِ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ (3) . وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: قُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ (4) الشَّهِيْدُ ظُلْماً، وَأَمَرَ بِامْتِحَانِ الأَئِمَّةِ وَالمُؤَذِّنِيْن بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَافتَكَّ مِنْ أَسْرِ الرُّوْمِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَسِتَّ مائَةِ نَفْسٍ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَلاَ تَفْتَكُّوهُ (5) . وَفِيْهَا: جَاءَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّونَ فِي مَرَاكِبَ مِنْ سَاحِلِ البَحْرِ الأَعْظَمِ،   (1) " نزهة الالباء " 183 - 185، و" وفيات الأعيان " 1 / 284، و" إنباه الرواة " 1 / 249، و" الاغاني " 9 / 234، 235، و" الوافي بالوفيات " 10 / 212، 213، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 135. (2) " تاريخ الطبري " 9 / 124، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 9. (3) " تاريخ الطبري " 9 / 127، 128، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 10، و" فوات الوفيات " 4 / 230 وفيه: في سنة (202) بدل (229) وهو خطأ، لان خلافة الواثق إنما كانت في أول سنة (227 هـ) . (4) سترد ترجمته في الجزء الحادي عشر من الكتاب ص 166. (5) انظر خبر الفداء بين المسلمين والروم في " تاريخ الطبري " 9 / 141، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 24. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 فَدَخَلُوا إِشْبِيْلِيَّةَ بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سُوْرٌ بَعْدُ. فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِم أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ المَرْوَانِيُّ جَيْشاً، فَالتَقَوْا، فَانْهَزَمَ الأَرْدَمَانِيُّونَ، وَأُسِرَ مِنْهُم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ - وَللهِ الحَمْدُ -. قَالَ زُرْقَانُ بنُ أَبِي دُوَادَ: لَمَّا احْتُضِرَ الوَاثِقُ، رَدَّدَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ: المَوْتُ فِيْهِ جَمِيْعُ الخَلْقِ مُشْتَرِكٌ ... لاَ سُوقَةٌ مِنْهُمُ يَبْقَى وَلاَ مَلِكُ مَا ضَرَّ أَهْلَ قَلِيْلٍ فِي تَفَرُّقِهم ... وَلَيْسَ يُغْنِي عَنِ الأَمْلاَكِ مَا مَلَكُوا ثمَّ أَمَرَ بِالبُسُطِ، فَطُوِيَتْ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا مَنْ لاَ يَزُولُ مُلْكُهُ، ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُهُ (1) . وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَاثِقِيُّ أَمِيْرُ البَصْرَةِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ أُمَرِّضُ الوَاثِقَ، فَلَحِقَتْهُ غَشْيَةٌ، فَمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ مَاتَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: تَقَدَّمُوا. فَمَا جَسَرَ أَحَدٌ سِوَايَ، فَلَمَّا أَنْ أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَى أَنْفِهِ، فَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَرُعِبْتُ، وَرَجَعْتُ إِلَى خَلْفٍ، فَتَعَلَّقَتْ قَبِيْعَةُ (2) سَيْفِي بِالعَتَبَةِ، فَعَثَرْتُ، وَانْدَقَّ السَّيْفُ، وَكَادَ أَنْ يَجْرَحَنِي، وَاسْتَدْعَيْتُ سَيْفاً، وَجِئْتُ، فَوَقَفْتُ سَاعَةً، فَتَلِفَ الرَّجُلُ، فَشَدَدْتُ لَحْيَيْهِ وَغَمَّضْتُهُ، وَسَجَّيتُهُ، وَأَخَذَ الفَرَّاشُوْنَ مَا تَحْتَهُ لِيَرُدُّوْهُ إِلَى الخَزَائِنِ، وَتُرِكَ وَحْدَهُ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: إِنَّا نُرِيْدُ أَنْ نَتَشَاغَلَ بِعَقْدِ البَيْعَةِ، فَاحْفَظْهُ، فَرَدَدْتُ بَابَ المَجْلِسِ، وَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، فَحَسَسْتُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِحَرَكَةٍ أَفْزَعَتْنِي، فَأَدخُلُ، فَإِذَا بِجَرْذُوْنٍ قَدِ اسْتَلَّ عَيْنَ الوَاثِقِ، فَأَكَلَهَا، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، هَذِهِ العَيْنُ الَّتِي فَتَحَهَا مِنْ   (1) البيتان في " تاريخ بغداد " 14 / 19، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 29، و" فوات الوفيات " 4 / 230، وفيهما: " تفاقرهم " بدل " تفرقهم " و" تاريخ الخلفاء ": 344 وفيه: " تفارقهم ". (2) هي التي على رأس قائم السيف، وربما اتخذت من فضة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 سَاعَةٍ، فَانْدَقَّ سَيْفِي هَيْبَةً لَهَا (1) ! قُلْتُ: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ خَمْسَ سِنِيْنَ وَنِصْفاً، مَاتَ بِسَامَرَّا، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) ، وَبَايَعُوا بَعْدَهُ أَخَاهُ المُتَوَكِّلَ. 75 - مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو عَمْرٍو الأَزْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ البَصْرَةِ، أَبُو عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، الفَرَاهِيدِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، القَصَّابُ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ يَسِيْراً. وَعَنْ: قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَأَبِي (3) الغُصْنِ دُجَيْنٍ اليَرْبُوْعِيِّ، وَأَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بنِ دِيْنَارٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَهَمَّامٍ، وَأَبَانٍ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ فَضَاءٍ، وَالمُسْتَمِرِّ بنِ الرَّيَّانِ، وَوُهَيْبٍ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 19، 20، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 30، و" عيون التواريخ " 8 / لوحة 167. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 20. (*) طبقات ابن سعد 7 / 304، طبقات خليفة ت (1944) ، تاريخ خليفة: 476، التاريخ الكبير 7 / 254، التاريخ الصغير 2 / 346، الجرح والتعديل 8 / 181، تهذيب الكمال لوحة 1322، تذهيب التهذيب 4 / 35 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 394، العبر 1 / 385، الكاشف 3 / 139، تهذيب التهذيب 10 / 121، خلاصة تذهيب الكمال: 374، شذرات الذهب 2 / 50. (3) في الأصل: " ابن " وهو خطأ، انظر " الجرح والتعديل " 3 / 443. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لأَبِي دَاوُدَ - وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَزَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَيَحْيَى بنُ مَطَرِّفٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ سِنْجَه، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي سُوَيْدٍ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَنْجَرَ الجُرْجَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (1) . وَقَالَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُقَدِّمُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ عَلَى مُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَجْعَلُ رَجُلاً لَمْ يَرْوِ إِلاَّ عَنْ أَبِيْهِ، كَرَجُلٍ رَوَى عَنِ النَّاسِ (2) . وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ ثَمَانِ مائَة ِشَيْخٍ، مَا جُزْتُ الجِسْرَ (3) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رَحَلَ مُسْلِمٌ إِلَى أَحَدٍ، وَكَتَبَ عَنْ قَرِيْبٍ مِنْ أَلفِ شَيْخٍ، وَهَؤُلاَءِ أَصْحَابُ شُيُوْخِ: مُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِدْرِيْسَ (4) . وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ مُسْلِمٌ يَحْفَظُ حَدِيْثَه عَنْ قُرَّةَ، وَيَحْفَظُ حَدِيْثَ هِشَامٍ،   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 181. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 وَحَدِيْثَ أَبَانٍ العَطَّارِ، يَهُذُّهُ هَذّاً، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنِ ابْنِ كَثِيْرٍ، كَانَ ابْنُ كَثِيْرٍ -يَعْنِي: مُحَمَّداً- لاَ يَحْفَظُ، وَكَانَتْ فِيْهِ سَلاَمَةٌ (1) . قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: قَعَدتُ مَرَّةً أُذَاكِرُ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدِ بنِ قَيْسٍ، فَقَالَ: كِدتَ تَلقَى أَبَا هُرَيْرَةَ - يُرِيْدُ عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ (2) -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَان مُسْلِمٌ يَسْكُنُ البَصْرَةَ فِي دَارٍ كَبِيْرَةٍ، وَإِنَّمَا مَعَهُ أُخْتُهُ عَجُوْزٌ كَبِيْرَةٌ، وَكَانَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَغِيْظُوهُ، قَالُوا: أُخْتُكَ قَدَرِيَّةٌ. فَيَقُوْلُ: لاَ -وَاللهِ- إِلاَّ مُثْبِتَةٌ. وَكَانَ ثِقَةً، عَمِيَ بِأَخَرَةٍ، وَرَوَى عَنْ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً (3) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: مَا أَتَيْتُ حَلاَلاً وَلاَ حَرَاماً قَطُّ، وَكَانَ أَتَى عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً (4) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ لاَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ -يَعْنِي: الجِمَاعَ- وَهُوَ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (5) . مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (6) ، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1323، وهذه الظاهرة ظاهرة الاكثار من الرواية عن النساء وأخذ العلم عنهن استمرت حتى عصر المؤلف، وفي مشيخته تراجم لكثير من النساء اللائي روى عنهن، وأفاد منهن، وهذا من أبين الأدلة على تشجيع الإسلام للمرأة أن تتعلم، وتستمر في العلم حتى تبلغ درجة الاستاذة، فيؤخذ عنها، ويستفاد منها. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1323. (5) " الجرح والتعديل " 8 / 181. (6) " طبقات ابن سعد " 7 / 304. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا سَحَّامَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَاسِطَ، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ مِن أَمْرِهِ حَاجَةً وَفَقْراً، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَنَهَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَدخُلَ فِيْهَا، فَتَعَلَّقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ جِدّاً، وَسَحَّامَةُ مَذْكُوْرٌ فِي كِتَابِ (الثِّقَات) لابْنِ حِبَّانَ (1) . وَقَدْ أَخرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ هَذَا الحَدِيْثَ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ (2)) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، عَنْهُ. أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ، سَمِعْتُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جُمَعاً مُتَوَالِيَاتٍ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الكِلاَبِ، وَذَبْحِ الحَمَامِ. فِي الإِسْنَادَيْنِ ضَعفٌ مِنْ جِهَةِ زَاهِرٍ وَعُمَرَ؛ لإِخْلاَلِهِمَا بِالصَّلاَةِ، فَلَو كَانَ فِيَّ وَرَعٌ، لَمَا رَوَيتُ لِمَنْ هَذَا نَعْتُهُ (3) .   (1) وروى عنه أبو عامر العقدي، ووكيع، ومحمد بن ربيعة، ومسلم بن إبراهيم، وسلم بن قتيبة. (2) برقم (278) . (3) رحم الله المؤلف، فقد وصف نفسه بعدم الورع لأنه روى عمن هذا وصفه، مع أنه بين حاله، وكشف عن أمره، فكيف يكون حال من يروي عن الكذابين والضعفاء، ويسكت عنهم، ولا يبين حالهم؟ ! الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 بَكْرُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: أَخْبَرَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ، فَلَمْ أَرَ أَهْلَ الحَدِيْثِ عَلَى مِثْلِ مَا هُم عَلَيْهِ اليَوْمَ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَقُوْلُ: إِنَّهَا سُنَّةٌ أُحْيِيْهَا، وَبِدْعَةٌ أُمِيْتُهَا - لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنِّي بَعْضَ مَا أَنَا فِيْهِ - مَا حَدَّثْتُ. 76 - البَابْلُتِّيُّ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الضَّحَّاكِ الأُمَوِيُّ * الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سَعِيْدٍ يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الضَّحَّاكِ بنِ بَابْلُتَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَابْلُتِّيُّ (1) ، الحَرَّانِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: زَوجِ أُمِّهِ؛ أَبِي عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ سِنْجَه، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: ابْنُ زَوْجَتِهِ؛ أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ. قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَمَّا السَّمَاعُ فَلاَ يُدْفَعُ (2) . وَضَعَّفَهُ: أَبُو زُرْعَةَ (3) ، وَغَيْرُهُ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 288، الجرح والتعديل 9 / 164، الكامل في الضعفاء 4 / لوحة 845، الأنساب 2 / 14، تهذيب الكمال لوحة 1505، الكاشف 3 / 261، تذهيب التهذيب 4 / 158 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 390، 391، المغني في الضعفاء 2 / 739، العبر 1 / 376، تهذيب التهذيب 11 / 240، خلاصة تذهيب الكمال 425، شذرات الذهب 2 / 45. (1) نسبة إلى " بابلت " موضع بالجزيرة. " الأنساب " 2 / 14. (2) " التاريخ الكبير " 8 / 288. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 164. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، تَفَرَّدَ بِبَعْضِهَا، وَأَثَرُ الضَّعْفِ عَلَى حَدِيْثِهِ بَيِّنٌ (1) . قُلْتُ: مَرَّ بِهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَأَكْرَمَ نُزُلَهُ، وَأَتْحَفَهُ، فَاسْتَحَى مِنْهُ، وَمَا بَالَغَ فِي تَلْيِيْنِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ تَجُوْزُ رِوَايَةُ حَدِيْثِهِ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقِيْلَ لِي: إِنَّهُ وَجَّهَ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ صُرَّةَ دَنَانِيْرَ، وَأَطْعَمَهُ، فَقَبِلَ الطَّعَامَ، وَرَدَّ الصُرَّةَ، وَقَالَ: وَاللهِ إِنَّ صِلَتَهُ حَسَنَةٌ، وَطَعَامَهُ طَيِّبٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ -وَاللهِ- مِنَ الأَوْزَاعِيِّ شَيْئاً (2) . هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةُ السَّنَدِ. 77 - أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ البَهْرَانِيُّ الحِمْصِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو اليَمَانِ البَهْرَانِيُّ، الحِمْصِيُّ، مَوْلَى امْرَأَةٍ بَهْرَانِيَّةٍ تُدْعَى أُمَّ سَلَمَةٍ، كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بنِ رُوْبَةَ التَّغْلِبِيِّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَطَلَبَ العِلْمَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ.   (1) " الكامل " في الضعفاء 4 / لوحة 846. (2) " الكامل " في الضعفاء 4 / لوحة 845، 846، و" تهذيب الكمال " لوحة 1506. (*) طبقات ابن سعد 7 / 472، تاريخ ابن معين: 127، التاريخ الصغير 2 / 346، التاريخ الكبير 2 / 344، الجرح والتعديل 3 / 129، المعجم المشتمل: 110، تهذيب الكمال لوحة 319، تذهيب التهذيب 1 / 168 / 2، الكاشف 1 / 247، تذكرة الحفاظ 1 / 412، العبر 1 / 384، 385، مقدمة فتح الباري ص 396، تهذيب التهذيب 2 / 440، طبقات الحفاظ: 168، خلاصة تذهيب الكمال: 90، تهذيب ابن عساكر 4 / 413. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 فَرَوَى عَنْ: صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَيَزِيْدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ ذِي عُصْوَانَ، وَأَبِي مَهْدِيٍّ سَعِيْدِ بنِ سِنَانٍ، وَطَائِفَةٍ، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِحْلَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بنُ مَنْصُوْرٍ النَّسَائِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ فَضَالَةَ، وَعِمْرَانُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَمُوْسَى بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَكَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَمَّا حَدِيْثُ أَبِي اليَمَانِ عَنْ حَرِيْزٍ وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو فَصَحِيْحٌ (1) . ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَاسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ عَجِيْبٍ، كانَ أَمرُ شُعَيْبٍ فِي الحَدِيْثِ عَسِراً جِدّاً، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ عَبَّاسٍ سَمِعَ مِنْهُ، وَذَكَرَ قِصَّةً لأَهْلِ حِمْصَ أُرَاهَا أَنَّهُم سَأَلُوْهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُم فِي أَنْ يَرْوُوا عَنْهُ، فَقَالَ لَهُم: لاَ تَرْوُوا هَذِهِ الأَحَادِيْثَ عَنِّي -يَعْنِي: شُعَيْباً-. قَالُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ثُمَّ كَلَّمُوهُ، وَحَضَرَ ذَلِكَ أَبُو اليَمَانِ، فَقَالَ لَهُم: ارْوُوا تِلْكَ الأَحَادِيْثَ عَنِّي. قَالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مُنَاوَلَةً (2) ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ مُنَاوَلَةً، كَانَ لَمْ يُعْطِهُم كُتُباً وَلاَ شَيْئاً، إِنَّمَا سَمِعَ هَذَا فَقَطْ، فَكَانَ وَلَدُ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: إِنَّ أَبَا اليَمَانِ جَاءنِي، فَأَخَذَ كُتُبَ شُعَيْبٍ مِنِّي بَعْدُ، وَهُوَ يَقُوْلُ:   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 129، و" تهذيب الكمال " لوحة 319. (2) في الأصل: " منالة " وهو خطأ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 أَخْبَرَنَا. فَكَأَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ، بِأَنْ سَمِعَ شُعَيْباً يَقُوْلُ لِقَوْمٍ: ارْوُوْهُ عَنِّي (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ: سَمِعْتُ أَبَا اليَمَانِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَيْفَ سَمِعْتَ الكُتُبَ مِنْ شُعَيْبٍ؟ قُلْتُ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ بَعْضَهُ، وَبَعْضُهُ قَرَأَهُ عَلَيَّ، وَبَعْضُهُ أَجَازَ لِي، وَبَعْضُهُ مُنَاوَلَةً. قَالَ: فَقَالَ فِي كُلِّهِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ (2) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سَأَلْتُ أَبَا اليَمَانِ عَنْ حَدِيْثِ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ مُنَاوَلَةً، المُنَاوَلَةُ لَمْ أُخْرِجْهَا إِلَى أَحَدٍ (3) . وَرَوَى: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، قَالَ: كَانَ شُعَيْبٌ عَسِراً فِي الحَدِيْثِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ حِيْنَ حَضَرَتهُ الوَفَاةُ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي، وَقَدْ صَحَّحْتُهَا، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ، فَلْيَعْرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَهَا مِنِ ابْنِي، فَلْيَسْمَعْهَا، فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَهَا مِنِّي (4) . سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 319، وقال الحافظ في " مقدمة الفتح ": 396: الحكم ابن نافع أبو اليمان الحمصي مجمع على ثقته، اعتمده البخاري، وروى عنه الكثير، وروى له الباقون بواسطة، تكلم بعضهم في سماعه من شعيب، فقيل: إنه مناولة، وقيل: إذن مجرد، وقد قال الفضل بن غسان: سمعت يحيى بن معين يقول: سألت أبا اليمان عن حديث شعيب، فقال: ليس هو مناولة، المناولة لم أخرجها لأحمد، وبالغ أبو زرعة الرازي، فقال: لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثا واحدا. قلت (القائل ابن حجر) : إن صح ذلك، فهو حجة في صحة الرواية بالاجازة، إلا أنه كان يقول في جميع ذلك: " أخبرنا " ولا مشاححة في ذلك إن كان اصطلاحا له. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 319. (3) أورد المؤلف الخبر في " ميزان الاعتدال " 1 / 581. (4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 434 و2 / 716. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 اليَمَانِ مِنْ شُعَيْبٍ إِلاَّ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَالبَاقِي إِجَازَةً (1) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَوْفٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو اليَمَانِ مِنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ إِلاَّ كَلِمَةً (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، هَذَا مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَنكَرَهُ (3) . قُلْتُ: قُرِئَ هَذَا عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الدَّرَجِيِّ، وَأَجَازَهُ لِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْد اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أُرِيْتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَسَفْكِ بَعْضِهِم دِمَاءَ بَعْضٍ، وَكَانَ ذَلِكَ سَابِقاً مِنَ اللهِ، فَسَأَلْتُه (4) أَنْ يُوَلِّيَنِي شَفَاعَةً فِيْهِم، فَفَعَلَ) . رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، فَقَالَ: عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ أَنَسٍ (5) ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ: هَا هُنَا   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 319. (2) انظر " ميزان الاعتدال " 1 / 582. (3) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 456. (4) في الأصل: " فسألني " وهو خطأ. (5) هو في " المسند " 6 / 428. وابن أبي حسين: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل المكي النوفلي ثقة روى حديثه أصحاب الكتب الستة، وأورده ابن كثير في " النهاية " 2 / 327 من طريق البيهقي قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الاودي، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره، ونقل عن البيهقي قوله: هذا إسناد صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 قَوْمٌ يُحَدِّثُوْنَ بِهِ: عَنْ أَبِي اليَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَا مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ (1) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كِتَابُ شُعَيْبٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ مُلصَقٌ بِكِتَابِ الزُّهْرِيِّ، فَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا اليَمَانِ حَدَّثَهُم بِهِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ اخْتَلَطَ بِكِتَابِ الزُّهْرِيِّ، فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ يَعذِرُ أَبَا اليَمَانِ، وَلاَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ فِيْهِ (2) . وَقَالَ مَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ الحَرَّانِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي اليَمَانِ -يَعْنِي: المَذْكُوْرَ- فَقَالَ: أَنَا سَأَلْتُ أَبَا اليَمَانِ، فَقَالَ: الحَدِيْثُ حَدِيْثُ الزُّهْرِيِّ، فَمَنْ كَتَبَهُ عَنِّي، فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ كَتَبَهُ عَنِّي مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَهُوَ خَطَأٌ، إِنَّمَا كُتِبَ فِي آخِرِ حَدِيْثِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَغَلِطْتُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَهُوَ صَحِيْحٌ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ (3) . وَرَوَى: ابْنُ صَاعِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ لَنَا أَبُو اليَمَانِ: الحَدِيْثُ حَدِيْثُ الزُّهْرِيِّ، وَالَّذِي حَدَّثْتُكُم عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ غَلِطْتُ فِيْهِ بِوَرَقَةٍ قَلَبْتُهَا (4) . قُلْتُ: تَعَيَّنَ أَنَّ الحَدِيْثَ وَهِمَ فِيْهِ أَبُو اليَمَانِ، وَصَمَّمَ عَلَى الوَهْمِ؛ لأَنَّ الكِبَارَ حَكَمُوا بِأَنَّ الحَدِيْثَ مَا هُوَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 456، و" تهذيب الكمال " لوحة 319. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 319. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 319. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ أَبِي اليَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ) . فَقَالَ يَحْيَى: إِنَّمَا هُوَ عَنْ سُحَيْمٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو اليَمَانِ يُسَمَّى كَاتِبَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، كَمَا يُسَمَّى أَبُو صَالِحٍ كَاتِبَ اللَّيْثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ، صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (3) . وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، وَكَانَ بِسَلَمِيَّةَ (4) ، وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ، قَالَ لَهُم: الْقُطُوا لِيَ الزَّعْفَرَانَ، وَثَمَّتَ يَنبُتُ الزَّعْفَرَانُ. فَكَانُوا يَلقُطُونَ، ثُمَّ يُحَدِّثِهُم (5) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا اليَمَانِ يَقُوْلُ: صِرتُ إِلَى مَالِكٍ، فَرَأَيْتُ ثَمَّ مِنَ الحُجَّابِ وَالفَرْشِ شَيْئاً عَجِيْباً، فَقُلْتُ: لَيْسَ ذَا مِنْ أَخْلاَقِ العُلَمَاءِ، فَمَضَيتُ، وَتَرَكتُهُ، ثُمَّ نَدِمتُ بَعْدُ (6) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة، 320، ولم أجده من حديث أبي هريرة، وهو من حديث عائشة في البخاري 4 / 284، 285، ومسلم (2884) ، وأحمد 6 / 105، و" حلية الأولياء " 5 / 11، ومن حديث أم سلمة عند مسلم (2882) ، وأحمد 6 / 259، و289 و290 و316، 317، وأبي داود (4286) ، والترمذي (2171) ، ومن حديث حفصة عند مسلم (2883) ، وأحمد 6 / 287، ومن حديث صفية عند أحمد 6 / 336 و337، والترمذي (2184) . (2) " الجرح والتعديل " 3 / 129. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 320. (4) ويقال أيضا بسكون الميم وتخفيف الياء، وهي بليدة في ناحية البرية من أعمال حماه. انظر " معجم البلدان " 3 / 240. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 320. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 320، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 4 / 413. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 وَبَلَغَنَا: أَنَّ أَبَا اليَمَانِ كَتَبَ كُتُبَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَلَمْ يَدَعْ مِنْهَا شَيْئاً فِي القَرَاطِيْسِ. وَفِي (الصَّحِيْحَيْنِ) نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً عِنْدَ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي اليَمَانِ، قَدْ أَخْرَجَهَا: مُسْلِمٌ، عَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَجَمِيْعُهَا يَقُوْلُ فِيْهَا: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، مَا قَالَ قَطُّ: حَدَّثَنَا، فَهَذَا يُوضِحُ لَكَ أَنَّهَا بِالإِجَازَةِ، وَهِيَ مَنْقُوْلَةٌ جَزماً مِنْ خَطَّ شُعَيْبٍ، وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ. وَالمَقْصُوْدُ مِنَ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا هُوَ العِلْمُ الحَاصِلُ بِأَنَّ هَذَا الخَبَرَ حَدَّثَ بِهِ فُلاَنٌ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الأَدَاءِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو اليَمَانِ عَالِمَ وَقْتِه بِحِمْصَ، اسْتَقْدَمَهُ المَأْمُوْنُ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ حِمْصَ. وَرَوَينَا بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَالفَسَوِيُّ: مَاتَ أَبُو اليَمَانِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُطَيَّنٌ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: فِي ذِي الحِجَّةِ، بِحِمْصَ (3) .   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة الدمشقي 1 / 84 و2 / 708. (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 2 / 708، و" تاريخ الفسوي " 1 / 205، و" تهذيب الكمال " لوحة 320. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 472، والتاريخ الكبير " 2 / 344، و" تهذيب الكمال " لوحة 320. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 78 - حُجَيْنُ بنُ المُثَنَّى اليَمَانِيُّ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عُمَرَ اليَمَانِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالرَّمَادِيُّ، وَعَبَّاسُ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ سَعْدٍ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ قَاضِياً عَلَى خُرَاسَانَ، وَأَصْلُهُ مِنَ اليَمَامَةِ (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَدِمَ بَغْدَادَ وَنَزَلَهَا، وَكَانَ صَاحِبَ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ، لَزِمَ السُّوْقَ، وَكَانَ ثِقَةً (3) . قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ. 79 - قَالُوْنُ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ مِيْنَا ** مُقْرِئُ المَدِيْنَةِ، وَتِلْمِيْذُ نَافِعٍ. هُوَ: الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو   (*) طبقات ابن سعد 7 / 338، التاريخ الكبير 3 / 134، تاريخ بغداد 8 / 382، 383، تهذيب الكمال لوحة 240، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 2، الكاشف 1 / 209، تهذيب التهذيب 2 / 216، خلاصة تذهيب الكمال: 97. (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 338، وفيه: " حجير " بدل " حجين " وهو خطأ. (2) " التاريخ الكبير " 3 / 134. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 328. (* *) الجرح والتعديل 6 / 290، إرشاد الاريب 6 / 103، العبر 1 / 380، معرفة القراء الكبار 1 / 128، طبقات القراء لابن الجزري 1 / 615، النجوم الزاهرة 2 / 235، شذرات الذهب 2 / 48. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 مُوْسَى عِيْسَى بنُ مِيْنَا، مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ. يُقَال: كَانَ رَبِيْبَ نَافِعٍ، فَلَقَّبَهُ بِقَالُوْنَ؛ لِجَوْدَةِ قِرَاءَتِهِ (1) . رَوَى عَنْ: شَيْخِهِ. وَعَنْ: مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ. وَعَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ دَيْزِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَبُو نَشِيْطٍ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٌ. وَتَلاَ عَلَيْهِ: ابْنُهُ؛ أَحْمَدُ، وَالحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو نَشِيْطٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ (2) : كَانَ شَدِيْدَ الصَّمَمِ، فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى شَفَتَيِ القَارِئِ وَيَرُدُّ (3) . قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. 80 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُمَحِيُّ * (ع) هُوَ: الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، مُحَدِّثُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ سَعِيْدُ بنُ الحَكَمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَالِمٍ الجُمَحِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: نَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ   (1) " غاية النهاية " 1 / 615. (2) نسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها: هسنكان، فعرب، فقيل: هسنجان. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 290، و" غاية النهاية " لابن الجزري 1 / 615. * التاريخ الكبير 3 / 512، التاريخ الصغير 2 / 350، الجرح والتعديل 4 / 13، 14، المعجم المشتمل: 126، تهذيب الكمال لوحة 486، تذهيب التهذيب 2 / 16 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 392، العبر 1 / 390، الكاشف 1 / 358، تهذيب التهذيب 4 / 82، حسن المحاضرة 1 / 346، طبقات الحفاظ: 167، خلاصة تذهيب الكمال: 137، شذرات الذهب 2 / 53، 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 مُطَرِّفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَنَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلاَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الحَضْرَمِيِّ، وَالعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتِهِم. رَوَى عَنْهُ: البُخَارَيُّ، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَعُبَيْدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّارُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَالفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ - وَخَلْقٌ سِوَاهُم، مِنْهُم: ابْنُ أَخِيْهِ؛ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ الحَافِظُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عِنْدِي حُجَّةٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (2) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ. قَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، كَانَ لَهُ دِهْلِيْزٌ طَوِيْلٌ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ الرَّجُلُ، فَيَقِفُ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَيَرَدُّ عَلَيْهِ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلاَ حَفِظَكَ، وَفَعَلَ بِكَ. فَأَقُوْلُ: مَا هَذَا؟ فَيَقُوْلُ: قَدَرِيٌّ. وَيَأْتِي آخَرُ، فَيَقُوْلُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقُوْلُ: مَا هَذَا؟ فَيَقُوْلُ: جَهْمِيٌّ، خَبِيْثٌ. وَيَأْتِي آخَرُ، فَيَقُوْلُ: رَافِضِيٌّ، وَلاَ نَظُنُّ إِلاَّ رَدَّ عَلَيْهِ سَلاَمَهُ. وَكَانَ عَاقِلاً، لَمْ أَرَ بِمِصْرَ أَعْقَلَ مِنْهُ، وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ (3) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 487. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 14. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 487 وليس ذا من أدب الإسلام، فإن الله تعالى يقول: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بِمَدِيْنَةِ سَابُوْرَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ كِتَاباً يَنْظُرُ فِيْهِ، أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِأَحَادِيْثَ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ. وَسَأَلَهُ آخَرُ فِي ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ لَهُ الأَوَّلُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُجِبْنِي، وَسأَلَكَ هَذَا فَأَجَبْتَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حَقَّ العِلْمِ - أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الكَلاَمِ -. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ الشَّيْبَانِيُّ مِنَ السَّيْبَانِيِّ، وَأَبَا حَمْزَةَ مِنْ أَبِي جَمْرَةَ، وَكِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثْنَاكَ وَخَصَصْنَاكَ كَمَا خَصَصْنَا هَذَا (1) . قُلْتُ: يَقَعُ فِي حَدِيْثِ سَعِيْدٍ غَرَائِبُ لِسَعَةِ عِلْمِهِ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: سَعِيْدُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ الفَقِيْهُ مَوْلَى أَبِي فَاطِمَةَ، وَيُقَالُ: أَبُو فُطَيْمَةَ، مَوْلَى أَبِي الضُّبَيْعِ، مَوْلَى بَنِي جُمَحَ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَمَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . خَرَّجَ لَهُ: أَصْحَابُ الكُتُبِ السِّتَّةِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِر بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِب: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا سَجَدَ   (1) " المحدث الفاصل " ص 274، و" تهذيب الكمال " لوحة 487. والشيباني: هو أبو عمرو سعد بن إياس، والسيباني: هو أبو عمرو زرعة، وأبو حمزة: هو عمران بن أبي عطاء القصاب، وأبو جمرة: هو نصر بن عمران الضبعي، والاربعة من رجال " التهذيب ". (2) " تهذيب الكمال " لوحة 487. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 العَبْدُ، سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: الجَبْهَةُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ (1)) . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: اللَّيْثُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الهَادِ. وَأَخْرَجَهُ: الجَمَاعَةُ، سِوَى البُخَارِيِّ. 81 - سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبِ بنِ بَجِيْلٍ الوَاشِحِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو أَيُّوْبَ الوَاشِحِيُّ (2) ، الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، قَاضِي مَكَّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ يَهُوْدِيٍ أَوْ نَصْرَانِيٍ، ثُمَّ لَمْ يُسْلِمْ، دَخَلَ النَّارَ (3)) . حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَحَوْشَبِ بنِ عَقِيْلٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَيَزِيْدَ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (491) في الصلاة: باب أعضاء السجود، وأبو داود (891) ، والترمذي (272) ، والنسائي 2 / 208، والآراب: جمع إرب، وهو العضو. (*) طبقات ابن سعد 7 / 300، طبقات خليفة ت (1946) ، تاريخ خليفة: 438، التاريخ الكبير 4 / 8، التاريخ الصغير 2 / 351، الجرح والتعديل 4 / 108، المعارف: 526، تاريخ بغداد 9 / 33، المعجم المشتمل: 133، اللباب 3 / 348، وفيات الأعيان 2 / 418 - 420، تهذيب الكمال لوحة 536، الكاشف 1 / 391، 392، العبر 1 / 390، 391، تذكرة الحفاظ 1 / 393، العقد الثمين 4 / 601 - 603، تهذيب التهذيب 4 / 178، طبقات الحفاظ: 166، خلاصة تذهيب الكمال: 151، شذرات الذهب 2 / 54. (2) نسبة إلى واشح، بطن من الازد. (3) إسناده صحيح، إبراهيم بن عبد الله هو الحافظ المسند أبو مسلم الكجي، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس. وأخرجه مسلم (153) في الايمان من حديث أبي هريرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَبِسْطَامِ بنِ حُرَيْثٍ، وَالسَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالحُمَيْدِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الضُّرَيْسِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْ القُدَمَاءِ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: إِمَامٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، كَانَ لاَيُدَلِّسُ، وَيَتَكَلَّمُ فِي الرِّجَالِ، وَفِي الفِقْهِ، وَلَيْسَ بِدُوْنِ عَفَّانَ، وَلَعَلَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ، وَمَا رَأَيْتُ فِي يَدِهِ كِتَاباً قَطُّ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيِّ فِي حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَقَدْ حَضَرْتُ مَجْلِسَ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ بِبَغْدَادَ، فَحَزَرُوا مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ: أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ رَجُلٍ. وَكَانَ مَجْلِسُهُ عِنْدَ قَصْرِ المَأْمُوْنِ، فَبَنَى لَهُ شِبْهَ مِنْبَرٍ، فَصَعِدَ سُلَيْمَانُ، وَحَضَرَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ القُوَّادِ، عَلَيْهِم السَّوَادُ، وَالمَأْمُوْنُ فَوْقَ قَصْرِهِ، وَقَدْ فُتِحَ بَابُ القَصْرِ، وَقَدْ أُرْسِلَ سِتْرٌ شِفٌّ وَهُوَ خَلْفَهُ، وَكَتَبَ مَا يُمْلِي. فَسُئِلَ سُلَيْمَانُ أَوَّلَ شَيْءٍ حَدِيْثَ حَوْشَبِ بنِ عَقِيْلٍ، فَلَعَلَّهُ قَدْ قَالَ: حَدَّثَنَا حَوْشَبُ بنُ عَقِيْلٍ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَسْمَعُ، فَقَامَ مُسْتَمْلٍ وَمُسْتَمْلِيَانِ وَثَلاَثَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَسْمَعُ، حَتَّى قَالُوا: لَيْسَ الرَّأْيُ إِلاَّ أَنْ يَحْضُرَ هَارُوْنُ المُسْتَمْلِي. فَلَمَّا حَضَرَ، قَالَ: مَنْ ذَكَرْتَ؟ فَإِذَا صَوْتُهُ خِلاَفُ الرَّعْدِ، فَسَكَتُوا، وَقَعَدَ المُسْتَمْلُوْنَ كُلُّهُم، فَاسْتَملَى هَارُوْنُ، وَكَانَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 لاَ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إِلاَّ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ. وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ فَتْحِ مَكَّةَ، فَحَدَّثَنَا بِهِ مِنْ حِفْظِهِ، فَقُمْنَا، فَأَتَيْنَا عَفَّانَ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُم أَبُو أَيُّوْبَ؟ فَإِذَا هُوَ يُعَظِّمُهُ (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَيْضاً: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَلَّ مَنْ يَرْضَى مِنَ المَشَايِخ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ رَوَى عَنْ شَيْخٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ ثِقَةٌ (2) . قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: طَلَبْتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَاخْتَلَفْتُ إِلَى شُعْبَةَ، فَلَمَّا مَاتَ، جَالَسْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى مَاتَ، وَأَعْقِلُ مَوْتَ ابْنِ عَوْنٍ، وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ حَدِيْثَ ابْنِ عَوْنٍ، كُنْت أَقُوْلُ: رَجُلٌ قَدْ أَدْرَكْتُ مَوْتَهُ، ثُمَّ إِنِّيْ كَتَبْتُهُ بَعْدُ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا المُقَدَّمِيُّ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، قَالَ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: مَنْ تَرَكْتَ بِالبَصْرَةِ؟ فَوَصَفْتُ لَهُ مَشَايِخَ، مِنْهُم سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَقُلْتُ: هُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، عَاقِلٌ، فِي نِهَايَةِ السِّتْرِ وَالصِّيَانَةِ. فَأَمَرَنِي بِحَمْلِهِ إِلَيْهِ، فكَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَقَدِمَ، فَاتَّفَقَ أَنِّي أَدْخَلْتُهُ إِلَيْهِ، وَفِي المَجْلِسِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وثُمَامَةُ، وَأَشْبَاهٌ لَهُمَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَدْخُلَ مِثْلُهُ بِحَضْرَتِهِم. فَلَمَّا دَخَلَ، سَلَّمَ، فَأَجَابَهُ المَأْمُوْنُ، وَرَفَعَ مَجْلِسَهُ، وَدَعَا لَهُ سُلَيْمَانُ بِالعِزِّ وَالتَّوْفِيْقِ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، نَسْأَلُ الشَّيْخَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَنَظَرَ المَأْمُوْنُ إِلَيْهِ نَظَرَ تَخْيِيْرٍ لَهُ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 108، 109، والزيادة منه. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 536. (3) " تاريخ الفسوي " 1 / 137، و" تاريخ بغداد " 9 / 34. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 رَجُلٌ لابْنِ شُبْرُمَةَ: أَسْأَلُكَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ لاَ تُضْحِكُ الجَلِيْسَ، وَلاَ تُزْرِي بِالمَسْؤُوْلِ، فَسَلْ. وَحَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: قَالَ إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ: مِنَ المَسَائِلِ مَا لاَ يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا، وَلاَ لِلْمُجِيْبِ أَنْ يُجِيْبَ فِيْهَا. فَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا، فَلْيَسْأَلْ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ هَذَا، فَلْيُمْسِكْ. قَالَ: فَهَابُوْهُ، فَمَا نَطَقَ أَحَدٌ مِنْهُم حَتَّى قَامَ، وَوَلاَّهُ قَضَاءَ مَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا المِسْعَرِيُّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، فَقَالَ: إِنَّ مَوْلاَكَ فُلاَناً مَاتَ، وَخَلَّفَ قِيْمَةَ عِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فُلاَنٌ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنِّي، المَالُ لِذَاكَ دُوْنِي. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُحْتَاجٌ إِلَى دِرْهَمٍ (2) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ قَضَاءَ مَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ عُزِلَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَطَائِفَةٌ، سَمِعُوا أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا البُرْقَانِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، فَجَعَلَ يُكَثِّرُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: مَا أَخَافُ عَلَى أَيُّوْبَ وَابْنِ عَوْنٍ إِلاَّ الحَدِيْثَ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 35، 36، و" تهذيب الكمال " لوحة 536، و" وفيات الأعيان " 2 / 419. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 35، و" تهذيب الكمال " لوحة 536. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 36. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 36، و" التاريخ الكبير " 4 / 9، و" تهذيب الكمال " لوحة 536. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ، ثُمَّ يُحَدِّثُ بِهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ ذَاكَ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ يُحَدِّثُ عَلَى المَعْنَى، فَتَتَغَيَّرُ أَلْفَاظُ الحَدِيْثِ فِي رِوَايَتِهِ (2) . قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: كَتَبْنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ حَيٌّ (3) . قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، صَاحِبَ حِفْظٍ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (5) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: وُلِدْتُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (6) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ، وَصُرِفَ مِنْ قَضَائِهَا، وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 36، و" تهذيب الكمال " لوحة 536. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 36. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 36، و" تهذيب الكمال " لوحة 537. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 36، و" تهذيب الكمال " لوحة 537. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 537. (6) " التاريخ الكبير " 4 / 9. (7) " الطبقات الكبرى " لابن سعد 7 / 300. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 82 - آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ أَبُو الحَسَنِ الخُرَاسَانِيُّ * (خَ، ت، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الشَّامِ، أَبُو الحَسَنِ الخُرَاسَانِيُّ، المَرُّوْذِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ العَسْقَلاَنِيُّ، مُحَدِّثُ عَسْقَلاَنَ (1) . وَاسمُ أَبِيْهِ: نَاهِيَةُ بنُ شُعَيْبٍ، وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: بِالعِرَاقِ، وَمِصْرَ، وَالحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَوَرْقَاءَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَحَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَكَّاوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَهَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَثَابِتُ بنُ نُعَيْمٍ الهُوْجِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ سِيْفَنَّه، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 490، التاريخ الكبير 2 / 39، التاريخ الصغير 2 / 342، الجرح والتعديل 2 / 268، تاريخ بغداد 7 / 27، الأنساب 8 / 449، 450، المعجم المشتمل: 72، صفة الصفوة 4 / 308، 309، تهذيب الكمال لوحة 74، العبر 1 / 379، تذهيب التهذيب 1 / 48 / 2، الكاشف 1 / 101، تذكرة الحفاظ 1 / 409، تهذيب التهذيب 1 / 196، طبقات الحفاظ: 168، 169، خلاصة تذهيب الكمال: 14، شذرات الذهب 2 / 47. (1) وهي التي في الشام، مدينة من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين. وهناك موضع آخر يقال له عسقلان في " بلخ " ينسب إليه جماعة من المحدثين أيضا. انظر " الأنساب " 8 / 449، و" معجم البلدان " 4 / 122. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، مُتَعَبِّدٌ، مِنْ خَيَارِ عِبَادِ اللهِ (1) . وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: كَانَ مَكِيْناً عِنْدَ شُعْبَةَ، كَانَ مِنَ السِّتَةِ الَّذِيْنَ يَضْبِطُوْنَ عِنْدَهُ الحَدِيْثَ (2) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: أَتَيْتُ آدَمَ العَسْقَلاَنِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ. فَقَالَ: لاَ تُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَأَخْبَرْتُهُ بِعُذْرِهِ، وَأَنَّهُ أَظْهَرَ النَّدَامَةَ، وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِالرُّجُوْعِ. قَالَ: فَأَقْرِئْهُ السَّلاَمَ، وَإِذَا أَتَيْتَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَأَقرِهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللهَ، وَتَقَرَّبْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- بِمَا أَنْتَ فِيْهِ، وَلاَ يَسْتَفِزَّنَّكَ أَحَدٌ، فَإِنَّكَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مُشْرِفٌ عَلَى الجَنَّةِ. وَقُلْ لَهُ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَرَادَكُم عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلاَ تُطِيْعُوْهُ) . قَالَ: فَأَبْلَغْتُ ذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ حَيّاً وَمَيِّتاً، فَلَقَدْ أَحْسَنَ النَّصِيْحَةَ (3) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَضَرْتُ آدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَسُئِلَ عَنْ شُعْبَةَ، أَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِم بِبَغْدَادَ، أَوْ كَانَ يَقْرَأُ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ، وَكَانَ أَرْبَعَةٌ يَكْتُبُوْنَ: آدَمُ، وَعَلِيٌّ النَّسَائِيُّ، فَقَالَ آدَمُ: صَدَقَ أَحْمَدُ، كُنْتُ سَرِيْعَ الخَطِّ، وَكُنْتُ أَكْتُبُ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْخُذُوْنَ مِنْ عِنْدِي،   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 268. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 28 و29، و" تهذيب الكمال " لوحة 74. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 27، 28، و" تهذيب الكمال " لوحة 74، وسند الحديث حسن، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه " أخرجه أحمد 3 / 67، وابن ماجة (2863) وسنده حسن، وصححه ابن حبان (1552) ، والحاكم والبوصيري في " الزوائد " ورقة 182 / 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 وَقَدِمَ شُعْبَةُ بَغْدَادَ، فَحَدَّثَ بِهَا أَرْبَعِيْنَ مَجْلِساً، فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مائَةُ حَدِيْثٍ، فَحَضَرْتُ مِنْهَا عِشْرِيْنَ مَجْلِساً. (1) قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيُّ: بَلَغَ آدَمُ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ، كَانَ أَشْغَلَ مِنْ ذَلِكَ -يَعْنِي: مِنَ العِبَادَةِ (2) -. قَالَ الحُسَيْنُ الكَوْكَبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَقْدِسِيُّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الوَفَاةُ، خَتَمَ القُرْآنَ وَهُوَ مُسَجَّىً، ثُمَّ قَالَ: بِحُبِّي لَكَ إِلاَّ مَا رَفَقْتَ لِهَذَا المَصْرَعِ، كُنْتُ أُؤَمِّلُكَ لِهَذَا اليَوْمِ، كُنْتُ أَرْجُوْكَ. ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ قَضَى -رَحِمَهُ اللهُ (3) -. رَوَاهَا: أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ المَقْدِسِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ آدَمُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (4) . وَفِي السَّنَةِ أَرَّخَهُ: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ (5) ، وَمُطَيَّنٌ (6) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ (7) . قُلْتُ: الأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ رَفِيْقُهُ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ (8) ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِمُدَّةٍ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 268. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 74. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 29، و" صفة الصفوة " 4 / 308، و" تهذيب الكمال " لوحة 74. (4) " الطبقات الكبرى " 7 / 490. (5) " المعرفة والتاريخ " 1 / 204، 205. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 75. (7) " تاريخ أبي زرعة " 1 / 304. (8) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب ص 507، وهو متوفى سنة 205 هـ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 أَنْبَأَنَا جَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَنْ قَتْلِ الحَيَّةِ، قَالَ: (خُلِقَتْ هِيَ وَالإِنْسَانُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدُوٌّ لِصَاحِبِهِ، إِنْ رَآهَا أَفْزَعَتْهُ، وَإِن لَدَغَتْهُ قَتَلَتْهُ، فَاقْتُلْهَا حَيْثُ وَجَدْتَهَا) . جَابِرُ الجُعْفِيُّ: وَاهٍ (1) . وَفِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ: وَفَاةُ شَيْخِ القُرَّاءِ قَالُوْنَ، وَهُوَ الإِمَامُ النَّحْوِيُّ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ مِيْنَا المَدَنِيُّ، مَوْلَى زُهْرَةَ، وَشَيْخُهُ نَافِعٌ هُوَ الَّذِي لَقَبَهُ قَالُوْنَ؛ لِجُوْدَةِ أَدَائِهِ. سُقْتُ مِنْ حَالِهِ فِي (دِيْوَانِ القُرَّاءِ) (2) . 83 - عَلِيُّ بنُ عَيَّاشِ بنِ مُسْلِمٍ الأَلْهَانِيُّ * (خَ (3) ، 4) الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ الأَلْهَانِيُّ (4) ، الحِمْصِيُّ.   (1) في " ميزان الاعتدال " 1 / 380: وقال النسائي وغيره: متروك. وقال يحيى: لا يكتب حديثه ولا كرامة. وقال أبو داود: ليس عندي بالقوي في حديثه. وقال الجوزجاني: كذاب، سألت أحمد عنه، فقال: تركه عبد الرحمن فاستراح. (2) وأيضا فقد ترجمه في الصفحة 326 من هذا الجزء. (*) طبقات ابن سعد 7 / 473، التاريخ الكبير 6 / 290، الجرح والتعديل 6 / 199، المعجم المشتمل: 195، تهذيب الكمال لوحة 988، 989، تذهيب التهذيب 3 / 71 / 2، الكاشف 2 / 292، تذكرة الحفاظ 1 / 384، 385، العبر 1 / 376، تهذيب التهذيب 7 / 368، 369، طبقات الحفاظ: 165، خلاصة تذهيب الكمال: 276، شذرات الذهب 2 / 45. (3) في الأصل: " م " وهو خطأ، والتصويب من " التهذيب " وفروعه. (4) نسبة إلى ألهان بن مالك أخي همدان بن مالك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 قَالَ: وُلِدْتُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (1) . حَدَّثَ عَنْ: حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ التَّابِعِيِّ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالمُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ - وَمَا أَحْسِبُهُ لَحِقَهُ - وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَصَدَقَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّمِيْنِ، وَعُتْبَةَ بنِ ضَمْرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ مَنْصُوْرٍ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَوْطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَوْطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمُّوْيَه، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ عِرْقٍ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أُفِيْدُ النَّاسَ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ وَأَنَا بِدِمَشْقَ، فَيَخْرُجُوْنَ إِلَيْهِ، وَيَسْمَعُوْنَ مِنْهُ، وَأَنَا مُقِيْمٌ بِدِمَشْقَ، حَتَّى وَرَدَ نَعِيُّهُ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: أَدْخَلْتُ عَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: يَا يَحْيَى أَدْخَلْتَ عَلَيَّ مَجْنُوْناً! فَقُلْتُ: أَدْخَلْتُ عَلَيْكَ خَيْرَ أَهْلِ الشَّامِ وَأَعْلَمَهُم مَا خَلاَ أَبَا المُغِيْرَةِ (4) ؟   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 989. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 989. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 199. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 989. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 قُلْتُ: الرَّجُلُ عَمِلَ بِالسُّنَةِ، فَسَلَّمَ، وَتبَسَّمَ، ثُمَّ بَكَى لَمَّا رَأَى مِنَ الكِبْرِ وَالجَبَرُوْتِ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ كِتَابَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ الآخِرَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْكُ الوُضُوْءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (طَهُوْرُ كُلِّ أَدِيْمٍ دِبَاغُهُ) . هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيْفُ الإِسْنَادِ (3) ، غَرِيْبٌ، لَمْ أَجِدْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ، وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مَحْمُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،   (1) " المعرفة والتاريخ " 1 / 203. (2) وأخرجه أبو داود (192) ، والنسائي 1 / 108، وابن الجارود (21) ، والبيهقي 1 / 155 كلهم من طريق علي بن عياش بهذا الإسناد، وهذا إسناد صحيح. (3) رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أحمد 6 / 154، 155 من طريق آخر عن عائشة، وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم (366) ، ومالك 2 / 498، وأبي داود (4123) ، والترمذي (1728) ، والنسائي 7 / 173، وأحمد 1 / 372، وعن سلمة بن المحبق عند أحمد 3 / 476، و5 / 6، وأبي داود (4125) ، والنسائي 7 / 173، 174. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فَاذشَاهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيِّ، سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ فِي المَنَامِ مَا لَمْ يَرَ، وَيَقُوْلَ عَلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَانِيُّ، قَالَ: وَجَّهَ المَأْمُوْنُ إِلَى أَهْلِ حِمْصَ لِيَقْدَمُوا عَلَيْهِ دِمَشْقَ، فَاخْتَارُوا أَرْبَعَةً: يَحْيَى بنَ صَالِحٍ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَخَالِدَ بنَ خَلِيٍّ، فَأُدْخِلَ خَالِدٌ، فَقِيْلَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبِي اليَمَانِ؟ قَالَ: شَيْخُنَا، وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي عَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِن الأَبْدَالِ، إِذَا نَزَلَتْ بِنَا نَازِلَةٌ، سَأَلْنَاهُ، فَدَعَا اللهَ، فَيَكُفُّهَا، وَإِذَا اسْتَسْقَى لَنَا، سُقِيْنَا (2) . 84 - أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو   (1) 6 / 394 في الأنبياء: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام. (2) سيورد المؤلف هذا الخبر بتمامه في الصفحة 640 في ترجمة خالد بن خلي، فانظره. (*) طبقات ابن سعد 7 / 300، تاريخ ابن معين: 618، طبقات خليفة ت (1945) ، التاريخ الكبير 8 / 195، التاريخ الصغير 2 / 355، المعارف لابن قتيبة: 521، الجرح والتعديل 9 / 65، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 548، الأنساب 8 / 283، المعجم المشتمل: 312، تهذيب الكمال لوحة 1440، 1441، تذهيب التهذيب 4 / 116 / 2، العبر 1 / 399، 400، تذكرة الحفاظ 1 / 382، ميزان الاعتدال 4 / 301، الكاشف 3 / 223، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 الوَلِيْد البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الطَّيَالِسِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَشُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَزَائِدَةَ، وَأَبِي هَاشِمٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَسَلْمِ بنِ زَرِيْرٍ، وَعُمَرَ بنِ مُرَقِّعِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَابْنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الغَسِيْلِ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَبُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى، وَالذُّهْلِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَتَمْتَامُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ المَازِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ سَوْرَةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو القَطِرَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ شَاهِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَنْبَرٍ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُكَيْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَأَحْمَدُ   = عيون التواريخ 8 / لوحة 123، 124، تهذيب التهذيب 11 / 45 - 47، طبقات الحفاظ: 164، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب 2 / 62، 63. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُزَاعِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سَهْلٍ المُجَوِّزُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَبُو الوَلِيْدِ مُتْقِنٌ (1) . وَقَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ، أَبُو الوَلِيْدِ اليَوْمَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ اليَوْمَ أَحَداً مِنَ المُحَدِّثِيْنَ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ الحَافِظُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَبُو الوَلِيْدِ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي شُعْبَةَ، أَوْ أَبُو النَّضْرِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ أَبُو الوَلِيْدِ يَكْتُبُ عِنْدَ شُعْبَةَ، فَأَبُو الوَلِيْدِ. قُلْتُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: بَيْنَا أَنَا أَكْتُبُ عِنْدَ شُعْبَةَ، إِذْ بَصُرَ بِي، فَقَالَ: وَتَكْتُبُ؟ فَوَضَعْتُ الأَلْوَاحَ مِنْ يَدِي، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ (3) . قُلْتُ: كَأَنَّهُ كَرِهَ الكِتَابَةَ؛ لأَنَّهُ كَانَ قَادِراً عَلَى أَنْ يَحْفَظَ. وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ أَيْضاً: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اكْتُبْ عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ الأُصُوْلَ، فَإِنَّ غَيْرَ الأُصُوْلِ تُصِيْبُ. وَقَالَ لِي أَبُو نُعَيْمٍ: لَوْلاَ أَبُو الوَلِيْدِ، مَا أَشَرْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَقْدَمَ البَصْرَةَ، فَإِنْ دَخَلْتَهَا، لاَ تَجِدُ فِيْهَا إِلاَّ مُغَفَّلاً إِلاَّ أَبَا الوَلِيْدِ (4) . قُلْتُ: عَفَا اللهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ بِالبَصْرَةِ مِثْلُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَعْلاَمِ الحَدِيْثِ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 65، و" تهذيب الكمال " لوحة 1441. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 65، و" تهذيب الكمال " لوحة 1441. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 65، و" تهذيب الكمال " لوحة 1441. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 قَالَ ابْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو الوَلِيْدِ، وَمَا أُرَانِي أَدْرَكْتُ مِثْلَهُ (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَبُو الوَلِيْدِ شَيْخُ الإِسْلاَمِ. وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو حَفْصٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ غَالِبٍ، سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: لَوْ كُنْتُ عَبْداً لَكُم، لاَسْتُبِعْتُ، إِلَى مَتَى؟! هُوَ ذَا أُحَدِّثُ مُنْذُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ عَنِّي جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، كَتَبَ عَنِّي حَدِيْثَ القِلاَدَةِ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: أَبُو الوَلِيْدِ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يَرْوِي عَنْ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وَكَانَتْ إِلَيْهِ الرِّحْلَةُ بَعْد أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (3) . ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ أَمِيْرُ المُحَدِّثِيْنَ (4) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ - وَذَكَرَ أَبَا الوَلِيْدِ - فَقَالَ: أَدْرِكَ نِصْفَ الإِسْلاَمِ، وَكَانَ إِمَاماً فِي زَمَانِهِ، جَلِيْلاً عِنْدَ النَّاسِ (5) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: أَبُو الوَلِيْدِ: إِمَامٌ، فَقِيْهٌ، عَاقِلٌ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مَا رَأَيْتُ فِي يَدِهِ كِتَاباً قَطُّ. وَسُئِلَ أَبِي عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ، وَحَجَّاجِ بنِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (2) حديث القلادة رواه فضالة بن عبيد، وقد تقدم تخريجه في الجزء التاسع ص 13 في ترجمة جرير بن عبد الحميد، فانظره. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 66. (5) " الجرح والتعديل " 9 / 66، و" تهذيب الكمال " لوحة 1441. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 مِنْهَالٍ، فَقَالَ: أَبُو الوَلِيْدِ عِنْدَ النَّاسِ أَكْبَرُ. كَانَ يُقَالُ: سَمَاعُهُ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فِيْهِ شَيْءٌ، كَأَنَّهُ (1) سَمِعَ مِنْهُ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ حَمَّادٌ سَاءَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: مَا رَأَيْتُ قَطُّ بَعْدَهُ كِتَاباً أَصَحَّ مِنْ كِتَابِهِ (3) . وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ البَصْرَةَ وَالنَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَا بِالبَصْرَةِ أَعْقَلُ مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ، وَبَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ (4) . وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ حَمَّادٍ، قَالَ: اسْتَأَذَنَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى الوِسَادَةِ، ثُمَّ قَالَ لِلْخَادمِ: قُولِي لَهُ: السَّاعَةَ وَضَعَ رَأْسَهُ (5) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ أَبُو الوَلِيْدِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (6) . قَالَ البُخَارِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (7) . وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي صَفَرٍ مِنْهَا (8) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَنْبَأَكُم عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا   (1) في الأصل على هامش النسخة: فإنه " خ. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 66، و" تهذيب الكمال " لوحة 1441. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. (6) " طبقات ابن سعد " 7 / 300. (7) " التاريخ الصغير " 2 / 355. (8) " تهذيب الكمال " لوحة 1441. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَرَاءِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا سُئِلَ المُسْلِمُ فِي القَبْرِ، فَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيْمُ: 27] . وَبِهِ: قَالَ البَجَلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ، وَالحَوْضِيِّ. أَنْبَأَنَا جَمَاعَةٌ عَنْ أَسَعْدَ بنِ رَوْحٍ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيْفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ (2) الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ غُدَيَّةً بِثَرِيْدٍ لَهَا تَحْمِلُهَا فِي طَبَقٍ، حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا: (أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟) قَالَتْ: هُوَ فِي البَيْتِ. قَالَ: (ادْعِيْهِ، وَائْتِيْنِي بِابْنَيَّ) . قَالَتْ: فَجَاءتْ تَقُودُ ابْنَيْهَا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدٍ، وَعَلِيٌّ يَمْشِي فِي أَثَرِهَا، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجلَسَهُمَا فِي حَجْرِهِ، وَجَلَسَ عَلِيٌّ عَلَى يَمِيْنِهِ، وَجَلَسَتْ فَاطِمَةُ عَنْ يَسَارِهِ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَأَخَذتُ مِنْ تَحتِي كِسَاءً كَانَ بِسَاطَنَا عَلَى المَنَامَةِ فِي البَيْتِ، بِبُرْمَةٍ فِيْهَا خَزِيرَةٌ (3) ، فَجَلَسُوا يَأْكلُوْنَ مِنْ تِلْكَ البُرْمَةِ، وَأَنَا   (1) 3 / 184 في الجنائز: باب ما جاء في عذاب القبر، و8 / 286 في تفسير سورة إبراهيم: باب (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) . (2) في الأصل: " أبو داود " وهو خطأ. (3) قال في " النهاية ": الخزيرة: لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق. والبرمة: القدر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 أُصَلِّي فِي تِلْكَ الحُجْرَةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ، وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] ، فَأَخَذَ فَضْلَ الكِسَاءِ، فَغَشَّاهُم، ثُمَّ أَخرَجَ يَدَهُ اليُمْنَى مِنَ الكِسَاءِ، وَأَلوَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَتِي (1)) . قَالَتْ: فَأَدخَلْتُ رَأْسِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَأَنَا مَعَكُم. قَالَ: (أَنْتِ إِلَى خَيْرٍ) مَرَّتَيْنِ (2) . رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ (3) مُخْتَصَراً، وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيْقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ. 85 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الوَرَّاقُ الكُوْفِيُّ * (خَ) الحَافِظُ. سَمِعَ: مِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الغَسِيْلِ، وَإِسْرَائِيْلَ بنَ يُوْنُسَ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ بَهْرَامَ، وَأَبَا المُحَيَّاةِ يَحْيَى بنَ يَعْلَى التَّيْمِيَّ، وَيَحْيَى بنَ يَعْلَى الأَسْلَمِيَّ، وَأَبَا الأَحْوَصِ سَلاَّمَ بنَ سُلَيْمٍ، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.   (1) في " النهاية " حامة الإنسان: خاصته ومن يقرب منه، وهو الحميم أيضا. (2) أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " برقم (2666) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه في الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 254، 255. (3) برقم (3871) . (*) العلل لأحمد: 263، التاريخ الكبير 1 / 347، التاريخ الصغير 2 / 237، الجرح والتعديل 2 / 160، 161، الكامل لابن عدي 1 / لوحة 26، المعجم المشتمل: 78، تهذيب الكمال لوحة 95، ميزان الاعتدال 1 / 212، المغني في الضعفاء 1 / 77، الكاشف 1 / 117، تذهيب التهذيب 1 / 60 / 1، مقدمة فتح الباري ص 387، تهذيب التهذيب 1 / 269، 270. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ أَبِي غَرَزَةَ الغِفَارِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَكَمِ الحِبَرِيُّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الوَرَّاقُ ثِقَةٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الغَنَوِيُّ كَذَّابٌ، وَضَعَ حَدِيْثاً: أَنَّ السَّابِعَ مِنْ وَلَدِ العَبَّاسِ يَلْبَسُ الخُضْرَةَ. يَعْنِي: المَأْمُوْنَ. قِيْلَ: كَانَ فِي الوَرَّاقِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ كَدَأْبِ أَهْلِ بَلَدِهِ. أَرَّخَ أَبُو جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ مَوْتَ الوَرَّاقِ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. 86 - الغَنَوِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ * أَبُو إِسْحَاقَ الكُوْفِيُّ، الحَنَّاطُ، الكَذَّابُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ.   (1) هذه النسبة إلى ثياب يقال لها: الحبرة، وهي ضرب من برود اليمن، انظر " الأنساب " 4 / 44. (*) التاريخ الكبير 1 / 347، التاريخ الصغير 2 / 337، الضعفاء الصغير: 16، الضعفاء والمتروكين: 16 للنسائي، الضعفاء للعقيلي لوحة 27، الجرح والتعديل 2 / 160، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 128، الكامل لابن عدي 1 / لوحة: 26، تاريخ بغداد 6 / 240، 242، تهذيب الكمال لوحة: 96، تذهيب التهذيب 1 / 60 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 211، 212، المغني في الضعفاء 1 / 77، تهذيب التهذيب 1 / 270، خلاصة تذهيب الكمال: 32. (2) أي: إسماعيل بن أبان الوراق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ. وَرَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي غَرَزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ، وَطَائِفَةٌ. كَذَّبَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيْثِهِ عَنْ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ، إِمَّا إِسْنَاداً، وَإِمَّا مَتْناً (2) . قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ. ذَكَرْنَاهُ لِلتَّمْيِيْزِ - اللهُ يُسَامِحُهُ -. 87 - عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقِ بنِ دِيْنَارِ بنِ مِشْعَبٍ العَبْدِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَرْوَزِيُّ. يُقَالُ: إِنَّهُ مَوْلَى آلِ الجَارُوْدِ العَبْدِيِّ. وَكَانَ جَدُّهُ شَقِيْقٌ بَصْرِيّاً، فَقَدِمَ خُرَاسَانَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ   (1) التاريخ الكبير " 1 / 347. (2) " الكامل " 1 لوحة 26. (*) طبقات ابن سعد 7 / 376، طبقات خليفة ت (3153) ، التاريخ الكبير 6 / 268، التاريخ الصغير 2 / 333، الجرح والتعديل 6 / 180، تاريخ بغداد 11 / 370، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 353، المعجم المشتمل 189، تهذيب الكمال لوحة 962، تذهيب التهذيب 3 / 56 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 370، العبر 1 / 368، الكاشف 2 / 281، تهذيب التهذيب 7 / 298، طبقات الحفاظ 158، شذرات الذهب 2 / 35، خلاصة تذهيب الكمال 272. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 وَاقِدٍ، وَأَبِي المُنِيْبِ عُبَيْدِ اللهِ العَتَكِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ، وَخَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَوْنِ بنِ مُوْسَى، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَزِمَ ابْنَ المُبَارَكِ دَهْراً، وَحَمَلَ عَنْهُ جَمِيْعَ تَصَانِيْفِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الضَّعِيْفُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الآمُلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِشَامِ بنِ أَبِي دَارَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ الزَّاهِدُ، وَرَوْحُ بنُ الفَرَجِ البَغْدَادِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَادَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي النَّضْرِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ بِخُرَاسَانَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ - وَقِيْلَ لَهُ: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ - قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، إِلاَّ أَنَّهُم تَكَلَّمُوا فِيْهِ فِي الإِرْجَاءِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِه: قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا -يَعْنِي: ابْنَ مَعِيْنٍ-: مَا أَعْلَمُ أَحَداً قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ خُرَاسَانَ كَانَ أَفْضَلَ مِنِ ابْنِ شَقِيْقٍ. وَكَانُوا كَتَبُوا فِي أَمرِه كِتَاباً أَنَّهُ يَرَى الإِرْجَاءَ، فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: لاَ أَجعَلُكُم فِي حِلٍّ (2) .   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 371، و" تهذيب الكمال " لوحة 963. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 371، و" تهذيب الكمال " لوحة 963. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 ثُمَّ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَكَانَ عَالِماً بِابْنِ المُبَارَكِ، قَدْ سَمِعَ الكُتُبَ مِرَاراً، حَدَّثَ يَوْماً عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ شُرَاجَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: شُرَاحَةَ. فَقَالَ: لاَ، ابْنُ شُرَاجَةَ. سَمِعْتُه مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ مَرَّةً. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَهُوَ الصَّوَابُ: ابْنُ شُرَاجَةَ -يَعْنِي: بِالجِيمِ (1) -. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ: سُفْيَانُ بنُ زِيَادٍ، وَبَعدَه: سُلَيْمَانُ، وَبَعدَه: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَدْ سَمِعَ عَلِيٌّ الكُتُبَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ (3) . وَقَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ: قُلْتُ لِلشَّقِيْقِيِّ: سَمِعْتَ مِنْ أَبِي حَمْزَةَ كِتَابَ الصَّلاَةِ؟ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ، وَلَكِنْ نَهَقَ حِمَارٌ يَوْماً، فَاشتَبَهَ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 371، و" تهذيب الكمال " لوحة 963. وقال البخاري في " " تاريخه " 3 / 396: زيد بن شراحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وفي " الجرح والتعديل " 3 / 564: زيد بن شراحة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مراسيل ليست له صحبة، وهو تابعي بصري لا يدرى من أدرك، روى عنه عاصم الاحول، وعوف الاعرابي، سمعت أبي يقول ذلك. وقال ابن ماكولا في " الإكمال " 5 / 50، وبالجيم: زيد بن شراجة روى عنه عوف الاعرابي، وقيل بالحاء، وبالجيم أصح، قاله يحيى بن معين. وفي " مشتبه " المؤلف 2 / 393: وبجيم زيد ابن شراجة شيخ لعوف الاعرابي. وعلق عليه ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه " 2 / 101 / 1 فقال: قلت: وجدته في تاريخ البخاري بخط أبي الغنائم النرسي بضم أوله وبالحاء المهملة، وقد فتح المصنف أوله فيما وجدته بخطه، والصواب ما ذكره البخاري، فقال: زيد ابن شراحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وأشار ابن ماكولا إلى الخلاف، فقال: وقيد بالحاء، وبالجيم أصح، قاله يحيى بن معين. وفي القاموس: وزيد بن شراجة كسحابة شيخ لعوف الاعرابي. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 371، و" تهذيب الكمال " لوحة 963. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 180. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 عَلَيَّ حَدِيْثٌ، فَلاَ أَدْرِي أَيُّ حَدِيْثٍ هُوَ؟ فَتَرَكتُ الكِتَابَ كُلَّه (1) . قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: كَانَ ابْنُ شَقِيْقٍ جَامِعاً، وَكَانَ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ يُعَدُّ مِنْ أَحْفَظِهِم لِكُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَقَدْ شَارَكَ ابْنَ المُبَارَكِ فِي كَثِيْرٍ مِنْ شُيُوْخِهِ، مِثْلِ شَرِيْكٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَقَيْسٍ، وَكَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَكَانَ أَوَّلُ أَمرِهِ المُنَازَعَةَ مَعَ أَهْلِ الكِتَابِ، حَتَّى كَتَبَ التَّوْارَةَ وَالإِنْجِيْلَ وَالأَرْبَعَةَ وَالعِشْرِيْنَ كِتَاباً مِنْ كُتُبِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، ثُمَّ صَارَ شَيْخاً عَاجِزاً (2) ، لاَ يُمكِنُه أَنْ يَقْرَأَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ كُلَّ إِنْسَانٍ الَحَدِيْثَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . وَكَذَا أَرَّخَهُ: الفَسَوِيُّ (4) ، وَمُطَيَّنٌ. قَالَ أَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ: وُلِدَ لَيْلَةَ قُتِلَ أَبُو مُسْلِمٍ بِالمَدَائِنِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ يَسْكُنُ البَهَارَةَ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقِيْلَ فِي وَفَاتِه: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَنَقَلَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. 88 - حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 963. (2) في " تاريخ بغداد " و" تهذيب الكمال ": ضعيفا. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 372، و" تهذيب الكمال " لوحة 963. (4) " المعرفة والتاريخ " 1 / 199. (*) العلل 353، طبقات ابن سعد 7 / 301، طبقات خليفة ت (1943) ، تاريخ خليفة 475، التاريخ الكبير 2 / 380، التاريخ الصغير 2 / 338، الجرح والتعديل 3 / 166، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 99، المعجم المشتمل 94، تهذيب الكمال لوحة 238، تهذيب التهذيب 1 / 123 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 403، العبر 1 / 371، الكاشف 1 / 208، تهذيب = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 الأَنْمَاطِيُّ (1) ، أَخُو مُحَمَّدٍ (2) . حَدَّثَ عَنْ: قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَشُعْبَةَ، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَالِكٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالبَاقُوْنَ بِوَاسِطَةٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ الرَّقِّيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، فَاضِلٌ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، كَانَ سِمْسَاراً، يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ دِيْنَارٍ حَبَّةً، فَجَاءَ خُرَاسَانِيٌّ مُوْسِرٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَاشْتَرَى لَهُ أَنْمَاطاً، فَأَعْطَاهُ التَّاجِرُ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَمْسَرَتُكَ. قَالَ: دَنَانِيْرُكَ أَهوَنُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا التُّرَابِ، هَاتِ مِنْ كُلِّ دِيْنَارٍ حَبَّةً. فَأَخَذَ مِنْهُ دِيْنَاراً، وَكِسَراً (4) . قَالَ خَلَفٌ كُرْدُوْسُ: كَانَ حَجَّاجٌ صَاحِبَ سُنَّةٍ يُظهِرُهَا، مَاتَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (5) .   = التهذيب 2 / 206، طبقات الحفاظ 171، خلاصة تذهيب الكمال: 72، شذرات الذهب 2 / 38. (1) نسبة إلى بيع الانماط، وهي الفرش التي تبسط. " الأنساب " 1 / 376. (2) سترد ترجمته في الصفحة 642 من هذا الجزء. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 167. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 238. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 238. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فِي شَوَّالٍ (1) . وَفِي عَصْرِهِ: حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، وَقَدْ مَرَّ (2) . وَحَجَّاجُ بنُ نُصَيْرٍ الفَسَاطِيْطِيُّ (3) : يَرْوِي أَيْضاً عَنْ قُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَهُوَ لَيِّنٌ. وَحَجَّاجُ بنُ أَبِي مَنِيْعٍ الرُّصَافِيُّ (4) : الَّذِي يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ نُسْخَةً، عَنِ الزُّهْرِيِّ، صَدُوْقٌ، لَقِيَهُ الذُّهْلِيُّ، وَابْنُ وَارَةَ، وَالفَسَوِيُّ. 89 - الحَوْضِيُّ حَفْصُ بنُ عُمَرَ بنِ الحَارِثِ بنِ سَخْبَرَةَ * (خَ، د، س) الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، أَبُو   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 301، و" التاريخ الكبير " 2 / 380. (2) الذي مر في الجزء التاسع هو الحجاج بن محمد المصيصي الاعور، وهو ترمذي الأصل، سكن بغداد، ثم تحول إلى المصيصة، ولم ينسبه أحد فيما نعلم إلى الرقي، ولم نجد في هذه الطبقة في كتب التراجم من يسمى بهذا الاسم وينسب إلى الرقي. (3) نسبة إلى الفساطيط، وهي البيوت من الشعر كما في " الأنساب " و" اللباب " وفي الأصل والمطبوع من " التاريخ الكبير " للبخاري 2 / 380: " الفسطاطي " وهو خطأ. مترجم في: طبقات ابن سعد 7 / 305، الجرح والتعديل 3 / 167، الأنساب 9 / 302، اللباب 2 / 431، تهذيب الكمال لوحة 238، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 465، المغني في الضعفاء 1 / 151، الكاشف 1 / 208، تهذيب التهذيب 2 / 208، خلاصة تذهيب الكمال: 73. (4) نسبة إلى رصافة الشام كما ذكر السمعاني في " الأنساب " 6 / 130، ونسبه البخاري في " التاريخ الكبير " شاميا، ورصافة الشام هي رصافة هشام بن عبد الملك تقع في غربي الرقة، بناها لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف. وحجاج هذا مترجم في: التاريخ الكبير 2 / 380، الأنساب 6 / 130، اللباب 2 / 29، تهذيب الكمال لوحة 238، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 207، خلاصة تذهيب الكمال: 73. (*) العلل 189، طبقات ابن سعد 7 / 306، التاريخ الكبير 2 / 366، الجرح والتعديل 3 / 182، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 93، الأنساب 4 / 271، المعجم المشتمل: 108، اللباب 1 / 401، 402، تهذيب الكمال 2 / 307، تذهيب التهذيب 1 / 163 / 1. = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 عُمَرَ الأَزْدِيُّ، النَّمِرِيُّ؛ مِنَ النَّمِرِ بنِ غَيْمَانَ، البَصْرِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِالحَوْضِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَأَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ وَاصِلِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالبُخَارِيُّ أَيْضاً وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُرَّزَاذَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُزَاعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. رَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هُوَ ثَبْتٌ، مُتْقِنٌ، لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدَيْنِيِّ: اجْتَمَعَ أَهْلُ البَصْرَةِ عَلَى عَدَالَةِ أَبِي عُمَرَ الحَوْضِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ (2) . قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ جَرِيْرِ بنِ جَبَلَةَ: أَبُو عُمَرَ هُوَ مَوْلَى النَّمِرِيِّيْنَ، صَاحِبُ كِتَابٍ، مُتْقِنٌ، رَأَيْتُهُ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (3) .   = تذكرة الحفاظ 1 / 405، العبر 1 / 393، الكاشف 1 / 241، ميزان الاعتدال 1 / 566، تهذيب التهذيب 2 / 405، طبقات الحفاظ: 172، خلاصة تذهيب الكمال 87، شذرات الذهب 2 / 156. (1) " الجرح والتعديل " 3 / 182، و" تهذيب الكمال " لوحة 307. (2) تهذيب الكمال " لوحة 307. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 308. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُتْقِنٌ، صَدُوْقٌ، أَعْرَابِيٌّ، فَصِيْحٌ (1) . 90 - الحُسَيْنُ بنُ حَفْصِ بنِ الفَضْلِ بنِ يَحْيَى بنِ ذَكْوَانَ الهَمْدَانِيُّ * (م، ق) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، الفَقِيْهُ الأَوْحَدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَصْلُه كُوْفِيٌّ. نَقَلَ عِلْماً كَثِيْراً، وَتَفَقَّهَ، وَأَفْتَى بِمَذْهَبِ الكُوْفِيِّيْنَ، وَكَانَ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ أَصْبَهَانَ، وَقَضَاؤُهَا، وَأَمرُ الفَتَاوَى (2) . حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَهِشَامِ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَسِيْدُ بنُ عَاصِمٍ، وَعُمَرُ بنُ شَبَّةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ، وَيَحْيَى بنُ حَاتِمٍ العَسْكَرِيُّ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِصَامِ بنِ يَزِيْدَ جَبَّرُ (3) .   (1) الجرح والتعديل " 3 / 182. (*) التاريخ الكبير 2 / 391، التاريخ الصغير 2 / 320، الجرح والتعديل 3 / 50، طبقات المحدثين بأصبهان 42 / 1 لأبي الشيخ، أخبار أصبهان 1 / 274، 276، تهذيب الكمال لوحة 287، تذهيب التهذيب 1 / 147 / 2، العبر 1 / 362، الكاشف 1 / 230، تهذيب التهذيب 2 / 337، خلاصة تذهيب الكمال 82، شذرات الذهب 2 / 28. (2) " أخبار أصبهان " 1 / 274. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 50، وجبر: بفتح الجيم وتثقيل الموحدة المفتوحة ثم راء، هو لقب عصام بن يزيد الأصبهاني. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ: كَانَ وَجْهَ النَّاسِ وَزَينَهُم، وَكَانَ دَخْلُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفٍ، فَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَطُّ، وَكَانَتْ صِلاَتُهُ وَجَوَائِزُه دَارَّةً عَلَى المُحَدِّثِيْنَ وَأَهْلِ العِلْمِ وَالفَضْلِ، مِثْلِ أَبِي مَسْعُوْدٍ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَكَانَ مِنَ المُخْتَصِّيْنَ بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقِيْلَ: إِنَّ سُفْيَانَ حَجَّ عَلَى مَرْكَبِهِ (1) . قُلْتُ: خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجَيْرَانِيُّ (2) . مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ. 91 - عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ الكَلاَعِيُّ * (خَ، د، ت، س) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكَلاَعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ التِّنِّيْسِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ يَحْيَى الطَّرَابُلُسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ سَالِمٍ الحِمْصِيِّ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ   (1) أخبار أصبهان 1/ 274، 275، وتهذيب الكمال لوحة 287، 288 (2) ضبطه السمعاني في الأنساب 3 / 407: بفتح الجيم وسكون الياء وبعدها الراء وفي آخرها النون، وقال: هذه النسبة إلى جيران من قرى أصبهان على فرسخين منها فيما أظن، والمشهور بالنسبة إليها محمد بن إبراهيم الجيراني. (*) التاريخ الكبير 5 / 233، التاريخ الصغير 2 / 338، الجرح والتعديل 5 / 205، الكامل لابن عدي لوحة 438، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 268، الأنساب 3 / 96، تاريخ ابن عساكر 29 / 186، المعجم المشتمل 163، 164، تهذيب الكمال لوحة 758، تذهيب التهذيب 2 / 196 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 404، 405، العبر 1 / 373، الكاشف 2 / 145، ميزان الاعتدال 2 / 528، تهذيب التهذيب 6 / 86، طبقات الحفاظ 172، حسن المحاضرة 1 / 346، خلاصة تهذيب الكمال: 219، شذرات الذهب 2 / 44 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 مُهَاجِرٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُوَقَّرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَعِدَّةٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَأَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي (المُوَطَّأِ) : عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، وَالقَعْنَبِيُّ. وَقَالَ أَيْضاً: مَا بَقِيَ عَلَى أَدِيْمِ الأَرْضِ أَوْثَقُ مِنْهُ فِي (المُوَطَّأِ) . يُرِيْدُ: عَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ مِنْ أَثْبَتِ الشَّامِيِّيْنَ (2) . وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: سَمِعَ مَعِيَ (المُوَطَّأَ) فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (4) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: صَدُوْقٌ، خَيِّرٌ، فَاضِلٌ (5) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (6) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ، وَعِنْدَهُ عَنْ مَالِكٍ مَسَائِلُ (7) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 758. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 758. (3) " الكامل " لابن عدي 3 / لوحة 438، و" تهذيب الكمال " لوحة 758. (4) " الجرح والتعديل " 5 / 205. (5) " الكامل " لابن عدي 3 / لوحة 438. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 758. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 758. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 358 92 - ابْنُ المَاجَشُوْنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّيْمِيُّ * (س، ق) العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ الإِمَامِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ المَاجَشُوْنِ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، المَدَنِيُّ، المَالِكِيُّ، تِلْمِيْذُ الإِمَامِ مَالِكٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَخَالِهِ؛ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ المَاجَشُوْنِ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَسَعْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ مُفْتِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ فَقِيْهاً، فَصِيْحاً، دَارَتْ عَلَيْهِ الفُتْيَا فِي زَمَانِهِ، وَعَلَى أَبِيْهِ قَبْلَهُ، وَكَانَ ضَرِيْراً. قِيْلَ: إِنَّهُ عَمِيَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. قَالَ:   (*) طبقات ابن سعد 5 / 442، التاريخ الكبير 5 / 424، التاريخ الصغير 2 / 329، الجرح والتعديل 5 / 358، الانتقاء: 57، طبقات الفقهاء للشيرازي: 148، ترتيب المدارك 2 / 360، 365، وفيات الأعيان 3 / 166، 167، تهذيب الكمال: لوحة (850) ، تذهيب التهذيب 2 / 251 / 2، ميزان الاعتدال: 2 / 658، 659، العبر 1 / 363، الكاشف 2 / 211، نكت الهميان 2 / 197، الديباج المذهب 2 / 866، تهذيب التهذيب 6 / 408، خلاصة تذهيب الكمال: 244 - 245، شذرات الذهب 2 / 28، شجرة النور الزكية 1 / 56. والماجشون بكسر الجيم وفتحها وضمها، وعلى كسرها اقتصر السمعاني في " الأنساب "، وابن خلكان في " الوفيات "، والنووي في " شرح مسلم "، وابن حجر في " التقريب "، وابن فرحون في " الديباج المذهب "، وفي " شرح الشفاء ": معناه: الابيض المشرب بحمرة، معرب: " ماه كون " معناه لون القمر. انظر شرح القاموس 4 / 348. (1) " الانتقاء " لابن عبد البر: ص 58، و" ترتيب المدارك " 2 / 360، و" تهذيب الكمال " لوحة 859. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 359 وَكَانَ مُوْلَعاً بِسَمَاعِ الغِنَاءِ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ الفَقِيْهُ: كُلَّمَا تَذَكَّرْتُ أَنَّ التُّرَابَ يَأْكُلُ لِسَانَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، صَغُرَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِي (2) . وَكَانَ ابْنُ المُعَذَّلِ مِنَ الفُصَحَاءِ المَذْكُوْرِيْنَ، فَقِيْلَ لَهُ: أَيْنَ لِسَانُكَ مِنْ لِسَانِ أُسْتَاذِكَ عَبْدِ المَلِكِ؟ فَقَالَ: لِسَانُهُ إِذَا تَعَايَى، أَحْيَى مِنْ لِسَانِي إِذَا تَحَايَى (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ لاَ يَعقِلُ الحَدِيْثَ (4) -يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُرْسَانِهِ- وَإِلاَّ فَهُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بَحْراً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ (5) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. 93 - التَّبُوْذَكِيُّ أَبُو سَلَمَةَ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَلَمَةَ مُوْسَى بنُ   (1) " الانتقاء ": ص 57. (2) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 377، و" ترتيب المدارك " 2 / 361. (3) " وفيات الأعيان " 3 / 377، و" ترتيب المدارك " 2 / 361. (4) " وفيات الأعيان " 3 / 378، و" تهذيب الكمال " لوحة 859. (5) " الديباج المذهب " 2 / 7. (*) طبقات ابن سعد 7 / 306، طبقات خليفة ت (1952) ، تاريخ خليفة 206، التاريخ الكبير 7 / 280، التاريخ الصغير 2 / 349، الجرح والتعديل 8 / 136، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 484، الأنساب 3 / 23، المعجم المشتمل 296، تهذيب الكمال لوحة: 1381، تذهيب التهذيب 4 / 76 / 1، تذكرة الحفاظ 394 - 395، ميزان الاعتدال 4 / 200، العبر 1 / 388، الكاشف 3 / 180 - 181، تهذيب التهذيب 10 / 333، مقدمة فتح الباري 446، طبقات الحفاظ 176 - 177، خلاصة تذهيب الكمال 389. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 إِسْمَاعِيْلَ المِنْقَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، التَّبُوْذَكِيُّ. وُلِدَ: فِي صَدْرِ خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَرَوَى عَنْ: أَعْيَنَ الخُوَارِزْمِيِّ - مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ - وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَأَبِي هِلاَلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَالضَّحَّاكِ بنِ نَبَرَاسٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَوُهَيْبٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، أَوَّلُ سَمَاعَاتِه فِي عَامِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالبَاقُوْنَ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، وَسِبْطُهُ؛ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا جَلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ إِلاَّ هَابَنِي، أَوْ عَرَفَ لِي، مَا خَلاَ هَذَا الأَثْرَمِ التَّبُوْذَكِيِّ، فَعَدَدتُ لابْنِ مَعِيْنٍ مَا كَتَبنَا عَنْهُ خَمْسَةً وَثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ (1) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1381. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (1) . وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: كَانَ كَيِّساً، وَكَانَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ رَجُلاً صَالِحاً، وَأَبُو سَلَمَةَ أَتْقَنُهُمَا (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَنْ لَمْ يَكْتُبْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، كَتَبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ (4) . قُلْتُ: هَكَذَا جَرَى لِمُسْلِمٍ، تَوَانَى فِي لُقِيِّهِ، فَكَتَبَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ (5) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً بِالبَصْرَةِ مِمَّن أَدرَكْنَاهُ أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْهُ (6) . قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّبُوْذَكِيَّ؛ لأَنَّهُ اشْتَرَى بِتَبُوْذَكَ دَاراً، فَنُسِبَ إِلَيْهَا (7) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ جُزِيَ خَيْراً مَنْ سَمَّانِي   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 136، و" تهذيب الكمال " لوحة 1381. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 136. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 136. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 306. (5) " الطبقات الكبرى " 8 / 306. (6) وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 446: أحد الاثبات الثقات، اعتمده البخاري، فروى عنه علما كثيرا، ووثقه الجمهور، وشذ ابن خراش، فقال: تكلم الناس فيه وهو صدوق، كذا قال ولم يفسر ذلك الكلام. (7) " الجرح والتعديل " 8 / 306. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 تَبُوْذَكِيَّ، أَنَا مَوْلَى بَنِي مِنْقَرٍ، إِنَّمَا نَزَلَ دَارِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ تَبُوْذَكَ، فَسَمَّوْنِي تَبُوْذَكِيَّ (1) . وَيُقَالُ: التَّبُوْذَكِيُّ: هُوَ الَّذِي يَبِيْعُ رِقَابَ الدَّجَاجِ وَقَوَانِصَهَا (2) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ المُتَّقِيْنَ. قَالَ الحَسَنُ بنُ القَاسِمِ بنِ دُحَيْمٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ المِنْقَرِيِّ البَصْرِيِّ: قَدِمَ عَلَيْنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَكَتَبَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ شَيْئاً، فَلاَ تَغْضَبْ. قَالَ: هَاتِ. قَالَ: حَدِيْثُ هَمَّامٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ حَدِيْثَ الغَارِ (3) لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، إِنَّمَا رَوَاهُ عَفَّانُ وَحِبَّانُ، وَلَمْ أَجِدْه فِي صَدْرِ كِتَابِكَ، إِنَّمَا وَجَدْتُهُ عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ: فَتَقُوْلُ مَاذَا؟ قَالَ: تَحْلِفُ لِي أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ هَمَّامٍ؟ قَالَ: ذَكَرْتَ أَنَّكَ كَتَبْتَ عَنِّي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَإِنْ كُنْتُ عِنْدَكَ فِيْهَا صَادِقاً، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُكَذِّبَنِي فِي حَدِيْثٍ، وَإِنْ كُنْتُ عِنْدَكَ كَاذِباً، مَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَدِّقَنِي فِيْهَا، وَلاَ تَكْتُبَ عَنِّي شَيْئاً، وَتَرْمِيَ بِهِ، بَرَّةُ بِنْتُ أَبِي عَاصِمٍ طَالِقٌ ثَلاَثاً إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْ هَمَّامٍ، وَاللهِ لاَ كَلَّمتُكَ أَبَداً (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1381. (2) انظر " الأنساب " 3 / 22، 23. (3) أخرجه البخاري 7 / 202 في الهجرة، من طريق موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، عن ثابت، عن أنس، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا. قال: " اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما ". وأخرجه البخاري 7 / 9، 10، من طريق محمد بن سنان، عن همام، وأخرجه أيضا 8 / 245 من طريق عبد الله بن محمد، حدثنا حبان، عن همام. وأخرجه مسلم (2381) ، من طرق عن حبان بن هلال، عن همام. وأخرجه الترمذي (3096) من طريق زياد بن أيوب، عن عفان بن مسلم، عن همام. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1381، 1382. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 قَالَ حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ الجَوْهَرِيُّ: كَانَ أَبُو سَلَمَةَ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ قَدْ رَأَى سَعِيْدَ بنَ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَحَفِظَ عَنْهُ مَسَائِلَ، مَاتَ بِالبَصْرَةِ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَلَمَةَ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أُعْطِيَ يُوْسُفُ شَطْرَ الحُسْنِ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (3) ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً. كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو الفَرَجِ بنُ قُدَامَةَ، وَغَيْرهُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَلَمَةَ بنِ أَبِي الحُسَامِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اجْتَمَعَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ، وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئاً، وَذَكَرَ حَدِيْثَ أُمِّ زَرْعٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1382. (2) " الطبقات " 7 / 306. (3) رقم (162) في الايمان: باب الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلاة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشَةُ! فَكُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ الحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. أَمَّا: 94 - مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ الجَبُّلِيُّ * فَشَيْخٌ، صَادِقٌ، مُعَاصِرٌ لِلتَّبُوْذَكِيِّ. رَوَى عَنْ: يَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَالحَسَنُ بنُ سَهْلٍ المُجَوِّزُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . وَجَبُّلُ: قَرْيَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ وَاسِطَ. 95 - مُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيُّ أَبُو يَعْلَى الحَنَفِيُّ ** (ع) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو يَعْلَى الحَنَفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَمُفْتِيْهَا.   (1) رقم (2448) في فضائل الصحابة: باب ذكر حديث أم زرع. * الجرح والتعديل 8 / 136، الأنساب 3 / 182 - 183. معجم البلدان 2 / 104. (2) الجرح والتعديل 8 / 136. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 341، التاريخ الكبير 7 / 394، التاريخ الصغير 2 / 323، الضعفاء للعقيلي لوحة 422، الجرح والتعديل 3 / 334، الكامل لابن عدي لوحة 777، تاريخ بغداد 13 / 188 - 190، تذهيب التهذيب 4 / 56، تذكرة الحفاظ 1 / 377، ميزان الاعتدال 4 / 150 - 151، المغني في الضعفاء 2 / 670، العبر 1 / 357، الكاشف = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عِكْرِمَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَزْدِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَصَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَتَفَقَّهَ بِهِ مُدَّةً، وَكَتَبَ عَنْ خَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَأَحْكَمَ الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو ثَوْرٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ فِي غَيْرِ (الصَّحِيْحِ) ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَابْنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَتَبْتُ عَنْهُ شَيْئاً (1) . وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ يُحَدِّثُ بِمَا وَافَقَ الرَّأْيَ، وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يُخْطِئُ فِي حَدِيْثَيْنِ وَثَلاَثَةٍ، فَكُنتُ أَجُوزُهُ إِلَى عُبَيْدِ بنِ أَبِي قُرَّةَ فِي قَطِيْعَةِ الرَّبِيْعِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطَّبَّاعِ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ مُعَلَّى   = 3 / 164، تهذيب التهذيب 10 / 238، مقدمة الفتح 444، طبقات الحفاظ: 160، خلاصة تذهيب الكمال 388، شذرات الذهب 2 / 27، الفوائد البهية 215. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1353. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 189، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 الرَّازِيِّ، فَسَكَتَ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قِيْلَ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنِ المُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ؟ قَالَ: كَانَ يَكْتُبُ الشُّرُوْطَ، وَمَنْ كَتَبَهَا، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ (2) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَحِمَ اللهُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ غُصَصٌ مِنْ أَحَادِيْثَ ظَهَرَتْ عَنِ المُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَكَانَ المُعَلَّى أَشبَهَ القَوْمِ -يَعْنِي: أَصْحَابَ الرَّأْيِ- بِأَهْلِ العِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، رَحَلَ وَعُنِيَ، فَتَصَبَّرَ أَحْمَدُ عَنْ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا حَرْفاً، وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا، فَسَمِعُوا مِنْهُ، المُعَلَّى صَدُوْقٌ (3) . وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (4) . وَقَالَ يَحْيَى أَيْضاً: إِذَا اخْتَلَفَ مُعَلَّى وَإِسْحَاقُ بنُ الطَّبَّاعِ فِي حَدِيْثٍ عَنْ مَالِكٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُ مُعَلَّى. مُعَلَّى: أَثْبَتُ مِنْهُ، وَخَيْرٌ مِنْهُ (5) .   (1) " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 777، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 334، والشروط: علم يبحث عن كيفية ثبت الاحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال، وموضوعه تلك الاحكام من حيث الكتابة، وبعض مبادئه مأخوذ من الفقه، وبعضها من علم الانشاء، وبعضها من الرسوم والعادات والامور الاستحسانية، وهو من فروع الفقه من حيث كون ترتيب معانيه موافقا لقوانين الشرع، وقد يجعل من فروع الأدب باعتبار تحسين الألفاظ. والشروطي: هو الذي يتولى كتابة ذلك. وقد صنف في هذا العلم مصنفات كثيرة، انظرها في " كشف الظنون " 2 / 1046، وانظر " مفتاح السعادة " 1 / 272، و" الأنساب " 7 / 321. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 189، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 334، و" تاريخ بغداد " 13 / 189. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 189، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 قَالَ عِمْرَانُ بنُ بَكَّارٍ القَافْلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: سَمِعْنَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ المُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ يَوْماً يُصَلِّي، فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ كُورُ الزَّنَابِيْرِ، فَمَا الْتَفَتَ وَلاَ انْفَتَلَ حَتَّى أَتَمَّ صَلاَتَه، فَنَظَرُوا، فَإِذَا رَأْسُهُ صَارَ هَكَذَا مِنْ شِدَّةِ الانْتِفَاخِ (1) . وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَكَانَ نَبِيْلاً، طَلَبُوهُ لِلْقَضَاءِ غَيْرَ مَرَّةٍ؛ فَأَبَى (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ فِيْمَا تَفَرَّدَ بِهِ وَشُورِكَ فِيْهِ، مُتْقِنٌ، صَدُوْقٌ، فَقِيْهٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَ بَغْدَادَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَكَانَ صَدُوْقاً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَرَأْيٍ وَفِقْهٍ، فَمِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَمِنْهُم مَنْ لاَ يَرْوِي عَنْهُ، وَكَانَ يَنْزِلُ الكَرخَ (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَدُوْقاً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ (5) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَانَ مُعَلَّى مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَبِي يُوْسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمِنْ ثِقَاتِهِم فِي النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ (6) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 189، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 190، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1353. (4) " طبقات ابن سعد " 7 / 341. (5) " الجرح والتعديل " 8 / 334. (6) " تاريخ بغداد " 13 / 190، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353. (7) " الكامل " لابن عدى 4 / لوحة 777. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 وَقَالَ سَهْلُ بنُ عَمَّارٍ: كُنْتُ عِنْدَ المُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ فِي أَيَّامِ خَاضَ النَّاسُ فِي القُرْآنِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُقَاتِلٍ المَرْوَزِيُّ، فَذَكَرَ لِلْمُعَلَّى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُوْلُوْنَ؟ قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ: مَا قُلْتُ، وَمَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ عِنْدِي كَافِرٌ (1) . قُلْتُ: كَانَ مُعَلَّى صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، وَكَانَ بَرِيْئاً مِنَ التَّجَهُّمِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: رَوَى لَهُ الجَمَاعَةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) : كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرْوِي عَنْ مُعَلَّى؛ لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَغَيْرُهُ يُوَثِّقُهُ. وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، فَغَلِطَ بِلاَ رَيْبٍ، فَنَقَلَ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ قَالَ: قِيْلَ لأَحْمَدَ: كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ مُعَلَّى؟ فَقَالَ: كَانَ يَكْذِبُ. وَإِنَّمَا الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ (3) . وَمِنْ مُفْرَدَاتِ مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ فِي إِسْنَادٍ لاَ فِي مَتْنٍ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (4) لَهُ،   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 188، و" تهذيب الكمال " لوحة 1353، 1354. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 341، و" تهذيب الكمال " لوحة 1354. (3) وهو قوله في الصفحة 367: كان يكتب الشروط، ومن كتبها لم يخل من أن يكذب. وهو الذي نقله ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 334، ولم يرد فيه ما ذكره المصنف عنه، فلعله قال ذلك في موضع آخر. (4) برقم (2107) في النكاح: باب الصداق، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد 6 / 427 من طريق إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك به، وأخرجه النسائي 6 / 119، من طريق العباس بن محمد الدوري، عن علي بن الحسين بن شقيق، عن عبد الله ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة..، وأخرجه البيهقي 7 / 232 من طريق يعقوب بن سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ: أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَالَفَه عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، فَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ: عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلاً (1) . أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ المِسْوَرِ، قَالَ: وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ قَلاَئِلَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْتَأْذِنُهُ فِي النِّكَاحِ، فَأَذِنَ لَهَا (2) . وَأَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَقَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَطِيْبُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حُبْلَى، فَلَمْ تَمكُثْ إِلاَّ لَيَالِيَ حَتَّى وَضَعَتْ، فَلَمَّا فَصَلَتْ، خُطِبَتْ، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُوْلَ اللهِ فِي النِّكَاحِ حِيْنَ وَضَعَتْ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنُكِحَتْ.   (1) " سنن أبي داود " (2108) عن الزهري، ولم يذكر عروة. (2) إسناده صحيح. وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 590 في الطلاق: باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور، وأخرجه من طريق مالك: البخاري 9 / 417، وأحمد 4 / 327، والنسائي 6 / 190. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 96 - عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ * (م، 4) مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ المَدِيْنَةِ. بَالَغَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي تَقْرِيْظِه، وَذَكَرَهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ (المَدَارِكِ) لَهُ، فَقَالَ (1) : وَلَقَدْ بَعَثَ سُحْنُوْنُ فِي مُحَمَّدِ بنِ رَزِيْنٍ، وَقَدْ بَلَغَه أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ نَافِعٍ؟ فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّمَا هُوَ الزُّبَيْرِيُّ، وَلَيْسَ بِالصَّائِغِ. فَقَالَ لَهُ: فَلِمَ دَلَّسْتَ؟ ثُمَّ قَالَ سُحْنُوْنُ: مَاذَا يَخرُجُ بَعْدِي مِنَ العَقَارِبِ؟! فَقَدْ رَأَى سُحْنُوْنُ وُجُوْبَ بَيَانِهِمَا، وَإِنْ كَانَا ثِقَتَيْنِ إِمَامَيْنِ، حَتَّى لاَ تَخْتَلِطَ رِوَايَاتُهُمَا، فَإِنَّ الصَّائِغَ أَكْبَرُ وَأَقدَمُ وَأَثْبَتُ فِي مَالِكٍ لِطُولِ صُحبَتِه لَهُ، وَهُوَ الَّذِي خَلَّفَه فِي مَجْلِسِه بَعْدَ ابْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ الَّذِي يَحكِي عَنْهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى (2) ، وَسُحْنُوْنُ، وَيَروِيَانِ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ سُحْنُوْنُ سَمَاعَهُ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَشْهَبَ - كَمَا نَذكُرُهُ بَعْدُ -. وَوَفَاتُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: هَذَا قَدْ قِيْلَ فِي وَفَاتِهِ، وَالأَصَحُّ مَا سَنَذكُرُهُ بَعْدُ فِيْهَا. قَالَ (3) : وَمَاتَ الزُّبَيْرِيُّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ شَيْخُ ابْنِ   (*) طبقات ابن سعد 5 / 438، التاريخ الكبير 5 / 213، وفيه: الصانع بدل الصائغ. التاريخ الصغير: 2 / 309، المجروحين والضعفاء 2 / 20 - 21، الجرح والتعديل 5 / 183، الكامل لابن عدي لوحة: 426، ترتيب المدارك 1 / 356 - 358، تهذيب الكمال لوحة: 748، تذهيب التذهيب 2 / 191 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 513 - 514، العبر 1 / 349، الكاشف 2 / 136، المغني في الضعفاء 1 / 360، الديباج المذهب 1 / 409، 410، تهذيب التهذيب 6 / 51 - 52، خلاصة تذهيب الكمال 216، شذرات الذهب 2 / 15، شجرة النور 1 / 55. (1) النص بطوله في " ترتيب المدارك " 1 / 47، 48. (2) هو يحيى بن يحيى الليثي صاحب الرواية المشهورة المتداولة في الشرق والغرب للموطأ. وسترد ترجمته في الصفحة 519 من هذا الجزء. (3) القائل: القاضي عياض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 حَبِيْبٍ، وَسَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ، وَكَثِيْراً مَا تَختَلِطُ رِوَايَتُهُم عِنْدَ الفُقَهَاءِ حَتَّى لاَ عِلْمَ عِنْدَ أَكْثَرِهِم بِأَنَّهُمَا رَجُلاَنِ، وَرُبَّمَا جَاءتْ رِوَايَةُ أَحَدِهِمَا مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ الآخَرِ، فَيَقُوْلُوْنَ: فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَنِ ابْنِ نَافِعٍ. وَقَدْ وَهِمَ فِيْهِمَا عَظِيْمٌ مِنْ شُيُوْخِ الأَنْدَلُسِيِّيْنَ بَعْدَ أَنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّه زَعَمَ (1) أَنَّ أَحَدَهُمَا وَلَدُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ العُمَرِيُّ شَيْخٌ قَدِيْمٌ، يُذكَرُ مَعَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَنَحْوِهِ. قُلْتُ: وَعَبْدُ اللهِ الصَّائِغُ حَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، سِوَى (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مَخْزُوْمٍ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ - الَّذِي قَامَ بِالمَدِيْنَةِ وَقُتِلَ (2) - وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَزِيْدَ الكَعْبِيِّ - صَاحِبِ أَنَسٍ - وَكَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وَدَاوُدَ بنِ قَيْسٍ الفَرَّاءِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُتَوَسِّعِ فِي الحَدِيْثِ جِدّاً، بَلْ كَانَ بَارِعاً فِي الفِقْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَعِدَّةٌ.   (1) إلى هنا النقل عن " ترتيب المدارك " وما بعد ذلك يختلف عما هنا، ففيه: زعم أن صاحب السماع هو الزبيري، وأنه المذكور في العتبية. (2) انظر خبر قيامه، في " تاريخ الطبري " 7 / 552، و" الكامل " لابن الأثير 5 / 529، وقد طول المؤلف ترجمته في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 210. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 رَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: كَانَ صَاحِبَ رَأْيِ مَالِكٍ، وَكَانَ يُفْتِي أَهْلَ المَدِيْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، كَانَ ضَيِّقاً فِيْهِ (1) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ لَيِّنٌ فِي حِفْظِهِ، وَكِتَابُهُ أَصَحُّ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (5) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْ (6) مَالِكٍ غَرَائِبَ (7) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ قَدْ لَزِمَ مَالِكاً لُزُوْماً شَدِيْداً. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ دُوْنَ مَعْنٍ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ (8) . قُلْتُ: فَهَذَا الصَّوَابُ فِي وَفَاتِهِ، وَمَا عَدَاهُ فَوَهْمٌ وَتَصْحِيْفٌ. وَقَدْ أَخْطَأَ الإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَتِهِ خَطَأً لاَ يُحْتَمَلُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ فِي تَرْجَمَتِهِ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، فَسَاقَه بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ المَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ (9) : وَإِذَا رَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلُ عَبْدِ الوَهَّابِ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 184، و" تهذيب الكمال " لوحة 748. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 184. (3) " التاريخ الكبير " 5 / 213 ونصه فيه: " يعرف حفظه وينكر وكتابه أصح ". (4) " الجرح والتعديل " 5 / 184. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 748. (6) في الأصل: " عنه " وهو خطأ. (7) " الكامل " لابن عدي: 3 / لوحة 446. (8) " الطبقات الكبرى " 5 / 438. (9) في " كامله " 3 / لوحة 446. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 بنِ بُخْتٍ، يَكُوْنُ ذَلِكَ دَلِيْلاً عَلَى جَلاَلَتِهِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الكِبَارِ عَنِ الصِّغَارِ. قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ يُمْكِنُ أَنْ يَرْوِيَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ عَنْ هِشَامٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَحَدٍ حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَدِّثَ عَبْدُ الوَهَّابِ عَنِ الصَّائِغِ، وَإِنَّمَا وُلِدَ الصَّائِغُ بَعْد مَوْتِ عَبْدِ الوَهَّابِ بِأَعْوَامٍ عَدِيْدَةٍ؟ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ المَذْكُوْرُ فِي الحَدِيْثِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، مَاتَ قَدِيْماً فِي دَوْلَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ. فَأَمَّا: 97 - عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ الزُّبَيْرِيُّ * (س، ق) فَهُوَ حَفِيْدُ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، المَدَنِيُّ، الَّذِي يُعرَفُ: بِعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّغِيْرِ. رَوَى عَنْ: أَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الكَبِيْرِ. وَعَنْ: مَالِكٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ الفَقِيْهُ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِمْصِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ (1) .   (*) طبقات ابن سعد 5 / 439، التاريخ الكبير 5 / 213 - 214، التاريخ الصغير 2 / 337، الجرح والتعديل 5 / 184، جمهرة نسب قريش 95، ترتيب المدارك 1 / 365 - 367، تهذيب الكمال لوحة 747، تذهيب التهذيب 2 / 191 / 2، الكاشف 2 / 136، ميزان الاعتدال 2 / 514، العبر 1 / 369، الديباج المذهب 1 / 411، تهذيب التهذيب 6 / 50، خلاصة تذهيب الكمال 216، شذرات الذهب 2 / 36، شجرة النور 1 / 56. (1) " الجرح والتعديل " 5 / 184. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 وَقَالَ البُخَارِيُّ: أَحَادِيْثُهُ مَعْرُوْفَةٌ (1) . قَالَ ابْنُ عَمِّه الزُّبَيْرُ (2) : كَانَ المَنْظُوْرَ إِلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ بِالمَدِيْنَةِ فِي هَدْيِهِ وَفِقْهِهِ وَعَفَافِهِ، وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَكَذَا وَرَّخَ البُخَارِيُّ وَفَاتَه (3) ، وَهِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الصَّائِغِ بِعَشْرَةِ أَعْوَامٍ. خَرَّجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. حَدِيْثٌ لِلصَّائِغِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ (4)) . هَذَا حَدِيْثٌ مِنَ الأَفْرَادِ. وَعَبْدُ اللهِ هَذَا: هُوَ الصَّائِغُ، وَرَدَ مَنْسُوْباً - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) " التاريخ الكبير " 5 / 214. (2) أي الزبير بن بكار في كتابه " جمهرة نسب قريش " ص 96. (3) في " تاريخه الكبير " 5 / 214. (4) حديث صحيح، وهو من حديث ابن عمر عند مسلم (2003) ، وأبي داود (3679) ، والترمذي (1861) ، وأحمد 2 / 16، و21 و29 و134 و137، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 4 / 215، 216، والدارقطني 4 / 248 و249، والبيهقي 8 / 293، وابن ماجه (3390) ، وابن الجارود (857) و (859) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 98 - دِيْنَارٌ أَبُو مِكْيَسٍ الحَبَشِيُّ الأَسْوَدُ * المُعَمَّرُ. زَعَمَ أَنَّهُ مَوْلَىً لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَحَدَّثَ عَنْهُ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ غُلاَمُ خَلِيْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَاجِيَةَ، وَعِيْسَى بنُ يَعْقُوْبَ الزَّجَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَصَّاصُ - شَيْخٌ لِلطَّبَرَانِيِّ - وَغَيْرُهُم. وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُوْنٍ. مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ (1)) : مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، ذَاهِبُهُ، شِبْهُ مَجْهُوْلٌ. قُلْتُ: يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ كَذَّابٌ، مَا لَحِقَ أَنَساً أَبَداً. 99 - عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ أَبُو عُمَرَ الغُدَانِيُّ ** (خَ، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو عُمَرَ الغُدَانِيُّ (2) ، البَصْرِيُّ. وَيُقَالُ: كُنيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو. وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ جَدِّهِ، فَقِيْلَ: مُثَنَّى، وَقِيْلَ: عُمَرُ.   (*) المجروحين والضعفاء 1 / 295، الكامل لابن عدي لوحة: 262، تاريخ بغداد 8 / 381، 382، ميزان الاعتدال 2 / 30 - 31، المغني في الضعفاء 1 / 224، لسان الميزان 2 / 434 - 435. (1) 2 / لوحة 262. (* *) طبقات خليفة ت (1961) ، التاريخ الكبير 5 / 91، الجرح والتعديل 5 / 55، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 267، المعجم المشتمل (153) ، تهذيب الكمال لوحة (680) تذهيب التهذيب 2 / 143 - 144 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 421، المغني في الضعفاء 2 / 338، العبر 1 / 380، تذكرة الحفاظ 1 / 404، الكاشف 2 / 85، دول الإسلام 1 / 133، تهذيب التهذيب 5 / 208، مقدمة فتح الباري 411، خلاصة تذهيب الكمال (197) . (2) نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. انظر " الأنساب " 9 / 127. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 رَوَى عَنْ: شُعْبَةَ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ، وَهَمَّامٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَعِمْرَانَ بنِ دَاوَرَ القَطَّانِ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ سَلَمَةَ بنِ أَبِي الحُسَامِ، وَحَرْبِ بنِ شَدَّادٍ، وَجَرِيْرِ بنِ أَيُّوْبَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَأَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَعُثَمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ أَخُو أَبِي دَاوُدَ - وَلَمْ يَلقَهُ أَبُو دَاوُدَ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَابْنُ وَارَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ دُرَّانُ (1) ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً، لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الحَدِيْثِ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وَجَعَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، رِضَىً (3) . أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُرْفُطَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ خِدَاشٍ أَبِي سَلاَمَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أُوْصِي امْرَءاً بِأُمِّهِ، أُوْصِي امْرَءاً بِأَبِيْهِ، أُوْصِي امْرَءاً بِمَوْلاَهُ   (1) في الأصل: " درائي "، وهو أبو بكر محمد بن معاذ بن سفيان بن المستهل العنزي البصري ثم الحلبي، المتوفى سنة 294، وسيترجمه المؤلف في الجزء الثالث عشر برقم (269) . (2) " الجرح والتعديل " 5 / 55. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 الَّذِي يَلِيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَذَاةٌ تُؤْذِيْهِ (1)) . وَيَقَعُ لِي حَدِيْثُه فِي (جُزْءِ ابْنِ نُجَيْدٍ (2)) بِعُلُوٍّ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: اجْتَمَعَ أَهْلُ البَصْرَةِ عَلَى عَدَالَةِ رَجُلَيْنِ؛ أَبِي عُمَرَ الحَوْضِيِّ (3) ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (5) . وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ الغَلَطِ وَالتَّصْحِيْفِ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ (6) . قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (7)) ، وَأَخَرَجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.   (1) إسناده ضعيف لجهالة عبيد الله بن علي بن عرفطة، وباقي رجاله ثقات، وهو في " المسند " 4 / 311، وابن ماجه (3657) ، والمستدرك 4 / 150، وفي الباب ما يشهد له عن معاوية بن حيدة عند أحمد 5 / 3 و5، وأبي داود (5139) ، والترمذي (1898) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (3) بلفظ: قلت: يا رسول الله، من أبر؟ قال: " أمك " قلت: من أبر؟ قال: " أمك " قلت: من أبر؟ قال: " أمك " قلت: من أبر؟ قال: " أباك، ثم الاقرب فالاقرب ". وسنده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم 4 / 150، ووافقه الذهبي. وعن كليب بن منفعة عند أبي داود (5140) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (47) بلفظ: قال جدي: يا رسول الله، من أبر؟ قال: " أمك وأباك، وأختك وأخاك، ومولاك الذي يلي ذاك، حق واجب، ورحم موصولة ". وسنده حسن في الشواهد. وعن أبي رمثة عند أحمد، 2 / 226، والحاكم 4 / 150، 151. (2) تقدم التعريف به في الصفحة 162 من هذا الجزءت (2) . (3) نسبة إلى " الحوض " موضع بالبصرة، انظر " الأنساب " 4 / 271، و" معجم البلدان " 2 / 320. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 680. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 680. (6) " الجرح والتعديل " 5 / 55، و" تهذيب الكمال " لوحة 680. (7) قال الحافظ في " المقدمة " 411: قد لقيه البخاري، وحدث عنه بأحاديث يسيرة، وروى أيضا عن محمد عنه أحاديث أخرى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 قِيْلَ: مَاتَ فِي آخِرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ. فَقِيْلَ: فِي المُحَرَّمِ، مِنْهَا (1) . ثمَّ إِنَّ البُخَارِيَّ قَدْ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرِ مَنْسُوْبٍ عَنْهُ (2) ، فَكَانَ مُحَمَّداً الذُّهْلِيَّ. 100 - عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ أَبُو عِمْرَانَ البَصْرِيُّ * (م، د، س، ق) الإِمَامُ، أَبُو عِمْرَانَ البَصْرِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ، عَالِمٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ، مِنْ أَقْرَانِ وَكِيْعٍ، جِهَتُهُ مَعَ الغُدَانِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَأَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَطَائِفَةٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: شَرِيْكٍ، وَمَالِكٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ مَعِيْنٍ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 680. (2) 6 / 363: باب ما ذكر عن بني إسرائيل: حديث أبرص وأقرع وأعمى. قال الجياني: لم ينسبه أحد من الرواة، ولعله محمد بن يحيى الذهلي. قال الحافظ في المقدمة " ص 232: قد جوز أن يكون الذهلي أبو ذر الهروي في روايته، فقال: يشبه أن يكون محمدا هذا هو الذهلي، وقد سمع البخاري من عبد الله بن رجاء، ولكن هذا الحديث عنده عن محمد، عن عبد الله بن رجاء، ثم ذكره بسنده، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الله بن رجاء، وكذلك ساقه أبو نعيم في " مستخرجه " من طريق الذهلي عن عبد الله بن رجاء. (*) تاريخ ابن معين 306، طبقات ابن سعد 5 / 500، التاريخ الكبير 5 / 91، التاريخ الصغير 2 / 336، المعرفة والتاريخ 3 / 52، الجرح والتعديل 5 / 54، تهذيب الكمال لوحة (681) ، تذهيب التهذيب 2 / 144 / 1، الكاشف 2 / 85، العقد الثمين 5 / 136 - 137، تهذيب التهذيب 5 / 211، طبقات الحفاظ (172) ، خلاصة تذهيب الكمال (197) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَصَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، وَزَيْدُ بنُ الحَرِيْشِ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ، فَحَسَّنَ أَمرَه (1) . وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ اثْنَانِ: المَكِّيُّ، وَالبَصْرِيُّ، لَيْسَ بِهِمَا بَأْسٌ (5) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، بَصْرِيٌّ، سَكَنَ مَكَّةَ، وَبِهَا مَاتَ (6) . قُلْتُ: مَاتَ بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ، أُرَى. 101 - مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ أَبِي عَطَاءٍ الصَّنْعَانِيُّ * (د، ت، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يُوْسُفَ الصَّنْعَانِيُّ، ثُمَّ المَصِّيْصِيُّ.   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 54. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 681. (3) " تاريخ يحيى بن معين ": 306. (4) " الجرح والتعديل " 5 / 55. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 681. (6) " طبقات ابن سعد " 5 / 500. (*) طبقات ابن سعد 7 / 489، طبقات خليفة ت (3057) ، التاريخ الكبير 1 / 218، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 حَدَّثَ عَنْ: الأَوْزَاعِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ بِبَيْرُوْتَ. وَعَنْ: مَعْمَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَوْذَبٍ، وَحَمَّادِ بن سَلَمَةَ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَشِهَابُ بنُ عَبَّادٍ العَبْدِيُّ، وَأَبُو عُمَيْرٍ بنُ النَّحَّاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ قَاضِي عُكْبَرَا، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَفَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الدَّلاَّلُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: هُوَ مِنْ صَنْعَاءِ دِمَشْقَ (1) . وَذَكَرَ هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِيِّ: أَنَّهُ مِنْ مَصِّيْصَةِ دِمَشْقَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مُرَابِطاً بِثَغرِ الشَّامِ، بِمَدِيْنَةِ المَصِّيْصَةِ، وَحَدِيْثُهُ عَالٍ فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ) . وَأَمَّا خَلِيْفَةُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ، وَنَشَأَ بِالشَّامِ، وَسَكَنَ المَصِّيْصَةَ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ (3) : هُوَ مَوْلَىً لِثَقِيْفٍ، رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ وَالأَوْزَاعِيِّ،   = التاريخ الصغير 2 / 336، المعرفة والتاريخ 1 / 201، الضعفاء للعقيلي لوحة (396) ، الجرح والتعديل 8 / 69، تهذيب الكمال لوحة (1261) ، ميزان الاعتدال 4 / 18 - 20، المغني في الضعفاء 2 / 626 - 627، الكاشف 3 / 91، العبر 1 / 370، تهذيب التهذيب 9 / 415، خلاصة تذهيب الكمال (357) ، شذرات الذهب 2 / 38. (1) وهي قرية على باب دمشق دون المزة مقابل مسجد خاتون. انظر " معجم البلدان " 3 / 429. (2) " طبقات خليفة ": 318. والمصيصة: قرية من قرى دمشق بالقرب من بيت لهيا. كما في " معجم البلدان " 5 / 145 (3) في " تاريخه الكبير " 1 / 218. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 أَصْلُهُ مِنْ نَاحِيَةِ اليَمَنِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: بَعَثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأَتَى بِكِتَابٍ، فَرَوَاهُ، مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ اليَوْمَ أَوْثَقُ النَّاسِ، يَنْبَغِي أَنْ يُرْحَلَ إِلَيْهِ، قَدْ كَانَ يُكْتَبُ عَنْهُ فِي حَيَاةِ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالخَيْرِ مُنْذُ كَانَ (1) . رَوَى: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا بِبَيْرُوْتَ صَيَّادٌ، يَخرُجُ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَصطَادُ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مَكَانُ الجُمُعَةِ، فَخَرَجَ يَوْماً، فَخُسِفَ بِهِ وَبِبَغْلَتِهِ (2) ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ أُذُنَاهَا وَذَنَبُهَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: يَذْكُرُوْنَ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيَّ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ (3) . مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ يُنْشِدُ: بُنَيُّ كَثِيْرٍ كَثِيْرُ الذُّنُوبِ ... فَفِي الحِلِّ وَالبِلِّ مَنْ كَانَ سَبَّهْ بُنَيُّ كَثِيْرٍ دَهَتْه اثْنَتَانِ ... رِيَاءٌ وَعُجْبٌ يُخَالِطْنَ قَلْبَهْ بُنَيُّ كَثِيْرٍ أَكُولٌ نَؤُومٌ ... وَمَا ذَاكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ خَافَ رَبَّهْ بُنَيُّ كَثِيْرٍ يُعَلِّمُ عِلْماً ... لَقَدْ أَعْوَزَ الصُّوفُ مَنْ جَزَّ كَلْبَهْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، فَقَالَ: دُفِعَ إِلَيْهِ كِتَابُ الأَوْزَاعِيِّ، وَفِي كُلِّ حَدِيْثٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ - اسْمُهُ - فَقَرَأَهُ   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 69. (2) في الأصل: " ببلغته ". (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 489. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 إِلَى آخِرِهِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ (1) . قُلْتُ: هَذَا هُوَ التَّدمِيغُ، وَبِكُلِّ حَالٍ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُه، أَمَا الحُجَّةُ بِهِ فَلاَ تَنهَضُ. وَقَدْ تُوُفِّيَ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي تَاسِعَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَفِي الرُّوَاةِ: مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ القُرَشِيُّ الكُوْفِيُّ (2) : شَيْخٌ، لَيِّنٌ، يَرْوِي عَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَوَّاهُ ابْنُ مَعِيْنٍ (3) . وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ السُّلَمِيُّ البَصْرِيُّ القَصَّابُ (4) : يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَجَمَاعَةٍ، ضَعَّفُوْهُ. 102 - مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ.   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 69، 70. (2) مترجم في: تاريخ ابن معين: 536، التاريخ الكبير 1 / 217، الضعفاء للعقيلي: لوحة 396، الجرح والتعديل 8 / 68، المجروحين والضعفاء 2 / 287، تاريخ بغداد 3 / 191 - 193، ميزان الاعتدال 4 / 17، 18، المغني في الضعفاء 2 / 626. وذكره الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 9 / 419، ولسان الميزان 5 / 351، 352. (3) انظر " تاريخ ابن معين ": ص 536. (4) مترجم في: التاريخ الكبير 1 / 218، الضعفاء الصغير: ص 105، الضعفاء للعقيلي: لوحة 396، الجرح والتعديل 8 / 70، المجروحين والضعفاء 2 / 287، ميزان الاعتدال 4 / 17، المغني في الضعفاء 2 / 626، وذكره الحافظ ابن حجر في تهذيبه 9 / 419 تمييزا، ولسان الميزان 5 / 351. (*) طبقات ابن سعد 7 / 305، طبقات خليفة ت: 1951، التاريخ الكبير: 1 / 218، التاريخ الصغير 2 / 349، الجرح والتعديل 8 / 70، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 448، المعجم المشتمل 268، تهذيب الكمال لوحة 1261، ميزان الاعتدال 4 / 18، الكاشف 3 / 91، العبر 1 / 388، المغني في الضعفاء 2 / 627، تهذيب التهذيب 9 / 416، خلاصة تذهيب الكمال 357، شذرات الذهب 2 / 52. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 383 حَدَّثَ عَنْ: أَخِيْهِ؛ سُلَيْمَانَ بنِ كَثِيْرٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِخَمْسِيْنَ سَنَةً، لَقِيَ الزُّهْرِيَّ وَالكِبَارَ -. وَحَدَّثَ مُحَمَّدٌ أَيْضاً عَنْ: شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُم. وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، سَمِعَ بِالبَصْرَةِ وَبِالكُوْفَةِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ كُلِّهَا. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1)) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ القَاضِي، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: رَوَى لَنَا الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ عَنْهُ، وَكَانَ تَقِيّاً، فَاضِلاً، يَخْضِبُ، عَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً (4) . وَرَوَى: ابْنُ الجُنَيْدِ الخُتَّلِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُكْتَبَ عَنْهُ. قُلْتُ: الرَّجُلُ مِمَّن طَفَرَ القَنْطَرَةَ، وَمَا عَلِمْنَا لَهُ شَيْئاً مُنْكَراً يُلَيَّنُ بِهِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ أَبَا الوَلِيْدِ أَحْفَظُ مِنْهُ، وَأَرفَعُ.   (1) قال الحافظ في " المقدمة " 441: روى عنه البخاري ثلاثة أحاديث. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 70. (3) " التاريخ الكبير " 1 / 218. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1261. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 384 103 - مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ مَرْوَانَ الفِهْرِيُّ * شَيْخٌ، شَامِيٌّ، وَاهٍ، نَزَلَ بَغْدَادَ. وَحَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَعَنْهُ: حَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ ثِقَةً. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى بَوَاطِيْلَ. وَقَالَ الأَزْدِيُّ: مَتْرُوْكٌ (1) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 104 - العَوَقِيُّ مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ البَاهِلِيُّ ** (خَ، د، ت، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ البَاهِلِيُّ، البَصْرِيُّ، العَوَقِيُّ. وَالعَوَقَةُ: حَيٌّ نَزَلَ فِيْهِم، وَهُمْ بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ (2) . حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَفُلَيْحِ بنِ   (*) الجرح والتعديل 8 / 70، تاريخ بغداد 3 / 193، 194، ميزان الاعتدال 4 / 20، المغني في الضعفاء 2 / 627، لسان الميزان 5 / 352، 353. (1) " تاريخ بغداد " 3 / 194. (* *) التاريخ الكبير 1 / 108، التاريخ الصغير 2 / 350، الجرح والتعديل 7 / 279، الإكمال 6 / 315، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 459، الأنساب 9 / 91، المعجم المشتمل 243، تهذيب الكمال لوحة 1205، تذهيب التهذيب 3 / 208 / 2، الكاشف 3 / 50، العبر 1 / 388، تهذيب التهذيب 9 / 304، خلاصة تذهيب الكمال 338، شذرات الذهب 2 / 52. (2) انظر " الأنساب " للسمعاني 9 / 91. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 385 سُلَيْمَانَ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَسَلِيْمِ بنِ حَيَّانَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ سِنْجَه، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. يَقَعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ. يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ بِسَنَدٍ فِيْهِ إِجَازَةٌ. 105 - ابْنُ الطَّبَّاعِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ نَجِيْحٍ * (خت، د، س، ق) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ الطَّبَّاعِ البَغْدَادِيُّ، أَخُو الحَافِظِ الإِمَامِ إِسْحَاقَ بنِ عِيْسَى، وَيُوْسُفَ بنِ عِيْسَى. تَحَوَّلَ إِلَى الشَّامِ، وَرَابَطَ بِأَذَنَةَ مِنْ بِلاَدِ الثُّغُوْرِ.   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 279. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1206. (*) التاريخ الكبير 1 / 203، الجرح والتعديل 8 / 38، تاريخ بغداد 2 / 395، 396، الأنساب 8 / 196، تاريخ دمشق 15 / 426، المعجم المشتمل 266، اللباب 2 / 272 تهذيب الكمال لوحة 1255، تذكرة الحفاظ 1 / 411، العبر 1 / 392، الكاشف 3 / 87 تهذيب التهذيب 9 / 392، خلاصة تذهيب الكمال 355، شذرات الذهب 2 / 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 386 وَحَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَقَزَعَةَ بنِ سُوَيْدٍ، وَشَرِيْكِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِ، وَأَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ، وَهُشَيْمٍ - وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ - وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، وَمُجَمِّعِ بنِ يَعْقُوْبَ، وَمَطَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْنَقِ، وَعَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ السَّدُوْسِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ - وَعَلَّقَ لَهُ البُخَارِيُّ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَطَالِبُ بنُ قُرَّةَ الأَذَنِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ الحَلَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَوْطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإسْلاَمِ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَبِيْبٌ، كَيِّسٌ (1) . وَقَالَ الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَ حَدِيْثَ هُشَيْمٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الَّذِي يَصُوْمُ فِي كَفَّارَةٍ ثُمَّ يُوْسِرُ، قَالَ: لاَ أُرَاهُ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى: إِنَّهُ يَقُوْلُ فِيْهِ: قَالَ: أَخْبَرْنَا ابْنُ شُبْرُمَةَ. فَكَأَنَّهُ تَعَجَّبَ، فَقُلْتُ لأَحْمَدَ: أَلاَ إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَالِمٌ بِهَذَا. قَالَ: نَعَمْ، أَبُو جَعْفَرٍ كَيِّسٌ، فَهْمٌ (2) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 395، وفيه: فقال: إن ابن الطباع لثبت كيس. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 395، و" تهذيب الكمال " لوحة 1255، 1256. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 387 وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ حَدِيْثِ هُشَيْمٍ -يَعْنِي: أَبَا جَعْفَرٍ-. قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وأَبُو دَاوُد فِي حَدِيْث هُشَيْمٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ يُدَلِّسُهُ، وَقَالَ الآخَرُ: هُوَ سَمَاعٌ. فَتَرَاضَيَا بِي، فَأَخْبَرْتُهُمَا بِمَا عِنْدِي، فَاقتَصَرَا عَلَيْهِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الطَّبَّاعِ الثِّقَةُ المَأْمُوْنُ، مَا رَأَيْتُ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ أَحْفَظَ لِلأَبْوَابِ مِنْهُ (3) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنِ ابْنَيِ الطَّبَّاعِ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَكَانَ إِسْحَاقُ أَجَلَّ، وَمُحَمَّدٌ أَتْقَنَ (4) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى أَفْضَلُهُمَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَتَفَقَّهُ، وَكَانَ يَحْفَظُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ (5) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (6) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِهِم بِهُشَيْمٍ، كَانَ يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ يَسْأَلاَنِه عَنْ حَدِيْثِ هُشَيْمٍ (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 395، 396، و" تهذيب الكمال " لوحة 1256. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 396، وهو فيه عن محمد بن إدريس الحنظلي قال: سمعت محمد بن عيسى. و" تهذيب الكمال " لوحة 1256. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 39. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 38، 39. (5) " تاريخ بغداد " 2 / 396، و" تهذيب الكمال " لوحة 1256. (6) " تاريخ بغداد " 2 / 396، و" تهذيب الكمال " لوحة 1256. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 1256. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 388 مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِالثُّغُوْرِ. 106 - الأُوَيْسِيُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى * الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ عَمْرِو بنِ أُوَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبِي سَرْحٍ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، الأُوَيْسِيُّ، المَدِيْنِيُّ، مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ المَاجَشُوْنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ لَهُ بِوَاسِطَةٍ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ (1) ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ. لَمْ أَظْفَرْ لَهُ بِوَفَاةٍ، وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، لَمْ يَلحَقْهُ مُسْلِمٌ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 13، الجرح والتعديل 5 / 387، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 311، المعجم المشتمل 172، تهذيب الكمال لوحة 841، تذهيب التهذيب 2 / 242 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 630، الكاشف 2 / 200، المغني في الضعفاء 2 / 398، تهذيب التهذيب 6 / 345، 346، خلاصة تذهيب الكمال 240. (1) قال السمعاني في " الأنساب " 10 / 196: نسبة إلى قطوان: موضع بالكوفة، ولعله اسم رجل أو قبيلة نزلت هذا الموضع، فنسب الموضع إليهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 389 107 - الصُّوْرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ يَعْلَى * (ع) الإِمَامُ، العَابِدُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي دِمَشْقَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ يَعْلَى القُرَشِيُّ، الصُّوْرِيُّ، القَلاَنسِيُّ. سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ سَلاَّمٍ، وَصَدَقَةَ بنَ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بُرْدٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعِدَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ شَيْخَ البَلَدِ، يُفْتِي دِمَشْقَ بَعْدَ أَبِي مُسْهِرٍ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَجُلَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي مُسْهِرٍ (3) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً (4) .   (*) التاريخ الكبير 1 / 241، التاريخ الصغير 2 / 232، تاريخ دمشق لأبي زرعة 1 / 282، الجرح والتعديل 8 / 104، الأنساب 8 / 104، اللباب 2 / 250، تهذيب الكمال لوحة 1262، تذكرة الحفاظ 1 / 386، 387، العبر 1 / 367، الكاشف 3 / 92، عيون التواريخ 7 / الورقة 306، 307، تهذيب التهذيب 9 / 423، طبقات الحفاظ 165، خلاصة تذهيب الكمال: 357. (1) تاريخ أبي زرعة 1 / 282، وتاريخ الفسوي 1 / 200، و" تهذيب الكمال " لوحة 1262، و" عيون التواريخ " 7 / لوحة 307. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1262. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1262. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 104. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 390 قُلْتُ: خَرَّجُوا لَهُ فِي الدَّوَاوِيْنِ السِّتَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ الدِّرَفْسِ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اعمَلْ للهِ، فَإِنَّهُ أَنفَعُ لَكَ مِنَ العَمَلِ لِنَفْسِكَ. وَعَنْهُ، قَالَ: عَلاَمَةُ الحُبِّ للهِ المُرَاقَبَةُ لِلْمَحْبُوْبِ، وَالتَّحَرِّي لِمَرْضَاتِهِ. وَعَنْهُ، قَالَ: كَذَبَ مَنِ ادَّعَى المَعْرِفَةَ وَيَدُه تَرعَى فِي قِصَاعِ المُكْثِرِيْنَ، مَنْ وَضَعَ يَدَهُ فِي قَصعَةِ غَيْرِهِ، ذَلَّ لَهُ. وَعَنْهُ: اتَّقِ اللهَ تَقْوَىً لاَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ نَفْسُكَ، فَتُسَلِّطَ الآفَةَ عَلَى قَلْبِكَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: شَهِدْتُ جَنَازَةَ مُحَمَّدِ بنِ المُبَارَكِ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو مُسْهِرٍ بِبَابِ الجَابِيَةِ، وَجَعَلَ يُثْنِي عَلَيْهِ (1) . قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: رَوَى البُخَارِيُّ فِي الجِهَادِ عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: يَحْفَظُ الإِسْنَادَ. 108 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَحِيُّ * (خَ، م) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُوَيْسِ بنِ مَالِكِ بنِ أَبِي عَامِرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ،   (1) " تاريخ أبي زرعة " 1 / 282. (*) التاريخ الكبير 1 / 364، التاريخ الصغير 2 / 354، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 18، الضعفاء للعقيلي لوحة 30، الجرح والتعديل 2 / 180، الكامل لابن عدي لوحة 30، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 25، ترتيب المدارك 1 / 369، 370، المعجم المشتمل (81) تهذيب الكمال لوحة 105، 106، تذهيب التهذيب 1 / 64 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 409، العبر 1 / 396، ميزان الاعتدال 1 / 222، 223، المغني في الضعفاء 1 / 79، الديباج المذهب 1 / 281، 282، غاية النهاية 1 / 162، تهذيب التهذيب 1 / 310، 312، مقدمة فتح الباري 388، طبقات الحفاظ 175، خلاصة تذهيب الكمال: 35، شذرات الذهب 2 / 58، شجرة النور 1 / 56. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 391 الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَحِيُّ، المَدَنِيُّ، أَخُو أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ. قَرَأَ القُرْآنَ وَجَوَّدَهُ عَلَى نَافِعٍ، فَكَانَ آخِرَ تَلاَمِذَتِهِ وَفَاةً. تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ، وَخَالِهِ؛ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَسَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ - صَاحِبِ أَنَسٍ - وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي حَبِيْبَةَ، وَكَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ، وَعَلِيُّ بنُ جَبَلَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ السُّرِّيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَمُحَدِّثَهُم فِي زَمَانِهِ عَلَى نَقْصٍ فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِه، وَلَوْلاَ أَنَّ الشَّيخَينِ احْتَجَّا بِهِ، لَزُحْزِحَ حَدِيْثُهُ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيْحِ إِلَى دَرَجَةِ الحَسَنِ. هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَرُوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، ضَعِيْفُ العَقْلِ، لَيْسَ   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 181، و" تهذيب الكمال " لوحة 106. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 392 بِذَاكَ (1) . يَعْنِي: أَنَّهُ لاَ يُحسِنُ الحَدِيْثَ، وَلاَ يَعْرِفُ أَنْ يُؤَدِّيَه، أَوْ أَنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ غَيْرِ كِتَابِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَكَانَ مُغَفَّلاً (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ (4) . وَقَالَ مَرَّةً فَبَالَغَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ أَختَارُه فِي الصَّحِيْحِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْ خَالِه غَرَائِبَ لاَ يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَبِيْهِ (5) . قُلْتُ: الرَّجُلُ قَدْ وَثَبَ إِلَى ذَاكَ البِرِّ، وَاعتَمَدَهُ صَاحِبَا (الصَّحِيْحَيْنِ (6)) ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ صَاحِبُ أَفرَادٍ وَمَنَاكِيْرَ تَنْغَمِرُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، فَإِنَّهُ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَبْدِ اللهِ كَاتِبِ اللَّيْثِ (7) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 181، و" تهذيب الكمال " لوحة 106. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 106. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 181. (4) " الضعفاء والمتروكين ": ص 18. (5) " الكامل " لابن عدي 1 / لوحة 30. (6) قال الحافظ في " مقدمة فتح الباري " ص 388، إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين، وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري، وروى له الباقون سوى النسائي، فإنه أطلق القول بضعفه. ثم قال الحافظ: وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فيعتبر به. (7) سترد ترجمته قريبا في الصفحة 405. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 393 ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلُ مَرَّةً، فَوَثَّقَهُ، وَقَالَ: قَامَ فِي أَمرِ المِحْنَةِ مَقَاماً مَحْمُوْداً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ: لَيْسَ اليَوْمَ بِالمَدِيْنَةِ أَحَدٌ قَرَأَ عَلَى نَافِعٍ غَيْرِي. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَقِيْلَ لَهُ: مَنْ بِالمَدِيْنَةِ اليَوْمَ؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ هُوَ عَالِمٌ كَثِيْرُ العِلْمِ، أَوْ نَحْوُ هَذَا. قَالَ البُرْقَانِيُّ: قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: لِمَ ضَعَّفَ النَّسَائِيُّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ؟ فَقَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الهَاشِمِيُّ - وَهُوَ إِمَامٌ كَانَ النَّسَائِيُّ يَخُصُّهُ - قَالَ: حَكَى لِيَ النَّسَائِيُّ، أَنَّهُ حَكَى لَهُ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ - ثُمَّ تَوَقَّفَ النَّسَائِيُّ، فَمَا زِلْتُ أُدَارِيهِ أَنْ يَحكِيَ لِيَ الحِكَايَةَ - حَتَّى قَالَ: قَالَ لِي سَلَمَةُ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: رُبَّمَا كُنْتُ أَضَعُ الحَدِيْثَ لأَهْلِ المَدِيْنَةِ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فِيْمَا بَيْنَهُم. قَالَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ: فَقُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: مَنْ حَكَى لَكَ هَذَا عَنِ ابْنِ مُوْسَى؟ قَالَ: الوَزِيْرُ -يَعْنِي: ابْنَ حِنْزَابَه- وَكَتَبتُهَا مِنْ كِتَابِهِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَيْضاً، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: قَالَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ صَاحِبُ اليَمَنِ: خَرَجتُ مَعِي بِإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ إِلَى اليَمَنِ، فَدَخَلَ إِلَيَّ يَوْماً وَمَعَهُ ثَوْبُ وَشْيٍ، فَقَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثاً إِنْ لَمْ تَشْتَرِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِمائَةِ دِيْنَارٍ. فَقُلتُ لِلْغُلاَمِ: زِنْ لَهُ. فَوَزَنَ لَهُ، وَإِذا بِالثَّوبِ يُسَاوِي خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَسَأَلْتُه بَعْدُ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ أَعْطَانِي مِنْهَا عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً. قُلْتُ: هَذِهِ سَخَافَةُ عَقلٍ وَاضِحَةٌ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 394 مَاتَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، فِي رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللهُ بِمَنِّهِ -. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ، قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَكُمُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ السُّرِّيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ المُتَلاَعِنَانِ (1) عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلاً، ثُمَّ انْصَرَف، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً. فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ لِقَولِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَه، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرّاً، قَلِيْلَ اللَّحْمِ، جَعْداً، قَطَطاً. قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَيِّنْ) . فَوَضعَتْ شَبِيهاً بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا. فَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ فِي المَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ: (لَوْ كُنْتُ رَاجِماً بِغَيْر بَيِّنَةٍ، لَرَجَمْتُ هَذِهِ) ؟ قَالَ: لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوْءَ فِي الإِسْلاَمِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ.   (1) في الأصل: " المتلاعنين " وهو خطأ. (2) رقم (1497) في أول اللعان، وأخرجه البخاري 9 / 400، 401، عن سعيد بن عفير، ومسلم (1497) عن محمد بن رمح، وعيسى بن حماد، والنسائي 6 / 173، 174 من طريق عيسى بن حماد، ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد. وأخرجه أحمد 1 / 356 و357 من طريقين عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد. وأخرجه أحمد 1 / 337، والطحاوي 3 / 100، من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن القاسم، عن ابن عباس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 395 109 - الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ أَبُو سَهْلٍ الأَنْطَاكِيُّ * (بَخ، ق (1)) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، الثَّبْتُ، أَبُو سَهْلٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَهُوَ بَغْدَادِيٌّ، سَكَنَ أَنْطَاكِيَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَاللَّيْثِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَشَرِيْكٍ، وَمِنْدَلِ بنِ عَلِيٍّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَيُوْسُفُ بنُ مُسْلِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ (3) . وَأَمَّا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِالحَافِظِ، يَغْلَطُ علَى الثِّقَاتِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لاَ يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ (4) . وَقَالَ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (5) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 490، التاريخ الكبير 8 / 216، التاريخ الصغير 2 / 331، الجرح والتعديل 9 / 86، الكامل لابن عدي لوحة 820، تاريخ بغداد 14 / 56، 57، الأنساب 1 / 370، تهذيب الكمال لوحة 1453، تذهيب التهذيب 4 / 125، تذكرة الحفاظ 1 / 363، ميزان الاعتدال 4 / 320، العبر 1 / 365، الكاشف 3 / 230، تهذيب التهذيب 11 / 90، طبقات الحفاظ 162، خلاصة تذهيب الكمال 412، شذرات الذهب 2 / 36. (1) لم تذكر الرموز في الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " وفروعه. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 57، و" تهذيب الكمال " لوحة 1453. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 57، و" تهذيب الكمال " لوحة 1453. (4) " الكامل " لابن عدي " 4 / لوحة 820. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 57، و" تهذيب الكمال " لوحة 1453. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 396 110 - السُّوْرِيْنِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، مُحَدِّثُ نَيْسَابُوْرَ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ الخُرَاسَانِيُّ، المُطَّوِّعِيُّ، الغَازِي. سَمِعَ: ابْنَ المُبَارَكِ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَهُوَ مِنْ رُفَقَاءِ إِسْحَاقَ (1) ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهُ لِقِدَمِ مَوْتِهِ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَغَيْرُهُم. وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ، وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ يُقَدِّمُهُ، وَيُفَخِّمُهُ (2) . استُشْهِدَ فِي حَرْبِ بَابَكَ الخُرَّمِيِّ (3) ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ فِي الكُهُوْلَةِ (4) . 111 - بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ * ابْنِ الإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ البَصْرِيُّ، السِّيْرِيْنِيُّ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 141، 142، الأنساب 7 / 186، معجم البلدان 3 / 279، اللباب 2 / 153 - وهو فيها جميعا " السورياني ". قال السمعاني: هذه النسبة إلى سوريان، وظني أنها قرية من قرى نيسابور. وتذكرة الحفاظ 1 / 414، 415، وطبقات الحفاظ: 180. (1) هو إسحاق بن راهويه، وسترد ترجمته في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب (2) انظر " تذكرة الحفاظ " 1 / 414، 415، و" طبقات الحفاظ ": 180. (3) تقدم الحديث عن بابك الخرمي في الصفحة 293 - 297 من هذا الجزء. (4) زاد المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 414 قوله: فلم ينتشر حديثه. (* *) التاريخ الكبير 2 / 122، الضعفاء للعقيلي لوحة: 55، الجرح والتعديل 2 / 409 - 410، المجروحين لابن حبان 1 / 197، وفيه: بكار بن عبد الله بن محمد بن سيرين - أسقط اسم أبيه -، الكامل لابن عدي لوحة 1 / 78، ميزان الاعتدال 1 / 341، 342، المغني في الضعفاء 1 / 111، العبر 1 / 390، لسان الميزان 2 / 44 - 45، شذرات الذهب 2 / 53. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 397 حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ عَوْنٍ، وَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَعَبَّادِ بنِ رَاشِدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُّسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الغَلاَبِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ عَلِيٍّ البَصْرِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ، قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ بَكَّارٍ السِّيْرِيْنِيِّ، فَقَالَ: كَتَبْتُ عَنْهُ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ، لاَ يسْكُنُ القَلْبُ إِلَيْهِ (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ذَاهِبُ الحَدِيْثِ (3) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ (4) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَالعُمَرِيِّ أَشْيَاءَ مَقْلُوْبَةً لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا، لاَ يُعْجِبُنِي الاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ إِذَا انْفَرَدَ. حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو خَلِيْفَةَ (5) . قُلْتُ: هُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَفَاةً. قَالَ العُقَيْلِيُّ (6) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، قَالاَ:   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 409، 410. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 410. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 410. (4) " التاريخ الكبير " 2 / 122. (5) " المجروحين والضعفاء " 1 / 197. (6) في كتابه " الضعفاء " لوحة 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 398 حَدَّثَنَا بَكَّارٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الرُّكْنُ يَمَانٍ) . قَالَ العُقَيْلِيُّ: هَذَا لَيْسَ يَثْبُتُ. 112 - الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ أَبُو عَلِيٍّ البَجَلِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، العَابِدُ، أَبُو عَلِيٍّ البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، البُوْرَانِيُّ (1) - وَيُقَالُ: أَيْضاً البَوَارِيُّ (2) - الخَشَّابُ، الحُصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ إِيَادِ بنِ لَقِيْطٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ الوَرْدِ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَشَرِيْكٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الحُمَيْسِيِّ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالبَاقُوْنَ بِوَاسِطَةٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيَّانِ، وَأَبُو حَازِمٍ بنُ أَبِي غَرَزَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 409، التاريخ الكبير 2 / 294، التاريخ الصغير 2 / 341، الجرح والتعديل 3 / 13 - 14، تاريخ بغداد 7 / 307، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 81، الأنساب 2 / 324، المعجم المشتمل 98، اللباب 1 / 184، تهذيب الكمال لوحة: 264، تذهيب التهذيب 1 / 136 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 458، العبر 1 / 381، الكاشف 1 / 221، تهذيب التهذيب 2 / 277، طبقات الحفاظ: 200، خلاصة تذهيب الكمال: 78. (1) نسبة إلى عمل البواري - جمع: بارية - وهي الحصير المنسوج، تبسط في الدور ويجلس عليها. (2) في " مشتبه " المؤلف 1 / 99: البواري نسبة إلى بيع البواري: الحسن بن الربيع. وعلق عليه ابن ناصر الدين الدمشقي في " توضيح المشتبه " 1 / الورقة 82، فقال: كذا وجدته بخط المصنف " البواري " بتقديم الالف على الراء وهو خطأ وإنما الصواب: " البورائي " بضم الموحدة وسكون الواو، ثم راء مفتوحة بعدها ألف، ثم همزة مكسورة تليها ياء النسب، من غير نون قبلها عند ابن عساكر، وقاله بزيادة نون بعد الالف الحافظ أبو الحجاج المزي في استدراكه على ابن عساكر في " معجم النبل " وقبله ابن نقطة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 399 سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، مُتَعَبِّدٌ، كَانَ يَبِيْعُ البَوَارِي (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ (2) . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ. مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ ومائَتَيْنِ (3) . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ يَبِيْعُ الخَشَبَ والقَصَبَ (4) . وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَةِ مُسْلِمٍ. 113 - المَدَائِنِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ * العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَيْفٍ المَدَائِنِيُّ، الأَخْبَارِيُّ. نَزَلَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَكَانَ عَجَباً   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 264. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 14. (3) " طبقات ابن سعد " 6 / 409. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 264. (*) الفهرست: 113، تاريخ بغداد 12 / 54 - 56، معجم الأدباء 14 / 124 - 139، الكامل لابن الأثير، 6 / 516، اللباب 3 / 182، ميزان الاعتدال 3 / 153، المغني في الضعفاء 2 / 454، مرآة الجنان، 2 / 83، لسان الميزان 4 / 253، 254، النجوم الزاهرة 2 / 259، روضات الجنات 472، 473، شذرات الذهب 2 / 54. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 400 فِي مَعْرِفَةِ السِّيَرِ وَالمَغَازِي وَالأَنسَابِ وَأَيَّامِ العَرَبِ، مُصَدِّقاً فِيْمَا يَنْقُلُهُ، عَالِيَ الإِسْنَادِ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: قُرَّةَ بنَ خَالِدٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَشُعْبَةَ، وَجُوَيْرِيَةَ بنَ أَسْمَاءَ، وَعَوَانَةَ بنَ الحَكَمِ، وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَسَلاَّمَ بنَ مِسْكِيْنٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ نَشَأَ بِالبَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُتَوَكِّلِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: كَانَ أَبِي، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَجْلِسُوْنَ بِالعَشِيَّاتِ عَلَى بَابِ مُصْعَبٍ، فَمَرَّ رَجُلٌ لَيْلَةً عَلَى حِمَارٍ فَارِهٍ، وَبِزَّةٍ حَسَنَةٍ، فَسَلَّمَ، وَخَصَّ بِمَسْأَلَتِهِ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا الحَسَنِ، إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى هَذَا الكَرِيْمِ الَّذِي يَمْلأُ كُمِّيَ دَنَانِيْرَ وَدَرَاهِمَ؛ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ يَحْيَى: ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ. فَسَأَلْتُ أَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا المَدَائِنِيُّ (1) . قَالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ: سَرَدَ المَدَائِنِيُّ الصَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَقَارَبَ المائَةَ، وَقِيْلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَشْتَهِي أَنْ أَعِيْشَ (2) . قَالَ: وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ عَالِماً بِالفُتُوْحِ وَالمَغَازِي وَالشِّعْرِ، صَدُوْقاً فِي ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُ الحَارِثِ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، وَمَاتَ فِي دَارِ   (1) " معجم الأدباء " 14 / 126. (2) " معجم الأدباء " 14 / 125. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 401 إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ، كَانَ مُنْقَطِعاً إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الإِخْشِيْذِ (1) المُتَكَلِّمُ: كَانَ المَدَائِنِيُّ مُتَكَلِّماً، مِنْ غِلْمَانِ مَعْمَرِ بنِ الأَشْعَثِ (2) . حَكَى المَدَائِنِيُّ: أَنَّهُ أُدْخِلَ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَحَدَّثَهُ بِأَحَادِيْثَ فِي عَلِيٍّ، فَلَعَنَ بَنِي أُمَيَّةَ. فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي المُثَنَّى بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ، فَجَعَلْتُ لاَ أَسْمَعُ عَلِيّاً، وَلاَ حَسَناً، إِنَّمَا أَسْمَعُ: مُعَاوِيَةَ، يَزِيْدَ، الوَلِيْدَ، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ: اسقِهِ يَا حَسَنُ. فَقُلْتُ: أَسَمَّيْتَ حَسَناً؟ فَقَالَ: أَوْلاَدِي: حَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَجَعْفَرٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُسَمُّوْنَ أَوْلاَدَهُم بِأَسْمَاءِ خُلَفَاءِ اللهِ، ثُمَّ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَلَدَهُ وَيَشْتِمُهُ. قُلْتُ: ظَنَنْتُكَ خَيْرَ أَهْلِ الشَّامِ، وَإِذَا لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ شَرٌّ مِنْكَ. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: لاَ جَرَمَ قَدْ جَعَلَ اللهُ مَنْ يَلْعَنُ أَحْيَاءَهُم وَأَمْوَاتَهُم (3) - يُرِيْدُ النَّاصِبَةَ -. قَدْ ذَكَرْنَا فَوتَ مُصَنَّفَاتِ المَدَائِنِيِّ فِي خَمْسِ وَرَقَاتٍ وَنِصْفٍ، مِنْهَا: (تَسْمِيَةُ المُنَافِقِيْنَ) ، (خُطَبُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ) ، كِتَابُ (فُتُوْحِهِ) ، كِتَابُ (عُهُوْدِهِ) ، كِتَابُ (أَخْبَارِ قُرَيْشٍ) ، (أَخْبَارُ أَهْلِ البَيْتِ) ، (مَنْ هَجَاهَا زَوْجُهَا) ، (تَارِيْخُ الخُلَفَاءِ) ، (خُطَبُ عَلِيٍّ وَكُتُبُهُ) ، (أَخْبَارُ الحَجَّاجِ) ، (أَخْبَارُ الشُّعَرَاءِ) ، (قِصَّةُ أَصْحَابِ الكَهْفِ) ، (سِيْرَةُ ابْنِ سِيْرِيْنَ) ، (أَخْبَارُ الأَكَلَةِ) ، كِتَابُ (الزّجْرِ وَالفَأْلِ) ، كِتَابُ (الجَوَاهِرِ) ، وَأَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ عَدِيْمَةُ الوُقُوْعِ (4) .   (1) هو أبو بكر أحمد بن علي. من أفاضل المعتزلة وصلحائهم وزهادهم، متوفى سنة 326 هـ. مترجم في " الفهرست " لابن النديم: ص: 220. (2) " الفهرست " ص 113. (3) " معجم الأدباء " 14 / 128، 129. (4) ذكر كتبه ابن النديم في " الفهرست " 113 - 117، ونقلها عنه ياقوت في " معجم الأدباء " 14 / 129 - 139. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 402 114 - عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحِ بنِ مُسْلِمِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ * الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُقْرِئُ، أَبُو أَحْمَدَ العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ، وَالِدُ الحَافِظِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيِّ، صَاحِبِ (التَّارِيْخِ) . وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَسْبَاطِ بنِ نَصْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَشَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ. أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَطَائِفَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ دَنُوْقَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّيْ أَنَا الرَّزَّاقُ ذُوْ القُوَّةِ المَتِيْنُ) (1) .   (*) الضعفاء للعقيلي لوحة 209، الجرح والتعديل 5 / 85، 86، تاريخ بغداد 9 / 477 - 478، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 265، المعجم المشتمل 155، تهذيب الكمال لوحة: 694 - 695، تذهيب التهذيب 2 / 153 أ - 154 ب، ميزان الاعتدال 2 / 445 - 447، معرفة القراء الكبار 1 / 137، الكاشف 2 / 96 - 97، غاية النهاية 1 / 423، تهذيب التهذيب 5 / 261، 263، خلاصة تذهيب الكمال: 201. (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 394، وأبو داود (3993) ، والترمذي (2940) من طريقين، عن إسرائيل بهذا الإسناد، وقال الترمذي: حسن صحيح. وهذه قراءة ابن مسعود انفرد بها، والتلاوة المجمع عليها: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 403 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ (1) ؛ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ بنُ أَبِي غَرَزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ - فِيْمَا قِيْلَ - وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَنُوْقَا، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ المُؤَدِّبُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ مَنْصُوْرٍ، عَنْهُ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ (4) . يُقَالُ: إِنَّ البُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، بَلْ إِنَّمَا رَوَى عَنْ كَاتِبِ اللَّيْثِ. وَقَدْ نَزَلَ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ بَغْدَادَ، وَأَقْرَأَ بِهَا القُرْآنَ، فَتَلاَ عَلَيْهِ: الطَّيِّبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ الرَّازِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مَاتَ أَبِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. هَكَذَا ضَبَطَ وَفَاةَ أَبِيْهِ - فَاللهُ أَعْلَمُ - فَإِنَّ فِي الرُّوَاةِ المَذْكُوْرِيْنَ عَنْ عَبْدِ اللهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ الحَدِيْثَ إِلاَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ، وَأَنَّ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ حَدَّثَا عَنْهُ (5) ، فَأَوَّلُ رِحْلَةِ أَبِي حَاتِمٍ كَانَتْ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَإِنَّمَا   (1) في الأصل: " عن أبي " وهو خطأ. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 477، و" تهذيب الكمال " لوحة 695. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 86. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 695. (5) " الجرح والتعديل " 5 / 86. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 404 ارْتَحَلَ أَبُو زُرْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُتَأَمَّلُ هَذَا. وَلَمْ يَقَعْ لِهَذَا الشَّيْخِ رِوَايَةٌ فِي الدَّوَاوِيْنِ السِّتَّةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 115 - عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الجُهَنِيُّ * (خَ، د، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ المِصْرِيِّيْنَ، أَبُو صَالِحٍ الجُهَنِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، كَاتِبُ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ. قَدْ شَرَحْتُ حَالَهُ فِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ) ، وَليَّنَّاهُ. وَبِكُلِّ حَالٍ، فَكَانَ صَدُوْقاً فِي نَفْسِهِ، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، أَصَابَهُ دَاءُ شَيْخِهِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَتَهَاوَنَ بِنَفْسِهِ حَتَّى ضَعُفَ حَدِيْثُهُ، وَلَمْ يُتْرَكْ بِحَمْدِ اللهِ، وَالأَحَادِيْثُ الَّتِي نَقَمُوهَا عَلَيْهِ مَعْدُوْدَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى (1) . مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. ورَأَى: زَبَّانَ بنَ فَائِدٍ، وَعَمْرَو بنَ الحَارِثِ. وَسَمِعَ مِنْ: مُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيِّ، وَنَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، وضِمَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.   (*) التارخ الكبير 5 / 121، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 63، الضعفاء للعقيلي لوحة: 209، الجرح والتعديل 5 / 86 - 87، المجروحين 2 / 40 - 43، الكامل لابن عدي لوحة 438 - 439، تاريخ بغداد 9 / 478 - 481، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 268، المعجم المشتمل: 155، تهذيب الكمال لوحة: 693، تذهيب التهذيب 2 / 152 ب - 153 أ، تذكرة الحفاظ 1 / 388، 390، العبر 1 / 387، ميزان الاعتدال 2 / 440، 447، الكاشف 2 / 96 - 97، المغني في الضعفاء 1 / 343، تهذيب التهذيب 5 / 256 - 261، مقدمة فتح الباري 411 - 413، طبقات الحفاظ: 169، حسن المحاضرة 1 / 346، خلاصة تذهيب الكمال: 201، شذرات الذهب 2 / 51. (1) انظر " مقدمة الفتح " 1 / 411، 413. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 405 وَلاَزمَ اللَّيْثَ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ تَصَانِيْفَهُ، وَكَانَ كَاتِباً لَهُ عَلَى أَمْوَالِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ - شَيْخُهُ - وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي السَّوَّارِ المِصْرِيُّ المُتَوْفَى سَنَةَ (297) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ أَبُو المُهَنَّى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ: يَرْفَعُ الحَدِيْثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ الشُّكْرَ، فَمُنِعَ الزِّيَادَةَ) ، الحَدِيْثَ. قَالَ ابْنُ دَيْزِيْلَ: ثُمَّ لَقِيْتُ أَبَا صَالِحٍ، فَقَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ اللَّيْثَ بِهَذَا. قُلْتُ: فَمَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: يَحْيَى بنُ عُطَارِدِ بنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، لاَ، بَلْ مُعْضَلٌ (1) . استَشْهَدَ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) بِأَبِي صَالِحٍ، بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ حَدِيْثاً، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ   (1) وفي " الدر المنثور " للسيوطي 4 / 71: وأخرج البخاري في " تاريخه " والضياء المقدسي في " المختارة " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ألهم خمسة لم يحرم من خمسة: من ألهم الدعاء لم يحرم الاجابة، لان الله يقول: [ادعوني أستجب لكم] ، ومن ألهم التوبة لم يحرم القبول، لان الله يقول: [وهو الذي يقبل التوبة عن عباده] ، ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة، لان الله تعالى يقول: [لئن شكرتم لازيدنكم] ، ومن ألهم الاستغفار لم يحرم المغفرة، لان الله تعالى يقول: [استغفروا ربكم إنه كان غفارا] ، ومن ألهم النفقة لم يحرم الخلف، لان الله تعالى يقول [وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 406 المُتْقَنَةِ، فَقَالَ: فِي أَوِّلِ الحَدِيْثِ: قَالَ اللَّيْثُ (1) : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ رَبِيْعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيْثِ الَّذِي اسْتَدَانَ مِنْ رَجُلٍ أَلفَ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِكَفِيْلٍ، قَالَ: كَفَى بِاللهِ وَكِيْلاً. وَالحَدِيْثُ مَشْهُوْرٌ، عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ المُحَدِّثُوْنَ قَبْلَنَا فِي تَفْسِيْرِ الفَتْحِ مِنَ (الصَّحِيْحِ (2)) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ (3) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ حَدِيْثَ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيْراً (4) .   (1) 4 / 385 في أول الكفالة: قال الحافظ: وقع هنا في نسخة الصغاني: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، وقد تقدم في باب التجارة في البحر 4 / 255، أن أبا ذر وأبا الوقت وصلاه في آخره، قال البخاري: حدثني عبد الله بن صالح، حدثني الليث به، ووصله أبو ذر هنا من روايته عن شيخه علي بن وصيف، حدثنا محمد بن غسان، حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني، حدثنا عبد الله بن صالح به، وكذلك وصله بهذا الإسناد في باب ما يستخرج من البحر من كتاب الزكاة 3 / 287، ولم ينفرد به عبد الله بن صالح، فقد أخرجه الاسماعيلي من طريق عاصم بن علي، وآدم بن أبي إياس، والنسائي من طريق داود بن منصور، كلهم عن الليث، وأخرجه الامام أحمد 2 / 348 عن يونس بن محمد، عن الليث. وله طريق أخرى عن أبي هريرة علقها البخاري في كتاب الاستئذان 11 / 40 من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، ووصلها في " الأدب المفرد " (1128) ، وصححه ابن حبان من هذا الوجه. (2) 8 / 449 في التفسير. (3) قال الحافظ: في رواية أبي ذر وأبي علي بن السكن: عبد الله بن مسلمة أي: القعنبي، ووقع عند غيرهما عبد الله غير منسوب، فتردد فيه أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وقال أبو علي الجياني: عندي أنه عبد الله بن صالح، ورجح هذا المزي، وشده بأن البخاري أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب " الأدب المفرد " (247) عن عبد الله بن صالح، عن عبد العزيز. قلت (القائل ابن حجر) : لكن لا يلزم من ذلك الجزم به، وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد شيخان عن شيخ واحد، وليس الذي وقع في " الأدب " بأرجح مما وقع الجزم به في رواية أبي علي وأبي ذر، وهما حافظان. (4) ونصه: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن هذه الآية التي في = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 407 فَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ بَكْرٍ الأَنْدَلُسِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ: عَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ العِجْلِيُّ الكُوْفِيُّ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكَنِ (1) فِي رِوَايَتِهِ الصَّحِيْحَ عَنِ الفَرَبْرِيِّ، عَنِ البُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ -يَعْنِي: القَعْنَبِيَّ- حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الحَافِظُ (2) فِي (الأَطْرَافِ) : عَبْدُ اللهِ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ. ثُمَّ قَالَ: وَالحَدِيْثُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ الحَافِظُ (3) : بَلْ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ.   = القرآن: [يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا] قال في التوراة: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للاميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله الا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا ". (1) هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي، نزيل بغداد، المتوفى سنة 353 هـ، مترجم في " تذكرة الحفاظ " 3 / 938. (2) هو إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدمشقي الحافظ، مصنف كتاب " الاطراف " على الصحيح، متوفى سنة 400، وقيل 401، مترجم في " تذكرة الحفاظ " 2 / 1068 - 1070 - وكتب الاطراف تذكر أحاديث كل صحابي على حدة كما يفعل أصحاب المسانيد، إلا أنهم يقتصرون على ذكر طرف منه، وهو بمثابة فهرس للاحاديث، ومن أعظم كتب الاطراف وأوعبها: كتاب " تحفة الاشراف بمعرفة الاطراف " للحافظ المزي المتوفى 742 هـ وقد جمع فيه أحاديث الكتب الستة وبعض لواحقها، وقد صدر منه أجزاء بتحقيق عبد الصمد شرف الدين. وللشيخ عبد الغني النابلسي: " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث " وهو مطبوع في مجلدين. (3) في كتابه " تقييد المهمل وتمييز المشكل " في رجال الصحيحين 2 / لوحة 681. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 408 قَالَ لَنَا أَبُو الحَجَّاجِ الحَافِظُ: وَهَذَا أَوْلَى الأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ. قَالَ: لأَنَّ البُخَارِيَّ رَوَاهُ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ (1)) فِي بَابِ الانْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ. ذَكَرَهُ عَقِيْبَ حَدِيْثِ (2) مُحَمَّدِ بنِ سِنَانٍ العَوَقِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ هِلاَلٍ. وَرَوَاهُ فِي البُيُوعِ مِنَ (الجَامِعِ الصَّحِيْحِ (3)) ، عَنِ العَوَقِيِّ. فَالحَدِيْثُ عِنْدَ البُخَارِيِّ عَنِ الرَّجُلَيْنِ فِي (الأَدَبِ) ، وَفِي (الصَّحِيْحِ) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الرَّجُلَيْنِ، وَقَعَ الاشْتِرَاكُ فِي قَوْلِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ بَيْنَ العِجْلِيِّ الكُوْفِيِّ، وَبَيْنَ الجُهَنِيِّ الكَاتِبِ، فَكَوْنُهُ الكَاتِبَ أَوْلَى، لأَنَّا تَيَقَنَّا أَنَّ البُخَارِيَّ قَدْ سَمِعَ مِنْ كَاتِبِ اللَّيْثِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَفِي أَمَاكِنَ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي حَقِّ العِجْلِيِّ، فَإِنَّ البُخَارِيَّ ذَكَرَ لَهُ تَرْجَمَةً صَغِيْرَةً مُخْتَصَرَةً جِدّاً فِي (تَارِيْخِهِ) ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيْهَا شَيْئاً، وَلاَ وَجَدْنَا أَبَداً لَهُ رِوَايَةً مُتَيَقَّنَةً عَنْهُ، لاَ فِي (الصَّحِيْحِ) ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَوَالِيْفِهِ، بَلْ قَدْ رَوَى فِي (تَارِيْخِهِ) عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ. نَعَمْ، وَلَمْ نَجِدْ لِلْعِجْلِيِّ رِوَايَةً عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، مَتْنُهُ (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ (4)) . رَوَاهُ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، بِخِلاَفِ كَاتِبِ اللَّيْثِ، فَإِنَّهُ مُكْثِرٌ عَنِ ابْنِ (5) أَبِي سَلَمَةَ (6) .   (1) برقم (247) . (2) برقم (246) . (3) 4 / 287: باب كراهية السخب في الاسواق. (4) وأخرجه البخاري في " صحيحه " 5 / 73، وفي " الأدب المفرد " (475) من طريق أحمد بن يونس، عن عبد العزيز الماجشون، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعا: " الظلم ظلمات يوم القيامة " وأخرجه مسلم (2579) من طريق محمد بن حاتم، عن شبابة، عن عبد العزيز بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 2 / 137 من طريق موسى بن داود، و2 / 156 من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، كلاهما عن عبد العزيز به. (5) سقط لفظ " ابن " من الأصل، واستدرك من " تهذيب الكمال ". (6) نقله الذهبي عن " تهذيب الكمال " لوحة 695 بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 409 قُلْتُ: وَأَيْضاً فَإِنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ رَوَى الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ عَنْ كَاتِبِ اللَّيْثِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ. وَفِي الجِهَادِ مِنَ (الصَّحِيْحِ (1)) أَيْضاً: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَفَلَ مِنْ حَجٍّ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (2) . فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكَنِ: حَدَّثَنَا الفِرْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ فَذَكَرَ، رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي (مُصَنَّفِهِ) . وَقَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ فِي (الأَطْرَافِ) : هَذَا الحَدِيْثُ يَرْوِيْهِ النَّاسُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ (3) . قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، فَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا هُوَ. وَقَالَ الغَسَّانِيُّ: بَلْ هُوَ كَاتِبُ اللَّيْثِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِباً عَلَى مَغَلِّ اللَّيْثِ، مُنْكَرَ الحَدِيْثِ جِدّاً، وَكَانَ فِي نَفْسِهِ صَدُوْقاً، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: كَانَ لَهُ جَارٌ يُعَادِيهِ، فَكَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى شَيْخِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، وَيَكْتُبُ فِي   (1) 6 / 95: باب التكبير إذا علا شرفا. (2) ونصه بتمامه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة - ولا أعلمه إلا قال: الغزو - يقول كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا، ثم قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده " قال صالح: فقلت له: ألم يقل عبد الله: إن شاء الله؟ قال: لا. (3) قال الحافظ في " الفتح " 6 / 95: زعم أبو مسعود أن عبد الله هو ابن صالح، وتعقبه الجياني بأنه وقع في رواية ابن السكن عبد الله بن يوسف وهو المعتمد. وقال في " المقدمة " 142: وعبد الله: هو ابن صالح كما جزم به أبو علي الغساني. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 410 قِرْطَاسٍ بِخَطٍّ يُشبِهُ خَطَّ عَبْدِ اللهِ، وَيَطْرَحُهُ فِي دَارهِ بَيْنَ الكُتُبِ، فَيَجِدُهُ عَبْدُ اللهِ، فَيُحَدِّثُ بِهِ عَلَى التَّوَهُّمِ أَنَّهُ خَطُّهُ (1) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ، وَغَزْوَةٌ لِمَنْ حَجَّ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ حِجَجٍ، وَغَزْوَةٌ فِي البَحْرِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةٍ فِي البِرِّ (2)) . حَدَّثَنَاهُ: أَبُو عَرُوْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَزُّوْنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (يَكُوْنُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيْفَةً: أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْبَثُ إِلاَّ قَلِيْلاً، وَصَاحِبُ رَحَا دَارَةِ العَرَبِ عُمَرُ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (3) . حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ. قُلْتُ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ المُؤَيَّدِ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صِرْمَا، وَابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ   (1) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 40. (2) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 41، والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير "، ونسبه للطبراني والبيهقي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 5 / 281، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وأعله بعبد الله بن صالح كاتب الليث. (3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 42، وتمامه: " وصاحب رحا دارة العرب، يعيش حميدا، ويموت شهيدا " قالوا: ومن هو؟ قال: " عمر بن الخطاب وقد فعل " قال: ثم التفت إلى عثمان، فقال: " يا عثمان، إن كان الله ألبسك قميصا، فإن أرادك الناس على خلعه فلا تخلعه، فوالذي نفسي بيده لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 411 النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا الصُّوْفِيُّ، فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ. فَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ أَبِي زَكَرِيَّا (1) وَنَقْدِهِ، كَيْفَ يَسْتَحِلُّ رِوَايَةَ مِثْلِ هَذَا، وَيَسْكُتُ عَنْ تَوْهِيَتِهِ؟! وَسَاقَ لَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ جَمَاعَةَ أَحَادِيْثَ تَفَرَّدَ بِهَا مُنْكَرَةٍ (2) . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، رَوَى عَنْهُ: اللَّيْثُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَدُحَيْمٌ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ أَبِي - وَسُئِلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ - فَقَالَ: أَتَسْأَلُوْنِي عَنْ أَقرَبِ رَجُلٍ إِلَى اللَّيْثِ؟ رَجُلٍ مَعَهُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَسَفَرِهِ وَحَضَرِهِ، وَيَخْلُو مَعَهُ غَالباً، فَلاَ يُنْكَرُ لِمِثْلِهِ أَنْ يُكْثِرَ عَنِ اللَّيْثِ (4) . وَقَالَ أَبِي؛ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَمِيْنٌ، صَدُوْقٌ مَا عَلِمتُهُ (5) . وَأَثْنَى عَلَى عَبْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ عَالِمُ مِصْرَ (6) . وَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، سَمِعَ مِنْ جَدِّي حَدِيْثَهُ، وَكَانَ أَبِي يَحُضُّهُ عَلَى التَّحْدِيْثِ (7) .   (1) أي: يحيى بن معين. (2) انظر " المجروحين والضعفاء " 2 / 41 - 43، و" الكامل " 3 / لوحة 438، 439. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 86. (4) " الجرح والتعديل " 5 / 86. (5) " الجرح والتعديل " 5 / 87. (6) " الجرح والتعديل " 5 / 86. وسعيد بن عفير سترد ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 583. (7) " الجرح والتعديل " 5 / 86، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 412 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: فَسَدَ بِأَخَرَةٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَقَلُّ الأَحْوَالِ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الكُتُبَ عَلَى اللَّيْثِ، فَأَجَازَهَا لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ كَتَبَ إِلَى اللَّيْثِ بِهَذَا الدُّرْجِ (2) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً رَوَى عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إِلاَّ أَبَا صَالِحٍ، وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ أَخْرَجَ دُرْجاً قَدْ ذَهَبَ أَعلاَهُ، وَلَمْ يَدْرِ حَدِيْثَ مَنْ هُوَ، فَقِيْلَ لَهُ: حَدِيْثُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَرَوَى عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ (3) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُهُ، وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (5) . وَرَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: صَحِبْتُ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 87، و" تاريخ بغداد " 9 / 480، و" الكامل " لابن عدي 3 / لوحة 438، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. وقال الحافظ في " المقدمة " ص 411، 412، بعد أن نقل قول أحمد وغيره فيه: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم، فهو من صحيح حديثه، وما يجئ من رواية الشيوخ عنه، فيتوقف فيه. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 87. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 87، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 481، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. (5) " الضعفاء والمتروكين ": 63. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 413 اللَّيْثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً (1) . قَالَ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ إِلاَّ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَوْ يُسَبِّحُ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ. الرَّمَادِيُّ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ: شَهِدْنَا الأَضْحَى بِبَغْدَادَ مَعَ اللَّيْثِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ (3) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: ضَرَبْتُ عَلَى حَدِيْثِ كَاتِبِ اللَّيْثِ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً (4) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ، يَقُوْلاَنِ: حَدِيْثُ (إِنَّ اللهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي) مَوْضُوْعٌ، وَالحَمْلُ فِيْهِ عَلَى أَبِي صَالِحٍ. قُلْتُ: وَمِنْ أَنْكَرِ مَا نَقَمُوا عَلَى أَبِي صَالِحٍ رِوَايَتُهُ عَنْ نَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ زُهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (إِنَّ اللهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيْعِ العَالَمِيْنَ (5)) ، الحَدِيْثَ بِطُولِهِ. لَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعٍ، رَوَاهُ عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ القَنْطَرِيُّ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 694، وتتمته فيه: لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 479، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 694. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 481، و" تهذيب الكمال " لوحة 694. (5) وتمامه كما في " المجروحين " 2 / 41: ما خلا النبيين والمرسلين، واختار من اصحابي أربعة - وفي كل أصحابي خير - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، واختار أمتي على سائر الأمم ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 414 وَمُحَمَّدُ بنُ الحَارِثِ العَسْكَرِيُّ، عَنْ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَتَخَلَّصَ أَبُو صَالِحٍ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ: هُوَ مِنْ وَضْعِ خَالِدِ بنِ نَجِيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَانَ يَضَعُ فِي كُتُبِ الشُّيُوْخِ (2) . قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، مَعَ أَنَّ نَافِعاً صَدُوْقٌ، قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: أَبُو صَالِحٍ عِنْدِي مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقَعُ فِي حَدِيْثِهِ غَلَطٌ، وَلاَ يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ (3) . نَقَلَ ابْنُ يُوْنُسَ وَغَيْرُهُ مَوْتَ أَبِي صَالِحٍ: فِي يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَهُوَ فِي عَقْلِي أَقْوَى مِنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَسِيْدٍ الجَمَّالِ، وَمَا هُوَ بِدُوْنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ الأَصْبَحِيِّ. أُنْبِئْتُ عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بنُ شُعَيْبٍ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ الحَارِثِ، عَنْ   (1) في " الميزان " 2 / 442: قلت: قد رواه أبو العباس محمد بن أحمد الأثرم صدوق، حدثنا علي بن داود القنطري ثقة، حدثنا سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن صالح، عن نافع فذكره. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 87. (3) " الكامل في الضعفاء " 3 / لوحة 439. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 694. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 415 مَكْحُوْلٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُم مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَ الكَبَائِرَ، وَالصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُم عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَمْوُتُ، بَرّاً كَانَ أَوْ فَاجِراً، وَإِنْ هُوَ عَمِلَ الكَبَائِرَ) (1) . 116 - حَمَّادُ بنُ مَالِكِ بنِ بِسْطَامَ بنِ دِرْهَمٍ الأَشْجَعِيُّ * المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الحَرَسْتَانِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: الأَوْزَاعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْرِيُّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَخْرَجَ حَمَّادُ بنُ مَالِكٍ مِقْدَارَ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، فَأُخْبِرَ أَبُو مُسْهِرٍ بِذَلِكَ،   (1) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح، ومكحول لم يسمع من أبي هريرة، ولكن لم ينفرد به عبد الله، فقد أخرجه أبو داود (594) و (2533) ومن طريقه البيهقي 3 / 121 عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد. وقال البيهقي في " معرفة السنن والآثار ": إسناد صحيح إلا أن فيه إرسالا بين مكحول، وأبي هريرة. ورواه الدارقطني ص 185 وقال: مكحول لم يسمع من أبي هريرة، ومن دونه ثقات. وانظر " نصب الراية " 2 / 26، 27. (*) التاريخ الكبير 3 / 28، الجرح والتعديل 3 / 149، الأنساب 4 / 106، معجم البلدان 2 / 241، اللباب 1 / 356، ميزان الاعتدال 1 / 602، العبر 1 / 402، المغني في الضعفاء 1 / 191، لسان الميزان 2 / 353، شذرات الذهب 2 / 64، تهذيب ابن عساكر 4 / 430. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 416 فَأَنْكَرَ، وَقَالَ: لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ جَابِرٍ (1) . وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: شَيْخٌ (2) . وَقَالَ إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيُّ القَرَّابُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 117 - عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ البَاهِلِيُّ * (خَ مَقْرُوْناً، د) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، مُسْنِدُ البَصْرَةِ، أَبُو عُثْمَانَ البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَرَوَى عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ، وَأَبِي إِدْرِيْسَ - صَاحِبٍ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) مَقْرُوْناً بِآخَرَ (3) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 149، والزيادة منه. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 149. (*) طبقات ابن سعد 7 / 305، التاريخ الكبير 6 / 373، التاريخ الصغير 2 / 300، الضعفاء للعقيلي لوحة 311، الجرح والتعديل 6 / 263، 264، تهذيب الكمال لوحة: 1050، تذهيب التهذيب 3 / 109، 1، 2، الكاشف 2 / 342، المغني في الضعفاء 2 / 489، ميزان الاعتدال 3 / 287، 288، العبر 1 / 391، تهذيب التهذيب 8 / 98، مقدمة فتح الباري: 431، 432، خلاصة تذهيب الكمال: 293، شذرات الذهب 2 / 54. (3) قال الحافظ في " المقدمة " ص 431: لم يخرج عنه البخاري في " الصحيح " سوى حديثين، أحدهما: حديثه عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عروة في فضل عائشة، وهو عنده 7 / 83 بمتابعة آدم بن أبي إياس وغندر وغيرهما عن شعبه. والثاني: حديثه عن شعبة، عن ابن أبي بكر، عن أنس في ذكر الكبائر مقرونا عنده بعبد الصمد عن شعبة، فوضح أنه لم يخرج له احتجاجا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 417 (سُنَنِهِ) - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ - وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ الهَيْثَمِ العَاقُوْلِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ التَّمَّارُ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ القَوَارِيْرِيُّ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ يَرْضَى عَمْرَو بنَ مَرْزُوْقٍ فِي الحَدِيْثِ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ ذَكَرَ عَمْرَو بنَ مَرْزُوْقٍ، فَقَالَ: جَاءَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُم، فَحَسَدُوْهُ (2) . وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ سَعْدٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: كَانَتِ الكُتُبُ الَّتِي عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ لِعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلاً غَزَّاءً يَغْزُو فِي البَحْرِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو دَاوُدَ، حَوَّلَ عَمْرٌو كُتُبَهُ (3) . قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تَرَكُوا حَدِيْثَ الفَهْدَيْنِ وَالعَمْرَيْنِ. يُرِيْدُ: فَهْدَ بنَ عَوْفٍ، وَفَهْدَ بنَ حَيَّانَ، وَعَمْرَو بنَ حَكَّامٍ، وَعَمْرَو بنَ مَرْزُوْقٍ (4) . قِيْلَ: كَانَ عِنْدَ عَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ عَنْ شُعْبَةَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ (5) . قَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: سَمَاعُ أَبِي دَاوُدَ وَعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ مِنْ شُعْبَةَ كَانَ شَيْئاً وَاحِداً، وَكَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُطرِي عَمْراً، وَيَرْفَعُ ذِكْرَهُ.   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 264. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 264، و" تهذيب الكمال " لوحة 1050. (3) " الجرح والتعديل " 6 / 264، و" تهذيب الكمال " لوحة 1050. (4) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 311، و" تهذيب الكمال " لوحة 1050. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1050. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 418 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - وَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ لَيَّنَهُ - قَالَ: لاَ أَدْرِي مَا يَقُوْلُ عَلِيٌّ، عَمْرٌو رَجُلٌ صَالِحٌ (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الأَسَدِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لِوَلَدِهِ صَالِحٍ حِيْنَ رَجَعَ مِنَ البَصْرَةِ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ؟ فَقَالَ: نُهِيْتُ. فَقَالَ: إِنَّ عَفَّانَ كَانَ يَرْضَاهُ، وَمَنْ كَانَ يَرْضَى عَفَّانُ (2) ؟! كَانَ عَمْرٌو صَاحِبَ غَزْوٍ وَخَيْرٍ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ أَبِي قِمَاشٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ عَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، صَاحِبُ غَزْوٍ وَقُرْآنٍ وَفَضْلٍ ... ، وَحَمِدَهُ جِدّاً (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، مِنَ العُبَّادِ، لَمْ نَجِدْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ كَانَ أَحْسَنَ حَدِيْثاً مِنْهُ (5) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بِالبَصْرَةِ مَجْلِسٌ أَكْبَرَ مِنْ مَجْلِسِ عَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ فِيْهِ عَشْرَةُ آلاَفِ نَفْسٍ (6) . قَالَ النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى) : أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ مَرْزُوْقٍ - وَسُئِلَ: أَتَزَوَّجْتَ أَلْفَ امْرَأَةٍ؟ - فَقَالَ: أَوْ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ امْرَأَةٍ (7) .   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 263، و" تهذيب الكمال " لوحة 1050. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 263. (3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 311، و" تهذيب الكمال " لوحة 1050. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1050. (5) " الجرح والتعديل " 6 / 264. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1050. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 1050. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 419 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ أَبِي قِمَاشٍ: رَأَيْتُ عَمْراً أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . أَمَّا: 118 - عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ الوَاشِحِيُّ (2) البَصْرِيُّ ** فَمُحَدِّثٌ، صَدُوْقٌ، فِي طَبَقَةِ مَشْيَخَةِ الأَوَّلِ. رَوَى عَنْ: عَوْنِ بنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَغَيْرِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (3) . قُلْتُ: مَا لِهَذَا شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. ذَكَرْتُهُ لِلتَّمْيِيْزِ. 119 - مُحَمَّدُ بنُ الرُّوْمِيِّ البَصْرِيُّ ** (ت) هُوَ مُحَمَّدُ ابْنُ المُحَدِّثِ عُمَرَ ابْنِ المُحَدِّثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1050. (*) التاريخ الكبير 6 / 372، الجرح والتعديل 6 / 263، تهذيب الكمال لوحة: 1051، تذهيب التهذيب 3 / 109 / 2، ميزان الاعتدال، 3 / 288، تهذيب التهذيب 8 / 101، 102، خلاصة تذهيب الكمال: 293. (2) نسبة إلى واشح: بطن من الازد. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1051. (* *) التاريخ الكبير 1 / 178، 179، الجرح والتعديل 8 / 21، 22، تهذيب الكمال لوحة: 1247، ميزان الاعتدال 3 / 668، المغني في الضعفاء 2 / 620، الكاشف 3 / 81، تهذيب التهذيب 9 / 165، خلاصة تذهيب الكمال: 336. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 420 البَصْرِيُّ، وَيُعْرَفُ عَبْدُ اللهِ: بِالرُّوْمِيِّ (1) . حَدَّثَ مُحَمَّدٌ عَنْ: شُعْبَةَ، وَشَرِيْكٍ، وَأَبِيْهِ، وَغَيْرِهِم. وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ، وَالبُخَارِيُّ (2) ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ. ضَعَّفَهُ: أَبُو دَاوُدَ (3) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فِيْهِ لِيْنٌ (4) . وَكَانَ جَدُّهُ: 120 - عَبْدُ اللهِ الرُّوْمِيُّ * يَرْوِي عَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ. مَاتَ: سَنَةَ (131) ، عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ. وَ 121 - عُمَرُ بنُ الرُّوْمِيِّ * رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ.   (1) في " التاريخ الكبير " 5 / 133: قال حماد بن زيد: حدثنا عبد الله الرومي ولم يكن روميا، كان رجلا منا من أهل خراسان. (2) في غير " صحيحه ". (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1248. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 22، و" تهذيب الكمال " لوحة 1248. (*) التاريخ الكبير 5 / 133، الجرح والتعديل 5 / 95. (* *) التاريخ الكبير 6 / 169، 170، الجرح والتعديل 6 / 119، المغني في الضعفاء 2 / 470، ميزان الاعتدال 3 / 212. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 421 وَعَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَغَيْرُهُم. صَدُوْقٌ. مَاتَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَبَقِيَ مُحَمَّدُ بنُ الرُّوْمِيِّ إِلَى قُرْبِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 122 - سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ أَبُو بِشْرٍ البَصْرِيُّ * (خَ، د، س) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو بِشْرٍ البَصْرِيُّ، أَحَدُ البَقَايَا. حَدَّثَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَأَبَانٍ العَطَّارِ، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَالسَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . وَرَوَى النَّسَائِيُّ لَهُ أَيْضاً. مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ. 123 - سَهْلُ بنُ تَمَّامِ بنِ بَزِيْعٍ أَبُو عَمْرٍو الطُّفَاوِيُّ ** (د) الإِمَامُ، أَبُو عَمْرٍو الطُّفَاوِيُّ، البَصْرِيُّ، شَيْخٌ، مُعَمَّرٌ، صُوَيْلِحٌ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 302، التاريخ الكبير 4 / 103، الجرح والتعديل 4 / 194، المعجم المشتمل: 138، تهذيب الكمال لوحة: 557، تذهيب التهذيب 2 / 60، 1، 2، تذكرة الحفاظ 1 / 398، الكاشف 1 / 406، العبر 1 / 399، تهذيب التهذيب 4 / 247، مقدمة فتح الباري: 406. (1) " الجرح والتعديل " 4 / 194. (* *) الجرح والتعديل 4 / 194، المعجم المشتمل: 138، تهذيب الكمال لوحة: 557، تذهيب التهذيب 2 / 60 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 237، الكاشف 1 / 406، المغني في الضعفاء 1 / 287، تهذيب التهذيب 4 / 247، خلاصة تذهيب الكمال: 157. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 422 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَصَالِحِ بنِ أَبِي الجَوْزَاءِ، وَعَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ البَاهِلِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَابْنُ خَالِهِ؛ أَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَكُنْ يَكْذِبُ، رُبَّمَا وَهِمَ فِي الشَّيْءِ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 124 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ السَكَنِ بنِ الفَضْلِ العَتَكِيُّ * هُوَ: الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ السَّكَنِ بنِ الفَضْلِ بنِ المُؤْتَمَنِ الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ البُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) .   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 194. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 194. (*) التاريخ الكبير 5 / 55، التاريخ الصغير 2 / 531، الجرح والتعديل 5 / 18، تهذيب الكمال لوحة: 669، تذهيب التهذيب 2 / 134 / 1، تهذيب التهذيب 5 / 164، خلاصة تذهيب الكمال: 192. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 18. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 423 وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ (224) (1) . 125 - عَبْدُ اللهِ بنُ خَيْرَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ * المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ، نَزَلَ بَغْدَادَ. وَحَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ، وَعِيْسَى زَغَاثُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: اعْتَبَرْتُ لَهُ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً، فَوَجَدتُهَا مُسْتَقِيْمَةً تَدُلُّ عَلَى ثِقَتِهِ (2) . وَقَدْ ذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ، فَقَالَ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى حَدِيْثٍ. ثُمَّ إِنَّه سَاقَ لَهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ حَسَنَةٍ، أَحَدُهَا مَوْقُوْفٌ، فَرَفَعَهُ (3) . 126 - يَحْيَى بنُ عَبْدُوَيْه البَغْدَادِيُّ ** حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ، وَجَعْفَرُ بنُ كُزَالَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُم.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 669. (*) الضعفاء للعقيلي لوحة 203، تاريخ بغداد 9 / 450 - 451، ميزان الاعتدال 2 / 415، المغني في الضعفاء 1 / 336، لسان الميزان 3 / 282. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 451. (3) " الضعفاء " لوحة 203. (* *) الكامل لابن عدي لوحة: 838، ميزان الاعتدال 4 / 394، المغني في الضعفاء 2 / 740، لسان الميزان 6 / 268 - 269. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 424 أَثْنَى عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَمَرَ وَلَدَه عَبْدَ اللهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ (1) . وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَرَمَاهُ بِالكَذِبِ. تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 127 - عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الخَطَّابِ أَبُو الحَسَنِ الكُوْفِيُّ * (ق) الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَأَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ رَجَاءَ الزُّبَيْدِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ (2) ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ المَازِنِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: الفَلاَّسُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) . قُلْتُ: رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ فَقَطْ.   (1) " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 838. (*) التاريخ الكبير 6 / 29، الجرح والتعديل 5 / 381، تهذيب الكمال لوحة: 838، تذهيب التهذيب 2 / 239 / 2، الكاشف 2 / 197 - 198، تهذيب التهذيب 6 / 335، خلاصة تذهيب الكمال: 239. (2) نسبة إلى عمل الاسفاط وبيعها وهي ما يوضع فيه الطيب وما شابهه من أدوات النساء. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 381. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 838. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 425 128 - قُرَّةُ بنُ حَبِيْبٍ أَبُو عَلِيٍّ البَصْرِيُّ الرَّمَّاحُ * (خَ) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ البَصْرِيُّ، الرَّمَّاحُ، القَنَوِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ. وَعَنْ: شُعْبَةَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ - فِي بَعْضِ تَوَالِيْفِهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ؛ وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سَهْلٍ المُجَوِّزُ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. 129 - الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَارَكِيُّ ** (خَ، س) ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، المُحَدِّثُ، أَبُو هَمَّامٍ   (*) تاريخ الكبير 6 / 183 - 184، الجرح والتعديل 7 / 132، الأنساب 10 / 252، اللباب 3 / 61، تهذيب الكمال لوحة 1128، تذهيب التهذيب 3 / 159 / 2، الكاشف 2 / 399، تهذيب التهذيب 8 / 370 - 371، خلاصة تذهيب الكمال: 316. (1) " الجرح والتعديل " 7 / 132. (* *) التاريخ الكبير 4 / 304، الجرح والتعديل 4 / 441، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 225، الأنساب 5 / 15 - 16، المعجم المشتمل: 144، معجم البلدان 2 / 337، اللباب 1 / 410، تهذيب الكمال لوحة: 612، تذهيب التهذيب 2 / 96 / 1، الكاشف 2 / 31، تهذيب التهذيب 4 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 175. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 426 الخَارَكِيُّ، البَصْرِيُّ، الثِّقَةُ. وَخَارَكُ: سَاحِلُ البَصْرَةِ (1) . حَدَّثَ عَنْ: مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَغَسَّانَ بنِ الأَغَرِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَرَوْحُ بنُ حَاتِمٍ، وَالعَبَّاسُ العَنْبَرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ شَاذَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، أَتَيتُهُ أَيَّامَ الأَنْصَاريِّ (2) ، فَلَمْ يُقْضَ لِيَ أَنْ أَسْمَع مِنْهُ (3) . وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . 130 - عَمْرُو بنُ خَالِدِ بنِ فَرُّوْخٍ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، ق) ابْنِ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَاقِدِ بنِ لَيْثٍ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ - وَيُقَالُ: الخُزَاعِيُّ - الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ، نَزِيْل   (1) وقال ياقوت في " معجمه " 2 / 337: خارك: جزيرة في وسط البحر الفارسي، وهي جبل عال في وسط البحر، إذا خرجت المراكب من عبادان تريد عمان وطابت بها الريح وصلت إليها في يوم وليلة. (2) هو محمد بن عبد الله الأنصاري أبو عبد الله، قاضي البصرة، تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 441. (*) التاريخ الكبير 6 / 327، التاريخ الصغير 2 / 358، الجرح والتعديل 6 / 230، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 370، المعجم المشتمل: 203، تهذيب الكمال لوحة: 1032، تذهيب التهذيب 3 / 97 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 258، الكاشف 2 / 227، 228، المغني في الضعفاء 2 / 484، تهذيب التهذيب 8 / 25 - 26، النجوم الزاهرة 2 / 257، حسن المحاضرة 1 / 286، خلاصة تذهيب الكمال: 288. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 427 مِصْرَ، وَهُوَ وَالِدُ الإِمَامِ أَبِي عُلاَثَةَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي خَيْثَمَةَ عَلِيِّ بنِ عَمْرٍو. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَالنَّضْرِ بن عَرَبِيٍّ، وَأَبِي عَقِيْلٍ يَحْيَى بنِ المُتَوَكِّلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ لَهِيْعَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي المَلِيْحِ، وَزُهَيْرٍ، وَشَرِيْكٍ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ أَبِي مُسَاوِرٍ الجَرَّارِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَسَمُّوْيَه، وَأَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَحْيَى بن عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَالحَسَنُ بنُ الفَرَجِ الغَزِّيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ حُمَيْدٍ العَكِّيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَوَلَدَاهُ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مِصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ (2) ، وَغَيْرهُ: مَاتَ بِمِصْرَ، سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 131 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامِ بنِ أَيُّوْبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ * العَلاَّمَةُ، النَّحْوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ،   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 230. (2) " التاريخ الكبير " 6 / 327، و" التاريخ الصغير " 2 / 358. (*) السيرة النبوية 1 / 17 - 18، الروض الانف 1 / 7، مقدمة شرح السيرة للخشني 1 / 3، إنباه الرواة 2 / 211 - 212، وفيات الأعيان 3 / 177، الإشارة إلى وفيات الأعيان لوحة: 44، عيون التواريخ 7 / 287، الوافي بالوفيات 6 / 26، البداية والنهاية 10 / 281 - 282، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 111 - 112، حسن المحاضرة 1 / 531، بغية الوعاة 2 / 115. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 428 السَّدُوْسِيُّ - وَقِيْلَ: الحِمْيَرِيُّ - المَعَافِرِيُّ، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ. هَذَّبَ السِّيْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، وَسَمِعَهَا مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ صَاحِبِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَخَفَّفَ مِنْ أَشعَارِهَا، وَرَوَى فِيْهَا مَوَاضِعَ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، رَوَاهَا عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ؛ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ. وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي أَنسَابِ حِمْيَرٍ وَمُلُوكِهَا. وَالأَصَحُّ أنَّه ذُهْلِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَأَرَّخ وَفَاتَه فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُطَّلِبِيُّ بِالرَّمْلَةِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنُ حَيَّوَيْه، سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ بِمِصْرَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ صَاحِبُ (المَغَازِي) ، وَكَانَ عَلاَّمَةَ أَهْلِ مِصْرَ بِالعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ، فَقِيْلَ لَهُ فِي المَصِيْرِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، فَتَثَاقَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا ظَنَنتُ أَنَّ اللهَ يَخلُقُ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ (2) . وَفِي (الرَّوْضِ الأُنُفِ) : أَنَّ ابْنَ هِشَامٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (3) . فَهَذَا وَهِمَ فِيْهِ أَبُو القَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ، بَلِ الصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ.   (1) " وفيات الأعيان " 3 / 177. (2) " مناقب الشافعي " للبيهقي 2 / 42، و" توالي التأسيس " 2 / 60، وقد أورد المؤلف هذا الخبر في ترجمة الشافعي في أول هذا الجزء. (3) " الروض الانف " 1 / 7. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 429 132 - أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ دِرْهَمٍ النَّهْدِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، سِبْطُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الفَقِيْهِ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْرَائِيْلَ، وَوَرْقَاءَ، وَعِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَالحَكَمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الغَسِيْلِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمِنْدَلِ بنِ عَلِيٍّ، وَحِبَّانَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ، وَيَحْيَى بنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَفَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ البَغْدَادِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ لأَحَمْدَ بنِ حَنْبَلٍ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكْتُبَ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ مِنْهُ شَيْء،   (*) تاريخ يحيى بن معين: 543، طبقات ابن سعد 6 / 404 - 405، التاريخ الكبير 7 / 315، التاريخ الصغير 2 / 339، الجرح والتعديل 8 / 206، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 481، المعجم المشتمل 284 - 285، تهذيب الكمال 1294 - 1295، تذهيب التهذيب 4 / 14 / 2، تذكرة الحفاظ 1 1 / 402، 403، العبر 1 / 378، الكاشف 2 / 112، ميزان الاعتدال 3 / 424 - 425، تهذيب التهذيب 10 / 2 - 9، طبقات الحفاظ: 171، خلاصة تذهيب الكمال: 366، شذرات الذهب: 2 / 46. (1) نسبة إلى الرها: بلدة من بلاد الجزيرة بينها وبين حران ستة فراسخ. " الأنساب " 6 / 194. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 430 فَاكتُبْ عَنْ أَبِي غَسَّانَ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِالكُوْفَةِ أَتْقَنَ مِنْ أَبِي غَسَّانَ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، مِنَ العَابِدِيْنَ. وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ ثِقَةً، مُتَثَبِّتاً (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَبُو غَسَّانَ مُحَدِّثٌ، مِنْ أَئِمَةِ المُحَدِّثِيْنَ (4) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو غَسَّانَ يُمْلِي عَلَيْنَا مِنْ أَصْلِهِ، وَكَانَ لاَ يُمْلِي حَدِيْثاً حَتَّى يَقْرَأَه، وَكَانَ يَنحُو، لَمْ أَرَ بِالكُوْفَةِ أَتْقَنَ مِنْ أَبِي غَسَّانَ، لاَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَلاَ غَيْرُه، وَأَبُو غَسَّانَ أَتْقَنُ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَهُوَ مُتْقِنٌ، ثِقَةٌ، كَانَ لَهُ فَضلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ، وَصِحَّةُ حَدِيْثٍ وَاسْتقَامَةٌ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سَجَّادَتَانِ، كُنْتُ إِذَا نَظَرتُ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَبْرٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (5) -. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (6) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (7) .   (1) انظر " تاريخ ابن معين ": 543. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 206. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1295. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1295. (5) " الجرح والتعديل " 8 / 206، 207. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1295. (7) " طبقات ابن سعد " 6 / 405. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 431 قُلْتُ: حَدِيْثُه فِي كُلِّ الأُصُوْلِ، وَفِيْهِ أَدنَى تَشَيُّعٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يُوْسُفَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَقِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيّ، عَنْ صُبَيْحٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ: (أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُم) . تَفَرَّدَ بِهِ: أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ. رَوَاهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ عَنْ عَلِيِّ بنِ قَادِمٍ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ الحُلْوَانِيِّ، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، جَمِيْعاً عَنْ أَسْبَاطٍ. وَصُبَيْحٌ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ بِمَعْرُوْفٍ. أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ الغَازِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ البُخَارِيَّ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، قَالَ: وَعمَّاذَا تَسْأَلُ؟ قُلْتُ: التَّشَيُّعُ. فَقَالَ: هُوَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَلَوْ رَأَيْتُم عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَجَمَاعَةَ مَشَايِخِنَا الكُوْفِيِّيْنَ، لَمَا سَأَلْتُمُوْنَا عَنْ أَبِي غَسَّانَ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ مُعَظِّمِيْنَ (2) لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا يَنَالاَنِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَذَوِيْهِ. رَضِيَ اللهُ عَنْ جَمِيْعِ الصَّحَابَةِ.   (1) رقم (3879) ، وابن ماجه (145) ، وأخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (2619) ، وابن حبان (2244) ، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد وغيره يتقوى به تقدم في الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 257. (2) في الأصل: " معظمان " وهو خطأ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 432 133 - شَاذُ بنُ فَيَّاضٍ أَبُو عُبَيْدَةَ اليَشْكُرِيُّ * (د، س) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عُبَيْدَةَ اليَشْكُرِيُّ، البَصْرِيُّ. وَاسْمُهُ: هِلاَلٌ، وَشَاذُ: لَقَبٌ أَعْجَمِيٌّ، مُخَفَّفُ الذَّالِ. وَقِيْلَ: مُثَقَّلَةٌ، وَمَعْنَاهُ: فَرْحَانُ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ المَازِنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . خَرَّجَ لَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضاً.   (*) التاريخ الكبير 8 / 211، التاريخ الصغير 2 / 353، الجرح والتعديل 9 / 78، المجروحين والضعفاء 1 / 363 - 364، تهذيب الكمال لوحة: 570، تذهيب التهذيب 2 / 69 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 260 و4 / 216، العبر 1 / 394، الكاشف 2 / 3، المغني في الضعفاء 1 / 294، تهذيب التهذيب 4 / 299، خلاصة تذهيب الكمال: 162، شذرات الذهب 2 / 56 - 57. (1) " الجرح والتعديل " 9 / 78. (2) " التاريخ الكبير " 8 / 211. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 433 134 - شَاذُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ * شَيْخٌ، صَدُوْقٌ. حَدَّثَ عَنْ: وَكِيْعٍ، وَيَزِيْدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، وَتَمِيْمُ بنُ المُنْتَصِرِ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَآخَرُوْنَ. ذُكِرَ تَمْيِيْزاً. 135 - عَبْدُ اللهِ بنُ سَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُدَامَةَ العَنْبَرِيُّ ** (س) القَاضِي، الإِمَامُ، أَبُو السَّوَّارِ العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ، كَانَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَجَدُّهُ قُضَاةَ البَصْرَةِ. سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَوَّارٌ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. خَرَّجَ لَهُ النَّسَائِيُّ فِي الفَرَائِضِ حَدِيْثاً.   (*) الجرح والتعديل 4 / 392، تهذيب الكمال لوحة: 570، تذهيب التهذيب 2 / 69 / 1، تهذيب التهذيب 4 / 299 - 300، خلاصة تذهيب الكمال: 162. (* *) أخبار القضاة 2 / 155، الجرح والتعديل 5 / 77، تهذيب الكمال لوحة: 691، تذهيب التهذيب 2 / 150 / 2، الكاشف 2 / 94، تهذيب التهذيب 5 / 248، خلاصة تهذيب الكمال: 200. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 434 وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَعِلْمٍ، وَمَعْرِفَةٍ. مَاتَ فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ. وَتُوُفِّيَ وَلَدُهُ سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِي البَصْرَةِ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . أَدْرَكَ عَبْدَ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيَّ، وَنَحْوَهُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ. 136 - إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرِو بن نَجِيْحٍ البَجَلِيُّ مَوْلاَهُمْ * الكُوْفِيُّ، شَيْخُ أَصْبَهَانَ، وَمُسْنِدُهَا. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: مَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، وَكَامِلاً أَبَا العَلاَءِ، وَمِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيَّ، وَعَبْدَ الغَفَّارِ بنَ القَاسِمِ، وَفُضَيْلَ بنَ مَرْزُوْقٍ، وَطَائِفَةً. وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَمَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَرَجِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَكَرِيَّا، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ نَائِلَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ نُصَيْرٍ المَدِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الفَرْقَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّفَّارُ، وَخَلْقٌ مِنَ الأَصْبَهَانِيِّيْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَهْ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أُورْمَةَ ذَكَرَ   (1) وسيورد المؤلف ترجمته مفصلة في الجزء الحادي عشر ص (543) . (*) الضعفاء للعقيلي لوحة: 30، الكامل لابن عدي 1 / 30، طبقات المحدثين لوحة: 86، تاريخ أصبهان 1 / 208 - 209، ميزان الاعتدال 1 / 239 - 240، المغني في الضعفاء 1 / 85، تهذيب التهذيب 1 / 320، لسان الميزان 1 / 425 - 426. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 435 إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَمْرٍو، فَأَحسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: شَيْخٌ مِثْلُ ذَاكَ ضَعَّفُوهُ! وَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ (1) . وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (تَارِيْخِ الثِّقَاتِ) . وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَضَعَّفَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ (2) : حَدَّثَ عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ بِأَحَادِيْثَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا. وَرَوَى عَنْهُ: أَسِيدُ بنُ عَاصِمٍ، وَالقَاسِمُ بنُ نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ. ثُمَّ سَاقَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيْثَ، فَقَالَ: هَذِهِ مَعَ سَائِرِ رِوَايَاتِه الَّتِي لَمْ أَذكُرْهَا، عَامَّتُهَا مِمَّا لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاء التِّسْعِيْنَ. 137 - عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُطَهَّرِ بنِ حُسَامٍ الأَزْدِيُّ * (خَ، د) ابْنِ مِصَكِّ بنِ ظَالِمِ بنِ شَيْطَانٍ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو ظَفَرٍ الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَمُوْسَى بنِ خَلَفٍ العَمِّيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ   (1) انظر كتاب " أخبار أصبهان " لأبي نعيم 1 / 208، وفيه " ضيعوه " بدل " ضعفوه ". (2) في " الكامل في الضعفاء " 1 / لوحة 30. (*) التاريخ الكبير 6 / 67، الجرح والتعديل 6 / 48، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 324، المعجم المشتمل: 172، تهذيب الكمال لوحة: 835، تذهيب التهذيب 2 / 238 / 2، الكاشف 2 / 196، خلاصة تذهيب الكمال: 238. تهذيب التهذيب 6 / 235. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 436 خُرَّزَاذَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ المَازِنِيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ حَدَّثَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ (2) . قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ. 138 - عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى القُرَشِيُّ * ابْنِ الأَمِيْر الَّذِي افتَتَحَ إِقْلِيْمَ خُرَاسَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ؛ عَبْدِ اللهِ (3) بنِ عَامِرِ بنِ كُرَيْزِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الكُرَيْزِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَصَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، وَأَبِي المِقْدَامِ هِشَامِ بنِ زِيَادٍ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ مُتَوَسِّطُ الحَالِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ حَدِيْثُه بِالقَائِمِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 48. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 835. (*) التاريخ الكبير 6 / 122، الجرح والتعديل 6 / 54، ميزان الاعتدال 2 / 640، لسان الميزان 4 / 41. (3) وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 18. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 437 139 - عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ دَاوُدَ بنِ مِهْرَانَ بنِ زِيَادٍ البَكْرِيُّ * (خَ، د، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو صَالِحٍ البَكْرِيُّ، الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ المَوْلِدِ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَارَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ طِفْلٌ، فَنَشَأَ بِالبَصْرَةِ، وَتَفَقَّه، وَكَتَبَ العِلْمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ مَعَ وَالِدِه. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَيَّاشٍ القِتْبَانِيَّ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ لَهِيْعَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِئَ، وَأَبا المَلِيْحِ الرَّقِّيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَبِوَاسِطَةٍ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ نَافِعٍ الطَّحَّانُ، وَالمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَمُوْسَى بنُ عِيْسَى بنِ المُنْذِرِ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَلاَّفُ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ السَّهْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ زُغْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَالجَلاَلَةِ، وَالحِشْمَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَتْ أُمُّهُ بِنْتَ سَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ الأَزْدِيِّ   (*) التاريخ الكبير 6 / 121، التاريخ الصغير 2 / 350، الجرح والتعديل 6 / 54، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 329، المعجم المشتمل: 173، تهذيب الكمال لوحة: 847، تذهيب التهذيب 2 / 245 / 2، الكاشف 2 / 203، تهذيب التهذيب 6 / 365، خلاصة تذهيب الكمال 241. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 438 البَصْرِيِّ. قَدِمَ مِصْرَ مَعَ أَبِيْهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ (1) ، وَذَهَبَ إِلَى المَغْرِبِ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، فَقِيْهاً عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ أَحَدَ وُجُوْهِ المِصْرِيِّيْنَ. قَدِمَ المَأْمُوْنُ مِصْرَ، فَكَانَ عَبْدُ الغَفَّارِ يُجَالِسَهُ، وَلَهُ مَعَهُ أَخْبَارٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعَ بِالبَصْرَةِ وَبِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: الحَرَّانِيُّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّ أَخَوَيْه عَبْدَ اللهِ وَعَبْدَ العَزِيْزِ وُلِدَا بِحَرَّانَ، وَلَهُم ثَروَةٌ وَنِعمَةٌ. وَوُلِدَ أَخَوَاهُ عَبْدُ الخَالِقِ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بِإِفْرِيْقِيَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلُوا مِنْهَا (3) . قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ أَبُو صَالِحٍ بِمِصْرَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: وَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ. 140 - عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الغَافِقِيُّ القُرْطُبِيُّ * فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ، وَمُفْتِيْهَا، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الغَافِقِيُّ، القُرْطُبِيُّ. ارْتَحَلَ، وَلَزِمَ ابْنَ القَاسِمِ مُدَّةً، وَعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَالِحاً، خَيِّراً، وَرِعاً، يُذْكَرُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ.   (1) انظر " تهذيب الكمال " لوحة 848، و" تذهيب التهذيب " 2 / 245. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 54. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 848. (*) جذوة المقتبس 298، ترتيب المدارك 3 / 16 - 20، العبر 1 / 363، الديباج المذهب 2 / 64 - 66، تاريخ ابن الفرضي 1 / 331، شذرات الذهب 2 / 28. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 439 كَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يَقُوْلُ: هُوَ الَّذِي عَلَّمَ أَهْلَ الأَنْدَلُسِ الفِقْهَ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَيْمَنَ: هُوَ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ (2) . وَقَالَ الفَقِيْهُ أَبَانُ بنُ عِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ: كَانَ أَبِي قَدْ أَجْمَعَ عَلَى تَرْكِ الفُتْيَا بِالرَّأْيِ، وَأَحَبَّ الفَتْوَى بِالحَدِيْثِ، فَأَعجَلَتْهُ المَنِيَّةُ عَنْ ذَلِكَ (3) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الفِقْهِ، وَلَكِنَّهُ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فِي سِنِّ الكُهُوْلَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 141 - عِيْسَى بنُ أَبَانٍ * فَقِيْهُ العِرَاقِ، تِلْمِيْذُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَعَنْهُ: الحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ السَّوَّاقُ، وَغَيْرُهُ. وَلَهُ تَصَانِيْفُ وَذَكَاءٌ مُفْرِطٌ، وَفِيْهِ سَخَاءٌ وَجُودٌ زَائِدُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخَذَ عَنْهُ: بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ.   (1) " ترتيب المدارك " 3 / 19، و" الديباج المذهب " 2 / 65. (2) " ترتيب المدارك " 3 / 16، و" الديباج المذهب " 2 / 64. (3) " ترتيب المدارك " 3 / 19. (*) أخبار القضاة لوكيع 2 / 170 - 172، تاريخ بغداد 11 / 157 - 160، إيضاح المكنون 1 / 23، 26، الجواهر المضية 1 / 401، الفوائد البهية 151، كشف الظنون 1431، 1440، هدية العارفين 1 / 806. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 440 142 - عَوْنُ بنُ سَلاَّمٍ أَبُو جَعْفَرٍ الكُوْفِيُّ * (م) الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الصَّادِقُ، أَبُو جَعْفَرٍ الكُوْفِيُّ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ النَّهْشَلِيَّ، وَإِسْرَائِيْلَ بنَ يُوْنُسَ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ الخَطْمِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَمَّالُ، وَآخَرُوْنَ. وَعَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَهُوَ صَدُوْقٌ، مَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً. مَاتَ: فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمِمَّنْ كَانَ بَعْدَ المائَتَيْنِ مِنْ رُؤُوْسِ المُتَكَلِّمِيْنَ وَالمُعْتَزِلَةِ: بِشْرُ بنُ غِيَاثٍ (1) المَرِيْسِيُّ العَدَوِيُّ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بنِ الخَطَّابِ، وَأَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بنُ المُعْتَمِرِ (2) الكُوْفِيُّ الأَبْرَصُ - مِنْ كِبَارِ المُعْتَزِلَةِ وَمُصَنِّفِيْهِم - وَأَبُو مَعْنٍ ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ (3) النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الهُذَيْلِ مُحَمَّدُ بنُ الهُذَيْلِ العَلاَّفُ البَصْرِيُّ (4) ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَيَّارٍ البَصْرِيُّ النَّظَّامُ (5) ، وَهِشَامُ بنُ   (*) الجرح والتعديل 6 / 388، تاريخ بغداد 12 / 293 - 294، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 402، المعجم المشتمل: 208، تهذيب الكمال لوحة: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 120 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 306، العبر 1 / 407، الكاشف 2 / 357، المغني في الضعفاء 2 / 495، تهذيب التهذيب 8 / 170 - 171، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب 2 / 69. (1) تقدمت ترجمته في الصفحة 199 من هذا الجزء. (2) تقدمت ترجمته في الصفحة 203 من هذا الجزء. (3) تقدمت ترجمته في الصفحة 203 من هذا الجزء. (4) سترد ترجمته في الصفحة 542 من هذا الجزء. (5) سترد ترجمته في الصفحة 541 من هذا الجزء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 441 الحَكَمِ (1) الكُوْفِيُّ الرَّافِضِيُّ المُجَسِّمُ، وَضِرَارُ بنُ عَمْرٍو (2) - الَّذِي تُنْسَبُ الضِّرَارِيَّةُ إِلَيْهِ - وَأَبُو المُعْتَمِرِ مُعَمَّرُ بنُ عَبَّادٍ (3) - وَقِيْلَ: مُعَمَّرُ بنُ عَمْرٍو - البَصْرِيُّ العَطَّارُ، وَهِشَامُ بنُ عَمْرٍو الفُوَطِيُّ (4) ، وَدَاوُدُ الجَوَارِبِيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ أَبَانٍ الكَرَابِيْسِيُّ (5) ، وَابْنُ كَيْسَانَ الأَصَمُّ، وَأَبُو مُوْسَى الفَرَّاءُ البَغْدَادِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى (6) البَصْرِيُّ المُلَقَّبُ: بِالمَرْدَازِ، وَجَعْفَرُ بنُ حَرْبٍ (7) ، وَجَعْفَرُ بنُ مُبَشِّرٍ (8) ، وَآخَرُوْنَ. نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ البِدَعِ، وَأَنْ نَقُوْلَ عَلَى اللهِ مَا لاَ نَعْلَمُ. 143 - زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ * (خَ، ت) ابْنِ زُرَيْقٍ - وَقِيْلَ: ابْنِ الصَّلْتِ - الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، أَخُو نَزِيْلِ مِصْرَ يُوْسُفَ بنِ عَدِيٍّ، وَكَانَ عَدِيٌّ ذِمِّيّاً فَأَسْلَمَ. حَدَّثَ زَكَرِيَّا عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَشَرِيْكٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ،   (1) سترد ترجمته في الصفحة 543 من هذا الجزء. (2) سترد ترجمته في " الصفحة 544 من هذا الجزء. (3) سترد ترجمته في الصفحة 546 من هذا الجزء. (4) سترد ترجمته في الصفحة 547 من هذا الجزء. (5) سترد ترجمته في الصفحة 548 من هذا الجزء. (6) في الأصل: " أبو عيسى " وهو خطأ، وسترد ترجمته في الصفحة 548 من هذا الجزء. (7) سترد ترجمته في الصفحة 549 من هذا الجزء. (8) سترد ترجمته في الصفحة 549 من هذا الجزء. (*) طبقات ابن سعد 6 / 407، التاريخ الكبير 3 / 424، الجرح والتعديل 3 / 600، تاريخ بغداد 8 / 455، تهذيب الكمال لوحة: 434، تذهيب التهذيب 1 / 237 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 395، العبر 1 / 362، الكاشف 1 / 323، تهذيب التهذيب 3 / 331، طبقات الحفاظ 169 - 170، خلاصة تذهيب الكمال: 122، شذرات الذهب 2 / 28. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 442 وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ البَرْبَهَارِيُّ (1) ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ خَارِجَ (الصَّحِيْحِ) ، وَفِي (الصَّحِيْحِ) بِوَاسِطَةٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، مُتَقَشِّفٌ (2) . وَقَالَ المُنْذِرُ بنُ شَاذَانَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، جَاءهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى، فقَالاَ: أَخرِجْ إِلَيْنَا كِتَابَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو. فَقَالَ: مَا تَصْنَعُوْنَ بِهِ؟ خُذُوا حَتَّى أُملِيَ عَلَيْكُم كُلَّه. وَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ، فَيُمَيِّزُ أَلفَاظَهُم (3) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: هُوَ ثِقَةٌ، وَرِعٌ (4) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ إِلَيْكَ مُشْتَاقٌ. قَالَ أَبُو عَوْفٍ البُزُوْرِيُّ: مَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَفْضَلَ مِنْ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ. وَقَالَ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ: قَدِمَ زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوا لَهُ مَنْ يَسْتَعْمِلُه عَلَى قَرْيَةٍ فِي الشَّهرِ بِثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً، فَرَجَعَ بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَالَ: لَيْسَ أَجِدُنِي   (1) نسبة إلى " بربهار " وهي الادوية التي تجلب من الهند من الحشيش والعقاقير والفلوس وغيرها. " الأنساب " 2 / 125. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 456، و" تهذيب الكمال " ولوحة 433. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 600، و" تهذيب الكمال " لوحة 434. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 456، و" تهذيب الكمال " لوحة 434. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 443 أَعمَلُ بِقَدَرِ الأُجْرَةِ (1) . وَاشْتَكَتْ عَيْنُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِكُحْلٍ، قَالَ: أَنْتَ مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَه (2) . وَقَدْ نَال مِنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ الكُوْفِيُّ بِلاَ حُجَّةٍ، وَقَالَ: مَا لَهُ وَلِلْحَدِيْثِ؟ هُوَ بِالتَّوْرَاةِ أَعْلَمُ (3) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ مَوَالِي تَيْمِ اللهِ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، ثِقَةً. قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (4) . وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، بِبَغْدَادَ (5) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَقِيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي نَخْلٍ لَهَا، يُقَالُ لَهُ: الأَسْوَافُ (6) ، فَفَرَشَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ صَوْرٍ (7) لَهَا مَرْشُوْشٍ، فَقَالَ: (الآنَ يَأْتِيْكُم رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ) .   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 456. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 456. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 455. (4) " طبقات ابن سعد " 6 / 407. (5) " تاريخ بغداد " 8 / 456، و" تهذيب الكمال " لوحة 434. (6) هو موضع بناحية البقيع في المدينة المنورة. (7) الصور بفتح الصاد وإسكان الواو: الجماعة من النخل، ولا واحد له من لفظه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 444 فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: (الآنَ يَأْتِيكُم رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ) . فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: (الآنَ يَأْتِيكُم رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجَنَّةِ) . قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَأْسَه مُطَأْطِئاً مِنْ تَحْتَ الصَّوْرِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ عَلِيّاً) . فَجَاءَ عَلَيٌّ، ثُمَّ إِنَّ الأَنْصَارِيَّةَ ذَبَحَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةً، وَصَنَعَتْهَا، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، فَلَمَّا حَضَرَتِ الظُّهْرُ، قَامَ فَصَلَّى، وَصَلَّيْنَا، مَا تَوَضَّأَ وَلاَ تَوَضَّأْنَا، فَلَمَّا حَضَرَتِ العَصْرُ، صَلَّى، وَمَا تَوَضَّأَ وَلاَ تَوَضَّأْنَا. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. أَخْرَجَه: التِّرْمِذِيُّ (1) ، عَنْ عَبْدٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ. 144 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَسْلَمَةَ أَبُو مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ * الفَقِيْهُ، أَبُو مَرْوَانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَخَذَ عَنْ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: سَمُّوْيَه، وَالحَسَنُ بنُ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ. ضَعَّفَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ حِبَّانَ (2) . قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: أَبطَأَ حَبِيْبٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: لِيَقْرَأْ بَعْضُكُم. فَقَرَأَ   (1) رقم (80) في الطهارة: باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار، وأخرجه أحمد 3 / 387، وأبو داود الطيالسي 2 / 138 من طريق زائدة، عن عبد الله بن محمد بن عقيل. وأخرجه أحمد 3 / 375 من طريق محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل.. (*) الجرح والتعديل 5 / 371، المجروحين والضعفاء 2 / 134، ترتيب المدارك 1 / 530، ميزان الاعتدال 2 / 664، المغني في الضعفاء 2 / 408، لسان الميزان 4 / 68. (2) انظر كتاب " المجروحين والضعفاء " 2 / 134. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 445 عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَسْلَمَةَ، فَلَمَّا مَرَّ بِابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: شِهَابٌ - فَعَلَ ذَلِكَ مرَاراً -. وَضَجِرَ مَالِكٌ، وَكَانَ يَغِيْبُ فَيَكْتُبُ فِي أَلوَاحِهِ مَا يَسْمَعُ مِنْ مَالِكٍ، فَيَقُوْلُ: أَنَا كَتَبْتُهُ. فَيَعجَبُ مِنْ تَغَفُّلِهِ. وَقَرَأَ لَنَا عَلَى مَالِكٍ فِي النُّذُورِ، قَالَ: فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ (جُزْءاً وَفَتَىً مَكسُوْراً) . فَضَحِكَ مَالِكٌ، وَقَالَ: (جِرْوَ (1) قِثَّاءٍ مَكْسُوراً) عَافَاكَ اللهُ. رَوَاهَا: ابْنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهَا كُلَّهَا. مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَجَدَّهُ هُوَ: يَزِيْدُ مَوْلَى جُزْءِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ. 145 - هِشَامُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيُّ * السُّنِّيُّ (2) ، الفَقِيْهُ، أَحَدُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ العَطَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَحَمْدَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُم.   (1) الجرو: صغار القثاء. (*) الجرح والتعديل 9 / 67، المجروحين والضعفاء 3 / 90، ميزان الاعتدال 4 / 300، العبر 1 / 383، عيون التواريخ 8 / 65، تهذيب التهذيب 11 / 47 - 48، لسان الميزان 6 / 195، شذرات الذهب 2 / 49، الفوائد البهية 324. (2) في " الأنساب " 7 / 175: هذه النسبة إلى السنة التي هي ضد البدعة، ولما كثر أهل البدع خصوا جماعة بهذا الانتساب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 446 وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. قَالَ مُوْسَى بنُ نُصَيْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَلْفاً وَسَبْعَ مائَةِ شَيْخٍ، أَصْغَرُهُم عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَخَرَجَ مِنِّي فِي طَلَبِ العِلْمِ سَبْعُ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعظَمَ قَدْراً، وَلاَ أَجَلَّ مِنْ هِشَامِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بِالرَّيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ بِدِمَشْقَ. وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ، فَلَيَّنَهُ، وَسَاقَ لَهُ خَبَراً لاَ يُحْتَمَلُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (الدَّجَاجُ غَنَمُ فُقَرَاءِ أُمَّتِي، وَالجُمُعَةُ حَجُّهُم (3)) . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي (طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّةِ) : هُوَ لَيِّنٌ فِي الرِّوَايَةِ، وَفِي دَارِهِ مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ (4) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ الخَرَّازُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَيْسَ اللهُ يَقُوْلُ: {مَا يَأْتِيْهِم مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ؟ فَقَالَ: مُحْدَثٌ إِلَيْنَا، وَلَيْسَ عِنْدَ اللهِ بِمُحْدَثٍ. قُلْتُ: لأَنَّه مِنْ عِلْمِ اللهِ، وَعِلْمُ اللهِ لاَ يُوْصَفُ بِالحَدَثِ. مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَرَّخُه: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ.   (1) انظر " عيون التواريخ " 8 / لوحة 65. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 67. (3) كتاب " المجروحين والضعفاء " 3 / 90، وأورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 175، ونسبه للديلمي من طريق هشام بن عبيد الله بهذا الإسناد. (4) انظر " ميزان الاعتدال " 4 / 300، و" الفوائد البهية ": 223، ومحمد بن الحسن تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (45) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 447 146 - أَبُو الجُمَاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ * (د، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو الجُمَاهِرِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ التَّنُوْخِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الكَفْرَسُوْسِيُّ (1) . سَمِعَ: خُلَيْدَ بنَ دَعْلَجٍ، وَسَعِيْدَ بنَ بَشِيْرٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَالهَيْثَمَ بنَ حُمَيْدٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُِ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ جَرِيْرٍ الصُّوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: رَفِيْقُهُ؛ أَبُو مُسْهِرٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ (2) . وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: كَانَ أَوْثَقَ مَنْ أَدرَكْنَا بِدِمَشْقَ، وَرَأَيْتُ أَهْلَ البَلَدِ مُجْمِعِينَ عَلَى صَلاَحِهِ، وَرَأَيتُهُم يُقَدِّمُونَهُ عَلَى هِشَامٍ، وَعَلَى أَبِي أَيُّوْبَ -يَعْنِي: ابْنَ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ (3) -. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ (4) .   (*) التاريخ الكبير 1 / 181، تاريخ دمشق لأبي زرعة 1 / 283، الجرح والتعديل 8 / 25، معجم البلدان 4 / 469، تهذيب الكمال لوحة 1241، تذهيب التهذيب 3 / 231 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 407 - 408، العبر 1 / 392، الكاشف 3 / 77، تهذيب التهذيب 9 / 338، طبقات الحفاظ 173، خلاصة تذهيب الكمال: 351، شذرات الذهب 2 / 55. (1) نسبة إلى كفر سوسية قرية من قرى دمشق. وانظر " معجم البلدان " 4 / 469. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 25. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1241. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1241. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 448 وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ سَنَةَ إِحْدَى. قُلْتُ: قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ، وَعَنْ رَجُلٍ عَنْهُ (1) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفصَحَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا رَأَيْتُ أَفصَحَ مِنْهُ، وَمِن أَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَالفَسَوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . 147 - أَبُو هَمَّامٍ الدَّلاَّلُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَبَّبٍ * (د، س، ق) الإِمَام، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو هَمَّامٍ القُرَشِيُّ، البَصْرِيُّ، بَيَّاعُ الرَّقِيقِ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ السَّائِبِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَإِسْرَائِيْلَ بنِ يُوْنُسَ. وَعَنْهُ: رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البِرْتِيُّ (4) القَاضِي، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ، وَآخَرُوْنَ.   (1) في " تذهيب التهذيب " 3 / لوحة 231: وروى أبو داود عن محمود بن خالد عنه. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1241. (3) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 283، و" المعرفة والتاريخ " 1 / 206، 207. (*) التاريخ الكبير 1 / 247، الجرح والتعديل 8 / 96، تهذيب الكمال لوحة: 1264، العبر 1 / 383، ميزان الاعتدال 4 / 25، الكاشف 3 / 93، عيون التواريخ 8 / 65، تهذيب التهذيب 9 / 426، خلاصة تذهيب الكمال: 357، شذرات الذهب 2 / 49. (4) نسبة إلى " برت " مدينة بنواحي بغداد. " الأنساب " 2 / 127. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 449 وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى لَهُ هُوَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ. مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. 148 - عَمْرُو بنُ عَوْنِ بنِ أَوْسِ بنِ الجَعْدِ السُّلَمِيُّ * (خَ، د) الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو عُثْمَانَ السُّلَمِيُّ، الوَاسِطِيُّ، البَزَّازُ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَشَرِيْكِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِيْهِ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: هُوَ مِمَّنْ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ خَيْراً (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ أَثْبَتَ مِنْهُ (2) .   (*) تاريخ ابن معين: 451، التاريخ الكبير 6 / 361، التاريخ الصغير 2 / 352، الجرح والتعديل 6 / 252، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 368، المعجم المشتمل: 205، تهذيب الكمال لوحة: 1046، تذهيب التهذيب 3 / 107 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 426 - 427، العبر 1 / 387 - 388، الكاشف 2 / 338، غاية النهاية 1 / 602، تهذيب التهذيب 8 / 86، طبقات الحفاظ: 183، خلاصة تذهيب الكمال: 292، شذرات الذهب 2 / 52. (1) " تاريخ ابن معين ": 451، و" الجرح والتعديل " 6 / 252. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 252، و" تهذيب الكمال " لوحة 1047. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 450 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، كَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَه (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ (2) . وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ مَرَّةً، فَأَطنَبَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ (3) . قُلْتُ: كَانَ عَالِماً بِهُشَيْمٍ جِدّاً. قَالَ حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ: مَاتَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العِمَادِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيُّ (5) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنِ الرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ عُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا أَكْثَرَ أَحَدٌ مِنَ الرِّبَا، إِلاَّ كَانَ عَاقبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قُلٍّ) . أَخْرَجَه: القَزْوِيْنِيُّ (6) ، عَنْ عَبَّاسِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَوْنٍ.   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 252. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1047. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1047. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1047. (5) الكاغد والكاغذ: القرطاس، وهو الصحيفة التي يكتب عليها، تتخذ من بردي يكون بمصر. وقال السمعاني في " الأنساب " 10 / 326، وهذه النسبة إلى عمل الكاغذ الذي يكتب عليه وبيعه، وهو لا يعمل في المشرق إلا بسمرقند. (6) هو في " سننه " برقم (2279) . وقال البوصيري في " زوائده " الورقة 145: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. ورواه الامام أحمد في " مسنده " 1 / 395 و424 من حديث ابن مسعود أيضا، والحاكم 2 / 36 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مسنده " من طريق شريك، عن الركين بإسناده ومتنه سواء، وأبو يعلى الموصلي: حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن أبيه به. وحسنه الحافظ في " الفتح " 4 / 266. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 451 149 - الرَّبِيْعُ بنُ يَحْيَى بنِ مِقْسَمٍ الأُشْنَانِيُّ * (خَ، د) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الفَضْلِ المَرَئِيُّ (1) ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شُعْبَةَ، وَمَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ (2) . وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ، فَلَيَّنَهُ. وَقَالَ الحَاكِمُ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: رَوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ فِي الجَمعِ بَيْنَ الصَّلاَتَينِ (3) . قَالَ:   (*) التاريخ الكبير 3 / 278، الجرح والتعديل 3 / 471، تاريخ بغداد 8 / 417، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 134، المعجم المشتمل: 120، تهذيب الكمال لوحة 409، تذهيب التهذيب 1 / 220 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 43، الكاشف 1 / 30، المغني في الضعفاء 1 / 229، العبر 1 / 390، تهذيب التهذيب 3 / 252، خلاصة تذهيب الكمال: 116، شذرات الذهب 2 / 53. (1) نسبة إلى امرئ القيس بن مضر، والنسبة إلى امرئ القيس: " امرئي " بكسر الراء، ويقال: " مرئي " بفتح الميم والراء وحذف همزة الوصل، وهذا هو المطرد عند سيبويه لأنه المسموع. انظر الخضري على ابن عقيل 2 / 164، اللسان: " مرأ "، التاج: " قيس "، اللباب 3 / 191. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 471. (3) أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 161 من طرق عن الربيع بن يحيى الاشناني، حدثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة. وقد أورده = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 452 وَهَذَا يُسقِطُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. يَعْنِي: مَنْ أَتَى بِهَذَا مِمَّنْ هُوَ صَاحِبُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، أَثَّرَ فِيْهِ لِيْناً، بِحَيْثُ تَنْحَطُّ رُتْبَةُ المائَةِ أَلْفٍ عَنْ دَرَجَةِ الاحْتِجَاجِ، وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ، فَكَمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَوَهِمَ مِنْهَا فِي حَدِيْثَيْنِ وَثَلاَثَةٍ وَهُوَ ثِقَةٌ؟ قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ الأُشْنَانِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . قُلْتُ: كَانَ مُعَمَّراً، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 150 - الوُحَاظِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ * (خَ، م) الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ   = ابن أبي حاتم في " العلل " 1 / 116، ونقل عن أبيه قوله: إنه باطل عندي، هذا خطأ لم أدخله في التصنيف أراد أبا الزبير عن جابر، أو أبا الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. الخطأ من الربيع. ورواية أبي الزبير عن جابر التي أشار إليها أبو حاتم أخرجها ابن عساكر 17 / 273 / 1 من طريق محمد بن إبراهيم، عن شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر. ورواية أبي الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر. أخرجه مالك 1 / 144، وعنه مسلم (705) في صلاة المسافرين: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، وأبو داود (1210) ، والنسائي 1 / 290. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 409. (*) العلل لأحمد بن حنبل: 187، طبقات ابن سعد 7 / 473، التاريخ الكبير 8 / 282، التاريخ الصغير 2 / 346، تاريخ الفسوي 1 / 206، الضعفاء للعقيلي لوحة 442، الجرح والتعديل 9 / 158، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 562، طبقات الحنابلة 1 / 402، تاريخ دمشق 12 / 288 / أ، المعجم المشتمل: 319، اللباب 3 / 354، تهذيب الكمال لوحة 1502، تذهيب التهذيب 4 / 157 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 408، الكاشف 3 / 258، العبر 1 / 385، تهذيب التهذيب 11 / 229، مقدمة فتح الباري: 452، طبقات الحفاظ: 173، خلاصة تذهيب الكمال: 425، شذرات الذهب 2 / 50. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 453 الوُحَاظِيُّ (1) ، الدِّمَشْقِيُّ - وَقِيْلَ: الحِمْصِيُّ -. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادِ بنِ شُعَيْبٍ الكُوْفِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَسَلَمَةَ بنِ كُلْثُوْمٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ الحَبَشِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَهُوَ وَالبَاقُوْنَ - سِوَى النَّسَائِيِّ - عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَأَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحَوْطِيَّانِ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ القَاسِمِ الرَّوَّاسُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الجَكَّانِيُّ (2) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (4) . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ، صَاحِبُ رَأْيٍ، وَكَانَ عَدِيلَ (5) مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الفَقِيْهِ إِلَى مَكَّةَ (6) .   (1) نسبة إلى وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك. " اللباب " 3 / 354. (2) نسبة إلى جكان: محلة على باب مدينة هراة " معجم البلدان " 2 / 148. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 158، و" تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 462، و" تهذيب الكمال " لوحة 1503. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 158. (5) أي كان رفيقه في المحمل، ففي " اللسان ": عدل الرجل في المحمل وعادله: ركب معه. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 454 قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً عَنْ مَالِكٍ، مَا وَجَدنَا لَهَا أَصْلاً عِنْدَ غَيْرِهِ (1) . وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَمَزَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ لِبِدْعَةٍ فِيْهِ، لاَ لِعَدَمِ إِتْقَانٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أَنَّ يَحْيَى بنَ صَالِحٍ قَالَ: لَوْ تَرَكَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ -يَعْنِي: هَذِهِ الَّتِي فِي الرُّؤْيَةِ- ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: كَأَنَّهُ نَزَعَ إِلَى رَأْيِ جَهْمٍ (2) . قُلْتُ: وَالمُعْتَزِلَةُ تَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ المُحَدِّثِيْنَ تَرَكُوا أَلفَ حَدِيْثٍ فِي الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءِ وَالرُّؤْيَةِ وَالنُّزُولِ، لأَصَابُوا. وَالقَدَرِيَّةُ تَقُوْلُ: لَوْ أَنَّهُم تَرَكُوا سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً فِي إِثْبَاتِ القَدَرِ. وَالرَّافِضَةُ تَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ الجُمْهُوْرَ تَرَكُوا مِنَ الأَحَادِيْثِ الَّتِي يَدَّعُونَ صِحَّتَهَا أَلفَ حَدِيْثٍ، لأَصَابُوا. وَكَثِيْرٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ يَرُدُّوْنَ أَحَادِيْثَ شَافَهَ بِهَا الحَافِظُ المُفْتِي المُجْتَهِدُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ مَا كَانَ فَقِيْهاً (3) ، وَيَأْتُونَنَا بِأَحَادِيْثَ سَاقِطَةٍ، أَو لاَ يُعْرَفُ لَهَا إِسْنَادٌ أَصْلاً مُحْتَجِّينَ بِهَا. قُلْنَا: وَلِلْكُلِّ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدِيِ اللهِ -تَعَالَى-. يَا سُبْحَانَ اللهِ! أَحَادِيْثُ رُؤْيَةِ اللهِ فِي الآخِرَةِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالقُرْآنُ مُصَدِّقٌ لَهَا، فَأَيْنَ الإِنْصَافُ؟! قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: يَحْيَى الوُحَاظِيُّ حِمْصِيُّ جَهْمِيٌّ (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. (2) " العلل " لأحمد بن حنبل: 187. (3) انظر التعليق رقم (1) في الصفحة 619 من الجزء الثاني من هذا الكتاب. (4) " الضعفاء " للعقيلي: لوحة 442. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 455 قُلْتُ: قَدْ كَانَ يُنْكِرُ الإِرْجَاءَ. فَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ صَالِحٍ عَنِ الإِيْمَان، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، سَمِعْتُ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ: أَنَا أَقْدَمُ مِنَ الإِرْجَاءِ (1) . قُلْتُ: قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ حِمْصَ، فَمَا أَخَذَ عَنْ يَحْيَى شَيْئاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ يَحْيَى بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ فِي جَنَازَةِ أَبِي المُغِيْرَةِ، فَجَعَلَ أَبِي يُضَعِّفُهُ (2) . وَقَالَ إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ: حَدَّثَنَا الوُحَاظِيُّ، وَكَانَ مُرْجِئاً، خَبِيْثاً، دَاعِيَ دَعْوَةٍ (3) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ لِيَحْيَى الوُحَاظِيِّ: اجتَنِبِ الرَّأْيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: البَوْلُ فِي المَسْجَدِ أَحسَنُ مِنْ بَعْضِ قِيَاسِهِم (4) . قَالَ جَمَاعَةٌ: مَاتَ الوُحَاظِيُّ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (5) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. (2) " العلل " لأحمد بن حنبل: 187 وفيه " يصفه " بدل " يضعفه " وهو تحريف. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1503. وقال الحافظ في " مقدمة الفتح ": هو من شيوخ البخاري، وثقه يحيى بن معين، وأبو اليمان، وابن عدي، وذمه أحمد لأنه نسبه إلى شيء من رأي جهم، وقال إسحاق بن منصور: كان مرجئا، وقال الساجي، هو من أهل الصدق والأمانة، وقال أبو حاتم: صدوق. (5) " التاريخ الكبير " 8 / 282، و" تاريخ الفسوي " 1 / 206، و" تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 284 و2 / 708. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 456 151 - أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ التَّمِيْمِيُّ اليَرْبُوْعِيُّ الكُوْفِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ التَّمِيْمِيُّ، اليَرْبُوْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، يُنْسَبُ إِلَى جَدِّه تَخْفِيْفاً. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، تَخْمِيْناً. سَمِعَ مِنْ: جَدِّه؛ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ اليَرْبُوْعِيِّ. وَمِنِ: ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيْلَ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَخَلْقٍ. وَكَانَ عَارِفاً بِحَدِيْثِ بَلَدِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ - وَهُوَ مِنْ كُبَرَاءِ شُيُوْخِهِ - وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو حُصَيْنٍ الوَادِعِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ شَرِيْكٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: عَمَّنْ أَكْتُبُ؟ قَالَ: ارْحَلْ إِلَى أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، فَإِنَّهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً (2) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 405، تاريخ خليفة: 478، التاريخ الكبير 2 / 5، التاريخ الصغير 2 / 355، الجرح والتعديل 2 / 57، تهذيب الكمال لوحة 29، تهذيب التهذيب 1 / 16 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 400، 401، العبر 1 / 398، الكاشف 1 / 62، 63، دول الإسلام: 137، تهذيب التهذيب 1 / 50، طبقات الحفاظ: 174، خلاصة تذهيب الكمال: 8، شذرات الذهب 2 / 59. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 29. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 457 قَالَ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ (السُّنَنِ) : سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، فَقَالَ: لاَ تُصَلِّ خَلْفَ مَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، هَؤُلاَءِ كُفَّارٌ (1) . بَلَغَنَا عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: قُلْتُ: إِذَا رَجَعتُ مِنْ عِنْدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، أَخَذتُ نَفْسِي بِخَيْرِ مَا عَلِمتُ، وَإِذَا أَتَيتُ مَالِكَ بنَ مِغْوَلٍ، تَحَفَّظْتُ مِنْ لِسَانِي، وَإِذَا أَتَيتُ شَرِيْكاً، رَجَعتُ بِعَقْلٍ تَامٍّ، وَإِذَا أَتَيتَ مِنْدَلَ بنَ عَلِيٍّ، أَهَمَّتنِي نَفْسِي مِنْ حُسْنِ صَلاَتِه (2) . قُلْتُ: مِنْ جَلاَلَةِ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ عِنْدَ البُخَارِيِّ أَنَّهُ رَوَى أَيْضاً عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى، عَنْهُ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَرِيْكٍ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيْلٍ مِن خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، كُوْفِيُّ الإِسْنَادِ. حَدَّثَ بِهِ: السُّفْيَانَانِ، وَوَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ، عَنِ الأَعْمَشِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (4) ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.   (1) " تذكرة الحفاظ " 1 / 400. (2) " تذكرة الحفاظ " 1 / 401. (3) " التاريخ الكبير " 2 / 5. (4) رقم (2383) (7) في أول فضائل الصحابة، وابن ماجه (93) في فضائل أصحاب النبي = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 458 وَقَدْ سُقتُ لابْنِ يُوْنُسَ حَدِيْثاً آخَرَ فِي تَرْجَمَةِ زَائِدَةَ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَأَبِي الفَضَائِلِ الكَاغَدِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأْى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمَرَكُم نَبِيُّكُم؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نُسَبِّحَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنَحْمَدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَنُكَبِّرَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ: فَسَبِّحُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَاحْمَدُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَكَبِّرُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَهَلِّلُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، فَتِلْكَ مائَةٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (افْعَلُوا كَمَا قَالَ الأَنْصَارِيُّ) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. 152 - عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ بنِ عُبَيْدٍ البَغْدَادِيُّ * (خَ، د) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ،   = صلى الله عليه وسلم، وليس في المطبوع من سنن النسائي اختصار ابن السني، فإن كتاب المناقب محذوف منه برمته، وأخرجه الترمذي (3655) في المناقب من طريق محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله بن مسعود. (1) هو في الجزء السابع من هذا الكتاب ص 378 في آخر ترجمة زائدة بن قدامة. (2) 3 / 76 في السهو: باب نوع آخر من عدد التسبيح، من طريق أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، عن أحمد بن عبد الله بن يونس بهذا الإسناد وهو حسن، وأخرجه أحمد 5 / 184، والدارمي 1 / 312 من طريق عثمان بن عمر، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح، عن زيد بن ثابت، وصححه ابن خزيمة (752) وابن حبان (2340) . (*) طبقات ابن سعد 7 / 338، 339، التاريخ الكبير 6 / 265، الضعفاء للعقيلي لوحة 295، الجرح والتعديل 6 / 178، تاريخ بغداد 11 / 360 - 366، الجمع بين رجال الصحيحين = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 459 الجَوْهَرِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ (1) . وَسَمِعَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ - أَحَدِ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ - وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ مَرْزُوْقٍ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيِّ، وَمَعْرُوْفِ بنِ وَاصِلٍ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَبَحْرِ بنِ كَنِيْزٍ السَّقَّاءِ، وَجَسْرِ بنِ الحَسَنِ، وَالحَسَنِ بنِ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ صَبِيْحٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَأَبِي عَقِيْلٍ يَحْيَى بنِ المُتَوَكِّلِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ شَيْئاً يَسِيْراً، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ،   = 1 / 355، المعجم المشتمل: 188، تهذيب الكمال 5 / 959، تهذيب التهذيب 3 / 54، 55، تذكرة الحفاظ 1 / 399، الكاشف 2 / 280، العبر 1 / 406، ميزان الاعتدال 3 / 116، 117، تهذيب التهذيب 7 / 289، مقدمة فتح الباري: 429، طبقات الحفاظ: 175، خلاصة تذهيب الكمال: 272، شذرات الذهب 2 / 68، الرسالة المستطرفة: 68. (1) في " طبقات ابن سعد " 7 / 338: قال علي بن الجعد: ولدت سنة ست وثلاثين ومئة. وفي " تاريخ بغداد " 11 / 366 عن حنبل بن إسحاق قال: ولد علي بن الجعد سنة ثلاث وثلاثين ومئة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 460 وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ البَرَاثِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَعُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ الصُّوْفِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ المَهْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الأَعْمَشَ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً (1) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ الحَسَنِ السَّقَلِيُّ (2) : قَالَ لَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: قَدِمتُ البَصْرَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ حَيّاً (3) . قَالَ نِفْطَوَيْه (4) : كَانَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أَكْبَرَ مِنْ بَغْدَادَ بِعَشْرِ سِنِيْنَ، وَكَانَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ أَكْبَرَ مِنْ سَامَرَّا بِسِتِّ سِنِيْنَ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 360، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (2) نسبة إلى " صقلية " جزيرة من جزر البحر الابيض المتوسط - يقال: صقلي وسقلي بالصاد والسين - ضبطها السمعاني في " الأنساب " 8 / 80 بفتح الصاد والقاف وفي آخرها اللام. وتابعه عليه ابن الأثير في " اللباب " والسيوطي في " لب اللباب "، وضبطها ابن خلكان كذلك في " وفيات الأعيان " 3 / 215 وزاد عليهم تشديد اللام، وقال ياقوت في " معجمه " 3 / 416: بثلاث كسرات وتشديد اللام، والياء أيضا مشددة، والبعض يقول بالسين، وأكثر أهل صقلية يفتحون الصاد واللام. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 360، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (4) هو أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الأزدي المتوفي سنة 323 هـ. (5) " تاريخ بغداد " 11 / 360، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. وفي " معجم البلدان " 1 / 457 أن أبا العباس السفاح شرع في عمارة بغداد سنة 145، ونزلها سنة 149. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 461 قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أُخْبِرْتُ عَنْ مُوْسَى بنِ دَاوُدَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَكُنَّا عِنْدَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَملَى عَلَيْنَا عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، فَحَفِظَهَا، وَأَملاَهَا عَلَيْنَا (1) . وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ خَلَفَ بنَ سَالِمٍ يَقُوْلُ: صِرتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَعِيْنٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا كُتُبَهُ، وَأَلقَاهَا بَيْنَ أَيدِينَا، وَذَهَبَ، وَظَنَنَّا أَنَّهُ يَتَّخِذُ لَنَا طَعَاماً، فَلَمْ نَجِدْ فِي كُتُبِهِ إِلاَّ خَطَأً وَاحِداً، فَلَمَّا فَرَغنَا مِنَ الطَّعَامِ، قَالَ: هَاتُوا. فَحَدَّثَ بِكُلِّ شَيْءٍ كَتَبنَاهُ حِفْظاً (2) . عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قَالَهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . قَالَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ، أَملَى عَلَيْنَا مِنْ صَحِيفَةٍ (4) . قَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ يُحَدِّثُ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ مَالِكٍ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ (5) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ: سَأَلْتُ عَبْدُوْسَ بنَ هَانِئ عَنْ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 361، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 361، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 361، 362، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (4) " تاريخ بغداد " 11 / 362، و" تهذيب الكمال " لوحة 959. (5) " تاريخ بغداد " 11 / 362، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 462 حَالِ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي لَقِيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ. فَقَالَ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالجَهْمِ! قَالَ: قَدْ قِيْلَ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ كَمَا قَالُوا، إِلاَّ أَنَّ ابْنَهُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ كَانَ عَلَى قَضَاءِ بَغْدَادَ، وَكَانَ يَقُوْلُ بِقَوْلِ جَهْمٍ. قَالَ: وَكَانَ عِنْد عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوٌ مِنْ أَلفٍ وَمائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَكَانَ قَدْ لَقِيَ المَشَايِخَ، فَزَهِدتُ فِيْهِ، بِسَبَبِ هَذَا القَوْلِ، ثُمَّ نَدِمتُ بَعْدُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ زِيَادٍ السُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ - وَذَكَرَ عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ - فَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ عَنْهُ، وَضَعَّفَ أَمرَهُ جِدّاً (2) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: مُتَشَبِّثٌ بِغَيْرِ بِدْعَةٍ، زَائِغٌ عَنِ الحَقِّ (3) . وَقَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ الدُّوْرِيَّ (4) يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَذَكَرُوا حَدِيْثَ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَقُوْلُ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَيَبْلُغُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ يُنْكِرُهُ (5) . فَقَالَ عَلِيٌّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الصَّبِيِّ، هُوَ لَمْ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 362، 363، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 363، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 363، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (4) على هامش الأصل " المروزي " نسخة وفي " التهذيب ": الدوري المروزي. (5) أخرج البخاري 7 / 14 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل أبي بكر، عن ابن عمر قال: كنا نخير بن الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان. وفي رواية له ذكرها في باب مناقب عثمان 7 / 47: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. ولأحمد 2 / 14: كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون: أبو بكر وعمر وعثمان ثم نسكت، ولأبي داود (4627) : كنا نقول ورسول الله = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 463 يُحسِنْ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَه يَقُوْلُ: كُنَّا نُفَاضِلُ! وَكُنْتُ عِنْدَهُ، فَذَكَرُوا حَدِيْثَ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ (1)) . قَالَ: مَا جَعَلَهُ اللهُ سَيِّداً (2) . قُلْتُ: أَبُو غَسَّانَ لاَ أَعرِفُ حَالَهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَدَقَ، فَلَعَلَّ ابْنَ الجَعْدِ قَدْ تَابَ مِنْ هَذِهِ الوَرطَةِ، بَلْ جَعَلَهُ سَيِّداً عَلَى رَغْمِ أَنْفِ كُلِّ جَاهِلٍ، فَإِنَّ مَنْ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنَ الرَدِّ عَلَى سَيِّدِ البَشَرِ، يَكْفُرُ بِلاَ مَثْنَوِيَّةٍ (3) ، وَأَيُّ سُؤْدُدٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنَّهُ بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ، ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الأَمرِ لِقَرَابَتِهِ، وَبَايَعَهُ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنَّ الخِلاَفَةَ لَهُ مِنْ بَعْدِ مُعَاوِيَةَ حَسْماً لِلْفِتْنَةِ، وَحَقْناً لِلدِّمَاءِ، وَإِصْلاَحاً بَيْنَ جُيُوْشِ الأُمَّةِ، لِيَتَفَرَّغُوا لِجِهَادِ الأَعدَاءِ، وَيَخلُصُوا مِنْ قِتَالِ بَعْضِهِم بَعْضاً، فَصَحَّ فِيْهِ تَفَرُّسُ جَدِّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُدَّ ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزَاتِ، وَمِن بَابِ إِخبَارِهِ بِالكَوَائِنِ بَعْدَهُ، وَظَهَرَ كَمَالُ سُؤْدُدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ؛ رَيْحَانَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَبِيْبِه - وَللهِ الحَمْدُ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: ابْنُ عُمَرَ ذَاكَ الصَّبِيُّ. قَالَ: لَمْ أَقُلْ، وَلَكِنَّ مُعَاوِيَةَ مَا أَكْرَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ اللهُ (4) .   = صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. زاد الطبراني في روايته: فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. (1) قاله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه، وتمامه: " ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين " أخرجه البخاري 5 / 225 و7 / 74، وأبو داود (4662) ، والنسائي 3 / 107، والترمذي (3775) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 363، 364، و" تهذيب الكمال " لوحة 960، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 295. (3) أي: بلا استثناء. (4) " تاريخ بغداد " 11 / 364، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 295، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 464 وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ سُفْيَانَ المُسْتَمْلِي: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَذَكَرَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَخَذَ مِنْ بَيْتِ المَالِ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ، مَا أَخَذَهَا إِلاَّ بِحَقٍّ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ أَعْلَى عِنْدِي مِنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، عَلِيٌّ وُسِمَ بِمَيسَمِ سُوءٍ، قَالَ: مَا يَسُوؤُنِي أَنْ يُعَذَّبَ مُعَاوِيَةُ (2) . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ؟ قَالَ: نَهَانِي أَبِي أَنْ أَذهَبَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَبلُغُه عَنْهُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّحَابَةَ (3) . قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَقَالَ الهَيْثَمُ: وَمِثْلُهُ يُسْأَلُ عَنْهُ!؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: أَمسِكْ أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَذَكَرَهُ رَجُلٌ بِشَرٍّ، فَقَالَ أَحْمَدُ: وَيَقَعُ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ؟ فَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، لَمْ أُعَنِّفْه. فَقَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا (4) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَلاَ سَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَرَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ مَضْرُوْباً عَلَيْهِمَا (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 364، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 364، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 295. (4) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 295، و" تاريخ بغداد " 11 / 364، و" تهذيب الكمال " لوحة 960، وفيها: فقال أحمد: ما بلغني..بزيادة " ما ". (5) " تاريخ بغداد " 11 / 365، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 465 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ المُقْرِئُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَقَالَ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ صَدُوْقٌ. قُلْتُ: فَهَذَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: أَيْشٍ كَانَ مِنْهُ؟ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ فِيْهِ مُسْلِمٌ: هُوَ ثِقَةٌ، لَكِنَّه جَهْمِيٌّ. وَقُلْتُ: وَلِهَذَا مَنَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَلَدَيْهِ مِنَ السَّمَاعِ مِنْهُ. وَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ يَتَنَطَّعُوْنَ فِي مَنْ لَهُ هَفْوَةٌ صَغِيْرَةٌ تُخَالِفُ السُّنَّةَ، وَإِلاَّ فَعَلِيٌّ إِمَامٌ كَبِيْرٌ، حُجَّةٌ، يُقَالُ: مَكَثَ سِتِّيْنَ سَنَةً يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً (2) . وَبِحَسْبِكَ أَنَّ ابْنَ عَدِيٍّ يَقُوْلُ فِي (كَامِلِهِ) : لَمْ أَرَ فِي رِوَايَاتِه حَدِيْثاً مُنْكَراً إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي النَّضْرِ (3) . وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ: قَالَ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَا كَانَ أَحْفَظَ عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ لِحَدِيْثِه! وَهُوَ صَدُوْقٌ (4) . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَحضَرَ المَأْمُوْنُ أَصْحَابَ الجَوْهَرِ، فَنَاظَرَهُم عَلَى مَتَاعٍ كَانَ مَعَهُم، ثُمَّ نَهَضَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَامَ لَهُ كُلُّ مَنْ فِي المَجْلِسِ إِلاَّ عَلِيَّ بنَ   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 365، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 366، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (3) " تاريخ بغداد " 11 / 365، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (4) " الجرح والتعديل " 6 / 178 بأطول مما هنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 466 الجَعْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَالمُغْضَبِ، ثُمَّ اسْتَخْلاَهُ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُوْمَ؟ قَالَ: أَجلَلْتُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ لِلْحَدِيْثِ الَّذِي نَأْثُرُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَاماً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (1)) . فَأَطرَقَ المَأْمُوْنُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لاَ يُشتَرَى إِلاَّ مِنْ هَذَا. فَاشْتَرَوْا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: تُوُفِّيَ لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدِ اسْتَكمَلَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ خَطِيْبِ بَيْتِ الآبَارِ (3) ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ،   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 361، و" تهذيب الكمال " لوحة 960، والحديث مرسل، لكنه ثبت من وجه آخر، فقد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (977) ، وأحمد 4 / 93 و100، وأبو داود (5229) ، والترمذي (2753) ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 2 / 40، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "، والبغوي في حديث علي بن الجعد 7 / 69 / 2، من طرق، عن حبيب ابن الشهيد، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وإسناده صحيح كما قال الحافظ المنذري. قال المناوي في تفسيره: أن يلزمهم بالقيام صفوفا على طريق الكبر والتجوه، أو بأن يقام على رأسه وهو جالس. وقال ابن الأثير في " جامع الأصول " 6 / 537: مثل الناس للامير قياما: إذا قاموا بين يديه وعن جانبيه وهو جالس، نهي عنه، لان الباعث عليه الكبر وإذلال الناس. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 366، و" تهذيب الكمال " لوحة 960. (3) بيت الآبار - جمع بئر -: قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى. وأبو بكر هذا هو أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف بن يحيى الشيخ محيي الدين ابن الخطيب نجيب الدين المقدسي ثم الآباري المؤذن، ولد سنة أربع وعشرين وست مئة، وسمع أباه وعمه، وحدث عن زينب بنت عبد الرزاق، وابن اللتي، والاربلي، مات في شعبان سنة تسع وتسعين وست مئة. " مشخية المؤلف " الورقة 185 / 2. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 467 سَمِعْتُ جَابراً يَقُوْلُ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: (أَنَا أَنَا) ، كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي الوَلِيْدِ، عَنْ شُعْبَةَ.   (1) 11 / 30 في الاستئذان: باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا. وأخرجه مسلم (2155) ، وأبو داود (5187) ، والترمذي (2711) ، وابن ماجة (3709) ، من طرق عن شعبة بهذا الإسناد. قال الخطابي: قوله: " أنا " لا يتضمن الجواب، ولا يفيد العلم بما استعلمه، وكان حق الجواب أن يقول: أنا جابر، ليقع تعريف الاسم الذي وقعت المسألة عنه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 468 الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ 153 - بِشْرُ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَطَاءٍ المَرْوَزِيُّ * الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِالحَافِي، ابْنُ عَمِّ المُحَدِّثِ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَارْتَحَلَ فِي العِلْمِ، فَأَخَذَ عَنْ: مَالِكٍ، وَشَرِيْكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانِ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَالمُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعِدَّةٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 342، تاريخ ابن معين: 58، المعارف: 525، الجرح والتعديل 2 / 356، طبقات الصوفية: 39 - 43، حلية الأولياء 8 / 336 - 360، تاريخ بغداد 7 / 67، صفة الصفوة 2 / 183 - 190، اللباب 1 / 331، 332، وفيات الأعيان 1 / 274 - 277، تهذيب الكمال لوحة 148، تذهيب التهذيب 1 / 83 / 1، العبر 1 / 399، دول الإسلام 1 / 137، عيون التواريخ 8 / لوحة 121 - 123، مرآة الجنان 2 / 92، البداية والنهاية 10 / 297 - 299، طبقات الأولياء 109 - 118، تهذيب التهذيب 1 / 444، النجوم الزاهرة 2 / 249، 250، خلاصة تذهيب الكمال: 48، طبقات الشعراني 1 / 84 - 86، شذرات الذهب 2 / 60 - 62، شرح الرسالة القشيرية 1 / 88 - 94. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 469 حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى السِّمْسَارُ - لاَ العَنْزِيُّ - وَسَرِيٌّ السَّقَطِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُوْسَى الجَلاَّءُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَلَّ مَا رَوَى مِنَ المُسْنَدَاتِ. كَانَ يَزُمُّ نَفْسَه، فَقَدْ كَانَ رَأْساً فِي الوَرَعِ وَالإِخْلاَصِ، ثُمَّ إِنَّهُ دَفَنَ كُتُبَهُ. أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ إِذْناً، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى السِّمْسَارُ، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العَوْفِيَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتِماً، فَلَبِسَهُ، ثُمَّ أَلقَاهُ. العَوْفِيُّ: هُوَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ (1) . رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تُحَدِّثُ؟ قَالَ: أَنَا أَشْتَهِي أَنْ أُحَدِّثَ، وَإِذَا اشتَهَيتُ شَيْئاً، تَرَكْتُه (2) . وَقَالَ إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بن الحَارِثِ يَقُوْلُ: لَيْسَ الحَدِيْثُ مِنْ عُدَّةِ المَوْتِ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ خَرَجتَ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ. فَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ (3) . وَعَنْ أَيُّوْبَ العَطَّارِ، أَنَّهُ سَمِعَ بِشْراً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، ثُمَّ   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 68. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 70. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 70. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 470 قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، إِنَّ لِذِكرِ الإِسْنَادِ فِي القَلْبِ خُيَلاَءَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ بِشْراً يَقُوْلُ: الجُوعُ يُصَفِّي الفُؤَادَ، وَيُمِيتُ الهَوَى، وَيُورِثُ العِلْمَ الدَّقِيْقَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عُثْمَانَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي شِوَاءً مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، مَا صَفَا لِي دِرْهَمُهُ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَثَّامٍ، قَالَ: أَقَامَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ بِعَبَّادَانَ يَشْرَبُ مَاءَ البَحْرِ، وَلاَ يَشْرَبُ مِنْ حِيَاضِ السُّلْطَانِ، حَتَّى أَضَرَّ بِجَوفِهِ، وَرَجَعَ إِلَى أُخْتِهِ وَجِعاً، وَكَانَ يَعْمَلُ المَغَازِلَ، وَيَبِيعُهَا، فَذَاكَ كَسْبُه. قَالَ الحَافِظُ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: رَأَيْتُهُم جَاؤُوا إِلَى بِشْرٍ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الحَدِيْثِ، عَلِمتُم أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُم فِيْهِ زَكَاةٌ، كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ مائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ (2) . قُلْتُ: هَذَا عَلَى المُبَالَغَةِ، وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَتِ الأَحَادِيْثُ فِي الوَاجِبَاتِ، فَهِيَ مُوْجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي فَضَائِل الأَعْمَالِ، فَهِيَ فَاضِلَةٌ، لَكِنْ يَتَأَكَّدُ العَمَلُ بِهَا عَلَى المُحَدِّثِ. قَالَ أَبُو نَشِيْطٍ: نَهَانِي بِشْرٌ عَنِ الحَدِيْثِ وَأَهلِهِ. وَقَالَ: أَتَيتُ يَحْيَى القَطَّانَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: أُحِبُّ هَذَا الفَتَى لِطَلَبِهِ الحَدِيْثَ.   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 76، و" طبقات الصوفية: 45. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 69 وتتمته فيه: فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مئتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث، وإلا فانظروا أيش يكون هذا عليكم غدا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 471 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الحَدِيْثِ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ، وَحَسُنَتْ نِيَّتُه فِيْهِ، وَأَمَّا أَنَا، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ طَلَبِه، وَمِنْ كُلِّ خُطْوَةٍ خَطَوتُ فِيْهِ. قِيْلَ: كَانَ بِشْرٌ يَلحَنُ، وَلاَ يَدْرِي العَرَبِيَّةَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ كَانَ بِشْرٌ تَزَوَّجَ، لَتَمَّ أَمرُه (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: مَا أَخْرَجَتْ بَغْدَادُ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ بِشْرٍ، وَلاَ أَحْفَظَ لِلِسَانِه، كَانَ فِي كُلِّ شَعرَةٍ مِنْهُ عَقْلٌ، وَطِئَ النَّاسُ عَقِبَه خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا عُرِفَ لَهُ غِيبَةٌ لِمُسْلِمٍ، مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ (2) ! وَعَنْ بِشْرٍ، قَالَ: المُتَقَلِّبُ فِي جُوعِهِ كَالمُتَشَحِّطِ فِي دَمهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ. وَعَنْهُ: شَاطِرٌ سَخِيٌّ، أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ صُوْفِيٍّ بَخِيْلٍ (3) . وَعَنْهُ: أَمْسُ قَدْ مَاتَ، وَاليَوْمُ فِي السِّيَاقِ، وَغَداً لَمْ يُولَدْ. لاَ يُفْلِحُ مِنْ أَلِفَ أَفخَاذَ النِّسَاءَ. إِذَا أَعْجَبَكَ الكَلاَمُ، فَاصْمُتْ، وَإِذَا أَعْجَبَكَ الصَّمْتُ، فَتَكَلَّمْ.   (1) لان النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن نفرا من أصحابه جاؤوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا عنها تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج، قال لهم صلى الله عليه وسلم: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ". أخرجه البخاري 9 / 89، 90، ومسلم (1401) . (2) " تاريخ بغداد " 7 / 73. (3) " طبقات الصوفية ": 44 و45. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 472 وَقِيْلَ: سَمِعَهُ رَجُلٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ العِزِّ، وَأَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَأَنَّ المَوْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ البَقَاءِ. وَعَنْهُ، قَالَ: قَدْ يَكُوْن الرَّجُلُ مُرَائِياً بَعْدَ مَوْتِه، يُحِبُّ أَنْ يَكْثُرَ الخَلْقُ فِي جِنَازَتِهِ (1) . لاَ تَجِدُ حَلاَوَةَ العِبَادَةِ حَتَّى تَجعَلَ بَينَكَ وَبَيْنَ الشَّهَوَاتِ سُدّاً (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِي؛ أَبُو المَجْدِ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنُ المَعْطُوْشِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بنُ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بنُ دِهْقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِبِشْرِ بنِ الحَارِثِ: أُحِبُّ أَنْ أَخلُوَ مَعَكَ. قَالَ: إِذَا شِئْتَ، فَيَكُوْنُ يَوْماً. فَرَأَيْتهُ قَدْ دَخَلَ قُبَّةً، فَصَلَّى فِيْهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لاَ أُحسِنُ أُصَلِّيَ مِثْلَهَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنِّي لاَ أُوْثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئاً. فَلَمَّا سَمِعْتُه، أَخَذَنِي الشَّهِيقُ وَالبُكَاءُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هَا هُنَا، لَمْ أَتَكَلَّمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى صَاحِبُ بِشْرٍ،   (1) أورد كثيرا من أقواله أبو نعيم في " الحلية " 8 / 326 - 355، وابن الملقن في " طبقات الأولياء ": 110 - 118. (2) " طبقات الصوفية ": 43. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 473 قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرٍ - وَأَنَا حَاضِرٌ -: إِنَّ هَذَا الرَّجُل -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- قِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ اللهُ قَدِيْماً، وَكُلُّ شَيْءٍ دُوْنَهُ مَخْلُوْقٌ؟ قَالَ: فَمَا تَرَكَ بِشْرٌ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى قَالَ: لاَ، كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوْقٌ إِلاَّ القُرْآنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ بِشْرٍ المَرْثَدِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ، قَالَ: دَفَنَّا لِبِشْرِ بنِ الحَارِثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، مَا بَيْنَ قِمَطْرٍ إِلَى قَوصَرَةٍ -يَعْنِي: مِنَ الحَدِيْثِ (1) -. وَقِيْلَ لأَحْمَدَ: مَاتَ بِشْرٌ. قَالَ: مَاتَ - وَاللهِ - وَمَا لَهُ نَظِيْرٌ، إِلاَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ، فَإِنَّ عَامراً مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ تَزَوَّجَ (2) . قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ لَمَّا أَخْبَرَنِي أَنَّ سَمَاعَهُ وَسَمَاعَ بِشْرٍ مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ وَاحِدٌ، قُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ حَدِيْثُ أُمِّ زَرْعٍ؟ قَالَ: سَمَاعِي مَعَهُ، وَكُنْتُ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ يُوَجِّهَ بِهِ إِلَيَّ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: هَلْ عَلِمتَ بِمَا عِنْدَكَ حَتَّى تَطلُبَ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: وُلِدَ بِشْرٌ فِي هَذِهِ القَريَةِ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِه يَتَفَتَّى، وَقَدْ جُرِحَ (3) . قَالَ حَسَنٌ المُسُوْحِيُّ، عَنْ بِشْرٍ: أَتَيتُ بَابَ المُعَافَى، فَدَقَقتُ، فَقِيْلَ: مَنْ؟ قُلْتُ: بِشْرٌ الحَافِي. فَقَالَتْ جُوَيْرِيَةُ: لَوْ اشتَرَيتَ نَعلاً بِدَانِقَيْنِ، ذَهَبَ عَنْكَ اسْمُ الحَافِي (4) . وَقَالَ السُّلَمِيُّ: كَانَ بِشْرٌ مِنْ أَوْلاَدِ الرُّؤَسَاءِ، فَصَحِبَ الفُضَيْلَ،   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 71. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 73، وفيه: لو تزوج كان قد تم أمره. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 68. (4) " تاريخ بغداد " 7 / 69، و" وفيات الأعيان " 1 / 275. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 474 سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: زَاهِدٌ، جَبَلٌ، ثِقَةٌ، لَيْسَ يَرْوِي إِلاَّ حَدِيْثاً صَحِيْحاً. قَالَ جَعْفَرٌ النَّهْرَوَانِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: إِنَّ عَوْجَ بنَ عُنُقٍ كَانَ يَخُوضُ البَحْرَ، وَيَحتَطِبُ السَّاجَ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ دَلَّ عَلَى السَّاجِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنَ البَحْرِ حُوتاً، فَيَشوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: لَوْ قُسِمَ عَقْلُ بِشْرٍ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ، صَارُوا عُقَلاَءَ (2) . قُلْتُ: قَدْ رَوَى لِبِشْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي (مُسْنَدِ عَلَيٍّ) . قِيْلَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى بِشْرٍ، فَقَبَّلَهُ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا سَيِّدِي أَبَا نَصْرٍ. فَلَمَّا ذَهَبَ، قَالَ بِشْرٌ لأَصْحَابِهِ: رَجُلٌ أَحَبَّ رَجُلاً عَلَى خَيْرٍ تَوَهَّمَه، لَعَلَّ المُحِبَّ قَدْ نَجَا، وَالمَحْبُوْبُ لاَ يَدْرِي مَا حَالُهُ (3) . مَاتَ بِشْرٌ الحَافِي - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -: يَوْمَ الجُمُعَةِ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ،   (1) قال ابن القيم في " المنار المنيف " ص 76، 77: ومن الأمور التي يعرف بها كون الحديث موضوعا أن يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه، كحديث عوج بن عنق الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء، فإن في هذا الحديث أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مئة وثلاثة وثلاثين وثلثا، وأن نوحا لما خوفه من الغرق قال له: احملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه، وأنه خاض البحر، فوصل إلى حجزته، وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر، فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرميهم بها، فقورها الله في عنقه مثل الطوق. وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذاب على الله، إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره. وقال الحافظ ابن كثير: قصة عوج بن عنق وجميع ما يحكونه عنه هذيان لا أصل له، وهو من مختلقات الزنادقة أهل الكتاب، ولم يكن قط على عهد نوح، ولم يسلم من الغرق من الكفار أحد. وانظر " البداية " 1 / 114. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 73. (3) " طبقات الأولياء " 113. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 475 سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، قَبْلَ المُعْتَصِمِ الخَلِيْفَةِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ، وَعَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَدْ أَفرَدَ ابْنُ الجَوْزِيِّ مَنَاقِبَهُ فِي كِتَابٍ. وَفِيْهَا مَاتَ: سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ البَصْرِيُّ (1) ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ الحَافِظُ (2) ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ (3) صَاحِبُ (السُّنَنِ) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ المَدَنِيُّ (4) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ (5) ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَالعَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ البَغَوِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، عَنْ بِشْرٍ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحِبُّ الدُّنْيَا إِلاَّ لَمْ يُحِبَّ المَوْتَ، وَمَنْ زَهِدَ فِيْهَا، أَحَبَّ لِقَاءَ مَوْلاَهُ. وَعَنْهُ: مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ. وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ تَعْمَلْ لِتُذْكَرَ، اكْتُمِ الحَسَنَةَ كَمَا تَكْتُمُ السَّيِّئَةَ. أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيْهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ   (1) تقدمت ترجمته في الصفحة 422 من هذا الجزء. (2) تقدمت ترجمته في الصفحة 341 من هذا الجزء. (3) سترد ترجمته في الصفحة 586 من هذا الجزء. (4) تقدمت ترجمته في الصفحة 391 من هذا الجزء. (5) سترد ترجمته في الصفحة 670 من هذا الجزء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 476 زَرْعٍ) . ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ حَدِيْثَ أُمِّ زَرْعٍ. قَالَتْ: اجْتَمَعَ إِحْدَى عَشْرَةَ نِسْوَةً (1) . القَطِيْعِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ بِخَطِّه، عَنْ وَكِيْعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- دَعَوْهُ إِلَى طَعَامٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ صَائِمٌ. فَرُئِيَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ يَأْكُلُ، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ (2) . 154 - الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ المَرُّوْذِيُّ البَغْدَادِيُّ * (خَ، س) أَبُو أَحْمَدَ - وَيُقَالُ: أَبُو يَحْيَى - المَرُّوْذِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَافِظُ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَيَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، وَحَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالمُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ مَيْسَرَةَ،   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 9 / 220 في النكاح: باب حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (2448) من طرق عن عيسى بن يونس بهذا الإسناد: وأخو عروة هو عبد الله بن عروة. (2) رجاله ثقات. وأخرج أحمد 2 / 263 و384 و513 من طريق أبي عثمان أن أبا هريرة كان في سفر، فلما نزلوا أرسلوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم، فلما وضعوا الطعام وكاد أن يفرغوا جاء، فقالوا: هلم فكل، فأكل، فنظر القوم إلى الرسول، فقال: ما تنظرون؟ ! فقال: والله لقد قال: إني صائم. فقال أبو هريرة: صدق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله " فقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله. وإسناده صحيح. وأخرج النسائي 4 / 218، 219 المرفوع منه، وفي الباب عن جرير بن عبد الله عند النسائي 4 / 221، وعن ملحان القيسي عند أبي داود (2449) ، والنسائي 4 / 224، 225. (*) طبقات ابن سعد 7 / 342، التاريخ الكبير 8 / 216، التاريخ الصغير 2 / 356، الجرح والتعديل 9 / 86، تاريخ بغداد 14 / 58، تهذيب الكمال لوحة 1454، تذهيب التهذيب 4 / 125 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 93، خلاصة تذهيب الكمال: 412. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 477 وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، وَطَائِفَةٍ. وَأَصْلُه مِنْ خُرَاسَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَحَمْدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. حَدِيْثُه فِي (الجَامِعِ (1)) فِي غَزْوَةِ الفَتحِ. قَالَ أَحْمَدُ الصُّوْفِيُّ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَكَانَ يُسَمَّى شُعْبَةَ الصَّغِيْرَ. وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: كُنَّا نَسَمِّيهِ: شُعْبَةَ الصَّغِيْرَ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (4) .   (1) 8 / 16: باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة: حدثنا الهيثم بن خارجة، حدثنا حفص بن ميسرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة. قال الحافظ ابن حجر عن الهيثم بن خارجة: كان من الاثبات، قال عبد الله بن أحمد: كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي، وليس له عند البخاري موصول سوى هذا الموضع. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 58، و" تهذيب الكمال " لوحة 1454. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 58، و" تهذيب الكمال " لوحة 1454. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 59، و" تهذيب الكمال " لوحة 1454. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 478 وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: كَانَ يَتَزَهَّدُ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُثنِي عَلَيْهِ، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ مَعَ المُحَدِّثِيْنَ (1) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: كَنَّاهُ النَّاسُ: أَبَا يَحْيَى، وَكَنَّاهُ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ بِكُنْيَتِهِ (2) . وَقِيْلَ: هُوَ مِنْ مَرْوَ الرُّوْذَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَالبُخَارِيُّ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . 155 - أَبُو خَالِدٍ الفَرَّاءُ يَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو خَالِدٍ يَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الفَرَّاءُ. سَمِعَ: إِبْرَاهِيْمَ بنَ طَهْمَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ النَّهْشَلِيَّ، وَقَيْسَ بنَ الرَّبِيْعِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَخَارِجَةَ بنَ مُصْعَبٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ السُّلَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ، وَيَاسِيْنُ بنُ النَّضْرِ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ (4) ، وَعِدَّةٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 58، و" تهذيب الكمال " لوحة 1454. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 58، و" تهذيب الكمال " لوحة 1454. (3) " طبقات ابن سعد " 7 / 342، و" التاريخ الكبير " 8 / 216. (*) الجرح والتعديل 9 / 272، الأنساب 9 / 245، ميزان الاعتدال 4 / 429، العبر 1 / 405، المغني في الضعفاء 2 / 750، شذرات الذهب 2 / 67. (4) نسبة إلى " نسا " مدينة بخراسان بينها وبين سرخس يومان. " معجم البلدان " 5 / 282. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 479 قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ مِنْ أَوْرَعِ مَشَايِخِنَا، وَأَكْثَرِهِم اجْتِهَاداً. قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: فَاتَنِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ بِالوَالِدَةِ، لَمْ تَدَعْنِي أَخْرُجَ إِلَيْهِ، فَعَوَّضَنِي اللهُ بِأَبِي خَالِدٍ الفَرَّاءِ، وَكَانَ أَسْنَدَ مِنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: خَلَفٌ البَزَّارُ، وَثَابِتُ بنُ مُوْسَى الزَّاهِدُ، وَأَحْمَدُ بنُ شَبِيْبٍ الحَبَطِيُّ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ، وَخَالِدُ بنُ هَيَّاجٍ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بنُ صُرَدَ الكُوْفِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدُوَيْه صَاحِبُ شُعْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزَّمِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو يَاسِرٍ عَمَّارُ بنُ نَصْرٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا العُمَرِيُّ (2) ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّاجاً، فَمَا أَحْلَلْنَا مِنْ شَيْءٍ حَتَّى أَحْلَلْنَا يَوْمَ النَّحْرِ. 156 - الفَرَّاءُ سَعْدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ * أَبُو الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الفَرَّاءُ.   (1) نسبة إلى الحبطات، بطن من تميم، وهو الحارث بن عمر بن تميم بن مرة. " الأنساب " 4 / 48. (2) هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، وهو ضعيف. (*) لم نجد من ترجمه في المصادر التي وقعت لنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 480 عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَمُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ، وَدَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم: الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ. مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، مِنْ طَبَقَةِ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ. 157 - سَعْدُوَيْه سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ، أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، الوَاسِطِيُّ، البَزَّازُ، المُلَقَّبُ: بِسَعْدُوَيْه. سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَجَّ بَعْد الخَمْسِيْنَ، وَرَأَى بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ؛ قَاضِي الأَنْدَلُسِ. وَسَمِعَ: مُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَأَزْهَرَ بنَ سِنَانٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ كَثِيْرٍ العَبْدِيَّ، وَمَنْصُوْرَ بنَ أَبِي الأَسْوَدِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَهُشَيْماً، وَعَبَّادَ بنَ العَوَّامِ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ (1) ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَهِلاَلُ   (*) العلل لأحمد بن حنبل: 140، طبقات ابن سعد 7 / 340، التاريخ الكبير 3 / 481، التاريخ الصغير 2 / 352، الجرح والتعديل 4 / 26، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 165، المعجم المشتمل: 127، تاريخ بغداد 9 / 84، تاريخ واسط: 215، تهذيب الكمال لوحة 495، تذهيب التهذيب 2 / 21، الكاشف 1 / 362، تهذيب التهذيب 4 / 44، مقدمة فتح الباري: 403، النجوم الزاهرة 2 / 243، طبقات الحفاظ: 176، خلاصة تذهيب الكمال: 139، شذرات الذهب 2 / 56. (1) قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 403: وجميع ماله في البخاري خمسة أحاديث ليس فيها شيء تفرد به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 481 بنُ العَلاَءِ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَخَلَفُ بنُ عُمَرَ العُكْبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، لَعَلَّهُ أَوْثَقُ مِنْ عَفَّانَ (1) . وَأَمَّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: فَكَانَ يَغُضُّ مِنْهُ، وَلاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ تَقِيَّةً، وَيَقُوْلُ: صَاحِبُ تَصْحِيْفٍ مَا شِئْتَ (2) . قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَقِيْلَ لَهُ: لِمَ لاَ تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا؟ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ، مَا دَلَّسْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، لَيْتَنِي أُحَدِّثُ بِمَا قَدْ سَمِعْتُ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ سِتِّيْنَ حَجَّةً (3) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ سَعْدُوَيْه مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَجَابَ فِي المِحْنَةِ (4) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: قِيْلَ لِسَعْدُوَيْه بَعْدَ مَا انْصَرَفَ مِنَ المِحْنَةِ: مَا فَعَلْتُم؟ قَالَ: كَفَرْنَا، وَرَجَعْنَا (5) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ سَعْدُوَيْه كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، ثِقَةً، نَزَلَ بَغْدَادَ، وَتَجِرَ بِهَا، وَتُوُفِّيَ بِهَا، فِي رَابِعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (6) .   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 26. (2) ونقل الحافظ في " المقدمة " عن الدارقطني قوله: يتكلمون فيه. وعقب عليه، فقال: هذا تليين مبهم لا يقبل. وهو في " العلل " لأحمد بن حنبل: 140. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 86، و" تهذيب الكمال " لوحة 495. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 86. (5) " تاريخ بغداد " 9 / 86، و" تهذيب الكمال " لوحة 495. (6) " طبقات ابن سعد " 7 / 340. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 482 وَقِيْلَ: إِنَّ سَعْدُوَيْه عَاشَ مائَةَ سَنَةٍ. فَأَمَّا: 158 - سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ النَّشِيْطِيُّ * فَشَيْخٌ بَصْرِيٌّ، مِنْ أَقْرَانِ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ (1) . حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَسَلْمِ بنِ زَرِيْرٍ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: فِيْهِ نَظَرٌ (3) . 159 - فَتْحٌ المَوْصِلِيُّ أَبُو نَصْرٍ بنُ سَعِيْدٍ ** الزَّاهِدُ، الوَلِيُّ، العَابِدُ، أَبُو نَصْرٍ فَتْحُ بنُ سَعِيْدٍ المَوْصِلِيُّ. وَقَدْ مَرَّ فَتْحٌ الكَبِيْرُ (4) مِنْ أَقْرَانِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، وَكِلاَهُمَا مِنْ كِبَارِ المَشَايِخِ.   (*) الجرح والتعديل 4 / 26، ميزان الاعتدال 2 / 142، المغني في الضعفاء " 1 / 261. (1) أي: سعيد بن سليمان سعدويه. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 26. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 26. (* *) حلية الأولياء 8 / 292 - 294، تاريخ بغداد 12 / 381 - 383، الرسالة القشيرية: 221، صفة الصفوة 4 / 183 - 189، النجوم الزاهرة 2 / 235، طبقات الشعراني 1 / 93، الكواكب الدرية 1 / 151، جامع كرامات الأولياء 2 / 233. (4) في الجزء السابع الصفحة 349. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 483 قِيْلَ: إِنَّ هَذَا صُدِعَ رَأْسُهُ، فَسُرَّ، وَقَالَ: ابْتَلاَنِي بِبَلاَءِ الأَنْبِيَاءِ، فَشُكْرُ هَذَا أَنْ أُصَلِّيَ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ (1) . وَكَانَ يَقُوْلُ: رَبِّ أَفْقَرْتَنِي، وَأَفْقَرْتَ عِيَالِي، بِأَيِّ وَسِيْلَةٍ هَذَا؟ وَإِنَّمَا تَفْعَلُ هَذَا بِأَوْلِيَائِكَ (2) . وَعَنْهُ: مَنْ أَدَامَ النَّظَرُ بِقَلْبِهِ، أَوْرَثَهُ ذَلِكَ الفَرَحَ بِاللهِ (3) . قَالَ الطُّفَاوِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ وَهُوَ يُوْقِدُ فِي الآجُرِّ، وَكَانَ شَرِيْفاً مِنَ العَرَبِ، زَاهِداً (4) . قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَغَيْرِهِ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ؛ ابْنُ أُخْتِ بِشْرٍ الحَافِي، وَكَنَّاهُ: أَبَا بَكْرٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (5) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّتُ بِفَلْسٍ نُخَالَةً، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ زَائِراً لِبِشْرٍ الحَافِي، فَأَضَافَهُ خُبْزاً وَتَمْراً بِنِصْفِ دِرْهَمٍ (6) . 160 - يُوْسُفُ بنُ عَدِيِّ بنِ زُرَيْقِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيُّ * (خَ، س) وَيُقَالُ: ابْنُ عَدِيِّ بنِ الصَّلْتِ. الإِمَامُ، الثِّقَةُ،   (1) " حلية الأولياء " 8 / 292. (2) " حلية الأولياء " 8 / 292، و" تاريخ بغداد " 12 / 383. (3) " حلية الأولياء " 8 / 293. (4) " حلية الأولياء " 8 / 294. (5) انظر " تاريخ بغداد " 12 / 383. (6) انظر " الحلية " 8 / 294، و" تاريخ بغداد " 12 / 381، 382. (*) الجرح والتعديل 9 / 227، المعجم المشتمل: 328، تهذيب الكمال لوحة 1559، تذهيب التهذيب 4 / 189، 190، الكاشف 3 / 299، العبر 1 / 412، تهذيب التهذيب 11 / 417، 418، النجوم الزاهرة 2 / 265، حسن المحاضرة 1 / 290، خلاصة تذهيب الكمال: 439، شذرات الذهب 2 / 75. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 484 الحَافِظُ، أَبُو يَعْقُوْبَ التَّيْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى تَيْمِ اللهِ. أَخُو الحَافِظِ المُجَوِّدِ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ. سَكَنَ مِصْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَسَكَنَ أَخُوْهُ بَغْدَادَ، وَهُمَا مِنَ الكُوْفَةِ. رَوَى عَنْ: شَرِيْكٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَيُّوْبَ بنِ جَابِرٍ الحَنَفِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَشِهَابِ بنِ خِرَاشٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفُرَاتِ، وَعُبَيْدَةَ بنِ الأَسْوَدِ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مِقْلاَصٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلاَّنُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُتَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ الغَافِقِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ الفَزَارِيُّ قُبَّيْطَةٌ، وَالحَسَنُ بنُ غُفَيْرٍ المِصْرِيُّ العَطَّارُ، وَأَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ، وَالحُسَيْنُ بنُ حُمَيْدٍ العَكِّيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو عُلاَثَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَلاَّفُ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، ذَهَبَ إِلَى مِصْرَ فِي التِّجَارَةِ، وَمَاتَ بِهَا (1) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 227، و" تهذيب الكمال " لوحة 1560. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1560. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 485 وَهَذَا وَهْمٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: سَكَنَ مِصْرَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا، يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ عَمِيَ قَبْلَ أَنْ يَمْوُتَ بِيَسِيْرٍ، وَخَلَّفَ وَلَداً يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، وُلِدَ بِمِصْرَ، يَرْوِي عَنْ أَبِيْهِ (1) . قُلْتُ: فَهَذَا الصَّحِيْحُ فِي وَفَاتِهِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَأَمَّا أَخُو يُوْسُفَ بنِ عَدِيٍّ - أَعْنِي: الحَافِظَ زَكَرِيَّا بنَ عَدِيٍّ (2) - فَكَانَ أَحْفَظَ مِنْ يُوْسُفَ وَأَجَلَّ، مَاتَ قَبْلَ يُوْسُفَ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَلَيْسَ لِيُوْسُفَ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) سِوَى حَدِيْثٍ طَوِيْلٍ، حَدَّثَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ الدَّرَجِيِّ، وَأَجَازَهُ لِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيدَلاَنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ، أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ رِشْدِيْنَ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ المِنْهَالِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَهُ رَجُلٌ (3) ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! إِنِّيْ أَجِدُ فِي القُرْآنِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1560. (2) تقدمت ترجمته في الصفحة 442 من هذا الجزء. (3) قال الحافظ: كان هذا الرجل هو نافع بن الازرق الذي صار بعد ذلك رأس الازارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عباس بمكة، ويسأله ويعارضه، ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحا ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " 2 / 394 من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، قال: سأل نافع بن الازرق ابن عباس عن قوله تعالى: (هذا يوم لا ينطقون) و (لا تسمع إلا همسا) وقوله: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) و (هاؤم اقرؤوا كتابيه) ..الحديث بهذه القصة حسب، وهي إحدي القصص المسؤول عنها في حديث الباب، وروى الطبراني من حديث الضحاك بن مزاحم قال: قدم نافع بن الازرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج مكة، فإذا هم بابن عباس قاعدا قريبا من زمزم، والناس قياما يسألونه، فقال له نافع بن الازرق: أتيتك لاسألك، فسأله عن أشياء كثيرة من التفسير ساقها في ورقتين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 486 أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، فَقَدْ وَقَعَ فِي صَدْرِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: تَكْذِيْبٌ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ تَكْذِيْبٌ، وَلَكِنِ اخْتِلاَف ... ، الحَدِيْثَ (1) . 161 - أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيُّ * الزَّاهِدُ، الرَّبَّانِيُّ، الوَلِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَنطَاكِيُّ، صَاحِبُ مَوَاعِظَ وَسُلُوْكٍ.   (1) أخرجه البخاري 8 / 427 - 429 في تفسير سورة فصلت، من طريق يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) [المؤمنون: 101] (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) [الصافات: 27] (ولا يكتمون الله حديثا) [النساء: 42] (والله ربنا ما كنا مشركين) [الانعام: 23] فقد كتموا في هذه الآية، وقال: (أم السماء بناها) ... إلى قوله: (دحاها) [النازعات: 27 - 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) ..إلى (طائعين) [فصلت: 9 - 11] فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء، وقال تعالى: (وكان الله غفورا رحيما) (عزيزا حكيما) (سميعا بصيرا) فكأنه كان ثم مضى؟ فقال: فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأما قوله: (ما كنا مشركين) (ولا يكتمون الله) فإن الله يغفر لاهل الاخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا، وعنده يود الذين كفروا. الآية. وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: (دحاها) وقوله: (خلق الأرض في يومين) فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين. وكان الله غفورا: سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي لم يزل كذلك، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلا من عند الله. وانظر " المستدرك " 2 / 392. (*) الجرح والتعديل 2 / 66، طبقات الصوفية: 137 - 140، حلية الأولياء 9 / 280 - 297، صفة الصفوة 4 / 277 - 279، ميزان الاعتدال 1 / 106، تاريخ الإسلام ورقة 176 من مجلد أيا صوفيا 3007، البداية والنهاية 10 / 318، 319، طبقات الأولياء: 46، 47، طبقات الشعراني 1 / 97، الكواكب الدرية 1 / 197، نتائج الافكار القدسية 1 / 133 - 135. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 487 لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً مِنْ (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ (1)) . رَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ. وَكَانَ يَقُوْلُ: غَنِيْمَةٌ بَارِدَةٌ؛ أَصْلِحْ فِيْمَا بَقِيَ، يُغْفَرْ لَكَ مَا مَضَى (2) . وَقَالَ: إِذَا صَارَتِ المُعَامَلَةُ إِلَى القَلْبِ، اسْتَرَاحَتِ الجَوَارِحُ (3) . لَمْ أَظْفَرْ لَهُ بِتَارِيْخِ وَفَاةٍ، وَلَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى نَحْوِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) . 162 - خَالِدُ بنُ خِدَاشِ بنِ عَجْلاَنَ المُهَلَّبِيُّ * (م، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الهَيْثَمِ المُهَلَّبِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَبَكَّارِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.   (1) انظر " حلية الأولياء " 9 / 280 - 297. (2) " حلية الأولياء " 9 / 281. (3) " حلية الأولياء " 9 / 281. (4) وسيعيد المؤلف ترجمته بأطول مما هنا في الجزء الحادي عشر ص 409. (*) التاريخ الكبير 3 / 146، المعارف: 525، الجرح والتعديل 3 / 327، تاريخ بغداد 8 / 304 - 307، المعجم المشتمل: 113، تهذيب الكمال لوحة 355، تذهيب التهذيب 1 / 186 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 629، العبر 1 / 386، الكاشف 1 / 267، المغني في الضعفاء 1 / 202، تهذيب التهذيب 3 / 85، خلاصة تذهيب الكمال: 100، شذرات الذهب 2 / 51. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 488 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: هُوَ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: فِيْهِ ضَعْفٌ (2) . قُلْتُ: أَبْلَغُ مَا نَقَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِأَحَادِيْثَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهَذَا لاَ يَدُلُّ عَلَى لِيْنِهِ، فَإِنَّهُ لاَزَمَهُ مُدَّةً (3) . مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ. 163 - صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أَبُو الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَضْلِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَوَكِيْعٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ البُخَارِيُّ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو المُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، وَآخَرُوْنَ.   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 327. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 306، و" تهذيب الكمال " لوحة 356. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 306. (*) التاريخ الكبير 4 / 298، الجرح والتعديل 4 / 434، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 255، الأنساب 8 / 47، المعجم المشتمل: 144، معجم البلدان 3 / 397، 398، اللباب 2 / 237، تهذيب الكمال لوحة 605، تذهيب التهذيب 2 / 91 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 498، العبر 1 / 386، الكاشف 2 / 27، تهذيب التهذيب 4 / 417، طبقات الحفاظ: 217، خلاصة تذهيب الكمال: 173، شذرات الذهب 2 / 51. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 489 وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. يُقَال: إِنَّهُ كَانَ بِمَرْوَ كَالإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ: كُنَّا نَقُوْلُ: صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ بِخُرَاسَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالعِرَاقِ (1) . تُوُفِّيَ صَدَقَةُ - عَلَى مَا نَقَلَهُ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ فِي (شُيُوْخِ النَّبَلِ (2)) -: فِي آخِرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ. وَإِليه تُنْسَبُ سِكَّةُ صَدَقَةَ بِمَرْوَ (3) . 164 - أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمِ بنِ عَبْدِ اللهِ * (د) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجْتَهِدُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمِ بنِ عَبْدِ اللهِ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 606. (2) ص 144. (3) انظر " معجم البلدان " 3 / 397، 398. (*) طبقات ابن سعد 7 / 355، تاريخ ابن معين: 479، 480، التاريخ الكبير 7 / 172، التاريخ الصغير 2 / 350، المعارف لابن قتيبة: 549، الجرح والتعديل 7 / 111، مراتب النحويين: 93، 94، طبقات الزبيدي: 217، 221، الفهرست لابن النديم: 78، تاريخ بغداد 12 / 403 - 416، طبقات الشيرازي: 26، طبقات الحنابلة 1 / 259، تاريخ ابن عساكر 35 / 82 - 110، نزهة الالباء: 136 - 142، صفة الصفوة 4 / 130، معجم الأدباء 16 / 254 - 261، الكامل لابن الأثير 6 / 509، إنباه الرواة 3 / 12 - 23، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 257، 258، وفيات الأعيان 4 / 60 - 63، المختصر في أخبار البشر 2 / 34، تهذيب الكمال لوحة 1110، تذهيب التهذيب 3 / 146، 147، دول الإسلام 1 / 136، تذكرة الحفاظ 1 / 417، العبر 1 / 392، ميزان الاعتدال 3 / 371، معرفة القراء 1 / 141 - 143، الكاشف 2 / 390، عيون التواريخ 7 / لوحة 94 وما بعدها، مرآة الجنان 2 / 83 - 86، طبقات الشافعية 2 / 153 - 160، البداية والنهاية 10 / 291، 292، العقد الثمين 7 / 23 - 25، غاية النهاية 2 / 17، 18، تهذيب التهذيب 8 / 315، النجوم الزاهرة 2 / 241، روضات الجنات: 526، بغية الوعاة 2 / 253، 254، المزهر 2 / 411 و419 و464، خلاصة تذهيب الكمال: 312، طبقات المفسرين 2 / 32 - 37، مفتاح السعادة 2 / 306، شذرات الذهب 2 / 54، 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 490 كَانَ أَبُوْهُ سَلاَّمٌ مَمْلُوْكاً رُوْمِياً لِرَجُلٍ هَرَوِيٍّ. يُرْوَى: أَنَّهُ خَرَجَ يَوْماً وَوَلَدُهُ أَبُو عُبَيْدٍ مَعَ ابْنِ أُسْتَاذِهِ فِي المَكْتَبِ، فَقَالَ لِلْمُعَلِّمِ: عَلِّمِي القَاسِمَ، فَإِنَّهَا كَيِّسَةٌ (1) . مَوْلِدُ أَبِي عُبَيْدٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْماً، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ، وَغُنْدَراً، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَوَكِيْعاً، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَعَبَّادَ بنَ عَبَّادٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَعَبَّادَ بنَ العَوَّامِ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى رَفِيْقِهِ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَنَحْوِهِ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ الكِسَائِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَشُجَاعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ البَلْخِيِّ. وَسَمِعَ الحُرُوْفَ مِنْ طَائِفَةٍ. وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ المُونِقَةَ الَّتِي سَارَتْ بِهَا الرُّكبَانُ. وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي القِرَاءاتِ لَمْ أَرَهُ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. لَهُ: كِتَابُ (الأَمْوَالِ) ، فِي مُجَلَّدٍ كَبِيْرٍ، سَمِعْنَاهُ بِالاتِّصَالِ، وَكِتَابُ (الغَرِيْبِ (2)) مَرْوِيٌّ أَيْضاً، وَكِتَابُ (فَضَائِلِ القُرْآنِ) وَقَعَ لَنَا، وَكِتَابُ (الطّهُوْرِ) ، وَكِتَابُ (النَّاسِخِ وَالمَنْسُوْخِ) ، وَكِتَابُ (المَوَاعِظِ) ، وَكِتَابُ (الغَرِيْبِ المُصَنَّفِ فِي عِلْمِ   (1) وهذه لهجة الاعاجم. انظر " تاريخ بغداد " 2 / 403، وإنباه الرواة " 3 / 12. (2) أي: " غريب الحديث " وقد طبع سنة 1384 هـ - 1964 م بالهند في أربع مجلدات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 491 اللِّسَانِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَهُ بِضْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ كِتَاباً (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: نَصْرُ بنُ دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّغْلِبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (2) : كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ مُؤَدِّباً، صَاحِبَ نَحْوٍ وَعَرَبِيَّةٍ، وَطَلَبٍ لِلْحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَلِيَ قَضَاءَ طَرَسُوْسَ أَيَّامَ الأَمِيْرِ ثَابِتِ بنِ نَصْرٍ الخُزَاعِيِّ (3) ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ وَمَعَ وَلَدِهِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَفَسَّرَ بِهَا غَرِيْبَ الحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ كُتُباً، وَحَدَّثَ، وَحَجَّ، فَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَدِمَ أَبُو عُبَيْدٍ مِصْرَ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَكَتَبَ بِهَا (4) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وُلِدَ بِهَرَاةَ، وَكَانَ أَبُوْهُ عَبْداً لِبَعْضِ أَهْلِهَا. وَكَانَ يَتَوَلَّى الأَزْدَ (5) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ دُرُسْتَوَيْه النَّحْوِيُّ: وَمِنْ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ المُحَدِّثِيْنَ النَّحْوِيِّينَ عَلَى مَذْهَبِ الكُوْفِيِّيْنَ، وَرُوَاةِ اللُّغَةِ وَالغَرِيْبِ عَِنِ   (1) انظر مصنفاته في " الفهرست " ص 78، و" معجم الأدباء " 16 / 260، و" إنباه الرواة " 3 / 22. (2) في " الطبقات الكبرى " 7 / 355. (3) وذلك في سنة (192) هـ. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1110. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 404. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 492 البَصْرِيِّيْنَ وَالعُلَمَاءِ بِالقِرَاءاتِ، وَمَنْ جَمَعَ صُنُوَفاً مِنَ العِلْمِ، وَصَنَّفَ الكُتُبَ فِي كُلِّ فَنٍّ: أَبُو عُبَيْدٍ. وَكَانَ مُؤَدِّباً لأَهْلِ هَرْثَمَةَ (1) ، وَصَارَ فِي نَاحِيَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، وَكَانَ ذَا فَضْلٍ، وَدِيْنٍ، وَسَتْرٍ، وَمَذْهَبٍ حَسَنٍ. رَوَى عَنْ: أَبِي زَيْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَاليَزِيْدِيِّ، وَغَيْرِهِم مِنَ البَصْرِيِّيْنَ. وَرَوَى عَنِ: ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبِي زِيَادٍ الكِلاَبِيِّ، وَالأُمَوِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَالأَحْمَرِ (2) . نَقَلَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ طَاهِرَ بنَ الحُسَيْنِ حِيْنَ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، نَزَلَ بِمَرْوَ، فَطَلَبَ رَجُلاً يُحَدِّثُهُ لَيْلَةً، فَقِيْلَ: مَا هَا هُنَا إِلاَّ رَجُلٌ مُؤَدِّبٌ. فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدٍ، فَوَجَدَهُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَيَّامِ النَّاسِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالفِقْهِ، فَقَالَ لَهُ: مِنَ المَظَالِمِ تَرْكُكَ أَنْتَ بِهَذِهِ البَلْدَةِ. فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَقَالَ لَهُ: أَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى حَرْبٍ، وَلَيْسَ أُحِبُّ اسْتِصْحَابَكَ شَفَقاً عَلَيْكَ، فَأَنْفِقْ هَذِهِ إِلَى أَنْ أَعُوْدَ إِلَيْكَ. فَأَلَّفَ أَبُو عُبَيْدٍ (غَرِيْبَ المُصَنَّفِ) ، وَعَادَ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ ثَغْرِ خُرَاسَانَ، فَحَمَلَ مَعَهُ أَبَا عُبَيْدٍ إِلَى (سُرَّ مَنْ رَأَى) ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ ثِقَةً، دَيِّناً، وَرِعاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ (3) . قَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْه: وَلأَبِي عُبَيْدٍ كُتُبٌ لَمْ يِرْوِهَا، قَدْ رَأَيْتُهَا فِي مِيْرَاثِ بَعْضِ الطَّاهِرِيَّةِ تُبَاعُ كَثِيْرَةً فِي أَصْنَافِ الفِقْهِ كُلِّهِ. وَبَلَغَنَا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَلَّفَ كِتَاباً، أَهدَاهُ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، فَيَحْمِلُ إِلَيْهِ مَالاً خَطِيْراً (4) ، وَذَكَرَ فَصْلاً، إِلَى أَنْ قَالَ:   (1) أي هرثمة بن أعين الأمير الذي قتله المأمون سنة 200 هـ، انظر أخباره في " تاريخ الطبري " 8 / 542، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 314. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 404، و" طبقات الحنابلة " 1 / 260، 261. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 406. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 404، و" نزهة الالباء ": 137، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، و" معجم الأدباء " 16 / 255، و" إنباه الرواة " 3 / 13. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 493 وَ (الغَرِيْبُ المُصَنَّفُ (1)) مِنْ أَجَلِّ كُتُبِهِ فِي اللُّغَةِ، احْتَذَى فِيْهِ كِتَابَ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، المُسَمَّى بِكِتَابِ (الصِّفَاتِ) ، بَدَأَ فِيْهِ بِخَلْقِ الإِنْسَانِ، ثُمَّ بِخَلْقِ الفَرَسِ، ثُمَّ بِالإِبِلِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَجْوَدُ. قَالَ: وَمِنْهَا كِتَابُهُ فِي (الأَمْثَالِ (2)) أَحْسَنَ تَأْلِيْفَهُ، وَكِتَابُ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ذَكَرَهُ بِأَسَانِيْدِهِ، فَرَغِبَ فِيْهِ أَهْلُ الحَدِيْثِ، وَكَذَلِكَ كِتَابُهُ فِي (مَعَانِي القُرْآنِ) ، حَدَّثَ بِنِصْفِهِ، وَمَاتَ (3) . وَلَهُ كُتُبٌ فِي الفِقْهِ، فَإِنَّهُ عَمَدَ إِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَتَقَلَّدَ أَكْثَرَ ذَلِكَ، وَأَتَى بِشَوَاهِدِهِ، وَجَمَعَهُ مِنْ رِوَايَاتِهِ، وَحَسَّنَهَا بِاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ. وَلَهُ فِي القِرَاءاتِ كِتَابٌ جَيِّدٌ، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَكِتَابُهُ فِي (الأَمْوَالِ) مِنْ أَحْسَنِ مَا صُنِّفَ فِي الفِقْهِ وَأَجْوَدِهِ (4) .   (1) لم يطبع بعد، ومنه نسختان بدار الكتب المصرية، ونسخة بمكتبة الفاتح بتركيا. يقول الدكتور حسين نصار في " المعجم العربي " 1 / 185، 186: إنه اعتمد فيه على الكتب المؤلفة قبله في الموضوعات المفردة، وخاصة كتب الاصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة والكسائي وغيرهم، وأدخلها برمتها في كتبه وأبوابه، واتبع ترتيبها في بعض الأحيان، والتزم أن ينسب كل قول إلى صاحبه، وأن ينبه على المواضع التي اتفق فيها اللغويون التزام التنبيه على مواضع الخلاف، أما شواهده فهي ما استقاه من غيره مع الاختصار أحيانا، وتتألف من القرآن والشعر والاقوال، وفي قليل من الأحيان من الحديث، وإذن ففضل أبي عبيد في جمع الموضوعات الخاصة في كتاب واحد، وفي جمع الكتب المختلفة في الموضوع الواحد في كتاب واحد وأبواب واحدة من كتابه، ولكن ليس من العدل أن نقول مع ابن النديم: إنه أخذ كتابه من النضر بن شميل، أو مع أبي الطيب اللغوي: إنه اعتمد فيه على رجل من بني هاشم، فالرجال الذين اعتمد عليهم صرح بأسمائهم، ولم يحاول أن يخفي ذلك، وكان يعتبر ذلك شكرا للعلم، ولا مانع عندنا أن يكون نظام الغريب مشابها لنظام كتاب النضر، وبالرغم من ذلك فإن فهرس ما يضمه من كتب يبين بوضوح مدى الإضافات والموضوعات الجديدة التي ضمها الغريب المصنف ولم تكن في " صفات " النضر. (2) طبع مع شرحه " فصل المقال " لأبي عبيد البكري بتحقيق الدكتورين إحسان عباس وعبد المجيد عابدين سنة 1390 هـ، 1971 م. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 404، 405. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 405. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 494 أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَلاَء القَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا الفُسْطَاطِيُّ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَبُو دُلَفٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَقَالَ: أَنَا فِي جَنَبَةِ رَجُلٍ مَا يَحُوجُنِي إِلَى صِلَةِ غَيْرِهِ، وَلاَ آخُذُ مَا عَلَيَّ فِيْهِ نَقْصٌ. فَلَمَّا عَادَ ابْنُ طَاهِرٍ، وَصَلَهُ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! قَدْ قَبِلْتُهَا، وَلَكِنْ قَدْ أَغْنَيْتَنِي بِمَعْرِوْفِكَ، وَبِرِّكَ عَنْهَا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَشْتَرِيَ بِهَا سِلاَحاً وَخَيْلاً، وَأُوَجِّهَ بِهَا إِلَى الثَّغْرِ لِيَكُوْنَ الثَّوَابُ مُتَوَفِّراً عَلَى الأَمِيْرِ، فَفَعَلَ (1) . قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ - إِمَّا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، أَوْ حُدِّثْتُ بِهِ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا عَمِلَ أَبُو عُبَيْدٍ كِتَابَ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ، عُرِضَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: إِنَّ عَقْلاً بَعَثَ صَاحِبَهُ عَلَى عَمَلِ مِثْلِ هَذَا الكِتَابِ، لَحَقِيْقٌ أَنْ لاَ يُحْوَجَ إِلَى طَلَبِ المَعَاشِ. فَأَجْرَى لَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ. كذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَشْرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ (2) . وَرُوِيَ غَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ عَنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حُمِلَ (غَرِيْبُ أَبِي عُبَيْدٍ) إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ عَاقِلٌ. وَكَتَبَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بِأَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا مَاتَ ابْنُ طَاهِرٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 406، و" نزهة الالباء ": 137، 138، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، و" معجم الأدباء " 16 / 256، و" إنباه الرواة " 3 / 16، و" طبقات الشافعية " 2 / 155. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 406، و" نزهة الالباء ": 138، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، و" إنباه الرواة " 3 / 16. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 495 أَجْرَى عَلَيْهِ إِسْحَاقُ مِنْ مَالِهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَكَّةَ، أَجْرَاهَا عَلَى وَلَدِهِ (1) . ذِكْرُ وَفَاةِ ابْنِ طَاهِرٍ هُنَا وَهْمٌ؛ لأنَّهُ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ أَبِي عُبَيْدٍ (2) . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي تَصْنِيْفِ هَذَا الكِتَابِ (3) أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَرُبَّمَا كُنْتُ أَسْتَفِيْدُ الفَائِدَةَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، فَأَضَعُهَا فِي الكِتَابِ، فَأَبِيْتُ سَاهِراً فَرِحاً مِنِّي بِتِلْكَ الفَائِدَةِ، وَأَحَدُكُم يَجِيئُنِي، فَيُقِيمُ عِنْدِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَيَقُوْلُ: قَدْ أَقَمْتُ الكَثِيْرَ (4) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمِعَ (الغَرِيْبَ) مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (5) . الطَّبَرَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: عَرَضْتُ كِتَابَ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) لأَبِي عُبَيْدٍ عَلَى أَبِي، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: جَزَاهُ اللهُ خَيْراً (6) . ورَوَى: ابْنُ الأَنْبَارِيِّ، عَنْ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: كَتَبَ أَبِي (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) الَّذِي أَلَّفَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَوَّلاً (7) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَرْعَرَةَ يَقُوْلُ: كَانَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ، فَطَمِعَ فِي أَنْ يَسْمَعَ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَطَمِعَ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 406، 407. (2) وهذا هو الصواب فعبد الله بن طاهر توفي سنة (230) هـ، وتوفي أبو عبيد سنة (224) هـ أي قبله بست سنين. انظر " العبر " 1 / 392 و406. (3) يريد كتاب " الغريب المصنف ". (4) " تاريخ بغداد " 12 / 407، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، و" إنباه الرواة " 3 / 16. وفي هذا الأخير " مكثت " بدل " كنت " (5) " تاريخ بغداد " 12 / 407، و" نزهة الالباء ": 138، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، و" إنباه الرواة " 3 / 16. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 407، و" نزهة الالباء ": 138، و" إنباه الرواة " 3 / 16. (7) " تاريخ بغداد " 12 / 407، و" إنباه الرواة " 3 / 16. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 496 مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ أَبُو عُبَيْدٍ، حَتَّى كَانَ هُوَ يَأْتِيْهِ. فَقَدِمَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، فَأَرَادَا أَنْ يَسْمَعَا (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) ، فَكَانَ يَحْمِلُ كُلَّ يَوْمٍ كِتَابَهُ، وَيَأْتِيْهِمَا فِي مَنْزِلِهِمَا، فَيُحَدِّثُهُمَا فِيْهِ (1) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَرَجَ أَبِي إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ يَعُوْدُهُ وَأَنَا مَعَهُ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَجَمَاعَةٌ، فَدَخَلَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: اقْرَأْ عَلَيْنَا كِتَابَكَ الَّذِي عَمِلْتَهُ لِلْمَأْمُوْنِ (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) . فَقَالَ: هَاتُوْهُ. فَجَاؤُوا بِالكِتَابِ، فَأَخَذَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَجَعَلَ يَبْدَأُ يَقْرَأُ الأَسَانِيْدَ، وَيَدَعُ تَفْسِيْرَ الغَرِيْبِ، فَقَالَ أَبِي: دَعْنَا مِنَ الإِسْنَادِ، نَحْنُ أَحْذَقُ بِهَا مِنْكَ. فَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ لأَبِي: دَعْهُ يَقْرَأُ عَلَى الوَجْهِ، فَإِنَّ ابْنَكَ مَعَكَ، وَنَحْنُ نَحْتَاجُ أَنْ نَسْمَعهُ عَلَى الوَجْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا قَرَأْتُهُ إِلاَّ عَلَى المَأْمُوْنِ، فَإِنْ أَحْبَبْتُم أَنْ تَقْرَؤُوهُ، فَاقْرَؤُوهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: إِنْ قَرَأْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِلاَّ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيْهِ. وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عُبَيْدٍ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، فَقَالَ لِيَحْيَى: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ. فَالتَزَمَهُ، وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا، فَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ المَجْلِسَ، جَازَ أَنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلاَ يَقُوْلُ (2) . رَوَاهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الهُجَيْمِيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقْسِمُ اللَّيْلَ أَثَلاَثاً؛ فَيُصَلِّي ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ ثُلُثَهُ، وَيُصَنِّفُ الكُتُبَ ثُلُثَهُ (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 407، و" إنباه الرواة " 3 / 17، وفي الثاني تتمة هي " إجلالا لعلمهما، وهذه شيمة شريفة رحم الله أبا عبيد ". (2) " تاريخ بغداد " 12 / 407، 408، و" طبقات الحنابلة " 1 / 261، 262، و" إنباه الرواة " 3 / 17، 18. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 408، و" نزهة الالباء ": 138، و" إنباه الرواة " 3 / 18، و" طبقات الشافعية " 2 / 154. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 497 قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي مُقَاتِلٍ البَلْخِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ لأَسْمَعَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، فَقَدِمْتُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: مَهْمَا سُبِقْتَ بِهِ، فَلاَ تُسْبَقَنَّ بِتَقْوَى اللهِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الصَّاغَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ، يَقُوْلُ: فَعَلْتُ بِالبَصْرَةِ فِعْلَتَيْنِ أَرْجُو بِهِمَا الجَنَّةَ: أَتَيْتُ يَحْيَى القَطَّانَ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقُلْتُ: مَعِيَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يَشْهَدَانِ أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بنِ سَبْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، وَلَمْ نَأْلُ. قَالَ: وَمَنِ الآخَرُ؟ قُلْتُ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ المِسْوَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ يَقُوْلُ: شَاوَرْتُ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِيْنَ، وَأُمَرَاءَ الأَجْنَادِ، وَأَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَرَ أَحَداً يَعْدِلُ بِعُثْمَانَ. قَالَ: فَتَرَكَ يَحْيَى قَوْلَهُ، وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. قَالَ: وَأَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ الخُرَيْبِيَّ، فَإِذَا بَيْتُهُ بَيْتُ خَمَّارٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: مَا اخْتَلَفَ فِيْهِ أَوَّلُنَا وَلاَ آخِرُنَا. قُلْتُ: اخْتَلَفَ فِيْهِ أَوَّلُكُم وَآخِرُكُم. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيْدَةَ، قَالَ: اخْتُلِفَ عَلَيَّ فِي الأَشْرِبَةِ، فَمَا لِيَ شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً إِلاَّ عَسَلٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ مَاءٌ. قَالَ: وَمَنْ آخِرُنَا؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ. قَالَ: فَأَخْرَجَ كُلَّ مَا فِي مَنْزِلِهِ، فَأَهْرَاقَهُ (2) . أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَنِي ابْنُ إِدْرِيْسَ أَتَلَهَّفُ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوْخِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عُبَيْدٍ! مَهْمَا فَاتَكَ مِنَ العِلْمِ، فَلاَ يَفُوْتَنَّكَ مِنَ العَمَلِ (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 408، 409. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 409. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 409. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 498 الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ الكَارِزِيَّ (1) ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: المُتَّبِعُ السُّنَّةَ، كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ، هُوَ اليَوْمَ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ فِي سَبِيْلِ اللهِ (2) . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: مَثَلُ الأَلْفَاظِ الشَّرِيْفَةِ وَالمَعَانِي الظَّرِيْفَةِ، مَثَلُ القَلاَئِدِ اللاَّئِحَةِ فِي التَّرَائِبِ الوَاضِحَةِ (3) . قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَتَبَيَّنُ فِي عَقْلِ الرَّجُلِ أَنْ يَدَعَ الشَّمْسَ، وَيَمْشِيَ فِي الظِّلِّ (4) . وَبإِسْنَادِي إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ البَادَا (5) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الزَّبِيْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ، سَمِعْتُ الهِلاَلَ بنَ العَلاَءِ الرَّقِّيَّ يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِأَرْبَعَةٍ فِي زَمَانِهِم: بِالشَّافِعِيِّ تَفَقَّهَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِأَحْمَدَ ثَبَتَ فِي المِحْنَةِ، لَوْلاَ ذَلِكَ كَفَرَ النَّاسُ، وَبِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ نَفَى الكَذِبَ عَنِ الحَدِيْثِ، وَبأَبِي عُبَيْدٍ فَسَّرَ الغَرِيْبَ مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ، لاَقْتَحَمَ النَّاسُ فِي الخَطَأِ (6) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ،   (1) نسبة إلى كارز: قرية بنواحي نيسابور على نصف فرسخ منها. " الأنساب " 10 / 317. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 410، و" طبقات الحنابلة " 1 / 262. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 410. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 410. (5) قال ابن ماكولا في " الإكمال " 1 / 408: وأما البادي فهو أبو الحسن أحمد بن علي البادي، وتعرفه العامة بابن البادا، وأخبرني بعض الشيوخ أنه البادي، وسألته عن ذلك، فقال: ولدت أنا وأخي توأما، وخرجت أنا أولا، فسميت البادي. وانظر " توضيح المشتبه " 1 / لوحة 27 / 2، و" الأنساب " 2 / 21 و24. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 410، و" نزهة الالباء ": 139، و" إنباه الرواة " 3 / 18. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 499 وَإِسْحَاقَ (1) ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: أَمَّا أَفْقَهُهُم: فَالشَّافِعِيُّ، لَكِنَّهُ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، وَأَمَّا أَوْرَعُهُم: فَأَحْمَدُ، وَأَمَّا أَحْفَظُهُم: فَإِسْحَاقُ، وَأَمَّا أَعْلَمُهُم بِلُغَاتِ العَرَبِ فَأَبُو عُبَيْدٍ (2) . قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عُبَيْدٍ أَوْسَعُنَا عِلْماً، وَأَكْثَرُنَا أَدَباً، وَأَجْمَعُنَا جَمْعاً، إِنَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَيْنَا (3) - سَمِعَهَا الحَاكِمُ مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ الفَقِيْهِ: سَمِعْتُ الحَسَنَ -. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: الحَقُّ يُحِبُّهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ أَفْقَهُ مِنِّي، وَأَعْلَمُ مِنِّي (4) . الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بُشْرَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الآبُرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ المُقْرِئ يَقُوْلُ: قَالَ إِسْحَاقُ: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ: أَبُو عُبَيْدٍ أَعْلَمُ مِنِّي، وَمِن ابْن حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ (5) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: لَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، لَكَانَ عَجَباً (6) .   (1) أي إسحاق بن راهويه. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 410، و" نزهة الالباء ": 139، و" إنباه الرواة " 3 / 18. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 139، و" إنباه الرواة " 3 / 19، و" طبقات الشافعية " 2 / 154. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 140، و" إنباه الرواة " 3 / 19. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 140، و" إنباه الرواة " 3 / 19. (6) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 140، و" إنباه الرواة " 3 / 19، و" طبقات الشافعية " 2 / 155. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 500 وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ فَاضِلاً فِي دِيْنِهِ وَفِي عِلْمِهِ، رَبَّانِيّاً، مُفَنَّناً فِي أَصنَافِ عُلُوْمِ الإِسْلاَمِ مِنَ القُرْآنِ، وَالفِقْهِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَالأَخْبَارِ، حَسَنَ الرِّوَايَةِ، صَحِيْحَ النَّقلِ، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً طَعَنَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمرِهِ وَدِينِهِ (1) . وَبَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ أَمِيْرِ خُرَاسَانَ، قَالَ: النَّاسُ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ فِي زَمَانِهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي زَمَانِهِ (2) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثَةً تَعْجِزُ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَهُم: رَأَيْتُ أَبَا عُبَيْدٍ مَا مَثَّلْتُهُ إِلاَّ بِجَبَلٍ نُفِخَ فِيْهِ رُوحٌ، وَرَأَيْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ، مَا شَبَّهْتُهُ إِلاَّ بِرَجُلٍ عُجِنَ مِن قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ عَقْلاً، وَرَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَرَأَيْتُ كأَنَّ اللهَ قَدْ جَمَعَ لَهُ عِلمَ الأَوَّلِينَ، فَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ يَقُوْلُ مَا شَاءَ، وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ (3) . قَالَ مُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ جَبَلٌ نُفِخَ فِيْهِ الرُّوحُ يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ الحَدِيْثَ صِنَاعَةَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى (4) . وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يُؤَدِّبُ غُلاَماً فِي شَارِعِ بِشْرٍ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِثَابِتِ بنِ نَصْرٍ الخُزَاعِيِّ يُؤَدِّبُ وَلَدَهُ، ثُمَّ وَلِيَ ثَابِتٌ طَرَسُوْسَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَوَلَّى أَبَا عُبَيْدٍ قَضَاءَ طَرَسُوْسَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَاشْتَغَلَ عَنْ كِتَابَةِ الحَدِيْثِ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 140، و" إنباه الرواة " 3 / 19. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 411، و" نزهة الالباء ": 140، و" طبقات الشافعية " 2 / 156. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 412، و" نزهة الالباء ": 141. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 412، 413. (5) " تاريخ بغداد " 12 / 413، و" إنباه الرواة " 3 / 19. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 501 كَتَبَ فِي حَدَاثَتِهِ عَنْ هُشَيْمٍ، وَغَيْرِهِ، فَلَمَّا صَنَّفَ، احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ عَنْ يَحْيَى بنِ صَالِحٍ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ (1) . وَأَضْعَفُ كُتُبِهِ كِتَابُ (الأَمْوَالِ) ، يَجِيْءُ إِلَى بَابٍ فِيْهِ ثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً، وَخَمْسُوْنَ أَصْلاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَجِيْءُ بِحَدِيْثٍ، حَدِيْثَيْنِ، يَجْمَعُهُمَا مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَلفَاظِهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابٌ كَـ (غَرِيْبِ المُصَنَّفِ (2)) . وَانْصَرَفَ يَوْماً مِنَ الصَّلاَةِ، فَمَرَّ بِدَارِ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عُبَيْدٍ، صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ يَقُوْلُ: إِنَّ فِي كِتَابِكَ (غَرِيْبِ المُصَنَّفِ) أَلْفَ حَرْفٍ خَطَأً. فَقَالَ: كِتَابٌ فِيْهِ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ يَقَعُ فِيْهِ أَلفٌ لَيْسَ بِكَثِيْرٍ! وَلَعَلَّ إِسْحَاقَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ، وَعِنْدَنَا رِوَايَةٌ، فَلَمْ يَعْلَمْ، فَخَطَّأَنَا، وَالرِّوَايَتَانِ صَوَابٌ، وَلَعَلَّهُ أَخْطَأَ فِي حُرُوْفٍ، وَأَخْطَأْنَا فِي حُرُوْفٍ، فَيَبْقَى الخَطَأُ يَسِيْراً (3) . وَكِتَابُ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) فِيْهِ أَقَلُّ مِنْ مائَتَيْ حَرْفٍ: سَمِعْتُ، وَالبَاقِي: قَالَ الأَصْمَعِيُّ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو، وَفِيْهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً لاَ أَصْلَ لَهَا، أُتِيَ فِيْهَا أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى (4) . قَالَ الخَطِيْبُ (5) فِيْمَا أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْهُ، حَدَّثَنِي العَلاَءُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ (6) ،   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 413. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 413. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 413، و" إنباه الرواة " 3 / 20. (4) " تاريخ بغداد " 12 / 413. (5) في " تاريخ بغداد " 12 / 413، 414. (6) في الأصل: "؟ ؟ " وهو خطأ، وعلي بن بقاء هذا هو المحدث المصري الوراق، المتوفى سنة 450 هـ، مترجم في " العبر " 3 / 223، و" حسن المحاضرة " 1 / 374. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 502 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ، قَالَ: فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ لأَبِي عُبَيْدٍ حَدِيْثَانِ، مَا حَدَّثَ بِهِمَا غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَلاَ عَنْهُ سِوَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المَرْوَزِيِّ: أَحَدُهُمَا: حَدِيْثُ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي وَهْبٍ. وَالآخَرُ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، حَدَّثَ بِهِ القَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ (1) ، وَرَوَاهُ النَّاسُ، عَنِ القَطَّانِ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ. مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ، عَنْ مُوْسَى بنِ ثَرْوَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ كُرَيْزٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَوَضَّأَ، يُخَلِّلُ لِحْيَتِهِ (2) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ: سَمِعْتُ حَمْدَانَ بنَ سَهْلٍ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنِ الكَتْبَةِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ - وَتَبَسَّمَ -: مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ؟! أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنِ النَّاسِ، لَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ الأَصْمَعِيِّ يَوْماً، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَشَقَّ إِلَيْهِ بَصَرَهُ حَتَّى اقْتَرَبَ مِنْهُ، فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذَا المُقْبِلَ؟!   (1) وتمامه عند الخطيب: عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: رأت عائشة عبد الرحمن توضأ، فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ويل للاعقاب من النار " ورواية يحيى عن ابن عجلان أخرجها أحمد 6 / 191، 192، عن سالم مولى شداد، عن عائشة، وأخرجه من طرق أخرى مسلم (240) وأحمد 6 / 81 و84 و99 و112 و258. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 413، 414، وأخرج حديث عائشة أحمد 6 / 234 من طريق علي بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن عمر بن أبي وهب الخزاعي بهذا الإسناد، وأخرجه الحاكم 1 / 150 من طريق عمر بن أبي وهب به، وفي الباب عن عثمان عند الترمذي (31) وابن ماجة (430) وابن خزيمة (151) و (152) وابن حبان (154) والحاكم 1 / 149، وابن الجارود رقم (72) ، وعن أنس عند أبي داود (145) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 503 قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَنْ تَضِيعَ الدُّنْيَا أَوِ النَّاسُ مَا حَيِيَ هَذَا (1) . رَوَى: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ ثِقَةٌ. وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَبُو عُبَيْدٍ مِمَّنْ يَزْدَادُ عِنْدَنَا كُلَّ يَوْمٍ خَيْراً (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو عُبَيْدٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . وَقَالَ أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَبُو عُبَيْدٍ أُسْتَاذٌ (4) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ، جَبَلٌ (5) . وَقَالَ الحَاكِمُ: كَانَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَتَعَاطَى التَّقَدُّمَ فِي عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ، وَلَمْ يَرضَهُ أَهْلُ عِلْمٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الإِمَامُ المَقْبُوْلُ عِنْد الكُلِّ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: عَاشَرتُ النَّاسَ، وَكَلَّمْتُ أَهْلَ الكَلاَمِ، فَمَا رَأَيْتُ قَوْماً أَوْسَخَ وَسَخاً، وَلاَ أَضْعَفَ حُجَّةً مِنْ ... ، وَلاَ أَحْمَقَ مِنْهُم، وَلَقَدْ وَلِيتُ قَضَاءَ الثَّغْرِ، فَنَفَيتُ ثَلاَثَةً جَهْمِيَّيْنَ ... ، ... وَجَهْمِيّاً (6) . وَقِيْلَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِالخِضَابِ، وَكَانَ مَهِيْباً، وَقُوْراً (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 414. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 414، و" نزهة الالباء ": 141، و" طبقات الحنابلة " 1 / 262، و" إنباه الرواة " 3 / 21، و" طبقات الشافعية " 2 / 154. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 415، و" طبقات الشافعية " 2 / 155. (4) " طبقات الشافعية " 2 / 155. (5) " طبقات الشافعية " 2 / 155. (6) " تاريخ ابن معين ": 480. (7) " إنباه الرواة " 3 / 23. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 504 قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَدَدتُ حُرُوْفَ (غَرِيْبِ المُصَنَّفِ) ، فَوَجَدتُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَتِسْعَ مائَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَرْفاً (1) . قُلْتُ: يُرِيْد بِالحَرْفِ اللَّفْظَةَ اللُّغَوِيَّةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُشَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ الدُّوْرِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ - وَذَكَرَ البَابَ الَّذِي يُرْوَى فِيْهِ الرُّؤْيَةُ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعَ القَدَمَيْنِ (2) ، وَضَحِكُ رَبِّنَا، وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا (3) - فَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيْثُ صِحَاحٌ (4) ، حَمَلَهَا أَصْحَابُ الحَدِيْثِ وَالفُقَهَاءُ بَعْضُهُم عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لاَ نَشُكُّ فِيْهَا، وَلَكِن إِذَا قِيْلَ: كَيْفَ يَضْحَكُ؟ وَكَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ؟ قُلْنَا: لاَ نُفَسِّرُ هَذَا، وَلاَ سَمِعْنَا أَحَداً يُفَسِّرُهُ.   (1) " إنباه الرواة " 3 / 21، و" بغية الوعاة " 2 / 254 وفيه " وسبع مئة " بدل " وتسع مئة ". (2) رواه وكيع في " تفسيره ": حدثنا سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره " وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 2 / 282 من طريق أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا محمد بن معاذ، عن أبي عاصم، عن سفيان بهذا الإسناد، وصححه، ووافقه الذهبي، ولا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما حققه ابن كثير في " تفسيره " 1 / 309 وغيره. (3) أخرجه أحمد 4 / 11 و12، والترمذي (3109) في تفسير سورة هود، وابن ماجه (112) في المقدمة من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: " كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وما ثم خلق، ثم خلق عرشه على الماء "، وهذا سند ضعيف لجهالة وكيع بن عدس، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل. (4) لكن الصحة غير متحققة في حديث " الكرسي موضع القدمين " وحديث " أين كان ربنا " كما تقدم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 505 قُلْتُ: قَدْ فَسَّرَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ المُهِمَّ مِنَ الأَلْفَاظِ وَغَيْرَ المُهِمِّ، وَمَا أَبْقَوْا مُمْكِناً، وَآيَاتُ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثُهَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَأْوِيْلِهَا أَصْلاً، وَهِيَ أَهَمُّ الدِّيْنِ، فَلَو كَانَ تَأْوِيْلُهَا سَائِغاً أَوْ حَتْماً، لَبَادَرُوا إِلَيْهِ، فَعُلِمَ قَطْعاً أَنَّ قِرَاءتَهَا وَإِمرَارَهَا عَلَى مَا جَاءتْ هُوَ الحَقُّ، لاَ تَفْسِيْرَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَنُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَنَسْكُتُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، مُعْتَقِدِيْنَ أَنَّهَا صِفَاتٌ للهِ -تَعَالَى- اسْتَأَثَرَ اللهُ بِعِلْمِ حَقَائِقِهَا، وَأَنَّها لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقِينَ، كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ المُقَدَّسَةَ لاَ تُمَاثِلُ ذَوَاتِ المَخْلُوْقِينَ، فَالكِتَابُ وَالسُّنَّةُ نَطَقَ بِهَا، وَالرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلَّغَ، وَمَا تَعَرَّضَ لِتَأْوِيْلٍ، مَعَ كَوْنِ البَارِي قَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} [النَّحْلُ: 44] ، فَعَلَيْنَا الإِيْمَانُ وَالتَّسْلِيْمُ لِلنُّصُوْصِ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ. قَالَ عَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الضَّرِيْرُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ نَعْيُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: يَا طَالِبَ العِلْمِ قَدْ مَاتَ ابْنُ سَلاَّمِ ... وَكَانَ فَارِسَ عِلْمٍ غَيْرَ مِحْجَامِ مَاتَ الَّذِي كَانَ فِيْنَا رُبْعَ أَرْبَعَةٍ ... لَمْ يَلْقَ مِثْلَهُمْ أُسْتَاذُ أَحْكَامِ خَيْرُ البَرِيَّةِ عَبْدُ اللهِ أَوَّلُهُمْ ... وَعَامِرٌ وَلَنِعْمَ التِّلْوُ يَا عَامِ هُمَا اللَّذَانِ أَنَافَا فَوْقَ غَيْرِهِمَا ... وَالقَاسِمَانِ ابْنُ مَعْنٍ وَابْنُ سَلاَّمِ (1) ذَكَرَ أَبَا عُبَيْدٍ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، فَقَالَ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً وَسَمَاعاً عَنِ الكِسَائِيِّ، وَعَنْ شُجَاعٍ، وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ دَهْرِهِ فِي   (1) الأبيات في " تاريخ بغداد " 12 / 412، و" نزهة الالباء ": 141، وانظر " معجم الأدباء " 16 / 257، و" إنباه الرواة " 3 / 20. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 506 جَمِيْعِ العُلُوْمِ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، رَوَى عَنْهُ القِرَاءاتِ: وَرَّاقُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَنَصْرُ بنُ دَاوُدَ، وَثَابِتُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِمَكَّةَ (2) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ بَلَغَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ (3) -. وَلَمْ يَتَّفِقْ وُقُوْعُ رِوَايَةٍ لأَبِي عُبَيْدٍ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ شَيْئاً فِي تَفْسِيْرِ أَسْنَانِ الإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ (4) ، وَحَكَى أَيْضاً عَنْهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (أَفْعَالِ العِبَادِ) . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مَحْفُوْظُ بنُ مَعْتُوْقٍ البَزَّارُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الغَرَّافِيُّ (5) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ بَاقَا (6) ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المُقَوِّمِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْرَوَيْه القَزْوِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّوْرَةَ   (1) انظر " طبقات القراء " لابن الجزري 2 / 18. (2) انظر " طبقات ابن سعد " 7 / 355، و" التاريخ الكبير " 7 / 172. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 416. (4) انظر " سنن أبي داود " 2 / 248، 249 في الزكاة: باب تفسير أسنان الابل. (5) نسبة إلى الغراف: بليدة ذات بساتين آخر البطائح تحت واسط. " تبصير المنتبه " 3 / 1001. (6) هو أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن باقة البغدادي الشاهد، سمع ببغداد من يحيى بن ثابت وأبي زرعة وغيرهما، واستوطن مصر وحدث بها. انظر " الإكمال " 1 / 491. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 507 فُضِّلَتْ عَلَى السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، شَغَلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ العَصْرِ، فَصَلاَّهَا بَيْنَ صَلاَتَيِ العِشَاءِ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شَغَلُوْنَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى، مَلأَ اللهُ قُبُوْرَهُم وَبُيُوْتَهُم نَاراً (2)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيْدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ   (1) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 210 بشرح السيوطي عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين، ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين. وأخرجه الحافظ أبو بكر الاسماعيلي فيما ذكره ابن كثير 3 / 211 من طريق ابن أبي داود، حدثنا يزيد بن عبد الله، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، حدثنا حفص بن غياث، حدثني نافع قال: حدثني أبو الجهم أن عمر سجد سجدتين في الحج وهو بالجابية وقال: إن هذه فضلت بسجدتين. وانظر " المستدرك " 2 / 390. (2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " برقم (617) و (911) و (1036) و (1245) و (1298) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي: أحمد (994) و (1220) ، والبخاري 6 / 76 في الجهاد، و7 / 312 في المغازي، و8 / 145 في التفسير، و11 / 165 في الدعوات، ومسلم (627) ، وأبو داود (409) ، وأخرجه مسلم (627) (203) ، والترمذي (2984) ، والنسائي 1 / 236، وأحمد (591) و (1134) و (1150) و (1151) و (1307) و (1313) و (1326) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 508 العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ (1) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبِيْعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلاَ نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلْ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءنَا. فَقَالَ: (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُم عَنْ أَرْبَعٍ، الإِيْمَانُ بِاللهِ - ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُم -؛ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُم، وَأَنْهَاكُم عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالحَنْتَمِ، وَالنَّقِيْرِ، وَالمُقَيَّرِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) . 165- دَارُ أُمِّ سَلَمَةَ أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ الطُّرَيْثِيْثِيُّ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ الطُّرَيْثِيْثِيُّ، الكُوْفِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِدَارِ أُمِّ سَلَمَةَ (3) . وَكَانَ خَتَنَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى عَلَى ابْنَتِهِ.   (1) هو بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران بن نوح بن مخلد الضبعي من بني ضبيعة وهم بطن من عبد القيس. (2) أخرجه البخاري 1 / 120، 125 في الايمان، و166 في العلم، و2 / 6 في موافيت الصلاة، و3 / 210 في الزكاة، و6 / 146 في الخمس، و10 / 464 في الأدب، و13 / 206 في خبر الواحد، ومسلم (17) وأبو داود (3692) والترمذي (2614) والنسائي 8 / 323. (*) التاريخ الكبير 2 / 2، والجرح والتعديل 2 / 46، 47، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 9، المعجم المشتمل: 43، تهذيب الكمال 1 / 298، تذهيب التهذيب 1 / 9 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 456، الكاشف 1 / 56، تهذيب التهذيب 1 / 26، طبقات الحفاظ: 199، خلاصة تذهيب الكمال: 5. (3) لقب بذلك لأنه جمع حديث أم سلمة. وانظر " تهذيب الكمال " 1 / 298 بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف التعليق رقم (2) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 509 سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الحُفَّاظِ بِالكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . 166 - الرَّمَادِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ * (د، ت (3)) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ الجَرْجَرَائِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، الرَّمَادِيُّ، صَاحِبُ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ المَكِّيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَتَمْتَامُ،   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 46. (2) " تهذيب الكمال " 1 / 299. (*) طبقات ابن سعد 7 / 308، التاريخ لابن معين: 7، التاريخ الكبير 1 / 277، التاريخ الصغير 2 / 330، الضعفاء للعقيلي: لوحة 15، 16، الجرح والتعديل 2 / 89، الكامل لابن عدي لوحة 11، الأنساب 6 / 158، المعجم المشتمل: 64، تهذيب الكمال لوحة 52، تذهيب التهذيب 1 / 33 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 23، الكاشف 1 / 77، المغني في الضعفاء 1 / 11، العبر 1 / 398، تهذيب التهذيب 1 / 108، خلاصة تذهيب الكمال: 16، شذرات الذهب 2 / 59، 60. (3) لم تذكر الرموز في الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " وفروعه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 510 وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ. وَرَوَى: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ البُخَارِيُّ: يَهِمُ فِي الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَأَنَّ سُفْيَانَ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ لَيْسَ بِابْنِ عُيَيْنَةَ (2) -يَعْنِي: مِمَّا يُغْرِبُ عَنْهُ-. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (3) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (4) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَأَلْتُ الزُّرَيْقِيَّ بِالبَصْرَةِ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ -وَاللهِ- أَزْهَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ (5) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ مِمَّا أُنْكِرُ عَلَيْهِ ... ، الحَدِيْثَ (6) . وَصَلَ حَدِيْثاً مُرْسَلاً. قَالَ: وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مُتْقِناً، ضَابِطاً، صَحِبَ سُفْيَانَ دَهْراً (7) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " التاريخ الكبير " 1 / 277. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 52. (3) " الضعفاء والمتروكين " ص 14. (4) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 15، و" تهذيب الكمال " لوحة 52. (5) " الكامل " لابن عدي 1 / لوحة 11. (6) في الأصل بياض بين " عليه " و" الحديث " ونص كلام ابن عدي في " الكامل " 1 / لوحة 11: لا أعلم أنكر عليه إلا هذا الحديث الذي ذكره البخاري، وباقي حديثه عند ابن عيينة وأبي معاوية وغيرهما من الثقات مستقيم، وهو عندنا من أهل الصدق. والحديث الذي ذكره البخاري: قال البخاري: قال لي إبراهيم الرمادي: حدثنا سفيان، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسؤول " وهذا وهم، كان ابن عيينة يرسله. وانظر " تذهيب التهذيب " للمؤلف 1 / 33 / 2، و" ميزان الاعتدال " 1 / 23. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 52. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 511 167 - يَحْيَى بنُ يَحْيَى بنِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، ت، س) شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ خُرَاسَانَ، أَبُو زَكَرِيَّا التَّمِيْمِيُّ، المِنْقَرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحَافِظُ. كَتَبَ: بِبَلَدِهِ، وَبَالحِجَازِ، وَالعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ. لَقِيَ صِغَاراً مِنَ التَّابِعِيْنَ، مِنْهُم: كَثِيْرُ بنُ سُلَيْمٍ - وَأَخَذَ عَنْهُ -. وَعَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ المِقْدَامِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَسُعَيْرِ بنِ الخِمْسِ، وَأَبِي عَقِيْلٍ يَحْيَى بنِ المُتَوَكِّلِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِ، وَعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَالمُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَدَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَمُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ القُشَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَابْنُهُ؛ يَحْيَى حَيْكَانُ، وَزَكَرِيَّا بنُ دَاوُدَ الخَفَّافُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الجُرَشِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ التُّرْكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ بَشَّارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ،   (*) التاريخ الكبير 8 / 310، التاريخ الصغير 2 / 354، الجرح والتعديل 9 / 197، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 565، المعجم المشتمل: 323، تهذيب الكمال لوحة 1523، 1524، تذهيب التهذيب 4 / 168 / 2، 169 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 415، 416، العبر 1 / 397، دول الإسلام 1 / 136، الكاشف 3 / 271، عيون التواريخ 8 / لوحة 117، تهذيب التهذيب 11 / 296، النجوم الزاهرة 2 / 248، خلاصة تذهيب الكمال: 429، شذرات الذهب 2 / 59. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 512 وَدَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الصَّفَّارُ، وَخَلاَئِقُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الشَّافِعِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ عُمَرَ، قَالاَ: أَنْبَأَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَارِئُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَقِيْلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (1) . وُلِدَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. نَقَلَهُ: أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ المَكْفُوْفِ صَاحِبِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى (2) . يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَلاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الخَفَّافُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَى يَحْيَى بنُ يَحْيَى مِثْلَ نَفْسِهِ، وَمَا رَأَى النَّاسُ مِثْلَهُ (4) . رَوَاهَا: أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ شَاذَانَ، عَنْهُ.   (1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 165 في صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل، والصلاة على الدابة، وفيه: قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك، وأخرجه البخاري 2 / 473 في تقصير الصلاة: باب التطوع على الدابة، من طريق موسى بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار..، وأخرجه مسلم (700) (37) من طريق مالك، عن عبد الله بن دينار، ورواه البخاري 2 / 474، ومسلم (700) (39) من طريق ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله، عن أبيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 415. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 513 قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: مَاتَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى يَوْم مَاتَ وَهُوَ إِمَامٌ لأَهْلِ الدُّنْيَا (1) . أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدَشَ - وَكَانَ ثِقَةً - سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: عَمَّنْ أَكْتُبُ؟ فَقَالَ: عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى (2) . قَالَ خُشْنَامُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى عِنْدِي إِمَاماً، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدِي نَفَقَةٌ، لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي يَرْجِعُ فِي المُشْكِلاَتِ إِلَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَيَقُوْلُ: هُوَ إِمَامٌ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ المَكْفُوْفُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: لَمْ أَكْتُبْ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقَ فِي نَفْسِي مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَالفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَيَحْيَى أَحْسَنُ حَدِيْثاً مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ يَحْيَى أَخرَجَ مِن عِلْمِهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَه، وَأَمسَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ. الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ ذَكَرَ يَحْيَى بنَ يَحْيَى، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ. ثُمَّ ذَكَرَ قُتَيْبَةَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ أَنَّ يَحْيَى بنَ يَحْيَى شَيْءٌ آخَرُ. قَالَ ابْنُ مَحْمِشَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1524، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 416. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 514 بنِ حَنْبَلٍ، فَرَوَى حَدِيْثاً عَنْ سُفْيَانَ، فَقُلْتُ: خَالَفَكَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى. فَقَالَ: كَيْفَ قَالَ يَحْيَى؟ فَأَخبَرتُهُ، فَضَرَبَ عَلَى حَدِيْثِهِ، وَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِيْمَا خَالَفَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ يَحْيَى. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَكَانَ إِمَاماً، وَقُدْوَةً، وَنُوراً للإِسْلاَمِ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ: سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَوْ عَاشَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى سَنَتَيْنِ، لَذَهَبَ حَدِيْثُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي حَدِيْثٍ، أَرْسَلَهُ، هَذَا فِي بَدْءِ أَمرِهِ، ثُمَّ صَارَ إِذَا شَكَّ فِي حَدِيْثٍ، تَرَكَهُ، ثُمَّ صَارَ يَضْرِبُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ. ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَذكُرُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى (1) ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالَ: مَا أَخَرَجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مِثْلَهُ، كُنَّا نُسَمِّيهِ يَحْيَى الشَّكَّاكَ؛ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَشُكُّ فِي الحَدِيْثِ (2) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيِّ، فَقُلْتُ: مَنْ أَدْرَكْتَ مِنَ المَشَايِخِ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ يَحْيَى بنَ يَحْيَى. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قَرَأَ عَلَيْنَا إِسْحَاقُ عَنْ مَشَايِخِهِ أَحَادِيْثَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَهُوَ أَوْثَقُ مَنْ حَدَّثْتُكُمُ اليَوْمَ عَنْهُ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الدَّارَابْجِرْدِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى الحِمَّانِيَّ يَقُوْلُ:   (1) في الأصل: بن معين وهو خطأ. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 197. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 515 كُنَّا نَعُدُّ فُقَهَاءَ خُرَاسَانَ ثَلاَثَةً: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَآخَرَ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَرَوَى حَدِيْثاً عَنْ سُفْيَانَ، فَقُلْتُ: خَالَفَكَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى. فَتَوَقَّفَ، وَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِيْمَا يُخَالِفُ فِيْهِ يَحْيَى بنُ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ - وَذَكَرَ يَحْيَى بنَ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيَّ - فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَإِتْقَانِهِ أَمراً عَظِيْماً (1) . مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَذْرَةَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ بنَ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَزْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيَّ. فَكُنْتُ يَوْماً جَالِساً أَكتُبُ، فَوَقَفَ عَلَيَّ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، مَعَهُ عَصَا وَرَكْوَةٌ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، هَذِهِ دَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: تُرَاهُ فِي البَيْتِ؟ قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى. فَوَثَبتُ مَسْرُوْراً، وَأَخبَرتُ أَبِي، فَأَطرَقَ مَلِيّاً، وَقَالَ: أَبْلِغْهُ مِنِّي السَّلاَمَ، وَقُلْ: آتَاكَ اللهُ ثَوَابَ مَا نَوَيتَ. فَرَجَعتُ شِبْهَ الخَجِلِ، فَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ الله يَا بُنَيَّ، وَمَضَى. فَهَذِهِ حِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ، لَمْ يُتِمَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا طَلَبَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ مَوْتِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَيْضاً فَمَا نَعْلَمُ أَنَّ يَحْيَى دَخَلَ بَغْدَادَ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ المَنْصُوْرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ، سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مَنْصُوْرٍ، يَقُوْلُ: أَرَادَ   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 197. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 516 يَحْيَى بنُ يَحْيَى الحَجَّ، فَاسْتَأْذَنَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: أَنْتَ مِنَ الإِسْلاَمِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، فَلاَ آمَنُ أَنْ تُمْتَحَنَ، فَتَصِيْرَ إِلَى مَكْرُوهٍ، فَهَذَا الإِذْنُ، وَهَذِهِ النَّصِيْحَةُ، فَقَعَدَ. وَبَلَغَنَا: أَنَّ يَحْيَى أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَى أَحْمَدَ، أَخَذَ مِنْهَا ثَوْباً وَاحِداً لِلْبَرَكَةِ، وَرَدَّ البَاقِي، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ تَفْصِيْلُ ثِيَابِهِ مِن زِيِّ بَلَدِنَا (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى فِي أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الفَرَّاءَ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، قَالَ: أَوْصَى أَبِي بِثِيَابِ جَسَدِهِ لأَحْمَدَ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فِي مِنْدِيْلٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِي. ثُمَّ أَخَذَ ثَوْباً وَاحِداً، وَرَدَّ البَاقِي (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: وَسَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مَنْصُوْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ الأَمِيْرَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ فِي رَمَضَانَ كَأَنَّ كِتَاباً أُدْلِيَ مِنَ السَّمَاءِ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا الكِتَابُ فِيْهِ اسْمُ مَنْ غُفِرَ لَهُ. فَقُمْتُ، فَتَصَفَّحْتُ فِيْهِ، فَإِذَا فِيْهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، يَحْيَى بنُ يَحْيَى. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبِي: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو العَمْرَوِيَّ - وَالِيَ البَلَدِ - يَقُوْلُ: بَينَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى السَّطْحِ، إِذْ رَأَيْتُ نُوراً يَسْطَعُ إِلَى السَّمَاءِ، مِنْ قَبْرٍ فِي مَقْبَرَةِ الحُسَيْنِ، كَأَنَّهُ مَنَارَةٌ بَيْضَاءُ، فَدَعَوْتُ بِغُلاَمٍ لِي رَامٍ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 517 فَقُلْتُ: ارْمِ ذَاكَ القَبْرَ الَّذِي يَسْطَعُ مِنْهُ النُّوْرُ. فَفَعَلَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، بَكَّرْتُ بِنَفْسِي، فَإِذَا النَّشَّابَةُ فِي قَبْرِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى مِنْ مَوَالِي بَنِي مِنْقَرٍ، كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الوَجْهِ، طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، خَيِّراً، فَاضِلاً، صَائِناً لِنَفْسِهِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً: يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ (3) . قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: ذَهَبْتُ يَوْماً أَحْكِي لِيَحْيَى بنِ يَحْيَى بَعْضَ كَلاَمِ الجَهْمِيَّةِ لأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ نَقْضاً عَلَيْهِم، وَفِي مَجْلِسِهِ يَوْمَئِذٍ حُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَرِيْشِ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ - فِيْمَا أَحْسِبُ - وَغَيْرُهُم مِنَ المَشَايِخِ. فَزَبَرَنِي يَحْيَى بِغَضَبٍ، وَقَالَ: اسْكُتْ. وَأَنكَرَ عَلَى أُوْلَئِكَ اسْتَعِظَاماً أَنْ أَحْكِيَ كَلاَمَهُم وَإِنْكَاراً. وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا بِإِسْبِيْجَابَ (4) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: الذَّبُّ عَنِ السُّنَّةِ، أَفْضَلُ مِنَ الجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ. فَقُلْتُ ليَحْيَى: الرَّجُلُ يُنْفِقُ مَالَهُ، وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ، وَيُجَاهِدُ، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْهُ؟! قَالَ: نَعَمْ، بِكَثِيْرٍ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (4) إسبيجاب - ويقال إسفيجاب بالفاء -: اسم بلدة كبيرة من أعيان بلاد ما وراء النهر في حدود تركستان، ضبطها بكسر الهمزة السمعاني في " الأنساب " 1 / 241، وابن الأثير في " اللباب " 1 / 56، وابن خلكان في " وفيات الأعيان " 4 / 308، وانفرد ياقوت بضبطها بالفتح في " معجم البلدان " 1 / 179. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 518 قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الغَسِيْلِيُّ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ لِي أَبِي: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مِثْلَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى (1) . وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ النَّبِيْلَ؛ أَبَا الطَّيِّبِ المَكْفُوْفَ - وَقَدْ جَالَسَ يَحْيَى بنَ يَحْيَى - يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْهِ يَوْماً: أَصْبَحَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى إِمَامَ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ. قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ بِخُرَاسَانَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ إِلاَّ إِسْحَاقُ، وَلاَ بَعْدَ إِسْحَاقَ مِثْلُ الذُّهْلِيِّ، وَلاَ بَعْدَ الذُّهْلِيِّ كَمُسْلِمٍ، وَلاَ بَعْدَ مُسْلِمٍ كَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ، وَلاَ بَعْدَ ابْنِ نَصْرٍ كَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَلاَ بَعْدَهُ كَأَبِي حَامِدٍ بنِ الشَّرْقِيِّ، وَلاَ بَعْدَهُ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ. 168 - يَحْيَى بنُ يَحْيَى بنِ كَثِيْرِ بنِ وِسْلاَسَ (2) بنِ شِملاَلَ (3) بنِ منغَايَا اللَّيْثِيُّ * الإِمَامُ الكَبِيْرُ، فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ اللَّيْثِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَصْمُوْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1524. (*) تاريخ علماء الأندلس 2 / 179 - 181، الانتقاء: 58، طبقات الشيرازي 1 / 152، جذوة المقتبس: 382، ترتيب المدارك 2 / 534 - 547، بغية الملتمس (1497) ، المغرب في حلي المغرب 1 / 163 - 165، وفيات الأعيان 6 / 143 - 146، العبر 1 / 419، مرآة الجنان 2 / 113، الديباج المذهب 2 / 352، 353، تهذيب التهذيب 11 / 300، 301، خلاصة تذهيب الكمال: 429، نفح الطيب 2 / 9، شذرات الذهب 2 / 82، شجرة النور الزكية: 63، 64. (2) قال الحميدي وابن خلكان: ويقال: وسلاسن بزيادة نون. (3) كذا الأصل: شملال. وفي " وفيات الأعيان ": شمال، وقد ضبطه بفتح الشين وتشديد الميم وبعد الالف لام. وفي " الانتقاء " و" ترتيب المدارك " و" تاريخ علماء الأندلس ": شملل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 519 سَمِعَ أَوَّلاً مِنَ: الفَقِيْهِ زِيَادِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَبَطُوْنَ، وَيَحْيَى بنِ مُضَرَ، وَطَائِفَةٍ. ثمَّ ارْتَحَلَ إِلَى المَشْرِقِ، فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ مَالِكٍ الإِمَامِ، فَسَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأَ) سِوَى أَبْوَابٍ مِنَ الاعْتِكَافِ، شَكَّ فِي سَمَاعِهَا مِنْهُ، فَرَوَاهَا عَنْ زِيَادٍ شَبَطُوْنَ، عَنْ مَالِكٍ. وَسَمِعَ مِنَ: اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ العُتَقِيِّ. وَحَمَلَ عَنِ ابْنِ القَاسِمِ عَشْرَةَ كُتُبٍ سُؤَالاَتٍ وَمَسَائِلَ. وَسَمِعَ مِنَ: القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ العُمَرِيِّ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَحِقَ نَافِعَ بنَ أَبِي نُعَيْمٍ مُقْرِئَ المَدِيْنَةِ، وَأَخَذَ عَنْهُ. وَهَذَا بَعِيْدٌ، فَإِنَّ نَافِعاً مَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ بِعَشْرِ سِنِيْنَ. وَلاَزمَ: ابْنَ وَهْبٍ، وَابْنَ القَاسِمِ، ثُمَّ حَجَّ، وَرَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ؛ لِيَزْدَادَ مِنْ مَالِكٍ، فَوَجَدَهُ فِي مَرَضِ المَوْتِ. فَأَقَامَ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللهُ، وَشَهِدَ جِنَازَتهُ، وَرَجَعَ إِلَى قُرْطُبَةَ بِعِلْمٍ جَمٍّ. وَتَصَدَّرَ للاشْتِغَالِ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَانْتَفَعُوا بِعِلْمِهِ وَهَدْيهِ وَسَمْتِهِ. وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَافِرَ الجَلاَلَةِ، عَظِيْمَ الهَيْبَةِ، نَالَ مِنَ الرِّئَاسَةِ وَالحُرمَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَبُو مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَصَبَّاحُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُتَقِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. كَانَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدِ بنِ الحُبَّابِ الحَافِظُ، يَقُوْلُ: لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 520 العِلْمِ بِالأَنْدَلُسِ مِنَ الحُظْوَةِ، وَعِظَمِ القَدْرِ، وَجَلاَلَةِ الذِّكْرِ، مَا أُعْطِيَهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى (1) . وَبَلَغَنَا: أَنَّ يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيْثِيَّ كَانَ عِنْدَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فَمَرَّ عَلَى بَابِ مَالِكٍ الفِيْلُ، فَخَرَجَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ لِرُؤْيَةِ الفِيْلِ، سِوَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فَلَمْ يَقُمْ. فَأُعْجِبَ بِهِ مَالِكٌ، وَسَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَأَيْنَ بَلَدُكَ؟ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُكْرِماً لَهُ (2) . وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، قَالَ: أَخَذْتُ بِرِكَابِ اللَّيْثِ، فَأَرَادَ غُلاَمُهُ أَنْ يَمْنَعَنِي، فَقَالَ اللَّيْثُ: دَعْهُ. ثُمَّ قَالَ لِي: خَدَمَكَ العِلْمُ. قَالَ: فَلَمْ تَزَلْ بِيَ الأَيَّامُ حَتَّى رَأَيْتُ ذَلِكَ (3) . وَقِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَكَمِ المَرْوَانِيَّ صَاحِبَ الأَنْدَلُسِ نَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِي رَمَضَانَ نَهَاراً، فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ أَنْ وَاقَعَهَا، ثُمَّ نَدِمَ، وَطَلَبَ الفُقَهَاءَ، وَسَأَلَهُم عَنْ تَوْبَتِهِ. فَقَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَسَكَتَ العُلَمَاءُ، فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالُوا لِيَحْيَى: مَا لَكَ لَمْ تُفْتِهِ بِمَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ العِتْقِ وَالصَّوْمِ وَالإِطْعَامِ؟ قَالَ: لَوْ فَتَحْنَا لَهُ هَذَا البَابَ، لَسَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَعْتِقَ رَقَبَةً، فَحَمَلْتُهُ عَلَى أَصْعَبِ الأُمُورِ لِئَلاَّ يَعُوْدَ (4) .   (1) " الانتقاء " 60، و" تاريخ علماء الأندلس " 2 / 180، و" وفيات الأعيان " 6 / 146، و" ترتيب المدارك " 2 / 526. (2) " جذوة المقتبس " 382، 383، و" ترتيب المدارك " 2 / 537، و" نفح الطيب " 2 / 9، و" وفيات الأعيان " 6 / 144 وفيها: وسماء عاقل الأندلس. (3) " وفيات الأعيان " 6 / 146، و" ترتيب المدارك " 2 / 540، و" نفح الطيب " 2 / 12. (4) " وفيات الأعيان " 6 / 145، و" ترتيب المدارك " 2 / 542، و" نفح الطيب " 2 / 10، 11. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 521 قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: قَدِمَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى الأَنْدَلُسَ بِعِلمٍ كَثِيْرٍ، فَعَادَتْ فُتْيَا الأَنْدَلُسِ بَعْدَ عِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ الفَقِيْهِ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى السُّلْطَانُ وَالعَامَّةُ إِلَى رَأْيِهِ، وَكَانَ فَقِيْهاً، حَسَنَ الرَّأْيِ، وَكَانَ لاَ يَرَى القُنُوتَ فِي الصُّبْحِ، وَلاَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَيَقُوْلُ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّمَا قَنَتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ، وَيَدْعُو لآخَرِيْنَ (1) . قَالَ: وَكَانَ اللَّيْثُ لاَ يَقْنُتُ (2) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: وَخَالَفَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى مَالِكاً فِي اليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَلَمْ يَرَ القَضَاءَ بِهِ، وَلاَ الحُكْمَ (3) ، وَأَخَذَ بِقَولِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ (4) . قَالَ: وَكَانَ يَرَى جَوَازَ كِرَاءِ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، عَلَى مَذْهَبِ اللَّيْثِ، وَيَقُوْلُ: هِيَ سُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ (5) .   (1) انظر في ذلك حديث أنس بن مالك عند البخاري 2 / 408 و409 في الوتر، و3 / 135 في الجنائز، و6 / 195 في الخمس، و7 / 296، 301 في المغازي، و11 / 163 في الدعوات، ومسلم (677) (297) و (298) و (299) و (300) و (301) و (302) و (303) و (304) ، وأبي داود (1444) و (1445) ، والنسائي 2 / 200، و" جامع الأصول " 5 / 384، 385 و8 / 260، 263. (2) " الانتقاء " ص 59. (3) والصواب مع مالك في هذه المسألة، فقد ثبت من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، أخرجه مسلم (1712) ، والشافعي 2 / 234، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الترمذي (1344) وابن ماجه (2369) ، وآخر من حديث علي عند الدارقطني ص 516. وانظر خلاف العلماء في هذه المسألة في " شرح السنة " 10 / 102، 104، و" المغني " لابن قدامة 9 / 149، 150، و" نيل الاوطار " 8 / 318 - 323، و" الطرق الحكمية " ص 66 - 75. (4) " الانتقاء " ص 59 وتمامه: وقال: لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. (5) أخرج البخاري 4 / 379 في الاجارة: باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما، وفي المزارعة: باب المزارعة بالشطر ونحوه، ومسلم (1551) في أول المساقاة من حديث ابن عمر قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها. وانظر " شرح السنة " 8 / 253. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 522 وَقَضَى بِرَأْيِ أَمِيْنَيْنِ (1) ، إِذَا لَمْ يُوْجَدْ فِي أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ حَكَمَانِ (2) يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ (3) . قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى إِمَامَ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَالمُقْتَدَى بِهِ مِنْهُم، وَالمَنْظُوْرَ إِلَيْهِ، وَالمُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ ثِقَةً، عَاقِلاً، حَسَنَ الهَدْيِّ وَالسَّمْتِ، يُشَبَّهُ فِي سَمْتِهِ بِسَمْتِ مَالِكٍ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَصَرٌ بِالحَدِيْثِ (4) . قُلْتُ: نَعَمْ، مَا كَانَ مِنْ فُرْسَانِ هَذَا الشَّأْنِ، بَلْ كَانَ مُتَوَسِّطاً فِيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ: كَانَ يُفْتِي بِرَأْي مَالِكٍ، وَكَانَ إِمَامَ وَقْتِهِ، وَوَاحِدَ بَلَدِهِ، وَكَانَ رَجُلاً عَاقِلاً (5) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ: فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ: عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ، وَعَالِمُهَا: عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَاقِلُهَا: يَحْيَى بنُ يَحْيَى (6) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ) : وَكَانَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى مِمَِّنِ اتُّهِمَ بِبَعْضِ الأَمْرِ فِي الهَيْجِ -يَعْنِي: فِي القِيَامِ وَالإِنْكَارِ عَلَى أَمِيْرِ الأَنْدَلُسِ (7) -. قَالَ: فَهَرَبَ إِلَى طُلَيْطِلَةَ، ثُمَّ اسْتَأْمَنَ، فَكَتَبَ لَهُ الحَكَمُ الأَمِيْرُ، المَعْرُوْفُ:   (1) في الأصل: بدار أمين، وهو خطأ. (2) في الأصل: حكمين، وهو خطأ. (3) " الانتقاء " ص 60. (4) " الانتقاء " ص 60. (5) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 179 و180. (6) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 180. (7) انظر تفصيل ذلك في الجزء الثامن من " السير " في ترجمة الحكم بن هشام الربضي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 523 بِالرَّبَضِيِّ أَمَاناً، فَرُدَّ إِلَى قُرْطُبَةَ (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى نَازِلاً عَنْ دَابَّتِهِ، مَاشِياً إِلَى الجَامِعِ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَرِدَاءٌ مَتِيْنٌ، وَأَنَا أَحْبِسُ دَابَّةَ أَبِي (2) . قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَالَ الحَافِظُ (3) : كَانَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ فِي هَيْئَتِهِ وَمَقْعَدِهِ هَيْئَةَ مَالِكٍ الإِمَامِ بِالأَنْدَلُسِ، فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الجَمَاعَةِ، فَامْتَنَعَ، فَكَانَ أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ لاَ يُوَلِّي أَحَداً القَضَاءَ بِمَدَائِنِ إِقْلِيْمِ الأَنْدَلُسِ، إِلاَّ مَنْ يُشِيْرُ بِهِ يَحْيَى بنُ يَحْيَى، فَكَثُرَ لِذَلِكَ تَلاَمِذَةُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَقْبَلُوا عَلَى فِقْهِ مَالِكٍ، وَنَبَذُوا مَا سِوَاهُ (4) . نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفَاةَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى: فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَبَعْضُهُم، قَالَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ (5) . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. أَخْبَرَنَا بِكِتَابِ (المُوَطَّأِ) : الإِمَامُ المُعَمَّرُ مُسْنِدُ المَغْرِبِ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الطَّائِيُّ (6) كِتَابَةً مِنْ مَدِيْنَةِ تُوْنُسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا   (1) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 180. (2) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 180. (3) في " تاريخه " كما صرح بذلك ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 146. (4) وانظر " جذوة المقتبس " للحميدي: 283، 284، و" وفيات الأعيان " 6 / 144، 145. (5) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 180، 181. (6) ترجمه المؤلف في " مشيخته " ورقة 68 / 2، فقال: عبد الله بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد العزيز، العلامة المعمر أبو محمد الطائي القرطبي المالكي الكاتب البليغ. ولد بقرطبة سنة ثلاث وست مئة. وسمع " الموطأ " كله من القاضي أبي القاسم بن بقي في سنة عشرين وست مئة، وقرأ " كامل " المبرد على ابن بقي، وتلا بالسبع على أبي العلى إدريس بن محمد الأنصاري صاحب أبي جعفر أحمد بن خلصة. روى عنه أبو حيان النحوي، وأبو عبد الله الوادي = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 524 القَاضِي أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ بَقِيٍّ المَالِكِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ القُرْطُبِيُّ قِرَاءةً، قَالَ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلاَّعِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْثٍ سَمَاعاً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيثِيُّ قِرَاءةً - وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمُّ أَبِي الفَقِيْهِ؛ أَبُو مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى - وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ سِوَى فَوْتِهِ مِنَ الاعْتِكَافِ، فَذَكَرَ (المُوَطَّأَ) . 169 - أَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى بنِ عَطِيَّةَ البَاهِلِيُّ * الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَة ُ، أَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى بنِ عَطِيَّةَ البَاهِلِيُّ، البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ ذَاكَ الجُزْءِ العَالِي. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِشُهْرَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ المُعَمَّرِيْنَ، وَلَمْ أَسْتَوْعِبْهُم. سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَاجَشُوْنِ حَدِيْثاً نَسِيَ سَنَدَهُ. وَمِنَ: اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَسَوَّارِ بنِ مُصْعَبٍ، وَعَبْدِ القُدُّوْسِ - أُرَاهُ ابْنَ حَبِيْبٍ - وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالهَيْثَمِ بنِ عَدِيٍّ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ الخُتَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ.   = آشي، وأبو العباس الخشاب، وأبو مروان. وكتب إلينا بمروياته في سنة سبع مئة. وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وسبع مئة، وعلى هذا فقد تغير قبل موته تغير الهرم. (*) تاريخ بغداد 12 / 240، 241، العبر 1 / 403، دول الإسلام 1 / 138، شذرات الذهب 652، هدية العارفين 1 / 666. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 525 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ صَدُوْقاً. مَاتَ: بِبَغْدَادَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. سَمِعْنَا نُسْخَتَهُ مِنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ نَفْساً، سَمِعُوْهَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، عَنِ البَغَوِيِّ، عَنْهُ. وَآخِرُ مَنْ رَوَاهَا فِي الدُّنْيَا: أَبُو العَبَّاسِ بنُ الشِّحْنَةِ الصَّالِحِيُّ، فَعُمِّرَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ الجُزْءَ سَبْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ: أَخْبَرَكَ مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَالحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَهْمِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى - إِذَا كَانَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ - أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُوْنَ وَاحِدٍ. رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ. 170- يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَيْمُوْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمَّانِيُّ * الحَافِظُ، الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، أَبُو   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 241. (2) برقم (2183) في السلام: باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، وأخرجه من حديث ابن عمر مالك 2 / 988 في الكلام، والبخاري 11 / 68، 69 في الاستئذان، وأبو داود (4852) في الأدب، وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري 11 / 69، ومسلم (2184) ، وأبي داود (4851) ، والترمذي (2827) . (*) طبقات ابن سعد 6 / 411، طبقات خليفة: 173، التاريخ الكبير 8 / 291، التاريخ = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 526 زَكَرِيَّا ابْنُ المُحَدِّثِ الثِّقَةِ؛ أَبِي يَحْيَى الحِمَّانِيِّ الكُوْفِيِّ صَاحِبِ (المُسْنَدِ) الكَبِيْرِ. وُلِدَ: نَحْوَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ - وَأَبُوْهُ: مِنْ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ -. وَعَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الغَسِيْلِ - وَهَذَا أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَمَنْدَلِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَشَرِيْكٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَأَبِي إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَشْرَجِ بنِ نُبَاتَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو حَصِيْنٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الوَادِعِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّرَّاجُ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   = الصغير 2 / 357، الضعفاء الصغير للبخاري: 120، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 108، الضعفاء للعقيلي: لوحة 443، 444، الجرح والتعديل 9 / 168، الكامل لابن عدي: لوحة 843، تاريخ بغداد 14 / 167 - 177، الأنساب 4 / 210، اللباب 1 / 386، تهذيب الكمال لوحة 1506، تذهيب التهذيب 4 / 159 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 423، ميزان الاعتدال 4 / 392، 393، المغني في الضعفاء 2 / 739، العبر 1 / 404، تهذيب التهذيب 11 / 243، طبقات الحفاظ: 182، خلاصة تذهيب الكمال: 425، شذرات الذهب 2 / 67، الرسالة المستطرفة: 62. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 527 قَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ القَعْنَبِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَجُلاً طَوِيْلاً شَابّاً فِي مَجْلِسِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ يَسْأَلُ لأَهْلِ الكُوْفَةِ؟ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ ابْنُ الحِمَّانِيِّ؟ فَقَامَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ أَبُوْكَ جَلِيْسَنَا عِنْدَ مِسْعَرٍ. فَجَعَلَ يَسْأَل (1) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: رَأَيْتُ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ جَمَاعَةً مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَتَذَاكَرُوْنَ الحَدِيْثَ، فَتَحَوَّلَ سُفْيَانُ لِلْكُوْفَةِ، أَتَى إِلَى نَاحِيَةِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ آدَمَ؟ أَيْنَ ابْنُ الحِمَّانِيِّ عَبْدِ الحَمِيْدِ (2) ؟ وَرَوَى: ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ طَرِيْفِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى الحِمَّانِيِّ شَيْخٌ ضَعِيْفٌ، أَعْوَرُ اليُسْرَى، مُنْحَنِي العُنُقِ، يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ الهَرَوِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ، فَسَكَتَ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً (4) . وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: ذُكِرَ الحِمَّانِيُّ عِنْدَ أَحْمَدَ، فَقَالَ: لَيْسَ بِأَبِي غَسَّانَ بَأْسٌ. وَمَرَّةً ذَكَرَهُ، فَنَفَضَ يَدَهُ، وَقَالَ: لاَ أَدْرِي (5) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ، قُلْتُ لَهُ: تَعْرِفُهُ؟ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لاَ أَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: أَكَانَ ثِقَةً؟ قَالَ: أَنْتُم أَعْرَفُ بِمَشَايِخِكُم (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 168، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 168، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (3) " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 843. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 170، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1507. (6) " تاريخ بغداد " 14 / 170، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 528 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً فِي الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ (1) . قَالَ حَنْبَلٌ: قَدِمْتُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بِحَدِيْثِ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي حَدَّثْتُهُ بِهِ، فَلَعَلَّهُ حَفِظَهُ عَلَى المُذَاكَرَةِ (2) . وَكَذَا سَأَلَ المَرُّوْذِيُّ أَحْمَدَ، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُوْنَ حَدَّثَهُ، وَقَالَ: قُوْلُوا لِهَارُوْنَ الحَمَّالِ يَضْرِبُ عَلَى حَدِيْثِ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ (3) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بِحَدِيْثِ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ عَلَى بَابِ ابْنِ عُلَيَّةَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ إِسْحَاقَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ إِسْمَاعِيْلَ (4) . ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ حَافِظاً، سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: إِنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، عَرَفْتَهُ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 170، 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. وحديث الابراد أخرجه أحمد في " المسند " 4 / 250 من طريق إسحاق بن يوسف الازرق، عن شريك، عن بيان بن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة قال: كنا نصلي مع نبي الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبردوا بالصلاة "، فإن شدة الحر من فيح جهنم " وفي الباب عن أبي هريرة وأبي ذر وأبي سعيد الخدري. انظر " الموطأ " 1 / 15، والبخاري 2 / 15، ومسلم (616) و (645) ، وأبا داود (401) و (402) ، والترمذي (157) و (158) ، والنسائي 1 / 149. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 171، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 529 وَقِيْلَ: كَانَ يَتَشَيَّعُ. فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثٍ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: تُحِبُّ عُثْمَانَ (1) ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ يَقْدَمُوْنَ بَغْدَادَ، فَمَا تَرَى فِيْهِم؟ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ ابْنُ الحِمَّانِيِّ إِلَى هَا هُنَا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَكَانَ يَكْذِبُ جِهَاراً، ابْنُ شَيْبَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَصْدُقُ. وَقُلْتُ لأَبِي عَنْ حَدِيْثِ إِسْحَاقَ (2) ، فَقَالَ: كَذَبَ، مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الأَزْرَقِ إِلاَّ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَا لَمْ أَعْلَمْ تِلْكَ الأَيَّامَ أَنَّ هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، حَتَّى سَأَلَنِي عَنْهُ هَؤُلاَءِ الشَّبَابُ (3) . وَقَالَ أَبِي: مَا كَانَ أَجْرَأَهُ! وَقَالَ: مَا زِلْنَا نَعْرِفُهُ أَنَّهُ يَسْرِقُ الأَحَادِيْثَ أَوْ يَتَلَقَّفُهَا، أَوْ يَتَلَقَّطُهَا (4) . وَقَالَ: قَدْ طَلَبَ، وَسَمِعَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا سَمِعَ، لَكَانَ لَهُ فِيْهِ كِفَايَةٌ (5) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَ أَيْضاً عَنْ قُرَيْشِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَظْفَارِ. وَقُرَيْشٌ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الحِمَّانِيُّ البَصْرَةَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1507. (2) أي حديث إسحاق الازرق في الابراد بالظهر وقد تقدم قريبا. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 169، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 443. (4) " الكامل لابن عدي " 4 / لوحة 843، و" الضعفاء " للعقيلي لوحة 443. وجاء في الجزء الحادي عشر من " سير أعلام النبلاء " ص 504: قال أبو أحمد العسال: سمعت فضلك يقول: دخلت على ابن حميد وهو يركب الأسانيد على المتون. قلت (القائل الذهبي) : آفته هذا الفعل، وإلا فما أعتقد فيه أنه يضع متنا، وهذا معنى قولهم: سرق الحديث. وقال السخاوي في " شرح الالفية ": سرقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث، فيجئ السارق ويدعي أنه سمعه أيضا من شيخ ذاك المحدث، أو يكون الحديث عرف براو، فيضيفه لراو غيره ممن شاركه في طبقته. وانظر أيضا ما سيذكره المؤلف في الصفحة 536، 537 من هذا الجزء. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 172، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 530 وَكِيْعٍ، عَنْ قُرَيْشٍ (1) . وَقَالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ الحِمَّانِيِّ؟ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ وَاحِداً وَلاَ اثْنَيْنِ وَلاَ ثَلاَثَةً وَلاَ أَرْبَعَةً يَحْكُوْنَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: الأَمْرُ فِيْهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ... ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْلاً شَدِيْداً فِي أَمْرِ الحَدِيْثِ. وَذَكَرْتُهُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ مَرَّةً، فَقَالَ: ابْنُ الحِمَّانِيِّ لَيْسَ الآنَ عَلَيْهِ قِيَاسٌ، أَمْرُ ذَاكَ عَظِيْمٌ - أَوْ كَمَا قَالَ - وَرَأَيْتُهُ شَدِيْدَ الغَيْظِ عَلَيْهِ (2) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الحِمَّانِيِّ حَدَّثَ عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعْجِبُهُ النَّظَرُ إِلَى الحَمَامِ، فَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ عَنْ رَفْعِهِ. فَقَالَ أَبِي: هَذَا كَذِبٌ، إِنَّمَا كُنَّا نَعْرِفُ بِهَذَا حُسَيْنَ بنَ عُلْوَانَ (3) ، يَقُوْلُوْنَ: وَضَعَهُ عَلَى هِشَامٍ (4) . قَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ يَتَكَلَّمَانِ فِي يَحْيَى الحِمَّانِيِّ (5) . وَقَالَ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 173، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507، وحديث الاظفار هذا أخرجه أحمد 5 / 417 من طريق وكيع، والطبراني (4086) من طريق أبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن قريش بن حيان، عن أبي واصل سليمان بن فروخ قال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، فصافحني، فرأى في أظفاري طولا، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يسأل أحدكم عن خبر السماء وهو يدع أظفاره كأظافير الطير، يجتمع فيها الجنابة والخبث والتفث " وقال أحمد: سبقه لسانه - يعني وكيعا - فقال: رأيت أبا أيوب الأنصاري، وإنما هو العتكي. وأبو واصل وثقه ابن حبان، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4 / 135: روى عن أبي أيوب العتكي وعن الضحاك، روى عنه قريش وأبو معاوية، وباقي رجاله ثقات. وأورده الهيثمي في " المجمع " 5 / 167، 168 وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجالهما رجال الصحيح خلا أبا واصل وهو ثقة. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 173، 174، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (3) ترجمه المؤلف في " الميزان " 1 / 42، فقال: قال يحيى: كذاب. وقال علي: ضعيف جدا. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعا، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وهذا الخبر أورده ابن القيم في " المنار المنيف " ص 106 ضمن أحاديث الحمام التي لا يصح منها شيء. (4) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 443، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (5) " التاريخ الصغير " 2 / 357، و" الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 843. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 531 مَرَّةً: رَمَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ (1) . أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثَةً يُحَدِّثُوْنَ بِمَا لاَ يَحْفَظُونَ: يَحْيَى بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدَ الأَعْلَى السَّامِيَّ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ (2) . ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: الحِمَّانِيُّ كَذَّابٌ. فَقِيْلَ لِعَبْدَانَ: سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ (3) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَؤُلاَءِ كُلِّهُم، فَاكْتُبْ عَنْهُ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: يَحْيَى الحِمَّانِيُّ سَقَطَ حَدِيْثُهُ (5) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ: فَقِيْلَ لابْنِ عَمَّارٍ: فَمَا عِلَّتُهُ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لأَهْلِ الكُوْفَةِ حَدِيْثٌ جَيِّدٌ غَرِيْبٌ، وَلاَ لأَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَلاَ لأَهْلِ بَلَدٍ حَدِيْثٌ جَيِّدٌ غَرِيْبٌ إِلاَّ رَوَاهُ، فَهَذَا يَكُوْنُ هَكَذَا (6) . وَقَالَ الجَوْزَجَانِيُّ: يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ سَاقِطٌ، مُتَلُوِّنٌ، تُرِكَ حَدِيْثُهُ، فَلاَ يَنْبَعِثُ (7) . وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: ذَهَبَ كَالأَمْسِ الذَّاهِبِ (8) .   (1) " التاريخ الكبير " 8 / 291. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 170، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1507. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 170، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (5) تاريخ بغداد " 14 / 174، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (6) " تاريخ بغداد " 14 / 174، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (7) " تاريخ بغداد " 14 / 176، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (8) " تاريخ بغداد " 14 / 175، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 532 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: اضْرِبُوا عَلَى حَدِيْثِهِ بِسِتَّةِ أَقْلاَمٍ (1) . وَقَالَ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ: كُنَّا إِذَا قَعَدْنَا إِلَى الحِمَّانِيِّ، تَبَيَّنَ لَنَا مِنْهُ بَلاَيَا (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَدَقَة، وَأَبُو شَيْخٍ، عَنْ زِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ دلَّوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ يَقُوْلُ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ أَبُو شَيْخٍ: قَالَ دلَّوَيْه: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ (3) . أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بن مَسْعُوْدٍ المَرْوَزِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَنَزَلْتُ بِالقُرْبِ مِنِ ابْنِ الحِمَّانِيِّ، فَذَاكَرْتُهُ بِأَحَادِيْثَ سَمِعْتُهَا بِالبَصْرَةِ، وَمِنْ أَحَادِيْثِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَكَانَ يَسْتَغْرِبُهَا، وَيَقُوْلُ: مَا سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سُلَيْمَانَ. ثُمَّ أَوْدَعْتُهُ كُتُبِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَجَعْتُ، وَجَدْتُ الخَوَاتِيمَ قَدْ كُسِرَتْ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ الكُتُبِ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، وَجَدْتُ تِلْكَ الأَحَادِيْثَ الَّتِي ذَاكَرْتُهُ بِهَا عَنْ سُلَيْمَانَ، قَدْ أَدْخَلَهَا فِي مُصَنَّفَاتِهِ. فَقُلْتُ: سَمِعْتَ مِنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ (4) . وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَوْدَعْتُ كُتُبِي يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَكَانَ فِيْهَا حَدِيْثُ خَالِدٍ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 176، و" تهذيب الكمال " لوحة 1507. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 176، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 176، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 174، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 533 الوَاسِطِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَوْنٍ (1) ، وَفِيْهَا حَدِيْثُ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَكُنْتُ قَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ (المُسْنَدَ) ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِهِمَا شَيْءٌ، فَقَدِمْتُ، فَإِذَا كُتُبِي عَلَى خِلاَفِ مَا تَرَكْتُهَا عِنْدَهُ، وَإِذَا قَدْ نَسَخَ حَدِيْثَ خَالِدٍ وَسُلَيْمَانَ، وَوَضَعَهُ فِي (المُسْنَدِ) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: مَا أَسْتَحِلُّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ (2) . أَخْبَرَنَا العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ القَطَّانُ بِالرَّيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ حَاجّاً، وَأَوْدَعْتُ يَحْيَى كُتُباً لِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ، جَحَدَهَا، وَأَنْكَرَ، فَرَفَقْتُ بِهِ، فَلَمْ يَنْفَعْ. قَالَ: فَصَايَحْتُهُ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْنَا، فَقَامَ إِلَيَّ وَرَّاقُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَنَحَّانِي، وَقَالَ: إِنْ أَمْسَكْتَ، تَخَلَّصْتَ. فَأَمْسَكْتُ، فَإِذَا الوَرَّاقُ قَدْ جَاءنِي بِالكُتُبِ، وَكَانَتْ مَشْدُوْدَةً فِي خِرْقَةٍ وَلِبْدٍ، فَإِذَا الشَّدُّ مُغَيَّرٌ، فَنَظَرْتُ فِي الأَجْزَاءِ، فَإِذَا فِيْهَا عَلاَمَاتٌ بِالحُمْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ نَظَرَ فِيْهَا أَحَدٌ، وَإِذَا أَكْثَرُ العَلاَمَاتِ عَلَى مَرْوَانَ الطَّاطَرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، فَافْتَقَدْتُ مِنْهَا جُزْأَيْنِ (3) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ (4) . وَأَمَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَرَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ: أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ ثِقَةٌ، وَابْنُهُ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْهُ: يَحْيَى الحِمَّانِيٌّ: ثِقَةٌ.   (1) في حاشية الأصل ما نصه: قوله: عن عمرو بن عون: يعني أخذته عنه. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 174، 175، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 444. (4) " الضعفاء والمتروكين ": 108. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 534 وَرَوَى عَنْهُ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: صَدُوْقٌ، مَشْهُوْرٌ، مَا بِالكُوْفَةِ مِثْلُهُ، مَا يُقَالُ فِيْهِ إِلاَّ مِنْ حَسَدٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَأَجْمَلَ القَوْلَ فِيْهِ، وَقَالَ: مَا لَهُ؟ كَانَ يَسْرُدُ (مُسْنَدَهُ) أَرْبَعَةَ آلاَفٍ سَرْداً، وَحَدِيْثَ شَرِيْكٍ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةٍ كَمِثْلٍ. وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفٍ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَحَدَ المُحَدِّثِيْنَ (2) . وَقَالَ - عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ - عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: هُوَ عِنْدِي أَوْثَقُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمَا يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ إِلاَّ مِنَ الحَسَدِ (4) . قُلْتُ: الجَرْحُ مُقَدَّمٌ، وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ بَرِيْئانِ مِنَ الحَسَدِ. قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: كَانَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ فِيْهِ غَفْلَةٌ، لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصُوْنَ نَفْسَهُ كَمَا يَفْعَلُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، رُبَّمَا يَجِيْءُ رَجُلٌ، فَيَفْتَرِي عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَيَسُبُّهُ، وَرُبَّمَا يَلْطِمُهُ (5) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ فِي أَيَّامِهِ رَجُلٌ يَحْفَظُ مَعَهُ، وَهَؤُلاَءِ يَحْسُدُوْنَهُ (6) . قُلْتُ: بَلْ يُنْصِفُونَهُ، وَأَنْتَ فَمَا أَنْصَفْتَ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 170، و" تاريخ بغداد " 14 / 169، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 168، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 169، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 175. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 169، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (6) " تاريخ بغداد " 14 / 169، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 535 ابْنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ: قَالَ البَغَوِيُّ: كُنَّا عَلَى بَابِ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ، فَجَاءَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَسَأَلَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ يُحَدِّثَهُم، فَأَبَى، وَقَالَ: جِئْتُ مُسَلِّماً علَى أَبِي زَكَرِيَّا. فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَسَأَلُوْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، ابْنُ ثِقَةٍ (1) . وَكَذَلِكَ رَوَى تَوْثِيْقَهُ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: مُطَيَّنٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الدَّوْرَقِيِّ، وَغَيْرُهُم، حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ الهَمَذَانِيُّ: سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ. فَقُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ فِيْهِ! قَالَ: يَحْسُدُوْنَهُ، هُوَ - وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ - ثِقَةٌ (2) . العُقَيْلِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعْتُ يَحْيَى الحِمَّانِيَّ يَقُوْلُ لِقَوْمٍ غُرَبَاءَ فِي مَجْلِسهِ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُم؟ فَأَخْبَرُوْهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُمْ بِبَلَدِكُم أَحَداً يَتَكَلَّمُ فِيَّ، وَيَقُوْلُ: إِنِّيْ ضَعِيْفٌ فِي الحَدِيْثِ؟ لاَ تَسْمَعُوا كَلاَمَ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَإِنَّهُم يَحْسُدُوْنِي؛ لأَنِّي أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ المُسْنَدَ، وَقَدْ تَقَدَّمْتُهُم فِي غَيْرِ شَيْءٍ (3) . قَالَ عَلِيُّ بنُ حَكِيْمٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ شَرِيْكٍ مِنْ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ (4) . قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ مُبَرِّزاً فِي الحِفْظِ، كَمَا كَانَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَلَكِنَّهُ أَصْوَنُ مِنَ الشَّاذَكُوْنِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنَّهُ وَضَعَ حَدِيْثاً، بَلْ رُبَّمَا كَانَ يَتَلَقَّطُ أَحَادِيْثَ، وَيَدَّعِي رِوَايَتَهَا، فَيَرْوِيْهَا عَلَى وَجْهِ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 169، 170، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (2) " الكمال " لابن عدي 4 / لوحة 843، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (3) " الضعفاء " للعقيلي لوحة 444. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1508. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 536 التَّدْلِيْسِ، وَيُوْهِمُ أَنَّهُ سَمِعَهَا (1) ، وَهَذَا قَدْ دَخَلَ فِيْهِ طَائِفَةٌ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنِ افْتِرَاءِ المُتُوْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَمْ أَرَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ مَنْ يَحْفَظُ وَيَأْتِي بِالحَدِيْثِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ لاَ يُغَيِّرُهُ، سِوَى قَبِيْصَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَسِوَى يَحْيَى الحِمَّانِيِّ فِي حَدِيْثِ شَرِيْكٍ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ فِي حَدِيْثِهِ (2) . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لِيَحْيَى الحِمَّانِيِّ مُسْنَدٌ صَالِحٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المُسْنَدَ بِالكُوْفَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المُسْنَدَ بِالبَصْرَةِ: مُسَدَّدٌ، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المُسْنَدَ بِمِصْرَ: أَسَدُ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْهُمَا مَوْتاً. وَالحِمَّانِيُّ يُقَالُ: إِنَّ الدَّارِمِيَّ أَوْدَعَه كُتُباً، فَسَرَقَ مِنْهَا أَحَادِيْثَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ أَحْمَدُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: وَيَحْيَى حَسَنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَمْ أَرَ فِي (مُسْنَدِهِ) وَأَحَادِيْثِهِ أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ؛ وَأَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ (3) . قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ: وَجَدُّهُ مَيْمُوْنٌ، وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَيْمُوْنٍ، يُلَقَّبُ: بَشْمِيْنُ (4) . قُلْتُ: وَقَدْ تَوَاتَرَ تَوْثِيْقُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، كَمَا قَدْ تَوَاتَرَ تَجْرِيْحُه عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، مَعَ مَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ تَكْفِيْرِ صَاحِبٍ. وَلاَ رِوَايَةَ لَهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، تَجَنَّبُوا حَدِيْثَهُ عَمْداً، لَكِنْ لَهُ ذِكْرٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) فِي ضَبْطِ اسْمٍ، فَقَالَ عَقِيْبَ حَدِيْثِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ   (1) انظر التعليق رقم (4) في الصفحة 530. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 178. (3) انظر " الكامل " لابن عدي 4 / لوحة 843، و" تهذيب الكمال " لوحة 1508. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1506. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 537 رَبِيْعَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ سَعِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ - أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجَدَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: كَتَبْتُ هَذَا الحَدِيْثَ مِنْ كِتَابِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ يَحْيَى الحِمَّانِيَّ يَقُوْلُ: وَأَبُو أُسَيْدٍ (2) . قَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي الحِمَّانِيِّ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرٌ، حَدَّثَنَا رِبْعِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَمَا إِنِّيْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَلِجِ النَّارَ (3)) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ سَمَاعاً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ بِهَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا   (1) أخرجه مسلم (713) في صلاة المسافرين. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1508. (3) وأخرجه ابن ماجه (31) من طريقين عن شريك بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 1 / 178، ومسلم (1) من طرق عن شعبة، عن منصور، عن ربعي، عن علي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 538 يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ قَدْ صَلَّى القِبْلَتَيْنِ جَمِيْعاً - قَالَ: إِنِّيْ لَفِي مَنْزِلِي، إِذَا مُنَادٍ يُنَادِي عَلَى البَابِ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حَوَّلَ القِبْلَةَ، فَأَشْهَدُ عَلَى إِمَامِنَا وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَقَدْ صَلَّوْا إِلَى هَا هُنَا -يَعْنِي: بَيْتَ المَقْدِسِ- وَإِلَى هَا هُنَا -يَعْنِي: الكَعْبَةَ (1) -. وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ سُنْقُرَ الحَلَبِيِّ بِهَا، أَخْبَرَكُم عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَمَّامِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ زِيَادِ بن عِلاَقَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ أَوْسٍ - وَكَانَ مِمَّنْ صَلَّى القِبْلَتَيْنِ - قَالَ: إِنِّيْ فِي مَنْزِلِي، إِذْ نَادَانِي مُنَادٍ عَلَى البَابِ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حَوَّلَ القِبْلَةَ إِلَى الكَعْبَةِ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، مِنَ الأَفْرَادِ العَوَالِي. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَابْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي   (1) إسناده ضعيف لضعف يحيى بن عبد الحميد، وقيس بن الربيع تغير لما كبر، وأورد ابن حجر في " الإصابة " 2 / 513 في ترجمة عمارة بن أوس، ونسبه إلى ابن أبي خيثمه والبغوي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 539 الجَنَّةِ، وَسَعِيْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ (1)) . قَالَ البُخَارِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَالبَغَوِيُّ: مَاتَ يَحْيَى الحِمَّانِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ مُطَيَّنٌ: فِي رَمَضَانَ، بِالعَسْكَرِ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ. وَقَالَ البَغَوِيُّ: فِي رَمَضَانَ أَيْضاً. قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ بِسَامَرَّاءَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ أُقْدِمُوا، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ، وَقَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ. قُلْتُ: أَخْطَأَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ. 171- فَأَمَّا وَالِدُهُ فَهُوَ: أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ * (خَ، د، ت، ق) أَصْلُهُ مِنْ خُوَارِزْمَ، وَلقَبُهُ: بَشْمِيْنُ. وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنِ: الأَعْمَشِ، وَبُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى التَّيْمِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، وَعِدَّةٍ.   (1) وأخرجه الترمذي (3747) في المناقب، من طريق قتيبة، عن عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد، وفي الباب عن سعيد بن زيد عند أبي داود (4648) و (4649) ، والترمذي (3748) ، فالحديث صحيح. (*) طبقات ابن سعد 6 / 399، التاريخ لابن معين 2 / 343، طبقات خليفة: 172، التاريخ الكبير 6 / 45، الجرح والتعديل 6 / 16، تهذيب الكمال لوحة 769، تذهيب التهذيب 2 / 201 / 2، الكاشف 2 / 152، العبر 1 / 338، ميزان الاعتدال 2 / 542، تهذيب التهذيب 6 / 120، مقدمة فتح الباري: 415، خلاصة تذهيب الكمال: 222، شذرات الذهب 2 / 3 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 540 رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَارِثِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرٌ. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ دَاعِيَةً إِلَى الإِرْجَاءِ. قَالَ هَارُوْنَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ. 172- النَّظَّامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَيَّارٍ * شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَيَّارٍ مَوْلَى آلِ الحَارِثِ بنِ عَبَّادٍ، الضُّبَعِيُّ، البَصْرِيُّ، المُتَكَلِّمُ. تَكَلَّمَ فِي القَدَرِ، وَانْفَرَدَ بِمَسَائِلَ، وَهُوَ شَيْخُ الجَاحِظِ. وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الظُّلْمِ وَلاَ الشَّرِّ، وَلَوْ كَانَ قَادِراً، لَكُنَّا لاَ نَأْمَنُ وَقْعَ ذَلِكَ، وَإِنَّ النَّاسَ يَقْدِرُوْنَ عَلَى الظُّلْمِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ اللهَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِ أَحَدٍ مِنْ جَهَنَّمَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى أَصْلَحَ مِمَّا خَلَقَ. قُلْتُ: القُرْآنُ وَالعَقْلُ الصَّحِيْحُ يُكَذِّبَانِ هَؤُلاَءِ، وَيَزْجُرَانِهِم عَنِ القَوْلِ   (1) " التاريخ " لابن معين 2 / 342. (*) اختلاف الحديث لابن قتيبة: ص 17 وما بعدها، طبقات المعتزلة: 49 - 52، أمالي المرتضى 1 / 187 - 189، فهرست ابن النديم: 205، 206، تاريخ بغداد 6 / 97، 98، الملل والنحل 1 / 53، 59، اللباب 3 / 316، الوافي بالوفيات 6 / 14 - 19، خطط المقريزي 1 / 346، لسان الميزان 1 / 67، النجوم الزاهرة 2 / 234، سفينة البحار 2 / 597، الفرق بين الفرق: 113، 136، معجم المصنفين 3 / 158 - 161. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 541 بِلاَ عِلْمٍ، وَلَمْ يَكُنِ النَّظَّامُ مِمَّن نَفَعَهُ العِلْمُ وَالفَهْمُ، وَقَدْ كَفَّرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ النَّظَّامُ عَلَى دِيْنِ البَرَاهِمَةِ المُنْكِرِيْنَ لِلنُبُوَّةِ وَالبَعْثِ، وَيُخْفِي ذَلِكَ. وَلَهُ: نَظْمٌ رَائِقٌ، وَتَرَسُّلٌ فَائِقٌ، وَتَصَانِيْفُ جَمَّةٌ، مِنْهَا: كِتَابُ (الطَّفْرَةِ) ، وَكِتَابُ (الجَوَاهِرِ وَالأَعْرَاضِ) ، وَكِتَابُ (حَرَكَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ) ، وَكِتَابُ (الوَعِيْدِ) ، وَكِتَابُ (النُّبُوَّةِ) ، وَأَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ لاَ تُوْجَدُ (1) . وَرَدَ: أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ غُرْفَةٍ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَمَاتَ فِي خِلاَفَةِ المُعْتَصِمِ أَوِ الوَاثِقِ، سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ فِي هَذَا الوَقْتِ: العَلاَّمَةُ المُتَكَلِّمُ أَحَدُ مَشَايِخِ الجَهْمِيَّةِ إِبْرَاهِيْمُ (2) ابْنُ الحَافِظِ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ البَصْرِيُّ. 173- أَبُو الهُذَيْلِ العَلاَّفُ مُحَمَّدُ بنُ الهُذَيْلِ البَصْرِيُّ * وَرَأْسُ المُعْتَزِلَةِ؛ أَبُو الهُذَيْلِ مُحَمَّدُ بنُ الهُذَيْلِ البَصْرِيُّ، العَلاَّفُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، الَّذِي زَعَمَ أَنَّ نَعِيْمَ الجَنَّةِ وَعَذَابَ النَّارِ يَنْتَهِي، بِحَيْثُ إِنَّ حَرَكَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَسْكُنُ، حَتَّى لاَ يَنْطِقُوْنَ بِكَلِمَةٍ، وَأَنْكَرَ الصِّفَاتِ المُقَدَّسَةَ حَتَّى العِلْمَ وَالقُدرَةَ، وَقَالَ: هُمَا اللهُ، وَأَنَّ لمَا يَقْدِرُ اللهُ عَلَيْهِ نِهَايَةً وَآخِراً، وَأَنَّ لِلْقُدْرَةِ نِهَايَةً لَوْ خَرَجَتْ إِلَى الفِعْلِ، فَإِنْ خَرَجَتْ، لَمْ تَقْدِرْ عَلَى   (1) ذكر كتبه ابن النديم في " الفهرست " ص 206. (2) انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 6 / 20 - 23 و" النجوم الزاهرة " 2 / 228. (*) مروج الذهب 2 / 298، طبقات المعتزلة: 44 - 49، أمالي المرتضى 1 / 178 - 183، الفهرست لابن النديم: 203، 204، تاريخ بغداد 3 / 366، وفيات الأعيان 4 / 265 - 267، العبر 1 / 422، نكت الهميان: 277، لسان الميزان 5 / 413، 414، النجوم الزاهرة 2 / 248، روضات الجنات: 158، شذرات الذهب 2 / 85. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 542 خَلْقِ ذَرَّةٍ أَصْلاً. وَهَذَا كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ. وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ قَالَ لِحَاجِبِهِ: مَنْ بِالبَابِ؟ قَالَ: أَبُو الهُذَيْلِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبَانٍ الخَارِجِيُّ، وَهِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ. فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ رُؤُوْسِ جَهَنَّمَ إِلاَّ مَنْ حَضَرَ (1) . وَلَمْ يَكُنْ أَبُو الهُذَيْلِ بِالتَّقِيِّ، حَتَّى لَنُقِلَ أَنَّهُ سَكِرَ مَرَّةً عِنْدَ صَدِيْقِهِ، فَرَاوَدَ غُلاَماً لَهُ، فَرَمَاهُ بِتَوْرٍ، فَدَخَلَ فِي رَقَبَتِهِ، وَصَارَ كَالطَّوْقِ، فَاحْتَاجَ إِلَى حَدَّادٍ يَفُكُّهُ (2) . وَكَانَ أَخَذَ الاعْتِزَالَ عَنْ عُثْمَانَ بنِ خَالِدٍ الطَّوِيْلِ؛ تِلْمِيْذِ وَاصِلِ بنِ عَطَاءٍ الغَزَالِ. وَطَالَ عُمُرُ أَبِي الهُذَيْلِ، وَجَاوَزَ التِّسْعِيْنَ، وَانْقَلَعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ. أَخَذَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ يَاسِيْنَ، وَغَيْرُهُ مِنَ المُعْتَزِلَةِ. 174- هِشَامُ بنُ الحَكَمِ الكُوْفِيُّ الرَّافِضِيُّ * وَكَانَ فِي هَذَا الحِيْنِ المُتَكَلِّمُ البَارِع ُ هِشَامُ بنُ الحَكَمِ الكُوْفِيُّ، الرَّافِضِيُّ، المُشَبِّهُ، المُعثرُ، وَلَهُ نَظَرٌ، وَجَدَلٌ، وَتَوَالِيْفُ كَثِيْرَةٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 369. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 369. والتور: إناء يشرب فيه. (*) مروج الذهب 5 / 443، 444 و6 / 370 و7 / 232، 236، الفهرست: 223، 224، أمالي المرتضى 1 / 176، سمط اللآلي: 855، لسان الميزان 6 / 194، فهرست الطوسي: 174، سفينة البحار للقمي 2 / 719، منهج المقال: 359، معرفة أخبار الرجال للكشي: 165. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 543 قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جُمْهُوْرُ مُتَكَلِّمِي الرَّافِضَةِ كَهِشَامِ بنِ الحَكَمِ، وَتِلْمِيْذِهِ؛ أَبِي عَلِيٍّ الصَّكَّاكِ، وَغَيْرِهِمَا يَقُوْلُوْنَ: بِأَنَّ عِلْمَ اللهِ مُحْدَثٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئاً فِي الأَزَلِ، فَأَحْدَثَ لِنَفْسِهِ عِلْماً. قَالَ: وَقَالَ هِشَامُ بنُ الحَكَمِ فِي مُنَاظَرَتِهِ لأَبِي الهُذَيْلِ: إِنَّ رَبَّهُ طُوْلُهُ سَبْعَةُ أَشْبَارٍ بِشِبْرِ نَفْسِهِ. قَالَ: وَكَانَ دَاوُدُ الجَوَارِبِيُّ مِنْ كِبَارِ مُتَكَلِّمِيْهِم، يَزْعُمُ أَنَّ رَبَّهُ لَحْمٌ وَدَمٌ عَلَى صُوْرَةِ الآدَمِيِّ. قَالَ: وَلاَ يَخْتَلِفُوْنَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ لِعَلِيٍّ مَرَّتَيْنِ. وَمِنْ قَوْلِ كُلِّهِمِ: إِنَّ القُرْآنَ مُبَدَّلٌ، زِيْدَ فِيْهِ، وَنُقِصَ مِنْهُ، إِلاَّ الشَّرِيْفَ المُرْتَضَى وَصَاحِبَيْهِ. قَالَ النَّدِيْمُ: هُوَ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، هَذَّبَ المَذْهَبَ، وَفَتَقَ الكَلاَمَ فِي الإِمَامَةِ، وَكَانَ حَاذِقاً، حَاضِرَ الجَوَابِ. ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ كُتُبِهِ، مِنْهَا: فِي الرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ، وَفِي التَّوْحِيْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (1) . 175- ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو * نَعَمْ، وَمِنْ رُؤُوْسِ المُعْتَزِلَة ِ ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو، شَيْخُ الضِّرَارِيَةِ. فَمِنْ نِحْلَتِهِ، قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ جَمِيْعُ الأُمَّةِ فِي البَاطِنِ كُفَّاراً، لِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُم. وَيَقُوْلُ: الأَجْسَامُ إِنَّمَا هِيَ أَعْرَاضٌ مُجْتَمِعَةٌ، وَإِنَّ   (1) " الفهرست " ص 223، 224. وكان هذا النص في الأصل مثبتا في ترجمة هشام بن عمرو التي سترد قريبا، فنقلناه إلى هنا، لان النديم إنما ذكره في ترجمة هشام هذا، وليس في ترجمة هشام بن عمرو. (*) الضعفاء للعقيلي لوحة 193، الفهرست لابن النديم: 214، 215، ميزان الاعتدال 2 / 238، 239، لسان الميزان 3 / 203، فضل الاعتزال: 391، الفرق بين الفرق: 201. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 544 النَّارَ لاَ حَرَّ فِيْهَا، وَلاَ فِي الثَّلْجِ بَرْدٌ، وَلاَ فِي العَسَلِ حَلاَوَةٌ، وَإِنَّمَا يُخْلَقُ ذَلِكَ عِنْدَ الذَّوْقِ وَاللَّمْسِ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: شَهِدْتُ عَلَى ضِرَارِ بنِ عَمْرٍو عِنْدَ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَهَرَبَ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: دَخَلْتُ عَلَى ضِرَارٍ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مُشَوَّهاً، وَبِهِ فَالِجٌ، وَكَانَ مُعْتَزِلِيّاً، فَأَنْكَرَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَقَالَ: اخْتُلِفَ فِيْهِمَا: هَلْ خُلِقَتَا بَعْدُ أَمْ لاَ؟ فَوَثَبَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، وَضَرَبُوْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنْكَارُ وُجُوْدِهُمَا كُفْرٌ، قَالَ تَعَالَى: {النَّارُ يُعْرَضُوْنَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غَافِرٌ: 46] . قَالَ أَحْمَدُ: فَهَرَبَ. قَالُوا: أَخْفَاهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ حَتَّى مَاتَ. قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِهِ فِي زَمَنِ الرَّشِيْدِ. فَأَمَّا حِكَايَةُ جُنَيْدٍ، فَيَكُوْنُ حَكَاهَا عَنْ أَحْمَدَ. وَأَيْضاً فَإِنَّ حَفْصاً الفَرْدَ الَّذِي كَفَّرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ مِنْ تَلاَمِذَةِ ضِرَارٍ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ ضِرَارٌ يُنْكِرُ عَذَابَ القَبْرِ. وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى ضِرَارٍ بِأَنَّهُ زِنْدِيْقٌ، فَقَالَ سَعِيْدٌ: قَدْ أَبَحْتُ دَمَهُ، فَمَنْ شَاءَ، فَلْيَقْتُلْهُ. قَالَ: فَعَزَلُوا سَعِيْداً مِنَ القَضَاءِ، فَمَرَّ شَرِيْكٌ القَاضِي، وَرَجُلٌ يُنَادِي: مَنْ أَصَابَ ضِرَاراً، فَلَهُ عَشْرَةُ آلاَفٍ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: السَّاعَةَ خَلَّفْتُهُ عِنْد يَحْيَى البَرْمَكِيِّ - أَرَادَ شَرِيْكٌ أَنْ يُعْلِمَ أَنَّهُم يُنَادُوْنَ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُم -. قُلْتُ: لِمِثْلِ هَذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي دِيْنِ البَرَامِكَةِ، وضِرَارٌ أَكْبَرُ مِنْ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 545 هَؤُلاَءِ المُتَعَاصِرِيْنَ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ تُؤْذِنُ بِذَكَائِهِ، وَكَثْرَةِ اطِّلاَعِهِ عَلَى المِلَلِ وَالنِّحَلِ. وَمِنْهُمُ المُتَكَلِّمُ البَارِعُ: 176- أَبُو المُعْتَمِرِ مُعَمَّرُ بنُ عَمْرٍو * وَقِيْلَ: ابْنُ عَبَّادٍ البَصْرِيُّ، السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، العَطَّارُ، المُعْتَزِلِيُّ. وَكَانَ يَقُوْلُ: فِي العَالَمِ أَشْيَاءُ مَوْجُوْدَةٌ لاَ نِهَايَةَ لَهَا، وَلاَ لَهَا عِنْدَ اللهِ عَدَدٌ وَلاَ مِقْدَارٌ. فَهَذَا ضَلاَلٌ يَرُدُّه قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [الجِنُّ: 28] . وَقَالَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرَّعْدُ: 8] . وَلِذَلِكَ قَامَتْ عَلَيْهِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ، فَفَرَّ إِلَى بَغْدَادَ، وَاخْتَفَى عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ السِّنْدِيِّ. وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ لَوْناً، وَلاَ طُوْلاً، وَلاَ عَرْضاً، وَلاَ عُمْقاً، وَلاَ رَائِحَةً، وَلاَ حُسْناً، وَلاَ قُبْحاً، وَلاَ سَمْعاً، وَلاَ بَصَراً، بَلْ ذَلِكَ فِعْلُ الأَجْسَامِ بِطِبَاعِهَا. فَعُوْرِضَ بِقَولِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ... } [المُلْكُ: 2] ، فَقَالَ: المُرَادُ خَلْقُ الإِمَاتَةِ وَالإِحيَاءِ. وَقَالَ: النَّفْسُ لَيْسَتْ جِسْماً وَلاَ عَرَضاً، وَلاَ تُلاَصِقُ شَيْئاً، وَلاَ تُبَايِنُهُ، وَلاَ تَسْكُنُ. وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظَّامِ مُنَاظَرَاتٌ وَمُنَازَعَاتٌ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي الكَلاَمِ. وَهَلَكَ - فِيْمَا وَرَّخَهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ -: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَمِنْهُم:   (*) طبقات المعتزلة: 54 - 56، الفهرست لابن النديم: 207. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 546 177 - هِشَامُ بنُ عَمْرٍو أَبُو مُحَمَّدٍ الفُوَطِيُّ * المُعْتَزِلِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ. صَاحِبُ ذَكَاءٍ وَجِدَالٍ وَبِدْعَةٍ وَوَبَالٍ. أَخَذَ عَنْهُ: عَبَّادُ بنُ سَلْمَانَ، وَغَيْرُهُ. وَنَهَى عَنْ قَوْلِ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ) ، وَقَالَ: لاَ يُعَذِّبُ اللهُ كَافِراً بِالنَّارِ، وَلاَ يُحْيِي أَرْضاً بِمَطَرٍ، وَلاَ يَهْدِي وَلاَ يُضِلُّ. وَيَقُوْلُ: يُعَذَّبُوْنَ فِي النَّارِ، لاَ بِهَا، وَيُحْيِي الأَرْض عِنْدَ المَطَرِ، لاَ بِهِ، وَأَنَّ مَعْنَى: نِعْمَ الوَكِيْلُ، أَيِ: المُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ. قَالَ المُبَرِّدُ: قَالَ رَجُلٌ لِهِشَامٍ الفُوَطِيِّ: كَمْ تَعُدُّ مِنَ السِّنِيْنَ؟ قَالَ: مِنْ وَاحِدٍ إِلَى أَكْثَرَ مِن أَلفٍ. قَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا، كَمْ لَكَ مِنَ السِّنِّ؟ قَالَ: اثْنَانِ وَثَلاَثُوْنَ سِنّاً. قَالَ: كَمْ لَكَ مِنَ السِّنِيْنَ؟ قَالَ: مَا هِيَ لِي، كُلُّهَا للهِ. قَالَ: فَمَا سِنُّكَ؟ قَالَ: عَظْمٌ. قَالَ: فَابْنُ كَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ أُمٍّ وَأَبٍ. قَالَ: فَكَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْ أَتَى عَلَيَّ شَيْءٌ، لَقَتَلَنِي. قَالَ: وَيْحَكَ! فَكَيْفَ أَقُوْلُ؟ قَالَ: قُلْ: كَمْ مَضَى مِنْ عُمُرِكَ. قُلْتُ: هَذَا غَايَةُ مَا عِنْدَ هَؤُلاَءِ المُتَقَعِّرِينَ مِنَ العِلْمِ، عِبَارَاتٌ وَشَقَاشِقُ لاَ يَعْبَأُ اللهُ بِهَا، يُحَرِّفُوْنَ بِهَا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الكَلاَمِ وَأَهْلِهِ. وَمِنْهُم:   (*) طبقات المعتزلة: 61، الفهرست لابن النديم: 214. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 547 178 - أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ صَبِيْحٍ * المُلَقَّبُ: بِالمردَازِ، البَصْرِيُّ، مِنْ كِبَارِ المُعْتَزِلَةِ أَرْبَابِ التَّصَانِيْفِ الغَزِيْرَةِ. أَخَذَ عَنْ: بِشْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَتَزَهَّدَ، وَتَعَبَّدَ، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ مَمْقُوْتَةٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الرَّبَّ يَقْدِرُ عَلَى الظُّلمِ وَالكَذِبِ، وَلَكِنْ لاَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ قَدِيْمٌ، وَبِكُفرِ مَنْ قَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ. وَقَالَ بِرُؤْيَةِ اللهِ، وَكَفَّرَ مَنْ أَنكَرَهَا، حَتَّى إِنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: فَالجَنَّةُ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ أَنْتَ وَثَلاَثَةٌ؟! فَسَكَتَ. ذَكَرَهُ: قَاضِي حَمَاةَ شِهَابُ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ فِي كِتَابِ (الفِرَقِ) ، وَأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمِنْهُمُ: 179- الوَلِيْدُ بنُ أَبَانٍ الكَرَابِيْسِيُّ ** المُتَكَلِّمُ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ. قَالَ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: كَانَ خَالِي، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، قَالَ لِبَنِيْهِ: هَلْ تَعْلَمُوْنَ أَحَداً أَعْلَمَ بِالكَلاَمِ مِنِّي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَتَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَإِنِّي أُوْصِيْكُم بِمَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ الحَقَّ مَعَهُم، لَسْتُ أَعْنِي الرُّؤَسَاءَ مِنْهُم، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ المُمَزَّقِيْنَ. وَمِنْهُم:   (*) طبقات المعتزلة: 70، 71، الفهرست لابن النديم: 206 وفيهما: المردار. * * تاريخ بغداد 13 / 441، النجوم الزاهرة 2 / 210. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 548 180 - جَعْفَرُ بنُ مُبَشِّرٍ الثَّقَفِيُّ * المُتَكَلِّمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ، البَلِيْغُ. كَانَ مَعَ بِدْعَتِهِ يُوْصَفُ بِزُهْدٍ وَتَأَلُّهٍ وَعِفَّةٍ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ جَمَّةٌ، وَتَبَحُّرٌ فِي العُلُوْمِ. صَنَّفَ: كِتَابَ (الأَشْرِبَةِ) ، وَكِتَاباً فِي (السُّنَنِ) ، وَكِتَابَ (الاجْتِهَادِ) ، وَكِتَابَ (تَنْزِيْهِ الأَنْبِيَاءِ) ، وَكِتَابَ (الحُجَّةِ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ) ، وَكِتَابَ (الإِجْمَاعِ مَا هُوَ) ، وَكِتَابَ (الرَّدِّ عَلَى المُشَبِّهَةِ وَالجَهْمِيَّة وَالرَّافِضَةِ) ، وَ (الرَّدِّ عَلَى أَرْبَابِ القِيَاسِ) ، وَكِتَابَ (الآثَارِ) الكَبِيْرَ، وَأَشْيَاءَ مُفِيْدَةً. ذَكَرَهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَلَهُ أَخٌ مُتَكَلِّمٌ مُعْتَزِلِيٌّ، يُقَال لَهُ: حُبَيْشُ بنُ مُبَشِّرٍ، دُوْنَ جَعْفَرٍ فِي العِلْمِ. وَمِنْهُمُ العَلاَّمَةُ: 181 - أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ حَرْبٍ الهَمَذَانِيُّ ** المُعْتَزِلِيُّ، العَابِدُ، كَانَ مِنْ نُسَّاكِ القَوْمِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ. يُقَالُ: إِنَّهُ حَضَرَ عِنْدَ الوَاثِق لِلْمُنَاظَرَةِ، ثُمَّ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَتَقَدَّمَ   (*) طبقات المعتزلة: 76، 77، الفهرست لابن النديم: 208، تاريخ بغداد 7 / 162، لسان الميزان 2 / 121، أعيان الشيعة 16 / 105، 106، تذكرة طاهر الجزائري 13 / 1. (1) " الفهرست ": 208. (* *) مروج الذهب للمسعودي 7 / 231، طبقات المعتزلة: 73 - 76، الفهرست لابن النديم: 213، تاريخ بغداد 7 / 162، 163، لسان الميزان 2 / 113. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 549 الوَاثِقُ، فَصَلَّى بِهِم، وَتَنَحَّى جَعْفَرٌ، فَنَزَعَ خُفَّهُ، وَصَلَّى وَحْدَهُ، وَكَانَ قَرِيْباً مِنْ يَحْيَى بنِ كَامِلٍ، فَجَعَلَتْ دُمُوْعُ ابْنِ كَامِلٍ تَسِيْلُ خَوْفاً عَلَى جَعْفَرٍ مِنَ القَتلِ، فَكَاشَرَ عَنْهَا الوَاثِقُ، فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: إِنَّ هَذَا السَّبُعُ لاَ يَحْتَمِلُكَ عَلَى مَا صَنَعتَ، فَإِنْ عَزَمتَ عَلَيْهِ، فَلاَ تَحضُرِ المَجْلِسَ. قَالَ: لاَ أُرِيْدُ الحُضُوْرَ. فَلَمَّا كَانَ المَجْلِسُ الآتِي، تَأَمَّلَهُمُ الوَاثِقُ، قَالَ: أَيْنَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: إِنَّ بِهِ السِّلَّ، وَيَحْتَاجُ أَنْ يَضْطَجِعَ. قَالَ: فَذَاكَ (1) . قَالَ مُحَمَّدٌ النَّدِيْمُ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَحْوِ سِتِّيْنَ سَنَةً (2) . وَلَهُ: كِتَابُ (مُتَشَابَهِ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (الاسْتِقْصَاءِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ) ، وَكِتَابُ (الأُصُوْلِ) . وَلَهُ مِنَ التَّلاَمِذَةِ: 182 - الإِسْكَافِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ * وَهُوَ: العَلاَّمَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثُمَّ الإِسْكَافِيُّ، المُتَكَلِّمُ. وَكَانَ أُعْجُوْبَةً فِي الذَّكَاءِ، وَسَعَةِ المَعْرِفَةِ، مَعَ الدِّيْنِ وَالتَّصَوُّنِ وَالنَزَاهَةِ.   (1) " الفهرست " ص 213، و" طبقات المعتزلة " ص 73، 74. (2) " الفهرست " ص 213. (*) طبقات المعتزلة: ص 78، الفهرست لابن النديم: 213، الأنساب 1 / 245 و246. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 550 وَكَانَ فِي صِبَاهُ خَيَّاطاً، وَكَانَ يُحِبُّ الفَضِيْلَةَ، فَيَأْمُرُه أَبَوَاهُ بِلُزُوْمِ المَعِيْشَةِ، فَضَمَّه جَعْفَرُ بنُ حَرْبٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى أُمِّهِ فِي الشَّهْرِ بِعِشْرِيْنَ دِرْهَماً بَدَلاً مِنْ كَسْبِهِ (1) . فَبَرَعَ فِي الكَلاَمِ، وَبَقِيَ المُعْتَصِمُ مُعْجَباً بِهِ كَثِيْراً، فَأَدنَاهُ، وَأَجزَلَ عَطَاءهُ، وَكَانَ إِذَا نَاظَرَ، أَصْغَى إِلَيْهِ، وَسَكَتَ الحَاضِرُوْنَ، ثُمَّ يَنْظُرُ المُعْتَصِمُ إِلَيْهِم، وَيَقُوْلُ: مَنْ يَذْهَبُ عَنْ هَذَا الكَلاَمِ وَالبَيَانِ؟! وَيَقُوْلُ: يَا مُحَمَّدُ! اعْرِضْ هَذَا المَذْهَبَ عَلَى المَوَالِي، فَمَنْ أَبَى، فَعَرِّفْنِي خَبَرَهُ، لأُنَكِّلَ بِهِ (2) . ذَكَرَ لَهُ النَّدِيْمُ مُصَنَّفَاتٍ عِدَّةً، مِنْهَا: (نَقْضُ كِتَابِ حُسَيْنٍ النَّجَّارِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ خَلْقَ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (تَفْضِيْلِ عَلِيٍّ) . وَكَانَ يَتَشَيَّعُ. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. فلَمَّا بَلَغَ مُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى بَرْغُوْثَ مَوْتُه، سَجَدَ، فَمَاتَ بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ. وَمِنْهُمُ العَلاَّمَةُ: 183 - أَبُو سَهْلٍ عَبَّادُ بنُ سَلْمَانَ البَصْرِيُّ * المُعْتَزِلِيُّ، مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ الفُوَطِيِّ. يُخَالِفُ المُعْتَزِلَةَ فِي أَشْيَاءَ اخْتَرَعَهَا لِنَفْسِهِ.   (1) " الفهرست " ص 213، و" طبقات المعتزلة ": 78. (2) " الفهرست " ص 213. (*) طبقات المعتزلة: 77، الفهرست لابن النديم: 215. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 551 وَكَانَ أَبو عَلِيٍّ الجُبَّائِيُّ يَصِفُهُ بِالحِذْقِ فِي الكَلاَمِ، وَيَقُوْلُ: لَوْلاَ جُنُونُه. وَلَهُ: كِتَابُ (إِنْكَارِ أَنْ يَخْلُقَ النَّاسُ أَفْعَالَهُم) ، وَكِتَابُ (تَثْبِيْتِ دِلاَلَةِ الأَعْرَاضِ) ، وَكِتَابُ (إِثْبَاتِ الجُزْءِ الَّذِي لاَ يَتَجَزَّأُ) . وَمِنْهُمُ العَلاَّمَةُ: 184 - أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ الهَيْثَمِ الصُّوْفِيُّ * مِنْ كِبَارِ المُعْتَزِلَةِ، يُخَالِفُهُمْ فِي أَشْيَاءَ. وَعَنْهُ أَخَذَ: ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ المُلْحِدُ (1) ، وَلَهُ تَوَالِيْفُ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمِنْهُمُ العَلاَّمَةُ: 185 - أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الشَّحَّامُ ** البَصْرِيُّ، صَاحِبُ أَبِي الهُذَيْلِ العَلاَّفِ. مُؤَلِّفُ: كِتَابِ (الاسْتِطَاعَةِ عَلَى المُجَبرَةِ) ، وَكِتَابِ (الإِرَادَةِ) ، وَكِتَابِ (كَانَ وَيَكُوْنُ) ، وَكِتَابِ (دِلاَلَةِ الأَعْرَاضِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَخَذَ: أَبُو عَلِيٍّ الجُبَّائِيُّ.   (*) طبقات المعتزلة: ص 78، 79، الفهرست لابن النديم: 216. (1) انظر ترجمته في: " المنتظم " لابن الجوزي 6 / 99 - 105، " الفهرست ": 216، 217، " البداية والنهاية " 10 / 346، 347، " العبر " 2 / 116، " لسان الميزان " 1 / 323، 324، " شذرات الذهب " 2 / 235، 236. (* *) طبقات المعتزلة: 71، 72. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 552 وَكَانَ مُشرِفَ دِيْوَانِ الخَرَاجِ فِي دَوْلَةِ الوَاثِقِ. وَمِنْهُم: 186 - أَبُو مُخَالِدٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الضَّرِيْرُ * الفَقِيْهُ، المُتَكَلِّمُ، المُعْتَزِلِيُّ، أَحَدُ الأَذْكِيَاءِ. صَنَّفَ فِي خَلقِ القُرْآنِ، وَكَانَ ذَا زُهْدٍ وَوَرَعٍ، وَيُسَمَّى: الدَّاعِيَةَ. أَرَّخَ وَفَاتَهُ ابْنُ كَامِلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ النَّاسُ يَغْشَوْنَ مَجْلِسَهُ. أَخَذَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ مُبَشِّرٍ. وَلَهُ مُنَاظَرَةٌ مَعَ َدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ بِحَضرَةِ المُوَفَّقِ فِي خَبَرِ الوَاحِدِ، وَلَمَّا نَاظَرَ دَاوُدَ، قَطَعَهُ، فَقَالَ دَاوُدُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ أَهْلَكَ أَبُو مُخَالِدٍ النَّاسَ. فَقَالَ المُوَفَّقُ: قَدْ قَطَعَكَ بِنَفْسِ قَوْلِكَ هَذَا؛ لأَنَّ اللهَ عِنْدَكَ هُوَ الَّذِي أَهْلَكَ النَّاسَ، فَكَيْفَ يُهلِكُهُم أَبُو مُخَالِدٍ؟! فَأُفْحِمَ دَاوُدُ. وَمِنْ قُدَمَائِهِم: 187 - الأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَحْوَلُ ** عِرَاقِيٌّ، شِيْعِيٌّ، جَلْدٌ، يُلَقِّبُهُ الشِّيْعَةُ: بِمُؤْمِنِ الطَّاقِ. يُعَدُّ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ. صَنَّفَ: كِتَابَ (الإِمَامَةِ) ، وَكِتَابَ (الرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ) ، وَكِتَابَ   (*) طبقات المعتزلة: 85، نكت الهميان: 96، وكنيته فيهما: أبو مجالد بالجيم. (* *) الفهرست لابن النديم: 224. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 553 (طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ) ، وَكِتَابَ (المَعْرِفَةِ) ، وَكِتَاباً (فِي أَيَّامِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ) . وَمِنْهُمُ: النَّجَّارُ الأُسْتَاذُ: 188 - أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ * ابْنِ عَبْدِ اللهِ النَّجَّارُ، أَحَدُ كِبَارِ المُتَكَلِّمِيْنَ. وَقِيْلَ: كَانَ يَعْمَلُ المَوَازِيْنَ. وَلَهُ مُنَاظَرَةٌ مَعَ النَّظَّامِ، فَأَغضَبَ النَّظَّامَ، فَرَفَسَهُ، فَيُقَالُ: مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ تَعَلُّلٍ. ذَكَرَ النَّدِيْمُ أَسْمَاءَ تَصَانِيْفِ النَّجَّارِ، مِنْهَا: (إِثْبَاتُ الرُّسُلِ) ، وَكِتَابُ (القَضَاءِ وَالقَدَرِ) ، وَكِتَابُ (اللُّطْفِ وَالتَّأْيِيْدِ) ، وَكِتَابُ (الإِرَادَةِ المُوْجِبَةِ) ، وَأَشْيَاءُ كَثِيْرَةٌ. وَمِنْهُم: 189 - بَرْغُوْثٌ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الجَهْمِيُّ ** وَهُوَ رَأْسُ البِدْعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الجَهْمِيُّ. أَحَدُ مَنْ كَانَ يُنَاظِرُ الإِمَامَ أَحْمَدَ وَقْتَ المِحْنَةِ. صَنَّفَ: كِتَابَ (الاسْتِطَاعَةِ) ، وَكِتَابَ (المَقَالاَتِ) ، وَكِتَابَ (الاجْتِهَادِ) ، وَكِتَابَ (الرَّدِّ عَلَى جَعْفَرِ بنِ حَرْبٍ) ، وَكِتَابَ (المُضَاهَاةِ) . قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ. وَمِنْهُم:   (*) الفهرست: 229. (* *) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي وقعت لنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 554 190 - أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ * المُتَكَلِّمُ، مِنْ كِبَارِ الأَذْكِيَاءِ، وَمِن أَعْيَانِ تَلاَمِذَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ الإِمَامِ. اسْمُهُ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، نُسِبَ إِلَى شَيْخِهِ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ يَقُوْلُ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ عَنْ وَقْتِهَا عَمْداً، فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا أَصْلاً، لأَنَّ وَقْتَهَا شَرْطٌ، وَقَدْ عُدِمَ، كَمَنْ فَاتَهُ الوُقُوْفُ بِعَرَفَةَ، لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَهُ (1) . قُلْتُ: جُمْهُوْرُ الأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا، وَأَنَّ قَضَاءَهَا لاَ يَنْفِي عَنْهُ الإِثْمَ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ مِنْهُ. أَخَذَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ الفَقِيْهُ: دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ حَيّاً فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمِنْ رُؤُوْسِ المُعْتَزِلَةِ البَغْدَادِيِّيْنَ: العَلاَّمَةُ أَبُو مُوْسَى الفَرَّاءُ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَرَّخَهُ المَسْعُوْدِيُّ.   (*) الفهرست: 267، تاريخ بغداد 5 / 200. (1) وإليه ذهب طائفة من السلف والخلف، وقالوا: إن التوبة النصوح تنفعه. وجاء في " التمهيد " للاسنوي ص 245، 246: وممن ذهب إلى أن القضاء لا يجب على من ترك الصلاة عمدا الشيخ عز الدين بن عبد السلام في " القواعد "، والتاج الفركاح في " شرح التنبيه "، وحكي وجها في المذهب لابن بنت الشافعي. قال الاسنوي: كذا رأيته في باب سجود السهو من شرح الوسيط لابن الأستاذ نقلا عن " التجريد " لابن كج عنه. وقد استوفى ابن القيم البحث في هذه المسألة وأورد حجج الفريقين القائلين بوجوب القضاء وهم الجمهور، والقائلين بعدم الوجوب، في كتابه " الصلاة " ص 59 - 98، فراجعه فإنه نفيس. (2) في " مروج الذهب " 7 / 233. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 555 وَمِنْهُم: ابْنُ كَيْسَانَ الأَصَمُّ، قَدِيْمٌ، تَخَرَّجَ بِهِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ عُلَيَّةَ فِي الكَلاَمِ. وَمِنْهُم: جَعْفَرُ بنُ حَرْبٍ (1) ، وَجَعْفَرُ بنُ مُبَشِّرٍ (2) ، وَأَبُو غِفَارٍ، وَحُسَيْنٌ النَّجَّارُ (3) ، وَالرَّقَاشُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ كُلاَبٍ، وَقَاسِمُ بنُ الخَلِيْلِ الدِّمَشْقِيُّ (4) - صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ) - وثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ النُّمَيْرِيُّ (5) ، وَأَشْبَاهُهُم مِمَّنْ كَانَ ذَكَاؤُهُم وَبَالاً عَلَيْهِم، ثُمَّ بَيْنَهُم مِنَ الاخْتِلاَفِ وَالخُبَاطِ أَمرٌ لاَ يَخْفَى عَلَى أَهْلِ التَّقْوَى، فَلاَ عُقُوْلُهُمُ اجْتَمَعَتْ، وَلاَ اعْتَنَوْا بِالآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، كَمَا اعْتَنَى أَئِمَّةُ الهُدَى {فَأَيُّ الفَرِيْقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ} [الأَنْعَامُ: 81] . 191 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ المَصِّيْصِيُّ ** بَغْدَادِيٌّ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ، مُرَابِطٌ. رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادٍ الأَبَحِّ، وَأَبِي المَلِيْحِ الرَّقِّيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (6) .   (1) تقدمت ترجمته في الصفحة 549. (2) تقدمت ترجمته في الصفحة 549. (3) تقدمت ترجمته في الصفحة 554. (4) انظر " الفهرست " ص 206. (5) تقدمت ترجمته في الصفحة 203. (*) التاريخ الكبير 1 / 331، الجرح والتعديل 2 / 138، 139، تاريخ بغداد 6 / 178، تهذيب الكمال لوحة 67، تذهيب التهذيب 1 / 43 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 68، المغني في الضعفاء 1 / 27، الكاشف 1 / 94، تهذيب التهذيب 1 / 169، خلاصة تذهيب الكمال: 2. (6) " الجرح والتعديل " 2 / 139. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 556 قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 192 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيِّ * الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ، المُلَقَّبُ: بِالمُبَارَكِ؛ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؛ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الأَسْوَدُ. ويُعْرَفُ: بِالتِّنِّيْنِ؛ لِلْونِهِ، وضَخَامَتِهِ. كَانَ فَصِيْحاً، بَلِيْغاً، عَالِماً، أَدِيْباً، شَاعِراً، رَأْساً فِي فَنِّ المُوْسِيْقَى. وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ شَكْلَةَ (1) ؛ وَهِيَ أُمُّهُ. حَدَّثَ عَنْ: المُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَحَمَّادٍ الأَبَحِّ. رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ هِبَةُ اللهِ، وَحُمَيْدُ بنُ فَرْوَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ، وَغَيْرُهُم. قَالَ عَلِيُّ بنُ المُغِيْرَة الأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ: أَنَّهُ وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ أَعْوَاماً لَمْ يُقْطَعْ فِيْهَا عَلَى أَحَدٍ طَرِيْقٌ، وَحُدِّثْتُ أَنَّ الآفَةَ فِي قَطْعِ الطَّرِيْقِ مِنْ دُعَامَةَ   (*) تاريخ خليفة: 457، 470، 473، الطبري 8 / 555، 557، 569، 570، 571، 603، 604 - 607، 661 وغيرها، مروج الذهب 7 / 69، الاغاني 10 / 95، 150، الفهرست: 129، تاريخ بغداد 6 / 142، الإكمال 1 / 518، الأنساب 3 / 97، الكامل لابن الأثير 6 / 341، 351، 353، 354، 508، اللباب 1 / 226، وفيات الأعيان 1 / 39، العبر 1 / 389، الوافي بالوفيات 6 / 110، 113، البداية والنهاية 10 / 247، 248، 249، 250، 251، وغيرها، لسان الميزان 1 / 98، النجوم الزاهرة 2 / 240، 241، أشعار أولاد الخلفاء: 17 - 49، شذرات الذهب 2 / 53، تهذيب تاريخ ابن عساكر 2 / 226 - 288. (1) ضبطها ابن خلكان بفتح الشين وكسرها، وسكون الكاف، وبعد اللام هاء. " وفيات الأعيان " 1 / 39. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 557 وَنُعْمَانَ وَيَحْيَى بنِ أُرمِيَا اليَهُوْدِيِّ البَلْقَاوِيِّ، وَأَنَّهُم لَمْ يَضَعُوا يَدَهُم فِي يَدِ عَامِلٍ، فَكَاتَبْتُهُم. فَتَابَ دُعَامَةُ، وَحَلَفُ النُّعْمَانُ بِالأَيْمَانِ أنَّهُ لاَ يُؤْذِي مَهْمَا وُلِّيْتُ. وَطَلَبَ ابْنُ أُرمِيَا أَمَاناً ليَأْتِي، وَيُنَاظِرَ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَدِمَ شَابٌّ أَشْعَرُ، أَمْعَرُ، فِي أَقبِيَةِ دِيْبَاجٍ، وَمِنْطَقَةٍ، وَسَيْفٍ مُحَلَّى، فَدَخَلَ عَلَى الخَضْرَاءِ، فَسَلَّمَ دُوْنَ البِسَاطِ، فَقُلْتُ: اصْعَدْ. قَالَ: إِنَّ لِلْبِسَاطِ ذِمَاماً، أَخَافُ أَنْ يُلْزِمَنِي جُلُوسِي عَلَيْهِ، وَمَا أَدْرِي مَا تَسُومُنِي. قُلْتُ: أَسْلِمْ، وَأَطِعْ. قَالَ: أَمَّا الطَّاعَةُ فَأَرْجُو، وَلاَ سَبِيْلَ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَمَا عِنْدَكَ إِنْ لَمْ أُسْلِمْ؟ قُلْتُ: لاَ بُدَّ مِن جِزْيَةٍ. قَالَ: أَعْفِنِي. قُلْتُ: كَلاَّ. قَالَ: فَأَنَا مُنْصَرِفٌ عَلَى أَمَانِي. فَأَذِنْتُ لَهُ، وَأَمَرْتُهُم أَنْ يُسْقُوا فَرَسَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، دَعَا بِدَابَّةِ غُلاَمِهِ، وَتَرَكَ فَرَسَهُ، وَقَالَ: لَنْ آخُذَ شَيْئاً ارْتَفَقَ مِنْكُم، فَأُحَارِبَكُم عَلَيْهِ. فَاسْتَحْيَيتُ، وَطَلَبْتُهُ، فَلَمَّا دَخَلَ، قُلْتُ: الحَمْدُ للهِ، ظَفَرْتُ بِكَ بِلاَ عَهْدٍ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: لأَنَّكَ انْصَرَفْتَ مِنْ عِنْدِي، وَقَدْ عُدْتَ. قَالَ: شَرْطُكَ أَنْ تَصْرِفَنِي إِلَى مَأْمَنِي، فَإِنْ كَانَ دَارُكَ مَأْمَنِي، فلَسْتُ بِخَائِفٍ، وَإِنْ كَانَ مَأْمَنِي أَرْضِي، فَرُدَّنِي. فَجَهَدْتُ بِهِ أَنْ يُؤَدِّي جِزْيَةً عَلَى أَنْ أَهَبَهُ فِي السَّنَةِ أَلفَيْ دِيْنَارٍ. فَأَبَى، وَذَهَبَ، فَأَسْعَرَ الدُّنْيَا شَرّاً، وَحُمِلَ مَالٌ مِن مِصْرَ، فَتَعَرَّضَ لَهُ، فَكَتَبَ النُّعْمَانُ إِلَيَّ، فَأَمَرْتُهُ بِمُحَارَبَتِهِ. فَسَارَ النُّعْمَانُ، وَوَافَاهُ اليَهُوْدِيُّ فِي جَمَاعَتِهِ، فَسَأَلَهُ النُّعْمَانُ الاَنصِرَافَ، فَأَبَى، وَقَالَ: بَارِزْنِي، وَإِنْ شِئْتَ، بَرَزْتُ وَحْدِي إِلَيْكَ وَإِلَى جُنْدِكَ. فَقَالَ النُّعْمَانُ: يَا يَحْيَى، وَيْحَكَ! أَنْتَ حَدَثٌ قَدْ بُلِيْتَ بِالعُجْبِ، وَلَوْ كُنْتَ مِنْ أَنْفَسِ قُرَيْشٍ، لَمَا أَمْكَنَكَ مُعَارَّةُ (1) السُّلْطَانِ، وَهَذَا الأَمِيْرُ هُوَ أَخُو الخَلِيْفَةِ، وَأَنَا - وَإِنِ افْتَرَقْنَا فِي الدِّيْنِ - أُحِبُّ أَنْ لاَ يُقْتَلَ عَلَى يَدَيَّ فَارِسٌ، فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ السَّلاَمَةَ، فَابرُزْ إِلَيَّ، وَلاَ يُبْتَلَى   (1) في " تهذيب تاريخ ابن عساكر ": مغازاة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 558 بِنَا غَيْرُنَا. فَبَرَزَ لَهُ العَصْرَ، فَمَا زَالاَ فِي مُبَارَزَةٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَوَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى فَرَسِهِ مُتَّكِئاً عَلَى رُمْحِهِ، فَنَعَسَ النُّعْمَانُ، فَطَعَنَهُ اليَهُوْدِيُّ، فَيَقَعُ سِنَانُ رُمْحِهِ فِي المَنْطِقَةِ، فَدَارَتْ، وَصَارَ السِّنَانُ يَدُورُ مَعَهَا، فَاعْتَنَقَهُ النُّعْمَانُ، وَقَالَ: أَغَدراً يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ؟! فَقَالَ: أَوَ مُحَارِبٌ يَنَامُ يَا ابْنَ الأَمَةِ؟! فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ النُّعمَانُ، فَسَقَطَ فَوْقَهُ، وَكَانَ النُّعْمَانُ ضَخْماً، فَصَارَ فَوقَهُ، فَذَبَحَ اليَهُوْدِيَّ، وَبَعَثَ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ، فَاطْمَأَنَّتِ البِلاَدُ، ثُمَّ وَلِيَ بَعْدِي عَمِّي سُلَيْمَانُ، فَانْتَهَبه أَهْلُ دِمَشْقَ، وَسَبَوْا حُرَمَهُ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: بُوْيِعَ إِبْرَاهِيْمُ بِالخِلاَفَةِ زَمَنَ المَأْمُوْنِ، فَحَارَبَ الحَسَنَ بنَ سَهْلٍ، فَهَزَمَهُ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ أَقْبَلَ لِحَرْبِهِ حُمَيْدٌ الطُّوْسِيُّ، فَهُزِمَ جَمْعُ إِبْرَاهِيْمَ، وَاخْتَفَى إِبْرَاهِيْمُ زَمَاناً إِلَى أَنْ ظَفَرَ بِهِ المَأْمُوْنُ، فَعَفَا عَنْهُ (2) . وَفِيه يَقُوْلُ دِعْبِل: نَفَرَ ابْنُ شَكْلَةَ بِالعِرَاقِ وَأَهْلِهَا ... وَهَفَا إِلَيْهِ كُلُّ أَطْلَسَ مَائِقِ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مُضْطَّلِعاً بِهَا ... فَلَتَصْلُحَنْ مِنْ بَعْدِهِ لمُخَارِقِ (3) وَكَانَ مُخَارِقٌ مُغَنِّيَ وَقْتِهِ. قَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: وُلِدَ إِبْرَاهِيْمُ سَنَةَ (162) (4) . قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا، لَمْ يُدْرِكْ مُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ. قَالَ الخُطَبِيُّ: بَايَعُوْهُ بِبَغْدَادَ، وَلُقِّبَ: بِالمُبَارَكِ - وَقِيْلَ: المَرَضِيِّ - فِي   (1) " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 2 / 269 - 272. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 142، 143. (3) البيتان في " تاريخ بغداد " 6 / 144، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 2 / 273 وفيه " لعب ابن شكلة " بدل " نفر " و" وفيات الأعيان " 1 / 40. (4) " الإكمال " 1 / 518. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 559 أَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، فَغَلَبَ عَلَى الكُوْفَةِ وَبَغْدَادَ وَالسَّوَادِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ المَأْمُوْنُ عَلَى العِرَاقِ، ضَعُفَ إِبْرَاهِيْمُ. قَالَ: وَرَكِبَ إِبْرَاهِيْمُ بِأُبَّهَةِ الخِلاَفَةِ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عَسْكَرِ المَأْمُوْنِ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ بِالقَصْرِ، ثُمَّ اسْتَتَرَ. قَالَ: وَظَفِرَ المَأْمُوْنُ بِهِ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، فَعَفَا عَنْهُ، وَبَقِيَ عَزِيْزاً (1) . قَالَ أَبُو مُحَلَّم: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيِّ، حِيْنَ أُدْخِلَ عَلَى المَأْمُوْنِ: ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ عُذْرٍ، وَعَفْوُكَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا اعْتَذَرَ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَوَثُّبُهُ بِثَمَانِي سِنِيْنَ، عَفَا عَنْهُ، وَقَالَ: هَا هُنَا يَا عَمُّ! هَا هُنَا يَا عَمُّ (3) ! وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ حَدِيْثاً لأَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ الأَبَحُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا المَصِّيْصِيُّ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: نُودِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ عَفَا عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ حَسَنَ الوَجْهِ، حَسَنَ الغِنَاءِ، حَسَنَ المَجْلِسِ، رَأَيْتُهُ عَلَى حِمَارٍ، فَقَبَّلَ القَوَارِيْرِيُّ فَخِذَهُ (4) . وَعَنْ مَنْصُوْرِ بنِ المَهْدِيِّ، قَالَ: كَانَ أَخِي إِبْرَاهِيْمُ إِذَا تَنَحْنَحَ، طَرِبَ مَنْ يَسْمَعُهُ، فَإِذَا غَنَّى، أَصْغَتِ الوُحُوشُ حَتَّى تَضَعَ رُؤُوْسَهَا فِي حَجْرِهِ، فَإِذَا سَكَتَ، هَرَبَتْ. وَكَانَ إِذَا غَنَّى، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ ذُهِلَ.   (1) انظر " تاريخ بغداد " 6 / 142، 143، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 2 / 274، 275. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 146، وانظر " الاغاني " 10 / 116. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 145. (4) " تاريخ بغداد " 6 / 146، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 2 / 276. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 560 وَقَالَ ابْنُ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ: مَا اجْتَمَعَ أَخٌ وَأُخْتٌ أَحْسَنَ غِنَاءً مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ، وَأُخْتِهِ؛ عُلَيَّةَ. قَالَ ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ: قَالَ لِيَ المَأْمُوْنُ: قَدْ عَزْمْتُ عَلَى تَقْرِيْعِ عَمِّي. فَحَضَرْتُ، فَجِيْءَ بِإِبْرَاهِيْمَ مَغْلُوْلاً، قَدْ تَهَدَّلَ شَعْرُهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، فَسَلَّمَ. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، أَكُفْراً بِالنِّعْمَةِ، وَخُرُوْجاً عَلَيَّ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ القُدْرَةَ تُذْهِبُ الحَفِيْظَةَ، وَمَنْ مُدَّ لَهُ فِي الاغْتِرَارِ، هَجَمَتْ بِهِ الأَنَاةُ عَلَى التَّلَفِ، وَقَدْ رَفَعَكَ اللهُ فَوْقَ كُلِّ ذَنْبٍ، كَمَا وَضَعَ كُلَّ ذِي ذَنْبٍ دُوْنَكَ، فَإِنْ تُعَاقِبْ فَبِحَقِّكَ، وَإِنْ تَعْفُ فَبِفَضْلِكَ. قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ -يَعْنِي: ابْنَهُ العَبَّاسَ، وَالمُعْتَصِمَ- يُشِيْرَانِ بِقَتْلِكَ. قَالَ: أَشَارَا عَلَيْكَ بِمَا يُشَارُ بِهِ عَلَى مِثْلِكَ فِي مِثْلِي، وَالمَلِكُ عَقِيْمٌ، وَلَكِنْ تَأْبَى لَكَ أَنْ تَسْتَجْلِبَ نَصْراً إِلاَّ مِنْ حَيْثُ عَوَّدَكَ اللهُ، وَأَنَا عَمُّكَ، وَالعَمُّ صِنْوُ الأَبِ، وَبَكَى. فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَا المَأْمُوْنِ، وَقَالَ: خَلُّوا عَنْ عَمِّي. ثُمَّ أَحْضَرَهُ، وَنَادَمَهُ، وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى ضَرَبَ لَهُ بِالعُوْدِ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ الوَزِيْرَ، قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ قَتَلْتَهُ، فَلَكَ نُظَرَاءٌ، وَإِنْ عَفَوْتَ، لَمْ يَكُنْ لَكَ نَظِيْرٌ (2) . تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيْمُ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 193 - الجَرْمِيُّ أَبُو عُمَرَ صَالِحُ بنُ إِسْحَاقَ * إِمَامُ العَرَبِيَّةِ، أَبُو عُمَرَ صَالِحُ بنُ إِسْحَاقَ الجَرْمِيُّ، البَصْرِيُّ،   (1) " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 2 / 276، و" الاغاني " 10 / 116. (2) " وفيات الأعيان " 1 / 41. وانظر " الاغاني 10 / 118. (*) الجرح والتعديل 4 / 394، مراتب النحويين: 122، طبقات الزبيدي: 46، 47، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 561 النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وَكَانَ صَادِقاً، وَرِعاً، خَيِّراً. وَقَدْ أَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ: سَعِيْدٍ الأَخْفَشِ، وَاللُّغَةَ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَحَصَلَ لَهُ بِالأَدَبِ دُنْيَا وَاسِعَةٌ وَحِشْمَةٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: قَدِمَ أَصْبَهَانَ مَعَ فَيْضِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ، فَأَعْطَاهُ يَوْمَ مَقْدَمِهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَم، وَكَانَ يَصِلُهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَلفٍ (1) . قَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ الجَرْمِيُّ أَثْبَتَ القَوْمِ فِي كِتَابِ سِيْبَوَيْه، وَعَلَيْهِ قَرَأَتِ الجَمَاعَةُ، وَكَانَ عَالِماً بِاللُّغَةِ، حَافِظاً لَهَا (2) ، وَكَانَ جَلِيْلاً فِي الحَدِيْثِ وَالأَخْبَارِ، وَكَانَ أَغْوَصَ عَلَى الاسْتِخْرَاجِ مِنَ المَازِنِيِّ، وَإِلَيْهِمَا انْتَهَى عِلْمُ النَّحْوِ فِي زَمَانِهِمَا (3) .   = أخبار البصريين: 72، أخبار أصبهان 1 / 346، 347، الفهرست: 62، تاريخ بغداد 9 / 313 - 315، الأنساب 3 / 234، 235 نزهة الالباء: 143 - 145، معجم الأدباء 12 / 5، 6، اللباب 1 / 274، إنباه الرواة 2 / 80 - 83، وفيات الأعيان 2 / 485، 487، العبر 1 / 394، مسالك الابصار 4 / 284، 285، عيون التواريخ وفيات 225، مرآة الجنان 2 / 90، 91، البداية والنهاية 10 / 293، طبقات القراء 1 / 332، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 4، 5، النجوم الزاهرة 2 / 243، روضات الجنات 334، 335، بغية الوعاة 2 / 8، 9، المزهر 2 / 408، 419، وغيرها، شذرات الذهب 2 / 57. (1) في " تاريخ أصبهان " 1 / 346، 347: فأعطاه يوم مقدمه عشرين ألف درهم، وكان يعطيه كل سنة اثني عشر ألف درهم. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 314. (3) " نزهة الالباء " 143، و" إنباه الرواة " 2 / 80. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 562 قُلْتُ: قَدِمَ الجَرْمِيُّ بَغْدَادَ، وَنَاظَرَ الفَرَّاءَ. وَمُقَدِّمَتُهُ فِي النَّحْوِ مَشْهُوْرَةٌ، تُعْرَفُ (بِالمُخْتَصَرِ (1)) . وَلَهُ: كِتَابُ (الأَبْنِيَةِ) ، وَكِتَابُ (العَرُوْضِ) ، وَكِتَابُ (غَرِيْبِ سِيْبَوَيْه) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ (2) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 194 - أَبُو دُلَفٍ القَاسِمُ بنُ عِيْسَى العِجْلِيُّ * صَاحِبُ الكَرَجِ (3) ، وَأَمِيْرُهَا، القَاسِمُ بنُ عِيْسَى العِجْلِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُغِيْرَةِ الأَصْبَهَانِيُّ. وَكَانَ فَارِساً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، سَائِساً، شَدِيْدَ الوَطأَةِ، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مُبَذِّراً، شَاعِراً، مُجَوِّداً، لَهُ أَخْبَارٌ فِي حَرْبِ بَابَكَ، وَولِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ لِلْمُعْتَصِمِ، وَقَدْ دَخَلَ وَهُوَ أَمْرَدُ عَلَى الرَّشِيْدِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، أَفْسَدْتَ الجَبَلَ عَلَيْنَا يَا غُلاَمُ. قَالَ: فَأَنَا أُصْلِحُهُ، أَفْسَدْتُهُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَأَنْتَ عَلَيَّ، أَفَأَعْجِزُ عَنْ صَلاحِهِ وَأَنْتَ مَعِي؟! فَأَعْجَبَهُ، وَوَلاَّهُ   (1) في " معجم الأدباء " 12 / 6: كان كلما صنف منه بابا صلى ركعتين بالمقام، ودعا بأن ينتفع به. (2) انظر مصنفاته في " الفهرست ": 62. (*) مروج الذهب 4 / 5، 62، الاغاني 8 / 248 - 257، معجم المرزباني: 216، أخبار أصبهان 2 / 160، الفهرست: 130، تاريخ بغداد 12 / 416 - 423، سمط اللآلي: 331، الأنساب 8 / 401، معجم البلدان 4 / 446، الكامل لابن الأثير 6 / 413 و516، اللباب 2 / 326، وفيات الأعيان 4 / 73 - 79، نهاية الارب 4 / 249، تهذيب الكمال لوحة 1114، تذهيب التهذيب 3 / 149 / 1، دول الإسلام 1 / 136، العبر 1 / 394، تهذيب التهذيب 8 / 327، النجوم الزاهرة 2 / 243، 244، خلاصة تذهيب الكمال: 313، شذرات الذهب 2 / 57. (3) هي مدينة بين همدان وأصبهان. انظر " معجم البلدان " 4 / 446. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 563 الجَبَلَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: أَرَى غُلاَماً يَرْمِي مِنْ وَرَاءِ هِمَّةٍ بَعِيْدَةٍ. وَمِنْ جَيِّد نَظْمِهِ: أَيُّهَا الرَّاقِدُ المُؤَرِّقُ عَيْنِي ... نَمْ هَنِيْئاً، لَكَ الرُّقَادُ اللَّذِيْذُ عَلِمَ اللهُ أَنَّ قَلْبِيَ مِمَّا ... قَدْ جَنَتْ مُقْلَتَاكَ فِيْهِ وَقِيْذُ وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَرَّقَ فِي يَوْمٍ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَأَنْشَدَ لِنَفْسِهِ: كَفَانِيَ مِنْ مَالِي دِلاَصٌ وَسَابِحٌ ... وَأَبْيَضُ مِنْ صَافِي الحَدِيْدِ وَمِغْفَرُ (1) وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي الكَرَمِ وَالفُرُوْسِيَّةِ. وَكَانَ مَوْتُهُ: بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَفِي ذُرِّيَّتُهُ أُمَرَاءُ وَعُلَمَاءُ. 195 - العَيْشِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ * (د، ت، س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُبَيْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ حَفْصِ بنِ عُمَرَ بنِ مُوْسَى بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَعْمَرٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، الصَّادِقُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ عَائِشَةَ، وَبَالعَيْشِيِّ؛ لأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وُلِدَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَجُوَيْرِيَةَ بنَ أَسْمَاءَ، وَمَهْدِيَّ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَأَبَا   (1) البيت مع بيتين آخرين في " تاريخ بغداد " 12 / 418، 419. (*) التاريخ الكبير 5 / 400، الجرح والتعديل 5 / 335، تاريخ بغداد 10 / 314 - 318، الأنساب 9 / 106، اللباب 2 / 369، تهذيب الكمال لوحة 890، تذهيب التهذيب 3 / 20 / 2، الكاشف 2 / 233، العبر 1 / 402، تهذيب التهذيب 7 / 44، خلاصة تذهيب الكمال: 253، شذرات الذهب 2 / 64. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 564 هِلاَلٍ الرَّاسِبِيَّ، وَوُهَيْبَ بنَ خَالِدٍ، وَأَبَا عَوَانَةَ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ زِيَادٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مُسْلِمٍ، وَهِشَامَ بنَ زِيَادٍ، وَابْنَ المُبَارَكِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ فِي الحَدِيْثِ (1) ، وَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ تِسْعَةُ آلاَفِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ طَلاَّباً لِلْحَدِيْثِ، عَالِماً بِالعَرَبِيَّةِ وَأَيَّامِ النَّاسِ لَوْلاَ مَا أَفْسَدَ نَفْسَهُ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ. زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قُرِفَ بِالقَدَرِ (3) ، وَكَانَ بَريئاً مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ البَصْرَةِ، غَيْرَ مُدَافَعٍ، كَرِيْماً، سَخِيّاً (4) . قُلْتُ: سَمِعْنَا نُسْخَةَ العَيْشِيِّ بِالإِجَازَةِ، وَوَقَعَ لَنَا بِالاتِّصَالِ مِنْ عَوَالِيْهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 335. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 317، 318. (3) أي: رمي به واتهم. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 318، و" تهذيب الكمال " لوحة 890. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 565 بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي العُشَرَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَمَا تَكُوْنُ الذَّكَاةُ إِلاَّ مِنَ اللَّبَّةِ وَالحَلْقِ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا، لأَجْزَأَ عَنْكَ (1)) . أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُقَاتِلُ بنُ مُحَمَّدٍ العَكِّيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ، المَعْرُوْفَ: بِالحَرْبِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ عَائِشَةَ. فَقِيْلَ لَهُ: رَأَيْتَ أَحْمَدَ وَابْنَ مَعِيْنٍ وَإِسْحَاقَ، تَقُوْلُ هَذَا! قَالَ: نَعَمْ، بَلَغَ الرَّشِيْدَ سَنَا أَخْلاَقِهِ، فَأَحضَرَهُ، فَعَدَّدَ مَحَاسِنَهُ، وَيَقُوْلُ: هُوَ بِفَضْلِ اللهِ وَفَضلِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَلَمَّا أَنْ صَمَتَ الرَّشِيْدُ، قَالَ: وَمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: مَا هُوَ يَا عَمِّ؟ قَالَ: المَعْرِفَةُ بِقَدْرِي، وَالقَصْدُ فِي أَمْرِي. قَالَ: أَحْسَنْتَ (2) . أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ فِي المَسْجَدِ، فَأَعْطَاهُ العَيْشِيُّ مِطْرَفاً، وَقَالَ: ثَمَنُهُ أَرْبَعُوْنَ دِيْنَاراً، فَلاَ تُخْدَعْ عَنْهُ. فَبَاعَهُ، فَعُرِفَ أَنَّهُ مِطْرَفُ العَيْشِيِّ، فَاشتَرَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، وَرَدَّهُ إِلَيْهِ (3) .   (1) إسناده ضعيف لجهالة أبي العشراء، قال الميموني: سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الزكاة؟ قال: غلط، ولا يعجبني، ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة، وقال: ما أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا. وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر. والحديث أخرجه أبو داود (2825) ، وابن ماجه (3184) ، والترمذي (1481) ، والنسائي 7 / 228، وأحمد 4 / 434، وابن الجارود رقم (901) ، والبيهقي 9 / 246، وأبو نعيم في " الحلية " 6 / 257، و341. وقال الخطابي في تفسيره: هذا في ذكاة غير المقدور عليه، فأما المقدور عليه فلا يذكيه إلا قطع المذابح، لا أعلم فيه خلافا بين أهل العلم، وضعفوا هذا الحديث لان راويه مجهول. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 315، و" تهذيب الكمال " لوحة 890. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 315، و" تهذيب الكمال " لوحة 890. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 566 قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: أَنْفَقَ العَيْشِيُّ عَلَى إِخْوَانِهِ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي اللهِ، حَتَّى الْتَجَأَ إِلَى بَيْعِ سَقْفِ بَيْتِهِ (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: قِيْلَ: إِنَّ العَيْشِيَّ كَانَ يُمْسِكُ بِيَمِيْنِهِ شَاةً، وَبِيَسَارِهِ شَاةً إِلَى أَنْ تُسْلَخَا. ثُمَّ قَالَ نِفْطَوَيْه: وَكَانَ مِنْ سَرَاةِ النَّاسِ، جُوْداً، وَحِفْظاً، وَمُحَادَثَةً. قَالَ البَغَوِيُّ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . 196 - النَّضْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ نَضِيْرٍ المُرَادِيُّ * (د، س، ق) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، الحَافِظُ، أَبُو الأَسْوَدِ المُرَادِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، الكَاتِبُ، الشُّرُوْطِيُّ، كَاتِبُ الحُكْمِ لِقَاضِي مِصْرَ لَهِيْعَةَ بنِ عِيْسَى بنِ لَهِيْعَةَ. رَوَى عَنِ: ابْنِ لَهِيْعَةَ تَصَانِيْفَهُ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَنَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَمُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَالرَّبِيْعُ الجِيْزِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَالمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ السَّهْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: شَيْخُ صِدْقٍ، كَانَ رَاوِيَةَ ابْنِ لَهِيْعَةَ (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 316، و" تهذيب الكمال " لوحة 890. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 318. (*) التاريخ الكبير 8 / 90، التاريخ الصغير 2 / 343، الجرح والتعديل 8 / 48، تهذيب الكمال لوحة 1411، تذهيب التهذيب 4 / 96 / 2، العبر 1 / 378، الكاشف 3 / 204، تهذيب التهذيب 10 / 440، خلاصة تذهيب الكمال: 402، شذرات الذهب 2 / 46. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1412. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 567 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، صَدُوْقٌ، عَابِدٌ، شَبَّهْتُهُ بِالقَعْنَبِيِّ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) . قُلْتُ: لَهُ أَخَوَانِ فَاضلاَنِ: رَوْحٌ، وَعَبْدُ اللهِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ هَارُوْنُ القَاضِي. قَالَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (3) . خَرَّجَ لَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. 197 - اللاَّحِقِيُّ عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ * الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ لاَحِقٍ اللاَّحِقِيُّ، البَصْرِيُّ، مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ بِالبَصْرَةِ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَجُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بن زِيَادٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ فَهْدٍ السَّاجِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَخَلْقٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ: عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ.   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 480. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1412. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1412. (*) الجرح والتعديل 6 / 196، ميزان الاعتدال 3 / 144، المغني في الضعفاء 2 / 452. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 568 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . وَأَمَّا ابْنُ خِرَاشٍ، فَقَالَ: فِيْهِ اخْتِلاَفٌ. قُلْتُ: يُكْنَى: أَبَا الحَسَنِ، مَاتَ بِالبَصْرَةِ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ (2) ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، وَحُبَابُ بنُ حَبْلَةَ - صَاحِبُ مَالِكٍ - وَأَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَمُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدٍ (4) . وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ فِيْهَا: بَشَّارُ بنُ مُوْسَى الخَفَّافُ (5) ، وَحَاجِبُ بنُ الوَلِيْدِ بِبَغْدَادَ، وَنُعَيْمُ بنُ الهَيْصَمِ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بِلاَلٍ الأَشْعَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ بنُ بِشْرٍ الكَاهِلِيُّ، وَسَلْمُ بنُ قَادِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ سبَلاَنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ السَّمْتِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصْعَبٍ الدَّعَّاءُ العَابِدُ، وَأَبُو الجَهْمِ العَلاَءُ بنُ مُوْسَى البَاهِلِيُّ (6) . 198 - عَلِيُّ بنُ عَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ أَبُو الحَسَنِ الكِلاَبِيُّ * (م) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ الكِلاَبِيُّ،   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 196. (2) سترد ترجمته قريبا في الصفحة 571. (3) تقدمت ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 526. (4) سترد ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 591. (5) سترد ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 581. (6) تقدمت ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 525. (*) الجرح والتعديل 6 / 199، تهذيب الكمال لوحة 986، تذهيب التهذيب 3 / 70، الكاشف 2 / 290، العبر 1 / 403، تهذيب التهذيب 7 / 363، 364، خلاصة تذهيب الكمال: 276، شذرات الذهب 2 / 65. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 569 العَامِرِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَشَرِيْكاً القَاضِي، وَعَبْدَ السَّلاَّمِ بنَ حَرْبٍ، وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَدَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَابْنَ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَاهُ؛ عَثَّامَ بنَ عَلِيٍّ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَغُنْدَراً، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَعَدَداً كَثِيْراً. سَمِعَ مِنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه. وَحَدَّثَ عَنْهُ: الذُّهْلِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ الحَسَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَحَدَّثَ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ) ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَدِيْبٌ، فَقِيْهٌ، حَافِظٌ، زَاهِدٌ، وَاحِدُ عَصْرِهِ، لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ بِالجَهْدِ، وَأَكْثَرُ مَا أُخِذَ عَنْهُ الحكَايَاتُ وَالزُّهْدِيَّاتُ وَالتَّفْسِيْرُ، وَالجَرحُ وَالتَّعدِيلُ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا رَأَيْتُ فِي العُسْرَةِ مِثْلَ عَلِيِّ بنِ عَثَّامٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: النَّاسُ لاَ يُؤْتَوْنَ مِنْ حِلْمٍ، يَجِيْءُ الرَّجُلُ، فَيَسْأَلُ، فَإِذَا أَخَذَ، غَلِطَ، وَيَجِيْءُ الرَّجُلُ فَيُصَحِّفُ، وَيَجِيْءُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ لِيُمَارِيَ، وَيَجِيْءُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ لِيُبَاهِيَ، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أُعِلِّمَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَنْ يَهْتَمُّ لأَمْرِ دِيْنِهِ (3) .   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 199. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 986. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 986. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 570 قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيّاً - وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ - يَقُوْلُ: دَفَّتْ إِلَيْنَا دَافَّةٌ (1) مِنْ بَنِي هِلاَلٍ، فَخَرَجَ صَبِيٌّ، فَقَالَ: يَا أَبَةِ! إِنَّ فُلاَناً دَفَعَنِي فِي حَومَةِ المَاءِ. قُلْتُ: يَا بُنِيَّ، مَا حَومَةُ المَاءِ؟ قَالَ: بُعْثُطُهُ. قُلْتُ: وَمَا بُعْثُطُهُ؟ قَالَ: مَجَمَّةُ المَاءِ. قُلْتُ: وَمَا مَجَمَّةُ المَاءِ؟ فَقَالَ كلمَةً لَمْ أَحْفَظْهَا. وَقَدْ بَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ (2) إِلَى عَلِيِّ بنِ عَثَّامٍ لِيَحْضُرَ مَجْلِسَهُ، فَأَبَى، فَأَعفَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ (225) ، فَحَجَّ، وَذَهَبَ إِلَى طَرَسُوْسَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَبِهَا تُوُفِّيَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 199 - أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ * (م، س) ابْنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ ذَكْوَانَ بنِ يَزِيْدَ. وَيُقَالُ: إِنَّ جَدَّهُ هُوَ الحَارِثُ؛ وَالِدُ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ الحَافِي، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، القُشَيْرِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّسَوِيُّ، الدَّقِيْقِيُّ، التَّمَّارُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. مَولِدُهُ: عَامَ مَقْتَلِ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ (3) . وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. فَأَخَذَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّنُوْخِيِّ، وَحَمَّادِ   (1) الدافة: الجماعة من الناس تقبل من بلد إلى بلد. انظر " لسان العرب ": دفف. (2) أي عبد الله بن طاهر بن الحسين. (*) طبقات ابن سعد 7 / 340، التاريخ الكبير 5 / 423، الجرح والتعديل 5 / 358، تاريخ بغداد 10 / 420، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 317، الأنساب 3 / 76، المعجم المشتمل: 176، تهذيب الكمال لوحة 858، تذهيب التهذيب 3 / 5 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 658، الكاشف 2 / 211، اللباب 1 / 222، تهذيب التهذيب 6 / 406، خلاصة تذهيب الكمال: 244. (3) أي في سنة (137) هـ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 571 بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَعُقْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ الرِّفَاعِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَعَامِرِ بنِ يِسَافٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَأَبِي جَزْءٍ نَصْرِ بنِ طَرِيْفٍ، وَأَبِي هِلاَلٍ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَشَرِيْكٍ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمِسْكِيْنٍ أَبِي فَاطِمَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّغَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي - وَهُوَ المَرْوَزِيُّ - وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ شَبِيْبٍ المَعْمَرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَبُو نَصْرٍ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ، مِنْ أَهْلِ نَسَا، ذَكَرَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ الدَّاعِيَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. قُلْتُ: قُتِلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَنَزَلَ بَغْدَادَ فِي رَبَضِ أَبِي العَبَّاسِ الطُّوْسِيِّ، فِي دَرْبِ النَّسَائِيَّةِ، وَتَجِرَ بِهَا فِي التَّمْرِ وَغَيْرِهِ. وَكَانَ ثِقَةً، فَاضِلاً، خَيِّراً، وَرِعاً. تُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ، فِي أَوِّلِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ بَصَرُهُ قَدْ ذَهَبَ (2) . وَكَذَلِكَ أَرَّخَهُ: البَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 358. (2) " طبقات ابن سعد " 7 / 340. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 572 التَّمَّارِ، وَلاَ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ مِمَّنِ امتُحِنَ فَأَجَابَ (1) . وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: صَحَّ عِنْدِي أَنَّهُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- لَمْ يَحْضُرْ أَبَا نَصْرٍ التمَّارَ حِيْنَ مَاتَ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَا كَانَ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ (2) . قُلْتُ: أَجَابَ تَقِيَّةً وَخَوْفاً مِنَ النَّكَالِ، وَهُوَ ثِقَةٌ بِحَالِهِ - وَللهِ الحَمْدُ -. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الوَرْدِ: قَالَ لِي مُؤَذِّنُ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ: رَأَيْتُ بِشْراً -رَحِمَهُ اللهُ- فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي. قُلْتُ: فَمَا فُعِلَ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: غُفِرَ لَهُ. فَقُلْتُ: مَا فُعِلَ بِأَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّيْنَ. فَقُلْتُ: بِمَاذَا نَالَ مَا لَمْ تَنَالاَهُ؟ فَقَالَ: بِفَقْرِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى بُنَيَّاتِهِ (3) . وَلَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَصْرٍ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً، أَخْبَرَنَاهُ العِمَادُ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ غَالِيَةَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِيْنَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 6] ، قَالَ: (يَقُوْمُوْنَ حَتَّى يَبْلُغَ الرَّشْحُ أَطْرَافَ آذَانِهِم) (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 421، و" تهذيب الكمال " لوحة 859. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 421، و" تهذيب الكمال " لوحة 859. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 422، 423، و" تهذيب الكمال " لوحة 859. (4) أخرجه مسلم (2862) في الجنة وصفة نعيمها: باب في صفة القيامة، وأخرجه البخاري 11 / 340 في الرقاق، من طريق إسماعيل بن أبان، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم [يوم يقوم الناس لرب العالمين] قال: " يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " وهو في " سنن = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 573 وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ، وَلَوْ بِشَوْصِ السِّواكِ (1)) . وَقَدْ أَلَّفَ البَغَوِيُّ جُزْأَينِ مِمَّا عِنْدَهُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ. 200 - أَبُو المُغِيْثِ الرَّاِفقِيُّ مُوْسَى بنُ سَابِقٍ * أَوْ عِيْسَى بنُ سَابِقٍ، نَائِبُ دِمَشْقَ لِلْمُعْتَصِمِ وَالوَاثِقِ. خَرَجَتْ عَلَيْهِ قَيْسٌ بِكَوْنِهِ صَلَبَ مِنْهُم خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَارُوا، وَأَخَذُوا خَيْلَ السُّلْطَانِ، وَعَسْكَرُوا بِالمَرْجِ، فَالْتَقَى الجَمْعَانِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الجُنْدِ، وَأُسِرَ أَمِيْرٌ. ثُمَّ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُم، وَنَازَلُوا دِمَشْقَ وَبِهَا أَبُو المُغِيْثِ، وَاشْتَدَّ الحِصَارُ، وَمَاتَ المُعْتَصِمُ وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ (2) . 201 - الوَكِيْعِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ ** الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الكُوْفِيُّ، الوَكِيْعِيُّ، الضَّرِيْرُ.   = الترمذي " رقم (2422) و (3335) والمسند 2 / 13 و19 و64 و70 و105 و112 و125 و126، وابن ماجه (4278) . (1) إسناده صحيح، وأخرجه البزار برقم (913) من طريق عبد الواحد بن غياث، عن عبد العزيز بن مسلم بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 93، وزاد نسبته إلى الطبراني في " الكبير "، وقال: رجاله ثقات. وشوص السواك: غسالته، وقيل: ما يتفتت منه عند التسوك. (*) انظر الكامل لابن الأثير 6 / 528، 529. (2) انظر " الكامل " لابن الأثير 6 / 528، 529. (* *) تاريخ بغداد 4 / 58، 59، اللباب 3 / 371، النجوم الزاهرة 2 / 210. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 574 حَدَّثَ عَنْ: حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنَ الوَكِيْعِيِّ (1) . حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الأَنْمَاطِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَمَاتَ قَبْلَ مَحَلِّ الرِّوَايَةِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ يَحْفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، مَا أَحْسِبُهُ سَمِعَ حَدِيْثاً قَطُّ إِلاَّ حَفِظَهُ (2) . وَقَالَ الحَرْبِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لأَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الوَكِيْعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدَامِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ (3)) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ الوَكِيْعِيُّ يَحْفَظُ العِلْمَ عَلَى الوَجْهِ (4) . وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَابْنُهُ مُحَمَّدٌ ثِقَةٌ (5) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: مَاتَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَكِيْعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (6) . وسَيَأْتِي أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ المُتَوْفَّى سَنَةَ (235) (7) .   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 59. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 59. (3) وأخرجه أبو داود (5124) في الأدب، والترمذي (2393) في الزهد، والحاكم 4 / 171 من طريقين عن يحيى بن سعيد القطان بهذا الإسناد، وهو صحيح، وصححه ابن حبان (2514) . (4) " تاريخ بغداد " 4 / 59. (5) " تاريخ بغداد " 4 / 59. (6) " تاريخ بغداد " 4 / 59. (7) في الجزء الحادي عشر، ص 36. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 575 202 - أَحْمَدُ بنُ إِشْكَابَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ * (خَ) الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، الصَّفَّارُ (1) ، نَزِيْلُ مِصْرَ. يُقَالُ: أَحْمَدُ بنُ مَعْمَرِ بنِ إِشْكَابَ. وَقِيْلَ: ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ إِشْكَابَ. رَوَى عَنْ: شَرِيْكٍ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَابِسٍ، وَالكُوْفِيِّيْنَ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ حَسَنٍ الطَّحَّانُ المِصْرِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ، وَالفَسَوِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَاحِبُ حَدِيْثٍ أَدْرَكْتُهُ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . وَقَالَ عَبَّاسٌ: كَتَبَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ كَثِيْراً (4) . مَاتَ: نَحْوَ سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. 203 - خَلَفُ بنُ هِشَامِ بنِ ثَعْلَبٍ البَغْدَادِيُّ ** (م، د) وَقِيْلَ: طَالِبُ بنُ غُرَابٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ   (*) التاريخ الكبير 2 / 4، التاريخ الصغير 2 / 339، الجرح والتعديل 2 / 77، تهذيب الكمال لوحة 17، تذهيب التهذيب 1 / 7 / 2، الوافي بالوفيات 6 / 256، تهذيب التهذيب 1 / 16، حسن المحاضرة 1 / 287، خلاصة تذهيب الكمال: 4. (1) نسبة لمن يبيع الاواني الصفرية، أي المصنوعة من الصفر وهو النحاس. " الأنساب " 8 / 74. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 77، و" تهذيب الكمال " لوحة 17. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 77. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 17. (* *) طبقات ابن سعد 7 / 348، التاريخ الكبير 3 / 196، التاريخ الصغير 2 / 358، = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 576 الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، البَزَّارُ، المُقْرِئُ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَأَبَا عَوَانَةَ، وَأَبَا شِهَابٍ الحَنَّاطَ عَبْدَ رَبِّهِ، وَشَرِيْكاً القَاضِي، وَحَمَّادَ بنَ يَحْيَى الأَبَحَّ، وَأَبَا الأَحْوَصِ، وَعِدَّةٍ. وَتَلاَ عَلَى: سُلَيْمٍ، وَعَلَى أَبِي يُوْسُفَ الأَعْشَى، وَغَيْرِهِمَا. وَحَمَلَ الحُرُوْفَ عَنْ: يَحْيَى بنِ آدَمَ، وَإِسْحَاقَ المُسَيَّبِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَتَصَدَّرَ للإِقرَاءِ وَالرِّوَايَةِ. رَوَى عَنْهُ القِرَاءةَ عَرْضاً: أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ الحُلْوَانِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الكِسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاقُ، وَإِدْرِيْسُ الحَدَّادُ، وَآخَرُوْنَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبَانٍ السَّرَّاجُ، وَابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي الحُرُوْفِ صَحِيْحٌ ثَابِتٌ لَيْسَ بِشَاذٍّ أَصْلاً، وَلاَ يَكَادُ يَخْرُجُ   = الجرح والتعديل 3 / 372، تاريخ بغداد 8 / 322 - 328، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 125، المعجم المشتمل: 115، تهذيب الكمال لوحة 380، تذهيب التهذيب 1 / 199 / 2، معرفة القراء الكبار 1 / 171، 172، العبر 1 / 404، دول الإسلام 1 / 138، الكاشف 1 / 282، غاية النهاية 1 / 273 - 275، تهذيب التهذيب 3 / 156، خلاصة تذهيب الكمال: 106، شذرات الذهب 2 / 67. (1) نسبة إلى سمر: بلد من أعمال كسكر بين واسط والبصرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 577 فِيْهِ عَنِ القِرَاءاتِ السَّبْعِ، وَأَخَذَ عَنْهُ خَلْقٌ لاَ يُحْصَوْنَ. قَالَ حَمْدَانُ بنُ هَانِئ المُقْرِئُ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْكَلَ عَلَيَّ بَابٌ مِنَ النَّحْوِ، فَأَنْفَقْتُ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَتَّى حَذِقْتُهُ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ذَهَبتُ إِلَى خَلَفٍ البَزَّارِ أَعِظَهُ، بَلَغَنِي أَنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ عَنِ الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (مَا خَلَقَ اللهُ شَيْئاً أَعْظَمَ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ - يُرِيْدُ زَمَنَ المِحْنَةِ - وَالمَتْنُ: (مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيِّ (1)) . وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لَمَّا أَوْرَدُوا عَلَيْهِ هَذَا يَوْمَ المِحنَةِ: إِنَّ الخَلْقَ وَاقِعٌ هَا هُنَا عَلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهَذِهِ الأَشْيَاءِ، لاَ عَلَى القُرْآنِ. قُلْتُ: كَذَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ لاَ يُشْهِرَ الأَحَادِيْثَ الَّتِي يَتَشَبَّثُ بِظَاهِرِهَا أَعدَاءُ السُّنَنِ مِنَ الجَهْمِيَّةِ، ... ، وَأَهْلِ الأَهْوَاءِ، وَالأَحَادِيْثَ الَّتِي فِيْهَا صِفَاتٌ لَمْ تَثْبُتْ، فَإِنَّكَ لَنْ تُحَدِّثَ قَوْماً بِحَدِيْثٍ لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُم، إِلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِم (2) ، فَلاَ تَكْتُمِ العِلْمَ الَّذِي هُوَ عِلْمٌ، وَلاَ تَبْذُلْهُ لِلْجَهَلَةِ الَّذِيْنَ يَشْغَبُوْنَ عَلَيْكَ، أَوِ الَّذِيْنَ يَفْهَمُونَ مِنْهُ مَا يَضُرُّهُم. وَخَلَفٌ قَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ عَابِداً، فَاضِلاً (4) .   (1) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 1 / 323، ونسبه إلى أبي عبيد وابن الضريس ومحمد بن نصر عن ابن مسعود. (2) اقتباس من كلام ابن مسعود أخرجه عنه مسلم في " صحيحه " 1 / 11 في المقدمة. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 326، 327، و" تهذيب الكمال " لوحة 380. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 327، و" تهذيب الكمال " لوحة 380. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 578 وَقَالَ: أَعَدْتُ الصَّلاَةَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، كُنْتُ أَتَنَاوَلُ فِيْهَا الشَّرَابَ عَلَى مَذْهَبِ الكُوْفِيِّيْنَ (1) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: مَا رَأَيْتُ أَنْبَلَ مِنْ خَلَفِ بنِ هِشَامٍ، كَانَ يَبْدَأُ بِأَهْلِ القُرْآنِ، ثُمَّ يَأْذَنُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا مِنْ حَدِيْثِ أَبِي عَوَانَةَ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً (2) . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ خَلَفٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَلَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَأَوَّلَ الحَدِيْثَ. أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي حَسَّانٍ الأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ؛ وَرَّاقُ خَلَفِ بنِ هِشَامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ خَلَفاً يَقُوْلُ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَصِرْتُ إِلَى سُلَيْمِ بنِ عِيْسَى، فَقَالَ لِي: مَا أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. فَقَالَ: لاَ تُرِيْدُهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. فَدَعَا ابْنَهُ، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، لَمْ أَدْرِ مَا كَتَبَ، فَأَتَيْنَا مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَسَّانٍ: وَكَانَ لِخَلَفٍ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا قَرَأَ الوَرَقَةَ، قَالَ: أَدْخِلِ الرَّجُلَ. فَدَخَلْتُ، وَسَلَّمْتُ، فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ خَلَفٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْتَ لَمْ تُخَلِّفْ بِبَغْدَادَ أَحَداً أَقْرَأَ مِنْكَ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ لِي: اقْعُدْ، هَاتِ اقْرَأْ. قُلْتُ: أَعَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: لاَ وَاللهِ، لاَ أَقْرَأُ عَلَى رَجُلٍ يَسْتَصْغِرُ رَجُلاً مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ. ثُمَّ خَرَجْتُ، فَوَجَّهَ إِلَى سُلَيْمٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّنِي، فَأَبَيْتُ، ثُمَّ إِنِّيْ نَدِمْتُ، وَاحْتَجْتُ، فَكَتَبْتُ قِرَاءةَ عَاصِمٍ، عَنْ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 327، و" تهذيب الكمال " لوحة 380. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 325، و" تهذيب الكمال " لوحة 380. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 579 يَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ (1) . قَالَ النَّقَّاشُ: قَالَ يَحْيَى الفَحَّامُ: رَأَيْتُ خَلَفَ بنَ هِشَامٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي (2) . تُوُفِّيَ خَلَفٌ: فِي سَابِعِ شَهْرِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ شَارَفَ الثَّمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بُسْتَانٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَقَرَعُوا البَابَ، فَقَالَ لِي: (قُمْ، فَافْتَحْ لَهُمْ، وَبَشِّرْهُمْ بِالجَنَّةِ) . غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ عُثْمَانَ بِشَيْءٍ دُوْنَ صَاحِبَيْهِ (3) . وَمَاتَ فِي العَامِ مَعَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بنُ صُرَدَ، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ الأَوَّلِ، وَيَزِيْدُ بنُ مِهْرَانَ الخَبَّازُ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو يَاسِرٍ عَمَّارُ بنُ نَصْرٍ، وَعُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ الكُوْفِيُّ، وَمَلِيْحُ بنُ وَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَعَبَّادُ بنُ مُوْسَى الخُتَّلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ بِمَكَّةَ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ بِمِصْرَ، وَثَابِتُ بنُ مُوْسَى الزَّاهِدُ أَبُو يَزِيْدَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ.   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 322، 323. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 327. (3) إسناده صحيح، وهو من حديث أبي موسى في البخاري 7 / 30، 31، و43 و44 في فضائل الصحابة، و10 / 492 في الأدب، و13 / 42 في الفتن، ومسلم (2403) في فضائل الصحابة، والترمذي (3710) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 580 204 - بَشَّارُ بنُ مُوْسَى أَبُو عُثْمَانَ العِجْلِيُّ * المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، أَبُو عُثْمَانَ العِجْلِيُّ - وَقِيْلَ: الشَّيْبَانِيُّ - البَصْرِيُّ، الخَفَّافُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. لَهُ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلُّوَيْه، وَالبَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. اخْتُلِفَ فِي تَوْثِيْقِهِ. ضَعَّفَهُ: أَبُو زُرْعَةَ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ (2) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنَا لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ (4) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَأَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المَدِيْنِيِّ كَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ (5) .   (*) طبقات ابن سعد 7 / 352، التاريخ الكبير 2 / 130، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 24، الجرح والتعديل 2 / 417، الكامل لابن عدي 1 / 71، تاريخ بغداد 7 / 118 - 123، تهذيب الكمال لوحة 146، 147، تذهيب التهذيب 1 / 82 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 310، 311، المغني في الضعفاء 1 / 104، تهذيب التهذيب 1 / 441، خلاصة تذهيب الكمال: 47، 48. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 417. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 122، و" تهذيب الكمال " لوحة 147. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 417، و" تاريخ بغداد " 7 / 121، و122. (4) " تاريخ بغداد " 7 / 122، و" تهذيب الكمال " لوحة 147. (5) " الكامل " لابن عدي 1 / لوحة 71 و72. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 581 وَقَالَ البُخَارِيُّ: تَرَكْتُهُ (1) . وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا كَانَ بِبَغْدَادَ أَصْلَبُ فِي السُّنَّةِ مِنْهُ (2) . وَقَالَ ابْنُ الغَلاَبِيِّ: قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: دَجَّالٌ (3) . وَعَنْ بَشَّارٍ، قَالَ: نِعْمَ المَوْعِدُ غَداً؛ نَلْتَقِي أَنَا وَابْنُ مَعِيْنٍ (4) . قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 205 - أَبُو بِلاَلٍ الأَشْعَرِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَحَدُ عُلَمَاءِ الكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ، وَعَاصِمِ بنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَيَحْيَى بنِ العَلاَءِ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَازِمٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَرَزَةَ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّغْلِبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدَكَ القَزَّازُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ البَغْدَادِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. لَيَّنَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 147. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 119، و" تهذيب الكمال " لوحة 147. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 121، و" تهذيب الكمال " لوحة 147. (4) " تاريخ بغداد " 7 / 121، 122، و" تهذيب الكمال " لوحة 147. (*) الجرح والتعديل 9 / 350، ميزان الاعتدال 4 / 507، المغني في الضعفاء 2 / 775، لسان الميزان 6 / 14 و7 / 22. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 582 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: هُوَ كُنْيَتِي (1) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَبُو بِلاَلٍ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ. وَيُقَالُ: اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَقُوْلُهُ هُوَ أَصَحُّ. وَأَظُنُّهُ مَاتَ: قَبْلَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 206 - سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ عُفَيْرِ بنِ مُسْلِمِ بنِ يَزِيْدَ المِصْرِيُّ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، الثِّقَةُ، أَبُو عُثْمَانَ المِصْرِيُّ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَهُوَ مِنْ مَوَالِي الأَنْصَارِ. سَمِعَ: مَالِكاً، وَاللَّيْثَ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ لَهِيْعَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ، وَأَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّشْدِيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 350. (*) التاريخ الكبير 3 / 309، الجرح والتعديل 4 / 56، الكامل لابن عدي لوحة 365، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 168، المعجم المشتمل: 129، تهذيب الكمال لوحة 504، تذهيب التهذيب 2 / 27 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 427، ميزان الاعتدال 2 / 155، العبر 1 / 396، الكاشف 1 / 371، تهذيب التهذيب 4 / 74، مقدمة فتح الباري: 404، حسن المحاضرة 1 / 308، طبقات الحفاظ: 184، خلاصة تذهيب الكمال: 142، شذرات الذهب 2 / 58. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 583 وَأَخْرَجَ لَهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً، إِمَاماً، مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدَ النَّاسِ ثِقَةٌ، ثُمَّ سَاقَ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ السَّعْدِيِّ الجَوْزَجَانِيِّ فِي سَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ: فِيْهِ غَيْرُ لَوْنٍ مِنَ البِدَعِ، وَكَانَ مُخَلِّطاً، غَيْرَ ثِقَةٍ. فَهَذَا مِنْ مُجَازَفَاتِ السَّعْدِيِّ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ السَّعْدِيُّ، لاَ مَعْنَى لَهُ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً، وَلاَ بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ كَلاَمٌ فِي سَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ السَّعْدِيُّ أَرَادَ بِهِ سَعِيْدَ بنَ عُفَيْرٍ آخَرَ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَقْرَأُ مِن كُتُبِ النَّاسِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: رَأَيْتُ بِمِصْرَ ثَلاَثَ عَجَائِبَ: النِّيْلَ، وَالأَهْرَامَ، وَسَعِيْدَ بنَ عُفَيْرٍ. قُلْتُ: حَسْبُكَ أَنَّ يَحْيَى إِمَامَ المُحَدِّثِيْنَ انبَهَرَ لابْنِ عُفَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ سَعِيْدٌ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالأَنْسَابِ، وَالأَخْبَارِ المَاضِيَةِ، وَأَيَّامِ العَرَبِ، وَالتَّوَارِيْخِ، كَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْئاً عَجِيْباً، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَدِيْباً فَصِيْحاً، حَسَنَ البَيَانِ، حَاضِرَ الحُجَّةِ، لاَ تُمَلُّ مُجَالَسَتُهُ، وَلاَ يُنْزَفُ عِلْمُهُ. قَالَ: وَكَانَ شَاعِراً مَلِيْحَ الشِّعْرِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، لَمَّا قَدِمَ مِصْرَ رَآهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، وَاسْتَحْسَنَ مَا يَأْتِي بِهِ، وَكَانَ يَلِي نِقَابَةَ الأَنْصَارِ وَالقَسْمَ عَلَيْهِم، وَلَهُ أَخْبَارٌ مَشْهُوْرَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَوْلِدُهُ (3) ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،   (1) " الكامل " لابن عدي 2 / لوحة 365. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 56. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 505. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 584 حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ عُفَيْرٍ، قَالَ: كُنَّا بِقُبَّةِ الهَوَاءِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَقَالَ لَنَا: مَا أَعْجَبَ فِرْعَوْنَ مِنْ مِصْرَ حَيْثُ يَقُوْلُ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزُّخْرُفُ: 51] ! فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ الَّذِي تَرَى بَقِيَّةُ مَا دُمِّرَ، قَالَ تَعَالَى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُوْنَ} [الأَعْرَافُ: 137] . قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ أَمْسَكَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنْ (تَارِيْخِهِ) : هَذَا حَدِيْثٌ أُنْكِرَ عَلَى سَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ، فَمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ غَيْرُهُ (1) . قَالَ: وَكَذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ حَدِيْثٌ آخَرُ، رَوَاهُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ. قُلْتُ: مَنْ كَانَ فِي سَعَةِ عِلْمِ سَعِيْدٍ، فَلاَ غَرْوَ أَنْ يَنْفَرِدَ، ثُمَّ ابْنُ لَهِيْعَةَ   (1) لم يذكر المؤلف نص الحديث الذي أنكر على سعيد بن عفير. وجاء في " كامل " ابن عدي 2 / لوحة 365 من طريق عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، حدثني أبي، حدثني مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: " أحسنهم خلقا " قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: " أكثرهم ذكرا للموت، وأحسنهم له استعدادا " قال ابن عدي: فهذا لا أعرفه يرويه عن مالك إلا ابن عفير عنه، ولا عن ابن عفير إلا ابنه. ثم قال ابن عدي: حدثنا يعقوب بن إسحاق أبو عوانة الاسفراييني، حدثنا عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، حدثني أبي، حدثني مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميص. قال ابن عدي: هذا في " الموطأ " عن جعفر، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر في إسناده عائشة، ولم أجد له بعد استقصائي على حديثه شيئا مما ينكر عليه سوى هذين الحديثين، فلعل البلاء من عبيد الله، لاني رأيت سعيد بن عفير عن كل من يروي عنهم إذا روى عنه ثقة مستقيم الحديث. ونقل المؤلف كلام ابن عدي في " الميزان " 2 / 155 بتصرف، ثم قال: بلى لسعيد حديث منكر من رواية عبد الله بن حماد الآملي، عن سعيد بن عفير، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن عمر، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا في عدم وجوب العمرة سقته في ترجمة يحيى، فإن سعيدا أوثق منه. ونصه في ترجمة يحيى 4 / 363: عن جابر قال: قلت: يا رسول الله، العمرة واجبة وفريضتها كفريضة الحج؟ قال: " لا، وأن تعتمر خير لك " وعلق عليه، فقال: هذا غريب عجيب تفرد به سعيدا هكذا عن يحيى بن أيوب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 585 ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، فَالنَّكَارَةُ مِنْهُ جَاءتْ. مَاتَ سَعِيْدٌ: لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 207 - سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ شُعْبَةَ الخُرَاسَانِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو عُثْمَانَ الخُرَاسَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ - وَيُقَالُ: الطَّالْقَانِيُّ - ثُمَّ البَلْخِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ المُجَاوِرُ، مُؤلِّفُ كِتَابِ (السُّنَنِ) . سَمِعَ: بِخُرَاسَانَ، وَالحِجَازِ، وَالعِرَاقِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالجَزِيْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ إِيَادِ بنِ لَقِيْطٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ الوَضَّاحِ، وَالوَلِيْدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَفَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَحَزْمِ بنِ أَبِي حَزْمٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَحُدَيْجِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبِي شِهَابٍ الحَنَّاطِ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَكَرِيَّا، وَحَمَّادِ بنِ يَحْيَى الأَبَحِّ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَدَاوُدَ العَطَّارِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.   (*) طبقات ابن سعد 5 / 502، التاريخ الكبير 3 / 516، التاريخ الصغير 2 / 358، الجرح والتعديل 4 / 68، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 170، المعجم المشتمل: 129، تهذيب الكمال لوحة 508، تذهيب التهذيب 2 / 29 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 416، ميزان الاعتدال 2 / 159، العبر 1 / 399، الكاشف 1 / 373، العقد الثمين 4 / 586، 587، تهذيب التهذيب 4 / 89، طبقات الحفاظ: 179، خلاصة تذهيب الكمال 143، شذرات الذهب 2 / 62، الرسالة المستطرفة: 34. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 586 وَكَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، مِن أَوْعِيَةِ العِلْمِ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُسْلِمٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، وَأَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ، وَبُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَأَبُو المُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو المَرْوَزِيُّ، وَالعَبَّاسُ الأَسْفَاطِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ عَمْرٍو العُكْبَرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ العَطَّارُ، وَعُمَيْرُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ: ذَكَرْتُ سَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَفَخَّمَ أَمْرَهُ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، مِنَ المُتْقِنِيْنَ الأَثْبَاتِ، مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ (2) . وَقَالَ حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ: أَمْلَى عَلَيْنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ مِنْ حِفْظِهِ (3) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ ثَمَانِيْنَ سَنَةً أَوْ أَزْيَدَ. وَتُوُفِّيَ: بِمَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ الحَافِظُ إِذَا حَدَّثَ عَنْ سَعِيْدٍ، أَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَطْرَاهُ، فَكَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ ثَبْتاً (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 508. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 587 أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ؛ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَلِّمُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ طَعَاماً فِيْهِ دُبَّاءُ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ (1) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ؛ جَابِرِ بنِ حَكِيْمٍ، أَوِ ابْنِ طَارِقٍ الأَحْمَسِيِّ، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ. وَأَخْبَرَنَا المُقْرِئُ المُجَوِّدُ مُحَمَّدُ بنُ جَوْهَرٍ التَّلَّعْفَرِيُّ (2) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَدِيْبُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقِرَاءتِي (ح) . وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ هَذَا، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الأَنْمَاطِيُّ بِعَسْكَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ - هُوَ ابْنُ أَيُّوْبَ الأَهْوَازِيُّ - حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقُوْلُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَإِنَّمَا لَهُ مَا   (1) هو في " سننه " (3304) ، وأخرجه الترمذي في " الشمائل " 1 / 254، وقال البوصيري في " الزوائد " ورقة 253: وإسناده صحيح. (2) قال في " الأنساب " 3 / 69: بفتح التاء المنقوطة باثنتين واللام، وسكون العين المهملة، وفتح الفاء، وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى موضع بنواحي الموصل دخلتها في رحلتي إلى الشام، وبت بها ليلة، وظني أنها كانت التل الاعفر، فخففوها وقالوا: تلعفر، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 588 أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ تَصَدَّقَ فَأَمْضَى) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً - وَللهُ الحَمْدُ -. وَبِهِ، إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا بُهْلُولُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَأْخُذُ اللهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيْهِ بِيَمِيْنِهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَنَا اللهُ. وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ، وَيبْسُطُهَا: أَنَا الرَّحْمَنُ، أَنَا المَلِكُ) . حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى المِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّيْ لأَقُوْلُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ سَعِيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَقَدْ رَوَى كِتَابَ (السُّنَنِ) عَنْ سَعِيْدٍ: مُحَدِّثُ هَرَاةَ؛ أَحْمَدُ بنُ نَجْدَةَ بنِ العُرْيَانِ. وَقَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ سَعِيْدٌ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَالصِّدْقِ (3) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَدُحَيْمٌ: أَنَّهُمَا حَضَرَا يَحْيَى بنَ حَسَّانٍ مُقَدِّماً لِسَعِيْدِ بن مَنْصُوْرٍ، يَرَى لَهُ حِفْظَهُ. وَكَانَ حَافِظاً (4) .   (1) برقم (2959) في أول الزهد والرقائق. (2) رقم (2788) (25) في صفات المنافقين: باب صفة القيامة والجنة والنار، وأخرجه من حديث ابن عمر البخاري 13 / 334 في التوحيد: باب قول الله تعالى (لما خلقت بيدي) وأبو داود (4732) وابن ماجه (198) . (3) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 508. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 589 وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَكَنَ سَعِيْدٌ مَكَّةَ مُجَاوِراً، فَنُسِبَ إِلَيْهَا، وَهُوَ رَاوِيَةُ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيْرَةٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) . قُلْتُ: أَمَّا فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، فَرَوَى عَنْ: يَحْيَى بنِ مُوْسَى خَتٍّ البَلْخِيِّ، عَنْهُ. وَقَالَ حَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: صَنَّفَ الكُتُبَ، وَكَانَ مُوَسَّعاً عَلَيْهِ (2) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: كَانَ إِذَا رَأَى فِي كِتَابِهِ خَطَأً، لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ. قُلْتُ: أَيْنَ هَذَا مِنْ قَرِيْنِه يَحْيَى بنِ يَحْيَى الخُرَاسَانِيِّ الإِمَامِ؛ الَّذِي كَانَ إِذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ، أَوْ تَرَدَّدَ، تَرَكَ الحَدِيْثَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَرْوِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ بِمَكَّةَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ. زَادَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَنَةَ سِتٍّ. وَالأَوَّلُ الصَّحِيْحُ. وَصَحَّفَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، فَقَالَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَنْبَؤُوْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِيْذَةَ، أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئاً، فَهُوَ لَهُ. قَالَ: هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ. إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ (3) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 508. (3) وأورده الحافظ في " الفتح " 1 / 8 عن سعيد بن منصور وقال: ورواه الطبراني من = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 590 208 - مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلٍ الأَسَدِيُّ * (خَ، د، ت، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ أَعْلاَمِ الحَدِيْثِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَالحَارِثِ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ السُّحَيْمِيِّ، وَمُعْتَمِرٍ، وَمَرْحُوْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِيْهِ؛ الجَرَّاحِ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَوَلَدُه؛ يَحْيَى، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَخُوْهُ؛   = طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. (*) طبقات ابن سعد 7 / 307، التاريخ الكبير 8 / 72، 73، التاريخ الصغير 2 / 357، الجرح والتعديل 8 / 438، الإكمال 7 / 249، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 522، طبقات الحنابلة 1 / 341 - 345، المعجم المشتمل: 289، تهذيب الكمال لوحة 1319، تذهيب التهذيب 4 / 32 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 421، العبر 1 / 404، دول الإسلام 1 / 138، الكاشف 3 / 136، تاج العروس 2 / 376، تهذيب التهذيب 10 / 107، طبقات الحفاظ: 181، خلاصة تذهيب الكمال: 396، شذرات الذهب 2 / 66، الرسالة المستطرفة: 62، كشف الظنون: 1648، هدية العارفين 2 / 428. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 591 حَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ يُوْسُفُ القَاضِي، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَوَقَعَ لِي جُزْءٌ مِنْ (مُسْنَدِهِ) . رَوَى: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، قَالَ: لَوْ أَتَيتُ مُسَدَّداً، فَحَدَّثْتُه فِي بَيتِهِ، لَكَانَ يَسْتَأْهِلُ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مُسَدَّدٌ صَدُوْقٌ، فَمَا كَتَبْتَ عَنْهُ فَلاَ تَعْدُ (2) . وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الكِتَابَ لِي إِلَى مُسَدَّدٍ، فَكَتَبَ لِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْخُ! عَافَاهُ اللهُ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الفَلاَّسُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ مُسَدَّدٍ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ (4) . وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: عَمَّنْ أَكْتُبُ بِالبَصْرَةِ؟ قَالَ: اكتُبْ عَنْ مُسَدَّدٍ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثِقَةٌ (5) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (6) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلِ بنِ   (1) في الأصل: " يتساهل " وهو تحريف، والتصويب من " تذهيب " المؤلف 4 / لوحة 32 / 2، و" تهذيب الكمال " لوحة 1319. و" الجرح والتعديل " 8 / 438، و" التاريخ الكبير " 8 / 73. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 438، و" تهذيب الكمال " لوحة 1319 - وقوله: فلا تعد: أي: فلا تتجاوزه. وفي " الجرح والتعديل ": فلا تعده علي. (3) انظر طبقات الحنابلة 1 / 341 وما بعدها. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 438. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1319. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 1319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 592 مُسْتَوْرِدٍ الأَسَدِيُّ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، كَانَ يُمْلِي عَلَيَّ حَتَّى أَضْجَرَ، فَيَقُوْلُ لِي: يَا أَبَا الحَسَنِ، اكتُبْ هَذَا الحَدِيْثَ. فَيُمْلِي عَلَيَّ بَعْدَ ضَجَرِي خَمْسِيْنَ، سِتِّيْنَ حَدِيْثاً، فَأَتَيْتُهُ فِي رِحْلَتِي الثَّانِيَةِ، فَأَصَبْتُ عَلَيْهِ زِحَاماً كَثِيْراً، فَقُلْتُ: قَدْ أَخَذْتُ بِحَظِّي مِنْكَ. وَكَانَ أَبُو نُعَيْمٍ يَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيْهِ، فَأُخْبِرُهُ، فَيَقُوْلُ: يَا أَحْمَدُ، هَذِهِ رُقْيَةُ العَقْرَبِ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ ثِقَةً (2) . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَكِيْمٍ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي حَدِيْثِ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَأَنَّهَا الدَّنَانِيْرُ. ثُمَّ قَالَ: كَأَنَّكَ تَسْمَعُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (3) . قَالَ البُخَارِيُّ (4) : مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلِ بنِ مُرَعْبَلٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَذَا وَرَّخَهُ: ابْنُ سَعْدٍ، وَجَمَاعَةٌ (5) ، وَمَا عَيَّنُوا شَهْراً. رَوَى لَهُ الجَمَاعَةُ، سِوَى مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ. أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الحَلِيْمِ المَالِكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْفِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قِرَاءةً عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَه شُعْبَةُ - قَالَ: (يَقْطَعُ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1319. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 438. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1319. (4) في " التاريخ الكبير " 8 / 72. (5) " طبقات ابن سعد " 7 / 307، و" تهذيب الكمال " لوحة 1319. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 593 الصَّلاَةَ المَرْأَةُ الحَائِضُ، وَالكَلْبُ) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ: ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَهَمَّامٌ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَوقَفُوهُ علَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْتُ: أَخْرَجَه هَكَذَا: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ (1)) ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، جَمِيْعاً مِنْ طَرِيْقِ يَحْيَى القَطَّانِ. وَوَقْفُهُ أَشبَهُ. أَخْبَرَنَا بِلاَلٌ المُغِيْثِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ روَاجٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بنُ بُنْدَارَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ جَعْفَرٍ السَّلَمَاسِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الوَلِيْدُ بنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَالِدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلِ بنِ مُغَرْبَلِ بنِ مُرَعْبَلِ بنِ أَرَنْدَلَ بنِ سَرَنْدَلَ بنِ غَرَنْدَلَ بنِ مَاسَكِ بنِ المُسْتَوْرِدِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي؛ مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، وَيُثِيْبُ عَلَيْهَا (3) . هَذَا سِيَاقٌ عَجِيْبٌ مُنْكَرٌ فِي نَسَبِ مُسَدَّدٍ، أَظُنُّه مُفْتَعَلاً، وَمَنْصُوْرٌ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ. وَلِمُسَدَّدٍ (مُسْنَدٌ) فِي مُجَلَّدٍ، رَوَاهُ عَنْهُ مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَ (مُسْنَدٌ) آخَرُ صَغِيْرٌ، يَرْوِيْهِ عَنْهُ أَبُو خَلِيْفَةَ (4) .   (1) " رقم (703) ، والنسائي 2 / 64، وابن ماجه (949) وقد تقدم الكلام عليه في الصفحة (252) تعليق رقم (2) . (2) نسبة إلى سلماس من بلاد أذربيجان على مرحلة من خوى انظر " الأنساب " 7 / 107 وفيه ترجمة الحسين بن جعفر هذا. (3) وأخرجه البخاري 5 / 154 في الهبة: باب المكافأة في الهبة من طريق مسدد بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 6 / 90، وأبو داود (3536) . والترمذي (1953) من طريق عن عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة به. (4) هو الفضل بن الحباب الجمحي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 594 وَمَا زَادَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) عَلَى ذِكْرِ مُرَعْبَلٍ بَعْدَ ذِكْرِ جَدِّهِ مُسَرْبَلٍ. وَكَذَا مُسْلِمٌ فِي (الكُنَى) ، لَكِنْ قَالَ: مُغَرْبِلٌ بَدَلَ مُرَعْبَلٍ. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ فِي (الإِرْشَادِ) لَهُ: مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُغَرْبَلِ بنِ أَرْمَكَ بنِ مَاهَكَ. وَقَالَ جَعْفَرٌ المُسْتَغْفِرِيُّ: مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ شَرِيْكٍ. وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: قَالَ الشَّرِيْفُ النَّسَّابَةُ: ابْنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلِ بنِ مَاسِكِ بنِ جَرْوِ بنِ يَزِيْدَ بنِ شَبِيْبِ بنِ الصَّلْتِ بنِ أَسَدٍ. قَالَ مَازِحٌ: لَوْ كُتِبَ أَمَامَ نَسَبِهِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) كَانَ رُقْيَةً لِلْعَقْرَبِ. 209 - نُعَيْمُ بنُ حَمَّادِ بنِ مُعَاوِيَةَ الخُزَاعِيُّ * (خَ، د، ت، ق) ابْنِ الحَارِثِ بنِ هَمَّامِ بنِ سَلَمَةَ بنِ مَالِكٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيُّ، المَرْوَزِيُّ، الفَرَضِيُّ، الأَعوَرُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. رَأَى: الحُسَيْنَ بنَ وَاقِدٍ المَرْوَزِيَّ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَهُشَيْمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ - لَهُ عَنْهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ - وَخَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَعِيْسَى   (*) طبقات ابن سعد 7 / 519، التاريخ الكبير 8 / 100، الجرح والتعديل 8 / 462، الكامل لابن عدي لوحة 806، تاريخ بغداد 13 / 306، 314، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 534، المعجم المشتمل: 302، تهذيب الكمال لوحة 1418، تذهيب التهذيب 4 / 101 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 418، ميزان الاعتدال 4 / 267 - 270، الكاشف 3 / 207، العبر 1 / 405، دول الإسلام 1 / 138، تهذيب التهذيب 10 / 458، مقدمة فتح الباري: 447، النجوم الزاهرة 2 / 257، طبقات الحفاظ: 180، 181، حسن المحاضرة 1 / 347، خلاصة تذهيب الكمال: 403، شذرات الذهب 2 / 67، الرسالة المستطرفة: 49. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 595 بنِ عُبَيْدٍ الكِنْدِيِّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشْيَخَتِهِ - وَعَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَالِدٍ الحَنَفِيِّ، وَنُوْحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَرِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٍ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَنُوْحِ بنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِخُرَاسَانَ، وَالحَرَمَيْنِ، وَالعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَاليَمَنِ، وَمِصْرَ. وَفِي قُوَّةِ رِوَايَتِهِ نِزَاعٌ. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ (1) - مَقْرُوْناً بِآخَرَ - وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِوَاسِطَةٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَالرَّمَادِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَسَمُّوْيَه، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُنِيْبٍ، وَعُبَيْدُ بنُ شَرِيْكٍ البَزَّارُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: شَابٌّ كَاتِبٌ، كَانَ مَعَهُ فِي السِّجنِ اتِّفَاقاً؛ وَهُوَ حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: جَاءنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ وَنَحْنُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ نَتَذَاكَرُ المُقَطَّعَاتِ، قَالَ: جَمَعتُم حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: فَعُنِينَا بِهَا مَنْ يَوْمَئِذٍ (2) .   (1) قال الحافظ في " المقدمة " 447: لم يخرج عنه البخاري في " الصحيح " سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في المقدمة موضعا واحدا. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 306، و" تهذيب الكمال " لوحة 1419. والمقطعات: أقوال الصحابة والتابعين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 596 وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَرَفْنَاهُ يَكْتُبُ المُسْنَدَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: يُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ المُسْنَدَ وَصَنَّفَهُ: نُعَيْمٌ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ نُعَيْمٌ كَاتِباً لأَبِي عِصْمَةَ -يَعْنِي: نُوْحاً- وَكَانَ شَدِيدَ الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ، وَأَهْلِ الأَهوَاءِ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ نُعَيْمٌ (2) . قَالَ صَالِحُ بنُ مِسْمَارٍ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: أَنَا كُنْتُ جَهْمِيّاً، فَلِذَلِكَ عَرَفْتُ كَلاَمَهُم، فَلَمَّا طَلَبتُ الحَدِيْثَ، عَرَفتُ أَنَّ أَمرَهُم يَرْجِعُ إِلَى التَّعطِيلِ (3) . يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُوَارِزْمِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ (4) . ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ أَبُو يَحْيَى، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلاَنِ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ مَعْرُوْفٌ بِالطَّلَبِ. ثُمَّ ذَمَّهُ يَحْيَى، وَقَالَ: يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ (5) . إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ - وَسُئِلَ عَنْ نُعَيْمٍ - فَقَالَ: ثِقَةٌ. فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ صَحَّحَ كُتُبَهُ مِنْ عَلِيٍّ   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 306. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 307، و" تهذيب الكمال " لوحة 1419. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 307، و" تهذيب الكمال " لوحة 1419. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. (5) " الكامل " لابن عدي: 4 / لوحة 806. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 597 الخُرَاسَانِيِّ العَسْقَلاَنِيِّ. فَقَالَ يَحْيَى: أَنَا سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: أَخَذْتَ كُتُبَ عَلِيٍّ الصَّيْدَلاَنِيِّ، فَصَحَّحْتَ مِنْهَا؟ فَأَنْكَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ قَدْ رَثَّ. فَنَظَرْتُ، فَمَا عَرَفتُ وَوَافَقَ كُتُبِي، غَيَّرْتُ (1) . عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ، قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: نُعَيْمٌ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، رَجُلُ صِدقٍ، أَنَا أَعْرَفُ النَّاسِ بِهِ، كَانَ رَفِيْقِي بِالبَصْرَةِ، كَتَبَ عَنْ رَوْحٍ خَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، فَقُلْتُ لَهُ قَبْلَ خُرُوْجِي مِنْ مِصْرَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ الَّتِي أَخَذْتَهَا مِنَ العَسْقَلاَنِيِّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، مِثْلُكَ يَسْتَقبِلُنِي بِهَذَا؟! فَقُلْتُ: إِنَّمَا قُلْتُ شَفَقَةً عَلَيْكَ. قَالَ (2) : إِنَّمَا كَانَتْ مَعِي نُسَخٌ أَصَابَهَا المَاءُ، فَدَرَسَ بَعْضُ الكِتَابِ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ هَذَا فِي الكَلِمَةِ الَّتِي تُشْكِلُ عَلَيَّ، فَإِذَا كَانَ مِثْلَ كِتَابِي عَرَفْتُهُ، فَأَمَّا أَنْ أَكُوْنَ كَتَبْتُ مِنْهُ شَيْئاً قَطُّ، فَلاَ وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ أَخِيْهِ، وَجَاءهُ بِأُصُولِ كُتُبِهِ مِنْ خُرَاسَانَ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَهَّمُ الشَّيْءَ كَذَا يُخْطِئُ فِيْهِ، فَأَمَّا هُوَ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ (3) . وَعَنْ عَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَضَرْنَا نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ بِمِصْرَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ كِتَاباً مِنْ تَصْنِيْفِهِ، فَقَرَأَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ بِأَحَادِيْثَ. فَقُلْتُ: لَيْسَ ذَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرُدُّ عَلَيَّ؟! قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ، أَرُدُّ عَلَيْكَ، أُرِيْدُ زَيْنَكَ. فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ، فَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ مَا سَمِعْتَ أَنْتَ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَطُّ، وَلاَ هُوَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ. فَغَضِبَ، وَغَضِبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. (2) في الأصل: قلت. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 313. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 598 الحَدِيْثِ، وَقَامَ، فَأَخْرَجَ صَحَائِفَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَيْنَ الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ لَيْسَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ؟ نَعَمْ يَا أَبَا زَكَرِيَّا غَلِطْتُ، وَكَانَتْ صَحَائِفَ، فَغَلِطْتُ، فَجَعَلْتُ أَكْتُبُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ غَيْرُ ابْنِ المُبَارَكِ (1) . هَذِهِ الحِكَايَةُ أَوْرَدَهَا شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ مُنْقَطِعَةً، فَقَالَ: رَوَى الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ اليُوْنَارْتِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبَّاسٍ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: ثِقَةٌ، مَرْوَزِيٌّ (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: يَصِلُ أَحَادِيْثَ يُوْقِفُهَا النَّاسُ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (4) . العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ، قَالَ: وَضَعَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ الفَارِضِيُّ كُتُباً فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ، وَنَاقَضَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، وَوَضَعَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ كِتَاباً فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالفَرَائِضِ (5) . فَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: نُعَيْمٌ هَذَا قَدْ جَاءَ بِأَمرٍ كَبِيْرٍ، يُرِيْدُ أَنْ يُبطِلَ نِكَاحاً قَدْ عُقِدَ، وَيُبطِلَ بُيُوْعاً قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَقَوْمٌ تَوَالَدُوا عَلَى هَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ، فَأَقَامَ بِهَا نَحْوَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَتَبُوا عَنْهُ بِهَا، وَحُمِلَ إِلَى العِرَاقِ فِي امْتِحَانِ: القُرْآنِ مَخْلُوْقٍ، مَعَ البُوَيْطِيِّ مُقَيَّدَيْنِ، فَمَاتَ نُعَيْمٌ بِالعَسْكَرِ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 313. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 462. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 599 سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) . قُلْتُ: نُعَيْمٌ مِنْ كِبَارِ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنَّهُ لاَ تَرْكَنُ النَّفسُ إِلَى رِوَايَاتِهِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ (2) : قُلْتُ لِدُحَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيْسُوْنَ الأُمُوْرَ بِرَأْيِهِم، فَيُحِلُّوْنَ الحَرَامَ، وَيُحَرِّمُوْنَ الحَلاَلَ (3)) . فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثُ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو حَدِيْثُ مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَقُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ فِي حَدِيْثِ نُعَيْمٍ هَذَا، فَأَنْكَرَهُ. قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى؟ قَالَ: شُبِّهَ لَهُ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَنُعَيْمٌ ثِقَةٌ. قُلْتُ: كَيْفَ يُحَدِّثُ ثِقَةٌ بِبَاطِلٍ؟ قَالَ: شُبِّهَ لَهُ (5) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَافَقَ نُعَيْماً عَلَيْهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بنِ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، كُلُّهُم عَنْ عِيْسَى (6) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1419. (2) في " تاريخه " 1 / 622. (3) أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " 13 / 307، 308، وابن عدي في " الكامل " 2 / 370. (4) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 622. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 307، 308. (6) " تاريخ بغداد " 13 / 308. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 600 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي حَدِيْثِ سُوَيْدٍ: إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا بِنُعَيْمٍ، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ رَجُلٌ خُرَاسَانِيٌّ، يُقَالُ لَهُ: الحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ أَبُو صَالِحٍ الخُوَاسْتِيُّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ يُعرَفُوْنَ بِسَرِقَةِ الحَدِيْثِ، مِنْهُم: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ، وَالنَّضْرُ بنُ طَاهِرٍ، وَثَالِثُهُم: سُوَيْدٌ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَرُوِيَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ المَنْبِجِيِّ، جَمِيْعاً عَنِ ابْنِ يُوْنُسَ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمِّهِ، وَمِنْ حَدِيْثِ المَنْبِجِيِّ (2) . ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَنِي الصُّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ: كُلُّ مَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عِيْسَى - غَيْرَ نُعَيْمٍ - فَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ نُعَيْمٍ، وَبِهَذَا الحَدِيْثِ سَقَطَ نُعَيْمٌ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ الحُفَّاظِ، إِلاَّ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُهُ إِلَى الكَذِبِ، فَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ وَهْبٍ، فَبَلِيَّتُهُ مِنِ ابْنِ أَخِيْهِ؛ لأَنَّ اللهَ رَفَعَهُ عَنْ ادِّعَاءِ مِثْلِ هَذَا؛ وَلأَنَّ حَمْزَةَ بنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي عَنْ عَلِيَّكَ (3) الرَّازِيِّ: أَنَّهُ رَأَى هَذَا الحَدِيْثَ مُلْحَقاً بِخَطٍّ طَرِيٍّ فِي قُنْدَاقِ ابْنِ وَهْبٍ لَمَّا أَخْرَجَهُ إِلَيْهِ بَحْشَلُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَأَمَّا المَنْبِجِيُّ، فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ (4) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ لَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ: لَمَّا أَرَدْتُ الخُرُوجَ إِلَى سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَلْ سُوَيْداً عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ (5) . قَالَ: فَأَملاَهُ   (1) انظر " الكامل " لابن عدي 2 / لوحة 370. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 310. (3) هو علي بن سعيد الرازي يعرف ب " عليك " انظر " تبصير المنتبه " 3 / 966. (4) " تاريخ بغداد " 13 / 311. (5) " الكامل " لابن عدي 2 / 370. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 601 عَلَيَّ عَنْ عِيْسَى بنِ عِيْسَى، وَوَقَّفْتُهُ، فَأَبَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عِيْسَى، لَكِنْ قَالَ: عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، بَدَلَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ. وَرَوَاهُ: هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى، حَدَّثَنَا حَرِيْزٌ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ غَرِيْبٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيْهِ؛ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَزَعَمَ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ هَؤُلاَءِ سَرَقُوهُ مِنْ نُعَيْمٍ. قَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ كَأَنَّهُ يُهَجِّنُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ فِي خَبَرِ أُمِّ الطُّفَيْلِ فِي الرُّؤْيَةِ، وَيَقُوْلُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِمِثْلِ هَذَا (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: عَرَضْتُ عَلَى دُحَيْمٍ مَا حَدَّثَنَاهُ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ رَجَاءَ بنِ حَيْوَةَ، عَنِ النَّوَّاسِ: (إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالوَحْيِ ... ) ، الحَدِيْثَ، فَقَالَ: لاَ أَصْلَ لَهُ (2) . فَأَمَّا خَبَرُ أُمِّ الطُّفَيْلِ، فَرَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ مَرْوَانَ بنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ عَامِرٍ، عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ؛ امْرَأَةِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي صُوْرَةِ كَذَا. فَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ جِدّاً، أَحْسَنَ النَّسَائِيُّ حَيْثُ يَقُوْلُ: وَمَنْ مَرْوَانُ بنُ عُثْمَانَ حَتَّى يُصَدَّقَ عَلَى اللهِ (3) ؟! وَهَذَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ نُعَيْمٌ، فَقَدْ رَوَاهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ الحَافِظُ،   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 311، و" تهذيب الكمال " لوحة 1419. (2) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 621 وفيه: " إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة. أو قال: رعدة شديدة ". (3) انظر " تاريخ بغداد " 13 / 311، و" ميزان الاعتدال " 4 / 92 و269. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 602 وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى التُّسْتَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: رِجَالُهُ مَعْرُوْفُوْنَ. قُلْتُ: بِلاَ رَيْبٍ قَدْ حَدَّثَ بِهِ: ابْنُ وَهْبٍ، وَشَيْخُهُ، وَابْنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَهُمْ مَعْرُوْفُوْنَ عُدُوْلٌ، فَأَمَّا مَرْوَانُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا مَرْوَانُ؟ فَهُوَ حَفِيْدُ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ المُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ، وَشَيْخُهُ هُوَ عُمَارَةُ بنُ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ (1) . وَلَئِنْ جَوَّزْنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ، فَهُوَ أَدْرَى بِمَا قَالَ، وَلِرُؤْيَاهُ فِي المَنَامِ تَعْبِيرٌ لَمْ يَذْكُرْهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - وَلاَ نَحْنُ نُحْسِنُ أَنْ نَعْبُرَهُ، فَأَمَّا أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ الحِسِّيِّ، فَمَعَاذَ اللهِ أَنْ نَعْتَقِدَ الخَوْضَ فِي ذَلِكَ، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَ الفُضَلاَءِ قَالَ: تَصَحَّفَ الحَدِيْثُ، وَإِنَّمَا هُوَ: رَأَى رِئِيَّهُ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُوْنَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُوْنَ (2) . وَقَدْ صحَّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَتَمَ حَدِيْثاً كَثِيْراً مِمَّا لاَ يَحْتَاجُهُ المُسْلِمُ فِي دِيْنِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ بَثَثْتُهُ فِيْكُم، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ (3) . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ كِتْمَانِ العِلْمِ   (1) وكلاهما ضعيف، والخبر أورده الحافظ في " الإصابة " 4 / 470 في ترجمة أم الطفيل، ونسبه للدارقطني، وقال: ومروان متروك. قال ابن معين: ومن مروان حتى يصدق. (2) أخرجه عنه البخاري في " صحيحه " 1 / 199 في العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، من طريق عبيد الله بن موسى، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن علي. (3) أخرجه البخاري 1 / 191، 192، في العلم: باب حفظ العلم، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. قال الحافظ: وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. بشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين للهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 603 فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ العِلْمَ الوَاجِبَ يَجِبُ بَثُّهُ وَنَشْرُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ حِفْظُهُ، وَالعِلْمُ الَّذِي فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ مِمَّا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ يَتَعَيَّنُ نَقْلُهُ وَيتَأَكَّدُ نَشْرُهُ، وَيَنْبَغِي لِلأُمَّةِ نَقْلُهُ، وَالعِلْمُ المُبَاحُ لاَ يَجِبُ بَثُّهُ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيْهِ إِلاَّ خَوَاصُّ العُلَمَاءِ. وَالعِلْمُ الَّذِي يَحْرُمُ تَعَلُّمُهُ وَنَشْرُهُ: عِلْمُ الأَوَائِلِ، وَإِلَهِيَّاتُ الفَلاَسِفَةِ، وَبَعْضُ رِيَاضَتِهِم - بَلْ أَكْثَرُهُ - وَعِلْمُ السِّحْرِ، وَالسِّيْمِيَاءُ، وَالكِيْمِيَاءُ، وَالشَّعْبَذَةُ، وَالحِيَلُ، وَنَشْرُ الأَحَادِيْثِ المَوْضُوْعَةِ، وَكَثِيْرٌ مِنَ القَصَصِ البَاطِلَةِ أَوِ المُنْكَرَةِ، وَسِيْرَةُ البَطَّالِ المُخْتَلَقَةُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَرَسَائِلُ إِخْوَانِ الصَّفَا، وَشِعْرٌ يُعَرَّضُ فِيْهِ إِلَى الجَنَابِ النَّبَوِيِّ، فَالعُلُوْمُ البَاطِلَةُ كَثِيْرَةٌ جِدّاً فَلْتُحْذَرْ، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِالنَّظَرِ فِيْهَا لِلْفُرْجَةِ وَالمَعْرِفَةِ مِنَ الأَذْكِيَاءِ، فَلْيُقَلِّلْ مِنْ ذَلِكَ، وَلْيُطَالِعْهُ وَحْدَهُ، وَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ -تَعَالَى- وَلْيَلْتَجِئْ إِلَى التَّوْحِيْدِ، وَالدُّعَاءِ بِالعَافِيَةِ فِي الدِّيْنِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ مَكْذُوْبَةٌ وَرَدَتْ فِي الصِّفَاتِ، لاَ يَحِلُّ بَثُّهَا إِلاَّ التَحْذِيْرُ مِنِ اعْتِقَادِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ إِعْدَامُهَا، فَحَسَنٌ. اللَّهُمَّ فَاحْفَظْ عَلَيْنَا إِيْمَانَنَا، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. حَدِيْثٌ آخَرُ أُنْكِرَ عَلَى نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ، سَمِعَ عَمْرَو بنَ العَاصِ يَقُوْلُ: لاَ تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَهَا رَجُلٌ مِن قَحْطَانَ (1) . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذَا؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُنَاوِئُهُم فِيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ أَكَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ) . وَرَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ   (1) وأخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " البخاري 13 / 67 في الفتن: باب تغير الزمن، ومسلم (2910) من طريقين عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 604 جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأُمَرَاءِ، فَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالزُّهْرِيُّ: إِذَا قَالَ: كَانَ فُلاَنٌ يُحَدِّثُ، فَلَيْسَ هُوَ بِسَمَاعٍ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَلَيْسَ لِهَذَا الحَدِيْثِ أَصْلٌ، وَلاَ يُعْرَفُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: وَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهِ نُعَيْمٌ، وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَعِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ كَثِيْرَةٌ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا، سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الحَدِيْثِ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ (1) . قُلْتُ: خَبَرُ الأُمَرَاءِ غَرِيْبٌ، مُنْكَرٌ، وَالأَمْرُ اليَوْمَ لَيْسَ فِي قُرَيْشٍ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ حَقّاً، فَإِنْ كَانَ المرَادُ بِالحَدِيْثِ الأَمْرُ لاَ الخَبَرُ، فَلَعَلَّ، وَالحَدِيْثُ فَلَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ (2) ، وَلَعَلَّ نُعَيْماً حَفِظَهُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَحَدَّثَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَيْضاً، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: (قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرٌ مُطَهِّرٌ (3)) ، الحَدِيْثَ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ نُعَيْمٍ - وَجَوَّدَهَا كَعَادَتِهِ -: هَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 312، و" تهذيب الكمال " لوحة 1419. (2) أخرجه أحمد 4 / 94 عن بشر بن شعيب بن أبي حمزة، والبخاري 13 / 102 في الاحكام: باب الامراء من قريش، عن أبي اليمان الحكم بن نافع، كلاهما عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله عزوجل بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولئك جهالكم، فإياكم والاماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذا الامر في قريش لا ينازعهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " وانظر لزاما " فتح الباري ". (3) سيذكره المصنف بتمامه في الصفحة 612. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 605 قُلْتُ: فَهَذَا غَلِطَ نُعَيْمٌ فِي إِسْنَادِهِ. وَتَفَرَّدَ نُعَيْمٌ بِذَاكَ الخَبَرِ المُنْكَرِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (إِنَّكُم فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ فِيْهِ عُشْرُ مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَدْ هَلَكَ، وَسَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَدْ نَجَا (1)) ، فَهَذَا مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ نُعَيْمٌ! وَقَدْ قَالَ نُعَيْمٌ: هَذَا حَدِيْثٌ يُنْكِرُوْنَهُ، وَإِنَّمَا كُنْتُ مَعَ سُفْيَانَ، فَمَرَّ شَيْءٌ، فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهَذَا الحَدِيْثِ (2) . قُلْتُ: هُوَ صَادِقٌ فِي سَمَاعِ لَفْظِ الخَبَرِ مِنْ سُفْيَانَ، وَالظَّاهِرُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ سُفْيَانَ قَالَهُ مِنْ عِنْدِهِ بِلاَ إِسْنَادٍ، وَإِنَّمَا الإِسْنَادُ قَالَهُ لِحَدِيْثٍ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْوِيَهُ، فَلَمَّا رَأَى المُنْكَرَ، تَعَجَّبَ، وَقَالَ مَا قَالَ عَقِيْبَ ذَلِكَ الإِسْنَادِ، فَاعْتَقَدَ نُعَيْمٌ أَنَّ ذَاكَ الإِسْنَادَ لِهَذَا القَوْلِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُكَبِّرُ فِي العِيْدَيْنِ سَبْعاً فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، وَخَمْسَ تَكْبِيْرَاتٍ فِي الثَّانِيَةِ، كُلُّهُنَّ قَبْلَ القِرَاءةِ. وَهَذَا صَوَابُهُ مَوْقُوْفٌ (3) ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ، سِوَى نُعَيْمٍ، فَوَهِمَ.   (1) وأخرجه الترمذي (2267) في آخر كتاب الفتن، من طريق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، عن نعيم بن حماد بهذا الإسناد، وأورده ابن الجوزي في " الواهيات " وقال: قال النسائي: حديث منكر رواه نعيم بن حماد وليس بثقة. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1420. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 191 من طريق نافع مولى ابن عمر قال: شهدت الاضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة. وفي الباب في المرفوع عن عائشة عند أبي داود (1149) و (1150) ، وابن ماجه (1280) ، والحاكم 1 / 298، والبيهقي 2 / 286، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 4 / 344، وأحمد 6 / 70، والدارقطني 2 / 47، وعن عمرو بن = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 606 حَدِيْثُهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ) ، فَذَكَرَ صَدَقَةَ الإِبلِ، وَصَوَابُهُ مِنْ قَوْلِ الصِّدِّيْقِ (1) ، وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ أَيْضاً عَلَى نُعَيْمٍ. وَحَدِيْثُهُ عَنْ رِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (لَوْ كَانَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا (2)) ، وَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ رِشْدِيْنَ سِوَى نُعَيْمٌ. وَحَدِيْثُهُ عَنْ: بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ وَاثِلَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُتَعَبِّدُ بِلاَ فِقْهٍ كَالحِمَارِ فِي الطَّاحُوْنَةِ) (3) .   = شعيب، عن أبيه، عن جده عند أبي داود (1151) و (1152) وأحمد 2 / 180، والطحاوي 4 / 343، وابن الجارود (262) ، والدارقطني 2 / 47، 48، وعن كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف، عن أبيه، عن جده عمرو بن عوف عند الترمذي (536) وابن ماجه (1279) ، والطحاوي 4 / 344، والدارقطني 2 / 48، والبيهقي 3 / 286، وفي الباب عن غير هؤلاء. انظر " نصب الراية " 2 / 216، 218، وهو حديث صحيح بشواهده. (1) أخرجه أبو داود (1567) وأحمد 1 / 11، 12، والنسائي 5 / 18، والدارقطني 2 / 115، والبيهقي 4 / 86 من طريق حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، أن أبا بكر رضي الله عنه كتاب له. وصححه الحاكم 1 / 390، 392، ووافقه الذهبي، وقال الدارقطني: إسناده صحيح، وكلهم ثقات. وأخرجه البخاري 3 / 247، و248 و249 و250 و251 و254: من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، حدثني أبي، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له. (2) وأخرجه الترمذي (1159) من طريق محمود بن غيلان، عن النضر بن شميل، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا سند حسن، وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند أحمد 4 / 381 و5 / 227 و228، وابن ماجه (1853) ، وابن حبان (1290) وعن قيس بن سعد عند أبي داود (2140) ، وعن عائشة عند أحمد 6 / 76، وابن ماجه (1852) فالحديث صحيح. (3) أخرجه في " الحلية " 5 / 219 من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء عن بقية بهذا الإسناد، ومحمد بن إبراهيم كذبه الدارقطني، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة، وبقية مدلس وقد عنعن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 607 وَبِهِ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ بِالنَّهَارِ رِفْعَةٌ، وَبَاللَّيْلِ رِيْبَةٌ (1)) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ أَتَى بِهِ عَنْ بَقِيَّةَ غَيْرُ نُعَيْمٍ (2) . وَحَدِيْثُهُ عَنِ: الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ تَقُلْ: أُهْرِيْقُ المَاءَ، وَلَكِنْ قُلْ: أَبُوْلُ) . رَوَاهُ عَنْهُ: أَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: وَضَعَ نُعَيْمٌ هَذَا الحَدِيْثَ، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَرْفَعْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَوْقَفَهُ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا رَفْعُهُ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: فَقَدْ رَجَعَ المِسْكِيْنُ إِلَى وَقْفِهِ. حَدِيْثُهُ عَنِ: الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَيَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَزْوَاجَهُ، فَاخْتَرْنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقاً (3) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوْظٍ (4) . حَدِيْثُهُ عَنْ: بَقِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُم قَومٌ يُقَاتِلُوْنَ فِي العَصَبِيَّةِ، الحَدِيْثَ (5) . وَلِنُعَيْمٍ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ. وَقَالَ ابْنُ حَمَّادٍ -يَعْنِي: الدُّوْلاَبِيَّ-: نُعَيْمٌ ضَعِيْفٌ. قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ   (1) هو كسابقه لا يصح. (2) " الكامل في الضعفاء " 4 / لوحة 806. (3) إسناده ضعيف جدا، نعيم ضعيف، وأبو بكر الهذلي متروك، وشهر بن حوشب مختلف فيه. والمحفوظ ما أخرجه البخاري 9 / 321 في الطلاق: باب من خير أزواجه، ومسلم (1477) (28) في الطلاق عن عائشة قالت: خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئا. وفيهما أيضا عن عائشة قالت: خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقا؟ ! قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مئة بعد أن تختاري. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1420. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1420. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 608 شُعَيْبٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَمَّادٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ فِي تَقْوِيَةِ السُّنَّةِ، وَحِكَايَاتٍ عَنِ العُلَمَاءِ فِي ثَلْبِ أَبِي فُلاَنٍ (1) كَذَبَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ابْنُ حَمَّادٍ مُتَّهَمٌ فِيْمَا يَقُوْلُ؛ لِصَلاَبَتِهِ فِي أَهْلِ الرَّأْيِ (2) . وَقَالَ لِي ابْنُ حَمَّادٍ: وَضَعَ نُعَيْمٌ حَدِيْثاً عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ -يَعْنِي: فِي الرَّأْيِ-. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ نَحْوُ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ (3) . قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ النَّسَائِيَّ يَذْكُرُ فَضْلَ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَتَقَدُّمَهُ فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ وَالسُّنَنِ، ثُمَّ قِيْلَ لَهُ فِي قَبُولِ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: قَدْ كَثُرَ تَفَرُّدُهُ عَنِ الأَئِمَّةِ المَعْرُوْفِيْنَ بِأَحَادِيْثَ كَثِيْرَةٍ، فَصَارَ فِي حَدِّ مَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَوَهِمَ. قُلْتُ: لاَ يَجُوْزُ لأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَ (الفِتَنِ) ، فَأَتَى فِيْهِ بِعَجَائِبَ وَمَنَاكِيْرَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَقِيْبَ مَا سَاقَ لَهُ مِنَ المَنَاكِيْرِ: وَقَدْ كَانَ أَحَدَ مَنْ   (1) في " الكامل " لوحة 806: " في ثلب أبي حنيفة ". وله في هذا الباب أشياء ظاهرة التوليد والافتعال، وقد شان شيخ الحفاظ " تاريخه الصغير " 2 / 100، فأثبت فيه عن نعيم هذا واحدة من تلك الحكايات المزورة دونما تنبيه على بطلانها، وكان حريا أن لا يقع منه ذلك. (2) " الكامل في الضعفاء " 4 / لوحة 806. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 312. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 609 يَتَصَلَّبُ فِي السُّنَّةِ، وَمَاتَ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ، فِي الحَبْسِ، وَعَامَّةُ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ بَاقِي حَدِيْثِهِ مُسْتَقِيْماً (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلٍ الخَالِدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الطَّرَسُوْسِيَّ يَقُوْلُ: أُخِذَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ فِي أَيَّامِ المِحْنَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَلْقَوْهُ فِي السِّجْنِ، وَمَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي قُيُودِهِ، وَقَالَ: إِنِّيْ مُخَاصِمٌ (2) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ أَيُّوْبَ البَزَّازُ، قَالاَ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ القَطَّانُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيْمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُولُهُ تَشْبِيْهٌ. قُلْتُ: هَذَا الكَلاَمُ حَقٌّ، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ التَّشْبِيْهِ، وَمِنْ إِنْكَارِ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَمَا يُنْكِرُ الثَّابِتَ مِنْهَا مَنْ فَقُهَ، وَإِنَّمَا بَعْدَ الإِيْمَانِ بِهَا هُنَا مَقَامَانِ مَذْمُوْمَانِ: تَأْوِيْلُهَا وَصَرْفُهَا عَنْ مَوْضُوْعِ الخِطَابِ، فَمَا أَوَّلَهَا السَّلَفُ، وَلاَ حَرَّفُوا أَلفَاظَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، بَلْ آمَنُوا بِهَا، وَأَمَرُّوْهَا كَمَا جَاءتْ. المَقَامُ الثَّانِي: المُبَالغَةُ فِي إِثْبَاتِهَا، وَتَصَوُّرُهَا مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ   (1) " الكامل في الضعفاء " 4 / لوحة 807. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 313، و" تهذيب الكمال " لوحة 1420. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 610 البَشَرِ، وَتَشَكُّلُهَا فِي الذِّهْنِ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلاَلٌ، وَإِنَّمَا الصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ، فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ نَرَهُ، وَلاَ أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ عَايَنَهُ مَعَ قَولِهِ لَنَا فِي تَنَزِيْلِهِ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشُّوْرَى: 11] ، فَكَيْفَ بَقِيَ لأَذْهَانِنَا مَجَالٌ فِي إِثْبَاتِ كَيْفِيَّةِ البَارِئِ - تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ - فكَذَلِكَ صِفَاتُهُ المُقَدَّسَةُ، نُقِرُّ بِهَا وَنَعْتَقِدُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَلاَ نُمَثِّلُهَا أَصْلاً وَلاَ نَتَشَكَّلُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَأَلْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُم} [الحَدِيْدُ: 4] . قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بِعِلْمِهِ، أَلاَ تَرَى قَوْلَهُ: {مَا يَكُوْنُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم} ، الآيَةَ [المُجَادَلَةُ: 7] . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: طَلَبَ نُعَيْمٌ الحَدِيْثَ كَثِيْراً بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ، ثُمَّ نَزَلَ مِصْرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى أُشْخِصَ مِنْهَا فِي خِلاَفَةِ أَبِي إِسْحَاقَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- فَسُئِلَ عَنِ القُرْآنِ، فَأَبَى أَنْ يُجِيْبَ فِيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَرَادُوهُ عَلَيْهِ، فَحُبِسَ بِسَامَرَّاءَ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوساً بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي السِّجْنِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَكَذَاكَ أَرَّخَ: مُطَيَّنٌ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: سنَةَ تِسْعٍ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: حُمِلَ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَهُم، فَسُجِنَ، فَمَاتَ بِبَغْدَادَ، غَدَاةَ يَوْمِ الأَحَدِ، لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، وَكَانَ يَفْهَمُ الحَدِيْثَ، وَرَوَى مَنَاكِيْرَ عَنِ الثِّقَاتِ (2) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 519. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 314. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 611 وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه، وَابْنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) . زَادَ نِفْطَوَيْه: وَكَانَ مُقَيَّداً، مَحْبُوساً؛ لامْتِنَاعِهِ مِنَ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَجُرَّ بِأَقيَادِهِ، فَأُلْقِيَ فِي حُفْرَةٍ، وَلَمْ يُكَفَّنْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ صَاحِبُ ابْنِ أَبِي دُوَادَ (2) . أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ لِلنَّاسِ: (قَدْ جَاءكُم مُطَهِّرٌ؛ شَهْرُ رَمَضَانَ، فِيْهِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَتُغَلُّ فِيْهِ الشَّيَاطِيْنُ، يُعِدُّ فِيْهِ المُؤْمِنُ القُوَّةَ لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، وَهُوَ نِقْمَةٌ لِلْفَاجِرِ، يَغْتَنِمُ فِيْهِ غَفَلاَتِ النَّاسِ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهُ، فَقَدْ حُرِمَ) (3) . 210 - يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ المَخْزُوْمِيُّ * (خَ، م، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَكَرِيَّا القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ.   (1) انظر " تاريخ بغداد " 13 / 314. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 314، وصاحب ابن أبي دواد هو المعتصم. (3) إسناده ضعيف، وقد تقدم كلام المصنف عليه في الصفحة 605. (*) التاريخ الكبير 8 / 284، الجرح والتعديل 9 / 165، الولاة والقضاة للكندي انظر الفهرس، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 563، ترتيب المدارك 1 / 528، المعجم المشتمل: 320، تهذيب الكمال لوحة 1505، تذهيب التهذيب 4 / 158 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 420، الكاشف 3 / 260، العبر 1 / 410، 411، دول الإسلام 1 / 139، تهذيب التهذيب 1 / 237، مقدمة فتح الباري: 452، طبقات الحفاظ: 181، حسن المحاضرة 1 / 347، خلاصة تذهيب الكمال: 425، شذرات الذهب 2 / 71. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 612 وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنَ: الإِمَامِ مَالِكٍ (المُوَطَّأَ) مَرَّاتٍ، وَمِنَ اللَّيْثِ كَثِيْراً، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِئِ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَحَرْمَلَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَرَوْحُ بنُ الفَرَجِ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَلاَّفُ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَخَيْرُ بنُ مُوَفَّقٍ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَمَالِكُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَيْفٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ يَحْيَى، وَالحَسَنُ بنُ الفَرَجِ الغَزِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. احْتَجَّ بِهِ: الشَّيْخَانِ (1) ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ: وَكَانَ يَفْهَمُ هَذَا الشَّأْنَ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ (3) .   (1) قال الحافظ في " المقدمة " ص 452: لقيه البخاري وحدث أيضا عن رجل عنه، وروى عن مالك في " الموطأ " وأكثر عن الليث. قال ابن عدي: هو أثبت الناس فيه. وقال أبو حاتم: كان يفهم هذا الشأن، يكتب حديثه. وقال مسلم: تكلم في سماعه عن مالك، لأنه كان بعرض حديث، وضعفه النسائي مطلقا، وقال البخاري في " تاريخه الصغير ": ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز فإني أتقيه. قلت (القائل ابن حجر) : فهذا يدلك على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا ما أخرج عنه [عن] مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة، ومعظم ما أخرج عنه عن الليث. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 165. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1505. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 613 وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ فِي نِصْفِ صَفَرٍ (2) . قُلْتُ: كَانَ غَزِيْرَ العِلْمِ، عَارِفاً بِالحَدِيْثِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، بَصِيْراً بِالفَتْوَى، صَادِقاً، دَيِّناً، وَمَا أَدْرِي مَا لاَحَ لِلنَّسَائِيِّ مِنْهُ حَتَّى ضَعَّفَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَهَذَا جَرْحٌ مَرْدُوْدٌ، فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَمَا عَلِمتُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً حَتَّى أُورِدَهُ. وَقَدْ قَالَ أَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: حَدَّثَنَا بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ: أَنَّ يَحْيَى بنَ بُكَيْرٍ سَمِعَ (المُوَطَّأَ) مِنْ مَالِكٍ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً (3) . قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ - وَسَمِعْتُ (المُوَطَّأَ) مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ شَيْخِنَا أَبِي الحُسَيْنِ الحَافِظِ - أَخْبَرَنَا مُكْرَمٌ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ، أَخْبَرَنَا الفَقِيْهُ نَصْرٌ، أَخْبَرَنَا المِيْمَاسِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَصِيْفٍ الغَزِّيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ الفَرَجِ بِغَزَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ كِنْدِيٍّ قِرَاءةً، عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ الفُرَاوِيَّ (4) ، وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَارِي، وَأَخْبَرُوْنَا عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1505. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1505. (3) " ترتيب المدارك " 1 / 529. (4) نسبة إلى الفراوة: بليدة على الثغر مما يلي خوارزم، بناها أمير خراسان عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون. " الأنساب " 9 / 256. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 614 بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مَسْرُوْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ وَبُطُوْنِ الأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، مِنَ العَوَالِي. 211 - أَبُو اليَنْبَغِيِّ * شَاعِرٌ، مُحْسِنٌ، ذُو مِزَاحٍ وَهَجْوٍ وَمَدْحٍ لِلْخُلَفَاءِ وَالقُوَّادِ. أَفْرَدَ المَرْزُبَانِيُّ أَخْبَارَهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: خَدَمْتُ المَنْصُوْرَ وَلِيَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَ إِلَى دَوْلَةِ المُعْتَصِمِ. وَهُوَ القَائِلُ فِي عُرْسِ بُوْرَانَ: بَارَكَ اللهُ لِلْحَسَنْ ... وَلِبُوْرَانَ فِي الخَتَنْ يَا إِمَامَ الهُدَى ظَفِرْ ... تَ وَلَكِنْ بِبِنْتِ مَنْ   (1) وأخرجه أحمد 4 / 190، 191 من طريق هارون، عن عبد الله بن وهب، حدثني حيوة بهذا الإسناد إلا أنه لم يرفعه، وأخرجه أيضا 4 / 191 من طريق حسن، عن ابن لهيعة، عن حيوة بن شريح فرفعه، وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 240 من قول عبد الله بن جزء، وقال: رواه أحمد هكذا، وقال الطبراني في " الكبير ": عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ويل للاعقاب وبطون الاقدام من النار " ورجال أحمد والطبراني ثقات. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري 1 / 132، ومسلم (241) وأبي داود (97) وعن أبي هريرة عند البخاري 1 / 233، ومسلم (242) ، وعن عائشة عند مسلم (240) . (*) لم نجد له ترجمة في المصادر التي وقعت لنا. (2) البيتان في " وفيات الأعيان " 1 / 289، و" معاها التنصيص " 3 / 139، ورواية = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 615 فَلَوَّحَ بِالمَدْحِ وَبِالهِجَاءِ. 212 - الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عِيْسَى * (خَ، د، ت، س) ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أُسَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدِ بنِ زُهَيْرِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى. وَقِيْلَ: جَدُّهُ هُوَ: عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، الحُمَيْدِيُّ، المَكِّيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ (1)) . حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ - فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَجَوَّدَ - وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَلَكِنْ لَهُ جَلاَلَةٌ فِي الإِسْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالذُّهْلِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ   = البيت الثاني فيهما: يا ابن هارون قد ظفرت..والبيت من شواهد التوجيه من علم البديع وإيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين، وها هنا يحتمل قوله: " ببنت من " الرفعة أو الحقارة. وقد نسب ابن خلكان البيتين إلى محمد بن حازم الباهلي الشاعر البغدادي، وزاد بعدهما: فلما نمي هذا الشعر إلى المأمون قال: والله ما ندري خيرا أراد أم شرا. (*) طبقات ابن سعد 5 / 502، التاريخ لابن معين: 308، التاريخ الكبير 5 / 96، التاريخ الصغير 2 / 339، الجرح والتعديل 5 / 56، الانتقاء: 104، طبقات الشيرازي: 99، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 265، الأنساب 4 / 231، المعجم المشتمل: 153، اللباب 1 / 321، تهذيب الكمال لوحة 682، تذهيب التهذيب 2 / 144 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 413، العبر 1 / 377، الكاشف 2 / 86، دول الإسلام 1 / 133، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 140، طبقات الاسنوي 1 / 19، 20، البداية والنهاية 10 / 282، العقد الثمين 5 / 160، تهذيب التهذيب 5 / 214، النجوم الزاهرة 2 / 231، طبقات الحفاظ: 178، حسن المحاضرة 1 / 347، خلاصة تذهيب الكمال: 197، شذرات الذهب 2 / 45. (1) وقد طبع في جزأين بتحقيق المحدث حبيب الرحمن الاعظمي، وهو من منشورات المجلس العلمي بالهند. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 616 الأَزْهَرِ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْس المَكِّيُّ - وَرَّاقُهُ - وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الحُمَيْدِيُّ عِنْدَنَا إِمَامٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ابْنِ عُيَيْنَةَ الحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ رَئِيْسُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، إِمَامٌ (2) . قَالَ الحُمَيْدِيُّ: جَالَسْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَحْوَهَا (3) . وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، وَمَا لَقِيْتُ أَنْصَحَ للإِسْلاَمِ وَأَهلِهِ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الهَرَوِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ فِي أَوَّلِهَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ قَبْلَ قُدُومِنَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَجلِّ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَذُكِرَ لِيَ الحُمَيْدِيُّ، فَكَتَبْتُ حَدِيْثَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ (4) . وَرَوَى: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ بِمِصْرَ، وَكَانَ لِسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَأَهْلُ العِرَاقِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِم، فَذَكَرُوا شَيْخاً لِسُفْيَانَ، فَقَالُوا: كَمْ يَكُوْنُ حَدِيْثُهُ؟ فَقُلْتُ:   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 682. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 57. (3) " الجرح والتعديل " 5 / 57، و" تهذيب الكمال " لوحة 682. (4) " الجرح والتعديل " 5 / 57. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 617 كَذَا وَكَذَا. فَسَبَّحَ (1) سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَأَنكرَ ابْنُ دَيْسَمٍ، وَكَانَ إِنْكَارُ ابْنِ دَيْسَمٍ أَشَدَّ عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ عَلَى سَعِيْدٍ، فَقُلْتُ: كَمْ تَحْفَظُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْهُ؟ فَذَكَرَ نَحْوَ النِّصْفِ مِمَّا قُلْتُ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى ابْنِ دَيْسَمٍ، فَقُلْتُ: كَمْ تَحْفَظُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْهُ؟ فَذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى مَا قَالَ سَعِيْدٌ نَحْوَ الثَّلاَثِيْنَ مِمَّا قُلْتُ أَنَا. فَقُلْتُ لِسَعِيْدٍ: تَحْفَظُ مَا كَتَبْتَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَعُدَّ. وَقُلْتُ لابْنِ دَيْسَم: فَعُدَّ مَا كَتَبْتَ. قَالَ: فَإِذَا سَعِيْدٌ يُغْرِبُ عَلَى ابْنِ دَيْسَمٍ بِأَحَادِيْثَ، وَابْنُ دَيْسَمٍ يُغْرِبُ عَلَى سَعِيْدٍ فِي أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةٍ، فَإِذَا قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِمَا أَحَادِيْثُ يَسِيْرَةٌ، فَذَكَرْتُ مَا ذَهَبَ عَلَيْهِمَا، فَرَأَيْتُ الحَيَاءَ وَالخَجَلَ فِي وُجُوْهِهِمَا (2) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: الحُمَيْدِيُّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ صَاحِبُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَاوِيَتُهُ، ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. مَاتَ: بِمَكَّةَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَكَذَا أَرَّخَ: البُخَارِيُّ (3) . وَقِيْلَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ. وَلَهُ رِوَايَةٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِ) مُسْلِمٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلٍ القُهُسْتَانِيُّ (4) : حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ صَاحِبَ بَلْغَمٍ، أَحْفَظَ مِنَ الحُمَيْدِيِّ، كَانَ يَحْفَظُ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ (5) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ:   (1) في " تاريخ الفسوي ": فشنج. (2) " المعرفة والتاريخ " 2 / 179. (3) " طبقات ابن سعد " 5 / 502، و" التاريخ الصغير " 2 / 339. (4) نسبة إلى " قهستان " وهي ناحية بخراسان بين هراة ونيسابور فتحها عبد الله بن عامر ابن كريز في سنة تسع وعشرين من الهجرة. " الأنساب " 10 / 269. (5) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 140. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 618 الأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا: الشَّافِعِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ (1) . وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ: مَا دُمْتُ بِالحِجَازِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالعِرَاقِ، وَإِسْحَاقُ بِخُرَاسَانَ، لاَ يَغْلِبُنَا أَحَدٌ (2) . وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: الحُمَيْدِيُّ إِمَامٌ فِي الحَدِيْثِ (3) . قَالَ الفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُهَلَّبِ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: وَاللهِ لأَنْ أَغْزُوَ هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَرُدُّوْنَ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغزُوَ عِدَّتَهُم مِنَ الأَترَاكِ. قُلْتُ: لَمَّا تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ، أَرَادَ الحُمَيْدِيُّ أَنْ يَتَصَدَّرَ مَوْضِعَهُ، فَتَنَافَسَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَلَى ذَلِكَ، وَغَلَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَلَى مَجْلِسِ الإِمَامِ، ثُمَّ إِنَّ الحُمَيْدِيَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ بِهَا يَنْشُرُ العِلْمَ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُوْلُ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ كَأَنَّهُم تَحَرَّكُوا، فَأَشَارَ إِلَيْهِم رَسُوْلُ اللهِ أَنِ امْضُوا، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، وَأَلْقَى السِّجْفَ،   (1) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 140. (2) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 141. (3) " طبقات الشافعية للسبكي 2 / 141. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 619 وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ (1) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنِ الحُلْوَانِيِّ، وَعَبْدٍ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ، غَرِيْبٌ، إِنَّمَا المَحْفُوْظُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي أَوَائِلِ النَّهَارِ، قَبْلَ الظُّهْرِ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ (2) . وَيَقَعُ حَدِيْثُ أَبِي بَكْرٍ الحُمَيْدِيِّ عَالِياً فِي (الغَيْلاَنِيَّاتِ) . أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ قَوَامٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. هَذَا أَوَّلُ شَيْءٍ افتَتَحَ بِهِ البُخَارِيُّ (صَحِيْحَهُ (3)) ، فَصَيَّرَهُ كَالخُطْبَةِ لَهُ،   (1) هو في " مسند " الحميدي رقم (1188) ، وأخرجه البخاري 2 / 138 في الجماعة: باب أهل العلم والفضل أحق بالامامة، وفي صفة الصلاة: باب هل يلتفت لامر ينزل به، وفي العمل في الصلاة: باب من رجع القهقرى في صلاته، وفي المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ومسلم (419) في الصلاة: باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر، وهو في " سنن النسائي " 4 / 7 في الجنائز: باب الموت يوم الاثنين. (2) قال الحافظ في " الفتح " 8 / 110 تعليقا على قوله " وتوفي من آخر ذلك اليوم ": يخدش في جزم ابن إسحاق بأنه مات حين اشتد الضحى، ويجمع بينهما بأن إطلاق الآخر: بمعنى ابتداء الدخول في أول النصف الثاني من النهار وذلك عند الزوال، واشتداد الضحى يقع قبل الزوال، ويستمر حتى يحقق زوال الشمس، وقد جزم موسى بن عقبة، عن ابن شهاب بأنه صلى الله عليه وسلم مات حين زاغت الشمس، وكذا لأبي الأسود عن عروة، فهذا يؤيد الجمع الذي أشرت إليه. (3) 1 / 7، 15 وهو في " مسند " الحميدي برقم (28) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 620 وَعَدَلَ عَنْ رِوَايَتِهِ افْتِتَاحاً بِحَدِيْثِ مَالِكٍ الإِمَامِ إِلَى هَذَا الإِسْنَادِ؛ لِجَلاَلَةِ الحُمَيْدِيِّ وَتَقَدُّمِهِ؛ وَلأَنَّ إِسْنَادَهُ هَذَا عَزِيْزُ المِثْلِ جِدّاً، لَيْسَ فِيْهِ عَنْعَنَةٌ أَبَداً، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ لَهُ. 213 - يَحْيَى بنُ أَبِي الخَصِيْبِ زِيَادٍ الرَّازِيُّ * الحَافِظُ، قَاضِي عُكْبَرَا (1) . كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ. رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ الضَّالِّ (2) ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَخَلْقٍ. وَلَهُ: رِحْلَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ. رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَامِرٍ الأَنْطَاكِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَعَلِيُّ بنُ مَيْسَرَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ ثِقَةً، مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، مَا أَعْلَمُ كَانَ فِي زَمَانِهِ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْهُ (3) . قُلْتُ: وَلاَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، وَلاَ أَبُو جَعْفَرٍ الجَمَّالُ؟ قَالَ: وَلاَ هَذَانِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، مَشْهُورٌ.   (*) الجرح والتعديل 9 / 147. (1) هي بليدة بنواحي دجيل، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. انظر " معجم البلدان " 4 / 142، 143. (2) هو معاوية بن عبد الكريم الثقفي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري المعروف بالضال، لأنه ضل في طريق مكة، وتوفي سنة (180) هـ. " تهذيب التهذيب " 10 / 313. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 147. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 147. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 621 214 - المُقْعَدُ المِنْقَرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي الحَجَّاجِ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو مَعْمَرٍ المِنْقَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، المُقْعَدُ. وَاسْمُ جَدِّهِ: مَيْسَرَةُ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - وَأَبِي الأَشْهَبِ العُطَارِدِيِّ جَعْفَرِ بنِ حَيَّانَ، وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَعَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ. وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، لَكِنَّهُ مُتْقِنٌ لِعِلْمِهِ، وَكَانَ عَدْلاً، ضَابِطاً، إِلاَّ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ، مِنْ غِلْمَانِ عَبْدِ الوَارِثِ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ وَارَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ خِرَاشٍ، وَالرَّمَادِيُّ، وَالبِرْتِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ (1) . وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ، عَاقِلٌ (2) .   (*) التاريخ الكبير 5 / 155، التاريخ الصغير 2 / 351، الجرح والتعديل 5 / 119، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 257، المعجم المشتمل: 158، تهذيب الكمال لوحة 715، تذهيب التهذيب 2 / 169 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 493، الكاشف 2 / 113، تهذيب التهذيب 5 / 335، 336، مقدمة فتح الباري: 413، خلاصة تذهيب الكمال: 208، شذرات الذهب 2 / 54. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 716. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 622 وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، صَحِيْحَ الكِتَابِ، وَكَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ، وَكَانَ غَالباً عَلَى عَبْدِ الوَارِثِ (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِ الوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ (2) . قُلْتُ: يَقُوْلُ عَلِيٌّ مِثْلَ هَذَا القَوْلِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ أَيْضاً عَبْدَ الوَارِثِ، وَسَمِعَ مِنْهُ جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: أَبُو مَعْمَرٍ فِي عَبْدِ الوَارِثِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ فِي رِجَالِهِ (3) . ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ يَقُوْلُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: شَيْخٌ كَتَبَ عَنِّي كِتَابَ الحُرُوْفِ، قَالَ: وَكَانَ الأَرُزِّيُّ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ لِلْقَدَرِ، يَخَافُهُ عَلَيْهِ (4) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ لاَ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الصَّمدِ مِرَاراً (5) . قُلْتُ: يُرِيْدُ بِالحُرُوْفِ حَرْفَ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، كَانَ عَبْدُ الوَارِثِ قَدْ تَلاَ عَلَى أَبِي عَمْرٍو، وَجَوَّدَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَبُو مَعْمَرٍ: ثِقَةٌ، يَرَى القَدَرَ (6) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مُتْقِنٌ، قَوِيُّ الحَدِيْثِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (6) " تهذيب الكمال " لوحة 716. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 623 وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ حَافِظٌ -يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ مُتْقِناً، مُحَرِّراً لِكُتُبِهِ (2) -. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ، قَدَرِيٌّ (3) . قَالَ البُخَارِيُّ (4) ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: إِنَّمَا قَدَّمْتُهُ لِقِدَمِ وَفَاتِهِ، وَلاَ يَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ فِيْمَا عَلِمْتُ عَالِياً، وَهُوَ عِنْدِي فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَ (مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ) ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ مَعَ بِدْعَتِهِ - نَسْأَلُ اللهَ التَّوفِيْقَ -. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاذَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ زِيَادٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المِرَاءُ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ) (5) .   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 119. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 119، و" تهذيب الكمال " لوحة 716. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 716. (4) " في " تاريخه الصغير " 2 / 351. (5) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 2 / 286، و300، 424، و475، و528، وأبو داود (4603) ، وصححه ابن حبان (73) ، والحاكم 2 / 223، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث عمرو بن العاص عند أحمد 4 / 204 و205، وآخر من حديث أبي جهيم عنده أيضا 4 / 170، وسنده صحيح. قال المناوي نقلا عن القاضي: أراد بالمراء التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض، فيتطرق إليه قدح وطعن، ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات، والجمع بين المختلفات ما أمكنه، فإن القرآن يصدق بعضه بعضا، فإن أشكل عليه شيء من ذلك، ولم يتيسر له التوفيق، فليعتقد أنه من سوء فهمه، وليكله إلى عالمه وهو الله ورسوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 624 215 - سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ * (4) ابْنِ الأَمِيْرِ دَاوُدَ بنِ عَلِيِّ ابْنِ البَحْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الشَّرِيْفُ، الإِمَامُ، البَارِعُ، الحَافِظُ، السَّرِيُّ، أَبُو أَيُّوْبَ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ. سَمِعَ: إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَعَبْثَرَ بنَ القَاسِمِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْماً، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (2) . وَعَنِ ابْنِ وَارَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ الهَاشِمِيَّ يَقُوْلُ: رُبَّمَا أُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَلِي نِيَّةٌ، فَإِذَا أَتَيْتُ عَلَى بَعْضِهِ، تَغَيَّرَتْ نِيَّتِي، فَإِذَا الحَدِيْثُ الوَاحِدُ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّاتٍ (3) . عِنْدِي حَدِيْثٌ كَتَبْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مِنْ رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 343، التاريخ الكبير 4 / 10، الجرح والتعديل 4 / 113، تاريخ بغداد 9 / 31، تهذيب الكمال لوحة 538، تهذيب التهذيب 2 / 48 / 2، الكاشف 1 / 393، تهذيب التهذيب 4 / 187، خلاصة تذهيب الكمال: 151. (1) " تاريخ بغداد " 9 / 31. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 32. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 31. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 625 سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: مَاتَ سُلَيْمَانُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَرُوِيَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ -رَحِمَهُ اللهُ- (2) . 216 - مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ أَبُو الهَيْثَمِ العَمِّيُّ * (خَ، م، ت، س، ق) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الهَيْثَمِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ، أَخُو بَهْزِ بنِ أَسَدٍ (3) . حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُثَنَّى الأَنْصَارِيِّ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ. وَرَوَى: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مَعْبَدٍ، وَحَفْصُ بنُ عُمَرَ سِنْجَةُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي عَثَرْتُ لَهُ عَلَى خَطَأٍ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ (4) .   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 343، و" تاريخ بغداد " 9 / 32. (2) انظر " تاريخ بغداد " 9 / 31. (*) طبقات خليفة: 229، التاريخ الصغير 2 / 343، الجرح والتعديل 8 / 334، تهذيب الكمال: لوحة 1352، تذهيب التهذيب 4 / 55 / 2، تهذيب التهذيب 10 / 236، خلاصة تذهيب الكمال: 383. (3) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب. (4) " الجرح والتعديل " 8 / 335. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 626 قَالَ خَلِيْفَةُ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . 217 - سُنَيْدٌ أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ المَصِّيْصِيُّ * (ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الثَّغْرِ، أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ. وَلَقَبُهُ: سُنَيْدٌ المَصِّيْصِيُّ، المُحْتَسِبُ، صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ الكَبِيْرِ) . حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَكُنْ بِذَاكَ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (5) . قُلْتُ: مَشَّاهُ النَّاسُ، وَحَمَلُوا عَنْهُ، وَمَا هُوَ بِذَاكَ المُتْقِنِ.   (1) " طبقات خليفة ": 229. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1352. (*) الجرح والتعديل 4 / 326، تاريخ بغداد 8 / 42، 44، تهذيب الكمال لوحة 556، تذهيب التهذيب 2 / 60 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 236، تذكرة الحفاظ 2 / 459، 460، الكاشف 1 / 405، تهذيب التهذيب 4 / 244، طبقات الحفاظ: 201، خلاصة تذهيب الكمال: 162، طبقات المفسرين 1 / 209، شذرات الذهب 2 / 59. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 326. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 43. (5) " تاريخ بغداد " 8 / 43. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 627 مَاتَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. خَرَّجَ لَهُ: ابْنُ مَاجَهْ حَدِيْثاً وَاحِداً. 218 - مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمِ بنِ الفَرَجِ السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البُخَارِيُّ، البِيْكَنْدِيُّ. رَأَى: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ السَّمَاعُ مِنْهُ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَعِيْسَى بنِ مُوْسَى غُنْجَارَ، وَزَائِدَةَ بنِ أَبِي الرّقَادِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ، وَأَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الضُّوْءِ، وَحُمَيْدُ بنُ النَّضْرِ، وَطُفَيْلُ بنُ زَيْدٍ النَّسَفِيُّ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَأَئِمَّةِ الأَثَرِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ الشَّاشِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى: بِخُرَاسَانَ كَنْزَانِ: كَنْزٌ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَكَنْزٌ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه (1) .   (*) التاريخ الكبير 1 / 110، التاريخ الصغير 2 / 353، الجرح والتعديل 7 / 278، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 459، الأنساب 2 / 374، المعجم المشتمل: 244، تهذيب الكمال لوحة 1207، تذهيب التهذيب 3 / 209 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 422، الكاشف 3 / 51، العبر 1 / 395، تهذيب التهذيب 9 / 212، طبقات الحفاظ: 182، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 2 / 57. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1207. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 628 وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُبَشِّرٍ الكَرْمِيْنِيِّ (1) ، قَالَ: انكَسَرَ قَلَمُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ فِي مَجْلِسِ شَيْخٍ، فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى: قَلَمٌ بِدِيْنَارٍ، فَطَارَتْ إِلَيْهِ الأَقلاَمُ. قُلْتُ: كَانَ مُحْتَشِماً، ذَا أَمْوَالٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ فِي مَنْزِلِهِ، فَدُقَّ بَابُهُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ الشَّخْصُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنَا جِنِّيٌّ، رَسُوْلُ مَلِكِ الجِنِّ إِلَيْكَ، يُسَلِّمُ عَلَيْكَ، وَيَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لَكَ مَجْلِسٌ إِلاَّ يَكُوْنُ مِنَّا فِي مَجْلِسِكَ أَكْثَرُ مِنَ الإِنسِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ: هَذِهِ حِكَايَةٌ مُسْتَفِيْضَةٌ عِنْدَنَا مَشْهُوْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: لَمْ أَجْلِسْ فِي سُوقِ بِيْكَنْدَ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ سَهْلُ بنُ المُتَوَكِّلِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: أَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ - بِالتَّخَفِيْفِ -. قُلْتُ: بِكُلٍّ قَالُوا، فَقَدْ ذُكِرَ التَّثْقِيلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ (2) . وَقَدْ دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ خُوَارِزْمَ مَعَ غُنْجَارَ، وَسَمِعَا بِهَا مِنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ الأَسْوَدِ البَصْرِيِّ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مُوْسَى؛ صَاحِبِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي عَرُوْبَةَ.   (1) نسبة إلى كرمينية: إحدى بلاد ما وراء النهر على ثمانية عشر فرسخا من بخارى " الأنساب " 10 / 405. (2) قال المؤلف في " المشتبه " 1 / 378: محمد بن سلام البيكندي الحافظ، شيخ البخاري، ما ذكر فيه الخطيب وابن ماكولا سوى التخفيف، وقال صاحب المطالع: ثقله الأكثر، كذا قال ولم يتابع، قد ذكره غنجار في " تاريخ بخارى " - وإليه المرجع والمفزع - بالتخفيف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 629 قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَرْبَعِ مائَةِ شَيْخٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ مَالِكاً، فَإِذَا النَّاسُ يَقْرَؤُونَ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ. وَقَالَ سَهْلُ بنُ المُتَوَكِّلِ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: أَنْفَقْتُ فِي طَلَبِ العِلْمِ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَأَنْفَقْتُ فِي نَشْرِهِ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَلَيْتَ مَا أَنْفَقْتُ فِي طَلَبِهِ كَانَ فِي نَشْرِهِ - أَوْ كَمَا قَالَ (1) -. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ نَحْواً مِنْ خَمْسَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغُنْجَارُ: كَانَ لاِبْنِ سَلاَمٍ مُصَنَّفَاتٌ فِي كُلِّ بَابٍ مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ الفَقِيْهِ مَودَّةٌ وَأُخُوَّةٌ مَعَ تَخَالُفِهِمَا فِي المَذْهَبِ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ البِيْكَنْدِيُّ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي سَابِعِ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1207. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1207. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1207. (4) " التاريخ الكبير " 1 / 110. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 630 219 - عَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ العَبْدِيُّ الرَّقِّيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الحَسَنِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ الرَّقِّيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، وَمُوْسَى بنِ أَعْيَنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَالمُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَالمُسَيَّبِ بنِ شَرِيْكٍ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ: (الجَامِعَ الكَبِيْرَ) ، وَ (الجَامِعَ الصَّغِيْرَ) . رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَخُشَيْشُ بنُ أَصْرَمَ، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَسَمُّوْيَه، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: انْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِ المَأْمُوْنِ، وَقَدْ أَبَيْتُ عَلَيْهِ الدُّخُولَ فِيْمَا عَرَضَهُ مِنَ القَضَاءِ بِمِصْرَ، فَرَشْتُ حَصِيراً، وَقَعَدْتُ عَلَى بَابِي، فَمَرَّ رَجُلاَنِ يَقُوْلُ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: وَاللهِ مَا صَحَّ لَهُ إِلَى الآنَ شَيْءٌ، وَقَدْ فَتَحَ بَابَهُ، وَفَرَشَ حَصِيرَهُ. فَدَخَلْتُ، وَجلَسْتُ دَاخِلَ بَابِي، وَقُلْتُ: أَقْرَبُ إِلَى مَنْ يَجِيئُنِي. فَمَرَّ رَجُلاَنِ، فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمَا   (*) الجرح والتعديل 6 / 205، تهذيب الكمال لوحة 993، تذهيب التهذيب 3 / 74 / 1، الكاشف 2 / 295، ميزان الاعتدال 3 / 157، تهذيب التهذيب 7 / 384، حسن المحاضرة 1 / 286، خلاصة تذهيب الكمال: 277. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 631 يَقُوْلُ: مَا صَحَّ لَهُ شَيْءٌ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ، فَكَيْفَ لَوْ صَحَّ لَهُ شَيْءٌ؟ وَقَالَ سُلَيْمَانُ الكَيْسَانِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مَعْبَدٍ يَقُوْلُ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ المَأْمُوْنِ أَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ لَكَ أَخٌ صَالِحٌ، فَاسْتَعِنْ بِهِ، كَمَا اسْتَعَنْتُ بِأَخِي هَذَا. فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ لِي حُرْمَةً. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: سَمَاعِي مَعَكُمْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. قَالَ: وَأَيْنَ كُنْتَ تَسْمَعُ؟ قُلْتُ: فِي دَارِ الرَّشِيْدِ. قَالَ: وَكَيْفَ دَخَلْتَ؟ قُلْتُ: بِأَبِي. قَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: مَعْبَدُ بنُ شَدَّادٍ. فَأَطْرَقَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ طَاعَتِنَا عَلَى غَايَةٍ، فَلِمَ لاَ تَكُوْنُ مِثْلَهُ؟ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كُنْيتُهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، مَرْوَزِيُّ الأَصْلِ، قَدِمَ مِصْرَ مَعَ أَبِيْهِ مَعْبَدٍ، وَكَانَ يَذْهَبُ فِي الفِقْهِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ: (الجَامِعَ الكَبِيْرَ) ، وَ (الصَّغِيْرَ) ، تُوُفِّيَ بِمِصْرَ، لِعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ (2) . فَأَمَّا: 220 - عَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ نُوْحٍ أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ الصَّغِيْرُ.   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 205. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 994. (*) الجرح والتعديل 6 / 205، تاريخ بغداد 12 / 109، 110، المعجم المشتمل: 196، تهذيب الكمال لوحة 994، تذهيب التهذيب 3 / 74، ميزان الاعتدال 3 / 157، الكاشف 2 / 296، تهذيب التهذيب 7 / 385، حسن المحاضرة 1 / 293، خلاصة تذهيب الكمال: 278. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 632 فَيَرْوِي عَنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ الخَفَّافِ، وَزَيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَعَلِيِّ بنِ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَأَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بنِ القَاسِمِ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، وَأَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. وَلَهُ رِحْلَةٌ وَبَصَرٌ بِهَذَا الشَّأْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الوَكِيْعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سِرَاجٍ المِصْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ الرَّازِيُّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المُهَنْدِسُ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ التَّرْخُمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، سَكَنَ مِصْرَ، وَكَانَ أَبُوْهُ وَالِياً عَلَى طَرَابُلُسَ المَغْرِبِ (1) . قُلْتُ: وَكَانَ أَخُوْهُ عُثْمَانُ بنُ مَعْبَدٍ مِنَ القُرَّاءِ، وَلَكِنْ مَا عَرَفْتُ عَلَى مَنْ قَرَأَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْنَا شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدِ بنِ نُوْحٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَ حَاجّاً، فَلَمْ يُقْضَ لَنَا السَّمَاعُ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ صَدُوْقاً (2) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الجِعَابِيِّ: نَزَلَ مِصْرَ، وَعِنْدَهُ عَجَائِبُ (3) . وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: مُسْتَقِيمُ الحَدِيْثِ.   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 110، و" تهذيب الكمال " لوحة 994. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 205. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 110. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 633 قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ: عِبَارَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّلْيِينِ، فَلاَ تُقْبَلُ إِلاَّ مُفَسَّرَةٌ، وَالرَّجُلُ فَثِقَةٌ، صَادِقٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ، وَلَكِنَّهُ يَأْتِي بِغَرَائِبَ عَنْ مَنْ يَحْتَمِلُهَا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَذَا أَرَّخَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ. وَكَانَ تَاجِراً (1) . قَالَ شَيْخُنَا المِزِّيُّ: قِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ. قُلْتُ: قَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي (مُسْنَدِ مَالِكٍ) ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْهُ. 221 - النُّفَيْلِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ نُفَيْلِ بنِ زَرَّاعِ بنِ عَلِيٍّ * (خَ، 4) وَقِيْلَ: ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسِ بنِ عُصْمٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، عَالِمُ الجَزِيْرَةِ، أَبُو جَعْفَرٍ القُضَاعِيُّ، ثُمَّ النُّفَيْلِيُّ، الحَرَّانِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَمَعْقِلِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَخُلَيْدِ بنِ دَعْلَجٍ، وَأَبِي مَهْدِيٍّ سَعِيْدِ بنِ سِنَانٍ الحِمْصِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَزْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِمْرَانَ الحُجُبِيِّ - آخِرِ مَنْ حَدَّثَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ - وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَزَيْدِ بنِ   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 110، و" تهذيب الكمال " لوحة 994. (*) التاريخ الكبير 5 / 189، التاريخ الصغير 2 / 364، الجرح والتعديل 5 / 159، المعجم المشتمل: 161، اللباب 3 / 320، تهذيب الكمال لوحة 738، تذهيب التهذيب 2 / 185، تذكرة الحفاظ 2 / 440، العبر 1 / 417، الكاشف 2 / 127، تهذيب التهذيب 6 / 16 - 18، طبقات الحفاظ: 193، خلاصة تذهيب الكمال: 213، شذرات الذهب 2 / 80. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 634 السَّائِبِ الجَزَرِيِّ، وَأَبِي المَلِيْحِ الرَّقِّيِّ، وَعَبَّادِ بنِ كَثِيْرٍ الرَّمْلِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرِ بنِ عَرَبِيٍّ، وَمُوْسَى بنِ أَعْيَنَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ - فَأَكْثَرَ - وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دَيْزِيْلَ، وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، وَأَبُو الأَصْبَغِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَرْقَسَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِقَالٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَرَوَى: البُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ - غَيْرِ مَنْسُوْبٍ - عَنِ النُّفَيْلِيِّ، فَقِيْلَ: هُوَ الذُّهْلِيُّ، وَقِيْلَ: البُوْشَنْجِيُّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَثْنَى عَلَى النُّفَيْلِيِّ، وَقَالَ: كَانَ يَمُرُّ مَعِي إِلَى مِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يُثنِي عَلَى النُّفَيْلِيِّ (2) . وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنَ النُّفَيْلِيِّ. قُلْتُ: وَلاَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ؟ قَالَ: وَلاَ عِيْسَى، وَكَانَ الشَّاذَكُوْنِيُّ لاَ يُقِرُّ لأَحَدٍ فِي الحِفْظِ إِلاَّ لِلنُّفَيْلِيِّ، وَكَانَ أَحْمَدُ إِذَا ذَكَرَهُ، يُعَظِّمُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَمَا رَأَينَا لَهُ كِتَاباً قَطُّ، وَكُلُّ مَا حَدَّثَنَا، فَمِنْ حِفْظِهِ (3) . قَالَ: وَقُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَيُّمَا أَثْبَتُ فِي زُهَيْرٍ: أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، أَوِ   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 159. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 738. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 635 النُّفَيْلِيُّ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ رَجُلٌ صَدُوْقٌ، وَالنُّفَيْلِيُّ صَاحِبُ حَدِيْثٍ (1) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي عَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ: تَرَكَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَخَرَةٍ، وَكَفَّ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيْثِهِ، وَذَاكَ أَنَّ الخَطَّابِيَّ حَدَّثَهُ عَنْهُ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ يُحَدِّثُ عَنْهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ أَعْلَمُ بِهِ (2) . قَالَ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى أَنِّي لَمْ أَرَ أَحْفَظَ مِنَ النُّفَيْلِيِّ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ الثِّقَةُ المَأْمُوْنُ (4) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، مُحْتَجٌّ بِهِ (5) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: كَتَبُوا عَنْهُ فِي أَيَّامِ هُشَيْمٍ (6) . قَالَ أَبُو الفَضْلِ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيَّ، يَحكِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، قَالَ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالكُوْفَةِ، وَالنُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ: هَؤُلاَءِ أَرْكَانُ الدِّيْنِ (7) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: كَانَ النُّفَيْلِيُّ مُتْقِناً، يَحْفَظُ، سَمِعْتُ مَكْحُوْلاً،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (4) " الجرح والتعديل " 5 / 159. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (6) تهذيب الكمال " لوحة 738. (7) " تهذيب الكمال " لوحة 738. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 636 سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَبَانٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ: أَهْلٌ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ (1) . وَعَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: وَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَرَابِعُهُمُ: النُّفَيْلِيُّ (2) . قَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قِيْلَ: مَاتَ فِي أَحَدِ الرَّبِيعَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 222 - الجَرْمِيُّ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ * (خَ، م) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عُبَيْدِ اللهِ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ الجَرْمِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْجَرَ، وَعَمْرِو بنِ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَيَعْقُوْبَ بنِ أَبِي المُتَّئِدِ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 738. (*) التاريخ الكبير 3 / 514، الجرح والتعديل 3 / 59، تاريخ بغداد 9 / 87، الأنساب 3 / 234، تهذيب الكمال لوحة 50، تذهيب التهذيب 2 / 27 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 157، العبر 1 / 406، الكاشف 1 / 371، تهذيب التهذيب 4 / 76، 77، خلاصة تذهيب الكمال: 142، شذرات الذهب 2 / 68. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 637 سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، كَانَ يَسْمَعُ مَعَنَا الحَدِيْثَ، وَيَطْلُبُ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ يَتَشَيَّعُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَيُّوْب المُخَرِّمِيُّ: كَانَ إِذَا قَدِمَ بَغْدَادَ، نَزَل عَلَى أَبِي، وَكَانَ إِذَا جَاءَ ذِكْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُبَّمَا سَكَتَ، وَإِذَا جَاءَ ذِكْرُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ (3) : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الصِّيْنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سَعِيْدٍ الشَّالَنْجِيُّ الفَقِيْهُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، وَأَمِيْرُ خُرَاسَانَ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الخُزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ صَالِحٍ البُرْجُمِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَدَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وَعَوْنُ بنُ سَلاَّمٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ مَالِكٌ المِسْمَعِيُّ، وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى الأَنْطَاكِيُّ، وَمَهْدِيُّ بنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ، وَعَتِيْقُ بنُ يَعْقُوْبَ الزُّبَيْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ عُمَرَ بنِ سَلِيْطٍ البَصْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الحَكَمِ القُطْرُبُلِّيُّ (4) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 505. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 88. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 88، و" تهذيب الكمال " لوحة 505. (4) نسبه إلى قطربل: قرية من قرى بغداد. " الأنساب " 10 / 190. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 638 223 - عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ أَبو حَفْصٍ * (خَ، م، د، ت، س) عَنْ: أَبِيْهِ؛ قَاضِي الكُوْفَةِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَغَيْرِهِم. يُكْنَى: أَبَا حَفْصٍ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيْحَيهِمَا) . وَرَوَى: أَرْبَابُ السُّنَنِ - سِوَى ابْنِ مَاجَهْ - عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَبِعْتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْهُ (2) . قَالَ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: لَمْ يُخَرِّجُوا لَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيْهِ، وَكَانَ مُكْثِراً عَنْهُ، مَلِيّاً بِهِ. مَاتَ: عَنْ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، بِالكُوْفَةِ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 150، التاريخ الصغير 2 / 346، الجرح والتعديل 6 / 103، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 340، المعجم المشتمل: 200، تهذيب الكمال لوحة 1006، تذهيب التهذيب 3 / 81، العبر 1 / 385، الكاشف 2 / 307، تهذيب التهذيب 7 / 435، خلاصة تذهيب الكمال: 281، شذرات الذهب 2 / 50. (1) في " الجرح والتعديل " 6 / 103. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 107. (3) " التاريخ الكبير " 6 / 150. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 639 224 - خَالِدُ بنُ خَلِيٍّ أَبُو القَاسِمِ الكَلاَعِيُّ الحِمْصِيُّ * القَاضِي، الإِمَامُ، الحَافِظُ؛ أَبُو القَاسِمِ الكَلاَعِيُّ، الحِمْصِيُّ، قَاضِي بَلَدِهِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَسَلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ العوْصِيُّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ خَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَانِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا وَجَّهَ المَأْمُوْنُ إِلَى أَهْلِ حِمْصَ لِيَقْدَمُوا عَلَيْهِ دِمَشْقَ، وَقَعَ الاخْتِيَارُ عَلَى أَرْبَعَةٍ: يَحْيَى بنِ صَالِحٍ الوُحَاظِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَخَالِدِ بنِ خَلِيٍّ. قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ أَبُو اليَمَانِ. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: مَا تَقُوْلُ فِي يَحْيَى بنِ صَالِحٍ؟ فَقَالَ: أَوْرَدَ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الأَهْوَاءِ شَيْئاً لاَ نَعْرِفُهُ. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي عَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ، لاَ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ. قَالَ: فَخَالِدُ بنُ خَلِيٍّ؟ قَالَ: أَنَا أَقرَأْتُهُ القُرْآنَ. فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ.   (*) التاريخ الكبير 2 / 356، الجرح والتعديل 3 / 327، الإكمال 2 / 113، تهذيب الكمال لوحة 356، تذهيب التهذيب 1 / 186 / 2، الكاشف 1 / 267، تهذيب التهذيب 3 / 86، خلاصة تذهيب الكمال: 100، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 33، 34. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 356. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 640 ثُمَّ أُدْخِلَ يَحْيَى بنُ صَالِحٍ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبِي اليَمَانِ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِنَا، مُؤَدِّبُ أَوْلاَدِنَا. قَالَ: فَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ، لاَ يَصْلُحُ. قَالَ: فَخَالِدُ بنُ خَلِيٍّ؟ قَالَ: عَنِّي أَخَذَ العِلْمَ، وَكَتَبَ الفِقْهَ. فَأُخْرِجَ. وَأُدْخِلَ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، فَحَادَثَهُ، وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبِي اليَمَانِ؟ فَقَالَ: شَيْخٌ صَالِحٌ، يَقْرَأُ القُرْآنَ. قَالَ: فَيَحْيَى؟ قَالَ: أَحَدُ الفُقَهَاءِ. قَالَ: فَخَالِدُ بنُ خَلِيٍّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ. ثُمَّ أَخَذَ يَبْكِي. ثُمَّ أُدْخِلَ خَالِدٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبِي اليَمَانِ؟ قَالَ: شَيْخُنَا، وَعَالِمُنَا، وَمَنْ قَرَأْنَا عَلَيْهِ القُرْآنَ. قَالَ: فَيَحْيَى؟ قَالَ: أَخَذْنَا عَنْهُ العِلْمَ وَالفِقْهَ. قَالَ: فَابْنُ عَيَّاشٍ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِن الأَبْدَالِ، إِذَا نَزَلَتْ بِنَا نَازِلَةٌ، سَأَلْنَاهُ، فَدَعَا اللهَ، فَكَشَفَهَا، فَإِذَا أَصَابَنَا القَحْطُ، سَأَلْنَاهُ، فَدَعَا اللهَ -تَعَالَى- فَسَقَانَا الغَيثَ. قَالَ: فَعَمَدَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ إِلَى سِتْرٍ رَقِيْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَأْمُوْنِ، فَرَفَعَهُ، فَقَالَ لَهُ المَأْمُوْنُ: هَذَا يَصلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَوَلِّهِ. فَأَمَرَ بِالخِلَعِ، فَخُلِعَتْ عَلَى خَالِدٍ، وَوَلاَّهُ القَضَاءَ (1) . قُلْتُ: لَمْ أَظْفَرْ لَهُ بِوَفَاةٍ، كَأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. ابْنُهُ: 225 - مُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ خَلِيٍّ الحِمْصِيُّ * (س) الإِمَامُ، العَالِمُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحُسَيْنِ الحِمْصِيُّ.   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 356، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 5 / 33، 34. (*) الجرح والتعديل 7 / 244، الإكمال 2 / 113، المعجم المشتمل: 237، تهذيب الكمال لوحة 1192، تذهيب التهذيب 3 / 200 / 1، الكاشف 3 / 37، تهذيب التهذيب 9 / 140، خلاصة تذهيب الكمال: 334. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 641 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوَهْبِيِّ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَبِشْرِ بنِ شُعَيْبٍ. رَوَى عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَحَاجِبُ بنُ أَرَّكِيْنَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدِ بنِ خَلِيٍّ، وَطَائِفَةٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. وَعَاشَ: إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 226 - مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، د) الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، صَاحِبُ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَرَاوِيَتُهُ. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أَبِي عَوَانَةَ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ، وَمَخْشِيِّ بنِ مُعَاوِيَةَ البَاهِلِيِّ، وَحَبِيْبَةَ بِنْتِ حَمَّادٍ المَازِنِيَّةِ، وَجَمَاعَةٍ يَسِيْرَةٍ. وَلَمْ يَرْحَلْ، وَلاَ كَتَبَ، بَلْ كَانَ يَحْفَظُ. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ البُخَارِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَيُوْسُفُ   (*) الجرح والتعديل 8 / 92، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 451، المعجم المشتمل: 274، تهذيب الكمال لوحة 1276، تذهيب التهذيب 4 / 1 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 447، 448، العبر 1 / 410، الكاشف 3 / 100، دول الإسلام 1 / 139، نكت الهميان: 276، تهذيب التهذيب 9 / 475، طبقات الحفاظ: 195، خلاصة تذهيب الكمال: 360، شذرات الذهب 2 / 71. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 642 القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ العِجْلِيُّ: بَصْرِيٌ، ثِقَةٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، قُلْتُ لَهُ: لَكَ كِتَابٌ؟ فَقَالَ: كِتَابِي صَدْرِي (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ كِتَابَ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَهُوَ حَافِظٌ، كَيِّسٌ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أُمَيَّةَ بنِ بِسْطَامَ (2) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ المِنْهَالِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيَّ (تَفْسِيْرَ أَبِي رَجَاءَ) لِيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، فَأَملَى عَلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ نِصْفَهُ، ثُمَّ أَتَيتُه يَوْماً آخَرَ بَعْدَكَم (3) ، فَأَملَى عَلَيَّ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى، فَقَالَ: خُذْ. فَتَعَجَّبتُ، وَكَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ. وَقَالَ القَاسِمُ بنُ صَفْوَانَ البَرْذَعِيُّ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ: أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ (4) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى يَذْكُرُ مُحَمَّدَ بنَ مِنْهَالٍ الضَّرِيْرَ، وَيُفَخِّمُ أَمرَهُ، وَيَذْكَرُ أَنَّهُ كَانَ أَحْفَظَ مَنْ بِالبَصْرَةِ فِي وَقْتِهِ، وَأَثْبَتَهُم فِي يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ (5) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1276. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 92. (3) ضبطت في الأصل بفتح الكاف، وكأنه يريد أنه جاء بعد أيام. والخبر في " الجرح والتعديل " 8 / 92. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 1276. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 1276. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 643 وَرَوَى: ابْنُ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، قَالَ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ، لَيْلَةَ الأَحَدِ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ (2) . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ فِيْمَا حَدَّثَ بِهِ وَأَجَازَهُ لِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ القَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عَامِرِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - أُخْتِهِ - قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْبِحُ فِيْنَا جُنُباً مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ، ثُمَّ يُصْبِحُ صَائِماً. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. وَعَامِرٌ: مِنَ الطُّلَقَاءِ. تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِه: النَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيْدٍ فَقَطْ (3) . وَمِنْ غَرِيْبِ الاتِّفَاقِ: وَفَاةُ سَمِيِّهِ وَشَرِيْكِهِ فِي اللِّقَاءِ مَعَهُ فِي عَامٍ، وَهُوَ:   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 1276. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1276. (3) وأخرجه مالك 1 / 272 في الصيام: باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان، ومن طريقه البخاري 4 / 123، ومسلم (1109) ، وأبو داود (2388) عن عبد ربه بن سعيد بن قيس، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة وأم سلمة قالتا: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان، ثم يصوم ذلك اليوم. وأخرجه الترمذي (779) من طريق قتيبة، عن الليث، عن ابن شهاب، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة وأم سلمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 644 227 - مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ البَصْرِيُّ العَطَّارُ * أَخُو الحَافِظِ الثِّقَةِ حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ (1) الأَنْمَاطِيِّ. يَرْوِي عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَفَيَّاضِ بنِ ثَابِتٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ هَذَا وَعَنِ الضَّرِيْرِ، فَقَالَ: جَمِيْعاً ثِقَتَانِ، وَالضَّرِيْرُ أَحْفَظُ وَأَكْيَسُ (2) . وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ (3) : وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ أَيْضاً فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ الأَثْرَمُ، وَعُبَادَةُ بنُ زِيَادٍ الكُوْفِيُّ، وَخَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ الفَقِيْهُ، وَمُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ الشَّهِيْدُ، وَعَلِيُّ بنُ حَكِيْمٍ الأَوْدِيُّ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ الحَافِظُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَهَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ.   (*) التاريخ الكبير 2 / 247، الجرح والتعديل 8 / 92، المعجم المشتمل: 274، تهذيب الكمال لوحة 1276، تذهيب التهذيب 214 / 1، تهذيب التهذيب 9 / 476، خلاصة تذهيب الكمال: 360، شذرات الذهب 2 / 71. (1) تقدمت ترجمته في هذا الجزء في الصفحة 352. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 92. (3) في " تهذيب الكمال " لوحة 1276. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 645 228 - ابْنُ سَمَاعَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ التَّيْمِيُّ * قَاضِي بَغْدَادَ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ هِلاَلٍ التَّيْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ. حَدَّثَ عَنْ: اللَّيْثِ، وَالمُسَيَّبِ بنِ شَرِيْكٍ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَنْبَرٍ الوَشَّاءُ. وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ. قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَوْ أَنَّ المُحَدِّثِيْنَ يَصدُقُوْنَ فِي الحَدِيْثِ كَمَا يَصْدُقُ ابْنُ سَمَاعَةَ فِي الفِقْهِ، لَكَانُوا فِيْهِ عَلَى نِهَايَةٍ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطِيَّةَ: كَانَ وِردُه فِي اليَوْمِ مائَتَيْ رَكْعَةٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَكَثتُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ تَفُتْنِي التَّكبِيرَةُ الأُوْلَى، إِلاَّ يَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي، فَصَلَّيْتُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً، أُرِيْدُ التَّضْعِيْفَ (3) .   (*) أخبار القضاة 3 / 282، مروج الذهب 7 / 209، الفهرست: 258، 259، تاريخ بغداد 5 / 341 - 343، تهذيب الكمال لوحة 1205، تذهيب التهذيب 3 / 208 / 2، الوافي بالوفيات 3 / 139، 140، تهذيب التهذيب 9 / 204، النجوم الزاهرة 2 / 271، خلاصة تذهيب الكمال: 339، مفتاح السعادة 2 / 124، الجواهر المضية 2 / 58، 59، الفوائد البهية 170، 171. (1) " تاريخ بغداد " 5 / 342، و" تهذيب الكمال " لوحة 1205. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 343. (3) الخبر في " تاريخ بغداد " 5 / 342، 343، و" تهذيب الكمال " لوحة 1205 بأطول مما هنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 646 قُلْتُ: وَلِيَ القَضَاءَ لِلرَّشِيْدِ بَعْدَ يُوْسُفَ بنِ أَبِي يُوْسُفَ، وَدَامَ إِلَى أَنْ ضَعُفَ بَصَرُه، فَصَرَفَهُ المُعْتَصِمُ بِإِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادٍ (1) . عُمِّرَ: مائَةَ سَنَةٍ وَثَلاَثَ سِنِيْنَ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 229 - يَحْيَى بنُ بِشْرِ بنِ كَثِيْرٍ أَبُو زَكَرِيَّا الأَسَدِيُّ * (م) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو زَكَرِيَّا الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الحَرِيْرِيُّ، التَّاجِرُ. قَدِمَ دِمَشْقَ، فَسَمِعَ مِنْ: مُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ الحَبَشِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدِ بنِ بِشْرٍ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، وَالفَضْلِ بنِ صَدَقَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُوْسَى، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ. قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ (3) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَدِمَ دِمَشْقَ تَاجِراً، وَتُوُفِّيَ بِالكُوْفَةِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى،   (1) وانظر " تاريخ بغداد " 5 / 342. (*) طبقات ابن سعد 6 / 411، 412، الجرح والتعديل 9 / 131، تهذيب الكمال، لوحة 1490، تذهيب التهذيب 4 / 149 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 188، خلاصة تذهيب الكمال: 431. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1490. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1490. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 647 سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَفِيْهَا وَرَّخُه: البَغَوِيُّ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ وَحدَهُ: سَنَةَ سَبْعٍ (2) . كَذَا فِي النُّسْخَةِ، وَمَا أَكْثَرَ مَا يَتَصَحَّفُ تِسْعٌ بِسَبْعٍ! 230 - ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ * (خَ، د، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ البَصْرِيُّ. تَخَرَّجَ بِخَالِهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مَهْدِيٍّ. سَمِعَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَيزَيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَدِّهِ؛ أَبِي الأَسْوَدِ، وَحُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، وَطَائِفَةٍ. وَتَوَسَّعَ فِي العِلْمِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ هَمْدَانَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَمِنَ الرَّاوِيْنَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمُّوْيَه، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُرَّزَاذَ، وَسَمِعَ وَهُوَ حَدَثٌ بِاعْتِنَاء خَالِهِ. رَوَى: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ وَهُوَ صَغِيْرٌ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَقَدْ كَانَ يَطْلُبُ الحَدِيْثَ (3) .   (1) " طبقات ابن سعد 6 / 411، 412. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1490. (*) التاريخ الكبير 5 / 188، الجرح والتعديل 5 / 159، تاريخ بغداد 10 / 62 - 64، المعجم المشتمل: 159، تهذيب الكمال لوحة 734، تذهيب التهذيب 2 / 183 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 493، الكاشف 2 / 125، طبقات الحفاظ: 215، تهذيب التهذيب 6 / 6، خلاصة تذهيب الكمال: 212. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 63. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 648 وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، سَكَنَ بَغْدَادَ (1) . قَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سِتُّوْنَ سَنَةً (2) . قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ مَوْلُِدُه ظَنّاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. 231 - الفَرْوِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ * (خَ، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، الفَرْوِيُّ، المَدَنِيُّ. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَعُبَيْدَةَ بنَ نَائِلٍ، وَنَافِعَ بنَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنَ أَبِي حَازِمٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَلَكِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَرُبَّمَا لُقِّنَ، وَكُتُبُه صَحِيْحَةٌ.   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 62، 63. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 64. (*) التاريخ الكبير 1 / 401، التاريخ الصغير 2 / 355، الجرح والتعديل 2 / 233، الأنساب 9 / 288، اللباب 2 / 426، تهذيب الكمال لوحة 90، العبر 1 / 397، ميزان الاعتدال 1 / 198، تذهيب التهذيب 1 / 57 / 2، الوافي بالوفيات 8 / 422، تهذيب التهذيب 1 / 248، مقدمة فتح الباري: 387، خلاصة تذهيب الكمال: 29، شذرات الذهب 2 / 58. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 233. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 649 وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . وَوَهَّاهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَنَقَمَ عَلَيْهِ رِوَايَتَه؛ لِحَدِيْثِ الإِفْكِ عَنْ مَالِكٍ (1) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ، وَيُوبِّخُوْنَه عَلَى هَذَا. قُلْتُ: القَوْلُ مَا قَالهُ فِيْهِ أَبُو حَاتِمٍ (2) ، أَمَا عَمُّ أَبِيْهِ؛ إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَذَاكَ وَاهٍ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ الفَرْوِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: خَرَّجَ لَهُ أَيْضاً: التِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، وَوَقَعَ لَنَا فِي (جُزْءِ ابْنِ دَيْزِيْلَ) حَدِيْثُ الإِفكِ، رَوَاهُ عَنِ الفَرْوِيِّ، عَنْ مَالِكٍ (4) . 232 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الجُمَحِيُّ * (م) مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو حَرْبٍ، أَخُو مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ الأَخْبَارِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَهْمَانَ، وَأَبِي المِقْدَامِ هِشَامِ بنِ زِيَادٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ مُسْلِمٍ، وَجَمَاعَةٍ.   (1) انظر " تهذيب الكمال " لوحة 90. (2) وكذا قال الحافظ في " مقدمة الفتح ": 387. (3) " التاريخ الكبير " 1 / 401. (4) هو في " جزئه " الورقة 174 / وجه ثان وما بعدها، وهذا الجزء موجود ضمن " مجموعه " الموجود في المكتبة الأحمدية بحلب، وعندنا نسخة مصورة منه. (*) الجرح والتعديل 5 / 242، الأنساب 3 / 299، 300، المعجم المشتمل: 167، تهذيب الكمال لوحة 294، تذهيب التهذيب 2 / 213 / 2، العبر 1 / 409، 410، الكاشف 2 / 167، تهذيب التهذيب 6 / 192، خلاصة تذهيب الكمال: 229، شذرات الذهب 2 / 71. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 650 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ، وَمُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. وَكَذَلِكَ أَخُوْهُ: 233 - مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ * العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُمَحِيُّ، وَوَلاَؤُهُم لِقُدَامَةَ بنِ مَظْعُوْنٍ. كَانَ عَالِماً، أَخْبَارِيّاً، أَدِيْباً، بَارِعاً. حَدَّثَ عَنْ: مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَثَعْلَبٌ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 242، 243. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 794. (*) الجرح والتعديل 7 / 278، مراتب النحويين: 67، طبقات النحويين للزبيدي: 197، الفهرست: 126، تاريخ بغداد 5 / 327، الأنساب 3 / 299، نزهة الالباء: 157، معجم الأدباء 18 / 204، 205، الكامل لابن الأثير 7 / 26، إنباه الرواة 3 / 143، ميزان الاعتدال 3 / 567، العبر 1 / 409، عيون التواريخ 8 / لوحة 90 و91 / 1، الوافي بالوفيات 3 / 114، 115، البداية والنهاية 10 / 308، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 57، لسان الميزان 5 / 182، النجوم الزاهرة 2 / 260، بغية الوعاة 1 / 115، المزهر 2 / 260، طبقات المفسرين 2 / 151، شذرات الذهب 2 / 71. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 651 قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ (1) . قُلْتُ: صَنَّفَ كِتَابَ (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ (2)) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ بَغْدَادَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، فَاعتَلَّ عِلَّةً شَدِيْدَةً، فَأَهْدَى إِلَيْهِ الرُّؤَسَاءُ أَطِبَّاءهُم، وَكَانَ مِنْهُم ابْنُ مَاسُوَيْه الطَّبِيْبُ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: مَا أَرَى مِنَ العِلَّةِ كَمَا أَرَى مِنَ الجَزَعِ. قَالَ: وَاللهِ مَا ذَاكَ لِحِرصٍ عَلَى الدُّنْيَا مَعَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ فِي غَفْلَةٍ حَتَّى يُوقَظَ بِعِلمِهِ. فَقَالَ: لاَ تَجْزَعْ، فَقَدْ رَأَيْتُ فِي عِرْقِكَ مِنَ الحَرَارَةِ الغَرِيْزِيَّةِ وَقُوَّتِهَا مَا إِنْ سَلَّمَكَ اللهُ مِنَ العَوَارِضِ، بَلَّغَكَ عَشْرَ سِنِيْنَ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ فَهْمٍ: فَوَافَقَ كَلاَمُهُ قَدَراً، فَعَاشَ كَذَلِكَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ (3) . وَقَالَ أَبُو خَلِيْفَةَ: ابْيَضَّتْ لِحْيَةُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ وَرَأْسُهُ، وَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً (4) . وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَفْنَيتُ ثَلاَثَةَ أَهْلِيْنَ مَاتُوا، وَهَا أَنَا فِي الرَّابِعَةِ وَلِيَ أَوْلاَدٌ (5) . قُلْتُ: عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.   (1) " تاريخ بغداد " 5 / 328. (2) وقد طبع في سفرين بتحقيق وشرح الأستاذ الكبير العلامة محمود محمد شاكر. (3) " تاريخ بغداد 5 / 329، و" طبقات الاطباء " لابن أبي أصيبعة: 254، و" نزهة الالباء " 157، 158. (4) " تاريخ بغداد " 5 / 329. (5) " تاريخ بغداد " 5 / 329. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 652 234 - أَحْمَدُ بنُ شَبِيْبِ بنِ سَعِيْدٍ الحَبَطِيُّ * (خَ، س) الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، المُجَاوِرُ بِمَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَالفَلاَّسُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالفَسَوِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . 235 - أَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ * (خَ، م، د) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ الحَلَبِيُّ، نَزِيْلُ طَرَسُوْسَ الَّتِي هِيَ اليَوْمَ مِنْ بِلاَدِ الأَرْمَنِ (3) . مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ مِنْ: مُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، وَالهَيْثَمِ بنِ   (*) التاريخ الكبير 2 / 4، الجرح والتعديل 2 / 54، الأنساب 4 / 49، تهذيب الكمال 1 / 23، تذهيب التهذيب 1 / 12 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 103، الكاشف 1 / 59، تهذيب التهذيب 1 / 36، خلاصة تذهيب الكمال: 7. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 55. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 23. * * التاريخ الكبير 3 / 279، الجرح والتعديل 3 / 370، تهذيب الكمال لوحة 409، تذهيب التهذيب 1 / 119 / 2، الكاشف 1 / 305، تهذيب التهذيب 3 / 250، خلاصة تذهيب الكمال: 115، تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 310، 311. (3) وهي الآن مدينة في جنوب تركيا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 653 حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالحَكَمِ بنِ ظُهَيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ المِقْدَامِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَأَبِي المَلِيْحِ الرَّقِّيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَطَبَقَتِهِم. وَوَعَى عِلْماً جَمّاً، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَارتَحَلُوا إِلَيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَيَزِيْدُ بنُ جَهْوَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُمَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ الحَلَبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ. وَمِنْ أَقْرَانِهِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَحَدَّثَ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ فِي كُتُبِهِم، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدِمَ أَبُو تَوْبَةَ الكُوْفَةَ، وَلَمْ يَرْحَلْ إِلَى البَصْرَةِ، وَكَانَ يَحْفَظُ الطِّوَالَ يَجِيْءُ بِهَا، وَرَأَيْتُهُ يَمْشِي حَافِياً وَعَلَى رَأْسِهِ الطَّوِيْلَةُ. قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الأَبْدَالِ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. قُلْتُ: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ سَلاَّمٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ (3) . وَقَالَ الفَسَوِيُّ: كَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 471. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 409. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 409. (4) انظر " تاريخ الفسوي " 1 / 212. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 654 قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ، وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ تَرْجَمَتَهُ لِقِدَمِهِ وَنُبلِهِ، وَلِذَلِكَ مَا أَزَالُ مُتَرَدِّداً فِي الكَهْلِ القَدِيْمِ المَوْتِ، وَفِي المُعَمَّرِ الَّذِي تَأَخَّرَ. 236 - الخُوْشِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَسَدٍ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَسَدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، الخُوْشِيُّ - بِوَاوٍ - وَيُقَالُ: الخَشِّيُّ. سَمِعَ: الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيَّ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ الذُّهْلِيِّ، وَأَبُو لَبِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ السَّرَخْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي بِمَكَّةَ، فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: كَانَ أَحَدَ أَركَانِ الحَدِيْثِ، وَلَمَّا بَلَغَ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه مَوْتُه، دَخَلَ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرِ، فَقَالَ: آجَرَكَ اللهُ فِي نِصْفِ خُرَاسَانَ. وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ: كَانَ ثِقَةً (2) .   (*) الجرح والتعديل 7 / 209، الإكمال 3 / 265، تاريخ بغداد 2 / 81، 82، معجم البلدان 2 / 406، اللباب 1 / 376، تذكرة الحفاظ 2 / 460، المشتبه 1 / 218، تبصير المنتبه 2 / 554، طبقات الحفاظ: 198. (1) " الجرح والتعديل " 7 / 209. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 82 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 655 وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّعِ: خُوْشُ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى إِسْفَرَايِيْنَ (1) . وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ: كَتَبُوا عَنْهُ بِبَغْدَادَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً (2) . قُلْتُ: مَاتَ بُعَيدَ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ فِيْهَا، وَأُثَبِتُّهُ هُنَا لِقِدَمِ وَفَاتِه. 237 - أَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ بنِ سَعِيْدِ بنِ نَافِعٍ الأُمَوِيُّ * (خَ، ت، س) الشَّيْخُ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، مُفْتِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَعَالِمُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ. مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ شَابٌّ كَبِيْرٌ، فَفَاتَهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ. فَرَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَخِيْهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ السَّبِيْعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَابْنِ القَاسِمِ، وَبِهِمَا تَفَقَّهَ، وَحَوَى عِلْماً جَمّاً. حدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمُّوْيَه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُنِيْبٍ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 81، 82. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 82. (*) التاريخ الكبير 2 / 36، الجرح والتعديل 2 / 321، طبقات الشيرازي: 153، ترتيب المدارك 2 / 561، 565، وفيات الأعيان 1 / 240، تهذيب الكمال لوحة 121، تذهيب التهذيب 1 / 71 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 457، العبر 1 / 393، الكاشف 1 / 136، الديباج المذهب 1 / 299 - 301، تهذيب التهذيب 1 / 361، طبقات الحفاظ: 200، حسن المحاضرة 1 / 308، خلاصة تذهيب الكمال: 39، شذرات الذهب 2 / 56، شجرة النور الزكية 1 / 66. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 656 المَرْوَزِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَأَبُو يَزِيْدَ يُوْسُفُ القَرَاطِيْسِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ خَلقِ اللهِ بِرَأْيِ مَالِكٍ، يَعرِفُهَا مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً، مَتَى قَالَهَا مَالِكٌ، وَمَنْ خَالَفَهُ فِيْهَا (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَصْبَغُ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَجَلَّ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ (3) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ يَقُوْلُ: هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ عَبِيْدِ المَسْجَدِ، كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يَشتَرُوْنَ لِلْمَسْجِدِ عَبِيداً يَخْدُمُونَهُ، فَأَصْبَغُ مِنْ أَوْلاَدِ أُوْلَئِكَ، وَكَانَ مُضْطَلِعاً بِالفِقْهِ وَالنَّظَرِ. ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ ذُكِرَ لِلْقَضَاءِ فِي مَجْلِسِ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَسَبَقَهُ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ (4) . قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيِّ: أَنَّهُ كَانَ حَاضِراً فِي مَجْلِسِ ابْنِ طَاهِرٍ حِيْنَ أَمَرَ بِإِحضَارِ شُيُوْخِ مِصْرَ. قَالَ: فَقَالَ لَنَا: إِنِّيْ جَمَعتُكُم لِتَرتَادُوا لأَنفُسِكُم قَاضِياً. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ابْنُ ضَمْرَةَ الزُّهْرِيُّ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، أَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ الفَقِيْهُ العَالِمُ الوَرِعُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الحِكَايَةِ (5) .   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 563. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 121. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 321. (4) " تهذيب الكمال " لوحة 121. (5) " تهذيب الكمال " لوحة 121. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 657 قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: مَا أَخْرَجَتْ مِصْرُ مِثْلَ أَصْبَغَ (1) . وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ، وَالرَّبِيْعَ، يَقُوْلاَنِ: كُنَّا نَأْتِي أَصْبَغَ قَبْلَ قُدُوْمِ الشَّافِعِيِّ، فَنَقُوْلُ لَهُ: عَلِّمْنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ -تَعَالَى (2) -. قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَصْبَغُ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ (3) . وَذَكَرَ عَلِيُّ بنُ قُدَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ مُبَاعَدَةٌ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَرْمِي الآخَرَ بِالبُهْتَانِ. وَقَالَ ابْنُ وَزِيْرٍ: كَانَ أَصْبَغُ خَبِيْثَ اللِّسَانِ، كَانَ صَاعِقَةً. قَالَ ابْنُ قُدَيْدٍ: كَتَبَ المُعْتَصِمُ فِي أَصْبَغَ لِيُحْمَلَ إِلَيْهِ فِي المِحْنَةِ، فَهَرَبَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَاخْتَفَى بِحُلْوَانَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ الجَمَلُ الشَّاعِرُ: وَطَوَيْتَ أَصْبَغَ حِقْبَةً فِي بَيْتِهِ ... فَسَتَرْنَهُ جُدُرُ البُيُوْتِ السُّتَّرِ أَبْدَلْتَهُ بِرِجَالِهِ وَجُمُوْعِهِ ... خَرْقاً مُقَاعَدَةَ النِّسَاءِ الخُدَّرِ فَإِذَا أَرَادَ مَعَ الظَّلاَمِ لِحَاجَةٍ ... أَخَذَ النِّقَابَ وَفَضْلَ مِرْطِ المِعْجَرِ (4) 238 - المُسْنَدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، أَبُو   (1) انظر " ترتيب المدارك " 2 / 562. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 563. (3) " انظر " ترتيب المدارك " 2 / 562. (4) الابيات مع الخبر مفصلا في " ترتيب المدارك " 2 / 565. (*) التاريخ الكبير 5 / 189، التاريخ الصغير 2 / 358، الجرح والتعديل 5 / 162، تاريخ بغداد 10 / 64، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 266، المعجم المشتمل: 160، تهذيب الكمال لوحة 735، تذهيب التهذيب 2 / 184 / 1، الكاشف 2 / 126، العبر 1 / 405، تهذيب التهذيب 6 / 9، خلاصة تذهيب الكمال: 312، شذرات الذهب 2 / 67. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 658 جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ يَمَانٍ الجُعْفِيُّ مَوْلاَهُمْ، البُخَارِيُّ، المَعْرُوْف: بِالمُسْنَدِيِّ؛ لِكَثْرَةِ اعتِنَائِه بِالأَحَادِيْثِ المُسْنَدَةِ. رَحَلَ، وَطَوَّفَ، وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصِلٍ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدِّيَارِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ بِمَا وَرَاءَ النَّهرِ بِلاَ مُدَافَعَةٍ، وَهُوَ أُسْتَاذُ البُخَارِيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ أَسْلَمَ جَدُّ البُخَارِيِّ عَلَى يَدِيْ يَمَانٍ؛ جَدِّ المُسْنَدِيِّ. رَوَى غُنْجَارُ فِي (تَارِيْخِهِ) بِإِسْنَادِهِ: قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي الحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ: مِنْ أَيْنَ يَفُوتُكَ حَدِيْثٌ، وَأَنْتَ وَقَعتَ عَلَى كَنْزٍ؟! يَعْنِي: المُسْنَدِيَّ (2) . تُوُفِّيَ المُسْنَدِيُّ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: غَابَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ بَلَدِهِ، وَأَقَامَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 162. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 735. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 659 فِي الآفَاقِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ: بِالمُسْنَدِيِّ، وَهُوَ مِنَ المَعْرُوْفِينَ مِنْ أَهْلِ العَدَالَةِ وَالصِّدْقِ، صَاحِبُ سُنَّةٍ وَجَمَاعَةٍ وَإِتْقَانٍ، رَأَيْتُهُ بِوَاسِطَ، كَانَ حَسَنَ القَامَةِ، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَرَجَعَ إِلَى بُخَارَى، وَمَاتَ بِهَا (1) . وَرُوِيَ عَنْ: خَلَفِ بنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي الحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ: أَنْتَ مِنْ أَيْنَ يَفُوتُكَ الحَدِيْثُ، وَقَدْ وَقَعتَ عَلَى هَذَا الكَنْزِ؟! يَعْنِي: المُسْنَدِيَّ (2) . وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنَدِيِّ، قَالَ: وَدَّعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، فَقُلْتُ: أَوْصِنِي. قَالَ: كُنْ ذَنَباً، وَلاَ تَكُنْ رَأْساً. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ المُسْنَدِيُّ لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ (3) . 239 - المُقَدَّمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَلِيِّ بنِ عَطَاءِ بنِ مُقَدَّمٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، وَالِدُ المُحَدِّثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَ عَنْ: عَمِّه؛ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ،   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 735. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 65. (3) " التاريخ الصغير " 2 / 358. (*) التاريخ الكبير 1 / 49، التاريخ الصغير 2 / 363، الجرح والتعديل 7 / 213، تهذيب الكمال لوحة 1178، تذهيب التهذيب 3 / 191 / 2، تهذيب التهذيب 9 / 79، خلاصة تذهيب الكمال: 329. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 660 وَفُضَيْلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَثَّامِ بنِ عَلِيٍّ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ، وَأَتْقَنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابَيْهِمَا. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَمَاتَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (صِفَةِ المُنَافِقِ) ، وَفِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) . وَكَانَ ابْنُه أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبَ حَدِيْثٍ أَيْضاً. 240 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ الأُمَوِيُّ * (خَ، د، ت، س) هُوَ: المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ مُسْلِمٍ الأُمَوِيُّ، الحَرَّانِيُّ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. رَوَى عَنْ: زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَمُوْسَى بنِ أَعْيَنَ، وَالحَارِثِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ فِيْلٍ، وَصَالِحُ بنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَبَلَةَ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ   (*) التاريخ الكبير 2 / 3، التاريخ الصغير 2 / 374، الجرح والتعديل 2 / 57، الأنساب 4 / 98، تهذيب الكمال لوحة 28، تذهيب التهذيب 1 / 15 / 2، الكاشف 1 / 61، تهذيب التهذيب 1 / 47، خلاصة تذهيب الكمال: 8. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 661 الحَرَّانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) . مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ. 241 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الأَسَدِيُّ * (خَ، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو يَحْيَى الأَسَدِيُّ مَوْلاَهُمْ، الحَرَّانِيُّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي المَلِيْحِ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ الرَّقِّيِّ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامُ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأَيْتُهُ حَافِظاً لِحَدِيْثِه، صَاحِبَ سُنَّةٍ، فَقِيْلَ لَهُ: أَهْلُ حَرَّانَ يُسِيْؤُونَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ! فَقَالَ: أَهْلُ حَرَّانَ قَلَّ مَا يَرْضَوْنَ عَنْ إِنْسَانٍ، هُوَ يَغْشَى السُّلْطَانَ بِسَبَبِ ضَيعَةٍ لَهُ (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 57. (*) التاريخ الكبير 2 / 3، الجرح والتعديل 2 / 61، تاريخ بغداد 4 / 266، تهذيب الكمال لوحة 31، تذهيب التهذيب 1 / 18 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 463، الكاشف 1 / 64، تهذيب التهذيب 1 / 57، طبقات الحفاظ: 201، 202، خلاصة تذهيب الكمال: 9. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 266، و" تهذيب الكمال " لوحة 31. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 662 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ نَظِيْرَ النُّفَيْلِيِّ فِي الصِّدْقِ وَالإِتْقَانِ (1) . قُلْتُ: خَرَّجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ الفَقِيْهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ زِيَادِ بنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (المَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -) (3) . وَقَدْ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ طَائِفَةٌ سَيَأْتُوْنَ فِي الطَّبَقَةِ الآتِيَةِ مِمَّنْ تَتَجَاذَبُهُمُ الطَّبَقَاتُ (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 61. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 267. (3) سنده جيد، وأخرجه أبو داود (4284) ، وابن ماجه (4086) في كتاب المهدي من طريقين عن أبي المليح الرقي بهذا الإسناد، وهو في " المستدرك " 4 / 557. (4) فما يأتي من التراجم، منها ما يندرج تحت الطبقة الثانية عشرة، ومنها ما يندرج تحت الطبقة الثالثة عشرة، وقد كتب الناسخ العنوان الآتي أولا: (الطبقة الثالثة عشرة) ، ثم إنه عدل عن ذلك، فغيره إلى (الطبقة الثانية عشرة) ، ظنا منه أنها امتداد لها، وابتدأ الطبقة الثالثة عشرة من الصفحة (515) من الجزء الحادي عشر من طبعتنا هذه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 663 الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ 242 - مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مَنِيْعٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ * الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، كَاتِبُ الوَاقِدِيِّ، وَمُصَنِّفُ: (الطَّبَقَاتِ الكَبِيْرِ) فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّداً، وَ (الطَّبَقَاتِ الصَّغِيْرِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. فَقِيْلَ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ. وَطَلَبَ العِلْمَ فِي صِبَاهُ، وَلَحِقَ الكِبَارَ. سَمِعَ مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَوَكِيْعٍ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَزَيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 364، الجرح والتعديل 7 / 262، الفهرست لابن النديم: 111، 112، تاريخ بغداد 5 / 321، 322، وفيات الأعيان 4 / 351، 352، تهذيب الكمال لوحة 1200، الكاشف 3 / 46، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 425، العبر 1 / 407، ميزان الاعتدال 3 / 560، الوافي بالوفيات 3 / 88، مرآة الجنان 2 / 10، تهذيب التهذيب 9 / 182، طبقات القراء 2 / 142، 143، النجوم الزاهرة 2 / 258، طبقات الحفاظ: 183، خلاصة تذهيب الكمال: 336، شذرات الذهب 2 / 69، الرسالة المستطرفة: 138. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 664 القَرْقَسَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الوَاقِدِيِّ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَعَفَّانَ، وَخَلْقٍ. حَتَّى إِنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى: ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ السُّكَّرِيِّ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي (الطَّبَقَاتِ) ، خَضَعَ لِعِلْمِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فَهْمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ ابْنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، رَأَيْتُهُ جَاءَ إِلَى القَوَارِيْرِيِّ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيْثَ، فَحَدَّثَه (1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي ذِكْرِ البَدْرِيِّيْنَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو طَالِبٍ، دَعَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا أَنَا مُتُّ، فَائْتِ أَخْوَالَكَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَإِنَّهُم أَمنَعُ النَّاسِ لِمَا فِي بُيُوْتِهِم (2) . سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الخَلِيْلِ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُوَجِّهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِحَنْبَلٍ إِلَى ابْنِ سَعْدٍ يَأْخُذُ مِنْهُ جُزْأَيْنِ مِنْ حَدِيْثِ الوَاقِدِيِّ يَنْظُرُ فِيْهِمَا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: وَلَوْ ذَهَبَ سَمِعَهُمَا، كَانَ خَيْراً لَهُ (3) . الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كُنْتُ عِنْدَ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، فَمَرَّ بِنَا ابْنُ مَعِيْنٍ،   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 262. (2) انظر " الطبقات الكبرى " 3 / 543. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 322. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 665 فَقَالَ مُصْعَبٌ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ بِكَذَا وَكَذَا ... ، وَذَكَرَ حَدِيْثاً. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: كَذِبٌ. رَوَاهَا: الخَطِيْبُ (1) ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ العَدَالَةِ، وَحَدِيْثُه يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِي كَثِيْرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ، وَلَعَلَّ مُصْعَباً ذَكَرَ لِيَحْيَى عَنْهُ حَدِيْثاً مِنَ المَنَاكِيْرِ الَّتِي يَروِيهَا الوَاقِدِيُّ، فَنَسَبَهُ إِلَى الكَذِبِ. قَالَ ابْنُ فَهْمٍ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ صَاحِبُ الوَاقِدِيِّ، هُوَ مَوْلَى الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلبِ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي يَوْمِ الأَحَدِ، لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ العِلْمِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَةِ، كَثِيْرَ الكُتُبِ، كَتَبَ الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ وَالغَرِيْبَ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المَوَازِيْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ - أَوْ عَنْ شَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ - عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذَا الفَتَى -يَعْنِي: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ-. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَكُنْتُ أُصَلِّي وَرَاءهُ، فَيُطِيْلُ الأُوْلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخِفُّ الأُخْرَيَيْنِ، وَيُخِفُّ العَصرَ، وَيَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي العِشَاءِ بِوَسَطِ المُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ   (1) في " تاريخ بغداد " 5 / 321. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 322، و" تهذيب الكمال " لوحة 1200. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 666 فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ المُفَصَّلِ (1) . 243 - يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجِرْجِسِيُّ * (د، م، س، ق (2)) الحَاجُّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو الفَضْلِ الزُّبَيْدِيُّ، الحِمْصِيُّ، المُؤَذِّنُ، وَكَانَ سَكَنَ عِنْدَ كَنِيْسَةِ جِرْجِسَ بِحِمْصَ، فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ النِّسبَةُ إِلَيْهَا. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: بَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدَ بنَ حَرْبٍ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ حِمْيَرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ مُحَدِّثَ حِمْصَ فِي وَقْتِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ. وَحَدَّثَ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهُ - وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. أَثْنَى عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا كَانَ أَثْبَتَهُ (3) .   (1) رجاله ثقات، وهو في " الطبقات " 5 / 332، وأخرجه النسائي 2 / 167، في الافتتاح: باب تخفيف القيام والقراءة، من طريق هارون بن عبد الله، عن ابن أبي فديك بهذا الإسناد، وأخرجه بنحوه أيضا من طريق قتيبة، عن العطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، عن أنس. (*) التاريخ الكبير 8 / 349، الجرح والتعديل 9 / 279، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 578، الأنساب 3 / 225، المعجم المشتمل: 325، اللباب 1 / 271، تهذيب الكمال لوحة 1536، تهذيب التهذيب 4 / 177 / 2، الكاشف 3 / 283، تهذيب التهذيب 11 / 344، خلاصة تذهيب الكمال: 433. (2) في الأصل بكسر الجيم، وفي تقريب التهذيب بضمها. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 280. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 667 قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 244 - حَوْثرَةُ بنُ أَشْرَسَ بنِ عَوْنِ بنِ مُجَشِّرِ بنِ حُجَيْنٍ العَدَوِيُّ * المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَامِرٍ العَدَوِيُّ، البَصْرِيُّ. سَمِعَ: جَعْفَرَ بنَ كَيْسَانَ أَبَا مَعْرُوْفٍ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَعُقْبَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرِّفَاعِيَّ، وَعِدَّةً. وَعَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْساً. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) . وَجَعْفَرُ بنُ كَيْسَانَ: شَيْخٌ مَسْتُوْرٌ، يَرْوِي عَنْ: عَمْرَةَ العَدَوِيَّةِ - تَابِعِيَّةٍ، لَقِيَتْ عَائِشَةَ -. 245 - حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ ** (خَ، د، ت، ق) الإِمَامُ، المُتْقِنُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، أَبُو العَبَّاسِ الحَضْرَمِيُّ الشَّامِيُّ، الحِمْصِيُّ.   (*) الجرح والتعديل 3 / 283، تعجيل المنفعة: 109. (* *) العلل لأحمد بن حنبل: 225، التاريخ الكبير 3 / 120، التاريخ الصغير 2 / 229، الجرح والتعديل 3 / 307، المعجم المشتمل: 112، وفيات الأعيان 3 / 37، تهذيب الكمال لوحة 351، تذهيب التهذيب 1 / 184 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 185، العبر 1 / 229، الكاشف 1 / 263، تهذيب التهذيب 3 / 69، طبقات الحفاظ: 80، 81، خلاصة تذهيب الكمال: 97، شذرات الذهب 2 / 53. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 668 حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ حِمْيَرٍ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ الأَبْرَشِ، وَطَبَقَتِهِم. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ العَوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَثَّقَهُ: الإِمَامُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِهِ فِي (الصَّحِيْحِ) . 246 - مُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ عَطِيَّةَ السُّلَمِيُّ * (خَ، ق) الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، وَالوَلِيْدُ، وَعِرَاكُ بنُ خَالِدٍ. وَعَنْهُ: الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالرَّمَادِيُّ، وَعُبَيْدُ بنُ شَرِيْكٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجَكَّانِيُّ. وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ (3) .   (1) " تهذيب الكمال " لوحة 351. (*) الجرح والتعديل 8 / 114، تهذيب الكمال لوحة 1283، تذهيب التهذيب 4 / 7 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 61، الكاشف 3 / 106، المغني في الضعفاء 2 / 642، تهذيب التهذيب 9 / 505، خلاصة تذهيب الكمال: 363. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1283. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 114. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 669 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ غَيْرُ حَدِيْثٍ مُنْكَرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيْمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الصَّدَفِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ الجِيْزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، ثُمَّ خَلَقَ النُّوْنَ، ثُمَّ خَلَقَ العَقْلَ، فَقَالَ: مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْكَ) ، هَذَا بَاطِلٌ (1) . قُلْتُ: صَدَقَ ابْنُ عَدِيٍّ (2) ، لَكِنْ مُحَمَّدٌ هُوَ آخَرُ قُرَشِيٌّ، نَزَل مِصْرَ، وَيُكْنَى: أَبَا عَمْرٍو، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، فَوَهِمَ فِي نَسَبِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ مَوْلَى قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: ذَكَرَ الاثْنَيْنِ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَابْنُ القُرَشِيِّ: مُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ مُسْلِمٍ. رَوَى عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. رَوَى عَنْهُ: الجِيْزِيُّ، وَيَحْيَى العَلاَّفُ، وَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ المِصْرِيُّوْنَ. قُلْتُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَالأَوَّلُ ثِقَةٌ. 247 - مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ * (خَ، م، د) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو جَعْفَرٍ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ،   (1) انظر " الكامل " لابن عدي لوحة 742. (2) في " الميزان " 4 / 61: فصدق ابن عدي في أن الحديث باطل. (*) التاريخ الكبير 1 / 118، التاريخ الصغير 2 / 356، الجرح والتعديل 7 / 289، تاريخ = الجزء: 10 ¦ الصفحة: 670 التَّاجِرُ، مُصَنِّفُ (السُّنَنِ) ؛ الَّذِي نَروِيهِ فِي مُجَيْلِيْدٍ. وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: شَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ زَكَرِيَّا، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَابْنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَخَالِداً الطَّحَّانَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَابْنَ المُبَارَكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَتَمْتَامُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الوَكِيْعِيُّ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ (2) . وَقَالَ تَمْتَامُ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ، مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ (3) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وُلِدَ بِقَريَةِ دُوْلاَبَ؛ مِنَ الرَّيِّ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ، عَالِمٌ بِهُشَيْمٍ (4) .   = بغداد 5 / 365، الجمع بين رجال الصحيحين 2 / 440، الأنساب 5 / 370، المعجم المشتمل: 245، تهذيب الكمال لوحة 1211، تذهيب التهذيب 3 / 213 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 441، ميزان الاعتدال 3 / 584، الكاشف 3 / 54، العبر 1 / 399، تهذيب التهذيب 9 / 229، طبقات الحفاظ: 193، خلاصة تذهيب الكمال: 342، شذرات الذهب 2 / 62، الرسالة المستطرفة: 35. (1) انظر " العلل " لأحمد بن حنبل: ص 251. (2) " الجرح والتعديل " 7 / 289. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 366. (4) " تاريخ بغداد " 5 / 366. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 671 وَقِيْلَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُجِلُّهُ، وَيُعَظِّمُهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكَرْخِ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . وَقَالَ وَلَدُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَاشَ وَالِدِي سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، غَيْرَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ (2) . قُلْتُ: مَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: المُعْتَصِمُ الخَلِيْفَةُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ بَكَّارٍ البَصْرِيُّ، وَأَبُو النَّضْر الفَرَادِيْسِيُّ، وَعِدَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ. فَأَمَّا: 248 - مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ بنِ سُفْيَانَ الجَرْجَرَائِيُّ * (د، ق) فَهُوَ: الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو جَعْفَرٍ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَجَرْجَرَايَا: قَرْيَةٌ بَيْنَ وَاسِطَ وَبَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ.   (1) " طبقات ابن سعد " 7 / 342. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1211. (*) التاريخ الكبير 1 / 118، التاريخ الصغير 2 / 373، الجرح والتعديل 7 / 289، تاريخ بغداد 5 / 367، الأنساب 3 / 224، المعجم المشتمل 245، معجم البلدان 2 / 123، اللباب 1 / 270، تهذيب الكمال لوحة 1210، تذهيب التهذيب 3 / 113 / 1، الكاشف 3 / 54، ميزان الاعتدال 3 / 584، المغني في الضعفاء 2 / 593 وفيه: الجرجرائي الدولابي وهو خطأ، فالدولابي هو صاحب الترجمة المتقدمة، ولم ينبه عليه المحقق. تهذيب التهذيب 9 / 228، خلاصة تذهيب الكمال: 341. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 672 رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَالسَّرَّاجُ، وَالقَاسِمُ المَطَرِّزُ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ (1) . مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِجَرْجَرَايَا. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّوَّاقُ، أَخْبَرَنَا مَخْلدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ بِلَيْلَتَيْنِ (2) . 249 - بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ خَالِدٍ أَبُو الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، قَاضِي العِرَاقِ، أَبُو الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، الحَنَفِيُّ.   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 289. (2) الحديث صحيح، وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق محمد بن الصباح، عن إسماعيل بن زكريا بهذا الإسناد، إلا أن قوله: " صلى عليه بعد ما دفن بليلتين " شاذ، فإن الطرق الصحيحة كما قال الحافظ في " الفتح " 3 / 164 تدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه. انظر الحديث في البخاري 3 / 93، 94 و164، ومسلم (954) ، وأبي داود (3196) والنسائي 4 / 85، والترمذي (1037) ، وابن ماجه (1530) ، وأحمد رقم (1962) و (2554) و (3134) ، والبيهقي 3 / 45، 46. (*) أخبار القضاة 3 / 272، 273، تاريخ بغداد 7 / 80 - 84، ميزان الاعتدال 1 / 326، المغني في الضعفاء 1 / 108، العبر 1 / 427، النجوم الزاهرة 2 / 292، 293، شذرات الذهب 2 / 89، الفوائد البهية: 54، 55. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 673 وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الغَسِيْلِ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ -. وَمِنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَحَشْرَجِ بنِ نُبَاتَةَ، وَصَالِحٍ المُرِّيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ - وَبِهِ تَفَقَّهَ وَتَمَيَّزَ -. حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ عَلَّوَيْه، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ البَلْخِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ حَسَنَ المَذْهَبِ، وَلَهُ هَفْوَةٌ لاَ تُزِيلُ صِدقَهُ وَخَيْرَه - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَلِيَ القَضَاءَ بِعَسْكَرِ المَهْدِيِّ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ (1) ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ مَدِيْنَةِ المَنْصُوْرِ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى سَنَةِ (213) ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ إِمَاماً، وَاسِعَ الفِقْهِ، كَثِيْرَ العِلْمِ، صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَدِيَانَةٍ، وَتَعَبُّدٍ. قِيْلَ: كَانَ وِردُهُ فِي اليَوْمِ مائَتَيْ رَكْعَةٍ. وَكَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا فُلِجَ وَانْدَكَّ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ: رَوَى بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ كُتُبَهُ، وَوَلِيَ قَضَاءَ بَغْدَادَ فِي الجَانِبَيْنِ، فَسَعَى بِهِ رَجُلٌ إِلَى الدَّوْلَةِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ. فَأَمَرَ بِهِ المُعْتَصِمُ أَنْ يُحْبَسَ فِي دَارِهِ، وَوَكَّلَ بِبَابِهِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ، أَمَرَ بِإِطْلاَقِهِ، وَعَاشَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: كَمَا أَنِّي قُلْتُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلَمْ أَقُلْ: إِنَّهُ مَخْلُوْقٌ، فَكَذَلِكَ لاَ أَقُوْلُ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، بَلْ أَقِفُ. وَلَزِمَ الوَقفَ فِي المَسْأَلَةِ، فَنَفَرَ مِنْهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِلْوَقْفِ، وَتَرَكُوا الأَخْذَ عَنْهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ آخَرُوْنَ (3) .   (1) انظر خبر توليه في " تاريخ الطبري " 8 / 597، و" الكامل " لابن الأثير 6 / 386. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 81، 82. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 83. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 674 قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ صَدُوْقٌ، لَكِنَّهُ لاَ يَعقِلُ، كَانَ قَدْ خَرِفَ (1) . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيَّ، عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، فَقَالَ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ بِشْرٌ خَشِناً فِي أَحْكَامِهِ، صَالِحاً، وَكَانَ يَجْرِي فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ مَسَائِلُ، فَيَقُوْلُ: سَلُوا بِشْرَ بنَ الوَلِيْدِ (3) . مَاتَ بِشْرٌ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ) . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ) . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ) . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوْكَ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ (4) مِنْ طَرِيْقِ عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: مَوْتُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدِ   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 84. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 84. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 82. (4) البخاري 13 / 4 و5 و6 في الأدب: باب من أحق الناس بحسن الصحبة، ومسلم (2548) في البر: باب بر الوالدين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 675 بنِ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَأَحْمَدَ بنِ جَوَّاسٍ، وَالعَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ النَّرْسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَعَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، وَالهَيْثَمِ بنِ أَيُّوْبَ الطَّالْقَانِيِّ، وَطَالُوْتَ بنِ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيِّ، وَخَلْقٍ. 250 - الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ * (خَ، م) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، أَبُو الرَّبِيْعِ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الأَزْدِيُّ، العَتَكِيُّ، الزَّهْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَنَافِعِ بنِ أَبِي نُعَيْمٍ القَارِئِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي شِهَابٍ الحَنَّاطِ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ كَبِيْرَةٍ. وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقْتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ: أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) ، وَقَالَ: لَهُ كِتَابٌ جَامِعٌ فِي القِرَاءاتِ، سَمِعَ مِنْ نَافِعٍ حَرْفَيْنِ. وَمِن: حَفْصٍ الغَاضِرِيِّ، وَعَبْدِ الوَارِثِ التَّنُّورِيِّ ... ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ شُيُوْخِهِ، وَمَا ذَكَرَ أَحَداً تَلاَ عَلَيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَالذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ   (*) التاريخ الكبير 4 / 10، التاريخ الصغير 2 / 363، المعارف: 527، الجرح والتعديل 3 / 113، تاريخ بغداد 9 / 38 - 40، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 182، الأنساب 6 / 327، المعجم المشتمل: 133، 134، تهذيب الكمال لوحة 539، تذهيب التهذيب 2 / 49 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 468، الكاشف 1 / 393، العبر 1 / 417، دول الإسلام 1 / 142، طبقات القراء 1 / 313، تهذيب التهذيب 4 / 190، طبقات الحفاظ: 203، خلاصة تذهيب الكمال: 151، الرسالة المستطرفة: 31. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 676 الكَرِيْمِ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى بنِ مُجَاشِعٍ السِّخْتِيَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُم. فَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خِرَاشٍ فِيْهِ، فَلاَ يُسَاوِي السَّمَاعَ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيْهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ. قُلْتُ: بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ. وَقَدْ تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَعَ لَنَا مِنْ مُوَافَقَاتِهِ العَالِيَةِ. فَصْلٌ وَقَدْ كَانَ فِي هَذَا العَصْرِ - سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ - جَمَاعَةٌ: هُوَ أَجَلُّهُم. وَالشَّاذَكُوْنِيُّ: وَهُوَ أَحفَظُهُم. وَالخُتَّلِيُّ أَبُو الرَّبِيْعِ: شَيْخٌ لِمُسْلِمٍ، ثِقَةٌ، مَشْهُوْرٌ. وَأَبُو الرَّبِيْعِ المَهْرِيُّ صَاحِبُ ابْنِ وَهْبٍ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَالحَافِظُ أَبُو دَاوُدَ اليَمَامِيُّ: مِنْ شُيُوْخِ أَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، لَيْسَ بِمَشْهُوْرٍ. وَأَبُو أَحْمَدَ الرَّازِيُّ القَزَّازُ: رَوَى عَنْهُ ابْن أَبِي حَاتِمٍ، وَوَثَّقَهُ، وَقَالَ: سَمِعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى. وَأَبُو دَاوُدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الخَفَّافُ: مِنْ شُيُوْخِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 677 وشَيْخُ مُسْلِمٍ أَبُو دَاوُدَ المُبَارَكِيُّ: اشْتُهِرَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ، بَلْ هُوَ سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ نُقْطَةَ وَغَيْرُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشِّبْلِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَرِّخُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلاَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بَيْنَ العَمُوْدَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ الزَّهْرَانِيِّ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلاَلٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ فِي البَيْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُصَلِّ فِيْهِ، إِنَّمَا كَبَّرَ فِي نَوَاحِيْهِ (2) . قُلْتُ: هَذَا ظَنٌّ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يُقَاوِمُ رُؤْيَةَ بِلاَلٍ، وَالمُثْبِتُ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ (3) .   (1) رقم (1329) (389) في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج، وانظر " الموطأ " 1 / 398، والبخاري 1 / 419 و3 / 371، 372 في الحج: باب إغلاق البيت، وباب الصلاة في الكعبة، و" سنن " أبي داود (2023) و (2024) و (2025) ، و" مسند " الشافعي 1 / 65، والنسائي 2 / 33 و63، و5 / 217، والترمذي (874) . (2) أخرجه البخاري 1 / 420 في القبلة: باب قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) و3 / 375 في الحج: باب من كبر في نواحي الكعبة، ومسلم (1330) و (1331) ، وأبو داود (2027) . (3) انظر " الفتح " 3 / 375، 376. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 678 251 - الشَّاذَكُوْنِيُّ أَبُو أَيُّوْبَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ * العَالِمُ، الحَافِظُ، البَارعُ، أَبُو أَيُّوْبَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ بنِ بِشْرٍ المِنْقَرِيُّ، البَصْرِيُّ، الشَّاذَكُوْنِيُّ، أَحَدُ الهَلْكَى. رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ إِلَى الغَايَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَأَسِيْدُ بنُ عَاصِمٍ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَكَانَا يُدَلِّسَانهِ، وَيَقُوْلاَنِ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوْبَ المِنْقَرِيُّ. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الفَرْقَدِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الأَصْبَهَانِيِّيْنَ. قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: قَدِمَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ بَغْدَادَ، فَقَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: اذهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، نَتَعَلَّمْ مِنْهُ نَقْدَ الرِّجَالِ (1) . قُلْتُ: كَفَى بِهَا مُصِيْبَةً أَنْ يَكُوْنَ رَأْساً فِي نَقْدِ الرِّجَالِ، وَلاَ يَنْقُدُ نَفْسَهُ. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَالِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْفَظَنَا لِلأَبْوَابِ: سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَحْفَظَنَا لِلطِّوَالِ (2) .   (*) المعارف: 527، التاريخ الصغير 2 / 364، الضعفاء للعقيلي لوحة 157، الجرح والتعديل 4 / 114، الكامل لابن عدي لوحة 324 - 326، تاريخ بغداد 9 / 40 - 48، الأنساب 7 / 238، اللباب 2 / 172، العبر 1 / 416، تذكرة الحفاظ 2 / 288، المغني فيالضعفاء 1 / 279، ميزان الاعتدال 2 / 250، دول الإسلام 1 / 142، لسان الميزان 3 / 84 88، طبقات الحفاظ: 212، شذرات الذهب 2 / 80. (1) " تاريخ بغداد " 9 / 41. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 41. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 679 وَقَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ - وَسُئِلَ: أَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ، ابْنُ المَدِيْنِيِّ، أَوِ الشَّاذَكُوْنِيُّ -؟ قَالَ: ابْنُ الشَّاذَكُوْنِيِّ بِصَغِيْرِ الحَدِيْثِ، وَعَلِيٌّ بِجَلِيْلِهِ (1) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ -يَعْنِي: عِلْمَ الحَدِيْثِ-: إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَأَحْمَدُ: أَفْقَهُهُم بِهِ، وَعَلِيٌّ: أَعْلَمُهُم بِهِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: أَجْمَعُهُم لَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْفَظُهُم لَهُ. قَالَ الحَافِظُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: وَهِمَ أَبُو عُبَيْدٍ، أَحْفَظُهُم لَهُ الشَّاذَكُوْنِيُّ (2) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى القَطَّانِ، وَعِنْدَهُ بُلبُلٌ المُحَدِّثُ - وَكَانَ أَسْوَدَ - فَنَازَعَهُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَقَالَ: لأَقْتُلَنَّكَ. فَقَالَ يَحْيَى: سُبْحَانَ اللهِ، تَقْتُلُهُ؟! قَالَ: نَعَمْ، أَنْتَ حَدَّثَتْنِي عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أُمَّةٌ، لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيْمٍ (3)) ، وَهَذَا أَسْوَدُ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَأَلْتُ عَبْدَانَ عَنِ الشَّاذَكُوْنِيِّ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يُتَّهَمَ، إِنَّمَا كَانَ قَدْ ذَهَبَتْ كُتُبهُ، فَكَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً (4) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ، غَيْرَ أَنِّي مَا قَذَفتُ   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 41. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 42. (3) صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 54 و56، والدارمي 2 / 90 من طرق عن عوف بن أبي جميلة بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 5 / 56، 57، وأبو داود (2845) ، والترمذي (1486) ، وابن ماجه (3205) ، والنسائي 7 / 185 من طرق عن يونس بن عبيد، عن الحسن. وقال الترمذي: حسن صحيح. (4) " الكامل " لابن عدي لوحة 325. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 680 مُحْصَنَةً، وَلاَ دَلَّسْتُ حَدِيْثاً. قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعِنْدَهُ بُلْبُلٌ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ أَبِي خُدُّوَيْه، فَقَالَ عَلِيٌّ لِيَحْيَى: مَا تَقُوْلُ فِي طَارِقٍ وَابْنِ مُهَاجِرٍ؟ فَقَالَ: يَجرِيَانِ مَجْرَىً وَاحِداً. فَقَالَ الشَّاذَكُوْنِيُّ: نَسْأَلُكَ عَمَّا لاَ تَدْرِي، وَتَكَلَّفُ لَنَا مَا لاَ تُحْسِنُ، حَدِيْثُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ خَمْسُ مائَةٍ، عِنْدَكَ عَنْهُ مائَةٌ، وَحَدِيْثُ طَارِقٍ مائَةٌ، عِنْدَك مِنْهَا عَشْرَةٌ. فَأَقبَلَ بَعضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَقُلْنَا: هَذَا ذُلُّ. فَقَالَ يَحْيَى: دَعُوهُ، فَإِنْ كَلَّمتُمُوهُ، لَمْ آمَنْ أَنْ يَقْرِفَنَا بِأَعْظَمَ مِنْ هَذَا (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُوْرْمَةَ: كَانَ الطَّيَالِسِيُّ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمَّا أَرَادَ الرُّجُوعَ، بَكَى، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهلِهِ، فَرِحَ! قَالَ: لاَ تَدْرُوْنَ إِلَى مِنْ أَرْجِعُ، أَرْجِعُ إِلَى شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ؛ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَالشَّاذَكُوْنِيِّ، وَالفَلاَّسِ (2) . سُئِلَ صَالِحٌ جَزَرَةُ عَنِ الشَّاذَكُوْنِيِّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ! قِيْلَ: بِمَ كَانَ يُتَّهَمُ؟ قَالَ: كَانَ يَكْذِبُ فِي الحَدِيْثِ (3) . وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: جَالَسَ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ، فَمَا نَفَعَهُ اللهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُم (4) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَرَّبتُ عَلَى الشَّاذَكُوْنِيِّ الكَذِبَ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 43، 44. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 42. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 45. (4) " تاريخ بغداد " 9 / 46. (5) " تاريخ بغداد " 9 / 47. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 681 قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الحَنْظَلِيُّ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: وَضَعَ الشَّاذَكُوْنِيُّ سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَقُلْهَا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ (1) . وَقَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: انْسَلَخَ مِنَ العِلْمِ انْسِلاَخَ الحَيَّةِ مِن قِشْرِهَا (2) . قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَجَاؤُوا بِالشَّاذَكُوْنِيِّ سَكْرَانَ. وَعَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: هُوَ أَضْعَفُ عِنْدِي مِنْ كُلِّ ضَعِيْفٍ (3) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ لَنَا الشَّاذَكُوْنِيُّ: هَاتُوا حَرْفاً مِنْ رَأْيِ الحَسَنِ لاَ أَحْفَظُهُ (4) . حَكَى عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ الفَضْلِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ الشَّاذَكُوْنِيِّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي. قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ: كُنْتُ فِي طَرِيْقِ أَصْبَهَانَ، فَأَخَذَنِي المَطَرُ وَمَعِيَ كُتُبٌ، وَلَمْ أَكُنْ تَحْتَ سَقْفٍ، فَانْكَبَبْتُ عَلَى كُتُبِي حَتَّى أَصبَحْتُ، فَغَفَرَ لِي بِذَلِكَ (5) . قُلْتُ: كَانَ أَبُوْهُ يَتِّجِرُ، وَيَبِيعُ المُضَرَّبَاتِ الكِبَارَ الَّتِي تُسَمَّى بِاليَمَنِ شَاذَكُوْنَةَ، فَنُسِبَ إِلَيْهَا (6) .   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 47. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 47. (3) " تاريخ بغداد " 9 / 47. (4) " الجرح والتعديل " 4 / 115. (5) " تاريخ بغداد " 9 / 48. (6) " الأنساب " 7 / 238. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 682 قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سُلَيْمَانُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: قَدِمَ إِلَى أَصْبَهَانَ مَرَّاتٍ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ. قُلْتُ: مَعَ ضَعْفِه لَمْ يَكَدْ يُوجَدُ لَهُ حَدِيْثٌ سَاقِطٌ، بِخِلاَفِ ابْنِ حُمَيْدٍ، فَإِنَّهُ ذُو مَنَاكِيْرَ. أَخْبَرَنَا شَرَفُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، وَتَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَقَدْ ثَبَتَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ (2) . وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فِي (السُّنَنِ) بِإِسْنَادٍ لاَ بَأْسَ بِهِ (3) .   (1) وأخرجه الترمذي (750) في الصوم: باب كراهية صوم يوم عرفة بعرفة، من طريق أحمد بن منيع، عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس..وقال: حديث حسن صحيح. (2) أخرجه البخاري 4 / 206، 207 في الصوم: باب صوم يوم عرفة، ومسلم (1123) في الصوم: باب استحباب الفطر للحاج، من حديث أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه. (3) أخرجه أحمد 2 / 304 و446، وأبو داود (2440) ، وابن ماجه (1732) من حديث أبي هريرة، وفي سنده مهدي العبدي الهجري لا يعرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 683 وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ أَنْ تَصُوْمُوا فِي السَّفَرِ (1)) . وَالأَفْضَلُ لِلْمُسَافِرِ إِفطَارُ صَوْمِ الفَرْضِ، فَالنَّافِلَةُ أَوْلَى، فَمَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ، وَبأَنَّ الرَّسُوْلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا صَامَهُ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - فِيْمَا نَعْلَمُ - لَمْ يُصِبْ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَلاَ نَقطَعُ عَلَى اللهِ بِأَنَّ اللهَ لاَ يَأْجُرُهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ لَهُ مُكَفِّراً لِسَنَتَيْنِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ المُقِيمِ، لاَ المُسَافِرِ (2) . 252 - عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِر بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبٍ * الأَمِيْرُ العَادِلُ، أَبُو العَبَّاسِ، حَاكِمُ خُرَاسَانَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ. تَأَدَّبَ، وَتَفَقَّهَ، وَسَمِعَ مِنْ: وَكِيْعٍ، وَيَحْيَى بنِ الضُّرَيْسِ، وَالمَأْمُوْنِ.   (1) أخرجه البخاري 4 / 161، ومسلم (1115) ، وأبو داود (2407) ، والنسائي 4 / 176 من حديث جابر بن عبد الله، وأخرجه من حديث أبي مالك كعب بن عاصم الأشعري: أحمد 5 / 434، والنسائي 4 / 174، والطيالسي 1 / 190، والشافعي 1 / 267، والدارمي 2 / 9، وابن ماجه (1664) ، والبيهقي 4 / 242، وصححه الحاكم 1 / 433، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه من حديث ابن عمر: ابن ماجه (1665) ، وصححه ابن حبان (911) ، وأخرجه من حديث ابن عباس: البزار (985) ، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 106، وقال: رواه البزار والطبراني في " الكبير "، ورجال البزار رجال الصحيح. (2) كما في " صحيح مسلم " (1162) في الصيام، من حديث أبي قتادة مرفوعا بلفظ: " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده " وأخرجه أبو داود (2425) و (2426) وأحمد 5 / 297، والبيهقي 4 / 286 و293. (*) المحبر: 376، تاريخ الطبري 9 / 613، وغيرها، الولاة والقضاة: 180، الديارات: 86 - 91، الفرج بعد الشدة 1 / 339، تاريخ بغداد 9 / 483، الكامل لابن الأثير 7 / 14 وغيرها، وفيات الأعيان 3 / 83 - 89، دول الإسلام 1 / 130، 138، العبر 1 / 357 و366 و406، عيون التواريخ 8 / لوحة 67، البداية والنهاية 10 / 302، 303، النجوم الزاهرة 2 / 258، حسن المحاضرة 1 / 593. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 684 رَوَى عَنْهُ: ابْنُ رَاهْوَيْه، وَنَصْرُ بنُ زِيَادٍ، وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَلَهُ يَدٌ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ. قَلَّدَهُ المَأْمُوْنُ مِصْرَ وَإِفْرِيْقِيَةَ، ثُمَّ خُرَاسَانَ، وَكَانَ مَلِكاً مُطَاعاً، سَائِساً، مَهِيْباً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَقَّعَ مَرَّةً عَلَى رِقَاعٍ بِصِلاَتٍ، فَبَلَغَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعَ مائَةِ أَلْفٍ. وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى بَابِهِ أَبُو تَمَّامٍ، وَامتَدَحَهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: سِمَنُ الكِيْسِ، وَنُبْلُ الذِّكْرِ لاَ يَجْتَمِعَانِ. وَبَعْدَ هَذَا، فَخَلَّفَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ! وَلَمَّا مَرِضَ، تَابَ، وَكَسَرَ المَلاَهِي، وَافْتَكَّ الأَسْرَى. وَمَاتَ: بِالخَانُوْقِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً. 253 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ * (خَ، م، د، س) ابْنِ عُبَيْدِ بنِ مُخَارِقٍ - أَو ابْنِ مِخْرَاقٍ - الإِمَامُ، الحَافِظُ القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضُّبَعِيُّ، البَصْرِيُّ.   (*) التاريخ الكبير 5 / 189، الجرح والتعديل 5 / 159، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 259، المعجم المشتمل: 159، تهذيب الكمال لوحة 733، تذهيب التهذيب 2 / 183 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 489، العبر 1 / 409، الكاشف 2 / 124، 125، تهذيب التهذيب 6 / 5، طبقات الحفاظ: 211، خلاصة تذهيب الكمال: 212، شذرات الذهب 2 / 70. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 685 وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَمِّه؛ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الجُمَحِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ (1) . قَالَ ابْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَقِيْلَ: هُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَذَكَرْتُهُ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، فَعَظَّمَ شَأْنَه (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: لَمْ أَرَ بِالبَصْرَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ (3) . قُلْتُ: فِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) عَنْهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ نُسخَةٌ مَشْهُوْرَةٌ سَمِعْنَاهَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، وَتَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ رَسُوْلِ   (1) " الجرح والتعديل " 5 / 159. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 159، و" تهذيب الكمال " لوحة 733. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 333، 334. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 686 الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ، فَلَيْسَ مِنَّا) (1) . 254 - ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الهَاشِمِيُّ * إِمَامُ اللُّغَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ الأَعْرَابِيِّ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمْ، الأَحْوَلُ، النَّسَّابَةُ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ، وَأَبِي الحَسَنِ الكِسَائِيِّ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَثَعْلَبٌ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَشِمْرُ بنُ حَمْدُوَيْه، وَآخَرُوْنَ. وُلِدَ: بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَمْ يَكُنْ فِي الكُوْفِيِّيْنَ أَشبَهُ بِرِوَايَةِ البَصْرِيِّيْنَ مِنْهُ، وَكَانَ يَزعُمُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَالأَصْمَعِيَّ لاَ يَعْرِفَانِ شَيْئاً (2) .   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 13 / 20 في الفتن، ومسلم (98) ، والنسائي 7 / 117 عن نافع، عن ابن عمر. وفي الباب عن أبي موسى الأشعري عند البخاري 13 / 20، ومسلم (100) ، والترمذي (1459) ، وعن أبي هريرة وسلمة بن الاكوع عند مسلم (99) و (101) . (*) مراتب النحويين: 149، 150، تهذيب اللغة 1 / 20، 21، طبقات الزبيدي: 135 - 137، الفهرست لابن النديم: 75، 76، تاريخ بغداد 5 / 282 - 285، الأنساب 1 / 310، نزهة الالباء: 150 - 153، معجم الأدباء: 18 / 189 - 196، تاريخ ابن الأثير 7 / 25، اللباب 1 / 74، إنباه الرواة 3 / 128 - 137، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 295، وفيات الأعيان 4 / 306 - 309، مسالك الابصار 4 / 30، 231، عيون التواريخ وفيات 231، الوافي بالوفيات 3 / 79، 80، مرآة الجنان 2 / 106، البداية والنهاية 10 / 307، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 50، 51، النجوم الزاهرة 2 / 264، روضات الجنات: 596، 597، بغية الوعاة 1 / 105، 106، المزهر 2 / 411، شذرات الذهب 2 / 70، تاريخ أبي الفداء: 2 / 36. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 282، و" إنباه الرواة " 3 / 129. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 687 قَالَ مَرَّةً فِي لَفْظَةٍ رَوَاهَا الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُهَا مِنْ أَلْفِ أَعْرَابِيٍّ بِخِلاَفِ هَذَا (1) . قَالَ ثَعْلَبٌ: لَزِمتُ ابْنَ الأَعْرَابِيِّ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يَحضُرُ مَجْلِسَه زُهَاءُ مائَةِ إِنْسَانٍ، وَمَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَاباً قَطُّ (2) ، انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ اللُّغَةِ وَالحِفْظُ (3) . قَالَ الأَزْهَرِيُّ: ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: صَالِحٌ، زَاهِدٌ، وَرِعٌ، صَدُوْقٌ، حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُه، وَسَمِعَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَبَنِي عُقَيْلٍ، فَاسْتَكْثَرَ، وَصَحِبَ الكِسَائِيَّ فِي النَّحْوِ (4) . وَأَبُوْهُ عَبْدٌ سِنْدِيٌّ. قُلْتُ: لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيْرَةٌ أَدَبِيَّةٌ، وَ (تَارِيْخُ القَبَائِلِ) ، وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، مَاتَ بِسَامَرَّا، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قِيْلَ: كَانَ رَبِيْبَ المُفَضَّلِ بنِ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيِّ؛ صَاحِبِ (المُفَضَّلِيَّاتِ) ، فَأَخَذَ عَنْهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: جَائِزٌ فِي كَلاَمِ العَرَبِ أَنْ يُعَاقِبُوا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ (5) . يُقَالُ: مَاتَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ.   (1) " تاريخ بغداد " 5 / 283، و" نزهة الالباء ": 150. (2) " إنباه الرواة " 3 / 130. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 283، و" نزهة الالباء ": 150. (4) " تهذيب اللغة " 1 / 20، 21. (5) " إنباه الرواة " 3 / 130 وتتمته فيه: فلا يخطئ من جعل هذه في موضع هذه، وينشد: إلى الله أشكو من خليل أوده * ثلاث خلال كلها لي غائض بالضاد، ويقول: هكذا سمعت من فصحاء الاعراب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 688 255 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ * (خَ، س، ق) ابْنِ المُنْذِرِ بنِ المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، الحِزَامِيُّ، المَدَنِيُّ. سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَمُحَمَّدِ بنِ فُلَيْحٍ، وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بنِ عِيَاضٍ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَأَكْبَرُ شُيُوْخِهِ: سُفْيَانُ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَخرَجَ لَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَثَعْلَبٌ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ، وَمَسْعَدَةُ بنُ سَعْدٍ العَطَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ (1) . وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً، وَقَالَ: صَدُوْقٌ (2) . قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ كَتَبَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ   (*) التاريخ الكبير 1 / 331، التاريخ الصغير 2 / 367، المعرفة والتاريخ 1 / 210، الجرح والتعديل 2 / 139، تاريخ بغداد 6 / 179 - 181، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 20، الأنساب 4 / 129، المعجم المشتمل: 70، اللباب 1 / 362، تهذيب الكمال لوحة 66، تذهيب التهذيب 1 / 43 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 67، العبر 1 / 422، الوافي بالوفيات 6 / 150، تهذيب التهذيب 1 / 166، مقدمة فتح الباري: 386، خلاصة تذهيب الكمال: 22، شذرات الذهب 2 / 86. (1) " تاريخ بغداد " 6 / 181، و" تهذيب الكمال " لوحة 66. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 139، و" تاريخ بغداد " 6 / 181. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 689 بنِ المُنْذِرِ أَحَادِيْثَ ابْنِ وَهْبٍ، أَظُنُّهَا المَغَازِي (1) . وَقَالَ عَبْدَانُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ أَعرَفُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ خَلَّطَ فِي القُرْآنِ، جَاءَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَاسْتَأْذَنَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَحْمَدُ، وَجَلَسَ حَتَّى خَرَجَ، فَسَلَّمَ عَلَى أَحْمَدَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ (2) . وَقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: أَيُّ شَيْءٍ يَبلُغُنِي عَنِ الحِزَامِيِّ، لَقَدْ جَاءنِي بَعْدَ قُدُوْمِي (3) مِنَ العَسْكَرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، أَخَذَتْنِي - أُخْبِرُكَ - الحَمِيَّةُ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَيَّ؟ - قَالَهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بَانْتِهَارٍ -. قَالَ: فَخَرَجَ، فَلَقِيَ أَبَا يُوْسُفَ -يَعْنِي: عَمَّ أَبِي عَبْدِ اللهِ- فَجَعَلَ يَعتَذِرُ (4) . قَالَ الفَسَوِيُّ: مَاتَ الحِزَامِيُّ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (5) . وَقِيْلَ: إِنَّ الحِزَامِيَّ حَفِظَ مِنْ مَالِكٍ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ - فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ - عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى بنِ مُجَاشِعٍ الجُرْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرِ بنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عُمَرَ   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 139، و" تاريخ بغداد " 6 / 181، و" تهذيب الكمال " لوحة 66. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 180، و" تهذيب الكمال " لوحة 66. (3) في " تاريخ بغداد " و" تهذيب الكمال ": قدومه. (4) " تاريخ بغداد " 6 / 180، و" تهذيب الكمال " لوحة 66، والزيادة منهما. (5) " المعرفة والتاريخ " 1 / 210. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 690 بنِ حَفْصِ بنِ ذَكْوَانَ، عَنْ مَوْلَى الحُرَقَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَرَأَ طه وَيس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتِ المَلاَئِكَةُ القُرْآنَ، قَالَتْ: طُوْبَى لأُمَّةٍ يَنْزِلُ هَذَا عَلَيْهِم، وَطُوْبَى لأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا، وَطُوْبَى لأَلْسُنٍ تَكَلَّمُ بِهَذَا) . هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، فَابْنُ مُهَاجِرٍ وَشَيْخُهُ: ضَعِيْفَانِ (1) . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الذَّهَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الشِّبْلِيُّ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَمِّهِ؛ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ، رُئِيَ كَالنُّوْرِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ فِي (الشَّمَائِلِ (2)) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.   (1) أما الأول: فقال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وأورد ابن حبان هذا الحديث في ترجمته من " الضعفاء " 1 / 108 وقال: وهذا متن موضوع، وأما الثاني: فقال أحمد: تركنا حديثه وخرقناه، وقال علي: ليس بثقة، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف. انظر " الميزان " 1 / 67، و3 / 189. (2) رقم (14) ، وعبد العزيز بن أبي ثابت الزهري، قال الحافظ في " التقريب ": متروك، احترقت كتبه، فحدث من حفظه، فاشتد غلطه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 691 256 - سَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ أَبُو عَمْرٍو الرَّازِيُّ * (ق) وَهُوَ: سَهْلُ بنُ أَبِي سَهْلٍ، الحَافِظُ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو الرَّازِيُّ، الخَيَّاطُ (1) ، الأَشْتَرُ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَكَتَبَهُ سنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. فَحَدَّثَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَوَكِيْعٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ كَثِيْراً، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ الجُنَيْدِ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الحَدَّادُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عَاصِمٍ الرَّازِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَذَاكَرَ الحُفَّاظَ، وَعَمِلَ (المُسْنَدَ الكَبِيْرَ) . قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوْقٌ (2) .   (*) الجرح والتعديل 4 / 198، تاريخ بغداد 9 / 116 - 118، المعجم المشتمل: 138، تهذيب الكمال لوحة 558، تذهيب التهذيب 2 / 61 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 452، الكاشف 1 / 407، العبر 1 / 409، تهذيب التهذيب 4 / 251، طبقات الحفاظ: 197، خلاصة تذهيب الكمال: 157. (1) الخياط بالخاء والياء كما في الأصل و" تهذيب الكمال " و" تذهيب " المؤلف و" تذكرته "، وقد تصحف في " الجرح والتعديل " و" تهذيب التهذيب " إلى " الحناط " بالحاء والنون. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 198. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 692 قَالَ سَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ السَّمْتِيُّ، حَدَّثَنَا غَالِبٌ القَطَّانُ، قَالَ: كُنَّا نَدْعُو فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ، نَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عِلْمَ الحَسَنِ، وَوَرَعَ ابْنِ سِيْرِيْنَ، وَحِفْظَ قَتَادَةَ، وَعَقْلَ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَعِبَادَةَ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَزُهْدَ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِم -. قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: سَهْلٌ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، ارْتَحَلَ مَرَّتَينِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ، وَلاَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي الإِتْقَانِ وَالدِّيَانَةِ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي وَقْتِهِ. قَالَ: وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلٍ يَرْوِي عَنْ: عَمْرِو بنِ خَالِدٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ. قُلْتُ: قِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. 257 - ابْنُ أَبِي سَمِيْنَةَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الهَاشِمِيُّ * (خَ، د) الإِمَامُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، المُجَاهِدُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ؛ المُحَدِّثُ. حَدَّثَ عَنْ: مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَالبُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ) ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَالبُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالبَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُجَدَّرِ، وَآخَرُوْنَ.   (*) التاريخ الكبير 1 / 36، الجرح والتعديل 7 / 189، المعجم المشتمل: 227، تهذيب الكمال لوحة 1173، تذهيب التهذيب 3 / 189 / 1، الكاشف 2 / 21، ميزان الاعتدال 3 / 482، تهذيب التهذيب 9 / 59، 60، خلاصة تذهيب الكمال: 327. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 693 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، غَزَّاءَ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مِنْ شُجْعَانِ النَّاسِ (2) . قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: كَانَ لاَ يَخْضِبُ، وَمَاتَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى طَرَسُوْسَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . وَقَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العَلَوِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: هَلْ صَلَّى رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ (4) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، عَالٍ. بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ تَمَّ الجُزْءُ العَاشِرُ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، وَيَلِيْهِ الجُزْءُ الحَادِي عَشَرَ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ الحَكَمِ بنِ مُوْسَى البَغْدَادِيِّ.   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 189. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 1174. (3) " تهذيب الكمال " لوحة 1174. (4) وأخرجه الترمذي (400) في الصلاة: باب ما جاء في الصلاة في النعال، من طريق علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 1 / 415 عن آدم، عن شعبة، وأخرجه مسلم (555) عن يحيى بن يحيى، عن بشر ابن المفضل، كلاهما عن سعيد بن يزيد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 694 الجُزْءُ الحَادِي عَشَرَ 1 - الحَكَمُ بنُ مُوْسَى أَبُو صَالِحٍ البَغْدَادِيُّ * (م، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو صَالِحٍ البَغْدَادِيُّ، القَنْطَرِيُّ، الزَّاهِدُ. سَمِعَ: العَطَّافَ بنَ خَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي الرِّجَالِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَبِيْبِيُّ: سَأَلْتُ صَالِحاً جَزَرَةَ عَنْ سُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، فَوَثَّقَهُم جِدّاً، وَقَالَ: هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ تَقَطَّعُوا مِنَ العِبَادَةِ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 346، التاريخ الكبير 2 / 344، التاريخ الصغير 2 / 361، الجرح والتعديل 3 / 128، 129، تاريخ بغداد 8 / 226، 229، الأنساب، ورقة: 463 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 318، تذكرة الحفاظ 2 / 474، العبر 1 / 411، تذهيب التهذيب، 1 / 169، تهذيب التهذيب 2 / 439، 440، النجوم الزاهرة 2 / 265، خلاصة تذهيب الكمال: 90، شذرات الذهب 2 / 75. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: قَدِمَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بَغْدَادَ، فَحَدَّثَهُ الحَكَمُ بنُ مُوْسَى بِحَدِيْثِ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً؛ الَّذِي يَسْرِقُ صَلاَتَهُ) . فَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لَوْ غَيْرُكَ حَدَّثَ بِهِ، مَا صُنِعَ بِهِ. قُلْتُ: رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ ... ، فَذَكَرَهُ (1) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ حَدِيْثِ الحَكَمِ بنِ مُوْسَى فِي الصَّدَقَاتِ، فَقَالَ: لاَ أُحَدِّثُ بِهِ. قُلْتُ: سَاقَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ (المَرَاسِيْلِ) ، عَنْ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ - كَذَا قَالَ -. وَصَوَابُهُ: سُلَيْمَانُ بنُ أَرْقَمَ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي كِتَابِ (المِيْزَانِ (2)) . مَاتَ الحَكَمُ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنَ الشَّهْرِ.   (1) حديث صحيح، أخرجه الدارمي 1 / 304 في الصلاة: باب في الذي لايتم الركوع والسجود عن الحكم بن موسى، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وتمامه: قالوا: يارسول الله، وكيف يسرق صلاته؟ قال: " لايتم ركوعها ولا سجودها ". وأخرجه أحمد 5 / 310 من طريق الوليد بن مسلم به، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد 3 / 56، وآخر من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (503) . (2) انظر " الميزان " 2 / 201، 202، وانظر الحديث بطوله في " سنن النسائي " 8 / 57، 58 في القسامة: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، والحاكم 1 / 397، والدارقطني: 376، وابن حبان رقم (793) ، والبيهقي 4 / 89، وقد توسع في الكلام عليه الحافظ ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ النِّيْلِيُّ (1) ، وَحَوْثَرَةُ بنُ أَشْرَسَ (2) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَالوَاثِقُ، وَيُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَعِيْسَى بنُ سَالِمٍ الشَّاشِيُّ، وَكَثِيْرُ بنُ يَحْيَى - صَاحِبُ البَصْرِيِّ - وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ. 2 - ابْنُ شَبُّوْيَةَ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ * (د) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتِ بنِ عُثْمَانَ الخُزَاعِيُّ، المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، ابْنُ شَبُّوْيَةَ. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَالفَضْلَ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّوْيَةَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ   (1) نسبة إلى النيل، وهي بليدة في سواد الكوفة، قرب حلة بني مزيد، يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير، حفره الحجاج بن يوسف الثقفي، وسماه بنيل مصر. انظر " معجم البلدان ". (2) ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 283، وقال: روى عنه أبي، وأبو زرعة. (*) التاريخ الكبير 2 / 5، التاريخ الصغير 2 / 359، الجرح والتعديل 2 / 55، طبقات الحنابلة 1 / 47، 48، الأنساب 7 / 285، اللباب 3 / 77، تذهيب التهذيب 1 / 22، تذكرة الحفاظ 2 / 464، تهذيب الكمال، ورقة: 23، تهذيب التهذيب 1 / 71، النجوم الزاهرة 2 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 11. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 القَبْرِ، فَعَلَيْهِ بِالأَثَرِ، وَمَنْ أَرَادَ عِلْمَ الخُبْزِ، فَعَلَيْهِ بِالرَّأْيِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّوْيَةَ، قَالَ: كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ لأَبِي فَضِيْلَةً عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ لِجِهَادِهِ، وَفِكَاكِ الأَسْرَى، فَسَأَلْتُ أَخِي عَبْدَ اللهِ، فَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَرْجَحُ. فَلَمْ أَقْنَعْ، فَأُرِيْتُ شَيْخاً حَوْلَهُ النَّاسُ، يَسْأَلُوْنَهُ، وَيَسْمَعُوْنَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَإِنَّ ابْنَ شَبُّوْيَةَ عُوْفِيَ، المُبْتَلَى الصَّابِرُ كَالمُعَافَى؟! هَيْهَاتَ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ البُخَارِيُّ: وَهُوَ ابْنُ سِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: مَاتَ بِطَرَسُوْسَ، سَنَةَ 239. وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) فِي الوُضُوءِ وَالأَضَاحِي وَالجِهَادِ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ابْنُ شَبُّوْيَةَ. وَقَالَ الكَلاَبَاذِيُّ وَطَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ 3 - أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى السِّمْسَارُ المَرْوَزِيُّ * (خَ، ت، س) مَرْدَوَيْه الحَافِظُ (2) . وَرُبَّمَا نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، فَقِيْلَ: أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى. رَوَى عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَجَرِيْرٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَطَائِفَةٍ.   (1) انظر " صحيح البخاري " بشرح الفتح 1 / 297 في الوضوء: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، وصحابي الحديث هو أبو هريرة، و10 / 19 في الاضاحي: باب إذا بعث بهديه ليذبح، لم يحرم عليه شيء، وصحابيه عائشة، و6 / 50 في الجهاد: باب الركوب على الدابة الصعبة، وصحابيه أنس بن مالك. (*) الوافي بالوفيات 8 / 13، تهذيب التهذيب 1 / 77، خلاصة تذهيب الكمال: 12. (2) وهو الذي جزم به الحافظ في " الفتح "، انظر التعليق السابق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الذُّهْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدٍ المَرْوَزِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. وَسَمِعَ مِنَ: النَّضْرِ بنِ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيِّ؛ شَيْخٍ يَرْوِي عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ الشِيْرَازِيُّ فِي (الأَلْقَابِ) : تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: وَكَانَ مُكْثِراً عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، ثِقَةً. 4 - أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ بنِ المُنْتَشِرِ البَصْرِيُّ * (خَ، م) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ العَيْشِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ عَمِّهِ؛ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ الحَافِظِ، وَأَبِي عَقِيْلٍ يَحْيَى المُتَوَكِّلِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيْحَيْهِمَا) ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُبَّانَ (1) البَاهِلِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ   (*) تاريخ خليفة: 479، التاريخ الكبير 2 / 11، الجرح والتعديل 2 / 303، الأنساب، ورقة: 404 / 1، تهذيب الكمال: ورقة: 122، العبر 1 / 409، تذهيب التهذيب 1 / 73، تهذيب التهذيب 1 / 370، خلاصة تذهيب الكمال: 40، شذرات الذهب 2 / 70. (1) انظر " تبصير المنتبه " 1 / 282، 283. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، وَزَاهِرٌ المُسْتَمْلِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا مَعْدِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنِ انْصَرَفَ عَنْ جِنَازَةٍ، فَلَهُ قِيْرَاطٌ، وَمَنْ شَيَّعَهَا، فَلَهُ قِيْرَاطٌ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيْرَاطٌ، وَمَنْ قَعَدَ حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيْرَاطٌ) (1) . 5 - حِبَّانُ بنُ مُوْسَى بنِ سَوَّارٍ السُّلَمِيُّ * (خَ، م، ت، س) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، المَرْوَزِيُّ، الكُشْمِيْهَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَمْزَةَ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارِ، وَنُوْحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَكَانَ مَلِيّاً بِهِ.   (1) وأخرجه البزار رقم (823) من طريق محمد بن المثنى وعبد الله بن محمد بن الحجاج الصواف، كلاهما عن معدي بن سليمان، عن ابن عجلان به. ومعدي بن سليمان ضعفه الحافظ في " التقريب " وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 30، وأعله بمعدي هذا، لكن حديث أبي هريرة صحيح ثابت من طرق كثيرة في " الصحيح " وغيره بغير هذا السياق، فقد أخرجه البخاري 1 / 100 في الايمان: باب اتباع الجنائز من الايمان، بلفظ: " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الاجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد. ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط "، وأخرجه هو 3 / 158 في الجنائز، ومسلم (945) بلفظ: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. وانظر " سنن أبي داود " رقم (3168) ، والترمذي (1040) ، والنسائي 4 / 76 و77، وابن ماجة (1539) . (*) التاريخ الكبير 3 / 90، الجرح والتعديل 3 / 271، تهذيب الكمال، ورقة: 228، العبر 1 / 413، تذهيب التهذيب 1 / 118، تهذيب التهذيب 2 / 174، 175، خلاصة تذهيب الكمال: 70، شذرات الذهب 2 / 77، 78. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَبِوَاسِطَةٍ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ حِبَّانَ مِنْ حَيْثُ قِدَمُ المَوْتِ - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدٍ المَرْوَزِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. - أَمَا سَمِيُّهُ: حِبَّانُ بنُ مُوْسَى بنِ حِبَّانَ الكَلاَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ابْنِ مُوْسَى بنِ عُبَيْدِ اللهِ الكَلاَعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ؛ الَّذِي يَرْوِي عَنْ زَكَرِيَّا السِّجْزِيِّ خَيَّاطِ السُّنَّةِ (1) ، فَتُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، وَزَاهِرٌ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَزَلْنَا المُزْدَلِفَةَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَةُ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً - وَالثَّبِطَةُ: الثَّقِيلَةُ - فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَهُ، وَحُبِسْنَا حَتَّى دَفَعْنَا بِدَفْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ أَصْبَحَ (3) .   (1) سمي بذلك، لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة. (2) بفتح الكاف والجيم بينهما نون ساكنة وبضم الراء، نسبة إلى كنجروذ، وهي قرية على باب نيسابور. (3) وأخرجه البخاري 3 / 423 في الحج: باب من قدم ضعفة أهله بليل، ومسلم (1290) في الحج: باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي، كلاهما من طريق أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة. والحطمة، بفتح الحاء وإسكان الطاء المهملتين: الزحمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 6 - عَلِيُّ بنُ بَحْرِ بنِ بَرِّيٍّ أَبُو الحَسَنِ الفَارِسِيُّ * (د، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو الحَسَنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، القَطَّانُ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدِ المُهَيْمِنِ بنِ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَهِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ وَاليَمَانِيِّيْنَ، وَالعِرَاقِيِّيْنَ، وَالحِجَازِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ قَدْ سَكَنَ بِبَابَسِيْرَ. وثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَبَابَسِيْرُ: بُلَيْدَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الأَهْوَازِ. 7 - ابْنُ الرَّمَّاحِ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مَيْمُوْنٍ البَلْخِيُّ * قَاضِي نَيْسَابُوْرَ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الرَّمَّاحِ البَلْخِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ. وَاسْمُ جَدِّهِ: مَيْمُوْنٌ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 263، الجرح والتعديل 6 / 176، تهذيب الكمال، ورقة: 957، 958، تاريخ بغداد 11 / 352، 354، العبر 1 / 417، 418، تذهيب التهذيب 3 / 53، تهذيب التهذيب 7 / 284، 285، طبقات الحفاظ: 204، خلاصة تذهيب الكمال: 271. (* *) التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 5 / 111. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 سَمِعَ: مَالِكاً، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَالذُّهْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَصَدْعٍ بِالْحَقِّ. وثَّقَهُ: الذُّهْلِيُّ. وَامْتَنَعَ مِنَ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَكَفَّرَ الجَهْمِيَّةَ (1) . مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 8 - قُتَيْبَةُ أَبُو رَجَاءَ بنُ سَعِيْدِ بنِ جَمِيْلٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمْ * (ع) هُوَ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ، المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الجَوَّالُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو رَجَاءَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ جَمِيْلِ بنِ طَرِيْفٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَلْخِيُّ، البَغْلاَنِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةِ بَغْلاَنَ، مِنْ مَوَالِي الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الأَمِيْرِ   (1) هم أتباع جهم بن صفوان، يكنى أبا محرز، وقد نشأ في سمرقند بخراسان، ثم قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ، وكان مولى لبني راسب من الازد، وقد أطبق السلف على ذمه بسبب تغاليه في التنزيه، وإنكاره صفات الله تعالى، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها. وأول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الإسلام هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه جهم بن صفوان وأظهرها، فنسبت إليه. وقد قتل سنة 158 هـ مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية. انظر " تاريخ الطبري " 7 / 220، 221 و236، 237، و" تاريخ الجهمية والمعتزلة " ص: 10 وما بعدها للقاسمي. والمعتزلة يوافقون جهما في بعض ما يذهب إليه، ويخالفونه في عدة مسائل. (*) طبقات ابن سعد 7 / 379، طبقات خليفة: 324، التاريخ الكبير 7 / 195، التاريخ الصغير 2 / 372، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح والتعديل 7 / 140، تاريخ بغداد 12 / 464، 470، طبقات الحنابلة 1 / 257، 258، اللباب 1 / 134، تهذيب الكمال، ورقة: 1124، 1125، تذكرة الحفاظ 2 / 446، 447، العبر 1 / 433، تذهيب التهذيب 3 / 157، 158، تهذيب التهذيب 8 / 358، 361، النجوم الزاهرة 2 / 303، طبقات الحفاظ: 195، خلاصة تذهيب الكمال: 318، شذرات الذهب 2 / 94، 95. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 الظَالِمِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي وَشِيْمِ (1) بنِ جَمِيْلٍ الثَّقَفِيِّ. وَقَدْ كُنْتُ عَمِلْتُ لَهُ تَرْجَمَةً مَعَهَا نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً مِنَ العَوَالِي، وَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ، وَأَحْبَبْتُ الآنَ عَمَلَهَا عَلَى أَنْمُوذَجِ نُظَرَائِهِ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: اسْمُهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَقُتَيْبَةُ لَقَبٌ. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ مَنْدَةَ: اسْمُهُ: عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ. وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ: قُدَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ. قَالَ الأَصْمَعِيُ: قُتَيْبَةُ مُشْتَقٌ مِنَ القِتْبِ، وَهُوَ المِعَى. يُقَالُ: طَعَنْتُهُ، فَانْدَلَقَتْ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، أَيْ: خَرَجَتْ. نَعَمْ، وَارْتَحَلَ قُتَيْبَةُ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَفُ كَثْرَةً، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَحَمَلَ الكَثِيْرَ عَنْ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَشَرِيْكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَبَكْرِ بنِ مُضَرَ، وَكَثِيْرِ بنِ سُلَيْمٍ - صَاحِبِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَعَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ، وَمُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَحَرْبِ بنِ أَبِي العَالِيَةِ، وَحَمَّادِ بنِ يَحْيَى الأَبَحِّ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَدَاوُدَ العَطَّارِ، وَشِهَابِ بنِ خِرَاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَرُشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَالعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَفَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، وَأَبِي هَاشِمٍ   (1) كذا الأصل " وشيم " بالشين المعجمة، وضبطه الحافظ في " تبصير المنتبه " ص: 602 وسيم، بالسين المهملة، فقال: وسيم بن جميل الثقفي عم قتيبة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَيْلِيِّ، وَالمُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدَ بنِ المِقْدَامِ (1) بنِ شُرَيْحٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيِّ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِيِّ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الفِطْرِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: غُنْدَرٍ، وَوَكِيْعٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَطَبَقَتِهِم، ثُمَّ إِلَى: حَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَنُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَرَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - فَأَكْثَرَ - وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ. وَرَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كُتُبِهِم، فَأَكْثَرُوا. وَرَوَى: ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ. وَرَوَى: التِّرْمِذِيُّ أَيْضاً، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا الخَيَّاطِ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، وَعَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ الفَقِيْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بَشَّارٍ النَّسَائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُسْتِيُّ القَاضِي، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ البُشْتِيُّ - بِمُعْجَمَةٍ - النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الطَّيِّبِ البَلْخِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ   (1) في الأصل " المقدم "، وهو خطأ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 قُتَيْبَةَ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ طَيْفُوْرٍ النَّسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الدَّوِيْرِيُّ - وَدَوِيْرُ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ قَرْيَةٌ بِخُرَاسَانَ (1) - وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ (2) الحَكِيْمُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُمْ مَوْتاً: الوَاعِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ البَلْخِيُّ الزَّاهِدُ، المُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ؛ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ فِي (مُعْجَمِهِ) بِالإِجَازَةِ (3) ؛ الَّذِي قِيْلَ: إِنَّهُ وَعَظَ مَرَّةً، فَمَاتَ فِي المَجْلِسِ مِنْ تَذْكِيْرِهِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ ذَكَرَ قُتَيْبَةَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، مِنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ: قُتَيْبَةُ ثِقَةٌ. وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ، وَزَادَ: صَدُوْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدِمَ قُتَيْبَةُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَجَاءهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى. وَقَالَ فِيْهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَيْضاً: حَضَرْتُهُ بِبَغْدَادَ، وَقَدْ جَاءهُ أَحْمَدُ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيْثَ، فَحَدَّثَهُ بِهَا. وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ   (1) وهي على فرسخين من نيسابور، كما في " الأنساب ". (2) في الأصل " عبد الحكيم " وهو خطأ والتصويب من " تهذيب الكمال "، ومحمد بن علي هذا هو صاحب " نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول "، وهو مطبوع، وفيه من الأحاديث الكثيرة التي لا تصح. انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " ص: 645 للمؤلف. (3) الاجازة: أن يأذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه. وشرطوا فيها أن يكون المجيز عالما بما يجيزه، معروفا بذلك، ثقة في دينه وروايته، وأن يكون الطالب للاجازة من أهل العلم حتى لا يوضع العلم إلا عند أهله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ إِلَيْهِ لَيْلَةً، وَحَضَرتُ مَعَهُمَا، فَلَمْ يَزَالاَ يَنْتَخِبَانِ عَلَيْهِ، وَأَنْتَخِبُ مَعَهُمَا إِلَى الصُّبْحِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الكَرْمِيْنِيُّ: قَالَ لِي قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: مَا رَأَيْتَ فِي كِتَابِي مِنْ عَلاَمَةِ الحُمْرَةِ، فَهُوَ علاَمَةُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمَا رَأَيْتَ مِنْ الخُضْرَةِ، فَهُوَ عَلاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدِ بنِ فَرْوَةَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: انْحَدَرتُ إِلَى العِرَاقِ أَوَّلَ مَرَّةٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّوْيَةَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي حَدَاثَتِي أَطلُبُ الرَّأْيَ، فَرَأَيْتُ - فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ - أَنَّ مَزَادَةً دُلِّيَتْ مِنَ السَّمَاءِ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَتَنَاوَلُونَهَا، فَلاَ يَنَالُونَهَا، فَجِئتُ أَنَا، فَتَنَاوَلْتُهَا، فَاطَّلَعتُ فِيْهَا، فَرَأَيْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَلَمَّا أَصبَحتُ، جِئْتُ إِلَى مِخْضَعٍ البَزَّازِ - وَكَانَ بَصِيْراً بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا - فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ رُؤْيَايَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، عَلَيْكَ بِالأَثَرِ، فَإِنَّ الرَّأْيَ لاَ يَبْلُغُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ، إِنَّمَا يَبلُغُ الأَثَرُ. فَتَرَكتُ الرَّأْيَ، وَأَقبَلْتُ عَلَى الأَثَرِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ جَرِيْرٍ (2) اللاَّلُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، قَالَ لِي أَبِي: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فِي يَدِهِ صَحِيفَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ؟ قَالَ: فِيْهِ أَسَامِي العُلَمَاءِ. قُلْتُ: نَاوِلْنِي، أَنْظُرْ فِيْهِ اسْمَ   (1) الانتخاب: هو أن ينتقي التلميذ من أحاديث شيخه، ويختار منها. والخبر في " الجرح والتعديل " 7 / 140. (2) هو أحمد بن جرير بن المسيب البلخي، رفيق أبي حاتم بمصر في رحلته الثانية. روى عن قتيبة وهانئ بن المتوكل الإسكندراني. قال ابن أبي حاتم الرازي في " الجرح والتعديل " 2 / 45: سمع منه أبي في مرافقته. حدثنا عبد الرحمن، قال: سئل عنه أبي، فقال: صدوق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 ابْنِي. فَنَظَرتُ، فَإِذَا فِيْهِ اسْمُ ابْنِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ الفَرْهَيَانِيُّ (1) : قُتَيْبَةُ: صَدُوْقٌ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الكِبَارِ إِلاَّ وَقَدْ حَمَلَ عَنْهُ بِالعِرَاقِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ بِمَكَّةَ. وَسَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: مَرَرْتُ بِمِنَىً عَلَى قُتَيْبَةَ، وَعَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ يَكْتُبُ عَنْهُ، فَجُزْتُ وَلَمْ أَحْمِلْ عَنْهُ، فَنَدِمْتُ. أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ: أَبُو رَجَاءَ قُتَيْبَةُ مَوْلَى الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ، فَكَانَ قُتَيْبَةُ يَتَوَلَّى ثَقِيْفاً، وَيَذْكُرُ كَرَامَةَ جَدِّهِ عَلَى الحَجَّاجِ، وَأَنَّ الحَجَّاجَ كَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى سَرِيْرِهِ، جَلَسَ جَدِّي عَلَى كُرْسِيٍّ عَنْ يَمِيْنِهِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو رَجَاءَ رَجُلاً رَبْعَةً، أَصْلَعَ، حُلوَ الوَجْهِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، وَاسِعَ الرَّحلِ، غَنِيّاً مِنَ أَلوَانِ الأَمْوَالِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. لَقَدْ قَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي هَذِهِ الشَّتوَةِ، حَتَّى أُخْرِجَ لَكَ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ عَنْ خَمْسَةِ أُنَاسِيَّ. فَقُلْتُ: لَعَلَّ أَحَدَهُمْ عُمَرُ بنُ هَارُوْنَ؟ قَالَ: لاَ، كُنْتُ كَتَبتُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ وَحدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلفاً، وَلَكِنْ: وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَجَرِيْرٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَنَسِيتُ الخَامِسَ. قَالَ: وَكَانَ ثَبْتاً   (1) ويقال: الفرهاذاني. قال ياقوت: أظنها من قرى نسا بخراسان، ينسب إليها عبد الله ابن محمد بن سيار أبو محمد الفرهاذاني، ويقال: الفرهياني النسائي. سمع بدمشق هشيم بن عمار، وأبا عثمان القاسم بن عبد الملك، ودحيما. وبمصر عبد الملك بن شعيب بن الليث، وجعفر بن مسافر التنيسي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وحرملة بن يحيى. وبخراسان قتيبة بن سعيد، ومحمد بن الوزير الواسطي، وسويد بن نصر المروزي. روى عنه أبو عمرو بن حمدان، وأثنى عليه، وبشر بن أحمد الاسفراييني، وأبو بكر الاسماعيلي، وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 فِيْمَا رَوَى، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَةٍ. سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَمَاتَ لِلَيلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ كَتَبَ الحَدِيْثَ عَنْ ثَلاَثِ طَبَقَاتٍ: اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ عَن: إِدْرِيْسَ، وَوَكِيْعٍ، وَالعَنْقَزِيِّ، وَنَحْوِهِم، ثُمَّ كَتَبَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، فَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، سَنَةَ مَوْتِ الأَعْمَشِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَضَرتُ مَوْتَ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَشَهِدْتُ جَنَازَتَهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الوَاعِظُ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُوْنَ عَاماً. وَأَمَّا الخَطِيْبُ، فَقَالَ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ وَاللاَحِقِ) : حَدَّثَ عَنْهُ: نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ المُقْرِئِ فِي (مُعْجَمِهِ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كُنَّا عَلَى بَابِ قُتَيْبَةَ، فَمَرِضَ رَجُلٌ كَانَ مَعَنَا، يَقُوْلُ: لاَ أَخْرُجُ حَتَّى (1) أُكَبِّرَ عَلَى قُتَيْبَةَ. قَالَ: فَمَاتَ، فَأَخْبَرُوا بِهِ قُتَيْبَةَ، فَخَرَجَ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَتَبَ عَلَى قَبْرِهِ: هَذَا قَبْرُ قَاتِلِ قُتَيْبَةَ. وَقَدْ رَوَى: أَبُو نَصْرٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) في الأصل " على " وهو تحريف، والتصويب من " تاريخ بغداد " 12 / 470 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 وَرَوَى: غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: هَذَا قَوْلُ الأَئِمَّةِ فِي الإِسْلاَمِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: نَعرِفُ رَبَّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . وَمِمَّا بَلَغَنَا مِنْ شِعْرِ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ قَوْلُهُ: لَوْلاَ القَضَاءُ الَّذِي لاَ بُدَّ مُدْرِكُه ... وَالرِّزْقُ يَأْكُلُهُ الإِنْسَانُ بِالقَدَرِ (1) مَا كَانَ مِثْلِيَ فِي بَغْلاَنَ مَسْكَنُهُ ... وَلاَ يَمُرُّ بِهَا إِلاَّ عَلَى سَفَرِ (2) وكَانَتْ رِحْلَةُ النَّسَائِيِّ إِلَى قُتَيْبَةَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ سَنَةً كَامِلَةً، وَكَتَبَ عَنْهُ شَيْئاً كَثِيْراً، لَكِنَّهُ امتَنَعَ، وَتَحَرَّجَ مِنْ رِوَايَةِ (كِتَابِ ابْنِ لَهِيْعَةَ) ؛ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُ. وَقِيْلَ: كَانَ سَبَبَ نُزُوْحِ قُتَيْبَةَ مِنْ مَدِيْنَةِ بَلْخَ، وَانقِطَاعِهِ بِقَرْيَةِ بَغْلاَنَ؛ أَنَّهُ حَضَرَ عِنْدَهُ مَالِكٌ، وَجَاءهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ لِلسَّمَاعِ، فَبَرَزَ قُتَيْبَةُ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ المُرْجِئَةِ. فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ مَجْلِسهِ - وَكَانَ لإِبْرَاهِيْمَ صُوْرَةٌ كَبِيْرَةٌ بِبَلَدِهِ - فَعَادَى قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ. وَمَا عَلِمتُهُمْ نَقَمُوا عَلَى قُتَيْبَةَ سِوَى ذَلِكَ الحَدِيْثِ المَعْرُوْفِ فِي الجَمعِ فِي السَّفَرِ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: عَمِلَ أَبِي طَعَاماً، وَدَعَا إِسْحَاقَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا قَدْ أَلَحَّ عَلَيَّ فِي الخُرُوْجِ إِلَى قُتَيْبَةَ، فَمَا تَرَى؟ فَنَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ:   (1) في " تاريخ بغداد ": " فالرزق " بدل " والرزق ". (2) البيتان في " تاريخ بغداد " 12 / 470 (3) سيورده المصنف في الصفحة التالية، وسنخرجه هناك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 هَذَا قَدْ أَكْثَرَ عَنِّي، وَهُوَ يَجْلِسُ بِالقُربِ مِنِّي، وَأَبُو رَجَاءَ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا، فَأَرَى أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ. أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكَ، إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيْغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى العَصْرِ، فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيْعاً، وَإِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ المَغْرِبِ، أَخَّرَهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ العِشَاءِ، فَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ المَغْرِبِ، عَجَّلَ العِشَاءَ، فَصَلاَّهَا مَعَ المَغْرِبِ.   (1) هو بضم الميم وفتح الزاي والكاف المشددة، يقال هذا لمن يزكي الشهود، ويبحث عن حالهم، ويعرفه القاضي. واشتهر بهذا بيت كبير بنيسابور، منهم جماعة من العلماء، منهم أبو إسحاق هذا، واسمه إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي شيخ نيسابور في عصره، سمع ابن خزيمة، وأبا العباس السراج وغيرهما. روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الحافظ، توفي سنة 362 هـ. (2) أخرجه أبو داود (1220) في الصلاة: باب الجمع بين الصلاتين، والترمذي (553) في الصلاة: باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، وقال: حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره. وأخرجه أحمد 5 / 241، 242، والدارقطني 1 / 392، 393، والبيهقي 3 / 163. وقد أعل هذا الحديث جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في " علوم الحديث " وله طريق أخرى عن معاذ ابن جبل أخرجها أبو داود (1208) من رواية هشام بن سعيد عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك، والثوري، وقرة بن خالد وغيرهم، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم. وورد في جمع التقديم حديث آخر عن ابن عباس، أخرجه أحمد 1 / 367، والشافعي 1 / 116، 117، وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف، لكن له شاهد من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس، أخرجه أحمد رقم (2191) ، والبيهقي 3 / 164، ورجاله ثقات إلا أنه - كما قال الحافظ في الفتح 2 / 480 - مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 مَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنِ اللَّيْثِ سِوَى قُتَيْبَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأَمَّا النَّسَائِيُّ، فَامْتَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِهِ؛ لِنَكَارَتِهِ. وأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الإِسْفَرَايِيْنِيُّ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَكَ بنِ مَهْدِيٍّ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ - وَرَّاقُ مَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَنَ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرَيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكَ، فَكَانَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ العَصْرِ، فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. مُخْتَصَرٌ. أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، فَوَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً نَازِلَةً بِسِتِّ دَرَجٍ. وَمِنْ أَعجَبِ الأُمُورِ: أَنَّ أَبَا عِيْسَى التِّرْمِذِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَنْ قُتَيْبَةَ (1) ، وَرَوَاهُ نَازِلاً، كَمَا هُوَ مَوْجُوْدٌ فِي نُسَخٍ عِدَّةٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيِّ (2) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَهَذَا مِنْ طُرُقِ النَّوَازِلِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: رُوَاتُهُ أَئِمَّةٌ، ثِقَاتٌ، وَهُوَ شَاذُّ الإِسْنَادِ وَالمَتْنِ، ثُمَّ لاَ نَعرِفُ لَهُ عِلَّةً نُعَلِّلُهُ بِهَا، فَلَو كَانَ الحَدِيْثُ عِنْدَ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ   (1) الترمذي (554) ، ورواية أحمد في " المسند " 5 / 241، 242 عن قتيبة، عن الليث. (2) هو زكريا بن يحيى بن صالح البلخي، أبويحيى اللؤلؤي الفقيه الحافظ، مات سنة 232 هـ. وفي الأصل: " اللوي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، لَعَلَّلْنَا بِهِ الحَدِيْثَ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، لَعَلَّلْنَا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ عِلَّةً، خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُوْنَ مَعْلُوْلاً. ثُمَّ نَظَرنَا، فَلَمْ نَجِدْ لِيَزِيْدَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رِوَايَةً، وَلاَ وَجَدنَا هَذَا المَتْنَ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَلاَ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ يَرْوِيْهِ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ غَيْرَ أَبِي الطُّفَيْلِ، فَقُلْنَا: هُوَ شَاذٌ، وَأَئِمَّةُ الحَدِيْثِ إِنَّمَا سَمِعُوهُ مِنْ قُتَيْبَةَ تَعَجُّباً مِنْ إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ. وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ عِلَّةً. قُلْتُ: بَلْ رَوَوْهُ فِي كُتُبِهِم، وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُهُم. قَالَ الحَاكِمُ: وَقَدْ قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ هَذَا، وَحَدَّثَنَا بِهِ عَنِ النَّسَائِيِّ - وَهُوَ إِمَامُ عَصْرِهِ - عَنْ قُتَيْبَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلاَ أَبُو عَلِيٍّ لِلْحَدِيْثِ عِلَّةً، فَنَظَرنَا، فَإِذَا هُوَ مَوْضُوْعٌ. وَقُتَيْبَةُ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِمْرَانَ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ حَفْصَوَيْه - نَيْسَابُوْرِيٌّ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ - يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ: مَعَ مَنْ كَتَبتَ عَنِ اللَّيْثِ حَدِيْثَ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ؟ قَالَ: مَعَ خَالِدٍ المَدَائِنِيِّ. قَالَ البُخَارِيُّ: وَكَانَ خَالِدٌ هَذَا يُدْخِلُ عَلَى الشُّيُوْخِ الأَحَادِيْثَ. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِيبَهُ: لاَ يَرْوِيْهِ إِلاَّ قُتَيْبَةُ وَحْدُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ، وَالمَعْرُوْفُ حَدِيْثُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذٍ-: أَنَّهُم خَرَجُوا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوْكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ -يَعْنِي: وَلَيْسَ فِيْهِ جَمْعُ التَّقْدِيْمِ-. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ قُتَيْبَةُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ غَلِطَ، وَإِنَّ مَوْضِعَ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ أَبُو الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: فَيَكُوْنُ قَدْ غَلِطَ فِي الإِسْنَادِ، وَأتَى بِلَفْظٍ مُنْكَرٍ جِدّاً. يَرَوْنَ: أَنَّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 خَالِداً المَدَائِنِيَّ أَدْخلَهُ عَلَى اللَّيْثِ، وَسَمِعَهُ قُتَيْبَةُ مَعَهُ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. قُلْتُ: هَذَا التَّقْرِيْرُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ اللَّيْثَ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِيْنَ، وَيَروِي مَا لَمْ يَسْمَعْ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ حُجَّةً، مُتَثَبِّتاً، وَإِنَّمَا الغَفْلَةُ وَقَعَتْ فِيْهِ مِنْ قُتَيْبَةَ، وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، قَدْ رَوَى نَحْواً مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، فَيُغْتَفَرُ لَهُ الخَطَأُ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاَءِ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً، وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا (1)) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، وَالتِّرْمِذِيُّ: عَنْهُ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَمَاتَ مَعَ قُتَيْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ: خَلْقٌ، مِنْهُم: سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَدَثَانِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الكَلْبِيُّ الفَقِيْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ الأَعْيَنُ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الجَرْجَرَائِيُّ (2) ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ البَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانُ.   (1) أخرجه مسلم (118) في الايمان: باب الحث على المبادرة بالاعمال قبل تظاهر الفتن، وأحمد 2 / 304 و523، وابن حبان (1868) . (2) بالراء الساكنة بين الجيمين المفتوحتين، هذه النسبة إلى جرجرايا، بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 9 - أَحْمَدُ بنُ جَنَابِ بنِ المُغِيْرَةِ المَصِّيْصِيُّ * (م، د) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو الوَلِيْدِ المَصِّيْصِيُّ (1) . عَنْ: عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَالحَكَمِ بنِ ظُهَيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ الأَبَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ. وَمِنَ القُدَمَاءِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ. وَكَانَ ثَبْتاً فِي عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يُقَالُ: إِنَّهُ بَغْدَادِيٌّ. 10 - طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ ** الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: فَضَّالِ بنِ جُبَيْرٍ (2) - صَاحِبِ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ -. وَعَنِ: الرَّبِيْعِ   (*) الجرح والتعديل 2 / 45، تاريخ بغداد 4 / 77، 78، تهذيب الكمال، ورقة: 19، تذهيب التهذيب 1 / 9، الوافي بالوفيات 6 / 294، تهذيب التهذيب 1 / 21، 22، النجوم الزاهرة 2 / 258، خلاصة تذهيب الكمال: 4. (1) ضبط في " اللباب " بكسر الميم والصاد المشددة، وضبطه ياقوت بالفتح ثم الكسر والتشديد، نقلا عن الازهري وغيره من اللغويين، وكذا ضبطه السمعاني، وهي مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس. (* *) التاريخ الكبير 4 / 363، الجرح والتعديل 4 / 495، العبر 1 / 427، ميزان الاعتدال 2 / 334، البداية والنهاية 10 / 317، لسان الميزان 3 / 205، 206، شذرات الذهب 2 / 90. (2) ترجمه المصنف في " الميزان " 3 / 374، ونقل عن ابن عدي قوله: أحاديثه غير = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 بنِ مُسْلِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي هِلاَلٍ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَاليَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَجَمَاعَةٍ. وَلَهُ: نُسْخَةٌ مَشْهُوْرَةٌ، عَالِيَةٌ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الحِنَّائِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الفَرَجِ بنِ الجَوْزِيِّ: ضَعَّفَهُ عُلَمَاءُ النَّقْلِ، فَهَفْوَةٌ مِنْ كِيْسِ أَبِي الفَرَجِ. فَإِلَى السَّاعَةِ، مَا وَجَدْتُ أَحَداً ضَعَّفَهُ، وَحَسْبُكَ بِقَولِ المُتَعَنِّتِ فِي النَّقْدِ أَبِي حَاتِمٍ فِيْهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا طَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا تَوَاجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُوْلُ فِي النَّارِ) (1) .   = محفوظة، وهي نحو عشرة أحاديث. وقال ابن حبان في " المجروحين " 2 / 204: يروي عن أبي أمامة ما ليس من حديثه، لا يحل الاحتجاج به بحال، وضعفه أبو حاتم الرازي. (1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 1 / 81 في الايمان: باب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فأصلحوا بينهما) ، و12 / 173 في الديات: باب (ومن أحياها) ، ومسلم (2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، كلاهما من طريق حماد بن زيد، عن أيوب ويونس، عن الحسن، عن الاحنف بن قيس، قال: خرجت، وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 11 - العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ نَصْرٍ البَاهِلِيُّ * (خَ، م، س) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو الفَضْلِ البَاهِلِيُّ، النَّرْسِيُّ، البَصْرِيُّ، ابْنُ عَمِّ المُحَدِّثِ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ. وَنَرْسُ: هُوَ جَدُّهُمَا نَصْرٌ، كَانَ بَعْضُ العَجَمِ يَدْعُوهُ: يَا نَصْرُ، فَيَنْطِقُ بِهَا: يَا نَرْسُ؛ لِعُجْمَةِ لِسَانِهِ. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيَّ، وَأَبا عَوَانَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ زِيَادٍ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَعِدَّةً. وَكَانَ مُتْقِناً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَالبَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ الأَعْلَى. مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:   = يعني عليا. قال: فقال لي: يا أحنف، ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار ". قال: فقلت: أو قيل: يارسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه ". (*) التاريخ الكبير 7 / 6، الجرح والتعديل 6 / 214، تهذيب الكمال، ورقة: 661، 662، ميزان الاعتدال 2 / 386، تذهيب التهذيب 2 / 128، تهذيب التهذيب 5 / 133، 134، خلاصة تذهيب الكمال: 190. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا سَرَقَ العَبْدُ، فَبِعْهُ وَلَوْ بِنَشٍّ (1)) . وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ: حَاتِمٌ الأَصَمُّ الزَّاهِدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ الجَوْهَرِيُّ، وَوَثِيْمَةُ بنُ مُوْسَى الأَخْبَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ. 12 - عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادِ بنِ نَصْرٍ البَاهِلِيُّ * (خَ، م، د، س) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يَحْيَى البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّرْسِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ الوَرْدِ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ مُحَمَّدِ   (1) وأخرجه أحمد 2 / 337 و356 و387، وأبو داود (4412) في الحدود: باب بيع المملوك إذا سرق، والنسائي 8 / 91 في القطع في السفر، وابن ماجة (2589) في الحدود: باب العبد يسرق، كلهم من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهذا سند ضعيف لضعف عمر بن أبي سلمة. والنش: عشرون درهما. (*) التاريخ الكبير 6 / 74، التاريخ الصغير 2 / 368، تاريخ الفسوي 1 / 211، تاريخ بغداد 11 / 75، 77، تهذيب الكمال، ورقة: 759، 760، تذكرة الحفاظ 2 / 467، العبر 1 / 424، تذهيب التهذيب 2 / 197، تهذيب التهذيب 5 / 93، 94، طبقات الحفاظ: 203، خلاصة تذهيب الكمال: 220، شذرات الذهب 2 / 88، الجرح والتعديل 6 / 29. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 بنِ سَعْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ المُجَدَّرِ، وَالعَبَّاسُ بنُ البِرْتِيِّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيرُهُ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمَنْ قَالَ: سنَةَ سِتٍّ، فَقَدْ أَخْطَأَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإِسْلاَمُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ أَوْ قَالَ: وَسَبْعُوْنَ بَاباً، أَفْضَلُهَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ) (1) .   (1) وأخرجه مسلم في " صحيحه " رقم (35) (58) في الايمان، باب بيان عدد شعب الايمان، من طريق سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأخرجه البخاري 1 / 48، 49 في الايمان: باب أمور الايمان، من طريق أبي عامر العقدي، عن سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: " الايمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الايمان ". وأخرجه أبو داود رقم (4676) ، والترمذي (2614) ، والنسائي 8 / 110 من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، فقالوا: بضع وسبعون من غير شك. والبضع: مابين الثلاثة إلى العشرة. وأراد بإماطة الأذى عن الطريق: ما يتأذى به المارة من شوك أو حجر أو نحوه. ومعنى قوله: الحياء شعبة من الايمان، كما قال الخطابي: الحياء يحجز صاحبه عن المعاصي، فصار من الايمان، إذ الايمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء عما نهى عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 13 - مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُصْعَبٍ الأَسَدِيُّ * (ق) ابْنِ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ حَوَارِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنِ عَمَّتِهِ؛ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ، العَلاَّمَةُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ أَمِيْرِ اليَمَنِ، القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكَ بنَ عُثْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَهِشَامَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيَّ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ بِحَدِيْثِ النَّجَشِ (1) ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ القَاضِي - ابْنُ أَخِيْهِ - وَأَبُو يَعلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُم مَنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ لأَجلِ وَقْفِهِ فِي مَسْأَلَةِ القُرْآنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ مِنَ الوَاقِفَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ كَانَ وَكِيْعٌ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ يَقُوْلاَنِ: القُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قَالَ: أَخْطَأَ وَكِيْعٌ وَأَبُو بَكْرٍ.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 344، نسب قريش " المقدمة "، التاريخ الكبير 7 / 354، الجرح والتعديل 8 / 309، الفهرست: 123، تاريخ بغداد 13 / 112، 114، تهذيب الكمال، ورقة: 1332، ميزان الاعتدال 4 / 120، 121، العبر 1 / 423، تذهيب التهذيب 4 / 42، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 10 / 162، 164، خلاصة تذهيب الكمال: 387، شذرات الذهب 2 / 86. (1) أخرجه ابن ماجة (2173) في التجارات: باب ما جاء في النهي عن النجش. وإسناده صحيح. والنجش: أن يمدح السلعة ليروجها، أو يزيد في الثمن، ولا يريد شراءها ليضر بذلك غيره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 قُلْتُ: فَعِنْدَنَا عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قَالَ: أَنَا لَمْ أَسْمَعهُ. قُلْتُ: يَحْكِيهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَ مُصْعَبٌ إِذَا سُئِلَ عَنِ القُرْآنِ، يَقِفُ، وَيَعِيْبُ مَنْ لاَ يَقِفُ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَلاَّمَةً، نَسَّابَةً، أَخْبَارِيّاً، فَصِيْحاً، مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ وَأَفْرَادِهِم. قَدْ رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي غَيْرِ كِتَابَيْهِمَا. قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ عَمِّي وَجْهَ قُرَيْشٍ مُروءةً وَعِلْماً وَشَرَفاً وَبَيَاناً وَقَدْراً وَجَاهاً، وَكَانَ نَسَّابَةَ قُرَيْشٍ، عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ مُصْعَباً يَقُوْلُ: حَضَرْتُ حَبِيْباً (1) يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، أَنَا عَنْ يَمِيْنِهِ، وَأَخِي عَنْ يَسَارِهِ، فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَرَقَتَيْنِ وَنِصْفاً، وَالنَّاسُ نَاحِيَةٌ. فَإِذَا قَضَى، جَاءَ النَّاسُ، فَعَارَضُوا كُتُبَنَا بِكُتُبِهِم، وَكَانَ حَبِيْبٌ يَأْخُذُ عَلَى كُلِّ عَرْضَةٍ دِيْنَارَينِ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ. فَقُلْتُ لِمُصْعَبٍ: إِنَّهُم كَانُوا لاَ يَعْرِضُونَ عَرْضَ حَبِيْبٍ، فَأَنْكَرَ هَذَا إِذْ مَرَّ بِنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَسَأَلَهُ مُصْعَبٌ عَنْ حَبِيْبٍ، فَقَالَ: كَانَ يَتَصَفَّحُ الوَرَقَةَ وَالوَرَقَتَيْنِ. وَمَضَى ابْنُ مَعِيْنٍ، فَسَكَتَ مُصْعَبٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ جَزَرَةُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ ... ، فَذَكَرَ شَيْئاً. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مُصْعَبٌ مُسْتَثْبِتٌ. قُلْتُ: وَكَانَ أَبُوْهُ أَمِيْراً عَلَى اليَمَنِ.   (1) هو حبيب بن أبي حبيب الزرقي كاتب مالك، متروك، كذبه أبو داود وجماعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 قَالَ الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ جَدُّكَ عَلَى اليَمَنِ، قَالَ لِي ابْنُهُ مُصْعَبٌ: امضِ مَعَنَا. فَتَأَخَّرْتُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ صَنْعَاءَ، فَنَزَلْتُ فِي دَارِ الإِمَارَةِ، فَأَكْرَمَنِي، وَأَجرَى عَلَيَّ فِي الشَّهْرِ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، فَلَمَّا انْصَرَفْتُ، وَصَلَنِي بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ. وَلِهَذَا المُزَنِيِّ فِيْهِ مَدَائِحُ. تَفَرَّدَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ بِحَدِيْثِ: (الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الأَرْضِ) . فَرَوَاهُ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُوْمِيِّ (1) ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنِ أَبِيْهِ. وَقَعَ لَنَا فِي جُزْءِ بِيْبَى الهَرْثَمِيَّةِ (2) عَالِياً. تُوُفِّيَ مُصْعَبٌ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 14 - أَحْمَدُ بنُ حَرْبِ بنِ فَيْرُوْزٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ نَيْسَابُوْرَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ،   (1) قال ابن حبان في " المجروحين " 3 / 91: هو من أهل المدينة، يروي عن هشام ابن عروة مالا أصل له من حديثه، كأنه هشام آخر، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. ونقله عنه المؤلف في " الميزان " 4 / 300 وأقره. والحديث ذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 63، وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني في " الأوسط "، وفيه هشام بن عبد الله بن عكرمة، ضعفه ابن حبان. ونقل المناوي في " الفيض " قول النسائي فيه: حديث منكر. ونقل ابن الجوزي عن ابن طاهر قوله: حديث لاأصل له، وإنما هو من كلام عروة. والخبايا: جمع خبيئة، كخطيئة وخطايا، أي: التمسوه في الحرث لنحو زرع وغرس، فإن الأرض تخرج ما فيها مخبأ من النبات الذي به قوام الإنسان والحيوان. وقيل: أراد استخراج الجواهر والمعادن المخبأة في باطن الأرض. (2) هي بيبى بنت عبد الصمد بن علي، أم الفضل، أم عربي الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح. توفيت سنة سبع وسبعين وأربع مئة، أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة. " العبر 3 / 287 للمؤلف. (*) الجرح والتعديل 2 / 49، تاريخ بغداد 4 / 118، ميزان الاعتدال 1 / 89، العبر 1 / 416، لسان الميزان 1 / 149، 150، شذرات الذهب 2 / 80. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 الزَّاهِدُ. كَانَ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ وَالعُبَّادِ. ارْتَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاءٍ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ العَدَنِيِّ، وَعَامِرِ بنِ خِدَاشٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَسَهْلُ بنُ عَمَّارٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَادِلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ الفَقِيْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ، وَزَكَرِيَّا بنُ دَلَّوَيْه، وَعَدَدٌ سِوَاهُم. قَالَ زَكَرِيَّا بنُ دَلَّوَيْه: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدِيِ الحَجَّامِ لِيُحْفِيَ شَارِبَهُ، يُسَبِّحُ، فَيَقُوْلُ لَهُ الحَجَّامُ: اسْكُتْ سَاعَةً. فَيَقُوْلُ: اعْمَلْ أَنْتَ عَمَلَكَ. وَرُبَّمَا قَطَعَ مِنْ شَفَتِهِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالَ: مَرَّ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُوْنَ، فَقَالَ أَحَدُهُم: أَمْسِكُوا، فَإِنَّ هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ الَّذِي لاَ يَنَامُ اللَّيْلَ. فَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَقَالَ: الصِّبْيَانُ يَهَابُونَكَ، وَأَنْتَ تَنَامُ؟ فَأَحْيَى اللَّيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ. قَالَ زَكَرِيَّا بنُ حَرْبٍ: ابْتَدَأَ أَخِي بِالصَّوْمِ وَهُوَ فِي الكُّتَّابِ، فَلَمَّا رَاهَقَ، حَجَّ مَعَ أَخِيْهِ الحُسَيْنِ بنِ حَرْبٍ، فَأَقَامَا بِالْكُوْفَةِ لِلطَّلَبِ، وَبِالبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ لاَ يَفْتُرُ، وَأَخَذَ فِي المَوَاعِظِ وَالتَّذْكِيْرِ، وَحَثَّ عَلَى العِبَادَةِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى مَجْلِسِهِ. وَصَنَّفَ: كِتَابَ (الأَرْبَعِيْنَ) ، وَكِتَابَ (عِيَالِ اللهِ) ، وَكِتَابَ (الزُّهْدِ) ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 وَكِتَابَ (الدُّعَاءِ) ، وَكِتَابَ (الحِكْمَةِ) ، وَكِتَابَ (المَنَاسكِ) ، وَكِتَابَ (التَّكَسُّبِ) . رَغِبَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ كُتُبِهِ، ثُمَّ إِنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ سنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَحَجَّ، وَعَاوَدَ الغَزْوَ. وَخَرَجَ إِلَى بِلاَدِ التُّركِ، وَافتَتَحَ فَتْحاً عَظِيْماً غُبِطَ بِهِ، فَسَعَى بِهِ الأَعدَاءُ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، فَأَحْضَرَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الجُلُوسِ، وَقَالَ: أَتَخْرُجُ، وَتَجْمَعُ إِلَى نَفْسِكَ هَذَا الجَمْعَ، وَتُخَالِفُ أَعوَانَ السُّلْطَانِ؟ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ طَاهِرٍ عَرَفَ صِدْقَهُ، فَتَرَكَهُ، فَسَارَ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ. وَكَانَ تَنْتَحِلُهُ الكَرَّامِيَّةُ (1) ، وَتُعَظِّمُهُ؛ لأَنَّهُ أُسْتَاذُ مُحَمَّدِ بنِ كَرَّامٍ، وَلَكِنَّهُ سَلِيْمُ الاعْتِقَادِ بِحَمْدِ اللهِ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ مِنَ الأَبْدَالِ، فَلاَ أَدرِي مَنْ هُمْ؟! وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ: يَرْوِي أَشْيَاءَ لاَ أَصْلَ لَهَا. قَالَ نَصْرُ بنُ مَحْمُوْدٍ البَلْخِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ: عَبَدْتُ اللهَ خَمْسِيْنَ سَنَةً، فَمَا وَجَدْتُ حَلاَوَةَ العِبَادَةِ حَتَّى تَرَكْتُ ثَلاَثَةَ أَشيَاءٍ: تَرَكْتُ رِضَى النَّاسِ حَتَّى قَدِرْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِالحَقِّ، وَتَرَكْتُ صُحْبَةَ الفَاسِقِيْنَ حَتَّى وَجَدْتُ صُحْبَةَ الصَّالِحِيْنَ، وَتَرَكْتُ حَلاَوَةَ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَدْتُ حَلاَوَةَ الآخِرَةِ. وَقِيْلَ: إِنَّه اسْتَسقَى لَهُم بِبُخَارَى، فَمَا انْصَرَفُوا إِلاَّ يَخُوْضُونَ فِي المَطَرِ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.   (1) نسبة إلى مؤسسها محمد بن كرام المتوفى سنة 255 هـ، وقد نسب إليه القول بالتجسيم، وتسويغ قيام الحوادث بذاته تعالى، وأبدية العالم، وقد حاول ابن الهيصم وهو من أتباعه أن يدافع عنه، ويقرب أفكاره تلك من مذاهب أهل السنة. انظر " الفرق بين الفرق " للبغدادي ص: 202، 214، و" التبصير " للاسفراييني ص: 67، و" الملل والنحل " للشهرستاني 1 / 108، 113، وستأتي ترجمته ص: 535 من هذا الجزء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ السِّتِّيْنَ. - فَأَمَّا: أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ * فَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَلَكِنَّهُ عُمِّرَ، وَتَأَخَّرَ، وَسَيَأْتِي مَعَ أَخِيْهِ عَلِيٍّ. 15 - أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَالِدٍ المَوْصِلِيُّ ** (د) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَشَرِيْكٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي (تَارِيْخِ المَوْصِلِ) : ظَاهِرُ الصَّلاَحِ وَالفَضْلِ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. قَالَ أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ عُمَرَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى (1) ، عَنِ   (*) تهذيب التهذيب 1 / 23. (* *) الجرح والتعديل 2 / 39، تاريخ بغداد 4 / 5، 6، تهذيب الكمال، ورقة: 14، 15، تذهيب التهذيب 1 / 5، 6، تهذيب التهذيب 1 / 9، خلاصة تذهيب الكمال: 3. (1) في الأصل: " عبد الرحمن بن أبي زناد "، وهو خطأ، والتصويب من " المسند "، وتفسير ابن كثير 3 / 473. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 البَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ لِلْمَدِيْنَةِ يَثْرِبَ، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ (1)) . تَفَرَّدَ بِهِ: صَالِحٌ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ فِي ثَامِنِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَأَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطِيْعِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ سُرَيْجِ النَّقَّالُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّرْجُمَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سَهْلٍ الوَزِيْرُ، وَخَالِدُ بنُ عَمْرٍو السِّلَفِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ المُسَيِّبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. 16 - أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصِ بنِ جَهْمِ بنِ وَاقِدٍ الكِنْدِيُّ * (م) الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثَّبْتُ، أَبُو   (1) رجاله ثقات، خلا يزيد بن أبي زياد، فإنه لين. وأخرجه أحمد في المسند من طريق صالح بن عمر 4 / 285، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 300، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات. وقال الحافظ في " الفتح " 4 / 75 تعليقا على حديث أبي هريرة: " أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب، وهي المدينة "، أي أن بعض المنافقين يسميها يثرب، واسمها الذي يليق بها المدينة. وفهم بعض العلماء من هذا كراهية تسمية المدينة يثرب، وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين، ثم أورد حديث البراء من مسند أحمد. وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال للمدينة: يثرب، ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب، كتبت عليه خطيئة. قال: وسبب هذه الكراهة لان يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح. (2) بضم السين، كما ضبط في الأصل. أنظر " الإكمال " لابن ماكولا 4 / 467. (*) الجرح والتعديل 2 / 62، 63، تاريخ بغداد 4 / 284، 285، تهذيب الكمال، ورقة: 33، تذهيب التهذيب 1 / 20، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 92، تهذيب التهذيب 1 / 63، خلاصة تذهيب الكمال: 10. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 جَعْفَرٍ الكِنْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، الجَلاَّبُ، الضَّرِيْرُ، المَشْهُوْرُ: بِالوَكِيْعِيِّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ. حَدَّثَ عَنْ: حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ (المَسَائِلِ) ، وَالقَاضِي أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ أَبُو يَعْلَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الفَرَائِضِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى الكُشْمِيْهَنِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عُمَرَ الوَكِيْعِيَّ يَقُوْلُ: وَلِيتُ المَظَالِمَ بِمَرْوَ مُدَّةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يَرِدْ عَلَيَّ حُكمٌ إِلاَّ وَأَنَا أَحْفَظُ فِيْهِ حَدِيْثاً؛ فَلَمْ أَحتَجْ إِلَى الرَّأْيِ، وَلاَ إِلَى أَهْلِهِ. قُلْتُ: رَوَى حُرُوْفَ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ. وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمَاتَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَكِيْعِيُّ قَبْلَهُ بِسِنِيْنَ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَعِدَّةٌ قَدْ ذُكِرُوا. 17 - أَحْمَدُ بنُ جَوَّاسٍ أَبُو عَاصِمٍ الحَنَفِيُّ * (م، د) الكُوْفِيُّ، الثِّقَةُ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 44، 45، تهذيب الكمال، ورقة: 19، تذهيب التهذيب 1 / 9، الوافي بالوفيات 6 / 294، تهذيب التهذيب 1 / 22، خلاصة تذهيب الكمال: 4، 5. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 عَنْ: أَبِي الأَحْوَصِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالأَشْجَعِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالأَثْرَمُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ ذَرِيْحٍ، وَمُطَيَّنٌ. وَرَوَى ابْنُ وَارَةَ (1) ، وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: ثِقَةٌ. وَتُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 18 - الزَّمِّيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ * (خَ، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ الزَّمِّيُّ. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَضِمَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي المَلِيْحِ الرَّقِّيِّ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالقَاضِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ البِرْتِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى لَهُ: ابْنُ مَاجَهْ أَيْضاً. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ الرَّحَّالَةِ. وَثَّقَهُ: أَبُو زُرْعَةَ.   (1) هو محمد بن مسلم بن وراة الرازي الحافظ، ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " ص: 575. (*) الجرح والتعديل 9 / 200، تاريخ بغداد 14 / 166، 167، الأنساب 6 / 321، 322، تهذيب الكمال، ورقة: 1526، تذهيب التهذيب 4 / 172، تهذيب التهذيب 11 / 307، 308، خلاصة تذهيب الكمال: 430. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 قَالَ حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 19 - المُرِّيُّ جُنَادَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى * المُرِّيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، مُفْتِي دِمَشْقَ. حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَجَرْوَلِ بنِ خَنْفَلٍ (1) ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي العِشْرِيْنَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَبَقِيَّةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ - فِي بَعْضِ تَوَالِيْفِهِ - وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالفَسَوِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَآخَرُوْنَ. كَنَّاهُ البُخَارِيُّ: أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَذكَرَهُ: أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ فِي المُفْتِيْنَ بِدِمَشْقَ. قَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: لَهُ غَرَائِبُ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 20 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ زَيْدٍ السَّامِيُّ ** (س) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْحَاقَ السَّامِيُّ، النَّاجِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبَانِ بنِ يَزِيْدَ العَطَّارِ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمُرَاجِمَ بنِ   (*) التاريخ الكبير 2 / 234، الجرح والتعديل 2 / 156، تاريخ دمشق 4 / 17 / ب، تهذيب التهذيب 2 / 117. (1) كذا الأصل بالخاء، وهو كذلك في " ميزان الاعتدال ". وضبطه ابن نقطة بالجيم والنون والفاء. وفي " الجرح والتعديل " 2 / 151 و" اللسان ": " جيفل " بالياء. (* *) الجرح والتعديل 2 / 93، الأنساب، 7 / 16، تهذيب الكمال، ورقة: 53، العبر 1 / 413، تذهيب التهذيب 1 / 34 - 35، البداية والنهاية 10 / 312، النجوم الزاهرة 2 / 265، تهذيب التهذيب 1 / 113، لسان الميزان 1 / 45، خلاصة تذهيب الكمال: 16. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 العَوَّامِ بنِ مُرَاجِمَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُذُوْعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ حَرْبٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. وَخَرَّجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْن ِ. سَمِيُّهُ: المُحَدِّثُ الصَّدُوْقُ 21 - أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ النِّيْلِيُّ البَصْرِيُّ * وَالنِّيْلُ: بُلَيْدَةٌ بَيْنَ وَاسِطَ وَالكُوْفَةِ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَسَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى. وَأَخْرَجَ: النَّسَائِيُّ أَيْضاً، لَهُ. وَقَدْ وُثِّقَ.   (*) الأنساب ورقة: 574 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 53، تذهيب التهذيب 1 / 35 / 1، العبر 1 / 413، الوافي بالوفيات 5 / 342، تهذيب التهذيب 2 / 114. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 مَاتَ: بِالبَصْرَةِ، سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. ذَكَرْتُهُ تَمْيِيْزاً. 22 - ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ * (خَ، د، م، س) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، أَبُو الحَسَنِ   (*) التاريخ الكبير 6 / 284، التاريخ الصغير 2 / 363، تاريخ الفسوي 1 / 210، الضعفاء، ورقة: 297، الجرح والتعديل 6 / 193، 194 و1 / 314، 320، الفهرست: 286، تاريخ بغداد 11 / 458، 473، طبقات الفقهاء للشيرازي 1 / 84، 85، طبقات الحنابلة 1 / 225، 228، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 350، 351، تهذيب الكمال، ورقة: 980، 984، تذكرة الحفاظ 2 / 428، 429، العبر 1 / 418، ميزان الاعتدال 3 / 138، 141، تذهيب التهذيب 3 / 67، 69، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 145، 150، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 7 / 349، 357، النجوم الزاهرة 2 / 276، 277، طبقات الحفاظ: 184، خلاصة تذهيب الكمال: 275، شذرات الذهب 2 / 81. (1) لقد شدد الذهبي المؤلف، رحمه الله، النكير على العقيلي لإيراده علي بن المديني في كتابه " الضعفاء "، فقال في " ميزانه " 3 / 140، 141: وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني. ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال. أفما لك عقل يا عقيلي؟ ! أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم. كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث. وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث، كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الاثر، وضبطه دون أقرانه لاشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ، فيعرف ذلك. فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله، صلى الله عليه، وسلم، الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه! وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث. وإن تفرد الثقة المتقن، يعد صحيحا غريبا. وإن تفرد الصدوق ومن دونه، يعد منكرا. وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ نَجِيْحِ بنِ بَكْرِ بنِ سَعْدٍ السَّعْدِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِابْنِ المَدِيْنِيِّ، مَوْلَى عُرْوَةَ بنِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ. كَانَ أَبُوهُ مُحَدِّثاً، مَشْهُوْراً، لَيِّنَ الحَدِيْثِ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. يَرْوِي عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَطَبَقتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ المَدِيْنَةِ. وَقَدْ رَوَى وَالِدُهُ؛ جَعْفَرُ بنُ نَجِيْحٍ يَسِيْراً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ التَّيْمِيِّ. سَمِعَ عَلِيٌّ: أَبَاهُ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَجَعْفَرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَعَبْدَ الوَارِثِ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَبِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ، وَغُنْدَراً، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَخَالِدَ بنَ الحَارِثِ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَحَاتِمَ بنَ وَرْدَانَ، وَابْنَ وَهْبٍ، وَعَبْدَ الأَعْلَى السَّامِيَّ. وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ العَمِّيَّ، وَعُمَرَ بنَ طَلْحَةَ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، وَفُضَيْلَ بنَ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ التَّيْمِيَّ، وَمَرْحُوْمَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَيُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَهِشَامَ بنَ يُوْسُفَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.   = الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة، أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الاشياء بالعدل والورع. وأما علي بن المديني، فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ، والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 42 وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَسَادَ الحُفَّاظَ فِي مَعْرِفَةِ العِلَلِ. وَيُقَالُ: إِنَّ تَصَانِيْفَهُ بَلَغَتْ مائَتَيْ مُصَنَّفٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ، وَالحَسَنُ بنُ شَبِيْبٍ المَعْمَرِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ، وَالبُخَارِيُّ - فَأَكْثَرَ - وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ العُثْمَانِيُّ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَالحَسَنُ البَزَّارُ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَرَّانِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، وَعَلِيُّ بنُ غَالِبٍ البَتَلْهِيُّ (1) ، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ ابْنِ الإِمَامِ بِدِمْيَاطَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ الكَاتِبُ - خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ -. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَاشَ هَذَا الكَاتِبُ بَعْدَ سُفْيَانَ مائَةً وَثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. مَوْلِدُ عَلِيٍّ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ. وُلِدَ: بِالبَصْرَةِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَلَماً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَالعِلَلِ. وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يُسَمِّيْهِ؛ إِنَّمَا يَكْنِيهِ تَبْجِيلاً لَهُ، مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سَمَّاهُ قَطُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي القَاسِمِ،   (1) بفتح الباء الموحدة والتاء المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الهاء، نسبة إلى بيت لهيا، بكسر اللام وسكون الهاء، وهي قرية في غوطة دمشق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 43 وَأَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ زَيْنَبَ، وَعَبْدِ المُعِزِّ البَزَّازِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ العُثْمَانِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بنُ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفّاً، وَأَوْصَلُهَا (1)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ حَمِيْدِ بنِ زَنْجُوْيَةَ النَّسَائِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ. أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ البَرْدَعِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو رِفَاعَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَدَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: تَلُوْمُنِيْ عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ، وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُ مِنِّي. وَرَوَى: الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَيُسَمِّيهِ حَيَّةَ الوَادِي: إِذَا اسْتُثبِتَ سُفْيَانُ، أَوْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ حَيَّةُ الوَادِي. وَقَالَ العَبَّاسُ العَنْبَرِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ يُسَمِّي عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ: حَيَّةَ الوَادِي.   (1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 185 من طريق علي بن المديني، عن محمد بن طلحة التيمي به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 44 وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: إِنِّيْ لأَرغَبُ عنْ مُجَالَسَتِكُمْ، وَلَوْلاَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، مَا جَلَسْتُ. وَقَالَ خَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ الجَوْهَرِيُّ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ يَوْماً، وَمَعَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَقَالَ: لَوْلاَ عَلِيٌّ، لَمْ أَخرُجْ إِلَيْكُمْ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ الرَّازِيُّ، عَنْ سَهْلِ بنِ زَنْجَلَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعِنْدَهُ رُؤَسَاءُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي رَوَينَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ؛ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنِ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: زِيَادُ بنُ عِلاَقَةَ؟ فَقَالَ (1) : نَعَمْ. قَالَ السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ العَظِيْمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَوْحَ بنَ عَبْدِ المُؤْمِنِ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَاصَّةً بِحَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي قِرْصَافَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ أُخْتِ غَزَالٍ، سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: النَّاسُ يَلُوْمُونَنِي فِي قُعُودِي مَعَ عَلِيٍّ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُ مِنِّي. رَوَى نَحوَهَا: صَالِحٌ جَزَرَةُ، عَنِ القَوَارِيْرِيِّ. وَقَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ رُبَّمَا قَالَ: لاَ أُحَدِّثُ شَهْراً، وَلاَ أُحَدِّثُ كَذَا. فَحُدِّثْتُ أَنَّهُ حَدَّثَ ابْنَ المَدِيْنِيِّ قَبْلَ انقِضَاءِ الشَّهْرِ. قَالَ: فَكَلَّمتُ يَحْيَى فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَسْتَثْنِي عَلِيّاً، وَنَحْنُ نَستَفِيدُ مِنْهُ أَكثَرَ مِمَّا يَسْتَفِيدُ مِنَّا. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عَلِيٌّ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ،   (1) في " تهذيب الكمال ": فقال ابن عيينة: زياد بن علاقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 45 أَرَى عِنْدَهُ أَكثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ، عِنْدَهُ عَنْهُ أَكثْرُ مِنْ مُسَدَّدٍ. كَانَ يَحْيَى يُدنِي عَلِيّاً، وَكَانَ صَدِيْقَهُ. قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ الثُّرَيَّا تَدَلَّتْ حَتَّى تَنَاوَلْتُهَا. قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: صَدَّقَ اللهُ رُؤْيَاهُ، بَلَغَ فِي الحَدِيْثِ مَبْلَغاً لَمْ يَبلُغْهُ أَحَدٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي عَبَّادٍ القَلْزُمِيَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ - قَالَ: جَاءنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ يَوْماً، فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَأَنِّي مَدَدتُ يَدِي، فَتَنَاوَلتُ أَنْجُماً. فَمَضَينَا مَعَهُ إِلَى مُعَبِّرٍ، فَقَالَ: سَتَنَالُ عِلْماً، فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُوْنُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ نَظَرتَ فِي الفِقْهِ - كَأَنَّهُ يُرِيْدُ الرَّأْيَ - فَقَالَ: إِنِ اشتَغَلتُ بِذَاكَ، انسَلَخْتُ مِمَّا أَنَا فِيْهِ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ ابْنِ بُوْشٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الصُّوْرِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ بنَ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ وَلِيْدَ بنَ القَاسِمِ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيَّ يَقُوْلُ: كَأَنَّ اللهَ خَلَقَ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ لِهَذَا الشَّأْنِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا اسْتَصغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ، إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ. قَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: بَلَغَ عَلَيٌّ مَا لَوْ قُضِيَ أَنْ يَتُمَّ عَلَى ذَلِكَ، لَعَلَّهُ كَانَ يُقَدَّمُ عَلَى الحَسَنِ البَصْرِيِّ، كَانَ النَّاسُ يَكْتُبُوْنَ قِيَامَهُ وَقُعُودَهُ وَلِبَاسَهُ، وَكُلَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ أَوْ يَفْعَلُ أَوْ نَحْوَ هَذَا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 46 يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَنَّفتُ (المُسْنَدَ) مُسْتَقْصَىً، وَخَلَّفتُهُ فِي المَنْزِلِ، وَغِبتُ فِي الرِّحْلَةِ، فَخَالَطَتْهُ الأَرَضَةُ، فَلَمْ أَنْشَطْ بَعْدُ لِجَمْعِهِ. قَالَ أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ: كَانَ عَلِيٌّ إِذَا قَدِمَ بَغْدَادَ، تَصَدَّرُ فِي الحَلْقَةِ، وَجَاءَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالمُعَيْطِيُّ، وَالنَّاسُ يَتَنَاظَرُوْنَ، فَإِذَا اختَلَفُوا فِي شَيْءٍ، تَكَلَّمَ فِيْهِ عَلِيٌّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا، أَظْهَرَ السُّنَّةَ، وَإِذَا ذَهَبَ إِلَى البَصْرَةِ، أَظْهَرَ التَّشَيُّعَ. قُلْتُ: كَانَ إِظْهَارُهُ لِمَنَاقِبِ الإِمَامِ عَلِيٍّ بِالبَصْرَةِ، لِمَكَانِ أَنَّهُم عُثْمَانِيَّةٌ، فِيْهِمُ انْحِرَافٌ عَلَى عَلِيٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ الطُّيُوْرِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا الفَالِيُّ (3) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ خرَّبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ (4) ، حَدَّثَنَا زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ   (1) يونين، بضم الياء وكسر النون الأولى، قرية من قرى بعلبك، منها الحافظ شرف الدين، أبو الحسين، علي بن محمد اليونيني البعلبكي الحنبلي الامام العالم المحدث المتوفى سنة 701 هـ. وعن نسخته من " صحيح البخاري " طبع بمصر في المطبعة الاميرية سنة 1311 هـ. وهي أعظم أصل يوثق به في نسخ " صحيح البخاري "، وهي التي جعلها القسطلاني عمدته في تحقيق متن الكتاب، وضبطه حرفا حرفا، وكلمة كلمة في شرحه للبخاري المسمى " إرشاد الساري ". (2) هو أبو الحسين، المبارك بن عبد الجبار. (3) بفتح الفاء وفي آخرها اللام، نسبة إلى بلدة تسمى فالة. قال أبو بكر الخطيب فيما نقله السمعاني عنه: أظنها من بلاد فارس، قريبة من إيذج. والفالي هذا هو أبو الحسن علي بن أحمد بن علي المؤدب، أقام ببغداد حتى آخر عمره. (4) هو القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 هـ، صاحب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 47 بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: التَّفَقُّةُ فِي مَعَانِي الحَدِيْثِ: نِصْفُ العِلْمِ، وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ: نِصْفُ العِلْمِ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْنُسَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: تَرَكتُ مِنْ حَدِيْثِي مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، مِنْهَا ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً لِعَبَّادِ بنِ صُهَيْبٍ. وَعَنِ البُخَارِيِّ: وَقِيْلَ لَهُ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَنْ أَقْدَمَ العِرَاقَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ حَيٌّ، فَأُجَالِسَهُ. سَمِعَهَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ مِنَ البُخَارِيِّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ أَمْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ: عَلِيٌّ أَعْلَمُ بِاخْتِلاَفِ الحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ. قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ: هَلْ كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَحْفَظُ؟ فَقَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ. قُلْتُ: فَعَلِيٌّ؟ قَالَ: كَانَ يَحْفَظُ وَيَعْرِفُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفٍ مِثْلِ الشَّاذَكُوْنِيِّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ أَسْرَدَهُمْ لَهُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَفْقَهَهُمْ فِيْهِ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ أَعْلَمُهُم بِهِ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْتَبُهُمْ لَهُ.   = كتاب " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ". انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " 3 / 905، 907. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 48 قَالَ الفَرْهَيَانِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الحُفَّاظِ: أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِعِلَلِ الحَدِيْثِ: عَلِيٌّ. يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) : حَدَّثَنِي بَكْرُ بنُ خَلَفٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَبِهَا شَابٌّ حَافِظٌ، كَانَ يُذَاكِرُنِي (المُسْنَدَ (2)) بِطُرُقِهَا، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ، طَلَبتُ إِلَى عَلِيٍّ أَيَّامَ سُفْيَانَ أَنْ يُحَدِّثَنِي بِالمُسْنَدِ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفتَ، إِنَّمَا تُرِيْدُ بِذَلِكَ المُذَاكَرَةَ، فَإِنْ ضَمِنتَ لِي أَنَّكَ تُذَاكِرُ وَلاَ تُسَمِّيْنِي، فَعَلتُ. قَالَ: فَضَمِنتُ لَهُ، وَاختَلَفْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي بِذَا الَّذِي أُذَاكِرُكَ بِهِ حِفْظاً. قَالَ الفَسَوِيُّ: فَذَكَرْتُ هَذَا لِبَعْضِ مَنْ كَانَ يَلزَمُ عَلِيّاً، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: غِبتُ عَنِ البَصْرَةِ فِي مَخْرَجِي إِلَى اليَمَنِ - أَظُنُّهُ ذَكَرَ ثَلاَثَ سِنِيْنَ - وَأُمِّيَ حَيَّةٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، فُلاَنٌ لَكَ صَدِيْقٌ، وَفُلاَنٌ لَكَ عَدُوٌّ. قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ يَا أُمَّهْ؟ قَالَتْ: كَانَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ - فَذَكَرَتْ مِنْهُمْ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ - يَجِيْؤُونَ مُسَلِّمِيْنَ، فَيُعَزُّونِي، وَيَقُوْلُوْنَ: اصْبِرِيْ، فَلَو قَدِمَ عَلَيْكِ، سَرَّكِ اللهُ بِمَا تَرَيْنَ. فَعَلِمتُ أَنَّ هَؤُلاَءِ أَصْدِقَاءَ. وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ إِذَا جَاؤُوا، يَقُوْلُوْنَ لِي: اكْتُبِي إِلَيْهِ، وَضَيِّقِي عَلَيْهِ لِيَقْدَمَ. فَأَخْبَرَنِي العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ - أَوْ غَيْرُهُ - قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ صَنَّفتُ (المُسْنَدَ) عَلَى الطُّرُقِ مُستَقْصَىً، كَتَبتُهُ فِي قَرَاطِيْسَ، وَصَيَّرتُهُ فِي قِمَطْرٍ كَبِيْرٍ، وَخَلَّفْتُهُ فِي المَنْزِلِ، وَغِبْتُ هَذِهِ الغَيْبَةَ. قَالَ: فَجِئتُ،   (1) 2 / 136، 137 وجاء فيه الخبر محرفا، فيصحح من هنا، وانظر " تاريخ بغداد " 11 / 462. (2) في " تهذيب الكمال " ص: 981: " المسندات ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 49 فَحَرَّكتُ القِمَطْرَ، فَإذَا هُوَ ثَقِيلٌ، بِخِلاَفِ مَا كَانَتْ، فَفَتَحْتُهَا، فَإِذَا الأَرَضَةُ قَدْ خَالَطَتِ الكُتُبَ، فَصَارَتْ طِيْناً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ البُجَيْرِيُّ: سَمِعْتُ الأَعْيَنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ مُستَلْقِياً، وأَحْمَدُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ عَنْ يَسَارهِ، وَهُوَ يُمْلِي عَلَيْهِمَا. قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: رُبَّمَا أَذَّكَّرُ الحَدِيْثَ فِي اللَّيْلِ، فَآمُرُ الجَارِيَةَ تُسْرِجَ السِّرَاجَ، فَأَنْظُرَ فِيْهِ. البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيَّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَظَرتُ فِي كِتَابِ شَيْخٍ فَاحتَجْتُ إِلَى السُّؤَالِ بِهِ عَنْ غَيْرِي. وَعَنِ العَبَّاسِ بنِ سَوْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ، فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلْحُمَيْدِيِّ أَنْ يَكْتُبَ عَن آخَرَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَالِبِ بنِ عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكتُ بِالحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَفْقَهُهُم فِي الحَدِيْثِ: أَحْمَدُ، وَأَمهَرُهُم (1) بِالحَدِيْثِ: سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ. وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ يَقُوْلُ لاِبْنِ المَدِيْنِيِّ: وَيْحَكَ يَا عَلِيُّ! إِنِّي أَرَاكَ تَتَبَّعُ الحَدِيْثَ تَتَبُّعاً، لاَ أَحسِبُكَ تَمُوتُ حَتَّى تُبْتَلَى. الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيّاً، وَقَوْمٌ يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ يَقْرَأُ عَلَيْهِم أَبْوَابَ   (1) في الأصل: " وأقهرهم " وهو تحريف، والتصويب من " تهذيب الكمال ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 50 السَّجْدَةِ، كَانَ يُذْكَرُ لَهُ طَرَفُ حَدِيْثٍ، فَيَمُرُّ عَلَى الصَّفحَةِ وَالوَرَقَةِ، فَإِذَا تَعَايَى فِي شَيْءٍ، لَقَّنُوهُ الحَرْفَ وَالشَّيْءَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمُرُّ، وَيَقُوْلُ: اللهُ المُسْتَعَانُ، هَذِهِ الأَبْوَابُ أَيَّامَ نَطلُبُ، كُنَّا نَتَلاَقَى بِهِ المَشَايِخَ، وَنُذَاكِرُهُمْ بِهَا، وَنَستَفِيدُ مَا يَذْهَبُ عَلَيْنَا مِنْهَا، وَكُنَّا نَحفَظُهَا، وَقَدِ احْتَجْنَا اليَوْمَ إِلَى أَنْ نُلَقَّنَ فِي بَعْضِهَا (1) . قَالَ أَزْهَرُ بنُ جَمِيْلٍ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، أَنَا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسُفْيَانُ الرُّؤَاسِيُّ (2) ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُم، إذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ، أَشْعَثَ، فَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: مَا حَالُكَ أَبَا سَعِيْدٍ؟ قَالَ: خَيْرٌ، رَأَيْتُ البَارِحَةَ فِي المَنَامِ كَأَنَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ نُكِسُوا. قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، هُوَ خَيْرٌ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ، نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ} [يس: 68] . قَالَ: اسْكُتْ، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَفِي القَوْمِ. قَالَ الأَثْرَمُ اللُّغَوِيُّ: سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُوْلُ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: وَاللهِ يَا عَلِيُّ، لَتَتْرُكَنَّ الإِسْلاَمَ وَرَاءَ ظَهرِكَ. أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ غُلاَمُ خَلِيْلٍ، عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَظِيْمِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ يَوْماً، فَرَأَيْتُهُ وَاجِماً مَغْمُوماً، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: رُؤْيَا رَأَيْتُ، كَأَنِّي أَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-. فَقُلْتُ: خَيْراً رَأَيْتَ، تَخطُبُ عَلَى مِنْبَرِ نَبِيٍّ. فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتُ أَنِّي أَخطُبُ عَلَى   (1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 137. (2) هو سفيان بن وكيع بن الجراح، أبو محمد الرؤاسي. كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح، فلم يقبل، فسقط حديثه من رجال " التهذيب ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 51 مِنْبَرِ أَيُّوْبَ، كَانَ خَيْراً لِي؛ لأَنَّهُ بُلِيَ فِي دِيْنِهِ، وَدَاوُدُ فُتِنَ فِي دِيْنِهِ. قَالَ: فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ -يَعْنِي: إِجَابَتَهُ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ-. قُلْتُ: غُلاَمُ خَلِيْلٍ غَيْرُ ثِقَةٍ. الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا يَزْعُمُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- أَنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَالعَيْنُ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى مَحْدُوْدٍ، وَاللهُ لاَ يُحَدُّ. فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! عِنْدِيَ مَا قَالَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَنَظَرَ إِلَى البَدْرِ، فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا البَدْرَ، لاَ تُضَامُوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ (1)) . فَقَالَ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: أَنْظُرُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيْثِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَوَجَّهَ إِلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَعَلِيٌّ بِبَغْدَادَ مُمْلِقٌ، مَا يَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ، فَأَحضَرَهُ، فَمَا كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى وَصَلَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصَلَكَ بِهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. وَأَمَرَ أَنْ يُدفَعَ إِلَيْهِ جَمِيْعُ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ أَرزَاقهِ. وَكَانَ لَهُ رِزْقُ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! حَدِيْثُ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي الرُّؤْيَةِ مَا هُوَ؟ قَالَ: صَحِيْحٌ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ عَنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: يُعفِينِي القَاضِي مِنْ هَذَا. قَالَ: هَذِهِ حَاجَةُ الدَّهْرِ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِثِيَابٍ وَطِيْبٍ وَمَرْكَبٍ بِسَرجِهِ وَلِجَامِهِ. وَلَمْ يَزَلْ   (1) أخرجه البخاري 2 / 27 في الصلاة: باب فضل صلاة العصر، و8 / 458 في التفسير: باب قوله: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) ، و13 / 356، 357 في التوحيد: باب قوله الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة) ، ومسلم (633) في المساجد: باب فضل صلاتي الصبح والعصر، وأحمد 4 / 360، والترمذي (2551) ، وابن ماجة (178) . وهو من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري 3 / 358، ومسلم (183) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 52 حَتَّى قَالَ لَهُ: فِي هَذَا الإِسْنَادِ مَنْ لاَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى مَا يَرْوِيْهِ، وَهُوَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، إِنَّمَا كَانَ أَعْرَابِيّاً بَوَّالاً عَلَى عَقِبَيْهِ. فَقَبَّلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ عَلِيّاً، وَاعتَنَقَهُ. فَلَمَّا كَانَ الغَدُ وَحَضَرُوا، قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَحْتَجُّ فِي الرُّؤْيَةِ بِحَدِيْثِ جَرِيْرٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَيْسٌ، وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَحْمَدُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَحِينَ أَطْلَعَ لِي هَذَا، عَلِمتُ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، فَكَانَ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ أَوْكَدِ الأُمُورِ فِي ضَرْبِهِ. رَوَاهَا المَرْزُبَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى -يَعْنِي: الصُّوْلِيَّ- حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ. ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا الخَبَرِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَرْوِيْهِ قَيْسٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ. قَدْ نَزَّهَ اللهُ عَلِيّاً عَنْ قَوْلِ ذَلِكَ؛ لأَنَّ أَهْلَ الأَثَرِ، وَفِيْهُم عَلِيٌّ، مُجْمِعُوْنَ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ قَيْسٍ وَتَصْحِيْحِهَا، إِذْ كَانَ مِنْ كُبَرَاءِ تَابِعِيِّ أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَلَيْسَ فِي التَّابِعِيْنِ مَنْ أَدْرَكَ العَشَرَةَ وَرَوَى عَنْهُمْ، غَيْرَ قَيْسٍ مَعَ رِوَايَتهِ عَنْ خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوْظاً عَنِ ابْنِ فَهْمٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّ ابْنَ أَبِي دُوَادَ تَكَلَّمَ فِي قَيْسٍ بِمَا ذَكَرَ فِي الحَدِيْثِ، وَعَزَا ذَلِكَ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قُلْتُ: إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَةُ، فَلَعَلَّ عَلِيّاً قَالَ فِي قَيْسٍ مَا عِنْدَهُ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. ثُمَّ سَمَّى لَهُ أَحَادِيْثَ اسْتَنكَرَهَا، فَلَمْ يَصنَعْ شَيْئاً، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ، فَلاَ يُنْكَرُ لَهُ التَفَرَّدُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، مِنْ ذَلِكَ حَدِيْثُ كِلاَبِ الحَوْأَبِ (1) ، وَقَدْ كَادَ قَيْسٌ أَنْ يَكُوْنَ صَحَابِيّاً. أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ   (1) أخرجه أحمد 6 / 52 و97، وابن حبان (1831) ، والحاكم 3 / 120 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب، سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لنا: " أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ " وإسناده صحيح. وقال الحافظ في " الفتح " 13 / 45 بعد أن = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 53 هَاجَرَ إِلَيْهِ، فَمَا أَدْرَكَهُ، بَلْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَيَالٍ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - فِيْمَا نَقَلَهُ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ -: كَانَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ أَوْثَقَ مِنَ الزُّهْرِيِّ. نَعَمْ، وَرُؤْيَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي الآخِرَةِ مَنْقُوْلَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَقْلَ تَوَاتُرٍ، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَرَدِّ النَّصِّ بِالرَّأْيِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَجوَدُ التَّابِعِيْنَ إِسْنَاداً: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، قَدْ رَوَى عَنْ تِسْعَةٍ مِنَ العَشَرَةِ، لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. قَالَ الخَطِيْبُ: وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِمَّنْ سَاقَ المِحْنَةَ أَنَّ أَحْمَدَ نُوظِرَ فِي حَدِيْثِ الرُّؤْيَةِ. قَالَ: وَالَّذِي يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ رَوَى لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ حَدِيْثاً عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ فِي القُرْآنِ، كَانَ الوَلِيْدُ أَخْطَأَ فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ، فَكَانَ أَحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى عَلِيٍّ رِوَايَتَهُ لِذَلِكَ الحَدِيْثِ. فَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ حَدَّثَ عَنِ الوَلِيْدِ حَدِيْثَ عُمَرَ: كِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ، فَقَالَ: إِلَى خَالِقِهِ. فَقَالَ: هَذَا كَذِبٌ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا قَدْ كَتَبنَاهُ عَنِ الوَلِيْدِ، إِنَّمَا هُوَ (فَكِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ (1)) . وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ غَيْرُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ أَبِي الدُّمَيْكِ: حَدَّثَنَا ابْنُ المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ،   = ذكره: وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح. وصححه أيضا المؤلف في ترجمته للسيدة عائشة في هذا الكتاب، والحافظ ابن كثير في " البداية ". والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الاسكندري فيما نقله عنه ياقوت في " معجم البلدان ". وقال أبو عبيد البكري في " معجم ما استعجم ": ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها، سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية. (1) سيرد الحديث في الصفحة: 199 وسيخرج هناك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 54 حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ فِي أَصْحَابهِ، إِذْ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عَبَسَ:31] ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلَّهُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الأَبُّ؟ قَالَ، وَفِي يَدِهِ عُصَيَّةٌ يَضْرِبُ بِهَا الأَرْضَ، فَقَالَ: هَذَا - لَعَمْرُ اللهِ - التَّكَلُّفُ، فَخُذُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا بُيِّنَ لَكُمْ، فَاعمَلُوا بِهِ، وَمَا لَمْ تَعْرِفُوهُ، فَكِلُوْهُ إِلَى رَبِّهِ. قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنِيْهِ أَبُو طَالِبٍ بنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بنُ جَعْفَرٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّمَيْكِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ عَلِيّاً يُحَدِّثُ عَنِ الوَلِيْدِ ... ، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ، وَقَالَ: فَكِلُوهُ إِلَى خَالِقِهِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَذِبٌ. حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ: كِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ. وَقَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ المَدِيْنِيِّ: إِنَّهُم قَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: حَدَّثْتُكُمْ بِهِ بِالبَصْرَةِ ... ، وَذكَرَ أَنَّ الوَلِيْدَ أَخْطَأَ فِيْهِ. فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: فَنَعَمْ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ الوَلِيْدَ أَخْطَأَ فِيْهِ، فَلِمَ حَدَّثَهُمْ بِهِ، أَيُعْطِيْهُمُ الخَطَأَ! قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ العَسْكَرِ يَقُوْلُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ. فَسَكَتَ، فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ لِي عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: وَذَكَرَ رَجُلاً، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُم لاَ يَقبَلُوْنَ مِنْكَ، إِنَّمَا يَقبَلُوْنَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ: قَوِيَ أَحْمَدُ عَلَى السُّوطِ، وَأَنَا لاَ أَقْوَى. أَبُو بَكْرٍ الجُرْجَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ إِلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ بَعْدَ مَا تَمَّ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ مَا جَرَى، فَنَاوَلَهُ رُقْعَةً، قَالَ: هَذِهِ طُرِحَتْ فِي دَارِي، فَإذَا فِيْهَا: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 55 يَا ابْنَ المَدِيْنِيِّ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ ... دُنْيَا فَجَادَ بِدِيْنِهِ لِيَنَالَهَا مَاذَا دَعَاكَ إِلَى اعْتِقَادِ مَقَالَةٍ ... قَدْ كَانَ عِنْدَكَ كَافِراً مَنْ قَالَهَا أَمرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَقَبِلْتَه ... أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا؟ فَلَقْدَ عَهِدْتُكَ - لاَ أَبَا لَكَ - مَرَّةً ... صَعْبَ المَقَادَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا إِنَّ الحَرِيْبَ (1) لَمَنْ يُصَابُ بِدِيْنِهِ ... لاَ مَنْ يُرَزَّى نَاقَةً وَفِصَالَهَا (2) فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: هَذَا بَعْضُ شُرَّادِ هَذَا الوَثَنِ -يَعْنِي: ابْنَ الزَّيَّاتِ- وَقَدْ هُجِيَ خِيَارُ النَّاسِ، وَمَا هَدَمَ الهِجَاءُ حَقّاً، وَلاَ بَنَى بَاطِلاً، وَقَدْ قُمْتَ وَقُمنَا مِنْ حَقِّ اللهِ بِمَا يُصَغِّرُ قَدْرَ الدُّنْيَا عِنْدَ كَثِيْرِ ثَوَابهِ. ثُمَّ دَعَا لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اصْرِفْهَا فِي نَفَقَاتِكَ وَصَدَقَاتِكَ. قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قَدِمَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ البَصْرَةَ، فَصَارَ إِلَيْهِ بُنْدَارُ، فَجَعَلَ عَلِيُّ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ بُنْدَارُ عَلَى رُؤُوْسِ المَلأِ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: لاَ، أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ. فَقَالَ بُنْدَارُ: عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ خُطَايَ، شُبِّه عَلَيَّ هَذَا. وَغَضِبَ، وَقَامَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ قِمَطْرٌ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَمَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ قَالَ: لَقِيْتُهُ يَوْماً وَبِيَدِهِ نَعْلُهُ، وثِيَابُهُ فِي فَمِهِ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَلْحَقُ الصَّلاَةَ خَلْفَ أَبِي عَبْدِ اللهِ. فَظَنَنتُ أَنَّهُ يَعْنِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي دُوَادَ. فَقلتُ: وَاللهِ لاَ حَدَّثتُ عَنْكَ بِحَرْفٍ.   (1) أي الذي سلب جميع ماله. (2) الأبيات في " تهذيب الكمال "، ورقة: 983، و" تاريخ بغداد " 11 / 469، 470، و" طبقات الشافعية " 2 / 148، و" تذهيب التهذيب 3 / 69 / 1، ولم تنسب لأحد في هذه المصادر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 56 وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، وَآخَرُ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ: أَكَانَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ يُتَّهَمُ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ، فَزَادَ فِي خَبَرِهِ كَلِمَةً، لِيُرضِيَ بِهَا ابْنَ أَبِي دُوَادَ. فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ إِذَا رَأَى فِي كِتَابٍ حَدِيْثاً عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: اضْرِبْ عَلَى ذَا؛ لِيُرضِيَ بِهِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ. وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِذَا رَأَى فِي كِتَابٍ حَدِيْثاً عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: اضْرِبْ عَلَى ذَا؛ لِيُرْضِيَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: مَا هُوَ عِنْدَ النَّاسِ إِلاَّ مُرتَدٌّ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِمُرْتَدٍّ، هُوَ علَى إِسْلاَمهِ، رَجُلٌ خَافَ، فَقَالَ (1) . قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَفِّرَ الجَهْمِيَّةَ، وَكُنْتُ أَنَا أَوَّلاً لاَ أُكَفِّرُهُمْ؟ فَلَمَّا أَجَابَ عَلِيٌّ إِلَى المِحْنَةِ، كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ مَا قَالَ لِي، وَأُذَكِّرُهُ اللهَ. فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ عَنْهُ: أَنَّه بَكَى حِيْنَ قَرَأَ كِتَابِي. ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ لِي: مَا فِي قَلْبِيَ مِمَّا قُلْتُ، وَأَجَبتُ إِلَى شَيْءٍ، وَلَكِنِّي خِفتُ أَنْ أُقْتَلَ، وَتَعْلَمُ ضَعْفِيَ أَنِّي لَوْ ضُرِبتُ سَوْطاً وَاحِداً لَمِتُّ، أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: وَدَفَعَ عَنِّي عَلِيٌّ امْتِحَانَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ إِيَّايَ، شَفَعَ فِيَّ، وَدَفَعَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ المَوْصِلِ مِنْ أَجْلِي، فَمَا أَجَابَ دِيَانَةً إِلاَّ خَوْفاً. وَعَنْ عَلِيِّ بنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيِّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: وَدَّعتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بَلِّغْ أَصْحَابَنَا عَنِّي أَنَّ القَوْمَ كُفَّارٌ ضُلاَّلٌ،   (1) في " التهذيب " زيادة: " وما عليه "؟ بعد قوله: " فقال ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 57 وَلَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ؛ لأَنِّي جَلَسْتُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي رِجْلِيَ قَيدٌ ثَمَانِيَةُ أُمَنَاءٍ (1) ، حَتَّى خِفْتُ عَلَى بَصَرِي. فَإِنْ قَالُوا: يَأْخُذُ مِنْهُمْ، فَقَدْ سُبِقْتُ إِلَى ذَلِكَ، قَدْ أَخَذَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ. رَوَاهَا الحَاكِمُ، فَقَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُسَدَّدَ بنَ أَبِي يُوْسُفَ القُلُوْسِيَّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُلْتُ لاِبْنِ المَدِيْنِيِّ: مِثْلُكَ يُجِيْبُ إِلَى مَا أَجَبْتَ إِلَيْهِ؟! فَقَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، مَا أَهْوَنَ عَلَيْكَ السَّيْفَ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَذْكُرُ فَضْلَ ابْنِ المَدِيْنِيِّ وَتَقَدُّمَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ. فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ قُوَّةً، لَخَرَجْتُ إِلَى البَصْرَةِ، فَبُلْتُ عَلَى قَبْرِ عَمْرٍو. أَجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّضْرِ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لاَ يُرَى، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى عَلَى الحَقِيْقَةِ، فَهُوَ كَافِرٌ. ابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بِشَهْرَيْنِ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.   (1) جمع المنا، أي: الكيل أو الميزان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 58 وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: هُوَ كُفْرٌ -يَعْنِي: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ-. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (1) بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو زُرْعَةَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَجْلِ مَا بَدَا مِنْهُ فِي المِحْنَةِ، وَكَانَ وَالِدِي يَرْوِي عَنْهُ؛ لِنُزُوْعِهِ عَمَّا كَانَ مِنْهُ. قَالَ أَبِي: كَانَ عَلِيٌّ عَلَماً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَالعِلَلِ. قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّ أَبَاهُ أَمسَكَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ، بَلْ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ أَحَادِيْثُ، وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَنْهُ جُمْلَةٌ وَافِرَةٌ. قَالَ الإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا صَاحِبُ (الرَّوْضَةِ) : وَلابْنِ المَدِيْنِيِّ فِي الحَدِيْثِ نَحْوٌ مِنْ مائَتَي مُصَنَّفٍ. قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: أَقْدَمَ المُتَوَكِّلُ عَلِيّاً إِلَى هَا هُنَا، وَرَجَعَ إِلَى البَصْرَةِ، فَمَاتَ. قُلْتُ: إِنَّمَا مَاتَ بِسَامَرَّاءَ. قَالَهُ: البَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَاتَ بِسَامَرَّاءَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ لِيَومَيْنِ بَقِيَا مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَوَهِمَ الفَسَوِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ - رَحِمَهُ اللهُ، وَغَفَرَ لَهُ -. وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالشَّاذَكُوْنِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ،   (1) في الأصل " عبد الرحيم "، وهو خطأ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 59 وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَالمُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ الجَزَرِيُّ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ قَاضِي القُضَاةِ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ الهَاشِمِيَّ يَقُوْلُ: هَذِهِ أَسَامِي مُصَنَّفَاتِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: (الأَسْمَاءُ وَالكُنَى) ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، (الضُّعَفَاءُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (المُدَلِّسُوْنَ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (أَوَّلُ مَنْ فَحَصَ عَنِ الرِّجَالِ) جُزْءٌ، (الطَّبَقَاتُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ) جُزْءٌ، (عِللُ المُسْنَدِ) ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً، (العِلَلُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي) أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (عِلَلُ حَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ) ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (مَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَلاَ يَسْقُطُ) جُزَآنِ، (مَنْ نَزَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّوَاحِيَ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (التَّارِيْخُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (العَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ) جُزْآنِ، (مَنْ حَدَّثَ وَرَجَعَ عَنْهُ) جُزْآنِ، (سُؤَالُ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الرِّجَالِ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ. (سُؤَالاَتُ يَحْيَى القَطَّانِ) أَيْضاً جُزْآنِ، (الأَسَانِيْدُ الشَّاذَّةُ) جُزْآنِ، (الثِّقَاتُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (اخْتِلاَفُ الحَدِيْثِ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (الأَشْرِبَةُ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (الغَرِيْبُ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (مَنْ عُرِفَ بِغَيْرِ اسْمِ أَبِيْهِ) جُزْآنِ، (مَنْ عُرِفَ بِلَقَبِهِ) ، (العِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ) ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً، (مَذَاهِبُ المُحَدِّثِيْنَ) جُزْآنِ. ثُمَّ قَالَ عَقِيْبَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: فَجَمِيْعُ هَذِهِ الكُتُبِ انْقَرَضَتْ، رَأَيْنَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ كُتُبٍ، أَوْ خَمْسَةً. 23 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ الأَسَدِيُّ * (خَ، د) ابْنِ مُصْعَبِ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ   (*) التاريخ الكبير 1 / 283، التاريخ الصغير 2 / 359، الجرح والتعديل 2 / 95، تهذيب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 60 العَوَّامِ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. وَلَمْ يَلْحَقِ الأَخْذَ عَنْ مَالِكٍ. يُكْنَى: أَبَا إِسْحَاقَ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَثبَاتِ بِالمَدِيْنَةِ. حَدَّثَ عَنْه: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ فِي (1) الحَدِيْثِ، يَأْتِي الرَّبَذَةَ (2) كَثِيْراً لِلتِّجَارَةِ، وَيُقِيمُ بِهَا، وَيَشْهَدُ العِيدَيْنِ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 24 - حَاجِبُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَيْمُوْنٍ البَغْدَادِيُّ * (م) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، الأَعوَرُ، المُؤَدِّبُ. سَمِعَ: حَفْصَ بنَ مَيْسَرَةَ بِعَسْقَلاَنَ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ بِحِمْصَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ بِالبَلْقَاءِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلَمَةَ بِحَرَّانَ.   = الكمال، ورقة: 54، تذهيب التهذيب 1 / 35، العبر 1 / 405، تهذيب التهذيب 1 / 116، 117، خلاصة تذهيب الكمال: 17، شذرات الذهب 2 / 68. (1) في الأصل: " وفي ". (2) بفتح أوله وثانيه، وذال معجمة مفتوحة أيضا، وهي من قرى المدينة على ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق، على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 359، التاريخ الكبير 3 / 80، الجرح والتعديل 3 / 285، مروج الذهب 2 / 254، تاريخ بغداد 8 / 270، 271، تهذيب الكمال، ورقة: 214، تذهيب التهذيب 1 / 113، خلاصة تذهيب الكمال: 67. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 61 وَعَنْهُ: الذُّهْلِيُّ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقُ الخُتَّلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: أَحَادِيْثُهُ صَحِيْحَةٌ، وَلاَ أَعْرِفُهُ. تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَعَ لِي مِنْ (عَوَالِيْهِ) . 25 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَيْمُوْنِ بنِ قُدَامَةَ البَلْخِيُّ * (س) وَقِيْلَ: رَزِيْنُ بَدَلَ قُدَامَةَ، عَالِمُ بَلْخَ، أَبُو إِسْحَاقَ البَاهِلِيُّ، البَلْخِيُّ، الفَقِيْهُ، المَعْرُوْفُ: بِالمَاكِيَانِيِّ. وَمَاكِيَانُ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى بَلْخَ. وَهُوَ أَخُو عِصَامٍ، وَمُحَمَّدٍ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَشَرِيْكٍ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَرَّامٍ شَيْخُ الكَرَّامِيَّةِ، وحَامِدُ بنُ سَهْلٍ البُخَارِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الدَّوِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ الهَرَوِيُّ شَكَّرٌ، وَأَحْمَدُ بنُ قُدَامَةَ البَلْخِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صِدِّيْقٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: ظَاهِرُ مَذْهَبهِ الإِرْجَاءُ، وَيُبْطِنُ السُّنَّةَ. فَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ الفُوْعِيَّ يَقُوْلُ: حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَكْتُبَ إِلاَّ عَمَّنْ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. فَأَتَيتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ يُوْسُفَ، فَأَخبَرْتُهُ، فَقَالَ: اكتُبْ   (*) الجرح والتعديل 2 / 148، تهذيب الكمال، ورقة: 70، تذكرة الحفاظ 1 / 453، 454، ميزان الاعتدال 1 / 76، العبر 1 / 429، تذهيب التهذيب 1 / 46، الوافي بالوفيات 6 / 172، تهذيب التهذيب 1 / 184، خلاصة تذهيب الكمال: 24. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 62 عَنِّي، فَإِنِّي أَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَنَفِيَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصِّدِّيْقِ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، مَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ وَقَفَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ. قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ (1) : رَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ (2) . وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَضَرَ، وَقُتَيْبَةُ حَاضِرٌ، فَقَالَ لِمَالِكٍ: هَذَا مُرْجِئٌ. فَأُقِيمَ مِنَ المَجْلِسِ، فَوَقَعَ لَهُ بِهَذَا عَدَاوَةٌ مَعَ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَلْخَ، فَنَزَلَ قَرْيَةَ بَغْلاَنَ. قُلْتُ: مَاتَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ مُفْتِي بَلْخَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. 26 - أَبُو تَمَّامٍ حَبِيْبُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَارِثِ الطَّائِيُّ * شَاعِرُ العَصْرِ، أَبُو تَمَّامٍ حَبِيْبُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَارِثِ بنِ قَيْسٍ الطَّائِيُّ، مِنْ   (1) هو خليل بن عبد الله بن خليل القزويني الحافظ الامام المتوفى سنة 446 هـ، صاحب " الارشاد في علماء البلاد "، ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء على ترتيب البلاد إلى زمانه، وترجم كل بلد وناحية. وهو مترجم في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1123. (2) في " التهذيب " في ترجمة إبراهيم بن يوسف: وقال الخليلي: روى عن مالك حديثا واحدا، ولم يسمع منه غيره، ثم أورد ما جاء هنا. والحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " (2003) في الاشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر، من طريق أيوب، وموسى بن عقبة، وعبيد الله، ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وكل مسكر حرام ". (*) طبقات الشعراء: 283، 287، تاريخ الطبري 9 / 124، الاغاني 16 / 383، 399، الفهرست: 190، تاريخ بغداد 8 / 248، 253، وفيات الأعيان 2 / 11، 26، العبر 1 / 411، البداية والنهاية 10 / 299، 301، النجوم الزاهرة 2 / 261، شذرات الذهب 2 / 72، 74، خزانة الأدب 1 / 172، تهذيب ابن عساكر 4 / 18، معاهد التنصيص 1 / 14، 16، أخبار أبي تمام للصولي، الموازنة بين الطائيين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 63 حَوْرَانَ، مِنْ قَرْيَةِ جَاسِمٍ. أَسْلَمَ، وَكَانَ نَصْرَانِيّاً. مَدَحَ الخُلَفَاءَ وَالكُبَرَاءَ. وَشِعْرُهُ فِي الذِّرْوَةِ. وَكَانَ أَسْمَرَ، طُوَالاً، فَصِيْحاً، عَذْبَ العِبَارَةِ، مَعَ تَمْتَمَةٍ قَلِيْلَةٍ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ. وَكَانَ أَوَّلاً حَدَثاً يَسقِي المَاءَ بِمِصْرَ، ثُمَّ جَالَسَ الأُدَبَاءَ، وَأَخَذَ عَنْهُمْ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً. وَسَحَّتْ قَرِيحَتُهُ بِالنَّظْمِ البَدِيعِ، فَسَمِعَ بِهِ المُعْتَصِمُ، فَطَلَبَهُ، وَقَدَّمَهُ الشُّعَرَاءُ، وَلَهُ فِيْهِ قَصَائِدُ. وَكَانَ يُوْصَفُ بِطِيبِ الأَخْلاَقِ وَالظُّرْفِ وَالسَّمَاحَةِ. وَقِيْلَ: قَدِمَ فِي زِيِّ الأَعْرَابِ، فَجَلَسَ إِلَى حَلْقَةٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَطَلَبَ مِنْهُم أَنْ يَسْمَعُوا مِنْ نَظْمِهِ، فَشَاعَ، وَذَاعَ، وَخَضَعُوا لَهُ، وَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ مَا صَارَ. فَمِنْ شِعرِهِ: فَحَوَاكَ عَيْنٌ عَلَى نَجْوَاكَ يَا مَذِلُ ... حَتَّامَ لاَ يَتَقَضَّى قَوْلُكَ الخَطِلُ (1) المَذِلُ: الخَدْرُ الفَاتِرُ. فَإِنَّ أَسْمَحَ مَنْ يَشْكُو إِلَيْهِ هَوَىً ... مَنْ كَانَ أَحْسَنَ شَيْءٍ عِنْدَهُ العَذَلُ (2) مَا أَقْبَلَتْ أَوْجُهُ اللَّذَّاتِ سَافِرَةً ... مُذْ أَدْبَرَتْ بِاللِّوَى أَيَّامُنَا الأُوَلُ إِنْ شِئْتَ أَنْ لاَ تَرَى صَبْراً لِمُصْطَبِرٍ ... فَانْظُرْ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحَ الطَّلَلُ   (1) فحواك: من قولهم: عرفت ذلك في فحوى كلامه، أي: في معناه. والمذل: الذي لايكتم سره، والخطل: المضطرب. قال ابن المستوفي: وكأن قوله: " فحواك عين على نجواك " أي: ظاهرك يدل على مضمرك، أي: إن ظاهرك في نصحك يدل على عتبك في باطنك. (2) قال التبريزي: أي أقبح من شكوت إليه عشقك عاذل قد أولع بعذلك، فشكايتك إليه لاتنجع. (3) قال التبريزي: أي إن شئت أن ترى وتعلم قلة صبري على ما أحدثته الفرقة، فانظر حال الطلل. وقال المرزوقي: يقول: إن أردت ألا توجب صبرا على من ابتلي بفراق أحبته، فانظر إلى الطلل وتأمله كيف اشتمل عليه البلى بفراقهم له، وانتقالهم عنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 64 كَأَنَّمَا جَادَ مَغْنَاهُ فَغَيَّرَهُ ... دُمُوْعُنَا يَوْمَ بَانُوا، فَهِيَ تَنْهَمِلُ وَمَرَّ فِيْهَا، إِلَى أَنْ قَالَ - وَهِيَ فِي المُعْتَصِمِ -: تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيْهِ إِذْ سَهِرْتُ لَهُ ... حَتَّى ظَنَنْتُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُ (1) وَقَدْ كَانَ البُحْتُرِيُّ يَرْفَعُ مِنْ أَبِي تَمَّامٍ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَقُوْلُ: مَا أَكَلتُ الخُبْزَ إِلاَّ بِهِ، وَإِنِّي تَابِعٌ لَهُ. وَمِنْ شِعْرِهِ: غَدَتْ تَسْتَجِيرُ الدَّمْعَ خَوْفَ نَوَى الغَدِ ... وَعَادَ قَتَاداً عِنْدَهَا كُلُّ مَرْقَدِ (2) وَأَنْقَذَهَا مِنْ غَمْرَةِ المَوْتِ أَنَّهُ ... صُدُودُ فِرَاقٍ لاَ صُدُودُ تَعَمُّدِ (3) فَأَجرَى لَهَا الإِشْفَاقُ دَمْعاً مُوَرَّداً ... مِنَ الدَّمِ يَجْرِي فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ هِيَ البَدْرُ يُغْنِيهَا تَوَرُّدُ (4) وَجْهِهَا ... إِلَى كُلِّ مَنْ لاَقَتْ وَإِنْ لَمْ تَوَدَّدِ وَلَكِنَّنِي لَمْ أَحْوِ وَفراً مُجَمَّعاً ... فَفُزْتُ بِهِ إِلاَّ لِشَمْلٍ مُبَدَّدِ (5) وَطُوْلُ مُقَامِ المَرْءِ بِالحَيِّ مُخلِقٌ ... لِدِيبَاجَتَيْهِ، فَاغَتَرِبْ تَتَجَدَّدِ (6)   (1) الابيات في " ديوانه " 3 / 5، 20 وعدتها سبع وأربعون بيتا. يمدح بها المعتصم بالله. (2) قال التبريزي: تستجيره: لأنها تستشفي به. ويروى: " سرت " بدل " غدت "، قال ابن المستوفي: " غدت " أولى عندي من " سرت ". والقتاد: الشوك. (3) قال التبريزي: خفف عنها أن الصدود ليس بقصد، وإنما هو فراق بعد. (4) في " الديوان " و" الاغاني ": " تودد "، بالدال. وتودد وجهها: حسنه، وأن كل أحد يحبه. (5) رواية " الديوان ": " إلا بشمل " وكذا في " الاغاني "، بالباء. قال التبريزي: أي إلا بشمل كان لي ففرقته، لاني فارقت أهلي وولدي. (6) رواية " الاغاني ": " في الحي ". أي: اغترب لكي يشتاق إليك. والديباجتان: الخدان، وربما قالوا: الليتان. ويجوز أن يكون عنى الخدين، لانهما في معنى الوجه، وقد يحتمل أن يكون جعل الديباجتين مثلا ولم يرد الخدين، ولكنهما جريا مجرى البردين والثوبين، فيكون الواحد والجمع في معنى واحد، لأنه إذا قيل: فلان مخلق البرد أو البردين، فالمعنى: أنه مخلق الثياب. وأراد بالديباجتين ما يظهر من أمره، لان ملبس الإنسان يدل على باطنه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 65 فَإِنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زِيْدَتْ مَحَبَّةً ... إِلَى النَّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِم بِسَرْمَدِ (1) وَهُوَ القَائِلُ: وَلَوْ كَانَتِ الأَرْزَاقُ تُجْرَى عَلَى الحِجَى ... هَلَكْنَ إِذاً مِنْ جَهْلِهِنَّ البَهَائِمُ وَلَمْ يَجْتَمِعْ شَرْقٌ وَغَرْبٌ لِقَاصِدٍ ... وَلاَ المَجْدُ فِي كَفِّ امْرِئٍ وَالدَّرَاهِمُ (2) وَلَهُ: أَلَمْ تَرَنِي خَلَّيتُ نَفْسِي وَشَأْنَهَا ... فَلَمْ أَحْفَلِ الدُّنْيَا وَلاَ حَدَثَانَهَا لَقَدْ خَوَّفَتْنِي الحَادِثَاتُ صُرُوفَهَا ... وَلَوْ أَمَّنَتْنِي، مَا قَبِلْتُ أَمَانَهَا (3) يَقُوْلُوْنَ: هَلْ يَبْكِي الفَتَى لِخَرِيْدَةٍ*؟ ... مَتَى مَا أَرَادَ اعْتَاضَ عَشْراً مَكَانَهَا وَهَلْ يَسْتَعِيضُ المَرْءُ مِنْ خَمْسِ كَفِّهِ ... وَلَوْ صَاغَ مِنْ حُرِّ اللُّجَينِ بَنَانَهَا؟ (4)   (1) قال الصولي: هذا مأخوذ من بعض شعراء بني أسد، وقد ذهب عني أول البيت: ... ولو لم تغب شمس النهار لملت. والابيات في " ديوانه " 2 / 22، 31 من قصيدة يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي، وهى في خمسة وخمسين بيتا. وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير حين أنشد هذه القصيدة: كمل والله. إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني واستواء الكلام، فصاحبكم هذا أشعر الناس. وإن كان بغيره، فلا أدري. والابيات أيضا في " الاغاني " 16 / 385. (2) " ديوانه " 3 / 178 من قصيدة يمدح بها أحمد بن أبي دواد، ومطلعها: ألم بأن أن تروى الظماء الحوائم * وأن ينظم الشمل المشتت ناظم وهي في خمسة وثلاثين بيتا. ومنها البيت السائر: ولولا خلال سنها الشعر ما درى * بغاة الندى من أين تؤتى المكارم والبيتان في " البداية والنهاية " 10 / 301. وقال التبريزي في شرح البيت الثاني: أي كما لا يجتمع السير نحو الشرق والغرب في حالة واحدة من سائر واحد كذلك لا يجتمع الشرف والمعالي لرجل مع إمساكه المال، لان المجد يكتسب ببذل المال وإتلاف الرغائب. (3) في " الديوان ": " النائبات " بدل " الحادثات ". (4) الابيات في " الديوان " 4 / 142 من قصيدة يرثي بها جارية له توفيت ... وهي في ثمانية أبيات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 66 وَدِيْوَانُ أَبِي تَمَّامٍ كَبِيْرٌ سَائِرٌ، وَلَمَّا مَاتَ، رَثَاهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الوَزِيْرُ، فَقَالَ: نَبَأٌ أَلَمَّ مُقَلْقِلُ الأَحْشَاءِ ... لَمَّا أَتَى مِنْ أَعْظَمِ الأَنْبَاءِ قَالُوا: حَبِيْبٌ قَدْ ثَوَى، فَأَجَبْتُهُمْ: ... نَاشَدْتُكُمْ لاَ تَجْعَلُوهُ الطَّائِي (1) وَلِلْحَسَنِ بنِ وَهْبٍ الوَزِيْرِ: فُجِعَ القَرِيضُ بِخَاتَمِ الشُّعَرَاءِ ... وَغَدِيرِ رَوْضَتِهَا حَبِيْبِ الطَّائِي مَاتَا مَعاً، فَتَجَاوَرَا فِي حُفرَةٍ ... وَكَذَاكَ كَانَا قَبْلُ فِي الأَحْيَاءِ (2) وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ قَدِ اعتَنَى بِأَبِي تَمَّامٍ، وَوَلاَّهُ بَرِيدَ المَوْصِلِ، فَأَقَامَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مَخْلَدٌ المَوْصِلِيُّ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَأَمَّا نِفْطَوَيْه، وَغَيْرُهُ: فَوَرَّخُوا مَوْتَهُ بِسَامَرَّاءَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: عَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً - عَفَا اللهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ -. قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ فِي دِيْبَاجَةِ لَفْظِهِ، وَفَصَاحَةِ شِعْرِهِ،   (1) البيتان في " وفيات الأعيان " 2 / 18 منسوبان لمحمد بن عبد الملك الزيات، وقال: وقيل: لأبي الزبرقان، عبد الله بن الزبرقان الكاتب، مولى بني أمية. وهما في " النجوم الزاهرة " 2 / 261، وفي " البداية والنهاية " 10 / 300، وفي " شذرات الذهب " 2 / 74 منسوبان فيه لأبي نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل. وفي جميع هذه المصادر جاء البيت الأول فيها: نبأ أتى من أعظم الانباء * لما ألم مقلقل الاحشاء. وكذا هو في " أخبار أبي تمام " ص: 277، وابن عساكر 4 / 26. (2) البيتان في " وفيات الأعيان " 2 / 18، وفي " النجوم الزاهرة " 2 / 261، و" البداية والنهاية " 10 / 300 وفي " شذرات الذهب " 2 / 74، وهما في " أخبار أبي تمام " ص: 277، وابن عساكر 4 / 26، و" هبة الايام " ص: 52. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 67 وَحُسْنِ أُسْلُوْبهِ. أَلَّفَ (الحَمَاسَةَ) ، فَدَلَّتْ عَلَى غَزَارَةِ مَعْرِفَتِهِ بِحُسْنِ اخْتِيَارهِ، وَلَهُ كِتَابُ (فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ) . وَقِيْلَ: كَانَ يَحْفَظُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أُرْجُوْزَةٍ لِلْعَرَبِ. وَقِيْلَ: أَجَازَهُ أَبُو دُلَفٍ بِخَمْسِيْنَ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَاعْتَذَرَ. وَلهُ فِي المُعْتَصِمِ - أَوِ ابْنِهِ -: إِقْدَامُ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ حَاتِمٍ ... فِي حُلْمِ أَحْنَفَ، فِي ذَكَاءِ إِيَاسِ (1) فَقَالَ الوَزِيْرُ: شَبَّهتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِأَجْلاَفِ العَرَبِ. فَأَطْرَقَ، ثُمَّ زَادَهَا: لاَ تُنْكِرُوا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُوْنَهُ ... مَثَلاً شَرُوداً فِي النَّدَى وَالْبَاسِ فَاللهُ قَدْ ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُوْرِهِ ... مَثَلاً مِنَ المِشْكَاةِ وَالنِّبْرَاسِ (2) فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَعْطِهِ مَا شَاءَ، فَإِنَّهُ لاَ يَعِيْشُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً؛ لأَنَّهُ قَدْ   (1) عمرو: هو ابن معد يكرب. وإياس: يعني به إياس بن معاوية، كان قاضيا بالبصرة، يوصف بالذكاء، وكان من قوم يظنون الشئ، فيكون كما يظنون، حتى شهر أمرهم في ذلك. (2) الابيات الثلاثة في " ديوانه " 2 / 249، 250 من قصيدة يمدح بها أحمد بن المعتصم، ومطلعها: ما في وقوفك ساعة من باس * تقضي ذمام الأربع الادراس وعدة أبياتها أربع وثلاثون بيتا. وقد قال التبريزي في شرح البيت الأخير: أي لا تنكروا قولي إقدامه كإقدام عمرو، وهو أشجع منه، وذكاؤه كذكاء إياس، وهو أذكى منه، لان الله تعالى قد شبه نوره بما هو أقل منه، إذ كان المشبه به من أبلغ ما يعرفه الناس ضوءا، فقال: (مثل نوره كمشكاة) ، وهي الكوة ليست بنافذة، والنبراس: المصباح. وكان أبو تمام أنشد أحمد بن المعتصم هذه القصيدة، وليس فيها هذان البيتان، فقال يعقوب بن إسحاق الكندي - وكان يخدم أحمد: الأمير أكبر في كل شيء مما شبهته به، فعمل هذين البيتين، وزادهما في القصيدة من وقته، فعجب أحمد وجميع من حضره من فطنته وذكائه، وأضعف جائزته. والابيات الثلاثة في " وفيات الأعيان " 2 / 15، و" البداية والنهاية " 10 / 300. وأورد الخبر ابن العماد في " الشذرات " 2 / 74 فذكر البيت الأول، ونثر البيتين الاخيرين نثرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 68 ظَهَرَ فِي عَيْنَيْهِ الدَّمُ مِنْ شِدَّةِ فِكْرِهِ، وَصَاحِبُ هَذَا لاَ يَعِيشُ إِلاَّ هَذَا القَدْرَ. فَقَالَ لَهُ الخَلِيْفَةُ: مَا تَشتَهِي؟ قَالَ: المَوْصِلُ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا، وَمَاتَ بَعْدَ هَذِهِ المُدَّةِ. هَذِهِ حِكَايَةٌ غَيْرُ صَحِيْحَةٍ. وَأَمَّا البَيْتَ، فلَنْ يَحْتَاجَ إِلَى اعْتِذَارٍ أَصْلاً، وَلاَ وَلِيَ المَوْصِلَ. بَلَى، وَلِيَ بَرِيدَهَا، كَمَا مَرَّ. 27 - أَبُو مَعْمَرٍ الهُذَلِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ * (1) (خَ، م، د) الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثَّبْتُ، أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْمَرِ بنِ الحَسَنِ الهُذَلِيُّ، الهَرَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، القَطِيْعِيُّ. كَانَ يَنْزِلُ القَطِيْعَةَ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَخَذَ عَنْ: شَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَهُشَيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ شُجَاعٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَخَلْقٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 359، التاريخ الكبير 1 / 342، التاريخ الصغير 2 / 366، الجرح والتعديل 2 / 157، تاريخ بغداد 6 / 266، 272، تهذيب الكمال، ورقة: 97، تذكرة الحفاظ 2 / 471، العبر 1 / 423، ميزان الاعتدال 1 / 220، تذهيب التهذيب 1 / 61، تهذيب التهذيب 1 / 273، 274، طبقات الحفاظ: 205، خلاصة تذهيب الكمال: 32، شذرات الذهب 2 / 86. (1) رجح الدكتور إحسان عباس في مقدمته لكتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد الذي قام بتحقيقه أن ابن سعد توفي سنة 230 هـ، وقد ترجم في " طبقاته " لأبي معمر الهذلي، صاحب الترجمة، 7 / 358، وقال: توفي سنة 236 هـ، كما ترجم لعمرو الناقد 7 / 358، وقد توفي سنة 232 هـ، كما أورد ترجمة لسريج بن يونس 7 / 357، وقد توفي سنة 235 هـ، لابل إنه ترجم للامام أحمد بن حنبل 7 / 341، وقد توفي الامام سنة 241 هـ. ويغلب على الظن أن هذه التراجم مما أضافها من روى " الطبقات " عن ابن سعد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 69 وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. وَحَدَّثَ: البُخَارِيُّ أَيْضاً، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. ذَكَرَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي (طَبَقَاتِهِ) ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ وَفَضْلٍ. قَالَ عُبَيْدُ بنُ شَرِيْكٍ البَزَّارُ: كَانَ أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ مِنْ شِدَّةِ إِدْلاَلِهِ بِالسُّنَّةِ يَقُوْلُ: لَوْ تَكَلَّمَتْ بَغْلَتِي، لَقَالَتْ: إِنَّهَا سُنِّيَّةٌ. قَالَ: فَأُخِذَ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ، فَأَجَابَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: كَفَرنَا وَخَرَجْنَا. وَرَوَى: سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ أَبِي مَعْمَرٍ، وَلاَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ امْتُحِنِ فَأَجَابَ. قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَ أَبُو مَعْمَرٍ بِالمَوْصِلِ بِنَحْوِ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ حِفْظاً، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، كَتَبَ إِلَى أَهْلِ المَوْصِلِ بِالصَّحِيْحِ مِنْ أَحَادِيْثَ كَانَ أَخْطَأَ فِيْهَا نَحْوَ ثَلاَثِيْنَ، أَوِ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ الهُذَلِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لاَ يَتَكَلَّمُ، وَلاَ يَسْمَعُ، وَلاَ يُبْصِرُ، وَلاَ يَرْضَى، وَلاَ يَغْضَبُ، فَهُوَ كَافِرٌ، إِنْ رَأَيتُمُوهُ وَاقِفاً عَلَى بِئْرٍ، فَأَلْقُوْهُ فِيْهَا، بِهَذَا أَدِيْنُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. وَعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ القَطِيْعِيِّ، قَالَ: آخِرُ كَلاَمِ الجَهْمِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ. قُلْتُ: بَلْ قَوْلُهُم: إِنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي السَّمَاءِ وَفِي الأَرْضِ، لاَ امْتِيَازَ لِلسَّمَاءِ. وَقَوْلُ عُمُومِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ، يُطلِقُوْنَ ذَلِكَ وِفقَ مَا جَاءتِ النُّصُوْصُ بإِطْلاَقِهِ، وَلاَ يَخُوضُونَ فِي تَأْوِيْلاَتِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 70 المُتَكَلِّمِيْنَ، مَعَ جَزْمِ الكُلِّ بَأَنَّهُ -تَعَالَى-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى: 11] . مَاتَ أَبُو مَعْمَرٍ: فِي مُنْتَصَفِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ - فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ - عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَنَّ تَمِيْمَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ أَخْبَرَهُم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ (1) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ. 28 - يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَبُو زَكَرِيَّا المُرِّيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، م، د) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجِهْبَذُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنِ   (1) إسناده قوي. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2328) في الفضائل: باب مباعدته، صلى الله عليه وسلم، للآثام، من طريق أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " ما ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عزوجل ". وأخرجه البخاري في " صحيحه " رقم (3560) و (6126) و (6786) و (6853) ، ومسلم (2327) من طريق مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما خير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله عزوجل ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 354، التاريخ الكبير 8 / 307، التاريخ الصغير 2 / 362، الجرح والتعديل 1 / 314، 318 و9 / 192، الفهرست: 287، تاريخ بغداد 14 / 177، 187، طبقات الحنابلة 1 / 402، 407، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول: = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 71 بنِ عَوْنِ بنِ زِيَادِ بنِ بِسْطَامَ. وَقِيْلَ: اسْمُ جَدِّهِ: غِيَاثُ بنُ زِيَادِ بنِ عَوْنِ بنِ بِسْطَامَ الغَطَفَانِيُّ، ثُمَّ المُرِّيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَغُنْدَرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَهِشَامِ بنِ يُوْسُفَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَوَكِيْعٍ، وَمَعْنٍ، وَأَبِي حَفْصٍ الأَبَّارِ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ وَالجَزِيْرَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَعِدَّةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، وَحَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ جَزَرَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو مَعِيْنٍ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، وَالمُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ الغَلاَبِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّمَّارُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ كَيْلَجَةُ، وَعَلِيُّ بنُ   = 156، 159، وفيات الأعيان 6 / 139، 143، تهذيب الكمال، ورقة: 1518، 1521، تذكرة الحفاظ 2 / 429، 431، العبر 1 / 415، ميزان الاعتدال 4 / 410، تذهيب التهذيب 4 / 165، 167، تهذيب التهذيب 11 / 280، 288، النجوم الزاهرة 2 / 273، طبقات الحفاظ: 185، خلاصة تذهيب الكمال: 428، الرسالة المستطرفة: 129. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 72 الحَسَنِ مَاغَمَّةُ (1) ، وَعُبَيْدٌ العِجْلُ، وَحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَخَلاَئِقُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الدَّقَّاقُ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، وَقَرَأْتُ علَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالدٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبْرَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم (2) -. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ.   (1) كذا سماه هنا، وسماه في " العبر " 2 / 83: علي بن عبد الصمد، ولقبه علان ما غمة، وكذلك هو في " تاريخ بغداد " 12 / 28، وكناه بأبي الحسن. وقد جاء في " تاريخ بغداد " 1 / 388 عن أبي نعيم الحافظ، قال: بلغني عن جعفر بن محمد بن كزال، قال: كان يحيى بن معين يلقب أصحابه، فلقب محمد بن إبراهيم بمربع، والحسين بن محمد بعبيد العجل، وصالح بن محمد بجزرة، ومحمد بن صالح بكيلجة، وعلي بن عبد الصمد بعلان ما غمة. قال: وهؤلاء من كبار أصحابه وحفاظ الحديث. (2) أخرجه البخاري 7 / 129 في المناقب: باب إسلام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وأخرجه أيضا 7 / 16، 17 من طريق أحمد بن أبي الطيب. قال الحافظ: وأما الاعبد فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فإنه أسلم قديما مع أبي بكر. وروى الطبراني من طريق عروة أنه كان ممن يعذب في الله، فاشتراه أبو بكر فأعتقه. وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف، ذكر ابن إسحاق أنه أسلم حين أسلم بلال، فعذبه أمية، فاشتراه أبو بكر، فأعتقه. وأما الخامس، فيحتمل أن يفسر بشقران، فقد ذكر ابن السكن في كتاب " الصحابة " عن عبد الله بن داود، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ورثه من أبيه هو وأم أيمن، وأما المرأتان، فخديجة والاخرى أم أيمن أو سمية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 73 وبَالإِسْنَادِ إِلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَجُلاً قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} [الكَافِرُوْنَ: 1] حَتَّى انْقَضَتِ السُّوْرَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ) . وَقَرَأَ فِي الآخِرَةِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخْلاَصُ: 1] حَتَّى انْقَضَتِ السُّوْرَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا عَبْدٌ آمَنَ بِرَبِّهِ) . قَالَ طَلْحَةُ: فَأَنَا أَسْتَحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهُمَا فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ (1) . وبَالإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَتِيْقٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِيْنَ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (2) ، عَنْ يَحْيَى، فَوَافَقْنَاهُ. وبَالإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً عَثْرَتَهُ، أَقَالَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) .   (1) رجاله ثقات، ولم أره في مصدر آخر. (2) رقم (3374) في البيوع: باب في بيع السنين، من طريق أحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين، وإسناده صحيح. وهو في " المسند " 3 / 309، وأخرج مسلم في " صحيحه " (1554) القسم الأخير منه، والنسائي 7 / 265، وأخرج ابن ماجة القسم الأول منه برقم (2218) كلهم من طرق عن سفيان، عن حميد الاعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله. وبيع السنين: أن يبيع ثمرة نخلة أو نخلات بأعيانها سنتين أو ثلاثا، فإنه يبيع شيئا لا وجود له حال العقد. والجوائح: جمع جائحة، وهي الآفة التي تهلك الثمار والاموال. وبهذا الحديث يقول الامام أحمد وأصحاب الحديث، فقد قالوا: وضع الجائحة لازم بقدر ما هلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 74 أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (1) ، عَنْ يَحْيَى. وَقَدْ رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ (المُسْنَدِ) ، عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي أَفْرَادِهِ. ورَوَيْنَا فِي (البُخَارِيِّ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا (2) شَيْءٌ، فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَتُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللهِ. وَذَكَرَ بَاقِي الأَثَرِ، وَهُوَ فِي تَفْسِيْرِ بَرَاءةَ (3) . فَعَبْدُ اللهِ أَظُنُّهُ المُسْنَدِيَّ (4) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النَّازِعَاتُ: 1] ، قَالَ: المَلاَئِكَةُ (5) .   (1) رقم (3460) في البيوع: باب في فضل الاقالة، وأحمد 2 / 252، وابن ماجة (2199) ، والبيهقي 6 / 27، وإسناده صحيح، صححه ابن حبان (1103) ، والحاكم 2 / 45، ووافقه الذهبي المؤلف، وصححه أيضا ابن دقيق العيد، وابن حزم. تنبيه: الذي في المطبوع من " مسند " أحمد: حدثنا عبد الله، حدثنا أبي، فهو على ذلك من " مسند " أحمد،، وليس من زيادات ابنه عليه، كما ذكر المصنف، ولعل لفظة " أبي " مقحمة في المطبوع. (2) أعاد الضمير في هذه الرواية للتثنية على غير مذكور اختصارا، ومراده ابن عباس وابن الزبير، كما هو مصرح في الرواية السابقة عنده. (3) أخرجه البخاري 8 / 246 في التفسير: باب: قوله: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) . (4) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفي، أبو جعفر البخاري، المعروف بالمسندي، بفتح النون، ثقة حافظ، جمع المسند. (5) إسناده صحيح، ونسبه السيوطي في " الدر " 6 / 311 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو قول ابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبي صالح، وأبي الضحى، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 75 قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ الأَهْوَازيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ حُسَيْنَ بنَ حُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَتَكَلَّمُ فِي يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، يَقُوْلُ: مِنْ أَينَ لَهُ حَدِيْثُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ -يَعْنِي: مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً-؟ (1) وَقَالَ: هُوَ ذَا كُتُبُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عِنْدَنَا، وَهُوَ ذَا كُتُبُ ابْنِهِ عُمَرَ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَدْ رَوَى الحَدِيْثَ مَالِكُ بنُ سُعَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوْفٍ البُزُوْرِيُّ (2) ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، عَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الحُسَيْنُ بنُ حُمَيْدٍ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، هُوَ مُتَّهَمٌ فِي هَذِهِ الحِكَايَةِ، وَيَحْيَى أَوْثَقُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَبِهِ يُسْبَرُ أَحْوَالُ الضُّعَفَاءِ. قُلْتُ: فَحَاصِلُ الأَمْرِ: أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ مَعَ إِمَامَتِهِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالحَدِيْثِ - وَللهِ الحَمْدُ -. قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: وُلِدَ يَحْيَى فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: وَكَتَبَ   = والسدي، قالوا: النازعات غرقا: الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعسر، فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة، وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله: (والناشطات نشطا) . (1) وتمامه، كما في " الكامل " لابن عدي، ورقة: 98 في ترجمة الحسين بن حميد: " ... أقال الله عثرته " وفيه عنده: " نادما " بدلا من " مسلما ". والحديث أخرجه أبو داود في " سننه " (3460) في البيوع: باب في فضل الاقالة، والحاكم 2 / 45، وابن حبان (1103) ، والبيهقي 6 / 27، من طريق يحيى بن معين، عن حفص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجة (2199) من طريق زياد بن يحيى أبي الخطاب، عن مالك بن سعير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأخرجه ابن حبان (1104) ، والبيهقي 6 / 27 من طريق إسحاق بن محمد الفروي، عن مالك بن أنس، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فالحديث صحيح. (2) هو عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية المتوفى سنة 275 هـ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 76 العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ يَحْيَى، فَقَالَ: إِمَامٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَبُو زَكَرِيَّا أَحَدُ الأَئِمَّةِ فِي الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ، ثُمَّ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى فِي تَفْسِيْرِ بَرَاءةَ (1) ، وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ غَيْرَ مَنْسُوْبٍ عَنْهُ فِي ذِكْرِ أَيَّامِ الجَاهِلِيَّةِ. قَالَ ابْنُ المَرْزُبَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ المَرْوَزِيُّ، سَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ رُشَيْدٍ يَذْكُرُ: أَنَّ وَالِدَ ابْنِ مَعِيْنٍ كَانَ مُشَعْبِذاً مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الأَنْبَارِ، يُقَالُ لَهَا: نِقْيَا، وَيُقَالُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مِنْ أَهْلِ نِقْيَا (2) . قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ أَبُوْهُ مَعِيْنٌ كَاتِباً لِعَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَاتِبٌ ذَكَرَ أَنَّهُ قَرَابَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ مَعِيْنٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّيِّ، فَمَاتَ، فَخَلَّفَ لِيَحْيَى ابْنِهِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَنفَقَهُ كُلَّهُ عَلَى الحَدِيْثِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ نَعلٌ يَلبَسُهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَرَشِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَسَأَلَهُ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، مِنْ أَيِّ العَرَبِ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَوْلَىً لِلْعَرَبِ.   (1) انظر ص: 75 التعليق الثالث. (2) حديث خرافة، والمشعبذ: هو الماهر بالاحتيال، الذي يري الشئ على غير حقيقته، معتمدا على خداع الحواس، وما أكثر ما ينخدع به السذج من الخلق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 77 قِيْلَ: أَصْلُ ابْنِ مَعِيْنٍ مِنَ الأَنْبَارِ، وَنَشَأَ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ أَسَنُّ الجَمَاعَةِ الكِبَارِ الَّذِيْنَ هُمْ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَكَانُوا يَتَأَدَّبُوْنَ مَعَهُ، وَيَعْتَرِفُوْنَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ هَيْبَةٌ وَجَلاَلَةٌ، يَركَبُ البَغْلَةَ، وَيَتَجَمَّلُ فِي لِبَاسِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: أَنَا مَوْلَىً لِلْجُنَيْدِ. ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُرِّيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الجَارُوْدُ: قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: انْتَهَى العِلْمُ بِالبَصْرَةِ إِلَى: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وعِلْمُ الكُوْفَةِ إِلَى: أَبِي إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ، وَعِلْمُ الحِجَازِ إِلَى: ابْنِ شِهَابٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَصَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً: ابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَمَعْمَرٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَهُشَيْمٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ ... ، إِلَى أَنْ ذَكَرَ ابْنَ المُبَارَكِ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، فَصَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ جَمِيْعِهِم إِلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. قُلْتُ: نَعَمْ، وَإِلَى: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعِدَّةٍ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلاَءِ إِلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَطَائِفَةٍ. ثُمَّ إِلَى: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ جَرِيْرٍ. ثُمَّ شَرَعَ العِلْمُ يَنقُصُ قَلِيْلاً قَلِيْلاً - فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ -. وبَإِسْنَادِي إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ بنُ مِهْرَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ، سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 78 أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: انْتَهَى عِلْمُ الحِجَازِ إِلَى الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرٍو ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَانْتَهَى عِلْمُ هَؤُلاَءِ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ. عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ: قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى يَحْيَى بنِ آدَمَ، وَبَعْدَهُ إِلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: قُلْتُ لاِبْنِ الرُّوْمِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الحَدَّادَ يَقُوْلُ: لَوْلاَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، مَا كَتَبْتُ الحَدِيْثَ. قَالَ: وَمَا تَعْجَبُ!! فَوَاللهِ لَقَدْ نَفَعَنَا اللهُ بِهِ، لَقَدْ كَانَ المُحَدِّثُ يُحَدِّثُنَا لِكَرَامَتِهِ مَا لَمْ نَكُنْ نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسَنَا، وَلَقَدْ كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انْظُرْ فِي هَذِهِ الأَحَادِيْثِ، فَإِنَّ فِيْهَا خَطَأً. قَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي زَكَرِيَّا، فَإِنهُ يَعْرِفُ الخَطَأَ. قَالَ عَبْدُ الخَالِقِ: فَقُلْتُ لاِبْنِ الرُّوْمِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: السَّمَاعُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُوْرِ. عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ فِي دِهْلِيْزِ عَفَّانَ يَقُوْلُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ الرُّوْمِيِّ: لَيْتَ أَنَّ أَبَا زَكَرِيَّا قَدِمَ. فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: اسكُتْ، هُوَ يَعْرِفُ خَطَأَ الحَدِيْثِ. وَبِهِ، إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، سَمِعْتُ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَجْلِسِ رَوْحٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ، فَيَسْأَلُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَشْيَاءَ، يَقُوْلُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، مَا تَقُوْلُ فِي حَدِيْثِ كَذَا؟ وَكَيْفَ حَدِيْثُ كَذَا؟ فَيَسْتَثْبِتُهُ فِي أَحَادِيْثَ قَدْ سَمِعُوْهَا. فَمَا قَالَ يَحْيَى: كَتَبَهُ أَحْمَدُ. وَقَلَّمَا سَمِعْتُه يُسَمِّي يَحْيَى بِاسْمِهِ، بَلْ يَكْنِيْهِ. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الإِدْرِيْسِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 79 الحُسَيْنَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا مُقَاتِلٍ سُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: هَا هُنَا رَجُلٌ خَلَقَهُ اللهُ لِهَذَا الشَّأْنِ، يُظهِرُ كَذِبَ الكَذَّابِيْنَ -يَعْنِي: ابْنَ مَعِيْنٍ-. وَبِهِ: حَدَّثَنَا التَّنُوْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ النِّعَالِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُخَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُرَيْثٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَلَيْسَ هُوَ بِحَدِيْثٍ. ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ حَيَّوَيْه، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ هَارُوْنَ بنَ مَعْرُوْفٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَيْخٌ، فَبَكَّرْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيْنَا، فَأَخَذَ الكِتَابَ، وَإِذَا البَابُ يُدَقُّ، فَقَالَ الشَّيْخُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. فَأَذِنَ لَهُ، وَالشَّيْخُ عَلَى حَالَتِهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ، فَإِذَا آخَرُ يَدُقُّ البَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ. فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، ثُمَّ ابْنُ الرُّوْمِيِّ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ أَبُو خَيْثَمَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ دُقَّ البَابُ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ ارْتَعَدَتْ يَدُهُ، وَسَقَطَ مِنْهُ الكِتَابُ. جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، أَتَيتُهُ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَرَأَهُ، وَأَجَابَهُمْ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ: قَدِمتُ بَغْدَادَ، وَقَبِلَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: أَيُّمَا أَعْلمُ بِالرِّجَالِ: يَحْيَى، أَوْ عَلِيٌّ؟ قَال: يَحْيَى، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ خَبَرِ أَهْلِ الشَّامِ شَيْءٌ. قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ: مَنْ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، أَوْ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ أَعْلَمُ بِالفِقْهِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 80 وَالاخْتِلاَفِ، وَأَمَّا يَحْيَى، فَأَعْلَمُ بِالرِّجَالِ وَالكُنَى. مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا قَدِمتُ إِلَى بَغْدَادَ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، كَانَ الَّذِي يُذَاكِرُنِي أَحْمَدُ، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا فِي الشَّيْءِ، فَنَسْأَلُ أَبَا زَكَرِيَّا، فَيَقُوْمُ فَيُخْرِجَهُ، مَا كَانَ أَعْرَفَهُ بِمَوْضِعِ حَدِيْثِهِ! وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ يَحْيَى اسْتَفهَمَ حَدِيْثاً قَطُّ، وَلاَ رَدَّهُ. بَكْرُ بنُ سَهْلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، قُلْتُ لاِبْنِ الرُّوْمِيِّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيْثِ يَحْيَى، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ تَطْلِعُ الشَّمْسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْهُ، فَقَالَ: وَمَا تَعْجَبُ؟ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً كَتَبَ مَا كَتَبَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ البَرَاءِ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: لاَ نَعْلَمُ أَحَداً مِنْ لَدُنْ آدَمَ كَتَبَ مِنَ الحَدِيْثِ مَا كَتَبَ يَحْيَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عُقْبَةَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ: كَمْ كَتَبتَ مِنَ الحَدِيْثِ؟ قَالَ: كَتَبْتُ بِيَدِي هَذِهِ سِتَّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: يَعْنِي بِالمُكَرَّرِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَلَّفَ يَحْيَى مِنَ الكُتُبِ مائَةَ قِمَطْرٍ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ قِمَطْراً، وَأَرْبَعَةَ حِبَابٍ (1) شَرَابِيَّةٍ مَملُوءةٍ كُتُباً. وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ: سَمِعْتُ صَالِحاً جَزَرَةَ يَقُوْلُ: ذُكِرَ لِي أَنَّ يَحْيَى بنَ   (1) جمع الحب، وهي الجرة، أو الضخمة منها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 81 مَعِيْنٍ خَلَّفَ مِنَ الكُتُبِ ثَلاَثِيْنَ قِمَطْراً وَعِشْرِيْنَ حُبّاً، فَطَلَبَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ كُتُبَهُ بِمائَتَي دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَدَعْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَنْ تُبَاعَ. وَبإِسْنَادِيَ إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرَنَا المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ القَاسِمِ بنِ الأَشْيَبِ، عَنْ بَعْضِ شُيُوْخِهِ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَعَلِيٌّ عِنْدَ عَفَّانَ - أَوْ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ - فَأَتَى بِصَكٍّ، فَشَهِدُوا فِيْهِ، وَكَتَبَ يَحْيَى فِيْهِ. فَقَالَ عَفَّانُ: أَمَّا أَنْتَ يَا أَحْمَدُ، فَضَعِيفٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ، فَضَعِيفٌ فِي حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا يَحْيَى فَضَعِيفٌ فِي ابْنِ المُبَارَكِ. فَقَالَ يَحْيَى: وَأَنْتَ يَا عَفَّانُ، فَضَعِيفٌ فِي شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُم ضَعِيْفاً، وَإِنَّمَا هَذَا مُزَاحٌ. قُلْتُ: كُلٌّ مِنْهُم صَغِيْرٌ فِي شَيْخِهِ ذَلِكَ، وَمُقِلٌّ عَنهُ. عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الرُّوْمِيِّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ يَقُوْلُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ كَانَ يَتَحَامَلُ بِالقَوْلِ. قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الرُّوْمِيِّ غَيْرُ مَقْبُوْلٍ، وَإِنَّمَا قَالَهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَنَحْنُ لاَ نَدَّعِي العِصْمَةَ فِي أَئِمَّةِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ، لَكِنْ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً، وَأَنْدَرُهُمْ خَطَأً، وَأَشَدُّهُم إِنصَافاً، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ التَّحَامُلِ. وَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَعدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ، فَتَمَسَّكْ بِهِ، وَاعضُضْ عَلَيْهِ بِنَاجِذَيْكَ، وَلاَ تَتَجَاوَزْهُ، فَتَنْدَمَ، وَمَنْ شَذَّ مِنْهُم، فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ. فَخَلِّ عَنْكَ العَنَاءَ، وَأَعطِ القَوسَ بَارِيَهَا، فَوَاللهِ لَوْلاَ الحُفَّاظُ الأَكَابِرُ، لَخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلَى المَنَابِرِ، وَلَئِنْ خَطَبَ خَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِسَيفِ الإِسْلاَمِ، وَبِلِسَانِ الشَّرِيعَةِ، وَبِجَاهِ السُّنَّةِ، وَبِإِظهَارِ مُتَابَعَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ. وَمِنْ نَادِرِ مَا شَذَّ بِهِ ابْنُ مَعِيْنٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: كَلاَمُهُ فِي أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ؛ حَافِظِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 82 مِصْرَ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِيْهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَشَاهَدَ مِنْهُ مَا يُلَيِّنُهُ بِاعتِبَارِ عَدَالَتِهِ، لاَ بِاعتِبَارِ إِتْقَانهِ، فَإِنَّهُ مُتْقِنٌ، ثَبْتٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ مَآخِذُ فِي تِيْهٍ وَبَأْوٍ كَانَ يَتَعَاطَاهُ، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى حَالٍ فِي أَيَّامِ شَبِيبِةِ ابْنِ صَالِحٍ، فَتَابَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ بَعْضهِ، ثُمَّ شَاخَ، وَلَزِمَ الخَيْرَ، فَلَقِيَهُ البُخَارِيُّ وَالكِبَارُ، وَاحتَجُّوا بِهِ. وَأَمَّا كَلاَمُ النَّسَائِيِّ فِيْهِ، فَكَلاَمُ مَوْتُورٍ؛ لأَنَّهُ آذَى النَّسَائِيَّ، وَطَرَدَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ فِيْهِ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيْلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَخطَأَ عَفَّانُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، مَا أَعْلَمتُ بِهَا أَحَداً؛ وَأَعْلَمتُه سِرّاً، وَلَقَدْ طَلَبَ إِلَيَّ خَلَفُ بنُ سَالِمٍ أَنْ أُخبِرَهُ بِهَا، فَمَا عَرَّفتُهُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ عَلَيْهِ. قَالَ يَحْيَى: مَا رَأَيْتُ عَلَى رَجُلٍ خَطَأً، إِلاَّ سَتَرتُهُ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُزَيِّنَ أَمرَهُ، وَمَا اسْتَقبَلتُ رَجُلاً فِي وَجْهِهِ بِأَمرٍ يَكرَهُهُ، وَلَكِنْ أُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ، وَإِلاَ تَرَكتُهُ. وَقَالَ ابْنُ الغَلاَبِيِّ: قَالَ يَحْيَى: إِنِّي لأُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ، فَأَسهَرُ لَهُ؛ مَخَافَةَ أَنْ أَكُوْنَ قَدْ أَخطَأْتُ فِيْهِ. وبإِسْنَادِي إِلَى الخَطِيْبِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدَانَ بنِ المَرْزُبَانِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: إِذَا رَأَيْتَ البَغْدَادِيَّ يُحِبُّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَاعلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَإِذَا رَأَيْتهُ يُبغِضُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، فَاعلَمْ أَنَّهُ كَذَّابٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الفَلاَّسُ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقَعُ فِي يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَاعلَمْ أَنَّهُ كَذَّابٌ، يَضَعُ الحَدِيْثَ، وَإِنَّمَا يُبغِضُهُ لِمَا يُبَيِّنُ مِنْ أَمرِ الكَذَّابِينَ. قَالَ الأَبَّارُ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَتَبنَا عَنِ الكَذَّابِينَ، وَسَجَرنَا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 83 بِهِ التَّنُّورُ، وَأَخرَجنَا بِهِ خُبْزاً نَضِيجاً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: أَكَلتُ عَجِينَةَ خُبْزٍ، وَأَنَا نَاقِهٌ مِنْ عِلَّةٍ. قَالَ الدُّوْرِيُّ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنِ الرُّؤُوْسِ، فَقَالَ: ثَلاَثَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَالِحٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى الأَحْوَلُ، قَالَ: تَلَقَّيْنَا يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ مَقْدَمَهُ مِنْ مَكَّةَ، فَسَأَلنَاهُ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكُمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بآخِرِ رَمَقٍ، قَالَ لِي: يَا أَبَا زَكَرِيَّا: أَتَرَى مَا مَكْتُوْبٌ عَلَى الخَيمَةِ؟ قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئاً. قَالَ: بَلَى أَرَى مَكْتُوْباً: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقضِي أَوْ يَفصِلُ بَيْنَ الظَّالِمِيْنَ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَتْ نَفْسُهُ. الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بُنَانٍ، سَمِعْتُ حُبَيْشَ بنَ مُبَشِّرٍ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَحُجُّ، فَيَذْهَبُ إِلَى مَكَّةَ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَيَرجِعُ عَلَيْهَا. فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا، رَجَعَ عَلَى المَدِيْنَةِ، فَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى نَزَلَ المَنْزِلَ مَعَ رُفَقَائِه، فَبَاتُوا، فَرَأَى فِي النَّوْمِ هَاتِفاً يَهتِفُ بِهِ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، أَتَرغَبُ عَنْ جِوَارِي؟ فَلَمَّا أَصبَحَ، قَالَ لِرُفَقَائِه: امضُوا، فَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَى المَدِيْنَةِ. فَمَضَوْا، وَرَجَعَ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلاَثاً، ثُمَّ مَاتَ. قَالَ: فَحُمِلَ عَلَى أَعوَادِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: هَذَا الذَّابُّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَذِبَ. قَالَ الخَطِيْبُ: الصَّحِيْحُ مَوْتُهُ فِي ذَهَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ نَكتُبِ الحَدِيْثَ خَمْسِيْنَ مَرَّةً، مَا عَرَفْنَاهُ. وَفِي (تَارِيْخ دِمَشْقَ) : مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ، سَمِعَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 84 يَقُوْلُ: كَتَبْتُ بِيَدِي أَلْفَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: يَعْنِي بِالمُكَرَّرِ، أَلاَ تَرَاهُ يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ نَكتُبِ الحَدِيْثَ خَمْسِيْنَ مَرَّةً مَا عَرَفْنَاهُ. أُنْبِئْتُ عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَرْمَانِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ غُنْجَارَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى السَّلاَمِيَّ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ شَاكِرٍ بِبَلَدِ الدَّيْلَمِ، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ مُجَالِدٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِذَا كَتَبتَ فَقَمِّشْ، وَإِذَا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: سَيَندَمُ المُنتَخِبُ (1) فِي الحَدِيْثِ حَيْثُ لاَ تَنفَعُهُ النَّدَامَةُ. الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كُنَّا بِقَريَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَنَا شَيْءٌ، وَلاَ ثَمَّ شَيْءٌ نَشتَرِيهِ، فَلَمَّا أَصبَحْنَا، إِذَا نَحْنُ بِزِنْبِيلٍ مُلِئَ بِسَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ، فَسَأَلُونِي، فَقُلْتُ: اقتَسِمُوهُ، وَكُلُوْهُ، فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّهُ رِزْقٌ رَزَقَكُمُ اللهُ -تَعَالَى-. وَسَمِعْتُ يَحْيَى مِرَاراً يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ، وَالإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنقُصُ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: انْتَهَى الحَدِيْثُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ وَهُوَ أَفْقَهُهُمْ فِيْهِ، وَإِلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ؛ وَهُوَ أَكْتَبُهُمْ لَهُ، وَإِلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ؛ وَهُوَ أَعلَمُهُم بِهِ، وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ؛ وَهُوَ أَحْفَظُهُمْ لَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: وَإِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ؛ وَهُوَ أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيْحِهِ وَسَقِيمِهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى القَطَّانُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا البَصْرَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ.   (1) أي الذي ينتقي الأحاديث، ولا يكتبها كلها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 85 قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَالِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْفَظَنَا لِلأَبْوَابِ: سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَأَحْفَظَنَا لِلطِّوَالِ: عَلِيٌّ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَكْرِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَراً الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: صَلَّى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَقَامَ قَاصٌّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا طَيْراً، مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَرِيْشُهُ مِنْ مَرْجَانَ) . وَأَخَذَ فِي قِصَّةٍ نَحْوَ عِشْرِيْنَ وَرَقَةً (1) . فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَهُمَا يَقُوْلاَنِ: مَا سَمِعنَا بِهَذَا إِلاَّ السَّاعَةَ. فَسَكَتَا حَتَّى فَرَغَ (2) مِنْ قَصَصِهِ، وَأَخَذَ قِطَاعَهُ، ثُمَّ قَعَدَ يَنْتَظِرُ بِقُبَّتِهَا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَحْيَى، فَجَاءَ مُتَوَهِّماً لِنَوَالٍ يُجِيزُهُ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الحَدِيْثِ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. فَقَالَ: أَنَا يَحْيَى، وَهَذَا أَحْمَدُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ مِنَ الكَذِبِ، فَعَلَى غَيْرِنَا. فَقَالَ: أَنْتَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَحْمَقُ، وَمَا عَلِمتُ إِلاَّ السَّاعَةَ، كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ غَيْرَكُمَا!! كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ. قَالَ: فَوَضَعَ أَحْمَدُ كُمَّهُ عَلَى وَجْههِ، وَقَالَ: دَعْهُ يَقُومُ. فَقَامَ كَالمُستَهْزِئِ بِهِمَا. هَذِهِ حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَرَاوِيهَا البَكْرِيُّ لاَ أَعْرِفُهُ، فَأَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ وَضَعَهَا. عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَكُنْ   (1) سيورد المصنف هذا الخبر مع الحكاية في الصفحة 300 من هذا الجزء، وقد جزم هناك ببطلانها. (2) في الأصل: " فرغا " وهو خطأ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 86 سَمْحاً فِي الحَدِيْثِ، كَانَ كَذَّاباً. قِيْلَ: كَيْفَ يَكُوْنُ سَمْحاً؟ قَالَ: إِذَا شَكَّ فِي حَدِيْثِهِ، تَرَكَهُ. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مُستَعجِلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ أَذْكُرْكَ بِهِ. فَقَالَ يَحْيَى: اذْكُرْنِي أَنَّكَ سَأَلْتَنِي أَنْ أُحَدِّثَكَ، فَلَمْ أَفْعَلْ. الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِمِصْرَ، فَرَأَيْتُ جَارِيَةً بِيْعَتْ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهَا! فَقُلْتُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا! مِثْلُكَ يَقُوْلُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ مَلِيْحٍ. هَذِهِ الحِكَايَةُ مَحْمُوْلَةٌ عَلَى الدُّعَابَةِ مِنْ أَبِي زَكَرِيَّا. وَتُرْوَى عَنْهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ امْتُحِنَ فَأَجَابَ. قُلْتُ: هَذَا أَمرٌ ضَيِّقٌ، وَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، بَلْ وَلاَ عَلَى مَنْ أُكرِهَ عَلَى صَرِيحِ الكُفْرِ عَمَلاً بِالآيَةِ - وَهَذَا هُوَ الحَقُّ -. وَكَانَ يَحْيَى -رَحِمَهُ اللهُ- مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، فَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الدَّوْلَةِ، وَأَجَابَ تَقِيَّةً. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ مَنْزِلِي بِاللَّيْلِ، قَرَأْتُ آيَةَ الكُرْسِيِّ عَلَى دَارِي وَعِيَالِيَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَبَيْنَا أَنَا أَقْرَأُ، إِذَا شَيْءٌ يُكَلِّمُنِي: كَمْ تَقرَأُ هَذَا؟ كَأَنْ لَيْسَ إِنْسَانٌ يُحسِنُ يَقْرَأُ غَيْرَكَ؟ فَقُلْتُ: أَرَى هَذَا يَسُوءكَ؟ وَاللهِ لأَزِيدَنَّكَ. فَصِرْتُ أَقرَؤُهَا فِي اللَّيْلَةِ خَمْسِيْنَ، سِتِّيْنَ مَرَّةً. وَقَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لِيَحْيَى: مَا تَقُوْلُ فِي الرَّجُلِ يُقَوِّمُ لِلرَّجُلِ حَدِيْثَهُ؟ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 87 يَعْنِي: يَنزِعُ مِنْهُ اللَّحْنَ. فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ نَكتُبِ الحَدِيْثَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ وَجْهاً، مَا عَقَلنَاهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا الدُّنْيَا إِلاَّ كَحُلُمٍ، وَاللهِ مَا ضَرَّ رَجُلاً اتَّقَى اللهَ عَلَى مَا أَصْبَحَ وَأَمسَى، لَقَدْ حَجَجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، خَرَجتُ رَاجِلاً مِنْ بَغْدَادَ إِلَى مَكَّةَ، هَذَا مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً، كَأَنَّمَا كَانَ أَمْسِ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: تَرَى أَنْ يَنظُرَ الرَّجُلُ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيْفَةَ؟ قَالَ: مَا أَرَى لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيِّ، يَنْظُرُ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيْفَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو زَكَرِيَّا -رَحِمَهُ اللهُ- حَنَفِيّاً فِي الفُرُوْعِ، فَلِهَذَا قَالَ هَذَا، وَفِيْهِ انحِرَافٌ يَسِيْرٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: تَحْرِيْمُ النَّبِيذِ صَحِيْحٌ، وَلَكِنْ أَقِفُ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ، قَدْ شَرِبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيْثَ صِحَاحٍ، وَحَرَّمَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيْثَ صِحَاحٍ. وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ يَقُوْلُ: حَدِيْثُ الطِّلاَءِ (1) وَحَدِيْثُ   (1) في " الموطأ " رقم (1543) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا، لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر: اشربوا هذا العسل. قالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الابل، فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لاأحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم. وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز، عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد: فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الابل فذكروا أنهم يطبخونه حتى = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 88 عُتْبَةَ بنِ فَرْقَدٍ (1) جَمِيْعاً صَحِيْحَانِ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ: حَضَرتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ (2) بِمِصْرَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ كِتَاباً صَنَّفَهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ... ، وَذَكَرَ أَحَادِيْثَ. فَقُلْتُ: لَيْسَ ذَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرُدُّ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ، أُرِيْدُ زَيْنَكَ. فَأَبَى أَنْ يَرجِعَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ لاَ يَرجِعُ، قُلْتُ: لاَ وَاللهِ، مَا سَمِعْتَ هَذِهِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ سَمِعَهَا هُوَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ قَطُّ. فَغَضِبَ، وَغَضِبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَقَامَ، فَدَخَلَ، فَأَخْرَجَ صَحَائِفَ، فَجَعَلَ   = يذهب ثلثاه الاخبثان، ثلث بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن يشربوا. ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم واحد. قال الحافظ في " الفتح " 10 / 55 بعد أن ذكرها: وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه. السكر، فمتى أسكر، لم يحل. (1) عتبة بن فرقد صحابي مترجم في " أسد الغابة " 3 / 567، 568 و" الإصابة " 6 / 379، 380، و" الاستيعاب " 8 / 14 ولم نتبين الحديث الذي يعنيه يحيى بن سعيد، وليس له في الكتب الستة إلا حديث واحد عند النسائي 4 / 129، 130 في الصوم، أخرجه من طريق محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان بن عطاء بن السائب، عن عرفجة، قال: عدنا عتبة بن فرقد، فتذاكرنا شهر رمضان، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان. قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، وياباعي الشر أقصر. قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا خطأ أخبرنا به محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن عرفجة، قال: كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، كأنه أولى بالحديث مني، فحدث الرجل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " في رمضان تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب النار، ويصفد فيه كل شيطان مريد. وينادي مناد كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك ". فإن يكن يعني هذا الحديث، فإسناده صحيح، لان عطاء بن السائب قد سمع منه سفيان وشعبة قبل الاختلاط. (2) هو الخزاعي أحد الأئمة الاعلام، على لين في حديثه، وثقه أحمد وغيره. انظر ترجمته في " ميزان " المؤلف 4 / 267، و" تاريخ بغداد " 13 / 306. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 89 يَقُوْلُ - وَهِيَ بِيَدِهِ -: أَيْنَ الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ لَيْسَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ؟ نَعَمْ، يَا أَبَا زَكَرِيَّا غَلِطْتُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الأَحَادِيْثَ غَيْرُ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ حِبَّانَ: قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: دَفَعَ إِلَيَّ ابْنُ وَهْبٍ كِتَاباً عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ فِيْهِ خَمْسُ مائَةِ حَدِيْثٍ، أَو أَكْثَرُ، فَانتَقَيتُ مِنْهَا شِرَارَهَا، لَمْ يَكُنْ لِي يَوْمَئِذٍ مَعْرِفَةٌ، قُلْتُ: أَسْمِعْتَهَا مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ ابْنِ وَهْبٍ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: كَذَا كُلُّ مَنْ يَكُوْنُ مُبْتَدِئاً، لاَ يُحْسِنُ الانتِخَابَ، فَعَلْنَا نَحْوَ هَذَا، وَنَدِمنَا بَعْدُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ: خَرَجَ ابْنُ مَعِيْنٍ حَاجّاً، وَكَانَ أَكُولاً، فَحَدَّثَنِي أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ شَاهٍ: أَنَّهُ كَانَ فِي رُفْقَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمُوا فَيْدَ، أُهدِيَ إِلَى يَحْيَى فَالُوْذَجٌ لَمْ يَنْضِجْ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، لاَ تَأْكُلْهُ، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ. فَلَمْ يَعبَأْ بِكَلاَمِنَا، وَأَكَلَهُ، فَمَا اسْتَقَرَّ فِي مَعِدَتِهِ حَتَّى شَكَا وَجَعَ بَطنِهِ، وَانْسَهَلَ، إِلَى أَنْ وَصَلنَا إِلَى المَدِيْنَةِ، وَلاَ نُهُوضَ بِهِ، فَتَفَاوَضْنَا فِي أَمرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا سَبِيْلٌ إِلَى المُقَامِ عَلَيْهِ لأَجلِ الحَجِّ، وَلَمْ نَدرِ مَا نَعمَلُ فِي أَمرِهِ. فَعَزَمَ بَعْضُنَا عَلَى القِيَامِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الحَجِّ، وَبِتْنَا فَلَمْ يُصْبِحْ حَتَّى وَصَّى وَمَاتَ، فَغَسَلنَاهُ، وَدَفَنَّاهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: لَمْ يُنْتَفَعْ بِيَحْيَى؛ لأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي النَّاسِ. وَقَدْ رَأَيْتُ حِكَايَةً شَاذَّةً، قَالَهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ مَاتَ قَبْلَ أَبِيْهِ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ مَهِيْبُ بنُ سُلَيْمٍ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ الحَافِظُ، قَالَ: كُنَّا فِي الحَجِّ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَدَخَلْنَا المَدِيْنَةَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، وَمَاتَ مِنْ لَيلَتِهِ، فَلَمَّا أَصبَحْنَا، تَسَامَعَ النَّاسُ بِقُدُوْمِهِ وَبِمَوْتِهِ، فَاجْتَمَعَ العَامَّةُ، وَجَاءَتْ بَنُو هَاشِمٍ، فَقَالُوا: نُخْرِجُ لَهُ الأَعوَادَ التِي غُسِّلَ عَلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَرِهَ العَامَّةُ ذَلِكَ، وَكَثُرَ الكَلاَمُ، فَقَالَتْ بَنُو هَاشِمٍ: نَحْنُ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَهْلٌ أنْ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 90 يُغسَلَ عَلَيْهَا. فَغُسِلَ عَلَيْهَا، وَدُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فِي ذِي القَعْدَةِ. قَالَ مَهِيْبٌ: فِيْهَا وُلِدْتُ -يَعْنِي: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ-. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَامَئِذٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَالِي المَدِيْنَةِ، وَكَلَّمَ الحِزَامِيُّ الوَالِيَ، فَأَخرَجُوا لَهُ سَرِيرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحُمِلَ عَلَيْهِ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: مَاتَ يَحْيَى لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَقَدِ اسْتَوْفَى خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدَخَلَ فِي السِتِّ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ. قَالَ حُبَيْشُ بنُ مُبَشِّرِ الفَقِيْهُ - وَهُوَ ثِقَةٌ -: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: أَعطَانِي، وَحَبَانِي، وَزَوَّجَنِي ثَلاَثَ مائَةِ حَوْرَاءَ، وَمَهَّدَ لِي بَيْنَ البَابَيْنِ (1) -أَوْ قَالَ: بَيْنَ النَّاسِ-. سَمِعَهَا: جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، مِنْ حُبَيْشٍ. وَرَوَاهَا: الحُسَيْنُ بنُ الخَصِيْبِ، عَنْ حُبَيْشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: أَدْخَلَنِي عَلَيْهِ فِي دَارِهِ، وَزَوَّجَنِي ثَلاَثَ مائَةِ حَوْرَاءَ. ثُمَّ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ تَطَرَّى وَحَسُنَ! قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً كَتَبَ مَا كَتَبَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ البَرَاءِ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: لاَ نَعْلَمُ أَحَداً مِنْ لَدُنْ آدَمَ كَتَبَ مِنَ الحَدِيْثِ، مَا كَتَبَ ابْنُ مَعِيْنٍ. مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ رَاشِدٍ الطَّبَرِيُّ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ الطَّبَرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا سِفْطاً دَفَاتِرَ، وَسَمِعْتُهُ   (1) في " التهذيب ": " المصراعين ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 91 يَقُوْلُ: كَتَبْتُ بِيَدِي أَلْفَ أَلفِ حَدِيْثٍ، وَكُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يُوجَدُ هَا هُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الأَسفَاطِ - فَهُوَ كَذِبٌ. وَعَنْ مُجَاهِدِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَكْتُبُ الحَدِيْثَ نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ مَرَّةً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَشْتَهِي أَنْ أَقَعَ عَلَى شَيْخٍ ثِقَةٍ، عِنْدَهُ بَيْتٌ مُلِئَ بِكُتُبٍ، أَكْتُبُ عَنْهُ وَحْدِي. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَكْثَرَ مِنْ كِتَابَةِ الحَدِيْثِ، وَعُرِفَ بِهِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ يُحَدِّثُ. مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَهْزُوْلٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، سَمِعَ عَمْراً النَّاقِدَ يَقُوْلُ: مَا كَانَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ لِلأَبْوَابِ مِنْ أَحْمَدَ، وَلاَ أَسَرَدُ لِلْحَدِيْثِ مِنِ ابْنِ الشَّاذَكُوْنِيِّ، وَلاَ أَعْلَمُ بِالإِسْنَادِ مِنْ يَحْيَى، مَا قَدِرَ أَحَدٌ يَقلِبَ عَلَيْهِ إِسْنَاداً قَطُّ. القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ: أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ. قَالَ هَارُوْنُ بنُ بَشِيْرٍ الرَّازِيُّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ رَافِعاً يَدَيْهِ، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ تَكَلَّمتُ فِي رَجُلٍ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَّاباً، فَلاَ تَغْفِرْ لِي. هَذِهِ حِكَايَةٌ تُسْتَنكَرُ. الحَسَنُ بنُ عُلَيْلٍ العَنَزِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَخطَأَ عَفَّانُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، مَا أَعْلَمتُ بِهَا أَحَداً، أَعْلَمتُهُ سِرّاً، وَطَلَبَ إِلَيَّ خَلَفُ بنُ سَالِمٍ، فَقَالَ: قُلْ لِي: أَيُّ شَيْءٍ هِيَ؟ فَمَا قُلْتُ لَهُ، كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ عَلَيْهِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 92 قَالَ بِشْرُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: وَيْلٌ لِلْمُحَدِّثِ إِذَا اسْتَضعَفَهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: يَعْمَلُوْنَ بِهِ مَاذَا؟ قَالَ: إِنْ كَانَ كَوْدَناً (1) ، سَرَقُوا كُتُبَهُ، وَأَفسَدُوا حَدِيْثَهُ، وَحَبَسُوهُ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَأْخُذَهُ الحَصْرُ، فَقَتَلُوهُ شَرَّ قِتْلَةٍ، وَإِنْ كَانَ فَحلاً، اسْتَضعَفَهُمْ، وَكَانُوا بَيْنَ أَمرِهِ وَنَهْيِهِ. قُلْتُ: وَكَيْفَ يَكُوْنُ ذَكَراً؟ قَالَ: يَعرِفُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ. قَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ فِي قَوْلهِ: (لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى قَتَبٍ (2)) ، قَالَ: كَانَتِ المَرْأَةُ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَلِدَ، تَقْعُدُ عَلَى قَتَبٍ؛ لِيَكُوْنَ أَسْرَعَ لِوِلاَدَتِهَا. وَقَالَ: لَسْتُ أَعجَبُ مِمَّنْ يُحَدِّثُ فَيُخطِئُ، بَلْ مِمَّنْ يُصِيبُ. وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لِحُبَّى المَدَنِيَّةِ: أَيُّ الرِّجَالِ أَعجَبُ إِلَى النِّسَاءِ؟ قَالَتْ: الَّذِي يُشْبِهُ خَدُّه خَدَّهَا. وَقَالَ يَحْيَى فِي زَكَاةِ الفِطْرِ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُعْطَى فِضَّةً. وَقَالَ يَحْيَى فِيْمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحدَهُ، قَالَ: يُعِيدُ. وَقَالَ فِي مَنْ صَلَّى بِقَومٍ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، قَالَ: لاَ يُعِيدُوْنَ، وَيُعِيدُ. وَقَالَ لِي: أَنَا أُوتِرُ بِثَلاَثٍ، وَلاَ أَقْنُتُ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الأَخِيْرِ مِنْ رَمَضَانَ،   (1) الكودن: البغل أو الحصان الهجين، ويشبه به الرجل البليد. (2) أخرجه الامام أحمد 4 / 381، وابن ماجة (1853) من طريق القاسم بن عوف الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: لما قدم معاذ من الشام، سجد للنبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " ما هذا يا معاذ "؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لاساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لامرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها، وهي على قتب، لم تمنعه ". وسنده حسن، وصححه ابن حبان (1290) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 93 وَأَرفَعُ يَدَيَّ إِذَا قَنَتُّ، وَلاَ أَرَى المَسْحَ عَلَى العِمَامَةِ، وَلاَ أَرَى الصَّلاَةَ عَلَى رَجُلٍ يَمُوْتُ بِغَيْرِ البَلَدِ - كَانَ يَحْيَى يُوْهِنُ هَذَا الحَدِيْثَ - وَلاَ أَرَى أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ بِنْتَهُ بلاَ مَهرٍ، وَلاَ أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى سُوْرَةٍ - رَأَيْتُ يَحْيَى يُوَهِّنُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ - (1) . أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنَ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّرُوْطِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المَأْمُوْنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بنُ رَشِيْدٍ، أَنْشَدَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: المَالُ يَذْهَبُ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ ... يَوْماً وَتَبْقَى فِي غَدٍ آثَامُهُ (3) لَيْسَ التَّقِيُّ بِمُتَّقٍ لإِلَهِهِ ... حَتَّى يَطِيْبَ شَرَابُهُ وَطَعَامُهُ وَيَطِيْبَ مَا يَحوِي وَتَكْسِبُ كَفُّه ... وَيَكُوْنَ فِي حُسْنِ الحَدِيْثِ كَلاَمُهُ نَطَقَ النَّبِيُّ لَنَا بِهِ عَنْ رَبِّهِ ... فَعَلَى النَّبِيِّ صَلاَتُهُ وَسَلاَمُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ (4) : رَأَيْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقَعُ فِي يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَقُلْتُ لَهُ: تَقَعُ فِي مِثْلِ يَحْيَى؟ فَقَالَ: مَنْ جَرَّ ذُيُوْلَ النَّاسِ (5) ، جَرُّوا ذَيلَهُ.   (1) انظر " التاريخ ": 659 و661 و662. (2) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، وفي آخرها باء معجمة بواحدة، وهي نسبة إلى محلة الحربية غربي بغداد. وعلي بن عمر هذا هو أبو الحسن الحربي السكري، ويقال له: الحميري والصيرفي والكيال. انظر ترجمته في " الميزان " للمؤلف 3 / 148. (3) رواية " تاريخ بغداد ": " طرا " بدل " يوما "، وأما رواية ابن العماد في " الشذرات " فهي: " طوعا ". انظر الابيات في " تاريخ بغداد " 14 / 185، وفي " تهذيب الكمال " ورقة: 1520، وفي " وفيات الأعيان " 6 / 141. وفي " طبقات الحنابلة " 1 / 405، 406، وفي " شذرات الذهب " 2 / 79. (4) هو أبو إسحاق النيسابوري، كان أحد الابدال، ورحل إلى العراق والشام ومصر ومكة، ثم استوطن بغداد وحدت بها. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 6 / 204. (5) الزيادة من تهذيب الكمال لوحة: 1520. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 94 قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَهْرَوَيْه، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِنَّا لَنَطْعَنُ عَلَى أَقوَامٍ لَعَلَّهُمْ قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُمْ فِي الجَنَّةِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مائَتَيْ سَنَةٍ. قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْه: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ) ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذِهِ الحِكَايَةِ، فَبَكَى، وَارتَعَدَتْ يَدَاهُ حَتَّى سَقَطَ الكِتَابُ مِنْ يَدِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَسْتَعِيدُنِي الحِكَايَةَ - أَوْ كَمَا قَالَ -. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: وُلِدَتُ فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فِي آخِرِهَا. قُلْتُ: وَقَدِ ارْتَحَلَ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً إِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ، وَلَقِيَ: أَبَا مُسْهِرٍ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبَ اللَّيْثِ، وَسَمِعُوا إِذْ ذَاكَ بِهَذِهِ البِلاَدِ. قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: مَاتَ، فَحُمِلَ عَلَى أَعوَادِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُودِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَنفِي الكَذِبَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كُزَالٍ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ مَعِيْنٍ بِالمَدِيْنَةِ، فَمِرَضَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا، فَحُمِلَ عَلَى سَرِيرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجُلٌ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْهِ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الكَذِبَ عَنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّمَّارُ، وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا خَمْسٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرُ. قُلْتُ: هَذَا التَّمَّارُ هُوَ آخِرُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَقِيَ يَحْيَى، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَمَاتَ مَعَ ابْنِ مَعِيْنٍ فِي العَامِ: أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ بِبَغْدَادَ، وَعَلِيُّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 95 بنُ قَرِيْنٍ (1) - وَمَا هُوَ بثِقَةٍ - وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الصِّيْنِيُّ الضَّرِيْرُ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَامِدُ بنُ عُمَرَ البَكْرَاوِيُّ قَاضِي كِرْمَانَ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ (2) ، وَرَوْحُ بنُ صَلاَحٍ المِصْرِيُّ، وَجُمُعَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَلْخِيُّ أَخُو خَاقَانَ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ. 29 - العُتْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ مُعَاوِيَةَ * العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، الشَّاعِرُ، المُجَوِّدُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرِو بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيُّ، ثُمَّ العُتْبِيُّ، البَصْرِيُّ. رَوَى عَنِ: ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مِخْنَفٍ، وَوَالِدِهِ. وَعَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيُّ. وَكَانَ يَشرَبُ. وَلَهُ تَصَانِيْفُ أَدَبِيَّاتٌ، وَشُهرَةٌ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا العُتْبِيُّ المَالِكِيُّ فَآخَرُ، فِي الطَّبَقَةِ الآتِيَةِ.   (1) قال يحيى: لا يكتب عنه، كذاب خبيث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال موسى بن هارون وغيره: كان يكذب. وقال العقيلي: كان يضع الحديث. وهو مترجم في " الميزان " للمؤلف 3 / 151، و" تاريخ بغداد " 12 / 51. (2) بفتح الراء المشددة وسكون الميم، نسبة إلى الرملة، وهي من بلاد فلسطين. وجاء في " اللباب " 2 / 37: فممن ينسب إليها أبو خالد يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني. (*) المعارف: 234، طبقات الشعراء: 314، 316، معجم الشعراء: 420، تاريخ بغداد 2 / 324، 326، الأنساب 8 / 380، اللباب 2 / 320، وفيات الأعيان 4 / 398، 400، العبر 1 / 403، 404، الوافي بالوفيات 4 / 3، النجوم الزاهرة 2 / 253، شذرات الذهب 2 / 65. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 96 30 - هُدْبَةُ بنُ خَالِدِ بنِ أَسْوَدَ بنِ هُدْبَةَ القَيْسِيُّ * (خَ، م، د، س) الحَافِظُ، الصَّادِقُ، مُسْنِدُ وَقْتِهِ، أَبُو خَالِدٍ القَيْسِيُّ، الثَّوْبَانِيُّ، البَصْرِيُّ. وَيُقَالُ لَهُ: هَدَّابٌ. وَهُوَ أَخُو الحَافِظِ أُمَيَّةَ بنِ خَالِدٍ. وُلِدَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ بِقَلِيْلٍ. وَصَلَّى عَلَى: شُعْبَةَ. وَحَدَّثَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَهَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَأَبِي جَنَابٍ القَصَّابِ عَوْنِ بنِ ذَكْوَانَ، وَأَبِي هِلاَلٍ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَغْلَبَ بنِ تَمِيْمٍ، وَدَيْلَمَ بنِ غَزْوَانَ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَشِبَاكِ بنِ عَائِذٍ، وَحَمَّادِ بنِ الجَعْدِ، وَرَجَاءَ أَبِي يَحْيَى الحَرَشِيِّ، وَصَدَقَةَ بنِ مُوْسَى، وَهَارُوْنَ بنِ مُوْسَى النَّحْوِيِّ، وَخَلْقٍ. وَلَمْ يَرْحَلْ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَزَكَرِيَّا الخَيَّاطُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى بنِ مُجَاشِعٍ، وَتَمِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو مَعْشَرٍ الحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الطَّيِّبِ البَلْخِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المَعْمَرِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ بِسْطَامَ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُوْسَى بنُ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الحِنَّائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ مَطَرٍ، وَعِمْرَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ   (*) طبقات خليفة: 229، التاريخ الكبير 8 / 247، 248، الجرح والتعديل 9 / 114، تهذيب الكمال، ورقة: 1434، تذكرة الحفاظ 2 / 465، 466، العبر 1 / 423، 424، ميزان الاعتدال 4 / 294، تذهيب التهذيب 4 / 112، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 11 / 24، 25، طبقات الحفاظ: 202، خلاصة تذهيب الكمال: 413، شذرات الذهب 2 / 86. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 97 الكَرَابِيْسِيُّ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المَعْمَرِيُّ (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمِنْهُم: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأُبُلِّيُّ العَطَّارُ، وَأَسَدُ بنُ عَمَّارٍ التَّمِيْمِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُعَاذِ بنِ حَرْبٍ الأَخْفَشُ، وَأَبُو الحَسَنِ سَعِيْدُ بنُ الأَشْعَثِ - أَخُو أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ - وَسُلَيْمَانُ بنُ الحَسَنِ ابْنُ أَخِي حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَسَيَّارُ بنُ نَصْرٍ، وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ، وَقَاسِمُ بنُ العَبَّاسِ المَعْشَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ رَوْحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى القُسْطَانِيُّ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْدَانَ القُطْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِحٍ السَّرَّاجُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَمِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الكَرَابِيْسِيُّ، وَمُسَبِّحُ بنُ حَاتِمٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ بِشْرٍ، ذَكَرْتُ هَؤُلاَءِ لِلْفَائِدَةِ، وَلَيْسُوا بِمَشْهُوْرِينَ مِنْ بَعْدِ المَعْمَرِيِّ. رَوَى: عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَاحْتَجَّ بِهِ: الشَّيْخَانِ. وَمَا أَدرِي مُستَنَدَ قَوْلِ النَّسَائِيِّ: هُوَ ضَعِيْفٌ. وَتَبَارَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي ذِكْرِهِ فِي (الكَامِلِ) ، ثُمَّ اعتَذَرَ، وَقَالَ: اسْتَغنَيتُ أَنْ أُخْرِجَ لَهُ حَدِيْثاً؛ لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً فَيَمَا يَرْوِيْهِ، وَهُوَ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. وَقَدْ وَثَّقَهُ النَّاسُ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . قَالَ عَبْدَانُ: سَمِعْتُ عَبَّاسَ بنَ عَبْدِ العَظِيْمِ يَقُوْلُ: هِيَ كُتُبُ أُمَيَّةَ بنِ خَالِدٍ -يَعْنِي: الَّذِي يُحَدِّثُ بِهَا هُدْبَةُ-.   (1) ذكر هذا الاسم قبل أسطر. (2) بضم القاف وسكون السين وفتح الطاء المهملة، وبعد الالف نون، نسبة إلى قسطانة، وهي قرية من الري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 98 قُلْتُ: رَافَقَ أَخَاهُ فِي الطَّلَبِ، وَتَشَارَكَا فِي ضَبْطِ الكُتُبِ، فَسَاغَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ مِنْ كُتُبِ أَخِيْهِ، فَكَيْفَ بِالمَاضِينَ، لَوْ رَأَوْنَا اليَوْمَ نَسْمَعُ مِنْ أَيِّ صَحِيفَةٍ مُصَحَّفَةً عَلَى أَجْهَلِ شَيْخٍ لَهُ إِجَازَةٌ، وَنَرْوِي مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى بَيْنَهُمَا مِنَ الاخْتِلاَفِ وَالغَلَطِ أَلوَانٌ، فَفَاضِلُنَا يُصَحِّحُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ حِفْظِهِ، وَطَالِبُنَا يَتَشَاغَلُ بِكِتَابَةِ أَسْمَاءِ الأَطفَالِ، وَعَالِمُنَا يَنْسَخُ، وَشَيْخُنَا يَنَامُ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الشَّبِيبَةِ فِي وَادٍ آخَرَ مِنَ المُشَاكَلَةِ وَالمُحَادَثَةِ. لَقَدِ اشتَفَى بِنَا كُلُّ مُبتَدِعٍ، وَمَجَّنَا كُلُّ مُؤْمِنٍ. أَفَهَؤُلاَءِ الغُثَاءُ هُمُ الَّذِيْنَ يَحْفَظُونَ عَلَى الأُمَّةِ دِينَهَا؟ كَلاَّ وَاللهِ. فَرِحِمَ اللهُ هُدْبَةَ، وَأَيْنَ مِثْلُ هُدْبَةَ؟! نَعَمْ، مَا هُوَ فِي الحِفْظِ كَشُعْبَةَ. وَعَنِ الفَضْلِ بنِ الحُبَابِ، قَالَ: مَرَرنَا بِهُدْبَةَ فِي أَيَّامِ أَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى الطَّرِيْقِ، فَقُلْنَا: لَوْ سَأَلنَاهُ أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَسَأَلنَاهُ، فَقَالَ: الكُتُبُ كُتُبُ أُمَيَّةَ - يُرِيْدُ أَخَاهُ -. قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ هُدْبَةَ بنَ خَالِدٍ يَقُوْلُ: صَلَّيْتُ عَلَى شُعْبَةَ. فَقِيْلَ لَهُ: رَأَيْتَهُ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَكَانَ سُنِّيّاً، وَكَانَ شُعْبَةُ رَأْيُهُ رَأْيُ الإِرْجَاءِ. قُلْتُ: كَلاَّ لَمْ يَكُنْ شُعْبَةُ مُرْجِئاً، وَلَعَلَّهُ شَيْءٌ يَسِيْرٌ لاَ يَضُرُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى، وَسُئِلَ عَنْ هُدْبَةَ وَشَيْبَانَ: أَيُّهُمَا أَفضَلُ؟ فَقَالَ: هُدْبَةُ أَفضَلُهُمَا، وَأَوْثَقُهُمَا، وَأَكْثَرُهُمَا حَدِيْثاً، كَانَ حَدِيْثُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عِنْدَهُ نُسخَتَيْنِ: وَاحِدَةٍ عَلَى الشُّيُوْخِ، وَأُخْرَى عَلَى التَّصْنِيْفِ. قَالَ عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ: كُنَّا لاَ نُصَلِّي خَلْفَ هُدْبَةَ مِنْ طُولِ صَلاَتِهِ، يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ تَسبِيحَةً. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَشبَهِ خَلْقِ اللهِ بِهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ؛ لِحْيَتِهِ وَوَجْهِهِ، وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى صَلاَتُهُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 99 قُلْتُ: اختَلَفُوا فِي تَارِيْخِ مَوْتهِ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: أَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقَعَ مِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بنُ أَبِي حَزمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ} [المُدَّثِرُ: 56] : (يَقُوْلُ رَبُّكُمْ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَلاَ يُشْرَكَ بِي غَيْرِي، وَأَنَا أَهْلٌ لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُشْرِكَ بِي غَيْرِي أَنْ أَغْفِرَ لَهُ (1)) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، أَخْبَرَنَا الطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، وَالقَاضِي الأُرْمَوِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، أَخْبَرَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ (2)) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.   (1) إسناده ضعيف، لضعف سهيل بن أبي حزم القطعي. وأخرجه أحمد 3 / 142 و243، والترمذي (3328) ، وابن ماجة (4299) ، والدارمي 2 / 302، 303، وأبو يعلى، والبزار، وغيرهم من طرق عن سهيل بن أبي حزم به. (2) هو في " صفة ذم النفاق " ص 54، وأخرجه البخاري 9 / 58، 59 في فضائل القرآن، ومسلم رقم (797) في صلاة المسافرين: باب فضيلة حافظ القرآن، وأبو داود (4830) ، والترمذي (2869) ، والنسائي 8 / 124، 125، ولفظه بتمامه: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الاترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن مثل التمرة، لاريح لها، وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لايقرأ القرآن مثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها مر ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 100 31 - شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَبَطِيُّ * (م، د) وَهُوَ: شَيْبَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَبَطِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأُبُلِّيُّ، البَصْرِيُّ، مُسنِدُ عَصرِهِ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَجَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، وَمُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ العَطَّارَ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيَّ، وَأَبَا الأَشْهَبِ العُطَارِدِيَّ، وَسَلاَّمَ بنَ مِسْكِيْنٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَادِلٍ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ النَّصْرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ الفَقِيْهُ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ القَاضِي، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَبِيْبٍ المَعْمَرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً، وَلاَ اسْتَنكَرُوا شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّرْوَةِ. قَالَ عَبْدَانُ: كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ أَثبَتَ عِنْدَهُم مِنْ هُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ. وَذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.   (*) التاريخ الكبير 4 / 254، الجرح والتعديل 4 / 357، تذكرة الحفاظ 2 / 443، 444، العبر 1 / 421، ميزان الاعتدال 2 / 285، تذهيب التهذيب 2 / 84، البداية والنهاية 10 / 315، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 329، تهذيب التهذيب 4 / 374، 375، طبقات الحفاظ: 194، خلاصة تذهيب الكمال: 168، شذرات الذهب 2 / 85. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 101 وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: كَانَ يَرَى القَدَرَ، وَاضْطَرَّ النَّاسُ إِلَيْهِ بِأَخَرَةٍ -يَعْنِي: أَنَّه تَفَرَّدَ بِالأَسَانِيْدِ العَالِيَةِ- قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَال: سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، ثُمَّ شَكَّ شَيْئاً فِي أَنَّ مَولِدَهُ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ. وَمَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ - عَلَى الصَّحِيْحِ -. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَةِ. قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، وَسَمِعْتُ عَلَى يُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ الحَجَّارِ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ مُنْقِذٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَنزِعُ، فَقَالَ: مَا أُحِبَّ أَنَّكَ وَرَاءكَ، إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيْثاً حَدَّثَتْنِيْهِ أُمُّ حَبِيْبَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مَعَ صَلاَةِ النَّهَارِ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ) (1) . وَفِي سَنَةِ سِتٍّ تُوُفِّيَ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التَّرْجُمَانِيُّ فِي المُحَرَّمِ، وَالحَارِثُ بنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ، وَهُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ القَيْسِيُّ فِي أَوَّلِهَا، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ العَبَّادَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ بِبَغْدَادِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ   (1) وأخرجه مسلم (728) في صلاة المسافرين: باب فضل السنن الراتبة، والترمذي (415) في الصلاة: باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل، والنسائي 3 / 262، وأبو داود (1250) في الصلاة: باب تفريع أبواب التطوع، وابن ماجة (1141) ، وابن حبان (614) . وقد بين الركعات الترمذي وغيره، فقال: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 102 مُحَمَّدٍ المُسَيِّبِيُّ، وَأَبُو مَعْمرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الفَضْلُ بنُ غَانِمٍ (1) ، وَالنُّعْمَانُ بنُ شِبْلٍ (2) البَاهِلِيُّ بِالبَصْرَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الخَطَّابِيُّ بِالبَصْرَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الكَرَابِيْسِيُّ (3) ، وَمُعَلَّى بنُ مَهْدِيٍّ بِالمَوْصِلِ، وَصَالِحُ بنُ حَاتِمِ بنِ وَرْدَانَ البَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ فِي أَوِّلِ العَامِ، وَمُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ بَشِيْرٍ الدَّعَّاءُ. 32 - ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ * (م، س، ت، ق) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدِ بنِ أَبِي العِيْصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، البَصْرِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: كَثِيْرِ بنِ سُلَيْمٍ، وَكَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُبُلِّيِّ؛ صَاحِبَيْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. وَعَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُخْتَارِ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ فِي كُتُبِهِم، وَأَبُو   (1) هو أبو علي الخزاعي، مروزي سكن بغداد، وحدث بها عن مالك وغيره. قال يحيى: ليس بشيء. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال الخطيب: ضعيف. انظر ترجمته في " ميزان " المؤلف 3 / 357، و" تاريخ بغداد " 12 / 357، 360. (2) وهو بصري حدث عن أبي عوانة ومالك. قال موسى بن هارون: كان متهما. وقال ابن حبان: يأتي بالطامات، وهو مترجم في " الميزان " للمؤلف 4 / 265، 266. (3) بفتح الكاف والراء، وهي نسبة إلى بيع الكرابيس، وهي الثياب. (*) الجرح والتعديل 8 / 5، تاريخ بغداد 2 / 344، 345، العبر 1 / 443، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 2، تهذيب التهذيب 9 / 316، 317، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 105، 106. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 103 بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَتَّوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: نَهَى المُتَوَكِّلُ عَنِ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَأَشخَصَ الفُقَهَاءَ وَالمُحَدِّثِيْنَ إِلَى سَامَرَّاءَ، مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُحَدِّثُوا، وَأَجزَلَ لَهُمُ الصِّلاَتِ. قُلْتُ: لَمَّا وَلِيَ وَلَدُهُ الحَسَنُ بنُ أَبِي الشَّوَارِبِ القَضَاءَ، تَخَوَّفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا حَسَنُ! أُعِيذُ وَجْهَكَ الحَسَنَ مِنَ النَّارِ. وَوَلِيَ القَضَاءَ عِدَّةٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، مِنْهُم: وَلدُهُ الحَسَنُ لِقَاضِي قُضَاةِ المُعْتَمِدِ عَلَى اللهِ، وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، نَبِيْلاً، مَاتَ كَهْلاً، سنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. فَأَمَّا صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى أَيْضاً، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: قَدَّمْتُهُ سَهْواً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى عِنْدِ أَبِي مُصْعَبٍ. 33 - مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، المُؤَرِّخُ، الصَّادِقُ، صَاحِبُ المَغَازِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ،   (*) الجرح والتعديل 8 / 52، تاريخ بغداد 3 / 140، تاريخ دمشق 15 / 244 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 1214، العبر 1 / 414، ميزان الاعتدال 3 / 589، تذهيب التهذيب 3 / 215، الوافي بالوفيات 3 / 181، 182، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 9 / 241، 242، النجو الزاهرة 2 / 265، طبقات الحفاظ: 206، خلاصة تذهيب الكمال: 343، الرسالة المستطرفة: 82. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 104 الدِّمَشْقِيُّ، الكَاتِبُ، مُتَوَلِّي دِيْوَانِ الخَرَاجِ بِالشَّامِ زَمَنَ المَأْمُوْنِ. اسمُ جَدِّهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقِيْلَ: أَحْمَدُ. وَقِيْلَ: سَعِيْدُ، مِنَ المَوَالِي. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ. سَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَالعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُوَقَّرِيِّ (1) ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَغْرَاءَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الوَاقِدِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. روَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ سُمَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَأَبُو الأَحْوَصِ العُكْبَرِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْرِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ: سَأَلتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَائِذٍ، فَقَالَ: الكَاتِبُ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَأَلْتُ دُحَيْماً عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ: تَرَاهُ مَوْضِعاً لِلأَخذِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهُوَ يَعمَلُ عَلَى الخَرَاجِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ فِي أَهْلِ الفَتوَى بِدِمَشْقَ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ.   (1) بضم الميم وفتح الواو والقاف المشددة، وفي آخره راء، نسبة إلى موقر، حصن بالبلقاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 105 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ كَمَا شَاءَ اللهُ، قَالَ لِي يَوْماً: أَيْشٍ تَكْتُبُ عَنِّي!؟ أَنَا أَتَعَلَّمُ مِنْكَ؟ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى) : أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَكَنَّاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ المَحْفُوْظُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ القُرَشِيُّ فِي ذِي الحِجَّةِ، سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَحَضَرْتُ جِنَازَتَهُ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: جَمَعَ كِتَابَ (المَغَازِي) ، سَمِعْتُ مُعظَمَهُ، وَكِتَابَ (الفُتُوحِ وَالصَّوَائِفِ (1)) . وَكَانَ عَلَى خَرَاجِ غُوْطَةِ دِمَشْقَ. وَقَعَ لِي حَدِيْثاً عَالِياً جِدّاً: أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّلِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدٍ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخوَفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ إِيْمَانِي وَلاَ أَشْعُرَ. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ   (1) الصوائف: هي الغزوات التي كان يقوم بها المسلمون صيفا. وأما تلك التي كانوا يغزونها شتاء فقد أطلقوا عليها اسم " الشواتي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 106 الكِنْدِيَّةِ، وَهَلْ فِي الأَرْضِ خَمْسُوْنَ يَتَخَوَّفُوْنَ مَا تَتَخَوَّفُ؟ ثُمَّ قَالَ: وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ قَالَ: عِشْرِيْنَ، ثُمَّ قَالَ: عَشْرَةً، ثُمَّ قَالَ: خَمْسَةً، ثُمَّ قَالَ: ثَلاَثَةً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَمِنَ عَبدٌ عَلَى إِيْمَانِهِ إِلاَّ سُلِبَهُ، أَوِ انتُزِعَ مِنْهُ فَيَفْقِدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا الإِيْمَانُ إِلاَّ كَالقَمِيصِ يَتَقَمَّصُهُ مَرَّةً، وَيَضَعُهُ أُخرَى. 34 - كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ أَبُو يَحْيَى الجَحْدَرِيُّ البَصْرِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، شَيْخُ البَصْرَةِ فِي وَقْتِهِ، أَبُو يَحْيَى الجَحْدرِيُّ، البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَعَمُّ المُحَدِّثِ أَبِي كَامِلٍ فُضَيْلِ بنِ الحُسَيْنِ الجَحْدَرِيِّ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي الحَدِيْثِ. وَحَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَأَبِي هِلاَلٍ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمٍ، وَفَضَّالِ بنِ جُبَيْرٍ - صَاحِبِ أَبِي أُمَامَةَ - وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَبُهْلُوْلِ بنِ رَاشِدٍ الإِفْرِيْقِيِّ، وَأَبِي الأَشْهَبِ جَعْفَرٍ العُطَارِدِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ - أَحَدِ التَّلْفَى - وَأَبِي مَوْدُوْدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ المَدَنِيِّ، وَأَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي هِشَامٍ القَنَّادِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ (المَسَائِلِ) ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَحَنْبَلٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُبَّانَ البَاهِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القَاضِي   (*) طبقات ابن سعد 7 / 362، الجرح والتعديل 7 / 172، تاريخ بغداد 12 / 485، 487، الأنساب 3 / 207، تهذيب الكمال، ورقة: 1140، ميزان الاعتدال 3 / 400، العبر 1 / 409، تذهيب التهذيب 3 / 166، تهذيب التهذيب 8 / 408، 409، خلاصة تذهيب الكمال: 319، شذرات الذهب 2 / 70. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 107 المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُوْسَى بنُ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَالبَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: سَأَلتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ كَامِلِ بنِ طَلْحَةَ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، أَعرِفُهُ فِي سَنَةِ مائَتَيْنِ بِالبَصْرَةِ، كَانَ لَهُ فِي مَسْجِدِ الجَامِعِ حَلْقَةٌ عَظِيْمَةٌ، يُحَدِّثُ عَنِ: اللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي - وَسُئِلَ عَنْ كَاهِلِ بنِ طَلْحَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ - فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً يَدْفَعُهُمَا بِحُجَّةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي كَامِلِ بنِ طَلْحَةَ: مُقَارِبُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ - وَقِيْلَ لَهُ: كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ - قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ بِالبَصْرَةِ وَلَهُ حَلْقَةٌ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى عَبَّادَانَ يُحَدِّثُهُمْ، حَدِيْثُهُ حَدِيْثُ مُقَارِبٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ كَامِلٍ، فَقَالَ: رَمَيتُ بِكُتُبِهِ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يُثنِي عَلَيْهِ، وَكَتَبَ عَنْهُ أَزْهَرُ السَّمَّانُ حَدِيْثَيْنِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ: اذهَبْ اكْتُبْ فِي المَسْجَدِ عَنْ هَؤُلاَءِ الشُّيُوْخِ حَتَّى تَخِفَّ يَدُكَ. فَكَتَبَ عَنْ كَامِلِ بنِ طَلْحَةَ، فَأَوَّلُ حَدِيْثٍ حَدَّثَ بِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، يَمْضِي فِي طَرِيْقٍ، وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى (1) . فَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا قَطُّ. قَالَ: فَقُلْتُ: حَدِيْثٌ مِثْلُ هَذَا   (1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 / 296، وعبد الله بن عمر راويه عن نافع، هو العمري، ضعيف، وفي الباب عن جابر، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا كان يوم عيد، خالف الطريق. أخرجه البخاري في " صحيحه " 2 / 392 في العيدين: باب من خالف الطريق إذا = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 108 مُسْنَدٌ فِيْهِ حُكَيْمٌ لَمْ أَسْمَعْهُ. فَأَتَيتُ هَارُوْنَ بنَ مَعْرُوْفٍ، فَقُلْتُ: عِنْدَكَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ هَذَا الحَدِيْثُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَكَتَبْتُهُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ: لِمَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَنْ كَامِلٍ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ كَامِلٌ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ وَهْبٍ. قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ لَمَّا وَجَدَ الحَدِيْثَ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ، نَبُلَ كَامِلٌ عِنْدَهُ. وَأَمَّا عَبَّاسٌ، فَرَوَى عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَوَى عَنْهُ أَبِي، وَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، مَا كَانَ لَهُ عَيبٌ إِلاَّ أَنْ يُحَدِّثَ فِي المَسْجَدِ الجَامِعِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . قُلْتُ: هُوَ صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - وَمَا أَدْرِي وَجْهَ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ: رَمَيْتُ بِكُتُبِهِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ لَهُ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ مَا يُنْكَرُ وَلاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّهُ حَفِظَهُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ ذَكَرَ كَامِلَ بنَ طَلْحَةَ، فَقَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ ضَرَبَهُ، وَأَقَامَهُ لِلنَّاسِ فِي شَهَادَةٍ، فَاتَّضَعَتْ أَسْبَابُهُ، وَكَانَ لاَ يُدْفَعُ عَنْ سَمَاعٍ. قُلْتُ: وَقَعَ لِي مِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ،   = رجع يوم العيد. وعن أبي هريرة عند الترمذي رقم (541) ، وصححه 1 / 296، ووافقه الذهبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 109 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الجَدْعَاءِ (3) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَتَى كُنْتَ نَبِيّاً؟ قَالَ: (إِذْ آدَمُ بَيْنَ الرُّوْحِ وَالجَسَدِ) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ العَبْسِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا   (1) هو أبو بكر بن الزاغوني، محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي المجلد، توفي سنة 552 هـ. انظر ترجمته في " العبر " 4 / 150، و" شذرات الذهب " 4 / 164. (2) هو محمد بن محمد بن العلي بن الحسن بن محمد ... الزينبي، نسبة إلى زينب بنت سليمان بن علي، يروي عن أبي طاهر المخلص وغيره. توفي سنة نيف وسبعين وأربع مئة. انظر " العبر " 3 / 295 و" الشذرات " 3 / 364. (3) هو عبد الله، مترجم في " أسد الغابة " 3 / 196، و" الإصابة " 6 / 36. والحديث رواته ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 7 / 59 من طريق عفان بن مسلم، وعمرو بن عاصم الكلابي، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن أبي الجدعاء، وأخرجه الترمذي (3609) في المناقب من طريق الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قالوا: يارسول الله، متى وجبت لك النبوة؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي " الباب " عن ميسرة الفجر عند أحمد 5 / 59، وسنده قوي، كما قال الحافظ في " الفتح "، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 223، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وعن عبد الله بن شقيق، عن رجل قال: قلت: يارسول الله، متى جعلت نبيا؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ". وإسناده صحيح. قال الحافظ في " الإصابة " 9 / 304: وقد قيل: إنه (أي الصحابي المبهم) عبد الله ابن أبي الجدعاء، وميسرة لقب. وعن ابن عباس، ذكره الهيثمي في " المجمع "، وقال: رواه الطبراني في " الأوسط "، والبزار، وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 110 حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي العُشَرَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَمَا تَكُوْنُ الذَّكَاةُ إِلاَّ مِنَ اللَّبَّةِ؟ قَالَ: (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا، لأَجْزَأَ عَنْكَ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبُهُ، أَخرَجُوهُ فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، مِنْ طَرِيْقِ حَمَّادٍ. تُوُفِّيَ كَامِلٌ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. ضَبَطَهُ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، قَالَ: وَكَانَ يَخْضِبُ. ابْنُ أَخِيْهِ: 35 - أَبُو كَامِلٍ الفُضَيْلُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ طَلْحَةَ الجَحْدَرِيُّ * (خت، م، د، س) البَصْرِيُّ، الحَافِظُ. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وسُلَيْمَ بنَ أَخْضَرَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَعَبْدَ الوَاحِدِ بنَ زِيَادٍ، وَخَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالبُخَارِيُّ تَعلِيقاً، وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَوْتُ: عَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ النَّرْسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ   (1) أخرجه أبو داود (2825) في الاضاحي: باب ما جاء في ذبيحة المتردية، والترمذي (1480) ، وابن ماجة (3184) في الذبائح: باب ذكاة الناد من البهائم. وأبو العشراء مجهول. وفي التهذيب: قال الميموني: سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة، قال: هو عندي غلط، ولا يعجبني، ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة. قال: ما أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا. وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر. (*) الجرح والتعديل 7 / 71، 72، تهذيب الكمال، ورقة: 1103، العبر 1 / 425، تذهيب التهذيب 3 / 141، تهذيب التهذيب 8 / 290، 291، خلاصة تذهيب الكمال: 310، شذرات الذهب 2 / 88. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 111 بِالبَصْرَةِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبَانِ بنِ عِمْرَانَ الوَاسِطِيِّ - فِي قَوْلٍ - وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَبَّاسِ الشَّافِعِيِّ، وَمَحْفُوْظِ بنِ أَبِي تَوْبَةَ البَغْدَادِيِّ، وَرَجَاءَ بنِ سِنْدِيٍّ بإِسْفَرَايِيْنَ، وَصَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيِّ المُؤَذِّنِ، وَسَعِيْدِ بنِ حَفْصٍ النُّفَيْلِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيِّ بِمِصْرَ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمَانَ الحُفْرِيِّ الإِفْرِيْقِيِّ. 36 - البُرْجُلاَنِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي شَيْخٍ (1) * الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي شَيْخٍ البُرْجُلاَنِيُّ، صَاحِبُ التَّوَالِيفِ فِي الرَّقَائِقِ. رَوَى عَنْ: حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَمَالِكِ بنِ ضَيْغَمٍ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَأَزْهَرَ السَّمَّانِ، وَسَعِيْدٍ الضُّبَعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا كَثِيْراً، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَأَبُو يَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَخبَارِ الزُّهْدِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ. 37 - مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ الرُّصَافِيُّ ** (م، د) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ.   (1) ضبط في الأصل بفتح الباء، أما السمعاني فقد ضبطه في " الأنساب " بضمها (*) الجرح والتعديل 7 / 229، تاريخ بغداد 2 / 222، 223، طبقات الحنابلة 1 / 290، 291، الأنساب 2 / 139، اللباب 1 / 134، ميزان الاعتدال 3 / 522، العبر 1 / 428، لسان الميزان 5 / 137، شذرات الذهب 2 / 90. (* *) التاريخ الكبير 1 / 44، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 7 / 212، تاريخ بغداد 2 / 100، 101، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، العبر 1 / 428، تذهيب التهذيب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 112 حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ بَهْرَامَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَسَوَّارِ بنِ مُصْعَبٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَكَرِيَّا، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَهُشَيْمٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالمَعْمَرِيُّ، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى السَّخْتِيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لاَ يَرَى بِالكِتَابَةِ عَنْهُ بَأْساً. وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: شَيْخٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ. وَكَذَا قَالَ: الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: بَغْدَادِيٌّ، صَدُوْقٌ، يَرْوِي عَنِ الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ: أَنَا اليَوْمَ ابْنُ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ البَغَوِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.   = 3 / 192، الوافي بالوفيات 2 / 255، البداية والنهاية 10 / 317، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 104، 105، تهذيب التهذيب 9 / 75، 76، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات الذهب 2 / 90. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 113 قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. فَأَمَّا: 38 - مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ بِلاَلٍ العَامِلِيُّ * فَمُفْتِي دِمَشْقَ، وَقَاضِيهَا، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، وَالِدُ المُحَدِّثَيْنِ: هَارُوْنَ وَالحَسَنِ، فَهُوَ سَمِيُّ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ جِيْلِهِ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: وَلَدُهُ حَسَنٌ. وَحَدَّثَ عَنْ: مُوْسَى بنِ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدِ بِنِ رَاشِدٍ المَكْحُوْلِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَاللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ القَاضِي، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنَاهُ، وَحَفِيْدُهُ؛ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ (1) ، وَخَلْقٌ. ذَكَرَهُ: أَبُو زُرْعَةَ فِي أَهْلِ الفَتْوَى بِدِمَشْقَ.   (*) التاريخ الكبير 1 / 44، التاريخ الصغير، 2 / 369، الجرح والتعديل 7 / 211، 212، الأنساب 8 / 329، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، تذهيب التهذيب 3 / 191 / 2، و192 / 1، الوافي بالوفيات 2 / 255، تهذيب التهذيب 9 / 74، 75، خلاصة تذهيب الكمال: 329. (1) هو علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان، أبو الحسن، المعروف بابن إشكاب، بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وآخره موحدة. وهو لقب أبيه، كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " 2 / 34. وهو أخو محمد بن إشكاب، صدقه أبو حاتم الرازي، توفي سنة 261 هـ. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 392، 394، و" تقريب التهذيب " 2 / 34، و" تهذيب التهذيب " 7 / 303. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 114 وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ عَنْهُ أَبِي بِمَكَّةَ، سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: شَهِدْتُ جِنَازَتَهُ فِي مُنصَرَفِهِ مِنَ الحَجِّ، فِي اسْتِقبَالِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ ابْنُهُ الحَسَنُ، وَقَالَ: وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَ: 39 - مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الزُّبَيْرِ العَيْشِيُّ * (م، د) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مِنْ مَشَايِخِ البَصْرَةِ. رَوَى عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُعْتَمِرٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَعَبْدَانُ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 40 - مُحَمَّدُ بنُ أَبَانِ بنِ وَزِيْرٍ، المَعْرُوْفُ بِحَمْدَوَيْه ** (خَ، 4) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ البَلْخِيُّ، المُسْتَمْلِي، يُعرَفُ: بِحَمْدَوَيْه، مُسْتَمْلِي وَكِيْعٍ مُدَّةً طَوِيْلَةً نَحْوَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَغُنْدَرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ   (*) التاريخ الكبير 1 / 44، اللباب 2 / 369، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، تذهيب التهذيب 3 / 192 / 1، تهذيب التهذيب 9 / 76، 77، خلاصة تذهيب الكمال: 329. (* *) التاريخ الصغير، 2 / 383، الجرح والتعديل 7 / 200، تاريخ بغداد 2 / 78، 81، طبقات الحنابلة 1 / 286، تهذيب الكمال، ورقة: 1155، تذكرة الحفاظ 2 / 498، 500، ميزان الاعتدال 2 / 454، العبر 1 / 443، تذهيب التهذيب 3 / 177، الوافي بالوفيات 1 / 334، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 43، تهذيب التهذيب 9 / 3، 4، طبقات الحفاظ: 217، 218، خلاصة تذهيب الكمال: 324، شذرات الذهب 2 / 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 115 عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَوَكِيْعٍ، وَيَزِيْدَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَتَغَّرَبَ مُدَّةً فِي الطَّلَبِ. رَوَى عَنْهُ: الجَمَاعَةُ، سِوَى مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمٌ فِي غَيْرِ (الصَّحِيْحِ) ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالمَعْمَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُجَدَّرِ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ بنِ مُقَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ. رَوَى: البَغَوِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ يَسْتَملِي لَنَا عِنْدَ وَكِيْعٍ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: فَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَملِي وَكِيْعٍ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ مَعَنَا يَكْتُبُ الحَدِيْثَ، كَتَبَ لِي كِتَاباً بِخَطِّهِ. قُلْتُ: إِنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ أَنكَرُوهُ، مَا أَقَلَّ مَنْ يَروِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَهُوَ عِنْدَكَ وَعِنْدَ خَلَفِ بنِ سَالِمٍ! قَالَ: قَدْ كَانَ مَعَنَا تِلْكَ السَّنَةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ بَلْخَ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ، فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَعَرَفَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُم عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَكَتَبْنَا عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ قُتَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ حَمَّادِ بنِ فُرَافِصَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، فَسَأَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ، فَقُلْتُ: خَلَّفتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَقْدَمُ، فَإِنَّهُ كَانَ أَزْمَعَ عَلَى الخُرُوجِ. قَالَ: لَيْتَهُ قَدِمَ حَتَّى يُنْتَفَعَ بِهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 116 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَسَنُ المُذَاكَرَةِ، جَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَكَانَ مُسْتَملِي وَكِيْعٍ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ بِبَلْخَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: البَغَوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ، وَضَبَطَ اليَوْمَ. وَرَوَى: القَبَّانِيُّ، عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ. فَأَمَّا: 41 - مُحَمَّدُ بنُ أَبَانِ بنِ عِمْرَانَ بنِ زِيَادٍ السُّلَمِيُّ * أَبُو الحَسَنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ - وَيُقَالُ: القُرَشِيُّ - الوَاسِطِيُّ، الطَّحَّانُ، الحَافِظُ، أَحَدُ بَقَايَا المُسْنِدِيْنَ الثِّقَاتِ. فَرَوَى عَن: أَبِيْهِ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبَانِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي شَيْبَةَ العَبْسِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ فَصِيْلٍ الوَاسِطِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعُمَارَةَ بنِ زَاذَانَ، وَقَزَعَةَ بنِ سُوَيْدٍ البَاهِلِيِّ، وَأَبِي هِلاَلٍ الرَّاسِبِيِّ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَسَلاَّمِ بنِ مِسْكِيْنٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ، وَأَسْلَمُ بنُ سَهْلٍ بَحْشَلٌ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُطَيَّنٌ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَتَّوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَاغَنْدِيِّ، وَأَبُو يَعلَى المَوْصِلِيُّ،   (*) التاريخ الكبير 1 / 32، الجرح والتعديل 7 / 199، 200، تهذيب الكمال، ورقة 578، تذهيب التهذيب 3 / 177 / 1 و2، ميزان الاعتدال 3 / 453، تهذيب التهذيب 9 / 2، 3، خلاصة تذهيب الكمال: 324. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 117 وَيُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زِيَادٍ الوَاسِطِيُّ المَخْضُوْبُ أَحَدُ الحُفَّاظِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. قَالَ ابْنهُ؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَوَّاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخطَأَ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ بَحْشَلٌ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ. قَالَ: وَكَانَ فَقِيْهاً، وَكَانَ يَخْضِبُ. وَفِي الصَّلاَةِ مِنَ (البُخَارِيِّ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ فِي مَكَانَينِ (1) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ الوَاسِطِيُّ. وَقَالَ الكَلاَبَاذِيُّ، وَغَيْرُهُ: هُوَ البَلْخِيُّ، وَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) الوَاسِطِيَّ، وَمَا ذَكَرَ البَلْخِيَّ لِصِغَرِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَوعِبُ صِغَارَ شُيُوْخِهِ. 42 - إِسْحَاقُ النَّدِيْمُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْمُوْنٍ المَوْصِلِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ   (1) الأول 2 / 50 في المواقيت: باب لا تتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، ونصه: حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت عمران بن أبان يحدث عن معاوية، قال: إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما رأيناه يصليها، ولقد نهى عنها، يعني الركعتين بعد العصر. وقد علق الحافظ على قوله: حدثنا محمد بن أبان، فقال: هو البلخي، وقيل: الواسطي، ولكل من القولين مرجح، وكلاهما ثقة. وأما الثاني، ففي البخاري 2 / 160 في الامامة: باب إمامة المفتون والمبتدع، ونصه: حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن أبي التياح أنه سمع أنس بن مالك قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لأبي ذر: " اسمع وأطع، ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة ". ورجح الحافظ في تعليقه هنا كونه البلخي، فقال: هو البلخي مستملي وكيع، وقيل: الواسطي، وهو محتمل، لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر. (*) طبقات الشعراء: 360، 362، تاريخ الطبري 9 / 122، 123، الاغاني 5 / 268، 435، الفهرست 1 / 140، تاريخ بغداد 6 / 338، 345، سمط اللآلئ: 137 و209 و= الجزء: 11 ¦ الصفحة: 118 مَيْمُوْنٍ التَّمِيْمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، صَاحِبُ المُوْسِيقَى، وَالشِّعْرِ الرَّائِقِ، وَالتَّصَانِيْفِ الأَدَبِيَّةِ، مَعَ الفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَالبَصَرِ بِالحَدِيْثِ، وَعُلُوِّ المَرْتَبَةِ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ، وَشَيْخُهُ؛ الأَصْمَعِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَيَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَلَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ الحُفَّاظُ؛ لاشْتِغَالِهِ عَنْهُمْ بِالدَّوْلَةِ. وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً. وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ حُلْوَ النَّادِرَةِ، حَسَنَ المَعْرِفَةِ، جَيِّدَ الشِّعْرِ، مَذْكُوْراً بِالسَّخَاءِ. صَنَّفَ كِتَابَ (الأَغَانِي) ؛ الَّذِي يَرْوِيْهِ عَنْهُ ابْنُهُ. وَعَنْ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: بَقِيْتُ دَهْراً منْ عُمُرِي أُغَلِّسُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى هُشَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، ثُمَّ أَصِيرُ إِلَى الكِسَائِيِّ، أَوِ الفَرَّاءِ، أَوِ ابْنِ غَزَالَةَ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِ جُزْءاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ إِلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ زَلْزَلٍ (1) ، فَيُضَارِبُنِي   = 509، نزهة الالباء: 227، معجم الأدباء 6 / 5، 58، إنباه الرواة 1 / 215، وفيات الأعيان 1 / 202، 205، العبر 1 / 420، الوافي بالوفيات 8 / 388، 393 البداية والنهاية 10 / 314، 315، النجوم الزاهرة 2 / 260 و280، 281، لسان الميزان 1 / 350، شذرات الذهب 2 / 82، 84، تهذيب ابن عساكر 2 / 414. (1) وهو الذي علم إسحاق الموصلي ضرب العود. وجاء في " الاغاني " 5 / 275 أن الموصلي أعطاه من ماله خاصة نحوا من مئة ألف درهم، سوى ما أخذه له من الخلفاء ومن أبيه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 119 طَرْقَيْنِ (1) أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ آتَي عَاتِكَةَ بِنْتَ شَهْدَةَ، فَآخُذُ مِنْهَا صَوتاً أَوْ صَوْتَيْنِ، ثُمَّ آتَي الأَصْمَعِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ، فَأَسْتَفِيْدُ مِنْهُمَا، وَآتَي مَجْلِسَ الرَّشِيْدِ بِالعَشِيِّ (2) . كَانَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ يَصِفُ إِسْحَاقَ بِالعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالحِفْظِ، وَيَقُوْلُ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِأَحْسَنَ مِنِ ابْتِدَائِهِ: هَلْ إِلَى أَنْ تَنَامَ عَيْنِي سَبِيْلُ ... إِنَّ عَهْدِيَ بِالنَّوْمِ عَهْدٌ طَوِيْلُ (3) قَالَ إِسْحَاقُ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ الرَّشِيْدِ إِلَى الرَّقَّةِ، قَالَ لِيَ الأَصْمَعِيُّ: كمْ حَمَلْتَ مَعَكَ منْ كُتُبِكَ؟ قُلْتُ: سِتَّةَ عَشَرَ صُندُوقاً. وَعَنْ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَانَ يَكرَهُ أَنْ يُنسَبَ إِلَى الغِنَاءِ، وَيَقُوْلُ: لأَنْ أُضرَبَ عَلَى رَأْسِي بِالمَقَارِعِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنِّي: مُغَنِّي. وَقَالَ المَأْمُوْنُ: لَوْلاَ شُهْرَةُ إِسْحَاقَ بِالغِنَاءِ، لَوَلَّيْتُهُ القَضَاءَ. الصُّوْلِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ جِئْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ بِمائَةِ حَدِيْثٍ، فَوَجَدْتُ ضَرِيْراً يَحْجُبُهُ لِيَنفَعَهُ، فَوَهبتُهُ مائَةَ دِرْهَمٍ، فَاسْتَأْذَنَ لِي، فَقَرَأْتُ المائَةَ حَدِيْثٍ، فَقَالَ لِي أَبُو مُعَاوِيَةَ: هَذَا مُعِيدٌ ضَعِيْفٌ، وَمَا وَعَدتَهُ فَيَأْخُذَهُ منْ أَذنَابِ النَّاسِ، وَأَنْتَ أَنْتَ. قُلْتُ: قَدْ   (1) في الأصل " طريقين " وهو تحريف، والتصحيح من " الاغاني " 5 / 272. وجاء في الحاشية: والطرق، بالفتح: صوت أو نغمة بالعود ونحوه. (2) انظر الخبر بتمامه في " الاغاني " 5 / 271، 272. (3) هو في " الاغاني " 5 / 332 طبعة دار الكتب، وجاء بعده: غاب عني من لاأسمي فعيني * كل يوم وجدا عليه تسيل قال: وكان إسحاق إذا غناه، تفيض دموعه على لحيته، ويبكي أحر بكاء. والبيت في " تاريخ بغداد " 6 / 343. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 120 جَعَلتُهَا مائَةَ دِيْنَارٍ. قَالَ: أَحسَنَ اللهُ جَزَاءكَ. وَقَدْ أَنشَدَ إِسْحَاقُ الرَّشِيْدَ أَبيَاتاً يَقُوْلُ فِيْهَا: عَطَائِي عَطَاءُ المُكْثِرِينَ تَكَرُّماً ... وَمَالِي - كَمَا قَدْ تَعْلَمِيْنَ - قَلِيْلُ وَكَيْفَ أَخَافُ الفَقْرَ أَوْ أُحْرَمُ الغِنَى ... وَرَأْيُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ جَلِيْلُ (1) فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفِ دِرْهَمٍ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 43 - المُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ الرَّسْعَنِيُّ * (س (2)) . الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ. حدَّثَ عنْ: فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِلْحَانَ، وَالقَاسِمُ بنُ اللَّيْثِ العَتَّابِيُّ الرَّسْعَنِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ رَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.   (1) البيتان في " الاغاني " 5 / 322، وروايته: فعالي فعال المكثرين تجملا. وفيه أيضا: " جميل " بدل " جليل ". وفي " وفيات الأعيان " 1 / 204 ضمن مجموعة من الابيات، وفي " شذرات الذهب " 2 / 84، وفي " معجم الأدباء " 6 / 18، ولفظه: فعالي فعال الموسرين تكرما. (*) الجرح والتعديل 8 / 400، تهذيب الكمال، ورقة: 1340، العبر 1 / 419، تذهيب التهذيب 4 / 49، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 10 / 198، 199، خلاصة تذهيب الكمال: 380. (2) بفتح الراء المشددة، وسكون السين، وفتح العين وبعدها نون مكسورة، نسبة إلى رأس العين، مدينة بديار بكر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 121 مَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 44 - ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبْسِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) ابْنِ القَاضِي أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُوَاسْتَى، الإِمَامُ، العَلَمُ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ، وَصَاحِبُ الكُتُبِ الكِبَارِ: (المُسْنَدِ) ، وَ (المُصَنَّفِ) ، وَ (التَّفْسِيْرِ) ، أَبُو بَكْرٍ العَبْسِيُّ مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ. أَخُو: الحَافِظِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ الضَّعِيْفِ، فَالحَافِظُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ وَلَدُهُ، وَالحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ أَخِيْهِ، فَهُمْ بَيْتُ عِلْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَجَلُّهُم. وَهُوَ مِنْ أَقرَانِ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ فِي السِّنِّ وَالمَوْلِدِ وَالحِفْظِ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَسَنُّ مِنْهُمْ بِسَنَوَاتٍ. طَلَبَ أَبُو بَكْرٍ العِلْمَ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ هُوَ شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي. سَمِعَ مِنْهُ، وَمِن: أَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ - الَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ تَابِعِيٌّ - وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَأَخَوَيْه؛   (*) طبقات خليفة: 173، التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 5 / 160، تاريخ بغداد 10 / 66، 71، تهذيب الكمال، ورقة: 732، 733، تذكرة الحفاظ 2 / 432، 433، ميزان الاعتدال 2 / 490، العبر 1 / 421، تذهيب التهذيب 2 / 183، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 6 / 2، خلاصة تذهيب الكمال: 212، شذرات الذهب 2 / 85، الرسالة المستطرفة: 13. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 122 مُحَمَّدٍ وَيَعْلَى، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ المِقْدَامِ، وَمَرْحُوْمٍ العَطَّارِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانَ بَحْراً منْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَبِهِ يُضرَبُ المَثَلُ فِي قُوَّةِ الحِفْظِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَصْحَابهِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي (جَامِعِ أَبِي عِيْسَى) . وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ؛ مُحَدِّثَا الأَنْدَلُسِ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعلَى المَوْصِلِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، وَعُبَيْدُ بنُ غَنَّامٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسٍ السَّرَّاجُ، وَالبَاغَنْدِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ. قَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ: أَوْلاَدُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، كَانُوا يُزَاحِمُونَنَا عِنْدَ كُلِّ مُحَدِّثٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَبُو بَكْرٍ صَدُوْقٌ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ منْ أَخِيْهِ عُثْمَانَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ ثِقَةً، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَدِمَ عَلَيْنَا مَعَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، فَسَرَدَ لِلشَّيبَانِيِّ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ حِفْظاً، وَقَامَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 123 وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى الحَدِيْثُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: فَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَسرَدُهُمْ لَهُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَفقَهُهُمْ فِيْهِ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَجْمَعُهُمْ لَهُ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَعْلَمُهُمْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ العَلاَءِ الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَنَا مَعَهُ فِي جَبَّانَةِ كِندَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، سَمِعْتَ منْ شَرِيْكٍ وَأَنْت ابْنُ كَم؟ قَالَ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْفَظُ لِلْحَدِيْثِ مِنِّي اليَوْمَ. قُلْتُ: صَدَقَ وَاللهِ، وَأَينَ حِفظُ المُرَاهِقِ مِنْ حِفْظِ مَنْ هُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ؟ قَالَ الجُرْجَانِيُّ: فَسَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ سَمَاعِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ منْ شَرِيْكٍ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ عِنْدَنَا صَدُوْقٌ، وَمَا يَحمِلُهُ أَنْ يَقُوْلَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخطِّهِ، وَقَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ بِحَدِيْثِ الدَّجَّالِ، وَكُنَّا نَظُنُّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ. قَالَ عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْعُدُ عِنْدَ الأُسطُوَانَةِ، وَأَخُوْهُ، وَمُشْكُدَانَةُ (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ البَّرَادِ، وَغَيْرُهُمْ، كُلُّهُمْ سُكُوتٌ إِلاَّ أَبَا (2) بَكْرٍ فإِنَّهُ يَهْدِرُ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هِيَ الأُسطُوَانَةُ الَّتِي يَجْلِسُ إِلَيْهَا ابْنُ عُقْدَةَ، فَقَالَ لِيَ ابْنُ عُقْدَةَ: هَذِهِ هِيَ أُسطُوَانَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، جَلَسَ إِلَيْهَا بَعْدَهُ عَلْقَمَةُ، وَبَعدَهُ إِبْرَاهِيْمُ، وَبَعدَهُ مَنْصُوْرٌ، وَبَعدَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَبَعدَهُ وَكِيْعٌ، وَبَعدَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَبَعدَهُ مُطَيَّنٌ.   (1) بضم الميم والكاف، لقب عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير الأموي مولاهم. والمشكدانة، بالفارسية: وعاء المسك. (2) في الأصل: " أبو ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 124 وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ جَزَرَةُ: أَعلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِالحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ خِرَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا زُرْعَةَ، فَأَصْحَابُنَا البَغْدَادِيُّونَ؟ قَالَ: دَعْ أَصْحَابَكَ، فَإِنَّهُم أَصْحَابُ مَخَارِيقَ، مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُتْقِناً، حَافِظاً، صَنَّفَ (المُسْنَدَ) ، وَ (الأَحْكَامَ) ، وَ (التَّفْسِيْرَ) ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ هُوَ وَأَخَوَاهُ؛ القَاسِمُ وَعُثْمَانُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ أَشْخَصَ المُتَوَكِّلُ الفُقَهَاءَ وَالمُحَدِّثِيْنَ، فَكَانَ فِيْهِم مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ؛ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ، وَكَانَا مِنَ الحُفَّاظِ، فَقُسِمَتْ بَينَهُمُ الجَوَائِزُ، وَأَمَرَهُمُ المُتَوَكِّلُ أَنْ يُحَدِّثُوا بِالأَحَادِيْثِ الَّتِي فِيْهَا الرَّدُّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ وَالجَهْمِيَّةِ. قَالَ: فَجَلَسَ عُثْمَانُ فِي مَدِيْنَةِ المَنْصُوْرِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَحْوٌ منْ ثَلاَثِيْنَ أَلفاً، وَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ أَشَدَّ تَقَدُّماً منْ أَخِيْهِ، اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ أَلفاً. قُلْتُ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَوِيَّ النَّفْسِ بِحَيْثُ إِنَّهُ اسْتَنكَرَ حَدِيْثاً تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا؟ فَهَذِهِ كُتُبُ حَفْصٍ، مَا فِيْهَا هَذَا الحَدِيْثُ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ سنَةَ سَبْعٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 125 وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِهَرَاةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوْنَ السُّلَمِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُعِزِّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، وَتَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍِو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهِلاَلُ، فَقَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُوْهُ، فَصُوْمُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوْهُ، فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَعُدُّوا ثَلاَثِيْنَ (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ سِوَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَلاَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ سِوَى مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ - فِيْمَا عَلِمْتُ -. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْهُ، فَوَقَعَ مُوَافَقَةً عَالِيَةً، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ السُّنَنِ سِوَى النَّسَائِيِّ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المَرْوَزيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا تَرَكْتُ عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) (2) .   (1) أخرجه مسلم (1081) (20) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان، والنسائي 4 / 134 في الصوم: باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث. (2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 9 / 118 في النكاح: باب ما يتقى من شؤم = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 126 وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَسُئِلَ: كَيْفَ كَانَ يَسِيْرُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيْرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجوَةً، نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ أَرفَعُ مِنَ العَنَقِ. أَخْرَجَهُمَا: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَوَافَقْنَاهُ. أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، حَدَّثَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المُحْتَسِبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِمْرَانَ الكَاتِبِ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُرَبَّعِ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: رَبَّانِيُّو الحَدِيْثِ أَرْبَعَةٌ: فَأَعلَمَهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْسَنُهُمْ سِيَاقَةً لِلْحَدِيْثِ وَأَدَاءً: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْسَنُهُمْ وَضْعاً لِكِتَابٍ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَعلَمُهُمْ بِصَحِيْحِ الحَدِيْثِ وَسَقِيمِهِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَمُطَيَّنٌ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَقَدْ خَلَفَ أَبَا بَكْرٍ وَلَدُهُ الحَافِظُ الثَّبْتُ:   = المرأة، وقوله تعالى: (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) ، ومسلم (2740) في أول الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، والترمذي (2780) في الأدب: باب ما جاء في تحذير فتنة النساء، وابن ماجة (3998) في الفتن: باب فتنة النساء، كلهم من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد. (1) الأول تقدم تخريجه، والثاني أخرجه برقم (1286) (283) في الحج: باب الافاضة من عرفات إلى المزدلفة. (2) هو أبو منصور القزاز، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، ويعرف بابن زريق: روى عن الخطيب وأبي جعفر بن مسلمة، والكبار. وكان صالحا كثير الرواية. توفي سنة 535 هـ عن بضع وثمانين سنة. انظر " العبر " للمؤلف 4 / 95، 96. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 127 45 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ * (س، ق) أَبُو شَيْبَةَ العَبْسِيُّ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. وسَمِعَ مِنْ: جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ، وَأَبِيْهِ، وَأَعمَامِهِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَ منْ تَلاَمِذَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الفِقْهِ، لَهُ عَنْهُ مَسَائِلُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 46 - الحِزَامِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شَيْبَةَ ** (خَ، س) المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شَيْبَةَ الحِزَامِيُّ مَوْلاَهُمُ، المَدَنِيُّ. عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ، وَمُوْسَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي نُبَاتَةَ يُوْنُسَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ   (*) الجرح والتعديل 2 / 110، تهذيب الكمال، ورقة: 59، تذهيب التهذيب 1 / 38 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 136، خلاصة تذهيب الكمال: 19. (* *) التاريخ الكبير 5 / 318، الجرح والتعديل 5 / 259، الأنساب 4 / 148، تهذيب الكمال، ورقة: 803، 804، ميزان الاعتدال 2 / 578، تذهيب التهذيب 2 / 118، تهذيب التهذيب 6 / 221، 222 خلاصة تذهيب الكمال: 231. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 128 المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزَامِيِّ، وَصَدَقَةَ بنِ بَشِيْرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَآهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَذَاكَرَهُ بِغَرَائِبَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ أَبِي زُرْعَةَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ، فَصَارَ إِلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي كُتُبِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: رُبَّمَا خَالَفَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَ تَحْدِيْثِهِ وَمَوْتِهِ كَثِيْرُ شَيْءٍ، اخَتَلَفْتُ إِلَيْهِ عِشْرِيْنَ لَيْلَةً، أَنظُرُ فِي كُتُبِهِ. 47 - هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ أَبُو عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ * (خَ، م، د) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الخَزَّازُ، ثُمَّ الضَّرِيْرُ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَرْوَانَ بنِ شُجَاعٍ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَالعِرَاقِ. وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 355، طبقات خليفة: 479، التاريخ الكبير 8 / 226، التاريخ الصغير 2 / 353، 354، الجرح والتعديل 9 / 96، تاريخ بغداد 14 / 14، 15، تهذيب الكمال، ورقة: 1430، العبر 1 / 410، تذهيب التهذيب 4 / 110، تهذيب التهذيب 11 / 11، 12، طبقات الحافظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال: 407، شذرات الذهب 2 / 71. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 129 وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، بَعْدَ مَا عَمِيَ مِنْ حِفْظِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثِّقَةَ يَقُوْلُ: قَالَ هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ يُقَالُ لِي: مَنْ آثَرَ الحَدِيْثَ عَلَى القُرْآنِ، عُذِّبَ. قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَهَابَ بَصَرِي مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ هَارُوْنُ الحَمَّالُ: سَمِعْتُ هَارُوْنَ بنَ مَعْرُوْفٍ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَكَأَنَّمَا عَبَدَ اللاَّتَ وَالعُزَّى. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْهُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لاَ يَتَكَلَّمُ، فَهُوَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ. مَاتَ: فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَعَاشَ: أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. 48 - دَاوُدُ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرِ بنِ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ * (م، س) ابْنِ جَمِيْلِ بنِ الأَعْرَجِ بنِ عَاصِمٍ، الشَّيْخُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ، البَغْدَادِيُّ، ابْنُ عَمِّ مُحَدِّثِ أَصْبَهَانَ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ بنِ المُسَيَّبِ بنِ زُهَيْرٍ الضَّبِّيِّ. وُلِدَ دَاوُدُ: قَبْلَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ تَقْرِيْباً.   (*) طبقات ابن سعد 7 / 349، التاريخ الكبير 3 / 236، الجرح والتعديل 3 / 420، تاريخ بغداد 8 / 363، 365، طبقات الحنابلة 1 / 155، تهذيب الكمال، ورقة: 392، تذكرة الحفاظ 2 / 457، العبر 1 / 402، تذهيب التهذيب 1 / 207، تهذيب التهذيب 3 / 195، النجوم الزهرة 2 / 254، طبقات الحفاظ: 199، 200، خلاصة تذهيب الكمال: 110. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 130 وَرَوَى عَنْ: جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ السِّنْدِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ العَطَّارِ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَأْخُذُ لِدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو بِالرِّكَابِ. وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَدْ كَانَ البَغَوِيُّ مُكْثِراً عَنْهُ، فَكَانَ مُجَّانُ الطَّلَبَةِ يَقُوْلُوْنَ: فِي دَارِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ بِنْتِ مَنِيْعٍ شَجَرَةٌ تَحْمِلُ دَاوُدَ بنَ عَمْرٍو الضَّبِّيَّ. قَالَ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ دَاوُدُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي صَفَرٍ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ لَهُ فِي (سُنَنِهِ) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، وَالغَسُوْلِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو المُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 131 فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَبَكَى، ثُمَّ قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ. حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. قَالَ البُخَارِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدٍ: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيْهِ: بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى السَّرِيْرِ، قَالَ: (طُوْبَاكَ يَا عُثْمَانُ، لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا، وَلَمْ تَلْبَسْهَا) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو المُسَيَّبِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَحْلاَءَ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيْهِ، جِيَاعٌ أَهْلُهُ (2)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، عَنِ الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذْتُهُ أَخْذاً عَنِيْفاً، فَقَالَ: (دَعِيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَطْعَمِ الطَّعَامَ، وَلاَ يَضُرُّ بَوْلُهُ) . حَجَّاجٌ: فِيْهِ لِيْنٌ. وَقَولُهُ: المُسَيَّبِيُّ: نَسَبَهُ إِلَى عَمِّهِ الأَمِيْرِ المُسَيَّبِ بنِ زُهَيْرٍ.   (1) لكن روي من طريق آخر، أخرجه الترمذي (989) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل الميت، من طريق سفيان عن عاصم بن عبيد الله، عن قاسم، عن عائشة. وعاصم بن عبيد الله ضعيف، بقية رجاله ثقات، وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة، ذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 20، وقال: رواه البزار، وإسناده حسن، فيتقوى الحديث به ويصح. (2) وأخرجه مسلم (2046) في الاشربة: باب في إدخال التمر ونحوه من الاقوات للعيال، من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة عن عائشة، وأخرجه أبو داود (3831) ، والترمذي (1816) ، وابن ماجة (3327) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 132 حَدَّثَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، حَدَّثَنَا الفَتْحُ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَرْبُ خَدْعَةٌ) (1) . 49 - دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ أَبُو الفَضْلِ الخُوَارِزْمِيُّ * (خَ، م، د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو الفَضْلِ الخُوَارِزْمِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، مَولَى بَنِي هَاشِمٍ، رَحَّالٌ، جَوَّالٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. سَمِعَ: أَبَا المَلِيْحِ الحَسَنَ بنَ عُمَرَ الرَّقِّيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بنَ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبَ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَشُعَيْبَ بنَ إِسْحَاقَ، وَسُوَيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدَ المَلِكِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيَّ، وَمَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةً.   (1) إسناده قوي. ومحمد بن مسلم هو الطائفي، وعمرو هو ابن دينار. وأخرجه البخاري 6 / 110 في الجهاد: باب الحرب خدعة، ومسلم (1739) في الجهاد: باب جواز الخداع في الحرب، وأبو داود (2636) ، والترمذي (1675) ، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو ابن دينار، عن جابر. وقوله: " خدعة "، يروى هذا الحرف من ثلاثة أوجه: أصوبها، خدعة، بفتح الخاء وسكون الدال. قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الخطابي: معنى الخدعة أنها مرة واحدة، أي: إذا خدع المقاتل مرة، لم يكن لها إقالة. ويروى: خدعة، بضم الخاء وسكون الدال، وهي الاسم من الخداع، كما يقال: هذه لعبة: ويقال: خدعة، بضم الخاء وفتح الدال، ومعناها أنها تخدع الرجال وتمنيهم، ثم لا تفي لهم، كما يقال: لعبة، إذا كان كثير التلعب بالاشياء. (*) طبقات ابن سعد 7 / 349، التاريخ الكبير 3 / 244، التاريخ الصغير 2 / 371، الجرح والتعديل 3 / 412، تاريخ بغداد 8 / 367، 368، تهذيب الكمال، ورقة: 388، 389، العبر 1 / 429، 430، تذهيب التهذيب 1 / 205، تهذيب التهذيب 3 / 184، خلاصة تذهيب الكمال: 109، شذرات الذهب 2 / 91. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 133 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُجَدَّرِ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ فِي (المُجَالَسَةِ) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي، فَأَخَذَنِي البَردُ؛ لِمَا أَنَا فِيْهِ مِنَ العُرْيِ، فَأَخَذَنِي النَّومُ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَائِلاً يَقُوْلُ: يَا دَاوُدُ، أَنَمْنَاهُمْ وَأَقَمنَاكَ، فَتَبكِي عَلَيْنَا؟ قَالَ الحَرْبِيُّ: فَأَظُنُّ دَاوُدَ مَا نَامَ بَعْدَهَا -يَعْنِي: مَا تَرَكَ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ-. قَالَ: وسَمِعْتُ دَاوُدَ يَقُوْلُ: قَالَتْ حُكَمَاءُ الهِنْدِ: لاَ ظَفَرَ مَعَ بَغْيٍ، وَلاَ صِحَّةَ مَعَ نَهْمٍ، وَلاَ ثَنَاءَ مَعَ كِبْرٍ، وَلاَ صَدَاقَةَ مَعَ خِبٍّ (1) ، وَلاَ شَرَفَ مَعَ سُوءِ أَدَبٍ، وَلاَ بِرَّ معَ شُحٍّ، وَلاَ مَحَبَّةَ مَعَ هُزءٍ، وَلاَ قَضَاءَ مَعَ عَدَمِ فِقْهٍ، وَلاَ عُذْرَ مَعَ إِصرَارٍ، وَلاَ سِلْمَ قَلْبٍ مَعَ غِيبَةٍ، وَلاَ رَاحَةَ مَعَ حَسَدٍ، وَلاَ سُؤْدُدَ مَعَ انتِقَامٍ، وَلاَ رِئَاسَةَ مَعَ عِزَّةِ نَفْسٍ وَعُجْبٍ، وَلاَ صَوَابَ مَعَ تَركِ مُشَاوَرَةٍ، وَلاَ ثَبَاتَ مُلْكٍ مَعَ تَهَاوُنٍ. تُوُفِّيَ: سَابِعَ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَبنَاءِ   (1) الخب، بالكسر والفتح: الخداع والخبث والغش. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 134 الثَّمَانِيْنَ، وَلَعَلَّ بَعْضَ أُمَرَاءِ الزَّمَانِ يَحوِي هَذِهِ الخِلاَلَ الرَّدِيَّةَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكَ المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! عَلِّمْنِي مَا أَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ. قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، وَجَمَاعَةٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّى بنُ اللَّتِّيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى الهَرْثَمِيَّةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبَيْنِ مُعَصفَرَيْنِ، فَقَالَ: (أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا) ؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: (أَحْرِقْهُمَا) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ دَاوُدَ. وَالإِحرَاقُ هُنَا تَعْزِيْرٌ، وَلَعَلَّ صِبْغَهُمَا كَانَ لاَ يَزُولُ بِالغَسْلِ كَمَا يَنْبَغِي، وَالمُعَصْفَرُ يُرَخَّصُ لِلْمَرْأَةِ.   (1) وأخرجه البخاري 10 / 431 في الأدب: باب الحذر من الغضب، والترمذي (2020) في البر والصلة، وأحمد 2 / 466. (2) رقم (2077) في اللباس والزينة: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، وفي رواية عنده: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 135 50 - سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ * (خَ، 4) هُوَ: الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ دِمَشْقَ، أَبُو أَيُّوْبَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَيْمُوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. وَجَدُّهُ: هُوَ شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، المُحَدِّثُ، التَّابِعِيُّ، الحِمْصِيُّ، شَيْخُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، كَانَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَمَسْلَمَةَ بنِ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَبِشْرِ بنِ عَوْفٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، وَسَعْدَانَ بنِ يَحْيَى، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيِّ، وَعُمَرَ بنِ الوَاحِدِ النَّصْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ مَوْلَى وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنِ: الحَافِظِ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ الأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ تِلمِيذُهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ الخُتَّلِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُنَيْنٍ الخُتَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ أَخِي هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى القَاضِي، وَأَبُو قُصَيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ العُذْرِيُّ. وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ   (*) التاريخ الكبير 4 / 24، تاريخ الفسوي 1 / 209، الجرح والتعديل 4 / 129، تهذيب الكمال، ورقة: 545، 546، تذكرة الحفاظ 2 / 438، العبر 1 / 413، 414، ميزان الاعتدال 2 / 212، 214، تذهيب التهذيب 2 / 52، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 4 / 207، 208، طبقات الحفاظ: 192، شذرات الذهب 2 / 78. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 136 مُحَمَّدِ بنِ قِيْرَاطٍ، وَبَدْرُ بنُ الهَيْثَمِ الدِّمَشْقِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ الخُوَارِزْمِيُّ القَاضِي، وَأَبَوَا زُرْعَةَ (1) ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الحَرِيْصِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُمَيْعٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ أَكيَسُ مِنْهُ. رَوَاهُ: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُلَيْمَانُ صَدُوْقٌ، مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، وَلَكِنَّهُ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالمَجْهُوْلِيْنَ، وَكَانَ عِنْدِي فِي حَدِّ لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَضَعَ لَهُ حَدِيْثاً لَمْ يُفْهَمْ، وَكَانَ لاَ يُمَيِّزُ. أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ كَيِّسٌ. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَبُو أَيُّوْبَ -يَعْنِي: سُلَيْمَانَ ابْنَ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ- خَيْرٌ مِنْ هِشَامٍ، حَدَّثَ هِشَامٌ بِأَرْجَحَ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ، لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ مُسْنَدَةٌ، كُلُّهَا، كَانَ فَضْلَكُ (2) يَدُوْرُ عَلَى أَحَادِيْثِ أَبِي مُسْهِرٍ وَغَيْرِهِ، يُلَقِّنُهَا هِشَاماً، وَيَقُوْلُ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي، قَدْ رُوِيَ، فَلاَ أُبَالِي مَنْ حَمَلَ الخَطَأَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً: سُلَيْمَانُ: ثِقَةٌ، يُخطِئُ كَمَا يُخطِئُ النَّاسُ. قِيْلَ لَهُ: أَحُجَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: الحُجَّةُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ إِذَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: كَانَ صَحِيْحَ الكِتَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلُ، فَإِنْ   (1) أي الدمشقي، والرازي. (2) هو الحافظ الناقد فضلك الصائغ أبو بكر الفضل بن العباس الرازي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 137 وَقَعَ فِيْهِ شَيْءٌ، فَمِنَ النَّقْلِ، وَسُلَيْمَانُ ثِقَةٌ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ الضَّعفَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُعتَبَرُ حَدِيْثُهُ إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ، فَإِذَا رَوَى عَنِ المَجَاهِيْلِ، فَفِيْهَا مَنَاكِيْرُ. قَالَ الحَاكِمُ: قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: أَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ؟ قَالَ: حَدَّثَ بِهَا عَنْ ضُعَفَاءَ، فَأَمَّا هُوَ، فَثِقَةٌ. وَذَكَرهُ: أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ فِي أَهْلِ الفَتْوَى بِدِمَشْقَ. وَقَالَ أَيْضاً: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيْهُ أَهْلِ دِمَشْقَ. قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ جَوْصَا: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ يَعْقُوْبَ الجَوْزَجَانِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِلنَّاسِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَاسْتَزَدْنَاهُ، قَالَ: بَلَغَنِي وُرُوْدُ هَذَا الغُلاَمِ الرَّازِيِّ -يَعْنِي: أَبَا زُرْعَةَ- فَدَرَستُ لِلالتِقَاءِ بِهِ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: هُوَ فِي نَفْسِهِ صَدُوْقٌ، لَكِنَّهُ لَهِجَ بِرِوَايَةِ الغَرَائِبِ عَنِ المَجَاهِيْلِ وَالضُّعَفَاءِ. وَلهُ فِي ِ (كِتَابِ أَبِي عِيْسَى) التِّرْمِذِيِّ حَدِيْثُ الدُّعَاءِ لِحِفْظِ القُرْآنِ (1) ، يَرْوِيْهِ عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالحَدِيْثُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ (2) .   (1) أخرجه الترمذي (3570) في الدعوات: باب في دعاء الحفظ، من طريق سليمان ابن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريح، عن عطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس ... وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم. (2) كذا قال، مع أن رجاله ثقات، وليس فيه سوى تدليس ابن جريح. ويبدو أن المؤلف = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 138 وَقَدْ رَوَى: البُخَارِيُّ أَيْضاً، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْهُ. وَعَبْدُ اللهِ هَذَا: هُوَ عِنْدِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الخُوَارِزْمِيِّ القَاضِي، فَإِنَّ البُخَارِيَّ نَزَلَ عِنْدَهُ مُدَّةً، وَنَظَرَ فِي كُتُبِهِ، وَعَلَّقَ عَنْهُ أَمَاكِنَ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) الكَبِيْرِ لَهُ. وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ ابْنُ دُحَيْمٍ، فَقَالَ: فِي يَوْمِ الأَرْبَعَاءِ، لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَشَهِدْتُهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَالِكُ بنُ طَوْقٍ -يَعْنِي: الأَمِيْرَ الَّذِي بَنَى مَدِيْنَةَ الرَّحْبَةِ-. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ: مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيْنَ سَنَةً. - أَمَّا: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ التَّيْمِيُّ * ابْنِ عِمْرَانَ بنِ مُوْسَى بنِ طَلْحَةَ بنِ (1) عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ، الطَّلْحِيُّ، الكُوْفِيُّ، التَّمَّارُ، فَيَرْوِي عَن أَبِيْهِ. يُكْنَى: أَبَا دَاوُدَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ 252. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الفَرَّاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ أَيُّوْبَ   = ينصب نقده على الحديث من جهة متنه، لا من جهة سنده، فقد قال في ترجمة الوليد بن مسلم من " الميزان ": قلت: ومن أنكر ما أتى حديث حفظ القرآن، رواه الترمذي. (*) الجرح والتعديل 4 / 129، تهذيب التهذيب 4 / 206، 207، خلاصة تذهيب الكمال: 153. (1) سقطت من الأصل، واستدركت من كتب الرجال. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 139 البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ يَقُوْلُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، وَلاَ تَحْمِلَنَّكُمُ العُسْرَةُ عَلَى أَنْ تَطلُبُوا الرِّزْقَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ احْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِيْنِ، وَلاَ تَحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الأَغْنِيَاءِ، فَإِنَّ أَشْقَى الأَشْقِيَاءِ مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَقْرُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الآخِرَةِ) . غَرِيْبٌ جِدّاً. وَخَالِدٌ: دِمَشْقِيٌّ، ضَعَّفَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ (1) . 51 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ التَّمِيْمِيُّ * (خَ، م، د) الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المُجَوِّدُ، أَبُو إِسْحَاقَ التَّمِيْمِيُّ، الرَّازِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَرَحَلَ إِلَى الأَقْطَارِ، وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ   (1) قال المؤلف في " ميزانه ": وهاه ابن معين، وقال أحمد: ليس بشيء. وقال النسائي: غير ثقة. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن أبي الحوراي: سمعت ابن معين يقول: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن، " تفسير الكلبي " عن أبي صالح. وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن، " كتاب الديات " لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة، ثم أورد الذهبي المؤلف هذا الحديث من منكراته. (*) التاريخ الكبير 1 / 327، الجرح والتعديل 2 / 137، تهذيب الكمال، ورقة: 67، تذكرة الحفاظ 2 / 449، العبر 1 / 407، تذهيب التهذيب 1 / 44، تهذيب التهذيب 1 / 170، 171، طبقات الحفاظ: 196، خلاصة تدهيب الكمال: 22، شذرات الذهب 2 / 69. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 140 إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ البَجَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ بَيْتَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَاضِرٍ - شَيْخٌ لأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ - وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ أَتْقَنُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَصَحُّ حَدِيْثاً، وَأَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ المُؤَذِّنِ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ كَذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ، هُوَ أَتْقَنُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مِهْرَانَ الجَمَّالِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: مَاتَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ القُرَشِيِّ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ بَيْتَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى - هُوَ ابْنُ يُوْنُسَ - عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بنُ أَرْقَمَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى، وَقُوْمُوا للهِ قَانِتِيْنَ} [البَقَرَةُ: 238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوْتِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 141 أَخْرَجَهُ: الجَمَاعَةُ (1) ، سِوَى القَزْوِيْنِيِّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، نَحْوَهُ. أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَابْنُ عَلاَّنَ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَاضِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنْ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، عَنِ العَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا المَغْرِبَ حَتَّى اشْتِبَاكِ النُّجُوْمِ) . أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَهْ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، عَنِ الفِدَاءِ. وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: عُمَرُ تَالِفٌ. قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ (3) ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الصَّابُوْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ،   (1) أخرجه البخاري 8 / 149 في تفسير سورة البقرة: باب (وقوموا لله قانتين) ، وفي العمل في الصلاة: باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة، والترمذي (405) في الصلاة: باب ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة، وفي التفسير (2989) ، وأبو داود (949) ، والنسائي 3 / 18 في الكلام في الصلاة. (2) رقم (689) ، والدارمي 1 / 275، ورجاله ثقات، خلا عمر بن إبراهيم، وهو صدوق إلا أنه مضطرب الحديث عن قتادة خاصة. وقد قسا المؤلف، رحمه الله، على عمر حين وصفه بقوله: تالف، على أن للحديث شاهدا يصح به، رواه أبو داود (418) في الصلاة: باب في وقت المغرب، وأحمد 4 / 147 و5 / 417، 422 من طريق ابن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن أبي أيوب وعقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي بخير، أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ". وهذا سند قوي، فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث، وصححه الحاكم 1 / 190، 191، ووافقه الذهبي المؤلف، وجعل حديث العباس السابق شاهدا له. (3) هو أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله المعمر الرئيس أبو الفضل الدمشقي من بيت الرواية والعدالة مولده سنة أربع عشرة وست مئة وتوفي سنة تسع وتسعين وست مئة. ترجم له المؤلف في مشيخته، الورقة 20 / 2. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 142 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي أَيُّوْبُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اليَوْمُ المَوْعُوْدُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَالمَشْهُوْدُ: يَوْمُ عَرَفَةَ) . الحَدِيْثُ أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) . 52 - مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ * (خَ، م، د) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الجَوَّالُ، النَّقَّالُ، أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَمِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ، وَعَطَاءِ بنِ مُسْلِمٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ منْ نُظَرَائِهِم وَدُوْنِهِم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ   (1) رقم (3339) في تفسير القرآن: باب ومن سورة البروج. وإسناده ضعيف، لضعف موسى بن عبيدة الربذي. (*) التاريخ الكبير 1 / 245، التاريخ الصغير 2 / 370، الضعفاء ورقة: 402، الجرح والتعديل 8 / 93، تاريخ بغداد 3 / 413، تهذيب الكمال ورقة: 1158، تذكرة الحفاظ 2 / 448، 449، العبر 1 / 430، ميزان الاعتدال 4 / 49، تذهيب التهذيب 4 / 3، الوافي بالوفيات 5 / 81، تهذيب التهذيب 9 / 478، 479، طبقات الحفاظ: 195، 196، خلاصة تذهيب الكمال: 361، شذرات الذهب 2 / 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 143 الطَّيَالِسِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الطَّبَرَكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ بَكْرٍ الكَيْلاَنِيُّ - وَرَّاقُ أَبِي زُرْعَةَ - وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الجَمَّالِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى، فَقَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ أَوْسَعَ حَدِيْثاً، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ أَتْقَنَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ صَدُوْقٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: مَشَايِخُ خُرَاسَانَ ثَلاَثَةٌ: أَوَّلُهُم: قُتَيْبَةُ، وَالثَّانِي: مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ، وَالثَّالِثُ: عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَرِيْباً مِنْهُ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ القَصَّارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الطَّبَرَكِيُّ بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الجَمَّالُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُس، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ أَبِيْه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، فَإذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (1) .   (1) وأخرجه الامام أحمد 2 / 203، والبخاري 1 / 174، 175 في العلم: باب كيف يقبض العلم، وفي الاعتصام: باب ما يذكر من ذم الرأي، ومسلم (2673) في العلم: باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، والترمذي (2652) باب ما جاء في ذهاب العلم، وابن ماجة (52) باب اجتناب الرأي والقياس من حديث عبد الله بن عمرو، وكان = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 144 هَذَا غَرِيْبٌ مِنْ طَرِيْقِ عِيْسَى. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: مَا كَتَبنَاهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الطَّرِيْقِ. 53 - الخَازِنُ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَقِيْلٍ * الإِمَامُ، مُحَدِّثُ هَمَذَانَ، أَبُو الحَسَنِ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَقِيْلٍ الهَمَذَانِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِالخَازِنِ. قِيْلَ: كَانَ خَازِناً لِبَعْضِ الخُلَفَاءِ. رَوَى عَنْ: أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَهُشَيْمٍ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعِيْشَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ سَنْدُوْلٌ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ المُسُوْحِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ الكَرَابِيْسِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَبلُغْنِي أَنَّه أَخطَأَ إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، كَأَنَّهُ دَخَلَ لَهُ حَدِيْثٌ فِي حَدِيْثٍ. وَلَيَّنَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ خُزَّانِ الخِلاَفَةِ.   = تحديث النبي، صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع، كما رواه أحمد 5 / 266، والطبراني من حديث أبي أمامة، قال: لما كان في حجة الوداع، قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مردف الفضل ابن عباس على جمل آدم، فقال: " يا أيها الناس! خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم ... ". فقال أعرابي: كيف يرفع؟ فقال: " ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته " ثلاث مرات. (*) الضفعاء: 73، 74، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 222، الكامل لابن عدي ورقة: 62، 63، ميزان الاعتدال 1 / 437، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 201. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 145 54 - سُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَرْوَزِيُّ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَارِثِ المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ، وَأَبِي إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ شُجَاعٍ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَبِوَاسِطَةٍ البُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: صَاحِبُ خَيْرٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ جِدّاً، عَابِدٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُرَيْجَ بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ. فَقُلْتُ: رَحْمَان سَرْبَسَرْ -يَعْنِي: رَأْساً بِرَأْسٍ-.   (*) التاريخ الكبير 4 / 205، التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 4 / 305، الفهرست: 287، تاريخ بغداد 9 / 219، 221، تهذيب الكمال، ورقة: 469، 470، العبر 1 / 421، تذهيب التهذيب 2 / 6، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 301، 302، تهذيب التهذيب 3 / 457، 459، النجوم الزاهرة 2 / 281، 282، طبقات الحفاظ: 213، 214، خلاصة تذهيب الكمال: 133. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 146 قُلْتُ: كَانَ سُرَيْجٌ مِنَ الأَئِمَّةِ العَابِدِينَ، لَهُ أَحوَالٌ، وَكَانَ رَأْساً فِي السُّنَّةِ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَفِيْفٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ عَبَّادٍ، وَابْنُ المُقْرِئِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ أَوْسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَأُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيْمِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ. 55 - عَمْرٌو النَّاقِدُ عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُكَيْرٍ * (خَ، م، د) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُكَيْرِ بنِ سَابُوْرَ البَغْدَادِيُّ، النَّاقِدُ، نَزِيْلُ الرَّقَّةِ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بن غِيَاثٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ هَمَّامٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.   (1) 3 / 483 في الحج: باب عمرة التنعيم. والتنعيم مكان معروف خارج مكة، وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة. (*) طبقات ابن سعد 7 / 358، التاريخ الكبير 6 / 375، التاريخ الصغير 2 / 362، الجرح والتعديل 6 / 262، تاريخ بغداد 12 / 205، 207، تهذيب الكمال، ورقة: 1049، 1050، تذكرة الحفاظ 2 / 445، 446، ميزان الاعتدال 3 / 287، تذهيب التهذيب 3 / 109، تهذيب التهذيب 8 / 96، 97، النجوم الزاهرة 2 / 265، طبقات الحفاظ: 194، 195، خلاصة تذهيب الكمال: 293، شذرات الذهب 2 / 75. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 147 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّرَّاجُ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَمْرٌو النَّاقِدُ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، أَمِيْنٌ. وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ، فَقِيْهاً، مِنَ الحُفَّاظِ المَعْدُوْدِينَ. مَاتَ: لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِبَغْدَادَ. وَكَذَا أَرَّخَهُ فِي الشَّهْرِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ - وَأَنَا أَسْمَعُ -: حَدَّثَكُم عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صَلاَةُ القَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ القَائِمِ) (1) . 56 - خَلَفُ بنُ سَالِمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ المُهَلَّبِيُّ * (س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ، البَغْدَادِيُّ، مَوْلَى آلِ   (1) إسناده حسن، وأخرجه ابن ماجة (2229) في إقامة الصلاة: باب صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، من طريق الأعمش عن حبيب، عن أبي ثابت، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو. وفي الباب عن أنس عند أحمد والنسائي وابن ماجة، وعن ابن عمر، وعبد الله السائب، والمطلب بن أبي وداعة عند الطبراني. (*) طبقات ابن سعد 7 / 354، طبقات خليفة: 479، التاريخ الكبير 3 / 196، التاريخ = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 148 المُهَلَّبِ، مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ. وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَطَبَقَتِهِم، وَارْتَحَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خُثَيْمَةَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المَعْمَرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَأَخْرَجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ حَدِيْثاً فِي (سُنَنِهِ) ، وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِفْظِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ. وَمِنْ مَشَايِخِهِ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ. وَكَانَ صَدِيْقاً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. مَاتَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ لِسَعَةِ حِفْظِهِ يَتَّبِعُ الغَرَائِبَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُه يَكذِبُ، نَقَمُوا عَلَيْهِ بِتَتَبُّعِهِ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ. وَقَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، كَانَ أَثْبَتَ مِنْ مُسَدَّدٍ وَالحُمَيْدِيِّ.   = الصغير 2 / 360، الجرح والتعديل 3 / 371، تاريخ بغداد 8 / 328، 330، اللباب 3 / 109، تهذيب الكمال، ورقة: 379، تذكرة الحفاظ 2 / 481، ميزان الاعتدال 1 / 660، 661، تذهيب التهذيب 1 / 199، تهذيب التهذيب 3 / 152، 153، طبقات الحفاظ: 207، خلاصة تذهيب الكمال: 106. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 149 قَالَ الصُّوْفِيُّ: تُوُفِّيَ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ اليَرْبُوْعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي أُصِيبَ فِيْهِ عَمَّارٌ، إِذَا رَجُلٌ قَدْ بَرَزَ بَيْنَ الصَّفِّيْنِ جَسِيمٌ، عَلَى فَرَسٍ جَسِيمٍ ضَخمٍ، يُنَادِي بِصَوتٍ مُوْجِعٍ: رُوْحُوا إِلَى الجَنَّةِ يَا عِبَادَ الله - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - الجَنَّةُ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوْفِ. فَثَارَ النَّاسُ، فَإِذَا هُوَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ. 57 - جُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ أَبُو مُحَمَّدٍ الحِمَّانِيُّ * (ق) الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحِمَّانِيُّ، الكُوْفِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: شَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، وَقَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ أَبِي المُسَاوِرِ، وَأَبِي شَيْبَةَ العَبْسِيِّ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَالكِبَارِ.   (1) هي شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الابري، عالمة فاضلة، وكاتبة مجيدة، ذات دين وصلاح. ولدت ببغداد، وسمعت من أكابر علماء عصرها. وتوفيت ببغداد حوالي سنة 574، وقد نيفت على التسعين من عمرها، وفي رواية على المئة. انظر ترجمتها في مرآة الزمان: 353، وعبر الذهبي 4 / 220، وشذرات الذهب 4 / 248. (*) التاريخ الصغير 2 / 376، الضعفاء: 73، الجرح والتعديل 2 / 550، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 221، الكامل لابن عدي، ورقة: 62، الأنساب 4 / 237، تهذيب الكمال ورقة: 186، العبر 1 / 435، ميزان الاعتدال 1 / 387، تذهيب التهذيب 1 / 102، تهذيب التهذيب 2 / 57، 59، خلاصة تذهيب الكمال: 65، شذرات الذهب 2 / 98. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 150 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ) ، وَأَحْمَدُ بنُ الصَّلْتِ الحِمَّانِيُّ؛ ابْنُ أَخِيْهِ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُطَيَّنٌ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ، وَالحَسَنُ بنُ بَحْرٍ البَيْرُوْذِيُّ - بِذَالٍ مُعجَمَةٍ - وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَرَضتُ عَلَى أَبِي أَحَادِيْثَ سَمِعْتُهَا مِنْ جُبَارَةَ، فَأَنكَرَ بَعْضَهَا، وَقَالَ: هَذِهِ مَوْضُوْعَةٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُضَّطَرِبُ الحَدِيْثِ. وَعَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ كَذَّابٌ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ يُوضَعُ لَهُ، فَيُحَدِّثُ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَارَبَ المائَةَ. 58 - عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ * (خَ، م، د، ق) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المُفَسِّرُ، أَبُو الحَسَنِ عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ القَاضِي أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُوَاسْتَى العَبْسِيُّ مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَأَخُو الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ. وُلِدَ: بُعَيدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ.   (*) طبقات خليفة: 173، التاريخ الكبير 6 / 250، التاريخ الصغير 2 / 369، الضعفاء، ورقة: 293، 294، الجرح والتعديل 6 / 166، 167، الفهرست: 285، تاريخ بغداد 11 / 283، 288، تهذيب الكمال، ورقة: 921، 922، تذكرة الحفاظ 2 / 444، العبر 1 / 430، ميزان الاعتدال 3 / 35، تذهيب التهذيب 3 / 34، 35، تهذيب التهذيب 7 / 149، 151، النجوم الزاهرة 2 / 301، طبقات الحفاظ: 193، خلاصة تذهيب الكمال: 262، طبقات المفسرين 1 / 379، شذرات الذهب 2 / 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 151 وَحَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَعَفَّانَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاحْتَجَّا بِهِ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِمَا) ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالفَسَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالفِرْيَابِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قُلْتُ: لاَ رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، وَقَدْ تَفَرَّدَ فِي سَعَةِ عِلْمِهِ بِخَبَرَيْنِ مُنْكَرَيْنِ عَنْ جَرِيْرٍ الضَّبِّيِّ، ذَكَرْتُهُمَا فِي كِتَابِ (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (1)) . غَضِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْهُ؛ لِكَوْنِهِ حَدَّثَ بِهِمَا. وَهُوَ - مَعَ ثِقَتِهِ - صَاحِبُ دُعَابَةٍ حَتَّى فِيْمَا يَتَصَحَّفُ مِنَ القُرْآنِ العَظِيْمِ - سَامَحَهُ اللهُ -. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي: إِلَى مَتَى لاَ يَمُوْتُ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه؟ فَقُلْتُ لَهُ: شَيْخٌ مِثْلُكَ يَتَمَنَّى هَذَا؟! قَالَ: دَعنِي، فَلَو مَاتَ،   (1) 3 / 35، 36. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 152 لَصَفَا لِي جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ. قُلْتُ: فَمَا عَاشَ بَعْدَ إِسْحَاقَ سِوَى خَمْسَةِ أَشْهُرٍ. الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ الحُبَابِ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ قَرَأَ عَلَيْهِم فِي التَّفْسِيْرِ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيْلِ} [الفِيْلُ: 1] ، فَقَالهَا: أَلِفٌ لاَمٌ مِيْمٌ. قُلْتُ: هُوَ إِمَا سَبْقُ لِسَانٍ، أَوِ انبِسَاطٌ مُحَرَّمٌ. وَقَالَ القَاضِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَاسٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الخَصَّافُ، قَالَ: قَرَأَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي التَّفْسِيْرِ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ} السَّفِيْنَةَ، فَنَادُوا: {السِّقَايَةَ} [يُوْسُفُ: 70] ، فَقَالَ: أَنَا وَأَخِي لاَ نَقرَأُ لِعَاصِمٍ. وَقَدْ أَكثَرَ عَنْهُ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) . قُلْتُ: وَكَانَ شَيْخاً لاَ يَخْضِبُ، وَأَخُوْهُ أَحْفَظُ مِنْهُ. قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ عُثْمَانُ فِي ثَالِثِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ بِالْكُوْفَةِ، وَحَكِيْمُ بنُ سَيْفٍ بِالرَّقَّةِ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الوَرَّاقُ الصِّيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ صَاحِبُ الشَّامَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ الجمَالِيُّ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَالصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ الجَحْدَرِيُّ قَاضِي سَامَرَّاءَ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، وَإِبرَاهِيمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، وَيُوْسُفُ الحَجَّارُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، وَجَرِيْرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- فِيْهَا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 153 خَيْراً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ. 59 - الزِّيَادِيُّ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ * (خَ، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ زِيَادِ ابْنِ أَبِيْهِ الزِّيَادِيُّ، البَصْرِيُّ، مِنْ أَوْلاَد أَمِيْرِ العِرَاقِ زِيَادٍ؛ الَّذِي اسْتَلحَقَهُ مُعَاوِيَةُ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى المَدَنِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَفُضَيْلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: اليُؤْيُؤُ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ المَدَائِنِيُّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِصْنٍ الآلُوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ الهَرَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ الهَرَوِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ أَسنَدَ مَنْ بَقِيَ بِالبَصْرَةِ مَعَ أَبِي الأَشْعَثِ. ذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ.   (1) رقم (757) في صلاة المسافرين وقصرها: باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء. (*) الأنساب 6 / 359، اللباب 2 / 84، تهذيب الكمال، ورقة: 1197، ميزان الاعتدال 3 / 552، تذهيب التهذيب 3 / 204، / 2، الوافي بالوفيات 3 / 80، تهذيب التهذيب 9 / 168، 169، خلاصة تذهيب الكمال: 336. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 154 وَأَخرَجَ عَنْهُ البُخَارِيُّ حَدِيْثاً وَاحِداً، كَالمَقْرُوْنِ بِغَيْرِهِ، عَنْ غُنْدَرٍ. وَأَظُنُّه بَلَغَ التِّسْعِيْنَ، وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بِنَابُلُسَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ المُرَادِيِّ، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا فِي سَفَرٍ، أَوْ كُنَّا مُسَافِرِينَ، لَمْ نَخْلَعْ خِفَافَنَا ثَلاَثاً، إِلاَّ مِن جَنَابَةٍ -يَعْنِي: مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ (1) . 60 - مُشْكُدَانَةُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ القَرَشِيُّ (2) * (م، د) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانِ بنِ صَالِحِ بنِ عُمَيْرٍ القَرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، مَوْلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.   (1) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (96) في الطهارة: باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 239، وصححه ابن حبان (186) . وقوله: " لكن من غائط أو بول "، قال الخطابي: كلمة " لكن " موضوعة للاستدراك، وذلك لأنه تقدمه نفي واستثناء، وهو قوله: لم نخلع خفافنا إلا من جنابة، ثم قال: لكن من بول أو غائط فاستدركه ب " لكن " ليعلم أن الرخصة إنما جاءت من هذا النوع من الاحداث دون الجنابة، فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب، كان عليه نزع الخف وغسل الرجل مع سائر البدن، وهذا كما تقول: ما جاءني زيد، لكن عمرو. وما إن رأيت زيدا، لكن خالدا. (2) سبق ضبطها في ص: 124 وسيضبطها المؤلف فيما بعد. (*) التاريخ الكبير 5 / 145 - 146، التاريخ الصغير 2 / 371، و2 / 159، الضعفاء: 214، 215، الجرح والتعديل 5 / 110، 111، طبقات الحنابلة 1 / 189، تهذيب الكمال ورقة: 715، ميزان الاعتدال 2 / 466، العبر 1 / 430، تذهيب التهذيب 2 / 169، تهذيب التهذيب 5 / 332، 333، خلاصة تذهيب الكمال: 207، 208، شذرات الذهب 2 / 92. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 155 سَمِعَ: عَبْدَ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ هَاشِمٍ، وَابْنَ المُبَارَكِ، وَعُبَيْدَ اللهِ الأَشْجَعِيَّ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ، وَعِدَّةً مِنْ جِلَّةِ الكُوْفِيِّيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَالسَّرَّاجُ أَبُو العَبَّاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ السَّرَّاجُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ: رَأَى مُشْكُدَانَةُ عَلَى كِتَابِ رَجُلٍ: مُشْكُدَانَةَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: لَقَّبَنِي بِهَا أَبُو نُعَيْمٍ، كُنْتُ إِذَا أَتَيتُهُ، تَلَبَّستُ، وَتَطَيَّبتُ، فَإِذَا رَآنِي، قَالَ: جَاءَ مُشْكُدَانَةُ. وَقِيْلَ: هُوَ وِعَاءُ المِسْكِ. وَمُشْكُ: مِسْكٌ. وَقِيْلَ: كَانَ مُشْكُدَانَةُ شِيْعِيّاً. وَضَبَطَ ابْنُ الصَّلاَحِ مُشْكَدَانَةَ: بِضَمِّ أَوَّلِه، وَفَتْحِ ثَالِثِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا المِزِّيُّ: فِي الكَافِ الضَمُّ أَيْضاً، وَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 61 - يَحْيَى بنُ حَبِيْبِ بنِ عَرَبِيٍّ البَصْرِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ   (*) الجرح والتعديل 9 / 137، تهذيب الكمال، ورقة: 1491، اللباب 1 / 267، تذهيب التهذيب 4 / 151، تهذيب التهذيب 11 / 195، 196، طبقات الحفاظ: 198، خلاصة تذهيب الكمال: 422. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 156 العَطَّارِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى البُخَارِيِّ - وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، قَلَّ شَيْخٌ رَأَيْتُ مِثْلَهُ بِالبَصْرَةِ. قُلْتُ: هُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَقِيَهُ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ الحَافِظُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ. وَمَاتَ: فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 62 - سَنْدُوْلُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ القُرَشِيُّ الهَمَذَانِيُّ * مُحَدِّثٌ هَمَذَانَ. رَوَى عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعِيْشَ البَغْدَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي (المَرَاسِيْلِ) ، وَمُطَيَّنٌ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ، وَاللَّيْثُ بنُ إِدْرِيْسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: صَنَّفَ كُتُباً كَثِيْرَةً، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ وَالصَّالِحِيْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ كَثِيْرَ الغَزْوِ وَالحَجِّ وَالعِبَادَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ. يُقَالُ: إِنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَخَذَ لَهُ بِرِكَابِه. وَيُقَالُ: حَجَّ أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.   (*) تهذيب الكمال، ورقة: 1227، 1228، تذهيب التهذيب 3 / 223 / 1، تهذيب التهذيب 9 / 289، 290، خلاصة تذهيب الكمال: 347. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 157 63 - ابْنُ كَاسِبٍ يَعْقُوْبُ بنُ حُمَيْدٍ المَدَنِيُّ * (ق) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ يَعْقُوْبُ بنُ حُمَيْدِ بنِ كَاسِبٍ المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالبُخَارِيُّ خَارِجَ (الصَّحِيْحِ) - وَفِي (الصَّحِيْحِ) فِيْمَا يَغلِبُ عَلَى ظَنِّي - وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ عَلَى كَثْرَةِ مَنَاكِيْرَ لَهُ. قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ نَرَ إِلاَّ خَيْراً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَرَوَى: مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ. كَذَا قَالَ: مُضَرُ. ورَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ. وَقَالَ القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ: قُلْتُ لأَبِي مُصْعَبٍ: عَمَّنْ أَكْتُبُ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِشَيْخِنَا أَبِي يُوْسُفَ يَعْقُوْبَ بنِ حُمَيْدٍ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 401، التاريخ الصغير 2 / 374، الضعفاء، ورقة: 451، الجرح والتعديل 9 / 206، الكامل لابن عدي، ورقة: 357، تهذيب الكمال، ورقة: 1548، تذكرة الحفاظ 2 / 466، 467، العبر 1 / 436، ميزان الاعتدال 4 / 450، 451، تذهيب التهذيب 4 / 185، العقد الثمين 7 / 474، تهذيب التهذيب 11 / 383، 385، طبقات الحفاظ: 202، 203، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 99. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 158 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَبِرِوَايَاتِهِ، هُوَ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ الغَرَائِبِ، كَتَبْتُ (مُسْنَدَهُ) عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْهُ، صَنَّفَهُ عَلَى الأَبْوَابِ. وَفِيْهِ مِنَ الغَرَائِبِ وَالنُّسَخِ وَالأَحَادِيْثِ العَزِيْزَةِ، وَشُيُوْخِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مِمَّنْ لاَ يَرْوِي عَنْهُم غَيْرُهُ. قَالَ زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ قَدْ جَعَلَ حَدِيْثَ يَعْقُوْبَ بنِ كَاسِبٍ وِقَايَاتٍ عَلَى ظُهُوْرِ كُتُبِهِ (1) ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: رَأَيْنَا فِي (مُسْنَدِهِ) أَحَادِيْثَ أَنْكَرْنَاهَا، فَطَالَبْنَاهُ بِالأُصُوْلِ، فَدَافَعَنَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَعْدُ، فَوَجَدْنَا الأَحَادِيْثَ فِي الأُصُوْلِ مُغَيَّرَةً بِخَطٍّ طَرِيٍّ، كَانَتْ مَرَاسِيْلَ، فَأَسْنَدَهَا، وَزَادَ فِيْهَا (2) . سَمِعَ العُقَيْلِيُّ هَذَا مِنْ زَكَرِيَّا. العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ النُّعْمَانِ بن ثَابِتٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ حَدِيْدٍ، عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُوْرِهَا) (3) .   (1) عبارة العقيلي: " ... رأيت أبا داود السجستاني، صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر بحديث ابن كاسب، وجعله وقايات على ظهور كتبه ". (2) انظر الخبر في " الضعفاء " للعقيلي ص: 451 (3) حديث صحيح، وأخرجه الدارمي 2 / 214، وأبو داود (2606) في الجهاد: باب الابتكار في السفر، والترمذي (1212) في البيوع: باب ما جاء في التبكير في التجارة، وابن ماجة (2236) في التجارات: باب ما يرجى من البركة في البكور، وأحمد 3 / 416 و417 و431، 432، و4 / 384 و390 و391، كلهم من حديث يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي. وعمارة بن حديد: قال أبو زرعة: لايعرف. وقال أبو حاتم: مجهول. وقال ابن المديني: لا أعلم أحدا روى عنه غير يعلى بن عطاء. وذكره ابن حبان في " الثقات " لكن الحديث حسن كما قال الترمذي، أو صحيح لشواهده، منها حديث علي عند عبد الله بن الامام أحمد (1319) و (1322) و (1328) و (1338) وسنده ضعيف، وحديث أبي هريرة، وابن عمر عند ابن ماجة (2237) و (2238) وسندهما ضعيف وفي الباب عن ابن = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 159 تَفَرَّدَ بِهِ: يَعْقُوْبُ. وَقَدْ رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى. قَالَ البُخَارِيُّ: فِي (صَحِيْحِهِ) فِي مَوْضِعَينِ مِنَ الصُّلحِ (1) ، وَفِيْمَنْ شَهِدَ بَدراً (2) : حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ ابْنُ   = مسعود، وبريدة، وابن عباس، وجابر، وعبد الله بن سلام، والنواس بن سمعان، وعمران بن حصين، وكلها ضعاف، لكن بمجموعها يصح الحديث. وقد اعتنى الحافظ المنذري بجمع طرقه، فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا. (1) 5 / 221، ونصه: حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد ". وقال الحافظ تعليقا على قوله: " حدثنا يعقوب ": كذا للاكثر غير منسوب، وانفرد ابن السكن بقوله: يعقوب بن محمد. ووقع نظير هذا في المغازي: باب فضل من شهد بدرا. قال البخاري: حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، فوقع عند ابن السكن: يعقوب بن محمد، أي الزهري، وعند الأكثر غير منسوب. لكن قال أبو ذر في روايته في المغازي: يعقوب بن إبراهيم، أي الدورقي. وقد روى البخاري في الطهارة، عن يعقوب بن إبراهيم، عن إسماعيل بن علية، حدثنا..فنسبه أبو ذر في روايته، فقال: الدورقي. وجزم الحاكم بأن يعقوب المذكور هنا هو ابن محمد، كما في رواية ابن السكن. وجزم أبو أحمد الحاكم، وابن مندة، والحبال، وآخرون بأنه يعقوب بن حميد بن كاسب. ورد ذلك البرقاني بأن يعقوب بن حميد ليس من شرطه. وجوز أبو مسعود أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد. ورد عليه بأن البخاري لم يلقه، فإنه مات قبل أن يرحل. وأجاب البرقاني عنه بجواز سقوط الواسطة، وهو بعيد. والذي يترجح عندي أنه الدورقي حملا لما أطلقه على ما قيده. وهذه عادة البخاري، لا يهمل نسبة الراوي إلا إذا ذكرها في مكان آخر، فيهملها استغناء بما سبق، والله أعلم. وقد جزم أبو علي الصدفي بأنه الدورقي، وكذا جزم أبو نعيم في " المستخرج " بأن البخاري أخرج هذا الحديث الذي في الصلح عن يعقوب بن إبراهيم. (2) 7 / 239 في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، ونصه: حدثني يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله. قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء. وكونه غير منسوب هو رواية لغير أبي ذر والاصيلي، أما هما، فقد قالا: يعقوب بن إبراهيم. وانظر تمام كلام الحافظ في " الفتح ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 160 كَاسِبٍ. وَقَالَ قَائِلٌ: هُوَ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَهُوَ بَعِيْدٌ. وَمَا أَجزِمُ بِأَنَّ الدَّوْرَقِيَّ سَمِعَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَيَحَتمِلُ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: هُوَ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، فَقَدْ أَخطَأَ، فَإِنَّ البُخَارِيَّ لَمْ يُدْرِكْهُ. وَمِنْهُم مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُوْنَ يَعْقُوْبَ بنَ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيَّ المَدَنِيَّ؛ أَحَدَ الضُّعَفَاءِ. مَاتَ ابْنُ كَاسِبٍ: فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 64 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ مُتَوَكِّلٍ العَسْقَلاَنِيُّ * (د) الحَافِظُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُتَوَكِّلٍ العَسْقَلاَنِيُّ. سَمِعَ: فُضَيْلاً، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَرِشْدِيْنَ بنَ سَعْدٍ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، وَابْنَ وَهْبٍ، وَزَيْدَ بنَ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَكَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ مُحَدِّثَ فِلَسْطِيْنَ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الحَدِيْثِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَهُوَ أَخُو الحُسَيْنِ بنِ أَبِي السَّرِيِّ.   (*) تهذيب الكمال، ورقة: 1263، تذكرة الحفاظ 2 / 473، 474، العبر 1 / 429، ميزان الاعتدال 3 / 560، و4 / 23، 24، الوافي بالوفيات 3 / 86، البداية والنهاية 10 / 317، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 234، 235، تهذيب التهذيب 9 / 424، 425، النجوم الزاهرة 4 / 292، طبقات الحفاظ: 206، خلاصة تذهيب الكمال: 357. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 161 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: خِلاَفُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُرجِئَةِ ثَلاَثٌ: يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَلاَ عَمَلٌ، وَنَقُوْلُ: قَوْلٌ وَعَمَلٌ. وَنَقُوْلُ: إِنَّهُ يَزِيْدُ وَيَنقُصُ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: لاَ يَزِيْدُ وَلاَ يَنقُصُ. وَنَحْنُ نَقُوْلُ: النِّفَاقُ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: لاَ نِفَاقَ. 65 - سَالِمُ بنُ حَامِدٍ * نَائِبُ دِمَشْقَ لِلْمُتَوَكِّلِ، كَانَ ظَلُوماً، عَسُوَفاً، شَدَّ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَِشرَافِ العَرَبِ، فَقَتَلُوهُ بِبَابِ دَارِ الإِمَارَةِ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. فَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ، فَتَنَمَّرَ، وَقَالَ: مَنْ لِلشَّامِ فِي صَولَةِ الحَجَّاجِ؟ فَنَدَبَ أَفْرِيْدُوْنَ التُّرْكِيَّ، فَسَارَ فِي سَبْعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ، وَرَخَّصَ لَهُ المُتَوَكِّلُ فِي بَذْلِ السَّيْفِ ضَحْوَتَيْنِ، وَفِي نَهْبِ البَلَدِ. فَنَزَلَ بِبَيْتِ لِهْيَا (1) ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: يَا دِمَشْقُ، أَيْشٍ يَحِلُّ بِكِ اليَوْمَ مِنِّي؟ فَقُدِّمَتْ لَهُ بَغْلَةٌ دَهْمَاءُ لِيَركَبَهَا، فَضَرَبَتْهُ بِالزَّوْجِ عَلَى فُؤَادِهِ، فَقَتَلَتْهُ. فَقَبْرُهُ كَانَ مَعْرُوْفاً بِبَيْتِ لِهْيَا، وَرُدَّ عَسْكَرُهُ إِلَى العِرَاقِ. ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ المُتَوَكِّلُ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَنْشَأَ قَصْراً بِدَارَيَّا، وَصَلَحَ الحَالُ. 66 - عَبْدُ الحَكَمِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ بنِ أَعْيَنَ المِصْرِيُّ ** الفَقِيْهُ الأَوحَدُ، أَبُو عُثْمَانَ   (*) تاريخ دمشق 7 / 9 / ب. (1) بكسر اللام، وسكون الهاء، قرية بغوطة دمشق، والنسبة إليها: " بتلهي ". (* *) الجرح والتعديل 6 / 36، لسان الميزان 3 / 393. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 162 المِصْرِيُّ، أَخُو: مُحَمَّدٍ مُفْتِي مِصْرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ صَاحِبِ (التَّارِيْخِ) . سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنَ وَهْبٍ، وَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَعَمَلٍ. عُذِّبَ، وَدُخِّنَ عَلَيْهِ، حَتَّى مَاتَ مَظلُوماً، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، كَهْلاً. اتُّهِمَ بِوَدَائِعَ لِعَلِيِّ بنِ الجَرَوِيِّ. قَالَ ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ: لَمْ يَكُنْ فِي إِخوَتِهِ أَفقَهُ مِنْهُ. وَأَلزَمَ بَنُو عَبْدِ الحَكَمِ فِي كَائِنَةِ ابْنِ الجَرَوِيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَنُهِبَتْ دُورُهُم، وَبَعدَ مُدَّةٍ جَاءَ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ بإِطْلاَقِهِم، وَرَدِّ بَعْضِ أَموَالِهِم عَلَيْهِم، وَأُخِذَ القَاضِي الأَصَمُّ، وَحُلِقَتْ لِحْيتُهُ، وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، وَطِيفَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ، وَكَانَ جَهْمِيّاً، ظَلُوماً. قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ بنُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَتْقَنُ وَلاَ أَجوَدُ خَطّاً مِنْ عَبْدِ الحَكَمِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ: أَحضَرَ بَنُو عَبْدِ الحَكَمِ شُهُوْداً بِأَنَّ ابْنَ الجَرَوِيِّ أَبرَأَهُم، فَأَحضَرَ وَكِيْلُ ابْنِ الجَرَوِيِّ مَنْ شَهِدَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، حَتَّى كَادَ أَنْ تَجرِيَ فِتْنَةٌ كَبِيْرَةٌ، وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ مُستَخرِجاً لِلْمَالِ، فَحَكَمَ عَلَى آلِ عَبْدِ الحَكَمِ بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَارٍ وَأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. 67 - دِيْكُ الجِنِّ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ رَغْبَانَ الكَلْبِيُّ * كَبِيْرُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ رَغْبَانَ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَبِيْبٍ الكَلْبِيُّ، الحِمْصِيُّ، السَّلَمَانِيُّ (1) ، الشِّيْعِيُّ.   (*) الاغاني 14 / 51، 68، وفيات الأعيان 3 / 184، 186. (1) بفتح السين المشددة، وفتح اللام والميم أيضا، وبعد الالف نون، وهي نسبة إلى سلمية، بفتح أوله وثانيه وسكون الميم وياء مثناة من تحت خفيفة، وهي بليدة في ناحية البرية = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 163 طَرِيْفٌ، مَاجِنٌ، خِمِّيرٌ، خَلِيعٌ، بَطَّالٌ، وَلَهُ مَرَاثٍ فِي الحُسَيْنِ. مَرَّ بِهِ أَبُو نُوَاسٍ بِحِمْصَ، فَأَضَافَهُ، وَقَالَ: فَتَنْتَ النَّاسَ (1) بِقَولِكَ: مُوَرَّدَةٌ مِنْ كَفِّ ظَبْيٍ كَأَنَّمَا ... تَنَاوَلَهَا مِنْ خَدِّهِ فَأَدَارَهَا (2) وَكَانَ لَهُ مَمْلُوْكٌ مَلِيْحٌ، وَسُرِّيَّةٌ، فَوَجَدَهَمَا فِي لِحَافٍ، فَقَتَلَهُمَا، ثُمَّ تَأَسَّفَ عَلَيْهِمَا، وَرَثَاهُمَا (3) ، وَكَانَ يَصْبِغُ لِحْيَتَهُ بِزِنْجَارٍ (4) . مَاتَ: سنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   = من أعمال حماة، بينهما مسيرة يومين. ولا يعرفها أهل الشام إلا بسلمية، بكسر الميم وفتح الياء المثناة من تحت المشددة. (1) في " وفيات الأعيان ": " فتنت أهل العراق ". (2) البيت مع الخبر في " وفيات الأعيان " 3 / 185. (3) اشتهر ديك الجن بجارية نصرانية من أهل حمص، أحبها وتمادى به الامر حتى غلبت عليه، وذهبت به. فلما اشتهر بها، دعاها إلى الإسلام ليتزوجها، فأجابته لعلمها برغبته فيها، وأسلمت على يده فتزوجها، وكان اسمها ورد. وقد أعسر واختلت حاله، فرحل إلى سلمية قاصدا أحمد بن علي الهاشمي، وأقام عنده مدة طويلة، فأذاع ابن عمه، بسب هجائه له، أنها تهوى غلاما له، وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه. وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام، فاستأذن أحمد بن علي في الرجوع إلى حمص. وقدر ابن عمه وقت قدومه، فأرصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص، وكان ذلك، فاخترط سيفه حين وصوله، فضربها به حتى قتلها. وحينما بلغه الخبر على حقيقته وصحته، ندم ندما شديدا، ومكث شهرا لا يرقأ له دمع ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه. وقال في ندمه على قتلها: يا طلعة طلع الحمام عليها * وجنى لها ثمر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطالما * روى الهوى شفتي من شفتيها قد بات سيفي في مجال وشاحها * ومدامعي تجري على خديها فوحق نعليها وما وطئ الحصى * شيء أعز علي من نعليها ما كان قتليها لاني لم أكن * أبكي إذا سقط الذباب عليها لكن ضننت على العيون بحسنها * وأنفت من نظر الحسود إليها انظر الخبر مفصلا في " الاغاني " 14 / 55، 58. (4) الزنجار: المتولد في معادن النحاس معرب زنكار، وانظر " المعتمد " في الادوية المفردة " ص 208، 209. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 164 68 - ابْنُ عَمَّارٍ أَحْمَدُ بنُ عَمَّارِ بنِ شَاذِي البَصْرِيُّ * الوَزِيْرُ الكَامِلُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَمَّارِ بنِ شَاذِي البَصْرِيُّ، وَزِيْرُ المُعْتَصِمِ. وَقُورٌ، رَزِيْنٌ، مَهِيبٌ، ذُو عِفَّةٍ، وَصِدقٍ، وَخَيْرٍ، وَكَانَ جَدُّهُ طَحَّاناً. وَلَّى المُعْتَصِمُ أَحْمَدَ العَرْضَ، فَعَرَضَ الكُتُبَ عَلَيْهِ أَشْهُراً، فَوَرَدَ كِتَابٌ بَلِيْغٌ مِنَ الأَمِيْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ المُعْتَصِمُ: أَجِبْهُ عَنْهُ سِرّاً، لاَ تُعْلِمْ بِهِ أَحَداً. فَعَجِزَ، وَاحْتَاجَ إِلَى كَاتِبٍ، وَعَرَفَ بِذَلِكَ المُعْتَصِمُ، فَصَرَفَهُ، وَاسْتَكتَبَ ابْنَ الزَّيَّاتِ، وَكَانَ أَحَدَ البُلَغَاءِ. الصُّوْلِيُّ: أَخْبَرَنَا البَاقَطَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَمَّارٍ يَتَصَدَّقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، فَكُلِّمَ فِي كَثْرَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ فَضْلِ غَلَّتِي، وَمِنْ رِزقِي. وَجَاءَ كِتَابٌ مِنَ الجَبَلِ بِالإِقبَالِ وَكَثْرَةِ الغِلاَلِ وَالكَلأِ، فَقَالَ لَهُ المُعْتَصِمُ: مَا الكَلأُ؟ فَمَا عَرَفَ، فَسَأَلَ ابْنَ الزَّيَّاتِ، فَقَالَ: مَا رَطُبَ مِنَ الحَشِيْشِ. وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ عَمَّارٍ يَختِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ، ثُمَّ إِنَّهُ حَجَّ، وَجَاوَرَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِالبَصْرَةِ، فِي الكُهُوْلَةِ، فِي آخِرِهَا. 69 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثْمَانَ بنِ شَافِعٍ ** (ق، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ،   (*) الوافي بالوفيات 7 / 255. (* *) الجرح والتعديل 2 / 129، 130، تهذيب الكمال، ورقة: 63، العبر 1 / 425، تذهيب التهذيب 1 / 41، طبقات الشافعية 2 / 80، 81، العقد الثمين 3 / 256، 257، تهذيب التهذيب 1 / 154، خلاصة تذهيب الكمال: 21، شذرات الذهب 2 / 88. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 165 المُطَّلِبِيُّ، المَكِّيُّ، ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: الحَارِثِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَافِعٍ، وَالمُنْكَدِرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَدَاوُدَ العَطَّارِ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ، وَآخَرُوْنَ، وَمُسْلِمٌ فِي غَيْرِ (صَحِيْحِهِ) . وَرَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ. 70 - الخُزَاعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ مَالِكٍ * (د) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ مَالِكِ بنِ الهيثَمِ الخُزَاعِيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. كَانَ جَدُّهُ أَحَدَ نُقَبَاءِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسِيَّةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ أَمَّاراً بِالمَعْرُوْفِ، قَوَّالاً بِالْحَقِّ. سَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَى قَلِيْلاً.   (*) المحبر: 490، التاريخ الصغير 2 / 361، تاريخ الطبري 9 / 135، 139، و190، الجرح والتعديل 2 / 79، تاريخ بغداد 5 / 173، 176، طبقات الحنابلة 1 / 80، 82، الأنساب 5 / 116، 117، الكامل في التاريخ 7 / 20، 23، تهذيب الكمال ورقة: 45، 46، العبر 1 / 408، تذهيب التهذيب 1 / 28، 29، الوافي بالوفيات 8 / 211، 212، طبقات الشافعية 2 / 51 وما بعدها، البداية والنهاية 10 / 303، 307، تهذيب التهذيب 1 / 78، خلاصة تذهيب الكمال: 13، شذرات الذهب 2 / 69. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 166 حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ الدَّوْرَقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ الطَّبَّاعِ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: خَتَمَ اللهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، قَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ مُصَنَّفَاتُ هُشَيْمٍ كُلُّهَا، وَعَنْ مَالِكٍ أَحَادِيْثُ. وَكَانَ يَقُوْلُ عَنِ الخَلِيْفَةِ: مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَصْدُقُهُ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: مَا كَانَ يُحَدِّثُ، يَقُوْلُ: لَسْتُ هُنَاكَ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ هُوَ وَسَهْلُ بنُ سَلاَمَةَ حِيْنَ كَانَ المَأْمُوْنُ بِخُرَاسَانَ، بَايَعَا النَّاسَ عَلَى الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ثُمَّ قَدِمَ المَأْمُوْنُ، فَبَايَعَهُ سَهْلٌ، وَلَزِمَ ابْنُ نَصْرٍ بَيْتَهُ، ثُمَّ تَحَرَّكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الوَاثِقِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ يَأْمُرُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ. قَالَ: إِلَى أَنْ مَلَكُوا بَغْدَادَ، وَتَعَدَّى رَجُلاَنِ مُوسَرَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَبَذَلاَ مَالاً، وَعَزَمَا عَلَى الوُثُوبِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، فَنُمَّ الخَبَرُ إِلَى نَائِبِ بَغْدَادَ؛ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ أَحْمَدَ وَصَاحِبَيْهِ وَجَمَاعَةً، وَوَجَدَ فِي مَنْزِلِ أَحَدِهِمَا أَعلاَماً، وَضَرَبَ خَادِماً لأَحْمَدَ، فَأَقَرَّ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا يَأْتُوْنَ أَحْمَدَ لَيلاً، وَيُخبِرُونَهُ بِمَا عَمِلُوا، فَحُمِلُوا إِلَى سَامَرَّاءَ مُقَيَّدِيْنَ، فَجَلَسَ الوَاثِقُ لَهُم، وَقَالَ لأَحْمَدَ: دَعْ مَا أُخِذتَ لَهُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: كَلاَمُ اللهِ. قَالَ: أَفَمَخْلُوْقٌ هُوَ؟ قَالَ: كَلاَمُ اللهِ. قَالَ: فَتَرَى رَبَّكَ فِي القِيَامَةِ؟ قَالَ: كَذَا جَاءتِ الرِّوَايَةُ. قَالَ: وَيْحَكَ! يُرَى كَمَا يُرَى المَحْدُوْدُ المُتَجَسِّمُ، وَيَحوِيهِ مَكَانٌ، وَيَحصُرُهُ نَاظِرٌ! أَنَا كَفَرتُ بِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، مَا تَقُولُوْنَ فِيْهِ؟ فَقَالَ قَاضِي الجَانِبِ الغَرْبِيِّ: هُوَ حَلاَلُ الدَّمِ. وَوَافَقَهُ فُقَهَاءُ، فَأَظهَرَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ أَنَّهُ كَارِهٌ لِقَتلِهِ، وَقَالَ: شَيْخٌ مُخْتَلٌّ، تَغَيَّرَ عَقْلُهُ، يُؤَخَّرُ. قَالَ الوَاثِقُ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ مُؤَدِيّاً لِكُفرِهِ، قَائِماً بِمَا يَعتَقِدُهُ. وَدَعَا بِالصَّمْصَامَةِ، وَقَامَ، وَقَالَ: أَحتَسِبُ خُطَايَ إِلَى هَذَا الكَافِرِ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 167 بَعْدَ أَنْ مَدُّوا لَهُ رَأْسَهُ بِحَبلٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ، وَنُصِبَ رَأْسُهُ بِالجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَتُتُبِّعَ أَصْحَابُهُ، فَسُجِنُوا. قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّائِغَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ حِيْنَ قُتِلَ قَالَ رَأْسُهُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ ذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ جَادَ بِنَفْسِهِ. وَعُلِّقَ فِي أُذُنِ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ وَرَقَةٌ فِيْهَا: هَذَا رَأْسُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ، دَعَاهُ الإِمَامُ هَارُوْنُ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَنَفْيِ التَّشبِيهِ، فَأَبَى إِلاَّ المُعَانَدَةَ، فَعَجَّلَهُ اللهُ إِلَى نَارِهِ. وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ. وَقِيْلَ: حَنِقَ عَلَيْهِ الوَاثِقُ؛ لأَنَّهُ ذَكَرَ لِلْوَاثِقِ حَدِيْثاً، فَقَالَ: تَكْذِبُ؟! فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ تَكذِبُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ: يَا صَبِيُّ، وَيَقُوْلُ فِي خَلوَتِهِ عَنِ الوَاثِقِ: فَعَلَ هَذَا الخِنْزِيرُ. ثُمَّ إِنَّ الوَاثِقَ خَافَ مِنْ خُرُوْجِهِ، فَقَتَلَهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَنُقِلَ عَنِ المُوَكَّلِ بِالرَّأْسِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ فِي اللَّيْلِ يَقْرَأُ: {يس} . وَصَحَّ: أَنَّهُم أَقعَدُوا رَجُلاً بِقَصَبَةٍ (1) ، فَكَانَتِ الرِّيْحُ تُدِيْرُ الرَّأْسَ إِلَى القِبْلَةِ، فَيُدِيرُهُ الرَّجُلُ. قَالَ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ خَلَفَ بنَ سَالِمٍ يَقُوْلُ بَعْدَ مَا قُتِلَ ابْنُ نَصْرٍ، وَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا النَّاسُ فِيْهِ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ رَأْسَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ يَقْرَأُ؟! فَقَالَ: كَانَ رَأْسُ يَحْيَى يَقْرَأُ. وَقِيْلَ: رُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: مَا كَانَتْ إِلاَّ غَفْوَةً حَتَّى لَقِيتُ اللهَ، فَضَحِكَ إِلَيَّ. وَقِيْلَ: إِنَّه   (1) الخبر في " تاريخ بغداد " 5 / 179، وفيه: فأقعدوا له رجلا معه قصبة أو رمح ... الجزء: 11 ¦ الصفحة: 168 قَالَ: غَضِبتُ لَهُ، فَأَبَاحَنِي النَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ. وَبَقِيَ الرَّأْسُ مَنْصُوْباً بِبَغْدَادَ، وَالبَدَنُ مَصْلُوْباً بِسَامَرَّاءَ سِتَّ سِنِيْنَ، إِلَى أَنْ أُنزِلَ وَجُمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَدُفِنَ - رَحْمَةُ اللهُ عَلَيْهِ -. 71 - أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ فَرِجِ بنِ حَرِيْزٍ الإِيَادِيُّ * القَاضِي الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ فَرَجِ بنِ حَرِيْزٍ الإِيَادِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الجَهْمِيُّ، عَدُوُّ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. كَانَ دَاعِيَةً إِلَى خَلْقِ القُرْآنِ، لَهُ كَرَمٌ وَسَخَاءٌ وَأَدَبٌ وَافِرٌ وَمَكَارِمُ. قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَكرَمُ الدَّوْلَةِ البَرَامِكَةُ، ثُمَّ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، لَوْلاَ مَا وَضَعَ بِهِ نَفْسَه مِنْ مَحَبَّةِ المِحْنَةِ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ، وَلَمْ يُضَفْ إِلَى كَرَمِهِ كَرَمٌ. قَالَ حَرِيْزُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ: كَانَ أَبِي إِذَا صَلَّى، رَفَعَ يَدَه إِلَى السَّمَاءِ، وَخَاطَبَ رَبَّهُ، وَيَقُوْلُ: مَا أَنْتَ بِالسَّبَبِ الضَّعِيْفِ وَإِنَّمَا ... نُجْحُ الأُمُورِ بِقُوَّةِ الأَسْبَابِ فَالْيَوْمَ حَاجَتُنَا إِلَيْكَ، وَإِنَّمَا ... يُدْعَى الطَّبِيْبُ لِسَاعَةِ الأَوْصَابِ (1) وَقَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: كَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ شَاعِراً مُجِيْداً، فَصِيْحاً، بَلِيْغاً، مَا رَأَيْتُ رَئِيْساً أَفصَحَ مِنْهُ.   (*) تاريخ الطبري 9 / 197، الفهرست: 212، تاريخ بغداد 4 / 141، 156، وفيات الأعيان 1 / 81، 91، ميزان الاعتدال 1 / 97، العبر 1 / 431، الوافي بالوفيات 7 / 281، 285، البداية والنهاية 10 / 319، النجوم الزاهرة 2 / 302، لسان الميزان 1 / 171، شذرات الذهب: 2 / 93. (1) البيتان في " وفيات الأعيان " 1 / 87، وروايته: " لشدة " بدل: " لساعة " وفي " تاريخ بغداد " 4 / 143، وفي " البداية والنهاية " 10 / 320. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 169 قَالَ عَوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ: لَعَهْدِي بِالكَرْخِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: ابْنُ أَبِي دُوَادَ مُسْلِمٌ، لَقُتِلَ. ثُمَّ وَقَعَ الحَرِيْقُ فِي الكَرْخِ، فَلَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ قَطُّ. فَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ المُعْتَصِمَ فِي النَّاسِ، وَرَقَّقَهُ إِلَى أَنْ أَطلَقَ لَهُ خَمْسَةَ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَقَسَمَهَا عَلَى النَّاسِ، وَغَرِمَ مِنْ مَالِهِ جُمْلَةً. فَلَعَهْدِي بِالكَرْخِ، وَلَوْ أَنَّ إِنْسَاناً قَالَ: زِرُّ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَسِخٌ، لَقُتِلَ. وَلَمَّا مَاتَ، رَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ، فَمِنْ ذَلِكَ: وَلَيْسَ نَسِيْمَ المِسْكِ رِيْحُ حَنُوْطِهِ ... وَلَكِنَّهُ ذَاكَ الثَّنَاءُ المُخَلَّفُ وَلَيْسَ صَرِيْرَ النَّعْشِ مَا تَسْمَعُوْنَهُ ... وَلَكِنَّهُ أَصْلاَبُ قَوْمٍ تَقَصَّفُ (1) وَقَدْ كَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَوْم المِحْنَةِ إِلْباً علَى الإِمَامِ أَحْمَدَ، يَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اقْتُلْهُ، هُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: اسْتَتَبْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ مِنْ قَوْلِهِ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ فِي لَيْلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَضَرتُ العِيْدَ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَإذَا بِقَاصٍّ يَقُوْلُ: عَلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ اللَّعْنَةُ، وَحَشَا اللهُ قَبْرَهُ نَاراً. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا أَنْفَعَهُم لِلعَامَّةِ! وَقَدْ كَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ مُحْسِناً إِلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ بِالمَالِ؛ لأَنَّه بَلَدِيُّهُ، وَلِشَيْءٍ آخَرَ، وَقَدْ شَاخَ وَرُمِيَ بِالفَالِجِ، وَعَادَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ الكِنَانِيُّ (2) ، وَقَالَ: لَمْ   (1) البيتان في " النجوم الزاهرة " 2 / 203، وفي " تاريخ بغداد " 4 / 151، و" الوافي بالوفيات " 7 / 284، و" وفيات الأعيان " 1 / 90. والرواية في المصدرين الاخيرين: " فتيق المسك " بدل " نسيم المسك ". (2) هو عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني المكي، من تلامذة الامام الشافعي المقتبسين منه، المعترفين بفضله. وكان يلقب بالغول لدمامته. وقدم بغداد في أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن. له عدة تصانيف، وهو صاحب كتاب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 170 آتِكَ عَائِداً، بَلْ لأَحْمَدَ اللهَ عَلَى أَنْ سَجَنَكَ فِي جِلْدِكَ. قَالَ المُغِيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ: مَاتَ هُوَ وَوَلَدُهُ مُحَمَّدٌ مَنْكُوْبَيْنِ، الوَلَدُ أَوَّلاً، ثُمَّ مَاتَ الأَبُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ بِبَغْدَادَ. قُلْتُ: صَادَرَهُ المُتَوَكِّلُ، وَأَخَذَ مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَافتَقَرَ، وَوَلَّى القَضَاءَ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ، ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ عَامَيْنِ، وَأَخَذَ مِنْهُ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَأَرْبَعَةَ آلاَفِ جَرِيبٍ كَانَتْ لَهُ بِالبَصْرَةِ. فَالدُّنْيَا مِحَنٌ. 72 - إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ الخُزَاعِيُّ * أَمِيْرُ بَغْدَادَ. وَلِيَهَا نَحْواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَعَلَى يَدِه امتُحِنَ العُلَمَاءُ بِأَمرِ المَأْمُوْنِ فِي خَلْقِ القُرْآنِ. وَكَانَ سَائِساً، صَارِماً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، لَهُ فَضِيلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ وَدَهَاءٌ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وولِيَ بَعْدَهُ بَغْدَادَ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ. 73 - الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ أَبُو مُحَمَّدٍ ** الوَزِيْرُ الكَامِلُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، حَمُوُ المَأْمُوْنِ، وَأَخُو الوَزِيْرِ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ، مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ مِنَ المَجُوْسِ، فَأَسْلَمَ سَهْلٌ   = " الحيدة "، إلا أن المؤلف في " ميزانه " 2 / 639 قال: لا يصح إسناده إليه، فكأنه وضع عليه. مترجم في " التهذيب ". توفي سنة 240 هـ. (*) تاريخ الطبري، الجزء 9، الكامل في التاريخ، الجزء 7، شذرات الذهب 2 / 84، العبر 1 / 420، الوافي بالوفيات 8 / 396، 397. (* *) تاريخ الطبري 9 / 184، 185، تاريخ بغداد 7 / 319، 313، وفيات الأعيان 2 / 120، 123، العبر 1 / 423، المحبر: 489، البداية والنهاية 10 / 315، النجوم الزاهرة، 2 / 287، شذرات الذهب 2 / 86. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 171 زَمَنَ البَرَامِكَةِ، فَكَانَ قَهْرَمَاناً لِيَحْيَى البَرْمَكِيِّ. وَنَشَأَ الفَضْلُ مَعَ المَأْمُوْنِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَتَمَكَّنَ جِدّاً إِلَى أَنْ قُتِلَ. فَاسْتَوْزَرَ المَأْمُوْنُ بَعْدَهُ أَخَاهُ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تَوَقُّلٍ (1) إِلَى أَنْ تَزَوَّجَ المَأْمُوْنُ بِبِنْتِه بُوْرَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، فَلاَ يُوْصَفُ مَا غَرِمَ الحَسَنُ عَلَى عُرسِهَا. وَيُقَالُ: نَابَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الوَلِيمَةِ وَالنِّثَارِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ. وَعَاشَ بَعْدَ المَأْمُوْنِ فِي أَوفَرِ عِزٍّ وَحُرْمَةٍ، وَكَانَ يُدْعَى: بِالأَمِيْرِ. شَكَى إِلَيْهِ الحَسَنُ بنُ وَهْبٍ الكَاتِبُ إِضَاقَةً، فَوَصَلَهُ بِمائَةِ أَلفٍ. وَوَصَلَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الزَّيَّاتَ مَرَّةً بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَمَرَّةً بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَكَانَ فَرداً فِي الجُوْدِ، أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لِسَقَّاءٍ مَرَّةً أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَسَبَقَتْهُ يَدُه، فَكَتَبَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ، فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَرْجِعُ عَنْ شَيْءٍ كَتَبَتْهُ يَدِي. فَصُولِحَ السَّقَّاءُ عَلَى جُمْلَةٍ (2) . مَاتَ: بِسَرَخْسَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَعَاشَتْ بُوْرَانُ: إِلَى حُدُوْدِ السَّبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 74 - ابْنُ الزَّيَّاتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبَانٍ * الوَزِيْرُ، الأَدِيْبُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبَانِ بنِ الزَّيَّاتِ. كَانَ وَالِدُهُ زَيَّاتاً سُوقِيّاً، فَسَادَ هَذَا بِالأَدَبِ وَفُنُونِه، وَبَرَاعَةِ النَّظمِ   (1) أي في صعود وترق. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 7 / 323 وفيه: فصولح السقاء على جملة منها، ودفعت إليه. (*) تاريخ الطبري 11 / 27، تاريخ بغداد 2 / 342، 344، الأنساب 6 / 356، 357، الكامل لابن الأثير 7 / 36، 39، وفيات الأعيان 4 / 182، 188 و5 / 94، 101، العبر 1 / 414، الوافي بالوفيات 4 / 32، 34، البداية والنهاية 10 / 346، النجوم الزاهرة 2 / 271، 272، شذرات الذهب 2 / 78، 79، خزانة الأدب 1 / 215، 216. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 172 وَالنَّثرِ، وَوَزَرَ لِلْمُعْتَصِمِ وَلِلْوَاثِقِ، وَكَانَ مُعَادِياً لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ، فَأَغْرَى ابْنُ أَبِي دُوَادَ المُتَوَكِّلَ، حَتَّى صَادَرَ ابْنَ الزَّيَّاتِ، وَعَذَّبَهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيَقُوْلُ: مَا رَحِمتُ أَحَداً قَطُّ، الرَّحْمَةُ خَوَرٌ فِي الطَّبعِ (1) . فَسُجِنَ فِي قَفَصٍ حَرِجٍ، جِهَاتُه بِمَسَامِيْرَ كَالمَسَالِّ، فَكَانَ يَصِيحُ: ارْحَمُونِي. فَيَقُوْلُوْنَ: الرَّحْمَةُ خَوَرٌ فِي الطَّبِيعَةِ (2) . مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَلَهُ تَرَسُّلٌ بَدِيعٌ، وَبَلاَغَةٌ مَشْهُوْرَةٌ، وَأَخْبَارٌ فِي (وَفِيَّاتِ الأَعْيَانِ) . 75 - العَلاَّفُ مُحَمَّدُ بنُ الهُذَيْلِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَصْرِيُّ * شَيْخُ الكَلاَمِ، وَرَأْسُ الاعْتِزَالِ، أَبُو الهُذَيْلِ مُحَمَّدُ بنُ الهُذَيْلِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، العَلاَّفُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَالذَّكَاءِ البَارِعِ. يُقَالُ: قَارَبَ مائَةَ سَنَةٍ، وَخَرِفَ، وَعَمِيَ. مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ. وَيُقَالُ: سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمَوْلِدُه: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) في " وفيات الأعيان " 4 / 187: " الطبيعة ". (2) انظر الخبر في المصدر السابق، وفي الصفحة ذاتها. وفيه أنه طلب دواة وبطاقة، فأحضرتا إليه، فكتب: هي السبيل فمن يوم إلى يوم * كأنه ما تريك العين في النوم لا تجزعن، رويدا، إنها دول * دنيا تنقل من قوم إلى قوم وسيرها إلى المتوكل، ولم يقف عليها المتوكل إلا في الغد. فلما قرأها، أمر بإخراجه، فجاؤوا إليه، فوجدوه ميتا ... وكانت مدة إقامته في التنور أربعين يوما. (*) مروج الذهب 2 / 298، الفهرست: 203، 204، تاريخ بغداد 3 / 366، 370، وفيات الأعيان 4 / 265، 267، العبر 1 / 422، الوافي بالوفيات 5 / 161، 163، نكت الهميان: 277، أمالي المرتضى 1 / 124، شذرات الذهب 2 / 85. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 173 لَمْ يَلقَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ، بَلْ لاَزَمَ تِلمِيذَه عُثْمَانَ بنَ خَالِدٍ الطَّوِيْلَ. وَقِيْلَ: وَلاَؤُه لِعَبْدِ القَيْسِ. مَاتَ لِصَالِحِ بنِ عَبْدِ القُدُّوْسِ المُتَكَلِّمِ وَلَدٌ، فَأَتَاهُ العَلاَّفُ يُعَزِّيهِ، فَرَآهُ جَزِعاً، فَقَالَ: مَا هَذَا الجَزَعُ، وَعِنْدَكَ أَنَّ المَرْءَ كَالزَّرعِ؟ قَالَ: يَا أَبَا الهُذَيْلِ، جَزِعتُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَا قَرَأَ كِتَابَ (الشُّكُوكِ) لِي، فَمَنْ قَرَأَهُ، يَشُكُّ فِيْمَا كَانَ، حَتَّى يَتَوهَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ كَانَ. قَالَ: فَشُكَّ أَنْتَ فِي مَوتِ ابْنِكَ، وَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ كِتَابَ (الشُّكُوْكِ) . وَلأَبِي الهُذَيْلِ كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى المَجُوْسِ، وَرَدَّ عَلَى اليَهُوْدِ، وَرَدَّ عَلَى المُشَبِّهَةِ، وَرَدَّ عَلَى المُلْحِدِيْنَ، وَرَدَّ عَلَى السُّوْفَسْطَائِيَّةِ، وَتَصَانِيْفُهُ كَثِيْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لاَ تُوْجَدُ. 76 - ابْن كُلاَّبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ البَصْرِيُّ * رَأْسُ المُتَكَلِّمِيْنَ بِالبَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بن كُلاَّبٍ القَطَّانُ، البَصْرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي الرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ، وَرُبَّمَا وَافَقَهُم. أَخَذَ عَنْهُ الكَلاَمَ: دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ. قَالَهُ: أَبُو الطَّاهِرِ الذُّهْلِيُّ. وَقِيْلَ: إِنَّ الحَارِثَ المُحَاسِبِيَّ أَخَذَ عِلمَ النَّظَرِ وَالجَدَلِ عَنْهُ أَيْضاً. وَكَانَ يُلَقَّبُ: كُلاَّباً؛ لأَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ الخَصْمَ إِلَى نَفْسِهِ بِبَيَانِه وَبَلاَغَتِه. وَأَصْحَابُهُ هُمُ الكُلاَّبِيَّةُ، لَحِقَ بَعْضَهُم أَبُو الحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ، وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ.   (*) الفهرست: 230، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 299، 300، لسان الميزان 3 / 290، 291، مقالات الإسلاميين 1 / 249 وما بعدها و2 / 225 وما بعدها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 174 وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يَعْلَمُ: إِنَّهُ ابتَدَعَ مَا ابتَدَعَه لِيَدُسَّ دِيْنَ النَّصَارَى فِي مِلَّتِنَا، وَإِنَّه أَرْضَى أُخْتَه بِذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالرَّجُلُ أَقرَبُ المُتَكَلِّمِيْنَ إِلَى السُّنَّةِ، بَلْ هُوَ فِي مُنَاظِرِيهِم (1) . وَكَانَ يَقُوْلُ: بَأَنَّ القُرْآنَ قَائِمٌ بِالذَّاتِ بِلاَ قُدرَةٍ وَلاَ مَشِيْئَةٍ. وَهَذَا مَا سُبِقَ إِلَيْهِ أَبَداً، قَالَهُ فِي مُعَارَضَةِ مَنْ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ. وَصَنَّفَ فِي التَّوحِيدِ، وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّ عُلُوَّ البَارِي عَلَى خَلقِه مَعْلُومٌ بِالفِطرَةِ وَالعَقلِ عَلَى وَفقِ النَّصِّ، وَكَذَلِكَ قَالَ المُحَاسِبِيُّ فِي كِتَابِ (فَهْمِ القُرْآنِ) . وَلَمْ أَقَعْ بِوَفَاةِ ابْنِ كُلاَّبٍ. وَقَدْ كَانَ بَاقِياً قَبْلَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَذَكَرَ لَهُ ابْنُ النَّجَّارِ تَرْجَمَةً فَلَمْ يُحَرِّرْهَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ الجُنَيْدِ، وَسَمِعَ شَيْئاً مِنْ عِبَارَاتِ الصُّوْفِيَّةِ، وَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَهَابَه. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: وَابْنُ كُلاَّبٍ مِنْ نَابِتَةِ الحَشْوِيَّةِ، لَهُ مَعَ عَبَّادِ بنِ سَلْمَانَ مُنَاظَرَاتٌ، فَيَقُوْلُ: كَلاَمُ اللهِ هُوَ اللهُ. فَيَقُوْلُ عَبَّادٌ: هُوَ نَصْرَانِيٌّ بِهَذَا القَوْلِ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ البَغَوِيُّ: قَالَ لِي فَيْثُوْنُ النَّصْرَانِيُّ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، كَانَ يَجِيْئُنِي إِلَى البِيْعَةِ، وَأَخَذَ عَنِّي، وَلَوْ عَاشَ، لَنَصَّرْنَا المُسْلِمِيْنَ. فَقِيْلَ لِفَيْثُوْنَ: مَا تَقُوْلُ فِي المَسِيْحِ؟ قَالَ: مَا يَقُوْلُه أَهْلُ سُنَّتِكُمْ فِي القُرْآنِ.   (1) كان إمام أهل السنة في عصره، وإليه مرجعها، وقد وصفه إمام الحرمين ت 478 هـ في كتابه " الارشاد " ص: 119: بأنه من أصحابنا. وقال السبكي في " طبقاته ": أحد أئمة المتكلمين. وشيخ الإسلام ابن تيمية يمدحه في غير ما موضع في كتابه " منهاج السنة "، وفي مجموعة رسائله ومسائله، ويعده من حذاق المثبتة وأئمتهم، ويرى أنه شارك الامام أحمد وغيره من أئمة السلف في الرد على مقالات الجهمية. وحين تكلم أبو الحسن الأشعري في كتابه " مقالات الإسلاميين "؟ / 189، 299 عن أصحابه، ذكر أنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 175 وَلابْنِ كُلاَّبٍ: كِتَابُ (الصِّفَاتِ) ، وَكِتَابُ (خَلْقِ الأَفْعَالِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ) . 77 - ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ * (د، ت، ق) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَقِيْلَ: أَبُو إِسْحَاقَ - إِبْرَاهِيْمُ (1) بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ، الكُوْفِيُّ، سِبْطُ إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ. سَمِعَ: عُمَرَ بنَ شَاكِرٍ - الرَّاوِيَ عَنِ أَنَسٍ - وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: سَمَّتْنِي أُمِّي بِاسْمِ إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، فَسَأَلْتُه عَنْ قَرَابَتِه مِنَ السُّدِّيِّ، فَأَنكَرَ أَنْ يَكُوْنَ ابْنَ بِنْتِهِ، وَإِذَا قَرَابَتُه مِنْهُ بَعِيدَةٌ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ تَدفَعُ أَنَّهُ ابْنُ ابْنَةِ السُّدِّيِّ، لَكِنَّهُ شَيْءٌ غَلَبَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مِنْ شِيعَةِ الكُوْفَةِ. وَقِيْلَ: كَانَ غَالِياً. قَالَ عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ: أَنكَرَ عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَوْ هَنَّادٌ مُضِيَّنَا   (*) التاريخ الكبير 1 / 373، التاريخ الصغير 2 / 382، الجرح والتعديل 2 / 196، الكامل لابن عدي، ورقة: 7، 8، الأنساب 7 / 63، اللباب 1 / 444، تهذيب الكمال، ورقة: 112، تذهيب التهذيب 1 / 68 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 251، البداية والنهاية 10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 335، 336، خلاصة تذهيب الكمال: 36، شذرات الذهب 2 / 107. (1) هو في كتب التراجم إسماعيل بن موسى الفزاري، وليس إبراهيم. انظر مصادر ترجمته. وكذا صرح الذهبي نفسه في الصفحة التالية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 176 إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى، وَقَالَ: أَيْشٍ عَمِلتُم عِنْدَ ذَاكَ الفَاسِقِ الَّذِي يَشْتُمُ السَّلَفَ؟ رَوَاهَا: ابْنُ عَدِيٍّ. ثُمَّ قَالَ: أَوْصَلَ عَنْ مَالِكٍ حَدِيْثَيْنِ، وَتَفَرَّدَ عَنْ شَرِيْكٍ بِأَحَادِيْثَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا غُلُوَّهُ فِي التَّشَيُّعِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِس مَالِكٍ، فَسُئِلَ عَنْ فَرِيْضَةٍ، فَأَجَابَ بِقَولِ زَيْدٍ، فَقُلْتُ مَا قَالَ فِيْهَا عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَأَوْمَأَ إِلَى الحَجَبَةِ، فَلَمَّا هَمُّوا بِي، عَدَوتُ، وَأَعجَزْتُهُم، فَقَالُوا: مَا نَصنَعُ بِكُتُبِهِ وَمِحْبَرَتِهِ؟ فَقَالَ: اطْلُبُوهُ بِرِفقٍ. فَجَاؤُوا إِلَيَّ، فَجِئتُ مَعَهُم، فَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَينَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الكُوْفَةِ. قَالَ: فَأَيْنَ خَلَّفْتَ الأَدَبَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا ذَاكَرتُكَ لأَستَفِيدَ. فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً وَعَبْدَ اللهِ لاَ يُنْكَرُ فَضْلُهُمَا، وَأَهْلُ بَلَدِنَا عَلَى قَوْلِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَإِذَا كُنْتَ بَيْنَ قَوْمٍ، فَلاَ تَبدَأْهُم بِمَا لاَ يَعْرِفُوْنَ، فَيَبدَأَكَ مِنْهُم مَا تَكْرَهُ. تُوُفِّيَ إِسْمَاعِيْلُ الفَزَارِيُّ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاء التِّسْعِيْنَ - سَامَحَهُ اللهُ -. وَمَاتَ مَعَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّبَّالُ مُقْرِئُ مَكَّةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَذُوْ النُّوْنِ المِصْرِيُّ الوَاعِظُ، وَسَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَأَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ الزَّاهِدُ. 78 - أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ * (ع) هُوَ: الإِمَامُ حَقّاً، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ صِدْقاً، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 354، 355، مقدمة كتابه " الزهد "، التاريخ الكبير 2 / 5، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 177 مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَيَّانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ عَوْفِ بنِ قَاسِطِ بنِ مَازِنِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَكْرِ وَائِلٍ الذُّهْلِيُّ، الشَّيْبَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ. هَكَذَا سَاقَ نَسَبَه: وَلَدُهُ عَبْدُ اللهِ، وَاعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) : حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ أَبِي نَسَبَهُ، فَسَاقَهُ إِلَى مَازِنٍ - كَمَا مَرَّ - ثُمَّ قَالَ: ابْنُ هُذَيْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ، كَذَا قَالَ: هُذَيْلٌ - وَهُوَ وَهْمٌ (1) - وَزَادَ بَعْدَ وَائِلٍ: ابْنِ قَاسِطِ بنِ هِنْبِ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ جَدِيْلَةَ بنِ أَسَدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ بنِ أُدِّ بنِ أُدَدَ بنِ الهُمَيْسَعِ بنِ نَبْتِ بنِ قَيْذَارِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، فَذَكَرَ النَّسَبَ، فَقَالَ فِيْهِ: ذُهْلٌ عَلَى الصَّوَابِ. وَهَكَذَا نَقَلَ: إِسْحَاقُ الغَسِيْلِيُّ، عَنْ صَالِحٍ. وَأَمَّا قَوْلُ عَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي (2) بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ   = التاريخ الصغير 2 / 375، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح والتعديل 1 / 292 - 313 و2 / 68، 70، حلية الأولياء 9 / 161، 233، الفهرست: 285، تاريخ بغداد 4 / 412، 423، طبقات الحنابلة 1 / 4، 20، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 110، 112، وفيات الأعيان 1 / 63، 65، تهذيب الكمال، ورقة: 36، تذكرة الحفاظ 2 / 431، العبر 1 / 435، تذهيب التهذيب 1 / 22، الوافي بالوفيات 6 / 363، 369، مرآة الجنان 2 / 132، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 27، 37، البداية والنهاية 10 / 325، 343، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 112، النجوم الزاهرة 2 / 304، 306، طبقات الحفاظ: 186، مناقب الامام أحمد، خلاصة تذهيب الكمال: 11، 12، طبقات المفسرين 1 / 70، الرسالة المستطرفة: 18، شذرات الذهب 2 / 96، 98. (1) في " تاريخ الإسلام ": وهو غلط. (2) في الأصل: " أبو ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 178 مِنْ بَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ، فَوَهْمٌ، غَلَّطَهُمَا الخَطِيْبُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ. ثُمَّ قَالَ: وَذُهْلُ بنُ ثَعْلَبَةَ هُم (1) عَمُّ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيْهِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ الذُّهْلِيُّ، عَلَى الإِطْلاَقِ. وَقَدْ نَسَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ إِلَيْهِمَا مَعاً. وَأَمَّا ابْنُ مَاكُوْلاَ، فَمَعَ بَصَرِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَهِمَ أَيْضاً. وَقَالَ فِي نَسَبِهِ: مَازِنُ بنُ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وَمَا تَابَعَهُ عَلَى هَذَا أَحَدٌ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَالِدُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَجْنَادِ مَرْوَ، مَاتَ شَابّاً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَرُبِّيَ أَحْمَدُ يَتِيماً، وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ. فَقَالَ صَالِحٌ، قَالَ لِي أَبِي: وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ صَالِحٌ: جِيْءَ بِأَبِي حَمَلٌ مِنْ مَرْوَ، فَمَاتَ أَبُوْهُ شَابّاً، فَوَلِيَتْهُ أُمُّهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: طَلَبتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعْتُ بِمَوتِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ وَأَنَا فِي مَجْلِسِ هُشَيْمٍ. قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: ثَقَبَتْ أُمِّي أُذُنَيَّ، فَكَانَتْ تُصَيِّرُ فِيْهِمَا لُؤْلُؤَتَيْنِ، فَلَمَّا تَرَعْرَعْتُ، نَزَعتُهُمَا، فَكَانَتْ (2) عِنْدَهَا، ثُمَّ دَفَعَتْهُمَا إِلَيَّ، فَبِعتُهُمَا بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ (3) .   (1) في " تاريخ الإسلام ": " هو " بدلا من " هم ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " فكانتا ". (3) ما بين حاصرتين زيادة من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 179 شُيُوْخُهُ: طَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فِي العَامِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ مَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ. فَسَمِعَ مِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ قَلِيْلاً. وَمِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ. وَمِنْ: عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ الهِلاَلِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ النَّجَّارِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ (1) ، وَقُرَّانِ بنِ تَمَّامٍ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَجَابِرِ بنِ نُوْحٍ الحِمَّانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ غُرَابٍ القَاضِي، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَأَخَوَيْهِ؛ يَعْلَى وَمُحَمَّدٍ. وَالمُطَّلِبِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ. وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَالنَّضْرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيِّ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَعَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ الجَزَرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ الحَدَّادِ، وَعَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ الحَذَّاءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ الحَرَّانِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ. وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَغُنْدَرٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ الحَرَّانِيِّ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ - حَدِيْثاً وَاحِداً - وَمُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَاسِطِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُزَنِيِّ الوَاسِطِيِّ. وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَوَكِيْعٍ - فَأَكْثَرَ - وَيَحْيَى القَطَّانِ - فَبَالَغَ - وَمِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَمُعَاذِ بنِ   (1) بفتح الموحدة، وبعد الراء تحتانية ساكنة، كما في " تقريب التهذيب " 2 / 45. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 180 مُعَاذٍ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيِّ. وَأَبِي النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَسْوَدَ بنِ عَامِرٍ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَخَلاَئِقَ. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ: قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَجَمَاعَةٍ أَقْرَانِهِ. فَعِدَّةُ شُيُوْخِهِ الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُم فِي (المُسْنَدِ) : مائَتَانِ وَثَمَانُوْنَ وَنَيِّفٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ المِحْنَةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَلَمْ يُحَدِّثْ أَبِي عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: يُرِيْدُ عَبْدُ اللهِ بِهَذَا القَوْلِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ شَيْئاً، وَإِلاَّ فَسَمَاعُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ لِسَائِرِ كِتَابِ (المُسْنَدِ) مِنْ أَبِيْهِ كَانَ بَعْدَ المِحْنَةِ بِسَنَوَاتٍ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا سَمِعَ عَبْدُ اللهِ شَيْئاً مِنْ أَبِيْهِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ بَعْدَ المِحْنَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَيَّامَ المِحْنَةِ صَبِيّاً مُمَيِّزاً، مَا كَانَ حَلَّهُ يَسْمَعُ بَعْدُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ حَدِيْثاً، وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ عَنْهُ حَدِيْثاً آخَرَ فِي المَغَازِي. وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ بِجُملَةٍ وَافِرَةٍ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: وَلَدَاهُ؛ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُيُوْخُه؛ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 181 وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُسَمِّه، بَلْ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَدُحَيْمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَد بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ. وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَرْمَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ المُغَفَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ (1) ، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ. وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَوَلَدُه؛ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَبَدْرٌ المَغَازلِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى الحَرْبِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فُوْرَانُ، وَعُبْدُوْسُ بنُ مَالِكٍ العَطَّارُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى بنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ، وَحَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي البِرْتِيُّ. وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الحَدَّادُ، وَعُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ   (1) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الياء المفتوحة، لقب محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ. انظر " المشتبه " للمؤلف الذهبي ص: 488، و" شرح القاموس " 9 / 270، و" طبقات الحنابلة " ص: 217، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 210، 211. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 182 الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ جُزءاً فِي تَسمِيَةِ الرُّوَاةِ عَنْ أَحْمَدَ، سَمِعنَاهُ: مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ السِّلَفِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، عَنْهُ، فَعَدَّ فِيْهِم وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ. قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا الغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ: أَنَّ أَحْمَدَ أَصْلُه بَصْرِيٌّ، وَخِطَّتُه بِمَرْوَ، وَحَدَّثَنَا صَالِحٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَاتَ هُشَيْمٌ، فَخَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوَّلُ رَحَلاَتِي إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَخَرَجتُ إِلَى سُفْيَانَ سنَةَ سَبْعٍ، فَقَدِمنَا، وَقَدْ مَاتَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ. وَحَجَجتُ خَمْسَ حِجَجٍ، مِنْهَا ثَلاَثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَاهَا ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً. وَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَفِيْهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِنْ هُشَيْمٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا: قَدْ خَرَجَ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَتَبْتُ عَنْ هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُوْنَ دِرْهَماً، لَخَرَجتُ إِلَى جَرِيْرٍ إِلَى الرَّيِّ - قُلْتُ: قَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ -. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ فِي أَلْوَاحٍ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَه غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً. وَقَدْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ. فَقَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ   (1) وأخرجه عبد الرزاق (9689) بإسناد صحيح، عن طارق بن شهاب أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة. وهو في " سنن البيهقي " 9 / 50. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 183 خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عِنْدِي، فَقَالَ: نَظَرنَا فِيْمَا كَانَ يُخَالِفُكم فِيْهِ وَكِيْعٌ، أَوْ فِيْمَا يُخَالِفُ وَكِيْعٌ النَّاسَ، فَإِذَا هِيَ نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ (1) حَدِيْثاً. رَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ. وَمِنْ صِفَتِهِ: قَالَ ابْنُ ذَرِيْحٍ العُكْبَرِيُّ: طَلَبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ (2) ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخاً مَخضُوباً، طُوَالاً، أَسْمَرَ، شَدِيدَ السُّمرَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَأَتَيْتُه المَجْلِسَ الآخَرَ، وَقَدْ مَاتَ. وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ، وَأَقَمتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَقَمْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ: وَلِيَ حَنْبَلٌ - جَدُّ الإِمَامِ - سَرْخَسَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّعوَةِ، فَحُدِّثْتُ أَنَّه ضَرَبَه المُسَيَّبُ بنُ زُهَيْرٍ بِبُخَارَى لِكَوْنِهِ شَغَّبَ الجُنْدَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّاسٍ (3) النَّحْوِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ حَسَنَ الوَجْهِ، رَبْعَةً، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَاباً لَيْسَ بِالقَانِي، فِي لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُودٌ، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلاَظاً بِيضاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمّاً، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ.   (1) في الأصل: " وستين " وهو خطأ. (2) في " تاريخ الإسلام " زيادة: " لا سأله عن مسألة ". (3) في " تاريخ الإسلام ": " وعن عباس النحوي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 184 وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ عَامَّةُ جُلُوسِه مُتَرَبِّعاً خَاشِعاً. فَإذَا كَانَ بَرَّا، لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ شِدَّةُ خُشُوعٍ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ فِي يَدِهِ يَقْرَأُ. رِحْلَتُهُ وَحِفْظُهُ: قَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ، فَحَجَجتُ، فَرَجَعتُ إِلَى أُمِّي، وَلَمْ أَكُنِ اسْتَأْذَنتُهَا. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَزَوَّجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَرَزَقَ اللهُ خَيْراً كَثِيْراً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ) - وَهُوَ مُجَلَّدٌ -: أَمْلَى عَلَيَّ زُهَيْرُ بنُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الفَضْلِ؛ مِنَ العَرَبِ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبِي، وَتُوُفِّيَتْ، فَتَزَوَّجَ بَعْدهَا رَيْحَانَةَ، فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللهِ؛ عَمِّي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَاشْتَرَى حُسْنَ، فَوَلَدَتْ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَوَلَدَتْ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً (1) ، وَمَاتَا بِقُرْبِ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا حَتَّى صَارَا مِنَ السِّنِّ إِلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ سَعِيْداً. قِيْلَ: كَانَتْ وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ عَورَاءَ، وَأَقَامَتْ مَعَهُ سِنِيْنَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: اخْتَلَفْتُ إِلَى الكُتَّابِ، ثُمَّ اختَلَفتُ إِلَى الدِّيْوَانِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.   (1) في الأصل: " توم ". قال ابن سيدة: يقال للذكر توأم، وللانثى توأمة. فإذا جمعوهما، قالوا: توأمان، وهما توأم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 185 وَذَكَرَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِي عَقْلِ أَحْمَدَ وَحَيَاتِه فِي المَكْتَبِ، وَوَرَعِهِ فِي الصِّغَرِ. حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَخَرَجتُ أَنَا وَالأَعْرَابِيُّ - رَفِيْقٌ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ - قَالَ: فَخَرَجْنَا مُشَاةًَ، فَوَصَلْنَا الكُوْفَةَ -يَعْنِي: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ- فَأَتَينَا أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ الخَلْقُ، فَأَعطَى الأَعْرَابِيَّ حَجَّةً بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً، فَخَرَجَ وَتَرَكَنِي فِي بَيْتٍ وَحدِي، فَاسْتَوحَشتُ، وَلَيْسَ مَعِي إِلاَّ جِرَابٌ فِيْهِ كُتُبِي، كُنْتُ أَضَعُهُ فَوْقَ لَبِنَةٍ، وَأَضَعُ رَأْسِي عَلَيْهِ. وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَذَكَرَ مَرَّةً شَيْئاً، فَقَالَ: هَذَا عِنْدَ هُشَيْمٍ؟ فَقُلْتُ: لاَ. وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ العَشْرَ أَحَادِيْثَ، فَأَحْفَظُهَا، فَإِذَا قَامَ، قَالُوا لِي، فَأُملِيهَا عَلَيْهِم. وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ لِي أَبِي: خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيْعٍ مِنَ المُصَنَّفِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنِ الكَلاَمِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ أَنَا بِالكَلاَمِ. وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ عَنِ أَبِيْكَ مَسْأَلَةً مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاس، وَنَيِّفٍِ وَعِشْرِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْساً. فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، كَذَا قُلْتُ. قَالَ: وَحَفِظتُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ يُقَالُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟ وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيَّ، يَذْكُرُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ -أَوْ قَالَ: جَمَاعَةٌ- مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَا هُنَا رَجُلٌ بَغْدَادِيٌّ يَتَكَلَّمُ فِي بَعْضِ الكُوْفِيِّيْنَ، فَلَمْ يَعْرِفْه وَكِيْعٌ. فَبَيْنَا نَحْنُ إذْ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 186 طَلَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ. فَقَالَ وَكِيْعٌ: هَا هُنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَأَفرَجُوا لَهُ، فَجَعَلُوا يَذْكُرُوْنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُنْكِرُوْنَ. وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْتَجُّ بِالأَحَادِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالُوا لِوَكِيْعٍ: هَذَا بِحَضْرَتِكَ تَرَى مَا يَقُوْلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، أَيْشٍ أَقُوْلُ لَهُ؟ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ القَوْلُ إِلاَّ كَمَا قُلْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ القَوْمُ لِوَكِيْعٍ: خَدَعَكَ -وَاللهِ- البَغْدَادِيُّ. قَالَ عَارِمٌ: وَضَعَ أَحْمَدُ عِنْدِي نَفَقَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنَ العَرَبِ. فَقَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانِ، نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِيْنُ. فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُنِي حَتَّى خَرَجَ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً. قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ. وَعَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيْثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوْهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضبِطُه مَنْ كتبه مِن وَجْهٍ وَاحِدٍ؟! قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ. فَقِيْلَ لَهُ: وَمَا يُدرِيكَ؟ قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ. فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ فِي سَعَةِ عِلمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكَانُوا يَعُدُّوْنَ فِي ذَلِكَ المُكَرَّرَ، وَالأَثَرَ، وَفَتْوَى التَّابِعِيِّ، وَمَا فُسِّرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَإِلاَّ فَالمُتُوْنَ المَرفُوعَةُ القَوِيَّةُ لاَ تَبلُغُ عُشْرَ مِعشَارِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنتَ أَحْفَظُ، أَمْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ. قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمتَ؟ قَالَ: وَجَدتُ كُتُبَه، لَيْسَ فِي أَوَائِلِ الأَجزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ، فَكَانَ يَحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لاَ أَقدِرُ عَلَى هَذَا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 187 وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: حُزِرَتْ كُتُبُ أَحْمَدَ يَوْمَ مَاتَ، فَبَلَغَتْ اثْنَي عَشَرَ حِملاً وَعِدلاً (1) ، مَا كَانَ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ مِنْهَا: حَدِيْثُ فُلاَنٍ، وَلاَ فِي بَطنِهِ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْفَظُهُ (2) . وَقَالَ حَسَنُ بنُ مُنَبِّهٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: أَخرَجَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَجْزَاءً كُلُّهَا سُفْيَانُ سُفْيَانُ، لَيْسَ عَلَى حَدِيْثٍ مِنْهَا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَظَنَنْتُهَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانتَخَبتُ مِنْهَا. فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ عَلَيَّ، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَعَجِبتُ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنَا عَلَى هَذَا (3) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ وَمَعَانِيْهِ مِنْ أَحْمَدَ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَنَتَذَاكَرُ، فَأَقُوْلُ: مَا فِقْهُهُ؟ مَا تَفْسِيْرُهُ؟ فَيَسكُتُوْنَ إِلاَّ أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ: سَأَلنَا وَكِيْعاً عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ: نَهَانِي أَحْمَدُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ. قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ، سَمِعْتُ   (1) في الأصل: " وعدل " وهو خطأ. (2) وتمامه في " تاريخ الإسلام ": على ظهر قلبه. (3) في " تاريخ الإسلام "، " فعجبت من ذلك، وجهدت أن أقدر على شيء من هذا، فلم أقدر ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 188 وَكِيْعاً وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلاَنِ: مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِيَانِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -. وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ أَتَى حُسَيْناً الجُعْفِيَّ بِكِتَابٍ كَبِيْرٍ يَشفَعُ فِي أَحْمَدَ، فَقَالَ حُسَيْنٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ تَجعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مُنعِماً، فَلَيْسَ تَحَمَّلُ عَلَيَّ بِأَحَدٍ، إِلاَّ وَأَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ (1) . الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا خُضْرٌ المَرُّوْذِيُّ بِطَرَسُوْسَ، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُم كَانُوا يَجْتَمِعُوْنَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ آدَمَ، فَيَتَشَاغَلُوْنَ عَنِ الحَدِيْثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَرتَفِعُ الصَّوتُ بَينَهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بنُ آدَمَ وَاحِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبِي مُكَرِّماً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، لَقَدْ بَذَلَ لَهُ كُتُبَه -أَوْ قَالَ: حَدِيْثَه-. وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ؛ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَمَا قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ بَغْدَادَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: شَقَّ عَلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ يَوْمَ خَرَجتُ مِنَ البَصْرَةِ. عَمْرُو بنُ العَبَّاسِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ - ذَكَرَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ - فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ: فَأَقبَلَ   (1) انظر الخبر في " مناقب الامام أحمد " لابن الجوري ص: 72. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 189 أَحْمَدُ، فَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا بَيْنَ كَتِفَيِ الثَّوْرِيِّ، فَليَنظُرْ إِلَى هَذَا. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: عُنِيتُ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ، حَتَّى كَتَبْتُه عَنْ رَجُلَيْنِ، حَتَّى كَلَّمنَا يَحْيَى بنَ آدَمَ، فَكَلَّمَ لَنَا الأَشْجَعِيَّ، فَكَانَ يُخرِجُ إِلَيْنَا الكُتُبَ، فَنَكتُبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْمَعَ. وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا نَظَرتُ إِلَى أَحْمَدَ، إِلاَّ ذَكَرْتُ بِهِ سُفْيَانَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَالَفَ وَكِيْعٌ ابْنَ مَهْدِيٍّ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ مَهْدِيٍّ، وَكَانَ يَحكِيْهِ عَنِّي. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ بَغْدَادِيٍّ: مَنْ تَعُدُّوْنَ عِنْدَكُمُ اليَوْمَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ؟ قَالَ: عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالمُعَيْطِيُّ، وَالسُّوَيْدِيُّ ... ، حَتَّى عَدَّ لَهُ جَمَاعَةً بِالْكُوْفَةِ أَيْضاً وَبِالبَصْرَةِ. فَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: قَدْ رَأَيْتُ جَمِيْعَ مَنْ ذَكَرْتَ، وَجَاؤُوا إِلَيَّ، لَمْ أَرَ مِثْلَ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -. قَالَ شُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: مَا بِالمِصْرَيْنِ (1) رَجُلٌ أَكرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: سَلْ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا يَقُوْلُ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا؟ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا إِمَامٌ.   (1) أي: البصرة والكوفة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 190 الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا اليَوْمَ حَدِيْثٌ. فَقَالَ يَحْيَى: تَرُدُّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَقَدْ جَاءكَ؟ فَقَالَ: البَابُ مُقفَلٌ، وَالجَارِيَةُ لَيْسَتْ هُنَا. قَالَ يَحْيَى: أَنَا أَفتَحُ. فَتَكَلَّمَ عَلَى القُفلِ بِشَيْءٍ، فَفَتَحَه، فَقَالَ عَفَّانُ: أَفَشَّاشٌ (1) أَيْضاً! وَحَدَّثَهُم. قَالَ: وَحَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: أَكَانَ أُغمِيَ عَلَيْكَ - أَوْ غُشِي عَلَيْكَ - عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي دِهلِيزِهِ، زَحَمَنِي النَّاسُ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ. وَرُوِيَ: أَنَّ سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ أُحَدِّثُ وَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ؟ وَقَالَ مُهَنَّى بنُ يَحْيَى: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعاً، وَبَقِيَّةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَضَمْرَةَ، وَالنَّاسَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَجْمَعَ مِنْ أَحْمَدَ فِي عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِه، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ. وَقَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيُّ: سَلَّمْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ بِمَسْجِدِ الخَيْفِ، وَهُوَ يُفْتِي فُتْيَا وَاسِعَةً. وَعَنْ شَيْخٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ بِخَطِّ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ سَنَةً، فَفَقَدتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَيَّاماً، فَدُلِلتُ عَلَى مَوْضِعِه، فَجِئتُ، فَإِذَا هُوَ فِي شَبِيهٍ بِكَهفٍ فِي جِيَادٍ (2) ، فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم، أَدْخُلُ؟ فَقَالَ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: ادْخُلْ. فَدَخَلْتُ، وَإِذَا عَلَيْهِ قِطعَةُ لِبْدٍ خَلِقٍ،   (1) يقال: فش القفل فشا، أي فتحه بغير مفتاح. (2) موضع بمكة يلي الصفا، وقد ضبطه المؤلف بالكسر، أما ياقوت، فقد ضبطه بالفتح، ويسمى هذا الموضع أيضا أجيادا، بفتح أوله وسكون ثانيه، وهما أجيادان: كبير وصغير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 191 فَقُلْتُ: لِمَ حَجَبْتَنِي؟ فَقَالَ: حَتَّى اسْتَتَرْتُ. فَقُلْتُ: مَا شَأنُكَ؟ قَالَ: سُرِقَتْ ثِيَابِي. قَالَ: فَبَادَرتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَجِئتُهُ بِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، فَقُلْتُ: قَرْضاً. فَأَبَى، حَتَّى بَلَغتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً، وَيَأْبَى، فَقُمْت، وَقُلْتُ: مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقتُلَ نَفْسَك. قَالَ: ارْجِعْ. فَرَجَعتُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ مَعِيَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: تُحِبُّ أَن أَنْسَخَهُ لَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اشْتَرِ لِي وَرَقاً. قَالَ: فَكَتَبَ بِدَرَاهِمَ اكْتَسَى مِنْهَا ثَوْبَيْنِ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بَكْرَانَ بنَ أَحْمَدَ الحَنْظَلِيَّ الزَّاهِدَ بِبَغْدَادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَدِمتُ صَنْعَاءَ، أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَمَضَيتُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي قَريَتِهِ، وَتَخَلَّف يَحْيَى، فَلَمَّا ذَهَبتُ أَدُقُّ البَابَ، قَالَ لِي بَقَّالٌ تُجَاهُ دَارِهِ: مَهْ، لاَ تَدُقَّ، فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهَابُ. فَجَلَسْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ المَغْرِبِ، خَرَجَ، فَوَثَبتُ إِلَيْهِ، وَفِي يَدِي أَحَادِيْثُ انْتَقَيْتُهَا، فَسَلَّمتُ، وَقُلْتُ: حَدِّثنِي بِهَذِهِ - رَحِمَكَ اللهُ - فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيْبٌ. قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ وَزَبَرَنِي، قُلْتُ: أَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ: فَتَقَاصَرَ، وَضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ ثُمَّ أَخَذَ الأَحَادِيْثَ، وَجَعَلَ يَقرَؤُهَا حَتَّى أَظلَمَ. فَقَالَ لِلْبَقَّالِ: هَلُمَّ المِصْبَاحَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ المَغْرِبِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَه نَفَدَتْ، فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَأَقَمتُه خَلْفَ البَابِ، وَمَا مَعَنَا أَحَدٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ لاَ تَجتَمِعُ عِنْدَنَا الدَّنَانِيْرُ، إِذَا بِعْنَا الغلَّةَ، أَشغَلْنَاهَا فِي شَيْءٍ، وَقَدْ وَجَدتُ عِنْد النِّسَاءِ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، فَخُذْهَا، وَأَرْجُو أَنْ لاَ تُنْفِقَها حَتَّى يَتَهَيَّأَ شَيْءٌ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلْتُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 192 مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، قَبِلتُ مِنْكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَرَضَ عَلَيْكَ دَنَانِيْرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَعْطَانِي يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ - أَظُنُّ - فَلَمْ أَقبَلْ، وَأَعطَى يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ، فَأَخَذَا مِنْهُ. وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ: إِنْ يَعِشْ هَذَا الرَّجُلُ، يَكُوْنُ خَلَفاً مِنَ العُلَمَاءِ. المَرُّوْذِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّسَائِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَمَضَينَا مَعَهُ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ عِيْدٍ، فَلَمْ يُكَبِّرْ هُوَ وَلاَ أَنَا وَلاَ أَحْمَدُ. فَقَالَ لنَا: رَأَيْتُ مَعْمَراً وَالثَّوْرِيَّ فِي هَذَا اليَوْمِ كَبَّرَا، وَإِنِّي رَأَيتُكُمَا لَمْ تُكَبِّرَا فَلَمْ أُكَبِّرْ، فَلِمَ لَمْ تُكَبِّرَا؟ قُلْنَا: نَحْنُ نَرَى التَّكبِيْرَ، وَلَكِنْ شُغِلنَا بِأَيِّ شَيْءٍ نَبتَدِئُ مِنَ الكُتُبِ. أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُصَلِّي بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَسَهَا، فَسَأَلَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شَيْئاً. رَوَاهَا الخَلاَّلُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ القَاضِي الدِّمَشْقِيَّ عَنِ الجَوْزَجَانِيِّ. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الجَبُّلِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَانَتْ مَعِي جَارِيَةٌ، وَسَكَنَّا فَوْقُ، وَأَحْمَدُ أَسْفَلُ فِي البَيْتِ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، هُوَ ذَا يُعْجِبُنِي مَا أَسْمَعُ مِنْ حَرَكَتِكُم. قَالَ: وَكُنْتُ أَطَّلِعُ، فَأَرَاهُ يَعْمَلُ التِّكَكَ، وَيَبِيعُهَا، وَيَتَقَوَّتُ بِهَا، هَذَا أَوْ نَحْوَهُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 193 قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي إزْرِي مِنَ اليَمَنِ إِلَى مَكَّةَ، قُلْتُ: اكْتَرَيْتَ نَفْسَكَ مِنَ الجَمَّالِيْنَ؟ قَالَ: قَدِ اكتَرَيْتُ لِكُتُبِي، وَلَمْ يَقُلْ لاَ. وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَنَّهُ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَقَالَ: هَا هُنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قُوْلُوا لَهُ يَتَقَدَّمْ يُصَلِّيَ بِنَا. وَقَالَ الأَثْرَمُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ - شَيْخٌ سَمِعَ قَدِيْماً - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَضَحِكَ بَعْضُنَا، وثَمَّ أَحْمَدُ. قَالَ: فَأَتَينَا إِسْمَاعِيْلَ بَعْدُ، فَوَجَدنَاهُ غَضْبَانَ. فَقَالَ: تَضحَكُوْنَ وَعِنْدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ! قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، فَوَهِمَ فِي شَيْءٍ، فَكَلَّمتُه، فَأَخرَجَ كِتَابَهُ، فَوَجَدَهُ كَمَا قُلْتُ، فَغَيَّرَهُ، فَكَانَ إِذَا جَلَسَ، يَقُوْلُ: يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ، يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ هَا هُنَا. وَمَرِضْتُ فَعَادَنِي، فَنَطَحَهُ البَابُ. المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مَيْمُوْنِ بنِ الأَصْبَغِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَكَانَ عِنْدَهُ المُعَيْطِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ، وَكَانَتْ فِي يَزِيْدَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُدَاعَبَةٌ، فَذَاكَرَهُ المُعَيْطِيُّ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: فَقَدتُكَ، فَتَنَحْنَحَ أَحْمَدُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. فَقَالَ: أَلاَ أَعْلَمتُمُونِي أَنَّهُ هَا هُنَا؟ قَالَ المَرُّوْذِيُّ: فَسَمِعْتُ بَعْضَ الوَاسِطِيِّينَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ تَرَكَ المُزَاحَ لأَحَدٍ إلاَّ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تعَظِيْماً، مِنْهُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَكرَمَ أَحَداً مِثْلَهُ، كَانَ يُقْعِدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَيُوَقِّرُهُ، وَلاَ يُمَازِحُهُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 194 وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفقَهَ وَلاَ أَوْرَعَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قُلْتُ: قَالَ هَذَا، وَقَدْ رَأَى مِثْلَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: كُنْت أُشَبِّه أَحْمَدَ بِأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ. وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ الحَافِظُ: إِنْ عَاشَ أَحْمَدُ، سَيَكُوْنُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: خَيْرُ أَهْلِ زَمَاننَا ابْنُ المُبَارَكِ، ثُمَّ هَذَا الشَّابُّ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- وَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَلَوْ أَدْرَكَ عَصْرَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ، لَكَانَ هُوَ المُقَدَّمَ عَلَيْهِم. فَقِيْلَ لِقُتَيْبَةَ: يُضَمُّ أَحْمَدُ إِلَى التَّابِعِيْنَ؟ قَالَ: إِلَى كِبَارِ التَّابِعِيْنَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ الثَّوْرِيُّ، لَمَاتَ الوَرَعُ، وَلَوْلاَ أَحْمَدُ، لأَحْدَثُوا فِي الدِّيْنِ، أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا. قُلْتُ: قَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ) عَنْ قُتَيْبَةَ كَثِيْراً. وَقِيْلَ لأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ: تَعْرِفُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرَ دِيْنِهَا؟ قَالَ: شَابٌّ فِي نَاحِيَةِ المَشْرِقِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ-. قَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتَ بِبَغْدَادَ شَابّاً، إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، قَالَ النَّاسُ كُلُّهُم: صَدَقَ. قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ مِنْ بَغْدَادَ، فَمَا خَلَّفتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ، وَلاَ أَعْلَمَ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 195 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ مَنْ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَذَهَبَ بِي إِلَى الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبِي: وَمَا رَأَى الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَلَوْلاَ أَحْمَدُ وَبَذْلُ نَفْسِهِ، لَذَهَبَ الإِسْلاَمُ - يُرِيْدُ المِحْنَةَ -. وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: أَحْمَدُ حُجَّةٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي زَمَانِهِ؛ لأَنَّ سَعِيْداً كَانَ لَهُ نُظَرَاءُ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَعَزَّ اللهُ الدِّيْنَ بِالصِّدِّيْقِ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المِحْنَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم - ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنِّي لأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَدَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: مَا شَبَّهتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِلاَّ بِابْنِ المُبَارَكِ فِي سَمْتِه وَهَيئَتِه. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَجَعَلُوا يُثنُوْنَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: فَبَعْضَ هَذَا. فَقَالَ يَحْيَى: وَكَثْرَةُ الثَّنَاءِ عَلَى أَحْمَدَ تُسْتَنكَرُ! لَوْ جَلَسْنَا مَجَالِسَنَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، مَا ذَكَرنَا فَضَائِلَه بِكَمَالِهَا. وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 196 وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: حَضَرتُ أَبَا ثَوْرٍ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا فِيْهَا كَذَا كَذَا. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ ثَلاَثَةً: يَعَلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَالقَعْنَبِيَّ (1) ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: أَرَادُوا أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَاللهِ لاَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ أَبَداً. وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَلاَ أَشَدَّ مِنْهُ قَلْباً. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: أَنَا أُسأَلُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟! إِنَّ أَحْمَدَ أُدْخِلَ الكِيرَ، فَخَرَجَ ذَهَباً أَحْمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَصْحَابُ بِشْرٍ الحَافِي لَهُ حِيْنَ ضُرِبَ أَبِي: لَوْ أَنَّكَ خَرَجتَ فَقُلْتَ: إِنِّي عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ. فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ أَن أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ؟! القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ذِي النُّوْنِ السِّجنَ، وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ حَالُ سَيِّدِنَا؟ يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ - أَوْ أَفْقَهُ - مِنَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَحْمَدُ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ.   (1) في الأصل: " والعنبي " وهو تحريف، والتصحيح من " المناقب " لابن الجوزي، ص: 114. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 197 قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ السَّكُوْنِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَهُ. وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَمَا كُنْتُ أُحِبُّ أَن أُقتَلَ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَلَمْ أُصَلِّ عَلَى أَحْمَدَ، بلَغَ -وَاللهِ- فِي الإِمَامَةِ أَكْبَرَ مِنْ مَبْلَغِ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ. وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: إِذَا وَافَقَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيْثٍ، لاَ أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، أَيُّهُمَا أَحْفَظُ؟ فَقَالَ: كَانَا فِي الحِفْظِ مُتَقَارِبَيْنِ، وَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَهَ، إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ وَأَفْقَهُ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: جَعَلتُ أَحْمَدَ إِمَاماً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ: مَا بَقِيَ غَيْرُ أَحْمَدَ. قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَحْتُوَيْه، سَمِعْتُ أَبَا عُمَيْرٍ بنَ النَّحَاسِ الرَّمْلِيَّ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، عَنِ الدُّنْيَا مَا كَانَ أَصْبَرَهُ! وَبَالمَاضِيْنَ مَا كَانَ أَشبَهَهُ!، وَبَالصَّالِحِيْنَ مَا كَانَ أَلْحَقَه! عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا، وَالبِدَعُ فَنَفَاهَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو عُمَيْرٍ مِنْ عُبَّادِ المُسْلِمِيْنَ. قَالَ لِي: أَمِلَّ عَلَيَّ شَيْئاً عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 198 وَرَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَعْقَلَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: كَانَ أَحْمَدُ صَاحِبَ فِقْهٍ، صَاحِبَ حِفظٍ، صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: جَمَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَالصَّبرِ. وَعَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ الوَرَّاقِ، قَالَ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَرُدُّوْهُ إِلَى عَالِمِهِ (1)) ، رَدَدنَاهُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الآخِرَةِ، لاَ يُذكَرُ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ. قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: أَفْقَهُ مَنْ أَدْرَكتُ فِي الحَدِيْثِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ: مَا دُمْتُ بِالحِجَازِ، وَأَحْمَدُ بِالعِرَاقِ، وَابْنُ رَاهْوَيْه بِخُرَاسَانَ لاَ يَغْلِبُنَا أَحَدٌ.   (1) أخرج الامام أحمد في " المسند " 2 / 181 من طريق أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مغضبا، وقد احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: " مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض. إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، إنما نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه، فاعملوا به. وما جهلتم منه، فردوه إلى عالمه ". وإسناده حسن، وأخرجه أيضا أحمد مختصرا بنحوه 2 / 195، وابن ماجة رقم (85) ، وعبد الرزاق في " المصنف " (20367) . وقد وقع عند أحمد في رواية 2 / 196 أن تنازعهم كان في القدر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 199 الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَاسِيْنَ البَلَدِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقِيْلَ لَهُ: ذَهَبَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: مَا أَبقَى اللهُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَذْهَبْ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ. وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ. الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ أَبُو مَعِيْنٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْ أَحْمَدَ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، وَلَنَا فِيْهِ أُسوَةٌ. وَعَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: اليَوْمَ حُجّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجَوْزَقِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ يَقُوْلُ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم فِيْهِ - وَإلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ - وَهُوَ أَحْفَظُهُم لَهُ - وَإلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ - وَهُوَ أَعْلَمُهُم بِهِ - وَإلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ - وَهُوَ أَكتَبُهُم لَهُ -. إِسْحَاقُ المِنْجَنِيْقِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: أَتَيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: ائتِ أَبَا عُبَيْدٍ، فَإِنَّ لَهُ بَيَاناً لاَ تَسمَعُه مِنْ غَيْرِهِ. فَأَتَيْتُه، فَشفَانِي جَوَابُه، فَأَخبَرتُه بِقَولِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ مِن عُمَّالِ اللهِ، نَشرَ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِه، وَذَخَرَ لَهُ عِنْدَهُ الزُّلْفَى، أَمَا تَرَاهُ مُحبَّباً مَألُوْفاً، مَا رَأَتْ عَيْنِي بِالعِرَاقِ رَجُلاً اجْتَمَعتْ فِيْهِ خِصَالٌ هِيَ فِيْهِ، فَبارَكَ اللهُ لَهُ فِيْمَا أَعطَاهُ مِنَ الحِلْمِ وَالعِلْمِ وَالفَهمِ، فَإِنَّهُ لَكَمَا قِيْلَ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 200 يَزِينُكَ إِمَّا غَابَ عَنْكَ، فَإِنْ دَنَا ... رَأَيْتَ لَهُ وَجْهاً يَسُرُّكَ مُقْبِلا يُعَلِّمُ هَذَا الخَلْقَ مَا شَذَّ عَنْهُمُ ... مِنَ الأَدَبِ المَجْهُولِ كَهْفاً وَمَعْقِلا وَيَحْسُنُ فِي ذَاتِ الإلَهِ إِذَا رَأَى ... مَضيماً لأَهْلِ الحَقِّ لاَ يَسْأَمُ البَلاَ وَإِخْوَانُهُ الأَدْنَوْنَ كُلُّ مُوَفَّقٍ* بَصِيرٍ ... بِأَمْرِ الله يَسْمُو عَلَى العُلاَ (1) وَبِإِسْنَادِي إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ خُشَيْشٍ، سَمِعْتُ أَبَا الحَدِيْدِ الصُّوْفِيَّ بِمِصْرَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنِ المُزَنِيِّ، يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحنَةِ، أَبُو بَكْرٍ يَومَ الرِّدَّةِ، وَعُمَرُ يَوْمَ السَّقيفَةِ، وَعُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ، وَعَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّشْدِيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المِصْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مِثْلَ هَذيْنِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، رَجُلَيْنِ جَامِعَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُمَا بِالعِرَاقِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَارَةَ، قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ، هَؤُلاَءِ أَركَانُ الدِّينِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ العَابِدِ، قَالَ: لَسَوْطٌ ضُرِبَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي اللهِ، أَكْبَرُ مِنْ أَيَّامِ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ. قُلْتُ: بِشْرٌ: عَظِيْمُ القَدْرِ كَأَحْمَدَ، وَلاَ نَدْرِي وَزنَ الأَعْمَالِ، إِنَّمَا اللهُ يَعلَمُ ذَلِكَ.   (1) لم أجد هذه الابيات فيما وقعت عليه من مصادر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 201 قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهَاوَنْدِيُّ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، حُجَّتِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ رَجُلاَنِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ. وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ شَيْخِ الإِسْلاَمِ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَبْد اللهِ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيَّ - وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ لَمْ يُمْتَحَنْ بِمِثلِ مَا امتُحِنَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلاَ عِلْمُ سُفْيَانَ وَمَنْ يُقدَّمُ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمصَارِ كَعِلمِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ لأَنَّه كَانَ أَجْمَعَ لَهَا، وَأَبصَرَ بِأَغَاليطِهم وَصَدُوقِهم وَكَذُوْبِهم. قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحْمَدُ عِنْدَنَا امْتُحِنَ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَكَانَ فِيْهِمَا مُعْتَصِماً بِاللهِ. قَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ، فَذَكَرُوا يَعْلَى بنَ عَاصِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا يَضُرُّه إِذَا كَانَ ثِقَةً؟ فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ فِي عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، لَضَرَّهُمَا. وَقَالَ الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ الخَلِيْلِ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، لَكَانَ آيَةً. وَعَنْ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: عِنْدَنَا المَثَلُ الكَائِنُ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُم كَانَ يُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِه، مَا يَصْرِفُه ذَلِكَ عَنْ دِيْنِه، وَلَوْلاَ أَنَّ أَحْمَدَ قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ، لَكَانَ عَاراً عَلَيْنَا أَنَّ قَوْماً سُبِكُوا، فَلَمْ يَخرُجْ مِنْهُم أَحَدٌ. قَالَ ابْنُ سَلْمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: صِرْتُ إِلَى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 202 دَارِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِرَاراً، وَسَأَلْتُه عَنْ مَسَائِلَ، فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ أَكْثرَ حَدِيْثاً أَمْ إِسْحَاقُ؟ قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً وَأَوْرَعُ، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ. قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ عَظِيْمَ الشَّأْنِ، رَأْساً فِي الحَدِيْثِ وَفِي الفِقْهِ، وَفِي التَّأَلُّهِ، أَثْنَى عَلَيْهِ خَلقٌ مِنْ خُصُومِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِه؟! وَكَانَ مَهِيْباً فِي ذَاتِ اللهِ، حَتَّى لَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا هِبْتُ أَحَداً فِي مَسْأَلَةٍ، مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي زَمَانِهِ. قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، قَالَ: يُشَبَّهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ أَيْهَاتَ!! مَا أَشْبَهَ السُّكَّ بِاللُّكِّ (1) ، لَقَدْ حَضَرتُ مِنْ وَرَعِهِ شَيْئاً بِمَكَّةَ: أَنَّهُ أَرْهَنَ سَطلاً عِنْد فَامِيٍّ (2) ، فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً لِيُقَوِّتَه، فَجَاءَ، فَأَعطَاهُ فِكَاكَهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ سَطلَينِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيَّهُمَا سَطْلُكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ، وَمَا أَعْطَيتُكَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ. قَالَ الفَامِيُّ: وَاللهِ إِنَّهُ لَسَطْلُهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَمْتَحِنَهُ فِيْهِ. وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيَّ - حِيْنَ بَلَغَهُ وَفَاةُ أَحْمَدَ - يَقُوْلُ: يَنْبَغِي لِكُلِّ أَهْلِ دَارٍ بِبَغْدَادَ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ النِّيَاحَةَ فِي دُورِهِم.   (1) أي بائع الفوم، أي الحمص. (2) السك: ضرب من الطيب، واللك: بالفتح صبغ أحمر يصبغ به، وبالضم: ثفله أو عصارته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 203 قُلْتُ: تَكَلَّمَ الذُّهْلِيُّ بِمُقتَضَى الحُزْنِ لاَ بِمُقتضَى الشَّرعِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ: مَثَلُ الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، مَثَلُ قَوْمٍ يَجِيْئُونَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ (2) يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَهْدِمُوهُ بِنِعَالِهِم. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ المُقْرِئُ، قَالَ: رَأَيْتُ عُلمَاءَنَا مِثْلَ الهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ، وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخِيْهِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مَعْمَرٍ، وَالوَرْكَانِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ، وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ - فِيْمَنْ لاَ أُحصِيهِم - يُعَظِّمُوْنَ أَحْمَدَ وَيُجِلُّونَه وَيُوَقِّرُونَه وَيُبَجِّلُونَه وَيَقْصِدُوْنَهُ لِلسَّلاَمِ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا مَاتَ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، جَاءَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: تَقُوْمُ إِلَيَّ؟ قَالَ: وَاللهِ لَوْ رَآكَ أَبِي، لَقَامَ إِلَيْكَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: وَاللهِ لَوْ رَأَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَبَاكَ، لَقَامَ إِلَيْهِ.   (1) لان الشرع قد نهى عن النياحة، وعدها من صنيع الجاهلية، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " رقم (67) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ". وأخرج البخاري 3 / 130، ومسلم (927) من حديث ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ". وأخرج مسلم (934) من طريق أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ". (2) جبل مشرف على مسجد مكة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 204 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: التَّابِعُوْنَ كُلُّهُم، وَآخِرُهُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّهُم - يَقُوْلُوْنَ: مَنْ حلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنْ لاَ يَفْعَلَ شَيْئاً ثُمَّ فَعَلَهُ نَاسِياً، كُلُّهُم يُلزِمُونَه الطَّلاَقَ. وَعَنِ الأَثْرَمِ، قَالَ: نَاظرتُ رَجُلاً، فَقَالَ: مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ؟ قُلْتُ: مَنْ لَيْسَ فِي شَرقٍ وَلاَ غَربٍ مِثْلُهُ. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وَقد أثْنَى علَى أَبِي عَبْدِ اللهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَتَبَرَّكُوا بِهِ. رَوَى ذَلِكَ: أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يَصِحَّ سَنَدُ بَعْضِ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؟ قَالَ: بَلِ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ فَإِسْحَاقَ، مَا أَعْلَمُ فِي أَصْحَابِنَا أَسوَدَ الرَّأْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ مِنْهُ. فِي فَضْلِهِ وَتَأَلُّهِهِ وَشَمَائِلِه: وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْماً أَيَّامَ الوَاثِقِ - وَاللهُ يَعلَمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ نَحْنُ - وَقَدْ خَرَجَ لِصَلاَةِ العَصرِ، وَكَانَ لَهُ لِبْدٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، قَد أَتَى عَلَيْهِ سِنُوْنَ كَثِيْرَةٌ حَتَّى بَلِيَ، وَإِذَا تَحْتَه كِتَابٌ كَاغَدٌ (1) فِيْهِ: بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدَيْ فُلاَنٍ، وَمَا هِيَ مِنْ صَدَقَةٍ وَلاَ زَكَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي. فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، وَوَضَعتُه،   (1) أي قرطاس، وهو فارسي معرب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 205 فَلَمَّا دَخَلَ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟ فَاحْمَرَّ وَجْهُه، وَقَالَ: رَفَعْتُه مِنْكَ. ثُمَّ قَالَ: تَذْهَبُ لِجَوَابِه (1) ؟ فَكَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ: وَصَلَ كِتَابُكَ إِلَيَّ، وَنَحْنُ فِي عَافِيَةٍ. فَأَمَّا الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لِرَجُلٍ لاَ يُرهِقُنَا، وَأَمَّا عِيَالنَا، فَفِي نِعمَةِ اللهِ. فَذَهَبتُ بِالكِتَابِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَوصلَ كِتَابَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِيْنٍ، وَردَ كِتَابُ الرَّجُلِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَردَّ عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا ردَّ. فَلَمَّا مَضتْ سَنَةٌ أَوْ نَحوُهَا، ذَكرنَاهَا، فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلنَاهَا، كَانَتْ قَدْ ذَهَبتْ. وَشَهدتُ ابْنَ الجَرَوِيِّ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقَالَ لأَبِي: أَنَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ فِي هَذَا الوَقْتِ، وَعِنْدِي شَيْءٌ قَدِ اعتَددتُه لَكَ، وَهُوَ مِيرَاثٌ، فَأُحِبُّ أَنْ تَقبلَه. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَامَ وَدَخَلَ. قَالَ صَالِحٌ: فَأُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ. فَقَامَ وَتَركنِي. قَالَ صَالِحٌ: وَوجَّهَ رَجُلٌ مِنَ الصِّينِ بِكَاغَدٍ صِيْنِيٍّ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، وَوَجَّه بِقِمَطْرٍ إِلَى أَبِي، فَرَدَّهُ، وَوُلدَ لِي مَوْلُوْدٌ، فَأَهدَى صَدِيْقٌ لِي شَيْئاً، ثُمَّ أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَشهرٌ، وَأَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى البَصْرَةِ، فَقَالَ لِي: تُكلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَكْتُبُ لِي إِلَى المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ؟ فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّهُ أَهدَى إِليكَ، كُنتُ أكتُبُ لهُ. وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رَهنَ نَعْلَه عِنْد خَبَّازٍ بِاليَمَنِ، وَأَكرَى نَفْسَه مِنْ جَمَّالين عِنْدَ خُرُوْجِه، وَعَرضَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ دَرَاهِمَ صَالِحَةً، فَلَمْ يَقبلْهَا. وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ حِيْنَ مَاتَ أَحْمَدُ بِأَكفَانٍ وَحَنُوطٍ، فَأَبَى صَالِحٌ أَنْ   (1) في " المناقب " لابن الجوزي: 232: " بجوابه "، بالباء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 206 يقبَلَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ أَعَدَّ كَفَنَه وَحَنوطَه. وَردَّه، فَرَاجَعَه، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، فَلَسْتُ أَقبَلُه. وَبِهِ حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قَالَ أَبِي: جَاءنِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى - قَالَ أَبِي: وَمَا أَخرجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ رَجُلاً يُشبِه يَحْيَى بنَ يَحْيَى - فَجَاءنِي ابْنُه، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِمَبْطَنَةٍ لَهُ لَكَ، وَقَالَ يُذَكِّرنِي بِهَا. فَقُلْتُ: جِئْ بِهَا. فَجَاءَ بِرُزمَةِ ثِيَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اذهَبْ رَحِمَكَ اللهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَقبلْهَا-. قُلْتُ: وَقِيْلَ: أَنَّهُ أَخذَ مِنْهَا ثَوباً وَاحِداً. وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلفَ دِيْنَارٍ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ القَارِيُّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى أَحْمَدَ عَمُّه، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَيْشٍ هَذَا الغَمُّ؟ وَأَيْشٍ هَذَا الحُزْنُ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، طُوبَى لِمَنْ أَخْمَلَ اللهُ ذِكْرَه. وَبِهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ إِذَا رَأَيْتَه، تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُظهِرُ النُّسكَ، رَأَيْتُ عَلَيْهِ نَعلاً لاَ يُشبهِ نِعَالَ القُرَّاءِ، لَهُ رَأْسٌ كَبِيْرٌ مُعقَّدٌ، وَشِرَاكُه مُسْبَلٌ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ إِزَاراً وَجُبَّةَ بُردٍ مُخطَّطَةً. أَي: لَمْ يَكُنْ بِزيِّ القُرَّاءِ. وَبِهِ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي: جَاءنِي أَمسُ رَجُلٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ، بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي نَحرِ الظَّهيرَةِ، إِذَا بِرجُلٍ سَلَّمَ بِالبَابِ، فَكَأَنَّ قَلْبِي ارتَاحَ، فَفَتَحتُ، فَإِذَا أَنَا بِرجُلٍ عَلَيْهِ فَرْوَةٌ، وَعَلَى رَأْسِه خِرقَةٌ، مَا تَحْتَ فَرْوِهِ قَمِيْصٌ، وَلاَ مَعَهُ ركوَةٌ وَلاَ جِرَابٌ وَلاَ عُكَّازٌ، قَدْ لَوَّحَتْه الشَّمْسُ، فَقُلْتُ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 207 ادْخُلْ. فَدَخَلَ الدِّهليزَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقبلتَ؟ قَالَ: مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِقِ أُرِيْدُ السَّاحِلَ، وَلَوْلاَ مكَانُكَ مَا دَخَلْتُ هَذَا البَلدَ، نَويتُ السَّلاَمَ عَلَيْكَ. قُلْتُ: عَلَى هَذِهِ الحَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟ قُلْتُ: قِصَرُ الأَمَلِ. قَالَ: فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا عِنْدِي ذَهبٌ وَلاَ فِضَّةٌ. فَدَخَلْتُ البَيْتَ، فَأَخذتُ أَرْبَعَةَ أَرغِفَةٍ، فَخَرَجتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَوَ يَسُرُّك أَنْ أقبلَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَخَذَهَا، فَوَضَعهَا تَحْتَ حِضْنِه، وَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكْفيَنِي إِلَى الرَّقَّةِ، أسْتودِعُكَ اللهَ. فَكَانَ يَذْكُرُه كَثِيْراً. وَبِهِ: كَتبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي، وَذَكَرَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: قَلِيْلُهَا يُجْزئُ، وَكَثِيْرُهَا لاَ يُجْزئُ. وَقَالَ أَبِي - وَقَدْ ذُكرَ عِنْدَهُ الفَقْرُ - فَقَالَ: الفَقْرُ مَعَ الخَيْرِ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: أَمسَكَ أَبِي عَنْ مُكَاتَبَةِ ابْنِ رَاهْوَيْه، لمَا أَدْخَلَ كِتَابهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ وَقرَأَهُ. وَبِهِ، قَالَ: ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُمَرَ البَكْرِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَيْمُوْنِيَّ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أنِّي رَأَيْتُ أَحَداً أَنظفَ بَدناً، وَلاَ أَشَدَّ تَعَاهداً لِنَفْسِهِ فِي شَاربِهِ وَشعرِ رَأْسهُ وَشعرِ بَدنِه، وَلاَ أَنْقَى ثَوباً بشِدَّةِ بيَاضٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. كَانَ ثِيَابُهُ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ، تَسْوَى مَلْحَفَتُه خَمْسةَ عَشَرَ دِرْهَماً، وَكَانَ ثَوْبُ قَمِيصِه يُؤْخَذُ بِالدِّيْنَارِ وَنَحْوِه، لَمْ يَكُنْ لَهُ دِقَّةٌ تُنكرُ، وَلاَ غِلَظٌ يُنكرُ، وَكَانَ مَلْحَفَتُه مُهَذَّبَةٌ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: رُبَّمَا رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ الكِسَرَ، يَنفُضُ الغبارَ عَنْهَا، وَيُصيِّرُهَا فِي قَصعَةٍ، وَيَصُبُّ عَلَيْهَا مَاءً، ثُمَّ يَأْكُلُهَا بِالملحِ، وَمَا رَأَيْتهُ اشْتَرَى رُمَّاناً وَلاَ سَفَرْجلاً وَلاَ شَيْئاً مِنَ الفَاكهَةِ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ بطِّيخَةً - فَيَأكُلهَا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 208 بِخُبزٍ - وَعِنباً وَتَمْراً. وَقَالَ لِي: كَانَتْ وَالِدتُك فِي الظَّلاَمِ تَغْزِلُ غزلاً دَقِيْقاً، فَتبيعُ الأسْتَارَ بدِرْهَمَيْنِ أَقَلَّ أَو أَكْثَرَ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا، وَكُنَّا إِذَا اشترينَا الشَّيْءَ، نَستُره عَنْهُ كَيلاَ يَرَاهُ، فَيُوبِّخُنَا، وَكَانَ رُبَّمَا خُبِزَ لَهُ، فَيجعلُ فِي فَخَّارَةٍ عَدساً وَشَحماً وَتَمَرَاتٍ شِهْريز (1) ، فَيجِيْءُ الصِّبْيَانُ، فَيُصوِّتُ ببَعْضهم، فَيدفعُه إِلَيْهِم، فَيَضحكُوْنَ وَلاَ يَأْكلُوْنَ. وَكَانَ يَأْتَدِمُ بِالخلِّ كَثِيْراً. قَالَ: وَقَالَ أَبِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قِطعَةٌ، أَفْرَحُ. وَكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، لاَ يَدَعُ مَنْ يَسْتَقِي لَهُ، وَرُبَّمَا اعتللتُ فَيَأْخُذُ قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ، فَيقرأُ فِيْهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: اشربْ مِنْهُ، وَاغسلْ وَجْهَكَ وَيَدَيكَ. وكَانَتْ لَهُ قَلَنْسُوَةٌ خَاطَهَا بِيَدِهِ، فِيْهَا قُطْنٌ، فَإِذَا قَامَ بِاللَّيْلِ، لَبِسهَا. وَكَانَ رُبَّمَا أَخَذَ القَدُّومَ، وَخَرَجَ إِلَى دَار السكَّانِ، يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ. وَاعتلَّ فَتَعَالجَ. وَكَانَ رُبَّمَا خَرَجَ إِلَى البَقَّالِ، فَيَشترِي الجُرْزَةَ الحَطَبَ وَالشَّيْءَ، فَيحملُه بِيَدِهِ. وَكَانَ يَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ. فَقَالَ لِي فِي يَوْمٍ شَتوِيٍّ: أُرِيْدُ أَدْخُلَ الحَمَّامَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقُلْ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ. ثُمَّ بَعثَ إِلَيَّ: إِنِّي قَد أَضربتُ عَنِ الدُّخُوْلِ. وَتَنَوَّرَ فِي البَيْتِ. وكُنْت أَسْمَعُه كَثِيْراً يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: بُعِثَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حَيْثُ كَانَ   (1) بالضم والكسر، وبالسين المهملة أو بالشين المعجمة: نوع من التمر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 209 عِنْدَنَا أَيَّامَ يَزِيْدَ جَوْزٌ وَنَبْقٌ (1) كَثِيْرٌ (2) ، فَقَبِلَ، وَقَالَ لِي: كُلْ هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي - وَذُكرَ عِنْدَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ - فَقَالَ: مَا اسْتفَادَ مِنَّا أكثرَ مِمَّا اسْتفدنَا مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ، فَهُوَ عَنْ أَبِي. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِن الزُّهَادِ، فَأَدخَلتُه عَلَى أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ فَرْوٌ خَلَقٌ، وَخُرَيْقَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ حَافٍ فِي بَردٍ شَدِيدٍ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جِئْتُ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيْدٍ، وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ السَّلاَمَ عَلَيْكَ، وَأُرِيْدُ عَبَّادَانَ، وَأُرِيْدُ إِنْ أَنَا رَجَعْتُ، أُسِلِّمَ عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِنْ قُدِّرَ. فَقَامَ الرَّجُلُ وَسَلَّمَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ قَاعِدٌ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَامَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ حَتَّى يَقُومَ هُوَ، إِلاَّ هَذَا الرَّجُلَ. فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا تَرَى مَا أَشبهَه بِالأَبدَالِ، أَوْ قَالَ: إِنِّي لأَذكُرُ بِهِ الأَبْدَالَ. وَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَربعَةَ أرغِفَةٍ مَشطورَةٍ بِكَامَخَ (3) ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ، لَوَاسَينَاكَ. وَأَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَكْثَرَ الدَّاعِي لَكَ! قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا اسْتِدرَاجاً بِأَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟ وَقُلْتُ لَهُ: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوْسَ، فَقَالَ: كُنَّا فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ فِي الغَزْوِ إِذَا هَدَأَ اللَّيْلُ، رَفَعُوا أَصوَاتَهُم بِالدُّعَاءِ، ادعُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيْقَ، وَنَرمِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ. وَلَقَدْ رُمِيَ عَنْهُ بِحَجَرٍ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَةٍ، فَذَهَبَ برَأْسِهِ وَبَالدَّرَقَةِ. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: لَيتَه لاَ يَكُوْنُ اسْتدرَاجاً. قُلْتُ: كَلاَّ.   (1) النبق: هو ثمر السدر. (2) في الأصل: " ونبقا كثيرا "، وهو خطأ. (3) بفتح الميم: نوع من الادم، معرب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 210 وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: عِنْدنَا بِخُرَاسَانَ يَظُنُّوْنَ أَنَّ أَحْمَدَ لاَ يُشبهُ البَشَرَ، يَظُنُّوْنَ أَنَّهُ مِنَ المَلاَئِكَةِ. وَقَالَ آخَرُ: نَظْرَةٌ عِنْدنَا مِنْ أَحْمَدَ تَعدِلُ عِبَادَةَ سَنَةٍ. قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ لاَ يَنْبَغِي، لَكِنَّ البَاعثَ لَهُ حُبُّ وَلِيِّ اللهِ فِي اللهِ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ طَبِيباً نَصرَانيّاً خَرَجَ مِن عِنْدِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ رَاهِبٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَأَلَنِي أَنْ يَجِيْءَ مَعِي لِيَرَى أَبَا عَبْدِ اللهِ. وَأَدخلتُ نَصرَانيّاً عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لأَشتَهِي أَنْ أَرَاك مُنْذُ سِنِيْنَ، مَا بَقَاؤكَ صلاَحٌ لِلإِسْلاَمِ وَحدَهُم، بَلْ لِلْخَلقِ جَمِيْعاً، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابنَا أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ رَضِيَ بِكَ. فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي لأَرجُو أَنْ يَكُوْنَ يُدعَى لَكَ فِي جَمِيْعِ الأَمْصَارِ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ نَفْسَه، فَمَا يَنْفَعُه كَلاَمُ النَّاسِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ مَاشِياً، وَحَجَّ حَجَّتينِ أَوْ ثَلاَثاً مَاشِياً، وَكَانَ أَصْبَرَ النَّاسِ عَلَى الوحدَةِ، وَبِشْرٌ لَمْ يَكُنْ يَصبرُ عَلَى الوحدَةِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى ذَا وَإِلَى ذَا. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي فَزَارَةَ (1) - جَارُنَا - قَالَ: كَانَتْ أُمِّي مُقْعَدَةً مِنْ نَحْوِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقَالَتْ لِي يَوْماً: اذهَبْ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلْهُ أَنْ يَدعُوَ لِي. فَأَتيتُ، فَدققتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي دِهليزِه، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: رَجُلٌ سَأَلَتْنِي أُمِّي - وَهِيَ مُقَعْدَةٌ - أَنْ أَسْأَلكَ الدُّعَاءَ. فَسَمِعْتُ كَلاَمَه كَلاَمَ رَجُلٍ مُغْضَبٍ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدعُوَ اللهَ لَنَا. فَوَلَّيْتُ مُنْصَرِفاً، فَخَرَجَتْ عَجُوْزٌ، فَقَالَتْ: قَدْ تَركتُه يَدعُو لَهَا. فَجِئتُ إِلَى بَيتِنَا،   (1) كذا في الأصل، وعلى هامشه " حزارة " خ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 211 وَدَقَقْتُ البَابَ، فَخَرَجتْ أُمِّي عَلَى رِجْلَيْهَا تَمْشِي. هَذِهِ الوَاقعَةُ نَقَلَهَا: ثِقَتَانِ، عَنْ عَبَّاسٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلةٍ ثَلاَثَ مائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا مَرِضَ مِن تِلْكَ الأَسواطِ، أَضعفَتْه، فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً. وَعَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مِنْ رِبْحِ تِجَارتِه إِلَى أَحْمَدَ، فَرَدَّهَا. وَقِيْلَ: إِنَّ صَيرفيّاً بذلَ لأَحْمَدَ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَقبَلْ. وَمِنْ آدَابِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا. وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ. ورَأَيْتُهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَسلهَا فِي حُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه. قُلْتُ: أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً. أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لأَبِي جَعْفَرٍ - أَكرمَه اللهُ - مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: مَضَى عَمِّي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ، وَثَبَ قَائِماً وَأَكْرَمَهُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 212 وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ، وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِيْنَاراً (1) ، فَأَعطيتُ الحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احتَجمتُ. وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَدْخُلُ الحَمَّامَ، وَيَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ، وَأَصْلحتُ غَيْرَ مَرَّةٍ النُّورَةَ، وَاشتَرَيتُ لَهُ جِلداً لِيَدِهِ يُدخِلَ يَدَهُ فِيْهِ وَيَتَنَوَّرَ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا أَرَادَ القِيَامَ، قَالَ لِجُلَسَائِه: إِذَا شِئْتُم. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ أَلقَى لِخَتَّانٍ دِرْهَمَيْنِ فِي الطَّسْتِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي حَدَّثَ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ إِلاَّ بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِذَا صَحَّ عِندَكُمُ الحَدِيْثُ، فَأَخبِرُونَا حَتَّى نَرجِعَ إِلَيْهِ، أَنْتُم أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ، فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذهبَ إِلَيْهِ كُوْفِيّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيّاً أَوْ شَامِيّاً. قُلْتُ: لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَقُوْلُ: حِجَازيّاً، فَإِنَّهُ كَانَ بَصِيْراً بِحَدِيْثِ   (1) أخرج مالك في " الموطأ " 2 / 974 في الاستئذان: باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام، والبخاري 4 / 272 في البيوع: باب ذكر الحجام، وباب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم، وفي الاجازة: باب ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الاماء، وباب من كلم موالي العبد أن يخففوا من خراجه، وفي الطب: باب الحجامة من الداء، ومسلم (1577) في المساقاة: باب حل أجرة الحجامة، كلهم من طرق عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: حجم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو طيبة، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه. وأخرجه الدارمي 2 / 272، والترمذي (1278) ، وأبو داود (3424) ، وأحمد 3 / 100 و174 و182. وفي بعض هذه الروايات. فأمر له بصاع من طعام. وفي بعضها: بصاع من شعير. وفي بعضها: بصاعين من طعام. ولم يرد فيها أنه أعطاه دينارا. وسيأتي الحديث عند المصنف في ص: 307. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 213 الحِجَازِ، وَلاَ قَالَ: مِصْرِيّاً، فَإِنَّ غَيْرَهُمَا كَانَ أَقعَدَ بِحَدِيْثِ مِصْرَ مِنْهُمَا. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: لَمَّا خَرَجَ أَحْمَدُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، انقطَعتْ بِهِ النَّفقَةُ، فَأَكرَى نَفْسَه مِنْ بَعْضِ الجَمَّالِيْنَ إِلَى أَنْ وَافَى صَنْعَاءَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَصْحَابُه المُوَاسَاةَ، فَلَمْ يَأْخُذْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، قَالَ: مَرَّ بِنَا أَحْمَدُ، فَقُلْنَا لإِنْسَانٍ: اتبَعْه، وَانظُرْ أَيْنَ يَذْهَبُ. فَقَالَ: جَاءَ إِلَى حَنَّكٍ المَرْوَزِيِّ، فَمَا كَانَ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَ. فَقُلْتُ لِحَنَّكٍ بَعْدُ: جَاءك أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: هُوَ صَدِيْقٌ لِي، وَاسْتَقرَضَ مِنِّي مائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَجَاءنِي بِهَا، فَقُلْتُ: مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا. فَقَالَ: وَأَنَا مَا نَويتُ إِلاَّ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبرِيُّ، قَالَ: حُمِلَ إِلَى الحَسَنِ الجَرَوِيِّ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَأَتَى أَحْمَدَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَمَا قَبِلهَا. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَاكِرُ بنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُوْلُ: ذَكَرُوا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيْهَا، فَبَعَثَ إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ، فَاقتَرضَ مِنْهُ دَقِيْقاً، فَجَهَّزوهُ بِسُرعَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ ذَا؟ قَالُوا: تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَرٌ، فَخَبَرْنَا فِيْهِ. فَقَالَ: ارفَعُوا. وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَينَهُ وَبَيْنَ صَالِحٍ. قُلْتُ: لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّلِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، صَحِبنَاهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا افتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخَيْرِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سُبْعاً، وَكَانَ يَنَامُ نَومَةً الجزء: 11 ¦ الصفحة: 214 خَفِيْفَةً بَعْدَ العِشَاءِ، ثُمَّ يَقومُ إِلَى الصَّباحِ يُصَلِّي وَيَدعُو. وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، قَالَ: لَيْسَ يُحرزُ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ إِلاَّ حُفرَتَه، الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا. وَقَالَ أَبِي فِي مَرَضِه: أَخرِجْ كِتَابَ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ: اقرَأْ عَليَّ حَدِيْثَ لَيْثٍ: أَنَّ طَاوُوْساً كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ فِي المَرَضِ. فَمَا سَمِعْتُ لأَبِي أَنِيناً حَتَّى مَاتَ (1) . وَسَمِعَهُ ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: تَمنَّيتُ المَوْتَ، وَهَذَا أَمرٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، ذَاكَ فِتْنَةُ الضَّرْبِ وَالحَبْسِ كُنْت أَحْمِلُه، وَهَذِهِ فِتْنَةُ الدُّنْيَا. قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَأَيْتُ بِهِ شُحُوباً بِمَكَّةَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ، فَكَلَّمْتُه، فَقَالَ: هَيِّنٌ فِيْمَا اسْتَفَدنَا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ أَبِي: مَا كَتَبنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حِفْظِهِ إِلاَّ المَجْلِسَ الأَوّلَ، وَذَلِكَ أَنَّا دَخَلنَا بِاللَّيْلِ، فَأَملَى عَلَيْنَا سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ جَالَسَ مَعْمَراً تِسْعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ كُلَّ مَا يَقُوْلُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بَعْدَ المائَتَيْنِ، فَسمَاعُه ضَعِيْفٌ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلُبُ البُدلاَءَ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أَدرِي. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، خَنَقَتْه العَبرَةُ. وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ يَمْنَعُنِي أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ، هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ، وَلِباسٌ دُوْنَ لِباسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ   (1) ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 215 قَلاَئِلُ، مَا أَعدِلُ بِالفَقْرِ شَيْئاً، وَلَوْ وَجَدتُ السَّبيلَ، لَخَرجتُ حَتَّى لاَ يَكُوْنَ لِي ذِكْرٌ. وَقَالَ: أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لاَ أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرَةِ، إِنِّي أَتَمنَّى المَوْتَ صَبَاحاً وَمسَاءً. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَذُكِرَ لأَحْمَدَ أَنَّ رَجُلاً يُرِيْدُ لِقَاءهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمُ اللِّقَاءَ يَتَزَيَّنُ لِي وَأَتزيَّنُ لَهُ (1) . قَالَ: لَقَدِ اسْتَرَحتُ، مَا جَاءنِي الفَرَجُ إِلاَّ مُنْذُ حَلَفتُ أَنْ لاَ أُحِدِّثَ، وَلَيتنَا نُتْرَكُ، الطَّرِيْقُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً قَالَ: لَمْ يَزهَدْ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي الدَّرَاهِمِ وَحدَهَا. قَالَ: زَهِدَ فِي النَّاسِ. فَقَالَ: وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَزهَدَ فِي النَّاسِ؟ النَّاسُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَزهَدُوا فِيَّ. وسَمِعْتُه يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النَّومَ بَعْدَ العصرِ، يَخَافُ عَلَى عَقلِهِ (2) . وَقَالَ: لاَ يُفْلِحُ مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، وَلاَ يَخلُو مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ (3) .   (1) اللقاء الذي لم يرغب فيه الامام أحمد هو الذي يراد منه ذيوع الصيت والتكلف. أما لقاء الناس لتعليمهم ما جهلوا من أمر دينهم، وإسداء النصح لهم، وصلة أرحامهم، وزيارتهم في المناسبات المشروعة، فهو مما يرتضيه ويرغب فيه، لان ذلك مما يحمده الشرع ويحث عليه. فقد روى الامام أحمد 2 / 43، وابن ماجه (4032) ، والترمذي (2507) بسند قوي من حديث ابن عمر مرفوعا: " المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم ". (2) لم يثبت هذا في نص يعول عليه. (3) يقول شيخ الإسلام: الجهمية ثلاث درجات: فشرها الغالية الذين ينفون أسماء الله وصفاته. وإن سموه بشيء من أسمائه الحسنى، قالوا: هو مجاز. فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي، ولا عالم، ولاقادر، ولا سميع، ولا بصير، ولا متكلم، ولا يتكلم. والدرجة الثانية من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله تعالى في الجملة، لكن ينفون صفاته. وهم أيضا لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون. والدرجة الثالثة هم الصفاتية المثبتون المخالفون = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 216 وَسُئِلَ عَنِ القِرَاءةِ بِالأَلْحَانِ، فَقَالَ: هَذِهِ بِدعَةٌ لاَ تُسمعُ. وَمِنْ سِيْرَتِهِ: قَالَ الخَلاَّلُ: قُلْتُ لِزُهَيْرِ بنِ صَالِحٍ: هَلْ رَأَيْتَ جَدَّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَاتَ وَأَنَا فِي عَشْرِ سِنِيْنَ، كُنَّا نَدخُلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَنَا وَأَخوَاتِي، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بَابٌ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا حَبَّتَيْنِ حَبَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ فِي رُقعَةٍ إِلَى فَامِيٍّ يُعَامِلُه. وَرُبَّمَا مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الشَّمْسِ، وَظَهرُه مَكشُوفٌ، فِيْهِ أَثَرُ الضَّربِ بَيِّنٌ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَصْغَرُ مِنِّي اسْمُهُ عَلِيٌّ، فَأَرَادَ أَبِي أَنْ يَخْتِنَهُ، فَاتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً كَثِيْراً، وَدَعَا قَوْماً. فَوَجَّهَ إِلَيْهِ جَدِّي: بَلَغَنِي مَا أَحدَثْتَه لِهَذَا، وَإِنَّكَ أَسرفْتَ، فَابدَأْ بِالفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الغَدِ، حَضَرَ الحَجَّامُ، وَحَضَرَ أَهْلُنَا، جَاءَ جَدِّي حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ الصَّبِيِّ، وَأَخرَجَ صُرَيرَةً، فَدَفَعَهَا إِلَى الحَجَّامِ، وَقَامَ، فَنَظَرَ الحَجَّامُ فِي الصُّريرَةِ، فَإذَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. وَكُنَّا قَدْ رَفَعنَا كَثِيْراً مِنَ الفُرُشِ، وَكَانَ الصَّبِيُّ عَلَى مَصطَبَةٍ مُرتَفِعَةٍ مِنَ الثِّيَابِ المُلَوَّنَةِ، فَلَمْ يُنكِرْ ذَلِكَ. وَقَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ خُرَاسَانَ ابْنُ خَالَةِ جَدِّي، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي، فَدَخَلْتُ مَعَهُ إِلَى جَدِّي، فَجَاءتِ الجَارِيَةُ بِطَبَقِ خِلاَفٍ، وَعَلَيْهِ خُبْزٌ وَبَقْلٌ وَمِلْحٌ، وَبِغُضَارَةٍِ، فَوَضَعتْهَا بَيْنَ أَيدينَا، فِيْهَا مَصْلِيَّةٌ فِيْهَا لَحمٌ وَصِلقٌ كَثِيْرٌ، فَأَكَلَ مَعَنَا، وَسَأَلَ ابْنَ خَالَتِه عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَهلِه بِخُرَاسَانَ فِي خِلاَلِ الأَكْلِ، فَرُبَّمَا   = للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته، الخبرية وغير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الاولون صفاته كلها. والامام أحمد ينعت اللفظية بالتجهم، أي الذين يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق. قال ابن جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا، لا أحفظ أسماءهم، يحكون عن أحمد أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات، ويقول: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا. انظر " تاريخ الجهمية " ص: 53 وما بعدها للقاسمي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 217 استَعجَمَ عَلَيْهِ، فَيُكَلِّمُهُ جَدِّي بِالفَارِسيَّةِ، وَيَضَعُ اللَّحْمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَيْنَ يَدِي. ثُمَّ أَخَذَ طَبَقاً إِلَى جَنْبِهِ، فَوُضعَ فِيْهِ تَمرٌ وَجَوزٌ، وَجَعَلَ يَأكُلُ وَيُنَاوِلُ الرَّجُلَ. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ. وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: لَمْ أَرَ الفَقِيرَ فِي مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِم، مُقَصِّراً عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيْهِ حِلمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالعَجُولِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، وَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ العصرِ لِلْفُتْيَا، لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُسْأَلَ، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ، لَمْ يَتَصَدَّرْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ أَبِي حَرَّجَ عَلَى النَّملِ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ دَارِهِ، فَرَأَيْتُ النَّمْلَ قَدْ خَرَجنَ بَعْدُ نَمْلاً سُوداً، فَلَمْ أَرَهُم بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْ كَرَمِهِ: الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ المُؤَدِّبُ: كُنْتُ آتِي أَبَاك، فَيَدفعُ إِلَيَّ الثَّلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَيَقَعُدُ مَعِي، فَيَتَحدَّثُ، وَرُبَّمَا أَعطَانِي الشَّيْءَ، وَيَقُوْلُ: أَعطَيتُكَ نِصْفَ مَا عِنْدَنَا. فَجِئْتُ يَوْماً، فَأَطلْتُ القُعُودَ أَنَا وَهُوَ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ تَحْتَ كِسَائِه أَرْبَعَةُ أَرغِفَةٍ، فَقَالَ: هَذَا نِصْفُ مَا عِنْدَنَا. فَقُلْتُ: هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِن غَيْرِكَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَجَاءهُ بَعْضُ قَرَابَتِه، فَأَعطَاهُ دِرْهَمَيْنِ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَبَعَثَ إِلَى البَقَّالِ، فَأَعطَاهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ. وَعَنْ يَحْيَى بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: جِئْتُ أَحْمَدَ، فَأَعطَانِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 218 وَقَالَ هَارُوْنُ المُسْتَمْلِي: لَقِيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ. فَأَعطَانِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: مَا عِنْدَنَا غَيْرُهَا. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ وَهبَ لِرَجُلٍ قَمِيصَه، وَقَالَ: رُبَّمَا وَاسَى مِنْ قُوْتِهِ. وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَمرٌ يَهمُّه مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، لَمْ يُفطِرْ وَوَاصلَ. وجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الضَّرِيْرُ، وَكَانَ قَالَ قَصِيدَةً فِي ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَشَكَى إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، مَا عِنْدَنَا إِلاَّ هَذَا الجَذَعُ. فَجِيْءَ بِحَمَّالٍ، قَالَ: فَبِعْتُه بِتِسعَةِ دَرَاهِمَ وَدَانِقَيْنِ. وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَدِيدَ الحَيَاءِ، كَرِيْمَ الأَخْلاَقِ، يُعجِبُه السَّخَاءُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الفَوَارِسِ سَاكَنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَا مُحَمَّدُ، أَلقَى الصَّبِيُّ المِقرَاضَ فِي البِئرِ. فَنَزَلتُ، فَأَخرَجْتُه. فَكَتَبَ لِي إِلَى البَقَّالِ: أَعطِه نِصْفَ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: هَذَا لاَ يَسْوَى قِيرَاطاً، وَاللهِ لاَ أَخَذتُه. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، دَعَانِي، فَقَالَ: كَمْ عَلَيْكَ مِنَ الكِرَاءِ؟ فَقُلْتُ: ثَلاَثَةُ أَشهرٍ. قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ. ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَلبَابِ وَالعِلْمِ، هَلْ تَجدُوْنَ أَحَداً بَلَغَكم عَنْهُ هَذِهِ الأَخْلاَقُ؟!! حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ: كُنَّا عِنْد عَفَّانَ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهم، وَصَنَعَ لَهُم عَفَّانُ حَمَلاً وَفَالُوْذَجَ، فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدَّمُوا، إِلاَّ الفَالُوذَجَ. فَسَأَلْتُه، فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: هُوَ أَرفَعُ الطَّعَامِ فَلاَ يَأْكلُه. وَفِي حِكَايَةٍ أُخرَى: فَأَكَلَ لُقمَةَ فَالُوْذَجَ. وَعَنِ ابْنِ صُبْحٍ، قَالَ: حَضَرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَى طَعَامٍ، فَجَاءوا بِأَرُزٍّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: نِعْمَ الطَّعَامُ، إِنْ أُكلَ فِي أَوِّلِ الطَّعَامِ أَشْبَعَ، وَإِنْ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 219 أُكِلَ فِي آخرِهِ هُضِمَ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِجَابَةُ غَيْرِ دَعْوَةٍ. قَالَ حَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ: لَمْ يَكُنْ لِباسُ أَحْمَدَ بذَاكَ، إِلاَّ أَنَّهُ قُطْنٌ نَظِيْفٌ. وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصَيْنِ وَجُبَّةً مُلَوَّنَةً بَينَهُمَا، وَرُبَّمَا قَمِيصاً وَفَرْواً ثَقيلاً، وَرَأَيْتُه عَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَوْقَ القَلَنْسُوَةِ، وَكِسَاءً ثَقِيْلاً. فَسَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الوَرْكَانِيَّ يَقُوْلُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا اللِّباسُ كُلُّه؟ فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَقِيقٌ فِي البَردِ، وَرُبَّمَا لَبسَ القَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ. قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الصَّيْفِ قَمِيصاً وَسَرَاوِيلَ وَرِدَاءً، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَّشحُ فَوْقَ القَمِيصِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَيْمُوْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ طَيْلسَانُ قَطُّ، وَلاَ رِدَاءٌ، إِنَّمَا هُوَ إِزَارٌ صَغِيْرٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كُنْتُ أَرَى أَزرَارَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَحلُولَةً، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَالِ وَمِنَ الخِفَافِ غَيْرَ زَوجٍ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِ مُخَضَّراً وَلاَ شَيْئاً (1) لَهُ قِبَالاَنِ (2) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ نَعْلَيْنِ حَمرَاوَينِ لَهُمَا قِبالٌ وَاحِدٌ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثَهُم فِي آدَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَجْهَلُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ، حَلُمَ   (1) في الأصل " ولا شيء ". (2) مثنى قبال، وهو الزمام، أو ما كان قدام عقد الشراك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 220 وَاحتَمَلَ، وَيَقُوْلُ: يَكفِي اللهُ. وَلَمْ يَكُنْ بِالحَقُودِ وَلاَ العَجُولِ، كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَكَانَ يُحِبُّ فِي اللهِ، وَيُبَغِضُ فِي اللهِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَمرٍ مِنَ الدِّينِ، اشتَدَّ لَهُ غَضبُهُ، وَكَانَ يَحتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجِيْرَانِ. قَالَ حَنْبَلٌ: صَلَّيْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ العَصرَ، فَصَلَّى مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُتَّلِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُه بِالسُّنَّةِ، فَقَعَدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَبقيتُ أَنَا وَهُوَ وَالخُتَّلِيُّ فِي المَسْجَدِ مَا مَعَنَا رَابِعٌ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: نَهيْتَ عَنْ زَيْدِ بنِ خَلَفٍ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ؟ قَالَ: كتبَ إِلَيَّ أَهْلُ الثَّغْرِ يَسْأَلُوْنِي عَنِ أمرِه، فكتبتُ إِلَيْهِم، فَأَخبرتُهُم بِمَذْهَبِه وَمَا أحْدَثَ، وَأَمرتُهُم أَنْ لاَ يُجَالِسوهُ، فَاندفعَ الخُتَّلِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَرُدَّنَّكَ إِلَى مَحبسِك، وَلأَدُقَّنَّ أضلاعَكَ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ. فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: لاَ تُكَلِّمْه وَلاَ تُجِبْه. وَأخذَ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَعْلَيه، وَقَامَ، فَدَخَلَ، وَقَالَ: مُرِ السُّكَانَ أَنْ لاَ يُكلِّمُوهُ وَلاَ يَردُّوا عَلَيْهِ. فَمَا زَالَ يَصيحُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، ذهبَ هَذَا الخُتَّلِيُّ إِلَى شُعَيْبٍ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ عَلَى قَضَاءِ بَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ فِي يَدَيْهِ وَصِيَّةٌ، فَسَأَله عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: يَا عَدُوَّ اللهِ، وَثبْتَ عَلَى أَحْمَدَ بِالأمسِ، ثُمَّ جِئْتَ تَطلُبُ الوَصيَّةَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تَتقرَّبَ إِلَيَّ بِذَا. فَزبَرَه، ثُمَّ أَقَامَه، فَخَرَجَ بَعْدُ إِلَى حِسْبَةِ العَسْكَرِ. وَسردَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِيْمَنْ أَهدَى شَيْئاً إِلَى أَحْمَدَ، فَأَثَابَه بِأَكْثَرَ مِنْ هَدِيَّتِه. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ سُفْيَانَ المُسْتَمْلِي، قَالَ: جِئْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي جَاءتْه مِنَ المُتَوَكِّلِ، فَأَعطَانِي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 221 مائَتَي دِرْهَمٍ، فَقُلْتُ: لاَ تَكفِينِي. قَالَ: لَيْسَ هُنَا غَيْرُهَا، وَلَكِن هُوَ ذَا، أَعملُ بِكَ شَيْئاً (1) ، أُعطيكَ ثَلاَثَ مائَةٍ تُفرِّقهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَخَذتُهَا، قُلْتُ: لَيْسَ -وَاللهِ- أُعْطِي أَحَداً مِنْهَا شَيْئاً، فَتَبَسَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي دَخَلَ الحَمَّامَ قَطُّ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ لَمَّا ضُرِبَ وَبرِئَ، وَكَانَتْ يَدُه وَجِعَةً مِمَّا علقَ، وَكَانَتْ تضربُ عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا لَهُ الحَمَّامَ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَبِي: يَا أَبَا يُوْسُفَ، كَلِّمْ صَاحِبَ الحَمَّامِ يُخْلِيهِ لِي. فَفَعَلَ، ثُمَّ امتنعَ، وَقَالَ: مَا أُرِيْدُ أَن أَدْخُلَ الحَمَّامَ. زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَثِيْراً يَتلُو سُوْرَةَ الكهفِ، وَكَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُه يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وحَدَّثَنَا عَنْ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِحَدِيْثِ مَعُونَةَ (2) فِي البَلاَءِ: اللَّهُمَّ رَضِينَا، اللَّهُمَّ رَضِينَا.   (1) في الأصل: " شيء ". (2) معونة، بفتح الميم وضم العين: موضع في بلاد هذيل، بين مكة وعسفان، كانت فيها الوقعة، وتعرف بسرية القراء، استشهد فيها عدد كبير منهم، وكانت مع بني رعل وذكوان، في صفر، على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة. أخرجه البخاري في " صحيحه " 7 / 296، 297، في المغازي، وجاء في نهايته: "..فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، شهرا في صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت ". وصحابي الحديث هو أنس بن مالك. وأخرجه مسلم 3 / 1511 = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 222 وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقومُ لوِردِه قَرِيْباً مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ حَتَّى يُقَارِبَ السَّحَرَ، وَرَأَيْتُه يَركعُ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعشَاءِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رُبَّمَا سَمِعْتُ أَبِي فِي السَّحَرِ يَدعُو لأَقوامٍ بِأَسمَائِهِم، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَيُخفِيه، وَيُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ، فَإِذَا صَلَّى عشَاءَ الآخِرَةِ، رَكعَ رَكَعَاتٍ صَالِحَةً، ثُمَّ يُوترُ، وَينَامُ نومَةً خَفِيْفَةً، ثُمَّ يَقومُ فيُصَلِّي. وَكَانَتْ قِرَاءتُه ليِّنَةً، رُبَّمَا لَمْ أَفهَمْ بَعْضَهَا، وَكَانَ يَصُوْمُ وَيُدمِنُ، ثُمَّ يُفطرُ مَا شَاءَ اللهُ، وَلاَ يتركُ صومَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسِ وَأَيَّامِ البِيْضِ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ العَسْكَرِ، أَدمنَ الصَّوْمَ إِلَى أَنْ مَاتَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ عَلَى قَدَمِي حَجَّتينِ، وَكَفَانِي إِلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً. تَرْكُهُ لِلْجهَاتِ جُمْلَةً: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؛ خَادِمِ المُزَنِيِّ، عَنْهُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ، قَالَ: اليَمَنُ يَحْتَاجُ إِلَى حَاكِمٍ، فَانْظُرْ رَجُلاً نُوَلِّيْهِ.   = رقم الحديث الخاص (147) في الامارة: باب ثبوت الجنة للشهيد، ونصه من حديث أنس بن مالك، قال: جاء أناس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالوا أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الانصار، يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل، يتعلمون. وكانوا بالنهار يجيؤون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لاهل الصفة وللفقراء. فبعثهم النبي، صلى الله عليه وسلم، إليهم فعرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا. قال: وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: " إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا ". انظر خبرها في ابن هشام 2 / 183، 187، والطبري 3 / 33، وابن سيد الناس 2 / 46، وابن كثير 3 / 139، 144، و" شرح المواهب " 2 / 74، 79. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 223 فَلَمَّا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَرَأَى أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مِنْ أَمثَلِهِم، كَلَّمَه فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: تَهَيَّأْ حَتَّى أُدْخِلَكَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأَقتَبِسَ مِنْكَ العِلْمَ، وَتَأْمُرُنِي أَنْ أَدْخُلَ فِي القَضَاءِ! وَوبَّخَهُ، فَاسْتَحْيَا الشَّافِعِيُّ. قُلْتُ: إِسْنَادُه مُظلِمٌ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: قِيْلَ: كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ الأَمِيْنِ. وَأَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِر بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا الخَلاَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، قَالَ: أُخبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي مُحَمَّداً- سَأَلَنِي أَنَّ أَلتَمِسَ لَهُ قَاضِياً لِليَمَنِ، وَأَنْت تُحِبُّ الخُرُوجَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَدْ نِلتَ حَاجَتَكَ، وَتَقْضِي بِالْحَقِّ. فَقَالَ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ ثَانيَةً، لَمْ تَرَنِي عِنْدَكَ. فَظننتُ أَنَّهُ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، أَوْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ. الصَّنْدَلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَثِيْراً عِنْدَ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَذَكَرَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْماً اغتمَامَه بِرجلٍ يَصلُحُ لِلْقَضَاءِ صَاحِبِ سُنَّةٍ. قَالَ: قَدْ وَجدتَ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ فَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. قَالَ: فَلَقِيَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَخْمِلْ هَذَا، وَاعفنِي، وَإِلاَّ خَرَجتُ مِنَ البَلدِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كتبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه: إِنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ وَجَّهَ إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِي كِتَابُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: كِتَابُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. فَأَخذَه وَقرَأهُ، وَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّه، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 224 وَأُحِبُّ حَمْزَةَ بنَ الهَيْصَمِ البُوْشَنْجِيَّ؛ لأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِطَا بِأَمرِ السُّلْطَانِ. قَالَ: فَأمسكَ أَبِي عَنْ مُكَاتِبَةِ إِسْحَاقَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيَّ يَقُوْلُ: قَدمتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَعَلَ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنهُ يُكتبُ عَنِّي بِخُرَاسَانَ، وَإِنْ عَامَلتَنِي هَذِهِ المُعَامَلَةَ، رَمَوْا حَدِيْثِي. قَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَلْ بُدٌّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ وَأَتْبَاعُه؟ فَانْظُرْ أَيْنَ تَكُوْنُ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالْقَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَارِقٍ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَسْتمِدُّ مِن مِحْبَرَتِكَ. فَنَظَر إِلَيَّ، وَقَالَ: لَمْ يَبلغْ وَرعِي وَرعَكَ هَذَا، وَتَبَسَّمَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُقَالُ فِي وَجْهِهِ: أَحببتَ السُّنَّةَ. قَالَ: هَذَا فَسَادٌ لِقَلبِهِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ خُرَاسَانِيٌّ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَأَيْتُكَ. قَالَ: اقعُدْ، أَيُّ شَيْءٍ ذَا؟ مَنْ أَنَا؟ وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثرَ الغَمِّ فِي وَجْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ أَثنَى عَلَيْهِ شَخصٌ، وَقِيْلَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً. قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً، مَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟! الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: مَسحتُ يَدِي عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَنفُضُ يَدَه، وَيَقُوْلُ: عَمَّنْ أَخذتُم هَذَا؟ وَقَالَ خَطَّابُ بنُ بِشْرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الوَرَعِ، فَتَبَيَّنَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 225 الاغتمَامُ عَلَيْهِ إِزرَاءً عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلاَقَ الوَرِعينَ، فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَمقُتَنَا، أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاَءِ؟!! فَقَالَ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ رَجُلاً سَألَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَلفتُ بِيَمِيْنٍ لاَ أَدرِي أَيْشٍ هِيَ؟ فَقَالَ: لَيتَكَ إِذَا دَرَيْتَ، دَرَيْتُ أَنَا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُجيبُ فِي العُرسِ وَالخِتَانِ، وَيَأْكُلُ. وَذَكرَ غَيْرُه: أَنَّ أَحْمَدَ رُبَّمَا اسْتَعفَى مِنَ الإِجَابَةِ. وَكَانَ إِنْ رَأَى إِنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ مُنْكَراً، خَرَجَ. وَكَانَ يُحِبُّ الخمُوْلَ وَالانزوَاءَ عَنِ النَّاسِ، وَيَعُودُ المريضَ، وَكَانَ يَكْرَهُ المشْيَ فِي الأَسواقِ، وَيُؤثِرُ الوَحدَةَ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ فَتْحَ بنَ نُوْحٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَشتهِي مَا لاَ يَكُوْنُ، أَشْتَهِي مَكَاناً لاَ يَكُوْنُ فِيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: رَأَيْتُ الخَلوَةَ أَروحَ لِقَلْبِي. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا مَشَى فِي الطَّرِيْقِ، يَكْرَهُ أَنْ يَتبعَه أَحَدٌ. قُلْتُ: إِيثَارُ الخُمُوْلِ وَالتَّوَاضُعِ وَكَثْرَةُ الوَجَلِ مِنْ عَلاَمَاتِ التَّقْوَى وَالفَلاَحِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، يَقُوْلُ: الأَعْمَالُ بِخَوَاتيمِهَا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوتُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً، لاَ عَلِيَّ وَلاَ لِيَ. وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَدْخلتُ إِبْرَاهِيْمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ - وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَاماً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّةَ. فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَه بِمِثلِ هَذَا، وَخَرَجَ إِلَى سَفكِ الدِّمَاءِ، وَقَالَ: الرُّؤيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّهُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: بَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي مَرَضِ المَوْتِ دَماً عَبِيطاً، فَأَرَيْتُه الطَّبِيْبَ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الغَمُّ - أَوِ الخَوْفُ - جَوفَه. وَرُوِيَ عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحَ مَنْ رَبُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ، وَنَبِيُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَالمَلَكَانِ يَطْلُبَانِهِ بِتَصْحِيْحِ العَمَلِ، وَنَفْسُهُ تُطَالِبُهُ بِهَوَاهَا، وَإِبْلِيْسُ يُطَالِبُهُ بِالفَحْشَاءِ، وَمَلَكُ المَوْتِ يُرَاقِبُ قَبْضَ رُوْحِهِ، وَعِيَالُهُ يُطَالِبُوْنَهُ بِالنَّفَقَةِ؟! الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: مَرَرْتُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِي، فَاسْتقبلَتْنَا امْرَأَةٌ بِيَدِهَا طُنُبورٌ، فَأَخَذْتُه، فَكَسَرتُه، وَجَعَلتُ أَدُوسُه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ وَاقفٌ مُنَكِّسُ الرَّأْسِ. فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَانتشرَ أَمرُ الطُّنبورِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا عَلِمتُ أَنَّكَ كَسرتَ طُنُبوراً إِلَى السَّاعَةِ. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: أَبوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِيْنَ أَدعُو لَهُم سَحَراً. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ تَوَارَى مِنَ السُّلْطَانِ عِنْدِي ... ، وَذَكَرَ مِنْ اجْتِهَادِه فِي العِبَادَةِ أَمراً عَجباً. قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَقوَى مَعَهُ عَلَى العِبَادَةِ، وَأَفْطَرَ يَوْماً وَاحِداً، وَاحْتَجَمَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 227 قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ غُلاَمٌ، وَهُوَ يُحْيِي اللَّيْلَ. قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو زُرْعَةَ نَزَلَ عِنْدَ أَبِي، فَكَانَ كَثِيْرَ المُذَاكرَةِ لَهُ؛ فَسَمِعْتُ أَبِي يَوْماً يَقُوْلُ: مَا صَلَّيْتُ اليَوْمَ غَيْرَ الفَرِيْضَةِ، اسْتَأثرتُ بِمُذَاكَرَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى نَوَافلِي. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ فِي دِهلِيزنَا دُكَّانُ، إِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيْدُ أَبِي أَنْ يَخلُوَ مَعَهُ، أَجْلَسَهُ ثَمَّ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ، أَخذَ بَعْضَادَتَيِ البَابِ، وَكَلَّمَهُ. فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَالَ لِي: قُلْ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ السَّائِحُ. قَالَ: فَقَالَ أَبِي: سَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ. فَسلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ: خَرَجتُ إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَصَابتَنِي عِلَّةٌ، فَقُلْتُ: لَوْ تَقرَّبتُ إِلَى الدَّيرِ، لَعَلَّ مَنْ فِيْهِ مِنَ الرُّهبَانِ يُدَاوينِي. فَإذَا بِسَبُعٍ عَظِيْمٍ يَقصِدُنِي، فَاحتَمَلنِي عَلَى ظَهْرِه حَتَّى أَلقَانِي عِنْدَ الدَّيرِ، فَشَاهَدَ الرُّهبَانُ ذَلِكَ، فَأَسْلَمُوا كُلُّهُم، وَهُمْ أَرْبَعُ مائَةٍ. ثُمَّ قَالَ لأَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، حُجَّ. فَانتبهتُ، وَجَعَلتُ فِي المِزْوَدِ فتيتاً، وَقَصدتُ نَحْوَ الكُوْفَةِ، فَلَمَّا تَقَضَّى بَعْضُ النَّهَارِ، إِذَا أَنَا بِالْكُوْفَةِ، فَدَخَلْتُ الجَامِعَ، فَإذَا أَنَا بِشَابٍّ حَسَنِ الوَجْهِ، طَيِّبِ الرِّيْحِ. فَسلَّمتُ وَكَبَّرتُ، فَلَمَّا فَرَغتُ مِنْ صَلاَتِي، قُلْتُ: هَلْ بَقِيَ مَنْ يَخرجُ إِلَى الحَجِّ؟ فَقَالَ: انتظِرْ حَتَّى يَجِيءَ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِنَا، فَإذَا أَنَا بِرجلٍ فِي مِثْلِ حَالِي. فَلَمْ نَزَلْ نَسِيْرُ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي مَعِي: رَحِمَكَ اللهُ، ارْفُقْ بِنَا. فَقَالَ الشَّابُّ: إِنْ كَانَ مَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَسَوفَ يُرْفقُ بِنَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ الخَضِرُ، فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: هَلْ لَكَ فِي الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: كُلْ مِمَّا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 228 تَعرِفُ، وَآكلُ مِمَّا أَعْرِفُ. فَلَمَّا أَكَلنَا، غَابَ الشَّابُّ، ثُمَّ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ فَرَاغِنَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ، إِذَا نَحْنُ بِمَكَّةَ. هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ. قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ شَاقْلاَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الرَّزَّازُ - جَارُنَا - سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ المَوْلَى، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ ... ، فَذَكَرَهَا. فَلَعَلَّهَا مِنْ وَضْعِ الرَّزَّازِ. أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ لَنَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبُّ، فَاجعَلْنَا لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ بِالقدرَةِ الَّتِي قُلْتَ لِلسَّموَاتِ وَالأرضِ: {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِيْنَ} [فُصِّلَت: 11] ، اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمرضَاتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ إِلاَّ إِلَيْكَ، وَمِنَ الذُّلِّ إِلاَّ لَكَ. رُوَاتُهَا أَئِمَّةٌ إِلَى الصَّفَّارِ، وَلاَ أَعرِفُه. وَهِيَ مُنْكَرَةٌ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ - وَذَكَرَ أَحْمَدَ، فَدَمَعَتْ عَينُه - وَقَالَ: قَدِمَ وَبَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَهُ نَفِدَتْ، فَأَخَذتُ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، وَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلتُ شَيْئاً مِنَ النَّاسِ، قَبِلتُ مِنْكَ، وَلَمْ يَقبلْ مِنِّي شَيْئاً. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو غَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 229 قَالَ: جَاءتَنِي حُسْنُ، فَقَالَتْ: قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِتِلِّيسَةٍ (1) فِيْهَا فَاكِهَةٌ يَابسَةٌ، وَبِكِتَابٍ. فَقُمْتُ، فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، فَإِذَا فِيْهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَبضَعتُ لَكَ بِضَاعَةً إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَرَبِحتُ، فَبَعَثتُ بِذَلِكَ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَفَاكهَةً أَنَا لَقطتُهَا مِنْ بُستَانِي وَرِثتُه مِنْ أَبِي. قَالَ: فَجَمَعتُ الصِّبْيَانَ، وَدَخلنَا، فَبكيتُ، وَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا تَرِقُّ لِي مِنْ أَكلِ الزَّكَاةِ؟ ثُمَّ كَشفَ عَنْ رَأْسِ الصِّبْيَةِ، وَبَكَيْتُ. فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمتَ؟ دَعْ حَتَّى أَسْتخيرَ اللهَ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ: اسْتخرتُ اللهَ، فَعَزمَ لِي أَنْ لاَ آخُذُهَا. وَفَتحَ التَّلِّيسَةَ، فَفَرَّقهَا عَلَى الصِّبْيَانِ، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ عُشَارِيٌّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الرَّجُلِ، وَرَدَّ المَالَ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ: مَرضَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَعَادَهُ النَّاسُ -يَعْنِي: قَبْلَ المائَتَيْنِ- وَعَادَه عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، فَتَركَ عِنْدَ رَأْسِه صُرَّةً، فَقُلْتُ لَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ، اذهبْ فَرُدَّهَا إِلَيْهِ. أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَتْ: وَقَعَ الحَرِيْقُ فِي بَيْتِ أَخِي صَالِحٍ، وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَتِيَّةٍ، فَحَمَلُوا إِلَيْهِ جِهَازاً شَبِيهاً بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَكَلَتْه النَّارُ، فَجَعَلَ صَالِحٌ يَقُوْلُ: مَا غَمَّنِي مَا ذَهَبَ إِلاَّ ثَوْبٌ لأَبِي كَانَ يُصَلِّي فِيْهِ أَتَبَرَّكُ بِهِ وَأُصَلِّي فِيْهِ. قَالَتْ: فَطُفِئَ الحَرِيْقُ، وَدَخَلُوا، فَوَجَدُوا الثَّوْبَ عَلَى سَريرٍ قَدْ أَكلتِ النَّارُ مَا حَوْلَهُ وَسَلِمَ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَبَلَغَنِي عَنْ قَاضِي القُضَاةِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيِّ: أَنَّهُ حَكَى أَنَّ الحَرِيْقَ وَقَعَ فِي دَارِهِم، فَأَحرقَ مَا فِيْهَا إِلاَّ كِتَاباً كَانَ فِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ: وَلَمَّا وَقَعَ الغَرقُ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ 554 وَغَرِقتْ   (1) وعاء يسوى من الخوص. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 230 كُتُبِي، سَلِمَ لِي مُجَلَّدٌ فِيْهِ وَرَقتَانِ بِخَطِّ الإِمَامِ. قُلْتُ: وَكَذَا اسْتفَاضَ وَثبتَ أَنَّ الغرقَ الكَائِنَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ بِبَغْدَادَ عَامَ عَلَى مَقَابِرِ مَقْبَرَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ المَاءَ دَخَلَ فِي الدِّهلِيزِ عُلُوَّ ذِرَاعٍ، وَوَقَفَ بِقُدرَةِ اللهِ، وَبَقِيتِ الحُصُرُ حَولَ قَبْرِ الإِمَامِ بِغُبارِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً. أَبُو طَالِبٍ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدَثٌ، وَمَا فِي وَجْهِهِ طَاقَةٌ، وَهُوَ يُذكَرُ. وَرَوَى: حَرَمِيُّ بنُ يُوْنُسَ، عَنِ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ أَيَّامَ هُشَيْمٍ وَلَهُ قَدْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَخَذْنَا هَذَا العِلْمَ بِالذُّلِّ، فَلاَ نَدفعُهُ إِلاَّ بِالذُّلِّ. مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شِهَابٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ نَكتبُ فِي طَرِيْقنَا؟ فَقَالَ: عَلَيْكُم بِهَنَّادٍ، وَبِسُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، وَبِمَكَّةَ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَإِيَّاكُم أَنْ تَكْتُبُوا -يَعْنِي: عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَهوَاءِ، قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً- عَلَيْكُمُ بِأَصْحَابِ الآثَارِ وَالسُّنَنِ. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَتبَ إِلَيَّ الفَتْحُ بنُ شَخْرَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُوْسَى بنَ حِزَامٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَختلِفُ إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الجَوْزَجَانِيِّ فِي كُتبِ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَقبَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قُلْتُ: إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ. فَقَالَ: العَجبُ مِنْكُم! تَرَكتمُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيْدَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ أَنَسٍ، وَأَقبَلتُم عَلَى ثَلاَثَةٍ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبُو سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ، عَنْهُ! قَالَ: فَانحدرتُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ. ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 231 سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: وَاللهِ لَقَدْ أَعطيتُ المَجهودَ مِنْ نَفْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو كَفَافاً. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى الضَّرِيْرَ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كم يَكفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيْثِ حَتَّى يَكُوْنَ مُفتِياً؟ يَكْفِيه مائَةُ أَلْفٍ؟ فَقَالَ: لاَ. ... إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَكْفِيه خَمْسُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ؟ قَالَ: أَرْجُو. المِحْنَةُ (1) : قَالَ عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ ٍعَبَّاس: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم - مَخَافَةُ النَّاسِ - أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ عَلِمَهُ) . تَفَرَّدَ بِهِ: عَمْرٌو، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ (2) . وَقَالَ سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ سُلَيْمَانَ   (1) إن الامام أحمد صار مثلا سائرا، يضرب به المثل في المحنة والصبر على الحق، فإنه لم يكن يأخذه في الله لومة لائم، حتى صارت الامامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد، فيقال: قال الامام أحمد، وهذا مذهب الامام أحمد ... لقوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون) . فإنه أعطي من الصبر واليقين ما نال به الامامة في الدين، وقد تداوله ثلاثة خلفاء يسلطون عليه من شرق الأرض إلى غربها، ومعهم من العلماء المتكلمين والقضاة والوزراء والأمراء والولاة ما لا يحصيه إلا الله، فبعضهم تسلط عليه بالحبس، وبعضهم بالتهديد الشديد، وبعضهم يعده بالقتل وبغيره من الرعب، وبعضهم بالترغيب في الرياسة والمال، وبعضهم بالنفي والتشريد من وطنه. وقد خذله في ذلك أهل الأرض حتى أصحابه العلماء والصالحون، وهو مع ذلك لا يجيبهم إلى كلمة واحدة مما طلبوا منه، وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة، ولاكتم العلم، ولا استعمل التقية، بل قد أظهر من سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وآثاره ما دفع به البدع المخالفة لذلك ما لم يتأت مثله لعالم من نظرائه. (2) لكن نقل المصنف في " الميزان " قول ابن عدي: عامة ما يرويه عمرو بن حكام غير متابع عليه، إلا أنه مع ضعفه يكتب حديثه. ومعنى هذا أن ضعفه خفيف، ويصلح حديثه أن يكون شاهدا، وهو هنا كذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 232 التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُوْلَ بِالحَقِّ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ (1)) . غَرِيْبٌ، فَرْدٌ. وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُعَلَّى بنُ زِيَادٍ - وَهَذَا لَفْظُهُ - عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَحَبُِّ الجِهَادِ إِلَى اللهِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ لإِمَامٍ جَائِرٍ (2)) . إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَالزَمِ الحَقَّ، يُنْزِلْكَ الحَقُّ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ، يَوْمَ لاَ يُقضَى إِلاَّ بِالْحَقِّ. وبَإِسْنَادٍ وَاهٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَبَى الحَقُّ أَنْ يَترُكَ لَهُ صَدِيْقاً.   (1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 3 / 5 من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، و53 عن يحيى القطان، كلاهما عن سليمان بن طرخان التيمي، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد. وهذا سند صحيح. وأخرجه أحمد أيضا 3 / 19 و71، والترمذي (2191) ، وابن ماجة (4007) من طريق حماد، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد. وأخرجه ابن ماجة (4008) من طريق أبي كريب، عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يحقر أحدكم نفسه ". قالوا: يا رسول الله! كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: " يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله، عزوجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى ". قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة: 250: هذا إسناد صحيح، وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز، ورواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن شعبة، عن عمرو بن مرة به، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " من طريق محمد بن عبيد، عن الأعمش، فذكره بإسناده ومتنه، وقال: تابعه زبيد وشعبة، عن عمرو بن مرة. ورواه عبد بن حميد في " مسنده "، حدثنا محمد بن عبيد فذكره. (2) سنده حسن، وأخرجه أحمد 5 / 251 و256، وابن ماجة (4012) . وفي الباب عن طارق بن شهاب عن أحمد 4 / 314 و315، والنسائي 7 / 161، وإسناده صحيح، وصححه النووي والمنذري، وعن أبي سعيد الخدري عند الترمذي (2175) ، وأبي داود (4344) ، وابن ماجة (4011) . وإسناده ضعيف، لكن يتقوى بما قبله، فالحديث صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 233 الصَّدعُ بِالْحَقِّ عَظِيْمٌ، يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ وَإِخْلاَصٍ، فَالمُخْلِصُ بِلاَ قُوَّةٍ يَعجِزُ عَنِ القِيَامِ بِهِ، وَالقَوِيُّ بِلاَ إِخلاَصٍ يُخْذَلُ، فَمَنْ قَامَ بِهِمَا كَامِلاً، فَهُوَ صِدِّيْقٌ، وَمَنْ ضَعُفَ، فَلاَ أَقَلَّ مِنَ التَّأَلُّمِ وَالإِنكَارِ بِالقَلْبِ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ إِيْمَانٌ - فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ -. سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُوْلَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعُ مِنْهُم (1)) . هَكَذَا رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَاهُ: النَّضْرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، مَرْفُوْعاً. وَرَوَاهُ: سَيْفُ بنُ هَارُوْنَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً. سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ،   (1) رجاله ثقات، لكن فيه تدليس محمد بن مسلم أبي الزبير. والحسن بن عمرو هو الفقيمي، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 96، ووافقه الذهبي المؤلف. ونقل المناوي في " الفيض " أن البيهقي تعقب الحاكم بأنه منقطع، حيث قال: محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي، ولم يسمع من ابن عمرو، لكن وقع عنده في السند خطأ، وهو قوله: عن محمد بن مسلم بن السائب، وصوابه: محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير، مولى حكيم بن حزام، كما جاء في أصلنا هذا، فإن الحديث لا يعرف إلا به. ويغلب على الظن أن الخطأ فيه من النساخ. وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 163 و190 من طريق ابن نمير وسفيان الثوري، كلاهما عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو. وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 262، وقال: رواه أحمد والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد. وقوله: " فقد تودع منهم "، بضم التاء والواو، وكسر الدال المشددة، من التوديع. قال الزمخشري في " الفائق ": أي استريح منهم، وخذلوا، وخلي بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي، وهو من المجاز، لان المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس من صلاحه، تركه ونفض منه يده، واستراح من معاناة النصب في استصلاحه. ويجوز أن يكون من قولهم: تودعت الشئ، أي: صنته في ميدع..أي: فقد صاروا بحيث يتحفظ منهم، كما يتوقى شرار الناس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 234 عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْراً للهِ فِيْهِ مَقَالٌ، فَلاَ يَقُوْلُ فِيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ؟ فَيَقُوْلُ: مَخَافَةُ النَّاسِ. فَيَقُوْلُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخَافَ (1)) . رَوَاهُ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلاَّدٌ، عَنْهُ. حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةُ المُضِلُّوْنَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ عَلَيْهِم، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُم إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِيْنَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفُهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ (2)) . الحُسَيْنُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ مُسْلِمٍ (3) ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ   (1) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في ص: 233، في التعليق رقم (1) ، وهو حديث صحيح. (2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 278 و283، 284، وأبو داود (4252) ، وابن ماجة (3952) من طريق أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوى لي الأرض " أو قال: " إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها. وأعطيت الكنزين الاحمر والابيض. وإني سألت ربي لامتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الاوثان. وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ". قال ابن عيسى: " ظاهرين " ثم اتفقا: " لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". (3) قال ابن معين: جهمي خبيث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئا. ذكر ذلك المؤلف في " ميزانه ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 235 عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (للهِ عِنْدَ إِحْدَاثِ كُلِّ بِدْعَةٍ تَكِيْدُ الإِسْلاَمَ وَلِيٌّ يَذُبُّ عَنْ دِيْنهِ) ... ، الحَدِيْثَ. هَذَا مَوْضُوْعٌ، مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَدِينُهُم قَائِماً فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ قُفْلُ بَابِ الفِتْنَةِ؛ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَانكسرَ البَابُ، قَامَ رُؤُوْسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ حَتَّى ذُبِحَ صَبراً، وَتَفرَّقتِ الكَلِمَةُ، وَتَمَّتْ وَقعَةُ الجَمَلِ، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّيْنَ. فَظَهَرَتِ الخَوَارِجُ، وَكَفَّرتْ سَادَةَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِبُ. وَفِي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهرتِ القَدَرِيَّةُ، ثُمَّ ظَهرتِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ، وَالجَهْمِيَّةُ وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ فِي أَثْنَاء عَصرِ التَّابِعِيْنَ مَعَ ظُهورِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى بَعْدِ المائَتَيْنِ، فَظَهَرَ المَأْمُوْنُ الخَلِيْفَةُ - وَكَانَ ذَكِيّاً مُتَكَلِّماً، لَهُ نَظَرٌ فِي المَعْقُوْلِ - فَاسْتجلَبَ كُتبَ الأوَائِلِ، وَعَرَّبَ حِكمَةَ اليُونَانِ، وَقَامَ فِي ذَلِكَ وَقَعَدَ، وَخَبَّ وَوَضَعَ، وَرَفَعَتِ الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ رُؤُوْسَهَا، بَلْ وَالشِّيْعَةُ، فَإنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ. وَآلَ بِهِ الحَالُ أَنْ حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَامتَحنَ العُلَمَاءَ، فَلَمْ يُمْهَلْ. وَهَلَكَ لِعَامِه، وَخَلَّى بَعْدَهُ شَرّاً وَبَلاَءً فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالتْ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- وَوَحْيُه وَتَنْزِيْلُه، لاَ يَعْرِفُوْنَ غَيْرَ ذَلِكَ، حَتَّى نَبَغَ لَهُمُ القَوْلُ بِأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوْقٌ مَجْعُولٌ، وَأنَّه إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- إِضَافَةَ تَشرِيفٍ، كَبَيتِ اللهِ، وَنَاقَةِ اللهِ. فَأَنكرَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ. وَلَمْ تَكُنِ الجَهْمِيَّةُ يَظهرُوْنَ فِي دَوْلَةِ المَهْدِيِّ وَالرَّشِيْدِ وَالأَمِيْنِ، فَلَمَّا وَلِيَ المَأْمُوْنُ، كَانَ مِنْهُم، وَأَظهرَ المَقَالَةَ. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ: أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرَ بنَ غِيَاثٍ المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَلِلِّهِ عَلَيَّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 236 إِنْ أَظفَرَنِي بِهِ، لأقْتُلَنَّه. قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: وَكَانَ مُتَوَارِياً أَيَّامَ الرَّشِيْدِ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيْدُ، ظَهَرَ، وَدَعَا إِلَى الضَّلاَلَةِ. قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ المَأْمُوْنَ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ، وَنَاظَرَ، وَبَقِيَ مُتوقِّفاً فِي الدُّعَاءِ إِلَى بِدعَتِهِ. قَالَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ: خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ، فَحَسَّنُوا لَهُ القَوْلَ بِخَلقِ القُرْآنِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقبُ بَقَايَا الشُّيُوْخِ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُه، وَامتَحَنَ النَّاسَ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَكْثَمَ، قَالَ: قَالَ لَنَا المَأْمُوْنَ: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لأَظهرتُ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَنْ يَزِيْدُ حَتَّى يُتَّقَى؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِي أَخَافُ إِنْ أَظْهَرتُهُ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، يَخْتلِفُ النَّاسُ، وَتَكُوْنُ فِتْنَةٌ، وَأَنَا أَكرهُ الفِتْنَةَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ لَهُ: نَعَمْ. فَخَرَجَ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءَ إِلَى يَزِيْدَ، وَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَن أُظْهِر خَلقَ القُرْآنِ. فَقَالَ: كَذبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لاَ يَحمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَاقعُدْ، فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي المَجْلِسِ، فَقُلْ. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ الغَدُ، اجْتَمَعُوا، فَقَامَ، فَقَالَ كَمَقَالتِه. فَقَالَ يَزِيْدُ: كَذَبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه لاَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. قَالَ: فَقَدِمَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، كُنْتَ أَعْلَمَ، وَقَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيْحَكَ يُلْعبُ بِكَ!! الجزء: 11 ¦ الصفحة: 237 قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَمَّا دَخلنَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، قَرَأَ عَلَيْنَا كِتَابَ الَّذِي صَارَ إِلَى طَرَسُوْسَ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ- فَكَانَ فِيْمَا قُرِئَ عَلَيْنَا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] : {وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأَنعَامُ: 102] . فَقُلْتُ: {وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} . قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ امْتُحِنَ القَوْمُ، وَوُجِّهَ بِمَنْ امتنعَ إِلَى الحَبْسِ، فَأجَابَ القَوْمُ جَمِيْعاً غَيْرَ أَرْبَعَةٍ: أَبِي، وَمُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ حَمَّادٍ سَجَّادَةَ. ثُمَّ أَجَابَ هَذَانِ، وَبَقِيَ أَبِي وَمُحَمَّدٌ فِي الحَبْسِ أَيَّاماً، ثُمَّ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ طَرَسُوْسَ بِحَمْلهِمَا مُقَيَّدَيْنِ زَمِيلَينِ. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، قَالَ: لَمَّا أُحْضِرنَا إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ أَيَّامَ المِحْنَةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قد أحْضِرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ يُجِيْبُوْنَ، وَكَانَ رَجُلاً لَيِّناً، فَانتفَخَتْ أَوْدَاجُه، وَاحْمرَّتْ عَينَاهُ، وَذَهَبَ ذَلِكَ اللِّيْنُ. فَقُلْتُ: إِنَّه قَدْ غَضِبَ للهِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ مِن أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ إِذَا أُرِيدَ عَلَى شَيْءٍ مِن أَمرِ دِينِه، رَأَيْتَ حَمَالِيْقَ عَيْنَيْهِ فِي رَأْسهِ تَدُورُ كَأنَّه مَجنُوْنٌ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ: عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُسَامَةَ يَقُوْلُ: حُكِيَ لَنَا أَنَّ أَحْمَدَ قِيْلَ لَهُ أَيَّامَ المِحْنَةِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَوَلاَ تَرَى الحَقَّ كَيْفَ ظَهرَ عَلَيْهِ البَاطِلُ؟ قَالَ: كَلاَّ، إِن ظُهورَ البَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ القُلُوْبُ مِنَ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ، وَقُلُوْبُنَا بَعْدُ لاَزمَةٌ لِلْحقِّ. الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُوْلُ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 238 لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلَى المَأْمُوْنِ، أُخبرتُ، فَعَبَرْتُ الفُرَاتَ، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الخَانِ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، تَعَنَّيْتَ. فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأسٌ، وَالنَّاسُ يَقتدُوْنَ بِكَ، فَوَ اللهِ لَئِنْ أَجبتَ إِلَى خَلقِ القُرْآنِ، لَيُجِيْبَنَّ خَلقٌ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُجِبْ، لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّك تَمُوتُ، لاَبُدَّ مِنَ المَوْتِ، فَاتَّقِ اللهَ وَلاَ تُجِبْ. فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَعِدْ عَلَيَّ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: أَوّلُ يَوْمٍ امَتَحَنه إِسْحَاقُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَقعدَ فِي مَسْجِدِه، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ: أَخْبِرْنَا بِمَنْ أَجَابَ. فَكَأنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ أيْضاً. قَالَ: فَلَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - وَالحَمْدُ للهِ -. ثُمَّ ذَكرَ مَنْ أَجَابَ وَمَنْ وَاتَاهُم عَلَى أَكْثَرِ مَا أَرَادُوا، فَقَالَ: هُوَ مَجْعُولٌ مُحْدَثٌ. وَامتَحَنَهُم مَرَّةً مَرَّةً، وَامتَحَنَنِي مَرَّتينِ مَرَّتينِ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قُلْتُ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. فَأَقَامَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ سَأَلهُم، ثُمَّ رَدَّنِي ثَانيَةً، فَسَأَلنِي وَأَخَذَنِي فِي التَّشبيهِ. فَقُلْتُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشُّورَى:11] . فَقَالَ لِي: وَمَا السَّمِيعُ البَصِيرُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا قَالَ تَعَالَى. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: جَعَلُوا يُذَاكرُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ فِي التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيْهَا. فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُوْنَ بِحَدِيْثِ خَبَّابٍ: (إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ، لاَ يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيْنِهِ (1)) . فَأَيِسنَا مِنْهُ.   (1) أخرجه أحمد 5 / 109 و110، والبخاري 12 / 281 في أول الاكراه، وأبو داود = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 239 وَقَالَ: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْسِ، مَا هُوَ وَمَنْزِلِي إِلاَّ وَاحِدٌ، وَلاَ قَتلاً بِالسَّيْفِ، إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْطِ. فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ، فَقَالَ: لاَ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ سَوْطَانِ، ثُمَّ لاَ تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ البَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلاَفَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ، وَلاَ خَالَطَ المُلُوْكَ، كَانَ أَثبتَ قَلْباً مِنْ أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ فِي عَيْنِهِ إِلاَّ كَأَمثَالِ الذُّبَابِ. وحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ (1) ، أَوْ هُوَ حَدَّثَنِي: أنَّهُم أَنْفَذوهُ إِلَى أَحْمَدَ فِي مَحبسِه لِيُكَلِّمهُ فِي مَعْنَى التَّقيَّةِ، فَلَعَلَّهُ يُجِيْبُ. قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرتُ وَهُوَ لاَ يُجِيبنِي. ثُمَّ قَالَ لِي: مَا قَوْلُكَ اليَوْمَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهوِ؟ وَإِنَّمَا أَرسلُوهُ إِلَى أَحْمَدَ لِلإِلفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ أَيَّامَ لُزُوْمِهِمُ الشَّافِعِيَّ. فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَتَقَشَّفُ وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَكَانَ أَحْفَظَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْحَدِيْثِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَبَطَّنَ بِمَذَاهِبِه المَذمُومَةِ. ثُمَّ لَمْ يُحَدِّثْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا أَنْبَأتُكَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي فِي أَوّلِ خِلاَفَةِ الوَاثِقِ، ثُمَّ قَطعَه إِلَى أَنْ مَاتَ، إِلاَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِ المُتَوَكِّلِ.   = (2649) من طريق قيس بن أبي حازم، عن خباب بن الارت، قال: شكونا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ". (1) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس..، وهو ابن بنت الشافعي الامام رضي الله عنه، وأمه زينب بنت الشافعي، انظر ترجمته في " تهذيب الأسماء واللغات " للامام النووي برقم (557) ، وفي " طبقات الشافعية " 2 / 186. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 240 قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: حُمِلَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ مِنْ بَغْدَادَ مُقَيَّدَيْنِ، فَصِرنَا مَعَهُمَا إِلَى الأَنْبَارِ. فَسَألَ أَبُو بَكْرٍ الأَحْوَلُ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ عُرِضتَ عَلَى السَّيْفِ، تُجيبُ؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ سُيِّرَا، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: صِرنَا إِلَى الرَّحْبَةِ (1) ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَعَرَضَ لَنَا رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيُّكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا. فَقَالَ لِلْجمَّالِ: عَلَى رِسْلكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا، مَا عَلَيْكَ أَنْ تُقتلَ هَا هُنَا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ ثُمَّ قَالَ: أَسْتودِعُكَ اللهَ، وَمَضَى. فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا رَجُلٌ مِن العَرَبِ مِنْ رَبِيْعَةَ يَعْمَلُ الشَّعْرَ (2) فِي البَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: جَابِرُ بنُ عَامِرٍ، يُذكَرُ بِخَيْرٍ. أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً مُنْذُ وَقعتُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَقوَى مِنْ كَلِمَةِ أَعْرَابِيٍّ كَلَّمنِي بِهَا فِي رَحبَةِ طَوقٍ. قَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنْ يَقتلْكَ الحَقُّ مُتَّ شَهِيداً، وَإِنْ عِشتَ عِشتَ حَمِيداً. فَقَوَّى قَلْبِي. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: فَلَمَّا صِرنَا إِلَى أَذَنَةَ (3) ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَفُتِحَ لَنَا بَابُهَا، إِذَا رَجُلٌ قَدْ دَخَلَ، فَقَالَ: البُشْرَىَ! قَدْ مَاتَ الرَّجُلُ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ-. قَالَ أَبِي: وَكُنْتُ أَدعُو اللهَ أَنْ لاَ أَرَاهُ. مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: تَبيّنتُ الإِجَابَةَ فِي دَعْوَتَيْنِ: دَعَوتُ اللهَ أَنْ لاَ يَجمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ المَأْمُوْنِ،   (1) وهي رحبة مالك بن طوق، تقع بين الرقة وبغداد، على شاطئ الفرات، تبعد عن بغداد مئة فرسخ، وعن الرقة نيفا وعشرين فرسخا. (2) في الهامش ما نصه: في رواية حنبل: يعمل الصوف. (3) بفتحات، وهي بلد مشهور من الثغور، قرب المصيصة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 241 وَدَعَوتُه أَنْ لاَ أَرَى المُتَوَكِّلَ. فلمْ أرَ المَأْمُوْنَ، مَاتَ بِالبَذَنْدُوْنِ (1) ، قُلْتُ: وَهُوَ نهرُ الرُّوْمِ. وَبَقِيَ أَحْمَدُ مَحبوساً بِالرَّقَّةِ حَتَّى بُوْيِعَ المُعْتَصِمُ إِثرَ مَوْتِ أَخِيْهِ، فَرُدَّ أَحْمَدُ إِلَى بَغْدَادَ. وَأَمَّا المُتَوَكِّلُ فَإِنَّه نَوَّهَ بِذكرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالتمسَ الاجْتِمَاعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ حضَرَ أَحْمَدُ دَارَ الخِلاَفَةِ بِسَامَرَّاءَ لِيُحَدِّثَ وَلَدَ المُتَوَكِّلِ وَيُبرِّك عَلَيْهِ، جلسَ لَهُ المُتَوَكِّلُ فِي طَاقَةٍ، حَتَّى نظرَ هُوَ وَأُمُّهُ مِنْهَا إِلَى أَحْمَدَ، وَلَمْ يَرَهُ أَحْمَدُ. قَالَ صَالِحٌ: لَمَّا صَدَرَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ إِلَى طَرَسُوْسَ، رُدَّا فِي أَقيَادِهِمَا. فَلَمَّا صَارَ إِلَى الرَّقَّةِ، حُمِلا فِي سَفِيْنَةٍ، فَلَمَّا وَصَلاَ إِلَى عَانَةَ (2) ، تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ، وَفُكَّ قَيدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبِي. وَقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ، وَقدْرِ عِلمِه أقومَ بأمرِ اللهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ خُتمَ لَهُ بِخَيْرٍ. قَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الله الله، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي، أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِكَ. قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أعنَاقَهُم إِلَيْكَ، لِمَا يَكُوْنُ مِنْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاثبُتْ لأمرِ اللهِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا. فَمَاتَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَدَفنتُه. أَظُنُّ قَالَ: بِعَانَةَ. قَالَ صَالِحٌ: وَصَارَ أَبِي إِلَى بَغْدَادَ مُقَيَّداً، فَمَكَثَ بِاليَاسريَّة (3) أَيَّاماً،   (1) في الأصل بالباء، وهو تصحيف، فقد جاء في " معجم البلدان " 1 / 361، 362: البذندون، بفتحتين وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين طرسوس يوم، من بلاد الثغر، مات بها المأمون فنقل إلى طرطوس، ودفن بها. ولطرسوس باب يقال له: باب بذندون، عنده في وسط السور قبر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون، كان خرج غازيا، فأدركته وفاته هناك، وذلك سنة 218 هـ. (2) بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهي مشرفة على الفرات، وبها قلعة حصينة. (3) قرية كبيرة على ضفة نهر عيسى، بينها وبين بغداد ميلان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 242 ثُمَّ حُبِسَ فِي دَارٍ اكتُرِيَتْ عِنْد دَارِ عُمَارَةَ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى حَبْسِ العَامَّةِ فِي دَربِ المَوْصِليَّةِ. فَقَالَ: كُنْتُ أُصلِّي بأَهْلِ السجنِ، وَأَنَا مُقَيَّدٌ. فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَ - قُلْتُ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ المَأْمُوْنِ بأَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْراً - حُوِّلتُ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ-. وَأَمَّا حَنْبَلٌ، فَقَالَ: حُبِسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي دَارِ عُمَارَةَ بِبَغْدَادَ، فِي إِصْطَبْلِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ؛ أَخِي إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ فِي حَبْسٍ ضَيِّقٍ، وَمَرِضَ فِي رَمَضَانَ. ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ قَلِيْلٍ إِلَى سِجْنِ العَامَّةِ، فَمَكَثَ فِي السِّجنِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ شَهْراً. وَكُنَّا نَأْتِيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ (الإِرْجَاءِ) وَغَيْرَهُ فِي الحَبْسِ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِهِم فِي القَيْدِ، فَكَانَ يُخرِجُ رِجْلَهُ مِنْ حَلقَةِ القَيدِ وَقْتَ الصَّلاَةِ وَالنَّومِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّامُ، فَلاَ يَزَالاَنِ يُنَاظرَانِي، حَتَّى إِذَا قَامَا دُعِيَ بِقَيدٍ، فَزِيدَ فِي قُيُودِي، فَصَارَ فِي رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقيَادٍِ. فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، دَخَلَ عَلَيَّ، فَنَاظرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي عِلْمِ اللهِ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قُلْتُ: كَفَرْتَ بِاللهِ (1) . فَقَالَ الرَّسُوْلُ الَّذِي كَانَ يَحضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ هَذَا رَسُوْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفرَ. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَجَّهَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- بِبُغَا الكَبِيْرِ إِلَى إِسْحَاقَ، فَأَمرهُ بِحملِي إِلَيْهِ، فَأُدْخِلتُ عَلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّهَا -وَاللهِ- نَفْسُك، إِنَّه لاَ يَقتلُك بِالسَّيْفِ، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى - إِنْ لَمْ تُجبْه - أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يَقْتُلكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُرَى فِيْهِ شَمسٌ وَلاَ قمرٌ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا   (1) جاء بهامش الأصل الذي اعتمد في تحقيق " تاريخ الإسلام " للحافظ الذهبي: " إنما كفره لأنه إذا كان علم الله مخلوقا، لزم أن يكون في الازل بغير علم حتى خلقه. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وهذا حق بديهي معلوم من الدين بالضرورة ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 243 جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيّاً} [الزُّخْرُفُ: 3] ، أَفيَكُوْنُ مَجعولاً إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟ فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيلُ:5] أَفَخَلَقَهُم؟ قَالَ: فَسَكَتَ. فَلَمَّا صِرنَا إِلَى المَوْضِعِ المَعْرُوْفِ بِبَابِ البُسْتَانِ، أُخرجتُ، وَجيءَ بدَابَّةٍ، فَأُرْكبتُ وَعَلَيَّ الأَقيَادُ، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُنِي، فَكِدتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ القُيودِ. فَجِيءَ بِي إِلَى دَارِ المُعْتَصِمِ، فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثُمَّ أُدخلتُ بَيتاً، وَأُقفلَ البَابُ عَليَّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ سرَاجَ. فَأردتُ الوضوءَ، فَمددتُ يَدِي، فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيْهِ مَاءٌ، وَطسْتٌ مَوْضُوْعٌ، فتوضَّأتُ وَصَلَّيْتُ. فلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَخْرَجْتُ تِكَّتِي، وَشددتُ بِهَا الأقيَادَ أَحمِلُهَا، وَعَطفتُ سَرَاويلِي. فَجَاءَ رَسُوْلُ المُعْتَصِمِ، فَقَالَ: أَجبْ. فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَدخلَنِي عَلَيْهِ، وَالتِّكَّةُ فِي يَدِي، أَحْمِلُ بِهَا الأقيَادَ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ حَاضِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ خَلقاً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِه. فَقَالَ لِي المُعْتَصِمُ: ادنُه، ادنُه. فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اجلسْ. فَجَلَسْتُ، وَقَد أَثقلتْنِي الأقيَادُ، فَمكثْتُ قَلِيْلاً، ثُمَّ قُلْتُ: أتَأذنُ فِي الكَلاَمِ؟ قَالَ: تَكَلَّمْ. فَقُلْتُ: إِلَى مَا (1) دَعَا اللهُ وَرَسُوْلُه؟ فَسَكَتَ هُنَيَّةً (2) ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. فَقُلْتُ: فَأَنَا أشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْد القيسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنِ الإِيْمَانِ، فَقَالَ: (أَتَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ؟) . قَالُوا: اللهُ   (1) كذا في الأصل، بإثبات ألف " ما ". وظاهر كلام النحويين وجوب حذف ألفها إذا دخل عليها حرف الجر، ولكن قرأ عبد الله وأبي وعكرمة: (عما يتساءلون) ، بالالف، وقال أبو حيان في " البحر " 8 / 410: وهو أصل: " عم "، والاكثر حذف الالف من " ما " الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر، وأضيف إليها. ومن إثبات الالف قول الشاعر: على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في دمان (2) في " تاريخ الإسلام ": " هنيهة "، والوجهان جائزان. وهنية مصغر هنة، أصلها هنوة، أي: شيء يسير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 244 وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ. قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ (1)) . قَالَ أَبِي: فَقَالَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ-: لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبلِي، مَا عَرَضتُ لَكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ إِسْحَاقَ، أَلَم آمُرْكَ برفعِ المِحْنَةِ؟ فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّ فِي هَذَا لَفَرَجاً لِلْمُسْلِمِيْنَ. ثُمَّ قَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْه. فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ فِي عِلمِ اللهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُم: أَلَيْسَ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْدُ: 16] وَالقُرْآنُ أَلَيْسَ شَيْئاً؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأَحقَافُ: 25] فَدَمَّرتْ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللهُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: {مَا يَأْتِيْهِم مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 2] أَفَيَكُوْنُ مُحدَثٌ إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] ، فَالذِّكرُ هُوَ القُرْآنُ، وَتِلْكَ (2) ليسَ فِيْهَا أَلفٌ وَلاَمٌ. وَذَكرَ بَعْضُهُم حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ الذِّكْرَ) ، فَقُلْتُ: هَذَا خَطأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الذِّكْرَ (3)) . وَاحتجُوا بِحَدِيْثِ   (1) أخرجه البخاري 1 / 120، 125، في الايمان: باب أداء الخمس من الايمان، وفي العلم: باب تحريض النبي، صلى الله عليه وسلم، وفد عبد القيس على أن يحفظوا الايمان والعلم، ويخبروا من وراءهم، وفي مواقيت الصلاء: باب قول الله تعالى: (منيبين إليه واتقوه) ، وفي الزكاة: باب وجوب الزكاة، وفي الجهاد: باب أداء الخمس من الدين، وفي الأنبياء: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، وفي المغازي: باب وفد عبد القيس، وفي الأدب: باب قول الرجل مرحبا، وفي خبر الواحد: باب وصاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، وفي التوحيد: باب قول الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) . وأخرجه مسلم (17) في الايمان: باب الامر بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه. (2) صحفت في " تاريخ الإسلام " إلى: " ويلك "، بالياء المثناة من تحت. (3) المحفوظ من حديث عمران بن حصين: " وكتب في الذكر كل شيء ". أخرجه البخاري 6 / 205، 207 في أول بدء الخلق، و13 / 345، 347 في التوحيد: باب وكان = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 245 ابْنِ مَسْعُوْدٍ: (مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيِّ (1)) . فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَعَ الخَلْقُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالأرضِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى القُرْآنِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيْث خَبَّابٍ: (يَا هَنَتَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَّربَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِهِ (2)) . فَقُلْتُ: هَكَذَا هُوَ. قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَنْظُرُ إِلَى أَبِي كَالمُغْضَبِ. قَالَ أَبِي: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُم، اعترضَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَيَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ -وَاللهِ- ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِعٌ! فَيَقُوْلُ: كَلِّمُوهُ، نَاظِروهُ. فَيكلِّمُنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيكلُّمنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، فَإذَا انقطَعوا، يَقُوْلُ المُعْتَصِمُ: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ! مَا تَقُوْلُ؟ فَأَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ   = عرشه على الماء، عن عمران بن حصين، قال: دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فإذا ناس من بني تميم، فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: قد بشرتنا، فأعطنا مرتين. ثم دخل عليه ناس من اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ونسألك عن أول هذا الامر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والارض ". (1) ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 1 / 323، ونسبه إلى أبي عبيد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر، بلفظ: " ما خلق الله من سماء، ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من آية في سورة البقرة: الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، وأخرجه سعيد بن منصور، وابن الضريس، والبيهقي في " الأسماء والصفات " عن ابن مسعود، قال: " ما من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي ". (2) أخرجه الآجري في " الشريعة " ص: 77، من طريق أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو حفص الابار، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن فروة (وقد تحرف فيه إلى قرة) بن نوفل، قال: أخذ خباب بن الارت، رضي الله عنه، بيدي، فقال: يا هناه! تقرب إلى الله عزوجل بما استطعت، فإنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه. وسنده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 246 أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقُوْلَ بِهِ. فَيَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ: أَنْتَ لاَ تَقُوْلُ إِلاَّ مَا فِي الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: تَأَوَّلتَ تَأويلاً، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَمَا تَأَوَّلتُ مَا يُحبَسُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُقَيَّدُ عَلَيْهِ (1) . قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدِ احتجُّوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ مَا يَقْوَى قَلْبِي، وَلاَ ينطَلِقُ لِسَانِي أَن أَحكِيَهُ. أَنكرُوا الآثَارَ، وَمَا ظَنَنتُهُم عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُه، وَجَعَلُوا يُرغُونَ، يَقُوْلُ الخَصْمُ كَذَا وَكَذَا (2) ، فَاحتججتُ عَلَيْهِم بِالقُرْآنِ بِقَولِه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ (3) } [مَرْيَمُ: 42] ، أَفَهَذَا مُنكَرٌ عِندكُم؟ فَقَالُوا: شَبَّهَ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، شَبَّهَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ أَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ أَقْبَلَ عَلَى أَحْمَدَ يُكَلِّمُهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، حَتَّى قَالَ المُعْتَصِمُ: يَا أَحْمَدُ، أَلاَ تُكَلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فَأُكلِّمَهُ!! قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَئِنْ أَجَابَكَ، لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَيَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعُدَّ. فَقَالَ: لَئِنْ أَجَابَنِي لأُطْلِقَكُنَّ عَنْهُ بِيَدِي، وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُندِي، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، وَاللهِ إِنِّي عَلَيْكَ لَشَفِيْقٍ، وَإِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ   (1) في " تاريخ الإسلام ": " ... فقلت له: كما تأولت تأويلات فأنت أعلم، وما تأولت ما يحبس عليه، وما يقيد عليه ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " وجعلوا يدعون بقول الخصم وكذا وكذا ". وهي مصحفة. (3) في " تاريخ الإسلام " بعد الآية: " فذم إبراهيم أباه أن عبد ما لا يسمع ولا يبصر.." الجزء: 11 ¦ الصفحة: 247 كَشَفقتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، مَا تَقُوْلُ؟ فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، ضَجِرَ، وَقَالَ: قُومُوا، وَحَبَسَنِي -يَعْنِي عِنْدَهُ (1) - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ يُكَلِّمُنِي، وَقَالَ: وَيْحَكَ! أَجِبْنِي (2) . وَقَالَ: وَيْحَكَ! ألَمْ تَكنْ تَأتينَا؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعْرِفُه مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، يَرَى طَاعتَكَ وَالحَجَّ وَالجِهَادَ مَعَكَ. فَيَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَالِمٌ، وَإِنَّهُ لَفَقِيْهٌ، وَمَا يَسوءُنِي أَنْ يَكُوْنَ مَعِي يَرُدُّ عَنِّي أَهْلَ المِلَلِ. ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتَ تَعْرِفُ صَالِحاً الرَّشِيْدِيَّ؟ قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ (3) . قَالَ: كَانَ مُؤَدِّبِي، وَكَانَ فِي ذَلِكَ المَوْضِعِ جَالِساً - وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ - فَسَألنِي (4) عَنِ القُرْآنِ، فَخَالَفَنِي، فَأَمرْتُ بِهِ، فُوُطِئَ وَسُحِبَ! يَا أَحْمَدُ، أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي. قُلْتُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. فَطَالَ المَجْلِسُ، وَقَامَ، وَرُدِدْتُ إِلَى المَوْضِعِ. فلَمَّا كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَجَّهَ إِلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، يَبِيتَانِ عِنْدِي وَيُنَاظرَانِي وَيُقِيمَانِ مَعِي، حَتَّى إِذَا كَانَ وَقْتُ الإِفطَارِ، جِيْءَ بِالطَّعَامِ، وَيَجتَهِدَانِ بِي أَنْ أُفطِرَ فَلاَ أَفْعَلُ - قُلْتُ: وَكَانَتْ ليَالِيَ رَمَضَانَ -. قَالَ: وَوجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلَيَّ ابْنَ أَبِي دُوَادَ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ؟ فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْواً مِمَّا كُنْتُ أَرُدُّ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: وَاللهِ   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". (2) وتمامه كما في " تاريخ الإسلام ": " ... فقال: ما أعرفك ". (3) في " تاريخ الإسلام ": " باسمه " بدل " به " (4) في " تاريخ الإسلام ": فسألته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 248 لَقَدْ كَتَبَ اسْمَكَ فِي السَّبْعَةِ: يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ وَغَيْرِهِ (1) ، فَمَحَوتُهُ، وَلَقَدْ سَاءنِي أَخذُهُم إِيَّاكَ. ثُمَّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يُلْقِيَكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَرَى فِيْهِ الشَّمْسَ. وَيَقُوْلُ: إِنْ أَجَابَنِي، جِئْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْهُ بِيَدِي، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَلَمَّا أَصبَحْنَا (2) ، جَاءَ رَسُولُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي حَتَّى ذَهَبَ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ. فجعلُوا يُنَاظرُونِي، فَأَردُّ عَلَيْهِم، فَإذَا جَاؤُوا بِشَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ مِمَّا لَيْسَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قُلْتُ: مَا أدرِي مَا هَذَا. قَالَ: فَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ (3) الحجَّةُ عَلَيْنَا، ثَبَتَ، وَإِذَا كَلَّمنَاهُ بِشَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أدرِي مَا هَذَا. فَقَالَ: نَاظِرُوهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَحْمَدُ، أَرَاكَ تَذْكُرُ الحَدِيْثَ وَتنتحلَهُ. فَقُلْتُ: مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {يُوْصِيْكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاءُ: 11] ؟ قَالَ: خصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِيْنَ. قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ: إِنْ كَانَ قَاتلاً أَوْ عَبداً؟ فَسَكَتَ، وَإِنَّمَا احتججتُ عَلَيْهِم بِهَذَا، لأَنَّهُم كَانُوا يَحتجُّوْنَ بِظَاهِرِ القُرْآنِ. فحَيْثُ قَالَ لِي: أرَاكَ تَنْتَحلُ الحَدِيْثَ، احتججتُ بِالقُرْآنِ -يَعْنِي: وَإِنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتِ القَاتِلَ وَالعبدَ، فَأَخْرَجَتْهُمَا مِنَ العمومِ-. قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى قُربِ الزَّوَالِ. فَلَمَّا ضجرَ، قَالَ: قومُوا. ثُمَّ خَلاَ بِي، وَبعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، فَلَمْ يَزَلْ يُكلمنِي، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ، وَرُددتُ إِلَى المَوْضِعِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قُلْتُ: خليقٌ أَنْ يَحْدُثَ غَداً مِنْ أمرِي   (1) قال ابن الجوزي في " مناقب الامام أحمد " ص: 324: " ... قلت: السبعة: يحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأحمد الدورقي، والقواريري، وسعدويه، وأحمد بن حنبل. وقيل: خلف المخزومي ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " فلما أصبح ". (3) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 249 شَيْءٌ، فَقُلْتُ لِلْموكَّلِ بِي: أُرِيْدُ (1) خيطاً. فَجَاءنِي بخيطٍ، فشددتُ بِهِ الأقيَادَ، وَرددتُ التِّكَّةَ إِلَى سَرَاويلِي مَخَافَةَ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ أمرِي شَيْءٌ، فَأتعرَّى. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أُدخلتُ إِلَى الدَّارِ، فَإذَا هِيَ غَاصَّةٌ، فَجَعَلتُ أُدْخَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيوفُ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَكُنْ فِي اليَومِيْنِ المَاضيينِ كَبِيْرُ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: اقعدْ. ثُمَّ قَالَ: نَاظِروهُ، كَلِّمُوهُ. فَجَعَلُوا يُنَاظرُونِي، يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ صوتِي يعلُو أصوَاتَهُم. فَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِي (2) يُوْمئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ، فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، نَحَّانِي، ثُمَّ خَلاَ بِهِم، ثُمَّ نَحَّاهُم، وَردَّنِي إِلَى عِنْدِهِ، وَقَالَ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجبنِي حَتَّى أُطلقَ عَنْكَ بِيَدِي. فرددتُ عَلَيْهِ نَحْوَ ردِّي، فَقَالَ: عَلَيْكَ.. - وَذَكَرَ اللَّعنَ - خُذوهُ، اسحبُوهُ، خَلِّعُوهُ. فسُحبتُ، وَخُلعتُ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كمِّ قَمِيصِي، فَوجَّهَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: مَا هَذَا المصرورُ؟ قُلْتُ: شَعْرٌ مِنْ شعرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسعَى بَعْضهُم ليخرقَ القمِيصَ عَنِّي. فَقَالَ المُعْتَصِمُ: لاَ تَخرقُوهُ. فَنُزعَ، فَظننتُ أَنَّهُ إِنَّمَا دُرِئَ عَنِ القمِيصِ الخَرْقُ بِالشّعرِ. قَالَ: وَجَلَسَ المُعْتَصِمُ عَلَى كُرْسِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: العُقَابَيْنِ (3) وَالسِّيَاطُ. فَجِيْءَ بِالعقَابينِ، فَمُدَّتْ يَدَايَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ خَلْفِي: خُذْ نَاتِئَ (4) الخَشبتَينِ بِيَديكَ، وَشُدَّ عَلَيْهِمَا. فلمْ أَفهَمْ مَا قَالَ، فَتخلَّعتْ يَدَاي.   (1) صحفت في " تاريخ الإسلام " إلى " ارتد " وأتبعت ب " إلى ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " رأسه ". (3) وهما خشبتان يشق الرجل بينهما الجلد. (4) صحفت في " تاريخ الإسلام إلى " ناي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 250 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: ذَكرُوا أَنَّ المُعْتَصِمَ ألاَنَ (1) فِي أَمرِ أَحْمَدَ لَمَّا علِّقَ فِي العُقَابينِ، وَرَأَى ثبَاتَه (2) وَتصمِيمَه وَصلاَبتَه، حَتَّى أَغرَاهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَركتَه، قِيْلَ: قَدْ تركَ مَذْهَبَ المَأْمُوْنِ، وَسَخطَ قَوْلَه. فَهَاجه ذَلِكَ عَلَى ضَربِه. وَقَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: وَلَمَّا جيءَ بِالسيَاطِ، نظرَ إِلَيْهَا المُعْتَصِمُ، فَقَالَ: ائتُونِي بِغَيْرِهَا. ثُمَّ قَالَ لِلْجلاَّدِيْنَ: تقدَّمُوا. فَجَعَلَ يتقدمُ إِلَيَّ الرَّجُلُ مِنْهُم، فيَضْرِبنِي سَوطينِ، فَيَقُوْلُ لَهُ: شُدَّ، قَطعَ اللهُ يدكَ! ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيتقدمُ آخرُ، فيَضْرِبنِي سوطينِ، وَهُوَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك! فَلَمَّا ضُربتُ سَبْعَةَ (3) عَشَرَ سوطاً، قَامَ إِلَيَّ -يَعْنِي: المُعْتَصِمُ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، عَلاَمَ تَقتلُ نَفْسَك؟ إِنِّي -وَاللهِ- عَلَيْكَ لَشفيقٌ. وَجَعَلَ عُجَيْفٌ يَنخَسُنِي بقَائِمَةِ سيفِه، وَقَالَ: أَتُريدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟ وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَقُوْلُ: وَيْلَكَ! إِمَامُكَ (4) عَلَى رَأْسكَ قَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُم: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، دمُه فِي عُنُقِي، اقْتُلْهُ. وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي الشَّمْسِ قَائِمٌ! فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ، مَا تَقُوْلُ؟ فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ أَقُوْلُ بِهِ. فَرَجَعَ، وَجَلَسَ، وَقَالَ لِلْجلاَّدِ: تقدمْ، وَأوجعْ، قطعَ اللهُ يدَك. ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجِبنِي. فَجَعَلُوا يُقبلُوْنَ عَلَيَّ، وَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَحْمَدُ، إِمَامُك عَلَى رَأسكَ قَائِمٌ! وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَنْ صنعَ مِنْ أَصْحَابِك فِي هَذَا الأَمْرِ مَا تَصْنَعُ؟ وَالمُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ (5)   (1) في " تاريخ الإسلام ": " لاين ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " ثبوته ". (3) في " تاريخ الإسلام ": " تسعة: بدل " سبعة ". (4) في " تاريخ الإسلام ": " الخليفة ". (5) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 251 فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطلِقَ عَنْكَ بِيَدِي. ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لِلْجَلاَّدِ: تقدَّمْ. فَجَعَلَ يَضْرِبُنِي سَوطينِ، وَيتنحَّى، وَهُوَ فِي خلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك. فَذَهَبَ عَقلِي، ثُمَّ أَفقتُ بَعْدُ، فَإذَا الأقيَادُ قد أطلقتْ عَنِّي. فَقالَ لِي رَجُلٌ مِمَّن حضَرَ: كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِك، وَطَرحنَا عَلَى ظَهركَ بَارِيَّةً (1) وَدُسنَاكَ! قَالَ أَبِي (2) : فَمَا شعرتُ بِذَلِكَ، وَأَتَونِي بِسَوِيْقٍ، وَقَالُوا: اشربْ وَتَقَيَّأْ. فَقُلْتُ: لاَ أُفطِرُ. ثُمَّ جِيْءَ بِي إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَحضرتُ الظّهرَ، فَتَقَدَّمَ ابْنُ سِمَاعَةَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِه، وَقَالَ لِي: صَلَّيْتَ، وَالدَّمُ يَسيلُ فِي ثَوبِكَ؟ قُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرحُه يَثعَبُ دَماً (3) . قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ. وَكَانَ مَكثُه فِي السجنِ (4) مُنْذُ أُخذَ إِلَى أَنْ ضُربَ وَخُلِّيَ عَنْهُ، ثَمَانِيَةً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَحَدُ الرَّجلَينِ اللَّذينِ كَانَا مَعَهُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُشبِهُه، وَلَقَدْ جَعَلتُ أَقُوْلُ لَهُ فِي وَقْتِ مَا يُوجَّه إِلَينَا بِالطَّعَامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي مَوْضِعِ تَفِئَةٍ (5) . وَلَقَدْ   (1) بكسر الراء، وفتح الياء المشددة: الحصير المنسوج، وهي فارسية الأصل. (2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام "، وهو قال صالح بن الامام أحمد. (3) أخرجه مالك في " الموطأ " رقم (79) : باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دما، أي: يجري ويتفجر منه الدم. (4) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام ". (5) كذا الأصل، وفي " تاريخ الإسلام و" مناقب الامام أحمد " ص 407: تقية وفي " الحلية " 9 / 203: " مسغبة ". قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: والتقية إنما تجوز للمستضعفين الذين يخشون أن لا يثبتوا على الحق، والذين ليسوا بموضع القدوة للناس، فهؤلاء يجوز لهم أن يأخذوا بالرخصة. أما أولو العزم من الأئمة الهداة، فإنهم يأخذون بالعزيمة، ويحتملون الأذى، ويثبتون، وفي سبيل الله ما يلقون. ولو أنهم أخذوا بالتقية، واستساغوا الرخصة، لضل الناس من ورائهم، يقتدون بهم، ولا يعلمون أن هذه تقية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 252 عَطِشَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّرَابِ: نَاوِلْنِي. فَنَاوَلَه قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ وثَلجٌ، فَأَخَذَهُ، وَنظرَ فِيْهِ، ثُمَّ رَدَّهُ، وَلَمْ يشربْ، فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى الجُوْعِ وَالعطشِ، وَهُوَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ مِنَ الهولِ. قَالَ صَالِحٌ: فَكُنْتُ أَلتمسُ وَأَحتَالُ أَنْ أُوصلَ إِلَيْهِ طعَاماً أَوْ رَغيفاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، فَلَمْ أَقْدِرْ. وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ حَضَرَه: أَنَّهُ تَفقَّده فِي الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ وَهُم يُنَاظرونَه، فَمَا لَحَنَ فِي كَلِمَةٍ. قَالَ: وَمَا ظَننتُ أَنَّ أَحَداً يَكُوْنُ فِي مِثْلِ شَجَاعَتِه وَشِدَّةِ قَلْبِه. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَهبَ عقلِي مِرَاراً، فَكَانَ إِذَا رُفعَ عَنِّي الضَّربُ، رَجعتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِذَا اسْترخيتُ وَسقطتُ، رُفِعَ الضَّربُ، أَصَابَنِي ذَلِكَ مِرَاراً. وَرَأَيْتُه -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- قَاعِداً فِي الشَّمْسِ بِغَيْرِ مِظَلَّةٍ، فَسَمِعْتُه - وَقَد أَفقتُ (1) - يَقُوْلُ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ: لَقَدِ ارتكبتُ إِثْماً فِي أَمرِ هَذَا الرَّجُلِ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ -وَاللهِ- كَافِرٌ مُشرِكٌ، قَدْ أَشرَكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. فَلاَ يزَالُ بِهِ حَتَّى يَصرِفَه عَمَّا يُرِيْدُ. وَقَدْ كَانَ أَرَادَ تَخلِيَتِي بِلاَ ضَربٍ، فَلَمْ يَدعْه، وَلاَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْمَ. قَالَ حَنْبَلٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ المُعْتَصِمَ قَالَ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَمْ ضُرِبَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةً، أَوْ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَوطاً. قَالَ أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ: قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الهُنْبازِينَ (2) -: يَا أُسْتَاذُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {لاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} [النِّسَاءُ: 29] . قَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ، اخرجْ وَانظرْ. فَخَرَجتُ إِلَى رحبَةِ دَارِ   (1) في " تاريخ الإسلام ": " أوقفت ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " الهنبارين "، بالراء المهملة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 253 الخِلاَفَةِ، فَرَأَيْتُ خَلقاً لاَ يُحصيهِم إِلاَّ اللهُ، وَالصُّحفُ فِي أَيديهِم، وَالأقلاَمُ وَالمَحَابِرُ، فَقَالَ لَهُمُ المَرُّوْذِيُّ: مَاذَا تَعْمَلُوْنَ؟ قَالُوا: نَنظرُ مَا يَقُوْلُ أَحْمَدُ، فَنَكْتُبُه. فَدَخَلَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ! أُضِلُّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟! فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الأَسَدِيُّ، قَالَ: لَمَّا حُملَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، جَاؤُوا إِلَى بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، وَقَالُوا: قَدْ وَجبَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ. فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ مِنِّي أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ ذَا عِنْدِي، حَفِظَ اللهُ أَحْمَدَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه. الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ أَصْبَغَ، قَالَ: كُنْتُ بِبَغْدَادَ (2) ، وَامتُحِنَ أَحْمَدُ، فَأخذتُ مَالاً لَهُ خَطَرٌ، فَذَهَبتُ بِهِ إِلَى مَنْ يُدْخِلُنِي إِلَى المَجْلِسِ. فَأُدخلتُ، فَإذَا السُّيوفُ قَدْ جُرِّدتْ، وَبِالرِّمَاحِ قَدْ رُكزَتْ، وَبَالتِّرَاسِ (3) قَدْ صُفِّفتْ، وَبَالسِّيَاطِ قَدْ وُضعتْ (4) ، وَأُلبستُ قَبَاءً أَسودَ وَمِنطَقَةً وَسيفاً، وَوُقِّفتُ حَيْثُ أَسْمَعُ الكَلاَمَ. فَأَتى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَجلسَ علَى كُرْسِيٍّ، وَأَتَى بِأَحْمَدَ، فَقَالَ   (1) هكذا قال الذهبي. ونقلها ابن الجوزي أيضا في " مناقب الامام أحمد " ص: 329، 330 ثم قال: هذا رجل هانت عليه نفسه في الله تعالى فبذلها، كما هانت على بلال نفسه. وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كانت نفسه عليه في الله تعالى أهون من نفس ذباب. وإنما تهون أنفسهم عليهم لتلمحهم العواقب. فعيون البصائر ناظرة إلى المآل، لا إلى الحال. وشدة ابتلاء أحمد دليل على قوة دينه، لأنه قد صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " يبتلى المرء على حسب دينه ". فسبحان من أيده وبصره، وقواه ونصره. (2) في تاريخ الإسلام زيادة بعد " ببغداد ": " ... فسمعت ضجة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: أحمد ممتحن ... " (3) التراس، بكسر التاء: جمع ترس، بضمها، وهو الذي يتوقى به من السلاح. ويجمع أيضا على أتراس وتروس. (4) في " تاريخ الإسلام ": " طرحت ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 254 لَهُ: وَقَرَابتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَضربنَّكَ بِالسِّيَاطِ، أَوْ تَقُوْلُ كَمَا أَقُوْلُ. ثُمَّ التفَتَ إِلَى جَلاَّدٍ، فَقَالَ: خُذْهُ إِلَيْكَ. فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا ضُربَ سوطاً، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ. فَلَمَّا ضُربَ الثَّانِي، قَالَ: لاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. فَلَمَّا ضُربَ الثَّالِثَ، قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. فَلَمَّا ضُربَ الرَّابِعَ، قَالَ: {قُلْ لَنْ يُصِيْبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التَّوبَةُ: 51] ، فَضُرِبَ تِسْعَةً وَعِشْرِيْنَ سوطاً. وَكَانَتْ تِكَّتُهُ حَاشيَةَ ثَوْبٍ، فَانْقَطَعَتْ، فَنَزَلَ السَّرَاويلُ إِلَى عَانتِهِ، فَقُلْتُ: السَّاعَةَ يَنْهَتِكُ. فَرمَى بِطرفِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَحَرَّكَ شَفتَيهِ، فَمَا كَانَ بِأسرَعَ مِنْ أَنْ بَقِيَ السَّرَاويلُ لَمْ يَنْزِلْ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! رَأَيْتُكَ وَقَدِ انْحلَّ سرَاويلُكَ، فَرَفَعتَ طَرْفَك نَحْوَ السَّمَاءِ، فَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي مَلأتَ بِهِ العَرْشَ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الصَّوَابِ، فَلاَ تَهْتِكْ لِي سِتراً. هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ دَاوُدُ وَضعَهَا. قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ الأصبهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي عُبَيْد اللهِ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ: حضَرتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا ضُرِبَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو الدَّنِّ فَضربَهُ بِضْعةَ عَشرَ سَوطاً، فَأَقبلَ الدَّمُ مِنْ أكتَافِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَرَاويلُ، فَانقطَعَ خَيطُهُ، فَنَزَلَ. فَلحظتُهُ وَقَدْ حَرَّكَ شَفتيهِ، فَعَادَ السَّرَاويلُ كَمَا كَانَ، فَسَأَلْتُهُ، قَالَ: قُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، وَقَفْتَنِي هَذَا المَوْقِفَ، فَتَهتِكُنِي عَلَى رُؤُوْسِ الخَلاَئِقِ! وَهَذِهِ الحكَايَةُ لاَ تَصِحُّ. وَقَدْ سَاقَ صَاحِبُ (الحِليَةِ) مِنَ الخرَافَاتِ السَّمِجَةِ هُنَا مَا يُسْتَحيَا (1) مِنْ ذِكْرِهِ.   (1) في " تاريخ الاسم ": " ما يستحى " وكلاهما سائغ، يقال: استحيا يستحيي، واستحى يستحي، والاول أعلى وأكثر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 255 فَمِنْ ذَلِكَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ القُرَشِيَّ، قَالَ: لَمَّا جُرِّدَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، وَبَقِيَ فِي سَرَاويلِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُضْرَبُ، انحلَّ سَرَاويلُهُ، فَحرَّكَ شَفَتيه، فَرَأَيْتُ يَدَينِ خَرَجتَا مِنْ تَحْتِهِ، فَشَدَّتَا السَّرَاويلَ. فَلَمَّا فَرغُوا مِنَ الضَّربِ، سَأَلنَاهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا مَنْ لاَ يَعلَمُ العَرْشُ مِنْهُ أَيْنَ هُوَ إِلاَّ هُوَ، إِنْ كُنْتُ عَلَى الحقِّ، فَلاَ تُبْدِ عَورتِي. أَوردَهَا البَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ، وَمَا جَسَرَ عَلَى تَوْهِيَتِهَا، بَلْ رَوَى عَنْ: أَبِي مَسْعُوْدٍ البَجَلِيِّ، عَنِ ابْنِ جَهْضَمٍ - ذَاكَ الكَذَّابِ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ نَحْواً مِنْهَا. وَفِيْهَا أَنَّ مِئزَرَهُ اضطربَ، فحرَّكَ شَفَتيه، فرَأيتُ كَفّاً مِنْ ذَهَبٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ مِئزرِهِ بِقدرَةِ اللهِ، فصَاحَتِ العَامَّةُ. أَخبَرنِي ابْنُ الفَرَّاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا البَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ المُعْتَصِمَ نظرَ عِنْدَ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ إِلَى شَيْءٍ مَصرورٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: شَعْرٌ مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: هَاتِهِ، وَأَخذَهَا مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرحَمَهُ عِنْدَمَا رَأَى شَعرَةً مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ فِي تِلْكَ الحَالِ. وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو الفَضْلِ صَالِحٌ: خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى المَنْزِلِ، وَوُجِّهَ إِلَى المَطبقِ، فَجِيْءَ برجلٍ مِمَّنْ يبصرُ الضَّربَ وَالعلاجَ، فَنَظَر إِلَى ضربِه، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُربَ أَلفَ سوطٍ، مَا رأيتُ ضرباً مِثْلَ هَذَا، لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِه، وَمِن قُدَّامه، ثُمَّ أَخذَ مِيلاً، فَأدخَلَه فِي بَعْضِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 256 تِلْكَ الجرَاحَاتِ، فَنَظَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَمْ يُنْقَبْ؟ وَجَعَلَ يَأتيه، وَيعَالِجُه. وَكَانَ قد أصَابَ وَجْهَه غَيْرُ ضَربَة، وَمكثَ مُنكبّاً عَلَى وَجْهِه كم شَاءَ اللهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا شَيْئاً أُرِيْدُ أَن أقطعَه. فَجَاءَ بِحَديدَةٍ، فَجَعَلَ يُعلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا، فَيقطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابرٌ لِذَلِكَ، يَجهرُ بِحمدِ اللهِ فِي ذَلِكَ، فَبَرَأَ مِنْهُ، وَلَمْ يَزَلْ يتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهُ، وَكَانَ أثرُ الضَّربِ بَيِّناً فِي ظَهْرِه إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ. وَدخلتُ يَوْماً، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: اجعلنِي فِي حِلٍّ؛ إذْ لَمْ أقُمْ بِنُصرتِك. فَقُلْتَ: لاَ أَجعلُ أحداً فِي حِلٍّ. فَتَبَسَّمَ أَبِي، وَسكتَ (1) ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَقَدْ جَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِه إِيَّايَ. ثُمَّ قَالَ: مَرَرْتُ بِهَذِه الآيَةِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} [الشُّورَى: 40] ، فَنَظَرتُ فِي تَفْسِيْرهَا، فَإذَا هُوَ مَا أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، جَثتِ الأُمَمُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ، ثُمَّ نُودِيَ أَنْ لاَ يقومَ إِلاَّ مَنْ أَجرُه عَلَى اللهِ، فَلاَ يَقومُ إِلاَّ مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَجَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ اللهُ بِسَبِبِهِ أَحَداً. وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ جَعَلَ المُعْتَصِمَ فِي حِلٍّ يَوْمَ فتحِ عَاصمَةِ بَابَكَ (2) ، وَظفرَ بِهِ، أَوْ فِي   (1) جاء الخبر في " تاريخ الإسلام " كما يلي: " ... ودخلت على أبي يوما، فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي، فقال له: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك. فقال فضل: لا جعلت أحدا في حل ... " (2) بابك الخرمي هو أحد المارقين عن الإسلام، أراد أن يقيم ملة المجوس في فارس بعد مقتل أبي مسلم الخراساني. وإليه تنتمي الحركة البابكية " الخرمية "، التي كان مركزها " البنذ "، وهي بلد في أذربيجان. ولم يقتصر بابك عليها، بل مد نفوذه إلى أذربيجان كلها، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 257 فَتحِ عَمُّوْرِيَّةَ، فَقَالَ: هُوَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِي. وَسَمِعْتُ أَبِي؛ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: أَتيتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ نَحوِهَا، فَجرَى ذِكْرُ الضَّربِ، فَقُلْتُ لَهُ: ذهبَ عَنْكَ أَلَمُ الضَّربِ؟ فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ، وَقبضَ كُوعَيْهِ اليَمِيْنَ وَاليسَارَ، وَقَالَ: هَذَا، كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: خُلعَ، وَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْهُمَا أَلَمَ ذَلِكَ. وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى صَاحِبُ بِشْرٍ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قِيلَ لِي: اكتبْ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ، وَيُخَلَّى سَبيلُكَ. فَقُلْتُ: هَاتُوا. قَالُوا: اكتبْ: اللهُ قَدِيْمٌ لَمْ يَزَلْ. قَالَ: فكتبتُ. فَقَالُوا: اكْتُبْ: كُلُّ شَيْءٍ دُوْنَ اللهِ مَخْلُوْقٌ. وَقَالُوا: اكتبْ: اللهُ رَبُّ القُرْآنِ. قُلْتُ: أَمَّا هَذِهِ فَلاَ، وَرَمَيتُ بِالقلمِ. فَقَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: لَوْ كَتَبهَا، لأَعطَاهُم مَا يُرِيْدُوْنَ. وَبِهِ، قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ - وَكَانَ رَافَقَنَا فِي بلاَدِ الرُّوْمِ - قَالَ: حضَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الطُّفَاوِيُّ، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيْثٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أُخْبِرَكَ بنَظِيْرِ هَذَا، لَمَّا أُخرجَ بِنَا، جَعَلتُ أُفكرُ فِيْمَا نَحْنُ   = وإلى همذان وأصفهان وبلاد الاكراد. وعندما وصل المعتصم إلى عرش الخلافة 218 هـ، قرر أن يقطع دابره بكل الوسائل الممكنة، فخصص ميزانية كبيرة لحربه، وعين أكبر قواده وهو الافشين الذي كان عارفا بحرب الجبال. ومع كل ذلك فإن " البنذ " عاصمة بابك لم تسقط بيد الافشين إلا في عام 222 هـ، ولم يقع بابك في يده إلا في العام التالي، حيث حمل إلى سامراء، وأعدم فيها في اليوم الثاني من حمله إليها. ويمكن تلخيص مبادئ البابكية الخرمية بأنها تقول بتناسخ الارواح، وأن الوحي لا ينقطع أبدا، ويعظمون أمر أبي مسلم الخراساني، ويقولون بإباحة النساء، وإباحة كل ما يستلذ النفس، وينزع إليه الطبع، كما رفضوا جميع الفروض الدينية، وتبركوا بالخمور والاشربة. وقانا الله شر البدع والاهواء. انظر بعض التفصيلات عن هذه الحركة في " تاريخ " الطبري 7 / 141 و284 و300 و308 و9 / 31، 55، والمقدسي في " البدء والتاريخ " 3 / 30، 31 و5 / 134، و" مروج الذهب " للمسعودي 2 / 350، 351، و" تاريخ دول الإسلام " للمؤلف: 134 وما بعدها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 258 فِيْهِ، حَتَّى إِذَا صِرنَا إِلَى الرَّحبَةِ، أُنزِلنَا بِظَاهِرهَا، فمددتُ بَصَرِي، فَإذَا بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتثبتْه، فَلَمْ يَزَلْ يدنُو، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ جَعَلَ يَتخطَّى تِلْكَ المَحَاملَ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ، فَوَقَفَ عَليَّ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ فَسَكَتُّ تَعجُّباً!! ثُمَّ أعَادَ، فَسَكَتُّ، فَبركَ عَلَى رُكبتَيه، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَال: أَبشرْ، وَاصْبرْ، فَإِنَّمَا هِيَ ضَربَةٌ هَا هُنَا، وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ هَا هُنَا. ثُمَّ مَضَى، فَقَال الطُّفَاوِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنكَ محمودٌ عِنْدَ العَامَّةِ. فَقَالَ: أَحْمَدُ اللهَ عَلَى دِيْنِي، إِنَّمَا هَذَا دِينٌ، لَوْ قُلْتُ لَهُم، كفرتُ. فَقَال الطُّفَاوِيُّ: أَخْبِرْنِي بِمَا صَنعُوا بِكَ؟ قَالَ: لَمَّا ضُربتُ بِالسيَاطِ، جَعَلتُ أَذكرُ كَلاَمَ الأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ الطَّوِيْلُ اللِّحْيَةِ -يَعْنِي: عُجَيفاً- فَضَربنِي بقَائِمِ السَّيْفِ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ، فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَ الفرجُ، يَضْرِبُ عُنُقِي، فَأَستريحُ. فَقَال لَهُ ابْن سمَاعَةَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي رَقَبَتِي. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لاَ تفعلْ، فَإِنَّه إِنْ قُتلَ أَوْ مَاتَ فِي دَارِكَ، قَالَ النَّاسُ: صَبَرَ حَتَّى قُتلَ، فَاتَّخذَه النَّاسُ إِمَاماً، وَثَبَتُوا عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَطلِقْه السَّاعَةَ، فَإِنْ مَاتَ خَارجاً مِنْ مَنْزِلِكَ، شَكَّ النَّاسُ فِي أَمرِه، وَقَالَ بَعْضُهُم: أَجَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُجِبْ. فَقَالَ الطُّفَاوِيُّ: وَمَا عَلَيْكَ لَوْ قُلْتَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَوْ قُلْتُ، لَكفرتُ. وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: دَعَا المُعْتَصِمُ بِعَمِّ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: تَعْرِفونَه؟ قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ: فَانظرُوا إِلَيْهِ، أَلَيْسَ هُوَ صَحِيْحَ البَدَنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ فعلَ ذَلِكَ، لكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ لاَ يُقَامُ لَهُ. قَالَ: وَلَمَّا قَالَ: قَدْ سَلَّمْتُه إِلَيْكُم صَحِيْحَ البَدَنِ، هَدأَ النَّاسُ وَسَكَنُوا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 259 قُلْتُ: مَا قَالَ هَذَا مَعَ تَمكُّنِهِ فِي الخِلاَفَةِ وَشَجَاعتِهِ إِلاَّ عَنِ أمرٍ كَبِيْرٍ، كَأنَّهُ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ مِنَ الضَّربِ، فَتَخْرُجَ عَلَيْهِ العَامَّةُ. وَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَامَّةُ بَغْدَادَ، لَرُبَّمَا عجِزَ عَنْهُم. وَقَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَمرَ المُعْتَصِمُ بِتخليَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، خَلعَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةً وَقَمِيصاً، وَطَيلسَاناً وَقَلَنْسُوَةً وَخُفّاً. فَبَينَا نَحْنُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالنَّاسُ فِي المَيدَانِ وَالدُّروبِ وَغَيْرِهَا، وَغُلَّقتِ الأسواقُ، إِذ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَارِ المُعْتَصِمِ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- عَنْ يسَارِهِ. فَلَمَّا صَارَ فِي الدِّهلِيزِ قَبْلَ أَنْ يَخرُجَ، قَالَ لَهُمُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اكشفُوا رَأْسَهُ. فَكشفُوهُ -يَعْنِي: مِنَ الطَّيلسَانِ- وَذَهَبُوا يَأْخُذُوْنَ بِهِ نَاحِيَةَ المَيدَانِ نَحْوَ طَرِيْقِ الحَبْسِ، فَقَالَ لَهُم إِسْحَاقُ: خُذُوا بِهِ هَا هُنَا - يُرِيْدُ دِجلَةَ -. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الزَّوْرَقِ، وَحُمِلَ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الظُّهرُ، وَبَعَثَ إِلَى وَالِدِي وَإِلَى جِيرَاننَا وَمَشَايِخِ المَحَالِّ، فَجُمِعُوا، وَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِنْ كَانَ فِيْكُم مَنْ يَعْرِفُهُ، وَإِلاَّ فَلْيَعْرِفْهُ. قَالَ ابْنُ سمَاعَةَ - حِيْنَ دَخَلَ الجَمَاعَةُ (1) - لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ نَاظرَهُ فِي أَمرِهِ، وَقَدْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَهَا هُوَ ذَا، فَأُخْرِجَ عَلَى فَرَسٍ لإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عِنْدَ غُروبِ الشَّمْسِ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ السُّلْطَانُ وَالنَّاسُ، وَهُوَ مُنْحَنٍ، فَلَمَّا ذهبَ لِينزلَ، احتَضنْتُهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ، فَوَقعَتْ يَدِي عَلَى مَوْضِعِ الضَّربِ، فَصَاحَ، فَنَحَّيْتُ يَدِي، فَنَزَلَ مُتَوَكِّئاً عَلَيَّ، وَأغلقَ البَابَ، وَدَخلنَا مَعَهُ، وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِهِ لاَ يَقدِرُ أَنْ يتحرَّكَ إِلاَّ بِجهدٍ،   (1) في " تاريخ الإسلام " " للجماعة ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 260 وَنزعَ مَا كَانَ خُلِعَ عَلَيْهِ، فَأمرَ بِهِ، فَبِيعَ، وَتَصدَّقَ بِثمنِهِ. وَكَانَ المُعْتَصِمُ أمرَ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ أَنْ لاَ يقطعَ عَنْهُ خَبَرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُرِكَ فِيْمَا حُكِيَ لَنَا عِنْدَ الإِيَاسِ مِنْهُ. وَبَلَغَنَا: أَنَّ المُعْتَصِمَ ندمَ، وَأُسقطَ فِي يَدِه، حَتَّى صلحَ، فَكَانَ صَاحِبُ خَبَرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَأتِينَا كُلَّ يَوْمٍ يَتَعرَّفُ خبرَه، حَتَّى صَحَّ، وَبقيتْ إِبهَامَاهُ مُنخلعَتينِ، يَضْرِبَانِ عَلَيْهِ فِي البَردِ، فَيُسَخَّنُ لَهُ المَاءُ، وَلَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يدسَّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ سُمّاً إِلَى المُعَالِجِ، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ فِي مَنْزِلنَا. وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ ذَكَرنِي فَفِي حِلٍّ إِلاَّ مُبتدِعاً، وَقَدْ جَعَلتُ أَبَا إِسْحَاقَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- فِي حِلٍّ، وَرَأَيْتُ اللهَ يَقُوْلُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلاَ تُحِبُّوْنَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم} [النُّورُ: 22] وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ بِالعفوِ فِي قِصَّةِ مِسْطَحٍ (1) . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَمَا ينفعُكَ أَنْ يُعَذِّبَ اللهُ أَخَاكَ المُسْلِمَ فِي سَبَبكَ؟!! قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ بُرْغُوْثُ -يَعْنِي: يَوْمَ المِحْنَةِ-: يَا   (1) هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، ابن خالة أبي بكر الصديق. شهد بدرا، وكان ممن خاض في الافك على عائشة، رضي الله عنها، فجلده النبي، صلى الله عليه وسلم، فيمن جلد في ذلك. وكان أبو بكر، رضي الله عنه، ينفق عليه، فأقسم ألا ينفق عليه، فأنزل الله تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى المساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم) . عند ذلك قال الصديق: بلى، والله. إنا نحب أن تغفر لنا، يا ربنا. ثم رجع إلى مسطح ماكان يصله من النفقة، وقال: والله لاأنزعها منه أبدا. رضي الله عنك يا أبا بكر، ما كان أسرعك لتلبية نداء الله، وتصديق رسول الله، صلى الله عليه وسلم. انظر " تفسير الطبري " 18 / 101، 103 وابن كثير 3 / 275، 276. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 261 أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ كَافِرٌ حلاَلُ الدَّمِ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي عُنُقِي. وَقَالَ شُعَيْبٌ كَذَلِكَ أَيْضاً: تَقَلَّدْ دَمِي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ أَشَدُّ تَكْفِيْراً لِي مِنْهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَرفٍ ولَهُم قَدَمٌ، وَلَعَلَّهُ يَصيرُ إِلَى الَّذِي عَلَيْهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَأنَّه رقَّ عِنْدَهَا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمنِي ابْنُ أَبِي دُوَادَ، لَمْ ألتفتْ إِلَى كَلاَمِه، وَإِذَا كلَّمنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَلَنْتُ لَهُ القَوْلَ. قَالَ: فَقَالَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ: أَجِبنِي يَا أَحْمَدُ، فَإِنَّه بَلَغَنِي أَنَّكَ تحبُّ الرِّئاسَةَ، وَذَلِكَ لَمَّا أوَغرُوا قَلْبَه عَلَيَّ. وَجَعَلَ بَرْغُوْثُ يَقُوْلُ: قَالَ الجَبْرِيُّ: كَذَا وَكَذَا كَلاَمٌ هُوَ الكُفْرُ بِاللهِ. فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا أَدرِي مَا هَذَا، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لاَ شِبْهَ لَهُ وَلاَ عِدْلَ، وَهُوَ كَمَا وَصفَ نَفْسَهُ، فَسَكَتَ. وَقَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ كَشفقَتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، فَأَجِبْنِي، وَاللهِ لَودِدتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَرفتُكَ يَا أَحْمَدُ، اللهَ اللهَ فِي دَمِكَ. فلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ ذَلِكَ، قَالَ: لَعنكَ اللهُ، لَقَدْ طَمعتُ أَنْ تُجِيبَنِي. ثُمَّ قَالَ: خُذُوهُ، وَاسحَبُوهُ. فَأُخذتُ ثُمَّ خُلِّعتُ، وَجِيْءَ بِعُقَابَيْنِ وَأَسيَاطٍ، وَكَانَ مَعِي شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صُيِّرتُ بَيْنَ العُقَابينِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اللهَ اللهَ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ) ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فِيمَ تَسْتحلُّ دَمِي؟ اللهَ اللهَ، لاَ تَلقَ اللهَ وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ مُطَالَبَةٌ، اذكرْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -تَعَالَى- كَوقُوفِي بَيْن يَدَيكَ، وَرَاقبِ اللهَ. فَكَأَنَّهُ أَمسكَ، فَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ أَنْ يَكُوْنَ مِنْهُ عطفٌ أَوْ رَأفَةٌ، فَقَالَ: إِنَّه كَافِرٌ بِاللهِ، ضَالٌّ مُضِلٌّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 262 قَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يَدُسَّ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِلَى المُعَالِجِ، فَيُلقِيَ فِي دَوائِه سُمّاً، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ عِنْدنَا، فَكَانَ فِي بَرنِيَّةٍ (1) ، فَإِذَا دَاوَاهُ رَفَعنَاهَا. قَالَ: وَكَانَ إِذَا أصَابَه البَرْدُ، ضُرِبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: لَقَدْ ظننتُ أَنِّي أَعطَيتُ المجهودَ مِنْ نَفْسِي. مِحْنَةُ الوَاثِقِ: قَالَ حَنْبَلٌ: لَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَرِئَ مِنَ الضَّربِ (2) يَحضرُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَةَ، وَيُحَدِّثُ وَيُفْتِي، حَتَّى مَاتَ المُعْتَصِمُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ الوَاثِقُ، فَأَظهَرَ مَا أَظهرَ مِنَ المِحْنَةِ وَالمَيلِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِه. فَلَمَّا اشتدَّ الأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ، وَأَظْهَرتِ القُضَاةُ المِحْنَةَ بِخلقِ القُرْآنِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ وَبَيْنَ (3) امْرَأَتِه، وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ وَبَيْنَ (3) امْرَأَتِهِ، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَشْهَدُ الجُمُعَةَ، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ إِذَا رَجَعَ، وَيَقُوْلُ: تُؤْتَى الجُمُعَةُ لِفَضلِهَا، وَالصَّلاَةُ تُعَادُ خَلْفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَقَالَةِ. وَجَاءَ نَفرٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالُوا: هَذَا الأَمْرُ قَدْ فَشَا وَتفَاقمَ، وَنَحْنُ نَخَافُه عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ المُعَلِّمِيْنَ بِتعَلِيْمِ الصِّبْيَانِ فِي المكَاتِبِ (4) : القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا (5) ، فَنَحْنُ لاَ نَرضَى بِإِمَارَتِه. فَمَنَعهُم مِنْ ذَلِكَ، وَنَاظَرَهُم. وحَكَى أَحْمَدُ (6) قَصدَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِم، وَأَمَرَهُم بِالصَّبْرِ. قَالَ: فَبَينَا   (1) بفتح الباء وسكون الراء وكسر النون وتشديد الياء: إناء من خزف. (2) في " تاريخ الإسلام ": " من مرضه ". (3) حذفت كلمتا " بين " من " تاريخ الإسلام ". (4) في " تاريخ الإسلام ": " في الكتاب ". (5) في " تاريخ الإسلام ": " ... بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن: القرآن كذا وكذا ... ". (6) في تاريخ الإسلام: " وحكى حنبل ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 263 نَحنُ فِي أَيَّامِ الوَاثِقِ، إِذ جَاءَ يَعْقُوْبُ لَيلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ: يَقُوْلُ لَكَ الأَمِيْرُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ ذَكَرَكَ، فَلاَ يَجتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَدٌ وَلاَ تُسَاكِنِّي بِأَرْضٍ وَلاَ مَدينَةٍ أَنَا فِيْهَا، فَاذهبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ أَرضِ اللهِ. قَالَ: فَاختَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الوَاثِقِ. وَكَانَتْ تِلْكَ الفِتْنَةُ، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ (1) . وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُختفياً فِي البَيْتِ لاَ يَخرجُ إِلَى صَلاَةٍ وَلاَ إِلَى غَيْرهَا حَتَّى هلكَ الوَاثِقُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ: اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: اطلُبْ لِي مَوْضِعاً. قُلْتُ: لاَ آمَنُ عَلَيْكَ. قَالَ: افعلْ، فَإذَا فعلتَ، أَفَدتُكَ. فَطَلَبتُ لَهُ مَوْضِعاً، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: اخْتَفَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ (2) . العَجَبُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الحَافِظِ (3) ، كَيْفَ ذَكرَ تَرْجَمَةَ أَحْمَدَ مُطَوَّلَةً كعوائِدِه، وَلَكِنْ مَا أوردَ مِنْ أمرِ المِحْنَةِ كَلِمَةً مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيْدِهَا (4) ، فَإِنَّ حَنْبَلاً أَلَّفهَا فِي جُزءينِ. وَكَذَلِكَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: حَدَّثَنِي جَدِّي؛ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: لقيتُ أَبَا   (1) وتمام الخبر في " تاريخ الإسلام " ص: 105: " فلم يزل أبو عبد الله مختفيا في غير منزله في القرب، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر أو سنة لما طفئ خبره، ولم يزل ... ". (2) زاد ابن الجوزي في " مناقب الامام أحمد " ص: 430 بقية كلام الامام أحمد: " وليس ينبغي أن تتبع سنة رسول الله في الرخاء، وتترك في الشدة ". وهي حكمة بالغة من الامام، ليت الناس فهموها وعملوا بها. (3) يريد الحافظ ابن عساكر، مؤلف " تاريخ دمشق ". (4) وتمامه في " تاريخ الإسلام ": " ولعل له نية في تركها ". وانظر سبب ترك الواثق للمحنة في " مناقب الامام أحمد " لابن الجوزي، ص: 431، 437، وابن كثير 10 / 321. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 264 عَبْدِ اللهِ، فرَأَيْتُ فِي يَدَيْهِ مَجمرَةً يُسخِّنُ خِرقَةً، ثُمَّ يَجْعَلُهَا عَلَى جَنْبِهِ مِنَ الضَّربِ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، مَا كَانَ فِي القَوْمِ أَرَأفُ بِي مِنَ المُعْتَصِمِ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَحْمَدُ بِبَغْدَادَ جهرَةً حِيْنَ مَاتَ المُعْتَصِمُ. فَرَجَعتُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَأَدْرَكتُه فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَطَعَ الحَدِيْثَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ بِلاَ مَنعٍ. بَلْ كَتَبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ قَاضِي بَغْدَادَ إِلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ: إِنَّ أَحْمَدَ قَدِ انبَسَطَ فِي الحَدِيْثِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ، فَقَطَعَ الحَدِيْثَ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ. فَصْلٌ فِي حَالِ الإِمَامِ فِي دَوْلَةِ المُتَوَكِّلِ قَالَ حَنْبَلٌ: وَلِيَ المُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، فَأَظهَرَ اللهُ السُّنَّةَ، وَفَرَّجَ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُنَا وَيُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ فِي أَيَّامِ المُتَوَكِّلِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَانَ النَّاسُ إِلَى الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ أَحوجَ مِنْهُم إِلَيْهِ فِي زَمَانِنَا. قَالَ حَنْبَلٌ: ثُمَّ إِنَّ المُتَوَكِّلَ ذَكَرَه، وَكَتَبَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ فِي إِخْرَاجِه إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ إِسْحَاقَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُه بِالحُضُوْرِ، فَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللهِ ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ أَبِي عَمَّا دُعِيَ لَهُ؟ فَقَالَ: قَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ جَعْفَرٍ يَأْمُرُنِي بِالخُرُوجِ إِلَى العَسكرِ -يَعْنِي: سُرَّ مَنْ رَأَى-. قَالَ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذَا. قَالَ: وَخَرَجَ إِسْحَاقُ إِلَى العَسْكَرِ، وَقَدَّمَ ابْنَه مُحَمَّداً يَنُوبُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: لاَ تُعْلِمْ أَحَداً أَنِّي سَأَلتُكَ عَنِ القُرْآنِ! فَقُلْتُ لَهُ: مَسْأَلَةُ مُستَرشِدٍ أَوْ مَسْأَلَةُ مُتَعَنِّتٍ؟ قَالَ: بَلْ مُستَرشِدٍ. قُلْتُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 265 قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: اجعَلْنِي فِي حِلٍّ مِنْ حُضُوْرِي ضَرْبَكَ. فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلتُ كُلَّ مَنْ حَضَرَنِي فِي حِلٍّ. وَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعرَافُ: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الخَلْقِ وَالأَمْرِ. فَقَالَ إِسْحَاقُ: الأَمْرُ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! أَمَخْلُوْقٌ يَخْلُقُ خَلقاً؟!! قُلْتُ: يَعْنِي: إِنَّمَا خَلَقَ الكَائِنَاتِ بِأَمرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (كُنْ} [الأَنعَامُ: 73] . قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: عَمَّنْ تَحكِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ؟ قُلْتُ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلاَ مَخْلُوْقٍ. قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ (1) أَوْ يُنفِقُه، وَكَانَتْ عِنْدِي مائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَتيتُ بِهَا أَبِي، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ، فَأَصْلحَ بِهَا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَاكتَرَى وَخَرَجَ، وَلَمْ يَمضِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (2) ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْهِ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَبِيْهِ، فَحَقَدَهَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ أَحْمَدَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَمْ يَأْتِ مَولاَكَ مُحَمَّداً. فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: يُرَدُّ وَلَوْ وَطِئَ بِسَاطِي - وَكَانَ أَحْمَدُ قَدْ بَلَغَ بُصْرَى (3) -. فَرُدَّ، فَرَجَعَ وَامْتَنَعَ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ لِوَلَدِهِ وَلَنَا، وَرُبَّمَا قَرَأَ عَلَيْنَا فِي مَنْزِلِنَا. ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً رَفَعَ إِلَى المُتَوَكِّلِ: إِنَّ أَحْمَدَ رَبَّصَ عَلَوِيّاً فِي مَنْزِلِهِ، يُرِيْدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُبَايِعَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدنَا عِلمٌ، فَبَينَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ نِيَامٌ فِي الصَّيْفِ، سَمِعنَا الجَلَبَةَ، وَرَأينَا النِّيرَانَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَسرَعنَا،   (1) في " تاريخ الإسلام ": " ما يتجمل " بالجيم المعجمة. (2) في " تاريخ الإسلام ": " ولم يلق محمد بن إسحاق بن إبراهيم ". (3) بصرى المشهورة بالشام، وهذه بصرى أخرى، من قرى بغداد، قرب عكبرا. انظر " معجم البلدان ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 266 وَإِذَا بِهِ قَاعِدٌ فِي إِزَارٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ الكَلْبِيِّ صَاحِبُ الخَبَرِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُم، فَقَرَأَ صَاحِبُ الخَبَرِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ: وَرَدَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّ عِندَكُم عَلَوِيّاً رَبَّصتَه لِتُبَايِعَ لَهُ وَتُظهِرَهُ ... ، فِي كَلاَمٍ طَوِيْلٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُ مُظَفَّرٌ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: مَا أَعْرِفُ مِنْ هَذَا شَيْئاً، وَإِنِّي لأَرَى لَهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِي وَيُسْرِي، وَمَنْشَطِي وَمَكْرَهِي، وَأَثَرَةٍ عَلَيَّ، وَإِنِّي لأَدعُو اللهَ لَهُ بِالتَّسديدِ وَالتَّوفيقِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ. فَقَالَ مُظَفَّرٌ: قَدْ أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ أُحَلِّفَكَ. قَالَ: فَأَحلَفَهُ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً أَنَّ مَا عِنْدَهُ طَلِبَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. ثُمَّ فَتَّشوا مَنْزِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَالسربَ وَالغُرفَ وَالسطوحَ، وَفتَّشوا تَابوتَ الكُتُبِ، وَفتَّشوا النِّسَاءَ وَالمَنَازِلَ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئاً، وَلَمْ يُحِسُّوا بِشَيءٍ، وَرَدَّ اللهُ الَّذِيْنَ كَفرُوا بِغَيظهِم، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلَى المُتَوَكِّلِ، فَوَقَعَ مِنْهُ مَوقِعاً حَسَناً، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ الَّذِي دَسَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ، وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ أَمرَهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ الثَّلْجِيِّ (1) . فلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوْسٌ بِبَابِ الدَّارِ، إِذَا يَعْقُوْبُ - أَحَدُ حُجَّابِ المُتَوَكِّلِ - قَدْ جَاءَ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَدَخَلَ، وَدَخَلَ أَبِي وَأَنَا، وَمَعَ بَعْضِ غِلمَانِه بَدْرَةٌ (2) عَلَى بَغلٍ، وَمَعَهُ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ، فَقَرَأَهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّه صَحَّ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بَرَاءةُ سَاحَتِكَ، وَقَدْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بِهَذَا المَالِ   (1) ابن الثلجي هو محمد بن شجاع الفقيه، أحد الاعلام، البغدادي الحنفي المعروف بابن الثلجي. كان فقيه العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث، مع ورع وعبادة، مات سنة 267 هـ. من تآليفه: " تصحيح الآثار "، وكتاب " النوادر "، وكتاب " المضاربة "، وكتاب " الرد على المشبهة " وغيرها، وكتابه " الرد على المشبهة " ينفي عنه ما نعته به ابن عدي من أنه كان يضع الحديث في التشبيه، وينسبه إلى أهل الحديث. انظر " الفوائد البهية " ص: 171، 172. وانظر ما علقه الامام زاهد الكوثري على " تبيين كذب المفتري " ص: 269، 271. ويستبعد أن يكون هو الذي دس على الامام أحمد، فإنه موصوف بالورع والعبادة، فلعله غيره. (2) البدرة: كيس فيه ألف، أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 267 تَسْتَعِينُ بِهِ. فَأَبَى أَنْ يَقبَلَهُ، وَقَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، اقبلْ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مَا أَمرَكَ بِهِ، فَإِنَّه خَيْرٌ لَكَ عِنْدَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ رَدَدتَه، خِفتُ أَنْ يَظُنَّ بِكَ سُوءاً. فَحِيْنَئِذٍ قَبِلهَا. فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ. قُلْتُ: لَبَّيكَ. قَالَ: ارفعْ هَذِهِ الإِنْجَانَةَ (1) وَضَعْهَا -يَعْنِي: البَدْرَةَ- تَحْتَهَا. فَفَعَلتُ، وَخَرجْنَا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، إِذَا أُمُّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَدقُّ عَلَيْنَا الحَائِطَ، فَقَالَتْ: مَوْلاَيَ يَدعُو عَمَّه. فَأَعْلَمتُ أَبِي، وَخَرَجْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا أَخَذَنِي النَّومُ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِهَذَا المَالِ. وَجَعَلَ يَتَوَجَّعُ لأَخذِهِ، وَأَبِي يُسَكِّنُهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَتَّى تُصبِحَ وَتَرَى فِيْهِ رَأْيَكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْلٌ، وَالنَّاسُ فِي المَنَازِلِ. فَأَمسَكَ وَخَرَجنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ، وَجَّهَ إِلَى عُبْدُوْسِ بنِ مَالِكٍ، وَإِلَى الحَسَنِ بنِ البَزَّارِ، فَحضرَا (2) ، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: هَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَبِي، وَأَنَا، وَصَالِحٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَجَعَلْنَا نَكتُبُ مَنْ يَذْكُرُونَه مِنْ أَهْلِ السِّترِ وَالصَّلاَحِ بِبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ، فَوجَّهَ مِنْهَا إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، وَلِلأَشَجِّ، وَإِلَى مَنْ يَعْلَمُوْنَ حَاجتَه، فَفَرَّقهَا كُلَّهَا مَا بَيْنَ الخَمْسِيْنَ إِلَى المائَةِ، وَإِلَى المائَتَيْنِ، فَمَا بَقِيَ فِي الكِيْسِ دِرْهَمٌ (3) . فلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَاتَ الأَمِيْرُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ وَابْنُه مُحَمَّدٌ، ثُمَّ وَلِيَ بَغْدَادَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، فَجَاءَ رَسُوْلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ، وَقَالَ لَهُ: يَأمرُكَ بِالخُرُوجِ -يَعْنِي: إِلَى سَامَرَّاءَ-.   (1) في " تاريخ الإسلام ": " الايجانة "، بالياء. وجاء في معجم " المغرب في ترتيب المعرب " لناصر بن عبد السيد المطرزي: الاجانة: " المركن، وهو شبه لقن يغسل فيه الثياب، والجمع: أجاجين، والانجانة عامية. اللوحة 4 / 1 " الظاهرية ". (2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام ". (3) وتمامه كما في " تاريخ الإسلام ": " ثم تصدق بالكيس على مسكين ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 268 فَقَالَ: أَنَا شَيْخٌ ضَعِيْفٌ عَليلٌ. فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بِمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَوَردَ جَوَابُ الكِتَابِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمرُهُ بِالخُرُوجِ. فَوجَّهَ عَبْدُ اللهِ أَجنَاداً، فَبَاتُوا عَلَى بَابِنَا أَيَّاماً، حَتَّى تَهَيَّأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْخُرُوْجِ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأَبِي زُمَيلَةً (1) . وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ حَمْلُ أَبِي إِلَى المُتَوَكِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ وَإِلَى أَنْ مَاتَ أَبِي قَلَّ (2) يَوْمٌ يَمضِي إِلاَّ وَرَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِيهِ. وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِي: الزمْ بَيتَكَ، وَلاَ تَخرجْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَلاَ جُمُعَةٍ، وَإِلاَّ نَزَلَ بِكَ مَا نَزلَ بِكَ أَيَّامَ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ أُفتِّشَ مَنْزِلَكَ وَمَنْزِلَ ابنِكَ. فَقَامَ مُظَفَّرٌ وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا، فَفَتَّشوا، وَدَلَّوْا شَمعَةً فِي البِئرِ، وَنَظرُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَرَدَ كِتَابُ عَلِيِّ بنِ الجَهْمِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ صَحَّ (3) عِنْدَهُ بَرَاءتُكَ، وَذَكَرَ نَحْواً مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. قَالَ حَنْبَلٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: دَخلْنَا إِلَى العَسْكَرِ، فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْكِبٍ عَظِيْمٍ مُقبلٍ، فَلَمَّا حَاذَى بِنَا، قَالُوا: هَذَا وَصِيْفٌ. وَإِذَا بفَارِسٍ قَدْ أَقبلَ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الأَمِيْرُ وَصِيْفٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمكنَكَ مِنْ عَدُوِّكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَقبَلُ مِنْكَ، فَلاَ تَدَعْ شَيْئاً إِلاَّ تَكَلَّمتَ بِهِ. فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَجَعَلتُ أَنَا أَدعُو لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَدَعَوتُ لِوَصِيْفٍ، وَمَضَينَا، فَأُنزِلنَا فِي دَارِ   (1) الزملة،، بضم الزاي وسكون الميم: الرفقة، فالظاهر أن هذا تصغيرها. (2) في الأصل: " كل "، وما أثبتناه من " تاريخ الإسلام ". (3) في الأصل: " صلح " الجزء: 11 ¦ الصفحة: 269 إِيتَاخَ (1) ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ بَعْدُ: لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟ قَالُوا: هَذِهِ دَارُ إِيتَاخَ (2) . قَالَ: حَوِّلُونِي، اكْتَرُوا لِي دَاراً. قَالُوا: هَذِهِ دَارٌ أَنزَلَكَهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: لاَ أَبِيتُ هَا هُنَا. وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اكتَرَينَا لَهُ دَاراً، وَكَانَتْ تَأتِينَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيْهَا أَلوَانٌ يَأمُرُ بِهَا المُتَوَكِّلُ وَالثَّلجُ وَالفَاكهَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَا ذَاقَ مِنْهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَفَقَةُ المَائِدَةِ فِي اليَوْمِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً. وَكَانَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَهْمِ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِرِسَالَةِ المُتَوَكِّلِ، وَدَامتِ العِلَّةُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَضَعُفَ شَدِيْداً. وَكَانَ يُوَاصِلُ، وَمكثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشربُ، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطفَأَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ (3) ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ! قَالَ: إِنِّي مُطيقٌ. قُلْتُ: بِحقِّي عَلَيْكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. فَأَتَيْتُه بِسَوِيْقٍ، فَشربَ، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيْمٍ، فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللهِ بنُ يَحْيَى: فَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدفَعَهَا إِلَى وَلَدِكَ وَأَهلِكَ. قَالَ: هُم مُستَغْنُوْنَ. فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَخذَهَا (4) عُبَيْدُ اللهِ، فَقَسَمَهَا عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّهُم فِي كِفَايَةٍ، وَلَيْسَتْ بِهِم حَاجَةٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِكَ، فَمَا لَكَ وَلِهَذَا؟ فَأمسَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُجرِي عَلَيْنَا حَتَّى مَاتَ المُتَوَكِّلُ. وَجَرَى بَيْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبِي كَلاَمٌ كَثِيْرٌ، وَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا بَقِيَ مِنْ   (1) في " تاريخ الإسلام ": " التياح ". (2) في الأصل: " التياح "، وكذا في " تاريخ الإسلام "، والصواب ما أثبتناه. (3) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام " (4) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 270 أَعمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأمرِ قَدْ نَزَلَ، فَاللهَ اللهَ، فَإِنَّ أَوْلاَدَنَا إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ فِتْنَةٌ. قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يُؤمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحذَرُ. فَقَالَ: كَيْفَ وَأَنْتُم لاَ تَترُكُوْنَ طَعَامَهُم وَلاَ جَوَائِزَهُم؟ لَوْ تَركتُمُوهَا، لَتَرَكُوكُم، مَاذَا نَنتَظِرُ؟ إِنَّمَا هُوَ المَوْتُ، فَإِمَّا إِلَى جنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ، فَطُوْبَى لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْرٍ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أُمرتَ مَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَالِ مِنْ غَيْرِ إِشرَافِ نَفْسٍ وَلاَ مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه؟ قَالَ: قَدْ أَخذتُ مَرَّةً بِلاَ إِشرَافِ نَفْسٍ، فَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؟ أَلَمْ تَسْتَشرِفْ نَفْسُكَ؟ قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: مَا هَذَا وَذَاكَ! وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلاَ يَكُوْنُ فِيْهِ ظُلمٌ وَلاَ حَيْفٌ، لَمْ أُبالِ. قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمَّا طَالتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه المُتَطَبِّبِ، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ، فَلاَ يَتَعَالَجُ، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْه، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّةٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَةِ. فَسَكَتَ المُتَوَكِّلُ. وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَنْ أَرَى هَذَا الرَّجُلَ. فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلَهُ فِي حَجْرِهِ. فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ، رَجَاءَ أَنْ يُطلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً، وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إِلَى المُعْتَزِّ، فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثرَةُ نُمُورٍ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغلٌ لِتَاجرٍ، فَرَكِبَه، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ فِي مَجْلِسٍ مِنَ المَكَانِ، وَعَلَى المَجْلِسِ سِترٌ رَقِيْقٌ، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى المُعْتَزِّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ. فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، اللهَ اللهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيْدُ مَا عِنْدَكُم، وَلاَ المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ، فَائذَنْ لَهُ لِيَذْهَبَ. فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 271 المُعْتَزِّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم. وَجَلَسَ، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمرَةِ، فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدُ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَجَلَسْتُ، قَالَ مُؤَدِّبُه: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُؤَدِّبُكَ وَيُعِلِّمُكَ؟ فَقَالَ الصَّبِيُّ: إِنْ عَلَّمَنِي شَيْئاً، تَعَلَّمتُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَعَجِبتُ مِنْ ذَكَائِه وَجَوَابِه عَلَى صِغَرِه، وَكَانَ صَغِيْراً. وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيْهِ، وَكَلَّمَهُ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ أَيْضاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَأَذِنَ لَهُ فِي الانْصِرَافِ، فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى (1) وَقْتَ العَصْرِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمَرَ أَنْ يَفْرُشَ لَكَ حَرَّاقَةً (2) تَنْحَدِرُ فِيْهَا. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اطلبُوا لِي زَوْرَقاً أَنْحَدِرِ السَّاعَةَ. فَطَلَبُوا لَهُ زَوْرَقاً، فَانْحَدَرَ لِوَقْتِهِ. قَالَ حَنْبَلٌ: فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُوْمِه حَتَّى قِيْلَ: إِنَّه قَدْ وَافَى. فَاسْتَقبَلتُه بِنَاحِيَةِ القَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيتُ مَعَهُ، فَقَالَ لِي: تَقَدَّمْ لاَ يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعرِفُونِي، فَتَقَدَّمْتُهُ. قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ (3) ، أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ وَالعَيَاءِ. وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَقَدْ وُصِفَ لَهُ فِي عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشوَى، فَشُويتْ فِي تَنُّورِ صَالِحٍ، فَعَلِمَ، فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا (4) ، وَمِثلُ هَذَا كَثِيْرٌ.   (1) ما بين حاصرتين من " تاريخ الإسلام ". (2) بفتح الحاء وتشديد الراء: السفينة الخفيفة، وكانت هذه السفن بالبصرة. (3) في " تاريخ الإسلام ": " فلما دخل ". (4) الخبر في " تاريخ الإسلام " ص 112، 113 وعبارته: " ... قرعة تشوى، ويؤخذ ماؤها. فلما جاؤوا بالقرعة، قال بعض من حضر: اجعلوها في تنور، يعني في دار صالح، فإنهم قد خبزوا. فقال بيده: لا. ومثل هذا كثير ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 272 وَقَدْ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوْجِ أَبِيْهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَرُجُوعِهِ، وَتَفْتِيْشِ بُيُوْتِهِم عَلَى العَلَوِيِّ، وَوُرُودِ يَعْقُوْبَ بِالبَدرَةِ (1) ، وَأَنَّ بَعْضَهَا كَانَ مائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَأَنَّهُ بَكَى، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم، عَزمتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَداً. فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءهُ حَسَنُ بنُ البَزَّارِ، فَقَالَ: جِئنِي يَا صَالِحُ بِمِيْزَانٍ، وَجِّهُوا إِلَى أَبْنَاءِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَإِلَى فُلاَنٍ. حَتَّى فَرَّقَ الجَمِيْعَ، وَنَحْنُ فِي حَالَةٍ اللهُ بِهَا عَلِيْمٌ، فَجَاءنِي ابْنٌ لِي، فَطَلَبَ دِرْهَماً، فَأَخْرَجتُ قِطْعَةً، فَأَعطيتُه، فَكَتَبَ صَاحِبُ البَرِيْدِ: إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ لِيَومِهِ، حَتَّى بِالكِيْسِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مِنْكَ، وَمَا يَصْنَعُ أَحْمَدُ بِالمَالِ؟! وَإِنَّمَا قُوتُهُ رَغِيْفٌ. قَالَ: صَدَقتَ. قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ أُخرِجَ أَبِي لَيلاً، وَمَعَنَا حُرَّاسٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: أَمَعَكَ دَرَاهِمُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَعطِهِم. وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ يَسِيْرُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ابْنُ الثَّلْجِيِّ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُكَ. قَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، سَلِ اللهَ العَافِيَةَ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تُرِيْدُ أَنْ نُؤَدِّيَ عَنْكَ رِسَالَةً إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَسَكَتَ، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الوَابِصِيَّ (2) قَالَ لَهُ: إِنِّي أَشهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَحْمَدَ يَعْبُدُ مَانِي (3) ! فَقَالَ: يَا أَبَا   (1) في " تاريخ الإسلام ": " ... ثم ورود يعقوب قرقرة ومعه العشرة آلاف ". (2) هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر، من ولد وابصة بن معبد. كان يتولى قضاء بغداد. مات سنة 249 هـ. له ترجمة في " تاريخ بغداد " 14 / 52، 53، و" التهذيب " 6 / 322، 323. (3) ماني: هو أحد " نبهاء " الفرس، وقد ظهر في القرن الثالث الميلادي في إيران، وانتقل إلى الهند للتبشير بمذهبه، إلا أن ملك الهند سابور الثاني قام بإعدامه. ومذهبه مزيج من = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 273 يُوْسُفَ، يَكْفِي اللهُ. فَغَضِبَ يَعْقُوْبُ، وَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، أَسْأَلُهُ أَنْ يُطلِقَ لِي كَلِمَةً أُخْبِرُ بِهَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلاَ يَفْعَلُ. قَالَ: وَوَجَّهَ يَعْقُوْبُ إِلَى المُتَوَكِّلِ بِمَا عَمِلَ، وَدَخَلنَا العَسْكَرَ، وَأَبِي مُنَكِّسُ الرَّأْسِ، وَرَأْسُهُ مُغَطَّى، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوْبُ: اكشِفْ رَأْسَكَ. فَكَشَفَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَصِيْفٌ يُرِيْدُ الدَّارَ، وَوَجَّهَ إِلَى أَبِي بِيَحْيَى بنِ هَرْثَمَةَ، فَقَالَ: يُقرِئُكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْمِتْ بِكَ أَهْلَ البِدَعِ، قَدْ عَلِمتَ حَالَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيْهِ بِمَا يَجِبُ للهِ. وَمَضَى يَحْيَى، وَأُنْزِلَ أَبِي فِي دَارِ إِيتَاخَ، فَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، وَقَالَ: قَدْ أَمَرَ لَكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مَكَانَ الَّتِي فَرَّقَهَا، وَأَنْ لاَ يَعلَمَ شَيْخُكُم بِذَلِكَ فَيَغتَمَّ. ثُمَّ جَاءهُ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُكثرُ ذِكرَكَ، وَيَقُوْلُ: تُقيمُ هُنَا تُحَدِّثُ. فَقَالَ: أَنَا ضَعِيْفٌ. وَصَارَ إِلَيْهِ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ أَمرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ آتِيَكَ لِتَركَبَ إِلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ. وَقَالَ لِي: أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُجرَى عَلَيْهِ وَعَلَى قَرَابَتِكُم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ (1) . ثُمَّ عَادَ يَحْيَى مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَركبُ؟ قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم. وَلَبِسَ إِزَارَه وَخُفَّه، وَكَانَ لِلْخُفِّ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، قَدْ رُقِّعَ (2) بِرِقَاعٍ عِدَّةٍ (3) ، فَأَشَارَ يَحْيَى أَنْ يَلبَسَ قَلَنْسُوَةً. قُلْتُ: مَا لَهُ قَلَنْسُوَةٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَخَلَ دَارَ المُعْتَزِّ، وَكَانَ   = معتقدات الزرادشتية والنصرانية والبوذية، كالايمان بالصراع بين إلهين اثنين: إله الخير والنور، وإله الظلمة والشر، وإباحة نكاح الاخوات والبنات ... ولقد انتشرت المانوية في فارس والهند والتيبت والصين وتركستان، حيث بقيت حتى القرن الحادي عشر الميلادي. (1) العبارة في " تاريخ الإسلام " ص: 114: " يجرى عليك وعلى قراباتك أربعة آلاف درهم، تفرقها عليهم ". (2) و (3) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 274 قَاعِداً عَلَى مَصطَبَةٍ (1) فِي الدَّارِ، فَصَعَدَ، وَقَعَدَ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ بِكَ لِيُسَرَّ بِقُربِكَ، وَيُصَيِّرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ فِي حَجْرِكَ. فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الخُدَّامِ أَنَّ المُتَوَكِّلَ كَانَ قَاعِداً وَرَاءَ سِتْرٍ، فَقَالَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه، قَدْ أَنَارَتِ (2) الدَّارُ. ثُمَّ جَاءَ خَادِمٌ بِمِندِيلٍ، فَأَخَذَ يَحْيَى المِنْدِيلَ، وَذَكَرَ قِصَّةً فِي إِلبَاسِ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَمِيصَ وَالقَلَنْسُوَةَ وَالطَّيْلَسَانَ، وَهُوَ لاَ يُحَرِّكُ يَدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ. وَقَدْ كَانُوا تَحَدَّثُوا: أَنَّهُ يَخلعُ عَلَيْهِ سَوَاداً. فَلَمَّا جَاءَ، نَزَعَ الثِّيَابَ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْ هَؤُلاَءِ مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم! مَا أَحسَبنِي سَلِمتُ مِنْ دُخُوْلِي عَلَى هَذَا الغُلاَمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيَّ نُصحُه؟! يَا صَالِحُ، وَجِّهْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ إِلَى بَغْدَادَ تُبَاعُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَلاَ يَشتَرِي أَحَدٌ مِنْكُم مِنْهَا شَيْئاً. فَوجَّهتُ بِهَا إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ (3) ، فَبَاعهَا، وَفرَّقَ ثَمنَهَا، وَبَقِيَتْ عِنْدِي القَلَنْسُوَةُ. قَالَ: وَمَكثَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً يُفطِرُ كُلَّ ثَلاَثٍ عَلَى ثُمْنِ سَوِيْقٍ، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يُفطِرُ لَيْلَةً عَلَى رَغِيْفٍ، وَلَيْلَةً لاَ يُفْطِرُ، وَإِذَا جَاؤُوا بِالمَائِدَةِ، تُوضَعُ فِي الدِّهلِيْزِ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَجْهَدَهُ الحَرُّ، بَلَّ خِرقَةً، فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِه، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُوجَّهُ إِلَيْهِ بِابْنِ مَاسَوَيْهِ، فَينظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنَا أَمِيلُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَمَا بِكَ عِلَّةٌ سِوَى الضَّعْفِ وَقِلَّةِ الرِّزِّ (4) .   (1) في " تاريخ الإسلام ": " على دكان ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " نارت ". (3) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، نسب هنا إلى جده، وهو من أصحاب الامام أحمد، وكان أحد الصالحين الثقات. له ترجمة في " طبقات الحنابلة " ص: 276، و" تاريخ بغداد " 14 / 280. (4) الرز، بكسر الراء وتشديد الزاي: غمز الحدث، وحركته في البطن للخروج، حتى = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 275 قَالَ: وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَغِيَاثٌ يَصِيرَانِ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلاَنِ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَفِي مَالِهِ؟ فَلاَ يُجِيْبُ بِشَيْءٍ. وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَيَحْيَى يُخبِرَانِهِ بِمَا يَحدُثُ فِي أَمرِ ابْنِ دُوَادَ. ثُمَّ بَعثَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ مَا أَشهَدَ عَلَيْهِ بِبَيعِ ضِيَاعِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا جَاءَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي - فَيَجْلسُ فِي الدِّهْلِيْزِ حَتَّى يَفرغَ مِنَ الصَّلاَةِ. وَأَمرَ المُتَوَكِّلُ أَنْ تُشْتَرَى لَنَا دَارٌ، فَقَالَ: يَا صَالِحُ. قُلْتُ: لَبَّيكَ. قَالَ: لَئِنْ أَقررتَ لَهُم بِشِرَاءِ دَارٍ، لَتَكُونَّنَ القَطيعَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُصَيِّرُوا هَذَا البَلَدَ لِي مَأوَىً. فَلَمْ يَزَلْ يُدَافعُ بِشرَاءِ الدَّارِ حَتَّى انْدَفَعَ. وَجَعَلتْ رُسلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُوْنَه عَنْ خَبَرِهِ، وَيَرجِعُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ ضَعِيْفٌ. وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَرَاكَ. وَجَاءهُ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مُشتَاقٌ إِلَيْكَ، وَيَقُوْلُ: انْظُرْ يَوْماً تَصِيْرُ فِيْهِ - أَيَّ يَوْمٍ - حَتَّى أُعَرِّفَهَ. فَقَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم. فَقَالَ: يَوْمُ الأَربِعَاءِ، وَخَرَجَ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، جَاءَ، فَقَالَ: البُشْرَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ أَعفَيتُكَ مِنْ لُبسِ السُّودِ وَالرُّكوبِ إِلَى وُلاَةِ العُهُوْدِ وَإِلَى الدَّارِ، فَالبَسْ مَا شِئْتَ (1) . فَجَعَلَ يَحمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: إِنَّ لِي ابْناً بِهِ مُعْجَبٌ، وَإِنَّ لَهُ فِي قَلْبِي مَوقِعاً، فَأُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَه بأَحَادِيْثَ. فَسَكَتَ، فلمَا خَرَجَ، قَالَ: أَتُرَاهُ لاَ يَرَى مَا أَنَا فِيْهِ؟!! وَكَانَ يَختِمُ القُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، وَإِذَا خَتمَ، دَعَا، وَنَحْنُ   = يحتاج صاحبه إلى دخول الخلاء. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من وجد في بطنه رزا فليتوضأ " أخرجه أحمد 1 / 88 و99 بسند فيه ابن لهيعة. (1) في " تاريخ الإسلام ": " فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 276 نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَةِ، وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلَى أَخِي. فَلَمَّا خَتمَ، جَعَلَ يَدعُو وَنَحْنُ نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا فَرَغَ، جَعَلَ يَقُوْلُ: أَستَخِيرُ اللهَ مَرَّاتٍ. فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا يُرِيْدُ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهداً، إِنَّ عَهدَه كَانَ مَسْؤُوْلاً، وَقَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُوْدِ} [المَائِدَةُ: 1] إِنِّي لاَ أُحدِّثُ بِحَدِيْثٍ تَمَامٍ أَبَداً حَتَّى أَلقَى اللهَ، وَلاَ أَسْتَثنِي مِنْكُم أَحَداً. فَخَرَجْنَا، وَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَا للهِ وَإِنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَأُخبِرَ المُتَوَكِّلُ بِذَلِكَ. وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أُحدِّثُ، وَيَكُوْنُ هَذَا البَلَدُ حَبْسِي، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الَّذِيْنَ أَقَامُوا بِهَذَا البَلَدِ لَمَّا أُعطُوا فَقَبِلُوا، وَأُمِرُوا فَحَدَّثُوا، وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيتُ المَوْتَ فِي الأَمْرِ الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لأَتَمنَّى المَوْتَ فِي هَذَا وَذَاكَ، إِنَّ هَذَا فِتْنَةَ الدُّنْيا (1) ، وَذَاكَ كَانَ فِتنَةَ الدِّينِ. ثُمَّ جَعَل يَضُمُّ أَصَابعَه، وَيَقُوْلُ: لَوْ كَانَ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا. ثُمَّ يَفتَحُ أَصَابِعَه (2) . وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكثرُ السُّؤَالَ عَنْهُ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَأْمرُ لَنَا بِالمَالِ، وَيَقُوْلُ: لاَ يَعلَمْ شَيْخُهُم فَيَغْتَمَّ، مَا يُرِيْدُ مِنْهُم؟ إِنْ كَانَ هُوَ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُم؟! وَقَالُوا لِلْمُتَوَكِّلِ: إِنَّه لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِكَ، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشربُ. فَقَالَ: لَوْ نُشِرَ لِيَ المُعْتَصِمُ، وَقَالَ فِيْهِ شَيْئاً، لَمْ أَقبَلْ مِنْهُ. قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ انحدرتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَخَلَّفتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَهُ، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَنْحَدِرَ. وَقَالَ: قُلْ لِصَالِحٍ:   (1) عبارة " تاريخ الإسلام ": "..وإني لاتمنى الموت في هذا، وذلك أن هذا فتنة الدنيا ... ". (2) مابين حاصرتين من " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 277 لاَ تَخرُجْ، فَأَنْتُم كُنْتُم آفَتِي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ، مَا أَخْرَجتُ وَاحِداً مِنْكُم مَعِي، لَولاَكُم لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَةُ، وَتُفرَشُ الفُرُشُ، وَتُجرَى الأَجْرَاءُ (1) ؟ فَكتبتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُه بِمَا قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ: أَحسنَ اللهُ عَاقبَتكَ، وَدَفَعَ عَنْكَ كُلَّ مَكرُوهٍ وَمَحذُورٍ، الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الكِتَابِ إِلَيْكَ الَّذِي قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ، لاَ يَأْتِينِي مِنْكُم أَحَدٌ رَجَاءَ أَنْ يَنقطِعَ ذِكْرِي وَيَخمُلَ (2) ، وَإِذَا كُنْتُم هَا هُنَا، فَشَا ذِكرِي، وَكَانَ يَجتمعُ إِلَيْكُم قَوْمٌ يَنقُلُوْنَ أَخبَارَنَا، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ خَيْرٌ، فَإِنْ أَقَمْتَ فَلَمْ يَأْتِنِي أَنْتَ وَلاَ أَخُوكَ، فَهُوَ رِضَائِي، وَلاَ تَجعلْ فِي نَفْسِكَ إِلاَّ خَيْراً، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَلَمَّا سَافَرْنَا، رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ، وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا. قَالَ صَالِحٌ: وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي بِأَلفِ دِيْنَارٍ لِيَقْسِمَهَا، فَجَاءهُ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُهَيِّئُ لَهُ حَرَّاقَةً، ثُمَّ جَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمرَ لَكَ بِهَذَا. فَقَالَ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ. فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَنَا رَقِيْقٌ عَلَى البَردِ، وَالظّهرُ أَرْفَقُ بِي. فَكُتِبَ لَهُ جَوَازٌ، وَكُتِبَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي بِرِّهِ وَتَعَاهُدِهِ. فَقَدِمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا صَالِحُ. قُلْتُ: لَبَّيكَ. قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَدعَ هَذَا الرِّزْقَ، فَإِنَّمَا تَأْخذُونَه بِسَبَبِي. فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعطِيَكَ بِلِسَانِي، وَأُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي القَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنِّي، وَلاَ أُعذَرُ، وَقَدْ كُنْتُ أَشكُو إِلَيْكَ، وَتَقُوْلُ: أَمرُكَ مُنعقِدٌ بِأَمرِي، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَحُلَّ عَنِّي هَذِهِ العُقْدَةَ، وَقَدْ كُنْتَ تَدعُو لِي، فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَفعَلُ. فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: لِمَ؟ فَعَلَ اللهُ بِكَ وَفَعَلَ!!   (1) حرفت في " تاريخ الإسلام " إلى " الامراء ". (2) في " تاريخ الإسلام ": و" يخمد "، بالدال المهملة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 278 وَذَكَرَ قِصَّةً فِي دُخُوْلِ عَبْدِ اللهِ أَخِيْهِ عَلَيْهِ، وَقَولِه وَجَوَابِه لَهُ، ثُمَّ دُخُوْلِ عَمِّه عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِه لِلأَخذِ. قَالَ: فَهَجَرَنَا أَبِي، وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخذِ عَمِّه، فَقَالَ: نَافَقْتَنِي وَكَذَبْتَنِي!! ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَركَ الصَّلاَةَ فِي المَسْجَدِ، وَخَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ آخرَ (1) يُصَلِّي فِيْهِ. ثُمَّ ذَكرَ قِصَّةً فِي دُعَائِهِ صَالِحاً، وَمُعَاتَبَتِه لَهُ، ثُمَّ فِي كِتَابَتِهِ (2) إِلَى يَحْيَى بنِ خَاقَانَ لِيترُكَ مَعُونَةَ أَوْلاَدِهِ، وَأَنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ، فَأَمرَ بِحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُم مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ إِلَيْهِم، فَكَانَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ قَلِيْلاً، وَأَطرقَ، ثُمَّ قَالَ: مَا حِيلتِي إِنْ أَرَدْتُ أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ أَمراً؟! قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِي أَبِي يُبلغُه السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُه عَنْ حَالِه. قَالَ: فَتَأخُذُه قُشَعْرِيرَةٌ حَتَّى نُدَثِّرَهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَنَّ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا. وَجَاءَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ إِلَيْهِ يَقُوْلُ: لَوْ سَلِمَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، سَلِمتَ أَنْتَ، رَفعَ رَجُلٌ إِلَيْنَا (3) : أَنَّ عَلَوِيّاً قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَأَنَّكَ وَجَّهتَ إِلَيْهِ مَنْ يَلقَاهُ، وَقَدْ حَبستَ الرَّجُلَ، وَأَردتَ ضَربَه، فَكرهتُ أَنْ تَغتَمَّ، فَمُرْ فِيْهِ. قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ يُخَلَّى سَبِيلُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةً فِي قُدُومِ (4) المُتَوَكِّلِ بَغْدَادَ، وَإِشَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَى صَالِحٍ بِأَنْ لاَ يَذْهَبَ إِلَيْهِم، وَمَجِيْءِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ مِنْ عِنْدِ المُتَوَكِّلِ،   (1) في " تاريخ الإسلام " و" الحلية ": " مسجد خارج ... ". (2) في " تاريخ الإسلام ": " " كتبته ". (3) في " تاريخ الإسلام ": " إلي ". (4) في الأصل " قدم ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 279 وَقَولِهِ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ كُلِّ مَا أَكرَهُ، وَفِي تَوْجِيْهِ أَمِيْرِ بَغْدَادَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ إِلَى أَحْمَدَ لِيحضُرَ إِلَيْهِ، وَامتنَاعِ أَحْمَدَ، وَقَولِهِ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ أُخَالطِ السُّلْطَانَ، وَقَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَدمنَ الصَّوْمَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ سَامَرَّاءَ، وَجَعَلَ لاَ يَأْكُلُ الدَّسمَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُشترَى لَهُ الشّحمُ بِدِرْهَمٍ، فَيَأكلُ مِنْهُ شَهْراً (1) !! الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثهُم، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ يَقُوْلُ: انْظُرْ، هَلْ تَجدُ مَاءَ بَاقِلَّى (2) ؟ فَكُنْتُ رُبَّمَا بَللتُ خُبزَه بِالمَاءِ، فَيَأْكلُهُ بِالملحِ (3) . وَمُنْذ دَخلْنَا العَسْكَرَ إِلَى أَنْ خَرَجْنَا، مَا ذَاقَ طَبيخاً وَلاَ دَسماً. وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَنبَهنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ لَيْلَةً، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطعِمْنِي شَيْئاً. فَجِئتُه بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكلَهُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ العَوْنَ عَلَى نَفْسِي، مَا أَكلتُ. وَكَانَ يَقومُ إِلَى المخرجِ، فَيقعدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوعِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا (4) عَلَى وَجْهِهِ، لِترجعَ نَفْسُه إِلَيْهِ، حَتَّى إِنَّه أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ هَذَا -: مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه.   (1) تمامه كما في " تاريخ الإسلام ": " ... فترك أكل الشحم، وأدمن الصوم والعمل، فتوهمت أنه قد كان جعل على نفسه - إن سلم - يفعل ذلك ". (2) بكسر القاف وفتح اللام المشددة وقد تخفف: الفول. (3) عبارة " تاريخ الإسلام ": " ... قلت: ربما بللت خبزة بالماء، فيأكلها بالملح ". (4) في " تاريخ الإسلام ": " فيلفها ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 280 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: أَوْصَى أَبِي هَذِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللهَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَوْصَى أَنْ عَلَيَّ لِفُوْرَانَ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَهُوَ مُصدَّقٌ فِيْمَا قَالَ، فَيُقضَى مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ، فَإذَا اسْتَوفَى، أُعْطِيَ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ وَصَالِحٍ، كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنثَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ. شَهِدَ: أَبُو يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللهِ وَصَالِحٌ؛ ابْنَا أَحْمَدَ. أَنْبَؤُوْنَا عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ المُقْرِئَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ (1) ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى أَبِي يُخبرُه أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ القُرْآنِ، لاَ مَسْأَلَةَ امْتِحَانٍ، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبصِرَةٍ. فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبِي: إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَحسنَ اللهُ عَاقبتَكَ أَبَا الحَسَنِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبتُ إِلَيْكَ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ - بِالَّذِي سَألَ عَنْهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرِ القُرْآنِ بِمَا حَضَرَنِي، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيْمَ تَوفيقَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي خَوضٍ مِنَ البَاطِلِ، وَاخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ يَنغمسُوْنَ فِيْهِ، حَتَّى أَفضَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَةٍ، وَانْجلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُوا فِيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المَحَابِسِ (2) ، فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذَهَبَ بِهِ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مَوقِعاً عَظِيْماً، وَدَعَوُا اللهَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجيبَ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ صَالِحَ الدُّعَاءِ، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (3) ،   (1) وهو مؤلف " حلية الأولياء "، والخبر فيه بنصه 9 / 216، 219. ورواها ابن الجوزي في " المناقب "، ص: 377، 379 بإسناده لأبي نعيم، ولكن اختصرها، ولم يسق نصها كاملا. (2) في " الحلية ": " ضيق المجالس "، وما هنا موافق لابن الجوزي. (3) مابين حاصرتين من " تاريخ الإسلام " و" الحلية ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 281 وَأَنْ يَزِيْدَ فِي نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَضرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ فِي قُلُوْبِكُم. وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ نَفَراً كَانُوا جُلُوْساً بِبَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ (1) كَذَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّكُم لَسْتُمْ مِمَّا هَا هُنَا فِي شَيْءٍ (2) ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْظُرُوا الَّذِي نُهِيْتُم عَنْهُ، فَانْتَهُوا عَنْهُ (3)) . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مِرَاءٌ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ) (4) .   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". (2) الزيادة من " تاريخ الإسلام " و" الحلية ". (3) إسناده حسن، وهو في " المسند " 2 / 195 و118 و196، وابن ماجة (85) . (4) أخرجه أحمد 2 / 286 و300 و424 و475 و503 و528، وأبو داود (4603) في السنة: باب النهي عن الجدال في القرآن، وسنده حسن، وصححه ابن حبان (73) ، والحاكم 2 / 223، ووافقه الذهبي المؤلف. واختلفوا في تأويل هذا الحديث، فقيل: معنى المراء: الشك، كقوله سبحانه وتعالى: (فلا تك في مرية) ، أي: في شك. وقيل المراء: هو الجدال المشكك، وذلك أنه إذا جادل فيه، أداه إلى ما يرتاب في الآي المتشابهة منه، فيؤديه ذلك إلى الجحود فسماه كفرا باسم ما يخشى من عاقبته، إلا من عصمه الله. ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات برد المتشابهات إلى المحكمات، والجمع بين المختلفات ظاهرا ما أمكنه، فإن القرآن يصدق بعضه بعضا، فإن أشكل عليه شيء من ذلك، ولم يتيسر له التوفيق، فليعتقد أنه من سوء فهمه، وليكله إلى عالمه، وهو الله ورسوله. وتأوله بعضهم على المراء في قراءته، وهو أن ينكر بعض القراءات المروية، وقد أنزل الله القرآن على سبعة أحرف، فتوعدهم بالكفر لينتهوا عن المراء فيها، والتكذيب بها، إذ كلها قرآن منزل يجب الايمان به، ويشهد لهذا التفسير حديث أبي جهيم الآتي. وقيل: إنما جاء هذا في الجدال بالقرآن من الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل، دون ماكان منها في الاحكام وأبواب الاباحة والتحريم، فإن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد تنازعوها فيما بينهم، وتحاجوا بها عند اختلافهم = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 282 وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَمَارَوْا فِي القُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيْهِ كُفْرٌ (1)) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُه عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَارعُوا يَوْمَهُم فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ. فَزَبَرَنِي عُمَرُ، وَقَالَ: مَهْ. فَانطَلقتُ إِلَى مَنْزِلِي كَئِيباً حَزِيناً، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَخَرَجتُ، فَإذَا هُوَ بِالبَابِ يَنْتظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَخَلاَ بِي، وَقَالَ: مَا الَّذِي كَرهتَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَتَى يَتَسَارعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ، يَحْتَقُّوا (2) ، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا، يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَصِمُوا، يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا، يَقْتَتِلُوا. قَالَ: للهِ أَبُوكَ! وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَكتُمَهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعرِضُ نَفْسَه عَلَى النَّاسِ بِالمَوْقِفِ، فَيَقُوْلُ: (هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُوْنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي) (3) .   = في الأحكام. ويشهد لهذا التفسير حديث عبد الله بن عمرو المتقدم، فقد وقع عند أحمد 2 / 296، وابن ماجة (85) أن تنازعهم كان في القدر. (1) أخرجه أحمد 4 / 170 من طريق أبي سلمة الخزاعي، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني يزيد بن خصيفة، أخبرني بسر بن سعيد، قال: حدثني أبو جهيم أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " القرآن يقرأ على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء في القرآن كفر ". وإسناده صحيح. وفي الباب عن عمرو بن العاص عند أحمد 4 / 204. (2) أي يقول كل منهم: الحق في يدي ومعي. (3) أخرجه أبو داود (4734) في السنة: باب في القرآن، والترمذي (2926) في ثواب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 283 وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ) . يَعْنِي: القُرْآنَ (1) . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: جَرِّدُوا القُرْآنَ، لاَ تَكْتُبُوا فِيْهِ شَيْئاً إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَضَعُوهُ مَوَاضِعَه. وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، إِنِّي إِذَا قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ وَتَدبَّرتُه، كِدتُ أَنْ آيَسَ (2) ، وَينقطعَ رَجَائِي. فَقَالَ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، وَأَعمَالُ ابْنِ آدَمَ إِلَى الضَّعفِ وَالتَّقْصِيرِ، فَاعمَلْ، وَأَبْشِرْ. وَقَالَ فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ: كُنْتُ جَاراً لِخَبَّابٍ، فَخَرَجتُ يَوْماً مَعَهُ إِلَى المَسْجَدِ، وَهُوَ أَخذَ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا هَنَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتطعتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِه (3) . وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَكَمِ: مَا حَمَلَ أَهْلَ الأَهوَاءِ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: الخُصومَاتُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: إِيَّاكُم وَهَذِهِ الخُصُومَاتِ، فَإِنَّهَا تُحبطُ الأَعْمَالَ.   = القرآن: باب حرص النبي، صلى الله عليه وسلم، على تبليغ القرآن، وابن ماجة (201) في المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية، كلهم من حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر. وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث غريب صحيح. (1) أخرجه الترمذي (2912) من طريق إسحاق بن منصور، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطاة، عن جبير بن نفير. ورجاله ثقات. (2) في اللسان: قال الجوهري: أيست منه آيس يأسا، لغة في يئست منه أيأس يأسا، ومصدرهما واحد. ونقل أيضا عن ابن سيدة، قال: أيست من الشئ مقلوب عن يئست، وليس بلغة فيه. (3) تقدم تخريجه في الصفحة: 246، ت (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 284 وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الأَهوَاءِ -أَوْ قَالَ: أَصْحَابَ الخُصُومَاتِ- فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَغمِسُوكم فِي ضَلاَلتِهِم، وَيُلْبِسُوا عَلَيْكُم بَعْضَ مَا تَعْرِفُوْنَ. وَدَخَلَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ الأهوَاءِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالاَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، نُحدَّثُكَ بِحَدِيْثٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالاَ: فَنَقرأُ عَلَيْكَ آيَةً؟ قَالَ: لاَ، لَتَقُوْمَانِ عَنِّي، أَوْ لأَقُومَنَّه. فَقَامَا. فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: يَا أَبَا بَكْرٍ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُقرَأَ عَلَيْكَ آيَةٌ؟ قَالَ (1) : ..... ، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي. وَقَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ لأَيُّوبَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ؟ فَوَلَّى، وَهُوَ يَقُوْلُ بِيَدِهِ: لاَ، وَلاَ نِصْفَ كَلِمَةٍ. وَقَالَ ابْنُ طَاوُوْسٍ لاِبْنٍ لَهُ يُكَلِّمهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ: يَا بُنَيَّ، أَدْخِلْ أُصبُعَيكَ فِي أُذُنَيكَ حَتَّى لاَ تَسْمَعَ مَا يَقُوْلُ. ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ اشْدُدْ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ (2) غَرضاً لِلْخُصُوْمَاتِ، أَكْثَرَ التَّنقُّلَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: إِنَّ القَوْمَ لَمْ يُدَّخرْ عَنْهُم شَيْءٌ خُبِّئَ لَكُم لِفضلٍ عِنْدكُم. وَكَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ: شَرُّ دَاءٍ خَالَطَ قَلْباً -يَعْنِي: الأَهوَاءَ-. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: اتَّقُوا اللهَ، وَخُذُوا طَرِيْقَ مَنْ كَانَ قَبلَكُم، وَاللهِ لَئِنْ اسْتَقَمتُم، لَقَدْ سَبَقتُم سَبْقاً بَعِيْداً، وَلَئِنْ تَرَكتُمُوهُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، لَقَدْ ضَلَلْتُم   (1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". (2) في الأصل: " دينا "، وما أثبتناه موافق لما في " تاريخ الإسلام ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 285 ضَلاَلاً بَعِيْداً -أَوْ قَالَ: مُبِيناً-. قَالَ أَبِي: وَإِنَّمَا تَركتُ الأَسَانِيْدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اليَمِيْنِ الَّتِي حَلَفتُ بِهَا مِمَّا قَدْ عَلِمَه أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَوْلاَ ذَاكَ، ذَكَرْتُهَا بأَسَانِيْدِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [التَّوبَةُ: 6] . وَقَالَ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعْرَافُ: 54] . فَأَخبَرَ أَنَّ الأَمْرَ غَيْرُ الخَلقِ. وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانُ} [الرَّحمنُ: 1 - 4] . فَأَخبرَ أَنَّ القُرْآنَ مِنْ عِلمِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُوْدُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم، قُلْ: إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى، وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيْرٍ} [البَقَرَةُ: 120] وَقَالَ: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البَقَرَةُ: 145] . وَإلَى قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِنْ بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِيْنَ} [البَقَرَةُ: 145] . فَالقُرْآنُ مِنْ عِلمِ اللهِ. وَفِي الآيَاتِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي جَاءهُ هُوَ القُرْآنُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ أنَّهُم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَهُوَ الَّذِي أَذهبُ إِلَيْهِ، لَسْتُ بِصَاحِبِ كَلاَمٍ، وَلاَ أَرَى الكَلاَمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلاَّ مَا كَانَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، أَوْ حَدِيْثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ عَنِ أَصْحَابِهِ، أَوْ عَنِ التَّابِعِيْنَ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِيْهِ غَيْرُ مَحمودٍ. فَهَذِهِ الرِّسَالَةُ إِسْنَادُهَا كَالشَّمْسِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا النَّفَسِ النُّورَانِيِّ، لاَ كَرِسَالَةِ الإِصْطَخْرِيِّ (1) ، وَلاَ كَالرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ المَوْضُوْعِ عَلَى أَبِي عَبْدِ   (1) هو أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الاصطخري. ورسالته هذه المتضمنة لمذاهب أهل العلم ومذاهب الاثر، رواها عن الامام أبي عبد الله أحمد بن حنبل. وقد ذكرها بتمامها القاضي أبو الحسين في " طبقات الحنابلة " 1 / 24، 36، وفيها من العبارات ما = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 286 اللهِ (1) ، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَانَ تَقيّاً وَرِعاً، لاَ يَتَفَوَّهُ بِمِثلِ ذَلِكَ. وَلَعَلَّهُ قَالَهُ، وَكَذَلِكَ رِسَالَةُ المُسِيءِ (2) فِي الصَّلاَةِ بَاطلَةٌ. وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَصلاً وَفَرعاً فَفِيْهِ كِفَايَةٌ، وَمِمَّا ثَبَتَ عَنْهُ مَسْأَلَةُ الإِيْمَانِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيْهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَملٌ، يَزِيْدُ وَيَنقصُ، البِرُّ كُلُّهُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالمَعَاصِي تُنْقِصُ الإِيْمَانَ.   = يخالف ما عليه السلف، مما يستبعد صدوره من مثل هذا الامام الجليل، كقوله فيها: " وكلم الله موسى تكليما من فيه " و" ناوله التوراة من يده إلى يده ". وربما كان ذلك مدعاة للمؤلف أن يطعن في صحة نسبتها إلى الامام أحمد. ونص كلام المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " ... قلت: رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثبات، أشهد بالله أنه أملاها على ولده، وأما غيرها من الرسائل المنسوبة إليه كرسالة الاصطخري، ففيها نظر. والله أعلم ". (1) يرى الذهبي المؤلف أن كتاب " الرد على الجهمية " موضوع على الامام أحمد. وقد شكك أيضا في نسبة هذا الكتاب إلى الامام أحمد بعض المعاصرين في تعليقه على " الاختلاف في اللفظ، والرد على الجهمية " لابن قتيبة. ومستنده أن في السند إليه مجهولا، فقد رواه أبو بكر غلام الخلال، عن الخلال، عن الخضر بن المثنى، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه ... والحضر بن المثنى هذا مجهول، والرواية عن مجهول مقدوح فيها، مطعون في سندها. وفيه ما يخالف ماكان عليه السلف من معتقد، ولا يتسق مع ما جاء عن الامام في غيره مما صح عنه وهذا هو الذي دعا الذهبي هنا إلى نفي نسبته إلى الامام أحمد ومع ذلك فإن غير واحد من العلماء قد صححوا نسبة هذا الكتاب إليه، ونقلوا عنه، وأفادوا منه، منهم القاضي أبو يعلى، وأبو الوفاء بن عقيل، والامام البيهقي، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وتوجد من الكتاب نسخة خطية في ظاهرية دمشق، ضمن مجموع رقم (116) ، وهي تشتمل على نص " الرد على الجهمية " فقط، وهو نصف الكتاب، وعن هذا الأصل نشر الكتاب في الشام، بتحقيق الأستاذ محمد فهر الشقفة. ومما يؤكد أن هذا الكتاب ليس للامام أحمد أننا لانجد له ذكرا لدى أقرب الناس إلى الامام أحمد بن حنبل ممن عاصروه وجالسوه، أو أتوا بعده مباشرة وكتبوا في الموضوع ذاته كالامام البخاري ت 256 هـ، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276 هـ، وأبي سعيد الدارمي ت 280. والامام أبو الحسن الأشعري قد ذكر عقيدة الامام أحمد في كتابه " مقالات الإسلاميين "، ولكنه لم يشر إلى هذا الكتاب مطلقا، ولم يستفد منه شيئا. (2) يغلب على الظن أن يريد الرسالة الموسومة ب " الصلاة "، وقد طبعت في مصر بتحقيق حامد الفقي. وكثير من الأئمة الذين ينتمون إلى مذهب الامام أحمد بن حنبل ينقلون عنها، ويحتجون بما فيها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 287 وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَسَمِعَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ أَحْمَدَ يَقُوْلُ ذَلِكَ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مُحدَثٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ السَّرَّاجُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، قَالَ: كَافِرٌ. وَعَمَّنْ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: تَنَاهَى إِلَى أَبِي أَنَّ أَبَا طَالِبٍ يَحكِي أَنَّهُ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. فَأَخْبَرتُ بِذَلِكَ أَبِي، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قُلْتُ: فُلاَنٌ. قَالَ: ابعَثْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ. فَوَجَّهتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ، وَجَاءَ فُوْرَانُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَنَا قُلْتُ لَكَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟! وَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَرْعُدُ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْكَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَصُ: 1] ، فَقُلْتَ لِي: لَيْسَ هَذَا بِمَخْلُوْقٍ. قَالَ: فَلِمَ حَكيتَ عَنِّي أَنِّي قُلْتُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ كَتَبتَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْمٍ، فَامْحُهُ، وَاكتُبْ إِلَيْهِم أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ لَكَ. فَجَعَلَ فُوْرَانُ يَعتذِرُ إِلَيْهِ، فَعَادَ أَبُو طَالِبٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى القَوْمِ يَقُوْلُ: وَهِمْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ. قُلْتُ: الَّذِي اسْتَقرَّ الحَالُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ. فَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- لاَ يَقُوْلُ هَذَا وَلاَ هَذَا، وَرُبَّمَا أَوضحَ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ - يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ - فَهُوَ جَهْمِيٌّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 288 قَالَ أَحْمَدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: اللَّفظيَّةُ شَرٌّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: الجَهْمِيَّةُ ثَلاَثُ فِرَقٍ: فِرقَةٌ قَالَتْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَفِرقَةٌ قَالُوا: كَلاَمُ اللهِ وَسَكَتُوا، وَفِرقَةٌ قَالُوا: لَفْظُنَا بِهِ مَخْلُوْقٌ. ثُمَّ قَالَ أَبِي: لاَ يُصَلَّى خَلْفَ وَاقِفِيٍّ، وَلاَ لَفْظِيٍّ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: أَخبرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ السُّوْسِيَّ الرَّقِّيَّ، فَرَّقَ بَيْنَ بِنتِهِ وَزَوْجِهَا لَمَّا وَقَفَ فِي القُرْآنِ، فَقَالَ: أَحسَنَ - عَافَاهُ اللهُ -. وَجَعَلَ يَدعُو لَهُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَمَّا أَظهرَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الوَقفَ، حَذَّرَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَمَرَ بِهُجْرَانِهِ. لأَبِي عَبْدِ اللهِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ نُقُوْلٌ عِدَّةٌ: فَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَوَضَعَ كِتَاباً فِي المُدَلِّسِينَ، يَحُطُّ عَلَى جَمَاعَةٍ: فِيْهِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ مِنَ الخَوَارِجِ. وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ يُقَوِّي بِهِ الرَّافِضَةَ، فَأُعلِمَ أَحْمَدُ، فَحذَّرَ مِنْهُ، فَبلغَ الكَرَابِيْسِيَّ، فَتَنَمَّرَ، وَقَالَ: لأَقُولَنَّ مَقَالَةً حَتَّى يَقُوْلَ ابْنُ حَنْبَلٍ بِخِلاَفِهَا، فَيكْفُرُ. فَقَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ المَرُّوْذِيُّ فِي كِتَابِ (القَصَصِ) : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الكَرَابِيْسِيَّ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ إِلاَّ أَنَّ لَفْظي بِهِ مَخْلُوْقٌ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: بَلْ هُوَ الكَافِرُ - قَاتلَهُ اللهُ - وَأَيَّ شَيْءٍ قَالَتْ الجَهْمِيَّةُ إِلاَّ هَذَا؟ وَمَا يَنْفُعُهُ، وَقَدْ نَقَضَ كَلاَمُهُ الأَخِيْرُ كَلاَمَهُ الأَوّلَ؟! ثُمَّ قَالَ: أَيْشٍ خَبَرُ أَبِي ثَوْرٍ، أُوَافِقَهُ عَلَى هَذَا؟ قُلْتُ: قَدْ هَجَرَهُ. قَالَ: أَحسنَ، لَنْ يُفلِحَ أَصْحَابُ الكَلاَمِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 289 قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سُئِلَ أَبِي، وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ اللَّفظيَّةِ وَالواقفَةِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْهُم يُحسنُ الكَلاَمَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ. الحَكَمُ بنُ مَعْبَدٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ؟ فَرَأَيْتُه اسْتَوَى، وَاجْتَمَعَ، وَقَالَ: هَذَا شرٌّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّةِ. مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيْلَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوْقٍ، وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَخْلُوْقٍ. فقد كَانَ هَذَا الإِمَامُ لاَ يَرَى الخَوضَ فِي هَذَا البَحثِ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَتَذرَّعَ بِهِ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَالكَفُّ عَنْ هَذَا أَوْلَى، آمَنَّا بِاللهِ -تَعَالَى- وَبِمَلاَئِكتِهِ، وَبكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَأَقْدَارِهِ، وَالبَعْثِ وَالعَرضِ عَلَى اللهِ يَوْمَ الدِّينِ. وَلَوْ بُسِطَ هَذَا السَّطرُ، وَحُرِّرَ وقُرِّرَ فِيْهَا بِأَدِلَّتِهِ، لَجَاءَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ، بَلْ ذَلِكَ مَوْجُوْدٌ مَشروحٌ لِمَنْ رَامَهُ، وَالقُرْآنُ فِيْهِ (1) شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ، وَمَعُلُوْمٌ أَنَّ التَّلفُّظَ شَيْءٌ مِنْ كَسبِ القَارِئِ غَيْرِ المَلْفُوْظِ، وَالقِرَاءةُ غَيْرُ الشَّيْءِ المَقرُوءِ، وَالتِّلاَوَةُ وَحُسنُهَا وَتَجويدُهَا غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَصَوتُ القَارِئِ مِنْ كَسبِهِ فَهُوَ يُحْدِثُ التَّلفُّظَ وَالصَّوتَ وَالحَرَكَةَ وَالنُّطقَ، وَإِخْرَاجَ الكَلِمَاتِ مِنْ أَدَوَاتِهِ المَخْلُوْقَةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ كَلِمَاتِ القُرْآنَ، وَلاَ تَرْتِيْبَهُ، وَلاَ تَأْلِيفَهُ، وَلاَ مَعَانيهِ. فَلَقَدْ أحسنَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ مَنعَ مِنَ الخَوضِ فِي المَسْأَلَةِ مِنَ الطَّرفَينِ، إِذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ إِطْلاَقِ الخَلْقيَّةِ وَعَدَمِهَا عَلَى اللَّفْظِ مُوهِمٌ، وَلَمْ يَأتِ بِهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ، بَلِ الَّذِي لاَ نَرتَابُ فِيْهِ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ مَنْزَلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) في الأصل: " ففيه ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 290 الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيَّ، سَمِعْتُ فُوْرَانَ صَاحِبَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَأَلَنِي الأَثْرَمُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ أَنْ أَطلبَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ خَلوةً، فَأَسألُهُ فِيْهَا عنْ أَصْحَابِنَا الذينَ يُفرِّقونَ بينَ اللَّفْظِ وَالمحكِيِّ. فَسَأَلتُه، فَقَالَ: القُرْآنُ كَيْفَ تُصُرِّفَ فِي أَقوَالِه وَأَفْعَالِه، فَغيرُ مَخْلُوْقٍ. فَأَمَّا أَفْعَالُنَا فمَخْلُوْقَةٌ. قُلْتُ: فَاللَّفظيَّةُ تَعدُّهُم يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي جُمْلَةِ الجَهْمِيَّةِ؟ فَقَالَ: لاَ، الجَهْمِيَّةُ الَّذِيْنَ قَالُوا: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ: جَاءنِي ابْنُ شَدَّادٍ بِرقعَةٍ فِيْهَا مَسَائِلُ، وَفِيْهَا: إنَّ لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَضَرَبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى هَذِهِ، وَكَتَبَ: القُرْآنُ حَيْثُ تُصُرِّفَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ أسمَاءَ اللهِ مَخْلُوْقَةٌ، فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ لاَ يُفلِحُ، مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، لَمْ يَخلُ مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ الكَلاَمَ لَمْ يُفلحْ، لأنَّهُ يَؤُوْلُ أَمرَهُم إِلَى حَيْرَةٍ، عَلَيْكُم بِالسُّنَّةِ وَالحَدِيْثِ، وَإِيَّاكُم وَالخوضَ فِي الجِدَالِ وَالمِرَاءِ، أَدْرَكنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُوْنَ هَذَا الكَلاَمَ، عَاقبَةً الكَلاَمِ لاَ تَؤُولُ إِلَى خَيْرٍ. وَللإِمَامِ أَحْمَدَ كَلاَمٌ كَثِيْرٌ فِي التَحْذِيْرِ مِنَ البِدَعِ وَأَهلهَا، وَأَقْوَال فِي السُّنَّةِ. وَمَنْ نظرَ فِي كِتَابِ (السُّنَّةِ) لأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ، رَأَى فِيْهِ عِلْماً غَزِيْراً وَنقلاً كَثِيْراً. وَقد أوردتُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي (تَارِيْخ الإِسْلاَم) ، وَفِي كِتَابِ (العِزَّةُ لِلْعَلِيِّ العَظِيْمِ) . فَتَّرَنِي عَنِ إِعَادَتِه هُنَا عَدمُ النِّيَّةِ. فَنسأَلُ اللهَ الهَدَى، وَحُسنَ القصدِ. وَإِلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ المُنْتَهَى فِي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 291 مَعْرِفَة السُّنَّةِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَفِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَفُنونِه، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِه. وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ وَالعِبَادَةِ وَالصِّدْقِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ، فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّةَ (1) ، يُرِيْدُ المَدَائِنَ، فَقَالَ لِي أَبِي: أُحِبُّ أَنْ لاَ تَذْهَبَ إِلَيْهِم تُنَبِّهُ عَلَيَّ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْماً مَطيراً، فَإذَا بِيَحْيَى بنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَالمَطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: سُبْحَانَ اللهِ! لَمْ تَصرْ إِلَيْنَا حَتَّى تُبَلِّغَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ عَنْ شَيْخِك، حَتَّى وَجَّهَ بِي، ثُمَّ نَزَلَ خَارجَ الزُّقَاقِ، فَجهدتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَرَ. فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوْقَهُ (2) ، وَدَخَلَ، وَأَبِي فِي الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاءٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقبَّلَ جَبهَتَه، وَسَاءلَه عَنْ حَالِه، وَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَنْتَ فِي نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُكَ؟ وَقَدْ أَنستُ بقُربِك، وَيَسْألُكَ أَنْ تَدعُوَ لَهُ. فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَأَنَا أَدعُو اللهَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلفَ دِيْنَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، أَنَا فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ، وَقَدْ أَعفَانِي مِنْ كُلِّ مَا أَكرهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الخُلَفَاءُ لاَ يَحتملُوْنَ هَذَا. فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تلطَّفْ فِي ذَلِكَ. فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ، رَجَعَ، وَقَالَ: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا صِرنَا إِلَى الدِهْلِيْزِ، قَالَ: أَمرنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَدفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا. فَقُلْتُ: تَكُوْنُ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ. أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ   (1) بفتح أوله وتشديد ثانيه، ثم سين مهملة مكسورة، وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة بغداد، وهي أعلى من الرصافة ومحلة أبي حنيفة. (2) وهو ما يلبس فوق الخف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 292 بنِ حَبِيْبٍ، سَمِعْتُ المِسْعَرِيَّ مُحَمَّدَ بنَ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْتُ مُؤَدِّباً لِلْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ، أَدنَانِي، وَكَانَ يَسْأَلُنِي وَأُجِيبُهُ عَلَى مَذْهَبِ الحَدِيْثِ، وَالعِلْمِ. وَإِنَّهُ جلَسَ لِلْخَاصَّةِ يَوْماً، ثُمَّ قَامَ، حَتَّى دَخَلَ بَيتاً لَهُ مِنْ قَوَارِيْرَ؛ سَقْفُهُ وَحيطَانُهُ وَأَرْضُهُ، وَقَدْ أُجْرِيَ لَهُ المَاءُ فِيْهِ، يَتَقَّلبُ فِيْهِ. فَمَنْ دَخَلَهُ، فَكَأَنَّهُ فِي جَوفِ المَاءِ جَالِسٌ. وَجَلَسَ عَنْ يَمِيْنِه: الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ. وَعَنْ يَسَارِهِ: بُغَا الكَبِيْرُ، وَوَصِيْفٌ، وَأَنَا وَاقفٌ إِذ ضَحكَ، فَأَرمَّ القَوْمُ، فَقَالَ: أَلاَ تَسْأَلونِي مِن مَا ضَحِكْتُ؟! إِنِّي ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الوَاثِقِ، وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّةِ، ثُمَّ دَخَلَ هُنَا، وَرُمْتُ الدُخُوْلَ، فَمُنِعتُ، وَوَقَفتُ حَيْثُ ذَاكَ الخَادِمُ وَاقِفٌ، وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَابْنُ الزَّيَّات، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. فَقَالَ الوَاثِقُ: لَقَدْ فكَّرتُ فِيْمَا دَعوتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَسُرعَةَِ إِجَابَةِ مَنْ أَجَابَنَا، وَشِدَّةِ خِلاَفِ مَنْ خَالَفَنَا مَعَ الضَّربِ وَالسَّيْفِ، فَوَجَدْتُ مَنْ أَجَابَنَا رَغبَ فِيْمَا فِي أَيدِينَا، وَوَجَدتُ مَنْ خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينٌ وَوَرَعٌ، فَدَخَلَ قَلْبِي مِنْ ذَلِكَ أَمرٌ وَشَكٌّ حَتَّى هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اللهَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحيَيتَهَا، وَأنْ تُبْطِلَ دِيْناً قَدْ أَقْمتَهُ. ثُمَّ أَطرَقُوا، وَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ هَذَا القَوْلَ الَّذِي تَدعُو النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارتضَاهُ اللهُ لأنْبِيَائِهِ وَرُسلِه، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّه، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُوا عَنْ قَبُولِه. قَالَ الوَاثِقُ: فَبَاهَلُوْنِي (1) عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: ضَرَبَه اللهُ بِالفَالِجِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً. وَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: وَهُوَ، فَسَمَّرَ اللهُ بَدَنَه بِمَسَامِيرَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً بَأنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: وَهُوَ، فَأَنْتَنَ اللهُ رِيْحَهُ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يَكُنْ   (1) يقال: باهل بعضهم بعضا، وتبهلوا وتباهلوا، أي: تلاعنوا. والبهلة، وتضم الباء: اللعنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 293 مَا يَقُوْلُ حَقّاً. وَقَالَ نَجَاحٌ: وَهُوَ، فَقَتَلَهُ اللهُ فِي أَضيَقِ مَحبِسٍ. وَقَالَ إِيتَاخُ: وَهُوَ، فَغَرَّقَهُ اللهُ. فَقَالَ الوَاثِقُ: وَهُوَ، فَأحرقَ اللهُ بَدنَه بِالنَّارِ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَأَضحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُم يَوْمَئِذٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ فِيْهِ. أَمَّا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَدْ ضَربَه اللهُ بِالفَالِجِ، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّاتِ، فَأنَا أَقعدتُه فِي تَنُّورٍِ مِنْ حَدِيدٍ، وَسَمَّرْتُ بَدَنَهُ بِمَسَامِيْرَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ، فَأقبلَ يَعْرَقُ فِي مَرضِهِ عَرَقاً مُنْتِناً حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ الحمِيمُ وَالقَرِيْبُ، وَأَمَّا نَجَاحٌ، فَأَنَا بَنيتُ عَلَيْهِ بَيتاً ذِرَاعاً فِي ذِرَاعَيْنِ حَتَّى مَاتَ، وَأَمَّا إِيتَاخُ، فَكتبتُ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الحَجِّ فَقيَّدَه وَغرَّقَه، وَأَمَّا الوَاثِقُ، فَكَانَ يُحِبُّ الجِمَاعَ، فَقَالَ: يَا مِخَائِيلَ: ابْغِنِي دَوَاءً لِلْبَاهِ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بَدَنَكَ فَلاَ تَهُدَّه، لاَ سِيَّمَا إِذَا تَكَّلفَ الرَّجُلُ الجِمَاعَ. فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَإِذَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَعَ ذَلِكَ وَصِيْفَةً. فَقَالَ: مَنْ يَصبِرُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ؟ قَالَ: فَعَلَيْكَ بِلَحْمِ السَّبُعِ، يُوخَذُ رِطلٌ، فَيُغلَى سَبْعَ غليَاتٍ بِخَلِّ خَمْرٍ عَتِيقٍ، فَإذَا جلَسْتَ عَلَى شُربِك، فَخُذْ مِنْهُ زِنَةَ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّك تَجدُ بُغْيَتَكَ. فَلَهَا أَيَّاماً، وَقَالَ: عَلِيَّ بِلحمِ سَبُعٍ السَّاعَةَ. فَأُخْرجَ لَهُ سَبُعٌ، فذُبحَ وَاسْتعمَلَه. قَالَ: فَسُقِي بَطنُه، فَجُمعَ لَهُ الأَطبَّاءُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ دوَاءَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يُسجَرَ لَهُ تنُّورٌ بِحطبِ الزَّيتُوْنِ، حَتَّى يَمتلئَ جَمراً، ثُمَّ يَكسحُ مَا فِيْهِ، وَيُحشَى بِالرُّطبَةِ، وَيَقَعدَ فِيْهِ ثَلاَثَ سَاعَاتٍ، فَإِنْ طَلبَ مَاءً لَمْ يُسقَ، ثُمَّ يَخرجُ فَإِنَّه يَجِدُ وَجَعاً شَدِيْداً، وَلاَ يُعَادُ إِلَى التَّنُّورَ إِلَى بَعْدَ سَاعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجرِي ذَلِكَ المَاءُ، وَيَخرجُ مِنْ مَخَارجِ البَولِ. وَإِن هُوَ سُقِيَ أَوْ رُدَّ إِلَى التَّنُّورِ، تَلِفَ. قَالَ: فَسُجِرَ لَهُ تَنُّورٌ، ثُمَّ أُخرجَ الجَمْرُ، وَجُعِلَ عَلَى ظَهرِ التَّنُّورِ، ثُمَّ حُشِيَ بِالرطبَةِ. فَعُرِّيَ الوَاثِقُ، وَأُجلسَ فِيْهِ، فَصَاحَ، وَقَالَ: أَحرقتُمُونِي، اسقُونِي مَاءً. فَمُنِعَ، فَتَنَفَّطَ بَدَنُه كُلُّه، وَصَارَ نُفَاخَاتٍ كَالبطِّيخِ، ثُمَّ أُخرِجَ وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحترقَ، فَأَجْلَسَه الأطبَّاءُ. فَلَمَّا شَمَّ الهَوَاءَ، اشتدَّ بِهِ الأَلَمُ، فَأَقبلَ يَصيحُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 294 وَيَخُورُ كَالثَّورِ، وَيَقُوْلُ: رُدُّونِي إِلَى التَّنُّورِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاؤُه وَخوَاصُّه، وَرَدُّوهُ إِلَى التَّنُّورِ، وَرَجَوُا الفَرَجَ. فَلَمَّا حَمِيَ، سَكَنَ صِيَاحُه، وَتَفَطَّرتْ تِلْكَ النُّفَاخَاتِ، وَأُخرِجَ وَقَدِ احْتَرَقَ وَاسودَّ، وَقضَى بَعْدَ سَاعَةٍ. قُلْتُ: رَاويهَا لاَ أَعْرِفُه. وَعَنْ جَرِيْر بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: قَالَ أَبِي: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ قَلْباً مِنْ هَذَا -يَعْنِي: أَحْمَدَ- جَعَلنَا نُكلِّمُهُ، جَعَلَ الخَلِيْفَةُ يُكَلِّمهُ، يُسَمِّيْهِ مَرَّةً وَيَكْنِيْهِ مرَّةً، وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَوجِدْنِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِه حَتَّى أُجيبَكَ إِلَيْهِ. أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ، قَالَ: دَخَلت أَنَا وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ عَلَى أَحْمَدَ حِدثَانَ ضَرْبِهِ، فَقَالَ لَنَا: ضُربتُ فَسقطتُ وَسَمِعْتُ ذَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- يَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلٌّ. فَقَالَ لَهُ الحَارِثُ: أَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ سُعِي بِهِ حَتَّى ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ. وَقِيْلَ: عُلِّقتْ كُتُبه فِي عُنُقِهِ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ ضُربَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّب، وَحُلِقَ رَأْسُه وَلِحيَتُه، وضُرِبَ أَبُو الزِّنَادِ، وضُربَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي حَمَّامٍ بِالسِّيَاطِ. وَمَا ذكرَ مَالِكٌ نَفْسَه، فَأُعجبَ أَحْمَدُ بِقَولِ الحَارِثِ. قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: ضَربَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ مَالِكاً تِسْعِيْنَ سَوطاً سنَةَ 147. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ، عَنْ شَابَاصَ التَّائِبِ، قَالَ: لَقَدْ ضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثَمَانِيْنَ سَوطاً، لَوْ ضَربتَه عَلَى فِيلٍ، لَهَدَّتْهُ. البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، سَمِعْتُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 295 إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ المِحْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَاكرتُهُ رَجَاءَ أَنْ آخُذَ عَنْهُ حَدِيْثاً، إِلَى أَنْ قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، حَدِيْثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (امرُؤُ القَيْسِ قَائِدُ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ (1)) . فَقَال: قِيْلَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: مَنْ عَنِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: أَبُو الجَهْمِ. فَقُلْتُ: مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الجَهْمِ؟ فَسَكَتَ، فَلَمَّا عَاودتُهُ فِيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ. قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيْهَا إِمَامٌ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتَجَمَ وَأَعطَى أَبَا طيبَةَ دِيْنَاراً (2) ، فَاحتجمْتُ وَأَعطيتُ الحجَّامَ دِيْنَاراً. أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِجَازَةً، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفَوَارِسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ مَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، مَاتَ عَلَى خَيْرٍ؟ فَقَالَ: اسكتْ، بَلْ مَاتَ عَلَى الخَيْرِ كُلِّهِ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ البَزَّازُ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلبُ البُدَلاَءَ؟   (1) أخرجه أحمد في " مسنده " 2 / 228 من طريق هشيم، حدثنا أبو الجهم (وقد تصحف في " المسند " إلى جهيم) ، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وأبوالجهم هذا قال عنه أبو زرعة: واه، وقال أحمد: مجهول، وقال ابن حبان: يروي عن الزهري ما ليس من حديثه. وأخرجه أبو عروبة في " الاوائل "، وابن عساكر في " تاريخه "، وفي سنده ضعيفان لا يحتج بهما. (2) تقدم تخريجه في ص: 213 ت (1) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 296 فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أدرِي. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَنْ ردَّ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلكَةٍ. قَالَ أَبُو مُزَاحمٍ الخَاقَانِيُّ: قَالَ لِي عمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: أمرَ المُتَوَكِّلُ بِمَسْأَلَةِ أَحْمَدَ عَمَّنْ يُقلَّدُ القَضَاءَ، فَسَأَلْتُ عمِّي أَنْ يُخرِجَ إِلَيَّ جَوَابَهُ، فَوجَّهَ إِلَيَّ نسختَهُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، نُسْخَةُ الرُّقْعَةِ الَّتِي عرضتُهَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ أَنْ سَأَلْتُهُ، فَأجَابنِي بِمَا قَدْ كَتَبْتُهُ. سَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، فَقَالَ فِيْهِ: جَهْمِيُّ مَعْرُوْفٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قُلِّدَ شَيْئاً مِنْ أُمورِ المُسْلِمِيْنَ، كَانَ فِيْهِ ضررٌ عَلَيْهِم. وَسَأَلْتُهُ عَنِ الخلَنْجِيِّ (1) ، فَقَالَ فِيْهِ: كَذَلِكَ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعَيْبِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ. وَسَأَلْتُهُ عَنِ المَعْرُوْفِ بِأَبِي شُعَيْبٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ قَاضِي الأَهْوَازِ، فَقَالَ: كَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَفِي نَاحِيَتِهِ وَأَعْمَالِهِ، إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أمثلِهِم. وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجعْدِ، فَقَالَ: كَانَ مَعْرُوْفاً بِالتَّجَهُّمِ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّه رَجَعَ. وَسَأَلْتُهُ عَنِ الفَتْحِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ المَرِيسِيِّ. وَسَأَلْتُهُ عَنِ الثَّلْجِيِّ، فَقَالَ: مُبتدعٌ، صَاحِبُ هوَى. وَسَأَلْتُهُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَتَّابٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُه إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أَصْحَابِ بِشْرٍ المَرِيسِيِّ. وَفِي الجُمْلَةِ أَنَّ أَهْلَ البِدَعِ وَالأهوَاءِ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِم فِي شَيْءٍ مِنْ أمورِ المُسْلِمِيْنَ، مَعَ مَا   (1) هو عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي، وهو ممن يقول بخلق القرآن، ومن أصحاب أحمد بن أبي دواد. ولي قضاء الشرقية ببغداد أيام الواثق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 297 عَلَيْهِ رَأْيُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ - أطَالَ اللهُ بقَاءَهُ - مِنَ التَّمسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالمُخَالَفَةِ لأَهْلِ البِدَعِ. يَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ: قَدْ سَأَلَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى عَنْ جَمِيْعِ مَنْ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَأَجبتُهُ بِمَا كتَبَ، وَكُنْتُ عليلَ العينِ، ضَعِيْفاً فِي بدنِي، فَلَمْ أَقْدِرْ أَن أَكْتُبَ بخطِّي، فَوَقَّعَ هَذَا التَّوقيعَ فِي أسفلِ القِرْطَاسِ عَبْدُ اللهِ ابْنِي بِأَمرِي، وَبَيْنَ يَديَّ. وَمِنْ سِيْرَتِه: قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ عِمَامَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ إِلاَّ تَحْتَ ذَقنِهِ، وَرَأَيْتهُ يَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِكَ. أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: مضَيْتُ مَعَ أَبِي يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلَى الجَامِعِ، فَوَافقْنَا النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا. فَدَخَلَ إِلَى المَسْجَدِ، وَكَانَ مَعَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ، فَتَقَدَّم أَبِي فَصَلَّى بِنَا الظُّهرَ أربعاً. وَقَالَ: قَدْ فعلَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بعَلْقَمَةَ وَالأَسودِ. وَكَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ مَقْبُرَةً، خلعَ نَعْلَيهِ، وَأَمسكَهُمَا بِيَدِهِ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ فِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) : أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ، سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيْهِ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَاكتُبُوا عَنْهُ. إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بنَ عِصَامٍ البَيْهَقِيَّ يَقُوْلُ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَاءَ بِمَاءٍ فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ إِلَى المَاءِ بحَالِهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! رَجُلٌ يَطْلُبُ العِلْمَ لاَ يَكُوْنُ لَهُ وِردٌ بِاللَّيْلِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 298 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ذَكَرُوا لاِبْنِ أَبِي قتيلَةَ بِمكَّةَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ قَوْمُ سوءٍ. فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ينفُضُ ثَوْبَه، وَيَقُوْلُ: زِنْدِيْقٌ زِنْدِيْقٌ، وَدَخَلَ البَيْتَ. الطَّبَرَانِيُّ: أنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ حَمَّادٍ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ: أَضْحَى ابْنُ حَنْبَلَ مِحْنَةً مَرْضِيَّةً ... وَبِحُبِّ أَحْمَدَ يُعْرَفُ المُتَنَسِّكُ وَإِذَا رَأَيْتَ لأَحْمَدٍ مُتَنَقِّصاً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّ سُتُورَهُ سَتُهَتَّكُ (1) قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى كرَاهيَةِ الاَكتنَاءِ بِأَبِي القَاسِمِ (2) .   (1) البيتان في " تاريخ بغداد " 4 / 420، 421، وروايته في البيت الأول: " محنة مأمونة " بدل " مرضية ". وهما في " طبقات الشافعية " 2 / 33. (2) اختلف أهل العلم في التكني بكنية النبي، صلى الله عليه وسلم، فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، وهو ظاهر حديث جابر المتفق عليه: " سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي "، روي ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وطاووس. وإليه ذهب الشافعي، قال: لا يجوز لأحد أن يتكنى بأبي القاسم، سواء أكان اسمه محمدا أم لم يكن. وكره قوم الجمع بين اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، وكنيته، وجوزوا التكني بأبي القاسم، إذا لم يكن اسمه محمدا وأحمد، لما أخرجه الترمذي (2843) عن أبي هريرة النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمي محمدا أبا القاسم. ولما روى أبو داود عن جابر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " من تسمى باسمي، فلا يكتن بكنيتي. ومن اكتنى بكنيتي، فلا يسم باسمي ". وأخرج أبو داود (4966) ، والترمذي (2846) بإسناد صحيح عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: يارسول الله! أرأيت إن ولد لي بعدك ولد أسميه محمدا، وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " وكانت رخصة لي. وقد رخص بعضهم في الجمع، وقال: إنما كره ذلك على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، لئلا يشتبه، يروى ذلك عن مالك. وكان محمد بن الحنفية يكنى أبا القاسم، وكان محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن الاشعث، ومحمد بن حاطب، جمع كل واحد منهم بين اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، وكنيته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 299 أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ الحَدَّادُ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ آجرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ، فَسَوَّى لَهُم، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ المحنَةِ، وَصُرِفَ إِلَى بيتِهِ، حُملَ إِلَيْهِ مَالٌ، فَرَدَّهُ وَهُوَ مُحتَاجٌ إِلَى رَغِيْفٍ، فَجَعَلَ عَمُّه إِسْحَاقُ يحسُبُ مَا يَرُدُّ، فَإِذَا هُوَ نَحْوُ خَمْسِ مائَةِ أَلفٍ. قَالَ: فَقَالَ: يَا عمِّ، لَوْ طلبنَاهُ لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أتَانَا لَمَّا تركنَاهُ. البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عبدِ الوَاحِدِ البلدِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ: صَلَّى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَقَامَ قَاصٌّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنِ أَنَسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْراً، مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَرِيْشُهُ مِنْ مَرْجَانَ) . وَأخذَ فِي قِصَّةٍ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ وَرَقَةً (1) ، وَجَعَلَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى يَنْظُرُ إِلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: أَنْتَ حَدَّثتَهُ بِهَذَا؟ فَيَقُوْلُ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ بِهِ إِلاَّ السَّاعَةَ. فسكتَا حَتَّى فرَغَ، وَأخذَ قِطَاعَهُ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بِيَدِهِ: أَنْ تعَالَ. فَجَاءَ مُتَوهِّماً لنَوَالٍ. فَقَالَ: مَنْ حدَّثَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ. فَقَالَ: أَنَا يَحْيَى، وَهَذَا أَحْمَدُ، مَا   (1) قال ابن القيم في " المنار المنيف " ص: 50: فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا. فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جدا، كقوله في الحديث المكذوب: من قال لاإله إلا الله، خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له. ومن فعل كذا وكذا، أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة، في كل مدينة سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف حوراء. وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول، صلى الله عليه وسلم، بإضافة مثل هذه الكلمات إليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 300 سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ وَالكَذِبَ، فَعَلَى غَيْرِنَا. فَقَالَ: أَنْتَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَمْ أزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَحْمَقُ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ السَّاعَةَ، كَأَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ غَيْرَكمَا!! كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عشرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ غَيْرَكمَا. فوضعَ أَحْمَدُ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: دَعْهُ يقومُ، فَقَامَ كَالمستهزِئِ بِهِمَا. هَذِهِ الحكَايَةُ اشتهرَتْ عَلَى أَلسنَةِ الجَمَاعَةِ، وَهِيَ باطلَةٌ، أظنُّ البلدِيَّ وضعهَا، وَيُعْرَفُ بِالمعصوبِ. رَوَاهَا عَنْهُ أَيْضاً أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ (1) فَارْتَفَعَتْ عَنْهُ الجَهَالَةُ. ذكرَ المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ بَقِيَ بِسَامَرَّاءَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يشربْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ سَوِيْقٍ. أَحْمَدُ بنُ بُنْدَارٍ الشَّعَارُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بنُ الرَّازِيِّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَعِيْدٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: صرنَا مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ إِلَى بَابِ المُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا أدخلُوهُ مِنْ بَابِ الخَاصَّةِ، قَالَ: انْصَرِفُوا، عَافَاكُمُ اللهُ، فَمَا مرضَ مِنَّا أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ. الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَصحبَكَ إِلَى مكَّةَ، وَمَا يَمْنَعنِي إِلاَّ خوفُ أَنْ أَملَّكَ أَوْ تَمَلَّنِي. فَلَمَّا وَدعتُهُ، قُلْتُ: أوصنِي. قَالَ: اجعلِ التَّقْوَى زَادَكَ، وَانصبِ الآخِرَةَ أمَامَك. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَوّلُ مَا لَقِيْتُ أَحْمَدَ سنهَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَإذَا قَدْ أَخرجَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ كِتَابَ (الأشرِبَةِ) (2) ، وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) فَصَلَّى، وَلَمْ   (1) في " المجروحين " 1 / 85. (2) وهو مطبوع في بغداد سنة 1396 هـ. بتحقيق الأستاذ السيد صبحي جاسم البدري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 301 يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، فَرَدَّهُ إِلَى بيتِهِ. وَأَتيتُه يَوْماً آخرَ، فَإِذَا قَدْ أَخرجَ الكِتَابينِ، فَظننتُ أَنَّهُ يحتسبُ فِي إِخْرَاجِ ذَلِكَ، لأنَّ كِتَابَ (الإِيْمَانِ) أصلُ الدِّينِ، وَكِتَابَ (الأشربَةِ) صَرْفُ النَّاسِ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّ كُلَّ الشَّرِّ مِنَ السُّكْرِ. وَقَالَ صَالِحٌ: أَهدَى إِلَى أَبِي رَجُلٌ - وُلِدَ لَهُ مَوْلُوْدٌ - خِوَانَ (1) فَالوذجَ، فَكَافَأهُ بسُكَّرٍ بدَرَاهِمَ صَالِحَةٍ. وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: أَتيتُ أَحْمَدَ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ قَدَحاً فِيْهِ سَوِيْقٌ، وَقَالَ: اشربْهُ. أَنْبَؤُونَا: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ الدَّرْبَنْدِيُّ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الأسودِ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنُ زُورَانَ لَفْظاً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الإِصْطَخْرِيُّ (2) قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هَذَا مَذَاهِبُ أَهْلِ العِلْمِ وَالأَثرِ، فَمَنْ خَالفَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَابَ قَائِلَهَا، فَهُوَ مُبتدِعٌ. وَكَانَ قَوْلُهُم: إِنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ وَعملٌ وَنيَّةٌ، وَتمسُّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَالإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَينقصُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ، وَالأَعْمَالَ شرَائِعُ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يرَ الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ، فَهُوَ مُرجِئٌ، وَالزِّنَى وَالسرقَةُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالشِّرْكُ كُلُّهَا بقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُوْنَ لأحدٍ عَلَى اللهِ حُجّةٌ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلِقَتَا، ثُمَّ الخَلقُ لَهُمَا لاَ تفنيَان، وَلاَ يفنَى مَا فِيْهِمَا أَبَداً. إِلَى أَنْ قَالَ: وَاللهُ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيهِ. إِلَى   (1) أي ما يؤكل عليه الطعام، معرب. (2) هذه هي الرسالة التي أشار المؤلف إلى بطلانها في ص: 286، وهي مذكورة في طبقات الحنابلة 1 / 24، 31. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 302 أَنْ قَالَ: وَللعرشِ حَمَلَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ألفَاظَنَا بِالقُرْآنِ، وَتلاَوتَنَا لَهُ مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يكفِّرْه، فَهُوَ مِثْلُهُ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تكليماً مِنْ فِيْهِ. إِلَى أَنْ ذَكرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الأُنموذجِ المُنْكَرِ، وَالأَشْيَاءَ الَّتِي -وَاللهِ- مَا قَالَهَا الإِمَامُ، فَقَاتلَ اللهُ وَاضعَهَا. وَمِنْ أسمجِ مَا فِيْهَا قَوْلُه: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَرَى التَّقليدَ، وَلاَ يُقلِّدُ دينَه أَحَداً، فَهَذَا قَوْلُ فَاسقٍ عدوٍّ للهِ، فَانْظُرْ إِلَى جهلِ المُحَدِّثِيْنَ كَيْفَ يروُونَ هَذِهِ الخُرَافَةَ، وَيسكتُوْنَ عَنْهَا (1) . الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنِي عمِّي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ العَلاَءِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: دعَانِي رِزْقُ اللهِ بنُ الكَلْوَذَانِيِّ، فَقَدَّمَ إِلَيْنَا طعَاماً كَثِيْراً، وَفِينَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَقُدِّمَتْ لَوْزِينَجُ أنفقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيْنَ دِرْهَماً. فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: هَذَا إِسرَافٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا فِي مِقْدَارِ لقمَةٍ، ثُمَّ أخذهَا مُسْلِمٌ، فَوَضَعهَا فِي فمِ أَخِيْهِ لمَا كَانَ مُسْرِفاً. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: صدقتَ. وَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ. قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا (3)) . فَقَالَ: نُؤْمِنُ بِهَا، وَنُصدِّقُ   (1) رحم الله المؤلف، وجزاه عن الإسلام خيرا، فهو كما وصفه تلميذه الصلاح الصفدي 2 / 163 بأنه لم يكن عنده جمود المحدثين، ولاكودنة النقلة، بل هو فقيه، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات فهو لا يكاد يمر على حديث أو خبر في سنده ضعف أو في متنه نكارة حتى يعلق عليه، ويبين ما فيه بأسلوب علمي متزن. (2) هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخلدي، أبو محمد، أحد المشايخ الصوفية، صاحب الأحوال والمجاهدات والكرامات الظاهرة. توفي في رمضان 348 هـ. انظر ترجمته ونسبته في " الأنساب " للسمعاني 5 / 161، 162. (3) أخرجه البخاري 3 / 25 في التهجد: باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ومسلم (758) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، من طريق مالك، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 303 بِهَا، وَلاَ نَرُدُّ شَيْئاً مِنْهَا، إِذَا كَانَتْ أَسَانِيْدَ صِحَاحاً، وَلاَ نَردُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَه، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حقٌّ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَيْتُ كَثِيْراً مِنَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَبَنِي هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، يُقَبِّلُوْنَ أَبِي، بَعْضُهُم يدَهُ، وَبَعْضُهُم رَأْسَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ تعَظِيْماً لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ بأحدٍ مِنَ الفُقَهَاءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَهُ يَشتهِي ذَلِكَ. وَرَأَيْتُ الهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَأَبَا مَعْمَرٍ، وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَبشَّاراً الخَفَّافَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَوْنٍ الخَرَّازَ (1) ، وَابْنَ أَبِي الشَّوَاربِ، وَإِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكَّارٍ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُريجَ بنَ يُوْنُسَ، وَأَبَا خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَخَلَفَ بنَ هِشَامٍ، وَجَمَاعَةً لاَ أُحصِيهِم، يُعَظِّمونَهُ وَيُوقِّرونَهُ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَارَّقَ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُنَا، وَهُوَ مِنَ الرَّاسخينَ فِي العِلْمِ، إِذَا وَقفتُ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَسَأَلنِي بِمَنْ اقتدَيتَ، أَيَّ شَيْءٍ أَقُوْلُ؟ وَأَيَّ شَيْءٍ ذَهبَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَمرِ الإِسْلاَمِ؟! وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: نظرتُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ أَحْمَدَ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ. ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ لَمْ يُخلِّفْ شَيْئاً، وَكَانَ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ، وَكَانَ لاَ يَشربُ (2) .   = عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الاغر، عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ". (1) بمعجمة ثم مهملة، وآخره زاي، كما في " تقريب التهذيب " 1 / 439. (2) أي الشراب الذي يراه أهل الكوفة مباحا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 304 قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحْمَدُ مِثْلَ نَفْسِهِ. قَالَ الخَلاَّلُ: بُلينَا بِقَومٍ جُهَّالٍ، يَظُنُّونَ أَنَّهُم عُلَمَاءُ، فَإذَا ذَكرنَا فَضَائِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، يُخْرِجُهُمُ الحَسدُ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِيْمَا أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ نَبِيُّهُم. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ كَأَنِّي فِي مَسْجِدِ الجَامِعِ، فَأقبلَ رَجُلٌ شِبْهَ الخَصِيِّ مِنْ نَاحِيَةِ المَقصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍَ وَفُلاَنٍ (1)) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَجَعَلتُ أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. فَفَسَّرْتُهُ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الخَصِيُّ فِي المَنَامِ مَلَكٌ. قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الخَوْفُ مَنَعَنِي أَكلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَمَا اشتَهَيتُهُ، وَمَا أُبالِي أَنْ لاَ يَرَانِي أَحَدٌ وَلاَ أَرَاهُ، وَإِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَرَى عَبْدَ الوَهَّابِ، قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا شَبَّهْتُ الشَّبَابَ إِلاَّ بِشَيْءٍ كَانَ فِي كُمِّي، فَسَقَطَ.   (1) الذي قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حياته: " اقتدوا باللذين من بعدي، أبو بكر وعمر " وهو حديث صحيح أخرجه أحمد 5 / 382 و385 و402، والترمذي (3663) ، وابن ماجة (97) عن حذيفة بن اليمان، وإسناده حسن، وصححه الحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي المؤلف، وأخرجه أحمد 5 / 399 من طريق آخر لا بأس به، وصححه ابن حبان (2193) ، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الترمذي (3807) ، والحاكم 3 / 75. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 305 قَالَ إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ: مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَا خَلَّفَ إِلاَّ سِتَّ قِطَعٍ فِي خِرْقَةٍ قَدْرَ دَانِقَينِ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: كُنْتُ أُبَكِّرُ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يَكُنْ لِي فِيْهِ تِلْكَ النِّيَّةُ فِي بَعْضِ مَا كُنْتُ فِيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رُبَّمَا أَرَدْتُ البُكورَ فِي الحَدِيْثِ، فَتَأْخُذُ أُمِّي بِثَوبِي، وَتَقُوْلُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ المُؤَذِّنُ. وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: أَوّلُ مَا طَلبْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ القَاضِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَتَبَ أَبِي عَنْ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ الكُتُبَ، وَكَانَ يَحْفَظُهَا، فَقَالَ لِي مُهَنَّى: كُنْتُ أَسْأَلُه فَيقُولُ: لَيْسَ ذَا فِي كُتُبِهِم. فَأَرْجِعُ إِلَيْهِم، فَيَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُكَ أَعْلَمُ مِنَّا بِالكُتُبِ. المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا خَرَجتُ إِلَى الشَّامِ إِلاَّ بَعْدَ مَا وُلِدَ لِي صَالِحٌ، أَظُنُّ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِيْنَ حِيْنَ خَرجْتُ. قُلْتُ: مَا أَظنُّ خَرَجتَ بَعْدهَا؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَكمْ أَقَمْتَ بِاليَمَنِ؟ قَالَ: ذَهَابِي وَمَجيئِي عَشْرَةُ أَشهرٍ، خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فِي صَفَرٍ، وَوَافَينَا المَوسمَ. قُلْتُ: كَتبتَ عَنْ هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ؟ قَالَ: لاَ، مَاتَ قَبلنَا. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ الهَمْدَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةِ سَنَةٍ: قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَخُو الحَجَّاجِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَأتَينَا شَيْخاً خَارجاً مِنْ صَنْعَاءَ، كَانَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 306 عِنْدَهُ. عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّه، كَانَ يُقَالُ: لَهُ أَرْبَعُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُوْسَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً. وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَا لَقِيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَسَنَّ مِنْهُ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيتُ يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَرِيْبٌ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَلَمْ أَرَ مَعْناً القَزَّازَ. المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا كَتبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَسَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَيْفِيٍّ (1) ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَدْ كتبْنَا عَنْهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ المقْبُرِيِّ، وَعَنِ الحَكَمِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ (2) ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ المُقْرِئَ بِالْكُوْفَةِ، وَغُلاَمٌ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بِالتَّحقِيقِ وَالهمزِ (3) . وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ هُنَا أَدْرَكتُهُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَأَيْتُ الأَشْجَعِيَّ.   (1) هو بشير بن ميمون الخراساني ثم الواسطي. قال البخاري: متهم بالوضع. وقال الدارقطني وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال ابن معين: اجتمعوا على طرح حديثه. وقال النسائي مرة: ضعيف، ومرة متروك. (2) لفظ المؤلف في " الميزان ": وقال أحمد: كتبنا عنه عن مجاهد، ثم قدم علينا بعد فحدثنا عن الحكم بن عتيبة: ليس بشيء. (3) التحقيق والهمز شيء واحد، فيكون العطف من باب عطف الشئ على نفسه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 307 وَأَتيتُ خَلَفَ بنَ خَلِيْفَةَ، فَتَكَلَّمَ، فَلَمْ أَفْهَمْ عَنْهُ، كَانَ يَرْعُدُ مِنَ الكِبَرِ. وكَتَبْتُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ. وكَتَبْتُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفٍ. وَكَتَبْنَا حَدِيْثَ غُنْدَرٍ عَلَى الوَجْهِ، وَأَعطَانَا الكُتُبَ، فَكُنَّا نَنسَخُ مِنْهَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ سنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمِنَ الطُّفَاوِيِّ سنَةَ إِحْدَى. وَعَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ مُبَشِّرٍ الحَلَبِيِّ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ بِمَسْجِدِ حَلَبَ، كُنَّا خَرَجْنَا إِلَى طَرَسُوْسَ عَلَى أَرجُلِنَا. وقَال: قدْ أَكثرْتُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَذْكُرُ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عِصْمَةُ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: شَهِدْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَجَاءهُ رَجُلٌ مِن مَدِيْنَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ (1) ، حَدِّثْنِي. فَقَالَ: كَيْفَ أُحَدِّثُكَ وَهَذَا هَا هُنَا؟ - يَعْنِينِي -. فَاسْتَحييتُ فَقُمْتُ. وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُمَرَ ابْنَةُ حَسَّانٍ، عَنِ أَبِيْهَا، قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجَدَ، فَإِذَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى المِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا مَثَلِي   (1) هي كنية إبراهيم بن سعد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 308 وَمَثَلُ عُثْمَانَ كَمَا قَالَ اللهُ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ (1) } [الأَعرَافُ: 43] وَ [الحِجْرُ: 47] . الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ: أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الجَمَّالُ، وَذَاكَ فِي آخِرِ سَنَةِ مائَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْجَمَّالِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ أَقواماً يَسْأَلُوْنِي أَنْ أُحْدِّثَ، فَهَلْ تَرَى ذَاكَ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: أَنَا أُجِيبُكَ. قَالَ: تَكَلَّمْ. قُلْتُ: أَرَى لَكَ إِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ تُحدِّثَ، فَلاَ تُحدِّثْ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ لاَ تُحَدِّثَ، فَحَدِّثْ. فَكَأَنَّهُ اسْتَحسَنَه. عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ نُوْحَ بنَ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ حَيٌّ، وَهُوَ يُفْتِي فَتْوَى وَاسِعَةً، فَسلَّمتُ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي سَنَةَ 237 يَقُوْلُ: قَدِ اسْتخرتُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ حَدِيْثاً عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً. ثُمَّ قَالَ: وَلاَ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي. فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ: أَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: العَهْدُ يَمِيْنٌ (2) ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ سَكتَ، فَظننتُ   (1) جاء في تفسير الطبري 14 / 36، 37 من طرق متعددة أن الغل: العداوة. وفيه: حدثنا الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: حدثنا السكن بن المغيرة، قال: حدثنا معاوية بن راشد، قال: قال علي: إني لارجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله: (ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا، على سرر متقابلين) . (2) إسناده ضعيف، وشريك هو ابن عبد الله القاضي، ويزيد بن أبي زياد هو الهاشمي، وكلاهما ضعيف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 309 أَنَّهُ سَيُكَفِّرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد أَيَّامٍ، قُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَنشَطْ لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ لَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي العَسْكَرِ يَقُوْلُ لِولَدِهِ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، أَتدرُوْنَ مَا العُقودُ؟ إِنَّمَا هُوَ العُهُوْدُ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ - جلَّ وَعَزَّ -. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، وَاللهِ، وَاللهِ، وَعَلَيَّ عَهدُ اللهِ (1) وَمِيثَاقُهُ أَنْ لاَ حَدَّثتُ بِحَدِيْثٍ لِقَرِيْبٍ وَلاَ لِبَعيدٍ حَدِيْثاً تَامّاً حَتَّى أَلقَى اللهَ. ثُمَّ التَفَتَ إِلَى وَلدِهِ، وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ هَذَا يَشتهِي مِنْهُ مَا يَشتهِي. ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الدَّوْلَةِ - وَهُوَ ابْنُ أَكْثَمَ - أَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَردتُ أَنْ يَأمرَهُ الخَلِيْفَةُ أَنْ يُكفِّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيُحَدِّثَ. فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الكَلاَمِ: لَوْ ضَربتَ ظَهرِي بِالسِّيَاطِ، مَا حَدَّثْتُ. مِنْ تَوَاضُعِهِ: الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَشترِي الخُبْزَ مِنَ السُّوْقِ، وَيَحملُهُ فِي الزَّنْبِيلِ، وَرَأَيْتُهُ يَشترِي البَاقِلاَّءَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَجْعَلُهُ فِي خِرقَةٍ، فَيحمِلُه آخذاً بِيَدِ عَبْدِ اللهِ ابْنِهِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: أَرَادَ ذَاكَ   (1) قال الراغب: العهد: هو حفظ الشئ ومراعاته، ومن ثم قيل للوثيقة عهدة. ويطلق عهد الله: على ما فطر عليه عباده من الايمان به عند أخذ الميثاق، ويراد به أيضا ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدا، وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر. قال الحافظ في " الفتح " 11 / 474: وللعهد معان أخرى غير هذه كالامان والوفاء والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللقاء عن قرب والزمان والذمة، وبعضها قد يتداخل، والله أعلم. ونقل عن ابن المنذر أن من حلف بالعهد، فحنث، لزمه الكفارة، سواء نوى أم لا عند مالك والاوزاعي والكوفيين، وبه قال الحسن والشعبي وطاووس وغيرهم، وبه قال أحمد. وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: لا تكون يمينا إلا إن نوى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 310 الَّذِي بِخُرَاسَانَ وَمَاتَ بِالثَّغْرِ أَنْ يُحَدِّثَ هَا هُنَا بِشَيءٍ، وَكَانَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ حَيّاً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ يَزِيْدَ حَيٌّ، وَإِنْ قَالَ: لاَ، فَهُوَ لاَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلَمْ يُظهِرْ شَيْئاً حَتَّى مَاتَ يَزِيْدُ. المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ: يَا أَبَا الحَسَنِ، قَدْ جَالَسْتُ أَبَا يُوْسُفَ وَمُحَمَّداً، وَأحسِبُهُ ذَكَرَ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، مَا هِبتُ أَحَداً مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. مِنْ جِهَادِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ الفَرَجِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ، وَرَابَطَ بِهَا، وَغزَا. ثُمَّ قَالَ أَبِي: رَأَيْتُ العِلْمَ بِهَا يَمُوْتُ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّه قَالَ لِرَجُلٍ: عَلَيْك بِالثَّغْرِ، عَلَيْك بِقَزْوِيْنَ، وَكَانَتْ ثَغْراً. بَابٌ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ أَحْمَدَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ رَجَاءَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: طَلبُ إِسْنَادِ العُلُوِّ مِنَ السُّنَّةِ (1) .   (1) طلب علو الإسناد سنة عن الأئمة السالفين ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد، والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلبا لعلو الإسناد. ومتى كان الإسناد عاليا، كان أبعد من الخطأ والعلة. وأشرف أنواعه ماكان قريبا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بإسناد صحيح نظيف خال من الضعف، بخلاف ما إذا كان فيه ضعف، فلا التفات إليه، ولاسيما إن كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة. قال الذهبي المؤلف، فيما نقله عنه السيوطي في " التدريب " ص: 184: متى رأيت المحدث يفرح بعوالي هؤلاء فاعلم أنه عامي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 311 الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي رَجُلٌ: مِنْ هُنَا إِلَى بِلاَدِ التُّركِ يَدعُونَ لَكَ، فَكَيْفَ تُؤدِّي شُكرَ مَا أَنعمَ اللهُ عَلَيْكَ، وَمَا بَثَّ لَكَ فِي النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَجْعَلَنَا مُرَائِينَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ فِي أَوَّلِهَا، وَقَدْ حَدَّثَ حَدِيْثَ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ (1)) ، فَأَعِدُّوا لِلبَلاَءِ صَبراً، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ رَضِّنَا، اللَّهُمَّ رَضِّنَا. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً: أَنَّ أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَاسِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ شُعَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ طَاهِرَ بنَ خَلَفٍ، سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ مُحَمَّدَ ابْنَ الوَاثِقِ يَقُوْلُ:   (1) أخرجه ابن ماجة (4035) من طريق غياث بن جعفر الرحبي، أنبأنا الوليد بن مسلم، سمعت ابن جابر يقول: سمعت أبا عبد ربه يقول: سمعت معاوية يقول: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: " لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة ". وإسناده صحيح، كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقة: 252، وصححه ابن حبان (1828) ، وأخرجه أحمد في " المسند " 4 / 94 من طريق ابن المبارك، عن ابن جابر، واسمه عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثني أبو عبد ربه، قال: سمعت معاوية، يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن ما بقي من الدنيا بلاء وفتنة. وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله ". وهذا سند صحيح أيضا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 312 كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ أَحَداً أَحضرَنَا، فَأُتِيَ بشَيْخٍ مَخضوبٍ مُقيَّدٍ، فَقَالَ أَبِي: ائذَنُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ وَأَصْحَابِهِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ-. قَالَ: فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بِئسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوْهَا} [النِّسَاءُ: 86] . فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: الرَّجُلُ مُتكَلِّمٌ. قَالَ لَهُ: كَلِّمْهُ. فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: لَمْ يُنْصِفْنِي، وَلِيَ السُّؤَالُ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ؟ قَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمتَهُ أَنْتَ؟ فَخجِلَ، فَقَالَ: أَقِلْنِي. قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. قَالَ: نَعَمْ، عَلِمُوهُ. فَقَالَ: عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟ قَالَ: فَقَامَ أَبِي، فَدَخَلَ مَجْلِساً، وَاسْتَلْقَى وَهُوَ يَقُوْلُ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلاَ الخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، عَلِمْتَه أَنْتَ! سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ، أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟! ثُمَّ أمرَ بِرفعِ قُيودِهِ، وَأَنْ يُعطَى أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَيُؤْذَنَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَسقَطَ مِنْ عينِهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَلَمْ يَمتحِنْ بَعْدَهَا أَحَداً. هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ، وَلَهَا شَاهدٌ. وبإِسْنَادِنَا إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنْدِي الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُمْتَنِعِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَضَرتُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَلَسَ لِينظُرَ فِي أُمورِ المَظْلُوْمِيْنَ، فَنَظَرتُ فِي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 313 القَصصِ تُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرهَا، فَيَأمرُ بِالتَّوقيعِ فِيْهَا، وَتُحَرَّرُ، وَتُدفعُ إِلَى صَاحِبهَا، فَيَسرُّنِي ذَلِكَ، فَجَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضضْتُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَاراً، فَقَالَ: يَا صَالِحُ. قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَثَبْتُ. فَقَالَ: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُرِيْدُ أَنْ تَقُولَه؟! قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ. فَلَمَّا قَامَ، خَلاَ بِي، وَقَالَ: يَا صَالِحُ، تَقُوْلُ لِي مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ أَوِ أَقُوْلُ أَنَا؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا تَأْمرُ؟ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّه دَارَ فِي نَفْسِكَ أَنَّكَ اسْتحسنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا. فَقُلْتَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيفتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟ فَقُلْتُ: مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلاَّ مَا قُلْتَ. فَأَطرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! اسْمعْ، فَوَ اللهِ لَتَسْمَعنَّ الحَقَّ. فَسُرِّيَ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ أَوْلَى بِقَولِ الحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالِمِيْنَ. قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أَيَّامِ الوَاثِقِ - قُلْتُ: كَانَ صَغِيْراً أَيَّامَ الوَاثِقِ، وَالحِكَايَةُ فَمُنْكَرَةٌ -. ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَقدَمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَيْنَا شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ، فَأُدخلَ عَلَى الوَاثِقِ مُقيَّداً، فَرَأَيْتُهُ اسْتَحيَا مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، وَقَرَّبَه، فَسَلَّمَ، وَدَعَا، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، نَصَّبُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَيَضعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ. فَغَضِبَ الوَاثِقُ، وَقَالَ: أَيَضعُفُ عَنْ مُنَاظرتِكَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظرتِهِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ. قَالَ: أَفْعَلُ. فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجبَةٌ دَاخلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ، فَلاَ يَكُوْنُ الدِّينُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ فِيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ بُعثَ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ أَمرِ دِينِهِم؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَدَعَا الأُمَّةَ إِلَى مَقَالتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ، فَالتفتَ الشَّيْخُ إِلَى الوَاثِقِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاحِدَةٌ. قَالَ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 314 نَعَمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ حِيْنَ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلِيْكُمْ نِعْمَتِي} [المَائدَةُ: 3] ، هَلْ كَانَ الصَّادِقُ فِي إِكمَالِ دِينِهِ، أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَلَمْ يُجِبْ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اثْنَتَانِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ، أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْ لاَ؟ قَالَ: عَلِمَهَا. قَالَ: فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا؟ فَسَكَتَ. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ثَلاَثٌ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، فَاتَّسعَ لِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يَعلَمَهَا وَأَمسَكَ عَنْهَا كَمَا زَعمتَ، وَلَمْ يُطَالبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاتَّسعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَعرضَ الشَّيْخُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ، إِنْ لَمْ يَتَّسعْ لَنَا الإِمسَاكُ عَنْهَا، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُم. فَقَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ، اقطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ. فَلَمَّا قُطعَ، ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى القَيدِ ليَأْخُذَهُ، فَجَاذَبَهُ الحَدَّادُ عَلَيْهِ. فَقَالَ الوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: لأَنِّي نَوَيتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجعلَ فِي كَفَنِي حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَالِمَ غَداً. وَبَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَألَهُ الوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إِكرَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِكَونِكَ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ قِبَلَنَا فَنَنْتَفِعْ بِكَ، وَتَنْتَفِعْ بِنَا. قَالَ: إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى مَوْضِعِي أَنفعُ لَكَ، أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي، فَأَكُفَّ دُعَاءَهُم عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفتُهُم عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَتَقبلُ مِنَّا صِلَةً؟ قَالَ: لاَ تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ. قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظنُّ أَنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْهَا مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 315 قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ الحَافِظُ: هَذَا الأَذَنِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ (1) . قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنِي حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُهْتَدِي: أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ. فَصْلٌ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ يَجتَمِعُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ (2) خَمْسَةِ آلاَفٍ - أَوْ يَزِيدُوْنَ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ - يَكْتُبُوْنَ، وَالبَاقُوْنَ يَتَعلَّمُوْنَ مِنْهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْتِ. ابْنُ بَطَّةَ: سَمِعَ النَّجَّادَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ المُطَّوِّعِيِّ (3) يَقُوْلُ: اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ (المُسْنَدَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى هَدْيِهِ وَأَخلاَقِهِ. قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ: يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشبَهَ هَدْياً وَسَمتاً وَدَلاًّ مِنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ بِالنَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليَهِ وَسلَّمَ - وَكَانَ أَشبَهَ   (1) في الأصل: " الآذرمي " بمد الهمزة، وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من كتب الأنساب والضبط. وهي نسبة إلى " أذرمة "، قرية من قرى نصيبين. والاذرمي هذا من شيوخ النسائي وأبي داود وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال مسلمة في كتاب، " الصلة ": لا بأس به، وانظر " التهذيب " 6 / 4، 5. (2) جاء في اللسان: زهاء الشئ وزهاؤه: قدره، يقال: هم زهاء مئة وزهاء مئة، أي: قدرها. وهم قوم ذوو زهاء، أي: ذوو عدد كثير ... من زهوت القوم: إذا حزرتهم. وفي الأصل زيادة لفظ " على " بين زهاء وخمسة آلاف. (3) بضم الميم وفتح الطاء المشددة وكسر الواو وفي آخرها عين مهملة، هذه النسبة إلى المطوعة، وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور، وقصدوا جهاد العدو في بلادهم، لا إذا قصد العدو بلاد الإسلام. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 316 النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَةُ، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيْمُ، وَكَانَ أَشبَهَهُم بَإِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيْعٌ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بوَكِيْعٍ - فِيْمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الجَمَّالُ - أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقبَلتُم؟ قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبِي كُرَيْبٍ. فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِحٌ. فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتِي، شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي سُئِلَ: لِمَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ كَثِيْراً، وَقَدْ نَزَلَ فِي جِوَارِكَ بِدَارِ عُمَارَةَ (1) ؟ فَقَالَ: حَضَرْنَا مَجْلِسَهُ مَرَّةً فَحَدَّثَنَا، فَلَمَّا كَانَ المَجْلِسُ الثَّانِي، رَأَى شَبَاباً تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الشُّيُوْخِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ سَنَةً. فَمَاتَ وَلَمْ يُحَدِّثْ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: قَالَ جَارُنَا فُلاَنٌ: دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَمِيْرِ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ - ذَكَرَ سَلاَطِينَ - مَا رَأَيْتُ أَهيَبَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، صِرتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ فِي شَيْءٍ، فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ مِنْ هَيبَتِهِ. ثُمَّ قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَقَدْ طَرقَهُ الكَلْبِيُّ - صَاحِبُ خَبَرِ السِّرِّ - لَيلاً، فَمِنْ هَيبَتِهِ لَمْ يَقْرَعُوا، وَدَقُّوا بَابَ عَمِّهِ. وَعَنِ المَيْمُوْنِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنْقَى ثَوباً، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنْ أَحْمَدَ. ابْنُ المُنَادِي: عَنْ جَدِّهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ مِنْ أَحيَى النَّاسِ وَأَكرمِهِم، وَأَحسَنهِم عِشْرَةً وَأَدباً، كَثِيْرَ الإِطْرَاقِ، لاَ يُسمَعُ مِنْهُ   (1) دار عمارة: في موضعين من بغداد، إحداهما في شارع المخرم من الجانب الشرقي، والاخرى في الجانب الغربي، وقد كانت قبل أن تبنى بغداد بستانا لبعض ملوك الفرس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 317 إِلاَّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيْثِ، وَذِكْرُ الصَّالِحِيْنَ فِي وَقَارٍ وَسُكُوْنٍ، وَلَفْظٍ حَسَنٍ، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ، بَشَّ بِهِ، وَأَقبَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَاضعُ لِلشُّيُوْخِ شَدِيْداً، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ مَا لَمْ أَرَهُ يَعْمَلُ بِغَيْرِهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّكْرِيْمِ وَالتَّبجِيلِ، كَانَ يَحْيَى أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَبعِ سِنِيْنَ. الخُطَبِيُّ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ أَبِي إِذَا أَتَى البَيْتَ مِنَ المَسْجَدِ، ضَرَبَ بِرِجْلِهِ حَتَّى يَسمَعُوا صَوتَ نَعْلِهِ، وَرُبَّمَا تَنَحْنَحَ لِيَعلمُوا بِهِ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّى، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَرَّاتٍ يُقَبَّلُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ شَيْئاً وَلاَ يَمتَنِعُ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ يُقَبَّلُ رَأْسُهُ وَجَبهَتُهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَكرهُهُ. وَقَالَ عَبْدُوْسٌ العَطَّارُ: وَجَّهْتُ بِابْنِي مَعَ الجَارِيَةِ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسَاءلَهُ، وَاتَّخَذَ لَهُ خَبِيصاً، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: كُلِي مَعَهُ، وَجَعَلَ يُبسِطُهُ. وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجَارِ. عُلْوَانُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، قَالَ: سُئِلَ أَبِي: لِمَ لاَ تَصحَبُ النَّاسَ؟ قَالَ: لِوَحشَةِ الفِرَاقِ.   (1) بضم الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة، وفي آخرها الباء الموحدة، هذه النسبة لأبي محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي، من أهل بغداد. قال السمعاني: ظني أن هذه النبسة إلى الخطب وإنشائها، وإنما ذكر هذا لفصاحته. كان فاضلا فهما عارفا بأيام الناس وأخبار الخلفاء. كانت ولادته في المحرم سنة 269 هـ، ومات في جمادى الآخرة سنة 350. انظر ترجمته في " أنساب " السمعاني 5 / 162، 163. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 318 ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ الوَكِيْعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدَامِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ (1)) . ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَافْلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ المَرُّوْذِيُّ، وَمُهَنَّى، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ، وَقَالَ: آلمَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟ فَكَأَنَّ المَرُّوْذِيَّ كَرِهَ أَنْ يُعلَمَ مَوْضِعُهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّى أُصبُعَهُ فِي رَاحتِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟ فَضَحِكَ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْكِرْ. فِي مَعِيْشَتِهِ: قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: خَلَّفَ لَهُ أَبُوْهُ طرزاً وَدَاراً يَسْكُنُهَا، فَكَانَ يَكرِي تِلْكَ الطرزَ، وَيَتَعَفَّفُ بِهَا. قَالَ ابْنُ المُنَادِي: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَنَا أَذْرَعُ هَذِهِ الدَّارَ، وَأُخرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَذهَبُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ (2) .   (1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 130، وأخرجه أبو داود (5124) في الأدب: باب إخبار الرجل بمحبته إليه، والترمذي (2393) في الزهد: باب ما جاء في إعلام الحب، والبخاري في " الأدب المفرد " (542) ، وصححه ابن حبان (2514) ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وسكت عليه الحاكم في " المستدرك " 4 / 171 والذهبي المؤلف. (2) جاء في كتاب " الاموال " لأبي عبيد القاسم بن سلام، ص: 359، 360 بسنده: أصفى عمر من السواد عشرة أصناف: أرض من قتل في الحرب، وأرض من هرب من المسلمين، وكل أرض لكسرى، وكل أرض لاهل بيته، وكل مغيض ماء (يعني الاماكن = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 319 قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الغَلَّةُ مَا يَكُوْنُ قُوْتُنَا، وَإِنَّمَا أَذهبُ فِيْهِ إِلَى أَنَّ لَنَا فِيْهِ شَيْئاً. فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَجُلٌ: لَوْ تَرَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الغَلَّةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ لَهُ صَدِيْقٌ لَهُ، كَانَ أَعْجَبَ إِلَيَّ. فَقَالَ: هَذِهِ طُعْمَةُ سُوءٍ، وَمَنْ تَعَوَّدَ هَذَا، لَمْ يَصبِرْ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِهِ -يَعْنِي: الغَلَّةَ- وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُقِيمُنَا، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى الاضطِرَارِ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: رُبَّمَا احْتَاجَ أَحْمَدُ، فَخَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ (1) . قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الَّذِي نَزلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَيَّ، خَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ، فَجَاءَ وَقَدْ لَقَطَ شَيْئاً يَسِيْراً، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَكَلتَ أَكْثَرَ مِمَّا لَقَطْتَ! فَقَالَ: رَأَيْتُ أَمراً اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، رَأَيتُهُم يَلْتَقِطُوْنَ، فَيَقُوْمُ الرَّجُلُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَكُنْتُ أَزْحَفُ. أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: خَرَجْتُ إِلَى الثَّغْرِ عَلَى قَدَمَيَّ، فَالْتَقَطتُ، لَوْ قَدْ رَأَيْتَ قَوْماً يُفْسِدُوْنَ مَزَارِعَ النَّاسِ، قَالَ: وَكُنَّا نَخْرُجُ إِلَى اللِّقَاطِ. قُلْتُ: وَرُبَّمَا نَسَخَ بِأُجْرَةٍ، وَرُبَّمَا عَمِلَ التِّكَكَ، وَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِجمَّالٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.   = المنخفضة التي يجتمع فيها الماء) ، وكل دير بريد. قال: فكان غلة ما أصفى سبعة آلاف ألف..قال أبو عبيد: فهذه كلها أرضون قد جلا عنها أهلها، فلم يبق بها ساكن، ولالها عامر، فكان حكمها إلى الامام ... فلما قام عثمان، رأى أن عمارتها أرد على المسلمين، وأوفر لخراجهم من تعطيلها، فأعطاها من رأى إعطاءه على أن يعمروها، كما يعمرها غيرهم، ويؤدوا عنها ما يجب للمسلمين عليهم ... وقد روي عن عمر التغليظ في مثل ذلك. (1) جاء في " اللسان "، مادة (لقط) : اللقاط: السنبل الذي تخطئه المناجل، ويلتقطه الناس. واللقاط: اسم لذلك الفعل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 320 فَصْلٌ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ المُسْلِمِ يَقُوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ: أَكرَمَكَ اللهُ. قَالَ: نَعَمْ، يَنْوِي بِهَا الإِسْلاَمَ. وَقِيْلَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَطُوْفَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَقَالَ: يَطُوْفُ طَوَافَيْنِ، وَلاَ يَطُفْ عَلَى أَرْبَعٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: مِنْ عَجِيْبِ مَا سَمِعتُه عَنْ هَؤُلاَءِ الأَحدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ، لَكِنَّهُ مُحَدِّثٌ. قَالَ: وَهَذَا غَايَةُ الجَهْلِ؛ لأَنَّ لَهُ اخْتِيَارَاتٍ بَنَاهَا عَلَى الأَحَادِيْثِ بِنَاءً لاَ يَعْرِفُهُ أَكْثَرُهُم، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى كِبَارِهِم. قُلْتُ: أَحسِبُهُم يَظُنُّوْنَهُ كَانَ مُحَدِّثاً وَبَسْ (1) ، بَلْ يَتَخَيَّلُونَه مِنْ بَابَةِ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا، وَوَاللهِ لَقَدْ بَلَغَ فِي الفِقْهِ خَاصَّةً رُتْبَةَ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوْسُفَ، وَفِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ رُتْبَةَ الفَضْلِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، وَفِي الحِفْظِ رُتْبَةَ شُعْبَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَلَكِنَّ الجَاهِلَ لاَ يَعلَمُ رُتْبَةَ نَفْسِه، فَكَيْفَ يَعْرِفُ رُتْبَةَ غَيْرِهِ. حِكَايَةٌ مَوْضُوْعَةٌ: لَمْ يَسْتَحِي ابْنُ الجَوْزِيِّ مِنْ إِيْرَادِهَا، فَقَالَ: أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا القَاضِي هَمَّامُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُبُلِّيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ بَكْرٍ الوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: لَمَّا أُطلِقَ أَبِي مِنَ المِحْنَةِ، خَشِيَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، فَرَحَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ الرَّيَّ، دَخَلَ مَسْجِداً، فَجَاءَ مَطَرٌ   (1) بس بمعنى: كفى وحسب. قال في " اللسان ": فارسية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 321 كَأَفْوَاهِ القِرَبِ، فَقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنَ المَسْجَدِ لِنُغْلِقَهُ. فَأَبَى، فَقَالُوا: اخْرُجْ، أَوْ تُجَرَّ بِرِجْلِكَ. فَقُلْتُ: سَلاَماً. فَخَرَجتُ، وَالمَطَرُ وَالرَّعْدُ، وَلاَ أَدْرِي أَيْنَ أَضَعُ رِجْلِي، فَإذَا رَجُلٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، أَيْنَ تَمُرُّ؟ فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي. قَالَ: فَأَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتٍ فِيْهِ كَانُوْنُ (1) فَحْمٍ وَلُبُودٌ (2) وَمَائِدَةٌ، فَأَكَلتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ. قَالَ: تَعْرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟ فَقُلْتُ: أَنَا هُوَ. فَقَالَ: وَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه. سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ أَحَدٍ مِمَّنْ امتُحِنَ فَأَجَابَ. أَبُو عَوَانَةَ: سَمِعْتُ المَيْمُوْنِيَّ يَقُوْلُ: صَحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ (3) يَحضُرْ أَبَا نَصْرٍ التَّمَّارَ لَمَّا مَاتَ، فَحَسِبتُ أَنَّ ذَلِكَ لإِجَابَتِهِ فِي المِحْنَةِ. وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، سَمِعَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: لَوْ حَدَّثتُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّن أَجَابَ، لَحَدَّثتُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ. قُلْتُ: لأَنَّ أَبَا مَعْمَرٍ الهُذَلِيَّ نَدِمَ وَمَقَتَ نَفْسَهُ، وَالآخَرُ أَجْرَوْا لَهُ دِيْنَارَيْنِ بَعْدَ الإِجَابَةِ، فَرَدَّهُمَا مَعَ فَقْرِهِ. الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ قَهْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا يَزْعُمُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- أَنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَالعَيْنُ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى مَحْدُوْدٍ. فَقَالَ: مَا عِنْدَك فِي هَذَا؟ قَالَ:   (1) أي موقد. (2) جمع لبد ولبدة ولبدة، وهي كل شعر أو صوف متلبد. (3) في الأصل: " لما ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 322 عِنْدِي قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَى حَدِيْثَ جَرِيْرٍ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هَذَا البَدْرَ) . فَقَالَ لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: انْظُرْ فِي إِسْنَادِهِ. وَانْصَرَفَ، وَوَجَّهَ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ وَهُوَ بِبَغْدَادَ مُمْلِقٌ، فَأَحضَرَهُ، وَوَصَلَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ، حَدِيْثُ جَرِيْرٍ فِي الرُّؤْيَةِ، وَذَكَرَ قِصَّةً (1) . أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّ رُؤُوْسَهُم خُضِبَتْ بِدِمَائِهِم، وَأَنَّهُم لَمْ يُجِيْبُوا. نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ آخَرَ، أَنَّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ لأَحْمَدَ فِي عَلِيٍّ:   (1) وتمامه كما في " تاريخ بغداد " 11 / 466: ... ما هو؟ قال: صحيح. قال: فهل عندك فيه شيء؟ قال: يعفيني القاضي من هذا. فقال: يا أبا الحسن! هذه حاجة الدهر، ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه، ولم يزل حتى قال له: في هذا الإسناد من لا يعمل عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبي حازم، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه. فقبل ابن أبي دواد ابن المديني واعتنقه. فلما كان الغد وحضروا، قال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين! يحتج في الرؤيا بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس بن أبي حازم، وهو أعرابي بوال على عقبيه. قال: فقال أحمد بن حنبل بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي ابن المديني ". ولقد دفع الخطيب البغدادي هذه الفرية عن علي بن المديني، فقال: أما ما حكي عن علي ابن المديني في هذا الخبر من أن قيس بن أبي حازم لا يعمل على ما يرويه لكونه أعرابيا بوالا على عقبيه، فهو باطل، وقد نزه الله عليا عن قول ذلك، لان أهل الاثر - وفيهم علي - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس بن أبي حازم وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة، وليس في التابعين من أدرك العشرة المقدمين وروى عنهم غير قيس، مع روايته عن خلق من الصحابة سوى العشرة. ولم يحك أحد ممن ساق خبر محنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه نوظر في حديث الرؤية. فإن كان هذا الخبر المحكي عن ابن قهم محفوظا، فأحسب أن ابن أبي دواد تكلم في قيس بن أبي حازم بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى علي بن المديني. وممن طعن في صحة هذا الخبر أيضا السبكي في " الطبقات " 2 / 147. وقد سبق تخريج حديث الرؤية في الصفحة: 52 ت (1) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 323 يَا ابْنَ المَدِيْنِيِّ الَّذِي عُرِضَتْ لَهُ ... دُنْيَا، فَجَادَ بِدِيْنِهِ لِيَنَالَهَا مَاذَا دَعَاكَ إِلَى انْتِحَالِ مَقَالَةٍ ... قَدْ كُنْتَ تَزْعُمُ كَافِراً مَنْ قَالَهَا؟ أَمْرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَتَبِعْتَهُ ... أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا؟ وَلَقَدْ عَهِدْتُكَ مَرَّةً مُتَشَدِّداً ... صَعْبَ المَقَالَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا إِنَّ المُرَزَّى مَنْ يُصَابُ بِدِيْنِهِ ... لاَ مَنْ يُرَزَّى نَاقَةً وَفِصَالَهَا (1) ابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المُؤَدِّبُ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ التَّرَاوِيْحَ، وَكَانَ يُصَلِّي بِدَارِ عَمِّهِ، فَلَمَّا أَوْتَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى ثَدْيَيْهِ، وَمَا سَمِعنَا مِنْ دُعَائِهِ شَيْئاً، وَكَانَ فِي المَسْجَدِ سِرَاجٌ عَلَى الدَّرَجَةِ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ قَنَادِيلُ وَلاَ حَصِيْرٌ وَلاَ خَلُوقٌ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] . وَذَكَرْتُ لَهُ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَمَنْ قُدِمَ بِهِ إِلَى العَسْكَرِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ أَيَّاماً قَلاَئِلَ، ثُمَّ تَلاَحَقُوا، وَمَا تَحَلَّوْا مِنْهَا بِكَبِيْرِ شَيْءٍ. قَالَ صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي: كَانَتْ أُمُّكَ فِي الغَلاَءِ تَغزِلُ غَزلاً دَقِيْقاً، فَتَبِيعُ الأَسْتَارَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا. قَالَ صَالِحٌ: كُنَّا رُبَّمَا اشتَرَينَا الشَّيْءَ، فَنَسْتُرُهُ مِنْهُ، لِئَلاَّ يُوَبِّخَنَا عَلَيْهِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ عِيْسَى المِصْرِيَّ، وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، دَخَلُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الغَمُّ؟ الإِسْلاَمُ حَنِيفِيَّةٌ سَمْحَةٌ، وَبَيتٌ وَاسِعٌ. فَنَظَرَ   (1) تقدم تخريج الابيات في الصفحة: 56 ت (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 324 إِلَيْهِم، وَكَانَ مُضطَجِعاً، فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ: مَا أُرِيْدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ هَؤُلاَءِ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: بَكِّرْ حَتَّى نُعَارِضَ بشَيْءٍ مِنْ الزُّهْدِ (1) . فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ، وَقُلْتُ لأُمِّ وَلَدِهِ: أَعطِينِي حَصِيراً وَمِخَدَّةً. وَبَسَطتُ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَمَعَهُ الكُتُبُ وَالمِحْبرَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: ارفَعْهُ، الزُّهْدُ لاَ يَحْسُنُ إِلاَّ بِالزُّهْدِ. فَرَفَعْتُه، وَجَلَسَ عَلَى التُّرَابِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَبَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالبَابُ مُجَافٌ، وَأُمُّ وَلَدِه تُكَلِّمُه، وَتَقُوْلُ: أَنَا مَعَكَ فِي ضِيقٍ، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُوْنَ وَيَفْعَلُوْنَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قُوْلِي خَيْراً. وَخَرَجَ الصَّبِيُّ مَعَهُ، فَبَكَى، فَقَالَ: مَا تُرِيْدُ؟ قَالَ: زَبِيْبٌ. قَالَ: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ البَقَّالِ بِحَبَّةٍ (2) . وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ مَنْزِلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ضَيِّقاً صَغِيْراً، وَينَامُ فِي الحَرِّ فِي أَسْفَلِهِ. وَقَالَ لِي عَمُّهُ: رُبَّمَا قُلْتُ لَهُ فَلاَ يَفْعَلُ، يَنَامُ فَوْقُ. وَقَدْ رَأَيْتُ مَوْضِعَ مَضْجَعِهِ، وَفِيْهِ شَاذَكُوْنَةٌ (3) وَبَرْذَعَةٌ (4) ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الوَسَخُ.   (1) للامام أحمد كتاب في " الزهد "، بتصحيح عبد الرحمن بن قاسم، جمع فيه المؤلف بعض الأحاديث في زهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعض الرسل، ثم زهد الخلفاء الراشدين وبعض الصحابة والتابعين، وهو يقع في (400) صفحة. وقد طبع في مطبعة أم القرى، ثم صور. (2) الحبة: سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من الدرهم. (3) أي مضربة كبيرة. انظر " أنساب " السمعاني 7 / 238. (4) أي الحلس يلقى تحت الرحل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 325 الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي حَامِدُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ دَارَ أَحْمَدَ، فَرَأَيْتُ فِي بَهْوِهِ حَصِيْراً خَلَقاً وَمِخَدَّةً - وَكُتُبُه مَطْرُوْحَةٌ حَوَالَيْهِ - وَحُبَّ خَزَفٍ. وَقِيْلَ: كَانَ عَلَى بَابِهِ مِسْحٌ مِنْ شَعْرٍ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ لِي الأَمِيْرُ: إِذَا حَلَّ إِفطَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَرِنِيهِ. قَالَ: فَجَاؤُوا بِرَغِيْفَيْنِ: خُبْزٍ وَخُبَّازَةٍ (1) ، فَأَريتُهُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: هَذَا لاَ يُجِيْبُنَا إِذَا كَانَ هَذَا يُعِفُّهُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أَيَّامِ عِيدٍ: اشتَرَوْا لَنَا أَمْسِ بَاقِلَّى، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ بِهِ مِنَ الجَوْدَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَجَدتُ البَرْدَ فِي أَطرَافِي، مَا أُرَاهُ إلاَّ مِنْ إِدَامِي المِلْحِ وَالخَلِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي يَعُوْدُنِي فِي مَرَضِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبُرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّلُ، أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُ؟ قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَامٌ، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنْهُ. رَوَاهُ: الخُلْدِيُّ، عَنْهُ. أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ (2) ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الضَّبِّيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْماً: يَبلُغُنِي أَنَّ الحَارِثَ هَذَا -يَعْنِي: المُحَاسِبِيَّ- يُكْثِرُ الكَونَ عِنْدَكَ، فَلَو أَحضَرْتَهُ، وَأَجْلَسَتْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ يَرَانِي، فَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ. قُلْتُ: السَّمْعَ   (1) نبت معروف. (2) سبقت ترجمته في الصفحة: 127 ت (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 326 وَالطَّاعَةَ. وَسَرَّنِي هَذَا الابْتِدَاءُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَصَدتُ الحَارِثَ، وَسَأَلْتُه أَنْ يَحضُرَ، وَقُلْتُ: تَسأَلُ أَصْحَابَكَ أَنْ يَحضُرُوا. فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيْلُ، فِيْهِم كَثْرَةٌ فَلاَ تَزِدْهُم عَلَى الكُسْبِ (1) وَالتَّمْرِ، وَأَكْثِرْ مِنْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ. فَفَعَلتُ مَا أَمَرَنِي، وَأَعْلَمتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَحَضَرَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَصَعَدَ غُرفَةً، وَاجتَهَدَ فِي وِرْدِهِ، وَحَضَرَ الحَارِثُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا، وَقَعَدُوا بَيْنَ يَدَيِ الحَارِثِ وَهُم سُكُوتٌ إِلَى قَرِيْبٍ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَابتَدَأَ وَاحِدٌ مِنْهُم، وَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَخَذَ الحَارِثُ فِي الكَلاَمِ، وَهُم يَسْمَعُوْنَ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهُمُ الطَّيْرَ، فَمِنهُم مَنْ يَبْكِي، وَمِنْهُم مَنْ يَزعَقُ، فَصَعدْتُ لأَتَعَرَّفَ حَالَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ مُتَغَيَّرُ الحَالِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ القَوْمِ، وَلاَ سَمِعْتُ فِي عِلْمِ الحَقَائِقِ مِثْلَ كَلاَمِ هَذَا، وَعَلَى مَا وَصَفتُ، فَلاَ أَرَى لَكَ صُحْبَتَهُم. ثُمَّ قَامَ، وَخَرَجَ. قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِم النَّصْرَابَاذِيَّ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَارِثَ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَهَجَرَهُ أَحْمَدُ، فَاخْتَفَى فِي دَارٍ مَاتَ فِيْهَا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ. فَصْلٌ قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الإِمَامُ لاَ يَرَى وَضْعَ الكُتُبِ، وَيَنْهَى عَنْ كِتْبَةِ كَلاَمِهِ وَمَسَائِلِهِ، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ، لَكَانَتْ لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ؛ وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ: احتَفِظْ بِهَذَا (المُسْنَدِ) ، فَإِنَّه سَيَكُوْنُ لِلنَّاسِ إِمَاماً (2) ، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً،   (1) بالضم فالسكون: عصارة الدهن. (2) قال الحافظ أبو موسى المديني في " خصائص المسند " ص: 21: " وهذا الكتاب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 327 وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخَ) ، وَ (التَّارِيْخَ) ، وَ (حَدِيْثَ شُعْبَةَ) ، وَ (المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ فِي القُرْآنِ) ، وَ (جَوَابَاتِ القُرْآنِ) ، وَ (المَنَاسِكَ) الكَبِيْرَ وَالصَّغِيْرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَرَ. قُلْتُ: وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) ، وَكِتَابَ (الأَشْرِبَةِ (1)) ، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ (الفَرَائِضِ) . فَتَفْسِيْرُهُ المَذْكُوْرُ شَيْءٌ لاَ وُجُوْدَ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَ، لاَجْتَهَدَ الفُضَلاَءُ فِي تَحْصِيْلِهِ، وَلاَشْتُهِرَ، ثُمَّ لَوْ أَلَّفَ تَفْسِيْراً، لَمَا كَانَ يَكُوْنُ أَزْيَدَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ أَثَرٍ، وَلاَقْتَضَى أَنْ يَكُوْنَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ. فَهَذَا (تَفْسِيْرُ ابْنِ جَرِيْرٍ) الَّذِي جَمَعَ فِيْهِ فَأَوعَى، لاَ يَبلُغُ عِشْرِيْنَ أَلْفاً. وَمَا ذَكَرَ (تَفْسِيْرَ أَحْمَدَ) أَحَدٌ سِوَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُنَادِي، فَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ) : لَمْ   = أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير، ومسموعات وافرة، فجعل إماما ومعتمدا، وعند التنازع ملجأ ومستندا ". ويبلغ عدد أحاديثه أكثر من ثلاثين ألف حديث. وقال ابن كثير في " الباعث الحثيث ": " وكذلك يوجد في مسند الامام أحمد من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيرا من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضا، وليست عندهما ولاعند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ". قلت: ولم يتوخ الامام أحمد الصحة في " مسنده " هذا، بل روى فيه الصحيح والحسن والضعيف، يعلم ذلك من دراسة الأسانيد والتخريج. وقد قال ابن الجوزي في " صيد الخاطر ": " ومن نظر في كتاب " العلل " الذي صنفه أبو بكر الخلال، رأى أحاديث كثيرة كلها في " المسند "، وقد طعن فيها أحمد. ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألة النبيذ، قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم، ويدل على ذلك أن عبد الله، قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه. قلت: قد ذكرته في " المسند ". قال: قصدت في " المسند " المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. قال القاصي: وقد أخبر عن نفسه كيف طريقه في " المسند "، فمن جعله أصلا للصحة، فقد خالفه، وترك مقصده. (1) سبق التعريف به في الصفحة: 301 ت (1) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 328 يكُنْ أَحَدٌ أَرْوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ أَبِيْهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ؛ لأَنَّه سَمِعَ مِنْهُ (المُسْنَدَ) وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، سَمِعَ ثُلُثَيْهِ، وَالبَاقِي وِجَادَةٌ (1) . ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ) ، مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا. وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ) . لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا، ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِنْ هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً، فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا، وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ (2) . وَفِي غُضُوْنِ (المُسْنَدِ) زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَلَهُ -يَعْنِي: أَبَا عَبْدِ اللهِ- مِنَ المُصَنَّفَاتِ:   (1) الوجادة: هي أن يجد الشخص أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه، أم لم يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد أحاديث في كتب المؤلفين المعروفين. ففي هذه الانواع كلها لا يجوز له أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان، إذا عرف الخط، ووثق منه. أو يقول: قال فلان، أو نحو ذلك. والذي عليه المحققون من أهل العلم وجوب العمل بها عند حصول الثقة بما يجده القارئ، أي يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط الشيخ الذي يعرفه، أو يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت النسبة إلى مؤلفه الثقة المأمون، وأن يكون إسناد الخبر صحيحا. (2) للحافظ ابن حجر رسالة رد بها على من ادعى أن في المسند أحاديث موضوعة وسمها ب " القول المسدد في الذب عن مسند أحمد ". وهي مطبوعة في الهند. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 329 كِتَابُ (نَفْيِ التَّشبِيهِ) مُجَلَّدَةٌ، وَكِتَابُ (الإِمَامَةِ) مُجَلَّدَةٌ صَغِيْرَةٌ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، وَكِتَابُ (الزُّهْدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَكِتَابُ (الرِّسَالَةِ فِي الصَّلاَةِ) - قُلْتُ: هُوَ مَوْضُوْعٌ عَلَى الإِمَامِ -. قَالَ: وَكِتَابُ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) مُجَلَّدَةٌ. قُلْتُ: فِيْهِ زِيَادَاتٌ لِعَبْدِ اللهِ؛ ابْنِهِ، وَلأَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيِّ؛ صَاحِبِهِ. وَقَدْ دَوَّنَ عَنْهُ كِبَارُ تَلاَمِذَتِهِ مَسَائِلَ وَافرَةً فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، كَالمَرُّوْذِيِّ، وَالأَثْرَمِ، وَحَرْبٍ، وَابْنِ هَانِئٍ، وَالكَوْسَجِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَفُوْرَانَ، وَبَدْرٍ المَغَازِلِيِّ، وَأَبِي يَحْيَى النَّاقِدِ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى الحَرْبِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ مُشَيْشٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى الشَّامِيِّ، وَصَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، وَأَخِيْهِ، وَابْنِ عَمِّهِمَا؛ حَنْبَلٍ، وَأَبِي الحَارِثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ، وَالفَضْلِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبِي الحَسَنِ المَيْمُوْنِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ ثَوَابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَالقَاضِي أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ، وَهَارُوْنَ المُسْتَمْلِي، وَبِشْرِ بنِ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ - صَاحِبِ أَبِي عُبَيْدٍ - وَيَعْقُوْبَ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيِّ، وَحُبَيْشِ بنِ سِنْدِيٍّ، وَأَبِي الصَّقْرِ يَحْيَى بنِ يَزْدَادَ الوَرَّاقِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الكَحَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ البَزَّازِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى النَّهْرُتِيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ وَاصلٍ المُقْرِئِ، وَأَحْمَدَ بنِ أَصْرَمَ المُزَنِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ الحَرْبِيِّ - قَدِيْمٌ، عِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا - وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ بنِ بَدِيْنَا، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الهُذَيْلِ الكُوْفِيِّ - وَكَانَ يُشَبِّهُونَهُ فِي الجَلاَلَةِ بِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ - وَأَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٍ، وَجَعْفَرِ بنِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 330 أَحْمَدَ الوَاسِطِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الإِسْكَافِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرِ بنِ بَرِّيٍّ القَطَّانِ، وَالحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ السِّجِسْتَانِيِّ - قَالَ الخَلاَّلُ: يَقرُبُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ فِي المَعْرِفَةِ وَبَصَرِ الحَدِيْثِ وَالتَّفَقُّهِ - وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُمَرَ السِّجْزِيِّ الحَافِظِ، وَأَحْمَدَ بنِ الفُرَاتِ الرَّازِيِّ الحَافِظِ، وَخَلْقٍ سِوَى هَؤُلاَءِ، سَمَّاهُمُ الخَلاَّلُ فِي أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، نَقَلُوا المَسَائِلَ الكَثِيْرَةَ وَالقَلِيْلَةَ. وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ سَائِرَ مَا عِنْدَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَقْوَالِ أَحْمَدَ، وَفَتَاوِيهِ، وَكَلاَمِه فِي العِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالسُّنَّةِ وَالفُرُوْعِ، حَتَّى حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً. وَرَحَلَ إِلَى النَّوَاحِي فِي تَحْصِيْلِهِ، وَكَتَبَ عَنْ نَحْوٍ مِنْ مائَةِ نَفْسٍ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ. ثُمَّ كَتَبَ كَثِيْراً مِنْ ذَلِكَ عَنِ أَصْحَابِ أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُه عَنْ رَجُلٍ، عَنْ آخَرَ، عَنْ آخَرَ، عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَرْتِيْبِ ذَلِكَ وَتَهْذِيْبِهِ، وَتَبْوِيبِهِ. وَعَمِلَ كِتَابَ (العِلْمِ) ، وَكِتَابَ (العِلَلِ) ، وَكِتَابَ (السُّنَّةِ) ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَة فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ. وَيَرْوِي فِي غُضُوْنِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيْثِ العَالِيَةِ عِنْدَهُ، عَنِ أَقرَانِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَبَقِيَّةَ، مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّمِ. وَأَلَّفَ كِتَابَ (الجَامِعِ) فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدَةً، أَوْ أَكْثَرَ. وَقَدْ قَالَ: فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَلِمتُ عُنِيَ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ، مَا عُنِيْتُ بِهَا أَنَا. وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ لِي: إِنَّه لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا عُنِيْتَ بِهَا أَنْتَ، إِلاَّ رَجُلٌ بِهَمْدَانَ، يُقَالُ لَهُ مَتَّوَيْه، وَاسْمُهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، جَمَعَ سَبْعِيْنَ جُزءاً كِبَاراً. وَمَوْلِدُ الخَلاَّلِ كَانَ فِي حَيَاةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، يُمكِنُ أَنْ يَكُوْنَ رَآهُ وَهُوَ صَبِيٌّ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 331 زَوْجَاتُهُ وَآلُهُ: قَالَ زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: تَزَوَّجَ جَدِّي بِأُمِّ أَبِي عَبَّاسَةَ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا سِوَى أَبِي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا رَيْحَانَةَ - امْرَأَةً مِنَ العَرَبِ - فَمَا وَلَدَتْ لَهُ سِوَى عَمِّي عَبْدِ اللهِ. قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكَرَ أَهْلَه، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: مَكَثْنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا اخْتَلَفْنَا فِي كَلِمَةٍ، وَمَا عَلِمنَا أَحْمَدَ تَزَوَّجَ ثَالِثَةً. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ: أَمَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَنْ نَشتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً، فَمَضَيتُ أَنَا وَفُوْرَانُ، فَتَبِعَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، يَكُوْنُ لَهَا لَحْمٌ. وَقَالَ زُهَيْرٌ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ، اشْتَرَى جَدِّي حُسْنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِالقُربِ مِنْ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُمَا سَعِيْداً. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسْنَ أُمَّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَقُوْلُ: قُلْتُ لِمَولاَيَ: اصْرِفْ فَرْدَ خَلْخَالِي. قَالَ: وَتَطِيبُ نَفْسُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَبِيعَ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيْرَ وَنِصْفٍ، وَفَرَّقهَا وَقْتَ حَمْلِي. فَلَمَّا وَلَدتُ حَسَناً، أَعْطَى مَوْلاَتِي كَرَامَةً دِرْهَماً، فَقَالَ: اشتَرِي بِهَذَا رَأْساً. فَجَاءتْ بِهِ، فَأَكَلْنَا، فَقَالَ: يَا حُسْنُ، مَا أَملِكُ غَيْرَ هَذَا الدِّرْهَمِ. قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَرِحَ يَوْمَهُ. وَقَالَ يَوْماً: أُرِيْد أَحْتَجِمُ، وَمَا مَعَهُ شَيْءٌ، فَبِعتُ نَصِيفاً (1) مِنْ غَزلٍ   (1) في الأصل: " نصيف "، بدون ألف. وفي اللسان مادة (نصف) : النصيف: الخمار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 332 بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَاشتَرَيتُ لَحماً بِنِصْفٍ، وَأَعطَى الحَجَّامَ دِرْهَماً. قَالَتْ: وَاشْتَرَيْتُ طِيْباً بِدِرْهَمٍ. وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، كُنْتُ قَدْ غَزَلتُ غَزلاً لَيِّناً، وَعَمِلتُ ثَوباً حَسَناً، فَلَمَّا قَدِمَ، أَخْرَجتُه إِلَيْهِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعطِيتُ كِرَاءهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَماً مِنَ الغَلَّةِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: مَا أُرِيدُهُ. قُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ، عِنْدِي غَيْرُ هَذَا. فَدَفَعتُ الثَّوْبَ إِلَى فُوْرَانَ، فَبَاعَهَ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَغَزَلتُ ثَوباً كَبِيْراً، فَقَالَ: لاَ تَقطَعِيهِ، دَعِيهِ، فَكَانَ كَفَنَهُ. وَكَانَ أَسَنَّ بَنِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ صَالِحٌ، فَوَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. يَرْوِي عَنْ: أَبِي وَلِيْدٍ الطَّيَالِسِيِّ، وَالكِبَارِ. وَخَلَّفَ ابْنَينِ: أَحَدُهُمَا زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَالآخَرُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، لاَ أَعْلَم مَتَى تُوُفِّيَ، يَرْوِي عَنْهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ. فَمَاتَ مُحَمَّدٌ هَذَا سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، كَهْلاً. وَأَمَّا الوَلَدُ الثَّانِي، فَهُوَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، رَاوِيَةُ أَبِيْهِ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ أَفرَدتُهَا. وَالوَلَدُ الثَّالِثُ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، فَهَذَا وُلِدَ لأَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِيْنَ يَوْماً، فَكَبِرَ وَتَفَقَّهَ، وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ. وَأَمَّا حَسَنٌ وَمُحَمَّدٌ وَزَيْنَبُ، فَلَمْ يَبلُغْنَا شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِم، وَانْقَطَعَ عَقِبُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِيْمَا نَعْلَمُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 333 وَصِيَّةُ أَحْمَدَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: نَبَّهَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَإذَا هُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطْعِمْنِي شَيْئاً. فَجِئتُهُ بأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكَلَه. وَكَانَ يَقُومُ إِلَى الحَاجَةِ فَيَستَرِيحُ، وَيَقَعُدُ مِنْ ضَعفِهِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأَبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ لِتَرجِعَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَوْصَى، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ - نَحْنُ بِالعَسْكَرِ - وَأَشهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمِّدٍ، أَوصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: مَكَثَ أَبِي بِالعَسْكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْماً، وَرَأَيْتُ مَآقِيَهُ دَخَلَتَا فِي حَدَقَتَيْهِ. وَقَالَ صَالِحٌ: فَأَوْصَى أَبِي: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ... ، فَذَكَرَ الوَصِيَّةَ - وَقَدْ مَرَّتْ -. مَرَضُهُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: استَكمَلْتُ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدَخَلتُ فِي ثَمَانٍ، فَحُمَّ مِنْ لَيلَتِهِ، وَمَاتَ اليَوْمَ العَاشِرَ. وَقَالَ صَالِحٌ: لَمَّا كَانَ أَوّلُ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مَنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حُمَّ أَبِي لَيْلَةَ الأَربِعَاءِ، وَبَاتَ وَهُوَ مَحمُومٌ، يَتَنَفَّسُ تَنَفُّساً شَدِيْداً، وَكُنْتُ قَدْ عَرَفتُ عِلَّتَه، وَكُنْتُ أُمَرِّضُه إِذَا اعْتَلَّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَةِ، عَلَى مَا أَفطَرتَ البَارِحَةَ؟ قَالَ: عَلَى مَاءِ باقِلَّى. ثُمَّ أَرَادَ القِيَامَ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي. فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الخَلاَءِ، ضَعُفَ، وَتَوَكَّأَ عَلَيَّ (1) ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ   (1) عبارة المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " ... ضعفت رجلاه حتى توكأ علي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 334 غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُم مُسلِمُوْنَ، فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشوَى، وَيُسقَى مَاءَهَا - وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ - فَقَالَ: يَا صَالِحُ. قُلْتُ: لَبَّيكَ. قَالَ: لاَ تُشْوَى فِي مَنْزِلِكَ، وَلاَ فِي مَنْزِلِ أَخِيكَ. وَصَارَ الفَتْحُ بنُ سَهْلٍ إِلَى البَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبتُه (1) ، وَأَتَى ابْنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَحَبَسْتُه (2) ، وَكَثُرَ النَّاسُ، فَقَالَ: فَمَا تَرَى؟ قُلْتُ: تَأذَنُ لَهُم، فَيَدعُونَ لَكَ. قَالَ: أَسْتَخيرُ اللهَ. فَجَعَلُوا يَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، حَتَّى تَمتَلِئَ الدَّارُ، فَيَسْأَلُوْنَه، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَخرُجُوْنَ، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرُ النَّاسُ، وَامتَلأَ الشَّارِعُ، وَأَغلَقْنَا بَابَ الزُّقَاقِ، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ يُحيِي شَيْئاً مِنَ السُّنَّةِ، فَأَفْرَحُ بِهِ (3) . فَقَالَ لِي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْراً، وَكَفِّرْ عَنِّي كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ. قَالَ: فَبَقِيَ فِي خُرَيْقَتِهِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ. فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ. وَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ الوَصِيَّةَ. فَقَرَأْتُهَا، فَأَقَرَّهَا. وكُنْت أَنَامُ إِلَى جَنْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً، حَرَّكَنِي فَأُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَه، وَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِماً، أُمْسِكُهُ فَيَركَعُ وَيَسجُدُ، وَأَرفَعُهُ فِي رُكُوْعِهِ. قَالَ: وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحَصْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ عَقلُه ثَابِتاً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، لاِثْنَتَي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لِسَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ، تُوُفِّيَ.   (1) و (2) في " تاريخ الإسلام ": " فحجبه ". (3) انظر تتمة الخبر في " تاريخ الإسلام " ص: 125، و" مناقب الامام أحمد " ص: 403. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 335 وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: مَرضَ أَحْمَدُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ، فَيَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، يُسَلِّمُوْنَ وَيَردُّ بِيَدِهِ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ وَكَثُرُوا. وَسَمِعَ السُّلْطَانُ بِكَثْرَةِ النَّاسِ، فَوَكَّلَ السُّلْطَانُ بِبَابِهِ وَبِبَابِ الزُّقَاقِ الرَّابطَةَ وَأَصْحَابَ الأَخْبَارِ، ثُمَّ أَغلقَ بَابَ الزُّقَاقِ، فَكَانَ النَّاسُ فِي الشَّوَارعِ وَالمَسَاجِدِ، حَتَّى تَعَطَّلَ بَعْضُ البَاعَةِ. وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدخُلَ عَلَيْهِ، رُبَّمَا دَخَلَ مِنْ بَعْضِ الدُّورِ وَطُرزِ (1) الحَاكَةِ، وَرُبَّمَا تَسَلَّقَ، وَجَاءَ أَصْحَابُ الأَخْبَارِ، فَقَعَدُوا عَلَى الأَبْوَابِ. وَجَاءهُ حَاجبُ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَهُوَ يَشْتَهِي أَنْ يَرَاكَ. فَقَالَ: هَذَا مِمَّا أَكرَهُ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَد أَعفَانِي مِمَّا أَكرَهُ. قَالَ: وَأَصْحَابُ الخَبَرِ يَكْتُبُوْنَ بِخَبَرِهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَالبُرُدُ تَختَلِفُ كُلَّ يَوْمٍ. وَجَاءَ بَنُو هَاشِمٍ، فَدَخلُوا عَلَيْهِ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ. وَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ القُضَاةِ وَغَيْرُهُم، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُم. وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ، فَقَالَ: اذكُرْ وُقُوْفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ. فَشَهِقَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، فلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِه بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: ادْعُوا لِيَ الصِّبْيَانَ بِلِسَانٍ ثَقِيْلٍ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَنضَمُّوْنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يَشُمُّهُم وَيَمسَحُ رُؤُوْسَهُم، وَعَينُهُ تَدمَعُ، وَأَدخَلتُ تَحْتَهُ الطَّسْتَ، فَرَأَيْتُ بَولَهُ دَماً عَبِيطاً، فَقُلْتُ لِلطَّبِيبِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ وَالغَمُّ جَوْفَهُ.   (1) الموضع الذي تنسج فيه الثياب، وقد تقدم في ص 319 عن ابن الجوزي أن والد الامام أحمد خلف له طرزا ودارا يسكنها، فكان يكري تلك الطرز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 336 وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ (1) يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَوَضَّأْتُهُ، فَقَالَ: خَلِّلِ الأَصَابِعَ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ، ثَقُلَ، وَقُبِضَ صَدْرَ النَّهَارِ، فَصَاحَ النَّاسُ، وَعَلَتِ الأَصوَاتُ بِالبكَاءِ، حَتَّى كَأَنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارتَجَّتْ، وَامتَلأَتِ السُّكَكُ وَالشَّوَارِعُ. الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: أَعطَى بَعْضُ وَلَدِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ فِي الحَبْسِ - ثَلاَثَ شَعرَاتٍ، فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَوْصَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُجعَلَ عَلَى كُلِّ عَيْنٍ شَعرَةٌ، وَشَعرَةٌ عَلَى لِسَانِهِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ. وَقَالَ ذَلِكَ: البُخَارِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ. فَقَدْ غَلِطَ ابْنُ قَانِعٍ حَيْثُ يَقُوْلُ: رَبِيْعٌ الآخِرُ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: أُخرِجَتِ الجَنَازَةُ بَعْد مُنصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعَةِ. أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوْتُ يَوْم الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ) (2) .   (1) في " تاريخ الإسلام ": " عليه ". (2) هو في " المسند " 2 / 169، وأخرجه الترمذي (1074) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عامر العقدي، كلاهما عن هشام بن سعد به. وهو منقطع، لان ربيعة بن سيف إنما يروي عن عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف له سماعا من ابن عمرو، لكن الحديث قوي بشواهده عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وغيرهما. انظر " تحفة الاحوذي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 337 قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- بِحَاجِبِهِ مُظَفَّرٍ، وَمَعَهُ غُلاَمَانِ مَعَهُمَا مَنَادِيلُ فِيْهَا ثِيَابٌ وَطِيْبٌ، فَقَالُوا: الأَمِيْرُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ فَعَلتُ مَا لَوْ كَانَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِرَهُ كَانَ يَفْعَلُهُ. فَقُلْتُ: أَقرِئِ الأَمِيْرَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي حَيَاتِه مِمَّا يَكْرَهُ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُتْبِعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَا كَانَ يَكرَهُهُ. فَعَادَ، وَقَالَ: يَكُوْنُ شِعَارَهُ، فَأَعَدتُ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِي. وَقَدْ كَانَ غَزَلَتْ لَهُ الجَارِيَةُ ثَوباً عُشَارِيّاً قُوِّمَ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، لِيَقْطَعَ مِنْهُ قَمِيصَيْنِ، فَقَطَعنَا لَهُ لُفَافَتَيْنِ، وَأَخَذنَا مِنْ فُوْرَانَ لُفَافَةً أُخْرَى (1) ، فَأَدرَجْنَاهُ فِي ثَلاَثِ لَفَائِفَ. وَاشتَرَينَا لَهُ حَنُوطاً، وَفُرِغَ مِنْ غَسلِهِ، وَكَفَّنَّاهُ، وَحَضَرَ نَحْوُ مائَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَنَحْنُ نُكَفِّنُهُ، وَجَعَلُوا يُقَبِّلُوْنَ جَبهَتَهُ حَتَّى رَفَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّى علَى أَبِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، غَلَبَنَا عَلَى الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كُنَّا صَلَّينَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالهَاشَمِيُّونَ فِي الدَّارِ. وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَيَّ: مَنْ يُصَلِّي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ؟ قُلْتُ: أَنَا. فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الصَّحْرَاءِ، إِذَا بِابْنِ طَاهِرٍ وَاقِفٌ، فَخَطَا إِلَيْنَا خُطُوَاتٍ، وَعَزَّانَا، وَوُضَعَ السَّرِيْرُ، فَلَمَّا انتَظَرتُ هُنَيَّةً، تَقَدَّمتُ، وَجَعَلنَا نُسَوِّي الصُّفُوفَ (2) ، فَجَاءَنِي ابْنُ طَاهِرٍ، فَقَبَضَ هَذَا عَلَى يَدِي، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَلَى يَدِي، وَقَالُوا: الأَمِيْرُ. فَمَانَعْتُهُم، فَنَحَّيَانِي وَصَلَّى هُوَ (3) ، وَلَمْ يَعلَمِ   (1) في الأصل: وأخذ منه فوران. والتصويب من " المناقب " ص: 412. (2) عبارة المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " وجعلت أسوي صفوف الناس ". (3) وهو السنة، فإن الوالي أو نائبه أحق فيها بالامامة ممن الولي، فقد أخرج الحاكم في " المستدرك " 3 / 171 من طريق أبي حازم قال: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة، ما قدمتك. وسعيد أمير على المدينة يومئذ، وكان بينهما شيء. وصحح إسناده ووافقه الذهبي = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 338 النَّاسُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الغَدِ، عَلِمُوا، فَجَعَلُوا يَجِيْئُونَ، وَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ، وَمَكَثَ النَّاسُ مَا شَاءَ اللهُ، يَأْتُوْنَ فَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: سَمِعْتُ المُتَوَكِّلَ يَقُوْلُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ: طُوْبَى لَكَ يَا مُحَمَّدُ، صَلَّيْتَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -. قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ: مَا بَلَغنَا أَنَّ جَمعاً فِي الجَاهِلِيَّةِ وَلاَ الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ -يَعْنِي: مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ- حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ المَوْضِعَ مُسِحَ وَحُزِرَ عَلَى الصَّحِيْحِ، فَإذَا هُوَ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ أَلفٍ. وَحَزرْنَا عَلَى القُبُوْرِ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ أَلفَ امْرَأَةٍ، وَفَتَحَ النَّاسُ أَبوَابَ المَنَازِل فِي الشَّوَارِعِ وَالدُّرُوبِ، يُنَادُوْنَ مَنْ أَرَادَ الوُضُوءَ. وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ: أَخْبَرَنَا بُنَانُ بنُ أَحْمَدَ القَصَبَانِيُّ (1) : أَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَةَ أَحْمَدَ، فَكَانَتِ الصُّفُوفُ مِنَ المَيْدَانِ إِلَى قَنطَرَةِ بَابِ القطيعَةِ. وَحُزِرَ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الرِّجَالِ بِثَمَانِ مائَةِ أَلْفٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ بِسِتِّيْنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرُوا فِيْمَنْ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَكَانُوا نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: يُقَالُ: إِنَّ أَحْمَدَ لَمَّا مَاتَ، مُسِحَتِ الأَمكِنَةُ المَبْسُوْطَةُ الَّتِي وَقَفَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَحُزِرَ مَقَادِيرُ النَّاسِ بِالمَسَاحَةِ عَلَى التَّقْدِيْرِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، سِوَى مَا كَانَ فِي الأَطرَافِ وَالحوَالِي وَالسُّطُوحِ وَالمَوَاضِعِ المُتَفرِّقَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلفِ أَلفٍ.   = وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 31، ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " والبزار، وقال: رجاله موثقون. وهو في " كشف الاستار " برقم (814) . (1) في " تاريخ الإسلام ": " القضباني "، بالضاد المعجمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 339 قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنِي فَتْحُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ فِي دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرِ، أَنَّ الأَمِيْرَ بَعَثَ عِشْرِيْنَ رَجُلاً، فَحَزَرُوا كَمْ صَلَّى عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَحَزَرُوا، فَبَلَغَ أَلفَ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ أَلْفاً سِوَى مَنْ كَانَ فِي السُّفُنِ. رَوَاهَا خُشْنَامُ بنُ سَعْدٍ (1) ، فَقَالَ: بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَثَلاَثَ مائَةٍ أَلْفٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَمَرَ أَنْ يُمسَحَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَيْثُ صُلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ، فَبَلَغَ مَقَامَ أَلفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسَةِ مائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ: أَنَّ ابْنَ طَاهِرٍ أَمَرَ أَنْ يُحزَرَ الخَلقُ الَّذِيْنَ (2) فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى سَبْعِ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ. قَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَضَرتُ جَنَازَةَ شَرِيْكٍ، وَجَنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَرَأَيْتُ حُضُوْرَ النَّاسِ، فَمَا رَأَيْتُ جَمعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: جَنَازَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-. قَالَ السُّلَمِيُّ: حَضَرتُ جِنَازَةَ أَبِي الفَتْحِ (3) القَوَّاسِ مَعَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الجَمعِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُولُوا لأَهْلِ البِدَعِ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم يَوْمَ الجنَائِزِ (4) .   (1) في الأصل: " خشنام بن سعيد "، وهو خطأ وقد ذكره ابن أبي يعلى في " الطبقات " 1 / 152، وقال: نقل عن إمامنا أشياء. (2) في " تاريخ الإسلام ": " الذي ". (3) الزيادة من تاريخ الإسلام. (4) قال الحافظ ابن كثير في " التاريخ " 10 / 342: " وقد صدق الله قول أحمد في هذا، فإنه كان إمام السنة في زمانه. وعيون مخالفيه أحمد بن أبي دواد وهو قاضي قضاة الدنيا - لم يحتفل = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 340 قَالَ صَالِحٌ: وَدَخَلَ عَلَى أَبِي مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جَاءَتْكَ البُشْرَى، هَذَا الخَلقُ يَشْهَدُوْنَ لَكَ، مَا تُبَالِي لَوْ وَرَدتَ عَلَى اللهِ السَّاعَةَ. وَجَعَلَ يُقبِّلُ يَدَه وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: أَوصِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَدَخَلَ سَوَّارٌ القَاضِي، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُ وَيُخبِرُهُ بِالرُّخَصِ. وَذُكرَ عَنْ مُعْتَمِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ. وَقَالَ لِي أَبِي: جِئْنِي بِالكِتَابِ الَّذِي فِيْهِ حَدِيْثُ ابْنِ إِدْرِيْسَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ طَاوُوْسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ، فَقَرَأْتُه عَلَيْهِ، فَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَخْرِجْ حَدِيْثَ الأَنِيْنِ. فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ حَتَّى مَاتَ. وَفِي جُزْءِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلَمِ الدِّيْنِ: سَمِعنَاهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الوَفَاةُ، جَلَسْتُ عِنْدَهُ وَبِيَدِي الخِرْقَةُ لأَشُدَّ بِهَا لَحْيَيْهِ، فَجَعَلَ يَغْرَقُ ثُمَّ يُفيقُ، ثُمَّ يَفتَحُ عَينَيْهِ، وَيَقُوْلُ بِيَدِهِ هَكَذَا لاَ بَعْدُ لاَ بَعْدُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الَّذِي لَهِجْتَ بِهِ فِي هَذَا الوَقْتِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا تَدْرِي؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: إِبْلِيْسُ - لَعَنَهُ الله - قَائِمٌ بِحِذَائِي، وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أَنَامِلِه، يَقُوْلُ: يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، وَأَنَا أَقُوْلُ: لاَ بَعْدُ حَتَّى أَمُوتَ. فَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عَلَمٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.   = أحد بموته، ولم يلتفت إليه. ولما مات، ماشيعه إلا قليل من أعوان السلطان. وكذلك الحارث ابن أسد المحاسبي، مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته، لم يصل عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس، وكذلك بشر بن غياث المريسي، لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جدا. فلله الامر من قبل ومن بعد ". (1) انظر التعليق رقم (1) في الصفحة: 215. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 341 وَقَدْ أَنْبَأَنَا الثِّقَةُ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: هَلْ عَقَلَ أَبُوكَ عِنْدَ المُعَايَنَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. كُنَّا نُوَضِّئُهُ، فَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لِي صَالِحٌ: أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ذَا يَقُوْلُ: خَلِّلُوا أَصَابعِي، فَخلَّلْنَا أَصَابِعَه، ثُمَّ تَرَكَ الإِشَارَةَ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ صَالِحٌ: جَعَلَ أَبِي يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ الأَحْمَسِيِّ، قَالَ: رَفَعنَا جَنَازَةَ أَحْمَدَ مَعَ العَصرِ، وَدَفَنَّاهُ مَعَ الغُرُوبِ. قَالَ صَالِحٌ: لَمْ يَحضُرْ أَبِي وَقْتَ غَسْلِهِ غَرِيْبٌ، فَأَرَدنَا أَنْ نُكَفِّنَهُ، فَغَلَبَنَا عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَأْتُوْنَ بِأَوْلاَدِهِم فَيُكِبُّونَهُم عَلَيْهِ، وَيُقَبِّلُونَه، وَوَضَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَشَدَدنَا بِالعَمَائِمِ. قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي صَالِحٍ القَنْطَرِيَّ يَقُوْلُ: شَهِدتُ المَوسِمَ أَرْبَعِيْنَ عَاماً، فَمَا رَأَيْتُ جَمْعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: مَشْهَدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-. الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ: أَظْهَرَ النَّاسُ فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ السُّنَّةَ وَالطَّعنَ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَسَرَّ اللهُ المُسْلِمِيْنَ بِذَلِكَ عَلَى مَا عِنْدَهُم مِنَ المُصِيبَةِ لَمَّا رَأَوْا مِنَ العِزِّ وَعُلُوِّ الإِسْلاَمِ وَكَبْتِ أَهْلِ الزَّيغِ. وَلَزِمَ بَعْضُ النَّاسِ القَبْرَ، وَبَاتُوا عِنْدَهُ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَأْتِيْنَ حَتَّى مُنِعْنَ. وَسَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ عَنْ عَلِيِّ بنِ مَهْرُوَيْه، عَنْ خَالَتِهِ، قَالَتْ: مَا صَلَّوْا بِبَغْدَادَ فِي مَسْجِدٍ العَصْرِ يَوْمَ وَفَاةِ أَحْمَدَ. وَقِيْلَ: إِنَّ الزَّحمَةَ دَامَتْ عَلَى القَبْرِ أَيَّاماً. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 342 أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، عَنِ الحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ ظفرَ بنَ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ الوَرَّاقِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) . وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّاسٍ المَكِّيُّ، سَمِعْتُ الوَرْكَانِيَّ - جَارَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ: يَوْم مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَقَعَ المَأْتَمُ وَالنَّوحُ فِي أَرْبَعَةِ أَصنَافٍ: المُسْلِمِيْنَ، وَاليَهُوْدِ، وَالنَّصَارَى، وَالمَجُوْسِ. وَأَسلَمْ يَوْم مَاتَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً. وَفِي روَايَة ظفرٍ: عَشرَةُ آلاَفٍ مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ. هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، تَفَرَّدَ بِنَقلِهَا هَذَا المَكِّيُّ عَنْ هَذَا الوَرْكَانِيِّ، وَلاَ يُعْرَفُ، وَمَاذَا بِالوَرْكَانِيِّ المَشْهُوْرِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ جَاراً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. ثُمَّ العَادَةُ وَالعَقلُ تُحِيلُ وُقُوعَ مِثْلِ هَذَا، وَهُوَ إِسْلاَمُ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ لِمَوتِ وَلِيٍّ للهِ، وَلاَ يَنقُلُ ذَلِكَ إِلاَّ مَجْهُوْلٌ لاَ يُعرَفُ. فَلَو وَقَعَ ذَلِكَ، لاَشْتُهِرَ وَلَتَوَاتَرَ، لِتَوفُّرِ الهِمَمِ، وَالدَّواعِي عَلَى نَقلِ مِثْلِهِ. بَلْ لَوْ أَسْلَمَ لِمَوْتِهِ مائَةُ نَفْسٍ، لَقُضِيَ مِنْ ذَلِكَ العَجَبُ، فَمَا ظَنُّكَ (1) ؟!   (1) نص كلام المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " وهي حكاية منكرة لاأعلم رواها أحد إلا هذا الوركاني، ولاعنه إلا محمد بن العباس، تفرد بها ابن أبي حاتم، والعقل يحيل أن يقع مثل هذا الحادث في بغداد، ولا ينقله جماعة تنعقد هممهم ودواعيهم على نقل ما هو دون ذلك بكثير، وكيف يقع مثل هذا الامر الكبير ولا يذكره المروذي ولاصالح بن أحمد، ولاعبد الله بن أحمد، ولا حنبل الذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جزئيات كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، فوالله لو أسلم يوم موته عشرة أنفس لكان عظيما، ولكان ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس، ثم انكشف لي كذب الحكاية، بأن أبا زرعة قال: كان الوركاني يعني - محمد بن جعفر - جار أحمد بن حنبل، وكان يرضاه، وقال ابن سعد وعبد الله بن أحمد وموسى بن هارون: مات الوركاني في رمضان سنة = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 343 قَالَ صَالِحٌ: وَبَعدَ أَيَّامٍ جَاءَ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، يَأْمُرُه بِتَعزِيَتِنَا، وَيَأْمُرُ بِحَملِ الكُتُبِ. قَالَ: فَحَمَلْتُهَا، وَقُلْتُ: إِنَّهَا لَنَا سَمَاعٌ، فَتَكُوْنُ فِي أَيدِينَا وَتُنسَخُ عِنْدَنَا. فَقَالَ: أَقُوْلُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُ الأَمِيْرَ، وَلَمْ تُخرج عَنِ أَيدِينَا - وَالحَمْدُ للهِ -. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اليَمَانِيُّ بِطَرَسُوْسَ، قَالَ: كُنْتُ بِاليَمَنِ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّ بِنْتِي قَدْ عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ، فَمَضَيتُ مَعَهُ إِلَى عَزَّامٍ بِاليَمَنِ، فَعَزَمَ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ عَلَيَّ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ العَهْدَ أَنْ لاَ يَعُودَ، فَمَكَثَ نَحْواً مِنْ سِتَّةِ أَشهُرٍ. ثُمَّ جَاءنِي أَبُوْهَا، فَقَالَ: قَدْ عَادَ إِلَيْهَا. قُلْتُ: فَاذهَبِ العَزَّامَ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَعَزَّمَ عَلَيْهَا، فَكَلَّمَه الجِنِّيُّ، فَقَالَ: وَيْلَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَخَذتُ عَلَيْكَ العَهْدَ أَنْ لاَ تَقْرَبَهَا؟ قَالَ: وَردَ عَلَيْنَا مَوْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ صَالِحِي الجِنِّ إِلاَّ حَضَرهُ إِلاَّ المَرَدَةُ، فَإِنِّي تَخَلَّفتُ مَعَهُم. وَمِنْ المَنَامَاتِ: وَبِالإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مِهْرَانَ الجَمَّالَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عَلَيْهِ بُرداً مُخَطَّطاً أَوْ مُغيراً، وَكَأَنَّهُ بِالرَّيِّ يُرِيْدُ المَصِيْرَ إِلَى الجَامِعِ. قَالَ: فَاسْتَعبَرتُ بَعْضَ أَهْل التَّعْبِيْرِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يُشتَهرُ بِالخَيْرِ. وَبِهِ: إِلَى الجَمَّالِ، قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَيْهِ إِلاَّ قَرِيْبٌ حَتَّى وَرَدَ مِنْ خَبَرِهِ مِنْ أَمْرِ المِحْنَةِ.   = ثمان وعشرين ومئتين. فظهر لك بهذا أنه مات قبل أحمد بدهر، فكيف يحكي يوم جنازة أحمد رحمه الله ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 344 وَبِهِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي المَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ أَضخَمَ مِمَّا كَانَ وَأَحسَنَ وَجْهاً وَسَحْناً (1) مِمَّا كَانَ. فَجَعَلتُ أَسْأَلُهُ الحَدِيْثَ وَأُذَاكِرُهُ. وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الحُسَيْنِ بنِ مُوْسَى يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي. فَقُلْتُ: بِاللهِ؟! قَالَ: بِاللهِ إِنَّه غَفَرَ لِي. فَقُلْتُ: بِمَاذَا غَفَرَ اللهُ لَكَ؟ قَالَ: بِمَحَبَّتِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ. وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الطِّهْرَانِيُّ (2) ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى، عَنْ أَخِي أَبِي عَقِيْلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ شَابّاً تُوُفِّيَ بِقَزْوِيْنَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي. وَرَأَيْتُهُ مُستَعجِلاً فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لأَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ قَدِ اشتَغَلُوا بِعَقْدِ الأَلْوِيَةِ لاستِقبَالِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَنَا أُرِيْدُ اسْتِقبَالَهُ. وَكَانَ أَحْمَدُ تُوُفِّيَ تِلْكَ الأَيَّامَ. قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: ثُمَّ لَقِيْتُ أَخَا أَبِي عَقِيْلٍ، فَحَدَّثَنِي بِالرُّؤيَا. وَبِهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَالُوَيْه، قَالَ: رَأَيْتُ السِّنْدِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا حَالُكَ؟ قَالَ: أَنَا بِخَيْرٍ، لَكِنِ اشتَغَلُوا عَنِّي بِمَجِيْءِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَافِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ حَمْدِيَّةَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا   (1) السحنة والسحناء، ويحركان: لين البشرة، والهيئة واللون، وهو المقصود هنا. (2) بكسر الطاء المهملة، وسكون الهاء، وفتح الراء، وفي آخرها النون، نسبة إلى طهران، وهي قرية كبيرة على باب أصفهان، كذا في " أنساب " السمعاني، لوحة 373 / ب و374 / أ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 345 أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَنَّ ابْن مَخْلَدٍ أَخبَرَهُم، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ خَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، أَخْبَرَنَا القَوَارِيْرِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالَ: جَاءنِي شَيْخٌ، فَخَلاَ بِي، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِداً، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، فَقَالَ: عَلَى فُلاَنٍ لَعنَةُ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَإِنَّهُمَا يَكِيدَانِ الدِّيْنَ وَأَهلَهُ، وَيَكِيدَانِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَلَيْسَ يَصِلاَنِ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا - إِنْ شَاءَ اللهُ -. ثُمَّ قَالَ: أَقرِأْ أَحْمَدَ وَالقَوَارِيْرِيَّ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُمَا: جَزَاكُمَا اللهُ عَنِّي خَيْراً وَعَنِ أُمَّتِي. وَبِهِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَيَّامَ المِحْنَةِ؛ كَأَنَّ رَجُلاً خَرَجَ مِنَ المَقْصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَفُلاَنٍ (1) . وَقَالَ: نَسِيتُ اسْمَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ أَيَّامَ قُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، -يَعْنِي: اقْتَدُوا فِي وَقْتِكُم هَذَا-. وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قَالاَ: كُنَّا نَقرَأُ عَلَى شَيْخٍ ضَرِيْرٍ، فَلَمَّا أَحدَثُوا بِبَغْدَادَ القَوْلَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، قَالَ الشَّيْخُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ القُرْآنُ مَخْلُوْقاً، فَمَحَى اللهُ القُرْآنَ مِنْ صَدْرِي. فَلَمَّا سَمِعنَا هَذَا، تَرَكنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ، لَقِينَاهُ، فَقُلْنَا: يَا فُلاَنُ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ؟ قَالَ: مَا بَقِيَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ. قُلْنَا: وَلاَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} . قَالَ: وَلاَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْ غَيْرِي يَقرَؤُهَا.   (1) انظر التخريج رقم (1) في الصفحة: 305. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 346 أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القَوَّاسِ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ الكَرُوْخِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ح) . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مِقْسَمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَحْمَدَ النَّهَاوَنْدِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَا أَفْضَلَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْك المُتَقَرِّبُوْنَ؟ قَالَ: بِكَلاَمِي يَا أَحْمَدُ. قُلْتُ: يَا رَبِّ، بِفَهْمٍ، أَوْ بِغَيْرِ فَهْمٍ؟ قَالَ: بِفَهْمٍ، وَبِغَيْرِ فَهْمٍ. وَفِي (الحِليَةِ) بِإِسْنَادٍ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ خُرَّزَادَ، قَالَ: رَأَى جَارٌ لَنَا كَأَنَّ مَلَكاً نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، مَعَهُ سَبْعَةُ تِيجَانٍ، فَأَوَّلُ مَنْ تَوَّجَ مِنَ الدُّنْيَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَالُوْتُ بنُ لُقْمَانَ، قَالاَ: سَمِعْنَا زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى السِّمْسَارَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَرِ، فِي رِجْلَيهِ نَعلاَنِ، وَهُوَ يَخطِرُ بِهِمَا. قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، وَأَدنَانِي، وَتَوَّجَنِي بِيَدِهِ بِهَذَا التَّاجِ، وَقَالَ لِي: هَذَا بِقَولِكَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. قُلْتُ: مَا هَذِهِ الخَطْرَةُ الَّتِي لَمْ أَعرِفْهَا لَكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ. أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ،   (1) ضبطه السمعاني في " الأنساب "، لوحة 481 / أبضم الكاف والراء، أما المؤلف فقد ضبطه في " العبر " 4 / 131 بفتح الكاف وضم الراء، وتابعه عليه ابن العماد في " شذرات الذهب " 4 / 148، وفي معجم ياقوت: كروخ بفتح الكاف: بلدة بينها وبين هراة عشرة فراسخ ينسب إليها أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي المتوفى سنة 548 هـ بمكة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 347 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيُّ، سَمِعْتُ طَالُوْتَ بنَ لُقْمَانَ، فَذَكَرَهَا. مُسَبِّحُ بنُ حَاتِمٍ العُكْلِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَمْشِي فِي النَّوْمِ مِشيَةً يَخْتَالُ فِيْهَا، قُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشْيَةُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ. عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي النَّوْمِ، وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ خَضرَاوَانِ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنَ النُّوْرِ، وَإِذَا هُوَ يَمْشِي مِشيَةً لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ. وَذَكَرَ القِصَّةَ فِي إِسْنَادِهَا المُفِيْدِ. وَفِي (الحِلْيَةِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الحَنْبَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّهْرُوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ بِنَحْوٍ مِنْهَا. أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خَفِيْفٍ الصُّوْفِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القَصْرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ لَمَّا مَاتَ يَتَبَخْتَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشيَةُ؟ قَالَ: مِشْيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ. فَقُلْتُ: مَاذَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، وَتَوَّجَنِي، وَأَلْبَسَنِي نَعْلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَذَا بِقَوْلِكَ: القُرْآنُ كَلاَمِي. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، لِمَ كَتَبتَ عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ؟، وَذَكَرَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً مُنْكَرَةً. وَمِنْ أَيْنَ يَلحقُ أَحْمَدُ حَرِيزاً؟! أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التَّكْرِيْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَهْرَامَ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ وَعَلَيْهِ نَعلاَنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ يَخْطِرُ ... ، الحِكَايَةَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 348 ثُمَّ رَوَاهَا بِطُولِهَا ابْنُ الجَوْزِيِّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ القَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ بَاخَرْزَ - وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُوْرَ - يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى فَرَسٍ بِهِ مِنَ الحُسْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ لاَ يَتَقَدَّمَنَّهُ اليَوْمَ أَحَدٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ السَّمَّاكُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي. وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، ضُرِبْتَ فِيَّ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا وَجْهِي، فَانْظُرْ إِلَيْهِ، قَدْ أَبَحْتُكَ النَّظَرَ إِلَيْهِ. وَرَوَى مِثْلَهَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ بإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ رَأَى نَحْوَ ذَلِكَ. وَفِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) لِشَيْخِ الإِسْلاَم بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ، قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا بِثَلاَثَةٍ: رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى مَائِدَةٍ قَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ: فَمَلَكٌ يُطعِمُهُ، وَمَلَكٌ يَسقِيهِ، وَآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ يَنْظُرُ فِي وُجُوْهِ قَوْمٍ فَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ، وَآخَرُ وَاقِفٌ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى العَرْشِ، يَنْظُرُ إِلَى الرَّبِّ -تَعَالَى-. فَقُلْتُ لِرِضْوَانَ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: الأَوَّلُ بِشْرٌ الحَافِي، خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ جَائِعٌ عَطْشَانُ، وَالوَاقِفُ فِي الوَسَطِ هُوَ مَعْرُوْفٌ، عَبَدَ اللهَ شَوقاً لِلنَّظَرِ إِلَيْهِ، فَأُعْطِيَهُ، وَالوَاقِفُ فِي بَابِ الجَنَّةِ فَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي وُجُوْهِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 349 وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِإِسْنَادٍ طَوِيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الرَّمْلِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ، قَالَ: دَخَلْتُ العِرَاقَ وَالحِجَازَ، وَكَتَبْتُ، فَمِنْ كَثْرَةِ الاخْتِلاَفِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّهَا آخُذُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي. فَنِمتُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَسنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، وَعَنْ يَمِيْنِهِ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ إِلَيْهِمَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، بِمَ آخُذُ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأَنْعَامُ: 89] ، وَذَكَرَ القِصَّةَ. أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَأَنَّ النَّاسَ جَاؤُوا إِلَى قَنطَرَةٍ، وَرَجُلٌ يَختِمُ وَيُعْطِيهِم، فَمَنْ جَاءَ بِخَاتَمٍ جَازَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُعطِي النَّاسَ الخَوَاتِيمَ؟ قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ لُؤْلُؤاً يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ. قُلْتُ: فَقَدْ كَانَ فِيْهِم أَصْحَابُ بِدَعٍ. قَالَ: أُوْلَئِكَ أُخِّرُوا. أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بن أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَالمُغْضَبِ، فَقُلْتُ: مَا لِي أَرَاكَ مُغْضَباً؟ قَالَ: وَكَيْفَ لاَ أَغضَبُ، وَجَاءنِي مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ، يَسْأَلاَنِي مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلْتُ: وَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا؟ فَقَالاَ: صَدَقتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَلَكِنْ بِهَذَا أُمِرنَا. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 350 بنُ الفَرَجِ - جَارُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِأَحْمَدَ مَا نَزَلَ، دَخَلَ عَلَيَّ مُصِيبَةٌ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي، فَقِيْلَ لِي: أَلاَ تَرضَى أَنْ يَكُوْنَ أَحْمَدُ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي السَّوَّارِ العَدَوِيِّ، أَوَ لَسْتَ تَروِي خَبَرَهُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ بِسْطَامَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: دَعَا بَعْضُ مُتْرَفِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَبَا السَّوَّارِ العَدَوِيَّ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمرِ دِينِهِ، فَأَجَابَهُ بِمَا يَعلَمُ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِلاَّ أَنْتَ بَرِيْءٌ مِنَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: إِلَى أَيِّ دِينٍ أَفِرُّ؟ قَالَ: وَإِلاَّ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ. قَالَ: فَإِلَى مَنْ آوِي بِاللَّيْلِ؟ فَضَرَبَه أَرْبَعِيْنَ سَوطاً. قَالَ: فَأَتيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَخْبَرته بِذَلِكَ، فَسُرَّ بِهِ. رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ مُخْتَصَرَةً. وَأَبُو السَّوَّارِ: هُوَ حَسَّانُ بنُ حُرَيْثٍ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو السَّوَّارِ يَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ، فَيَشتِمُه، فَيَقُوْلُ: إِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ، إِنِّي إِذاً لَرَجُلُ سَوءٍ. أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ انْصَدَعَ، وَخَرَجَ مِنْهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيْلَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَدْ بَايَعَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. جَمَاعَةٌ: سَمِعُوا سَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ يَقُوْلُ: كُنَّا جُلُوْساً مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ فَسَكَتنَا، فَقَالَ: أَنَا أَحْمَدُ، مَا حَاجَتُك؟ قَالَ: صِرْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ فَرْسَخٍ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا، جَاءنِي الخَضِرُ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: تَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: ائِتِ بَغْدَادَ، وَسَلْ عَنْهُ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ الخَضِرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 351 سَاكِنَ السَّمَاءِ الَّذِي عَلَى عَرشِهِ رَاضٍ عَنْكَ، وَالمَلاَئِكَةَ رَاضُوْنَ عَنْكَ بِمَا صَيَّرْتَ نَفْسَكَ للهِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا شَاءَ اللهُ، لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، أَلَكَ حَاجَةٌ غَيْرُ هَذِهِ؟ قَالَ: مَا جِئتُكَ إِلاَّ لِهَذَا، وَانْصَرَفَ. رَوَاهَا: أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بِهَذَا. ورَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامِضُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنٍ المَرْوَزِيُّ، سَمِعَ سَلَمَةَ بِنَحْوِهَا. وَرَوَاهَا: شَيْخُ الإِسْلاَمِ - بإِسْنَادٍ لَهُ - عَنِ الحَسَنِ بنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ سَلَمَةَ. وَرَوَاهَا: الخَطِيْبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي الفَوَارِسِ، عَنْ أَبِي حَيَّوَيْه، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ الخَطِيْبِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ المُؤَدِّبُ، عَنْ سَلَمَةَ. وَتُرْوَى بِإِسْنَادٍ، عَنْ حَنْبَلٍ، عَنْ سَلَمَةَ مُخْتَصَرَةً. وَقَالَ: إِنَّ اللهَ بَاهَى بِضَرْبِكَ المَلاَئِكَةَ. الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنِي حُبَيْشُ بنُ أَبِي الوَرْدِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا بَالُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: سَيَأْتِيكَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَسَلْهُ. فَإِذَا أَنَا بِمُوْسَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بُلِيَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَوُجِدَ صَادِقاً، فَأُلْحِقَ بِالصِّدِّيْقِيْنَ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ، سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَمّاً لِي فِي المَنَامِ، كَانَ قَدْ كَتَبَ عَنْ هُشَيْمٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ذَاكَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قُرَّةَ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 352 قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا قَصْرٌ مِنْ فِضَّة، فَانْفَتَحَ بَابُهُ، فَخَرَجَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرٍ، فَقَالَ لِي: قَدْ جِئْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ حَتَّى انْتَهَيْتُ. قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ جِبَالَ المِسْكِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُوْنَ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ الغَازِي، فَدَخَلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مُتَقَلِّداً السَّيْفَ، وَمَعَهُ رُمْحٌ، فَقَالَ: هَذِهِ الجَنَّةُ. وَلَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فَأَوعَى مِنَ المَنَامَاتِ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ وَرَقَةً. وَأَفْرَدَ ابْنُ البَنَّاءِ جُزْءاً فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ تَقْرِيْرُ وِلاَيَتِهِ إِلَى مَنَامَاتٍ، وَلَكِنَّهَا جُنْدٌ مِنْ اللهِ، تَسُرُّ المُؤْمِنَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا تَوَاتَرَتْ. قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي البَحْرِ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ السِّنْدِ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُوْلُ: مَاتَ العَبْدُ الصَّالِحُ. فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ مَعَنَا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِنْ صَالِحِي الجِنِّ. وَمَاتَ أَحْمَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ الخَلاَّلُ: وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: لَمَّا قَدِمْتُ مِنْ عُمَانَ، أَرسَينَا إِلَى جَزِيْرَةٍ، وَقَوْمٌ جَاؤُوا مِنَ العِرَاقِ، إِنَّمَا نَستَعْذِبُ المَاءَ. قَالَ: فَسَمِعْتُ صَيحَةً وَتَكبِيْراً وَصِيَاحاً. قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَقَالَ: قَدْ مَاتَ خَيْرُ البَغْدَادِيِّيْنَ - يَعْنُوْنَ: عَالِمَهُم أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ شَرِيْكٍ يَقُوْلُ: مَاتَ مُخَنَّثٌ، فَرُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لِي، دُفِنَ عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَغُفِرَ لأَهْلِ القُبُوْرِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 353 الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بِالرَّقَّةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ السِّنْجَارِيُّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ فُوْرَانَ يَقُوْلُ: رَأَى إِنْسَانٌ رُؤْيَا، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَعَ العَشْرَةِ. قُلْتُ: أَنْتَ عَاشِرُ القَوْمِ؟ قَالَ: لاَ، أَنَا حَادِي عَشَرَ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَزَّانُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الأَذْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرتَ؟ قَالَ: إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا أَمَّلْتُ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا فِي كُمِّكَ؟ قَالَ: دُرٌّ وَيَاقُوتٌ، قَدِمتْ عَلَيْنَا رُوحُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهَذَا نَصِيبِي. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حِصْنٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ فَوَصَلَ الخَبَرُ إِلَى الشَّاشِ، سَعَى بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: قُومُوا حَتَّى نُصَلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّجَاشِيِّ (1) . فَخَرَجُوا إِلَى المُصَلَّى، فَصَفُّوا، فَصَلُّوا عَلَيْهِ.   (1) صلاة النبي، صلى الله عليه وسلم، على النجاشي رواها جماعة من الصحابة، رضوان الله عليهم، فقد أخرجه البخاري 3 / 163، ومسلم (951) ، وأبو داود (3204) ، والطيالسي (2300) ، وابن ماجة (1534) ، والنسائي 4 / 70، والترمذي (1022) من حديث أبي هريرة. ورواه البخاري 3 / 163، ومسلم (952) ، والنسائي 4 / 69، والطيالسي (1681) ، وأحمد 3 / 295 من حديث جابر، ورواه مسلم (953) ، والنسائي 4 / 70، وابن ماجة (1535) ، والطيالسي (749) ، وأحمد 4 / 431 و433، والترمذي (1039) من حديث عمران بن حصين. ورواه الطيالسي (1068) ، وأحمد 4 / 7 عن حذيفة بن أسيد. ورواه أحمد 4 / 64 و5 / 376 عن مجمع بن جارية الأنصاري. ورواه ابن ماجة (1538) عن عبد الله ابن عمر. قال ابن القيم في " زاد المعاد " 1 / 519: ولم يكن من هديه وسنته، صلى الله عليه وسلم، الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين، وهم غيب، فلم يصل عليهم. وصح أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت. ثم ذكر ابن القيم بعد ذلك اختلاف العلماء في هذه المسألة، ونقل عن شيخه ابن تيمية أن الصواب فيها أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 354 الرِّوَايَةُ عَنْهُ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ نِعْمَةَ المَقْدِسِيِّ - مُفْتِي دِمَشْقَ وَخَطِيْبِهَا - عَنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيِّ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ المُقْرِئِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (تَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ؟) . قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمْسَ مِنَ المَغْنَمِ (1)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ.   = صلي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على النجاشي، لأنه مات بين الكفار، ولم يصل عليه. وإن صلي عليه حيث مات، لم يصل عليه صلاة الغائب، لان الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه. والنبي، صلى الله عليه وسلم، صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع. قلت: وقد سبقه إلى هذا التفصيل الامام أبو سليمان الخطابي في " معالم السنن ". واستحسن قول الخطابي من الشافعية الروياني. (1) هو في " المسند " 1 / 228، وأخرجه البخاري 1 / 120، 125 في الايمان: باب أداء الخمس من الايمان، ومسلم (17) في الايمان: باب الامر بالايمان بالله تعالى ورسوله، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 355 قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّيْنِ عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ بنِ شِبْلٍ النَّابُلُسِيِّ بِمَسْجِدِه، وَقَرَأْتُ بِدِمَشْقَ عَلَى يُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَالِيَةَ الحَجَّارِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيْهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ (2)) . لَفْظُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الحَدِيْثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ مُعَاذٍ. أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ   = صلى الله عليه وسلم، وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وأبو داود (3692) في الاشربة: باب في الاوعية. (1) هو علي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو القاسم البندار، المعروف بابن البسري. وقد ولد سنة 386 هـ. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 325. (2) هو في " المسند " 1 / 240، ورجاله ثقات. وقال الحافظ في " الفتح " 4 / 229 بصدد تعيين ليلة القدر: القول الحادي والعشرون أنها ليلة سبع وعشرين، وهو الجادة من مذهب أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وبه جزم أبي بن كعب، وحلف عليه، كما أخرجه مسلم. وروى مسلم أيضا من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، قال: تذاكرنا ليلة القدر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أيكم يذكر حين طلع القمر كأنه شق جفنة؟ قال أبو الحسن الفارسي: أي ليلة سبع وعشرين، فإن القمر يطلع فيها بتلك الصفة. وروى الطبراني من حديث ابن مسعود: سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ليلة القدر، فقال: أيكم يذكر ليلة الصهباوات؟ قلت: أنا، وذلك ليلة سبع وعشرين. ولاحمد من حديثه مرفوعا: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. ولابن المنذر: من كان متحريها، فليتحرها ليلة سبع وعشرين. وعن جابر بن سمرة نحوه، أخرجه الطبراني في " أوسطه ". وعن معاوية نحوه، أخرجه أبو داود. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 356 بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنِ النُّعْمَانِ بن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَصُوْمُ عَبْدٌ يَوْماً فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً (1)) . أَخْرَجَه: النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَوَافَقْنَاهُ (2) بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. مِنْ (الطَّهَارَةِ) لِلْخَلاَّلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي إِذَا بَالَ، لَهُ مَوَاضِعُ يَمسَحُ بِهَا ذَكَرَهُ، وَيَنْتُرُهُ مِرَاراً كَثِيْرَةً، وَرَأَيْتُهُ إِذَا بَالَ، اسْتَبْرَأَ اسْتِبْرَاءً شَدِيْداً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا بَالَ، يَشُدُّ عَلَى فَرْجِهِ خِرْقَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ أَبِي: إِذَا كَانَتْ تَعَاهَدَهُ الأَبْرِدَةُ، فَإِنَّهُ يُسبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَنْتَضِحُ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنَّه يَذْهَبُ عَنْهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ، تَرَدَّدَ فِي الدَّارِ، وَيَقَعُدُ قَعدَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَظَنَنتُ أَنَّهُ يُرِيْدُ بِذَلِكَ الاسْتِبرَاءَ.   (1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 3 / 26 و59، والنسائي 4 / 174 في الصيام: باب ذكر الاختلاف على سفيان الثوري فيه، وأخرجه البخاري 6 / 35، ومسلم (1153) من طريق النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد. (2) الموافقة: هي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، أي الطريق التي تصل إلى ذلك التصنيف المعين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 357 وَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي أَجِدُ بَلَّةً بَعْدَ الوُضُوءِ. فَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ فِي سَفْلَتِكَ، وَاسلُتْ مَا ثَمَّ حَتَّى يَنْزِلَ، وَتَتَرَدَّدْ قَلِيْلاً، وَالْهُ عَنْهُ، وَلاَ تَجعَلْ ذَلِكَ مِنْ هَمِّكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يُوَسْوِسُ. حَدَّثَنِي مَنْصُوْرُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ -يَعْنِي: الَّذِي يَبُوْلُ-: إِذَا نَتَرَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، أَرْجُو أَنَّهُ يُجزِئُهُ. قَالَ: وَسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه عَنِ الاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَرَأَى أَنَّ الاسْتِبْرَاءَ كَذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَشْيِ. 79 - إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه أَبُو يَعْقُوْبَ * (خَ، م، د، س) هُوَ: الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ المَشْرِقِ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ، أَبُو يَعْقُوْبَ. فَأَنْبَأَنِي أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الخَطَّابِ العَلاَءُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَزْمٍ، عَنِ ابْنِ عَمِّهِ؛ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمٍ، قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَخْلَدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَطَرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ   (*) التاريخ الكبير 1 / 379، التاريخ الصغير 1 / 368، الجرح والتعديل 2 / 209، 210، حلية الأولياء 9 / 234، الفرست: 286، تاريخ بغداد 6 / 345، 355، طبقات الفقهاء " للشيرازي ": 78، طبقات الحنابلة 1 / 109، الأنساب 6 / 56، 57، وفيات الأعيان 1 / 199، 201، تهذيب الكمال، ورقة: 80، 82، ميزان الاعتدال 1 / 182، 183، تذكرة الحفاظ 2 / 433، العبر 1 / 426، الوافي بالوفيات 8 / 386، 388، طبقات الشافعية 2 / 83، 89، البداية والنهاية 10 / 317، تهذيب التهذيب 1 / 216، 219، النجوم الزاهرة 2 / 290، طبقات الحفاظ: 188، 189، خلاصة تذهيب الكمال: 27، طبقات المفسرين 1 / 102، الرسالة المستطرفة: 65، شذرات الذهب 2 / 89، تهذيب ابن عساكر 2 / 409، 414. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 358 غَالِبِ بنِ وَارِثِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ هَمَّامِ بنِ أَسَدِ بنِ مُرَّةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ التَّمِيْمِيُّ، ثُمَّ الحَنْظَلِيُّ، المَرْوَزِيُّ، نَزِيلُ نَيْسَابُوْرَ. قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقدَمَ عَلَى الرِّوِايَةِ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ مُبْتَدِئاً، لَمْ يُتقِنِ الأَخْذَ عَنْهُ، وَقَدِ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَكَتَبَ عَنْ خَلقٍ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِيْنَ. وَسَمِعَ: الفَضْلَ بنَ مُوْسَى السِّيْنَانِيَّ، وَالفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيَّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَأَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، وَأَبَا تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنَ وَاضِحٍ، وَعَتَّابَ بنَ بَشِيْرٍ الجَزَرِيَّ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَمَرْحُوْمَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَمَخْلَدَ بنَ يَزِيْدَ، وَحَاتِمَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعُمَرَ بنَ هَارُوْنَ البَلْخِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَشُعَيْبَ بنَ إِسْحَاقَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى بنَ عَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيَّ، وَالنَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَبِيْدَةَ بنَ حُمَيْدٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأُمَماً سِوَاهُم بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ، وَالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَالشَّامِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - وَهُمَا مِنْ أَقْرَانِهِ - وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ فِي ( الجزء: 11 ¦ الصفحة: 359 صَحِيْحَيْهِمَا) ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِمَا) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى السُّلَمِيُّ فِي (جَامِعِه) ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الظَاهِرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شِيْرَوَيْه، وَوَلَدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُشْتِيُّ - بِشِيْنٍ مُعْجَمَةٍ - وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ الجَارُوْدِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِه - وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَدْ وَقَعَ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً. فَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، خَطَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ابْنَتَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ قُلْتُ فِيْهِ قَوْلاً شَبِيهاً بِالعِدَةِ، وَإِنِّي أَكرَهُ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ (1) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ عَبْدِ   (1) هذا المعنى منتزع من حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري 1 / 83، 84 في الايمان: باب علامة المنافق، ومسلم (59) في الايمان: باب بيان خصال المنافق، بلفظ: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ". وأخرجه البخاري 1 / 84، ومسلم (58) من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ: " أربع من كن فيه، كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 360 الكَرِيْمِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ مِنْ مَرْوَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ حُسَيْنٍ الرِّيْوَنْدِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ المُحِبِّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَينِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَنْطَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَنَتَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوْعِ يَدْعُ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَيَقُوْلُ: (عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى المُفِيْدُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَرَكَاتٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، أَخْبَرَنَا المُعْتَمِرُ، عَنِ ابْنِ فَضَاءٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ المُسْلِمِيْنَ الجَائِزَةِ بَيْنَهُم (2) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ   (1) رقم (677) (299) في المساجد: باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة. (2) إسناده ضعيف لضعف محمد بن فضاء وجهالة أبيه، وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 419، وأبو داود (3449) ، وابن ماجة (2263) كلهم من طريق المعتمر بن سليمان، عن محمد بن فضاء، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه، عبد الله المزني، رضي الله عنه. والسكة: أراد بها الدراهم والدنانير المضروبة. والجائزة بينهم، أي: النافعة في معاملاتهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 361 مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِداً تَحْتَ نَخْلَةٍ، فَهَاجَتْ رِيْحٌ، فَقَامَ فَزِعاً، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: (إِنِّي تَخَوَّفْتُ السَّاعَةَ (1)) . إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّ الأَعْمَشَ مُدَلِّسٌ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَحَكَى عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَرَجِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الطَّرَائِفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ - هُوَ المَقْبُرِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ) . قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ ذَهَبَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: (فَإِنَّ عَلَيْهِ شُعْبَةً مِنْ نِفَاقٍ، مَا بَقِيَ فِيْهِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ. وَأَبُو مَعْشَرٍ نَجِيْحٌ السِّنْدِيُّ: صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ، وَمَا هُوَ بِالحُجَّةِ. وَأَمَّا المَتْنُ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.   (1) رجاله ثقات، كما قال المؤلف، لكن الأعمش لم يسمع من أنس، وإن كان رآه. (2) أخرجه الفريابي في " صفة النفاق وذم المنافقين " الصفحة: 48، 49 عام، أو: 1، 2 خاص. وأبو معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، ضعيف. لكن الحديث ثابت عن أبي هريرة من غير طريقه، فقد أخرجه البخاري 1 / 83، 84 في الايمان: باب علامات المنافق، من طريق أبي الربيع، سليمان بن داود العتكي، ومسلم (59) في الايمان: باب خصال المنافق، من طريق يحيى بن أيوب، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني، عن نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 362 وَفِيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّفَاقَ يَتَبَعَّضُ وَيَتَشَعَّبُ، كَمَا أَنَّ الإِيْمَانَ ذُو شُعَبٍ، وَيَزِيْدُ وَيَنقُصُ، فَالكَامِلُ الإِيْمَانِ مَنِ اتَّصَفَ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتَركِ المُنْكَرَاتِ، وَلَهُ قُرَبٌ مَاحِيَةٌ لِذُنُوبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُوْنَ الَّذِيْنَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوْبُهُم} [الأَنْفَالُ: 2] ، إِلَى قَوْلِهِ: {أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُوْنَ حَقّاً} [الأَنْفَالُ: 4] ، وَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُوْنَ} [المُؤْمِنُوْنَ: 1] ، إِلَى قَوْلِهِ: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ، الَّذِيْنَ يَرِثُوْنَ الفِرْدَوُسَ} [المُؤْمِنُوْنَ: 10 - 11] ، وَدُوْنَ هَؤُلاَءِ خَلقٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، وَدُوْنَهُم عُصَاةُ المُسْلِمِيْنَ، فَفِيْهِمْ إِيْمَانٌ يَنْجُوْنَ بِهِ مِنْ خُلُوْدِ عَذَابِ اللهِ -تَعَالَى- وَبِالشَّفَاعَةِ. أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى الحَدِيْثِ المُتَوَاتِرِ: (أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيْمَانٍ (1)) ، وَكَذَلِكَ شُعَبُ النِّفَاقِ مِنَ الكَذِبِ وَالخِيَانَةِ وَالفُجُورِ وَالغَدْرِ وَالرِّيَاءِ وَطَلَبِ العِلْمِ لِيُقَالَ، وَحُبُّ الرِّئاسَةِ وَالمَشْيَخَةِ، وَمُوَادَّةِ الفُجَّارِ وَالنَّصَارَى. فَمَنِ ارتَكَبَهَا كُلَّهَا، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ غِلُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ حَرَجٌ مِنْ قَضَايَاهُ، أَوْ يَصُوْمُ رَمَضَانَ غَيْرَ مُحْتَسِبٍ، أَوْ يُجَوِّزُ أَنَّ دِيْنَ النَّصَارَى أَوِ اليَهُوْدِ دِيْنٌ مَلِيْحٌ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِم، فَهَذَا لاَ تَرْتَبْ فِي أَنَّه كَامِلُ النِّفَاقِ، وَأَنَّهُ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَصِفَاتُه المَمْقُوْتَةُ عَدِيْدَةٌ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قِيَامِهِ إِلَى الصَّلاَةِ كَسلاَنَ، وَأَدَائِهِ الزَّكَاةَ وَهُوَ كَارِهٌ، وَإِنْ عَامَلَ النَّاسَ، فَبِالمَكْرِ وَالخَدِيعَةِ، قَدِ اتَّخَذَ إِسْلاَمَهُ جُنَّةً - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ - فَقَدْ خَافَهُ سَادَةُ الصَّحَابَةِ عَلَى نُفُوْسِهِم، فَإِنْ كَانَ فِيْهِ شُعْبَةٌ مِنْ نِفَاقِ الأَعْمَالِ، فَلَهُ قِسْطٌ مِنَ المَقْتِ حَتَّى يَدَعَهَا، وَيَتُوبَ مِنْهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ شَكٌّ مِنَ الإِيْمَانِ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ،   (1) أخرجه من حديث أنس، البخاري 1 / 95، 96 في الايمان: باب زيادة الايمان ونقصانه، و13 / 395 في التوحيد: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم (193) (325) و (326) في الايمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 363 فَهَذَا لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، كَمَا أَنَّ مَنْ فِي قَلبِهِ جَزمٌ بِالإِيْمَانِ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِالمَعَادِ، وَإِنِ اقتَحَمَ الكَبَائِرَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم، فَمِنْكُم كَافِرٌ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التَّغَابُنُ: 2] ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيْرَةٌ جَلِيلَةٌ، قد صَنَّفَ فِيْهَا العُلَمَاءُ كُتُباً، وَجَمَعَ فِيْهَا الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ (1) شَيْخُنَا مُجَلَّداً حَافِلاً قَدِ اخْتَصَرْتُهُ. نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا إِيْمَانَنَا حَتَّى نُوَافِيَهُ لَهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يُحَدِّثُ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: لَوْ أَرَدْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ لِي فُلاَناً وَفُلاَناً، لَفَعَلَ. يَعْنِي: يَقُوْلُ: عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَضَمْرَةَ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَوَى أَبِي عَنْ إِسْحَاقَ سِوَى هَذَا. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: قُلْتُ لإِسْحَاقَ: مَنْ أَكْبَرُ، أَنْتَ أَوْ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي فِي السِّنِّ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ مُوْسَى: كَانَ مَوْلِدُ إِسْحَاقَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ - فِيْمَا يَرَى مُوْسَى -. قُلْتُ: قَدْ قَدَّمنَا أَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ هَذَا بِمُدَّةٍ، فَمُوْسَى لَمْ يُحَرِّرْ ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: قَالَ لِي إِسْحَاقُ: كَتَبَ عَنِّي يَحْيَى بنُ آدَمَ أَلْفَيْ حَدِيْثٍ. قَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ يَقُوْلُ: جَزَى اللهُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَصَدَقَةَ بنَ الفَضْلِ، وَيَعْمَرَ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً، أَحْيَوُا السُّنَةَ بِالمَشْرِقِ.   (1) يقصد ابن تيمية، وكتابه الذي أشار إليه هو " منهاج السنة "، ومختصره الذي اختصره المؤلف أسماه: " المنتقى من منهاج الاعتدال ". وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 364 قُلْتُ: يَعْمَرُ: هُوَ ابْنُ بِشْرٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ (1)) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى المُسْتَمْلِي، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الجَوْزَجَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، فَسَأَلْتُهُ شَيْئاً، فَقَالَ: صَنَعَ اللهُ لَكَ. قُلْتُ: لَمْ أَسْأَلْكَ صُنْعَ اللهِ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ صَدَقَةً. فَقَالَ: لَطَفَ اللهُ لَكَ. قُلْتُ: لَمْ أَسْأَلْكَ لُطْفَ اللهِ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ صَدَقَةً. فَغَضِبَ، وَقَالَ: الصَّدَقَةُ لاَ تَحِلُّ لَكَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ جَرِيْراً حَدَّثَنَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ (2)) . فَقُلْتُ: تَرَفَّقْ، يَرْحَمْكَ اللهُ، فَمَعِي حَدِيْثٌ فِي كَرَاهِيَةِ العَمَلِ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّادِقُ النَّاطِقُ، عَنِ أَفشينَ، عَنِ إِيتَاخَ، عَنْ سِيمَاءَ الصَّغِيْرِ، عَنْ عُجَيْفِ بنِ عَنْبَسَةَ، عَنْ زُغْلُمُجَ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَنَّهُ قَالَ: العَمَلُ شُؤمٌ، وَتَرْكُهُ خَيْرٌ، تَقْعُدُ تَمَنَّى، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعْمَلَ تَعَنَّى (3) . فَضَحِكَ إِسْحَاقُ، وَذَهَبَ غَضَبُهُ. وَقَالَ: زِدْنَا. فَقُلْتُ: وَحَدَّثَنَا   (1) انظر " الضعفاء " لأبي حاتم 1 / 78 وقد جاء فيه الخبر مصحفا، فيصحح من هنا. (2) أخرجه الترمذي (652) في الزكاة: باب ما جاء في من لا تحل له الصدقة، والطيالسي 1 / 177، وأبو داود (1634) في الزكاة: باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، وعبد الرزاق (7152) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي "، وسنده قوي. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند النسائي 5 / 99، وابن ماجة (1839) ، ولا بأس في سنده في الشواهد. والمرة: القوة، وأصلها من شدة فتل الحبل، يقال: أمررت الحبل، إذا أحكمت فتله. والسوي: الصحيح الاعضاء، الذي ليس به عاهة. (3) في " المجروحين والضعفاء " لأبي حاتم البستي 1 / 87: " قال إسحاق: وما هو؟ قلت: حدثني ابن عبد الله الصادق الناطق، عن أقتبير، عن بتناخ، عن سيماء الصغير، عن عجيف بن عنبسة، عن زعلمج بن أمير المؤمنين أنه قال: العمل شؤم، وتركه خير، تقعد تهنى خير من أن تعمل تقنى ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 365 الصَّادِقُ النَّاطِقُ بإِسْنَادِهِ، عَنْ عُجَيْفٍ، قَالَ: قَعَدَ زُغْلُمُجُ فِي جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرُوْنِي بِأَعْقَلِ النَّاسِ. فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَمْ تُصِيْبُوا، بَلْ أَعْقَلُ النَّاسِ الَّذِي لاَ يَعْمَلُ؛ لأَنَّ مِنَ العَمَلِ يَجِيْءُ (1) التَّعَبُ، وَمِنَ التَّعَبِ يَجِيْءُ المَرَضُ، وَمِنَ المَرَضِ يَجِيْءُ المَوْتُ، وَمَنْ عَمِلَ، فَقَدْ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} [النِّسَاءُ: 29] . فَقَالَ: زِدْنَا مِنْ حَدِيْثِكَ. فَقَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (2) الصَّادِقُ النَّاطِقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُغْلُمُجَ، قَالَ: مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ شِوَاءً (3) ، غَفَرَ اللهُ لَهُ عَدَدَ النَّوَى، وَمَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ هَرِيْسَةًَ، غَفَرَ لَهُ مِثْلَ الكَنِيْسَةِ، وَمَنْ أَطعَمَ أَخَاهُ جنب (4) ، غَفَرَ اللهُ لَهُ كُلَّ ذَنْبٍ. فَضَحِكَ إِسْحَاقُ، وَأَمَرَ لَهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَرَغِيْفَيْنِ. أَوْرَدَهَا: ابْنُ حِبَّانَ، وَلَمْ يُضَعِّفْهَا. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ: لِمَ قِيْلَ لَكَ: ابْنُ رَاهْوَيْه؟ وَمَا مَعْنَى هَذَا؟ وَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: اعْلَمْ أَيُّهَا الأَمِيْرُ أَنَّ أَبِي وُلِدَ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، فَقَالَتْ المَرَاوِزَةُ: رَاهْوَيْه؛ لأَنَّه وُلِدَ فِي الطَّرِيْقِ، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُ هَذَا. وَأَمَّا أَنَا، فَلاَ أَكْرَهُهُ. قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ خَالِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: سَأَلَنِي يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ حَدِيْثِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى ... ، حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَلْحَظُ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ) .   (1) و (2) الزيادتان من " الضعفاء " لابن حبان 1 / 87. (3) في " الضعفاء ": " تمرا ". (4) كذا الأصل، والوجه " جنبا " وحذفت الالف لمراعاة " ذنب " والجنب: شق الشاة، وفي " الضعفاء " 1 / 88: جنبا. (5) أخرجه أحمد 1 / 275 و306، والنسائي 3 / 9 في السهو: باب الرخصة في الالتفات = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 366 قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا! رَوَاهُ وَكِيْعٌ بِخِلاَفِ هَذَا! فَقَالَ: اسْكُتْ، إِذَا حَدَّثَكَ أَبُو يَعْقُوْبَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فَتَشُكُّ فِيْهِ؟ وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الصَّفَّارِ، قَالَ: لَوْ كَانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي الأَحْيَاءِ، لاَحْتَاجَ إِلَى إِسْحَاقَ فِي أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ بَالُوَيْه، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ، وَإِذَا عِنْدَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيْمُ، مَا تَقُوْلُ فِي غَسِيْلِ الثِّيَابِ؟ قَالَ: فَرِيْضَةٌ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ تَقُوْلُ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وِثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المُدَّثِرُ: 4] فَكَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ اسْتَحْسَنَهُ. فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الأَمِيْرَ، كَذِبٌ هَذَا، أَخْبَرَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، قَالَ: قَلْبَكَ فَنَقِّهِ (1) . وَأَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المُدَّثِرُ: 4] ، قَالَ: عَمَلَكَ فَأَصْلِحْهُ. ثُمَّ ذَكَرَ إِسْحَاقُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: (مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (2)) . فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: يَا   = في الصلاة، والترمذي (587) في الصلاة: باب ما ذكر في الالتفات، من طرق عن الفضل بن موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس. وهذا إسناد صحيح، وصححه الحاكم 1 / 236، ووافقه الذهبي المؤلف. (1) اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أصلح عملك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة. انظر " تفسير الطبري " 29 / 144، 147. (2) أخرجه الطبري في " تفسيره " 1 / 35 من طريق محمد بن حميد، عن الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عبد الأعلى بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. ومحمد ابن حميد ضعيف، وكذا عبد الأعلى وهو ابن عامر التغلبي. وقد رواه ابن جرير 1 / 34، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 367 إِبْرَاهِيْمُ، إِيَّاكَ أَنْ تَنْطِقَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّتِ الآيَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الأَقْوَالِ المَذْكُوْرَةِ، بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ تَحْرِيْفِ كِتَابِهِ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ: بَلَغَنِي أَنَّكَ شَرِبتَ البَلاَذُرَ (1) لِلْحِفْظِ؟ قُلْتُ: مَا هَمَمْتُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ سَاجٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خُذْ مِثْقَالاً مِنْ كَنْدَرٍ، وَمِثْقَالاً مِنْ سُكَّرٍ، فَدُقَّهُمَا، ثُمَّ اقْتَحِمْهُمَا عَلَى الرِّيْقِ، فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلنِّسْيَانِ وَالبَوْلِ. فَدَعَا عَبْدُ اللهِ بِقِرْطَاسٍ، فَكَتَبَهُ. وَسَمِعْتُ العَنْبَرِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الفَرَّاءَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فَسَأَلْتُهُ عَنْ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: لَيَومٌ مِنْ إِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عُمُرِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: رَحِمَ اللهُ إِسْحَاقَ، مَا كَانَ أَفْقَهَهُ وَأَعْلَمَهُ!   = والترمذي (2951) ، وأحمد في " المسند " (2069) ، كلهم من طريق عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد قال الامام أحمد في عبد الأعلى هذا: ضعيف الحديث، ربما رفع الحديث، وربما وقفه. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي ويكتب حديثه. وقال ابن عدي. يحدث بأشياء لا يتابع عليها. وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك القوي، وتحسين الترمذي لحديثه هذا من تساهله. وأخرجه أيضا ابن جرير 1 / 35 موقوفا، عن ابن عباس، من طريق محمد بن حميد، عن جرير بن عبد الحميد، عن ليث بن أبي سليم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وسنده ضعيف لضعف محمد بن حميد وليث بن أبي سليم. (1) البلاذر: هو ثمرة شجرة، في داخله شيء شبيه بالدم، وهذا هو المستعمل منه. جيد لفساد الذهن، وجميع الاعراض الحادثة في الدماغ من البرودة والرطوبة " المعتمد في الادوية المفردة ": 31. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 368 قَالَ دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ، وَسُئِلَ عَنِ الجَمَاعَةِ: أَفَرِيْضَةٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ (1) . عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الخُوَارِزْمِيِّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً لاَ نَظِيْرَ لَهُم فِي البِدْعَةِ وَالكَذِبِ: جَهْمٌ، وَعُمَرُ بنُ صُبَيْحٍ، وَمُقَاتِلٌ. مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ إِسْحَاقَ، فَسَأَلَهُ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ عَمَّنْ يُحَدِّثُ بِالأَجْرِ؟ قَالَ: لاَ تَكْتُبْ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا حَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: مَكْتُوْبٌ فِي الكُتُبِ: عَلِّمْ مَجَّاناً كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً. بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} ، فَقَالَ: مَنْ تَرَكَ (ب) ، أَوْ (س) ، أَوْ (م) مِنْهَا، فَصَلاَتُه فَاسِدَةٌ، لأَنَّ الحَمْدَ سَبْعُ آيَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَنْ تَرَكَهَا، فَقَدْ تَرَكَ مائَةً وَثَلاَثَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى-. قَالَ الحَاكِمُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِمَامُ عَصْرِهِ فِي الحِفْظِ وَالفَتْوَى، سَكَنَ نَيْسَابُوْرَ، وَمَاتَ بِهَا. وَقِيْلَ: إِنَّ أَصْلَهُ مَرْوَزِيٌّ، خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ فِي   (1) وقد ذهب إلى فرضيتها عينا في جميع الصلوات عطاء، والاوزاعي، والحنابلة، وأبو ثور، وابن خزيمة، وابن حبان، وداود، وأهل الظاهر. ونقل الطحطاوي في " حاشيته " على " مراقي الفلاح "، الصفحة: 187، عن صاحب " البدائع "، أن عامة مشايخ الحنفية على وجوب صلاة الجماعة، وبه جزم في " التحفة " وغيرها. وذكر عن جامع الفقه أنه أعدل الأقوال وأقواها. وقد استوفي الامام ابن القيم أدلة الفرضية في كتابه النفيس: " الصلاة "، فراجعه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 369 سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: أَدْخُلُ الحَمَّامَ وَأَنَا شَيْخٌ، وَأَخْرُجُ وَأَنَا شَابٌّ. قَالَ الحَاكِمُ: أَصْحَابُ إِسْحَاقَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلاَثِ طَبَقَاتٍ: فَالأُوْلَى: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ العَبْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَفْصِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الدَّارَبْجِرْدِيُّ، وَحَامِدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ المُقْرِئُ، وَخُشْنَامُ بنُ الصّديْقِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرَّاءُ، وَيَحْيَى بنُ الذُّهْلِيِّ. الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ: مُسْلِم بنُ الحَجَّاجِ ... ، وَسَرَدَ جَمَاعَةً. الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ: خَاتِمَتُهُم أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ. قَالَ حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ: قُلْتُ لإِسْحَاقَ: {مَا يَكُوْنُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم} [المُجَادَلَةُ: 7] كَيْفَ تَقُوْلُ فِيْهِ؟ قَالَ: حَيْثُمَا كُنْتَ، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ حَبْلِ الوَرِيْدِ، وَهُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَبْيَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الخَفَّافُ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه: إِجْمَاعُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَسْفَلِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: إِذَا رَأَيْتَ الخُرَاسَانِيَّ يَتَكَلَّمُ فِي إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَاتَّهِمْهُ فِي دِيْنِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ؛ شَيْخُ ابْنِ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 370 حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَعْبُرِ الجِسْرَ إِلَى خُرَاسَانَ مِثْلُ إِسْحَاقَ، وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي أَشْيَاءَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَلْ يُخَالِفُ بَعْضُهُم بَعْضاً (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ حِيْنَ مَاتَ إِسْحَاقُ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً كَانَ أَخْشَى للهِ مِنْ إِسْحَاقَ، يَقُوْلُ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ (2) } [فَاطِرٌ: 28] . قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ. وَلَوْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الحَيَاةِ، لاَحْتَاجَ إِلَى إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ: لَوْ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالحَمَّادَانِ فِي الحَيَاةِ، لاَحْتَاجُوا إِلَى إِسْحَاقَ فِي أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَادَ إِسْحَاقُ أَهْلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ بِصِدْقِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَ رَجُلٌ عَلَى قَبْرِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ:   (1) وهكذا يكون عظماء الرجال في اتساع صدورهم، وتقدير جهود غيرهم، والاشادة بفضلهم. فان اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام، لان أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف مما أراده الله تعالي ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع. ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الإسلامية من المؤلفات المتنوعة. واختلافهم في القرآن إنما هو في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه، لخفاء في دلالته بسبب من الاسباب، كالاشتراك في لفظه، والتخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الاسباب المبينة في مظانها. واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها، كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفا، فيرى بعضهم صحيحا ما يراه الآخر ضعيفا، إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم. وأما الآيات التي وردت في ذم الخلاف، والنهي عنه، والتحذير منه، فالمراد منه الخلاف المذموم الذي ينجم عنه التعصب والحقد وطعن الخصم في عرضه ودينه والافتئات عليه بما هو منه برئ. (2) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالاسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ". انظر تفسير الآية بتوسع في " تفسير ابن كثير والبغوي " 7 / 60. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 371 وَكَيْفَ احْتِمَالِي لِلسَّحَابِ صَنِيعَهُ ... بِإِسْقَائِه قَبْراً وَفِي لَحْدِهِ بَحْرُ (1) قَالَ السَّرَّاجُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ عَلِيُّ بنُ حجْرٍ: لَمْ يُخَلِّفْ إِسْحَاقُ يَوْمَ فَارَقَ مِثْلَهُ بِخُرَاسَانَ عِلْماً وَفِقْهاً. بَيَّضَ اللهُ وَجْهَهُ وَوَقَاهُ ... فَزَعاً يَوْمَ القَمْطَرِيْرِ وَهَوْلَهُ وَأَثَابَ الفِرْدَوُسَ مَنْ قَالَ: آمِـ ... ـيْنَ، وَأَعطَاهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ سُؤْلَهُ (2) قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ إِسْحَاقُ قَرِيْنَ أَحْمَدَ، وَكَانَ لِلآثَارِ مُثِيْرَاًَ، وَلأَهْلِ الزَّيغِ مُبِيْراً (3) . قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَسُئِلَ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ؟! إِسْحَاقُ عِنْدَنَا إِمَامٌ. وَعَنِ الإِمَام أَحْمَدَ أَيْضاً، قَالَ: لاَ أَعرِفُ لإِسْحَاقَ فِي الدُّنْيَا نَظِيْراً. قَالَ النَّسَائِيُّ: ابْنُ رَاهْوَيْه أَحَدُ الأَئِمَّةِ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ ذُؤَيْبٍ يَقُوْلُ: مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلَ إِسْحَاقَ. وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ إِسْحَاقُ فِي التَّابِعِيْنَ، لأَقَرُّوا لَهُ بِحِفْظِهِ وَعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ. عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ فَضْلٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،   (1) أورد البيت أبو نعيم في " الحلية " 9 / 234. (2) البيتان في " حلية الأولياء " 9 / 234. (3) أي مهلكا. ومنه الحديث المخرج في مسلم: " يخرج من ثقيف كذاب ومبير ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 372 قَالَ: مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَلاَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيْثٍ قَطُّ إِلاَّ حَفِظْتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، فَقَالَ: تَعجَبُ مِنْ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا كُنْتُ أَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظْتُهُ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ - أَوْ قَالَ أَكْثَرَ - فِي كُتُبِي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الخَفَّافُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ فِي كُتُبِي، وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً أَسْرُدُهَا. قَالَ: وَأَمْلَى عَلَيْنَا إِسْحَاقُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْثٍ مِنْ حِفْظِهِ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْنَا، فَمَا زَادَ حَرْفاً، وَلاَ نَقصَ حَرْفاً. هَذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا: الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ حَيَّوَيْه، سَمِعَ أَبَا دَاوُدَ، فَذَكَرَهَا. فَهَذَا -وَاللهِ- الحِفْظُ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: مَا سَمِعْتُ شَيْئاً إِلاَّ وَحَفِظْتُهُ، وَلاَ حَفِظْتُ شَيْئاً قَطُّ فَنَسِيْتُهُ. أَبُو يَزِيْدَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِي. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: ذَكَرْتُ لأَبِي زُرْعَةَ حِفْظَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَا رُئِيَ أَحْفَظُ مِنْ إِسْحَاقَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَالعَجَبُ مِنْ إِتْقَانِه، وَسَلاَمَتِهِ مِنَ الغَلَطِ مَعَ مَا رُزِقَ مِنَ الحِفْظِ. فَقُلْتُ لأَبِي حَاتِمٍ: إِنَّهُ أَملَى التَّفْسِيْرَ عَنْ ظَهرِ قَلْبِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَعْجَبُ، فَإِنَّ ضَبْطَ الأَحَادِيْثِ المُسْنَدَةِ أَسْهَلُ وَأَهْوَنُ مِنْ ضَبْطِ أَسَانِيْدِ التَّفْسِيْرِ وَأَلْفَاظِهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: فَاتَنِي عَنْ إِسْحَاقَ مَجْلِسٌ مِنْ مُسْنَدِهِ، وَكَانَ يُمِلُّهُ حِفْظاً، فَتَرَدَّدتُ إِلَيْهِ مِرَاراً لِيُعِيدَهُ، فَتَعَذَّرَ، فَقَصَدتُه يَوْماً الجزء: 11 ¦ الصفحة: 373 لأَسْأَلَهُ إِعَادَتَهُ، وَقَدْ حَمَلتُ إِلَيْهِ حِنْطَةً مِنَ الرُّسْتَاقِ، فَقَالَ لِي: تَقُومُ عِنْدِي وَتَكْتُبُ وَزْنَ هَذِهِ الحِنْطَةِ، فَإِذَا فَرَغْتَ، أَعَدْتُ لَكَ. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَوَّلِ حَدِيْثٍ مِنَ المَجْلِسِ، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى عَضَادَةِ البَابِ، فَأَعَادَ المَجْلِسَ حِفْظاً. وَكَانَ قَدْ أَمْلَى (المُسْنَدَ) كُلَّهُ حِفْظاً. قَالَ البَرْقَانِيُّ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخُوَارِزْمِيِّ بِهَا، حَدَّثَكُم عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ القَاضِي، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: تَابَ رَجُلٌ مِن الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: كَيْفَ تُقْبَلُ تَوْبَتِي، وَقَدْ زَوَّرتُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ تَدُورُ فِي أَيدِي النَّاسِ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ أَبِي يَعْقُوْبَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَزِمْتَهُ، كَانَ أَكْثَرَ لِفَائِدَتِكَ، فَإِنَّكَ لَمْ تَرَ مِثْلَهُ. قَالَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: الحُفَّاظُ بِخُرَاسَانَ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، ثُمَّ عَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَتْ لِي امْرَأَتِي: كَيْفَ تُقَدِّمُ إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ؟ قُلْتُ: إِسْحَاقُ أَكْثَرُ عِلْماً مِنِّي، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبُّوْيَه: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: إِسْحَاقُ لَمْ تَلْقَ مِثْلَهُ. وَعَنْ فَضْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ عِيْسَى البِسْطَامِيُّ فَقِيْهٌ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيْلُ بنُ سَعِيْدٍ الشَّالنجِيُّ فَفَقِيْهٌ عَالِمٌ، وَأَمَّا أَبُو عَبْدِ اللهِ العَطَّارُ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 374 فَبَصِيْرٌ بِالعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ، فَلَو أَمْكَنَنِي زِيَارَتُهُ، لَزُرْتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: قُلْتُ لأَبِي حَاتِمٍ: أَقْبَلْتَ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه؟ فقَال: لاَ أَعْلَمُ فِي دَهْرٍ وَلاَ عَصْرٍ مِثْلَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرِ، وَفِي كُمِّي تَمْرٌ آكُلُهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ تَرْكُكَ لِلرِّيَاءِ مِنَ الرِّيَاءِ، فَمَا فِي الدُّنْيَا أَقَلُّ رِيَاءً مِنْكَ. وَهَذِهِ أَبْيَاتٌ لأَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيِّ: قُرْبِي إِلَى اللهِ دَعَانِي إِلَى ... حُبِّ أَبِي يَعْقُوْبَ إِسْحَاقِ لَمْ يَجْعَلِ القُرْآنَ خَلْقاً كَمَا ... قَدْ قَالَهُ زِنْدِيْقُ فُسَّاقِ يَا حُجَّةَ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ ... فِي سُنَّةِ المَاضِيْنَ لِلْبَاقِي أَبُوْكَ إِبْرَاهِيْمُ مَحْضُ التُّقَى ... سَبَّاقُ مَجْدٍ وَابْنُ سَبَّاقِ (1) قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الشَّعْرَانِيُّ: أَنَّ إِسْحَاقَ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَأَنَّهُ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَاباً قَطُّ، وَمَا كَانَ يُحَدِّثُ إِلاَّ حِفْظاً. وَقَالَ: كُنْتُ إِذَا ذَاكَرتُ إِسْحَاقَ العِلْمَ، وَجَدتُهُ فِيْهِ بَحْراً فَرْداً، فَإِذَا جِئْتُ إِلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، رَأَيْتُهُ لاَ رَأْيَ لَهُ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ - مَعَ حِفْظهِ - إِمَاماً فِي التَّفْسِيْرِ، رَأْساً فِي الفِقْهِ، مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ.   (1) الابيات في " حلية الأولياء " 9 / 234، وفي " طبقات الشافعية الكبرى " 2 / 87، 88. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 375 قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ اخْتِلاَفٌ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ، وَكَيْفَ يَكُوْنُ شَيْءٌ خَرَجَ مِنَ الرَّبِّ -عَزَّ وَجَلَّ- مَخْلُوْقاً؟! قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ الحَنْظَلِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى طَاهِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، وَعِنْدَهُ مَنْصُوْرُ بنُ طَلْحَةَ، فَقَالَ لِي مَنْصُوْرٌ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ! تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ قُلْتُ: نُؤْمِنُ بِهِ إِذَا أَنْتَ لاَ تُؤْمِنُ أَنَّ لَكَ فِي السَّمَاءِ رَبّاً، لاَ تَحْتَاجُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا. فَقَالَ لَهُ طَاهِرٌ الأَمِيْرُ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ؟ قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: مَنْ قَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَوَرَدَ عَنْ إِسْحَاقَ: أَنَّ بَعْضَ المُتَكَلِّمِيْنَ قَالَ لَهُ: كَفَرْتَ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ. فَقَالَ: آمَنتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قُلْتُ: هَذِهِ الصِّفَاتُ مِنَ الاسْتِوَاءِ وَالإِتيَانِ وَالنُّزُوْلِ، قَدْ صَحَّتْ بِهَا النُّصُوْصُ، وَنَقَلَهَا الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا بِرَدٍّ وَلاَ تَأْوِيْلٍ، بَلْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ تَأَوَّلَهَا مَعَ إِصْفَاقِهِم (1) عَلَى أَنَّهَا لاَ تُشبِهُ نُعُوْتَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلاَ تَنْبَغِي المُنَاظَرَةُ، وَلاَ التَّنَازُعُ فِيْهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مُحاولَةً لِلرَّدِّ عَلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، أَوْ حَوماً عَلَى التَّكيِيْفِ أَوِ التَّعطِيْلِ.   (1) أي اجتماعهم. يقال: أصفقوا على الامر، إذا اجتمعوا عليه، وأصفقوا على الرجل، كذلك. قال زهير بن أبي سلمى: رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا * علينا وقالوا: إننا نحن أكثر وفي حديث عائشة، رضوان الله عليها: " فأصفقت له نسوان مكة "، أي اجتمعوا إليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 376 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: إِسْحَاقُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى هَؤُلاَءِ دَفَنُوا كُتُبَهُم. قُلْتُ: هَذا فَعَلَهُ عِدَّةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَهُوَ دَالٌّ أَنَّهُم لاَ يَرَوْنَ نَقْلَ العِلْمِ وِجَادَةً (1) ، فَإِنَّ الخَطَّ قد يَتَصَحَّفُ عَلَى النَّاقِلِ، وَقَدْ يُمكِنُ أَنْ يُزَادَ فِي الخَطِّ حَرْفٌ، فَيُغَيِّرُ المَعْنَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا اليَوْمَ، فَقَدْ اتَّسَعَ الخَرقُ، وَقَلَّ تَحْصِيْلُ العِلْمِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، بَلْ وَمِنَ الكُتُبِ غَيْرِ المَغْلُوْطَةِ، وَبَعْضُ النَّقَلَةِ لِلْمَسَائِلِ قَدْ لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَتَهَجَّى. قَالَ الدُّوْلاَبِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه: وُلِدَ أَبِي فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَتُوُفِّيَ: لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَفِيْهِ يَقُوْلُ الشَّاعِرُ: يَا هِدَة مَا هُدِدْنَا لَيْلَةَ الأَحَدِ ... فِي نِصْفِ شَعْبَانَ لاَ تُنْسَى (2) بدَ الأَبَدِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ عَقِيْبَ هَذَا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. فَائِدَةٌ لاَ فَائِدَةَ فِيْهَا، نَحْكِيهَا لِنليشَهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الآجُرِّيُّ صَاحِبُ كِتَابِ (مَسَائِلِ أَبِي دَاوُدَ) - وَمَا عَلِمْتُ أَحَداً لَيَّنَهُ -: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُوْلُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، فَرَمَيتُ بِهِ. قُلْتُ: فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ. وَفِي الجُمْلَةِ، فُكُلُّ أَحَدٍ يَتَعَلَّلُ قَبْلَ مَوْتِهِ   (1) تقدم تعريف الوجادة في الصفحة: 329 ت (1) . (2) الأصل " أبد " وأسقط الالف لضرورة الشعر، وهو في " طبقات الشافعية " 2 / 88، وروايته فيه: " مدى الابد " بالميم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 377 غَالِباً وَيَمْرَضُ، فَيَبْقَى أَيَّامَ مَرَضِهِ مُتَغَيَّرَ القُوَّةِ الحَافِظَةِ، وَيَمُوْتُ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ عَلَى تَغَيُّرِهِ، ثُمَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَسِيْرٍ يَخْتَلِطُ ذِهنُهُ، وَيَتَلاَشَى عِلْمُهُ، فَإِذَا قَضَى، زَالَ بِالمَوْتِ حِفْظُهُ. فَكَانَ مَاذَا؟ أَفَبِمِثْلِ هَذَا يُلَيَّنُ عَالِمٌ قَطُّ؟! كَلاَّ وَاللهِ، وَلاَ سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الجَبَلِ فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ. نَعَمْ مَا عَلِمنَا اسْتَغرَبُوا مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ رَاهْوَيْه عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ حَدِيْثُهُ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُوْنَةَ فِي الفَأْرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي ِسَمْنٍ، فَزَادَ إِسْحَاقُ فِي المَتْنِ مِنْ دُوْنِ سَائِرِ أَصْحَابِ سُفْيَانَ هَذِهِ الكَلِمَةَ (وَإِنْ كَانَ ذَائِباً، فَلاَ تَقْرَبُوْهُ (1)) . وَلَعَلَّ الخَطَأَ فِيْهِ مِنْ بَعْضِ المُتَأَخِّرِيْنَ، أَوْ مِنْ رَاوِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ.   (1) أخرجه البخاري 9 / 576 في الذبائح والصيد: باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب، والترمذي (1799) في الاطعمة: باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن، وأبو داود (3841) في الاطعمة: باب في الفأرة تقع في السمن، والنسائي 7 / 178 من طريق سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع ابن عباس يحدثه عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عنها، فقال: " ألقوها وما حولها، وكلوه ". ووقع في " مسند " إسحاق بن راهويه، ومن طريقه أخرجه ابن حبان (1364) ، بلفظ: " إن كان جامدا، ألقى ما حولها، وأكله. وإن كان مائعا، لم يقربه ". وأخرجه بهذا التفصيل عبد الرزاق في " المصنف " رقم (278) ، وأبو داود (3842) ، وأحمد 2 / 232، 233، و265 و490 من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. قال الحافظ في " الفتح ": اختلف عن معمر فيه، فأخرجه ابن أبى شيبة، عن عبد الأعلى بغير تفصيل، ووقع عند النسائي من رواية أبي القاسم، عن مالك وصف السمن في الحديث بأنه جامد، وكذا وقع عند أحمد من رواية الاوزاعي، عن الزهري، وكذا عند البيهقي من رواية حجاج بن منهال، عن ابن عيينة، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن سفيان. والزيادة التي وقعت في رواية إسحاق بن راهويه، عن سفيان، تفرد بها عن سفيان دون حفاظ أصحابه مثل أحمد والحميدي ومسدد وغيرهم، وبينوا غلط معمر فيه على الزهري. ونقل ابن تيمية في " الفتاوى " 21 / 488، 502 أن أهل المعرفة بالحديث متفقون على أن معمرا كثير الغلط على الزهري، وقد توسع في التدليل على ذلك. وقال في قوله: "..فلا تقربوه ": هو متروك عند = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 378 نَعَمْ، وَحَدِيْثٌ تَفَرَّدَ بِهِ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا: إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ. فَهَذَا مُنْكَرٌ، وَالخَطَأُ فِيْهِ مِنْ جَعْفَرٍ (1) ، فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي (صَحِيْحِهِ (2)) ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ شَبَابَةَ. وَلَفْظُهُ: (إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَرَادَ الجَمْعَ، أَخَّرَ الظُّهْرَ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) . تَابَعَهُ: الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنْ شَبَابَةَ، وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ (3)) مِنْ حَدِيْثِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَلَفْظُهُ: (إِذَا عَجلَ بِهِ السَّيْرُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ العَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) . وَمَعَ حَالِ إِسْحَاقَ وَبَرَاعَتِهِ فِي الحِفْظِ، يُمْكِنُ أَنَّهُ - لِكَوْنِهِ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ حِفْظِهِ - جَرَى عَلَيْهِ الوَهْمُ فِي حَدِيْثَيْنِ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، فَلَو أَخْطَأَ مِنْهَا فِي ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، لَمَا حَطَّ ذَلِكَ رُتْبَتَهُ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِهِ أَبَداً، بَلْ كَوْنُ إِسْحَاقَ تَتَبَّعَ حَدِيْثَهُ، فَلَمْ يُوْجَدْ خَطَأٌ قَطُّ سِوَى حَدِيْثَيْنِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحفَظُ أَهْلِ زَمَانِهِ.   = عامة السلف والخلف من الصحابة والتابعين والائمة، فإن جمهورهم يجوزون الاستصباح به، وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره، وهذا مخالف لقوله: " ... فلا تقربوه ". وانظر " شرح العلل " 2 / 721، 723 لابن رجب. (1) وقد رد الحافظ في " الفتح " قول من أعل الحديث بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة، ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، بأنه ليس ذلك بقادح، فإنهما إمامان حافظان. وجمع التقديم جاء من غير وجه، فأخرجه الشافعي 1 / 116، 117، وأحمد 1 / 367 عن ابن عباس، وأخرجه أبو داود (1208) عن معاذ. انظر " الفتح " 2 / 480. (2) رقم (703) (47) في صلاة المسافرين: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر. (3) البخاري 2 / 479 في التقصير: باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، ومسلم (704) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 379 قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ الكَرَابِيْسِيُّ - وَهُوَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ - قَالَ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَ إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ، كَأَنَّ قَمَراً ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ سِكَّةِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَسَقَطَ فِي المَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيْهِ إِسْحَاقُ. قَالَ: وَلَمْ أَشْعُرْ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا غَدَوتُ، إِذَا بِحَفَّارٍ يَحْفِرُ قَبْرَ إِسْحَاقَ فِي المَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ القَمَرَ وَقَعَ فِيْهِ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ، سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. فَقَالَ: أَمَّا أَفْقَهُهُم: فَالشَّافِعِيُّ، إِلاَّ أَنَّهُ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ، وَأَمَّا أَوْرَعُهُم: فَأَحْمَدُ، وَأَمَّا أَحْفَظُهُم: فَإِسْحَاقُ، وَأَمَّا أَعْلَمُهُم بِلُغَاتِ العَرَبِ: فَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: قَالَ لِي مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: قُلْتُ لإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه: مَنْ أَكْبَرُ: أَنْتَ أَوْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي فِي السِّنِّ وَغَيْرِهِ. وَكَانَ مَوْلِدُ إِسْحَاقَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ فِيْمَا يَرَى مُوْسَى - قَدْ مَرَّتْ هَذِهِ المَقَالةُ -. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ جَعْفَرٍ اللَّبَّانُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: وُلِدَ أَبِي مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَثْقُوْبَ الأُذُنَيْنِ، فَمَضَى جَدِّي رَاهْوَيْه إِلَى الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَكُوْنُ ابْنُكَ رَأْساً، إِمَّا فِي الخَيْرِ، وَإِمَّا فِي الشَّرِّ. هَذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) : عَنِ الجَوْهَرِيِّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الخَزَّازُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، ... ، فَذَكَرَهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَحِكَايَةٌ عَجِيْبةٌ. أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ   (1) 11 / 297. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 380 المُسْتَمْلِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ الخُرَاسَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ النُّعْمَانِ بن أَبِي شَيْبَةَ (1) ، عَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: (لَيْسَ فِي الأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ (2)) . قَالَ السَّرَّاجُ: فَسَأَلْتُ أَبَا يَعْقُوْبَ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، فَحَدَّثَنِي بِهِ. قُلْتُ: الأَوْقَاصُ: الكُسُورُ. وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ المُسْتَمْلِي، عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ العِرَاقِيَّ يَتَكَلَّمُ فِي أَحْمَدَ، فَاتَّهِمْهُ فِي دِيْنِهِ، وَإِذَا رَأَيْتَ الخُرَاسَانِيَّ يَتَكَلَّمُ فِي إِسْحَاقَ، فَاتَّهِمْهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ البَصْرِيَّ يَتَكَلَّمُ فِي وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، فَاتَّهِمْهُ فِي دِيْنِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: وَافَقْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ صَاحِبَنَا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ بِبَغْدَادَ، اجْتَمَعُوا فِي الرُّصَافَةِ أَعْلاَمُ الحَدِيْثِ، فِيْهِم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا، فَكَانَ صَدْرُ المَجْلِسِ لإِسْحَاقَ، وَهُوَ الخَطِيْبُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَرُوْضِيُّ: حَدَّثَنَا النَّسَائِيُّ، قَالَ:   (1) في الأصل: " ابن شبة " والتصحيح من كتب الرجال. (2) رجاله ثقات، وأخرج أحمد في " المسند " 5 / 231 من طريق عبد الرزاق وابن بكر، قالا: أنبأنا ابن جريح، قال: أخبرني عمرو بن دينار أن طاووسا أخبره أن معاذ بن جبل قال: لست بآخذ في الاوقاص شيئا حتى آتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يأمرني فيها بشيء. وأخرجه أيضا 5 / 230 و248 من طريق أبي كامل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن معاذ بن جبل، قال: لم يأمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أوقاص البقر شيئا. وهو في " الاموال " ص: 274 لأبي عبيد. والاوقاص: جمع وقص: مابين الفريضتين، كالزيادة على الخمس من الابل إلى التسع، وعلى العشر إلى أربع عشرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 381 إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه أَحَدُ الأَئِمَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ النَّسَائِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: إِسْحَاقُ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ ذُؤَيْبٍ يَقُوْلُ: مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلَ إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: سَأَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيْثِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْحَظُ فِي صَلاَتِهِ، وَلاَ يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ (1)) . قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، رَوَاهُ وَكِيْعٌ بِخِلاَفِ هَذَا. فَقَالَ أَحْمَدُ: اسْكُتْ، إِذَا حَدَّثَكَ أَبُو يَعْقُوْبَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَحَسْبُكَ بِهِ. رَوَاهَا: الحَاكِمُ، عَنِ الحَسَنِ بنِ حَاتِمٍ المَرُّوْذِيِّ، عَنْ نَصْرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ مُزَوَّرَةً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ ابْنِ الأُسْتَاذِ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا جَدِّي (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى بنُ الصَّابُوْنِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لِي، فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهَا رِجَالاً، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، وَلَمْ يَكُوْنُوا عَلَى وُضُوءٍ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنْ إِسْحَاقَ.   (1) حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة: 366 ت (5) . (2) 10 / 278 في اللباس: باب استعارة القلائد، والحديث أخرجه البخاري في أكثر من = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 382 وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ الكِنْدِيُّ، وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ، وَفَقِيْهُ قُرْطُبَةَ؛ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جَوَّاسٍ الحَنَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ مَرْدَوَيْه المَرْوَزِيُّ، وَالزَّاهِدُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَيُّوْبَ الحَوْرَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامٍ الغَسَّانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِبْرِيْقٍ، وَبِشْرُ بنُ الحَكَمِ العَبْدِيُّ، وَزُهَيْرُ بنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ، وَحَكِيْمُ بنُ سَيْفٍ الرَّقِّيُّ، وَطَالُوْتُ بنُ عَبَّادٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البَرْجُلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيُّ، وَصَاحِبُ الأَنْدَلُسِ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ المروَانِيُّ. 80 - الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ السُّلَمِيُّ * (خَ، م) الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَأَسْبَاطِ بنِ أَحْمَدَ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَأَخَوَي جَدِّهِ؛ مُبَشِّرٍ وَعمَرَ ابْنَي عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي   = موضع، انظر " فتح الباري " طبعة المكتبة السلفية " رقم 334 و336 و3672 و3773 و4583 و4607 و4608 و5164 و5250 و5882 و6844 و6845. والقلادة: ما يجعل في العنق من الحلي. (*) التاريخ الكبير 2 / 392، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 3 / 65، 66، تهذيب الكمال، ورقة: 299، العبر 1 / 427، تذهيب التهذيب 1 / 160، تهذيب التهذيب 2 / 370، 371، خلاصة تذهيب الكمال: 85، شذرات الذهب 2 / 90. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 383 بَكْرٍ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ الحَافِظُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَادِلَ الهَاشِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ، وَشَيْخُهُ؛ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ شَيْخُ العَدَالَةِ وَالتَّزْكِيَةِ فِي عَصْرِهِ، وَأَخَصُّ النَّاسِ بِيَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَكَانَ يَحْيَى يَلُوْمُهُ عَلَى اشْتِغَالِهِ بِالشَّهَادَةِ. وَسَمِعْتُ خَلَفَ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ - رَئِيْسَ نَيْسَابُوْرَ بِبُخَارَى - يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ قَضَاءُ نَيْسَابُوْرَ، فَاخْتَفَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَدَعَا اللهَ، فَمَاتَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ. قَالَ السَّرَّاجُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمِنْ كَلاَمِهِ: رُبَّ مُعْتَزِلٍ لِلدُّنْيَا بِبَدَنِه، مُخَالِطِهَا بِقَلْبِهِ، وَرُبَّ مُخَالِطٍ لَهَا بِبَدَنِه، مُفَارِقِهَا بِقَلْبِهِ، وَهُوَ أَكْيَسُهُمَا. 81 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذِ بنِ مُعَاذِ بنِ نَصْرِ بنِ حَسَّانٍ العَنْبَرِيُّ * (م، د، س، خَ) الحَافِظُ الأَوْحَدُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَمْرٍو العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَجَعْفَرٌ   (*) التاريخ الكبير 5 / 401، التاريخ الصغير 2 / 368، الجرح والتعديل 5 / 335، تهذيب الكمال، ورقة: 891، تذكرة الحفاظ، 2 / 490، العبر 1 / 425، تذهيب التهذيب 3 / 21، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 493، تهذيب التهذيب 7 / 48، 49، طبقات الحفاظ: 212، خلاصة تذهيب الكمال: 253، شذرات الذهب 2 / 88. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 384 الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَحْفَظُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ: أَحَادِيْثَ أَشْعَثَ بِمَسَائِلَهِ المُعقَّدَةِ، وَأَحَادِيْثَ مُعْتَمِرٍ، وَأَحَادِيْثَ خَالِدٍ. وَرَأَيْتُهُ يَدْرُسُ حَدِيْثَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَلَى ابْنِهِ، وَكَانَ فَصِيْحاً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي، كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيْمِ اللِّسَانِ) (1) . 82 - عَمْرُو بنُ رَافِعِ بنِ الفُرَاتِ البَجَلِيُّ * (ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو حُجْرٍ القَزْوِيْنِيُّ.   (1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 1 / 22 و44 من طريق ديلم بن غزوان العبدي، عن ميمون الكردي، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر، وهذا إسناد صحيح. قال المناوي في تفسير قوله: " كل منافق عليم اللسان "، أي: كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، ذا هيبة وأبهة، يتعزز ويتعاظم بها، يدعو الناس، إلى الله، ويفر هو منه. ويستقبح عيب غيره، ويفعل ما هو أقبح منه. ويظهر للناس التنسك والتعبد، ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به. (*) الجرح والتعديل 6 / 232، 233، تهذيب الكمال، ورقة: 1033، 1034، تذهيب التهذيب 3 / 98، تهذيب التهذيب 8 / 32، طبقات الحفاظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال: 288، 289. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 385 حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ القُمِّيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَجَرِيْرٍ الضَّبِّيِّ، وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنِ الوَلِيْدِ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ جَيِّدَ المَعْرِفَةِ، وَاسِعَ الرِّحْلَةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الجَمَّالُ، وَأَبُو يَحْيَى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ الأَسَدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ يَطْلُبُ مَعَنَا العِلْمَ غَيْرُ عَمْرِو بنِ رَافِعٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَلَّ مَنْ كَتَبنَا عَنْهُ أَصدَقَ لَهْجَةً، وَأَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ عَمْرِو بنِ رَافِعٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 83 - يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ أَبُو زَكَرِيَّا البَغْدَادِيُّ * (م، د) الإِمَامُ، العَالِمُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو زَكَرِيَّا البَغْدَادِيُّ المَقَابِرِيُّ، العَابِدُ. حَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ،   (*) التاريخ الصغير 2 / 364، الجرح والتعديل 9 / 128، تاريخ بغداد 14 / 188، 189، طبقات الحنابلة 1 / 400، 401، الأنساب، ورقة: 539 / 1، تهذيب الكمال، ورقة: 1489، العبر 1 / 415، تذهيب التهذيب 4 / 149، تهذيب التهذيب 11 / 188، طبقات الحفاظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 79. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 386 وَمُصْعَبِ بنِ سَلاَّمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَأَمْثَالِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ القُرْطُبِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ الكَبِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّرَّاجُ، وَحَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ، صَاحِبُ سُكُوْنٍ وَدَعَةٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ: كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الأشْهَلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: مَرَرْتُ بِمَقَابِرَ، فَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً، فَإِذَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ فِي حُفرَةٍ مِنْ تِلْكَ الحُفَرِ، وَإِذَا هُوَ يَدعُو، وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: يَا قُرَّةَ عَيْنِ المُنْقَطِعِيْنَ، وَيَا قُرَّةَ عَيْنِ العَاصِيْنَ، أَنْتَ سَتَرْتَ عَلَيْهِم، وَلِمَ لاَ تَكُوْنُ قُرَّةَ عَيْنِ المُطِيْعِيْنَ، وَأَنْتَ مَنَنتَ عَلَيْهِم بِالطَّاعَةِ؟ قَالَ: وَيُعَاوِدُ البُكَاءَ، فَغَلَبَنِي البُكَاءُ، فَفَطِنَ بِي، فَقَالَ: تَعَالَ، لَعَلَّ اللهَ إِنَّمَا بَعَثَ بِكَ لِخَيْرٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ ثِقَةً، وَرِعاً، مُسلِماً، يَقُوْلُ بالسُّنَّةِ، وَيَعِيبُ مَنْ يَقُوْلُ بِقَوْلِ جَهْمٍ، أَوْ بِخِلاَفِ السُّنَّةِ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الأَحَدِ، لاثْنَتَي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ لَيْلَةَ الأَحَدِ، لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 387 أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي العَلاَءُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُوْرِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُوْرِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً) . حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى، فَوَافَقنَاهُمَا بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، وَابْنُ غَالِيَةَ (2) ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ المَرْءَ أَوِ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيْمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (3) ، مِنْ طَرِيْقِ أَبِي حَازِمٍ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا.   (1) أخرجه مسلم (2674) في العلم: باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، وأبو داود (4609) في السنة: باب لزوم السنة، وأخرجه الترمذي (2674) من طريق علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، وأخرجه ابن ماجة (206) من طريق محمود بن عثمان العثماني، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن. (2) هو يوسف بن أحمد الغسولي الصالحي الحجار المتوفى سنة 700 هـ مترجم في " مشيخة المؤلف " الورقة 179، والعبر 5 / 412. و3 / 891. (3) 6 / 66 في الجهاد: باب لا يقال فلان شهيد، وهو عنده أيضا برقم (4202) و (4207) و (6493) و (6607) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 388 84 - حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ * (م، ق، س) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو حَفْصٍ التُّجِيْبِيُّ، مَوْلَى بَنِي زُمَيْلَةَ المِصْرِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ وَهْبٍ، فَأَكْثَرَ جِدّاً، وَعَنِ: الشَّافِعِيِّ، فَلَزِمَه، وَتَفَقَّه بِهِ، وَعَنْ: أَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ النَّسَائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ، وَحَفِيْدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بنِ حَرْمَلَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ المَدِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: شَيْخٌ بِمِصْرَ يُقَالُ لَهُ: حَرْمَلَةُ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الفَرْهَاذَانِيَّ أَنْ يُحَدِّثَنِي عَنْ حَرْمَلَةَ، فَقَالَ: حَرْمَلَةُ ضَعِيْفٌ. وَحَدَّثَنِي عَنْهُ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ.   (*) التاريخ الكبير 3 / 69، الجرح والتعديل 3 / 274، الكامل لابن عدي، ورقة: 113، 114، الفهرست: 265: طبقات الفقهاء (للشيرازي) : 80، اللباب 1 / 169، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 155، 156، وفيات الأعيان 2 / 64، 65، تهذيب الكمال، ورقة: 246، العبر 1 / 440، تذهيب التهذيب 1 / 127، تذكرة الحفاظ 2 / 486، ميزان الاعتدال: 1 / 472، 473، طبقات الشافعية (للسبكي) 2 / 127، 131، البداية والنهاية 10 / 345، تهذيب التهذيب 2 / 229، حسن المحاضرة 1 / 307، طبقات الحفاظ: 210، 211، خلاصة تذهيب الكمال: 74، طبقات الشافعية (لابن هداية الله) : 5. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 389 وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ: كَانَ حَرْمَلَةُ فَقِيْهاً، لَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحَدٌ أَكْتَبَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَقَامَ فِي مَنْزِلِهِم سَنَةً وَأَشْهُراً مُسْتَخْفِياً مِنْ عَبَّادٍ، إِذْ طَلَبَه لِيُوَلِّيَهُ القَضَاءَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ: يَحْيَى بنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، وَأَبُو دُجَانَةَ، قَالاَ: سَمِعْنَا حَرْمَلَةَ يَقُوْلُ: عَادَنِي ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الرَّمَدِ، وَقَالَ: يَا أَبَا حَفْصٍ! لاَ يُعَادُ مِنَ الرَّمَدِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِي. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مائَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، مِنْهَا النِّصْفُ عَنَى نَفْسَهُ، وَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ الكُلُّ -يَعْنِي: حَرْمَلَةَ-. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى: حَدِيْثُ ابْنِ وَهْبٍ كُلُّهُ عِنْدَ حَرْمَلَةَ، إِلاَّ حَدِيْثَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَدْ تَبَحَّرتُ حَدِيْثَ حَرْمَلَةَ، وَفَتَّشتُه الكَثِيْرَ، فَلَمْ أَجِدْ فِي حَدِيْثِهِ مَا يَجِبُ أَنْ يُضَعَّفَ مِنْ أَجْلِهِ، وَرَجُلٌ تَوَارَى ابْنُ وَهْبٍ عِنْدَهُم، وَيَكُوْنُ حَدِيْثُهُ كُلُّهُ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يُغْرِبَ عَلَى غَيْرِهِ (1) . قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ أَشْهَبَ - وَنَظَرَ إِلَى حَرْمَلَةَ - فَقَالَ: هَذَا خَيْرُ أَهْلِ المَسْجَدِ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ حَرْمَلَةُ أَملَى النَّاس بِمَا حَدَّثَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ. قُلْتُ: لَمْ يَرْحَلْ حَرْمَلَةُ، وَلاَ عِنْدَهُ عَنِ الحِجَازِيِّيْنَ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ، لِتِسْعٍ   (1) انظر الخبر في " الكامل " لابن عدي، في ترجمة حرملة بن يحيى التجيبي، ورقة: 114. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 390 بَقِيْنَ مِنْهُ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُكْرَمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ التَّمِيْمِيُّ سَنَةَ 553، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الطَّفَّالُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِيْنِهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَنَا المَلِكُ، فَأَيْنَ مُلُوْكُ الأَرْضِ؟) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، ثَابِتٌ (1) ، وَالقُرْآنُ جَاءَ بِمِصْدَاقِهِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلْطَانَ، قَالاَ: أَخْبَرْنَا ابْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ حَمْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ الحِمْيَرِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ أَرسَلَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُباً: أَيَصُومُ؟ فَقَالَتْ: (كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْبِحُ جُنُباً مِنْ جِمَاعٍ لاَ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُوْمُ، وَلاَ يَقْضِي (2)) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ، عَنْ حَرْمَلَةَ.   (1) أخرجه البخاري 13 / 311 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (ملك الناس) ، ومسلم (2787) في أول صفة القيامة والجنة والنار، كلاهما من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه البخاري 8 / 423 في التفسير: باب قوله: (والارض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه) ، من طريق سعيد ابن عفير، عن الليث، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وانظر ماقاله الحافظ في " الفتح " عن الطريقين. وفي الباب عن عبد الله بن عمر عند مسلم (2788) . (2) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 291، والبخاري 4 / 123، ومسلم = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 391 85 - سَجَّادَةُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ حَمَّادِ بنِ كسيبٍ * (د، ق، س) هُوَ: الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، الأَثَرِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ حَمَّادِ بنِ كُسَيْبٍ الحَضْرَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ بنِ زَاطيَا (1) ، وَأَبُو لَبِيْدٍ السَّامِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ: قِيْلَ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: إِنَّ سَجَّادَةَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً إِنْ كَلَّمَ زِنْدِيْقاً، فَكَلَّمَ رَجُلاً يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟ فَقَالَ سَجَّادَةُ: طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَبْعَدَ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ فَيْرُوْزٍ: سَأَلْتُ سَجَّادَةَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ لاَ يُكَلِّمُ كَافِراً، فَكَلَّمَ مَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. قَالَ: طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ (2) .   = (1109) (78) من طريق عبد ربه بن سعيد بن قيس، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة وأم سلمة، زوجي النبي، صلى الله عليه وسلم، أنهما قالتا: إن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان، ثم يصوم ذلك اليوم. (*) التاريخ الصغير 2 / 375، الجرح والتعديل 3 / 9، تاريخ بغداد 7 / 295، 296، تهذيب الكمال، ورقة: 262، 263، العبر 1 / 435، 436، تذهيب التهذيب 1 / 136، النجوم الزاهرة 2 / 306، تهذيب التهذيب 2 / 272، خلاصة تذهيب الكمال: 77، شذرات الذهب 2 / 99. (1) هو أبو الحسن المخرمي المتوفي سنة 306 هـ، ترجم له المؤلف في " الميزان " 3 / 114، 115، وابن حجر في " لسان الميزان " 4 / 205. (2) هذا من المبالغات التي يطلقها بعض من ينتمي إلى الحديث في حق خصومهم، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 392 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ سَجَّادَةَ، فَقَالَ: صَاحِبُ سُنَّةٍ، مَا بَلَغَنِي عَنْهُ إِلاَّ خَيْرٌ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ وثِقَاتِهِم فِي زَمَانِهِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ حُسَيْنٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، قَالَ: قُرِئَ علَى يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُمُ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ سَجَّادَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الوَضَّاحِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ هَاشِمٍ الجَنْبِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ تَأْتِي قَوْماً، فَتَسْتَعِيْرُ مِنْهُمُ الحُلِيَّ، ثُمَّ تُمْسِكُهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لِتَتُبْ هَذِهِ المَرْأَةُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُوْلِهِ، وَتَرُدَّ عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُم، قُمْ يَا فُلاَنُ، فَاقْطَعْ يَدَهَا) . أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَجَّادَةَ، فَوَقَعَ بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. تُوُفِّيَ سَجَّادَةُ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   = والمحققون منهم لا يرتضون ذلك، كما أن جمهور أهل العلم لا يكفرون من يقول بمثل هذه المقالة. وقد نبه المصنف، رحمه الله، في أكثر من موضع على ذلك. (1) 8 / 71 في حدود السرقة: باب ما يكون حرزا وما لا يكون. وعمرو بن هاشم الجنبي ضعيف، وباقي رجاله ثقات، لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه أحمد 2 / 151، وأبو داود (4395) ، والنسائي 8 / 70، 71 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بقطع يدها، وأخرجه مسلم (1688) (10) من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن تقطع يدها. وإلى هذا الحديث ذهب إسحاق بن راهويه، فقال: يجب القطع على المستعير إذا جحد العارية، وهو قول للامام أحمد 8 / 240. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 393 86 - أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ بنِ كُرَيْبٍ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو كُرَيْبٍ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَهُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الأَجْلَحِ، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنزِلُ إِلَى: طَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ القَطَوَانِيِّ. وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَارْتَحَلَ. وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَمُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً عَنْ هَذَيْنِ عَنْهُ، وَمُطَيَّنٌ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى التُّسْتَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُشْتِيُّ، وَبَدْرُ بنُ   (*) طبقات ابن سعد 6 / 289، التاريخ الكبير 1 / 205، التاريخ الصغير 2 / 386، الجرح والتعديل 8 / 52، تهذيب الكمال، ورقة: 1254، تذكرة الحفاظ 2 / 497، 498، العبر 1 / 453، الوافي بالوفيات 4 / 99، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 197، تهذيب التهذيب 9 / 385، 386، النجوم الزاهرة 2 / 318، طبقات الحفاظ: 217، خلاصة تذهيب الكمال: 355، شذرات الذهب 2 / 119. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 394 الهَيْثَمِ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَحَمْدَانُ بنُ غَارِمٍ البُخَارِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَانَ البَجَلِيُّ، وَابْنُ نَاجِيَةَ، وَالقَاسِمُ المُطَرِّزُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحِمْيَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا المُحَارِبِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَوْ حَدَّثتُ عَمَّنْ أَجَابَ فِي المِحْنَةِ، لَحَدَّثتُ عَنِ اثْنَيْنِ: أَبُو مَعْمَرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، أَمَّا أَبُو مَعْمَرٍ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ مَا أَجَابَ يَذُمُّ نَفْسَه عَلَى إِجَابَتِه وَامْتِحَانِه، وَيُحَسِّنُ أَمْرَ مَنْ لَمْ يُجِبْ. وَأَمَّا أَبُو كُرَيْبٍ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ دِيْنَارَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَتَرَكَهُمَا لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ. قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: مَا بِالعِرَاقِ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَلاَ أَعْرَفُ بِحَدِيْثِ بَلَدِنَا مِنْهُ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ بَعْدَ إِسْحَاقَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَنْ أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتَ بِالعِرَاقِ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُقْدَةَ يُقَدِّمُ أَبَا كُرَيْبٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 395 فِي الحِفْظِ وَالكَثْرَةِ عَلَى جَمِيْعِ مَشَايِخِهِم، وَيَقُوْلُ: ظَهَرَ لأَبِي كُرَيْبٍ بِالْكُوْفَةِ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَامِدِ بنِ إِدْرِيْسَ البُخَارِيُّ: عَنْ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ: غَلَبَتِ اليُبُوسَةُ مَرَّةً عَلَى رَأْسِ أَبِي كُرَيْبٍ، فَجِيْءَ بِالطَّبِيْبِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّفَ رَأْسُهُ بِالفَالُوْذَجِ. قَالَ: فَفَعَلُوا. قَالَ: فَتَنَاوَلَه مِنْ رَأْسِهِ، وَوَضَعَه فِي فِيْهِ، وَقَالَ: بَطنِي أَحوَجُ إِلَيْهِ مِنْ رَأْسِي. قُلْتُ: بَلَغَ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَعَنْهُ قَالَ: أَتَيتُ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ سوَادَ القَضَاءِ (1) ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَكُنْتُ سَافَرْتُ أُرِيْدُ أفْرِيْقِيَةَ. قَالَ مُطَيَّنٌ: أَوْصَى أَبُو كُرَيْبٍ بِكُتُبِهِ أَنْ تُدفَنَ، فَدُفِنَتْ. قُلْتُ: فَعَلَ هَذَا بِكُتُبِه مِنَ الدَّفْنِ وَالغَسلِ وَالإِحرَاقِ عِدَّةٌ مِنَ الحُفَّاظِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا مُحَدِّثٌ قَلِيْلُ الدِّيْنِ، فَيُغَيِّرَ فِيْهَا، وَيَزِيْدَ فِيْهَا، فَيُنْسَبَ ذَلِكَ إِلَى الحَافِظِ، أَوْ أَنَّ أُصُوْلَه كَانَ فِيْهَا مَقَاطِيعُ وَوَاهِيَاتٌ مَا حَدَّثَ بِهَا أَبَداً، وَإِنَّمَا انْتَخَبَ مِنْ أُصُوْلِه مَا رَوَاهُ وَمَا بَقِيَ، فَرَغِبَ عَنْهُ، وَمَا وَجَدُوا لِذَلِكَ سِوَى الإِعدَامِ. فَلِهَذَا وَنَحْوِهِ دَفَنَ -رَحِمَهُ اللهُ- كُتُبَهُ. قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي يَوْمِ الثُّلاَثَاءِ، لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى. وَمَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ. وَعَاشَ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ   (1) كان القضاة في العصر العباسي يلبسون السواد، لأنه شعار الدولة العباسية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 396 اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى القَاضِي أَبِي القَاسِمِ بَدْرِ بنِ الهَيْثَمِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثَكُم مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ بنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ سُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى رَجُلٌ صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا، وَإِنَّ فِيْهَا لَمَجْمَعَ الحُوْرِ العِيْنِ، يَرْفَعْنَ أَصْوَاتاً لَمْ تَسْمَعِ الخَلاَئِقُ مِثْلَهَا: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيْدُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسْ؛ فَطُوْبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ (1)) . قَالَ لَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ: هَذَا الحَدِيْثُ رَفَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَقَّفَهُ ابْنُ فُضَيْلٍ. حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو القَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنِ النُّعْمَانِ بن سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوْقاً مَا فِيْهَا بَيْعٌ وَلاَ شِرَاءٌ إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مَنِ اشْتَهَى صُوْرَةً، دَخَلَ فِيْهَا) (2) .   (1) إسناده ضعيف، وعبد الرحمن بن إسحاق هو ابن شيبة الواسطي الأنصاري، ضعفه أحمد وابن معين وابن سعد ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائي وابن حبان. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه. وشيخه فيه - وهو النعمان بن سعد - لم يرو عنه غيره، ولم يوثقه غير ابن حبان، فلا يحتج بخبره. وأخرجه الترمذي (2550) و (2564) من طريق أحمد بن منيع وهناد، عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، وقال: هذا حديث غريب. وفي الباب: عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس. وانظر " حادي الارواح " ص: 250، 252 لابن القيم. (2) ضعيف كسابقه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 397 أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحْدَه، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، جَعَلَهُ حَدِيْثَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: (بَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، فَوَافَقْنَاهُ. 87 - الحُلْوَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ (2) * (خَ، م، د، ق، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهُذَلِيُّ، الرَّيْحَانِيُّ، الخَلاَّلُ، المُجَاوِرُ بِمَكَّةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَزْهَرَ السَّمَّانِ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَلَمْ يَلْحَقْ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى النَّسَائِيِّ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو   (1) رقم (1732) في الجهاد والسير: باب في الامر بالتيسير وترك التنفير. (2) بضم الحاء المهملة، وسكون اللام، والنون بعد الواو والالف، كما ضبطها السمعاني، وهي نسبة إلى حلوان، وهي بلدة كبيرة آخر حدود السواد، مما يلي الجبال من بغداد، انظر " معجم البلدان ". (*) التاريخ الصغير 2 / 378، الجرح والتعديل 3 / 21، تاريخ بغداد 7 / 365، 366، الأنساب 4 / 214، تهذيب الكمال ورقة: 276، تذكرة الحفاظ 2 / 522، العبر 1 / 437، تذهيب التهذيب 1 / 142، العقد الثمين 4 / 165، تهذيب التهذيب 2 / 302، 304، طبقات الحفاظ: 228، خلاصة تذهيب الكمال: 79. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 398 جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ البُخَارِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُجَدَّرِ، وَيَحْيَى بنُ الحَسَنِ النَّسَّابَةُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مُتْقِناً. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَالِماً بِالرِّجَالِ، وَلاَ يَسْتَعمِلُ عِلمَهُ (1) . قُلْتُ: لاِشْتِغَالِهِ - لَعَلَّ - بِالاسْتِعْدَادِ لِلْعُبُورِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ الحَافِظُ: بَقِيَ اليَوْمَ فِي الدُّنْيَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ بِخُرَاسَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ بِأَصْبَهَانَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ بِمَكَّةَ. قُلْتُ: مَاتَ الحُلْوَانِيُّ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ عُمَرَ بِبَعْلَبَكَّ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرَةَ بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ، وَهِيَ شَاكِيَةٌ، فَقَالَ: (حُجِّي، وَاشْتَرِطِي، وَقُوْلِي: مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) (2) .   (1) في الأصل: " عمله " وهو خطأ، والتصحيح من " تهذيب الكمال ". (2) وأخرجه أبو داود (1776) ، والترمذي (941) ، كلاهما من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن ضباعة بنت الزبير أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يارسول الله، إني أريد الحج، أأشترط؟ قال: نعم. قالت: فكيف أقول؟ قال: " قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني ". وأخرجه مسلم (1208) من طريق ابن جريح، عن أبي الزبير، عن طاووس وعكرمة، عن ابن عباس. وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 399 عِمْرَانُ بنُ أَبَانٍ صُوَيْلِحٌ، وَمُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ (1) . 88 - الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثِ بنِ الحَسَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ قُطْبَةَ * (خَ، م، د، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمَّارٍ الخُزَاعِيُّ، المَرْوَزِيُّ، مَوْلَى عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، مَوْلَى الحَسَنِ بنِ ثَابِتِ بنِ قُطْبَةَ، مَوْلَى عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَبِي حَازِمٍ، وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مُحَمَّدٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَالفَضْلَ السِّيْنَانِيَّ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَةُ - سِوَى ابْنِ مَاجَهْ - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَالبَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ مَتَّوَيْه، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ.   = يزيد، عن عمرو بن هرم، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس. وأخرجه أيضا من طريق رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن ابن عباس. وفي الباب عن عائشة عند البخاري 9 / 114، ومسلم (1207) . وقولها: محلي حيث حبستني، أي: موضع إحلالي من الأرض حيث حبستني، أي هو المكان الذي عجزت عن الاتيان بالمناسك، وانحبست عنها بسبب قوة المرض. (1) أي: إنه صويلح مثله. وهذه الكلمة لاتعني التوثيق، وإنما يراد بها خفة الضعف، بحيث يصلح الموصوف بها للمتابعة، فإذا جاء متن الحديث من طريق آخر غير طريقه، يتقوى ويصلح. وهذا الحديث من هذا القبيل. (*) التاريخ الكبير 2 / 393، الجرح والتعديل 3 / 50، 51، تاريخ بغداد 8 / 36، 37، تهذيب الكمال، ورقة: 286، 287، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 147، تهذيب التهذيب 2 / 333، 334، خلاصة تذهيب الكمال: 82، شذرات الذهب 2 / 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 400 وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي المَنَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيْضٌ وَعِمَامَةٌ خَضْرَاءُ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَمْ يَحْسَبُوْنَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُوْنَ} [الزُّخْرُفُ: 80] . فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ مِنْ مَوْضِعِ القَبْرِ: حَقّاً قُلْتَ، يَا زَيْنَ أَرْكَانِ الجِنَانِ. قُلْتُ: مَاتَ أَبُو عَمَّارٍ بِقَرْمِيْسِيْنَ (1) ، مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجِّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 89 - عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ * (م، ت، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ البَصْرِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ، المُجَاوِرُ، مَوْلَى الأَنْصَارِ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيُوْسُفَ بنَ عَطِيَّةَ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمُعَةَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) بفتح القاف، وسكون الراء، وكسر الميم، وياء مثناة من تحت، وسين مهملة مكسورة، وياء أخرى ساكنة، ونون، هو تعريب كرمان شاهان، بلد معروف، بينه وبين همذان ثلاثون فرسخا، قرب الدينور، وهي بين همذان وحلوان. (*) التاريخ الكبير 6 / 109، التاريخ الصغير 2 / 387، الجرح والتعديل 6 / 32، 33، تهذيب الكمال، ورقة: 763، العبر 1 / 451، تذهيب التهذيب 2 / 199، العقد الثمين 5 / 325، تهذيب التهذيب 5 / 104، خلاصة تذهيب الكمال: 221، شذرات الذهب 2 / 118. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 401 وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضاً عَنْ: خَيَّاطِ السُّنَّةِ، عَنْهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرَعَ قِرَاءةً مِنْهُ، وَمِنْ بُنْدَارَ. قَالَ السَّرَّاجُ: مَاتَ بِمَكَّةَ، فِي أَوَّلِ شَهْرِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. أَبُوْهُ: 90 - أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ العَطَّارُ * (خَ، ت، س، ق) جَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ. ورَوَى عَنْ: جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَمُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، وَنَافِعِ بنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو يَحْيَى بنُ أَبِي مَسَرَّةَ، وَالكُدَيْمِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، وَخَلْقٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ.   (*) التاريخ الكبير 6 / 518، الجرح والتعديل 6 / 358، الأنساب 8 / 474، 475، تهذيب الكمال، ورقة: 1073، تذهيب التهذيب 3 / 125، / 1، العقد الثمين 6 / 449، 450، خلاصة تذهيب الكمال: 300. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 402 91 - المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحِ بنِ سَرْحَانَ السُّلَمِيُّ التَّلُّمَنَّسِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، التَّلُّمَنَّسِيُّ (1) ؛ نِسبَةًَ إِلَى قَريَةٍ مِنْ قُرَى حِمْصَ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَحَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ - وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ - وَأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ أَسْبَاطٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ذُو النُّوْنِ المِصْرِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ تَمَّامٍ البَهْرَانِيُّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ هِشَامِ بنِ اللَّيْثِ الفَارِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يُخطِئُ كَثِيْراً، فَإِذَا قِيْلَ لَهُ، لَمْ يَقبَلْ. وَكَانَ النَّسَائِيُّ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ، وَيَقُوْلُ: النَّاسُ يُؤذُونَنَا فِيْهِ. وَذَكَرَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ، فَأَوْرَدَ لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ مَنَاكِيْرَ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجُو أَنَّ بَاقِي حَدِيْثِه مُسْتَقِيْمٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكتَبُ حَدِيْثُه. وَسَمِعْتُ أَبَا عَرُوْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ المُسَيَّبُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ بِشَيْءٍ يَعْرِفُهُ، وَيَقِفُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ اللهِ القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ المُسَيَّبَ بنَ وَاضِحٍ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ مِنْ تَلُّمَنَّسَ أُرِيدُ مِصْرَ لِلِقَاءِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَأُخْبِرْتُ بِمَوْتِهِ.   (*) التاريخ الصغير 2 / 385، الضعفاء، ورقة: 382، الجرح والتعديل 8 / 294، ميزان الاعتدال 4 / 116، العبر 1 / 448، لسان الميزان 6 / 40، 41. (1) نسبة إلى " تل منس "، بفتح الميم، وتشديد النون المفتوحة، وسين مهملة، وهي حصن قرب معرة النعمان. وقال الحافظ أبو القاسم: تل منس قرية من قرى حمص، ينسب إليها المسيب بن واضح. انظر " معجم البلدان ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 403 قَالَ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، فَقَالَ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ (سُنَنِهِ) : فِيْهِ ضَعْفٌ. المُسَيَّبُ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعاً: أَنَّهُ كَرِهَ شَمَّ الطَّعَامِ. وَقَالَ: إِنَّمَا يَشَمُّ السِّبَاعُ (1) . المُسَيَّبُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنِ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ بَنَى فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ، كُلِّفَ نَقْلَ البُنْيَانِ إِلَى المَحْشَرِ (2)) . المُسَيَّبُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ، فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ (3)) . صَوَابُهُ مَوقُوفٌ. مَاتَ المُسَيَّبُ: فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِحِمْصَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍِ حُضُوراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هِشَامٍ بِصُوْر، حَدَّثَنَا المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، حَدَّثَنَا   (1) أورده ابن عدي في " الكامل " ورقة: 333 من حديث المسيب بن واضح في جملة ما يستنكر من حديثه. (2) انظر الحديث في " الكامل "، ورقة: 333، 334. (3) الحديث في " الكامل "، ورقة: 334، ثم أورد من منكراته أحاديث أخرى، وقال: والمسيب بن واضح له حديث كثير عن شيوخه، وعامة ما خالف فيه الناس هو ما ذكرته، لا يتعمده، بل كان يشتبه عليه، وهو لا بأس به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 404 إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا سُمِعَ بِالفَالُوْذَجِ، أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتُفْتَحُ لَهُمُ الأَرْضُ، وَمَا يَكْثُرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُوْنَ الفَالُوْذَجَ. قَالَ: (وَمَا الفَالُوْذَجُ؟) . قَالَ: يَخْلُطُوْنَ العَسَلَ وَالسَّمْنَ جَمِيْعاً. فَشَهَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ شَهْقَةً. هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَهْ. 92 - أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ بُرْدٍ اليَشْكُرِيُّ مَوْلاَهُمُ، السَّرَخْسِيُّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَمُعَاذَ بنَ هِشَامٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحْلَةِ، مِنْ أَوْعيَةِ العِلْمِ، وَمِنْ دُعَاةِ السُّنَّةِ. وَفِي النُّسْخَةِ بِكِتَابِ (أَفْعَالِ العِبَادِ) لِلْبُخَارِيِّ: أَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ هَكَذَا، وَمَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَحِقَ حَمَّاداً.   (1) رقم (3340) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك السلمي عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن يحيى، عن ابن عباس. قال البوصيري في " الزوائد "، ورقة: 207: عبد الوهاب قال فيه أبو داود: يضع الحديث، وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات من طريق إسماعيل بن عياش به، وقال: هذا حديث باطل لاأصل له. (*) التاريخ الكبير 5 / 383، التاريخ الصغير 2 / 376، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح والتعديل 5 / 317، طبقات الحنابلة 1 / 198، تهذيب الكمال، ورقة: 880، تذكرة الحفاظ 2 / 500، 501، العبر 1 / 436، تذهيب التهذيب 2 / 264، 265، تهذيب التهذيب 7 / 16، خلاصة تذهيب الكمال: 250، شذرات الذهب 2 / 99. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 405 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، قَلَّ مَنْ كَتَبْنَا عَنْهُ مِثْلَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا نَيْسَابُوْرَ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَلاَ أَتْقَنُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: هُوَ الَّذِي أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِسَرَخْسَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ: كَانَ أَبُو قُدَامَةَ إِمَاماً، فَاضِلاً، خَيِّراً. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ أَبُو قُدَامَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ غَيْرُهُ: بِفِرَبْرَ. وَيَقَعُ لِي مِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ فِي (صِفَةِ المُنَافِقِ) . 93 - عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ بنَ وَاقِدٍ الكِلاَبِيُّ * (خَ، م، س) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلاَبِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُقْرِئُ. تَلاَ عَلَى: الكِسَائِيِّ. وَحَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَزِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَكَّائِيِّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى   (*) التاريخ الكبير 6 / 332، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 6 / 233، تهذيب الكمال، ورقة: 1034، 1035، العبر 1 / 427، تذهيب التهذيب 3 / 99، تهذيب التهذيب 8 / 35، خلاصة تذهيب الكمال: 289، شذرات الذهب 2 / 90. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 406 الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: كَانَ رَجُلاً قَصِيْراً، إِلَى أُدْمَةٍ مَا هُوَ، طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، لاَ يَخْضِبُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، مَا رَأَيْتُهُ يَتَبَسَّمُ فِيْهَا. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ: أَبَا عُبَيْدَةَ الحَدَّادَ، وَهُشَيْماً، ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. قَالَ: وَقَرَأَ عَلَى الكِسَائِيِّ، وَقَدْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَعْقَابِهِ جَمَاعَةً. قَالَ السَّرَّاجُ: كَانَ فِيْهِ زعَارَّةٌ (1) . وَقَالَ دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى عَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْماً، فَضَحِكَ رَجُلٌ، فَقَالَ عَمْرٌو: هَبِ التَّحَرُّجَ، أَلَيْسَ التُّقَى؟ هَبِ التُّقَى، أَلَيْسَ الحَيَاءُ؟ ثُمَّ قَامَ، وَدَخَلَ (2) . قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ لِلزَّعِرِ الأَخْلاَقِ: هَبْ حُسْنَ الخُلُقِ ذَهَبَ، أَلَيْسَ الحِلْمُ؟ وَهَبِ الحِلْمَ ذَهَبَ، أَلَيْسَ العَفْوُ؟ قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 94 - عُمَر بنُ زُرَارَةَ أَبُو حَفْصٍ الحَدَثِيُّ * المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو حَفْصٍ الحَدَثِيُّ. هُوَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ، لَهُ   (1) يقال: في خلقه زعارة، بتشديد الراء وتخفيفها، أي شراسة وسوء خلق. (2) انظر الخبر في " تهذيب الكمال "، ورقة: 35، وفيه: ودخل الدار، ولم يحدثنا بحرف. (*) تاريخ بغداد 11 / 202، 203، العبر 1 / 434، اللباب 1 / 348، لسان الميزان 4 / 306. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 407 نُسْخَةٌ مَشْهُوْرَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ الكِنْدِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ القَاضِي، وَأَبِي المَلِيْحِ الرَّقِّيِّ، وَجَمَاعَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ. وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: شَيْخٌ مُغَفَّلٌ. سُئِلَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ (1) : مَا يَقُوْلُ الشَّيْخُ فِيْمَنْ جَعَلَ عُمَرَ بنَ زُرَارَةَ الحَدَثِيَّ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ الكِلاَبِيَّ؟ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الطَّبْلُ؟ فَقَالُوا لَهُ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّعِ (2) . 95 - سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ أَبُو الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ * (ت، س) الشَّاهُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ المُبَارَكِ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ - وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَنُوْحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ الهَرَوِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الطَّيِّبِ البَلْخِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) هو محدث خراسان، الامام الحافظ، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، شيخ الحاكم صاحب " المستدرك "، وهو صاحب كتاب " الكنى ". توفي سنة 378 هـ. (2) هو محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ، صاحب " المستدرك " وهو تلميذ أبي أحمد المتقدم. (*) التاريخ الكبير 4 / 148، التاريخ الصغير 2 / 372، الجرح والتعديل 4 / 239، تهذيب الكمال، ورقة: 565، العبر 1 / 432، تذهيب التهذيب 2 / 65، تهذيب التهذيب 4 / 280، خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات الذهب 2 / 94. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 408 وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِمَرْوَ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَرَوِيُّ الحَدَثَانِيُّ، فَالحَدَثَانِيُّ أَكْبَرُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا، وَالشَّاهُ أَوْثَقُهُمَا وَأَتْقَنُهُمَا. 96 - الأَنْطَاكِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، وَاعِظُ دِمَشْقَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ، الزَّاهِدُ. يَرْوِي عَنْ: أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَمَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، وَالهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحُنَيْنِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: أَدْرَكتُهُ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ صَاحِبَ مَوَاعِظَ وَزُهْدٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ يُكْنَى: أَبَا عَلِيٍّ - وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ - مِنْ أَقْرَانِ بِشْرٍ الحَافِي، وَسَرِيٍّ السَّقَطِيِّ. كَانَ يُقَالُ: هُوَ جَاسُوْسُ القُلُوْبِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ يَقُوْلُ: إِذَا صَارَتِ المُعَامَلَةُ إِلَى القَلْبِ، اسْتَرَاحَتِ الجَوَارِحُ، هَاهُ (1) غَنِيْمَةٌ بَارِدَةٌ،   (*) الجرح والتعديل 2 / 66، حلية الأولياء 9 / 280 وما بعدها، ميزان الاعتدال 1 / 106، البداية والنهاية 10 / 318، 319، طبقات الأولياء: 46، 47، طبقات الصوفية: 137، 140، طبقات الشعراني 1 / 97، الرسالة القشيرية: 23، خلاصة تذهيب الكمال: 8. (1) في " حلية الأولياء " 9 / 281: " هذه ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 409 أَصْلِحْ فِيْمَا بَقِيَ، يُغْفَرْ لَكَ مَا مَضَى، مَا أَغْبِطُ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ مَوْلاَهُ. وَعَنْهُ، قَالَ: يَسِيْرُ اليَقِيْنِ يُخْرِجُ كُلَّ الشَّكِّ مِنَ القَلْبِ. ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ: قِلَّةُ الخَوْفِ مِنْ قِلَّةِ الحُزْنِ فِي القَلْبِ، كَمَا أَنَّ البَيْتَ إِذَا لَمْ يُسْكَنْ، خَرِبَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَملَى عَلَيَّ أَحْمَدُ بنُ عَاصِمٍ الحَكِيْمُ: النَّاسُ ثَلاَثُ طَبَقَاتٍ: مَطْبُوْعٌ غَالِبٌ، وَهُمُ المُؤْمِنُوْنَ، فَإِذَا غَفِلُوا، ذَكَرُوا، وَمَطْبُوْعٌ مَغْلُوْبٌ، فَإِذَا بُصِّرُوا، أَبْصَرُوا، وَرَجَعُوا بِقُوَّةِ العَقْلِ، وَمَطْبُوْعٌ مَغْلُوْبٌ غَيْرُ ذِي طِبَاعٍ، وَلاَ سَبِيْلَ إِلَى رَدِّ هَذَا بِالمَوَاعِظِ. قُلْتُ: فَمَا الظَّنُّ إِذَا كَانَ وَاعِظُ النَّاسِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ عَبْدَ بَطْنِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَلَهُ قَلْبٌ عَرِيٌّ مِنَ الحُزْنِ وَالخَوْفِ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ فِسْقٌ مَكِيْنٌ، أَوِ انْحَلاَلٌ مِنَ الدِّيْنِ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَفْضَحَهُ اللهُ -تَعَالَى-. وَعَنْهُ: الخَيْرُ كُلُّهُ أَنْ تُزْوَى عَنْكَ الدُّنْيَا، وَيُمَنَّ عَلَيْكَ بِالقُنُوْعِ، وَتُصْرَفَ عَنْكَ وُجُوْهُ النَّاسِ. وَلَهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ مَوَاعِظُ نَافِعَةٌ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 97 - سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ سَهْلِ بنِ شَهْرَيَارَ * (م، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ،   (*) التاريخ الصغير 2 / 373، الجرح والتعديل 4 / 240، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 352، الكامل لابن عدي، ورقة: 185، 186، تاريخ بغداد 9 / 228، 232، تهذيب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 410 أَبُو مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، ثُمَّ الحَدَثَانِيُّ، الأَنْبَارِيُّ، نَزِيْلُ حَدِيْثَةِ النَّوْرَةِ، بُلَيْدَةٌ تَحْتَ عَانَةَ، وَفَوْقَ الأَنْبَارِ، رَحَّالٌ، جَوَّالٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ وَعِنَايَةٍ بِهَذَا الشَّأْنِ. لَقِيَ الكِبَارَ. وَحَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ بِـ (المُوَطَّأِ) ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ الحَسَنِ الهِلاَلِيِّ، وَسَوَّارِ بنِ مُصْعَبٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَحَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيِّ، وَعَبْدِ رَبِّهِ بنِ بارِقٍ، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي مَالِكٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَفَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالحَرَمَيْنِ وَالشَّامِ وَالعِرَاقِ وَمِصْرَ. رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيَّةُ - شَيْخُهُ - وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانئ، وَعُبَيْدٌ العِجْلُ، وَالحَسَنُ المَعْمَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ المِنْجَنِيْقيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَعْدِ الوَشَّاءُ - رَاوِي (المُوَطَّأِ) عَنْهُ - وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَجَبٍ الأَنْبَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالقَاسِمُ المُطَرِّزُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: عَرَضتُ عَلَى أَبِي أَحَادِيْثَ لِسُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ   = الكمال، ورقة: 563، تذكرة الحفاظ 2 / 454، 455، العبر 1 / 432، ميزان الاعتدال 2 / 248، 251، تذهيب التهذيب 2 / 64، تهذيب التهذيب 4 / 272، 275، النجوم الزاهرة 2 / 303، طبقات الحفاظ: 198، 199، خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات الذهب 2 / 94. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 411 ضِمَامِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لِي: اكتُبْهَا كُلَّهَا، أَوْ قَالَ: تَتَبَّعْهَا، فَإِنَّهُ صَالِحٌ، أَوْ قَالَ: ثِقَةٌ. قَالَ الحَسَنُ المَيْمُوْنِيُّ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- عَنْ سُوَيْدٍ، فَقَالَ: مَا عَلِمتُ إِلاَّ خَيْراً. فَقَالَ لَهُ: إِنْسَانٌ جَاءهُ بِكِتَابِ فَضَائِلَ، فَجَعَلَ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَوَّلَهَا (1) ، وَأَخَّرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَعَجِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: لَعَلَّهُ (2) أُتِيَ مِنْ غَيْرِهِ. قَالُوا لَهُ: وَثَمَّ تِلْكَ الأَشْيَاءُ؟ قَالَ: فَلِمَ تَسْمَعُونَهَا أَنْتُم، لاَ تَسْمَعُوهَا، وَلَمْ أَرَهُ يَقُوْلُ فِيْهِ إِلاَّ خَيْراً. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: كَانَ سُوَيْدٌ مِنَ الحُفَّاظِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَنْتَقِي عَلَيْهِ لِوَلَدَيْهِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللهِ يَخْتَلِفَانِ إِلَيْهِ، فَيَسْمَعَانِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، يَقُوْلُ: سُوَيْدٌ مَاتَ مُنْذُ حِيْنَ. قُلْتُ: عَنَى أَنَّهُ مَاتَ ذِكْرُهُ لِلِيْنِهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ بَقِيَ سُوَيْدٌ بَعْدَ يَحْيَى سَبْعَ سِنِيْنَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: هُوَ حَلاَلُ الدَّمِ. وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: هُوَ لاَ بَأْسَ بِهِ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَدُوْقاً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى السُّوْسِيُّ الخَزَّازُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكَ، فَاكْتُبْ عَنْهُ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ تَلْقِيْناً، فَلاَ. أَي: إِنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِيْنَ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ المَدِيْنِيُّ: سُئِلَ أَبِي عَنْ سُوَيْدٍ الأَنْبَارِيِّ، فَحَرَّكَ   (1) سقطت من الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " ورقة: 563. (2) في الأصل: " لعل "، وما أثبتناه من " تهذيب الكمال ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 412 رَأْسَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ: هَذَا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، أَوْ مِنْ كِتَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: هُوَ عِنْدِي لاَ شَيْءَ. قِيْلَ لَهُ: فَأَيْنَ حِفظُهُ ثَلاَثَ آلاَفٍ؟ قَالَ: هَذَا أَيْسَرُ، تُكَرَّرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: صَدُوْقٌ، مُضَّطَرِبُ الحِفْظِ، وَلاَ سِيَّمَا بَعْدَ مَا عَمِيَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يُدَلِّسُ، وَيُكْثِرُ ذَلِكَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَتَلَقَّنَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيْثهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ حَلاَلُ الدَّمِ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ عَمِيَ، فَكَانَ يُلَقَّنُ أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ. وَقَالَ الحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ: عَمِيَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَرُبَّمَا لُقِّنَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ بَصِيْرٌ، فَحَدِيْثُهُ عَنْهُ أَحْسَنُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: هُوَ شَيْخٌ، هُوَ سِدَادٌ مِنْ عَيْشٍ. وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُسِيْءُ القَوْلَ فِي سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَقَالَ: رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئاً لَمْ يُعْجِبْنِي. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ، مَرَرْتُ بِهِ، فَأَقَمتُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدِي أَحَادِيْثَ لاِبْنِ وَهْبٍ، عَنْ ضِمَامٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَكَ. فَقَالَ: ذَاكِرْنِي بِهَا. فَأَخْرَجتُ الكُتُبَ، وَأَقبَلتُ أُذَاكِرُهُ، فَكُلَّمَا كُنْتُ أُذَاكِرُهُ، كَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا بِهِ ضِمَامٌ، وَكَانَ يُدَلِّسُ حَدِيْثَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَحَدِيْثَ نِيَارِ بنِ مُكْرَمٍ، وَحَدِيْثَ عَبْدِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 413 اللهِ بنِ عَمْرٍو: (زُرْ غِبّاً (1)) . فَقُلْتُ: أَبُو مُحَمَّدٍ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الثَّلاَثَةَ أَحَادِيْثَ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَغَضِبَ. قَالَ البَرْذَعِيُّ: فَقُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ، فَأَيْشٍ حَالُهُ؟ قَالَ: أَمَّا كُتُبُهُ فَصِحَاحٌ، وَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ أُصُوْلَهُ، فَأَكْتُبُ مِنْهَا، فَأَمَّا إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، فَلاَ. وَقُلْنَا لاِبْنِ مَعِيْنٍ: إِنَّ سُوَيْداً يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَالَ فِي دِيْنِنَا بِرَأْيِهِ، فَاقْتُلُوْهُ) . فَقَالَ يَحْيَى: يَنْبَغِي أَنْ يُبْدَأَ بِهِ، فَيُقْتَلَ. فَقِيْلَ لأَبِي زُرْعَةَ: سُوَيْدٌ يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ إِسْحَاقَ بنِ نَجِيْحٍ (2) . فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثُ إِسْحَاقَ بنِ نَجِيْحٍ، إِلاَّ أَنَّ سُوَيْداً أَتَى بِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ. قُلْتُ: فَقَدْ رَوَاهُ لِغَيْرِكَ عَنِ ابْنِ نَجِيْحٍ. قَالَ: عَسَى قِيْلَ لَهُ، فَرَجَعَ. ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرْيَابِيَّ يَقُوْلُ: أَفَادَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ فِي قَطِيْعَةِ الرَّبِيْعِ (3) ، سَنَةَ إِحْدَى (4) وَثَلاَثِيْنَ، بِحَضرَةِ أَبِي زُرْعَةَ، وَجَمعٍ مِنْ رُؤَسَاءِ   (1) حديث: " زرغبا، تزدد حبا " من طريق ابن عمرو، أخرجه الطبراني، ورواه الطبراني في " الأوسط " والبيهقي من حديث أبي هريرة، والبزار، والبيهقي في " الشعب " عن أبي ذر، والطبراني والحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري، والطبراني في " الأوسط " عن ابن عمر، والخطيب البغدادي عن عائشة. وقد حسنه غير واحد من الأئمة بهذه الشواهد. انظر " المقاصد الحسنة ". (2) هو إسحاق بن نجيح الملطي، أحد الافاكين الجرآء على وضع الحديث. ترجم له المؤلف في " الميزان "، ونقل عن أحمد أنه من أكذب الناس. وقال ابن معين: معروف بالكذب ووضع الحديث. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال الفلاس: كان يضع الحديث صراحا، ثم أورد له عدة أحاديث من أباطيله، ومنها هذا الحديث. وقد أورده ابن عدي في " الكامل "، ورقة: 15 في ترجمة إسحاق بن نجيح هذا. ثم قال بعده: وهذه الرواية التي بلغت يحيى بن معين أن سويدا حدث به عن أبي الرجال، فقال يحيى: لو كان عندي سيف ودرقة، لغزوته. وإنما قال يحيى هذا لان ابن أبي الرجال لا يحتمل مثل هذه الرواية، وإسحاق ابن نجيح يحتمل. (3) وهي منسوبة إلى الربيع بن يونس، حاجب المنصور ومولاه، وكانت بالكرخ مزارع للناس. (4) في " الكامل ": " اثنتين ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 414 أَصْحَابِ الحَدِيْثِ حِيْنَ أَرَدْتُ أَنْ أَخرُجَ إِلَى سُوَيْدٍ، فَقَالَ: وَقِّفْهُ، وَتَثَبَّتْ مِنْهُ، هَلْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ؟ فَقَدِمْتُ عَلَى سُوَيْدٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُس، عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، شَرُّهَا قَوْمٌ يَقِيْسُوْنَ الرَّأْيَ، يَسْتَحِلُّوْنَ بِهِ الحَرَامَ، وَيُحَرِّمُوْنَ بِهِ الحَلاَلَ (1)) . فَوَقَفْتُ سُوَيْداً عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي بِهِ، وَدَارَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلاَمٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: فَهَذَا إِنَّمَا يُعرَفُ بِنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِيْهِ مِنْ جَرَّاهُ، ثُمَّ رَوَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، يُقَالُ لَهُ: الحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ، يُكْنَى أَبَا صَالِحٍ الخَوَاسْتِيَّ (2) ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ مِمَّنْ يُعْرَفُوْنَ بِسَرِقَةِ الحَدِيْثِ، مِنْهُم: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ، وَالنَّضْرُ بنُ طَاهِرٍ، وَثَالِثُهُم سُوَيْدٌ الأَنْبَارِيُّ. وَلِسُوَيْدٍ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ عَنْ شُيُوْخِهِ، رَوَى عَنْ مَالِكٍ (المُوَطَّأَ) وَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمِعَهُ خَلْفَ حَائِطٍ، فَضُعِّفَ فِي مَالِكٍ أَيْضاً، وَهُوَ إِلَى الضَّعِيْفِ أَقْرَبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: فِي القَلْبِ مِنْ سُوَيْدٍ مِنْ جِهَةِ التَّدْلِيْسِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي حَدِيْثِ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ الَّذِي يُقَالُ: تَفَرَّدَ بِهِ نُعَيمٌ (3) .   (1) أخرجه ابن عدي في " الكامل "، ورقة: 185، وهو في " الميزان " أيضا للمؤلف 4 / 268. (2) نسبة؟ ؟ " خواست "، من نواحي بلخ، ويقال: خواشت، بالشين، وخاست، وخاشت. انظر صالح م البلدان " و" أنساب " السمعاني. قال المؤلف في " ميزانه " 1 / 579: وثقه ابن منده، وأما ابن عدي، فإنه لوح في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن الوهبي بأنه ممن يسرق الحديث، لكن ما أفرد له في " الكامل " ترجمة وهو صدوق. (3) أي ابن حماد، يريد الحديث المتقدم، ونعيم ضعيف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 415 قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، فَقَالَ: تَكَلَّمَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ (1)) . قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ سُوَيْدٍ، وَجُرِّحَ سُوَيْدٌ؛ لِرِوَايَتِهِ لِهَذَا الحَدِيْثِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَلَمْ نَزَلْ نَظُنُّ أَنَّ هَذَا كَمَا قَالَ يَحْيَى، وَأَنَّ سُوَيْداً أَتَى أَمراً عَظِيْماً فِي رِوَايَةِ هَذَا، حَتَّى دَخَلْتُ مِصْرَ، فَوَجَدْتُ هَذَا الحَدِيْثَ فِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْقُوْبَ المِنْجَنِيْقيِّ) - وَكَانَ ثِقَةً - رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَتَخَلَّصَ سُوَيْدٌ. وَصَحَّ الحَدِيْثُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ حَدَّثَ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي يَعْقُوْبَ هَذَا (2) . قَالَ البُخَارِيُّ: حَدِيْثُ سُوَيْدٍ مُنْكَرٌ. وَقَدْ رَوَى: ابْنُ الجَوْزِيِّ، أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ قَالَ: هُوَ مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ. فَهَذَا النَّقلُ مَرْدُوْدٌ، لَمْ يَقُلْهُ أَحْمَدُ.   (1) هو في " الميزان " 2 / 250. (2) الحديث صحيح بشواهده، أخرجه الامام أحمد في " المسند " 3 / 3 و62 و64 و82، والترمذي (3771) من طريق الفضل بن دكين، عن سفيان، عن يزيد بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعيم الكوفي البجلي، عن أبي سعيد الخدري. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (2228) ، والحاكم 3 / 166، والذهبي المؤلف. وفي الباب عن حذيفة عند الترمذي (3773) وحسنه، وصححه ابن حبان (2229) ، وعن عبد الله ابن مسعود عند الحاكم 3 / 167 وصححه، ووافقه الذهبي، وعن قرة بن إياس، ومالك بن الحويرث، وجابر بن عبد الله، والحسين بن علي، والبراء بن عازب عند الطبراني، كما في " المجمع " 9 / 182، 184. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 416 وَمِنْ مَنَاكِيْرِ سُوَيْدٍ - وَهُوَ مَشْهُوْرٌ عَنْهُ -: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَوْ صَلَّيْتَ عَلَى أُمِّ سَعْدٍ. فَصَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ شَهْرٍ، وَكَانَ غَائِباً (1) . وَهَذَا لَمْ يُتَابَعْ سُوَيْدٌ عَلَيْهِ. سُوَيْدٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مَرْفُوْعاً: (المَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ) . رَوَاهُ: إِسْحَاقُ المِنْجَنِيْقيُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا رَوَى النَّاسُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِالإِسْنَادِ: (يَمْلِكُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي (2)) . أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ الأَصْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْدَى لأَبِي بَكْرٍ (3) . قَالَ الخَطِيْبُ: لَمْ يُتَابَعْ سُوَيْدٌ عَلَيْهِ. رَوَى: الحَسَنُ بنُ فَهْمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ - وَذَكَرَ سُوَيْداً - فَقَالَ: لاَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي حَدِيْثِ: (مَنْ قَالَ فِي دِيْنِنَا بِرَأْيِهِ، فَاقْتُلُوْهُ) (4)   (1) ذكره ابن عدي في " الكامل "، ورقة: 185 في ترجمة سويد بن سعيد. (2) هو في " الكامل "، ورقة: 185 في ترجمة سويد بن سعيد، وذكره المؤلف في " الميزان " 2 / 249، وأخرجه أبو داود (4282) ، والترمذي (2231) ، وسنده حسن. وقال الترمذي: حسن صحيح. (3) هو في " الميزان " للمؤلف 2 / 249 بلفظ: " ... أهدى جملا لأبي بكر ". (4) سبق تخريجه في الصفحة: 414، التعليق رقم (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 417 هَذَا الحَدِيْثُ الَّذِي قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَوْ وَجَدْتُ دَرَقَةً وَسَيْفاً، لَغَزَوْتُ سُوَيْداً الأَنْبَارِيَّ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ حَدِيْثُ: (مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ وَمَاتَ، مَاتَ شهيداً (1)) . ثُمَّ قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ يَحْيَى لَمَّا ذُكِرَ لَهُ هَذَا، قَالَ: لَوْ كَانَ لِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ، غَزَوْتُ سُوَيْداً. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قُلْتُ لِمُسْلِمٍ: كَيْفَ اسْتَجَزْتَ الرِّوَايَةَ عَنْ سُوَيْدٍ فِي (الصَّحِيْحِ) ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ كُنْتُ آتِي بِنُسْخَةِ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُخَرِّجَ لَهُ فِي الأُصُوْلِ، وَلَيْتَهُ عَضَدَ أَحَادِيْثَ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، بِأَنْ رَوَاهَا بِنُزُوْلِ دَرَجَةٍ أَيْضاً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَعْبَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلاَّ كَانَ فِيْهِمُ المُرْجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ يُشَوِّشُوْنَ عَلَيْهِ أَمْرَ أُمَّتِهِ، وَإِنَّ اللهَ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ سَبْعِيْنَ نَبِيّاً (2)) . وَهَذَا مُنْكَرٌ.   (1) أخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه " 5 / 156 و262 و6 / 50، 51 و13 / 184 وابن عساكر وغيرهما، من طرق عن سويد بن سعيد الحدثاني، حدثنا علي بن مسهر، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس. وسنده ضعيف لضعف سويد وأبي يحيى القتات. واتفق الأئمة المتقدمون من أهل الحديث على تضعيفه، وأعلوه بسويد. كما بسطه ابن القيم، رحمه الله، في " زاد المعاد " 4 / 275، 278 وحكم ببطلانه، وله طريق آخر عند الخرائطي في " اعتلال القلوب " من رواية يعقوب بن عيسى، وهو ضعيف لا تقوم به حجة، فقد ضعفه أهل الحديث، ونسبوه إلى الكذب. (2) أورده الذهبي في " الميزان " 2 / 250. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 418 ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ الحَسَنِ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ مَعْرُوْفٍ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ، فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا وَقَى بِهِ عِرْضَهُ، فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَعَلَى اللهِ خَلَفُهَا، إِلاَّ مَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ (1)) . غَرِيْبٌ جِدّاً. إِبرَاهيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى القَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهدٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (منْ عَشِقَ وَكَتَمَ وَعَفَّ وَصَبَرَ، غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ (2)) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ صَالِحٍ الدَّهَّانِ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِ البِرِّ، فَإذَا الصَّلاَةُ تُجْهِدُ البَدَنَ، وَلاَ تُجْهِدُ المَالَ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ. قَالَ: وَالحَجُّ يُجْهِدُ المَالَ وَالبَدَنَ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (3) . فَضْلُ الأَعْمَالِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ التَّوقِيفُ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيْثُ عِدَّةٌ، لَكِنْ إِذَا قُلْنَا مَثَلاً: أَفْضَلُ الأَعْمَالِ الصَّلاَةُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ المِقْدَارَ الَّذِي هُوَ مِنَ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ مَرَّةً. وَكَذَا إِذَا قُلْنَا: الصَّلاَةُ   (1) سويد، ضعيف، وشيخه فيه عبد الحميد بن الحسن ضعفه غير واحد، وأورده المؤلف في " الميزان " 2 / 250. (2) سبق تخريجه في الصفحة السابقة. (3) ذكره المؤلف في " الميزان " 2 / 251. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 419 أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، بَلِ المُسْلِمَانِ يَصُوْمَانِ يَوْماً، وَيُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ مِنَ النَّفْلِ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ لِمَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ سُوَيْدٌ يَوْمَ الفِطْرِ، سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِالحَدِيْثَةِ (1) . قَالَ البَغَوِيُّ: بَلَغَ مائَةَ سَنَةٍ. 98 - هِشَامُ بنُ عَمَّارِ بنِ نُصَيْرِ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ أَبَانٍ * (خَ، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، المُقْرِئُ، عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو الوَلِيْدِ السُّلَمِيُّ - وَيُقَالُ: الظَّفَرِيُّ - خَطِيْبُ دِمَشْقَ. نَقَلَ عَنْهُ البَاغَنْدِيُّ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ - وَتَمَّتْ لَهُ مَعَهُ قِصَّةٌ - وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ يَحْيَى الأُطْرَابُلْسِيِّ، وَمَعْرُوْفٍ أَبِي الخَطَّابِ صَاحِبِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ عَمَّارٍ القُرَظِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَرَدِيْحِ بنِ عَطِيَّةَ، وَرِفْدَةَ بنِ قُضَاعَةَ، وَالجَرَّاحِ بنِ مَلِيْحٍ البَهرَانِيِّ، وَالبَخْتَرِيِّ بنِ عُبَيْدٍ   (1) بفتح الحاء والثاء المثلثة، بينهما دال مكسورة، وهي بليدة كانت على دجلة بالجانب الشرقي، قرب الزاب الأعلى. قال ابن الكلبي: وإنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الانبار أيام الحجاج بن يوسف. انظر " معجم البلدان ". (*) طبقات ابن سعد 7 / 473، التاريخ الكبير 8 / 199، التاريخ الصغير 2 / 382، الجرح والتعديل 9 / 66، 67، تهذيب الكمال، ورقة: 1442، 1444، تذكرة الحفاظ 2 / 451، العبر 1 / 445، ميزان الاعتدال 4 / 302، 304، تذهيب التهذيب 10 / 345، معرفة القراء الكبار 1 / 160، 163، البداية والنهاية 10 / 345، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 354، تهذيب التهذيب 11 / 51، 54، النجوم الزاهرة 2 / 321، طبقات الحفاظ: 197، خلاصة تذهيب الكمال: 412، شذرات الذهب 2 / 109، 110. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 420 الطَّابِخِيِّ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَحَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ المُقْرِئِ، وَالحَسَنِ بنِ يَحْيَى الخُشَنِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ السَّعْدِيِّ، وَسَعْدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَسَعْدَانَ بنِ يَحْيَى، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ القَاضِي، وَصَدَقَةَ بنِ خَالِدٍ، وَشُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَعْيَنَ، وَأَيُّوْبَ بنِ تَمِيْمٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنِ بنِ يَحْيَى، وَمَسْلَمَةَ بنِ عَلِيٍّ الخُشَنِيّيْن، وَحَفْصِ بنِ عَمْرٍو البَزَّازِ، وَالحَكَمِ بنِ هِشَامٍ الثَّقَفِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَلْبِيِّ، وَحَمَّادٍ أَبِي الخَطَّابِ، وَالخَلِيْلِ بنِ مُوْسَى، وَزَكَرِيَّا بنِ مَنْظُوْرٍ، وَسَبْرَةَ الجُهَنِيِّ أَخُو حَرْمَلَةَ المَذْكُوْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ الفَضْلِ البَصْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسُلَيْمِ بنِ مُطَيْرٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ مُوْسَى الزُّهْرِيِّ، وَسَهْلِ بنِ هَاشِمٍ البَيْرُوْتِيِّ، وَشِهَابِ بنِ خِرَاشٍ، وَصَدَقَةَ بنِ عَمْرٍو، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ الجُمَحِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ المَكِّيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي العِشْرِيْنَ، وَعَبْدِ رَبِّهِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الجُوْنِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحُصَيْنِ، وَعَبْدِ المَلِكِ الصَّنْعَانِيِّ، وَعُثْمَانَ بنِ حِصْنٍ، وَعِرَاكِ بنِ خَالِدٍ، وَعَطَاءِ بنِ مُسْلِمٍ، وَالعَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَأَبِي نَوْفَلٍ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِيْهِ؛ عَمَّارٍ، وَعُمَرَ بنِ الدِّرَفْسِ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعُمَرَ بنِ مُغِيْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ وَاقِدٍ، وَعِيْسَى بنِ خَالِدٍ اليَمَامِيِّ، وَغَالِبِ بنِ غَزْوَان الثَّقَفِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الهَاشِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَابْنِ شَابُوْرَ (1) ،   (1) هو محمد بن شعيب بن شابور، بالمعجمة والموحدة، أموي دمشقي، نزل بيروت، صدوق صحيح الكتاب، من كبار التاسعة، مات سنة 200 هـ. انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " 9 / 222، 224. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 421 وَابْنِ سُمَيْعٍ (1) ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْنٍ القَزَّازِ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَالهَيْثَمِ بنِ عِمْرَانَ، وَوَزِيْرِ بنِ صَبِيْحٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَعِدَّةٍ سِوَاهُم مَذْكُوْرِيْنَ فِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ) ، وَفِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) . فَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ طَلَبِه لِلْعِلْمِ وَهُوَ حَدَثٌ، قَبْلَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَفِيْهَا، وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: أَيُّوْبَ بنِ تَمِيْمٍ، وَعَلَى: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَجَمَاعَةٍ، سَيَأْتِي ذِكْرُهُم فِي أَثْنَاءِ تَرْجَمَتِه. تَلاَ عَلَى هِشَامٍ طَائِفَةٌ، مِنْهُم: أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ الحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَهَارُوْنُ الأَخْفَشُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ الحُوَيْرِسِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَامُوْيَةَ، وَطَائِفَةٌ. وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بِنَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ - وَمَاتَ قَبْلَهُ ببِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً - وَمُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ كَذَلِكَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ كَذَلِكَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ الكُتُبِ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، وَلَمْ يَلْقَهُ مُسْلِمٌ، وَلاَ ارْتَحَلَ إِلَى الشَّامِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ دَخَلَ دِمَشْقَ.   (1) هو محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، بالتصغير، صدوق يخطئ ويدلس، من التاسعة، مات سنة أربع، وقيل: سنة ست ومئتين. انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " 9 / 390، 392. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 422 نَعَمْ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بَشَرٌ كَثِيْرٌ، وَجَمٌّ غَفِيْرٌ، مِنْهُم: وَلدُهُ؛ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالرَّازِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَدُحَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، وَالذُّهْلِيُّ، وَنُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى البَلاَذُرِيُّ المُؤَرِّخُ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي حَسَّانٍ الأَنْمَاطِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْتِيُّ القَاضِي، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ البُشْتِيُّ - بِمُعْجَمَةٍ - وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَجُمَاهَرُ بنُ أَحْمَدَ الزَّمْلَكَانِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ القَطَّانُ، وَالحُسَيْنُ بنُ الهَيْثَمِ الرَّازِيُّ الكِسَائِيُّ، وَحَمْدَانُ بنُ غَارِمٍ البُخَارِيُّ، وَخَالِدُ بنُ رَوْحٍ الثَّقَفِيُّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَسَعْدٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَذْلَمَ (1) ، وَسَلاَّمَةُ بنُ نَاهِضٍ المَقْدِسِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بنُ الحُسَيْنِ الإِسْتِرَابَاذِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّابٍ الزِّفْتِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طُوَيْطٍ الرَّمْلِيُّ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عُمَرَ المَازِنِيُّ، وَأَبُو الأَصْبَغِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ ثَابِتٍ الرَّازِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ الرَّازِيُّ فَضْلَكْ، وَقُسْطَنْطِيْنُ الرُّوْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ بنِ فَيَّاضٍ الوَرَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ يُوْسُفَ الأُرْمَوِيُّ (2) ، وَابْن قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ العُقَيْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَيْبَةَ الرَّاهبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ أَبِي عِصْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوْسِ بنِ جَرِيْرٍ الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَيْرٍ   (1) في الأصل: " حذيم " والتصحيح من ابن ماكولا و" التهذيب ". (2) في " التهذيب ": " الأموي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 423 الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْنٍ الوَحِيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ القُرْطُبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ رَزِيْنٍ الحِمْصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ بَشِيْرٍ الهَرَوِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ سُمَيْعٍ الحَافِظُ، وَأَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجُوْنِيُّ، وَنَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا - نَزِيْلُ بُخَارَى - وَهُمَيْمُ بنُ هَمَّامٍ الآمُلِيُّ، وَوُرَيْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَغِيْرٍ الحَلَبِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِيْمَا نَقَلَه مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ الجُنَيْدِ. وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: كَيِّسٌ كَيِّسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَدُوْقٌ، كَبِيْرُ المَحَلِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لَمَّا كَبِرَ، تَغَيَّرَ، وَكُلُّ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ، قَرَأَهُ، وَكُلُّ مَا لُقِّنَ، تَلَقَّنَ، وَكَانَ قَدِيْماً أَصَحَّ. كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كِتَابِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ كَيِّسٌ. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ أَبُو أَيُّوْبَ خَيْرٌ مِنْهُ، هِشَامٌ حَدَّثَ بِأَرْجَحَ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ حَدِيْثٍ، لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ مُسْنَدَةٌ كُلُّهَا، كَانَ فَضْلَكُ يَدُوْرُ عَلَى أَحَادِيْثِ أَبِي مُسْهِرٍ وَغَيْرِهِ، يُلَقِّنُهَا هِشَاماً، وَيَقُوْلُ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي (1) ، قَدْ رُوِيَ، فَلاَ أُبَالِي مَنْ حَمَلَ الخَطَأَ.   (1) كذا في الأصل، وهو موافق لما في " تهذيب الكمال ". وفي تذهيب المؤلف، وتهذيب ابن حجر: " حديثي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 424 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: عَنْ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ فَضْلَكُ يَدُوْرُ بِدِمَشْقَ عَلَى أَحَادِيْثِ أَبِي مُسْهِرٍ وَالشُّيُوْخِ يُلَقِّنُهَا هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، فيُحَدِّثُهُ بِهَا. وَكُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَفْتِقَ فِي الإِسْلاَمِ فَتْقاً. أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَلَيْسَ بِالكَذُوْبِ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. وَقَالَ هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ. قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ الفُرَاتِ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ المُقْرِئُ، لَمَّا تُوُفِّيَ أَيُّوْبُ بنُ تَمِيْمٍ -يَعْنِي: مُقْرِئَ دِمَشْقَ- رَجَعَتِ الإِمَامَةُ حِيْنَئِذٍ إِلَى رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُشْتَهِرٌ بِالقِرَاءةِ وَالضَّبْطِ، وَهُوَ ابْنُ ذَكْوَانَ، فَائْتَمَّ النَّاسُ بِهِ، وَالآخَرُ مُشْتَهِرٌ بِالنَّقْلِ وَالفَصَاحَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَالعِلْمِ، وَالدِّرَايَةِ، وَهُوَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَكَانَ خَطِيْباً بِدِمَشْقَ، رُزِقَ كِبَرَ السِّنِّ، وَصِحَّةَ العَقْلِ وَالرَّأْيِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي نَقْلِ القِرَاءةِ وَالحَدِيْثِ. نَقَلَ القِرَاءةَ عَنْهُ: أَبُو عُبَيْدٍ، قَبْلَ مَوْتِ هِشَامٍ بِنَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَحَدَّثَ عَنْهُ: هُوَ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرَ. وَكَانَ ابْنُ ذَكْوَانَ يُفَضِّلُهُ، وَيَرَى مَكَانَهُ؛ لِكِبَرِ سِنِّهِ. وُلِدَ: قَبْلَهُ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً. فَأَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ: أَيُّوْبَ تِلاَوَةً، كَمَا أَخَذَهَا ابْنُ ذَكْوَانَ، وَزَادَ عَلَيْهِ بِأَخذِهِ القِرَاءةَ عَنِ: الوَلِيْدِ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَصَدَقَةَ بنِ هِشَامٍ - كَذَا قَالَ، وَأَظنُّهُ أَرَادَ: صَدَقَةَ بنَ خَالِدٍ - وَعِرَاكِ بنِ خَالِدٍ، وَصَدَقَةَ بنِ يَحْيَى، وَمُدْرِكِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ. وَكُلُّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةٌ، قَرَؤُوا عَلَى يَحْيَى بنِ الحَارِثِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ ذَكْوَانَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامَةِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 425 هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ فِي القِرَاءةِ وَالنَّقْلِ. وَتُوُفِّيَ بَعْدَهُ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: هِشَامٌ عَظِيْمُ القَدْرِ، بَعِيْدُ الصِّيْتِ، وَغَيْرُهُ أَتْقَنُ مِنْهُ وَأَعدَلُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) : سَمِعْتُ قُسْطَنْطِيْنَ بنَ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى المُعْتَمِدِ يَقُوْلُ: حَضَرتُ مَجْلِسَ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، فَقَالَ المُسْتَمْلِي: مَنْ ذَكَرْتَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا، ثُمَّ نَعَسَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَنْ ذَكَرْتَ؟ فَنَعَسَ، فَقَالَ المُسْتَمْلِي: لاَ تَنْتَفِعُوا بِهِ، فَجَمَعُوا لَهُ شَيْئاً فَأَعطَوْهُ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْلِي عَلَيْهِم حَتَّى يَمَلُّوا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدِ بنِ مَعْدَانَ الأَصْبَهَانِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ يَقُوْلُ: عَزَمْتُ زَمَاناً أَنْ أُمْسِكَ عَنْ حَدِيْثِ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ؛ لأَنَّه كَانَ يَبِيْعُ الحَدِيْثَ. قُلْتُ: العَجَبُ مِنْ هَذَا الإِمَامِ مَعَ جَلاَلَتِهِ، كَيْفَ فَعَلَ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً، وَلَهُ اجْتِهَادُهُ. قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: كَانَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ يَأْخُذُ عَلَى الحَدِيْثِ، وَلاَ يُحَدِّثُ مَا لَمْ يَأْخُذْ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، حَدِّثْنِي بِحَدِيْثٍ لِعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الجعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، قَالَ: عَلِّمْ مَجَّاناً كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً. قَالَ: تَعرَّضْتَ بِي يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ فَقُلْتُ: مَا تَعَرَّضْتُ، بَلْ قَصَدتُكَ. وَقَالَ صَالِحٌ أَيْضاً: كُنْتُ شَارَطْتُ هِشَاماً أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْهِ بِانْتِخَابِي وَرَقَةً، فَكُنْتُ آخُذُ الكَاغَدَ الفِرْعَوْنِيَّ (1) ، وَأَكْتُبُ مُقَرْمَطاً، فكَانَ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، أَقْرَأُ   (1) نسبة إلى الورق المصري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 426 عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ العَتَمَةَ، فَإذَا صَلَّى العَتَمَةَ، يَقْعُدُ، وَأَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَيَقُوْلُ: يَا صَالِحُ، لَيْسَ هَذِهِ وَرَقَةٌ، هَذِهِ شُقَّةٌ. الإِسْمَاعِيْلِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ، قَالَ: كَانَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ يُلَقَّنُ، وَكَانَ يُلَقَّنُ كُلَّ شَيْءٍ مَا كَانَ مِنْ حَدِيْثِهِ. فَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا قَدْ أَخْرَجْتُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ صِحَاحاً، وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِيْنَ يُبَدِّلُوْنَهُ} [البَقَرَةُ: 181] قَالَ: وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَى كُلِّ وَرَقَتَيْنِ دِرْهَماً، وَيُشَارِطُ، وَيَقُوْلُ: إِنْ كَانَ الخَطُّ دَقِيْقاً، فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الدَّقِيقِ عَمَلٌ. وَكَانَ يَقُوْلُ: وَذَاكَ أَنِّي قُلْتُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تَحْفَظُ، فَحَدِّثْ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَحْفَظُ، فَلاَ تَلَقَّنْ مَا يُلَقَّنُ، فَاخْتَلَطَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَنَا أَعْرِفُ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ. ثُمَّ قَالَ لِي بَعْدَ سَاعَةٍ: إِنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أَنْ تَعْلَمَ، فَأَدخِلْ إِسْنَاداً فِي شَيْءٍ، فَتَفَقَّدْتُ الأَسَانِيْدَ الَّتِي فِيْهَا قَلِيْلُ اضْطِرَابٍ، فَجَعَلْتُ أَسْأَلُهُ عَنْهَا، فَكَانَ يَمُرُّ فِيْهَا يَعْرِفُهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: ذَكَرَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، فَقَالَ: طَيَّاشٌ، خَفِيْفٌ. خَيْثَمَةُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَوْفٍ يَقُوْلُ: أَتَيْنَا هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى مورجٍ لَهُ، وَقَدِ انْكَشَفَتْ سَوْءَتُه، فَقُلْنَا: يَا شَيْخُ، غَطِّ عَلَيْكَ. فَقَالَ: رَأَيْتُمُوهُ؟! لَنْ تَرْمَدْ عَيْنُكُم أَبَداً -يَعْنِي: يَمْزَحُ-. قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحُمَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ بِبَغْدَادَ: أَنَّ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ اللهَ -تَعَالَى- سَبْعَ حَوَائِجَ، فَقَضَى لِي مِنْهَا سِتّاً، وَالوَاحِدَةُ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَ فِيْهَا. سَأَلْتُه أَنْ يَغْفِرَ لِي وَلِوَالِدَيَّ، فَمَا أَدْرِي، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَرْزُقَنِي الحَجَّ، فَفَعَلَ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُعَمِّرَنِي مائَةَ سَنَةٍ، فَفَعَلَ. قُلْتُ: إِنَّمَا عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ أَنْ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 427 يَجْعَلَنِي مُصَدَّقاً عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَعَلَ. وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ يَغْدُوْنَ إِلَيَّ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَفَعَلَ. وَسَأَلْتُهُ أَنْ أَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ، فَفَعَلَ. وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَرْزُقَنِي أَلْفَ دِيْنَارٍ حَلاَلاً، فَفَعَلَ. قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَأَلفُ دِيْنَارٍ حَلاَلٌ مِنْ أَيْنَ لَكَ؟ فَقَالَ: وَجَّهَ المُتَوَكِّلُ بَعْضَ وَلَدِهِ لِيَكْتُبَ عَنِّي لَمَّا خَرَجَ إِلَيْنَا -يَعْنِي: لَمَّا سَكَنَ دِمَشْقَ، وَبُنِي لَهُ القَصْرُ بِدَارَيَّا-. قَالَ: وَنَحْنُ نَلْبَسُ الأُزُرَ، وَلاَ نَلْبَسُ السَّرَاوِيلاَتِ. فَجَلَسْتُ، فَانْكَشَفَ ذَكَرِي، فَرَآهُ الغُلاَمُ، فَقَالَ: اسْتَتِرْ يَا عَمِّ! قُلْتُ: رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ لاَ تَرمَدُ عَينُكَ أَبَداً - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى المُتَوَكِّلِ، ضَحِكَ. قَالَ: فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: فَأْلٌ حَسَنٌ تَفَاءلَ لَكَ بِهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ، احْمِلُوا إِلَيْهِ أَلْفَ دِيْنَارٍ. فَحُمِلَتْ إِلَيَّ، فَأَتَتْنِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلاَ اسْتِشرَافِ نَفْسٍ. فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَلَعَلَّهَا جَرَتْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، يَقُوْلُ: بَاعَ أَبِي (1) بَيتاً لَهُ بِعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَجَهَّزَنِي لِلْحَجِّ، فَلَمَّا صِرتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، أَتَيتُ مَجْلِسَ مَالِكٍ، وَمَعِيَ مَسَائِلُ أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي هَيْئَةِ المُلُوْكِ، وَغِلمَانٌ قِيَامٌ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُوْنَهُ، وَهُوَ يُجِيْبُهُم. فَلَمَّا انْقَضَى المَجْلِسُ، قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ: سَلْ عَنْ مَا مَعَكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: حَصَلْنَا عَلَى الصِّبْيَانِ، يَا غُلاَمُ، احْمِلْهُ. فَحَمَلَنِي كَمَا يُحمَلُ الصَّبِيُّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ مُدْرِكٌ، فَضَرَبَنِي بِدِرَّةٍ مِثْلِ دِرَّةِ المُعَلِّمِيْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ دِرَّةٍ، فَوَقَفتُ أَبْكِي. فَقَالَ لِي: مَا يُبْكِيْكَ؟ أَوْجَعَتْكَ هَذِهِ   (1) في الأصل: " ابني " وهو خطأ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 428 الدِّرَّةُ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي بَاعَ مَنْزِلَهُ، وَوَجَّهَ بِي أَتَشَرَّفُ بِكَ، وَبِالسَّمَاعِ مِنْكَ، فَضَرَبْتَنِي؟ فَقَالَ: اكتُبْ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ مَعِي مِنَ المَسَائِلِ، فَأَجَابَنِي. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الهَرَوِيُّ، عَنْ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: لاَ، بَلْ حَدِّثْنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: يَا غُلاَمُ، تَعَالَ اذْهَبْ بِهَذَا، فَاضْرِبْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ. فَذَهَبَ بِي، فَضَرَبَنِي خَمْسَ عَشْرَةَ دِرَّةً، ثُمَّ جَاءَ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ ضَرَبْتُهُ. فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ ظَلَمْتَنِي؟ ضَرَبتَنِي خَمْسَ عَشْرَةَ دِرَّةً بِغَيْرِ جُرمٍ، لاَ أَجعَلُكَ فِي حِلٍّ. فَقَالَ مَالِكٌ: فَمَا كَفَّارَتُهُ؟ قُلْتُ: كَفَّارَتُهُ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِخَمْسَةَ (1) عَشَرَ حَدِيْثاً. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. فَقُلْتُ لَهُ: زِدْ مِنَ الضَّرْبِ، وَزِدْ فِي الحَدِيْثِ. فَضَحِكَ مَالِكٌ، وَقَالَ: اذهَبْ. قَالَ الخَلِيْلِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَرْخَانَ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ يَقُوْلُ: قَصَدْتُ بَابَ مَالِكٍ، فَهَجَمْتُ عَلَيْهِ بِلاَ إِذنٍ، فَأَمَرَ غُلاَماً لَهُ، حَتَّى ضَرَبَنِي سَبْعَةَ عَشَرَ ضَرْبَ السَّلاَطِينِ، وَأُخْرِجْتُ، فَقَعَدْتُ عَلَى بَابِهِ أَبْكِي، وَلَمْ أَبْكِ لِلضَّرْبِ، بَلْ بَكَيْتُ حَسْرَةً، فَحَضَرَ جَمَاعَةٌ. قَالَ: فَقَصَصْتُ عَلَيْهِم، فَشَفَعُوا فِيَّ، فَأَملَى عَلَيَّ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ الخُرَيْمِيُّ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ يَقُوْلُ فِي خُطْبَتِهِ: قُوْلُوا الحَقَّ، يُنْزِلْكُمُ الحَقُّ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ، يَوْمَ لاَ يُقْضَى إِلاَّ بِالْحَقِّ.   (1) في الأصل " بخمس " وهو خطأ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 429 مَعْرُوْفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَعْرُوْفٍ الوَاعِظُ، عَنْ أَبِي المُسْتَضِيْءِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَوْسٍ السَّكْسَكِيِّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ قوفَا، قَالَ: رَأَيْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ إِذَا مَشَى، أَطْرَقَ إِلَى الأَرْضِ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَيَاءً مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. قُلْتُ: وَكَانَ هِشَامٌ خَطِيْباً، بَلِيْغاً، صَاحِبَ بَدِيْهَةٍ. رَوَى عَنْهُ: عَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ، قَالَ: مَا أَعَدْتُ خُطْبَةً مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ عَبْدَانُ: مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِثْلهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: مَنْ فَاتَهُ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، يَحْتَاجُ أَنْ يَنْزِلَ فِي عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى القَاضِي: رَأَيْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ فِي النَّوْمِ، وَالمَشَايِخُ مُتَوَافِرُوْنَ؛ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ يَكْنُسُ المَسْجَدَ، فَمَاتُوا، وَبَقِيَ هُوَ آخِرَهُم. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ البُسْتِيُّ: كَانَتْ أُذُنَاهُ لاَصِقَتَيْنِ برَأْسِهِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ. قُلْتُ: لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ التِّرْمِذِيُّ سِوَى حَدِيْثِ سُوْقِ الجَنَّةِ (1) ، رَوَاهُ عَنْهُ   (1) أخرجه الترمذي (2549) ، باب ما جاء في سوق الجنة، من طريق محمد بن إسماعيل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، حدثنا الاوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ونصه بتمامه: " إن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم - وما فيهم من دني - على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا. قال أبو هريرة: قلت: يارسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 430 مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ عَنْهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَالِياً عَنْهُ. وَوَقَعَ لِي عَالِياً فِي أَمَالِي أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ، رَوَاهُ عَنْ شَيْخٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَبَّانَ الكِنْدِيُّ، عَنْ هِشَامٍ. وَابْنُ زَبَّانَ: هُوَ آخِرُ مَنْ زَعَمَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ هِشَامٍ، وَبَقِيَ بَعْدَهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ (جُزْءٌ) مَشْهُوْرٌ. قَالَ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ مَجْلِساً مَعَ أَصْحَابِنَا، فَلَمْ أَكْتُبْهُ، وَسَمِعْتُ الكَثِيْرَ مِنْ بُكَيْرِ بنِ مَعْرُوْفٍ. قَالَ عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ: كُنَّا لاَ نُصَلِّي خَلْفَ هُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ مِنْ طُولِ صَلاَتِهِ، يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ تَسْبِيْحَةً، وَكَانَ مِنْ أَشبَهِ خَلْقِ اللهِ بِهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ لِحْيَتَهُ وَوَجْهَهُ، وَكُلَّ شَيْءٍ حَتَّى فِي صَلاَتِهِ. قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُ الإِمَامِ فِيْهِ: طَيَّاشٌ، فَلأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطبَتِهِ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَجَلَّى لِخَلْقِهِ بِخَلْقِهِ. فَهَذِهِ الكَلِمَةُ لاَ يَنْبَغِي   = الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا. قال: كذلك لاتمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاصره الله محاصرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا؟ فيذكر ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه. فبينما هم على ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط. ويقول ربنا، تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة، وفيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشترى. وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه ما ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ننصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبا وأهلا، لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا ". وأخرجه ابن ماجة (4336) عن هشام بن عمار به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 431 إِطْلاَقُهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنَىً صَحِيْحٌ، لَكِنْ يَحْتَجُّ بِهَا الحُلُوْلِيُّ وَالاتِّحَادِيُّ. وَمَا بَلَغَنَا أَنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَجَلَّى لِشَيْءٍ إِلاَّ بَجَبَلِ الطُّورِ، فَصَيَّرَهُ دَكّاً. وَفِي تَجَلِّيْهِ لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اخْتِلاَفٌ أَنكَرَتْهُ عَائِشَةُ، وَأَثْبَتَهُ ابْنُ العَبَّاسِ (1) . وَبِكُلِّ حَالٍ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ يُحتَمَلُ، وَطَيُّهُ أَوْلَى مِنْ بَثِّهِ، إِلاَّ أَنْ يَتَّفِقَ المُتَعَاصِرُوْنَ عَلَى جَرْحِ شَيْخٍ، فَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُم - وَاللهُ أَعْلَمُ -. وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ غَيْرَ حَدِيْثٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِ، وَحَسْبُكَ قَوْلُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ مَعَ جَلاَلتِهِ: إِذَا حَدَّثْتُ بِبَلَدٍ فِيْهِ مِثْلُ هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، يَجِبُ لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ فِي كِتَابِ (القَصَصِ) : وَرَدَ عَلَيْنَا كِتَابٌ مِنْ دِمَشْقَ: سَلْ لَنَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّ هِشَاماً قَالَ: لَفْظُ جِبْرِيْلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ. فسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: أَعْرِفُهُ طَيَّاشاً، لَمْ يَجْتَرِ الكَرَابِيْسِيُّ أَنْ يَذْكُرَ جِبْرِيْلَ وَلاَ مُحَمَّداً. هَذَا قَدْ تَجَهَّمَ فِي كَلاَمٍ غَيْرِ هَذَا. قُلْتُ: كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ يَسُدُّ الكَلاَمَ فِي هَذَا البَابِ، وَلاَ يُجَوِّزُهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُبَدِّعُ مَنْ يَقُوْلُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَيُضَلِّلُ مَنْ يَقُوْلُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ قَدِيْمٌ، وَيُكَفِّرُ مَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ. بَلْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ مُنْزَلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَيَنْهَى عَنِ الخَوضِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ تَلَفُّظَنَا بِالقُرْآنِ مِنْ كَسْبِنَا، وَالقُرْآنُ المَلْفُوْظُ المَتْلُوُّ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَالتِّلاَوَةُ وَالتَّلَفُّظُ وَالكِتَابَةُ وَالصَّوتُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِنَا، وَهِيَ مَخْلُوْقَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) انظر تحقيق المسألة في " زاد المعاد " 3 / 36، 37. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 432 قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) : حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ إِلَى الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ (1)) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ العُقَيْلِيُّ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ يَخطُبُ: قُوْلُوا الحَقَّ، يُنْزِلْكُمُ الحَقُّ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ، يَوْمَ لاَ يُقْضَى إِلاَّ بِالْحَقِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ: كَانَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ يُرَبِّعُ بِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قُلْتُ: خَالَفَ أَهْلَ بَلَدِهِ، وَتَابَعَ أَئِمَّةَ الأَثَرِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمَّا كَبِرَ هِشَامٌ، تَغَيَّرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: سَمِعْتُ هِشَاماً يَقُوْلُ: فِي جُوْسِيَةَ (2) رَجُلٌ شَرْعَبِيٌّ (3) كَانَ لَهُ بَغْلٌ، فَكَانَ يُدْلِجُ عَلَى بَغلِهِ مِنْ جُوسِيَةَ - وَهِيَ مِنْ قُرَى حِمْصَ - يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَيُصَلِّيَ الجُمْعَةَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، ثُمَّ يَرُوحُ، فَيَبِيتُ فِي أَهْلِهِ، فَكَانَ النَّاسُ يَعجَبُوْنَ مِنْهُ. ثُمَّ إِنَّ بَغْلَهُ مَاتَ، فَنَظَرَ إِلَى جَنْبَيْهِ، فَإِذَا لَيْسَ لَهُ أَضْلاَعٌ، إِنَّمَا لَهُ صفْحَتَانِ، عَظْمٌ مُصَمَّتٌ. ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ   (1) إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة. وأبو عشانة اسمه حي بن يؤمن، وهو ثقة، وأخرجه أحمد 4 / 151 من طريق قتيبة بن سعيد، عن ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر. (2) بالضم ثم السكون، وكسر السين المهملة، وياء خفيفة مفتوحة: وهي قرية من قرى حمص، تقع إلى الجنوب منها، على الخط المعبد بين حمص وبعلبك، وتبعد عن حمص حوالي ستة فراسخ. (3) أي طويل، حسن الجسم، قال طفيل: أسيلة مجرى الدمع، خمصانة الحشى * برود الثنايا، ذات خلق مشرعب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 433 الفَيْضِ: وَسَمِعْتُ جَدِّي، وَبَكَّارَ بنَ مُحَمَّدٍ يَذكُرَانِ حَدِيْثَ الشَّرْعَبِيِّ، كَمَا قَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ. رَوَاهَا: تَمَّامٌ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيِّ، عَنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ أَيْضاً: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَرْيَةِ الحُرْجُلَّةِ (1) يَطْلُبُ لِعُرْسِ أَخِيْهِ لَعَّابِينَ، فَوَجَدَ الوَالِي قَدْ مَنَعَهُم، فَجَاءَ يَطْلُبُ مُغَبِّرِينَ -يَعْنِي: مُزَمْزِمِيْنَ يُغَبِّرُوْنَ بِالقَضِيْبِ-. قَالَ: فَلَقِيَهُ صُوْفِيٌّ مَاجِنٌ، فَأَرشَدَهُ إِلَى ابْنِ ذَكْوَانَ، وَهُوَ خَلْفَ المِنْبَرِ، فَجَاءهُ، وَقَالَ: إِنَّ السُّلْطَانَ قَدْ مَنَعَ المُخَنَّثِيْنَ. فَقَالَ: أَحْسَنَ وَاللهِ. فَقَالَ: فَنَعْمَلُ العُرْسَ بِالمُغَبِّرِينَ، وَقَدْ دُلِلْتُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: لَنَا رَفِيقٌ، فَإِن جَاءَ، جِئْتُ، وَهُوَ ذَاكَ. وَأَشَارَ إِلَى هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، فَقَامَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَ المِحْرَابِ مُتَّكِئٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِهِشَامٍ: أَبُو مَنْ أَنْتَ؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ رَدّاً ضَعِيْفاً، فَقَالَ: أَبُو الوَلِيْدِ. فَقَالَ: يَا أَبَا الوَلِيْدِ، أَنَا مِنَ الحُرْجُلَّةِ. قَالَ: مَا أُبالِي مِنْ أَيْنَ كُنْتَ. قَالَ: إِنَّ أَخِي يَعمَلُ عُرْسَهُ. فَقَالَ: فَمَاذَا أَصنَعُ؟ قَالَ: قَدْ أَرسَلَنِي أَطلُبُ لَهُ المُخَنَّثِينَ. قَالَ: لاَ بَارَكَ اللهُ فِيْهِم وَلاَ فِيكَ. قَالَ: وَقَدْ طَلَبَ المُغَبِّرِينَ، فَأُرْشِدتُ إِلَيْكَ. قَالَ: وَمَنْ بَعَثَكَ؟ قَالَ: هَذَاكَ الرَّجُلُ. فَرَفَعَ هِشَامٌ رِجْلَهُ، وَرَفَسَهُ، وَقَالَ: قُمْ. وَصَاحَ بِابْنِ ذَكْوَانَ: أَقَدْ تَفَرَّغْتَ لِهَذَا؟! قَالَ: أَي وَاللهِ، أَنْتَ رَئِيْسُنَا، لَوْ مَضَيتَ، مَضَينَا. قَالَ ابْنُ الفَيْضِ: رَأَى هِشَامٌ عَصاً لاِبْنِ ذَكْوَانَ، فَقَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ أَبِيْهِ، وَمَا أَحْمِلُ عَصاً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا   (1) بضم الحاء والجيم، بينهما راء ساكنة، وتشديد اللام المفتوحة: من قرى دمشق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 434 جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى النَّاسَ يَدخُلُوْنَ المَسْجَدَ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَؤُلاَءِ؟ قَالُوا: مِنْ عِنْدِ الأَمِيْرِ. فَقَالَ: إِنْ رَأَوْا مُنْكَراً، أَنْكَرُوهُ، وَإِنْ رَأَوْا مَعْرُوْفاً أَمَرُوا بِهِ؟ فَقَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمَا يَصنَعُوْنَ؟ قَالَ: يَمْدَحُونَهُ، وَيَسُبُّونَهُ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ النِّفَاقَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْمَا دُوْنَ هَذَا. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّه لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، مَا أَظُنُّ أَبَا حَازِمٍ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا عَوْفُ بنُ مُوْسَى البَصْرِيُّ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ قُرَّةَ يَقُوْلُ: أَنْ لاَ نَكُوْنَ فِي نِفَاقٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ، وَآمَنُهُ أَنَا! قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ فِي آخِرِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ وَلَدُهُ أَحْمَدُ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ. وَعَاشَ: إِلَى سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. 99 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ، أَبُو جَعْفَرٍ الجُمَحِيُّ * (د، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو جَعْفَرٍ الجُمَحِيُّ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ البَصْرَةِ. عَاشَ: مائَةَ عَامٍ.   (1) وأخرجه أحمد 2 / 105، وابن ماجة (3975) في الفتن، من طريق يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء سليمان بن الأسود، قال: قبل لابن عمر: إنا ندخل على أمرائنا، فنقول القول، فإذا خرجنا، قلنا غيره. قال: كنا نعد ذلك على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النفاق. قال البوصيري في " الزوائد "، ورقة: 248: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات. وأخرجه البخاري في الاحكام 13 / 149 من طريق أبي نعيم، عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعدها نفاقا. (*) التاريخ الصغير 2 / 287، تهذيب الكمال، ورقة: 744، العبر 1 / 440، تذهيب = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 435 سَمِعَ مِنْ: حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَالقَاسِمِ الحُدَّانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعِدَّةٍ تَفَرَّدَ عَنْهُم. رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو، وَالبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَبَكْرُ بنُ مُقْبِلٍ، وَعَلِيٌّ الغَضَائِرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمَا عَلِمْتُ بِهِ بَأْساً. حَمَلَ عَنْهُ أَئِمَّةٌ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 100 - أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنِ الحَارِثِ الزُّهْرِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ دَارِ الهِجْرَةِ، أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ القَاسِمِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُرَارَةَ بنِ مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، قَاضِي المَدِيْنَةِ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَلاَزَمَ: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأَ) ، وَأَتْقَنَهُ عَنْهُ (1) . وَسَمِعَ مِنَ: العَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، وَحُسَيْنِ بنِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُحْرِزِ بنِ   = التهذيب 2 / 189، تهذيب التهذيب 6 / 38، 39، خلاصة تذهيب الكمال: 215، شذرات الذهب 2 / 104. (*) تهذيب الكمال، ورقة: 18، تذكرة الحفاظ 2 / 60، 62، تذهيب التهذيب 1 / 8، العبر 1 / 436، الوافي بالوفيات 6 / 269، تهذيب التهذيب 1 / 20، طبقات الحفاظ: 209، خلاصة تذهيب الكمال: 4، الديباج المذهب: 30. (1) وموطؤه لم يطبع، وفيه زيادات كثيرة تزيد عن مئة حديث عما في " موطأ " الليثي. والبغوي في " شرح السنة " يعتمد رواية أبي مصعب، فينقل عنها كثيرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 436 هَارُوْنَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُعَافَى الصَّيْدَاوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: هُوَ فَقِيْهُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ غَيْرَ مُدَافَعٍِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الصَّيْدَاوِيُّ: أَتَى قَوْمٌ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ، فَقَالُوا: إِنَّ قِبَلَنَا بِبَغْدَادَ رَجُلاً، يَقُوْلُ: لَفْظُه بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ. فَقَالَ: هَذَا كَلاَمُ خَبِيْثٍ نَبَطِيٍّ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ أَبُو مُصْعَبٍ عَلَى شُرْطَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيِّ؛ عَامِلِ المَأْمُوْنِ عَلَى المَدِيْنَةِ، وَوَلِيَ القَضَاءَ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (تَارِيْخِهِ) : خَرَجْنَا فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: عَمَّنْ أَكتُبُ؟ فَقَالَ: لاَ تَكْتُبْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، وَاكتُبْ عَمَّنْ شِئْتَ. قُلْتُ: أَظُنُّه نَهَاهُ عَنْهُ؛ لِدُخُوْلِهِ فِي القَضَاءِ وَالمَظَالِمِ، وَإِلاَّ فَهُوَ ثِقَةٌ، نَادِرُ الغَلَطِ، كَبِيْرُ الشَّأْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: آخِرُ شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنَ المُوَطَّآتِ: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 437 (مُوَطَّأُ أَبِي مُصْعَبٍ) ، وَ (مُوَطَّأُ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيِّ) ، وَفِي هَذَيْنِ المُوَطَّأَيْنِ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ زَائِدَةٍ. وَهُمَا آخِرُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَزِيْدُ فِي (المُوَطَّأِ) أَحَادِيْثَ كُلَّ وَقْتٍ، كَانَ أَغْفَلَهَا، ثُمَّ أَثْبَتَهَا، وَهَكَذَا يَكُوْنُ العُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللهُ -. قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: مَاتَ أَبُو مُصْعَبٍ سنَّةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. كَذَا قَالَ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو مُصْعَبٍ: ثِقَةٌ فِي (المُوَطَّأِ) ، وَقَدَّمَهُ عَلَى يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي (طَبَقَاتِهِ) : كَانَ أَبُو مُصْعَبٍ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ. رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ، لاَ تَزَالُوْنَ ظَاهِرِيْنَ عَلَى أَهْلِ العِرَاقِ مَا دُمْتُ لَكُمْ حَيّاً. قُلْتُ: سَمِعْتُ (مُوَطَّأَهُ) مِنْ أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، سِوَى ذَاكَ الفَوْتُ القَدِيْمُ، وَهُوَ المُسَاقَاةُ وَالقِرَاضُ بِإِجَازَتِهِ عَنِ المُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ السَّيِّدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ البُحَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المُفَسِّرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَغَازلِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بَرَكةَ، وَالأَنْجَبُ بنُ أَبِي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 438 السَّعَادَاتِ، وَسَعِيْدُ بنُ يَاسِيْنَ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي طَاهِرٍ (ح) . وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّيْنِيُّ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفِخَارِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، وَغَيْرُهُم (ح) . أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ أَيْضاً، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَسَدِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَيُّوْبُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الكَاشْغَرِيُّ، قَالُوْا كُلُّهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، زَادَ الكَاشْغَرِيُّ، فَقَال: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الحَربِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ الحَافِظُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ مَحَاسِنُ إِجَازَةً - إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّعْفَرَانِيِّ، قَالُوا أَرْبَعَتُهُم: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُجْبِرِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالحَسَنِ؛ ابْنَي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنِ أَبِيْهمَا، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُوْمِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .   (1) هو في " الموطأ " 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة، والبخاري 7 / 369 في المغازي: باب غزوة خيبر، و9 / 143، 144، ومسلم (1407) في النكاح: باب نكاح المتعة. ويرى ابن القيم، رحمه الله، في " زاد المعاد " 3 / 343 - طبع مؤسسة الرسالة - أن متعة النساء لم تحرم يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، ويقول: وإنما جمع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في هذا الحديث بين الاخبار بتحريمها وتحريم الحمر الاهلية لان ابن عباس كان يبيحهما، فروى له علي تحريمهما عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ردا عليه. وكان تحريم الحمر يوم خيبر بلا شك. وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر، وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن، كما = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 439 أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ، وَمُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ: البُخَارِيُّ أَيْضاً، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَنْ حَرْملَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُوْنُسَ، وَعَنْ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ (1) ، جَمِيْعاً عَنِ ابْنِ شِهَاب. وَرَوَاهُ: النَّسَائِيُّ فِي تَصْنِيْفِهِ لِحَدِيْثِ مَالِكٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السِّجْزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ - عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَحْبُوْبٍ، عَنْ عَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ، فَكَأَنَّ مَشَايِخِي سَمِعُوهُ مِنَ النَّسَائِيِّ. وَقَدْ سَمَّى أَبُو القَاسِمِ (2) فِي (النّبلِ) وَالِدَ أَبِي مُصْعَبٍ زُرَارَةَ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ بِدَلِيْلِ مَا أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، وَسَأَلْنَاهُ عَنِ اسْمِ أَبِيْهِ، فَقَالَ: لاَ يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ.   = جاء ذلك في " مسند " الامام أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرم لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، وحرم متعة النساء. وفي لفظ: " حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر ". هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين، فقيدهما به، ثم جاء بعضهم، فاقتصر على أحد المحرمين، وهو تحريم الحمر، قيده بالظرف، فمن هنا نشأ الوهم. (1) في الأصل: " معتمر "، وهو خطأ. وطريق عبد بن حميد هذه أخرجه مسلم في الصيد والذبائح: باب تحريم أكل لحم الحمر الانسية، وهو في " المصنف " (14032) . (2) هو أبو القاسم بن عساكر المؤرخ، وكتابه هذا اسمه: " المعجم المشتمل ". وهو في تراجم شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد طبع بتحقيق السيدة الفاضلة سكينة الشهابي، وانظر ص 40 منه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 440 101 - العُثْمَانِيُّ أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ خَالِدٍ * (ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ خَالِدٍ الأُموِيُّ، العُثْمَانِيُّ، المَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَطَائِفَةٍ. وَمَا عَلِمْتُ لَهُ شَيْئاً يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ زَيْدٍ القَزَّازُ، وَإِسْحَاقُ الخُزَاعِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعِمْرَانُ بنُ مُجَاشِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: هُوَ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرْوِي عَنِ أَبِيْهِ المَنَاكِيْرَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: صَدُوْقٌ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، أَنْبَأَنَا الأُرْمَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ العَلاَءِ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلَمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً،   (*) التاريخ الكبير 1 / 181، التاريخ الصغير 2 / 376، الجرح والتعديل 8 / 25، تهذيب الكمال، ورقة: 1239، ميزان الاعتدال 3 / 640، 641، تذهيب التهذيب 3 / 230، 231، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 196، تهذيب التهذيب 9 / 336، خلاصة تذهيب الكمال: 351. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 441 وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا (1)) . وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجُبارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، وَسَجَّادَةُ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ كَاسِبٍ، وَهَدِيَّةُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَزَيْدُ بنُ الحَرِيْشِ (2) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ بَهْرَامَ الخَزَّازُ. 102 - القَوَارِيْرِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مَيْسَرَةَ * (خَ، م، د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعِيْدٍ الجُشَمِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، القَوَارِيْرِيُّ، الزَّجَّاجُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ تَقْرِيْباً. وَحَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَفُضَيْلِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَغُنْدَرٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَجَمَعَ، وَدَوَّنَ.   (1) وأخرجه مسلم (118) في الايمان، من طريق يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. (2) بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء المخففة، وفي آخرها شين معجمة. انظر " الإكمال " لابن ماكولا 2 / 422. (*) طبقات ابن سعد 7 / 350، التاريخ الكبير 5 / 395، 396، التاريخ الصغير 2 / 366، الجرح والتعديل 5 / 327، 328، تاريخ بغداد 10 / 320، 323، الأنساب، ورقة: 294 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 888، 8889، تذكرة الحفاظ 2 / 438، 439، العبر 1 / 422، تذهيب التهذيب 3 / 20، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 7 / 40، 42، خلاصة تذهيب الكمال: 252. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 442 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَتَبَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ سَعْدٍ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ الحَافِظُ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: لَمْ أَرَ فِي جَمِيْعِ مَنْ رَأَيْتُ مِثْلَ مُسَدَّدٍ بِالبَصْرَةِ، وَالقَوَارِيْرِيِّ بِبَغْدَادَ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ بِمَرْوَ. عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: القَوَارِيْرِيُّ أَثْبَتُ مِنَ الزَّهْرَانِيِّ (1) ، وَأَشْهَرُ وَأَعْلَمُ بِحَدِيْثِ البَصْرَةِ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ البَصْرَةِ مِنْهُ، وَمِن عَلِيٍّ -يَعْنِي: ابْنَ المَدِيْنِيِّ- وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ. وَقَدْ سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَبَا الرَّبِيْعِ عِنْدَ حَمَّادٍ قَطُّ. ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: سَمِعْتُ ثَعْلَباً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ القَوَارِيْرِيِّ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِزْقُوَيْه، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ زَكَرِيَّا القَطِيْعِيَّ الشَّاعِرَ، سَمِعْتُ أَبَا   (1) الزهراني اثنان، وكلاهما بصري. الأول: بشر بن عبد الحكم، والثاني: سليمان ابن داود العتكي، أبو الربيع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 443 القَاسِم البَغَوِيَّ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ تَكُنْ تَكَادُ تَفُوتُنِي صَلاَةُ العَتَمَةِ فِي جَمَاعَةٍ، فَنَزَلَ بِي ضَيْفٌ، فَشُغِلْتُ بِهِ، فَخَرَجتُ أَطْلُبُ الصَّلاَةَ فِي قَبَائِلِ البَصْرَةِ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ صَلَّوْا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (صَلاَةُ الجَمِيْعِ تَفْضُلُ عَلَى صَلاَةِ الفَذِّ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً) . وَرُوِيَ: (خَمْساً وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً) . وَرُوِيَ: (سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ) (1) . فَانْقَلَبْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَصَلَّيْتُ العَتَمَةَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً، ثُمَّ رَقَدتُ، فَرَأَيْتُنِي مَعَ قَوْمٍ رَاكِبِي أَفْرَاسٍ، وَأَنَا رَاكِبٌ، وَنَحْنُ نَتَجَارَى وَأَفرَاسُهُم تَسبِقُ فَرَسِي، فَجَعَلتُ أَضرِبُه لأَلحَقَهُم، فَالتَفَتَ إِلَيَّ آخِرُهُم، فَقَالَ: لاَ تُجْهِدْ فَرَسَكَ، فَلَسْتَ بِلاَحِقِنَا. قَالَ: فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّا صَلَّيْنَا العَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ. وَبِهِ، قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ الغَزَّاءِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَعْفَرٍ العَطَّارُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ الوَرْدِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي اليَمَانِ الحَارِثِيُّ، سَمِعْتُ حَفْصَ بنَ عَمْرٍو الرَّبَالِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللهِ القَوَارِيْرِيَّ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ؟ فَقَالَ لِي: غَفَرَ لِي، وَعَاتَبَنِي. وَقَالَ: يَا عُبَيْدَ اللهِ! أَخَذْتَ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَنْتَ أَحْوَجْتَنِي إِلَيْهِم، وَلَوْ لَمْ تُحْوِجْنِي، لَمْ آخُذْ. قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا قَدِمُوا عَلَيْنَا، كَافَأْنَاهُم عَنْكَ. ثُمَّ قَالَ لِي: أَمَا تَرضَى أَنْ كَتَبْتُكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ سَعِيْداً؟!   (1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 129، والبخاري 2 / 110، ومسلم (650) من حديث ابن عمر، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". وأخرجه مالك والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " بخمس وعشرين درجة "، وكذلك أخرجه البخاري 2 / 110، 112 من حديث أبي سعيد. أما رواية " إحدى وعشرين درجة "، فلم نقف عليها. وانظر " الفتح " 2 / 110، 111. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 444 قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِي القَوَارِيْرِيِّ فِي (المُخَلِّصِيَّاتِ) ، وَفِي جُزْءِ (صِفَةِ المُنَافِقِ) . قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ الأَزْدِيُّ، وَعَبْد اللهِ البَغَوِيُّ: مَاتَ القَوَارِيْرِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ البَغَوِيُّ: يَوْمَ الخَمِيْسِ، لاثْنَي عَشَرَ يَوْماً مَضَيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ قَهْمٍ: تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَحَضَرَهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ رَوَى: النَّسَائِيُّ، عَنِ القَاضِي المَرْوَزِيِّ، عَنْهُ حَدِيْثاً، وَلَمْ يَكتُبِ القَوَارِيْرِيُّ الحَدِيْثَ إِلاَّ عَلَى كِبَرٍ مِنَ السِّنِّ، وَلَوْ أَنَّهُ بَكَّرَ بِالطَّلَبِ، لَسَمِعَ مِنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ وَأَقْرَانِه، وَلَكِنَّ السَّمَاعَ وَاللِّقَاءَ مُقَدَّرٌ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَكُمُ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الدَّايَةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُوْ جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا دَيْلَمُ بنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنٌ الكُرْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ (1) ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي خُطبَتِه: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَيْمِ اللِّسَانِ (2)) . هَذَا حَدِيْثٌ مُقَارَبُ الإِسْنَادِ، لَمْ يُخَرِّجُوهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. وَمَيْمُوْنٌ: فِيْهِ   (1) يعني ابن الخطاب، رضي الله عنه. (2) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في ص 385 ت (1) ، وهو في " صفة النفاق وذم المنافقين " للفريابي، ص 52 عام، و5 خاص. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 445 لِينٌ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَدَيْلَمُ صَدُوْقٌ. تَابَعَهُ عَلَى الحَدِيْث: الحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ. وَمَاتَ مَعَ القَوَارِيْرِيِّ: مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخَازِنُ بَهَمَذَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ مَيْمُوْنٍِ السَّمِيْنُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه الصَّائِغُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ - رَافِضِيٌّ - وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ العَبْدُ الصَّالِحُ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى زَحْمَوَيْه الوَاسِطِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الشَّيْلَمَانِيُّ بِبَغْدَادَ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ فِي صَفَرٍ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍِ فِي قَوْلٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ العَلاَءِ زِبْرِيْقٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الرَّمَّاحِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ صَاحِبُ البَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ زِيَادٍ المَعَافِرِيُّ صَاحِبُ اللَّيْثِ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ العَسْكَرِيُّ الحَافِظُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ. 103 - أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ صَالِحٍ الهَرَوِيُّ * (ق) الشَّيْخُ، العَالِمُ، العَابِدُ، شَيْخُ الشِّيْعَةِ، أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ صَالِحٍ الهَرَوِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، مَوْلَى قُرَيْشٍ، لَهُ فَضلٌ وَجَلاَلَةٌ، فَيَا لَيْتَهَ ثِقَةٌ. رَوَى عَنْ: مَالِكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَشَرِيْكٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، وَهُشَيْمٍ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي   (*) الجرح والتعديل 6 / 48، تاريخ بغداد 11 / 46، 52، الأنساب، ورقة: 589 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 833، 834، ميزان الاعتدال 2 / 616، تذهيب التهذيب 2 / 237، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 6 / 319، 322، النجوم الزاهرة 2 / 287. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 446 خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ ضُرَيْسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ زَاهِداً، مُتَعَبِّداً، أُعْجِبَ بِهِ المَأْمُوْنُ لَمَّا رَآهُ، وَأَدنَاهُ، وَجَعَلَهُ مِنْ خَاصَّتِه. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: قَدِمَ مَرْوَ غَازياً. وَلَمَّا أَرَادَ المَأْمُوْنُ أَنْ يُظهِرَ التَّجَهُّمَ وَخَلْقَ القُرْآنِ، جَمَعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ بِشْرِ بنِ غِيَاثٍ لِيُنَاظِرَهُ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو الصَّلْتِ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الأَهوَاءِ مِنَ الجَهْمِيَّة وَالمُرْجِئَةِ وَالقَدَرِيَّةِ، فَكَلَّمَ بِشْراً غَيْرَ مَرَّةٍ بِحَضْرَةِ المَأْمُوْنِ، وَاسْتَظْهَرَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَيَّارٍ: نَاظَرْتُهُ لأَستَخْرِجَه، فَلَمْ أَرَهُ يَغْلُو، وَرَأَيْتُهُ يُقَدِّمُ أَبَا بَكْرٍ، وَلاَ يَذكُرُ الصَّحَابَةَ إِلاَّ بِالجَمِيْلِ. وَقَالَ: هَذَا مَذْهَبِي وَدِيْنِي، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّ أَحَادِيْثَ يَروِيهَا فِي المَثَالِبِ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ، فَقَالَ: لَيْسَ مِمَّنْ يَكْذِبُ. وَقَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُ أَبَا الصَّلْتَ، فَذَكَرَ لَهُ حَدِيْثَ: (أَنَا مَدِيْنَةُ العِلْمِ (1)) ، فَقَالَ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الفَيْدِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قُلْتُ: جُبِلَتِ القُلُوْبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَكَانَ هَذَا بَارّاً بِيَحْيَى، وَنَحْنُ نَسْمَعُ مِنْ يَحْيَى دَائِماً، وَنَحتَجُّ بِقَولِه فِي الرِّجَالِ، مَا لَمْ يَتَبَرهَنْ لَنَا وَهْنُ رَجُلٍ انفَرَدَ بِتَقْوِيَتِه، أَوْ قُوَّةِ مَنْ وَهَّاهُ.   (1) حديث ضعيف. انظر الاجوبة عن الأحاديث التي وقعت في " مصابيح السنة "، ووصفت بالوضع للحافظ ابن حجر العسقلاني 3 / 314، 315، وهي مطبوعة في آخر " مشكاة المصابيح ". وانظر أيضا ما كتبه عبد الرحمن المعلمي اليماني عن هذا الحديث في تعليقاته على " الفوائد المجموعة " للشوكاني. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 447 وَقَدْ ضَرَبَ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى حَدِيْثِ أَبِي الصَّلْتِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يَكُنْ عِنْدِي بِصَدُوْقٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ قَالَ: كَلْبٌ لِلْعَلَوِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ جَمِيْعِ بَنِي أُمَيَّةَ. قَالَ حَاتِمُ بنُ يُوْنُسَ الجُرْجَانِيُّ الحَافِظُ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ، أَحْمَقٌ. وَعَنْ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ جَاءَ إِلَى أَبِي الصَّلْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي الصَّلْتِ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً أَسْأَلُه، وَكُنْتُ آتِيهِ وَأَنَا صَبِيٌّ، وَحَجَجتُ خَمْسِيْنَ حَجَّةً. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُصْمٍ، سَمِعْتُ أَبَا الصَّلْتِ يَقُوْلُ: أَخَذتُ مِنْ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي: الدَّوْلَةَ- أَلفَ أَلفٍ وَثَلاَثَ مائَةِ أَلْفٍ، وَضَعْتُ مِنْهَا سَبْعَ مائَةِ أَلفٍ فِي أَهْلِ الحَرَمَيْنِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ الضَّرِيْرُ: حَدَّثَنَا أَبُو الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فُلاَنٍ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: إِذَا خَرَجَ المَهْدِيُّ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ لَهُ جَارٌ مُرْجِئٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلْيَبِعْهُ، وَيَقضِي دَينَهُ. فَسَمِعْتُ مَشَايِخَ مِمَّنَ حَضَرَ يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الصَّلْتِ بِهَذَا، قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ الحَنَفِيُّ: لَيْسَ ذَا بِمَهْدِيٍّ، بَلْ مُعتَدِي، يَأْمُرُ بِبَيعِ الأَحرَارِ. وَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ، وَتَرَكُوهُ. مَاتَ أَبُو الصَّلْتِ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي شَوَّالِهَا. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةٍ. خَرَّجَ لَهُ: ابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 448 104 - اللُؤْلُؤِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ حَرْبٍ البَلْخِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي يَعْقُوْبَ إِسْحَاقَ بنِ حَرْبٍ البَلْخِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَخَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ، وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالحُسَيْنُ بنُ أَبِي الأَحْوَصِ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ آيَةً مِنَ الآيَاتِ فِي الحِفْظِ. كَانَ لاَ يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ عَلاَهُ فِي كُلِّ فَنٍّ. وَزَعَمُوا أَنَّهُ ذَاكَرَ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيَّ، فَانتَصَفَ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الخَطِيْبُ، وَأَشَارَ إِلَى تَضعِيفِهِ. يَقَعُ لِي مِنْ رِوَايَتِهِ فِي تَصَانِيْفِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا. لَعَلَّهُ مَاتَ بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 105 - مَنْصُوْرُ ابْنُ المَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ أَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ ** وَلِيَ الشَّامَ لِلأَمِيْنِ، وَوَلِيَ البَصْرَةَ لأَخِيهِ الرَّشِيْدِ، وَقَدْ دُعِيَ لِلْخِلاَفَةِ بَعْدَ المائَتَيْنِ، لَمَّا ثَارُوا عَلَى المَأْمُوْنِ، فَامْتَنَعَ. حَدَّثَ عَنْ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.   (*) تاريخ بغداد 1 / 234، 237، الأنساب، ورقة: 496 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 426، ميزان الاعتدال 3 / 475، الوافي بالوفيات 2 / 189، 190، لسان الميزان 5 / 66، 67. (* *) تاريخ بغداد 13 / 83، 84، الكامل لابن الأثير 6 / 321 وما بعدها، النجوم الزاهرة 2 / 287. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 449 رَوَى عَنْهُ: أَبُو العَيْنَاءِ. قَالَ أَبُو الصَّقْرِ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ: كَانَ أَبِي عَلَى شُرْطَةِ مَنْصُوْرٍ بِدِمَشْقَ، فَدَسَّ مَنْصُوْرٌ مَنْ سَرَقَ مِنَ الجَامِعِ قُلَّةَ البِلَّوْرِ. فَلَمَّا رَأَى الإِمَامُ مَكَانَهَا، ضَرَبَ بِقَلَنْسُوَتِه الأَرْضَ، وَصَرَخَ: سُرقتُ قُلَّتُكُم. فَقَالَ النَّاسُ: لاَ صَلاَةَ بَعْدَ القُلَّةِ، فَصَارَتْ مَثَلاً، وَكَانَتْ أُخِذَتْ لِلأَمِيْنِ، ثُمَّ رَدَّهَا المَأْمُوْنُ إِلَى مَوْضِعِهَا. عَاشَ الأَمِيْرُ مَنْصُوْرٌ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 106 - السَّمِيْنُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَاتِمِ بنِ مَيْمُوْنٍ المَرْوَزِيُّ * (م، د) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المُفَسِّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَاتِمِ بنِ مَيْمُوْنٍ المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، السَّمِيْنُ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَأُمَماً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: ابْنُ عَدِيٍّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: جَمَعَ كِتَاباً فِي تَفْسِيْرِ القُرْآنِ، كَتَبَهُ النَّاسُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 359 التاريخ الكبير 1 / 70، التاريخ الصغير 2 / 366، تاريخ الفسوي 1 / 210، الجرح والتعديل 7 / 237، حلية الأولياء 10 / 336، 337، تاريخ بغداد 2 / 266، 868، الأنساب 7 / 155، 156 تهذيب الكمال، ورقة 1183، تذكرة الحفاظ 2 / 455، ميزان الاعتدال 3 / 503، تذهيب التهذيب 3 / 195، الوافي بالوفيات 2 / 315، خلاصة تذهيب الكمال: 331، طبقات الحفاظ: 199، طبقات المفسرين 2 / 117، شذرات الذهب 2 / 86. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 450 وَكَانَ يَنْزِلُ قَطِيعةَ الرَّبِيْعِ (1) . وَذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: هَذَا مِنْ كَلاَمِ الأَقْرَانِ الَّذِي لاَ يُسمَعُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ ثَبْتٌ حُجَّةٌ. مَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَمْرَوَيْه الجُلُوْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِي، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَىً إِلاَّ المُجَاهِرِيْنَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ العَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُوْلُ: يَا فُلاَنُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيْتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ) (2) . 107 - مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ المَصِّيْصِيُّ * (د) العَابِدُ، صَدُوْقٌ، لَقَبُهُ: حِبَّى. يُكْنَى: أَبَا جَعْفَرٍ.   (1) سبق التعريف بها في الصفحة: 414 التعليق الثالث. (2) أخرجه مسلم (2990) في الزهد والرقائق: باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، وما بين حاصرتين منه، وأخرجه البخاري 10 / 405، 406 في الرقاق: باب ستر المؤمن على نفسه، من طريق عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ". (*) الجرح والتعديل 7 / 238، تهذيب الكمال، ورقة: 1183، ميزان الاعتدال 3 / 503، تذهيب التهذيب 3 / 196، تهذيب التهذيب 9 / 103، 104، خلاصة تذهيب الكمال: 331. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 451 يَرْوِي عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ الرَّقِّيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ الدَّيْرَعَاقُوْلِيُّ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 108 - مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ سُلَيْمَانَ الزَّمِّيُّ (1) * (ت، س) المُؤَدِّبُ، خُرَاسَانِيٌّ، ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ، نَزَلَ سَامَرَّاءَ. وَحَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) نسبة إلى " زم " بليدة على شاطئ جيحون. (*) الجرح والتعديل 7 / 238، تاريخ بغداد 2 / 268، الأنساب 6 / 321، تهذيب الكمال، ورقة: 1183، تذهيب التهذيب 3 / 195، تهذيب التهذيب 9 / 101، خلاصة تذهيب الكمال: 331. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 452 ذَكَرتُ هَذَيْنِ لِلتَّمْيِيْزِ، فَالثَّلاَثَةُ مُتَعَاصِرُوْنَ كِبَارٌ. وَفِي أَهْلِ العِلْمِ جَمَاعَةُ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ، لَكِنَّهُم أَصْغَرُ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ. 109 - صَاحِبُ البَصْرِيِّ أَبُو أَيُّوْبَ سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الثِّقَةُ، أَبُو أَيُّوْبَ سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ، صَاحِبُ البَصْرِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهَارُوْنَ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ. وَرَوَى: الحُسَيْنُ بنُ حِبَّانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: سُلَيْمَانُ صَاحِبُ البَصْرِيِّ مِنَ الحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، كَانَ يَتَحَفَّظُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، يَأْنَفُ أَنْ يَكتُبَ عِنْدَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ: كَانَ أَبُو أَيُّوْبَ مِنَ الحُفَّاظِ، لَمْ أَرَ بِالبَصْرَةِ أَنْبَلَ مِنْهُ. وَقَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (*) التاريخ الكبير 4 / 1، تاريخ بغداد 9 / 48، 49، تاريخ دمشق 7 / 274 / ب، تهذيب الكمال، ورقة: 534، تذكرة الحفاظ 2 / 461، معرفة القراء الكبار 1 / 160، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 312، تهذيب التهذيب 4 / 173، خلاصة تذهيب الكمال: 150. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 453 110 - سَهْلُ بنُ عُثْمَانَ أَبُو مَسْعُوْدٍ العَسْكَرِيُّ * (م) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الثَّبْتُ، أَبُو مَسْعُوْدٍ العَسْكَرِيُّ. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَشَرِيْكاً القَاضِي، وَأَبَا الأَحْوَصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبْجَرَ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَعَلِيَّ بنَ مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَزِيَادَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَعُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَزَّالُ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ بِسْطَامَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ. قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: خَرَجَ عَنْ أَصْبَهَانَ إِلَى الرَّيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى العِرَاقِ. قَالَ: وَمَاتَ بِعَسْكَرِ مُكْرَمٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ الفَوَائِدِ وَالغَرَائِبِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَذَكَرَهُ: ابْنُ حِبَّانَ فِي (تَارِيْخِ الثِّقَاتِ) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ بَلَغَ الثَّمَانِيْنَ، وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ العَلاَءِ الحِمْصِيُّ،   (*) التاريخ الكبير 4 / 102، الجرح والتعديل 4 / 203، الأنساب 8 / 453، تهذيب الكمال، ورقة: 559، تذكرة الحفاظ 2 / 452، 453، العبر 1 / 414، تذهيب التهذيب 2 / 61، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 4 / 255، 256، طبقات الحفاظ: 197، خلاصة تذهيب الكمال: 157، 158، شذرات الذهب 2 / 78. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 454 وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ النَّدِيْمُ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَنَائِبُ بَغْدَادَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ السَّمِيْنُ، وَمُعَلَّى بنُ مَهْدِيٍّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ. 111 - ابْنُ نُمَيْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ الهَمْدَانِيُّ * (ع) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ الخَارفِيُّ مَوْلاَهُمُ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَالمُطَّلَبِ بنِ زِيَادٍ، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَإِخْوَتِهِ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيِّ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعٍ، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَالمُحَارِبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ - وَرَوَى البَاقُوْنَ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو   (*) طبقات ابن سعد 6 / 413، التاريخ الكبير 1 / 144، التاريخ الصغير 2 / 364، تاريخ الفسوي 1 / 209، الجرح والتعديل 1 / 320، 328، و7 / 307، تاريخ بغداد 5 / 429، الأنساب 5 / 10، تهذيب الكمال، ورقة: 1226، تذكرة الحفاظ 2 / 439، 440، العبر 1 / 418، تذهيب التهذيب 3 / 222، الوافي بالوفيات 3 / 304، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 9 / 282، 283، طبقات الحفاظ: 192، 193، خلاصة تذهيب الكمال: 346، 347. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 455 حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ. قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُعَظِّمُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ تَعْظِيْماً عَجِيْباً، وَيَقُوْلُ: أَيُّ فَتَىً هُوَ؟! وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهَمَذَانِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ دُرَّةُ العِرَاقِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ الحَافِظُ: كَانَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلاَنِ فِي شُيُوْخٍ مَا يَقُوْلُ ابْنُ نُمَيْرٍ فِيْهِم -يَعْنِي: يَقْتَدِيَانِ بِقَوْلِهِ فِي أَهْلِ بَلَدِهِ-. قَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ: مَا رَأَيْتُ بِالْكُوْفَةِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، كَانَ رَجُلاً قَدْ جَمَعَ العِلْمَ وَالفَهْمَ وَالسُّنَّةَ وَالزُّهْدَ، وَكَانَ يَلبَسُ فِي الشِّتَاءِ الشَّاتِي لُبَّادَةً، وَفِي الصَّيْفِ يُديِّرُ، وَكَانَ فَقِيراً. وَقَال أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ مِنْ أَحْدَاثِهِم رَجُلاً أَفْضَلَ عِنْدِي مِنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، كَانَ يُصَلِّي بِنَا الفَرَائِضَ، وَأَبُوْهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ، قَدِمَ عَلَيْنَا أَيَّامَ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ -يَعْنِي: وَاسِطاً-. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، يُعَدُّ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَثبَتُ مِنْ أَبِيْهِ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 456 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ، وَأَهْلِ الوَرَعِ فِي الدِّيْنِ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رِشْدِيْنَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المِصْرِيَّ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ جَامِعَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُمَا بِالعِرَاقِ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ - أَوْ رَمَضَانَ - سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فِي شَعْبَانَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، أَنَّ تَمِيْمَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ أَخْبَرَهُم، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أُرِيْتُ فِي النَّوْمِ، أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوٍ عَلَى قَلِيْبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَنَزَعَ ذَنُوْباً أَوْ ذَنُوْبَيْنِ، فَنَزَعَ نَزْعاً ضَعِيْفاً، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَاسْتَقَى، فَاسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ، وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَلاَ يَكَاد يُعْرَفُ أَبُو بَكْرٍ إِلاَّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 457 بِهَذَا الحَدِيْثِ. أَخْرَجَه: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ (1) ، فَوَقَعَ مُوَافَقَةً عَالِيَةً. 112 - عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ أَبُو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ المَحَامِلِيُّ * (م، س) الحَافِظُ، الحُجُّةُ الأَوْحَدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ، المَحَامِلِيُّ، العَطَّارُ. سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ المُحَارِبِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ، وَوَكِيْعاً، وَابْنَ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ اليَدَينِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البَرَلُّسِي (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ القَتَّاتُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   (1) أخرجه مسلم عن ابن نمير (2393) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر، رضي الله عنه. وأما البخاري، فقد أخرجه في " صحيحه " 7 / 21 في فضائل الصحابة: باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا ... " من طريق عبدان، عن عبد الله بن يونس، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا 12 / 365 في الرؤية: باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف، من طريق سعيد بن عفير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا في باب الاستراحة بالمنام، من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة. وأخرجه في التوحيد 13 / 378 من طريق بسرة بن صفوان بن جميل اللخمي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. والقليب: البئر تحفر فيقلب ترابها قبل أن تطوى. والغرب: دلو السانية، أكبر من الذنوب. والعبقري: يوصف به كل شيء بلغ النهاية في معناه. والعطن: مناخ الابل إذا صدرت عن الماء رواء. وقوله: وضربوا بعطن، معناه: رووا وأرووا إبلهم، فأبركوها، وضربوا لها عطنا. (*) التاريخ الكبير 6 / 8، الجرح والتعديل 6 / 5، 6، تهذيب الكمال، ورقة: 899، تذهيب التهذيب 3 / 25، تهذيب التهذيب 6 / 78، 79، خلاصة تذهيب الكمال: 256. (2) ضبطت في الأصل بفتح الباء والراء، وكذلك ضبطه ياقوت، وفي " الأنساب " رهبطت بضم الباء والراء، وتابعه على ذلك صاحب " اللباب " و" اللب ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 458 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ عَمَّارُ بنُ رَجَاءَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ يَعِيْشَ يَقُوْلُ: أَقَمْتُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً مَا أَكَلتُ بِيَدِي بِاللَّيْلِ، كَانَتْ أُختِي تُلقمُنِي، وَأَنَا أَكتُبُ. قُلْتُ: هُوَ مِنَ الحُفَّاظِ الَّذِيْنَ مَا ارتَحلُوا مِنْ بَلَدِهِم. قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه، وَغَيْرُهُ: مَاتَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 113 - المُرَادِيُّ أَبُو شَرِيْكٍ يَحْيَى بنُ يَزِيْدَ بنِ ضِمَادٍ * المُحَدِّثُ، الصَّدُوْق، أَبُو شَرِيْكٍ يَحْيَى بنُ يَزِيْدَ بنِ ضِمَادٍ المُرَادِيُّ، المِصْرِيُّ، عُمِّرَ وَأَسَنَّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَغَيْرُهُم. رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَاغَنْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 114 - الطَّنَافِسِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ ** (ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، مُحَدِّثُ قَزْوِيْنَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ   (*) الجرح والتعديل 9 / 198، لسان الميزان 6 / 282. (* *) التاريخ الكبير 6 / 295، الجرح والتعديل 6 / 202، تهذيب الكمال، ورقة: 992، تذكرة الحفاظ 2 / 445، العبر 1 / 406، 407، تذهيب التهذيب 3 / 73، 74، تهذيب التهذيب 7 / 378، 379، النجوم الزاهرة 2 / 258، طبقات الحفاظ: 194، خلاصة تذهيب الكمال: 277، شذرات الذهب 2 / 68، 69. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 459 إِسْحَاقَ بنِ أَبِي شَدَّادٍ. وَقِيْلَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نُبَاتَة. وَقِيْلَ: ابْن شَرْوَى. وَقِيْلَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوْفِيُّ، الطَّنَافِسِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَخْوَالِه؛ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ المُحَارِبِيِّ، وَوَكِيْعٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ - فَأَكْثَرَ - وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ وَارَةَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضُّرَيْسِ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ الرَّازِيُّوْنَ، وَابْنُهُ قَاضِي قَزْوِيْنَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدَلٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ثِقَةً، صَدُوْقاً، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الفَضْلِ وَالصَّلاَحِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ حَدِيْثاً، وَأَفْهَمُ. قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: أَقَامَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَأَخُوْهُ بِقَزْوِيْنَ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِمَا الكِبَارُ، قَالَ: وَلَهُمَا مَحَلٌّ عَظِيْمٌ. وَلَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُمَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ بِعَالٍ، سَمِعَا سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ ... ، ثُمَّ سَمَّى جَمَاعَةً. قَالَ: وَتُوُفِّيَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ 222، وَتُوُفِّيَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيٌّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الزَّيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المُقَوِّمِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ أَبِي المُنْذِرِ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 460 مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَامِلَ الحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلُعَابُه يَسِيْلُ عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ (1) ، وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَمَاتَ مَعَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ، وَرَوْحُ بنُ صَلاَحٍ المِصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، وَدَاهِرُ بنُ نُوْحٍ الأَهْوَازِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ العَسْكَرِيُّ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ النَّسَائِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرمٍ الضَّبِّيُّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الحَنَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ الكَاتِبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ الزَّيَّاتِ الوَزِيْرُ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهَبٍ بِالرَّمْلَةِ. 115 - مَحْمُوْدُ بنُ الحَسَنِ الوَرَّاقُ * بَغْدَادِيٌّ، خَيِّرٌ، شَاعرٌ، مُجَوِّدٌ، سَائِرُ النَّظْمِ فِي المَوَاعِظِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ. وَقِيْلَ: كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ أُعْطِيَ فِيْهَا سَبْعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَامْتَنَعَ، فَلَمَّا مَاتَ اشتُرِيَتْ لِلْمُعْتَصِمِ بِسَبْعِ مائَةِ دِيْنَارٍ. ثُمَّ قَالَ لَهَا: كَيْفَ رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: إِذَا كَانَ   (1) أخرجه ابن ماجة رقم (658) في الطهارة: باب اللعاب يصيب الثوب. وقال البوصيري في " الزوائد "، ورقة: 45: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 279 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن زياد، به. وأخرجه 2 / 406 و447 و467 من طرق، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة. (*) طبقات الشعراء: 67 - 68، تاريخ بغداد 13 / 87، 89، فوات الوفيات 4 / 79، 81. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 461 أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَنْتظِرُ بشهوَاتِهِ الموَارِيثَ، فسَبْعُوْنَ دِيْنَاراً فِيَّ كَثِيْرَةٌ. 116 - وَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ بنِ عُثْمَانَ بنِ سَابُوْرَ بنِ عُبَيْدِ بنِ آدَمَ * (م، د، س) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ وَهبَانُ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَاله بَحْشَلٌ (1) فِي (تَارِيْخِهِ) . رَوَى عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ حِكَايَةً، وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانِ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَكَمِ بنِ ظَهِيرٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَهُشَيْمٍ، وَنُوْحِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ مُطَرِّفٍ - وَاسِطِيٌّ - وَمُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ بنِ عُبَيْدٍ - شَيْخٌ وَاسِطِيٌّ - وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا خَيَّاطِ السُّنَّةِ عَنْهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَبَقِيٌّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالبَغَوِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَابْنُ نَاجِيَةَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ بنِ زَاطِيَا، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. رَوَى: هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: وَهبَانُ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ وَهُوَ صَغِيْرٌ.   (*) التاريخ الصغير 2 / 371، الجرح والتعديل 9 / 28، تاريخ بغداد 13 / 457، 458، تهذيب الكمال، ورقة: 1476، 1477، العبر 1 / 431، تذهيب التهذيب 4 / 142، تهذيب التهذيب 11 / 159، 160، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 92. (1) بفتح الباء، وسكون الحاء المهملة، بعدها شين معجمة، لقب أحمد بن عبد الرحمن ابن وهب بن مسلم المصري، من رجال مسلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 462 قُلْتُ: بَلْ مَا سَمِعَ حَتَّى صَارَ ابْنَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَوْ سَمِعَ فِي صِغَرِهِ، لَلَحِقَ جَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ وَأَقْرَانَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، قَدِمَ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: كَانَ وَهْبٌ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَمَاتَ بِوَاسِطَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ: بَحْشَلٌ، وَمُطَيَّنٌ، وَالبَغَوِيُّ. ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ عَوَالِيْهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ الدَّايَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ (ح) . وأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ - وَفِيْهَا تُوُفِّيَ - وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ - وَزَادَ - حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ الفَقِيْهُ، عَنْهُ، فَقَال: وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا الفخرُ بنُ البُخَارِيِّ أَيْضاً، أَخْبَرَتْنَا نِعمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي (ح) . وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ الوكيلُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو المرهِفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الصَّقَلِّيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ الرَّزَّازِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الزَّيْنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، عَنْ مَشَايِخِهِ الثَّلاَثَةِ، قَالُوا سبْعَتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 463 -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنَّ أَخوفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم ثَلاَثَةٌ: مُنَافِقٌ يقْرَأُ القُرْآنَ لاَ يُخطِئُ فِيْهِ وَاواً وَلاَ أَلِفاً، يُجَادلُ النَّاسَ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُم لِيُضِلَّهُم عَنِ الهُدَى، وَزَلَّةُ عَالِمٍ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّوْنَ. وَفِيْهَا - أَي سنَةِ تِسْعٍ - مَاتَ: دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَصَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ الجَمَّالُ، وَوَهْبُ بنُ بَقِيَّةَ، وَيَحْيَى بنُ مُوْسَى خَتٌّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ المَرْوَزِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَالصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ الجَحْدَرِيُّ. 117 - الغَزِّيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو * الغَزِّيُّ، العَابِدُ، الزَّاهِدُ. رَوَى عَنِ: العَطَّافِ بنِ خَالِدٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَا رَأَيْتُ بِمِصْرَ أَصلَحَ مِنْهُ، وَكَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً لاَ يَأْكُلُ فِيْهَا وَلاَ يَشرَبُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو - وَكَانَ يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَكَلَتَيْنِ -. قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى نَحْوِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ) .   (*) الجرح والتعديل 8 / 33، الأنساب، ورقة: 408 / 2، اللباب 2 / 381، تهذيب التهذيب 9 / 371. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 464 118 - هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ بنِ مُصْعَبِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ شَبْرِ بنِ صُعْفُوْقٍ * (عخ، م، 4) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، زَيْنُ العَابِدِيْنَ، أَبُو السَّرِيِّ التَّمِيْمِيُّ، الدَّارِمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الزُّهْدِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. رَوَى أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. حَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٍ، وَعَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُلاَزِمِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: قَبِيْصَةَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ العُبَّادِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - لَكِنَّ البُخَارِيَّ فِي غَيْرِ (صَحِيْحِهِ) اتِّفَاقاً لاَ اجتِنَاباً - وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالرَّمَادِيُّ، وَالدَّقِيْقِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ ذَرِيْحٍ، وَابْنُ ابْنِ أَخِيْهِ؛ أَبُو دَارِمٍ مُحَمَّدُ بنُ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ نَكتُبُ بِالْكُوْفَةِ؟ فَقَالَ: عَلَيْكُم بِهَنَّادٍ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 248، التاريخ الصغير 2 / 380، الجرح والتعديل 9 / 119، 120، تهذيب الكمال، ورقة: 1449، تذكرة الحفاظ 2 / 507، 508، العبر 1 / 441، تذهيب التهذيب 4 / 123، النجوم الزاهرة 2 / 316، تهذيب التهذيب 11 / 70، 71، طبقات الحفاظ: 220، خلاصة تذهيب الكمال: 414، الرسالة المستطرفة: 39، شذرات الذهب 2 / 104. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 465 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ وَكِيْعاً يُعَظِّمُ أَحَداً تَعْظِيْمَهُ لِهَنَّادٍ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الأَهْلِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الحَافِظُ: كَانَ هَنَّادٌ -رَحِمَهُ اللهُ- كَثِيْرَ البُكَاءِ، فَرَغَ يَوْماً مِنَ القِرَاءةِ لَنَا، فَتَوَضَّأَ، وَجَاءَ إِلَى المَسْجَدِ، فَصَلَّى إِلَى الزَّوَالِ، وَأَنَا مَعَهُ فِي المَسْجَدِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَتَوَضَّأَ، وَجَاءَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ، ثُمَّ قَامَ عَلَى رِجلَيْهِ يُصَلِّي إِلَى العَصرِ، يَرْفَعُ صَوتَهُ بِالقُرْآنِ، وَيَبْكِي كَثِيْراً. ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى بِنَا العَصرَ، وَأَخَذَ يَقْرَأُ فِي المُصْحَفِ، حَتَّى صَلَّى المَغْرِبَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِبَعْضِ جِيرَانِهِ: مَا أَصبَرَهُ عَلَى العِبَادَةِ! فَقَالَ: هَذِهِ عِبَادَتُهُ بِالنَّهَارِ مُنْذُ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتَ عِبَادَتَهُ بِاللَّيْلِ، وَمَا تَزَوَّجَ قَطُّ، ولاَ تَسَرَّى، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: رَاهِبُ الكُوْفَةِ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ: مَاتَ فِي يَوْمِ الأَرْبعَاءِ، آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَلاَ يَشْتَبِهُ بِـ: 119 - هَنَّادِ بنِ السَّرِيِّ الصَّغِيْرِ الدَّارِمِيِّ * حَدَّثَ عَنْ: وَالِدِهِ؛ أَبِي عُبَيْدَةَ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ السَّرِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ.   (*) تهذيب الكمال، ورقة: 1449، تذهيب التهذيب 4 / 123 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 71، 72. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 466 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ الحَافِظُ المُجَوِّدُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى الكُوْفِيُّ المَشْهُوْرُ بِابْنِ أَبِي دَارمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يَحْيَى العَلَوِيُّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَن الجُعْفِيُّ الكُوْفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، كَانَ صَدُوْقاً. أَرَّخَ مَوْتَهُ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ الكُوْفِيُّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَلَمْ يَقَعْ لَنَا مِنْ عَالِي حَدِيْثِ هَنَّادٍ الكَبِيْرِ إِلاَّ بإِجَازَةٍ فِي الطَّرِيْقِ - فَنَسْأَلُ اللهَ عِلْماً نَافِعاً مُقَرِّباً إِلَيْهِ -. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنْ زَيْنَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الخلاَءَ، قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ) (1) .   (1) إسناده صحيح، وهو في سنن الترمذي (5) في الطهارة: باب ما يقول إذا دخل الخلاء، من طريق قتيبة وهناد. وأخرجه البخاري 1 / 212، 213 في الطهارة: باب ما يقول عند الخلاء، من طريق آدم، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس. وأخرجه مسلم (375) في الحيض: باب ما يقوله إذا أراد دخول الخلاء، من طريق يحيى بن يحيى، عن حماد ابن زيد وهشيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس. = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 467 أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَنَّادِ بنِ السَّرِيِّ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَبِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هَنَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ، وَأُنَاساً مَعَهُ، يَطْلُبُونَ قِلاَدَةً كَانَتْ لِعَائِشَةَ نَسِيَتْهَا فِي مَنْزِلٍ نَزَلَتْهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَيسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ لَهَا أُسَيْدٌ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً، فوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمرٌ قَطُّ تَكْرَهِيْنَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِيْنَ فِيْهِ خَيْراً. أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه. وَمَاتَ مَعَ هَنَّادٍ: أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى التُّسْتَرِيُّ، وَحَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى التُّجِيْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَهَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ العَبَّاسِ الصُّوْلِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَسَدٍ المُحَاسِبِيُّ.   = والخبث، بضم الخاء والباء: جمع خبيث. والخبائث: جمع خبيثة. وقال الحافظ ابن حجر: ووقع في نسخة ابن عساكر. قال أبو عبد الله، يعني البخاري: ويقال: الخبث، أي بإسكان الباء. وقال ابن الاعرابي: أصل الخبث في كلام العرب المكروه. فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار. وعلى هذا فالمراد من الخبائث المعاصي، أو مطلق الافعال المذمومة، ليحصل التناسب. (1) 1 / 172 في الطهارة: باب في من لم يجد الماء ولا الصعيد، وإسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 468 120 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ للهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ * (س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، مُحَدِّثُ المَوْصِلِ، أَبُو جَعْفَرٍ المَوْصِلِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: المُعَافَى بنَ عِمْرَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَعِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعاً، وَطَبَقَتَهُم. وَلَهُ كِتَابٌ جَلِيْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وَالعِلَلِ. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ الهَرَوِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرونَ. وَكَانَ يُعَالِجُ التِّجَارَةَ، فَقَدِمَ بَغْدَادَ مَرَّاتٍ، وَحَدَّثَ بِهَا. وَكَانَ الحَافِظُ عُبَيْدٌ العِجْلُ يُعَظِّمُ أَمرَهُ، وَيَرفَعُ قَدرَهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ مُخَرِّمِيٌّ، سَكنَ المَوْصِلَ، وَكَانَ أَحَدَ أَهْلِ الفَضْلِ المُتَحَقِّقِينَ بِالعِلْمِ، حَسَنَ الحِفْظِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ. رَوَى عَنْهُ: الحُسَيْنُ الهَرَوِيُّ كِتَاباً لَهُ فِي العِلَلِ وَمَعْرِفَةِ الشُّيُوْخِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى يُسِيْءُ القَوْلَ فِيْهِ، وَيَقُوْلُ: شَهِدَ عَلَى خَالِي بِالزُّوْرِ.   (*) الجرح والتعديل 7 / 302، الكامل لابن عدي، ورقة: 315، تاريخ بغداد 5 / 416، 417، تهذيب الكمال، ورقة: 1221، تذكرة الحفاظ 2 / 494، 495، ميزان الاعتدال 3 / 596، تذهيب التهذيب 3 / 219، الوافي بالوفيات 3 / 304، تهذيب التهذيب 9 / 265، 266، طبقات الحفاظ: 215، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 2 / 101. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 469 قُلْتُ: يَصْدُقُ عَلَيْهِ إِذَا دَلَّسْنَاهُ (1) أَنْ نَقُولَ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ الحَافِظُ، فَيستفَادُ مَعَ الحَافِظِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ المُخَرِّمِيِّ. تُوُفِّيَ ابْنُ عَمَّارٍ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ كَمَّلَ الثَّمَانِيْنَ. وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ قَانعٍ حَيْثُ قَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 121 - الفَلاَّسُ عَمْرُو بنُ عَلِيِّ بنِ بَحْرِ بنِ كَنِيْزٍ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، النَّاقِدُ، أَبُو حَفْصٍ البَاهِلِيُّ، البَصْرِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ، الفَلاَّسُ، حَفِيْدُ المُحَدِّثِ بَحْرِ بنِ كَنِيْزٍ السَّقَّاءِ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمَرْحُوْمٍ العَطَّارِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَغُندَرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَاصِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَعُمَرَ بنِ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَوَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَعَبْدِ الأَعْلَى الشَّامِيِّ، وَمُعَاذِ بنِ   (1) التدليس قسمان: الأول أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه سمعه منه. كأن يقول: " عن فلان " أو " قال فلان " أو نحو ذلك. فأما إذا صرح بالسماع أو التحديث، ولم يكن قد سمعه من شيخه، ولم يقرأه عليه، لم يكن مدلسا، بل كان كاذبا فاسقا، وفرغ من أمره. والقسم الثاني: الاتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لامره، وتوعيرا للوقوف على حاله، وهو الذي عناه المصنف هنا. (*) التاريخ الصغير 2 / 388، الجرح والتعديل 6 / 249، تاريخ بغداد 12 / 207، 212، الأنساب، ورقة: 434 / 2، اللباب 2 / 230، تهذيب الكمال، ورقة: 1045، 1046، تذكرة الحفاظ 2 / 487، 488، العبر 1 / 454، تذهيب التهذيب 3 / 106، 107، تهذيب التهذيب 8 / 80، 82، النجوم الزاهرة 2 / 330، طبقات الحفاظ: 211، خلاصة تذهيب الكمال: 291، 292، طبقات المفسرين 2 / 17، شذرات الذهب 2 / 120. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 470 مُعَاذٍ، وَوَكِيْعٍِ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَفُضَيْلِ بنِ سُلَيْمَانَ النُّمَيرِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الحُجَّةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهم، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَالقَاسِمُ المُطَرِّزُ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جريْرٍ، وَأَبُو روقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ الهِزَّانِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بَصرِيٌّ، صَدُوْقٌ، كَانَ أَرشَقَ مِنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، سَمِعْتُ العَبَّاسَ العَنْبَرِيَّ يَقُوْلُ: مَا تَعَلَّمْتُ الحَدِيْثَ إِلاَّ مِنْ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ. وَقَالَ الحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: لاَ يُبَالِي عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ أَحَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، أَوْ مِنْ حِفْظِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضاً عَنْ زَكَرِيَّا السِّجْزِيِّ عَنْهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ شَيْخُهُ عَفَّانُ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَقَالَ: ذَاكَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ، لَمْ نَرَ بِالبَصْرَةِ أَحْفَظَ مِنْهُ وَمِنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَالشَّاذَكُوْنِيِّ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: حَضَرتُ مَجْلِسَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَنَا صَبِيٌّ وَضِيْءٌ، فَأَخَذَ رَجُلٌ بِخَدِّي، فَفَرَرْتُ، فَلَمْ أَعُدْ. قَالَ ابْنُ إِشْكَابٍ الحَافِظُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي حَفْصٍ الفَلاَّسِ، كَانَ يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي حَفْصٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ فَلاَّساً قَطُّ. وَقَدْ سَافَرَ إِلَى أَصْبَهَانَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 471 غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَدَّثَ بِهَا، فَقَالَ الحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ: قَدِمَهَا فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَسَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَسَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ. وحَكَى ابْنُ مُكْرَمٍ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا بَعْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ مِثْلُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ. مَاتَ: بِالعَسْكَرِ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: صَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ العَالِمُ الزَّاهِدُ مُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ ابْنُ القَاضِي الإِمَامِ المُحَدِّثِ رَفِيْعِ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ المُؤَيَّدِ الهَمَذَانِيُّ ثُمَّ المِصْرِيُّ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ سنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الطّلاَيَةِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي) . صَحَّحَهُ: التِّرْمِذِيُّ (1) . 122 - خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطِ بنِ خَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ العُصْفُرِيُّ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو عَمْرٍو   (1) رقم (2230) ، وسنده حسن، وأخرجه أبو داود (4282) . (*) مقدمة كتابه " الطبقات "، التاريخ الكبير 3 / 191، الضعفاء: 122، الجرح والتعديل 3 / 378، 379، الكامل لابن عدي، ورقة: 123، 124، الأنساب 8 / 67، وفيات الأعيان 2 / 243، 244، تهذيب الكمال، ورقة: 381، 382، تذكرة الحفاظ 2 / 436، العبر 1 / 432، ميزان الاعتدال 1 / 665، تذهيب التهذيب 1 / 211، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 275، طبقات الحفاظ: 190، خلاصة تذهيب الكمال: 106، شذرات الذهب 2 / 94. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 472 العُصْفُرِيُّ، البَصْرِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِشَبَابٍ، صَاحِبُ (التَّارِيْخِ) ، وَكِتَابِ (الطَّبَقَاتِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. سَمِعَ: أباهُ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَزِيَادَ بنَ عَبْدِ اللهِ البَكَّائِيَّ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَوَاءٍ، وَخَالِدَ بنَ الحَارِثِ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَالِدٍ، وَحَاتِمَ بنَ مُسْلِمٍ، وَهِشَاماً الكَلْبِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي (تَهْذِيْبِ الكَمَالِ) : أَنَّهُ رَوَى أَيْضاً عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ فَهَذَا وَهْمٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَلْحَقْ أَيْضاً السَّمَاعَ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأُرَاهُ رَآهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ بِسَبْعَةَ أَحَادِيْثَ - أَوْ أَزْيَدَ - فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَحَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ، وَمُوْسَى بنُ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ، وَعَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَخَلْقٌ. وَكَانَ صَدُوْقاً، نَسَّابَةً، عَالِماً بِالسِّيَرِ وَالأَيَّامِ وَالرِّجَالِ. وَثَّقَهُ بَعْضُهُم. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ صَدُوْقٌ، مِنْ مُتَيَقِّظِي الرُّوَاةِ. قُلْتُ: لَيَّنَهُ بَعْضُهُم بِلاَ حُجَّةٍ. قَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، مَاتَ جَدُّهُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ سَنَةَ 692، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 473 المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الطَّبِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو النَّحْوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابٌ العُصْفُرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَخْلِهِ الصَّدَقَاتِ (1) ، حَتَّى فُتِحَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيْرُ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَهِ، فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانَ أَعطَوهُ، وَكَانَ أَعطُوهُنَّ أُمَّ أَيْمَنَ، فَلَوَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي، وَهِيَ تَقُوْلُ: كَلاَّ وَاللهِ، لاَ يُعْطِيكَهُنَّ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: لَكِ كَذَا، وَلَكِ كَذَا. حَسِبتُ أَنَّهُ قَالَ: وَهِيَ تَقُوْلُ: كَلاَّ وَاللهِ، حَتَّى أَعطَاهَا عَشْرَةَ أَمْثَالِهُ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، مِنَ الأَفْرَادِ. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، عَنْ شَبَابٍ. تُوُفِّيَ مَعَ شَبَابٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ القَاضِي، وَأَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الفَقِيْهُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَسُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، وَسُحْنُوْنُ (3) الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الجَرْجَرَائِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَجَعْفَرُ بنُ حُمَيْدٍ الكُوْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الطَّحَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيْجٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ الأَعْيَنُ، وَاللَّيْثُ بنُ خَالِدٍ تِلْمِيْذُ الكِسَائِيِّ.   (1) في البخاري 7 / 316: " " النخلات " بدلا من قوله: " من نخله الصدقات ". قال الحافظ: كان الانصار يواسون المهاجرين بنخيلهم لينتفعوا بتمرها. فلما فتح الله النضير ثم قريظة، قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر، وأمر برد ماكان للانصار، لاستغنائهم عنه، ولانهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك. وامتنعت أم أيمن من رد ذلك، ظنا أنها ملكت الرقبة، فلاطفها النبي، صلى الله عليه وسلم، لما كان لها عليه من حق الحضانة، حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما أرضاها. (2) أخرجه البخاري 7 / 316 في المغازي: باب مرجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الاحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة. (3) بفتح السين المهملة وضمها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 474 123 - صَفْوَانُ بنُ صَالِحِ بنِ صَفْوَانَ بنِ دِيْنَارٍ * (د، ت، س) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، مُؤَذِّنُ جَامعِ دِمَشْقَ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، الدِّمَشْقِيُّ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَسُوَيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَمُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ النَّصرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَآخَرُوْنَ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ - أَوْ تِسْعٍ - وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَثَّقَهُ: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ سَلْمُ بنُ مُعَاذٍ: قُلْتُ لِسُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ صَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ يَأْبَى أَنْ يُحَدِّثنَا. قَالَ: فَدَخَلَ صَفْوَانُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَأْبَى أَنْ تُحَدِّثَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوْبَ، مَنَعَنَا السُّلْطَانُ. قَالَ: وَيْحَكَ حَدِّثْ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنْ أَهْلَ الجَنَّةِ يَحتَاجُوْنَ إِلَى العُلَمَاءِ فِي الجَنَّةِ، كَمَا يَحتَاجُوْنَ إِلَيْهِم فِي الدُّنْيَا، فَحَدِّثْ لَعَلَّكَ أَنْ تَكُوْنَ مِنْهُم، فَحَدَّثَنَا صَفْوَانُ.   (*) التاريخ الكبير 4 / 309، الجرح والتعديل 4 / 425، 426، تاريخ دمشق 8 / 168 / ب، تهذيب الكمال، ورقة: 609، العبر 1 / 430، تذهيب التهذيب 2 / 94، تهذيب التهذيب 4 / 426، 427، النجوم الزاهرة 2 / 292، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 2 / 91. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 475 وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى الفَرَّاءَ الحَافِظَ، فَقَالَ: هُوَ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ. فَمَا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ هَذَا وَقَرَنَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ لاِشتِرَاكِهِمَا فِي الحِفْظِ. 124 - إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَامَجْرَ * (بَخ، د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ. حَدَّثَ عَنْ: شَرِيْكٍ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ القُدُّوْسِ بنِ حَبِيْبٍ، وَكَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُبُلِّيِّ الَّذِي رَوَى عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَرَأَى زَائِدَةُ ابْنَ قُدَامَةَ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. قَاله: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ) ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الفرَائِضِيُّ، وَقَدْ رَوَى حَرْفَ الكِسَائِيَّ عَنْهُ، وَحَرفَ ابْنِ عَامِرٍ عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، بِرِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بنِ الحَارِثِ عَنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، ثُمَّ   (*) طبقات ابن سعد 7 / 353، المحبر: 478، التاريخ الكبير 1 / 380، التاريخ الصغير 2 / 381، تاريخ الطبري 9 / 213، تاريخ بغداد 6 / 356، 362، تهذيب الكمال، ورقة: 83، ميزان الاعتدال 1 / 182، تذكرة الحفاظ 2 / 484، 486، العبر 1 / 444، تذهيب التهذيب 1 / 54، البداية والنهاية 10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 223، خلاصة تذهيب الكمال: 27. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 476 قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ إِسْحَاقُ أَظْهَرَ الوَقْفَ حِيْنَ سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْن عَنْهُ. وَقَالَ البَغَوِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ العَقلِ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقٌ، يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَيَقِفُ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ الصِّبْيَانُ يَقُوْلُوْنَ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، أَلاَ قَالُوا: كَلاَمُ اللهِ، وَسَكَتُوا؟ وَيُشِيْرُ إِلَى دَارِ الإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ دَاوُدَ: تَجَهَّمَ إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ بَعْدَ تِسْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَقَفَ فِي القُرْآنِ فَوَقَفْنَا عَنْ حَدِيْثِهِ، وَلَقَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ حَتَّى كُنْتُ أَمُرُّ بِمَسْجِده وَهُوَ وَحِيدٌ لاَ يَقرَبُهُ أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ إِلَيْهِ عَنَقاً وَاحِداً. قَالَ شَاهِيْنُ بنُ السَّمَيْدَعِ (1) : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ وَاقِفِيٌّ مَشْؤُوْمٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَيِّسٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: كَانَ صَدُوْقاً، تَرَكُوهُ لِمَوْضِعِ الوَقفِ، قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: تَرَكُوهُ: أَعْرَضُوا عَنِ الأَخْذِ عَنْهُ، لاَ أَنَّ حَدِيْثَهُ فِي حَيِّزِ المَتْرُوْكِ المُطَّرَحِ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيُّ: سَأَلْتُ عَبْدُوْسَ بنَ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيَّ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، فَقَالَ: كَانَ حَافِظاً جِدّاً، لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الحِفْظِ وَالوَرَعِ. قُلْتُ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالوَقْفِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَدَّاهُ وَرَعُهُ وَجُمُوْدُهُ إِلَى الوَقْفِ، لاَ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَهَّمُ، كَلاَّ.   (1) هو أبو سلمة العبدي، انظر ترجمته في " طبقات الحنابلة " 1 / 172، 173. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 477 قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: قَالَ لِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: نَاظَرَنِي إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ كَذَا، وَلاَ غَيْرَ ذَا -يَعْنِي: فِي القُرْآنِ-. فَنَاظَرْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ أَقُلْ عَلَى الشَّكِّ، وَلَكِنِّي أَسكُتُ كَمَا سَكَتَ القَوْمُ قَبْلِي. قُلْتُ: الإِنصَافُ فِي مَنْ هَذَا حَالُهُ أَنْ يَكُوْنَ بَاقِياً عَلَى عَدَالَتِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قَالَ البُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ قَانِعٍ: فِي شَعْبَانِهَا. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: مَاتَ بِسَامَرَّاءَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. 125 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَاتِمٍ الهَرَوِيُّ * (ت، ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِالهَرَوِيِّ. سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبَ، وَطَبَقَتَهُم.   (*) الجرح والتعديل 2 / 109، تاريخ بغداد 6 / 118، 120، تهذيب الكمال، ورقة: 58، ميزان الاعتدال 1 / 42، 44، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 38، تذكرة الحفاظ 2 / 484، الوافي بالوفيات 5 / 28، تهذيب التهذيب 1 / 132، 133، طبقات الحفاظ: 209، خلاصة تذهيب الكمال: 18، شذرات الذهب 2 / 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 478 حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو يَعْلَى، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ فَرَحٍِ المُفَسِّرُ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الصُّوْفِيُّ الصَّغِيْرُ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ صَالِحاً، زَاهِداً، عَابِداً، صَوَّاماً، قَوَّاماً، مُتَعَفِّفاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، كَانَ لاَ يُفْطِرُ إِلاَّ أَنْ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ. وَكَانَ حَافِظاً، مُجَوِّداً، مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيْثِ هُشَيْمٍ، وَأَثْبَتِهِم فِيْهِ. رَوَى عَنْهُ صَالِحٌ جَزَرَةُ، قَالَ: مَا مَرَّ حَدِيْثٌ لِهُشَيْمٍِ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعتُهُ عِشْرِيْنَ مَرَّةً، أَوْ أَكْثَرَ، وَكُنْتُ أُوقِفُهُ، كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْهُ مَعَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيِّ وَالِدِ إِبْرَاهِيْمَ. ثُمَّ قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ هُشَيْمٍ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَصْحَابُ هُشَيْمٍ: مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الهَرَوِيُّ، وَهُوَ أَكيَسُ الرَّجُلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ ضَعِيْفٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. 126 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ القُرَشِيُّ * (م) ابْنِ النُّعْمَانِ بن عَلَجَةَ بنِ أَقْفَعَ بنِ كُزمَانَ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ،   (*) طبقات ابن سعد 7 / 359، 360، الجرح والتعديل 2 / 130، تاريخ بغداد 6 / 148، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 479 المُجَوِّدُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، السَّامِيُّ، البَصْرِيُّ، مِنْ وَلَدِ الحَارِثِ بنِ سَامَةَ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ. نَزَلَ بَغْدَادَ، وَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ، وَهُوَ مِنْ أَوْلاَدِ المُحَدِّثِيْنَ، كَانَ وَالِدُهُ مِنْ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ القُدَمَاءِ. وُلِدَ إِبْرَاهِيْمُ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ قَبلَهَا. وَحَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جعفرٍ، وعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَحَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ هَمَّامٍ، وَالخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ المُزَنِيِّ - وَمَا هُوَ بِصَاحِبِ العَرُوْضِ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَجَدِّهِ؛ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ: وَجَدتُ بِخَطِّ أَبِي: قُلْتُ لأَبِي زَكَرِيَّا بنِ مَعِيْنٍ: فَابْنُ عَرْعَرَةَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ، مَعْرُوْفٌ، مَشْهُوْرٌ بِالطَّلَبِ، كَيِّسُ الكِتَابِ، وَلَكِنَّهُ يُفْسِدُ نَفْسَه، يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّهُم   = 150، الأنساب 7 / 16، اللباب 2 / 95، تهذيب الكمال، ورقة: 63، 64، تذكرة الحفاظ 2 / 435، العبر 1 / 408، ميزان الاعتدال 1 / 56، 57، تذهيب التهذيب 1 / 41، تهذيب التهذيب 1 / 155، 157، طبقات الحفاظ: 189، 190، خلاصة تذهيب الكمال: 21، شذرات الذهب 2 / 70. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 480 يَكْتُبُوْنَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ. فَقَالَ: أُفٍّ، لاَ يُبَالُوْنَ عَمَّنْ كَتَبُوا. وَرَوَى الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ غَمَزَ ابْنَ عَرْعَرَةَ، وَأَحسِبُ هَذَا مِنْ جِهَةِ سِيْرَتِهِ، لاَ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ. فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ صَفْوَانَ البَرْذَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ: أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةٌ: ... ، فَعَدَّ مِنْهُم: إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ. قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: مَاتَ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ كانَ يَزُوْرُ البَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: كَتَبُوهُ مِنْ كِتَابِ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ. فَقُلْتُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرْعَرَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ. فَتَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَنَفَضَ يَدَهُ، وَقَالَ: كَذِبٌ وَزُورٌ، مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَاسْتَعظَمَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: رَوَى قَتَادَةُ حَدِيْثاً غَرِيْباً، حَدَّثَنَا أَبُو حَسَّانٍ الأَعْرَجُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُوْرُ البَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ مَا أَقَامَ (1) . تَفَرَّدَ بِهِ: هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، نَسَختُهُ مِنْ كِتَابِ مُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ. فَقَالَ لِي مُعَاذٌ: هَاتِ حَتَّى أَقرَأَهُ. قُلْتُ: دَعْهُ اليَوْمَ.   (1) علقه البخاري في " صحيحه " 3 / 452 في الحج: باب الزيارة يوم النحر، بصيغة التمريض، فقال: ويذكر عن أبي حسان، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يزور البيت أيام منى. قال الحافظ: وصله الطبراني من طريق قتادة عنه، ثم نقل كلام ابن المديني، وكلام الامام أحمد الذي ذكره المصنف، ثم قال: وأبو حسان اسمه مسلم بن عبد الله، قد أخرج له مسلم حديثا غير هذا، عن ابن عباس، وليس هو من شرط البخاري. ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة، حدثنا ابن طاووس، عن أبيه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يفيض كل ليلة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 481 قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: فَمَا المَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ ابْنُ عَرْعَرَةَ سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ؟ قُلْتُ: صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَلاَ سِيَّمَا وَإِبْرَاهِيْمُ مِنْ كِبَارِ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ المَعْنِيِّيْنَ بِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بن مُطَهّرٍ الشَّافِعِيُّ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَزَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ مُنْفَرِدَيْنِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ هَذَا مَكْتُوْباً عِنْدِي. هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ، فَرْدٌ. رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ (1) ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ. وَفِيْهَا (2) مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ الشَّهِيْدُ، وَأُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ، وَأَبُو   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 3 / 378 في الحج: باب استلام الركن بالمحجن، ومسلم (1272) في الحج: باب جواز الطواف على بعير وغيره، من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: طاف النبي، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن. وأخرجه مسلم (1275) ، وابن ماجة (2949) من طريق معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن. والمحجن: عصا محنية الرأس. والاستلام: افتعال من السلام، أي التحية. والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى حتى يصيبه. (2) على هامش الأصل رقم (31) ، أي في سنة 231. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 482 تَمَّامٍ الطَّائِيُّ حَبِيْبُ بنُ أَوْسٍ - شَاعِرُ زَمَانِهِ - وَخَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الخُتَّلِيُّ، وَسَهْلُ بنُ زَنْجَلَةَ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَكِيْمٍ الأَوْدِيُّ، وَكَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ التَّمِيْمِيُّ الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ العَطَّارُ أَخُو حَجَّاجٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ - قَاضِي دِمَشْقَ - وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ الأَعْرَابِيِّ، وَهَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَمِنْجَابُ بنُ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ المِصْرِيُّ، وَأَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُم. 127 - أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَغَوِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ البَغَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْوَ الرُّوْذَ. رَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) . حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ شُجَاعٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: السِّتَّةُ، لَكِنَّ البُخَارِيَّ بِوَاسِطَةٍ، وَسِبْطُهُ مُسْنِدُ وَقْتِهِ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ جَمِيْلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.   (*) التاريخ الكبير 2 / 6، التاريخ الصغير 2 / 379، الجرح والتعديل 2 / 77، 78، تاريخ بغداد 5 / 160، 161، طبقات الحنابلة 1 / 76، 77، تهذيب الكمال، ورقة: 44، تذكرة الحفاظ 2 / 481، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 28، الوافي بالوفيات 8 / 192، البداية والنهاية 10 / 346، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 139، تهذيب التهذيب 1 / 84، 85، النجوم الزاهرة 2 / 319، طبقات الحفاظ: 208، 209، خلاصة تذهيب الكمال: 13، الرسالة المستطرفة: 65، شذرات الذهب 2 / 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 483 وَثَّقَهُ: صَالِحٌ جَزَرَةُ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: أُخْبِرْتُ عَنْ جَدِّي أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَنَا مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً أَختِمُ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: مَاتَ جَدِّي فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا نَصْرٌ الزَّيْنَبِيُّ أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ، وَأُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَؤُوا بِالعَشَاءِ) (1) . 128 - حَاتِمٌ الأَصَمُّ بنُ عنوَانَ بنِ يُوْسُفَ البَلْخِيُّ * (2) الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَاتِمُ بنُ عنوَانَ بنِ يُوْسُفَ   (1) سفيان بن حسين ثقة في اتفاقهم في غير الزهري، والحديث صحيح، أخرجه البخاري 2 / 134 في الجماعة: باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، من طريق الليث، عن عقيل، ومسلم من طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء "، وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر وعائشة، رضي الله عنهم. (*) الجرح والتعديل 3 / 260، حلية الأولياء 8 / 73، 83، تاريخ بغداد 8 / 241، 245، الأنساب 1 / 294، 295، اللباب 1 / 57، وفيات الأعيان 2 / 26، 28، العبر 1 / 424، مرآة الجنان 2 / 118، طبقات الأولياء: 178، 181، النجوم الزاهرة 2 / 290، 291، شذرات الذهب 2 / 87، 88، طبقات الصوفية: 91، 97، الرسالة القشيرية: 20، طبقات الشعراني 1 / 93. (2) قيل: إنه لقب بالاصم لان امرأة سألته مسألة، فخرج منها صوت ريح من تحتها، فخجلت، فقال لها: ارفعي صوتك، وأراها من نفسه أنه أصم، حتى سكن ما بها، فغلب عليه الأصم. انظر " طبقات الأولياء ": 178، و" النجوم الزاهرة " 2 / 291. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 484 البَلْخِيُّ، الوَاعِظُ، النَّاطِقُ بِالحِكْمَةِ، الأَصَمُّ. لَهُ كَلاَمٌ جَلِيْلٌ فِي الزُّهْدِ وَالمَوَاعِظِ وَالحِكَمِ، كَانَ يُقَالُ لَهُ: لُقْمَانُ هَذِهِ الأُمَّةِ. رَوَى عَنْ: شَقِيْقٍ البَلْخِيِّ - وَصَحِبَهُ - وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَاهِيَانِيِّ، وَشَدَّادِ بنِ حَكِيْمٍ، وَرَجَاءِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِم، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئاً مُسْنَداً - فِيْمَا أُرَى -. رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَهْلٍ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ خِضْرَوَيْه البَلْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فَارِسٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوَّاصُ، وَأَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ، وَحَمْدَانُ بنُ ذِي النُّوْنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُكرَمٍ الصَّفَّارُ، وَآخَرُوْنَ. وَاجْتَمَعَ بِالإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ. قِيْلَ لَهُ: عَلَى مَا بَنَيتَ أَمرَكَ فِي التَّوَكُّلِ؟ قَالَ: عَلَى خِصَالٍ أَرْبَعَةٍ: عَلِمتُ أَنَّ رِزْقِي لاَ يَأْكُلُهُ غَيْرِي، فَاطمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسِي، وَعَلِمتُ أَن عَمَلِي لاَ يَعْمَلُهُ غَيْرِي، فَأَنَا مَشْغُوْلٌ بِهِ، وَعَلِمتُ أَنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةًَ، فَأَنَا أُبَادِرُهُ، وَعَلِمتُ أَنِّي لاَ أَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللهِ، فَأَنَا مُسْتَحٍِ مِنْهُ. وَعَنْهُ: مَنْ أَصْبَحَ مُسْتَقِيْماً فِي أَرْبَعٍ، فَهُوَ بِخَيْرٍ: التَّفَقُّه، ثُمَّ التَّوَكُّلُ، ثُمَّ الإِخْلاَصُ، ثُمَّ المَعْرِفَةُ. وَعَنْهُ: تَعَاهَدْ نَفْسَكَ فِي ثَلاَثٍ: إِذَا عَلِمتَ، فَاذكُرْ نَظَرَ اللهِ إِلَيْكَ، وَإِذَا تَكَلَّمتَ، فَاذكُرْ سَمْعَ اللهِ مِنْكَ، وَإِذَا سَكَتَّ، فَاذكُرْ عِلْمَ اللهِ فِيْكَ. قَالَ أَبُو تُرَابٍ: سَمِعْتُ حَاتِماً يَقُوْلُ: لِي أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ، وَتِسْعَةُ أَوْلاَدٍ، مَا طَمِعَ شَيْطَانٌ أَنْ يُوَسْوِسَ إِلَيَّ فِي أَرْزَاقِهِم. سَمِعْتُ شَقِيْقاً يَقُوْلُ: الكَسَلُ عَوْن عَلَى الزُّهْدِ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: قَالَ شَقِيْقٌ لِحَاتِمٍ: مُذْ صَحِبْتَنِي، أَيَّ شَيْءٍ تَعَلَّمتَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 485 مِنِّي؟ قَالَ: سِتَّ كَلِمَاتٍ: رَأَيْتُ النَّاسَ فِي شَكٍّ مِنْ أَمرِ الرِّزْقِ، فَتَوكَّلتُ عَلَى اللهِ (1) ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هُوْدٌ: 6] . ورَأَيْتُ لِكُلِّ رَجُلٍ صَدِيقاً يُفْشِي إِلَيْهِ سِرَّهُ، وَيَشْكُو إِلَيْهِ، فَصَادَقْتُ الخَيْرَ لِيَكُوْنَ مَعِيَ فِي الحِسَابِ، وَيَجُوْزَ مَعِيَ الصِّرَاطَ. وَرَأَيْتُ كُلَّ أَحَدٍ لَهُ عَدُوٌّ، فَمَنِ اغْتَابَنِي لَيْسَ بِعَدُوِّي، وَمَنْ أَخَذَ مِنِّي شَيْئاً، لَيْسَ بِعَدُوِّي، بَلْ عَدُوِّي مَنْ إِذَا كُنْتُ فِي طَاعَةٍ، أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وَذَلِكَ إِبْلِيْسُ وَجُنُوْدُهُ، فَاتَّخَذْتُهُم عَدُوّاً، وَحَارَبْتُهُم. وَرَأَيْتُ النَّاسَ كُلُّهُم لَهُم طَالِبٌ، وَهُوَ مَلَكُ المَوْتِ، فَفَرَّغْتُ لَهُ نَفْسِي. وَنَظَرتُ فِي الخَلْقِ، فَأَحْبَبْتُ ذَا، وَأَبغَضتُ ذَا، فَالَّذِي أَحبَبْتُهُ لَمْ يُعْطِنِي، وَالَّذِي أَبغَضتُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنِّي شَيْئاً، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ؟ فَإِذَا هُوَ مِنَ الحَسَدِ، فَطَرَحْتُهُ، وَأَحْبَبْتُ الكُلَّ، فُكُلُّ شَيْءٍ لَمْ أَرْضَهُ لِنَفْسِي، لَمْ أَرْضَهُ لَهُم. وَرَأيتُ النَّاسَ كُلَّهُم لَهُم بَيْتٌ وَمَأْوَى، وَرَأَيْتُ مَأْوَايَ القَبْرَ، فُكُلُّ شَيْءٍ قَدَرتُ عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ، قَدَّمتُهُ لِنَفْسِي لأُعْمِرَ قَبْرِي. فَقَالَ شَقِيْقٌ: عَلَيْكَ بِهَذِهِ الخِصَالِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوَّاصُ: دَخَلْتُ مَعَ حَاتِمٍ الأَصَمِّ الرَّيَّ، وَمَعَنَا ثَلاَثُ مائَةٍ وَعِشْرُوْنَ رَجُلاً نُرِيدُ الحَجَّ، عَلَيْهِمُ الصُّوفُ وَالزَّرْبَنَانْقَاتُ، لَيْسَ مَعَهُم جِرَابٌ وَلاَ طَعَامٌ.   (1) لا يفهم من كلام حاتم الأصم رحمه الله ترك الاسباب، والقعود عن التماسها، والبقاء عالة على الناس كما يفهمه المتواكلون، وإنما يعني أنه لابد مع السعي والعمل من التوكل على الله الذي يثمر الرضى والقناعة بما قسم له حتى يكون أغنى الناس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 486 قَالَ الخَطِيْبُ: أَسنَدَ حَاتِمُ بنُ عنوَانَ الأَصَمُّ، عَنْ شَقِيْقٍ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. وَيُرْوَى عَنْهُ، قَالَ: أَفرَحُ إِذَا أَصَابَ مَنْ نَاظَرَنِي، وَأَحْزَنُ إِذَا أَخْطَأَ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ خَرَجَ إِلَى حَاتِمٍ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ التَّخَلُّصُ مِنَ النَّاسِ؟ قَالَ: أَنْ تُعطِيَهُم مَالَكَ، وَلاَ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِم، وَتَقضِيَ حُقُوْقَهُم، وَلاَ تَسْتَقْضِيَ أَحَداً حَقَّكَ، وَتَحْتَمِلَ مَكْرُوْهَهُم، وَلاَ تُكْرِهَهُم عَلَى شَيْءٍ، وَلَيتَكَ تَسْلَمُ. وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: سَمِعْتُ حَاتِماً يَقُوْلُ: المُؤْمِنُ لاَ يَغِيْبُ عَنْ خَمْسَةٍ: عَنِ اللهِ، وَالقَضَاءِ، وَالرِّزْقِ، وَالمَوْتِ، وَالشَّيْطَانِ. وَعَنْ حَاتِمٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ صَاحِبَ خَبَرٍ جَلَسَ إِلَيْكَ، لَكُنْتَ تَتَحَرَّزُ مِنْهُ، وَكَلاَمُكَ يُعرَضُ عَلَى اللهِ فلاَ تَحْتَرِزُ! قُلْتُ: هَكَذَا كَانَتْ نُكَتُ العَارِفِيْنَ وَإِشَارَاتُهُم، لاَ كَمَا أَحْدَثَ المُتَأَخِّرُوْنَ مِنَ الفَنَاءِ وَالمَحْوِ وَالجَمْعِ الَّذِي آلَ بِجَهَلَتِهِم إِلَى الاتِّحَادِ، وَعَدَمِ السِّوَى. قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: تُوُفِّيَ حَاتِمٌ الأَصَمُّ -رَحِمَهُ اللهُ- سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 129 - أَحْمَدُ بنُ خِضْرَوَيْه أَبُو حَامِدٍ البَلْخِيُّ (1) * الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ، الرَّبَّانِيُّ الشَّهِيْرُ، أَبُو حَامِدٍ البَلْخِيُّ، مِنْ أَصْحَابِ حَاتِمٍ الأَصَمِّ.   (1) وقد يدعى أحمد بن الخضر، كذا في " حلية الأولياء " 10 / 42، و" تاريخ بغداد " 4 / 137 (*) حلية الأولياء 10 / 42، 43، تاريخ بغداد 4 / 137، 138، الوافي بالوفيات = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 487 قَالَ السُّلَمِيُّ: هُوَ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ. سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَحْمِلَهَا إِلَى أَبِي يَزِيْدَ، وَتَهَبَهُ مَهْرَهَا، فَفَعَلَ، فَأَنفَقَتْ مَالَهَا عَلَيْهِمَا. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ، قَالَ لأَبِي يَزِيْدَ: أَوصِنِي. قَالَ: تَعَلَّمِ الفُتُوَّةَ مِنْ هَذِهِ (1) . وَعَنْ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ: ابْنُ خِضْرَوَيْه أُسْتَاذُنَا. وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ خِضْرَوَيْه صَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ. قُلْتُ: لَمْ يُدْرِكْهُ أَبَداً. وَقَدْ كَانَ مُعَمَّراً، فَإِنَّ السُّلَمِيَّ رَوَى عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ خِضْرَوَيْه، وَهُوَ يَنزِعُ، فَسُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: بَاباً (2) كُنْتُ أَقرَعُهُ مُنْذُ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، السَّاعَةَ يُفْتَحُ، لاَ أَدْرِي يُفْتَحُ بِالسَّعَادَةِ أَمْ بِالشَّقَاءِ؟ وَوَفَّى عَنْهُ رَجُلٌ سَبْعَ مائَةِ دِيْنَارٍ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَكْبَرَ هِمَّةً، وَلاَ أَصْدَقَ حَالاً مِنْ أَحْمَدَ بنِ خِضْرَوَيْه، لَهُ قَدَمٌ فِي التَّوَكُّلِ. وَمِنْ كَلاَمِه: القُلُوْبُ جَوَّالَةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَجُولَ حَوْلَ العَرْشِ، وَإِمَّا أَنْ تَجُولَ حَوْلَ الحُشِّ (3) .   = 6 / 373، طبقات الأولياء: 37، 39، طبقات الصوفية: 103، 106، طبقات الشعراني 1 / 95، النجوم الزاهرة 2 / 303، الرسالة القشيرية: 21. (1) الخبر في " الحلية " 10 / 42، بلفظ: كانت قرينته المكتنية بأم علي من بنات الكبار، حللت زوجها أحمد من صداقها على أن يزوجها أبا يزيد البسطامي، فحملها إلى أبي يزيد، فدخلت عليه، وقعدت بين يديه مسفرة عن وجهها. فقال لها أحمد: رأيت منك عجبا، أسفرت عن وجهك بين يدي أبي يزيد! فقالت: لاني لما نظرت إليه، فقدت حظوظ نفسي، وكلما نظرت إليك، رجعت إلي حظوظ نفسي. فلما خرج، قال لأبي يزيد: أوصني، قال: تعلم الفتوة من زوجتك. (2) في " الحلية " " باب "، بالرفع. (3) أي الخلاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 488 قِيْلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 130 - أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بنُ حَرْبِ بنِ شَدَّادٍ الحَرَشِيُّ * (خَ، م، د، س، ق) النَّسَائِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَحَدُ أَعْلاَمِ الحَدِيْثِ، مَوْلَى بَنِي الحَرِيْشِ بنِ كَعْبِ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَ اسْمُ جَدِّه أَشْتَالَ، فَعُرِّبَ، وَقِيْلَ: شَدَّادٌ. نَزَلَ بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ أَكْثَرَ التَّطوَافَ فِي العِلْمِ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ هُوَ وَابْنُهُ وَحَفِيْدُه مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ. وَقَلَّ أَن اتَّفَقَ هَذَا لِثَلاَثَةٍ عَلَى نَسَقٍ. وُلِدَ أَبُو خَيْثَمَةَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَهُشَيْمٍ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَوَكِيْعٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَأَبِي سُفْيَانَ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مَالِكٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَبِشْرِ بنِ السَّرِيِّ، وَرَوْحٍ، وَشَبَابَةَ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَخَلاَئِقَ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَفَّانَ، وَمُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَامِلِ بنِ طَلْحَةَ الجَحْدَرِيِّ، وَنَحْوِهِم. رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْن مَاجَهْ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ   (*) التاريخ الكبير 3 / 429، التاريخ الصغير 2 / 362، تاريخ الفسوي 1 / 209، الجرح والتعديل 3 / 591، الفهرست: 286، تاريخ بغداد 8 / 482، 484، الأنساب، ورقة: 559 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 437، تذكرة الحفاظ 2 / 437، العبر 1 / 416، تذهيب التهذيب 1 / 240، النجوم الزاهرة 2 / 276، البداية والنهاية 10 / 312، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 295، تهذيب التهذيب 3 / 342، 344، طبقات الحفاظ: 191، خلاصة تذهيب الكمال: 123، الرسالة المستطرفة: 56، شذرات الذهب 2 / 80. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 489 رَجُلٍ، عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَبُو خَيْثَمَةَ يَكفِي قَبِيْلَةً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: هُوَ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كَانَ فِي عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ- تَهَاوُنٌ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يَكُنْ يُفَصِّلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ -يَعْنِي: الأَلْفَاظَ-. وَقَالَ جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَبُو خَيْثَمَةَ، أَوْ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ؟ فَقَالَ: أَبُو خَيْثَمَةَ. وَجَعَلَ يُطرِي أَبَا خَيْثَمَةَ، وَيَضَعُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ: أَبُو خَيْثَمَةَ حُجَّةٌ فِي الرِّجَالِ؟ قَالَ: مَا كَانَ أَحسَنَ عِلْمَهُ! وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ قَهْمٍ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، حَافِظاً، مُتْقِناً. قُلْتُ: مِنَ المُكْثِرِيْنَ عَنْهُ: وَلَدُه، وَأَبُو يَعْلَى. وَوَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَاتَ أَبِي فِي خِلاَفَةِ المُتَوَكِّلِ، لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، لِسَبْعٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 490 خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّحْوِيُّ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العَتَّابِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَذَانِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَرْثَمِيَّةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنِي رَوْحُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ، فَآتِيْهِ بِمَاءٍ يَغْتَسِلُ بِهِ. أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، فَوَقَعَ عَالِياً مِنَ المُوَافَقَاتِ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ الحُسَيْنِيُّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغْوَانِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اعْتَدِلُوا فِي   (1) إسناده صحيح، وهو في " صحيح " مسلم (271) في الطهارة: باب الاستنجاء بالماء من التبرز. وقوله: يتبرز، معناه: يأتي البراز، وهو بفتح الباء: اسم للفضاء الواسع، كنوا به عن قضاء الحاجة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 491 صُفُوْفِكُم، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُم مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) . زَادَ شُجَاعٌ، وَالحَسَنُ: قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ، فَلَو ذَهَبتُ أَفْعَلُ هَذَا اليَوْمَ، لَنَفَرَ أَحَدُكُم، كَأَنَّهُ بَغْلٌ شَمُوْسٌ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا شَيْءٌ كَثِيْرٌ مِنْ مُوَافقَاتِ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ) . ذِكْرُ وَلَدِهِ: هُوَ الحَافِظُ الكَبِيْرُ المُجَوِّدُ: 131 - أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ * صَاحِبُ (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ) ، الكَثِيْرِ الفَائِدَةِ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَهَوْذَةَ بنَ خَلِيْفَةَ، وَعَفَّانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَابِقٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيَّ، وَأَبَا غَسَّانَ النَّهْدِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَقُطْبَةَ بنَ العَلاَءِ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيَّ، وَمُوْسَى بنَ دَاوُدَ الضَّبِّيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ المَرُّوْذِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَخَالِدَ بنَ خِدَاشٍ، وَسُرَيْجَ بنَ النُّعْمَانِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ،   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 176 في صلاة الجماعة: باب إلزاق المنكب بالمنكب، من حديث زهير، عن حميد، عن أنس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري ". وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه. وهو في " المسند " 3 / 103، و125 و182 و229 و263 و286. (*) الفهرست: 286، تاريخ بغداد 4 / 162، 164، طبقات الحنابلة 1 / 44، الأنساب، ورقة: 559 / 2، معجم الأدباء 3 / 35، 37، تذكرة الحفاظ 2 / 596، الوافي بالوفيات 6 / 376، 377، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 54، لسان الميزان 1 / 174. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 492 وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بنَ الجَعْدِ، وَخَلَفَ بنَ هِشَامٍ، وَأُمَماً سِوَاهُم. وَهُوَ أَوْسَعُ دَائِرَةً مِنْ أَبِيْهِ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَكِيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وَأَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَقَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَخَلْقٌ. قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً، مُتْقِناً، حَافِظاً، بَصِيْراً بِأَيَّامِ النَّاسِ، رَاوِيَةً لِلأَدَبِ، أَخَذَ: عِلْمَ الحَدِيْثِ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَعِلْمَ النَّسَبِ عَنْ: مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ. وَأَخَذَ أَيَّامَ النَّاسِ عَنْ: أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيِّ. وَالأَدَبَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ. وَلَهُ كِتَابُ (التَّارِيْخِ) الَّذِي أَحسَنَ تَصْنِيْفَهُ، وَأَكْثَرَ فَائِدَتَه، فَلاَ أَعْرِفُ أَغزَرَ فَوَائِدَ مِنْهُ. وَذَكَرَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قُلْتُ: يَقَع لَنَا كَثِيْرٌ مِنْ رِوَايَتِه مِنْ طَرِيْقِ السِّلَفِيِّ، وَشُهْدَةَ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ فِي شَهْرِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَذَا أَرَّخ ابْنُ المُنَادِي، وَزَادَ: وَقَدْ بَلَغَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَقِيْلَ: بَلَغَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَشبَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، لكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَهُوَ مِنْ أَوْلاَدِ الحُفَّاظِ. فَكَانَ أَبُوْهُ يُسْمِعُهُ وَهُوَ حَدَثٌ، فَيُدْرِك بِهِ مِثْل يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَقْرَانِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ - فَالله أَعْلَمُ -. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 493 وَخَلَّفَ أَحْمَدُ ابْنَهُ الحَافِظَ الإِمَامَ المُحِقِّقَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ 132 - مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ البَغْدَادِيَّ * سَمِعَ: أَبَاهُ، وَنَصْرَ بنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيَّ، وَعَبَّادَ بنَ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِنِيَّ، وَعَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ، وَبُنْدَارَ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةَ. رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مِقْسَمٍ المُقْرِئُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَاملٍ: أَرْبَعَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ لِقَاءهُم: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالمَعْمَرِيُّ، فَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُم! وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُوْهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي عَمَلِ (التَّارِيْخِ) . مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْر، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُوْسَى بنُ دَاوُدَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُر إِحدَانَا إِذَا حَاضَتْ أَنْ تَأْتَزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.   (*) الفهرست: 286، تذكرة الحفاظ 2 / 742، 743. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 494 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . 133 - مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى بنِ فَرُّوْخٍ الخُوَارِزْمِيُّ * (م، ت، س، ق، د) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الزَّاهِد، أَبُو عَلِيٍّ الخُوَارِزْمِي، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى البُخَارِيِّ - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَعِدَّةٌ. رَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ثِقَةٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: كَانَ أَسنَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بِسِتِّ سِنِيْنَ. قَالَ الخَطِيْبُ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَزْدِيُّ، قَالَ: قَالَ لَنَا مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى - وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِالشَّيْء، رَمَى بِأَصْلِهِ فِي دِجْلَةَ، أَوْ غَسَلَه - فَجَاءَ يَوْماً وَمَعَهُ طَبَقٌ، فَقَالَ: هَذَا قَدْ بَقِيَ، وَمَا أَرَاكُم تَرَونِي بَعْدَهَا. فَحَدَّثَ بِهِ، وَرَمَى بِهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.   (1) البخاري 1 / 344 في الحيض: باب مباشرة الحائض، ومسلم (293) في أول الحيض. (*) التاريخ الكبير 7 / 314، التاريخ الصغير 2 / 380، الجرح والتعديل 8 / 321، تاريخ بغداد 13 / 265، 266، تهذيب الكمال، ورقة: 1304، تذهيب التهذيب 4 / 23، خلاصة تذهيب الكمال: 369. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 495 قَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَاناً، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الأُوْلَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ (1) . 134 - أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَمَّادٍ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، مُؤَرِّخُ العَصْرِ، قَاضِي بَغْدَادَ، الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَمَّادٍ البَغْدَادِيُّ، وَعُرِفَ: بِالزِّيَادِيِّ؛ لِكَوْنِ جَدِّه تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ كَانَتْ لِلأَمِيْرِ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ. وُلِدَ القَاضِي أَبُو حَسَّانٍ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ،   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 202، 203 في صفة الصلاة: باب القراءة في الظهر، ومسلم (451) في الصلاة: باب القراءة في الظهر والعصر، وأبو داود (798) في الصلاة: باب ما جاء في القراءة في الظهر، والنسائي 2 / 164: باب تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر، وأحمد 5 / 295 و301 و310. (*) تاريخ الطبري 9 / 208، الجرح والتعديل 3 / 25، معجم الأدباء 7 / 18، 24، تاريخ بغداد 7 / 356، 361، الأنساب 6 / 359، 360، العبر 1 / 437، البداية والنهاية 10 / 344، شذارت الذهب 2 / 100. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 496 وَجَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَشُعَيْبَ بنَ صَفْوَانَ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ الوَاقِدِيَّ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَإِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الصُّوْفِيُّ الصَّغِيْرُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَوَلِيَ قَضَاءَ الشَّرْقِيَّةِ فِي دَوْلَةِ المُتَوَكِّلِ، وَكَانَ رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. قَالَ سُلَيْمَانُ الطُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَعمَلُ فِي التَّارِيْخِ مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، فَقَالَ: كَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَكَانَ مِنْ خَاصَّتِه، وَلاَ أَعرِفُ رَأْيَه اليَوْمَ. وَعَنْ إِسْحَاقَ الحَرْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ: أَنَّهُ رَأَى رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ نُوراً عَظِيْماً لاَ أُحسِنُ أَصِفُهُ، وَرَأَيْتُ فِيْهِ رَجُلاً خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَأَنَّهُ يَشفَعُ إِلَى رَبِّهِ فِي رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَسَمِعْتُ قَائِلاًَ يَقُوْلُ: أَلَمْ يَكفِكَ أَنِّي أُنْزِلُ عَلَيْكَ فِي سُوْرَةِ الرَّعْدِ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُوْ مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِم} [الرَّعْدُ: 6] ؟ ثُمَّ انتَبَهتُ. قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو حَسَّانٍ أَحَدَ العُلَمَاءِ الأَفَاضِلِ الثِّقَاتِ، وَلِيَ قَضَاءَ الشَّرْقِيَّةِ، وَكَانَ كَرِيْماً مِفْضَالاً. قَالَ يُوْسُفُ بنُ البُهْلُوْلِ الأَزْرَقُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، قَالَ: أَظَلَّ العِيْدُ رَجُلاً وَعِنْدَهُ مائَةُ دِيْنَارٍ لاَ يَملِكُ سِوَاهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَدِيْقٌ يَسْتَرعِي مِنْهُ نَفَقَةً، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ بِالمائَةِ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَنشَبْ أَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ رُقْعَةٌ مِنْ بَعْضِ إِخْوَانِه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 497 يَذكُرُ أَنَّهُ أَيْضاً فِي هَذَا العِيْدِ فِي إِضَاقَةٍ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِالصُّرَّةِ بِعَيْنِهَا. قَالَ: فَبَقِيَ الأَوَّلُ لاَ شَيْءَ عِنْدَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الثَّالِثِ وَهُوَ صَدِيْقُه يَذْكُرُ حَالَه، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الصُّرَّةَ بِخَتْمِهَا. قَالَ: فَعَرَفهَا، وَرَكِبَ إِلَيْهِ. وَقَالَ: خَبِّرْنِي، مَا شَأْنُ هَذِهِ الصُّرَّةِ؟ فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَرَكِبَا مَعاً إِلَى الَّذِي أَرسَلَهَا، وَشَرَحُوا القِصَّةَ، ثُمَّ فَتَحُوهَا، وَاقتَسَمُوهَا. قَالَ ابْنُ البُهْلُوْلِ: الثَّلاَثَةُ: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَآخَرُ نَسِيتُهُ. إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ. قِيْلَ: عَاشَ الزِّيَادِيُّ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ ذَكْوَانَ المُقْرِئُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى كَاتِبُ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ التُّجِيْبِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ. 135 - مُحَمَّدُ بنُ رُمْحِ بنِ المُهَاجِرِ التُّجِيْبِيُّ مَوْلاَهُمْ * (م، ق) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ التُّجِيْبِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ. وُلِدَ: بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ لَهِيْعَةَ، وَمَسْلَمَةَ بنَ عَلِيٍّ   (*) التاريخ الصغير 2 / 377، الجرح والتعديل 7 / 254، الأنساب 3 / 21، 22، تهذيب الكمال، ورقة: 1196، 1197، دول الإسلام: 147، العبر 1 / 438، تذهيب التهذيب 3 / 204، الوافي بالوفيات 3 / 73، البداية والنهاية 10 / 344، تهذيب التهذيب 9 / 164، 165، خلاصة تذهيب الكمال: 336، شذرات الذهب 2 / 101. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 498 الخُشَنِيَّ. وَحَكَى عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَلَمْ يَقَعْ لَهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ عَلاَّنُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ العَسَّالُ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَبَّانَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مَعْرُوْفاً بِالإِتْقَانِ الزَّائِدِ وَالحِفْظِ، وَلَمْ يَرْحَلْ. قَالَ النَّسَائِيُّ: مَا أَخْطَأَ ابْنُ رُمْحٍ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَخْبَارِ بَلَدِنَا. تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: لَوْ كَانَ كَتَبَ عَنْ مَالِكٍ، لأَثبَتُّهُ فِي الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ أَصْحَابِهِ -يَعْنِي: لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ-. قُلْتُ: لَمْ يَتَّفِقْ لِي أَنْ أُورِدَ ابْنَ رُمْحٍ فِي كِتَابِ (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) ، فَذَكَرتُه هُنَا لِجَلاَلَتِهِ. وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنَ البُخَارِيِّ كَيْفَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ! فَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَتقَنُ مِنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ - رَحِمَهُمَا اللهُ -. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ، وَالمُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الخَيْرِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ مَظْهَرِ بنِ زَعْبَلٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ فِي أَوَّلِ عَامِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الدِّيْنَ النَّصِيْحَةُ) . قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ - أَوِ المُؤْمِنِيْنَ - وَعَامَّتِهِم) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 499 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)) . فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الكَلِمَةَ الجَامِعَةَ، وَهِيَ قَوْلُه: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ) ، فَمَنْ لَمْ يَنْصَحْ للهِ وَلِلأَئِمَّةِ وَلِلعَامَّةِ، كَانَ نَاقِصَ الدِّيْنِ. وَأَنْتَ لَوْ دُعِيتَ - يَا نَاقِصَ الدِّيْنِ - لَغَضِبْتَ، فَقُلْ لِي: مَتَى نَصَحْتَ لِهَؤُلاَءِ؟ كَلاَّ وَاللهِ، بَلْ لَيْتَكَ تَسكُتُ، وَلاَ تَنطِقُ، أَوْ لاَ تُحَسِّنُ لإِمَامِكَ البَاطِلَ، وَتُجَرِّئُهُ عَلَى الظُّلمِ وَتَغُشُّه، فَمِنْ أَجلِ ذَلِكَ سَقَطتَ مِنْ عَيْنِهِ، وَمِن أَعْيُنِ المُؤْمِنِيْنَ، فَبِاللهِ قُلْ لِي: مَتَى يُفْلِحُ مَنْ كَانَ يَسُرُّهُ مَا يَضُرُّهُ؟ وَمَتَى يُفْلِحُ مَنْ لَمْ يُرَاقِبْ مَوْلاَهُ؟ وَمَتَى يُفْلِحُ مَنْ دَنَا رَحِيْلُهُ، وَانْقَرَضَ جِيْلُهُ، وَسَاءَ فِعْلُهُ وَقِيْلُهُ؟ فَمَا شَاءَ اللهَ كَانَ، وَمَا نَرْجُو صَلاَحَ أَهْلِ الزَّمَانِ، لَكِنْ لاَ نَدَعُ الدُّعَاءَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَلْطُفَ، وَأَنْ يُصْلِحَنَا، آمِيْن. 136 - لُوَيْنٌ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ * (د، س) الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، الإِمَامُ، شَيْخُ الثَّغْرِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ الأَسَدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، نَزِيْل المَصِّيْصَةِ. سَمِعَ: مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَحُدَيْجَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَزُهَيْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا عَوَانَةَ الوَضَّاحَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ زَكَرِيَّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَأَبَا عَقِيْلٍ يَحْيَى بنَ المُتَوَكِّلِ، وَعَطَّافَ بنَ خَالِدٍ، وَسِنَانَ بنَ هَارُوْنَ، وَحِبَّانَ بنَ عَلِيٍّ، وَأَبَا الأَحْوَصِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو الرَّقِّيَّ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ عَبْدِ الكَرِيْمِ الضَّالَّ، وَخَالِدَ بنَ عَبْدِ   (1) رقم (55) في الايمان: باب بيان أن الدين النصيحة. (*) الجرح والتعديل 7 / 268، تاريخ بغداد 5 / 292، 296، تهذيب الكمال، ورقة: 1203، 1204، العبر 1 / 447، تذهيب التهذيب 3 / 208، الوافي بالوفيات 3 / 123، تهذيب التهذيب 9 / 198، 199. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 500 الله، وَالوَلِيْدَ بنَ أَبِي ثَوْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ سُلَيْمَانَ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ القَنَّادَ، وَبَقِيَّةَ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، وَخَلْقاً. وَكَانَ ذَا رِحْلَةٍ وَاسِعَةٍ، وَحَدِيْثٍ عَالٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِمَا) . وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضاً، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ. وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَزَوَّرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَادِلَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ أَخُو أَبِي اللَّيْثِ الفَرَائِضِيُّ، وَأَبُو عِيْسَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَرَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَخَلْقٌ. وَحَدَّثَ بِالثَّغْرِ، وَبِبَغْدَادَ، وَبِأَصْبَهَانَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَزْدِيُّ: قَالَ لُوَيْنُ: لَقَّبَتْنِي أُمِّي لُوَيْناً، وَقَدْ رَضِيتُ. وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَغَيْرهُ: كَانَ يَبِيعُ الدَّوَابَّ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الفَرَسُ لَهُ لُوَيْنٌ، فَلُقِّبَ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنِ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا لُوَيْنُ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَسَأَلَهُ أَبِي: كَمْ لَكَ؟ قَالَ: مائَةُ سَنَةٍ وَثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً. قُلْتُ: عَلَى هَذَا التقْدِيْرِ، كَانَ يُمْكِنُه السَّمَاعُ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَبَقَايَا التَّابِعِيْنَ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا سَمِعَ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيْرٌ قَدْ قَارَبَ الكُهُوْلَةَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَبَلَغَنَا أَنَّهُ غَضِبَ مِنْ أَوْلاَدِهِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ المَصِّيْصَةِ، وَسَكَنَ أَذَنَةَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ. قَالَ البَغَوِيُّ: قَدِمَ لُوَيْنٌ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِه مائَةُ أَلْفِ نَفْسٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 501 حُزِرُوا بِذَلِكَ فِي مَيدَانِ الأُشنَانِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الغَرَّافِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَطِيْعِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا لُوَيْنٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَكَرِيَّا، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: (إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا حِيْنَ بَنَوْا هَذَا البَيْتَ، فَتَرَكُوا بَعْضَهُ فِي الحِجْرِ) . فَلَمَّا هَدَمَه ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَدَ القَوَاعِدَ دَاخِلَةً فِي الحِجْرِ، فَدَعَا قُرَيْشاً، فَاسْتَشَارَهُم، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنَ هَذِهِ القَوَاعِدَ؟ قَالُوا: ابْنِ عَلَيْهَا. فَبَنَى عَلَيْهَا، فَأَدخَلَهَا البَيْتَ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ، فَلَمَّا جَاءَ الحَجَّاجُ، قَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَدَعْهُ الشَّيْطَانُ، حَتَّى أَدْخَلَ فِي البَيْتِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهَدَمَهُ، فَبَنَاهُ كَمَا كَانَ (2) .   (1) ترجمه المؤلف في " مشيخته "، ورقة 94 / ب و95 / أ، وهو علي بن أحمد بن علي ابن أبي العباس أحمد بن خلف العاصي، أبو الحسن الإسكندراني المالكي، من كبار علماء الثغر. ناب في القضاء مدة. ولد سنة 707 هـ. والغراف: بليدة ذات بساتين آخر البطائح وتحت واسط. (2) يزيد بن أبي زياد هو الهاشمي الكوفي ضعيف، وباقي رجاله ثقات. وأما متن الحديث فصحيح، أخرجه البخاري 3 / 351 وما بعدها في الحج: باب فضل مكة وبنيانها، و8 / 129، ومسلم (1333) (398) و (399) و (400) و (401) و (402) و (403) و (404) و (405) في الحج: باب نقض الكعبة وبناؤها، والنسائي 5 / 214، 216، وأخرجه أحمد 6 / 113 و176، 177 و247. وجاء في مسلم في رواية عطاء، قال: فلما قتل ابن الزبير، كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير بشيء، وأما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر، فرده إلى بنائه، وسد البناء الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. ثم إن عبد الملك ندم على ذلك، فنعد مسلم من طريق الوليد بن عطاء أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب - يعني: ابن الزبير - سمع من عائشة ماكان يزعم أنه سمعه منها. فقال الحارث: بلى، أنا سمعته منها. زاد عبد الرزاق، عن ابن جريج فيه: وكان الحارث مصدقا لا يكذب. = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 502 137 - مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدِ بنِ حَيَّانَ الرَّازِيُّ * (د، ت، ق) العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَعْقُوْبَ القُمِّيِّ - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَابْنِ المُبَارَكِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَالفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَزَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَنُعَيْمِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ الفَضْلِ الأَبْرَشِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنْ طَبَقَتِهِم. وَهُوَ مَعَ إِمَامَتِهِ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، صَاحِبُ عَجَائِبَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ فِي كُتُبِهِم، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَالحَسَنُ بن عَلِيٍّ المَعْمَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.   = فقال عبد الملك: أنت سمعتها تقول ذلك؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعة بعصاه، ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل. وفي مسلم أيضا من طريق أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر، لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء " فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه، لتركته على ما بنى ابن الزبير. (*) التاريخ الكبير 1 / 69، 70، التاريخ الصغير 2 / 386، الضعفاء، ورقة: 377، الجرح والتعديل 7 / 232، 234، تاريخ بغداد 2 / 259، 264، تهذيب الكمال، ورقة: 1189، 1190، تذكرة الحفاظ 2 / 490، 491، العبر 1 / 452، ميزان الاعتدال 3 / 530، 531، تذهيب التهذيب 3 / 199، الوافي بالوفيات 3 / 28، تهذيب التهذيب 9 / 127، 131، طبقات الحفاظ: 212، خلاصة تذهيب الكمال: 333، شذرات الذهب 2 / 118. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 503 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَنْ فَاتَهُ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْزِلَ فِي عَشْرَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لاَ يَزَالُ بِالرَّيِّ عِلْمٌ مَا دَامَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ حَيّاً. وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ الحَافِظُ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى: مَا تَقُوْلُ فِي مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ؟ فَقَالَ: أَلاَ تَرَانِي أُحَدِّثُ عَنْهُ؟ وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ: وَكُنْتُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ. فَقُلْتُ: تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: وَمَا لِيَ لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ؟ وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَقَالَ: فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنَّا نَتَّهِمُ ابْنَ حُمَيْدٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ: لَوْ حَدَّثَ الأُسْتَاذُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ قَدْ أَحسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَلَوْ عَرَفَه كَمَا عَرَفْنَاهُ، لَمَا أَثْنَى عَلَيْهِ أَصْلاً. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ العَسَّالُ: سَمِعْتُ فَضْلَكَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ حُمَيْدٍ، وَهُوَ يُرَكِّبُ الأَسَانِيْدَ عَلَى المُتُوْنِ. قُلْتُ: آفَتُه هَذَا الفِعْلُ، وَإِلاَّ فَمَا أَعْتَقِدُ فِيْهِ أَنَّهُ يَضَعُ مَتْناً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِم: فُلاَنٌ سَرَقَ الحَدِيْثَ. قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحذَقَ بِالكَذِبِ مِنْ: سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 504 الرَّازِيِّ، وَكَانَ حَدِيْثُ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ كُلَّ يَوْمٍ يَزِيْدُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ بَغْدَادَ، فَأَخَذْنَا مِنْهُ كِتَابَ يَعْقُوْبَ القُمِّيِّ، فَفَرَّقْنَا الأَوْرَاقَ بَيْنَنَا، وَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَسَمِعْنَاهُ، وَلَمْ نَرَ إِلاَّ خَيْراً، فَأَيَّ شَيْءٍ تَنْقِمُوْنَ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: يَكُوْنُ فِي كِتَابِهِ شَيْءٌ، فَيَقُوْلُ: لَيْسَ هُوَ كَذَا، وَيَأْخُذُ القَلَمَ فَيُغَيِّرُهُ. فَقَالَ: بِئْسَ هَذِهِ الخَصْلَةُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ حَدِيْثاً كَثِيْراً، ثُمَّ تَرَكَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ. قُلْتُ: قَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي كُتُبِهِ. وَوَقَعَ لَنَا حَدِيْثُه عَالِياً. وَلاَ تَرْكَنُ النَّفسُ إِلَى مَا يَأْتِي بِهِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. وَلَمْ يَقْدَمْ إِلَى الشَّامِ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي (تَارِيْخِ الخَطِيْبِ) . أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، وَأَبُو الفَضْلِ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بِدِمَشْقَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ -يَعْنِي: ابْنَ الفَضْلِ- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي السَّائِبُ، قَالَ: قَالَ لِي سَعْدٌ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ قَرَأْتَ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: تَغَنَّ بِالقُرْآنَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (تَغَنَّوْا بِالقُرْآنِ، لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 505 بِالقُرْآنِ، وَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى البُكَاءِ، فَتَبَاكَوْا) . هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ (1) . مَاتَ ابْنُ حُمَيْدٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَحُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ، وَعِيْسَى زُغْبَةُ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زُنْبُوْرٍ، وَالقَاسِمُ الجُوْعِيُّ، وَطَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَرَشِيُّ، وَالخَلِيْفَةُ المُنْتَصِرُ. 138 - زُغْبَةُ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ حَمَّادٍ التُّجِيْبِيُّ * (م، د، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العُمْدَةُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بن حَمَّادٍ زُغْبَةُ التُّجِيْبِيُّ، المِصْرِيُّ، مَوْلَى تُجِيْبَ. حَدَّثَ عَنْ: اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، فَأَكْثَرَ. وَعَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،   (1) أي ضعيف لضعف محمد بن حميد الرازي، وأخرجه ابن ماجة (1337) في إقامة الصلاة: باب في حسن الصوت بالقرآن وفي سنده أبو رافع، واسمه إسماعيل بن رافع، وهو ضعيف. وقوله: " وليس منا من لم يتغن بالقرآن " صحيح ثابت من حديث سعد بن أبي وقاص، أخرجه أحمد (1476) ، وأبو داود (1469) ، وأخرجه البخاري 13 / 418 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) من حديث أبي هريرة. ومعنى يتغنى، أي: يحسن صوته ويحزنه، لأنه أوقع في النفوس، وأنجع في القلوب. قال النووي، رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت في القرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفا أو أخفاه، حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالالحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم. وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في " الرعاية ". (*) الجرح والتعديل 6 / 274، تهذيب الكمال، ورقة: 1079، تذهيب التهذيب 3 / 128، العبر 1 / 452، تهذيب التهذيب 8 / 209، 210، خلاصة تذهيب الكمال: 301، 302، شذرات الذهب 2 / 118. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 506 وَرِشْدِيْنَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَابْنِ القَاسِمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ العَسَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي بُجَيْرٍ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ بنِ فَيَّاضٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ بنِ وَرْدَانَ، وَحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ مَأْمُوْنٌ، وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى الوَشَّاءُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: هُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنِ اللَّيْثِ مِنَ الثِّقَاتِ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنْهُ. مَاتَ: فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ ثِقَةً، رِضَىً. قُلْتُ: وَقَعَ لِي جُزْءٌ عَالٍ مِنْ حَدِيْثِهِ، وَهُوَ الثَّانِي، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، مِنْ طَرِيْقِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْهُ، وَيَقَعُ مِنْ حَدِيْثِه فِي (البَعْثِ) لاِبْنِ أَبِي دَاوُدَ. 139 - عَلِيُّ بنُ حُجْرِ بنِ إِيَاسِ بنِ مُقَاتِلٍ السَّعْدِيُّ * (خَ، م، ت، س) ابْنِ مُخَادِشِ بنِ مُشَمْرِجٍ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الحُجَةُ، أَبُو   (1) بفتح الجيم المعجمة وسكون الواو، نسبة إلى جون، بطن من الازد، وهو الجون بن عوف بن خزيمة بن مالك بن الازد. (2) هو عمر بن محمد بن بجير البجيري الحافظ، مترجم في " تذكرة " المؤلف 2 / 719. (*) التاريخ الكبير 6 / 272، التاريخ الصغير 2 / 379، الجرح والتعديل 6 / 173، تاريخ = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 507 الحَسَنِ السَّعْدِيُّ، المَرْوَزِيُّ. وَلِجَدِّه مُشَمْرِجِ بنِ خَالِدٍ صُحبَةٌ. وُلِدَ عَلِيٌّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى الآفَاقِ. وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَهُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ السَّعْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ الحَسَنِ الهِلاَلِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَقُرَّانَ بنِ تَمَّامٍ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ صَاحِبِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُوَقَّرِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَحَسَّانِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، وَبَقِيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَكِيْمُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَوْنٍ النَّسَوِيَّانِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطُّوْسِيُّ العَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أبي عمرانَ الإسفرايينيُّ، ومحمدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي عَوْنٍ النَّسَائِيُّ ابْنُ عَمِّ المَذْكُوْرِ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ المُؤَرِّخُ،   = بغداد 11 / 416، 418، طبقات الحنابلة 1 / 222، الأنساب 7 / 84، 85، اللباب 1 / 544، تهذيب الكمال، ورقة: 961، تذكرة الحفاظ، 2 / 450، العبر 1 / 443، تذهيب التهذيب 3 / 55، تهذيب التهذيب 7 / 293، 294، النجوم الزاهرة 2 / 318، طبقات الحفاظ: 196، خلاصة تذهيب الكمال، 272، طبقات المفسرين 1 / 395، شذرات الذهب 2 / 105. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 508 وَمُحَمَّدُ بنُ كرَّامٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ العَدَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَرْوَ، فَنَزَلَ قَريَةَ زَرْزَمٍ، وَكَانَ فَاضِلاً، حَافِظاً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ: هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ بنِ سَعْدٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، حَافِظٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ قَدِيْماً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَرْوَ، وَاشْتَهَرَ حَدِيْثُه بِهَا. قَالَ: وَكَانَ صَادِقاً، مُتْقِناً، حَافِظاً. وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه بنِ سَنْجَانَ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: انْصَرَفتُ مِنَ العِرَاقِ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَقُلْتُ: لَوْ بَقِيتُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً أُخْرَى، فَأَروِيَ بَعْضَ مَا جَمَعتُه مِنَ العِلْمِ، وَقَدْ عِشتُ بَعْدُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ أُخْرَى، وَأَنَا أَتَمَنَّى بَعْدَ مَا كُنْتُ أَتَمَنَّى وَقْتَ انْصِرَافِي مِنَ العِرَاقِ. قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ التَّقْرِيْبِ، وَإِلاَّ فَلَمْ يَبْلُغِ الرَّجُلُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: مَشَايِخُ خُرَاسَانَ ثَلاَثَةٌ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. وَرِجَالُهَا أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ - قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَبُو زُرْعَةَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 509 قُلْتُ: هَذِهِ دِقَّةٌ مِنَ الأَعْيَنِ، وَالَّذِي ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ أَمرٌ خَفِيْفٌ مِنَ المَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيْهَا الأَئِمَّةُ فِي القَوْلِ فِي القُرْآنِ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ أَفْعَالِ التَّالينَ، فَجُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ والخلفِ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَبِهَذَا نَدِيْنُ اللهَ -تَعَالَى- وَبَدَّعُوا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَذَهَبَتِ الجَهْمِيَّةُ، وَالمُعْتَزِلَةُ، وَالمَأْمُوْنُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ القَاضِي، وَخَلْقٌ مِنَ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَالرَّافِضَةُ إِلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمَ اللهِ المُنَزَّلَ مَخْلُوْقٌ، وَقَالُوا: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالقُرْآنُ شَيْءٌ. وَقَالُوا: تَعَالَى اللهُ أَنْ يُوْصَفَ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ. وَجَرَتْ مِحْنَةُ القُرْآنِ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالسِّيَاطِ ليَقُوْلَ ذَلِكَ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ -. ثُمَّ نَشَأَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالُوا: كَلاَمُ الله -تَعَالَى- مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَكِنَّ أَلفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوْقَةٌ - يَعْنُوْنَ: تَلَفُّظَهُم وَأَصْوَاتَهُم بِهِ وَكِتَابَتَهُم لَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - وَهُوَ حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَئِمَّةُ الحَدِيْثِ، وَبَالَغَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الحَطِّ عَلَيْهِم، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنْ قَالَ: اللَّفظِيَّةُ جَهْمِيَّةٌ. وَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبتَدِعٌ، وَسَدَّ بَابَ الخَوضِ فِي هَذَا. وَقَالَ أَيْضاً: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ كَدَاوُدَ الظَاهِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَبَدَّعَهُمُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَنكَرَ ذَلِكَ، وثَبَتَ عَلَى الجَزمِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللهِ، وَكَفَّر مَنْ قَالَ بِخَلْقِهِ، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ بِحُدُوثِه، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ ولاَ عَنِ السَّلَفِ القَوْلُ: بِأَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ. مَا تَفَوَّهَ أَحَدٌ مِنْهُم بِهَذَا. فَقَولُنَا: قَدِيْمٌ، مِنَ العِبارَاتِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا: هُوَ مُحْدَثٌ، بِدْعَةٌ. وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَذْكِيَاءِ، فَقَالَ: مَا قُلْتُ: أَلفَاظُنَا بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقَةٌ، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُهُم، وَأَصْوَاتُهُم وَأَفْعَالُهُم مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنُ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 510 المَسْمُوْعُ المَتْلُوُّ المَلْفُوْظُ المَكْتُوْبُ فِي المَصَاحِفِ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابَ (أَفْعَالِ العِبَادِ) مُجَلَّدٌ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، وَمَا فَهِمُوا مَرَامَه كَالذُّهْلِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ، وَغَيْرِهِم. ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَقَالَةُ الكُلاَّبِيَّةِ، وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَقَالُوا: القُرْآنُ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا هَذَا المُنَزَّلُ حِكَايَتُه وَعِبَارَتُه ودَالٌّ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: هَذَا المَتْلُوُّ مَعْدُوْدٌ مُتَعَاقِبٌ، وَكَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ التَّعَاقُبُ، وَلاَ التَّعَدُّدُ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَائِمٌ بِالذَّاتِ المُقَدَّسَةِ. وَاتَّسَعَ المَقَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَ مِنْهُ أُمُورٌ وَأَلوَانٌ، تَرْكُهَا -وَاللهِ- مِنْ حُسْنِ الإِيْمَانِ - وَبِاللهِ نَتَأَيَّدُ -. وَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. كُتِبَ عَنْهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ (1) وَمائَةٌ بِالحَرَمَيْنِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَخُرَاسَانَ. وَلَمْ يَلقَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، فَاتَهُ هُوَ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَكَانَ يَسْمَعُ فِي حَيَاتِهِمَا بِالْكُوْفَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مُفِيْدَةٌ، مِنْهَا: كِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ الحَافِظُ: كَتَبَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِه: أَحِنُّ إِلَى كِتَابِكَ غَيْرَ أَنِّي ... أَجِلُّكَ عَنْ عِتَابٍ فِي كِتَابِ وَنَحْنُ إِنِ التَقَيْنَا قَبْلَ مَوْتٍ ... شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْرِي مِنْ عِتَابِي وَإِنْ سَبَقَتْ بِنَا ذَاتُ المنَايَا ... فَكَمْ مِنْ غَائِبٍ تَحْتَ التُّرَابِ (2)   (1) في الأصل: " وسبعين "، وهو خطأ. (2) الابيات في " تهذيب الكمال "، ورقة: 961، وفي " تاريخ بغداد " 11 / 417. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 511 قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يُنْشِدُ: وَظِيفَتُنَا مائَةٌ لِلْغَرِيـ ... ـبِ* فِي كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُفَادُ شَرِيْكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ ... أَحَادِيْثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ (1) قَالَ: وَأَنشَدَ مَرَّةً - وَقَدْ سَأَلُوْهُ الزِّيَادَةَ -: لَكُمْ مائَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعُدُّهَا ... حَدِيْثاً حَدِيْثاً لاَ أَزِيدُكُم حَرْفَا وَمَا طَالَ مِنْهَا مِنْ حَدِيْثٍ فَإِنَّنِي ... بِهِ طَالِبٌ مِنْكُمْ عَلَى قَدْرِهِ صَرْفَا فَإِنْ أَقْنَعَتْكُم فَاسْمَعُوهَا سَرِيحَةً ... وَإِلاَّ فَجِيْؤُوا مَنْ يُحَدِّثُكُم أَلْفَا قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ، قَالَ: وَجَّهَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَرْوَ إِلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ بِسُكَّرٍ وَأَرُزٍّ وَثَوْبٍ، فَرَدَّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: جَاءَنِي عَنْكَ مُرْسَلٌ بِكَلاَمِ ... فِيْهِ بَعْضُ الإِيحَاشِ وَالإِحْشَامِ فَتَعَجَّبْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: تَعَالَى ... رَبُّنَا، ذِي مِنَ الأُمُورِ العِظَامِ خَابَ سَعْيِي لَئِنْ شَرَيْتَ خَلاَقِي ... بَعْد تِسْعِيْنَ حَجَّةً بِحُطَامِ أَنَا بِالصَّبْرِ وَاحْتِمَالِي لإِخْوَا ... نِي أَرْجُو حُلُولَ دَارِ السَّلاَمِ وَالَّذِي سُمْتَنِيهِ يُزرِي بِمِثْلِي ... عِنْد أَهْلِ العُقُولِ وَالأَحْلاَمِ قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ البَاشَانِيُّ: فِي يَوْم الأَرْبعَاءِ، مُنْتَصَفَ الشَّهْرِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي الفَضْلِ الهَرَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا   (1) البيتان في " تهذيب الكمال "، ورقة: 961. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 512 إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ المُسْتَمْلِي، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ الحَافِظُ، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيُّ، وَابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ السِّكِّيْتِ، وَمُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى.   (1) رقم (2585) في البر والصلة: باب استحباب العفو والتواضع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 513 الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ 140 - دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ * (خَ، د، س، ق) القَاضِي، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَاضِي مَدِيْنَةِ طَبَرِيَّةَ؛ قَاعِدَةِ الأُرْدُنِّ. وَأَمَّا اليَوْمُ، فَأُمُّ الأُرْدُنِّ بَلَدُ صَفَدَ. وُلِدَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ: ابْنُه عَمْرٌو. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُوَيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِسْحَاقَ بنِ يُوْسُفَ الأَزْرَقِ، وَمُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَشُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بنِ عِيَاضٍ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالكُوْفَةِ، وَالبَصْرَةِ، وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَفَاقَ الأَقْرَانَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَجَرَّحَ وَعَدَّلَ، وَصَحَّحَ وَعَلَّلَ.   (*) التاريخ الكبير 5 / 256، التاريخ الصغير 2 / 382، الجرح والتعديل 5 / 211، 212، تاريخ بغداد 10 / 265، 267، طبقات الحنابلة 1 / 204، الأنساب 5 / 319، تاريخ دمشق 9 / 421 / ب، تهذيب الكمال، ورقة: 773، العبر 1 / 445، ميزان الاعتدال 2 / 546، تذهيب التهذيب 2 / 203، البداية والنهاية 10 / 346، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 361، تهذيب التهذيب 6 / 131، 132، طبقات الحفاظ: 208، خلاصة تذهيب الكمال: 223، شذرات الذهب 2 / 108. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 515 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَانِ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى، وَوَلَدَاهُ؛ عَمْرٌو وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنَا دُحَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَيُّوْبَ؛ وَالِدُ الطَّبَرَانِيِّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّابٍ الزِّفْتِيُّ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ مَامُوَيْه، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ يُعْرَفُ: بِدُحَيْمٍ اليَتِيْمِ، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ دُحَيْمٌ يُمَيِّزُ وَيَضْبِطُ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: وَلِيَ دُحَيْمٌ قَضَاءَ الرَّمْلَةِ زَمَاناً. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شَبِيْبٍ المَعْمَرِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ بِبَغْدَادَ قَدِيْماً، فَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهلِهَا: الحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَالرَّمَادِيُّ، وَحَنْبَلٌ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ. وَكَانَ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الأَوْزَاعِيِّ. قَالَ عَبْدَانُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ دُحَيْمٌ بَغْدَادَ سَنَةَ اثْنَتَي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَرَأَيْتُ أَبِي وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَخَلَفَ بنَ سَالِمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالصِّبْيَانِ قُعُوداً. قُلْتُ: هَؤُلاَءِ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلَكِنْ أَكرَمُوهُ لِكَوْنِهِ قَادِماً، وَاحْتَرَمُوهُ لِحِفظِهِ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: دُحَيْمٌ ثِقَةٌ، كَانَ يَخْتلِفُ إِلَى بَغْدَادَ، فَذَكَرُوا الفِئَةَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 516 البَاغِيَةَ هُم أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ هَذَا، فَهُوَ ابْنُ الفَاعِلَةِ. فَنَكَّبَ عَنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ سَمِعُوا مِنْهُ. قُلْتُ: هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ نَصْبٍ، أَوْ لَعَلَّهُ قَصَدَ الكَفَّ عَنِ التَّشغِيْبِ بِتَشْعِيْثٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: دُحَيْمٌ: حُجَّةٌ، لَمْ يَكُنْ بِدِمَشْقَ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُثْنِي عَلَى دُحَيْمٍ، وَيَقُوْلُ: هُوَ عَاقِلٌ، رَكِينٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: هُوَ أَوْثَقُ مِنْ حَرْمَلَةَ. قُلْتُ: وَمِنْ رِفَاقِهِ: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ. وَيَقَعُ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِه فِي (صِفَةِ المُنَافِقِ) . ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الكِنْدِيُّ: أَنَّ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ وَرَدَ عَلَى دُحَيْمٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ مَوْلَى يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ عَلَى قَضَاءِ فِلَسْطِيْنَ، يَأْمُرُهُ بِالانْصِرَافِ إِلَى مِصْرَ لِيَلِيَهَا، فَتُوُفِّيَ بِفِلَسْطِيْنَ، فِي يَوْمِ الأَحَدِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَذَا أَرَّخَ وَفَاتَهُ: ابْنُهُ؛ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَدْ كَانَ المُتَوَكِّلُ لَمَّا سَكَنَ بِدِمَشْقَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَنْشَأَ القَصْرَ المَشْهُوْرُ بَيْنَ المِزَّةِ وَدَارَيَّا وَسَكَنَه، عَرَفَ بِفَضِيْلَةِ دُحَيْمٍ وَمَعْرِفَتِه بِالسُّنَنِ، فَأَمَرَ بِتَولِيَتِهِ قَضَاءَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، فَحَانَ الأَجَلُ. مَاتَ: فِي سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 517 كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المُقْرِئُ - مُؤَلِّفُ (المِفْتَاحِ) - وَيَحْيَى بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ هِبَةِ اللهِ القَيْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الرَّزَّازِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ مُلاَعِبٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ يَحْيَى بنُ الطَّرَّاحِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ الأُرْمَوِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا سَبْعَتُهُم: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبوْ بَكْرٍ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِيَّانِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَيَكْفُرَنَّ أَقْوَامٌ بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ) . فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: (لَيَكْفُرَنَّ أَقْوَامٌ بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ) ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَلَسْتَ مِنْهُمْ (1)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، سَمِعْتُ بِلاَلَ بنَ سَعْدٍ يَقُوْلُ: لاَ تَكُنْ وَلِيّاً للهِ فِي العَلاَنِيَّةِ وَعَدُوَّهُ فِي السِّرِّ (2) .   (1) إسناده صحيح، وهو في كتاب " صفة النفاق وذم المنافقين " للفريابي، ص: 66 عام، و19 خاص. (2) هو في كتاب " صفة النفاق وذم المنافقين " للفريابي، ص: 63 عام، و16 خاص. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 518 141 - دِعْبِلُ بنُ عَلِيٍّ أَبُو عَلِيٍّ الخُزَاعِيُّ * شَاعِرُ زَمَانِهِ، أَبُو عَلِيٍّ الخُزَاعِيُّ. لَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْرٌ، وَكِتَابُ (طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ) . وَكَانَ مِنْ غُلاَةِ الشِّيْعَةِ، وَلَهُ هَجوٌ مُقْذِعٌ. رَأَى مَالِكاً الإِمَامَ. يَرْوِي عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، وَغَيْرُهُ. بَلَغَتْ جَوَائِزُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ لَهُ ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقِيْلَ: كَانَ أَحدَبَ، أَصَمَّ. وَقِيْلَ: هَجَا المَأْمُوْنَ وَالكِبَارَ، وَكَانَ خَبِيْثَ اللِّسَانِ وَالنَّفْسِ حَتَّى إِنَّهُ هَجَا قَبِيْلَتَهُ خُزَاعَةَ. وَيُقَالُ: هَجَا مَالِكَ بنَ طَوْقٍ، فَدَسَّ عَلَيْهِ مَنْ طَعَنَهُ فِي قَدَمِهِ بِحَرْبَةٍ مَسْمُومَةٍ، فَمَاتَ مِنَ الغَدِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يُقَالُ: لاَمَهُ صَاحِبٌ لَهُ فِي هِجَاء الخُلَفَاءِ، فَقَالَ: دَعْنِي مِنْ فُضُوْلِكَ، أَنَا -وَاللهِ- أَسْتَصْلِبُ مُذْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، مَا وَجَدتُ مَنْ يَجُودُ بِخَشَبَةٍ. 142 - أَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ بنِ غَيْلاَنَ بنِ حَكَمٍ العَبْدِيُّ ** (1) شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، أَبُو العَبَّاسِ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ،   (*) طبقات الشعراء: 264، 268، الشعر والشعراء: 539، الاغاني 18 / 29، الفهرست: 229، تاريخ بغداد 8 / 382، 385، معاهد التنصيص 1 / 202، 208، الموشح: 299، معجم الأدباء 11 / 99، 112، ميزان الاعتدال 2 / 27، العبر 1 / 447، وفيات الأعيان 2 / 266، 270، البداية والنهاية 10 / 348، لسان الميزان 2 / 430، النجوم الزاهرة 2 / 322، 323، تهذيب ابن عساكر 5 / 227. (* *) طبقات الشعراء: 368، 370، الاغاني 3 / 251، العبر 1 / 434، الوافي بالوفيات 8 / 184، 185، شذرات الذهب 2 / 95، 96. (1) تصحف في المطبوع من " العبر " 1 / 434، " المعذل " إلى " المعدل "، بالدال المهملة. وانظر " المشتبه " 600، و" تبصير المنتبه " ص: 1299. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 519 المَالِكِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، شَيْخُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي. تَفَقَّهَ بِعَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ. وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الفِقْهِ، صَاحِبَ تَصَانِيْف، وَفَصَاحَةٍ، وَبَيَانٍ. حَدَّثَ عَنْ: بِشْرِ بنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ، وَطَبَقَتِهِ. أَخَذَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَأَخُوْهُ؛ حَمَّادٌ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: قَالَ لِي أَبُو خَلِيْفَةَ: أَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ أَفْضَلُ مِنْ أَحْمَدِكُم -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ-. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ: كَانَ ابْنُ المُعَذَّلِ مِنَ الفِقْهِ وَالسَّكِينَةِ وَالأَدَبِ وَالحَلاَوَةِ فِي غَايَةٍ. وَكَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ الشَّاعِرُ يُؤذِيه، فَكَانَ أَحْمَدُ يَقُوْلُ لَهُ: أَنْتَ كَالأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، إِنْ تُرِكَتْ شَانَتْ، وَإِنْ قُطِعَتْ آلَمَتْ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ البَصْرَةِ يُسَمُّوْنَ أَحْمَدَ: الرَّاهِبَ؛ لِتَعَبُّدِهِ، وَدِيْنِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَنْهَانِي عَنْ طَلَبِ الحَدِيْثِ -يَعْنِي: زَهَادَةً-. قُلْتُ: كَانَ يَقِفُ فِي خَلْقِ القُرْآنِ. وَرَوَى: المُعَافَى الجُرَيْرِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ مُحَمَّدٍ الكُرَيْزِيِّ، عَنْ عَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَاصِمٍ، فَمَزَحَ أَبُو عَاصِمٍ يُخجِلَ أَحْمَدَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَاصِمٍ، إِنَّ اللهَ خَلَقَكَ جِدّاً، فَلاَ تَهْزِلَنَّ، فَإِنَّ المُسْتَهْزِئَ جَاهِلٌ، قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً؟ قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ} [البَقَرَةُ: 67] . فَخَجِلَ أَبُو عَاصِمٍ، ثُمَّ كَانَ يُقعِدُ أَحْمَدَ بنَ المُعَذَّلِ إِلَى جَنْبِهِ. وَرَوَى: يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ، عَنِ المُبَرِّدِ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُعَذَّلِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ المَاجَشُوْنِ، فَجَاءهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مَرْوَانَ، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 520 أُعْجُوْبَةٌ، خَرَجْتُ إِلَى حَائِطِي بِالغَابَةِ، فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ، فَقَالَ: اخْلَعْ ثِيَابَكَ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنِّي أَخُوْكَ، وَأَنَا عُرْيَانُ. قُلْتُ: فَالمَوَاسَاةُ؟ قَالَ: قَدْ لَبِسْتَهَا بُرْهَةً. قُلْتُ: فَتُعَرِّيْنِي؟ قَالَ: قَدْ رَوَينَا عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغْتِسَلَ عُرْيَاناً. قُلْتُ: تُرَى عَوْرَتِي. قَالَ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَلْقَاكَ هُنَا، مَا تَعَرَّضْتُ لَكَ. قُلْتُ: دَعْنِي أَدْخُلْ حَائِطِي، وَأَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ. قَالَ: كَلاَّ، أَرَدْتَ أَنْ تُوَجِّهَ عَبِيدَكَ، فَأُمْسَكَ. قُلْتُ: أَحلِفُ لَكَ. قَالَ: لاَ تَلْزَمُ يَمِيْنُكَ لِلِصٍّ. فَحَلَفتُ لَهُ: لأَبعَثَنَّ بِهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسِي. فَأَطرَقَ، ثُمَّ قَالَ: تَصَفَّحتُ أَمرَ اللُّصُوْصِ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَقْتِنَا، فَلَمْ أَجِدْ لِصّاً أَخَذَ بِنَسِيْئَةٍ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَبْتَدِعَ، فَخَلَعتُ ثِيَابِي لَهُ. لَمْ أَرَ لَهُ وَفَاةً. 143 - زَيْدُ بنُ بِشْرٍ أَبُو البِشْرِ الأَزْدِيُّ * العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ المَغْرِبِ، أَبُو البِشْرِ الأَزْدِيُّ - وَيُقَالُ: الحَضْرَمِيُّ - المَالِكِيُّ. رَأَى: ابْنَ لَهِيْعَةَ. وَسَمِعَ: ابْنَ وَهْبٍ، وَرِشْدِيْنَ بنَ سَعْدٍ، وَأَشْهَبَ. وَعَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَالِمٍ، وَيَحْيَى بنُ عُمَرَ، وَسَعِيْدُ بنُ إِسْحَاقَ الإِفْرِيْقِيُّوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ تَلاَمِذَةِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: رَجُلٌ صَالِحٌ، عَاقِلٌ، خَرَجَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَاتَ هُنَاكَ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الكِنْدِيُّ: كَانَ مِنْ صَلِيْبَةِ الأَزْدِ، وَجَدَّتُهُ مَوْلاَةٌ لِحَضْرَمَوْتَ. نَشَأَ فِي حِجْرِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، وَمَا سَمِعَ مِنْهُ.   (*) الجرح والتعديل 3 / 557. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 521 قُلْتُ: وَكَانَ ذَا كَرَمٍ، وَجُوْدٍ، وَفَرْطِ شَجَاعَةٍ. قِيْلَ: كَانَ سَبَبَ فِرَاقِهِ مِصْرَ مِحْنَةُ القُرْآنِ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بِتُوْنُسَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 144 - ابْن أَخِي الإِمَامِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ * (د، س) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الرَّحَّالُ، مُسْنِدُ حَلَبَ، وَإِمَامُ جَامِعِهَا، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ حَكِيْمٍ الأَسَدِيُّ، الحَلَبِيُّ. وَيُعْرَفُ: بِابْنِ أَخِي الإِمَامِ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي المَلِيْحِ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ الرَّقِّيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَقْرَانِهِم بِالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَالجَزِيْرَةِ. وَكَانَ مُحَدِّثَ حَلَبَ مَعَ أَبِي نُعَيْمٍ عُبَيْدِ بنِ هِشَامٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَعبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الغَضَائِرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ المَنْبِجِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ابْنُ أَخِي الإِمَامِ الصَّغِيْرِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا:   (*) الجرح والتعديل 5 / 258، تهذيب الكمال، ورقة: 804، تذهيب التهذيب 2 / 218، تهذيب التهذيب 6 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 231. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 522 145 - ابْن أَخِي الإِمَامِ الصَّغِيْرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الهَاشِمِيُّ * فَهُوَ: المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، المُعَدَّلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الحَلَبِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ. وَعَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ المَصِّيْصِيِّ، وَبَرَكَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيِّ، وَحَاجِبِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ بنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الحَلَبِيُّ، وَعِدَّةٌ. يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: أَبَا القَاسِمِ. عَاشَ: إِلَى بَعْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، مَا أَظُنُّ بِهِ بَأْساً. ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (تَارِيْخِهِ) : وَأَنَّهُ حَدَّثَ بِدِمَشْقَ، وَمَا ذَكَرَ الكَبِيْرَ؛ لأَنَّه لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كِتَابِهِ. 146 - مُحَمَّدُ بنُ كَرَّامٍ السِّجِسْتَانِيُّ المُبْتَدِعُ ** شَيْخُ الكَرَّامِيَّةِ، كَانَ زَاهِداً، عَابِداً، رَبَّانِيّاً، بَعِيْدَ الصِّيْتِ، كَثِيْرَ الأَصْحَابِ، وَلَكِنَّهُ يَرْوِي الوَاهِيَاتِ - كَمَا قَالَ: ابْنُ حِبَّانَ -. خُذِلَ حَتَّى الْتَقَطَ مِنَ المَذَاهِبِ أَرْدَاهَا، وَمِنَ الأَحَادِيْثِ أَوْهَاهَا، ثُمَّ جَالَسَ الجُوَيْبَارِيَّ، وَابْنَ تَمِيْمٍ، وَلَعَلَّهُمَا قَدْ وَضَعَا مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، وَأَخَذَ   (*) تهذيب الكمال، ورقة: 804، تذهيب التهذيب 2 / 218، تهذيب التهذيب 6 / 224، 225، خلاصة تذهيب الكمال: 231. (* *) الملل والنحل 1 / 158، اللباب 3 / 89، ميزان الاعتدال 4 / 21، الوافي بالوفيات 4 / 375، 377، البداية والنهاية 11 / 20، لسان الميزان 5 / 353، 356، النجوم الزاهرة 3 / 24، تذكرة الحفاظ 2 / 106. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 523 التَّقَشُّفُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَرْبٍ. قُلْتُ: كَانَ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ هُوَ نُطقُ اللِّسَانِ بِالتَّوْحِيْدِ، مُجَرَّدٌ عَنْ عَقْدِ قَلْبٍ، وَعَمَلِ جَوَارِحَ. وَقَالَ خَلْقٌ مِنَ الأَتْبَاعِ لَهُ: بِأَنَّ البَارِي جِسْمٌ لاَ كَالأَجْسَام، وَأَنَّ النَّبِيَّ تَجُوْزُ مِنْهُ الكَبَائِرُ سِوَى الكَذِبِ. وَقَدْ سُجِنَ ابْنُ كَرَّامٍ، ثُمَّ نُفِي. وَكَانَ نَاشِفاً، عَابِداً، قَلِيْلَ العِلْمِ. قَالَ الحَاكِمُ: مَكَثَ فِي سِجْنِ نَيْسَابُوْرَ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَمَاتَ بِأَرْضِ بَيْتِ المَقْدِسِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: طَوَّلنَا تَرْجَمَتَه فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) . وَكَانَتِ الكَرَّامِيَّةُ كَثِيْرِيْنَ بِخُرَاسَانَ. وَلَهُم تَصَانِيْفُ، ثُمَّ قَلُّوا، وَتَلاَشَوْا - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الأَهْوَاءِ -. 147 - يَعْقُوْبُ بنُ كَعْبِ بنِ حَامِدٍ الأَنْطَاكِيُّ (د) الحَافِظُ، أَبُو يُوْسُفَ الأَنْطَاكِيُّ، أَصْلُهُ مِنْ حَلَبَ. سَمِعَ: عَطَاءَ بنَ مُسْلِمٍ، وَشُعَيْبَ بنَ إِسْحَاقَ، وَعِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، وَابْنَ وَهْبٍ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ ذَا رِحلَةٍ، وَفَضْلٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَيَزِيْدُ بنُ جَهْوَرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ.   (*) الجرح والتعديل 9 / 213، 214، تهذيب الكمال، ورقة: 1552، 1553، تذهيب التهذيب 4 / 186 / 2، 187 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 394، خلاصة تذهيب الكمال: 437. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 524 وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. 148 - عَلِيُّ بنُ مُسْلِمِ بنِ سَعِيْدٍ الطُّوْسِيُّ * (خَ، د، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الحَسَنِ الطُّوْسِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. سَمِعَ: جَرِيْرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَيُوْسُفَ بنَ يَعْقُوْبَ المَاجَشُوْنَ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَبَا يُوْسُفَ القَاضِي، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - رَفِيْقُهُ - وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍِ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ (1) ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى: النَّسَائِيُّ أَيْضاً، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، وَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: مَاتَ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ   (*) الجرح والتعديل 6 / 203، تاريخ بغداد 12 / 108، 109، تهذيب الكمال، ورقة: 993، تذهيب التهذيب 3 / 74، تهذيب التهذيب 7 / 382، 383، خلاصة تذهيب الكمال: 277. (1) بفتح الميم والحاء وكسر الميم واللام، هذه النسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس على الجمال في السفر. والقاضي المحاملي هو أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي المحاملي، ولي قضاء الكوفة ستين سنة ولد سنة خمس أو ست وثلاثين ومئتين، ومات سنة 330 هـ، وكان ثقة. ترجم له السمعاني في " الأنساب "، ورقة: 510 / أ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 525 بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ (ح) . وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ الرِّضَى، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَة، قَالَ هُوَ، وَعَاصِمٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُمُوْشَةٌ، وَكَانَ لاَ يَضْحَكُ إِلاَّ تَبَسُّماً، وَكُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ، قُلْتَ: أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. 149 - الجَاحِظُ أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرٍ * العَلاَّمَةُ، المُتَبَحِّرُ، ذُوْ الفُنُوْنَ، أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بنُ بَحْرِ بنِ مَحْبُوْبٍ البَصْرِيُّ، المُعْتَزِلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. أَخَذَ عَنِ: النَّظَّامِ. وَرَوَى عَنْ: أَبِي يُوْسُفَ القَاضِي، وثُمَامَةَ بنِ أَشْرَسَ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو العَيْنَاءِ، وَيَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ - ابْنُ أُخْتِهِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذْكِيَاءِ -.   (1) الحجاج بن أرطاة مدلس، وقد عنعن، فالسند ضعيف. (*) الفهرست 208، 212، تاريخ بغداد 12 / 212، 220، نزهة الالباء: 132، أمالي المرتضى 1 / 194، معجم الأدباء 16 / 74، 114، وفيات الأعيان 3 / 470، 475، ميزان الاعتدال 3 / 247، العبر 1 / 456، سرح العيون: 136، البداية والنهاية 11 / 19، 20، لسان الميزان 4 / 355، 357، بغية الوعاة: 265، شذرات الذهب 2 / 121، 122. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 526 قَالَ ثَعلَبُ: مَا هُوَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ يَمُوْتُ: كَانَ جَدُّهُ جَمَّالاً أَسْوَدَ. وَعَنِ الجَاحِظِ: نَسِيْتُ كُنْيَتِي ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى عَرَّفَنِي أَهْلِي. قُلْتُ: كَانَ مَاجِناً، قَلِيْلَ الدِّيْنِ، لَهُ نَوَادِرُ. قَالَ المُبَرِّدُ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قَالَ: كَيْفَ مَنْ نِصْفُه مَفْلُوجٌ، وَنِصْفُهُ الآخَرُ مُنَقْرَسٌ؟ لَوْ طَارَ عَلَيْه ذُبَابٌ لآلَمَهُ، وَالآفَةُ فِي هَذَا أَنِّي جُزتُ التِّسْعِيْنَ. وَقِيْلَ: طَلَبَه المُتَوَكِّلُ، فَقَالَ: وَمَا يَصْنَعُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِشقٍّ مَائِلٍ، وَلُعَابٍ سَائِلٍ؟!! قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ الصُّوْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَتَصَانِيْفُه كَثِيْرَةٌ جِدّاً. قِيْلَ: لَمْ يَقَعْ بِيَدِهِ كِتَابٌ قَطُّ إِلاَّ اسْتَوفَى قِرَاءتَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَكتَرِي دَكَاكِيْنَ الكُتْبِيِّيْنَ، وَيَبِيتُ فِيْهَا لِلْمُطَالَعَةِ، وَكَانَ بَاقِعَةً (1) فِي قُوَّةِ الحِفْظِ. وَقِيْلَ: كَانَ الجَاحِظُ يَنُوْبُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ الصُّوْلِيِّ مُدَّةً فِي دِيْوَانِ الرَّسَائِلِ. وَقَالَ فِي مَرَضِهِ لِلطَّبِيْبِ: اصْطَلَحَتِ الأَضْدَادُ عَلَى جَسَدِي، إِنْ أَكَلْتُ بَارِداً، أُخِذَ بِرِجْلِي، وَإِنْ أَكَلْتُ حَارّاً، أُخِذَ بِرَأْسِي. وَمِنْ كَلاَمِ الجَاحِظِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ: المَنْفَعَةُ تُوْجِبُ المَحَبَّةَ،   (1) أي داهية، يقال: ما فلان إلا باقعة من البواقع، سمي باقعة لحلوله بقاع الأرض، وكثرة تنقيبه في البلاد، ومعرفته بها، فشبه الرجل البصير بالامور، الكثير البحث عنها، المجرب لها به. والهاء دخلت في نعت الرجل للمبالغة في صفته، كما قالوا: رجل علامة ونسابة ... الجزء: 11 ¦ الصفحة: 527 وَالمَضَرَّةُ تُوْجِبُ البِغْضَةَ، وَالمُضَادَّةُ عَدَاوَةٌ، وَالأَمَانَةُ طُمَأْنِيْنَةٌ، وَخِلاَفُ الهَوَى يُوْجِبُ الاسْتِثْقَالَ، وَمُتَابَعَتُهُ تُوْجِبُ الأُلْفَةَ. العَدْلُ يُوْجِبُ اجْتِمَاعَ القُلُوْبِ، وَالجَوْرُ يُوْجِبُ الفُرْقَةَ. حُسْنُ الخُلْقِ أُنْسٌ، وَالانْقِبَاضُ وَحْشَةٌ، التَّكَبُّرُ مَقْتٌ، وَالتَّوَاضُعُ مِقَةٌ، الجُوْدُ يُوْجِبُ الحَمْدَ، وَالبُخْلُ يُوْجِبُ الذَّمَّ، التَّوَانِي يُوْجِبُ الحَسْرَةَ، وَالحَزْمُ يُوْجِبُ السُّرُوْرَ، وَالتَّغْرِيْرُ نَدَامَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ إِفْرَاطٌ وَتَقْصِيْرٌ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نَتَائِجُهَا إِذَا أُقِيْمَتْ حُدُوْدُهَا. فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِي الجُوْدِ تَبْذِيْرٌ، وَالإِفْرَاطَ فِي التَّوَاضُعِ مَذَلَّةٌ، وَالإِفْرَاطَ فِي الغَدْرِ يَدْعُو إِلَى أَنْ لاَ تَثِقَ بِأَحَدٍ، وَالإِفْرَاطَ فِي المُؤَانَسَةِ يَجْلِبُ خُلَطَاءَ السُّوْءِ. وَلَهُ: وَمَا كَانَ حَقِّي - وَأَنَا وَاضِعٌ هَذَيْنِ الكِتَابَيْنِ فِي خَلْقِ القُرْآنِ، وَهُوَ المَعْنَى الَّذِي يُكَثِّرُهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَيَعِزُّهُ، وَفِي فَضْلِ مَا بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَعَبْدِ شَمْسٍ وَمَخْزُوْمٍ - إِلاَّ أَنْ أَقْعُدَ فَوْقَ السِّمَاكَينِ، بَلْ فَوْقَ العَيُّوقِ، أَوْ أَتَّجِرَ فِي الكِبْرِيْتِ الأَحْمَرِ، وَأَقُوْدَ العَنْقَاءَ بِزِمَامٍ إِلَى المَلِكِ الأَكْبَرِ. وَلَهُ: كِتَابُ (الحَيَوَانِ) سَبْعُ مُجَلَدَاتٍ، وَأَضَافَ إِلَيْهِ كِتَابَ (النِّسَاءِ) ، وَهُوَ فَرْقٌ مَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَكِتَابُ (البِغَالِ) ، وَقَدْ أُضِيْفَ إِلَيْهِ كِتَابٌ، سَمَّوْهُ كِتَابُ (الجِمَالِ) لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ الجَاحِظِ، وَلاَ يُقَارِبُهُ. قَالَ رَجُلٌ لِلْجَاحِظِ: أَلَكَ بِالبَصْرَةِ ضَيْعَةٌ؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: إِنَّمَا إِنَاءٌ وَجَارِيَةٌ وَمَنْ يَخْدمُهَا، وَحِمَارٌ، وَخَادِمٌ، أَهدَيتُ كِتَابَ (الحَيَوَانِ) إِلَى ابْنِ الزَّيَّاتِ، فَأَعطَانِي أَلفَي دِيْنَارٍ، وَأَهدَيتُ إِلَى فُلاَنٍ، فَذَكَرَ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ. يَعْنِي: أَنَّهُ فِي خَيْرٍ وَثَروَةٍ. قَالَ يَمُوْتُ بنُ المُزَرَّعِ: سَمِعْتُ خَالِي يَقُوْلُ: أَملَيْتُ عَلَى إِنْسَانٍ مَرَّةً: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، فَاسْتَمْلَى: أَخْبَرَنَا بِشْرٌ، وَكَتَبَ: أَخْبَرَنَا زَيْدٌ. قُلْتُ: يَظْهَرُ مِنْ شَمَائِلِ الجَاحِظِ أَنَّهُ يَخْتَلِقُ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 528 قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: أَنَا وَالجَاحِظُ وَضْعَنَا حَدِيْث فَدَكٍ (1) ، فَأَدخَلنَاهُ عَلَى الشُّيُوْخِ بِبَغْدَادَ، فَقَلَبُوهُ إِلاَّ ابْنَ شَيْبَةَ العَلَوِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لاَ يُشبِه آخِرُ هَذَا الحَدِيْث أَوَّلَه. ثُمَّ قَالَ الصَّفَّارُ: كَانَ أَبُو العَيْنَاءِ يُحَدِّثُ بِهَذَا بَعْدَ مَا تَابَ. قِيْلِ لِلْجَاحِظِ: كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ الوَزِيْرُ بِرَأْيِي، وَصِلاَتُ الخَلِيْفَةِ مُتَوَاتِرَةٌ إِلَيَّ، وَآكُلُ مِنَ الطَّيْرِ أَسْمَنَهَا، وَأَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ أَلْيَنَهَا، وَأَنَا صَابِرٌ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِالفَرَجِ. قِيْلَ: بَلِ الفَرَجُ مَا أَنْتَ فِيْهِ. قَالَ: بَلْ أُحِبُّ أَنْ أَلِيَ الخِلاَفَةَ، وَيَخْتَلِفَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ -يَعْنِي: الوَزِيْر-. وَهُوَ القَائِلُ: سَقَامُ الحِرْصِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ ... وَدَاءُ الجَهْلِ لَيْسَ لَهُ طَبِيْبُ (2) وَقَالَ: أَهدَيتُ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ كِتَابَ (الحَيَوَانِ) ، فَأَعطَانِي خَمْسَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَأَهْدَيْتُ كِتَابَ (البَيَان وَالتبيين) إِلَى أَحْمَدَ بن أَبِي دُوَادَ، فَأَعطَانِي كَذَلِكَ. وَأَهْدَيْتُ كِتَابَ (الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ) إِلَى إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْلِيِّ، فَأَعطَانِي مِثْلَهَا، فَرَجَعتُ إِلَى البَصْرَةِ، وَمَعِيَ ضَيعَةٌ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَحدِيْدٍ، وَلاَ إِلَى تَسمِيدٍ.   (1) قال ابن أبي شيبة العلوي: هذا كذب، يعني حديث فدك، سمعها الحاكم من عبد العزيز بن عبد الملك الاعور. قال ابن حجر: ما علمت ما أراد بحديث فدك. انظر " لسان الميزان " 4 / 356. (2) هو في " معجم الأدباء " 16 / 89، وروايته فيه: وداء البخل " بدل " الجهل ". وجاء قبله: يطيب العيش أن تلقى حليما * غذاه العلم والرأي المصيب ليكشف عنك حيلة كل ريب * وفضل العلم يعرفه الاريب سقام الحرص ... البيت. وهو في " تاريخ بغداد " 12 / 215. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 529 وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ حَدِيْثاً وَاحِداً. وَتَصَانِيْفُ الجَاحِظِ كَثِيْرَةٌ جِدّاً: مِنْهَا (الرَّدُّ عَلَى أَصْحَابِ الإِلهَامِ) ، وَ (الرَّدُّ علَى المُشَبِّهَةِ) ، وَ (الرَّدُّ عَلَى النَّصَارَى) ، (الطُّفَيْلِيَّةُ) ، (فَضَائِلُ التُّرْكِ) ، (الرَّدُّ عَلَى اليَهُوْدِ) ، (الوَعِيْدُ) ، (الحُجَّةُ وَالنُّبُوَّةُ) ، (المُعَلِّمِيْنَ) ، (البُلْدَانُ) ، (حَانُوْتُ عَطَّارٍ) ، (ذَمُّ الزَّنَى) ، وَأَشْيَاءُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ أَحْمَدَ بنِ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ الطُّيُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ بِصُوْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: أَتَيتُ الجَاحِظَ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَاطَّلَعَ عَلَيَّ مِنْ كُوَّةٍ فِي دَارِه، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. فَقَالَ: أَوَ مَا عَلِمتَ أَنِّي لاَ أَقُوْلُ بِالحَشْوِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي ابْنُ أَبِي دَاوُدَ. فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ وَبِأَبِيكَ، ادْخُلْ. فَلَمَّا دَخَلْتُ، قَالَ لِي: مَا تُرِيْدُ؟ فَقُلْتُ: تُحَدِّثَنِي بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ: اكتُبْ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى طِنْفِسَةٍ (1) . فَقُلْتُ: زِدْنِي حَدِيْثاً آخَرَ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي دَاوُدَ أَنْ يَكذِبَ. قُلْتُ: كَفَانَا الجَاحِظُ المَؤُونَةَ، فَمَا رَوَى مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ النَّزْرَ اليَسِيْرَ، وَلاَ هُوَ بِمُتَّهَمٍ فِي الحَدِيْثِ، بَلَى فِي النَّفْسِ مِنْ حِكَايَاتِهِ وَلَهْجَتِهِ، فَرُبَّمَا جَازَفَ، وَتَلَطُّخُهُ بِغَيْرِ بِدْعَةٍ أَمْرٌ وَاضِحٌ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ عَلاَّمَةٌ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَأَدَبٍ بَاهِرٍ، وَذَكَاءٍ بَيِّنٍ - عَفَا اللهُ عَنْهُ -.   (1) في اللسان: الطنفسة: النمرقة فوق الرحل، وجمعها طنافس، وقيل: هي البساط التي لها خمل رقيق، والثاني هو المراد في هذا الحديث. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 530 150 - أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الخَلاَّلُ * (ت، س) الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ، الخَلاَّلُ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَمَعْنٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ الأَبَّارُ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعُمَرُ البُجَيْرِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيْسَ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ خَيِّراً، عَدْلاً، ثِقَةً، رِضَىً، صَدُوْقاً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ، قَدِيْمُ الوَفَاةِ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ بِسَامَرَّاءَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 151 - أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ أَبُو عَلِيٍّ البَزَّازُ ** (س) الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَقُرَادٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَالحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو عَلِيٍّ المُذَكِّرُ، ذَاكَ التَّالِفُ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 49، تاريخ بغداد 4 / 126، 127، طبقات الحنابلة 1 / 42، تهذيب الكمال، ورقة: 21، تذهيب التهذيب 1 / 10، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 5، تهذيب التهذيب 1 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 5. (* *) التاريخ الصغير 2 / 387، تاريخ بغداد 4 / 129، 131، تهذيب الكمال، ورقة: 21، ميزان الاعتدال 1 / 96، تذهيب التهذيب 1 / 10، تهذيب التهذيب 1 / 27، 28، خلاصة تذهيب الكمال: 5، 6. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 531 وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. وَقَالَ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قَالَ القَبَّانِيّ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَحْمَدُ بنُ خَلِيْلٍ البُرْجُلاَنِيُّ شَيْخُ النَّجَّادِ سَيَأْتِي (1) . 152 - أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ النَّوْفَلِيُّ القُوْمَسِيُّ * عَن: الأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَالمُقْرِئِ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ عَبْدَكَ، وَجَمَاعَةٌ. وَهُوَ وَاهٍ. 153 - ذُوْ النُّوْنِ المِصْرِيُّ ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ** الزَّاهِدُ، شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ. وَقِيْلَ: فَيْضُ بنُ أَحْمَدَ. وَقِيْلَ: فَيْضُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النُّوْبِيُّ، الإِخْمِيْمِيُّ (2) . يُكْنَى: أَبَا الفَيْضِ. وَيُقَالُ: أَبَا الفَيَّاضِ. وُلِدَ: فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ المَنْصُوْرِ.   (1) في الجزء الثالث عشر وهو مترجم في تاريخ بغداد 4 / 133، تهذيب الكمال، ورقة: 21، وتذهيب التهذيب 1 / 10. * الجرح والتعديل 2 / 50، طبقات الحنابلة 1 / 42، تهذيب الكمال، ورقة: 21، ميزان الاعتدال 1 / 96، تذهيب التهذيب 1 / 10، 11، تهذيب التهذيب 1 / 28، لسان الميزان 1 / 167، خلاصة تذهيب الكمال: 6. (* *) حلية الأولياء 9 / 331، 391 و10 / 3، 4، تاريخ بغداد 8 / 393، الأنساب 1 / 135، اللباب 1 / 35، وفيات الأعيان 1 / 315، 318، العبر 1 / 444، البداية والنهاية 10 / 347، النجوم الزاهرة 2 / 320، 321، طبقات الأولياء: 218، 223، طبقات الصوفية: 15، 26، طبقات الشعراني 1 / 81، 84، الرسالة القشيرية: 211. (2) بكسر الالف وسكون الخاء المعجمة والياء المنقوطة باثنتين من تحتها بين ميمين مكسورتين، وهي نسبة إلى إخميم، بلدة من ديار مصر بالصعيد، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 532 وَرَوَى عَنْ: مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسَلْمٍ الخَوَّاصِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ صَبِيْحٍ الفَيُّوْمِيُّ، وَرَبِيْعَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيُّ، وَرِضْوَانُ بنُ مُحَيْمِيْدٍ، وَحَسَنُ بنُ مُصْعَبٍ، وَالجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، وَمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَقَلَّ مَا رَوَى مِنَ الحَدِيْثِ، وَلاَ كَانَ يُتْقِنُه. قِيْلَ: إِنَّهُ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ نُوْبِيّاً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَحَادِيْثَ فِيْهَا نَظَرٌ، وَكَانَ وَاعِظاً. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ عَالِماً، فَصِيْحاً، حَكِيْماً. تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ السُّلَمِيُّ: حَمَلُوْهُ عَلَى البَرِيْدِ مِنْ مِصْرَ إِلَى المُتَوَكِّلِ لِيَعِظَهُ فِي سَنَةِ 244، وَكَانَ إِذَا ذُكر بَيْنَ يَدَيِ المُتَوَكِّل أَهْلُ الوَرَعِ، بَكَى. وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ: كَانَ أَهْلُ نَاحِيَتِه يُسَمُّوْنَهُ الزِّنْدِيْقَ، فَلَمَّا مَاتَ، أَظلَّتْ الطَّيْرُ جِنَازَتَه، فَاحْتَرَمُوا بَعْدُ قَبْرَهُ. عَنْ: أَيُّوْبَ مُؤَدِّبِ ذِي النُّوْنِ، قَالَ: جَاءَ أَصْحَابُ المَطَالِبِ ذَا النُّوْنِ، فَخَرَجَ مَعَهُم إِلَى قِفْطَ (1) ، وَهُوَ شَابٌّ، فَحَفَرُوا قَبْراً، فَوَجَدُوا لَوْحاً فِيْهِ: اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ، فَأَخَذَهُ ذُو النُّوْنِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم مَا وَجَدُوا. قَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: حَضَرْتُ ذَا النُّوْنِ، فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا الفَيْضِ، مَا كَانَ سَبَبُ تَوْبَتِكَ؟ قَالَ: نِمْتُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَفَتَحْتُ عَيْنِي، فَإِذَا   (1) بكسر القاف وسكون الفاء وبعدها طاء مهملة، بلدة بصعيد مصر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 533 قُنْبَرَةٌ (1) عَمْيَاءُ سَقَطَتْ مِنْ وَكْرٍ، فَانْشَقَّتِ الأَرْضُ، فَخَرَجَ مِنْهَا سُكُرُّجَتَانِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فِي إِحْدَاهُمَا سِمْسِمٌ، وَفِي الأُخْرَى مَاءٌ، فَأَكَلَتْ، وَشَرِبَتْ، فَقُلْتُ: حَسْبِي. فَتُبْتُ (2) ، وَلَزِمْتُ البَابَ، إِلَى أَنْ قَبِلَنِي. قَالَ السُّلَمِيُّ (3) فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ) : ذُو النُّوْنِ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِبَلْدَتهِ فِي تَرْتِيْبِ الأَحْوَالِ، وَمَقَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَهَجَرَهُ عُلَمَاءُ مِصْرَ، وَشَاعَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عِلْماً لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيْهِ السَّلَفُ وَهَجَرُوْهُ حَتَّى رَمَوْهُ بِالزَّنْدَقَةِ. فَقَالَ أَخُوْهُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ زِنْدِيْقٌ، فَقَالَ: وَمَا لِي سِوَى الإِطْرَاقِ وَالصَّمْتِ حِيْلَةٌ ... وَوَضْعِيَ كَفِّي تَحْتَ خَدِّي وَتَذْكَارِي قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرْخِيِّ: كُنْت مَعَ ذِي النُّوْنِ فِي زَوْرَقٍ، فَمَرَّ بِنَا زَوْرَقٌ آخَرُ، فَقِيْلَ لِذِي النُّوْنِ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَمُرُّوْنَ إِلَى السُّلْطَانِ يَشْهَدُوْنَ عَلَيْكَ بِالكُفْرِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانُوا كَاذِبِيْنَ، فَغَرِّقْهُم. فَانْقَلَبَ الزَّوْرَقُ، وَغَرِقُوا، فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا بَالُ المَلاَّحِ؟ قَالَ: لِمَ حَمَلَهُم وَهُوَ يَعلَمُ قَصْدَهُم؟ وَلأَنْ يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ غَرْقَى، خَيْرٌ لَهُم مِنْ أَنْ يَقِفُوا شُهُوْدَ زُوْرٍ. ثُمَّ انْتَفَضَ، وَتَغَيَّر، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ أَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهَا. ثُمَّ دَعَاهُ أَمِيْرُ مِصْرَ، وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِقَادِهِ، فَتَكَلَّمَ، فَرَضِيَ أَمْرَهُ، وَطَلَبَهُ المُتَوَكِّلُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَه، وَلِعَ بِهِ، وَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْنَ، فَحَيَّ هَلاَ بِذِي النُّوْنِ.   (1) القنبرة والقنبرة والقبرة والقنبراء والقنبراء: عصفورة من فصيلة القبريات، ورتبة الجواثم المخروطية المناقير، سمر في أعلاها، ضاربة إلى بياض في أسفلها، وعلى صدرها بقعة سوداء، دائمة التغريد. (2) في " طبقات الأولياء " ص: 219: " قد تبت ". (3) هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي الصوفي المتوفى سنة 412، صاحب طبقات الصوفية، ولم يرد لكتابه هذا " محن الصوفية " ذكر عند غير المؤلف هنا وفي ترجمة محمد بن الفضل البلخي الآتية في المجلد الرابع عشر من هذا الكتاب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 534 قَالَ عَلِيُّ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ: مَهْمَا تَصَوَّرَ فِي وَهْمِكَ، فَاللهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الاسْتِغْفَارُ جَامِعٌ لِمَعَانٍ، أَوَّلُهُمَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، الثَّانِي: العَزْمُ عَلَى التَّرْكِ، وَالثَّالِثُ: أَدَاءُ مَا ضَيَّعْتَ مِنْ فَرْضٍ للهِ، الرَّابِعُ: رَدُّ المَظَالِمِ فِي الأَمْوَالِ وَالأَعْرَاضِ وَالمُصَالَحَةُ عَلَيْهَا، الخَامِسُ: إِذَابَةُ كُلِّ لَحْمٍ وَدَمٍ نَبَتَ عَلَى الحَرَامِ، السَّادِسُ: إِذَاقَةُ أَلَمِ الطَّاعَةِ كَمَا وَجَدْتَ حَلاَوَةَ المَعْصِيَةِ. وَعَنْ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ، قُلْتُ لِذِي النُّوْنِ: كَيْفَ خَلصتَ مِنَ المُتَوَكِّلِ، وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِكَ؟ قَالَ: لَمَّا أَوْصَلَنِي الغُلاَمُ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: يَا مَنْ لَيْسَ فِي البِحَارِ قَطَرَاتٌ، وَلاَ فِي دَيْلَجِ الرِّيَاحِ ديْلَجَاتٌ، وَلاَ فِي الأَرْض خَبِيئَاتٌ، وَلاَ فِي القُلُوْبِ خَطَرَاتٌ، إِلاَّ وَهِيَ عَلَيْكَ دَلِيلاَتٌ، وَلَكَ شَاهِدَاتٌ، وَبِرُبُوبِيَّتِكَ مُعتَرِفَاتٌ، وَفِي قُدرَتِكَ مُتَحَيِّرَاتٌ، فَبِالقُدْرَةِ الَّتِي تُجِيْرُ بِهَا مَنْ فِي الأَرَضِيْنَ وَالسَّمَاوَاتِ إِلاَّ صَلَّيْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذتَ قَلْبَه عَنِّي. فَقَامَ المُتَوَكِّلُ يَخْطُو حَتَّى اعْتَنَقَنِي، ثُمَّ قَالَ: أَتْعَبْنَاكَ يَا أَبَا الفَيْضِ. وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ: حَضَرتُ مَعَ ذِي النُّوْنِ مَجْلِسَ المُتَوَكِّلِ، وَكَانَ مُوْلَعاً بِهِ، يُفَضِّلُه عَلَى الزُّهَّادِ، فَقَالَ: صِفْ لِي أَوْلِيَاءَ اللهِ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُمْ قَوْمٌ أَلبَسَهُمُ اللهُ النُّوْرَ السَّاطِعَ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَجَلَّلَهُم بِالبَهَاءِ مِنْ إِرَادَةِ كَرَامَتِهِ، وَوَضَعَ عَلَى مَفَارِقِهِم تِيْجَانَ مَسَرَّتِهِ، فَذَكَرَ كَلاَماً طَوِيْلاً. وَقَدِ اسْتَوفَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَحْوَالَ ذِي النُّوْنِ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي (الحِلْيَةِ) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 535 وَمِنْ كَلاَمِهِ: العَارِفُ لاَ يَلتَزِمُ حَالَةً وَاحِدَةً، بَلْ يَلْتَزِمُ أَمرَ رَبِّهُ فِي الحَالاَتِ كُلِّهَِا. أَرَّخَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ عُفَيْرٍ وَفَاته - كَمَا مَرَّ -: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَأَمَّا حَيَّانُ بنُ أَحْمَدَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ بِالجِيْزَةِ، وَعُدِّي بِهِ إِلَى مِصْرَ فِي مَرْكِبٍ خَوْفاً مِنْ زَحْمَةِ النَّاسِ عَلَى الجِسْرِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 154 - ابْنُ زِيَادٍ الأَمِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ * مُتَوَلِّي اليَمَنِ، الأَمِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ. غَلَبَ عَلَى اليَمَنِ، وَحَارَبَ، وَتَمَكَّنَ فِي أَيَّامِ المَأْمُوْنِ، وَاختَطَّ مَدِيْنَةَ زُبَيْدٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. وَنَفَّذَ إِلَى المَأْمُوْنِ بِتُحَفٍ، فَأَمَدَّهُ بِجَيْشٍ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ، وَدَامَتْ دَوْلَتُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ إِبْرَاهِيْمُ، فَوَلِيَ اليَمَنَ مُدَّةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. ثُمَّ مَاتَ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ وَلَدَاهُ زِيَادٌ ثُمَّ إِسْحَاقُ. وَدَامَتَ دَوْلَتُهُم إِلَى بَعْدِ الأَرْبَعِ مائَةٍ، ثُمَّ صَارَتْ فِي مَوَالِيهِم مُدَّةً إِلَى أَنْ ظَهَرَ الصُّلَيْحِيُّ. 155 - الرَّوَاجِنِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ ** (خَ، ت، ق) الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، مُحَدِّثُ الشِّيْعَةِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ   (*) أنباء الزمن في تاريخ اليمن، حوادث سنة 203 هـ لمؤلفه يحيى بن حسين بن الامام القاسم المتوفى بعد سنة 1099 هـ، مخطوط في دار الكتب المصرية، انظر الفهرس 5 / 39. (* *) التاريخ الكبير 6 / 44، الجرح والتعديل 6 / 88، الكامل لابن عدي، ورقة: 240، الأنساب 6 / 175، 176، اللباب 1 / 477، تهذيب الكمال، ورقة: 654، 655، ميزان الاعتدال 2 / 379، 380، العبر 1 / 456، تذهيب التهذيب 2 / 123 البداية والنهاية 11 / 7، تهذيب التهذيب 5 / 109، 110، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 2 / 121. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 536 الأَسَدِيُّ، الرَّوَاجِنِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُبْتَدِعُ. رَوَى عَنْ: شَرِيْكٍ القَاضِي، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، وَالوَلِيْدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ القُدُّوْسِ، وَالحُسَيْنِ ابنِ الشَّهِيْدِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَعِدَّةٍ. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ حَدِيْثاً قَرَنَ فِيْهِ مَعَهُ آخَرَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ البَزَّارُ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَكِيْمُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ. وَقَالَ الحَاكِمُ: كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ فِي رِوَايَتِهِ، المُتَّهَمُ فِي دِيْنِهِ، عَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: فِيْهِ غُلُوٌّ فِي التَّشَيُّعِ. وَرَوَى: عَبْدَانُ عَنْ ثِقَةٍ، أَنَّ عَبَّاداً كَانَ يَشْتِمُ السَّلَفَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى مَنَاكِيْرَ فِي الفَضَائِلِ وَالمَثَالِبِ. وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَبِيْبِيُّ، عَنْ صَالِحٍ جَزَرَةَ، قَالَ: كَانَ عَبَّادٌ يَشْتِمُ عُثْمَان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ الجَنَّة، قَاتَلاَ عَلِيّاً بَعْدَ أَنْ بَايَعَاهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي صَلاَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ، حُشِرَ مَعَهُم. قُلْتُ: هَذَا الكَلاَمُ مَبْدَأُ الرَّفْضِ، بَلْ نَكُفُّ، وَنَسْتَغْفِرُ لِلأُمَّةِ، فَإِنَّ آلَ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 537 مُحَمَّدٍ فِي إِيَّاهُم قَدْ عَادَى بَعْضهُم بَعْضاً، وَاقْتَتَلُوا عَلَى المُلْكِ، وَتَمَّتْ عَظَائِمُ، فَمِنْ أَيِّهِم نَبْرَأُ؟! قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ المُطَرِّز، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبَّادٍ بِالْكُوْفَةِ، وَكَانَ يَمْتَحِنُ الطَّلَبَةَ، فَقَالَ: مَنْ حَفَرَ البَحْرَ؟ قُلْتُ: اللهُ. قَالَ: هُوَ كَذَاكَ، وَلَكِنْ مَنْ حَفَرَهُ؟ قُلْتُ: يَذْكُرُ الشَّيْخُ، قَالَ: حَفرَهُ عَلِيٌّ، فَمَنْ أَجْرَاهُ؟ قُلْتُ: اللهُ. قَالَ: هُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِن مَنْ أَجْرَاهُ؟ قُلْتُ: يُفِيْدُنِي الشَّيْخُ. قَالَ: أَجْرَاهُ الحُسَيْنُ، وَكَانَ ضَرِيْراً، فَرَأَيْتُ سَيْفاً وَحَجَفَةً (1) . فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَعْدَدْتُهُ لأُقَاتِلَ بِهِ مَعَ المَهْدِيِّ. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ سَمَاعِ مَا أَرَدْتُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ حَفَرَ البَحْرَ؟ قُلْتُ: حَفَرَهُ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَجْرَاهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ. ثُمَّ وَثَبْتُ وَعَدَوْتُ، فَجَعَلَ يَصِيْحُ: أَدْرِكُوا الفَاسِقَ عَدُوَّ اللهِ، فَاقْتُلُوهُ. إِسْنَادُهَا صَحِيْحٌ. وَمَا أَدْرِي كَيْفَ تَسَمَّحُوا فِي الأَخْذِ عَمَّنْ هَذَا حَالُهُ؟ وَإِنَّمَا وَثِقُوا بِصِدْقِهِ. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَبَّاد بن يَعْقُوْبَ فِي شَوَّال، سنَة خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (البَعْثِ) لاِبْنِ أَبِي دَاوُدَ. وَرَأَيْتُ لَهُ جُزْءاً مِنْ كِتَابِ (المَنَاقِبِ) ، جَمَعَ فِيْهَا أَشْيَاء سَاقِطَة، قَدْ أَغْنَى اللهُ أَهْلَ البَيْتِ عَنْهَا، وَمَا أَعْتَقِدُهُ يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ أَبَداً. 156 - صَالِحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ البَاهِلِيُّ * (ت) الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَاهِلِيُّ، التِّرْمِذِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.   (1) الحجفة: هي الترس. (*) التاريخ الكبير 4 / 285، الجرح والتعديل 4 / 407، تاريخ بغداد 9 / 315، 316، تهذيب الكمال، ورقة: 599، تذهيب التهذيب 2 / 87، العقد الثمين 5 / 29، تهذيب التهذيب 4 / 395، 396، خلاصة تذهيب الكمال: 171. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 538 حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَشَرِيْكٍ، وَحَمَّادٍ الأَبَحِّ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، ثُمَّ رَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَرَّامٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّان: هُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ وَسُنَّةٍ، كَتَبَ، وَجَمَعَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِمَكَّةَ. أَمَّا: 157 - صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ التِّرْمِذِيُّ * فَمِنْ أَقْرَانِهِ، وَلِيَ قَضَاءَ تِرْمذَ. قَالَ ابْنُ حِبَّان: كَانَ جَهْمِيّاً يَبِيْعُ الخَمْرَ. كَانَ ابْنُ رَاهْوَيْه يَبْكِي مِنْ تَجَرُّئِهِ عَلَى اللهِ. 158 - عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ اليُحْمِدِيُّ ** (س) الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ اليُحْمِدِيُّ (1) ، المَرْوَزِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ القَدَّاحِ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَجَمَاعَةٍ.   (*) الجرح والتعديل 4 / 412، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 370، 371، تاريخ بغداد 9 / 330، لسان الميزان 3 / 176. (* *) تهذيب الكمال، ورقة: 904، 905، تذهيب التهذيب 3 / 27، تهذيب التهذيب 7 / 97، 98، خلاصة تذهيب الكمال: 257، 258. (1) ضبطه الحافظ ابن حجر في " التبصير " 3 / 1345، 1346 بضم الياء وكسر الميم. أما في " اللباب " 3 / 408 فقد ضبط بفتحهما وسكون الحاء، وبعدها دال مهملة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 539 حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَكِيْمُ، وَعِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْتِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعِدَّةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَيْضاً: ثِقَةٌ. وَمِمَّنْ لَحِقَهُ، وَرَوَى عَنْهُ: مُؤَرِّخُ مَرْو أَبُو رَجَاء مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه. قَالَ: وَمَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مُعَمَّراً. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ اليُحْمِدِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامُ بنُ زُهْرَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيْهَا بِأُمِّ القُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ) . فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَاناً وَرَاء الإِمَامِ. قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، ثُمَّ قَالَ: إِقْرَأْهَا يَا فَارِسِي فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، نِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي. يَقُوْلُ العَبْدُ: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ} . يَقُوْلُ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. يَقُوْلُ العَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} . يَقُوْلُ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. يَقُوْلُ العَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ} . يَقُوْلُ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. وَهَذِهِ الآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ} ، فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُوْلُ العَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْمَ، صِرَاطَ الَّذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم، غَيْرِ المَغْضُوْبِ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 540 عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّيْنَ} ، فَهِيَ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ (1) . 159 - الدُّوْرِيُّ أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ * (ق) الإِمَامُ، العَالِمُ، الكَبِيْرُ، شَيْخُ المُقْرِئيْنَ، أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهْبَانَ - وَيُقَالُ: صُهَيْبٌ - الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُمُ، الدُّوْرِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَزِيْلُ سَامَرَّاءَ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فِي دَوْلَةِ المَنْصُوْرِ. وَتَلاَ عَلَى: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ. وَتَلاَ عَلَى الكِسَائِيِّ بِحَرْفِهِ، وَعَلَى يَحْيَى اليَزِيْدِيِّ بِحَرْفِ أَبِي عَمْرٍو، وَعَلَى سُلَيْمٍ بِحَرْفِ حَمْزَةَ، وَجَمَعَ القِرَاءاتِ، وَصَنَّفَهَا. وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أَبِي إِسْمَاعِيْلَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُلَيْمَانَ المُؤَدِّبِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: الإِمَامُ؛ أَحْمَدُ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَرَوَى هُوَ عَنْهُمَا.   (1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 84 في الصلاة: باب القراءة خلف الامام فيما لا يجهر فيه بالقراءة، وأخرجه مسلم (395) (39) في الصلاة: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، من طريق قتيبة عن مالك. وقوله: خداج، معناها، ناقصة. وقوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، يريد بالصلاة: القراءة، كما قال الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) . (*) الضعفاء، ورقة: 98، الجرح والتعديل 3 / 183، 184، الفهرست: 287، تاريخ بغداد 8 / 203، 204، الأنساب 5 / 395، 396، معجم الأدباء 10 / 216، 218، تهذيب الكمال، ورقة: 308، العبر 1 / 446، تذهيب التهذيب 1 / 164، معرفة القراء الكبار 1 / 157، 159، ميزان الاعتدال 1 / 566، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 255، 257، تهذيب التهذيب 2 / 408، تذكرة الحفاظ 1 / 406، خلاصة تذهيب الكمال: 87، النشر في القراءات العشر 1 / 134، شذرات الذهب 2 / 111. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 541 وَتَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو الزَّعْرَاءِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُبْدُوْسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ المُفَسِّرُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَشَّار صَاحِبُ مَرْثِيَّةِ الهِرِّ (1) ، وَقَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ، وَأَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الضَّرِيْرُ، وَعَلِيُّ بنُ سُلَيْمٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسَدٍ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْدٍ السَّرَّاجُ، وَبَكْرٌ السَّرَاوِيْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ دُلْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّفَّاحِ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ المُنَقِّي (3) ، وَالحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ الصَّوَافُ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ العِرْقِ، وَحَسَنُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ المُعَدَّلُ، وَغَيْرُهُم. وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَحَاجِبُ بنُ أَرْكِيْنَ (4) ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ السُّنِّيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَكْتُبُ عَنْ أَبِي عُمَرَ الدُّوْرِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ: قُلْتُ لِلدُّوْرِيِّ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.   (1) أورد المؤلف، رحمه الله، منها أربعين بيتا في الجزء الرابع عشر، رقم الترجمة 288، ومطلعها: يا هر فارقتنا ولم تعد * وكنت عندي بمنزل الولد وكيف ننفك عن هواك وقد * كنت لنا عدة من العدد (2) بفتح النون والفاء المشددتين، وبعد الالف حاء مهملة، أصله من سامرا، وسكن مصر وقد توفي فيها سنة 314 هـ. انظر ترجمته في " اللباب " 1 / 319. (3) بضم الميم وفتح النون وكسر القاف المشددة، يقال هذا لمن ينقي الطعام. (4) هو الفرغاني الضرير الدمشقي. قال السمعاني في " الأنساب "، ورقة 424 / أ: ظني أن أصله من فرغانة ما وراء النهر. وحاجب هذا كان حافظا مكثرا، سكن دمشق، وبها توفي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 542 قَالَ ابْنُ النَّفَّاحِ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ بِقِرَاءةِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ خَتْمَةً، وَأَدْرَكْتُ حَيَاةَ نَافِعٍ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الأَهْوَازِيُّ: رَحَلَ أَبُو عُمَرَ فِي طَلَبِ القِرَاءاتِ، وَقَرَأَ سَائِرَ حُرُوْفِ السَّبْعَةِ، وَبِالشَّوَاذِّ، وَسَمِعَ مِنْ ذَلِكَ الكَثِيْرَ، وَصَنَّفَ فِي القِرَاءاتِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَعَاشَ دَهْراً. وَفِي آخِرِ عُمُرِهِ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَكَانَ ذَا دِيْنٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ يُقَالُ لَهُ: الضَّرِيْرُ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ. وَقِيْلَ: هُوَ مِنَ الدُّورِ - مَحَلَّةٌ بِالجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ -. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَالبَغَوِيُّ، وَطَائِفَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ بَعْضُهُم: فِي شَوَّالٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَهِمَ فِيْهِ حَاجِبٌ الفَرْغَانِيُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُسْتَوْعَباً فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) . وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ، يُرِيْدُ فِي ضَبْطِ الآثَارِ، أَمَّا فِي القِرَاءاتِ، فَثَبْتٌ إِمَامٌ. وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ القُرَّاءِ أَثْبَاتٌ فِي القِرَاءةِ دُوْنَ الحَدِيْثِ، كَنَافِعٍ، وَالكِسَائِيِّ، وَحَفْصٍ، فَإِنَّهُم نَهَضُوا بِأَعْبَاءِ الحُرُوْفِ وَحَرَّرُوهَا، وَلَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ فِي الحَدِيْثِ، كَمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الحُفَّاظِ أَتْقَنُوا الحَدِيْثَ، وَلَمْ يُحْكِمُوا القِرَاءةَ. وَكَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ بَرَّزَ فِي فَنٍّ، وَلَمْ يَعْتَنِ بِمَا عَدَاهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. 160 - سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَوَّارِ التَّمِيْمِيُّ * (د، ت، س) ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُدَامَةَ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ   (*) التاريخ الصغير 2 / 383، تاريخ الطبري 9 / 213، الجرح والتعديل 4 / 271، تاريخ = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 543 التَّمِيْمِيُّ، العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ، قَاضِي الرُّصَافَةِ مِنْ بَغْدَادَ مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالقَضَاءِ، كَانَ جَدُّهُ قَاضِي البَصْرَةِ. سَمِعَ سَوَّارٌ هَذَا مِنْ: عَبْدِ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الغَضَائِرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: دَخَلَ سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، إِنِّي جِئْتُ فِي حَاجَةٍ رَفَعْتُهَا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَبْلَ أَنْ أَرْفَعَهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ قَضَيْتَهَا، حَمَدْنَا اللهَ وَشَكَرْنَاكَ، وَإِنْ لَمْ تَقْضِهَا، حَمَدْنَا اللهَ وَعَذَرْنَاكَ. قَالَ: فَقَضَى جَمِيْعَ حَوَائِجِهِ. قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، وَكَانَ وَافِرَ اللِّحْيَةِ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُعَذَّلِ الفَقِيْهُ: كَانَ سَوَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ خَامَرَ قَلْبَهُ وَجْدٌ، فَقَالَ: سَلَبْتِ عِظَامِي مُخَّهَا فَتَرَكْتِهَا ... عَوَارِيَ فِي أَجْلاَدِهَا تَتَكَسَّرُ وَأَخْلَيْتِ مِنْهَا مُخَّهَا فَكَأَنَّهَا ... قَوَارِيْرُ فِي أَجْوَافِهَا الرِّيْحُ تَصْفِرُ خُذِي بِيَدِي ثُمَّ اكشِفِي الثَّوْبَ وَانْظُرِي ... بِلَى جَسَدِي لَكِنَّنِي أَتَسَتَّرُ وَلَيْسَ الَّذِي يجْرِي مِنَ العَيْنِ مَاؤُهَا ... وَلَكِنَّهَا رُوْحِي تُذَابُ فَتَقْطُرُ   = بغداد 9 / 210، 212، الأنساب، ورقة: 400 / 1، اللباب 2 / 360، تهذيب الكمال ورقة: 562، العبر 1 / 444، تهذيب التهذيب 4 / 286، 269، النجوم الزاهرة 2 / 321، خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات الذهب 2 / 108. (1) الابيات الثلاثة الأولى في " تاريخ بغداد " 9 / 210، 211 وتكررت في الصفحة: 211، ورواية الخطيب فيها: " مما نالها " بدل " في أجلادها "، و" ارفعي " بدل " اكشفي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 544 عَمِيَ سَوَّارٌ بِأَخَرَة، وَمَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي شَوَّال. 161 - النَّخْشَبِيُّ أَبُو تُرَابٍ عَسْكَرُ بنُ الحُصَيْنِ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الطَّائِفَةِ، أَبُو تُرَابٍ عَسْكَرُ بنُ الحُصَيْنِ النَّخْشَبِيُّ. وَمَدِيْنَةُ نَخْشَب مِنْ نَوَاحِي بَلخ، تُسَمَّى أَيْضاً: نَسَف. صَحِبَ حَاتِماً الأَصَمَّ. وَحَدَّثَ عَنْ: نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرِهِمَا. حَدَّثَ عَنْهُ: الفَتْحُ بنُ شَخْرَف، وَرَفِيْقُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الجَلاَّءِ، وَطَائِفَةٌ. وَكَتَبَ العِلْمَ، وَتَفَقَّهَ، ثُمَّ تَأَلَّهَ وَتَعَبَّدَ، وَسَاحَ وَتَجَرَّدَ. وَسُئِلَ عَنْ صِفَةِ العَارِفِ، قَالَ: الَّذِي لاَ يُكَدِّرهُ شَيْءٌ، وَيَصْفُو بِهِ كُلُّ شَيْء. وَعَنْهُ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الصُّوْفِيَّ قَدْ سَافر بِلاَ رَكْوَةٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الصَّلاَةِ. وَعَنْهُ: ثَلاَثٌ مِنْ مَنَاقِبِ الإِيْمَانِ: الاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ، وَالرِّضَى بِالكَفَافِ، وَالتَّفْوِيْضُ إِلَى اللهِ. وَثَلاَثٌ مِنْ مَنَاقِبِ الكُفْرِ: طُوْلُ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ، وَالطِّيَرَةُ، وَالحَسَدُ. وَعَنْ يُوْسُفَ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ، فَقَالَ أَبُو تُرَاب: أَحْتَاجُ   (*) حلية الأولياء 10 / 45، 51، تاريخ بغداد 12 / 315، 318، طبقات الحنابلة 1 / 248، 249، الأنساب، ورقة: 556 / 2، العبر 1 / 445، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 306، 310، البداية والنهاية 10 / 346، طبقات الأولياء: 355، 358، النجوم الزاهرة 2 / 321، الكواكب الدرية 1 / 202، مفتاح السعادة 2 / 174، طبقات الصوفية: 146، 151، طبقات الشعراني 1 / 96، الرسالة القشيرية: 22 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 545 إِلَى دَرَاهِمَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ صَبَّ فِي حَجْرِهِ كِيْسَ دَرَاهِم، فَجَعَلَ يُفَرِّقُهَا عَلَى مَنْ حَوْلَهُ، وَكَانَ فِيْهِم فَقِيْرٌ يَتَرَاءى لَهُ ليُعْطِيَهُ، فَنَفِذَتْ، وَلَمْ يُعْطِهِ، وَبَقِيْتُ أَنَا وَهُوَ وَالشَّيْخُ، فَقَالَ لَهُ: تَرَاءيتُ لَكَ غَيْرَ مَرَّةٍ. فَقَالَ: أَنْتَ لاَ تَعْرِفُ المُعْطِي. قَالَ ابْنُ الجَلاَّء (1) : لَقِيْتُ أَلْفَي شَيْخٍ، مَا لَقِيْتُ مِثْلَ أَبِي تُرَابٍ، وَآخَر. مَاتَ أَبُو تُرَابٍ: بِطَرِيْقِ الحَجِّ، انقَطَعَ، فَنَهَشَتْهُ السِّبَاعُ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 162 - مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الأَسَدِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَبْدُ الصَّالِحُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ المَلِكِ. رَوَى أَبُوْهُ عَنِ: الشَّعْبِيِّ. وَعَنْهُ: وَكِيْعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ. يُقَالُ: صَامَ سِتِّيْنَ سَنَةً. وَرَوَى مُحَمَّدُ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، وَالرَّبِيْعِ بنِ زِيَادٍ، وَعَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ، وَسَيْفِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَشَبَابَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ الكَرَابِيْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدُّحَيْمِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ العَسْكَرِيُّ، وَعِيْسَى بنُ يَزِيْدَ؛ إِمَامُ الجَامِعِ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ   (1) من كبار الصوفية في المئة الرابعة. (*) تهذيب الكمال، ورقة: 1238، تذهيب التهذيب 3 / 229 / 2، تهذيب التهذيب 9 / 330، 331، خلاصة تذهيب الكمال: 350. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 546 بنِ سَعدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المُكْتِبُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَمْروس، وَعُبْدوسُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذَاكَرْتُ أَبَا زُرْعَةَ بِحَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوْعاً: (مَنْ حُوْسِبَ، عُذِّبَ (1)) . فَقَالَ: ابْنُ عُبَيْدٍ عِنْدَنَا إِمَامٌ، وَعلِيٌّ مِنَ الأَبْدَالِ. وَهَذَا غَرِيْبٌ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ يَزْدَادَ الخَشَّابُ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ بِبَغْدَادَ، كَانَ يَكُوْنُ شَبِيْهاً بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ ثِقَةٌ. وَقَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المُؤَدِّبُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 163 - الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ بنِ يَزِيْدَ العَبْدِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ وَقْتِهِ، أَبُو عَلِيٍّ العَبْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُؤَدِّبُ.   (1) أخرجه الترمذي (3338) في تفسير القرآن: باب ومن سورة: (إذا السماء انشقت) ، من طريق محمد بن عبيد الهمداني، عن علي بن أبي بكر، عن همام، عن قتادة، عن أنس. ورجالة ثقات، وله شاهد عن عائشة أخرجه البخاري 1 / 176 في العلم: باب من سمع شيئا فراجعه حتى يعرفه، ومسلم (2876) في الجنة وصفة نعيمها: باب إثبات الحساب، من طريق ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من حوسب يوم القيامة، عذب ". قالت عائشة: فقلت: أليس قد قال الله عزوجل: (فسوب يحاسب حسابا يسيرا) ؟ فقال: " ليس ذاك الحساب، إنما ذاك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة، عذب ". والمراد من المناقشة هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب، لان حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول، لا يحصل النجاء. (*) الجرح والتعديل 3 / 31، 32، تاريخ بغداد 7 / 394، 396، طبقات الحنابلة = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 547 وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَالمُبَارَكِ بنِ سَعِيْدٍ؛ أَخِي سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَزِيَادٍ البَكَّائِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَالحَكَمِ بنِ ظُهَيْرٍ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَطَّار ِ، وَقُرَّانَ بنِ تَمَّامٍ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ الجَزَرِيِّ (1) ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْس، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَبَّارِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانَ بنِ شُجَاعٍ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَطَبَقَتِهم. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو يَعْلَى، وَقَاسِمٌ المُطَرِّزُ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الوَرَّاقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَطِيْرِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَثْرَمُ، وَعَلِيُّ بنُ الفَضْلِ السُّتُوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الرَّبِيْعِ الأَنْمَاطِيُّ، وَمُؤْنِسُ بنُ وَصِيْفٍ، وَحَبْشونُ بنُ مُوْسَى الخَلاَّلُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِميَان   = 1 / 140، 141، تهذيب الكمال، ورقة: 269، 270، العبر 2 / 14، تذهيب التهذيب 1 / 140، المحبر: 478، تهذيب التهذيب 2 / 293، 294، خلاصة تذهيب الكمال: 79، شذرات الذهب 2 / 136، المنتظم 5 / 3. (1) بالتحريك، هو أبو أحمد الهاشمي، مولاهم، صدوق ربما أخطأ، وقد ضعفه الأزدي بلا حجة، من التاسعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 548 الوَكِيْلُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ لِي ابْنُ مَعِيْنٍ: كَتَبْتَ عَنْ ذَاكَ المُعَلِّمِ الَّذِي فِي المُرَبَّعَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَهُوَ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَرْوِي عَنْ مُبَارَكِ بنِ سَعِيْدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ الدَّروقِيِّ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، اذهَبْ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي بِسَامَرَّاءَ، وَسُئِلَ عَنْهُ أَبِي، فَقَالَ: صَدُوْقٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ (1) : سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ: كَتَبَ عَنِّي خَمْسَةُ قُرُوْن. قُلْتُ: يَعْنِي: خَمْسَ طَبَقَاتٍ: فَالطَّبَقَةُ الأُوْلَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالثَّانِيَةُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، الثَّالِثَةُ طَبَقَةُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، الرَّابِعَةُ طَبَقَةُ المَحَامِلِيّ، الخَامِسَةُ الصَّفَّار. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَاشَ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ مائَةً وَعَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَانَ لَهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ، سَمَّاهُم بِأَسَامِي العَشرَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - (2) .   (1) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الغين المعجمة، وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى أرغيان، وهي اسم لناحية من نواحي نيسابور. وانظر ترجمة محمد بن المسيب في " أنساب السمعاني " ورقة: 26 / أ. (2) وهم الخلفاء الأربعة، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، والحديث الذي شهد لهم به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، = الجزء: 11 ¦ الصفحة: 549 أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ إِجَازَةً، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، قَالَ: أَجَازَ لِي مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ المِصْرِيُّ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَيْقٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَكِيْمٍ الصَّدَفِيُّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَسُئِلَ كَمْ تَعُدُّ مِنَ السِّنِيْن؟ قَالَ: مائَةَ سَنَةٍ وَعَشْر سِنِيْنَ، لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا السِّنَّ غَيْرِي. قُلْتُ: قَدْ بَلَغَ أَيْضاً هَذَا السِّنَّ حَسَّانُ بنُ ثَابِت، وَحَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَمِمَّنْ شَارَكَهُ فِي السِّنِّ أَبُو العَبَّاسِ الحَجَّارُ. قَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ الحَافِظُ: وُلِدَ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ: الشَّافِعِيُّ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَخَلَفٌ البَزَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ. قَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي وَكِيْعٌ بِأَحَادِيْثَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أَلَم أُحَدِّثْكَ بِهَا أَمْس؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنِّي شَكَكْتُ. قَالَ: لاَ تَشُكَّ، فَإِنَّ الشَّكَّ مِنَ الشَّيْطَانِ. قُلْتُ: انْتَهَى عُلُوُّ الإِسْنَادِ اليَوْمَ، وَهُوَ عَامُ خَمْسَة وَثَلاَثِيْنَ إِلَى حَدِيْثِ الحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، كَمَا أَنَّهُ كَانَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ أَعْلَى شَيْءٍ   = بأنهم في الجنة صحيح، أخرجه أحمد (1675) ، والترمذي (3748) ، من طريق عبد الرحمن بن عوف، وسنده حسن. وأخرجه أحمد (1630) و (1631) و (1637) و (1644) و (1645) وأبو داود (4649) و (4650) ، وابن ماجة (134) ، والترمذي (3758) من حديث سعيد بن زيد، وقال الترمذي: حسن صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 550 يَكُوْن، وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. قَالَ البَغَوِيُّ: مَاتَ بِسَامَرَّاءَ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: مَاتَ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، مِنْهَا. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَهُوَ وَهْمٌ. أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المُعَدَّلُ لِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا المُبَارَكُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يُسَبِّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْراً، وَيُكَبِّرَ عَشْراً، وَيَحْمَدَ عَشْراً، فَذَلِكَ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ خَمْسُوْنَ وَمائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مائَةٍ فِي المِيْزَانِ، وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، سَبَّحَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَحَمِدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ، فَذَلِكَ مائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي المِيْزَانِ، فَأَيُّكُم يَعْمَلُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مائَةِ سَيِّئَةٍ (1) ؟!) . وَأَنْبَأَنيه بِعُلُوِّ أَرْبَع درج: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَان، حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ نَحْوَهُ.   (1) إسناده صحيح، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (5065) ، والترمذي (3410) ، والنسائي 3 / 74، 75 بنحوه، وإسناده صحيح. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 551 164 - أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُرَيْجٍ عُمَرَ بنِ الصَّبَّاحِ الرَّازِيُّ * (خَ، د، س) الحَافِظُ، العَالِمُ، أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ. تَلاَ عَلَى: الكِسَائِيِّ. قَرَأَ عَلَيْهِ: العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَوَكِيْعٍ. وَعَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ - وَقَالَ: صَدُوْقٌ - وَالبُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. 165 - عَلِيُّ بنُ خَشْرَمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ ** (م، ت، س) ابْنِ عَطَاءِ بنِ هِلاَلٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، ابْنُ أُخْتِ بِشْرٍ الحَافِي. سَمِعَهُ أَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ، وَهُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَعِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَالفَضْلَ بنَ مُوْسَى السِّيْنَانِيَّ، وَأَبَا تُمَيْلَةَ، وَوَكِيْعاً، وَطَبَقَتَهُم.   (*) الجرح والتعديل 2 / 56، وفيات الأعيان 1 / 66، 67، تهذيب الكمال، ورقة: 27، طبقات الشافعية 2 / 25، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 63، تهذيب التهذيب 1 / 44، خلاصة تذهيب الكمال: 6. (* *) الجرح والتعديل 6 / 184، تهذيب الكمال، ورقة: 968، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تهذيب التهذيب 7 / 316، 317، خلاصة تذهيب الكمال: 273. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 552 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ. وَوَقَعَ لَنَا رِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي تَعْلِيَةِ حَدِيْثِ مُوْسَى وَالخَضِرِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَذَكَرَهُ. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا فِي كُلِّ النُّسَخِ بِالصَّحِيْحِ. وَمِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ المَالِيْنِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ رَزِيْنٍ البَاشَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّر (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ الأَعْمَشِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ بِمَا وَرَاء النَّهرِ، وَبِمَرْوَ، وَهَرَاةَ. قَالَ أَبُو رَجَاءَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صُمتُ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيْنَ رَمَضَاناً. قَالَ: وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 166 - أَحْمَدُ بنُ بَكَّارِ ابْنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ زَيْدٍ الأُمَوِيُّ * (س) مَوْلاَهُمُ، الحَرَّانِيُّ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. رَوَى عَنْ: أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَالبَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.   (1) هو الحافظ الثقة الرحال، أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي، ولقبه شكر. مات بهراة سنة 303، انظر ترجمته في " طبقات الحفاظ " ص: 315، و" التذكرة ": 748، 749، وسترد ترجمته في هذا الكتاب. (*) تهذيب الكمال، ورقة: 18، تذهيب التهذيب 1 / 8 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 19، خلاصة تذهيب الكمال: 4. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 553 قُلْتُ: امتَنَعَ مِنَ الأَخْذِ عَنْ يَعْلَى بنِ الأَشْدَقِ؛ لأَنَّهُ سَمِعَهُ يُفْحِشُ فِي خِطَابِهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ 244، فِي صَفَرٍ. 167 - الخَطْمِيُّ إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ * (م، ت، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، القَاضِي، أَبُو مُوْسَى إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الخَطْمِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ سَامَرَّاءَ، ثُمَّ قَاضِي نَيْسَابُوْرَ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ السَلاَّمِ بنَ حَرْبٍ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى القَزَّازَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَابْنُهُ؛ مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَة، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ. أَطْنَبَ أَبُو حَاتِمٍ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ. وَيَروِي التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ كَثِيْراً، وَيَقُوْلُ: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ. وَلَهُ حَدِيْثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 235، تاريخ بغداد 6 / 355، 356، تهذيب الكمال، ورقة: 90، 91، تذكرة الحفاظ 2 / 513، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 58، الوافي بالوفيات 8 / 427، البداية والنهاية 10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 251، طبقات الحفاظ: 223، 224، خلاصة تذهيب الكمال: 30، شذرات الذهب 2 / 105، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 158. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 554 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَإِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ الَّذِي تُكْثِرُوْنَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَحَبَسَهُم بِالمَدِيْنَةِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ. هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْحَاقَ الخَطْمِيِّ. قِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِجُوْسِيَةَ - بُلَيْدَةٍ مِنْ أَعْمَالِ حِمْصَ - فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ وَلَدُهُ مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الدِّيْنِ. نَجَزَ بِعَوْنِهِ -تَعَالَى- وَتَوْفِيْقِهِ الجُزْءُ الحَادِي عَشَرَ، وَيَلِيْهِ الجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ، وَأَوَّلُهُ: تَرْجَمَةُ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 555 الجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ 1 - يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَطَنٍ التَّمِيْمِيُّ * (ت) قَاضِي القُضَاةِ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ المَهْدِيِّ. وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالفَضْلِ السِّيْنَانِيِّ (1) ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَعِدَّةٍ. وَلَهُ رِحْلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ.   (*) التاريخ الكبير 8 / 263، أخبار القضاة لوكيع 2 / 161، الجرح والتعديل 9 / 129، مروج الذهب للمسعودي 4 / 21 وما بعدها، الاغاني 20 / 255، تاريخ بغداد 14 / 191، 204، طبقات الحنابلة 1 / 410، 413، الكامل لابن الأثير: أخباره متناثرة في الجزء السابع منه، وفيات الأعيان 6 / 147، 165، تهذيب الكمال: 1486، 1488، تذهيب التهذيب 4 / 147 / 2، 149 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 361، 362، العبر 1 / 439، البداية والنهاية 10 / 319، تهذيب التهذيب 11 / 179، 183، النجوم الزاهرة 2 / 316، 317، حياة الحيوان للدميري 2 / 2، 3، طبقات المفسرين 2 / 362، خلاصة تذهيب الكمال: 421، مرآة الجنان 2 / 135، شذرات الذهب 2 / 91 و101، 102، الجواهر المضية 2 / 210. (1) بكسر السين: نسبة إلى سينان، وهي قرية من قرى مرو. والفضل السيناني: هو الفضل بن موسى، أبو عبد الله. وهو مترجم في الجزء التاسع، الترجمة رقم (35) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ خَارِجَ (صَحِيْحِهِ) ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَتَّوَيْه، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدٍ المَرْوَزِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ، مِنْهَا كِتَابُ (التَنْبِيْهِ) . قَالَ الحَاكِمُ: مَنْ نَظَرَ فِي (التَنْبِيهِ) لَهُ، عَرَفَ تَقَدُّمَهُ فِي العُلُومِ (1) . وَقَالَ طَلْحَةُ الشَّاهِدُ (2) :كَانَ وَاسِعَ العِلْمِ بِالفِقْهِ، كَثِيْرَ الأَدَبِ، حَسَنَ العَارِضَةِ (3) ، قَائِماً بِكُلِّ مُعْضِلَةٍ. غَلَبَ عَلَى المَأْمُوْنِ، حَتَّى لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُ أَحَدٌ مَعَ بَرَاعَةِ المَأْمُوْنِ فِي العِلْمِ. وَكَانَتِ الوُزَرَاءُ لاَ تُبْرِمُ شَيْئاً حَتَّى تُرَاجِعَ يَحْيَى (4) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَلاَّهُ المَأْمُوْنُ قَضَاءَ بَغْدَادَ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ أَكْثَمَ بنِ صَيْفِيٍّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ صَغِيراً، فَصَنَعَ أَبُوْهُ طَعَاماً، وَدَعَا النَّاسَ، وَقَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ ابْنِي سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ (5) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ (6) : سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ،   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 197، و" تهذيب الكمال ": 1487. (2) هو طلحة بن محمد بن جعفر. (3) كذا في " تاريخ بغداد "، و" وفيات الأعيان ". أما في تهذيب الكمال فهي: المعارضة. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 197، و" تهذيب الكمال ". 1487، و" وفيات الأعيان " 6 / 148. (5) " تاريخ بغداد " 14 / 192، و" تهذيب الكمال " 1487. (6) بكسر السين المهملة، وسكون النون، وفي آخرها جيم: نسبة إلى سنج، وهي = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 فَقَالَ: بُلِيْتُ بِمُجَالَسَتِكُم بَعْدَ مَا كُنْتُ أُجَالِسُ مَنْ جَالَسَ الصَّحَابَةَ، فَمَنْ أَعْظَمُ مِنِّي مُصِيْبَةً؟ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، الَّذِيْنَ بَقُوا حَتَّى جَالَسُوكَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، أَعْظَمُ مِنْكَ مُصِيْبَةً (1) . وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَلِيَّتِي إِلاَّ أَنِّي حِيْنَ كَبِرْتُ صَارَ جُلَسَائِيَ الصِّبْيَانُ بَعْدَ مَا كُنْتُ أُجَالِسُ مَنْ جَالَسَ الصَّحَابَةَ. قلتُ: أَعْظَمُ مِنْكَ مُصِيْبَةً مَنْ جَالَسَكَ فِي صِغَرِكَ بَعْدَ مَا جَالَسَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَسَكَتَ (2) . قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى، قَالَ: صِرْتُ إِلَى حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَى بِعُسٍّ (3) ، فَشَرِبَ، وَنَاوَلَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَشَرِبَ، وَنَاوَلَنِي. قَالَ: فَقُلْتُ: أَيُسْكِرُ كَثِيْرُهُ؟ قَالَ: إِيْ وَاللهِ، وَقَلِيْلُهُ. فَتَرَكْتُهُ (4) . وَرَوَى: أَبُو حَازِمٍ القَاضِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: وَلِيَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ قَضَاءَ   = قرية كبيرة من قرى مرو " الأنساب " 7 / 165 وأبو داود هو سليمان بن معبد بن كوسجان. مات في ذي الحجة سنة سبع وخمسين ومئتين. (1) " تاريخ بغداد " 14 / 192 (2) " تاريخ بغداد " 14 / 193، و" تهذيب الكمال ": 1487 و" طبقات الحنابلة " 1 / 411. وتتمة الخبر في هذه المصادر: وتمثل بشعر أبي نواس: خل جنبيك لرام * وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير * لك من داء الكلام (3) العس، بضم العين، وتشديد السين المهملة: القدح الضخم، ويقال في جمعه: أعساس. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 193، و" تهذيب الكمال ": 1487. وانظر في نوع الشراب الذي كان يجيزه أهل الكوفة، والأدلة التي يحتجون بها " نصب الراية " 4 / 302، 304. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 البَصْرَةِ وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَاسْتَصْغَرُوْهُ، وَقِيْلَ: كَمْ سِنُّ القَاضِي؟ قَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْ عَتَّابِ بنِ أَسِيدٍ؛ الَّذِي وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَكَّةَ، وَأَكْبَرُ مِنْ مُعَاذٍ حِيْنَ وَجَّهَ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ قَاضِياً عَلَى اليَمَنِ، وَأَكْبَرُ مِنْ كَعْبِ بنِ سُوْرٍ الَّذِي وَجَّهَ بِهِ عُمَرُ قَاضِياً عَلَى البَصْرَةِ (1) . قَالَ الفَضْلُ الشَّعْرَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ (2) . وَعَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا سُرِرْتُ بِشَيْءٍ سُروْرِي بِقَوْلِ المُسْتَمْلِي: مَنْ ذَكَرْتَ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ (3) . وَذُكِرَ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مَا يُرْمَى بِهِ يَحْيَى، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَنْ يَقُوْلُ هَذَا (4) ؟! قُلْتُ: قَدْ وَلِعَ النَّاسُ بِيَحْيَى لِتَوَلُّعِهِ بِالصُّوَرِ حُبّاً أَوْ مُزَاحاً. الصُّوْلِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي يُعَظِّمُ شَأْنَ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، وَذكَرَ لَهُ يَوْمَ قِيَامِهِ فِي وَجْهِ المَأْمُوْنِ لَمَّا أَبَاحَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ، فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى الحَقِّ، وَنَصَّ لَهُ الحَدِيْثَ فِي تَحْرِيْمِهَا (5) ، فَقِيْلَ لإِسْمَاعِيْلَ: فَمَا   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 199، و" وفيات الأعيان " 6 / 149، و" طبقات الحنابلة ". 1 / 412، " والنجوم الزاهرة " 2 / 317. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 198، و" طبقات الحنابلة " 1 / 412. (3) " تهذيب الكمال " 1487. (4) " طبقات الحنابلة " 1 / 412، و" تهذيب الكمال ": 1486. وتتمة الخبر فيهما: وأنكر ذلك أحمد إنكارا شديدا. وجاء فيهما أيضا: سئل أحمد بن حنبل عن يحيى بن أكثم، فقال: ما عرفناه ببدعة. فبلغت يحيى، فقال: صدق أبو عبد الله، ما عرفني ببدعة قط. (5) وهو ما أخرجه مسلم (1406) في النكاح: باب نكاح المتعة من طرق عن الربيع ابن سبرة الجهني، عن أبيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في فتح مكة - = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 كَانَ يُقَالُ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ تَزُوْلَ عَدَالَةُ مِثْلِهِ بِكَذِبِ بَاغٍ أَوْ حَاسِدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ كُتُبُهُ فِي الفِقْهِ أَجَلَّ كُتُبٍ، تَرَكَهَا النَّاسُ لِطُوْلِهَا (1) . قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: سُئِلَ رَجُلٌ مِنَ البُلَغَاءِ عَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، أَيُّهُمَا أَنْبَلُ؟ قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ يَجِدُّ مَعَ جَارِيَتِهِ وَبَيْتِهِ، وَكَانَ يَحْيَى يَهْزِلُ مَعَ عَدُوِّهِ وَخَصْمِهِ (2) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ (3) . وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ يَكْذِبُ. وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْه: ذَاكَ الدَّجَّالُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ: يَسْرِقُ الحَدِيْثَ (4) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: حَدَّثَ عَنِ ابْنِ إِدْرِيْسَ بِأَحَادِيْثَ لَمْ يَسْمَعْهَا. وَقَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ عَجَائِبَ.   فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس إني قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد = حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا ". وانظر " زاد المعاد " 3 / 459، 464. (1) يراجع الخبر في " تاريخ بغداد " 14 / 200، و" تهذيب الكمال ": 1486، 1487، و" وفيات الأعيان " 6 / 149، 151، و" طبقات الحنابلة " 1 / 413. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 198، و" وفيات الأعيان " 6 / 148. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 129. (4) " الجرح والتعديل " 9 / 129. وقال السخاوي في " شرح الالفية ": 160: سرقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث، فيجئ السارق ويدعي أنه سمعه أيضا من شيخ ذاك المحدث. أو يكون الحديث عرف براو، فيضيفه لراو غيره ممن شاركه في طبقته. قال الذهبي: وليس كذلك من يسرق الاجزاء والكتب، فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواة. وقال الذهبي رحمه الله في " سير أعلام النبلاء " 11 / 504: قال أبو أحمد العسال: سمعت فضلك يقول: دخلت على ابن حميد وهو يركب الأسانيد على المتون. قلت: آفته هذا الفعل، وإلا فما أعتقد فيه أنه يضع متنا. وهذا معنى قولهم: يسرق الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 قُلْتُ: مَا هُوَ مِمَّنْ يَكْذِبُ، كَلاَّ، وَكَانَ عَبَثُهُ بِالمُرْدِ أَيَّامَ الشَّبِيْبَةِ، فَلَمَّا شَاخَ، أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَبَقِيَتِ الشَّنَاعَةُ، وَكَانَ أَعْوَرَ. قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ (1) : وَقَفَ لَهُ الأَضِرَّاءُ (2) ، فَطَالَبُوْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ شَيْءٌ. فَقَالُوا: لاَ تَفْعَلْ يَا أَبَا سَعِيْدٍ. فَصَاحَ: الحَبْسَ الحَبْسَ. فَحُبِسُوا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ضَجَّوُا، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: مَا هَذَا؟ قِيْلَ: الأَضِرَّاءُ. فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ حَبَسْتَهُمْ؟ أَعَلَى أَنْ كَنَّوْكَ؟ قَالَ: بَلْ حَبَسْتُهُم عَلَى التَّعْرِيْضِ بِشَيْخٍ لاَئِطٍ فِي الحَرْبِيَّةِ (3) . قَالَ فَضْلَكُ الرَّازِيُّ: مَضَيْتُ أَنَا وَدَاوُدُ الأَصْبَهَانِيُّ إِلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ وَمَعَنَا عَشْرَةُ مَسَائِلَ، فَأَجَابَ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا أَحْسَنَ جَوَابٍ. وَدَخَلَ غُلاَمٌ مَلِيْحٌ، فَلَمَّا رَآهُ اضْطَرَبَ، فَلَمْ يَقْدِرْ يَجِيءُ وَلاَ يَذْهَبُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ دَاوُدُ: قُمْ، اخْتُلِطَ الرَّجُلُ (4) .   (1) هو محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر الهاشمي ولاء. المتوفى سنة 283 هـ. وسترد ترجمته في الجزء الثالث عشر ترجمة رقم (142) . (2) الاضراء: جمع ضرير، وهو من فقد بصره. (3) الخبر في " تاريخ بغداد " 14 / 194، 195 بتوسع. ولفظه بإسناده إلى أبي العيناء، قال: تولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات على الاضراء، فلم يعطهم شيئا، فطلبوه وطالبوه، فلم يعطهم، فاجتمعوا. فلما انصرف من جامع الرصافة من مجلس القضاء، سألوه وطالبوه، فقال: ليس لكم عند أمير المؤمنين شيء ... الخبر. والحربية: محلة كبيرة مشهورة ببغداد عند باب حرب، قرب مقبرة بشر الحافي وأحمد بن حنبل، وغيرهما، تنسب إلى حرب بن عبد الله البلخي، أحد قواد أبي جعفر المنصور، وقد تصحفت في تاريخ بغداد إلى (الخريبة) . (4) " تهذيب الكمال ": 1486. وقد أورد الخطيب البغدادي 14 / 197 وابن خلكان 6 / 152 بعض الاخبار التي تذكر ما كان يتهم به يحيى بن أكثم من الهنات المنسوبة إليه كاللواطة وغيرها. وما إخال أن هذه الاخبار تصح عن قاض كبير كيحيى بن أكثم الذي كان إماما من أئمة الاجتهاد، مما دفع الخليفة المأمون - وهو من هو علما ومعرفة - لان يوليه قضاء بغداد. ولا سيما أن هذه الاخبار وردت عمن لا يحتج بهم ... وقد قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ أَبِي عَاصِمٍ، فَنَازَعَ أَبُو بَكْرٍ بنُ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ غُلاَماً، فَقَالَ أَبُو عَاصِمٌ: مَهْيَمْ (1) ؟ قِيْلَ: أَبُو بَكْرٍ يُنَازِعُ غُلاَماً، فَقَالَ: إِنْ يَسْرِقْ، فَقَدْ سَرَقَ أَبٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (2) . وَقَدْ هُجِيَ بِأَبْيَاتٍ مُفَرَّقَةٍ لَمْ أَسُقْهَا. قَالَ الخَطِيْبُ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ، صَيَّرَ يَحْيَى فِي مَرْتَبَةِ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خَمْسَ خِلَعٍ (3) . وَقَالَ نِفْطَوَيْه: لَمَّا عُزِلَ يَحْيَى مِنَ القَضَاءِ بِجَعْفَرٍ الهَاشِمِيِّ، جَاءهُ كَاتِبُهُ، فَقَالَ: سَلِّمِ الدِّيْوَانَ. فَقَالَ: شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِذَلِكَ. فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ قَهْراً، وَأَمَرَ المُتَوَكِّلُ بِقَضِّ أَمْلاَكِهِ، وَحُوِّلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَأُلزِمَ بَيْتَهُ. قَالَ الكَوْكَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، فَقَالَ: افْتَحْ هَذَا القِمَطْرَ. فَفَتَحَ، فَإِذَا فِيْهِ شَيْءٌ رَأْسُهُ رَأْسُ إِنْسَانٍ، وَمِنْ سُرَّتِهِ إِلَى أَسْفَلٍ خِلْقَةُ زَاغٍ (4) ، وَفِي ظَهْرِهِ سِلْعَةٌ -يَعْنِي: حَدْبَةٌ- وَفِي صَدْرِهِ كَذَلِكَ.   = 10 / 316، كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة، وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الاثر. (1) قال أبو عبيد القاسم بن سلام في " غريب الحديث " 2 / 190، 191: مهيم: كأنها كلمة يمانية، معناها: ما أمرك، أو ما هذا الذي أرى منك، ونحو هذا من الكلام. فهي كلمة استفهام عن الحال أو الشأن. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه وضرا من صفرة، فقال: مهيم؟ قال: تزوجت امرأة من الانصار على نواة من ذهب. قال: " أولم ولو بشاة ". (2) " تاريخ بغداد " 14 / 197، و" وفيات الأعيان " 6 / 153. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 200، 201. (4) قال الدميري: الزاغ: نوع من أنواع الغربان، يقال له: الزرعي، وغراب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 فَكَبَّرْتُ وَهَلَّلْتُ وَجَزِعْتُ، وَيَحْيَى يَضْحَكُ (1) ، فَقَالَ لِي بِلِسَانٍ طَلْقٍ: أَنَا الزَّاغُ أَبُو عَجْوَه ... أَنَا ابْنُ اللَّيْثِ وَاللَّبْوَه أُحِبُّ الرَّاحَ وَالرَّيْحَا ... نَ وَالنَّشْوَةَ وَالقَهْوَه فَلاَ عَرْبَدَتِي تُخْشَى ... وَلاَ تُحْذَرُ لِي سَطْوَه (2) ثُمَّ قَالَ: يَا كَهْلُ، أَنْشِدْنِي شِعْراً غَزِلاً، فَأَنْشَدْتُهُ: أَغَرَّكِ أَنْ أَذْنَبْتِ ثُمَّ تَتَابَعَتْ ... ذُنُوبٌ، فَلَمْ أَهْجُرْكِ ثُمَّ أَتُوْبُ   = الزرع، وهو غراب أسود صغير، وقد يكون محمر المنقار والرجلين. ويقال له أيضا: غراب الزيتون، لأنه يأكله. وهو لطيف الشكل، حسن المنظر، صغير نحو الحمامة، برأسه غبرة وميل إلى البياض، ولا يأكل الجيف. وجمعه: زيغان. (1) " النجوم الزاهرة " 2 / 316، و" حياة الحيوان الكبرى " للدميري 2 / 2 وجاء فيه بعد قوله: ويحيى يضحك: فقلت له: ما هذا، أصلحك الله؟ فقال لي: سل عنه منه. فقلت له: ما أنت؟ فنهض وأنشد بلسان فصيح: ... الابيات. (2) الابيات في " النجوم الزاهرة " 2 / 317، و" حياة الحيوان الكبرى " 2 / 2. ورواية الشطر الأول من البيت الثالث فيه: فلا عدوى يدي تخشى. وجاء بعدها الابيات التالية: ولي أشياء تستظر * ف يوم العرس والدعوه فمنها سلعة في الظه * - ر لا تسترها الفروه وأما السلعة الأخرى * فلو كان لها عروه لما شك جميع النا * س فيها أنها ركوه وجاء في " حياة الحيوان الكبرى " أن هذا الخبر قد رواه أبو طاهر السلفي على غير هذا الطريق. وهو ما أخبر به موسى الرضى، قال: قال أبو الحسن علي بن محمد: دخلت على أحمد بن أبي دواد، وعن يمينه قمطر ... الخبر. وأما الابيات فهي: أنا الزاغ أبوعجوه * حليف الخمر والقهوه ولي أشياء لا تنك * - ر يوم القصف في الدعوه فمنها سلعة في الظه * - ر لا تسترها الفروه ومنها سلعة في الصد * ر لو كان لها عروه لما شك جميع النا * س حقا أنها ركوه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 وَأَكْثَرْتِ حَتَّى قُلْتِ: لَيْسَ بِصَارِمِي ... وَقَدْ يُصْدَمُ الإِنْسَانُ وَهُوَ حَبِيْبُ (1) فَصَاحَ: زَاغْ زَاغْ زَاغْ، فَطَارَ ثُمَّ سَقَطَ فِي القِمَطْرِ. فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ القَاضِيَ، وَعَاشِقٌ أَيْضاً؟! فَضَحِكَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هُوَ مَا تَرَى، وَجَّهَ بِهِ صَاحِبُ اليَمَنِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَا رَآهُ بَعْدُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ الحَارِثِ، عَنْ شَبِيْبِ بنِ شَيْبَةَ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: قَدِمْتُ الشِّحْرَ (2) عَلَى رَئِيْسِهَا (3) ، فَتَذَاكَرْنَا النَّسْنَاسَ (4) ، فَقَالَ: صِيْدُوا لَنَا مِنْهَا. فَلَمَّا أَنْ رُحْتُ إِلَيْهِ، إِذَا بِنَسْنَاسٍ مَعَ الأَعْوَانِ، فَقَالَ: أَنَا بِاللهِ وَبِكَ (5) ! فَقُلْتُ: خَلُّوهُ. فَخَلَّوْهُ، فَخَرَجَ يَعْدُو، وَإِنَّمَا يَرْعَوْنَ النَّبَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَ الغَدَاءُ، قَالَ: اسْتَعِدُّوا لِلصَّيْدِ، فَإِنَّا خَارِجُوْنَ. فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ، سَمِعْنَا قَائِلاً يَقُوْلُ: أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ الصُّبْحَ قَدْ   (1) البيتان في " النجوم الزاهرة " 2 / 317. وجاء في " حياة الحيوان الكبرى " 2 / 3 في هذا الخبر في الطريق الثانية: ... ثم قال: أنشدني شيئا في الغزل، فأنشدته: وليل في جوانه فضول * من الاظلام أطلس غيهبان كأن نجومه دمع حبيس * ترقرق بين أجفان الغواني (2) بكسر أوله، وسكون ثانيه: صقع بين عدن وعمان. (3) في " معجم البلدان ": على رجل من مهرة، له رياسة وخطر. (4) جاء في " حياة الحيوان الكبرى " 2 / 352، 353: قال في " المحكم ": هو خلق في صورة الناس مشتق منهم لضعف خلقهم. وقال في " الصحاح ": هو جنس من الخلق، يثب أحدهم على رجل واحدة ... وفي " المجالسة " للدينوري، عن ابن قتيبة، عن عبد الرحمن بن عبد الله، أنه قال: قال ابن إسحاق، النسناس خلق باليمن، لاحدهم عين ويد ورجل يقفز بها. وأهل اليمن يصطادونهم ... (5) الصواب في هذا وأمثاله أن يقال: أنا بالله، ثم بك، ففي " المسند " 5 / 384 و394، و398، وسند أبي داود (4980) من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان " وإسناده صحيح، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد 1 / 214 و224، 283، وآخر من حديث الطفيل بن سخبرة عند أحمد 5 / 72. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 أَسْفَرَ، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ أَدْبَرَ، وَالقَانِصُ (1) قَدْ حَضَرَ، فَعَلَيْكَ بِالوَزَرِ. فَقَالَ (2) : كُلِي وَلاَ تُرَاعِي. فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَهَرَبَ وَلَهُ وَجْهٌ كَوَجْهِ الإِنْسَانِ، وَشَعَرَاتٌ بِيْضٌ فِي ذَقْنِهِ، وَمِثْلُ اليَدِ فِي صَدْرِهِ، وَمِثْلُ الرِّجْلِ بَيْنَ وَرِكَيْهِ، فَأَلَظَّ (3) بِهِ كَلْبَان، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّكُمَا حِيْنَ (4) تُجَارِيَانِي ... أَلْفَيْتُمَانِي خَضِلاً عِنَانِي لَوْ بِي شَبَابٌ مَا مَلَكْتُمَانِي ... حَتَّى تَمُوْتَا أَوْ تُفَارِقَانِي (5) قَالَ: فَأَخَذَاهُ. قَالَ: وَيَزْعَمُوْنَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا مِنْهَا نَسْنَاساً، فَقَالَ قَائِلٌ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا أَحْمَرَ دَمَهُ (6) ! قَالَ: يَقُوْلُ نَسْنَاسٌ مِنْ شَجَرَةٍ: كَانَ يَأْكُلُ السُّمَّاقَ (7) ، فَقَالُوا: نَسْنَاسٌ. فَأَخَذُوْهُ، وَقَالُوا: لَوْ سَكَتَ، مَا عُلِمَ بِهِ.   (1) في " معجم البلدان ": والقنيص (2) في " معجم البلدان " بعد " فقال ": آخر. (3) يقال: لظ بالمكان، وألظ به، أي أقام به ولزمه، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ألظوا في الدعاء: ب يا ذا الجلال والاكرام " أخرجه الترمذي عن أنس واحمد والحاكم عن ربيعة بن عامر، وابن أبي شيبة عن أنس، والحاكم عن أبي هريرة. أي: الزموا هذا، واثبتوا عليه. (4) سقطت من الأصل، واستدركت من " معجم البلدان ". (5) البيتان في " معجم البلدان " 3 / 327، وروايته فيهما: " تحارباني " بدل " تجارياني "، وتخلياني بدل " تفارقاني ". وجاء فيه قبلهما: الويل لي مما به دهاني * دهري من الهموم والاحزان قفا قليلا أيها الكلبان * واستمعا قولي وصدقاني (6) كذا الأصل، والجادة أن يقال: ما أشد حمرة دمه، قال المبرد في " المقتضب " 4 / 181. وكذلك ما كان من الالوان والعيوب نحو الاعور والاحمر، لا يقال: ما أحمره، ولا ما أعوره ... (7) هو نوع من النبات، من فصيلة البطميات، ينبت في الجبال والمرتفعات، له ثمر حامض، عناقيد فيها حب صغار، وهو شديد الحمرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 فَقَالَ آخَرُ مِنْ شَجَرَةٍ: أَنَا صُمَيْمِيْتٌ. فَقَالُوا: نَسْنَاسٌ، خُذُوْهُ. قَالَ: وَبَنُو مَهْرَةَ يَصْطَادُوْنَهَا وَيَأْكُلُوْنَهَا. قَالَ: وَكَانَ بَنُو أُمِيْمَ بنِ لاَوَذَ بنِ سَامِ بنِ نُوْحٍ (1) سَكَنُوا زُنَّارَ أَرْضِ رَمْلٍ كَثِيْرَةِ النَّخْلِ، وَيُسْمَعُ فِيْهَا حِسُّ الجِنِّ حَتَّى كَثُرُوا، فَعَصَوْا، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ، فَأَهْلَكَهُمْ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ بَقَايَا لِلْعَرَبِ تَقَعُ عَلَيْهِمْ، وَلِلرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ مِنْهُمْ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ فِي شِقٍّ وَاحِدٍ، يُقَالُ لَهُمُ: النَّسْنَاسُ. قُلْتُ: هَذَا كَقَوْلِ بَعْضِهِم: ذَهَبَ النَّاسُ، وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ. يُشْبِهُونَ النَّاسَ، وَليْسُوا بِنَاسٍ، وَلَعَلَّ هَؤُلاَءِ تَوَلَّدُوا مِنْ قِرَدَةٍ وَنَاسٍ - فَسُبْحَانَ القَادِرِ -. وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ (2) رُئِيَ فِي النَّوْمِ، وَأَنَّهُ غُفِرَ لَهُ، وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ. قَالَ السَّرَّاجُ (3) فِي (تَارِيْخِهِ) : مَاتَ بِالرَّبَذَةِ (4) ، مُنصَرَفَهُ مِنَ الحَجِّ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ أُخْتِهِ: بَلَغَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.   (1) في " حياة الحيوان الكبرى " 2 / 353: ... يقال: إنهم من نسل إرم بن سام أخي عاد وثمود ... (2) الاكثم: العظيم البطن، والشبعان أيضا. يقال بالثاء المثلثة، والتاء المثناة من فوقها، معناهما واحد. (3) هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله، أبو العباس السراج النيسابوري، مولى ثقيف متوفى سنة 313 هـ، وسترد ترجمته في الجزء الرابع عشر من هذا الكتاب الترجمة رقم (216) (4) بفتح أوله وثانيه، وذال معجمة مفتوحة أيضا، وبعدها هاء ساكنة: قرية من قرى المدينة على طريق الحجاج، ينزلونها عند عبورهم عليها. وفيها قبر الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 وَدُعَابَةُ يَحْيَى مَعَ المُرْدِ أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ، وَبَعْضُ ذَلِكَ لاَ يَثْبُتُ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشِيْخَ - عَفَا اللهُ عَنْهُ وَعَنَّا -. 2 - ابْنُ السِّكِّيْتِ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ النَّحْوِيُّ * شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ السِّكِّيْتِ (1) البَغْدَادِيُّ، النَّحْوِيُّ، المُؤَدِّبُ، مُؤلِفُ كِتَابِ (إصْلاَحِ المَنْطِقِ) ، دَيِّنٌ خَيِّرٌ، حُجَّةٌ فِي العَرَبِيَّةِ. أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ المُفَسِّرُ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ أَبُوْهُ مُؤَدِّباً، فَتَعَلَّمَ يَعْقُوْبُ، وَبَرَعَ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَأَدَّبَ أَوْلاَدَ الأَمِيْرِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ (2) ، ثُمَّ ارْتَفَعَ مَحَلُّهُ، وَأَدَّبَ وَلَدَ المُتَوَكِّلِ. وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيْفِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ كِتَاباً (3) .   (*) طبقات النحويين واللغويين: 202، 204، الفهرست: 79، تاريخ بغداد 14 / 273، 274، نزهة الالباء: 122، معجم الأدباء 20 / 50، 52، وفيات الأعيان 6 / 395، 402، العبر 1 / 443، البداية والنهاية 1 / 346، النجوم الزاهرة 2 / 317، 318، بغية الوعاة 2 / 349، شذرات الذهب 2 / 106، نزهة الالباء: 178، 180، إيضاح المكنون 1 / 94 و2 / 13 و261 و262 الكامل لابن الأثير 5 / 30، تاريخ أبي الفداء 2 / 40، تلخيص ابن مكتوم: 277، مرآة الجنان 2 / 147، 149، مراتب النحويين: 95، 96، المزهر 2 / 412. (1) قال ابن خلكان: السكيت، بكسر السين المهملة، والكاف المشددة، وبعدها ياء مثناة من تحتها، ثم تاء مثناة من فوقها، وعرف بذلك، لأنه كان كثير السكوت، طويل الصمت. وكل ما كان على وزن " فعيل " أو " فعليل " فإنه مكسور الأول. (2) راجع " وفيات الأعيان " 6 / 398. (3) من هذه الكتب: " إصلاح المنطق "، و" القلب والابدال "، و" معاني الشعر = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 رَوَى أَبُو عُمَرَ (1) عَنْ ثَعَلبٍ، قَالَ: مَا عَرَفْنَا لاِبْنِ السِّكِّيْتِ خَرْبَةٌ قَطُّ (2) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَدَّبَ مَعَ أَبِيْهِ الصِّبْيَانَ. وَرَوَى عَنِ الأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَالفَرَّاءِ، وَكُتُبُهُ صَحِيْحَةٌ نَافِعَةٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفَاذٌ فِي النَّحْوِ، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ: شَاوَرَنِي يَعْقُوْبُ فِي مُنَادَمَةِ المُتَوَكِّلِ، فَنَهَيْتُهُ، فَحَمَلَ قَوْلِي عَلَى الحَسَدِ، وَلَمْ يَنْتَهِ (3) . وَقِيْلَ: كَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا التَّصْرِيْفُ فَقَدْ سَأَلَهُ المَازِنِيُّ عَنْ وَزْنِ (نَكْتَلْ) ، فَقَالَ: (نَفْعَل) ، فَرَدَّهُ. فَقَالَ: (نَفْتَعِل) ، فَقَالَ: أَتَكُوْنُ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ وَزْنُهَا خَمْسَةُ أَحْرُفٍ؟ فَوَقَفَ يَعْقُوْبُ، فَبَيَّنَ المَازِنِيُّ أَنَّ وَزْنَهُ (نَفْتَلُ) . فَقَالَ الوَزِيْرُ ابْنُ الزَّيَّاتِ: تَأْخُذُ كُلَّ شَهْرٍ أَلفَيْنِ (4) وَلاَ تَدْرِي مَا وَزْنُ (نَكْتَل) ؟ فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ ابْنُ السِّكِّيْتُ لِلْمَازِنِيِّ: هَلْ تَدْرِي مَا صَنَعْتَ بِي؟ فَاعْتَذَرَ (5) .   = الكبير "، و" معاني الشعر الصغير "، و" النوادر "، و" الأمثال " و" الاضداد " ... وقد ذكر ياقوت في " معجمه " 20 / 52 من تواليفه عشرين كتابا. (1) هو راوية ثعلب. (2) الخبر بلفظه في " تاريخ بغداد " 14 / 273. (3) راجع " وفيات الأعيان " 6 / 398. (4) في " وفيات الأعيان ": ألفي درهم. (5) الخبر في " وفيات الأعيان " 6 / 397، 398، وفيه أن أبا عثمان المازني اجتمع بابن السكيت عند محمد بن عبد الملك بن الزيات الوزير، فقال الوزير للمازني: سل أبا يوسف عن مسألة ... فكره المازني ذلك - لصداقة كانت بينهما - خشية أن يتحرج ابن السكيت ... ولم يسأله هذه المسألة إلا بعد أن ألح عليه الوزير. وسيرد الخبر في الصفحة: في ترجمة المازني. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 وَلابْنِ السِّكِّيْتِ شِعْرٌ جَيِّدٌ (1) . وَيُرْوَى أَنَّ المُتَوَكِّلَ نَظَرَ إِلَى ابْنَيْهِ؛ المُعْتَزِّ وَالمُؤَيِّدِ، فَقَالَ لاِبْنِ السِّكِّيْتِ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ هُمَا، أَوِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ (2) ؟ فَقَالَ: بَلْ قَنْبَرٌ (3) . فَأَمَرَ الأَتْرَاكَ، فَدَاسُوا بَطْنَهُ، فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ. وَقِيْلَ: حُمِلَ مَيْتاً فِي بِسَاطٍ. وَكَانَ فِي المُتَوَكِّلِ نَصْبٌ (4) - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -. مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيْتِ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ: قَدْ عَرَضْتُ حَاجَةً إِلَيْكَ، فَإِنْ نَجَحَتْ فَالفَانِي مِنْهَا حَظِّيَ، وَالبَاقِي حَظُّكَ، وَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَالخَيْرُ مَظنُوْنٌ بِكَ، وَالعُذْرُ مُقَدَّمٌ لَكَ، وَالسَّلاَمُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ أَعْلَمَ بِاللُّغَةِ مِنِ ابْنِ السِّكِّيْتِ. وَكَانَ المُتَوَكِّلُ قَدْ أَلْزَمَهُ تَأْدِيْبَ وَلَدِهِ المُعْتَزِّ، فَلَمَّا حَضَرَ، قَالَ لَهُ ابْنُ السِّكِّيْتِ: بِمَ تُحِبُّ أَنْ تَبْدَأَ؟ قَالَ: بِالانْصِرَافِ. قَالَ: فَأَقُوْمُ. قَالَ المُعْتَزُّ: فَأَنَا أَخَفُّ مِنْكَ، وَبَادَرَ، فَعَثَرَ، فَسَقَطَ   (1) من ذلك ما أورده ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 399، 400: إذا اشتملت على اليأس القلوب * وضاق لما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واستقرت * وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجها * ولا أغنى بحيلته الاريب أتاك على قنوط منك غوث * يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت * فموصول بها فرج قريب (2) الخبر بألفاظ مختلفة في " وفيات الأعيان " 6 / 397، 398. وفي " النجوم الزاهرة " 2 / 318، واللفظ فيه: من أحب إليك: أنا وولداي المؤيد والمعتز أم علي والحسن والحسين؟ فقال: والله إن شعرة من قنبر خادم علي خير منك ومن ولديك. (3) راجع التعليق الرابع. (4) أهل النصب: هم المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه، لانهم نصبوا له: أي عادوه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 وَخَجِلَ. فَقَالَ يَعْقُوْبُ: يَمُوْتُ (1) الفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ ... وَلَيْسَ يَمُوْتُ (1) المَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ فَعَثْرَتُهُ بِالقَوْلِ (2) تُذْهِبُ رَأْسَهُ ... وَعَثْرَتُهُ بِالرِّجْلِ تَبْرَا عَلَى (3) مَهْلِ (4) قِيْلَ: كِتَابُ (إصْلاَحِ المَنْطِقِ) كِتَابٌ بِلاَ خُطْبَةٍ، وَكِتَابُ (أَدَبِ الكَاتِبِ) خُطْبَةٌ بِلاَ كِتَابٍ (5) . قَالَ أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ ثَعْلَباً يَقُوْلُ: عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي اللُّغَةِ. وَكَانَ يَقُوْلُ قَرِيْباً مِنْ ذَلِكَ فِي ابْنِ السِّكِّيْتِ. قُلْتُ: (إصْلاَحُ المَنْطِقِ) كِتَابٌ نَفِيْسٌ مَشْكُوْرٌ فِي اللُّغَةِ (6) . 3 - حَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ أَبُو أَحْمَدَ الأَزْدِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو أَحْمَدَ. وَاسْمُهُ: حَمِيْدُ بنُ مَخْلَدِ بنِ قُتَيْبَةَ   (1) في " شذرات الذهب "، و" وفيات الأعيان ": يصاب. (2) في " وفيات الأعيان ": في القول. (3) في " وفيات الأعيان ": في مهل. (4) البيتان في " وفيات الأعيان " 6 / 399، و" شذرات الذهب " 2 / 106، والبيت الأول في " تاريخ بغداد " 2 / 125. (5) ذلك لان عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 هـ قد طول الخطبة في كتابه " أدب الكاتب "، وأودعها فوائد جليلة، كما قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 400. وقد سلخ قسما كبيرا من " إصلاح المنطق " دونما إشارة إلى ذلك. (6) قال أبو العباس المبرد: ما رأيت للبغدايين كتابا أحسن من كتاب ابن السكيت في المنطق. وجاء في " وفيات الأعيان " 6 / 400 أن بعض العلماء قال: ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل " إصلاح المنطق ". وقد طبع في مصر سنة 1949 وقد رتبه العلامة العكبري على نسق حروف المعجم، وأسماه " المشوف المعلم " ولما يطبع بعد. (*) الجرح والتعديل 3 / 223، تاريخ بغداد 8 / 160، 162، طبقات الحنابلة 1 / 150، تهذيب الكمال: 343، تذهيب التهذيب 1 / 180 / 1، 2، تذكرة الحفاظ 2 / 550، 551، العبر 2 / 1، البداية والنهاية 11 / 10، تهذيب التهذيب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 الأَزْدِيُّ، النَّسَائِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ (التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ) ، وَكِتَابِ (الأَمْوَالِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ الضُّبَعِيَّ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَروْحَ بنَ أَسْلَمَ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَعَبْدَ اللهِ بنَ صَالِحٍ الكَاتِبَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ - وَلَكِنْ مَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي (صَحِيْحَيْهِمَا) - وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ المُرِّيُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّابِ بنِ الزِّفْتِيِّ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ المُجَوِّدِيْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: هُوَ الَّذِي أَظْهَرَ السُّنَّةَ بنَسَا.   = 3 / 48، 49، طبقات الحفاظ: 245، خلاصة تذهيب الكمال: 95، معجم البلدان 5 / 282، المعجم المشتمل: 111، شذرات الذهب 2 / 124. (1) بكسر الزاي، وسكون الفاء، وفي آخرها مثناة من فوق: نسبة إلى الزفت. والزفت والزفت لغتان. وعبد الله بن عتاب هذا دمشقي مترجم في " الأنساب " للسمعاني 6 / 290. (2) وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 223: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وفي " تاريخ بغداد " 8 / 161 عن أحمد بن سيار، قال: كان حسن الفقه، قد كتب الحديث. وقال الخطيب البغدادي: كان ثقة ثبتا حجة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ فِتْيَانِ خُرَاسَانَ مِثْلُ حَمِيْدَ بنَ زَنْجُوْيَةَ، وَأَحْمَدَ بنَ شَبَّوَيْه (1) . قُلْتُ: آخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ. وَذَكَرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: أَبُو أَحْمَدَ كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، قَدِيْمُ الرِّحْلَةِ إِلَى الحِجَازِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقَيْنِ (2) ... إِلَى أَنْ قَالَ: رَوَى عَنْهُ بِالعِرَاقِ إِمَامَا الحَدِيْثِ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلِ، ... إِلَى أَنْ قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا حَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ النَّسَائِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ فِي (شُيُوْخِ النَّبَلِ) : مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنِ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: ارْتَحَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ نَاشِراً لِعِلْمِهِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهُ المَنِيَّةُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ. هَذَا الصَّحِيْحُ فِي وَفَاتِهِ. سَمِعْتُ أَبَا الحَجَّاجِ الحَافِظَ يَقُوْلُ لِشَيْخِنَا؛ أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ: أَخَبَرَكُمْ أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّمُ (4) أَحْمَدُ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 161، و" تهذيب الكمال ": 343. (2) أي: البصرة والكوفة. (3) " المعجم المشتمل ": 111. (4) بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد اللام المفتوحة، بعدها ميم. مترجم في " تبصير المنتبه " 4 / 1283، وذكره المؤلف في " العبر " 5 / 126 فيمن توفي سنة احدى وثلاثين وست مئة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 بنُ عَلِيٍّ المَازِنِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مَائةٍ فَأَقَرَّ بِهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ ببَعْلَبَكَّ (1) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (2) بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا حَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ النَّسَوِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ أَنَّهُ قَالَ: الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ. يَقُوْلُ الصِّيَامُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ. وَيَقُوْلُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، فَيُشَفَّعَانِ فِيْهِ. إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ (3) .   (1) في الأصل: ببلعبك، وهو خطأ. (2) لائمة الحديث فرق بين " حدثنا " و" أخبرنا " فقد قال الحاكم فيما نقله عنه ابن الصلاح ص 145: الذي أختاره في الرواية، وعهدت عليه اكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد: حدثني فلان، وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره: حدثنا فلان، وما قرأ على المحدث بنفسه: أخبرني فلان، وما قرئ على المحدث وهو حاضر: أخبرنا فلان ثم قال ابن الصلاح: وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما وهو حسن رائق وقال يحيى بن سعيد: أخبرنا وحدثنا واحد وللامام الطحاوي رسالة في التسوية بين حدثنا وأخبرنا، وهي من محفوظات المكتبة الظاهرية. (3) من اجل ابن لهيعة، ثم هو موقوف، وقد أخرجه أحمد مرفوعا 2 / 174 من طريق موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه الحاكم 1 / 554 من طريق عبد الله بن وهب، أخبرني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 181، وقال: رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ورجال الطبراني رجال الصحيح.. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 4 - أَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ أَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ * (م، د، ت، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو هَمَّامٍ الوَلِيْدُ ابنُ الإِمَامِ أَبِي بَدْرٍ شُجَاعِ بنِ الوَلِيْدِ بنِ قَيْسٍ السَّكُوْنِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكَ بنَ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَعَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَطَبَقَتَهُم. جَالَ فِي الحَدِيْثِ، وَجَمَعَ وَأَلَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: مَا أَخْرَجَ إِلَيَّ الشُّيُوْخُ كِتَاباً إِلاَّ وَفِيْهِ: فَرَغَ أَبُو هَمَّامٍ، فَرَغَ أَبُو هَمَّامٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الغَلاَبِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: عِنْدَ أَبِي هَمَّامٍ مائَةُ أَلْفِ حَدِيْثٍ عَنِ الثِّقَاتِ (3) .   (*) الجرح والتعديل 9 / 7، تاريخ بغداد 13 / 443، 446، اللباب 2 / 125، تهذيب الكمال: 1467، 1468، تذهيب التهذيب 4 / 240 / 1، خلاصة تذهيب الكمال: 416. (1) " تاريخ بغداد " 13 / 444، و" تهذيب الكمال ": 1467، وتتمته فيهما: ليس هو ممن يكذب. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 445، و" تهذيب الكمال: 1467، وتتمته فيهما: ويوقفني على علامته. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 444، و" تهذيب الكمال ": 1467، وتتمة الخبر: وما سمعته يقول فيه سوءا قط. وكان يقول: ليس له بخت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: اكْتُبُوا عَنْهُ (2) . وَقَالَ سُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ: مَا (3) فَعَلَ ابْنُ أَبِي بَدْرٍ؟ كَانُوا يُضعِّفُوْنَهُ (4) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: تَكَلَّمُوا فِي أَبِي هَمَّامٍ (5) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (6) . قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَهُوَ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ قَلَّ أَنْ تَجِدَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً. وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ هُوَ ثِقَةٌ. مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْن. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. 5 - أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ * (ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو حُذَافَةَ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ   (1) " تهذيب الكمال ": 1467. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 444، و" تهذيب الكمال ": 1467. (3) في " تاريخ بغداد ": بما فعل ... (4) " تاريخ بغداد " 13 / 444، و" تهذيب الكمال ": 1467 وتتمته فيهما: في الجراح أبي وكيع. (5) " تاريخ بغداد " 13 / 445. (6) " الجرح والتعديل " 9 / 7. وقول أبي حاتم بتمامه: صدوق، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من أبي هشام الرفاعي، وقد نقل ذلك المزي في " تهذيب الكمال " 1467. فأبو حاتم يرى أن المترجم ضعيف عند انفراده، ولا يقوى حديثه إلا بالمتابعة. (*) تاريخ بغداد 4 / 22، 24، تهذيب الكمال: 17، تذهيب التهذيب 1 / 7 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 83، العبر 2 / 18، تهذيب التهذيب 1 / 15، 16، خلاصة تذهيب الكمال: 4، شذرات الذهب 2 / 139. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 مُحَمَّدِ بنِ نُبَيْهٍ السَّهْمِيُّ، القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَبَقِيَّةُ المُسْنِدِيْنَ. حَدَّثَ عَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ (المُوَطَّأَ (1)) ، فَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَحَاتِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَطَائِفَةٍ. انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ، وَعَاشَ مائَةَ عَامٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَبِي عِصْمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ - ثُمَّ تَرَكَهُ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ المَحَامِلِيُّ (2) : سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: سَأَلْتُ أَبَا مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي حُذَافَةَ، فَقَالَ: كَانَ يَحْضُرُ مَعَنَا العَرْضَ عَلَى مَالِكٍ (3) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ قَوِيُّ السَّمَاعِ عَنْ مَالِكٍ.   (1) في " تنوير الحوالك " 1 / 9: قال الحافظ صلاح الدين العلائي: روى " الموطأ " عن مالك جماعات كثيرة، وبين روايتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص، واكبرها رواية القعنبي، ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب، فقد قال ابن حزم: في " موطأ " أبي مصعب زيادة على سائر الموطآت نحو مئة حديث. قلت: وقد سرد القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 202، 203 أسماء من روى " الموطأ " من الأئمة والمشاهير والثقات عن مالك، واللكنوي في " التعليق الممجد " ص 18 وما بعد. والمطبوع منها رواية يحيى بن يحيى المصمودي الليثي المتوفى سنة 234 هـ ورواية محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الامام أبي حنيفة المتوفى سنة 189 هـ. (2) بفتح الميم والحاء، وسكون الالف، وكسر الميم واللام: نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد..المتوفى سنة 330 هـ وسترد ترجمته في الجزء الخامس عشر من هذا الكتاب. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 24، و" تهذيب الكمال ": 17. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 وَقَالَ البَرْقَانِيُّ (1) : كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ حَسَنَ الرَّأْي فِي أَبِي حُذَافَةَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُخَرِّجَ حَدِيْثَهُ فِي (الصَّحِيْحِ (2)) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَبُو حُذَافَةَ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، كَانَ مُغَفَّلاً، رَوَى (المُوَطَّأَ) عَنْ مَالِكٍ مُسْتَقِيْماً، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيْثُ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ (المُوَطَّأِ) ، فَقَبِلَهَا، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ (3) . قَالَ الخَطِيْبُ: لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ البَاطِلَ (4) . قُلْتُ: مِمَّا نَقَمُوا عَلَيْهِ رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعاً: (أَفْطَرَ الحَاجِمُ (5)) . وَبِهَذَا السَّنَدِ حَدِيْثُ: (قَضَى بِاليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ (6)) . فَهَذَا إِسْنَادٌ مُرَكَّبٌ، وَلَمْ يَأْتِ أَبُو حُذَافَةَ بِمَتْنٍ بَاطِلٍ.   (1) بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء المهملة، وفتح القاف: نسبة إلى قرية بنواحي خوارزم. والبرقاني هذا هو الامام أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، الفقيه، المحدث، الأديب المتوفى سنة 425 هـ، وسترد ترجمته في الجزء السابع عشر من الكتاب. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 24، و" تهذيب الكمال ": 17. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 24. (4) " تاريخ بغداد " 4 / 24. (5) ورواه ابن عدي في " الكامل " لوحة 174 من حديث الحسن بن أبي جعفر عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر، وأعله بالحسن هذا، وجعله من منكراته، وقال: لا أعلمه يرويه كذلك غيره، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب، لكنه يهم ويغلط، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 169 ونسبه للطبراني في " الأوسط "، وقال: وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري، وفيه كلام وقد وثق. قلت: " الحديث " روي من حديث ثوبان، ورافع بن خديج، وشداد بن أوس، وأبي موسى الأشعري، ومعقل بن سنان، وأسامة بن زيد، وبلال، وعلي، وعائشة، وأبي هريرة وابن عباس، وغيرهم وهو حديث صحيح، لكنه منسوخ انظر " زاد المعاد " 2 / 60، و" نصب الراية " 2 / 472، 477، و" زوائد البزار " 1 / 471، 478، و" مجمع الزوائد " 3 / 168، 170. (6) وهو ضعيف بهذا السند. لكن صح من حديث ابن عباس أخرجه مسلم (1712) في = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 وَقَدْ رَمَاهُ بِالكَذِبِ: الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ (1) . مَاتَ: يَوْمَ الفِطْرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ. 6 - الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ النَّيْسَابُوْرِيُّ (2) * (م، د، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ مَوْلاَهُ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَسُعَيرِ بنِ الخِمْسِ (3) ، وَنُوْحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَطَبَقَتِهِم.   = الاقضية، والشافعي في مسنده 2 / 234، ومن حديث أبي هريرة عند أبي داود (3610) والترمذي (1343) وابن ماجة (2368) وسنده حسن، وعن جابر بن عبد الله عند الترمذي (1344) وابن ماجه (2369) ، وعن علي عند الدارقطني ص 516، ونقل الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 97 قول ابن عبد البر: وقد روي القضاء باليمين والشاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وسعد بن عبادة، والمغيرة بن شعبة، وجماعة من الصحابة. وانظر " الطرق الحكمية " 66، 75 لابن القيم. (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 16. وجاء فيه: قال ابن عدي: حدث عن مالك بالموطأ، وحدث عن عمه بالبواطيل. (2) بفتح الميم والسين المهملة، وسكون الراء، وكسر الجيم والسين المهملة الثانية. " اللباب " 3 / 147. (*) التاريخ الكبير 2 / 302، التاريخ الصغير، 2 / 371، الجرح والتعديل 3 / 31، تاريخ بغداد 7 / 351، 354، اللباب 3 / 147، تهذيب الكمال: 280، 281، تذهيب التهذيب 1 / 144 / 2، العبر 1 / 432، تهذيب التهذيب 2 / 313، 315، خلاصة تذهيب الكمال: 80، شذرات الذهب 2 / 94. (3) سعير، بمهملات، آخره راء، مصغر. والخمس، بكسر المعجمة، وسكون الميم، وبعدها سين مهملة. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وهو مترجم في " تهذيب التهذيب " 4 / 105، 106. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبِوَاسِطَةٍ: النَّسَائِيُّ، وَالبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ (صَحِيْحِهِ) ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ (1) ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَعَ تَقَدُّمِهِ. كَانَ مِنْ كُبَرَاءِ النَّصَارَى، فَأَسْلَمَ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ أَحْمَدَ المَاسَرْجِسِيَّ، يَحْكِي عَنْ جَدِّهِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ ابْنَا عِيْسَى يَرْكَبَانِ مَعاً، فَيَتَحَيَّرُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِهِمَا وَبَزَّتِهِمَا، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُسْلِمَا، فَقَصَدَا حَفْصَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَنْتُمَا مِنْ أَجَلِّ النَّصَارَى، وَابْنُ المُبَارَكِ قَادِمٌ (2) لِيَحُجَّ، فَإِذَا أَسْلَمْتُمَا عَلَى يَدِهِ، كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ عِنْدَ المُسْلِمِيْنَ، وَأَرْفَعَ لَكُمَا، فَإِنَّهُ شَيْخُ المَشْرِقِ. فَانْصَرَفَا عَنْهُ، فَمَرِضَ الحُسَيْنُ، فَمَاتَ نَصْرَانِيّاً، فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ، أَسْلَمَ الحَسَنُ عَلَى يَدِهِ (3) . قُلْتُ: يَبْعُدُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا حَفْصٌ بِتَأخِيْرِ الإِسْلاَمِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ عَالِمٌ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَمَوْتُ الحُسَيْنُ مُرِيْداً لِلإِسْلاَمِ مُنْتَظِراً قُدُوْمَ ابْنِ المُبَارَكِ ليُسْلِمَ نَافِعٌ لَهُ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنْ شُيُوْخِهِ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ نَزَلَ مَرَّةً بِرَأْسِ سِكَّةِ عِيْسَى، وَكَانَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى يَرْكَبُ   (1) هو زكريا بن يحيى بن إياس بن سلمة السجزي، أبو عبد الرحمن، المعروف ب: " خياط السنة " لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة. توفي سنة 289 هـ. وسترد ترجمته في الجزء الثالث عشر ترجمة رقم (252) . (2) في " تاريخ بغداد ": وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة إلى الحج. (3) " تاريخ بغداد " 7 / 352، و" تهذيب الكمال " 281. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 فَيُجْتَازُ بِهِ وَهُوَ فِي المَجْلِسِ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الشَبَابِ وَجْهاً (1) ، فَسَأَلَ ابْنُ المُبَارَكِ عَنْهُ، فَقِيْلَ: هُوَ نَصْرَانِيٌّ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الإِسْلاَمَ، فَاسْتُجِيْبَ لَهُ (2) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ - وَكَانَ عَاقِلاً -: عُدَّ فِي مَجْلِسِهِ بِبَابِ الطَّاقِ (3) اثْنَا عَشَرَ أَلفَ محْبَرَةٍ (4) . وَمَاتَ: بِالثَّعْلَبِيَّةِ (5) ، مُنْصَرَفَهُ مِنْ مَكَّةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ ابْنَي المُؤَمَّلِ بنِ الحَسَنِ يَقُوْلاَنِ: أَنْفَقَ جَدُّنَا فِي الحَجَّةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفٍ (6) . قَالَ الحَاكِمُ: فَحَجَجْتُ مَعَ ابْنَي المُؤمَّلِ، وَزُرْنَا بِالثَّعْلَبِيَّةِ قَبْرَ جَدِّهِمَا، فَقَرَأْتُ عَلَى لَوْحِ قَبْرِهِ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ} [النِّسَاء: 100]   (1) ما بين حاصرتين من " تاريخ بغداد " و" تهذيب الكمال ". (2) " تاريخ بغداد " 7 / 352، و" تهذيب الكمال ": 281. (3) محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي بين الرصافة ونهر المعلى. وتعرف أيضا بطاق أسماء، نسبة إلى أسماء بنت المنصور. وكان طاقا عظيما، وكان في دارها التي صارت لعلي بن جهشيار صاحب الموفق الناصر لدين الله، وعند هذا الطاق كان مجلس الشعراء في أيام الرشيد. (4) " تاريخ بغداد " 7 / 353، و" تهذيب الكمال ": 281. (5) بفتح الثاء: من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية. (6) " تاريخ بغداد " 7 / 354، و" تهذيب الكمال ": 281. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 هَذَا قَبْرُ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُؤَمَّلِ بنِ الحَسَنِ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى البَزَّازَ يَقُوْلُ لأَبِي رَجَاءٍ القَاضِي: كُنْتُ فِيْمَنْ حَجَّ مَعَ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى وَقْتَ مَوْتِهِ، فَاشْتَغَلْتُ بِحِفْظِ جَمَلِي (2) عَنْ شُهُوْدِهِ، فَأُرِيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ. قُلْتُ: فَإِنِّي فَاتَنِيَ الصَّلاَةُ عَلَيْكَ لِغَيبَةِ عَدِيْلِي (3) . فَقَالَ: لاَ تَجْزَعْ، وَغُفِرَ لِكُلِّ مَنْ يَتَرَحَّمُ عليَّ (4) . رَحِمَهُ اللهُ. قُلْتُ: وَفِي ذُرِّيَتِهِ وَأَقَارِبِهِ مُحَدِّثُوْنَ وَفُضَلاَءُ. 7 - المُتَوَكِّلُ عَلَى اللهِ الخَلِيْفَةُ جَعْفَرُ بنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ ابنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ مُحَمَّدِ ابنِ الرَّشِيْدِ هَارُوْنَ بنِ المَهْدِيِّ بنِ المَنْصُوْرِ القُرَشِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ.   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 353، 354، و" تهذيب الكمال ": 281. (2) في " تاريخ بغداد ": بحفظ محملي وآلاتي عن شهوده. وفي " تهذيب الكمال ": بحفظ محملي وآلاتي عن حضور جنازته. (3) في " تاريخ بغداد " 7 / 354: لغيبة العديل عن الرحل. (4) " تاريخ بغداد " 7 / 354، و" تهذيب الكمال ": 281. (*) أخباره متفرقة في تاريخ الطبري: الجزء التاسع، تاريخ بغداد 7 / 165، 172، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، وفيات الأعيان 1 / 350، 356، العبر 1 / 449، فوات الوفيات 1 / 290، 292، البداية والنهاية 10 / 310 وما بعدها و: 349، 352، العقد الثمين 3 / 431، 432، النجوم الزاهرة 2 / 275 وما بعدها و: 324، تاريخ الخلفاء: 346، 356، شذرات الذهب 2 / 114، 116. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 وَبُوْيِعَ عِنْدَ مَوْتِ أَخِيْهِ الوَاثِقِ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. حَكَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَيَحْيَى بنِ أَكْثَمَ. وَكَانَ أَسْمَرَ جَمِيْلاً، مَلِيْحَ العَيِنَيْنِ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، خَفِيْفَ العَارِضَيْنِ، رَبْعَةً، وَأُمُّهُ اسْمُهَا شُجَاعٌ. قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: اسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ، فَأَظْهَرَ السُّنَّةَ، وَتَكَلَّمَ بِهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَتَبَ إِلَى الآفَاقِ بِرَفْعِ المِحْنَةِ، وَبَسْطِ السُّنَّةِ، وَنَصْرِ أَهْلِهَا، وَقَدْ قَدِمَ المُتَوَكِّلُ دِمَشْقَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 244 فَأَعْجَبَتْهُ، وَعَزَمَ عَلَى المُقَامِ بِهَا، وَنَقَلَ دَوَاوِيْنَ المُلْكِ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالبِنَاءِ بِهَا، وَأَمَرَ لِلأَتْرَاكِ بِمَالٍ رَضُوا بِهِ، وَأَنْشَأَ قَصْراً كَبِيْراً بِدَارَيَّا مِمَّا يَلِي المِزَّةَ (1) . قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: كَانَتْ لِلْمُتَوَكِّلِ جُمَّةٌ (2) إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ مِثْلَ أَبِيْهِ وَالمَأْمُوْنِ. وَقَالَ الفَسَوِيُّ: رَجَعَ مِنْ دِمَشْقَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ إِلَى سَامَرَّاءَ. وَقِيْلَ: نُعِتَتْ لَهُ دِمَشْقَ، وَأَنَّهَا تُوَافِقُ مِزَاجَهُ، وَتُذْهِبُ عِلَلَهُ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ بِالعِرَاقِ. قَالَ خَلِيْفَةُ (3) : وَحَجَّ بِالنَّاسِ قَبْلَ الخِلاَفَةِ.   (1) لم أجد هذا الخبر في المطبوع من " تاريخ خليفة ". وقال الشاعر يزيد بن محمد المهلبي في انتقال المتوكل إلى داريا: أظن الشام تشمت بالعراق * إذا عزم الامام على انطلاق فإن يدع العراق وساكنيه * فقد تبلى المليحة بالطلاق (2) الجمة، بضم الجيم، وتشديد الميم المفتوحة: مجتمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة. وفي الحديث: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة جعدة. (3) انظر " تاريخ خليفة ": 478. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 وَكَانَ قَاضِي البَصْرَةِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ يَقُوْلُ: الخُلَفَاءُ ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي رَدِّ المظَالِمِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالمُتَوَكِّلُ فِي مَحْوِ البِدَعِ، وَإِظْهَارِ السُّنَّةِ (1) . وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ، قَالَ لِي المُتَوَكِّلُ: إِنَّ الخُلَفَاءَ كَانَتْ تَتَصَعَّبُ عَلَى النَّاسِ ليُطِيْعُوهُمْ (2) ، وَأَنَا أُلِيْنُ لَهُمْ ليُحِبُّونِي وَيُطِيْعُونِي. وحَكَى الأَعْسَمُ (3) : أَنَّ عَلِيَّ بنَ الجَهْمِ دَخَلَ عَلَى المُتَوَكِّلِ وَبِيَدِهِ دُرَّتَانِ يُقَلِّبُهُمَا، فَأَنْشَدَهُ قَصِيْدَةً لَهُ، فَدَحَا (4) إِلَيْهِ بِالوَاحِدَةِ فَقَلَّبْتُهَا (5) ، فَقَالَ: تَسْتَنْقِصُ بِهَا؟ هِيَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ. فَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ، لَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي أَبْيَاتٍ آخُذُ بِهَا الأُخْرَى، وَأَنْشَأْتُ أَقُوْلُ: بِسُرَّ مَنْ رَأَى إِمَامٌ (6) عَدْلٌ (7) ... تَغْرِفُ مِنْ بَحْرِهِ البِحَارُ يُرْجَى وَيُخْشَى لِكُلِّ خَطْبٍ ... كَأَنَّهُ جَنَّةٌ وَنَارُ المُلْكُ فِيْهِ وَفِي بَنِيْهِ (8) ... مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ تَأَتِ مِنْهُ اليَمِيْنُ شَيْئاً ... إِلاَّ أَتَتْ مِثْلَهَا اليَسَارُ (9)   (1) " فوات الوفيات " 1 / 290، " تاريخ الخلفاء ": 346، و" النجوم الزاهرة " 2 / 375. (2) في " فوات الوفيات " 1 / 291 ... كانت تغضب على الرعية لتطيعها. (3) تحرفت في " تاريخ بغداد " إلى: الاعثم، بالثاء. (4) أي: رماها إليه ودفعها. (5) في الأصل: فقبلتها، وهو تحريف، والمثبت من " تاريخ بغداد " 7 / 167، و" تاريخ الخلفاء ": 349. (6) في " تاريخ بغداد ": أمير. (7) سقطت من " تاريخ ابن كثير ". (8) في " تاريخ بغداد " أبيه. (9) الابيات في " تاريخ بغداد " 7 / 167، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 350، و" تاريخ الخلفاء ": 349. وجاء في هذه المصادر قبل البيت الأخير: يداه في الجود ضرتان * عليه كلتاهما تغار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 فَدَحَا بِهَا إِلَيَّ، وَقَالَ: خُذْهَا، لاَ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْهَا. قَالَ الخَطِيْبُ (1) : وَرُوِيَتْ هَذِهِ للبُحْتُرِيِّ فِي المُتَوَكِّلِ (2) . وَعَنْ مَرْوَانَ بنِ أَبِي الجَنُوْبِ: أَنَّهُ مَدَحَ المُتَوَكِّلَ بِقَصِيْدَةٍ، فَوَصَلَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً وثِيَابٍ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: كَانَ المُتَوَكِّلُ مَشْغُوْفاً بِقَبِيْحَةَ لاَ يَصْبِرُ عَنْهَا، فَوَقَفَتْ لَهُ وَقَدْ كَتَبَتْ عَلَى خَدِّهَا بِالغَالِيَةِ (3) : (جَعْفَرٌ) ، فَتَأَمَّلَهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: وَكَاتِبَةٍ بِالمِسْكِ فِي الخَدِّ جَعْفَراً ... بِنَفْسِي مَحَطُّ المِسْكِ مِنْ حَيْثُ أَثَّرَا لَئِنْ أَوْدَعَتْ سَطْراً مِنَ المِسْكِ خَدَّهَا ... لَقَدْ أَوْدَعَتْ قَلْبِي مِنَ الحُبِّ أَسْطُرَا (4) وفِي أَوَّلِ خِلاَفَتِهِ كَانَتِ الزَلْزَلَةُ بِدِمَشْقَ، سَقَطَ شُرُفَاتُ الجَامِعِ، وَانْصَدَعَ حَائِطُ المِحْرَابِ، وَهَلَكَ خَلْقٌ تَحْتَ الرَّدْمِ، دَامَتْ ثَلاَثَ   (1) في " تاريخه " 7 / 167. (2) في " تاريخ بغداد " 7 / 167، 168، بلفظ: بسر من رأى لنا إمام * تغرف من بحره البحار خليفة يرتجى ويخشى * كأنه جنة ونار كلتا يديه تفيض سحا * كأنها ضرة تغار فليس تأتي اليمين شيئا * إلا أتت مثلها اليسار فالملك فيه وفي بنيه * ما اختلف الليل والنهار (3) هي نوع من الطيب، مركب من مسك وعنبر ودهن. (4) البيتان في " الاغاني " 19 / 311 ونسبهما أبو الفرج لفضل الشاعرة، وروايتهما عنده: وكاتبة بالمسك في الخد جعفرا * بنفسي سواد المسك من حيث أثرا لئن أثرت بالمسك سطرا بخدها * لقد أودعت قلبي من الحزن أسطرا وهما في " تاريخ ابن كثير " 10 / 351، والبيت الأول فيه برواية: وكاتبة في الخد بالمسك جعفرا * بنفسي تحط المسك من حيث أثرا وهما في " تاريخ الخلفاء ": 350، و" النجوم الزاهرة " 2 / 325 باختلاف في اللفظ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 سَاعَاتٍ، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى المُصَلَّى يَسْتَغِيْثُونَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ (1) فِي (تَارِيْخِهِ) : وَمَاتَ تَحْتَ الهَدْمِ مُعْظَمُ أَهْلِهَا - كَذَا قَالَ - وَامْتَدَتْ إِلَى الجَزِيْرَةِ، وَهَلَكَ بِالمَوْصِلِ خَمْسُوْنَ أَلْفاً، وَبِأَنْطَاكِيَةَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَبُلِيَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ بِالفَالِجِ. وَفِي سَنَةِ 234: أَظْهَرَ المُتَوَكِّلُ السُّنَّةَ، وَزَجَرَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الأَمْصَارِ، وَاسْتَقْدَمَ المُحَدِّثِيْنَ إِلَى سَامَرَّاءَ، وَأَجْزَلَ صِلاَتِهِمْ، وَرَوَوْا أَحَادِيْثَ الرُّؤْيَةِ وَالصِّفَاتِ (2) . وَنَزَعَ الطَّاعَةَ مُحَمَّدُ بنُ البُعَيْثِ نَائِبُ أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرْمِيْنِيَةَ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ بُغَا الشَّرَابِيُّ ثُمَّ بَعْدَ فُصُوْلٍ أُسِرَ (3) . وَفِي سَنَةِ 235: أَلْزَمَ المُتَوَكِّلُ النَّصَارَى بِلُبْسِ العَسَلِيِّ (4) . وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: أَحْضَرَ القُضَاةَ مِنَ البُلْدَانِ لِيَعْقِدَ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ لبَنِيْهِ؛ المُنْتَصِرِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ لِلْمُعْتَزِّ، ثُمَّ لِلْمُؤيَّدِ إِبْرَاهِيْمَ. وَكَانَتِ الوَقْعَةُ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَالرُّوْمِ، وَنصر الله.   (1) هو أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، من العلماء بالاحكام وعلوم القرآن والنحو والتاريخ. تولى قضاء الكوفة، وتوفي سنة 350 هـ. (2) أي: رؤية الله عزوجل يوم القيامة، كما هو ثابت في الأحاديث الصحيحة. وأما رؤية الله سبحانه وتعالى عيانا في الحياة الدنيا فلم تثبت لأحد، ولا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الصحيح، وبيان ذلك في " زاد المعاد " 3 / 36 وما بعدها لابن القيم طبع مؤسسة الرسالة. (3) راجع " الكامل " لابن الأثير 7 / 41 وما بعدها، و" تاريخ الطبري " 9 / 164، 166، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 312، و" النجوم الزاهرة " 2 / 375. (4) " الكامل " لابن الأثير 7 / 52، وفيه أيضا: ... بلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب، وعمل كرتين في مؤخر السروج..وانظر " تاريخ ابن كثير " 10 / 313. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 وفِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ: هَدَمَ المُتَوَكِّلُ قَبْرَ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ البَسَّامِيُّ (1) أَبْيَاتاً مِنْهَا: أَسِفُوا عَلَى أَنْ يَكُوْنُوا شَارَكُوا ... فِي قَتْلِهِ فَتَتَّبعُوهُ رَمِيْمَا (2) وَكَانَ المُتَوَكِّلُ فِيْهِ نَصْبٌ وَانْحِرَافٌ، فَهَدَم هَذَا المَكَانَ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الدُّوْرِ، وَأَمَرَ أَنْ يُزْرَعَ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ انْتِيَابِهِ (3) . قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: هَكَذَا قَالَهُ أَرْبَابُ التَّوَارِيْخِ. وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: قَتَلَتِ الأُمَرَاءُ عَامِلَ أَرْمِيْنِيَةَ يُوْسُفَ، فَسَارَ لِحَرْبِهِم بُغَا الكَبِيْرُ، فَالتَقَوا، وَبَلَغَتِ المَقْتَلَةُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً (4) . وَعَفَّى قَبْرَ الشَّهِيْدِ الحُسَيْنِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الدُّوْرِ، فَكَتَبَ النَّاسُ شُتَمَ المُتَوَكِّلِ عَلَى الحِيْطَانِ، وَهَجَتْهُ الشُّعَرَاءُ كَدِعْبِلٍ وَغَيْرِهِ. وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلَى نَائِبِهِ بِمِصْرَ، فَحَلَقَ لِحْيَةَ قَاضِي القُضَاةِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي اللَّيْثِ، وضَرَبَهُ، وَطَوَّفَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ فِي رَمَضَانَ، وَسُجِنَ، وَكَانَ ظَلُوْماً   (1) هو أبو الحسن، علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام، المعروف بالبسامي، أو بابن بسام، الشاعر المشهور في زمن المقتدر العباسي، سترد ترجمته في الجزء الرابع عشر من هذا الكتاب ترجمة رقم (56) . (2) البيت في " وفيات الأعيان " 3 / 365، و" فوات الوفيات " 1 / 292، و" تاريخ الخلفاء ": 347. ونسب البيت في " النجوم الزاهرة " 2 / 284، إلى يعقوب بن السكيت. وجاء في هذه المصادر قبل البيت: تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على ... البيت (3) " الكامل " لابن الأثير 7 / 55، وفيه: من إتيانه. وفي " تاريخ الطبري " 9 / 185، وامتنعوا من المصير إليه. وفي " فوات الوفيات " 1 / 291، 292: ومنع الناس من زيارته. وانظر " تاريخ ابن كثير " 10 / 315، و" تاريخ الخلفاء ": 347، و" النجوم الزاهرة " 2 / 235. (4) " الكامل " 7 / 58، و" تاريخ الطبري " 9 / 187، وانظر " تاريخ ابن كثير " 10 / 315. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 جَهْمِيّاً. ثُمَّ وَلِيَ القَضَاءَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، فَكَانَ يَضْرِبُهُ كُلَّ حِيْنٍ عِشْرِيْنَ سَوْطاً ليُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ - فَإِنَّا للهِ -. وَغَضِبَ المُتَوَكِّلُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، وَصَادَرَهُ، وَسَجَنَ أَصْحَابَهُ، وَحُمِّلَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (1) ، وَافْتَقَرَ هُوَ وَآلُهُ. وَولَّى يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ القَضَاءَ، وَأَطْلَقَ مَنْ تَبَقَّى فِي الاعْتِقَالِ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنَ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَأُنْزِلَتْ عِظَامُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ الشَّهِيْدِ، وَدَفَنَهَا أَقَارِبُهُ، وَبنَى قَصَرَ العَرُوْسِ بِسَامَرَّاءَ، وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ ثَلاَثُونَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَالْتَمَسَ المُتَوَكِّلُ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَذَهَبَ إِلَى سَامَرَّاءَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ، اسْتَعْفَى، فَأَعْفَاهُ، وَدَخَلَ عَلَى وَلَدِهِ المُعْتَزِّ، فَدَعَا لَهُ. وفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ: عَصَى مُتَوَلِّي تَفْلِيْسَ، فَنَازَلهَا بُغَا، وَقَتَلَ مُتَوَلِّيْهَا وَأَحْرَقَهَا، وَفَعَلَ القَبَائِحَ، وَافْتَتَحَ عِدَّةَ حُصُوْنٍ (2) . وَأَقْبَلَتِ الرُّوْمُ فِي ثَلاَثِ مائَةِ مَرْكَبٍ، فَكَبَسُوا دِمْيَاطَ، وَسَبَوْا سِتَّ مَائةِ امْرَأَةٍ، وَأَحْرَقُوا، وَرَدُّوا مُسْرِعِيْنَ، فَحَصَّنَهَا المُتَوَكِّلُ (3) . وَفِي سَنَةِ 239: غَزَا يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ الأَرْمَنِيُّ بِلاَدَ الرُّوْمِ، حَتَّى قَرُبَ مِنْ   (1) في " الكامل " 7 / 59 في أحداث سنة سبع وثلاثين ومئتين: وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دواد وقبض ضياعه وأملاكه، وحبس ابنه أبا الوليد وسائر أولاده، فحمل أبو الوليد مئة ألف وعشرين ألف دينار، وجواهر قيمتها عشرون ألف دينار. ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف درهم. وكذا في " تاريخ الطبري " 9 / 189. والخبر في " تاريخ ابن كثير " 10 / 315، 316. (2) " الكامل " 7 / 67، و" تاريخ الطبري " 9 / 192، 193، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 317. (3) " الكامل " 7 / 68، و" تاريخ الطبري " 9 / 193، 195، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 317، و" النجوم الزاهرة " 2 / 294. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 القُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَأَحْرَقَ أَلْفَ قَرْيَةٍ، وَسَبَى عِشْرِيْنَ ألْفاً، وَقَتَلَ نَحْوَ العَشْرَةِ آلاَفٍ، وَعُزِلَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ مِنَ القَضَاءِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ جَرِيْبٍ وَمَائةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ (1) . وَفِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ: فِيْهَا سَمِعَ أَهْلُ خَلاَطٍ (2) صَيحَةً مِنَ السَّمَاءِ، مَاتَ مِنْهَا جَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ (3) . وَفِي سَنَةِ 241: مَاجَتِ النُّجُوْمُ، وَتنَاثَرَتْ شِبْهَ الجَرَادِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً مُزْعِجَةً (4) . وَفِيْهَا: خَرَجَ مَلِكُ البُجَاةِ (5) ، وَسَارَ المِصْرِيُّونَ لِحَرْبِهِ، فَحَمَلُوا عَلَى البُجَاةِ، فَنَفَرَتْ جِمَالُهُم، وَكَانُوا يقَاتِلُونَ، ثُمَّ تَمَزَّقُوا، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَجَاءَ مَلِكُهُمْ بِأَمَانٍ إِلَى المُتَوَكِّلِ، وَهُمْ يَعْبُدُوْنَ الأَصْنَامَ (6) . وَفِي سَنَةِ 242: الزَلْزَلَةُ بِقُومِسَ وَالدَّامَغَانِ، وَالرَّيِّ وَطَبَرِسْتَانَ، وَنَيْسَابُوْرَ، وَأَصْبَهَانَ، وَهَلَكَ مِنْهَا بِضْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَانْهَدَّ نِصْفُ مَدِيْنَةِ الدَّامَغَانِ (7) .   (1) قال ابن الأثير في " الكامل " 7 / 74 بحوادث 240 هـ: في هذه السنة عزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، وأربعة آلاف جريب بالبصرة. وكذا في " تاريخ الطبري " 9 / 197، 198. (2) بكسر أوله، وآخره طاء مهملة: هي قصبة أرمينية الوسطى. (3) " تاريخ الخلفاء ": 348، و" النجوم الزاهرة " 2 / 301. (4) " تاريخ ابن كثير " 10 / 324، و" النجوم الزاهرة " 2 / 304. (5) في " تاريخ الطبري " و" ابن كثير ": البجة. (6) " تاريخ الطبري " 9 / 203، 206، و" الكامل " 7 / 77، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 324. (7) " تاريخ الطبري " 9 / 207، و" الكامل " 7 / 81، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 343، و" النجوم الزاهرة " 2 / 307. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 وَفِي سَنَةِ 244: نَفَى المُتَوَكِّلُ طَبِيْبَهُ بَخْتِيَشُوعَ (1) . وَاتَّفَقَ عِيْدُ النَّحْرِ وَعِيْدُ النَّصَارَى وَعِيْدُ الفَطِيْرِ (2) فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (3) . وَفِي سَنَةِ 245: عَمَّتِ الزَلْزَلَةُ الدُّنْيَا، وَمَاتَ مِنْهَا خَلاَئِقُ. وَبنَى المُتَوَكِّلُ المَاحُوْزَةَ، وَسَمَّاهَا الجَعْفَرِيَّ (4) ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بَعْدَ مُعَاوَنَةِ الجَيْشِ لَهُ أَلْفَي أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهَا، وَفِيْهَا وَقَعَ بِنَاحِيَةِ بَلْخَ مَطَرٌ كَالدَّمِ العَبِيْطِ. وَكَانَ المُتَوَكِّلُ جَوَاداً مُمَدَّحاً لَعَّاباً، وَأَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ مِنَ العَهْدِ المُنْتَصِرَ، وَيُقدِّمَ عَلَيْهِ المُعْتَزَّ لِحُبِّهِ أُمَّهُ قَبِيْحَةَ، فَأَبَى المُنْتَصِرُ، فَغَضِبَ أَبُوْهُ وَتَهَدَّدَهُ، وَأَغْرَى بِهِ، وَانْحَرَفَتِ الأَتْرَاكُ عَلَى المُتَوَكِّلِ لمُصَادَرَتِهِ وَصِيْفاً وَبُغَا حَتَّى اغْتَالُوهُ. قَالَ المُبَرِّدُ: قَالَ المُتَوَكِّلُ لِعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الرِّضَا: مَا يَقُوْلُ وَلَدُ أَبِيْكَ فِي العَبَّاسِ؟ قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي رَجُلٍ فَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُ عَلَى نَبِيِّهِ ... ، وَذَكَرَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً. وَبَكَى المُتَوَكِّلُ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، لَيَّنْتَ مِنَّا قُلُوْباً قَاسِيَةً، أَعَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَمَرَ لَهُ بِهَا. حَكَى المَسْعُوْدِيُّ: أَنَّ بُغَا الصَّغِيْرَ (5) دَعَا بِبِاغِرَ التُّرْكِيِّ، فَكَلَّمَهُ، وَقَالَ:   (1) هو بختيشوع بن جبريل، طبيب نصراني، صاحب تصانيف عدة. توفي في حدود الستين ومئتين. قال ابن أبي أصيبعة: ومعنى بختيشوع عبد المسيح، لان في اللغة السريانية: البخت: العبد، ويشوع: عيسى عليه السلام. (2) في " تاريخ الطبري " و" الكامل ": الفطر وهو تحريف. (3) " تاريخ الطبري " 9 / 211، و" الكامل " 7 / 85، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 346، و" النجوم الزاهرة " 2 / 318. (4) " تاريخ الطبري " 9 / 212، و" الكامل " 7 / 87، وانظر " تاريخ ابن كثير " 10 / 346. (5) هو بغا التركي المعروف بالشرابي الأمير، من كبار قواد المتوكل المتوفى سنة 254 هـ. أنظر ترجمته في " الوافي بالوفيات " 10 / 173، 174. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 38 قَدْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ المُنْتَصِرَ عَامِلٌ عَلَى قَتْلِي، فَاقْتُلْهُ. قَالَ: كَيْفَ بِقَتْلِهِ وَالمُتَوَكِّلُ بَاقٍ؟ إِذاً يُقَيِّدُكُمْ بِهِ. قَالَ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: نَبْدَأُ بِهِ. قَالَ: وَيْحَكَ وَتَفْعَلُ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَادْخُلْ عَلَى أَثَرِي، فَإِنْ قَتَلْتُهُ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْنِي، وَقُلْ: أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ مَوْلاَهُ. فَتَمَّ التَّدْبِيْرُ، وَقُتِلَ المُتَوَكِّلُ. وَحَدَّثَ البُحْتُرِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا فِي مَجْلِسِ المُتَوَكِّلِ، فَذُكِرَ لَهُ سَيْفٌ هِنْدِيٌّ، فَبَعَثَ إِلَى اليَمَنِ، فَاشْتُرِيَ لَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَأَعْجَبَهُ. وَقَالَ لِلْفَتْحِ: ابْغِنِي غُلاَماً أَدْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا السَّيْفَ لاَ يُفَارِقُنِي بِهِ. فَأَقْبَلَ بَاغِرُ، فَقَالَ الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ: هَذَا مَوْصُوْفٌ بِالشَّجَاعَةِ وَالبَسَالَةِ، فَأَعْطَاهُ السَّيْفَ، وَزَادَ فِي أَرْزَاقِهِ. فَمَا انْتَضَى السَّيْفَ إِلاَّ لَيْلَةً، ضَرَبَهُ بِهِ بَاغِرُ (1) ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ المُتَوَكِّلِ فِي لَيْلَتِهِ عَجَباً، رَأَيْتُهُ يَذُمٌّ الكِبْرَ، وَيتَبَرَّأُ مِنْهُ. ثُمَّ سَجَدَ وَعَفَّرَ وَجْهَهُ، وَنَثَرَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَتَطَيَّرْتُ لَهُ. ثُمَّ جَلَسَ، وَعَمِلَ فِيْهِ النَّبِيْذُ، وَغُنِّيَ صَوْتاً أَعْجَبَهُ، فَبَكَى، فَتَطَيَّرْتُ مِنْ بُكَائِهِ. فَإِنَّا فِي ذَلِكَ، إِذْ بَعثَتْ لَهُ قَبِيْحَةُ خِلْعَةً اسْتَعْمَلَهَا دِرَاعَةً حَمْرَاءَ مِنْ خَزٍّ وَمِطْرَفِ خَزٍّ، فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ تَحَرَّكَ فِي المِطْرَفِ، فَانْشَقَّ، فَلَفَّهُ، وَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ ليَكُوْنَ كَفَنِي. فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ، انْقَضَتْ -وَاللهِ- المُدَّةُ. وَسَكِرَ المُتَوَكِّلُ سُكْراً شَدِيْداً، وَمَضَى مِنَ اللَّيْلِ إِذْ أَقْبَلَ بَاغِرُ فِي عَشْرَةِ مُتَلَثِمِيْنَ تَبْرُقُ أَسْيَافُهُم، فَهَجَمُوا عَلَيْنَا، وَقَصَدُوا المُتَوَكِّلَ، وَصَعِدَ بَاغِرُ وَآخَرُ إِلَى السَّرِيْرِ، فصَاحَ الفَتْحُ: وَيلَكُم مَوْلاَكُمْ! وَتَهَارَبَ الغِلْمَانُ وَالجُلَسَاءُ وَالنُّدَمَاءُ، وَبَقِيَ الفَتْحُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقْوَى نَفساً مِنْهُ، بَقِيَ يُمَانِعُهُم، فَسَمِعْتُ صَيْحَةَ المُتَوَكِّلِ إِذْ ضَرَبَهُ بَاغِرُ بِالسَّيْفِ المَذْكُوْرِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَقَدَّهُ إِلَى خَاصِرَتِهِ، وَبَعَجَ آخَرُ الفَتْحَ بِسَيْفِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَهُوَ صَابِرٌ لاَ يَزُوْلُ، ثُمَّ طَرَحَ   (1) مترجم في " الوافي بالوفيات " 10 / 71، 73. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 39 نَفْسَهُ عَلَى المُتَوَكِّلِ، فَمَاتَا، فَلُفَّا فِي بِسَاطٍ، ثُمَّ دُفِنَا مَعاً. وَكَانَ بُغَا الصَّغِيْرُ اسْتَوْحَشَ مِنَ المُتَوَكِّلِ لِكَلاَمٍ، وَكَانَ المُنْتَصِرُ يَتَأَلَّفُ الأَتْرَاكَ، لاَ سِيِّمَا مَنْ يُبْعِدُهُ أَبُوْهُ (1) . قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: وَنُقِلَ فِي مَقْتَلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ أَنْفَقَ المُتَوَكِّلُ - فِيْمَا قِيْلَ - عَلَى الجَوْسَقِ وَالجَعْفَرِيِّ وَالهَارُوْنِيِّ أَكْثَرَ مِنْ مَائَتَي أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ سُرِّيَّةٍ وَطِئَ الجَمِيْعَ. وَقُتِلَ وَفِي بَيْتِ المَالِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَسَبْعَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ رُؤُوْسِ الجِدِّ وَالهَزْلِ إِلاَّ وَقَدْ حَظِيَ بِدَوْلَتِهِ وَاسْتَغْنَى، وَقَدْ أَجَازَ الحُسَيْنَ بنَ الضَّحَّاكِ الخَلِيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ. وَفِيْهِ يَقُوْلُ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ: جَاءتْ مَنِيَّتُهُ وَالعَيْنُ هَاجِعَةٌ ... هَلاَّ أَتَتْهُ المنَايَا وَالقَنَا قُصُدُ خَلِيْفَةٌ لَمْ يَنَلْ مِنْ مَالِهِ (2) أَحَدٌ ... وَلَمْ يُصَغْ مِثْلُهُ رُوْحٌ وَلاَ جَسَدُ (3) قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: أَهْدَى ابْنُ طَاهِرٍ إِلَى المُتَوَكِّلِ وَصَائِفَ عِدَةً، فِيْهَا مَحْبُوبَةُ، وَكَانَتْ شَاعِرَةً عَالِمَةً بِصُنُوْفٍ مِنَ العِلْمِ عَوَّادَةً، فَحَلَّتْ مِنَ المُتَوَكِّلِ مَحَلاًّ يَفُوتُ الوَصْفَ، فَلَمَّا قُتِلَ، ضُمَّتْ إِلَى بُغَا الكَبِيْرِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ يَوْماً لِلْمُنَادَمَةِ، فَأَمَرَ بِهَتْكِ السِّتْرِ، وَأَمَرَ القِيَانَ، فَأَقْبَلْنَ يَرْفُلْنَ فِي الحُلِيِّ وَالحُلَلِ، وَأَقْبَلَتْ هِيَ فِي ثِيَابٍ بِيْضٍ، فَجَلَسَتْ مُنْكَسِرَةً، فَقَالَ: غَنِّي. فَاعْتَلَّتْ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالعُوْدِ فَوُضِعَ فِي حِجْرِهَا، فغَنَّتِ ارْتِجَالاً:   (1) راجع مقتل المتوكل في " الكامل " 7 / 95، و" تاريخ الطبري " 9 / 222 وما بعدها، و" وفيات الأعيان " 1 / 350، و" النجوم الزاهرة " 2 / 324. (2) في " تاريخ الخلفاء ": " ما ناله " و" لم يضع ". (3) البيتان في " تاريخ الخلفاء " 350. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 40 أَيُّ عَيْشٍ يَلَذُّ لِي ... لاَ أَرَى فِيْهِ جَعْفَرَا؟ مَلِكٌ قَدْ رَأَيْتُهُ ... فِي نَجِيْعٍ مُعَفَّرَا كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا خَبَا ... لٍ وَسُقْمٍ فَقَدْ بَرَا (1) غَيْرَ مَحْبُوْبَةَ الَّتِي ... لَوْ تَرَى المَوْتَ يُشْتَرَى لاشْتَرَتْهُ بِمَا حَوَتْـ ... ـهُ يَدَاهَا لِتُقْبَرَا (2) فَغَضِبَ بُغَا، وَأَمَرَ بِسَحْبِهَا، وَكَانَ آخِرَ العَهْدِ بِهَا (3) . وَبُوْيِعَ المُنْتَصِرُ مِنَ الغَدِ بِالقَصْرِ الجَعْفَرِيِّ يَوْمَ خَامِسِ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: لَمْ يَصُّح عَنْهُ النَّصْبُ، وَقَدْ بَكَى مِنْ وَعْظِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيِّ العَلَوِيِّ، وَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. لِلْمُتَوَكِّلِ مِنَ البَنِيْنَ: المُنْتَصِرُ مُحَمَّدٌ وَمُوْسَى، وَأُمُّهُمَا حَبَشِيَّةُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المُعْتَزُّ وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأُمُّهُمَا قَبِيْحَةٌ، وَالمُؤَيَّدُ إِبْرَاهِيْمُ، وَأَحْمَدُ - وَهُوَ المُعْتَمِدُ - وَأَبُو الحُمَيْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُ شُجَاعٌ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ، وَخلَّفَتْ أَمْوَالاً لاَ تُحْصَرُ، مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ آلاَفِ أَلْفِ دِيْنَارٍ مِنَ العَيْنِ وَحْدَهُ.   (1) في " وفيات الأعيان ": كل من كان في ضنى * وسقام فقد برا وفي " تاريخ الخلفاء ": كل من كان ذا هيا * م وسقم فقد برا (2) الابيات: الأول والثالث والرابع والخامس في " وفيات الأعيان " 1 / 356، وهي كلها في " تاريخ الخلفاء ": 351. (3) في " تاريخ الخلفاء ": 351: وأمر بها، فسجنت، فكان آخر العهد بها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 41 8 - المُنْتَصِرُ بِاللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ جَعْفَرِ ابنِ المُعْتَصِم مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ. وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ رُوْمِيَّةٌ، اسْمُهَا حَبَشِيَّةُ. وَكَانَ أَعْيَنَ أَسْمَرَ أَقْنَى، مَلِيْحَ الوَجْهِ، مُضَبَّراً رَبْعَةً، كَبِيْرَ البَطْنِ، مَلِيْحاً مَهِيْباً. وَلَمَّا قُتِلَ أَبُوْهُ دَخَلَ إِلَيْهِ قَاضِي القُضَاةِ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَاشِمِيُّ، فَقَالُوا لَهُ: بايِعْ. قَالَ: وَأَيْنَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: المُتَوَكِّل-؟ قَالَ: قَتَلَهُ الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ. قَالَ: وَأَيْنَ الفَتْحُ؟ قَالَ: قَتَلَهُ بُغَا. قَالَ: فَأَنْتَ وَلِيُّ الدَّمِ، وَصَاحِبُ الثَأْرِ. فَبايَعَهُ وَبَايَعَهُ الوَزِيْرُ وَالكِبَارُ (1) ، ثُمَّ صَالَحَ المُنْتَصِرُ إِخْوَتَهُ عَنْ مِيْرَاثِهِمْ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنفَى عَمَّهُ عَلِيّاً إِلَى بَغْدَادَ، وَرسَّمَ عَلَيْهِ. وَكَانَ المُنْتَصِرُ وَافِرَ العَقْلِ، رَاغِباً فِي الخَيْرِ، قَلِيْلَ الظُّلْمِ، بَارّاً بِالعَلَوِيْين. قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: يَا بُغَا أَيْنَ أَبِي؟ مَنْ قَتَلَ أَبِي؟!! وَيَسُبُّ الأَترَاكَ، وَيَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ قَتَلَةُ الخُلَفَاءِ (2) . فَقَالَ بُغَا الصَّغِيْرُ للَّذِيْنَ قَتَلُوا   (*) تاريخ الطبري 9 / 234 و237 وما بعدها، تاريخ بغداد 2 / 119، 121، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، العبر 1 / 452، 453، فوات الوفيات 3 / 317، 319، الوافي بالوفيات 2 / 289، 291، الزركشي: 270، الروحي: 55، الفخري: 217، النجوم الزاهرة 2 / 327، تاريخ الخلفاء: 356، 358، شذرات الذهب 2 / 118. (1) راجع بيعة المنتصر في " الكامل " 7 / 103 وما بعدها، و" الوافي بالوفيات " 2 / 289. (2) " الوفي بالوفيات " 2 / 289، و" تاريخ الخلفاء ": 357. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 42 المُتَوَكِّلَ: مَا لَكُمْ عِنْدَ هَذَا رِزْقٌ. فَعَملُوا عَلَيْهِ، وَهَمُّوا، فَعَجِزُوا عَنْهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ شُجَاعاً مَهِيْباً يَقِظاً مُتَحِرِّزاً لاَ كَأَبِيْهِ، فَتَحَيَّلُوا إِلَى أَنْ دَسُّوا إِلَى طَبِيْبِهِ ابْنِ طَيْفُوْرَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ عِنْدَ مَرَضِهِ، فَأَشَارَ بِفَصْدِهِ، ثُمَّ فَصَدَهُ بِرِيْشَةٍ مَسْمُومَةٍ، فَمَاتَ مِنْهَا. وَيُقَالُ: إِنَّ طَيْفُوْرَ نَسِيَ وَمَرِضَ، وَافْتُصِدَ بِتِلْكَ الرِّيْشَةِ، فَهَلَكَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ حَصَلَ لِلْمُنْتَصِرِ مَرَضٌ فِي أُنْثَيَيْهِ، فَمَاتَ مِنْهُ فِي ثَلاَثِ لَيَالٍ. وَيُقَالُ: مَاتَ بِالخَوَانِيْقِ. وَيُقَالُ: سُمَّ فِي كُمَّثْرَاةٍ بِإِبْرَةٍ (1) . وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ: ذَهَبَتْ يَا أَمَّاهُ مِنِّيَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ، عَاجَلْتُ أَبِي فعُوْجِلْتُ (2) . وَكَانَ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ وَاطَأَ عَلَى قَتْلِ أَبِيْهِ، فَمَا أُمْهِلَ، وَوَزَرَ لَهُ أَحْمَدُ بنُ الخَصِيْبِ؛ أَحَدُ الظَّلَمَةِ (3) . وذَكَرَ المَسْعُوْدِيُّ: أَنَّهُ أَزَالَ عَنِ الطَّالِبِيِّيْنَ مَا كَانُوا فِيْهِ مِنَ الخَوْفِ وَالمِحْنَةِ مِنْ مَنْعِهِم مِنْ زِيَارَةِ تُرْبَةِ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، وَرَدَّ فَدَكَ إِلَى آلِ عَلِيٍّ (4) ، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ البُحْتُرِيُّ: وَإِنَّ عَلِيّاً لأَوْلَى بِكُمْ ... وَأَزْكَى يَداً عِنْدَكُمْ مِنْ عُمَرْ   (1) راجع " تاريخ بغداد " 2 / 121، وما روي في طريقة قتله في " الكامل " 7 / 114، 115، و" فوات الوفيات " 3 / 318، و" الوافي بالوفيات " 2 / 289، و" تاريخ الخلفاء ": 357. (2) " فوات الوفيات " 3 / 318، و" الوافي بالوفيات " 2 / 289. (3) سترد ترجمته في الصفحة: 553 من هذا الجزء. (4) " الكامل " 7 / 116، و" الوافي بالوفيات " 2 / 289، و" تاريخ الخلفاء ": 356. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 43 وَكُلّ لَهُ فَضْلُهُ وَالحَجُوْ ... لُ (1) يَوْمَ التَّرَاهُنِ دُوْنَ الغُرَرْ (2) وَقَالَ يُرِيْدُ المُهَلَّبِيَّ: وَلَقَدْ بَرَرْتَ الطَّالِبيَّةَ بَعْدَ مَا ... دَفُّوا (3) زَمَاناً بَعْدَهَا (4) وَزَمَانَا وَرَدَدْتَ (5) أُلْفَةَ هَاشِمٍ فَرَأَيْتَهُم ... بَعْدَ العَدَاوَةِ بَيْنَهُم إِخْوَانَا (6) ثُمَّ إِنَّ المُنْتَصِرَ تَمَكَّنَ، وَخَلَعَ مِنَ العَهْدِ إِخْوَتَهُ: المُعْتَزَّ وَإِبْرَاهِيْمَ. وَمِنْ كَلاَمِ المُنْتَصِرِ إِذْ عَفَا عَنْ أَبِي العَمَرَّدِ الشَّارِيِّ: لَذَّةُ العَفْوِ أَعْذَبُ مِنْ لَذَةِ التَّشَفِّي، وَأَقْبَحُ فَعَالِ المُقْتَدَرِ الانْتِقَامُ (7) . قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: كَانَ المُنْتَصِرُ أَظْهَرَ الإِنْصَافَ فِي الرَّعِيَّةِ، فَمَالُوا إِلَيْهِ مَعَ شِدَّةِ هَيْبَتِهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ يَحْيَى المُنَجِّمُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ المُنْتَصِرِ، وَلاَ أَكْرَمَ فعَالاً بِغَيْرِ تَبَجُّحٍ، لَقَدْ رَآنِي مَغْمُوماً، فَسَأَلَنِي، فَوَرَّيْتُ، فَاسْتَحْلَفَنِي، فَذَكَرْتُ   (1) في الأصل: " والحجون، بالنون، وهو خطأ. (2) " ديوان البحتري " 2 / 851 من قصيدة يمدح بها محمد بن المنتصر بن جعفر المتوكل، ومطلعها: تبسم عن واضح ذي أشر * وتنظر من فاتر ذي حور وفي الديوان: يوم التفاضل. (3) في " الوافي بالوفيات "، و" تاريخ الخلفاء ": ذموا. (4) في " الوافي بالوفيات "، و" تاريخ الخلفاء ": بعدهم. (5) في " الوافي بالوفيات "، و" تاريخ الخلفاء ": ووردت. (6) البيتان في " الوافي بالوفيات " 2 / 290، و" تاريخ الخلفاء ": 357. (7) " تاريخ الخلفاء " 1 / 357. ومن أقواله أيضا: والله ما عز ذو باطل ولو طلع القمر من جبينه، ولا ذل ذو حق، ولو أطبق العالم عليه، وقد أنشد حين وفاته: وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها * ولكن إلى الرب الكريم أصير انظر " الكامل " 7 / 115، و" الوافي بالوفيات " 2 / 290. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 44 إِضَاقَةً فِي ثَمَنِ ضَيْعَةٍ، فَوَصَلَنِي بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً. وجَلَسَ مَرَّةً لِلَّهْوِ، فَرَأَى فِي بَعْضِ البُسُطِ دَائِرَةً فِيْهَا فَارِسٌ عَلَيْهِ تَاجٌ، وَحَوْلَهُ كِتَابَةٌ فَارِسِيَّةٌ (1) ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَأ، فَأُحْضِرَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ، فَإِذَا فِيْهَا: ... فَقَطَّبَ وَسكَتَ، وَقَالَ: لاَ مَعْنَى لَهُ، فَأَلَحَّ المُنْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ فِيْهَا: أَنَا شِيْرَوَيْه بنُ كِسْرَى بنِ هِرْمِز، قَتَلْتُ أَبِي، فَلَمْ أُمَتَّعْ بِالمُلْكِ سِوَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ المُنْتَصِرِ، وَقَامَ (2) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: قَالَ لِي المُنْتَصِرُ: يَا جَعْفَرُ، لَقَدْ عُوْجِلْتُ، فَمَا أُذنِي بِأُذُنِي (3) ، وَلاَ أُبْصِرُ بِعَيْنِي. قُلْتُ: قَلَّ مَا وَقَعَ فِي دَوْلَتِهِ مِنَ الحَوَادِثِ لِقِصَرِ المُدَّةِ، وَعَاشَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - سَامَحَهُ اللهُ -. وَمَاتَ: فِي خَامَسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَكَانَتْ خِلاَفَتَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّاماً. وَكَانَ قَدْ أَبْعَدَ وَصِيْفاً فِي عَسْكَرٍ إِلَى ثَغْرِ الرُّوْمِ، وَكَانَ قَدْ أَلَحَّ عَلَيْهِ هُوَ، وَبُغَا، وَابْنُ الخَصِيْبِ فِي خَلْعِ إِخْوَتِهِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَلِيَ المُعْتَزُّ، فَيَسْتَأَصِلُهُم، فَاعْتُقِلا، وَتَمَنَّعَ أَوَّلاً المُعْتَزُّ، ثُمَّ خَافَ، وَأَشْهَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُمَا يَعْجِزَانِ عَنِ الإِمَامَةِ. فَقَالَ المُنْتَصِرُ: أَتَرَيَانِي خَلَعْتُكُمَا طَمَعاً فِي أَنْ أَعِيْشَ بَعَدَكُمَا حَتَّى يَكْبُرَا بَنِي عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَعْهَدَ إِلَيْهِ؟! وَاللهِ مَا طَمِعْتُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ أَلَحُّوا عَليَّ، وَخِفْتُ عَلَيْكُمَا مِنَ القَتْلِ. فَقَبَّلا يَدَهُ، وضَمَّهُمَا إِلَيْهِ.   (1) ما بين حاصرتين من " تاريخ الخلفاء ": 357. (2) " تاريخ بغداد " 12 / 120، 121 بتوسع، و" تاريخ الخلفاء ": 357. وتتمة الخبر في " تاريخ بغداد ": ... عن مجلسه، إلى النساء، فلم يملك إلا ستة أشهر. (3) في " تاريخ بغداد " 2 / 121: فما أسمع بأذني ... الجزء: 12 ¦ الصفحة: 45 وَلِلْمُنْتَصِرِ مِنَ الوَلَدِ: أَحْمَدُ، وَعلِيٌّ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعُمُرُ. 9 - المُسْتَعِيْنُ بِاللهِ أَحْمَدُ ابنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ * الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ ابنِ المَهْدِيِّ العَبَّاسِيُّ، أَخُو الوَاثِقِ وَالمُتَوَكِّلِ. وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَبُوْيِعَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، عِنْدَ مَوْتِ أَخِيْهِ المُنْتَصِرِ. وَكَانَ أَحْمَرَ الوَجْهِ، رَبْعَ القَامَةِ، خَفِيْفَ العَارِضَيْنِ، مَلِيْحَ الصُّوْرَةِ، بِوَجْهِهِ أَثَرُ جُدَرِيٍّ، بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ طُوْلٌ، يَلْثَغُ بِالسِّيْنِ كَالثَّاءِ. وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ. وَكَانَ مِتْلاَفاً لِلْمَالِ، مُبَذِّراً (1) ، فَرَّقَ الجَوَاهِرَ وَفَاخِرَ الثِّيَابِ، اخْتَلَّتِ الخِلاَفَةُ بِوِلاَيَتِهِ، وَاضْطَرَبَتِ الأُمُوْرُ. اسْتَوْزَرَ أَبَا مُوْسَى أُوْتَامُشَ بِإِشَارَةِ كَاتِبِهِ شُجَاعِ بنِ القَاسِمِ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحِ بنِ شَبَرْزَاذَ. وَلَمَّا قَتَلَ بَاغَرَ التُّرْكِيَّ الَّذِي قَتَلَ المُتَوَكِّلَ، غَضِبَتْ لَهُ المَوَالِي، وَكَانَ المُسْتَعِيْنُ مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِ وَصِيْفٍ وَبُغَا، وَكَانَ جَيِّدَ الأَدَبِ، حَسَنَ الفَضِيْلَةِ، وَاسْمُ أُمِّهِ مُخَارِقٌ.   (*) المعارف: 393، تاريخ الطبري: الجزء التاسع، تاريخ بغداد 5 / 84، 86، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، العبر 2 / 2، 3، فوات الوفيات 1 / 140، 143، الوافي بالوفيات 8 / 93، 96، تاريخ ابن كثير 11 / 2 و11 وما بعدها، النجوم الزاهرة 2 / 313 وما بعدها و335، تاريخ الخلفاء: 358، 359، شذرات الذهب 2 / 124، 126. (1) " فوات الوفيات " 1 / 141، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 46 وَلَمَّا مَاتَ المُنْتَصِرُ، اسْتَوْزَرَ الأُمَرَاءَ وَابْنَ أَبِي الخَصِيْبِ، فَقَالَ لَهُم أُوْتَامُشُ: مَتَى وَلَّيْتُمْ أَحَداً مِنْ وَلَدِ المُتَوَكِّلِ، لاَ يُبْقِي مِنَّا أَحَداً. فَقَالُوا: مَا لَهَا إِلاَّ أَحْمَدَ بنَ المُفْتَصِدِ، هُوَ ابْنُ أُسْتَاذِنَا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المُنَجِّمُ سِرّاً: أَتُوَلُّوْنَ رَجُلاً يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنَ المُتَوَكِّلِ، اصْطَنِعُوا مَنْ يَعْرِفُ لَكُم ذَاكَ. فَأَبَوْا وَبَايَعُوْهُ، وَاسْتَقَلَّ أَيَّاماً، فَبَيْنَا هُوَ قَدْ دَخَلَ مَجْلِسَ الخِلاَفَةِ، إِذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الغَوْغَاءِ وَالشَّاكِرِيَّةِ (1) وَالجُنْدِ نَحْوَ الأَلْفِ فِي السِّلاَحِ، وَصَاحُوا: المُعْتَزُّ يَا مَنْصُوْرُ. فَنَشَبَتِ الحَرْبُ وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَمَضَى المُسْتَعِيْنُ إِلَى القَصْرِ الهَارُوْنِيِّ، فَبَاتَ بِهِ، وَنَهَبَتِ الغَوْغَاءُ الدَّارَ وَعِدَّة دورٍ، وَحَازُوا سِلاَحاً كَثِيْراً، فَزَجَرَهُمْ بُغَا الصَّغِيْرُ عَنْ دَارِ الخِلاَفَةِ، وَكَثُرَتِ القَتْلَى، فَبَذَلَ المُسْتَعِيْنُ الخَزَائِنَ، فَسَكَنُوا، وَبُوْيِعَ لَهُ بِبَغْدَادَ، وَأَمِيْرُهَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ. ثُمَّ غَضِبَ المُسْتَعِيْنُ بِإِشَارَةِ أَوْتَامُشَ الوَزِيْرِ عَلَى أَحْمَدَ بنِ الخَصِيْبِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُ، وَنَفَاهُ إِلَى جَزِيْرَةِ أَقْرِيْطِشِ (2) . وَمَاتَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُتَوَلِّي خُرَاسَانَ، فَوَلَّى المُسْتَعِيْنُ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ مَوْضِعَهُ، وَوَلَّى العِرَاقَ وَالحَرَمَيْنِ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ. وَمَاتَ بُغَا الكَبِيْرُ، فَوَلَّى مَكَانَهُ وَلَدَهُ مُوْسَى بنَ بُغَا. وَسَجَنَ المُعْتَزَّ وَالمُؤَيَّدَ، وضَيَّقَ عَلَيْهِمَا، وَاشْتَرَى أَمْلاَكَهُمَا كُرْهاً. وَقرَّرَ لَهُمَا فِي العَامِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ لَيْسَ إِلا.   (1) أي: الاجراء والمستخدمون. فارسية معربة. (2) بفتح الهمزة، وتكسر، والقاف ساكنة، والراء مكسورة، وياء ساكنة، وطاء مكسورة، وشين معجمة: اسم جزيرة في البحر الابيض المتوسط. انظر " معجم البلدان " 1 / 236. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 47 وَعَقَدَ لأَوْتَامُشَ مَعَ الوِزَارَةِ الإِمْرَةَ عَلَى مِصْرَ وَسَائِرِ المَغْرِبِ. وَنَفَى عُبَيْدَ اللهِ بنَ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى بَرْقَةَ. وَأَنْفَقَ أَلْفَي أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي الجُنْدِ، وَقُتِلَ عَلِيُّ بنُ يَحْيَى الأَرْمَنِيُّ، وَعُمَرُ الأَقْطَعُ، مُجَاهِدَيْنِ بِبِلاَدِ الرُّوْمِ. وَكَثُرَتِ الأَتْرَاكُ بِبَغْدَادَ، وَتَمَكَّنُوا، وَعَسَفُوا، وَآذَوا العَامَةَ، فثَارَتِ الشَّاكِرِيَةُ وَالجُنْدُ، وَأَحْرَقُوا الجِسْرَ، وَانْتَهَبُوا الدَّوَاوِيْنَ. وَهَاجَ مِثْلُهُم بِسَامَرَّاءَ، فَرَكِبَ بُغَا وَأَوْتَامُشُ وَوَضَعُوا السَّيْفَ، وَقَتَلُوا عِدَّةً، وَتَنَاخَتِ (1) العَامَةُ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنَ الأَتْرَاكِ، وَعَظُمَ الخَطْبُ، وَخَرَجَ وَصِيْفٌ، فَأَمَرَ بِإِحْرَاقِ الأَسْوَاقِ، ثُمَّ بَعْدَ يَسِيْرٍ قُتِلَ أَوْتَامُشُ وَوَزَرَ ابْنُ يَزْدَاذَ، وَعُزِلَ عَنِ القَضَاءِ جَعْفَرٌ الهَاشِمِيُّ. وَدَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ: فَخَرَجَ بِطَبَرِسْتَانَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ الحَسَنِيُّ، وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ، وَحَكَمَ عَلَى عِدَّةِ مَدَائِنَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ كُلُّ مُرِيْبٍ، وَهَزَمَ جَيْشَ ابْنِ طَاهِرٍ مَرَّتَيْنِ، وَوَصَلَ إِلَى هَمَذَانَ، فَجَهَّزَ المُسْتَعِيْنُ لَهُ جَيْشاً (2) . وَفِيْهَا: عَقَدَ المُسْتَعِيْنُ لاِبْنِهِ عَبَّاسٍ عَلَى العِرَاقِ وَالحِجَازِ. وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ: ظَهَرَ بِقَزْوِيْنَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، فَتَمَلَّكَهَا، وَكَانَ هُوَ وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى الزَّيْدِيُّ قَدِ اتّفَقَا، وَقَتَلاَ خَلْقاً بِالرَّيِّ، وَعَاثَا فَأُسِرَ أَحَدُهُمَا، وَقُتِلَ الآخَرُ. وَخَرَجَ بِالحِجَازِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يُوْسُفَ الحَسَنِيُّ، وَتَبِعَهُ الأَعْرَابُ، فَعَاثَ، وَأَفْسَدَ مَوْسِمَ الحَاجِّ. وَقَتَلَ مِنَ الوَفْدِ أَزْيَدَ مِنْ أَلْفٍ، ثُمَّ قَصَمَهُ اللهُ بِالطَّاعُوْنِ هُوَ وَكَثِيْرٌ مِنْ جُنْدِهِ.   (1) لعلها من النخوة، وهي الحماسة والافتخار والتعظم. (2) راجع خبر خروج الحسن بن زيد العلوي في " تاريخ الطبري " 9 / 271 وما بعدها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 48 وَهَاجَتِ الفِتْنَةُ الكُبْرَى بِالعِرَاقِ، فَتَنَكَّرَ التُّرْكُ لِلْمُسْتَعِيْنِ، فَخَافَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالجَانِبِ الغَرْبِيِّ عَلَى نَائِبِهِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَاتَّفَقَ الأَتْرَاكُ بِسَامَرَّاءَ، وَبَعَثُوا يَعْتَذِرُوْنَ، وَيَسْأَلُونَهُ الرُّجُوْعَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَغَضِبُوا، وَقَصَدُوا السِّجْنَ، وَأَخْرَجُوا المُعْتَزَّ بِاللهِ، وَبَايَعُوا لَهُ، وَخَلَعُوا المُسْتَعِيْنَ، وَبَنَوا أَمْرَهُم عَلَى شُبْهَةٍ، وَهِيَ أَنَّ المُتَوَكِّلَ عَقَدَ لِلْمُعْتَزِّ بَعْدَ المُنْتَصِرِ، فَجَهَّزَ المُعْتَزُّ أَخَاهُ أَبَا أَحْمَدَ لِمُحَارَبَةِ المُسْتَعِيْنِ، وَتَهَيَّأَ المُسْتَعِيْنُ وَابْنُ طَاهِرٍ لِلْحِصَارِ، وَإِصْلاَحِ السُّوْرِ، وَتَجَرَّدَ أَهْلُ بَغْدَادَ لِلْقَتْلِ، وَنُصِبَتِ المَجَانِقُ، وَوَقَعَ الجِدُّ، وَدَامَ البَلاَءُ أَشْهُراً، وَكَثُرَتِ القَتْلَى، وَاشْتَدَّ القَحْطُ، وَتَمَّتْ بَيْنَهُمَا عِدَّةُ وَقْعَاتٍ، بَحَيْثُ إِنَّهُ قُتِلَ فِي نَوْبَةٍ مِنْ جُنْدِ المُعْتَزِّ أَلْفَانِ، إِلَى أَنْ ضَعُفَ أَهْلُ بَغْدَادَ وَذُلُّوا وَجَاعُوا، وَتَعَثَّرُوا (1) ، فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى الشَّرِّ وَالفِتَنِ! وَقَوِيَ أَمْرُ المُعْتَزِّيَّةِ، فَكَاتَبَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي السِّرِّ المُعْتَزَّ، وَانْحَلَّ نِظَامُ المُسْتَعِيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوَامُ أَمْرِهِ بِابْنِ طَاهِرٍ، وَكَاشَفَهُ النَّاسُ، فَتَحَوَّلَ إِلَى الرُّصَافَةِ، ثُمَّ سَعَى النَّاسُ فِي الصُّلْحِ، وَخُلِعَ المُسْتَعِيْنُ، فَأَقَامَ فِي ذَلِكَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي وَغَيْرُهُ بِشُرُوْطٍ وَثِيْقَةٍ، فَأَذْعَنَ بِخَلْعِ نَفْسِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، فَأُحْدِرَ بَعْدَ خَلْعِهِ تَحْتَ الحَوْطَةِ إِلَى وَاسِطَ، فَاعْتُقِلَ بِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى سَامَرَّاءَ، فَقُتِلَ بِقَادِسِيَةِ سَامَرَّاءَ، فِي ثَالِثِ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ (2) . وَقِيْلَ: قُتِلَ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ رَمَضَانَ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلاَثُونَ سَنَةً وَأَيَّاماً. فَيُقَالُ: بَعَثَ المُعْتَزُّ إِلَيْهِ سَعِيْداً الحَاجِبَ، فَلَمَّا رَآهُ المُسْتَعِيْنُ تَيَقَّنَ التَّلَفَ، وَبَكَى، وَقَالَ: ذَهَبَتْ   (1) انظر خبر هذه الفتنة في " تاريخ الطبري " 9 / 282 وما بعدها، و" فوات الوفيات " 1 / 140، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94، و" تاريخ الخلفاء ": 358 (2) " تاريخ بغداد " 5 / 85، و" الكامل " 7 / 172، و" فوات الوفيات " 1 / 140، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94، و" تاريخ ابن كثير " 11 / 11. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 49 نَفْسِي. فَأَخَذَ سَعِيْدٌ يُقَنِّعُهُ بِالسُّوْطِ، ثُمَّ أَضْجَعَهُ، وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ، وَذَبَحَهُ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ -. وَقَالَ الصُّوْلِيُّ: بَعَثَ المُعْتَزُّ أَحْمَدَ بنَ طُوْلُوْنَ إِلَى وَاسِطَ لِقَتْلِ المُسْتَعِيْنِ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُ أَوْلاَدَ الخُلَفَاءِ. فَبَعَثَ سَعِيْداً الحَاجِبَ، فَمَا مَتَّعَ اللهُ المُعْتَزَّ، بَلْ عُوْجِلَ بِالخَلْعِ وَالقَتْلِ جَزَاءً وِفَاقاً. 10 - البَزِّيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ * مُقْرِئُ مَكَّةَ وَمُؤَذِّنُهَا، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ المَخْزُوْمِيُّ مَوْلاَهُمُ، الفَارِسِيُّ الأَصْلِ. وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَتَلاَ عَلَى: عِكْرِمَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبِي الإِخْرِيْطِ (1) ، وَابْنِ زِيَادٍ، عَنْ تِلاَوَتِهِمْ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القِسْطِ (2) ؛ صَاحِبِ ابْنِ كَثِيْرٍ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عُيَنْيَةَ، وَمَالِكِ بنِ سُعَيْرٍ، وَمُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَالمُقْرِئِ، وَطَائِفَةٍ.   (*) الضعفاء للعقيلي: 47، الجرح والتعديل 2 / 71، الأنساب 2 / 202، اللباب 1 / 149، ميزان الاعتدال 1 / 144، 145، معرفة القراء الكبار للذهبي، ورقة: 54، العبر 1 / 455، تاريخ ابن كثير 11 / 6، العقد الثمين 3 / 142، 143، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 119، 120، لسان الميزان 1 / 139، شذرات الذهب 2 / 120، 121. (1) هو وهب بن واضح المكي. المتوفى سنة 190 هـ ترجم له المؤلف في " معرفة القراء " 1 / 121. (2) هو إسماعيل بن عبد الله المخزومي مولاهم المكي المعروف ب: القسط، مقرئ أهل مكة المتوفى سنة 170 هـ. قال المؤلف في " معرفة القراء " 1 / 117: هو آخر أصحاب ابن كثير وفاة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 50 وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (التَّارِيْخِ) ، وَمُضَرُ الأَسَدِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الحُبَابِ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ. وَتَلا عَلَيْهِ خَلْقٌ، مِنْهُم: أَبُو رَبِيْعَةَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، وَإِسْحَاقُ الخُزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ فرحٍ، وَابْنُ الحُبَابِ، وَاللِّهْبِيَانِ (1) ، وَآخَرُوْنَ. وَصَحَّحَ لَهُ الحَاكِمُ حَدِيْثَ التَّكْبِيْرِ (2) ، وَهُوَ مُنْكَرٌ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ، لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ (3) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، يُوْصِلُ الأَحَادِيْثَ، قَدْ سُقْنَا تَرْجَمَتَهُ مُطَوَّلَةً فِي (الطَّبَقَاتِ (4)) . وَمَاتَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ دَيِّناً، عَالِماً، صَاحِبَ سُنَّةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.   (1) هما عبد الله بن علي أبو عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الله أبو جعفر. (2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 304 من طريق أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله قسطنطين، فلما بلغت: (والضحى) قال لي: كبر كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، وأخبره عبد الله ابن كثير أنه قرأ على مجاهد، فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمر بذلك، وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فتعقبه الذهبي بقوله: البزي قد تكلم فيه. وأورده ابن كثير في تفسيره 4 / 531، وقال: فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي من ولد القاسم بن أبي بزة، وكان إماما في القراءات، فأما في الحديث، فقد ضعفه أبو حاتم الرازي، وقال: لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال: هو منكر الحديث. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 71. (4) " الضعفاء " للعقيلي، ورقة: 47. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 51 11 - أَبُو عُمَيْرٍ ابْنُ النَّحَّاسِ، عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عُمَيْرٍ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ النَّحَاسِ الرَّمْلِيُّ. سَمِعَ: الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ لَمَّا قَدِمَ الرَّمْلَةَ، وَضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَأَيُّوْبَ بنَ سُوَيْدٍ، وَزَيْدَ بنَ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: ثِقَةٌ، مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ لِحَدِيْثِ ضَمْرَةَ - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا: سَمِعْتُ أَبَا عُمَيرٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا الوَلِيْدُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَاسْتَقْرَضَ لَهُ أَبِي دَنَانِيْرَ، فَحَجَّ مِنَ الرَّمْلَةِ، فَمَاتَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الحَجِّ بِذِي المَرْوَةَ (2) ، فَمَضَى أَبِي إِلَى دِمَشْقَ حَتَّى أُبِيْعَ مَنْزِلُ الوَلِيْدِ، وَقضَى دَيْنَهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً رِضَىً (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ، يَطْلُبُ العِلْمَ، وَعَلَى ظَهْرِهِ خِرْقَةٌ   (*) الجرح والتعديل 6 / 286، تهذيب الكمال: 1084، تذهيب التهذيب 3 / 131 / 1، تهذيب التهذيب 8 / 228، 229، خلاصة تذهيب الكمال: 303. (1) هو الامام الكبير أبو حفص عمر بن محمد بن بجير الهمذاني وسترد ترجمته في الجزء الرابع عشر الترجمة رقم (219) . (2) قرية بوادي القرى، وقيل: بين خشب ووادي القرى. (3) " تهذيب الكمال ": 1084. وقال النسائي: ثقة. وقال ابن معين: ثقة من أحفظ الناس لحديث ضمرة. كذا في " تذهيب التهذيب " 3 / 131 / 1. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 52 قَدْرُ ذِرَاعٍ، يَخْتَلِفُ إِلَى الوَلِيْدِ وَضَمْرَةَ (1) . وَقَالَ عُمَرُ بنُ سَهْلٍ الدِّيْنَوَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيَّ يَقُوْلُ: لَقَّنْتُ أَبَا عُمَيْرٍ بنَ النَّحَاسِ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ أَحَداً (2) وَأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً، قَالَ: أَمَا تَسْتَحْيِي؟! أَتَحْشِمُنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ شَهَادَةً؟! قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: تُوُفِّيَ فِي ثَامِن المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ الحَسَنِيُّ سنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زَنْبُوْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ: عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيْفاً} [الإِسْرَاءُ: 59] ، قَالَ: المَوْتُ مِنْ ذَلِكَ (3) . وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ قَاضِي مَكَّةَ، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الجِيْزِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المُنْذِرِ الطَّرِيْقِيُّ (4) ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَالمُهْتَدِي بِاللهِ؛ مُحَمَّدُ ابنُ الوَاثِقِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَبَّوَيْه   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 286، ونقله الحافظ المزي في " تهذيب الكمال ": 1084. (2) في الأصل: أحد، بالرفع. (3) ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 190، ونسبه لابن أبي داود في " البعث " وكذلك قال ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن المنذر وأبو الشيخ في " العظمة " وهو قول الحسن أخرجه عنه أحمد في " الزهد " وابن جرير وابن المنذر. (4) قيل: إنه ولد في الطريق، فنسب إليها، انظر " أنساب " السمعاني 8 / 239. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 53 المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُقْرِئِ. 12 - الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الأُمَوِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، قَاضِيَ القُضَاةِ بِمِصْرَ، أَبُو عَمْرٍو، مَوْلَى زَبَّانَ ابنِ الأَمِيْرِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ، الأُمَوِيُّ، المِصْرِيُّ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ. وَإِنَّمَا طَلَبَ العِلْمَ عَلَى كِبَرٍ. سَأَلَ اللَّيْثَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفَاتَهُ ابْنُ لَهِيْعَةَ وَمَالِكٌ وَالكِبَارُ. وَحَمَلَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَابْنِ القَاسِمِ، وَتَفَقَّهَ بِهِمَا. وَعَنْ: يُوْسُفَ بنِ عَمْرٍو الفَارِسِيِّ، وَبِشْرِ بنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ، وَأَشْهَبَ، وَغَيْرِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ الحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ قُدَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَبَّانَ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ السِّمْنَانِي، وَآخَرُوْنَ. سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً جَمِيْلاً.   (*) الجرح والتعديل 3 / 90، تاريخ بغداد 8 / 216، 218، طبقات الفقهاء للشيرازي: 130، وفيات الأعيان 2 / 56، 57، تهذيب الكمال: 221، 222، تذهيب التهذيب 1 / 115 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 514، 515، العبر 1 / 455، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 113، 114، تاريخ ابن كثير 11 / 7، الديباج المذهب 1 / 339، 340، تهذيب التهذيب 2 / 156، 158، النجوم الزاهرة 2 / 289 و331، طبقات الحفاظ: 224، خلاصة تذهيب الكمال: 69، شذرات الذهب 2 / 121. (1) " تهذيب الكمال ": 222. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَنَقَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا -يَعْنِي: ابْنَ مَعِيْنٍ-: الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ خَيْرٌ مِنْ أَصْبَغَ، وَأَفْضَلُ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (3) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (4) : كَانَ فَقِيْهاً، ثِقَةً، ثَبْتاً، حَمَلَهُ المَأْمُوْنُ إِلَى بَغْدَادَ فِي المِحْنَةِ، وَسَجَنَهُ، فَلَمْ يُجِبْ، فَمَا زَالَ مَحْبُوْساً بِبَغْدَادَ إِلَى أَنْ اسْتُخْلِفَ المُتَوَكِّلُ، فَأَطْلَقَهُ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَرَجعَ إِلَى مِصْرَ مُتَوَلِّياً قَضَاءَ مِصْرَ، ثُمَّ اسْتَعْفَى مِنَ القَضَاءِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأُعْفِيَ. وَمَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ سِتٌّ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: وَكَانَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي العِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالتَأَلُّهِ - قَوَّالاً بِالْحَقِّ، مِنْ قُضَاةِ العَدْلِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. قَالَ بَحْرُ بنُ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيُّ: عَرَفْنَا الحَارِثَ بنَ مِسْكِيْنٍ أَيَّامَ ابْنِ وَهْبٍ عَلَى طَرِيْقَةِ زَهَادَةٍ وَوَرَعٍ وَصِدْقٍ حَتَّى مَاتَ.   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 217، " تهذيب الكمال ": 222، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 114. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 217، و" تهذيب الكمال ": 222، وتتمته فيه: وأفضل من عبد الله بن صالح كاتب الليث. وكان أصبغ من أعلم خلق الله كلهم. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 217، و" تهذيب الكمال ": 222. وفي " الجرح والتعديل " 3 / 90: عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وفي " تهذيب التهذيب " 2 / 157: قال الحاكم: ثقة مأمون. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 216، وانظر " وفيات الأعيان " 2 / 56، و" تهذيب الكمال ": 222. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 55 وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ: قَدِمَ المَأْمُوْنُ مِصْرَ، وَبِهَا مَنْ يَتَظَلَّمُ مِنْ عَامِلَيْهِ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ تَمِيْمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ أَسْبَاطٍ. فَجَلَسَ الفَضْلُ بنُ مَرْوَانَ الوَزِيْرُ فِي الجَامِعِ، وَاجْتَمَعَ الأَعْيَانُ، وَأُحْضِرَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ لِيُوَلَّى القَضَاءَ، فَبَيْنَا الفَضْلُ يُكَلِّمُهُ، إِذْ قَالَ لَهُ مُتَظَلِّمٌ: سَلْهُ - أَصْلَحَكَ اللهُ - عَنِ ابْنِ تَمِيْمٍ وَابْنِ أَسْبَاطٍ. فَقَالَ: لَيْسَ لِذَا حَضَرَ. قَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ، سَلْهُ. قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِيْهِمَا؟ فَقَالَ: ظَالِمَيْنِ غَاشِمَيْنِ. قَالَ: فَاضْطَرَبَ المَسْجِدُ، فَقَامَ الفَضْلُ، فَأَعْلَمَ المَأْمُوْنَ، وَقَالَ: خِفْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْ ثَوْرَةِ النَّاسِ مَعَ الحَارِثِ. فَطَلَبَ الحَارِثَ، وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي هَذَيْنِ؟ قَالَ: ظَالِمَيْنِ غَاشِمَيْنِ. قَالَ: هَلْ ظَلَمَاكَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَعَامَلْتَهُمَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: كَمَا شَهِدْتُ أَنَّكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَمْ أَرَكَ إِلاَّ السَّاعَةَ. قَالَ: اخْرُجْ مِنْ هَذِهِ البِلاَدِ، وَبِعْ قَلِيْلَكَ وَكَثِيْرَكَ. وَحَبَسَهُ فِي خَيْمَةٍ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى البَشَرُوْدِ (1) ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ البَشَرُوْدَ، طَلَبَ الحَارِثَ، وَسَأَلَهُ عَنِ المَسْأَلَةِ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا بِمِصْرَ، فَرَدَّ الجَوَابَ بِعَيْنِهِ. قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي خُرُوْجِنَا؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ القَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الرَّشِيْدَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قِتَالِهِم، فَقَالَ: إِنْ كَانُوا خَرَجُوا عَنْ ظُلْمٍ مِنَ السُّلْطَانِ، فَلاَ يَحِلُّ قِتَالُهُم، وَإِنْ كَانُوا إِنَّمَا شَقُّوا العَصَا، فَقِتَالُهُم حَلاَلٌ. فَقَالَ: أَنْتَ تَيْسٌ، وَمَالِكٌ أَتْيَسُ مِنْكَ، ارْحَلْ عَنْ مِصْرَ. قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِلَى الثُّغُوْرِ؟ قَالَ: بَلْ بِمَدِيْنَةِ السَّلاَمِ. وَرَوَى: دَاوُدُ بنُ أَبِي صَالِحٍ الحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: لَمَّا أُحْضِرَ   (1) بفتح الباء والشين المعجمة، وضم الراء المهملة، وسكون الواو، والدال مهملة: كورة من كور بطن الريف بمصر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 56 الحَارِثُ مَجْلِسَ المَأْمُوْنِ، جَعَلَ المَأْمُوْنُ يَقُوْلُ: يَا سَاعِي، يُرَدِّدُهَا -يَعْنِي: يَا مُرَافِعُ-. قَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا بِسَاعٍ، وَلَكِنِّي أُحْضِرْتُ، فَسَمِعْتُ، وَأَطَعْتُ، ثُمَّ سُئِلْتُ عَنْ أَمْرٍ، فَاسْتَعْفَيْتُ ثَلاَثاً، فَلَمْ أُعْفَ، فَكَانَ الحَقُّ آثَرَ عِنْدِي مِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: هَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ عَلَمٌ بِبَلَدِهِ، خُذْهُ إِلَيْكَ. قَالَ أَحْمَدُ المُؤَدِّبُ: خَرَجَ المَأْمُوْنُ، وَأَخْرَجَ الحَارِثَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَخَرَجَتْ زَوْجَةُ الحَارِثِ، فَحَجَّتْ، وَذَهَبَتْ إِلَى العِرَاقِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لِيَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَقَدْ قَامَ حَارِثُكُمْ للهِ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِذَا ذَكَرَهُ عَظَّمَهُ جِدّاً. قَالَ أَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ: فَأَقَامَ الحَارِثُ بِبَغْدَادَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَطْلَقَهُ الوَاثِقُ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ. وَقَالَ ابْنُ قُدَيْدٍ: أَتَاهُ -يَعْنِي: الحَارِثَ- فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ كِتَابُ تَوَلِّيِهِ القَضَاءَ وَهُوَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَامْتَنَعَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِخْوَانُهُ حَتَّى قَبِلَ، فَقَدِمَ مِصْرَ، فَجَلَسَ لِلْحُكْمِ، وَأَخْرَجَ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مِنَ المَسْجَدِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ حُصُرِهِم مِنَ العُمُدِ، وَقَطَعَ عَامَّةَ المُؤَذِّنِيْنَ مِنَ الأَذَانِ، وَأَصْلَحَ سَقْفَ المَسْجِدِ، وَبَنَى السِّقَايَةَ، وَلاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَهُ، وَمَنَعَ مِنَ النِّدَاءِ عَلَى الجَنَائِزِ، وضَرَبَ الحَدَّ فِي سَبِّ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَتَلَ سَاحِرَيْنِ. عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيِّ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ مُسْرِفاً عَلَى نَفْسِهِ، فَمَاتَ، فَرُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ غَفَرَ لِيَ بِحُضُوْرِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْن جِنَازَتِي، وَإِنَّهُ اسْتَشْفَعَ لِيَ، فَشُفِّعَ فِيَّ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 57 تُوُفِّيَ الحَارِثُ: لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَالَ مُوْسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي نَفَخَ اللهُ فِيْكَ مِنْ رُوْحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الجَنَّةِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوْسَى. قَالَ: أَنْتَ مُوْسَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ، الَّذِي كَلَّمَكَ اللهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، فَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُوْلاً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَلُوْمُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ سَبَقَ مِنَ اللهِ القَضَاءُ قَبْلِي) . قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: (فَحَجَّ آدَمُ مُوْسَى) (1) 13 - البُوَيْطِيُّ يُوْسُفُ أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ يَحْيَى المِصْرِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، سَيِّدُ الفُقَهَاءِ، يُوْسُفُ أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ يَحْيَى   (1) إسناده حسن من أجل هشام بن سعد، وأخرجه أبو داود (4702) في السنة: باب في القدر من طريق أحمد بن صالح عن ابن وهب بهذا الإسناد، وفي الباب عن أبي هريرة عند مالك 2 / 898، والبخاري 11 / 441، ومسلم (2652) كلاهما في القدر، والترمذي (2135) وأبي داود (4701) . (*) الجرح والتعديل 9 / 235، الفهرست: 265، 266، طبقات الشافعية للعبادي: 7، تاريخ بغداد 14، 299، 303، طبقات الفقهاء للشيرازي: 79، الأنساب، ورقة: 95 / ب، اللباب 1 / 189، وفيات الأعيان 7 / 61، 64، تهذيب الكمال: 1562، 1563، تذهيب التهذيب 4 / 192 / 1، العبر 1 / 411، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 162، 170، طبقات الشافعية للاسنوي: 208، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 45، تهذيب التهذيب 11 / 427، 429، النجوم الزاهرة 2 / 260، 261، حسن المحاضرة 1 / 123، خلاصة تذهيب الكمال: 440، شذرات الذهب 2 / 71، 72. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 58 المِصْرِيُّ، البُوَيْطِيُّ، صَاحِبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، لاَزَمَهُ مُدَّةً، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَفَاقَ الأَقْرَانَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغيْرِهِمَا. رَوَى عَنْهُ: الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ - وَقَالَ: هُوَ صَدُوْقٌ (1) - وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِيْلٍ، وَالقَاسِمُ بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ إِمَاماً فِي العِلْمِ، قُدْوَةً فِي العَمَلِ، زَاهِداً رَبَّانِيّاً، مُتَهَجِّداً، دَائِمَ الذِّكْرِ وَالعُكُوْفِ عَلَى الفِقْهِ. بَلَغَنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِي أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنَ البُوَيْطِيِّ. وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ البُوَيْطِيُّ أَبَداً يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِذِكْرِ اللهِ، وَمَا أَبْصَرْتُ أَحَداً أَنْزَعَ (2) بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مِنَ البُوَيْطِيِّ! وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى بَغْلٍ، فِي عُنُقِهِ غُلٌّ، وَفِي رِجْلَيْهِ قَيْدٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الغُلِّ سِلْسِلَةٌ فِيْهَا لَبِنَةٌ (3) وَزْنُهَا أَرْبَعُوْنَ رِطْلاً، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بـ (كُنْ) ، فَإِذَا كَانَتْ مَخْلُوْقَةً، فَكَأَنَّ مَخْلُوْقاً خُلِقَ بِمَخْلُوْقٍ، وَلَئِنْ أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ لأَصْدُقَنَّهُ -يَعْنِي الوَاثِقَ- وَلأَمُوْتَنَّ فِي حَدِيْدِيَ هَذَا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ يَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فِي هَذَا الشَّأْنِ قَوْمٌ فِي حَدِيْدِهِم.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 235. (2) كذا في " وفيات الأعيان " 7 / 63، و" تهذيب الكمال ": 1563، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 164. وفي " تاريخ بغداد " 14 / 300: " أسرع ". (3) في " تاريخ بغداد "، و" وفيات الأعيان ": فيها طوبة. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 302، و" وفيات الأعيان " 7 / 62، و" طبقات السبكي " 2 / 164. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 59 قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ أَعْلَمَ مَنْ رَأَيْتُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البُوَيْطِيِّ عِنْدَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ، فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: تَنَازَعَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالبُوَيْطِيُّ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ البُوَيْطِيُّ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، وَقَالَ الآخَرُ كَذَلِكَ. فَجَاءَ الحُمَيْدِيُّ، وَكَانَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَجْلِسِي مِنْ يُوْسُفَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَذَبْتَ. قَالَ: بَلْ كَذَبْتَ أَنْتَ وَأَبُوْكَ وَأَمُّكَ. وَغَضِبَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، فَجَلَسَ البُوَيْطِيُّ فِي مَكَانِ الشَّافِعِيِّ، وَجَلَسَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ فِي الطَّاقِ الثَّالِثِ (1) . القَاضِي زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ البُوَيْطِيُّ حِيْنَ مَرِضَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالمُزَنِيُّ، فَتَنَازَعُوا الحَلَقَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ، فَقَالَ: الحَلَقَةُ لِلْبُوَيْطيِّ. فَلِهَذَا اعْتَزَلَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ حَلَقَةٍ فِي المَسْجِدِ. فَكَانَ البُوَيْطِيُّ يَصُوْمُ، وَيَتْلُو غَالِباً فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَتْمَةً مَعَ صَنَائِعِ المَعْرُوْفِ (2) إِلَى النَّاسِ. وَبِهِ، إِلَى الرَّبِيْعِ، قَالَ: فَسُعِيَ بِالبُوَيْطِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ - وَمَا هُوَ بِابْنِ كَيْسَانَ الأَصَمِّ - وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَابْنُ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ، حَتَّى كَتَبَ فِيْهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِلَى وَالِيَ مِصْرَ،   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 301، ونقله عنه ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 7 / 63. وهو في " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 16، وسيرد الخبر في الصفحة: 499. (2) في " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 164، وهو متنوع في صنائع المعروف، كثير التلاوة ... الجزء: 12 ¦ الصفحة: 60 فَامْتَحَنَهُ فَلَمْ يُجِبْ، وَكَانَ الوَالِي حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُ يَقْتَدِي بِي مائَةُ أَلْفٍ، وَلاَ يَدْرُوْنَ المَعْنَى. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يُحْمَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي أَرْبَعِيْنَ رِطْلَ حَديدٍ. قَالَ الرَّبِيْعُ: وَكَانَ المُزَنِيُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ، وَحَرْمَلَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: فَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنِ البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْ دَمِي إِلاَّ ثَلاَثَةً: حَرْمَلَةَ وَالمُزَنِيَّ وَآخَرَ. قُلْتُ: اسْتَفِقْ، وَيْحَكَ! وَسَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ أَمْرٌ عَجِيْبٌ، وَقَعَ فِيْهِ سَادَةٌ - فَرَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ -. قَالَ الرَّبِيْعُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ: أَنِ اصْبِرْ نَفْسَكَ لِلْغُرَبَاءِ، وَحَسِّنْ (1) خُلُقَكَ لأَهْلِ حَلْقَتِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ أَسَمَعُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ كَثِيْراً وَيَتَمَثَّلُ: أُهِيْنُ لَهُم نَفْسِي لِكَي يُكْرِمُونَهَا ... وَلَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ الَّتِي لاَ تُهِيْنُهَا (2) مَاتَ الإِمَامُ البُوَيْطِيُّ: فِي قَيْدِهِ، مَسْجُوْناً بِالعِرَاقِ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. عِنْدِي حَدِيْثٌ فِي (مُسْندِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ) : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ (3) ... ، فَذَكَرَهُ.   (1) في " تاريخ بغداد ": 4 / 302: وأظنك خلقك لاهل حلقتك. (2) البيت في " تاريخ بغداد " 14 / 302 وهو في " وفيات الأعيان " 7 / 64، بلفظ: أهين لهم نفسي لاكرمها بهم * ولن تكرم النفس التي لا تهينها والخبر مع البيت في " طبقات الشافعية " 2 / 165. (3) هو في " سنن الدارمي " 1 / 360، وتمام سنده: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله ... وإسناده صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 61 14 - ابْنُ السَّرْحِ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو الأُمَوِيُّ * (م، د، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، الفَقِيْهُ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَسَعِيْدٍ الآدَمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالقَاسِمُ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو العَلاَءِ الكُوْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَبَّانَ بنِ حَبِيْبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ شَرَحَ (مُوَطَّأَ ابْنِ وَهْبٍ (1)) ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ الجِلَّةِ. مَاتَ: فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ (2) . لَهُ حَدِيْثٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُوْنُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ،   (*) الجرح والتعديل 2 / 65، الجمع بين رجال الصحيحين: 14، تهذيب الكمال: 33، تذهيب التهذيب 1 / 20 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 504، 505، العبر 1 / 455، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 26، تاريخ ابن كثير 11 / 6، تهذيب التهذيب 1 / 64، طبقات الحفاظ: 219، حسن المحاضرة 1 / 309، خلاصة تذهيب الكمال: 10، شذرات الذهب 2 / 120. (1) هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم المصري المالكي، تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (63) . (2) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 65: سئل أبي عنه، فقال: لا بأس به. وفي " تهذيب الكمال ": 33، 34: قال النسائي: ثقة. وقال أبو سعيد بن يونس: قال لي علي بن الحسن بن خلف بن قديد: وكان يونس جدك يحفظ، وكان أحمد بن عمرو لا يحفظ، وكان ثقة ثبتا صالحا. قال أبو سعيد: وكان فقيها من الصالحين الاثبات. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 62 وَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ. قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الشَّافِعِيِّ: عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَزَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوْبَ وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ، فَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيْثاً، وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَبُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ المَرْءُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا مِنَ الشَّيْطَانِ) ، وَالقَيْدُ فِي المَنَامِ ثَبَاتٌ فِي الدِّيْنِ، وَالغُلُّ أَكْرَهُهُ (2) . وَفِيْهَا مَاتَ: مُقْرِئُ مَكَّةَ أَبُو الحَسَنِ البَزِّيُّ، وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ، وَعَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ. 15 - سَحْنُوْنُ أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَبِيْبٍ التَّنُوْخِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ المَغْرِبِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ السَّلامِ بنُ حَبِيْبِ بنِ   (1) رجاله ثقات، وأبو يونس: هو سليم بن جبير المصري مولى أبي هريرة، وثقه النسائي، وأخرج له مسلم في " صحيحه ". (2) إسناده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (3917) من طريق أحمد بن عمرو بن السرح، عن بشر بن بكر، عن الاوزاعي، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه من طرق عن ابن سيرين عن أبي هريرة، البخاري 12 / 356، 359، في التعبير: باب القيد في المنام، ومسلم (2263) في أول الرؤيا، وأبو داود (5019) والترمذي (2270) وأحمد 2 / 269، وعبد الرزاق (20352) والدارمي 2 / 125. وقوله " والقيد في المنام ... " من كلام أبي هريرة كما هو مصرح به في المصنف والمسند ومسلم. (*) وفيات الأعيان 3 / 180 العبر 2 / 34 ترتيب المدارك 2 / 585، 626، الديباج المذهب 2 / 30، 40، معالم الايمان 2 / 49 شجرة النور الزكية: 70، رياض النفوس 1 / 249، 290، مرآة الجنان 2 / 131، 132. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 63 حَسَّانَ بنِ هِلاَلِ بنِ بَكَّارِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّنُوْخِيُّ، الحِمْصِيُّ الأَصْلِ، المَغْرِبِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، المَالِكِيُّ، قَاضِي القَيْرَوَانِ، وَصَاحِبُ (المُدَوَّنَةِ (1)) ، وَيُلَقَّبُ: بِسَحْنُوْنَ (2) ، ارْتَحَلَ وَحَجَّ. وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَأَشْهَبَ، وَطَائِفَةٍ. وَلَمْ يَتَوَسَّعْ فِي الحَدِيْثِ كَمَا تَوَسَّعَ فِي الفُرُوْعِ. لاَزمَ: ابْنَ وَهْبٍ، وَابْنَ القَاسِمِ، وَأَشْهَبَ حَتَّى صَارَ مِنْ نُظَرَائِهِم. وَسَادَ أَهْلَ المَغْرِبِ فِي تَحْرِيْرِ المَذْهَبِ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ العِلْمِ. وَعَلَى قَوْلِهِ المُعَوَّلُ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَتفَقَّهَ بِهِ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ أَوَّلاً بِإِفْرِيْقِيَةَ عَلَى ابْنِ غَانِمٍ وَغَيْرِهِ. وَكَانَ ارْتِحَالُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ التَّامَةِ وَالوَرَعِ، مَشْهُوْراً بِالجُوْدِ وَالبَذْلِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ. أَخَذَ عَنْهُ: وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ؛ فَقِيْهُ القَيْرَوَانِ، وَأَصْبَغُ بنُ خَلِيْلٍ القُرْطُبِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مِخْلَدٍ، وَسَعِيْدُ بنُ نَمِرٍ الغَافِقِيُّ الإِلْبِيْرِيُّ الفَقِيْهُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ غَافِقٍ التُّوْنُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدُوْسٍ المَغْرِبِيُّ، وَوَهْبُ بنُ نَافِعٍ؛ فَقِيْهُ قُرْطُبَةَ، وَيَحْيَى بنُ القَاسِمِ بنِ هِلاَلٍ الزَّاهِدُ، وَمُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَانِيُّ مَوْلاَهُمْ، وَيَحْيَى بنُ عُمَرَ الكِنَانِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، وَعِيْسَى بنُ مِسْكِيْنٍ، وَحَمْدِيْسُ، وَابْنُ مُغِيْثٍ، وَابْنُ الحَدَّادِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ.   (1) سيبسط المؤلف القول فيها خلال الترجمة. (2) سيضبطها المؤلف خلال الترجمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 64 فَعَنْ أَشْهَبَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ سَحْنُوْنَ (1) . وَعَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَحْنُوْنُ سَيِّدُ أَهْلِ المَغْرِبِ (2) . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ الأَنْدَلُسِيِّ، قَالَ: مَا بُوْرِكَ لأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَصْحَابِهِ مَا بُوْرِكَ لِسَحْنُوْنَ فِي أَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُم كَانُوا فِي كُلِّ بَلَدٍ أَئِمَّةً. وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ، بَلْ يَضُرُّهُ. وَقَالَ سَحْنُوْنُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ مَجْلِسَ القَاضِي ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ بِلاَ حَاجَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ (3) . وَسُئِلَ سَحْنُوْنُ: أَيَسَعُ العَالِمَ أَنْ يَقُوْلَ: لاَ أَدْرِي فِيْمَا يَدْرِي؟ قَالَ: أَمَّا مَا فِيْهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فَلاَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ هَذَا الرَّأْيِ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لاَ يَدْرِي أَمُصِيْبٌ هُوَ أَمْ مُخْطِئٌ. قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ لاَ يُفَضِّلُ أَحَداً مَمَّنْ لَقِيَ عَلَى سَحْنُوْنَ فِي الفِقْهِ وَبِدَقِيْقِ المَسَائِلِ (4) . وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: أَكْلٌ بِالمَسْكَنَةِ، وَلاَ أَكْلٌ بِالعِلْمِ. مُحِبُّ الدُّنْيَا أَعْمَى، لَمْ يُنَوِّرْهُ العِلْمُ (5) . مَا أَقْبَحَ بِالعَالِمِ أَنْ يَأْتِيَ الأُمَرَاءَ، وَاللهِ مَا دَخَلْتُ عَلَى السُّلْطَانِ إِلاَّ وَإِذَا خَرَجْتُ حَاسَبْتُ نَفْسِي، فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا الدَّرْكَ (6) ، وَأَنْتُم تَرَوْنَ مُخَالَفَتِي لِهَوَاهُ، وَمَا أَلْقَاهُ بِهِ مِنَ الغِلْظَةِ، وَاللهِ مَا   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 589، و" الديباج المذهب " 2 / 32. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 590، و" الديباج المذهب " 2 / 32. (3) " ترتيب المدارك " 2 / 65، و" الديباج المذهب " 2 / 39. (4) " ترتيب المدارك " 2 / 591، و" الديباج المذهب " 2 / 33. (5) " الديباج المذهب " 2 / 38. (6) بفتح الراء وإسكانها: التبعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 65 أَخَذْتُ وَلاَ لَبِسْتُ لَهُمُ ثَوْباً. وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: كَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى يُرِيْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالكَلِمَةِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهَا لانْتَفَعَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيْرٌ، فَيَحْبِسُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَخَافَةَ المُبَاهَاةِ. وَكَانَ إِذَا أَعْجَبَهُ الصَّمْتُ تَكَلَّمَ، وَيَقُوْلُ: أَجْرَأُ النَّاسِ عَلَى الفُتْيَا أَقَلُّهُم عِلْماً. وَعَنْهُ، قَالَ: أَنَا أَحْفَظُ مَسَائِلَ فِيْهَا ثَمَانِيَةُ أَقَاوِيْلَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَئِمَّةٍ، فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ أُعَجِّلَ بِالجَوَابِ؟ وَقِيْلَ: إِنَّ زِيَادَةَ اللهِ الأَمِيْرَ بَعَثَ يَسْأَلُ سَحْنُوْناً عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ عُبْدُوْسٍ: أُخْرُجْ مِنْ بَلَدِ القَوْمِ، أَمْسِ تَرْجَعُ عَنِ الصَّلاَةِ خَلْفَ قَاضِيْهِم، وَاليَوْمَ لاَ تُجِيْبُهُم؟! قَالَ: أَفَأُجِيْبُ مَنْ يُرِيْدُ أَنْ يَتَفَكَّهَ، يُرِيْدُ أَنْ يَأْخُذَ قَوْلِي وَقَوْلَ غَيْرِي، وَلَوْ كَانَ شَيْئاً يَقْصِدُ بِهِ الدِّيْنَ، لأَجَبْتُهُ. وَعَنْهُ، قَالَ: مَا وَجَدْتُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ إِلاَّ المُفْتِي. وَعَنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ سَحْنُوْنَ بِقَرْيَتِهِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، وَخَرَجَ، وَعَلَى كَتِفِهِ مِحْرَاثٌ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ زَوْجُ بَقَرٍ، فَقَالَ لَنَا: حُمَّ الغُلاَمُ البَارِحَةَ، فَأَنَا أَحْرُثُ اليَوْمَ عَنْهُ، وَأَجِيْئُكُمْ. فَقُلْتُ: أَنَا أَحْرُثُ عَنْكَ. فَقَرَّبَ إِلَيَّ غَدَاءهُ؛ خُبْزَ شَعِيْرٍ وَزَيْتاً (1) . وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَحْنُوْنَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضٍ، وَفِي عُنُقِهِ تَسْبِيْحٌ يُسَبِّحُ بِهِ (2) .   (1) " ترتيب المدارك " 2 / 594. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 617. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 66 وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ العَطَّارِ، قَالَ: بَاعَ سَحْنُوْنُ زَيْتُوْناً لَهُ بِثَمَانِ مائَةٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ، فَفَرَّقْتُهَا عَنْهُ صَدَقَةً. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ (مَغَازِي ابْنِ وَهْبٍ) ، تَسِيْلُ دُمُوْعُهُ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ (الزُّهْدَ) لاِبْنِ وَهْبٍ، يَبْكِي. وَعَنْ يَحْيَى بنِ عَوْنٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ سَحْنُوْنَ عَلَى ابْنِ القَصَّارِ وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا القَلَقُ؟ قَالَ لَهُ: المَوْتُ وَالقُدُوْمُ عَلَى اللهِ. قَالَ لَهُ سَحْنُوْنُ: أَلَسْتَ مُصَدِّقاً بِالرُّسُلِ وَالبَعْثِ وَالحِسَابِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمُرُ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّ اللهَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَلاَ تَخْرُجُ عَلَى الأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ جَارُوا. قَالَ: إِيْ وَاللهِ. فَقَالَ: مُتْ إِذَا شِئْتَ، مُتْ إِذَا شِئْتَ. وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: كَبِرْنَا وَسَاءتْ أَخْلاَقُنَا، وَيَعْلَمُ اللهُ مَا أَصِيْحُ عَلَيْكُم إِلاَّ لأُؤَدِّبَكُم. وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: مَا عَمِيَتْ عَلَيَّ مَسْأَلَةٌ، إِلاَّ وَجَدْتُ فَرَجَهَا فِي كُتُبِ ابْنِ وَهْبٍ. وَقِيْلَ: إِنَّ طَالِباً قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ سَحْنُوْناً يَبْنِي الكَعْبَةَ، قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ (مَنَاسِكَ الحَجِّ) الَّذِي جَمَعَهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ: حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَوَكِيْعٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طُلَيْبٍ المُرَادِيِّ، وَبُهْلُوْلِ بنِ رَاشِدٍ، وَعَلِيِّ بنِ زِيَادٍ التُّوْنُسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ غَانِمٍ الرُّعَيْنِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ المِصْرِيِّ، وَمَعْنٍ القَزَّازِ، وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعِدَّةٍ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 67 قَالَ أَبُو العَرَبِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: كَانَ الَّذِيْنَ يَحْضُرُونَ مَجْلِسَ سَحْنُوْنَ مِنَ العُبَّادِ أَكْثَرَ مِنَ الطَّلَبَةِ، كَانُوا يَأْتُوْنَ إِلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ. وَلَمَّا وَلِيَ سَحْنُوْنُ القَضَاءَ بِأَخَرَةٍ، عُوْتِبَ، فَقَالَ: مَا زِلْتُ فِي القَضَاءِ مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، هَلِ الفُتْيَا إِلا القَضَاءُ (1) ؟! قِيْلَ: إِنَّ الرُّوَاةَ، عَنْ سَحْنُوْنَ بَلَغُوا تِسْعَ مائَةٍ. وَأَصْلُ (المُدَوَّنَةِ) أَسْئِلَةٌ، سَأَلَهَا أَسَدُ بنُ الفُرَاتِ لاِبْنِ القَاسِمِ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ سَحْنُوْنُ بِهَا، عَرَضَهَا عَلَى ابْنِ القَاسِمِ، فَأَصْلَحَ فِيْهَا كَثِيْراً، وَأَسْقَطَ، ثُمَّ رَتَّبَهَا سَحْنُوْنُ، وَبَوَّبَهَا. وَاحْتَجَّ لِكَثِيْرٍ مِنْ مَسَائِلِهَا بِالآثَارِ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ، مَعَ أَنَّ فِيْهَا أَشْيَاءَ لاَ يَنْهَضُ دَلِيْلُهَا، بَلْ رَأْيٌ مَحْضٌ. وَحَكَوا أَنَّ سَحْنُوْنَ فِي أَوَاخِرِ الأَمْرِ عَلَّمَ عَلَيْهَا، وَهَمَّ بِإِسْقَاطِهَا وَتَهْذِيْبِ (المُدَوَّنَةِ) ، فَأَدْرَكَتْهُ المَنِيَّةُ -رَحِمَهُ اللهُ-. فَكُبَرَاءُ المَالِكِيَّةِ، يَعْرِفُوْنَ تِلْكَ المَسَائِلَ، وَيُقَرِّرُونَ مِنْهَا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَيُوَهِّنُونَ مَا ضَعُفَ دَلِيْلُهُ. فَهِيَ لَهَا أُسْوَةٌ بِغَيْرِهَا مِنْ دَوَاوِيْنِ الفِقْهِ. وَكُلُّ أَحَدٍ فُيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلاَّ صَاحِبَ ذَاكَ القَبْرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً -. فَالعِلْمُ بَحْرٌ بِلاَ سَاحِلٍ، وَهُوَ مُفَرَّقٌ فِي الأُمَّةِ، مَوْجُوْدٌ لِمَنِ التَمَسَهُ. وَتَفْسِيْرُ سَحْنُوْنَ بِأَنَّهُ اسْمُ طَائِرٍ بِالمَغْرِبِ (2) ، يُوْصَفُ بِالفِطْنَةِ وَالتَّحَرُّزِ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّيْنِ وَبِضَمِّهَا.   (1) ثمت فرق بين الفتيا والقضاء، فالفتيا تبليغ محض، والقضاء إنشاء وإلزام. قال القرافي في " الفروق " 4 / 53: الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة، والحكم إخبار معناه الانشاء والالزام من قبل الله تعالى. (2) في " ترتيب المدارك " 2 / 586، و" الديباج المذهب " 2 / 30: لحدته في المسائل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 68 تُوُفِّيَ الإِمَامُ سَحْنُوْنُ: فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَخَلَفَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ. قَرَأْتُ فِي (تَارِيْخِ القَيْرَوَانِ) لأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَالِكِيِّ ، قَالَ: قَالَ أَبُو العَرَبِ: اجْتَمَعَتْ فِي سَحْنُوْنَ خِلاَلٌ قَلَّمَا اجْتَمَعَتْ فِي غَيْرِهِ: الفِقْهُ البَارِعُ، وَالوَرَعُ الصَّادِقُ، وَالصَّرَامَةُ فِي الحَقِّ، وَالزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّخَشُّنُ فِي المَلْبَسِ وَالمَطْعَمِ، وَالسَّمَاحَةُ (2) . كَانَ رُبَّمَا وَصَلَ إِخْوَانَهُ بِالثَّلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، وَكَانَ لاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً. وَلَمْ يَكُنْ يَهَابُ سُلْطَاناً فِي حَقٍّ، شَدِيْداً عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، انْتَشَرَتْ إِمَامَتُهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى فَضْلِهِ، قَدِمَ بِهِ أَبُوْهُ مَعَ جُنْدِ الحِمْصِيِّينَ، وَهُوَ مِنْ تَنُوْخَ صَلِيْبَةً. وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: حَجَجْتُ زَمِيلَ ابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ عِيْسَى بنُ مِسْكِيْنٍ: سَحْنُوْنُ رَاهِبُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَالِكٍ وَسَحْنُوْنَ أَحَدٌ أَفْقَهَ مِنْ سَحْنُوْنَ (3) . وَعَنْ سَحْنُوْنَ، قَالَ: إِنِّي حَفِظْتُ هَذِهِ الكُتُبَ، حَتَّى صَارَتْ فِي صَدْرِي كَأُمِّ القُرْآنِ (4) . وَعَنْهُ، قَالَ: إِنِّي لأَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا، وَلاَ يَسْأَلُنِي اللهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قُلْتُ فِيْهَا بِرَأْيِي، وَمَا أَكْثَرَ مَا لاَ أَعْرِفُ. وَعَنْهُ: سُرْعَةُ الجَوَابِ بِالصَّوَابِ، أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ فِتْنَةِ المَالِ.   (1) في " ترتيب المدارك " 2 / 624: لثلاث خلون من رجب. (2) " ترتيب المدارك " 2 / 592، و" الديباج المذهب " 2 / 34. (3) " الديباج المذهب " 2 / 32، بلفظ: زاهد هذه الأمة. (4) " ترتيب المدارك " 2 / 590. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 69 16 - أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَّانٍ، ابْنُ التُّسْتَرِيِّ * (خَ، م، د، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المِصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِابْنِ التُّسْتَرِيِّ (1) . سَمِعَ: ضِمَامَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُفَضَّلَ بنَ فَضَالَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ، وَأَزْهَرَ بنَ سَعْدٍ السَّمَّانَ، وَغَيْرَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: السِّتَةُ - سِوَى التِّرْمِذِيِّ - وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَيُوْسُفُ القَاضِي، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ لِمَنْ تَرَكَ الاحْتِجَاجَ بِحَدِيْثِهِ حُجَّةً (2) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمَّا نَظَرَ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) : يَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى فِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ مِصْرَ يَشُكُّونَ أَنَّهُ، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.   (*) التاريخ الكبير 2 / 6، الجرح والتعديل 2 / 64، تاريخ بغداد 4 / 272، 275، تهذيب الكمال: 34، تذهيب التهذيب 1 / 20 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 125، 126، الوافي بالوفيات 7 / 272، تهذيب التهذيب 1 / 64، 65، خلاصة تذهيب الكمال: 10، 11، شذرات الذهب 2 / 102. (1) في " تاريخ بغداد " 4 / 272، و" تهذيب الكمال ": 34، و" تهذيب التهذيب " 1 / 65: المعروف بالتستري. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 275 (3) الخبر مطول في " تاريخ بغداد " 4 / 274، و" تهذيب الكمال ": 34، و" تهذيب التهذيب 1 / 65. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 70 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَحَلَفَ إِنَّهُ كَذَّابٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قِيلَ لِي بِمِصْرَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ عِيْسَى اشْتَرَى كُتُبَ ابْنِ وَهْبٍ، وَكِتَابَ مُفَضَّلِ بنِ فَضَالَةَ (1) . قُلْتُ: العَمَلُ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِهِ، فَأَيْنَ مَا انْفَرَدَ بِهِ حَتَّى نُلَيِّنَهُ بِهِ؟! وَقَدْ لَحِقَ يَغْنَمَ بنَ سَالِمٍ؛ أَحَدَ الهَلْكَى، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَكَنَ العِرَاقَ (2) . تُوُفِّيَ: بِسَامَرَّاءَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ أَبُوْهُ يَتَّجِرُ إِلَى تُسْتَرَ (3) الَّتِي يُقَالُ لَهَا اليَوْمَ: شُشْتَرُ، فَعُرِفَ بِالتُّسْتَرِيِّ لِهَذَا. 17 - أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ العَلَوِيُّ * ابْنِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو طَاهِرٍ العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ. وَعَنْهُ: أَبُو يُوْنُسَ المَدِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُوْفِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. لَهُ مَا يُنْكَرُ (4) .   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 64، و" تاريخ بغداد " 4 / 275، و" تهذيب الكمال ": 34، وتهذيب التهذيب 1 / 65. (2) جاء في " تهذيب الكمال ": 34: قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه، فقال: سمعت يحيى بن معين يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنه كذب. وفيه: وقال الحافظ أبو بكر: ما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه. (3) في " تاريخ بغداد " 4 / 272: كان (أحمد نفسه) يتجر إلى تستر. (*) الجرح والتعديل 2 / 65، ميزان الاعتدال 1 / 126، 127. (4) قال المؤلف في " ميزان الاعتدال " 1 / 126: قال الدارقطني: كذاب. وكذا في " لسان الميزان " 1 / 241. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 71 وَقَدْ ذَكَرَهُ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (1) ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَمَا ضَعَّفَاهُ. 18 - أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى ابْنِ الشَّهِيْدِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ الحُسَيْنِيُّ * شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ وَكَبِيْرُهُم. قَالَ المَدَائِنِيُّ: بَلَغَ الرَّشِيْدَ ظُهُوْرُ هَذَا بِعَبَّادَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ، فَدَسَّ عَلَيْهِ مَنْ خَدَعَهُ وَبَايَعَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فِي سَفِيْنَةٍ، فَهَرَبَ أَحْمَدُ لِوَاسِطَ، وَاخْتَفَى ذِكْرُهُ. قُلْتُ: بَقِيَ بِالبَصْرَةِ فِي الأَزْدِ خَامِلاً إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (2) . 19 - أَبُو ثَوْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الكَلْبِيُّ ** (د، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، المُجْتَهِدُ، مُفْتِي العِرَاقِ، أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ. وَيُكْنَى أَيْضاً: أَبَا عَبْدِ اللهِ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 65. (*) مقاتل الطالبيين: 399، الوافي بالوفيات 7 / 271، 272، تاريخ الطبري 10 / 71. (2) " الوافي بالوفيات " 7 / 272، وتتمته فيه: وكانت مدة استتاره اثنتين وستين سنة. ولا يعرف من استتر وخفي أمره هذه المدة كلها غير هذا. (* *) التاريخ الصغير 2 / 372، الجرح والتعديل 2 / 97، 98، الفهرست: 265، تاريخ بغداد 6 / 65، 69، طبقات الفقهاء للشيرازي: 75، الأنساب، ورقة: 485 / ب، اللباب 3 / 104، 105، وفيات الأعيان 1 / 26، تهذيب الكمال: 54، تذهيب التهذيب 1 / 35 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 512، 513، ميزان الاعتدال 1 / 29، 30، العبر 1 / 431، الوافي بالوفيات 5 / 344، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 74، 80، تاريخ ابن كثير 10 / 322، تهذيب التهذيب 1 / 118، 119، النجوم الزاهرة 2 / 301، 302، طبقات الحفاظ: 223، خلاصة تذهيب الكمال: 17، طبقات المفسرين 1 / 7، شذرات الذهب 2 / 93، 94. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 72 وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَروْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَبِي قَطَنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقِيْلَ: إِنَّ مُسْلِماً رَوَى عَنْهُ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِهِ) ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَالِدٍ اليَشْكُرِيِّ، وَهُوَ آخَرُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: قَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ ذَرِيْحٍ العُكْبَرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وجَمَعَ وَصَنَّفَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ، فَقَالَ: أَعْرِفُهُ بِالسُّنَّةِ مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ عِنْدِي فِي مِسْلاَخِ (1) سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الفُقَهَاءِ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهاً وَعِلْماً وَوَرَعاً وَفَضْلاً. صَنَّفَ الكُتُبَ، وَفَرَّعَ عَلَى السُّنَنِ، وَذَبَّ عَنْهَا - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (4) -. ذَكَرَهُ الخَطِيْبُ (5) ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) المسلاخ: هو الجلد وأراد هنا أنه في هدي وسمت سفيان الثوري. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 66، و" وفيات الأعيان " 1 / 26، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 74. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 66، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 75. (4) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 74. (5) " تاريخ بغداد " 6 / 65، 66. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 73 قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ. قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ (ح (1)) . وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ، وَأَبُو حَفْصٍ المُعَلِّمُ (ح) . وَأَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ (ح) . وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الحَنْبَلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَنِيْنَا، قَالُوا أَرَبَعَتُهُمْ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ فِي الرَّابِعَةِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَاسِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الجَوْزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي طَرِيْقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِيْنَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ، فَذَهَبَ، فَاغْتَسَلَ، فَفَقَدَهُ رَسُوْلُ اللهِ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: (أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) ؟ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، لَقِيْتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ. قَالَ: (إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ) .   (1) قال الامام النووي رحمه الله في " مقدمة شرحه لصحيح مسلم ": 38: وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد (ح) ، وهي حاء مهملة مفردة. والمختار أنها مأخوذة من التحول، لتحوله من إسناد إلى إسناد، وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها: (ح) ، ويستمر في قراءة ما بعدها. وقيل: إنها من: حال بين الشيئين: إذا حجز، لكونها حالت بين الاسنادين، وأنه لا يلفظ عند الانتهاء إليها بشيء، وليست من الرواية. وقيل: إنها رمز إلى قوله: الحديث، وإن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها: الحديث. ثم قال الامام النووي رحمه الله: وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها: " صح " فيشعر بأنها رمز " صح ". وحسنت ها هنا كناية " صح " لئلا يتوهم أنه أسقط متن الإسناد الأول. ثم هذه الحاء توجد في كتب المتأخرين كثيرا، وهي كثيرة في " صحيح مسلم " قليلة في " صحيح البخاري ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 74 صَحِيْحٌ، تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ الطَّوِيْلُ. أَخْرَجَهُ: أَصْحَابُ الكُتُبِ السِّتَّةِ (1) ، مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَجَمَاعَةٌ عَنْهُ. وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ يَكْرَهُ تَدْوِيْنَ المَسَائِلِ، وَيَحُضُّ عَلَى كِتَابَةِ الأَثَرِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَاقَانَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْهُ إِلاَّ خَيْرٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعْجِبُنِي الكَلاَمُ الَّذِي يُصِيِّرُونَهُ فِي كُتُبِهِم (2) . وَقِيْلَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لِلْسَّائِلِ: سَلْ غَيْرَنَا، سَلِ الفُقَهَاءَ، سَلْ أَبَا ثَوْرٍ (3) . وَقَالَ بَدْرُ (4) بنُ مُجَاهِدٍ: قَالَ لِي سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ: اكْتُبْ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ، وَاخْرُجْ إِلَى أَبِي ثَوْرٍ، وَلاَ يَفُوْتَنَّكَ بِنَفْسِهِ (5) . قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو ثَوْرٍ يَتَفَقَّهُ أَوَّلاً بِالرَّأْيِ، وَيَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ العِرَاقِيِّيْنَ، حَتَّى قَدِمَ الشَّافِعِيُّ، فَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ، وَرَجَعَ عَنِ الرَّأْي إِلَى الحَدِيْثِ (6) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ (7) : يَتَكَلَّمُ بِالرَّأْيِ، فَيُخْطِئُ وَيُصِيْبُ، لَيْسَ مَحَلُّهُ   (1) أخرجه البخاري 1 / 333 في الغسل: باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، وباب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، ومسلم (371) في الحيض، وأبو داود (231) والترمذي (121) والنسائي 1 / 145، 146، وابن ماجه (534) وفي الباب عن حذيفة بن اليمان عند مسلم (372) وأبي داود (230) والنسائي 1 / 145. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 66، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 75 (3) " تاريخ بغداد " 6 / 67، وانظر " وفيات الأعيان " 1 / 26، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 75. (4) في الأصل: بد بن مجاهد، والمثبت من " تاريخ بغداد " 6 / 67، و" تهذيب التهذيب " 1 / 118. (5) " تاريخ بغداد " 6 / 67. (6) " تاريخ بغداد " 6 / 67. (7) " الجرح والتعديل " 2 / 98، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 75، وعقب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 75 مَحَلَّ المُسْمِعِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ حُجَّةٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ. مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا: 20 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ الجُرْمِيْهِنِيُّ * الحَافِظُ، المُلَقَّبُ: بِالبُطَيْطِيِّ، فَصَاحِبُ حَدِيْثٍ، مَاتَ شَابّاً سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَهُوَ الَّذِي يَقُوْلُ بُنْدَارُ: حُفَّاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُم غِلْمَانِي: إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ الجُرْمِيْهِنِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالبُخَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ. وَأَمَّا:   = السبكي على ذلك فقال: هذا غلو من أبي حاتم. وليس الكلام في الرأي موجبا للقدح، فلا التفات إلى قول أبي حاتم هذا ... وأبو ثور أظهر أمرا من أن يحتاج إلى توثيق، وقد قدمنا كلام أحمد بن حنبل فيه، وكفى به شرفا. وقال أيضا في الصفحة التالية أنه جوز أن يكون قول أبي حاتم: " محل المسمعين " تصحيفا في الكتب، وأنه قال: " محل المتسعين "، أي: المكثرين، فإن أبا ثور لم يكن من المكثرين في الحديث إكثار غيره من الحفاظ، وقد رأيت اللفظة هكذا بخط بعض محدثي زماننا في الحكاية عن أبي حاتم. ولا شك أن الفقه كان أغلب عليه من الحديث. وفي " تهذيب التهذيب " 1 / 119: محل المتسعين. أيضا. وجاء في " طبقات الشافعية " أيضا 2 / 75. وقال أبو عبد الله الحاكم: كان فقيه أهل بغداد ومفتيهم في عصره، وأحد أعيان المحدثين المتقنين. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان حسن النظر، ثقة فيما يروي من الاثر، إلا أن له شذوذا فارق فيه الجمهور، وقد عدوه أحد الفقهاء. وجاء في " تهذيب التهذيب " 1 / 119: قال مسلمة بن قاسم الأندلسي: ثقة جليل فقيه. (*) الجرح والتعديل 2 / 97، الأنساب 3 / 232، اللباب 1 / 273. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 76 21 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ اليَشْكُرِيُّ * (م، ق) فَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِهِ) . 22 - الجُوْعِيُّ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ القَاسِمُ بنُ عُثْمَانَ العَبْدِيُّ ** الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الوَلِيُّ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ القَاسِمُ بنُ عُثْمَانَ العَبْدِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، وَرَفِيْقُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، عُرِفَ: بِالجُوْعِيِّ (1) . صَحِبَ: أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ. وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ العَمْرِيَّ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَنَسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دُحَيْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: تَفَرَّدَ الجُوْعِيُّ بِحَدِيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ   (*) تهذيب الكمال: 54، تذهيب التهذيب 1 / 35 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 17. (* *) الجرح والتعديل 7 / 114، طبقات الصوفية: 98، حلية الأولياء 9 / 322، 324، الأنساب، 3 / 373، اللباب 1 / 311، العبر 1 / 452، طبقات الأولياء: 280 و393 و397، الضعفاء للعقيلي: 362. (1) بضم الجيم، وسكون الواو، وفي آخرها العين المهملة. قال السمعاني: لعله كان يبقى جائعا كثيرا. وأقره ابن الأثير في " اللباب " 1 / 311. (2) " الجرح والتعديل " 7 / 114. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 77 رِيَاضِ الجَنَّةِ (1)) . قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقْرَأُ عِنْدَ القَاسِمِ بنِ عُثْمَانَ، فَيَصِيْحُ القَاسِمُ وَيَصْعَقُ، وَكَانَ فَاضِلاً مِنْ مُحَدِّثِي دِمَشْقَ، كَانَ يُقَدَّمُ فِي الفَضْلِ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ: سَمِعْتُ قَاسِماً الجُوْعِيَّ، وَكَانَ صُوْفِيّاً نُسِبَ إِلَى الجُوْعِ. وحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الحَصَائِرِيُّ، عَنْ أَبِي الرِّضَا الصَّيَّادِ، قَالَ: كَانَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ عَابِدَ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: قَدِمَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ دِمَشْقَ مَعَ المَأْمُوْنِ، فَبَعَثَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَجَاءَ إِلَيْهِ وَجَالَسَهُ، فَخَلَعَ يَحْيَى عَلَيْهِ طَوِيْلَةً وَمَلْبُوْساً، وَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: فَرِّقْهَا يَا أَبَا الحَسَنِ حَيْثُ تَرَى. فَدَخَلَ بِهَا المَسْجِدَ، وَصَلَّى صَلَوَاتٍ بِالخِلْعَةِ، فَقَالَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ: أَخَذَ دَرَاهِمَ اللُّصُوْصِ، وَلبِسَ ثِيَابَهُم. ثُمَّ أَتَى الجَامِعَ، وَمَرَّ بِهِ وَهُوَ فِي   (1) رجاله ثقات خلا عبد الله بن نافع وهو الصائغ، فهو وإن كان من رجال مسلم في حفظه لين، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 9 من حديث ابن عمر بلفظ " ما بين بيتي ومنبري " وقال: رواه الطبراني في " الكبير " (13156) و" الأوسط " (153) ، ورجاله ثقات. وفي الباب عن عبد الله بن زيد المازني عند مالك 1 / 197، والبخاري 3 / 57، ومسلم (1390) ، والنسائي 2 / 35، وعن أبي هريرة عند البخاري 3 / 57، وعن علي وأبي هريرة عند الترمذي (3911) و (3912) بلفظ " ما بين بيتي " انظر " مجمع الزوائد " 4 / 8، 9. وقال الحافظ في الفتح 3 / 57 تعليقا على قول البخاري: باب فضل ما بين القبر والمنبر: لما ذكر فضل الصلاة في مسجد المدينة أراد أن ينبه على أن بعض بقاع المسجد أفضل من بعض، وترجم بذكر القبر، وأورد الحديثين بلفظ " البيت " لان القبر صار في " البيت " وقد ورد في بعض طرقه بلفظ " القبر " قال القرطبي: الرواية الصحيحة " بيتي " ويروى " قبري " وكأنه بالمعنى، لأنه دفن في بيت سكناه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 78 التَّحِيَّاتِ، فَلَمَّا حَذَاهُ لَطَمَ القَلَنْسُوَةَ، فَسَلَّمَ أَحْمَدُ، وَأَعْطَى القَلَنْسُوَةَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيْمَ، فَذَهَبَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ مَنْ رَآهُ: مَا رَأَيْتَ مَا فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللهُ. وَمِنْ كَلاَمِ القَاسِمِ: رَأْسُ الأَعْمَالِ الرِّضَى عَنِ اللهِ، وَالوَرَعُ عِمَادُ الدِّيْنِ، وَالجُوْعُ (1) مُخُّ العِبَادَةِ، وَالحِصْنُ الحَصِيْنُ الصَّمْتُ. وَقَالَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ: مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مَنْ سَالَمَ سَلِمَ، وَمَنْ شَاتَمَ شُتِمَ، وَمَنْ طَلَبَ الفَضْلَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ نَدِمَ. وَقَالَ: الشَّهَوَاتُ نَفَسُ الدُّنْيَا، فَمَنْ تَرَكَ الشَّهَوَاتِ فَقَدْ تَرَكَ الدُّنْيَا. إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُخَاصِمُ، فَهُوَ يُحِبُّ الرِّئَاسَةَ. قَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: تُوُفِّيَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ زَاهِدَ الوَقْتِ هَذَا الجُوْعِيُّ بِدِمَشْقَ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَذُو النُّوْنِ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ بِطُوْسَ. وَأَيْنَ مِثْلُ هَؤُلاَءِ السَّادَةِ؟ مَا يَمْلأُ عَيْنِي إِلاَّ التُّرَابُ أَوْ مَنْ تَحْتَ التُّرَابِ. 23 - الكَرَابِيْسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ * العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ بَغْدَادَ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ   (1) على هامش الأصل: والجزع، والخبر في " حلية الأولياء " 9 / 223 بلفظ: والجوع. (*) الفهرست: 230، 231، تاريخ بغداد 8 / 64، 67، طبقات الفقهاء للشيرازي: = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 79 البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. سَمِعَ: إِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ. وَتفَقَّهَ بِالشَّافِعِيِّ. رَوَى عَنْهُ: عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ فُسْتُقَةُ. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، ذَكِيّاً، فَطِناً، فَصِيْحاً، لَسِناً. تَصَانِيْفُهُ فِي الفُرُوْعِ وَالأُصُوْلِ تَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَهُجِرَ لِذَلِكَ (1) ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَقَ اللَّفْظَ، وَلَمَّا بَلَغَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي   = 83، طبقات الحنابلة 1 / 142، الأنساب، 10 / 371، اللباب 3 / 88، وفيات الأعيان 2 / 132، 133، تهذيب الكمال: 297، تذهيب التهذيب 1 / 158 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 544، العبر 1 / 450، 451، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 117 / 126، تاريخ ابن كثير 11 / 2، تهذيب التهذيب: 2 / 359، 362، النجوم الزاهرة 2 / 321، طبقات الحفاظ: 368، خلاصة تذهيب الكمال: 84، شذرات الذهب 2 / 117، الانتقاء: 106. والكرابيسي بفتح الكاف والراء، وبعد الالف باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة، وبعدها سين مهملة: هذه النسبة إلى الكرابيس، وهي الثياب الغليظة، واحدها كرباس، بكسر الكاف، وهو لفظ فارسي معرب. وكان أبو علي المذكور يبيعها، فنسب إليها. " وفيات الأعيان " 2 / 133. (1) قال الحافظ ابن عبد البر في " الانتقاء "، ص: 106 في ترجمة الكرابيسي بعد أن جود الثناء على علمه وإتقانه وتصانيفه: وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلما خالفه في القرآن، عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول: غير مخلوق ولا مخلوق، فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع. وكان الكرابيسي، وعبد الله بن كلاب، وأبو ثور، وداود بن علي [والبخاري، والحادث ابن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المرزوي] ، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له، وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلم الله به، وشبهوه بالحمد = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 80 أَحْمَدَ، قَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى أَنْ يُضْرَبَ، وَشَتَمَهُ (1) . قَالَ حُسَيْنٌ فِي القُرْآنِ: لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ، فَبَلَغَ قَوْلُهُ أَحْمَدَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ. فَأَوْضَحَ حُسَيْنٌ المَسْأَلَةَ، وَقَالَ: تَلَفُّظُكَ بِالقُرْآنِ -يَعْنِي: غَيْرَ المَلْفُوْظِ-. وَقَالَ فِي أَحْمَدَ: أَيُّ شَيْءٍ نَعْمَلُ بِهَذَا الصَّبِيِّ؟ إِنْ قُلْنَا: مَخْلُوْقٌ، قَالَ: بِدْعَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، قَالَ: بِدْعَةٌ. فَغَضِبَ لأَحْمَدَ أَصْحَابُهُ، وَنَالُوا مِنْ حُسَيْنٍ (2) .   = والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير، فكذلك يؤجر في التلاوة. وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسينا الكرابيسي وبدعوه، وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك. وقال الامام الذهبي رحمه الله في " الميزان " 1 / 544 في ترجمة الكرابيسي: فإن عنى بقوله: القرآن الكلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق، التلفظ، فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة. وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق، فهذا الذي أنكره أحمد والسلف، وعدوه تجهما. كما وضح المسألة الامام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11 / 510 في ترجمة علي بن حجر، وبين مذهب الكرابيسي والبخاري. وفيه: وبالغ الامام في الحط عليهم، أي: على القائلين: لفظنا بالقرآن مخلوق. وقال عن البخاري: وأما البخاري فكان من كبار الأذكياء، فقال: ما قلت، ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق، وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الاعين وغيرهم. وجاء في " سير أعلام النبلاء " 11 / 291 عن فوران صاحب أحمد، قال: سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن أطلب من أبي عبد الله خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي. فسألته، فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله فغير مخلوق، فأما أفعالنا فمخلوقة. قلت: فاللفظية تعدهم، يا أبا عبد الله، في جملة الجهمية؟ فقال: لا، الجهمية الذين قالوا القرآن المخلوق. وراجع " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 199 وما بعدها، و" تاريخ بغداد " 8 / 65. (1) " تاريخ بغداد " 8 / 64. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 65 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 81 وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا بَلاؤُهُم مِنْ هَذِهِ الكُتُبِ الَّتِي وَضَعُوهَا، وَتَرَكُوا الآثَارَ (1) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيَّ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ لِتَلاَمِذَتِهِ: اعْتَبِرُوا بِالكَرَابِيْسِيِّ، وَبِأَبِي ثَوْرٍ، فَالحُسَيْنُ فِي عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ لاَ يَعْشِرُهُ (2) أَبُو ثَوْرٍ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَابِ مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، فَسَقَطَ، وَأَثْنَى عَلَى أَبِي ثَوْرٍ، فَارْتَفَعَ لِلُزُوْمِهِ لِلسُّنَّةِ (3) . مَاتَ الكَرَابِيْسِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ الكَرَابِيْسِيُّ، وَحَرَّرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفُّظِ، وَأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ هُوَ حَقٌّ، لَكِنْ أَبَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، لِئَلاَّ يُتَذَرَّعَ بِهِ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَسُدَّ البَابُ؛ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَفْرِزَ التَّلفُّظَ مِنَ المَلْفُوْظِ الَّذِي هُوَ كَلاَمُ اللهِ إِلاَّ فِي ذِهْنِكَ. 24 - الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ التُّرْكِيُّ * الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، أَبُو مُحَمَّدٍ التُّرْكِيُّ، شَاعِرٌ، مُتَرَسِّلٌ، بَلِيْغٌ، مُفَوَّهٌ، ذُو سُؤْدُدٍ وَجُوْدٍ وَمَحَاسِنَ عَلَى لَعِبٍ فِيْهِ. وَكَانَ المُتَوَكِّلُ لاَ يَكَادُ يَصْبِرُ عَنْهُ، اسْتَوْزَرَهُ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ إِمْرَةَ الشَّامِ،   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 66. (2) أي: لا يبلغ معشاره. (3) " تاريخ بغداد " 8 / 66، 67، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 120. (*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الفهرست: 130، تاريخ بغداد 12 / 389، معجم الأدباء 16 / 174، 186، الكامل لابن الأثير 7 / 95، 100 و103، 105، الوافي بالوفيات 3 / 177، 179، النجوم الزاهرة 2 / 313 و324، 325، شذرات الذهب 2 / 114. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 82 فَبَعَثَ إِلَيْهَا نُوَّاباً عَنْهُ. وَلَهُ أَخْبَارٌ فِي الكَرَمِ وَالظَّرْفِ وَالأَدَبِ. وَلَمَّا قَدِمَ المُتَوَكِّلُ إِلَى دِمَشْقَ، كَانَ الفَتْحُ زَمِيْلَهُ عَلَى جَمَّازَةٍ (1) . حَكَى عَنْهُ: المُبَرِّدُ، وَأَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ المُؤَدِّبُ. وَكَانَ أَحَدَ الأَذكِيَاءِ، دَخَلَ المُعْتَصِمُ عَلَى الأَمِيْرِ خَاقَانَ، فَمَازَحَ ابْنَهُ هَذَا، وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقَالَ: يَا فَتْحُ، أَيُّمَا أَحْسَنُ: دَارِي أَوْ دَارُكُم؟ فَقَالَ الفَتْحُ: دَارُنَا إِذَا كُنْتَ فِيْهَا. فَوَهَبَهُ مائَةَ أَلْفٍ (2) . وَكَانَ الفَتْحُ ذَا بَاعٍ أَطْوَلَ فِي فُنُوْنِ الأَدَبِ. قُتِلَ مَعَ المُتَوَكِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ (3) . 25 - الفَضْلُ بنُ مَرْوَانَ الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ * حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ. رَوَى عَنْهُ: المُبَرِّدُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ وَهْبٍ الكَاتِبُ، وَغَيْرُهُمَا. يُكْنَى أَبَا العَبَّاسِ، أَصْلُهُ مِنَ البَرَدَانِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ إِلَى وِزَارَةِ المُعْتَصِمِ، وَكَانَ مِنَ البُلَغَاءِ. وَكَانَ المُعْتَصِمُ كَثِيْرَ البَذْلِ، فَرُبَّمَا عَطَّلَ مِنْهُ   (1) أي: على ناقة جمازة، وهي السريعة. والجمز: نوع من العدو سريع، دون الحضر وفوق العنق. ويقال للبعير الذي يسرع: جماز. والخبر في " معجم الأدباء " 16 / 175. (2) " معجم الأدباء " 16 / 175. (3) راجع مقتل المتوكل والفتح في الصفحة: 42 من هذا الجزء. (*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، وفيات الأعيان 4 / 45، 47، النجوم الزاهرة 2 / 332، شذرات الذهب 2 / 122. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 83 الفَضْلُ، فَنَفَاهُ إِلَى السِّنِّ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنَ الزَّيَّاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ سَكَنَ بَعْدُ سَامَرَّاءَ. وَعَنْهُ، قَالَ: أَنْعَمْتُ النَّظَرَ فِي عِلْمَيْنِ، فَلَمْ أَرَهُمَا يَصِحَّانِ: السِّحْرِ وَالنَّحْوِ (1) . وَكَانَ الفَضْلُ فِيْهِ - مَعَ جَوْرِهِ - تِيْهٌ وَبَأْوٌ. تُوُفِّيَ خَامِلاً: سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وأَصْلُهُ نَصْرَانِيٌّ، لَعَلَّهُ بَلَغَ التِّسْعِيْنَ. وَقَدْ خَدَمَ المَأْمُوْنَ. قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (2) : هُوَ الفَضْلُ بنُ مَرْوَانَ بنِ مَاسَرْجِسَ (3) . كَانَ بَدِيْعَ الخَطِّ، مُنْشِئاً، لَمْ يَزَلْ فِي ارْتِقَاءٍ، وَالنَّاسُ يَحْسُدُوْنَهُ حَتَّى نُكِبَ، وَأَدَّى أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَكَانَ المُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: عَصَى اللهَ، وَأَطَاعَنِي، فَسَلَّطَنِيَ اللهُ عَلَيْهِ (4) . قُلْتُ: ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَأَلْزَمَهُ بَيْتَهُ، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَدَ بنَ عَمَّارٍ. وَقِيْلَ: أُلْقِيَتْ رُقْعَةٌ إِلَيْهِ فِيْهَا (5) : تَفَرْعَنْتَ يَا فَضْلَ بنَ مَرْوَانَ فَاعْتَبِرْ ... فَقَبْلَكَ كَانَ الفَضْلُ وَالفَضْلُ وَالفَضْلُ   (1) صدق في الأولى، وأخطأ في الثانية. (2) وهو الحافظ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار البغدادي، المتوفى سنة 643 هـ. وله ذيل على " تاريخ بغداد ". انظر ترجمته في مقدمة كتابه " ذيل تاريخ بغداد ". (3) في " وفيات الأعيان " 4 / 45، و" شذرات الذهب " 2 / 122: ماسرخس، بالخاء المعجمة من فوق. (4) " وفيات الأعيان " 4 / 46. (5) في " وفيات الأعيان " و" شذرات الذهب ": كان قد جلس يوما لقضاء أشغال الناس، ورفعت إليه قصص العامة، فرأى في جملتها ورقة مكتوبا فيها: ... الابيات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 84 ثَلاَثَةُ أَمْلاَكٍ مَضَوْا لِسَبِيْلِهِم ... أَبَادَتْهُمُ الأَقْيَادُ وَالذُّلُّ (1) وَالقَتْلُ (2) عَنَى: الفَضْلَ بنَ يَحْيَى البَرْمَكِيَّ (3) ، وَالفَضْلَ بنَ الرَّبِيْعِ الحَاجِبَ (4) ، وَالفَضْلَ بنَ سَهْلٍ (5) . 26 - أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ الثَّعْلَبِيُّ * (د، ق) وَاسْمُ أَبِيْهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو الحَسَنِ (6) الثَّعْلَبِيُّ، الغَطَفَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الزَّاهِدُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَصْلُهُ مِنَ الكُوْفَةِ. وَقَدْ قَالَ: سَأَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَتَى مَوْلِدُكَ؟ قُلْتُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ   (1) في " وفيات الأعيان "، و" شذرات الذهب ": والحبس. (2) البيتان في " وفيات الأعيان " 4 / 45، و" شذرات الذهب " 2 / 122. وجاء بعدهما: وإنك قد أصبحت في الناس ظالما * ستودي كما أودى الثلاثة من قبل كما جاء فيهما: وذكر المرزباني والزمخشري في " ربيع الابرار " أن هذه الابيات للهيثم ابن فراس السامي. (3) هو أبو العباس الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي، تقدمت ترجمته في الجزء التاسع ترجمة رقم (29) . (4) هو أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر، ترجمة رقم (8) . (5) هو أبو العباس الفضل بن سهل السرخسي، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر ترجمة رقم (2) . (*) الجرح والتعديل 2 / 47، طبقات الصوفية: 98، 102، حلية الأولياء 10 / 5، 33، الرسالة القشيرية: 21، طبقات الحنابلة 1 / 78، صفوة الصفوة 4 / 12، تهذيب الكمال: 28، 29، تذهيب التهذيب 1 / 16 / 1، دول الإسلام 1 / 115، العبر 1 / 446، مرآة الجنان 2 / 153، تاريخ ابن كثير 10 / 342، طبقات الأولياء: 31، 36، تهذيب التهذيب 1 / 49، خلاصة تذهيب الكمال: 8، طبقات الشعراني 1 / 96، شذرات الذهب 2 / 110. (6) جاء في " تهذيب التهذيب " 1 / 49: كناه ابن حبان في " الثقات " أبا العباس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 85 وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: هِيَ مَوْلِدِي (1) . قُلْتُ: عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَأَبِي الحَسَنِ الكِسَائِيِّ، وَوَكِيْعٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَدَخَلَ دِمَشْقَ، فَصَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ مُدَّةً. وَأَخَذَ عَنْ: مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَطَائِفَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ وَالتَّأَلُّهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ (2) ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ (3) ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِمَا) ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُعَافَى الصَّيْدَاوِيُّ، وَأَبُو الجَهْمِ بنُ طَلاَّبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعُمَرُ بنُ بَحْرٍ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ، وَيُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ نَائِلَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، وَأَبُو بَكْر بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَبَّانَ الكِنْدِيُّ؛ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ (4) . قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَذكَرَ أَحْمَدَ بنَ   (1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة 1 / 305. (2) هو الحافظ عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري الدمشقي المتوفى سنة 281 هـ. وهو صاحب " تاريخ دمشق " الذي طبعه المجمع العلمي العربي بدمشق، بتحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني، وسترد ترجمته في الجزء الثالث عشر برقم (146) . (3) هو العالم الجهبذ الناقد عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد، أبو زرعة، سترد ترجمته في الجزء الثالث عشر ترجمة رقم (48) . (4) ترجمه المؤلف في " ميزانه " 1 / 102 فقال: كندي دمشقي، يروي عن هشام بن عمار، اتهم في اللقاء، وبقي إلى سنة 338 هـ. وهاه الكتاني. وقال عبد الغني المصري: ليس بثقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 86 أَبِي الحَوَارِيِّ، فَقَالَ: أَهْلُ الشَّامِ بِهِ يُمْطَرُونَ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُحْسِنُ الثَنَاءَ عَلَيْهِ، وَيُطْنِبُ فِيْهِ (2) . وَقَالَ فَيَّاضُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذكَرَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَقَالَ: أَظُنُّ أَهْلَ الشَّامِ يَسْقِيْهُمُ اللهُ بِهِ الغَيْثَ. قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ - وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ - فَقَالَ: مَا أَظُنُّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ عَنِ الجُنَيْدِ، قَالَ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ رَيْحَانَةُ الشَّامِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِشَيْخٍ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دُلَّنِي عَلَى مَجْلِسِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى. فَمَا كَلَّمَنِي، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ: كُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَ أَبِي بِاللَّيْلِ حَتَّى نَقُوْلَ: قَدْ مَاتَ، ثُمَّ نَسْمَعُ ضَحِكَةً حَتَّى نَقُوْلَ: قَدْ جُنَّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ عِنْدَنَا بِأَنْطَرْسُوْسَ (3) ، فَلَمَّا صَلَّى العَتَمَةَ (4) ، قَامَ يُصَلِّي، فَاسْتَفْتَحَ بِـ {الحَمْدُ للهِ} إِلَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ} ، فَطُفْتُ الحَائِطَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ،   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 47، و" حلية الأولياء " 10 / 22. وبه يمطرون، أي: بدعائه، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين استسقى بالعباس، انظر " صحيح البخاري " 2 / 413 في الاستسقاء: باب سؤال الناس الامام الاستسقاء إذا قحطوا. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 47. (3) في " معجم البلدان ": أنطرطوس: بلد من سواحل بحر الشام. (4) أي: صلاة العشاء، لأنها تصلى في العتمة، أي: الظلمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 87 فَإِذَا هُوَ لاَ يُجَاوِزُهَا، ثُمَّ نُمْتُ، وَمَرَرْتُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا إِلَى الصُّبْحِ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ: مَنْ عَمِلَ بِلا اتِّبَاعِ سُنَّةٍ، فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ. وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ إِرَادَةٍ وَحُبٍّ، أَخْرَجَ اللهُ نُوْرَ اليَقِيْنِ وَالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِهِ (1) . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي (تَارِيْخِ الصُّوْفِيَّةِ (2)) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ مَطَرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ يُوْسُفَ الهِسِنْجَانِيَّ يَقُوْلُ: رَمَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ بِكُتُبِهِ فِي البَحْرِ، وَقَالَ: نِعْمَ الدَّلِيْلُ كُنْتِ وَالاشْتِغَالُ بِالدَّلِيْلِ بَعْدَ الوُصُوْلِ مَحَالٌ (3) . السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: طَلَبَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ العِلْمَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ حَمَلَ كُتُبَهُ كُلَّهَا إِلَى البَحْرِ، فَغَرَّقَهَا، وَقَالَ: يَا عِلْمُ، لَمْ أَفْعَلْ بِكَ هَذَا اسْتِخْفَافاً، وَلَكِنْ لَمَّا اهْتَدَيْتُ بِكَ، اسْتَغْنَيْتُ عَنْكَ (4) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيِّ، وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا الكَاغدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِرَاهِبٍ فِي دَيْرِ حَرْمَلَةَ،   (1) " حلية الأولياء " 10 / 6، و" طبقات الأولياء ": 32. (2) هو غير كتابه " طبقات الصوفية " الذي لم يرد فيه هذا الخبر. (3) " حلية الأولياء " 10 / 6. (4) " حلية الأولياء " 10 / 6، و" طبقات الأولياء ": 32. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 88 وَأَشْرَفَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جُرَيْجٌ. قُلْتُ: مَا يَحْبِسُكَ؟ قَالَ: حَبَسْتُ نَفْسِي عَنِ الشَّهَوَاتِ. قُلْتُ: أَمَا كَانَ يَسْتَقيمُ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ مَعَنَا هَا هُنَا، وَتَجِيءَ وَتَمْنَعَهَا الشَّهَوَاتِ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ!! هَذَا الَّذِي تَصِفُهُ قُوَّةٌ، وَأَنَا فِي ضَعْفٍ. قُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: نَجِدُ فِي كُتُبِنَا أَنَّ بَدَنَ ابْنِ آدَمَ خُلِقَ مِنَ الأَرْضِ، وَرُوْحُهُ خُلِقَ مِنْ مَلَكُوْتِ السَّمَاءِ، فَإِذَا أَجَاعَ بَدَنَهُ وَأَعْرَاهُ وَأَسْهَرَهُ وَأَقْمَأَهُ نَازَعَ الرُّوْحَ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَأَرَاحَهُ أَخْلَدَ البَدَنُ إِلَى المَوَاضِعِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ، فَأَحَبَّ الدُّنْيَا. قُلْتُ: فَإِذَا فَعَلَ هَذَا يُعَجَّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا الثَّوَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، نُوْرٌ يُوَازِيْهِ (1) . قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ، فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، إِنَهُمْ يَصِفُوْنَ (2) . قُلْتُ: الطَّرِيْقَةُ المُثْلَى هِيَ المُحَمَّدِيَّةُ، وَهُوَ الأَخْذُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَنَاوُلُ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ، كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المُؤْمِنُوْنَ: 51] . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُوْمُ وَأَنَامُ، وَآتِي النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي (3)) ، فَلَمْ يَشْرَعْ لَنَا الرَّهْبَانِيَّةَ (4) ، وَلاَ   (1) في " حلية الأولياء " 10 / 5: نعم نورا يواريه. (2) " حلية الأولياء " 10 / 5 (3) قطعة من حديث أخرجه البخاري 9 / 89، 90، ومسلم (1401) ، والنسائي 6 / 60 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (4) بل هي من ابتداع من كان قبلنا، ألزموا أنفسهم بها، ومع ذلك فما رعوها حق رعايتها، كما قال سبحانه: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 27] . قال البغوي في قوله تعالى: (ورهبانية) : وليس هذا بعطف على ما قبله ( ... وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ... ) ، وانتصابه بفعل مضمر، كأنه قال: وابتدعوا رهبانية، أي: جاؤوا بها من قبل أنفسهم. وقال ابن كثير في قوله تعالى: (إلا ابتغاء رضوان الله) : فيه قولان: أحدهما أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة. والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 89 التَّمَزُّقَ وَلا الوِصَالَ، بَلْ وَلا صَوْمَ الدَّهْرِ، وَدِيْنُ الإِسْلاَمِ يُسْرٌ وَحَنِيْفِيَّةٌ سَمْحَةٌ، فَلْيَأْكُلِ المُسْلِمُ مِنَ الطَّيِّبِ إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطَّلاَقُ: 7] ، وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى نَبِيِّنَا (1) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ وَالحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ وَالشَّرَابُ الحُلْوُ البَارِدُ وَالمِسْكُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-. ثُمَّ العَابِدُ العَرِيُّ مِنَ العِلْمِ، مَتَى زَهَدَ وَتبتَّلَ وَجَاعَ، وَخَلاَ بِنَفْسِهِ، وَتَرَكَ اللَّحْمَ وَالثِّمَارَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الدُّقَّةِ وَالكِسْرَةِ، صَفَتْ حَوَاسُّهُ وَلَطُفَتْ، وَلاَزَمَتْهُ خَطَرَاتُ النَّفْسِ، وَسَمِعَ خِطَاباً يَتَوَلَّدُ مِنَ الجُوْعِ وَالسَّهَرِ، لاَ وُجُوْدَ لِذَلِكَ الخَطَابِ -وَاللهِ- فِي الخَارِجِ، وَوَلَجَ الشَّيْطَانُ فِي بَاطِنِهِ وَخَرَجَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ، وَخُوْطِبَ وَارْتَقَى، فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، وَيُوَسْوِسُ لَهُ، فَيَنْظُرُ إِلَى المُؤْمِنِيْنَ بِعَيْنِ الازْدِرَاءِ، وَيَتَذَكَّرُ ذُنُوبَهُم، وَيَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الكَمَالِ، وَرُبَّمَا آلَ بِهِ الأَمْرُ إِلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ وَلِيٌّ، صَاحِبُ كَرَامَاتٍ وَتَمَكُّنٍ، وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ شَكٌّ، وَتَزَلْزَلَ إِيْمَانُهُ. فَالخَلْوَةُ وَالجُوْعُ أَبُو جَادِ التَّرهُّبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرِيْعَتِنَا فِي شَيْءٍ. بَلَى، السُّلُوْكُ الكَامِلُ هُوَ الوَرَعُ فِي القُوْتِ، وَالوَرَعُ فِي المَنْطِقِ، وَحِفْظُ اللِّسَانِ، وَمُلاَزَمَةُ الذِّكْرِ، وَتَرْكُ مُخَالَطَةِ العَامَّةِ، وَالبُكَاءُ عَلَى الخَطِيْئَةِ، وَالتِّلاَوَةُ بِالتَّرْتِيْلِ وَالتَّدَبُّرِ، وَمَقْتُ النَّفْسِ وَذَمُّهَا فِي ذَاتِ اللهِ، وَالإِكْثَارُ مِنَ الصَّوْمِ المَشْرُوْعِ، وَدَوَامُ التَّهَجُّدِ، وَالتَّوَاضُعُ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَالسَّمَاحَةُ وَكَثْرَةُ البِشْرِ، وَالإِنْفَاقُ مَعَ الخَصَاصَةِ، وَقَوْلُ الحَقِّ المُرِّ بِرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ، وَالأَمْرُ بِالعُرْفِ، وَالأَخْذُ بِالعَفْوِ، وَالإِعْرَاضُ عَنِ الجَاهِلِيْنَ، وَالرِّبَاطُ بِالثَّغْرِ، وَجِهَادُ العَدُوِّ، وَحَجُّ البَيْتِ، وَتَنَاوُلُ الطَّيِّبَاتِ   (1) أخرج أحمد 2 / 128 و199 و285، والنسائي 7 / 61 من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وسنده حسن، وصححه الحاكم 2 / 160، ووافقه الذهبي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 90 فِي الأَحَايِيْنِ، وَكَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ فِي السَّحَرِ، فَهَذِهِ شَمَائِلُ الأَوْلِيَاءِ، وَصِفَاتُ المُحَمَّدِيِّيْنَ - أَمَاتَنَا اللهُ عَلَى مَحَبَّتِهِم -. وَبَالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ إِرَادَةٍ وَحُبٍّ، أَخْرَجَ اللهُ نُوْرَ اليَقِيْنِ وَالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِهِ (1) . ثُمَّ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ السُّلَمِيِّ الحِكَايَتَيْنِ فِي تَغْرِيْقِ كُتُبِ أَحْمَدَ فِي البَحْرِ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ بَحْرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ: بَيْنَا أَنَا فِي قُبَّةٍ بِالمَقَابِرِ بِلاَ بَابٍ إِلاَّ كِسَاءٌ أَسْبَلْتُهُ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَدُقُّ عَلَى الحَائِطِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: ضَالَّةٌ، فَدُلَّنِي عَلَى الطَّرِيْقِ. فَقُلْتُ: رَحِمَكِ اللهُ، أَيَّ الطَّرِيْقِ تَسْلُكِيْنَ (3) ؟ فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: عَلَى طَرِيْقِ النَّجَاةِ، يَا أَحْمَدُ. قُلْتُ: هَيْهَاتَ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا عِقَاباً، وَتِلْكَ العِقَابُ لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِالسَّيْرِ الحَثِيْثِ، وَتَصْحِيْحِ المُعَامَلَةِ، وَحَذْفِ العَلاَئِقِ الشَّاغِلَةِ. فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: سُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ جَوَارِحَكَ فَلَمْ تَتَقَطَّعْ، وَفُؤَادَكَ فَلَمْ يَتَصَدَّعْ! ثُمَّ خَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا، فَقُلْتُ لِبَعْضِ النِّسَاءِ: أَيُّ شَيْءٍ حَالُهَا؟ فَقُمْنَ، فَفَتَّشْنَهَا، فَإِذَا وَصِيَّتُهَا فِي جَيْبِهَا: كَفِّنُونِي فِي أَثْوَابِي هَذِهِ، فَإِنْ كَانَ لِي عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، فَهُوَ أَسْعَدُ لِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَبُعْداً لِنَفْسِي. قُلْتُ: مَا هِيَ؟ فَحَرَّكُوهَا، فَإِذَا هِيَ مَيْتَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ الجَارِيَةُ؟ قَالُوا: جَارِيَةٌ قُرَشِيَّةٌ مُصَابَةٌ، وَكَانَ قَرِيْنُهَا يَمْنَعُهَا مِنَ الطَّعَامِ، وَكَانَتْ تَشْكُو إِلَيْنَا وَجَعاً بِجَوْفِهَا، فَكُنَّا نَصِفُهَا لِلأَطِبَّاءِ، فَتَقُوْلُ:   (1) سبق الخبر في الصفحة: 88. (2) " حلية الأولياء " 10 / 6 (3) في " حلية الأولياء " 10 / 11: تسألين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 91 خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّبِيْبِ الرَّاهِبِ - تَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ - أَشْكُو إِلَيْهِ بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ بَلاَئِي، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُ شِفَائِي (1) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ وَكِيْعاً يَبْتَدِئُ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ، فَيَقُوْلُ: مَا هُنَالِكَ إِلاَّ عَفْوُهُ، وَلاَ نَعِيْشُ إِلاَّ فِي سِتْرِهِ، وَلَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ، لَكُشِفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيْمٍ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَائِلَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ: إِنْ دَخَلْتَ القَبْرَ وَمَعَكَ الإِسْلاَمُ، فَأَبْشِرْ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: حَدِّثْنَا. قَالَ: دَعُونَا مِنَ الحَدِيْثِ، فَقَدْ كَبِرْنَا وَنَسِيْنَا، جِيْئُونَا بِذِكْرِ المَعَادِ وَبِذِكْرِ المَقَابِرِ، لَوْ أَنِّي أَعْرِفُ أَهْلَ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُمْ إِلَى بُيُوْتِهِم أُحَدِّثَهُم. وَبِهِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَسْنَدَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ عَنِ المَشَاهِيْرِ وَالأَعْلاَمِ مَا لاَ يُعَدُّ كَثْرَةً. أَبُو الدَّحْدَاحِ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ حَامِدٍ: أَنَّ كِتَابَ المَأْمُوْنِ وَرَدَ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ أَمِيْرِ دِمَشْقَ: أَنْ أَحْضِرِ المُحَدِّثِيْنَ بِدِمَشْقَ، فَامْتَحِنْهُم. قَالَ: فَأَحْضَرَ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ   (1) " حلية الأولياء " 10 / 11 (2) " حلية الأولياء " 10 / 12. وجاء في " تهذيب التهذيب " 1 / 49: قال أبو داود: ما رأيت أحدا أعلم بأخبار النساك منه. وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي: شامي ثقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 92 الرَّحْمَنِ، وَابْنَ ذَكْوَانَ، وَابْنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَامْتَحَنَهُمُ امْتِحَاناً لَيْسَ بِالشَّدِيْدِ، فَأَجَابُوا خَلاَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَجَعَلَ يَرْفُقُ بِهِ، وَيَقُوْلُ: أَليْسَ السَّمَاوَاتُ مَخْلُوْقَةً؟ أَلَيْسَ الأَرْضُ مَخْلُوْقَةً. وَأَحْمَدُ يَأْبَى أَنْ يُطِيْعَهُ، فَسَجَنَهُ فِي دَارِ الحِجَارَةِ، ثُمَّ أَجَابَ بَعْدُ، فَأَطْلَقَهُ. قَالَ أَحْمَدُ السُّلَمِيُّ فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ) : أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّهُ يُفَضِّلُ الأَوْلِيَاءَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَبَذَلُوا الخُطُوطَ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مَكَّةَ، وَجَاوَرَ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْجِعَ، فَرَجَعَ. قُلْتُ: إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَةُ، فَهَذَا مِنْ كَذِبِهِم عَلَى أَحْمَدَ، هُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ ذَلِكَ. وَنَقَلَ السُّلَمِيُّ حِكَايَةً مُنْكَرَةً، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ بَاكَوَيْه، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الغَازِيِّ، سَمِعَا أَبَا بَكْرٍ الشَّبَّاكَ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: كَانَ بَيْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ عَقْدٌ لاَ يُخَالِفُهُ فِي أَمْرٍ، فَجَاءهُ يَوْماً وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ التَّنُّوْرَ قَدْ سُجِرَ، فَمَا تَأْمُرُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَعَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَاقْعُدْ فِيْهِ - كَأَنَّهُ ضَاقَ بِهِ -. وَتَغَافَلَ أَبُو سُلَيْمَانَ سَاعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ، فَقَالَ: اطْلُبُوا أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ فِي التَّنُّوْرِ؛ لأَنَّهُ عَلَى عَقْدٍ أَنْ لاَ يُخَالِفَنِي، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ فِي التَّنُّوْرِ لَمْ يَحْتَرِقْ مِنْهُ شَعْرَةٌ.   (1) وهذا من الخطأ الذي لا ينبغي الاخذ به، ولا التعويل عليه، لأنه لا يجوز في دين الإسلام أن يعقد الإنسان بينه وبين آخر عقدا يلتزم فيه عدم المخالفة بصورة دائمة، لان ذاك الإنسان الذي عاهده على عدم المخالفة ليس بمعصوم، فقد يأمره بما لا يجوز. وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف " أبلغ رد على هذا. والخبر في " طبقات الأولياء ": 33، و" تاريخ ابن كثير " 10 / 348. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 93 تُوُفِّيَ أَحْمَدُ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَنْ يَحْرِصْ عَلَى الإِمَارَةِ، لَمْ يَعْدِلْ فِيْهَا (1) . تُوُفِّيَ مَعَ ابْنِ أَبِي الحَوَارِيِّ: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ المُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَحَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ -. 27 - مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى بنِ بُهْلُوْلٍ القُرَشِيُّ * (د، س، ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، عَالِمُ أَهْلِ حِمْصَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، الحِمْصِيُّ، العَبْدُ الصَّالِحُ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَابْن أَبِي فُدَيْكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ   (1) هو في " حلية الأولياء " 10 / 25، وفيه " من حرص ... " (*) التاريخ الكبير 1 / 246، التاريخ الصغير 2 / 385، الجرح والتعديل 8 / 104، طبقات الحنابلة 1 / 325، الأنساب، ورقة: 176 / آ، اللباب 1 / 389، تهذيب الكمال: 1272، ميزان الاعتدال 4 / 43، العبر 1 / 447، الوافي بالوفيات 5 / 33، البداية والنهاية 10 / 347، العقد الثمين 2 / 356، تهذيب التهذيب 9 / 460، 461، خلاصة تذهيب الكمال: 359. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 94 بنِ فِيْلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ تَمَّامٍ البَهْرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ الغَافِرِ بنُ سَلاَمَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الكَلاَعِيُّ: عَادَلْتُهُ (2) إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَاعْتَلَّ (3) بِالجُحْفَةِ، وَمَاتَ بِمَكَّةَ بِمِنَىً. وَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ وَهُوَ لِمَا بِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَرَؤُوا عَلَيْهِ، فَمَا عَقَلَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُصَفَّى فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ إِلَى مَا صِرْتَ؟ قَالَ: إِلَى خَيْرٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نَرَى رَبَّنَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، صَاحِبُ سُنَّةٍ فِي الدُّنْيَا، وَصَاحِبُ سُنَّةٍ فِي الآخِرَةِ؟! فَتَبَسَّمَ إِلَيَّ. قُلْتُ: قَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضاً، عَنْ مَرَّارِ بنِ حَمُّوَيْه، عَنْهُ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: لَهُ مَنَاكِيْرُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ صَادِقاً (4) . قُلْتُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 104 (2) أي: كنت له عديلا في المحمل. (3) في " تهذيب التهذيب ": فأغفل، وهو تصحيف. (4) " تهذيب التهذيب " 4 / 461. وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: كان يخطئ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 95 الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً لاَ أَعْلَمُ شَجَرَةً أَكْثَرَ شَوْكاً مِنْهَا -يَعْنِي: الطَّلْحَ- فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِنْهَا ثَمَرَةً مِثْلَ خُصْيَةِ التَّيْسِ المَلْبُوْدِ -يَعْنِي: الخَصِيَّ- فِيْهَا سَبْعُوْنَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ، لاَ يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ (1)) . حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. 28 - العَدَنِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ * (م، ت، ق، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَسَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) .   (1) وأورده ابن كثير 4 / 288 من طريق أبي بكر بن أبي داود عن عبد الله، عن محمد بن مصفى بهذا الإسناد، وقال الهيثمي في " المجمع " 10 / 414 بعد أن ذكره: رواه الطبراني 17 / 130 ورجاله رجال الصحيح، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " ونسبه إلى ابن أبي داود في " البعث " والطبراني، وأبي نعيم في " الحلية " 6 / 103، وابن مردويه، وقد تحرف فيه وفي المجمع " عتبة " إلى عقبة. وعتبة بن عبد يكنى أبا الوليد كان اسمه عتلة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم " عتبة " وهو مترجم في " أسد الغابة " 3 / 563، والاصابة 2 / 454. (*) التاريخ الكبير 1 / 265، التاريخ الصغير 2 / 379، الجرح والتعديل 8 / 124، 125، الأنساب 8 / 408، 409، اللباب 2 / 328، تهذيب الكمال: 1287، تذكرة الحفاظ 2 / 501، العبر 1 / 441، العقد الثمين 2 / 387، 388، تهذيب التهذيب 9 / 518، 520، طبقات الحفاظ: 218، خلاصة تذهيب الكمال: 364، شذرات الذهب 2 / 104. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 96 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبِوَاسِطَةٍ النَّسَائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ مَعْبَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الغَضَائِرِيُّ، وَالمُفَضَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَنَدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، وَكَانَتْ بِهِ غَفْلَةٌ. رَأَيْتُ عِنْدَهُ حَدِيْثاً مَوْضُوْعاً، حَدَّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَكَانَ صَدُوْقاً (1) . وَرُوِيَ عَنِ: الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَكَانَ قَدْ حَجَّ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ حَجَّةً. وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ مِنَ الطَّوَافِ سِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ (2) -. قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ بِمَكَّةَ، لإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ النَّسَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 124، 125. وفيه عن أحمد بن سهل الاسفراييني، قال: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل: عمن نكتب؟ فقال: أما بمكة فابن أبي عمر. (2) " تهذيب التهذيب " 9 / 519. وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: لا بأس به. (3) " التاريخ الكبير " 1 / 265 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 97 رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي المَالِ وَالجِسْمِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنَهُ فِي المَالِ وَالجِسْمِ) (1) . 29 - رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بنِ رَافِعٍ المَرْوَزِيُّ * (د، ق) وَقِيْلَ: رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بنِ رَجَاءَ بنِ رَافِعٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُصَنِّفُ، أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَيُقَالُ: السَّمَرْقَنْدِيُّ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو أَحْمَدَ، فَلَعَلَّهُ يُكْنَى بِهِمَا. مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَكِيْمٍ، وَقَبِيْصَةَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، وَسَلمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاءَ الغُدَانِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِخُرَاسَانَ وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ   (1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 11 / 276 في الرقاق من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك، عن أبي الزناد بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (2963) في الزهد من طريقين، عن المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد به - بلفظ " إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه " وأخرجه عبد الرزاق ومن طريقه مسلم عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (2962) (9) وأحمد 2 / 254 و482، والترمذي (2513) وابن ماجه (4142) كلهم من طريق أبي معاوية ووكيع، كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله " والازدراء: الاحتقار والانتقاص والعيب. (*) التاريخ الصغير 2 / 388، الجرح والتعديل 3 / 503، طبقات الحنابلة 1 / 155. 156، تهذيب الكمال: 415، تاريخ بغداد 8 / 410، تذهيب التهذيب 1 / 225 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 542، 543، العبر 1 / 454، تاريخ ابن كثير 11 / 4، تهذيب التهذيب 3 / 269، 270، طبقات الحفاظ: 238، خلاصة تذهيب الكمال: 117، شذرات الذهب 2 / 120 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 98 البَزَّازُ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ السَّقَطِيُّ، وَمُطَيَّنٌ، وَآخَرُوْنَ. وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ، سَمَرْقَنْدِيٌّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ مَرْوَزِيٌّ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: سَكَنَ بَغْدَادَ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، إِمَاماً فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ وَالمَعْرِفَةِ بِهِ (1) . وَذَكَرَ عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى، يُرِيْدُ الشَّاشَ، فَسَمِعْنَا مِنْهُ، وَدَخَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَتَذَاكَرَا. قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ -يَعْنِي: الخَفَّافَ- عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فِيْهَا مَاتَ رَجَاءُ -يَعْنِي: سَنَةَ ت?سْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ-. وَفِيْهَا أَرَّخَهُ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَزَادَ أَنَّهُ مَاتَ بِبَغْدَادَ. وَقَالَ البُخَارِيُّ أَيْضاً: مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ. أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الحَلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ العَلاَّفِ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الحَمَّامِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ قَانِعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 411. وقال ابن ابي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 503: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 99 عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ (1) : أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْماً وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: (هَاتِ نَمِرَتَكَ، وَخُذْ نَمِرَتِي) . قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ نَمِرَتِي. قَالَ: (أَجَلْ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا خَيْطٌ أَحْمَرُ، فَخَشِيْتُ أَنْ تَفْتِنَنِي فِي صَلاَتِي (2)) . قُلْتُ: أَي: تَشْغَلُنِي عَنْ كَمَالِ المُرَاقَبَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ مُطَالَبُونَ بِمَا يُسْمَحُ فِيْهِ لِغَيْرِهِم، فِلِذَلِكَ قَايَضَ بِنَمِرَتِهِ. 30 - البِيْكَنْدِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ جَعْفَرِ بنِ أَعْيَنَ * (خَ) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، مُحَدِّثُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (3) ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ جَعْفَرِ بنِ أَعْيَنَ البُخَارِيُّ، البِيْكَنْدِيُّ (4) . ارْتَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ وَاصلٍ، وَجَمَاعَةٌ.   (1) في الأصل " شرحبيل " وهو خطأ. (2) سنده حسن، وأخرجه البغوي في " شرح السنة " 2 / 433 من طريق عبد الله بن رجاء بهذا الإسناد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 5 / 136، ونسبه للطبراني في " الأوسط " وقال: رجاله رجال الصحيح خلا موسى بن طارق وهو ثقة. وفي الباب عن عائشة عند البخاري 1 / 406، 407 و2 / 28، 29، ومسلم (565) ، ومالك 1 / 97، 98. (*) الأنساب، ورقة: 100 / أ، تهذيب الكمال: 1491، تذهيب التهذيب 4 / 150 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 487، تهذيب التهذيب 11 / 193، طبقات الحفاظ: 211، خلاصة تذهيب الكمال: 422. (3) ما رواء النهر: يراد به نهر جيحون (أموداريا) بخراسان. فما كان شرقيه سماه المسلمون ما وراء النهر، وما كان غربيه فهو خراسان وولاية خوارزم. راجع " معجم البلدان ". (4) نسبة إلى بيكند، بكسر الباء وفتح الكاف، وسكون النون. وهي بلدة بين بخارى وجيحون. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 100 تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. لَمْ يَقَعْ لِي مِنْ عَوَالِي هَذَا المُحَدِّثِ شَيْءٌ، إِنَّمَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُه فِي (الجَامِعِ المُخْتَصَرِ) (1) . 31 - البَحْرَانِيُّ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ * (ق) القَاضِي، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِنُ، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ البَحْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانَ بنِ حَبِيْبٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَزِيَادٍ البَكَّائِيِّ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ غُنْدَرٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الوَرَّاقُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ: قَدِمَ البَحْرَانِيُّ هَمَذَانَ، وَحَدَّثَ بِهَا بِمُصَنَّفَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ أُورمَةَ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.   (1) هو " صحيح البخاري "، واسمه الكامل الذي سماه مؤلفه به، كما قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري ": 6: " الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ". (*) الجرح والتعديل 6 / 217، تهذيب الكمال: 662، تذهيب التهذيب 2 / 128 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 503، 504، ميزان الاعتدال 2 / 387، تهذيب التهذيب 5 / 134، 135، خلاصة تذهيب الكمال: 190، شذرات الذهب 2 / 140. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 217 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 101 وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ يُلَقَّبُ عَبَّاسَوَيْه، وَكَانَ حَافِظاً (1) . قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ هَمَذَانَ مُدَّةً، وَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ أَيْضاً. قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَيُقَالُ: فِيْهِ لِيْنٌ لاَ يَضُرُّ، وَتَكَلَّمَ مَرَّارُ بنُ حَمّوَيْه فِي سَمَاعِهِ مِنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَالرَّجُلُ مَأْمُوْنٌ. 32 - ابْنُ حَبِيْب ٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبِ بنِ سُلَيْمَانَ السُّلَمِيُّ * الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ هَارُوْنَ (2) بنِ جَاهمَةَ ابْنِ الصَّحَابِيِّ عَبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ. وُلِدَ: فِي حَيَاةِ الإِمَامِ مَالِكٍ، بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَخَذَ عَنِ: الغَازِ بنِ قَيْسٍ، وَزِيَادِ شَبَطُوْنَ، وَصَعْصَعَةَ بنِ سَلاَّمٍ.   (1) " تهذيب التهذيب " 5 / 134 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: ربما أخطأ وقال مسلمة بن قاسم: ضعيف الحديث. وقال السمعاني: ثقة مأمون. وقال محمد بن إسحاق المسوحي الحافظ الأصبهاني: قدمت البصرة في طلب الحديث، فقالوا لي: عندكم العباس بن يزيد البحراني، فما تصنع عندنا؟ ! (*) مطمح الانفس: 36، 37، طبقات النحويين واللغويين: 176، 177، تاريخ علماء الأندلس 1 / 269، 272، جذوة المقتبس: 282، 283، ترتيب المدرك 3 / 30، 48، بغية الملتمس: 377، إنباه الرواة 2 / 206، 207، تذكرة الحفاظ 2 / 537، 538، ميزان الاعتدال 2 / 652، 653، العبر 1 / 427، 428، مرآة الجنان 2 / 122، تاريخ ابن كثير 10 / 318، معجم البلدان 1 / 323، الديباج المذهب 2 / 8، 15، تهذيب التهذيب 6 / 390، 391، لسان الميزان 4 / 59، 60، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 100، طبقات الحفاظ: 233، طبقات المفسرين: 347، 350، نفح الطيب 1 / 46 و2 / 5، 8، شذرات الذهب 2 / 90. (2) في " تهذيب التهذيب " 6 / 390: مروان بدل هارون. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 102 ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ، وَحَجَّ. وَحَمَلَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيِّ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى السُّنَّةِ، وَأَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَرجَعَ إِلَى قُرْطُبَةَ بِعِلْمٍ جَمٍّ، وَفِقْهٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِذْقِ فِي الفِقْهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، بَعِيْدَ الصِّيْتِ، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِمُتْقِنٍ، بَلْ يَحْمِلُ الحَدِيْثَ تَهَوُّراً كَيْفَ اتَّفَقَ، وَيَنْقُلُهُ وَجَادَةً (1) وَإِجَازَةً (2) ، وَلاَ يَتَعَانَى تَحْرِيْرَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. صَنَّفَ: كِتَابَ (الوَاضِحَةِ) فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَابَ (الجَامِعِ (3)) ، وَكِتَابَ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) ، وَكِتَابَ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ، وَكِتَابَ (تَفْسِيْرِ المُوَطَّأِ) ، وَكِتَاباً فِي (حُرُوْبِ الإِسْلاَمِ) ، وَكِتَابَ (فَضْلِ المَسْجِدَيْنِ) ، وَكِتَابَ (سِيْرَةِ الإِمَامِ فِيْمَنْ أَلْحَدَ) ، وَكِتَابَ (طَبَقَاتِ   (1) الوجادة: هي أن يجد الشخص أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه، أم لم يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد أحاديث في كتب المؤلفين المعروفين. ففي هذه الانواع كلها لا يجوز له ان يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان،، إذا عرف الخط، ووثق منه. أو يقول: قال فلان، أو نحو ذلك. والذي عليه المحققون من أهل العلم وجوب العمل بها عند حصول الثقة بما يجده القارئ، أي: يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط الشيخ الذي يعرفه، أو يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت النسبة إلى مؤلفه الثقة المأمون، وأن يكون إسناد الخبر صحيحا. (2) الاجازة: هي ان يأذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره بما أذن له بروايته عنه. وقد اختلف العلماء في جواز الرواية والعمل بها، فشرط أكثرهم أن يكون المجيز عالما بما يجيزه، معروفا بذلك، ثقة في دينه وروايته، وأن يكون الطالب للاجازة من أهل العلم حتى لا يوضع العلم في غير أهله. انظر تفصيل ذلك في " الباعث الحثيث ": 119، 122، ومقدمة " جامع الأصول " 1 / 81، 83. (3) في " تاريخ علماء الأندلس " 1 / 270، و" ترتيب المدارك " 3 / 35: الجوامع. وانظر ثبتا بأكثر مصادره في " ترتيب المدارك " 3 / 35، 36. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 103 الفُقَهَاءِ) ، وَكِتَابَ (مَصَابِيْحِ الهُدَى) . قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ بنُ الفَرضِيِّ (1) : كَانَ فَقِيْهاً، نَحْوِيّاً، شَاعِراً، عَرُوْضِيّاً أَخْبَارِيّاً، نَسَّابَةً، طَوِيْلَ اللِّسَانِ، مُتَصَرِّفاً فِي فُنُوْنِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيُّ بنُ مَخْلدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، وَيُوْسُفُ بنُ يَحْيَى المُغَامِيُّ (2) ، وَمُطَرِّفُ بنُ قَيْسٍ، وَخَلْقٌ. وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً: المُغَامِيُّ. سَكَنَ إِلْبِيْرَةَ مِنَ الأَنْدَلُسِ مُدَّةً، ثُمَّ اسْتَقْدَمَهُ الأَمِيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ، فَرَتَّبَهُ فِي الفَتْوَى بِقُرْطُبَةَ، وَقَرَّرَ مَعَهُ يَحْيَى بنُ يَحْيَى فِي النَّظَرِ وَالمُشَاوَرَةِ، فَتُوُفِّيَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى (3) ، وَانْفَرَدَ ابْنُ حَبِيْبٍ بِرِئَاسَةِ العِلْمِ. وَكَانَ حَافِظاً لِلْفِقْهِ، نَبِيْلاً، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالحَدِيْثِ، وَلاَ يَعْرِفُ صَحِيْحَهُ مِنْ سَقِيْمِهِ، ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَسَهَّلُ فِي سَمَاعِهِ، وَيَحْمِلُ عَلَى سَبِيْلِ الإِجَازَةِ أَكْثَرَ رِوَايَتِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ المُنْذِرِ الحِزَامِيَّ قَالَ لَهُ: أَتَانِي صَاحِبُكُم عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ بِغِرَارَةٍ (4) مَمْلُوْءةٍ كُتُباً، فَقَالَ لِي: هَذَا عِلْمُكَ تُجِيْزُهُ لِي؟ فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، مَا قَرَأَ عَلَيَّ مِنْهُ حَرْفاً، وَلاَ قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ.   (1) في كتابه " تاريخ علماء الأندلس ": 272، والخبر فيه بلفظ: كان حافظا للاخبار والأنساب والاشعار. وهو في " ترتيب المدارك 3 / 32، و" الديباج المذهب " 2 / 9. (2) بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، وبعد الالف ميم ثانية: هذه النسبة إلى مغامة، وهي مدينة بالاندلس. (3) هو الليثي، راوي " الموطأ " عن مالك، وهي النسخة المطبوعة المتداولة في المشرق والمغرب. (4) بكسر الغين المعجمة: شبه العدل. والخبر في " تاريخ علماء الأندلس " 1 / 270، و" ترتيب المدارك " 3 / 37، و" نفح الطيب " 2 / 8. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 104 وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ حَبِيْبٍ عَالِمُ الأَنْدَلُسِ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى عَاقِلُهَا، وَعِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ فَقِيْهُهَا (1) . قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَالَ: قِيْلَ لِسَحْنُوْنَ: مَاتَ ابْنُ حَبِيْبٍ. فَقَالَ: مَاتَ عَالِمُ الأَنْدَلُسِ! بَلْ -وَاللهِ- عَالِمُ الدُّنْيَا (2) . حَكَى بَعْضُهُم، قَالَ: هَاجَتِ الرِّيْحُ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ حَبِيْبٍ رَافِعاً يَدَيْهِ، مُتَعَلِّقاً بِحِبَالِ المَرْكِبِ، يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ وَمَا عِنْدَكَ، فَخَلِّصْنَا. قَالَ: فَسَلَّمَ اللهُ. قَالَ: أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ: إِنَّ (الوَاضِحَةَ) عَجِيْبَةٌ جِدّاً، وَإِنَّ فِيْهَا عِلْماً عَظِيْماً فَمَا يَدْخُلُهَا؟ قَالَ: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَكَى فِيْهَا مَذَاهِبَ لَمْ نَجِدْهَا لأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلاَ نُقِلَتْ عَنْهُم. قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّدَفِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) :كَانَ كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ، كَثِيْرَ الجَمْعِ، يَعْتَمِدُ عَلَى الأَخْذِ بِالحَدِيْثِ، وَلَمْ يَكُنْ يُمَيِّزُهُ، وَلاَ يَعْرِفُ الرِّجَالَ، وَكَانَ فَقِيْهاً فِي المَسَائِلِ. قَالَ: وَكَانَ يُطْعَنُ عَلَيْهِ بِكَثْرَةِ الكُتُبِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَجِيزُ الأَخْذَ بِلاَ رِوَايَةٍ وَلاَ مُقَابَلَةٍ، وَأَنَّهُ أَخَذَ بِالإِجَازَةِ كَثِيْراً. قَالَ: وَأُشِيْرَ إِلَيْهِ بِالكَذِبِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ يَطْعُنُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَيَتَنقَّصُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَقَالَ: ظَهَرَ كَذِبُهُ فِي (الوَاضِحَةِ) فِي غَيْرِ شَيْءٍ، فَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ وَضَّاحٍ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ حَبِيْبٍ بِمِصْرَ، فَكَانَ يَضَعُ الطَّوِيلَةَ، وَيَنْسَخُ طُوْلَ نَهَارِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى كَمْ ذَا النَّسْخِ؟ مَتَى   (1) " تاريخ علماء الأندلس " 1 / 271، و" الديباج المذهب " 2 / 9، و" نفخ الطيب " 2 / 7. (2) " الديباج المذهب " 2 / 10. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 105 تَقْرَؤُهُ عَلَى الشَّيْخِ؟ قَالَ: قَدْ أَجَازَ لِي كُتُبَهُ -يَعْنِي: أَسَدَ بنَ مُوْسَى-. فَأَتِيْتُ أَسَداً، فَقُلْتُ: تَمْنَعُنَا أَنْ نَقْرأَ عَلَيْكَ، وَتُجِيْزُ لِغَيْرِنَا؟ فَقَالَ: أَنَا لاَ أَرَى القِرَاءةَ، فَكَيْفَ أُجِيْزُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ مِنِّي كُتُبِي، فَيَكْتُبُ مِنْهَا، لَيْسَ ذَا عَلَيَّ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ فِي (تَارِيْخِهِ) : ابْنُ حَبِيْبٍ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الحَدِيْثَ بِالأَنْدَلُسِ، وَكَانَ لاَ يَفْهَمُ طُرُقَهُ، وَيُصَحِّفُ الأَسْمَاءَ، وَيَحْتَجُّ بِالمَنَاكِيْرِ، فَكَانَ أَهْلُ زَمَانِهِ يَنْسِبُوْنَهُ إِلَى الكَذِبِ، وَلاَ يَرْضَوْنَهُ. وَمِمَّنْ ضَعَّفَ ابْنَ حَبِيْبٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ صُحُفِيّاً، وَأَمَّا التَّعَمُّدُ، فَكَلاَّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ: وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى وَحْشَةٌ، كَانَ كَثِيْرَ المُخَالَفَةِ لَهُ، لَقِيَ أَصْبَغَ بِمِصْرَ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، فَكَانَ يُعَارِضُ يَحْيَى عِنْدَ الأَمْرِ، وَيَرُدُّ قَوْلَهُ، فَيَغْتَمُّ لِذَلِكَ. قَالَ: فَجَمَعَهُمُ القَاضِي مَرَّةً فِي الجَامِعِ، فَسَأَلَهُم عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَفْتَى فِيْهَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَسَعِيْدُ بنُ حَسَّانٍ بِالرِّوَايَةِ، فَخَالَفَهُمَا عَبْدُ المَلِكِ، وَذَكَرَ خِلاَفَهُمَا رِوَايَةً عَنْ أَصْبَغَ، وَكَانَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ وَهْبٍ شَابّاً، قَدْ حَجَّ وَلَحِقَ أَصْبَغَ، فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي كَذَا لِلْمَسْأَلَةِ المَذْكُوْرَةِ؟ هَلْ يَذْكُرُ فِيْهَا الأَصْبَغُ شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ. يَقُوْلُ فِيْهَا: بِكَذَا وَكَذَا، فَذَكَرَ مُوَافَقَةَ سَعِيْدٍ وَيَحْيَى، فَقَالَ لِي سَعِيْدٌ: انْظُرْ مَا تَقُوْلُ، أَنْتَ عَلَى يَقِيْنٍ مِنْهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأْتِنِي بِكِتَابِكَ.   (1) " تاريخ علماء الأندلس " 1 / 271، و" ترتيب المدارك " 3 / 37، وجاء بعده فيهما: وزاد في آخره: قال خالد: إقرار أسد بروايتها، ودفعه كتبه إليه لينسخها، هي الاجازة بعينها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 106 فَخَرَجْتُ مُسْرِعاً، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَأَخْرَجْتُهَا مِنْ قِرْطَاسٍ، فَسُرِرْتُ، وَأَتَيْتُهُ بِالكِتَابِ. قَالَ: تَمْضِي بِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ. فَمَضَيْتُ بِهِ إِلَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فَأَعْلَمْتُهُ، فَاجْتَمَعَا بِالقَاضِي، وَقَالاَ: هَذَا يُخَالِفُنَا بِالكَذِبِ، فَارْدَعْهُ، وَكُفَّهُ. فَجَمَعُهُمُ القَاضِي ثَانِياً، فَتَكَلَّمُوا، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: قَدْ أَعْلَمْتُكَ بِمَا يَقُوْلُ فِيْهَا أَصْبَغُ. فَبَدَرَ عَبْدُ الأَعْلَى، فَقَالَ: تَكْذِبُ عَلَى أَصْبَغَ، أَنَا رَوَيْتُ هَذِهِ المَسْأَلَةَ عَنْهُ عَلَى وِفْقِ مَا قَالاَ، وَهَذَا كِتَابِي. فَقَرَأَهُ القَاضِي، وَقَالَ لِعَبْدِ المَلِكِ: مَا سَاءهُ. وَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: تُفْتِيْنَا بِالكَذِبِ وَالخَطَأِ، وَتُخَالِفُ أَصْحَابَكَ بِالهَوَى؟! لَوْلاَ البُقْيَا عَلَيْكَ، لَعَاقَبْتُكَ. قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: فَلَمَّا خَرَجْتُ، خَطَرْتُ عَلَى دَارِ ابْنِ رُسْتُمَ الحَاجِبِ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ المَلِكِ خَارِجاً مِنْ عِنْدِهِ، فِي وَجْهِهِ البِشْرُ، فَقُلْتُ: لأَدْخُلَنَّ عَلَى ابْنِ رُسْتُمَ. فَدَخَلْتُ، فَلَمْ يَنْتَظِرْ جُلُوْسِي، وَقَالَ: يَا مِسْكِيْنُ، مَنْ غَرَّكَ - أَوْ مَنْ أَدْخَلَكَ - فِي هَذَا؟ تُعَارِضُ مِثْلَ ابْنِ حَبِيْبٍ وَتُكَذِّبُهُ؟ فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّمَا سَأَلَنِي القَاضِي، فَأَجَبْتُ بِمَا عِنْدِي. قَالَ: وَبَعَثَ الأَمِيْرُ إِلَى القَاضِي يَقُوْلُ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُشَاوِرَ عَبَدَ الأَعْلَى؟ فَبَعَثَ يُثْنِي عَلَيَّ، وَيَقُوْلُ: لَمْ أَرَ نَفْسِي فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِ مُشَاوَرَةِ مِثْلِهِ. فَسَأَلَ الأَمِيْرُ وُزَرَاءهُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَوَصَفُوا عِلْمَهُ وَوَلاَءهُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ فَحْلُوْنَ (1) : مَاتَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ يَوْمَ السَّبْتِ، لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِعِلَّةِ الحَصَى -رَحِمَهُ اللهُ-. وَنَقَلَ آخَرُ: أَنَّهُ مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.   (1) في الأصل: مخلون، وهو خطأ. وترجمته في " جذوة المقتبس " 215، و" تاريخ علماء الأندلس " لابن الفرضي: 168. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 107 33 - عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ * (د) وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ؛ مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ، عَنْ أَبِي مَرْوَانَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ حَبِيْبٍ البَزَّازِ المَصِّيْصِيِّ. شَيْخٌ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ. رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (السُّنَنِ) ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ فِي مُصَنَّفَاتِهِ، فَاعْرِفْ (1) . 34 - مُوْسَى بنُ مُعَاوِيَةَ أَبُو جَعْفَرٍ الصُّمَادِحِيُّ ** الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو جَعْفَرٍ الصُّمَادِحيُّ (2) ، المَغْرِبِيُّ، الإفْرِيْقِيُّ. يُقَالُ: إِنَّهُ هَاشِمِيٌّ، جَعْفَرِيٌّ. قَالَ أَبُو العَربِ، وَغَيْرُهُ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِماً بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، صَالِحاً. عَنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي الأَزْهَرِ: قُلْتُ لِسَحْنُوْنَ: إِنَّ مُوْسَى بنَ مُعَاوِيَةَ جَلَسَ فِي الجَامِعِ يُفْتِي النَّاسَ. قَالَ: مَا جَلَسَ أَحَدٌ أَحَقُّ مِنْهُ بِالفَتْوَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ اللَّبَّادِ: أَدْرَكَ مُوْسَى فِي رِحْلَتِهِ جَمَاعَةً، مِنْهُمُ: الفُضَيْلُ بنُ عِيْاضٍ، وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَوَكِيْعٌ (3) .   (*) تهذيب الكمال: 854، تذهيب التهذيب 3 / 3، تهذيب التهذيب 6 / 389، 390، خلاصة تذهيب الكمال: 243. (1) قال الحافظ صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي في " خلاصة تذهيب الكمال ": مات في حدود الأربعين. (* *) لم نجد له ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر. (2) الصمادحية: من بلاد الأندلس. (3) وروى عنه مصنفة، انظر فهرس ابن عطية ص 64. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 108 قُلْتُ: وَأَبو مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَعَنْ مُوْسَى بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: لَمْ أَلْقَ أَحَداً أَرْوَى مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ يَرْوِي خَمْسَةً وَثَلاثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، فَقَرَأَهَا وَكِيْعٌ عَلِيْنَا ظَاهِراً عَلَى تَألِيفِهَا، مَا يُشَكُّ فِي حَدِيْثٍ مِنْهَا. وَعَنْهُ، قَالَ: رَحَلْتُ مِنَ القَيْرَوَانِ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَداً أَخْشَعَ مِنَ البُهْلُوْلِ بنِ رَاشِدٍ حَتَّى لَقِيْتُ وَكِيْعاً، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي اللَّيْل خَتْمَةً وَثُلُثاً (1) ، وَيُصَلِّي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الضُّحَى، وَيُصَلِّي مِنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ. وَعَنْ مُوْسَى، قَالَ: صَلَّى بِنَا هَارُوْنُ الخَلِيْفَةُ الصُّبْحَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَرَأَ بِالرَّحْمَنِ وَالوَاقِعَةِ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لاَ يَسْكُتَ مِنْ حُسْنِ قِرَاءتِهِ، فَقُمْتُ إِلَى الفُضَيْلِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مِسْكِيْنٌ هَارُوْنُ، قَرَأَ الرَّحْمَنَ وَالوَاقِعَةَ وَلاَ يَدْرِي مَا فِيْهِمَا. وَرَوَى عَنْ مُوْسَى: مُحَمْدُ بنُ وَضَّاحٍ، وَأَبُو سَهْلٍ فُرَاتٌ، وَمُحَمْدُ بنُ سَحْنُوْنَ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، رَحَلَ إِلَى الكُوْفَةِ وَالرَّيِّ، لَقِيْتُهُ بِالقَيْرَوَانِ. وَقَالَ مُحَمْدُ بنُ أَحْمَدَ العَنْسِيُّ: هُوَ: مُوْسَى بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ صُمَادِحِ بنِ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الطَّالِبِيُّ، لَقِيْتُهُ وَقَدْ كُفَّ. فَكُلُّ مَا فِي (المُدَوّنَةِ) لِوَكِيْعٍ وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَإِنَّمَا أَخَذَهُ سَحْنُوْنُ عَنْ مُوْسَى.   (1) قد ذكرنا في غير موضع من أجزاء هذا الكتاب أن في هذا الصنيع مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد صح عنه أنه قال " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " ولم يأذن لعبد الله ابن عمرو بن العاص في أن يختم القرآن في أقل من ثلاث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 109 35 - المُحَاسِبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَارِثُ بنُ أَسَدٍ البَغْدَادِيُّ * الزَّاهِدُ، العَارِفُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَارِثُ بنُ أَسَدٍ البَغْدَادِيُّ، المُحَاسِبِيُّ (1) ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ الزُّهْدِيَّةِ. يَرْوِي عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ يَسِيْراً. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَسْرُوْقٍ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ، وَالجُنَيْدُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ خَيْرَانَ الفَقِيْهُ - إِنْ صَحَّ -. قَالَ الخَطِيْبُ: لَهُ كُتُبٌ كَثِيْرَةٌ فِي الزُّهْدِ، وَأُصُوْلِ الدِّيَانَةِ، وَالرَّدِّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ. قَالَ الجُنَيْدُ: خَلَّفَ لَهُ أَبُوْهُ مَالاً كَثِيْراً، فَتَرَكَهُ، وَقَالَ: لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ. وَكَانَ أَبُوْهُ وَاقِفِيّاً (2) . قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ مِقْسَمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ خَيْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ   (*) طبقات الصوفية: 56، 60، حلية الأولياء 10 / 73، 109، الفهرست: 236، تاريخ بغداد 8 / 211، 216، الرسالة القشيرية: 15، الأنساب، ورقة: 509 / ب، صفوة الصفوة 2 / 207، 208، اللباب 3 / 171، وفيات الأعيان 2 / 57، 58، تهذيب الكمال: 215، تذهيب التهذيب 1 / 113 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 430، 431، العبر 1 / 440، مرآة الجنان 2 / 142، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 275، 284، تاريخ ابن كثير 10 / 345، طبقات الأولياء: 175، 177، تهذيب التهذيب 2 / 134، 136، النجوم الزاهرة 2 / 316، خلاصة تذهيب الكمال: 67، طبقات الشعراني 1 / 64، شذرات الذهب 1 / 103، الكواكب الدرية 1 / 218، 219. (1) بضم الميم، وفتح الحاء، وكسر السين المهملة، وفي آخرها باء موحدة، قيل له ذلك لأنه كان يحاسب نفسه. (2) أي: يقف في مسألة خلق القرآن، فلا يقول: مخلوق أو غير مخلوق. والخبر في " حلية الأولياء " 10 / 75، وفي " وفيات الأعيان " 2 / 57: لان أباه كان يقول بالقدر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 110 المُحَاسِبِيَّ مُتَعَلَّقاً بِأَبِيْهِ، يَقُوْلُ: طَلِّقْ أُمِّي، فَإِنَّكَ عَلَى دِيْنٍ، وَهِيَ عَلَى غَيْرِهِ (1) . قَالَ الجُنَيْدُ: قَالَ لِيَ الحَارِثُ: كَمْ تَقُوْلُ: عُزْلَتِي أُنْسِي، لَوْ أَنَّ نِصْفَ الخَلْقِ تَقَرَّبُوا مِنِّي، مَا وَجَدْتُ لَهُمْ أُنْساً، وَلَوْ أَنَّ النِّصْفَ الآخَرَ نَأَوْا عَنِّي، مَا اسْتَوْحَشْتُ (2) . وَاجْتَازَ الحَارِثُ يَوْماً بِي، فَرَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ الضُّرَّ مِنَ الجُوْعِ، فَدَعَوْتُهُ، وَقدَّمْتُ لَهُ أَلْوَاناً، فَأَخَذَ لُقْمَةً، فَرَأَيْتُهُ يَلُوْكُهَا، فَوَثَبَ وَخَرَجَ، وَلفَظَ اللُّقْمَةَ، فَلَقِيْتُهُ، فَعَاتَبْتُهُ. فَقَالَ: أَمَّا الفَّاقَةُ فَكَانَتْ شَدِيْدَةً، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الطَّعَامُ مَرْضِيّاً، ارْتَفَعَ إِلَى أَنْفِي مِنْهُ زَفْرَةٌ (3) ، فَلَمْ أَقْبَلْهُ (4) . وَعَنْ حَارِثٍ، قَالَ: جَوْهَرُ الإِنْسَانِ الفَضْلُ، وَجَوْهَرُ العَقْلِ التَّوْفِيْقُ (5) . وَعَنْهُ، قَالَ: تَرْكُ الدُّنْيَا مَعَ ذِكْرِهَا صِفَةُ الزَّاهِدِيْنَ، وَتَرْكُهَا مَعَ نِسْيَانِهَا صِفَةُ العَارِفِيْنَ (6) . قُلْتُ: المُحَاسِبِيُّ كَبِيْرُ القَدْرِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ يَسِيْرٍ مِنَ الكَلاَمِ،   (1) " حلية الأولياء " 10 / 75، و" تاريخ بغداد " 8 / 214، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 277. (2) " حلية الأولياء " 10 / 74، و" تاريخ بغداد " 8 / 213، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 276. (3) العبارة في " حلية الأولياء ": ارتفع إلى أنفي زمنة فورة وهو خطأ. (4) الخبر مطولا في " حلية الأولياء " 10 / 74، 75، و" تاريخ بغداد " 8 / 213، 4؟ 2، و" طبقات الشافعية " 2 / 276. (5) " حلية الأولياء " 10 / 109، وفيه: ... وجوهر العقل الصبر. والخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 213، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 282. (6) " تاريخ بغداد " 8 / 213 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 111 فَنُقِمَ عَلَيْهِ. وَوَرَدَ: أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ أَثْنَى عَلَى حَالِ الحَارِثِ مِنْ وَجْهٍ، وَحَذَّرَ مِنْهُ. قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: شَهِدْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَسُئِلَ عَنِ المُحَاسِبِيِّ وَكُتُبِهِ، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَهَذِهِ الكُتُبَ، هَذِهِ كُتُبُ بِدَعٍ وضَلاَلاَتٍ، عَلَيْكَ بِالأَثَرِ تَجِدْ غُنيَةً، هَلْ بَلَغَكُم أَنَّ مَالِكاً وَا?ثَّوْرِيَّ وَالأَوْزَاعِيَّ صَنَّفُوا فِي الخَطَرَاتِ وَالوَسَاوِسِ؟ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى البِدَعِ (1) ! قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: تَفَقَّهَ الحَارِثُ، وَكَتَبَ الحَدِيْثَ، وَعَرَفَ مَذَاهِبَ النُّسَّاكِ، وَكَانَ مِنَ العِلْمِ بِمَوْضِعٍ، إِلاَّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ وَمَسْأَلَةِ الإِيْمَانِ. وَقِيْلَ: هَجَرَهُ أَحْمَدُ، فَاخْتَفَى مُدَّةً (2) . وَمَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 36 - أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ * (خَ، م، س) الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، المُصَنِّفُ، أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ بُرْدٍ اليَشْكُرِيُّ مَوْلاَهُمُ، السَّرَخْسِيُّ (3) ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. سَمِعَ: حَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَمُعَاذَ بنَ   (1) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 8 / 215. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 215، 216، و" وفيات الأعيان " 2 / 58. وانظر ما كان بينه وبين الامام أحمد في " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 278، 279. (*) التاريخ الكبير 5 / 383، التاريخ الصغير 2 / 376، الجرح والتعديل 5 / 317، طبقات الحنابلة 1 / 198، الأنساب، ورقة: 600 / ب، اللباب 3 / 413، 414، تهذيب الكمال: 880، تذهيب التهذيب 2 / 264 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 500، 501، العبر 1 / 436، تهذيب التهذيب 7 / 16، 17، خلاصة تذهيب الكمال: 250. (3) بفتح السين والراء المهملتين، وسكون الخاء المعجمة، بعدها سين مهملة، ويقال: بإسكان الراء وفتح الخاء. انظر " معجم البلدان ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 112 هِشَامٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَطَبَقَتَهُم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَالحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (أَفْعَالِ العِبَادِ) : عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهَذَا بَعِيْدٌ، مَا أُرَاهُ لَقِيَهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، قَلَّ مَنْ كَتَبْنَا عَنْهُ مِثْلَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا نَيْسَابُوْرَ أَحَدٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي قُدَامَةَ، وَلاَ أَتْقَنُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ البُسْتِيُّ: هُوَ الَّذِي أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِسَرَخْسِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا. وَقَالَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الذُّهْلِيُّ: كَانَ إِمَاماً، فَاضِلاً، خَيِّراً. وَقَالَ البُخَارِيُّ (1) : مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ بِفِرَبْرَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقَعَ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي صِفَةِ المُنَافِقِ، وَقَدْ رَوْيتُ ذَلِكَ فِي (تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ) .   (1) " التاريخ الكبير " 5 / 383. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 113 37 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بَكَّارٍ البُسْرِيُّ * (ت، س، ق) أبُو الوَلِيْدِ البُسْرِيُّ - مِنْ وَلَدِ بُسْرِ بنِ أَبِي أَرْطَاةَ - القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، العَامِرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَلَهُ بَنُو عَمٍّ. رَوَى عَنْ: عِرَاكِ بنِ خَالِدٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو يَعْلَى، وَحَاجِبُ بنُ أَرْكِيْنَ، وَأَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحٌ (2) . وَقَدْ حَطَّ عَلَيْهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّكَّرِيُّ بِأَنَّهُ قَاصٌّ (3) ، وَأَنَّهُ كَانَ يُحَلِّلُ النِّسَاءَ، وَاتَّهَمَهُ فِي لُقْيِ الوَلِيْدِ، وَمَا الْتَفَتَ الخَطِيْبُ إِلَى قَوْلِ السُّكَّرِيِّ (4) . مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 59، تاريخ بغداد 4 / 241، 243، الأنساب، 2 / 212، 213، تهذيب الكمال: 1 / 383، تذهيب التهذيب 1 / 18 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 115، تهذيب التهذيب 1 / 52، 53، خلاصة تذهيب الكمال: 8، 9. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 59 وفيه: رأيته يحدث ولم أكتب عنه. (2) " تهذيب التهذيب " 1 / 53. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات " ونقل مغلطاي توثيقه عن مسلمة بن قاسم. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 242 وفيه: ... وكنت أعرفه شبه قاص ... ولو شهد عندي وأنا قاض على تمرتين لم أقبل شهادته. فاتقوا الله، وإياكم والسماع عن الكذابين. (4) راجع " تاريخ بغداد " 4 / 242. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 114 38 - هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَرْوَانَ الحَمَّالُ (م، 4) وَابْنُهُ الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو مُوْسَى البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، البَزَّازُ، المُلَقَّبُ: بِالحَمَّالِ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ حَرْبٍ الخَوْلاَنِيَّ، وَحَرَمِيَّ بنَ عُمَارَةَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَالحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَحَمَّادَ بنَ مَسْعَدَةَ، وَمُصْعَبَ بنَ المِقْدَامِ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ (1) ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ - ثُمَّ عَنْ عَفَّانَ وَأَبِي الوَلِيْدِ - وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى البُخَارِيِّ - وَابْنُهُ؛ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الخُوْزِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ: أَكْتُبُ عَنْ هَارُوْنَ الحَمَّالِ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ (2) .   (*) التاريخ الصغير 2 / 378، 379، الجرح والتعديل 9 / 92، تاريخ بغداد 14 / 22، 23، الأنساب، ورقة: 174 / ب، اللباب 1 / 384، تهذيب الكمال: 1429، تذهيب التهذيب 4 / 109 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 478، 479، العبر 1 / 441، تهذيب التهذيب 11 / 8، 9، النجوم الزاهرة 2 / 243، طبقات الحفاظ: 207، خلاصة تذهيب الكمال: 407، شذرات الذهب 2 / 104. (1) بفتح الحاء والفاء، وكسر الراء المهملة: نسبة إلى موضع بالكوفة، واسمه عمر بن سعد بن عبيد، وهو ثقة من رجال مسلم. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 22. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 115 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: لَوْ كَانَ الكَذِبُ حَلاَلاً، تَرَكَهُ هَارُوْنُ الحَمَّالُ تَنَزُّهاً (3) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيُّوَيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ - وَهُوَ الحَمَّالُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَمَّالاً، لأَنَّه حَمَلَ رَجُلاً فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَانْقَطَعَ بِهِ فِيْمَا يُقَالُ (4) - قَالَ ابْنُهُ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَعَلِيٌّ الغَضَائِرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ ابْنُهُ: فِي تَاسِعَ عَشْرَ شَوَّالٍ. وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَ 39 - مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ أَبُو عِمْرَانَ البَزَّازُ ابْنُه* الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الحُجّةُ، النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو عِمْرَانَ البَزَّازُ. وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 92. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 23، و" تهذيب التهذيب " 11 / 9، وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". (3) " تاريخ بغداد " 14 / 23. (4) في " الأنساب ": سمي بذلك، لأنه كان بزازا، فتزهد، فصار يحمل الاشياء بالاجرة، ويأكل منها، وقيل: إنه لقب بالحمال، لكثرة ما حمل من العلم. (*) طبقات الحنابلة 1 / 334، طبقات الحفاظ: 292، تاريخ بغداد 13 / 50، 51 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 116 وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيِّ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَوَالِدِهِ، وَطَبَقَتِهم. وَصَنَّفَ الكُتُبَ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ. رَوَى عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، وَجَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَدَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو الطَّاهِرِ الذُّهْلِيُّ قَاضِي مِصْرَ. قَالَ الصِّبْغِيُّ: مَا رَأَيْنَا فِي حُفَّاظِ الحَدِيْثِ أَهْيَبَ وَلاَ أَوْرَعَ مِنْ مُوْسَى بنِ هَارُوْنَ (1) . وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ: أَحسَنُ النَّاسِ كَلاَماً عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ فِي وَقْتِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي وَقْتِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي يُجْلِسُ مُوْسَى بنَ هَارُوْنَ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِهِ، يَنْظُرُ فِي كُلِّ مَا يُقْرأُ عَلَيْهِ -يَعْنِي: لِيُتْقِنَهُ لَهُ- هَذَا مَعَ ثِقَةِ إِسْمَاعِيْلَ وَجَلاَلَتِهِ فِي العِلْمِ وَالحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ شَاخَ، وَنَاطحَ التِّسْعِيْنَ، فَخَافَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمٌ بَعْد ثُبُوتِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ مُوْسَى ثِقَةً، حَافِظاً (2) . وَقِيْلَ: كَانَ مُوْسَى كَثِيْرَ الحَجِّ، فَكَانَ يُقِيمُ بِبَغْدَادَ سَنَةً، وَيَحُجُّ وَيُجَاوِرُ سَنَةً، وَأَظُنُّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي غُضُوْنِ ذَلِكَ.   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 51 وتتمته فيه: كان إذا قعد إسماعيل بن إسحاق القاضي في مجلسه لا يحدث حتى يحضر موسى بن هارون. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 50. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 117 مَاتَ: فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ عَاماً. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ، وَعوَالِي أَبِيْهِ. فَأَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرُ بنُ المُوَرِّعِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ حِلَقٌ فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِيْنَ (1) ؟) . وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المُسَيَّبِ، عَنْ تَمِيْمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا لَكُمْ لاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟) . قَالَ: (يُتِمُّوْنَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّوْنَ فِي الصَّفِّ (2)) . أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحَنْبَلِيُّونَ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا   (1) إسناده صحيح، وأخرجه أبو داود (4823) في الأدب: باب في التحلق، ومسلم (430) في الصلاة من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد. وقوله: " عزين " قال الخطابي: يريد فرقا مختلفين لا يجمعكم مجلس واحد، وواحد العزين: عزة. (2) إسناده صحيح، وهو قطعة من الحديث السابق عند مسلم (430) وأخرجه أبو داود (661) في الصلاة: باب تسوية الصفوف، عن عبد الله النفيلي، عند زهير، وأخرجه النسائي 2 / 92 في الامامة: باب حث الامام على رص الصفوف والمقاربة بينها عن قتيبة، عن الفضيل بن عياض، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 118 هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا كَامِلُ بنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ: أَحَدُهَا بُرْدٌ، وَأُلْحِدَ لَهُ، وَنُصِبَ عَلَى اللَّحْدِ اللَّبِنُ. هَذَا مُرْسَلٌ، جَيِّدٌ (1) ، وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ عَنِ اللَّيْثِ. 40 - الأَعْيَنُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ طَرِيْفٍ * (م) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَتَّابٍ الحَسَنِ بنِ طَرِيْفٍ البَغْدَادِيُّ، الأَعْيَنُ. حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَروْحٍ، وَالمُقْرِئِ، وَالفِرْيَابِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (المُقَدِّمَةِ) ، وَأَبُو دَاوُدَ خَارِجَ (سُنَنِهِ) ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ - رَفِيقُهُ - وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالبَغَوِيُّ، وَالسَّرَّاجُ، وَعِدَّةٌ.   (1) انظر " الفتح " 3 / 108، وسنن أبي داود (3149) و (3125) وقد صح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيهن قميص ولا عمامة أخرجه مالك 1 / 323، والبخاري 3 / 108، ومسلم (941) والترمذي (996) وأبو داود (3051) والنسائي 4 / 35. ولمسلم (966) والنسائي 4 / 80 من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: " الحدو لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. واللحد: هو الشق في عرض القبر من جهة القبلة. (*) الجرح والتعديل 7 / 229، طبقات الحنابلة 1 / 331، تاريخ بغداد 2 / 182، 183، الأنساب، 1 / 318، اللباب 1 / 76، تهذيب الكمال: 1239، تذهيب التهذيب 3 / 230 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 552، العبر 1 / 433، الوافي بالوفيات 2 / 335، تهذيب التهذيب 9 / 334، 335، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 351، شذرات الذهب 2 / 95. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 119 وَثَّقَهُ: ابْنُ حِبَّانَ. وَمَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ أَبِي، وَقَالَ: إِنِّي لأَغْبِطُهُ، مَاتَ وَمَا يَعرِفُ إِلاَّ الحَدِيْثَ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ كَلاَمٍ (2) . قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ، لاَ يَرَوْنَ الدُّخُوْلَ فِي الكَلاَمِ، وَلاَ الجِدَالَ، بَلْ يَسْتَفْرِغُونَ وُسْعَهُم فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّفَقُهِ فِيْهِمَا، وَيَتَّبِعُونَ، وَلاَ يَتَنَطَّعُونَ. 41 - زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ زِيَادٍ الطُّوْسِيُّ * (خَ، د، ت، س) الإِمَامُ، المُتْقِنُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، شُعْبَةُ الصَّغِيْرُ، أَبُو هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، وَيُلَقَّبُ أَيضاً: دَلَّوَيْه. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: هُشَيْمَ بنَ بَشِيْرٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، وَزِيَادَ بنَ عَبْدِ اللهِ   (1) وجاء في " تاريخ بغداد " 2 / 183: ببغداد، يوم الثلاثاء، لثلاث عشر بقين من جمادى الأولى سنة أربعين. وجاء فيه أيضا عن عبد الخالق بن منصور، قال: وسئل يحيى بن معين عن أبي بكر الاعين، فقال: ليس هو من أصحاب الحديث. فقال الخطيب البغدادي: عنى يحيى بذلك أنه لم يكن من الحفاظ لعلل الحديث، والنقاد لطرقه مثل علي بن المديني ونحوه. وأما الصدق والضبط لما سمعه: فلم يكن مدفوعا عنه. وقال الخطيب أيضا: وكان ثقة. (2) " الوافي بالوفيات " 2 / 335. (*) التاريخ الكبير 3 / 345، التاريخ الصغير 2 / 395، الجرح والتعديل 3 / 525، تاريخ بغداد 8 / 479، 481، طبقات الحنابلة 1 / 156، 158، تهذيب الكمال: 440، تذهيب التهذيب 1 / 242 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 508، 509، العبر 2 / 3، تاريخ ابن كثير 11 / 11، تهذيب التهذيب 3 / 355، طبقات الحفاظ: 221، خلاصة تذهيب الكمال: 124، شذرات الذهب 2 / 126. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 120 البَكَّائِيَّ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَبَّادَ بنَ العَوَّامِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ، وَعَلِيَّ بنَ غُرَابٍ، وَمَرْوَانَ بنَ شُجَاعٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ، وَطَالَ عُمُرُهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْزَجَانِيُّ (1) ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغيَانِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَعَدَدٌ سِوَاهُم. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيقُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ: لَيْسَ عَلَى بَسِيطِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَوْثَقُ مِنْ زِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: اكتُبُوا عَنْ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ شُعْبَةُ الصَّغِيْرُ (4) . وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَوْلِدِي سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَطَلَبْتُ الحَدِيْثَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ (5) .   (1) لم يضبطها السمعاني في الأنساب ولا ابن الأثير في " اللباب "، وضبطها السيوطي في " لب اللباب ": 70 بضم الجيم وفتح الزاي. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 480. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 525. (4) " تاريخ بغداد " 8 / 480. (5) " تاريخ بغداد " 8 / 481، و" تهذيب التهذيب " 3 / 355 وفيه: وقال النسائي: = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 121 قَالُوا: تُوُفِّيَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: تَقَعُ عَوَالِيهِ فِي (المَحَامِلِيَّاتِ) . قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الخَالِقِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ القَاضِي ببَعْلَبَكَّ: أَخْبَرَكُمُ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ سنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ القَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ اِسْمَاعِيْلَ القَاضِي إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ بنُ حَدِيْدٍ، عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُوْرِهَا) . وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيشاً، بَعَثَهُم مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ (2) ، غَرِيْبٌ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَأَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَالقَزْوِيْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ   = ليس به بأس. وقال في موضع آخر: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الدارقطني: دلويه ثقة مأمون، وقيل: إنه كان يقول: من سماني دلويه لا أجعله في حل. (1) بفتح الياء المنقوطة بواحدة، وكسر الجيم، وسكون السين المهملة، وفتح الراء، وفي آخرها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها: هذه النسبة إلى باجسرا، وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد على عشرة فراسخ منها. (2) إنما حسنه الترمذي لشواهده، لا لسنده هذا، فإن عمارة بن حديد مجهول، وهو في سنن أبي داود (2606) والترمذي (1212) وابن ماجه (2236) وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (2237) وآخر عن ابن عمر عنده أيضا (2238) وفي الباب عن ابن عباس، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام، وعمران بن حصين عند الطبراني كما في " المجمع " 3 / 61، 62، فالحديث صحيح بها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 122 أَبِي شَيْبَةَ، جَمِيْعاً عَنْ هُشَيْمٍ. وَرَوَاهُ: النَّسَائِيُّ نَازِلاً، عَنِ الفَلاَّسِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى. وَمَاتَ مَعَهُ عَامَ اثْنَيْنِ: مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَبُنْدَارُ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الجَوَّازُ (1) ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْجُوْفٍ، وَالمُسْتَعِيْنُ - قَتَلُوهُ - وَإِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، وَالأَمِيْرُ أَشْنَاسُ، وَخَلْقٌ. 42 - أَبُو مُوْسَى العَنَزِيُّ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى بنِ عُبَيْدٍ * (ع) ابْنِ قَيْسِ بنِ دِيْنَارٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُوْسَى العَنَزِيُّ، البَصْرِيُّ، الزَّمِنُ. وُلِدَ مَعَ بُنْدَارٍ فِي عَامِ وَفَاةِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ (2) . وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ إِدْرِيْسَ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَغُنْدَرٍ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَفَّانَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ، لاَ بَلْ يَنْزِلُ إِلَى   (1) بفتح الجيم، وتشديد الواو المفتوحة، بعدها زاي معجمة: هذه النسبة إلى عد الجوز فيما يظن. (*) التاريخ الصغير 2 / 396، الجرح والتعديل 8 / 95، تاريخ بغداد 3 / 283، 286، الأنساب، 9 / 78، اللباب 2 / 362، تهذيب الكمال: 1263، 1264، تذكرة الحفاظ 2 / 512، ميزان الاعتدال 4 / 24، العبر: 2 / 4، الوافي بالوفيات 4 / 384، تاريخ ابن كثير 11 / 11، تهذيب التهذيب 9 / 425، 427، طبقات الحفاظ: 222، خلاصة تذهيب الكمال: 357، شذرات الذهب 2 / 126. (2) راجع " تاريخ بغداد " 3 / 284. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 123 تِلمِيذِهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ. جَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ. رَوَى عَنْهُ: الجَمَاعَةُ سِتَّتُهُم، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَبَقِيٌّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَقَاسِمٌ المُطَرِّزُ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: حُجَّةٌ (1) . وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: صَدُوْقُ اللَّهْجَةِ، فِي عَقلِهِ شَيْءٌ (2) ، وكُنْتُ أُقَدِّمُهُ عَلَى بُنْدَارٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ (3) . وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ أَثْبَتَ مِنْ أَبِي مُوْسَى وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ (4) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: كَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ يُغَيِّرُ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْسُفَ بنِ خِرَاشٍ؛ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَكَانَ مِنَ الأَثْبَاتِ.   (1) " تهذيب التهذيب " 9 / 427، وفيه: قال السلمي عن الدارقطني: كان أحد الثقات، وقدمه على بندار. وقال مسلمة: ثقة مشهور من الحفاظ. (2) ربما نسبه إلى ذلك لما سيذكره المؤلف من أنه مزح مرة، فقال: نحن قوم لنا شرف، صلى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم. (3) " الجرح والتعديل " 8 / 95. وفيه عن عبد الله بن أحمد، قال: سمعت يحيى بن معين، وذكر أبا موسى الزمن، فقال: ثقة. (4) في الأصل: حكم، والتصويب من " تاريخ بغداد " 3 / 286، و" تهذيب التهذيب " 4 / 426. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 124 وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، لاَ يَقْرأُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِهِ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ صَدُوْقاً، وَرِعاً (1) . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، احْتَجَّ بِهِ سَائِرُ الأَئِمَّةِ (2) . وَيَرْوِي أَنَّ أَبَا مُوْسَى مَزَحَ مَرَّةً، فَقَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَرَفٌ، صَلَّى إِلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (3) -. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو مُوْسَى فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي حَامِدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 285. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 284 وفيه عن أبي عمرو بن حمدان النيسابوري، قال: سمعت أبا الحسن السمناني يقول: كان أهل البصرة يقدمون أبا موسى على بندار، وكان الغرباء يقدمون بندارا على أبي موسى ... وسئل محمد بن علي النيسابوري عن أبي موسى الزمن، فقال: حجة، وقال الصفدي في " الوافي بالوفيات " 4 / 384 كان أرجح من بندار وأحفظ، لأنه رحل، وبندار لم يرحل، واتفقا في المولد والوفاة. (3) جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري 1 / 475 في سترة المصلي: باب الصلاة إلى العنزة، ومسلم (503) في الصلاة: باب سترة المصلي عن أبي جحيفة ... وفيه: فصلى بنا الظهر والعصر وبين يديه عنزة. والعنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر، فيها سنان مثل سنان الرمح. ومحمد بن موسى عنزي، فأوهم في مزحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إليهم. (4) أخرجه البخاري 3 / 347 في الحج: باب من أين يخرج من مكة، وفي = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 125 أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، خَمْسَتُهُم عَنْ أَبِي مُوْسَى العَنَزِيِّ، فَوَافَقْنَاهُمْ بِعُلُوٍّ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ النَّاصِحِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدِ بنِ السَّرِيِّ، وَقُلْتُ لَهُ: لِمْ لاَ تَقُوْلُ فِي مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى إِذَا ذَكَرْتَهُ: الزَّمِنَ، كَمَا يَقُوْلُ الشُّيُوْخُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَهُ زَمِناً، رَأَيْتُهُ يَمْشِي، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنْتُ فِي لَيْلَةٍ شَدِيْدَةِ البَرْدِ، فَجَثَوتُ عَلَى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَتَوَضَّأْتُ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَسَأَلْتُ اللهَ، فَقُمْتُ أَمْشِي. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يَمْشِي، وَلَمْ أَرَهُ زَمِناً. حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ، رَوَاهَا السِّلَفِيُّ، عَنِ الرَّازِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عليُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ النَّاصِحِ. 43 - هَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ * (ت، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: المُطَّلِبَ بنَ زِيَادٍ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَبَدْرُ   = المغازي: باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة، ومسلم (1258) في الحج: باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، وأبو داود (1869) في المناسك: باب دخول مكة، والترمذي (853) في الحج: باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها، وخروجه من أسفلها. وهو في " المسند " 6 / 40 من طريق سفيان، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة. (*) الجرح والتعديل 9 / 87، 88، تهذيب الكمال: 1427، تذهيب التهذيب 4 / 108 / 1، خلاصة تذهيب الكمال: 406. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 126 بنُ الهَيْثَمِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يُجِلُّهُ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ قَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الخَالِقِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الفَقِيْهِ: أَخْبَرَكُمُ الإِمَامُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الخَطَّابِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (المَعْرُوْفُ كُلُّهُ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ اللهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهُ، وَإِنَّ آخِرَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَهْلُ الجَاهِليَّةِ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِي، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ (3)) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 88 وفيه أيضا عن عبد الرحمن، قال: سمعت أبي يقول: هارون بن إسحاق الهمداني صدوق. (2) " تهذيب التهذيب " 11 / 3 وفيه: وقال ابن خزيمة: كان من خيار عباد الله. وذكره ابن حيان في " الثقات ". وقال النسائي في " أسماء شيوخه ": نعم الشيخ كان، وهو أحب إلي من أبي سعيد الاشج، وكان قليل الحديث. (3) إسناده صحيح، وأبو خالد الاحمر: هو سليمان بن حيان، والفقرة الأولى والأخيرة منه في " المسند " 5 / 383 و405 والخطيب 12 / 135، 136 من طريقين، عن أبي مالك الاشجعي، عن ربعي بن حراش بهذا الإسناد، والفقرة الأولى عند مسلم (1005) وأبي داود = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 127 44 - السُّكَّرِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ * (ق) الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، قَاضِي دِمَشْقَ، أَبُو الحَسَنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ القُرَشِيُّ، العَبْدَرِيُّ، الرَّقِّيُّ، المَعْرُوْفُ: بِالسُّكَّرِيِّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي المَلِيْحِ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو الرَّقِّيَّيْنِ، وَيَعْلَى بنِ الأَشْدَقِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَإِتْقَانٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَجُمَاهِرُ الزَّمْلَكَانِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَاغَنْديِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ مَلاَّسٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيَّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: وَلَّى أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَى قَضَاءِ دِمَشْقَ إِسْمَاعِيْلَ السُّكَّرِيَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ إِلَى أَنْ وَلِيَ القَضَاءَ   = (4947) من طرق عن أبي مالك الاشجعي به بلفظ " كل معروف صدقة " وقوله " إن الله صانع كل صانع وصنعته " أخرجه الحاكم 1 / 31 و32، والبيهقي في " الأسماء والصفات ": 388، والبخاري في " خلق أفعال العباد ": 137، وأبو نعيم في " الحلية " 4 / 371. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (*) الجرح والتعديل 2 / 181، تهذيب الكمال: 105، تذهيب التهذيب 1 / 64 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 236، تهذيب التهذيب 1 / 307، 308، خلاصة تذهيب الكمال: 34، تهذيب ابن عساكر 2 / 26. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 181. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 128 لِلْمُتَوَكِّلِ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، فَعَزَلَ السُّكَّرِيَّ بِمُحَمَّدِ بنِ هَاشِمٍ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَيُّوْبَ الحَوْرَانِيُّ: قُلْتُ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ القَاضِي: بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ صُوفِيّاً، مَنْ أَكلَ مِنْ جِرَابكَ كِسْرَةً افتَخَرَ بِهَا. فَقَالَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ. قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ عَلاَّنُ: مَاتَ إِسْمَاعِيْلُ السُّكَّرِيُّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ يُرْمَى بِالتَّجَهُّمِ (1) . 45 - قُلْتُ: فَأَمَّا: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ * فَآخَرُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ. مَا لَحِقَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَوَهِمَ صَاحِبُ (النَّبَلِ (2)) ، وَزَعَمَ أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَى عَنِ ابْنِ زُرَارَةَ.   (1) الجهمية: هم أتباع جهم بن صفوان، تلميذ الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري سنة 124 هـ. والجعد هذا أول من ابتدع القول بخلق القرآن، وتعطيل الله عن صفاته. والجهمية من الجبرية الخالصة. وقد ظهرت بدعة جهم بترمذ، وقتله مسلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية. والجهمية توافق المعتزلة في نفي الصفات الازلية، وتزيد عليهم بأشياء. انظر " الملل والنحل " 1 / 86، 88. (*) التاريخ الكبير 1 / 366، الجرح والتعديل 2 / 181، تاريخ بغداد 6 / 261، 262، تهذيب الكمال: 105، تذهيب التهذيب 1 / 64 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 236، تهذيب التهذيب 1 / 308، 309، المعجم المشتمل لابن عساكر: 80، خلاصة تذهيب الكمال: 34، 35. (2) في " معجمه "، ص: 80 المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة الستة: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. تأليف الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، المتوفى سنة 571 هـ وقد طبع بتحقيق الفاضلة سكينة الشهابي بدمشق سنة 1980. وقد سبق المؤلف إلى توهيم ابن عساكر شيخه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " 105، وجاء فيه: إن وفاة ابن زرارة سنة تسع وعشرين ومئتين بالبصرة كما ذكر في ترجمته، وليس في مشايخ ابن ماجة الذين سمع منهم في رحلته من توفي في هذا التاريخ. = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 129 46 - أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ الدَّوْرَقِيُّ * (م، د، ت، ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، المُصَنِّفُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ، أَخُو الحَافِظِ يَعْقُوْبَ، وَوَالِدُ المُحَدِّثِ الثِّقَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ. وَهَذِهِ نِسْبَةٌ إِلَى بَيْعِ القَلاَنِسِ الدَّوْرَقِيَّةِ. وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُم إِبْرَاهِيْمُ بنُ كَثِيْرٍ مِنَ النُّسَاكِ العُبَّادِ، فَقِيْلَ: كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ كُلُّ مَنْ تَنَسَّكَ يُقَالُ لَهُ: دَوْرَقِيٌّ. سَمِعَ أَحْمَدُ مِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، ووَكِيْعٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَبَهْزِ بنِ أَسَدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِلُ فِي الرِّوَايَةِ: إِلَى عَفَّانَ، وَأَبِي سَلَمَةَ التَّبُوْذَكِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ الدُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَدْرٍ البَاهِلِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. وَكَانَ حَافِظاً يَقِظاً، حَسَنَ التَّصنِيفِ.   = ومن أقدم شيوخه وفاة إسماعيل بن محمد الطلحي الكوفي. وقد ذكر أبو القاسم بن عساكر أنه توفي سنة اثنتين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، فتبين بذلك أن رحلته كانت بعد موت ابن زرارة. (*) التاريخ الصغير 2 / 384، التاريخ الكبير 2 / 6، الجرح والتعديل 2 / 39، تاريخ بغداد 4 / 6، 7، طبقات الحنابلة 1 / 22، الأنساب 5 / 391، 392، و8 / 356، اللباب 1 / 512، تهذيب الكمال: 15، تذهيب التهذيب 1 / 6 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 505، العبر 1 / 446، تاريخ ابن كثير 10 / 347، تهذيب التهذيب 1 / 10، 11، طبقات الحفاظ: 220، خلاصة تذهيب الكمال: 3، شذرات الذهب 2 / 110. (1) " تاريخ بغداد " 4 / 6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 130 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . ذَكَرَهُ الخَطِيْبُ، وَوَرَّخَ وَفَاتَهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ سَنَةَ سَبْعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ ظَافِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُظَفَّرٍ الكَحَّالُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَنْدِسُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ القَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ حكَمَ عَلَى بَنِي قُرَيظَةَ، أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ كُلُّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ المُوْسَى، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالهُم وَذَرَارِيْهِم. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَقَدْ حَكَمَ فِيْهِمُ اليَوْمَ بِحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ) . تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ: النَّسَائِيُّ (3) ، فَرَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 39. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 7 وفيه عن يعقوب بن إسحاق، قال: سألت صالحا عن يعقوب وأحمد الدورقيين، فقال: كان أحمد أكثرهما حديثا، وأعلمهما بالحديث. وكان يعقوب أسندهما. وكانا جميعا ثقتين. وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1 / 10: قال العقيلي: ثقة. وقال الخليلي في " الارشاد ": ثقة متفق عليه. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (3) إسناده حسن، وهو في " سنن النسائي " الذي لم يطبع، وقد نسبه إليه أيضا الحافظ في " الفتح " 7 / 317، وأخرجه البخاري 7 / 316، 317 في المغازي: باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الاحزاب، ومسلم (1768) من طرق عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري ... وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قضيت بحكم الله " وربما قال: " بحكم الملك " وفي رواية لمسلم " لقد حكمت فيهم بحكم الله " وقال مرة " لقد حكمت بحكم الملك " قال الحافظ: ورواية شبعة أصح، ويحتمل أن يكون لسعد بن إبراهيم فيه إسنادان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 131 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَاشِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ أَيُّوْبُ يَمْشِي إِلَى مَسْجِدِ بَنِي ضُبَيعَةَ يَسْأَلُ عَنِ الحَدِيْثِ، فَحَدَّثَ أَيُّوْبُ يَوْماً بِحَدِيْثِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ (1) : أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتِ الحَجَّ، فَقَالَ أَيُّوْبُ: هَاتُوا إِسْنَاَداً مِثْلَ هَذَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي الزَّبُوْرِ: بِكِبْرِيَاءِ المُنَافِقِ يَحْتَرِقُ المِسْكِيْنُ. قَالَ: وَقَرَأْتُ فِي   (1) هو طارق بن شهاب بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جشم البجلي الاحمسي، قال الحافظ في " الإصابة " 2 / 220: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل، ويقال: انه لم يسمع منه شيئا، وقال أبو حاتم فيما ذكره عنه ابنه في " المراسيل " ص 98: طارق بن شهاب له رؤية، وليست له صحبة، والحديث الذي رواه مرسل، فقال له ابنه: قد أدخلته في " مسند الوحدان "؟ ! فقال: انما أدخلته في الوحدان لما يحكى من رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم، ونقله الحافظ في " الإصابة " وعقب عليه فقال: إذا ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صحابي على الراجح، وإذا ثبت أنه لم يسمع منه، فروايته عنه مرسل صحابي، وهو مقبول على الراجح، وقد أخرج له النسائي عدة أحاديث، وذلك مصير منه إلى إثبات صحبته، وأخرج له أبو داود حديثا واحدا (1067) وقال: طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا. وقال أبو داود الطيالسي في " مسنده " 2 / 146: حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم، وغزوت في خلافة أبي بكر في السرايا وغيرها. وهذا إسناد صحيح، وروى أيضا من طريق شعبة عن مخارق قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: قدم وفد بجيلة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبدأ بالاحمسين، ودعا لنا. وهذا إسناد صحيح أيضا، وحديث طارق عن الصحابة في الكتب الستة، منهم الخلفاء الأربعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 132 الزَّبُورِ: إِنِّي أَنتَقِمُ لِلْمُنَافِقِ مِنَ المُنَافِقِ، ثُمَّ أَنتَقِمُ مِنَ المُنَافِقين جَمِيْعاً، فذَلِكَ قَوْلُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ* -: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِيْنَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبْونَ (1) } [الأَنْعَامُ: 129] ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. 47 - نَصْرُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ عَلِيِّ بنِ صُهْبَانَ بنِ أُبَيٍّ الأَزْدِيُّ * (ع) الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، الجَهْضَمِيُّ، البَصْرِيُّ، الصَّغِيْرُ، وَهُوَ حَفِيْدُ الجَهْضَمِيِّ الكَبِيْرِ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَنُوْحِ بنِ قَيْسٍ الحُدَّانِيِّ، وَعَبْدِ رَبِّهِ بنِ بَارِقٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَدُرُسْتَ بنِ زِيَادٍ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَالحَارِثِ بنِ وَجِيْهٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ العَمِّيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَأَصْحَابُ الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَالذُّهْلِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَزَكَرِيَّا السِّجْزِيُّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَابْنُ   (1) أورده السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 46، ونسبه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ. (*) التاريخ الكبير 8 / 106، التاريخ الصغير 2 / 391، الجرح والتعديل 8 / 466، تاريخ بغداد 13 / 287، 289، الأنساب، 3 / 391، اللباب 1 / 316، 317، تهذيب الكمال: 1408، 1409، تذهيب التهذيب 4 / 94 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 519، العبر 1 / 457، تاريخ ابن كثير 11 / 7، تهذيب التهذيب 10 / 430، 431، طبقات الحفاظ: 227، خلاصة تذهيب الكمال: 401، شذرات الذهب 2 / 123. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 133 خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُكْرَمٍ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَعْلاَمِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَا بِهِ بَأْسٌ، وَرَضِيَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ: مَنْ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَصْرٌ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَوْثَقُ وَأَحْفَظُ، نَصْرٌ ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ خِرَاشٍ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْهَيَانِيُّ: نَصْرٌ عِنْدِي مِنْ نُبَلاَءِ النَّاسِ (3) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّبِيْبِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى المُتَوَكِّلِ، فَإِذَا هُوَ يَمْدَحُ الرِّفْقَ، فَأَكْثَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنْشَدَنِيَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ (4) أَرَ مِثْلَ الرِّفْقِ فِي لِينِهِ ... أَخْرَجَ لِلْعَذْرَاءِ مِنْ خِدْرِهَا مَنْ يَسْتَعِنْ بِالرِّفْقِ فِي أَمْرِهِ ... يَسْتَخرِجِ الحَيَّةَ مِنْ جُحْرِهَا (5) فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، الدَّواةَ وَالقِرْطَاسَ، فَكَتَبَهُمَا.   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 466 وفيه عن يحيى بن معين، قال: نصر بن علي ثقة. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 288. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 288. (4) في " تاريخ بغداد ": ولم، بالواو. (5) البيتان في " تاريخ بغداد " 13 / 288. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 134 عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَخِي مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، فَقَالَ: (مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا، كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ (1)) . قُلْتُ: هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ جِدّاً. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: لَمَّا حَدَّثَ نَصْرٌ بِهَذَا، أَمَرَ المُتَوَكِّلُ بِضَرْبِهِ أَلْفَ سَوْطٍ، فَكَلَّمَهُ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ لَهُ: الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى تَرَكَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرزَاقٌ، فَوَفَّرَهَا عَلَيْهِ مُوْسَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ عَقِيْبَهُ: إِنَّمَا أَمَرَ المُتَوَكِّلُ بِضَرْبِهِ؛ لأَنَّهُ ظَنَّهُ رَافِضِيّاً (2) . قُلْتُ: وَالمُتَوَكِّلُ سُنِّيٌّ، لَكِنْ فِيْهِ نَصْبٌ. وَمَا فِي رُوَاةِ الخَبَرِ إِلاَّ ثِقَةٌ مَا خَلاَ عَلِيَّ بنَ جَعْفَرٍ - فَلَعَلَّهُ لَمْ يَضْبِطْ لَفْظَ الحَدِيْثِ - وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مِنْ حُبِّهِ وَبَثِّ فَضِيْلَةِ الحَسَنَيْنِ لِيَجعَلَ كُلَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا فِي دَرَجَتِهِ فِي الجَنَّةِ، فَلَعَلَّهُ قَالَ: فَهُوَ مَعِي فِي الجَنَّةِ. وَقَدْ تَوَاتَرَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ (3)) . وَنَصْر بن عَلِيٍّ، فَمِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ الأَثْبَاتِ.   (1) أخرجه عبد الله بن الامام أحمد في زوائد " المسند " 1 / 77، وعلي بن موسى لم يذكره أحد بجرح ولا توثيق، وموسى هو الكاظم. وأخرجه الترمذي (3733) من طريق نصر بن علي بهذا الإسناد ... وقال: حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه وقد أنكر المؤلف في " الميزان " أن يكون الترمذي حسنه أو صححه، فلعل التحسين في بعض نسخه دون بعض. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 287، 288. (3) في " الازهار المتناثرة " ص 26: أخرجه الشيخان عن أبي موسى، والترمذي عن صفوان = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 135 أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ (1) ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ الوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَكَمِ الوَاسِطِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَانَ المُسْتَعِيْنُ بِاللهِ بَعَثَ إِلَى نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ يُشْخِصُهُ لِلْقَضَاءِ، فَدَعَاهُ عَبْدُ المَلِكِ أَمِيْرُ البَصْرَةِ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْجِعُ، وأَسْتَخِيْرُ اللهَ -تَعَالَى-. فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ نِصْفَ النَّهَارِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَاقبِضْنِي. فَنَامَ، فَأَنبَهُوهُ، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ (2) . قَالَ السَّرَّاجُ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ البُخَارِيُّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ. زَادَ السَّرَّاجُ: رَأَيْتهُ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَانَ لاَ يَخضِبُ، رَأَيْتُهُ بِبَغْدَادَ وَلَمْ يُحَدِّثْنَا. قُلْتُ: فَأَمَّا جَدُّهُ الثِّقَةُ: 48 - نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ الكَبِيْرُ * فَرَوَى عَنْ: جَدِّهِ لأُمِّهِ؛ أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحُدَّانِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ شَيْبَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ غَالِبٍ الحُدَّانِيِّ.   = ابن عسال، وأحمد بن جابر بن عبد الله، وابن مسعود وأبي هريرة، والبزار عن علي، والطبراني عن أبي قتادة، وأبي سريحة، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وصفوان بن قدامة، وعروة بن مضرس الطائي، ومعاذ بن جبل، وأبي أمامة الباهلي. (1) هو أبو منصور القزاز، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، وهو راوي " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي. توفي سنة 535 هـ عن بضع وثمانين سنة. انظر ترجمته في " التبصير " 3 / 1168، و" العبر " للمؤلف 4 / 95، 96. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 289 و" شذرات الذهب " 2 / 123. وجاء في " تاريخ بغداد ": سئل محمد بن علي النيسابوري عن نصر بن علي، فقال: حجة. وفي " تهذيب التهذيب " عن قاسم بن أصبغ قال: سمعت الخشني يقول: ما كتبت بالبصرة عن أحد أعقل من نصر بن علي. (*) الأنساب، 3 / 391، تهذيب التهذيب 10 / 429، 430، خلاصة تذهيب الكمال: 401. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 136 وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلِيٌّ، وَوَكِيْعٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، وَجَمَاعَةٌ. مَاتَ: فِي أَيَّامِ شُعْبَةَ. وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَوَثَّقَهُ (1) ، وَقَالَ: مَاتَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ. أَجَازَ لَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ الخِرَقيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَ وَقَامَ إِيْمَاناً وَاحْتِسَاباً، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) . أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَهْ (2) ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ وَكِيْعٍ. وعِنْدِي هَذَا الحَدِيْثُ أَعْلَى بِدَرَجَةٍ مِنْ طَرِيْقِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الحُدَّانِيِّ عَنِ النَّضْرِ. وَأَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ مِنَ الوَجْهَيْنِ، لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ حَدِيْثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا وَلَدُهُ:   (1) " تهذيب التهذيب " 10 / 429، وفيه عن إسحاق بن منصور، عن ابن معين، قال: ثقة. (2) رقم (1328) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في قيام شهر رمضان، والنسائي 4 / 158 في الصيام: باب ثواب من قام رمضان وصامه إيمانا واحتسابا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 137 49 - عَلِيُّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ * (ع) الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ الجَهْضَمِيُّ الكَبِيْرُ. فَيَرْوِي عَنْ: هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، وَحَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَشُعْبَةَ، وَالمُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، وَقُرَّةَ بنِ خَالِدٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَخَالِدِ بنِ قَيْسٍ الحُدَّانِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ نَافِعٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ نَصْرٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ - وَهُمَا مِنْ أَقْرَانِهِ - وَوَكِيْعٌ - وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْهُمَا - وَمُعَلَّى بنُ أَسَدٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، أَثْبَتُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: صَدُوْقٌ. قَالَ مُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَأَمَّا وَلَدُ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ فَهُوَ: 50 - عَلِيُّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ عَلِيِّ بنِ صُهْبَانَ ** (م، د، ت، س) ابْنِ أُبَيٍّ الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، أَبُو   (*) التاريخ الكبير 6 / 299، التاريخ الصغير 2 / 242، الجرح والتعديل 6 / 207، طبقات النحويين واللغويين: 75، تهذيب الكمال: 995، 996، تذهيب التهذيب 3 / 75 / 2، تهذيب التهذيب 7 / 390، خلاصة تذهيب الكمال: 278. (1) " الجرح والتعديل " 6 / 207، و" تهذيب التهذيب " 7 / 390، وقال ابن حجر فيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". (* *) التاريخ الكبير 6 / 299، التاريخ الصغير 2 / 391، الجرح والتعديل 6 / 207، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 138 الحَسَنِ الجَهْضَمِيُّ الصَّغِيْرُ. رَوَى عَنْ: حَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَالمُقْرِئِ، وَطَبَقَتِهِم، وَلَمْ يَلْحَقْ جَدَّهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى التُّسْتَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، وَعُمُرُ البُجَيْرِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ البَجَلِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ خَلَفاً -يَعْنِي: مَاتَ وَلَمْ يُعَمَّرْ-. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ، وَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ (1) . وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَانَ حَافِظاً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ وَأَبُوْهُ ثِقَتَانِ. قَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضاً، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَقِيْلَ: فِي شَعْبَانِهَا، وَمَاتَ أَبُوْهُ قَبلَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.   = تهذيب الكمال: 995، 996، تذهيب التهذيب 3 / 76 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 541، تهذيب التهذيب 7 / 390، 391، طبقات الحفاظ: 237، خلاصة تذهيب الكمال: 278. (1) " الجرح والتعديل " 6 / 207، و" تهذيب التهذيب " 7 / 391. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 139 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَسَاكِرَ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيْهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْهُمَا.   (1) رقم (180) في الايمان: باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى من طريق نصر بن علي الجهضي، وأبي غسان المسمعي، وإسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز بن عبد الصمد أبي عبد الصمد بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 8 / 479 في تفسير سورة الرحمن: باب قوله (ومن دونهما جنتان) و13 / 363 في التوحيد: باب قول الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة) عن علي بن عبد الله، وعبد الله بن أبي الأسود، ومحمد بن المثنى، ثلاثتهم عن عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران الجوني بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي (2528) من طريق محمد بن بشار، عن عبد العزيز بن عبد الصمد. وبهذا تعلم أن قول المصنف رحمه الله أخرجه مسلم عنهما، أي: عن محمد بن بشار ونصر بن علي وهم، وأن الصواب أن يقال: أخرجه مسلم عن نصر بن علي، والترمذي عن محمد بن بشار. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 140 51 - الدَّوْرَقِيُّ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرِ * (ع) ابْنِ زَيْدِ بنِ أَفْلَحَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُزَاحِمٍ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو يُوْسُفَ العَبْدِيُّ، القَيْسِيُّ مَوْلاَهُمُ، الدَّوْرَقِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ أَكبَرَ مِنْ أَخِيْهِ أَحْمَدَ بِعَامَيْنِ. رَأَى: اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَهُشَيْمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَجَرِيْرٍ، وَبَقِيَّةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَغُنْدَرٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَحُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَالمُحَارِبِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ الأَشْجَعِيِّ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَوَكِيْعٍ، وَيَزِيْدَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: عَفَّانَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَرَحَلَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَتَمَيَّزَ فِي هَذَا الشَّأْنِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ بنُ المَحَامِلِيِّ، وَأَخُوْهُ؛ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلدٍ العَطَّارُ، وَعِدَّةٌ.   (*) التاريخ الصغير 2 / 396، الضعفاء للعقيلي: 449، طبقات ابن سعد 7 / 360، الجرح والتعديل 9 / 202، تاريخ بغداد 14 / 277، 280، طبقات الحنابلة 1 / 414، 415، الأنساب 5 / 391، اللباب 1 / 512، تهذيب الكمال: 1547، 1548، تذهيب التهذيب 4 / 184 / أ، العبر 2 / 4، تاريخ ابن كثير 11 / 11، تهذيب التهذيب 11 / 381، طبقات الحفاظ: 220، خلاصة تذهيب الكمال: 436، طبقات المفسرين: 377، شذرات الذهب 2 / 126. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 141 وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ (1) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، مُتْقِناً، صَنَّفَ (المُسْنَدَ (2)) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَبَيْنَهُمَا فِي الوَفَاةِ مائَةُ سَنَةٍ وَسَنَةٌ. وَقَالَ البَغَوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ الدَّوْرَقِيُّ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى حَدِيْثَهُ عَالِياً سِبْطُ السِّلَفِيُّ (4) . أَخْبَرَنَا الإِمَامُ تَاجُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيُّ (5) بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُفِيْدُ (6) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ،   (1) " تهذيب التهذيب " 11 / 381. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: كان كثير الحديث، ثقة. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 277. (3) " الجرح والتعديل " 9 / 202. (4) هو جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن الإسكندراني. ولد سنة 570 هـ وسمع من جده السلفي الكثير. انتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية مات بمصر في الرابع من شوال سنة 651 هـ. راجع ترجمته في " حسن المحاضرة " 1 / 379، و" شذرات الذهب " 5 / 254. (5) ترجمه المؤلف في " مشيخته "، ورقة: 94 / 2 و95 / 1. وهو علي بن أحمد بن علي بن أبي العباس أحمد بن خلف العاصي، أبو الحسن الإسكندراني المالكي، من كبار علماء الثغر، ناب في القضاء مدة. ولد سنة 707 هـ. والغراف: بليدة ذات بساتين آخر البطائح وتحت واسط. (6) بضم الميم، وكسر الفاء، وسكون الياء تحتها نقطتان، وفي آخرها دال مهملة: يقال هذا لمن يفيد الناس الحديث من الشيوخ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 142 أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ عَنِ الحَسَنِ، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ؟ قَالَ: (أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ (1)) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ عِدَّتَهَا. فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَيُعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيْقَةِ؟ قَالَ: (فَمَهْ، وَإِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟) (2)   (1) وأخرجه مالك 1 / 140 في صلاة الجماعة: باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد، ومن طريقه البخاري 1 / 397 في الصلاة: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به، ومسلم (515) في الصلاة: باب الصلاة في ثوب واحد، وأبو داود (625) والنسائي 2 / 69، 70 في القبلة: باب الصلاة في الثوب الواحد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة وأخرجه أحمد 2 / 239 والحميدي (937) من طريق سفيان عن ابن شهاب به. وأخرجه البخاري 4 / 401 ومسلم (515) (276) وأحمد 2 / 230 من طريق أيوب السختياني عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأخرجه عبد الرزاق (1364) وعنه أحمد 2 / 265، 266 عن معمر وابن جريج، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وأخرجه الطيالسي 1 / 83 من طريق سعيد بن عبد الرحمن، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (170) من طريق عبد الله بن هاشم، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة. (2) هو في صحيح مسلم (1471) (9) وأخرجه النسائي 6 / 141، 142 في الطلاق: باب الطلاق لغير العدة وما يحتسب منه على المطلق، والحديث أخرجه مالك 2 / 576، والبخاري 9 / 306، 307، وأبو داود (2179) - (2185) والترمذي: (1175) وله عدة روايات انظرها في " جامع الأصول " 7 / 600، 605 الطبعة الدمشقية. وقوله: عجز واستحمق قال ابن الأثير: أي: صار أحمق وفعل فعل الحمقى، كاستنوق الجمل: إذا صار يشبه الناقة، والذي جاء في الرواية " استحمق " على ما لم يسم فاعله، أي: فعل فعلا جعل بسببه أحمق، والمعنى أن تطليقه إياها في حال الحيض عجز وحمق، فهل يقدم ذلك عذرا له حتى لا يعتد بتطليقه؟. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 143 أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ. 52 - بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارِ بنِ عُثْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ كَيْسَانَ * (ع) الإِمَامُ، الحَافِظُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ بُنْدَارُ، لُقِّبَ بِذَلِكَ، لأَنَّهُ كَانَ بُنْدَارَ الحَدِيْثِ فِي عَصْرهِ بِبَلَدِهِ. وَالبُنْدَارُ: الحَافِظُ. وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمَرْحُوْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَطَّارِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَغُنْدَرٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَعُمَرَ بنِ عَلِيٍّ، وَالطُّفَاوِيِّ، وَبَهْزِ بنِ أَسَدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَوَكِيْعٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. وَيَنْزِلُ إِلَى: حَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَعَفَّانَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ، وَعِدَّةٍ. وَجَمَعَ حَدِيْثَ البَصْرَةِ، وَلَمْ يَرْحَلْ بِرّاً بِأُمِّهِ، ثُمَّ رَحَلَ بَعْدَهَا. رَوَى عَنْهُ: السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِم، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ،   (*) التاريخ الكبير 1 / 49، التاريخ الصغير 2 / 396، الجرح والتعديل 7 / 214، تاريخ بغداد 2 / 101، 105، تهذيب الكمال: 1176، تذهيب التهذيب 3 / 191 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 511، 512، ميزان الاعتدال 3 / 490، 491، العبر 2 / 3، 4، الوافي بالوفيات 2 / 249، تاريخ ابن كثير 11 / 11، تهذيب التهذيب 9 / 70، 73، طبقات الحفاظ: 222، مقدمة فتح الباري: 436، 437، خلاصة تذهيب الكمال: 328، شذرات الذهب 2 / 126. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 144 وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَصَلانِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَه، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: أَرَدْتُ الخُرُوجَ -يَعْنِي: الرِّحْلَةَ- فَمَنَعَتْنِي أُمِّي، فَأَطَعْتُهَا، فَبُوْرِكَ لِي فِيْهِ (2) . وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: اخْتَلَفْتُ إِلَى يَحْيَى القَطَّانِ - ذَكَرَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً - وَلَوْ عَاشَ بَعْدُ، لَكُنْتُ أَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً كَثِيْراً (3) . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ بُنْدَارٍ نَحْواً (4) مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَتَبْتُ عَنْ أَبِي مُوْسَى شَيْئاً، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ بُنْدَارٍ، وَلَوْلاَ سَلاَمَةٌ فِي بُنْدَارٍ، تُرِكَ حَدِيْثُهُ (5) . وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ (التَّوْحِيْدِ) لَهُ: أَخْبَرَنَا إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي العِلْمِ وَالأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسيَّبِ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: كُتِبَ عَنِّي خَمْسَةُ   (1) بفتح الباء الموحدة، والصاد المهملة، واللام والالف وبعدها النون: هذه النسبة إلى البصلية، وهي محلة على طرف بغداد. " الأنساب " 2 / 236. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 10 2. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 101. (4) في الأصل: " نحو ". (5) الخبر بلفظه في " تاريخ بغداد " 2 / 102، قال الحافظ في " المقدمة " ص 437: يعني أنه كانت فيه سلامة، فكان إذا سها أو غلط يحمل ذلك على أنه لم يتعمد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 145 قُرُوْنٍ، وَحَدَّثْتُ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، حَائِكٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا حَتَّى حَفِظْتُ جَمِيْعَ مَا خَرَّجْتُهُ (4) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَزَّازُ: كُنَّا عِنْدَ بُنْدَارٍ، فَقَالَ فِي حَدِيْثٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قَالَتْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَسخَرُ مِنْهُ: أُعِيذُكَ بِاللهِ، مَا أَفْصَحَكَ! فَقَالَ: كُنَّا إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَوْحٍ، دَخَلْنَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: قَدْ بَانَ ذَلِكَ عَلَيْكَ (5) . قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي تَطلِيقَةً، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (لِيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، فَإِنْ شَاءَ، فَلْيُطَلِّقْهَا) . فَقُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: فَاحتَسَبْتَ بِهَا؟ قَالَ: فَمَهْ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزْتُ؟ أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (6) ، عَنْ بُنْدَارٍ.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 102 وسيرد الخبر مع تتمته في الصفحة التالية. (2) " الوافي بالوفيات " 2 / 249. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 214. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 104. (5) الخبر بلفظه في " تاريخ بغداد " 2 / 103. (6) رقم (1471) (10) وقد تقدم في الصفحة 143. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 146 قَالَ النَّسَائِيُّ: بُنْدَارٌ صَالِحٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَضَالَةَ الحَافِظُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ: سَأَلُونِي الحَدِيْثَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أُحَدِّثَهُمْ فِي المَدِيْنَةِ، فَأَخرَجْتُهُمْ إِلَى البُسْتَانِ، وَأَطْعَمْتُهُمُ الرُّطَبَ، وَحَدَّثْتُهُم (1) . قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ السِّمْنَانِيُّ: كَانَ أَهْلُ البَصْرَةِ يُقَدِّمُونَ أَبَا مُوْسَى عَلَى بُنْدَارٍ، وَكَانَ الغُرَبَاءُ يُقَدِّمُونَ بُنْدَاراً عَلَى أَبِي مُوْسَى. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ الفَلاَّسَ يَحْلِفُ أَنَّ بُنْدَاراً يَكْذِبُ فِيْمَا يَرْوِي عَنْ يَحْيَى (2) . وَقَالَ ابْنُ سَيَّارٍ أَيْضاً: سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى، وَكَانَ قَدْ صَنَّفَ حَدِيْثَ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ بُنْدَارٌ صَنَّفَهُ، فَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: مِنَّا قَوْمٌ لَوْ قَدِرُوا أَنْ يَسرِقُوا حَدِيْثَ دَاوُدَ، لَسَرَقُوهُ -يَعْنِي بِهِ بُنْدَاراً (3) -. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي، وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثٍ رَوَاهُ بُنْدَارٌ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَسَحَّرُوا (4)) . قَالَ: هَذَا كَذِبٌ،   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 102. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 103، وقال المؤلف في " ميزانه " 3 / 490: فما أصغى أحد إلى تكذيبه، لتيقنهم أن بندارا صادق أمين، وقال الحافظ في " مقدمة الفتح ": 437: وضعفه عمرو ابن علي الفلاس، ولم يذكر سبب ذلك، فما عرجوا على تجريحه. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 103. (4) وتمامه " فإن في السحور بركة " أخرجه النسائي 4 / 140 في الصوم: باب الحث على السحور من طريق محمد بن بشار بهذا الإسناد، وقال: وقفه عبيد الله بن سعيد، أخبرنا عبيد الله = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 147 حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوْفاً، وَأَنكَرَهُ أَشَدَّ الإِنْكَارِ. قَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَطِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الدَّوْرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَجرَى ذِكْرُ بُنْدَارٍ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى لاَ يَعْبَأُ بهِ، وَيَسْتَضْعِفُهُ، وَرَأَيْتُ القَوَارِيْرِيَّ لاَ يَرْضَاهُ، وَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ حَمَامٍ (1) . ثُمَّ قَالَ أَبُو الفَتْحِ: بُنْدَارٌ كَتَبَ النَّاسُ عَنْهُ، وَقَبِلُوهُ، وَلَيْسَ قَوْلُ يَحْيَى وَالقَوَارِيْرِيِّ مِمَّا يَجْرَحُهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً ذَكَرَهُ إِلاَّ بِخَيْرٍ وَصِدْقٍ (2) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: بُنْدَارٌ وَأَبُو مُوْسَى ثِقَتَانِ، وَأَبُو مُوْسَى أَحَجُّ؛ لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِهِ، وَبُنْدَارٌ يَقْرَأُ كُلَّ كِتَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ: لَمَّا مَاتَ بُنْدَارٌ، جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوْسَى، البُشْرَى مَاتَ بُنْدَارٌ. قَالَ: جِئْتَ تُبَشِّرَنِي بِمَوتِهِ؟! عَلَيَّ ثَلاَثُوْنَ   = ابن سعيد، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: تسحروا. قال عبيد الله: لا أدري كيف لفظه. قلت: ومتن الحديث صحيح، فقد أخرجه البخاري 4 / 120، ومسلم (1095) والنسائي 4 / 141، والترمذي (708) من حديث أنس بن مالك، وأخرجه النسائي 4 / 141 و145 و146 من حديث أبي هريرة وعبد الله ابن الحارث، والمقدام بن معد يكرب، وأخرجه أبو داود (2344) والنسائي 4 / 145 من حديث العرباض بن سارية، وأخرجه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري. ويغلب على الظن أن ابن المديني استعمل لفظة الكذب هنا في موضع الخطأ، وأهل الحجاز يستعملونها كذلك كما نبه عليه ابن حبان، وله أمثلة كثيرة. (1) " تاريخ بغداد " 2 / 103. وقال المؤلف في " ميزانه " تعقيبا على هذا النص: قلت: احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 103. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 104. وجاء فيه: قال ابن رشيق: صالح. وقال الخصيب: ليس به بأس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 148 حَجَّةً إِنْ حَدَّثْتُ بِحَدِيْثٍ أَبَداً. فَبَقِيَ أَبُو مُوْسَى بَعْدَهُ تِسْعِيْنَ يَوْماً لَمْ يُحَدِّثْ، وَمَاتَ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ (2) ، وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، وَيَقْرَؤُهُ مِنْ حِفْظِهِ. وَأَبُو مُوْسَى مِنْ أَقْرَانِهِ مَوْلِداً وَوَفَاةً. 53 - الجَوْهَرِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ البَغْدَادِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ) الأَكْبَرِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ البَغْدَادِيُّ، الجَوْهَرِيُّ، وَأَصْلُهُ مِنْ طَبَرِسْتَانَ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَأَنَسِ بنِ عَيَاضٍ اللَّيْثِيِّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى البُخَارِيِّ - وَأَبُو الجَهْمِ بنُ طَلاَّبٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ فِيْلٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَالحَكِيْمُ التِّرْمِذِيُّ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 104. (2) " التاريخ الكبير " 1 / 49. (*) الجرح والتعديل 2 / 104، تاريخ بغداد 6 / 93، 96، طبقات الحنابلة 1 / 94، تهذيب الكمال: 56، تذهيب التهذيب 1 / 36 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 515، 516، ميزان الاعتدال 1 / 35، 36، العبر 1 / 448، الوافي بالوفيات 5 / 354، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 15، تهذيب التهذيب 1 / 123، 125، طبقات الحفاظ: 225، خلاصة تذهيب الكمال: 17، شذرات الذهب 2 / 113. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 149 مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ السُّنَّةِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ: أَخرِجِي لِيَ الجُزْءَ الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ (مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ) . فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ لاَ يَصِحُّ لَهُ خَمسُوْنَ حَدِيْثاً، مِنْ أَيْنَ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُوْنَ جُزْءاً؟ فَقَالَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ يَكُوْنُ عِنْدِي مِنْ مائَةِ وَجْهٍ، فَأَنَا فِيْهِ يَتِيْمٌ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مُكْثِراً، صَنَّفَ (المُسْنَدَ) (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: كَانَ أَبُوْهُ سَعِيْدٌ ثِقَةً، مُحْتَشِماً، نَبِيلاً، حَجَّ مَرَّةً، فَحَجَّ مَعَهُ أَرْبَعُ مائَةِ نَفْسٍ، مِنْهُم: هُشَيْمٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَكُنْتُ أَنَا مِنْهُم (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ النَّجَّارُ، أَخْبَرَنَا الصَّاغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ صَبِيّاً ابْنَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ قَدْ حُمِلَ إِلَى المَأْمُوْنِ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ، وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا جَاعَ، بَكَى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ اللَّبَّانِ: حَفِظْتُ القُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِيْنَ. قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، حَافِظٌ، وَقَدْ لَيَّنَهُ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِر بِلاَ وَجْهٍ.   (1) " تاريخ بغداد " 6 / 94، و" تهذيب التهذيب " 1 / 124. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 93، و" تهذيب التهذيب " 1 / 124 وفيه: يسأل موسى بن هارون أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، فقال: كثير الكتاب، كتب فأكثر. فاستأذنه في الكتابة عنه، فأذن له. وقال أبو حاتم: كان يذكر بالصدق. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 94. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 150 وَتُوُفِّيَ: مُرَابِطاً، بِعَيْنِ زَرْبَةَ (1) . فَمَا حَرَّرُوا وَفَاتَهُ كَمَا يَنْبَغِي. فَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، أَخْبَرَنَا نُبَيْطُ بنُ شَرِيْطٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنَىً، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِيْنُهُ) . ثُمَّ سأَلَهُم: (أَيَّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟) . قَالُوا: هَذَا اليَوْمَ. وَقَالَ: (وَأَيَّ بَلَدٍ أَحْرَمُ؟) . قَالُوا: هَذَا البَلَدَ. قَالَ: (فَأَيَّ شَهْرٍ أَحْرَمُ؟) . قَالُوا: هَذَا الشَّهْرَ. قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟) . قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ (2) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ تَلاَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (3) } [هُوْدٌ: 102] .   (1) بفتح الزاي، وسكون الراء، وباء موحدة، وألف مقصورة، كذا ضبطها ياقوت، وقال: هو بلد بالثغر من نواحي المصيصة. (2) رجاله ثقات. (3) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 8 / 267 في التفسير: باب قوله (وكذلك أخذ ربك القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) ومسلم (2583) في البر والصلة: باب تحريم الظلم، والترمذي رقم (3109) وابن ماجه (4018) من طرق عن أبي معاوية، عن بريد بهذا الإسناد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 151 54 - سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ بنِ مَلِيْحٍ الرُّؤَاسِيُّ * (ت، ق) الحَافِظُ ابْنُ الحَافِظِ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الرُّؤَاسِيُّ، الكُوْفِيُّ. كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، عَلَى لِينٍ لَحِقَهُ. يَرْوِي عَنْ: أَبِيْهِ. وَعَنْ: جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْدِ السَلاَّمِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاشَانِيُّ، وَخَلْقٌ. قَالَ البُخَارِيُّ: يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ لأَشْيَاءَ لَقَّنُوهُ إِيَّاهَا (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: لاَ يُشْتَغَلُ بِهِ، كَانَ يُتَّهَمُ (2) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَشَارَ عَلَيْهِ أَبِي أَنْ يُغَيِّرَ وَرَّاقَهُ، فَإِنَّهُ أَفسَدَ حَدِيْثَهُ، وَقَالَ لَهُ: لاَ تُحِدِّثْ إِلاَّ مِنْ أُصُوْلِكَ. فَقَالَ: سَأَفعَلُ. ثُمَّ تَمَادَى، وَحَدَّثَ بِأَحَادِيْثَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ شَيْخاً فَاضِلاً، صَدُوْقاً، إِلاَّ أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِ سُوءٍ، كَانَ يُدخِلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ، وَكَانَ يَثِقُ بِهِ،   (*) التاريخ الصغير 2 / 385، الجرح والتعديل 4 / 231، 232، طبقات الحنابلة 1 / 170، تهذيب الكمال: 519، 520، تذهيب التهذيب 2 / 37 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 173، تهذيب التهذيب 4 / 123، 124، خلاصة تذهيب الكمال: 146، كتاب المجروحين 1 / 77. (1) " التاريخ الصغير " 2 / 385. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 231، و" تهذيب التهذيب " 4 / 124. (3) " الجرح والتعديل " 4 / 232، و" تهذيب التهذيب " 4 / 124. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 152 فَيُجِيبُ فِيْمَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ، فَمِنْ أَجلِ إِصرَارِهِ، اسْتَحَقَّ التَّركَ. وَكَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَرْوِي عَنْهُ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا بَعْضُ مَنْ أَمسَكْنَا عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الضَّربِ الَّذِي إِنْ لَوْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيرُ، أَحَبُّ إِلَيْهِ (1) مِنْ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ أَفسَدُوهُ، وَمَا كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يُحَدِّثُ عَنْهُ إِلاَّ بِالحَرْفِ بَعْدَ الحَرْفِ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَمَاتَ فِيْهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ النَّحْوِيُّ، وَالمُتَوَكِّلُ. قِيْلَ: وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَالفَتْحُ بنُ خَاقَانَ الوَزِيْرُ. 55 - الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُحَمَّدٍ * (م، ت، ق) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، قَاضِي بَغْدَادَ، أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرِ بنِ رِفَاعَةَ العِجْلِيُّ، الرِّفَاعِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُقْرِئُ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الأَحْوَصِ سَلاَّمٍ، وَالمُطَّلِبِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الأَجْلَحِ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ، وَطَبَقَتِهِم.   (1) في الأصل: إلي، والمثبت من " المجروحين " و" ميزان الاعتدال ". (2) " تهذيب التهذيب " 4 / 124 وفيه: قال عبد الرحمن: سئل عنه أبي، فقال: لين. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال في موضع آخر: ليس بشيء. وقال الآجري: امتنع أبو داود من التحديث عنه. (*) التاريخ الكبير 1 / 261، التاريخ الصغير 2 / 387، الجرح والتعديل 8 / 129، تاريخ بغداد 3 / 375، 377، الأنساب 2 / 32، تهذيب الكمال: 1289، 1290، تذهيب التهذيب 4 / 12 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 68، 69، العبر 1 / 453، الوافي بالوفيات 5 / 216، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 280، 281، تهذيب التهذيب 9 / 526، 527، خلاصة تذهيب الكمال: 364، 365، شذرات الذهب 2 / 119. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 153 وَأَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي القِرَاءاتِ، فِي شُذُوذٍ كَثِيْرٍ، وَهُوَ صَاحِبُ غَرَائِبَ فِي الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرَوِيُّ، وَالحُسَيْنُ المَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، صَاحِبُ قُرْآنٍ، قَرَأَ عَلَى سُلَيْمٍ، وَوَلِيَ قَضَاءَ المَدَائِنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: رَأَيتُهُم مُجْمِعِيْنَ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا مُطَيَّنٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَنَّ أَبَا هِشَامٍ كَانَ يَسْرِقُ الحَدِيْثَ (1) . وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَضْعَفَنَا طَلَباً، وَأَكْثَرَنَا غَرَائِبَ (2) . وَقَالَ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: اسْتُقْضِيَ أَبُو هِشَامٍ -يَعْنِي: بِبَغْدَادَ- فِي سَنَةِ 242، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ، وَالعِلْمِ، وَالفِقْهِ، وَالحَدِيْثِ، لَهُ كِتَابٌ فِي القِرَاءاتِ، قَرَأَ عَلَيْنَا ابْنُ صَاعِدٍ أَكْثَرَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْ أَبِي هِشَامٍ، فَقَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْساً (3) .   (1) راجع " تاريخ بغداد " 3 / 376. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 129 وفيه: قال عبد الرحمن: سألت أبي عنه، فقال: ضعيف يتكلمون فيه. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 376. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 154 وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، أَمَرَنِي الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْ أُخَرِّجَ حَدِيْثَهُ فِي الصَّحِيْحِ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ (2) . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَلَهُ عَنْهُمْ شُذُوْذٌ كَثِيْرٌ (3) . قُلْتُ: حَمَلَ الحُرُوْفَ عَنِ: الكِسَائِيِّ، وَعَنْ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَأَبِي يُوْسُفَ الأَعْشَى. وَقَيَّدَ أَحرُفاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَإِنَّهُ سَمِعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ خَتْمَةً بِقِرَاءةِ الأَعْشَى. رَوَى عَنْهُ القِرَاءةَ: مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ القَاضِي، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القُطَعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ المَرْوَزيُّ، وَقَاسِمُ بنُ دَاوُدَ، وَعُثْمَانُ بنُ خُرَّزَاذَ، وَعَلِيُّ بنُ قِرْبَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَمَا هُوَ بِالمُجَوِّدِ لِرِوَايَاتِهِ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ (4) ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلْحَةَ النِّعَالِيُّ،   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 376، و" تهذيب التهذيب " 9 / 527. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 377. (3) " تهذيب التهذيب " 9 / 527 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يخطئ ويخالف. وقال مسلمة: لا بأس به. (4) هي شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الابري، عالمة فاضلة، وكاتبة مجيدة، ذات دين وصلاح. ولدت ببغداد، وسمعت من أكابر علماء عصرها. توفيت سنة 574 هـ ببغداد، وقد نيفت على التسعين، وفي رواية: على المئة. وهي مترجمة في " مرآة الزمان ": 353، و" العبر " للمؤلف 4 / 220، و" شذرات الذهب " 4 / 248. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 155 وَأَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: كُنَّا نَلْقَى النَّفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ، فَيَقْطَعُونَ حَدِيْثَهُم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَاللهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُم للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلِقَرَابَتِكُم مِنِّي) (1) . 56 - أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيُّ * (خَ، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ. سَمِعَ: يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا صَالِحٍ الكَاتِبَ، وَطَبَقَتَهُم. وَتَفَقَّهَ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ بَصِيْراً بِالعِلَلِ وَالرِّجَالِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَجَمَاعَةٌ.   (1) رجاله ثقات إلا أنه منقطع كما بينه المصنف في الجزء الثاني ص 88 في ترجمة العباس. (*) الجرح والتعديل 2 / 47، طبقات الحنابلة 1 / 37، 38، الأنساب 3 / 45 وسقط من الناسخ " الحسن " فصار: " أبو أحمد بن الحسن "، تهذيب الكمال: 20، تذهيب التهذيب 1 / 9 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 536، الوافي بالوفيات 6 / 319، تهذيب التهذيب 1 / 24، طبقات الحفاظ: 235، خلاصة تذهيب الكمال: 5. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 156 وَكَانَ قَدْ قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، وَحَدَّثَ بِهَا (1) . وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) فِي المَغَازِي عَنْهُ حَدِيْثاً (2) بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. لَمْ يُظْفَرْ لَهُ بِتَارِيْخِ وَفَاةٍ (3) ، وَلَهُ رِحلَةٌ شَاسِعَةٌ، وَبَاعٌ أَطْوَلُ فِي الحَدِيْثِ (4) . 57 - أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ خِرَاشٍ البَغْدَادِيُّ * (م، ت) الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَطَبَقَتِهِم. رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ المُجَدَّرِ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ السَّرَّاجِ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ ثِقَةً (5) .   (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 24 وفيه: ... فحدث في ميدان الحسين، وقال ابن حجر: قال ابن خزيمة: كان أحد أوعية الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (2) 8 / 116 وهو آخر حديث في المغازي، ونصه بسنده: حدثني أحمد بن الحسن، حدثنا أحمد بن حنبل بن هلال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة. (3) كذا قال هنا، أما في " التذكرة " 2 / 536 فقال: توفي سنة بضع وأربعين ومئتين. (4) وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 47: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. (*) الجرح والتعديل 2 / 48، تاريخ بغداد 4 / 78، 80، تهذيب الكمال: 20، تذهيب التهذيب 1 / 10 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 24، خلاصة تذهيب الكمال: 5. (5) " تاريخ بغداد " 4 / 79. وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1 / 24: ذكره ابن حبان في " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 157 تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ، لاَ بَلِ ابْنَ سِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ عِشْرِيْنَ يَوْماً. قَالَ ابْنُهُ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ هَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. 58 - الهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيُّ * شَيْخٌ، مُعَمَّرٌ، عَالِي الإِسْنَادِ، مُحَدِّثٌ لَيِّنٌ. حَدَّثَ عَنْ: حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْثَرِ بنِ القَاسِمِ، وَأَبِي عَوَانَةَ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ (1) ، وَالمُسَيَّبِ بنِ شَرِيْكٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: سُلَيْمِ بنِ عُقْبَةَ البَقَّارِ (2) ، وَمِنْ حَرْبِ يَام (3) صَاحِبَيْ أَنَسٍ، وَسَكَنَ بَغْدَادَ. حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرُ بنُ حَمْدَانَ؛ وَالِدُ القَطِيْعِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الزَّيَّاتُ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَآخَرُوْنَ. ضَعَّفَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ (4) . وَقَالَ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ الحَافِظُ: ضَرَبَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي عَلَى حَدِيْثِ الهَيْثَمِ بنِ سِهْلٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ (5) .   (*) تاريخ بغداد 14 / 60، 61، ميزان الاعتدال 4 / 323، لسان الميزان 6 / 207. (1) في الأصل: علي مسهر. (2) في الأصل: النقار، والصحيح ما أثبتناه. وهو مترجم في الميزان 2 / 231، وقال الذهبي: لا يعرف. (3) لم نتبين حرب يام هذا، وما وقفنا عليه في المصادر التي في حوزتنا. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 61، و" ميزان الاعتدال " 4 / 323. (5) " ميزان الاعتدال " 4 / 323، وقال مسلمة بن قاسم فيما نقله عنه الحافظ في " اللسان " 6 / 207: الهيثم بن سهل بن عبد الله بن بحر بن مستنير بن مدرك بن صعصعة بن صخر الزبيدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا بشر كتب الناس عنه، وهو جائز الحديث ... ولم يلق ابن الاعرابي شيخا أسند منه، ولا أعلى درجة منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 158 وَقَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً. قُلْتُ: لاَ يُدْرَى مَنِ النَّضْرُ هَذَا. وَعَنِ الهَيْثَمِ، قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ (1) . وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الخِلَعِيَّاتِ (2)) حَدِيْثٌ، وَفِي (مُعْجَمِ ابْنِ جُمَيْعٍ) . وَتُوُفِّيَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ مَالاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ. فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ، وَإِنْ شِئْتَ أَمْسَكْتَ أَصْلَهُ) . فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ وَابْنِ السَّبِيْلِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيْقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مِنْهُ مَالاً، أَوْ مُتَأَثِّلٍ مِنْهُ مَالاً (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 61. (2) " الخلعيات ": هي عشرون جزءا للقاضي أبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين ابن محمد الشافعي المعروف بالخلعي، لأنه كان يبيع الخلع لاولاد الملوك بمصر، الموصلي الأصل، المصري الدار والوفاة، المتوفى سنة 492 هـ. وهو مترجم في " العبر " للمؤلف 3 / 334. (3) إسناده ضعيف، لضعف الهيثم بن سهل، لكن الحديث قد ثبت من طريق آخر، فقد أخرجه أحمد 2 / 12، 13، والبخاري 5 / 263 في الشروط والوقف والوصايا، ومسلم (632) في الوصية: باب الوقف، وأبو داود (2878) والترمذي (1375) والنسائي 6 / 230، 231 كلهم من طريق ابن عون - واسمه عبد الله - عن نافع، عن ابن عمر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 159 59 - أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ ابْنُ الطَّبَرِيِّ * (خَ، د) الإِمَامُ الكَبِيْرُ، حَافِظُ زَمَانِهِ بِالدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِابْنِ الطَّبَرِيِّ. كَانَ أَبُوْهُ جُنْدِيّاً مِنْ آمُلِ طَبَرِسْتَانَ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ رَأْساً فِي هَذَا الشَّأْنِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُوْنُ مِثْلَهُ، مَعَ الثِّقَةِ وَالبَرَاعَةِ. وُلِدَ: بِمِصْرَ، سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، ضَبَطَهُ ابْنُ يُوْنُسَ. حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ - فَأَكْثَرَ -. وَعَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، ارْتَحَلَ إِلَيْهِ وَحَجَّ، وَسَارَ إِلَى اليَمَنِ فَأَكْثَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَرَوَى أَيْضاً عَنِ: ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَعَنْبَسَةَ بنِ خَالِدٍ الأَيْلِيِّ، وَحَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيِّ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَيَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الجَارِي، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَسَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ - وَهُوَ أَكْبَرُ   (*) التاريخ الكبير 2 / 6، الجرح والتعديل 2 / 56، تاريخ بغداد 4 / 195، 202، الجمع بين رجال الصحيحين: 10، طبقات الحنابلة 1 / 48، 50، تهذيب الكمال: 1 / 340، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 495، 496، ميزان الاعتدال 1 / 103، 104، العبر 1 / 450، الوافي بالوفيات 6 / 424، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 6، 8، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 62، تهذيب التهذيب 1 / 39، 42، النجوم الزاهرة 2 / 328، طبقات الحفاظ: 216، خلاصة تذهيب الكمال: 7، شذرات الذهب 2 / 117. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 160 مِنْهُ - وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ - وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بِزَمَانٍ - وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ سَمَّوَيهْ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، وَعُبَيْدُ بنُ رِجَالٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَافِعٍ الطَّحَّانُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُمْ وَفَاةً: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ. وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ النَّسَائِيُّ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ، وَقَعَ بَينَهُمَا، وَآذَاهُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، فَآذَى النَّسَائِيُّ نَفْسَهُ بِوُقُوْعِهِ فِي أَحْمَدَ (1) . رَوَى: عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الحِجَازِ مِنْ هَذَا الفَتَى - يُرِيْدُ: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ -. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ الأَقْرَعَ بِمِصْرَ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ العِرَاقَ، فَسَأَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَنْ خَلَّفْتَ بِمِصْرَ؟ قُلْتُ: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ. فَسُرَّ بِذِكْرِهِ، وَذَكَرَ خَيْراً، وَدَعَا اللهَ لَهُ. مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ خَالِدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مَحْمُوْدٍ الهَرَوِيَّ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مَنْ أَعْرَفُ النَّاسِ بِأَحَادِيْثِ   (1) وقال في " السير " 11 / 83: وأما كلام النسائي في أحمد بن صالح، فكلام موتور، لأنه آذى النسائي وطرده من مجلسه فقال فيه: ليس بثقة. وقال أبو يعلى الخليلي في " الارشاد " فيما نقله عنه السبكي في " طبقاته " 2 / 8: أحمد ابن صالح ثقة حافظ، واتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدم كلام أمثاله فيه. وقال أبو بكر بن العربي في " عارضة الاحوذي ": إمام ثقة من أئمة المسلمين، ولا يؤثر فيه تجريح، وإن هذا القول يحط من النسائي أكثر مما يحط ابن صالح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 161 ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ (1) أَلْفِ شَيْخٍ وَكَسْرٍ، كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مَا أَحَدٌ أَتَّخِذُهُ عِنْدَ اللهِ حُجَّةً، إِلاَّ رَجُلَيْنِ: أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ بِالعِرَاقِ (2) . قُلْتُ: فِي صِحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ يَعْقُوْبَ مَا كَتَبَ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، وَلاَ شَطْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَشْيَخَتُهُ (3) مَوْجُوْدَةٌ فِي مُجَلَّدٍ لَطِيفٍ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الأَحَمَدَيْنِ فِي سَعَةِ الرِّحْلَةِ، وَكَثْرَةِ المَشَايِخِ وَالجَلاَلَةِ وَالفَضْلِ. قَالَ البُخَارِيُّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (4) ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَتَكَلَّمُ فِيْهِ بِحُجَّةٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُم يُثنُوْنَ (5) عَلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، كَانَ عَليٌّ يَقُوْلُ: سَلُوا أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ أَثْبَتُ (6) . خَلَفٌ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ مائَةُ أَلْفِ حَدِيْثٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً (7) . قَالَ صَالِحٌ: وَلَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ أَحَدٌ يُحْسِنُ الحَدِيْثَ، وَلاَ يَحْفَظُ غَيْرَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، كَانَ يَعْقِلُ الحَدِيْثَ، وَيُحْسِنُ أَنْ يَأْخُذَ، وَكَانَ رَجُلاً   (1) في " غاية النهاية ": 1 / 62: " على ". (2) " تاريخ بغداد " 4 / 200، وطبقات الشافعية " للسبكي 2 / 7، و" غاية النهاية " 1 / 62، و" تهذيب التهذيب " 1 / 40. (3) في الأصل " مشيخة ". (4) على هامش الأصل ما نصه: مأمون. خ. (5) في " تاريخ بغداد ": يثبتون وهو تصحيف. (6) تاريخ بغداد 4 / 201. (7) تاريخ بغداد 4 / 200. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 162 جَامِعاً، يَعْرِفُ الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالنَّحْوَ، وَيَتَكَلَّمُ -يَعْنِي: يَعْرِفُ وَيُذَاكِرُ- فِي حَدِيْثِ الثَوْرَيِّ وَشُعْبَةَ وَأَهْلِ العِرَاقِ، أَيْ يُذَاكِرُ بِذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ قَدِمَ العِرَاقَ، وَكَتَبَ عَنْ عَفَّانَ وَهَؤُلاَءِ، وَكَانَ يُذَاكِرُ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْفَظُهُ (1) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَتَبْتُ عَنِ ابْنِ زَبَالَةَ -يَعْنِي: مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ بنِ زَبَالَةَ (2) - مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ، فَتَرَكْتُ حَدِيْثَهُ (3) . وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْحِ، وَيَقَعُ فِي حَرْمَلَةَ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى الحَضْرَمِيَّ - هُوَ أَخُو أَبِي عَجِيْبَةَ - يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ مشَايِخِنَا يَقُوْلُ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، فِعِندَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْهَا الكُلُّ -يَعْنِي: حَرْمَلَةَ- وَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنْهَا النِّصْفُ - يُرِيْدُ نَفْسَهُ -. قَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَإِذَا جَاوَزْتَ الفُرَاتَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِثْلَهُ (4) .   (1) تاريخ بغداد 4 / 200. (2) مترجم في " ميزان الاعتدال " 3 / 514، وجاء فيه: قال أبو داود: كذاب، وقال يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي والازدي: متروك. وقال أبو حاتم: واهي الحديث. وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 200. (4) " تاريخ بغداد " 4 / 199، و" تهذيب التهذيب " 1 / 40. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 163 وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ - وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ - فَقَالَ: هُوَ وَاحِدُ النَّاسِ فِي عِلْمِ الحِجَازِ وَالمَغْرِبِ، فَهِمٌ (1) ... ، وَجَعَلَ يُعَظِّمُهُ، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: عَنِ ابْنِ وَارَةَ، قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ، وَالنُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ، هَؤُلاَءِ أَرْكَانُ الدِّيْنِ (2) . قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: مِصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ (3) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمِصْرَ وَبِدِمَشْقَ وَأَنْطَاكِيَةَ (4) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: ذَاكَرْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ مَقْدَمَهُ دِمَشْقَ، سنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: كَتَبَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَنْ سَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَكَتَبَ عَنِ ابْنِ زَبَالَةَ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَحَدَّثَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الأَرْبَعِيْنَ، وَكَتَبَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ، وَقَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يُقَوِّمُ كُلَّ لَحْنٍ فِي الحَدِيْثِ (5) . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ الغَزَّالُ: أَحْمَدُ بنُ   (1) في " تاريخ بغداد " 4 / 199: والمعرب فيهم. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 199. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 201. (4) " الجرح والتعديل " 2 / 56، و" تاريخ بغداد " 4 / 199 من طريق أبي عبد الله الغزال. (5) وفي " المحدث الفاصل " ص 526 و" الكفاية " 197 عن عبد الملك الميموني قال: رأيت أحمد بن حنبل يغير اللحن في كتابه. وقال الشعبي: لا بأس أن يقوم اللحن في الحديث، وكذا قال الاوزاعي كما في " المحدث الفاصل " 524. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 164 صَالِحٍ: طَبَرِيُّ الأَصْلِ، كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَاعِياً، رَأْساً فِي عِلمِ الحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالآثَارِ مِنْهُ (1) . قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ أَبُوْهُ مِنْ طَبَرِسْتَانَ جُنْدِيّاً مِنَ العَجَمِ، وَكَانَ أَحْمَدُ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ يَوْماً فَرَمَاهُ، وَأَسَاءَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ كَذَّابٌ يَتَفَلْسَفُ (2) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا بِحَمْدِ اللهِ كَمَا قَالَ النَّسَائِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ آفَةٌ غَيْرَ الكِبْرِ (3) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ الأَهْوَازِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا دُوَادَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ هُوَ كَمَا يَتَوَهَّمُونَ -يَعْنِي: لَيْسَ بِذَاكَ فِي الجَلاَلَةِ-. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَسْتَعِيرُ مِنِّي كُلَّ جُمُعَةٍ الحِمَارَ وَيَركَبُهُ إِلَى صَلاَةِ الجُمُعَةِ، وَكُنْتُ جَالِساً عِنْدَ حَرْمَلَةَ فِي الجَامِعِ، فجَازَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَلَى بَابِ الجَامِعِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَإِلَى حَرْمَلَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْ. فَقَالَ حَرْمَلَةُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، بِالأَمسِ يَحْمِلُ دَوَاتِي، وَاليومَ يَمُرُّ بِي فَلاَ يُسَلِّمُ. وَقَالَ أَيْضاً: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَعْدٍ السَّعْدِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيَّ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 199. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 202 وسينقل المؤلف عن ابن عدي أن قول ابن معين هذا فيه تحامل. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 202، و" تهذيب التهذيب " 1 / 41. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 165 صَالِحٍ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ كَذَّاباً، يَخْطِرُ فِي جَامِعِ مِصْرَ (1) . وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ النَّسَائِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ، تَرَكَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَرَمَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِالكَذِبِ (2) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ النَّسَائِيُّ سَيِّءَ الرَّأْيِ فِيْهِ، وَيُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيْثِ، وَخَاصَّةً لِحَدِيْثِ الحِجَازِ، وَمِنَ المَشْهُوْرِينَ بِمَعرِفَتِهِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ البُخَارِيُّ مَعَ شِدَّةِ اسْتَقصَائِهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَاعتِمَادُهُمَا عَلَيْهِ فِي كَثِيْرٍ مِنْ حَدِيْثِ الحِجَازِ، وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ حَدَّثَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَاعتَمَدُوهُ حِفْظاً وَإِتقَاناً، وَكَلاَمُ ابْنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ تَحَامُلٌ. وَأَمَّا سُوءُ ثَنَاءِ النَّسَائِيِّ عَلَيْهِ، فَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ هَارُوْنَ بنِ حَسَّانٍ البَرْقِيَّ يَقُوْلُ: هَذَا الخُرَاسَانِيُّ يَتَكَلَّمُ فِي أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَطَرَدَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَحَمَلَهُ ذَلِكَ علَى أَنْ   (1) يرى ابن حبان أن الذي كذبه ابن معين هو أحمد بن صالح الشمومي، وليس أحمد ابن صالح المصري، فقد جاء في " الثقات ": وكان أحمد بن صالح في الحديث، وحفظه، ومعرفة التاريخ، وأنساب المحدثين عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أصحابنا بالعراق، ولكنه كان صلفا تياها، لا يكاد يعرف أقدار من يختلف إليه، وكان يحسد على ذلك، والذي روى معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين أن أحمد بن صالح كذاب، فإن ذلك أحمد بن صالح الشمومي شيخ كان بمكة يضع الحديث سأل معاوية يحيى عنه، فأما هذا، فهو يقارن ابن معين في الحفظ والإتقان، وكان أحفظ لحديث مصر والحجاز من يحيى بن معين. (2) قال المؤلف في " السير " 11 / 82، 83 في ترجمة يحيى بن معين: ومن نادر ما شذ به ابن معين رحمه الله كلامه في أحمد بن صالح حافظ مصر، فإنه تكلم فيه باجتهاده، وشاهد فيه ما يلينه باعتبار عدالته لا باعتبار إتقانه، فإنه متقن ثبت، ولكن عليه مأخذ في تيه وبأو كان يتعاطاه والله لا يحب كل مختال فخور، ولعله اطلع منه على حال في أيام شبيبة ابن صالح، فتاب منه أو من بعضه، ثم شاخ ولزم الخير، فلقيه البخاري والكبار، واحتجوا به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 166 تَكَلَّمَ فِيْهِ. قَالَ: وَهَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ، فَالقَوْلُ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ، لاَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ. وَحَدِيْثُ: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ) الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّسَائِيُّ قَدْ رَوَاهُ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَيْضاً عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ بنِ عَثْمَةَ (1) . قَالَ: وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ أَجِلَّةِ النَّاسِ، وَذَاكَ أَنِّي رَأَيْتُ جَمْعَ أَبِي مُوْسَى الزَّمِنِ فِي عَامَّةِ مَا جَمَعَ مِنْ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَلَوْلاَ أَنِّي شَرَطْتُ فِي كِتَابِي هَذَا أَنْ أَذْكُرَ فِيْهِ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ مُتَكَلِّمٌ، لَكُنْتُ أُجِلُّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ أَنْ أَذْكُرَهُ (2) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ القَاسِمِ: النَّاسُ مُجْمِعُونَ علَى ثِقَةِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ لِعِلمِهِ وَخَيْرِهِ وَفَضْلِهِ، وَإِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ كَتَبُوا عَنْهُ، وَوثَّقَوهُ، وَكَانَ سَبَبُ تَضعِيفِ النَّسَائِيِّ لَهُ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ لاَ   (1) وأخرجه أيضا أحمد 2 / 297، والترمذي (1926) من طريق ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن. وأخرجه النسائي 7 / 157 في البيعة: باب النصيحة للامام من طريق إسماعيل بن جعفر، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، وعن سمي، وعن عبيد الله بن مقسم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأخرجه أحمد 4 / 102، ومسلم (55) والنسائي 7 / 156، 157، ثلاثتهم من طريق سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري. قال الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ص 73 بعد أن ذكره من حديث تميم الداري ومن حديث أبي هريرة: فمن العلماء من صححه من الطريقين جميعا، ومنهم من قال: إن الصحيح حديث تميم، والاسناد الآخر وهم، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وثوبان وابن عباس وغيرهم. قلت: حديث ابن عمر أخرجه الدارمي 2 / 311 وسنده قوي، وحديث ثوبان أخرجه الطبراني في الأوسط كما في " المجمع " 1 / 87، وسنده ضعيف، وحديث ابن عباس أخرجه أحمد 1 / 315 وسنده ضعيف أيضا، وأورده في " المجمع " وزاد نسبته للبزار والطبراني. (2) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 8. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 167 يُحَدِّثُ أَحَداً حتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالعَدَالَةِ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُ وَيَبْذُلُ لَهُ عِلْمَهُ، وَكَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ زَائِدَةَ بنِ قُدَامَةَ، فَأَتَى النَّسَائِيُّ لِيَسمَعَ مِنْهُ، فَدَخَلَ بِلاَ إِذنٍ، وَلَمْ يَأْتِهِ بِرَجُلَينِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالعَدَالَةِ، فَلَمَّا رَآهُ فِي مَجْلِسِهِ، أَنْكَرَهُ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ لِهَذَا. وَقَالَ الخَطِيْبُ: احْتَجَّ سَائِرُ الأَئِمَّةِ بِحَدِيْثِ ابْنِ صَالِحٍ سِوَى النَّسَائِيِّ، فَإِنَّهُ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَكَانَ يُطْلِقُ لِسَانَهُ فِيْهِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ النَّسَائِيُّ. وَيُقَالُ: كَانَ فِيْهِ الكِبْرُ، وَشَرَاسَةُ الخُلُقِ، وَنَالَ النَّسَائِيَّ مِنْهُ جَفَاءٌ فِي مَجْلِسِهِ، فذَلِكَ الَّذِي أَفسَدَ الحَالَ بَينَهُمَا (1) . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ فِي الثِّقَاتِ، وَمَا أَورَدَهُ فِي الضُّعَفَاءِ فَأَحْسَنَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الضُّعَفَاءِ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المَكِّيَّ الشَّمُوْمِيَّ (2) ، وَكَذَّبَهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَقَصَدَ أَنْ يُنَزِّهَ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ الوَقِيْعَةِ فِي مِثْلِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الطَّبَرِيِّ الحَافِظِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ: أَخْبَرَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ بِخَمْسِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ - أَيْ إِجَازَةً - وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُجِيزَ لِي، أَوْ يَكْتُبَ إِلَيَّ بِحَدِيْثِ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ المُرُوءةِ مَا يَكْتُبُ بِذَلِكَ إِلَيَّ. قَالَ الخَطِيْبُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ ذَا لِحْيَةٍ، وَلا يَترُكُ أَمرَدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ، فَلَمَّا حَمَلَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ إِلَيْهِ ابْنَهُ   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 200. (2) مترجم في " تهذيب التهذيب " 1 / 42، 43 تمييزا، وانظر طبقات السبكي 2 / 8. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 168 لِيَسْمَعَ مِنْهُ - وَكَانَ إِذْ ذَاكَ أَمرَدَ - أَنكَرَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ عَلَى أَبِي دَاوُدَ إِحضَارَهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ - وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ - أَحْفَظُ مِنْ أَصْحَابِ اللِّحَى، فَامْتَحِنْهُ بِمَا أَرَدْتَ. فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَجَابَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَمِيْعِهَا، فَحَدَّثَهُ حِيْنَئِذٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْ أَمرَدَ غَيْرَهُ (1) . قَالَ: وَكَانَ أَحَدَ حُفَّاظِ الأَثَرِ، عَالِماً بِعِلَلِ الحَدِيْثِ، بَصِيْراً بِاخْتِلاَفِهِ، وَرَدَ بَغْدَادَ قَدِيْماً، وَجَالَسَ بِهَا الحُفَّاظَ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مُذَاكَرَاتٌ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُهُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا كَتَبَ عَنْ صَاحِبِهِ فِي المُذَاكَرَةِ حَدِيْثاً، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ صَالِحٍ إِلَى مِصْرَ، وَانْتَشَرَ عِنْدَ أَهْلِهَا عِلْمُهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ الأَئِمَّةُ. أَنْبَأَنَا أَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الخَلِيْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ زَنْجَوَيْه يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِصْرَ، فَأَتَيتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَسَأَلَنِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ. قَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ مِنْ مَنْزِلِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ فَقُلْتُ: أَنَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ: تَكْتُبُ لِي مَوْضِعَ مَنْزِلِكَ، فَإِنِّي أُرِيْدُ أُوافِيَ العِرَاقِ حَتَّى تَجمَعَ بَيْنَنَا. فَكَتَبْتُ لَهُ، فَوَافَى أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ سنَةَ اثْنَتَي عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ إِلَى عَفَّانَ، فَسَأَلَ عَنِّي، فَلَقِيَنِي، فَقَالَ: المَوْعِدُ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ فَذَهَبتُ بِهِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِالبَابِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَقَرَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ جَمَعْتَ   (1) تاريخ بغداد 4 / 201. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 169 حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ، فَتَعَالَ حَتَّى نَذْكُرَ (1) مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَجَعَلاَ يَتَذَاكَرَانِ، وَلا يُغْرِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، حَتَّى فَرَغَا، فَمَا رَأَيْتُ أَحسَنَ مِنْ مُذَاكَرَتِهِمَا. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَعَالَ حَتَّى نَذْكُرَ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَوْلاَدِ الصَّحَابَةِ، فَجَعَلاَ يَتَذَاكَرَانِ، وَلا يُغْرِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ لأَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ: عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنَّ لِي حِلْفَ المُطَيَّبِين (2)) . فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنْتَ الأُسْتَاذُ، وَتَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا. فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَتَبَسَّمُ، وَيَقُوْلُ: رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ أَوْ صَالِحٌ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ. فَقَالَ: مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ ثِقَتَانِ (3) : إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: سَأَلْتُكَ بِاللهِ إِلاَّ أَملَيْتَهُ عَلَيَّ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مِنَ الكِتَابِ. فَقَامَ، وَدَخَلَ، فَأَخْرَجَ الكِتَابَ، وَأَمْلَى عَلَيْهِ. فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: لَوْ لَمْ أَستَفِدْ بِالعِرَاقِ إِلاَّ هَذَا الحَدِيْثَ، لَكَانَ كَثِيْراً، ثُمَّ وَدَّعَهُ وَخَرَجَ (4) . وَهَذَا الحَدِيْثُ فِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) عَنْهُمَا. وَلَفْظُهُ: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شَهِدْتُ غُلاَماً مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ المُطَيَّبِيْنَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ وَإِنِّي أَنْكُثُهُ) ، فَهَذَا لَفْظُ إِسْمَاعِيْلَ. ثُمَّ رَوَاهُ ثَانِياً، فَقَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شَهِدْتُ حِلْفَ المُطَيَّبِيْنَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا   (1) في تاريخ بغداد 4 / 197: نذاكر. (2) أنظر في سبب تسميتهم بالمطيبين التعليق (1) في الصفحة التالية. (3) في تاريخ بغداد: حدثنا رجلان تقيان وهو تصحيف. (4) تاريخ بغداد 4 / 197، 198. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 170 غُلاَمٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَإِنِّي أَنْكُثُهُ (1)) . قُلْتُ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي بِهِمَا. وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيْدِ مِنْ (صَحِيْحِهِ (2)) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ،   (1) هما في " المسند " الأول في 1 / 193 من إسماعيل ابن علية والثاني في 1 / 190 من طريق بشر بن المفضل، كلاهما عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف وهذا سند رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 172، وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار، وقال: ورجاله رجال الصحيح، وذكره ابن كثير في " البداية " 2 / 290، 291 عن البيهقي باسناده إلى إسماعيل بن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يذكر عبد الرحمن بن عوف ... ثم قال البيهقي: وكذا رواه بشر بن المفضل عن عبد الرحمن..ثم نقل ابن كثير عن البيهقي قوله: وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين. وعلق عليه ابن كثير، فقال: هذا لا شك فيه، وذلك أن قريشا تحالفوا بعد موت قصي، وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية والرفادة واللواء والندوة والحجابة، ونازعهم فيه بنو عبد مناف، وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش، وتحالفوا على النصرة لحزبهم، فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب، فوضعوا أيديهم فيها، وتحالفوا، فلما قاموا، مسحوا أيديهم بأركان البيت فسموا المطيبين وكان هذا قديما. ولكن المراد بهذا الحلف حلف الفضول، وكان في دار عبد الله بن جدعان، كما رواه الحميدي عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله، عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لاجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وأن لا يعز ظالم مظلوما قالوا: وكان حلف الفضول قبل المبعث بعشرين سنة في شهر ذي القعدة، وكان بعد حرب الفجار بأربعة أشهر. (2) 13 / 301: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى وعمرو: هو ابن الحارث، وابن أبي هلال: هو سعيد، وأبو الرجال: محمد بن عبد الرحمن. وأخرجه مسلم (813) في صلاة المسافرين: باب فضل قل هو الله أحد من طريق أحمد بن عبد الرحمن ابن وهب، عن عمه عبد الله بن وهب بهذا الإسناد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 171 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ، أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ - وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ - عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِم، فَيَخْتِمُ بِـ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (سَلُوْهُ: لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟) . فَسَأَلُوْهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ) . فَمُحَمَّدٌ: هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ. قَالَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ فِي كِتَابِ (تَقْيِيْدِ المُهْمَلِ) ، وَأَنَا إِلَى هَذَا أَمِيْلُ، إِنْ كَانَتِ النُّسَخُ مُتَّفِقَةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّنِي أَخَافُ أَنْ (1) يَكُوْنَ مُحَمَّدٌ هُوَ البُخَارِيُّ، فَإِنَّ كَثِيْراً مِنَ النُّسَخِ فِي أَوَّلِ كُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهَا اسْمُ المُؤَلِّفِ، وَفِي بَعْضِهَا: مُحَمَّدٌ الفِرَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَيُحَرَّرُ هَذَا (2) . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ (3) : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ   (1) في الأصل: لا. (2) في البخاري الذي شرحه ابن حجر: " حدثنا أحمد بن صالح " باسقاط لفظ " محمد " قبل أحمد بن صالح قال الحافظ: كذا للاكثر، وبه جزم أبو نعيم في المستخرج، وأبو مسعود في " الاطراف " ووقع في " الاطراف " للمزي أن في بعض النسخ: حدثنا محمد، حدثنا أحمد بن صالح. قلت (القائل ابن حجر) : وبذلك جزم البيهقي تبعا لخلف في " الاطراف " قال خلف: ومحمد هذا أحسبه محمد بن يحيى الذهلي. ووقع عند الاسماعيلي بعد أن ساق الحديث من رواية حرملة عن ابن وهب: ذكره البخاري عن محمد بلا خبر عن أحمد بن صالح، فكأنه وقع عند الاسماعيلي بلفظ: قال محمد، وعلى رواية الأكثر، فمحمد هو البخاري المصنف، والقائل: قال محمد: هو الفربري، وذكر الكرماني هذا احتمالا. وقال في " المقدمة ": 231: ترجمته قال في التوحيد: حدثنا محمد، حدثنا أحمد بن صالح. كذا في معظم الروايات، وسقط ذكر " محمد " لابن السكن، وجزم الحاكم والكلاباذي بأن محمد هذا هو الذهلي. (3) هو صاحب " تاريخ دمشق ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 172 أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ بِحَدِيْثِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ فِي بَيعِ الثِّمَارِ (1) ، فَأَعجَبَهُ، وَاسْتَزَادَنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ مِثْلُهُ؟! قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ الحَافِظُ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: حَرَجٌ عَلَى كُلِّ مُبْتَدِعٍ وَمَاجِنٍ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسِي. فَقُلْتُ: أَمَّا المَاجِنُ، فَأَنَا هُوَ: وَذَاكَ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: صَالِحٌ المَاجِنُ قَدْ حضَرَ مَجْلِسَكَ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ السَّيَّارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: ارْتَحَلْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَدَخَلْتُ، فَتَذَاكَرْنَا إِلَى أَنْ ضَاقَ الوَقْتُ، ثُمَّ أَخْرَجْتُ مِنْ كُمِّي أَطرَافاً فِيْهَا أَحَادِيْثُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: تَعُودُ. فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَأَخْرَجْتُ الأَطرَافَ، وَسأَلْتُهُ، فَقَالَ: تَعُودُ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قُلْتَ لِي بِالأَمسِ: مَا عِنْدَكَ مَا يُكْتَبُ، أَوْرِدْ عَلَيَّ مُسْنَداً أَوْ مُرْسَلاً أَوْ حَرْفاً مِمَّا أَسْتَفِيْدُ، فَإِنْ لَمْ أُورِدْ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْكَ، فَلَسْتُ بِأَبِي زُرْعَةَ. ثُمَّ قُمْتُ، وَقُلْتُ لأَصْحَابِنَا: مَنْ هَا هُنَا مِمَّنْ نَكتُبُ عَنْهُ؟ قَالُوا: يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ. فَذَهَبتُ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ قَدْ سَمِعَ فِي كُتُبِ حَرْمَلَةَ، فَمَنَعَهُ حَرْمَلَةُ مِنَ الكُتُبِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ إِلاَّ نِصْفَ الكُتُبِ، فَكَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بَعْدُ، كُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْ حَرْمَلَةَ وَبَدَأَ بِهِ إِذَا وَافَى مِصْرَ، لَمْ يُحَدِّثْهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ المَقْدِسِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ مِصْرَ، فَبَدَأْتُ بِحَرْمَلَةَ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ كِتَابَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَالفَوَائِدَ، ثُمَّ ذَهَبتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَلَمْ يُحَدِّثْنِي، فَحَمَلْتُ كِتَابَ يُوْنُسَ، فَخَرَّقْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُرْضِيَهِ بِذَلِكَ - وَلَيْتَنِي لَمْ أُخَرِّقْهُ - فلَمْ   (1) سيرد الحديث في الصفحة: 175. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 173 يَرْضَ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي. قُلْتُ: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ هَذِهِ الأَخْلاَقِ، صَدَقَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ حَيْثُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ آفَةٌ غَيْرَ الكِبْرِ، فَلَو قُدِحَ فِي عَدَالتِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِثْمٌ كَبِيْرٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالبٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَأَنسَاهُ. قَالَ: (ابْسُطْ رِدَاءكَ) . فَبَسَطْتُهُ، فَغَرَفَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: (ضُمَّهُ) . فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيْثاً بَعْدُ. رَوَاهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ. وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لأَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمائَةِ دِيْنَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ) . أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.   (1) 6 / 466 في آخر علامات النبوة في الإسلام، وقد رواه البخاري من غير هذا الطريق في مواضع متعددة من " صحيحه " انظر رقم (118) و (119) و (2047) و (2350) و (7354) من الطبعة السلفية. وقد تقدم تخريجه في الجزء الثاني ص 595 من هذا الكتاب في ترجمة أبي هريرة. (2) رقم (2866) في الوصايا: باب ما جاء في كراهية الاضرار في الوصية، وشرحبيل = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 174 فَأَمَّا حَدِيْثُ بَيْعِ الثِّمَارِ: فَأَنْبَأَنَاهُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ وَمَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ (1) ، وَحَضَرَ تَقَاضِيهِم، قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثِّمَارَ الدَّمَانُ، وَأَصَابَهُ قُشَامٌ، وَأَصَابَهُ مُرَاضٌ؛ عَاهَاتٌ (2) يَحتَجُّوْنَ بِهَا. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَإِمَّا لاَ فَلاَ تَبَايَعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا) ، كَالمَشُورَةِ (3) يُشِيْرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِم. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: إِنِّي شَاكٌّ لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ هَذِهِ الكَلِمَةَ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَهُوَ فِي كِتَابِي مُجَازٌ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ (4) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ.   = هو ابن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني - قال الحافظ في " التقريب ": صدوق اختلط بآخره ومع ذلك فقد أخرج حديثه هذا ابن حبان في " صحيحه " (821) وباقي رجاله ثقات. وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة مرفوعا " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان ". (1) أي: قطعوا ثمارهم، والجداد: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها وأخذها من الشجر. (2) الدمان - ضبطه أبو عبيد بفتح الدال وتخفيف الميم، وضبطه الخطابي بضم أوله. قال عياض: وهما صحيحان -: فساد الثمر وعفنه قبل إدراكه حتى يسود، من الدمن وهو السرقين. والقشام بالضم وتخفيف الشين: أن ينتقض ثمر النخل قبل أن يصير بلحا. والمراض، بالضم: داء يقع في الثمرة فتهلك. (3) بضم الشين وسكون الواو، وبسكون الشين وفتح الواو، لغتان، قال الفراء: المشورة أصلها مشورة، ثم نقلت إلى مشورة لخفتها. (4) رقم (3372) في البيوع: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وأخرجه البخاري الجزء: 12 ¦ الصفحة: 175 قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُم البُخَارِيُّ، وَابْنُ زَبْرٍ: مَاتَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِينَ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً وَسَمَاعاً عَنْ: وَرشٍ، وَقَالُوْنَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، كُلُّهُم عَنْ نَافِعٍ. قَالَ: وَرَوَى حُرُوْفَ عَاصِمٍ عَنْ حَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ. روَى عَنْهُ القِرَاءةَ: حَجَّاجٌ الرُّشْدِيْنِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي مِهْرَانَ الجَمَّالُ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَالِكٍ الأُشْنَانِيُّ، وَحَسَنُ بنُ القَاسِمِ، وَالخَضِرُ بنُ الهَيْثَمِ الطُّوْسِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الحَرَّانِيُّ، وَغَيْرُهُم. قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ (1) ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ لَهُ (2) ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ وَرْشٍ وَقَالُوْنَ وَأَبِي بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيْلَ، عَنْ نَافِعٍ بِالحُرُوْفِ.   = 4 / 329 في البيوع: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها تعليقا فقال: وقال الليث عن أبي الزناد بهذا الإسناد. قال الحافظ: لم أره موصولا من طريق الليث، وقد رواه سعيد بن منصور عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت نحو حديث الليث، وأخرجه أبو داود (3372) والطحاوي 4 / 28 من طريق يونس بن يزيد، عن أبي الزناد، وأخرجه البيهقي 5 / 301، 302 من طريق يونس بن يزيد بالاسنادين معا. (1) هو عبد الله بن محمد الصريفيني. مترجم في المجلد 11 / 440 من " سير أعلام النبلاء ". ومعنى هزار مرد: ألف رجل، بالفارسية. انظر " التاج ": هزر و" الأنساب " 8 / 59. (2) وهو مطبوع بتحقيق الدكتور شوقي ضيف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 176 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ عَمَّنْ قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَلاَ يَقُوْلُ: مَخْلُوْقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَقَالَ: هَذَا شَاكٌّ، وَالشَّاكُّ كَافِرٌ (1) . قُلْتُ: بَلْ هَذَا سَاكِتٌ، وَمَنْ سَكَتَ تَوَرُّعاً لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَمَنْ سَكَتَ شَاكّاً مُزْرِياً عَلَى السَّلَفِ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المِصْرِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ لَفْظَنَا بِالقُرْآنِ غَيْرُ المَلْفُوْظِ. فَقَالَ: لَفْظُنَا بِالقُرْآنِ هُوَ المَلْفُوْظُ، وَالحِكَايَةُ هِيَ المَحْكِيُّ، وَهُوَكَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. قُلْتُ: إِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَعَنَى بِهِ القُرْآنَ، فَنَعَمْ، وَإِنْ قَالَ: لَفْظِي، وَقَصَدَ بِهِ تَلَفُّظِي وَصَوتِي وَفِعْلِي أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُصِيبٌ، فَاللهُ -تَعَالَى- خَالِقُنَا وَخَالِقُ أَفْعَالِنَا وَأَدَوَاتِنَا، وَلَكِنَّ الكَفَّ عَنْ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَيَكفِي المَرْءَ أَنْ يُؤمِنَ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيْلُهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي ذِهنٍ سَلِيمٍ أَنَّ الجَمَاعَةَ إِذَا قَرَؤُوا السُّوْرَةَ أَنَّهُم جَمِيْعَهُم قَرَؤُوا شَيْئاً وَاحِداً، وَأَنَّ أَصْوَاتَهُم وَقِرَاءاتِهِم وَحَنَاجِرَهُمْ أَشْيَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَالمَقرُوءُ كَلاَمُ رَبِّهِم، وَقِرَاءتُهُم وَتَلَفُّظُهُم وَنَغَمَاتُهُم مُتَبَايِنَةٌ، وَمَنْ لَمْ يَتَصَوَّرِ الفَرْقَ بَيْنَ التَّلَفُّظِ وَبَيْنَ المَلْفُوْظِ، فَدَعْهُ، وَأَعْرِضْ عَنْهُ.   (1) " غاية النهاية في طبقات القراء " 1 / 62. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 177 60 - عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمِ بنِ أَفْلَحَ العَمِّيُّ * (م، د، ت، ق) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ المَلِكِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ - لاَ الكُوْفِيُّ -. حَدَّثَ عَنْ: غُنْدَرٍ، وَيَحْيَى القَطَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَعَلِيُّ بنُ زَاطِيَا، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، هُوَ فَوْقَ بُنْدَارٍ عِنْدِي (1) . وَقَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: كَانَ ثِقَةً، مُجَوِّداً. قَالَ السَّرَّاجُ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَمَّا: 61 - عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ الهِلاَلِيُّ الكُوْفِيُّ ** فَحَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالمُسَيَّبِ بنِ   (*) التاريخ الكبير 6 / 439، التاريخ الصغير 2 / 380، الجرح والتعديل 6 / 317، تاريخ بغداد 12 / 266، 267، طبقات الحنابلة 1 / 246، 247، تهذيب الكمال: 948، تذهيب التهذيب 3 / 47 / 2، العبر 1 / 440، 441، تهذيب التهذيب 7 / 250، خلاصة تذهيب الكمال: 269، شذرات الذهب 2 / 104. (1) " تاريخ بغداد " 12 / 267، و" تهذيب التهذيب " 7 / 250. وفيه: قال النسائي: ثقة. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". (* *) التاريخ الكبير 6 / 439، الجرح والتعديل 6 / 317، تهذيب الكمال: 949، تذهيب التهذيب 3 / 47 / 2، العبر 1 / 441، تهذيب التهذيب 7 / 251، خلاصة تذهيب الكمال: 269. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 178 شَرِيْكٍ، وَمُصْعَبِ بنِ سَلاَّمٍ، وَيَحْيَى بنِ يَمَانٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْزِيْلَ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ مُطَيَّنٌ: صَدُوْقٌ، لاَ يَخْضِبُ. قُلْتُ: مَا خَرَّجُوا لِهَذَا شَيْئاً. مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 62 - مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ الطَّالْقَانِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الطَّالْقَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَسَيْفِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ - فِي تَأَلِيفِهِ لَهُ - وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ فَيْرُوْزٍ الأَنْمَاطيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) " تهذيب التهذيب " 7 / 251 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال ابن حجر: وقال الغلابي عن ابن معين: إنه قوي الحديث. (*) التاريخ الصغير 2 / 392، الجرح والتعديل 8 / 291، تاريخ جرجان ص 209، تاريخ بغداد 13 / 90، 92، طبقات الحنابلة 1 / 339، الأنساب 8 / 176، اللباب 2 / 269، تهذيب الكمال: 1309، تذهيب التهذيب 4 / 26 / 2، تهذيب التهذيب 10 / 62، 63، خلاصة تذهيب الكمال: 370، 371. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 179 رَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: هُوَ ثِقَةٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الرَّوَّاسُ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: مَا بِعْتُ شَيْئاً قَطُّ وَلاَ اشْتَرَيتُهُ (2) . قَالَ السَّرَّاجُ: كَأَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ: كُنْتُ فِيْمَنْ غَسَّلَهُ، فَرَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي وَلِجَمِيْعِ مَنْ تَبِعَنِي. قُلْتُ: فَأَنَا قَدْ تَبِعتُكَ. فَأَخْرَجَ وَرَقاً مِنْ كُمِّهِ فِيْهِ مَكْتُوبٌ: يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ (3) . قَالَ السَّرَّاجُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: وَقَعَ حَدِيْثُهُ عَالِياً عِندَ سِبْطِ السِّلَفِيِّ (4) . أَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ البَيِّعُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا العَاصِمِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرٌ، عَنِ الحَسَنِ، وَأَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلنَا إِلَيْكَ،   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 91. (2) " تاريخ بغاد " 13 / 91. وفيه عن أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ، قال: محمود بن خداش من أهل الصدق والثقة. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 91، 92، و" تهذيب التهذيب " 10 / 62 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: ثقة. (4) هو عبد الرحمن بن مكي وقد تقدمت ترجمته في الصفحة: 142، التعليق الرابع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 180 فَاسْأَلِ الَّذِيْنَ يَقْرَؤُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يُوْنُسُ: 94] ، قَالاَ: لَمْ يَشُكَّ، وَلَمْ يَسْأَلْ (1) . 63 - عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عِصَامٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيُّ، نَزِيْلُ هَمَذَانَ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَالعَقَدِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَطَبَقَتَهُم. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ الكَرَابِيْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَوْسٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمْتُ هَمَذَانَ وَهُوَ حَيٌّ، وَلَمْ يُقَدَّرْ لِيَ السَّمَاعُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبِي: هُوَ صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَمْرُوْسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَزُّوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ أَبِي صَالِحٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ: مَا لَقِيَ الجُرْجَانِيُّ مِثْلَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: لَيْسَ أَنَا مِثْلُ: ينكمر (3) ، ذَاكُمُ الجُرْجَانِيُّ. وَرَأَيْتُ فِي   (1) رجاله ثقات، وأخرجه الطبري 15 / 202 من طريق الحارث، حدثنا القاسم بن سلام، حدثنا هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير ومنصور عن الحسن..وقال البغوي في " شرح السنة " 1 / 117: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره ممن شك في تنزيل القرآن، كقوله سبحانه (يا أيها النبي اتق الله) وقوله (واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا) أي: سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا يعني أهل الكتاب، الخطاب له، والمراد المشركون. (*) الجرح والتعديل 6 / 16، 17. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 17 (3) كذا الأصل، ولم نتبينه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 181 كِتَابِ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، قَالَ المَرَّارُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الجُرْجَانِيِّ، وَلَمَّا وَقَعَتِ المِحْنَةُ فِي اللَّفْظِ، سَكَتَ الجُرْجَانِيُّ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذَهَبتُ مَعَ صَالِحِ بنِ حَمُّوْيَه؛ أَخِي المَرَّارِ، فَوَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ الجُرْجَانِيِّ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى سأَلَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: أَرَاهُ مُحْدثَةً بِدْعَةً، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ، ثِقَةً، صَدُوْقاً. قِيْلَ: إِنَّهُ نَاظَرَ أَبَا عُبَيْدٍ. مَاتَ: سنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ كُبَرَاءُ، مُحْتَشِمُونَ بِهَمَذَانَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَلَمْ يَقَعْ لَنَا مِنْ عَوَالِي هَذَا الإِمَامِ شَيْءٌ. 64 - الأَشَجُّ أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ حُصَيْنٍ * (ع) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الوَقْتِ، أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدِ بنِ حُصَيْنٍ الكِنْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَعُقْبَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَزِيَادِ بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ   (*) الجرح والتعديل 5 / 73، الأنساب 1 / 270، اللباب 1 / 63، تهذيب الكمال: 688، تذهيب التهذيب 2 / 149 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 501، 502، العبر 2 / 15، تهذيب التهذيب 5 / 236، 237، طبقات الحفاظ: 218، خلاصة تذهيب الكمال: 199، طبقات المفسرين 1 / 228، 229، شذرات الذهب 2 / 137. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 182 بنِ أَعْيَنَ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَالمُطَّلبِ بنِ زِيَادٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ أَوَّلَ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. رَأَيْتُ (تَفْسِيْرَهُ) مُجَلَّدٌ. وَعَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَيَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ الصَّغِيْرُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. مِنْ آخِرِهِم: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ فِي أَمَالِيْهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بِلاَلٍ الشَّطَوِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صَدُوْقٌ (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ. أَخْبَرَنَا القَاضِي العَلاَّمَةُ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَسَدِيُّ الحَنَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ   (1) في " الجرح والتعديل ": 5 / 73 كتب عنه أبي وأبو زرعة، ورويا عنه، وكتبت عنه مع أبي. وعن أبي بكر بن خيثمة قال: سمعت يحيى بن معين يقول: الاشج ليس به بأس، ولكن يروي عن قوم ضعفاء. وقال عبد الرحمن: سئل أبي عنه: فقال: كوفي ثقة صدوق. (2) " تهذيب التهذيب " 5 / 236، وقال مرة: ليس به بأس. وقال الخليلي ومسلمة بن قاسم: ثقة. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 183 البَاقِي، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ (1) ، وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَنْجَبُ الحمَّامِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَارِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَاكِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ الرَّفِيْعِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الخَضِرِ قِرَاءةً بِحَرَّانَ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، قَالَ هُوَ، وَالطُّوْسِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ البَانْيَاسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ - هُوَ ابْنُ حَرْبٍ - عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فِي ثَلاَثِيْنَ مِنَ البَقَرِ تَبِيْعٌ أَوْ تَبِيْعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِيْنَ مُسِنَّةٌ) . أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ (2) ، عَنِ الأَشَجِّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ مَاتَ: الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَزَيْدُ بنُ   (1) هو أبو الحسن تاج القراء، صوفي كبير، توفي في صفر سنة 563 هـ. وهو مترجم في " العبر " 4 / 182. (2) رقم (622) في الزكاة: باب ما جاء في زكاة البقر، وهو في " سنن ابن ماجة " (1803) وخصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري سيء الحفظ، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله لم يسمع من أبيه، لكن له شاهد صحيح يتقوى به من حديث الأعمش، عن أبي وائل وإبراهيم، عن مسروق، عن معاذ بن جبل قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا، أو عدله معافر " أخرجه عبد الرزاق (6841) وأبو داود (1576) و (1577) ، والنسائي 5 / 26، وابن ماجة (1803) والدارمي 1 / 382، والدارقطني 2 / 102، وابن الجارود (178) ، والبيهقي 4 / 98 و9 / 193، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (749) ، والحاكم 1 / 398، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا، وأخرجه الدارمي 1 / 382 من طريق أبي بكر بن عياش، عن عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عن مسروق، عن معاذ وهذا سند حسن، وهو في " المسند " 5 / 247 من طريق شريك عن عاصم به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 184 أَخْزمَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْر زَاج، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ، وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مَعْبَدٍ السِّنْجِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ عَبَّاسٌ الرِّيَاشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ الأَزْرَقُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيُّ. 65 - السَّرِيُّ بنُ المُغَلِّسِ السَّقَطِيُّ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنِ: الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَلِيِّ بنِ غُرَابٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَغَيْرِهِم بِأَحَادِيْثَ قَلِيْلَةٍ، وَاشتَغَلَ بِالعِبَادَةِ، وَصَحِبَ مَعْرُوْفاً الكَرْخِيَّ، وَهُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ. رَوَى عَنْهُ: الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالنُّورِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَاكِرٍ. فَرَوَى ابْنُ شَاكِرٍ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ وِرْدِي لَيْلَةً، وَمَدَدْتُ رِجْلِي فِي المِحْرَابِ، فنُوْدِيْتُ: يَا سَرِيُّ، كَذَا تُجَالِسُ المُلُوْكَ! فَضَمَمْتُهَا، وَقُلْتُ: وَعِزَّتِكَ لاَ مَدَدْتُهَا (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ يَقُوْلُ: حَمِدْتُ اللهَ مَرَّةً، فَأَنَا   (*) طبقات الصوفية: 48، 55، حلية الأولياء 10 / 116، 128، تاريخ بغداد 9 / 187، 192، الرسالة القشيرية: 12، صفوة الصفوة 2 / 209، 218، العبر 2 / 5، مرآة الجنان 2 / 158، 159، تاريخ ابن كثير 11 / 13، 14، لسان الميزان 3 / 13، 14، طبقات الشعراني 1 / 86، 87، النجوم الزاهرة 2 / 339، 340، شذرات الذهب 2 / 127، 128. (1) " حلية الأولياء " 10 / 120، و" تاريخ بغداد " 9 / 187، و" النجوم الزاهرة " 2 / 339. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 185 أَسْتَغْفِرُ مِنْ ذَلِكَ الحَمْدِ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً. قِيْلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: كَانَ لِي دُكَّانٌ فِيْهِ مَتَاعٌ، فَاحْتَرَقَ السُّوْقُ، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، دُكَّانُكَ سَلِمَتْ. فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ، ثُمَّ فَكَّرْتُ، فَرَأَيْتُهَا خَطِيئَةً (1) . وَيُقَالُ: إِنَّ السَّرِيَّ رَأَى جَارِيَةً سَقَطَ مِنْ يَدِهَا إِنَاءٌ، فَانْكَسَرَ، فَأَخَذَ مِنْ دُكَّانِهِ إِنَاءً، فَأَعطَاهَا، فَرَآهُ مَعْرُوْفٌ الكَرْخِيُّ، فَدَعَا لَهُ، قَالَ: بَغَّضَ اللهُ إِلَيْكَ الدُّنْيَا. قَالَ: فَهَذَا الَّذِي أَنَا فِيْهِ مِنْ بَرَكَاتِ مَعْرُوْفٍ (2) . وَقَالَ الجُنَيْدُ: سَمِعْتُ سَرِيّاً يَقُوْلُ: أَشْتَهِي مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ جَزَرَةً أَغمِسُهَا فِي دِبْسٍ وَآكُلُهَا، فَمَا يَصِحُّ لِي (3) . وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ آكُلَ أَكْلَةً لَيْسَ للهِ عَلَيَّ فِيْهَا تَبِعَةٌ، وَلا لِمَخْلُوقٍ فِيْهَا مِنَّةٌ، فَمَا أَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً (4) . وَدَخَلتُ عَلَى السَّرِيِّ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ: أَوْصِنِي. قَالَ: لاَ تَصْحَبِ الأَشْرَارَ، وَلاَ تَشْتَغِلَنَّ عَنِ اللهِ بِمُجَالَسَةِ الأَخيَارِ (5) . قَالَ الفَرُّخَانِيُّ: سَمِعْتُ الجُنَيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَعْبَدَ للهِ مِنَ السَّرِيِّ، أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً مَا رُئِيَ مُضْطَجِعاً إِلاَّ فِي عِلَّةِ المَوْتِ (6) . قَالَ الجُنَيْدُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى أَنْفِي كُلَّ يَوْمٍ مَخَافَةَ أَنْ   (1) " تاريخ بغداد " 9 / 188. (2) " تاريخ بغداد " 9 / 188، و" النجوم الزاهرة " 2 / 339. (3) " حلية الأولياء " 10 / 116، و" تاريخ بغداد " 9 / 190. (4) " حلية الأولياء " 10 / 116، و" تاريخ بغداد " 9 / 190، و" النجوم الزاهرة " 2 / 339. (5) " حلية الأولياء " 10 / 125، و" تاريخ بغداد " 9 / 190، و" النجوم الزاهرة " 2 / 339. (6) " النجوم الزاهرة " 2 / 339. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 186 يَكُوْنَ وَجْهِيَ قَدِ اسْوَدَّ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَيْثُ أُعْرَفُ، أَخَافُ أَنْ لاَ تَقْبَلَنِي الأَرْضُ، فَأَفْتَضِحَ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: فَاتَنِي جُزْءٌ مِنْ وِرْدِي، فَلاَ يُمْكِنُنِي قَضَاؤُهُ (2) -يَعْنِي: لاستِغْرَاقِ أَوْقَاتِهِ-. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: كَانَ السَّرِيُّ أَوَّلَ مَنْ أَظهَرَ بِبَغْدَادَ لِسَانَ التَّوْحِيْدِ، وَتَكَلَّمَ فِي عُلُوْمِ الحَقَائِقِ، وَهُوَ إِمَامُ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي الإِشَارَاتِ. قُلْتُ: وَمِمَّنْ صَحِبَهُ: العَبَّاسُ بنُ يُوْسُفَ الشَّكْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ جَابِرٍ السَّقَطِيُّ. تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحدَى وَخَمْسِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ. 66 - الحَسَنُ بنُ شُجَاعِ بنِ رَجَاءَ البَلْخِيُّ * (ت) الحَافِظُ، النَّاقِدُ، الإِمَامُ، المُحَقِّقُ، أَبُو عَلِيٍّ البَلْخِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، لَهُ مَعْرِفَةٌ وَاسِعَةٌ، وَرِحلَةٌ شَاسِعَةٌ. لَقِيَ مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ وَطَبَقَتَهُ بِبَلْخَ. وَلَحِقَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى - وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ - وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَيَحْيَى الوُحَاظِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ كَاتِبَ اللَّيْثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ الصَّلْتِ، وَيَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَابْنَ رَاهْوَيْه، وَطَبَقَتَهُم.   (1) " حلية الأولياء " 10 / 116، و" النجوم الزاهرة " 2 / 339. (2) " طبقات الصوفية ": 50، و" حلية الأولياء " 10 / 124. (*) تهذيب الكمال: 266، 268، تذهيب التهذيب 1 / 137 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 542، العبر 1 / 442، تهذيب التهذيب 2 / 282، 284، طبقات الحفاظ: 238، خلاصة تذهيب الكمال: 78، شذرات الذهب 2 / 104. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 187 رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ - وَذَلِكَ فِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا البَلْخِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الخَلِيْلِ الخَزَّازُ، وَذَلِكَ فِي تَفْسِيْرِ الزُّمَرِ (1) ، فَقِيْلَ: هُوَ البَلْخِيُّ. قَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوزيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَانَ أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ البَلْخِيُّ. هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ، وَيَروِيهَا أَيْضاً الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ القَاضِي عَنْ بَعْضِ شُيُوْخِهِ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَنِ الحُفَّاظُ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، شَبَابٌ كَانُوا عِنْدنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَقَدْ تَفَرَّقُوا. قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ذَاكَ البُخَارِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ   (1) 8 / 423: باب قوله (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) حدثني الحسن، حدثني إسماعيل بن خليل، أخبرنا عبد الرحيم، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة. فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة " قال الحافظ: كذا في جميع الروايات " الحسن " غير منسوب، فجزم أبو حاتم سهل بن السري الحافظ فيما نقله الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ، وهو أصغر من البخاري، لكن مات قبله، وهو معدود من الحفاظ، ووقع في المصافحة للبرقاني أن البخاري قال في هذا الحديث: حدثنا الحسين بضم أوله مصغر، ونقل عن الحاكم أنه الحسين بن محمد القباني، فالله أعلم، وإسماعيل بن الخليل شيخه من أوساط شيوخ البخاري، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين، لأنه يروي عن واحد، عن زكريا بن أبي زائدة، وهنا بينهما ثلاثة أنفس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 188 الكَرِيْمِ ذَاكَ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَاكَ السَّمَرَقَنْدِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ذَاكَ البَلْخِيُّ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَنْ أَحْفَظُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: أَمَا أَبُو زُرْعَةَ فَأَسْرَدُهُم، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَأَعَرَفُهُم، وَأَمَّا الدَّارِمِيُّ فَأَتْقَنُهُم، وَأَمَّا ابْنُ شُجَاعٍ فَأَجْمَعُهُم لِلأَبْوَابِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: أَبُو زُرْعَةَ، وَالبُخَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَحَكَيْتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، فَأَطْرَى ذِكْرَ الحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ يَشْتَهِرْ كَمَا اشْتَهَرَ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) : الحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مِمَّنْ أَكْثَرَ الرِّحلَةَ، وَالكَتْبَ، وَالحِفْظَ، وَالمُذَاكَرَةَ، مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ، لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ. وَقَالَ الحَاكِمُ: ابْنُ شُجَاعٍ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، رَحَلَ، وَصَنَّفَ، ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ المَنِيَّةُ قَبْلَ الخَمْسِيْنَ سَنَةً. رَوَى عَنْهُ: البُخَارِيُّ فِي (الجَامِعِ الصَّحِيْحِ) . ثُمَّ نَقَلَ الحَاكِمُ: أَنَّهُ مَاتَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. كَذَا نُقِلَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ البَلْخِيِّ، وَهَذَا خَطَأٌ لاَ يَسُوغُ، فَإِنْ صَحَّ تَارِيْخُ مَوْتِهِ هَذَا، فَمَا عَاشَ إِلاَّ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً حَتَّى يَلحَقَ فِي ارْتِحَالِهِ مِثْلَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَإِلاَّ فَتَحدِيْدُ سِنِّهِ بَاطِلٌ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 189 وَأَمَّا أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ الحَافِظُ فَقَالَ فِي (رِجَالِ البُخَارِيِّ) : كَانَ أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بنُ السَّرِيِّ البُخَارِيُّ الحَافِظُ الحَذَّاءُ يَقُوْلُ: الحَسَنُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ فِي تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ الزُّمرِ هُوَ: الحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ الحَافِظُ عِنْدِي. ثُمَّ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: كَتَبَ إِلَيْنَا الشَّبِيْبِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ البَلْخِيَّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: مَاتَ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. قلتُ: النَّاقِلُ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ - هُوَ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ شَيْخُ الحَاكِمِ، فَهَذَا أَصَحُّ عَنْهُ، وَأَخْطَأَ ذَاكَ الصُّوْفِيُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ زَادَ فِي تَارِيْخِ مَوْتِهِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَاتَّفَقَا فِي عُمُرِهِ، وَفِي نِصْفِ شَهْرِ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ الكَلاَبَاذِيُّ: وَلَهُ إِخْوَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ - وَكَانَ أَكْبَرَهُم - وَأَبُو رَجَاءَ أَحْمَدُ بنُ شُجَاعٍ - وَهُوَ أَوْسطُهُم - وَأَبُو شَيْخٍ. 67 - الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ حَرْبٍ السُّلَمِيُّ * (ت، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، المَرْوَزِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ المُبَاركِ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ المُبَارَكِ بِشَيْءٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَيَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَالفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعِدَّةٍ.   (*) الجرح والتعديل 3 / 49، تهذيب الكمال: 287، تذهيب التهذيب 1 / 147 / 2، العقد الثمين 4 / 189، 190، تهذيب التهذيب 2 / 334، خلاصة تذهيب الكمال: 82، شذرات الذهب 2 / 111. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 190 حَدَّثَ عَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَدَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الظَاهِرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَهُوَ رَاوِي كِتَابِ (الزُّهْدِ) لأَحْمَدَ. يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (جُزْءِ البَانْيَاسِيِّ) . 68 - الخَلِيْعُ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ الضَّحَّاكِ البَاهِلِيُّ * الشَّاعِرُ المُفْلِقُ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ الضَّحَّاكِ البَاهِلِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، الخَلِيْعُ. مَدَحَ الخُلَفَاءَ، وَسَارَ شِعرُهُ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَكَانَ يَذْكُرُ مَوْتَ شُعْبَةَ، وَكَانَ ذَا ظَرْفٍ وَمُجُونٍ، وَتَفُنُّنٍ فِي بَدِيعِ النَّظمِ، وَكَانَ نَدِيْماً مَعَ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ. مَاتَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً. وَشُهِرَ بِالخَلِيعِ؛ لِمُجُونِهِ وَهَنَاتِهِ. وَهُوَ القَائِلُ:   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 49. (2) " تهذيب التهذيب " 2 / 334. وفيه: قال مسلمة: ثقة. (*) ديوانه، وقد جمعه المرحوم عبد الستار أحمد فراج، طبقات الشعراء لابن المعتز: 268، 271، الاغاني 7 / 146، 226، تاريخ بغداد 8 / 54، 55، معجم الأدباء 10 / 5، 23، وفيات الأعيان 2 / 162، 168، النجوم الزاهرة 2 / 333، شذرات الذهب 2 / 0 123؟ 124. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 191 لاَ وَحُبِّيكِ لاَ أُصَا ... فِحُ بِالدَّمْعِ مَدْمَعَا مَنْ بَكَى شَجْوَهُ اسْتَرَا ... حَ وَإِنْ كَانَ مُوجِعَا كَبِدِي فِي (1) هَوَاكِ أَسْـ ... ـقَمُ مِنْ أَنْ يُقَطَّعَا (2) لَمْ تَدَعْ سَوْرَةُ (3) الضَّنَى ... فِيَّ لِلسُّقْمِ مَوْضِعَا (4) وَلَهُ: صِلْ بِخَدِّي خَدَّيْكَ تَلْقَ عَجِيْبا ... مِنْ مَعَانٍ يَحَارُ فِيْهَا الضَّمِيْرُ فَبِخَدَّيْكَ لِلرِّيَاضِ رَبِيْعٌ (5) ... وَبِخَدَّيَّ لِلدُّمُوْعِ غَدِيرُ (6) 69 - الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيُّ * (خَ، د، ت) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّارُ. وَيُعْرَفُ أَيْضاً: بِابْنِ البَزَّارِ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَمُبَشِّرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَمَعْنِ بنِ (7) عِيْسَى، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَوَكِيْعٍ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٍ.   (1) في " الاغاني " من هواك. (2) في " الاغاني " و" معجم الأدباء " تقطعا. (3) في " معجم الأدباء ": صورة. (4) الابيات في " الاغاني " 7 / 174، 175، و" معجم الأدباء " 10 / 15، 16. (5) في " وفيات الأعيان "، و" شذرات الذهب ": للربيع رياض. (6) البيتان في " وفيات الأعيان " 2 / 164، وشذرات الذهب " 2 / 124. (*) التاريخ الكبير 2 / 295، الجرح والتعديل 3 / 19، تاريخ بغداد 7 / 330، 332، طبقات الحنابلة 1 / 133، 135، تهذيب الكمال، 268، تذهيب التهذيب 1 / 139 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 476، 477، ميزان الاعتدال 1 / 499، 500، العبر 1 / 453، 454، تاريخ ابن كثير 11 / 4، تهذيب التهذيب 2 / 289، 290، طبقات الحفاظ: 207، خلاصة تذهيب الكمال: 78، 79، شذرات الذهب 2 / 119. (7) ما بين حاصرتين سقط من الأصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 192 حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ بُجَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، كَانَتْ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ بِبَغْدَادَ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ وَيُجِلُّهُ (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ: مَا يَأْتِي عَلَى ابْنِ البَزَّارِ يَوْمٌ إِلاَّ وَهُوَ يَعْمَلُ فِيْهِ خَيْراً، وَلَقَدْ كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى فُلاَنٍ، فَكُنَّا نَقْعُدُ نَتَذَاكَرُ إِلَى خُرُوْجِ الشَّيْخِ، وَابْنُ البَزَّارِ قَائِمٌ يُصَلِّي (2) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الصَّبَّاحِ يَقُوْلُ: أُدْخِلْتُ عَلَى المَأْمُوْنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: رُفِعَ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَنَّهُ يَأْمرُ بِالمَعْرُوْف - قَالَ: وَكَانَ نَهَى أَنْ يَأْمُرَ أَحَدٌ بِمَعْرُوْفٍ - فَأُخِذْتُ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ الحَسَنُ البَزَّارُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَالَ: وَتَأْمرُ بِالمَعْرُوْفِ؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنِّي أَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ. قَالَ: فَرَفَعَنِي عَلَى ظَهرِ رَجُلٍ، وَضَرَبَنِي خَمْسَ دِرَرٍ، وَخَلَّى سَبِيلِي. وَأُدْخِلْتُ المَرَّةَ الثَّانِيَةَ عَلَيْهِ، رُفِعَ إِلَيْهِ أَنِّي أَشْتِمُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأُدْخِلْتُ، فَقَالَ: تَشتِمُ عَلِيّاً؟ فَقُلْتُ: صَلَّى اللهُ عَلَى مَوْلاَيَ وَسَيِّدِي عَلِيٍّ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنَا لاَ أَشتِمُ يَزِيْدَ لأَنَّه ابْنُ عَمِّكَ، فَكَيْفَ أَشْتِمُ مَوْلاَيَ وَسَيِّدِي؟! قَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ. وَذَهَبتُ مَرَّةً إِلَى أَرْضِ الرُّوْمِ إِلَى البَذَنْدُوْنَ فِي المِحْنَةِ، فَدُفِعْتُ إِلَى   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 19، و" تاريخ بغداد " 7 / 330، و" تهذيب التهذيب " 2 / 290. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 331، و" تهذيب التهذيب " 2 / 290. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 193 أَشْنَاسَ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ، خُلِّيَ سَبِيلِي (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَيْضاً: صَالِحٌ. وَقَالَ السَّرَّاجُ: كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ بِبَغْدَادَ (2) . قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّحْوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَنَساً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَسْأَلُوْنَ حَتَّى يَقُوْلُوا: هَذَا اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ... ) ، وَذَكَرَ كَلِمَةً. أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (3) ، عَنِ البَزَّارِ، فَوَافَقْنَاهُ.   (1) الخبر بطوله في " تاريخ بغداد " 7 / 331. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 331، و" تهذيب التهذيب " 2 / 290 وجاء فيه: وقال النسائي في " أسماء شيوخه ": بغدادي صالح. وقال في " الكنى ": ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الامام أحمد [ليعقوب الهاشمي] : اكتب عنه، ثقة، صاحب سنة. (3) 13 / 230، 231 في الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه بلفظ: " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟ " وأخرجه مسلم (136) في الايمان: باب بيان الوسوسة من الايمان وما يقوله من وجدها، من طريق المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عزوجل: إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ " وللبخاري 6 / 240 في بدء الخلق، ومسلم (214) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغه، فليستعذ بالله ولينته " وفي رواية لمسلم: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله "، وهي عند أبي داود (4721) . وقد استوفى الحافظ كلام الأئمة في شرح هذا الحديث في " الفتح " 13 / 231، 232، فانظره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 194 مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ. 70 - مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ بنِ سَالِمِ بنِ يَزِيْدَ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمْ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ الكِنْدِيُّ مَوْلاَهُمُ، الخُرَاسَانِيُّ، الطُّوْسِيُّ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ؛ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَحُسَيْنَ بنَ الوَلِيْدِ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَقَبِيْصَةَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَبْدَ الحَكَمِ بنَ مَيْسَرَةَ - صَاحِبَ ابْنِ جُرَيْجٍ - وَالنَّضْرَ بنَ شُمِيْلٍ، وَمَحَاضِرَ بنَ المُوَرِّعِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ. وَصَنَّفَ: (المُسْنَدَ) ، وَ (الأَرْبَعِيْنَ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَكِيْعٍ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَزَنْجُوْيَةَ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّبَّادُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَخَلْقٌ. وَحَدَّثَ عَنْهُ مِنْ أَقْرَانِهِ: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِلاَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ.   (*) التاريخ الصغير 2 / 377، الجرح والتعديل 7 / 201، حلية الأولياء 9 / 238، 254، تذكرة الحفاظ 2 / 532، 534، العبر 1 / 437، 438، الوافي بالوفيات 2 / 204، تاريخ ابن كثير 10 / 344، النجوم الزاهرة 2 / 308، طبقات الحفاظ: 233، 234، شذرات الذهب 2 / 100، 101. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 195 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: كَانَ مِنَ الأَبدَالِ المُتَتَبِّعِينَ لِلآثَارِ. قَالَ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، فَمَا شَبَّهْتُهُ إِلاَّ بِأَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ بَالُوَيْه، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ؛ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ (1) . وَقَالَ قَبِيْصَةُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ أَشبَهَ النَّاسِ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي: فِي هَديِهِ وَسَمتِهِ - وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ فِي ذَلِكَ، وَيُشَبَّهُ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيْمُ، وَبإِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرٌ، وَبِمَنْصُوْرٍ سُفْيَانُ، وَبسُفْيَانَ وَكِيْعٌ. قَالَ الحَاكِمُ: قَامَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ مَقَامَ وَكِيْعٍ، وَأَفْضَلَ مِنْ مَقَامِهِ؛ لِزُهدِهِ وَوَرَعِهِ وَتَتَبُّعِهِ لِلأَثَرِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا خَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الطُّوْسِيِّ خَادِمِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ فِي حَدِيْثٍ: (إِنَّ اللهَ لاَ يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضَلاَلَةٍ، فَإِذَا رَأًيْتُمُ الاخْتِلاَفَ، فَعَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ (2)) . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ،   (1) " شذرات الذهب " 2 / 101، 102. (2) أخرجه ابن ماجة (3950) في الفتن: باب السواد الأعظم، من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي، حدثنا معان بن رفاعة السلامي، حدثني أبو خلف الاعمى، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..فذكره. قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 246: إسناده ضعيف لضعف أبي خلف الاعمى واسمه حازم بن عطاء، رواه عبد بن حميد، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا بقية بن الوليد، أخبرنا معان..فذكره، ورواه أبو يعلى الموصلي، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد..فذكره بإسناده ومتنه. وقد روي هذا = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 196 مَنِ السَّوَادُ الأَعْظَمُ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ تَبِعَهُ. ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ: لَمْ أَسْمَعْ عَالِماً مُنْذُ خَمْسِيْنَ سنَةً كَانَ أَشَدَّ تَمَسُّكاً بِأَثَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ: وَسَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْبَ المَرْوَزِيَّ بِبَغْدَادَ، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ صَحِبْتَ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، أَيُّهُمَا كَانَ أَرْجَحَ وَأَكبَرَ وَأَبْصَرَ بِالدِّيْنِ (2) ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لِمَ تَقُوْلُ هَذَا؟ إِذَا ذَكَرْتُ مُحَمَّداً فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، فَلاَ تَقْرُنْ مَعَهُ أَحَداً: البَصْرُ بِالدِّيْنِ، وَاتِّبَاعُ الأَثَرِ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَفَصَاحَتُهُ بِالقُرْآنِ وَالنَّحْوِ. ثُمَّ قَالَ لِي: نَظَرَ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ) لاِبْنِ أَسْلَمَ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ أَبُو (3) يَعْقُوْبَ: رَأَتْ عَينَاكَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ؟ قُلْتُ: لاَ (4) . وَبِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بنُ قَاسمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى عَنْ سِتِّ مَسَائِلَ، فَأَفْتَى فِيْهَا. وَقَدْ كُنْتُ سَأَلْتُ (5) مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ، فَأَفْتَى فِيْهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَاحْتَجَّ فِيْهَا بِحَدِيْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَلَيْسَ ذَاكَ عِنْدَنَا (6) .   = الحديث من حديث أبي ذر، وأبي مالك الأشعري، وابن عمر، وأبي بصرة، وقدامة بن عبد الله الكلابي، وفي كلها نظر قاله شيخنا العراقي. قلت: لكن بمجموعها يتقوى الحديث، فيكون حجة، وحديث أبي مالك الأشعري عند أبي داود (4253) ، وحديث أبي بصرة عند أحمد 6 / 396، وحديث ابن عمر عند الترمذي (2167) ، وأبي نعيم 3 / 37، والحاكم وابن منده والضياء في " المختارة " وحديث أبي ذر عند أحمد 5 / 145. وانظر " المقاصد الحسنة " ص 460، و" مجمع الزوائد " 1 / 177، 178. (1) " حلية الأولياء " 9 / 238، 239. (2) العبارة في " حلية الأولياء " 9 / 239: أي الرجلين كان عندك أرجح أو أكبر أو أبصر بالدين؟ (3) في " الحلية " 9 / 239. ثم قال: يا أبا يعقوب. (4) " حلية الأولياء " 9 / 239. (5) في " حلية الأولياء ": سمعت. (6) " حلية الأولياء " 9 / 239. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 197 وَسَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه ذَاتَ يَوْمٍ رَوَى فِي تَرْجِيْعِ (1) الأَذَانِ أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً، ثُمَّ رَوَى حَدِيْثَ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ (2) ، ثُمَّ قَالَ: يَا قَوْمُ، قَدْ حَدَّثْتُكُم بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ فِي التَّرْجِيْعِ، وَلَيْسَ فِي غَيْرِ التَّرْجِيْعِ إِلاَّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ؛ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ. وَقَدْ أَمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ النَّاسَ بِالتَّرْجِيْعِ، فَقُلْتُم: هَذَا مُبْتَدِعٌ، عَامَّةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالكُوْرَةِ غَوْغَاءُ. ثُمَّ قَالَ: احْذَرُوا الغَوْغَاءَ، فَإِنَّهُمْ قَتَلَةُ الأَنْبِيَاءِ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، حَدَّثْتَ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ بِالتَّرْجِيْعِ، فَمَا لَكَ لاَ تَأْمُرُ (3) مُؤَذِّنَكَ بِالتَّرْجِيْعِ؟ قَالَ: يَا مُغَفَّلُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قُلْتُ فِي الغَوْغَاءِ، إِنَّمَا أَخَافُ الغَوْغَاءَ. فَأَمَّا أَمْرُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ سَمَاوِيٌّ (4) ، كُلَّمَا أَخَذَ فِي شَيْءٍ، تَمَّ لَهُ، وَنَحْنُ عَبِيْدُ بُطُوْنِنَا (5) ، لَا يَتِمُّ لَنَا أَمْرٌ نَأْخُذُ فِيْهِ، نَحْنُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ مِثْلَ السُّرَّاقِ (6) . قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَالِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَركَانِ الإِسْلاَمِ (7) .   (1) الترجيع: هو العود إلى الشهادتين مرتين مرتين برفع الصوت بعد قولها مرتين مرتين بخفض الصوت، وهو ثابت في حديث أبي محذورة عند مسلم (379) في الصلاة: باب صفة الاذان، وانظر مسند الشافعي 1 / 57، 59، وأحمد 3 / 409، وسنن أبي داود (500) و (501) و" معاني الآثار " 1 / 78، والدارقطني 86، والبيهقي 1 / 393، وابن حبان (289) ، وابن خزيمة (377) (2) أخرجه أبو داود (499) وأحمد 4 / 43، وابن ماجة (708) والبيهقي 1 / 390، 391، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (287) وابن خزيمة (371) والبخاري فيما نقله عنه الترمذي في " العلل الكبير ". (3) في " حلية الأولياء " تأمن وهو تحريف. (4) في " حلية الأولياء ": فإنه يتمادى وهو تحريف. (5) في " حلية الأولياء ": ونحن عنده نملا بطونا، وما هنا هو الصحيح. (6) " حلية الأولياء " 9 / 240. (7) " حلية الأولياء " 9 / 240. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 198 وكُنْتُ يَوْماً عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ بَعْدَ مَوتِ ابْنِ أَسْلَمَ بِيَوْمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَقَالَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي النَّضْرِ، وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَجتَمِعَ، فَنُعَزِّيَ بَعْضَنَا بَعْضاً بِمَوتِ رَجُلٍ لَمْ نَعْرِفْ مِنْ عَهدِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ مِثْلَهُ (1) . وَقِيْلَ لأَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، صَلَّى عَلَيْهِ أَلْفُ أَلفٍ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُهُم: أَلْفُ أَلفٍ وَمائَةُ أَلْفٍ، يَقُوْلُ صَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ: لَمْ نَعْرِفْ لِهَذَا الرَّجُلِ نَظِيْراً (2) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ: وَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِنَيْسَابُوْرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَعَالَ أُبَشِّرْكَ بِمَا صَنَعَ اللهُ بِأَخِيكَ مِنَ الخَيْرِ، قَدْ نَزَلَ بِيَ المَوْتُ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيَّ أَنَّهُ مَا لِي دِرْهَمٌ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَغْلِقِ البَابَ (3) ، وَلاَ تَأْذنْ لأَحَدٍ حَتَّى أَمُوتَ، وَتَدفِنُونَ كُتُبِي، وَاعْلَمْ أَنِّي أَخرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ أَدَعُ مِيْرَاثاً غَيْرَ كِسَائِي وَلِبْدِي وَإِنَائِي الَّذِي أَتَوَضَّأُ فِيْهِ وَكُتُبِي هَذِهِ، فَلاَ تُكَلِّفُوا النَّاسَ مُؤْنَةً. وَكَانَ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيْهَا نَحْوُ ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: هَذَا لاِبْنِي، أَهدَاهُ قَرِيْبٌ لَهُ، وَلاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَحَلَّ لِي مِنْهُ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيْكَ (4)) . وَقَالَ:   (1) " حلية الأولياء " 9 / 240. (2) " حلية الأولياء " 9 / 240. (3) في الأصل: " الله " والتصويب من " حلية الأولياء " 9 / 241. (4) حديث صحيح ورد عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم. فأخرجه من حديث عبد الله بن عمرو أحمد 2 / 214، وأبو داود (3530) وابن ماجة (2292) وسنده حسن، وأخرجه من حديث جابر بن عبد الله ابن ماجة (2291) والطحاوي في " مشكل الآثار " 2 / 230 وإسناده صحيح، وصححه البوصيري في " زوائده " ورقة 141 / 2، والمنذري، وعبد الحق الاشبيلي وغيرهم. وأخرجه من حديث ابن مسعود الطبراني في " الكبير " (10019) ، والصغير ص 8. = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 199 (أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ (1)) . فَكَفِّنُونِي مِنْهَا (2) ، فَإِنْ أَصَبتُمْ لِي بِعَشْرَةٍ مَا يَسْتُرُ عَورَتِي، فَلاَ تَشتَرُوا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْسُطُوا عَلَى جِنَازَتِي لِبْدِي، وَغَطُّوا عَلَيْهَا كِسَائِي، وَأَعْطُوا إِنَائِي مِسْكِيْناً. يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ كَتَبُوا رَأْيَ فُلاَنٍ، وَكَتَبْتُ أَنَا الأَثَرَ، فَأَنَا عِنْدَهُم عَلَى غَيْرِ الطَّرِيْقِ، وَهُم عِنْدِي عَلَى غَيْرِ الطَّرِيْقِ، أَصْلُ الفَرَائِضِ فِي حَرْفَيْنِ: مَا قَالَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ: افْعَلْ، فَهُوَ فَرِيْضَةٌ، يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَمَا قَالَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ: لاَ تَفْعَلْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْتَهَى عَنْهُ، وَتَرْكُهُ فَرِيْضَةٌ. وَهَذَا فِي القُرْآنِ، وَفِي فَرِيْضَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَقْرَؤُونَهُ، وَلَكِنْ لاَ يَتَفَكَّرُونَ فِيْهِ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِم حُبُّ الدُّنْيَا (3) . صَحِبتُ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، لَمْ أَرَهُ يُصَلِّي حَيْثُ أَرَاهُ رَكْعَتَيْنِ مِنَ التَّطَوُّعِ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ (4) . وَسَمِعتُهُ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً يَحْلِفُ: لَوْ قَدِرتُ أَنْ أَتَطَوَّعَ حَيْثُ لاَ يَرَانِي مَلَكَايَ (5) ، لَفَعَلْتُ خَوْفاً مِنَ الرِّيَاءِ (6) . وَكَانَ   = وأخرجه من حديث عائشة ابن حبان في " صحيحه " (1094) . وأخرجه من حديث ابن عمر أبو يعلى والبزار (1259) ، وأخرجه من حديث عمر البزار (1261) وأخرجه أيضا (1260) من حديث سمرة. وانظر " مجمع الزوائد " 4 / 154، 156، و" نصب الراية " 3 / 337، 339. (1) حديث صحيح أخرجه من حديث عمارة بن عمير، عن عمته، عن عائشة أحمد 6 / 31 و41 و127 و162 و173 و193 و201 و202 و203، وأبو داود (3528) و (3529) ، والترمذي (1358) ، والنسائي 7 / 241، وابن ماجة (2290) ، والدارمي 2 / 274، والطيالسي في مسنده، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم 2 / 46، ووافقه الذهبي، وعمة عمارة لا تعرف، لكن تابعها عليه الأسود عند أحمد 6 / 42 و220، وابن ماجة (2137) والنسائي 7 / 241، وسنده صحيح. ويشهد له حديث عبد الله بن عمرو المتقدم. (2) في " حلية الأولياء ": فيها تحريف. (3) الخبر في " حلية الأولياء " 9 / 241، 242. (4) " حلية الأولياء " 9 / 243. (5) في الأصل: ملكاني. والمثبت من " حلية الأولياء "، و" الوافي بالوفيات ". (6) " حلية الأولياء " 9 / 243، و" الوافي بالوفيات " 2 / 204. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 200 يَدخُلُ بَيتاً لَهُ، وَيُغْلِقُ بَابَهُ، وَلَمْ أَدرِ مَا يَصْنَعُ، حَتَّى سَمِعْتُ ابْناً لَهُ صَغِيْراً يَحكِي بُكَاءهُ، فَنَهَتْهُ أُمُّهُ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا الحَسَنِ يَدخُلُ هَذَا البَيْتَ، فَيَقْرأُ، وَيَبْكِي، فَيَسْمَعُهُ الصَّبِيُّ، فَيَحْكِيهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخرُجَ، غَسَلَ وَجْهَهُ، وَاكتَحَلَ، فَلاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ البُكَاءِ (1) . وَكَانَ يَصِلُ قَوْماً، وَيَكسُوهُمْ، وَيَقُوْلُ لِلرَّسُوْلِ: انظُرْ أَنْ لاَ يَعلَمُوا مَنْ بَعَثَهُ، وَلاَ أَعلَمُ - مُنْذُ صَحِبْتُهُ - وَصَلَ أَحَداً بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ دِرْهَمٍ، إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَهُ ذَلِكَ (2) . وَكَانَ يَقُوْلُ لِي: اشتَرِ لِي شَعِيراً أَسوَدَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الكَنِيفِ، وَلاَ تَشتَرِ لِي إِلاَّ مَا يَكفِينِي يَوْماً بِيَوْمٍ. وَاشْتَرَيتُ لَهُ مَرَّةً شَعِيراً أَبْيَضَ، وَنَقَّيْتُهُ، وَطَحَنْتُهُ، فَرَآهُ، فَتَغَيَّرَ لَونُهُ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَنَوَّقْتَ فِيْهِ (3) ، فَأَطْعِمْهُ نَفْسَكَ، لَعَلَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ أَعْمَالاً تَحتَمِلُ أَنْ تُطْعِمَ نَفْسَكَ النَّقِيَّ، وَأَمَّا أَنَا، فَقَدْ سِرْتُ فِي الأَرْضِ، وَدُرتُ فِيْهَا، فَبِاللهِ مَا رَأَيْتُ نَفْساً تُصَلِّي أَشَرَّ عِنْدِي مِنْ نَفْسِي، فَبِمَا أَحتَجُّ عِنْدَ اللهِ إِنْ أَطعَمتُهَا النَّقِيَّ؟! خُذْ هَذَا الطَّعَامَ، وَاشتَرِ لِي كُلَّ يَوْمٍ بِقِطعَةٍ شَعِيْراً رَدِيْئاً (4) ، وَاشتَرِ لِي رَحَىً، فَجِئْنِي بِهِ حَتَّى أَطحَنَ بَيَدِي وَآكُلَهُ، لَعَلِّي أَبلُغُ مَا كَانَ فِيْهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (5) -. وَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ، فَدَفَعَ إِلَيَّ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: اشتَرِ كَبْشَيْنِ عَظِيْمَينِ، وَغَالِ بِهِمَا، وَاشتَرِ بِعَشْرَةٍ دَقِيْقاً، وَاخْبِزْهُ. فَفَعَلتُ، وَنَخَلتُهُ، فَأَعطَانِي عَشْرَةً أُخَرَ، وَقَالَ: اشتَرِ بِهِ دَقِيْقاً، وَلاَ تَنْخُلْهُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ العَقِيقَةَ سُنَّةٌ، وَنَخْلُ   (1) " حلية الأولياء " 9 / 243. (2) " حلية الأولياء " 9 / 243. (3) في " حلية الأولياء ": إن كنت تقيدت فيه. (4) في " حلية الأولياء " شعيرا أسود رديا. (5) الخبر في " حلية الأولياء " 9 / 243، 244. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 201 الدَّقِيقِ بِدْعَةٌ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ فِي السُّنَّةِ بِدْعَةٌ (1) . قَالَ: وَأَمَّا كَلاَمُهُ فِي النَّقضِ علَى المُخَالِفِينَ مِنَ المُرْجِئَةِ وَالجَهْمِيَّةِ، فَشَائِعٌ ذَائِعٌ (2) . الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّداً شَاذَانَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، وَقبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَمَا شَبَّهْتُهُ إِلاَّ بِالصَّحَابَةِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً. وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُزَكِّيَ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ، قَالَ: لَمَّا أُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، وَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ، غَضِبَ، وَقَالَ: عَمَدتُم إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ، فَكَفَّرْتُمُوهُ، فَقِيْلَ: قَدْ كَانَ مَا أُنْهِيَ إِلَى الأَمِيْرِ. فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: شِرَاكُ نَعْلَي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ خَيْرٌ مِنْكَ، وَكَانَ يَرفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ لاَ تَرفعُ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ بِرَأْسِي هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ سَاعَةً، ثُمَّ قُلْتُ: وَلِمَ لاَ أَرفَعُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ؟ وَهلْ أَرْجُو الخَيْرَ إِلاَّ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ؟! وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: النَّظَرُ فِي وُجُوْهِكُمْ مَعْصِيَةٌ. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا؛ يُحْبَسُ. قَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: فَأَقَمْنَا، وَكُنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْخاً، فَحُبِسْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ   (1) " حلية الأولياء " 9 / 244 ومراد محمد بن أسلم أن نخل الدقيق لم يكن يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه من باب الورع والتزهد، وليس من الواجب الحتم، فإن نخل الدقيق مباح بإجماع أهل العلم. (2) انظر ما قاله فيهما في " حلية الأولياء " 9 / 244. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 202 شَهْراً، مَا اطَّلَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِي أَنِّي أَرَدْتُ الخَلاَصَ. قُلْتُ: اللهُ حَبَسَنِي، وَهُوَ يُطْلِقُنِي، وَلَيْسَ لِي إِلَى المَخْلُوْقِيْنَ حَاجَةٌ. فَأُخْرِجْتُ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، وَفِي رَأْسِي عِمَامَةٌ كَبِيْرَةٌ طَوِيْلَةٌ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي السُّجُوْدِ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُحَرَّرِ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ، فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيْفٌ (1) . فَقُلْتُ: أَسْتَعْمِلُ هَذَا حَتَّى يَجِيْءَ أَقْوَى مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَعِنْدِي أَقْوَى مِنْهُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الأَرْضِ وَبَرْدَهَا (2) . هَذَا الدَّلِيْلُ عَلَى السُّجُوْدِ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَرَدَ كِتَابُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يَنْهَى عَنِ الجَدَلِ وَالخُصُومَاتِ، فَتَقَدَّمْ إِلَى أَصْحَابِكَ أَنْ لاَ يَعُوْدُوا. فَقُلْتُ: نَعَمْ. ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، وَهَذَا كَانَ مُقَدَّراً عَلَيَّ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ جُلَّ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ صَارُوا إِلَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فِي تَخْلِيَتِكَ. فَقَالَ يَحْيَى: لاَ أُكَاتِبُ السُّلْطَانَ، وَإِنْ كُتِبَ عَلَى لِسَانِيَ، لَمْ أُكْرَهْ، حَتَّى يَكُوْنَ خَلاَصُهُ. فَكُتِبَ بِحَضْرَتِهِ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمَّا   (1) لضعف عبد الله بن المحرر، فقد قال عمرو بن علي، وأبو حاتم، وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك الحديث، وضعفه أحمد وابن معين، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والنسائي، وأبو حاتم وأبو زرعة، وقال البخاري: منكر الحديث. (2) إسناده ضعيف لضعف شريك، وحسين بن عبد الله، وهو في " المسند " 1 / 256 و303 و320 و354، وروى البخاري 1 / 414 في المساجد: باب السجود على الثوب في شدة الحر، ومسلم (620) وأبو داود (660) والترمذي (584) عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود. (3) في الأصل: مقدر، بالرفع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 203 وَصَلَ الكِتَابُ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، أَمَرَ بِإِخْرَاجِكَ وَأَصْحَابِكَ. قَالَ: نَعَمْ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَسْلَمَ، سَمِعْتُ المُقْرِئَ يَقُوْلُ: الشِّكَايَةُ وَالتَّحْذِيْرُ لَيْسَتْ مِنَ الغِيْبَةِ. مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ السّلْطِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَسْلَمَ يُنْشِدُ: إِنَّ الطَّبِيْبَ بِطِبِّهِ وَدَوَائِهِ ... لاَ يَسْتَطِيعُ دِفَاعَ مَقْدُوْرٍ أَتَى مَا لِلطَّبِيْبِ يَمُوْتُ بِالدَّاءِ الَّذِي ... قَدْ كَانَ يُبْرِي مِثْلَهُ فِيْمَا مَضَى هَلَكَ المُدَاوِي وَالمُدَاوَى وَالَّذِي ... جَلَبَ الدَّوَاءَ وَبَاعَهُ وَمَنِ اشْتَرَى (1) قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: مَرِضَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ طُوْسَ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تُفَارِقْنِي اللَّيْلَ، فَإِنِّي يَأْتِيْنِي أَمْرُ اللهِ قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ، فَإِذَا مُتُّ، فَلاَ تَنْتَظِرْ بِي أَحَداً، وَاغْسِلْنِي لِلْوَقْتِ، وَجَهِّزْنِي. قَالَ: فَمَاتَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ صَاحِبُ الأَمِيْرِ طَاهِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ إِلَى مَقْبَرَةِ السَّاذياخِ؛ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ. قَالَ: فَوُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَالنَّاسُ يُؤَذِّنُونَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، وَمَا نَادَى عَلَى جِنَازَتِهِ أَحَدٌ، وَلاَ رُوسِلَ بِوَفَاتِهِ أَحَدٌ، وَإِذَا الخَلقُ قَدِ اجْتَمَعَ بِحَيْثُ لاَ يُذكَرُ مِثْلُهُ. فَأَمَّهُمْ طَاهِرٌ، وَدُفِنَ بِجَنْبِ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِنَيْسَابُوْرَ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ العَنْبَرِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِمِصْرَ، وَأَنَا أَكْتُبُ بِاللَّيْلِ كُتُبَ ابْنِ وَهْبٍ، وَذَلِكَ   (1) البيتان: الأول والثاني في " حياة الحيوان الكبرى " 1 / 245 والشطر الثاني من البيت الأول فيه برواية: لا يستطيع دفاع نحب قد قضى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 204 لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ: يَا إِبْرَاهِيْمُ، مَاتَ العَبْدُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ. فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبتُهُ عَلَى ظَهرِ كِتَابِي، فَإِذَا بِهِ قَدْ مَاتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قيلَ لِي: صَلَّى عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ أَلفُ أَلفِ إِنْسَانٍ (2) . قُلْتُ: هَذَا لَيْسَ بِمُمْكِنِ الوُقُوْعِ، وَلاَ سِيَّمَا أَنَّهُ إِنَّمَا عَلِمُوا بِمَوتِهِ فِي اللَّيْلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بُعَيْدَ الفَجْرِ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ عُمَرَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَكِيْعٍ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ يَزِيْدَ (3) المُحَارِبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيْهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ (4)) . تَابَعَهُ: أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرُ، عَنْ سُلَيْمَانَ أَبِي إِدَامٍ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ.   (1) " الوافي بالوفيات " 2 / 204. (2) " شذرات الذهب " 2 / 101. (3) " في الميزان " 2 / 208: سليمان بن زيد، وقيل: ابن يزيد. (4) وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ص 36، رقم الحديث (63) من طريق عبيد الله بن موسى، أخبرنا سليمان أبوإدام، سمعت عبد الله بن أبي أوفى وسليمان أبوإدام وهو سليمان بن زيد أو يزيد المحاربي الكوفي، قال المصنف في " الميزان ": روى عباس عن يحيى: ليس بثقة، وقال مرة: ليس يسوى حديثه فلسا، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يحتج به، ونقل في " المغني " 1 / 279 تكذيبه عن يحيى بن معين. وفي " التقريب ": سليمان بن زيد المحاربي أو الأزدي أبوإدام " تحرف فيه إلى آدم " الكوفي ضعيف، رماه يحيى بن معين، وأورده الهيثمي في " المجمع " 8 / 151، ونسبه إلى الطبراني، وقال: وفيه أبوإدام المحاربي وهو كذاب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 205 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَقَرَأْتُهُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ، أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدٌ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخ?بَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَكْمَلُ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً) (1) . وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَكَمِ بنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَا رُئِيَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَوْ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ- مَادّاً رِجْلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ (2) . غَرِيْبٌ. أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بَطَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طُوْسِيٍّ بِمَكَّةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ خَادِمُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ وَصَاحِبُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ يَقُوْلُ: زَعَمَتِ الجَهْمِيَّةُ أَنَّ القُرْآنَ خُلِقَ، وَقَدْ أَشرَكُوا فِي   (1) سنده حسن، وهو في " حلية الأولياء " 9 / 248، وأخرجه أحمد 2 / 250 و472، وأبو داود (4682) ، والترمذي (1162) وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم 1 / 3، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان (1311) من طريق آخر، فالحديث صحيح، بالطريقين، وأخرجه أحمد 2 / 527، والدارمي 2 / 323 من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح عن أبي هريرة. وهذا سند حسن. (2) إسناده ضعيف، عبد الحكم بن ميسرة ضعفه الدارقطني، وقال: يحدث بما لا يتابع عليه، وابن جريج وابو الزبير مدلسان وقد عنعنا، وهو في " الحلية " 9 / 250. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 206 ذَلِكَ وَهُم لاَ يَعْلَمُوْنَ؛ لأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهُ كَلاَماً، فَقَالَ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأَعْرَافُ: 144] . وَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً} [النِّسَاءُ: 164] . وَقَالَ: {يَا مُوْسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11] . وَقَالَ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا، فَاعْبُدْنِي (1) } [طه: 14] . وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ فِي وَقْتِهِ يُشَبَّهُ بِابْنِ المُبَارَكِ. وَكَانَ زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ، يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا الزَّاهِدُ الرَّبَّانِيُّ. 71 - الرِّبَاطِيُّ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ * (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَمِيْرُ الرِّبَاطِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَرْوَزِيُّ، الرِّبَاطِيُّ، الأَشْقَرُ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. سَمِعَ: وَكِيْعاً، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ الضُّبَعِيَّ، وَإِسْحَاقَ السَّلُوْلِيَّ، وَأَبَا عَاصِمٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) هو في " الحلية " 9 / 244، 245، وقد اختصره المؤلف. (*) التاريخ الكبير 2 / 6، التاريخ الصغير 2 / 378، تاريخ بغداد 4 / 165، 166، طبقات الحنابلة 1 / 45، الأنساب 6 / 69، اللباب 2 / 14، تهذيب الكمال: 22، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 538، 539، العبر 1 / 439، 440، الوافي بالوفيات 6 / 390، تاريخ ابن كثير 10 / 345، تهذيب التهذيب 1 / 30، 31، طبقات الحفاظ: 236، خلاصة تذهيب الكمال: 6، شذرات الذهب 2 / 102. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 207 رُوِيَ عَنِ الرِّبَاطِيِّ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَعَلَ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّهُ يُكْتَبُ عَنِّيَ الحَدِيْثُ بِخُرَاسَانَ، فَإِنْ عَامَلْتَنِي بِهَذَا، رَمَوا بِحَدِيْثِي. فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَلْ بُدٌّ أَنْ يُقَالَ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ وَأَتْبَاعُهُ، فَانْظُرْ أَيْنَ تَكُوْنُ مِنْهُ؟! قُلْتُ: إِنَّمَا وَلاَّنِي أَمرَ الرِّبَاطِ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُ قَوْلَهُ عَلَيَّ (1) . تُوُفِّيَ الرِّبَاطِيُّ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ. أَخْبَرْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ المُحِبِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْبُوْبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (فُرِضَتْ صَلاَةُ الحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ (2) ، فَلَمَّا أَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ بِالمَدِيْنَةِ، زِيْدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَتُرِكَتْ صَلاَةُ الفَجْرِ لِطُوْلِ القِرَاءةِ، وَالمَغْرِبُ لأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ) (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 166، وقال الخطيب: كان ثقة فاضلا فهما عالما. وفيه عن ابن سعيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن يوسف يقول في [الرباطي] : كان ثقة ثقة. (2) في الأصل: ركعتان ركعتان. (3) وأخرجه ابن خزيمة (305) من طريقين عن محبوب بن الحسن بهذا الإسناد، وأخرجه ابن حبان (544) من طريق الحسين بن محمد بن أبي معشر، عن عبد الله بن صالح، عن محبوب بن الحسن، ومحبوب بن الحسن - واسمه محمد ومحبوب لقب به - قال الحافظ في " التقريب ": صدوق فيه لين، وقال ابن خزيمة: هذا حديث غريب لم يسنده أحد أعلمه غير محبوب بن الحسن، رواه أصحاب داود، فقالوا: عن الشعبي، عن عائشة خلا محبوب بن الحسن. قلت: والرواية المنقطعة عند أحمد 6 / 241 و265 من طريقين، عن داود، لكن ثبت الحديث من طريق آخر بأخصر مما هنا، فقد أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 146، ومن = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 208 قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ يَقُوْلُ: كَانَ الرِّبَاطِيُّ -وَاللهِ- مِنَ الأَئِمَّةِ المُقْتَدَى بِهِم (1) . وَقَالَ الخَلِيْلِيُّ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ: لَوْ كَانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ حَيّاً، لاَحْتَاجَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَلَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَ أَحْمَدَ الرِّبَاطِيِّ. 72 - فَضْلُ بنُ سَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيُّ * (خَ، م، د، س، ت) الحَافِظُ، البَارِعُ، الثِّقَةُ، أَبُو العَبَّاسِ الأَعْرَجُ، البَغْدَادِيُّ، الرَّامِ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا. حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَطَاءَ، وَأَبِي نُوْحٍ قُرَادٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَالحَسَنِ بنِ مُوْسَى، وَشَبَابَةَ، وَعَفَّانَ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي النّضرِ، وَيَحْيَى بنِ غَيْلاَنَ، وَيُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَخَلْقٍ لاَ يَنْحَصِرُوْنَ، وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الحُفَّاظِ.   = طريقه البخاري 1 / 361، ومسلم (685) عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين قالت: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر " وفي رواية لمسلم " فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى ". (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 30 وفيه: قال النسائي: ثقة. (*) الجرح والتعديل 7 / 63، تاريخ بغداد 12 / 364، 365، طبقات الحنابلة 1 / 53، اللباب 1 / 75، تهذيب الكمال: 1099، تذهيب التهذيب 3 / 139 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 552، 553، ميزان الاعتدال 3 / 352، تهذيب التهذيب 8 / 277، 278، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 309. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 209 حَدَّثَ عَنْهُ: الأَئِمَّةُ السِّتَّةُ - سِوَى ابْنِ مَاجَهْ - وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالبَغَوِيُّ، وَعَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَعِدَّةٌ. قَالَ عَبْدَانُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ: أَنَا لاَ أُحَدِّثُ عَنْ فَضْلٍ الأَعْرَجِ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَفُوْتُهُ حَدِيْثٌ جَيِّدٌ (1) . قُلْتُ: مَا بِهَذَا الخِيَالِ يُغْمَزُ الحَافِظُ، ثُمَّ هَذَا أَبُو دَاوُدَ قَائِلُ هَذَا قَدْ رَوَى عَنْهُ فِي (سُنَنِهِ) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: مَاتَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ بِبَغْدَادَ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ، لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَفِي اليَوْمِ المَذْكُوْرِ أَرَّخَهُ أَيْضاً: أَبُو عُبَيْدٍ بنُ حَرْبَوَيْه، وَكَانَ ذَا غَرَائِبَ.   (1) " تهذيب الكمال ": 1099، و" تاريخ بغداد " 12 / 365، و" ميزان الاعتدال " 3 / 352، و" تهذيب التهذيب " 8 / 278، وفي " تذكرة " المؤلف 2 / 553: وكان لا يكاد يفوته حديث فرد. (2) " ميزان الاعتدال " 3 / 352، و" تهذيب التهذيب " 8 / 278، وجاء في " تاريخ بغداد " 2 / 365، عن ابن عدي، قال: سمعت أحمد بن الحسين الصوفي يقول: فضل بن سهل الاعرج كان أحد الدواهي. فعقب الخطيب قائلا: يعني في الذكاء والمعرفة وجودة الأحاديث. والله أعلم. (3) " الجرح والتعديل " 7 / 63، و" تاريخ بغداد " 12 / 364، و" ميزان الاعتدال " 3 / 352، و" تهذيب التهذيب " 8 / 278. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 210 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الوَلِيِّ بنُ رَافِعٍ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَعِيْسَى بنُ بَرَكَةَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ، وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ زُنْبُوْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ الصَّفَّارِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، وَالأَعْمَشِ (ح) . وَحَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، وَالأَعْمَشِ، وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ كَرَامَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالاَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ أَوْ غَارٍ - وَقَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: فِي غَارٍ - فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفاً} [المُرْسَلاَتُ: 1] ، فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيْهِ، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَسَبَقَتْنَا، فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وُقِيَتْ شَرَّكُم، وَوُقِيْتُم شَرَّهَا) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ عَبْدَةَ. وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعُتَيْقُ بنُ مُحَمَّدٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ رِفَاعَةَ بِمِصْرَ، وَالمُعْتَزُّ بِاللهِ - قَتَلُوهُ - وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائِيُّ، وَأَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ، وَمُوْسَى بنُ عَامِرٍ المُرِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَرَّامٍ شَيْخُ الكَرَّامِيَّةَ، وَالجَاحِظُ، وَأَبُو حَاتِمٍ بِخُلْفٍ فِيْهِمَا.   (1) 8 / 527 في التفسير: باب سورة والمرسلات. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 211 73 - مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الطُّوْسِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، العَابِدُ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيَّ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِمَا) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً، صَاحِبُ صَلاَةٍ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (2) . قَالَ أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيَّ، وَحَوَالَيْهُ قَوْمٌ، فَقَالُوا: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَيْشٍ اليَوْمَ عِنْدَكَ، قَدْ شَكَّ النَّاسُ فِيْهِ؟ أَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: اصْبِرُوا. فَدَخَلَ البَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَاسْتَحْيَوْا أَنْ يَقُوْلُوا لَهُ: مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ فَعَدُّوا الأَيَّامَ، فَكَانَ كَمَا قَالَ. فَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ سَلاَّمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ لَهُ: مِنْ   (*) الجرح والتعديل 8 / 94، تاريخ بغداد 3 / 247، 250، طبقات الحنابلة 1 / 318، 320، تهذيب الكمال: 1275، الوافي بالوفيات 5 / 70، تهذيب التهذيب 9 / 472، 473، النجوم الزاهرة 2 / 343، خلاصة تذهيب الكمال: 360. (1) " تاريخ بغداد " 3 / 248. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 250، و" تهذيب التهذيب " 9 / 473، وفيه: وقال في موضع آخر: لا بأس به. وقال ابن أبي داود: كان من الاخيار، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة " 2 / 343: كان من الابدال ... وكان صدوقا ثقة صالحا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 212 أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ، فَسَأَلْتُ رَبِّي، فَأَرَانِي النَّاسَ فِي المَوْقِفِ (1) ! . قُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ هَذَا المُؤَذِّنَ، وَلَمْ يَبْعُدْ وُقُوْعُ هَذَا لِمِثْلِ هَذَا الوَلِيِّ، وَلَكِنِ الشَّأْنُ فِي ثُبُوْتِ ذَلِكَ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ فِي كِتَابِ (طَبَقَاتِ الصُّوْفِيَّةِ) : مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ أُسْتَاذُ أَبِي سَعِيْدٍ الخَرَّازِ، وَأَبِي العَبَّاسِ بنِ مَسْرُوْقٍ، كَتَبَ الحَدِيْثَ الكَثِيْرَ، وَرَوَاهُ. قُلْتُ: مَتَى رَأَيْتَ الصُّوْفِيَّ مُكِبّاً عَلَى الحَدِيْثِ، فَثِقْ بِهِ، وَمَتَى رَأَيْتَهُ نَائِياً عَنِ الحَدِيْثِ، فَلاَ تَفرَحْ بِهِ، لاَ سيِّمَا إِذَا انْضَافَ إِلَى جَهلِهِ بِالحَدِيْثِ عُكُوفٌ عَلَى تُرَّهَاتِ (2) الصُّوْفِيَّةِ، وَرُمُوْزِ البَاطِنِيَّةِ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّيْنَ إِلاَّ المُلُوْكُ ... وَأَحْبَارُ سَوْءٍ وَرُهْبَانُهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخَرَّازِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَنْصُوْرٍ عَنْ حَقِيْقَةِ الفَقْرِ، فَقَالَ: السُّكُوْنُ عِنْدَ كُلِّ عَدَمٍ، وَالبَذْلُ عِنْدَ كُلِّ وُجُوْدٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ: إِذَا أَكَلْتُ وَشَبِعْتُ، فَمَا شُكْرُ تِلْكَ النِّعمَةِ؟ قَالَ: أَنْ تُصَلِّيَ حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي جَوفِكَ مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مُرْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى أَلْزَمَهُ. قَالَ: (عَلَيْكَ بِالْيَقِيْنِ (3)) . وَعَنْهُ، قَالَ: يُعْرَفُ الجَاهِلُ بِالغَضَبِ فِي غَيْرِ شَيْءٍ، وَإِفْشَاءِ السِّرِّ،   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 249. (2) بضم التاء، وفتح الراء المشددة وضمها: الأباطيل. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 250. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 213 وَالثِّقَةِ بِكُلِّ أَحَدٍ، وَالعِظَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا النَّاصِحُ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَلِيٍّ هَذِهِ المَقَالَةَ حِيْنَ اسْتَخْلَفَهُ: (أَلاَ تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُوْنَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى؟ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي) . 74 - مُحَمَّدُ بنُ رَافِعِ بنِ أَبِي زَيْدٍ القُشَيْرِيُّ * (خَ، م، د، س، ت) وَاسْمُهُ: سَابُوْرُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُشَيْرِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي أَيَّامِ مَالِكٍ الإِمَامِ، وَرَحَلَ سنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 3706 في المغازي: وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب من فضائل علي بن أبي طالب، و (4416) في المغازي ومسلم (2404) والترمذي (3731) من طرق عن سعد. (*) التاريخ الكبير 1 / 81، 82، التاريخ الصغير 2 / 383، الجرح والتعديل 7 / 254، طبقات الحنابلة 1 / 297، الأنساب، ورقة: 453 / ب، تهذيب الكمال: 1195، 1196، تذهيب التهذيب 3 / 203 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 509، 510، العبر 1 / 445، الوافي بالوفيات 3 / 68، تاريخ ابن كثير 10 / 346، تهذيب التهذيب 9 / 160، 162، النجوم الزاهرة 2 / 321، طبقات الحفاظ: 221، 222، خلاصة تذهيب الكمال: 336، شذرات الذهب 2 / 109. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 214 وَسَمِعَ مَا لاَ يُوْصَفُ كَثْرَةً، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. قَالَ فِيْهِ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) : شَيْخُ عَصرِهِ بِخُرَاسَانَ فِي الصِّدْقِ وَالرِّحْلَةِ. سَمِعَ بِالحِجَازِ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَطَبَقَتَهُم بِالحِجَازِ. وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَوَكِيْعاً، وَابْنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ بُكَيْرٍ، وَالحُسَيْنَ الجُعْفِيَّ، وَعِدَّةً بِالْكُوْفَةِ. وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأَخَاهُ؛ عَبْدَ الوَهَّابِ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي حَكِيمٍ، وَعَبْدَ اللهِ الوَلِيْدَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عَبْدِ الكَرِيْمِ بِاليَمَنِ. وَأَبَا دَاوُدَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَأَبَا قُتَيْبَةَ، وَأَبَا عَلِيٍّ الحَنَفِيَّ، وَحَمَّادَ بنَ مَسْعَدَةَ، وَعِدَّةً بِالبَصْرَةِ. وَمِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَطَبَقَتِهِ بِوَاسِطَ. وَمِنْ: شَبَابَةَ بِالمَدَائِنِ. وَمِنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَعِدَّةٍ بِبَغْدَادَ. وَمِنَ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَمَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَبَقَتِهِمَا بِخُرَاسَانَ. وَعُنِيَ بِالسُّنَنِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَعُمِّرَ، وَارْتَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي تَصَانِيْفِهِم، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، وَزَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: حَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ. وَمِنْ طَرِيْقِهِ يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (الثَّقَفِيَّاتِ) (1) .   (1) هي عشرة أجزاء حديثية، تأليف أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي الأصبهاني الحافظ المتوفى سنة 489 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 215 قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المُسْتَمْلِيَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَجَاءنَا يَوْمُ الفِطرِ، فَخَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ إِلَى المُصَلَّى، وَمَعَنَا نَاسٌ كَثِيْرٌ، فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ المُصَلَّى، دَعَانَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى الغَدَاءِ، فَجَعَلَنَا نَتَغَدَّى مَعَهُ، فَقَالَ لأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: رَأَيْتُ اليَوْمَ مِنْكُمَا شَيْئاً عَجَباً، لَمْ تُكَبِّرَا!! قَالا: يَا أَبَا بَكْرٍ، نَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْكَ هَلْ تُكَبِّرُ، فَنُكَبِّرَ، فَلَمَّا رَأَيْنَاكَ لَمْ تُكَبِّرْ، أَمْسَكْنَا. قَالَ: وَأَنَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا، هَلْ تُكَبِّرَانِ، فَأُكَبِّرَ. قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ الحَافِظُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ أَهْيَبَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى الشَّجَرَةِ الصَّنَوبَرِ فِي دَارِهِ، فَيَجْلِسُ العُلَمَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَرَاتِبِهِم، وَأَوْلاَدُ الطَّاهِرِيَّةِ، وَمَعَهُمُ الخَدَمُ، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهِمُ الطَّيْرُ، فَيَأْخُذُ الكِتَابَ، وَيَقْرَأُ بِنَفْسِهِ، وَلاَ يَنْطِقُ أَحَدٌ، وَلا يَتَبَسَّمُ إِجْلاَلاً لَهُ (1) ، وَإِذَا تَبَسَّمَ وَاحِدٌ أَو رَاطَنَ صَاحِبَهُ، قَالَ: وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَيَأْخُذُ الكِتَابَ، فَلا يَقْدِرُ أَحَدٌ يُرَاجِعَهُ، أَوْ يُشِيْرَ بِيَدِهِ. وَلَقَدْ تَبَسَّمَ خَادِمٌ مِنْ خَدَمِ الطَّاهِرِيَّةِ يَوْماً، فَقَطَعَ ابْنُ رَافِعٍ مَجْلِسَهُ، فَانْتَهَى الخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى طَاهِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ (2) ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الخَادِمِ، حَتَّى احْتَلْنَا لِخَلاَصِهِ. قَالَ زَكَرِيَّا بنُ دَلَّوَيْه: بَعَثَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى ابْنِ رَافِعٍ بِخَمْسَةِ   (1) " تهذيب التهذيب " 9 / 162 وفيه: قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: شيخ صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال البخاري: كان من خيار عباد الله: وقال أحمد ابن سيار في " ذكر مشايخ نيسابور ": محمد بن رافع كان ثقة، حسن الرواية عن أهل اليمن. وقال النسائي في " مشيخته "، ومسلمة في " الصلة ": ثبت. (2) زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 216 آلاَفِ دِرْهَمٍ مَعَ رَسُوْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ العَصرِ، وَهُوَ يَأْكُلُ الخُبزَ مَعَ الفُجْلِ. فَوَضَعَ الكِيسَ، فَقَالَ: بَعَثَ الأَمِيْرُ إِلَيْكَ بِهَذَا المَالِ. فَقَالَ: خُذْ خُذْ، لاَ أَحتَاجُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ بَلَغَتْ رَأْسَ الحِيْطَانِ (1) ، إِنَّمَا تَغْرُبُ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَقَدْ جَاوَزْتُ الثَّمَانِيْنَ، إِلَى مَتَى أَعِيشُ؟ فَردَّ (2) . قَالَ: فَدَخَلَ ابْنُهُ، وَقَالَ: يَا أَبَةِ، لَيْسَ لَنَا اللَّيْلَةَ خُبْزٌ. قَالَ: فَبَعَثَ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ خَلْفَ الرَّسُوْلِ لِيَرُدَّ المَالَ إِلَى طَاهِرٍ فَزَعاً مِنِ ابْنِهِ أَنْ يَذْهَبَ خَلْفَهُ، فَيَأْخُذَ المَالَ. قَالَ زَكَرِيَّا: رُبَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ فِي الشِّتَاءِ وَقَدْ لَبِسَ لِحَافَهُ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ بَيْنَ يَدِي يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ بِبَغْدَادَ، وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ لِزُهَيْرٍ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ يَكْتُبُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَنْهَوْنَا عَنْ جَابِرٍ وَتَكْتُبُونَهُ؟ قَالَ: نَعْرِفُهُ. الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَفَدْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مُسْلِمٍ الصَّنْعَانِيِّ الرَّاوِي عَنْ وَهْبٍ، وَنَزَلتُ أَنَا وَأَحْمَدُ، وَمَاتَ الشَّيْخُ، وَكَانَ قَدْ أَتَى لَهُ مائَةٌ وَخَمْسٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ يَزِيْدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ مَعْمَراً يَقُوْلُ: رَأَيْتُ بِاليَمَنِ عُنْقُودَ عِنَبٍ وَقْرَ (3) بَغْلٍ تَامٍّ.   (1) في " الوافي بالوفيات " 3 / 68: رؤوس الجبال. (2) أي: رجع. وفي " الوافي بالوفيات " 3 / 68: ورده. وفي " تهذيب الكمال ": 598: فرد المال، ولم يقبل. (3) بكسر الواو، وسكون القاف: الحمل الثقيل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 217 قَالَ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ: ابْنُ رَافِعٍ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (1) . قَالَ زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَغَسَّلَهُ: أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ العَابِدُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى. الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ بَالُوَيْه العَفْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدَنِيَّ -يَعْنِي: مُحَمَّدَ بنَ نُعَيْمٍ- يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ فِي المَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ، فِي حَجْرِهِ مُصْحَفٌ يُقْرَأُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟ فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظرَةً مُنْكَرَةً، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ بِاللهِ إِلاَّ مَا حَدَّثْتَنِي، مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: بَشَّرَنِي بِالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ (2) . أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَحْمِشٍ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً وَهُوَ يَمْشِي، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا (3) .   (1) " الوافي بالوفيات " 3 / 68. (2) " الوافي بالوفيات " 3 / 68. (3) وأخرجه أحمد 2 / 278، و478 من طريقين عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة، عن أبي هريرة، وأخرجه مالك 1 / 387، ومن طريقه أحمد 2 / 487 والبخاري 3 / 429، 430، ومسلم (1322) والنسائي 5 / 176، وأبو داود (1760) ، وأخرجه أحمد 2 / 245 و254 و481، وابن ماجة (3103) من طريقين، عن أبي الزناد وأخرجه أيضا 2 / 312 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 218 75 - أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ أَشْعَثَ العِجْلِيُّ * (خَ، ت، س، ق) الإِمَامُ، المُتْقِنُ، الحَافِظُ، أَبُو الأَشْعَثِ العِجْلِيُّ، البَصْرِيُّ. سَمِعَ: حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَحَزْمَ بنَ أَبِي حَزْمٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ، وَخَالِدَ بنَ الحَارِثِ، وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَعَثَّامَ بنَ عَلِيٍّ، وَمُعْتَمِرَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْزَجَانِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: كَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ (3) . قَالَ أَبُو الأَشْعَثِ: وُلِدتُ قَبْلَ مَوْتِ المَنْصُوْرِ بِسَنَتَيْنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ، كَانَ يُعلِّمهُمُ المُجُونَ، كَانَ بِالبَصْرَةِ   (*) الجرح والتعديل 2 / 78، تاريخ بغداد 5 / 162، 166، اللباب 2 / 326، تهذيب الكمال: 43، تذهيب التهذيب 1 / 27 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 158، العبر 2 / 5، تهذيب التهذيب 1 / 81، 82، طبقات الحفاظ: 210، خلاصة تذهيب الكمال: 13، شذرات الذهب 2 / 127. (1) " تاريخ بغداد " 5 / 165. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 165. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 78. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 219 مُجَّانٌ، يُلقُونَ صُرَّةَ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَرقُبُونَهَا، فَإِذَا جَاءَ مَنْ يَرْفَعُهَا، صَاحُوا بِهِ، وَخَجَّلُوهُ. فَعَلَّمَهُم أَبُو الأَشْعَثِ أَنْ يَتَّخِذُوا صُرَّةً فِيْهَا زُجَاجٌ، فَإِذَا أَخَذُوا صُرَّةَ الدَّرَاهِمِ، فَصَاحَ صَاحِبُهَا، وَضَعُوا بَدَلَهَا فِي الحَالِ صُرَّةَ الزُّجَاجِ (1) . قُلْتُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يَقَعُ حَدِيْثهُ عَالِياً فِي (جُزْءِ الحَفَّارِ) ، وَفِي (الثَّقَفِيَّاتِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَعَاشَ: بِضْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ أَسنَدَ مَنْ بَقِيَ بِالبَصْرَةِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ غَاليَةَ، قَالا: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ رَبَاحٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو يَقُوْلُ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا، نَعْرِفُ فِي وَجْهِهِ الغَضَبَ، فَقَالَ: (أَلا إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِي الكِتَابِ) . هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (2) ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَحْرِيْمِ الجِدَالِ، وَالاخْتِلاَفِ   (1) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 5 / 165. وجاء في " تهذيب التهذيب " 1 / 82 عقب هذا الخبر: قال ابن عدي: وهذا لا يؤثر فيه، لأنه من أهل الصدق. وقال ابن حجر: وثقه مسلمة بن قاسم، وابن عبد البر، وآخرون. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (2) وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2666) في العلم: باب النهي عن اتباع متشابه القرآن من طريق فضيل بن حسين الجحدري، عن حماد بن زيد بهذا الإسناد. وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " (20367) وأحمد 2 / 181 و195 و196، وابن ماجة (85) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارؤون، فقا: " إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله عزوجل يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه، فقولوه، وما جهلتم منه فدعوه، وسنده حسن، وقد وقع عند أحمد 1972 في روايته، وابن ماجة: أن تنازعهم كان في القدر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 220 فِي الكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَضِّحَ الحَقَّ لَهُمَا فِي تِلْكَ الآيَةِ، وَيُبَيِّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُصِيْبٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ، بَلْ سَدَّ البَابَ، وَلَوْ كَانَ تَبْيِيْنُ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الحَاجَةُ، لأَوْضَحَهُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ نَصٍّ أَلقَاهُ إِلَى أُمَّتِهِ، وَلَمْ يَزِدْهُم فِيْهِ تَفْسِيْراً، وَلاَ هُمْ سَأَلُوْهُ، بَلْ وَلاَ فَسَّرُوهُ لِمَنْ بَعدَهُم، فَإِنَّ قِرَاءتَهُ تَفْسِيْرُهُ، فَلا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُبْحَثُ فِيْهِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ، وَصِفَاتِهِ المُقَدَّسَةِ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الهَمْدَانِيُّ بِمِصْرَ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَخُشَيْشُ بنُ أَصْرمَ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ السِّمْسَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّيْمِيُّ مُقْرِئُ الرَّيِّ، وَوَصَيْفٌ الأَمِيْرُ، وَأَبُو العَبَّاسِ القَلَوَّرِيُّ. 76 - يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى بنِ رَاشِدٍ الكُوْفِيُّ * (خَ، د، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو يَعْقُوْبَ الكُوْفِيُّ، القَطَّانُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَحَدَّثَ عَنْ: جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَوَكِيْعٍ، وَعَبْدِ اللهِ   (*) الجرح والتعديل 9 / 231، تاريخ بغداد 14 / 304، 305، طبقات الحنابلة 1 / 421، تهذيب الكمال: 1562، تذهيب التهذيب 4 / 191 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 425، خلاصة تذهيب الكمال: 440، طبقات المفسرين 2 / 384. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 221 بنِ نُمَيْرٍ، وَحَكَّامِ بنِ سَلْمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمٌ الحَرْبِيُّ، وَقَاسِمٌ المُطَرِّزُ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالنَّسَائِيُّ خَارِجَ (سُنَنِهِ) ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، قَدْ كَتَبَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالكِبَارُ (1) . قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (2) . وَرَوَى أَبُو سَعِيْدٍ السُّكَّرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ (3) . وَقِيْلَ: يَتَّجِرُ إِلَى الرَّيِّ، فَسَمِعَ مِنْ جَرِيْرٍ. قَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الحَدَّادَ يَقُوْلُ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ بنِ حَرْبَوَيْه جُزْءاً عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى القَطَّانِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُلْتُ: كَمَا قَرَأْتُ علَى القَاضِي. قَالَ: نَعَمْ، إِلاَّ الإِعْرَابَ، فَإِنَّكَ تُعْرِبُ، وَكَانَ يُوْسُفُ لاَ يُعرِبُ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ يُوْسُفُ بنُ رَاشِد ٍ- وَكَذَا نَسَبَهُ البُخَارِيُّ إِلَى جَدِّهِ - فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 305، و" تهذيب التهذيب " 11 / 425 وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: كان ثقة. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 305 وقال الخطيب: وقد وصف غير واحد من الأئمة يوسف ابن موسى بالثقة. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 304، و" طبقات الحنابلة " 1 / 421، و" تهذيب التهذيب " 11 / 425. وجاء في " الجرح والتعديل " 9 / 231 عن عبد الرحمن، قال: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 222 ويَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (المَحَامِلِيَّاتِ (1)) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. 77 - مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، م، ت، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو أَحْمَدَ العَدَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، المَرْوَزِيُّ، مِنْ أَئِمَّةِ الأَثَرِ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَالفَضْلِ بنِ مُوْسَى، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ، وَجَوَّدَ، وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى أَبِي دَاوُدَ - وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شَاذَانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَعْرِفُهُ بِالحَدِيْثِ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، قَدْ حُبِسَ بِسَبَبِ القُرْآنِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (3) .   (1) هي ستة عشر جزءا من رواية البغداديين والاصبهانيين للقاضي أبي عبد الله الحسين ابن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي، نسبة إلى بيع المحامل التي يحمل الناس عليها في السفر. شيخ بغداد ومحدثها، المتوفى سنة 330 وسترد ترجمته في الجزء 15 برقم 110. (*) التاريخ الكبير 7 / 404، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 8 / 291، تاريخ بغداد 13 / 89، 90، طبقات الحنابلة 1 / 340، تهذيب الكمال: 1309، 1310، تذهيب التهذيب 4 / 27 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 475، 476، العبر 1 / 431، تهذيب التهذيب 10 / 64، 65، طبقات الحفاظ: 206، خلاصة تذهيب الكمال، 371، شذرات الذهب 2 / 92. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 89، و" طبقات الحنابلة " 1 / 340. (3) " تاريخ بغداد " 13 / 90. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 223 قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعَ مِنِّي إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه حَدِيْثَيْنِ (1) . وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه، قَالَ: خَرَجَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ إِلَى الحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى مَرْوَ، وَتُوُفِّيَ لِعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . كَذَا وَقَعَ فِي (تَارِيْخِ الحَاكِمِ) . وَالصَّحِيْحُ: وَفَاتهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي مَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَنَ. 78 - الدَّارِمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الفَضْلِ * (م، د، ت) ابْنِ بَهْرَامَ بنِ عَبْدِ اللهِ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، ثُمَّ الدَّارِمِيُّ، السَمَرْقَنْدِيُّ. وَدَارِمٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْمٍ. طَوَّفَ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَقَالِيمَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ. وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 13 / 89 وتتمته فيه: في غسل الموتى ... والخبر في " طبقات الحنابلة " 1 / 340، و" تهذيب التهذيب " 10 / 65. (2) " تاريخ بغداد " 13 / 90، و" تهذيب التهذيب " 10 / 65 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال مسلمة: مروزي ثقة. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 291: سئل أبي عنه: فقال: ثقة. (*) الجرح والتعديل 5 / 99، تاريخ بغداد 10 / 29، 32، طبقات الحنابلة 1 / 188، الأنساب 6 / 280، تهذيب الكمال: 703، 704، تذهيب التهذيب 2 / 160 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 534، 536، العبر 2 / 8، تهذيب التهذيب 5 / 294، 296، النجوم الزاهرة 3 / 22، 23، طبقات الحفاظ: 235، خلاصة تذهيب الكمال: 204، طبقات المفسرين 1 / 235، شذرات الذهب 2 / 130، الرسالة المستطرفة: 32. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 224 وَبِشْرِ بنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المَجِيْدِ الحَنَفِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الكَبِيْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ البُرْسَانِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَالنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ - وَهُوَ أَقْدَمُهُمْ مَوْتاً - وَأَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بنِ القَاسِمِ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامرٍ الضُّبَعِيِّ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ، وَمُسْلِمٍ، وَزَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: دُحَيْمٍ، وَخَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ - وَهُوَ أَقدَمُ مِنْهُ - وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى - وَهُم أَكْبَرُ مِنْهُ -. وَقَدْ روَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضاً عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَنْهُ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ الجَارُوْدِيُّ، وَعِيْسَى بنُ عُمَرَ السَمَرْقَنْدِيُّ رَاوِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى الحِمَّانِيِّ، فَقَالَ: تَرَكنَاهُ لِقَولِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لأَنَّهُ إِمَامٌ (1) .   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 31. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 225 وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ دَاوُدَ السَمَرْقَنْدِيُّ: قَدِمَ قَرِيْبٌ لِي مِنَ الشَّاشِ، فَقَالَ: أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَجَعَلْتُ أَصِفُ لَهُ أَبَا (1) المُنْذِرِ، وَجَعَلتُ أَمدَحُهُ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ هَذَا، فَقَدْ طَالَتْ غَيبَةُ إِخْوَانِنَا عَنَّا، لَكِنْ أَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ عَلَيْكَ بِذَاكَ السَّيِّدِ، عَلَيْكَ بِذَاكَ السَّيِّدِ (2) . رَوَى: نُعَيْمُ بنُ نَاعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلُ: غَلَبَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالحِفْظِ وَالوَرَعِ (3) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيَّ يَقُوْلُ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ! مَا دَامَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَيْنَ أَظهُرِكُمْ، فَلاَ تَشتَغِلُوا بِغَيْرِهِ (4) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ يَقُوْلُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِمَامُنَا (5) . وَسَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: أَمْرُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ فِيْمَا يَقُوْلُوْنَ مِنَ البَصَرِ وَالحِفْظِ وَصِيَانَةِ النَّفسِ - عَافَاهُ اللهُ (6) -. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: حُفَّاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى.   (1) في " تاريخ بغداد ": ابن المنذر. (2) " تاريخ بغداد " 10 / 31. (3) " تاريخ بغداد " 10 / 32، و" شذرات الذهب " 2 / 130. (4) " تاريخ بغداد " 10 / 31، 32. (5) " تاريخ بغداد " 10 / 32. (6) " تاريخ بغداد " 10 / 32. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 226 قُلْتُ: كَانَ بُنْدَارٌ يَفتَخِرُ بِكَونِهِمْ حَمَلُوا عَنْهُ. وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زَبْرَكَ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَعْلَمُ مَنْ بِخُرَاسَانَ اليَوْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ أَوْرَعُهُم، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَثْبَتُهُم. وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: إِنَّمَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ خَمْسَةً: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللهِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ العَقلِ وَالدِّيَانَةِ، مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الحِلمِ وَالدِّرَايَةِ وَالحِفْظِ وَالعِبَادَةِ وَالزُّهَّادَةِ، أَظهَرَ عِلْمَ الحَدِيْثِ وَالآثَارِ بِسَمَرْقَنْدَ، وَذَبَّ عَنْهَا الكَذِبَ، وَكَانَ مُفَسِّراً كَامِلاً، وَفَقِيْهاً عَالِماً. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: كَانَ الدَّارِمِيُّ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ، وَأَهْلِ الوَرَعِ فِي الدِّيْنِ مِمَّنْ حَفِظَ وَجَمَعَ، وتَقَفَّهَ، وَصَنَّفَ وَحَدَّثَ، وَأَظهَرَ السُّنَّةَ بِبَلَدِهِ، وَدَعَا إِلَيْهَا، وَذَبَّ عَنْ حَرِيْمِهَا، وَقَمَعَ مَنْ خَالفَهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ أَحَدَ الرَّحَّالِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، وَالمَوصُوفِينَ بِحِفْظِهِ وَجَمْعِهِ وَالإِتْقَانِ لَهُ، مَعَ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ، وَالوَرَعِ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 32، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 535، و" تهذيب التهذيب " 5 / 295، و" شذرات الذهب " 2 / 130. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 227 وَالزُّهْدِ، وَاسْتُقْضِيَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ، فَأَبَى، فَأَلَحَّ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَلِّدَهُ، وَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَعْفَى، فَأُعْفِيَ، وَكَانَ عَلَى غَايَةِ العَقلِ، وَنِهَايَةِ الفَضْلِ، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الدَّيَانَةِ وَالحِلْمِ وَالرَّزَانَةِ، وَالاجْتِهَادِ وَالعِبَادَةِ، وَالزَّهَادِةِ وَالتَّقَلُّلِ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) وَ (التَّفْسِيْرَ) وَ (الجَامِعَ (1)) . قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ فِي سَنَةِ مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ الحَافِظُ: كَانَ الدَّارِمِيُّ حَسَنُ المَعْرِفَةِ، قَدْ دَوَّنَ (المُسْنَدَ) وَ (التَّفْسِيْرَ) . مَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، يَوْمَ التَّروِيَةِ (2) بَعْدَ العَصرِ، وَدُفِنَ يَوْمَ عَرَفَةَ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ الحَافِظُ مَكِّيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَاهَانَ البَلْخِيُّ تِلمِيذُهُ فِي تَارِيْخِ وَفَاتِهِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ، فَقَدْ أَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الأَوَّلِ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ فِيْهِ نَعْيُّ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَنَكَّسَ   (1) " تاريخ بغداد " 10 / 29، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 535، و" تهذيب التهذيب " 5 / 295. وقال ابن ابي حاتم في " الجرح والتعديل " 5 / 99: سئل أبي عنه، فقال: ثقة صدوق. (2) هو يوم قبل يوم عرفة، وهو الثامن من ذي الحجة. سمي به لان الحجاج يتروون فيه من الماء، ينهضون إلى منى ولا ماء بها، فيتزودون ريهم من الماء، أي: يسقون ويستقون. وكان ذلك فيما غبر من الازمان، أما الآن، فقد أصبح - ولله الحمد - الماء متوفرا في كل مكان في مكة وفي منى وفي عرفة، وهو مبذول لكل الحجيج. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 228 رَأْسَهُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَاسْتَرْجَعَ، وَجَعَلَ تَسِيْلُ دُمُوْعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: إِنْ تَبْقَ تُفْجَعْ بِالأَحِبَّةِ كُلِّهِم ... وَفَنَاءُ نَفْسِكَ - لاَ أَبَا لَكَ - أَفْجَعُ (1) ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ: مَا سَمِعنَاهُ يُنْشِدُ إِلاَّ يَجِيْءُ فِي الحَدِيْثِ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ الدَّارِمِيُّ رُكْناً مِنْ أَركَانِ الدِّيْنِ، قَدْ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (2) وَالنَّاسُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بُنْدَارٌ وَالكِبَارُ، وَبَلَغَنَا عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَ الدَّارِمِيَّ، فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَقْبَلْ. قَالَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى: رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُوْنِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه ... - وَسَمَّى جَمَاعَةً - فَمَا رَأَيْتُ أَحفَظَ مِنْ عَبْدِ اللهِ الدَّارِمِيِّ (3) . وَمِنْ حَدِيْثِهِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ عَسْكَرٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَابْنُ الحُبُوْبِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الحَرِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ بنِ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ) (4) .   (1) البيت في " مقدمة فتح الباري ": 482، و" تهذيب التهذيب " 5 / 296. (2) " الجرح والتعديل " 5 / 99 (3) " تاريخ بغداد " 10 / 31، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 535. (4) أخرجه مسلم (2051) في الاشربة: باب فضيلة الخل والتأدم به، والترمذي (1840) في الاطعمة باب ما جاء في الخل وهو في سنن الدارمي 2 / 101، وأخرجه من = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 229 هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ، فَردٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضاً: أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ، فَوَقَعَ مُوَافَقَةً بِعُلُوٍّ. وَقَدْ كَانَ الدَّارِمِيُّ يُقْصَدُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيْثِ؛ لِتَفَرُّدِهِ بِهِ. قَالَ: فَكَانَ يُدَقُّ عَلَيَّ البَابُ وَأَنَا بِبَغْدَادَ، فَأَقُوْلُ: مَنْ ذَا؟ فيُقَالُ: يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ: (نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ) . وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ (1)) . أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، جَمِيْعاً عَنِ الدَّارِمِيِّ، وَبِهِ إِلَى الدَّارِمِيِّ مِنْ سِوَى ابْنِ الحُبُوْبِيِّ. أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوْبَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَطَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ (2) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنِ الدَّارِمِيِّ.   = حديث جابر بن عبد الله مسلم (2025) وأبو داود (3820) و (3821) ، والترمذي (1839) و (1842) ، والنسائي 7 / 14، وابن ماجة (3317) والدارمي 2 / 101، وأحمد 3 / 301 و304 و353 و364 و371 و389 و390 و400. (1) أخرجه مسلم (2046) في الاشربة: باب في ادخار التمر ونحوه من الاقوات للعيال، والترمذي (1816) في الاطعمة: باب ما جاء في استحباب التمر، وهو في سنن الدارمي 2 / 104، وأخرجه أبو داود (3831) من طريق الوليد بن عتبة، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سليمان بن بلال بهذا الإسناد. (2) أخرجه مسلم (1686) في الحدود: باب حد السرقة ونصابه، وهو في سنن الدارمي 2 / 173، وأخرجه مالك 2 / 831 في الحدود: باب ما يجب فيه القطع، ومن طريقه البخاري 12 / 93، 94 في الحدود: باب حد السرقة ونصابها، وأبو داود (4385) والنسائي 8 / 76 في السارق: باب القدر الذي إذا سرقه السارق قطعت يده عن نافع عن ابن عمر، وأخرجه الترمذي (1446) من طريق قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 230 وَبِهِ: أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاَةَ، يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيْعاً، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيْعاً (1) . مُسْلِمٌ عَنِ الدَّارِمِيِّ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الذَّهَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ، وَسُنْقُرُ الزَّيْنِيُّ، وَعَبْدُ العَالِي بنُ عَبْدِ الملكِ، وَمَحْمُوْدُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْدُ الأَحَدِ التَّيْمِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ صَدَقَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ نِعْمَةَ، وَحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَقِيْلٍ الخَطِيْبُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَن النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَرَأَى عَلَيْهِ أَثَراً مِنْ صُفْرَةٍ: (مَهْيَمْ) ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ. قَالَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (2) ، وَغَيْرُهُ.   (1) أخرجه مسلم (706) في صلاة المسافرين: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، وهو في سنن الدارمي 2 / 356، وأخرجه مالك 1 / 143، 144، في قصر الصلاة: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، وأبو داود (1206) ، والترمذي (553) والنسائي 1 / 285. (2) 9 / 101 في النكاح: باب قول الرجل لأخيه: انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها، وباب قول الله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ، وباب الصفرة للمتزوج، وباب كيف يدعى للمتزوج، وباب الوليمة ولو بشاة، وأخرجه مسلم (1427) في النكاح: باب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 231 أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّد، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَهَدِيَّةُ بِنْتُ عليٍّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّى، أَخْبَرَنَا أَبُوْ الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّوَيْه، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَوْهبٍ، أَخْبَرَنِي نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الأَيِّمُ أَمْلَكُ بِأَمْرِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا (1)) . هَذَا حَدِيْثٌ، حَسَنُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ، عَالٍ جِدّاً. وَقَدْ أَخْرَجَهُ: الجَمَاعَةُ (2) - سِوَى البُخَارِيِّ - مِنْ حَدِيْثِ جَمَاعَةٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ. 79 - أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ بِشْرٍ أَبُو جَعْفَرٍ الهَمْدَانِيُّ * (د) الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ الهَمْدَانِيُّ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ وَهْبٍ. وَيَرْوِي أَيْضاً: عَنْ بِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ الفُرَاتِ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ   = الصداق وجواز كونه تعليم قرآن، وخاتم جديد، ومالك 2 / 545 في النكاح: باب ما جاء في الوليمة، وأبو داود (2102) والترمذي (1094) و (1934) ، والنسائي 6 / 119، 120. (1) هو في " سنن الدارمي " 2 / 138، 139. (2) أخرجه مالك 2 / 524 في النكاح: باب استئذان البكر والثيب في أنفسهما، ومسلم (1421) في النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، وأبو داود (2098) ، والنسائي 6 / 84، والترمذي (1108) . (*) الجرح والتعديل 2 / 53، 54، تهذيب الكمال: 22، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 100، تهذيب التهذيب 1 / 31، خلاصة تذهيب الكمال: 6. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 232 أَحْمَدَ بنِ كُسَا (1) الوَاسِطِيُّ، وَعَلِيٌّ عَلاَّنُ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَآخَرُونَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَوْ رَجَعَ عَنْ حَدِيْثِ الغَارِ مِنْ طَرِيْقِ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، لَرَوَيْتُ عَنْهُ (2) . وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ (3) . قيلَ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 80 - الدَّارِمِيُّ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ صَخْرٍ * (خَ، م، د، ت، ق) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ صَخْرِ بنِ سُلَيْمَانَ الدَّارِمِيُّ، السَّرَخْسِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَرَوْحاً، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيَّ، وَأَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَحَبَّانَ بنَ هِلاَلٍ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَعَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، وَطَبَقَتَهُم، وَأَكْثَرَ التَّطْوَافَ، وَتَوَسَّعَ فِي العِلْمِ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.   (1) في " تهذيب الكمال " 1 / 113: محمد بن أحمد بن سعيد بن كسا. و" كسا ": قيده بضم الكاف الذهبي في " المشتبه ": 515، وابن ماكولا في " إكمال الإكمال "، وابن حجر في " التبصير ". وقال ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه ": قلت: وآخره مقصور. (2) " ميزان الاعتدال " 1 / 100. (3) " ميزان الاعتدال " 1 / 100، و" تهذيب التهذيب " 1 / 31. وقال ابن حجر: قال زكريا الساجي: ثبت، وقال العجلي: ثقة. وقال أحمد بن صالح: ما زلت أعرفه بالخير مذ عرفته. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (*) الجرح والتعديل 2 / 53، تاريخ بغداد 4 / 166، 169، طبقات الحنابلة 1 / 45، 46، الأنساب 6 / 279، تهذيب الكمال: 22، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 548، العبر 2 / 4، الوافي بالوفيات 6 / 390، تاريخ ابن كثير 11 / 13، تهذيب التهذيب 1 / 31، 32، النجوم الزاهرة 2 / 252، طبقات الحفاظ: 241، خلاصة تذهيب الكمال: 6، شذرات الذهب 2 / 127. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 233 حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ السِّتَّةُ - سِوَى النَّسَائِيِّ -. وَرَوَى: التِّرْمِذِيُّ أَيضاً عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنِ هَانِئٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَخَلْقٌ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ. أَقْدَمَهُ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ إِلَى نَيْسَابُوْرَ لِيُحَدِّثَ بِهَا، فَأَقَامَ بِهَا مَلِيّاً، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ سَرْخَسَ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَبِهَا مَاتَ (1) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: دَخَلْنَا عَلَيهِ فِي مَرَضِهِ، فَأَوصَى بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَبِغَلَّةٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا. وَقَالَ: إِنْ مُتُّ، فَرَقِيْقِي عَنْبَرٌ وَفَتْحٌ وَحَمْدَانُ وَعَلاَّنُ أَحرَارٌ لِوَجهِ اللهِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا قَدِمَ عَلَينَا خُرَاسَانِيٌّ أَفْقَهُ بَدَناً مِنْ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيِّ. وَذَكَرَ مُؤَرِّخٌ لاَ أَسْتَحْضِرُ اسْمَهُ: أَنَّ أَحْمَدَ الدَّارِمِيَّ قَدِمَ هَرَاةَ عَلَى مُتَوَلِّيهَا هَارُوْنَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبٍ يَتَعَرَّضُ لِمَعْرُوْفِهِ، فَأَنزَلَهُ دَارَهُ، وَوَصَلَهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ (2) . وَكَانَ عَالِماً بِالرِّجَالِ وَالعِلَلِ وَالتَّارِيْخِ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ أَصْحَابُنَا بِهَرَاةَ مَعْرِفَةَ الحَدِيْثِ. قُلْتُ: كَانَ يُنَظَّرُ بِأَبِي زُرْعَةَ، وَابْنِ وَارَةَ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَدْ مَرَّ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَسَيَأْتِي عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ.   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 169، و" تهذيب التهذيب " 1 / 32 وفيه: قال ابن حبان: كان ثقة ثبتا صاحب حديث. (2) " تاريخ بغداد " 4 / 168، 169، وفيه عن يحيى بن زكريا النيسابوري، وقال: كان ثقة جليلا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 234 81 - عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ بنِ نَصْرٍ الكِسِّيُّ * (م، ت) هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الجَوَّالُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ بن نَصْرٍ الكِسِّيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: الكَشِّيُّ - بِالفَتْحِ وَالإِعجَامِ -. يُقَالُ: اسْمُهُ: عَبْدُ الحَمِيْدِ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ الوَاسِطِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ (1) ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتَكِيِّ، وَسَلْمِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ اليَمَامِيِّ، وَالوَاقِدِيِّ، وَمَحَاضِرِ بنِ المُوَرِّعِ، وَمُصْعَبِ بنِ المِقْدَامِ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مَذْكُوْرِينَ فِي (تَفْسِيْرهِ الكَبِيْرِ) وَفِي (مُسْنَدِهِ) الَّذِي وَقَعَ لَنَا (المُنْتَخَبُ) مِنْهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالبُخَارِيُّ تَعْلِيْقاً فِي دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ (صَحِيْحِهِ (2)) ، فَقَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ،   (*) اللباب 3 / 98، تهذيب الكمال: 767، تذهيب التهذيب 2 / 261 / 1، العبر 1 / 454، تاريخ ابن كثير 11 / 4، تهذيب التهذيب 6 / 455، 457، طبقات الحفاظ: 234، شذرات الذهب 2 / 120. (1) الحفري، بفتحتين: واسمه عمر بن سعد، وهو من طبقة أبي داود الطيالسي. وحفر: موضع بالكوفة " التبصير " 1 / 340. (2) 6 / 444 في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام، قال الحافظ تعليقا على قول البخاري: وقال عبد الحميد: عبد الحميد هذا لم أر من ترجم له في رجال البخاري، الا أن المزي ومن تبعه جزموا بأنه عبد من حميد الحافظ المشهور، وقالوا: كان اسمه عبد الحميد، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 235 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ العَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَنِيْنِ الجِذْعِ، فَقِيْلَ: هَذَا هُوَ عَبْدٌ. وَرَوَى أَيْضاً: وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ عَنْهُ، وَبَكْرُ بنُ المَرْزُبَانِ، وَشُرَيْحُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ النَّسَفِيُّ الزَّاهِدُ، وَالمَكِّيُّ بنُ نُوْحٍ المُقْرِئُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ بنِ عَامِرٍ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمِ بنِ قُمَيْرٍ الشَّاشِيُّ، وَأَبُو مُعَاذٍ العَبَّاسُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ الفَرَجِ الكِسِّيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ حَسَنٍ الشَّاشِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَبِي البَزَّازِ، وَأَبُو عُمَرَ حَفْصُ بنُ بُوْخَاشَ، وَسَلْمَانُ بنُ إِسْرَائِيْلَ بنِ جَابِرٍ الخُجَنْدِيُّ، وَسَهْلُ بنُ شَاذُوَيْه البُخَارِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الشَّاهُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَبِيْبٍ النَّسَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ مَنْصُوْرٍ الكَشِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ الهُذَيْلِ النَّسَفِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرِ بنِ نُعَيْمٍ الأَزْدِيُّ النَّسَفِيُّ، وَغَيْرُهُم مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، مِمَّنْ لاَ نَعْرِفُ أَحْوَالَهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي كِتَابِ (الثِّقَاتِ) : عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ حُمَيْدِ بنِ نَصْرٍ الكَشِّيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ، فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ. فَإِنَّ الرَّجُلَ مَا رَأَى دِمَشْقَ لاَ فِي ارْتِحَالِهِ، وَلاَ فِي شَيْخُوخَتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ لَنَا (المُنْتَخَبُ) عَالِياً، ثُمَّ لِصِغَارِ أَوْلاَدِنَا (1) .   = وإنما قيل له: عبد، بغير اضافة تخفيفا، وقد راجعت الموجود من " مسنده " و" تفسيره "، فلم أر هذا الحديث فيه، نعم وجدته من حديث رفيقه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخرجه في " مسنده " المشهور 1 / 15 عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد. (1) ترك الذهبي ثلاثة من الاولاد، وقد عرفوا بالعلم. وهم: 1 - ابنته أمة العزيز، وقد أجاز لها غير واحد باستدعاء والدها، منهم شيخ المستنصرية رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي المتوفى سنة 737 هـ. ويظهر أنها = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 236 أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيُّ (1) ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّاوُوْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمَّوَيْه، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَدْ كَثُرَ النَّاسُ، وَإِنَّهُم يُحِبُّونَ أَنْ يَرَوكَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ مِنْبَراً تَقُوْمُ عَلَيْهِ. قَالَ: (مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا) ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ: (وَمَا اسْمُكَ) ؟ قَالَ: فُلاَنٌ. قَالَ: (اقْعُدْ) . ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ كَقَوْلِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: (تَجْعَلُهُ) ؟ قَالَ: نَعَمْ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. قَالَ: (مَا اسْمُكَ) ؟ قَالَ: إِبْرَاهِيْمُ. قَالَ: (اجْعَلْهُ) . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ آخِرِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا صَعِدَ المِنْبَرَ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، وَاسْتَقبَلَ النَّاسَ، حَنَّتِ   = تزوجت في حياة والدها، وخلفت ولدا اسمه عبد القادر، سمع مع جده من أحمد بن محمد المقدسي المتوفى سنة 737 هـ، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الإسلام ". 2 - ابنه أبو الدرداء عبد الله، ولد سنة 708 هـ، وأسمعه أبوه من خلق كثير، وحدث ومات في ذي الحجة سنة 754 هـ. 3 - ابنه شهاب الدين أبو هريرة عبد الرحمن، ولد سنة 715 هـ، وسمع مع والده أجزاء حديثية كثيرة، وسمع من عيسى المطعم الدلال المتوفى سنة 719 هـ، وخرج له أبوه أربعون حديثا عن نحو المئة نفس، وحدث منذ سنة 740 هـ، وتأخرت وفاته إلى ربيع الآخر سنة 799 هـ وخلف ولدا اسمه محمد، سمع مع جده، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الإسلام ". (1) يونين، بضم الياء، وكسر النون الأولى: قرية من قرى بعلبك، منها الحافظ شرف الدين علي بن محمد اليونيني البعلبكي الحنبلي، أبو الحسين، الامام العالم المحدث، المتوفى سنة 701 هـ. وعن نسخته من " صحيح البخاري " طبع بمصر في المطبعة الاميرية سنة 1311 هـ، وهي أعظم أصل يوثق به في نسخ " صحيح البخاري ". وهي التي جعلها القسطلاني عمدته في تحقيق متن الكتاب، وضبطه حرفا حرفا، وكلمة كلمة في شرحه للبخاري المسمى " إرشاد الساري ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 237 النَّخْلَةُ، حَتَّى أَسْمَعَتْنِي وَأَنَا فِي آخِرِ المَسْجِدِ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ المِنْبَرِ، فَاعتَنَقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَكَنَتْ، ثُمَّ عَادَ إِلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ النَّخْلَةَ إِنَّمَا حَنَّتْ شَوْقاً إِلَى رَسُوْلِ اللهِ لَمَّا فَارَقَهَا، فَوَاللهِ لَوْ لَمْ أَنْزِلْ إِلَيْهَا فَأَعْتَنِقَهَا، لَمَا سَكَنَتْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) . هَذَا حَدِيْثٌ مُتَّصِلُ الإِسْنَادِ، غَرِيْبٌ (1) . وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى الحَافِظُ، وَخَلاَّدُ بنُ أَسْلَمَ، وَسَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) وأورده ابن كثير في " البداية " 6 / 130، 131 عن عبد بن حميد بهذا الإسناد، وقال: وهذا إسناد على شرط مسلم ولكن في السياق غرابة، وقوله: " على شرط مسلم " وهم منه رحمه الله، فإن علي بن عاصم وهو الواسطي لم يخرج له مسلم، ثم هو سيء الحفظ، كثير الخطأ، ورواه البخاري بغير هذا السياق 4 / 268 في البيوع: باب النجار، من طريق قتيبة ابن سعيد، حدثنا عبد العزيز، عن أبي حازم، قال: أتى رجال سهل بن سعد يسألونه عن المنبر، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة - امرأة قد سماها سهل -: " أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس "، فأمرته يعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فأمر بها، فوضعت، فجلس عليه. ورواه ابن أبي شيبة من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي حازم قال: أتوا سهل بن سعد، فقالوا: من أي شيء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان رسول الله يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلما اتخذ المنبر، فصعد، حن الجذع حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوطنه حتى سكن. وإسناده على شرط الصحيحين. وأخرج البخاري أيضا 4 / 268 من طريق خلاد بن يحيى، حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة من الانصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال: " إن شئت " فعملت له المنبر، فلما كان يو الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت. قال: " بكت على ما كانت تسمع من الذكر ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 238 82 - أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيُّ * (ت، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ نَيْسَابُوْرَ، وَمُقْرِئُهَا، وَمُفْتيهَا، وَزَاهِدُهَا، الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. ارْتَحَلَ، وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بن نُمَيْرٍ، وَالنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم. رَوَى عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيهِمَا، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ، كَثِيْرَ الرِّحْلَةِ وَالحَدِيْثِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَقِيْلَ: إِنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ (1) عَلَى كِبَرِ السِّنِّ مُتَفَقِّهاً، فَأَخَذَ عَنْهُ، وَكَانَ يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ، وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَرحَلَ إِلَى المُزَنِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: إِمَامُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ القُدْوَةُ العَابِدُ الثِّقَةُ: أَبُو بَكْرٍ   (1) وهو المؤلف الجليل القاسم بن سلام تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (166) . (*) التاريخ الكبير 2 / 6، الجرح والتعديل 2 / 79، تهذيب الكمال: 44، 45، تذهيب التهذيب 1 / 28 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 540، 541، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 145، تهذيب التهذيب 1 / 85، 86، طبقات الحفاظ: 237، خلاصة تذهيب الكمال: 13. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 239 83 - أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ العَتَكِيُّ السَّمَرْقَنْديّ * يَرْوِي عَنِ: ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَجَمَاعَةٍ. حَمَلَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ. 84 - عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ الهَاشِمِيُّ ** (خَ، م، د، ت، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، العَطَّارُ. حَدَّثَ عَنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَوَاءَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى ابْنِ مَاجَهْ - وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، وَغَيْرُهُ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ (2) .   (*) الأنساب 8 / 390. (* *) الجرح والتعديل 5 / 88، تهذيب الكمال: 696، تذهيب التهذيب 2 / 154 / 2، تهذيب التهذيب 5 / 264، 265، خلاصة تذهيب الكمال: 201، 202. (1) " تهذيب الكمال " لوحة 696 وفيه: وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 5 / 265: سئل أبي عنه، فقال: صالح. (2) هو قول أبي بكر بن أبي عاصم، صرح به المزي في " تهذيب الكمال " والمؤلف في التذهيب " وابن حجر في " التهذيب ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 240 وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ تَيْمِيَةَ، أَنَّ السَّرَّاجَ (1) قَالَ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. 85 - عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ مُوْسَى أَبُو الحَسَنِ النَّسَائِيُّ * (د) وَقِيْلَ: عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ قَادِمٍ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ النَّسَائِيُّ، ثُمَّ الرَّمْلِيُّ، أَخُو مُوْسَى بنِ سَهْلٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ نَسَائِيٌّ، سَكَنَ الرَّملَةَ. قُلْتُ: سَمِعَ: الوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، وَضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) وَوَثَّقَهُ (2) ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيْرٍ، وَالعَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) في " تهذيب الكمال " لوحة 696،، و" تهذيب التهذيب " 5 / 265 نقلا عن السراج أنه مات سنة 251 هـ، وكذلك قال المؤلف في " التذهيب " إلا أنه لم يصرح باسمه، وإنما قال: وقال غيره، أي: غير ابن أبي عاصم. (*) الجرح والتعديل 6 / 189، تهذيب الكمال: 971، 972، تذهيب التهذيب 3 / 63 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 131، تهذيب التهذيب 7 / 329، خلاصة تذهيب الكمال: 274. (2) " تهذيب الكمال " لوحة 972، وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 7 / 329: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: كان محدث أهل الرملة وحافظهم. وقال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " 6 / 89: صدوق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 241 وَأَخُوْهُ: 86 - الإِمَامُ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ سَهْلِ بنِ قَادِمٍ الرَّمْلِيُّ * (د) وَهُوَ الصَّغِيْرُ. سَمِعَ: آدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالأَرْغِيَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. ثِقَةٌ (1) . مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ (2) 262. وَسَوْفَ يَأْتِي عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ نَزِيْلُ بَغْدَادَ. 87 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ * (ق) هُوَ: الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِنُ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرٍ الزُّهْرِيُّ، المَدِيْنِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ. وَلَقَبُهُ: رُسْتَه (3) . سَمِعَ: يَحْيَى القَطَّانَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ   (*) الجرح والتعديل 8 / 146، تهذيب الكمال: 1386، تذهيب التهذيب 4 / 80 / 1، تهذيب التهذيب 10 / 347، خلاصة تذهيب الكمال: 391. (1) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 146، كتبت عنه، وهو صدوق ثقة. سئل أبي عنه، فقال: صدوق (2) هذا قول عمرو بن دحيم. وجاء في " تهذيب التهذيب " 10 / 347: قال أبو سليمان بن زبر: مات سنة إحدى وستين. (* *) الجرح والتعديل 5 / 263، تهذيب الكمال: 807، تذهيب التهذيب 2 / 220 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 579، تهذيب التهذيب 6 / 234، 235، خلاصة تذهيب الكمال: 232، طبقات المحدثين بأصبهان: 145. (3) بضم الراء، وسكون السين المهملة، وفتح المثناة، و" التقريب ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 242 مَهْدِيٍّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَسِيْدٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ الآخَرُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ عَبْدُوْسٌ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِكِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ عِنْدَهُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً. وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا ذَهَبْتُ يَوْماً إِلَى ابْنِ مَهْدِيٍّ إِلاَّ وَجَدتُ الأَخَوَينِ الأَزْرَقَيْنِ عِنْدَهُ -يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ اللهِ (1) -. وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: غَرَائِبُ حَدِيْثِ رُسْتَه تَكْثُرُ. قَالَ ابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: تُوُفِّيَ عَمِّي سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخُوْهُ: 88 - الإِمَامُ المُحَدِّثُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَحَمَّادَ بنَ مَسْعَدَةَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ. قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيْرَةٌ، خَرَجَ قَاضِياً عَلَى الكَرْخِ، فَمَاتَ بِهَا.   (1) " تهذيب التهذيب " 6 / 235. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال المؤلف في " ميزانه " 2 / 579: ثقة، ينفرد ويغرب. (*) الجرح والتعديل 5 / 111، ذكر أخبار أصبهان 2 / 47، طبقات المحدثين بأصبهان: 146 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 243 قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، وَسَلْمُ بنُ عِصَامٍ، وَعِدَّةٌ. وَلَهُ غَرَائِبُ كَأَخِيْهِ. مَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 89 - أَحْمَدُ بنُ سِنَانِ بنِ أَسَدِ بنِ حِبَّانَ الوَاسِطِيُّ * (خَ، م، د، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُوْ جَعْفَرٍ الوَاسِطِيُّ، القَطَّانُ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) . حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُه؛ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيْثِ مَالِكٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.   (*) الجرح والتعديل 2 / 53، الجمع بين رجال الصحيحين: 7، تهذيب الكمال، 23، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 521، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 6 / 407، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 5، 6، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 1 / 34، 35، طبقات الحفاظ: 227، خلاصة تذهيب الكمال: 6، 7، شذرات الذهب 2 / 137. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 244 وَقَالَ فِيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ (1) . وَقَالَ أَبُوْهُ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ: مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ أَبِي مُوْسَى وَبُنْدَارٍ، أَعَدْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَمَا كَتَبْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، لَمْ نُعِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ (3) . قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدِعٌ إِلاَّ يُبْغِضُ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، وَإِذَا ابْتَدَعَ الرَّجُلُ بِدْعَةً (4) ، نُزِعَتْ حَلاَوَةُ الحَدِيْثِ مِنْ قَلْبِهِ (5) . قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ: تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَيُقَالُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ الظَاهِرِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ   (1) ذكره المزي في " تهذيب الكمال " لوحة 23، ونقله عنه المؤلف هنا، وفي " تذكرته " 2 / 521، و" تذهيبه " 1 / 11 / 2، والسبكي في " طبقاته " 2 / 5. قال ابن حجر في " تهذيبه " 1 / 35: وليس هذا - النقل - في " الجرح والتعديل "، وإنما نقله اللالكائي بسنده إلى أبي حاتم نفسه. وهو كما قال، فإنه لا يوجد فيه 2 / 53. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 53، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 521، و" طبقات الشافعية " 2 / 6، و" تهذيب التهذيب " 1 / 34 وفيه: قال النسائي: ثقة. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". (3) جاء في " طبقات الشافعية " 2 / 6: قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن أحمد بن سنان وبندار، فقدم ابن سنان على بندار. والعبارة في " تهذيب التهذيب " 1 / 34 بسنده: أعدنا عليه ما سمعناه منه من بندار وأبي موسى. يعني لاتقانه وحفظه. (4) ما بين الحاصرتين من " تذكرة الحفاظ " 2 / 521 (5) " تذكرة الحفاظ " 2 / 521، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 6 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 245 مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَطَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الجَنَّةُ مائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيْرَةُ خَمْسِ مائَةِ عَامٍ) (1) . 90 - مُؤَمَّلُ بنُ إِهَابِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ قُفْلٍ الرَّبَعِيُّ (2) * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّبَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، ثُمَّ الرَّمْلِيُّ. وَقِيْلَ: ابْنُ قُفْلِ بنُ سَدَلٍ (3) ، بِحَرَكَاتٍ. وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا.   (1) ذكره ابن كثير في " النهاية " 2 / 373 من طريق أبي بكر بن أبي داود بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 2 / 292 من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد، ولفظه " الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مئة عام " وأخرجه الترمذي (2529) من طريق عباس العنبري، عن يزيد بن هارون، عن إسرائيل، عن محمد بن جحادة، عن عطاء، عن أبي هريرة ... ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت، أخرجه عن همام ابن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت الترمذي (2531) وأحمد 5 / 316 و321 وصححه الحاكم 1 / 80، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد 5 / 240، 241، وابن ماجه (4331) والترمذي (2530) من طريقين عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بلفظ " الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مئة عام " وفي رواية " كما بين السماء والارض " وأخرجه أحمد 2 / 335 و339، والبخاري 6 / 9 في الجهاد: باب درجات المجاهدين في سبيل الله، و13 / 404 في التوحيد: باب وكان عرشه على الماء من طريق فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض ". (2) بكسر أوله وبموحدة. " التقريب " (*) الجرح والتعديل 8 / 375، تاريخ بغداد 13 / 181، 183، تهذيب الكمال: 1394، تذهيب التهذيب 4 / 85 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 229، العبر 2 / 7، العقد الثمين 7 / 313، 314، تهذيب التهذيب 10 / 381، 382، النجوم الزاهرة 2 / 343، خلاصة تذهيب الكمال: 393، شذرات الذهب 2 / 129. (3) في " تاريخ بغداد " 13 / 281: ابن سدك، بالكاف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 246 وَسَمِعَ: ضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَيُّوْبَ بنَ سُوَيْدٍ، وَسَيَّارَ بنَ حَاتِمٍ الزَّاهِدَ، وَمَالِكَ بنَ سُعَيْرٍ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بنَ هَمَّامٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ المُحَدِّثِيْنَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ هَاشِمٍ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَمُحَمَّدُ بنُ تَمَّامٍ البَهْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هِلاَلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَلَهُ رِحْلَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي شَبِيْبَتِهِ، ثُمَّ فِي شَيْخُوْخَتِهِ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ وَدِمَشْقَ وَحَلَبَ وَحِمْصَ وَالرَّمْلَةَ. فَعَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: قَدِمَ مُؤَمَّلٌ الرَّمْلَةَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ زَعِراً مُتَمَنِّعاً (1) ، فَأَلَحُّوا، فَامْتَنَعَ، فَمَضَوْا إِلَى الوَالِي، وَأَلَّفُوا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ (2) ، فَقَالا: لَنَا عَبْدٌ لَهُ عَلَيْنَا حَقُّ صُحْبَةٍ وَتَرْبِيَةٍ، آلَ بِنَا الحَالُ إِلَى بَيْعِهِ، فَامْتَنَعَ. قَالَ: وَكَيْفَ أَعْلَمُ صِحَّةَ هَذَا؟ قَالَ: مَعَنَا جَمَاعَةٌ مُحَدِّثُوْنَ يَعْلَمُوْنَ ذَلِكَ. فَسَمِعَ قَوْلَهُم، وَطُلِبَ المُؤَمَّلُ بِالشُّرَطِ، فَتَعَزَّزَ (3) ، فَجَرُّوهُ، وَقَالُوا: أُخْبِرْنَا بِأَنَّكَ تَطَعَّمْتَ بِالآفَاقِ (4) . فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: مَا يَكْفِيكَ إِبَاقُكَ حَتَّى تَعَزَّزَ عَلَى سُلْطَانِكَ؟ الحَبْسَ، فَحَبَسُوهُ. وَكَانَ طُوَالاً أَصفَرَ، خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، يُشبِهُ عَبِيدَ أَهْلِ الحِجَازِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الحَبْسِ أَيَّاماً، حَتَّى عَلِمَ إِخْوَانُه، فَمَضَوا إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: هَذَا مُؤَمَّلُ بنُ يَهَابٍ فِي حَبْسِكَ مَظْلُوْمٌ. قَالَ: مَا أَعرِفُ هَذَا، وَمَنْ مُؤَمَّلٌ؟ قَالُوا: الَّذِي اجتَمَعَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ: أَهو الآبِقُ؟   (1) في " تاريخ بغداد ": ممتنعا (2) في " تاريخ بغداد ": فئتين. (3) في " تاريخ بغداد ": فتعذر. (4) في " تاريخ بغداد ": استطعمت الاباق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 247 قَالُوا: بَلْ هُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ. فَأَخْرَجَهُ، وَطلَبَ أَنْ يُحِلَّهُ (1) . فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ - فَاللهُ أَعْلَمُ -. مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . وَفِيْهَا مَاتَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ (3) ، وَسَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحَسَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ العَابِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيُّ، وَالمَرَّارُ بنُ حَمَّوَيْه، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الكَاظِمُ الحُسَيْنِيُّ أَحَدُ الاثْنِي عَشَرَ (4) ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ بِدِمَشْقَ.   (1) الخبر مطولا في " تاريخ بغداد " 13 / 182، 183. (2) وكذا قال ابن زبر. انظر " تاريخ بغداد " 13 / 181 وجاء فيه عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، قال: سئل يحيى بن معين - وأنا أسمع - عن مؤمل بن إهاب، فكأنه ضعفه. وعن عبد الرحمن النسائي أنه قال: مؤمل بن إهاب لا بأس به. وقال مرة: ثقة. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 275: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 10 / 382: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة ابن قاسم: ثقة صدوق. (3) في الأصل: محبثر، وهو خطأ، وإبراهيم هذا ضعيف، وهو مترجم في " تاريخ بغداد " 6 / 184، 185، و" ميزان الاعتدال " 1 / 55، و" لسان الميزان " 1 / 95. وانظر " الإكمال " 7 / 213. (4) الامامية الاثنا عشرية: هي التي تعتقد أن الوصية الإلهية بالامامة قد انتقلت من علي ابن أبي طالب إلى أولاده الحسن فالحسين، ثم إلى أحفاده من الحسين حتى الامام الثاني عشر. فبعد الحسين كان علي بن زين العابدين، فمحمد الباقر، فجعفر الصادق، فموسى الكاظم، فعلي الرضى، فمحمد التقي، فعلي الهادي، فالحسن العسكري، فمحمد المهدي المنتظر الذي دخل بزعمهم في سرداب بسامراء سنة 265 هـ وهو صغير السن، وأمه تنظر إليه، ولم يعد، كما لم يقف أتباعه على أثر له منذ ذلك الحين. انظر " الملل والنحل ": 108 وما بعدها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 248 91 - مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ يُوْسُفَ الطَّرَسُوْسِيُّ * (د) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ العَجَمِيِّ، الطَّرَسُوْسِيُّ، شَيْخُ الثَّغْرِ فِي زَمَانِهِ. حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَابْنُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ حَافِظُ الأَنْدَلُسِ، وَحَاجِبُ بنُ أَرْكِيْنَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، وَأَبُوْ العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (1) ، وَغَيْرُهُ. وَكَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يَتَغَالَى فِيْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مَسْعُوْدٍ. وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَيْضاً: هُوَ رَفِيْعُ الشَّأْنِ، فَاضِلٌ، لَيْسَ بِدُوْنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ (2) .   (*) الجرح والتعديل 8 / 106، تاريخ بغداد 3 / 301، 302، تهذيب الكمال: 1266، تذكرة الحفاظ 2 / 523، ميزان الاعتدال 4 / 35، العبر 1 / 449، تهذيب التهذيب 9 / 438، طبقات الحفاظ: 228، خلاصة تذهيب الكمال: 358، شذرات الذهب 2 / 116. (1) " تاريخ بغداد " 3 / 301، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 523. (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 523، و" تهذيب التهذيب " 9 / 438 وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل ": سمعت أبي يقول: هو مجهول، فقال المؤلف في " ميزانه " 4 / 35 تعقيبا على ذلك: ما هو بمجهول، هو العجمي نزيل طرسوس، صدوق، كبير المحل، ولكن = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 249 قُلْتُ: لَمْ نَظْفَرْ بِتَارِيْخِ وَفَاتِهِ، وَقَدْ بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَزَرِيُّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ حُسَيْنٍ الرِّيْوَنْدِيُّ فِي سَنَةِ 544، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ المُحِبِّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ الخَفَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَيَذْكُرُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُهُ (1) . هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيْفُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الجَمَاعَةُ. 92 - خُشَيْشُ بنُ أَصْرَمَ بنِ الأَسْوَدِ النَّسَائِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الاسْتِقَامَةِ (2)) ، أَبُو عَاصِمٍ النَّسَائِيُّ. سَمِعَ: رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَأَبَا عَاصِمٍ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.   = ما عرفه أبو حاتم. قال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 9 / 438: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلم بن قاسم: كان عالما بالحديث. (1) رجاله ثقات وهو في " المصنف " برقم (4981) ولفظه: كان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. (*) تهذيب الكمال: 376، تذهيب التهذيب 1 / 197 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 551، تهذيب التهذيب 3 / 142، طبقات الحفاظ: 245، خلاصة تذهيب الكمال: 108، شذرات الذهب 2 / 129. (2) يرد فيه على أهل البدع. " تذكرة الحفاظ " 2 / 551. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 250 وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِمَا) ، وَعَلاَّنُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ العَسَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ الهَرَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ (1) . وَلَهُ رِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ إِلَى الحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَاليَمَنِ وَالعِرَاقِ. تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِمِصْرَ. 93 - عَلِيُّ بنُ حَرْبِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطَّائِيُّ * (س) ابْنِ حَيَّانَ بنِ مَازِنِ بنِ الغَضُوْبَةِ (2) ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الأَدِيْبُ، مُسْنِدُ وَقْتِهِ، أَبُو الحَسَنِ الطَّائِيُّ، المَوْصِلِيُّ. اتَّفَقَ مَوْلِدُهُ: بِأَذْرَبِيْجَانَ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ يَتَّجِرُ. رَأَى عَلِيٌّ المُعَافَى بنَ عِمْرَانَ، وَنَشَأَ بِالمَوْصِلِ.   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 551، و" تهذيب التهذيب " 3 / 142 وفيه: قال ابن يونس: كان ثقة. وكذا قال مسلمة بن قاسم. (*) الجرح والتعديل: 6 / 183، تاريخ بغداد: 11 / 418، 420، طبقات الحنابلة: 1 / 223، اللباب: 2 / 271، 272، تهذيب الكمال: 961، 962، تذهيب التهذيب: 3 / 55 / 2، العبر: 2 / 30، تهذيب التهذيب: 7 / 294، 296، خلاصة تذهيب الكمال: 272، شذرات الذهب: 2 / 150، المنتظم: 5 / 52. (2) بالغين المعجمة الطائي الخطامي، وخطامة بطن من طئ ومازن بن الغضوبة ذكره ابن السكن وغيره في الصحابة، وقال ابن حبان: يقال: إن له صحبة، وروى الطبراني والبيهقي وابن السكن وغيرهم من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه قال: حدثني عبد الله العماني، قال: قال مازن بن الغضوبة ... فذكر حديثا طويلا فيه: فكسرت الاصنام، وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فأذهب الله عنه كل ما يجد ... انظره بتمامه في " أسد الغابة " 5 / 6، 7. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 251 وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ إِدْرِيْسَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُضَيْلٍ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بنَ يَمَانٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَعَمْرَو بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَالقَاسِمَ بنَ يَزِيْدَ الجَرْمِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَأَنَسَ بنَ عِيَاضٍ اللَّيْثِيَّ، وَزَيْدَ بنَ أَبِي الزَّرْقَاءِ، وَخَلْقاً سِوَاهُم بِالمَوْصِلِ وَالحِجَازِ وَالكُوْفَةِ وَبَغْدَادَ وَالبَصْرَةِ وَوَاسِطَ. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَقَالَ: صَالِحٌ - وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَلَدِيُّ الإِمَامُ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزْرَقُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المَطِيْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ المَادَرَائِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ العَبَّاَدَانِيُّ، وَنَافِلَتُهُ (1) ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي (تَارِيْخِ المَوْصِلِ) : رَحَلَ عَلِيٌّ مَعَ أَبِيْهِ، وَسَمِعَ،   (1) النافلة: ولد الولد. قال الله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين) [الأنبياء: 72] . (2) " الجرح والتعديل " 6 / 183 وقال ابن أبي حاتم أيضا: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق والخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 418، 419 وفيه عن النسائي: علي بن حرب موصلي صالح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 252 وَصَنَّفَ، وَخَرَّجَ (المُسْنَدَ) ، وَكَانَ عَالِماً بِأَخْبَارِ العَرَبِ وَأَنسَابِهَا، أَدِيْباً، شَاعِراً، وَفَدَ عَلَى المُعْتَزِّ بِاللهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) ، وَكَتَبَ عَنْهُ المُعْتَزُّ بِخَطِّهِ، وَدَقَّقَ الكِتَابَةَ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَخَذتَ فِي شُؤمِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ. فَضَحِكَ المُعْتَزُّ، وَأَطلَقَ لَهُ ضِيَاعاً (2) . مَاتَ عَلِيٌّ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِالمَوْصِلِ، وَقَدْ كَمَّلَ التِّسْعِيْنَ. وَصَلَّى عَلَيْهِ: أَخُوْهُ؛ مُعَاوِيَةُ بنُ حَرْبٍ. أَخُوْهُ: المُحَدِّثُ الثِّقَةُ العَابِدُ المُجَاهِدُ، 94 - أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ * (س) سَمِعَ مَعَ أَخِيْهِ مِنْ (3) : سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - وَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَخِيْهِ (4) - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَدَقَةَ، وَآخَرُوْنَ.   (1) في " تهذيب التهذيب " 7 / 295: بسنة 204، وهو خطأ. (2) هو في " تاريخ بغداد " 11 / 419، وله تتمة و" تهذيب التهذيب " 7 / 295 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة بن قاسم: كان ثقة. وقال السمعاني: كان ثقة صدوقا (*) الجرح والتعديل 2 / 49، تهذيب الكمال: 19، 20، تذهيب التهذيب 1 / 9 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 23، خلاصة تذهيب الكمال: 5، شذرات الذهب 2 / 150. (3) في الأصل: مع. (4) " تهذيب التهذيب " 1 / 23 وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 253 قَالَ يَزِيْدُ الأَزْدِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ وَرِعاً، فَاضِلاً، رَابَطَ بِأَذنَةَ (1) ، وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- (2) . أَخُوْهُمَا: 95 - مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ * مَاتَ: كَهْلاً، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. فَرَثَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: تَقُوْلُ لِيَ المَلِيْحَةُ إِذْ رَأَتْنِي: ... لِدَمْعِي مِنْ مَآقيِهِ وَكِيْفُ وَبَيْنَ جَوَانِحِي زَفَرَاتُ حُزْنٍ ... يَضِيقُ بِحَمْلِهَا بَدَنٌ ضَعِيْفُ أَبَعْدَ مُحَمَّدٍ أَلْهُو بِأَمْرٍ ... يَلَذُّ بِهِ المُجَاوِرُ وَالمُطِيفُ قَالَ الأَزْدِيُّ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَدِّي: لِمَ لَمْ تَرْثِ عَمِّيَ الحَسَنَ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا رَثَيتُ أَحَداً إِلاَّ ذَهَبَ حُزْنُهُ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَبْقَى حُزْنِي عَلَيْهِ. وَلِعَليٍّ يَرْثِي ابْنَ ابْنِهِ: أَرَى أَفْرُخِي يَمْضُوْنَ قَصَْداً إِلَى البِلَى ... وَأُصْبِحُ مِثْلَ النَّسْرِ فِي جَانِبِ الوَكْرِ أُشَيِّعُ مِنْهُم وَاحَِداً بَعْدَ وَاحِدٍ ... وَأَرْجِعُ قَدْ أَوْدَعْتُهُ ظُلْمَةَ القَبْرِ فَمَنْ كَانَ مَحْزُوْناً بِفَقْدِ مُنَغِّصٍ ... فَقَدْ أَوْجَعَ الأَحْشَاءَ فَقْدُ أَبِي نَصْرِ بُنَيٌّ كَأَنَّ البَدْرَ أَشْبَهَ وَجْهَهُ ... يَشِبُّ شَبَابَ الحَوْلِ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ وَكَانَ إِذَا مَا ضَاقَ صَدْرِي لِحَادِثٍ ... نَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَانْجَلَتْ كُرْبَةُ الصَّدْرِ   (1) بفتحات: بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور، بنيت سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومئة. راجع " معجم البلدان " 1 / 133. (2) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 49: كان صدوقا. (*) الجرح والتعديل 7 / 237. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 254 فَيَا دَهْرُ قَدْ أَوْجَعْتَ قَلْبِي لِفَقْدِهِ ... فَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْدِي مُصَاباً عَلَى الدَّهْرِ سَأَسْتَعْمِلُ التَّسْلِيمَ للهِ وَالرِّضَى ... وَأَجْبُرُ ثَلْمَ النَّقْصِ فِي الأَهْلِ بِالصَّبْرِ قَالَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقُوْلُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَدِيْثُ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ) (1) . فَأَعرَضَ عَنْهُ، فَجَعَلَ يُكَرِّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسُفْيَانُ يُعرِضُ عَنْهُ. فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! كَمْ تُوَلْوِلُ لِلْعَرَبِ مُنْذُ اليَوْمَ، وَيْلٌ لِلنَّبَطِ (2) مِنْ شَرٍّ قَدْ هَبَطَ. وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ: وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى، وَثَلاَثَةٌ عِنْدَ أَبِي القَاسِمِ السِّبْطِ. أَخُوْهُم: الشَّيْخُ العَالِمُ المُحَدِّثُ، 96 - أَبُو سُفْيَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ حَرْبِ بنِ مُحَمَّدٍ الطَّائِيُّ المَوْصِلِيُّ * وُلِدَ: سَنَةَ مائَتَيْنِ، أَوْ بُعَيدَهَا. وَسَمِعَ: عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَقَبِيْصَةَ، وَخَلاَّدَ بنَ يَحْيَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ.   (1) أخرجه من حديث زينب بنت جحش البخاري 6 / 274 في أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى (ويسألونك عن ذي القرنين) وباب علامات النبوة في الإسلام، وفي الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، وباب ياجوج ومأجوج، ومسلم (2880) في الفتن وباب اقتراب الفتن، والترمذي (2188) ، وأخرجه من حديث أبي هريرة أبو داود (4249) وإسناده صحيح. (2) النبط: جيل من العجم ينزلون البطائح بين العراقين، وسموا بذلك لاستنباطهم ما يخرج من الارضين. (*) لم نقف له على ترجمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 255 وَعَنْهُ: القَاضِي يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً. 97 - سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجْرِيُّ * (م، 4) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجْرِيُّ، المِسْمَعِيُّ، النَّسَائِيُّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ. سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً مِنْ هَذَا الضَّربِ فَمَنْ بَعْدَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَرْبَابُ السُّنَنِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ عَلاَّنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ دَكَّةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَحَاتِمُ بنُ مَحْبُوْبٍ الهَرَوِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَحدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: الإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (1) . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قَدِمَ أَصْبَهَانَ، وَحَدَّثَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.   (*) الجرح والتعديل 4 / 164، طبقات الحنابلة 1 / 168، 170، تهذيب الكمال: 527، تذهيب التهذيب 2 / 42 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 543، 544، العقد الثمين 4 / 597، تهذيب التهذيب 4 / 146، 147، خلاصة تذهيب الكمال: 148، شذرات الذهب 2 / 116. (1) " تهذيب التهذيب " 4 / 146 وفيه: قال أحمد بن سيار: صاحب سنة وجماعة. وقال أبو نعيم: أحد الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحاكم: وهو محدث أهل مكة، والمتفق على إتقانه وصدقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 256 وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ، قَالَ: بِعْتُ دَارِي بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَرَدْتُ التَّحَوُّلَ إِلَى مَكَّةَ بِعِيَالِي، فَقُلْتُ: أُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأُوَدِّعُ عُمَّارَ الدَّارِ. فَصَلَّيْتُ، وَقُلْتُ: يَا عُمَّارَ الدَّارِ، سَلاَمٌ عَلَيْكُم، فَإِنَّا خَارِجُوْنَ نُجَاوِرُ بِمَكَّةَ. فَسَمِعْتُ هَاتِفاً يَقُوْلُ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا سَلَمَةُ، وَنَحْنُ خَارِجُوْنَ مِنَ الدَّارِ، فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الَّذِي اشتَرَاهَا يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: تُوُفِّيَ سَلَمَةُ مِنْ أَكْلَةِ فَالُوْذَجَ. وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ مِصْرَ، وَحَدَّثَ سَنَةَ سِتٍّ، وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . أَخْبَرَنَا شَيْخَانِ (3) ، قَالا: أَخْبَرَنَا مُوْسَى الجِيْلِيُّ (4) ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ (5) ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَرسَلَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَقَالَ   (1) الخبر باختلاف يسير في " طبقات الحنابلة " 1 / 169. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 164. (3) أفصح عنهما المؤلف في " تذكرته " 2 / 544 في ترجمة سلمة بن شبيب هذا، فقال: أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، وترجم يوسف بن أحمد في الورقة: 79 من " مشيخته ". (4) الجيلي، بكسر الجيم: نسبة إلى جيلان، قرى وراء طبرستان. ويقال: الجيلاني. وموسى هو ابن الشيخ عبد القادر الجيلي المعروف الفقيه الزاهد الواعظ. وقد ترجم المؤلف ابنه موسى هذا في " العبر " 5 / 75 فذكره فيمن توفي سنة 618 هـ وقال: وسكن دمشق، وكان عريا من العلم. (5) هي كنية سعيد بن أبي سعيد المقبري المدني ثقة روى له الستة لكن تغير قبل موته بأربع سنين إلا أن الذهبي المؤلف يقول: ما أحسب أن أحدا أخذ عنه في الاختلاط. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 257 النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا وَمَنْ مَعِي) ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ... ، الحَدِيْثَ (1) . 98 - الكَوْسَجُ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ * (خَ، م، س، ت، ق) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ   (1) وأخرجه أحمد 3 / 218 من طريق عبد الله بن نمير، حدثنا سعد - يعني ابن سعيد - (وقد تحرف في المطبوع إلى سعيد بن سعد) أخبرني أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لادعوه، وقد جعل له طعاما، فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، قال: فنظر إلي، فاستحييت، فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: " قوموا " فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما صنعت شيئا لك، قال: فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيها بالبركة، ثم قال: " أدخل نفرا من أصحابي عشرة " فقال: " كلوا " فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، وقال: " أدخل عشرة " فأكلوا حتى شبعوا، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم احد إلا دخل فأكل حتى شبع، ثم هيأها، فإذا هي مثلها حين أكلوا منها، ورواه مسلم (2040) (143) عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، كلاهما عن عبد الله بن نمير، وعن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري. وأخرجه مطولا مالك 3 / 111، 112 بشرح السيوطي، ومن طريقه البخاري 6 / 429، 432 في علامات النبوة في الإسلام و9 / 460 و11 / 495، ومسلم (2040) والترمذي (3630) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك وأخرجه أحمد 3 / 232 من طريق علي بن عاصم، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحم بن أبي ليلى، عن أنس، ورواه مسلم عن عمرو الناقد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أنس. وأخرجه أحمد 3 / 147 من طريق يونس بن محمد، حدثنا، حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد بن سيرين، عن أنس ... ورواه البخاري 9 / 497 في الاطعمة عن الصلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان عن أنس، وعن هشام، عن محمد، عن أنس، وعن سنان أبي ربيعة، عن أنس، وأخرجه أحمد 3 / 242 من طريق يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، ورواه مسلم عن حجاج بن الشاعر، عن يونس بن محمد به. (*) التاريخ الكبير 1 / 404، الجرح والتعديل 2 / 234، تاريخ بغداد 6 / 362، 364، طبقات الحنابلة 1 / 113، 115، اللباب 3 / 117، تهذيب الكمال: 90، تذهيب التهذيب 1 / 58 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 524، 525، العبر 2 / 1، الوافي بالوفيات 8 / 426، تهذيب التهذيب 1 / 249، 250، النجوم الزاهرة 2 / 333، طبقات الحفاظ: 229، خلاصة تذهيب الكمال: 30، شذرات الذهب 2 / 123. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 258 بَهْرَامَ المَرْوَزِيُّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْرَ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَالنَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَمُعَاذَ بنَ هِشَامٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكْرٍ البُرْسَانِيَّ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَعَفَّانَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَطَلَبَ العِلْمَ، وَدَوَّنَهُ، وَبَرَعَ، وَاشْتَهَرَ. حَدَّثَ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ - سِوَى أَبِي دَاوُدَ - وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُؤَمَّلُ بنُ الحَسَنِ المَاسَرْجِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ الأَعْمَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَبُو يَعْقُوْبَ الكَوْسَجُ مَوْلِدُهُ بِمَرْوَ، وَمَنشَؤُه بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَعقَبَ؛ وَبِهَا تُوُفِّيَ، وَهُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ، مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مِنَ الزُّهَّادِ وَالمُتَمَسِّكِيْنَ بِالسُّنَّةِ، اعتَمَدَاهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَيَّ اعتِمَادٍ، وَهُوَ صَاحِبُ المَسَائِلِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ الَّذِي يَسْتَهزِئُ بِهِ المُبتَدِعَةُ وَالمُتَجِرِّئُونَ، سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ حَسَّانَ بنَ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُوْنَ، أَنَّ إِسْحَاقَ بنَ مَنْصُوْرٍ بَلَغَهُ: أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رَجَعَ عَنْ بَعْضِ تِلْكَ المَسَائِلِ الَّتِي عَلَّقَهَا عَنْهُ، فَحَمَلَهَا فِي جِرَابٍ عَلَى ظَهرِهِ، وَخَرَجَ رَاجِلاً (1) إِلَى بَغْدَادَ، وَعَرَضَ خُطُوطَ أَحْمَدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ   (1) في " تاريخ بغداد ": راحلا، بالمهملة وهو تصحيف. وقال الخطيب: وكان إسحاق بن منصور عالما فقيها، وهو الذي دون عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه المسائل في الفقه. وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 259 اسْتَفْتَاهُ عَنْهَا، فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثَانِياً، وَأُعْجِبَ بِهِ (1) . قَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (2) . قُلْتُ: قَدْ يَرْوِي عَنْهُ البُخَارِيُّ، فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، لَمْ يَنْسِبْهُ، فَيَشْتَبِهُ بِابْنِ رَاهْوَيْه، فَلَنَا قَرَائِنُ تُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا، وَبِكُلِّ تَقْدِيْرٍ، فَلاَ يَضُرُّ ذَلِكَ، فُكُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ: مَاتَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ بَهْرَامَ أَبُو يَعْقُوْبَ الكَوْسَجُ بِنَيْسَابُوْرَ، يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، لِعَشْرٍ (3) بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: حَمِيْدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، وَأَبو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ. 99 - زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ أَبُو طَالِبٍ الطَّائِيُّ * (خَ، 4) الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، أَبُو طَالِبٍ الطَّائِيُّ، البَصْرِيُّ.   (1) " طبقات الحنابلة " 1 / 114، و" تاريخ بغداد " 6 / 364، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 524. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 114، و" تاريخ بغداد " 6 / 364، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 524، و" تهذيب التهذيب " 1 / 250 وفيه: قال الحاكم: هو أحد الأئمة، من أصحاب الحديث، من الزهاد والمتمسكين بالسنة. وقال ابن شاهين في " الثقات ": قال عثمان بن أبي شيبة: ثقة صدوق. (3) بياض في الأصل، واستدركت من " طبقات الحنابلة " 1 / 115، و" تهذيب التهذيب " 1 / 250. (*) الجرح والتعديل 3 / 556، 557، تاريخ بغداد 8 / 446، 447، تهذيب الكمال: 450، تذهيب التهذيب 1 / 247 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 540، العبر 2 / 15، تهذيب التهذيب 3 / 393، طبقات الحفاظ: 236، شذرات الذهب 2 / 136، المنتظم 5 / 4. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 260 سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَمُعَاذَ بنَ هِشَامٍ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدَ القَاهِرِ بنَ شُعَيْبٍ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ (1) . وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَتْهُ الزِّنْجُ (2) وَالأَوبَاشُ الوَاثِبُوْنَ عَلَى البَصْرَةِ مَعَ الخَبِيْثِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (3) . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ القَطِيْعِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ القَاهِرِ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحبِسُهُ) (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 447، و" تهذيب التهذيب " 3 / 393 وقال ابن حجر فيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: مستقيم الحديث. وقال الدارقطني: ثقة. وقال صالح بن محمد: صدوق في الرواية. وقال مسلمة: هو ثقة. وقال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 557: ثقة. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 447، وقد ذبح ذبحا. (3) انظر الطبري 9 / 476، 488، وابن الأثير 7 / 241، ودول الإسلام 1 / 155. (4) رجاله ثقات، وأخرجه ماك 1 / 175 بشرح السيوطي في قصر الصلاة: باب انتظار الصلاة والمشي إليها، ومن طريقه أخرجه البخاري 2 / 119 في الجماعة: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، ومسلم (649) (275) في المساجد: باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، وأبو داود (469) و (470) والنسائي 2 / 55 عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة " وأخرجه عبد الرزاق (2211) ومن طريقه الترمذي (330) عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وأخرجه عبد الرزاق (2210) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 261 100 - الزَّعْفَرَانِيُّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ * (خَ، د، ت، س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ البَغْدَادِيُّ، الزَّعْفَرَانِيُّ (1) ، يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الزَّعْفَرَانِيِّ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَحَجَّ. وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبِيْدَةَ (2) بنِ حُمَيْدٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَقَرَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ كِتَابَهُ القَدِيْمَ، وَكَانَ مُقَدَّماً فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ،   (*) الجرح والتعديل 3 / 36، الفهرست: 265، تاريخ بغداد 7 / 407، 410، طبقات الفقهاء للشيرازي: 82، الجمع بين رجال الصحيحين: 84، طبقات الحنابلة 1 / 138، الأنساب 6 / 298، اللباب 2 / 69، وفيات الأعيان 2 / 73، 74، تهذيب الكمال: 282، تذهيب التهذيب 1 / 145 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 525، 526، العبر 2 / 20، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 114، 117، تاريخ ابن كثير 11 / 32، تهذيب التهذيب 2 / 318، 319، النجوم الزاهرة 3 / 32، طبقات الحفاظ: 230، خلاصة تذهيب الكمال: 80، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 7، شذرات الذهب 2 / 140، المنتظم 5 / 23. (1) ضبط ابن خلكان هذه النسبة في " وفيات الأعيان " 2 / 74، فقال: بفتح الزاي، وسكون العين المهملة، وفتح الفاء والراء، وبعد الالف نون: هذه النسبة إلى الزعفرانية، وهي قرية بقرب بغداد، والمحلة التي ببغداد تسمى درب الزعفراني، منسوبة إلى هذا الامام، لأنه أقام بها. وقال السبكي في " طبقات الشافعية " 2 / 114: والزعفراني منسوب إلى قرية بالسواد، يقال لها: الزعفرانية، كذا ذكر ابن حبان. ثم قال السبكي: ثم سكن المشار إليه [أي: الزعفراني] بغداد في بعض دروبها، فنسب الدرب إليه، وصار يقال له: درب الزعفراني ببغداد. ثم قال: وقد عكس شيخنا الذهبي فذكر أن الزعفراني منسوب إلى درب الزعفران، والصواب عكسه، وهو أن الزعفران منسوب إلى الزعفراني، وأن الزعفراني منسوب إلى قرية، كما قدمناه عن ابن حبان. (2) بفتح العين، وكسر الباء. " التبصير " 3 / 913 وقد أخطأ محقق " طبقات الشافعية " للسبكي بتقييده على التصغير 2 / 115. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 262 ثِقَةً، جَلِيْلاً، عَالِي الرِّوَايَةِ، كَبِيْرَ المَحَلِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالقَزْوِيْنِيُّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ (1) ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَحْيَى: سَمِعْتُ الزَّعْفَرَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَوْمٌ أَفْضَلُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ المَحَابِرِ، يَتَّبِعُوْنَ آثَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَكْتُبُوْنَهَا كِي لاَ تَنْدَرِسَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ يَحْضُرَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى القِرَاءةَ عَلَيْهِ (2) . قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: سَمِعْتُ الزَّعْفَرَانِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ، وَاجْتَمَعنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: التَمِسُوا مَنْ يَقْرَأُ لَكُم، فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرِي، وَكُنْتُ أَحْدَثَ القَوْمِ سِنّاً، مَا كَانَ بَعْدُ فِي وَجْهِي شَعْرَةٌ، وَإِنِّي لأَتَعَجَّبُ اليَوْمَ مِنِ انْطِلاَقِ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- وَأَعجَبُ مِنْ   (1) ضبطها السمعاني في " الأنساب "، وتبعه ابن الأثير في " اللباب "، والسيوطي في " لب اللباب " بكسر الهمزة. أما ياقوت فقد ضبطها في " معجمة " بفتحها. (2) " طبقات الشافعية " 2 / 115، و" تهذيب التهذيب " 2 / 318 وفيه: قال ابن المنادي: كان أحد الثقات. وقال أبو عمر الصدفي: سألت العقيلي عنه، فقال: ثقة من الثقات، مشهور، لم يتكلم فيه أحد بشيء. وقال ابن عبد البر: كان نبيلا ثقة مأمونا. وقد ذكره ابن حبان في " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 263 جَسَارتِي يَوْمَئِذٍ. قُلْتُ: كَانَ الزَّعْفَرَانِيُّ مِنَ الفُصَحَاءِ البُلَغَاءِ. قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الكُتُبَ كُلَّهَا إِلاَّ كِتَابَيْنِ: (كِتَابَ المَنَاسِكِ) ، وَ (كِتَابَ الصَّلاَةِ (1)) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الحَسَنَ الزَّعْفَرَانِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَرَأْتُ كِتَابَ (الرِّسَالَةِ) عَلَى الشَّافِعِيِّ، قَالَ لِي: مِنْ أَيِّ العَرَبِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِعَرَبِيٍّ، وَمَا أَنَا إِلاَّ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: الزَّعْفَرَانِيَّةُ. قَالَ: فَأَنْتَ سَيِّدُ هَذِهِ القَرْيَةِ (2) . قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الفَقِيْهُ بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ، قَالَ: سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ بِبَغْدَادَ نَبَطِيّاً يَنْتَحِي (3) عَلَيَّ حَتَّى كَأَنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَأَنَا نَبَطِيٌّ، فَقِيْلَ لَهُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الزَّعْفَرَانِيُّ (4) . تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ: بِبَغْدَادَ، فِي سَلْخِ شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ (5) . وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ   (1) " تاريخ بغداد " 7 / 408، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 525، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 115، و" مناقب الشافعي " 1 / 358 وما بعدها. (2) " تاريخ بغداد " 7 / 48، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 115، و" تهذيب التهذيب " 2 / 318. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 36: كتبت عنه مع أبي، وهو ثقة. سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وقال ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " 1 / 138: ذكره ابن المنادي، فقال: أحد الثقات. (3) في " طبقات الشافعية " 2 / 115، 116: ينتحى. (4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 525، و" طبقات الشافعية " 2 / 115، 116 وقد أيد السبكي رأيه في تصحيح نسبة " الزعفراني " بهذا الخبر. (5) في " الأنساب " 6 / 280: مات في شهر ربيع الآخر يوم الاثنين سنة تسع وأربعين ومئتين، وأورده ابن خلكان 2 / 74 عن الأنساب بعد القول الذي ذكره المصنف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 264 الزُّهْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ، وَأَيُّوْبُ بنُ سَافِرِيٍّ، وَمَالِكُ بنُ طَوْقٍ - مُنْشِئُ الرَّحْبَةِ (1) - وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الرِّضَى العَلَوِيُّ - أَحَدُ الاثْنَي عَشَرَ الَّذِيْنَ تَدَّعِي الرَّافِضَةُ عِصْمَتَهُم -. 101 - المُخَرِّمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ * (خَ، د، س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، المُخَرِّمِيُّ (2) ، المَدَائِنِيُّ، قَاضِي حُلْوَانَ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَحَدَّثَ عَنْ: وَكِيْعٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ يُوْسُفَ الأَزْرَقِ، وَشَبَابَةَ، وَمُظَفَّرِ بنِ مُدْرِكٍ الحَافِظِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَيَحْيَى بنِ عِيْسَى الرَّمْلِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَخَلْقٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ،   (1) تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات. قال البلاذري: لم يكن لها أثر قديم، إنما أحدثها مالك بن طوق بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون. (*) تاريخ بغداد 5 / 423، الجرح والتعديل 7 / 305، الأنساب، ورقة: 513 / ب، تهذيب الكمال: 1223، 1224، تذهيب التهذيب 3 / 220 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 519، 521، العبر 2 / 6، 7، تهذيب التهذيب 9 / 272، 274، طبقات الحفاظ: 227، خلاصة تذهيب الكمال: 346، شذرات الذهب 2 / 129، تبصير المنتبه 4 / 1347، المشتبه 2 / 577، اللباب 2 / 6، 7. (2) بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وكسر الراء المشددة، بعدها ميم وياء: نسبة إلى المخرم، محلة ببغداد، وأخطأ محقق العبر 2 / 6 فضبطها بفتح الميم، وسكون الخاء، وفتح الراء المخففة، نسبة إلى مخرمة بن نوفل. راجع " المشتبه " 2 / 577. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 265 وَالفَسَوِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المَرْوَزِيُّ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ: قَالَ لِي أَبِي: كَتَبْتَ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ، مِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ، وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فِي المُخَرِّمِ شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، يُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ أَبِي هِشَامٍ المَخْزُومِيِّ، عَنْ وُهَيْبٍ، فَاكتبْهُ عَنْهُ (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ: كَانَ المُخَرِّمِيُّ حَافِظاً، مُتْقِناً. وَقَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ المَأْمُوْنِيْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ عَنْهُ أَبِي، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَوَثَّقَهُ (2) . قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (3) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ حَافِظاً، ثِقَةً (4) .   (1) تاريخ بغداد 5 / 424، وإسناد حديث ابن عمر صحيح كما قال الحافظ في " التخليص " 1 / 138 وهو في سنن الدارقطني 2 / 72، وهو أحد الحديثين الناقلين الامر في قوله صلى الله عليه وسلم الثابت " من غسل ميتا، فليغتسل " من الوجوب إلى الندب. والحديث الآخر عن ابن عباس مرفوعا " ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " أخرجه الحاكم 1 / 386، والبيهقي 3 / 398 وسنده حسن. (2) " الجرح والتعديل " 7 / 305. (3) " تذكرة الحفاظ " 2 / 520، وفي " تهذيب التهذيب " 9 / 273: وقال النسائي في " مشيخته ": كان أحد الثقات، ما رأينا بالعراق مثله. (4) وقال ابن عدي: كان حافظا، وقال مسلمة بن قاسم: كان أحد الثقات. " تهذيب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 266 الإِسْمَاعِيْلِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ الفَرْهَيَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدِمَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بَغْدَادَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا، قِيْلَ لَهُ: مَنْ وَجَدْتَ أَكيَسَ القَوْمِ؟ قَالَ: هَذَا الغُلاَمُ المُخَرِّمِيُّ. الإِسْمَاعِيْلِيُّ: حَدَّثَنَا الفَرْهَيَانِيُّ: سَمِعْتُ المُخَرِّمِيَّ يَقُوْلُ: ذَكَرَ أَبُو خَيْثَمَةَ يَوْماً، فَقَالَ: كَمْ تَحْفَظُونَ لاِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَكَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ثَمَّةَ، فَمَا أَجَابَ البَتَّةَ فِي وَاحِدٍ، وَانْدَفَعتُ أَنَا، فَقُلْتُ، ثُمَّ قَالَ الفَرْهَيَانِيُّ: كُنَّا نَصِفُ المُخَرِّمِيَّ بِالمَعْرِفَةِ. فَذَكَرنَاهُ لِصَاحِبِ حَدِيْثٍ، يُقَالُ لَهُ: عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَبِيْوَرْدِيُّ (1) ، فَقَالَ: إِنَّ كَيْلَجَةَ (2) أَفَادَنِي أَبْوَاباً. وَقَالَ: الحَدِيْثُ فَيهَا عَزِيْزٌ، وَأَنَا أَذكُرُ لَكُم بَعْضَ تِلْكَ الأَبْوَابِ، حَتَّى تَسْأَلُوا عَنْهَا المُخَرِّمِيَّ. فَذَكَرَ الرَّجُلَ يُدْرِكُ الوتْرَ مَنْ قَالَ: يَتَشَهَّدُ، وَمَنْ قَالَ: لاَ يَتَشَهَّدُ؟ فَلَمَّا أَتَينَاهُ، سَأَلنَاهُ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَا مِنْ صِنَاعَتِكُمْ، مَا حَاجَتُكُمْ إِلَيْهِ؟ وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَانَا نَتَّبَّعُ (المُسْنَدَ) ، فَقُلْنَا: تُحَدِّثُنَا بِمَا عِنْدَكَ فِيْهِ. فَحَدَّثَنَا عَلَى المَكَانِ بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ. فَرَجَعْنَا إِلَى الَّذِي قَالَ لَنَا، فَقُلْنَا: أَملَى عَلَيْنَا فِيْهِ سِتَّةَ أَحَادِيْثَ. فَقَالَ: ذَا هَوْلٌ مِنَ الأَهوَالِ (3) . قَالَ عَبْدُ البَاقِي بنُ قَانعٍ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْلَهَا بِقَلِيْلٍ، أَوْ بَعْدَهَا. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،   = التهذيب " 9 / 273. وقال الخطيب في " تاريخه " 5 / 423: كان من أحفظ الناس للاثر، وأعلمهم بالحديث. (1) تحرف في " تاريخ بغداد " 5 / 424 إلى " يبرود ". (2) هو الامام الحافظ محمد بن صالح البغدادي، وسترد ترجمته في الصفحة: 524. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 424. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 267 أَخْبَرَنَا عَمِّي؛ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُوْنُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا أَكل رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَأْكُلُوْنَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. 102 - أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ سَهْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ * (د، س) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.   (1) إسناده صحيح وأخرجه البخاري 9 / 464 / 478 في الاطعمة: باب الخبز المرقق وباب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون من طريق علي بن عبد الله، وعبد الله بن أبي الأسود كلاهما عن معاذ بن هشام بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي في " الشمائل " 1 / 240، 241 من طريق محمد بن بشار، عن معاذ بن هشام به. والسكرجة، بضم السين والكاف والراء المشددة بعدها جيم مفتوحة قال القاضي عياض: كذا قيدناه، ونقل عن ابن مكي أنه صوب فتح الراء، ونقلها ابن الجوزي عن شيخه الجواليقي، وبه جزم التوربشتي، وهي فارسية معربة وهي صحاف صغار يؤكل فيها، وكانت تعد للكوامخ والجوارش والمخللات للتشهي والهضم. قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: تركه الاكل في السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك، استصغارا لها، لان عادتهم الاجتماع على الاكل، أو لأنها كانت تعد لوضع الاشياء التي تعين على الهضم، ولم يكونوا غالبا يشبعون، فلم يكن لهم حاجة بالهضم. (*) الجرح والتعديل 4 / 204، أخبار النحويين البصريين: 93، 96، طبقات النحويين واللغويين: 94، 96، الفهرست: 64، الأنساب 7 / 46، نزهة الالباء: 189، 191، معجم الأدباء 11 / 263، 265، إنباه الرواة 2 / 58، 64، وفيات الأعيان 2 / 430، 433، تهذيب الكمال: 559، 560، تذهيب التهذيب 2 / 62 / 1، العبر 1 / 455، تاريخ ابن كثير 11 / 2، 3، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 320، 321، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1 / 361، 364، تهذيب التهذيب 4 / 257، 258، النجوم الزاهرة 2 / 332، خلاصة تذهيب الكمال: 158، طبقات المفسرين 1 / 210، 212، مرآة الجنان 2 / 156، شذرات الذهب 2 / 121. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 268 أَخَذَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ المُثَنَّى، وَأَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَيَعْقُوْبَ الحَضْرَمِيِّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآنَ، وَتَصَدَّرَ لِلإقرَاءِ وَالحَدِيْثِ وَالعَرَبِيَّةِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَبُو بَكْرٍ البَزَّارُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْدٍ، وَأَبُو رَوْقٍ الهِزَّانِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ، مِنْهُم أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ، وَكَانَ جَمَّاعَةً لِلْكُتُبِ يَتَّجِرُ فِيْهَا (1) . وَلَهُ بَاعٌ طَوِيْلٌ فِي: اللُّغَاتِ، وَالشِّعْرِ (2) ، وَالعَرُوْضِ، وَاسْتِخْرَاجِ المُغَمَّى. وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنْ بَاهِراً بِالنَّحْوِ (3) . وَلَهُ: كِتَابُ (إعْرَابِ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (مَا يَلْحَنُ فِيْهِ العَامَّةُ) ، وَكِتَابُ (المَقْصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ) ، وَكِتَابُ (المَقَاطِعِ وَالمَبَادِئِ) ، وَكِتَابُ (القِرَاءاتِ) ، وَكِتَابُ (الفَصَاحَةِ) ، وَكِتَابُ (الوُحُوشِ) ، وَكِتَابُ (اخْتِلاَفِ المَصَاحِفِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ (4) .   (1) " إنباه الرواة " 2 / 59. (2) من شعره ما أورده ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 2 / 431: كبد الحسود تقطعي * قد بات من أهوى معي وله أيضا: أبرزوا وجهه الجميل * ولاموا من افتتن لو أرادوا عفافنا * ستروا وجهه الحسن (3) جاء في " إنباه الرواة " 2 / 59: وكان إذا التقى هو والمازني في دار عيسى بن جعفر الهاشمي، تشاغل أو بادر خوفا من أن يسأله المازني عن النحو. وفي " وفيات الأعيان " 2 / 431: لم يكن حاذقا في النحو، ثم أورده الخبر السابق. (4) ذكر له القفطي في " إنباه الرواة " 2 / 62 ما يقرب من ثلاث وثلاثين كتابا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 269 وَكَانَ يَقُوْلُ: قَرَأْتُ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) عَلَى الأَخْفَشِ مَرَّتَيْنِ (1) . قُلْتُ: عَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ. 103 - المَازِنِيُّ أَبُو عُثْمَانَ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَدِيٍّ * إِمَامُ العَرَبِيَّةِ، أَبُو عُثْمَانَ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَدِيٍّ البَصْرِيُّ، صَاحِبُ (التَّصْرِيْفِ) وَالتَّصَانِيْفِ. أَخَذَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ، وَالأَصْمَعِيِّ. رَوَى عَنْهُ: الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُوْسَى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ المُبَرِّدُ، وَلازَمَهُ، وَاختَصَّ بِهِ. وَقَدْ دَخَلَ المَازِنِيُّ عَلَى الوَاثِقِ بِاللهِ، فَوَصَلَهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ. قَالَ المُبَرِّدُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ سِيْبَوَيْه أَعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ المَازِنِيِّ (2) . قَالَ: وَذَكَرَ لَنَا المَازِنِيُّ: أَنَّ رَجُلاً قَرَأَ عَلَيْهِ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) فِي مُدَّةٍ طَوِيْلَةٍ،   (1) " معجم الأدباء " 11 / 264، 265، و" وفيات الأعيان " 2 / 430. (*) أخبار النحويين البصريين: 74، 85، طبقات النحويين واللغويين: 87، 93، الفهرست: 62، 63، نزهة الالباء: 182، 187، أعيان الشيعة 14 / 110، 127، إيضاح المكنون 1 / 482، بغية الوعاة 1 / 463، 466، تاريخ أبي الفداء 2 / 41، تلخيص ابن مكتوم: 45، طبقات القراء 1 / 179، كشف الظنون: 412، 1137، 1160، مرآة الجنان 2 / 109، 110، مراتب النحويين: 77، 80، مفتاح السعادة 1 / 114، 115. تاريخ بغداد 7 / 93، 94، الأنساب، ورقة: 500 / ب، معجم الأدباء 7 / 107، 128، اللباب 3 / 145، إنباه الرواة 1 / 246، 256، وفيات الأعيان 1 / 283، 286، العبر 1 / 448، مسالك الابصار 4 / 285، 287، تاريخ ابن كثير 10 / 352، 353، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1 / 281، 284، لسان الميزان 2 / 57، النجوم الزاهرة 2 / 329، شذرات الذهب 2 / 113، 114. (2) " معجم الأدباء " 7 / 108. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 270 فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَهُ، قَالَ: أَمَا إِنِّي (1) مَا فَهِمْتُ مِنْهُ حَرْفاً، وَأَمَّا أَنْتَ فَجَزَاكَ اللهُ خَيْراً (2) . وَقَالَ المَازِنِيُّ: قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى يَعْقُوْبَ، فَلَمَّا خَتَمتُ، رَمَى إِلَيَّ بِخَاتَمِهِ، وَقَالَ: خُذْهُ، لَيْسَ لَكَ مِثْلٌ (3) . وَقِيْلَ: كَانَ المَازِنِيُّ ذَا وَرَعٍ وَدِينٍ، بَلَغَنَا أَنَّ يَهُوْدِيّاً حَصَّلَ النَّحْوَ، فَجَاءَ لِيَقرَأَ عَلَى المَازِنِيِّ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) ، فَبذَلَ لَهُ مائَةَ دِيْنَارٍ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ آيَةٍ وَنَيِّفٍ، فَلا أُمَكِّنُ مِنْهَا ذِمِّيّاً (4) . قَالَ القَاضِي بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ: مَا رَأَيْتُ نَحْوِيّاً يُشْبِهُ الفُقَهَاءَ إِلاَّ حَبَّانَ بنَ هِلاَلٍ (5) وَالمَازِنِيَّ (6) . وَقَالَ المُبَرِّدُ: كَانَ المَازِنِيُّ إِذَا نَاظَرَ أَهْلَ الكَلاَمِ، لَمْ يَسْتَعِنْ بِالنَّحْوِ، وَإِذَا نَاظَرَ النُّحَاةَ، لَمْ يَسْتَعِنْ بِالكَلاَمِ (7) . وَعَنِ المَازِنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ السِّكِّيتِ: مَا وَزْنُ (نَكْتَلُ) ؟ قَالَ: (نَفْعَلُ) . قُلْتُ: اتَّئِدْ. فَفَكَّرَ، وَقَالَ: (نَفْتَعِلُ) . قُلْتُ: فَهَذِهِ خَمْسَةُ   (1) في " إنباه الرواة "، و" وفيات الأعيان ": أما أنا فما.. (2) " إنباه الرواة " 1 / 248، و" وفيات الأعيان " 1 / 286. (3) " إنباه الرواة " 1 / 248. (4) الخبر مطولا في " معجم الأدباء " 7 / 111 وتتمته فيه: فلم يمض على ذلك مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه، وأخلف الله عليه أضعاف ما تركه كله. والخبر في " وفيات الأعيان " 1 / 284. (5) هو حبان بن هلال الباهلي. مات سنة 216 هـ. " خلاصة تذهيب الكمال ": 59. وفي " وفيات الأعيان " 1 / 284: حيان، بالياء، وهو تصحيف. (6) " إنباه الرواة " 1 / 247، و" وفيات الأعيان " 1 / 284. (7) " إنباه الرواة " 1 / 248. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 271 أَحرُفٍ. فَسَكَتَ، فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: مَا وَزْنُهَا؟ قُلْتُ: وَزنُهَا فِي الأَصْلِ (نَفْتَعِلُ) ؛ لأَنَّهَا (نَكْتِيْلُ) ، فَتَحَرَّكَ حَرْفُ العِلَّةِ، وَانفَتَحَ مَا قَبْلَهُ، فَقُلِبَ أَلِفاً، فَصَارَ: نَكْتَالُ، فَحُذِفَتْ أَلِفُهُ لِلْجَزْمِ، فَبَقِيَ (نَكْتَلُ (1)) . مَاتَ المَازِنِيُّ: سَنَةَ سَبْعٍ - أَوْ ثَمَانٍ - وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) تقدم الخبر في الصفحة 17. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 272 الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرةَ 104 - الذُّهْلِيُّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنُهُ * (خَ، 4) مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ فَارِسِ بنِ ذُؤَيْبٍ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، البَارعُ، شَيْخُ الإِسْلامِ، وَعَالِمُ أَهْلِ المَشْرِقِ، وَإِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الذُّهْلِيُّ مَوْلاَهُمُ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنَ: الحَفْصَيْنِ؛ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البُنَانِيِّ، وَمَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ بِنَيْسَابُوْرَ. وَارْتَحَلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةَ مَوْتِ وَكِيْعٍ، فَكَتَبَ بِالرَّيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ الضُّرَيْسِ، وَطَبَقَتِهِ. وَكَتَبَ بِأَصْبَهَانَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - كَذَا قَالَ الحَاكِمُ -.   (*) الجرح والتعديل 8 / 125، تاريخ بغداد 3 / 415، 420، طبقات الحنابلة 1 / 327، تهذيب الكمال: 1285، تذهيب التهذيب 4 / 9 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 530، 532، العبر 2 / 17، الوافي بالوفيات 5 / 186، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 9 / 511، 516، النجوم الزاهرة 3 / 29، طبقات الحفاظ: 234، خلاصة تذهيب الكمال: 363، شذرات الذهب 2 / 138، المنتظم 5 / 15. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 273 وَأَحْسِبُهُ لَقِيَهُ بِالبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَنَازَةُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَكَانَتْ فِي صَفَرٍ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَعَاشَ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرَ عنْهُ، وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ وَأَجَلُّهُم. وَسَمِعَ بِهَا مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ البُرْسَانِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَصَفْوَانَ بنِ عِيْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَحَبَّانَ بنِ هِلاَلٍ، وَطَبَقَتِهِم. وَبِالْكُوْفَةِ عَنْ: أَسْبَاطِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرِو بنِ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدٍ - أَخِيْهِ - وَجَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَمَحَاضِرِ بنِ المُوَرِّعِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي بَدْرٍ السَّكُوْنِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَبِوَاسِطَ مِنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَعِدَّةٍ. وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالوَاقِدِيِّ، وَخَلْقٍ. وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَطَبَقَتِهِ. وَبَالمَدِيْنَة مِنْ: عَبْدِ الملكِ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، وَعِدَّةٍ. وَبَاليَمَنِ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ - فَأَكْثَرَ - وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ. وَبِمِصْرَ مِنْ: عَمْرِو بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي صَالِحٍ. بِالشَّامِ مِنَ: الفِرْيَابِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ جَمِيْلٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعَلِيِّ بنِ عَيَّاشٍ. وَبَالجَزِيْرَةِ مِنْ: عَمْرِو بنِ خَالِدٍ، وَالنُّفَيْلِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنْ هَذَا الجِيْلِ. وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَكَانَ بَحْراً لاَ تُكَدِّرهُ الدِّلاءُ. جَمَعَ عِلْمَ الزُّهْرِيِّ، وَصَنَّفَهُ، وَجَوَّدَهُ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: الزُّهْرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: الذُّهْلِيُّ. وَانتَهَتْ إِلَيْهِ رِئاسَةُ العِلْمِ وَالعَظَمَةِ وَالسُّؤْدُدِ بِبَلَدَهِ. كَانَتْ لَهُ جَلاَلَةٌ عَجيبَةٌ بِنَيْسَابُوْرَ، مِنْ نَوْعِ جَلاَلَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، وَمَالِكٍ بِالمَدِيْنَةِ. رَوَى عَنْهُ: خَلاَئِقُ، مِنْهُمُ الأَئِمَّةُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 274 النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ - وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، وَيُدَلِّسُهُ كَثِيْراً، لاَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، بَلْ يَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ فَقطْ، أَوْ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، أَوْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ يَنْسِبُهُ إِلَى الجَدِّ، وَيُعمِّي اسْمَهُ لِمَكَانِ الوَاقِعِ بَيْنَهُمَا - غفَرَ اللهُ لَهُمَا -. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ صَاحِبُ (السُّنَنِ) ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ؛ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ فِي (سنَنِهِم) ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَحَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُوْلِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو عَليٍّ المَيْدَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَأَكْثَرَ عَنْهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ فسَدَ مَا بَيْنَهُمَا، فَامْتَنَعَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَمَا ضَرَّهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كتَبَ عَنْهُ (1) أَبِي بِالرَّيِّ، وَقَالَ: ثِقَةٌ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ (2) . وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيُّ: رَوَى عَنْهُ البُخَارِيُّ، فَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ. وَقَالَ مَرَّةً:   (1) في الأصل: " عني "، وهو خطأ، والتصحيح من " الجرح والتعديل " 8 / 125. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 125، و" تاريخ بغداد " 3 / 418، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 514. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 275 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ (1) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ العَارِفينَ، وَالحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ. صَنَّفَ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ، وَجَوَّدَهُ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَنْشُرُ فَضْلَهُ (2) . قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ جَنَازَةَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَالنَّاسُ يَعْدُوْنَ بَيْنَ يَديهَا وَخلفهَا، وَلِي ثَمَانُ سِنِيْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ النَّضْرِ الجَارُوديَّ يَقُوْلُ: بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى كَانَ يَكْتُبُ فِي مَجْلِسِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، فنَظَرَ عَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ إِلَى حُسنِ خَطِّهِ وَتَقْييده، فَقَالَ: يَا بُنِي أَلا أَنصحُكَ؟ إِنَّ أَبَا زَكَرِيَّا يُحَدِّثُكَ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَهُوَ حَيٌّ، وَعَنْ وَكِيْعٍ وَهُوَ حَيٌّ بِالْكُوْفَةِ، وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ وَجَمَاعَةٍ أَحيَاءٌ بِالبَصْرَةِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ وَهُوَ حَيٌّ بِأَصْبَهَانَ، فَاخرجْ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَلا تُضَيِّعْ أَيَّامَكَ فعملَ فِيْهِ قَوْلُهُ، فَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ فسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَالحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ، ثُمَّ دَخَلَ البَصْرَة وَقَدْ مَاتَ يَحْيَى، فَكَتَبَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَأَقْرَانِهِ، وَأَكْثَرَ بِهَا المُقَامَ، حَتَّى مَاتَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. قُلْتُ: مَا كَانَ يُمْكِنُهُ لُقِيُّه، فَإِنَّ سُفْيَانَ مَاتَ فِي وَسطِ السَّنَةِ، وَلا كَانَ يُمْكِنُهُ المَسِيرُ إِلَى مَكَّةَ إِلاَّ مَعَ الوفدِ، وَأَمَّا وَكِيْعٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يتحرَّكَ الذُّهْلِيُّ مِنْ بلدِهِ. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى اليَمَنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ   (1) جاء في " تهذيب التهذيب " 9 / 516: روى عنه البخاري أربعة وثلاثين حديثا. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 415، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 276 وَأَقْرَانِهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَحَجَّ، وَذَهَبَ إِلَى مِصْرَ ثُمَّ الشَّام. وَبَاركَ اللهُ لَهُ فِي علمِهِ حَتَّى صَارَ إِمَامَ عَصرِهِ. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ الرَّيَّ، وَكَانَ فَضْلَكُ يُذَاكِرنُي حَدِيْثَ شُعْبَةَ، فَأَلقَى عَلَيَّ لشُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي (1) امْرُؤٌ خَالَهُ (2)) فَلَمْ أَحْفَظْ، فَقَالَ فَضْلَكُ: أَنَا أُفِيدُكَهُ، إِذَا دَخَلتَ نَيْسَابُوْرَ تَرَى شَيْخاً حسنَ الشّيبِ، حَسَنَ الوَجْهِ، رَاكباً حِمَاراً مصريّاً، حسَنَ اللِّباسِ. فَإِذَا رَأَيْتَهُ، فَاعلمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فسَلْهُ عَنْ هَذَا، فَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ وَاصلٍ، عَنْ شُعْبَةَ. فَلَمَّا دَخَلْتُ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبلنِي شَيْخٌ بِهَذَا الوَصْفِ، فَقُلْتُ: يُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ. فسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَتَبِعْتُهُ إِلَى أَنْ نَزَلَ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرتُهُ بِقصدِي إِيَّاهُ. فَنَزَلتُ فِي مَسْجِدِهِ، وَكَتَبْتُ مَجْلِساً مِنْ أَصولِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَصَلَّى قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: حَدَّثَكُم سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ؟ فذَكَرْتُ الحَدِيْثَ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى، مَنْ يَنْتخبْ هَذَا الاَنتخَابَ، وَيَقْرَأْ هَذِهِ القِرَاءةَ، يعلمْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ شُعْبَةَ بِمثلِ هَذَا   (1) في " تاريخ بغداد " 3 / 418: فليبر، وما في الأصل هو الصواب والموافق لرواية الترمذي والحاكم. (2) تاريخ بغداد 3 / 417، 418، وحديث " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " أخرجه الترمذي (3752) في المناقب: باب مناقب سعد بن أبي وقاص من طريقين عن أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد، وصححه الحاكم 3 / 498، ووافقه الذهبي من طريق أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن جابر. قال الترمذي: وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا خالي ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 277 الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدَّثكُم سَعِيْدُ بنُ وَاصلٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ (1) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَأَحْمَدُ بنُ نصرٍ الخَفَّافُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غفَرَ لِي. قُلْتُ: فَمَا فعلَ بِحَدِيْثِكَ؟ قَالَ: كُتِبَ بِمَاءِ الذَّهبِ، وَرُفِعْتُ فِي عِلِّيِّينَ (2) . قَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، يَقُوْلُ: دَفَنْتُ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بَعْدَ وَفَاتِهِ أَلْفَي جُزءٍ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ القَاضِي يَقُوْلُ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ، فَقُلْتُ: مُحَمَّد ُبنُ يَحْيَى صليبَةً كَانَ أَوْ مَوْلَىً؟ قَالَ: لاَ صليبَةً وَلاَ مَوْلَىً. كَانَ جدُّهُم فَارِس مَوْلَىً لاِبْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ مُعَاذُ بنُ مُسْلِمِ بنِ رَجَاءَ رهينَةً عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، رهنَهُ عِنْدَهُ أَبُوْهُ، ثُمَّ ارتدَّ، فَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ قَتْلَ ابْنِهِ رَجَاءَ، وَكَانَ عِنْدَهُ القعقَاعُ بنُ شَوْرٍ الذُّهْلِيُّ، فَاسْتوهَبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فوهبَهُ مِنْهُ، فَأَطلقَهُ، فَهَذَا كَانَ النَّسبُ. الدَّغُوْلِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ: لَمَّا رحلتُ بَابنِي إِلَى العِرَاقِ صحبَنِي جَمَاعَةٌ مِنَ الغربَاءِ، فَسَأَلونِي: أَيُّ حَدِيْثٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَغربُ؟ فَكُنْتُ أَقُوْلُ: إِذَا دخلْنَا عَلَيْهِ، سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثٍ تَسْتفيدُوْنَهُ. فَلَمَّا دخلْنَا سَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيْثِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ بُريدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ حَدِيْث الإِيْمَانِ (3) . فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَيْسَ هُوَ عِنْدِي عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 417، 418، و" تهذيب التهذيب " 9 / 514. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 419، 420، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. (3) وأوله: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب، شديد = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 278 فَخَجِلْتُ، وَقُمْنَا، فَأَخَذَ أَصْحَابُنَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ ذكَرَ هَذَا الحَدِيْثَ غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحْمَدُ، وَأَنَا سَاكتٌ لاَ أُجِيْبُهُمْ. قَالَ: ثُمَّ قدِمْنَا بَغْدَادَ، فَدَخَلْنَا عَلَى أَحْمَدَ، فرحَّبَ بِنَا، وَسأَلَ عَنَّا. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: أَيُّ حَدِيْثٍ اسْتفدْتَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثَ الإِيْمَانِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ كِتَابَهُ، وَأَملَى عَلَيْنَا. فَسَكَتَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَلَمْ يَقُلْ: سأَلنَاكَ عَنْهُ. فتعجَّبَ أَصْحَابُهُ مِنْ صبرِهِ. قَالَ: فَأَخبَر أَحْمَدُ بِأَنَّهُ كَانَ سأَلَهُ عَنِ الحَدِيْثِ قَبْل خُرُوْجِهِ إِلَى البَصْرَةِ. فَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى العَاقلُ (1) . قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الأَزْهَرِيُّ: سَمِعْتُ خَادِمَةَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَهُوَ عَلَى السَّرِيْرِ يُغَسَّلُ، تَقُوْلُ: خَدَمْتُهُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكُنْتُ أَضَعُ لَهُ المَاءَ، فَمَا رَأَيْتُ سَاقَهُ قَطُّ، وَأَنَا مِلْكٌ لَهُ (2) . قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ المُعَدَّلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ الذُّهْلِيِّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فِي الصَّيْفِ الصَّائِفِ وَقْتَ القَائِلَةِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ كُتُبِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ السِّرَاجُ، وَهُوَ يُصَنِّفُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، هَذَا وَقْتُ الصَّلاَةِ، وَدُخَانُ هَذَا السِّرَاج بِالنَّهَارِ،   = سواد الشعر ... " أخرجه مسلم (8) (3) من طريق محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عثمان بن غياث بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة بن مسلم (8) وأبو داود (4695) والنسائي 8 / 97، والترمذي (2610) وأخرجه مسلم (8) (2) من طرق عن حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن عبد الله بن بريدة، وأخرجه أيضا (8) (4) من طريق حجاج بن الشاعر، عن يونس بن محمد، عن المعتمر، عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر. (1) تحرفت في " تهذيب التهذيب " 9 / 513، 514 إلى " الناقل " (2) " تاريخ بغداد " 3 / 419. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 279 فَلَو نَفَّسْتَ عَنْ نَفْسِكَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، تَقُوْلُ لِي هَذَا، وَأَنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ (1) !! وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ القَاضِي، سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَلَّوَيْه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَامَ إِلَيْهِ، وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ، وَأَمرَ بَنِيه وَأَصْحَابَهُ أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ (2) . زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المُسْتَمْلِي يَقُوْلُ: أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ نَيْسَابُوْرَ. قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى لَهُ مَجْلِسٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لَوْ أَنَّهُ عِنْدنَا، لجعلنَاهُ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ. ثُمَّ ذَكَرْتُ مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، فَقَالَ: مَنْ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ؟ ثُمَّ سكتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَعلَّهُ الَّذِي كَانَ مَعَنَا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لِمَ لاَ تَجْمَعُ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ؟ فَقَالَ: كفَانَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى ذَلِكَ. قَالَ زَنْجُوْيَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ أَسمَعُ مَشَايِخنَا يَقُوْلُوْنَ: الحَدِيْثُ الَّذِي لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى لاَ يُعْبَأُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ الحَافِظُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي زُرْعَةَ، فَجَاءَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ سَاعَةً، وَتذَاكرَا. فَلَمَّا أَن قَامَ قُلْتُ لَهُ: هَذَا جَمَعَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ فِي (الصَّحِيْحِ) . فَقَالَ: فلِمَنْ تركَ البَاقِي؟   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 419. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 416، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 280 ثُمَّ قَالَ: هَذَا لَيْسَ لَهُ عقلٌ، لَوْ دَارَى مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى لصَارَ رَجُلاً. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيْمِ الجَوْزَجَانِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: إِنِّي أَريدُ البَصْرَةَ، وَقَدْ عرَفْتَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ وَمَا بينَهُم. فَقَالَ: إِذَا قدِمْتَ فَسَلْ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَالزمْهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ مِنْهُ (1) . قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كتبَ أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بِالرَّيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَثَّقَهُ أَبِي وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ (2) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ القَارِئُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: إِذَا رَوَى عَنِ المُحَدِّثِ رَجُلاَنِ ارتفَعَ عَنْهُ اسْمُ الجهَالَةِ (3) . وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: تَقَدَّمَ رَجُلٌ إِلَى عَالِمٍ، فَقَالَ: علِّمْنِي وَأَوْجِزْ. قَالَ: لأُوجِزَنَّ لَكَ، أَمَّا   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 417، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 125 وقد سبق الخبر في الصفحة: 275. (3) أي جهالة العين، أما جهالة الحال فلا ترتفع إلا بتوثيق أحد الأئمة الذين عرفوا بهذا الشأن له. انظر " الباعث الحثيث ": 96، 97. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 281 لآخِرَتِكَ: فَإِنَّ اللهَ أَوحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنبيَائِهِ: قُلْ لقومِكَ: لَوْ كَانَتِ المَعْصِيَةُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ الجَنَّةِ لأَوْصَلَتْ إِلَيْهِ الخرَابَ. وَأَمَّا لدُنْيَاكَ فَإِنَّ الشَّاعِرَ يَقُوْلُ: مَا النَّاسُ إِلاَّ مَعَ الدُّنْيَا وَصَاحِبِهَا ... وَكَيْفَ مَا انقَلَبَتْ يَوْماً بِهِ انْقَلَبُوا يُعَظِّمُوْنَ أَخَا الدُّنْيَا فَإِنْ وَثَبَتْ ... يَوْماً عَلَيْهِ بِمَا لاَ يَشْتَهِي وَثَبُوا قَالَ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى: خَرَجتُ مَعَ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغنَاهَا، أَصَابتْنَا شِدَّةٌ، فَسَمِعْتُ وَهباً يَقُوْلُ: إِنَّ الَّذِي نَجَّاكَ مِنْ بَطْنِ ذَمَهْ ... وَمِنْ سُيولٍ فِي بُطونٍ مُفْعَمَه لقَادِرٌ أَنْ يَسْتَتِمَّ نِعَمَهُ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ جَعَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِمَاماً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ، وَهُوَ عَدْلٌ رِضَىً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَكُنْت وَاقفاً عَلَى رَأْسِهِ، بَعْدَ الفرَاغِ مِنَ المَجْلِسِ، وَبِيَدِي قلمٌ، فَنَقَطَ نُقْطَةً عَلَى ثَوْبِهِ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَقَالَ: تُرَانِي أُحِبُّكَ بَعْد هَذَا!! الحَاكِمُ: سَمِعْتُ عبدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ الفَامِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي يدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَمِنْ حِفْظِهِ. أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بنُ يَحْيَى الوَاسِطِيُّ، وَكَانَ شَيْخاً قَصِيْراً، أَحْمَرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْث بِوَاسِطَ سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 282 وَقَالَ لَنَا عَفَّانُ: إِذَا قُلْتُ لَكُم: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، وَلَمْ أَنْسِبْهُ، فَهُوَ ابْنُ سلمَةَ. قَالَ ابْنُ يَحْيَى: وَإِذَا قَالَ حَجَّاجٌ: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، فَهُوَ ابْنُ سلمَةَ. وَمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ فَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَجَمِيْعُهُم سَمِعُوا مِنَ الحَمَّادَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَثْبَتُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوهبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: ارتحلْتُ ثَلاَثَ رحلاَتٍ، وَأَنْفَقْتُ عَلَى العِلْمِ مائَةً وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَلَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ اسْتَقبلتَنِي جِنَازَةُ يَحْيَى القَطَّانِ عَلَى بَابِ البَصْرَةِ (1) . وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: لَوْ لَمْ أَبدأْ بِالبَصْرَةِ لَمْ يَفُتْنِي أَبُو أُسَامَةَ، وَحُسَيْنُ الجُعْفِيُّ (2) . عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ سَافِرِي بِالرَّمْلَةِ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: نكتُبُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؟ قَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ. قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: نكتبُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؟ قَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، مَا لَهُ يُرِيْدُ أَنْ يُحَدِّثَ. أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَالَ لِي عليُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَنْتَ وَارِثُ الزُّهْرِيِّ (3) .   (1) " تاريخ بغداد " 3 / 419، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. (2) " تاريخ بغداد " 3 / 419، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 417، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 283 قَالَ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ: مَنْ تُقَدِّمُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَمَرْقَنْديِّ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ وَيعرِفَ قُصُورَ علمِهِ عَنْ عِلْمِ السَّلَفِ، فلينظُرْ فِي (عِلَلِ حَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ) لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى (1) . قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (2) . وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِمَامُ عصرِهِ، أَسْكَنَهُ اللهُ جَنَّتَهُ مَعَ مُحِبِّيهِ (3) . وَقَدْ سُئِلَ صَالِحٌ جَزَرَة عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا أَحمقُ مِمَّنْ يَسْأَلُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى. قَالَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى. ثُمَّ قَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. زَادَ غَيْرُهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. وبِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: عَاشَ ستّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى البَاشَانِيَّ يَقُوْلُ: مَاتَ الذُّهْلِيُّ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعِ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ. كَانَ الذُّهْلِيُّ شَدِيْدَ التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ، قَامَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 531، و" تهذيب التهذيب " 9 / 515. (2) تقدم الخبر في الصفحة: 281. (3) " تذكرة الحفاظ " 2 / 531. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 284 لِكَوْنِهِ أَشَارَ فِي (مَسْأَلَةِ خَلْقِ العِبَادِ) إِلَى أَنَّ تَلَفُّظَ القَارِئِ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فلوَّحَ وَمَا صَرَّحَ، وَالحقَّ أَوضحَ. وَلَكِنْ أَبَى البحثَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالذُّهْلِيُّ، وَالتَّوسعَ فِي عبارَاتِ المُتَكَلِّمِيْنَ سدّاً للذَّريعَةِ، فَأَحسنُوا، أَحسنَ اللهُ جزَاءهُم. وَسَافَرَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ مُخْتَفِياً مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَتَأَلَّمَ مِنْ فِعْلِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَمَا زَالَ كَلاَمُ الكِبَارِ المُتَعَاصِرين بَعْضهِمْ فِي بَعْضٍ لاَ يُلْوَى عَلَيْهِ بِمفرَدِهِ. وَقَدْ سُقْتُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) - رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ، وَغفرَ لَهُمْ وَلنَا آمِيْن -. وَلَمَّا تُوُفِّيَ الذُّهْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ أَمِيْرُ خُرَاسَانَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ فِي مَيدَانِ الحُسَيْنِ. وَخَلَفَهُ فِي مَشْيَخَةِ البَلَدِ وَلدُهُ حَيْكَانُ، وَاسمه: 105 - يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ * (ق) الحَافِظُ المُجَوِّدُ الشَّهِيْدُ، أَبُو زَكَرِيَّا. قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ نَيْسَابُوْرَ فِي الفَتْوَى وَالرِّئاسَةِ، وَابْنُ إِمَامِهَا، وَأَمِيْرُ المُطَّوِّعَةِ بِخُرَاسَانَ بِلاَ مُدَافَعَةٍ، يَعْنِي: الغُزَاةِ. قَالَ: وَكَانَ يَسْكُنُ دَارَ أَبِيْهِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيْهَا صومعَةٌ وَآثَارٌ لِعِبَادَتِهِمَا، وَالسِّكَّةُ وَالمَسْجِدُ مَنْسُوْبَانِ إِلَى حيكَانَ (2) .   (1) سترد قصته مع الامام البخاري في الصفحة 453. (*) الجرح والتعديل 9 / 186، تاريخ بغداد 14 / 217، 219، تهذيب الكمال: 1516، 1517، تذهيب التهذيب 4 / 165 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 616، 618، ميزان الاعتدال 4 / 407، العبر 2 / 36، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 11 / 276، 278، النجوم الزاهرة 3 / 43، خلاصة تذهيب الكمال: 428، شذرات الذهب 2 / 152، المنتظم 5 / 62. (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617، و" النجوم الزاهرة " 3 / 43. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 285 سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بنَ عَمْرٍو الحَرَشِيَّ، وَابْنَ رَاهْوَيْه. وَبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى الفَرَّاءَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَبِبَغْدَادَ: عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ، وَالحَكَمَ بنَ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَطَبَقَتهُم. وَبِالبَصْرَةِ: أَبَا الوَلِيْدِ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ، وَمسدداً، وَالرَّبِيْعَ بنَ يَحْيَى، وَعَلِيَّ بنَ عُثْمَانَ اللاَحِقيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَثِيْرٍ، وَسَهْلَ بنَ بَكَّارٍ، وَالحَوْضِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُعَاذٍ. وَبِالْكُوْفَةِ: أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ، وَسَعِيْدَ بنَ الأَشْعَثِيِّ، وَأَحْمَدَ بنَ يَحْيَى بنِ المُنْذِرِ. وَبَالحِجَازِ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ المِصْرِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيَّ، وَمُحرزَ بنَ سَلَمَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُوْهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسَّرَّاجُ. قُلْتُ: وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ (1) . وَفِي كِتَابِ (الكَمَالِ (2)) أَن ابْن مَاجَهْ رَوَى عَنْهُ وَلَمْ نَرَهُ (3) .   (1) الاخرم، بالراء المهملة: هو أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الاخرم الشيباني النيسابوري، محدث حافظ، توفي سنة 344 هـ. (2) واسمه الكامل: " الكمال في معرفة الرجال " للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 600 هـ، تناول فيه رجال الكتب الستة، وعلى هذا الكتاب عول الحافظ المزي في تأليفه كتابه الحافل " تهذيب الكمال " انظر التفصيل في المقدمة التي كتبها الدكتور بشار عواد لكتاب " تهذيب الكمال " نشر مؤسسة الرسالة. (3) قال ابن حجر في " التهذيب " 11 / 276: رواية ابن ماجة عنه في باب: الاذنان من الرأس من كتاب الطهارة قال: حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عمرو بن الحصين..فذكر حديثا. قال ابن حجر: وجدت ذلك في نسخة صحيحة عتيقة جدا، وفي بعض النسخ: حدثنا محمد بن يحيى بدل يحيى بن محمد بن يحيى فالله أعلم. قلت: وفي المطبوع من " سنن " ابن ماجة (445) : حدثنا محمد بن يحيى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 286 قَتله أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُجُسْتَانِيُّ (1) ظُلْماً فِي جمُادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، لِكَوْنِهِ قَامَ عَلَيْهِ، وَحَارَبَهُ لاعتدَائِهِ وَعَسْفِهِ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ زَيْدٍ العَدْلَ، خَتَنَ حَيْكَانَ عَلَى ابْنَتِهِ، قَالَ: دخَلْنَا عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا بَعْدَ أَنْ رُدَّ مِنَ الطَّرِيْقِ وَهُوَ فِي الحَبْسِ، فَقَالَ لَنَا: اشْتَرَكَ فِي دمِي خَمْسَةُ نَفَرٍ: العبَّاسَانِ، وَابْنُ يَاسِيْنَ، وَبِشْرَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ اللَّبَّادُ. وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ نُوْحَ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الخُجُسْتَانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى حَيْكَانَ فِي مَحْبِسِهِ الَّذِي كُنْتُ حبسْتُهُ فِيْهِ عَلَى أَنْ أَضْرِبَهُ خشبان (2) ، وَأُخَلِيَ سَبِيلَهُ، وَمَا كُنْتُ عَازِماً عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ، مَدَدْتُ يَديَّ إِلَى لِحْيَتِهِ، فَقَبَضْتُ عَلَيْهَا، فَقَبَضَ عَلَى خَصْيَيَّ، حَتَّى لَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ قَاتلِي، فَذَكَرْتُ سِكِّيناً فِي خُفِّي، فَجَرَّدْتُ السِّكِّينَ (3) ، وَشَقَقْتُ بَطْنَهُ (4) . وَقِيْلَ: إِنَّ حَيكَانَ أَسْلَمَهُ جموعُهُ، فَانهزمَ، وَانضمَّ إِلَى حمَّالينَ، وَتنكَّرَ، ثُمَّ عُرِفَ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ. سَمِعْتُ أَبَا الفَضْلِ الحَسَنَ بنَ يَعْقُوْبَ العَدْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو   (1) الخجستاني، بضم الخاء المعجمة والجيم، وسكون السين المهملة، وبعدها تاء فوقها نقطتان، وبعد الالف نون: هذه النسبة إلى خجستان، وهو جبل من جبال هراة. والخجستاني الأمير هو أحمد بن عبد الله، كان جبارا ظالما غاشما من أتباع يعقوب بن الليث الصفار، ثم خرج عن طاعته. انظر أخباره في " تاريخ الطبري " حوادث 266 وما بعدها، و" الكامل " في التاريخ 7 / 296. (2) سقطت من " تهذيب التهذيب "، وفي الأصل: خشبان، وما أثبتناه من " تذكرة الحفاظ ". (3) في " تذكرة الحفاظ " فجذبتها. (4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617، 618، و" تهذيب التهذيب " 11 / 277. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 287 المُسْتَمْلِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: فَمَا فَعَلَ الخُجُسْتَانِيُّ؟ قَالَ: هُوَ فِي تَابوتٍ مِنْ نَارٍ، وَالمفْتَاحُ بِيَدِي. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِح بنِ هَانِئٍ يَقُوْلُ: لَمَّا قُتِلَ حَيْكَانُ تركَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي اللباسَ القطنِيَّ، وَكَانَ يلبَسُ فِي الشِّتَاءِ فَرواً بِلاَ قَمِيْصٍ، وَفِي الصَّيْفِ مَسْحاً، وَكَانَ مَجْلِسُهُ وَمَبِيْتُهُ فِي مَسْجِدِ الأَدمِيينَ عَلَى رَأْسِ سكَّةِ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى بِنَيْسَابُوْرَ، إِذْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: قَدْ أَقبلَ أَحْمَدُ الخُجُسْتَانِيُّ، فَخَرَجَ المُسْتَمْلِي، وَعَلَيْهِ الفروُ، فَتَقَدَّم، فَأَخَذَ عنَانَ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ: يَا ظَالِمُ قتلتَ الإِمَامَ بنَ الإِمَامِ، العَالِمَ بنَ العَالِمِ؟؟!! فَارْتَعَدَ الخُجُسْتَانِيُّ، وَنفرت دَابَّتُهُ، فَتَقَدَّمَ الرَّجَّالَةُ لضرِبِهِ، فصَاحَ الخُجُسْتَانِيُّ دعُوهُ دعُوهُ، فَرَجَعَ وَدَخَلَ المَسْجَدَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ صَالِح: فَبلغنِي عَنْ أَبِي حَاتِمٍ نوحٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الخُجُسْتَانِيُّ: وَاللهِ مَا فَزَعْتُ قَطُّ مِنْ أَحَدٍ فَزَعِي مِنْ صَاحِبِ الفَرْوَةِ، وَلَقَدْ نَدِمْتُ لَمَّا نظرتُ إِلَيْهِ مِنْ إِقدَامِي عَلَى قَتْلِ حَيْكَانَ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِح يَقُوْلُ: حضَرْنَا آخِرَ مَجْلِسٍ لِلإِملاَءِ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ الشَّهِيْدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ (1) : فِي شَوَّالٍ، وَرُفِضَتْ مَجَالِسُ الحَدِيْثِ، وَخُبِئَتِ المحَابِرُ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ فِي البلدِ أَنْ يَمْشِيَ وَمَعَهُ محبرَةٌ، وَلاَ فِي كُمِّهِ كَرَارِيْسُ الحَدِيْثِ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ، فَاحتَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فِي مجِيءِ السَّرِيِّ خُزَيْمَةَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِسَ الإِملاَءِ فِي خَانِ مَحْمِش، وَعَلاَّ   (1) في " تذكرة الحفاظ " 2 / 617: وقتل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 288 المحبرَةَ بِيَدِهِ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ خلقٌ عَظِيْمٌ (1) . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِح بنِ هَانِئٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: عهدِي بِأَصْحَابِنَا، وَأَحْفَظُهُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَلَمَّا احْتَاجَ أَنْ يُحَدِّثَ لاَ يكَادُ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ. قُلْتُ: لأَنَّ ذَلِكَ أَقربُ إِلَى التَّحرَّي وَالوَرَعِ، وَأَبعدُ عَنِ العُجْبِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ مسدّداً يَقُوْلُ: الجِعَةُ النَّبِيذُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنَ الشَّعِيرِ (2) . وَمِنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الذُّهْلِيِّ وَابْنِهِ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بنُ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، قَرَأْنَا عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ نُعيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ بجَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصْرَفُ، وَلاَ نرَى الكَلاَمَ فِيْمَا أَحَدثُوا فَتَكَلَّمُوا فِي الأَصوَاتِ وَالأَقلاَمِ وَالحِبْرِ وَالورقِ، وَمَا أَحَدثُوا مِنَ المَتْلِيِّ وَالمُتْلَى وَالمُقْرِئ، فُكُلُّ هَذَا عِنْدنَا بدعَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ، فَهُوَ عِنْدنَا جَهْمِيٌّ لاَ يُشَكُّ فِيْهِ وَلاَ يُمْتَرَى.   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 617. (2) وفي ذلك حديث أخرجه النسائي 8 / 302 من طريق محمد بن عبد الله بن المبارك، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن صعصعة بن صوحان، عن علي رضي الله عنه قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن حلقة الذهب والقسي والميثرة والجعة. وهذا سند قوي. وقال أبو عبيد: الجعة: النبيذ المتخذ من الشعير.. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 289 قُلْتُ: كَذَا قَالَ: المَتْلِيُّ وَالمُتْلَى، وَمُرَادُهُ المَتْلِيُّ وَالتِّلاَوَةُ، وَالمُقْرِئُ وَالقِرَاءةُ، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّيْنِ أَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ المُنزَّلَ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَمَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى حدِّ قَوْلِهِم: عِيْسَى كَلِمَةُ اللهِ، وَنَاقَةُ اللهِ، أَي: إِضَافَةُ مُلْكٍ. وَمَذْهَبُ دَاوُدَ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ، وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ مَعَ قَوْلهِمْ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ. وَقَالَ آخرُوْنَ مِنَ الحنَابلَةِ وَغَيْرهِمْ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ قَدِيْمٌ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَلاَ مَخْلُوْقٍ. وَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْلُوْقاً فَهُوَ قَدِيْمٌ، وَنُوزِعُوا فِي هَذَا المَعْنَى وَفِي إِطْلاَقِهِ. وَقَالَ آخرُوْنَ: هُوَ كَلاَمُ اللهِ مجَازاً، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى القُرْآنِ القَدِيْمِ القَائِمِ بِالنَّفْسِ (1) . وهُنَا بحوثٌ وَجدَالٌ لاَ نخوضُ فِيْهَا أَصْلاً، وَالقَوْلُ هُوَ مَا بدأْنَا بِهِ، وَعَلَيْهِ نَصَّ أَزْيَدُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ إِمَامٍ، وَعَلَيْهِ امتُحِنَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وضُرِبَ بِالسِّيَاطِ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَابرُ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ المحسنِ، وَغَيْرهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مكِّيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَعْقلٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح، عَنِ ابْنِ   (1) في الأصل: العالم بالنفس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 290 شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَةَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلِيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُوْنَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ يَجُرُّهُ) . قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (الدِّيْنُ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ (3) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَد بنِ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ   (1) أخرجه البخاري 1 / 69 في الايمان: باب تفاضل أهل الايمان في الاعمال، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عمر بن الخطاب، وفي التعبير: باب القميص في المنام، وباب جر القميص في المنام، ومسلم (2390) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر بن الخطاب، والنسائي 8 / 113 في الايمان: باب زيادة الايمان والترمذي (2287) . (2) هو أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد..مترجم في " المشيخة "، ورقة: 4. (3) إسناده صحيح، وأخرجه النسائي 8 / 217: باب ذكر النهي عن المشي في نعل واحدة من طريق إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن عبيد بهذا الإسناد بلفظ " إذا انقطع شسع نعل أحدكم، فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلحها " وأخرجه أحمد 2 / 253 من طريق أبي معاوية عن الأعمش به، وأخرجه مالك 2 / 916، ومن طريقه البخاري 10 / 261، ومسلم (2097) (68) وأبو داود (4136) والترمذي (1774) عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا " وأخرجه أحمد 2 / 257، ومسلم (2098) ، والنسائي 8 / 218 من طريق الأعمش، عن أبي رزين، عن أبي هريرة. وفي الباب عن جابر عند مسلم (2099) وأبي داود (4137) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 291 إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ الخَبْريُّ (1) فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الحَافِظُ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (2) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، جَمِيْعاً عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بنِ يَحْيَى الحِمْصِيِّ، عَنْ مَحْبوبِ بنِ مُوْسَى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَكِن عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا أَصحُّ. وَالآخرُ فمَحْفُوْظٌ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصبحيُّ فِيْهِ لِينٌ. وَكَذَلِكَ ابْنُهُ تُكُلِّمَ فِيْهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَبَاقِي الإِسْنَادِ ثِقَاتٌ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ شَيْخِ شَيْخِنَا هَذَا الخَبْرِيّ، فَإِنَّهُ تُكُلِّمَ فِي مُعْتَقَدِهِ.   (1) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الباء المنقوطة بواحدة في آخرها الراء المهملة: هذه النسبة إلى خبر، وهي قرية بنواحي شيراز من فارس، منها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الخبري صاحب التصانيف الكثيرة. انظر " التبصير " 1 / 362. (2) إسناده صحيح، وأخرجه من حديث أبي بكر عبد الرزاق (9774) وأحمد 1 / 4 و6 و9 و10، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (2) ، والبخاري 12 / 4 في الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " ومسلم (1759) في الجهاد والسير، والنسائي 7 / 132، وأبو داود (2963) وفي الباب عن أبي هريرة عند مالك 2 / 993، والبخاري 12 / 5، ومسلم (1760) و (1761) وأبو داود (2974) ، وعن عائشة عند مالك 2 / 993، والبخاري 12 / 5، ومسلم (1758) وأبو داود (2976) و (2977) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 292 قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَابْنَهُ يَحْيَى اخْتَلَفَا فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ أَحَدهُمَا لِلآخَرِ: اجعلْ بَيْنَنَا حَكَماً، فَرَضِيَا بِابْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَضَى ليَحْيَى عَلَى أَبِيْهِ. ثُمَّ قَالَ المُزَكِّيُّ: كَانَ يَحْيَى لَهُ مَوْضِعٌ مِنَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ، سَمِعَ مِنَ العَيْشِيِّ وَنَحْوِهِ (2) . قَالَ: وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: كَانَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ أَخرَجَهُ الغزَاةُ (3) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَأَصْحَاب الرَّأْيِ، وَأَركبوهُ دَابَّةً، وَأَلبسوهُ سيفاً - قَالَ المُزَكِّيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ سَيْفَ خَشَبٍ - وَقَاتَلُوا (4) سُلْطَانَ نَيْسَابُوْرَ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، خَارِجِيٌّ، غَلَبَ عَلَى البلدِ، وَكَانَ ظَالِماً غَاشماً، وَكَانَ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُم مُجْتَمِعينَ عَلَيْهِ (5) مَعَ يَحْيَى، فَكَانَتِ الدَّبَرَةُ (6) عَلَى العَامَّةِ، وَهَرَبَ يَحْيَى إِلَى رُسْتَاق، يُقَالُ لَهُ: بُسْت (7) ، فدُلَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَجِيءَ بِهِ. فَيُقَالُ: إِنَّ عَامَّةَ مَنْ كَانَ مَعَ يَحْيَى مِنَ الرُّؤَسَاءِ، انْقَلَبُوا عَلَيْهِ لَمَّا وَاقَفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: أَلم أُحْسِنْ إِلَيْك؟ أَلم أَفعلْ، أَلم أَفعلْ؟ وَكَانَ يَحْيَى فَوْقَ جَمِيْعِ أَهْلِ البلدِ. فَقَالَ: أُكْرِهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيَّ. قَالَ: فردَّ عَلَيْهِ الجَمَاعَةُ، أَوْ   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 186، و" تاريخ بغداد " 14 / 217، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 218، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276. (3) في " تاريخ بغداد ": القراء، وهو خطأ. (4) في " تاريخ بغداد ": وقابلوا، بالموحدة من تحت، وهو تصحيف. (5) في الأصل " علي "، وهو خطأ، والمثبت من " تاريخ بغداد ". (6) في " تاريخ بغداد ": الدائرة. (7) في " تاريخ بغداد ": بشت، بالاعجام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 293 مَنْ حضَرَ مِنْهُم، وَقَالُوا: لَيْسَ كَمَا قَالَ. فَأَخَذَهُ أَحْمَدُ فَقَتَلَهُ. يُقَالُ: إِنَّهُ بنَى عَلَيْهِ. قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَمرَ بجرِّ خُصْيَيْهِ حَتَّى مَاتَ (1) . قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ الأَخْرَمِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ حَيْكَانَ، لاَ رَحِمَ اللهُ قَاتِلَهُ (2) . 106 - مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ الأَسَدِيُّ * (س) قَاضِي دِمَشْقَ وَمُفتيهَا وَمُحَدِّثُهَا، الإِمَامُ، الحَافِظُ الأَوحدُ، أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَدُ شَيْخِ البَصْرَةِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مقْسَمٍ الأَسَدِيُّ (3) البَصْرِيُّ، وَكَانَ أَصغرَ الإِخْوَةِ، لاَ نَعْلَمُ لَهُ شَيْئاً عَنْ أَبِيْهِ. سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مَلاَّسٍ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ البَتَلْهِيُّ، وَأَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: حَافِظٌ ثِقَةٌ دِمَشْقِيٌّ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 218. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 219، و" تهذيب التهذيب " 11 / 276. (*) تهذيب الكمال 1172، تذهيب التهذيب 3 / 189 / 1 قضاة دمشق لابن طولون: 20، تهذيب التهذيب 9 / 55، 56. (3) تحرفت في " قضاة دمشق " إلى: السري. (4) " قضاة دمشق ": 20، و" تهذيب التهذيب " 9 / 56. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 294 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ: لَمْ يَزَلْ قَاضِياً بِدِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَوَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَهُ القَاضِي أَبُو خَازمٍ (1) عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (2) . قُلْتُ: أَخُوْهُ هُوَ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ عُلَيَّةَ (3) الجَهْمِيُّ المُتَكَلِّمُ الَّذِي نَاظرَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ. 107 - صَاعِقَةُ أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ * (خَ، د، ت، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي زُهَيْرٍ العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ مَوْلاَهُمُ، الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، صَاعِقَةُ. سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَمُعَلَّى بنَ مَنْصُوْرٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَطَبَقَتَهُمْ. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَزَكَرِيَّا خَيَّاطُ   (1) في " قضاة دمشق ": بالحاء المهملة وهو تصحيف، وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يغرب. وقال محمد بن جعفر بن ملاس: حدثنا القاضي محمد بن إسماعيل بن عليه الثقة الرضى. والقاضي عبد الحميد بن عبد العزيز مترجم في " شذرات الذهب " 2 / 210 وفيه: لما احتضر كان يقول: يا رب، من القضاء إلى القبر. ثم يبكي. (2) " قضاة دمشق ": 20، و" تهذيب التهذيب " 9 / 56، وجاء فيه: قال الدارقطني: لا بأس به. وقال مسلمة: كان ثقة. وقال المستملي: كان مستقيم الحديث. (3) وهو مترجم في " الفهرست ": 283، و" تاريخ بغداد " 6 / 20، 23، و" ميزان الاعتدال " 1 / 20، و" لسان الميزان " 1 / 34، 35. (*) الجرح والتعديل 8 / 9، تاريخ بغداد 2 / 363، 364، طبقات الحنابلة 1 / 305، 306، تهذيب الكمال: 1233، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 553، 554، العبر 2 / 10، الوافي بالوفيات 3 / 245، تهذيب التهذيب 9 / 311، 312، النجوم الزاهرة 3 / 24، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 130، 131. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 295 السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَخَلْقٌ. وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ (1) . قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مُتْقِناً ضَابِطاً عَالِماً حَافِظاً (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ الكَرَجِيُّ (3) : سُمِّيَ صَاعِقَة لأَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ الحِفْظِ (4) ، وَكَانَ بزَّازاً. قَالَ السَّرَّاجُ: قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 108 - ابْنُ كَرَامَةَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ * (خَ، د، ت، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَةَ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 363، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 553، و" الوافي بالوفيات " 3 / 245، و" تهذيب التهذيب " 9 / 312. وجاء في " الجرح والتعديل " 8 / 9 عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 9 / 312: ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: كان صاحب حديث يحفظ. وقال أيضا: وثقه مسلمة. وقال الدارقطني: حافظ ثبت. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 363 وفيه أيضا عن نصر بن أحمد الكندي قال: كان من أصحاب الحديث المأمونين. وعن عبد الله بن أحمد، قال: صاعقة ثقة. (3) في " تاريخ بغداد "، و" تذكرة الحفاظ ": الكرخي بالخاء المعجمة وهو تصحيف. (4) " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى 1 / 306، و" تاريخ بغداد " 2 / 363، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 553 وفي " طبقات الحنابلة ": وقيل - وهو المشهور -: إنما لقب بهذا لأنه كان كلما قدم بلدة للقاء شيخ إذا به قد مات بالقرب. (*) الجرح والتعديل 8 / 25، تاريخ بغداد 3 / 40، 41، تهذيب الكمال: 1240، 1241، تذهيب التهذيب 3 / 231 / 1، الوافي بالوفيات 4 / 82، تهذيب التهذيب 9 / 338، 339، خلاصة تذهيب الكمال: 351. (5) بفتح الكاف وتخفيف الراء. " التقريب ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 296 العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم الكُوْفِيُّ الوَرَّاقُ، وَقِيْلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَرَّاقُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ العَبْدِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَعِدَّةً. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ: غُنْدَرٍ. وَلَمْ يَصِحَّ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالسَّرَّاجُ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ: صَدُوْقٌ (1) . قَالَ مُطَيَّنُ: مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) . وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ حَدِيْثُ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً (3)) وَهُوَ   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 25، و" تاريخ بغداد " 3 / 41، و" الوافي بالوفيات " 4 / 82، و" تهذيب التهذيب " 9 / 339 وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال مسلمة: بغدادي ثقة. وقال ابن عقدة: سمعت محمد بن عبد الله بن سليمان، وداود بن يحيى يقولان: كان صدوقا. (2) زاد الخطيب: ببغداد. ووهم من قال: بالكوفة. (3) أخرجه البخاري 11 / 292، 295 في الرقاق: باب التواضع من طريق محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله ابن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته، فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لاعطينه، ولئن استعاذني لاعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته " وفي خالد بن مخلد فقال، وكذا شريك بن عبد الله، لكن قال الحافظ: للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا ثم أوردها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 297 مُوَافَقَةً (1) لِلْبُخَارِيِّ. قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ وَجَمَاعَةٍ سمِعُوا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ حُضُوْراً، وَلِي أَرْبَعُ سِنِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَةَ، حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: زُلْزِلَتْ فَسَا عَلَى عَهْدِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نرَى الآيَاتِ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرَكَاتٍ، وَأَنْتُم تعدُّونهَا تخويفاً. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (2) ، وَلَهُ عِلَّةٌ فَبالإِسْنَادِ إِلَى يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ نحوَهُ. 109 - المُقَوِّمُ يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ البَصْرِيُّ * (د، س، ق) الحَافِظُ، الإِمَامُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ   (1) الموافقة: هو الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريق، أي: الطريق التي تصل إلى ذلك التصنيف المعين. (2) وأخرجه أحمد 1 / 396 من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ... وأخرجه أحمد 1 / 460 من طريق الوليد بن القاسم بن الوليد، والدارمي 1 / 14، 15 من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله..وأخرجه البخاري 3589 في علامات النبوة في الإسلام من طريق محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن إسرائيل بهذا الإسناد وقوله: الآيات، أي: الأمور الخارقة للعادات. (*) الجرح والتعديل 9 / 134، الأنساب، ورقة: 540 / ب، اللباب 3 / 249، تهذيب الكمال: 1492، تذهيب التهذيب 4 / 152 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 515، العبر 2 / 13، تهذيب التهذيب 11 / 198، 199، طبقات الحفاظ: 224، خلاصة تذهيب الكمال: 422، شذرات الذهب 2 / 136. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 298 المُقَوِّمُ، وَقَدْ يُقَالُ: المُقَوِّمِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَغُنْدَر، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ الحَرَّانِيِّ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَحَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ، وَحَمَّادِ بنِ مَسْعَدَةَ، وَسَلْمِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَفِي (تَهْذِيْبِ) شَيْخِنَا، أَنَّهُ رَوَى عَنِ: النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيِّ، وَلَمْ يُدْرِكْ ذَاكَ. وَينْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ الرَّاسِبِيِّ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَسْلَمُ بنُ سَهْلٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَعَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ المقَانعِيّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِد، وَمُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَالحَافِظُ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو الآذَانِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ حَافِظٌ. وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ أَثْبَتَ مِنْهُ، وَمِن أَبِي مُوْسَى العَنَزِيِّ (1) ، وَكَانَ يَحْيَى وَرِعاً مُتَعَبِّداً، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ (2) .   (1) هو محمد بن المثنى. (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 515، و" تهذيب التهذيب " 11 / 199 وفيه أيضا: قال مسلمة: بصري ثقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 299 وَمَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَكِيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ مَحْبُوْب، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَالحَسَنُ وَثَابِتٌ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ الهَاشِمِيِّ، فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، حَدِّثْ أَبَا سَعِيْدٍ بِحَدِيْثِ الكَتِفِ. فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيْمٍ بِنْتُ الزُّبَيْرِ أَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعَاماً، فَيَأْتِيهَا، فَرُبَّمَا أَكَلَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّهُ أَتَاهَا يَوْماً، فَأَتَتْهُ بِكَتِفٍ، فَجَعَلَ يَتَسَحَّاهَا (1) ، فَأَكل مِنْهَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يتوضأْ (2) .   (1) في الأصل: يتحساها، وما أثبتناه من هامش الأصل. وتحسى اللحم: قشره. (2) نسبه الحافظ في " الإصابة " 4 / 444 إلى إسحاق بن راهويه من رواية داود بن أبي هند أن أم حكيم بنت الزبير - وهي ضباعة - كانت تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم الطعام ... وقال: فهذا يوضح ان ام حكيم كنية ضباعة، وأورده الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " وابن منده فيما قاله الحافظ من طريق حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أم حكيم، وذكر الاختلاف فيه عن قتادة، فقال سعيد بن أبي عروبة عنه، عن صالح أبي الخليل، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ام الحكم، عن اختها ضباعة، وقيل: عن سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ان ام حكيم بنت الزبير حدثته، ولم يذكر ضباعة، أخرجه أحمد 6 / 419، وقال همام، عن قتادة، عن إسحاق لم يذكر أبا الخليل أخرجه ابن منده، وقال ابن مندة: رواه داود بن أبي هند، عن إسحاق، عن أم حكيم صفية ولم يذكر ضباعة. وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري 1 / 268، ومسلم (354) ، وعن عمر بن أمية الضمري عند البخاري 1 / 268، ومسلم (355) وعن ميمونة وأبي رافع عند مسلم (356) و (357) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 300 110 - حَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حَجَّاجٍ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الشَّاعِرِ أَبِي يَعْقُوْبَ الثَّقَفِيُّ * (م، د) البَغْدَادِيُّ، الحَافِظُ، فَأَمَّا أَبُوْهُ فَلَقَبُهُ لِقْوَةٌ، مِنْ تَلاَمِذَةِ أَبِي نُوَاسٍ وَأَصْحَابِهِ. فنشَأَ حَجَّاجٌ بِبَغْدَادَ، وَطلَبَ العِلْمَ. وَكَتَبَ عَنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَالعَقَدِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ، وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ خَيْرٌ مِنْ مائَةٍ مِثْلِ الرَّمَادِيِّ (2) . قَالَ صَالِحُ جَزَرَة: سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ يَقُوْلُ: جَمَعَتْ لِي أُمِّي   (*) الجرح والتعديل 3 / 168، تاريخ بغداد 8 / 240، 241، طبقات الحنابلة 1 / 148، 149، الأنساب 3 / 134، تهذيب الكمال: 239، تذهيب التهذيب 1 / 124 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 549، 550، العبر 2 / 19، تهذيب التهذيب 2 / 209، 210، طبقات الحفاظ: 244، خلاصة تذهيب الكمال: 73، شذرات الذهب 2 / 139، المنتظم 5 / 20 (1) " الجرح والتعديل " 3 / 168 - وصدقه أبو حاتم نفسه - و" تاريخ بغداد " 8 / 241، و" طبقات الحنابلة " 1 / 148، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 549، و" تهذيب التهذيب " 2 / 210. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 241، و" طبقات الحنابلة " 1 / 149، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 549، " تهذيب التهذيب " 2 / 210 وقال الخطيب: كان ثقة فهما حافظا، وكذا قال ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة ". وعن ابن الغلابي قال: وسئل يحيى بن معين عن حجاج بن الشاعر، فبزق لما سئل عنه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 301 مائَةَ رَغِيْفٍ، فَجَعَلْتُهَا فِي جِرَابٍ، وَانحدرْتُ إِلَى شَبَابَةَ بِالمَدَائِنِ، فَأَقمتُ ببَابِهِ مائَةَ يَوْمٍ، أَغْمِسُ الرَغِيْفَ فِي دِجْلَةَ وَآكُلُهُ، فَلَمَّا نَفَدَتْ خَرَجْتُ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ. وَفِيْهَا تُوُفِّيَ أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ وَهْبٍ، وَإِسْحَاقُ البَغَوِيُّ لُؤْلُؤٌ، وَبِشْرُ بنُ مَطَرٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ، وَعَلِيُّ بنُ مَعْبَدٍ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ مَحْمِش. 111 - العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيْمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ تَوْبَةَ * (خت، 4) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، أَبُو الفَضْلِ، العَنْبَرِيُّ البَصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَالنَّضْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحْلَةِ، مُتَبَحِّراً مِنَ الآثَارِ. رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ: تَعْلِيْقاً، وَالبَاقُوْنَ سَمَاعاً، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 240، و" طبقات الحنابلة " 1 / 148، وفيه: قال النسائي: أبو محمد حجاج بن يوسف بغدادي ثقة. والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 550. (*) التاريخ الكبير 4 / 6، التاريخ الصغير، 2 / 384، الجرح والتعديل 6 / 216، تاريخ بغداد 12 / 137، 138، طبقات الحنابلة 1 / 235، الأنساب 9 / 70 تهذيب الكمال: 658، تذهيب التهذيب 2 / 125 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 524، تهذيب التهذيب 5 / 121، 122، طبقات الحفاظ: 228، خلاصة تذهيب الكمال 189 شذرات الذهب 2 / 112. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 302 قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى السِّمْسَارُ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِيْنَ. وَقَالَ آخر: كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الفَضْلِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 112 - أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ * (د، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، أَبُو التَّقِيِّ، هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عِمْرَانَ، اليَزَنِيُّ الحِمْصِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ الأَبْرَشِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حِمْيَرٍ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَفِيْدُهُ حُسَيْنُ بنُ تقِي بنِ هِشَامٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ مُتْقِناً فِي الحَدِيْثِ (2) .   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 524. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 6 / 216: سئل أبي عنه، فقال صدوق. وجاء في " تهذيب التهذيب " 5 / 122 قال مسلمة: بصري ثقة. (*) الجرح والتعديل 9 / 66، تهذيب الكمال: 1440، تذهيب التهذيب 4 / 117 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 528، 529، ميزان الاعتدال 4 / 301، العبر 2 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 10، تهذيب التهذيب 11 / 45، طبقات الحفاظ: 231، خلاصة تذهيب الكمال: 410، شذرات الذهب 2 / 124. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 66، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 529، و" ميزان الاعتدال " 4 / 301، و" تهذيب التهذيب " 11 / 45. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 303 وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثقَةٌ (1) . قُلْتُ: مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. 113 - شُعَيْبُ بنُ عَمْرٍو أَبُو مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ * المُحَدِّثُ المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ. حدَّثَ بِدِمَشْقَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو الدَّحدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ وَآخَرُوْنَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 114 - شُعَيْبُ ابْنُ المُحَدِّثِ شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ ** (س) مَوْلَى قُرَيْشٍ، يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ. لَمْ يلحقْ السَّمَاعَ مِنْ أَبِيْهِ، فَإِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ زَيْد بنَ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ الحِمْصِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَأَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ.   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 529، و" ميزان الاعتدال " 4 / 301 وفيه أيضا: روى أبو عبيد عن أبي داود: ضعيف، وجاء في " تهذيب التهذيب " 11 / 45: ذكره ابن حبان في " الثقات ". (*) تهذيب ابن عساكر 6 / 325. (* *) الجرح والتعديل 4 / 347، 348، تهذيب الكمال: 586، 587، تذهيب التهذيب 2 / 79 / 2، تهذيب التهذيب 4 / 353، خلاصة تذهيب الكمال: 167: تهذيب ابن عساكر 6 / 322. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 304 وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو الدّحدَاحِ. وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمئَتَيْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . 115 - عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرِ بنِ دِيْنَارٍ الحِمْصِيُّ * (د، س، ق) الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو حَفْصٍ الحِمْصِيُّ، مَوْلَى قُرَيْشٍ. وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْ آخرِهِم أَحْمَدُ بنُ عُمَيْرِ بنِ جَوْصَا.   (1) ومن شعره في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 323: ولم أر مثل الصدق أسنى لاهله * إذا جمعتهم والرجال المجامع إذا ما رأى الجهال ذا العلم واضعا * إلى ذي الغنى مالوا إليه وأسرعوا (2) " الجرح والتعديل " 4 / 348، و" تهذيب التهذيب " 4 / 353، وفيه: قال النسائي ثقة. وقال ابن حجر: قال مسلمة في " الصلة ": حدثنا عنه بعض شيوخنا، وكان ثقة. (*) التاريخ الصغير 2 / 391، الجرح والتعديل 4 / 249، تهذيب الكمال: 1044، تذهيب التهذيب 3 / 106 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 509، العبر 2 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 10، تهذيب التهذيب 8 / 76، لسان الميزان 4 / 371، طبقات الحفاظ: 221، خلاصة تذهيب الكمال: 291، شذرات الذهب 2 / 124. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 305 قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَسَمِعَ مِنْ: مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَسَمَّى جَمَاعَةً. قَالَ: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدَانُ الجَوَالِيْقِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ أَحْفَظَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى (2) . قَالَ دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ السَّيِّدُ بنُ السَّيِّدِ. قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (البَعْثِ) ، وَفِي (صفَةِ المُنَافِقِ) . وَأَخُوْهُ: 116 - يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الحِمْصِيُّ * (د، س، ق) العَبْدُ الصَّالِحُ الوَلِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ. سَمِعَ: بَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَوَكِيْعاً، وَالوَلِيْدَ بنَ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ حِمْيَرٍ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضاً، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 249، و" تهذيب التهذيب " 8 / 76. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 249، و" تهذيب التهذيب " 8 / 76. وفيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". ووثقه النسائي في " أسماء شيوخه "، وكذا أبو داود ومسلمة وثقاه. (*) الجرح والتعديل 9 / 174، تهذيب الكمال: 1510، 1511، تذهيب التهذيب 4 / 161 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 255، 256، خلاصة تذهيب الكمال: 426. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 306 مَتَّوَيْه، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَعَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَعِدَّةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، نِعْمَ الشَّيْخُ هُوَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَالِحاً صَدُوْقاً (1) . وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ عَنْ يَحْيَى وَأَخِيْهِ عَمْرٍو، فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَةٌ، وَلَكِن يَحْيَى كَانَ عَابِداً، وَعَمْرُو أَبصرُ مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ: سَمِعْتُ المُسَيَّبَ بنَ وَاضِحٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتياً أَتَانِي، فَقَالَ: إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنَ الأَبْدَالِ أَحَدٌ، فَيَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ وَأَخُوْهُ وَأَبُوْهُمَا لاَ بَأْسَ بِهِم، لَمْ أَرَ مَنْ يطعنُ فِي يَحْيَى غَيْر أَبِي عَرُوْبَةَ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ يَحْيَى لاَ يَسْوَى نوَاةً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يتلقَّنُ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ: وَكَانَ يُعْرَفُ بِالصِّدْقِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُجِلُّ يَحْيَى بنَ عُثْمَانَ، وَيُقَدِّمُهُ فِي الصَّلاَةِ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.   (1) " الجرح والتعديل " 9 / 174. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 307 117 - وَأَبُوْهُمَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ * مِنْ أَصْحَابِ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ. وَهُوَ صَدُوْقٌ، صَاحِبُ حَدِيْثٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَعَبَّاسٌ التَّرْقُفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ (1) ، وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرهُ. قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نجدَةَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنَ الأَبدَالِ (2) . قُلْتُ: مَوْتُهُ قَرِيْبٌ مِنْ أَبِي اليَمَانِ (3) . 118 - المَرَّارُ بنُ حَمُّويَه بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيُّ ** (ق) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، شَيْخُ هَمَذَانَ، أَبُو أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ الهَمَذَانِيُّ.   (*) الجرح والتعديل 6 / 152، تاريخ بغداد 11 / 293، 294، تهذيب الكمال: 910، 911، تذهيب التهذيب 3 / 30 / 1، تهذيب التهذيب 7 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 259. (1) " الجرح والتعديل " 6 / 152. (2) " تهذيب التهذيب " 7 / 118. وجاء فيه: ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال عبد الوهاب بن نجدة: هو ريحانة الشام عندنا. وقال الحاكم في " المستدرك ": ثقة. (3) جاء في " تهذيب التهذيب " 7 / 118: وفاته - كما قال مطين - سنة 209، وكذا أرخه ابن قانع. (* *) الجرح والتعديل 8 / 443، تهذيب الكمال: 1312، 1313، تذهيب التهذيب 4 / 29 / 1، العبر 2 / 7، تهذيب التهذيب 10 / 80، 81، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب 2 / 129. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 308 وُلِدَ بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ الكَاتِبِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، والقَعْنَبِيِّ، وَطبَقَتِهِمْ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ) ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدُّحَيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي غَانمٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمَّادٍ الطِّهرَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَرِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ عَن مُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى الحِمْصِيِّ. وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ (1)) : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الكَتَّانِيُّ، فَقِيْلَ: هُوَ المَرَّارُ. وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَقِيْلَ: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فضلاَنُ بنُ صَالِح قَالَ: قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: أَنْتَ أَحْفَظُ أَمِ المَرَّار؟ فَقَالَ: أَنَا أَحْفَظُ، وَهُوَ أَفْقَهُ.   (1) 5 / 239 في الشروط: باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك: حدثنا أبو أحمد، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكتاني، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال الحافظ في الفتح: كذا للاكثر غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته عن الفربري وافقه أبو ذر: حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه، وقال في المقدمة ص 236: سماه ابن السكن في روايته مرار بن حمويه، وبذلك جزم أبو ذر الهروي عن بعض مشايخه، وأبو نعيم في " المستخرج " وأبو مسعود في " الاطراف " وغيرهم، وقال الحاكم: أهل بخارى يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي البخاري، وقد أكثر البخاري من الرواية عنه، قال الحاكم: وقرأت هذا الحديث بخط أبي عمرو المستملي، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء، عن أبي غسان يعني فيجوز أن يكون هو الفراء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 309 وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا أَخْرَجَتْ هَمَذَانُ أَفْقَهَ مِنَ المَرَّارِ. قَالَ الحَافِظُ أَبُو شجَاعٍ شِيْرَوَيْه: نَزَلَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى المَرَّارِ، وَكَتَبَ عَنْهُ، وَهُوَ قَدِيْمُ المَوْتِ، جَلِيْلُ الخَطَرِ، سأَلَهُ جُمْهُوْرٌ النَّهَاوَنْدِيُّ عَنْ مَسَائِلَ، وَهِيَ مُدَوَّنَةٌ عَنْهُ، مَنْ نظرَ فِيْهَا عَلِمَ مَحَلَّ المرَّارِ مِنَ العِلْمِ الوَاسِعِ، وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالِديَانَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ أَحْمَدُ بنُ الدُّحَيْمِيِّ (1) : سَمِعْتُ المَرَّارَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارزقنِي الشَّهَادَةَ، وَأَمَرَّ يدَهُ عَلَى حَلْقِهِ. وَقِيْلَ: لَمَّا وَقعتْ فِتْنَةُ المُعْتَزِّ وَالمستعينِ كَانَ عَلَى هَمَذَانَ الأَمِيْرَانِ جَبَّاخٌ وَجُغْلاَنُ مِنْ قِبَلِ المُعْتَزِّ، فَاسْتشَارَ أَهْلُ هَمَذَانَ المَرَّارَ وَالجُرْجَانِيَّ فِي مُحَارَبَتِهِمَا، فَأَمرَاهُم بلُزُوْمِ مَنَازِلِهِم، فَلَمَّا أَغَارَ أَصْحَابُهُمَا عَلَى دَارِ سَلَمَةِ بنِ سَهْلٍ وَغَيْرِهَا، وَرَمَوْا رَجُلاً بِسهمٍ، أَفتيَاهُم فِي الحَرْبِ، وَتَقَلَّدَ المَرَّارُ سيفاً، فَخَرَجَ مَعَهُم، فَقُتِلَ عَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ طلبَ مُفْلحٌ المَرَّارَ، فَاعتصمَ بِأَهْلِ قُمّ. وَهَرَبَ مَعَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدٍ المُحَدِّثُ. فَأَمَّا إِبْرَاهِيْمُ فَهَازلَهُم وَقَاربَهُم فَسَلِمَ، وَأَمَّا المَرَّارُ، فَأَظهرَ مُخَالَفَتَهُم فِي التَّشَيُّعِ، وَكَاشَفَهُم، فَأَوقعُوا بِهِ وَقْتلُوهُ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَرَوَى الحُسَيْنُ بنُ صَالِح أَنَّ عَمَّهُ المَرَّارَ قُتِلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخمسُوْنَ سَنَةً. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ: قُتِلَ المَرَّارُ فِي السُّنَّةِ شهيداً. وَكَانَ   (1) بضم الدال وفتح الحاء وسكون الياء تحتها نقطتان وفي آخرها ميم وياء: وهي نسبة إلى دحيم، لقب القاضي أبي سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم القرشي الدمشقي مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد تصحفت في " تهذيب التهذيب " 10 / 81 إلى: " البرجمي ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 310 ثِقَةً عَالِماً فَقِيْهاً سُنِّيّاً - رَحْمَةُ اللهُ عَلَيْهِ -. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلاَمِ. وَمَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ العَالِي إِلاَّ بِالإِجَازَةِ. 119 - أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ المِصْرِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ، مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ. حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي اليَمَانِ، وَحَبِيبٍ كَاتِبِ مَالِكٍ، وَتحرَّجَ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالبَاغَنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سِرَاجٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ عَلاَّنُ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 120 - الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ ** (ق) العَلاَّمَةُ الحَافِظُ النَّسَّابَةُ، قَاضِي مَكَّةَ وَعَالِمُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي   (*) تهذيب الكمال: 21، 22، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 1، تهذيب 1 / 29، 30، خلاصة تذهيب الكمال: 6. (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 30. وفيه: قال أبو عمر الكندي في كتاب " الموالي ": كان من أهل العلم والرحلة والتصنيف: وروى عنه بقي بن مخلد، وكان لا يحدث إلا عن ثقة. (* *) مقدمة كتابه: جمهرة نسب قريش، بتحقيق الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر، الجرح والتعديل 3 / 585، الاغاني 9 / 41، 43، الفهرست: 123، 124، تاريخ بغداد 8 / 467، 471، مصارع العشاق: 255، 256، معجم الأدباء 11 / 161، 165، الكامل = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 311 بكرٍ بكَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كلاَبٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ المَدَنِيُّ المَكِّيُّ. مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَذُؤَيْبِ بنِ عِمَامَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَعَبْدِ المَجِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زَبَالَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ الضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ، وَمُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ عَمِّهِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِ) ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، وَحَرَمِيُّ بنُ أَبِي العَلاَءِ المَكِّيُّ، وَاسمُهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزْرَقُ، وَحَدَّثَ فِي أَواخِرِ أَيَّامِهِ بِبَغْدَادَ. وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (نَسَبِ قُرَيْشٍ) ، وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيْرٌ نفيسٌ (1) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَدركْتُهُ وَرَأَيْتُهُ، ُ وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ (2) .   = لابن الأثير 7 / 217، وفيات الأعيان 2 / 311، 313، تهذيب الكمال: 426، 427، تذهيب التهذيب 1 / 232 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 528، دول الإسلام 1 / 121، ميزان الاعتدال 2 / 66، العبر 2 / 12، مرآة الجنان 2 / 167، تاريخ ابن كثير 11 / 24، العقد الثمين 4 / 427، 429، تهذيب التهذيب 3 / 312، 314، النجوم الزاهرة 3 / 25، طبقات الحفاظ: 231، خلاصة تذهيب الكمال: 120، شذرات الذهب 2 / 133، 134. (1) وقد ذكر ياقوت في " معجمه " 11 / 164، 165 اثنين وثلاثين كتابا للزبير بن بكار. (2) " الجرح والتعديل " 3 / 585. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 312 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَرُوِيَ عَنِ السَّرِيِّ بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، قَالَ: لَقِيَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيَّ، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَمِلْتَ كِتَاباً سَمَّيْتَهُ كِتَابَ (النَّسَبِ) وَهُوَ كِتَابُ الأَخْبَارِ. فَقَالَ: وَأَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَمِلْتَ كِتَاباً سَمَّيْتَهُ كتابَ (الأَغَانِي) وَهُوَ كِتَابُ المغَانِي (1) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ الكوكبِيُّ: لَمَّا قَدِمَ الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ بَغْدَادَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ المُسْتَمْلِي عَلَيْهِ: مَنْ ذَكَرْتَ يَا ابْنَ حوَاريِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَعْجَبَهُ (2) . رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الملكِ التَّاريخِيُّ، قَالَ: أَنشدنِي ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ لِنَفْسِهِ فِي الزُّبَيْرِ بنِ بكَّارٍ: مَا قَالَ لاَ قَطُّ إِلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ ... وَلاَ جَرَى لَفْظُهُ إِلاَّ عَلَى نَعَمِ بَيْنَ الحَوَارِيِّ وَالصِّدِّيْقِ نِسْبَتُه ... وَقَدْ جَرَى وَرَسُوْلُ اللهِ فِي رَحِم (3) الكوكبِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المَارستَانِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ، قَالَ: قَالَتْ بِنْتُ أُختِي لأَهْلِنَا: خَالِي خَيْرُ رَجُلٍ لأَهْلِهِ، لاَ يتَّخِذُ ضَرَّةً وَسُرِّيَّةً (4) . قَالَ: تَقُوْلُ المرأَةُ: وَاللهِ هَذِهِ الكُتُبُ أَشَدُّ عليَّ مِنْ ثَلاَثِ ضرَائِرٍ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 469، و" وفيات الأعيان " 2 / 311. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 8 / 468 عن المعافى بن زكريا، قال: قال لنا أبو علي الكوكبي: لما قدم الزبير - يعني ابن بكار - إلى بغداد، قال: اعرضوا على مستمليكم، فعرضوا عليه فأتاهم. فلما حضر أبو حامد المستملي: قال له: من ذكرت يا بن حواري رسول الله؟ قال: فأعجبه أمره، فاستملى عليه. (3) البيتان في " تاريخ بغداد " 8 / 468. (4) في " تاريخ بغداد " 8 / 471، و" وفيات الأعيان ": ضرة، ولا يشتري جارية. (5) " تاريخ بغداد " 8 / 471، و" وفيات الأعيان " 2 / 312. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 313 قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّيْرَفِيُّ: سَأَلْتُ الزُّبَيْرَ: مُنْذُ كَمْ زَوْجَتُكَ مَعَكَ؟ قَالَ: لاَ تسأَلْنِي، لَيْسَ تردُ القِيَامَةَ أَكْثَرُ كِباشاً مِنْهَا، ضحَّيْتُ عَنْهَا سَبْعِيْنَ كَبْشاً (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الزُّبَيْرُ ثِقَةً ثَبْتاً عَالِماً بِالنَّسَبَ وَأَخْبَارِ المُتَقَدِّمِيْنَ، لَهُ مُصَنَّفٌ فِي (نسب قُرَيْشٍ (2)) . قُلْتُ: الكِتَابُ مِنْ عَوَالِي الفخرِ عليٍّ عَنِ ابْنِ طَبَرزَدْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ السّليمَانِيُّ الحَافِظُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. كَذَا قَالَ، وَلاَ يَدْرِي مَا يَنْطِقُ بِهِ (3) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الطُّوْسِيُّ: تُوُفِّيَ الزُّبَيْرُ لِتِسْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِمَكَّةَ. وَقَدْ بَلَغَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ مُصْعَبٌ بَعْدَ فرَاغِنَا مِنْ قِرَاءةِ كِتَابِ (النَّسَبِ) عَلَيْهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ: وَكَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ فَوْقِ سَطْحِهِ، فَمَكَثَ يَوْمَيْن لاَ يَتَكَلَّمُ، وَمَاتَ، انكسرَتْ تَرْقُوَتُهُ وَوَرِكُهُ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 471. (2) اسمه " جمهرة نسب قريش وأخبارها " وقد نشر الجزء الأول منه وهو أقل من النصف الثاني للكتاب بتحقيق وشرح العلامة الشيخ محمود محمد شاكر سنة 1381 هـ. (3) وقال في " ميزان الاعتدال " 2 / 66: لا يلتفت إلى قوله، وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب ": وهذا جرح مردود، فلعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة، وعمر بن أبي بكر المؤملي، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم، فإن في كتاب " النسب " عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 314 مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي ابْنُ قَاضِي أَبَرْقُوه، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بكَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، عَنْ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، مَنْ لَقِيَ اللهَ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ دَخَلَ الجَنَّةَ (1)) . وَبِهِ: إِلَى الحُسَيْنِ المَحَامِلِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ جَابِرٍ (2) ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَذكرَهُ، وَقَالَ: (لَمْ يُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ) . وَرَوَاهُ مَالِكُ بنُ مِغْوَل، عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا (3) .   (1) إسناده ضعيف، أبو غزية - واسمه محمد بن موسى - ضعفه البخاري وأبو حاتم وابن حبان، وفليح بن سليمان كثير الخطأ، لكن متن الحديث صحيح من غير هذا الطريق. انظر التعليق الآتي. (2) كذا الأصل، ولم أجده عن جابر، وربما يكون الصواب: " أو عن أبي سعيد " كما أخرجه احمد 3 / 11، ومسلم (27) (45) في الايمان: باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، كلاهما من طريق أبي معاوية بهذا الإسناد، والشك في صحابي هذا الحديث من الأعمش كما هو مصرح به في رواية احمد ومسلم. (3) هو في " صحيح مسلم " (27) (44) ، وفي الباب عن رفاعة بن عرابة الجهني عند أحمد 4 / 16، وعن عمر عند البزار (11) وعن عمران بن حصين عند البزار (14) أيضا، وعن = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 315 121 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُنِيْرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ * (خَ، ت، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ الوَلِيُّ الحَافِظُ الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَطَبَقَتِهِم. وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحْلَةِ، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ وَالفَضْلِ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ بنُ السَّمَيْدَعِ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَهُبَيْرَةُ بنُ حسنٍ البَغَوِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ. قَالَ الفِرَبْرِيُّ: كَانَ يَسْكُنُ فِرَبْر، وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ (1) : تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.   = سعد بن عبادة عند الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " 6 / 21، وعن أبي عمرة الأنصاري عند أحمد 3 / 417، 418. (*) التاريخ الكبير 5 / 212، 213، الجرح والتعديل 5 / 181، 182، تهذيب الكمال: 745، تذهيب التهذيب 2 / 190 / 1، العبر 1 / 436، تهذيب التهذيب 6 / 43، خلاصة تذهيب الكمال: 216، شدرات الذهب 2 / 99، المنتظم 5 / 40. (1) هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الشافعي اللالكائي. فقيه، محدث، حافظ، متكلم. قدم بغداد، واستوطنها، ودرس الفقه الشافعي على أبي حامد الاسفراييني وتوفي بالدينور سنة 418 هـ. من آثاره: " مذاهب أهل السنة "، وكتاب " رجال الصحابة ". سترد ترجمته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 316 قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مَحْمُوْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ بَدْرٍ القُرَشِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ منيرٍ قَبْلَ الصَّلاَةِ، يَكُوْن بِفِرَبْر، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الصَّلاَةِ يرونَهُ فِي مَسْجِدِ آمُل، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَمْشِي عَلَى المَاءِ. فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَا المشِيُ عَلَى المَاءِ فَلاَ أَدْرِي، وَلَكِن إِذَا أَرَادَ اللهُ جَمَعَ حَافَّتَيِ النَّهْرِ، حَتَّى يَعْبُرُ الإِنْسَانُ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنَ المَجْلِسِ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، يَجْمَعُ شَيْئاً مِثْلَ الأُشْنَانِ وَغَيْرهِ، يَبِيْعُهُ فِي السُّوْقِ، وَيعيشُ مِنْهُ فَخَرَجَ يَوْماً مَعَ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالأَسدِ رَابضٌ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: قِفُوا، وَتقدَّمَ هُوَ إِلَى الأَسدِ، فَلاَ ندرِي مَا قَالَ لَهُ، فَقَامَ الأَسدُ، فَذَهَبَ. وَسُئِلَ ابْنُ رَاهْوَيْه: أَيدخُل الرَّجُلُ المفَازَةَ بِغَيْرِ زَادٍ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَنَعَمْ. وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ منيرٍ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ. 122 - بَحْشَلٌ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ * (م) الحَافِظُ العَالِمُ المُحَدِّثُ، أَبُو عُبَيْدِ اللهِ، أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبِ بنِ مُسْلِمٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ المِصْرِيُّ، وَيُعْرَفُ بـ: بَحْشَل (1) ، ابْنُ أَخِي عَالِمِ مِصْرَ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ. أَكْثَرَ عَنْ: عَمِّهِ جِدّاً، وَعَنِ: الشَّافِعِيِّ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.   (*) الجرح والتعديل 2 / 59، 60، الجمع بين رجال الصحيحين: 14، تهذيب الكمال: 30، تذهيب التهذيب 1 / 18 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 113، 114، الوافي بالوفيات 7 / 47، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 26، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 1 / 54، 56، خلاصة تذهيب الكمال: 9، شذرات الذهب 2 / 147. (1) بفتح الموحدة، وسكون المهملة، بعدها شين معجمة: لقب له. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 317 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ مُحْتَجّاً بِهِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَعَبْدَان، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ وَالمغَارِبَةِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: رَأَيْتُ شُيُوْخَ مِصْرَ مُجمعِين عَلَى ضَعْفِهِ، وَالغُرَبَاءُ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الأَخَذِ عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، فَمَنْ دُونهمَا (1) . وَقَالَ لِي عَبْدَانُ: كَانَ فِي أَيَّامِنَا مُسْتَقِيْمَ الأَمْرِ، وَمَن لَمْ يلحقْ حَرْمَلَةَ اعتمدَهُ، وَكُلُّ مَنْ تَفَرَّدَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِشَيْءٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ (2) ، مِنْ ذَلِكَ كِتَابُ الدجَّالِ (3) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، فَمَرَّ عَلَيْهِ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ رَاكباً، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلاَ أُطْرِفُكَ بِشَيْءٍ؟ جَاءنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي عَنْكَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا يُسْأَلُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ عَنَّا، لَيْسَ نَحْنُ نُسأَلُ عَنْهُ، هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَملِي لَنَا عِنْدَ عَمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ لَنَا. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كُلُّ مَا أَنْكَروهُ عَلَيْهِ فيُحْتَمَلُ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، لَعَلَّ عَمَّهُ خَصَّهُ بِهِ (4) . قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ خُزَيْمَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: لِمَ رويتَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَتركتَ   (1) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55. (2) تصحفت في " ميزان الاعتدال " إلى: عبد الله. (3) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55. (4) " ميزان الاعتدال " 1 / 113، و" تهذيب التهذيب " 1 / 55. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 318 سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ؟ قَالَ: لأَنَّ أَحْمَدَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَعَرَضوهَا عَلَيْهِ، رَجَعَ عَنْهَا عَنْ آخرِهَا إِلاَّ حَدِيْثَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ (إذَا حَضَرَ العَشَاءُ (1)) . وَأَمَّا ابْنُ وَكِيْعٍ، فَكَانَ وَرَّاقُهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ، فرَوَاهَا، وَكلَّمْنَاهُ فِيْهَا، فَلَمْ يرجِعْ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: أَبُو عُبَيْدِ اللهِ لاَ تَقُوْمُ بِهِ حجَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الضُّعَفَاءِ) : جَعَلَ يَأْتِي عَنْ عَمِّهِ بِمَا لاَ أَصْلَ لَهُ، كَأَنَّ الأَرْضَ أَخْرَجَتْ لَهُ أَفلاَذَ كَبِدِهَا. رَوَى عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلاَةً إِلَى صَلاَتِكُمْ، وَهِيَ الوِتْرُ) (2) .   (1) أخرجه البخاري 2 / 134، من طريق الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس، أخرجه أيضا 9 / 505 من طريق وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وأخرجه الحميدي (1181) ، ومسلم (557) ، وأحمد 3 / 110، والترمذي (353) وابن ماجة (933) ، والنسائي 2 / 111 من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس، وأخرجه مسلم بن طريق ابن وهب، عن عمرو، عن ابن شهاب، عن أنس. (2) أورده الزيلعي في " نصب الراية " 2 / 110، وقال: أخرجه الدارقطني في غرائب مالك، عن حميد بن أبي الجون الإسكندراني، حدثنا عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال الدارقطني: وحميد بن أبي الجون ضعيف، وقال ابن يونس في " تاريخ مصر ": روى عن ابن وهب حديثا منكرا لا يتابعه عليه إنسان. قلت: لكن متن الحديث صحيح، فقد أخرجه من حديث عمرو بن العاص أحمد 6 / 397، من طريق يحيى ابن إسحاق، والطحاوي 1 / 250 من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ كلاهما عن عبد الله بن لهيعة، أخبرنا عبد الله بن هبيرة، سمعت أبا تميم الجيشاني، سمعت عمرو بن العاص، عن أبي بصرة الغفاري مرفوعا " إن الله زادكم صلاة صلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر " وهذا سند قوي، فإن راويه ابن لهيعة عند الطحاوي عبد الله بن يزيد المقرئ وهو أحد العبادلة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة يكون حديثه صحيحا، على أن ابن لهيعة لم ينفرد به، فقد رواه احمد 6 / 7 من طريق علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا سعيد ابن يزيد، حدثني بن هبيرة بهذا الإسناد وهذا سند صحيح، وفي الباب عن عمرو بن شعيب، عن = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 319 قُلْتُ: لاَ يُحتَملُ مَالِكٌ، بَلْ وَلاَ ابْنُ وَهْبٍ هَذَا. وَهَكَذَا ذكرَهُ ابْنُ حِبَّانَ تَعْلِيْقاً. ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَكُوْنُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُحِلُّونَ الحَرَامَ، وَيُحَرِّمُونَ الحَلاَلَ، وَيَقِيْسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ (1)) . فهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ بِنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ عِيْسَى، وَسرقَهُ مِنْهُ سُوَيْدٌ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ العُرْضِيُّ (2) ، وَالحَكَمُ بنُ المُبَارَكِ الخَاسْتِيُّ (3) ، أَنْكَروهُ عَلَى أَبِي عبيدِ اللهِ عَنْ عَمِّهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَهُ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ،   = أبيه عن جده عند أحمد 2 / 206 و208، في " المسند " وص 84 في " الاشربة "، والدارقطني 2 / 31. وعن خارجة بن حذافة عند أبي داود (1418) ، والترمذي (452) ، والدارمي 1 / 370، وابن ماجة (1168) ، والطحاوي 1 / 250، والدارقطني 2 / 30، والحاكم 1 / 306، والبيهقي 2 / 478. وانظر " نصب الراية " 2 / 108، 112. (1) وهو ضعيف، وفي ميزان الاعتدال " 4 / 268 في ترجمة نعيم بن حماد: قال محمد بن علي بن حمزة المروزي: سألت يحيى بن معين عن هذا - يعني هذا الحديث -، فقال: ليس له أصل، قلت: فنعيم؟ قال: ثقة، قلت: يحدث ثقة بباطل؟ قال: شبه له. (2) بضم العين، وسكون الراء المهملتين، وفي آخرها الضاد المعجمة. قال السمعاني: هذه النسبة إلى عرض، وهي ناحية بدمشق. وعبد الوهاب هو ابن الضحاك العرضي السلمي، من أهل حمص. قال أبو حاتم بن حبان في " المجروحين " 2 / 140: حدثنا عنه شيوخنا، وكان ممن يسرق الحديث ويرويه ... لا يحل الاحتجاج به ولا الذكر عنه إلا على جهة الاعتبار. (3) في " ميزان الاعتدال ": الخاشتي، بإعجام الشين وهو تصحيف انظر " الأنساب " 5 / 18. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 320 عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعاً: (إِذَا كَانَ الجِهَادُ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَخْرُجْ إِلاَّ بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ (1)) . ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عمِّي، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ مَرْفُوْعاً: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يُرْسَلُ إِلَى القُرْآنِ، فَيُرْفَعُ مِنَ الأَرْضِ (2)) . فَهَذَا تَفَرَّدَ برفعِهِ. أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْن وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عمِّي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ المُؤَنَّثِينَ أَوْلاَدُ الجِنِّ (3)) . قِيْلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: نَهَى   (1) وهو في " معجم الطبراني الصغير " 1 / 104 من طريق أسامة بن علي بن سعيد بن بشير الرازي، عن أبي عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بهذا الإسناد، ومعنى الحديث ثابت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه البخاري 6 / 97، 98، في الجهاد: باب الجهاد بإذن الأبوين، ومسلم (2549) في البر والصلة: باب بر الوالدين وأنهما أحق به قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: " أحي والداك "؟ قال: نعم، قال: " ففيهما فجاهد " وفي رواية لمسلم " فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما " ولابي داود (2528) " ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما " ولابي داود (2530) وصححه ابن حبان (1622) من حديث أبي سعيد بلفظ " ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ". (2) لكن صح معناه من طريق آخر، فقد أخرجه ابن ماجة (4049) من طريق أبي معاوية، عن أبي مالك الاشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عزوجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة. فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا. وإسناده صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 247، وصححه الحاكم 4 / 473 على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (3) المؤنث: ذكر في خلق أنثى، وهو المخنث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 321 اللهُ أَنْ يَأتِيَ الرَّجُلُ حَائِضاً، فَإِذَا أَتَاهَا سَبَقَهُ بِهَا الشَّيْطَانُ، فَحْملَتْ مِنْهُ، فَأَنثَ المُؤنَّثَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (1) . قَالَ خَالِدُ بنُ سَعْدٍ (2) الأَنْدَلُسِيُّ: سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ عُثْمَانَ الأَعنَاقِيَّ (3) ، وَسَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ فُطيسٍ يُحْسِنُونَ الثَّنَاءَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَيُوثِّقونَهُ، فَقَالَ الأَعنَاقِيُّ: قَدمْنَا مِصْرَ، فَوجَدْنَا يُوْنُسَ أَمْرَهُ صعباً، وَوجدنَا أَحْمَدَ أَسهلَ، فَجَمَعنَا لَهُ دَنَانِيْرَ، وَأَعطينَاهُ، وَقَرَأْنَا عَلَيْهِ (مُوَطَّأَ) عَمِّهِ وَجَامِعَهُ. وَسَمِعْتُ ابْنَ فُطَيسٍ يَقُوْلُ: فصَارَ فِي نَفْسِي، فَأَردْتُ أَنْ أَسْأَلَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، العَالِمُ يَأْخُذُ عَلَى قِرَاءةِ العِلْمِ؟ فشعرَ فِيْمَا ظَهرَ لِي أَنِّي إِنَّمَا سَأَلْتُهُ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ لِي: جَائِزٌ، عَافَاكَ اللهُ، حلاَلٌ أَنْ لاَ أَقرأَ لَكَ وَرَقَةً إِلاَّ بِدِرْهَمٍ، وَمَنْ أَخَذَنِي أَنْ أَقْعُدَ مَعَكَ طولَ النَّهَارِ، وَأَدَعَ مَا يلزمُنِي مِنْ أَسبَابِي، وَنفقَةِ عِيَالِي؟! هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ مُتوجِّهٌ فِي حقِّ مُتَسَبِّبٍ يَفوتُهُ الكَسْبُ وَالاحْتِرَافُ لتعوُّقِهِ بِالرِّوَايَةِ لمَا قَالَ عَلِيُّ بنُ بَيَان الرَّزَّازُ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ بِعُلُوِّ جزءِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَكَانَ يَطْلُبُ عَلَى تَسْمِيعِهِ دِيْنَاراً: أَنْتُم إِنَّمَا تطلبُونَ مِنِّي   (1) قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1 / 56: وقد صح رجوع أحمد عن هذه الأحاديث التي أنكرت عليه، ولاجل ذلك اعتمده ابن خزيمة من المتقدمين، وابن القطان من المتأخرين. (2) تحرف في " نفح الطيب " 2 / 52 و213 و237 و243 إلى " سعيد " وهو مترجم في " تاريخ علماء الأندلس " لابن الفرضي: 1 / 130. (3) الاعناقي: نسبة إلى موضع يقال له: أعناق وعناق. انظر ترجمته في " جذوة المقتبس ": 214، و" بغية الملتمس ": 803 و" تاريخ علماء الأندلس " 1 / 164، و" نفح الطيب " 2 / 633. توفي سنة 305 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 322 العُلُوَّ، وَإِلاَّ فَاسْمَعُوا الجُزْءَ مِنْ أَصْحَابِي، فَفِي الدَّرْبِ جَمَاعَةٌ سمِعُوهُ مِنِّي. فَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ عَسِراً ثَقِيْلاً لاَ شُغلَ لَهُ، وَهُوَ غنِيٌّ، فَلاَ يُعطَى شَيْئاً، وَاللهُ المُوَفِّقُ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَقَدْ رَوَى أُلُوْفاً مِنَ الحَدِيْثِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَخمسَةُ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةٌ فِي جنبِ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ لِترْكه، نعم، وَلاَ هُوَ فِي القُّوَّةِ كيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى وَبُنْدَارٍ. 123 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ بنِ نَافِعٍ البَغْدَادِيُّ * (د، ت، س) الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ الوَرَّاقُ. سَمِعَ: أَبَا ضَمْرَةَ اللَّيْثِيَّ، وَيَحْيَى بنَ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيَّ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَطَبَقَتَهُم. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الوَرَّاقُ:   (*) الجرح والتعديل 6 / 74، تاريخ بغداد 11 / 25، 28، طبقات الحنابلة 1 / 209، 212، تهذيب الكمال: 871، 872، تذهيب التهذيب 2 / 259 / 1، تذكرة الحفاظ، 2 / 526، 527، تهذيب التهذيب 6 / 448، النجوم الزاهرة 2 / 331، 332، طبقات الحفاظ: 229، خلاصة تذهيب الكمال: 248. (1) " تاريخ بغداد " 11 / 27 و" تهذيب الكمال ": 871 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526 وكذا قال فيه الدارقطني. وقال الخطيب: كان ثقة صالحا ورعا زاهدا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 323 رَجُلٌ صَالِحٌ، مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لإِصَابَةِ الحَقِّ (1) . قَالَ الحَسَنُ وَلَدُهُ: مَا رَأَيْتُ أَبِي مَازحاً قَطُّ، وَلاَ ضَاحِكاً إِلاَّ تَبَسُّماً (2) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَافَاهُ اللهُ، قَلَّ أَنْ تَرَى مِثْلَهُ (3) . قُلْتُ: كَانَ كَبِيْرَ الشّأْنِ، مِنْ خَوَاصِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ. مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 124 - أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرَّبَعِيُّ المَرْوَزِيُّ * الإِمَامُ المُقْرِئُ المُجَوِّدُ الحَافِظُ الثِّقَةُ، أَبُو نَشِيْطٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، الرَّبَعِيُّ المَرْوَزِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. تَلا عَلَى: عِيْسَى بنِ مِيْنَا بحرفِ نَافِعٍ (4) ، وَسَمِعَ مِنْ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدُّوسِ الحِمْصِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عيَّاشٍ، وَأَبِي اليَمَانِ، وَعَمْرِو بنِ   (1) " طبقات الحنابلة " 1 / 211، و" تهذيب الكمال ": 871. (2) " تاريخ بغداد " 11 / 76. وجاء بعده: ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي، فجعل يقول لي: صاحب قرآن يضحك هذا الضحك؟ وإنما كنت مع أمي. والخبر في " تهذيب الكمال ": 871، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526. (3) " تهذيب الكمال ": 871، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 526. (*) الجرح والتعديل 8 / 117، تاريخ بغداد 3 / 352، 353، تهذيب الكمال: 1280، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 272، 273، تهذيب التهذيب 9 / 493، 494، المنتظم 5 / 15. (4) تقدمت ترجمته في الجزء السابع ص 336. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 324 الرَّبِيْعِ المِصْرِيِّ، وَالوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ المُقْرِئِ، وَطَائِفَةٍ. قرأَ عَلَيْهِ: أَبو حسَّان أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ العَنَزِيُّ، وَاعتمدَ عَلَى طَرِيْقِهِ أَبُو عَمْرٍو (1) فِي (تيَسِيْرهِ) مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ بُويان. وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي (التَّفْسِيْرِ) وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَقَاسِمٌ المُطَرِّزُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نَشِيْطٍ، وَكَانَ حَافِظاً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ (3) . قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّبَعِيُّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ الفَلاَّسُ المَعْرُوْفُ بِأَبِي نَشِيْطٍ سَمِعَ رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَسَاقَ باقِي التَّرْجَمَةِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: كَتَبْتُ مِنْ خطِّ أَبِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ المُقْرِئِ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ صَاحِبُنَا قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ بُويان أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ الأَشْعَثِ، وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي نَشِيْط، عَنْ قَالُوْنَ، وَذَلِكَ بجزمِ المِيمِ   (1) سترد ترجمته. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 117، و" تاريخ بغداد " 3 / 352، و" تهذيب الكمال " 1280. (3) " تاريخ بغداد " 3 / 353، و" تهذيب الكمال ": 1280 وقال: ذكره ابن حبان في " الثقات " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 325 مِنْ: (عَلَيْهِمْ) ، وَ (إليهِمْ) ، وَ (لديهِمْ) ، وَأَشْبَاهِهِ جَمِيْعَ القُرْآنِ. ثُمَّ قَالَ الدَّانِيُّ: خَالفَهُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ بُويان، فَرَوَى ضمَّ المِيمِ فِي جَمِيْعِ القُرْآنِ. وفِي (سَبْعَةِ) ابْنِ مُجَاهدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مهرَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ قَالُوْنَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعِيبُ رفعَ المِيمِ فِي نَحْوِ {أَنْذَرْتَهُمُ أَمْ لَم} [البَقَرَة: 6] وَشِبْهِهِ. وَقَدْ وَهِمَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا نَشِيْطٍ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَإِنَّمَا المُتوفَّى فِي نَحْوِ هَذِهِ السَّنَةِ المحدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ شِيَطَا، وَأَصَابَ فِي جَعلِ أَبِي نَشِيْطٍ المَرْوَزِيِّ هُوَ البَغْدَادِيُّ الرَّبَعِيُّ، وَبَعْضُ النَّاسِ يُفَرِّقُ بَيْنَ التَّرْجَمَتَينِ، وَهُمَا وَاحِدٌ - هَذَا الرَّاجحُ عِنْدِي - وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، كَمَا قَالَهُ تلمِيذُهُ ابْنُ مَخْلَدٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ: عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ بِرِوَايَةِ قَالُوْنَ خَتْمَةً عَلَى هِبَةِ اللهِ بنِ الطَّبَرِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاطِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ بُويانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حسَّان، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي نَشِيْطٍ، وَقَرَأَ عَلَى قَالُوْنَ صَاحِبِ نَافِعٍ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطّيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، وَالعَبَّاسُ التَّرْقُفِيُّ (1) ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَان، حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بنُ   (1) الترقفي، بفتح التاء، وسكون الراء، وضم القاف، وفي آخرها الفاء. قال = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 326 عُبَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ الزُّبَيْرَ بنَ الوَلِيْدِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا غَزَا أَوْ سَافَرَ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، قَالَ: (يَا أَرْضُ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيْكِ، وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْكِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَمِنْ سَاكِنِي البَلَدِ، وَمِنْ شَرِّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) (1) . 125 - مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ أَبُو جَعْفَرٍ المُخَرِّمِيُّ الفَلاَّسُ * وَقِيْلَ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ، أَبُو جَعْفَرٍ، المُخَرِّمِيُّ، الفَلاَّسُ، شَيطَا. حَافِظٌ ثِقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2) . سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ. وَعَنْهُ: المَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. مَاتَ بِالنَّهْرَوَانِ (3) سنَةَ 265.   = السمعاني: هذه النسبة إلى ترقف، وظني أنها من أعمال واسط، والله أعلم. والعباس الترقفي هو أبو محمد العباس بن عبد الله بن أبي عيسى. كان ثقة صدوقا مأمونا حافظا عارفا بالحديث. وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان وستين ومئتين. انظر " الأنساب " 3 / 41، 42. (1) وأخرجه أحمد 2 / 132 و3 / 124، من طريق أبي المغيرة، وأبو داود (2603) ، من طريق بقية كلاهما عن صفوان بهذا الإسناد، والزبير بن الوليد لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك، فقد صححه الحاكم 2 / 100، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في " أمالي الاذكار " فيما نقله عنه ابن علان في " الفتوحات الربانية " 5 / 164. (*) الجرح والتعديل 8 / 118، تاريخ بغداد 3 / 353، 354، الإكمال 7 / 89، الأنساب، ورقة: 434 / ب، الوافي بالوفيات 5 / 147، تبصير المنتبه 3 / 1116، المنتظم 5 / 55. (2) " الجرح والتعديل " 8 / 118. (3) قال ياقوت: وأكثر ما يجري على الالسنة بكسر النون، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، حدها الأعلى متصل ببغداد. وكان بها وقعة لامير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، مع الخوارج مشهورة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 327 وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ فِي الأَكَابِر عَنْ مَالِكٍ. 126 - عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمِ بنِ حَيَّانَ الطُّوْسِيُّ * (م) الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ المَوْلِدِ، النَّيْسَابُوْرِيُّ الوطنِ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعاً، وَخَالِدَ بنَ الحَارِثِ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَسَائِرُ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِبَلَدِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَافِظُ: عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ يُجَوِّدُ فِي حَدِيْثِ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: ثِقَةٌ. قُلْتُ: قَدْ جمعَ زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ عَوَالِي ابْنِ هَاشِمٍ، سَمِعْنَاهُ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سلمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، قَالَ لَنَا وَكِيْعٌ: أَيُّ الإِسْنَادَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُم: الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَوْ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ   (*) الجرح والتعديل 5 / 196، الأنساب 6 / 37، 38، اللباب 2 / 5، تهذيب الكمال: 750، تذهيب التهذيب 2 / 192 / 2، تهذيب التهذيب 6 / 60، خلاصة تذهيب الكمال: 217. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 328 إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْنَا: الأَوَّلُ. فَقَالَ: الأَعْمَشُ شَيْخٌ، وَأَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ، وَسُفْيَانُ فَقِيْهٌ، وَمَنْصُوْرٌ فَقِيْهٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ فَقِيْهٌ، وَعَلْقَمَةُ فَقِيْهٌ، وَحَدِيْثٌ يتدَاولهُ الفُقَهَاءُ خَيْرٌ مِمَّا يتدَاولهُ الشُّيُوْخُ. قُلْتُ: بَلْ وَالأَعْمَشُ وَشَيْخُهُ لَهُمَا فقهٌ وَمَعْرِفَةٌ وَجَلاَلَةٌ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمِ بنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْراً) (2) . 127 - البَجَلِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ * الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بُخَارَى.   (1) " تهذيب الكمال ": 750 وجاء بعده: وقال أحمد بن سيار المروزي وأبو بكر بن منجويه: مات سنة تسع وخمسين ومئتين. وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وجاء في " تهذيب التهذيب " 6 / 60: قال الخليلي: ثقة كبير. (2) وأخرجه من طرق عن شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس: البخاري 8 / 210، 211 في تفسير سورة المائدة: باب قوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) ، و11 / 273 في الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم "، ومسلم (2359) في الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم. (*) لم نقف على ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 329 حَدَّثَ عَنْ: عمِّ أَبِيْهِ الحَسَنِ بنِ الرَّبِيْعِ البُورَانِيِّ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ. روَى عَنْهُ أَهْلُ بُخَارَى. قَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْأَلُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الهيثمِ، لَمَّا قَدِمَ، فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ. قَالَ بكرٌ: جَمِيْعُ مَا حَدَّثَنَاهُ مِنْ حِفْظِهِ، وَالكُتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَطَروحَةٌ. أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَردَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ غُنجَارٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُنِيْرِ بنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الهَيْثَمِ البَجَلِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ بِبَغْدَادَ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ المُتَوَكِّلِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَلِدُ البنَاتِ، فَحْملت مَرَّةً، فحلفَ القَائِدُ إِنْ وَلدَتْ هَذِهِ المرَّة بنتاً قتلتُكِ بِالسَّيْفِ. فَلَمَّا جلَسَتْ لِلْوِلاَدَةِ هِيَ وَالقَابلَةُ، أَلقت مِثْل الجُريِّبِ وَهُوَ يضْطربُ فَشَقُّوهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ أَرْبَعُوْنَ ابْناً، وَعَاشوا كلُّهُم، وَأَنَا رأَيتُهُم بِبَغْدَادَ رُكْبَاناً خَلْفَ أَبيهِم، وَكَانَ اشْتَرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم ظِئْراً. قَالَ بكرٌ: فَحضرتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَحَدَّثَهُ أَبِي بِمَا حَكَى لَنَا ابْنُ الهَيْثَمِ، فَقَالَ: إِنَّهُ صَدُوْقٌ مستورٌ. قَالَ غَنجَارٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائتينِ. قُلْتُ: وَبكرٌ ثِقَةٌ. فسُبْحَانَ القَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (1) .   (1) لا شك أن الله قادر على كل شيء، ولكن إثبات مثل هذا الخبر يحتاج إلى تثبت وتمحيص. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 330 128 - أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلِ بنِ قُرَيْشِ بنِ بُدَيرِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيُّ * (ت، ق (1)) قَاضِي الكُوْفَةِ ثُمَّ هَمَذَانَ، الحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ، عَالِمٌ دَيِّنٌ فَاضِلٌ مُعَمَّرٌ. حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَالمُحَارِبِيِّ، وَوَكِيْعٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ الهَمَذَانِيُّ تِلْمِيْذُ ابْنِ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَمْرُوسٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَكِيْلُ أَبِي صَخْرَةَ (2) ، وَحَاجِبٌ الفَرْغَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عِيْسَى الوَزِيْرُ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزَّعْفَرَانِيُّ قُلَيْلَة، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى أَحَادِيْثَ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيْهِ لينٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَمْ يُقْضَ لِيَ السَّمَاعُ مِنْهُ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقَ (3) .   (*) الجرح والتعديل 2 / 43، تاريخ بغداد 4 / 49، 52، الأنساب، ورقة: 596 / ب، تهذيب الكمال: 17، 18، تذهيب التهذيب 1 / 8 / 1، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 6 / 263، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 1 / 17، 18، خلاصة تذهيب الكمال: 4، شذرات الذهب 2 / 137، المنتظم 5 / 9. ميزان الاعتدال 1 / 84، 85. (1) بفتح الياء وبعد الالف ميم، نسبة إلى يام بن أصبى بن رافع ... بطن من همدان. (2) في " تهذيب الكمال ": 17. أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل، صاحب أبي صخرة. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 43، و" تاريخ بغداد " 4 / 49، و" تهذيب التهذيب " 1 / 17 وجاء فيه أيضا: قال النسائي، لا بأس به. وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: مستقيم الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 331 قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى بِالْكُوْفَةِ رَاهِبَ الكُوْفَةِ، فَلَمَّا تَقَلَّدَ القَضَاءَ قَالَ: خُذِلْتُ عَلَى كبرِ السِّنِّ. مَعَ عفَّتِهِ وَصيَانَتِهِ (1) . قَالَ مُطَيَّنٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 129 - أَحْمَدُ بنُ إِسْرَائِيْلَ بنِ الحُسَيْنِ الأَنْبَارِيُّ * الكَاتِبُ، وَزِيْرُ المُعْتَزِّ. كَانَ ذَا مَكَانَةٍ رَفِيْعَةٍ عِنْدَ المُعْتَزِّ، فَاسْتوزَرَهُ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، فنهضَ بأَعبَاءِ الأَمْرِ، وَكَانَ يُضْرَبُ بذَكَائِهِ المَثَلُ، لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظَهُ. وَكَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حسَابِ الدِّيْوَانِ (2) . نوَّهَ بِاسْمهِ ابْنُ الزَّيَّاتِ وَقَدَّمَهُ، وَقَدْ باشَرَ العَمَلَ فِي دَوْلَةِ الأَمِيْنِ، وَطَالَ عُمُرُهُ. وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَنسخُ الكِتَابَ، فَلاَ أَفْرَغُهُ حَتَّى أَحفَظَهُ حَرْفاً حَرْفاً.. فعلتُ ذَلِكَ مَرَّاتٍ كَثِيْرَةً. وَقَدْ أَحْدَثَ رسوماً وَقَوَاعِدَ فِي الكِتَابَةِ بقيَتْ بَعْدَهُ، وَتُرِكَ مَا قبلَهَا. اختصرَ (تَقْدِيْرَ خرَاجِ الممَالِكِ) فِي نِصْفِ طَلْحِيَّةٍ (3) ، فَكَانَ لاَ يُفَارِقُ خُفَّ ابْنِ الزَّيَّاتِ. فَسَأَلَهُ الوَاثِقُ يَوْماً عَنِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ تكنْ الورقَةُ   (1) في الأصل: فلم، وهو خطأ. والمثبت من " تاريخ بغداد " 4 / 49، و" تذهيب التهذيب " 1 / 8 / 2، و" الوافي بالوفيات " 6 / 263، و" تهذيب التهذيب " 1 / 17. (*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، الوافي بالوفيات 6 / 243، 244. (2) " الوافي بالوفيات " 6 / 243. (3) في " الوافي بالوفيات " 6 / 244: في ثلث قرطاس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 332 مَعَهُ، فَخَرَجَ، فَأَملاَهُ ابْنُ إِسْرَائِيْلَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهِ (1) . قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَتْ وَزَارَتُهُ دُوْنَ ثَلاَثِ سِنِيْنَ: وَقْتَلَهُ وَصيفٌ بِالضَّربِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 130 - المُؤَيَّدُ بِاللهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُتَوَكِّلِ بنِ المُعْتَصِمِ * عَقَدَ لَهُ أَخُوْهُ بولاَيَةِ عهدِ الخِلاَفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَدُعِيَ لَهُ فِي الأَمصَارِ، ثُمَّ بَلَغَ المُعْتَزَّ عَنْهُ أَمْرٌ، فضربَهُ، وَخلعَهُ مِنَ العهْدِ، وَحَبَسَهُ يَوْماً، ثُمَّ أُخْرِجَ ميتاً. فَقِيْلَ: أُجْلِسَ فِي الثَّلجِ حَتَّى مَاتَ برداً، وَبُعِثَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَبَعثَتْ تَقُوْلُ لقبيحَةَ أُمِّ المُعْتَزِّ: عَنْ قَرِيْبٍ تَرَيْنَ المُعْتَزَّ ابْنَكِ هَكَذَا. قُلْتُ: كَذَا وَقَعَ، وَمَا أَمهَلَهُ اللهُ. قُتِلَ المُؤَيَّدُ فِي رَجَبٍ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ شَابّاً مَلِيْحاً. 131 - الجَرَوِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ ** (خَ) الإِمَامُ الأَجَلُّ الصَّادِقُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ وَزِيْرِ بنِ ضَابِئِ بنِ مَالِكِ بنِ عَامِرِ بنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَدِيِّ بنِ حمرسٍ   (1) " الوافي بالوفيات " 6 / 244. (*) تاريخ الطبري: الجزء التاسع، تاريخ بغداد 6 / 50، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، النجوم الزاهرة 2 / 335. (* *) الجرح والتعديل 3 / 24، طبقات الحنابلة 1 / 135، 137، تاريخ بغداد 7 / 337، 338، الأنساب 3 / 237، 239، اللباب 1 / 274، 275، تهذيب الكمال: 269، تذهيب التهذيب 1 / 139 / 2، تهذيب التهذيب 2 / 291، 292، النجوم الزاهرة 3 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 79، المنتظم 5 / 2، 3. (2) ضبط في " الإصابة " بكسر الحاء والراء المهملتين، بينهما ميم ساكنة، وآخره سين مهملة، وعدي هذا مترجم في " الإصابة " 2 / 469. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 333 الجُذَامِيُّ المِصْرِيُّ الجَرَوِيُّ. أَجَازَ لَهُ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَسَمِعَ: أَيُّوْبَ بنَ سُوَيْدٍ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيَّ، وَعَمْرَو بنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الغَسَّانِيَّ، وَجَمَاعَةً. وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَالسَّرَّاجُ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَحَفِيْدُهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الجَرَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ فَوْقَ الثِّقَةِ، لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فَضْلاً وَزُهْداً (2) . وَقَالَ الخَطِيْبُ: مَذْكُوْرٌ بِالوَرَعِ وَالثِّقَةِ، موصوفٌ بِالعِبَادَةِ (3) . قَالَ جَعْفَرٌ: سَمِعْتُ جَدِّي الحَسَنَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ القُرْآنُ وَالمَوْتُ، ثُمَّ (4) تَنَاطحَتِ الجِبَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ، لَمْ يَرْتَدِعْ (5) . قِيْلَ: حُمِلَ الحَسَنُ إِلَى العِرَاقِ بَعْد مَقْتَلِ أَخِيْهِ، فَبقيَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: بُعِثَ إِلَى الحَسَنِ مِيرَاثُهُ مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ،   (1) " الجرح والتعديل " 3 / 24، و" طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تهذيب الكمال ": 269. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269. (4) في " طبقات الحنابلة " 1 / 135: فلو تناطحت. (5) " طبقات الحنابلة " 1 / 135، و" تاريخ بغداد " 7 / 338، و" تهذيب الكمال ": 269. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 334 فَحَمَلَ مِنْهَا إِلَى أَبِي ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: هِيَ حلاَلٌ. فَلَمْ يَقْبَلْهَا. الجَرَوِيَّةُ (1) : قَرْيَةُ تِنِّيس، نَزَلَهَا جدُّ هَذَا، وَهُوَ جَرَوِيٌّ مِنْ وَلَدِ جَرِيِّ بنِ عَوْفٍ الجُذَامِيِّ. 132 - العُتْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ * فَقِيْهُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُتْبَةَ بنِ حُمَيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، الأُمَوِيُّ السُّفْيَانِيُّ العُتْبِيُّ القُرْطُبِيُّ المَالِكِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ (العُتْبِيَّةِ) . سَمِعَ: يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيْثِيَّ، وَأَصْبَغَ بنَ الفَرَجِ، وَسَحْنُوْنَ بنَ سَعِيْدٍ، وَسَعِيْدَ بنَ حَسَّانَ، وَطَائِفَةً. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَة، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، قَالَ: أَتيتُ بكُتُبٍ حسنَةِ الخطِّ، تُدْعَى: (المستخرجَةُ) مِنْ وضْعِ صَاحِبِكُم مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العُتْبِيِّ (2) ، فَرَأَيْتُ جُلَّهَا كُذوباً (3) ، مَسَائِلَ المَجَالِسِ لَهُ لَمْ يُوقَفْ   (1) في " تهذيب الكمال ": نسبة إلى قرية من قرى تنيس يقال لها: جروية. (*) تاريخ علماء الأندلس 2 / 6، 7، الأنساب 8 / 380، اللباب 2 / 320، العبر 2 / 7، الوافي بالوفيات 2 / 30، نفح الطيب 2 / 215، 216، ترتيب المدارك 3 / 144، 146، الديباج المذهب 2 / 176، 177، شجرة النور الزكية 1 / 75، جذوة المقتبس: 39، فهرست ابن خير: 241. (2) جاء في " نفح الطيب " 2 / 216: والعتبي نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب وقيل: إلى جد للمذكور يسمى عتبة. وقيل: إلى ولاء عتبة بن يعيش. (3) النص في " ترتيب المدارك " 3 / 145، و" الديباج المذهب " 2 / 177، بلفظ: فرأيت جلها مكذوبا ومسائل لا أصول لها، ولما قد أسقط وطرح، وشواذ من مسائل المجالس لم يوقف عليها أصحابها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 335 عَلَيْهَا أَصْحَابُهَا، فَخشيتُ أَنْ أَمُوتَ، فَتوجَدَ فِي تَرِكَتِي، فوهبْتُهَا لمَنْ يَقْرَأُ فِيْهَا. قُلْتُ: كَيْفَ اسْتحللتَ أَنْ تُعْطِيَهُ ليقرأَ فِيْهَا (1) ؟ فَسَكَتَ. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: لَيْسَ لِلْعُتْبِيِّ نِسْبَةٌ، إِنَّمَا كَانَ لَهُ جدٌّ يُسَمَّى عُتبَةٌ، كَذَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الفَرَضيِّ: رحلَ وَأَخَذَ عَن سَحْنُوْنَ، وَأَصْبَغَ، وَنُظَرَائِهِمَا، وَكَانَ حَافِظاً لِلْمَسَائِلِ، جَامعاً لَهَا، عَالِماً بِالنّوازلِ، جمع المستخرَجَةِ، وَأَكْثَرَ فِيْهَا مِنَ الرِوَايَاتِ المَطَروحَةِ، وَالمَسَائِلِ الشَّاذَةِ (2) . مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. 133 - ابْنُ نَذِيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى الأُمَوِيُّ * مُفْتِي الأَنْدَلُسِ، أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى بنِ نذيرٍ (3) الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ القُرْطُبِيُّ المَالِكِيُّ. حجَّ وَحملَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ وَطَبَقَتِهِم.   (1) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 7 وتتمته فيه: إذا لم تستجز أن تكون عندك؟ (2) " تاريخ علماء الأندلس " 2 / 6، و" نفح الطيب " 2 / 215، و" ترتيب المدارك " 3 / 145 وتمامه فيه: وكان يؤتى بالمسائل الغريبة فإذا أعجبته قال: أدخلوها في " المستخرجة " ونقل عن ابن وضاح قوله: وفي " المستخرجة " خطأ كثير. وتعقب صاحب " نفح الطيب " قول ابن وضاح فقال: كذا قال، ولكن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد وغيره. ونقل القاضي عياض عن أبي محمد بن حزم قوله في " المستخرجة " هذه: لها بإفريقية القدر العالي، والطيران الحثيث. (*) جذوة المقتبس: 271، بغية الملتمس: 361، الديباج المذهب 1 / 469، إيضاح المكنون 1 / 346، هدية العارفين 1 / 512. (3) في " جذوة المقتبس "، ابن جرير، وفي " الديباج المذهب ": بريد، وفي " هدية العارفين ": يزيد والكل تحريف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 336 وبرعَ فِي الفِقْهِ وَدقَائِقِ المَسَائِلِ. رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيسٍ، وَآخَرُوْنَ. مَاتَ بِقرطبَةَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 134 - يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الصَّبَّاحِ الكِنْدِيُّ الأَشْعَثِيُّ * الفيلسوفُ، صَاحِبُ الكُتُبِ، مِنْ وَلدِ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ، أَمِيْرِ العَرَبِ. كَانَ رَأْساً فِي حكمَةِ الأَوَائِلِ وَمنطقِ اليونَانِ وَالهيئَةِ وَالتّنجيمِ وَالطبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لاَ يُلْحَقُ شأوهُ فِي ذَلِكَ العِلْمِ المَتْرُوْكِ، وَلَهُ بَاعٌ أَطْوَلُ فِي الهندسَةِ وَالمُوْسِيْقَى. كَانَ يُقَالُ لَهُ: فيلسوفُ العَرَبِ، وَكَانَ مُتَّهَماً فِي دِيْنِهِ، بخيلاً، سَاقطَ المروءةِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ وَبلاغَةٌ وَتَلاَمِذَةٌ، هَمَّ بِأَنْ يَعْمَلَ شيئاً مِثْلَ القُرْآنِ، فَبعدَ أَيَّامٍ أَذْعَنَ بِالعجزِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: رَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ أَن رَآنِي، فَقَالَ: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الْمُرْسَلَات: 29] وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِيْهِ أَبُو دَاوُدَ.   (*) طبقات الاطباء 1 / 206، 214، الفهرست: 255، 261، طبقات الاطباء والحكماء لابن جلجل: 73، أخبار الحكماء للقفطي: 240، 247، لسان الميزان، 6 / 305، سرح العيون: 123. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 337 135 - يَعْقُوْبُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو يُوْسُفَ النَّهْرُتِيْرِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يُوْسُفَ النَّهْرُتِيْرِيُّ (1) ، مِنْ مَشَايِخِ العِرَاقِ. لَهُ رِحْلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ. سَمِعَ: وَكِيْعاً، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَهِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَعِدَّةً. وَعَنْهُ: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامضُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ ابْنُ شَاهِيْنَ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. 136 - ابْنُ شَاكِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ شَاكِرٍ ** صَاحِبُ الهندسَةِ، أَخُو أَحْمَدَ وَالحَسَنِ، كَانَ أَبُوْهُم مِنْ رُؤُوْسِ أَئِمَّةِ الهندسَةِ، وَكَذَلِكَ بنوهُ، وَيُنْسَبُونَ إِلَى (حِيَل (3)) بَنِي مُوْسَى.   (*) الجرح والتعديل 9 / 210، تاريخ بغداد 14 / 280، الأنساب، ورقة: 572 / ب. (1) بفتح النون، وسكون الهاء، وضم الراء، وكسر التاء المثناة، وتحتيه، وراء: هذه النسبة إلى قرية نهرتير بنواحي البصرة. انظر " اللباب "، و" لب اللباب ". (2) " الجرح والتعديل " 9 / 210، و" تاريخ بغداد " 14 / 280. (* *) وفيات الأعيان 5 / 161، 163، الوافي بالوفيات 5 / 84، 85، الفهرست، 271، أخبار الحكماء: 315، مرآة الجنان 2 / 170. (3) في الأصل: جبل، وهو تصحيف. وجاء في " أخبار الحكماء ": 208: ترجمة أبيهم موسى بن شاكر: وكان بنوه الثلاثة أبصر الناس بالهندسة وعلم الحيل، ولهم في ذلك تآليف عجيبة نعرف ب " حيل بني موسى " وهي شريفة الاغراض، عظيمة الفائدة مشهورة عند الناس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 338 ذَكَرَهُمُ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) ، وَمِنْ قَبْلِهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ، وَأَنَّهُم كَانُوا ذَوِي أَمْوَالٍ، وَلهُم هِمَمٌ عَالِيَةٌ فِي تَحْصِيْلِ هَذَا الفَنِّ، وَالكُتُبِ القَدِيْمَةِ، وَتطلَّبُوهَا، وَأَحضرُوا مَنْ عَرَّبَهَا. وَلهُم كِتَابٌ فِي (الحِيَلِ) ، فِيْهِ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ. وَكَذَلِكَ صنَّفُوا فِي المُوْسِيْقَى. وَكَانَ المَأْمُوْنُ يعتمدُ عَلَيْهِم فِي الرّصدِ وَمسَاحَةِ الدُّنْيَا. وَيُقَالُ: إِنَّ كِتَابَ (الحِيَل) لأَحْمَدَ، وَكِتَابَ (الجُزْءِ) لمُحَمَّدٍ، وَكِتَابَ (أَوَّليَّةِ العَالَمِ) لمُحَمَّدٍ، وَكِتَابَ (حَرَكَاتِ الفلكِ) لَهُ، وَكِتَابَ (المُدَوَّرِ المستطيلِ) لحسن، وَكِتَابَ (الشّكلِ الهندسِيّ) لمُحَمَّدٍ. وَهُمُ الَّذِيْنَ حَسَبُوا أَنَّ دَورَ الكُرَةِ مسَافَةُ أَرْبَعَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفِ مِيلٍ. وَمجموعُ ذَلِكَ ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ دَرَجَةً. مَاتَ: مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 137 - ابْنُ يَزْدَاذَ أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ * الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزدَاذَ الكَاتِبُ. وَزَرَ لِلْمستعينِ أَشْهُراً بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ الخصيبِ، فَاحتَاطَ عَلَى بَعْضِ أَقطَاعِ بُغَا، فَتهدَّدُوهُ بِالقتلِ، فَاخْتَفَى (2) . ثُمَّ وَزرَ مَرَّةً ثَانيَةً لِلْمستعينِ بَعْدَ شُجَاعٍ، ثُمَّ إِنَّ بُغَا أَلَّبَ عَلَيْهِ   (1) " وفيات الأعيان " 5 / 161. (*) تاريخ الطبري 9 / 264، الفهرست. 138، الكامل لابن الأثير 7 / 123، النجوم الزاهرة 3 / 35. (2) انظر " تاريخ الطبري " 9 / 264، و" الكامل " لابن الأثير 7 / 123. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 339 الأُمرَاءَ، فَهَرَبَ إِلَى بَغْدَادَ، وَاخْتَفَى. مدحَهُ البُحترِيُّ وَغَيْرُهُ. وَنقلَ الكوكبِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشُّعرَاءِ امتدحُوا الوَزِيْرَ أَبَا صَالِحٍ، فَأَمرَ لَهُم بِثَلاَثَةِ دَرَاهِم لَيْسَ إِلاَّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِم: قيمَةُ أَشعَارِكُم دِرْهَمٌ ... عِنْدِي وَقَدْ زِدْتُكُم دِرْهَمَا وثَالِثاً قِيمَةُ أَوْرَاقِكُمْ ... فَانْصَرِفُوا قَدْ نِلْتُمُ مَغْنَمَا مَاتَ الوَزِيْرُ ابْنُ يزدَاذ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 138 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن ُ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ العَبْدِيُّ * (خَ، م، د، ق) ابْنِ حَبِيْبِ بنِ مِهْرَانَ المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الجَوَّادُ، الثِّقَةُ، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَبْدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ. أَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا أَكملُ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُنبورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ، حَدَّثَنِي الحَكَمُ بنُ أَبَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو هَارُوْنَ العُمَانِيُّ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيْلَ حَدَّثَهُ، قَالَ: إِنَّ اللهَ قَضَى، أَوْ إِنَّ اللهَ قَالَ: يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ العَبْدِ وَسَيِّئاتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقْضَى بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ، وَسِعَ لَهُ الجَنَّةُ مَا شَاءَ) (1) .   (*) الجرح والتعديل 5 / 215، تاريخ بغداد 10 / 271، 272، تهذيب الكمال: 777، تذهيب التهذيب 2 / 205 / 2، تهذيب التهذيب 6 / 144، 145، خلاصة تذهيب الكمال: 224، المنتظم 5 / 25. (1) أبو هارون العماني واسمه: غطريف كما في الجرح والتعديل " 7 / 58 مجهول، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 340 مَوْلِدُهُ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. واعتنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَارْتَحَلَ بِهِ، وَلقيَ الكِبَارَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ. رَوَى عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَبَهْزِ بنِ أَسَدٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ هَمَّامٍ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَيَعْلَى وَمُحَمَّدِ ابْنَي عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيْدِ العَدَنِيُّ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَحَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِدَّةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دُوَادٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَارُوْدُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَمِّ وَالِدِهِ الحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ حَبِيْبٍ الفَرَّاءُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ ابنِ عمِّي يَقُوْلُ: كُنَّا نكتبُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبُوْهُ يلعبُ بِالحَمَامِ، وَكَانَ ابْنُ بشرٍ مَوْصُوفاً بطِيبِ الصّوتِ. قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ يحضرُ بِاللَّيْلِ مُتَنَكِّراً إِلَى مَسْجِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ليسمعَ قرَاءتَهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ: أَقَامَنِي يَحْيَى القطَّانُ فِي مَجْلِسهِ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُم عَنِّي هَذَا الصَّبيُّ فَصَدِّقوهُ، فَإِنَّهُ كَيِّسٌ.   = وبقية رجاله ثقات وأبو الشعثاء: هو جابر بن زيد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 10 / 217، وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن المعتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان بهذا الإسناد، قال ابن كثير في تفسيره 4 / 158: وهو حديث غريب، وإسناده جيد لا بأس به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 341 قُلْتُ: كَانَ ارتحَالُ أَبِيْهِ بِهِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَهُوَ نَحْوُ المُحْتَلِمِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بشرٍ يَقُوْلُ: حملنِي أَبِي عَلَى عَاتِقِهِ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أَنَا بِشْرُ بنُ الحَكَمِ، سَمِعَ أَبِي مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ وَحدَّثْتُ عَنْهُ بِخُرَاسَانَ (1) وَهَذَا ابْنِي قَدْ سَمِعَ مِنْهُ (2) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: احتلمْتُ بِاليَمَنِ مَعَ أَبِي. قُلْتُ: آخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الدُّنْيَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المُذَكِّرُ شَيْخٌ لِلْحَاكِمِ ضَعِيْفٌ (3) . سَمِعْنَا عَوَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ لزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: احتلمْتُ فَدَعَا أَبِي عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأَصْحَابَ الحَدِيْثِ الغربَاءَ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: اشهدُوا أَنَّ ابْنِي قَدِ احْتَلَمَ وَهوَ ذَا يَسْمَعُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ. قُلْتُ: هَذَا الإِعلاَمُ إِيلاَمٌ لِلصبِيِّ، وَتخجيلٌ لَهُ. رُوِيَ أَنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ قَالَ: مَا بِخُرَاسَانَ رَجُلٌ أَحسنُ عقلاً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ. قَالَ مُسَدَّدُ بنُ قَطنَ: لَمَّا تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى عَقَدَ مُسْلِمٌ مَجْلِساً لخَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ، فَكَانَ يَحْضُرُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ، وَينتقِي لَهُ   (1) ما بين حاصرتين من " تاريخ بغداد "، و" تهذيب الكمال ". وجاء في " تهذيب الكمال ". قال صالح بن محمد الأسدي: صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (2) " تاريخ بغداد " 10 / 272، و" تهذيب الكمال ": 777، و" تذهيب التهذيب " 2 / 205 / 2، و" تهذيب التهذيب " 6 / 144. (3) هو أبو علي النيسابوري. مترجم في " ميزان الاعتدال " 3 / 651 وفيه: قال المزني في أثناء ترجمة أحمد بن خليل المذكر: من المعروفين بسرقة الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 342 مُسْلِمٌ شرطَهُ فِي (الصَّحِيْحِ) ، فيُمْلِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَجْلِسُ إِمْلاَءٍ قبلَهَا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بشرٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاس، وَكَانَ يَقْرَأُ: {فَعَدَلَكَ} [الإِنفطَار: 7] فَخفّفَ (1) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: يَا بُنيَّ، إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَحَادِيْثَ شُعْبَةَ، فَعَلَيْكَ بِبَهْزِ بنِ أَسَدٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: أَمرَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ أَسَامِي الأَعْيَانِ بِنَيْسَابُوْرَ. فكتبُوا مائَةَ نَفْسٍ (2) ، ثُمَّ قَالَ: تختَارُ مِنَ المائَةِ عَشْرَةً، فكتبُوا أَسْمَاءَ عَشْرَةٍ. قَالَ: تختَارُ مِنْهُم أَرْبَعَةً. فَكَانَ مِنَ الأَرْبَعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: بكَّرْتُ يَوْماً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ فِي تزويجِ أُخْتِ امْرَأَةِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ، فَرَأَيْتُهُ فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: مَا بكَّرَ بِكَ اليَوْمَ؟ قُلْتُ: عَبْدُ الوَاحِدِ الصَّفَّارُ سَأَلَنِي أَنْ أَجيئكَ لتُزَوِّجَ ابْنَتَهُ. فَقَالَ: مَا حضَرتُ تزويجاً قَطُّ، إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ قَوْلِهِم لِلْخَاطبِ: قَبِلْتَ هَذَا النِّكَاحَ وَلَهَا مِنَ المهرِ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا. فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ فِي نَفْسِي، شقيتَ شقَاءً لاَ تُسْعدُ بَعْدَهُ أَبَداً. قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بشرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ   (1) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. قال الفراء: وجهه - والله أعلم - فصرفك إلى أي صورة شاء إما حسن أو قبيح، أو طويل أو قصير. وقرأ الباقون فعدلك " بالتشديد، يعني: فقومك. (2) الخبر في " تهذيب التهذيب " 6 / 145 وفيه: مئة مسن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 343 عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: غَضَبُ اللهِ دَاءٌ لاَ دوَاءَ لَهُ. قُلْتُ: دواؤُهُ كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ بِالأَسحَارِ، وَالتَّوبَةُ النَّصوحُ. قَالَ الحَاكِمُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ لَيْلَةَ الأَرْبعَاءِ لثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الآخرِ سنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، فكبَّرَ أَرْبَعاً، وَسلَّمَ تسليمَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَاءَ يَحْيَى بنُ الذُّهْلِيِّ إِلَى القَبْرِ فِي زِحَامٍ كَثِيْرٍ، فَصَلَّى بِهِم عَلَى القَبْرِ. أَبُوْهُ الإِمَامُ الزَّاهِدُ الثِّقَةُ الفَقِيْهُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: 139 - بِشْرُ بنُ الحَكَمِ العَبْدِيُّ * (خَ، م، س) مِنْ جِلَّةِ أَهْلِ نَيْسَابُوْرَ. وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ. رَوَى عَنْ: أَبِي شَيْبَةَ العَبْسِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَمُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ وَعَبْدِ رَبِّهِ بنِ بارقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الرِّجَالِ، وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَخَلْقٍ. وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْسَعُ رِوَايَةً. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَمِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ.   (*) تهذيب الكمال: 150، 151، تذهيب التهذيب 1 / 84 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 447، 448، خلاصة تذهيب الكمال: 48، شذرات الذهب 2 / 89. (1) كناه في " تهذيب الكمال ": 1202. بأبي أحمد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 344 وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. قَالَ الحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ: مَاتَ بشرٌ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا ابْنُ دَلَّوَيه: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ. 140 - العَطَّارُ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ * (فَق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ، البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ الضَّرِيْرُ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَعَبِيدَةَ بنِ حُمَيْدٍ، وَمُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ فِي (تَفْسِيْرهِ) ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامضُ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَعِدَّةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: عِنْدِي حَدِيْثُهُ بِعُلُوٍّ، مرَّ فِي سيرَةِ مَالِكٍ.   (*) الجرح والتعديل 7 / 266، تاريخ بغداد 5 / 306، 307، تهذيب الكمال: 1202، تذهيب التهذيب 3 / 207 / 1، الوافي بالوفيات 3 / 95، تهذيب 9 / 189، خلاصة تذهيب الكمال: 338. (1) " الجرح والتعديل " 7 / 266، و" تاريخ بغداد " 5 / 306. وقال الخطيب: وكان ثقة. و" تهذيب الكمال ": 1202. وفيه: ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 345 141 - أَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ حَيَّانَ الرَّمْلِيُّ * المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، الصَّدُوقُ، أَبُو عَبْدِ المُؤْمِنِ الرَّمْلِيُّ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ المَجِيْدِ بنَ روَّادٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ الجُدِّيَّ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ. حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخْطِئُ (1) . قُلْتُ: وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الخِلَعِيَّاتِ) وَفِي (الثَّقَفيَّاتِ) . مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 142 - مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوْيَه البَغْدَادِيُّ ** (4) الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ، الغَزَّالُ، الفَقِيْهُ،   (*) الجرح والتعديل 2 / 55، ميزان الاعتدال 1 / 103، العبر 2 / 38، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 1 / 39، لسان الميزان 1 / 185، 186. (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 39. وجاء فيه: قال صالح الطرابلسي: ثقة مأمون، أخطأ في حديث واحد. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 55: صدوق وقال ابن حجر: ذكره في " الكمال " ولم يذكر من روى عنه من الستة، فحذفه المزي لذلك. وقال العقيلي في " الضعفاء ": لم يكن ممن يفهم الحديث، وحدث بمناكير. (* *) الجرح والتعديل 8 / 5، تاريخ بغداد 2 / 345، 346، طبقات الحنابلة 1 / 306، تهذيب الكمال: 1234، تذهيب التهذيب 3 / 227 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 554، العبر = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 346 صَاحِبُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. سَمِعَ: يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَطَبَقَتَهُم، وَلَهُ رِحْلَةٌ شَاسعَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ جيدَةٌ، وَتَوَالِيْفٌ. حدث عَنْهُ: أَرْبَابُ (السُّنَنِ) الأَرْبَعَةِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالبَغَوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَأَخُوْهُ قَاسمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (1) . تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يَقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. 143 - زَكْرَوَيْه أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ * الشَّيْخُ المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو يَحْيَى، زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ المَرْوَزِيُّ، نَزِيْلُ بغَدَادَ. حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَمَعْرُوْفٍ الكَرْخِيِّ، وَهُوَ صَاحِبُ جزءِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الَّذِي عِنْد السِّلَفِيِّ.   = 2 / 17، الوافي بالوفيات 4 / 34، تهذيب التهذيب 9 / 315، 316، طبقات الحفاظ: 247، خلاصة تذهيب الكمال: 349، شذرات الذهب 2 / 138. (1) " تاريخ بغداد " 2 / 346، و" تهذيب الكمال ": 1234، و" الوافي بالوفيات " 4 / 34 وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 5: صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (*) تاريخ بغداد 8 / 460، 461، ميزان الاعتدال 2 / 80، العبر 2 / 45، شذرات الذهب 2 / 160، المنتظم 5 / 77. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 347 حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ المنَادَى، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بأسَ بِهِ (1) . وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) فَلَمْ يُصبْ، أَكْثَرُ مَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ، وَهَذَا قَدْحٌ بَارِدٌ. وَذكرَ أَنَّهُ يُلَقَّبُ جُوذَابه. مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ قَارَبَ المائَةَ. وآخرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً الأَصَمُّ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنْ أَصْحَابِ الأَصَمِّ هَذَا الجُزْءَ هُوَ عَبْدُ الغفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَوِيُّ البَاقِي إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ بِنَيْسَابُوْرَ. 144 - يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ مَيْسَرَةَ الصَّدَفِيُّ * (م، س، ق) ابْنِ حَفْصِ بنِ حَيَّانَ الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُوْسَى   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 460، و" ميزان الاعتدال " 2 / 80. وقال فيه: صدوق. (*) الجرح والتعديل 9 / 243، الانتقاء: 111، طبقات الشافعية للعبادي: 18، طبقات الفقهاء للشيرازي: 99، الأنساب 8 / 44، 45، اللباب 2 / 236، 237، وفيات الأعيان 7 / 249، 254، تهذيب الكمال: 1566، 1567، تذهيب التهذيب 4 / 194 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 527، 528، ميزان الاعتدال 4 / 484، العبر 2 / 29، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 170، 180، طبقات الشافعية للاسنوي 1 / 33، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 406، 407، طبقات ابن قاضي شهبة: 46، تهذيب التهذيب 11 / 440، 441، طبقات الحفاظ: 230، حسن المحاضرة 1 / 309، خلاصة تذهيب الكمال: 441، مرآة الجنان 2 / 176، شذرات الذهب 2 / 149، المنتظم 5 / 49. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 348 الصَّدَفيُّ (1) ، المِصْرِيُّ المُقْرِئُ الحَافِظُ. وَأُمُّهُ: فُلَيْحَةُ بِنْتُ أَبَانَ التُّجِيبِيَّةُ. وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ فِي ذِي الحِجَّةِ. وَحَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَمَعْنِ بنِ عِيْسَى، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَسَلاَمَةَ بنِ رَوْحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ حَسَّانٍ، وَأَشْهَبَ الفَقِيْهِ. وَيَنْزِلُ إِلَى: نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، بَلْ وَإِلَى أَنْ رُوِيَ عَنْ تلمِيذِهِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى وَرْشٍ صَاحِبِ نَافِعٍ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْر?، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ سَلاَمَةَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَامِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ المِصْرِيُّ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ: مَوَاسُ بنُ سَهْلٍ المِصْرِيُّ (2) ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ   (1) قال السمعاني في " الأنساب " 8 / 43 الصدفي: بفتح الصاد والدال المهملتين، وفي آخرها الفاء: هذه النسبة إلى " الصدف، بكسر الدال، وهي قبيلة من حمير نزلت مصر، وهو: الصدف بن سهل بن عمرو ... وقال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 7 / 253 وذكر السهيلي أنه بكسر الدال وفتحها، وانما فتحوا الدال في النسب مع كسرها في غير النسب كي لا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين، كما قالوا في النسبة إلى النمر: نمري وغير ذلك. واذكر ما قاله في الاختلاف حول اسم الصدف. (2) مترجم في " غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 316. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 349 الوَاسِطِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الهَيْثَمِ دُلْبَةٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الرَّبِيْعِ المَلَطِيُّ شَيْخٌ لِلْمُطَّوِّعِيِّ. وَسَمِعَ مِنْهُ الحُرُوْفَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَصْبَهَانِيُّ وَأُسَامَةُ بنُ أَحْمَدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ الجِيزِيُّ، وَغَيْرهُم. وَكَانَ كَبِيْرَ المُعدِّلينَ وَالعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ بِمِصْرَ. قَالَ يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ التِّنِّيْسِيُّ: يونُسُكُم هَذَا ركنٌ مِنْ أَركَانِ الإِسْلاَمِ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُوَثِّقُهُ، وَيرفعُ مِنْ شَأْنِهِ (2) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّاهِرِ بنَ السَّرْحِ، يَحُثُّ عَلَى يُوْنُسَ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ: كَانَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ ذَا عقلٍ، لَقَدْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ عَمْرِو بنِ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا الحَسَنِ، انْظُر إِلَى هَذَا البَابِ الأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجَدِ الجَامِعِ. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يدخُلُ مِنْ هَذَا البَابِ أَحَدٌ أَعقلُ مِنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى (3) .   (1) " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 171، و" غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 407. (2) " الجرح والتعديل " 9 / 243، و" تهذيب الكمال ": 1567، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 171، و" غاية النهاية في طبقات القراء " 2 / 407. (3) " وفيات الأعيان " 7 / 250، و" تهذيب الكمال ": 1567، و" تذهيب التهذيب " 4 / 194 / 1. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 350 وَقَالَ حَفِيْدُهُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعِيْدٍ (1) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ: دِعْوَتُهُم (2) فِي الصَّدَفِ (3) ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَلاَ مَوَاليهِم (4) . تُوُفِّيَ غدَاةَ يَوْمِ الاثْنَيْنِ ثَانِي رَبِيْع الآخرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَوَقَعَ لِي جُمْلَةٌ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهِ فِي (الخِلعِيَّاتِ) ، وفِي أَمَاكنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَبَيْنَ مَشَايِخنَا وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ أَنفُسٍ. وَلَقَدْ كَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ، مُقَدَّماً فِي العِلْمِ وَالخَيْرِ وَالثِّقَةِ. وَأَمَّا الحَدِيْثُ الَّذِي انفردَ بِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، حَدِيْثُ: (لاَ مَهْدِيَّ إِلاَّ عِيْسَى (5)) ، فَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فدَلَّسَهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَصْلاً عتيقاً، يَقُوْلُ فِيْهِ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.   (1) صاحب تاريخ مصر. (2) أي يدعي في النسب إليهم، وليس هو منهم. والدعوة بكسر الدال: ادعاء الولد الدعي غير أبيه، والدعوة في النسبة بالكسر: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته. (3) في " تهذيب الكمال ": الصدوق، بالمثناة. (4) " تهذيب الكمال ": 1567. (5) أخرجه ابن ماجة (4039) والحاكم 4 / 441، من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن محمد بن إدريس الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزداد الامر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم " وهذا سند لا تقوم به حجة محمد بن خالد الجندي مجهول، والحسن مدلس وقد عنعن، وقال الامام الذهبي في ترجمة يونس بن عبد الأعلى من " الميزان " 4 / 481 عن الحديث: هو منكر جدا، وقال القرطبي في " التذكرة ": إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 351 145 - مُحَمَّدُ بنُ إِشكَابٍ أَبُو جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ * (خَ، د، س) الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُرِّ بنِ زعلاَنَ البَغْدَادِيُّ، أَخُو عَلِيٍّ، وَأَبُوْهُمَا يُلَقَّبُ بِإِشكَابٍ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الأَصغَرُ وَالأَحْفَظُ. سَمِعَ: عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ القَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ عُمَرَ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ بَعْضُهُم: وُلِدَ مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فِي سَنَةِ إِحدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ أَخُوْهُ: 146 - عَلِيُّ بنُ إِشكَابٍ أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ ** (د، ق) بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ، وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ، مُحَدِّثٌ، فَاضِلٌ، مُتْقِنٌ.   (*) الجرح والتعديل 7 / 229، 230، تاريخ بغداد 2 / 223، 224، تهذيب الكمال: 1188، تذهيب التهذيب 3 / 198 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 574، 575، تهذيب التهذيب 9 / 121، 122، طبقات الحفاظ: 257، خلاصة تذهيب الكمال: 333، شذرات الذهب 2 / 146. (1) " الجرح والتعديل " 7 / 230، و" تاريخ بغداد " 2 / 223، و" تهذيب الكمال ": 1188 وجاء فيه: وقال أبو بكر بن أبي عاصم: ثبت. وقال أبو العباس بن سعيد عن ابن خراش: كان من أهل العلم والأمانة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (* *) الجرح والتعديل 6 / 179، تاريخ بغداد 11 / 392، 394، تهذيب الكمال: 963، تذهيب التهذيب 3 / 57 / 2، تهذيب التهذيب 7 / 302، 303، خلاصة تذهيب الكمال: 72. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 352 سَمِعَ: أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ، وَحَجَّاجَ بنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعِدَّةً. وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَزَاحَمَ عَلَيْهِ الطُلاَّبُ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنِ سُرَيْجٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاش القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَيَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (جزءِ) الحفارِ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ. مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. 147 - ابْنُ مَلاَّسٍ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ الدِّمَشْقِيُّ * الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ ملاَّسٍ النُّمَيْرِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيِّ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ السُّكَّرِيِّ، قَاضِي دِمَشْقَ، وَمُتَوَكِّلِ بنِ مُوْسَى. حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَصَائِرِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ حَسْنُوَيْه، وَعِدَّةٌ.   (*) الجرح والتعديل 8 / 116، العبر 2 / 46، الوافي بالوفيات 5 / 166، شذرات الذهب 2 / 160. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 353 قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعَ مِنْهُ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ الأَصَمُّ: سَأَلْتُهُ عَنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: أَنَا فِي أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَلَقِيتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ لَمَّا حَجَجتُ وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. قَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قُلْتُ لَهُ جُزءٌ عَالٍ، سَمِعْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي القَاسِمِ بنِ رَوَاحَةَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ قَايْمَازَ الكَافُوْرِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصَّابُوْنِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ (ح) . وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُصِيْبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ تَرَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: (جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ؟!! إِنَّهَا جَنَّاتٌ كَثِيْرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى) (2) . 148 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْزُوقِ بنِ دِيْنَارٍ البَصْرِيُّ * (س) الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو إِسْحَاقَ البَصْرِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.   (1) " الجرح والتعديل " 8 / 116. (2) صحيح وأخرجه من طريق حميد عن أنس أحمد 3 / 264. والبخاري 7 / 237 في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، و11 / 384 في الرقائق: باب صفة الجنة والنار، وأخرجه البخاري 6 / 20 في الجهاد: باب من أتاه سهم غرب فقتله، والترمذي (3174) من طريق قتادة عن أنس. (*) الجرح والتعديل 2 / 137، تهذيب الكمال: 65، تذهيب التهذيب 1 / 43 / 1، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 354 سَمِعَ: أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَعُثْمَانَ بنَ عُمَرَ، وَمَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ - فِيْمَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَحدَهُ - وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ السِّنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحٌ (1) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً. مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمَائتينِ. سَكَنَ مِصْرَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السِّنْدِيِّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ، عَنِ السِّمطِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ عَمُوداً مَنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا غُرْفَةٌ، وَهُوَ مَنْزِلُ المُتَحَابِّيْنَ فِي اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (2) .   = ميزان الاعتدال 1 / 65، تهذيب التهذيب 1 / 163، خلاصة تذهيب الكمال: 22، المنتظم 5 / 74 (1) " تهذيب الكمال ": 65. وفيه أيضا: وقال النسائي في موضع آخر: لا بأس به. وفي موضع آخر: ليس لي به علم. وقال الدارقطني: ثقة إلا أنه كان يخطئ، فيقال له، فلا يرجع. وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 137: كتبت عنه وهو صدوق. (2) موسى بن عبيدة ضعيف، وشيخه لم أقف له على ترجمة، ثم هو موقوف على كعب الاحبار، وروايته كما قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن جرير 6 / 457 -: لا = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 355 149 - الحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ أَبُو عَلِيٍّ الجُرْجَانِيُّ * (ق) المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَلِيٍّ بنُ يَحْيَى بنِ الجَعْدِ العَبْدِيُّ، الجُرْجَانِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. سَمِعَ: أَبَا يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ فَأَكْثَرَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ عَبْدِ الوَارِثِ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ فِي سَلخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ   = شيء، ولا يحتج بها، وصدق معاوية في قوله في كعب الاحبار: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب رواه البخاري 13 / 281، 282 في الاعتصام: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء. (*) الجرح والتعديل 3 / 44، تهذيب الكمال: 284، تذهيب التهذيب 1 / 149 / 1، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 2 / 324، 325، خلاصة تذهيب الكمال: 81، المنتظم 5 / 44. (1) " الجرح والتعديل " 3 / 43. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 356 عليٍّ، قَالَ عِيْسَى: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْد، وَقَالَ الحَسَنُ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْرٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، قَالَ هُوَ وَالسِّلَفِيُّ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا زيدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ القَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا وَهبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ، قَالَ: (اللَّهُمَّ بَلِّغْ بَلاَغاً يَبْلُغُ خَيْراً رِضْوَانَكَ وَالجَنَّةَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ) (1) . 150 - سَعْدَانُ أَبُو عُثْمَانَ بنُ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيٌّ * الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عُثْمَانَ سَعْدَانُ بنُ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ الثَّقَفِيُّ، البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، وَإِنَّمَا اسْمُهُ سَعِيْدٌ، فَلُقِّبَ بِسَعْدَانَ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَمُعَمَّرَ بنَ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيَّ، وَمُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَأَبَا قَتَادَةَ عَبْدَ اللهِ بنَ وَاقِدٍ، وَشُجَاعَ بنَ الوَلِيْدِ، وَسَلْمَ بنَ سَالِمٍ البَلْخِيَّ، وَعُمَرَ بنَ شَبِيْبٍ المُسْلِيَّ (2) ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيَّ، وَمُوْسَى بنَ   (1) رجاله ثقات. (*) الجرح والتعديل 4 / 290، 291، تاريخ بغداد 9 / 205، 206، تاريخ ابن كثير 11 / 38، النجوم الزاهرة 3 / 41، شذرات الذهب 2 / 149، المنتظم 5 / 51. (2) المسلي، بضم الميم، وسكون السين المهملة، بعدها لام: نسبة إلى مسلية قبيلة من مذحج. والمسلي ضعيف، خرج له ابن ماجة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 357 دَاوُدَ الضَّبِّيَّ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَخْتَرِيِّ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَرَائِطيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. 151 - سَعْدَانُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ البَزَّازُ * المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ سَعْدَانُ بنُ يَزِيْدَ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، نَزِيْلُ سُرَّ مَنْ رَأَى. سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا بَدْرٍ السَّكُوْنِيَّ. وَعَنْهُ: ابْنُ صَاعِدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَثْرَمُ، وَالخرَائِطيُّ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 291، و" تاريخ بغداد " 9 / 205. (*) الجرح والتعديل 4 / 290، تاريخ بغداد 9 / 204، 205، طبقات الحنابلة 1 / 170، النجوم الزاهرة 3 / 36، المنتظم 5 / 39. (2) " الجرح والتعديل " 4 / 290. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 358 قُلْتُ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 152 - المُخَرِّمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الوَرِعُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ صَبِيْحٍ البَغْدَادِيُّ، المُخَرِّمِيُّ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنَ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ، وَحَسَنَ بنَ صَالِحٍ العَبَّادَانِيَّ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي بُكَيْرٍ، وَمُوْسَى بنَ هِلاَلٍ العَبْدِيَّ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَزَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَأَبَا سُفْيَانَ الحِمْيَرِيَّ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا بَدْرٍ السَّكُوْنِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَابْنُ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (1) : سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ، قُلِّدَ القَضَاءَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَاخْتَفَى. قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَإِليه يُنْسَبُ (جُزْءُ) المُخَرِّمِيِّ، وَالمَرْوَزِيُّ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ قُمَيْرَةَ بِعُلُوٍّ. أَمَا الحَافِظُ الكَبِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ فَقَدْ ذُكِرَ (2) .   (*) تاريخ بغداد 10 / 81، 82، الأنساب، ورقة: 513 / ب، النجوم الزاهرة 3 / 41، المنتظم 5 / 52. (1) " الجرح والتعديل " 5 / 11، وفيه عبد الله بن أيوب بإسقاط اسم أبيه. (2) في الصفحة: 265. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 359 153 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُوْسَى الإِسْفَرَايِيْنِيُّ * الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، يُلَقَّبُ: حَيَّوَيْه. رَوَى عَنْ: أَبِي النَّضْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَخَلْقٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ، وَطَائِفَةٌ. وَكَانَ الحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ يَفْتَخِرُ بِهِ، يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحيَانَا، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحيَاكُم (1) -يَعْنِي: الذُّهْلِيَّ-. وَقِيْلَ: إِنَّ حَيَّوَيْه لَقَبٌ لأَبِيْهِ يَحْيَى. مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: يَوْمَ التَّرويَةِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. 154 - زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُمَيْرِ بنِ شُعْبَةَ المَرْوَزِيُّ ** (ق) الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - المَرْوَزِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. سَمِعَ: رَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَأَبَا النَّضْرِ هَاشِمَ بنَ القَاسِمِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَسُنَيْدَ بنَ دَاوُدَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَطَبَقَتَهُم.   (*) تذكرة الحفاظ 2 / 554، العبر 2 / 19، الوافي بالوفيات 5 / 188، طبقات الحفاظ: 242، شذرات الذهب 2 / 140. (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 554. (* *) تاريخ بغداد 8 / 484، 486، طبقات الحنابلة 1 / 159، تهذيب الكمال: 438، تذهيب التهذيب 1 / 240 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 551، 552، تهذيب التهذيب 3 / 347، 348، طبقات الحفاظ: 246، خلاصة تذهيب الكمال: 123، شذرات الذهب 2 / 136، المنتظم 5 / 4. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 360 حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو البَزَّارُ، وَعُمَرُ بنُ بُجَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ، وَعِدَّةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، وَرِعاً، زَاهِداً. انْتَقَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَنْ بَغْدَادَ إِلَى طَرَسُوْسَ، فَرَابطَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ (1) . قَالَ البَغَوِيُّ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْتهِي لَحماً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلاَ آكُلُهُ حَتَّى أَدخُلَ الرُّوْمَ، فَآكُلُ مِنْ مَغَانِمِ الرُّوْمِ (2) . وحَدَّثَنِي وَلدُهُ مُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَجْمَعُنَا فِي وَقْتِ خَتمِهِ لِلْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، يَختِمُ تِسْعِيْنَ خَتمَةً فِي رَمَضَانَ (3) . مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ. قُلْتُ: مَاتَ عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً. يَا حَبَّذَا مَرْوُ وَمَا أَخْرَجَتْ ... مِنْ سَادَةٍ فِي العِلْمِ وَالدِّيْنِ   (1) " تاريخ بغداد " 8 / 484، " تهذيب الكمال ": 438، و" تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2. (2) " تاريخ بغداد " 8 / 485، و" تهذيب الكمال ": 438، و" تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2. (3) " تاريخ بغداد "، و" تهذيب الكمال ": 438 وقال: ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " والخبر في " تذهيب التهذيب " 1 / 240 / 2. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 361 155 - ابْنُ مَثْرُودٍ عِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ الغَافِقِيُّ * (د، س) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَثْرُودٍ الغَافِقِيُّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ، مِنْ ثِقَاتِ المُسْنِدِيْنَ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ القَاسِمِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَجَمَاعَةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ قَبْلَ قُدُوْمِي مِصْرَ (2) . وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّريفِيْنِيُّ، وَأَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بنُ زِيَادٍ السُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، وَخَلْقٌ.   (*) الجرح والتعديل 6 / 272، تهذيب الكمال: 1078، تذهيب التهذيب 3 / 127 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 310، تهذيب التهذيب 8 / 205، خلاصة تذهيب الكمال: 301. (1) " تهذيب الكمال ": 1078، و" تهذيب التهذيب " 8 / 205 وفيه: قال مسلمة بن قاسم: مصري ثقة. (2) " الجرح والتعديل " 6 / 272، و" تهذيب التهذيب " 8 / 205. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 362 156 - الفَاخُوْرِيُّ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبَانٍ * (س، ق) المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ بنِ أَبَانٍ الرَّمْلِيُّ، الفَاخُوْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَابْنِ شَابُوْرَ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّابٍ الزِّفْتِيُّ (1) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الرَّمْلِيُّ القُدوْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ بنِ فَيَّاضٍ، وَآخَرُوْنَ. وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ (2) . تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 157 - أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ بنِ مَنِيْعِ بنِ سَلِيْطٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (3) ** (س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو الأَزْهَرِ العَبْدِيُّ،   (*) الجرح والتعديل 6 / 292، الأنساب، 9 / 209، اللباب 2 / 402، تهذيب الكمال: 1086، 1087، تذهيب التهذيب 3 / 132 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 328، تهذيب التهذيب 8 / 237، و238، خلاصة تذهيب الكمال: 304. (1) الزفتي. بكسر الزاي كما في " الأنساب " و" اللباب " نسبة إلى الزفت، وهو شيء أسود مثل القير. وعبد الله هذا مترجم في " الأنساب " 6 / 290. (2) وثقة أيضا أحمد وابو حاتم، ويعقوب بن شيبه، وابن خراش. انظر " تهذيب التهذيب " 8 / 238 (3) في " تاريخ بغداد " 4 / 39: أحمد بن زاهر (* *) الجرح والتعديل 2 / 41، تاريخ بغداد 4 / 39، 43، تهذيب الكمال 1 / 255، 261، تذهيب التهذيب 1 / 6 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 545، 546، ميزان الاعتدال 1 / 82، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 363 النَّيْسَابُوْرِيُّ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ فِي زَمَانِهِ. وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ وَمائَةٍ. رَأَى سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَمَا أَدْرِي لِمَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَسَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَمَالِكَ بنَ سُعَيْرٍ (1) ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَنَسَ بنَ عِيَاضٍ اللَّيْثِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَمَرْوَانَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيَّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم بِالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالكُوْفَةِ، وَالبَصْرَةِ، وَخُرَاسَانَ. وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ. حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيقَاهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ؛ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ (2) ، وَخَلْقٌ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ. وَمِمَّنْ قِيْلَ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. وَهُوَ ثِقَةٌ بِلاَ تَرَدُّدٍ، غَايَةُ مَا نَقَمُوا عَلَيْهِ ذَاكَ   = العبر 2 / 26، تاريخ ابن كثير 11 / 36، تهذيب التهذيب 1 / 11، 13، لسان الميزان 1 / 136، طبقات الحفاظ: 240، خلاصة تذهيب الكمال: 3، شذرات الذهب 2 / 146، 147. (1) بإهمال السين، وبالتصغير. (2) الشرقي، بفتح الشين المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها القاف: هذه النسبة إلى موضعين: أحدهما " الشرقية " ببغداد، وهي محلة من محال بغداد على الجانب الغربي من دجلة. إلى موضع " شرقي نيسابور وإليه ينسب أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي الحافظ توفي سنة 325 انظر " تاريخ بغداد " 4 / 426. والأنساب 7 / 316. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 364 الحَدِيْثُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) - وَلاَ ذَنبَ لَهُ فِيْهِ. قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: صَدُوْقٌ (2) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو الأَزْهَرِ هَذَا كتبَ الحَدِيْثَ، فَأَكْثَرَ، وَمَنْ أَكْثَرَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي حَدِيْثِهِ الوَاحِدُ وَالاثنَانِ وَالعشرَةُ مِمَّا يُنْكَر. وَسَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: قيلَ لِي: لِمَ لَمْ ترحلْ إِلَى العِرَاقِ؟ فَقُلْتُ: وَمَا أَصنَعُ بِالعِرَاقِ؟ وَعندنَا مِنْ بنَادِرَةِ (3) الحَدِيْثِ ثَلاَثَةٌ: الذُّهْلِيُّ، وَأَبُو الأَزْهَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ (4) . وَقَالَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كتبَ عَنِّي يَحْيَى بنُ يَحْيَى. وَقَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: سَأَلْتُ مسلماً عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ، فَقَالَ: اكتُبْ عَنْهُ.   (1) قال مغلطاي في " الإكمال " ورقة 6: وفي كتاب " الارشاد " للخليلي: قال يحيى بن معين له لما حدث بحديث: " أنت سيد ": لقد جئت بطامة، فقال له: حدثنيه عبد الرزاق ... قال الخليلي: ولا يسقط ابو الأزهر بهذا، يعني برواية هذا الحديث، وفي " ميزان " المؤلف 1 / 82: روى هذا الحديث محمد بن حمدون النيسابوري، عن محمد بن علي بن سفيان النجار، عن عبد الرزاق، فبرئ أبو الأزهر من عهدته. ونقل في ترجمة عبد الرزاق 2 / 610 عن ابن عدي قوله: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، وسيذكر المؤلف قريبا نص الحديث بسنده. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 41. (3) البنادرة جمع بندار، وهو هنا: الناقد كما قال المزي في حاشية " تهذيبه " والكلمة ليست بعربية، وأصل هذه النسبة أنها تقال لمن كان مكثرا من شيء يشتري منه من هو أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه، ثم يبيع ما يشتري منه من غيره. (4) " تاريخ بغداد " 4 / 42 وتتمته فيه: فاستغنينا بهم عن أهل العراق وكذا في " تهذيب الكمال ": 258، 259 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 365 قَالَ الحَاكِمُ: وَلَعَلَّ مُتَوهِّماً يتوهَّمُ أَنَّ أَبَا الأَزْهَر فِيْهِ لينٌ لقولِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُصنَّفَاتِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ كِتَابِهِ، وَلَيْسَ كَمَا يُتَوَهمُ، فَإِنَّ أَبَا الأَزْهَرِ كُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ لاَ يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، فَرُبَّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الوَقْتِ بَعْدَ الوَقْتِ. فَقيَّدَ أَبُو بَكْرٍ بسَمَاعَاتِهِ مِنْهُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ. قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ المُذَكِّرُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: (أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ، فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي (1)) . قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ بِهِ ابْنُ الأَزْهَرِ بِبَغْدَادَ فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ وَابْنِ المَدِيْنِيِّ وَابْنِ مَعِيْنٍ، فَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لِلْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا الأَزْهَرِ برِيءُ السَّاحَةِ مِنْهُ، فَإِنَّ محلَّهُ مَحَلَّ الصَّادِقينَ. وَقَدْ تُوبِعَ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُفْيَانَ النَّجَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ فذكرَهُ. وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا حَدَّثَ أَبُو الأَزْهَرِ بِحَدِيْثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي الفَضَائِلِ، أُخْبِرَ   (1) قال المؤلف في " الميزان " 2 / 613 بعد أن أورده: قلت مع كونه ليس بصحيح فمعناه صحيح سوى آخره، ففي النفس منها شيء وما اكتفى بها حتى زاد، وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، فالويل لمن أبغضك " فالويل لمن أبغضه هذا لا ريب فيه، بل الويل لمن يغض منه، أو غض من رتبته، ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين. قلت: وفي صحيح مسلم (78) عن علي رضي الله عنه قال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة: إنه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 366 يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ بِذَلِكَ، فَبينَا هُوَ عِنْدَ يَحْيَى فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الحَدِيْثِ، إِذْ قَالَ يَحْيَى: مَنْ هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا. فتبسَّمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: أَمَا إِنَّك لَسْتَ بكذَّابٍ، وَتعجَّبَ مِنْ سَلاَمَتِهِ، وَقَالَ: الذنْبُ لِغَيرِكَ فِيْهِ (1) . وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي فضلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ بَاطِلٌ. ثُمَّ قَالَ: وَالسَّبَبُ فِيْهِ أَن مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافضيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرُ يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدْخَلَ هَذَا عَلَيْهِ. وَكَانَ مَعْمَرُ رَجُلاً مَهِيْباً لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي السُّؤَالِ وَالمرَاجعَةِ، فسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ (2) . قُلْتُ: وَلِتَشَيُّعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سُرَّ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَهُ، وَمَا رَاجَعَ مَعْمَراً فِيْهِ، وَلَكِنَّهُ مَا جَسَرَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ لِمِثْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِيْنٍ وَعلِيٍّ، بَلْ وَلاَ خَرَّجَهُ فِي تَصَانِيْفِهِ، وَحدَّثَ بِهِ وَهُوَ خَائِفٌ يترقَّبُ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ، سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ عبدَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: خَرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى قَرْيَتِهِ، فَبكَّرْتُ إِلَيْهِ يَوْماً، حَتَّى خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ البُكورِ. قَالَ: فوصلْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يخرجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ. فَلَمَّا خَرَجَ، رَآنِي، فَقَالَ: كُنْتَ البَارِحَةَ هَا هُنَا؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنِّي خَرَجتُ فِي اللَّيْلِ، فَأَعجَبَهُ ذَلِكَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَةِ   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 42 و" تهذيب الكمال " 260 (2) تاريخ بغداد " 4 / 42 و" تهذيب الكمال ": 260 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 367 الصُّبْحِ، دعَانِي، وَقَرَأَ عليَّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَخَصَّنِي بِهِ دُوْنَ أَصْحَابِي (1) . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، يخرجُ إِلَى قَرْيَةٍ، فَذَهَبْتُ خَلْفَهُ، فرآنِي أَشْتَدُّ، فَقَالَ: تعَالَ، فَأَرْكَبَنِي خَلْفَهُ عَلَى البغلِ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَلاَ أُخْبِركَ بِحَدِيْثٍ غَرِيْبٍ؟ قُلْتُ: بَلَى. فَحَدَّثَنِي بِالحَدِيْثِ، فذكرَهُ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، أَنْكَرَ عليَّ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَهَؤُلاَءِ، فحلفْتُ أَنِّي لاَ أُحَدِّثُ بِهِ حَتَّى أَتصدَّقَ بِدِرْهَمٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَدْ أَخْرَجَ فِي (الصَّحِيْحِ) عَمَّنْ هُوَ دُوْنَ أَبِي الأَزْهَرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَامِدٍ بنِ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي الأَزْهَرِ عَنْ شُيُوْخٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى عَنْهُم، وَهُم: ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبو ضَمْرَةَ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ. قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القَبَّانِيُّ: مَاتَ أَبُو الأَزْهَرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مَاتَ فِي أَوّلِ سنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قُلْتُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ أَثْبَتُ. وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ المَوْصِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ الجُرْجَانِيُّ، وَالحَافِظُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، تِلْمِيْذُ ابْنِ مَعِيْنٍ، وَالإِمَامُ   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 42 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 368 مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ الرَّقِّيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى: رَجَمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: بَعْدَ مَا نَزَلَتِ النُّوْرُ أَمْ قَبْلَهَا؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي (1) . وسَمِعْنَاهُ بِطُرُقٍ إِلَى السِّلَفِيِّ. 158 - عُمَرُ بنُ شَبَّةَ بنِ عَبْدَةَ أَبُو زَيْدٍ البَصْرِيُّ * (ق) ابْنِ زَيْدِ بنِ رَائِطَةَ (2) ، العَلاَّمَةُ الأَخْبَارِيُّ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو زَيْدٍ، النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ. وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (1) وأخرجه من طرق عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى البخاري 12 / 147 في المحاربين: باب أحكام أهل الذمة، ومسلم (1702) في الحدود: باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، وأحمد 4 / 355 (*) الجرح والتعديل 6 / 116، الفهرست: 125، تاريخ بغداد 11 / 208، 210، معجم الأدباء 16 / 60، 62، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول، ص: 16، 17، وفيات الأعيان 3 / 440، تهذيب الكمال: 1013، 1014، تذهيب التهذيب 3 / 86 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 516، 517، العبر 2 / 25، تاريخ ابن كثير 11 / 35، تهذيب التهذيب 7 / 460، طبقات الحفاظ: 225، خلاصة تذهيب الكمال: 283، شذرات الذهب 2 / 146، المنتظم 5 / 41. (2) في " الفهرست ": 125 عمر بن شبه بن عبيد بن ريطة. وفي " الجرح والتعديل " 6 / 116: " ابن عبيدة ". وفي " معجم الأدباء 16 / 60: بن عبيدة بن ريطة. وفي " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 1 / 16 عمر بن شبه - بشين - معجمة مفتوحة ثم موحدة مشددة، بن عبيدة، وبفتح العين، بن زيد بن رابطه. وفي " وفيات الأعيان " 3 / 440: رايطة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 369 وَسَمِعَ: يَحْيَى بن سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَيُوْسُفَ بنَ عطيَّه، وَعُمَرَ بنَ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيَّ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الأَعْلَى السَّامِيَّ، وَغُنْدَراً، ومُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا زُكيرٍ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَعُبَيْدَ بنَ الطُّفَيْلِ، وَسَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ، وَأَبَا عَاصِمٍ النَّبِيْلَ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. وَيَنْزِلُ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْ: أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ بِحَدِيْثين، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ صَاعِدِ، وَأَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَثْرَمِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الخرَائِطيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ مَعَ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ، صَاحِبُ عَرَبِيَّةٍ وَأَدَبٌ (1) . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، وَكَانَ صَاحِبَ أَدبٍ وَشعرٍ (2) ، وَأَخْبَارٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَيَّامِ النَّاسِ.   (1) " الجرح والتعديل " 6 / 116، و" تهذيب الكمال ": 1014، و" تذهيب التهذيب " 3 / 86 / 2 (2) من شعره ما قال بعد ان امتحن بمسألة خلف القرآن، فقال: لما رأيت العلم ولى ودثر * وقام بالجهل خطيب فهجر لزمت بيتي معلنا ومستتر * مخاطبا خير الورى لمن غبر أعني النبي المصطفى على البشر * والثاني الصديق والتالي عمر وأورد له الخطيب في " تاريخه " 11 / 209 - 210 قصيدة من أربعة عشر بيتا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 370 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً عَالِماً بِالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ. وَكَانَ قَدْ نَزَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَتُوُفِّيَ بِهَا (1) . وَذكرَ عُمَرُ بنُ شَبَّةَ أَنَّ اسْمَ أَبِيْهِ زيدٌ، وَلقَبَهُ شَبَّه، لأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُرَقِّصُهُ، وَتَقُوْلُ: يَا بأَبِي وَشبّا (2) ... وَعَاشَ حَتَّى دبّا شَيْخاً كَبِيْراً خبّا (3) قَالَ ابْنُ المُنَادِي: مَاتَ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، يَوْم الاثْنَيْن لِخَمْسٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ، كَذَا قَالَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ: مَوْلِدُهُ أَوَّلَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ: وَمَاتَ يَوْمَ الخَمِيْسِ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. فكَملَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قُلْتُ: صَنَّفَ تَارِيْخاً كَبِيْراً للبصرَةِ لَمْ نرَهُ، وَكِتَاباً فِي (أَخْبَارِ المَدِيْنَةِ) ، رَأَيْتُ نصفَهُ يقضِي بِإِمَامَتِهِ، وَصَنَّفَ (أَخْبَارَ الكُوْفَةِ) ، وَ (أَخْبَارَ مَكَّةَ) ، وَكِتَابَ (الأَمرَاءِ) ، وَكِتَابَ (الشِّعْرِ وَالشُّعرَاءِ) ، وَكِتَابَ (أَخْبَارِ المَنْصُوْرِ) ، وَكِتَابَ (النَّسَبِ) ، وَكِتَابَ (التَّارِيْخِ) فِي أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ.   (1) " تاريخ بغداد " 11 / 208، و" تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 1 / 17 و" تهذيب الكمال ": 1014 (2) روايته في " شذرات الذهب " 2 / 146: يا رب ابني شبا. (3) الابيات في " الفهرست ": 125، و" تاريخ بغداد " 11 / 208، و" معجم الأدباء " 16 / 60 و" تهذيب الكمال ": 1014، و" تذهيب التهذيب " 3 / 86 / 2، و" تهذيب التهذيب " 7 / 461 والثلاثة في " شذرات الذهب " 2 / 146 و" المنتظم " 5 / 41 دون الثالث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 371 وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَالِي حَدِيْثِ عُمَرَ بنِ شَبَّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جدِّهِ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعَلِّمُ عَلَى أَشْرَافِ حَرَمِ المَدِيْنَةِ، فَأَعْلَمْتُ شَرَفَ ذَاتِ الجَيْشِ، وَعَلَى مُشَيْرِفِ وَعَلَى أَشْرَافِ مَحِيصَ، وَعَلَى الحَفْيَاءِ، وَعَلَى العُشْرَاءِ، وَعَلَى قَلْتٍ (1) . وَفِيْهَا مَاتَ: سَعْدَانُ بنُ يَزِيْدَ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ صَاحِبُ (المُسْنَدِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ الوَلِيْدِ الغُبَرِيُّ (2) ، وَحَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ الجَوْهَرِيُّ. 159 - الرِّيَاشِيُّ عَبَّاسُ بنُ الفَرَجِ * (د) العَلاَّمَةُ الحَافِظُ، شَيْخُ الأَدبِ، أَبُو الفَضْلِ   (1) إسناده ضعيف جدا عبد العزيز بن عمران - وهو الزهري المدني الاعرج - قال الحافظ في " التقريب ": متروك احترقت كتبه، فحدث من حفظه، فاشتد غلطه. وكان عارفا بالانساب، وشيخه فيه لم أجد من ترجمه، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 302، ونسبه للطبراني في " الأوسط " وضعفه بعبد العزيز بن عمران. وأورده المؤلف في تذكرة الحفاظ ص 517 في ترجمة عمر بن شبه. (2) بضم العين المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها راء: هذه النسبة إلى بني غبر وهم بطن من يشكر، وهو غبر بن غنم بن حبيب. (*) مراتب النحويين: 75، 76، المزهر 2 / 419، 423، المنتظم 5 / 5، نزهة الالباء: = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 372 الرِّيَاشِيُّ، البَصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيِّ الأَمِيْرِ، وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ عبداً لِرَجُلٍ مِنْ جُذَام اسْمُهُ رِيَاش. وُلِدَ بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ طَائِفَةٍ كَثِيْرَةٍ، وَحملَ عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَأَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ، وَأَشْهلِ بنِ حَاتِمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوَهبِيِّ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ اليَمَامِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالعَلاَءِ بنِ أَبِي سَوِيَّةَ المِنْقَرِيِّ، وَمُسَدَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَعَنْهُ: أَبوَ دَاوُدَ كَلاَمَهُ فِي تَفْسِيْر أَسنَانِ الإِبلِ (1) ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، وَأَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ، وَأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمِيرَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُسْتِيُّ القَاضِي، وَأَبُو خَلِيْفَةَ الفَضْلُ بنُ الحُبَابِ (2) ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو رَوقٍ   = 199، إيضاح المكنون 2 / 261 و294 و326، بغية الوعاة 2 / 27، الكامل لابن الأثير 5 / 364، تاريخ أبي الفداء 2 / 48، تلخيص ابن مكتوم: 178، الجرح والتعديل 6 / 213، 214، أخبار النحويين البصريين: 89، 93، طبقات النحويين واللغويين: 97، 99، الفهرست: 63، 64، تاريخ بغداد 12 / 138، 140، الأنساب 6 / 209، 210، نزهة الالباء: 262، 264، معجم الأدباء، 12 / 44، 46، اللباب 2 / 46، إنباه الرواة 2 / 367، 374، وفيات الأعيان 3 / 27، 28، تهذيب الكمال: 659، 660، تذهيب التهذيب 2 / 126 / 2، العبر 2 / 14، تهذيب التهذيب 5 / 124، 125، تاريخ ابن كثير 11 / 38، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2 / 14، 15، النجوم الزاهرة 3 / 27، 28، خلاصة تذهيب الكمال: 189، شذرات الذهب 2 / 136. (1) انظر سنن أبي داود 2 / 247: باب تفسير أسنان الابل. (2) وهو راوي كتاب " طبقات فحول شعراء " عن ابن سلام الجمحي. وكان أعمى، وهو ابن اخت محمد بن سلام صاحب " الطبقات " وكان راوية للاخبار والاشعار والآداب والأنساب " وهو مسند عصره في الحديث بالبصرة، وكان ثقة عالما، روى عن الأئمة الكبار. = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 373 الهزَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْدٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَاوياً لِلأَصْمَعِيِّ. وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ السّيرَافيُّ: كَانَ الرِّيَاشِيُّ حَافِظاً لِلُّغَةِ وَالشِّعْرِ، كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ عَنِ الأَصْمَعِيِّ. وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ غَيْرِهِ. أَخَذَ عَنْهُ: المُبَرِّدُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْدٍ. وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَخْبَارُ الرِّيَاشِيِّ، قَالَ: كُنَّا نرَاهُ يَجِيْءُ إِلَى أَبِي العَبَّاسِ المُبَرِّدِ فِي قَدْمَةٍ قَدمهَا مِنَ البَصْرَةِ، وَقَدْ لَقِيَهُ أَبُو العَبَّاسِ ثعلبٌ، وَكَانَ يُفَضِّلُهُ وَيُقَدِّمُهُ (1) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: قَدِمَ الرِّيَاشِيُّ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ ثِقَةً، وَكَانَ مِنَ الأَدَبِ وَعلمِ النَّحْوِ بِمحَلٍّ عَالٍ. كَانَ يَحْفَظُ كُتُبَ أَبِي زَيْدٍ، وَكُتُبَ الأَصْمَعِيِّ كُلَّهَا. وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ (كِتَابَ) سِيْبَوَيْه (2) ، فَكَانَ المَازِنِيُّ يَقُوْلُ: قَرَأَ عليَّ الرِّيَاشِيُّ (الكِتَابَ) ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي (3) . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قتلتْهُ الزَّنْجُ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ: لَمَّا كَانَ مِنْ دُخُوْلِ الزَّنْجِ البَصْرَة مَا كَانَ، وَقَتْلِهِم بِهَا مَنْ قَتَلُوا، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ، بَلَغَنَا أَنَّهُم دَخَلُوا عَلَى الرِّيَاشِيِّ المَسْجَدَ بِأَسيَافِهِم، وَالرِّيَاشِيُّ قَائِمٌ يُصَلِّي الضُّحَى، فضربُوهُ   = وتوفي سنة 305 هـ. وقد أثبت العلامة المحقق الشيخ محمود شاكر ثبتا بمصادر ترجمته في " طبقات فحول الشعراء " 1 / 33. (1) " تاريخ بغداد " 12 / 139، و" تهذيب الكمال ": 660 (2) جاء في " الفهرست ": 64: قال أبو الفتح محمد بن جعفر النحوي: قرأ الرياشي النصف الأول من كتاب " سيبويه " على المازني. (3) " تاريخ بغداد " 12 / 139، و" تهذيب الكمال ": 660 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 374 بِالأَسيَافِ، وَقَالُوا: هَاتِ المَالَ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَيُّ مَال، أَيُّ مَال؟!! حَتَّى مَاتَ. فَلَمَّا خرجَتِ الزَّنْجُ عَنِ البَصْرَةِ، دخلنَاهَا، فمررْنَا ببنِي مَازِن الطَّحَّانين - وَهنَاكَ كَانَ يَنْزِلُ الرِّيَاشِيُّ - فَدَخَلْنَا مَسْجِدَهُ، فَإِذَا بِهِ مُلقَىً وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ، كَأَنَّمَا وُجِّهَ إِلَيْهَا. وَإِذَا بِشَمْلَةٍ تحركُهَا الرِّيْحُ وَقَدْ تمزقَتْ، وَإِذَا جَمِيْعَ خَلْقِهِ صَحِيْحٌ سِوَيٌّ لَمْ ينشَقَّ لَهُ بطنٌ، وَلَمْ يتغيَّرْ لَهُ حَالٌ، إِلاَّ أَنَّ جلدَهُ قَدْ لَصِقَ بِعَظْمِهِ وَيبسَ، وَذَلِكَ بَعْد مقتلِهِ بِسنتينِ -رَحِمَهُ اللهُ (1) -. قُلْتُ: فِتْنَةُ الزَّنْجِ كَانَتْ عَظِيْمَةً، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الشّيَاطينِ الدُّهَاةِ، كَانَ طُرقيّاً أَوْ مُؤَدِّباً، لَهُ نظرٌ فِي الشِّعْرِ وَالأَخْبَارِ، وَيَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ الزَنْدَقَةُ وَالمروقُ، ادَّعَى أَنَّهُ علوِيٌّ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَالتفَّ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيْقٍ، وَالعَبيدُ السُّودُ مِنْ غلمَانِ أَهْلِ البَصْرَةِ، حَتَّى صَارَ فِي عِدَّةٍ، وَتحيّلُوا وَحَصَّلُوا سُيوفاً وَعِصِيّاً، ثُمَّ ثَارُوا عَلَى أَطرَافِ البلدِ، فَبدَّعُوا وَقَتَّلُوا، وَقَوُوا، وَانضمَّ إِلَيْهِم كُلُّ مجرمٍ، وَاسْتفحلَ الشَّرُّ بِهِم؛ فَسَارَ جَيْشٌ مِنَ العِرَاقِ لحربِهِم، فكسرُوا الجَيْشَ، وَأَخَذُوا البَصْرَةَ، وَاستباحوهَا، وَاشتدَّ الخَطْبُ، وَصَارَ قَائِدُهُمُ الخَبِيْثُ فِي جَيْشٍ وَأُهْبَةٍ كَامِلَةٍ، وَعزمَ عَلَى أَخذِ بَغْدَادَ، وَبنَى لِنَفْسِهِ مَدِيْنَةً عَظِيْمَةً، وَحَارَ الخَلِيْفَةُ المعتمدُ فِي نَفْسِهِ، وَدَام البلاَءُ بِهَذَا الخَبِيْثِ المَارقِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَابَتْهُ الجُيُوشُ، وَجَرَتْ مَعَهُ مَلاَحِمٌ وَوقَعَاتٌ يطولُ شرحُهَا، قَدْ ذكرَهَا المُؤَرِّخونَ إِلَى أَنْ قُتِلَ. فَالزَّنْجُ هُمْ عبارَةٌ عَنْ عَبيدِ البَصْرَةِ الَّذِيْنَ ثَارُوا مَعَهُ، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيْهِم (2) . أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا فضلُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِبَغْدَادَ،   (1) " تاريخ بغداد " 12 / 140، و" تهذيب الكمال ": 660 (2) انظر التفصيل في تاريخ الطبري 431، 437، وابن الأثير 7 / 235 و244 وما بعدها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 375 أَخْبَرَنَا نصرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجبّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الحُرْفيُّ (1) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ، سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ هُبَيْرَةَ المَازِنِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْرِمُ أَحَداً كَرَامَتَهُ لِلْعَبَّاسِ (2) . 160 - ابْنُ مُعَارِكٍ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ * الحَافِظُ الثَّبْتُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بنِ مُعَارِكٍ، البَغْدَادِيُّ، صهرُ الحَافِظِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ. نزل مِصْرَ، وَحَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقَ بنَ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ، وَشَبَابَةَ، وَفُدَيْكِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَالفريَابَيِّ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدُّوْلاَبِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَخَلْقٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْق (3) .   (1) الحرفي، بضم الحاء، وسكون الراء وكسر الفاء: هذه النسبة للبقال ببغداد، ومن يبيع الاشياء التي تتعلق بالبذور والبقالين وقال السمعاني 4 / 112: والمشهور بهذه النسبة أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله..السمسار الحرفي من أهل بغداد. صدقه الخطيب، وتوفي في شوال سنة 336 هـ. (2) زيد بن هبيرة لم أقف له على ترجمة. (*) الجرح والتعديل 3 / 66، تاريخ بغداد 8 / 143، المنتظم 5 / 27. (3) " الجرح والتعديل " 3 / 66 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 376 وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. تُوُفِّيَ: بِمِصْرَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 161 - مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّقَفِيُّ * القُدْوَةُ العَابِدُ الصَّادِقُ الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ، الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخُو أَسِيْدِ بنِ عَاصِمٍ وَإِخوتِهِ. سَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَةَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بِشْرٍ العَبْدِيَّ، وَأَبَا يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ الجُورْجِيرِيُّ، وَخَلْقٌ خَاتِمَتُهُم عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ. رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أُورْمَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْل مُحَمَّدِ بن عَاصِمٍ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ (1) ، يَعْنِي: فِي التَّقْوَى وَالفَضْلِ. وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ: كُنْتُ أَخْتلفُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً يُشْبِهُهُ فِي حُسْنِ دينِهِ، وَحِفْظِ لِسَانِهِ إِلاَّ مُحَمَّدَ بنَ عَاصِمٍ (2) . وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ أَوْ غَيْرُهُ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَأَسِيدٌ وَعلِيٌّ وَالنُّعْمَانُ بَنو عَاصِمٍ مِنْ   (*) الجرح والتعديل 8 / 46، ذكر أخبار أصبهان 2 / 189، طبقات المحدثين بأصبهان: 62، 63، العبر 2 / 25، الوافي بالوفيات 3 / 180، تاريخ ابن كثير 11 / 35. (1) " طبقات المحدثين ": 63 / لأبي الشيخ وأخبار أصبهان " 2 / 189 (2) " طبقات المحدثين ": 63. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 377 سكَانِ المَدِيْنَةِ مَدِيْنَة جَيّ (1) . مَاتَ مُحَمَّدٌ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ المُعَمَّرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يكرَهُ مَسَّ قَبْرِ النَّبِيِّ (2) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. سَمِعْنَا جُزءَ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ بِالاتِّصَالِ. 162 - أَسِيْدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ * الحَافِظُ المُحَدِّثُ الإِمَامُ، أَبُو الحُسَيْنِ، كَانَ أَصَغَرَ مِنْ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ. سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ عَامِرٍ الضُّبَعِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَبِشْرَ بنَ عُمَرَ الزَّهْرَانِيَّ، وَبَكْرَ بنَ بَكَّارٍ، وَعَامِرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحُسَيْنَ بنَ حَفْصٍ، وَطَبَقَتَهُم، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) . حدَّثَ عَنْهُ: أَبُو علِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّوَيْه   (1) " أخبار أصبهان " 2 / 189، بدون " مدينة جي " وجي، بفتح الجيم، وتشديد الياء: مدينة بأصبهان، ويقال: إنها إحدى المدن التي بناها الاسكندر: انظر " الروض المعطار ": 186. (2) رجاله ثقات. (*) الجرح والتعديل 2 / 318، حلية الأولياء 10 / 394، ذكر أخبار أصبهان 1 / 226، طبقات المحدثين بأصبهان: 78، العبر 2 / 44، تاريخ ابن كثير 11 / 47، 48، شذرات الذهب 2 / 158. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 378 الكَرَجِيُّ (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَآخَرُوْنَ. وَقَعَ لَنَا نُسختَانِ مِنْ حَدِيْثِهِ، تتكررُ أَحَادِيْثُهُمَا كَثِيْراً. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ رِضَىً (2) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ فِي عشرِ التِّسْعِيْنَ. 163 - مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ ابْنُ الثَّلْجِيِّ البَغْدَادِيُّ * الفَقِيْهُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، البَغْدَادِيُّ الحَنَفِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الثَّلْجِيِّ. سَمِعَ مِنِ: ابْنِ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَطَبَقَتِهِم. وَتَلاَ عَلَى: اليَزِيْديِّ (3) ، وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ (4) ، وَالفِقْهَ عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ (5) ، وَبرَعَ. وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ. رَوَى عَنْهُ: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَحَفِيْدُهُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ ثَابِتٍ، وَعِدَّةٌ.   (1) الكرجي، بفتح أولها والراء، وفي آخرها جيم، نسبة إلى الكرج، وهي مدينة ميلاد الجبل بين أصبهان وهمذان. (2) " الجرح والتعديل " 2 / 318. (*) الفهرست: 259، الأنساب، 3 / 138، اللباب 1 / 241، ميزان الاعتدال 3 / 577، 578، العبر 2 / 33، 34، الوافي بالوفيات 3 / 148، تاريخ ابن كثير 11 / 40، تهذيب التهذيب 9 / 220، النجوم الزاهرة 3 / 42، الفوائد البهية: 171، خلاصة تذهيب الكمال: 341، شذرات الذهب 2 / 151، المنتظم 5 / 57، 58. (3) هو يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد العدوي البصري المعروف باليزيدي تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (219) (4) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (204) (5) تقدمت ترجمته في الجزء التاسع برقم (212) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 379 وَكَانَ صَاحِبَ تَعَبُّدٍ وَتهجُّدٍ وَتِلاَوَةٍ. مَاتَ سَاجِداً. لَهُ كِتَابُ (المَنَاسِكِ) فِي نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ جُزءاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ فِي مَسْأَلَةِ القُرْآنِ (1) ، وَينَالُ مِنَ الكِبَارِ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِ أَخْبَارِهِ. عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 164 - السُّوْسِيُّ أَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ * (س) الإِمَامُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ، شَيْخُ الرَّقَّةِ، أَبُو شُعَيْبٍ، صَالِحُ بنُ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الجَارُوْدِ بنِ مسرحٍ، الرُّستبِيُّ السُّوْسِيُّ (2) الرَّقِّيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وجَوَّدَ القُرْآنَ عَلَى يَحْيَى اليَزِيْديِّ، وَأَحكمَ عَلَيْهِ حَرْفَ أَبِي عَمْرٍو. وَسَمِعَ: سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةً. تَلاَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، مِنْهُم: أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ جَرِيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّحْوِيُّ، وَأَبُو الحَارِثِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّونَ. وَأَخَذَ عَنْهُ الحُرُوْفَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الخُرَاسَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.   (1) أي لا يقول: مخلوق أو غير مخلوق. (*) الجرح والتعديل 4 / 404، طبقات الحنابلة 1 / 176، 177، الأنساب 7 / 190، تهذيب الكمال: 598، تذهيب التهذيب 2 / 87 / 1، العبر 2 / 22، 23 معرفة القراء 159. غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 332، 333، تهذيب التهذيب 4 / 392، خلاصة تذهيب الكمال: 170، شذرات الذهب 2 / 143. (2) بضم السين: نسبة إلى السوس، مدينة بخوزستان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 380 وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَدْ ذُكِرَ النَّسَائِيُّ أَنَّهُ رُوِي عَنْهُ (2) ، وَمَا رُوِي عَنْهُ سِوَى حُرُوْفَ القِرَاءةِ. وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، دَعَا لَهُ الإِمَامُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ خَتَنهُ تَكَلَّمَ فِي القُرْآنِ، فَقَامَ أَبُو شُعَيْبٍ عَلَيْهِ ليُفَارِقَ بنتَهُ. مَاتَ: فِي أَوَّلِ سنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ التِّسْعِيْنَ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ الحَافِظُ، وَشُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيفينِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ إِشكَابٍ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَعِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَثْرودٍ، وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، وَآخَرُوْنَ. 165 - عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ وَرْدَانَ البَغْدَادِيُّ * (ق، س) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الثِّقَةُ، أَبُو يَحْيَى، البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ البَلْخِيُّ العَسْقَلاَنِيُّ، نسبَةً إِلَى عَسْقَلاَن بَلْخ، وَهِيَ مَحلَّةٌ كَبِيْرَةٌ.   (1) " الجرح والتعديل " 4 / 404 و" تهذيب التهذيب " 4 / 392. وجاء فيه: قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (2) ذكر ذلك عنه أبو القاسم بن عساكر في " المعجم المشتمل 142 ": وتعقبه الحافظ المزي فيما نقله عنه المؤلف في " تذهيب التهذيب " 2 / 87 فقال: ذكره صاحب النبل ولم أقف على روايته عنه بحديث. إنما روى عنه قراءة أبي عمرو فيما أعلم. (*) الجرح والتعديل 6 / 272، اللباب 2 / 339، 340، تهذيب الكمال: 1078، تذهيب التهذيب 3 / 127 / 2، تاريخ ابن كثير 11 / 42، تهذيب التهذيب 8 / 205، 206، معجم البلدان 4 / 122، خلاصة تذهيب الكمال: 301. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 381 وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ: بَقِيَّةَ بنَ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَبِشْرَ بنَ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيَّ، وَعِدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَحَامِدُ بنُ بِلاَلٍ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ (1) . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً، وَقَالَ: صَدُوْقٌ (2) ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ النَّسَفِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ معقلٍ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ مُسْنِدَ تِلْكَ الدِّيَارِ فِي زَمَانِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. فَاللهُ أَعْلَمُ. مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ الضَّبِّيُّ، وَالفَضْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ الحكمِ. 166 - شَاذَانُ أَبُو بَكْرٍ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّهْشَلِيُّ الفَارِسِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ، إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ   (1) " تهذيب الكمال ": 1078. وقال المزي: ذكره ابن حبان في " الثقات " (2) " الجرح والتعديل " 6 / 272، و" تهذيب الكمال ": 1078. (*) الجرح والتعديل 2 / 211، العبر 2 / 35، الوافي بالوفيات 8 / 394، تاريخ ابن كثير 11 / 41، شذرات الذهب 2 / 152. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 382 بنِ بُكَيْرٍ بنِ زَيْدٍ، النَّهْشَلِيُّ الفَارِسِيُّ، شَاذَانُ. سَمِعَ مِنْ: جدِّهِ سَعْدِ بنِ الصَّلْتِ القَاضِي - وَجدُّهُ هَذَا كُوْفِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ وَكِيْعٍ، وَلِيَ قَضَاءَ شيرَازٍ مُدَّةً ثُمَّ ارْتَحَلَ شَاذَانُ، فسَمِعَ مِنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِر شَاذَان، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، ارْتَحَلَ إِلَيْهِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الجَارُوْدِيُّ، وَنَصْرُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الشِّيْرَازِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الجُورجيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عُمَارَةَ. ويَقَعُ لَنَا حَدِيْثُهُ فِي (الثَّقَفيَّاتِ) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبَ إِلَيَّ وَإِلَى أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) . وذكرَهُ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي (الثِّقَاتِ) ، وَقَالَ: مَاتَ لسبعٍ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 167 - أَحْمَدُ بنُ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ * (خَ، د، س) الإِمَامُ الثِّقَةُ، قَاضِي نَيْسَابُوْرَ، أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ أَبِي عَمْرٍو، وَالجَارُوْدِ بنِ يَزِيْدَ، وَالحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَانَ، وَجَمَاعَةٍ.   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 211. (*) الجرح والتعديل 2 / 48، تهذيب الكمال: 20، تذهيب التهذيب 1 / 10 / 1، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 6 / 360، تاريخ ابن كثير 11 / 31، تهذيب التهذيب 1 / 24، 25، خلاصة تذهيب الكمال: 5، شذرات الذهب 2 / 137. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 383 وَعَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَل، وَخَلْقٌ، وَمُسْلِمٌ خَارجَ (الصَّحِيْحِ) ، وَأَبُو عَوَانَةَ. قَالَ النَّسَائِيُّ: صَدُوْقٌ (1) . تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَشَيَّعَهُ أُمَمٌ. 168 - أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ خَالِدِ بنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ * (م، د، س، ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ الصَّادِقُ، أَبُو الحَسَنِ، السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَيُلَقَّبُ بحَمْدَانَ، وَهُوَ جَدُّ الزَّاهِدِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ نُجيدٍ صَاحِبُ ذَاكَ الجُزْءِ المَشْهُوْرِ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ حَفِيْدُهُ ابْنُ نُجيدٍ: كَانَ جَدِّي أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ أَزْدِيّاً سُلَمِيَّ الأُمِّ، فغَلَبَ عَلَيْهِ السُّلَمِيُّ. قُلْتُ: كَانَ مُحَدِّثَ خُرَاسَانَ فِي زَمَانِهِ. سَمِعَ: الجَارُوْدَ بنَ يَزِيْدَ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَفْصَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَهَاشِمَ بنَ القَاسِمِ قَيْصر، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ، وَمُوْسَى بنَ دَاوُدَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَطَبَقَتَهُم.   (1) " تهذيب التهذيب " 1 / 25 وفيه: وقال النسائي [أيضا] : لا بأس به وقال في " أسماء شيوخه ": ثقة. قال ابن حجر: وكذا قال مسلمة. (*) الجرح والتعديل 2 / 81، تهذيب الكمال: 47، 48، تذهيب التهذيب 1 / 30 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 565، 566، العبر 2 / 28، تهذيب التهذيب 1 / 91، 92، خلاصة تذهيب الكمال: 14، شذرات الذهب 2 / 147، تهذيب ابن عساكر 2 / 122، 123. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 384 حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ، وَمكِيُّ بنُ عَبْدَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّانُ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ. ذكرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: أَحَدُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُ الرِّحلَةِ، وَاسِعُ الفَهْمِ، مَقْبُوْلٌ عِنْدَ الأَئِمَّةِ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ، وَهُوَ مِنْ خوَاصِّ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَمِنَ المُصَاهِرينَ لَهُ. سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مَشَايِخنَا يَحْكُوْن عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَنَا لَسْتُ بسُلَمِيٍّ، بَلْ أَزدَيٌّ، وَعيَالِي سُلَمِيَّةٌ (1) . سَمِعَ بِخُرَاسَانَ عِدَّةً، وَبَالرَّيِّ مِنْ: عِيْسَى بنِ جَعْفَرٍ القَاضِي، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الضُّرَيْسِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ القَزَّازِ، وَبِبَغْدَادَ: مِنْ أَبِي النَّضْرِ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيِّ، وَمُوْسَى بنِ دَاوُدَ وَمَنْصُوْرِ بنِ سَلَمَةَ. ثُمَّ سمَى الحَاكِمُ طَائِفَةً سَمِعَ مِنْهُم بِالْكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ. وَذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَقَالَ: حَدَّثَ عَنْ: جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَالعَقَدِيِّ، وَالفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْر، وَسَمَّى خلقاً. حدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى شَيْخُهُ، وَالبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ (صَحِيْحِهِ) .   (1) " تهذيب الكمال ": 47، و" تهذيب ابن عساكر " 2 / 122. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 385 قَالَ مُسْلِمٌ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ نَبِيْلٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ عُبِيدِ اللهِ بنِ مُوْسَى ثَلاَثِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ. قَالَ أَبو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيْدٍ المُؤَذِّنُ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ. قَالَ الحَاكِمُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُ حَمْدَانَ السُّلَمِيَّ، وَقَالُوا لَهُ: أَسْمِعْنَا. قَالَ: لاَ يُمْكِنُنِي، أَنَا ابْنُ ثَمَانِيْنَ سنَةً، وَذَلِكَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ. قُلْتُ: طلبُوا أَنْ يُحَدِّثَهُم مِنْ لَفْظِهِ، فَاعتذَرَ بِالعجزِ عَنْ تبَلِيْغِ جَمْعٍ كَثِيْرٍ. أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الفَضْلِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُوْلُ: خَرَجتُ مِنْ عِنْدِ هَذَا -يَعْنِي: المَهْدِيَّ- وَلَمْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِالإِمَارَةِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ، وَتبسَّمَ، وَقَالَ: لَقَدْ طلبنَاكَ فَأَعْجَزْتنَا، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِكَ، ارفعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. قُلْتُ: قَدْ ملأَتَ الأَرْضَ ظُلماً وَجَوراً، فَاتقِ اللهَ، وَليكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبَرٌ. فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟!! قُلْتُ: تَهْرُبُ بدِيْنِكَ.   (1) بالتصغير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 386 وَقَعَ لَنَا عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مِنْ مُوَافقَاتِ السُّلَمِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-. أَخْبَرَنَا أَبُو الفتوحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ ظَافرٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا الهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيْبَةَ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) (1) . قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَكَ أَبُو المفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَأْمُوْنِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ   (1) رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فقد قال الترمذي في سننه 1 / 130 قال محمد - يعني البخاري - لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وأخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (481) من طريقين عن الهيثم بن حميد بهذا الإسناد. قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 36: هذا إسناد فيه مقال مكحول الدمشقي مدلس، وقد رواه بالعنعنة، فوجب ترك حديثه لا سيما وقد قال البخاري وأبو زرعة، وهشام بن عمار، وأبو مسهر وغيرهم: أنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، فالاسناد منقطع، ورواه البيهقي في الكبرى 1 / 130 من طريق الهيثم من حميد به، ورواه أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا أبو مسهر، حدثني الهيثم بن حميد، فذكره بإسناده ومتنه، وزاد في آخره: قال العلاء: قال مكحول: من مس متعمدا. قلت: لكن الحديث ثبت من طريق آخر عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مس أحدكم ذكره، فليتوضأ " أخرجه مالك 1 / 42، والشافعي في " الام " 1 / 15، وأحمد 6 / 406، وأبو داود (181) والترمذي (82) والنسائي 1 / 100، وابن ماجة (479) وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (212) و (213) والحاكم 1 / 136، وأقره الذهبي، وقد ارتفع وجوب الوضوء المستفاد من قوله " فليتوضأ " وبقي الندب بحديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الرجل ذكره، فقال: " هل هو إلا مضغة أو بضعة منك " وهو حديث صحيح أخرجه أحمد 4 / 22، 23، وأبو داود (182) والترمذي (85) والنسائي 1 / 38، وابن ماجة (483) وصححه عمرو بن علي الفلاس، وابن المديني، والطحاوي، وابن حبان (207) والطبراني وابن حزم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 387 الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيُّ سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ إِمْلاَءً، قَالَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: اسْتَأْذَنَهُ نِسَاؤُهُ فِي جِهَادٍ. فَقَالَ: (بِحَسْبِكُنَّ الجِهَادُ، أَوْ جِهَادُكُنَّ الحَجُّ (1)) . وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَأَبُو إِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى. 169 - زَاج أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ رَاشِدٍ المَرْوَزِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو صَالِحٍ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ رَاشِدٍ، المَرْوَزِيُّ، زَاج.   (1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 6 / 57 في الجهاد: باب جهاد النساء، من طريق قبيصة ومحمد بن كثير، كلاهما عن سفيان بهذا الإسناد، وأخرجه البيهقي في " سننه " 4 / 326 من طريق قبيصة، عن سفيان. وأخرجه البخاري 6 / 57 من طريق قبيصة، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين. وأخرجه أحمد 6 / 165، وابن ماجة (2901) من طريق محمد بن فضيل، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: " نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة " وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 4 / 63 في الحج: باب حج النساء، وأحمد 6 / 79 من طريق عبد الواحد بن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، حدثتنا عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو أو نجاهد معكم؟ فقال: " لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور " فقالت عائشة: لا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو في البخاري 3 / 302 في الحج: باب فضل الحج المبرور، و" المسند " 6 / 67 و68 و71 و75 و79 و120 و166 من طرق عن حبيب بن أبي عمرة به بنحوه. (*) الجرح والتعديل 2 / 78، تاريخ بغداد 5 / 150، 151، تهذيب الكمال: 43، تذهيب التهذيب 1 / 27 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 82، 83، خلاصة تذهيب الكمال: 13. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 388 عَنِ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَعُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَحُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَرَوْحٍ، وَعِدَّةٍ. وَعَنْهُ: ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَمُسْلِمٌ فِي غَيْرِ (الصَّحِيْحِ) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. 170 - الرَّمَادِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ البَغْدَادِيُّ * (ق) الإِمَامُ، الحَافِظُ، الضَّابطُ، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ سَيَّارِ بنِ مُعَارِكٍ، الرَّمَادِيُّ البَغْدَادِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ بكُتُبِهِ، وَعَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَهَاشِمِ بنِ القَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَالأَسْوَدِ بنِ عَامِرٍ، وَعَفَّانَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَمُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالحِجَازِ وَاليَمَنِ، وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ. وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو   (1) " الجرح والتعديل " 2 / 78 (*) الجرح والتعديل 2 / 78، تاريخ بغداد 5 / 151، 153، الأنساب 6 / 163، اللباب 2 / 36، تهذيب الكمال: 43، 44، تذهيب التهذيب 1 / 27 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 564، 565، ميزان الاعتدال 1 / 158، العبر 2 / 30، الوافي بالوفيات 8 / 192، تاريخ ابن كثير 11 / 38، تهذيب التهذيب 1 / 83، 84، طبقات الحفاظ: 251، خلاصة تذهيب الكمال: 13. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 389 العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ مَخْلَدْ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ، وَأَبُو (1) بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، وَالحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ القَطَّانُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ الكَبِيْرَ) . وَكَانَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ يَقُوْلُ: أَنَا أَسْكُتُ مِنْ أَمرِ الرَّمَادِيِّ عَلَى شَيْءٍ أَخَافُ أَنْ لاَ يَسَعنِي، كُنْتُ رُبَّمَا سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّمَادِيُّ (2) ، يَعْنِي: يَذْكُرُهُ بِكُنْيَتِهِ، وَقَدْ كَانَ رفيقاً وَصَاحِباً ليَحْيَى فِي رحلتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أُورْمَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ الآخرُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، كَانَا سوَاءً (3) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ (4) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ أَبِي يُوَثِّقَهُ (5) . قَالَ ابْنُ مَخْلَدٍ: كَانَ الرَّمَادِيُّ إِذَا مرض يَسْتَشفِي بِأَنْ يَسمعُوا عَلَيْهِ الحَدِيْثَ.   (1) في الأصل: " أبي " وهو خطأ. (2) " تاريخ بغداد " 5 / 152، و" تهذيب الكمال ": 43. (3) " تاريخ بغداد " 5 / 152، 153، و" تهذيب الكمال ": 43، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 285. (4) " تاريخ بغداد " 5 / 153، و" تهذيب الكمال ": 43. (5) " الجرح والتعديل " 2 / 78، و" تاريخ بغداد " 5 / 151، و" تهذيب الكمال " 43، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 285. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 390 قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: مَاتَ الرَّمَادِيُّ لأَرْبَعٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدِ اسْتكملَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً. قُلْتُ: سَمِعْنَا مِنْ طَرِيْقِهِ جَمَاعَةَ أَجزَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَفِيْهَا مَاتَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ البَغْدَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ المُخَرِّمِيُّ، وَصَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ، وَالقُدْوَةُ أَبوَ حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَالمنتظَرُ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، وَالرَّافِضَةُ تَقُوْلُ: لَمْ يمُتْ، بَلِ اخْتَفَى فِي السّردَابِ. 171 - أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ * (ت، س) ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه (1) ، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.   (*) مقدمة كتابه: التاريخ الصغير، الجرح والتعديل 7 / 191، طبقات الحنابلة 1 / 271، 279، تاريخ بغداد 2 / 4، 33، الأنساب، ورقة: 68 / أ، تقييد المهمل للغساني، لوحة: 5، 52، اللباب 1 / 125، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الأول من القسم الأول، ص: 67، 76، وفيات الأعيان 4 / 188، 191، تهذيب الكمال: 1168، 1172، تذهيب التهذيب 3 / 185 / 2، 189 / 1، جامع الأصول 1 / 186، العبر 2 / 12، 13، تذكرة الحفاظ 2 / 555، 557، الوافي بالوفيات 2 / 206، 209، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 212، 241، تاريخ ابن كثير 11 / 24، 26، تهذيب التهذيب 9 / 47، 55، مقدمة فتح الباري، النجوم الزاهرة 3 / 25، 26، طبقات الحفاظ: 248، 249، خلاصة تذهيب الكمال: 327، طبقات المفسرين 2 / 100، مرآة الجنان 2 / 167، مفتاح السعادة 2 / 130، شذرات الذهب 2 / 134، 136. (1) جاء في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 67 / 1: بردزبه، بباء موحدة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال مهملة مكسورة. ثم زاي ساكنة، ثم باء موحدة، ثم هاء. هكذا قيده الأمير أبو نصر بن ماكولا. وقال: هو بالبخارية، ومعناه بالعربية: الزراع. وفي " وفيات الأعيان " 4 / 190 قال ابن خلكان: وقد اختلف في اسم جده، فقيل: إنه يزذبة، بفتح الياء المثناة من تحتها، وسكون الزاي، وكسر الذال المعجمة، وبعدها باء موحدة، ثم هاء ساكنة. ثم نقل قول ابن ماكولا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 391 أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ (1) وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ. فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ. قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ. قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ. أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا   (1) قال الخطيب في " تاريخه " 2 / 6: ريحان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمد المسندي [وزاد النووي رحمه الله: بفتح النون] ، وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي. والبخاري قيل له: جعفي، لان أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي ويمان جعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 392 أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ (1) . وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟ قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ. فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟ فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟ قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ. فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ (2) ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ (3) .   (1) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 216، و" مقدمة فتح الباري ": 478. (2) قال ابن حجر في " مقدمة الفتح ": 479: يعني أصحاب الرأي. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 216، و" مقدمة الفتح ": 478، 479. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 393 ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِ سَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ (1) البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ. ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ. وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ. وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ. وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى. وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ. وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ. وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.   (1) قال الذهبي في " المشتبه " 1 / 378: محمد بن سلام البيكندي الحافظ شيخ البخاري ما ذكر الخطيب ولا ابن ماكولا فيه سوى التخفيف. وقال صاحب " المطالع " ثقله الأكثر، كذا قال، ولم يتابع. وقد ذكره غنجار في " تاريخ بخارى " - وإليه المفزع والمرجع - بالتخفيف. وقال الامام النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1: محمد بن سلام، بتخفيف اللام، على الاصح، وقيل: بتشديدها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 394 وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ. وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ. وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً. وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ. وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم. وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ (1) . قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،   (1) ذكره الحافظ في " الفتح " 1 / 44، وقال: نقله اللالكائي في كتاب السنة بسند صحيح، عن البخاري، قال الحافظ: الايمان عند السلف هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالاركان، وأرادوا بذلك أن الاعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة، والنقص، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الاعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطا في كماله. وانظر تمام كلامه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 395 وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم. وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ. ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ. وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ (1) مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ. ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ (2) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ. وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ. وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ (3) . وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.   (1) اتبع ابن حجر في " مقدمة الفتح " مراتب شيخه على الطبقات أيضا: 479، 480 (2) أي يصفه بأوصاف لا تعرف عند كثير من الناس. (3) في هامش الأصل ما نصه: بل دخل الجزيرة. بينه ابن عساكر في التاريخ. وجاء في " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 214: وفي " تاريخ نيسابور " للحاكم أنه سمع بالجزيرة من أحمد بن الوليد بن الورتنيس الحراني، وإسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وعمرو بن خالد، وأحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني. وهذا وهم، فإنه لم يدخل الجزيرة، ولم يسمع عن أحمد بن الوليد، إنما روى عن رجل عنه، ولا من ابن زرارة، إنما اسماعيل بن عبد الله الذي يروي عنه هو إسماعيل بن أبي أويس. وأما ابن واقد، فإنه سمع منه ببغداد، وعمرو بن خالد سمع منه بمصر. نبه على هذا شيخنا الحافظ المزي فيما رأيته بخطه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 396 رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ. وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) . وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ (1) ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ. وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.   (1) في هامش الأصل ما نصه: بل روى عنه النسائي، وقع له ذلك في كتاب " الايمان " لابن مندة، قال: حدثنا حمزة، حدثنا النسائي، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، فذكر فائدة: قال النسائي في الصيام: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن الحارث، عن حماد حديث: ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه حمزة الكناني، والحسن بن الخضر الاسيوطي، وابن حيويه النيسابوري، عن النسائي. وفي أصل الصوري بخطه عن ابن النحاس، عن حمزة الكناني، عن النسائي، حدثنا محمد بن إسماعيل وهو أبو بكر الطبراني. وقال ابن السني وحده عن النسائي، حدثنا محمد بن اسماعيل البخاري. قال المزني: ولم نجد للنسائي غير ذا إن كان ابن السني حفظه وما نسبه من عنده معتقدا أنه البخاري. وقد روى النسائي الكثير عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن علية، روى في كتاب " الكنى " له، عن عبد الله بن أحمد الخفاف، عن البخاري عدة أحاديث. فهذه قرينة في أنه لم يلق البخاري، والله أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 397 وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ (1) أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان. وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ. وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي   (1) في " تهذيب الأسماء واللغات ": سبعون. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 73 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 492. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 398 مُوْسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ (1) اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) . أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ. قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟ قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ (2)) . هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .   (1) في الأصل، و" تاريخ بغداد " 2 / 5: وليقضي، بإثبات الياء، والمثبت من " الصحيح " 10 / 377 في الأدب: باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا، قال الحافظ: كذا ثبت في هذه الرواية " وليقض " باللام، وكذا في رواية أبي أسامة للكشميهني فقط، وللباقين: " ويقضي " بغير لام، وفي رواية مسلم (2627) من طريق علي بن مسهر، وحفص بن غياث " فليقض " أيضا، قال القرطبي: لا يصح أن تكون هذه اللام لام الامر، لان الله لا يؤمر، ولا لام كي، لأنه ثبت في الرواية " وليقض " بغير ياء مد، ثم قال: يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء، أي: اللهم اقض، أو الامر هنا بمعنى الخبر. وانظر البخاري 5 / 71، ومسلم (2585) والترمذي (1929) و (2674) وسنن أبي داود (5131) والنسائي 5 / 78. (2) هو من طريق محمد بن سيرين، عن أم عطية عند البخاري 1 / 395 في أول ستر العورة و2 / 386 في اليدين: باب خروج النساء والحيض إلى المصلى و390، 391: باب اعتزال الحيض المصلى. ومسلم (890) في صلاة العيدين: باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، والترمذي (539) وأبى داود (1136) والنسائي 3 / 180، 181. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 399 وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ (1) . فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ (2) !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ. كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ (3) ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم. ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى (4) . وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ (5) .   (1) فالذهبي كان عمره في أول سماع الحديث تسع عشر سنة، لأنه ولد سنة 673 هـ في كفر بطنا. (2) هذا التحديد يبين لنا أن الذهبي قد ألف " سير أعلام النبلاء " قبل سنة 715 هـ هذا إذا لم يكن هذا النص في " تاريخ الإسلام " له. (3) أي: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 7. (5) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 169، و" طبقات السبكي " 2 / 216 و" مقدمة الفتح ": 479. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 400 وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟ فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ. فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!! وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ. فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً (1) . وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ (2) .   (1) " طبقات السبكي " 2 / 217. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 401 وَعَنْ (1) .... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ. أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ (2) . أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ (3) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ   (1) بياض في الأصل. وكذا في نسخة أحمد الثالث. وجاء في " طبقات الحنابلة " 1 / 274، 275: أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت المحدث، قال: كتب إلي علي بن أبي حامد محمد الاصفهاني يذكر أن أبا أحمد محمد بن أحمد بن مكي الجرجاني حدثهم، قال: سمعت السعداني يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: قال محمد بن إسماعيل: أخرجت هذا الكتاب - يعني: " الصحيح " - من زهاء ست مئة ألف حديث. وكذا هو في " تاريخ بغداد " 2 / 8، و" تهذيب الكمال ": 1169. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 274، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 490. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 402 جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي (2) هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (3) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ (4) . وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 9، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221. (2) تصحفت في " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" طبقات السبكي " 2 / 221 إلى: " إسنادي ". كما تصحفت في " مقدمة الفتح ": 488 إلى: " استاري ". (3) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 488. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 484. (5) " طبقات الحنابلة " 1 / 277، و" تاريخ بغداد " 2 / 22، 23، و" طبقات السبكي " 2 / 217. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 403 وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا (2) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ (3) .   (1) " تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 220. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 482. (3) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1، وقال النووي: وقال آخرون منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي صنفه ببخارى، وقيل: بمكة، وقيل بالبصرة. وكل هذا صحيح، ومعناه أنه كان يصنف فيه في كل بلدة من هذه البلدان، فإنه بقي في تصنيفه ست عشرة سنة. والخبر في " تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 490 وقال ابن = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 404 وَقَالَ (1) : .... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ (2) وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ. وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ (3) .   = حجر: ولا ينافي هذا ما تقدم، لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه في المسودة، وهنا حوله من المسودة إلى المبيضة. (1) بياض في الأصل. وكذا في نسخة أحمد الثالث. وجاء في " طبقات الحنابلة " 1 / 276: أخبرنا أحمد المؤرخ، حدثنا أبو الوليد الدربندي، سمعت محمد بن الفضل، سمعت أبا إسحاق الزنجاني، سمعت عبد الرحمن بن رساس البخاري يقول: سمعت محمد ابن إسماعيل البخاري يقول: صنفت كتابي " الصحيح " لست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديثه، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. وفي " تاريخ بغداد " 2 / 14 بالسند نفسه ولكن فيه " الريحاني " و" رساين " بدل: " الزنجاني " و" رساس ". وفي " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 74 / 1: وروينا من جهات عن البخاري رحمه الله قال: صنفت ... والخبر في " وفيات الأعيان " 4 / 190. و" تهذيب لكمال ": 1170. وقال السبكي في " طبقات الشافعية " 2 / 221: " قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ: روي من وجهين ثابتين عن البخاري أنه قال: أخرجت هذا الكتاب من نحو ست مئة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله. وانظر " مقدمة الفتح ": 490. (2) أي عجم الزبيب والعنب. والفرصاد: التوت، وقيل حمله، وهو الاحمر منه. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 490. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 405 وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ (1) . قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ. وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ. كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ. فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ. وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ. ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ. وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً. فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى   (1) " مقدمة الفتح ": 488. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 406 الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ. وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ (1) . ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر (2) ، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ (3) . قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً. ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ   (1) " طبقات السبكي " 2 / 222. (2) " طبقات السبكي " 2 / 222. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الكمال ": 1170. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 407 الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟ فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا. فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ (1) كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ. ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً (2) ، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ (3) . قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ. وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ (4) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ   (1) يقال حكم الشئ وأحكمه: استثبته ومنعه من الفساد والخطأ. (2) هدر يهدر، بالكسر، ويهدر، بالضم، هدرا وهدرا، أي بطل. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، 277، و" تاريخ بغداد " 2 / 14، 15، و" طبقات السبكي " 2 / 217، و" مقدمة الفتح ": 479. (4) أي لم ينبت شعر وجهه. والخبر في " طبقات الحنابلة " 1 / 277، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 217. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 408 وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ. وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ. وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ. فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ. وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ. وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ. ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ. فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ. وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ. فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ (1) . وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم. فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ (2) . ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 20، 21، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" طبقات السبكي " 2 / 218، 219، و" مقدمة الفتح ": 486 و487. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 15، 16، و" طبقات السبكي " 2 / 219. وفي " مقدمة الفتح ": 487: تستفيدونها. [وقال ابن حجر] : يعني ليست عندكم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 409 بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) . ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ. وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ (2) . قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ. وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ   (1) أخرجه البخاري 13 / 116 في الاحكام: باب القضاء والفتيا في الطريق، من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟ فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن أحب الله ورسوله، قال: " أنت مع من أحببت " وحديث أنس هذا له طرق عنه انظر البخاري 7 / 40 في الفضائل و10 / 458 و462 في الأدب، ومسلم (2639) في البر والصلة: باب المرء مع من أحب (161) و (162) و (163) و (164) والترمذي (2385) وأبي داود (5127) ولفظ أبي داود " قال رجل: يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " المرء مع من أحب ". وفي الباب عن ابن مسعود عند البخاري 10 / 461، 462، ومسلم (2640) وعن أبي موسى الأشعري عند البخاري 10 / 462، ومسلم (2641) وعن صفوان بن عسال المرادي عند الترمذي (2387) وعن أبي ذر عند أبي داود (5126) . (2) " تاريخ بغداد " 2 / 16. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 410 حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ (1) . وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ (2) . قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ (3) . وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ (4) . وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ (5) .   (1) الخبر في " مقدمة الفتح ": 489. وهو يدلل في هذا على سعة حفظه. (2) " مقدمة الفتح ": 489. (3) " مقدمة الفتح ": 487. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 17، 18، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" مقدمة الفتح ": 484. (5) ويعني هذا ان البخاري يرى جواز الرواية بالمعنى، وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره بخلاف مسلم. وسبب ذلك أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته، فكان لاجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه، فلا يسوق ألفاظه برمتها، بل يتصرف فيه، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 411 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ. وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ. قَالَ: نَعَمْ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟ فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.   = ويسوقه بمعناه. أما مسلم فقد صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة شيوخه، وكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق. والبخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه، فاحتاج أن يقطع الحديث الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه، أما مسلم فلم يعتمد ذلك بل يسوق أحاديث الباب كلها سردا، عاطفا بعضها على بعض في موضع واحد. والخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 11، و" تهذيب الكمال ":؟ 117، و" مقدمة الفتح ": 489. (1) ومحاولة ابن حزم في " المحلى "، تؤيد مقالة محمد بن إسماعيل هذه، فإنه على ما به من هنات قد استطاع باعتماده على الكتاب والسنة أن يؤلف كتابا في الفقه يشتمل على جميع أبواب الفقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 412 وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ (1) . فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ. فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ. قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟ فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ. فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ. قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟ فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ. فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟ قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟ ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ   (1) إسناده صحيح، وهو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (1061) من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد، وأخرجه ابن خزيمة (230) من طريق عبد الرزاق، وأخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 324 في الغسل: باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد، وابن خزيمة (231) من طريق معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه مسلم (309) من طريق شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس، وأخرجه البخاري 1 / 334 و9 / 98 في النكاح: باب كثرة النساء و277 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه الترمذي (140) من طريق سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه أبو داود (218) والنسائي 1 / 143 من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 413 حَدِيْثاً. فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً. فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً. فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ. فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم (1)) . وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ. فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي (3) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ (4) .   (1) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 9 / 345 في الطلاق: باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون، و11 / 478 في الايمان والنذور: باب إذا حنث ناسيا في الايمان، ومسلم (127) في الايمان: باب تجاوز الله عن حديث النفس أو الخواطر، وأبو داود (2209) والترمذي (1183) والنسائي 6 / 156، 157، وابن ماجة (2540) . (2) " مقدمة الفتح ": 484. (3) " مقدمة الفتح ": 302. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 19، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 482. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 414 وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ (1) . قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ. قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ (2) . فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ (3) . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ (4) .   (1) " مقدمة الفتح ": 485، وسيرد الخبر في الصفحة: 424. (2) بفتح الكاف، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الخاء المنقوطة، والراء بين الالفين، وفي آخرها النون: هذه النسبة إلى كيخاران، وهي قرية من قرى اليمن، وقد تصحفت في " مقدمة الفتح " إلى: الكنجاراني. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 8، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" مقدمة الفتح ": 484. (4) " طبقات الحنابلة " 1 / 275، و" تاريخ بغداد " 2 / 25، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218، و" مقدمة الفتح ": 488. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 415 قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ (1) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي. وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ. فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي. فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ. وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ (2) . ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:   (1) " مقدمة الفتح ": 487. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 25، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218 و" مقدمة الفتح ": 488. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 416 كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ (1) . قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ. قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ. قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (2) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ (3) عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ (4) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ   (1) " طبقات السبكي " 2 / 222، و" مقدمة الفتح ": 484. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 24، 25 و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 218 و222، و" مقدمة الفتح ": 484. (3) بضم السين المهملة، والميم المفتوحة، والالف بين الراءين: هذه النسبة إلى قرية من بخارى يقال لها: سرمارى. وأبو إسحاق هو الامام الشجاع البطل أحمد بن إسحاق بن الحسن المطوعي الزاهد الذي فاق أهل زمانه في الشجاعة وقتل الكفار، حتى قيل: لم يكن في الإسلام له نظير في هذا المعنى. وسترد ترجمته. (4) " مقدمة الفتح ": 485. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 417 سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ (1) . قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى. وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ (2) . قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ. فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 24، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" مقدمة الفتح ": 485. (2) انظر المسألة بالتفصيل ورأي أهل العلم فيها في البخاري 9 / 340، 343 بشرح الفتح في الطلاق، باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران ... (3) " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 485. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 418 وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) . وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ (2) . وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان. وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ. قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ (3) . قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم (4) . قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ. قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 24، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 22، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483. وسيرد في الصفحة: 424 منسوبا ليعقوب بن إبراهيم الدورقي. (3) " مقدمة الفتح ": 482. (4) " مقدمة الفتح ": 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 419 وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ (1) . وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ. فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ (4) مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ. فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ (5) .   (1) " مقدمة الفتح " 482 بلفظ: " صيت ". (2) " تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 484، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 18، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال " 1171. (4) ما بين حاصرتين من " مقدمة الفتح ". (5) يغلب على ظني أن أبا مصعب الزهري لم يقف على كلام أحمد في الفقه حتى جعل = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 420 قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ (1) . قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم (2) قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟ فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ. فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) . وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (5) .   = البخاري أفقه منه، ولو وقف على كلامه، لم يتفوه بذلك، وانظر الخبر في " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483. (1) " مقدمة الفتح ": 307. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 28. (3) " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 484. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 21، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1171. (5) " تاريخ بغداد " 2 / 17، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 421 وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي. فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم (3) . وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ. قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟ قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى. قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟ قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ. فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 16، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" مقدمة الفتح ": 483. (2) " مقدمة الفتح ": 484. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 19، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 485. (4) " تاريخ بغداد " 2 / 18، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 422 قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى. فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ (1) . قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ. وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ (3) . قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ. فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟ قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 17، و" تهذيب الكمال " 1170. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 16، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 589، و" تهذيب التهذيب " 10 / 128. (3) " تهذيب الكمال ": 1171. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 423 قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ (1) ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ (4) . عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: لاَ. فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.   (1) في هامش الأصل ما نصه: هذا اللؤلؤي من شيوخ البخاري. ويروي عن عبد الله ابن نمير وأبي أسامة. توفي كهلا سنة ثلاثين ومئتين وقد تقدمت ترجمته في الجزء الحادي عشر من " سير أعلام النبلاء "، ترجمة رقم 104. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 26. (3) سبق الخبر في الصفحة: 415، التعليق الأول. (4) " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 424 وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ (1) - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ (2) - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ. وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ (3) مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ (4) ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ (5) بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ (6) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا   (1) " مقدمة الفتح ": 484. (2) أي: الكامل. قال جرير: وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القنا عيس (3) أي: الرؤساء. (4) يعني محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. " مقدمة الفتح ": 483. (5) في " مقدمة الفتح ": 483: والخلال، يعني الحسين بن علي الحلواني. (6) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70، 71 / 1، و" مقدمة الفتح ": 483. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 425 حَفْصٍ يَقُوْلُ: هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ (1) ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ. فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي. قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ (2)) . وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ (3) . وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا   (1) في " التقريب ": سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس الكوفي صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال، مات في حدود 140 هـ وقد أخرج حديثه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي في " سننه " وانظر ترجمته في ميزان المؤلف 2 / 110. (2) أورده السخاوي في " المقاصد الحسنة " 472، وقال: رواه الديلمي عن أبي هريرة به مرفوعا، قلت: انفراد الديلمي بروايته مؤذن بضعفه، كما نبه عليه السيوطي في مقدمة الجامع الكبير ". (3) " مقدمة الفتح ": 485. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 426 وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ. وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟ فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ (1) ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟! وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟! فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ (2) . قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ   (1) كتاب الأدب المفرد كتاب جيد في بابه، ضمنه المؤلف رحمه الله الأحاديث النبوية التي تعنى بتهذيب الخلق، وتصحيح النية، وتقويم السلوك، والآداب العامة ولم يتحر فيه الصحة كما فعل في كتابه " الجامع الصحيح " بل فيه الصحيح والحسن وهو الغالب والضعيف وهو قليل كما هو معلوم لكل من درس أسانيده، وبحث فيها. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 25، و" مقدمة الفتح ": 484. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 427 البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ. ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ. فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً. قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (1) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 27، و" تهذيب الأسماء واللغات ": 1 / 69 و" مقدمة الفتح ": 484 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 428 ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا (1) عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ (2) . قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي. وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً (3) . وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا. وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً. وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ. فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ. أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى   (1) أي لا تتركوه يفوتكم. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 27، و" مقدمة الفتح ": 485. (3) " مقدمة الفتح ": 454 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 429 مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟ فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ. فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ. وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ. وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 430 وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ (2) . وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ (3) . وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.   (1) " مقدمة الفتح ": 483 (2) " مقدمة الفتح ": 483. (3) " مقدمة الفتح ": 483 (4) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 218، و" مقدمة الفتح ": 486 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 431 ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ (1) . ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ (2) ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ (4) . وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (5) .   (1) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" تاريخ بغداد " 2 / 29. (2) سيرد في الصفحة: 455 وهو في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1 /، و" تاريخ بغداد " 2 / 31. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" مقدمة الفتح ": 485. (4) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 489. (5) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 220. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 432 وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ (1) . قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ (2) .... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ. قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ (3) ؟ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً. وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ (4) : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ. فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ (5) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 26، و" طبقات السبكي " 2 / 221، و" مقدمة الفتح ": 484. (2) بياض في كلا الاصلين قدر ثلث سطر، وجاء في " مقدمة الفتح ": وقال حمدويه بن الخطاب: لما قدم البخاري قدمته الأخيرة ... (3) " تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 488، وانظر ما قاله ابن حجر في ذلك. (4) في " تاريخ بغداد " 2 / 23 زيرك وهو تصحيف. (5) " تاريخ بغداد " 2 / 23 وتتمته فيه: " بعد ذلك بأشهر ". وهو في " تهذيب الكمال ": 1171. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 433 وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ: المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ (1) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ. وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ (2) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟ فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ (3) . وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،   (1) هذا من المبالغات الشعرية المنبعثة من العواطف فإن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مستمر وباق إلى يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخير في أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره ". وقال:: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". والبيت في " تاريخ بغداد " 2 / 22، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح ": 486. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 23، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح " 485. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 23، و" تهذيب الكمال ": 1171، و" مقدمة الفتح " 486. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 434 وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ (1) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه. وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ. فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ. فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج. قَالَ: مَا شِئْتَ. فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ. فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً. وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ. فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ (2) . وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ   (1) " مقدمة الفتح ": 486. (2) " تاريخ بغداد ": 2 / 26. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 435 حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ (1) . ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ (2) . وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ. وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ (3) . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ (4) ، فَمَا عِلَّتُهُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ   (1) " طبقات السبكي " 2 / 221 و225، و" مقدمة الفتح " 486. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 69 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 225، و" مقدمة الفتح " 486. وسيذكره المصنف في الصفحة 442 أيضا. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 30. (4) وتمامه: إذا قام العبد أن يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك " أخرجه الترمذي (3433) ، وأحمد 2 / 494. كلاهما من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة. وقال الترمذي: حسن غريب صحيح، وصححه ابن حبان (2366) والحاكم 1 / 536، 537، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود (4857) ، وصححه ابن حبان (2337) ، وعن جبير بن مطعم عند الحاكم 1 / 537، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 436 إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ. فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ (2) فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ. قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ (3) .   = وهو كما قالا. وعن رافع بن خديج عند النسائي في " عمل اليوم والليلة "، والحاكم 1 / 537، وحسنه العراقي، وقال: الهيثمي في " المجمع " 10 / 141 بعد أن نسبه للطبراني في " معاجمه " الثلاث: ورجاله ثقات. وعن ابن مسعود عند الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " كما في " المجمع " 10 / 141. (1) أورد القصة الحافظ في " المقدمة " عن البيهقي في " المدخل " عن شيخه الحاكم أبي عبد الله، عن أبي نصر أحمد بن محمد الوراق، سمعت أحمد بن حمدون القصار.. (2) في الأصل: ويجلسونه. (3) تقدم الخبر في الصفحة: 408. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 437 أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟ قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) . وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ (2) ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ. قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ. رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث (3) . ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ   (1) " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1، و" مقدمة الفتح ": 290. (2) هو عمر بن الحسن بن علي الكلبي الأندلسي المتوفى سنة 633 هـ، وسترد ترجمته عند المؤلف في الجزء الثاني والعشرين. (3) جاء في الأصل حاشية بخط مغاير ما نصه: هذه من غلطات ابن دحية ووهمه، فإن الذي عرض كتابه على أبي زرعة مسلم لا البخاري، ثم إن البخاري أحفظ من أبي زرعة بكثير وأعلم، فهو أولى منه بأن يكون حافظ زمانه. قلت: وما في هذه الحاشية هو الصواب كما سيذكره المؤلف في ترجمة مسلم في الصفحة 423، وعجب من المصنف رحمه الله كيف فاته التنبيه هنا على هذا الوهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 438 قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ (1) . وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً (2) . قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ (3) ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 12، و" تهذيب الكمال " 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 223، 224، و" مقدمة الفتح ": 482. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، و" تاريخ بغداد " 2 / 13، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال " لوحة 1170، و" طبقات السبكي " 2 / 223 و224، و" مقدمة الفتح " 481. (3) قال العراقي في " شرح الالفية " 2 / 11: فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه: يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه. وقال الذهبي في مقدمة " ميزان الاعتدال " 1 / 3، 4: قوله: فيه نظر، وفي حديثه نظر، لا يقوله البخاري إلا فيمن يتهمه غالبا. قال الشيخ المحدث حبيب الرحمن الاعظمي تعليقا على قول العراقي والذهبي: لا ينقضي عجبي حين أقرأ كلام العراقي والذهبي هذا، ثم أرى أئمة هذا الشأن لا يعبأون بهذا، فيوثقون من قال فيه البخاري: فيه نظر، أو يدخلونه في الصحيح، وإليك أمثلته: 1 - تمام بن نجيح، قال فيه البخاري: فيه نظر. ووثقه ابن معين. وقال البزار في موضع: هو صالح الحديث. وروى له البخاري نفسه أثرا موقوفا معلقا في رفع عمر بن عبد العزيز يديه حين يركع - أعني فلم يتركه البخاري نفسه - ولم يتركه أبو داود ولا الترمذي. 2 - راشد بن داود الصنعاني، قال فيه البخاري: فيه نظر. لكن وثقه إمام هذا الشأن يحيى بن معين وقال: ليس به بأس ثقة. وقال دحيم: هو ثقة عندي. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وروى له النسائي. وقال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام. 3 - ثعلبة بن يزيد الحماني، قال فيه البخاري: في حديثه نظر، لا يتابع في حديثه. وقال النسائي: ثقة. وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا في مقدار ما يرويه. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق شيعي. 4 - جعدة المخزومي: قال البخاري: لا أعرف له إلا هذا الحديث وفيه نظر. وروى له الجزء: 12 ¦ الصفحة: 439 ..................................................................................   = الترمذي. وقال فيه الحافظ ابن حجر: مقبول. ومعلوم أن الحافظ ابن حجر يقول هذا فيمن ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك به حديثه. 5 - جميع بن عمير التيمي، قال البخاري: في أحاديثه نظر. وقال أبو حاتم: محله الصدق صالح الحديث. وقال الساجي: صدوق. وقال العجلي: تابعي ثقة. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ ويتشيع. وروى له الأربعة. وحسن الترمذي حديثه في " سننه " في مناقب أبي بكر الصديق في الباب الرابع. 6 - حبيب بن سالم، قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروى عنه. وقال الآجري عن أبي داود: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وروى له مسلم والاربعة. وقال ابن حجر: لا بأس به. 7 - حريش بن خريت، قال البخاري: فيه نظر. وقال أيضا: أرجو. قال اليماني المعلمي في تعليقه عليه في " التاريخ الكبير ": كأنه يريد: أرجو أنه لا بأس به. وفي " تهذيب التهذيب ": قال البخاري في " تاريخه ": أرجو أن يكون صالحا. وقال أبو حاتم: لا بأس به. 8 - سليمان بن داود الخولاني، قال البخاري: فيه نظر. وقد أثنى عليه أبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ. قال ابن حجر: لا ريب في أنه صدوق. 9 - طالب بن حبيب المدني الأنصاري، قال البخاري: فيه نظر. وروى له أبو داود، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وذكره ابن حبان في " الثقات ". ووثقه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 5 / 106. 10 - صعصعة بن ناجية، قال البخاري: فيه نظر. وهو صحابي ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "، و" الإصابة ". 11 - عبد الرحمن بن سلمان الرعيني، قال البخاري: فيه نظر. وقد وثقه ابن يونس. وقال أبو حاتم: ما رأيت من حديثه منكرا، وهو صالح الحديث. وله عند مسلم في مبيت ابن عباس عند ميمونة. وقال النسائي: ليس به بأس، كما في " تهذيب التهذيب " 6 / 188. وقال ابن حجر: لا بأس به. وأدخله البخاري في " الضعفاء ". فقال أبو حاتم: يحول من هناك. والصواب عندي: أن ما قاله العراقي ليس بمطرد ولا صحيح على إطلاقه، بل كثيرا ما يقوله البخاري ولا يوافقه عليه الجهابذة، وكثيرا ما يقوله ويريد به إسنادا خاصا كما قال في " التاريخ الكبير " 3 / 1 / 183 في ترجمة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد رائي الاذان: فيه نظر، لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض. وكما في ترجمته في " تهذيب التهذيب " 6 / 10. وكثيرا ما يقوله ولا يعني الراوي، بل حديث الراوي، فعليك بالتثبت والتأني. انظر " قواعد في علوم الحديث " ص 254 - 257. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 440 كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ. حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ (1) . وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم. فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي. قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ (2) . وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً. فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي (3) .   (1) أخرجه مالك 2 / 903، 904 في حسن الخلق، والبخاري 10 / 378، 379 في الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، ومسلم (2591) في البر والصلة: باب مداراة من يتقى فحشه، وأبو داود (4791) والترمذي (1996) وأحمد 6 / 38 عن عائشة أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة، فلما دخل عليه، ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال: يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ". (2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، 14، " طبقات السبكي " 2 / 220، و" مقدمة الفتح ": 482. (3) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، و" تاريخ بغداد " 2 / 12، و" تهذيب الكمال ": 1170، و" مقدمة الفتح ": 481. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 441 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا (1) !! وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ (2) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (3) . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ. أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ (4) . وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 12، 13 و" تهذيب الكمال ": 1170. وانظر " طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 481. (2) " مقدمة الفتح ": 486. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 28، و" مقدمة الفتح ": 486. (4) سبق الخبر في الصفحة: 436. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 442 وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ. وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ. وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ (1) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ (2) . فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ. وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا. وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟ قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ. قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ. فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ. فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟ قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ. قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 10، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" تهذيب الكمال ": 1170 و" طبقات السبكي " 2 / 223، و" مقدمة الفتح ": 490. (2) فرضة النهر: مشرب الماء منه أو المشرعة. والفرضة: الثلمة التي تكون في النهر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 443 وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ. فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي. فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) . وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ (1) شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟ قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا (2) العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ (3) . قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.   (1) في " تاريخ بغداد ": ما أتيت. (2) أي: فاجأنا، وأخذنا على غرة منا. (3) " تاريخ بغداد " 2 / 14، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 76 / 1، و" تهذيب الكمال ": 170، و" طبقات السبكي ": 2 / 226، و" مقدمة الفتح ": 481. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 444 قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى (1) . قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ (2) . قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ. فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى   (1) والقنابرى - بفتح الراء -: بقلة الغملول، كما في القاموس: وانظر " القانون في الطب " 1 / 422 لمعرفة فوائده. (2) تاريخ بغداد: 2 / 13، ومقدمة الفتح: 482 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 445 المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟ فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا. قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ. فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ. ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ. فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي. فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ. فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ. فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً. وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي. وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ. فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو. فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ. فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً. وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً. وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ (1) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ. فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟ قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي. قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ (2) .   (1) الخبر بطوله في " طبقات السبكي " 2 / 227. وهو في " مقدمة الفتح ": 480. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 11 بلفظ مختلف، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" طبقات السبكي " 2 / 227. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 446 قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ. فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي. قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ. فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا. فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ. ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ. وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ. فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ. فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 447 نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ (1) . وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا. ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!! وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً. فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ (3) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 11، 12، و" طبقات السبكي " 2 / 227، و" مقدمة الفتح ": 480. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 13، و" طبقات السبكي " 2 / 217. (3) " طبقات السبكي " 2 / 227، و" مقدمة الفتح ": 480. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 448 وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ. وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ. وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً. وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (1) . قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ. ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ. فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ. فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]   (1) " طبقات السبكي " 2 / 227 من كلام سليم بن مجاهد، وكذا في " مقدمة الفتح ": 486. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 449 قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا. ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ (1) مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ. وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ (2) بِدِرْهَمٍ (3) . قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً. وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ. قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟ قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ. وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ. وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ. قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي   (1) جمع زنبر، وهو الزنبيل. فارسية معربة. (2) في " مقدمة الفتح ": أمنان، بالنون. وكلاهما جمع (من) ، وهو وزن أو مكيال يسع مئتي وسبعة وخمسين درهما. (3) " مقدمة الفتح ": 481. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 450 إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ. قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ. فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ. فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ. وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ. فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ. قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ. فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ. قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي. ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً. وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ. فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ. فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ. ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 451 عِشْرِيْنَ دِرْهَماً. فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ. فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ. فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ. سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟ فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ. قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ (1) . وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ (2) . وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ. فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي (3) .   (1) " مقدمة الفتح " 480. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 6، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات السبكي " 2 / 216. (3) " طبقات السبكي " 2 / 216. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 452 وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟ فَلَمْ يُخْبِرْنِي. فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ. ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ - قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ. فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ (1) . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ. فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 30، و" طبقات السبكي " 2 / 330، و" مقدمة الفتح ": 491. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 453 القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ. فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ. وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ (1) . أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ. فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي. وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ (2) . وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ. فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ (3)) . وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ   (1) " مقدمة الفتح ": 494. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 30. (3) إسناده صحيح، وهو في " خلق أفعال العباد ": 137، و" الأسماء والصفات " للبيهقي 388، وصححه الحاكم 1 / 31، 32 وواقفه الذهبي. وقد تقدم في الصفحة 128. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 454 يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ (1) . قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ. فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ (2) . قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49] وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ. فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى (3) . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:   (1) " طبقات السبكي " 2 / 228، و" مقدمة الفتح ": 491، 492. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 31، و" طبقات السبكي " 2 / 228، و" مقدمة الفتح ": 492، و" خلق أفعال العباد ": 138 وجاء فيه أيضا في الصفحة: 146: قال أبو عبد الله: ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف يشاء، وأن أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا، فيها التطريب والغمز واللحن والترجيع، حديث أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا عبد الله بن صالح، ويحيى بن بكير، قالا: حدثنا الليث، عن ابن أبي ملكية، عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته، فقالت: كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى الصبح. ونعتت قراءته، فإذا قراءته حرفا حرفا. (3) سبق الخبر في الصفحة: 432، وهو في " تاريخ بغداد " 2 / 31، و" طبقات السبكي " 2 / 229. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 455 القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ. وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ (1) . وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم (2) . وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ (3) . وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 31، 32. (2) ذكره في " خلق أفعال العباد " ص 71، وهو من الغلو والافراط الذي لا يوافقه عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا، وكيف يحكم بكفرهم، ثم يروي عنهم، ويخرج أحاديثهم في صحيحه الذي انتقاه وشرط فيه الصحة؟ ! (3) " تاريخ بغداد " 2 / 32، و" مقدمة الفتح ": 492. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 456 يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟ فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟ قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا. قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ (1) . وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ. فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ (2) . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة. فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ   (1) ولازم المذهب ليس بلازم كما هو مذهب جمهور المحققين من العلماء، ونقل ابن ناصر الدين في مقدمة كتابه " الرد الوافر " 20 عن الامام الذهبي - ووصفه بإمام التعديل والجرح، والمعتمد عليه في المدح والقدح - كلمة جاء فيها: ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين، وأن نكفر مسلما موحدا بلازم قوله، وهو يفر من ذلك اللازم، وينزه ويعظم الرب. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 277. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 457 نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ (1) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة. فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ. فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ. قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ. فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا. فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم (2) .   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 32، و" طبقات السبكي " 2 / 230، و" مقدمة الفتح ": 492. (2) إن البخاري والكرابيسي وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلي متفقون كلهم على أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، لا يختلفون في ذلك، كما هو واضح من أقوالهم المأثورة عنهم. لكنهم اختلفوا في قول الإنسان: لفظي بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق. فأنكر ذلك الامام أحمد والذهلي. لان اللفظ يراد به أمران: أحدهما الملفوظ نفسه، وهو غير مقدور للعبد، ولا فعل له فيه، والثاني التلفظ به والاداء له، وهو فعل العبد. فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ، وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني وهو = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 458 وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ (1) . وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟ فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا (2) مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي (3) . قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي. كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ   = خطأ، فمنعا الاطلاقين. فيقولون: التلاوة هي قراءتنا وتلفظنا بالقرآن، والمتلو هو القرآن المسموع بالآذان بالاداء من فم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي حروف وكلمات وسور وآيات تلاه جبريل وبلغه جبريل عن الله تعالى كما سمعه. فهم يميزون بين ما قام بالعبد، وما قام بالرب فالقرآن عندهم جميعه كلام الله حروفه ومعانيه، وأصوات العباد وحركاتهم وأداؤهم وتلفظهم كل ذلك مخلوق بائن عن الله ولذلك سوغوا أن يقال: القرآن غير مخلوق، ولفظي بالقرآن مخلوق. (1) " مقدمة الفتح ": 494. (2) في " مقدمة الفتح ": لتخلصوا. (3) " مقدمة الفتح ": 492. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 459 البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ. فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا. فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً (1) فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ (2) . وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ (3) . قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ. رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ. فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ (4) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ! فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ   (1) في " مقدمة الفتح ": رداءه. (2) " مقدمة الفتح ": 492 وقال ابن حجر معقبا: وقد أنصف مسلم، فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا. (3) سيرد هذا الخبر في الصفحة: 572 بترجمة مسلم رحمه الله. (4) " مقدمة الفتح ": 492. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 460 لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا (1)) . وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ. فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ (2)) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ (3)) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}   (1) أخرجه مالك 3 / 148 بشرح السيوطي في الكلام: باب ما يكره من الكلام، ومن طريقه أحمد 2 / 113 والبخاري 10 / 428 والترمذي (2637) ، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأخرجه مسلم (60) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار وأخرجه أيضا من طريق عبيد الله بن عمر، وأبو داود (4687) وأحمد 2 / 60 من طريق فضيل بن غزوان. كلاهما عن نافع عن ابن عمر، وأخرجه أحمد 2 / 18 و44 و47 و112 من طرق عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر. (2) أخرجه من حديث أسيد بن حضير البخاري 7 / 89، 90 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل الانصار و (7057) في الفتن: باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها، ومسلم (1845) في الامارة: باب الامر بالصبر عند ظلم الولاة، والترمذي (2190) والنسائي 8 / 224، 225، وأخرجه من حديث أنس البخاري 7 / 192، وأخرجه من حديث عبد الله بن زيد البخاري 8 / 37 - 42 ومسلم (1061) . (3) أخرجه الترمذي برقم (3552) في الدعوات من حديث عائشة وفي سنده أبو حمزة ميمون الاعور وهو ضعيف، ونقل المناوي في " فيض القدير " قول الترمذي في " العلل ": سئل عنه البخاري فقال: لا أعلم أحدا رواه غير أبي الاحوص، لكن هو من حديث أبي حمزة، وضعف أبا حمزة جدا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 461 [المَائِدَة: 64] . وَكَانَ هِجِّيرَاهُ (1) مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ. فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ (2)) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ (3) .   (1) أي: كلامه ودأبه وشأنه. وفي حديث عمر رضي الله عنه: ماله هجيرى غيرها، أي: الدأب والعادة والديدن. (2) " الجرح والتعديل " 7 / 191. (3) هذا عجيب من أبي زرعة وأبي حاتم، فإنهما قد وثقا مسلما، وأثنيا عليه، مع أنه يقول بمقالة شيخه البخاري في مسألة اللفظ، ولا يمكن أن يسوغ صنيعهما هذا إلا بحمله على العصبية والهوى والحسد. وقد قال الامام الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم صاحب " الحلية ": كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين. ولو شئت لسردت من ذلك كراريس. وقال السبكي في " طبقات الشافعية " 2 / 230: إن موقف الذهلي من البخاري آت من حسده له. وقال السبكي في " قاعدة الجرح والتعديل ": 12: ومما ينبغي أن يتفقد حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح. فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة، فجرحه لذلك. = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 462 قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ. ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً. قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ. فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ (1) . قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ (2) فِيْهِ مَا نُثِرَ؟ فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،   = ومن أمثلة ذلك قول ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فيا لله والمسلمين، أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك؟ ؟ ! وهو حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة. ثم يا لله والمسلمين! أتجعل ممادحه مذام؟ ! فإن الحق في مسألة اللفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفظه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى، وإنما أنكرها الامام أحمد رضي الله عنه لبشاعة لفظها. (1) الخبر في " مقدمة الفتح ": 494. (2) تكررت كلمة " عليك " في الأصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 463 إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ. فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم. هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا. قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ. فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ (1)) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا. (2) وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا   (1) حديث صحيح أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد 2 / 263 و305 و344 و353 و495، وأبو داود (3658) والترمذي (2651) وابن ماجة (261) و (266) وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (75) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو صححه ابن حبان (96) والحاكم 1 / 102 ووافقه الذهبي. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 33، و" تهذيب الكمال ": 338، و" طبقات السبكي " 2 / 232، 233 و" مقدمة الفتح ": 494. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 464 بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً. فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ. وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ. وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا (1) . وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 33، 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 233 و" مقدمة الفتح ": 494. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 465 وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ. قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ (1) ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ. سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً. حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. ذِكْرُ وَفَاتِهِ: قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى   (1) انظر ترجمته في " الكامل " لابن الأثير 7 / 412. (2) خرتنك، بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح التاء المثناة من فوقها وسكون النون وبعدها كاف: وهي قرية من قرى سمرقند. كذا قال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 4 / 191. والخبر في " تاريخ بغداد " 2 / 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 232، و" مقدمة الفتح ": 494. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 466 تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ (1) العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ. وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ. فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ (2) عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ (3) . قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.   (1) في " طبقات السبكي " 2 / 233: فسال منه من العرق شيء لا يوصف وفي " مقدمة الفتح ": ثم سال منه عرق كثير. (2) في " طبقات السبكي " 2 / 233: ولم يكن يقدر. (3) خبر مرضه ووفاته بطوله في " طبقات السبكي " 2 / 233، 234، و" مقدمة الفتح ": 494. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 467 وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ. فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا (1) . وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ: مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً (2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ. فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.   (1) " تاريخ بغداد " 2 / 34، و" تهذيب الكمال ": 1172، و" طبقات السبكي " 2 / 232، و" مقدمة الفتح ": 494. (2) " تاريخ بغداد " 2 / 6 و34، و" تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و" وفيات الأعيان " 4 / 190، و" تهذيب الكمال ": 1169 و1172، و" مقدمة الفتح ": 495. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 468 وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ (1) السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا. قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ (2) . وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي (3) .   (1) في " تقييد المهمل " لوحة: 34: التنكي المقيم بسمرقند. وفي " طبقات الشافعية " 2 / 234: السكني. (2) " طبقات السبكي " 2 / 234. (3) سبق تخريجه في الصفحة: 398. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 469 ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ: مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ. فصل: (تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ (1) . قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً (2) . وَقَدْ   (1) جاء في " مقدمة صحيح مسلم " بشرح النووي: 16: قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه " المدخل إلى معرفة المستدرك ": عدد من خرج لهم البخاري في " الجامع الصحيح " ولم يخرج لهم مسلم أربع مئة وأربعة وثلاثون شيخا، وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح، ولم يحتج بهم البخاري في " الجامع الصحيح " ست مئة وخمسة وعشرون شيخا، والله أعلم. (2) قال النووي رحمه الله في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 75 / 1: جملة ما في " صحيح البخاري " من الأحاديث المسندة سبعة آلاف وخمس مئة وثلاثة وسبعون حديثا بالاحاديث المكررة 7573. أما اسمه فسماه مؤلفه البخاري رحمه الله " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ". وأما محله فقال العلماء: هو أول مصنف صنف في الصحيح المجرد، واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم، واتفق الجمهور على أن " صحيح البخاري " أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد. وقال الحافظ أبو علي النيسابوري وبعض علماء المغرب: " صحيح مسلم " أصح، وأنكر العلماء ذلك عليهم، والصواب ترجيح " صحيح البخاري " ... وقال النسائي: أجود = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 470 نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً. قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ. لِبَعْضِهِم: (صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ (1) بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ (2) بِالقَصَبْ نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ (3) 172 - البَيْرُوْتِيُّ أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ * (د، س) الإِمَامُ، الحُجَّةُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، أَبُو الفَضْلِ، العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ   = هذه الكتب كتاب البخاري، وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما. (1) في " تاريخ ابن كثير ": لها كالشهب. (2) في " تاريخ ابن كثير:: زعمهم، وهو تصحيف. (3) الابيات في " تاريخ ابن كثير " 11 / 27، 28. (*) الجرح والتعديل 6 / 214، 215، الأنساب، ورقة: 98 / أ، اللباب 1 / 196، تهذيب = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 471 مَزيدٍ، العُذْرِيُّ، البَيْرُوْتِيُّ. وبَيْرُوْتُ: مَدِيْنَةٌ عَلَى البَحْرِ مِنْ سَاحلِ دِمَشْقَ، مَا زَالَتْ بلاَدَ إِسْلاَمٍ مُنْذُ الفتوحِ إِلَى أَنْ اسْتولَى عَلَيْهَا الفِرَنْجُ، فَدَامَتْ دَاراً لَهُم، إِلَى أَنْ افتتَحَهَا السُّلْطَانُ الملكُ الأَشرفُ خَلِيْلٌ، فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ عِنْدَ أَخْذِ عَكَّا، وَبِهَا تُوُفِّيَ الأَوْزَاعِيُّ، وَتلمِيذُهُ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَابْنُهُ هَذَا. وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، فَكَانَ مِمَّنْ عُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ مائَةِ عَامٍ بِيَقِيْنٍ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَمُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرَ، وَعُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَعَبْدَ الحَمِيْدِ بنَ بَكَّارٍ، وَطَائِفَةً. وَكَانَ مُقرِئاً، حَاذِقاً بحرفِ ابْنِ عَامِرٍ، تَلاَ عَلَى أَبِيْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَبَوَا زُرْعَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَمَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحصَائِرِيُّ، وَخَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. سَمَّى الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْهُم أَرْبَعِيْنَ نَفْساً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ (1) . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) .   = الكمال: 661، تذهيب التهذيب 2 / 128 / 1، العبر 2 / 46، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 355، تهذيب التهذيب 5 / 131، 133، خلاصة تذهيب الكمال: 190، شذرات الذهب 2 / 160. (1) " الجرح والتعديل " 6 / 215، و" تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1. (2) " تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 472 وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ سَيَّارٍ: مَا رَأَيْتُ أَحسنَ سَمْتاً مِنْهُ (1) . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ، ثُمَّ عرضَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَاحِبَ لَيلٍ (2) . قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبِي كَامِلٍ: سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ يَقُوْلُ: أَتيتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ فَأَملَى عليَّ حَدِيْثاً عَنِ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ. فَقُلْتُ: وَإِيَّايَ حَدَّثَ العَبَّاسُ. فَقَالَ لِي: رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَتَى مَاتَ؟ قُلْتُ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، كَذَا قَالَ خَيْثَمَةُ، وَأَمَّا عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ فَقَالَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَعَيَّنَ اليَوْمَ، وَقَالَ: سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَتحرَّرَ لِي أَنَّ مَجموعَ عُمُرِهِ مائَةُ سَنَةٍ وثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُوْنَ يَوْماً، وَكَانَ مُمَتَّعاً بِقُوَاهُ. قَالَ خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَازحَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ يَوْماً جَارِيَةً لَهُ، فَدَفَعَتْهُ، فَوَقَعَ، فَانكسَرَتْ رِجْلُهُ، فَلَمْ يُحَدِّثنَا عِشْرِيْنَ يَوْماً، فَكُنَّا نَلْقَى الجَارِيَةَ، وَنَقُوْلُ: حسبُكِ اللهُ كَمَا كَسَرْتِ رِجْلَ الشَّيْخِ، وَحَبَسْتِنَا عَنِ الحَدِيْثِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَالحُسَيْنُ بنُ صَصْرَى، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُسَيْنِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ غَسَّانٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ المُؤمَّلِ   (1) " تهذيب الكمال ": 661، و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1. (2) " تهذيب الكمال ": 661 وجاء فيه: وذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " و" تذهيب التهذيب " 2 / 128 / 1. ومعنى صاحب ليل، أي: يقوم بالليل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 473 الكَفَرْطَابِيُّ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حيدرَةَ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ ببَيْرُوْتَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (قَدْ عَفَوْتُ لَكُم عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيْقِ (1)) . قَرَأْتُ عَلَى تَاجِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ العَلَوِيِّ، أَخبرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَطِيْعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّينَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بنُ أَبِي لُبَابَةَ، حَدَّثَنَا زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَبَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ. فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ بِذَلِكَ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَقُومَهَا، لَيْلَةَ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لاَ شعَاعَ لَهَا (2) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وُجُوْهٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ   (1) وهو من طريق الحارث عن علي عند ابن ماجة (1790) والدارقطني 2 / 92، والبيهقي 4 / 118، والطحاوي 2 / 28 و29، والحارث - وهو ابن عبد الله الهمداني - ضعيف، لكنه متابع، فقد أخرجه أحمد 2 / 92 وأبو داود (1574) والترمذي (620) والنسائي 5 / 37، والطحاوي 2 / 28 والبيهقي 4 / 117 - 118 من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، وهذا سند حسن كما قال الحافظ في " الفتح ". (2) أخرجه مسلم برقم (763) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في قيام رمضان، وأبو داود (1378) في الصلاة: باب في ليلة القدر، والترمذي (793) في الصوم: باب ما جاء في ليلة القدر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 474 حَدِيْثِ الأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ جَمِيْعاً، عَنْ عَبْدَةَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيْرِهِ (1) . حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بنِ يَزِيْدَ العِجْلِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ زِرٍّ، أَنَّ أُبَيّاً حَدَّثَهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، بَلْ قَالَ: نَبَّأَ مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي. 173 - الرُّهَاوِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ * (س) الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو الحُسَيْنِ، أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، الرُّهَاوِيُّ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ. سَمِعَ: زَيْدَ بنَ الحُبَابِ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَعُثْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَرَّانِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَبْدَ بنَ جَعْفَرٍ الرَّقِّيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فَأَكْثَرَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ. ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ صَاحِبُ حَدِيْثٍ. قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمِنْ قُدمَاءِ مَشيَخَتِهِ مِسْكِيْنُ بنُ بَكْرٍ.   (1) وليس في المطبوع لان ابن السني قد أسقط في اختصاره قسم التفسير برمته. (*) الجرح والتعديل 2 / 52، 53، الأنساب 6 / 205، تهذيب الكمال: 23، تذهيب التهذيب 1 / 11 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 559، العبر 2 / 21، الوافي بالوفيات 6 / 401، تاريخ ابن كثير 11 / 33، تهذيب التهذيب 1 / 33، 34، طبقات الحفاظ: 250، خلاصة تذهيب الكمال: 6، شذرات الذهب 2 / 141. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 475 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عليُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَاقفُ السُّمَيْسَاطيَّةِ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكْحُوْلٌ البَيروتَيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي العَلاَءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: (هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئاً؟) . قَالَ: لاَ قَالَ: (فَإِذَا أَفطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ) . مُسْلِمٌ (2) : عَنْ أَبِي بكرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيْدَ. 174 - يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ بنِ الصَّلْتِ بنِ عُصْفُورٍ البَصْرِيُّ * الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، أَبُو يُوْسُفَ، السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْرِ) ، العديمُ النَّظيرِ المعلّل، الَّذِي تمَّ مِنْ مسَانيدِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ مجلَّداً، وَلَوْ كَمُلَ لَجَاءَ فِي مائَةِ مُجَلَّدٍ. مَوْلِدُهُ: فِي حُدُوْدِ الثَّمَانِيْنَ وَمائَةٍ،   (1) هي خانقاه السميساطية نسبة للسميساطي أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الحبشي، من أكابر الرؤساء بدمشق. مات سنة 423 هـ. وهو الذي اشتراها حين قدم دمشق. (2) رقم (1161) (200) في الصيام: باب صوم سرر شعبان، وأخرجه البخاري 4 / 200 من طريق غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران، وأخرجه مسلم (1161) وأبو داود (2228) من طريق حماد، عن ثابت، عن مطرف، عن عمران، وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن عبد الله بن هانئ ابن أخي مطرف، عن مطرف، عن عمران. وسرر الشهر آخره، أي آخر شعبان، وانظر المسألة مفصلة في " الفتح " 4 / 200 - 201. (*) تاريخ بغداد 14 / 281، 283، تذكرة الحفاظ 2 / 577، 578، العبر 2 / 25، تاريخ ابن كثير 11 / 35، النجوم الزاهرة 3 / 37، طبقات الحفاظ: 254، شذرات الذهب 2 / 146، المنتظم 5 / 43. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 476 وَسَمَاعَاتُهُ عَلَى رَأْسِ المائَتَيْنِ. سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَاصِمٍ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَرَوْحَ بنَ عُبَادَةَ، وَأَزْهَرَ بنَ سَعْدٍ السَّمَّانَ، وَبِشْرَ بنَ عُمَرَ الزَّهْرَانِيَّ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَشجَاعَ بنَ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، وَمَحَاضِرَ بنَ المُوَرِّعِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَطَاءٍ، وَأَبَا النَّضْرِ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَوهبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَحَجَّاجَ بنَ مِنْهَالٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. ثُمَّ إِلَى: الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الحَلْوَانِيِّ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ. ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى أَصْحَابِ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَابْنِ المَدِيْنِيِّ. وَيُخَرِّجُ العَالِي وَالنَّازلَ، وَيذكرُ أَوَّلاً سِيْرَةَ الصَّحَابِيِّ مُستوَفَاةً، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا رَوَاهُ، وَيوضِّحُ عِلَلَ الأَحَادِيْثِ، وَيَتَكَلَّمُ عَلَى الرِّجَالِ، وَيُجَرِّحُ وَيعدِّلُ بكَلاَمٍ مُفِيْدٍ عَذْبٍ شَافٍ، بِحَيْثُ إِنَّ النَّاظرَ فِي (مُسْنَدِهِ) لاَ يَمَلُّ مِنْهُ، وَلَكِنْ قَلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ. حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَزرقُ، وَطَائِفَةٌ. وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ (1) . قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَوْ كَانَ كِتَابُ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ مَسطوراً عَلَى حَمَّامٍ لَوَجَبَ أَنْ يُكْتَبَ (2) ، يَعْنِي: لاَ يفتقرُ الشَّخْصُ فِيْهِ إِلَى سَمَاعٍ. قَالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي مَنزِلِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ أَرْبَعُوْنَ لِحَافاً أَعدَّهَا لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الوَرَّاقينَ الَّذِيْنَ يُبَيِّضُونَ لَهُ (المُسْنَدَ) . قَالَ: وَلزمَهُ عَلَى مَا خَرَّجَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلاَفِ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 281، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 577. (2) " تاريخ بغداد " 14 / 281. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 477 دِيْنَارٍ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيْلَ: إِنَّ نُسَخَهُ بِمسندِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهُ شُوْهِدَتْ بِمِصْرَ، فَكَانَتْ فِي مئتَي جُزْءٍ. قَالَ: وَالَّذِي ظَهرَ لَهُ مُسْندُ العشرَةِ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَمَّارٍ، وَالعَبَّاسِ، وَعتبَةَ بنِ غَزْوَانَ، وَبَعْضِ الموَالِي (1) . قُلْتُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ شُوْهِدَ لَهُ مُسْنَدُ عليٍّ فِي خَمْسَةِ أَسفَارٍ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: كَانَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بنِ المُعَدَّلِ، وَالحَارِثِ بنِ مِسْكِيْنَ، فَقِيْهاً، سَرِيّاً، وَكَانَ يَقِفُ فِي القُرْآنِ (2) . قُلْتُ: أَخذَ الوَقْفَ عَنْ شَيْخِهِ أَحْمَدَ المَذْكُوْرِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَجَمَاعَةٌ. وخَالفَهُم نَحْوٌ مِنْ أَلفِ إِمَامٍ، بَلْ سَائِرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالخَلَفِ عَلَى نَفْي الخليقَةِ عَنِ القُرْآنِ، وَتَكْفِيْرِ الجَهْمِيَّةِ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ: أَظهرَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الوَقْفَ فِي ذَلِكَ الجَانبِ مِنْ بَغْدَادَ، فحذَّرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ المُتَوَكِّلُ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ أَنْ يَسْأَلَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَمَّنْ يُقَلِّدُ القَضَاءَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ. فَقَالَ: مُتَبَدِّعٌ، صَاحِبُ هوَى (3) . قَالَ الخَطِيْبُ: وَصفَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ لأَجلِ الوَقْفِ (4) . قُلْتُ: قَدْ كَانَ يَعْقُوْبُ صَاحِبُ أَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ، وَحِشْمَةٍ، وَحُرْمَةٍ وَافرَةٍ، بِحَيْثُ إِنَّ حَفِيْدَهُ حَكَى، قَالَ: لَمَّا وُلِدْتُ عَمدَ أَبواي فَمَلآ لِي ثَلاَثَةَ   (1) " تاريخ بغداد " 14 / 281، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 577. (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 577، 578. (3) " تاريخ بغداد " 14 / 350. (4) " تاريخ بغداد " 14 / 350. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 478 خوَابِي ذَهباً، وَخبَّآهَا لِي، فذكَرَ أَنَّهُ طَالَ عُمُرُهُ، وَأَنفقهَا، وَفَنِيَتْ، وَاحْتَاجَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ قَبْلَ مَوْتِ جدِّهِ بنيِّف عَشْرَةَ سَنَةً. مَاتَ يَعْقُوْبُ الحَافِظُ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَعَ لِي جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ مُسنَدِ عَمَّارٍ لَهُ. قَرَأْتُ عَلَى الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ خَلَفٍ: أَخبرَكُم يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ سنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَاوَلَ عَمَّارٌ رَجُلاً، فَاسْتطَالَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَنَا إِذاً كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ. فَعَاد الرَّجُلُ فَاسْتطَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَأَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَولدَكَ، وَجَعَلَكَ يُوطأُ عَقِبُكَ (1) . وَبِهِ: قَالَ يَعْقُوْبُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ (2) : مَا نَسِيْنَا الغبارَ عَلَى شَعْرِ صَدْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنَّ الخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلأَنصَارِ وَالمُهَاجِرَةِ) إِذْ جَاءَ عَمَّارٌ فَقَالَ: (وَيْحَكَ، أَوْ وَيْلَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ) (3) .   (1) أي: كثير الاتباع، دعا عليه بأن يكون سلطانا، ومقدما، أو ذا مال، فيتبعه الناس ويمشون وراءه. (2) في الأصل: قال. (3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2916) (73) في الفتن، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عون بهذا الإسناد، وهذا الحديث رواه غير واحد من الصحابة منهم: قتادة بن النعمان عند مسلم (2915) وأبو هريرة عند الترمذي (3802) وعبد = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 479 175 - ابْنُ مَيْمُوْنَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ * (د، س) المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ، البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الإِسكندرَانِيُّ. حدَّث عَنِ: الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسَلْمِ بنِ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصِ، وَجَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، فِي سُنَنِهِمَا، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مَطرٍ الإِسكندرَانِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ (1) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي حَادِي عشرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 176 - أَحْمَدُ بن ُ الفُرَاتِ بنِ خَالِدٍ أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ ** (د) الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الحُجَّةُ، مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ،   = الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر، قال الحافظ في الفتح 1 / 452، وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم. * الجرح والتعديل 7 / 304، تهذيب الكمال: 1226، تذهيب التهذيب 3 / 222 / 1، الوافي بالوفيات 3 / 307، تهذيب التهذيب 9 / 281، 282، خلاصة تذهيب الكمال: 346. (1) " الجرح والتعديل " 7 / 304. (* *) الجرح والتعديل 2 / 67، طبقات الحنابلة 1 / 53، 55، تاريخ بغداد 4 / 343، ذكر أخبار أصبهان: 82، تهذيب الكمال: 34، 35، تذهيب التهذيب 1 / 20 / 2، تذكرة الحفاظ = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 480 أَبُو مَسْعُوْدٍ، الضَّبِّيُّ، الرَّازِيُّ، نَزِيْلُ أَصْبَهَانَ. وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، وَطَلَبَ العِلْمَ فِي الصِّغَرِ، وَعُدَّ مِنَ الحُفَّاظِ (1) وَهُوَ شَابٌّ أَمردُ، وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَلَحِقَ الكِبَارَ. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيَّ، وَأَبَا دَاوُدَ الحَفَرِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَأَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ، وَأَزْهَرَ بنَ سَعْدٍ السَّمَّانَ، وَأَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بنَ هَمَّامٍ، وَشَبَابَةَ بنَ سَوَّارٍ، وَابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الحَنَفِيَّ، وَوَهْبَ بنَ جَرِيْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيَّ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَأَبَا صَالِحٍ الكَاتِبَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعٍ، وَأَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَالهَيْثَمَ بنَ جَمِيْلٍ، وَأَبَا الوَلِيْدِ، وَمُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِلَى: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَبَكْرِ بنِ خَلَفٍ، وَللطَّلبَةِ اليَوْمَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيْثِهِ، مِنْ أَعْلَى شَيْءٍ يَكُوْنُ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ المُهَلَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ صَبِيْحٍ.   = 2 / 544، 545، ميزان الاعتدال 1 / 127، 128، العبر 2 / 16، الوافي بالوفيات 7 / 280، النجوم الزاهرة 3 / 29، طبقات الحفاظ: 239، خلاصة تذهيب الكمال: 11، شذرات الذهب 2 / 138، تهذيب ابن عساكر 1 / 435، 436. (1) رسمت في الأصل: وعدم الحفاظ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 481 وَخَلْقٌ مِنَ الأَصْبَهَانِيِّينَ، آخِرُهُم مَوْتاً المُعَمَّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ فَارِسٍ، شَيْخُ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَايمَاز الدَّقِيْقِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ الرُّصَافيُّ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ (ح) . وَأَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا خَلِيْلٌ الرَّارَانِيُّ (1) ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فرجٍ الفَقِيْهُ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: أَخْبَرْنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّائِم، أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ (ح) . وَأَنبَانَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ الرَّارَانِيِّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، وَيَحْيَى مُحْضَرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ قِرَاءةً عَلَيْهِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ (2) وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الطِّبَّ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَسمَعُ النَّاسَ يَنْعَتُ بَعْضُهُم لبَعْضٍ، فَأَحْفَظُهُ (3) . وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُثْمَانَ: أَنَّ طبيباً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ضِفدِعٍ يَجْعَلُهَا فِي دوَاءٍ، فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِهَا (4) .   (1) الراراني: نسبة إلى راران، وهو خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصوفي. توفي سنة 596 هـ. وهو مترجم في " العبر " 4 / 291، 292، و" المشتبه " 1 / 296. (2) في هامش الأصل: أربع. خ. (3) رجاله ثقات، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي أخرج حديثه الستة، وقد تقدم الخبر في الجزء الثاني ص 182، 183 في ترجمة الصديقة بنت الصديق. (4) إسناده صحيح وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي، ثقة من رجال الستة، = الجزء: 12 ¦ الصفحة: 482 وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينَامُ جُنُباً (1) ، مَا يَمَسُّ مَاءً. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَّانُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَسَبْعِ مائَةِ شَيْخٍ، أَدخلْتُ فِي تَصَانيفِي ثَلاَثَ مائَةٍ وَعشرَةً، وَعطَّلْتُ سَائِرَ ذَلِكَ، وَكَتَبْتُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ وَخَمْسِ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ، فَأَخذتُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ فِي التَّفَاسيرِ وَالأَحْكَامِ وَالفَوَائِدِ وَغَيْرِهِ (2) . قَالَ حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَدِمَ أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ مِصْرَ، فَاسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَالَ لَنَا: خُذُوا حَدِيْثَ أَهْلِ مِصْرَ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا شَيْخاً شَيْخاً مِنْ قَبْلِ أَنْ يلقَاهُم، يَعْنِي: كَانَ قَدْ نَظَرَ فِي حَدِيْثِ مَشَايِخِ مِصْرَ مِنْ كُتُبِ الرَّحَّالِينَ وَوعَاهُ (3) . وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ قَالَ: كُنَّا نَتَذَاكَرُ الأَبْوَابَ، فَخَاضُوا فِي بَابٍ، فجَاؤُوا فِيْهِ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ، فجئتُ بِسَادسٍ، فنخَسَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي صَدْرِي لإِعجَابِهِ بِي (4) . وَرَوَى يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ دَلَّوَيه قَالَ:   = وأخرجه أحمد 3 / 453 وأبو داود (3871) و (5269) والدارمي 2 / 88 والنسائي 7 / 210 وصححه الحاكم 4 / 410، 411، ووافقه الذهبي. (1) في الأصل " حينا " وهو تصحيف، والحديث أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (1082) ورجاله ثقات، وسنده قوي، وصححه الدارقطني والبيهقي وهو في " المسند " 6 / 146 و171، وسنن أبي داود (228) والترمذي (118) وابن ماجة (581) والطيالسي (1397) والبيهقي 1 / 201، ولابن خزيمة (211) وابن حبان (232) من حديث ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم ويتوضأ إن شاء ". (2) " تهذيب الكمال ": 35 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 544. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 344. (4) " تاريخ بغداد " 4 / 343. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 483 دخلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: مَن فِيْكُم؟ قَالَ: قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ. فَلَمْ يعرِفْهُ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَقواماً، فَلَمْ يعرِفْهُم. فَقَالَ: أَفيكُم أَبُو مَسْعُوْدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَعْرِفُ اليَوْمَ - أَظنُّهُ قَالَ - أَسودَ الرَّأْس أَعرَفَ بِمسندَاتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ (1) . قَالَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ: أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ فِي عِدَادِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الحِفْظِ، وَأَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيِّ فِي الثَّبْتِ (2) . قِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ قَدِمَ أَصْبَهَانَ أَوَّلاً، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتَابٌ، فَأَملَى كَذَا كَذَا أَلفَ حَدِيْثٍ مِنْ حِفْظِهِ، فَلَمَّا وَصلَتْ كُتُبُهُ قُوْبِلَتْ بِمَا أَملَى، فَلَمْ يَخْتلِفْ إِلاَّ فِي مَوَاضِعَ يَسِيْرَةٍ. عَنْ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ صَبِيْحٍ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْدٍ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي حُبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ أَبُو مَسْعُوْدٍ أَحَدَ الحُفَّاظِ، سَافرَ الكَثِيْرَ، وجمعَ فِي الرِّحْلَةِ بَيْنَ البَصْرَةِ، وَالكُوْفَةِ، وَالحِجَازِ، وَاليَمَنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالجَزِيْرَةِ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَذَاكرَ حُفَّاظَهَا بِحضرَةِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ يُقَدِّمُهُ (3) . قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ لأَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ رِوَايَةً مُنكرَةً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالحِفْظِ (4) .   (1) " تاريخ بغداد " 4 / 343، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 545. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 53، و" تاريخ بغداد " 4 / 344، و" تهذيب الكمال ": 34 و" تذكرة الحفاظ " 2 / 545. (3) " تاريخ بغداد " 4 / 343. (4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 545. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 484 قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: مَا تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَحْفَظَ لأَخْبَارِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ. قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَصْفَرِ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ أَحْمَدَ، وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَذَكَرَ عِدَّةً. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْفَظَ لِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ (1) . وَنقلَ القَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ فِي (طَبَقَاتِ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَسْعُوْدٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ دَلَّ عَلَى صَاحِبِ رَأْي لِنَفْسِهِ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هدْمِ الإِسْلاَمِ (2) . وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ الحَدِيْثَ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً. قُلْتُ: بَكَّرَ بطلَبِ العِلْمِ، لأَنَّ أَبَاهُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ أَيْضاً. وَقِيْلَ: لَمْ يَلْحَقِ الأَخذَ عَنْ أَبِيْهِ. وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ قَالَ: ذُكِرْتُ بِالحِفْظِ وَلِي ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَسُمِّيتُ الرُّوَيْزِيُّ (3) الحَافِظُ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ الحَافِظُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أُورمَةَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِثْلُ أَبِي مَسْعُوْدٍ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيِّ.   (1) " طبقات الحنابلة " 1 / 54. (2) " طبقات الحنابلة " 1 / 54. (3) تصغير الرازي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 485 وَقَدْ سُئِلَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: أَيُّمَا أَحْفَظُ: أَبُو مَسْعُوْدٍ الرَّازِيُّ، أَوْ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ؟ فَقَالَ: أَمَا المُسْنَدُ فَأَبُو مَسْعُوْدٍ، وَأَمَّا المُنْقَطِعُ فَالشَّاذَكُوْنِيُّ. وَمِمَّا أَلَّفَ أَبُو مَسْعُوْدٍ كِتَابَ (الأَحَادِيْث الأَفرَادِ) ، روتْهُ كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ (2) بِالإِجَازَةِ. وَقَدْ تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ الثَّمَانِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ، مُحَدِّثُ وَاسِطَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرٍ الجُرْجَانِيُّ صَاحِبُ (المُسْنَدِ) ببلاَدِ مِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الحَافِظُ عَالِمُ خُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجُوْيَةَ الحَافِظُ بِبَغْدَادَ، وَالمُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ الكُوْفِيُّ قَاضِي هَمَذَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَفْصٍ السُّلَمِيُّ مُحَدِّثُ نَيْسَابُوْرَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَالمُحَدِّثُ هَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ، وَالثِّقَةُ عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيُّ، وَالمُحَدِّثُ حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ (3) ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البحرَانِيُّ المُحَدِّثُ، وَيَحْيَى بنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي مَذْعُورٍ المُحَدِّثُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَرِ الكُوْفِيُّ، وَالقَاضِي الكَبِيْرُ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الهَاشِمِيُّ،   (1) في هامش الأصل: وهو المقطوع. والخبر في " تذكرة الحفاظ " 2 / 545. (2) هي كريمة بنت عبد الوهاب بن علي القرشية الزبيرية، محدثة فاضلة. توفيت بدمشق في جمادى الآخرة سنة 641 هـ. (3) الربالي، بفتح الراء والباء وبعد الالف لام: هذه النسبة إلى ربال، وهو جد أبي عمر حفص بن عمرو بن ربال ... وهو مترجم في " اللباب " 2 / 14 وقد تحرفت فيه إلى عمر، و" التبصير " 2 / 621. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 486 وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الجُنْدَيْسَابورِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ يَعْقُوْبَ الرُّخَامِيُّ الحَافِظُ، وَالمُحَدِّثُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الخَصِيبِ، وَالمُحَدِّثُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ حَمْدَانُ البَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ. نَعَمْ، وَغَسَّلَ ابْنَ الفُرَاتِ رَفِيْقُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ العَابِدُ، صَاحِبُ ذَلِكَ الجُزْءِ العَالِي. وفِي آخرِ نُسْخَةِ ابْنِ الفُرَاتِ مِمَّا وَقَعَ زَائِداً عِنْدَ يَحْيَى الثَّقَفِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ فَارِسٍ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ. كَذَا قَالَ: وَسنَةُ ثَمَانٍ أَصحُّ، وَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ سِوَاهُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَبُو مَسْعُوْدٍ أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالحُفَّاظِ، صَنَّفَ (المُسْنَدَ) وَالكُتُبَ، وَحدَّثَ بِأَصْبَهَانَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدِمَ أَصْبَهَانَ قَبْلَ أَنْ يرتحلَ إِلَى العِرَاقِ، فِي أَيَّامِ الحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ. قُلْتُ: إِنَّمَا ارْتَحَلَ أَوَّلاً إِلَى العِرَاقِ قَبْلَ المائَتَيْنِ، وَلَحِقَ عَبْدَ اللهِ بنَ نُمَيْرٍ، وَطبقتَهُ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (الكَامِلِ) : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خِرَاشٍ يَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّ أَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ يَكْذبُ مُتَعَمِّداً. فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا تحَامُلٌ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً مُنْكرَةً. قُلْتُ: مَنِ الَّذِي يُصَدِّقُ ابْنَ خِرَاشٍ ذَاكَ الرَّافِضِيُّ فِي قَوْلِهِ (1) ؟!   (1) في " ميزان المؤلف " 1 / 128: ذكره ابن عدي فأساء، فإنه ما أبدى شيئا غير أن ابن عقدة روى عن ابن خراش - وفيهما رفض وبدعة - قال: إن ابن الفرات يكذب عمدا، وقال ابن عدي: لا أعرف له رواية منكرة. قلت: فبطل قول ابن خراش. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 487 قَالَ أَبُو صَالِحٍ الجَلاَّبُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ كتبَ عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ حَدِيْثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، (حَدِيْث العَتِيرَةِ (1)) . قَالَ أَبُو نُعَيمٍ: تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ 258، وَغسَّلَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ. قُلْتُ: أَبُوْهُ: 177 - الفُرَاتُ بنُ خَالِدٍ * (بَخ) يَرْوِي عَنْ: مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، وَمِسْعَرٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ. رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ.   (1) العتيرة: قال أبو عبيد: هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لاصنامهم، وقال غيره: العتيرة نذر كانوا ينذرونه من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب، وذكر ابن سيده أن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغ إبلي مائة عترت منها عتيرة زاد في " الصحاح ": في رجب، ونقل أبو داود في سننه 3 / 252: تقييدها بالعشر الأول من رجب. والخبر أورده المؤلف في " الميزان " 2 / 583 من طريق أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الرحمن بن قيس، حدثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العتيرة فحسنها. ثم قال: ورواه أبو داود في غير سننه عن زبنج، عن عبد الرحمن بن قيس. قال أبو بكر ابن أبي داود: قال أبي: ذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه، وقال: هذا من حديث الاعراب، أمله علي، قال: فكتبه عني. قلت: وعبد الرحمن بن قيس هو الضبي الزعفراني كذبه ابن مهدي، وأبو زرعة، وقال البخاري: ذهب حديثه، وقال أحمد: لم يكن بشيء، وصفه الحافظ في " التقريب " بقوله: متروك. وأبو العشراء مجهول. وانظر ما ورد في شأن العتيرة وفي مشروعيتها " فتح الباري " 9 / 515، 517 في العقيقة: باب العتيرة. (*) الجرح والتعديل 7 / 10، تهذيب الكمال: 1093، تذهيب التهذيب 3 / 135 / ب، تهذيب التهذيب 8 / 258، خلاصة تذهيب الكمال: 308. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 488 وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ (1) . مَاتَ: قَبْلَ المائَتَيْنِ. رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الأَدبِ) . 178 - إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلِ بنِ حَسَّان أَبُو يَعْقُوْبَ الأَنْبَارِيُّ * الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو يَعْقُوْبَ، التَّنوخِيُّ، الأَنْبَارِيُّ. مَوْلِدُهُ: بِالأَنْبَارِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ: أَبَاهُ، وَسُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَأَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، وَوَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَشُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَأَبَا ضَمْرَةَ أَنَسَ بنَ عِيَاضٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ الأَزْرَقُ حَفِيْدُهُ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: صَنَّفَ كِتَاباً فِي القرَاءاتِ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الفِقْهِ، وَلَهُ مَذَاهِبٌ اخْتَارهَا، يَعْنِي: أَنَّهُ يَجتهدُ وَلاَ يُقلِّدُ أَحَداً. إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً (2) .   (1) " الجرح والتعديل " 7 / 10. (*) الجرح والتعديل 2 / 214، 215، تاريخ بغداد 6 / 366، 369، الأنساب، ورقة: 49 / ب، تذكرة الحافظ 2 / 518، 519، العبر 2 / 3، الوافي بالوفيات 8 / 408، تاريخ ابن كثير 11 / 11، طبقات الحافظ: 226، شذرات الذهب 2 / 126. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 366 و367، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 489 قَالَ وَلدُهُ بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ: اسْتدعَى المُتَوَكِّلُ أَبِي إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَ فنُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ، وَحَدَّث فِي الجَامِعِ، وَأَقطعَهُ إِقطَاعاً مَغَلُّهُ (1) فِي العَامِ اثْنَا عَشرَ أَلْفاً، وَوَصَلَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ فِي السَّنَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُهَا، وَأَقَامَ إِلَى أَنْ قَدِمَ المستعينُ بَغْدَادَ، فَخَافَ أَبِي مِنَ الأَترَاكِ أَنْ يَكْبِسُوا الأَنْبَارَ، فَانحدرَ إِلَى بَغْدَادَ، وَلَمْ يحمِلْ مَعَهُ كُتُبَهُ، فطَالبَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ أَنْ يُحَدِّثَ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ مِنْ حِفْظِهِ بِخَمْسِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ، لَمْ يُخْطِئْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (2) . رَوَى هَذِهِ القِصَّةَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ، عَنْ عَمِّهِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ يَعْقُوْبَ، عَنْ عَمِّهِ بُهْلُوْلٍ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ: تذَاكَرْتُ أَنَا وَابْنِ صَاعِدٍ مَا حَدَّثَ بِهِ جَدِّي بِبَغْدَادَ. فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ لي أُنَيْسٌ المُسْتَمْلِي: إِنَّهُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ حَدِيْثٍ. فَقَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: لاَ يَدْرِي أُنَيْسٌ مَا قَالَ، حَدَّثَ إِسْحَاقُ بنُ البُهْلُوْلِ مِنْ حِفْظِهِ بِبَغْدَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ (3) . قُلْتُ: كَذَا فَلْيَكُنِ الحِفْظُ، وَإِلاَّ فَلاَ، قَنِعْنَا اليَوْمَ بِالاسْمِ بِلاَ جِسْمٍ، فَلَو رَأَى النَّاسُ فِي وَقْتنَا مَنْ يَرْوِي أَلفَ حَدِيْثٍ بِأَسَانِيْدِهَا حِفْظاً لانْبَهرُوا لَهُ. مَاتَ إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ الحَافِظُ: بِالأَنْبَارِ، فِي ذِي الحِجَّةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ قَاربَ التِّسْعِيْنَ. قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الحَافِظِ بِنَابُلسَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ   (1) في " تاريخ بغداد ": مبلغه، وفي " التذكرة ": ما يغل. (2) " تاريخ بغداد " 6 / 3368، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518. (3) " تاريخ بغداد " 6 / 368، و" تذكرة الحفاظ " 2 / 518. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 490 البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَبِيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي (1) . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، وَيُوْسُفُ الغَسُّوْلِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بُهْلُوْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُوْلِ - صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - فَلَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَر فَلَمْ يَصُمْهُ (2) .   (1) صحيح، وأخرجه أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي 7 / 289، وابن ماجة (2187) وابن الجارود في " المنتقى " (602) ، وأحمد 3 / 402 و403، والبيهقي 5 / 267 و317 و339، والدارقطني 3 / 9، والطبراني في " الكبير " (3097) و (3098) و (3099) و (3100) و (3101) و (3102) و (3103) و (3104) و (3105) . وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أحمد (6628) و (6671) وأبي داود (3504) ، والنسائي 7 / 288، والطيالسي (2257) ، وابن ماجة (2188) وسنده حسن. (2) وأخرجه الترمذي (751) من طريقين عن سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بعرفة، فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم ... ورجاله ثقات، وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه أحمد 2 / 47 و50 من طريق إسماعيل بن إبراهيم وسفيان بن عيينة، كلاهما عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عمر. وأخرجه عبد الرزاق (7829) عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل، عن ابن عمر. وهو في " المسند " 2 / 73 من طريق عفان، عن شيبة، عن ابن أبي نجيح بهذا الإسناد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 491 179 - حُنَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ * العِبَادِيُّ (1) النَّصْرَانِيُّ عَلاَّمَةُ وَقْتِهِ فِي الطِّبِّ، وَكَانَ بَارِعاً فِي لُغَةِ اليُونَانِ. عَرَّبَ كِتَابَ إِقليدسَ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ عِدَّةٌ (2) . مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ ابْنُهُ إِسْحَاقُ بنُ حُنَيْنٍ مِنْ كِبَارِ الأَطبَاءِ أَيْضاً. 180 - المُزَنِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ ** الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ المِلَّةِ، عَلَمُ الزُّهَّادِ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ مُسْلِمٍ، المُزَنِيُّ (3) ، المِصْرِيُّ، تِلْمِيْذُ الشَّافِعِيِّ. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ مَوْتِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.   (*) الفهرست: 352، طبقات الاطباء لابن أبي أصيبعة 1 / 184، وفيات الأعيان 2 / 217، 218، العبر 2 / 20، أخبار الحكماء: 117، تاريخ حكماء الإسلام: 16، تاريخ ابن كثير 11 / 32، المنتظم 5 / 24. (1) قال الفيروز أبادي (عبد) : والعباد، بالكسر، والفتح غلط، ووهم الجوهري: قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة. (2) منها: " تاريخ العالم والمبدء والانبياء والملوك والامم " إلى زمنه، و" الفصول الابقراطية ". (* *) الجرح والتعديل 2 / 204، طبقات الفقهاء للشيرازي: 79، طبقات فقهاء الشافعيين للعبادي: 9، وفيات الأعيان 1 / 217، الأنساب، ورقة: 527 / أ، العبر 2 / 28، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 93، 109، اللباب 2 / 205، تاريخ ابن كثير 11 / 36، النجوم الزاهرة 3 / 39، مرآة الجنان 2 / 177، 179، شذرات الذهب 2 / 148، طبقات الشافعية لابن هداية الله: 20، مفتاح السعادة 2 / 158، 159. (3) المزني، بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون: نسبة إلى مزينة بنت كلب، وهي قبيلة كبيرة مشهورة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 492 حَدَّثَ عَنْ: الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَغَيْرِهِم. وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَأْساً فِي الفِقْهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: إِمَامُ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ المشَارقَةِ وَالمغَاربَةِ. وامتلأَتِ البِلاَدُ بـ (مختصَرِهِ) فِي الفِقْهِ، وَشرحَهُ عِدَّةٌ مِنَ الكِبَارِ، بِحَيْثُ يُقَالُ: كَانَتِ البِكْرُ يَكُوْنُ فِي جهَازِهَا نُسْخَةٌ بـ (مُخْتَصرِ) المُزَنِيِّ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ انْتَقَلَ فِقْهُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فمنهُم: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ إِسْحَاقَ المُزَنِيُّ، مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ زَاهَداً، عَالِماً، منَاظراً، مِحْجَاجاً، غَوَّاصاً عَلَى المَعَانِي الدَّقِيقَةِ، صَنَّفَ كُتُباً كَثِيْرَةً: (الجَامِعُ الكَبِيْرُ) ، وَ (الجَامِعُ الصَّغِيْرُ) ، وَ (المنثَوْرُ) وَ (المَسَائِلُ المعتبرَةِ) وَ (التَّرغيبُ فِي العِلْمِ) ، وَكِتَابُ (الوثَائِقِ (1)) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: المُزَنِيُّ نَاصرُ مَذْهبِي (2) . قُلْتُ: بَلَغنَا أَنَّ المُزَنِيَّ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تبييضِ مَسْأَلَةٍ وَأَودعَهَا   (1) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94. (2) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 493 مُخْتَصرَهُ صَلَّى للهِ رَكْعَتَيْنِ (1) . وَرُوِيَ أَنَّ القَاضِي بَكَّارَ بنَ قُتَيْبَةَ قَدِمَ عَلَى قَضَاءِ مِصْرَ، وَكَانَ حَنَفِيّاً، فَاجْتَمَعَ بِالمُزَنِيِّ مَرَّةً، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ منْ أَصْحَابِ بَكَّارٍ، فَقَالَ: قَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيْثِ تَحْرِيْمَ النَّبِيذِ، وَجَاءَ تحليلُهُ، فلِمَ قَدَّمْتُمُ التَّحرِيمَ؟ فَقَالَ المُزَنِيُّ: لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى تَحْرِيْمِ النَّبِيذِ فِي الجَاهِليَّةِ، ثُمَّ حُلِّلَ لَنَا، وَوقعَ الاَتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلاَلاً فحُرِّمَ، فَهَذَا يعضدُ أَحَادِيْثَ التَّحْرِيمِ، فَاسْتحسنَ بَكَّارٌ ذَلِكَ مِنْهُ (2) . قُلْتُ: وَأَيْضاً فَأَحَادِيْثُ التَّحريمِ كَثِيْرَةٌ صِحَاحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَحَادِيْثُ الإِباحَةِ. قَالَ عَمْرُو بنُ تَمِيْمٍ المَكِّيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ التِّرمذيَّ قَالَ: سَمِعْتُ المُزَنِيَّ يَقُوْلُ: لاَ يصحُّ لأَحَدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلمَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ بصِفَاتِهِ. قُلْتُ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: سمِيعٌ، بصيرٌ، عَلِيْمٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكتَانِيَّ، وَسَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ المَكِّيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنَ المُتَعَبِّدينَ فِي كَثْرَةِ مَنْ لَقِيْتُ مِنْهُم أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنَ المُزَنِيِّ، وَلاَ أَدومَ عَلَى العِبَادَةِ مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ تعَظِيْماً لِلْعلمِ وَأَهلِهِ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْييقاً عَلَى نَفْسِهِ فِي الوَرَعِ، وَأَوْسَعِهُ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا خُلُقٌ مِنْ أَخْلاَقِ الشَّافِعِيِّ (3) . قُلْتُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ المُزَنِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، ذَا زُهْدٍ   (1) " وفيات الأعيان " 1 / 217، و" طبقات السبكي " 2 / 94. (2) " وفيات الأعيان " 1 / 218، و" طبقات السبكي " 2 / 95. (3) " طبقات السبكي " 2 / 94. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 494 وَتَأَلُّهٍ، أَخَذَ عَنْهُ خَلْقٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَبِهِ انتشَرَ مَذْهَبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الآفَاقِ. يُقَالُ: كَانَ إِذَا فَاتتْهُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً (1) ، وَكَانَ يُغَسِّلُ المَوْتَى تَعَبُّداً وَاحتسَاباً، وَهُوَ القَائِلُ: تعَانَيْتُ غَسْلَ المَوْتَى لِيَرِقَّ قَلْبِي، فَصَارَ لِي عَادَةً (2) ، وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَ الشَّافِعِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ-. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنَ المُزَنِيِّ وَهُوَ صَدُوْقٌ (3) . وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ، كَانَ يلزمُ الرِّبَاطَ. تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْهُ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. قُلْتُ: وَمِنْ جِلَّةِ تَلاَمِذَتِهِ: العَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ عُثْمَانُ بنُ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيُّ (4) ، شَيْخُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَشَيْخُ البَصْرَةِ زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، وَلَمْ يلِ قَضَاءً، وَكَانَ قَانعاً، شَرِيْفَ النَّفْسِ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيُّ سَنَةَ ثَلاَثٍ   (1) " وفيات الأعيان " 1 / 218، و" طبقات السبكي " 2 / 94. (2) " طبقات السبكي " 2 / 94. (3) " الجرح والتعديل " 2 / 204. (4) راجع ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 292، 293، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 301، 302، و" شذرات الذهب " 2 / 198، و" العبر " 2 / 81، و" مرآة الجنان " 2 / 215، و" وفيات الأعيان " 3 / 241. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 495 وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي الحُسَيْنُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيُّ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا المُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الوِصَالِ. فَقِيْلَ: إِنَّكَ تُوَاصلُ. فَقَالَ: (لَسْتُ مِثْلَكُم، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى (1)) . وبَالإِسْنَادِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (لاَ تصومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُم فَاقدُرُوا لَهُ (2)) . وَبِهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شعيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعبدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِيْنَ (3) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. أَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَظِيفٍ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الفَوَارِسِ السِّنْدِيُّ: وُلِدَتْ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ وَلِي عشرُ سِنِيْنَ. قَالَ: وَمَاتَ المُزَنِيُّ سَنَةَ 264، وَتُوُفِّيَ الرَّبِيْعُ سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَا رَضِيعينِ، بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، يَعْنِي: فِي المَوْلِدِ.   (1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 300، والبخاري 4 / 119، ومسلم (1102) ، وأبو داود (2360) . (2) هو في " الموطأ " 1 / 286، والبخاري 4 / 102، 104، ومسلم (1080) وأبي داود (2320) والنسائي 4 / 134. (3) هو في " الموطأ " 1 / 283، والبخاري 3 / 291، ومسلم (984) والترمذي (676) وأبي داود (1611) والنسائي 5 / 48. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 496 قَالَ: وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ أَيْضاً: أَحْمَدُ بنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَزِيْدُ بنُ سِنَانٍ. 181 - مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَم أَبُو عَبْدِ اللهِ المِصْرِيُّ * (س) ابْنِ أَعْيَنَ بنِ لَيْثٍ، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، المِصْرِيُّ، الفَقِيْهُ. وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ وَهبٍ بعنَايَةِ أَبِيْهِ بِهِ، وَمِنْ أَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَأَشْهَبِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَوَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَشُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ الفُرَاتِ، وَحَرْمَلَةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى بنِ سَلاَّمٍ، وَسَعِيْدِ بنِ بَشِيْرٍ القُرَشِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ، وَحَجَّاجِ بنِ رِشْدِيْنَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي (سُنَنِهِ) ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ صَاعِدٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ علاَّنُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ بنِ وَرْدَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ،   (*) الجرح والتعديل 7 / 300، 301، الانتقاء: 113، طبقات الفقهاء للشيرازي: 99، وفيات الأعيان 4 / 193، 195، تهذيب الكمال: 1220، تذهيب التهذيب 3 / 218 / 1، تذكرة الحفاظ 2 / 546، 548، ميزان الاعتدال 3 / 611، 612، العبر 2 / 38، 39، الوافي بالوفيات 3 / 338، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 67، 71، تاريخ ابن كثير 11 / 42، الديباج المذهب: 231، تهذيب التهذيب 9 / 260، 262، النجوم الزاهرة 3 / 44، طبقات الحفاظ: 241، حسن المحاضرة 1 / 124، خلاصة تذهيب الكمال: 345، طبقات المفسرين 2 / 174، 177، مرآة الجنان 2 / 181، شذرات الذهب 2 / 154، مفتاح السعادة 2 / 295، المنتظم 5 / 65. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 497 وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ فِي عَصْرِهِ مَعَ المُزَنِيِّ. وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ مَرَّةً: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) . وَقَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ فِي فُقَهَاءِ الإِسْلاَمِ أَعْرَفَ بِأَقَاويلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ (2) . وَقَالَ: كَانَ أَعْلَمَ مَنْ رَأَيْتُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْفَظَهُم لَهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَتعجَّبُ مِمَّنْ يَقُوْلُ فِي المَسَائِلِ: لاَ أَدرِي (3) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَأَمَّا الإِسْنَادُ فَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُهُ (4) ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِيْهِ، فوقعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البُوَيْطِيِّ وَحشَةٌ فِي مَرَضِ الشَّافِعِيِّ، فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّكَّرِيُّ صَدِيْقُ الرَّبِيْعِ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- جَاءَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ ينَازعُ البُوَيْطِيَّ فِي مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ. فَقَالَ البُوَيْطِيُّ: أَنَا أَحقُّ بِهِ مِنْكَ. فَجَاءَ الحُمَيْدِيُّ وَكَانَ بِمِصْرَ فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحقَّ بِمَجْلِسِي مِنَ البُوَيْطِيِّ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَذَبْتَ. فَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: كذبتَ أَنْتَ وَأَبُوْكَ وَأَمُّكَ، وَغَضِبَ ابْنُ عَبْدِ   (1) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611، و" طبقات السبكي " 2 / 68، و" الوافي بالوفيات " 3 / 338. (2) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، " ميزان الاعتدال " 3 / 611. (3) " طبقات السبكي " 2 / 68. (4) " تذكرة الحفاظ " 2 / 547، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611، و" طبقات السبكي " 2 / 68. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 498 الحَكَمِ، فَتركَ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ (1) . قَالَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ قَالَ: كَانَ الحُمَيْدِيُّ مَعِي فِي الدَّارِ نَحْواً مِنْ سَنَةٍ، وَأَعْطَانِي كِتَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ أَبَوا إِلاَّ أَنْ يُوقِعُوا بَيْنَنَا مَا وَقَعَ (2) . هذِهِ الحِكَايَةُ رَوَاهَا الحَاكِمُ عَنْ حُسَيْنَكٍ (3) ، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. وَعَنْ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ المُزَنِيِّ قَالَ: نظرَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَقَدْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، فَأَتبعَهُ بصرَهُ وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي وَلداً مِثْلَهُ وَعَلَيَّ أَلْفَ دِيْنَارٍ لاَ أَجِدُ قَضَاءهَا (4) . قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ المَكِّيُّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يُصَلِّي الضُّحَى، فَكَانَ كُلَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ سجدتَينِ، فَسَأَلَهُ مَنْ يَأْنَسُ بِهِ. فَقَالَ: أَسجدُ شُكْراً للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ مِنْ صَلاَةِ الرَّكْعَتينِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ ثِقَةٌ صَدُوْقٌ، أَحَدُ فُقَهَاءِ مِصْرَ، مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ (5) . قُلْتُ: قَدْ تَفَقَّهَ بِمَالِكٍ، وَلزِمَهُ مُدَّةً، وَهُوَ أَيْضاً فِي عِدَادِ أَصْحَابِهِ الكِبَارِ.   (1) " طبقات السبكي " 2 / 68، 69، وسبق الخير في الصفحة: 60 بترجمة يعقوب ابن السكيت. (2) " طبقات السبكي " 2 / 69. (3) هو الامام الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التميمي النيسابوري، ويعرف بحسينك. وثقه الخطيب، وقال: مات في ربيع الآخر سنة 375 هـ. مترجم في " تذكرة الحفاظ " 3 / 968، 969. (4) " وفيات الأعيان " 4 / 194، و" الوافي بالوفيات " 3 / 339. (5) " الجرح والتعديل " 7 / 300، 301، و" ميزان الاعتدال " 3 / 611. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 499 أَخبرَنِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازيُّ قَالَ: حُمِلَ مُحَمَّدٌ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ إِلَى ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَرُدَّ إِلَى مِصْرَ، وَانتهَتْ إِلَيْهِ الرِّئاسَةُ بِمِصْرَ، يَعْنِي: فِي العِلْمِ. وَذَكَر غَيْرُهُ: أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ ضُرِبَ، فَهَرَبَ وَاخْتَفَى. وَقَدْ نَالَتْهُ مِحنَةٌ أُخْرَى صعبَةٌ مَرَّتْ فِي (تَارِيْخنَا الكَبِيْرِ) فِي تَرْجَمَةِ أَخِيْهِ عَبْدِ الحَكَمِ، الرَّجُل الصَّالِح. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: عُذِّبَ عَبْدُ الحَكَمِ فِي السِّجْنِ، وَدُخِّنَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، لِكَوْنِهِ اتُّهِمَ بودَائِعَ لَعَلِيِّ بنِ الجَرَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي دُلَيمٍ: لَمْ يَكُنْ فِي الإِخْوَةِ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ الحَكَمِ. وَقِيْلَ: إِنَّ بنِي عَبْدِ الحَكَمِ غَرِمُوا فِي نَوْبَةِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، اسْتُصْفِيَتْ أَمْوَالُهُم، وَنُهِبَتْ مَنَازِلُهُم، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَطلقهُمُ المُتَوَكِّلُ، وَردَّ إِلَيْهِمُ البَعْضَ، وَسجنَ القَاضِي الأَصَمَّ الَّذِي ظَلَمَهُم، وَحُلِقَتْ لِحْيتُهُ، وضُرِبَ، وَطِيْفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ مُحَمَّدٌ هُوَ المُفْتِي بِمِصْرَ فِي أَيَّامِهِ. قُلْتُ: لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا: كِتَابٌ فِي (الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ) ، وَكِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ) ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى فُقَهَاءِ العِرَاقِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً يَرُدُّ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ فِي البَحْثِ، وَفِي التَّوَالِيفِ، وَبمثلِ ذَلِكَ يتفَقَّهُ العَالِمُ، وَتتبرهَنُ لَهُ المشكلاَتُ، وَلَكِن فِي زَمَانِنَا قَدْ يُعَاقَبُ الفَقِيْهُ إِذَا اعتنَى بِذَلِكَ لِسُوءِ نِيَّتِهِ، وَلطلبِهِ للظُّهورِ، وَالتَّكَثُّرِ، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 500 فَيَقُوْمُ عَلَيْهِ قضَاةٌ وَأَضدَادٌ، نَسْأَلُ اللهَ حُسْنَ الخَاتمَةِ، وَإِخْلاَصَ العَمَلِ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ مَعَ عَظَمَتِهِ بِمِصْرَ يَرْكَبُ حُمَيْراً ضَعِيْفاً، وَيتوَاضعُ فِي أَمورِهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ كَمَا قُلْنَا مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ مِنْ تَلاَمِذَةِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ مُحَمَّدٌ فِي يَوْمِ الأَرْبعَاءِ، نِصْفَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ. قُلْتُ: وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي أَدبِ القُضَاةِ مُفِيْدٌ. أَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ (1) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ الفُرَاوِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيرَوِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ أَمسَكَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ مِنَ الجُوعِ، فلَمْ تَكُنْ تُطْعِمُهَا، وَلاَ تُرْسِلُهَا، فَتَأَكلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) (3) .   (1) للذهبي رحمه الله شيخات يزدن على مئتي شيخة. فممن اسمها خديجة له إحدى عشرة شيخة. انظر " مشيخته " ورقة: 45 - 47. (2) بكسر الشين المشددة وسكون الياء وفتح الراء المهملة بعدها واو، نسبة إلى جده شيرويه. وعبد الغفار هو أبو بكر بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه. مترجم في " التبصير " 2 / 822. (3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2243) من طرق عن هشام بهذا الإسناد، وأخرجه عبد الرزاق، ومن طريقه مسلم (2619) وأحمد 2 / 317 عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة. وخشاش الأرض: هوامها وما فيها من الحشرات. وهو في " المسند " 2 / 261 و269 و457 و467 و479 و501، وابن ماجة (4256) وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 6 / 254 في بدء الخلق، ومسلم (2242) والدارمي 2 / 330، 331. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 501 182 - بَحْر بنُ نَصْرِ بنِ سَابِقٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيُّ * الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيّ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيُّ. حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، وَبِشْرِ بنِ بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَشْهَبَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ جَوْصَا، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْد الزَّنْبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الزُّبَيْرِيُّ العَكَرِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَهْنَسِيُّ العَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسِيْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فَضَالَةَ الحِمْصِيُّ الصَّفَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ بِلاَلٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ بنُ السِّنْدِيِّ، وَآخَرُوْنَ. وَرَوَى عَنْهُ: النَّسَائِيُّ فِي تَأْلِيْفِهِ لأَحَادِيْثِ مَالِكٍ بِوَاسِطَةٍ، فَرَوَى عَنْ: خَيَّاطِ السُّنَّةِ زَكَرِيَّا، عَنْهُ. وَثَّقَهُ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَغَيرُه (1) . مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَوْلِدُه   (*) الجرح والتعديل 2 / 419، تهذيب الكمال: 141، تذهيب التهذيب 1 / 80 / 1، العبر 2 / 35، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 110، 112، تهذيب التهذيب 1 / 420، 421، خلاصة تذهيب الكمال: 46، شذرات الذهب 2 / 152. (1) " الجرح والتعديل " 2 / 419، وممن وثقه أيضا يونس بن عبد الأعلى، وابن خزيمة. انظر " تهذيب التهذيب " 1 / 420، 421. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 502 هُوَ وَالمُزَنِيُّ وَالرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمِيْرَةَ (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ البُنِّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَظِيْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُوْنِيُّ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلوزغِ: (الفُوَيْسِق) (2) . 183 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى الخَوْلاَنِيُّ * الإِمَامُ، الحُجَّةُ، الخَوْلاَنِيّ، أَبُو إِسْحَاقَ مَوْلاَهُمُ، المِصْرِيّ، العُصْفُرِيُّ. سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ وَهْبٍ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَإِدْرِيْسَ بنَ يَحْيَى الزَّاهِدَ. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَأَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: هُوَ ثِقَةٌ، رِضَىً.   (1) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو بن موسى بن عميرة المعمر عز الدين أبو الفداء، وهو شيخ صالح كثير التلاوة، حسن التواضع. مات في جمادى الآخرة سنة سبع مئة بقاسيون. (2) صحيح، وأخرجه ابن ماجة (3220) من طريق احمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أحمد 6 / 155 و271 و279، والبخاري 6 / 252 في بدء الخلق: باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومسلم (2239) في السلام: باب استحباب قتل الوزغ. (*) الأنساب 8 / 468، العبر 2 / 40، تاريخ ابن كثير 11 / 43. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 503 مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا العِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ، وَيُوْسُفُ بنُ غَالِيَةَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُنْقِذٍ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ يُوْسُفَ، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يَعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبِيْداً مِنَ النَّارِ مَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ (1)) . إِسْنَادُه حَسَنٌ. وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ الحَارِثِيُّ، وَحُذَيْفَةُ بنُ غِيَاثٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، وَأَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ البَغْدَادِيُّ الزَّاهِدُ. 184 - سَعِيْدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيُّ * المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو عُثْمَانَ المَرْوَزِيّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ. حَدَّثَ عَنْ: النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَشَبَابَةَ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَزْهَرَ بنِ سَعْدٍ السَّمَّانِ. وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلَّكْ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ   (1) وأخرجه مسلم (1348) في الحج: باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، والنسائي 5 / 251، 252 في الحج: باب ما ذكر في يوم عرفة، وابن ماجة (3014) من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد. (*) لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة لنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 504 بنُ أَحْمَدَ المَحْبُوْبِيّ (1) ، وَأَهْلُ مَرْوَ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ. 185 - العِجْلِيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَوحدُ، الزَّاهِدُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزيلُ مَدينَةِ أَطرَابلسَ المَغْرِبِ، وَهِيَ أَوّلُ مَدَائِنِ المَغْرِبِ، بَينَهَا وَبَيْنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَسِيْرَةُ شَهرٍ، ثُمَّ مِنْهَا يَسِيرُ غَرباً إِلَى مَدِيْنَةِ تُونُسَ الَّتِي هِيَ اليَوْمَ قَاعِدَةُ إِقْلِيمِ إِفْرِيْقِيَةَ. مَوْلِدُهُ: بِالْكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. سَمِعَ مِنْ: حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، وَشَبَابَةَ بنِ سَوَّارٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَفَرِيِّ، وَيَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَأَخِيْهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَوَالِدِهِ؛ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئِ، وَعَفَّانَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ الأَعْنَاقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بنُ حَدِيْدٍ الإِلْبِيْرِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ إِسْحَاقَ. وَلَمْ أَظفَرْ بِحَدِيْثٍ مِنْ رِوَايَتِه.   (1) قال ابن الأثير في " اللباب " 3 / 173: المحبوبي، بفتح الميم، وسكون الحاء، وضم الباء، الموحدة، وسكون الواو، وفي آخرها باء ثانية: نسبة إلى محبوب، هو جد أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر المروزي راوية كتاب " الجامع " للترمذي. (*) تاريخ بغداد 4 / 214، 215، تذكرة الحفاظ 2 / 560، 561، العبر 2 / 21، الوافي بالوفيات 7 / 79، تاريخ ابن كثير 11 / 33، طبقات الحفاظ: 242، شذرات الذهب 2 / 141. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 505 وَلَهُ مُصَنَّفٌ مُفِيدٌ فِي (الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ) ، طَالَعْتُهُ، وَعلَّقتُ مِنْهُ فَوائِدَ تَدُلُّ عَلَى تَبحُّرِهِ بِالصَّنعَةِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِعَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيِّ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُنَّا نَعُدُّه مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ. وَمِنْ كَلاَمِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَنْ آمَنَ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَرَّ إِلَى المَغْرِبِ لَمَّا ظَهرَ الامْتِحَانُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، فَاسْتَوطَنَهَا، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: لَمْ يَكُنْ لأَبِي الحَسَنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ عِنْدَنَا بِالمَغْرِبِ شَبِيهٌ وَلاَ نَظِيرٌ فِي زَمَانِهِ فِي مَعْرِفَةِ الغَرِيْبِ وَإِتقَانِه، وَفِي زُهْدِه وَوَرَعِه (1) . وَقَالَ المُؤَرِّخُ العَالِمُ أَبُو العَرَبِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ القَيْرَوَانِيُّ: سَأَلْتُ مَالِكَ بنَ عِيْسَى العفصيَّ (2) الحَافِظَ: مَنْ أَعلَمُ مَنْ رَأَيْتَ بِالحَدِيْثِ؟ قَالَ: أَمَّا فِي الشُّيُوْخِ فَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَانِمٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُعتبٍ (3) - مَغربِيٌّ ثِقَةٌ - يَقُوْلُ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ، فَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ ابْنُ ثِقَةٍ (4) . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا سَكَنَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بِأَطرَابلسَ لِلتَفَرُّدِ   (1) تاريخ بغداد 2 / 214. (2) الخبر في " تاريخ بغداد " 4 / 214. (3) الخبر في " تاريخ بغداد " 4 / 215، وفيه: احمد بن مغيث. (4) في " تاريخ بغداد " 4 / 215 زيادة: ابن ثقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 506 وَالعِبَادَةِ، وَقَبرُهُ هُنَاكَ عَلَى السَّاحِلِ، وَقَبرُ وَلدِه صَالِحٍ إِلَى جَنْبِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: رحلتُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَمَاتَ قَبْلَ قُدُوْمِي البَصْرَةَ بِيَوْمٍ. مَاتَ أَحْمَدُ: سنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ ابْنُه صَالِحٌ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الوَلِيْدُ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ لَهُ: اكتُبْ لِي إِلَى الأَوْزَاعِيِّ يُحَدِّثُنِي. فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أَكْتُبُ لَكَ، وَلاَ أُرَاك تجدُه إِلاَّ مَيِّتاً؛ لأَنِّي رَأَيْتُ رَيْحَانَةً رُفعتْ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ مَوتَ الأَوْزَاعِيَّ. فَأَتَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ. 186 - الوَزْدُوْلِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى* الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الجُرْجَانِيُّ، العَصَّارُ، الوَزْدُوْلِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ) . سَمِعَ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَآدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَمُسْلِمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَطَبَقَتِهِم. حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الجُرْجَانِيَّانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ البَصْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.   (*) الأنساب، ورقة: 582 / ب، تذكرة الحفاظ 2 / 562، طبقات الحفاظ: 243، شذرات الذهب 2 / 140. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 507 وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ (1) . مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ. يَقَعُ حَدِيْثُه فِي (صَحِيْحِ الإِسْمَاعِيْلِيِّ) . 187 - قُبَّيْطَةُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ * الحَافِظُ، المُتْقِنُ، الإِمَامُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ، نَزيلُ مِصْرَ. سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا غَسَّانَ النَّهْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ، وَأَقْرَانَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَوَصَفَه أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ بِالحِفْظِ. وَقَالَ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 188 - الحَارِثِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ خَالِدٍ ** المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ خَالِدٍ الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ. سَمِعَ: عَبْدَ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيَّ، وَأَبَا أُسَامَةَ، وَحُسَيْناً الجُعْفِيَّ، وَجَعْفَرَ بنَ عَوْنٍ.   (1) " شذرات الذهب " 2 / 140. وقال ابن العماد: قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه. (*) تذكرة الحفاظ 2 / 572، لسان الميزان 2 / 214، طبقات الحفاظ: 253. (* *) لم نجد له ترجمة فيما وقفنا عليه من مصادر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 508 وَعَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ عُقْدَةَ، وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ، وَالأَصَمُّ، وَعِدَّةٌ. تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ. 189 - يَحْيَى بنُ عَبْدَكَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الأَعْظَمِ القَزْوِيْنِيُّ * الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، مُحَدِّثُ قَزْوِيْنَ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الأَعْظَمِ القَزْوِيْنِيُّ، عَالِمٌ، مُصَنّفٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ، مِنْ نُظَرَاءِ ابْنِ مَاجَهْ، لَكِنَّه أَسنَدُ وَأَسَنُّ. سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَعَفَّانَ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ رَجَاءٍ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَحَسَّانَ بنَ حَسَّانٍ، وَطَبَقَتَهُم. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَجَعْفَرُ بنُ إِدْرِيْسَ إِمَامُ الحَرَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ. قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: ثِقَةٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ إِدْرِيْسَ القَزْوِيْنِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدَكَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ إِلَيَّ، أَنَّهُ لاَ يُحِبُّنِي إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ.   (*) الجرح والتعديل 9 / 173، العبر 2 / 49، طبقات الحفاظ: 255، شذرات الذهب 2 / 162. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 509 غَرِيْبٌ عَنْ شُعْبَةَ، وَالمَشْهُوْرُ حَدِيْثُ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيٍّ (1) . فَمَعْنَاهُ: أَنَّ حُبَّ عَلِيٍّ مِنَ الإِيْمَانِ، وَبُغْضَه مِنَ النِّفَاقِ، فَالإِيْمَانُ ذُو شُعَبٍ، وَكَذَلِكَ النِّفَاقُ يَتَشَعَّبُ، فَلاَ يَقُوْلُ عَاقل: إِنَّ مُجَرَّدَ حُبِّهِ يَصيرُ الرَّجُلُ بِهِ مُؤْمِناً مُطلَقاً، وَلاَ بِمُجَرَّدِ بُغضه يصيرُ بِهِ الموحِّد مُنَافِقاً خَالصاً. فَمَنْ أَحَبّه وَأَبغض أَبَا بَكْرٍ، كَانَ فِي مَنْزِلَة مَنْ أَبغضه، وَأَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ، فَبُغضهُمَا ضَلاَلٌ وَنفَاق، وَحبُّهُمَا هُدَىً وَإِيْمَان، وَالحَدِيْث فَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) . 190 - أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ عَمْرُو بنُ سَلْمٍ * الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ خُرَاسَان، أَبُو حَفْصٍ، عَمْرُو بنُ سَلْمٍ، وَقِيْلَ: عُمُر، وَقِيْلَ: عَمْرو بن سَلَمَةَ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الزَّاهِدُ. رَوَى عَنْ: حَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهِ. أَخَذَ عَنْهُ: تِلمِيذُهُ؛ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ الحَافِظُ، وَحَمْدُوْنُ القَصَّارُ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو حَفْصٍ: المَعَاصِي بَرِيدُ الكُفْرِ، كَمَا أَنَّ الحُمَّى بَرِيدُ المَوْتِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ حَدَّاداً، فَكَانَ غُلاَمُه يَنفخُ عَلَيْهِ الكِيرَ مَرَّةً، فَأَدخَلَ أَبُو حَفْصٍ يَدَهُ، فَأَخْرَجَ الحَدِيدَ مِنَ النَّارِ،   (1) أخرجه مسلم (78) في الايمان، والنسائي 8 / 117 في الايمان: باب علامة المنافق، وابن ماجة (114) . (*) الجرح والتعديل 6 / 235، 236، العبر 2 / 31، طبقات الصوفية: 115، 122، حلية الأولياء 10 / 229، 230، تاريخ ابن كثير 11 / 38، النجوم الزاهرة 3 / 41 و66، مرآة الجنان 2 / 179، صفوة الصفوة 4 / 98، شرح الرسالة القشيرية: 127، شذرات الذهب 2 / 150، المنتظم 5 / 53. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 510 فَغُشِيَ عَلَى الغُلاَمِ، فَتَرَكَ أَبُو حَفْصٍ الحَانُوتَ، وَأَقبَلَ عَلَى أَمرِهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَفْصٍ دَخَلَ عَلَى مَريضٍ، فَقَالَ المَرِيضُ: آهِ. فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مِمَّنْ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: فَكَيْفَ أَقُوْلُ؟ قَالَ: لاَ يَكُنْ أَنِينُك شَكوَىً، وَلاَ سُكُوتُك تَجَلُّداً، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ، قَالَ: حَرَسْتُ قَلْبِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ حَرَسنِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَرَدتْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ حَالَةٌ صرنَا محروسَيْن جَمِيْعاً. قيل لأَبِي حَفْصٍ: مَنَ الوَلِيُّ؟ قَالَ: مَنْ أُيِّدَ بِالكَرَامَاتِ، وَغُيِّبَ عَنْهَا. قَالَ الخُلْدِيُّ (1) : سَمِعْتُ الجُنَيْدَ ذَكرَ أَبَا حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِلْحَلاَّجِ: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِم، كَانَتْ لَهُ حَالٌ إِذَا لبِسَتْه مَكَثَ اليَومَين وَالثَّلاَثَةَ، لاَ يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ، فَكَانُوا يَدَعُوْنه حَتَّى يزولَ ذَلِكَ عَنْهُ. وبلغنِي: أَنَّهُ أَنْفَد فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ يَفْتَكُّ بِهَا أَسرَى، فَلَمَّا أَمسَى لَمْ يَكُنْ لَهُ عشَاء. قَالَ المُرتَعِشُ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي حَفْصٍ عَلَى مَرِيْضٍ، فَقَالَ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَنْ أَبْرَأَ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: احْمِلُوا عَنْهُ. فَقَامَ مَعَنَا، وَأَصبحنَا نُعَادُ فِي الفُرُشِ. قَالَ السُّلَمِيُّ: أَبُو حَفْصٍ كَانَ حَدَّاداً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظهر طَرِيْقَةَ التصوُّف بِنَيْسَابُوْرَ.   (1) الخلدي، بضم الخاء المعجمة، وسكون اللام، وفي آخرها الدال المهملة: هذه النسبة إلى الخلد، وهي محلة ببغداد. والخلدي هذا هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخلدي، أبو محمد، أحد المشايخ الصوفية، صحب الجنيد بن محمد، وانظر سبب تسميته بالخلدي في " الأنساب " 5 / 161. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 511